تعليقة القوچاني على كفاية الأصول المجلد 1

هوية الكتاب

المؤلف: الشيخ علي القوچاني

المحقق: محمّد رضا الدّانيالي

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 1430 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-30-0

المكتبة الإسلامية

تعليقة القوچاني علی كفاية الأصول

تأليف: آية اللّه العظمی العلامة المحقق المدقق نادرة دهرة الشيخ علي القوچاني قدس سره

الجزء الأول

تحقيق: محمد رضا الدانيالي

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمداللّه رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين أجمعين.

ص: 3

ص: 4

حياة المؤلف

اشارة

ص: 5

ص: 6

حياة المؤلف فقيد العلم والتقوى آية اللّه المحقق الشيخ علي القوچاني قدس سره

بسم اللّه الرحمن الرحيم

امتاز الفكر الاصولي الإمامي بالتوفّر على كلّ ما من شأنه عرض وجوده المعرفي العميق ، وانتمائه الحقيقي الأصيل ، وخطابه العقدي السليم ، ونسقه العلمي المتين ، الحاصل طرّا عبر كفاح ثقافي طويل وخطىّ محكمة متواصلة منتظمة ، بنهج حضاري ملتزم يجانب القفز العلمي الرخيص والوثب المعرفي البخس ، نهج يستوعب سؤال الآخر ومخالفته بحوار ونقاش بنّاءين قائمين على الدليل والحجّة والبرهان وسائر مؤن النقض والإبرام ، بلا أدنى أوهام أو تعصّب مقيت.

إنّ مشروع مدرسة العصمة والطهارة علیهم السلام عموما وفكرها الاصولي خصوصا يؤمن بالمراجعة الدائمة والإفادة من سائر الرؤى والأنساق ، على قاعدة من الإنشاء والتأسيس لا التبعية والتقليد ، الأمر الذي منحه بعدا حيويا نابضا ومائزا ابتكاريا ألقا ، مكّناه من التعامل مع المتغيّرات الزمكانية بكل رشاقة وشموخ ، فتكيّف وحفظ الهوية والأصالة المعهودين.

إنّ النضج المثير والتكامل المشهود اللذين ميّزا الفكر الاصولي الإمامي ما كانا ليكونا لو لا اعتقاد جاوز التصوّر إلى التصديق والثبوت إلى الإثبات ، اعتقاد علم ويقين واطمئنان بعدم اثنينية المصدر ، بل وحدة وعينية متحققة لذوي الفهم والإنصاف على غاية من الشفافية والوضوح ، بمعنى أنّه لا تغاير بين الإسلام الواقعي ومدرسة أهل البيت علیهم السلام إلاّ بالمفهوم. إنّه الحافز الأهمّ والدافع الأكبر لانطلاق حزمة النتاج الاصولي الإمامي منذ أيام الرسالة الاولى حتى عهدنا الحاضر بكلّ جدارة وسموق وسيبقى ويرقى ما دام هناك فكر يموج ومراجعة تدوم وجهود لا تعرف الكلل والملل.

ص: 7

وصحّة المدّعى تثبت بوجود الكمّ الهائل والكيف الرصين من الآثار والمصادر الاصولية الإمامية التي رفدت المكتبة الإسلامية الثقافية بنفائسها وروائعها ، فأضفت عليها هيبة ثقافية ومنزلة حضارية متألقة. ولو لا ضيق المقام لتناولنا نتاجات كل مرحلة من مراحل تطور علم الاصول الإمامي طبق التسلسل الزمني لها.

إنّ كتاب « كفاية الاصول » للشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني ( 1329 ه ) من أجلّ وأروع نتاجات مرحلة تكامل علم الاصول الإمامي ، إنّه الأثر الخالد والسفر النفيس والغرّة الناصعة على جبين مدرسة الشيخ الأنصاري قدس سره ، وشامخة من شوامخ الصناعة الفكرية ؛ إذ أودع فيه المصنف قدس سره بدائع المباني والآراء بنهج ونسق جديد ، على غاية من الدقة والعمق والإحكام والإحاطة المذهلة.

وهذا الانجاز الاصولي المفخرة - بهذه الخصائص والصفات التي دان وشهد لها أقطاب الثقافة وأساطين العلم - هو بمثابة موسوعة ومدوّنة تخصّصية كبرى اختزل المصنف قدس سره عبارتها وضغط لفظها بشكل عجيب ، ففي الوقت الذي نلحظ السعة والإحاطة والاستيعاب وغزارة المادة المعرفية المودعة فيه والإشارة إلى المذاهب والآراء والأقوال بالعرض والتحليل والنفي والإثبات ، نلحظ أيضا منهج الوجازة بأرقى صورة وأبلغ معانيه مهيمنا طاغيا.

وهكذا مشروع اصولي كان لا بد أن يولّد الحافز الكبير والداعي القوي لانطلاق أقلام المعرفة والاختصاص في بيان أسراره وخزائنه وأفكاره عبر الشرح تارة والتعليق اخرى.

وتعدّ تعليقة آية اللّه المحقق الشيخ علي القوچاني ( 1333 ه ) من أقدم وأهم التعليقات على كتاب كفاية الاصول ، التعليقة التي نالت آنذاك صدى واسعا وقوبلت بوافر المديح والقبول والثناء ، واعتبرت مصدرا علميا قيّما ومرجعا هاما لمعرفة آراء الآخوند الخراساني ومبانيه ، لا سيما وأنّ مؤلف التعليقة قدس سره هو واحد من أبرز تلامذة الآخوند وألمعهم.

الشيخ علي القوچاني في سطور :

ولد العلاّمة الجليل آية اللّه الشيخ علي القوچاني سنة 1285 ه ق في قرية من قرى قوچان.

انخرط في سلك الدراسات الدينية فدرس بعض مقدماتها في مسقط رأسه ثم درس الصرف والنحو بمحضر أبيه الشيخ قاسم.

التحق بعدها بالحوزة العلمية في مدينة مشهد المقدسة لإكمال دراساته الحوزوية في

ص: 8

الأدب والفقه والاصول.

وبعد إكماله ما يسمى بدراسات السطوح هاجر رحمه اللّه إلى النجف الأشرف ليلتحق بحوزتها العريقة للاستفادة من اساتذتها العظام فاستقر في جوار امير المؤمنين علیه السلام .

وكانت النجف آنذاك تعيش عصرا من عصورها الذهبية ؛ إذ برز فيها علماء كبار جلّهم من تلامذة الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره ، في طليعتهم المحقق الكبير صاحب الكفاية الآخوند الخراساني قدس سره ، فكان يعد مجلس درسه من أكبر دروس حوزة النجف يحضره اكثر من الف طالب ، فاختص به المترجم له لانه وجد فيه ضالته ، كما ان استاذه وجد فيه الطالب الجاد الكفوء فاهتم به اكثر من غيره فصار يعد من تلامذته المرموقين الذين يشار اليهم بالبنان وتنعقد عليهم الآمال ليصبح علما من اعلام الدين والعلم في المستقبل. في درس الآخوند الخراساني :

لقد اخذ فقيهنا الجليل موقعا كبيرا عند استاذه الآخوند وعند عامة رجال الحوزة آنذاك اساتذة وطلابا. وكان الآخوند يتمتع بمزايا كثيرة جدا من اهمها : عذوبة البيان وحلاوة المقال ، فكان يتعرض الى المطالب المطولة المشكلة ببيان مختصر واضح في منتهى الدقة والتركيز ؛ وكان امرا صعبا ينفرد به بعض الاساتذة الكبار الذين قد جمعوا بين وضوح الفكر ودقة التعبير (1).

وحيث إنّ الآخوند يستوعب المطلب بعبارة دقيقة فلا يسمح لاحد ان يتكلم في مجلس درسه الاّ نادرا ، وكان الشيخ علي القوچاني من أولئك الذين يجيزهم الآخوند بإبداء الرأي والمناقشة.

قيل : « فقد سمعت بعض الثقاة من اهل العلم يقول : لم يتجرأ احد على الكلام والاستشكال في محاضرات الآخوند - مهابة له - الا نفر قليل من امثال : آقا ضياء العراقي ، والسيد البروجردي ، والشيخ علي القوچاني ، والشيخ عبد اللّه الگلپايگاني ، والسيد رضا المسجد شاهي الاصفهاني ؛ وكان الآخوند لا يعير كبير اهمية لاستشكالات غير السيد البروجردي والشيخ علي القوچاني صاحب الحاشية المطبوعة على الكفاية » (2).

ثمّ ان الآخوند - مضافا الى محاضراته العامة في الفقه والاصول - كان يعقد مجلسا ليليا خاصا يحضره زبدة تلامذته يبحثون فيه المسائل الفقهية والاصولية المستعصية ، وكان آية اللّه

ص: 9


1- مرگى در نور ( فارسى ) ص 107 ، نقلا عن آية اللّه النجفي القوچاني.
2- آثار الحجة ص 170.

الشيخ علي القوچاني واحدا من تلك الزبدة.

قيل : « باستثناء هذين الوقتين ، فقد كان الآخوند يعقد في منزله كل ليلة وبعد الفراغ من درسه في مسجد الطوسي مجلسا خاصا يحضره ابرز تلامذته يتذاكرون فيه المسائل الفقهية والاصولية المشكلة ، فكانوا يأتون بالكتب المختلفة يتفحصونها ويبحثون فيها ويقضون الساعات في حضرته بالبحث والنقاش ورفع الاشكالات والاستفادة من معين الاستاذ. ونحن نذكر بعض افاضل المشاركين في ذلك المجلس الخاص للآخوند : الشيخ مهدي المازندراني ، الشيخ علي القوچاني ، و ... » (1).

نعم ، لقد كان القوچاني رحمه اللّه - مضافا الى مقامه العلمي السامي ومهارته الفائقة في التدريس - حائزا على مكانة رفيعة عند استاذه ، إذ كان متضلعا في الامور الاجتماعية وصاحب نظرة ثاقبة ورؤية قوية بحيث كان استاذه الآخوند يستشيره في الكثير من القضايا والمسائل.

آراء العلماء في المترجم له :

يتمتّع الشيخ علي القوچاني قدس سره بمكانة رفيعة ومنزلة خاصّة عند الفقهاء والعلماء ، وترجم له غالب المهتمين بتلك المرحلة ، فقد قال فيه آغا بزرگ :

« كان أحد أعلام أهل الفضل ورجال التحقيق والمعرفة الاجلاء ، لازم درس الشيخ محمد كاظم الخراساني سنينا طويلة حتى عد من افاضل تلامذته وكبارهم ، وصار مقرر بحثه في حياته لجمع كبير من تلاميذ استاذه ، ولما توفي شيخنا الخراساني في سنة 1329 ه صار المترجم له مرجعا لتدريس الخارج من بعده ، والتف حوله المحصلون والنابهون من اهل العلم ، وكان يحضر درسه اكثر من مائة ، وكان على جانب كبير من سعة العلم وغزارة المادة ودقة النظر وصواب الرأي والتحقيق والتدقيق ، كما اعترف به معاصروه وكبار المتخرجين عليه » (2).

ولجودة بيانه الرفيعة مضافا إلى الفهم الدقيق للمطالب العلمية فإنّه كان من نوادر الذين يقومون بتقرير درس الآخوند رحمه اللّه بحضور جمع من طلابه للاستفادة من محضره الشريف وحل مشاكلهم العلمية التي كانوا لا يتمكنون من حلها عن طريق مراجعة الآخوند.

اضف الى ذلك ان صاحب الذريعة يذكره دائما - اينما حل ذكره - بالاحترام والاكرام (3).

ثمّ ان المحقق القوچاني كان ذا مكانة سامية عند العلماء الكبار والمراجع من امثال السيد

ص: 10


1- مرگى در نور ص 103.
2- نقباء البشر ج 4 ص 1503.
3- نقباء البشر ج 3 ص 1503 ؛ الذريعة ج 14 ص 34 ؛ وج 4 ص 380.

البروجردي ، والسيد أبي الحسن الاصفهاني ، والسيد محمد الكوه كمري ، فان هؤلاء الاعاظم قد ذكروه في مناسبات شتى بالاجلال والتكريم وكانوا يقولون بانه لو امتد به العمر لم تصل المرجعية الى غيره (1).

تلامذته :

ذكرنا أنّ للمترجم له مجلس درس في حياة استاذه واصبح من بعده من الباحثين الكبار - بل من اشهرهم - في علم الاصول وفي مدرسة الآخوند وعلى منهج مدرسة الآخوند وآرائه ، فحضر عنده تلامذة كثيرون ، ولا بد من البحث والتتبع في كتب التراجم للوصول الى فهرست اسمائهم ، ونحن ذاكرون هنا ثلة منهم ، مرجئين استقصاءهم الكامل الى حين آخر :

1 - الشيخ ابو الحسن المشكيني.

غالب استفادته العلمية كانت بمحضر الشيخ القوچاني ، فحاشيته على الكفاية مشهورة ، وقد ذكر في هذه الحاشية كثيرا من آراء استاذه القوچاني من دون ان يذكر اسمه الصريح ، ويتضح هذا جليا من نهاية الطبعة القديمة لحاشية المشكيني وأنّ المراد من « الاستاذ » هو القوچاني ؛ ولا نعلم سبب اختفاء هذا المطلب في نهاية الطبعات التالية منه.

يقول المشكيني في نهاية حاشيته :

« كل ما حكي في هذا الكتاب عن الاستاذ رحمه اللّه فهو محكي عن المحقق المدقق نادرة دهره العلامة الشيخ علي القوچاني رحمه اللّه شفاها من مجلس درسه الشريف لا عن حاشيته المتداولة ».

2 - آية اللّه العظمى السيد محمد الكوه كمري.

3 - آية اللّه العظمى السيد محمد تقي الخوانساري.

4 - آية اللّه العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي.

5 - آية اللّه الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء ، كان من العلماء والفقهاء والادباء البارزين من آل كاشف الغطاء ، فقد تتلمذ في الفقه والاصول على عدة من الاساطين كان من جملتهم الشيخ علي القوچاني (2).

مؤلفاته :

ص: 11


1- يقول سماحة آية اللّه الشيخ عبد الرضا الروحاني - سبط المترجم له - : « لقد أكد لي السيد البروجردي في لقاء لي معه على هذا الموضوع بالخصوص ».
2- ماضي النجف وحاضرها ج 3 ص 191.

ان المترجم له وان كان مشاركا في غالب العلوم الاسلامية إلاّ انه اشتهر في علم الاصول والفقه ، وكان مجلس درسه في الاصول والفقه مجمعا للعلماء والفضلاء ، وله مؤلفات في الفلسفة وغيرها لا نعلم مصيرها ، فقد بيعت مصنفاته في ضمن مكتبته بعد وفاته واشترى قسما منها بعض تلامذته ومعاصريه ، ولم يصلنا من تأليفاته الا حاشيته القيّمة المعروفة على كفاية الاصول التي هي اول حاشية دوّنت على الكفاية ، تحت اشراف استاذه الكبير وتوجيه منه ، فلقيت في زمانها نجاحا كبيرا حتى ان من كان يحاول التعرف على آراء الآخوند يرجع اليها كمصدر علمي قيّم يمكن الاعتماد عليه.

اُسرته :

للمترجم له زوجتان :

الاولى : فاطمة بنت المرحوم الحاج محمد جواد الخياط الحائري ، من اخيار كربلاء المقدسة ؛ وخلّف منها بنتا واحدة هي والدة العالم الجليل آية اللّه الشيخ عبد الرضا الروحاني.

والثانية : العلوية بنت المرحوم حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد اللواساني ، التي رزق منها بنتا واحدة ايضا وتوفيت البنت في شبابها.

وفاته :

كان المتعارف في النجف آنذاك اغتنام فرصة العطلة في شهر رمضان لزيارة مرقد العسكريين علیهماالسلام والمساهمة في احياء مراسيم الشهر في تلك البلدة التي تشكو من قلة الزائرين ، وكان شيخنا المترجم له ممن اغتنم الفرصة وتحرك مع عائلته واقربائه الى مدينة سامراء ، لكن الاجل عاجله على اثر انتشار الوباء في العراق الذي ذهب ضحيته الآلاف من الناس ، فقضى نحبه صابرا محتسبا وذلك في شهر الصيام من سنة 1333 ه ودفن في صحن الكاظمين علیهماالسلام في المقبرة الخاصة بالسادة الحيدرية. وبذلك فقد العلم رمزا من رموزه وفقدت الحوزة علما من اعلامها واستاذا كبيرا كانت الآمال منعقدة عليه في المستقبل ، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.

ص: 12

كلمة التحقيق

ص: 13

ص: 14

كلمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

وبعد فالكتاب الذي بين يديك هو أقدم حاشية دونت على كتاب كفاية الاصول للآخوند الخراساني رحمه اللّه وكان المحقق القوچاني رحمه اللّه من زبدة تلامذة الآخوند ومن مقرري بحثه ومن اصحاب سره العلمي ، وكانت بيده كل المباني العلمية للآخوند الفقهية والاصولية منها ، اضف الى انه كان استاذ الشيخ المشكيني رحمه اللّه - صاحب الحاشية المعروفة على الكفاية - ومقدما عليه عند الآخوند رحمه اللّه ، وعليه لا يخفى على المراجع اهمية الكتاب واهمية مؤلفه.

وقد طبع المجلد الاول منه بالطبعة الحجرية عام 1341 هجري قمري ويشمل مباحث الالفاظ كلها ، ثم طبع المجلد الثاني (1) منه في عام 1342 وقد شمل قسما من القطع ، وكان آخر ما علقه في القطع هو تعليقه على موضوع التجري ، وهذا المقدار هو تقريبا ثماني عشرة صفحة فقط من مجموع 141 صفحة للمجلد الثاني ، وقد اكمل الناشر المقدار الناقص منه - الى آخر الاجتهاد والتقليد - من كتاب محش آخر قيل هو الشيخ محمد آقازاده نجل الآخوند رحمه اللّه .

ونحن نسير على نفس المنهج فنقدمه في مجلدين يشمل الاول مباحث الالفاظ ، ويشمل الثاني القسم المطبوع حجريا من القطع ونكمله بالمخطوط الموجود من المحقق القوچاني قدس سره المحتوي لما تبقّى من مباحث القطع تقريبا (2) الى آخر الاستصحاب في مبحث تعارض القرعة مع الاستصحاب ؛ ولا يحتوي المخطوط مباحث تعارض الادلة ولا الاجتهاد والتقليد. والمخطوط هذا ليس تعليقا على الكفاية ( الا في موارد من أوله ) بل هو انشاء منه قدس سره رأسا لا تعليقا.

ثم انا استقصينا الامر فلم نعثر الا على طبعة واحدة حجرية من هذه الحاشية مع ما بها من

ص: 15


1- بعد ذلك طبع المجلدان في مجلد واحد عدة مرات بالتصوير عن الطبعة الحجرية الاولى.
2- اذ الصفحات الاولى من المخطوط مفقودة ؛ وكذلك هناك عدة صفحات اخرى بيضاء او مفقودة من ثنايا الكتاب اشرنا اليها في محالّها.

نواقص ، فهناك سقطات وعدم وضوح في مواضع كثيرة منها بسبب الطباعة الرديئة ؛ وقد تفحصنا عدة نسخ مصورة عن الحجرية في سنين مختلفة فكانت جميعها مشتملة على تلك السقطات وعدم الوضوح ، مما يكون دليلا على ان السقطات كلها من اصل واحد ومن الطبعة الحجرية الاولى ولا طبعة حجرية غيرها ؛ أضف الى ذلك ان النسخة الخطية مفقودة ؛ وعليه فالطبعة الحجرية هي المصدر الوحيد للكتاب. وهناك موارد قليلة استبدل ناسخ الحجرية كلمة او عبارة بكلمة او عبارة اخرى وكتب في آخرها : « نسخة ».

ولقد بذلنا الجهد قدر الامكان على استيضاح وقراءة تلك العبارات والكلمات غير الواضحة فوفقنا في جلها ولم نوفق في موارد معدودة منها وذلك للتلف الذي اصاب الاصل الحجري فيما نعتقد. وقد اجرينا مقابلة دقيقة للكتاب لتقليل الاخطاء ، ولا نعلم مدى توفيقنا في هذا الامر.

وبعد المقابلة قمنا بتقطيع النص وترقيمه حسب القواعد المتبعة في الترقيم ؛ وقد وضعنا معقوفتين - هكذا- في اماكن كثيرة من الكتاب لتدلان على ان تغييرا ما - من اضافة او تبديل كلمة باخرى - قد طرأ على تلك الكلمة او العبارة المتوسطة بين المعقوفتين لضرورة يقتضيها السياق ، يدل على الاصلية منها جدول الاستبدال الملحق بالكتاب اضافة الى الاشارة في اسفل الصفحة لكل مورد من المعقوفتين قد حصل فيه تغيير عن الاصلية فقط ولم نشر الى ما اقترحناه من اضافة كلمة او حرف ونحوه واكتفينا بادراجه في المتن بين معقوفتين والتنبيه عليه في جدول الاستبدال.

ثم احببنا التفرقة بين ما عنونه المؤلف من كلام الكفاية وبين ما اكملناه من عبارة الكفاية ايضا فجعلنا ما عنونه المؤلف بخط غامق وعادي وجعلنا ما اكملناه من عبارة الكفاية بخط مائل وصغير الحجم. بعد ذلك قمنا باستخراج الآيات الشريفة والروايات والمأثورات والاشعار وجميع الاقوال والآراء تقريبا ، الا موارد نادرة لم نعثر على عناوينها في مظانها مع ما بذلناه من الجهد غير القليل.

واخيرا واتماما للفائدة ألحقنا بالجزء الثاني فهارس فنية للجزءين من الكتاب على أمل ان تكون مفيدة ان شاء اللّه.

شوال 1427 ه

محمد رضا الدانيالي

ص: 16

الصورة

ص: 17

ص: 18

الصورة

ص: 19

ص: 20

تعليقة القوچاني علی كفاية الأصول

تأليف: آية اللّه العظمی العلامة المحقق المدقق نادرة دهرة الشيخ علي القوچاني قدس سره

الجزء الأول

تحقيق: محمد رضا الدانيالي

ص: 21

ص: 22

المقدمة

اشارة

ص: 23

ص: 24

بسم اللّه الرحمن الرحيم

موضوع العلم

1 - قوله : « أمّا المقدمة ففي بيان امور : ».

1 - قوله : « أمّا المقدمة ففي بيان امور : ». (1) (2)

اعلم : أنه قبل تعيين موضوع علم الاصول لا بد من بيان موضوع العلوم على النحو الكلي وذكر المعيار في تحديده فنقول :

تارة يقال - كما عبّر به المصنف - : إنّ موضوع كل علم هو الكلي الجامع لشتات موضوعات مسائله ، المتحد معها عينا ، المغاير معها مفهوما ، الصادق عليها بالشائع صدق الطبيعي على افراده. ولا بد من كون تلك الموضوعات مشتركة في جامع وحداني ، لكونها بمحمولاتها المختلفة - على ما سنشير اليه - مشتركة في أمر وحداني وهو الغرض ، مع عدم استناد الامر الوحداني الى المتكثّرات بما هي مختلفة ، فلا بد من استناده اليها بما هي مشتركة في أمر واحد ، ولا بد من كونه ذاتيا لها ، لانتهاء التأثير بالأخرة الى ما بالذات وان كان المأخوذ بالفعل موضوعا عنوانا عرضيا.

ص: 25


1- بالنسبة الى متن الكفاية يكون منهجنا هو بيان مصدرين من طبعتين مختلفتين من الكفاية ، الاول : كفاية الاصول طبعة جماعة المدرسين في قم ، ونرمز لها ب- ( كفاية الاصول ) ؛ والثاني : كفاية الاصول الحجرية الموشحة بتعليقة المحقق القوچاني قدس سره ، ونرمز لها ب- ( الحجرية ). لكن الحجرية هذه تختلف صفحة المتن فيها مع صفحة التعليقة المرتبطة به في الغالب ، فاحتيج الى التنبيه عليه في كل مورد مورد.
2- كفاية الاصول : 19 ؛ الحجرية 1 : 3 للمتن ، و 1 : 2 للتعليقة.

ثم ان كان ذلك الجامع معلوما فيجعل موضوع العلم ذلك ؛ وإلاّ فيشار اليه بالعنوان العرضي الانتزاعي من نفس موضوعات المسائل ، أو من حيثية الغرض فيجعل ذلك عنوانا للموضوع ، وإلاّ فيشار اليه بنفس الغرض حيث انّه لا بد منه في المسائل ، و [ قد ] عرفت انّ الغرض الواحد يكشف عن الجامع الواحد الموضوعي فيصح أن يشار اليه به.

واخرى يقال - كما عبّر به المشهور - : من انّه ما يبحث (1) في العلم عن عوارضه الذاتية.

ولا اختلاف بين التعبيرين حيث انّ محمول كل مسألة [ هو ] من العارض الذاتي لموضوعها ، والمفروض انّ ذاك الجامع اللابشرط متحد مع تلك الموضوعات وعينها خارجا ، فتكون العوارض الذاتية لها عوارض ذاتية له أيضا.

والمراد من العرض الذاتي ما يعرض الشيء حقيقة أولا وبالذات ، لا مجازا ثانيا وبالعرض.

وبعبارة اخرى : ما يحمل على ذات المعروض بلا واسطة في العروض التي تكون متصفة بالعارض حقيقة وواسطة لاتصاف ذيها به ، ولحمله عليه مجازا ، فتكون بمعنى الواسطة في الحمل فيخرج عنها المباين بالذات كالنار الواسطة لحرارة الماء ، وان كان له واسطة في الثبوت التي تكون هي العلة الموجبة لتحققه في موضوعه كما هو شأن الممكن ، في مقابل العارض الغريب وهو الذي يحمل على معروضه مع الواسطة في العروض.

فظهر : انّ المعيار في العارض الذاتي هو كون معروضه نفس ذات الشيء ولو حين أخذه لا بشرط ، بلا تفاوت بين كون العارض أعم من المعروض كالجنس

ص: 26


1- يظهر من ذلك : انّ العلوم أسام لنفس المسائل وهي المحمولات المنتسبة لأنها العارضة للموضوع ، لا ادراكاتها ، فتدبر. [ من المصنف قدس سره ]

بالنسبة الى الفصل ، أو أخص كالعكس ، أو مساويا كالتعجب بالنسبة الى الانسان.

وامّا ان كان العارض محتاجا في عروضه الى الواسطة في العروض لما كان من العوارض الذاتية وان كانت الواسطة خارجا مساويا ، أو جزءا منه مساويا أو أعمّ ، فضلا عما اذا كان بواسطة الخارج الأعم أو الأخص ؛ إلاّ اذا جعلت الواسطة لا بشرط بالنسبة الى ذيها ، أو كانت متحدة معها عينا ويكون كل منهما صادقا على الآخر ، فحينئذ تكون الواسطة ملغاة ويكون العارض لها عارضا لنفس المعروض بلا تفاوت بين كون الواسطة خارجة عن المعروض أو جزءا مطلقا ، حيث انّه مع اعتبارها لا بشرط لا واسطة في العروض.

ومعنى كونه بواسطة أمر خارج : كون الواسطة ملحوظة بلحاظ آخر ، لا انّها ملحوظة بالاعتبار اللابشرط ؛ وحينئذ فما ذكروه معيارا للعوارض الذاتية من كونها : امّا عارضة لنفس الذات ، أو بواسطة الخارج ، أو الجزء المساوي ، فان كان المراد هو الواسطة في الثبوت ، ففيه : انّه لا وجه للتفصيل بين ما ذكر وبين غيره كما لا يخفى.

وان كان المراد هو الواسطة في العروض كما هو الظاهر ، ففيه : انّه يخرجه عن العوارض الذاتية إلاّ بالاعتبار الذي ذكرناه ، ومعه لا يتفاوت الحال - فيما كانت الواسطة متحدة الوجود مع ذيها - بين كونه خارجا مساويا ، أو أخصّ ، أو أعمّ ، أو جزءا أعمّ ، ولذلك تكون العوارض التي تعرض موضوعات العلوم بواسطة الخارج الاخص - كالاحوال الطارئة على الكلمة والكلام في النحو بواسطة الفاعلية والمفعولية ونحوهما - من العوارض الذاتية ، حيث انّها من العوارض الذاتية لموضوعاتها الخاصة ، وموضوع العلم اذا أخذ لا بشرط يكون عينها ، فتكون من عوارضه الذاتية أيضا.

ولو لا ما ذكرنا لخرج غالب مهمات كل علم من مسائله لعدم صدق المعيار

ص: 27

الذي ذكروه في العوارض فيها ، ولا بد من كون المبحوث عنه في العلم من العوارض الذاتية لموضوعه. فما في كتب المعقول : من تخصيص العوارض الذاتية بما كانت عارضة للموضوع بلا واسطة أو كانت عارضة بواسطة الامر المساوي ، فهو تخصيص بلا مخصص ، فتدبر.

ثم انّه يرد على ما ذكره - من تحديد الموضوع بالكلي الجامع بين موضوعات المسائل المتحدة معها خارجا - امور :

احدها : انّ موضوع بعض المسائل في بعض العلوم يكون جزءا لموضوع العلم ، كما في علم الطب مثلا الذي يكون موضوعه بدن الانسان ، مع انه يبحث في أعضائه وأجزائه ؛ ومن المعلوم انّ الكل لا يصدق على جزئه.

لكنه يمكن دفعه : بكون تحديد موضوع علم الطب بما ذكر لا يصح ولو على المشهور ، حيث انّ محمول الجزء لا يحمل على الكل ، فلا بد من كون الموضوع - واقعا - جامعا بين الافراد وان لم يلزم تشخيصه ؛ فثبت ما ذكر من انّ التمييز بالغرض ، لا بالموضوع.

ثانيها : انّ الظاهر من العبارة انّه لا بد من اتحاد موضوع العلم مع موضوع المسألة في الخارج ، فيشكل ذلك في المنطق ، حيث انّ موضوعاته من المعقول الثاني باصطلاح المنطقي ولا وجود لها إلاّ في الذهن ، فينثلم الاتحاد الخارجي.

ويمكن دفعه : بأنّ المراد : الاتحاد بينهما في نفس الامر ، ومن المعلوم انّها أعم من الخارج والذهن ، فيكون التعبير حينئذ من باب المثال.

ثالثها : انّه يشكل على كلا التحديدين في موضوع علم النحو ، حيث انّ الموضوع لو كان كلا من الكلمة والكلام على نحو الانفراد لزم كونه علمين ، وان

ص: 28

كان واحدا [ منهما ] (1) [ ما ] (2) كان جامعا لجميع موضوعات المسائل ، وان كانا على نحو الاجتماع لزم عدم صدقه على واحد من موضوعات المسائل. كل ذلك يظهر بالتدبر ، فتدبر.

ثم انك اذا عرفت انّ موضوع العلم هو الكلي الجامع لموضوعات مسائله ، فاعلم : انّه لا بد من انتزاعه بنحو يجمع جميع شتاتها - ولو كانت لاحقة بعد تدوينها المدوّن الاول - ويمنع عن غيرها ولو كان ذاك الغير نفس تلك المسائل اذا كانت مندرجة في مسائل علم آخر لغرض آخر ؛ وسعته وضيقه كذلك لا يكاد يكون إلاّ بتحديد مسائل العلم حتى ينتزع الكلي الجامع المذكور من موضوعاتها.

ثم انّها مع كثرتها موضوعا ومحمولا وتباينها في جهات شتّى لا بد مما به الوحدة والارتباط بينها حتى تعدّ بسببه علما واحدا ، ولا يصلح كذلك إلاّ الغرض الذي لاحظه المدوّن الاول وشخّصه ثم دوّن العلم بسببه فيكون معيار المسائل وتقديرها به ؛ واذا قدّر المسائل ينتزع من موضوعاتها كليا يصدق عليها ذاتيا ، وإلاّ فعرضيا ، وإلاّ فيشار اليه بالغرض بلا حاجة الى تشخيص الموضوع أصلا لعدم تعلق غرض خاص بتعيينه ، إلاّ ما توهمه القوم من انّ تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها ، فلا بد أن يعيّن الموضوع في كل علم حتى تتميز مسائله عن مسائل علم آخر.

ولكن التحقيق : انّ تمايز العلوم ليس بتمايز الموضوع ، لمكان اختلاف موضوع مسألتين من علم واحد ذاتا كمباحث الالفاظ والادلة العقلية من علم الاصول على ما لا يخفى ، لامكان اتحاد موضوع مسألة علم مع موضوع علم آخر

ص: 29


1- في الاصل الحجري ( منها ).
2- في الاصل الحجري ( لما ).

كما في مسألة الاختلاف (1) بين الاشاعرة والمعتزلة في ادراك العقل حسن الاشياء وقبحها المبحوث عنها في علم الكلام والاصول ، فلو كان التميز به لصار العلم الواحد علمين والعلمان علما واحدا.

وكذا ليس التميز بالحيثية المأخوذة في الموضوع ، حيث انّ تلك الحيثية :

امّا حيثية المحمول الذي يسمّى ب- حيثية البحث كما في الفصول (2).

ففيه : انّه ملتزم لكون البحث عن المحمول راجعا الى البحث عن المبادئ ، ولاخذت الموضوعات في القضايا المتعارفة في العلوم بشرط المحمولات لو أدرجت الحيثية الفعلية في الموضوع عنوانا كما عن الطهراني (3) ، أو قيدا كما هو المشهور ؛ وكذا لو أدرج فيه التحيّث بمعنى قابلية عروض المحمولات على ما عليه المحقق السبزواري في المنظومة ، لانّ الموضوع في القضايا المذكورة هو الذات لا بشرط شيء ، وإلاّ فلم يقل أحد بأنّ التميز بالمحمول ، مع كثرة اختلافه في علم واحد واتحاده في بعض المسائل في علمين كما لا يخفى.

وأمّا حيثية الغرض فهو الانصاف والتحقيق.

ص: 30


1- المستصفى 1 : 59 - 60 القطب الاول / الفن الاول / المسألة الاولى ؛ المنخول : 8 - 9 ؛ المحصول 1 : 35 و 1 : 48 الفصل السابع ؛ الاحكام في اصول الاحكام 1 : 72 القسم الثالث في المبادئ الفقهية والاحكام الشرعية / الاصل الاول / المسألة الاولى ؛ شرح المواقف 8 : 181 المرصد السادس في افعاله تعالى / المقصد الخامس في الحسن والقبح ؛ شرح المقاصد 4 : 282 المبحث الثالث.
2- الفصول الغروية : 11 السطر 20.
3- محجة العلماء 1 : 18 السطر 21. الطهراني هو الشيخ هادي بن محمد امين الواعظ الطهراني. استاذ محقق ومؤسس في الاصول ، معاصر للآخوند الخراساني. ولد في شهر رمضان 1253 ؛ درس في اصفهان ثم هاجر الى العراق ، وكان من تلاميذ الشيخ الانصاري ثم الميرزا الشيرازي ؛ كان جريئا في نقد آراء غيره من العلماء ، ولذا تعرض له الكثير من اهل زمانه بالنقد الشديد ، فكانت النتيجة ان لم يحضر درسه الا نزر قليل ؛ توفي في النجف 3. له كتب ، منها : محجة العلماء ؛ ودائع النبوة ؛ الاتقان ( اصول الفقه ) مخطوط ؛ الفرق بين الماهية والوجود ( مخطوط ).

بيانه : انّ المخترع لكل علم لا بد أن يلاحظ غرضا مهما أولا ، ثم الامور التي لها مدخلية في تحصيله فيجمعها ويدوّنها للوصول اليه ، مع كون تلك الامور متساوية الأقدام في حصول ذلك الغرض منها ؛ فتلك الامور مسائل ذلك العلم ومسمى له ، وذلك الغرض غايته. ولا بد لتلك المسائل من بعض امور يحصل بها تصور موضوعاتها ومحمولاتها ، واخرى يحصل بها التصديق بثبوت محمولاتها لموضوعاتها ، وتسمّى تلك الامور الاولى بالمبادئ التصورية والثانية بالمبادئ التصديقية.

ثم انّه لا بد أن تكون المسائل بحيث يحصل منها الغرض بلا واسطة ، وإلاّ فتكون داخلة في المبادئ ، فلا يرد النقض في علم الفقه ببعض مسائل الهيئة والحساب والاصول - بل اللغة والصرف وغيرها - بأنّ لها دخلا في غرض الفقه ، وفي علم الاصول ببعض مسائل علوم اخرى كذلك ، لانّ الدخل ان كان بعيدا فغير وارد وان كان قريبا فلا بد من الدخول فيه لذلك الغرض ، حيث انّ المهم تدوين العلم وذكر مسائله لاجل التوصل اليه ، وحينئذ فيكون هو معيار الدخول والتميز ، لا الموضوع ، لعدم تعلق غرض به بنفسه ، وحينئذ فيصح ذكر مسألة واحدة أو أزيد بموضوعها ومحمولها في علمين مع عدم ايراد التداخل ، لاختلاف الغرض ، وإلاّ فلو كان التميز بالموضوع لزم التداخل ولزم اشتمال علم واحد على علوم متعددة حقيقة.

نعم بعد تحديد المسائل بالغرض فلا بأس بذكر الجامع بين موضوعاتها موضوعا للعلم ، ثم بعد ذلك لو عدّ ذلك من أسباب التميز أيضا - زيادة للبصيرة - لا بأس به.

ثم [ انّ ] ما ذكرنا من صحة تداخل بعض العلوم مع بعض آخر - بعد اختلاف الغرض - انما يصح اذا كان التداخل في مسألة أو أزيد ، لا في تمام المسائل.

ص: 31

وبعبارة اخرى : لا بد أن يكون بين الغرضين - في غير مورد التباين - العموم من وجه أو المطلق ، لا التساوي والتلازم ، وإلاّ فلا يصح تدوين علمين - بل علم واحد - لاجل كلا الغرضين. والحاكم بصحة تدوين علمين في الصورة الاولى دون الثانية هو الوجدان.

اذا عرفت انّ التميز انما هو بالغرض فاعلم انّه : تارة : لا يحصل إلاّ بمجموع المسائل كما في الفقه بناء على امتناع التجزّي في الاجتهاد ، واخرى : يكون مشككا قابلا للشدة والضعف ، بحيث يحصل مرتبة منه في كل مسألة وان كان كماله يتوقف على المجموع ، فاذا كان كذلك فلا بد أن يجعل مرتبة منه معيارا لمسمى العلم بمعنى أن يكون بشرط شيء بالنسبة الى تلك المرتبة ولا بشرط بالنسبة الى ما فوقها كما لا يخفى.

ثم انك عرفت انّ في كل علم امورا عديدة :

[ الاول : ] مسائل العلم ، وهي القضايا التي تبحث عنها في العلم ، وتكون مجموعها مسمى للعلم.

و [ الثاني : ] الغرض ، وهو الفائدة التي دوّن لاجلها العلم.

و [ الثالث : ] الموضوع.

و [ الرابع : ] المبادئ.

ويكون غير المسائل خارجا عن العلم ، ويكون ذكرها - امّا في المقدمة أو في أثناء العلم - استطرادا. هذا كله في موضوع كل العلوم.

وامّا موضوع علم الاصول فهو : الجامع بين موضوعات مسائله وعرفت انّ تحديدها اجمالا بواسطة الغرض ، فلا بد من تشخيصه ، وهو على ما يظهر من تعريف كثير للاصول بأنّه : « العلم بالقواعد الممهدة ... الخ » ، وتصريح الآخرين

ص: 32

بأنّه : « التمكن من استنباط الاحكام » (1) فتخرج مثل مسائل الاصول العملية الشرعية ، لكون البحث فيها عن ثبوت الحكم الظاهري بعد اليأس عن الاستنباط بلا دخل لها في الاستنباط أصلا ؛ والعقلية وهو واضح ؛ والبحث عن حجية الظن على الانسداد على نحو الحكومة ؛ بل البحث عن حجية الامارات مطلقا - بناء على انشاء الحجية فيها دون الحكم التكليفي على طبقها - لعدم استنباط الحكم التكليفي على طبقها ، إلاّ أن يتكلف بجعل الاستنباط أعم من القطع بالحكم الشرعي أو الظن به فتدخل حجية الامارات في المسائل.

ولكن الظاهر - من ذكر المهرة لمثل هذه المسائل في مهمات الاصول وعدم خلوّ كتاب من الكتب المدوّنة فيه عنها بل هي عمدة المباحث فيها - : انّ الغرض في علم الاصول أعم من الاستنباط أو تعيين الوظيفة بعد اليأس عن الاستنباط ، سواء كانت الوظيفة حكما شرعيا كمفاد الاصول الشرعية ، أو عقليا كالاصول العقلية والظن الانسدادي على الحكومة ، وهو الذي يساعده الاعتبار ، لعدم خصوصيته في الوقوع في طريق الاستنباط بعد كون مطلق تعيين الوظيفة من شغل المجتهد ، فيكون ما له دخل في تعيين ما يستريح اليه في هذا المقام من المهمات الاصولية ، ولا وجه للاستطراد في مثل هذه المهمات.

فان قلت : انّ مفاد الاصول العملية هو ثبوت الحكم الفرعي للموضوعات الكلية ، كما في أصالة الحلّية فانّ مفادها ثبوت الحلّية للموضوع المشكوك الحلّية والحرمة ، و [ كما ] في الاستصحاب فانّ مفاده اثبات الحكم المماثل لما كان متيقن الثبوت في السابق ومشكوك البقاء في اللاحق ؛ وحينئذ فما الفرق بينهما وبين سائر القواعد الفقهية ومنها نفس هذه الاصول الجارية للشبهات الموضوعية ، وقاعدة نفي

ص: 33


1- التقرير والتحبير 1 : 27 السطر 6 من الطبعة القديمة ، و 1 : 36 من الحديثة ؛ الموافقات 4 : 106.

الضرر والحرج ، بل سائر المسائل الفقهية مثل البحث عن وجوب الصلاة ونحوها ، التي كان مفادها ثبوت الحكم للعناوين الكلّية؟

قلت : الفرق : انّ المسائل الاصولية ما كانت بعد تمهيدها نافعة للمجتهد وحده.

وبعبارة اخرى : كان تطبيقها على الصغريات من شغله ، كتمهيدها ، والمسائل الفقهية ما كانت بعد تمهيدها مشتركة من حيث التطبيق بين المجتهد والمقلد ؛ ومن المعلوم انّ ملاك الاولى ثابت في الاصول العملية حيث انّ تعيين مواردها والفتوى على طبقها في الشبهات - بعد اليأس عن الدليل - [ هو ] من شغل المجتهد ، بخلاف القواعد الاخرى فانّ إجراءها في مواردها الشخصية - بعد تعيين مفاد أدلتها وتحديد مقدار دلالتها من حيث الموضوع والحكم - مشترك بين المجتهد والمقلد ، حتى مثل قاعدة نفي الضرر فانّه بعد تحديد الضرر واثبات انّ نفيه يشمل الوضع والتكليف يكون احراز صغرياتها - من العقد الغبني ونحوه - من وظيفة المجتهد والمقلد كما لا يخفى.

وعلى كل حال فاذا عرفت انّ غرض الاصولي ينبغي أن يكون أعم ، فتكون مسائل الاصول ما كان لها دخل قريب في ذلك ، ويكون موضوعه هو الجامع بين مصاديق الموضوعات ؛ فلا مهمّ في تعيينه بعد الاشارة اليه بما ذكرنا.

وامّا ما قيل من انّه الادلة الاربعة ، فيرد عليه :

أولا : بخروج أغلب المسائل المبحوث فيها [ من ] (1) : تعيين المعنى اللغوي والعرفي لبعض الالفاظ - بلا تقييد وروده في الكتاب والسنّة - مثل لفظ الامر والنهي وألفاظ العموم والمطلق ونحوها ، حيث انّ البحث عن معناها ليس من

ص: 34


1- في الاصل الحجري ( عن ).

عوارض الاربعة. والالتزام بتقييد ورودها في الكتاب والسنّة ، بعيد عن تحرير الاصوليين لها.

نعم يمكن أن يجاب عن هذا الاشكال - مع حفظ خصوص الادلة الاربعة في الموضوع - بما ذكرنا : من انّ العوارض الذاتية للأعم - المأخوذ لا بشرط - عوارض ذاتية للاخص أيضا ، فتأمل فيه.

وثانيا : بخروج مثل حجية خبر الواحد ان كان المراد من السنّة - كما هو الظاهر - هو نفس قول الامام وفعله وتقريره ، حيث انّ البحث انما هو عن حجية خبر الواحد لا عن حجية السنة. ولا فرق في هذا الاشكال : بين جعل الموضوع الدليل بوصفه العنواني كما عن القمي (1) ، وبين جعله ذات الدليل كما في الفصول (2) ، لانّ ذات الدليل هو خبر الواحد ولو لم يطابق السنّة ، فلا يكون البحث عن عوارضه بحثا عن عوارضها.

وامّا ارجاع البحث في المسألة الى البحث عن ثبوت السنّة بخبر الواحد ليكون البحث فيه عن عوارضها كما عن الشيخ (3) ، ففيه :

انّه ان كان المراد هو الثبوت الواقعي - فمع انّه لا يثبت كذلك - يستلزم رجوع البحث الى البحث عن وجود الموضوع الذي هو مفاد كان التامة وهو من المبادئ لا من المسائل ، للزوم كون البحث فيها عن عوارضه وعما هو مفاد كان الناقصة.

وان كان المراد الثبوت التعبدي ، بمعنى البحث عن وجوب ترتيب أثر السنة

ص: 35


1- القوانين المحكمة 1 : 9 السطر 22 - 23.
2- الفصول الغروية : 11 السطر 24 - 25.
3- فرائد الاصول 1 : 238.

على خبر الواحد ، ففيه : انّه من عوارضه لا من عوارضها ؛ إلاّ أن يلتزم (1) بكون السنّة أعم مما ذكروا من الاخبار الحاكية له فيدخل البحث في المسائل ، ولكنه خلاف الاصطلاح.

وثالثا : بخروج غالب مباحث الادلة العقلية - كالبحث عن حكم العقل بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، أو عن حكمه بالحسن والقبح ، [ أو ] (2) عن حكمه بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ونحوها - عن علم الاصول ، حيث انّ الدليل العقلي الذي جعل موضوعا للاصول هو حكم العقل للتوصل به الى الحكم الشرعي ، ومن المعلوم انّ البحث في المقام عن أصل تحققه لا عن عوارضه بعد ثبوته ، فيدخل في المبادئ لا في المسائل.

نعم يكون البحث عن حجية حكم العقل بالملازمة بين الحسن والقبح و [ بين ] (3) حكم الشرع وعدمه - كما عن الاخباريين - من المسائل ، لا البحث عن أصل ثبوت الحكم المذكور وسائر الاحكام ؛ ولا يجدي في ذلك جعل الموضوع أعم من الدليل - بوصفه العنواني - ومن ذاته كما عرفت.

وامّا على ما ذكرنا من كون الموضوع هو الجامع بين موضوعات المسائل لا خصوص الادلة الاربعة فلا يرد عليه النقض ، إذ بناء عليه يجعل الموضوع في المسألة هو نفس العقل بأن يقال : انّه هل للعقل الاحكام المذكورة أم لا؟ ولا غرو في جعل المسألة كذلك ، لوجود الملاك فيها وهو النفع للمجتهد في مقام

ص: 36


1- قوله : « إلاّ أن يلتزم ... الخ ». وقد استشكل بعض المعاصرين ( نهاية الدراية 1 : 37 ) : بأنّ الحجة بمعنى تنزيل المؤدّى منزلة الواقع فيكون من عوارضه. وفيه : مضافا الى انّ الحجة ليست راجعة الى التنزيل ، انّ الدليل لاجل نحو اتحاد بينه وبين المدلول يتصف بعوارضه كما لا يخفى. [ من المصنف قدس سره ]
2- في الاصل الحجري ( و).
3- في الاصل الحجري ( هي ).

الاستنباط.

ورابعا : بخروج مسائل الاجماع عن المسائل ، لانّ البحث في الاجماع المحصل عن تحققه وفي الاجماع المنقول عن حجيته ، وهو من عوارض الخبر الحاكي له لا [ من ] (1) عوارض الاجماع الواقعي.

وخامسا : بخروج مباحث التعادل والترجيح والاجتهاد والتقليد ، لعدم البحث فيها عن عوارض السنّة.

وارجاع البحث (2) في الاجتهاد الى البحث عن مدلول الدليل - مع انّه تكلف - لا يجدي في ادراجه في المسائل ، لكون البحث حينئذ عن وجود الدليل لا عن عوارضه كما لا يخفى.

وسادسا : بخروج البحث عن عدم حجية القياس وهو واضح.

وامّا على ما ذكرنا من توسعة الموضوع فنقول :

انّ كل مسألة يكون البحث فيها عن وجود موضوعها فتخرج عن المسائل ، مثل البحث عن أصل تحقق الاجتهاد مثلا ، أو التجري ؛ وكل مسألة يكون البحث فيها عن عوارض موضوعها - أيّا ما كان ذلك الموضوع - تكون تلك من المسائل ، مثل البحث عن حجية ظن المجتهد مطلقا كان أو متجزيا ، والبحث عن أحكام التعادل والترجيح ، إذ المعيار وهو النفع للمجتهد حاصل فيها. نعم لو لم ينفع له يكون البحث عنها استطراديا ولا ضير فيه ، إذ لا نلتزم بكون جميع المباحث من

ص: 37


1- في الاصل الحجري ( عن ).
2- قوله : « وارجاع البحث ... الخ ». وعن بعض أعاظم العصر ( فرائد الاصول 1 :2. 239 ؛ وبحر الفوائد : 179 السطر 12 - 17 ) : ارجاع البحث عن الحجية الى تنجز السنّة الواقعية بالخبر الحاكي. وفيه : مضافا الى كونه لازما لما هو المبحوث عنه لا عينه ، انّ التنجز من عوارض الحكم الواقعي لا السنة الدالة عليه. [ من المصنف 1 ]

المسائل لا بنحو الاستطراد فيها أصلا كما لا يخفى.

ان قلت : ما ذكر من خروج كل مسألة - يبحث فيها عن أصل تحقق الموضوع - عن العلم ودخولها في المبادئ ، ينتقض بغالب مباحث علم الحكمة ، مثل البحث عن وجود العقول العشرة وعن وجود المثل الافلاطونية ونحوها.

قلت : بعد ما قرر في محله من أصالة الوجود وكونه حقيقة واحدة مشككة وانّ الموضوع فيه هو الوجود المطلق ، يظهر انّ البحث في تلك المسائل من العوارض ، حيث انّ البحث حقيقة عن تخصيص الوجود المطلق بالخصوصيات العقلية والنفسية والمثلية ونحوها كما لا يخفى.

ثم انّ مسائل علم الاصول لا يلزم ان تكون موصلة الى الغرض منه فعلا ، بل يكفي ايصالها اليه شأنا ؛ كما انّها ليست بمنحصرة فيما ألّفها المدوّن الاول ، بل يعدّ منها الامور اللاحقة الحادثة اذا كانت متساوية الاقدام مع ما دوّنت أولا في حصول الغرض ؛ وعلى هذا فمسائل الاصول هي القضايا التي يبحث عنها فيه وتكون ذا مدخلية في حصول غرض المجتهد هنا. هذا كله في الموضوع والمسائل والغرض.

وامّا التعريف :

فان كان العلم موضوعا لنفس القضايا التي يتعلق بها العلم والادراك تارة ، ولا يتعلق بها اخرى ، فالأولى أن يحدّ - بناء على الغرض الأعم - بأنّه : « مجموع القواعد التي يمكن أن تقع في طريق الاستنباط ، أو يستريح اليها المجتهد في مقام تعيين وظيفة العمل بعد اليأس عن الاستنباط ».

وان كان اسما للادراكات أو التصديقات المتعلقة ، فالأولى أن يقال : « أنه علم بالقواعد ... الخ ».

وان كان اسما للصناعة التي تكون نظير الحرفة التي كانت ملكة في النفس

ص: 38

يستخرج بها القواعد ، أو عنوانا جامعا للقواعد الذي يسمّى بالظن ، فالأولى تعريفه بأنّه : « صناعة يعرف بها القواعد ... الخ ».

وامّا تعريف المشهور بأنّه : « العلم بالقواعد الممهدة ... الخ » ، ففيه :

أولا : مضافا الى ما أورد عليه في الكتب المطولة ، انّه لا يشمل المسائل على العرض الأعم.

وثانيا : انّه لا مدخلية للتمهيد بعد ما عرفت من كون المسائل أعم منها ومن الامور الحادثة اذا كان لها (1) دخل في الغرض.

وثالثا : انّ الظاهر منه الاستنباط الفعلي ، ولا لزوم فيه.

ورابعا : انّ الظاهر منه انّ الاصول اسم للعلم بالقواعد.

والتحقيق : انّه اسم لنفسها كما لا يخفى.

2 - قوله : « هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا ».

2 - قوله : « هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا ». (2)

الظاهر انّ مراده من العبارتين معنى واحد ، وانّ العطف تفسيري.

ولكن الأحسن أن تجعل الاولى عبارة عن الطبيعي الذاتي ، والثانية عبارة عن الأعم منه ومن الكلي العرضي الانتزاعي ؛ وبناء عليه يكون قوله : « تغاير الكلي ومصاديقه ... الخ » من قبيل النشر المشوّش كما لا يخفى.

3 - قوله : « والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتتة ».

3 - قوله : « والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتتة ». (3)

قد عرفت ان المسائل هي القضايا التي تطلب في العلم لاجل التوصل الى الغرض الذي دوّنت بسببه.

ص: 39


1- ( فيها ) نسخة ، كذا في الاصل.
2- كفاية الاصول : 21 ؛ الحجرية 1 : 3 للمتن و 1 : 6 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 21 ؛ الحجرية 1 : 3 للمتن و 1 : 3 للتعليقة.

4 - قوله : « وإلاّ كان كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حدة »

4 - قوله : « وإلاّ كان كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حدة » (1).

لا يقال : انّهم قائلون بأنّ تمايز العلوم لا يصير إلاّ بواسطة الموضوعات ، لا انّ كل اختلاف الموضوع يوجب اختلاف العلم.

فانه يقال : الكلام انما هو في الملاك الواقعي والمرجح للتميز والتعدد ، فاذا كان هو الغرض ، وإلاّ فلو كان هو الموضوع فليسأل عن سبب صيرورة بعض اختلاف الموضوعات موجبا للتعدد وعدم كون بعض آخر موجبا لذلك.

فان قيل : انّ المرجح في ذلك البعض اختلاف الغرض ، بخلافه في البعض الآخر.

فنقول : انّ التميز يرجع اليه ، وإلاّ فيكون عدّ بعض موجبا للتميز دون بعض آخر ترجيحا من غير مرجح.

5 - قوله : « ضرورة انّ البحث في غير واحد من مسائله المهمة ليس من عوارضها ».

5 - قوله : « ضرورة انّ البحث في غير واحد من مسائله المهمة ليس من عوارضها ». (2)

كمباحث الادلة العقلية من مسألة البحث عن ادراك العقل حسن الاشياء وقبحها في حكمه بالملازمة ، وعن الملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوبها ، وسائر أحكامه من المستقلات وغيرها ، فانّ البحث في غالبها - غير البحث عن حجية الملازمة - بحث عن مفاد كان التامة ؛ وبعبارة اخرى : عن ثبوت الموضوع وهو حكم العقل ، لا عن ثبوت شيء له بعد تحققه.

وقد عرفت انّ القسم الاول : داخل في المبادئ لا في المسائل ، بخلافه بناء على جعل الموضوع أعم من الادلة الاربعة فانّه يجعل المسألة ثبوت حكم للعقل بأن يكون موضوع المسألة هو العقل - لا حكمه - بلا ضير فيه.

ص: 40


1- كفاية الاصول : 22 ؛ الحجرية 1 : 8 للمتن و 1 : 8 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 22 ؛ الحجرية 1 : 8 للمتن و 1 : 8 للتعليقة.

وكمباحث المبادئ اللغوية في مسألة البحث عن دلالة الصيغة على الوجوب وعدمها ؛ وكمبحث حجية الاجماع المنقول ؛ وخبر الواحد ؛ وحجية ظن المجتهد المتجزي ؛ وعدم حجية القياس ونحوها من المباحث الراجعة عن ثبوت الموضوع ، أو عن غير العوارض الثابتة له كما يظهر بالتأمل.

6 - قوله : « صناعة يعرف بها القواعد ... الخ ».

6 - قوله : « صناعة يعرف بها القواعد ... الخ ». (1)

وجه العدول عن تعريف المشهور لعلم الاصول بأنّه : « العلم بالقواعد ... الخ » يحتاج الى بيان أمر وهو :

انّ العلم قد يطلق ويراد به : التصور ، أو التصديق ، أو الملكة ، والظاهر انّه في هذه الثلاثة بمعنى الانكشاف ، وانما كان الاختلاف بين الاولين في متعلق الانكشاف من حيث كونه مفردا تارة فيسمى بالتصور ، ومركبا اخرى فيسمّى بالتصديق.

وامّا الملكة : فهو الانكشاف الراسخ ولو على نحو البساطة. واطلاقه على التهيّؤ مجاز. وقد يطلق ويراد به المعلوم وهو المسائل ، واطلاقه عليه كاطلاق المصدر على المبني للمفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، وهو قد يكون حقيقيا اذا كان معنى المفعول متحد الوجود مع معنى المصدر وناشئا عنه كالمثال ، وقد يكون مجازيا اذا كان مختلف الوجود وكان المصدر واردا على متعلق غير متوقف عليه كاطلاق العلم على المسائل ، وحينئذ اذا كان بين المسائل جهة وحدة منتزعة عنها تسمّى تلك - باعتبار جهة الوحدة - بالفن ، ويطلق عليها بهذه الجهة في اصطلاح العلوم من باب الحقيقة المنقولة.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ العلم بهذا المعنى اسم للفن والصناعة ، فاطلاقه

ص: 41


1- كفاية الاصول : 23 ؛ الحجرية 1 : 8 للمتن و 1 : 8 للتعليقة.

على نفس الانكشاف تصورا أو تصديقا - كما هو الظاهر من تعريفات العلوم - ليس على ما ينبغي ؛ فلهذا وغيره من الوجوه عدل المصنف عن تعريف المشهور الى الصناعة ، فتدبر.

ص: 42

الوضع

7 - قوله : « الامر الثاني : الوضع ».

7 - قوله : « الامر الثاني : الوضع ». (1)

يقع الكلام تارة في حقيقة الوضع ، واخرى في أثره ، وثالثة في سببه.

امّا الاول : فهو انّ الوضع - بمعنى اسم المصدر - نحو اضافة خاصة بين اللفظ والمعنى ، ويكون من الاعتبارات الصحيحة العقلائية التي هي منشأ انتزاع صحيح وليس لها ما بحذاء في الخارج حتى يكون من المحمولات بالضميمة ، وليس مجرد اختراع بلا منشأ حتى يكون من قبيل أنياب الأغوال ؛ فيكون من قبيل الخارج المحمول ومن قبيل القسم القابل للجعل من الاحكام الوضعية كالملكية والولاية ونحوها ، لا كالسببية ونحوها مما ليست بقابلة للجعل ، لانّ جعل الوضع من قبيل ايجاد السبب لا من قبيل ايجاد السببية للدلالة.

والحاصل : انّ حقيقته علقة وارتباط خاص منتزع من أسباب خاصة.

وأمّا أثره : فهو صيرورة اللفظ بحيث يكون وجودا لفظيا للمعنى يحصل بينهما نحو اتحاد بحيث يكون القاؤه الى المخاطب القاء المعنى اليه ، ولا ينفك تصور المعنى عن سماع اللفظ عند العالم بالوضع ، ولاجل غاية الاتحاد بينهما يتعاكس الحسن والقبح من كل منهما الى الآخر. وامّا الدلالة الفعلية التصديقية أو

ص: 43


1- كفاية الاصول : 24 ؛ الحجرية 1 : 8 للمتن و 1 : 9 للتعليقة.

مجرد خطور المعنى عند سماع اللفظ فليسا بمسندين الى الوضع الاول ، بل الى علم المخاطب بامور منها الوضع ، والثاني لازم أعم ، ولذا يتحقق ولو لم يكن وضع في البين ، كما لو نص الواضع على عدم وضع اللفظ المخصوص فانّه يخطر المعنى عند المخاطب العالم بهذا القول بمجرد سماع اللفظ.

وأمّا أسبابه :

فأحدها : جعل الواضع ابتداء طبيعة اللفظ موضوعا للمعنى الخاص ، بلا استعمال في البين ، بل وإن لم يلحقه استعمال أبدا.

وثانيها : استعمال شخص من اللفظ - الذي ليس موضوعا في معنى خاص - بقصد تحقق الوضع له بنفس هذا الاستعمال ، كما في استعمال لفظ ( المبارك ) في ولده في مقام التسمية فانّه في هذا المقام تتحقق التسمية بنفس هذا الاستعمال بلا سبق وضع ولا لحوقه أبدا ؛ ومن المعلوم انّ استعمال شخص اللفظ بهذا القصد يكون انشاء لوضع طبيعته الكلية ، ولا يكون هذا الاستعمال حقيقة لعدم سبق الوضع ، بل ولا مقارنا معه لتحققه بعد تمامية هذا الاستعمال ، ولا مجازا كما هو واضح ، ولا يضر ذلك في صحته بعد ما سيجيء من انّها بالطبع وان لم يكن وضع شخصا ولا نوعا كما في استعمال ( اللفظ ) في اللفظ.

وثالثها : كثرة الاستعمال من شخص واحد أو من أهل المحاورة بحيث توجب الكثرة تحقق انس بين اللفظ والمعنى ، ويشتد ذلك الانس بكثرة الاستعمال الى حيث يصل الى حد العلقة الوضعية.

ولكنه يقع الكلام في انّ حقيقة الوضع وذاك الاتحاد هل يحصل بنفس الاستعمال بعد الكثرة قهرا ولو لم يتحقق بعد استعمال بهذا القصد؟ ولا بد بالأخرة من الاستعمال الكذائي وإلاّ لما وصل الى حد الحقيقة ، كما مال اليه المصنف في مجلس الدرس ، حيث انّ الاستعمالات المجازية السابقة الصحيحة لا بد أن تكون

ص: 44

مع القرينة متصلة كانت أو منفصلة ؛ والاستعمال الكذائي وان بلغ من الكثرة ما بلغ لم يصل الى حد الحقيقة ، لانّ اللفظ مع القرينة لا يحصل فيه مرتبة الانس الحقيقي والارتباط الوضعي بين حاقّه والمعنى ، بل بينه مع القرينة وبين المعنى.

وما اشتهر من بلوغ الانس بسبب الكثرة الى حيث يتبادر منه معناه بلا قرينة ، ففيه انه :

إن اريد أنه يتبادر باشتهار القرينة فهي رجوع الى الانفهام مع القرينة.

وإن اريد أنّه يتبادر من حاقّه ، ففيه : انّ الاستعمال في المعنى ما لم يتكثر من نفس اللفظ وحده فكيف تحصل مرتبة الاتحاد بين اللفظ بحاقه وبين المعنى؟

وحاصل الاشكال يرجع الى أمرين :

أحدهما : من جهة احتياج المجاز الى القرينة ؛ ولازمه حصول الانس بين اللفظ مع القرينة وبين المعنى المجازي ، لا بين اللفظ المجرد وبينه ؛ ومن المعلوم انّ المجدي هو الثاني لا الاول.

والثاني : انّ لحاظ المعنى المجازي في عالم الاستعمال مسبوق بلحاظ الحقيقي حتى تلاحظ المناسبة بينهما ولو اجمالا ، وإلاّ لما صح الاستعمال ، فلا تصير ملاحظة المعنى المجازي أكثر من المعنى الحقيقي حتى يحصل الانس بينه وبين اللفظ.

ولكن الانصاف حصول الوضع التعييني بكثرة الاستعمال مجازيا ، ولا اعتناء بما ذكر من الاشكال.

امّا الثاني : فلأنّ اللحاظ الموجب للانس هو اللحاظ الاستعمالي من اللفظ ، لا اللحاظ السابق عليه مقدمة له كما لا يخفى.

وامّا الاول : فلأنّ دلالة اللفظ مع القرينة على المعنى المجازي :

تارة : تكون بارادته منهما مركبا بنحو يكون الدال مركبا والمدلول واحدا.

ص: 45

واخرى : تكون بنحو تعدد الدال والمدلول ، كما في قولك : « رأيت أسدا يرمي » لو اريد من الاسد طبيعة الشجاع ومن قولك : « يرمي » خصوصية كونه في ضمن الرجل الشجاع ، ويكون المجاز من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للخاص في العام.

وثالثة : بنحو اتحاد الدال والمدلول ، بأن يراد تمام المعنى المجازي من اللفظ وحده وجئت بالقرينة لتفهيم المراد والمدلول منه.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ الاشكال انما يتأتّى على الوجه الاول دون الآخرين كما لا يخفى. مع انّه على تقدير التسليم [ لا ] (1) مجال له في المجاز مع القرينة المنفصلة ، حيث انّه يحصل الانس بين اللفظ وحده والمعنى المجازي ويشتد ذلك الى أن يصل الى استعمال يكون ذلك جزءا أخيرا للوصول الى مرتبة الوضع ، وبعد ذلك تحصل تلك المرتبة قهرا بلا قصد في استعمال ابدا. إلاّ أن يقال : انّ العلم بتلك المرتبة وبأنّ أيّا من الاستعمالات يصير موجبا للوصول [ الى تلك ] (2) المرتبة حتى يتّبع الوضع في الاستعمالات اللاحقة ، مستبعد جدا.

نعم ، التحقيق : حصول العلم به تفصيلا بعد التكرير والارتكاز ، نظير التبادر المتوقف على العلم بالوضع اجمالا الموجب للعلم به تفصيلا ؛ فظهر انّ الوضع الناشئ من الكثرة لا يتوقف على الاستعمال بالقصد المذكور وان كان ذلك في غاية القوة في الاستعمالات الشرعية بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية ، وفي الحقائق العرفية المختلفة مع الاوضاع ؛ فلا بد من نصب القرينة من الشارع ومن بعض أهل العرف على هذا القصد.

فان قلت : ما الفرق بين القرينة في هذا الاستعمال وبينها في المجاز؟

ص: 46


1- في الاصل الحجري ( فلا ).
2- في الاصل الحجري ( بتلك ).

قلت : مضافا الى احتياج المجاز الى لحاظ العلاقة والمناسبة بينه وبين المعنى الحقيقي دون المقام ، أنّ القرينة في المجاز لافادة المعنى المستعمل فيه وفي هذا المقام لافادة انشاء الوضع كما لا يخفى ، وامّا أصل هذا الاستعمال فقد عرفت انّه لا حقيقة ولا مجاز.

ثم انّ الوضع بالمعنى الاسمي الذي هو الربط الخاص لا يختلف باختلاف أسبابه ، فالتقسيم الى التعييني والتعيّني انما هو باعتبار سببه بناء على المشهور ، وبناء على القول الآخر انما هو بالمسامحة بلحاظ كون الكثرة داعيا الى التعيين فكأنّه صار الوضع متعينا به.

8 - قوله : « ثم انّ الملحوظ حال الوضع ... الخ ».

8 - قوله : « ثم انّ الملحوظ حال الوضع ... الخ ». (1)

لا يخفى انّ حقيقة الوضع لما كانت من الاعتبارات والاضافات القائمة بالطرفين وكان أمرا مجعولا فلا بد في الوضع التعييني من لحاظه ولحاظ طرفيه من اللفظ الموضوع والمعنى الموضوع له.

وينقسم باعتبار الاخير الى أربعة أقسام : حيث انّ المعنى الملحوظ عند الوضع ، امّا معنى عاما فوضع له اللفظ تارة ، ولمصاديقه وجزئياته المندرجة تحته المنطبقة عليها اخرى ؛ وامّا معنى خاصا فيوضع له اللفظ تارة ، وللعام الكلي الجامع بينه وبين غيره اخرى.

ولا اشكال بحسب الامكان في الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، وكذا في الوضع العام والموضوع له العام ، ولا في الوضع العام والموضوع له الخاص ، حيث انّ الكلي لما كان متحدا في الخارج مع الجزئيات ويكون حاكيا عنها بوجه فيصح أن يكون آلة للحاظ الموضوع له حيث انّ تصوره لا يلزم أن يكون على

ص: 47


1- كفاية الاصول : 24 ؛ الحجرية 1 : 9 للمتن و 1 : 7 العمود 2 للتعليقة.

وجه التفصيل ، بل يكفي التصور بالوجه ، وتصور وجه الشيء يكون تصورا له بوجه ما ، وهذا المقدار يكفي في المعرفة ، ولولاه للزم التعطيل عن معرفة اللّه تعالى كما لا يخفى.

لا يقال : إنّ العنوان الكلي إنّما يحكي عن الجهة المشتركة لا عن الخصوصيات الفردية فكيف يكون آلة للحاظ الخصوصيات؟

لأنّا نقول : انّ الكلي لما كان متحدا مع الفرد - بل هو عينه بحسب الوجود ويكون عنوانا - له فيصح أن يحكي عنه به ، لصحة الحكاية عن الشيء بعنوانه كما في معرفة جميع الاشياء بالوجه. نعم لو كان الموضوع له الخصوصيات بمفهومها لا بوجوداتها لأشكل الامر ، لعدم كون العام عنوانا لمفهوم الخاص كما لا يخفى.

والذي يسهل الخطب انّ الموضوع له الخصوصيات بوجوداتها ، فتدبر.

وامّا الوضع الخاص والموضوع له العام فالتحقيق : عدم امكانه ، لعدم كون الخاص بخصوصيته عنوانا ومرآة للمعنى العام حتى يكون آلة للحاظه حين الوضع ، خلافا لبعض المحققين من المتأخرين حيث يتوهم صلاحية كون الخاص - ولو باعتبار تحليله الى الاجزاء التحليلية التي منها المعنى العام - مرآة للعام.

وفيه : انّه حين لحاظ الخاص ، ان التفت الى الكلي الجامع بينه وبين غيره بنفسه كالانسانية أو بعنوان يشار اليه كالنوعية والجنسية ونحوهما بالتجريد عن الخصوصيات أو بالانتقال من الجزئي الى الكلي على ما هو المحقق في محله - من كون العلم بالجزئيات أحد طرق العلم بالكليات - وبعد الانتقال يجعل نفس ذلك الكلي آلة للحاظ العام ، فلا اشكال في كون هذا القسم داخلا في الوضع العام ؛ وان لم يلتفت الى الكلي بوجه أبدا بل كان الملحوظ نفس الخاص بخصوصيته فلا اشكال في عدم كونه آلة للحاظ العام ، وهو واضح.

ص: 48

والتحقيق : انّ في الصورة السابقة إن جعل الموضوع له نفس الجزئيات بوجوداتها فهو كما تقدم ، وامّا إن جعل الموضوع له نفس الخاص بعنوانه وبمفهومه فهو كما في الوضع الخاص والموضوع له العام في عدم امكانه. ومجرد اعتبار العام بنحو اللابشرط المقسمي ، لا يوجب كون العام عنوانا لعنوان الخاص كما لا يخفى ؛ إلاّ أنّ ما يسهل الخطب انّ المشهور في الوضع العام والموضوع له الخاص هو نفس المصاديق بوجوداتها لا بعناوينها.

9 - قوله : « وأمّا الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم أنّه وضع الحروف ».

9 - قوله : « وأمّا الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم أنّه وضع الحروف ». (1)

اختلف الأعلام في وضع الحروف ونظائرها من المبهمات وهيئات الافعال :

بين قائل بكون الوضع عاما والموضوع له والمستعمل فيه خاصا.

وبين ذاهب [ الى كون ] (2) الموضوع له فيها كالوضع عاما والمستعمل فيه خاصا.

وبين ثالث بعدم المعنى للحروف أبدا ، بل هي لمجرد الربط اللفظي غاية الامر كانت قرينة لخصوصيته في معاني الاسماء.

والتحقيق : انّ الموضوع له والمستعمل فيه فيها - كالوضع - عامّان. (3)

والداعي للقائل بكون الموضوع له فيها خاصا هو عدم لزوم مجاز بلا حقيقة من جهة تخيله انّ المستعمل فيه فيها كان خاصا دائما ، وامّا لو ثبت انّ المستعمل فيه فيها عام فلا وجه للالتزام بخصوصية الموضوع له بعد وضوح ظهور كلمات

ص: 49


1- كفاية الاصول : 25 ؛ الحجرية 1 : 9 للمتن و 1 : 10 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( بكون ).
3- تبعا لهداية المسترشدين : 34 السطر 39 - 40 ؛ والطبعة الحديثة 1 : 191 - 193.

القدماء (1) في كون الموضوع له عاما.

[ ثم ] (2) انّ مراد القائلين بكون المستعمل فيه خاصا :

ان كان هو الخصوصية والجزئية الخارجية ، ففيه : انّ في غالب الاستعمالات يكون المستعمل فيه قابل الصدق على كثيرين ولو بالعموم البدلي كما في قولك : « سر من البصرة » و « كن على السطح » و « سر من صقع كذا الى صقع كذا » حيث انّ المخاطب لو جعل ابتداء سيره من أيّ نقطة من نقاط البصرة ومن ذلك الصقع لكان ممتثلا للمأمور به ، وليس ذلك إلاّ من حيث كون المعنى الابتدائي المدلول عليه بالحروف مأخوذا بنحو يصدق على كثيرين ؛ وامّا الجزئي في مثل قولك : « سرت من البصرة » أو في مثل قولك : « سر من نقطة معيّنة بخط مستقيم الى نقطة كذا » فانّما هو بتعدد الدال والمدلول ، بل الجزئية الاضافية في الامثلة السابقة هكذا أيضا كما لا يخفى.

وان كان مرادهم من الجزئية هي الجزئية الذهنية ، ففيه : ما يظهر الآن من فساده.

امّا بيان مرادهم فتوضيحه : انّه كما انّ الموجود الخارجي على قسمين : أحدهما : ما كان موجودا في نفسه ، وبعبارة اخرى : موجودا لا في موضوع كما في الجوهر ، وثانيهما : ما كان موجودا في غيره وهو الموضوع كما في الاعراض ؛ كذلك الموجود الذهني الذي كان متقوما باللحاظ ، حيث انّ الوجود الذهني الذي كان عبارة عن نفس لحاظ الذهن ، تارة : قد يكون موجودا في نفسه ومستقلا بالمفهومية بحسب اللحاظ ، و [ اخرى ] قد يكون موجودا في غيره غير مستقل

ص: 50


1- المقصود هو القدماء من علماء العربية ، وإلاّ فالقدماء من الاصوليين لم يبحثوا المعنى الحرفي بحثا واسعا كالمتأخرين. راجع شرح الكافية للرضي الاسترابادي 1 : 10.
2- في الاصل الحجري ( و).

بالمفهومية بحسب اللحاظ ، أي يكون لحاظ الذهن إيّاه في ضمن لحاظ الغير لا بلحاظ بالنسبة اليه على حدة وملتفت اليه ، فتكون المفاهيم على سنخين :

أحدهما : ما كان في عالم المفهومية متصورا في نفسه ومتعقلا على حياله ؛ وهذا القسم هو معاني الاسماء.

وثانيهما : ما كان في ذلك العالم متصورا في غيره ومتعقلا من حيث كونه حالة لغيره ، بحيث لا يلتفت الى نفسه بحسب اللحاظ ، بل ليس ملحوظا إلاّ بلحاظ معنى آخر ؛ وهذا القسم هو معاني الحروف.

اذا عرفت ذلك فنقول : انّ الظاهر من كلمات القائلين بجزئية المعنى هو جزئيته باللحاظ لا بمفهوم اللحاظ بل بمصداقه في مقام الاستعمال بحيث يكون داخلا في المستعمل فيه امّا شطرا أو شرطا ، ومن المعلوم انّ اللحاظ المصداقي جزئي حقيقي ذهني والمقيد به يكون كذلك ، وبناء عليه لو استعمل الحرف في معناه من شخص واحد مرارا ولو في مجلس واحد لكان مستعملا في كل منها في غير ما كان مستعملا فيه في استعمال آخر كما لا يخفى ؛ واذا كان المستعمل فيه في الحروف جزئيا فلا وجه لكلية الموضوع له ، لاستلزام المجاز بلا حقيقة ، لعدم تحقق الاستعمال في نفس ذلك الكلي أبدا ، هذا في الحروف.

وكذا الحال فيما يشابهها في الوضع والمستعمل فيه ولو في جزء معناه ، كما في الافعال بحسب مفاد هيئتها الدالة على النسبة الخبرية أو الانشائية ، وكما في المضمرات ، وأسماء الاشارة ، والموصولات ؛ امّا جزئية معنى هيئة الافعال فلكونها مثل الحروف ملحوظا على غير استقلال في ضمن المادة والفاعل ؛ وامّا في أسماء الاشارة فلكون المستعمل فيه والموضوع له فيها هو المشار اليه بالاشارة الحسية المصداقية ، وهو بما هو كذلك يكون جزئيا حقيقيا ؛ وامّا في المضمرات فلتقييد معانيها بالاشارة الى الغائب ، أو بمشافهة المخاطب ، أو بالاشارة الى المتكلم ؛ وامّا

ص: 51

في الموصولات فلتقييد معانيها بالتعيين بالصلة.

اذا عرفت ما ذكرنا ، فالجواب على ما قرر المصنف : [ من ] انّ المستعمل فيه في الحروف يكون كليا طبيعيا غير مأخوذ فيه اللحاظ الآلي المصداقي وان كان متحققا في مقام الاستعمال :

امّا نقضا : فباللحاظ الاستقلالي في الاسم ، حيث انّه لا فرق بينهما إلاّ في مجرد اللحاظ في الاستقلالية في الاسم والآلية في الحرف ، فلو كان ذلك قيدا فيها فليكن ذاك قيدا في المستعمل فيه أيضا.

وامّا حلا : فبأنّ لحاظ المعنى بكلا نحويه من الاستقلالية والآلية يكون من مقومات استعمال اللفظ في المعنى ، حيث انّه قصد المعنى من اللفظ على اختلاف أنحائه ، فاذا كان كذلك فلا يكاد يمكن ادخاله في المستعمل فيه ، للزوم تقدم المستعمل فيه على الاستعمال ، والتغاير بينهما لازم.

فلو كان المأخوذ في المستعمل فيه عين اللحاظ من اللفظ الذي يحصل به الاستعمال لزم الدور كما لا يخفى.

وان كان هو اللحاظ السابق عليه الذي يكون من مبادئ الاستعمال ، ففيه :

مضافا الى أنّ السابق هو الذي يستمر الى حين التلفظ ويحصل به الاستعمال لا غيره حتى يغايره في الحكم ؛ انّه كما اعترف به يكون من مبادئ الاستعمال فلا بد أن يتعلق بما يستعمل فيه اللفظ ، وحينئذ :

فامّا أن يتعلق على نفسه أيضا [ فيلزم ] (1) الدور بعد ما عرفت من لزوم المغايرة بين اللحاظ والملحوظ بقيوده.

وامّا أن يتعلق على ذات المعنى وحده [ فيلزم ] (2) تحقق الاستعمال بدون

ص: 52


1- في الاصل الحجري ( للزم ).
2- في الاصل الحجري ( فلزم ).

اللحاظ السابق بالنسبة الى قيد المستعمل فيه. ولا فرق بين كونه كذلك بتمامه أو ببعض قيوده كما لا يخفى.

هذا مع انّ ظاهر المشهور انّ جزئية المعنى انما هو باللحاظ الاستعمالي لا بالسابق عليه ، كما انّ الآلية المعتبرة انما هي فيه ، وإلاّ لصح اللحاظ الاستقلالي حين الاستعمال وهو باطل.

نعم يمكن أن يقال : انّ المستعمل فيه لما كان حين الاستعمال واجدا لخصوصية المقصودية فيصدق عليه انّه خاص وان لم يلتفت الى خصوصيته كما ذهب اليه بعض الاصحاب.

وفيه : انّ الشيء بمجرد مقارنته مع المستعمل فيه لا يكون داخلا فيه ، وإلاّ للزم أيضا أن يكون متخصصا بخصوصيات اخرى كما هو أوضح من أن يخفى.

هذا ما حققه المصنف من معاني الحروف.

ولكن التحقيق : أنّها بنفسها متمايزة عن معاني الاسماء ، لا بمجرد اللحاظ المحقق للاستعمال.

بيانه : انّ الوجودات الخارجية على أقسام ثلاثة :

أحدها : الوجود النفسي كما في الجوهر.

وثانيها : الوجود الرابطي كما في وجود العرض في الموضوع اذا لوحظ في نفسه بمفاد كان التامة.

وثالثها : الوجود الرابط وهو النسبة بين العرض والمعروض ؛ وبعبارة اخرى : الوجود الذي يكون مفاد كان الناقصة ولا يكون متحققا بنفسه إلاّ بمنشإ انتزاعه وهو طرفا القضية.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ أجزاء القضية اذا تحققت في الذهن فطرفاها يوجدان بالوجود الاستقلالي الذي يكون عبارة عن اللحاظ بنفسه [ ولكن النسبة

ص: 53

بينهما يمكن أن تلحظ بنفسه فيكون موجودا على حياله في الذهن ويخرج حينئذ عن كونه رابطا بين الطرفين ، بل يكون موجودا في عرضها ولا يكون حينئذ حاكيا عن الربط الخارجي كما انّ الطرفين لا يكون احدهما مرتبطا بالآخر بل يكونان مفردين كما لا يخفى ]. (1)

ويمكن أن تلحظ في الذهن على نحو يطابق الخارج بأن يلحظ الطرفان استقلالا لا مرتبطا احدهما بالآخر ، بحيث يكون لحاظ النسبة فانيا في لحاظهما ويكون الوجود الذهني - الذي يكون عين اللحاظ - مندكا في وجود الطرفين.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الربط من الامور الاعتبارية الواقعية التي لا تحقق لها إلاّ بوجود منشأ انتزاعها ، وانّه اذا تحقق في الذهن مطابقا لما في الخارج لا يكاد يكون إلاّ آليا ؛ ومن هذا يظهر انّ آلية اللحاظ فرع آلية الملحوظ في نفسه ، وانّ المعنى الحرفي متميز بنفسه عن المعنى الاسمي ، لا بمجرد اللحاظ كي يرد بعدم معقولية دخوله في المستعمل فيه بالبيان الذي عرفت.

نعم ذكر ذا الفرق بينهما باللحاظ اشارة الى الفرق بينهما بنفسهما ، وحينئذ فيسقط عنهم ما أورده عليهم المصنف من حيث دخول اللحاظ في المعنى.

نعم يبقى عليهم ما أورده عليهم من حيث الجزئية حيث انّ كلّيتهما وجزئيتهما تابعة لطرفيها ، ومن المعلوم انّ النسبة في مثل ( زيد قائم ) قابل الصدق على كثيرين باعتبار تعدد القيام العارض على زيد من حيث كونه في الدار أو في المسجد أو في غيرهما على اختلاف أنحائه من الانتصاب ونحوه في كل منها ، ولا

ص: 54


1- الانسب ان تكون العبارة هكذا : « ولكن النسبة بينهما يمكن أن تلحظ بنفسها فتكون موجودة على حيالهما في الذهن وتخرج حينئذ عن كونها رابطا بين الطرفين ، بل تكون موجودة في عرضهما ولا تكون حينئذ حاكية عن الربط الخارجي ، كما انّ الطرفين لا يكون أحدهما مرتبطا بالآخر بل يكونان مفردين كما لا يخفى ».

يخفى انّ نسبة المدلول عليها بهيئة ( زيد قائم ) يكون مطابقا لجميع هذه المصاديق فتكون كلية.

10 - قوله : « ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف في الخبر والانشاء ايضا كذلك ... الخ »

10 - قوله : « ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف في الخبر والانشاء ايضا كذلك ... الخ » (1).

بيانه : انّ المفاهيم على قسمين :

أحدهما : ما يكون وجوده الحقيقي من الامور المتأصلة المسببة عن أسباب تكوينية ولا يوجد بمجرد الانشاء.

ثانيهما : ما يكون وجوده الحقيقي من الامور الاعتبارية التي تكون واقعيتها بالجعل والاختراع ممن بيده الجعل كالملكية ، والولاية والحجية ونحوها من الامور الاعتبارية. وهذا القسم تارة : يكون متحققا في الخارج ويقصد الحكاية عن تحققها في موطنه ، واخرى : لا يكون متحققا في الخارج بل يقصد ايجادها بالانشاء.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ اللفظ المستعمل في هذه الامور الاعتبارية الجعلية اذا قصد منه هذه على نحو الحكاية عن التحقق الخارجي فيسمى بهذا اللحاظ خبرا ، واذا قصد منه على نحو الانشاء والاختراع فيسمى بهذا الاعتبار انشاء ومن المعلوم انّ أصل المفهوم المقصود في المقامين واحد وهو التمليك المنسوب الى المتكلم في مثل ( بعت ) ، والفارق انما هو القصد والارادة من حيث تعلقه بالايجاد تارة وبالحكاية عن تحقق الوجود اخرى ؛ وقد عرفت انّ الارادة بأنحائها لا تكاد تمكن أن تكون داخلة في المستعمل فيه ، فهي فيهما واحدة ، غاية الامر قد لا يشترط في وضع اللفظ الدال عليه ان يستعمل بأحد الاستعمالين فيكون مشتركا بين الخبر والانشاء ، وقد يشترط فيه احدهما فيختص امّا بالخبر أو بالانشاء ،

ص: 55


1- كفاية الاصول : 27 ؛ الحجرية 1 : 12 للمتن و 1 : 11 العمود 1 للتعليقة.

فيكون الفارق بينهما في مجرد الارادة المقومة للاستعمال.

ثم انّ الانشاء لو تعلق بالطلب كما في قولك : « اضرب » يحصل منه فائدة الاخبار في مثل قولك : « أطلب منك الضرب اخبارا » حيث انّ انشاء بعث المخاطب الى فعل يكشف عن كونه طالبا له قلبا ، ولذلك قيل انّ الانشاء في حكم الاخبار الخ ؛ ويقع الكلام في انّ دلالته عليه وضعية أم لا؟

أقول : انّ بعض المفاهيم له مصاديق حقيقية متأصلة غير قابلة للجعل التشريعي ، ومصاديق اخرى اعتبارية مجعولة تشريعا ك- ( بعث ) مثلا فانّ له مصداقا في النفس يكون من الصفات النفسانية يسمى بالارادة ، ومصداقا آخر في الخارج وهو قد يكون فعلا تكوينيا للطالب كتحريك المولى للعبد خارجا نحو الفعل المطلوب ، وقد يكون بعثا انشائيا اختراعيا في عالم اللفظ كما في قولك : « اضرب » اذا استعمل بقصد تحقق البعث انشاء بأن يجعل اللفظ بهذا القصد بعثا تشريعيا بازاء البعث الخارجي التكويني ؛ ومن المعلوم انّ التحريك الخارجي يدل على الارادة القلبية نوع دلالة اللازم على الملزوم عقلا ، فكذا ما هو بحكمه من البعث الانشائي.

اذا عرفت ذلك فيظهر : انّ دلالة مثل « أطلب إخبارا » يكشف عن الارادة النفسانية بلا واسطة وانّ دلالة مثل قولك : « اضرب » عليه انما هو بتوسط دلالته على ايجاد البعث انشاء خارجا فيكون دلالة عقلية لا وضعية ، فبهذا الاعتبار قد قيل انّ الانشاء يفيد فائدة الاخبار عن الارادة القلبية بل يكون أبلغ ، لدلالته على كون الارادة النفسانية بنحو يبعث المولى العبد نحو الفعل فيصير كأنّه معدّ ، دون مجرد الاخبار فانّه ليس بهذه المثابة كما لا يخفى.

ثم انّه مع ذلك يكون المفهوم الجامع بين المخبر به والمنشأ هو طبيعة البعث والارادة المتحققة حقيقة في القلب تارة ، واعتبارا في عالم الانشاء اللفظي

ص: 56

اخرى ، ويكون استعمال اللفظ مختلفا بنحو الحكاية عن تحققه في موطن النفس تارة فيسمّى خبرا ، وبنحو الانشاء وارادة الايجاد بنفس اللفظ اخرى فيسمى انشاء ؛ وفي كلا المقامين يكون المستعمل فيه طبيعيا ، وانما يكون التشخص من ناحية الاستعمال.

وما قيل : انّ الانشاء بمعنى الايجاد والكلي بما هو كلي ليس بقابل له ، لانّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد.

ففيه :

أولا : انّ التشخص الناشئ من قبل الاستعمال الانشائي لا يصير موجبا لجزئية المستعمل فيه.

وثانيا : على تقدير التسليم يكون موجبا لتشخصه بالمشخصات الانشائية ؛ وتشخص المعنى في موطن لا ينافي كليته بالنسبة الى موطن آخر خارجا عنه ، فتدبر.

11 - قوله : « وان اتفقا فيما استعملا فيه ، فتأمل ».

11 - قوله : « وان اتفقا فيما استعملا فيه ، فتأمل ». (1)

لعله اشارة الى مناقشة لفظية ، فانّ قوله : « فيكون الخبر موضوعا ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه والانشاء ليستعمل في قصد تحققه ... الخ » يوهم خلاف المقصود من كون المستعمل فيه فيهما واحدا ، وانّ أنحاء القصد خارج عنه فيهما ؛ أو الى ما ذكرنا - في دفع توهم انّ الانشاء كالإخبار في الحكاية عن المعنى القلبي - من انّ دلالة الخبر وضعية وبلا واسطة ودلالة الانشاء عليه عقلية مع الواسطة.

ص: 57


1- كفاية الاصول : 27 ؛ الحجرية 1 : 12 للمتن و 1 : 12 للتعليقة.

12 - قوله : « حيث انّ أسماء الاشارة وضعت ليشار بها الى معانيها ... الخ ».

12 - قوله : « حيث انّ أسماء الاشارة وضعت ليشار بها الى معانيها ... الخ ». (1)

لا يخفى انّ الاشارة المأخوذة فيها ليس مفهومها الكلي وإلاّ لكان معنى اسميا غير مشابه بالحروف ، فلا بد أن يكون القيد مصداق الاشارة ، وحينئذ :

فان كان مصداقها الذهني فيكون كالحروف ناشئا من قبل الاستعمال ، لانّ الاشارة الذهنية لا تكون إلاّ مجرد اللحاظ ، ولا يتأتّى أن تؤخذ في المستعمل فيه طابق النعل بالنعل.

وان كان مصداقها الحسّي ، فلا بد أن يكون بآلة من حركة يد ونحوه ، ولا يحصل باللفظ.

نعم يمكن أن يكون حاكيا عنه تضمنا ، بأن يكون موضوعا للذات المشار اليها بالاشارة الحسية ، ولا [ يتأتّى ] (2) من قبل الاستعمال. فما في المتن من كونها ناشئة من قبل الاستعمال فيه ما فيه ، فتدبر.

13 - قوله : « الثالث : صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع؟ ».

13 - قوله : « الثالث : صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع؟ ». (3)

لا بد قبل تحقيق الحق من تقسيم الوضع باعتبار الموضوع ، حيث انّ اللازم أن يلاحظ اللفظ الموضوع قبل الوضع لكونه نسبة بينه وبين المعنى فلا بد للواضع من ملاحظتها حينه ، فاللفظ الملحوظ :

امّا أن يكون خاصا بمادته وهيئته نحو ( زيد ) مثلا ويوضع ذلك لمعناه فيكون الوضع والموضوع خاصا لخصوصية اللفظ ، والمراد من خصوصيته كونه بمادته وهيئته معلومتين وان كان الموضوع طبيعة اللفظ ، لا كونه جزئيا حقيقيا

ص: 58


1- كفاية الاصول : 27 ؛ الحجرية 1 : 12 للمتن و 1 : 12 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( ينافي ).
3- كفاية الاصول : 28 ؛ الحجرية 1 : 12 للمتن و 1 : 12 للتعليقة.

وإلاّ يلزم أن يكون الموضوع الشخصي الملحوظ للواضع فقط وهو ظاهر البطلان. نعم يمكن أن يكون الموضوع - بعد لحاظ الطبيعة - الاشخاص المندرجة تحتها وتكون تلك مرآة لها ؛ ولكنه خلاف الظاهر ، حيث إنّا نعلم بالوجدان عدم الالتفات الى الاشخاص حين وضعنا علما لشخص كما لا يخفى.

وامّا أن يكون عاما وهو ان لا يكون كذلك ، سواء كان بهيئته فقط كما في المشتقات على المشهور ، أو بمادته فقط كما في مبادئها ، أو لا يكون معلوما أصلا كما في المجازات بناء على الوضع فيها وان كان معلوما اجمالا في ضمن العلاقات.

ثم انهم اختلفوا في المشتقات بأنّ الوضع فيها من حيث المادة والهيئة هل هو واحد كما في الجوامد لمعنى مركب من الحدث والنسبة؟ أو متعدد بأن تكون المادة موضوعا للحدث ، والهيئة للنسبة؟ وجهان ، بل قولان.

وليعلم انّ المراد من وحدة الوضع لا يمكن إلاّ أن يلاحظ فيه لكل من اللفظ والمعنى جهتان ، كل من [ جهتي ] (1) اللفظ بازاء احدى جهتي المعنى ، حيث انّ معناها مركب من جزء اسمي استقلالي ومن جزء حرفي آلي متأخر اللحاظ عن الاسمي الحدثي وعما أسند اليه الحدث ، فلا يمكن لحاظهما عرضا كما في اجزاء سائر المركبات ، ولا افادتهما في عالم الاستعمال بدال واحد ، فلا بد أن تكون احدى جهتي اللفظ - وهي المادة - لاحدى جهتي المعنى وهو الحدث والاخرى وهي الهيئة للاخرى وهي النسبة ولو كان الوضع بانشاء واحد ، وليكن هو المراد بوحدة الوضع كما في الجوامد بحيث لا يلاحظ فيها تعدد الجهة لا لفظا ولا معنى كما لا يخفى.

ص: 59


1- في الاصل الحجري ( جهة ).

وامّا تعدد الوضع فالظاهر عدم كفاية معلومية الهيئة فقط بأن لا تكون المادة معلومة أصلا بأن تكون هيئة ( فاعل ) مثلا من كل مادة لمن قام به المبدأ ، حيث انّ ما وجدت هيئة كانت جارية في جميع الموارد - لا في الافعال ولا في غيرها - من المشتقات كما يظهر بالمراجعة ، فيشكل نوعية الوضع فيها.

اللّهم إلاّ أن يقال : بأنّ الواضع لاحظ مواد كثيرة في ضمن مصادر معينة كثيرة ثم وضع كلا من الهيئات المخصوصة - التي لاحظ جريانها في تلك المواد من هيئة الفاعل والمفعول ونحوهما - بازاء معانيها المعينة بوضع واحد شامل لجميع مصاديق الهيئة في ضمن المواد ، فيكون وضع المشتقات بهذا الاعتبار نوعيا ولا غرو فيه أصلا.

وامّا المواد فالظاهر انّها نظير الهيئة في عدم تعلق الوضع بها مع قطع النظر عن ملاحظة الهيئة أصلا بأن يقال : انّ المادة الفلانية موضوعة في ضمن كل هيئة للمعنى الفلاني حيث انّ المادة ليست مطردة في جميع الهيئات ، على انّ وضعها في ضمن هيئة المصدر ليس بجار في غيرها ؛ وبدونها - بأن تلاحظ مادة الضاد والراء والباء مثلا وتجعل في ضمن أي هيئة موضوعة للمعنى الفلاني - مستبعد جدا.

اذا عرفت ما ذكرنا فظهر : انّ تعدد الوضع في المشتقات في كل من الهيئة والمادة على حدة بلا ملاحظة الآخر فيه أصلا غير صحيح ، وانما الصحيح اشتراط هيئات معينة في وضع المادة بنحو الاشارة اليها في وضعها واشتراط مواد معينة في وضع كل من الهيئات بنحو الاشارة في وضعها اليها. ولكن المحقق وضع المادة في ضمن المصادر لمعان معيّنة أولا ثم وضع كل من الهيئات لمعنى خاص مشروطا بطروّه على مواد معلومة على حسب اختلافها قلة وكثرة باختلاف الهيئات ، فتأمل جيدا.

ص: 60

ثم انّهم اختلفوا في ثبوت الوضع للمعاني المجازية بالوضع النوعي غير المتوقف على ملاحظة الهيئة والمادة بل على ملاحظة نوع العلائق ؛ والحقّ عدم ثبوت الوضع لها وإلاّ لكان كل لفظ مشتركا ، ولما احتاج المعنى المجازي الى القرينة الصارفة ، ولما اختلفت المجازات في الحسن وعدمه في العلاقات المعلومة المعهودة.

والقول : بأنّ اختلافها ، في شدة الارتكاز وعدمها.

مدفوع : بثبوته في المجازات الحادثة.

ويدل على ما ذكرنا صحة استعمال اللفظ في المعنى المجازي ولو مع نص الواضع بعدم الوضع له ، بل مع النص بعدم الترخيص وعدم صحته فيما لا يساعد الطبع عليه وان نص الواضع بجوازه في ضمن احدى العلاقات ؛ مع أنه لا دليل على ثبوت الوضع إلاّ النقل الناشئ من الاجتهاد في موارد الاستعمالات ، ولا دليل على حجيته ما لم ينته الى القطع.

فالحق : انّ دلالة اللفظ على المعنى المجازي بسبب القرينة وصحة الاستعمال انما هو بالطبع بعد تحقق المناسبة بين المعنى المجازي والحقيقي على مراتبها المختلفة حسب اختلاف الطبائع ، فالوضع لتحصيل هذا الحسن يكون تحصيلا للحاصل ولغوا بلا طائل.

وان أبيت إلاّ عن استناد الاستعمال الى الوضع فاعلم : انّ المستند هو الوضع للمعنى الحقيقي حيث انّ المعنى المجازي بعد ملاحظة المناسبة يدّعى انّه من مراتب وجوده ، فالاستعمال الذي هو من فوائد الوضع اذا حصل في المعنى المجازي يكون من شئون استعماله في المعنى الحقيقي بعد الادّعاء.

ثم الظاهر انّ الاختلاف في تعيين العلائق المجازية انما هو بسبب اجتهاداتهم في تعيين نوع المناسبات المركوزة في أذهان العقلاء المصححة للاستعمال ، لا

ص: 61

بسبب نص الواضعين عليها كما لا يخفى ؛ وعلى هذا فلا تنحصر العلائق فيما ذكر ، فتدبر.

14 - قوله : « والظاهر انّ صحة استعمال اللفظ في نوعه او مثله من قبيله ».

14 - قوله : « والظاهر انّ صحة استعمال اللفظ في نوعه او مثله من قبيله ». (1)

يعني في عدم كونه بالوضع ، لا في كونه مجازيا بالمناسبة بينه وبين المعنى الحقيقي ، وإلاّ فالحق انّه لا حقيقة ولا مجاز.

امّا الاول : فيشهد عليه استعمال اللفظ في المهملات والالفاظ المؤلفة بهيئة جديدة مخترعة لم يسبق اليها أحد سابقا ، مع انّ انشاء الوضع بالنسبة اليه يكون لغوا بلا فائدة ، لانّ غايته حدوث العلقة بين اللفظ والمعنى بحيث يصير اللفظ من هذه الجهة وجودا لفظيا له ، وفيما نحن فيه تكون هذه العلقة بين طبيعة اللفظ ومصاديقه حاصلة بنفسها بلا حاجة الى الوضع ، بل أشد من العلقة الوضعية لانّ الطبيعي عين الفرد وجودا حقيقة لا اعتبارا.

وامّا الثاني : فيشهد عليه صحة الاستعمال في المهملات ، مضافا الى عدم العلقة بين المعنى الموضوع له واللفظ ، اذ غاية ما يمكن أن يدّعى أن يقال : انّ اللفظ بعد الوضع من مراتب وجود المعنى ، ولذا عد الوجود اللفظي من مراتب وجود الشيء.

وفيه : انّ اللفظ فيما يجعل حاكيا عن المعنى يكون من مراتب وجوده الفاني فيحتجب ولا ينظر فيه استقلالا إلاّ الى المعنى ، فاذا كان عينه فلا اثنينية حتى تلاحظ العلاقة بينهما ولا بد من ملاحظتها بين المتغايرين ؛ وامّا اذا لم يكن مستعملا فيه يكون النظر الاستقلالي بالنسبة اليه بنفسه بلا نظر الى المعنى أصلا ، فبهذا اللحاظ يكون وجوده مباينا للمعنى فلا تحصل المناسبة بينه وبين المعنى كما

ص: 62


1- كفاية الاصول : 28 ؛ الحجرية 1 : 13 للمتن و 1 : 14 العمود 1 للتعليقة.

لا يخفى. نعم المناسبة بين المستعمل والمستعمل فيه ، ولكنها غير كافية في المجازية.

ثم اذا عرفت انّه لا حقيقة ولا مجاز فاعلم : انّه مما يساعده الطبع ، وكل ما كان كذلك فهو صحيح لا تدور صحته مدار الحقيقة والمجاز ، فتدبر.

15 - قوله : « قلت : يمكن أن يقال : أنه يكفي تعدد الدال والمدلول ... الخ ».

15 - قوله : « قلت : يمكن أن يقال : أنه يكفي تعدد الدال والمدلول ... الخ ». (1)

يعني يمكن الجواب باختيار كل من الشقين :

امّا على الاول : فبالتغاير الاعتباري ، حيث انّ لذلك اللفظ اعتبارين : أحدهما : من حيث كونه صادرا عن المتكلم ، وثانيهما : من حيث كونه بنفسه وجودا من الوجودات قد حكم عليه بشيء ، فيكون بالاعتبار الثاني مدلولا له بالاعتبار الاول.

ودعوى : انّ للمخاطب انتقالين : أحدهما الانتقال الى اللفظ ، وثانيهما الانتقال الى معناه منه ، ويكون ما هو المتعقل في ذهنه بالانتقال الثاني هو المعنى - وهو غير موجود - لا الاول كما انّه الموجود ؛ مسلّمة.

ولكنها مدفوعة : بتحقق الجهتين في شخص اللفظ المسموع ، أحدهما بما هو موجود في ذهنه بلا التفات الى غيره ، وثانيهما بما هو صادر عن المتكلم.

والاول هو المحكي اعتبارا.

وامّا [ على ] الثاني (2) فيتوقف بيانه على دقيقة وهي : انّ القاء اللفظ :

تارة : يكون بنحو الحكاية وكشفه عن معناه ، ويكون من هذه الجهة مرآة حاكيا عنه غير ملحوظ الوجود في نفسه وغير محكوم عليه بحكم من هذه الجهة ،

ص: 63


1- كفاية الاصول : 29 ؛ الحجرية 1 : 13 للمتن و 1 : 14 العمود 2 للتعليقة.
2- الشق الثاني هذا ، هو المشار اليه بقول الآخوند : « مع أنّ حديث تركب القضية من جزءين ... الخ » بعد سطرين في الكفاية.

بل يكون وجوده فانيا في معناه نحو فناء المرآة في المرئي.

واخرى : يجري المعنى به ؛ وبعبارة اخرى : يكون وجوده بما هو لفظ عين تحقق المعنى به ، فيكون وجوده الاستقلالي وجودا حقيقيا للمعنى [ لا ] (1) لفظيا له.

بيانه : انّ طريق افادة المقاصد واظهارها على أنحاء : فتارة : يكون بالاشارة ؛ واخرى : يكون بالكتابة ؛ وثالثة : يكون باحساس الوجود العيني للمقصود بالنسبة الى المخاطب ، كما لو وضعت النار على يد الأعمى في مقام افادة حرارتها فانّه بمجرد الاحساس يفهم الحرارة ؛ ورابعة : باللفظ الموضوع ، غاية الامر تكون الدلالة بغير اللفظ والكتابة طبيعية أو عقلية ، وبهما وضعية ، فاذا أحسّ واقع المقصود باحدى الحواس كان [ من ] وجوه الافادة والاستفادة.

فليعلم : انّ المقصود والموضوع اذا كان من الالفاظ فالتلفظ به خارجا احساسه بالسمع ، فاذا صار محسوسا بالسمع فيحكم عليه بحكم من الاحكام اللفظية بلا توسيط حاك عنه ، وحينئذ فالقضية المعقولة مشتملة على ثلاثة أجزاء وكذا ما يطابقها من الوجود العيني ؛ وامّا اللفظ فهو خال عن الموضوع ، ولا بأس به ، حيث انّ المستحيل تركب القضية المعقولة من جزءين ، لا اللفظية كما هو واضح.

ثم انّ الصواب الجواب بهذا الوجه لا الوجه الاول ، لأنه لو اريد من اللفظ شخص نفسه على نحو الحكاية لزم النظر الى شيء واحد في آن واحد فانيا واستقلاليا ؛ وبعبارة اخرى : حرفيا واسميا ، وهو محال.

بيان اللزوم : انّ اللفظ حين استعماله في شيء يكون النظر اليه فانيا في

ص: 64


1- في الاصل الحجري ( ولا ).

المستعمل فيه ، والنظر الاستقلالي انما هو بالنسبة الى المستعمل فيه ، وانما اللفظ في هذا النظر آلة للحاظه حتى يصير وجوده حينئذ وجودا للمعنى ، ولذا يصير مستهجنا ومستحسنا باستهجانه واستحسانه كما هو واضح. فاذا جعل المستعمل فيه شخص اللفظ الصادر لزم النظر اليه اسميا من هذه الجهة وحرفيا من حيث كونه مستعملا ، والحال انّه لا بد من المغايرة بين الوجود الحاكي والوجود المحكي عنه ، كالصورة المرآتية مع ذيها كما لا يخفى.

ثم انّ اطلاق اللفظ وارادة طبيعته منه يتصور فيه الوجهان المذكوران ، فتارة : يراد منه الطبيعة بما هي محكية به [ فيكون ] (1) المحمول حينئذ محكوما به على الطبيعة ويسري الى الفرد بما هو فرد لهما ، واخرى : بما هو وجود حقيقي للطبيعة وتتحد الطبيعة معه وجودا ، لا بما هو حاك.

16 - قوله : « لكن الاطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست كذلك ... الخ ».

16 - قوله : « لكن الاطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست كذلك ... الخ ». (2)

الثاني مفتقر الى عناية زائدة عن الاول وهي : ملاحظة القاء خصوصيات شخص ذاك اللفظ بعد ملاحظة الطبيعة ، بخلافه ، لعدم احتياجه - مضافا الى ملاحظة الطبيعة والحكم عليها - الى شيء آخر ولحاظ زائد كما لا يخفى ، ولكن الصواب ما عرفت.

17 - قوله : « فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه ».

17 - قوله : « فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه ». (3)

حيث انّ محل النزاع هي الارادة الشخصية المتحقق بها الاستعمال ، لا مفهومها ، فلو اخذت في المستعمل فيه لزم الدور.

ولا يكاد يجدي أخذ اللحاظ السابق على الاستعمال بعين هذا المحذور ،

ص: 65


1- في الاصل الحجري ( يكون ).
2- كفاية الاصول : 31 ؛ الحجرية 1 : 16 للمتن و 1 : 16 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 31 ؛ الحجرية 1 : 16 للمتن و 1 : 16 للتعليقة.

للزوم المطابقة بينهما ، مع استلزامه عدم لحاظ المستعمل فيه بتمامه قبل الاستعمال ، لانّ الملحوظ فيه ذات المعنى والمستعمل فيه انما هو المقيد - كما لا يخفى - وصار الموضوع له في عامة الالفاظ خاصا بعد ما عرفت انّ المأخوذ في معانيها اشخاص الارادة لا مفهومها ، فتكون متضمنة للمعنى الحرفي المستلزم لكونها مبنية ، على ما هو القاعدة في النحو من كون الاسم المشبّه بالحروف مبنيا ، فتدبر.

18 - قوله : « بل ناظر الى أنّ دلالة الالفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية ».

18 - قوله : « بل ناظر الى أنّ دلالة الالفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية ». (1)

اعلم : انّ مراتب دلالة اللفظ ثلاثة :

احداها : تصورية ، وهي خطور المعنى وانسباقه الى ذهن السامع بمجرد سماع اللفظ.

وثانيها : دلالته على ارادة المتكلم لمعناه بحيث يصير سببا لتصديق السامع بارادته ، وتسمى هذه دلالة تصديقية.

وثالثها : دلالته على النسبة الكلامية لما في الخارج من النسبة العينية ، وبعبارة اخرى : دلالته على تحقق المعنى في الخارج ، وتسمى تصديقية أيضا.

ثم انّه لا بد في دلالة شيء على شيء من مناسبة وعلقة بينهما توجب حكايته عنه ، وهي : امّا ذاتية كصورة المرآة الحاكية عن المرئي ؛ وامّا جعلية وضعية كما في اللفظ بالنسبة الى معناه ، حيث انّ السنخية الذاتية بين اللفظ والمعنى مفقودة فيحتاج الى سنخية جعلية.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الدلالة الخطورية يكفي فيها مجرد وضع اللفظ ، مع العلم به ، ولو لم يكن اللافظ قاصدا وشاعرا للمعنى بل ولا اللفظ ؛ ويتحقق في

ص: 66


1- كفاية الاصول : 32 ؛ الحجرية 1 : 16 للمتن و 1 : 16 للتعليقة.

المفرد والمركب كما هو واضح ؛ ولا يكون ذلك غرضا للوضع لوضوح انّه للتفهيم واظهار المقاصد بالنسبة الى المخاطبين ، لا لمجرد خطور المعاني في الذهن وان لم يكن عن اللافظ الشاعر.

وامّا الدلالة التصديقية بكلتا مرتبتيها فلا يكفي فيها مجرد ذلك ، لعدم تحقق السنخية المعتبرة بين اللفظ والوجود الذهني أو العيني بهذا المقدار ، بل لا بد في التصديق بالارادة - مضافا الى ذلك - من امور ، منها العلم بشعور المتكلم بالنسبة الى اللفظ والمعنى وانّه بصدد البيان واظهار مقصوده ؛ وفي التصديق بمطابقة المراد للخارج لا بد - مضافا الى ما ذكر - من كون المتكلم معصوما من الكذب ، أو من قرينة اخرى موجبة للعلم بصدق كلامه ولو كان ذلك تواطؤ المخبرين على ذلك ؛ فاذا حصلت المقدمات الاولى تمت الدلالة أولا بالنسبة الى الارادة ثم بعد تمامية المقدمات الثانية حصل التصديق بالمطابقة.

ثم من المعلوم انّ الدلالة على شيء في مقام الاثبات متوقفة على ثبوت ذلك الشيء في نفسه نوع توقف الكاشف على المكشوف ، حيث انّ الكاشف الواقعي يتوقف على المكشوف الواقعي وبنظر [ شخص ] (1) يتوقف على ثبوته بنظره ولو كان جهلا مركبا واقعا ، غاية الامر الدلالة الكذائية لا تكون واقعا بدلالة بل يتراءى أنّها دلالة ، فتكون واقعا ضلالة وجهالة.

اذا عرفت ما ذكرنا فظهر : انّ القول بتبعية الدلالة التصديقية للارادة مطلب واقعي حقيق بالتصديق ولا ربط له بأخذ الارادة في الموضوع له.

ويكشف عنه - مضافا الى وضوحه في نفسه - عدم ثبوته إلاّ في المركبات ، وافتقاره الى شعور المتكلم وكونه بصدد البيان والافادة. نعم وضع اللفظ لمعناه في

ص: 67


1- في الاصل الحجري ( احد ).

نفسه له دخل في التصديق بارادة خصوصه ؛ فهذه الدلالة لا وضعية وحدها ، ولا عقلية كذلك ، بل تكون مركبة منهما حيث انّ سبب هذه الدلالة - التي لا تكون إلاّ في المركبات - يتركب من الوضع ومقدمات اخرى منها الاستعمال ، فاستنادها الى الوضع يكون نظير استناد المعلول الى جزء العلة ؛ فمن هنا قيل في المقام أنّ الدلالة تابعة للوضع ، وفي مقام آخر انّها تابعة للارادة مع صحة كل منهما في نفسه كما عرفت.

19 - قوله : « وتتفرع عليها تبعية مقام الاثبات للثبوت ».

19 - قوله : « وتتفرع عليها تبعية مقام الاثبات للثبوت ». (1)

وليعلم انّ الارادة المتوقف عليها الدلالة مقامين :

مقام الاثبات وهو احرازها.

و [ مقام ] الثبوت ، وهو نفس وجودها واقعا.

وقد جعل الموقوف عليه هو الثاني ، وقد عدل عما قيل بأنّ الموقوف عليه هو الاول ، لكونه مستلزما للدور حيث انّ احراز الارادة يتوقف على الدلالة فلو توقفت عليه لدار. نعم يمكن ان يفرّق بالاجمال والتفصيل ، بأن يكون الموقوف على الدلالة هو احراز الارادة تفصيلا والموقوف عليه هو احرازها اجمالا ، لاجل احراز كون المتكلم بصدد افادة المقصود ، فلا دور حينئذ ، فتدبر.

ص: 68


1- كفاية الاصول : 32 ؛ الحجرية 1 : 16 للمتن و 1 : 15 العمود 1 للتعليقة.

وضع المركبات

20 - قوله : « لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ».

20 - قوله : « لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ». (1)

التحقيق أن يقال : كلما كان من المعاني المقصودة من المركبات في مقام افادتها للسامع لا يكفي في استفادتها وضع المفردات ، فلا بد من اثبات وضع لفظ لها بذاته أو بهيئته وبخصوصيته الطارئة عليه من الإعراب أو التعريف أو تقديم ما حقه التأخير ونحوها.

بيان ذلك : انّ المعاني المفردة يكفي فيها وضع المفردات ، لافادتها تصورها ، ولكنه لا يجدي في مقام الافادة لما عرفت من عدم تعلق الغرض في ذاك المقام إلاّ بالمعاني المركبة ، وأقل ما يحصل منه التركيب والارتباط هو النسبة الحقيقية. والموضوع له نوعا بالوضع الحرفي هيئة الفعل وهيئة الجملة الاسمية ؛ وامّا هيئة المشتقات الاسمية فالحق انّه لا يكفي فيها حيث انّها دالة على النسبة الناقصة ، وبعبارة اخرى : على عنوان بسيط منتزع من الذات باعتبار تلبسه بمبدإ ما.

وامّا النسبة المفيدة لفائدة الخبر فالقالب اللفظي لها ما عرفت من الهيئتين ، والدال على خصوصيات النسبة من الفاعلية والمفعولية بأقسامها ، والاضافية ، والحصر ، والتأكيد ، ونحوها.

ص: 69


1- كفاية الاصول : 32 ؛ الحجرية 1 : 16 للمتن و 1 : 15 العمود 1 للتعليقة.

امّا الهيئة الخاصة المشتملة على الإعراب وتقديم الخبر والتعريف أو تلك الخصوصيات وضعا أو علامة ، على جهتين في الحرف.

ثم بعد استفادة المجموع المركب من معاني المفردات بخصوصيتها المذكورة - من مجموع الالفاظ المفردة التي يحصل منها التركيب بخصوصياته على نحو التوزيع وتعدد الدال والمدلول - فلا حاجة الى ثبوت وضع للمجموع المركب من المفرد والهيئة من حيث هو كذلك للمجموع المركب من المعاني بما هو كذلك ، لانّ الوضع ان كان بلا غرض الافادة والاستفادة فيلزم اللغو ، وان كان لذلك فان كان لعين تلك الاستفادة التي يحصل من وضع المفردات فيلزم تحصيل الحاصل ، وان كان لغيرها فيلزم استفادة المركب مرتين : تارة : من وضع المفردات ، واخرى : من وضع المركب ، وكل ذلك باطل ، فثبوت وضع على حدة للمركب المذكور باطل.

وامّا الثمرة المترتبة عليه من ثبوت المجاز في المركب - كما في الاستعارة التمثيلية - فهو على تقدير كونه مجازا في المركب فيكفي فيه وضع المفردات ، فتدبر حتى يظهر لك حقيقة الحال.

ولعل القائل بالوضع في المركب انما أراد منه وضع الهيئة التركيبية مضافا الى وضع المفردات ، لا المجموع المركب منها على ما عرفت.

ص: 70

أمارات الوضع أو علائم الحقيقة والمجاز

21 - قوله : « والتفصيل : انّ عدم صحة السلب عنه ... الخ ».

21 - قوله : « والتفصيل : انّ عدم صحة السلب عنه ... الخ ». (1)

هذا فيما اطلق اللفظ - بما كان له من المعنى الموضوع له ارتكازا - على معنى كلي يشك تفصيلا انّه عين معناه أو غيره وقد اطلق عليه مجازا ، فبعدم صحة السلب يستكشف انّه عينه.

ولكنه يرد عليه : انّه ان اريد الحمل الذي كان بين المترادفين من حمل الشيء على نفسه كما يقال : « الانسان بشر » فمع انّه غير صحيح ، مستلزم للدور وهو غير مرتفع بما يأتي من الجواب كما لا يخفى.

وان اريد الحمل الذي كان بين الحد والمحدود فهو لا يجدي في استكشاف نفس الموضوع له ، وان كان يجدي في تعيين الحقيقة والطبيعة المفترقة معه بالاجمال والتفصيل كما يقال : « الانسان حيوان ناطق ».

22 - قوله : « وبالحمل الشائع الصناعي ... الخ ».

22 - قوله : « وبالحمل الشائع الصناعي ... الخ ». (2)

كما فيما اذا اطلق اللفظ باعتبار معنى كلي على الجزئي من باب اطلاق الكلي على الفرد مع الشك في انّه من مصاديقه الحقيقية أو المجازية ، ولكن يكون

ص: 71


1- كفاية الاصول : 34 ؛ الحجرية 1 : 17 للمتن و 1 : 20 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 34 ؛ الحجرية 1 : 17 للمتن و 1 : 17 للتعليقة.

الشك :

تارة : لاجل التردد في نفس ذاك الكلي كما لو اطلق ( الانسان ) باعتبار الحيوان الناطق على ( زيد ) بحيث يكون الشك في زيد لاجل عدم احراز الحيوان الناطق ، وحينئذ لا بد أن تحمل العلاقة في نفس الكلي بالحمل الأوّلي.

واخرى : لاجل الشك في نفس المصداق الجزئي وعدم احراز حاله بنفسه كما لو اطلق ( الانسان ) بالاعتبار المذكور على البليد مع الشك في انّه من مصاديق الحقيقة للحيوان الناطق أم لا ، وحينئذ يستعلم الحال في نفس الجزئي بالحمل الشائع ، فلا وجه للكلية كما لا يخفى.

23 - قوله : « ثم انّه قد ذكر الاطّراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا ».

23 - قوله : « ثم انّه قد ذكر الاطّراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا ». (1)

والمراد من الاطّراد : أن يستعمل اللفظ باعتبار معنى على مورد خاص ويكون كلما تحقق ذاك المعنى في هذا المورد أو في غيره يصح الاطلاق ؛ وعموم صحة الاطلاق بهذا الاعتبار عبارة عن الاطّراد ، كما لو اطلق ( الرجل ) بلحاظ الرجولية على ( زيد ) فانّه باعتبار معنى الرجولية يصح الاطلاق في جميع الموارد ، فيكشف عن كون لفظ الرجل حقيقة في تلك الطبيعة دون اطلاق ( الحمار ) باعتبار البلادة على ( زيد ).

والمراد من عدم الاطّراد ان لا يكون الاطلاق على مورد بلحاظ معنى مطّردا في جميع الموارد ، كما في اطلاق ( الاسد ) على ( زيد ) بلحاظ علاقة المشابهة ، فانّه لا يطّرد بلحاظ طبيعة أشباهه في جميع الموارد كما لا يخفى.

ص: 72


1- كفاية الاصول : 34 ؛ الحجرية 1 : 17 للمتن و 1 : 17 للتعليقة.

الحقيقة الشرعية

24 - قوله : « التاسع : انّه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على أقوال ».

24 - قوله : « التاسع : انّه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على أقوال ». (1)

اعلم : إنّ موضوعات الاحكام الشرعية على أقسام ثلاثة : خارجية محسوسة كالغنم ونحوها ، واعتبارية عرفية يرجع في تعيينها الى العرف كالبيع ونحوه ، ومخترعة شرعية.

وانما النزاع في الالفاظ المستعملة في لسان الشارع في القسم الثالث ، فبناء عليه لا يجري النزاع على ما نسب الى الباقلاني (2) من انكار المخترع الشرعي أو استعمال اللفظ فيه ، بل الالفاظ انما هي مستقلة في المعاني اللغوية حيث انّ هذا النزاع انما يجري بعد تسليم هاتين المقدمتين كما لا يخفى.

25 - قوله : « فدعوى الوضع التعييني في الالفاظ المتداولة في لسان الشارع ».

25 - قوله : « فدعوى الوضع التعييني في الالفاظ المتداولة في لسان الشارع ». (3)

بملاحظة مئونة وتتبع حال كل من كان من أهل الصنائع وجاعل القوانين وحكمة وضع اللفظ ، فانهم بملاحظة الحكمة لا يزالون يضعون الالفاظ المستعملة عندهم في المعاني المصطلحة المخبر عنه عندهم تسهيلا للامر في مقام الإخبار عن

ص: 73


1- كفاية الاصول : 35 ؛ الحجرية 1 : 18 للمتن و 1 : 18 للتعليقة.
2- التقريب والارشاد الصغير 1 : 387 باب : القول في ان جميع اسماء الاحكام والعبادات لغوية غير مغيّرة ولا منقولة.
3- كفاية الاصول : 36 ؛ الحجرية 1 : 18 للمتن و 1 : 18 للتعليقة.

المعاني المصطلحة عندهم ؛ وحيث انّ الشارع في مخترعاته كان كأحدهم في اطلاق اللفظ استعمالا ووضعا ، فيقطع بوضع الالفاظ المستعملة عنده فيها.

26 - قوله : « في خصوص لسانه ممنوع ، فتأمل ».

26 - قوله : « في خصوص لسانه ممنوع ، فتأمل ». (1)

لعل وجهه : انّ مجرد ثبوت الوضع في زمانه - أعم من كونه في لسانه أو لسان متابعيه - لا يجدي في ثبوت الحقيقة الشرعية ، حيث انّه عبارة عن الوضع المستند الى الشارع في مخترعاته.

27 - قوله : « إلاّ على القول بالأصل المثبت ».

27 - قوله : « إلاّ على القول بالأصل المثبت ». (2)

هذا ، مضافا الى العلم الاجمالي بكون بعض الاستعمالات قبل الوضع ، فتتعارض أصالة تأخر الاستعمال في كل منهما مع الاصل في الآخر.

28 - قوله : « لا في تأخره ، فتأمل ».

28 - قوله : « لا في تأخره ، فتأمل ». (3)

لعل وجهه : انّ أصالة عدم النقل على فرض جريانها لا تجدي في اثبات تقدم الاستعمال عليه :

امّا أولا : فللعلم الاجمالي بكون بعض الاستعمالات بعده ، فيتعارض الاصل في كل منهما مع الاصل في غيره.

وامّا ثانيا : فلأنّ تقدم الاستعمال عليه من لوازمه الاتفاقية ، وليس بناء العقلاء على العمل بالمثبت فيها ولو كان متحققا في الملازمات العقلية والعادية.

وامّا ثالثا : فلأنّ ثبوت استعمال اللفظ قبل النقل ليس بموضوع للاثر الشرعي بنفسه. نعم يكون حاكيا عن المعنى الذي يكون موضوعا له ؛ ومن المعلوم انّ مجرد اثبات الحاكي لما هو الموضوع شرعا للآثار بالاصل مشكل ولا أقل من عدم احراز بناء العقلاء على العمل عليه ، وهو كاف في عدم الحجية كما هو واضح.

ص: 74


1- كفاية الاصول : 37 ؛ الحجرية 1 : 18 للمتن و 1 : 18 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 37 ؛ الحجرية 1 : 19 للمتن و 1 : 18 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 37 ؛ الحجرية 1 : 19 للمتن و 1 : 19 للتعليقة.

الصحيح والأعم

29 - قوله : « وفي جريانه على القول بالعدم اشكال ».

29 - قوله : « وفي جريانه على القول بالعدم اشكال ». (1)

لا يخفى : انّ تصويره حينئذ في الحقيقة الشرعية ولو في زمان الصادقين علیهماالسلام بمكان من الامكان ؛ وكذا بناء على كون هذه الالفاظ في هذه المعاني حقائق لغوية بناء على ثبوت حقائق العبادات في الشرائع السابقة ووضع هذه الالفاظ لها ، غاية الامر الاختلاف في الكيفية مع هذا الشرع كالاختلاف في نفس هذه الشريعة بالنسبة الى الحالات والاشخاص.

30 - قوله : « وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره : انّ النزاع ... الخ ».

30 - قوله : « وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره : انّ النزاع ... الخ ». (2)

بأن يقال : انّه جرت عادة الشرع واستقر بناؤه على استعمال هذه الالفاظ مع العلاقة في واحد من الصحيح أو الأعم بنحو تكون تلك العادة قرينة نوعية منه على ارادة ذاك المعيّن عند القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي ، بحيث لو أراد غير ذاك المعين لكان مع نصب قرينة شخصية معينة له حينئذ ، فمع عدم قرينة شخصية لا بد أن يحمل على الاول بالقرينة العادية النوعية ، ثم بعد احراز ذلك البناء يبحث عن القرينة النوعية هل هو في الصحيح او في الأعم؟ وأما مع عدم احراز ذلك البناء فلا مجال لهذا النزاع كما لا يخفى.

ثم عند القرينة الشخصية :

ص: 75


1- كفاية الاصول : 38 ؛ الحجرية 1 : 19 للمتن و 1 : 19 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 38 ؛ الحجرية 1 : 19 للمتن و 1 : 19 للتعليقة.

فيمكن أن تلحظ العلاقة بين ذاك المعنى غير العادي وبين المعنى المجازي النوعي حتى يصير الاستعمال من قبيل سبك المجاز عن المجاز كما هو ظاهر عبارة المصنف في المتن.

ويمكن أن تلحظ بينه وبين المعنى اللغوي ابتداء حتى لا يحتاج الى سبك المجاز عن المجاز.

ولكن الظاهر هو الثاني ، لعدم احتياجه في مقام الاستعمال إلاّ الى عناية واحدة وهو لحاظ العلاقة بين المستعمل فيه وبين المعنى اللغوي أو بين المجاز الاول ، والثاني بين المجازيين كما لا يخفى. ولا فرق في كلا الوجهين بين كون العلاقة بالنسبة الى المعنى المخالف للاصل أضعف بالنسبة الى العلاقة الاوّلية ، أم لا.

31 - قوله : « وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نسب الى الباقلاني ».

31 - قوله : « وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نسب الى الباقلاني ». (1)

حيث انّه بعد قوله باستعمال هذه الالفاظ في المعاني اللغوية لا ينكر كون المطلوب الشرعي مركبا أو مقيدا ، فلا بد من نصب قرينة دالة على باقي القيود والاجزاء. (2)

فان كانت الدلالة بتعداد باقي القيود تماما أو بعضا فلا اشكال.

وان كانت على انّ المطلوب هو المركب أو المقيد في الجملة بلا تعداد في البين ، فحينئذ يمكن أن يقع النزاع في انّ القرينة المنضبطة - ولو كانت هي البناء الشرعي - هل هي بالنسبة الى الصحيح أو الأعم؟ أو لا بناء في البين؟ فيختلف بحسب الموارد ، فلا يكون أحدهما أصلا كي يحمل عليه عند الشك في المراد في

ص: 76


1- كفاية الاصول : 38 ؛ الحجرية 1 : 19 للمتن و 1 : 20 للتعليقة.
2- التقريب والارشاد الصغير 1 : 395.

مورد الاستعمال.

ثم على تقدير جريان النزاع بناء عليه انما هو مجرد التصوير ، لا انّه داخل في عنوان نزاع الاصوليين من كون ألفاظ العبادات هل هي أسامي للصحيحة أو للأعم ، حيث انّها بناء عليه ليس مستعملا إلاّ في المعنى اللغوي ، فيكون محل النزاع في القرينة لا فيها كما هو واضح لا يخفى.

32 - قوله : « لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الانظار ».

32 - قوله : « لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الانظار ». (1)

أي مصاديقه ومحققاته ، وإلاّ فنفس مفهوم الصحة - وهو التمامية من حيث الاجزاء والشرائط بحيث يترتب عليه الآثار - ومفهوم الفساد وهو عدم التمامية كذلك لا يختلفان بالانظار كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر انّ التقابل بينهما انما هو تقابل العدم والملكة لا التضايف كما توهم من عبارة المتن [ من قوله ] : « انّ الصحة والفساد أمران اضافيان ».

وكونهما اضافيين - مع انّه ليس بمعنى التضايف - انما هو نظرا الى المصاديق من حيث انّ كلا منهما يختلف بحسب الانظار وبحسب الاشخاص ، فربّ صلاة تكون صحيحة [ لشخص ] (2) وفاسدة بالنسبة الى آخر ، أو بحسب الحالات لشخص واحد من الحضر والسفر ، أو بحسب الأزمان كالصلاة المشروعة في هذا الشرع معها في الشرائع السابقة بناء على كونها حقيقة واحدة وانّ الاختلاف بحسب الكيفية.

ثم لا يخفى انّه لو لا كون النزاع في المعنى العرفي للصحة - وهو التمامية كما عرفت بل فيما ذكره الفقهاء في تعريفه وهو اسقاط القضاء والاعادة - لأشكل الامر فيه ، حيث انّ الصحة بذاك المعنى انما تتوقف على الامر ، وما هو كذلك لا

ص: 77


1- كفاية الاصول : 39 ؛ الحجرية 1 : 19 للمتن و 1 : 20 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( لواحد ).

يمكن اعتباره في مقام التسمية المقدم على مقام الطلب كما هو واضح ، فلا بد أن يكون النزاع في المعنى الذي عرفت.

33 - قوله : « ومنها : انّه لا بدّ على كلا القولين من قدر جامع في البين ».

33 - قوله : « ومنها : انّه لا بدّ على كلا القولين من قدر جامع في البين ». (1)

لوضوح عدم ذهاب كل منهما الى الاشتراك اللفظي بل الى المشترك المعنوي فلا بد من تصوير قدر مشترك أولا ثم اثبات كونه هو الموضوع له ثانيا.

وتصويره (2) بناء على الصحيح - بعد العلم بترتيب الشارع بعض الآثار على جميع افراد الصلاة من كونها ناهية عن الفحشاء ومعراجا للمؤمن وعمودا للدين وغيرها من الآثار ، مع العلم بأنّها بوحدتها لا يمكن استنادها الى الشتات بجهاتها المختلفة لعدم استناد الواحد الى المختلفات بما هي كذلك لاستلزامه عدم المناسبة والسنخية بين العلة والمعلول المخالف للبداهة والوجدان ، بل الى الجامع المشترك بين المصاديق - ممكن.

ولا يلزم العلم به تفصيلا في مقام التسمية والوضع ، بل تكفي الاشارة اليه اجمالا ، لما عرفت من كفاية تصور الشيء بوجه ما في هذا المقام ، وحينئذ فيشار اليه بتلك الآثار أو بعنوان المطلوب والمبرئ للذمة ونحوها ، فيكون الملحوظ اجمالا حين الوضع ما هو المؤثر واقعا ، الساري في جميع الافراد ، ويكون الموضوع له نفس ذلك حتى يكون الوضع والموضوع له عامّين ، أو مصاديقه ، على خلاف التحقيق من كون الوضع عاما والموضوع له خاصا.

ومما ذكرنا من ملاحظة المعنى العام الساري في جميع المصاديق ولو اجمالا ظهر انّه لا وجه - بناء على الصحيح - للقول بالاشتراك اللفظي أو اختصاص الوضع ببعض المصاديق دون بعض.

ص: 78


1- كفاية الاصول : 39 ؛ الحجرية 1 : 19 للمتن و 1 : 21 العمود 1 للتعليقة.
2- يأتي خبره بعد عدة سطور وهو قوله : « ممكن » في نهاية الفقرة.

كما انّه اذا انضمّ الى ذلك : انّ المراد من التعبير عن الجامع بالمطلوب وغيره بيان ما صدقت عليه تلك العناوين بالحمل الشائع ، لا الاتحاد المفهومي - ويكون تصويره محض الاشارة به الى ما هو الموضوع له بنفسه أو بمصاديقه - ظهر سقوط ما اورد على الصحيحي بلزوم كون الصلاة متحدة مع مفهوم المطلوب ، وهو خلاف الوجدان ، مع لزوم الدور في مثل قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (1) لتوقف تحقق موضوعه - وهو المطلوب - على الامر المتوقف على تمامية موضوعه مع قطع النظر عنه كما لا يخفى ؛ حيث أنك عرفت انّ الموضوع له ما صدق عليه بالشائع لا نفس مفهومه.

وامّا توهم انّ الجامع لا يخلو :

امّا أن يكون مركبا ، فلا يكون جامعا للمصاديق الناقصة والزائدة بنحو يكون كل منها تمام وجود الجامع بلا زيادة ونقيصة ، حيث انّ كل مركب فرض من عدة اجزاء لا يطّرد في جميع الموارد ، فقد يكون المأمور به أنقص منه فلا يكون الجامع بتمامه موجودا ، وقد يكون أزيد منه فلا يكون ذلك بتمامه تمام وجود الجامع.

وامّا أن يكون بسيطا ، فيكون المركب الخارجي محصلا له ، لا نفسه ، كما في الطهارة الحاصلة من اجزاء الوضوء ، فلا بد من الالتزام بالاشتغال مطلقا على الصحيحي كما هو شأن الشك في المحصل في جميع الموارد ؛ والمحققون منهم قائلون بالبراءة.

فمدفوع : بأنّ الجامع يلتزم ببساطته حقيقة وماهية ، ولكن لا أن يكون مغايرا في الوجود مع الاجزاء الخارجية وحاصلة منها - كالطهارة - بحيث لا يصدق

ص: 79


1- سورة الانعام : 72.

عليها بالحمل الشائع ، بل كالطبائع النوعية المتحدة مع الاجزاء خارجا - كالمواليد مع العناصر الاربعة - بحيث تصدق عليها بالحمل الشائع ، ويكون وجودها عين وجودها ، ويكون قوام وجودها بمجموع الاجزاء ؛ وبعد ما كان وجود الطبائع النوعية عين وجود الاجزاء فيكون الامر بها بحسب الوجود الخارجي عين الامر بها ؛ فاذا شك في جزئية شيء للمركب الخارجي يكون شكا في نفس ما هو المأمور به بحسب قلة الافراد وكثرتها ، لا فيما هو محصله كما لا يخفى. وبناء على القول بكون الموضوع له خاصا فالامر واضح.

فالحاصل : انّه بناء على المذهب الصحيحي يكون الجامع المشار اليه اجمالا نظير العناوين الانتزاعية عن حقيقة المأمور به من مثل مفهوم الغصب ونحوه في كونها حدا لما هو المأمور به حقيقة ، وتكون متحدة في جميع الافراد من جهة وحدة الاثر ؛ ولا يضر في اتحادها معها سريانا زيادتها ونقصانها اجزاء وشرائط ، ولا في بساطتها تباينها اجزاء ، وان كان قوام وجودها بالمتباينات كما في الحقائق الخارجية من المعدنيات والنباتات ونحوها فانّها مع تباين اجزائها حقيقة - من العناصر الاربعة - واحدة بحسب صورها النوعية وكانت تلك الصور متحدة مع نفس الاجزاء ومتقومة بها بحيث لو لا واحدة منها لارتفعت الصورة النوعية ، فكذلك في المركبات الاعتبارية يكون في الواقع صورة نوعية اعتبارية مؤثرة في الحسن والقبح - بناء على كونهما بالوجوه والاعتبارات - وقائمة بالاجزاء والشرائط ومتحدة معها عند تأليفها بوجه خاص ، فحينئذ يكون الشك في الاجزاء والشرائط عين الشك في الحقيقة المأمور بها ، لا في تحصيلها ، فتبتني البراءة على جريانها في الاجزاء الارتباطية وعدمه.

فان قلت : انّ ما ذكرت - من الاشارة الى الجامع بالاثر الذي هو النهي عن الفحشاء ونحوه - لعله يكون أعم من الصحيحة ، باحتمال وجوده في بعض الافراد

ص: 80

الفاسدة أو في بعض العبادات الاخرى ، فلا ينكشف منه معنى يكون جامعا ومانعا.

قلت : أولا : الظاهر من الاخبار انحصار مثل هذا الاثر بالصلاة ، فاذا انضم اليه القطع بعدمه في الفاسدة ينتج الجامع المانع.

و [ ثانيا : ] على تقدير تسليمه نقول : انّه بعد الاتفاق بين الصحيحي والأعمي على أنّ الصلاة بمعنى غير شامل للعبادات الاخرى ، فاذا تعلق الامر بها بعنوانها فلا بد بحسب نفس الامر أن يتعلق بخصوصية شاملة للافراد الصحيحة ومانعة من الفاسدة ، وتكون تلك الخصوصية امّا معنى مساويا لمعنى الصلاة بناء على الصحيحي ، أو الاخص منها على الأعمي ؛ ومن المعلوم انّه بعد انضمام تلك الخصوصية [ الى عنوان ] (1) الصلاة الواقعي يستكشف المعنى الجامع للافراد الصحيحة والمانع عن غيرها ؛ وان أبيت عن الاستكشاف فيستكشف عن مثل قوله علیه السلام : « بني الاسلام على خمس : الصلاة ... الخ » (2) كما لا يخفى.

34 - قوله : « احدها : أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة ».

34 - قوله : « احدها : أن يكون عبارة عن جملة من أجزاء العبادة ». (3)

أي مأخوذة لا بشرط كي تصدق الصلاة على مطلق المركب منها سواء كان واجدا لسائر الاجزاء والشرائط أم لا.

وفيه : مضافا الى عدم صدق الصلاة على صلاة المضطجع والمستلقي والغرقى وغيرهم وعدم صدق الجزئية لسائر الاجزاء ، انّه يلزم عليه عدم صدقها على الواجد لجميع الاجزاء والشرائط ، لكون المركب المشتمل عليها وعلى غيرها غير المشتمل عليها فقط.

ص: 81


1- في الاصل الحجري ( بعنوان ).
2- الكافي 2 : 18 - 21 باب دعائم الاسلام ، الحديث 1 ، 3 ، 5 ، 7 ، 8 ؛ الخصال : 277 الحديث 21.
3- كفاية الاصول : 40 ؛ الحجرية 1 : 20 للمتن و 1 : 21 العمود 2 للتعليقة.

ولا يجدي أخذها لا بشرط لانّ له معنيين :

أحدهما : معنى أخذ أحد المعنيين بنحو من الاتحاد مع الآخر ، بحيث يتحدان في الوجود الخارجي ، ويحمل كل منهما على الآخر ، ويكون التركيب بينهما تركيبا اتحاديا كما في الجنس والفصل.

وثانيهما : بمعنى أخذ أحد الشيئين بحيث لا يأبى عن صدقه على نفسه ولو اجتمع مع غيره وجودا على نحو الانضمام ؛ في مقابل ما أخذ بشرط لا ، بحيث لو اجتمع مع غيره لا يصدق على نفسه حين الاجتماع مع غيره.

ومن المعلوم انّ اعتبار اللابشرط في المركبات الخارجية الموجود كل منها بوجود على حدة انما هو بالمعنى الثاني ، وكلما اخذت اجزاء المركب كذلك لا يصدق الاسم الموضوع لبعض منها لا بشرط على المجموع المركب منه ومن غيره كما فيما نحن فيه بالنسبة الى الاركان لو قلنا بوضع لفظ ( الصلاة ) لها كما هو واضح.

35 - قوله : « ثانيها : أن تكون موضوعة لمعظم الاجزاء ».

35 - قوله : « ثانيها : أن تكون موضوعة لمعظم الاجزاء ». (1)

أو لجملة من الاجزاء لا على التعيين ، ولكن بحيث تقوم بها الهيئة العرفية.

ويختلف ما به قوام الهيئة بحسب الموارد ، فقد يقوم بأزيد أو أنقص ، نظير المركبات الخارجية من مثل البيت وغيره ، فانّه لا شك في اختلاف اجزاء البيت من الاركان والجدران والابواب والاخشاب وغيره بحسب اختلاف وجوده بحسب الامكنة والموارد.

ولكنه لا يخفى انّ المراد من جملة من الاجزاء :

لو كان هو مصداقا منها ، فلا يخفى ورود ما ذكر في المتن بالنسبة الى معظم

ص: 82


1- كفاية الاصول : 41 ؛ الحجرية 1 : 20 للمتن و 1 : 22 العمود 1 للتعليقة.

الاجزاء عليه أيضا ، سواء كان المراد جملة معينة كالاركان ، أو غير معينة.

وامّا اذا كان المراد طبيعة جملة من الاجزاء لا على التعيين ولا بشرط بالنسبة الى الزيادة والنقيصة ، لا بأن تكون هذه الطبيعة وهذا المفهوم هو الموضوع له حتى يكون لفظ ( الصلاة ) مرادفا لهما ، بل بأن تكون تلك الطبيعة آلة اللحاظ ، مع الالتزام بكون الموضوع له هو المصاديق المختلفة قلة وكثرة بحسب الموارد ، أو بأن يستكشف من دوران الاسم عند العرف مدار تحقق طبيعة جملة من الاجزاء ؛ يتحقق (1) جامع مساو بحسب الصدق لتلك الطبيعة.

ولكنه يتوقف على أن تؤخذ تلك الطبيعة الكاشفة بنحو يجمع جميع شتات الصلاة الصحيحة حتى الغرقى أو نحوها والفاسدة بأقسامها ويمنع عن غير افراد الصلاة.

واحرازها بهذا النحو - مع احراز صدق الاسم عرفا في جميع مصاديق تلك الطبيعة بحيث يكشف عن وجود الجامع - بمكان من الاشكال.

وامّا في المركبات الخارجية الاعتبارية - من مثل البيت ونحوه - فيمكن أن يلتزم انّ الجامع طبيعته بسيطة من مثل ( المسكن ) ونحوه المتقوم بحسب الخارج بالهيئة المعهودة العرفية المؤتلفة من الجدران ونحوها ، ومثله غير معلوم فيما نحن فيه.

36 - قوله : « وفيه : انّ الأعلام انما تكون موضوعة للاشخاص ».

36 - قوله : « وفيه : انّ الأعلام انما تكون موضوعة للاشخاص ». (2)

وبعبارة اخرى : انها لم تكن موضوعة للبدن المحسوس بما هو مادة ، بل لما به فعليته و [ تحتفظ ] (3) به وحدته - مع اختلافاته وتبدلاته الواردة عليه - وهو

ص: 83


1- خبر « كان » الآنفة في أول المقطع.
2- كفاية الاصول : 41 ؛ الحجرية 1 : 20 للمتن و 1 : 22 العمود 1 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( يتحفّظ ).

الصورة باعتبار والنفس باعتبار [ آخر ] على ما هو التحقيق في محله من كونها متحدة مع الوجود الشخصي ، بل عينه ، وانما الاختلاف بحسب المفهوم.

وامّا فيما نحن فيه فليس في البين وجود شخصي يوضع له اللفظ ، بل كل ما فرض من الوجود ، يوجد بين الافراد وجود آخر يباينه بالكلية ، مع عدم كونه بنفسه ذا هوية واحدة شخصية كما لا يخفى.

37 - قوله : « رابعها : إنّ ما وضعت له الالفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الاجزاء والشرائط ».

37 - قوله : « رابعها : إنّ ما وضعت له الالفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الاجزاء والشرائط ». (1)

ان قلت : انّ عدّ وضع اللفظ بازاء الصحيح - مع مسامحة العرف في اطلاق اللفظ على غيره - من وجوه تصوير الجامع لا وجه له.

قلت : لعل الوجه هو انّه بعد المسامحة ينقل اللفظ الى الأعم ؛ أو انّ الموضوع له فيما نحن فيه ابتداء هو الأعم ؛ ويكون ذكر المسامحات العرفية في المركبات العرفية - لاجل تصوير الأعم - امّا لاجل المسامحة في الصحيح بجعل الفاسد من افراده ، أو لاجل استكشافه من المسامحة - الكاشفة عن ما به المشابهة - الجامع بين الصحيح والفاسد.

إلاّ أنّ الاشكال عدم مقياس معيّن فيما نحن فيه حتى يتسامح في اطلاق اللفظ الموضوع له على الزائد عنه والناقص كما في المركبات والمعاجين ، لكون الصحيح فيما نحن فيه ابتداء متعددا ، ولا يكون المشابه لواحد منها مشابها لغيره.

ومن هنا ظهر : انّ ما قيل : [ من ] انّ الصلاة مثلا على الأعمي موضوعة للافراد الصحيحة - المشار اليها بالعنوان الاجمالي - ولما يشابهها في الهيئة ، لا وجه له أيضا ، حيث انّ هيئات الصحيحة مختلفة [ و ] باختلافها يختلف افراد

ص: 84


1- كفاية الاصول : 42 ؛ الحجرية 1 : 23 للمتن و 1 : 23 للتعليقة.

المشابه لها في الهيئة فكلّ واحد من الهيئات لا يشمل غير ما يشابهه من سائر الافراد الفاسدة.

وان كان المراد هو مفهوم ما يشابه وجود طبيعة الصحيح في الهيئة - على اختلافها - فيلزم أن يكون اللفظ مشتركا لفظيا بين ذينك المفهومين.

وان جعل الموضوع له هو افرادهما فيصير الامر أشنع.

ولا يتوهم : انّه يستكشف الجامع حينئذ من وجه المشابهة بين طبيعة الصحيح وما يشابهها في الهيئة ، لمكان وجوده في طرفي التشبيه.

لأنّا نقول : لعل وجه المشابهة بين كل من الفاسد بالنسبة الى صحيحه هو خصوص هيئة الصحيح غير المطّردة في الموارد الاخرى.

ثم انّه قد تصدى بعض الافاضل من المعاصرين لاثبات الجامع بين الصحيح والأعم بنفس البرهان الذي اقيم على اثباته بين افراد الصحيح.

بيانه : أنّ تأثير المركب الصحيح في المركب الاعتباري - الذي ليس له وجود إلاّ وجودات الاجزاء - لا يستند إلاّ الى نفس وجوداتها المتعددة ، وتأثيرها لا بد أن يكون بجامع بينها موجود في ضمن كل منها كما يكون بين الكل ، لما نشاهد من اختلاف اجزاء المركب بحسب الموارد زيادة ونقيصة وتبدلا ، والمفروض انّ المركب ليس إلاّ نفس وجودات الاجزاء ، فان كان بينها جامع يستند اليه الاثر يكون ذلك قدرا مشتركا بينها وبين الكل ، فيكون هو الجامع بين الواجد والفاقد والصحيح والفاسد ، سواء قلنا بالتأثير الفعلي لكل واحد من الاجزاء - غاية الامر أضعف من أثر الكل - أو لا ، بل كان لها شأنية الاثر كما في الجماعة الرافعة للحجر باجتماعها فانّ كلا منهم لا يترتب عليه إلاّ شأنية الاثر ، وإلاّ فيلزم تأثير المختلفات بما هي كذلك في الواحد.

ولكنه توهم في غير محله ، لانّ المشاهد - بل اللازم - في المركبات

ص: 85

الخارجية اختلاف الاجزاء فيها كما في المواليد من المعدنيات والنباتات والحيوانات المركبة من العناصر الاربعة بما هي مختلفة مشتملة على صور نوعية وذات كيفيات متباينة من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وسائر أقسام المعاجين المشتملة على المزاج ، فانّه لو لا ذلك لما حصل بينها الكسر والانكسار ، فلا يحصل التركيب والامتزاج.

نعم قد تكون اجزاء المركب متماثلة متشابهة في الاثر كما في مقدار من السكنجبين الرافع للصفراء غير الحاصل بأقلّ منه ، وحينئذ حقيقة لا تركيب إلاّ مجرد الانضمام.

وكذا الحال في المركبات الاعتبارية فانّه قد تكون اجزاء المركب مختلفة في التأثير ، بل كل منها في حالة الانفراد عنه متعلق للغرض أو مبغوض ولكنها عند انضمامها تكون محبوبة ومتعلقة للغرض ، بل لا بد أن يكون الامر بين الواجد للشرط والفاقد له كذلك ، لاختلافهما في الوجود الخاص مع دخل الخصوصية الوجودية في الغرض ، وعند فقدانها لا يكون الفاقد كذلك قطعا [ من ] (1) الواجبات كما في الصلاة في حال الطهر والحيض.

نعم قد يكون اجزاء المركب ذات أثر مشابه لاثر الكل ، ولكنه غير لازم كما هو واضح ؛ وحينئذ فكيف يستكشف الجامع بين الاجزاء وبين الكل؟

فان قلت : بعد ما عرفت انّ الوحدة في المركبات الاعتبارية اعتبارية والكثرة حقيقية ، فكيف يستند التأثير الى الصورة الانضمامية؟ نعم لا بأس به في المركبات الحقيقية ، للوحدة الحقيقية الحاصلة للصورة النوعية التركيبية.

قلت : انّ الاثر في المركبات الاختراعية الاعتبارية [ هو ] الملاءمة والمنافرة

ص: 86


1- في الاصل الحجري ( في ).

بالنسبة الى القوى الحيوانية الجزئية ، والحسن والقبح بالنسبة الى العقل ؛ وهي قابلة الاستناد الى الاعتباريات ، لما تقرر في محله من اختلاف الملاءمة والمنافرة والحسن والقبح بالوجوه والاعتبار.

ولعل التوهم نشأ من انّ اللازم دخل وجودات الاجزاء - ولو في حصول الصورة النوعية - في المركبات الحقيقية ، والماهية الاعتبارية في المركبات الاعتبارية ؛ وبدون جامع مشترك بينها وبين الكل يلزم انثلام قاعدة عدم صدور الواحد عن الكثير ، وهو باطل ولو في الواحد الانتزاعي كما في منظومة السبزواري :

لانّ معنى واحدا لا ينتزع *** مما لها توحّد ما لم يقع (1)

ولكنه اشتباه قد حصل من عدم التميز بين الواحد البسيط الحقيقي - كما في الصادر الاول والمجردات - وبين الواحد الاعتباري المشتمل على جهات متكثرة كما في معلولات سجلّ الكون أو الوجودات المادية ، فانّ لكل موجود منها من جواهرها وأعراضها جهات متكثرة يحتاج من كل منها الى علة مباينة للعلة المحتاجة اليها جهاتها الاخرى ، فالعلة لا بد أن تكون مركبة من المادة والصورة والشرائط والمعد ومقتضي الوجود ، ولا يكون التأثير مستندا الى جهة جامعة بينها ، وإلاّ لزم الجزاف من عدّ واحد منها شرطا وآخر معدا وثالث مقتضيا ، ولزم صدور الكثير عن الواحد ، كما انّه لا يكون واحد من الجهات مستندا الى جميع اجزاء العلة وإلاّ لزم صدور الواحد عن الكثير ، بل لا بد من كل من جهات المعلول الى جزء من اجزاء العلة.

فما صدر عن الفاضل المتوهم - من عدم صدور أثر المركب عنه مع اختلاف

ص: 87


1- شرح المنظومة ( القسم الاول من الجزء الثاني ) : 104 ؛ والطبعة الحجرية ( قسم الفلسفة ) : 24 في : غرر في بيان الاقوال في وحدة حقيقة الوجود وكثرتها.

اجزائه - انما نشأ لاجل عدم تميز أقسام الوحدة ، وليس ذلك ببعيد لعدم اطّلاعه على المعقول. وعلى كل حال فقد ظهر عدم لزوم وجود الجامع بين الاجزاء من جهة وحدة الاثر في الكل.

وامّا الافراد الصحيحة فلا بد أن يكون بينها جامع ، لاشتراكها في الاثر.

فان قلت : لعل ذاك الاثر مشترك بين الصلاة الصحيحة والفاسدة ، بل غيرها من العبادات ، فكيف يستكشف منه قدر مشترك جامع ومانع؟

قلت :

أولا : انّ الظاهر من الأخبار كون النهي عن الفحشاء مستندا الى خصوص الصلاة وحدها ، ولا أثر منه في الفاسد منها أصلا.

وثانيا : بأنّه يستكشف من خصوص الامر الصلاتي - الممتاز عن غيره المردد بين الصحيح والأعم بالفرض - خصوصية جامعة لافراد الصلاة الصحيحة غير موجودة في الافراد الفاسدة ، لعدم تعلق الامر بها ، ولا في غير الصلاة لتميّز عنوان الصلاة عن غيره بالاتفاق.

وامّا احتمال كون الصلاة الصحيحة حقائق متباينة مشتركة في تعلق الامر بعنوان واحد ، فمندفع : باتفاق الكل على كونها حقيقة واحدة ، مع القطع بتعلق الامر بها بخصوصية واحدة.

كما انّه يستكشف الجامع أيضا من قوله علیه السلام : « بني الاسلام على خمس ... الخ » (1) حيث انّ المعدود من جملة الخمس الصلاة بمعنى واحد وإلاّ لزاد على الخمس كما لا يخفى ؛ مع عدم شموله للفاسد بقرينة جعلها مما بني عليه الاسلام.

ص: 88


1- الكافي 2 : 18 - 21 باب دعائم الاسلام ، الحديث 1 ، 3 ، 5 ، 7 ، 8 ؛ الخصال : 277 الحديث 21.

والحاصل : انك عرفت عدم طريق لاثبات الجامع للأعمي حتى يدّعى الوضع له وان كان وجوده ممكنا احتمالا ، إلاّ انّه غير مجد كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر : أنّ ما رتّبوه من الثمرة بين الصحيحي والأعمي من اجمال المطلقات على الاول وتبيّنها على الثاني في غير محله بعد عدم تصوير الجامع في الثاني ، بل يصير الامر بالعكس بمعنى انّ مفهوم الخطاب يكون مبيّنا على الصحيحي ، مثل كون الصلاة ناهية عن الفحشاء ونحوها. نعم لا بأس بإجمالها مصداقا بمعنى عدم العلم بتقومها في الخارج بأي مقدار من الاجزاء والشرائط كما لا يخفى.

38 - قوله : « وجواز الرجوع اليه في ذلك على القول الأعمي ». (1)

لا يقال : انّا نعلم انّ المأمور به هو الصحيح من العبادات دون الفاسد وان كان الموضوع له هو الأعم ، إلاّ انّه لا يجدي في اطلاق المأمور به بعد العلم بتقيده بالصحيح ، فيكون مجملا.

لانّا نقول : ذاك القيد بالتخصيص العقلي - وهو الحكم بالتخصيص - في المعلوم فساده دون مشكوكه ، بل يحكم بمقتضى الاطلاق انّه لو كان بين افراد المطلق فرد فاسد لكان على الشارع بيانه أو عدم الاطلاق بنحو يشمله ، بعد كونه في مقام البيان وعدم طريق للعقل - غير بيانه - في العبادات ؛ وإذ ليسا فيحكم - لاجل شمول الاطلاق - بكونه صحيحا واقعا ، ويكون الاطلاق حجة لنا على الشارع في عدم ترتب العقاب لو لم يكن في الواقع كذلك ، كما في جميع المخصصات اللبّية ؛ بخلاف اللفظية ، لتمامية البيان من الشارع بالنسبة الى كلا الطرفين ، فيجب علينا التوقف بعد الفحص وعدم الوصول الى طريق يلحق

ص: 89


1- كفاية الاصول : 43 ؛ الحجرية 1 : 24 للمتن و 1 : 24 للتعليقة.

المشكوك بأحد الطرفين.

والحاصل : انّ التخصيص والتقييد العقليين لا يوجب الاجمال ، وإلاّ فلم يجر التمسك بالعمومات والاطلاقات في مورد أصلا كما لا يخفى ، بخلاف اللفظي.

نعم يشكل بعدم ترتب هذه الثمرة خارجا ، لكون المطلقات الواردة في العبادات :

امّا في مقام التشريع.

وامّا في مقام ذكر الآثار والترغيب.

وليس مطلقا واردا في مقام بيان الاجزاء والشرائط فعلا ؛ وعلى يقين كونه في ذاك المقام يكون مقرونا بذكر كل من الاجزاء والشرائط بحيث يحصل - بعد الاقتصار عليها - العلم والاطمئنان بعدم الزائد ، وإلاّ لبيّنه ؛ من جهة احراز كون الشارع بصدد بيان تمام ما له دخل في المأمور به ، ومع كون جزء آخر في البين يلزم نقض الغرض عليه.

ومع هذه المقدمات يتضح - على الصحيحي أيضا - التمسك بالاطلاق أيضا.

إلاّ أن يقال : انّ القائل بتلك الثمرة ليس ممن ينكر التمسك بالاطلاق على الصحيحي أصلا ولو مع مقدمات قطعية مفيدة للعلم بالمطلوب ؛ بل الثمرة في جواز التمسك بمجرد اللفظ المطلق.

والمراد بوروده في مقام البيان بناء على مذهب السلطان ليس أزيد من ورود اللفظ مع عدم اقترانه بما يوجب صرفه الى الاهمال والاجمال على اختلافهما موردا ، وحينئذ يصح التمسك على الأعمي دون الصحيحي.

وامّا على المشهور من كون الاطلاق بالوضع فالامر أوضح.

ص: 90

39 - قوله : « فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع الى البراءة على الأعم ».

39 - قوله : « فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع الى البراءة على الأعم ». (1)

حيث انّ المسمى والموضوع له وان كان مبيّنا على الأعمي ومجملا على الصحيحي ، إلاّ انّه بعد عدم الاطلاق في المأمور به - مع كونه بحسب الوجود الخارجي ركنا من الاجزاء والشرائط - يكون ما تعلق به الامر من المركب مجملا على كلا القولين مرددا بين الاقل والاكثر الارتباطيين ، فلا فرق في استناد اجراء البراءة أو الاشتغال - في كلا القولين - على كون الاصل في الاقل والاكثر هو الاقل مطلقا ، أو الاشتغال كذلك ، أو التفصيل بين حكم العقل بالاشتغال والنقل بالبراءة كما هو التحقيق في محله ، فلا وجه للتفصيل من جهة التسمية.

وقد عرفت انّ الموضوع له ليس هو مفهوم الصحيح حتى يقال : انّ الشك بناء عليه انّما يكون في المحصل بعد العلم بالمأمور به ، بل هو ما كان صحيحا وتامّ الاجزاء والشرائط بالحمل الشائع ؛ ومن المعلوم انّه لا ينافي كون الماهية عين المركب الخارجي كما انّ المأمور به كذلك على الأعمي ، فلا تحصل الثمرة بينهما.

40 - قوله : « وربّما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا ».

40 - قوله : « وربّما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا ». (2)

فيما لو نذر أن يعطي من يصلي بمسمى الصلاة حيث [ أنه ] (3) بناء على الأعمي يحصل البرء باعطاء المنذور [ الى ] (4) من يراه مصليا لصدق اسم الصلاة عليه ؛ دون الصحيحي ، لعدم احراز صدق الاسم مع الشك في الصحة.

ولا طريق لاحراز الصحة بناء عليه :

[ لا ] من الاصل اللفظي وهو الاطلاق كما هو واضح.

ص: 91


1- كفاية الاصول : 44 ؛ الحجرية 1 : 24 للمتن و 1 : 25 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 44 ؛ الحجرية 1 : 24 للمتن و 1 : 25 العمود 1 للتعليقة.
3- نسخة. كذا في الاصل.
4- في الاصل الحجري ( على ).

و [ لا من ] الاصل العملي وهو أصالة الصحة ، لأنه مضافا الى الشك في صدق أصل العنوان بناء عليه - فلا يجري الاصل - انّه : على تقدير التسليم لا يثبت به غير الآثار الشرعية المترتبة على الفعل الصحيح بلا توسيط لازم عقلي أو عادي ، دون ما كان كذلك كما في المقام ، لاحتياج الاثر الشرعي وهو البراءة الى توسيط الوضع للصحيح ، وهو غير ثابت بالاصل.

ومما ذكرنا ظهر انّ ما قيل من احراز الصحة على الصحيحي بأصالة الصحة ، لا وجه له.

41 - قوله : « أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الاحكام الفرعية ».

41 - قوله : « أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الاحكام الفرعية ». (1)

الضمير راجع الى المسألة بنحو الاستخدام بأن يراد من ضمير ( ها ) البحث عنها حتى يكون الواقع في طريق الاستنباط نتيجة له ، وإلاّ فالمسألة بنفسها واقعة في الطريق لا النتيجة.

إلاّ أن يقال : « انّ العلم هو الصناعة المقتدر بها على تمهيد القواعد » لا نفس القواعد ، وحينئذ فيراعي ظاهر كلامه دام ظله ، فتدبر.

42 - قوله : « أحدها : التبادر ».

42 - قوله : « أحدها : التبادر ». (2)

لا يخفى انّ التمسك به موقوف على مقدمتين :

احداهما : أن يستند في زماننا الى حاقّ اللفظ عند المتشرعة :

امّا بالعلم ، بعد الرجوع الى موارد استعمالاتهم الخالية عن القرينة ؛ أو بالظن ، بضميمة أصالة عدم القرينة على الخلاف.

وثانيتهما : انتهاؤه الى زمان الشارع : امّا بنحو الاستكشاف عن مشاهدة الخلف والسلف بتشابه الأزمان ؛ أو بضميمة أصالة عدم النقل بعد العلم بثبوت

ص: 92


1- كفاية الاصول : 44 ؛ الحجرية 1 : 24 للمتن و 1 : 25 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 44 ؛ الحجرية 1 : 24 للمتن و 1 : 25 العمود 1 للتعليقة.

الحقيقة الشرعية ، حيث انّه لو لم يكن الموضوع له في زمان الشارع هو الصحيح - بل كان هو الأعم - لزم النقل عنه في لسان المتشرعة ، فبضميمة أصالة عدمه يثبت انّه هو الصحيح على الخلاف في اثبات الوضع به ؛ وبدون الانتهاء الى زمان الشارع انما يجدي التبادر الى كل زمان ينتهي اليه ، لا أزيد كما لا يخفى. كما انّ الانتهاء انما هو مع الالتزام بالحقيقة الشرعية ؛ ومع الالتزام بعدمه لا نقل ، إلاّ أن يثبت به المجاز العام بالقرينة العامة ، فتدبر.

43 - قوله : « ثانيها : صحة السلب عن الفاسد ».

43 - قوله : « ثانيها : صحة السلب عن الفاسد ». (1)

لا يخفى انّه لا بد أن ينضم اليه عدم صحة السلب عما هو المؤثر في النهي عن الفحشاء بالحمل الاوّلي ، وبدون انضمام ذلك يكون الدليل اقناعيا ، فتدبر.

44 - قوله : « ثالثها : الاخبار الظاهرة في اثبات بعض الخواص والآثار للمسميات ».

44 - قوله : « ثالثها : الاخبار الظاهرة في اثبات بعض الخواص والآثار للمسميات ». (2)

لا يخفى انّ الاستدلال بها على الصحيحي بأحد وجهين :

أحدهما : أن يقال : انّه مع عدم العلم بمعنى الصلاة الواقعة في هذه الاخبار موضوعا لهذه الآثار يتردد الامر :

بين أن يكون هو الأعم ، فتكون القضية في مقام اثبات الآثار مهملة ، ويكون الحكم على الطبيعة باعتبار بعض افرادها في الجملة.

وبين أن يكون بمعنى الصحيح ، فتكون القضية طبيعة الثابت فيها الحكم لنفس الطبيعة بوجودها السعي ، فيخرج عن الاهمال.

ومن المعلوم انّ ظاهر المفرد المحلى باللام في نفسه هو الطبيعة بالوجه الثاني ؛ مضافا الى انّ ظهور حال العقلاء في مقام بيان الآثار هو تعيين المؤثر وذكر

ص: 93


1- كفاية الاصول : 45 ؛ الحجرية 1 : 24 للمتن و 1 : 25 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 45 ؛ الحجرية 1 : 24 للمتن و 1 : 25 العمود 1 للتعليقة.

آثار طبيعة الاشياء ، لا ذكر آثار بعض افرادها في الجملة مهملة ، بل يكون ذلك مستهجنا عندهم ، وحينئذ فتكون هذه التراكيب ظاهرة في انّ الموضوع هو نفس الطبيعة الموضوع له اللفظ ؛ ومن المعلوم انّه لا ينطبق في المقام إلاّ على الصحيح ، فيكون هو الموضوع له عملا بظاهر تلك القضايا المستعملة بلا قرينة.

الثاني : أن يقال : انّ من المعلوم انّ المراد من الموضوع في هذه القضايا الواقعة في مقام التشريع هو الصحيح دون الأعم ، ولكنه يتردد الامر :

بين أن يكون هو الموضوع له ، فيكون الاستعمال حقيقيا وبلا قرينة.

وبين أن يكون هو الأعم ، فيكون ارادة الصحيح منه : امّا على نحو المجاز أو ، على نحو تعدد الدال والمدلول ، فبأصالة الحقيقة وعدم الاعتماد على القرينة يثبت انّه الموضوع له أيضا.

إلاّ أن يقال : انّه مع العلم بالمراد - ولو مع قرينة المقام ودوران الامر في كيفية الاستعمال - لا تجري أصالة عدم القرينة وأصالة الحقيقة في تعيين الكيفية.

وبعبارة اخرى : يكون الشك في هذا المقام في قرينية الموجود ، حيث انّ مقام تشريع الآثار يكون قرينة على ارادة الصحيح - بناء على الأعمي - ولا يكون قرينة على الصحيحي ، فلا ينعقد ظهور - مع وجود هذه القرينة - في انّ الموضوع هو المعنى الحقيقي بعد عدم الاجمال في المراد على أي حال حتى يثبت به الوضع.

إلاّ أن يتعبد في اجراء أصالة عدم القرينة - بمجرد الظهور البدوي - في كون المراد هو الموضوع له ، ويفرّق : بين مورد العلم بالمراد الجدي مع مفهوم المستعمل فيها أيضا ، فيكون الاستعمال أعم من الحقيقة ؛ وبين العلم بالمراد الجدي ودوران الامر : بين التعبير عنه بمفهوم يكون هو الموضوع له ؛ وبين مفهوم لا يكون كذلك ، فيجري فيه أصالة الحقيقة كما في المقام ، فتدبر.

ص: 94

ثم انّ الاستدلال بالتراكيب المنفية مثل قوله علیه السلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (1) ونحوها بأحد وجهين أيضا :

أحدهما : انّ ظاهر تركيب كلمة « لا » هو نفي الماهية لا نفي الصحة ، ولا مخرج له من هذا الظهور حتى في مثل « لا صلاة لجار المسجد » (2) ونحوها ، لانّ المنفي في مثله نفي الماهية ادّعاء أيضا كي يترتب عليه المبالغة والتحريض ونحوهما من البدائع المجازية ، فبأصالة الحقيقة في كلمة « لا » يحمل على نفي الماهية ، وحيث انّ مدخولها هو الصلاة وحدها بلا قرينة معه فيكون ظاهر التركيب نفي الطبيعة الموضوع لها الصلاة ، لا المستعمل فيها مجازا أو بتعدد الدال والمدلول.

ثم لا يكاد يحفظ ما ذكر إلاّ بأن يكون المنفي هو الصحيحة مع كونه هو الموضوع له أيضا ، ولا وجه لرفع اليد عن ظهور التركيب فيما ذكر بلا وجه.

ثانيهما : انّه - مع العلم بالمراد في ابتداء الامر وانّه هو الصحيح - يدور الامر :

بين كونه هو الموضوع له فيبقى ظهور كلمة « لا » - بانضمام عدم القرينة في المدخول في كون المنفي هو المعنى الحقيقي - بحاله.

وبين عدمه فيلزم رفع اليد عن ظهور كلمة « لا » ، أو عن ظهور المدخول ، أو عن مقتضى أصالة عدم القرينة وكلها خلاف القاعدة ، فيثبت بها انّ الصحيح هو الموضوع له أيضا. إلاّ أن يقال : بعدم الحجية ، مع العلم بالمراد والشك في قرينية

ص: 95


1- مستدرك الوسائل 4 : 158 أبواب القراءة في الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة في الثنائية ، عدة احاديث.
2- تهذيب الاحكام 1 : 92 باب صفة الوضوء ، الحديث 93 باختلاف يسير ؛ دعائم الاسلام 1 : 148 باب ذكر المساجد.

الموجود كما عرفت.

وتوهم : انّه على تقدير الظهور فهو ظنّ مستفاد من الأخبار وليس بمجد في اثبات الوضع الذي يكون البحث عنه في المقام مسألة اصولية لا فقهية ، مع انّه لا أثر شرعي له وان كان ربّما ينتهي الى الحكم الشرعي في المطلقات الواردة في الكتاب والسنة حيث انّه يثبت انّ المراد هو الصحيح فيترتب عليه كلما كان له من الآثار شرعا ، ومع عدم العلم بالوضع لا يعلم ظهور المطلقات في الصحيح وان ظنّ به لكن ليس بحجة في الالفاظ.

مدفوع : بأنّ حجية الظهور والظنون اللفظية لا فرق فيها بين المسائل الفقهية والاصولية ، وانما الفرق بينهما وبين الاصول الاعتقادية.

ثم انّه يكفي في حجية الامارات الانتهاء الى الاثر الشرعي ولو بوسائط ، بل يكفي الدخل في الاثر الشرعي ولو ضعيفا ، كما في متعلقات الاخبار من ألفاظ السؤالات وتشخيص الرواة وأمكنتها وغيرها التي يختلف باختلافها الحكم الشرعي.

ولا بأس بعدم العلم بالظهور في المطلقات بعد كون لازم ظهور هذه الاخبار ارادة الصحيح فيها ، حيث انّ الظن بالظهور لا يكون بحجة فيما لا ينتهي الى الحجة ، لا فيما ينتهي اليها كما في المقام.

كما انّ الظن بالوضع انما لا يكون بحجة فيما استند الى قول اللغوي وغيره الذي لم تثبت حجيته ، لا فيما استند الى ما ثبتت حجيته كما في المقام ، حيث انّ المعتمد ظهور الاخبار الثابت حجيتها دلالة وسندا.

45 - قوله : « رابعها : دعوى القطع ... الخ ».

45 - قوله : « رابعها : دعوى القطع ... الخ ». (1)

ص: 96


1- كفاية الاصول : 46 ؛ الحجرية 1 : 27 للمتن و 1 : 26 العمود 1 للتعليقة.

اثبات الوضع للصحيح بهذا الدليل يحتاج :

أولا : الى احراز طريقة العقلاء على وضعهم الالفاظ للصحيح من مركباتهم المخترعة التي كانت ذات آثار وخواص ثم استعمالهم لها في فاسدها المناسب معه ، مع كون ذلك منهم على طبق الحكمة والقانون.

وثانيا : الى احراز متابعة الشارع للعرف في وضعه للمركبات المخترعة منه ، مع احراز عدم الفارق بين مخترعاته ومركباتهم من حيث كثرة الابتلاء بافادة الصحيح دون الفاسد ؛ إذ مع عدم احراز واحد منهما واحتمال الفارق بين طريقته وطريقهم من جهة حاجته الى بيان أحكام كثيرة للفاسد دونهم ، فلا يثبت الوضع للصحيح كما لا يخفى.

46 - قوله : « منها : تبادر الأعم ».

46 - قوله : « منها : تبادر الأعم ». (1)

وأنت اذا أحطت خبرا بما ذكرنا من عدم اثبات الجامع للأعمي تعرف ما في التمسك له بالتبادر وعدم صحة السلب ، حيث انّهما يتوقفان على احراز جامع أولا ولو بالاجمال كي يدّعى التبادر وعدم صحة السلب بالنسبة اليه ، وبدونه لا مجال لدعواهما كما هو واضح.

إلاّ أن يدّعى انّه لو علم بالتبادر العرفي وعلم بأنّ ذلك كان بمعنى واحد في الصحيح والفاسد مع عدم العناية في واحد منهما ، فيستكشف وجود الجامع بينهما عندهم وان لم نعرفه تفصيلا ؛ ولكنه بعد الصبر والدوران يعلم بعدم وجود جامع عندهم كان مخفيا علينا.

47 - قوله : « ومنها : صحة التقسيم الى الصحيح والسقيم ».

47 - قوله : « ومنها : صحة التقسيم الى الصحيح والسقيم ». (2)

لا يخفى انّ الأحسن أن يرد الاستدلال به :

ص: 97


1- كفاية الاصول : 46 ؛ الحجرية 1 : 27 للمتن و 1 : 26 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 46 ؛ الحجرية 1 : 27 للمتن و 1 : 26 العمود 1 للتعليقة.

أولا : بعدم معنى جامع يصلح أن يكون مقسما بينهما.

وثانيا : بأنّ صحة التقسيم بلحاظ ذلك المعنى - أعم من أن يكون ذلك المعنى حقيقيا أو مجازيا - استعمل فيه اللفظ كما هو المتعارف في كثير من التقسيمات.

وثالثا : بما ذكر في المتن.

48 - قوله : « فانّ الاخذ بالاربع لا يكون ... الخ ».

48 - قوله : « فانّ الاخذ بالاربع لا يكون ... الخ ». (1)

أي لا يكون على نحو الحقيقة - ولو بتعدد الدال والمدلول بمقتضى أصالة الحقيقة - إلاّ على الأعم.

الاّ أنه لا يكون مطلقا ولو مجازا إلاّ بناء عليه ، فانّ الاستعمال المجازي على الصحيحي في غاية الامكان ، إلاّ انّه خلاف ظاهر اللفظ ، فلا يصار اليه إلاّ مع الدليل.

49 - قوله : « وقوله : علیه السلام « دعي الصلاة أيام اقرائك » ضرورة ... الخ ».

49 - قوله : « وقوله : علیه السلام « دعي الصلاة أيام اقرائك » (2) ضرورة ... الخ ». (3)

لانّ من المعلوم عدم تعلق هذه النواهي بالصحيحة الموافقة للغرض ، لعدم القدرة على اتيانها في حال الحيض ؛ مضافا الى عدم امكان استعمال الصلاة في الصحيحة في مثل هذا التركيب ، حيث انّ الصحيحة انما تحصل بعد انشاء مانعية الحيض بالنهي ولا يمكن أخذ عدم الحيض في مسمى الصلاة إلاّ على وجه الدور.

وفيه : - مضافا الى كون الاستعمال أعم من الحقيقة ، والى احتياج الفرد

ص: 98


1- كفاية الاصول : 47 ؛ الحجرية 1 : 27 للمتن و 1 : 26 العمود 1 للتعليقة.
2- الكافي 3 : 88 باب جامع في الحائض والمستحاضة الحديث 1 ؛ تهذيب الاحكام 1 : 384 باب 19 في الحيض والاستحاضة والنفاس الحديث 6 ؛ عوالي اللآلي 2 : 207 الحديث 124 ؛ وسائل الشيعة 2 : 546 باب 7 من ابواب الحيض الحديث 2.
3- كفاية الاصول : 47 ؛ الحجرية 1 : 27 للمتن و 1 : 26 العمود 1 للتعليقة.

الفاسد على الأعمي أيضا الى القرينة ولو بتعدد الدال والمدلول كما في الرواية الاولى وهو خلاف ظاهر اطلاق اللفظ ولا أولوية له على المجاز - انّه : على تقدير تسليم المحذورية ، انّ الاستعمال انما هو في الصحيح الذي يكون مبنى الاسلام باعتقاد الآخذين في الرواية الاولى ، وباعتقاد المخاطبين في الرواية الثانية مع قطع النظر عن هذا النهي ، مع انّه يمكن الاستعمال في الصحيح الواقعي فيها حتى بلحاظ الطهارة أيضا بحمل النهي على الارشاد وبيان انّ الصحيح لا يكاد يمكن من الحائض.

ولا تصير التسمية للصحيحة بلحاظ هذا النهي بل بلحاظ الاشتراط الواقعي ، غاية الامر يكون الكشف عنه بهذا النهي كما لا يخفى.

وبعبارة اخرى : تكون التسمية متوقفة على الاشتراط في مقام الثبوت ، لا في مقام الاثبات كما هو مفاد الدليل.

50 - قوله : « ومنها : انّه لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه ».

50 - قوله : « ومنها : انّه لا شبهة (1) في صحة تعلق النذر وشبهه ». (2)

ووجه صحة النذر في ترك العبادة - مع انّ فعلها لا يخلو عن رجحان ولا بد أن يكون متعلق النذر راجحا - :

امّا برجوع نذره الى فعل الصلاة في غير ذلك المكان الذي لا اشكال في رجحانه ، وبعبارة اخرى : الى الترك المقيد بالفعل في مكان [ آخر ] (3) وبكفاية المرجوحية الاضافية في الفعل في ذاك المكان.

وامّا بالتزام انطباق عنوان راجح على الترك ، ولو بكشفه عن صحة النذر ولو قام الدليل عليه كما في المقام.

ص: 99


1- لكنه في طبعة جماعة المدرسين : 48 « لا اشكال ».
2- كفاية الاصول : 48 ؛ الحجرية 1 : 27 للمتن و 1 : 26 العمود 2 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( اخرى ).

وحاصل الاستدلال انّه : لا اشكال في صحة النذر على ترك الصلاة في ذاك المكان ، ولا اشكال في حصول الحنث بفعلها فيه بعد النذر ، فلو كانت الصلاة اسما للصحيحة يلزم المحال ، لاستلزامه وجوب الوفاء بالنذر وحرمة الحنث ، ولا بد من كون متعلق التكليف مقدورا للمكلف. ومن المعلوم انّه بعد انعقاد النذر وحرمة الحنث تكون الصلاة في ذاك المكان فاسدة ، لدلالة النص على الفساد ، واذا كانت فاسدة فتكون الصحيحة غير مقدورة ، فترتفع حرمة الحنث ووجوب الوفاء ، فلزم من وجودهما عدمهما وهو محال ، ونشأ ذلك من كون الصلاة اسما للصحيحة فهو باطل. وفيه :

أولا : على تقدير تسليم الاجماع على صحة ذلك النذر ؛ انّ المحذور لا يدور مدار التسمية للصحيح بل على قصد الناذر للصحيح ولو كانت الاسامي للأعم ، واذا كان متعلق النذر هو الأعم فلا يلزم المحذور ولو بناء على الصحيحي ، غاية الامر يكون الاستعمال حينئذ مجازيا.

وثانيا : انّه على تقدير التسليم نلتزم بعدم الحنث ، لعدم القدرة عليه الناشئ من النذر ، غاية الامر يكون الامر بالوفاء حينئذ ارشاديا لا مولويا كما في قوله [ تعالى ] : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وقوله [ علیه السلام ] : « المؤمنون عند شروطهم » (2) ويكون المقام حينئذ نظير نذر النتيجة ، ولا اجماع على الملازمة بين النذر والتمكن من الحنث ، غاية الامر يختلف حسب اختلاف الموارد : ففي التوصليات يتمكن الناذر من الوفاء والحنث ، وفي العبادات الصحيحة التي تعلق بها النذر لا حنث فيها ، بل ليس فيها إلاّ الوفاء.

وثالثا : على تقدير تسليم الملازمة بين صحة النذر والتمكن من الحنث ؛

ص: 100


1- سورة المائدة : 1.
2- تهذيب الاحكام 7 : 371 باب المهور والاجور ، الحديث 66.

نقول : انّ الحنث يمكن تحققه في المقام ولو مع تعلق النذر بالصحيح ، حيث انّ المراد منه الصحيح الواجد للاجزاء والشرائط الاوّلية الثابتة بمقتضى الامر الاوّلي مع قطع النظر عن النهي الناشئ من النذر ، لا الصحيح المطلق ولو بعد ملاحظة النذر ؛ ومن المعلوم انّ الصحيح بهذا المعنى لا ينافي الفساد من قبل النذر بالترك ، فلو فعل الصلاة التامة الاجزاء والشرائط كذلك لكان حانثا ، وهذا كما في النهي في حال الحيض - بناء على كون الحرمة ذاتية موجبة للبعد لا ارشادية - حيث انّ الفعل المنهي عنه هو الصحيح مع قطع النظر عن النهي.

نعم يبقى الكلام في تصوير تعلق النذر بالصحيح المطلق. وبعبارة اخرى : بالقرب الفعلي الموجب لعدم التمكن - كما على الوجه الثاني - وهو يتعلق بالطبيعة المأمور بها المقربة فعلا ولو بعد تعلق النذر ، غاية الامر تتضيق دائرة الطبيعة بواسطته فلا يمكن الاتيان بها في المكان المكروه.

ولعله قد أشار الى ما ذكرنا من التصوير بقوله : « فافهم » في الحاشية (1) بعد الاشكال على صحة النذر لو تعلق بما يكون [ مقربا ] (2) فعلا. نعم لو تعلق بما يكون مقربا مطلقا - ولو في ذلك المكان - فيرد عليه الاشكال لو لم نقل بكفاية فرض الصحة لو لا اقتضاء النهي للفساد ، فتدبر.

51 - قوله : « الاول : انّ أسامي المعاملات ان كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيح أو للأعم ».

51 - قوله : « الاول : انّ أسامي المعاملات ان كانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيح أو للأعم ». (3)

لوضوح انّ نزاع الصحيحي والأعمي فيما اذا كان لوجود المعنى حالتان

ص: 101


1- أي في تعليق الآخوند على كلام نفسه في كفاية الاصول : 48 اسفل الصفحة.
2- في الاصل الحجري ( متقربا ).
3- كفاية الاصول : 49 ؛ الحجرية 1 : 28 للمتن و 1 : 27 للتعليقة.

يتصف في أحدهما [ بالصحة ] (1) وفي الآخر بالفساد حتى [ يتنازع في ] (2) انّ اللفظ موضوع لخصوص الصحيح أو الأعم منه ومن فاسده ، لا فيما لم يكن لوجوده - من جهة كونه بسيطا - إلاّ حالة الصحة بحيث تعدم عند عدمه ، فحينئذ لا مجال للنزاع لعدم حالة الفساد له حتى [ يتنازع ] (3) في وضعه للأعم أو الاخص.

والظاهر انّ المعاملات حقيقة في خصوص المسببات لتبادرها منها عند الاطلاق وصحة السلب عن مجرد السبب كما لا يخفى.

نعم لو قلنا بأنها أسامي للاسباب فكان للنزاع فيها مجال ؛ وان كان التحقيق انّها كالعبادات أسامي للصحيح ، لا لاجل عدم تصور الجامع بين الصحيح والفاسد كما عرفت فيها ، لعدم الاشتراك في الاثر لمكان تصوره بدونه فيها وهو انشاء التمليك بالعوض في البيع وانشاء التمليك المجاني في الهبة وانشاء تمليك المنفعة في الاجارة وكذا غيرها.

بل لاجل انّ الشارع لم يتصرف في معانيها كما هو التحقيق.

ومن المعلوم انها عند العرف موضوعة بازاء الصحيح من الأسباب ، لتبادرها منها عند الاطلاق وصحة السلب من فاسدها كما لا يخفى بالرجوع الى العرف.

ثم انّه لا ينافي ما قلنا - من عدم تصرف الشارع في معانيها - ازدياده بعض الشرائط في بعض مصاديقها ، حيث انّ ذلك من باب تخطئة نظرهم في كون المعاملات التي عندهم مؤثرة في المسببات بمعنى كونها منشأ لانتزاعها لانّ المسببات وان كانت اختيارية إلاّ انّها ليست من باب أنياب الأغوال ، بل من

ص: 102


1- في الاصل الحجري ( بالصحيحة ).
2- في الاصل الحجري ( ينازع ).
3- في الاصل الحجري ( ينازع ).

الاعتبارات الصحيحة التي لا بد لها من منشأ انتزاع صحيح سواء كان واقعيا فيها كشف عنه الشارع بامضاء العرف ، أو ببيانه للمنشإ ، أو بخصوصياتها ، أو كان للاعتبار والجعل دخل في المنشئية ، لانّ متعلق الاعتبار أيضا لا بد أن يكون ذا خصوصية ينتزع الامر الاعتباري منه دون غيره ؛ ونظر العرف قد يصيب الواقع وقد يخطئ عنه ، ويكشف منه بيان الشارع إمضاء وردعا.

52 - قوله : « الثاني : انّ كون الفاظ المعاملات اسامي للصحيحة لا يوجب اجمالها كالفاظ العبادات ».

52 - قوله : « الثاني : انّ كون الفاظ المعاملات اسامي للصحيحة لا يوجب اجمالها كالفاظ العبادات ». (1)

فلا ينافي ما اشتهر في ألسنتهم من التمسك بالاطلاقات دون العبادات ، حيث انّ المعاملات لما كانت عرفية ذات مصاديق صحيحة عندهم ، فحينئذ لو كان خطاب مطلق من الشارع واجد لمقدمات الحكمة ساق اليهم مساق خطاب بعضهم بعضا ؛ فيكشف عن انّ الصحيح عنده هو الصحيح عندهم وإلاّ لما ساق خطابه كخطاباتهم الموجبة لافادة الصحيح عندهم ، أو نصب قرينة على الخلاف ، وبدونه فالمتبادر هو المصاديق العرفية. وهذا بخلاف العبادات التي لم تكن منها عندهم - لو لا بيانه - عين ولا أثر.

والحاصل : انّ المعاملات لما كانت عرفية مفهوما ومصداقا فيصح أن تنزل اطلاقات الشارع على العرفية ويكون فهمهم في التعيين متّبعا ما لم يصل من الشارع اعتبار شرط أو شطر ، ومعه فيقيد بمقدار ثبوته ويبقى الاطلاق في غيره بحاله بلا خلل فيه كما في جميع المطلقات. نعم التقييد يوجب التضييق في مجرد الارادة الجدية في غير المقام ، وامّا فيه فيوجب التخطئة أيضا.

فان قلت : انّ فهم العرف يكون هو المتبع في تعيين المفاهيم لا المصاديق ،

ص: 103


1- كفاية الاصول : 49 ؛ الحجرية 1 : 28 للمتن و 1 : 27 للتعليقة.

فكيف يرجع في تعيينها اليهم؟ ومع ذلك فكيف لا يحصل لهم الارتداد في موارد التقييد في المعاملات مع كشف خطئهم فيها ، كما في مثل بيع القمار ونحوه؟

قلت : انّ مصاديق المفاهيم على قسمين :

أحدهما : ما كان خارجيا محسوسا بحيث لا يقع الاشتباه فيها إلاّ للعوارض الخارجية من ظلمة ونحوها ، كأفراد الغنم ونحوها.

ثانيهما : ما كان واقعيا غير محسوس خارجا بحيث يقع فيها الاشتباه أيضا من جهة عدم الاطلاع على الواقعيات من غير رجوعه الى الشك في المفهوم ، وان كان ربّما يرجع اليه أيضا ؛ وللاعتبار دخل فيه تارة كما في مثل الملكية ونحوها من الاعتبارات ، وليس له دخل فيه اخرى كما في الطهارة والنجاسة ونحوهما.

ولا يخفى انّ العرف كما كان مرجعا في فهم المفهوم في مثل هذا القسم يكون مرجعا في تعيين المصاديق أيضا بالاطلاق المقامي بحسب الواقع ؛ واللفظي بنظر العرف لو تمت مقدمات الحكمة بالنسبة اليها في مقام ، كما لو كان للموضوع مصاديق معيّنة واقعية عند العرف وكان الشارع في مقام البيان بالنسبة اليها ، ومع ذلك فلو اطلق بلا قرينة على المراد يستكشف انّ الافراد العرفية هي الافراد عند الشرع ، وإلاّ لكان عليه البيان على الخلاف ؛ وبعد ذلك فلو ورد منه قيد في مورد ، يحكم بالتقييد على نحو التخطئة في ذلك المورد بلا انثلام في المطلق بالنسبة الى سائر الموارد ، كما في سائر المطلقات.

ثم انّه في مورد ثبوت القيد يلتزم بتخطئة العرف بالكلية في القسم الذي لا يكون للاعتبار دخل فيه كما في الطهارة والنجاسة ، وتخطئتهم في الجملة في الآخر الذي يكون له دخل فيه بمعنى ارتداعهم في نظرهم التابع لنظر الشارع ، دون نظرهم الآخر العرفي كما لا يخفى.

ثم انّ مدخلية الجعل والاعتبار ليس من قبيل جعل السبب ، فلا محذور فيه

ص: 104

أصلا.

53 - قوله : « إنّ دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به ... الخ ».

53 - قوله : « إنّ دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به ... الخ ». (1)

ولا يخفى انّ الامر اذا تعلق بجملة امور ووجودات كان لكل منها دخل في الغرض الداعي اليه ، فحينئذ يكون كل منها جزءا للمأمور به ، ويكون مجموع ذوات الاجزاء بالأسر أجزاء المركب ، ومجموعها بشرط الاجتماع وجود الكل.

ثم :

ان كانت تلك الجملة بوجودها المطلق متعلقة للامر فلا يكون لها شرط.

وان كانت بوجودها الخاص الذي يكون لها بلحاظ أمر خارج عنها - وجوديا كان أو عدميا مقارنا أو سابقا أو لاحقا - متعلقة للامر ، بحيث يكون نفس ذاك الامر الخارج خارجا عن متعلق الامر وان كان موجبا لتحقق الخصوصية المعتبرة في المأمور به ، فحينئذ يكون للمأمور به شرط وهو الامر الخارج ، المنشأ للخصوصية.

اذا عرفت ذلك ، فظهر انّ الجزء ما كان داخلا في أصل قيام المركب والشرط ما كان خارجا عنه وان كان منشأ لخصوصيته.

ويفرّق بينهما : بأنّ الشرط ما كان اعتباره لفائدة في غيره ؛ والجزء ما كان اعتباره لفائدة متعلقة به بذاته وان كان تحصيلها منه متوقفا على انضمام سائر الاجزاء اليه.

وبأنّ الشرط ما كان صفة وحالة ؛ والجزء ما كان فعلا. والكل متقارب.

هذا كله في الاجزاء والشرائط الواجبة المأخوذة في أصل قوام الماهية الواجبة.

ص: 105


1- كفاية الاصول : 50 ؛ الحجرية 1 : 28 للمتن و 1 : 30 للتعليقة.

وامّا غيرها : بأن يأتي شيء في ضمن الواجب بدون أخذه جزءا أو شرطا في الماهية ، وهو على أقسام :

منها : يكون شيء واجبا أو مستحبا نفسيا لا يكون له دخل في الخصوصية الفردية كما لا يكون له دخل في الماهية ، غاية الامر يكون المأمور به مثل الصلاة مثلا ظرفا له ، سواء كان له ظرف في خارج الصلاة أيضا أم لا ؛ وتكون الصلاة في الصورة الاخيرة مستحبا غيريا أو واجبا غيريا له كما لا يخفى.

ومنها : ما كان له دخل في خصوصيته الفردية لا في طبيعة الصلاة وان كانت الصلاة منطبقة على المجموع المركب منه ومن غيره ، كما إذ تتحقق الطبيعة ولو لم يأت بذاك الشيء كما هو شأن كل كلي طبيعي مع فرده ويكون ذاك الامر جزء الفرد ، ثم انّه يكون متحدا وجودا مع وجود الجزء الواجب تارة كالسورة المستحبة ويكون له وجود آخر غير وجودات الاجزاء ، واخرى كالقنوت والسورة بناء على استحبابها.

ولا يخفى انّه يكون المركب حينئذ مستحبا نفسيا بمعنى اشتماله على ملاكه ، ويكون ذاك الجزء مستحبا غيريا.

ثم انّ اشتمال الفرد من الصلاة على ملاك الاستحباب بواسطة ذاك الجزء غير الداخل في الطبيعة :

يكون تارة : من جهة انطباق عنوان آخر استحبابي غير عنوان الواجب ، ويكون ذاك الامر مقوما للاول دون الثاني.

ويكون اخرى : من جهة كونه أشد في وجود الطبيعة وأثرها من سائر الافراد ، وان كان اشتداده حاصلا بواسطة ذاك الامر.

نعم قد يكون ذاك الامر غير موجب للاشدية ولا موجبا لانطباق عنوان آخر استحبابي ، كما في الاتمام بالنسبة الى القصر في مواضع التخيير بناء على عدم

ص: 106

كونهما مختلفين في الماهية وعدم احتياج كل منهما من أول الامر الى التعيين أصلا ، مع عدم أفضلية الاتمام من القصر ، فانّ الزائد عن الركعتين يكون جزء الفرد ليس إلاّ.

اذا عرفت ما ذكرنا من الاقسام فاعلم : انّه لا اشكال في جريان النزاع في الصحيح والأعم بالنسبة الى الاجزاء وكذا في الشرائط على الصحيح ، بل اعتبارها في مقام التسمية أولى ، حيث انّ الفاقد للشرط يكون مباينا مع المسمى دون فاقد الجزء ، فانّه يكون مشتملا على بعض المسمى وان لم يكن مشتملا على تمامه ؛ كما انّهما يتحدان في حصول الاخلال بالمركب بواسطة الاخلال بواحد منهما ؛ وامّا جزء الفرد فليس اعتباره داخلا في المسمى وان كان يتحد معه عند ايجاده ، فليس الاخلال به موجبا للاخلال ، إلاّ اذا استلزم الاخلال ببعض ما اعتبر في الماهية شطرا أو شرطا.

نعم يوجب الاخلال بالماهية المستحبة الاخرى ، أو بالفرد الشديد في الماهية الواجبة كما لا يخفى.

54 - قوله : « فيكون مطلوبا نفسيا في واجب أو مستحب ».

54 - قوله : « فيكون مطلوبا نفسيا في واجب أو مستحب ». (1)

فيكون كل منهما مطلوبا بملاك آخر ، بحيث لو انحصر ذاك لانحصر المطلوب في واحد منهما ، مع كون مطلوبيته مطلقة كما لا يخفى.

55 - قوله : « لكنك عرفت انّ الصحيح اعتبارهما فيها ».

55 - قوله : « لكنك عرفت انّ الصحيح اعتبارهما فيها ». (2)

حيث انّ الوجه الذي دل على التسمية للصحيح بالنسبة الى الاجزاء يدل على التسمية له بالنسبة الى الشرائط أيضا ، لعدم ترتب الاثر الكاشف عن ثبوت الجامع على الفاقد للشرط ، فكيف يستكشف وجود الجامع في ضمنه؟ بل قد عرفت أولوية دخلها في التسمية بالاضافة الى الاجزاء.

ص: 107


1- كفاية الاصول : 51 ؛ الحجرية 1 : 29 للمتن و 1 : 31 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 51 ؛ الحجرية 1 : 29 للمتن و 1 : 31 العمود 1 للتعليقة.

الاشتراك اللفظي

56 - قوله : « الحقّ وقوع الاشتراك ».

56 - قوله : « الحقّ وقوع الاشتراك ». (1)

والمراد به أعم من أن يكون ابتدائيا ، أو مرتجلا ، أو منقولا.

57 - قوله : « وإن أحاله بعض لإخلاله بالتفهّم ».

57 - قوله : « وإن أحاله بعض لإخلاله بالتفهّم ». (2)

والمراد بالاستحالة هو الوقوعي لا الذاتي كما هو واضح. ويشهد عليه ما ذكر له من الوجه ؛ كما انّه بالنسبة الى اللغات الاصلية التي لا بد أن يكون واضعها حكيما ، لا في اللغات الحادثة التي تصدر من أمثالنا كثيرا.

58 - قوله : « ولو سلّم لم يكد يجدي الاّ في مقدار متناه ».

58 - قوله : « ولو سلّم لم يكد يجدي الاّ في مقدار متناه ». (3)

أي انّه لا نسلّم امكان الاوضاع غير المتناهية للمعاني كذلك لو كان الواضع غيره تعالى ، وعلى تقدير تسليمه - كما لو كان هو الواضع - لا يجدي إلاّ في المقدار المتناهي ، حيث انّ الغرض من الوضع هو الاستعمال ؛ ومن المعلوم انّ الاستعمالات متناهية فيكون الوضع الزائد لغوا غير لائق بالحكيم.

نعم يمكن الاستعمال غير المتناهي بناء على قول الحكماء من قدم العالم وعدم تناهي النفوس الناطقة ، وهو خلاف التحقيق كما حقق في محله.

ص: 108


1- كفاية الاصول : 51 ؛ الحجرية 1 : 29 للمتن و 1 : 31 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 51 ؛ الحجرية 1 : 29 للمتن و 1 : 31 العمود 1 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 52 ؛ الحجرية 1 : 30 للمتن و 1 : 31 العمود 1 للتعليقة.

59 - قوله : « مع أنّ المجاز باب واسع ، فافهم »

59 - قوله : « مع أنّ المجاز باب واسع ، فافهم » (1).

لعلها اشارة الى عدم تطرق المجاز في جميع المعاني ، فيحتاج على تقدير عدم تناهي المعاني والاستعمال الى الاشتراك كما هو واضح.

أو الى انّ عدم تناهي الجزئيات يكفي [ لكفاية ] (2) الوضع للمعاني الكلية في افادة الجزئيات فيما لو تعلق الغرض بافادتها ، ولا يحصل باللفظ إلاّ بالتزام الوضع بالنسبة اليها كما لا يخفى.

ص: 109


1- كفاية الاصول : 52 ؛ الحجرية 1 : 30 للمتن و 1 : 31 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( كفاية ).

استعمال اللفظ في أكثر من معنى

60 - قوله : « انّه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى ».

60 - قوله : « انّه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى ». (1)

اعلم : انّ ظاهر تعبيرات الاصوليين وان كان في الجواز العرفي بمعنى المطابقة لقواعد أهل المحاورة ، إلاّ انّ الأحسن أن يجعل النزاع في الجواز العقلي ؛ والتحقيق عدمه كما ذهب اليه الاستاذ العلاّمة (2) أعلى اللّه مقامه ، ويحتاج بيان ذلك الى امور :

الاول : انّ استعماله في أكثر من معنى يكون :

تارة : في المجموع من حيث المجموع بنحو المعية في الارادة الواحدة ، بحيث يكون المجموع معنى واحدا وكل من المعنيين أو المعاني جزءا منه ، سواء كان كل واحد متعلقا وموضوعا للحكم أم لا.

واخرى : في مفهوم الكل الافرادي ، نظير كلمة ( كل ).

وثالثة : في أحدهما بتوسيط مفهوم أحدهما أولا ، بل بالاستعمال في الفرد المعيّن عند المتكلم دون المخاطب ، وليس كذلك الفرد المبهم ، عندهما لعدم معقولية الاستعمال فيه. والقياس بالنكرة بكونها فردا ما في الطبيعة المعينة ، قياس

ص: 110


1- كفاية الاصول : 53 ؛ الحجرية 1 : 30 للمتن و 1 : 31 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 53.

مع الفارق.

ورابعة : في أكثر على سبيل الانفراد والاستقلال في الارادة ، بأن يراد في استعمال واحد هذا بخصوصه بارادة مستقلة - كما لو لم يكن إلاّ بوحدته - والآخر كذلك ، وهذا هو محل النزاع بين الاصوليين.

الثاني : انّ الاستعمال :

[ تارة ] : قد يكون بمعنى كون اللفظ علامة لارادة المعيّن بطريق المواضعة.

واخرى : بجعله قالبا بحيث يوجد بينهما نحو اتحاد ، ويكون اللفظ عنوانا ووجها للمعنى حتى انّ القاءه عين القائه ، ولذلك يسري حسنه وقبحه الى اللفظ ؛ فالملحوظ الاستقلالي في هذا الحال هو المعنى دون اللفظ ، ولذا لا يحكم عليه حينئذ بما هو حكم اللفظ وأثره في غير ذلك الحال ، بل يحكم عليه بما هو حكم المعنى ، لانّه في ذلك الاستعمال عنوانه ووجهه الفاني ، بل بوجه نفسه.

والثالث : انّ النظر الاستقلالي الى معنى بنحو يكون النظر الى اللفظ فانيا فيه لا يكون نظرا استقلاليا الى آخر.

وبعبارة اخرى : انّ اظهار اللفظ وجود المعنى ، لا بكون وجود الآخر بغير ذاك الوجود وإلاّ لزم كون الفرد الواحد اثنين ، ولا يمكن أن يكون وجود الكل على حدة بايجاد واحد لأنه يستلزم وجودا واحدا ، لوحدتهما ذاتا وتغايرهما اعتبارا.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ مرادهم من الاستعمال هو المعنى الثاني ، ولا ريب في امتناعه عقلا ، حيث انّ اللفظ في هذا الحال غير ملتفت اليه إلاّ باللحاظ الآلي ، فالملحوظ على الاستقلال هو المعنى ؛ ومن المعلوم انّ النظر الاستقلالي باللفظ الى معنى - بحيث يكون اللفظ فانيا ووجها له - لا يكون نظرا استقلاليا به الى معنى آخر يوجد بينهما هذا النحو من الاتحاد في شخص واحد من اللفظ في آن واحد ، بل حكم الاتحاد يسري حتى في الذهن اذا لوحظ فيه المعنى باللفظ ، بل

ص: 111

لا ينفك لحاظه عن لحاظه كما يظهر بالمراجعة الى الوجدان.

والحاصل : انّ النظرين الاستقلاليين بالنسبة الى معنيين متباينين من لفظ واحد :

لا يمكن اجتماعهما في نظر واحد ، وإلاّ لكان النظر الواحد الخارجي فردين من النظر.

ولا يمكن اجتماعهما بوجودين مستقلين في آن واحد من لفظ واحد ، لقصوره من فنائه بوحدته في اثنين.

بل يلزم - على تقدير استعمال اللفظ في الاكثر - لحاظه استقلاليا في عين كونه منظورا فنائيا في المعنى الآخر ، فتدبر.

61 - قوله : « ولو لا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه ».

61 - قوله : « ولو لا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه ». (1)

أي على نحو الحقيقة ، بناء على جعل اعتبار الوحدة مانعا عن الاستعمال الحقيقي كما فعله في المعالم (2) ، أو مطلقا بناء على جعله مانعا عن مطلق الاستعمال كما على قوله.

وليعلم : انّ الوحدة الملحوظة في الموضوع له ليس هو مفهومها بل ما هو مصداقها بالحمل الشائع. كما انّه ليس المراد الوحدة في الوجود الخارجي ، لعدم القول به ؛ ولا الانفراد في كونه متعلقا وموضوعا للحكم ، لعدم تأتّي أخذ ما ينشأ من قبل الحكم في مسمى متعلقه ، بل المراد الوحدة في الارادة الاستعمالية ، بأن يكون تمام المراد في الاستعمال بلا اشتراك غيره معه في الارادة كما هو صريح كلام بعض.

ص: 112


1- كفاية الاصول : 54 ؛ الحجرية 1 : 30 للمتن و 1 : 31 العمود 2 للتعليقة.
2- معالم الدين : 39.

ولكنه يرد عليه : بأنّه أيضا من خصوصيات الاستعمال ؛ وقد عرفت انّ ما ينشأ من قبل الاستعمال لا يمكن أن يؤخذ في المستعمل فيه.

وامّا ما أفاده المحقق القمي رحمه اللّه (1) من انّ الموضوع له واحد في لحاظ الواضع فلا بد أن يكون كذلك في حال الاستعمال أيضا تبعا له ، ففيه : انّ اللازم متابعة الواضع فيما أخذ قيدا في الموضوع له ، لا في مطلق ما كان موجودا حاله كما هو واضح.

62 - قوله : « ثم لو تنزلنا عن ذلك فلا وجه للتفصيل ... الخ ».

62 - قوله : « ثم لو تنزلنا عن ذلك فلا وجه للتفصيل ... الخ ». (2)

أقول : انّ استعمالهما يتصور على وجوه :

أحدها : في المتعدد من ماهية واحدة ، ولا اشكال في كونه على نحو الحقيقة مطلقا.

ثانيها : في الطبيعة المتعددة بتأويل المفرد الى المسمى ، ولا اشكال في كونه على نحو الحقيقة في علامة التثنية والجمع ، وعلى نحو المجاز في المفرد.

ثالثها : استعمالهما في الطبائع المتعددة بلا تأويل الى المسمى ولكن بمرة واحدة من التكرار بأن يراد من التثنية طبيعتان ، ولا اشكال في كونه في معنى واحد في التثنية. وفي كونه على نحو الحقيقة أو المجاز يبتني على كون التثنية والجمع لمطلق المتعدد المشترك في اللفظ ، فيكون على نحو الحقيقة أو الخصوص المتعدد من ماهية واحدة ، وبعبارة اخرى : للتعدد الخاص ، فيكون مجازا في التعدد اللفظي.

رابعها : استعمال التثنية في أربعة افراد من الماهية أو الماهيتين أو في اربعة طبائع فيكون استعمالها فيهما في أكثر من معنى.

ص: 113


1- القوانين المحكمة 1 : 67 السطر 23 - 25.
2- كفاية الاصول : 54 ؛ الحجرية 1 : 30 للمتن و 1 : 32 العمود 1 للتعليقة.

فعلى قيد الوحدة يكون الاستعمال مجازيا في الصور ، حيث انّه عليه تكون التثنية للتكرار الواحد وارادة الزائد يكون مجازا ، غاية الامر يكون المجاز في الصورة الاخيرة ، لاجل عدم التكرار الخاص أيضا.

وعلى أي حال فالفرق بين التثنية والجمع وبين المفرد بالحقيقة فيه والمجاز فيهما لا وجه [ له ] كما عرفت.

63 - قوله : « أو كان المراد من البطون لوازم معناه ».

63 - قوله : « أو كان المراد من البطون لوازم معناه ». (1)

أو كان المراد مراتب حقيقة واحدة كما في « الميزان » فانّ المراد به مطلق ما يوزن به ، غاية الامر يكون بعض مراتبه واضحة وبعض مراتبه خفية لا يعلم لنا إلاّ بالتفسير ، كوجود الامير والاسلام مثلا.

أو كان المراد من البطون خفاء المعاني واحتجابها من ادراك افهامنا [ القاصرة ] (2) وان كانت واضحة للاذهان العالية ، وهذا يطابق الآيات المتشابهة.

أو كان المراد ارادة التعدد بارادة واحدة حتى يكون نظير الاستعمال في المعنى الواحد.

ص: 114


1- كفاية الاصول : 55 ؛ الحجرية 1 : 33 للمتن و 1 : 32 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( القاصرين ).

المشتق

64 - قوله : « مما يكون مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها بالمبدإ ».

64 - قوله : « مما يكون مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها بالمبدإ ». (1)

اعلم : انّه يطلق المشتق تارة : على اللفظ المأخوذ من لفظ آخر سواء كان فعلا أو اسما ، واخرى : على ما يحكي من عنوان مطلق على الذات بلحاظ تلبسه بالمبدإ. والثاني هو المراد هاهنا فيعمّ مثل الضارب والقاتل ونحوهما.

كما انّ المفاهيم الحاكية عن الشيء المنطبقة عليه على قسمين :

أحدهما : ما ينتزع عن مقام ذاتياته بلا اتصاف الشيء بأمر خارج عنها أصلا ؛ وحينئذ يكون اللفظ الموضوع لمثل هذه المفاهيم جامدا ، كالجسم والحجر ونحوها.

ثانيهما : ما ينتزع لا عن مقام الذات ، بل عن مقام اتصافها بأمر خارج ، فاللفظ الحاكي عنها يسمى مشتقا كالضارب والقاتل ونحوهما ؛ ومن المعلوم انّ محل النزاع في المقام هو القسم الاخير وحده.

ثم انّ المتصور من النزاع في المشتق ، تارة : في تعيين معنى المادة وهو راجع الى اللغة ، واخرى : في كيفية الاشتقاق وهو راجع الى الصرف ، وثالثة في معناه الراجع الى الهيئة امّا من حيث التركيب من النسبة والذات أو الزمان ، وامّا من

ص: 115


1- كفاية الاصول : 56 ؛ الحجرية 1 : 33 للمتن و 1 : 32 العمود 1 للتعليقة.

حيث كونه بخصوص الذات في حال التلبس أو للأعم منه ومن حال الانقضاء ، وهو محل النزاع في المقام فلا تغفل.

65 - قوله : « أو الصدور والايجاد ... الخ ».

65 - قوله : « أو الصدور والايجاد ... الخ ». (1)

أو الاتحاد بنحو العينية مع الذات ، كما في المشتقات الحاكية عن صفاته تعالى شأنه.

66 - قوله : « ولعل منشأ توهم كون ما ذكره لكل منها من المعنى ... الخ ».

66 - قوله : « ولعل منشأ توهم كون ما ذكره لكل منها من المعنى ... الخ ». (2)

المراد من المعنى هو : الأعم الصادق على المتلبس والمنقضي عنه المبدأ.

ووجه قوله : « كما ترى » ما هو المستفاد من قوله : « واختلاف أنحاء التلبسات ... الخ ». وبعبارة اخرى : التوهم هو كون المشتقات حقيقة في الأعم.

ووجه التوهم هو : تخيل كون المبدأ في هذه المشتقات هو الفعلية منه مع صدقها على الذي انقضى منه المبدأ الفعلي بالاتفاق ؛ والغفلة عن انّ الاتفاق على الصدق انما هو لاجل أعمية المبدأ من الفعلي والشأني والحرفة والملكة ونحوها ؛ أو في خصوص هذا المشتق عرفا.

فلا يشكل تقدم الصدق ولو في المصدر ، أو أعمية الاسناد الى الذات الموجبان لبقاء التلبس ، أو انّ اطلاق المشتق بلحاظ حال التلبس وانما جيء به اشارة اليه فيكون الصدق في هذه الموارد على المتلبس ، وانما يكون الانقضاء بعد زوال الشأنية والملكة ونحوهما على اختلاف المقامات ، وتدخل بعد ذلك في مورد النزاع.

ص: 116


1- كفاية الاصول : 56 ؛ الحجرية 1 : 33 للمتن و 1 : 32 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 57 ؛ الحجرية 1 : 34 للمتن و 1 : 33 للتعليقة.

67 - قوله : « مع الدخول بالكبيرتين ... الخ ».

67 - قوله : « مع الدخول بالكبيرتين ... الخ ». (1)

ولا بد أن تكون هي الاولى حتى تدخل الثانية في محل النزاع كما لا يخفى.

كما انّ الاولى حينئذ تكون مثل الثانية داخلة في محل النزاع بحسب الدقة.

وانما الخروج بحسب مسامحة العرف لو لم يرجع الى الخطأ في التطبيق ، أو بالاجماع وبالخبر ، أو بالقول باجتماع عنوان الأمّ والزوجة في آن واحد وان لم يجتمعا بقاء ، فتدبر.

68 - قوله : « كانت عرضا أو عرضيا ... الخ ».

68 - قوله : « كانت عرضا أو عرضيا ... الخ ». (2)

ظاهره : انّ الفرق بين العرض والعرضي وجود ما بحذاء للاول في الخارج وعدمه للثاني وأخذ نفس المبادئ مصداقا لهما.

وهذا مخالف لما هو مصطلح عليه بين أهل المعقول :

من كون المراد من الاول نفس المبادئ غير المحمولة وان لم يكن لها ما بحذاء في الخارج كالفوقية ،

والمراد من الثاني المشتقات المحمولة وان اخذت من المبادئ التي لها ما بحذاء في الخارج كالابيض.

والفرق : انّ العرض هو المبدأ ، والعرضي هو المشتق. نعم لا يبعد أن يلتزم باصطلاحين فيهما فيصح حينئذ اطلاقه.

69 - قوله : « وإلاّ لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ».

69 - قوله : « وإلاّ لما وقع الخلاف فيما وضع له لفظ الجلالة ». (3)

مع انّ النزاع فيما نحن فيه لم يقع في خصوص اسم الزمان ، بل في مطلق المشتقات فلا بأس بانحصار بعض مصاديقها في الفرد دون النزاع في لفظ الجلالة

ص: 117


1- كفاية الاصول : 57 ؛ الحجرية 1 : 34 للمتن و 1 : 33 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 57 ؛ الحجرية 1 : 34 للمتن و 1 : 33 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 58 ؛ الحجرية 1 : 34 للمتن و 1 : 34 للتعليقة.

فانّه في خصوصه ، فهو أولى بجريان الاشكال فيه.

ويمكن أن يجاب : بأنّ اسم الزمان مثل « مقتل الحسين علیه السلام » ونحوه اسم للنوع لا للشخص ؛ ومن المعلوم انّ نوع العاشر من المحرّم كان له فرد متلبس بالمبدإ وفرد غير متلبس به فهو بما هو وجود النوع قد انقضى عنه المبدأ بعد التلبس به ، وان كان بما هو الفرد لم يتلبس به أصلا ولم يكن له الانقضاء كما لا يخفى ، هذا.

مع انّ هذا الاشكال انما هو على تقدير جعل الموصوف الزمان ، بمعنى امتداد الحركة القطعية مع جعل القطعة بمقدار التلبس ، وامّا على تقدير كون الموصوف الآن السيال أو قطعة من الزمان أوسع من مقدار التلبس كاليوم والشهر مثلا مع جعله واحدا عرفا يكون حدوثه بأول جزء منه وبقاؤه بعدم الانتهاء الى جزئه الآخر ، فلا اشكال ، فتدبر جيدا.

70 - قوله : « ضرورة انّ المصادر المزيد فيها كالمجردة في الدلالة ».

70 - قوله : « ضرورة انّ المصادر المزيد فيها كالمجردة في الدلالة ». (1)

مع انّها موضوعة لنفس المبادئ ، فلا يعقل أن تكون مشتركة بين حال وجودها وحال انقضائها ، لعدم اشتراك لفظ الشيء بينه وبين تقديره كما لا يخفى.

71 - قوله : « ضرورة عدم دلالة الامر ولا النهي عليه ».

71 - قوله : « ضرورة عدم دلالة الامر ولا النهي عليه ». (2)

وكذا جميع الافعال الانشائية من المدح والذم والمستعملة في العقود كما لا يخفى ؛ لانّ المبدأ المأخوذ فيها ليس في موطن الخارج كي يؤخذ مقرونا بصدق الزمان الخارجي الذي هو محل النزاع كما في الاخبار ، بل ينشأ بها طلب مبادئها ، هذا.

مع انّ الزمان لم يكن مدلولا للمادة اتفاقا ولا للهيئة ، لانّ معناها هو المعنى

ص: 118


1- كفاية الاصول : 58 ؛ الحجرية 1 : 35 للمتن و 1 : 34 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 59 ؛ الحجرية 1 : 35 للمتن و 1 : 34 للتعليقة.

الحرفي والزمان المدلول عليه الفعل - على القول به - هو المعنى الاسمي.

ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بدلالة صيغة افعل على الفور بمعنى أول أزمنة الامكان وعدمه كما لا يخفى.

72 - قوله : « نعم لا يبعد أن يكون لكل من الماضي والمضارع ».

72 - قوله : « نعم لا يبعد أن يكون لكل من الماضي والمضارع ». (1)

مثل اعتبار التحقق في الخارج في ظرف النسبة في مبدأ الماضي ، فانّه لا يكون معه إلاّ في المضي ؛ واعتبار اتصاف الفاعل بالصفة الموجدة في ظرف النسبة أو الترقب في المبدأ ؛ كذلك في المضارع ، فانّه لا يصدق إلاّ في غير الماضي حال النسبة ولو كان حالا عرفيا.

ثم انّ الماضي في الفعل الماضي ومقابله في المضارع انما يضافان الى حال النطق لو اطلقت النسبة منه في الزمانيات ، وإلاّ فاذا عيّن ظرف النسبة فيها فيضافان اليه كما يشير اليه قدس سره في المثالين الآتيين.

73 - قوله : « ويؤيده : انّ المضارع يكون مشتركا معنويا بين الحال والاستقبال ».

73 - قوله : « ويؤيده : انّ المضارع يكون مشتركا معنويا بين الحال والاستقبال ». (2)

حيث انّ من المعلوم انّ النحويين قائلون بكون المأخوذ من الزمان أحد الثلاثة على التعيين ، فحيث لا تعيين فيكشف عن عدم الدلالة.

وانطباقه على القدر الجامع لا بد أن يكون لاجل خصوصية في المبدأ يصلح للانطباق على المعيّن مرة كما في الماضي ، وعلى غير المعين اخرى كما في المضارع ؛ ويدل على ذلك أيضا قوله علیه السلام في رواية أبي الاسود الدؤلي : « والفعل ما دل على حركة المسمى ... الخ » (3) بلا أخذ الزمان في مفهومه.

ص: 119


1- كفاية الاصول : 59 ؛ الحجرية 1 : 35 للمتن و 1 : 34 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 59 ؛ الحجرية 1 : 35 للمتن و 1 : 35 للتعليقة.
3- بحار الانوار 40 : 162 الباب 93 في علمه وان النبي صلی اللّه علیه و آله علّمه الف باب ، في ذيل الحديث 54 ؛ - الفصول المختارة للشيخ المفيد : 59 عند قول الامام الصادق علیه السلام : « اعربوا حديثنا فانّا قوم فصحاء » ؛ مناقب آل ابي طالب 2 : 47 في فصل المسابقة بالعلم. لكن في المصادر الثلاثة جميعا : « والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ».

74 - قوله : « وانما الفرق هو انّه وضع ليستعمل ».

74 - قوله : « وانما الفرق هو انّه وضع ليستعمل ». (1)

بمعنى أن يكون الاستعمال الآلي في الحرف والاستقلالي في الاسم لوحظ شرطا في حال الوضع في طرفه لا في الموضوع له فيكون نظير الواجب المشروط لا المعلق ؛ لا بالتزام على حدة بعد الوضع ، لعدم انقلاب المطلق - بعد وقوعه - الى التقييد ؛ ولا بنحو الشرط المتقدم حتى يكون حصول الوضع مرّات بالاستعمال الآلي (2) بل بنحو الشرط المتأخر كما لا يخفى.

ثم انّ هذا كله بناء على عدم كون المعنى آليا أو استقلاليا إلاّ من قبل اللحاظ ؛ وامّا بناء على كون كل منهما في نفس المعنى في أي موطن كان بأن تكون كلمة الابتداء حاكية عن وجوده في نفسه بمفاد كان التامة ولفظ من حاكية عن وجوده في غيره بمفاد كان الناقصة ، فلا امكان حتى يلتزم لاجله بكونه قيدا في الاستعمال ومن كيفياته كما لا يخفى.

75 - قوله : « فالمعنى في كليهما في نفسه كلي طبيعي ».

75 - قوله : « فالمعنى في كليهما في نفسه كلي طبيعي ». (3)

مقصوده : انّ المعنى اذا اخذ لا بشرط عن جميع الاعتبارات حتى عن اللحاظ فهو كلي طبيعي ، واذا اخذ مقيدا به بنحو يكون لمجرد تعيين الموطن فهو كلي عقلي ؛ وامّا المعروض فهو نفس الماهية المقيدة ، واذا أخذ مع الوجود الذهني بنحو يكون المعروض الشخص فهو جزئي ذهني.

ص: 120


1- كفاية الاصول : 60 ؛ الحجرية 1 : 35 للمتن و 1 : 35 للتعليقة.
2- نسخة ( كذا في الاصل الحجري ).
3- كفاية الاصول : 60 ؛ الحجرية 1 : 36 للمتن و 1 : 35 للتعليقة.

76 - قوله : « خامسها : انّ المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ».

76 - قوله : « خامسها : انّ المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ». (1)

أقول : لو جعلنا عنوان المسألة هو جري المشتق على الذات فلا بد أن يكون المراد بالحال هو حال التلبس ، وان جعلناه كما عنون به المسألة قدس سره أولا فلا بد أن يكون المراد به حال الجري كما لا يخفى ، ولكن [ يفترق ] (2) المضي والاستقبال في الوفاق والخلاف.

ثم انّ تعيين حال التلبس أو حال الجري انّما يجري في تعيين حال الاطلاق ، ولا ربط له بالمستعمل فيه في عنوان المشتق. نعم يتعين به توسعة عنوان المشتق وضيقه كما لا يخفى.

77 - قوله : « فانّ الظاهر انّه فيما اذا كان الجري في الحال ... الخ ».

77 - قوله : « فانّ الظاهر انّه فيما اذا كان الجري في الحال ... الخ ». (3)

ويمكن الالتزام بالمجاز ولو مع كون كليهما في الاستقبال بناء على أخذ الزمان المعين في مفهوم المشتق ، حيث انّه بناء على تطابق زمان التلبس والاتصاف أيضا لا يدل المشتق على خصوصية الزمان ، فمع أخذه في مفهومه فلا بد أن يكون مجازا كما لا يخفى.

78 - قوله : « لأنّا نقول هذا الانسباق ان كان مما لا ينكر ... الخ ».

78 - قوله : « لأنّا نقول هذا الانسباق ان كان مما لا ينكر ... الخ ». (4)

يعني انّه لو اسند المشتق الى الذات وقيل : « زيد ضارب » بلا تعيين الزمان فينصرف الى زمان النطق ولو بمعونة الحكمة ، فيصح أن يقال بهذا الاعتبار : انّ الحال المدلول عليه بالمشتق هو زمان النطق.

ص: 121


1- كفاية الاصول : 62 ؛ الحجرية 1 : 36 للمتن و 1 : 36 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( يتفكر ) لكن الظاهر ( يفترق ) هو الاصح كما نبه عليه هناك.
3- كفاية الاصول : 62 ؛ الحجرية 1 : 37 للمتن و 1 : 36 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 63 ؛ الحجرية 1 : 37 للمتن و 1 : 36 للتعليقة.

إلاّ أنّ الاصوليين في هذا المقام بصدد بيان ما هو مدلوله بالوضع لا ما هو مدلوله بالقرينة ؛ ومن المعلوم انّ الحال المدلول عليه بالمشتق مع حفظ عدم دلالته على الزمان وضعا ليس إلاّ حال التلبس اجمالا الصالح للانطباق على كل من الازمنة بالقرينة ، هذا.

مع انّه لا بد للقائل بتبادر حال النطق أن يدّعيه بالنسبة الى الجري والتلبس كليهما دون خصوص الاول ، وإلاّ لا يجدي فيما هو المهم في محل النزاع كما لا يخفى.

79 - قوله : « وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية ... الخ ».

79 - قوله : « وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية ... الخ ». (1)

لا يقال : انّ لحاظ المعنى العام متيقن وانما الاشكال في لحاظ الخصوصية فلا وجه للمعارضة.

لانه يقال : نعم فيما اذا كان المعنى مرددا بين الجنس أو النوع المركب منه ومن الفصل - كما لو تردد لفظ بين وضعه للحيوان أو للحيوان الناطق - لا فيما كان كل من العام والخاص بسيطا غير مأخوذ أحدهما في الآخر ، وان كان أحدهما أعم صدقا من الآخر كما فيما نحن فيه بناء على ما سيجيء من بساطة المشتق مفهوما.

ثم انّه على تقدير جريان الاصل لا دليل على اعتباره : امّا بناء العقلاء فلعدم احرازه إلاّ تعيين المراد بعد العلم بالوضع لا في اثباته ؛ وامّا دليل الاستصحاب فلكونه في المقام كما لا يخفى.

80 - قوله : « كما انّ قضية الاستصحاب وجوبه ».

80 - قوله : « كما انّ قضية الاستصحاب وجوبه ». (2)

أخذ الزمان في موضوع الحكم ظرفا لا مفردا ومكثرا له ، كما انّه يبتني

ص: 122


1- كفاية الاصول : 63 ؛ الحجرية 1 : 37 للمتن و 1 : 37 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 64 ؛ الحجرية 1 : 38 للمتن و 1 : 37 للتعليقة.

على حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي أيضا.

81 - قوله : « لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى ».

81 - قوله : « لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى ». (1)

أقول : اختلاف المبادئ امّا : بحسب أصل وضع المصادر من السيلان وغيره والتعدية وغيرها ؛ أو بحسب اختلاف ما يراد منه عرفا ولو في خصوص مشتق خاص مجازا ؛ أو بالوضع الثانوي كالملكية والشأنية واتخاذ الحرفة ونحوها.

وامّا اختلاف ما يعتري المشتق من الحالات فهو مثل وقوعه محكوما عليه ، أو محكوما به. ويمكن أن يكون منشأ التوهم أمرا ثالثا ، مثل دعوى كون الذات المنقضي عنه المبدأ من افراد المتلبس بنحو المجاز في الاسناد.

والتحقيق : عدم صلاحية واحد من الامور للتفصيل في محل النزاع.

امّا اختلاف المبادئ فلأنّ النزاع في ما نحن فيه في معنى الهيئة ولا ربط لها بالمادة ، غاية الامر تدل الهيئة على عنوان للذات من تلبسه بالمبدإ بأيّ معنى كان سواء كان ثبوتيا أو حدوثيا أو سيالا أم لا ، الى غير ذلك من الاختلاف.

وامّا اختلاف الحالات الطارئة فلكونها من قبيل الهيئة التركيبية الكلامية ، ولا يكاد يؤخذ في المعنى المفردات وضعا ، هذا ؛ مع استلزامه الاشتراك اللفظي في كل من المشتقات.

وامّا المجاز في الاسناد فلانّه توسعة في التلبس نظير أخذ المبدأ بمعنى الملكة مثلا ، وبعد ذلك يكون صدق المشتق حقيقيا ولو كان لخصوص المتلبس.

فقد ظهر انّ المسألة ذات قولين كما بين المتقدمين ولا وجه لاحداث التفاصيل.

ص: 123


1- كفاية الاصول : 64 ؛ الحجرية 1 : 38 للمتن و 1 : 37 للتعليقة.

82 - قوله : « ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ».

82 - قوله : « ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ». (1)

كما يشهد عليه تبادر اتصاف الذات بصفة الكمال حين جري مثل ( العالم ) والفاضل والمؤمن عليه ، واتصافه بصفة النقص حين جري ما يضادها عليه ، وتبادر خصوصية وجودية في الصفات المحمولة بالضميمة أو اضافية في الخارج المحمول ؛ ومن المعلوم انّ تبادر ما ذكر لا يكاد يكون إلاّ اذا كان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس ، خصوصا بناء على ما هو التحقيق من كون المشتق عين المبدأ وعدم الفرق بينهما إلاّ باعتبار اللابشرط وبشرط لا.

ثم انّه لا يرد على التبادر بمثل اطلاق القاتل والسارق والمكّاس على ما انقضى عنه المبدأ ، لما سيجيء في الجواب عن أدلة الأعمي.

83 - قوله : « وصحة السلب مطلقا ... الخ ».

83 - قوله : « وصحة السلب مطلقا ... الخ ». (2)

أي بالحمل الشائع. وامّا بالحمل الأوّلي فلا يدل على المجازية ، لوضوح صحة سلب المعنى العام بالحمل الأوّلي عن فرده الحقيقي.

84 - قوله : « ويقال : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة ».

84 - قوله : « ويقال : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة ». (3)

والفرق بين التمسك بالمضادة - بين الصفات المأخوذة من المبادئ المتضادة - وبين التمسك بالتبادر : انّ اثبات المفهوم في الثاني يكون بلا واسطة وفي الاول يكون مع الواسطة من باب الانتقال من اللازم الى الملزوم ، حيث انّ التضاد ليس خصوصية المتلبس ؛ ومن أورد على التمسك به فانّما هو لاجل تخيله انّ احراز التضاد متوقف على احراز المفهوم ، فيكون التمسك به شبه المصادرة ، أو دوريا.

ص: 124


1- كفاية الاصول : 64 ؛ الحجرية 1 : 38 للمتن و 1 : 38 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 64 ؛ الحجرية 1 : 38 للمتن و 1 : 38 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 65 ؛ الحجرية 1 : 38 للمتن و 1 : 38 للتعليقة.

ولكن التحقيق : انّ التضاد متوقف على مقام الثبوت ، وامّا في مقام الاثبات فيكون الامر بالعكس ، فلا اشكال كما لا يخفى.

85 - قوله : « قلت : لا يكاد يكون لذلك ، لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ».

85 - قوله : « قلت : لا يكاد يكون لذلك ، لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ». (1)

حاصل الجواب : انّ التبادر : امّا لاجل الوضع للمعنى المنسبق الى الذهن ، وامّا لاجل كثرة الاستعمال بالنسبة اليه من غيرها ، أو لاجل كثرة الوجود وقلة غيرها بحيث يكون نادرا لا ينسبق الى الذهن ؛ والأخيران فيما نحن فيه - بالنسبة الى الفرد الذي انقضى عنه المبدأ - مفقودان ، فتعين الاول وهو المطلوب.

86 - قوله : « ان قلت : على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الاغلب مجازا ».

86 - قوله : « ان قلت : على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الاغلب مجازا ». (2)

حاصله : انّ ما ذكر من كثرة الاستعمال في مورد الانقضاء يستلزم كثرة المجاز ، فينافي حكمة الوضع. ولا يجديه القول بكون أكثر لغات العرب مجازات ، لأنه باعتبار كثرة المعاني المجازية ، لا في معنى مجازي واحد.

وحاصل الدفع : مضافا الى انّه مجرد استبعاد غير مضر ، بأنّه يلزم لو كان الاستعمال في حال الانقضاء بلحاظ ذاك الحال لا بلحاظ حال التلبس ، فما دام الحمل على المعنى الحقيقي يكون ممكنا لم يحمل على المعنى المجازي ، [ و ] هذا بخلاف ما اذا قيل بالأعمية ، فانّ الاستعمال فيه يكون على نحو الحقيقة في حال الانقضاء بلحاظ نفس تلك الحالة ، فلا داعي لملاحظة ما له التلبس فانّه بلا طائل ، كما انّه بخلاف الاستعمال في معنى لا يمكن إلاّ على نحو المجاز.

87 - قوله : « حقيقة كما لا يخفى ، فافهم ».

87 - قوله : « حقيقة كما لا يخفى ، فافهم ». (3)

ص: 125


1- كفاية الاصول : 65 ؛ الحجرية 1 : 38 للمتن و 1 : 39 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 65 ؛ الحجرية 1 : 38 للمتن و 1 : 39 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 66 ؛ الحجرية 1 : 39 للمتن و 1 : 39 للتعليقة.

لعله اشارة الى انّ ملاحظة حال التلبس في حال الانقضاء - حذرا عن لزوم المجاز في المشتق كثيرا ما على الاشتراك - يستلزم خلاف الظاهر في الكلام فيما كان ظرف الفعل المسند الى المشتق بعد التلبس كما اذا قيل : « جاء الشارب » اذا كان المجيء بعد الشرب ، حيث انّ ظاهر الهيئة التركيبية اتحاد ظرف المسند والمسند اليه ، فلا بد من رفع اليد عن أحد الظهورين ، وليس أحدهما أولى من الآخر.

نعم فيما كان المجيء في ظرف الشرب أو كان المسند اليه هو الموصوف كما اذا قيل : « أكرم هذا العالم » وجيء بالوصف اشارة الى تعينه فلا اشكال ، وامّا في مثل أكرم العالم أو اجلد السارق فيما كان الحكم بعد التلبس فيلزم بأنّ الحكم يكون استقلاليا بالنسبة الى الوصف مع الالتزام باسناده الى المتلبس ، مع كون التطبيق مستلزما لمضي التلبس بالنسبة الى الحكم الاستقلالي بنحو الوجوب التعليقي ، وحينئذ فيرتفع الاشكال.

88 - قوله : « فصحة سلبه وان لم تكن علامة ... الخ ».

88 - قوله : « فصحة سلبه وان لم تكن علامة ... الخ ». (1)

ظاهره : تسليم الاشكال فيما اذا كان القيد راجعا الى المسلوب.

ولكنه يمكن أن يفصّل :

بين أن يكون القيد راجعا اليه بلحاظ المبدأ ، فلا يكون صحة السلب علامة على المجاز فيما انقضى عنه المبدأ كما لا يخفى.

وبين أن يكون راجعا اليه بلحاظ المعنى الجزئي فيكون علامة حينئذ ، حيث انّ الذات التي تلبست بالمبدإ يكون فيما يطلق عليه المشتق مطلقا على الأعم ولو في حال الانقضاء ولو مع كونه مقيدا بتلك الحالة ، فاذا صح السلب

ص: 126


1- كفاية الاصول : 66 ؛ الحجرية 1 : 39 للمتن و 1 : 40 للتعليقة.

يكشف عن أخصية المعنى كما لا يخفى.

وما قيل : من عدم التناقض بين الوقتيتين أو بين الوقتية والمطلقة فانّما هو فيما لم يكن كل منهما موقتا [ بما ] (1) وقّت به الآخر ، وإلاّ فلا اشكال في حصول التناقض كما هو واضح.

89 - قوله : « ثم لا يخفى انّه لا يتفاوت في صحة السلب ... الخ ».

89 - قوله : « ثم لا يخفى انّه لا يتفاوت في صحة السلب ... الخ ». (2)

حيث انّ الاختلاف في الموارد انما يكون من حيث المادة ، وامّا بحسب الهيئة فالوضع واحد في جميع الموارد ؛ مع انّ التفصيل بين كون المشتق محكوما عليه أو محكوما به يستلزم الاشتراك اللفظي في كل من المشتقات ، وأن يختلف الوضع بحسب الحكم المتعلق به في الاستعمالات ، وهو واضح الفساد.

90 - قوله : « الثاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ».

90 - قوله : « الثاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ». (3)

يحمل بالحمل الأوّلي بالنسبة الى نفس المفهوم الجامع ابتداء ، وبالحمل الشائع بالنسبة الى تعيين الفرد الذي انقضى عنه المبدأ من كونه من افراد المعنى حقيقة أم لا ، حيث انّه لعدم صحة السلب بذاك الحمل يستكشف أعمية معنى المشتق ثانيا.

ويستدل للعموم أيضا بالمشتقات المستعملة في موارد النداء والاستغاثة حال الانقضاء مثل قوله : « يا قالع الباب » و « يا فاتح خيبر » و « يا قاتل عمرو » الى غير ذلك من الامثلة.

ولكن الجواب عن ذلك : انّ مجرد الاطلاق حال الانقضاء لا يدل على كونه موضوعا للأعم إلاّ اذا كان الاطلاق بلحاظ حال الانقضاء بلا عناية في البين ؛ وامّا

ص: 127


1- في الاصل الحجري ( بين ما ).
2- كفاية الاصول : 67 ؛ الحجرية 1 : 39 للمتن و 1 : 40 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 67 ؛ الحجرية 1 : 40 للمتن و 1 : 40 للتعليقة.

اذا كان الاطلاق بلحاظ حال التلبس بأن جعل النسبة بلحاظ ظرف التلبس ، أو كان المبدأ بمعنى [ ما ] له قرار وثبات لا مجرد السيال الذي لم يكن كما في مثل ( مقتول ) اذا جعل المبدأ فيه مجرد معدوم الروح بسبب سابق ، أو كان الاطلاق في حال الانقضاء تنزيلا للغائب منزلة الحاضر وللزمان الماضي بمنزلة الحال ، فلا دلالة على أعمية المعنى كما لا يخفى ، ولا أقل من احتمال ذلك احتمالا مساويا مانعا عن الاستدلال.

91 - قوله : « ثانيها : أن يكون لاجل الاشارة الى علّية المبدأ للحكم ».

91 - قوله : « ثانيها : أن يكون لاجل الاشارة الى علّية المبدأ للحكم ». (1)

وهو أيضا على قسمين :

أحدهما : أن لا يكون متعلق الحكم ممكن الاجتماع مع المتلبس بالمبدإ كما في القاتل المحكوم بالقصاص أو السارق المحكوم بالقطع ، فانّ الذات حين تلبسه بالمبدإ لا يصدق عليه العنوان حتى يترتب عليه القصاص والقطع بمجرد اتصافه به ، وبعده انقضى عنه المبدأ ، فلا بد في مثل هذه الصورة أن يكون الموضوع محكوما بأمر استقبالي ، غاية الامر يكون حدوث الحكم حال حدوث العنوان متعلقا بأمر مستقل بالاضافة الى المبدأ نظير الواجب التعليقي كما في آيتي السارق والزنا ، ولا بد من كون الوصف علة للحدوث لا للبقاء.

ثانيهما : أن يكون الحدوث علة للحدوث لا للبقاء ، مع امكان اجتماع المحكوم به مع زمان التلبس حدوثا كأصل الحكم وان لم يكن البقاء دائرا مداره كما في الظالم المحكوم بعدم نيل الولاية والخلافة ، فانّ عدم قابلية النيل متحقق من حين حدوث الظلم ويكون باقيا حال زواله أيضا.

اذا عرفت ذلك فتكون الأوصاف المأخوذة في العناوين مع القسم الاول

ص: 128


1- كفاية الاصول : 69 ؛ الحجرية 1 : 40 للمتن و 1 : 41 للتعليقة.

والاخير على أقسام أربعة ؛ وما يمكن الاستدلال به للقول بالأعم هو القسم الاخير لا بقية الاقسام.

92 - قوله : « وامّا اذا كان على النحو الثاني فلا كما لا يخفى ».

92 - قوله : « وامّا اذا كان على النحو الثاني فلا كما لا يخفى ». (1)

أقول : لا يخفى انّ الامام علیه السلام بصدد اثبات عدم قابلية الخلفاء للتصدي حين انقضاء عبادة الاصنام ظاهرا عنهم احتجاجا على المخالفين ؛ فان كان المراد من الآية هو القسم الثالث صح الاحتجاج بها عليهم ولكنه لا يتم إلاّ بناء على كون المشتق موضوعا للأعم ؛ وامّا على النحو الثاني فلا يحصل الاحتجاج عليهم ؛ لامكان ردّهم الاستدلال على الامام بأنّ المتيقن منها هو عدم القابلية حين التلبس ولم تكن قرينة في الآية تدل على عدم قابليتهم مطلقا ولو حال الانقضاء.

إلاّ أن يقال : هذا الايراد مشترك الورود على النحو الثالث أيضا ، لأنه بناء عليه وان صدق عليهم عنوان ( الظالم ) حال الانقضاء إلاّ انّه ليس ملاك عدم نيل الخلافة مجرد صدق العنوان عليهم ، بل العلة هو التلبس بعبادة الوثن ، فيمكن لهم دفع الاحتجاج بامكان كون التلبس علة حدوثا وبقاء فيدور عدم النيل مداره ، فبعد الانقضاء يرتفع الحكم بعدم اللياقة ، غاية الامر يكون المدار عليه هو التلبس وحده ؛ وعلى النحو الثاني هو مع صدق العنوان.

ولكن التحقيق : صحة الاحتجاج بهذه الآية على المخالفين على عدم قابلية الخلفاء للخلافة مطلقا ولو بعد الانقضاء - على القول بكون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس فضلا عن القول بالأعم - بوجوه :

الاول : انّ المنصب تارة : يكون مشتركا في الجعل بين الخالق والمخلوق كالقضاوة والتولية ونحوهما ، واخرى : يكون الجعل مختصا به تعالى كالنبوة

ص: 129


1- كفاية الاصول : 69 ؛ الحجرية 1 : 40 للمتن و 1 : 41 للتعليقة.

والامامة ؛ والمراد من العهد في الآية ذلك بقرينة اضافته اليه تعالى بقوله : ( لا يَنالُ عَهْدِي ) (1) مع سبق قوله : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) (2) ، ومن المعلوم انّه لا بد من مزية لمثل هذا المنصب على غيره حتى يختص الجعل به تعالى ، وذلك يقتضي عقلا عدم لياقة من تلبس بالظلم لمثله وان انقضى عنه المبدأ بخلاف غيرها ، فانّ عدم اللياقة ينحصر بزمان التلبس دون غيرها. (3)

الثاني : العموم الحالي الزماني المستفاد من صيغة المضارع وهو قوله تعالى : ( لا يَنالُ ) فانّه يدل على استمرار عدم النيل ولو بعد الانقضاء ، ولا يختص بخصوص زمان التلبس للاطلاق اليها في المقتضي لذلك بعد تعارف كل من القسمين في القضايا المتعارفة.

الثالث : صحة الاستثناء بقوله مثلا : « ولا ينال عهدي الظالم الاّ حال الانقضاء » المفيد لعموم المستثنى منه لو لا الاستثناء كما استشهد بذلك المحقق اللاهيجي قدس سره (4) في الكلام في الجواب عن اشكال السيد الشريف (5) والتفتازاني (6) [ على ] استدلال الخاصة بهذه الآية لعدم لياقة الخلفاء للمنصب ؛ وحاصل الاشكال : احتمال كون المشتق لخصوص المتلبس فلا يدل على أزيد من حال التلبس ، فتدبر.

ص: 130


1- (1 و 2) سورة البقرة : 124.
2- (1 و 2) سورة البقرة : 124.
3- الصحيح تذكير الضمير ، لرجوعه الى ( زمان التلبس ).
4- گوهر مراد : 558 - 559.
5- شرح المواقف 8 : 351 ، فانه لم يعلق على كلام ( المواقف ) حول الآية. ويراجع ايضا ( لوامع الاسرار في شرح مطالع الانوار ) المسمى ب- ( شرح المطالع ) : 11 السطر الاول من الحاشية في اعلى الصفحة ، اي تعليق السيد على قول شارح المطالع : « إلاّ ان معناه شيء له المشتق منه ... الخ ».
6- شرح المقاصد 5 : 278 ، وهو قوله : « ... ومنع دلالة الآية على كون من كان كافرا ثم أسلم ظالما ... الخ ».

[ تنبيهات المشتق ]

93 - قوله : « الاول : انّ مفهوم المشتق - على ما حققه الشريف في بعض حواشيه - بسيط منتزع عن الذات ».

93 - قوله : « الاول : انّ مفهوم المشتق - على ما حققه الشريف في بعض حواشيه - بسيط منتزع عن الذات ». (1)

انّ بساطة المفهوم تكون :

تارة : بمعنى وحدته ادراكا وتصورا بحيث لا يرتسم في الذهن عند تصوره إلاّ صورة واحدة بسيطة وان انحلّ بتعمّل من العقل الى شيئين كانحلال الانسان الى الحيوان [ و ] الناطق - بل جميع الانواع بالنسبة الى الجنس والفصل - ولا ينافي مثل هذا الانحلال البساطة ، ولذا [ هناك ] ترادف بين النوع وبين الجنس والفصل ، والى ذلك يرجع الاجمال والتفصيل [ وأنّهما ] فارقان بين الحد والمحدود.

واخرى : بمعنى عدم أخذ الشيء في مفهومه ولو بالتحليل كما لو قيل في المقام : « انّ الذات ليست مأخوذة في مفهوم المشتق لا ابتداء ولا تحليلا ».

وبعض أدلة المقام يقتضي البساطة بالمعنى الثاني كما هو مقتضى دليل المحقق الشريف. (2) وظاهر الاستاذ (3) أعلى اللّه مقامه بمقتضى تحقيقه في

ص: 131


1- كفاية الاصول : 70 ؛ الحجرية 1 : 41 للمتن و 1 : 43 للتعليقة.
2- لوامع الاسرار في شرح مطالع الانوار المسمى ب- ( شرح المطالع ) : 11 السطر الاول من الحاشية في اعلى الصفحة ، عند تعليق المحقق الشريف على قول شارح المطالع : « إلاّ ان معناه شيء له المشتق ... الخ ».
3- كفاية الاصول : 74.

الارشاد الذي ذكره في ذيل التنبيه ، هو الاول. إلاّ أن يقال : انّه من باب الفرض والتنزل أو من باب ذكر الفرد الخفي من البساطة ، لا أن يكون ذلك مختاره في المقام.

والتحقيق : عدم أخذ الذات في المشتق ولو على نحو التحليل ، لأنه - مضافا الى لزوم ما ذكره المحقق الشريف بناء عليه أيضا ولزوم تكرار الذات دقة أيضا في بعض الامثلة - يلزم دخوله امّا في مدلول المادة ولازمه دلالته عليه في ضمن كل مشتق ولو ضمن المصدر وهو واضح البطلان ، وامّا في مدلول الهيئة وهي لا تدل إلاّ على مجرد الربط والاضافة بين الحدث والذات لا على نفس الذات ، مع دخول المعنى الاسمي في مدلول الهيئة التي هي من قبيل الحروف في الموضوع له.

ومن هنا يظهر اشكال آخر وهو : عدم صحة جعل المشتق مبدأ بل مسندا اليه مطلقا ، لانّ النسبة لا تكون مسندا اليه وطرفا للنسبة ، مع وضوح صحة جعله مسندا اليه ، فان التزم بأنّ المشتق قد أخذ فيه الذات أو ما يساوقه فقد عرفت بطلانه. نعم لا بأس بأن يلتزم بأنّ المشتق هو نفس عنوان المبدأ قد أخذ [ فيه ] المفهوم على نحو يكون متحدا مع الذات وظهورا وجلوة له بلا مغايرة بينهما في الوجود ؛ وان كانت بتحققه بين المبدأ والذات فلا اشكال في جعله مسندا اليه وحمله على الذات.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الغرض متحد الوجود مع الموضوع أم لا ، وعلى هذا لا بأس بانحلال المشتق [ الى ] (1) تعدد الدال والمدلول من حيث

ص: 132


1- في الاصل الحجري ( الاّ ).

الهيئة والمادة ، حيث انّ نفس الحدث - بلا خصوصية أخذه على نحو الانطباق والاتحاد مع الذات - يكون مفاد المادة ، وخصوصيته الكذائية مفاد المفهوم ، وسيظهر ذلك في بيان الفرق بين الحدث والمشتق.

94 - قوله : « وقد أفاد في وجه ذلك : أنّ مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا ... الخ ».

94 - قوله : « وقد أفاد في وجه ذلك : أنّ مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا ... الخ ». (1)

ولا بد أن يكون المراد في الشق الاول هو العنوان الكلي للذات مع التقيد بالوجود السعي ، وإلاّ لما صح اثبات المبدأ له وتلبسها به بقولك في تفسيرها : « هو ذات ثبت له المبدأ ».

كما انّ المراد به في الشق الثاني هو مصداق ما ، نظير النكرة أو الحصة للكلي حتى لا [ يتنافى ] (2) مع عموم مفهوم المشتق وضعا ولا مع كونه مفهوما في ما اذا أخذ محمولا ؛ وإلاّ فلو اخذ الشخص الخارجي الجزئي الحقيقي :

فان كان المراد واحدا من الاشخاص دون غيرها يلزم أن يكون اطلاقه على غيرها مجازيا.

وإن [ كان ] المراد كلا منهما يلزم الاشتراك اللفظي ، أو الوضع العام والموضوع له الخاص ، والاستعمال في أكثر من معنى فيما اذا اريد منه العموم كما في قوله : « أكرم العالم ».

95 - قوله : « وانّما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه اذا لم يعلم نفسه ».

95 - قوله : « وانّما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه اذا لم يعلم نفسه ». (3)

لا يقال : يلزم على هذا انحصار الكليات في المنطق في أربعة بل في اثنين

ص: 133


1- كفاية الاصول : 70 ؛ الحجرية 1 : 41 للمتن و 1 : 44 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( ينافي ).
3- كفاية الاصول : 71 ؛ الحجرية 1 : 41 للمتن و 1 : 44 للتعليقة.

بناء على ارجاع النوع والجنس الى العرضي ، لعدم العلم بحقيقتهما أيضا لغير علاّم الغيوب ، فلا بد من أن يؤخذ مكانهما أظهر خواصهما حتى يوضع مكانهما في المنطق ولازم ذلك انحصار الكليات في العرض العام والخاص.

لأنّا نقول :

أولا : انّه على تقدير تسليم ذلك في جميع الذاتيات ، انّ الفرق هو انّ العناوين العرضية قد تؤخذ تارة : عن نفس مقام الذات ، بحيث يكفي في انتزاعها ولو مع قطع النظر عن جميع ما سوى الذات ، واخرى : عن الذات بلحاظ أمر خارجي عرض أو عرضي معها ، بحيث لا يكفي نفس ملاحظتها في الانتزاع.

وحينئذ فيسمى القسم الاول « دائما » وينقسم الى ثلاثة باعتبار انتزاع المفهوم عن تمام الذات أو عن جزئها الأعم أو الاخص ؛ ويسمى القسم الثاني « عرضيا » وينقسم الى قسمين بلحاظ الاختصاص بالنوع الخاص وعدمه.

وثانيا : انّ هذا الاشكال غير وارد بغير الفصل بناء على التحقيق في محله من انّ حقيقته في كل شيء هو المرتبة الخاصة من الوجود ، ومن المعلوم انّ حقيقة الوجود غير معلومة لغير علاّم الغيوب إلاّ بالمفهوم الانتزاعي ، وينقسم الفصل حينئذ الى حقيقي ومنطقي ، ويفرّق بين الفصل المنطقي والعرض الخاص بما ذكرنا باقي الكليات ، فهي من سنخ الماهية وهي معلومة الكنه مطلقا إذ لا كنه لها غير صرف مفهومها ، فلا ينقسم غير الفصل الى قسمين كما هو واضح ، غاية الامر يكون جزء مفهوم النوع هو الفصل المنطقي لا الحقيقي.

96 - قوله : « فانّ المحمول ان كان ذات المقيد ... الخ ».

96 - قوله : « فانّ المحمول ان كان ذات المقيد ... الخ ». (1)

لا يخفى انّ المقصود بالذات من المحمول :

ص: 134


1- كفاية الاصول : 72 ؛ الحجرية 1 : 42 للمتن و 1 : 45 للتعليقة.

ان كان هو الذات وكان اعتبار التقييد للاشارة الى تعيين ما هو المقصود في الحمل فلا اشكال في كون القضية ضرورية في صورة التركب ، مع انّها ممكنة على البساطة ، ولعل فيه اشارة الى هذه الصورة.

وان كان المقصود بالذات هو الخاص بما هو خاص بأن كان التقييد ملحوظا فلا ترجع القضية الى الممكنة وان كان يشكل في صحة تقييد المصداق الخارجي ، لأنه مع عدم اطلاق له حتى يقيد يلزم سلب الشيء عن نفسه في مورد فقدان القيد ، ففي مثل ( زيد ضاحك ) كأنّه قيل : « زيد زيد ما دام له الضحك وليس بزيد ما لم يكن كذلك ».

هذا كله لو كان القيد خارجا ، وامّا لو كان داخلا فانحلال مثل ( الانسان ناطق ) الى قضيتين يتصور على وجهين :

أحدهما : أن تكونا عرضيتين كما يظهر من كلامه قدس سره ، فكأنّ ( الناطق ) المشتمل على جزءين احدهما ( الانسان ) والآخر ( له النطق ) وقد حمل كل منهما على ( الانسان ) الموضوع بعبارة واحدة. ولا اشكال في كون أحدهما ضرورية والآخر ممكنة ، مع انّ هذه القضية بما كان لها من المعنى تكون ممكنة صرفة ، فيلزم انقلاب الممكنة المحضة الى الممكنة والضرورية.

ثانيهما : أن تكونا طوليتين ، بأن كان المحمول قضية على حدة كما هو مقتضى الوصف الواقع فيه لاشتماله على النسبة الناقصة تضمنا على التركيب والتزاما على البساطة ، فهو في حكم الخبر لافادته فائدته قبل العلم به.

ثم هذا المحمول الذي تكون قضيته صغرى يكون ثابتا للموضوع فتصير جملة كبرى ، والظاهر رجوع ذا الى المحمول المقيد وبالذات فيه ثبوت القيد فلا تكون ضرورية ، كما انّ الظاهر عدم صحة القسم الاول لأنه مع عدم كون الجزءين في المشتق في عرض واحد يكون أحدهما في طول الآخر وقيدا له [ و ] لا يصح

ص: 135

حمل قوله : « له الضحك » على الانسان على نحو الحمل الاتحادي. نعم يصح على نحو اسناد الفعل لأنه في حكم ( ضحك ) لا في حكم ( ضاحك ) وإلاّ لزم التسلسل.

فاذا عرفت ذلك فظهر عدم تصحيح الانقلاب الى الضرورية في المحمول المقيد ، ردا على صاحب الفصول (1) ؛ ولعل قوله : « فتأمل » اشارة الى بعض ما ذكرنا.

نعم يمكن أن يقال : في الصورة التي ذكرناها من كون المحمول قضية ثانية في طول القضية الاولى ، انّ الثانية بما لها من الجهة والكيفية ثابتة للموضوع بالضرورة.

97 - قوله : « لأنّ الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ... الخ ».

97 - قوله : « لأنّ الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ... الخ ». (2)

ومراده (3) من الذات المقيدة بالوصف مرة وبعدمه اخرى هو الموضوع ، ويكون بالضرورة في قوله : « لا يصدق زيد كاتب بالضرورة » قيدا للمنفي ، وعدم الصدق حينئذ لأخذ الموضوع مطلقا ، مع دورانه بين ما كان المحمول ضروري الثبوت له وبين ما كان المحمول ضروري السلب له ، فالحكم بالثبوت ربّما لا يطابق الواقع.

ويحتمل قويا أن يكون قيدا للمنفي بأن يكون مثالا لما كان ذات الموضوع مقيدا بعدم المحمول ، وعدم الصدق حينئذ لضرورة السلب وهو واضح ؛ ويكون قوله : « زيد الكاتب ... الخ » مثلا مثالا لضرورة الايجاب بحذف المحمول.

وعلى أي حال فيكون المحمول امّا ضروري الايجاب للموضوع إن اخذ

ص: 136


1- الفصول الغروية : 61 السطر 34.
2- كفاية الاصول : 72 ؛ الحجرية 1 : 42 للمتن و 1 : 47 العمود 1 للتعليقة.
3- أي صاحب الفصول ؛ راجع الفصول الغروية : 71 السطر 38.

بشرطه ، أو ضروري السلب ان أخذ بشرط عدمه ، فتنقلب مادة الامكان الى الضرورية ؛ ولكنه يرد عليه ما في المتن.

98 - قوله : « وقد عرفت حال الشرط ، فافهم ».

98 - قوله : « وقد عرفت حال الشرط ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انّه يرد عليه : - فيما ذكره من كون المفهوم للقيد ثابتا بالامكان [ عند ] (2) عدم أخذ الموضوع بشرط المحمول - بما أورد على الفصول في صورة أخذ المصداق في المشتق مقيدا بانحلاله الى قضيتين احداهما ضرورية والاخرى ممكنة.

ويمكن التفرقة بين الصورتين بالمأخوذ في المشتق :

ان كان هو المصداق فلا مناص عن الانحلال ، لعدم تقيد المصداق الخارجي كما عرفت.

وان كان هو المفهوم فلا بأس بالتقييد ، فتكون القضية ممكنة على حسب امكان القيد كما في المتن.

99 - قوله : « ثم انّه يمكن أن يستدل على البساطة ... الخ ».

99 - قوله : « ثم انّه يمكن أن يستدل على البساطة ... الخ ». (3)

كما انّه يمكن الاستدلال عليه بأنّ أخذ الذات امّا في المادة أو في الهيئة وكل منهما باطل ، لانّ الاولى لم تدل إلاّ على مجرد الحدث والثانية لم تدل إلاّ على مجرد الارتباط بينه وبين الذات ، مع انّ الذات معنى اسمي لم يكن مأخوذا في مدلول الحرف وما يشبهه إلاّ على مذاق من يذهب [ الى تعدد ] (4) الوضع في المشتق هيئة ومادّة.

ص: 137


1- كفاية الاصول : 73 ؛ الحجرية 1 : 43 للمتن و 1 : 47 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( عقد ).
3- كفاية الاصول : 74 ؛ الحجرية 1 : 43 للمتن و 1 : 47 العمود 1 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( بتعدد ).

ولكن التحقيق هو : وحدة الوضع وان كان يمكن تعدد الجهة في كل من اللفظ والمعنى تحليلا ، ولحاظ كل جهة من جهتي اللفظ بازاء جهة من جهتي المعنى ، وامّا ابتداء فهو موضوع بالوضع الوحداني للعنوان الجاري على الذات المنطبق عليه انطباق الوجه على ذي الوجه لا بنحو يكون الوجه مأخوذا في مفهومه ، لعدم أخذ كل محكي في مدلول الحاكي ، كما في غير المشتقات من الجوامد أيضا.

ومما ذكرنا يظهر عدم تركب المشتق من النسبة والمبدأ أيضا - ويشهد عليه جعله مبتدأ ومسندا اليه - لوضوح عدم صحته كذلك لو كان مركبا من النسبة والمبدأ.

100 - قوله : « الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما ... الخ ».

100 - قوله : « الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما ... الخ ». (1)

وتحقيقه : انّ العارض القائم بالموضوع يلاحظ على قسمين :

أحدهما : أن يلحظ كونه مرتبة بروز الذات وجلوته ، كأنّه قد تجلى في هذه المرتبة وصار وجوده شديدا بحيث صار وجود العارض مندكا ومنطويا فيه ، وعلى هذا لا نشاهد وجود كل مغايرا مع الآخر بل يكون عين الآخر ولكن بنحو يكونان مفهومين متحدي الوجود لا مفهوما واحدا مركبا ، فيكون لفظ كل منهما حاكيا عن ذاك الوجود بمفهوم غير مفهوم اللفظ الآخر ، والاتحاد والجري في كل من المفهومين على الآخر يكون من خصوصيات ذاته المفهومية فتكون اللابشرطية حينئذ ذاتية له بمعنى كونها لازم تلك الخصوصية.

ثانيهما : أن يلحظ كونه مغايرا مع الذات وجودا كما كان كذلك مفهوما ، بأن ينظر الى كون المبدأ عرضا زائدا مغايرا مع الذات - وان كان قائما به - ويكونان

ص: 138


1- كفاية الاصول : 74 ؛ الحجرية 1 : 43 للمتن و 1 : 47 العمود 1 للتعليقة.

حينئذ موجودين بوجودين لا بوجود واحد.

وعدم الجري والحمل لازم خصوصية المغايرة والاثنينية فيكون القيد بشرط لا ذاتيا بهذا المعنى ، فما دام المعنى المصدري محفوظا لا يمكن أن يحمل على الذات وان اخذ لا بشرط بالنسبة الى سائر الطوارئ والحالات ، حيث انّ هذه الخصوصية ذاتية للمصدر والذاتي لا ينفك. نعم يتصور العقل معنى مشتركا بين المشتق والمصدر - بلا وضع لفظ له - يكون كل من اللابشرط وبشرط لا عرضيا بالنسبة اليه ، لوضوح كون خصوصية القسم عرضيا للجامع وان كان ذاتيا بالنسبة الى القسم.

وما ذكرنا جار في الجنس والمادة والفصل والصورة أيضا ، حيث انّ الجنس والفصل قد أخذا على نحو لازمه اتحاد كل مع الآخر والحمل عليه ؛ والصورة والمادة قد أخذتا على نحو لازمه مغايرة كل مع الآخر وعدم الحمل عليه ؛ فاللابشرطية في الاولين وبشرط اللائية في الآخرين لازمان لذات المفهوم. نعم يكونان عرضيين بالنسبة الى ما يتصوره العقل جامعا بين مفهوم الجنس والمادة وبين مفهوم الفصل والصورة.

اذا عرفت ما ذكرنا فقد ظهر سقوط ما أورده الفصول (1) على أهل المعقول ، من الفرق بين المبدأ والمشتق بأخذ الاول بشرط لا والثاني لا بشرط مع عدم صحة حمل المصدر على الذات وان اخذ لا بشرط. [ و ] وجهه أنه : انما يرد بناء على كون قيد كل منهما عرضيا كما هو أحد الاصطلاحين في هذين اللفظين ، لا ذاتيا كما هو الاصطلاح الآخر فيهما.

ثم انّ اللابشرط وبشرط لا أمران اضافيان فتارة : يكون الشيء لا بشرط

ص: 139


1- الفصول الغروية : 62 السطر 2 - 18.

بالنسبة الى شيء وان كان بشرط لا بالقياس الى شيء آخر ، وكذلك العكس كما فيما نحن فيه ، حيث انّ المشتق يكون لا بشرط بالقياس الى الذات وان كان بشرط لا بالنسبة الى سائر الخصوصيات الموجودة في ضمن سائر المشتقات ، فلا يرد جريان معناه في ضمن غيره أو صحة حمل المشتق الفعلي على الذات أيضا ، وهو واضح البطلان ، حيث انّ المادة بشرط لا في ضمن الافعال بالنسبة الى الذات أيضا.

101 - قوله : « الثالث : ملاك الحمل كما أشرنا اليه هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر ».

101 - قوله : « الثالث : ملاك الحمل كما أشرنا اليه هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر ». (1)

لا يخفى انّ الاتحاد بين الشيئين لا يتحقق إلاّ بوحدة بينهما من وجه في موطن الحمل من خارج أو ذهن ، ومغايرة بينهما من وجه في موطن الذهن بحيث تكون المغايرة بينهما واقعيا ولو اعتبارا ، غاية الامر يكون الذهن مجرد الموطن لها لا انّه يفرضها بلا واقعية لها أصلا كما يظهر من صدر كلام الفصول (2) في هذا المقام.

ثم انّ الاتحاد :

تارة : يكون ماهية ووجودا مع كون المغايرة بالاجمال والتفصيل كما بين الحد والمحدود ، أو بأخفى من ذلك كما في قولك : « هذا زيد » و « الانسان انسان ».

بمعنى أن يلاحظ العقل في الموضوع المصداق وفي المحمول المفهوم ، وانّه لا يفقد ماهية نفسه ، في قبال تجويز فقدان الشيء نفسه عند الغفلة والذهول عن عدم امكان فقدان الشيء لنفسه.

واخرى : وجودا فقط في موطن الحمل ، كما في الحمل الشائع المتحقق بين

ص: 140


1- كفاية الاصول : 75 ؛ الحجرية 1 : 44 للمتن و 1 : 47 العمود 2 للتعليقة.
2- الفصول الغروية : 62 السطر 4 - 6.

حمل كل من الجنس والفصل على الآخر وبين حمل العرض على المعروض ومن ؛ المعلوم انّه لو لا اتحاد في الوجود لا يصح حمل أحدهما على الآخر كما بين المتغايرين في الوجود في موطن الحمل ، كما هو كذلك بين المادة والصورة الخارجيتين وبين العرض المأخوذ بشرط لا مع معروضه.

ثم انّ الاتحاد المعتبر في الحمل هو أن يكون كل من الموضوع والمحمول موجودا بوجود (1) الآخر بحيث لم يكن بينهما تغاير إلاّ في مجرد المفهوم. وامّا لو فرض التغاير بينهما في الوجود وفرضت الوحدة التركيبية للمجموع - بنحو يكون كل منهما جزءا لذاك المركب - فلا يصح حمل كل على المجموع ولا على الآخر ولا حمل المجموع على كل ، لانّ لحاظ التركيب في المجموع ولحاظ الجزئية في اجزائه هو عين لحاظ المغايرة المنافية للهوهوية المعتبرة في الحمل.

ومن الواضح انّ الوحدة التركيبية في المركب الاعتباري بين المتغايرين في الوجود لا تكون بأزيد من الوحدة التركيبية في المركب الحقيقي ؛ ومن المعلوم انّه ينافي الحمل فكيف به فيما نحن فيه؟ حتى انّ أهل المعقول صرحوا بأنّ لحاظ الجزئية يرفع الحمل لكل من الجنس والفصل على الآخر وعلى النوع ، فضلا عن الاجزاء الخارجية مثل الهيولى والصورة ؛ وعلى هذا فمعنى كون الجنس والفصل من الاجزاء الحملية انّهما جزءان للماهية باعتبار التحديد ومحمولان باعتبار آخر غير لحاظ الجزئية ، لا انّهما جزءان بعين لحاظ كونهما محمولين.

وعلى هذا فما ذكره صاحب الفصول (2) في التنبيه الثاني في صحة حمل المتغايرين - من ملاحظة المجموع شيئا واحدا أوّلا ، ثم أخذ كل منهما لا بشرط ثانيا ، ثم لحاظ المجموع في طرف الموضوع ثالثا ، ثم بعد ذلك يصح حمل كل على

ص: 141


1- بعين وجود. نسخة ؛ ( كذا في الحجرية ).
2- الفصول الغروية : 62 السطر 6 - 11.

المجموع وعلى الآخر عند تحقق الامور الثلاثة - فيه :

انّ اعتبار اللابشرط في الحمل مسلّم ؛ وامّا ملاحظة المجموع من المتغايرين واحدا واعتبار المجموع المركب في طرف الموضوع ممنوعان ، بل التركيب مع تفاوت اعتبار اللابشرط ، فانضمامه اليه يكون مخلاّ به فضلا عن الحمل ، ولذا لا معنى لاعتبار المجموع في الموضوع بالملحوظ فيه هو نفس الماهية لا المجموع كما لا يخفى. فقد ظهر انّ الحمل منحصر في المتحدين وجودا في الخارج لا في المتغايرين ، مع انّ الوحدة الاعتبارية بينهما تكون في موطن الذهن وهو ينافي اعتبار الاتحاد في موطن الحمل الشائع في الخارج.

ثم انّ جعل الانسان والناطق من قبيل المتغايرين في الوجود - كما يظهر من كلامه - خلاف التحقيق ، حيث انّ الجنس والفصل اذا أخذا لا بشرط يكون كل عين الآخر وعين الكل وجودا حقيقة لا اعتبارا ؛ ولعله ما لاحظ الفرق بين المتغايرين في الماهية - كما في الجنس والفصل - وبين المتغايرين في الوجود كما في المادة والصورة الخارجيتين فلا تغفل.

102 - قوله : « الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما ».

102 - قوله : « الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما ». (1)

بشهادة الوجدان يتبادر المفهوم الواحد من مثل العالم والقادر ونحوهما الجامع بين مورد كانت الذات مغايرة للمبدا وجودا - مضافا الى تغاير المفهوم أيضا كما في الممكن - وبين خصوص المتغايرين في المفهوم دون الوجود كما في الواجب ، هذا. مع اتفاق أهل المعقول على صدق الموجود على الوجود - بناء على أصالته - وصدق المتصل على الاتصال الجسماني الذي هو الصورة الجسمية ؛ ولا

ص: 142


1- كفاية الاصول : 76 ؛ الحجرية 1 : 44 للمتن و 1 : 48 العمود 1 للتعليقة.

بأس بعدم فهم أهل العرف ومشاهدتهم من المصاديق إلاّ صورة التغاير بين الذات والمبدأ ، لانّ فهمهم يكون مرجعا في تعيين المفاهيم الكلية لا في تعيين المصاديق ، بل المرجع فيها هو الدقة. فقد ظهر مما ذكرنا أمران :

أحدهما : كفاية [ اختلاف ] (1) المفهومين - الذات والمبدأ - في صدق المشتق وجريه عليها.

ثانيهما : كون الصفات متحدة مفهوما كمباديها فيه تعالى ، وغيرها ، وان لم يكن كذلك عينا.

وتوهم : استحالة انتزاع المفهوم الواحد عن المختلفين فلا ينتزع معنى ( العالم ) منه تعالى وغيره.

مدفوع : بأنّه كذلك لو لم يكن في البين جهة مشتركة مع غيره في كونه تنكشف لديه الاشياء وان كان الانكشاف فيه بنحو أشد.

ولا ينافي ذلك ما ورد في بعض الاخبار على ما حكي عن الكافي : « اشتراكنا معه في الاسم وافتراقنا في المعنى » (2) لانّ الاسم بمعنى العلامة ليس مجرد

ص: 143


1- في الاصل الحجري ( الاختلاف ).
2- المشكيني ينقل الرواية هكذا : « اشتركنا معه في الاسم وافترقنا في المسمى » في 1 : 292 من الطبعة المحققة و 1 : 85 من الحجرية الموشحة بحاشية المشكيني. وعلى كل حال فهذا المضمون ورد اكثر من مرة في حديث عن الرضا علیه السلام في الكافي 1 : 120 الحديث 2 في باب طويل الاسم يأتي بعد ( باب معاني الاسماء واشتقاقاتها ) واسمه ( باب آخر وهو من الباب الاول إلاّ ان فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت اسماء اللّه تعالى واسماء المخلوقين ). فالمضمون السالف في المتن قد ورد اكثر من مرة في هذه الرواية ، خاصة عند قوله علیه السلام في عدة مواضع منها : « فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى » وغيره من التعبيرات. وذكرها الصدوق ايضا في التوحيد : 186 في ( باب اسماء اللّه تعالى والفرق بين معانيها وبين معاني اسماء المخلوقين ) الحديث 2 ؛ مع اختلاف كثير وزيادات عما في الكافي.

اللفظ ، بل هو بمفهومه الحاكي والمعنى هو ذاته المقدسة التي عين صفاته ، ولا شبهة في مغايرته مع [ الممكن ] (1) ذاتا وصفة لأنه واجب الوجود من الجهتين والنور البسيط البحث فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى شدة ومدة وفي عين بساطته جامع لجميع الكمالات ، ولكنه باعتبار جامعيته كلي للمفاهيم الكمالية يصدق عليه جميع صفات الجمال ، فباعتبار كونه بحث الوجود يصدق عليه الموجود وباعتبار انكشاف الاشياء لديه يقال : انّه : « العالم » وبلحاظ افاضة الموجودات الامكانية يطلق عليه « القادر » كذا وغيرها من الصفات.

فان قلت : يلزم حينئذ صدق المختلفات بما هي كذلك على كل شيء واحد ، وهو كانتزاع المفهوم الواحد عن المختلفات غير جائز.

قلت : انّه كذلك لو لم يكن باختلاف الحيثيات والجهات باعتبار الذهن ولا شبهة في اختلافها فيه تعالى ، كما انّ التلبس بالصفات مستلزم لمغايرة ما اعتبارا بين الذات وبينها ، حيث انّ الملحوظ يكون :

تارة : هو الذات المقدسة مع قطع النظر عن تجلياته بصفات الكمال ، فيعبر عنه حينئذ ب- « عالم الأحديّة » و « غيب الغيوب » و « السرّ المكنون ».

واخرى : يكون هو الذات بلحاظ تجلياته بصفاته الذاتية المختلفة ، ويعبر عنه حينئذ ب- « عالم الأحديّة » و « عالم الأسماء والصفات » فيصدق اتصاف الذات بالصفات باختلاف المرتبتين والحيثيتين ، وان كان ما بحذائهما المقصود بهما هو ذاته البسيطة.

ولعل توهم لزوم اختلاف الذات والصفات مصداقا في الصدق أوجب الاشاعرة - غير الشاعرة - بذهابهم الى زيادة الصفات ؛ وامّا أهل الحق حيث التفتوا

ص: 144


1- في الاصل الحجري ( التمكن ).

الى انّ الواحدية في مقام الذات تكون أشد مراتب الكمال والتلبس فقد ذهبوا الى العينية ، فتأمل جيدا.

103 - قوله : « ومنه قد انقدح ما في الفصول من الالتزام بالنقل ... الخ ».

103 - قوله : « ومنه قد انقدح ما في الفصول (1) من الالتزام بالنقل ... الخ ». (2)

لما عرفت من انّ اختلاف الواجب والممكن انما هو في المصداق لا في المفاهيم الكلية العامة ، والعرف لا يكون مرجعا في المصاديق حتى يلتزم بالنقل أو التجوز ، لاجل عدم فهمهم منها إلاّ المغايرة بين الذات والمبدأ.

104 - قوله : « الخامس : انّه وقع الخلاف ... الخ ».

104 - قوله : « الخامس : انّه وقع الخلاف ... الخ ». (3)

قد ذهب الاشاعرة الى اعتبار قيام المبدأ بالذات قياما عرضيا في مقابل العينية وقد فرعوا زيادة الصفات ، وفي مقابل عدم القيام رأسا وقد فرعوا عليه الكلام النفسي زائدا على اللفظي لعدم القيام إلاّ في الاول ، ولكنك عرفت ما على الاول.

وامّا الثاني : فالتحقيق : ما ذهبوا اليه من اعتبار القيام دون الثمرة ، لوضوح اعتبار التلبس بالمبدإ في صدق المشتق على الذات بنحو على اختلاف أنحائه من القيام : صدورا ، أو حلولا ، أو وقوعا ، أو الانتزاع عنه مع عدم التحقق خارجا إلاّ لمنشا الانتزاع كما في الاضافات والاعتبارات التي تكون من الخارج المحمول لا المحمول بالضميمة.

وامّا في مثل الضارب والمؤلم والخالق والمتكلم في حقه تعالى - من عدم قيام المبدأ بالذات - انما هو لتوهم كون المبدأ فيهما ما هو الحاصل من المصدر الذي هو اسم المصدر ، وليس كذلك ، بل هو التأثير والايجاد ، ولا قيام له إلاّ على

ص: 145


1- الفصول الغروية : 62 السطر 26 - 31.
2- كفاية الاصول : 76 ؛ الحجرية 1 : 44 للمتن و 1 : 48 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 76 ؛ الحجرية 1 : 44 للمتن و 1 : 48 العمود 2 للتعليقة.

الذات التي تكون مصداقا لهذه الصفات ، فانّ التأثير انما هو في الضارب والمؤلم ؛ وكذا الايجاد يكون قائما بذات الباري وانّ الحاصل منه قائم بذاته في الخارج كما في الخلق ، أو قائم بغيره تعالى كما في الكلام اللفظي فلا يثبت - بمجرد صدق المتكلم عليه - الكلام النفسي كما لا يخفى.

وكذا يكون المبدأ في مثل التامر واللاّبن هو بيع التمر واللبن ، وهو لا يكون إلاّ قائما بذات التامر واللابن ، وما هو القائم بالذات لا يكون إلاّ ما يقع عليه المصدر المذكور وهو واضح.

105 - قوله : « الناشئة من اختلاف المواد تارة ... الخ ».

105 - قوله : « الناشئة من اختلاف المواد تارة ... الخ ». (1)

كما في المصادر المتعدّية واللازمة ، وما يراد منه الفعلية ، أو الملكة ، أو الاخذ حرفة وصنعة ، الى غير ذلك من الاختلافات.

106 - قوله : « فانّ غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلاّ بما يقابلها ... الخ ».

106 - قوله : « فانّ غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلاّ بما يقابلها ... الخ ». (2)

هذه علة للزوم صرف اللقلقة في جري الصفات عليه تعالى لو لا ارادة عين المفاهيم الجارية في غيره تعالى ، بأنّ غير تلك المفاهيم العامة غير مفهوم من الفاظ تلك الصفات ، حيث انّه لا يتبادر من لفظ العالم غير مفهوم من لديه تنكشف الاشياء ، مع انّ غير تلك المفاهيم غير معلوم في حقه تعالى إلاّ بما يقابلها ، من باب عدم امكان ارتفاع النقيضين ، فيلزم من عدم صدق هذه المفاهيم صدق نقيضهما وهو باطل ، فيلزم من عدم ارادتها مجرد اللقلقة.

وفيه : انّه يلزم ذلك من عدم ارادة هذه المفاهيم من المشتقات الجارية عليه تعالى لو لم يرد عين مفهوم المبادئ من العلم والقدرة ونحوهما ، وامّا معه فلا يلزم

ص: 146


1- كفاية الاصول : 77 ؛ الحجرية 1 : 44 للمتن و 1 : 49 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 78 ؛ الحجرية 1 : 45 للمتن و 1 : 49 للتعليقة.

ذلك ؛ ولا بأس بالالتزام بالتجوز والتعقل حينئذ لو لا ما قلنا من تبادر نفس المشتقات من العالم والقادر لا المبادئ.

107 - قوله : « والعجب انّه جعل ذلك علة لعدم صدقها في حق غيره وهو كما ترى ».

107 - قوله : « والعجب انّه جعل ذلك علة لعدم صدقها في حق غيره وهو كما ترى ». (1)

وفيه : انّه كما ترى من المحذور لو كان مراده من عدم صدق الصفات في حق غيره تعالى هو ألفاظ المشتقات من مثل العالم والقادر ونحوهما ، فانّ اعتبار المغايرة بين الذات والمبدأ موجب لعدم صدق هذه الصفات [ في ] (2) حقه تعالى لا [ في ] (3) غيره.

وامّا لو كان المراد من الصفات غير الصادقة في حق غيره تعالى هو ألفاظ المبادئ من العلم والقدرة فلا محذور في كلامه ، ويكون مراده حينئذ انّ مفاهيم هذه المبادئ لما كانت عين الذات فيه تعالى وزائدا في غيره تعالى فتصدق على نحو الحمل فيه تعالى ولا تصدق في غيره ؛ ولعل قوله : « فتأمل » اشارة الى ما ذكرنا.

108 - قوله : « السادس : الظاهر انّه لا يعتبر في صدق المشتق ... الخ ».

108 - قوله : « السادس : الظاهر انّه لا يعتبر في صدق المشتق ... الخ ». (4)

اعلم : انّه لما كان معنى المشتق عنوانا بسيطا جاريا على الذات منتزعا عنها بلحاظ تلبسها بالمبدإ فيكون مغايرا للذات - لتلبسها بالمبدإ - تغاير المنتزع عن المنتزع عنه ، ولا يلزم من كون التلبس والاسناد مجازيا عقليا أن يكون استعمال المشتق في مفهومه الكلي مجازا في الكلمة وان كان تطبيقه على الذات وحمله

ص: 147


1- كفاية الاصول : 78 ؛ الحجرية 1 : 45 للمتن و 1 : 50 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( على ).
3- في الاصل الحجري ( على ).
4- كفاية الاصول : 78 ؛ الحجرية 1 : 45 للمتن و 1 : 50 للتعليقة.

عليها مجازيا أيضا بعين المجاز في الاسناد ، حيث انّ الصدق عليها عين الاسناد.

نعم يكون استعماله في مفهومه الكلي على نحو الحقيقة ، ويكون صدقه على الذات المتصف بالمبدإ بالواسطة من قبيل اطلاق الكلي على الفرد وهو غير استعماله في ذلك المفهوم.

ومما ذكرنا قد ظهرت المسامحة في تعبير المتن ، فتدبر.

ص: 148

المقصد الأول: الأوامر

اشارة

ص: 149

ص: 150

المقصد الاول

الاوامر

مادة الامر

109 - قوله : « ومنها : الغرض ... الخ ».

109 - قوله : « ومنها : الغرض ... الخ ». (1)

أقول : ومنها : القدرة ، ومنها : الصفة أيضا.

110 - قوله : « ولا يخفى ان عدّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ... الخ ».

110 - قوله : « ولا يخفى ان عدّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ... الخ ». (2)

أقول : لا يخفى انّ الامر امّا مشترك لفظي بين الكل ، أو مشترك معنوي كذلك ، أو حقيقة في واحد ومجاز في تمام الباقي ، أو حقيقة في الاثنين وهما : الشأن والطلب كما عليه الفصول (3) أو الشيء والطلب كما عليه الاستاذ قدس سره (4) أو حقيقة في الثلاثة وهي : الشيء والشيئان والطلب المخصوص وهو التحقيق.

بيان ذلك : انّ الاشتراك في الكل لا دليل عليه غير دعوى الاستعمال في كل شيء وهو مع انّه أعم من الحقيقة لا يكون بثابت ، حيث انّه يمكن ارجاع بعض منها

ص: 151


1- كفاية الاصول : 81 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 51 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 81 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 51 للتعليقة.
3- الفصول الغروية : 62 السطر 35 - 36.
4- كفاية الاصول : 82.

الى بعض آخر وجعله مصداقا له ، كما في الفعل والقدرة والصفة الى الشأن ، والغرض والحادثة الى الشيء كما لا يخفى ؛ كما انّ مفهوم الشيء باطلاقه ليس من معانيه الحقيقية لانّه وان كان مستعملا فيه في موارد من الآيات وغيرها كما في قوله تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (1) وقوله تعالى : ( أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) (2) وقولك : « شغلني اليوم أمر ».

إلاّ انّه يمكن ارجاعه في تلك الموارد الى الفعل والصنع الراجع الى الشأن امّا باستعماله فيه ابتداء حقيقة وانطباقه على تلك الموارد بلحاظه باعتبار كون الموجودات صنعا وفعلا لله تعالى وللمتكلم في الاستعمال الاخير ، أو في الشيء مجازا باعتبار كونه متعلقا لفعله وغيره تعالى.

وجعله جامعا بين المعاني حتى يصير الامر مشتركا معنويا بينهما ، يبعّده عدم صحة اشتقاق التصاريف منه بمعناه الحقيقي حينئذ ، وصحته منه بمعناه المجازي في موارد استعماله في بعض افراده مثل الطلب لا في موارد اطلاقه على افراده مطلقا.

ولا يخفى ما فيه ، حيث انّ ذلك يحتاج الى عناية في المشتقات منه ، والمتراءى خلافه ، هذا. مع عدم علاقة بين الشيء وأفراده إلاّ بالعموم والخصوص وهو ليس بمعتبر مطلقا ، خصوصا في مثل المقام مما كان العام من الامور العامة متساوي الشمول لافراده مفهوما ، مضافا الى عدم مساعدة العرف على اطلاق الامر على الاعيان الخارجية مطلقا ، ولذلك [ لا ] يقال : « رأيت أمرا » في مقام رؤية زيد. نعم لا يبعد كون اطلاقه على الحقيقة على بعض الأشياء عند أرباب التصانيف لكثرة اطلاقهم بقولهم : « وينبغي التنبيه على امور ».

ص: 152


1- سورة القدر : 4.
2- سورة الشورى : 53.

وجعل اللام حقيقة في خصوص الطلب ومجازا في غيره مطلقا ، يبعّده صحة استعماله في غيره بلا عناية ولا قرينة ، واختلاف جمعه بالنسبة اليه والى غيره.

وجعل الشأن خارجا عن معناه الحقيقي يبعّده صحة استعماله بلا عناية فيه مثل قوله : « أمر فلان مريب » أو « معجب » أو « مستقيم » وعدم صحة تبديله بالشيء في هذه المسألة ، فلا يبعد أن يكون مشتركا لفظيا بين الثلاثة وهي : الشيء في الجملة والشأن والطلب ، لعدم امكان ارجاع كل الى الآخر ، لعدم العلاقة ، ولاختلاف جمعه فيها كما عرفت.

ويستكشف ظنا - من عدم العناية في اطلاقه على كل منهما عرفا - عدم الاشتراك بينهما معنويا بلحاظ معنى آخر ، مع عدم القدر المشترك الاشتقاقي بين المعنى الجامدي والاشتقاقي ، وعرفت ما في الاشتقاق هكذا من الجامد بمعناه المجازي.

111 - قوله : « نعم يكون مدخوله مصداقه ، فافهم ».

111 - قوله : « نعم يكون مدخوله مصداقه ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انّه كذلك اذا استعمل بلا اضافة الى شيء ، وامّا اذا استعمل معها كقوله : « جئتك لامر كذا » فلا يبعد استعماله في مفهوم الغرض لأنه بمنزلة أن يقال : « لغرض كذا » أو « نكتة كذا » ، مع [ أنّ ] ذلك أعم من الحقيقة كما لا يخفى.

112 - قوله : « وكذا في الحادثة والشأن ... الخ ».

112 - قوله : « وكذا في الحادثة والشأن ... الخ ». (2)

لكنك قد عرفت انّ التحقيق ما ذهب اليه الفصول (3) ان كان مراده من ( الشأن ) متحدا مع ( الشغل ) في الجملة ، وانّ ( الشيء ) بمفهومه المطلق ليس من

ص: 153


1- كفاية الاصول : 81 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 52 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 81 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 52 للتعليقة.
3- وهو كون الامر بمعنى الشأن والطلب. الفصول الغروية : 62 السطر3. 36.

معناه الحقيقي فراجع.

113 - قوله : « وامّا بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق ... الخ ».

113 - قوله : « وامّا بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق ... الخ ». (1)

أقول : لم يكتف بذلك بعضهم حتى ادّعى الاتفاق على كونه حقيقة عرفا في ( القول ) الدال على ( الطلب ) ، بل على كونه حقيقة في خصوصه ومجازا في غيره.

لكن الظاهر كما عن الفصول (2) انّ القول يكون معناه الاصطلاحي ، ويكفي فيه النقل من بعض الاساطين (3) في الفن ، ولا يعتبر فيه الاجماع ؛ واسناده الى العرف لعله لكونه حقيقة في ( الطلب المخصوص ) الآتي ، وعلته حصوله بالقول ، فتخيل كونه حقيقة فيه غفلة عن انّه لاكثرية افادته ، لا لاجل كونه حقيقة كما لا يخفى ، هذا.

مضافا الى عدم صحة الاشتقاق من الامر بمعنى القول ، إلاّ أن يلتزم بالاشتراك اللفظي بينه وبين الطلب المخصوص فيكون صحة الاشتقاق بلحاظ المعنى الثاني ، وهو بعيد عن الاعتبار ، للزوم الانفكاك بينه وبين سائر اشتقاقاته حينئذ في الاستعمال ، مع عدم الفرق بينها في موارد الاطلاقات.

ولكن الالتزام بعدم دخل ( القول ) في الموضوع له للامر بنحو أصلا ، يبعّده دعوى كثير من العلماء بل المشهور على كونه حقيقة فيه ، فيمكن أن يقال : انّه للطلب المنشأ بالقول ، حتى انّ الطلب بالاشارة أو الكتابة ليس من مصاديقه ، فيكون معنى الامر الطلب الحاصل بالقول ؛ ولما كان بين الدال والمدلول نحو اتحاد - بحيث يكون الاول وجودا لفظيا للثاني ومرتبة منه - فتوهم من ذلك كون القول معنى حقيقيا للامر وادّعي التبادر وسائر علائم الحقيقة بالنسبة اليه غفلة من

ص: 154


1- كفاية الاصول : 82 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 52 للتعليقة.
2- الفصول الغروية : 63 السطر 1.
3- مقصوده صاحب الفصول في : 63 السطر 1.

انّ تبادره منه على تقدير التسليم انما هو لاجل ما عرفت ، لا لما ذكروه.

ولعل وجه جعل مبحث الامر من مباحث الالفاظ ذلك ايضا كما لا يخفى.

نعم يبقى الاشكال بناء على كونه حقيقة في الطلب المنشأ بالقول في مثل « أمرت انشاء » حيث انّ خصوصية معنى مادته تحصل بنفس ذلك اللفظ كما لا يخفى ، فلا بد من تجريده عن تلك الخصوصية.

ولكن يمكن أن يقال : انّ المنشأ هو طبيعة الطلب المنشأ بطبيعة اللفظ لا بشخصه كي لا يمكن انشاؤه به ، أو انّ المنشأ هو نفس الطلب الخاص ، لا بأن يكون خصوصيته مرادا من اللفظ بل نفس الخاص. ولكن الخصوصية لم تكن منفكة عنه ، حيث انّ نفس اللفظ يتحقق لها فلا يلزم المجاز في المادة أيضا كما في البيع الايجابي الحاصل بعده القبول بناء على أن يكون معناه الايجاب المتعقب بالقبول ، ولكن فيه ما فيه.

والأولى أن تؤتى بتلك الخصوصية في معناه الاصطلاحي لا العرفي ، مع توجيه تحديده به بما عرفت [ من ] انّ أخذه فيه لاجل الاتحاد بين الدال والمدلول.

114 - قوله : « لا بالمعنى الآخر ، فتدبر ».

114 - قوله : « لا بالمعنى الآخر ، فتدبر ». (1)

لعله اشارة الى كفاية ثبوت معناه الاصطلاحي بتصريح بعض الاساطين (2) بذلك.

وامّا صحة الاشتقاق فيصح - باعتباره - معناه العرفي لا الاصطلاحي ، وعلى

ص: 155


1- كفاية الاصول : 82 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 53 العمود 1 للتعليقة.
2- الفصول الغروية : 63 السطر 1.

تقدير التسليم فلا ضير في صحة الاشتقاق اذا اخذ بمعنى التلفظ بالصيغة. نعم اذا اخذ بمعنى اسم المصدر وهو مجرد اللفظ الخاص فلا يصح منه الاشتقاق كما هو واضح.

نعم الأولى أن يجعل معناه الاصطلاحي الطلب بالقول ، ويكون التحديد بالقول لما عرفت من الوجه.

115 - قوله : « ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب بالقول ... الخ ».

115 - قوله : « ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب بالقول ... الخ ». (1)

ظاهرة : تسليم صحة الاشتقاق وقابليته للانشاء اذا اخذ ( القول ) في معناه قيدا.

وفيه : ما لا يخفى ، حيث انّ المتقيد بالقول - كنفسه - غير قابل للانشاء ، وانما القابل له هو نفس الطلب مجردا عنه رأسا ، فالأحسن أن يجعل ذلك قيدا لمعناه الاصطلاحي مع الالتزام بكون الاشتقاق والانشاء بالنسبة الى معناه العرفي المجرد عن ذلك كما عرفت.

116 - قوله : « لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص ».

116 - قوله : « لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص ». (2)

حيث انّ اللفظ نحو وجود للمعنى من باب الاتحاد بينهما ، فلا يتوهم انّ اللفظ يكون بنفسه مصداقا لمعنى الامر.

117 - قوله : « الجهة الثانية : الظاهر اعتبار العلو في معنى الامر ... الخ ».

117 - قوله : « الجهة الثانية : الظاهر اعتبار العلو في معنى الامر ... الخ ». (3)

الكلام في هذا المقام تارة في اعتباره بنفسه ، واخرى في كفاية استعلاء الداني منه ، وثالثة في اعتباره مع العلو الحقيقي.

ص: 156


1- كفاية الاصول : 82 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 53 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 82 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 53 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 83 ؛ الحجرية 1 : 46 للمتن و 1 : 53 العمود 2 للتعليقة.

امّا الكلام في الجهة الاولى : فالظاهر انّه لا اشكال في اعتباره ، للتبادر عند اسناد الامر الى من هو يعلم حاله من العلو وعدمه وهو قرينة على اعتباره في مفهومه ، وصحة السلب عن طلب الداني [ من ] (1) العالي فلا يقال انّه : « أمره بكذا » بل يقال لطلبه عنه أنه : « دعاء منه » ولطلب المساوي انّه : « التماس » لا أمر.

وامّا الجهة الثانية : فالظاهر انّ الاستعلاء لا يقوم مقام العلو الحقيقي في الكفاية عنه ، ولذا يصح السلب عن غير طلب العالي وان استعلى فلا يقال انه : « امر حقيقة » في الكلمة أو ادّعاء بعد تنزيل غير العالم منزلته.

وامّا توهم : انّ استهجان العقلاء لامر الداني في مقام استعلائه على العالي بقولهم : « أتأمر الامير » يدل على كفاية الاستعلاء ولو لم يكن علو حقيقة ، حيث انّهم يطلقونه عليه بعده بلا عناية وتجوز فيه.

مدفوع : بأنّ الاستهجان لعله باعتبار الاستعلاء ، أو تنزيل نفسه منزلة العالي وتخيل العلو في حقه ، لا باعتبار كون طلبه أمرا حقيقة ، وإلاّ فلا معنى لاستهجانه على امره بعد كونه أعم وضعا كما لا يخفى ، لعدم القبح في طلبه وانما هو في أحد الامرين من الاستعلاء أو التنزيل.

ثم اطلاق الامر على طلبه يحتمل أن يكون لاستعلائه فيدل على كفايته فيه ، ويحتمل أيضا أن يكون حقيقة باعتبار العلو ولكن لا واقعا بل باعتبار الداني بتخيل العلو في حقه باستعلائه ، أو مجازا بعلاقة مشابهة القاء الداني - طلبه باستعلائه - بالقاء العالي ؛ فمع هذه الاحتمالات لا دلالة له على كفاية الاستعلاء فيه كما لا يخفى ، هذا.

ص: 157


1- في الاصل الحجري ( عن ).

مضافا الى انّ الالتزام بالاشتراك اللفظي فيه بين طلب العالي وطلب المستعلي كما ترى ، ولا جامع بينهما بالخصوص حتى يلزم بالاشتراك المعنوي للجامع بينهما إلاّ مطلق الطلب وهو يستلزم عدم كل منهما معنى حقيقيا له كما لا يخفى.

وامّا الجهة الثالثة : فالظاهر كفاية الطلب عن العالي فقط ولم يعتبر صدوره عنه استعلاء أيضا ، لتبادر المطلق وصحة اطلاقه عليه بلا عناية فيه ، بل وان صدر عن العالي تذللا عند الملتفت [ الى علوّه ] (1) وان لم يلتفت العالي [ الى علوّه ] (2) بنفسه ، ولذا يصح العقاب عند العقلاء على المخالفة معللا بمخالفته لامره ؛ وحينئذ فكما لا يكون الاستعلاء شرطا في صحة الاطلاق الحقيقي لا يكون التذلل منه بمانع أيضا.

118 - قوله : « لانسباقه عنه عند اطلاقه ».

118 - قوله : « لانسباقه عنه عند اطلاقه ». (3)

في موارد اطلاقاته العرفية كما لا يخفى على المتتبع ، وصحة سلبه عن الطلب الندبي ، هذا. مضافا الى اطلاقاته في خصوص الوجوب في موارد كثيرة بلا قرينة كما أشار اليها رحمه اللّه . (4)

لا يقال : انّ مجرد الاستعمال أعم من الحقيقة كما مرّ مرارا في كلامه. لأنّا نقول : نعم لو لم يكن المجاز بدون القرينة مع ارادة المعنى خلاف المحاورة.

وما قيل : انّ الاطلاق أعم من الحقيقة انما هو اذا احتمل الاستناد اليها ، مع انّ ذكر هذه الاطلاقات انما هو لمجرد التأييد.

ص: 158


1- في الاصل الحجري ( بعلوّه ).
2- في الاصل الحجري ( بعلوّه ).
3- كفاية الاصول : 83 ؛ الحجرية 1 : 49 للمتن و 1 : 53 العمود 2 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 83 - 84.

119 - قوله : « قوله تعالى : ( « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ ... » ... ) ... الخ ».

119 - قوله : « قوله تعالى : ( « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ ... » ... ) ... الخ ». (1)

تمامية الاستدلال بهذه الآية انما هو بناء على كون المخالفة مجرد عدم العمل على طبق الامر ، وان يكون المراد من الامر هو الجنس لا العموم الاستغراقي ، وإلاّ فلا يتم ، فتدبر.

120 - قوله : « وقوله صلی اللّه علیه و آله : « لو لا أن أشق على امتي ... » ... الخ ».

120 - قوله : « وقوله صلی اللّه علیه و آله : « لو لا أن أشق على امتي ... » ... الخ ». (2)

وجه الاستدلال : انّه يدل على الملازمة الارتكازية بين المشقة وبين جنس الامر ، فيدل حينئذ على كونه حقيقة في الوجوب لا على الملازمة بينهما وبين نوع منه ، فتدبر.

121 - قوله : « الجهة الرابعة : الظاهر أنّ الطلب الذي يكون هو معنى الامر ... الخ ».

121 - قوله : « الجهة الرابعة : الظاهر أنّ الطلب الذي يكون هو معنى الامر ... الخ ». (3)

فليست مادة الامر مرادفة للطلب كي يصح اطلاقها على جميع مراتبه التي نشير اليها [ قريبا ] (4) بل حقيقة في خصوص الطلب الانشائي ، دون سائر مراتبه : من مفهومه الذهني - وهو مفهوم الشوق المؤكد - ، ومصداقه الحقيقي القائم بالنفس - وهو الشوق المؤكد عقيب الداعي - ؛ للتبادر ، وصحة السلب عن غيرها.

وما يتراءى من صحة اطلاقه على الطلب بلا تقييد بالمرتبة الانشائية فهو لكون الطلب كثير الاستعمال في تلك المرتبة بحيث يتبادر عند اطلاقه ، لا لكونه بمعنى الطلب المطلق كي يكون مرادفا له ، كما سيأتي عند التوفيق بين الاشاعرة والمعتزلة في الاختلاف في اتحاد الطلب والارادة ، واختلافهما من انّ تخيل

ص: 159


1- سورة النور : 63. كفاية الاصول : 83 ؛ الحجرية 1 : 49 للمتن و 1 : 54 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 83 ؛ الحجرية 1 : 49 للمتن و 1 : 54 العمود 1 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 84 ؛ الحجرية 1 : 49 للمتن و 1 : 54 العمود 1 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( آنفا ).

الاختلاف لتبادر مرتبة الانشاء من الطلب لكثرة الاستعمال فيه وتبادر الصفة القائمة بالنفس من الارادة لذلك.

122 - قوله : « هو اتحاد الطلب والارادة ... الخ ».

122 - قوله : « هو اتحاد الطلب والارادة ... الخ ». (1)

وجودا ومفهوما ، خلافا للاشاعرة (2) في كليهما. وقبل الشروع في محل النقض والابرام لا بد من تمهيد مقدمة وهي :

انّه لا بد من العلم بأنّ المفاهيم التي يتعلق الانشاء بها - منها الطلب والاستفهام والترجي والتمني ونظائرها مما كانت من الصفات القائمة بالنفس - لها أنحاء من التحقق :

أحدها : تحققها بحسب وجودها العلمي ، فاذا تعلق بها التصور تكون من الموجودات الذهنية فتنطبق المفاهيم عليها بالحمل الأوّلي لا بالشائع الصناعي. نعم يصدق العلم عليها بهذا الحمل ، وهي من هذه الجهة تكون من الكيف النفساني - ان كان العلم من هذه المقولة - إذ يترتب عليها ما هو آثار الوجود العلمي للمفاهيم.

ثانيها : تحققها بحسب وجودها الحقيقي الذي تكون هذه المفاهيم لاجل ذلك من الكيفيات القائمة بالنفس أيضا ، وتكون بحسبه من المحمولات بالضميمة. مثلا يكون الطلب بوجوده الحقيقي عبارة : عن الشوق المؤكد الموجود في النفس عقيب الداعي ؛ وهو بهذا الوجود يصدق عليه الارادة بالحمل الشائع فيكون من الأعراض المتأصلة ، وله بهذا الوجود آثار مخصوصة ما كانت له باعتبار الاول ، فهو غيره. وأيضا يكون الوجود الثاني من مصاديق حقيقة الطلب ، لا الاول كما عرفت.

ص: 160


1- كفاية الاصول : 85 ؛ الحجرية 1 : 50 للمتن و 1 : 54 العمود 1 للتعليقة.
2- المحصول ل- الرازي 1 : 252.

فاذا ظهر تحقق الطلب بهذا الوجود الحقيقي يظهر تحقق غيره من الامثلة به أيضا وتكون مثله من الكيفيات النفسانية ؛ وهي أيضا من هذه الجهة غير وجوده العلمي.

ثالثها : تحققها بالوجود الانشائي. وانشاء هذه المفاهيم عبارة عن : قصد حصولها في نفس الامر باللفظ. وهذه المفاهيم لعلها من هذه الجهة من مقولة ( أن يفعل ) باعتبار نفس الانشاء ، ومن مقولة ( الاضافة ) باعتبار نفس المنشأ ، وهو أثر اعتباري لا وجود له في الخارج ، فوجوده فيه عبارة عن وجوده بوجود منشأ انتزاعه الذي به يخرج عن مجرد الفرض ويكون من الامور النفس الامرية.

وليعلم انّ هذا الوجود الانشائي للطلب وغيره من نظائره غير الوجود الحقيقي لها وان كان قد يكون ذلك من دواعي الانشاء ، لعدم قابلية وجودها الحقيقي لتعلق الانشاء به لوضوح خروجه عن الاختيار. كما ظهر ان الوجود الانشائي عبارة عن حصول مفاهيمها في عالم اللفظ اذا صدر مع القصد ، في قبال فرض الفارض الذي لا وجود له أصلا ؛ وصيغها دائما مستعملة فيها بهذا اللحاظ ، سواء كان الداعي لانشائها وجودها الحقيقي أم لا ؛ فالاختلاف انما يكون في مجرد الداعي للاستعمال لا في نفس المستعمل فيه.

فمن هنا تتفطن انّ ما ذكره أهل [ الأدب ] (1) من المعاني المجازية للامر - من السخرية والتعجيز وغيرها وكذا الاستفهام من التقرير والانكار والاستبطاء - ليس في محله ، لوضوح كون صيغ المذكورات حقيقة في مفاهيمها بوجوداتها الانشائية دون الحقيقية ، ووجودها الانشائي موجود في جميع المقامات بوجود منشأ انتزاعه ، والمعاني المذكورة من قبيل الدواعي لاستعمالها فيها ، كما انّه قد

ص: 161


1- في الاصل الحجري ( الأدبية ).

يكون الداعي وجودها الحقيقي كما عرفت. إلاّ أن يدّعى انّ وضعها لمعانيها مقيدة بكون الداعي لانشائها وجودها الحقيقي ، فاذا كان بغير هذا الداعي يكون استعمالا بغير الموضوع له كما لا يخفى.

وليعلم أيضا : انّ المفاهيم لا بد من تشخصها بمشخصات الوجود الانشائي لا بخصوصيات وجود آخر فانّ تحققها انما هو به فلا بد من تشخصها بمشخصاته وهو يحصل بشخص المنشئ وشخص لفظه وشخص قصده ، ولذا لو أنشأه ذات الشخص ثانيا وثالثا لكان انشاء ووجودا غير الاول ، ولا يكون لغوا بل فائدته التأكيد في مورده ، مضافا الى انه لو كان لغوا وبحسب الفائدة لما خرج عن الانشاء أيضا ، ولا يدخل في الإخبار.

فالحاصل : انّ التشخص بالوجود الانشائي لا ينافي أن يكون المنشأ به كليا بوجود آخر ، مع عدم انثلام قاعدة انّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، لما عرفت من انّ تشخص كل وجود بحسبه ، فمن هنا يعلم امكان تعلق الانشاء بالطلب [ الذي هو ] القدر المشترك بين الوجوب والندب ، لتشخصه بالوجود الانشائي وان لم يتشخص بمشخصات وجود آخر ، وبناء على هذا فالهيئات الافعالية نظير الحروف على ما اختاره الاستاذ (1) من كون الوضع والموضوع له فيها عاما ، والخصوصية من مقومات الاستعمال لا المستعمل فيه. نعم لو كان المنشأ الوجود الحقيقي القائم بالنفس لكان جزئيا ، وليس كذلك لعدم قابليته للانشاء.

وظهر مما ذكرنا - من نحوي الوجود الحقيقي والانشائي والامتياز بينهما من صدق اسم الطلب وغيره على الاول بالحمل الشائع دون الثاني إلاّ الطلب الانشائي

ص: 162


1- كفاية الاصول : 25.

وانشاء الطلب - أمران : أحدهما : جواز تعلق الانشاء بالقدر المشترك ، والثاني : عدم كون المعاني المذكورة من التقرير والتهكّم والانكار وغيرها من معاني الامر والاستفهام ؛ كما انّه ظهر أيضا عدم كون الترجيات والتمنيات الواقعة في القرآن مجازا ، لما عرفت من مطاوي الكلمات.

ثم انّ من المفاهيم التي يتعلق بها الانشاء الملكية والزوجية وغيرهما من الاعتبارات ، وهي مشتركة مع المذكورات في انّ لها أيضا أنحاء من التحققات بحسب المفهوم في الذهن والوجود الحقيقي والانشائي ، إلاّ انّ بينهما فرقا من وجهين :

أحدهما : انّ القسم الاول بوجوده الحقيقي من المحمولات بالضميمة وبحذائها الصفات القائمة بالنفس ، دون الثاني فانّ الملكية بوجودها الحقيقي أيضا من الاعتبارات ( النفس الامرية ) بمعنى انّها بعد الانشاء ليست من قبيل أنياب الأغوال. نعم لها منشأ انتزاع صحيح وهو انشاءاتها الصادرة من اولي أمرها.

والثاني : كون الوجود الحقيقي في القسم الثاني متفرعا على الانشاء ، كما قد يحصل من الاسباب الأخر اختياريا كما في مورد الخيارات أو اضطراريا كما في الارث ، بخلاف القسم الاول لما عرفت من كونه فيه من جملة الدواعي.

ثم انّ بعض المفاهيم يكون وجودها الانشائي بعد تحققه مصداقا حقيقيا لوجوده الحقيقي كما لو حصل الاستهزاء بقوله : « استهزئ انشاء » وبعضها وجودها الانشائي مصداقا حقيقيا لبعض آخر كما في الطلب اذا كان بداعي الاستهزاء مثلا. فظهر انّ المفاهيم على أقسام : منها ما يكون وجوده الحقيقي داعيا لوجوده الانشائي كما في القسم الاول ، ومنها ما قد يكون مترتبا عليه كما [ في ] القسم الثاني ، ومنها ما يتحد الوجودان فيه ، ومنها ما يكون وجودها الانشائي وجودا حقيقيا لآخر.

ص: 163

اذا عرفت ما ذكرنا من المقدمة فنرجع الى المقصود فنقول :

انّه لا اشكال في انّ النزاع المعروف بينهم من اتحاد ( الطلب والارادة ) وعدمه ليس راجعا الى [ المسائل ] اللغوية : من انّهما من حيث اللغة لفظان مرادفان لمعنى واحد أم لمعنيين ، بل راجع الى المعنى أوّلا وبالذات والى اللفظ ثانيا وبالعرض ، فالنزاع حقيقة واقع في [ انّه هل ] (1) هنا وصفان واقعيان قد وضع لاحدهما الطلب ولآخرهما الارادة أم لا؟ بل مفهوم واحد ومعنى فارد يطلق عليه الطلب تارة والارادة اخرى.

فالحق : انّه لا اشكال ولا ريب في تحقق الارادة بكل من أنحاء الوجودات المذكورة للطلب واتحادها في كل مرتبة معه فيها لا مع نحو آخر ، لشهادة صدق من الوجدان :

بعدم الزائد من مفهوم واحد في الذهن كي يدّعى مغايرتهما وتعددهما.

وبعدم الزائد من صفة واحدة قائمة بالنفس ، بل كيفية واحدة ووجود واحد حقيقي عارض للنفس وهو عبارة : عن الشوق المؤكد الحاصل فيها عقيب الداعي ، وهو ما بحذائهما وحده.

وبعدم الزائد عن المفهوم الواحد في مرتبة الانشاء حتى بقصد أحدهما من قوله : « اريد انشاء » والآخر من قوله : « أطلب » بل الثاني ليس إلاّ بمنزلة التكرار في الانشاء ؛ والمنشأ به طبيعة. نعم يكون غيره في التشخص الانشائي فانّه يتعدد صدوره ولو لشخص واحد لمعنى واحد بلفظ واحد ، فضلا عما اذا كان الإنشاءان لمعنى واحد بلفظين كما في ما نحن فيه.

فالحاصل : انّ تعدد اللفظ والوجود الانشائي لا يوجب تعدد المنشأ به حتى

ص: 164


1- في الاصل الحجري ( انّ ).

يكون أحدهما ارادة انشاء بالحمل الشائع والآخر طلبا كذلك بهذا الحمل.

اذا عرفت ذلك فنقول : انّ مراد القائلين بتعددهما :

لو كان مع حفظ المراتب - بأن يكون كل واحد في مرتبة مغايرا مع الآخر في تلك المرتبة - فلا ريب في بطلانه ، لأنه ليس في أي مرتبة معنيان يعبر عن أحدهما بواحد منهما وعن الآخر بالآخر.

وان كان بلحاظ انّه لما كان لفظ ( الطلب ) مستعملا غالبا في الانشائي منه - سواء كان هو مجرد قصد مفهومه من اللفظ بدون تحريك وبعث للمخاطب نحو المأمور به كما في التسخير والسخرية وغيرهما أو معه كما في الامتحاني منه ، مع عدم الحقيقي منه القائم بالنفس وهو الشوق المؤكد إلاّ بالعنوان الثانوي للفعل من كونه متعلقا للامتحان ، ولفظ الارادة مستعمل غالبا في الحقيقي منه وان لم يكن انشاء في البين - فحينئذ :

ان قيل : بانحصار كل فيما كان مستعملا فيه ، فلا ريب في بطلانه أيضا ، لوجود معنى كل واحد في مرتبة الآخر أيضا واتحاده معه في تلك المرتبة.

وان قيل : بمغايرتهما بهذا اللحاظ غفلة عن الانحصار وعدمه ، فلا ريب في انّ الحق تعددهما لو كانت المرتبتان لواحد منهما ، فضلا عما اذا لوحظ أحدهما لواحد منهما والآخر للآخر كما لا يخفى.

ومما ذكرنا ظهر ما في استدلال الاشاعرة (1) للمغايرة بالامر الامتحاني لوجود الطلب فيه مع عدم الارادة ، من انّه :

لو أراد وجود الطلب الحقيقي الذي من المحمولات بالضميمة فلا ريب في عدمه أيضا.

ص: 165


1- المحصول 1 : 252.

وان اريد الطلب الانشائي فلا ريب في الارادة الانشائية أيضا.

وان اريد بوضع كذلك لمعنى غير ما هو للآخر وهو في الارادة موجود في النفس وفي الطلب موجود في الخارج ولو بنحو الامور الاعتبارية الموجودة بوجود منشأ انتزاعها الذي يعبر عنه بالوجوب في بعض الموارد أيضا - كما في الامتحاني - فلا ريب في عدم الانحصار أيضا واطلاق كل فيما كان للآخر من المعنى ، هذا.

مضافا الى انّه راجع الى النزاع اللغوي وعرفت ما فيه وانّه لا ينافي ما نحن فيه بصدده من عدم وجود الصفتين في النفس والمنشأين في الخارج ؛ وعلى كل حال فمغالطتهم من باب اشتباه المفهوم بالمصداق.

وظهر أيضا انّ جواب المعتزلة عن الاستدلال المذكور : بعدم الطلب أيضا بدون تعيين مرتبة ، راجع الى هذه المغالطة ، وانّ الجواب ما ذكرناه من تعدد مرتبتهما وتحقق كل في كل مرتبة واتحاده مع الآخر فيها.

ومما ذكرنا ظهر : انّه يمكن أن يرتفع النزاع من البين بارجاعه الى اللفظي بأن يقال :

لما شاع استعمال الطلب في الانشاء بحيث يطلق بلا تقييد به - مع تحقق الوجوب بالحمل الشائع في بعض الصور أيضا كما في الامتحاني - وشاع استعمال الارادة في الصفة النفسية المنتفية في بعض الموارد فقد ذهبت الاشاعرة الى المغايرة بهذه الملاحظة ؛ فان سألوا عن الصفة الموجودة في النفس بأنّها واحدة أم أكثر وعن المعنى المنشأ [ لسلّموا ] (1) بالوحدة في كلتا المرتبتين.

وذهبت المعتزلة (2) وفاقا للامامية لوحدتهما بلحاظ وحدة المرتبة فان

ص: 166


1- في الاصل الحجري ( لتسلّموا ).
2- المعتمد ( بتحقيق محمد حمد اللّه ) 1 : 54 ؛ وبتحقيق خليل الميس 1 : 47 السطر الاخير.

[ سألتهم عن اتحاد ] (1) ما في كل مرتبة مع ما في الاخرى [ لسلّموا ] (2) بالمغايرة ايضا. نعم لو تعسّف الاشعري بالقول بالمغايرة فيما هو مراد المعتزلة بالاتحاد فلا ريب في بطلانه وخروجه عن ضرورة الوجدان.

ثم انّ الوجود الانشائي [ هو ] المتحقق في أقسام الطلب الانشائي سواء كان الداعي اليه هو الطلب الحقيقي أو السخرية أو التهكّم أو غيرها من الدواعي. نعم فيما لو كان الداعي الطلب الحقيقي أو الامتحان يترتب عليه الوجوب الحقيقي أيضا ، ولا اشكال في كونه فردا حقيقيا مغايرا للشوق المؤكد القائم بالنفس ، لتغاير محلهما من النفس والخارج ، وان لم يكن في الخارج من المحمول بالضميمة بل من الامور الاعتبارية خلاف الصفة القائمة بالنفس ، وحينئذ فلا بد من كون الوجوب مصداقا لمفهوم غير ما كان القائم بالنفس مصداقا له ، ويكون ذلك المفهوم لازما لمفهوم الطلب في مرتبة الانشائي لا عين مفهومه - وان كان قد يعبر عنه بالطلب - ويكونان مدلولين لصيغة ( افعل ) انشاء أو لمادة الامر كذلك ، بل قد توهم من ذلك اتحاده مع الطلب مفهوما أيضا.

ولكنك بعد ما عرفت من اتحاد الطلب مع الارادة مفهوما مع عدم الاشكال في مغايرته معها مفهوما فيستكشف من ذلك كونه مغايرا للطلب مفهوما أيضا ، وإن كان انشاؤه يستتبع انشاءه بل يستتبع فرده الحقيقي أيضا ويكون حينئذ تفسيره به تفسيرا باللازم ، فلا وجه لاثبات مغايرة الطلب مع الارادة بواسطة الالتزام باتحاده مع الوجوب بما ذكر ، لعدم دلالته عليه كما عرفت ، هذا. مع كثرة استعمال الطلب في الحب والشوق كثيرا في العرف كما يقال : « طالب الدنيا والجاه والمال ».

ص: 167


1- في الاصل الحجري ( سألت عنهم باتحاد ).
2- في الاصل الحجري ( لتسلّموا ).

وتوهم : المغايرة أيضا بالقول بكون الارادة بمعنى حب الشيء والطلب بمعنى حبه من الغير ، مدفوع : بأنّ ذلك من خصوصيات المحبوب لا المفهوم ؛ مع ان استعماله في حب الشيء كثير أيضا كما يقال : « طالب الدنيا والمال والجاه ».

123 - قوله : « كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل ».

123 - قوله : « كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل ». (1)

أي اظهار العذر لنفس المولى في عقاب عبده.

ولا يخفى انّ الامتحان :

يحصل تارة : بالفعل خارجا كما في ابتلاءات الانبياء وتكاليفهم على المشاق.

وقد يحصل : بمجرد كون العبد في مقام اظهار الطاعة أو العصيان.

وحينئذ فنقول : انّ الارادة في القسم الاول موجودة ، غاية الامر بالعنوان الثاني لا العنوان الاول. نعم في القسم الثاني لا تكون موجودة. وعلى كل حال لا يتخلف الطلب عن الارادة مع حفظ وحدة المرتبة.

124 - قوله : « وربّما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه ... الخ ».

124 - قوله : « وربّما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه ... الخ ». (2)

كما انّ الوجوب الحقيقي يترتب على انشاء الطلب ، والملكية على انشاء البيع ، بل قد عرفت انّ هذا ربّما يكون منشأ للاختلاف بين الاشاعرة والمعتزلة فلا تغفل.

125 - قوله : « اشكال ودفع ... الخ ».

125 - قوله : « اشكال ودفع ... الخ ». (3)

حاصل الاشكال : انّه قد استدل الاشاعرة (4) للمغايرة بأنّه تعالى أمر

ص: 168


1- كفاية الاصول : 86 ؛ الحجرية 1 : 50 للمتن و 1 : 56 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 88 ؛ الحجرية 1 : 51 للمتن و 1 : 56 العمود 1 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 88 ؛ الحجرية 1 : 51 للمتن و 1 : 56 العمود 1 للتعليقة.
4- المحصول 1 : 252.

الكفار بالايمان وطلبه ، ولم يرده منهم قطعا ، وإلاّ للزم التخلف وهو محال بمقتضى قوله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) ، وللزم ارادة المتضادين منه حيث انّه أراد منهم الكفر أيضا لاسناد كل الحوادث الى الارادة الأزلية بمقتضى عموم قدرته تعالى ، وللزم انقلاب علمه تعالى جهلا لعلمه تعالى بصدور الكفر والفسق ، فكيف يمكن التخلف؟

وحاصل الدفع : انّ ما ذكر من امتناع تخلف المراد [ عن ] (2) الارادة انما هو فيما كان الايمان مرادا بالارادة التكوينية دون الارادة التشريعية.

توضيحه : بعد معلومية اتحاد صفاته تعالى مع ذاته المقدسة وكذلك كل واحدة مع الاخرى منها مصداقا وعينا لا مفهوما ، انّ ارادته التكوينية عبارة عن علمه تعالى بالمصلحة بحسب النظام الأحسن للعالم ، والمراد من النظام الأحسن له اعطاء فيض الوجود لكل مستعد له ولو مثل الكافر اذا استعدّ له ، ولا مانع عنه بعد كونه تام الافاضة وكون القابل تام الاستعداد لشخص وجوده ، ومساوقة امساك الفيض [ للزوم ] (3) البخل تعالى عنه علوا كبيرا.

إلاّ أن يكون المراد منه المصلحة القائمة بالمجموع ، المتقومة بالاجزاء ، المستلزمة لتقوّم المصلحة - لكل شخص من تلك الجهة - بالاجزاء بالأسر ، كي يقال : بعدم وصول مثل النبي صلی اللّه علیه و آله لمرتبة الرسالة إلاّ بوجود الكفار في مقابله صلی اللّه علیه و آله .

ويرد : بلزوم الجزاف عليه كما هو واضح.

وهذه الارادة مما يمنع تخلف المراد عنها ، بل عينه بناء على كون نفس

ص: 169


1- سورة يس : 82.
2- في الاصل الحجري ( من ).
3- في الاصل الحجري ( في لزوم ).

الموجودات مرتبة من مراتب علمه تعالى كما في بعض الاخبار (1) في الفرق بين ارادته تعالى وارادة غيره : انّ ارادته تعالى قوله.

وامّا الارادة التشريعية فهي : العلم بالمصلحة في أفعال المكلفين الراجعة اليهم. وهذه يمكن تخلف المراد عنها ، ويكون الايمان مرادا من الكفار بهذه الارادة ، وتكون هي الطلب التشريعي ، كما انّ الاولى هي الطلب التكويني ؛ فاتحدت في كل مرتبة مع الطلب في تلك المرتبة ، ولم يلزم ارادة المتضادين في مرتبة واحدة من التكويني والتشريعي ، بل كان أحدهما تكوينيا والآخر تشريعيا ولا مضادة بينهما ، ولا انقلاب علمه الفعلي بصدور الكفر من الكافر جهلا ، لعدم التخلف ، بل ولا امكانه ، لانّ امكان [ المعلول ] (2) لا يوجب امكان العلة كما قرر في محله.

فان قلت : هب ذلك ، إلاّ انّه يلزم أن يكون صدور الفسق والكفر من الفاسق والكفار بارادته التكوينية بمقتضى تعلق علمه بهما وبما صدر عنهما من الافعال الذي كان موجبا لايجادها ، فيمتنع صدور الايمان والاطاعة منهما فيكونان مجبورين بهما ، فكيف يصح طلبهما منهما بالارادة التشريعية مع لزوم تعلقها بالمقدورات؟

قلت : انّ ما ذكرت من صدور مثل صفة الكفر بالارادة التكوينية بمقتضى تعلق علمه به مسلّم ، ولكنه لا يستلزم الاجبار كي لا يصح الطلب الشرعي بالايمان ، لأنه يكون فيما اذا تعلق علمه بصدوره عنهم بلا توسيط اختيار منهم ، وليس كذلك ، حيث انّ علمه كان متعلقا بصدوره منهم بتوسيط اختيارهم إيّاه بمقدماته من الإخطار والرغبة والعزم والجزم والارادة التي تكون موجبة لتحريك

ص: 170


1- الكافي 1 : 109 باب ( الارادة انها من صفات الفعل ... الخ ) الحديث 3.
2- في الاصل الحجري ( المعلوم ).

العضلات ويكون الايجاب عنهم بالاختيار وهو مما لا ينافي الاختيار بل يؤكده ؛ فاذا كان كذلك فتصح الارادة التشريعية بالايمان.

فان قلت : لا بد من الانتهاء الى ما لا اختيار لهم فيه دفعا للتسلسل ، فيأتي الاجبار.

قلت : مضافا الى النقض باختيار الواجب تعالى ، انه يكفي في اختيارية الفعل صدوره بمقدماته الاختيارية وان لم تكن تلك المقدمات بالاختيار.

وان أبيت إلاّ عن كون العبد مجبورا في مثل هذه الافعال بواسطة كونه مجبورا في ذلك الاختيار ، فنقول :

مضافا الى الفرق الضروري بين حركة يد المختار والمرتعش ، والتردد في الفعل والترك في بعض الافعال ؛ انّه يصح التكليف بالفعل الذي يصدق في حقه « إن شاء فعله وان شاء تركه » ولا يعتبر أزيد من ذلك ، بعد عدم المحذور في مثله عند العقل.

وما ذكرنا هو الوجه في ملاك كون الفعل اختياريا ان يكون نفس الاختيار بالاختيار ايضا ، اما بنفسه او بنفس القدرة ، بمعنى تمكن الفاعل من الفعل والترك أعم من أن يكون تمكنه بالارادة أو لا ، في قبال الاضطرار المحض كحرارة النار مثلا كما توهمه بعض.

نعم يمكن أن يقال : انّ مقهورية وجود الممكن بالاختيار لا يقاس باختيار الواجب وارادته نقضا كما قررناه عن الاستاذ قدس سره في الدرس ، حيث انّ الاختيار في الممكن زائد على وجوده فيكون مقهورا فيه ، بخلاف الواجب فانّه عين الاختيار وكله الاختيار لا قهر فيه أصلا.

ان قلت : بناء على ما ذكرت من انتهاء الافعال الاختيارية الى ما لا بالاختيار فسيأتي الاشكال في ايجاب الكافر بعد علمه تعالى بصدور الكفر وفعل

ص: 171

الشر منه والمفسدة في وجوده.

قلت : مضافا الى ما عرفت من مساوقة امساكه تعالى - من افاضة الوجود عن ذلك الممكن بعد تمامية استعداده لقبول الوجود - [ للبخل ] (1) عليه تعالى مع كونه تاما في الافاضة ؛ انّ وجود مثل ذلك الكافر له جهتان :

أحدهما : كونه وجودا ، والوجود بما هو خير محض ، اذ ليس إلاّ الفوز ، ويكون بما هو كذلك مفاضا عن الواجب ، إذ الخير المحض لا يسند اليه إلاّ الخير.

وثانيهما : كونه محدودا مرتبة ، وهي فاقديته لمرتبة اخرى من الوجود فيكون ناقصا من تلك الجهة ، ولا تكون جهته هذه صادرة عن الواجب إذ هي عدمية ، لكونها بمعنى فاقديته لمرتبة الكمال ؛ وحينئذ الافعال الصادرة من ذلك الوجود ان كانت خيرات فراجعة الى اختياره الناشئ من الجهة الاولى وان كانت شرورا فإلى اختياره الناشئ عن الجهة الثانية ، وهي لما لم تكن راجعة اليه تعالى فلا وجه للسؤال المذكور.

ويدل على ما ذكرنا من استناد الخيرات اليه تعالى والشرور الى العبد قوله تعالى : ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (2) وقوله تعالى حكاية عن يوسف علیه السلام : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ) (3) ؛ ويؤيده ما عن الصادق علیه السلام : « انّ اللّه تعالى أولى بحسنات العبد منه وانّ العبد أولى بسيئاته منه ». (4)

ص: 172


1- في الاصل الحجري ( البخل ).
2- سورة النساء : 79.
3- سورة يوسف : 53.
4- الكافي 1 : 152 باب المشيئة والارادة الحديث 6 وكذلك 1 : 160 باب الجبر والقدر والامر بين الامرين ، الحديث 12. والتوحيد : 338 الحديث 6 وص 340 الحديث 10 وص 344 الحديث 4. لكن الفاظ الرواية في المصادر الآنفة تختلف مع ما ذكره القوچاني قدس سره ولعله قد نقله بالمضمون.

والحاصل : انّ الافعال مستندة الى اختيار الفاعل الناشئ من اختيار الخاصة الذاتية التي لا تتغير.

إلاّ انك عرفت انّ جهة استناد الخيرات اليه بما [ هي ] (1) وجود غير ما هي جهة استناد الشرور اليه من [ كونها ] (2) في مرتبة خاصة فاقدة لمرتبة اخرى من الكمالات.

ثم انّ الاستعدادات الذاتية ليست بحيث تكون علة تامة لصدور الافعال الاختيارية في كل الفاعلين :

فمنهم : من كان كذلك في طرف الخيرات كالانبياء المقربين.

ومنهم : من كان في طرف الشرور كذلك كالحوادث الخبيثة في مقابلهم.

ومنهم : من كان استعداده في أحد الطرفين بنحو الاقتضاء لا العلّية ، بحيث يكون قابلا للمنع أو يحتاج الى الشرط من مثل قوله تعالى : ( اتَّقُوا اللّهَ ) (3) أو إغواء الشيطان في مقابله ، وان كان المانع أو الشرط راجعا الى الذات أيضا.

إلاّ انّ صدور الوعظ من الامام علیه السلام - كي يختار عنده الالفاظ - غير راجع الى ذات الفاعل ؛ ويؤيده الامر بالدعاء في الاخبار.

وما ورد في بعض الادعية « ان كنت من الاشقياء فاجعلني من السعداء » (4) وبه يتم ارسال الرسل وتنزيل الكتب ، فانّه ليس ذلك إلاّ لكون مثل الدعاء والوعظ والوعد من اللّه تعالى - وغير ذلك - شرطا لاختيار الفعل الحسن بعد ما كان اقتضاؤه

ص: 173


1- في الاصل الحجري ( هو ).
2- في الاصل الحجري ( كونه ).
3- سورة آل عمران : 102.
4- الموجود في المصادر هو : « وان كنت من الاشقياء فامحني من الاشقياء واكتبني من السعداء ». اقبال الاعمال : 501 دعاء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان. نعم في الصفحة السابقة من المصدر الآنف : « ... واجعل اسمي في السعداء ».

[ تاما ] (1) وان كان ذلك موجبا لمزيد الخسران بالنسبة الى بعض الذوات الخبيثة من جهة اختيار الشرور الناشئ عن ذواتهم [ و ] انّ ذلك لطف بالنسبة الى غيرهم.

وامساك التكليف مساوق للبخل بالنسبة اليهم ، وليس ذلك إلاّ لاختلاف الناس من حيث الذوات علّية واقتضاء. وما ذكرنا هو مضمون قوله علیه السلام : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة » (2) و « انّ الشقي شقي في بطن أمه والسعيد سعيد في بطن أمه » (3) ؛ هذا كله في الافعال.

امّا الثواب والعقاب فحيث كانا من لوازم القرب والبعد اللازمين للاطاعة والمعصية الحاصلتين من الافعال الحسنة والسيئة الصادرة بالاختيار عقلا ، يندفع اشكال ترتبهما عليهما من حيث استنادهما بالأخرة الى الواجب ، لاستنادهما ايضا بتوسطها الى الاستعدادات الذاتية فينقطع عند ذلك السؤال.

ويشير الى ما ذكرنا - من كون الثواب والعقاب من لوازم الافعال عقلا - ما ورد في بعض الاخبار من تجسّم الاعمال (4) أي كونها منشأ لمثل الحور والقصور.

ومما ذكرنا - من استناد أفعال العباد اليهم تارة من جهة صدورها عن اختيارهم والى الواجب اخرى من جهة كونهم مقهورين بالاختيار - ظهر معنى قوله علیه السلام : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين » (5) لا بمعنى انّه أمر ثالث ليس من سنخهما ، بل بمعنى كونه عين أحدهما حال كونه عين الآخر.

ص: 174


1- في الاصل الحجري ( تماما ).
2- الكافي ( الروضة ) 8 : 177 باب خطبة لامير المؤمنين علیه السلام الحديث 197.
3- الصحيح هو : « الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه » ، بحار الانوار 5 : 9 الباب 1 من ابواب العدل الحديث 13 ؛ والتوحيد : 356 باب 58 باب السعادة والشقاء الحديث 3.
4- وهي روايات كثيرة في ابواب ثواب الاعمال وعقابها ، وبعضها مبينة لكيفية تجليها واصابتها للمؤمن والكافر ، في البرزخ ويوم القيامة.
5- الكافي 1 : 160 باب الجبر والقدر الحديث 13. لكن فيه : « ... بل امر بين امرين ».

ثم كونه باختيار العبد انما هو بلا واسطة ، وامّا كونه باختيار الواجب :

فتارة : يكون بلا واسطة أيضا ، كما في ادراك الجزئي المستند الى القوة العاقلة والى المدركة الجزئية.

واخرى : تكون مع الواسطة ، وهي : وجود العبد وقدرته المستندان الى الارادة الأزلية.

ثم انّ هنا دقيقة تدل على ذلك لا بد من التنبيه عليها وهي : انّ منشأ الافعال وهو الوجود له : بالنسبة الى الفاعل ، بالوجوب ؛ والى القابل ، بالامكان ؛ فيصح استناده اليهما ؛ فكذا ما كان مستندا اليه وهو الفعل كما لا يخفى.

ص: 175

صيغة الامر

126 - قوله : « الفصل الثاني : فيما يتعلق بصيغة الامر ».

126 - قوله : « الفصل الثاني : فيما يتعلق بصيغة الامر ». (1)

أقول : يقع البحث فيها :

تارة : في انّها للوجوب ، أو لمطلق الطلب ، أو كانت مشتركة بين الوجوب والندب.

واخرى : في انّه بعد الفراغ عن دلالتها على الوجوب ، هل هي :

لمجرد الوجوب الانشائي بأي داع ، سواء كان هو البعث والتحريك الخارجيان الناشئان عن الارادة الحقيقية للفعل؟ أو الامتحان أو التهديد والاستهزاء وغيرها مما ذكر من المعاني؟

أو لخصوص ما اذا كان بداعي البعث والتحريك فقط؟

وثالثة : في انّه لو قيل بكونهما حقيقة في الطلب المشترك ، هل يصح دعوى انصرافها الى خصوص الوجوب أم لا؟

امّا الاول : فالظاهر انّ محل النزاع هو مطلق الوجوب ولو لم يكن من العالي ، لا خصوص الواجب الاصطلاحي وهو ما يستحق تاركه اللوم والمذمة ، ولا يكون كذلك إلاّ اذا كان صادرا من العالي وان كان ربّما يوهمه استدلال بعضهم بالامر الصادر من العالي إلاّ انّه من جهة كونه من الافراد الجلية وترتب الثمرة

ص: 176


1- كفاية الاصول : 90 ؛ الحجرية 1 : 52 للمتن و 1 : 57 العمود 2 للتعليقة.

عليه ؛ كما انّ الظاهر دلالتها على الوجوب لغة ، للتبادر.

ودعوى : كونه من جهة الانصراف لا لكونه حقيقة فيه.

مدفوعة : بما تأتي الاشارة اليه في البحث الثالث ؛ وبمذمة العقلاء للعبد التارك لامر مولاه عند عدم قرينة أصلا ؛ وليس مجرد صدور الصيغة من العالي قرينة على ذلك كما لا يخفى ، بل به مستعليا.

ثم انّه لا فرق بين الايجاب والوجوب (1) إلاّ بمجرد الاعتبار ، فمجرد نسبة مفاد الهيئة الى الحدث يسمى وجوبا ، والى الطالب يسمى ايجابا ؛ فما عن بعض (2) من تبديل الوجوب بالايجاب - وجعله هو التحقيق - لا وجه له.

أمّا المقام الثاني : - وهو كون الصيغة حقيقة في خصوص الوجوب الانشائي الناشئ بداعي البعث والتحريك أم لا بعد معلومية عدم كون الامور المذكورة من المعاني [ المستعمل ] (3) فيها صيغة الامر كما حققناه سابقا في الطلب والارادة - فاعلم :

انّ تقييد الموضوع له به غير صحيح لانّ الداعي على الاستعمال غير داخل في المستعمل فيه كنفس الاستعمال وإلاّ فأخذه في المستعمل فيه يحتاج الى داع

ص: 177


1- يظهر من معارج الاصول : 64 الفرق بينهما ، وكذلك ينسب التفرقة بينهما الى الشيخ الطوسي في العدة 1 : 173. لكن يبدو ان النسبة غير صحيحة ، فان الشيخ لم يفرق بينهما ، فتارة يعبر بالوجوب واخرى بالايجاب كالسيد المرتضى ( الذريعة 1 : 51 ) فانه وان عنون المطلب بقوله : « فصل في هل الامر يقتضي الوجوب او الايجاب » لكنه لم يفرق بينهما ايضا.
2- ينسبه في هداية المسترشدين الى بعض المتأخرين ؛ هداية المسترشدين : 139 السطر 16 - 23 ، والطبعة الحديثة 1 : 603 - 604 ( وفي اسفل صفحة 604 في الحاشية يعزي القول بالفرق الى السيد العميدي ايضا ). لكن في : 148 السطر2. 27 ومن الطبعة الحديثة 1 : 639 - 640 يحكيه عن ابن صاحب المعالم عن والده وانه يظهر منه الفرق بين الوجوب والايجاب. وايضا يحكي هذا الفرق سلطان العلماء في حاشيته :2. 275.
3- في الاصل الحجري ( مستعمل ).

آخر ، مع انّ الداعي ليس بقابل لتعلق الانشاء به فكيف يكون مأخوذا في الموضوع له القابل للانشاء؟ مع استلزام ذلك لكون الموضوع له خاصا وهو خلاف التحقيق ؛ فلو كان لا بد من ذلك القيد بدليل فيكون قيد الاستعمال باشتراطه في الوضع ، فلو لم يستعمل كذلك لم يكن مجازا وإن كان مخالفا للوضع.

ثم انّ أصالة الحمل على الارادة الجدّية للمستعمل فيه لا بدواع أخر ليست بأصل عقلائي في مباحث الالفاظ ؛ وكذا أصالة عدم القرينة ، حيث انّ الثابت فيها هو الحمل على الموضوع له بالارادة الجدية في مقام الاستعمال بحسب الارادة الواقعية أيضا.

ودعوى الانصراف من باب الغلبة ، فيه ما لا يخفى ، لانّ الاستعمال بدواع أخر - غير البعث والتحريك - في المقام مما لا ينضبط ؛ إلاّ أن يدّعى ظهور حال العقلاء في مقام التصدي للامر في كونهم بصدد تحققه واقعا بارادتهم الجدية ، إلاّ أن ينصبوا قرينة على الخلاف وهو لا يختص بالالفاظ ، بل يجري في الافعال وغيرها ، نظير ظهور حال المسلم في ارادة الفعل الصحيح في فعله وقوله ، فان ثبت فيها وإلاّ فدعوى الحمل على الارادة الجدية للفعل كي يترتب عليه البعث والتحريك فيه ما لا يخفى.

وأصالة عدم التقية على القول بها لا بد من اثباتها بأصل ثانوي عقلائي غير ما هم عليه من أصالة عدم القرينة ، ولا بعد فيه.

وامّا المقام الثالث : - وهو دعوى تبادر الوجوب من الصيغة وانصرافها اليه بناء على كونها للطلب المطلق - فأقول :

انّ انصراف اللفظ الى معنى لا بد أن يكون لمناسبة وربط بينهما ، بحيث يكون اللفظ قالبا له عرفا امّا بالوضع أو بغلبة استعماله في نفسه لا في ملزومه أو لازمه ، بحيث لا ينفكان في الاستفادة بل في الارادة ولكن لا بارادته من اللفظ بل

ص: 178

بالملازمة بينه وبين معناه ، حيث انّه لا يوجب خصوصية بينه وبين اللفظ بنفسهما. ولا يخفى انّ تبادر الوجوب من الصيغة - على القول بكونها للقدر المشترك - لو كان أكثر استعمالها فيه ، فنقول :

انّها وان كانت مجدية إلاّ انّها غير ثابتة ، لانّ استعمالها في غير الوجوب أكثر من استعمالها فيه ، ولو كان لأكملية الوجوب [ من ] (1) الندب حيث انّ الطلب في الوجوب آكد منه في الندب ، فنقول فيه : انّ الأكملية لا توجب الانصراف ما لم توجب مؤانسة الذهن بالمعنى من اللفظ ، وإلاّ توجب انصراف السواد المطلق الى السواد الشديد والانسان الى خاتم النبيين صلی اللّه علیه و آله .

نعم يمكن دعوى تبادر الوجوب بمقدمات الحكمة بأن يقال : الوجوب هو الطلب الأكيد فكان هو الطلب الخالص المرسل ، بخلاف الندب فانّه لتحديده بمرتبة لازمها عدم المنع في الترك ، فكأنّه منفصل بفصل عدمي. فبعد تمامية المقدمات : من كون المتكلم في مقام البيان ، وعدم نقض الغرض في ناحيته مع نصب قرينة في البين ، لا بد من حمله على الايجاب ، لما عرفت من عدم زيادته من جنسه في نظر العرف ؛ بخلاف الندب فانّه لتقييده بالمرتبة المحدودة ، فلو كان هو المراد فلا بد من قرينة عليه وإذ ليس فليس ؛ كما سيظهر في الوجوب النفسي والتعييني ومقابلهما.

تنبيه : قد عرفت مما ذكرنا آنفا ظهور صيغة الامر في الوجوب امّا وضعا أو اطلاقا بمقدمات الحكمة. ولكن قد استشكل فيما ذكرنا صاحب المعالم (2) حيث قال انّه يستفاد من أحاديثنا المروية عن الائمة علیهم السلام انّ استعمال الامر في الندب كان شائعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من

ص: 179


1- في الاصل الحجري ( في ).
2- معالم الدين : 53 والطبعة الحجرية : 48.

اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح الخارجي ، فيشكل التعلق في اثبات وجوب الشيء بمجرد ورود الامر به منهم. وحكي عن غير واحد من الأجلاّء متابعته في هذه الدعوى كصاحب المدارك (1) والذخيرة (2) والمشارق (3) ، وفي هذا نظر.

امّا اولا : فلأنّ مجرد كثرة استعمال الصيغة في الندب - على تقدير التسليم - لا يصير سببا لكونه من المجازات المشهورة التي قيل بترجيحها على الحقيقة ، ما لم يصر استعمالها في الوجوب نادرا بحيث يضعف ظهورها فيه بل [ يفنى ] (4) كي يوجد ظهورها في الندب ، وإلاّ فمجرد أكثرية الاستعمال فيه مع كثرة الاستعمال في الوجوب أيضا لا يوجب مؤانسة الذهن بأكثر من الوجوب منها ، بل ولا بمثله.

وامّا ثانيا : فعلى تقدير تسليم قلته ، انما يجدي كثرة الاستعمال في الندب - في كونه من المجازات الراجحة - لو كانت تلك الكثرة بلا قرينة متصلة ، تعويلا على القرينة المنفصلة ، إلاّ أن يستغنى عنها أيضا بقرينة الشهرة ، ودون اثباته خرط القتاد ، بل لم يلتزم قدس سره به.

مضافا الى عدم الجدوى فيه أيضا ما لم يصر المعنى الحقيقي مهجورا ، وعنده يصير نقلا الى المعنى المجازي بالوضع التعيني ، لأنه بدونه لا يخلو :

امّا أن يختلف حال الاستعمالات اللاحقة مع السابقة في نظر المستعملين ، بأن يكون حالهم فيها بتجريد النظر عن التبعية للمعنى الحقيقي - بخلاف السابقة - فيكفي مثل هذا الاستعمال في صيرورة اللفظ في المعنى المجازي ، بل يكفي فيها

ص: 180


1- مدارك الاحكام 2 : 292 ؛ 3 : 111 ، 258 ، 309 ؛ 4 : 302.
2- ذخيرة المعاد : 178 السطر 42 - 43 ؛ وص 291 السطر 9 - 10 ؛ وص 58 السطر 3 - 4.
3- مشارق الشموس : 275 السطر 31 - 32 ؛ وص 300 السطور الثلاثة الاخيرة.
4- في الاصل الحجري ( ينفى ).

ولو من أول المرحلة ، ويصير حينئذ من النقل التعييني لا التعيني بناء على ما عرفت من كفاية مثل هذا الاستعمال المقارن بمثل ذلك القصد في الوضع.

وامّا أن لا يختلف ، فيكون استعمالهم كالسابقة في ملاحظة التبعية للمعنى الحقيقي ، وعند ذلك كلما كثر الاستعمال في المعنى المجازي كثر ملاحظة المعنى الحقيقي معه أيضا ، قضية للتبعية ، فعند ذلك لا يوجب التساوي ما دامت تلك الملاحظة ، فضلا عن الترجيح ؛ إلاّ أن يهجر المعنى الحقيقي كي تنتفي التبعية بانتفاء الموضوع قهرا ؛ إلاّ أن يفرّق بين لحاظ المعنى من اللفظ وبين لحاظه مقارنا لاستعماله في معنى آخر ، بالمنع عن تحقق النقل في الاول دون الثاني.

ومما ذكرنا ظهر الاشكال في وصول اللفظ الى حد الاشتراك اللفظي بالوضع التعييني ، فلا بد أن يكون مجازا مرجوحا بالنسبة الى الحقيقة ، أو منقولا اليه تعيينا.

127 - قوله : « المبحث الثالث : هل الجمل الخبرية .... ظاهرة في الوجوب أو لا ». (1)

والأولى تأخير هذا المبحث عن المبحث الرابع كما قررنا ذلك في الحاشية [ السابقة ].

ثم انّه يقع الكلام في انّ الجمل الخبرية الواقعة في مقام الطلب هل هي مستعملة فيه أو في أحد فرديه من الوجوب أو الندب أم لا؟ بل كانت مستعملة في نفس معانيه الحقيقية من النسبة الإخبارية حكاية ، غاية الامر بداعي اظهار الطلب بأحد قسميه.

والتحقيق : هو الوجه الثاني ، فانها كما قد استعملت في أصل معناها بداعي

ص: 181


1- كفاية الاصول : 92 ؛ الحجرية 1 : 59 للمتن و 1 : 59 للتعليقة.

افادة فائدة الخبر تارة ، ولازمها اخرى ، وغيرهما ثالثة ، من التحسّر كما في قوله : « هواي مع الركب اليمانين مصعد » (1) ، والتألّم كما في قولك : « الهواء حار » ، والتلذذ كما في قولك لصاحبك : « هذا الطعام لذيذ » وغير ذلك من الدواعي ، فكذلك قد تكون مستعملة فيها بداعي اظهار المحبوبية بمرتبتها الشديدة كي يصير واجبا ، أو الضعيفة كي يصير ندبا.

وفائدة العدول - عن انشائها بصيغة الامر الى الإخبار عن وقوع المطلوب - بيان شدة محبوبية صدور الفعل من المخاطب ، أو انّه ممن كان لم يترك بمجرد علمه بالطلب الواقعي المعبر عنه بالشوق المؤكد عقلا ، لا على مجرد انشائها كي يرد بعدم ترتب الفائدة المطلوبة حينئذ.

وتوهم : لزوم الكذب في كلام الحكيم حيث كان المخاطب تاركا للفعل معصية.

مدفوع : بأنّ الصدق انما كان بالنسبة الى ما هو المقصود الاصلي من سوق الكلام ، وهو ليس في المقام إلاّ الطلب ، فهما يدوران مداره وجودا وعدما ، لا مدار تحقق الفعل من المخاطب كما في الكنايات بالنسبة الى الغرض الاصلي من مثل ( زيد جبان الكلب ) أو ( كثير الرماد ) أو بالنسبة الى الإخبار عن السخاوة. هذا مضافا الى تبادر معانيها الإخبارية منها ولو في هذا المقام.

هذا كله مع انّ استعمالها في مثله امّا بتصرف في هيئاتها كما في ( زيد يمشي ) مقام ( امش ) خطابا أو في مرادها كما في هذا المثال مقام ( زيد مطلوب المشي ) بادراج الطلب في الهيئة أو في المادة بعد كون الانشاء نحو استعمال اللفظ

ص: 182


1- صدر بيت لجعفر بن علبة بن ربيعة الحارثي المتوفى 145 من مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية ومن شعراء الحماسة لابي تمام ؛ ( الاعلام 2 : 125 ). والبيت بتمامه : هواي مع الركب اليمانين مصعد *** جنيب وجثماني بمكة موثق

كالإخبار ؛ ولا علاقة ظاهرة بين معنى المادة والهيئة بلا طلب وبينه معه كما لا يخفى.

ثم انّ هذه الجمل ، هل هي ظاهرة في كون الداعي لاستعمالها هو الوجوب؟ بملاحظة كونه أقرب الى معناها وهو الثبوت وأشد مناسبة بالنسبة اليه ، من حيث انّ اظهاره بالجمل الخبرية يكون حملا للمخاطب على الفعل بآكد وجه.

أو الطلب المطلق؟ لكونه المتيقن بعد قيام القرينة على انّ الداعي غير الإخبار الحقيقي ، وعدم دليل على التعيين أو الندب لكونه المتيقن من مرتبتي الطلب.

والتحقيق : ظهورها في الوجوب فيما لم تقم قرينة ، لما ذكرنا من شدة المناسبة ، فانّها وان لم تكن موجبة لانصراف اللفظ اليه وظهوره فيه بنفسها إلاّ انّها يكفي في التعيين والظهور بضميمة مقدمات الحكمة ، فتأمل.

وتوهم : انّ جريانها كان منحصرا في تعيين مدلول اللفظ ، لا في تعيين الداعي لاستعماله.

مدفوع : بعدم الفرق في جريانها عقلا بينه وبين الكل ما كان بالنسبة اليه في مقام البيان مثل هذه المناسبات ، غاية الامر يسمى هذا الاطلاق بالاطلاق المقامي ، لا اللفظي.

ص: 183

التعبدي والتوصلي

128 - قوله : « احداها : الوجوب التوصلي ... الخ »

128 - قوله : « احداها : الوجوب التوصلي ... الخ » (1).

وهو كما يطلق على ما في المتن كذلك قد يطلق على مطلق الوجوب غير المقدمي ؛ وبين الاطلاقين عموم من وجه كما لا يخفى.

129 - قوله : « فانّ الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ».

129 - قوله : « فانّ الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ». (2)

ولا فرق بين كون الغرض معلوما أم لا ؛ كما انّ المعلومية ليس بشرط في التوصلي.

130 - قوله : « كان مما يعتبر في الطاعة عقلا ... الخ ».

130 - قوله : « كان مما يعتبر في الطاعة عقلا ... الخ ». (3)

فاذا دار الخطاب بين كونه للوجوب التوصلي - كي لا يحتاج في امتثاله الى قصد القربة - أو التعبدي كي يحتاج اليه فالتحقيق عدم جواز التمسك لاثباته بالاطلاق اللفظي. ويحتاج توضيحه الى تمهيد مقدمة وهي :

انّ بعض القيود مما يمكن أخذها في المأمور به وتقييده بها ، كأجزائه وشرائطه ؛ وبعضها مما لم يكن كذلك ، كالقيود الناشئة من ناحية الامر كقصد الامتثال والوجه وتميز المأمور به عن غيره.

[ و ] حينئذ فنقول : انّ اطلاق اللفظ بضميمة مقدمات الحكمة انما يثمر في

ص: 184


1- كفاية الاصول : 94 ؛ الحجرية 1 : 60 للمتن و 1 : 60 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 94 ؛ الحجرية 1 : 60 للمتن و 1 : 60 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 95 ؛ الحجرية 1 : 60 للمتن و 1 : 60 للتعليقة.

نفي القيود الراجعة الى المأمور به مما يمكن أخذها فيه ، دون ما كان من قبيل القسم الثاني مما لم يمكن أخذه فيه ، لانّ جواز التمسك بالاطلاق فرع امكان التقييد وإلاّ لكان اطلاقه لعدم امكانه وعدم تقييده ، لا لاجل كونه هو المراد كما هو واضح.

ودعوى : كفاية الاطلاق الذاتي ، بمعنى كون المأمور به مرسلا في مرتبة ذاته وطبيعته بالنسبة الى القيد في جواز التمسك بالاطلاق اللفظي ، نظير التمسك به لعدم تقييد موضوع الامارات بالعلم بحكمه الواقعي مع كونه غير قابل لتقييده بالعلم والجهل لفظا ، ولا وجه له إلاّ بكفاية اطلاقه الذاتي.

مدفوعة : بأنّ الاطلاق ذاتا بمعنى أخذ الطبيعة مجردة عنه أو الاهمال ذاتا أو التقييد ، كلها متضايفة يتوارد كل واحد على ما كان قابلا لورود الآخر عليه ، وإلاّ فلا يتصف بواحد منها ؛ وما نحن فيه لما لم يكن الاطلاق والتقييد بالنسبة اليه فلا يتصف [ بالطبيعية ] (1) أو المهملة ؛ كما انّ المقيس عليه أيضا كذلك بالنسبة الى العلم والجهل ، حيث ان أخذ القضية طبيعية ولا بشرط أن يكون بالنسبة الى ما كان في مرتبة الطبيعة من القيود والعلم وبحكمه الجهل به مما كانا متأخرين عنه بمرتبتين ، لتوقفهما عليه وعلى حكمه ثم تعلقهما عليه ، فأخذ القضية الطبيعية بالنسبة اليهما ليس في محله بل العلم والجهل مما يتوقفان عليهما عقلا.

نعم لما كانت المرتبة الثالثة من الحكم وهو الفعلية مما يمكن تقييده بالعلم بالمرتبة الانشائية شرعا - كما انّ التنجيز كذلك عقلا - ففي موارد الاصول يلتزم [ بعدم ] (2) فعلية الواقعي ، للزوم اجتماع الفعليتين بدونه فيكشف فعلية حكمها عن تقييده فعلية الحكم الواقعي بما ذكر. نعم يجوز التمسك بعدم التقييد بالاطلاق

ص: 185


1- في الاصل الحجري ( بالطبيعة ).
2- في الاصل الحجري ( بعد ).

المقالي بعد احراز كون المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في الفعلية ، دون اطلاق المادة لفظا كما في المقام. هذا كله من حيث الكبرى.

وامّا الصغرى : فبوجوه :

امّا اولا : فبأنّ التزام دخول قصد امتثال الامر بالصلاة في متعلق ذاك الامر يستلزم تعلقه بسائر الاجزاء وخروجه عن متعلقه ، وإلاّ لا معنى لامتثال الامر الصلاتي ، لعدم تعلق الامر بها ، وما يلزم من دخوله خروجه فهو محال.

وامّا ثانيا : فلعدم تمكّن المكلف عن اتيان الصلاة مع قصد الامتثال بداعي الامر المتعلق بالمجموع ، حيث انّه لم يتحقق قصد امتثال آخر بالنسبة الى الامر غير ذلك القصد ، وتعلقه بنفسه مما لم يكن كما لا يخفى ، وذات الصلاة مما لم يتعلق أمر بها ، فكيف يقصد امتثال أمرها؟

و [ أمّا ] ثالثا : [ فبلزوم ] (1) الخلف ، حيث انّ معنى قصد امتثال الامر الصلاتي تعلقه بنفس الصلاة وحدها ، لا بهما مقيدة بغيرها ، فيلزم من فرض كون هذا القيد داخلا في متعلق الامر خروجه عنه ، وهو خلف فهو محال.

و [ أمّا ] رابعا : [ فبأنّ ] (2) قصد الامتثال من دواعي أمر المولى ، لانّ الغرض منه احداث الداعي للعبد ، والغرض الباعث للامر بشيء لا يمكن أن يدخل في موضوعه ، لاستلزامه تعلق الامر بالارادة ، لانّ الداعي عبارة عن الارادة الخاصة ، وهو محال كما سيظهر.

لا يقال : انّ ما ذكرت من امتناع دخول قصد الامتثال في [ متعلق ] (3) الامر انما هو بالنسبة الى الامر النفسي ، وامّا الامر الغيري بالصلاة الناشئ من تعلق الامر

ص: 186


1- في الاصل الحجري ( بلزوم ).
2- في الاصل الحجري ( انّ ).
3- في الاصل الحجري ( تعلق ).

النفسي المتعلق بالمجموع منها ومن قصد الامتثال فلا يستلزم الخلف كما هو واضح ، لانّ قصد امتثال الامر الغيري بالصلاة لا يستلزم تعلق النفسي بها ولا كون المكلف ممن لا يقدر على الامتثال ، لعدم اشتراط القدرة السابقة ، وامّا حين الامتثال فهي حاصلة حيث انّه وان لم يتحقق أمر غيري بالنسبة الى الصلاة وقبل تعلق الامر النفسي بالمجموع ، إلاّ انّه بعد تحققه حين الامتثال واجتماع الشرائط يكون فعليا ، فيقصد امتثاله كما لا يخفى.

لأنه نقول : مضافا الى استلزامه الدور - لتوقف الامر الغيري على النفسي فكيف يؤخذ قصد امتثاله في متعلقه - والى عدم كون المقدمات الداخلية متعلقة للامر الغيري ، والى عدم كون الامر الغيري مناطا للثواب والعقاب ؛ انّه يصح بناء على كون قصد الامتثال جزءا للمأمور به كي يتعلق الامر بالجزء الآخر ، وامّا على تقدير كون ذلك قيدا له فلا ، لما سيأتي من عدم تعلق الامر الغيري بالاجزاء العقلية.

ولا يخفى انّ امتثال الامر بمعنى الداعي - كما هو محل النزاع - لما كان من [ خصوصيته ] (1) ارادة الفعل التي [ هي ] من مقدمات الاختيار الذي لا بد منه في تعلق التكليف بالفعل الاختياري [ فلا ] (2) اشكال في كونها شرطا في المأمور به لا جزءا ، لوضوح عدم كونها نظير الاجزاء الخارجية في كون كل منها موجودا بوجود على حدة ، بل [ هي ] من الاجزاء التحليلية التي ليس المقيد بها في الخارج إلاّ نحو خاص بحيث يعدّ وجوده بلا قيد مباينا لوجوده معه ، لا نفسه أو مثله.

اذا عرفت ما ذكرنا - من كونه بناء على الاعتبار من الشروط لا الاجزاء ، وانّ

ص: 187


1- في الاصل الحجري ( خصوصية ).
2- في الاصل الحجري ( لا ).

وجود المشروط بدونه يعدّ مباينا لوجوده معه - تعلم عدم تعلق الامر الغيري بالاجزاء العقلية ، بل انما يتعلق بالاجزاء الخارجية التي كان وجود كل بدون الآخر غير وجوده معه - كما سيأتي توضيحه في مقدمة الواجب ان شاء اللّه تعالى - فاذا لم تكن الصلاة المقيدة بقصد الامتثال متعلقة للامر النفسي ولا الامر الغيري فلا مجال لقصد امتثاله.

ان قلت : لا مانع من قصد القربة في بعض الاجزاء بالنسبة الى الامر النفسي المتعلق بالمجموع منه ومن الاجزاء الأخر - وان لم يقصد القربة ببعضها الآخر غفلة أو من باب عدم التمكّن رأسا - فيمكن قصد القربة بالصلاة مثلا وان لم يكن بالأجزاء الأخر ، بلا استلزام خلف من خروجه عن متعلقه واختصاصه بسائر الاجزاء ، ولا عدم التمكن ، لعدم تعلق قصد الامتثال بنفسه ، فلا مانع عن دخوله في متعلق الامر.

قلت : مضافا الى خروجه عن محل النزاع أيضا لكونه فيما كان المأتي به بقصد الامتثال مأمورا بالامر النفسي وحده حقيقة لا في ضمنه بالعرض والمجاز ، كما في المفروض انّه مبتن على اعتبار كل من الصلاة وقصد الامتثال جزءا للمأمور به ، وعرفت عدم جزئيته الخارجية ، بل بناء على اعتباره من الاجزاء العقلية ، مع انّه على تقدير جزئيته يلزم استحقاق المثوبة بالنسبة الى بعض اجزاء الواجب التعبدي دون الآخر وهو كما ترى ، فلا يصح ذلك ولو بناء على فرض [ كون ] الداعي طبيعته ؛ يكتفي فيه بوقوع بعض اجزاء الواجب بالداعي ولو بلحاظ الامر الضمني كما توهم. مضافا الى لزوم كون بعض اجزاء الواجب غير اختياري وهو قصد الامتثال ، لكونه من خصوصيات الارادة ، وحقق في محله انّ الارادة ليست بالاختيار.

هذا كله من باب المماشاة ، وإلاّ فمن الواضح كون حال الواجب التعبدي

ص: 188

حال التوصلي في خروج قصد القربة عن متعلق الامر واعتباره في مقام الاطاعة ، لاستحقاق المثوبة ؛ إلاّ أنّ الفرق اعتباره في رفع العقوبة أيضا في التعبدي دون التوصلي.

ومما ذكرنا في اعتبار قصد الامتثال في متعلق الامر - من استلزامه الخلف وعدم التمكن عن الامتثال لو اريد قصد الامتثال بالنسبة الى الامر النفسي الحقيقي لا الامر الغيري والامر النفسي المستند الى بعض الاجزاء بالعرض - تعرف حال قصد الوجه وتميز المأمور به عن غيره ، بل كل ما ينشأ من قبيل الامر لو اريد اعتبارها في متعلقه.

131 - قوله : « ضرورة أنّه وان كان تصورها كذلك ... الخ ».

131 - قوله : « ضرورة أنّه وان كان تصورها كذلك ... الخ ». (1)

وفيه : انّ لحاظ الامر وكلّما ينشأ من قبله لا يمكن في لحاظ الموضوع إلاّ بنحو القضية الطبيعية فلا يصح التسليم بنحو الاطلاق ؛ مع انّ القضية الطبيعية لا تجدي فيما نحن فيه لانّه يثمر فيما اذا تحقق بسبب الحكم فرد من الموضوع حقيقة حتى يسري الحكم اليه أيضا كما في كل خبريّ صادق.

وامّا في المقام فلا يحدث أمر بالنسبة الى ذات العمل حتى يقصد امتثاله ، وعلى فرض تصور الامر بالنسبة اليه خرج قصد الامتثال عن كونه قيدا للمأمور به.

ومن هنا يظهر عدم امكان أخذ طبيعة القربى أيضا.

132 - قوله : « قلت : مع امتناع اعتباره كذلك ... الخ ».

132 - قوله : « قلت : مع امتناع اعتباره كذلك ... الخ ». (2)

وجهه : مضافا الى ما ذكره في المتن ، ما عرفت من انّ الفعل الاختياري - مع الاختيار المتعلق به بأنحاء وجوده - واحد بسيط غير منحل الى وجودين حتى يكون الاختيار جزءا آخر في قباله ، ولا بد في الاجزاء الخارجية من تعدد الوجود

ص: 189


1- كفاية الاصول : 95 ؛ الحجرية 1 : 63 للمتن و 1 : 62 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 96 ؛ الحجرية 1 : 63 للمتن و 1 : 62 العمود 1 للتعليقة.

كما لا يخفى.

133 - قوله : « في ضمن اتيانه بهذا الداعي ... الخ ».

133 - قوله : « في ضمن اتيانه بهذا الداعي ... الخ ». (1)

فان قلت : يؤتى بها بداعي أمرها الغيري.

قلت : قد عرفت انّ المقدمات الداخلية ليست متعلقة للامر الغيري ، وانّ الامر الغيري ليس مناطا للعبادية والثواب والعقاب ، وانما المناط فيها هو النفسي.

134 - قوله : « ولا يكاد يمكن الاتيان بالمركب ... الخ ».

134 - قوله : « ولا يكاد يمكن الاتيان بالمركب ... الخ ». (2)

لعدم كون قصد الامتثال مقصودا بنفسه ولا بقصد آخر ، وما عداه بعض الواجب لا تمامه ، والامر بالكل لا يصير داعيا الى البعض عند عدم كونه داعيا الى البعض الآخر ؛ وعدم صحة التفكيك من حيث التعبدية والتوصلية.

135 - قوله : « قلت : مضافا الى القطع ... الخ ».

135 - قوله : « قلت : مضافا الى القطع ... الخ ». (3)

أقول : مضافا الى ما في المتن ، يلزم دوران المثوبة مدار الامر الاول والعقوبة على مخالفة الامر الثاني لا الاول ، والحال أنهما توأمان متلازمان في الترتب ، فتدبر جيدا.

136 - قوله : « لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الآمر ... الخ ».

136 - قوله : « لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الآمر ... الخ ». (4)

لا يقال : يستكشف الامر الثاني من حكم العقل بالملازمة بين حكمه وبين حكم الشرع.

لأنّا نقول : انّ الملازمة انما هو فيما كان ملاك الحكم المولوي للشارع موجودا في البين من ايراثه العقوبة والمثوبة على المخالفة والموافقة ، لا في مثل ما

ص: 190


1- كفاية الاصول : 96 ؛ الحجرية 1 : 63 للمتن و 1 : 62 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 96 ؛ الحجرية 1 : 63 للمتن و 1 : 62 العمود 1 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 96 ؛ الحجرية 1 : 63 للمتن و 1 : 62 العمود 1 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 97 ؛ الحجرية 1 : 64 للمتن و 1 : 62 العمود 1 للتعليقة.

نحن فيه الذي كان كل منهما موجودا فيه بالامر الاول ، بلا حاجة الى أمر مولوي آخر.

نعم لا بأس بالامر الارشادي على طبق العقل ، وانما النزاع في المولوي الجدي.

137 - قوله : « إلاّ أنّه غير معتبر فيه قطعا ... الخ ».

137 - قوله : « إلاّ أنّه غير معتبر فيه قطعا ... الخ ». (1)

توضيحه : انّه لو كان التقرب بأحد هذه المعاني قيدا للمأمور به لما كان ذات العمل مأمورا به ، فاتيانه بداعي أمره لا يصح ، لعدم الامر به حتى يقصد امتثاله ، فمن صحته قطعا واجماعا يستكشف عدم أخذ واحد منها فيه.

138 - قوله : « فلا مجال للاستدلال باطلاقه ... الخ ».

138 - قوله : « فلا مجال للاستدلال باطلاقه ... الخ ». (2)

حيث انّه يصح التمسك بالاطلاق فيما لو كان مراد المتكلم القيد [ ليمكن ] (3) التقييد ، لا فيما لم يكن ، لاحتمال انّ الاطلاق حينئذ لعدم امكان التقييد ولو كان هو المراد ، لا لكون المراد هو الاطلاق كما عرفت.

139 - قوله : « فاعلم انّه لا مجال هاهنا إلاّ لاصالة الاشتغال ».

139 - قوله : « فاعلم انّه لا مجال هاهنا إلاّ لاصالة الاشتغال ». (4)

فلا تجري البراءة العقلية ، لكونها متوقفة على عدم تمامية البيان كي يحكم بقبح العقاب بدونه ، وما نحن فيه مما قامت عليه الحجة ونهضت عليه البينة وهو العلم باشتغال الذمة بالامر المعلوم المتعلق بالمأمور به المعيّن جزءا أو شرطا ، مع حكم العقل القطعي بلزوم اسقاطه واطاعته ، فمع الشك - في فراغ الذمة عن ذلك الامر المعلوم باتيان متعلق ما بدون داعي ذلك الامر - لا بد من قصد الامتثال

ص: 191


1- كفاية الاصول : 97 ؛ الحجرية 1 : 64 للمتن و 1 : 62 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 97 ؛ الحجرية 1 : 64 للمتن و 1 : 62 العمود 2 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( لأمكن ).
4- كفاية الاصول : 98 ؛ الحجرية 1 : 64 للمتن و 1 : 62 العمود 2 للتعليقة.

تحصيلا للقطع بالبراءة بحكم العقل.

فان قلت : انّ الاشتغال بالامر وان كان معلوما - وكذا حكم العقل باطاعته - إلاّ أنّ تعيين كيفيتها دائر مدار تعيين الغرض [ من ] (1) ذلك الامر ، فمع الشك في تعلقه بأزيد من اتيان نفس المأمور به يكون مدخلية قصد الامتثال مشكوكا ، فالعقاب عليه بالاخلال به يكون بلا بيان.

قلت :

أولا : انّ المناط في الاشتغال وتمامية البيان هو العلم بنفس التكليف شرعا أو عقلا ، مع حكم العقل بلزوم اطاعة شخص الامر المعلوم بمتعلقه لا العلم بملاكه ، فتحصيل البراءة القطعية عنه يكون لازما عقلا.

وثانيا : على تقدير ارجاع الامر الى ملاك الامر نقول : انّ الملاك - وهو الغرض الداعي الى الامر - بسيط ، نظير ازالة الصفراء في أمر الطبيب بشرب الدواء وان لم يكن شخصه معلوما تفصيلا في الاوامر الشرعية ، فبعد العلم بمثل ذلك الغرض البسيط المتعلق بشخص الامر وانّ الامر لا يسقط بدون تحصيله - لاستحالة تخلف المعلول عن علته - لا بد عقلا من تحصيل شخص الغرض [ من ] (2) هذا الامر بالقطع ، كي يحصل القطع بسقوطه.

ومع دوران تحصيله بين الامرين - ولو كانا من قبيل الاقل والاكثر - لا اشكال عقلا في لزوم الاحتياط كي يتيقن معه تحصيله ، كما في جميع موارد الشك في المحصل ولو كان بالنسبة الى المأمور به ، فضلا عن الغرض.

مضافا الى دورانه بين المتباينين فيما نحن فيه ، لكون اتيان المأمور به بداعي الامر واتيانه بدونه نحوين من الوجودين ، لا يكون أحدهما جزءا من

ص: 192


1- في الاصل الحجري ( عن ).
2- في الاصل الحجري ( عن ).

الآخر كي يكونا من قبيل الاقل والاكثر ، ولا خلاف في لزوم الاحتياط في المتباينين.

ولا يخفى انّ ما ذكرنا من وجوب الاحتياط - فيما لو رجع الشك في المحصل للغرض - مما لا خلاف فيه ، ولذلك يظهر من شيخنا العلاّمة قدس سره في مبحث الاشتغال (1) في مسألة اجراء البراءة العقلية - في الاقل والاكثر - في الاجزاء المأمور بها انّه من المسلّميات ، حيث انّه بعد ما اختار البراءة عن الزائد عقلا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان أورد على نفسه بابتناء الاحكام الفرعية على مصالح وأغراض في المأمور به وبحسب تحصيلها بحكم العقل ، ولا يتأتّى إلاّ باتيان الاكثر.

وأجاب :

تارة : بمنع الابتناء ، باختيار مذهب الاشعري في تلك المسألة في الاجزاء.

واخرى : بعدم التمكن من تحصيل الغرض ولو على اتيان الاكثر ، للاخلال بقصد الوجه أو قصد التميز المعتبر بتصريح بعض القائلين بتبعية الاحكام للمصالح ، فيختار البراءة من تلك الجهة.

مضافا الى عدم البيان بالنسبة الى الجزء.

ولم يظهر منه قدس سره عدم لزوم تحصيل الغرض على تقدير التمكن ، ولو احتمالا.

وامّا البراءة النقلية فلا مجرى لها في المقام أصلا ، حيث انّ أدلتها من حيث الرفع وغيره الواردة في مقام الامتنان انما تجري فيما كان قابلا للوضع والرفع ، نظير جريان أدلة الاستصحاب فيما كان كذلك دون ما لم يكن كذلك في كليهما ؛ ومن

ص: 193


1- فرائد الاصول 2 : 319 - 320.

المعلوم انّ قصد الامتثال لما كان من كيفيات الاطاعة التي استقل العقل بلزومها وعدمه - على حسب استكشاف المصالح في الامر ولا تنالها يد الشرع نفيا واثباتا كنفس الاطاعة - فلا يكون منفيا بالبراءة النقلية.

مضافا الى مساوقة تصرف الشارع فيه تصرفه في الغرض ، مع انّه لا شبهة في عدم قبوله للجعل تشريعا وان كان كذلك تكوينا.

فان قلت : ما ذكرت - من عدم قابلية كيفية الاطاعة من قصد الامتثال وغيره للجعل لرجوعه الى التصرف في الغرض شرعا - ينافي اجراء البراءة في الاجزاء وشرائط المأمور به ، لدخلها في حصول الغرض منه ، فيكون نفي جزئيتها وشرطيتها مستلزما لرفع الغرض المتعلق بتمام المركب ، وإلاّ فيلزم تخلف المعلول عن علته.

قلت : انّ المرفوع في تلك المسألة نفس الاحكام الوضعية من الجزئية والشرطية ، حيث انّهما - كما قرر في محله - كالاحكام التكليفية مما تنالها يد الجعل من الشرع و [ لو ] بالواسطة ، فيكون حديث الرفع - بناء على عمومه - لجميع الآثار ، إلاّ على عدم الجزئية في صورة النسيان وغيره - كما دل الدليل الاجتهادي عليه مطلقا أو في تلك الصور - ويكون حاكما على دليل الجزئية ومقدما عليه ، ويكون الحكم الفعلي للمركب متعلقا بغير المرفوع.

ويستكشف إنّا انّ الغرض المتعلق بالمجموع كان على نحو الاقتضاء كالحكم المتعلق به ، لامتناع اجتماع المتضادين من الاحكام في المرتبة الفعلية ؛ أو انّ ذلك الغرض يحصل من المركب الناقص أيضا ؛ لا انّ فعلية ذلك الغرض قد رفعت بحديث الرفع ولو بالواسطة كي يورد : انّه مما لا تناله يد التصرف.

ص: 194

فالحاصل : ان ليس فيما نحن فيه ما يقبل الجعل من البدء الى الختم [ في ] (1) كيفية الاطاعة والغرض ، بخلاف تلك المسألة ، كالحكم الوضعي بلا تصرف في الغرض - ولو بالواسطة كما عرفت - بعد احراز كون الشارع في مورد من الموارد بصدد بيان تمام ما له دخل في غرضه ومع ذلك قد سكت عن المشكوك.

ويومي اليه ما عن شيخنا العلاّمة في مقدمات الانسداد في الجواب عن من أورد على الاحتياط بمخالفته للاحتياط ، لاستلزامه الاخلال بقصد الوجه من قوله :

« وفيه : أولا : انّ معرفة الوجه مما يمكن - للمتأمل في الادلة [ و ] في اطلاقات العبادة وفي سيرة المسلمين و [ في ] سيرة النبي صلی اللّه علیه و آله والائمة علیهم السلام مع الناس - الجزم بعدم اعتباره حتى مع التمكن من المعرفة العلمية ... الخ » (2) لوضوح عدم ارادته الاطلاق اللفظي لما عرفت.

ولما ذكره الشيخ قدس سره - في العلم الاجمالي في عدم وجوب الاحتياط بالتكرار وغيره - بمنافاته لقصد التميز بقوله :

« مع امكان أن يقال : انّه اذا شك - بعد القطع بكون داعي الامر هو التعبد [ بالمأمور به ، لا حصوله بأيّ وجه اتفق - في ان الداعي هو التعبد ] (3) بايجاده ولو في ضمن أمرين أو أزيد ، أو التعبد بخصوصه متميزا عن غيره ، [ فالاصل ] (4) عدم سقوط الغرض الداعي إلاّ بالثاني ، وهذا ليس تقييدا في دليل

ص: 195


1- في الاصل الحجري ( و).
2- فرائد الاصول 1 : 417.
3- في الاصل الحجري ( و) ، وقد صححناه من فرائد الاصول.
4- في الاصل الحجري ( ان الاصل ).

تلك العبادة حتى [ يدفع ] (1) باطلاقه ... الخ » (2) وهو وان كان منافيا لمذهبه [ من ] (3) اعتبار قصد التميز إلاّ أنه كان مجديا في المقام كما لا يخفى.

نعم لو لم يحرز كونه بصدد جميع ما له دخل في تحصيل غرضه في مورد لا وجه للتمسك بالاطلاق المذكور.

140 - قوله : « نعم يمكن أن يقال : انّ كل ما ربّما يحتمل بدوا دخله في الامتثال ».

140 - قوله : « نعم يمكن أن يقال : انّ كل ما ربّما يحتمل بدوا دخله في الامتثال ». (4)

حيث انّه لا التفات اليه غالبا كي يستقلّ العقل باتيانه ، من جهة لزوم تحصيل البراءة اليقينية عن الاشتغال اليقيني كما عرفت ، ولو بيّنوا ، لنقل ، لتوفر الدواعي اليه كما هو واضح ، ثم يحصل القطع بضميمة تلك المقدمة للملتفت أيضا بعدم دخله.

والفرق بينه وبين غير الملتفت مما يقطع بعدمه في مثله.

141 - قوله : « المبحث السادس : قضية اطلاق الصيغة ... الخ ».

141 - قوله : « المبحث السادس : قضية اطلاق الصيغة ... الخ ». (5)

توضيحه : انّه لا اشكال في حمل الخطاب على الواجب المطلق النفسي التعييني العيني [ فيما ] (6) لو دار الامر بين كل من هذه القيود ومقابله : من المشروط والغيري والتخييري والكفائي ، حيث أشرنا سابقا انّه لو لم يمكن ارادة القدر المشترك - كما في المقام - ودار الامر بين فردين : يكون بيان أحدهما بعدم ذكر قيد الآخر في مقام الاثبات بأن لم يحتج الى بيان مئونة قيد في التعبير دون الآخر ، وان لم يكن كذلك في مقام الثبوت لكونهما فردين من المطلق المتخصص

ص: 196


1- في الاصل الحجري ( يرفع ).
2- فرائد الاصول 1 : 75.
3- في الاصل الحجري ( عن ).
4- كفاية الاصول : 98 ؛ الحجرية 1 : 65 للمتن و 1 : 64 للتعليقة.
5- كفاية الاصول : 99 ؛ الحجرية 1 : 65 للمتن و 1 : 65 للتعليقة.
6- في الاصل الحجري ( فما ).

كل واحد بخصوصية لم تكن في الآخر ؛ يكون المتعيّن الحمل على ذلك الفرد - دون الآخر - بضميمة مقدمات الحكمة.

والواجب المذكور بالنسبة الى القيود المذكورة كذلك ، حيث انّ عدم ذكر قيد للمقابلات من الشرط ووجوب الغير وذكر البدل واسقاطه بفعل الغير ، يكفي بيانا دون العكس ، فيكون مع مقابلاتها نظير المطلق في تعيينه بمقدمات الحكمة وان لم يكن من ذلك الباب ، لعدم كون الآخر من أقسامه كما كان المقيد بالنسبة الى المطلق كذلك كما لا يخفى. نعم لا يبعد أن يكون متعلقها من حيث عمومه الحالي في أحدهما - دون الآخر - من قبيل المطلق والمقيد ، فتدبر.

ثم انّ نقض الغرض الجاري في المقام أعم من تأخير البيان عن وقت الحاجة الموجب لترك أصل المكلف به في الواقع ، ومن ترك بيان ما هو مقصود المتكلم واقعا لو كان في ذلك المقام تبرعا ، فلا يرد بعدم نقض الغرض في البين لو كان المراد في المقام واحدا من هذه المتقابلات كما لا يخفى.

142 - قوله : « فالحكمة تقتضي كونه مطلقا ... الخ ».

142 - قوله : « فالحكمة تقتضي كونه مطلقا ... الخ ». (1)

بل يمكن أن يقال : بعدم الحاجة الى مقدمات الحكمة بعد تعارف التعبير عن الواجب المطلق عرفا بالصيغة المجردة عن القيود ، فكأنها عبارة عنها وضعا بلا مئونة ، فتدبر.

143 - قوله : « المبحث السابع : انّه اختلف القائلون بظهور صيغة الامر في الوجوب ».

143 - قوله : « المبحث السابع : انّه اختلف القائلون بظهور صيغة الامر في الوجوب ». (2)

بيانه : انّه - بعد ثبوت دلالة الصيغة على الوجوب وضعا أو من باب الانصراف بأحد الوجوه المتقدمة - هل وجدت في مورد قرينة عامة توجب

ص: 197


1- كفاية الاصول : 99 ؛ الحجرية 1 : 65 للمتن و 1 : 65 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 99 ؛ الحجرية 1 : 65 للمتن و 1 : 66 للتعليقة.

انصرافها عن ذاك الظهور ، سواء أوجبت تعينها في معنى خاص أو صارت مجملة بعد عدم انعقاد ظهورها في المعنى الاول أو لا؟ بل تدور مدار خصوصية القرائن حسب اختلافها باختلاف الموارد.

ومن جملة ما ادّعي كونه قرينة عامة : وقوع الامر عقيب الحظر أو ظنه أو وهمه فقد اختلف في دلالته على الوجوب أو الندب أو الاباحة ، أو التفصيل بين ما كان الحكم السابق على النهي هو الوجوب أو الندب أو الاباحة ، أو التفصيل (1) بين ما كان الحكم السابق على النهي هو الوجوب أو الندب فيرجع اليه وبين ما لم يكن فإلى الاباحة ، وغير ذلك من التفصيل.

ومرجع الاختلاف بين الوجوب وغيره الاختلاف في قرينية الموجود وهو وقوع الامر عقيب الحظر بعد قابليته لصرف اللفظ عن الظهور وعدمه.

والظاهر عدم انعقاد الظهور مع جميع القرائن المتصلة المشكوك كونها قرينة فلا تجري أصالة عدم القرينة ، لعدم جريانها فيما لم يحرز الظهور ، مع انّ المتيقن في مواردها الشك في وجود القرينة فقط. نعم لو كان المتيقن من الامر الواقع عقيب الحظر الطلب المشترك بين الوجوب والندب - كما في الامر بالصلاة والصوم - فلا يبعد اثبات الوجوب تمسكا بمقدمات الحكمة كما لو لم يكن حظر سابقا.

وتوهم : كون المتيقن هو الندب ، مدفوع : بعدم كونه مرادا في ضمن الوجوب ، [ فلم ] (2) يتيقن ارادته على كل حال كما في المتيقن في الموارد الأخر والقدر المشترك بينه وبين الوجوب مما لم يمكن ارادته في الطلب الخارجي كما لا يخفى.

ص: 198


1- كما ذهب اليه الفصول : 70 السطر 27 - 29.
2- في الاصل الحجري ( فكم ).

وامّا اذا لم يكن كذلك كما في قوله تعالى : ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) (1) [ و ] ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا ) (2) [ و ] ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ ) (3) وغير ذلك فالظاهر صيرورته مجملا بين غير الحرمة من الاحكام فيما لم تكن قرينة خاصة كما كانت في أكثر الموارد.

وامّا اثبات الاباحة بمقدمات الحكمة من جهة كونها القدر المتيقن في كل حال ، ولغلبة ارادتها من ذاك الامر ، ففيه :

انّه فرد خاص مباين للافراد الأخر ، غير متيقن الارادة على كل حال كما لا يخفى. والاجمال في المقام لا ينافي كون المتكلم في مقام البيان ، إذ الاجمال المنافي هو الاجمال في أصل الخطاب الناشئ من قبل الشارع ، لا الطارئ من جهة عدم العلم بما وضع له اللفظ والقرينة بما كانا ظاهرين فيه عرفا كما لا يخفى.

والغلبة المدعاة في الفصول (4) بالنسبة الى ما ذكر من التفصيل ، فيه : انّه - بعد استخراج ما يستفاد بواسطة الاحتفاف بالقرائن الشخصية في الموارد الخاصة - لا يبقى غالب يستفاد منه ظهور الامر في شيء كما لا يخفى.

ص: 199


1- سورة المائدة : 2.
2- سورة الجمعة : 10.
3- سورة البقرة : 222.
4- الفصول الغروية : 70 السطر 30 - 31.

المرة والتكرار

144 - قوله : « ثم لا يذهب عليك انّ الاتفاق على انّ المصدر ... الخ ».

144 - قوله : « ثم لا يذهب عليك انّ الاتفاق على انّ المصدر ... الخ ». (1)

اشارة الى ما في الفصول (2) حيث انّه جعل النزاع في الهيئة دون المادة مستندا الى دعوى السكّاكي اتفاقهم على انّ المادة - وهو المصدر المجرد عن اللام والتنوين - موضوعة للماهية من حيث هي فلا يبقى مجال لجعل النزاع فيها.

وفيه : انّه على تقدير تسليم ثبوت الاتفاق في المصدر بدعوى السكّاكي ، لا يجدي في جعل النزاع في الهيئة ، لعدم كون المصدر مادة للمشتقات ، لكونه ذا هيئة مقابلة لها ليست بسائرة في غيرها كي يكون مادة لها ؛ كما انّ المعنى المصدري ذات خصوصية مباينة للمعاني الخاصة الاخرى ، ولا بد من كون المادة متحدة مع سائر الخصوصيات وسائرة فيها.

فظهر : انّ جعل المصدر مادة كسائر المشتقات ليس في محله ، فلا ملازمة بينه وبين مادة المشتقات ، فيمكن ملاحظة المرة أو التكرار بكل من تفسيريهما في معنى المادة بناء على مغايرة وضعها لوضع الهيئة أو مغايرة لحاظها للحاظها في الوضع الواحد ، لوجوب ملاحظة الموضوع والموضوع له بحدودهما سابقا على الوضع وان لم يندرجا في المعنى المصدري بالاتفاق.

ص: 200


1- كفاية الاصول : 100 ؛ الحجرية 1 : 66 للمتن و 1 : 67 العمود 1 للتعليقة.
2- الفصول الغروية : 71 السطر 22.

ودعوى : انّ المراد من المصدر - المتفق على [ عدم ] (1) دلالته وضعا إلاّ على مجرد الماهية - ما هو المادة للمشتقات السارية فيها لفظا ومعنى ، ولذلك ادّعي الاتفاق من البصريين على كون المصدر أصلا لسائر المشتقات ؛ ومن المعلوم عدم ارادة هيئة المصدر ، لعدم كونه الاصل الجاري في واحد منها فضلا عن جميعها.

مدفوعة : مضافا الى القطع بعدم كون المادة هي المراد من المصدر ، بأنّ كلامهم لما كان فيما يثبت له الوضع [ تكون ] (2) تلك الدعوى مسلّمة لو ثبت الوضع للمادة على حدة.

والتحقيق : عدم ثبوته لها ، لانّ وضعها بهيئة المصدر متضح الفساد ومقطعة بهيئة حروف الهجاء فكذلك لعدم سريانه بتلك الهيئة في المشتقات ولا بشرط بالنسبة الى الهيئات فمقطوع العدم ، وإلاّ لزم استفادة المعنى منه ولو لم يكن بتلك الهيئات المتعارفة ومشروطا بكونه في ضمن احدى الهيئات المعيّنة ، فبعد بعده لا دليل على ثبوته.

نعم غاية ما في الباب انّه لما كان من البيّن احتياج الوضع الى ملاحظة الموضوع والموضوع له سابقا فلو كان لهما حدود [ ف- ] لا بد من ملاحظتها ؛ وحيث انّ لكل من المشتقات حدّين باعتبار الموضوع من المادة والهيئة ، وحدّين باعتبار الموضوع له من الحدث وطلبه مثلا في مثل ( اضرب ) فلا بد من ملاحظتهما سابقا بحدّيهما.

وطريق تصورهما قبل الوضع يمكن بأن يكون قد عيّن الواضع مواد معلومة من ( الضرب ) و ( النصر ) و ( القتل ) وغيرها ومعاني معيّنة على طبق تلك المواد ، ثم

ص: 201


1- في الاصل الحجري ( عدمه ).
2- في الاصل الحجري ( فيكون ).

لاحظ هيئة معيّنة مثل ( فاعل ) مثلا مرآة لملاحظة مصاديقها من ( الضارب ) و ( الناصر ) و ( القاتل ) وغيرها ووضع تلك المصاديق الملحوظة في ضمن الهيئة العامة سابقا ، فيحصل وضع المشتقات دفعة باعتبار المادة والهيئة معا ويكون ذلك نوعيا من جهة المادة ؛ ويمكن العكس كما لا يخفى.

ثم انّ اللحاظ السابق بالنحو الذي عرفت لا يدل بمجرده على تعدد الوضع ، حيث انّه لا بد منه في الوضع الواحد أيضا ، لما عرفت من لزوم ملاحظة الموضوع والموضوع له بحدودهما قبل الوضع.

ومما ذكرنا - من عدم ثبوت الوضع للمادة على حدة - ظهر : انّ المراد من المصدر المتفق على كونه لمجرد الهيئة وضعا ليس ما هو المادة في المشتقات بل ما هو بهيئته ، ومعها لا يكون مادة لها ، فلا تثبت الملازمة.

وامّا ما اشتهر بينهم من كونه أصلا لها فيمكن أن يكون المراد انّ المصدر يكون ما به المناسبة للمشتقات مثل ( ضرب ) و ( يضرب ) و ( ضارب ) وغير ذلك ، فانّها بسبب اشتراكها في مناسبتها للمصدر لفظا ومعنى لا يكون كل مع الآخر مثل المشتق من مادة اخرى من ( نصر ) و ( ينصر ) مثلا ، ولذا قد ادّعي كون الفعل أصلا للمصدر كما عن بعض النحاة مع عدم كونه مادة له قطعا.

145 - قوله : « مما جمعه معه مادة لفظ متصورة ... الخ ».

145 - قوله : « مما جمعه معه مادة لفظ متصورة ... الخ ». (1)

بيان : قوله : « ومعنى كذلك ... الخ » عطف على قوله : « لفظ ».

يعني انّه كما يكون بين الاصل وسائر الصيغ المتفرعة عليه مناسبة واشتراك في مادة اللفظ ، كذلك يكون بينهما مناسبة في المعنى وهو الحدث اللابشرط ، وان كان كل من اللفظ والمعنى الموجود بينهما متخصصا في كل بخصوصية غير

ص: 202


1- كفاية الاصول : 101 ؛ الحجرية 1 : 66 للمتن و 1 : 67 العمود 2 للتعليقة.

موجودة في الآخر كما لا يخفى.

146 - قوله : « هو المصدر أو الفعل ، فافهم ».

146 - قوله : « هو المصدر أو الفعل ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انّ من المحتمل انّ مراد السكّاكي في المصدر ما هو المادة للمشتقات ، لا الاصطلاحي منه ، فحينئذ يجدي الاتفاق فيه هذا المعنى في تحصيل الاتفاق في مادة المشتقات ؛ ولكنه خلاف الظاهر ، فتدبر.

147 - قوله : « وتوهم : أنّه لو اريد بالمرّة الفرد ... الخ ».

147 - قوله : « وتوهم : أنّه لو اريد بالمرّة الفرد ... الخ ». (2)

والمتوهم هو صاحب الفصول (3) قدس سره حيث انّه قد اختار فيه التفسير الاول وهو الدفعة والدفعات ، لما ذكره - مضافا الى ظهور كلمات الاصوليين فيه - من انّ اللازم بناء على التفسير الاول « ان يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من انّ الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال [ عند ذلك : و ] على تقدير تعلقه بالفرد ، هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو [ المتعدد ] (4) أو لا يقتضي شيئا منهما؟ ولم يحتج الى إفراد كل [ منهما ] (5) بالبحث » (6) فجعله مبحثا على حدة يؤيد كون النزاع في المعنى المذكور ؛ ولكن الوجه عدم تمامية ما ذكر.

امّا ظهور كلمات العلماء ففيه : مضافا الى كون تلك الاستفادة من بعضهم لا من الجلّ ، انّ عدم جعل النزاع في شيء لا يدل على عدم صحته فيه.

وامّا لزوم جعل النزاع على التفسير الثاني من تتمة المبحث الآتي ، ففيه : انّه لا وجه للابتناء عليه ، لصحة النزاع على كل من القولين في المبحث الآتي ، امّا على

ص: 203


1- كفاية الاصول : 101 ؛ الحجرية 1 : 66 للمتن و 1 : 67 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 101 ؛ الحجرية 1 : 66 للمتن و 1 : 67 العمود 2 للتعليقة.
3- الفصول الغروية : 71 السطر 24 - 25.
4- في الاصل الحجري ( الافراد ).
5- في الاصل الحجري ( منها ).
6- هذا نص الفصول : 71 السطر 29 - 30 ؛ وقد نقله الكفاية حرفيا تقريبا ؛ انظر الكفاية : 101.

التعلق بالفرد فواضح كما ذكره ، وامّا على التعلق بالطبيعة فلأنّ تعلق الطلب على ذلك القول ليس [ بالطبيعة ] (1) [ بما ] (2) هي بل [ بما ] (3) هي موجودة ، فيصح النزاع في انّ المراد هل هو الطبيعة الموجودة بوجود واحد أو بوجودات كثيرة؟ أو لا هذا ولا ذاك بل المراد الموجود المطلق الأعم من الوحدة والتعدد.

نعم حيث انّه لم يتحقق وجود الطبيعة إلاّ في ضمن احدى الخصوصيات وان كانت خارجة عنه فالوحدة والتعدد فيه تستلزم الوحدة والتعدد فيها بهذه الملاحظة ، فيصح جعل النزاع في دلالة الامر على اتيان المأمور به في ضمن الفرد الواحد أو المتعدد أو عدم دلالته على واحد منهما. ويستكشف منه حال الطبيعة بالنسبة الى دلالة الامر على ايجادها بالوجود الواحد أو المتعدد وعدمها.

فالحاصل : لا شهادة لما ذكره على عدم صحة التفسير الثاني كما عرفت ، فيصح النزاع بذاك التفسير كما يصح بناء على تفسيرهما بمعنى الدفعة والدفعات ، وان كان الحق عدم دلالته على واحد منهما بواحد منهما.

148 - قوله : « تنبيه : لا اشكال بناء على القول بالمرة في الامتثال ... الخ ».

148 - قوله : « تنبيه : لا اشكال بناء على القول بالمرة في الامتثال ... الخ ». (4)

والتحقيق : على القول به يكون مثل القول بالطبيعة في مسألة التبديل الآتي.

149 - قوله : « وأمّا على المختار من دلالته على طلب الطبيعة ... الخ ».

149 - قوله : « وأمّا على المختار من دلالته على طلب الطبيعة ... الخ ». (5)

يقع الكلام فيه تارة : في مقام الثبوت ، واخرى : في مقام الاثبات.

امّا الاول : فتحقيق الكلام فيه على نحو الايجاز ، انّ الامر - بناء على تبعية

ص: 204


1- في الاصل الحجري ( الطبيعة ).
2- في الاصل الحجري ( ما ).
3- في الاصل الحجري ( ما ).
4- كفاية الاصول : 102 ؛ الحجرية 1 : 66 للمتن و 1 : 68 العمود 1 للتعليقة.
5- كفاية الاصول : 102 ؛ الحجرية 1 : 66 للمتن و 1 : 68 العمود 1 للتعليقة.

الاحكام للغرض الكائن في الافعال - يدور معه وجودا وعدما وحدوثا وبقاء كما مر في مسألة قصد القربة تبعية سقوط الامر لتحصيل الغرض ، فما دام لم يحصل وكان ممكن التحصيل لم يسقط الامر ، ويكون امتثاله الخارجي بالفرد والمحصل له فعلا ، ويكون المكلف قبل اتيان المأمور به مخيرا في امتثاله بتحصيله الغرض في ضمن أي فرد شاء ، وبعد الاتيان بفرد منه قبل حصوله يكون مخيرا فيه أيضا بناء على عدم تبدل الامر بعد الشروع الى أمر آخر مثل الامر بالاتمام ونحوه ، غاية الامر بنحو التخيير بين ابقاء المأتي به الاول وعدم افساده عن قابلية حصول الغرض كي يستقر الامتثال الخارجي في ضمنه وبين اتيان الفرد الآخر كي يحصل الغرض في ضمنه فيحصل الامتثال به ، ويكون حينئذ من قبيل تبديل الامتثال بالامتثال الآخر أي تبديل الامتثال في ضمنه مستقرا بفرد آخر يحصل في ضمنه ابتداء ، كما لو أتى المأمور بالماء المأمور باتيانه ثم اهرق قبل شرب المولى وأتى بالماء الآخر الأبرد أو المساوي فانّه لا شبهة في حصول الامتثال بالثاني ؛ وقد يحصل بالمجموع كما لو أتى بما يشمّ به أولا ثم بالآخر ثانيا وقد حصل الاستشمام بهما معا ؛ وقد يحصل بالاول دون الثاني كما لو كان الثاني فاقدا لبعض ما يعتبر في المأمور به واقعا أو كان حصول الغرض مساوقا للاتيان بالمأمور به ، فانّه لا يبقى مجال للامتثال بعد حصول الغرض ، لامتناع تحصيل الحاصل.

والحاصل : انّه لا مانع من ايجاد الامتثال في ضمن الفرد غير المأتي به ما دام لم يحصل الغرض به كما كان له ذلك التخيير ابتداء ؛ وهذا ليس من قبيل الامتثال عقيب الامتثال ، بل تبديل امتثال بالآخر ؛ وليس منافيا لما هو التحقيق من إجزاء الامر الواقعي لو أتى بالمأمور به من سقوط التعبد به كما سيأتي في مسألة الإجزاء.

وليعلم ان ليس المراد من بقاء التخيير التخيير بين الايجادين كما كان كذلك

ص: 205

قبل ، وإلاّ لزم تحصيل الحاصل ، مع انّه لا يعقل بقاء التخيير بعد تعين الوجوب في ضمن المأتي به بمجرد الشروع وحرمة الابطال ، ولا التخيير بمعنى جواز تبديل ما كان صالحا لحصول الغرض بفرد آخر صالح للغرض وان لم يكن أمر في البين ، وإلاّ فلا اشكال في جوازه.

بل بمعنى التخيير بين الاقتصار على المأتي به وابقائه على قابلية حصول الغرض منه ، وبين الاتيان بفرد آخر أوفى ، بناء على أن يكون متعلق الامر ثبوتا أعم من الايجاد والابقاء على القابلية وان لم يكن كذلك اثباتا ، نظير التخيير بين الاقل والاكثر الارتباطيين وان لم يكن من قبيله ؛ هذا كله في مقام الثبوت.

وامّا الثاني : وهو مقام الاثبات ، فيحتاج الى استكشاف انّ الغرض من المأمور به مما يمكن تحصيله بفرد آخر منه بعد اتيان فرد منه بطريق أوفى كما يظهر من ملاحظة أدلة أفضلية اعادة الصلاة بالجماعة وملاحظة حالات العلماء الأبرار الذين كان من عادتهم اعادة العبادات مرارا ، ولا يثبت ذلك باطلاق المأمور به في الادلة تمسكا بمقدمات الحكمة ، لعدم التفاوت بحسب التعبير : بين ما يمكن الامتثال بعد الاتيان بفرد من المأمور به كما لو كان الغرض [ تدريجي ] (1) الحصول ولم يكن مساوقا لاتيانه ، وبين ما لم يكن كذلك ، فلا يصح التمسك له بالاطلاق كما يظهر من الفصول (2) لو لم يدّع انّ لازم الاطلاق هو السقوط وعدم جواز التبديل ، إلاّ ان يستكشف كيفية الغرض من الخارج كما عرفت.

ثم انّ تبديل الامتثال وان لم يحرز تحققه عند عدم احراز المصلحة في المأتي به إلاّ انّه لا يخلو من ثمرات ، مثل كون المأمور في مقام الاطاعة والانقياد

ص: 206


1- في الاصل الحجري ( تدريج ).
2- الفصول الغروية : 72 السطر 34.

مع المولى ، بل به يدخل في درجات المقربين ، كما يظهر حال العلماء في أفعالهم ووصولهم بها الى ما لا وصول اليه بدونها.

150 - قوله : « فالمرجع هو الاصل ... الخ ».

150 - قوله : « فالمرجع هو الاصل ... الخ ». (1)

والظاهر عدم التفاوت بين صورة الاهمال والاطلاق في عدم وجوب الزائد على الدفعة وجواز الاتيان به برجاء حصول التبديل ، إلاّ أن يعلم بكيفية الغرض من الخارج ، ولا يبعد احراز العلية التامة من الاطلاق ، فتدبر.

تنبيه : لا يخفى انّ الامر بالشيء بناء على افادته التكرار ينحل الى أوامر متعددة بتعدد افراده ، وباتيان كل منها يحصل الامتثال والاطاعة لأمره المتعلق به دون غيره ، كما انّه بعدمه تحصل المخالفة لخصوص أمره وان حصلت الاطاعة لغيره باتيان متعلقه ، فلا يناط اطاعة كل منها ومخالفته على اطاعة غيره ومخالفته ، فلو كان اطاعة كل منها منوطا باطاعة غيره كما لو كان الغرض من الامر بحيث يحصل من المجموع ولم يكن لكل منها غرض على حدة ، خرج ذاك الامر عن التكرار بل كان أمرا واحدا بالمجموع المركب من الأمثال كما لو كان متعلقا بمادة التكرار.

نعم لو كان التكرار المتعلق للامر بعدد معلوم لكان داخلا فيها بالنسبة الى المكرر الآخر بذاك المقدار.

ص: 207


1- كفاية الاصول : 102 ؛ الحجرية 1 : 69 للمتن و 1 : 68 العمود 2 للتعليقة.

الفور التراخي

151 - قوله : « المبحث التاسع : الحق انّه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخي ».

151 - قوله : « المبحث التاسع : الحق انّه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخي ». (1)

خلافا لجماعة من المحققين حيث ذهبوا بافادتها الفور ، والسيد (2) قدس سره حيث ذهب باشتراكها بينه وبين التراخي ، وتوقف آخرون وهم بين قائل بحصول القطع بالامتثال بالتأخير دون التعجيل وبين قائل بالعكس.

ثم انّ النزاع وان أمكن جعله في المادة مرة وفي الهيئة اخرى في مقام الاثبات ، إلاّ أنه لما كان الفور والتراخي من قيود المادة في مقام الثبوت فالأولى [ جعلهما ] (3) - على القول بكل واحد منهما - مدلولا للمادة وضعا أو اطلاقا حسب اختلاف الاقوال ، خلافا للفصول (4) فانّه جعل النزاع في الهيئة.

ولكن الحق انّه لا دلالة لكل من المادة والهيئة على واحد منهما وضعا واطلاقا ، لعدم تبادرهما ، مع تبادر غيرهما وهو مطلق الطبيعة كما يظهر بالتأمل في موارد استعمال الصيغة مجردة عن القرينة الخارجية ، فيثبت الاطلاق بالنسبة الى القدر المشترك بينهما بمقدمات الحكمة بعد كون الصيغة للطبيعة المهملة وضعا.

ص: 208


1- كفاية الاصول : 103 ؛ الحجرية 1 : 69 للمتن و 1 : 68 العمود 2 للتعليقة.
2- الذريعة الى اصول الشريعة 1 : 131 - 132.
3- في الاصل الحجري ( جعلها ).
4- الفصول الغروية : 75 السطر 16.

ثم ان ما ذكرنا من اثبات الاطلاق وعدم ترجيح أحدهما على الآخر انما هو مع عدم القرينة ، فلا ينافي ثبوت خصوص الفور بالدليل الخارجي بنحو الافضلية بحيث يكون اتيان المأمور به في أول الوقت أو ثانيه له خصوصية زائدة على اتيانه في آخره كما في اوقات الفضيلة للصلاة ، أو بنحو الوجوب كما في الحج في السنة الاولى بالنسبة الى غيرها.

نعم قد يدّعى الفورية مطلقا بدلالة العقل بحسن المسارعة والاستباق الى اطاعة المولى بعد العلم بمطلوبه لكشفه عن حسن سريرة العبد مع المولى ورغبته الى انقياده ، بخلاف التأخير فانّه يكشف عن خبث سريرته وكونه غير راغب باطاعته ومتهاونا ؛ فيه ولا اشكال في كون الاول ممدوحا عند العقلاء كمذمومية الثاني عندهم.

ثم انّ الظاهر من آية المسارعة والاستباق الارشاد الى ما حكم به العقل من حسن المسارعة في الاطاعة فيتبع ما يرشد اليه من الوجوب والاستحباب ، لا الحكم به عن مولوية وجوبا ، وإلاّ لزم تخصيص الكثير أو الاكثر ، نظرا الى شمول آية الاستباق لكل الخيرات من الواجب والمستحب لكون الخيرات جمعا محلّى باللام مفيدا للعموم ؛ وكذا آية المسارعة نظرا الى كون النكرة وهو ( مَغْفِرَةٍ ) (1) الموصوفة بصفة الجنس وهو ( مِنْ رَبِّكُمْ ) دالة على العموم ، مع إباء المسارعة الى المغفرة عن التخصيص.

ثم انّ ما ذكرنا من حكم العقل بحسن المسارعة غير ما هو ظاهر القائلين بالفورية ، حيث انّ الظاهر منهم استفادة الفور قيدا للمادة واقعا بحيث يكون الاتيان في أول أزمنة الامكان بخصوصية ملزمة للاتيان معجلا ، لا مجرد الحسن في

ص: 209


1- في آية « وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » من سورة آل عمران : 133.

المسارعة في الاطاعة وان لم يكن فرق في المادة بحسب الاحوال.

ولكن ذلك كله انما يثبت به حسن المسارعة في الاطاعة عقلا ، لا وجوبها ؛ لأنه بعد ثبوت الاطلاق في المادة ولو بمقدمات الحكمة وامكان حصول الغرض ولو باتيان المأمور به في آخر أزمنة الامكان وعدم قصد العبد التهاون في أمر المولى بتأخير امتثاله ، لا يلزم عليه عقلا المسارعة وان كان حسنا بحكمه.

ثم انّ ما ذكرنا من ظهور المسارعة والاستباق في مجرد الارشاد الى حكم العقل هو ما يدفع به الاستدلال بهما لكون الاوامر للفور وجوبا ، لا ما ذكره البعض في وجهه من عدم دلالتها على الفور لعدم صدق مادة المسارعة لو لم يكن للمأمور به توسعة بحسب الوقت ، فانّ وجوب المسارعة لا ينافي التوسعة في الوقت بناء على تفسير الفور بوجوب المسارعة في أول أزمنة الامكان وإلاّ ففي الثاني وهكذا نحو التعدد المطلوبي في كل آن. نعم على تفسيره بوجوب المسارعة في أول الوقت وسكوته عن غيره لا يتأتّى صدق المسارعة.

وليعلم : انّ الفور بأي من معانيه غير التوقيت ، حيث انّ أمد المأمور به محدود في الثاني ، فلو أتى به فيه وإلاّ لفات وقته وان لم يكن عن عصيان ، وانما يختلف باختلاف حالات المكلفين في التمكن وعدمه ، بخلاف الاول لعدم كونه محدودا إلاّ بأول أزمنة الامكان المختلف بحسب حالات المكلفين من حيث التمكن وزمانه وعدمه ، وان كان بحيث يفوت بمجرد التأخر عن أول أزمنة الامكان بناء على أحد تفاسيره ولكنه غير الموقت أيضا لما فيه من الاختلاف بحسب الحالات ، دون الموقت.

ص: 210

152 - قوله : « كان البعث التحذير ، فافهم ».

152 - قوله : « كان البعث التحذير ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انّ عدم استكشاف الوجوب انما هو من جهة حكم العقل المتحقق في البين لا من جهة عدم التحذير بالترك ، ولو لا ما ذكرنا فلا اشكال في الوجوب من جهة دلالة الصيغة عليه ؛ ولا فرق في الحثّ عليه بين ذكر ما في الواجب من الفائدة الملزمة وبين ذكر ما في مخالفته من العقاب لو لم نقل بكون الاول أنسب من جهة افادة تأكد الداعي.

153 - قوله : « كما هو الشأن في الامر الارشادي ، فافهم ».

153 - قوله : « كما هو الشأن في الامر الارشادي ، فافهم ». (2) (3)

لعله اشارة الى انّ حكم العقل بحسن المسارعة انما ينافي الحكم المولوي لو لم يكن إلاّ بملاك حكم العقل ، وامّا لو كان بملاك آخر ولو احتمالا آخر فلا بأس باستكشاف الحكم المولوي من باب الملازمة. نعم في خصوصية الوجوب أو الندب يتبع ما يطابقه من حكم العقل كما لا يخفى.

ص: 211


1- كفاية الاصول : 103 ؛ الحجرية 1 : 69 للمتن و 1 : 71 للتعليقة.
2- في طبعة مؤسسة آل البيت « الاوامر الارشادية ».
3- كفاية الاصول : 104 ؛ الحجرية 1 : 69 للمتن و 1 : 71 للتعليقة.

الإجزاء

154 - قوله : « أحدها : الظاهر انّ المراد من « وجهه » في العنوان ... الخ ».

154 - قوله : « أحدها : الظاهر انّ المراد من « وجهه » في العنوان ... الخ ». (1)

ولا يخفى انّه امّا بمعنى اجتماعه للشرائط والأجزاء ، وامّا بمعنى اشتماله على العنوان المتميز به عن غيره كالظهرية والعصرية ، حيث انّ الاخلال بكل منهما فيه يوجب عدم الاتيان بما هو المأمور به واقعا.

ولكن تفسيره بكلّ من المعنيين منفردا يوجب تأتّي بحث مسألة الاجزاء ولو مع الاخلال بالآخر ، ولا اشكال في عدمه بمجرده.

مضافا الى لزوم خروج العبادات عن عنوان البحث أيضا ، حيث انّه لا اشكال في عدم الاجزاء بالنسبة اليها مع الاخلال بقصد الامتثال ، مع عدم دخول ذلك في وجه المأمور به بكل من المعنيين لما عرفت من كونه من قيود مقام الامتثال الناشئة من قبل الامر.

وكذا لا يصح أن يراد منه الوجه المعتبر عند بعض المتكلمين ، لأنه مع عدم اعتباره عند آخرين يلزم خروج التوصليات عن حريم النزاع كما لا يخفى.

فالأولى أن يفسر بكون المأمور به على وجه ينبغي بأن يؤتى بذاك الوجه فيكون المراد وجهه في مقام الاتيان والامتثال ، سواء كان من قبيل الاجزاء والشرائط أو من قبيل العناوين الواقعية المخيرة للمأمور به عن غيره ، أو من قبيل

ص: 212


1- كفاية الاصول : 105 ؛ الحجرية 1 : 70 للمتن و 1 : 71 للتعليقة.

القيود الناشئة من الامر المعتبرة في الاطاعة.

155 - قوله : « قلت : نعم لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما ... الخ ».

155 - قوله : « قلت : نعم لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما ... الخ ». (1)

وتوهم الأعمية : بأخذ الاقتضاء بمعنى التأثير أعم من أن يكون تأثيرا في الواقع أو في العلم ، مدفوع :

بأنّ مجرد احتياج أحد الامرين الى اثبات كيفية بدلية بحسب دليله - كي يكون ذاك الاثبات من مبادئه التصديقية وعدم احتياج الآخر اليه - لا يوجب تفاوتا في البحث كي يفتقر الى ارادة القدر المشترك ، بل لا يمكن ارادته في عنوان البحث بلحاظ لفظ الاتيان كما لا يخفى.

فلا بد أن يكون النزاع في انّ موافقة الامر باتيان المأمور به الذي يحصل به تمام ما هو الموجب للامر الواقعي من الغرض - كما في اتيان نفس متعلقه أو الأعم منه ومن مقدار منه بحيث لا يمكن استيفاء الباقي بعد استيفاء ذاك المقدار كما في اتيان بديله الاضطراري أو الظاهري بامتثال الامر المتعلق بهما - هل يجزي بأحد معنييه أم لا؟ غاية الامر يحتاج إجزاء الثاني عن الاول الى اثبات انّ أمره البدلي يدل على بدليته بنحو يحصل الغرض من الاول بأحد من النحوين.

156 - قوله : « ثالثها : الظاهر انّ الإجزاء هاهنا بمعناه لغة وهو الكفاية ».

156 - قوله : « ثالثها : الظاهر انّ الإجزاء هاهنا بمعناه لغة وهو الكفاية ». (2)

وقد فسّر في الاصطلاح :

تارة : بكون الفعل المأتي به مسقطا للتعبد بالامر المتعلق به مع قطع النظر عن اسقاطه الاعادة والقضاء بالنسبة الى أمر آخر ، بل ولا نظر له الى الوجود الثاني من نفس طبيعة المأمور به المأتي به وان كان سقوطه لازما لسقوط التعبد به ، وذاك في اتيان المأمور به بالنسبة الى الامر المتعلق بنفسه ، ويختلف ذلك باختلاف المأتي

ص: 213


1- كفاية الاصول : 105 ؛ الحجرية 1 : 70 للمتن و 1 : 72 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 106 ؛ الحجرية 1 : 70 للمتن و 1 : 73 للتعليقة.

به حسب اختلاف الامر المتعلق به من الواقعي أو الاضطراري أو الظاهري.

واخرى : باسقاط القضاء بمعنى مطلق التدارك أعم من الاعادة والقضاء ، وذلك كما في المأتي به بالنسبة الى الأعم من الامر المتعلق بنفسه أو بمبدإ له كما في الامر الاضطراري أو الظاهري مقيسا الى نفسهما والى الامر الواقعي ، والنسبة بين المعنيين عموم مطلق كما لا يخفى.

والظاهر أولوية أخذ الإجزاء بالمعنى اللغوي في الصورتين كما في المتن ، بأن يكون المراد كفاية المأتي به من التعبد بأمره وعن الاتيان بالمأمور به بأمر آخر أعم من الاتيان في الوقت أو في خارجه ؛ فمجرد اختلاف متعلق الكفاية من المأمور به بالامر الواقعي تارة والظاهري والاضطراري اخرى لا يوجب الاختلاف في معنى الاجزاء أو نقله عن المعنى اللغوي ، حيث انّ الظاهر عدم أخذ خصوصية في متعلقه كي يحتاج الى النقل اصطلاحا.

فما ذكر من التفسيرين [ انما ] هو محصل ما اريد منه بحسب الموارد مصداقا بدال آخر لا من نفس الاجزاء حتى يلزم المجاز.

مضافا الى انّه على تقدير تسليم النقل لا بد من الاقتصار بالتفسير الثاني ، إذ اختلاف الفرد الساقط - بكونه من افراد الطبيعة المأتي بها تارة أو عن غيرها اخرى - لا يوجب الاختلاف في معنى الاسقاط أيضا كما لا يخفى.

ثم انّ المراد بالمأتي به في غير المأمور به بالامر الواقعي لا بد أن يكون بالامر الظاهري الشرعي دون الامر العقلي ، كما في الغافل المعتقد بالخلاف ، و [ كذلك ] في المعتقد بالظن المطلق بناء على تقدير الحكومة ، فانّه لا اشكال في عدم إجزائهما عن الامر الواقعي بعد كشف الخلاف.

ص: 214

157 - قوله : « بخلافه في تلك المسألة ... الخ ».

157 - قوله : « بخلافه في تلك المسألة ... الخ ». (1)

مقصوده : انّ النزاع في مسألة المرة والتكرار في الصغرى وهي تعيين أصل مقدار الاشتغال من الوحدة والزائد ، والنزاع فيما نحن فيه انّما هو في الكبرى وهي بيان انّ الاتيان بنفس ذاك المقدار الثابت به الاشتغال هل يحصل به الاجزاء بأحد معنييه أم لا؟

فيتأتّى النزاع على جميع الاقوال في تلك المسألة كما لا يخفى.

158 - قوله : « فانّ البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها ».

158 - قوله : « فانّ البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها ». (2)

مع انّ البحث فيها يشمل صورة عدم الاتيان بالمأمور به أصلا ، بخلاف البحث في المقام ؛ كما انّ البحث في الإجزاء بالمعنى الاول لا نظر له الى الوجود الثاني ، بخلافه في مسألة التبعية ، فانّ المبحوث عنه فيها هو الوجود الثاني في خارج الوقت ، مع انّ القول بالتبعية لا يلزم القول بعدم الإجزاء كما في صورة مخالفة الامر الظاهري للواقع مع كون المأتي به وافيا بالغرض فانّه لا اشكال ، مع انّ مقتضى الامر الواقعي هو الاتيان في خارج الوقت بناء على التبعية.

159 - قوله : « الاول : انّ الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ... الخ ».

159 - قوله : « الاول : انّ الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ... الخ ». (3)

حيث انه باتيان المامور به على وجهه المعتبر فيه جزءا أو شرطا مع كونه وافيا بتمام ما هو الموجب للامر من الغرض لو لم نقل بالاجزاء - وقلنا بوجوب الامتثال ثانيا - للزم طلب تحصيل الحاصل في كل من الطبيعة المأتي بها والغرض

ص: 215


1- كفاية الاصول : 106 ؛ الحجرية 1 : 71 للمتن و 1 : 74 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 106 ؛ الحجرية 1 : 71 للمتن و 1 : 74 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 107 ؛ الحجرية 1 : 71 للمتن و 1 : 74 للتعليقة.

[ منها ] (1) معا ، مع عدم الاجزاء بالمعنى الاول وهو سقوط التعبد بالامر.

وامّا لو كان بالمعنى الثاني - وهو سقوط القضاء - فحينئذ لو كان الامر بالاعادة أو القضاء بلا غرض فيلزم اللغو ؛ وان كان للغرض الاول فان كان غير حاصل من المأتي به لقصوره عن افادته فهو خلف ، وان كان حاصلا فهو تحصيل الحاصل ؛ وان كان لغرض آخر فهو ممكن خارج عن محل النزاع.

ومخالفة عبد الجبار (2) لا يعلم بتحققها ، فيمكن حمل كلامه على الغرض الاخير ، بأن يكون الامر باتيان مثل المأتي به ثانيا - في الوقت أو في خارجه - لمصلحة اخرى ؛ ولا مشاحّة في تسميته اعادة للامر الاول أو قضاء.

160 - قوله : « ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي اليه ... الخ ».

160 - قوله : « ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي اليه ... الخ ». (3)

أقول : بقاؤه بنحو [ التخيير ] (4) بين امتثاله بالمأتي به أولا ابقاء وبالفرد الآخر احداثا ، لا التخيير بينهما احداثا كما كان من أول الامر ، لكونه راجعا الى طلب الحاصل أيضا بعد تعلق الامر بالطبيعة ، بخلاف التخيير بين ابقاء الفرد الاول على القابلية بعدم الاتيان بالمزاحم وبين الاحداث ، لعدم تعلق الطلب حينئذ بعين ما تعلق به أولا ، فلا يلزم طلب الحاصل في نفس الطبيعة لاختلاف عدلي التخيير ثانيا مع طرفيه أولا ، ولا في الغرض لعدم حصوله بعد على الغرض بل لا بد من بقاء الامر بالمعنى المذكور وإلاّ للزم عدم تبعيته للغرض وهو خلف ؛ فكما انّ حدوثه

ص: 216


1- في الاصل الحجري ( عنها ).
2- الاحكام 2 : 395 - 396 في البحث الرابع في مقتضى صيغة الامر ، في المسألة السابعة ؛ والجزء 2 يبدأ من صفحة 245 ؛ فواتح الرحموت المطبوع بذيل المستصفى 1 : 393 السطر 15 و 394 السطر 16 ؛ منتهى الوصول والامل : 97. ثم ان كثيرا من الاصوليين قد نسبوا المخالفة الى ابي هاشم ايضا ، منهم العلامة في مبادئ الوصول : 111 والرازي في المحصول 2 : 415 المسألة الثالثة.
3- كفاية الاصول : 107 ؛ الحجرية 1 : 71 للمتن و 1 : 75 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( التأخير ).

علة للحدوث فعدم حصوله علة للبقاء ، مع كون الامر على هذا النحو من الاول لبا.

وتوهم المنافاة بين ما نحن فيه وبين ما يرد من المقدمة الموصلة في باب المقدمة بسقوط الامر بالمقدمة بمجرد ايجاد ما هو الصالح للغرض وان لم يحصل فعلا.

مدفوع : بأنّ ما به الدفع هو انّ الغرض في المقدمة هو التمكن الى ذي المقدمة وقد حصل ، بخلاف المقام فانّ الغرض هو فعلية الغرض الاصلي وهو غير حاصل ، مع انّ الكلام في ذاك الباب في دفع الانحصار وهاهنا في اثبات التخيير ، فتدبر جيدا.

161 - قوله : « فاعلم : أنّه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري ... الخ ».

161 - قوله : « فاعلم : أنّه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري ... الخ ». (1)

حاصله : انّ البدل الاضطراري :

امّا أن يكون وافيا بتمام المصلحة للمبدل الاختياري أو لا بل يبقى مقدار منها.

[ و ] على الثاني و (2) امّا ان يكون الباقي قابلا للتدارك بعد استيفاء ذلك المقدار الحاصل بالاضطراري.

أو لا.

وعلى كل منهما فامّا أن يكون الباقي بحدّ اللزوم.

أم لا.

فتصير الاقسام خمسة.

ولا اشكال في الإجزاء في صورة الكفاية.

وكذا في صورة عدم امكان تدارك الباقي مطلقا - لعدم بقاء المصلحة للمبدل

ص: 217


1- كفاية الاصول : 108 ؛ الحجرية 1 : 71 للمتن و 1 : 76 العمود 1 للتعليقة.
2- الظاهر زيادة الواو.

الواقعي ، أو لعدم امكان التدارك.

ويتصور ما ذكرنا بالنسبة الى الاعادة والقضاء معا غاية الامر يلزم اشتمال صورة عدم الامكان اذا كان الباقي بحدّ اللزوم على مصلحة - في جعله وأمره من مثل التسهيل على النوع وغيره - لازمة المراعاة وأهم من المصلحة الفائتة بترك المبدل كي لا يوجب فوت المصلحة عن الامر الاختياري بلا موجب فيلزم نقض الغرض على المولى.

وان كان الباقي ممكن التدارك فلا اشكال في عدم الاجزاء لزوما اذا كان الباقي بحد اللزوم ، وندبا في غيره قضاء مطلقا ، واعادة على تقدير جواز البدار بمجرد العجز عن المبدل في أول الوقت ولو مع العلم بتمكنه منه في آخره أو مع اليأس عنه.

ولا فرق بين الاعادة والقضاء إلاّ في كون الامر الاضطراري في الاول تخييريا في جميع الصور بين المبدل الاختياري في آخر الوقت وبين عدله وهو البدل في أول الوقت وحده في بعض الصور ، أو هو مع المبدل في آخر الوقت في بعضها الآخر كما لا يخفى.

وكونه تعيينا في الثاني إلاّ فيما كانت مصلحة الوقت مساوية مع المقدار الفائت بترك المبدل في الوقت مع كونه لازما ، غير ممكن التدارك ، فيكون تخييريا كما لا يخفى.

162 - قوله : « لو لا مراعاة ما هو فيه من الأهم ، فافهم ».

162 - قوله : « لو لا مراعاة ما هو فيه من الأهم ، فافهم ». (1)

اشارة الى انّه كذلك فيما لو كان الباقي الفائت لازم التدارك على تقدير الامكان ؛ وامّا لو كان بحد الندب فيسوغ البدار ولو بلا مصلحة اخرى أصلا ، فلا

ص: 218


1- كفاية الاصول : 109 ؛ الحجرية 1 : 72 للمتن و 1 : 76 العمود 1 للتعليقة.

يصح اطلاق الكلام بعد تسويغ البدار في صورة عدم امكان التدارك.

163 - قوله : « وأما ما وقع عليه فظاهر اطلاق دليله ... الخ ».

163 - قوله : « وأما ما وقع عليه فظاهر اطلاق دليله ... الخ ». (1) أي دليل الاضطرار. ولا يخفى انّ المراد اطلاقه في بيان تمام الوظيفة من انّه والبدل وحده أو هو مع المبدل ؛ ومن المعلوم انّ الاقتصار على ذكره وحده يدل على إجزائه في مورد تشريعه وامّا اطلاقه بالنسبة الى تشريع البدار بمجرد طروّ الاضطرار مطلقا ، أو مع اليأس عن طروّ الاختيار ، أو في خصوص آخر الوقت فيختلف حاله بحسب اختلاف الادلة في الموارد :

فقد يستفاد منها جعله على تقدير العجز عن وظيفة المبدل رأسا ، ولا يتحقق إلاّ بالعجز عن اتيانها في جميع وقتها الموسع لتحقق القدرة عليها بالقدرة على فردها معها ، ومع اهمال الادلة فيأتي ما هو مقتضى الاصل.

وقد يستفاد جعله بمجرد العجز عن اتيان المبدل في أول الوقت حقيقة لا صورة ، كما لو قطع المكلف بعدم التمكن في جميع الوقت أو ظنه بمقتضى الدليل الظاهري ثم انكشف الخلاف فانّ الاول داخل في الامر العقلي والثاني في الامر الظاهري ، وقد مرّ عدم إجزاء الامر العقلي وسيجيء ما هو التحقيق في الامر الظاهري.

ثم انّ مجرد تشريع الامر الاضطراري في الصورة الاولى والثانية لاولي الأعذار واقعا لا يكفي في سقوطه قضاء في الاولى وأداء في الثانية بعد التمكن منه ، لا مكان عدم ادراك تمام المصلحة منه ، بل منه ومن الاتيان بالمبدل أداء وقضاء.

وتوهم اللغو في جعله حينئذ ، مدفوع : بما عرفت في مقام الثبوت.

ص: 219


1- كفاية الاصول : 109 ؛ الحجرية 1 : 72 للمتن و 1 : 76 العمود 1 للتعليقة.

نعم لو استفيدت البدلية المطلقة من الخارج أو من نفس الادلة بالنحو الذي عرفت ، يتم الاجزاء ويكون المكلف في صورة التشريع في أول الوقت مخيرا بين الاتيان بالبدل في الاول والاتيان بالمبدل في الآخر.

164 - قوله : « وبالجملة : فالمتبع هو الاطلاق لو كان ، وإلاّ فالاصل ».

164 - قوله : « وبالجملة : فالمتبع هو الاطلاق لو كان ، وإلاّ فالاصل ». (1)

ظاهره كفاية عدم الاطلاق في دليل البدل في الرجوع الى الاصل ، وهو ممنوع باطلاقه ، إذ مع الاطلاق في دليل المبدل مثل قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (2) يكون المرجع بعد اهمال دليل البدل - وهو التيمم - هو اطلاق المبدل حيث انّه يدل على اعتبار الطهارة المائية في صحة الصلاة مطلقا في صورة الاختيار المحض والاضطرار المستوعب وغير المستوعب وقد خرج عنه صورة الاستيعاب وبقي صورة عدمه مشكوك الخروج.

ومجرد تشريع صحة الصلاة مع كونه لا يدل على سقوط شرطية الماء في أصل الطبيعة ، إذ المتيقن منه ثبوت الترخيص مع الطهارة الترابية لا الاكتفاء بها من المائية.

ولا فرق فيما ذكرنا بين ملاحظة الزمان [ فردا ] (3) للعام أو ظرفا للاستمرار كما فصل الشيخ الانصاري (4) قدس سره بينهما ، إذ الشك فيما نحن فيه في أصل التقييد كما لا يخفى.

نعم بعد اهمال الدليلين فالمرجع البراءة عقلا ونقلا.

أمّا الاولى : فلحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بالنسبة الى تعيين المبدل

ص: 220


1- كفاية الاصول : 110 ؛ الحجرية 1 : 72 للمتن و 1 : 76 العمود 2 للتعليقة.
2- سورة المائدة : 6.
3- في الاصل الحجري ( مفردا ).
4- مطارح الانظار : 20 السطر 33 ، والطبعة الحديثة 1 : 121.

بعده.

وتوهم : عدم جريان حكم العقل بالبراءة ، للشك في حصول الغرض بعد اتيان المبدل فيرجع الى الشك في حصول الامتثال لو لم يأت بالمبدل اعادة.

مدفوع : بعد العلم ب- [ أنّ ] الغرض الفعلي أزيد من المقدار الحاصل بالبدل ؛ مضافا الى عدم الاثر الشرعي ، لعدم سقوط الغرض لو رجع الى استصحابه. وامّا امتثال الامر بالبدل فلا يتوقف على الاتيان بالمبدل بعد عدم كونهما من قبيل الاقل والاكثر الارتباطيين ، وحينئذ فيشك في وجوب الزائد من أول الامر.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الامر بالمبدل واجبا مشروطا بالاختيار أو معلقا مع كون عنوان الاضطرار والاختيار - نظير السفر والحضر - من قبيل تعدد الموضوع أو مطلقا بلا تعدد الموضوع ولكن مع كون الامر تخييرا شرعيا مرددا من أول الوقت بين المختار وحده في آخر الوقت وبين صلاة المضطر في الاول مع الشك في كونه بوحدته عدلا للمختار أو معه ، كما لو شك في طرف من الامر التخييري بين تعلقه بالاقل أو بالاكثر غير الارتباطي.

ولا فرق بين كون مشكوك الدخل مباينا مع العدل المعلوم أو متحدا ، خصوصا لو قلنا بتعدد الامر في الواجب التخييري. نعم لو كان التخيير عقليا والدوران في الافراد المحصلة للطبيعة ، يكون الدوران في نظير الدوران بين التعيين والتخيير ، فلا مجرى للادلة العقلية.

وامّا النقلية : فلا اشكال في جريان حديث الرفع في المبدل بالنسبة الى وجوبه التعييني بعد اتيان البدل ؛ هذا كله بالنسبة الى الاعادة.

وامّا القضاء : فلا اشكال في جريان البراءة فيه مطلقا ، ويكون الشك في وجوبه التعييني دونه في الاعادة ، لكونه فيها في وجوبها التخييري بالنحو الذي عرفت.

ص: 221

165 - قوله : « المقام الثاني : في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري وعدمه ».

165 - قوله : « المقام الثاني : في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري وعدمه ». (1)

ولا شبهة في انّ إجزاءه بمعنى سقوط التعبد بنفس الامر الظاهري مما لا شبهة فيه ؛ وامّا بمعنى اسقاطه التدارك من الامر الواقعي ثانيا اعادة وقضاء فيحتاج الى تمهيد مقدمة وهي :

انّ الحكم الظاهري :

قد يطلق على الحكم المستفاد من الاصول العملية التي قد أخذ في موضوعها الجهل بالحكم الواقعي.

وقد يطلق ويراد به الحكم المستفاد من مطلق الادلة غير العلمية المحتاج في العمل بها الى دليل الاعتبار سواء كانت ناظرة الى الواقع أم لا.

ويسمى هذا الحكم حكما ظاهريا بالمعنى الأعم ، وهو :

قد يكون مجعولا لمجرد الطريقية الى الواقع ، بحيث لم تكن فيه مصلحة غير مصلحة الاحكام الواقعية على تقدير المطابقة والعذر عند مخالفتها على تقدير المخالفة ، غاية الامر لا بد من اشتمال الامر على مصلحة في حال الانفتاح من مثل التسهيل على النوع وغيره.

وقد يكون مجعولا لوجود مصلحة فيه بعنوان كونه مؤدّى الطرق والامارات ، نظير ما ثبت للفعل بعنوانه الواقعي من المصلحة والمفسدة وما يستتبعان من الحب والبغض والوجوب والحرمة وغيرهما من الاحكام ، كانت وافية بتمام المصلحة الواقعية أو بمقدار منها مع كون الباقي منها قابلا للاستيفاء بعد ذاك المقدار أو لا.

ص: 222


1- كفاية الاصول : 110 ؛ الحجرية 1 : 72 للمتن و 1 : 77 العمود 1 للتعليقة.

والحكم هو الإجزاء في الاول و [ الاخير ] (1) وعدمه في الاوسط. وقد تقرر في كيفية جعل الطرق امكان جعلها في مقام الثبوت بأحد من الوجهين.

وامّا دعوى استلزام السببية فيهما :

امّا [ ل- ] التصويب لو قيل بالكسر والانكسار بينها [ و ] بين العنوان الواقعي ، وما لمؤدّى الطرق من المصلحة والمفسدة وتبعية الحكم للغالب من الجهتين.

وامّا [ ل- ] لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة وما تتبعانه على تقدير بقائهما على حالهما مع كون المقام من قبيل النهي في العبادات كما قرر في محله ، لا من قبيل مسألة الاجتماع حتى يبتني على الجواز فيها.

فمدفوعة : باختيار الشق الثاني ، بلا لزوم التضاد :

امّا بالنسبة الى الاحكام [ ف- ] لما تقرر من المراتب الاربعة الثابتة لها من الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز ، وعدم المضادة بينها إلاّ في الاخيرين معا ، ولا يكون الاجتماع إلاّ في الاولين ، أو بينهما وبين واحد من الاخيرين ، وحينئذ فلا يلزم التصويب أيضا لاشتراك الحكم الواقعي بين الجاهل والعالم في المرتبتين الاوليين.

وامّا المصلحة والمفسدة فلكون المضادة بين وجوديهما في مقام تأثيرهما للحكم الفعلي لا مطلقا ، والغرض عدم اجتماعهما إلاّ في تأثيرها للحكم الاقتضائي.

وامّا المرتبة الفعلية فتابعة للغالب من الجهتين وهو العنوان الظاهري دون الواقعي ، لكون الالتفات اليه بانشائه ذا دخل في فعليته كما يظهر من ملاحظة أخبار

ص: 223


1- في الاصل الحجري ( الآخر ).

البراءة من مثل قوله علیه السلام : « كل شيء [ هو ] لك حلال حتى تعرف انّه حرام » (1) وغيره.

ومنه ظهر عدم اجتماع المحبوبية والمبغوضية ، لكونهما تابعين للحسن والقبح الفعليين التابعين للعلم ، فلا أثر في صورة الجهل أصلا.

فظهر مما ذكرنا انّ القول بحجية الامارات من باب السببية - بعد مساعدة الدليل - مما لا اعتبار عليه ، ويكون بعض أقسامه مجزيا دون البعض الآخر كما لا يخفى.

وليعلم أيضا انّ القول بالطريقية الصرفة في الطرق والامارات لا يستلزم القول بعدم الإجزاء ، لأنه على ذلك وان لم تحدث بسببها مصلحة في المأمور به إلاّ انّه يمكن مصادفتها لعنوان آخر ذا مصلحة وافية بتمام المصلحة الواقعية أو بمقدار منها لا يكون الباقي قابلا للتدارك ، كما لو أدّت الى الاتمام والجهر موضع القصر والاخفات وبالعكس ، ولا شبهة في الإجزاء حينئذ ، كما انّه لو كان الواقع عسرا بعد موافقة الامر الظاهري يرتفع الالزام عنه حينئذ ويكون ذلك في معنى الاجزاء أيضا ؛ هذا كله في مقام الثبوت.

وامّا مقام الاثبات فالكلام فيه في مقامين :

[ المقام ] الاول : في الاصول فنقول : انّ أدلتها من أخبار البراءة من مثل قوله علیه السلام : « كل شيء ... الخ » (2) و « الناس في سعة » (3) و « رفع ما لا يعلمون » (4) وقاعدة الطهارة من مثل : « كل شيء طاهر » (5) واخبار الاستصحاب من مثل : « لا

ص: 224


1- وسائل الشيعة 12 : 60 باب 4 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 12 : 60 باب 4 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4.
3- مستدرك الوسائل 18 : 20 باب ان من فعل ما يوجب الحد ... الخ الحديث 4.
4- الحديث هو هكذا : « رفع عن امتي تسعة : الخطأ ... وما لا يعلمون ... الخ » ، بحار الانوار 2 : 280 كتاب العلم ، باب 33 ما يمكن ان يستنبط من الآيات ... الخ الحديث 47.
5- مستدرك الوسائل 2 : 583 الباب 30 باب كل شيء طاهر حتى تعلم ... الخ الحديث 4.

تنقض اليقين بالشك » (1) وغيره لو جرت في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته أو مانعيته أو عدمها مع كونها مخالفة للواقع ، فالظاهر افادتها الإجزاء عن الواقع بعد انكشاف الخلاف في الوقت أو في خارجه.

بيانه : انّ تلك الادلة حاكمة على أدلة ما اعتبر في المركب وجودا أو عدما فتوسع موضوعها مرة وتضيقه اخرى ، وبعد التحكيم يكون كلاهما بمنزلة دليل واحد مقيد لدليل المركب فيتعين ما اعتبر فيه بالادلة الدالة على الأجزاء والشرائط بانضمام ما قامت عليه أدلة الاصول ، فيستكشف انّ جعلها كان بنحو السببية على الوجه الذي يكون مجزيا عن الواقع.

مثلا : اذا شك في وجوب السورة في الصلاة يكون جزئيتها واقعا - بعد حكومة حديث الرفع على دليل جزئيتها - مختصة بحال العلم بها والالتفات اليها ، فتكون الصلاة مركبة منها ومن غيرها في حال العلم والذكر ومن غيرها فقط في حال الجهل بها أو النسيان عنها كما لو كان دليل جزئيتها مختصا بما ذكرنا من أول الامر ؛ كما انّه لو ثبت طهارة مشكوك النجاسة بقاعدة الطهارة أو استصحابها يكونان بأدلتهما حاكمين على الدليل الدال على الطهارة الواقعية في الصلاة ، فيكون الشرط الفعلي للصلاة - بانضمام أدلة الاستصحاب وقاعدة الطهارة وتحكيمهما عليه - أعم من نفس الطهارة الواقعية واحرازها في المشكوك ولو كان نجسا بحسب الواقع ؛ فلو انكشف الخلاف فلا وجه لوجوب الاعادة بعد انكشاف الخلاف.

وتوهم : انّ الشرطية ليست بقابلة للجعل فليس مما يضيّق أو يوسّع دائرته بدليل الاستصحاب أو القاعدة.

ص: 225


1- الصحيح هو : « لا ينقض اليقين ... الخ ». الكافي 3 : 351 باب السهو في الثلاث والاربع الحديث 3.

مدفوع : بأنّ الشرطية والجزئية مما تنالهما [ يد ] الجعل بتوسيط منشأ انتزاعهما وهو وجوب المركب ، وكل ما كان كذلك فيصح الجريان فيه ؛ فبعد حكومته على دليل الشرط تكون الصلاة واجدة له حقيقة.

ودعوى : انّ وجوب الاعادة بعد كشف الخلاف لا ينافي الاستصحاب ، بعدم كون الاعادة نقضا بالشك بل باليقين بالنجاسة الواقعية حال الصلاة.

مدفوعة : برجوعها الى عدم التسلّم لحكومة الاستصحاب على دليل الشرط وتوسعته الى الطهارة الظاهرية أيضا ، إذ معه تكون الصلاة مجتمعة للاجزاء والشرائط المعتبرة بلا فقد شيء منها كي يستلزم الاعادة. نعم يصح ذلك بالنسبة الى الصلاة الواقعة بعد كشف الخلاف ، لعدم كونها واجدة للشرائط حينئذ كما لا يخفى.

ويؤيد ما ذكرنا بعض فقرات صحيحة زرارة الواردة في باب الاستصحاب « قال ... قلت : فان ظننت انّه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت : لم ذلك قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض بالشك أبدا ... الخ » (1) فحكمه علیه السلام بعدم الاعادة معللا بعدم جواز نقض اليقين بالشك لا يتم إلاّ باقتضاء الامر الاستصحابي لتوسعة الشرط.

ثم انّ المراد من التوسعة في الحكم الفعلي وتعميمه بالنسبة الى الطهارة الظاهرية مع الشك - مع حفظ الاشتراط الواقعي بالنسبة الى الطهارة الواقعية - اقتضاء ، لا توسعة نفس الشرط الواقعي ، لاستلزامه التصويب وخروج المسألة عما نحن فيه من اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء.

وما ذكرنا من كون الحكومة توسعة وتضييقا في المرتبة الفعلية هو مراد

ص: 226


1- تهذيب الاحكام 1 : 421 باب تطهير البدن والثياب من النجاسات الحديث 8.

الاستاذ العلاّمة دام ظله في فوائده (1) في باب الاستصحاب في شرح رواية زرارة من تعبيره من الطهارة الظاهرية بالشرط الواقعي مفهوما ومنطوقا فانّه قال مرة :

« والتحقيق في حل الاشكال أن يقال : الطهارة الخبثية ليس بشرط واقعي » ، واخرى : « وبعبارة اخرى : يعتبر في الصلاة واقعا احراز الطهارة لا نفسها مع الالتفات اليها ، وبدونه لا يعتبر أصلا » ، وكذا بعض عباراته الموهمة ؛ ولكنه يظهر مراده مما ذكر من بعض أجوبته الاخيرة من الايرادات المذكورة في كلامه فراجع.

ثم انّه لا فرق في تحكيم الدليل الوارد في الجزء والشرط بين كون ذلك الدليل على نحو العموم كما في الاصول على ما عرفت ، أو على نحو الخصوص كما لو ورد الدليل على انّه تحل الصلاة بمشكوك النجاسة أو الحريرية ، فانّه يفهم انّ امتثال الصلاة المأمور بها يحصل بالمشكوك ؛ فلو كانت الطهارة شرطا كان ذلك توسعة لدليله ، أو النجاسة مانعا فيكون تضييقا بالنسبة اليه.

ودعوى : التفرقة بين الدليل الخاص والعام ، بامكان حمل الاول على تعدد الواقع المستكشف بقوله علیه السلام : « يحل في المشكوك » (2) دون الثاني ، للقطع بعدم تعدده في موارد الاصول ، وحينئذ فيحكم في الاول بالاجزاء دون الثاني.

مدفوعة : بأنّ الجمع - بالحمل على تعدد الواقع - انما هو على تقدير التعارض بينهما عرفا دون ما لم يكن كذلك ، لظهور الدليل الظاهري بكفايته عن الواقع بدلا عنه ، ولا فرق في ذلك بين الدليل الخاص والعام كما لا يخفى.

تنبيه : اعلم انّ استفادة الاجزاء بالنسبة الى الامر الظاهري انما هو على

ص: 227


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : 305 - 306 ، والطبعة الحجرية : 181.
2- ليس هذا لفظ رواية وانما هو عنوان متصيد من العمومات الروائية ، من مثل : « كل شيء هو لك حلال » وغيره.

تقدير قيامه بالجزء أو الشرط أو المانع ؛ وامّا لو قام على وجوب أمر مباين للمأمور به الواقعي كالجمعة الثابتة بالاستصحاب مقام الظهر في زمان الغيبة فلا اشكال في عدم الكفاية بعد كشف الخلاف.

والسرّ : عدم النظر للأمر الظاهري بالنسبة الى المأمور به الواقعي بأن يكون حاكما على دليله أو مقيدا له كما عرفت في الأجزاء أو الشرائط ، حيث انّ اثبات وجوب الجمعة ظاهرا بالاستصحاب لا تعرّض له بالنسبة الى وجوب الظهر نفيا واثباتا كي يحتمل كفايته.

ودعوى : انّ مقتضى العلم بعدم تعدد التكليف إجزاء الامر الظاهري عن الواقع.

مدفوعة : بأنّ العلم انما هو بعدم تعدده واقعا ، وأما بعد كشف الخلاف فلا منافاة بين وجوب الجمعة ظاهرا - ما دام الشك - ووجوب نفس الواقع فعلا بعد كشف الخلاف وان لم يتنجز على المكلف ما دام الشك. لكن ليس ذلك للمنافاة بينه وبين الحكم الظاهري كي لا يصير فعليا بعد انكشاف الخلاف أيضا ، بل للجهل به ، فبعد صيرورته معلوما يصير فعليا بمقتضى الغاية في نفس أخبار البراءة مثل قوله علیه السلام : « حتى تعرف انّه حرام » (1) واطلاق الدليل الواقعي.

وتوهم : امكان تدارك مصلحة الواقع - وهو وجوب الظهر - فلا يصير فعليا بعد تدارك مصلحته.

يدفعه : الاطلاق ، مع اطلاق دليل القضاء ، ولا بأس بالتمسك به في الشبهة المصداقية لما تقرر في محله من جوازه في المخصص اللبي ، وهذا بخلاف ما اذا شك في اتيان نفس الواجب - كما في الامر الاضطراري أو الظاهري بناء على

ص: 228


1- وسائل الشيعة 12 : 60 باب 4 من ابواب ما يكتسب به ، الحديث 4.

السببية - لكون الشك فيه في نفس عنوان العام بعد كونهما من افراده في مقام الاثبات ، فلا يقاس ما نحن فيه [ بما ] (1) لم يكن المأتي به من افراد العام اثباتا كما لا يخفى. نعم لو قام اجماع على وحدة التكليف ظاهرا أيضا فلا بأس بالاجزاء.

المقام الثاني : في الطرق والامارات وهي على قسمين : لأنها امّا أن تكون مؤدّية الى وجوب أمر مباين للمأمور به الواقعي ، وامّا أن تكون مؤدية لجزئية شيء للمأمور به أو شرطيته له أو مانعيته عنه.

امّا الاول : فنقول : انّ ما كان منها بلسان التوسعة للشرط والجزء الواقعيين تنزيلا لما قامت عليه منزلتهما ، كما لو قامت الامارة على انّ ما بين المشرق والمغرب قبلة للجاهل بها فالظاهر انّها كالاصول في الإجزاء ، فيكون الحكم الفعلي للجاهل على تقدير الخطأ عن القبلة الحقيقية هو ذلك بنحو التوسعة للشرط الواقعي في مقام الفعلية كما مر في الاصول.

وأمّا [ الثاني : أي ] ما لم يكن من الامارات كذلك : بأن قامت على تعيين الجزء والشرط الواقعيين لا بما هما شيء في قبال الواقع ، وحينئذ فلو خالفا عنه :

فان كان دليل اعتبارها دالا على وجوب الأخذ بمؤداها مطلقا لا بلحاظ نظرها الى الواقع - وان كانت بنفسها ناظرة اليه كما في قاعدة اليد والقرعة وأصالة الصحة وغيرها من القواعد التعبدية - فالظاهر انّها تكون مثل القسم الاول في الاجزاء اثباتا بحسب دليل اعتبارها ، ويستكشف قيام المصلحة بها بنحو من الانحاء التي كانت مجزية عن الواقع ثبوتا.

وان كان دالا على حجيتها بلحاظ طريقيتها الى الواقع فالظاهر عدم الاجزاء ،

ص: 229


1- في الاصل الحجري ( مما ).

لعدم توسعة دائرة الواقع بها في مقام الفعلية أصلا لعدم حجيتها تعبدا ، بل بما هو طريق صرف بحيث لم يلاحظ لها نفسية ، فاذا أخطأت كان التكليف الواقعي المتوجه الى المكلف الذي لا بد من امتثاله باقيا بحاله ، والمفروض عدم الاتيان بنفسه ولا ببدله.

واحتمال : انطباق مؤدّى الامارة على عنوان ذي مصلحة متداركة لمصلحة الواقع ، فيشك في فعليتها بعد انكشاف الخلاف بعد ما لم يكن فعليا قبله.

يدفعه : اطلاق دليل الواقعيات ، واطلاق الغاية المذكورة في أدلة البراءة الدالة على فعليتها بمجرد العلم بها.

فان قلت : لازم ما ذكرت من اطلاق الغاية عدم الاجزاء في نفس أدلة الاصول أيضا ، لأنها دلت على ثبوت المغيّا ما دام لم ينكشف الخلاف وامّا بعدها فيصير نفس الواقع فعليا بمقتضاها.

قلت : انّ ما ذكرت من تقييد الحكم في المغيّا بعدم حصول الغاية - على القول بالمفهوم فيها - فانّما هو بالنسبة الى بعد الغاية دون ما قبلها.

مثلا : يكون مفاد « كل شيء طاهر حتى تعلم انّه قذر » انّ الطهارة الظاهرية والحكم بها ، الذي لازمه توسعة موضوع الدليل الدال على اشتراط الطهارة الواقعية ؛ انما يكون الى زمان العلم بالقذارة امّا بعده فيكون الشرط هو الطهارة الواقعية فقط ، ولازم ذلك إجزاء الطهارة الظاهرية عن الطهارة الواقعية وبدليتها عنه بالنسبة الى الاعمال المشروطة بها الواقعة قبل العلم بها ، وقضية البدلية سقوط الاعادة والقضاء عن الواقع.

فان قلت : انّ الغاية المذكورة دلّت على فعلية كل ما تعلق العلم به ، ومن المعلوم انّه متعلق بالنجاسة السابقة المحكومة ظاهرا بطهارته ، ولازم الفعلية كذلك اعادة العمل السابق لو انكشف الخلاف في الوقت وقضائه لو انكشف في خارجه.

ص: 230

قلت : انّ ما ذكرت من صيرورة المعلوم فعليا انما هو مسلّم بالنسبة الى الواقعيات التي لم يقم مقامها بدل ولم يتوجه حكمها الفعلي الى بدلها كما في الأعمال اللاحقة ، وامّا السابقة فلا اشكال في توجه أمرها الفعلي من مثل ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) الى بدلها القائم مقامها بحكم المغيّا في أدلة البراءة ، ولا اشكال في حكم العقل أيضا بلزوم امتثال التكاليف الواقعية المتوجهة الى المكلف في ضمن مؤدّى الاصول ؛ ولازم المقدمتين - مع العلم بعدم تعدد التكليف الحقيقي في كل وقت - الإجزاء عقلا وعدم انقلاب التكليف الفعلي الى نفس الواقع بعد كشف الخلاف.

نعم لو لم يدّع الانقلاب بل ادّعي كون الغاية قرينة لظهورها على ارادة الحكم الصوري من المغيّا بعد كشف الخلاف - ولا يكون ذلك إلاّ لمجرد العذر في ترك الواقع على تقدير الخطأ كما في الامارات - لكان الحق عدم الإجزاء ، كما انّه لا بد من ذاك الحمل لو قام الدليل الخارجي على عدم الإجزاء.

إلاّ انّه مدفوع : بأظهرية المغيّا في كونه بصدد الحكم الفعلي التعبدي من ظهور الغاية على خلافه ، فلا بد من الاخذ بالنسبة الى غير ما أتى به مطابقا للامر الظاهري.

هذا كله بناء على أن تكون الغاية المذكورة فيها لبيان الحكم الفعلي للواقع المعلوم في قبال المغيّا ؛ وامّا بناء على حملها على بيان الحكم العقلي وهو انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه بأن كان ذكر القيد لمجرد تنقيح موضوع الحكم الظاهري فحينئذ لا يكون لها مفهوم كي يقال بظهورها على حكم المغيّا كما لا يخفى.

ثم لا فرق فيما ذكرنا - من التفصيل بين الاصول والامارة - بين ما كانت جارية قبل العمل ، أو بعد الفراغ من العمل ، أو في أثنائه كما في قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز ؛ في الإجزاء وعدمه.

تنبيه : لو بنينا على عدم الاجزاء في الامارات فهل هو كذلك لو كان

ص: 231

انكشاف خلافها بالامارة الظنية أم لا؟

وليعلم : انّ محل الكلام فيما كانت الامارة السابقة واجدة لشرائط الحجية واقعا الى حين انكشاف الخلاف به ، وإلاّ فلا اشكال في عدم الاجزاء.

كما انّ محل الكلام هو الآثار اللاحقة المرتبطة بالاعمال السابقة من الاعادة والقضاء ، دون الوقائع اللاحقة غير المرتبطة بالسابقة ، أو الاعمال السابقة التي لا يترتب عليها حكم في اللاحق كوجوب المبادرة الى العمل واباحة شرب شيء من المائع القائم عليه الامارة السابقة ثم انكشف خلافها بالامارة الظنية ؛ فانّه لا اشكال في عدم الإجزاء بالنسبة الى الاولى والإجزاء بالنسبة الى الثانية.

اذا عرفت ذلك فالظاهر عدم الاجزاء بناء على ما عرفت من حجية الامارات من باب الطريقية الصرفة وعدم توسعة الواقع بها لكونها مرآة له ، فاذا قامت على خلافها الامارة المعتبرة يكشف عن خطئها عنه بالظن المعتبر كما لو قطع بخلافها في الزمان الثاني ؛ ومن المعلوم انّ مضمون الامارة الاولى ثبوت حكم مؤداها أزلا وأبدا ، فاذا قامت أمارة اخرى [ دالة ] (1) على خلاف السابقة أزلا وأبدا أيضا فاذا قدمت عليها في بعض الازمنة فتقدم عليها في تمامها ، لعدم التفكيك ، فيحكم بترتيب الاثر عليها دون السابقة ، إلاّ فيما مضت من الآثار بحيث لا يمكن ترتيبها كما عرفت.

وتوهم : معارضتها في الآثار السابقة فلا وجه لتقديم الثانية.

مدفوع : بحكومتها على الاولى على الفرض ، كتوهم استلزام الحكم بوجوب الاعادة على طبق الامارة الثانية الحكم بعدم حجية السابقة في ظرفها والمفروض حجيتها في السابق بالنسبة الى الاعمال السابقة ، وقضيتها سقوط

ص: 232


1- في الاصل الحجري ( التي دلت ).

الاعادة والقضاء ، عنها. مضافا الى عدم تحمل الواقعة الواحدة لاجتهادين.

وحاصل الدفع : ما عرفت من حجيتها من باب الطريقية الصرفة ، وعدم توسعة الدليل الواقع ؛ ولازمه بنفسه عدم كفايته عن الواقع في صورة المخالفة اعادة وقضاء وهو لا ينافي حجيته أيضا ، حيث انّ لازم حجيتها هو الحكم بفعلية مؤداها ، وترتيب الاثر عليه ظاهرا ، ومضي الاعمال التي لا تدارك لها لاحقا مع العذر ، بل مع التزام التدارك - على قول - فيما فات بواسطة حجيتها ؛ وامّا الاعادة والقضاء فالتعبد بهما بواسطة الامارة الثانية ليس تعبدا قبل زمان الحجية كما لا يخفى.

وامّا ما ذكر من عدم تحمل الواقعة الواحدة لاجتهادين فالمراد منه - كما لا [ يحتمل ] (1) غيره - عدم الدليل على متابعة الاجتهاد الثاني في الواقعة السابقة بعد العمل فيها على طبق الاجتهاد الاول ، ففيه :

انّ الاعادة والقضاء بمقتضى حكومة الثاني على الاول - مع فرض حجيته من باب الطريقية - انما هو مع الدليل كما هو واضح.

166 - قوله : « وأمّا إذا شك ولم يحرز أنها على أيّ الوجهين ». (2)

لكن التحقيق هو : الإجزاء ، بناء على كون التكليف اللازم المراعاة هو الفعلية الحتمية ، مع الالتزام بعدم فعلية الواقع مطلقا فيما كان مفاد الحكم الظاهري فعليا بناء على المشهور من انشاء الحكم على طبق الامارات ولو على الطريقية.

نعم يتم ما في المتن بناء على كون المراد من الفعلية هو الفعلية على نحو التعليق ، بمعنى انّه لو علم به المكلف لتنجز ، لانّ الحكم الواقعي كان بمرتبة يجب امتثاله لو علم به المكلف وشك في سقوطه عن الفعلية بعد العمل بالامارة ، وحينئذ

ص: 233


1- في الاصل الحجري ( يتحمّل ).
2- كفاية الاصول : 111 ؛ الحجرية 1 : 73 للمتن و 1 : 79 العمود 2 للتعليقة.

يصح استصحاب التكليف الواقعي شخصا أو استصحاب الكلي على النحو الثاني من الاقسام في استصحابه.

وعلى هذا يشكل اثبات الإجزاء على السببية أيضا بالاصل ، كما لو شك في كفاية مؤدى الامارة عن المصلحة الواقعية ؛ ولا يقاس بالامر الاضطراري كما في المتن لكون التكليف الاختياري غير ثابت أصلا في حال الاضطرار ، وهذا بخلاف التكليف الواقعي حال الجهل به ولو على السببية فانّه ثابت على نحو الفعلية التعليقية ، فتدبر جيدا.

167 - قوله : « فأصالة عدم الاتيان بما يسقط معه التكليف ... الخ ». (1)

لا يخفى انّه لو رجع هذا الاصل الى الاستصحاب الوجودي وهو أصالة بقاء التكليف الفعلي الواقعي فهو انما يصح مع ما عرفت من معنى الفعلية ؛ وامّا لو كان باقيا بظاهره وهو الاصل العدمي فربّما يشكل بأنّ أثره - وهو وجوب الاتيان بالواقع - لا يترتب عليه إلاّ بالمثبت ، حيث انّ ترتب الوجوب على من لم يأت بالواقع يكون عقليا لا شرعيا ولا بد منه في الاستصحاب.

ولكن التحقيق : عدم المحذور فيه ، لما تقرر في محله من جريان الاصل الموضوعي في موضوع التكليف وجودا وعدما ؛ ومن المعلوم انّ الفعل الواجب كما يجري فيه الاصل وجودا يجري فيه عدما. ولو ترتب عليه أثر عقلا من وجوب الاطاعة ونحوه ، فلا بأس به أيضا كما لا يخفى.

168 - قوله : « واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا لا يجدي ». (2)

وفيه : انّه على تقدير تسليم عدم فعلية التكليف الواقعي من أول الامر لا اشكال في صحة جريان الاصل وحصول فراغ الذمة به ، لانّ ما هو المتيقن من

ص: 234


1- كفاية الاصول : 111 ؛ الحجرية 1 : 73 للمتن و 1 : 80 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 111 ؛ الحجرية 1 : 73 للمتن و 1 : 80 للتعليقة.

فعليته قد حصل الفراغ منه وغيره مشكوك الفعلية من الاول فيحكم بعدمه رأسا كما لا يخفى.

إلاّ انّك عرفت فعلية الواقع حتما بناء على جعل الحجية وتعليقا بناء على انشاء الحكم ، وحينئذ فلا وجه لجريان الاصل المذكور.

169 - قوله : « وهذا بخلاف ما اذا علم أنه مأمور به واقعا ».

169 - قوله : « وهذا بخلاف ما اذا علم أنه مأمور به واقعا ». (1)

لأنه في هذه الصورة يكون الحقيقي على طبق الامر الاضطراري أولا ثم يشك في حدوث الفعلية على طبق الواقعي الأوّلي ، والاصل عدمه ؛ ولكنه لا يصح بالنسبة الى الامر الظاهري كما عرفت. نعم لو كان اطلاق لدليله فلا بأس بالإجزاء لاجله.

170 - قوله : « نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة ».

170 - قوله : « نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة ». (2)

فان قلت : ربما يشكل في كلتا الصورتين : لأنه على الاول فكيف اختصاص الامر بغيره؟ وعلى الثاني فيكون منهيا عنه لكونه سببا لتفويت الواجب الواقعي فكيف يصلح أن يتقرب به اليه تعالى وتحصل به المثوبة؟

قلت : امّا عدم الامر في الاولى فلما تقرر في مبحث التجري من عدم امكان أخذ القطع الطريقي في صورة الخطأ - أو ما يلازمه - موضوعا لحكم مماثل لما تعلق به ، لاستلزامه امّا الاذعان باجتماع المثلين في نظر القاطع أو احتمال الخطأ عنده وكلاهما محال ، فلا يمكن البعث المولوي لاحداث الداعي للعبد بالنسبة الى حكم آخر كما هو واضح. وليس ذلك من قبيل الناسي والغافل بناء على امكان بعثهما الى ما عدا المنسي أو المغفول عنه بعنوان آخر غير الغافل والناسي ، فتدبر

ص: 235


1- كفاية الاصول : 112 ؛ الحجرية 1 : 73 للمتن و 1 : 80 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 112 ؛ الحجرية 1 : 74 للمتن و 1 : 81 للتعليقة.

جيدا.

وامّا النهي في الصورة الثانية فيبتني على اقتضاء الامر بالشيء النهي عن الضد ؛ وحيث انّ التحقيق في تلك المسألة عدم الاقتضاء فبقي المأتي به على ما هو عليه من المصلحة بلا تعلق أمر به ، لاهمية غيره.

171 - قوله : « الثاني : لا يذهب عليك أنّ الإجزاء ... لا يوجب التصويب ».

171 - قوله : « الثاني : لا يذهب عليك أنّ الإجزاء ... لا يوجب التصويب ». (1)

حاصله : انّ التصويب اللازم للقول بالإجزاء - وهو اشتمال مؤدى الطرق والامارات على أحكام فعلية حقيقية موجبة للمثوبة والعقوبة على موافقتها ومخالفتها مع بقاء الواقع على واقعيته بلا فعلية حتمية - غير باطل ، كيف وقد ذهب المشهور الى الإجزاء ، هذا.

مع انّ الواقع لا يكون فعليا على الطريقية أيضا بناء على جعل الحكم التكليفي على طبقها ، إذ التصويب الباطل - وهو خلو الواقعة عن الحكم الواقعي المشترك بين العالم والجاهل غير ما أدّت اليه الامارة - غير لازم للإجزاء ، لعدم المنافاة بينه وبين الحكم الواقعي المحفوظ بمرتبته كما لا يخفى.

172 - قوله : « فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها ».

172 - قوله : « فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها ». (2)

وإلاّ فاذا ارتفع بواسطة الحكم الظاهري لزم ارتفاع الجهل بالواقع ، وحينئذ فان كان الحكم الظاهري مرتفعا برفع موضوعه وهو الجهل فيلزم من وجوده عدمه ، وان كان باقيا فيلزم أن يكون الحكم رافعا لموضوعه وباقيا بدونه ، والحال انّه فرع تحققه ، فكيف يكون رافعا له ، فتدبر جيدا.

ص: 236


1- كفاية الاصول : 113 ؛ الحجرية 1 : 74 للمتن و 1 : 81 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 113 ؛ الحجرية 1 : 74 للمتن و 1 : 82 للتعليقة.

مقدمة الواجب

173 - قوله : « الاول : الظاهر انّ المهم المبحوث عنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ».

173 - قوله : « الاول : الظاهر انّ المهم المبحوث عنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ». (1)

أقول : ظاهر عنوان القوم [ أنّ ] هذه المسألة لوجوب المقدمة وان أوهم انها من المسائل الفقهية ، حيث انّ البحث في وجوبها كان بحثا عن عوارض فعل المكلف الذي يكون موضوعا للفقه ، والبحث عن عوارضه من المسائل الفقهية ؛ إلاّ انّ التكلم في هذه المسألة على التحقيق [ هو ] في تحقق الملازمة بين ذي المقدمة ووجوب مقدمته عقلا وعدمه ؛ ولا يخفى انّ البحث عن الملازمة يكون من المباحث الاصولية فلا وجه لهذا التوهم.

كما انّها على ما ذكرنا تكون من المباحث العقلية منها لكون البحث في حكم العقل بالملازمة بينهما وان استفيد وجوب ذي المقدمة من العقل أو الاجماع بلا لفظ في البين ، فلا وجه لجعله من المباحث اللفظية والاستدلال له نفيا واثباتا بدلالة اللفظ وعدمها كما يظهر من المعالم. (2)

كما انّه لا وجه لجعلها من المبادئ الاحكامية ، بتوهم كون وجوب المقدمة من لوازم وجوب ذي المقدمة ، والبحث [ عن ] (3) لوازم الاحكام يكون من مبادئها

ص: 237


1- كفاية الاصول : 114 ؛ الحجرية 1 : 74 للمتن و 1 : 82 للتعليقة.
2- معالم الدين : 60 و 62.
3- في الاصل الحجري ( من ).

فلا يكون من المسائل.

فانّه مضافا الى ما عرفت من انّ دخوله في المسائل على القاعدة ، ولا يصح جعله من المبادئ.

امّا أولا : فلعدم كون الملازمة بين الوجوبين من حيث تعلقهما بالشيء ومقدمته المرتبطين في الوجود من حالات الوجوب بما هو كالمضادة بينه وبين سائر الاحكام التكليفية.

وامّا ثانيا : فلعدم صدق المبادئ على حالات الوجوب العارض على فعل المكلف : امّا التصديقية فواضح لكونها هي الادلة المستدل بها لانتساب المحمولات الى الموضوعات وليس هذا منها ، وامّا التصورية فكذلك لكونها حدود الموضوع وجزئياته واجزائه وليس منها أيضا.

نعم ربّما يتوهم كونها من جهة كون البحث فيها من وجوه الموضوع وهو حكم العقل ، ولكنه يدفع بما ذكر في اول الكتاب من عدم كون الموضوع خصوص الادلة الاربعة ، بل الجامع بين موضوعات المسائل التي تقع في طريق الاستنباط.

174 - قوله : « كما ربّما يظهر من صاحب المعالم حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ».

اشارة

174 - قوله : « كما ربّما يظهر من صاحب المعالم (1) حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ». (2)

حيث انّ المدّعى اذا كان هو الملازمة الواقعية ولو بنحو غير البيّن فنفي الدلالة مطلقا لا يدل على عدم كونها بالمعنى الاخص فلو كانت هي المدعاة زائدا على مطلق الملازمة لكان للاستدلال على عدمها بنفيها وجه ؛ إلاّ انّ وجوبها بالمعنى الاخص لا جدوى لها في الاصول فانّ المجدي انما هو مطلق الملازمة. نعم يمكن أن يقال : انّ النزاع انما هو فيه ، غاية الامر يكون التمسك باللفظ من

ص: 238


1- معالم الدين : 62.
2- كفاية الاصول : 114 ؛ الحجرية 1 : 74 للمتن و 1 : 83 للتعليقة.

طرف اثباتها لو لم يكن له طريق آخر.

ولكن هذا يجدي في طرق الاثبات ؛ وامّا النفي فلا يكفي فيه عدم الدلالة بل لا بد من اقامة دليل آخر على العدم.

ولا يبعد أن لا يكون مراد صاحب المعالم (1) الاقتصار فيه بمجرد عدم الدلالة ، بل مراده ردّ المثبت بأنّ الدلالة : امّا لفظية فمنتفية ، وامّا عقلية ، فكذلك ، بل يدل العقل على الخلاف ، فلا وجه للاثبات فراجع.

175 - قوله : « والخارجية ، وهي الامور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه ».

175 - قوله : « والخارجية ، وهي الامور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه ». (2)

تنقسم هذه الى : السبب ، والشرط ، والمانع ، والمعد.

[ فأمّا ] (3) السبب : فقد يطلق على العلة التامة وهي المؤثر الذي لا يحتاج في ايجاد الشيء الى شيء سواه ؛ فيشمل العلل المتبادلة ؛ ويخرج منه الجزء الاخير منها والشرط الاخير ؛ فلا ينتقض عليه ببعض ما اورد على تعريفه بما يستحيل انفكاك المعلول منه وغيره.

وقد يطلق على ما يجتمع مع المانع ، وبعبارة اخرى : على المشتمل على الاجزاء وشرائط التأثير سوى فقدان المانع.

وقد يطلق على ذات المؤثر وان كان فاقد الشرط أيضا.

امّا الشرط : فقد عرّف [ ب- ] (4) « ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من

ص: 239


1- معالم الدين : 62.
2- كفاية الاصول : 114 ؛ الحجرية 1 : 75 للمتن و 1 : 83 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( واما ).
4- في الاصل الحجري ( على ).

وجوده الوجود ». (1)

وامّا النقض عليه :

عكسا ، بالشروط المتبادلة والاخيرة منها ، حيث انّ الاولى مما لا يلزم من عدمه العدم والثانية مما يلزم من وجوده الوجود.

وطردا ، بلوازم الشرط والمقتضي الفاقد للشرط والواجد للمانع ، لصدق التحديد عليهما ؛ فغير وارد.

امّا الاول : فلكون الشرط حينئذ هو القدر المشترك.

والثاني : فلحمل كل « من » في قوله : « ولا يلزم من وجوده الوجود » على السببية ؛ ومن المعلوم انّ اللزوم في الشرط الاخير انما هو من جهة السبب لا لاجله.

والثالث : فلحمل كل « من » في قوله : « ويلزم من عدمه العدم » على السببية ؛ ومن المعلوم انّ لزوم العدم في صورة عدم اللوازم انما هو لاجل عدم الشرط لا لاجل عدمها.

وامّا الرابع : فلارادة الدوام من اللزوم ، فلا نقض أصلا.

وامّا المانع : فهو [ ما ] يلزم من وجوده العدم على نحو العلة التامة.

وامّا المعد : فهو ما يلزم من كل من وجوده وعدمه المطلقين العدم ، فيعتبر كل من وجوده وعدمه في التأثير.

وليعلم انّ ما ذكرنا من التعريف لكل من أقسام المقدمة انما هو من قبيل شرح الاسم لا الحد الحقيقي ، فلا يرد عليها من الدور وغيره.

ص: 240


1- هداية المسترشدين : 195 السطر 13 ، والطبعة الحديثة 2 : 93 ؛ ومطارح الانظار : 39 السطر 9 والطبعة الحديثة 1 : 208 ، لكن فيه هكذا : « ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجوده ».

176 - قوله : « وربّما يشكل في كون الاجزاء مقدمة له وسابقة عليه بأن المركب ليس إلاّ نفس الاجزاء بأسرها ».

176 - قوله : « وربّما يشكل في كون الاجزاء مقدمة له وسابقة عليه بأن المركب ليس إلاّ نفس الاجزاء بأسرها ». (1)

ولا يخفى انّ الاشكال انما هو من وجهين :

أحدهما : في اتصافها بالمقدمية والفرق بينها وبين الكل.

ثانيهما : في اتصافها بالوجوب وعدمه.

امّا الاول : فالظاهر انّ الفرق انما هو بالاعتبار وانّها لا تتصف بالمقدمية. بيانه يحتاج الى تمهيد مقدمة وهي :

انّ الفرق بين الكل واجزائه الفرق بين أخذ الشيء بشرط شيء وبين أخذه لا بشرط فيكون بالاعتبار.

توضيحه : انّ الكل في الخارج عبارة عن نفس مجموع الاجزاء بشرط لحاظ هيئتها الاجتماعية التي تكون بمجرد الاعتبار ، وليست بخارجية ، وإلاّ [ لزاد ] (2) على عدم الاجزاء في الخارج الى لا نهاية فيلزم محذور التسلسل كما لا يخفى ؛ فاذا لم تكن خارجية فما هو وجود الكل في الخارج انما هو نفس مجموع الاجزاء بالأسر ، والاجزاء نفس هذا المجموع بلا لحاظ الهيئة ، فالفرق بينهما وبين الكل بمجرد الاعتبار ، وامّا في الخارج فعينان.

ولا يخفى انّ التفرقة بينهما بما ذكر انما هو بين ما هو الكل والجزء بالحمل الشائع لا بين العنوانين حتى يشكل بثبوت التضايف بينهما ، فلا يعقل الاتحاد ، لانفكاك تصور أحدهما عن الآخر.

ثم انّه لا يشكل [ ب- ] المنافاة بين ما ذكر وبين ما هو المسلّم في المعقول من كون الاجزاء الخارجية - وهي المادة والصورة - بشرط لا في مقام جزئيتها

ص: 241


1- كفاية الاصول : 115 ؛ الحجرية 1 : 75 للمتن و 1 : 84 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( فلزاد ).

الخارجية ، لأنه : مضافا الى ما في المتن أنّ ملاحظة اللابشرط وبشرط لا في ذلك المقام انما هو بالنسبة الى الحمل المفيد للاتحاد في الوجود ، وعدمه في المقام انما هو بالنسبة الى الانضمام غير المنافي لعدم الصدق ، بل الانضمام يستلزم عدم الصدق كما لا يخفى ؛ فملاحظة اللابشرطية في الاجزاء الخارجية بالنسبة الى الانضمام في المقام لا يوجب صحة الحمل والاتحاد مع الكل كما في الجنس والفصل ؛ فتوهم صاحب التقريرات (1) ذلك ناش عن عدم التفرقة بين المقامين فراجع.

وامّا الثاني : وهو اتصاف الأجزاء بالوجوب فالتحقيق : عدم اتصافها إلاّ بعين الوجوب النفسي المتعلق بالكل على نحو الوحدة والبساطة لا بالوجوب الغيري ، [ و ] لا ان يكون كل من الاجزاء واجبا بوجوب على حدة بانحلال الامر بالكل الى أوامر متكثرة بعدد الاجزاء ، أو بالوجوب الضمني في ضمن وجوب الكل.

أمّا الاول : فبوجوه :

الاول : عدم وجود الملاك للامر الغيري في الأجزاء وهو كونها موقوفا عليها ومقدمة لوجوب الواجب. كما عرفت انّ الكل عين تمام الاجزاء في الخارج وجودا ؛ واعتبار الاجتماع انما هو في الذهن ، ولا يتصف الجزء الذهني بالوجوب ، والمتصف به هو الوجود الخارجي ، فبعد كونه عينها وجودا فلا مغايرة في الوجود حتى يكون أحدهما مقدمة للآخر ، فبدونه ينتفي الوجوب الغيري أيضا.

الثاني : عدم الغرض الباعث للامر الغيري المولوي وهو تحريك العبد وبعثه

ص: 242


1- مطارح الانظار : 139 السطر الاخير الى ص 40 السطر 9 ، والطبعة الحديثة 1 : 654 - 655.

الى الفعل لو لم يكن في نفسه محرك عقلائي ، حيث انّ الامر النفسي يكفي في تحريك المولى له نحو ايجاد الاجزاء ، ومعه لا يبقى مجال لبعث آخر مولوي كما لا يخفى.

الثالث : اجتماع المثلين في الاجزاء - لو قلنا بالوجوب الغيري فيها - مع الوجوب النفسي المتعلق بمجموع الاجزاء بالأسر ، ويكون من قبيل النهي في العبادة لا من قبيل اجتماع الامر والنهي حتى يبتني على جوازه ، لانّ الامر الغيري يتعلق بنفس ذوات الاجزاء لا بعنوان المقدمة ، لأنه بنفسه مقدمة ، والمفروض انّ الامر النفسي قد تعلق أيضا بنفس مجموع الاجزاء بالأسر فيلزم اجتماع المثلين بلا تعدد العنوان المعروض للوجوب.

وامّا الثاني : فلأنّ الانحلال يتوقف على قابلية الغرض للتجزية ، بحيث يحصل مقدار منه من جزء ومقدار آخر من الجزء الآخر وهكذا الى [ الأخير ] (1) ومن المعلوم انّ الغرض غير قابل للتفكيك بل بسيط يتوقف حصوله على تمامية الاجزاء ، فلا بدّ أن يكون الامر هكذا أيضا.

ومنه انقدح عدم اتصاف الاجزاء بالوجوب الضمني أيضا لو كان المراد منه تكثر الوجوب بتكثر وجوداتها ، غاية الامر على نحو يكون بين أمثالها الارتباط حيث [ انّها ] (2) تتبع تجزئة الغرض ولو على نحو الارتباط ، فلا معنى للوجوب الضمني فيها أيضا.

فقد ظهر مما ذكرنا انّ الوجوب في المركب واحد بسيط غير متكثر بالنسبة الى الاجزاء ، بل هي متصفة به بعين اتصاف الكل ، غاية الامر يكون استناده اليه أصليا واستناده اليها تبعيا.

ص: 243


1- في الاصل الحجري ( الآخر ).
2- في الاصل الحجري ( انه ).

ثم انك اذا عرفت وحدة الوجوب فلا بد أن يكون امتثاله واحدا أيضا. ولكنه يقع الكلام في انّ الشروع في اتيان الاجزاء هل هو شروع في الامتثال بحيث يضعف الامتثال ويقصر تدريجا الى أن يتحقق الجزء الاخير فيتم عنده؟

أو انّ الامتثال أتى دفعة عند تحقق الجزء الاخير؟

أو انّ كون الاتيان بالجزء شروعا في الامتثال مراعى بلحوق الجزء الاخير بنحو الشرط المتأخر ، ومع عدمه فيكشف انّ المأتي به لم يكن شروعا في الامتثال أبدا؟ وجوه.

أقواها : الاخير ، بمقتضى بساطة الغرض وكون الاتيان بالجزء شروعا في وجود الواجب ، فاللازم انّ الاتيان به شروع في الامتثال مع كونه مراعى بلحوق الجزء الاخير ، وإلاّ لزم :

اما سقوطه عن الاجزاء مع عدم حصول الغرض اصلا ، كما على الاول.

او عدم دخالة الاجزاء في الامتثال الواجب أصلا ، كما على الثاني.

ثم انّ ما ذكرنا من وحدة الوجوب بالنسبة الى اجزاء المركب انما كان منحصرا في النفسي ، لعدم حصول الغرض إلاّ بالمجموع من حيث المجموع ؛ وامّا بالنسبة الى اجزاء المقدمات المجتمعة تحت عنوان واحد كالعلة المركبة والشرط وغيرهما فلا اشكال في تعدد الوجوب واتصاف كل منها به ، لتحقق ملاكه وهو توقف ذي المقدمة عليه ، مع تأمل في اجزاء العبادة اذا كانت مقدمة لغيرها بعنوان كونها عبادة ، فانّه لا يبعد وحدة الوجوب الغيري بالنسبة اليها كالوضوء المجعول مقدمة لغيره ونحوه.

ص: 244

177 - قوله : « والحلّ : انّ المقدمة هي نفس الاجزاء بالأسر ».

177 - قوله : « والحلّ : انّ المقدمة هي نفس الاجزاء بالأسر ». (1)

قد عرفت كما ذكرنا ويشير اليه في حاشيته (2) رحمه اللّه انّ هذا الفرق لا يجدي في كونها من مقدمات وجود الواجب بعد عينيتها معه وجودا. نعم [ كون ] عدمها من مقدمات الماهية ومقوماتها لا بأس به ، فتدبر.

178 - قوله : « لا بالاضافة الى المركب ، فافهم ».

178 - قوله : « لا بالاضافة الى المركب ، فافهم ». (3)

اشارة الى انّه ليس الفرق بين المعنيين مجرد ملاحظة الاجزاء الخارجية بالقياس الى الاجزاء الذهنية في أحدهما وبالقياس الى المركب في الاخير.

و [ الى أنه ] (4) كما تؤخذ بشرط لا بالاضافة الى الذهنية في أحدهما ، كذلك تؤخذ بالاضافة الى المركب بشرط لا أيضا دون الاجزاء الذهنية ، فانّ كلا منها لا بشرط بالقياس الى الآخر والى المركب ، ولذلك لا تصدق كل من الاجزاء الخارجية على الآخر وعلى المركب ، والاجزاء الذهنية يصدق كل منها على الآخر وعلى المركب.

بل الفرق : انّ اعتبار لا بشرط وبشرط تلحظ :

تارة : بملاحظة الصدق والحمل كما في المقام الاول.

واخرى : بملاحظة عدم الإباء عن الاجتماع مع الآخر ، أو إبائه ، أو اشتراطه به ولو لم يكن صدق وحمل في البين ، بل كان كل منها موجودا بوجود على حدة كما في المقام الثاني ، فتدبر.

ص: 245


1- كفاية الاصول : 115 ؛ الحجرية 1 : 75 للمتن و 1 : 85 العمود 1 للتعليقة.
2- اي في تعليق الآخوند على كلام نفسه في الكفاية عند قوله : « فتأمل » ص 116.
3- كفاية الاصول : 115 ؛ الحجرية 1 : 75 للمتن و 1 : 85 العمود 1 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( لأنه ).

179 - قوله : « ومنها : تقسيمها الى العقلية والشرعية والعادية ».

179 - قوله : « ومنها : تقسيمها الى العقلية والشرعية والعادية ». (1)

ولا فرق في ذلك بين السبب والشرط.

و (2) امّا العقلية فهي ما يستحيل انفكاك ذي المقدمة عنها عقلا ويكون حصولها بدونها مساوقا لانفكاك المعلول عن العلة.

والشرعية ما يتوقف عليه شرعا ولكنه يرجع الى العقلية أيضا ، حيث انّ المأخوذ به بعد اشتراطه بشيء شرعا يكون وجوده الخاص الذي يكون مأمورا به لا يتحقق بما هو كذلك بدونه عقلا.

هذا بناء على كون الاحكام الوضعية من الجزئية والشرطية قابلة للجعل ، وامّا بناء على عدمه والقول بكون البيان الشرعي كاشفا عن الربط الواقعي فالامر واضح.

180 - قوله : « إلاّ انّ العادة جرت على الاتيان به بواسطتها ».

180 - قوله : « إلاّ انّ العادة جرت على الاتيان به بواسطتها ». (3)

سواء كانت العادة في أصل توسيط المقدمة بعد ما لم يكن التوسيط عقليا ذاتا ، كغسل شيء من العضد مقدمة لغسل المرفق.

أو في توسيط خصوصيتها وان كان التوقف بالقدر المشترك بينه وبين غيره عقليا ، كنصب السلّم ونظائره بالنسبة الى الكون على السطح في مقابل الطيران ، مع تأمل في رجوع الاخير الى العقلية بالنسبة الى الخصوصية ، حيث انّ حكم العقل بالتوقف انما هو بالنسبة الى الجامع وان كان منحصرا في الفرد كما في سائر الطبائع المنحصرة في الفرد في الواجبات النفسية ، لوضوح اتحادهما وجودا ؛ فليس الخصوصية مقدمة للواجب ولا المقدمة وان كان ملازما لها.

ص: 246


1- كفاية الاصول : 116 ؛ الحجرية 1 : 75 للمتن و 1 : 85 العمود 1 للتعليقة.
2- الظاهر زيادة الواو.
3- كفاية الاصول : 117 ؛ الحجرية 1 : 80 للمتن و 1 : 85 العمود 1 للتعليقة.

ولعله أشار الى ما ذكرنا بقوله : « فافهم ».

181 - قوله : « ولا اشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع ».

181 - قوله : « ولا اشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع ». (1)

حيث انّه قبل وجود الشرط لا وجوب للواجب حتى يترشح منه وجوب غيري الى مقدماته ، وبعده يكون الطلب بالنسبة اليه طلب الحاصل ، هذا بالنسبة الى الشرط المتقدم واضح.

وامّا بالنسبة الى الشرط المتأخر فلأنّ الوجوب فعلا بملاحظة فرض وجود الشرط في الزمان اللاحق ، وبعد فرض وجوده كذلك يكون الطلب بالنسبة اليه طلب ايجاد الشرط بعد وجوده ، وهو طلب الحاصل.

نعم لو فرض كون بقاء الشرط بعد حدوثه من مقدمات وجود الواجب لكان داخلا في محل النزاع بلحاظ البقاء.

182 - قوله : « وكذلك المقدمة العلمية وإن استقل العقل بوجوبها ».

182 - قوله : « وكذلك المقدمة العلمية وإن استقل العقل بوجوبها ». (2)

اعلم : انّ مقدمة العلم تلحظ :

تارة : بالنسبة الى أصل الواجب الذي يكون متعلقا للعلم ، كالصلاة الى أربع جوانب بالنسبة الى الصلاة الى القبلة الواقعية.

واخرى : بالنسبة الى نفس تحصيل العلم بالواجب.

امّا باللحاظ [ الاول ] (3) فان كانت المقدمة من المقدمات العادية أيضا كغسل جزء من العضد بالنسبة الى المرفق فيدخل في المقدمات الوجودية كما مرّ ، وان لم يكن كذلك فلا شبهة في خروجه عن محل النزاع ، لعدم تحقق ما هو الملاك للوجوب الغيري وهو التوقف الوجودي كما هو واضح.

ص: 247


1- كفاية الاصول : 117 ؛ الحجرية 1 : 80 للمتن و 1 : 85 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 117 ؛ الحجرية 1 : 80 للمتن و 1 : 85 العمود 1 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( الأولي ).

نعم ربّما يتوهم المنافاة بين ما ذكر وبين قولهم بوجوب معرفة الاحكام ومقدماتها غيريا ، حيث انّهما ليسا من المقدمات الوجودية للواجب فكيف الحكم بوجوبهما غيريا. نعم لا اشكال بناء على ما ذهب اليه صاحب المدارك (1) على الوجوب النفسي للتعلم.

ويدفع ذلك : بأنّ المعرفة لو رجعت الى مقدمة الوجود كما لو كان تركه سببا للغفلة الموجبة لترك الواجب فلا اشكال ، وان لم يكن كذلك فلا بد أن يلتزم بوجوب المعرفة طريقا كوجوب الاحتياط ؛ ويفرّق بين الوجوب الطريقي والوجوب المقدمي : بأنّ الوجوب في الاول للتوصل الى مصلحة الواجب النفسي وفي الثاني لكون المقدمة مما يتوقف عليها وجود ذي المقدمة.

وامّا باللحاظ الثاني فيكون مقدمة العلم من المقدمات الوجودية له ومحكومة بحكمه فان كان واجبا شرعيا كالاحتياط في الشبهة التحريمية - على قول الأخباريين وفي أطراف العلم الاجمالي بناء على ثبوته بالادلة النقلية - [ فتكون ] (2) مقدمته كذلك.

وان كان واجبا عقليا كالمعرفة بالنسبة الى الاعتقادات وتحصيل العلم باتيان الواجب في أطراف العلم الاجمالي - بناء على التحقيق من كون وجوب الاحتياط عقليا محضا بلا كشف حكم الشارع مولويا بوجوبه - تكون مقدمته أيضا كذلك.

والحاصل : انّ مقدمة العلم بالنسبة الى تحصيل المعرفة من المقدمات الوجودية فلا يكون قسيما لها. نعم بناء على الاعتبار الاول يظهر انّه بالنسبة الى نفس العلم تكون داخلة في محل النزاع.

ص: 248


1- مدارك الاحكام 2 : 345 و 3 : 219.
2- في الاصل الحجري ( فكون ).

وربّما يتوهم : انّ المقدمة على هذا متحدة مع ذيها وجودا بارجاع الامر بايجاد العلم - لعدم تعلق القدرة به - الى مقدماته ، غاية الامر يفرّق بينهما بتغاير العنوانين كما يظهر من التقريرات. (1)

ويدفع : بأنّ تحصيل المعرفة مقدور بالواسطة ، وهو كاف في تعلق الامر به كما في مطلق الافعال التوليدية ؛ ولولاه لما كان تعدد العنوان مجديا في تعدد الامر الغيري والنفسي بالنسبة الى المصداق ، لما عرفت من انّ ملاك الامر الغيري انما هو في ما هو المقدمة بالحمل الشائع ، لا بعنوانه ، لعدم كونه مما يتوقف عليه الواجب كما لا يخفى.

183 - قوله : « ومنها : تقسيمها : الى المتقدم والمقارن ، والمتأخر بحسب الوجود بالاضافة الى ذي المقدمة ».

183 - قوله : « ومنها : تقسيمها : الى المتقدم والمقارن ، والمتأخر بحسب الوجود بالاضافة الى ذي المقدمة ». (2)

لما كان الشرط من اجزاء العلة التامة - وقضية العلية تقدمها بجميع اجزائها على المعلول ذاتا ومقارنتها معه زمانا بحيث يستحيل وجوده حال عدمها ولو بانتفاء بعض اجزائها ، لأنه : ان لم يكن لذات الجزء دخل في الطبيعة أصلا فيلزم امّا الخلف لو لم يكن ذلك بجزء العلة وامّا وجود المعلول بلا علته وهو محال ، وان كان له دخل فيه فيلزم استناد الموجود الى المعدوم لأنه حال وجوده غير مؤثر شيئا وانما التأثير حال عدمه وهو محال - فاللازم عدم صحة الشرط المتأخر.

ولا فرق في ذلك بين العلة التامة وجزئها ، ولا بين المعدوم الصرف الذي سيوجد ، للعلم بالملاك وهو دخل المعدوم حال التأثير في المعلول بحيث لو قلنا بجواز ذلك لزم سدّ باب اثبات الصانع ، لانّ عمدة الدليل على الاثبات هو لزوم الدور والتسلسل.

ص: 249


1- مطارح الانظار : 42 السطر 18 - 21 ، والطبعة الحديثة 1 : 220.
2- كفاية الاصول : 118 ؛ الحجرية 1 : 80 للمتن و 1 : 85 العمود 2 للتعليقة.

ووجه فساد الاول هو : تقديم الشيء على نفسه اللازم من لزوم تقدم العلة ومع فرض جواز تأخره فلا يلزم ذلك كما لا يخفى. والثاني انما هو في السلسلة السابقة وامّا السلسلة اللاحقة فلا دليل على فساده ، بل الحكماء قائلون بصحته ؛ ومع جواز استناد الموجود الى المعدوم فلا بأس بالتسلسل التعاقبي اللاحقي ، فيلزم عدم اثبات الصانع بالطريق العقلي.

ثم لا فرق أيضا بين العقليات ، أو بين الامور الاعتبارية الحقيقية لو قلنا بأنّ لها حظا من الوجود ، لانّ العلة الفاقدة لمثله كيف تكون موجدة له. فما في حاشية المكاسب (1) من السيد اليزدي في باب كاشفية الاجازة من تجويز الشرط المتأخر بتجويز تأخر العلة التامة التي ستوجد ثم تجويز ذلك في الاعتباريات بطريق التنزل ، عجيب منه ، ولم يأت في كلامه ما يعتمد عليه إلاّ مجرد المصادرة فراجع.

ثم انّه لا فرق أيضا بين تقدم الاثر والتأثير على العلة وبين تقدم الاثر وحده بأن نقول : انّ العلة تكون مؤثرة حال وجودها في الزمان السابق كما في الاجازة على قول ، لأنه على الثاني يلزم انقلاب الشيء عما وقع عليه وكون الزمان السابق ظرفا للنقيضين أو المتضادين كما لا يخفى.

كما لا فرق أيضا بين المتأخر والمتقدم المتصرّم حال وجود المعلول ، لتساويهما في الاشكال المذكور ؛ ومع ذلك فقد ورد في الشرع موارد توهم انخرام القاعدة العقلية في الطرفين كما في المتن.

والتحقيق على ما يقتضيه النظر الدقيق أن يقال : انّ الشرط على قسمين :

أحدهما : ان يكون شرطا للحكم التكليفي أو الوضعي.

ص: 250


1- حاشية المكاسب : 149 السطر 35 الى ص 150 السطر 17 ، والطبعة الحديثة 2 : 173 - 174.

وثانيهما : أن يكون شرطا لذات المأمور به.

امّا الاول : فيحتاج دفع الاشكال فيه على بيان امور :

أحدها : انّه لا بد بين كل علة ومعلول من السنخية بينهما ، وإلاّ لزم استناد كل شيء الى كل شيء وهو واضح البطلان.

ثانيها : انّ السنخية في الموجود الذهني وفعل النفس انما هو بينه وبين وجود ذهني آخر لا بينه وبين الموجود الخارجي ، إذ لا ربط بين المجرد الذهني وبين الخارجي المادي كما هو واضح.

ثالثها : انّ التكليف والوضع انما هو فعل النفس ، وبعبارة اخرى : فعل الجارحي لا الجارحة ، وانّ علة الاختيار - تكوينية أو تشريعية كما قرر في محله - تنحصر في الداعي وهو التصديق بفائدته بعد تصور الفعل المطلوب مع ما هو عليه من الحدود والقيود التي لها دخل في صلاح الفعل ولو كانت من الوجوه والاعتبارات كي يحصل للنفس الرغبة ثم الجزم والارادة الموجبة لتحريك العضلات.

فاذا كان صدور التكليف محتاجا الى هذه التصورات ، بحيث لولاها لما صدر من المكلف ومعها يصدر ولو لم يكن وجود خارجي ، فيكشف انّ ما له الدخل هو الوجود العلمي لا الوجود الخارجي ، لما عرفت من عدم السنخية بينه وبين فعل النفس الذي هو من الموجودات الذهنية ، وبدونها لا يمكن الاستناد.

فان قلت : بناء على ذلك يلزم التكليف بمجرد تصور الشروط وان لم يكن لها واقع أبدا.

قلت : انّ الشرط ليس هو التصور الساذج ، بل المقرون منه بالإذعان ، ولا

ص: 251

يلاحظ بما هو [ نفسه ] (1) بل بما هو مرآة [ و ] حاك عن الخارج ، بحيث يكون وجوده فانيا فيه ويسري حكمه اليه كما في تعلق العلم به بواسطته ويقال : انّه معلوم.

والحال انّ معنى هو الحضور لدى الملاك (2) وهو بنفسه لم يحضر بل بتوسيط صورته الحاكية السارية حكمها اليه ، فحينئذ تكون الشرطية سارية أيضا الى الخارج بتوسيط وجوده العلمي ؛ فيجمع بين ما هو ظاهر الادلة من كون الشرط هو الموجود الخارجي وبين ما هو قضية العقل من لزوم المقارنة والسنخية بين العلة والمعلول بجعل الشرط هو العلم الفاني في الخارج كما لا يخفى.

وامّا الثاني : فيحتاج الى امور :

الاول : انّ الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في الافعال كما هو واضح عند العدلية.

والثاني : انّ العنوان العارض - الصادق بالحمل الشائع على الفعل - امّا ذاتي وهو ما كان منتزعا عن مقام الذات والذاتي كالنوع والجنس والفصل ؛ وامّا عرضي وهو ما كان منتزعا بملاحظة أمر خارجي كما هو واضح أيضا.

الثالث : انّ الحسن والقبح يختلفان بالوجود والاعتبار كما في الانحناء الواقع للتعظيم تارة ، وللاستهزاء اخرى ، ولرفع شيء من الارض ثالثة ، مع عدم اختلاف في حقيقته وصفاته الذاتية في شيء مما ذكر كما لا يخفى.

الرابع : انّ العنوان العارض يعرض للشيء تارة بمقارنة شيء مع المعروض ، واخرى بملاحظة أمر سابق ، وثالثة بملاحظة أمر لاحق ، بحيث لو لا المقارنة في

ص: 252


1- في الاصل الحجري ( نفس ).
2- يستظهر المصحح المجهول ( او الناسخ ) للطبعة الحجرية أنّ جملة « معنى هو الحضور لدى الملاك » الآنفة لا بد أن تكون هكذا : « معناه الحضور لدى النفس ». الطبعة الحجرية : 86 أواخر العمود الاول.

الاول والسبق واللحوق في الاخيرين لما صح الانتزاع ، كما في عنوان الهدية المنتزع عن ارسال الفاكهة بشرط وضعها في الاناء وتغطيتها بمنديل ونحوه ؛ والجواب المنتزع عن الكلام المسبوق بالسؤال ؛ والاستقبال المنتزع عن الحركة الملحوقة بمجيء العالم.

الخامس : انّ دخل هذه الامور في الشيء انه بلحاظها ينتزع العقل ذاك العنوان ، وليس من قبيل دخل شيء في الامور الخارجية المتأصلة.

اذا عرفت ما ذكرنا من الامور ، فاعلم :

انّ المراد بالشرط المتأخر أو السابق ما كان له دخل في انتزاع العنوان ، وبالاضافة اليه يصح اختراع عنوان عارضي للشيء كما في الامثلة المتقدمة ؛ وليس من قبيل الشرط [ المتأخر ] (1) في الامور التكوينية المتأصلة ، فلا بأس بالمتقدم ولا بالمتأخر كما في غالب أطراف الاضافات كما لا يخفى.

وان شئت قلت : انّ الشرط بالنسبة الى الاختراع الفعلي للعنوان هو الوجود العلمي وبالنسبة الى العنوان الاضافي الثاني هو الوجود الخارجي ، ولا بأس به بعد ما عرفت انّ المراد بالشرطية مجرد كونه طرف الاضافة ، وهو كما يتحقق في المقارن كذلك يتحقق في المعدوم والمتأخر بلا تفاوت اصلا ، وكأنّه قد اشتبه الشرط في الامور الشرعية بالشرط في الامور المتأصلة.

فان قلت : انّ الاضافة لها حظ من الوجود الضعيف ولذلك قيل انّها خارجية بمعنى كونها ظرفا لنفسها فكيف تستند الى الامر المتأخر؟

قلت : على تقدير تسليم ذلك لا بد أن يلتزم بالتلازم من وجود ظرفي التضايف على نحو الخصوصية ، بمعنى انّ الوجود الخاص المتقدم في ظرفه يتلازم

ص: 253


1- في الاصل الحجري ( التأثر ).

مع الخاص المتأخر ، كل يلازم لاصلها للآخر.

ان قلت : انّ المؤثر في المصلحة ان كان هو الشرط بوجوده المتأخر كما هو ظاهر الادلة فلزم محذور تقدم المعلول على العلة ، وان كان نفس العنوان الانتزاعي فيلزم تأثير الاعتباري في المتأصل.

قلت : انّ المتأخر لا دخل له إلاّ في مجرد انتزاع العنوان ، واطلاق الشرط عليه ليس إلاّ بهذه الملاحظة ؛ وامّا بالنسبة الى المصلحة فان قلنا انّه مجرد الحسن - الذي بنفسه من الاعتبارات أيضا - فلا بأس باستناده الى العنوان ، وان قلنا انّه من المتأصلات فالمتأصل فيه هو الوجود المعنون الذي هو الموضوع للحكم الشرعي محدودا بذاك العنوان لا نفس المتأخر ولا المنتزع منه من العنوان ، فلا بأس أبدا في الشرط المتأخر.

وظهر أيضا : اندفاع توهم انّ المؤثر لو كان نفس العنوان فيلزم كونه هو المأمور به بنفسه ، ويلزم منه جواز اجتماع الامر والنهي.

وربّما يجاب عن الشرط المتأخر : بأنّ الاشكال انما هو على تقدير كون المتأخر شرطا بنفسه لا بوصفه ، وامّا على تقدير ذلك فلا.

وفيه : انّ الاشكال لو كان في تأخره عن محل الشرط فيدفع بذلك ، وامّا ان كان في تأخره عن المعلول فلا يرتفع الاشكال بذلك كما هو واضح.

وعن السيد الشيرازي (1) قدس سره القدوسي :

انّ الشرط في هذه الموارد ليس المتقدم أو المتأخر بوجوده الكوني بل بوجودهما الدهري المثالي ، بمقتضى ما دل من العقل والنقل من انّ لكل شيء في هذا العالم الطبيعي صورة مثالية في عالم العقل وهو مناط علمه الحضوري السابق

ص: 254


1- حكاه الآخوند في فوائد الاصول : 58 ، والطبعة الحجرية : 301 بقوله : « ثالثها : ما افاده سيدنا الاستاذ ».

على وجود المعلوم ؛ ومن المعلوم انّ المتفرقات في الزمان مجتمعات في وعاء الدهر ، فالشرط والمشروط في ذاك العالم مقارنان بلا تقدم وتأخر فارتفع الاشكال.

وقد أورد عليه الاستاذ العلاّمة أطال اللّه بقاه بقوله : « قلت : لا يخفى انّ ذلك وان كان لطيفا في نفسه إلاّ انّه لا يكاد أن يكون شرطا للزماني إلاّ الزماني ، مضافا الى وضوح انّ الشرط في الموارد حسب دليله انما هو الشيء بوجوده الكوني » الى آخر ما أفاد في فوائده. (1)

ولكنه يمكن أن يقال : برجوع ما أفاده قدس سره الى ما حققه الاستاذ (2) دام ظله : من انّ الشرط بالنسبة الى التكليف والوضع انما هو الشيء بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، فحينئذ التكليف والوضع منه تبارك وتعالى مشروط بالوجود العلمي السابق ؛ ومن المعلوم انّ الوجود العلمي السابق على الاشياء تفصيلا انما هو الصور المثالية منها في عالم العقول الذي يسمى بعالم الدهر ، والمراد بشرطية الوجود الخارجي هو ما عرفت.

بل يمكن أن يقال : بناء على العلم الحضوري انّ الوجود العلمي عين الوجود الخارجي ، أو الاشياء بما هي به علم له تعالى لا تأخر فيها ، وانما التأخر فيها بما هي مضافة الى القابل وبما هي معلومة ، فلا اشكال.

وعن الفصول (3) ما حاصله : انّه ليس المتأخر أو المتقدم شرطا كي يلزم منه المحذور ، بل الشرط هو الامر المنتزع عنه المقارن لشروطه ، فالشرط في صحة

ص: 255


1- فوائد الاصول : 58 ، والطبعة الحجرية : 301.
2- فوائد الاصول : 59 ، والطبعة الحجرية : 302.
3- الفصول الغروية : 83 السطر 24 - 25 ؛ وحكاه الآخوند عنه في فوائده : 58 وفي الحجرية منه : 301 بقوله : « رابعها : ما افاده في الفصول ... الخ ».

العقد في الفضولي مثلا كونه بحيث يجيزه المالك وهو مقارن للعقد وان كان المنتزع عنه ليس كذلك.

والفرق بينه وبين المختار انّ الشرط الشرعي عنده - على ما هو الظاهر - كالشرط في الامور العقلية بالنسبة الى الامور التكوينية في كونه مؤثرا حقيقيا وعلى ما ذكرنا انّ معنى الشرط هو كونه طرف الاضافة الموجبة لحسن الفعل وليس من قبيل الشرط في العلة الحقيقية فيرد عليه :

أولا : انّ ارجاع الشرطية الى الامر الانتزاعي خلاف ظاهر الادلة.

وثانيا : يلزم تأثير الامر الاعتباري في المتأصل الخارجي كما هو ظاهر الادلة وهو محال.

وثالثا : انّ الحسن والقبح وان كان بالوجوه ، إلاّ انّ كل وجه ليس من العناوين المحسّنة والمقبّحة ، حيث انّ العقل يستقل بأنّ بعض العناوين لا اقتضاء له بالنسبة الى التحسين والتقبيح ومنها عنوان التعقب بالاجازة كما هو واضح.

184 - قوله : « إنّما يكون لاجل كونه طرفا للاضافة ».

184 - قوله : « إنّما يكون لاجل كونه طرفا للاضافة ». (1)

قد عرفت انّ الشرط بالنسبة الى فعلية العنوان انما هو الوجود العلمي ؛ وبالنسبة الى شأنية انتزاعه انما هو الوجود الخارجي كما في جميع أطراف الاضافات.

185 - قوله : « منها : تقسيمه الى المطلق والمشروط ».

185 - قوله : « منها : تقسيمه الى المطلق والمشروط ». (2)

منها : ما عن القمّي (3) رحمه اللّه انّ الواجب المطلق ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ، والمشروط ما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده.

ص: 256


1- كفاية الاصول : 120 ؛ الحجرية 1 : 81 للمتن و 1 : 87 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 121 ؛ الحجرية 1 : 82 للمتن و 1 : 87 العمود 1 للتعليقة.
3- القوانين المحكمة 1 : 100 السطر 4 - 5.

وقد اورد عليه : - طردا في المطلق وعكسا في المشروط - بالحج بالنسبة الى الاستطاعة.

ويمكن أن يجاب : بأنّ الحجة الاسلامية لها خصوصية واقعية لا يمكن حصولها بدون سبق الاستطاعة وان لم يكن مطلق الحج كذلك.

ولكن مع ذلك لا يرتفع الايراد عن التعريفين ، لوضوح كون بعض الواجبات غير متوقفة على ما هو شرط الوجوب فلا يكون من مقدمات الوجود فيصدق عليه حد المطلق مع انّه ليس كذلك.

ومنها : انّ المطلق ما لا يتوقف وجوبه - بغير الشرائط العامة من العقل والبلوغ والقدرة والعلم - على شيء كالمعرفة ، والمشروط ما يتوقف على شيء آخر أيضا كما عن العميدي (1) ؛ ولا بأس به اذا كان الاطلاق حقيقيا لا اضافيا كما نشير اليه [ فيما يأتي ]. (2)

ومنها : ما في الفصول من انّ المطلق : « ما لا يتوقف تعلقه بالمكلف على [ حصول ] أمر غير حاصل » (3) ، والمشروط : « ما يتوقف [ تعلقه بالمكلف ] على [ حصول ] أمر غير حاصل ». (4)

ص: 257


1- هو السيد عبد المطلب بن مجد الدين الاعرج الحسيني ، ابن اخت العلامة الحلي. له ( منية اللبيب في شرح التهذيب ) وهو شرح ( تهذيب الاصول ) للعلامة ، توفي 754 ( الكنى والالقاب 2 : 487 ) بتصرف.
2- في الاصل الحجري ( آنفا ).
3- الفصول الغروية : 79 السطر 23.
4- الفصول الغروية : 79 السطر 25.

ولا يخفى أنّ ظاهر تحديدهما [ هو ] بملاحظة حالات المكلفين ، بحيث ان كان الوجوب فعليا على المكلف ومنجزا عليه بحكم العقل فمطلق وإلاّ فمشروط.

ولكن الظاهر انّهما عند الاصوليين ليسا بملاحظة الحالات ، بل بملاحظة كيفية ورودهما في أصل الشرع في مقام الاثبات معلقا على شيء تارة ، وغير معلق اخرى.

كما انّ الظاهر عدم اصطلاح جديد لهم فيهما أيضا بل هما عندهم على ما هما عليه في العرف من كونهما حقيقيين تارة اذا لوحظا بالنسبة الى جميع الاشياء ، واضافيين اخرى اذا لوحظا بالنسبة الى كل شيء على حدة.

فعلى الاول فالوجه ما عن العميدي ، حيث انّ الاشتراط بالشرائط العامة مما لا بد منه ، فلا بد من أن يلحظا بالقياس الى غيرها من الاشياء.

وعلى الثاني فالوجه ما ذكره الاستاذ (1) دام ظله في المتن.

وامّا ملاحظة الاطلاق والاشتراط بالنسبة الى خصوص المقدمات الوجودية كما عرفت من القمّي فلا وجه له ؛ كتعريف الفصول.

186 - قوله : « كما نسب ذلك الى شيخنا العلاّمة أعلى اللّه مقامه مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعا ». (2)

الوجوه بعضها راجع الى مقام الاثبات وبعضها راجع الى مقام الثبوت.

أحدها : انّ هيئة الافعال وضعها وضع الحروف ، فيكون الموضوع له والمستعمل فيه جزئيا حقيقيا ، وهو ليس بقابل للتقييد وانما القابل له هو المطلق.

ثانيها : انّ صيغة ( افعل ) موضوعة لأن يستعمل على نحو الانشاء وهو الايجاد في الامور الاعتبارية التشريعية مقابل الايجاد في التكوينية ، والشيء ما

ص: 258


1- كفاية الاصول : 121.
2- كفاية الاصول : 122 ؛ الحجرية 1 : 82 للمتن و 1 : 87 العمود 2 للتعليقة.

لم يتشخص لم يوجد ، فلا بدّ أن يكون المنشأ جزئيا ، وعرفت عدم قابليته للتقييد.

ثالثها : انّ معاني الحروف وما يشابهها ملحوظة باللحاظ الآلي ، وحيث انّ التقييد يتوقف على القصد والالتفات فهي غير قابلة.

رابعها : انّه لو كان القيد شرطا للهيئة لتخلف المنشأ عن الانشاء ، حيث انّه لا طلب قبل الشرط مع وجود الانشاء قبله.

خامسها : انّ التعليق في الطلب يستلزم التعليق في الانشاء ، وهو محال.

سادسها : انّه يمتنع أن يرجع القيد الى الارادة والطلب لبا ، بل لا بد أن يرجع الى المادة والمطلوب ثبوتا.

بيانه : انّ الاحكام الشرعية عند العدلية تابعة للمصالح والمفاسد في الافعال ، وانّ الخطابات الانشائية التشريعية كاشفة عن الارادة الذاتية ، بل هي مقدر اظهارها وجرها الى مقام اللفظ والخارج ؛ فاذا كان كذلك فنقول :

انّ الارادة في الواجب - تكوينية أو تشريعية - عين العلم بالصلاح ، فتعليق الطلب على شيء يستلزم التعليق في علمه تعالى ، وهو محال ؛ وعلى تقدير عدم كونها عينه لكنها تابعة له عند العدلية ، وعلى هذا فلا بد في تعلق الطلب بشيء من سبق تصورها مع ما له من الفائدة والمصلحة ، فامّا أن يكون ذات الصلاح على جميع التقادير ، أو بعضها ، أو لا يكون ذات الصلاح أصلا ، فعلى الاخير لا يتعلق به طلب أصلا ، وعلى الاولين يتعلق الطلب المطلق امّا بالفعل المطلق ، أو المقيد.

وعلى كل حال فالقيد لو كان فانّما هو بالنسبة الى الفعل لا الطلب ، غاية الامر تكون قيود المطلوب مأخوذة :

تارة : على نحو تكون داخلة في حيّز الارادة كما اذا رجعت الى المادة اثباتا أيضا.

واخرى : على نحو لم تكن داخلة في حيّزه كما اذا رجعت الى الهيئة فتكون

ص: 259

ثمرته نفي سراية الطلب اليه ، لا لدلالته على عدم كون الفعل مطلوبا في ظرف عدم تحقق القيد ، فكأنه لا طلب قبل حصوله ، وبعده يكون الطلب بالنسبة اليه طلبا للحاصل.

ولكن التحقيق : عدم تمامية شيء من هذه الوجوه لاثبات امتناع التعليق في الطلب.

امّا الاول : فلما عرفت في معاني الحروف من كلّيتها وضعا واستعمالا ، وانما التشخص من قبل الاستعمال ، فلا يصير قيدا للمستعمل فيه.

وامّا الثاني : فلما عرفت أيضا في ذاك المبحث من انّ الانشاء والإخبار من كيفيات استعمال اللفظ في المعنى دون المنشأ فهو أيضا كلي قابل لورود التعليق عليه ؛ مع انّ التشخص في موطن الاستعمال - وهو الذهن - لا ينافي الكلية بحسب الخارج الذي يكون التعليق بلحاظه ؛ مع انه انما يسلّم الامتناع لو كان التعليق بعد تحقق الانشاء بأن أنشأ المعنى ثم يقيّد ، لا قبله ، بأن يقيّد ثم ينشئ المقيد كما لا يخفى.

وامّا الثالث : فلما حقق في محله من قابلية معاني الحروف لورود التقييد والمجازية عليها بنفسها بالنظرة الثانية بعد استعمال الحرف وقبل تمامية الكلام الانشائي ، أو يتبع المتعلقات كأن يلحظ الضرب الخاص المطلوب موضوعا للتقييد لا ذاته لا بشرط ؛ ومن المعلوم انّ القيد الراجع الى الخاص يكون قيد الخصوصية حقيقة كما في القيود الراجعة الى النسبة الكلامية بتوسط رجوعها الى أطرافها كما في مثل ( زيد قائم في المسجد ) ونظائره.

وامّا الرابع : فلما حقق انّ التأخير الزماني مع مطابقة الواقع لما قصد في الانشاء ليس من التخلف أصلا ، وانما التخلف فيما اذا كان مخالفا للمقصود وان كان مترتبا على الانشاء بلا فصل كما لا يخفى.

ص: 260

وامّا الخامس : فلوضوح انّ التعليق انما هو بالنسبة الى المنشأ دون الانشاء ، كتعليق الملكية على الموت في الوصية وسائر المتعلقات الواقعة في العقود والايقاعات ، فلا تعليق في شيء منها في نفس الانشاء.

وامّا السادس : فلأنّ عينية علم الواجب مع ارادته تعالى لا ينافي تعددهما مفهوما فيه تعالى وعينا في غيره تعالى ، كما في المبادئ النازلة وسائر الصفات المتحدة مصداقا المختلفة مفهوما ؛ فحينئذ تكفي في المغايرة الارادة التشريعية مع العلم بالصلاح في نفس الباري تعالى ، فلا يرجع التعليق في الطلب الى التعليق في علمه تعالى.

وامّا التبعية فلا محذور فيها ، لما حقق في مبحث الملازمة من انّ البعث ومصلحته والحالة الانقداحية اليه غير مجرد الشوق الى أصل وجود فعل الغير وصلاحه ، حيث انّه ربّما يكون الفعل تمام الصلاح مع علم المولى بلا انقداح الى البعثية في نفسه ، لمانع ، لفقدان شرط في نفس البعث الذي هو ظهور الحالة النفسانية بالانشاء الخارجي اذا كان بداعي الجد ، ومع وجوده فلا تقدح الحالة البعثية.

وتوهم : كون البعث عين الشوق الى الموجود أو تابعا له.

مدفوع : بالمغايرة بينهما وجدانا في قول الغير بلا ملازمة بين العلم وتلك الحالة وانما الملازمة على تقدير التسليم انما هو في مقام الاقتضاء ، وامّا في مقام الفعلية فالاحكام الشرعية تابعة لمصالح وأغراض فيها يمكن المنع عن أصل تعلقها بالافعال بمجرد وجود المصلحة فيها فكيف عن فعليتها ، كما يظهر بالمراجعة الى الاوامر العرفية فانّ سلطانا اذا علم السلطنة على مملكة بعد مدة لا يصلح منه بعثهم فعلا على طبق قوانينه المجراة عليهم بعد سلطنته. نعم يصح منه التكليف اشتراطا ، لا مطلقا.

ص: 261

ويشهد على ما ذكرنا ملاحظة حالنا في زيارة قبر مولانا الحسين علیه السلام قبل وقته مدة مديدة مع العلم بفضلها ، فانّه مع ذلك قد لا تحصل للنفس الارادة بالنسبة اليها قبل الموسم مع العلم بحصولها في وقته ، فاذا كان الانسان بالنسبة الى ارادته في أفعاله مختلفا ، كذلك في أوامره بالنسبة الى الغير.

ومنه يستكشف حال الارادة التشريعية الالهية حيث انّها ربّما تخلفت عن العلم بالصلاح في الفعل ، ولا يبعد أن يكون كذلك في أوّل البعثة فانّ الاحكام تعلقت بهم مشروطا بالاستعداد.

وكما في الأطفال والمجانين فانّ الظاهر [ تعلق ] التكليف بهم فعلا بالنسبة الى أفعالهم بعد البلوغ والعقل مع اشتمالها على المصلحة في تلك الحال أزلا وأبدا ، بل انما يتعلق بهم بعد البلوغ.

وكما في الاحكام التكليفية في موارد الاصول العملية ، فانّ فعليتها مشروطة بالعلم بها وارتفاع موضوع الاصول.

فقد ظهر مما ذكرنا كله امكان الواجب المشروط بأن ينشئ البعث المشروط بشيء بحيث لا بعث قبله وانما يثمر الانشاء في حصوله بعده بحيث لا يحتاج الى انشاء جديد. هذا كله بحسب ما عليه المشهور من كون شرط التكليف هو الاشياء بوجودها الخارجي.

وامّا على ما هو التحقيق من كون الشرط هو الوجود العلمي فهي محققة بمجرد العلم بحصول الشرط ولو متأخرا ، فيكون الواجب المشروط نظير الواجب المعلق في كون الوجوب حاليا بالنسبة الى الفعل المستقبل ، غاية الامر الفرق انّه لا تقييد في المطلق أصلا ولو علما ، دون المشروط فانّه ارادة مقيدة بقيد حاصل أولا وهو العلم بوجود الشرط خارجا سواء كان مقارنا للمشروط أو سابقا أو لا حقا على نحو المرآتية والحكاية عنه كما عرفت.

ص: 262

إلاّ أن يقال : بناء على ذلك انّ الشرط يكون تارة : هو العلم بوقوع الشرط خارجا فعلا ، واخرى : هو العلم بأنّه سيوجد ، ففي الاول لا يحصل الانقداح والارادة التشريعية قبل وقوع الشرط فلا اشكال أيضا ، فتدبر.

187 - قوله : « وأمّا المعرفة ، فلا يبعد القول بوجوبها حتى في الواجب المشروط ».

187 - قوله : « وأمّا المعرفة ، فلا يبعد القول بوجوبها حتى في الواجب المشروط ». (1)

فينجرّ تركها الى استحقاق العقاب لو استلزم فوت الواجب في الوقت ولو بحصول غفلة في الحكم ، بل في الموضوع ما لم ترفع منه القدرة المعتبرة في الفعل ، بل ولو ارتفعت اذا كان الارتفاع بسبب ترك المعرفة.

والسرّ : انّها ليست من المقدمات الوجودية أو الوجوبية كي لا تتصف بالوجوب أصلا على تقدير وتتصف به على نحو اتصاف ذيها به على تقدير آخر ، بل هي من شرائط التنجز عقلا ؛ فبعد العلم بحصول شرط الوجوب - وكذا القدرة على الواجب مع مقدماته الوجودية وحصول البعث الحقيقي من قبل المولى الى الواجب في وقته - يحكم العقل بوجوب تحصيلها قبله ، وعدم العذر في ترك الواجب المستند الى تركها بعد العلم باستلزام تركها تركه.

هذا لو لم نقل بكون التعلم واجبا نفسيا تهيّؤا ، وإلاّ فالامر أوضح.

188 - قوله : « والمؤاخذة عليها بلا برهان ، فافهم ».

188 - قوله : « والمؤاخذة عليها بلا برهان ، فافهم ». (2)

لعله اشارة الى انّ استقلال العقل بتنجز الاحكام - بمجرد قيام احتمالها - انما هو في صورة كون الاحتمال والتمكن من تحصيل معرفتها في الواجبات المطلقة ، واما في الواجبات المشروطة فلا.

امّا قبل حصول شرطها فلعدم تحققها بعد حتى يحكم بتنجزها.

ص: 263


1- كفاية الاصول : 126 ؛ الحجرية 1 : 88 للمتن و 1 : 90 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 126 ؛ الحجرية 1 : 89 للمتن و 1 : 91 للتعليقة.

وامّا بعده فلعدم التمكن من معرفتها.

إلاّ أن يستقل باستحقاق العقاب بمجرد تفويت مصالح الاحكام مع التمكن من تحصيلها بمعرفة الاحكام قبل الشرط حتى تتوجه الى المكلف بعده.

فليس الاستحقاق لاجل التنجز مطلقا.

189 - قوله : « ومجاز على المختار ».

189 - قوله : « ومجاز على المختار ». (1)

في الواجب المشروط بالشرط المتقدم ، وامّا في المشروط بالشرط المتأخر فحقيقة مطلقا كما لا يخفى.

190 - قوله : « لاستعمالها على مختاره قدس سره في الطلب المطلق ».

190 - قوله : « لاستعمالها على مختاره قدس سره في الطلب المطلق ». (2)

ظاهره : انّ استعمالها على نحو الحقيقة على مختار الشيخ رحمه اللّه لا يحتاج الى تعدد الدال والمدلول بل يحتاج اليه بناء على المذهب المنصور في المشروط.

وليس كذلك ، بل يحتاج الاستعمال الحقيقي الى ذلك مطلقا ، لكون الموضوع له هو المطلق فارادة غيره مطلقا لا بد أن يكون بدال آخر ، وإلاّ لكان مجازا كما لا يخفى.

كما انّ ارادة خصوص زمان قبل الشرط في لفظ الواجب يحتاج الى دال آخر أيضا ، وانما الغير المحتاج اليه [ هو ] ارادة المتلبس من غير انطباق على زمان معين ، وإلاّ فيكون ارادة الخصوصية مجازا لو لا الدال الآخر ؛ ولعله أشار الى ما ذكرنا بقوله : « فافهم ».

191 - قوله : « لا من استقبالية الواجب ، فافهم ».

191 - قوله : « لا من استقبالية الواجب ، فافهم ». (3)

اشارة الى انّ فائدة التقسيم بيان عدم وجوب خصوص المقدمة التي قد

ص: 264


1- كفاية الاصول : 126 ؛ الحجرية 1 : 89 للمتن و 1 : 89 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 126 ؛ الحجرية 1 : 89 للمتن و 1 : 91 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 128 ؛ الحجرية 1 : 90 للمتن و 1 : 91 للتعليقة.

أخذ الواجب بالنسبة اليه معلقا ، لا مطلق المقدمات الوجودية كي يرد عليه بعدم الفائدة في هذا التقسيم ؛ بخلاف ما لو اكتفى بالتقسيم الاول ، فانّه يوهم وجوب تمام المقدمات الوجودية للواجب المطلق ، مع انّه غير صحيح كما لا يخفى.

192 - قوله : « ثم انّه ربّما حكي عن بعض أهل النظر من أهل العصر اشكال في الواجب المعلق ».

192 - قوله : « ثم انّه ربّما حكي عن بعض أهل النظر (1) من أهل العصر اشكال في الواجب المعلق ». (2)

ولا يخفى انّ هذا الاشكال :

تارة : لاجل انّ الارادة من الصفات ذات الاضافة ، فلا بد لها من طرف موجود.

واخرى : لاجل انّها بالنسبة الى فعل الغير بازاء الارادة المحركة للعضلات في فعل نفس الفاعل. وهذا يبتني على توهم انّ الارادة التشريعية كالارادة التكوينية وانما الاختلاف بينهما من وجهين : أحدهما : كون الاولى ظاهرة ومؤثرة في الفعل دون الثانية ؛ وثانيهما : تعلق الاولى بفعل نفس الفاعل والثانية بفعل الغير مقام فعل النفس ، فالفعلان في عرض واحد ، فكذا الارادتان في فعل النفس انما هي جزء أخير من العلة التامة للفعل فلا ينفك عنه ، فكذا ما بازائه في فعل الغير وهو الطلب ، فكيف يكون حاليا والواجب [ استقباليا ]. (3)

وثالثة : لاجل انّ الارادة بعث من المولى الى الفعل ، ولا يكاد يتعلق البعث الحالي [ بأمر ] (4) استقبالي ، إذ هو ليس إلاّ كارادة صدور غير المقدور في ظرف

ص: 265


1- وهو المولى علي بن فتح اللّه النهاوندي في تشريح الاصول : 165 السطر 9 في ( تشريح في مقدمة الواجب ).
2- كفاية الاصول : 128 ؛ الحجرية 1 : 90 للمتن و 1 : 91 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( استقلاليا ).
4- في الاصل الحجري ( الى امر ).

الارادة.

ولكن الجواب :

امّا عن الجهة الاولى : فبأنّ الصفات ذات الاضافة لا بد لها من متعلق موجود في طرفه ، ولا يلزم المقارنة مع الصفة كما في علم الواجب وقدرته بالنسبة الى الممكنات ، ولا يزيد صفة الممكن عن الواجب.

وامّا عن الجهة الثانية :

فامّا أولا : بأنّ الارادة في فعل الغير انما هي مقدمة على مبادئ ارادته فكيف على ارادته ، حيث انّها من قبل المولى انما هي لإحداث الداعي في نفس العبد حتى يعلم به مع ما يترتب على موافقته من المثوبة والعقوبة فيحصل له الميل ثم الجزم ثم الارادة ، فليس في مرتبة الارادة المحركة ، بل لا يكاد يمكن إلاّ بالنسبة الى غير الموجود في زمان الطلب حتى في الواجب المنجز ، وإلاّ لزم الطلب في ظرف تطرق ارادة الفاعل للفعل وهو في معنى طلب الحاصل ؛ فاذا كان لا بد من التأخر فلا فرق في استحالة التخلف وامكانه بين قلة الزمان وكثرته كما هو واضح.

وامّا ثانيا : فعلى تقدير تسليم كون الطلب بازاء الارادة المحركة في فعل المباشر نقول :

انّ الارادة في الفعل الزماني لا بد أن تتقدم عليه زمانا ، لوضوح انّ آخر العمل - كالاجزاء اللاحقة للصلاة وكالامساك بعد الزوال في الصوم - متعلق للارادة في أول العمل ، والحال انّ المراد متأخر زمانا.

هذا في الفعل الذي حضر زمانه ولم يحتج الى مقدمة خارجية غير حاصلة ، فضلا عن غيره.

وعلى تقدير التنزل نقول : انّ المقارنة انما هو فيما اذا لم يكن له مقدمات غير

ص: 266

حاصلة ولم يكن بنفسه أمرا استقباليا ، وامّا اذا كان كذلك فالتحريك انما يكون بالنسبة الى مقدماته سابقا على التحريك بالنسبة الى نفسه في الصورة الاولى ، ولم يحصل له تحريك قبل الوقت اصلا في الصورة الثانية ، مع انّ الشوق بتلك المرتبة التي تكون في الحال غير المحتاج الى مقدمة أصلا ؛ فمنه يعلم انّ المراد من الارادة المحركة بيان مرتبة الشوق لا لزوم منشئيته للحركة كما لا يخفى.

وامّا عن [ الجهة ] الثالثة : فبالنقض بارادة نفس الفاعل المباشر ، حيث يوجب التحريك الى نفس الفعل ذات الاجزاء التدريجية تارة ، والى مقدماته اخرى ، ولا يوجب ثالثة كما في قبل الوقت مما لم يحتج الى مقدمة أصلا ، فلا بد من تقدمها على نفس الفعل ، ولا يمكن مقارنتها مع وجود الفعل : امّا مطلقا حتى في المنجز غير المحتاج الى زمان وشيء أصلا لكونه حينئذ من قبيل ارادة الموجود ؛ أو في الصورتين المذكورتين وفي الاجزاء اللاحقة مطلقا كما هو واضح.

وبناء على قول المستشكل فيلزم تعلقها بغير المقدور ، ومحذوره أشد من تعلق الارادة التشريعية به.

وان لم يلتزم بالارادة في تمام الفعل أولا في هذه الموارد ، فيلزم كون المقدمات نفسه ومرادات مستقلة ، وهو باطل في ظرف العمل لا في ظرف الارادة كما كان كذلك في الارادة التكوينية.

وان كان الاشكال في اتصاف الفعل المستقبل بالوجوب السابق لا في تعلق الارادة الحالية بالمستقبل ، حيث انّ اللزوم الشرعي كاللزوم الخارجي لا يكاد يتصف به إلاّ ما كان مقارنا معه زمانا مع القدرة الفعلية به ، ولا معنى للوجوب الفعلي به كما لا معنى للوجوب الحالي بالمستقبل.

ص: 267

ففيه : انّه ينتقض بالواجبات المنجزة أيضا بالنسبة الى اجزائها اللاحقة ، بل مطلقا حتى بالنسبة الى الجزء الاول منها حيث انّه لا بد من الوجوب قبل الوجود وإلاّ لزم ايجاد الموجود المستلزم لطلب الحاصل.

فاذا كان لا بد من تقدم الايجاب على الفعل زمانا فلا فرق بين قلته وكثرته في الاستحالة والامكان - كما لا يخفى - وهي القدرة عليه بعد مجيء زمانه.

وفيه : انّه على ذلك اذا علم بتحقق القدرة في زمان الواجب بحيث يعلم بعدم سلبها فلا بد أن تكون المقدمات واجبة موسعة فيصح الاتيان بالعبادي منها بقصد الوجوب ولم يلتزم به القائل باعتبار قصد الغاية في مثل الوضوء والغسل.

نعم يمكن أن يقال باعتبار القدرة الخاصة وهي القدرة المعمولة فيها في زمان الواجب لا قبله ، ولازمه ان تكون المقدمة وجودا خاصا وهو العمل في زمان الواجب لا قبله ، ولذلك لا يصح الاتيان بها قبله ، فتدبر ؛ فلا بد أن يكون كذلك في التشريعية المتعلقة بفعل الغير أيضا.

ولا فرق بين قلة الزمان وكثرته في الاستحالة والامكان.

فقد ظهر انّه لا اشكال في الواجب المعلق من هذه الجهات.

193 - قوله : « بل ينبغي تعميمه الى امر مقدور متأخر اخذ على نحو يكون موردا للتكليف ».

193 - قوله : « بل ينبغي تعميمه الى امر مقدور متأخر اخذ على نحو يكون موردا للتكليف ». (1)

أقول : ربما يشكل في هذا القسم :

ثبوتا : بأنّ القيد الاختياري ان لم يكن دخيلا في مصلحة الواجب فلا بد أن يكون الفعل واجبا منجزا مطلقا ، وان كان دخيلا فيهما فلا بد أن يكون موردا للتكليف كغيره من القيود الاختيارية.

ص: 268


1- كفاية الاصول : 130 ؛ الحجرية 1 : 91 للمتن و 1 : 94 للتعليقة.

واثباتا : بأنّ هذا القيد اذا أخذ في متعلق التكليف مطلقا يلزم سراية الطلب اليه أيضا ، وان اخذ مقيدا فلا شيء يميزه عن غيره إلاّ بأخذ عدم الالزام فيه ، فيلزم الدور كما لا يخفى.

والجواب :

امّا عن الاشكال الثبوتي : فبالالتزام بوجود مانع عن البعث الى القيد من مفسدة فيه أو حرج أو غيرهما.

وامّا عن الاشكال الاثباتي : فبالالتزام بأخذه في طرف المكلف ، أو بتقييده بعدم طبيعة البعث بنحو طبيعة ، أو بالتفرقة العرفية بين قوله : « يجب الحج من استطاعة » وبين قوله : « يجب الحج عن استطاعة » [ الذي يكون ] حاصله سراية الطلب الى القيد في الاول دون الثاني ، فلا اشكال.

194 - قوله : « وان دار أمره ثبوتا بين أن يكون راجعا الى الهيئة ... الخ ». (1)

لعلك تتخيل أنه لا وجه لدوران القيد بين رجوعه الى الهيئة أو الى المادة عند الشيخ رحمه اللّه بعد [ التزامه ] (2) برجوع جميع القيود الى المادة.

لكنا نقول : انّ مراده مما ذكره انّه لا ينوط الطلب ولا يتسبب به واقعا ، بل يتعلق بالفعل ذي المصلحة ابتداء بلا ارتباطه بشيء وتكون تمام القيود التي لها دخل في المصلحة من قيود الفعل ؛ ولكنه لا ينافي اناطة الطلب به في القضية الشرطية المستعملة في ثبوت التالي عند وجود المقدمة وان لم يكن بينهما سببية ولكن بعد تحقق نحو من الملازمة بينهما ولو تبعية ، وحيث انّ القيد فيما نحن فيه من قيود الفعل بحيث لا يتعلق به الطلب عند عدمه فيصح جعل الملازمة بينهما في

ص: 269


1- كفاية الاصول : 133 ؛ الحجرية 1 : 92 للمتن و 1 : 94 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( الزامه ).

مقام الاثبات دون الثبوت ، كما يظهر ما ذكرنا من المراجعة الى التقريرات (1) في هذا البحث.

195 - قوله : « وإلاّ فالمرجع هو الاصول العملية ».

195 - قوله : « وإلاّ فالمرجع هو الاصول العملية ». (2)

ولا يخفى انّ الدوران لا يخلو من صور :

احداها : انّ الدوران بين جميع أقسام الواجب من المشروط بالشرط المتقدم والمتأخر ومن المطلق الشامل للمعلق والمنجز ، والمرجع هو البراءة عن التكليف عقلا ونقلا قبل حصول الشرط وان علم بحصوله بعد ذلك ، ولازمه الحمل على المشروط بالشرط المتقدم.

ثانيها : الدوران بين واحد من المشروط المتأخر والمعلق المنجز ، والمرجع هو البراءة عند عدم العلم بحصول القيد المشكوك كيفية ، ولازمه الحمل على أحد الاولين.

ثالثها : الدوران بين المشروط بعد العلم بعدم رجوع القيد الى المادة ، والمرجع هو البراءة قبل حصول الشرط ، ولازمه الحمل على المشروط بالمقدم.

رابعها : الدوران بين قسمي المطلق من المعلق والمنجز ، والمرجع هو البراءة أيضا عند عدم العلم بحصول الشرط في الخارج ، ولازمه الحمل على المعلق ؛ وقد فصلنا صور الدوران في فوائدنا.

196 - قوله : « وترجيح عموم العام على اطلاق المطلق انما هو لاجل كون دلالته بالوضع ».

196 - قوله : « وترجيح عموم العام على اطلاق المطلق انما هو لاجل كون دلالته بالوضع ». (3)

ص: 270


1- مطارح الانظار : 49 السطر 5 ، والطبعة الحديثة 1 : 251.
2- كفاية الاصول : 133 ؛ الحجرية 1 : 92 للمتن و 1 : 94 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 134 ؛ الحجرية 1 : 93 للمتن و 1 : 95 للتعليقة.

[ ظاهره ] (1) انّ ما كان منها بالوضع يقدم على ما كان بمقدمات الحكمة مطلقا.

وليس كذلك ، بل انما يسلّم ذلك في المتصلين لا في المنفصلين ، بل في صورة الانفصال يكون المدار على الاظهرية ، وان كان في مقدمات [ الحكمة ] (2) يتم الاطلاق [ لكون ] (3) ظهوره ظهور المطلق تعليقيا [ مطلقا ] (4) كما لا يخفى.

197 - قوله : « كان لهذا التوهم مجال حيث انعقد للمطلق اطلاق ».

197 - قوله : « كان لهذا التوهم مجال حيث انعقد للمطلق اطلاق ». (5)

حيث انّه قد استقر لكل من الهيئة والمادة ظهور ، فيدور الامر بين رفع اليد عن ظهور واحد أو عن اثنين. والشك في التقييد الزائد كالشك في أصله في الرجوع الى نفيه بأصالة الاطلاق.

وفيه : انّه انما يصح بناء على مذاق الشيخ قدس سره في الواجب المشروط من رجوع القيد تماما الى المادة لبا ، حيث انّه يعلم بتقييد المادة في مقام الثبوت بالنسبة الى مصلحته الذاتية وانما الشك في تقييد طلبه حال عدم وجود القيد خارجا ، فيجري فيه أصالة الاطلاق بلا معارض.

وامّا على التحقيق من اناطة الطلب واشتراطه حقيقة فيبقى الدوران له بين رفع اليد عن اطلاقه وبين رفع اليد عن اطلاق المادة الكاشف عن الحسن الذاتي فيه مطلقا ، بحاله.

ورفع اليد عن اطلاق الهيئة لا يوجب رفع اليد عن اطلاق المادة المثمر فيما

ص: 271


1- في الاصل الحجري ( ظاهر ).
2- في الاصل الحجري ( الحكم ).
3- في الاصل الحجري ( كون ).
4- في الاصل الحجري ( معلقا ).
5- كفاية الاصول : 135 ؛ الحجرية 1 : 93 للمتن و 1 : 95 للتعليقة.

ذكرنا كما لا يخفى.

ثم انّ رفع اليد عن الاطلاقين في القرينة المتصلة ليس لاجل الدوران والتزاحم بين التقييدين كما في المنفصلة ، وإلاّ لأمكن أن يرجع الى أصالة الاطلاق في الهيئة ، للعلم بعدم جريان أصالة الاطلاق في المادة امّا للتقييد وامّا لرفع موضوعه فتبقى أصالته في الهيئة مشكوكا بدويا بلا مزاحم ، بل انما يرفع اليد عنهما : امّا عن المادة فللعلم المذكور ، وامّا عن اطلاق الهيئة فلكون الشك في قرينية الموجود ، ومعه لا ينعقد ظهور في ما له الوضع فضلا عما ليس له إلاّ الاطلاق الحكمي.

ولعله أشار الى بعض ما ذكرنا بالتأمل.

ص: 272

النفسي والغيري

198 - قوله : « لما كاد يتعلق بها الايجاب ».

198 - قوله : « لما كاد يتعلق بها الايجاب ». (1)

فلا يصدق على الواجب لاجلها انّه مطلوب لاجل التوصل الى واجب آخر كما هو معنى الواجب الغيري ، فلا ينقض احدهما بالآخر في الواجبات النفسية في الشريعة ؛ فهذا القائل قد فرّق :

بين تحديد الواجب الغيري بأنّه : « ما امر به لغيره » والواجب النفسي بأنّه : « ما امر به لنفسه » (2) فالزم بالانتقاض.

وبين تحديد الواجب الغيري بأنّه : « ما امر به لاجل التوصل به الى واجب آخر » والواجب النفسي : « ما لم يكن كذلك » (3) ، فلا ينتقض أحد الحدّين بالآخر كما في التقريرات.

ولكنه قد اشتبه عليه الامر : بأنّ الواجب أعم من المباشري والتسبيبي ، وانّ المقدور بالواسطة مقدور أيضا ، وانّ المطلوب لاجل شيء لا ينفك عن طلب ذاك الشيء ، وحينئذ فلا فرق بين التحديدين والانتقاض وعدمه.

ص: 273


1- كفاية الاصول : 135 ؛ الحجرية 1 : 94 للمتن و 1 : 96 للتعليقة.
2- التعبيران ينسبهما في التقريرات الى غير واحد من الاصوليين ، مطارح الانظار : 66 السطر 20 - 21 ، والطبعة الحديثة 1 : 330.
3- اما هذان التعبيران فهما لصاحب التقريرات نفسه ، مطارح الانظار : 66 السطر 26 ، والطبعة الحديثة 1 : 331.

فالأولى في الجواب ؛ الالتزام بعنوان نفسي ورجحان ذاتي في الواجبات النفسية وان ترتب عليها فوائد أخر أيضا.

بل يمكن أن يقال : انّ المصلحة الذاتية في العبادة كالصلاة مثلا من سنخ مصلحة معرفة اللّه المحبوبة ذاتا ، حيث انّ حسنها لكونها مصداقا لاظهار تذلل النفس وخضوعها واظهار عظمة اللّه ، وهو كما يحصل بمعرفة [ النفس ] (1) كذلك يحصل بهيئة الصلاة التي تكون مصداقا للخضوع والتذلل وهو عين اظهار عظمة المعبود ، غاية الامر يكون الأولى اظهارا في الخارج ؛ وهذه الطبيعة أينما تحققت تكون حسنا بذاتها ، وبعض مراتبها كالخضوع الجارحي يكون مقدمة لبعض مراتبها الاخرى كالخضوع الجانحي.

ولكن لما كانت الجهة النفسية في كل مرتبة سابقة على الجهة الغيرية فيها فتكون موجبة بوجوبها النفسي قبل تأثير جهتها الغيرية في ايجابها الغيري ، فتكون الجهة الثانية امّا غير مؤثرة أصلا عقلا أو موجبة للتأكد بحيث لا تكون رافعة للوجوب النفسي ، فلذلك تكون العبادة الشرعية واجبات نفسية ومحبوبات بذاتها وان كان فيها ملاك الوجوب الغيري أيضا ، فلا ينتقض أحد التحديدين بالآخر طردا والآخر عكسا كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال : انّ المصلحة في بعض الواجبات خارجة عن المأمور به ، إلاّ انّها لا يترتب عليه إلاّ بعد الالزام. وبعبارة اخرى : يكون أثرا للفعل الالزامي لا لذاته ، ومثل هذه المصلحة لا يمكن أن يتعلق بها الامر لكونها متوقفة عليه فلا يصير موضوعا له وحينئذ فيكون الفعل واجبا ابتداء ؛ ولا للتوصل الى واجب آخر وان كان للغير ، فيكون واجبا نفسيا على التحديد الاول دون الثاني ،

ص: 274


1- في الاصل الحجري ( النفسية ).

فيحصل الفرق بين التحديدين ، ولعله أشار الى ما ذكرنا بالتأمل.

199 - قوله : « إلاّ أنّ اطلاقها يقتضي كونه نفسيا ».

199 - قوله : « إلاّ أنّ اطلاقها يقتضي كونه نفسيا ». (1)

ولا يخفى انّ الوجوب النفسي بحسب الثبوت فرد خاص من مطلق الوجوب مقابل للوجوب الغيري ، وليست النسبة بينهما كالاطلاق والتقييد الاصطلاحيين.

إلاّ انّهما بحسب مقام الاثبات في انّ التعبير عن الاول في المحاورات انما هو بلفظ مطلق بلا قرينة وعن الثاني انما هو مع قرينة على خصوصية ، فعند عدم التقييد يكشف عن الاول فلا بد من الحمل عليه.

200 - قوله : « وامّا استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته ففيه اشكال ».

200 - قوله : « وامّا استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته ففيه اشكال ». (2)

اختلفوا فيه على أقوال : ثالثها التفصيل بين الثواب والعقاب بالتزام الاول دون الثاني ، ورابعها عكس الثالث وهو مجرد احتمال ما عثر به على قائل.

والتحقيق : عدم ترتبها على فعله وتركه ؛ ولا بد أولا من بيان ترتب الثواب والعقاب في الواجب النفسي ثم توضيح الحال في الغيري فنقول :

انّ المعروف بين المتكلمين انّ فاعل الواجب يستحق المدح والثواب ويحصل له به القرب الى المولى ، وتاركه يستحق الذم والعقاب ويحصل له البعد عن ساحة المولى.

امّا حصول القرب بالفعل والبعد بالمخالفة فلا شبهة في ترتبهما عقلا ، حيث انهما من لوازم الاطاعة والعصيان عنده ولا يتخلفان عنهما.

وامّا استحقاق المدح والثواب بمعنى الجزاء على الاطاعة فعلا بحيث يكون

ص: 275


1- كفاية الاصول : 136 ؛ الحجرية 1 : 94 للمتن و 1 : 97 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 138 ؛ الحجرية 1 : 95 للمتن و 1 : 97 للتعليقة.

عدم صدورهما عن المولى بالنسبة اليه قبيحا ففيه منع ، حيث انّ [ وجوب ] (1) اطاعة المولى عقلا - سيّما اذا كان المولى ممن يفيض عليه الوجود وينعم عليه بأنواع النعم دائما بحيث لو انقطع فيضه عن العبد آناً ما يكون كأن لم يكن شيئا مذكورا - انما هو قضية العبودية.

نعم استحقاقهما - بمعنى انهما لو صدرا عن المولى بالنسبة الى العبد المطيع كانا في محله - لا بأس به ، بل لا مناص عنه عقلا. كما انّ افاضة الثواب عنه تعالى من حيث انّ الراجح لم يترك صدوره عنه تعالى أو بمقتضى وعد الفيض الثابت بالآيات والأخبار ، مما لا يقبل الانكار ، الاّ انّه لا دخل له بمسألة الاستحقاق للاطاعة في نفسها كما هو واضح.

وامّا استحقاق الذم والعقاب على العصيان - بمعنى انّ وقوعهما على تقدير صدورهما عنه تعالى في محلهما - مما لا يقبل الشبهة. وامّا ترتبهما فعلا بحيث كان تركهما قبيحا كي ينافي العفو فلا. نعم لا يستبعد القول به بالنسبة الى بعض الطاغين بالاضافة الى بعض المعاصي ، كما لا مناص عنه في الظالم على غيره تعالى من عباده ، هذا في النفسي.

وامّا في الغيري فالصواب عدم استحقاق فاعله بنفسه لكلّ من [ الثواب ] (2) والمدح والقرب أصلا ، حيث انّه ظهر انّ الاستحقاق دائر مدار الاطاعة المنوطة على امتثال أمر المولى بمعنى أن يكون الداعي الى الطاعة هو ذاك الامر بحيث لولاه لم يكن داع للعبد اليها ، ولا شبهة في عدم تحققه في الامر الغيري ، حيث انّ امتثال الواجب - ولو اشتمل على مقدمات غير (3) عديدة - واحد

ص: 276


1- في الاصل الحجري ( وجود ).
2- في الاصل الحجري ( الصواب ).
3- الظاهر انّ كلمة ( غير ) زائدة.

عند العقل والعقلاء ، وليس ذلك إلاّ بالنسبة الى الامر النفسي ، والداعي للعبد والمحرك عن قبل المولى الى الفعل بمقدماته ليس إلاّ إيّاه ، كما يستكشف ذاك بملاحظة الأوامر العرفية الى عبيدهم فانّه لا شبهة عندهم بأجمعهم : انّ الاتيان بواجب واحد - متوقف على مقدمات ولو بلغت الى ما بلغت - امتثال واحد ، فله استحقاق واحد ، هذا.

مضافا الى انّ مجرد كون الداعي هو اسقاط الامر لا يوجب الاستحقاق ما لم ينضم اليه كون الفعل لاجل المولى المطاع ، بل المقرّب الحقيقي ذلك حتى في مورد امتثال الامر النفسي من باب انطباقه عليه ؛ ولكن في الغيري لا يقع الفعل لاجل المولى إلاّ اذا قصد التوصل الى ذي المقدمة حيث انّه الغاية والغرض الاصلي ، فما لم يقصد التوصل اليه لا يحصل مراعاة جهة المولى داعيا وغاية ، ومعه يكون الثواب على انقياد الامر النفسي أو على نفس الواجب النفسي لاجل كونه أشق الاعمال وأحمزها ، فيختلف مراتبه بقصد امتثال الامر النفسي حين الشروع في المقدمات على اختلافها قلة وكثرة حسب اختلاف قصد التوصل في جميعها أو بعضها ، لا لفعل المقدمات.

ويكشف عما ذكرنا حكم العقل على استحقاق الفاعل للمقدمات - قاصدا بها التوصل الى ذيها لا لامره - للثواب ولو لم يلتفت الى أمرها وقلنا بعدم وجوبها وعدم استحقاقه لو لم يقصد بها التوصل الى ذيها ، بل كان قاصدا لتركه وان قصد امتثال أمرها الغيري ، وليس ذلك إلاّ لعدم استتباع الامر الغيري للثواب ، ولما كان العقاب توأما مع الثواب فيدور مدار العصيان الدائر مدار امكان الامتثال ، وإذا لا امتثال للامر فلا عصيان فلا عقاب.

ولا ينافي ما ذكرنا - من عدم استحقاق الثواب بفعل المقدمات بنفسها - ما ورد نقلا في بعض المقدمات ، كما ورد في زيارة مولانا الحسين علیه السلام من انّ لكل

ص: 277

قدم ثواب عتق عبد (1) وغير ذلك مما ورد في صرف المئونة وانفاق أموال وقطع البوادي مقدمة للجهاد وغيره ؛ لأنه يمكن المناص عنه بعد ما عرفت :

امّا الى فضل الرب الكريم فانّ الفضل بيده يؤتيه من شاء.

وامّا بالقول بزيادة ثواب ذي المقدمة باختلاف مقدماته قلة وكثرة سهولة ومشقة اذا وقعت بقصد امتثال أمره لما ورد من « انّ أفضل الاعمال أحمزها » (2) والمشقة في المقدمات توجب المشقة في ذيها ، فالإخبار بالثواب بفعل المقدمات كناية عن زيادة بالنسبة الى ذيها بحيث اذا وزع عليها يكون لكل منها شيء من الثواب. ويؤيده ما ورد من الثواب على الأقدام بعد المراجعة من زيارة الحسين علیه السلام . (3)

وامّا بالتزام اشتمال المقدمات على عنوان في ذاتها غير عنوان مقدمتها يوجب ترتب الثواب عليها بنفسها من مثل ( تعظيم شعائر اللّه ) في [ السفر ] (4) الى زيارة الحسين علیه السلام وغير ذلك مما يوجب الثواب ، فلا دلالة لما ورد من الاخبار لما ذكر من عدم الثواب على الامر بالمقدمة.

ص: 278


1- « ... من اتى قبر الحسين ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد اسماعيل ». وسائل الشيعة 10 : 343 أبواب المزار الباب 41 باب استحباب المشي الى زيارة الحسين علیه السلام وغيره الحديث 6.
2- لم نعثر عليه في مصادرنا الروائية ، وهو موجود في مصادر العامة بلفظ : « في حديث ابن عباس « سئل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أي الاعمال افضل؟ فقال : أحمزها ». النهاية لابن الاثير 1 : 440 باب الحاء مع الميم في مادة ( حمز ).
3- « ... فان رجع ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حجتين وعمرتين ». تهذيب الاحكام 6 : 120 باب 7 فضل زيارته علیه السلام الحديث 3.
4- في الاصل الحجري ( المسافرة ).

201 - قوله : « عند ترك المقدمة ».

201 - قوله : « عند ترك المقدمة ». (1)

أي بالنسبة.

202 - قوله : « يصير حينئذ من افضل الاعمال ».

202 - قوله : « يصير حينئذ من افضل الاعمال ». (2)

فيثاب بأشقها بفعل ذي المقدمة.

203 - قوله : « امّا الاول : فهو انّه اذا كان الامر الغيري بما هو لا اطاعة له ».

203 - قوله : « امّا الاول : فهو انّه اذا كان الامر الغيري بما هو لا اطاعة له ». (3)

غرضه دام ظله : انّه يرد في المقام اشكالان :

أحدهما : انّه لعلك تتخيل انّ ما ذكرنا - من عدم استتباع الامر الغيري [ لاستحقاق ] (4) الثواب - ينافي معلومية ترتبه على الطهارات الثلاث ، حيث انّه لا خلاف فيه ظاهرا ؛ مضافا الى استفاضة الاخبار في ذلك.

الثاني : انّه بعد ما عرفت من كون الامر الغيري لمجرد التوصل به الى ذي المقدمة ، فيكون الغرض منه معلوما ، ويحصل باتيان المقدمة كيف يشاء ، فلا يجب الاتيان بها بقصد القربة وامتثال الامر.

مضافا الى عدم التأتّي منه في الامر الغيري ، لما عرفت من انّ امتثال الامر انما هو فيما اذا كان تحريك المولى للعبد الى الفعل مستندا اليه بحيث لولاه لما ثبت التحريك من قبل المولى ، وعرفت انّه في الامر النفسي - مع انّه على تقدير التنزل عنه - لا يمكن قصد التقرب الى المولى بمجرد ارادة اسقاط الامر الغيري ما لم يقصد كون الاتيان لاجل المولى ولا يكاد يمكن ذلك إلاّ أن يقصد التوصل الى ذي المقدمة ومعه فلا حاجة الى قصد الغيري ؛ ومع ذلك كله فكيف أطبقوا على لزوم

ص: 279


1- كفاية الاصول : 139 ؛ الحجرية 1 : 95 للمتن و 1 : 95 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 139 ؛ الحجرية 1 : 96 للمتن و 1 : 96 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 139 ؛ الحجرية 1 : 96 للمتن و 1 : 100 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( لا يستحقان ).

الاتيان بالطهارات الثلاث بقصد امتثال الامر المتعلق بها؟

واجيب عنه : بوجوه :

أحدها : ما هو التحقيق كما في المتن ، من انّ العبادة قد تكون مقدمة لواجب بحيث لا يتوصل بها إلاّ باتيانها عبادة ، وانّ الطهارات الثلاث عبادات نفسية ومندوبات ذاتية كما في بعض الاخبار « انّ الوضوء على الوضوء عشر حسنات » (1) ومن حيث كونها كذلك جعلت مقدمة للواجب الآخر ، فالتعبد بها من حيث مطلوبيتها النفسية ، ولما لم يكن طلبها النفسي وهو الندب فعليا ، لمضادتها مع الطلب الغيري الوجوبي بالفعل ، فان قلنا بكفاية الرجحان الذاتي في اتيان الفعل عبادة وان لم يقصد به امتثال الامر فلا اشكال ؛ وان قلنا بعدم الكفاية ولزوم قصد الامتثال في العبادة فنقول :

انّ طريان الطلب [ الوجوبي ] (2) على الندب النفسي ليس بنحو يرفعه كما في طريان أحد الضدين على الآخر ، بل يؤكده كما في طريان المرتبة الشديدة من الحقيقة المشككة على المرتبة الضعيفة منها ، لانّ ما به الافتراق في الشديد - وهو شدة الطلب فيما نحن فيه - لما كان عين ما به الافتراق وهو الطلب المطلق الموجود في الضعيفة أيضا ، فلا يباينه كي يرفعه وان كان موجبا لارتفاع حد الضعيفة ، ولكن الحد بمعنى النقض من المرتبة الشديدة أمر عدمي لا يرتفع بارتفاعه أصل الطلب ، فاذا كان الطلب الغيري مشتملا على أصل الطلب النفسي الندبي فيصح قصد التعبد به من هذه الجهة ويكون موجبا لكون الطهارات عبادة اذا قصد باتيانها امتثال ذاك

ص: 280


1- لم نعثر عليه بهذه العبارة ، والموجود في المصادر في حديث الأربعمائة هو : « الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا ». بحار الانوار 10 : 98 الحديث 1. وفي الخصال : « للوضوء بعد الطهور ... الخ ».
2- في الاصل الحجري ( الوجودي ).

الامر لاشتماله على مرتبة الطلب النفسي ، فيرتفع الاشكال. ولعله أشار الى ما ذكرنا بقوله : « فافهم ».

وامّا توهم : عدم تمامية هذا الوجه في التيمم على ما في التقريرات (1) ، لعدم ثبوت المطلوبية النفسية ، فمدفوع :

بثبوته اولا ، بدليل التنزيل من مثل قولهم علیهم السلام : « التيمم أحد الطهورين » (2) ولو حال التكليف به في جميع الحالات.

وبكفاية امكانه ثانيا ، حيث انّه يرتفع به استبعاد كون الامر الغيري موجبا لكون المقدمة من العبادات ، بل استحالته.

كما انّه يندفع توهم عدم ارتفاع الاشكال عن أصله بناء على الالتزام بالعبادية النفسية في الطهارات ، بتوهم : انّ الاشكال فيها كان من جهة انحصار عباديتها بأمرها الغيري.

وجه الاندفاع : انّ مناط الاشكال هو انّ الطهارات لمّا كانت مقدمة ولازمها الاكتفاء بها ولو لم يؤت بها عبادة لكون الغرض منها وهو (3) يحصل به ، فيجاب بأنّه فيما لم تكن المقدمة من العبادات ذاتا كما عرفت ، لا انّ مناطه هو انحصار العبادية فيها بامتثال أمرها الغيري كي لا يرتفع الاشكال لعدم التفاوت في مناط الامر الغيري بحسب الموارد كي يلزم التعبد به في مورد دون مورد آخر.

مع انّه لو كان ذلك ملاك الاشكال لكان الجواب بأنّ الانحصار بامتثال الامر الغيري انما هو بناء على لزوم قصد الامتثال في العبادات وانّه لكونه مشتملا على

ص: 281


1- مطارح الانظار : 70 السطر 33 ، والطبعة الحديثة 1 : 348.
2- الكافي 3 : 63 باب ( الوقت الذي يوجب التيمم ... الخ ) الحديث 4 ؛ ومن لا يحضره الفقيه 1 : 58 باب التيمم الحديث 3.
3- الظاهر ان قوله : « وهو » زائد.

الطلب النفسي فيما نحن فيه ، لا بخصوصية فيه كما عرفت.

ثانيها : انّ الفعل الخارجي في الطهارات لما لم يكن مما يتوقف عليه الواجب في الظاهر مع حكم الشارع بمقدميتها ، فيستكشف من بيانه انّها بلحاظ عنوان من عناوينه الواقعية لا بجميع عناوينها ، فلا بد من اتيانها بحيث يترتب عليها ذلك العنوان ؛ وربّما يكون ذلك من العناوين القصدية بحيث لا يحصل بدونه فلا بد من قصده ، وحيث انّه لم يكن تفصيلا فيشار اليه اجمالا بقصد امتثال الامر الغيري لأنه لا يدعو إلاّ الى واقع المقدمة وليس ذلك إلاّ الفعل فبعنوانه الواقعي.

وفيه : مع عدم كون قصد الامر للاشارة الى تعلقه موجبا لصيرورة الفعل عبادة مصلحة يترتب عليه الثواب والتقرب ، انّه على تقدير التنزل انما يسلّم لو انحصرت الاشارة الى العنوان الواقعي بالامر غاية ، وليس كذلك ، لامكان اتيان الوضوء بداعي التبريد ويشار به الى عنوانه بلا توسيط داعي أمر في البين أصلا فيبقى اشكال عدم الاجتزاء بالطهارات - إلاّ باتيانها عبادة - بحاله.

ثالثها : انّ الغرض من العبادات كما لا يحصل إلاّ بفعلها بقصد القربة ، كذلك قد لا يحصل إلاّ بفعل بعض المقدمات كذلك أيضا ، لا من جهة اقتضاء مقدميتها لذلك حتى يرد عليه الاشكال - ومع انّه غير واف في دفع اشكال ترتب المثوبة كما لا يخفى - [ بل من جهة ] ان دخل المقدمة العبادية في تحصيل الغرض من ذي المقدمة ان كان في غرضه فيلزم أن يكون واجبا نفسيا مثله وان كان ذلك مع كونها مقدمة فيلزم الدور من لزوم قصد امتثال الامر فيها ، لتوقف الامر المتوقف مقدميتها على قصد امتثال الامر المتوقف على الامر ، بل يكون الامر كذلك لو كانت العبادة بمعنى قصد التوصل الى ذي المقدمة ، فتدبر.

رابعها : انّه قد يكون الفعل مقدمة بعنوان كونه مما يتوقف عليه الواجب ، بحيث لو لم يؤت به بعنوان التوقف لم يحصل وجوده المقدمي.

ص: 282

وفيه : مع عدم كونه وافيا بدفع الاشكال ، انّه مستلزم للدور كما لا يخفى.

خامسها : انّ المقدمة :

تارة : تكون نفس الفعل الخارجي لا بشرط.

واخرى : يكون ذلك بشرط أن يؤتى به بداعي أمره الغيري.

وحيث انّ هذا الداعي لا يمكن أن يؤخذ في المقدمة بأمر واحد ، فيتوصل اليه بالتعدد ويتعلق أحدهما بذات العمل وثانيهما به مقيدا بداعي أمره فيتمكن من ايجاد المقدمة في الخارج مع ادخال القصد في متعلقه.

ولكنه يرد عليه : انّه على هذا التقدير ليست المقدمة ذات الفعل الخارجي ، فلا يترشح الامر الغيري عليه حتى يتحقق موضوع الامر الثاني إلاّ على نحو دائر ؛ وملاك الامر النفسي ليس موجودا فيه بالفرض ، هذا.

مع انّه يرد عليه اشكال تعدد الامر في العبادات كما حقق في محله.

204 - قوله : « حيث أنه لا يدعو إلاّ الى ما هو المقدمة ، فافهم ».

204 - قوله : « حيث أنه لا يدعو إلاّ الى ما هو المقدمة ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انّه انما يتم بناء على عدم لزوم قصد الامتثال في العبادة ، وامّا بناء عليه فالاكتفاء به انما هو لاجل اشتمال الطلب الوجوبي على أصل الطلب الندبي النفسي وان لم يشتمل على مرتبته كما عرفت ، فتدبر.

205 - قوله : « وامّا ما ربما قيل في تصحيح اعتبار قصد الاطاعة في العبادات ».

205 - قوله : « وامّا ما ربما قيل في تصحيح اعتبار قصد الاطاعة في العبادات ». (2)

غرضه : الاشارة الى الواجب الخامس الذي قررناه من انّ المقدمة هو الفعل بداعي الامر لا ذاته مطلقا ، وقد عرفت الجواب عنه فلا نعيد.

ص: 283


1- كفاية الاصول : 140 ؛ الحجرية 1 : 96 للمتن و 1 : 103 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 141 ؛ الحجرية 1 : 97 للمتن و 1 : 103 للتعليقة.

206 - قوله : « الثاني : انّه قد انقدح مما هو التحقيق في وجه اعتبار قصد القربة في الطهارات ، صحتها ».

206 - قوله : « الثاني : انّه قد انقدح مما هو التحقيق في وجه اعتبار قصد القربة في الطهارات ، صحتها ». (1)

اشارة الى الخلاف المعروف من انّ صحة الطهارات هل تتوقف على قصد الغاية أم لا؟

والتحقيق : عدم التوقف ، بناء على ما عرفت من رجحانها النفسي. نعم على التقدير الآخر يلزم ذلك ، وعليه هل تتوقف صحتها على قصد خصوص الغاية الواجبة فعلا أو على مطلق الغاية؟

وعلى التقدير الثاني هل تصح خصوص الغاية المقصودة أو مطلق الغايات؟

وجهان ، مبنيان على اختلاف حقيقة الطهارات باختلاف الغاية وعدمه ؛ والتحقيق هو الثاني ، فيصح مطلقا بمجرد قصد غاية محبوبة ولو لم تكن واجبة ، ويصح غيرها أيضا بتلك الطهارة.

ص: 284


1- كفاية الاصول : 141 ؛ الحجرية 1 : 97 للمتن و 1 : 103 للتعليقة.

المقدمة الموصلة

207 - قوله : « وهل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب أن يكون الاتيان بها بداعي التوصل بها الى ذي المقدمة؟ ».

207 - قوله : « وهل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب أن يكون الاتيان بها بداعي التوصل بها الى ذي المقدمة؟ ». (1)

الفرق بين قول المعالم (2) وبين قول الشيخ (3) والفصول (4) انّ الوجوب مشروط بناء على قوله ومطلق على قولهما.

وامّا الفرق بينهما :

ان قيد الواجب بناء على قول الشيخ هو قصد التوصل الى ذي المقدمة بحيث لو لم يقصد ذلك لما وقع الفعل على صفة الوجوب بل غير واجب ، يكون مسقطا عنه.

وامّا بناء على قول الفصول انما القيد هو الترتب الخارجي ولو لم يقصد به التوصل أبدا.

فالفرق بين الاقوال الثلاثة لا يكاد يخفى على المتأمل.

208 - قوله : « نعم إنما اعتبر ذلك في الامتثال لما عرفت من انه لا يكاد يكون الآتي بها بدونه ممتثلا لامرها ».

208 - قوله : « نعم إنما اعتبر ذلك في الامتثال لما عرفت من انه لا يكاد يكون

ص: 285


1- كفاية الاصول : 143 ؛ الحجرية 1 : 98 للمتن و 1 : 104 للتعليقة.
2- معالم الدين : 71.
3- مطارح الانظار : 72 السطر 21 - 30 ، والطبعة الحديثة 1 : 355 - 356.
4- الفصول الغروية : 81 السطر 4 - 8 وص 86 السطر 12 - 18.

الآتي بها بدونه ممتثلا لامرها ». (1)

مقصوده دام ظله : انّ هنا مقامين :

أحدهما : اتيان المقدمة على نحو العبادية وهو لا يكون إلاّ أن يقصد بها التوصل الى ذي المقدمة ، لقصور الامر الغيري على قابلية التقرب به بنفسه ، إلاّ أن يقع ذيها فيثاب بأشق الاعمال.

ثانيهما : تعيين أصل المطلوب الذي يكون أعم من وقوعها عبادة ؛ وفي هذا المقام يقع الكلام في تعيين موضوع المقدمية أولا ، وتعيين موضوع اللزوم العقلي ثانيا ، ثم تعيين موضوع الوجوب الشرعي ثالثا ؛ وجميع هذه الجهات طارئة على ذات المقدمة مطلقا ، لانّ المقيد بقصد التوصل على ما هو التحقيق المختار.

209 - قوله : « بل بداع آخر أكده بقصد التوصل ».

209 - قوله : « بل بداع آخر أكده بقصد التوصل ». (2)

كأن يؤتى بها للتوصل الى انقاذ غريق فصادف انقاذ المؤمن.

210 - قوله : « وامّا عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب ».

210 - قوله : « وامّا عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب ». (3)

لا يخفى انّ القيد المعتبر بناء على المقدمة الموصلة : امّا هو نفس صفة الايصال على نحو الموضوعية ، وامّا يشار به الى الخصوصية الموجودة في ظرف الايصال وما هو بالحمل الشائع موصل لا بعنوانه ، أو ما ينتزع منه من مثل التعقب بذي المقدمة.

وعلى كل منها فالقيد امّا شرط في الوجوب أو في اتصاف وجود المقدمة

ص: 286


1- كفاية الاصول : 143 ؛ الحجرية 1 : 98 للمتن و 1 : 104 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 144 ؛ الحجرية 1 : 98 للمتن و 1 : 98 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 145 ؛ الحجرية 1 : 99 للمتن و 1 : 104 للتعليقة.

بصفة المطلوبية والوجوب ، أو في نفس المقدمية ، وجوه :

خير الامور أوسطها.

لا الاول ، لما عرفت في ردّ قول صاحب المعالم رحمه اللّه بطلان اشتراط وجوب المقدمة مع اطلاق وجوب ذيها.

ولا الاخير ، لانّ الايصال - مضافا الى وضوح كونه أمرا اعتباريا غير قابل للدخل في حقيقة المقدمة التي هي من الامور الحقيقية - يلزم عليه الدور ، لتوقف الايصال الى ذي المقدمة عليها فلو أخذ فيها التوقف عليه أيضا لتوقف مقيد كل ما هو كذلك على قيده ، فالمراد تقييدها في مقام مطلوبيتها وكونها متعلقة للوجوب.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ التحقيق - على القول بوجوب المقدمة - هو وجوب مطلقها موصلة كانت أم لا ، لوجوه :

الاول : اشتراكهما في الغرض الذي يكشف منه العقل وجوبها ، وبيانه يحتاج الى امور :

الاول : انّ الامر تابع للغرض كما هو واضح.

الثاني : انّ الغرض الذي دعا الى ايجاب شيء لا بد أن يحصل من ذاك الشيء ، ولا يكاد يكون الفائدة في وجود شيء داعيا الى ايجاب شيء آخر.

الثالث : انّ الفائدة المترتبة من نفس المقدمة هو الاستلزام العدمي والتمكن الوجودي بمعنى انّه لا يمكن ايجاد ذي المقدمة بدونهما ، ومعهما يتمكن منه ؛ وامّا الايصال الفعلي اليه فهو انما يترتب على فعل نفس ذي المقدمة بمبادئ اختياره كما اذا كان فعلا مباشريا محتاجا بعد المقدمات الى مبادئ ارادية ، لا على المقدمة ، ولا يخفى اشتراك غير الموصلة معها في تحصيل التمكن الى ذيها ؛ فمع هذه المقدمات يكون القول باختصاص الوجوب باحداهما دون الاخرى ترجيحا بلا مرجح.

ص: 287

الرابع : انّ الانحصار يستلزم القول بتعلق الامر بذات المقدمة ، لتوقف المقيد بما هو كذلك على المطلق ، فما كان منشأ القيد أمرا خارجا عن الشيء فيسري الامر منه الى مقدمته - وهو المطلق - وهو المطلوب ، ويستلزم اجتماع المثلين من الوجوب النفسي والغيري أيضا في الواجب ، امّا النفسي فواضح ، وامّا الغيري فلكونها شرط الحصول للموصلة في الخارج فيكون مقدمة للمطلوب الغيري ، ولا اشكال في سراية الوجوب الغيري الى مقدمة المقدمة وإلاّ فيكون الواجب هو ذات المقدمة لا بوصف الايصال فيتم المطلوب أيضا كما هو واضح.

الخامس : انّ القول بالانحصار يستلزم انحصار الوجوب الغيري في الجزء الاخير من المقدمات في الافعال التوليدية لكونه مستلزما للايصال الى الواجب دون غيره ، وفيها دون مقدمات الفعل المباشري ، لعدم كون الايصال مترتبا عليها ، فكيف يكون علة لوجوبها؟

فان قلت : ما من شيء إلاّ وله علة تامة ، فيستلزم الايصال.

قلت : نعم من جملة اجزاء العلة التامة هي الارادة ، ولا يمكن أن تكون متعلقا للتكليف ، لعدم كونها بالارادة وإلاّ لزم التسلسل ؛ وباقي اجزائها لا يترتب عليه الايصال ، مع انّ الارادة لو كانت متعلقة للتكليف فيلزم ما ذكرنا أيضا من كون الواجب هو الجزء الاخير من المقدمات لا تمامها.

فان قلت : ليس المراد هو الايصال في ايجاب المقدمة حتى ينحصر بالجزء الاخير من العلة ، بل المراد ترتب الايصال مع دخله فيه ولو بنحو الجزئية ، بل ولو بعيدا ، فلا يلزم الانحصار.

قلت : تخصيص الايجاب حينئذ بحال الايصال يحتاج الى أمرين : أحدهما : أن تكون متخصصة لا توجد في غير تلك الحالة. ثانيهما : أن تكون تلك الخصوصية التقدم الذي يكون ملاكا للايجاب الغيري ؛ وحينئذ فمن المعلوم انّ

ص: 288

ملاك الايجاب هو الخصوصية المقتضية للتأثير في كل من اجزاء العلة ، لأنه ملاك للتقدم لا وصف الايصال الفعلي المنتزع من اتيان ذي المقدمة في الخارج.

وبعبارة اخرى : ليس الملاك العلية الفعلية ، لأنه ملاك التضايف بين العلية والمعلول ، وحينئذ فما هو الملاك للايجاب - وهو الخصوصية المقتضية - موجود في كلتا الصورتين ، وما يختص بخصوص احداهما - وهو الايصال الفعلي - لا يكون ملاك الايجاب ، فاختصاصه باحداهما دون الاخرى يكون ترجيحا بلا مرجح كما عرفت.

وان أبيت إلاّ عن تعلق الوجوب ، امّا الموصلة وهو المجموع المركب الموصلة بالفعل فيثبت المطلوب أيضا من تعلق الطلب بذات المقدمة ، لانّ المجموع ليس إلاّ مجموع الاجزاء بالإسراء والمركب ليس واحدا حقيقيا ولا الاجزاء مرتبطا بعضها ببعض فلا بد من سراية الامر الى كل منها وهو ما ذكرنا من اللازم الخامس ؛ مع انّ الاتيان بالمقدمة قبل الاتيان بذيها ان بقيت على وجوبها يلزم طلب الحاصل ، وإلاّ فيثبت المطلوب من كونه ذات المقدمة حيث انّه لم يسقط الامر بدونه.

فان قلت : قد سقط الامر بغير المطلوب أيضا كثيرا.

قلت : انّ السقوط تارة بنفي الموضوع ، واخرى بالعصيان ، وثالثة بسقوط الغرض بغير المأمور به ، ورابعة بالاضافة ؛ والسقوط فيما نحن فيه ليس من قبيل الاولين كما هو واضح ، ولا من قبيل الثالث لعدم كون المقدمة من فعل الغير ولا فاقدا للشرائط من القدرة وواجدا للموانع من الحرمة ونحوها حتى لا يتعلق بها الامر ، فلا بد من الاخير وهو المطلوب.

211 - قوله : « نعم فيما كان الواجب من الافعال التسبيبية والتوليدية كان

ص: 289

مترتبا لا محالة على تمام مقدماته ». (1)

انّما يتم الترتب فيها ايضا على الجزء الاخير منها كما عرفت ، كالقاء الحطب في النار بالنسبة الى سائر المقدمات.

212 - قوله : « والاّ لتسلسل ».

212 - قوله : « والاّ لتسلسل ». (2)

مع أنه على تقديره يتم بالنسبة الى خصوص الجزء الاخير وهو الارادة ، لا المجموع كما عرفت.

213 - قوله : « فلا جرم يكون التوصل بها اليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها ».

213 - قوله : « فلا جرم يكون التوصل بها اليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها ». (3)

والأولى أن يجاب :

أولا : بأنّ العلة الاخيرة لمطلوبية المقدمة هو مطلوبية ذي المقدمة ؛ ومن المعلوم انّ مطلوبيته متحققة ولو في ظرف عدم الايصال واقعا فتكون المقدمة مطلوبة أيضا في هذه الصورة ، فاذا وقعت مطلوبة ولو عند عدم الايصال [ يكون ] (4) هو المطلوب.

وثانيا : على تقدير الاغماض عما ذكرنا يجاب بما ذكره دام ظله :

من منع الصغرى أولا ، حيث انّ الغرض من المقدمة هو التمكن بالنسبة الى ذيها لا التوصل الخارجي الحاصل من فعل ذي المقدمة لعدم حصوله من المقدمة ، فكيف يكون غرضا لايجابها الغيري؟ بل ليس الملاك إلاّ ما يحصل من المقدمة وهو توقف الواجب عليها بحيث لولاها لا يمكن حصولها.

ص: 290


1- كفاية الاصول : 145 ؛ الحجرية 1 : 99 للمتن و 1 : 99 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 146 ؛ الحجرية 1 : 99 للمتن و 1 : 99 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 147 ؛ الحجرية 1 : 100 للمتن و 1 : 107 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( و).

ومنع الكبرى ثانيا ، حيث انّ الحيثية تعليلية لا تقييدية كما هو شأن جميع العلل الغائية ، ولا يمكن دخول الغرض في الموضوع ، فيكون موضوع الوجوب الغيري هو ذات المقدمة لا بوصف الايصال ، وإلاّ فلا بد من سراية الوجوب الغيري منها الى ذيها ، فيلزم فيه اجتماع المثلين كما عرفت في طي الاستدلالات.

214 - قوله : « لو التفت اليها كما لا يخفى ، فافهم ».

214 - قوله : « لو التفت اليها كما لا يخفى ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انه كما لا يجوز التصريح بعدم حصول نفس المطلوب الغيري عند الالتفات الى المقدمة ، كذلك لا يجوز التصريح بعدم حصول الفائدة الغيرية في هذه الصورة ، وانما يجوز النفي عند عدم الالتفات بالنسبة الى كليهما كما لا يخفى.

215 - قوله : « ففيه : انما كانت مطلوبيتها ... الخ ».

215 - قوله : « ففيه : انما كانت مطلوبيتها ... الخ ». (2)

اشارة الى منع الصغرى وانّ مطلوبيته ليس لاجل الايصال.

216 - قوله : « وصريح الوجدان ... الخ ».

216 - قوله : « وصريح الوجدان ... الخ ». (3)

اشارة الى منع الكبرى.

217 - قوله : « فلا يكون وقوعه ... الخ ».

217 - قوله : « فلا يكون وقوعه ... الخ ». (4)

هذه نتيجة لاصل المطلب.

218 - قوله : « ثم أنه لا شهادة على الاعتبار ... الخ ».

218 - قوله : « ثم أنه لا شهادة على الاعتبار ... الخ ». (5)

أي على اعتبار الايصال.

ص: 291


1- كفاية الاصول : 148 ؛ الحجرية 1 : 101 للمتن و 1 : 101 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 149 ؛ الحجرية 1 : 101 للمتن و 1 : 101 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 149 ؛ الحجرية 1 : 101 للمتن و 1 : 101 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 150 ؛ الحجرية 1 : 102 للمتن و 1 : 102 للتعليقة.
5- كفاية الاصول : 150 ؛ الحجرية 1 : 102 للمتن و 1 : 102 للتعليقة.

219 - قوله : « وهو محال فانّه يكون من طلب الحاصل المحال ».

219 - قوله : « وهو محال فانّه يكون من طلب الحاصل المحال ». (1)

حيث انّه عند عدم الاتيان بذي المقدمة فلا قدرة عليه شرعا ، للمنع من جميع مقدماته في هذه الصورة ، والمنع الشرعي كالمنع العقلي ؛ وبعد اخراج هذه الصورة فينحصر الطلب في صورة الاتيان بالواجب وهو طلب الحاصل.

لكن التحقيق : أن يفرّق :

بين أن يؤخذ الايصال شرطا لطلب المقدمة ويسلّم ما ذكر دام ظله حينئذ [ من ] انّ اشتراط الطلب فيها يستلزم الاشتراط في الوجوب النفسي المستلزم لطلب الحاصل كما هو واضح.

وبين أن يؤخذ قيدا لذات المقدمة فلا يلزم اشتراط الوجوبين ، فيبقى الوجوب النفسي على اطلاقه ولو عند عدم الايصال ، غاية الامر يكون المكلف تاركا لامتثاله عصيانا مع قدرته على الواجب بمقدماته الموصلة حيث انّ الايصال مقدور له فأخذه في المقدمة الواجبة لا يصيّره غير مقدور له كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال : انّ النهي عن المقدمة يكون مشروطا بعدم الاتيان بذيها بنحو الشرط المتأخر ، فمع العلم بما لا يطاق لا يصح إلاّ بالترتب كما لا يخفى.

220 - قوله : « قلت : وأنت خبير بما بينهما من الفرق ».

220 - قوله : « قلت : وأنت خبير بما بينهما من الفرق ». (2)

توضيحه يحتاج الى اتيان امور :

الاول : أنّ المراد من النقض ليس بمفهومه الاصطلاحي - من انّ نقيض كل شيء رفعه - بل مطلق ما يعاند الشيء ويكون مرتبة ذاته عدم الآخر ؛ ومن المعلوم انّ الوجود نقيض لعدمه بهذا المعنى حيث انّه يطرده ويعانده ذاتا مثل العكس.

ص: 292


1- كفاية الاصول : 150 ؛ الحجرية 1 : 102 للمتن و 1 : 107 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 151 ؛ الحجرية 1 : 102 للمتن و 1 : 107 للتعليقة.

الثاني : انّ وجود شيء لا يكون مصداقا لعدم شيء آخر ، مثلا لا يكون زيد عدما لعمرو وغيره وكذا البياض بالنسبة الى عدم السواد بل يكون ملازما له.

الثالث : انّ المتلازمين في الوجود لا يلزم اتحادهما في الحكم ، بل غايته أن لا يكونا مختلفين في الحكم الفعلي.

اذا عرفت ذلك فيظهر : انّ الفعل عين النقيض لتركه المطلق بمقتضى المقدمة الاولى ؛ وانّه ليس مصداقا لنقيض الترك الموصل - وهو ترك هذا الترك - بل يكون ملازما له بمقتضى المقدمة الثانية ؛ وانّه لا يكون محرّما بحرمته بمقتضى المقدمة الثالثة بل يبقى ما هو عليه من الرجحان الذاتي ، فبناء على صحة الترتب يكون مأمورا به أيضا ، وبناء على عدمه يكون راجحا ذاتا بلا أمر فعلي ، وعلى كل حال فيصح عبادة بناء على المقدمة الموصلة ، فتحصل الثمرة.

نعم يرد عليه : انّ مقدمة ترك الضد لفعل ضد ، باطل كما يأتي في مبحث الضد ان شاء اللّه ، مع انّه بناء على الالتزام بوجوب خصوص الترك الموصل يلزم التسلسل في المقدمية ، حيث انّ الترك الموصل ضد للفعل أيضا وايجابه يقتضي ايجاب تركه الموصل الى هذا الترك أيضا ، وهكذا فيتسلسل.

ص: 293

الاصلي والتبعي

221 - قوله : « ومنها : تقسيمه الى الاصلي والتبعي ».

221 - قوله : « ومنها : تقسيمه الى الاصلي والتبعي ». (1)

اعلم : انّهما قد يلحظان تارة بالنسبة الى مقام الاثبات ، واخرى بالنسبة الى مقام الثبوت.

امّا الاول : فنقول :

انّ الاصلي : ما كان مقصودا بالافادة من الخطاب ومدلولا عليه باحدى الدلالات ولو بالالتزام البيّن بالمعنى الاخص ؛ والأعم فيما كان تصور الملزوم ولازمه والنسبة بينهما كافيا في الجزم بارادة المتكلم له.

والتبعي : ما لم يكن مقصودا بالخطاب ولا مدلولا عليه به بأحد أنحاء الدلالة ، بل بارادة تبعية لازمة لارادة المقصود الاصلي منه قهرا كاستفادة أقل الحمل من الآيتين ، وحينئذ تكون الدلالة باللزوم العقلي غير البيّن اللفظي بنحو يحتاج عليه باللزوم - بعد التصورات الثلاث - الى توسيط عقلي أيضا.

وامّا الثاني : فنقول :

انّ الواجب الاصلي : ما كان الطلب المتعلق به بمبادئ مستقلة من التصور له ولما يترتب عليه من الفوائد والرغبة اليه ثم الجزم ثم الارادة ، والحاصل : ان يكون طلبه بالانقداح النفسي بالنسبة اليه مستقلا.

ص: 294


1- كفاية الاصول : 152 ؛ الحجرية 1 : 103 للمتن و 1 : 109 للتعليقة.

والتبعي : ما كان الطلب المتعلق به قهريا تابعا لطلب ذي المقدمة بالمبادئ المذكورة لاجل حكم العقل بعدم الانفكاك بينهما ، بل ربّما لا يلتفت الطالب الى المقدمة أو الى المقدمية فكيف الى طلبها. نعم اذا التفت اليها لحكم بوجوبها القهري التبعي تفصيلا.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ كلا من الواجب النفسي أو الغيري ينقسم الى الاصلي والتبعي بلحاظ مقام الاثبات ، حيث انّ كلا منهما يكون مقصودا بالافادة من الخطاب تارة ، وغير مقصود منه وان كان لازم المراد اخرى.

وامّا بالنسبة الى مقام الثبوت : فالنفسي منحصر بالاصلي ، حيث انّ المصلحة النفسية قد لا تكون ملحوظة تفصيلا ولكنها ملحوظة ارتكازا ، كما في انقاذ الولد الغريق اذا لم يكن الوالد ملتفتا اليه ؛ وهذا غير التبعي اللازم للغير كما لا يخفى.

وامّا الغيري ، فكونه تبعيا لا اشكال فيه وامّا كونه أصليا :

فان كان بمعنى حدوث الطلب انشاء باللحاظ الاستقلالي فالحق انّه غير مقصود فيه ، حيث انّه مع طلب ذي المقدمة سابقا فقد تحقق الطلب بالنسبة الى المقدمة قهرا سابقا على اللحاظ الاستقلالي ، وبدونه فلا يمكن أن يتحقق باللحاظ الاستقلالي أبدا.

وان كان بمعنى صيرورة الطلب التبعي الارتكازي بقالب التفصيلي عند لحاظه مستقلا فلا بأس به.

ومما ذكرنا ظهر ما في تقسيم المصنف الطلب الغيري الى الاصلي والتبعي ثبوتا ؛ إلاّ أن يكون مراده ما ذكرنا.

ص: 295

222 - قوله : « واتصافه بالاصالة والتبعية كلتيهما ».

222 - قوله : « واتصافه بالاصالة والتبعية كلتيهما ». (1)

قد عرفت عدم صحته لو كان المراد الارادة المستقلة الحادثة وانه لا بد أن يكون المراد صيرورة الاجمالية التبعية بقالب التفصيل.

223 - قوله : « ومعها يتعلق الطلب بها مستقلا ».

223 - قوله : « ومعها يتعلق الطلب بها مستقلا ». (2)

ولو ارتكازا فيما لم تكن المصلحة النفسية ملتفتا اليها تفصيلا بل ارتكازا ، غايته يفرّق حينئذ بين التبعي والارتكازي النفسي : بأنّ الاول معلول لطلب نفسي ملتفت اليه تفصيلا وهو وجوب ذي المقدمة ، دون الثاني فانّه لم يكن معلولا للغير بل لما في نفس الواجب من المصلحة كما لا يخفى.

224 - قوله : « بل افيد بتبع غيره ... الخ ».

224 - قوله : « بل افيد بتبع غيره ... الخ ». (3)

كما لو دل دليل على قصر الصلاة في أربعة فراسخ بلا دلالة لحكم الصوم لفظا ولكنه يستفاد منه من جهة الملازمة الخارجية بينه وبين الصلاة.

225 - قوله : « إلاّ على القول بالاصل المثبت كما هو واضح ، فافهم ».

225 - قوله : « إلاّ على القول بالاصل المثبت كما هو واضح ، فافهم ». (4)

نعم تجري أصالة عدم الوجوب رأسا فيما اذا كان الدوران بين الاصلي النفسي وبين التبعي الغيري قبل فعلية وجوب ذاك الغير ، حيث انّه بناء عليه يكون الشك في أصل الوجوب. ولعل قوله : « فافهم » اشارة اليه.

226 - قوله : « ومنه قد انقدح ... الخ ».

226 - قوله : « ومنه قد انقدح ... الخ ». (5)

لانّ المرجع في كل من هذه الامور تعيين موضوع الحكم الفرعي بمسألة

ص: 296


1- كفاية الاصول : 152 ؛ الحجرية 1 : 103 للمتن و 1 : 103 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 153 ؛ الحجرية 1 : 103 للمتن و 1 : 103 للتعليقة. لكن نسخة جماعة المدرّسين هكذا : « ومعها يتعلق بها الطلب مستقلا ».
3- كفاية الاصول : 153 ؛ الحجرية 1 : 103 للمتن و 1 : 103 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 153 ؛ الحجرية 1 : 104 للمتن و 1 : 109 العمود 2 للتعليقة.
5- كفاية الاصول : 154 ؛ الحجرية 1 : 104 للمتن و 1 : 109 العمود 2 للتعليقة.

الملازمة الآنفة ، حيث انّ الحكم الفرعي في كل منهما معلوم وانما الشك في الموضوع تعلق به ، وهو وان كان من الموضوعات المستنبطة إلاّ انّ البحث عن القاعدة المقررة لتعيينها انما هو من شغل الفقيه الاصولي.

227 - قوله : « مع ان البرء وعدمه إنما يتبعان قصد الناذر ».

227 - قوله : « مع ان البرء وعدمه إنما يتبعان قصد الناذر ». (1)

نعم لو قصد الواجب الشرعي بأي نحو كان لحصل البرء على الوجوب ، ولا يحصل على عدمه.

228 - قوله : « ولا يكاد يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب ».

228 - قوله : « ولا يكاد يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب ». (2)

أقول : اذا كانت المقدمات متدرّجة بحيث كان ترك أول مقدمة منها موجبا لسلب القدرة على سائرها وعلى ذيها دفعة ، يكون سقوط الامر في كل منها بالمخالفة الحاصلة بالامتناع بسوء الاختيار ، لكونه أسبق من ارتفاع الامر عن ذيها ، فيستند المعلول الى أسبق العلتين ، فينحصر الاصرار - لو لا اشتراط كثرة الزمان - فيه.

فالأولى الجواب : بعدم تعدد العصيان ، لما مر من عدم العقاب على ترك المقدمة.

229 - قوله : « اذا لم يكن ايجابه على المكلف مجانا وبلا عوض ».

229 - قوله : « اذا لم يكن ايجابه على المكلف مجانا وبلا عوض ». (3)

لا يقال : اذا دل الدليل على ايجاب الاتيان مجانا ، تظهر الثمرة بين وجوب المقدمة وعدمه.

لأنّا نقول : هذا كذلك اذا لم يكن دليل ذي المقدمة على وجوب اتيانه مجانا بجميع مقدماته ولو لم تكن واجبة ، وإلاّ فلا كما لا يخفى.

ص: 297


1- كفاية الاصول : 154 ؛ الحجرية 1 : 104 للمتن و 1 : 104 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 154 ؛ الحجرية 1 : 104 للمتن و 1 : 109 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 154 ؛ الحجرية 1 : 104 للمتن و 1 : 109 العمود 2 للتعليقة.

230 - قوله : « لا على نفس الاتيان كي ينافي عباديتها ».

230 - قوله : « لا على نفس الاتيان كي ينافي عباديتها ». (1)

يمكن أن يقال : بالصحة اذا كانت الأجزاء بازاء نفس العمل لا بشرط حيث انّ أمر الاجازة توصلي لا يحتاج الى قصد الامتثال ، والمفروض انتفاع المستأجر بالعمل بوجود الخاص الواقع قريبا.

نعم لو أخذ بشرط لا بالنسبة الى قصد الامتثال تكون الاجارة باطلة وأخذ الاجرة بازائه باطلا.

231 - قوله : « وفيه : أولا : ... الخ ».

231 - قوله : « وفيه : أولا : ... الخ ». (2)

نعم لو كانت المقدمة في نفسها ذات عنوان آخر غير عنوان المقدمية - كما لو كانت الصلاة بعنوانها مقدمة لواجب آخر - ومع ذلك قد اجتمعت مع الغصبية لكان من قبيل الاجتماع من هذه الجهة.

ولكن نظر القائل بالثمرة هو عنوان المقدمة فيرد عليه ما أورده دام ظله.

232 - قوله : « وثانيا : لا يكاد يلزم الاجتماع اصلا ... الخ ».

232 - قوله : « وثانيا : (3) لا يكاد يلزم الاجتماع اصلا ... الخ ».

ص: 298


1- كفاية الاصول : 155 ؛ الحجرية 1 : 104 للمتن و 1 : 109 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 155 ؛ الحجرية 1 : 104 للمتن و 1 : 109 العمود 2 للتعليقة.
3- متن الكفاية المرتبط بهذه التعليقة لا يوجد في طبعة جماعة المدرسين ولا في طبعة مؤسسة آل البيت ، وانما يوجد في الطبعة الحجرية الموشحة بتعليقة القوچاني وكذا في الطبعة الحجرية الموشحة بتعليقة المشكيني ؛ ونحن إذ ندرج المتن المحذوف هنا ( إتماما للفائدة ) ننبه على ان الموجود في الطبعة الموشحة بتعليقة القوچاني - وكذا المشكيني - هو ثلاث اشكالات بعنوان : « أولا » و « ثانيا » و « ثالثا » ، والآخوند قدس سره قد حذف « ثانيا » وجعل « ثالثا » بدلا منه وعنونه ب- « ثانيا » ، فالمعلق القوچاني يكون قد علّق على « ثانيا » التي حذفها الآخوند ، ويكون قول الآخوند « ثانيا » المثبت في طبعة جماعة المدرسين وطبعة مؤسسة آل البيت هو في الواقع نفس قوله « ثالثا » الموجود في طبعة تعليقة القوچاني والمشكيني. راجع كفاية الاصول : 155 ؛ وطبعة مؤسسة آل البيت : 125 ؛ والطبعة الحجرية الموشحة بتعليقة المشكيني 1 : 198 ؛ واما الطبعة الحجرية الموشحة بتعليقة القوچاني فراجع الجزء الاول للمتن ص 104 وللحاشية ص 109 العمود 2. اما المتن المحذوف فهو: «وثانياً: لا يكاد يلزم الاجتماع اصلاً لاختصاص الوجوب بغير المحرم في غير صورة الانحصار به، وفيها اما لا وجوب للمقدمة لعدم وجوب ذي المقدمة لاجل المزاحمة، واما لا حرمة لها لذلك، كما لا يخفي.

وفيه : انّه لا وجه للانحصار بغير المحرّم في صورة عدم الانحصار بناء على الجواز ، وإلاّ لزم عدم الاجتماع في غير المقدمة في صورة المندوحة أيضا ، كما انّ فرض التزاحم في صورة الانحصار انما هو بناء على اشتراط المندوحة في تلك المسألة ، دون ما اذا لم يشترط فيها ذلك كما لا يخفى ؛ وعلى تقديره فلا اختصاص له بالمقام.

فالأولى اسقاط هذا الايراد كما اعترف به في المبحث.

233 - قوله : « وثالثا : انّ الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل ( التوسل ) بالمقدمة المحرّمة ».

233 - قوله : « وثالثا : (1) انّ الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل ( التوسل ) بالمقدمة المحرّمة ». (2)

لا يقال : ظاهره انّ التوصل بالمقدمة مطلقا ولو في العبادات لا يتوقف على جواز الاجتماع وكذا عدمه لا يتوقف على الامتناع ، وهو ينافي تفريع التوصل في العبادة على جواز الاجتماع وعدمه على الامتناع في الذيل.

لأنّا نقول : انّ ما نفي عنه الدخل هو اجتماع الامر الذي مع النهي ، لما مر سابقا انّ مناط عبادية المقدمة ليس ذلك.

وامّا ما فرّع عليه التوصل وعدمه هو : أصل كلي الاجتماع الناشئ في خصوص المقام ، لملاحظة الرجحان النفسي في المقدمة ، أو قصد التوصل الى ذي المقدمة على ما قرر سابقا من [ كون عبادية ] (3) المقدمة باحداهما ؛ فالمنفي عند الثمرة هو غير الثابت.

ص: 299


1- أي « وثانيا ». راجع التعليق على الحاشية السابقة.
2- كفاية الاصول : 155 ؛ الحجرية 1 : 105 للمتن و 1 : 109 العمود 2 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( كونه عبادته ).

234 - قوله : « وبالجملة لا يتفاوت الحال في جواز التوصل ( التوسل ) بها ».

234 - قوله : « وبالجملة لا يتفاوت الحال في جواز التوصل ( التوسل ) بها ». (1)

أقول : هذا الايراد عليه موجّه لو كان نظر القائل حصول الثمرة العلمية [ في ] (2) صورة الاجتماع ، وامّا لو كان نظره مجرد تعلق الوجوب بالمقدمة المحرّمة بناء على جواز الاجتماع دونه على عدم الوجوب - كما هو شأن ثمرة المسألة الاصولية - فلا كما لا يخفى.

ص: 300


1- كفاية الاصول : 155 ؛ الحجرية 1 : 105 للمتن و 1 : 110 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( بين ).

تأسيس الاصل في مقدمة الواجب

235 - قوله : « في تأسيس الاصل ».

235 - قوله : « في تأسيس الاصل ». (1)

فنقول : انّ البراءة لا مجرى لها عقلا لعدم العقاب على ترك المقدمة ، ولا نقلا لو كان مفاده التقرير. نعم لو كان مفاده مطلق الاثر الشرعي - ولو لم يترتب عليه العقاب - فلا بأس باجرائها في وجوب المقدمة. وامّا الاستصحاب فبالنسبة الى محل البحث - وهو الملازمة - فلا مجرى له :

امّا أولا : فلعدم الحالة السابقة لها ، لكونها على كل من تقديري وجودها وعدمها أزليا غير محتاج الى تحقق طرفيها فعلا.

وامّا ثانيا : فلعدم ترتب الاثر عليها شرعا.

وامّا بالنسبة الى اللازم - وهو وجوب المقدمة - فلا مانع عنه ، لكونه مسبوقا بالعدم قبل وجوب ذيها.

وتوهم : كونه لازما قهريا - على القول بالملازمة - لوجوب ذي المقدمة ، فيكون نظير لوازم الماهية غير قابل للجعل ، فلا يجري فيه الاصل.

ص: 301


1- كفاية الاصول : 155 ؛ الحجرية 1 : 105 للمتن و 1 : 110 العمود 1 للتعليقة.

مدفوع : بأنّه وان لم يتعلق به الجعل على حدة إلاّ أنّ تعلقه به ، بل تبعا لوجوب ذيها في جريان الاصل.

ودعوى : عدم جريانه بعد دعوى الملازمة إلاّ تبعا لجريانه في وجوب ذيها ، والفرض عدم جريانه فيه.

مدفوعة : بأنّ الملازمة - على القول بها - انما هي بين الوجوبين واقعا لا في المرتبة الفعلية ، فيمكن الانفكاك بينهما في هذه المرتبة ، كما هو كذلك بالنسبة الى مرتبة التنجز حيث انّه يحكم العقل ؛ وعدم العلم بأحدهما يكفي في عدم حكمه.

نعم لو كانت الملازمة عند القائلين بها في مقام الفعلية أيضا فتكون الدعوى صحيحة بالنسبة الى نفي وجوب المقدمة بنفسه ، لا بالنسبة الى الاثر الزائد من النذر ونحوه لو كان نظير الموجودات الخارجية المرتبة عليه أثرا شرعا ، حيث لا مانع عن جريان الاصل فيها بلحاظ أثرها ، فتأمل.

236 - قوله : « لما صح التمسك بالاصل ».

236 - قوله : « لما صح التمسك بالاصل ». (1)

الثابت بحسب الدورة الاخيرة قوله : « لما صحّ » ، وعرفت وجه عدم جريان الاصل في الحاشية السابقة.

ولكن بحسب مباحثتي مع المصنف طاب ثراه [ سلّم ] (2) انّه يصح ثبت قوله : « لصحّ » أي لصح التمسك بالاصل في اثبات بطلان الملازمة ، حيث انّ عموم دليل الاصل يكشف عن عدم المنافي له ومنه الملازمة الفعلية ؛ وهذا نظير [ نفي ] (3) المخصص اللبّي بعموم الدليل عند الشك فيه كما يتمسك بعموم « لعن اللّه

ص: 302


1- كفاية الاصول : 156 ؛ الحجرية 1 : 105 للمتن و 1 : 110 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( تسلّم ).
3- في الاصل ( النفي ).

بني اميّة قاطبة » (1) على جواز لعن المشكوك.

237 - قوله : « والأولى احالة ذلك الى الوجدان ».

237 - قوله : « والأولى احالة ذلك الى الوجدان ». (2)

فانّه بعد المراجعة اليه وملاحظة حال تعلق الارادة بشيء - مع ما عليه من توقفه على مقدمات بحيث لا يمكن الوصلة اليه بدونها مع خلوّ الطبيعة عن الاعوجاج واستفراغ وسعه على تخلية نفسه عن اللجاج وعن المطالب العلمية وعن إعمال المقدمات العقلية - يشهد انّ ارادته تستلزم الارادة المولوية بها بالارادة التفصيلية حين ملاحظتها كذلك والاجمالية البسيطة ، على نحو لو حاول كشفها لكان في قالب الارادة حين ملاحظتها تفصيلا.

وليعلم انّ الطلب المتعلق بها شرعا غير اللابدية العقلية المتعلق بها والوجوب الفرضي المنطبق عليها كما في لوازم الواجب ، ولكنه ليس في الوضوح بنحو يعدّ منكره مكابرا. نعم من تأمل وراجع نفسه لأنصف.

ثم انّ مشاهدة الوجدان - وان لم يكن اقناعيا - غير ملزم به الخصم ، إلاّ أنّ المقام ليس مما يثبت بالبرهان كما تشهد به المراجعة الى الادلة.

وقد استدل عليه أيضا باتفاق العقلاء الكاشف عن كونه أمرا واقعيا جزما ، وإلاّ لما تراكمت به العقول ولما تسالمت النفوس.

وفيه : مضافا الى عدم الاتفاق عليه الاّ بين المتأخرين ، أنه على تقدير التسليم لا يستكشف به الوجوب المولوي ، لاحتمال كون الاتفاق بملاحظة الوجوب اللابدّي والوجوب العرضي على ما عرفت.

ص: 303


1- زيارة عاشوراء المعروفة.
2- كفاية الاصول : 156 ؛ الحجرية 1 : 105 للمتن و 1 : 110 العمود 1 للتعليقة.

238 - قوله : « وجود الاوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات ».

238 - قوله : « وجود الاوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات ». (1)

لا يخفى : انّه لو قطع بأنّ الاوامر الشرعية والعرفية انما هو بملاك مولوي فلا اشكال في كونه دليلا قطعيا على كون المقدمية موجبة للامر المولوي مطلقا ، وإلاّ فيكون دليلا ظنيا كاشفا عن ثبوت ما هو ملاكه ، لاصالة ظهور الاوامر في المولوية ، بضميمة القطع بأنّ هذه الاوامر غيرية لا نفسية ؛ وبملاحظة القطع باتحاد الملاك الغيري في جميع المقدمات يثبت المطلوب كلية ، ولكنه لما كان النزاع في الملازمة العقلية فيؤيد به المسألة الاثباتية.

239 - قوله : « هو كالاصل لغيره ... الخ ».

239 - قوله : « هو كالاصل لغيره ... الخ ». (2)

حيث انّه قد أخذ منه - بتغيير ما فيه أو بذكر بعض اللوازم مقام بعض - ما اخذ في هذا الدليل ، فيكون كالاصل لغيرها.

240 - قوله : « لو لم يجب المقدمة لجاز تركها ».

240 - قوله : « لو لم يجب المقدمة لجاز تركها ». (3)

لا يخفى : انّ الجواز في الشرطية الاولى امّا بمعنى الاباحة بالمعنى الاخص أو بمعنى مجرد عدم المنع ، وعلى كل منهما : امّا شرعي ، أو كلاهما ، والملازمة في كل منهما ممنوعة ، إلاّ على تقدير ارادة عدم المنع الشرعي من الجواز.

ثم انّ المضاف اليه في قوله : « صحّ في [ الشرطية ] (4) الثانية » (5) امّا مجرد الجواز ، أو مجرد الترك ، أو الترك المستند الى الجواز ؛ والملازمة الثانية بين

ص: 304


1- كفاية الاصول : 157 ؛ الحجرية 1 : 106 للمتن و 1 : 110 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 157 ؛ الحجرية 1 : 106 للمتن و 1 : 110 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 157 ؛ الحجرية 1 : 106 للمتن و 1 : 110 العمود 2 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( الشرعية ).
5- مقصوده قول الآخوند في المتن بعد عدة سطور : « صدق القضية الشرطية الثانية ».

المقدم وأحد شقّي التالي ممنوعة إلاّ على الاخير كما لا يخفى.

وملخص الجواب : انّ المضاف اليه لو كان مجرد الجواز فيختار الشق الاول - وهو كون التكليف باقيا - ولا يكون بما لا يطاق لعدم تأثير الايجاب في القدرة.

وان كان مجرد الترك ولو لا عن جواز فيختار الشق الثاني - وهو سقوط التكليف - ولا يلزم خروج الواجب المطلق عن وجوبه ، لانّ الخروج المذكور انما هو اذا كان الامر بلا موافقة ولا عصيان ، إلاّ ما اذا كان بالأول أو الثاني كما في المقام ، لانّ السقوط فيه انما هو بسبب مخالفة الواجب النفسي بترك مقدمته بعد حكم العقل بلزوم اتيانها مقدمة لامتثال الواجب النفسي مع قدرته عليه كما لا يخفى.

وان كان الترك عن جواز شرعا وحده مع حكم العقل بلزوم الاتيان فكذلك أيضا.

وان كان عن جواز شرعا وعقلا فيلزم أحد المحذورين ، إلاّ انّ الملازمة حينئذ في الشرطية الاولى باطلة كما في المتن.

فقد ظهر عدم صحة الاستدلال امّا من جهة بطلان الملازمة في الشرطية الاولى أو في الشرطية الثانية.

241 - قوله : « وارادة الترك عما أضيف اليه الظرف ».

241 - قوله : « وارادة الترك عما أضيف اليه الظرف ». (1)

لا بمجرده ، بل مع الاستناد الى الجواز كما عرفت.

242 - قوله : « وامّا التفصيل بين السبب وغيره ».

242 - قوله : « وامّا التفصيل بين السبب وغيره ». (2)

لا يخفى انّ السبب في الفعل التسبيبي :

ص: 305


1- كفاية الاصول : 157 ؛ الحجرية 1 : 106 للمتن و 1 : 106 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 158 ؛ الحجرية 1 : 106 للمتن و 1 : 110 العمود 2 للتعليقة.

يكون تارة واسطة لايصال أثر الفاعل الى المسبب ، فيكون كالآلة.

ويكون اخرى مؤثرا بنفسه فيه حقيقة كالاحراق المستند الى النار.

ويكون ثالثة موجبا لاستعداد الموضوع لحلول عرض من كيفية مثل ( البياض ) و ( العلم ).

والتفصيل انما هو بين القسمين الاخيرين وبين سائر المقدمات ؛ [ و ] وجهه انّ اللازم في متعلق التكليف أمران :

أحدهما : انّه لا بد أن يكون مقولة الفعل والحركة ، والمسبب لم يكن من حركات المكلف وأفعاله.

ثانيهما : أن يكون صادرا من المكلف ، وفيما نحن فيه ليس إلاّ السبب فلا بد من توجيه الامر اليه.

وفيه : انّ اللازم في التكليف عقلا أن يكون لاختيار المكلف به بحيث ان شاء وجد وان لم يشأ لم يوجد ، ولا يلزم أن يكون صادرا منه بلا واسطة ، هذا.

مضافا الى [ أنّ ] ما ذكر ليس تفصيلا في الامر الغيري بين السبب وغيره ، بل هو قول بتوجيه الامر النفسي - المتعلق بالمسبب ظاهرا - الى السبب واقعا ، وهو مع فساده لا ربط له [ بالمقام ]. (1)

243 - قوله : « وامّا التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره ».

243 - قوله : « وامّا التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره ». (2)

حاصله : انّه لو لم يجب الشرط الشرعي لم يكن بشرط ، حيث انّه أجنبي عن المشروط بنظر العقل ، وانما كانت شرطيته بأمر الشارع ، فلو انتفى الامر لانتفت الشرطية.

وفيه : مضافا الى ما عرفت سابقا من رجوع الشرط الشرعي الى العقلي ،

ص: 306


1- في الاصل الحجري ( في المقام ).
2- كفاية الاصول : 159 ؛ الحجرية 1 : 106 للمتن و 1 : 111 العمود 1 للتعليقة.

حيث انّ المأمور به وجود خاص اخترعه الشارع بخصوصيته لا يمكن تحققها بدون شرطه ، نظير الماهيات الخارجية المقترنة بالشرط ، والموجود الخاص بما هو كذلك لا يمكن عقلا إلاّ باتحاد ما يكون منشأ لخصوصيته.

انّ الامر الغيري بناء على تسليمه انما يترشح من الامر النفسي الى ما هو شرط بنفسه ، فيتوقف الامر الغيري على الشرطية فكيف يتوقف الاشتراط على الامر؟ فهل ذلك إلاّ دورا؟

وامّا تبعية الوضع بناء على انتزاعيته انما يكون بالنسبة الى الامر النفسي المتعلق بالمركب وهو المنتزع عنه ، لا الغيري. نعم يكون كاشفا عن الشرطية بقوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) (1) حيث يكشف عن الخصوصية الواقعية في المأمور به.

244 - قوله : « لا عن الغيري ، فافهم »

244 - قوله : « لا عن الغيري ، فافهم » (2).

لعله اشارة الى انّ الشرط من حيث دخله في مصلحة ذات الواجب التي تكون ملاكا للنفسي يكون مقدما عليه أيضا ، فلو كانت شرطيته لهذه المرتبة منتزعة عنه للزم الدور أيضا.

نعم شرط الواجب بوصفه العنواني يكون منتزعا عن الوجوب النفسي ، وحينئذ فلا وجه لجعل الشرطية منتزعة عنه مطلقا. وهكذا الامر في الجزئية.

245 - قوله : « وامّا مقدمة الحرام والمكروه فلا تكاد تتصف بالحرمة أو الكراهة ».

245 - قوله : « وامّا مقدمة الحرام والمكروه فلا تكاد تتصف بالحرمة أو الكراهة ». (3)

فالظاهر انّه لا شبهة في نظر العقل بين أقسام الطلب - بناء على الملازمة - في

ص: 307


1- سورة المائدة : 6.
2- كفاية الاصول : 159 ؛ الحجرية 1 : 107 للمتن و 1 : 111 العمود 1 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 159 ؛ الحجرية 1 : 107 للمتن و 1 : 111 العمود 1 للتعليقة.

استلزام طلب شيء طلب مقدماته على النحو الذي تعلق به من الرجحان مع المنع من النقيض وعدمه.

وكذا لا فرق بين مقدمة الحرام ومقدمة الواجب في عدم اعتبار قصد التوصل والاتصاف بالمطلوبية إلاّ في الاطاعة في الاول والتجري في الثاني.

نعم الفرق بينهما : انّ المطلوب الغيري في الواجب مطلق مقدماته وفي الحرام خصوص الموصل منها على نحو العلية التامة في الفعل التوليدي ، لا سائر مقدماته السابقة عليه فيه ولا جميعها في المباشري ، حيث انّ الطلب في الاول لما كان متعلقا بالوجود وكان لكل من المقدمات دخل في تحققه بحيث لا يوجد بانتفاء واحد منها فيكون محبوبيته مستلزما لمحبوبية كل منها ، لعموم الملاك ؛ وفي الثاني كان متعلقا بالترك وهو - سواء قلنا بافتقاره الى العلة أم لا - يحصل بعدم تحقق علة الوجود ويكفي فيه انتفاء واحد من الاجزاء ولو وجدت باقي اجزاء العلة ، فلا يتوقف المطلوب - وهو ترك الحرام - على ترك الجميع ، بل على ترك واحد منها وهو خصوص الجزء الاخير في الفعل التوليدي ، فيترشح النهي الغيري الى خصوص تركه لا الى ترك غيره ، لعدم ملاك الترشح ، فمحبوبيته توجب محبوبيته ومبغوضية نقيضه - وهو فعل الحرام - توجب مبغوضية نقيضه دون ترك غيره من المقدمات مما كان التمكن من ترك الحرام حاصلا مع فعلها وتركها ، لعدم توقف المطلوب على تركها.

نعم لو كانت العلة ذات اجزاء عرضية لكان الموقوف عليه ترك واحد غير معيّن منها أو الجامع [ بينها ] (1) وهو ترك العلة التامة المتحقق بكل منها. نعم لو لم تكن له مقدمة لا يبقى معها التمكن من الترك بل كان حاصلا مع جميع المقدمات

ص: 308


1- في الاصل الحجري ( بينهما ).

أيضا كما في الفعل المباشري ، فلا يكون واحد منها محرّما أصلا ، لعدم توقف المطلوب على واحد منها كما لا يخفى.

وجهه : انّ ترك الحرام فيه يستند الى ما يسبق رتبته وهو وجود الصارف المتحقق بترك الارادة لكونه بمنزلة عدم المقتضي ، دون غيره من ترك سائر المقدمات لتأخرها رتبة في استناد الترك اليه كما لا يخفى. والارادة وجودا وعدما لا يتعلق بها الطلب ، لعدم كونه اختياريا ؛ فما يستند اليه ترك الحرام ليس اختياريا لا يستند اليه ترك ، فليس واحد من المقدمات حراما أصلا ، هذا.

مضافا الى انّ الوجدان يساعد في الحرام على مبغوضية الجزء الاخير من مقدماته الموصلة اليه قهرا ، لكفاية تركه في تركه ، وعدم افتقاره الى ترك سائر أجزاء العلة وان كان وجودها مما لا بد منه في وجوده ، فتدبر جيدا.

ص: 309

مسألة الضد

246 - قوله : « فصل : الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ، أولا؟ ».

246 - قوله : « فصل : الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ، أولا؟ ». (1)

وليعلم : انّ هذه المسألة اصولية ، لترتب فائدتها - وهو استنباط الحكم الفرعي للضد - عليها ، لا فرعية ، أو من المبادئ الأحكامية وان كان فيها ملاكهما على اشكال في الاخير ؛ والأحسن أن تجعل عقلية لتشتمل الامر الثابت بالدليل اللبّي ، لعموم ثمرة النزاع.

ثم انّ موضوع هذه المسألة امّا أخص [ من ] (2) موضوع المسألة السابقة بناء على انّ ترك الضد مقدم ، أو مباين بناء على كونه ملازما مع المأمور به.

ولكن النسبة عموم من وجه بحسب الاقوال ، بمعنى انّه يمكن أن يكون المثبت في كل منهما مثبتا في الاخرى أو نافيا ، حيث انّ المثبت في تلك المسألة يمكن أن يقول بالاقتضاء في الضد :

امّا من جهة كون هذه المسألة من صغرياتها بناء على المقدمية وعدم الفرق فيها بين كونها وجودية أو عدمية.

وامّا من جهة الملازمة مع سراية حكم أحد المتلازمين الى الآخر ، فيكون ترك الضد واجبا وفعله حراما.

والعينية بناء على وجه.

ص: 310


1- كفاية الاصول : 160 ؛ الحجرية 1 : 107 للمتن و 1 : 111 العمود 2 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( عن ).

وأن يقول بعدمه فيها بناء على منع المقدمة وانكار العينية واتحاد المتلازمين في الحكم.

كما انّ المثبت في هذه المسألة يمكن أن يذهب اليه من جهة أحد الامرين الاخيرين ، لا من أجل المقدمية مع انكاره في تلك المسألة ، لعدم التلازم بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته.

247 - قوله : « الاول : الاقتضاء في العنوان أعم من أن يكون بنحو العينية أو الجزئية ».

247 - قوله : « الاول : الاقتضاء في العنوان أعم من أن يكون بنحو العينية أو الجزئية ». (1)

ولا يخفى انّ الاقتضاء امّا بمعنى المتأثر في مقام الثبوت ، وامّا بمعنى الدلالة في مقام الاثبات ، أو الجامع بينهما بأن يؤخذ بمعنى التأثير ثبوتا أو كشفا.

ولكن النزاع في الاثبات في تعيين دلالة الدليل - من المطابقة أو التضمن أو الالتزام بالبيّن بالمعنى الاخص - يتوقف على تعيين انّ طلب الفعل عين الزجر عن الترك مفهوما أو مصداقا ، أو مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء ، أو مستلزم له خارجا بلا دخل له في قوامه ، غاية الامر يكون النزاع في الثبوت على هذا من مبادئ المسألة دونه بناء على الاول فانّه نفس المسألة ، وقد عرفت انّ المطلوب هو ذلك للتعميم.

ثم الظاهر انّ المطابقة أو التضمن أو الالتزام بالمعنى الاخص انما هو بالنسبة الى الضد العام ، واللزوم بالمعنى العام بالنسبة الى الضد الخاص.

248 - قوله : « إلاّ انّه لمّا كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص انّما ذهبوا اليه لاجل توهم مقدمية ترك الضد ».

248 - قوله : « إلاّ انّه لمّا كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص انّما ذهبوا اليه لاجل توهم مقدمية ترك الضد ». (2)

لأنه قد ظهر مما ذكرنا من بيان النسبة انّ القول باقتضاء الامر بالشيء النهي

ص: 311


1- كفاية الاصول : 160 ؛ الحجرية 1 : 107 للمتن و 1 : 111 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 161 ؛ الحجرية 1 : 107 للمتن و 1 : 112 العمود 1 للتعليقة.

عن ضده امّا من جهة مقدمية ترك الضد لفعل الضد المأمور به ، وامّا من جهة التلازم بينهما.

ولكن لما كان عمدة القائلين به قد ذهبوا اليه من جهة المقدمية وهي تحتاج الى اثبات الكبرى - وهو وجوب المقدمة - والصغرى وهي مقدمية الترك وقد ظهر حال الجهة الاولى في مبحث المقدمة ، فالعمدة في المقام الكلام في الصغرى وهو يتم بسوقه في مطلق الضدين وانّ أحدهما هل يتوقف على ترك الآخر أو العكس أم لا؟

فنقول : انّ فيه أقوالا :

أحدها : توقف الفعل على الترك فقط ، كما نسب الى المشهور.

ثانيها : توقف الترك على فعل الضد ، كما عن الكعبي. (1)

ثالثها : التوقف من الجانبين كما عن الحاجبي (2) والعضدي. (3)

والظاهر انّ استناد هذا القول اليهما من جهة كونه لازما لكلامهما ، من الاستناد - في عدم حرمة الضد في مقام وعدم وجوب المباح في رد الكعبي في مقام آخر - الى عدم وجوب المقدمة ، لا الى انكار المقدمية ، بحيث يظهر منهما التسليم لها من الطرفين ؛ فليس بصريح كلامهما.

رابعها : التفصيل : بين الضد الموجود فيكون رفعه مقدمة لتحقق وجود الضد اللاحق ، وبين عدم المعدوم فلا يكون مقدمة لضده ، مع انكار مقدمة الوجود

ص: 312


1- شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي 1 : 96 السطر 11 ؛ الاحكام 1 : 107 المسألة الثانية ؛ المنخول : 116 ؛ منتهى الوصول والامل : 40 و 96 ؛ مطارح الانظار : 108 السطر 30 والطبعة الحديثة 1 : 518 ؛ فوائد الاصول 1 : 306.
2- منتهى الوصول والامل : 95 و 97.
3- شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي 1 : 96.

للعدم مطلقا ؛ وذهب اليه المحقق الخوانساري (1) مع استظهار ذلك من المحقق الدّواني. (2)

خامسها : منع التوقف من الجانبين مطلقا ، كما اختاره السيد الكاظمي (3) رحمه اللّه وتبعه السلطان (4) والشيخ البهائي (5) والفاضل الجواد (6) والسبزواري ، (7) وهو

ص: 313


1- وهو الآقا حسين ( 1015 - 1099 ) صاحب مشارق الشموس ، له رسالة في نفي مقدمة الواجب.
2- لكن يقول في اجود التقريرات 2 : 17 أن ما نسبه الخوانساري الى الدواني واستظهره منه ، في غير محله واجنبي عن مختار الخوانساري.
3- وهو السيد محسن بن السيد حسن الحسيني الكاظمي المعروف ب- ( المحقق الاعرجي ) ، من العلماء المحققين والزهاد ، له عدة كتب ، منها : الوافي في شرح الوافية ل- التوني في اصول الفقه ، والمحصول في شرح وافية الاصول وهو مختصر كتابه السابق ، توفي 1240 ؛ ( الكنى والالقاب 3 : 156 ) بتصرف. لكن في نقباء البشر لآغا بزرگ الطهراني في القسم الاول من الجزء الثاني ( الكرام البررة ) : 334 في الهامش ، يذهب الى ان وفاته هو في 3. والكتابان خطيان موجودان في مكتبة السيد النجفي المرعشي بقم. ثم ان المطلب الآنف موجود في كتابه الوافي في شرح الوافية ( المرقم برقم 1921 المشتمل على 384 ورقة كل صفحة منه مشتملة على 32 سطرا ) في الصفحة الاولى من الورقة 70 السطر3. 23. وقد بحثنا عن المطلب في كتابه الآخر ( المحصول ) المرقم برقم 1818 فلم نعثر عليه.
4- حاشية سلطان العلماء : 284 عند التعليق على قول المعالم : « وجوابه يعلم مما سبق آنفا ... الخ ».
5- زبدة الاصول : 118 ، والطبعة الحجرية منه : 82.
6- غاية المأمول للفاضل الجواد الكاظمي ، الورقة 199 الصفحة الثانية السطر 15. الفاضل الجواد من تلاميذ الشيخ البهائي له ( مسالك الافهام الى آيات الاحكام ) مطبوض. وله ( غاية المأمول في شرح زبدة الاصول ) مخطوط موجود في مكتبة السيد النجفي المرعشي في قم ، وتوجد عدة نسخ خطية منه ، بعضها ناقص ، اكملها واوضحها خطا نسخة برقم 10495 قد رقّمت المكتبة صفحاته كل ورقة برقم واحد.
7- الرسائل : 59. هذا الكتاب يشتمل على ستة عشر رسالة لعلماء مختلفين طبع بمناسبة مؤتمر أقيم في سنة 1420 قمري و 1378 شمسي في ذكرى المحقق الآقا حسين الخوانساري ، ويحتوي الكتاب على عدة رسائل له وعدة رسائل لغيره كتبت نقدا على بعض رسائله ، ومن جملتها ( رسالة في مقدمة الواجب ) للمحقق السبزواري كتبها نقدا على ( رسالة مقدمة الواجب ) للمحقق الخوانساري. وكذلك انظر مطارح الانظار : 108 السطر 35 والطبعة الحديثة 1 : 519 ؛ وبدائع الافكار : 372 قوله : « وثالثها ... الخ » وص 374 قوله : « الثاني ... الخ » وص 375 السطر 7. ودرر الفوائد للحائري 1 : 127 ؛ وتقريرات الشيرازي للروزدري 2 : 413.

المختار عند الاستاذ (1) دام ظله.

ويساعده التحقيق على ما يقتضيه النظر الدقيق :

امّا اولا : فلكون الملاءمة بحسب الوجدان بين عدم أحدهما مع وجود الآخر في الرتبة الناشئة من المعاندة بين الوجودين بلا توهم التنافر في انكار المقدمية ، حيث انّها متوقفة على تقدم العدم عليه ، لأنه بناء عليه من اجزاء علة الوجود ، ولا اشكال في تقدمها بجميع اجزائها على المعلول رتبة ، ومع الملاءمة بينهما في الاجتماع فلا تقدم لاحدهما على الآخر ، ولا أقل من عدم العلم بتحققه ، فعلى مدّعيه الاثبات.

وامّا ثانيا : فلوضوح اتحاد المرتبة بينهما ، لانّ عدم الضد المعدوم نقيض ومتقابل لوجوده المضاد المتقابل مع وجود الضد الموجود ؛ ومن المعلوم انّ بين كل متقابلين من أقسام التقابل اتحاد وتكافؤ في المرتبة ، حيث انّ الاولى منه ما هو المحقق بين الوجود والعدم ، وألاّ خفاء في انّ النقيض للوجود هو العدم البدلي الكائن في رتبته لولاه ، غير المجتمع معه ، لا السابقي ولا اللاحقي المجتمع معه في دار التحقق حتى لو فرض سابقا عليه أو لاحقا بحسب الرتبة ، وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين في مرتبة سلب أحدهما مقدمة للآخر ، ولما كان الوجود عين الرفع لعدمه النقيض كما لا يخفى ، ولما كان متنافيا معه في التحقق ذاتا.

فقد ظهر انّ هذا النحو من التعاند لا يقتضي إلاّ تبادلهما في التحقق وعدم

ص: 314


1- كفاية الاصول : 161.

اجتماعهما معا ، لا ارتفاع أحدهما أولا ثم تحقق الآخر ثانيا.

واذا عرفت ذلك في النقيضين ؛ فكذلك المتقابلان الوجوديان حيث انّ المضادة انما هو بين الوجودين في الرتبة الواحدة ، فالضد للوجود هو الوجود البدلي الثابت في رتبته لولاه ، فاذا قام مقام أحدهما عدمه النقيض له فيكون ذلك في رتبة وجود الآخر أيضا لما عرفت من انّ النقيض هو العدم المتحد في الرتبة مع الشيء المتحد مع ضده في الرتبة ، وحينئذ فلا تقدم ولا مقدمية.

وحيث عرفت انّ الضد هو التبديل للآخر لا اللاحق والسابق عليه ظهر لك عدم الفرق بين الضد الموجود وغيره في عدم توقف وجود أحدهما على عدم الآخر.

وامّا ثالثا : فلانتهائها في عرض واحد بتوسيط علة واحدة مع علة الآخر كذلك الى الارادة الأزلية الى احدى السلسلتين ، وعدم الارادة الأزلية بالنسبة الى الاخرى.

ومن الواضح انّ كل واحد من سلسلة العلة لاحدهما مع واحد من سلسلة علة الآخر الى علة العلل اذا كان متحد الرتبة بلا تقدم [ رتبة ] (1) أحدهما على الآخر ، فكذلك المعلولان الاخيران من السلسلتين وهما وجود أحد الضدين مع عدم الآخر ، فلا مقدمية وهو المطلوب.

مثلا لو فرض كون الصلاة والازالة في أول الزوال متعاندين ، فحيث انهما متضادتان غير مجتمعتين في الوجود فلا بد من تعلق الارادة باحداهما دون الاخرى ، لمرجح من غلبة داعيه على داعي الآخر لاهميته له بالنسبة اليه ، وحينئذ يستند وجود أحدهما الى الارادة وعدم الآخر الى عدمها ، والاول يستند الى غلبة

ص: 315


1- في الاصل الحجري ( رتبتي ).

الداعي والآخر الى مغلوبيته بلا تقدم في السلسلتين لواحد من الوجود والعدم الى الانتهاء الى الارادة الأزلية وعدمها ، فاذا لم يكن تقدم بينهما فلا توقف كما هو واضح.

وامّا رابعا : فلاستلزام التوقف - على ما ذهب اليه المشهور - للدور كما أورده السلطان. (1)

بيانه : كما في المتن ؛ انّ مقدمية ترك أحد الضدين للآخر ليس إلاّ من جهة كون وجوده مانعا مع كون عدم المانع من جملة المقدمات ، ومن المعلوم انّ المانعية من جهة الضدية وهي تقتضي التمانع من الطرفين فيكون وجود الآخر مانعا أيضا ، وحيث انّ وجود المانع علة لعدم الآخر فيلزم الدور ، للتوقف من الطرفين ، من أحدهما بنحو الشرطية ومن الآخر بنحو العلية.

ويمكن تقريره من نفس مقدمية العدم ، لانّ المقدمة ما يلزم من عدمه عدم ذي المقدمة ؛ ومن المعلوم انّ عدم الضدين وجوده فيلزم منه عدم الآخر ، وهو عين علية الوجود للعدم ، والمفروض انّ ذاك العدم من جملة مقدمات الوجود أيضا فقد جاء الدور.

واجيب عن الدور : بأنّ توقف فعل الضد على الترك وان كان فعليا إلاّ أنّ توقف الترك على الفعل شأني ، لعدم استناده فعلا الى أسبق العلتين بالنسبة اليه وهو عدم الارادة ، ولا يلزم في الترك انتفاء جميع اجزاء علة الوجود بل يكفي انتفاء جزء منها ويكون هو المستند فقط على تقدير سبقه ؛ ومن المعلوم انّه في المقام عدم ارادة الضد واستناده الى الضد الآخر ليس إلاّ على تقدير تحقق جميع مقتضيات الوجود بحيث لا وجه لتركه إلاّ وجود الضد الآخر ، وحيث انّ جميع مقتضيات الوجود لا

ص: 316


1- حاشية سلطان العلماء : 284 عند التعليق على قول المعالم : « وجوابه يعلم مما سبق آنفا ... الخ ».

تجتمع مع مقتضيات وجود الآخر فدائما يكون استناده الترك الى انتفاء المقتضي ، فلا وجه لاستناده الى وجود الضد إلاّ شأنا ، فلا دور ، لعدم التوقف الفعلي من الطرفين.

فان قلت : إنّا ننقل الكلام الى علة الترك وهو عدم ارادة الوجود ولا وجه له إلاّ ارادة الآخر ، فيلزم الدور لمكان ، المضادة بين الارادتين أيضا.

قلت : انّ عدم الارادة يكون مستندا امّا الى عدم المقتضي فيما لم يشتمل فعل الضد على مصلحة أصلا ، وامّا الى مغلوبية داعيه فيما اذا اشتمل عليها بالنسبة الى مصلحة الآخر ، وتكون الارادة وعدمها في كلا القسمين في عرض واحد بلا استناد لاحدهما الى الآخر.

هذا كله في أفعال الممكن المستندة الى الارادة الجزئية ؛ وكذا الكلام في الافعال المستندة الى الارادة الأزلية عن الواجب تعالى ، لانّ فعل أحد الضدين وترك الآخر مستندان الى ارادة أحدهما وعدم ارادة الآخر المستندين الى الترجيح الاول الحاصل لاحدهما ومرجوحية الآخر ، بلا تقدم لاحدهما على الآخر.

فان قلت : انّ ما ذكرت من عدم توقف فعل أحد الضدين على ترك الآخر انما هو بالنسبة الى الافعال المستندة الى ارادة الشخص الواحد ، وامّا لو كانت ارادتان من شخصين تعلقت احداهما بفعل أحد الضدين مع تمام المصلحة له ، والاخرى بالآخر كذلك ، وحينئذ فمع غلبة أحدهما في التأثير لا وجه لترك الآخر إلاّ وجود ضده فيستند الترك مع تمام المقتضي الى وجود الضد ، فيدور.

قلت : انّ الاستناد في هذه الصورة أيضا الى عدم الشرط وهو القدرة على دفع المعاند ، فعدم القدرة والمغلوبية هو مما يتوقف عليه الترك لا نفس الضد الآخر ؛ وان شئت قلت : استناده حينئذ الى عدم ارادة الآخر القوي المستند ذلك - مع ارادته

ص: 317

الاخرى - الى غلبة داعيه على داعي الآخر.

والحاصل : انّه ما من مورد إلاّ ويستند فيه الترك الى عدم المقتضي لا الى وجود ضده ، بل وكذا الافعال من الطبيعة من الحرارة والبرودة فانّ عدم أحدهما في مورد التزاحم يستند الى مغلوبية علته وغلبة علة الآخر المنتهيين الى العلة الواحدة بالأخرة وهو الترجيح الأزلي لأحد الضدين على الآخر.

هذا كله غاية ما يمكن أن يقال في رفع الدور مع تسليم المذهب المشهور من توقف الوجود على ترك الضد.

ولكن التحقيق أن يقال : انّ المجيب ان أراد من عدم توقف العدم على الوجود عدم التوقف الفعلي ، لسبق عدم المقتضي وكفايته ولكن مع صلاحية وجود الضد واستعداده للتأثير في العدم على تقدير تمامية المقتضي ، غاية الامر انّ عدم التأثير الفعلي لعدم القابلية في المعلول لا لقصور في المانع ؛ ففيه :

انّ ذلك وان كان كافيا في رفع التوقف الفعلي ، إلاّ انّه لا يرتفع فيه المحال ، لاستلزامه استعداد كون الشيء [ مقدما ] عليه لنفسه وتقدم الشيء على نفسه رتبة كما هو واضح ، ولا اشكال في استحالته ؛ ومجرد عدم التوقف الفعلي غير كاف في رفع الاستحالة.

وان أراد عدم استعداد وجود الضد للمانعية أصلا ، بل مانعيته على تقدير محال وهو اجتماعه مع وجود مقتضي الضد الآخر ؛ ففيه :

مضافا الى عدم صحة الاشتراط لعدم اقتضاء المقتضي للشيء لاعطاء المانعية للضد عن تأثير ، انّه انكار لمانعيته رأسا حيث انّ المانعية على تقدير محال ، فمع عدم المانعية كيف يتوقف على تركه وجود الضد الآخر؟

والحاصل : انّ هذا الجواب لا يخلو : امّا عن انكار التوقف ، وامّا عن تسليم الدور ، فلا أقل من تسليم تقدم الشيء على نفسه رتبة ، فلا شبهة في فساده.

ص: 318

ثم انّه يظهر من التقريرات جواز اجتماع ارادة الضد مع مقتضي ارادة الضد الآخر ، فيكون عدم الارادة مستندا الى ارادة الآخر فيدور فعلا على تقدير توقف الوجود على العدم ، حيث انّه بعد نقل كلام المحقق الخوانساري في جواب الدور والايراد عليه قال في الجواب بقوله : « ففيه : انّ المقتضي لارادة الصلاة تعلق أمر الشارع وكونها ذات مصلحة مجتمعة وهو أمر قائم بنفس الصلاة ، ومقتضي ارادة الزنا ما فيه من اللذة وحفظ النفس وذلك متعلق بنفس الزاني ، ولا استحالة في اجتماع هذين المقتضيين في الحكمين المختلفين ، فيمكن حينئذ اجتماع ارادة الصلاة مع مقتضي ارادة الزنا ... الخ » (1).

وقال أيضا في الاعتراض في جواب المحقق المزبور عن الدور في مقام آخر بقوله : « وهذا انما يتم اذا قلنا باستحالة تمام مقتضي أحد الضدين مع الضد الآخر حتى يكون عليه فعله لترك الآخر في زمان واحد مستحيلا ؛ وقد عرفت منع هذه الاستحالة ، وانّه يجوز أن يجتمع أحد الضدين مع تمام مقتضي الآخر ، وحينئذ يرد الدور على فرض التمانع ». (2)

ولكن التحقيق ما عرفت في رفع الدور من عدم استناد الترك الى وجود الضد سواء فرض الضدان هما الفعلان [ أو ] (3) الارادتان ، بل نقول باستحالة اجتماع العلة التامة للضد مع العلة التامة للآخر ، لاستلزامه اجتماع الضدين المستحيل ، فدائما تكون العلة التامة لاحدهما مع عدم تماميتها للآخر ، فيستند عدم أحد الضدين الى انتفاء علته ولو ببعض اجزائها ، فلا دور فعلا ولو مع التزام قول المشهور ، ومع ذلك نقول بعدم التوقف من طرف أصلا.

ص: 319


1- مطارح الانظار : 109 السطر 30 - 32 والطبعة الحديثة 1 : 522.
2- مطارح الانظار : 110 السطر 23 - 25 والطبعة الحديثة 1 : 525.
3- في الاصل الحجري ( و).

249 - قوله : « وحيث لا منافاة اصلا ».

249 - قوله : « وحيث لا منافاة اصلا ». (1)

هذا اشارة الى اول الوجوه التي ذكرناها في منع المقدمية.

250 - قوله : « فكما ان قضية المنافاة ».

250 - قوله : « فكما ان قضية المنافاة ». (2)

اشارة الى الوجه الثاني من الوجوه المذكورة.

251 - قوله : « كيف ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء ».

251 - قوله : « كيف ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء ». (3)

اشارة الى الوجه الرابع.

252 - قوله : « بداهة ثبوت المانعية في الطرفين ».

252 - قوله : « بداهة ثبوت المانعية في الطرفين ». (4)

حيث ان وجه المانعية هو الضدية ، ومن الواضح انه امر قائم بالطرفين ، فلا بد ان تكون المانعية كذلك.

253 - قوله : « لما كاد يصح ان يستند فعلا اليه ».

253 - قوله : « لما كاد يصح ان يستند فعلا اليه ». (5)

لاستلزامه تقديم الشيء على علته رتبة المستلزم لتقدم الشيء على نفسه كذلك ، وهو ضروري الاستحالة.

254 - قوله : « مساوق لمنع مانعية الضد ».

254 - قوله : « مساوق لمنع مانعية الضد ». (6)

وان شئت قلت في الجواب : انّ المعلق على الشرط في هذه القضية ان كان هو التأثير الفعلي فيلزم بقاء الاستحالة ، لكفاية صلاحيته فيه.

وان كان المعلق عليه هو أصل الصلاحية ، ففيه :

مضافا الى عدم صدق الشرطية لعدم افادة وجود المقتضي للضد اعطاء

ص: 320


1- كفاية الاصول : 161 ؛ الحجرية 1 : 108 للمتن و 1 : 108 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 161 ؛ الحجرية 1 : 108 للمتن و 1 : 108 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 161 ؛ الحجرية 1 : 108 للمتن و 1 : 108 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 161 ؛ الحجرية 1 : 108 للمتن و 1 : 108 للتعليقة.
5- كفاية الاصول : 162 ؛ الحجرية 1 : 108 للمتن و 1 : 108 للتعليقة.
6- كفاية الاصول : 163 ؛ الحجرية 1 : 108 للمتن و 1 : 115 للتعليقة.

صلاحية المانعية في الضد الآخر بالنسبة الى مقتضاه كما أفاده دام ظله في الحاشية (1) ؛ انّه انكار لاصل المانعية ، لانّ المتعلق على المحال محال ، فيلزم منه انكارها من الطرفين كما لا يخفى.

255 - قوله : « ومما ذكرنا ظهر انّه لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم ».

255 - قوله : « ومما ذكرنا ظهر انّه لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم ». (2)

لما عرفت من كون الضدين [ هما ] (3) المتبادلين في الرتبة الواحدة لا السابق من أحدهما مع اللاحق من الآخر وبالعكس ؛ فلازمه انّ الموجود سابقا ليس معاندا للاّحق كي يتوقف على رفعه ، ولذلك يجتمع السابق مع اللاحق في أصل التحقق.

نعم لو دار الامر عقلا بين وجود في زمان سابق وبين آخر في زمان لاحق فيكونان حينئذ هما المتبادلان في دار الوجود ويكون عدم أحدهما مع وجود آخر في عالم التحقق في رتبة واحدة بلا تقدم لاحدهما على الآخر.

فحصل مما ذكرنا عدم انحصار الضدين في المتحدين بحسب الزمان بعد أن كانا متحدين بحسب الرتبة.

256 - قوله : « وامّا من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود في الحكم ».

256 - قوله : « وامّا من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود في الحكم ». (4)

اذا عرفت عدم حرمة الضدين من جهة المقدمية ؛ فقد أشار الى الدليل الثاني لهم وهو تلازم الوجود وعدم الضد الآخر ، فيسري حكم أحد المتلازمين الى الآخر ، خصوصا بناء على كونهما معلولي علة واحدة ، فيكون عدم الضد واجبا

ص: 321


1- اي في تعليق الآخوند على كلام نفسه في الكفاية : 163.
2- كفاية الاصول : 164 ؛ الحجرية 1 : 113 للمتن و 1 : 115 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( هو ).
4- كفاية الاصول : 164 ؛ الحجرية 1 : 113 للمتن و 1 : 116 للتعليقة.

وفعله حراما ، وإلاّ لزم اتصاف العدم بغير حكم الوجود بناء على عدم خلوّ الواقعة عن الحكم ومنه الحرمة ، فيلزم منه طلب المتضادين.

وفيه : انّ مجرد التلازم في الوجود الخارجي لا يقتضي المشاركة في الحكم ولو كانا معلولي علة ثالثة ، لعدم الاستحالة عقلا في عدم اتحادهما في الحكم لو لم يكن في أحدهما ما كان موجبا لثبوت الحكم في الآخر من المصلحة والمفسدة ؛ بل ولا مانع من اختلافهما في الحكم الواقعي لو كان في كل واحد ما يقتضي خلاف حكم الآخر من المصلحة والمفسدة.

نعم لا يمكن اختلافهما في الحكم الفعلي ، لاستلزامه المحال من طلب المتضادين ، أو اجتماع المتناقضين من جواز الترك وعدمه كما لا يخفى.

والحاصل : انّ التلازم في الوجود ولو اتفاقا لا يقتضي إلاّ عدم اختلافهما في الحكم الفعلي وان كانا كذلك في الحكم الواقعي.

وما اشتهر من « عدم خلوّ الواقعة » (1) على تقدير التسليم انما هو بالنسبة الى الحكم الواقعي ، لما ورد في الاخبار من جعل الشارع الحكم لجميع الوقائع وعدم خلوّها عن الحكم ، وامّا بالنسبة الى الحكم الفعلي فلا كما لا يخفى.

257 - قوله : « الامر الثالث : انّه قيل بدلالة الامر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام بمعنى الترك ».

257 - قوله : « الامر الثالث : انّه قيل بدلالة الامر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام بمعنى الترك ». (2)

وليعلم : انّ حرمة الضد الخاص - على القول به - منحصر بالالتزام اللفظي أو العقلي ؛ وامّا الضد العام فيدور بين العينية مصداقا أو التضمن أو الالتزام لفظا أو عقلا ، حيث انّ الامر بالشيء يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل

ص: 322


1- الكافي 1 : 59 باب ( الرد الى الكتاب والسنة ... وجميع ما يحتاج الناس اليه ... ) عدة احاديث ؛ و 3 : 69 باب ( النوادر ) الآتي بعد باب ( الكسير والمجدور ... الخ ) الحديث 1. وغيرها بهذا المعنى كثير.
2- كفاية الاصول : 164 ؛ الحجرية 1 : 113 للمتن و 1 : 116 للتعليقة.

مع المنع من الترك ، فيكون النهي من الترك جزءا من مدلوله.

ولكن التحقيق : انّ الوجوب ليس مركبا من الطلب والمنع من الترك ، بل هو أمر بسيط عبارة عن الطلب الشديد الذي لازمه المنع من الترك بحكم العقل اذا لاحظه تفصيلا ؛ فيكون التعبير بالمنع عن الترك في بعض العبائر تعبيرا باللازم.

ثم انّه كما لم يكن الوجوب أمرا مركبا لم يكن في البين طلبان أحدهما متعلقا بالفعل والآخر بالترك فيعبّر عن الاول بالوجوب وعن الثاني بالحرمة ، بل هناك طلب الزامي ينسب الى الفعل بالأصالة ويعبر عنه بالوجوب وينسب الى الترك بالعرض ويعبر عنه بالمنع عن الترك ؛ وحيث انّه بمعنى طلب ترك الترك وهو عبارة اخرى عن طلب الفعل فلو قيل بالعينية معنى لا مفهوما لا بأس به.

وعلى كل حال ليس في البين طلبان حقيقة قصد افادة أحدهما بالاصالة والآخر بالتبع كما في وجوب المقدمة حقيقي ، فجعل النهي عن الضد طلبا آخر حقيقيا مع دعوى دلالة الامر عليه بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام لا وجه له.

نعم لا بأس بالالتزام بعدم الاذن في الفعل والمنع عن الترك عند الالتفات اليه عقلا ، لا مولويا شرعيا ، وعلى تقديره فيكون لازما للامر بالشيء لا عينه أو جزؤه. نعم نفس الامر بالشيء يكون نهيا عن الترك عرضا ؛ فما ذكر في المتن من جعله لازما لا وجه له ، إلاّ أن يكون المراد ما ذكرنا. ولعله أشار اليه بقوله : « فافهم ».

258 - قوله : « الامر الرابع : تظهر الثمرة في أنّ نتيجة المسألة ... الخ ».

258 - قوله : « الامر الرابع : تظهر الثمرة في أنّ نتيجة المسألة ... الخ ». (1)

وهي فساد الضد - اذا كان من العبادات - على القول بالاقتضاء وصحته على القول بالعدم.

ص: 323


1- كفاية الاصول : 165 ؛ الحجرية 1 : 114 للمتن و 1 : 117 للتعليقة.

ومن المتأخرين كالشيخ البهائي (1) وغيره قد أنكر الثمرة المذكورة قائلا بعدم الصحة مطلقا بنظر الى اقتضاء الامر بالشيء عدم الامر بضده لاستلزامه التكليف بالمحال بل التكليف المحال ، فيستحيل ولو عند الاشاعرة المجوزين للامر بالمحال ، وحينئذ فيبطل الضد اذا كان من العبادات لتوقف صحتها على تعلق الطلب بها.

ولكن التحقيق : صحتها ولو لم يكن أمر في البين أصلا :

امّا على مذهب العدلية من تبعية الاوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في المأمور بها والنهي عنها ، فواضح ، لعدم فقدان الضد - بسبب مزاحمته بالامر بالاهم - مصلحته الموجبة للامر به قبلها ، بل كان على ما هي عليه قبل المزاحمة من المصلحة والمحبوبية ، غاية الامر يسقط البعث والزجر بالنسبة اليه من قبل المولى لمانع عقلي وهو الامر بالاهم ، وحينئذ فيصح التقرب به لمصلحته النفسية.

وتوهم : انّ استكشاف المصلحة بالامر ، وإذ ليس في المقام فليس.

مدفوع : بأنّ عدم الاستكشاف بانقطاع انما هو فيما كان الانقطاع بالتخصيص اللفظي أو العقلي اذا كان بسبب قصور المقتضي كما في الصلاة في الدار الغصبي بناء على امتناع اجتماع الامر والنهي.

امّا اذا كان بسبب وجود المزاحم بالنسبة الى الامر الفعلي بلا قصور في نفس الفعل - كما فيما نحن فيه - فلا ينقطع الاستكشاف ، إذ كان العقل يدرك ارتفاع الامر ، كذلك يدرك عدم تنزل الضد عما هو عليه - قبل المزاحمة - من المصلحة وانّها ليست مقيدة بعدم المزاحمة ، هذا.

مع امكان استكشاف بقاء المصلحة باطلاق المادة في صورة رجوع القيد

ص: 324


1- زبدة الاصول : 118 ؛ والطبعة الحجرية منه : 82.

الى الهيئة ؛ وهذا نظير استكشاف الشرطية والجزئية المطلقتين من اطلاق مادتهما ولو ثبتا بلسان التكليف المرتفع عقلا كما في صورة التعذر ، أو بالتقييد اللفظي كما في صورة ارتفاع قيد الهيئة.

وامّا على مذهب الأشاعرة : فلأنّهم وان ليسوا من القائلين بتبعية الامر والنهي للمصالح والمفاسد ولكنهم لم ينكروا تبعيتهما لغرض من الاغراض ، وحينئذ لم يرتفع ذلك الغرض بارتفاع الامر عقلا بالمزاحمة فيصح التقرب لاجل حصوله ، فتصح العبادة ولو كانت الصحة بمعنى اسقاط الاعادة والقضاء ، لسقوطهما باتيان ذات المأمور به بداعي المصلحة ولم يقم دليل عقلا على كون الصحة منحصرة في تبعيتها للامر الفعلي.

هذا كله بناء على ثبوت المصلحة في تعلق الامر ؛ وكذلك بناء على ثبوتها في نفس الامر والتكليف ولو واقعا. نعم لو ثبت أو احتمل دورانها مدار الامر الفعلي - بحيث لا مصلحة في البين لو ارتفعت الفعلية ولو عقلا - توجه عدم الصحة ، لعدم امكان تحصيل الغرض حينئذ كما لا يخفى.

259 - قوله : « ثم انّه تصدى جماعة من الافاضل لتصحيح الامر بالضد ».

259 - قوله : « ثم انّه تصدى جماعة من الافاضل لتصحيح الامر بالضد ». (1)

كصاحب كشف الغطاء (2) وصاحب الحاشية (3) وصاحب الفصول (4) والسيد الشيرازي (5) وبعض تلامذته. (6)

ص: 325


1- كفاية الاصول : 166 ؛ الحجرية 1 : 114 للمتن و 1 : 118 العمود 1 للتعليقة.
2- كشف الغطاء : 27 ، البحث الثامن عشر ، والطبعة الحديثة 1 : 169.
3- هداية المسترشدين : 243 السطر 29 - 35 ، والطبعة الحديثة 2 : 271.
4- الفصول الغروية : 95 السطر 27 - 30.
5- تقريرات الشيرازي للروزدري 2 : 276 - 277 في مبحث مقدمة الواجب ، وكذلك 3 : 121 في مبحث دلالة النهي على الفساد.
6- هم السيد محمد الاصفهاني الفشاركي في الرسائل الفشاركية : 184 ؛ والمحقق النائيني في فوائد الاصول 1 : 361. وهذه المسألة قد ذكرها جمع من الاعلام بالتفصيل عن مجلس درس السيد الفشاركي ، وإلاّ فلم يؤثر عنه تصنيف غير عدة رسائل جمعت باسم ( الرسائل الفشاركية ) ، والمذكور فيها شاهدا على المقام ، مختصر. ثم ان المحقق النائيني وان كان قد تتلمذ على الميرزا الشيرازي ، إلاّ انه كان تلميذا خاصا بالسيد الاصفهاني الفشاركي ، وفي هذا الصدد يقول ما مضمونه : « كل ما عندي فهو من السيد الفشاركي » ، هذا. وكثير من الاعلام - اضافة الى النائيني - من مثل المحقق الاصفهاني والعراقي والشيخ عبد الكريم الحائري هم ممن تتلمذ على السيد الفشاركي.

وغرضهم اثبات تعلق الامر بالضد العبادي في ظرف تعلقه بالمأمور به الأهم على نحو الترتب ، بأن كان الامر بغير الأهم متوقفا على تحقق العصيان الواقعي بالنسبة الى الأهم في ظرفه الذي كان بعد ظرف الطلب - بناء على الشرط المتأخر - أو البناء والعزم على عصيانه مقارنا أو متقدما بناء على عدم معقولية الشرط المتأخر ، وحينئذ فلو فرض تحقق العصيان في متن الواقع بالنسبة الى الامر الأهم أو ارادته ذلك من الاول وعلم الآمر بذلك فيتوجه أمره الى غير الأهم مشروطا ، لتحقق ما يتوقف عليه عدم سقوطه من الأهم أيضا ، فيلزم اجتماع الامرين بالنسبة الى المتضادين من أول الامر على الشرط المتأخر مع علم الآمر بتحققه في ظرفه أو في ثاني آن الامر بالاهم قبل آن الاشتغال بالفعل بناء على الشرط ، حيث انّ الامر الثاني متوقف على سبق الامر بالاهم أولا ثم الارادة على معصيته ثانيا ، فيتأخر عنه برتبتين.

والحاصل : انّ مقصود القائلين اثبات الامر بالمتضادين معا في آن واحد قبل آن الفعل كي يقع الضد بداعي الامر ، فيصح عباديا على توقف صحة العبادات على الامر.

وامّا مع فرض سقوط الامر بالأهم بالعصيان الفعلي بمضي وقته ولو مع زمان الفعل أو مع اختلاف زمانه فلا اشكال في صحة الامر بغير الأهم كما هو واضح ، لمكان اختلاف زمان الامرين في الصورة الاولى واختلاف زمان الفعلين في الصورة

ص: 326

الثانية أيضا ولا اشكال في صحته ، وانما الكلام في صحته مع تحقق الوحدتين ، وغاية ما يمكن أن يقال في تقريبه : وجهان :

أحدهما : (1) انّ الامر بالمهم مشروط بترك الأهم في وقته ، والمشروط بشيء لا يشمل حال عدمه ، فلا يتحقق في ظرف ايجاد الأهم.

ثم انّ الامر بالاهم لا يكون شاملا لحال عدمه أيضا كما هو شأن كل أمر مطلق ، حيث انّه لا يمكن اطلاقه في رتبة عدمه وإلاّ لزم الامر بالنقيض في مرتبة نقيضه الآخر وهو محال ، وحينئذ فلا يجتمعان في مرتبة واحدة.

ثم انّ الامر المشروط لا يقتضي ايجاب شرط سواء كان شرطا متقدما أو مقارنا أو متأخرا ، بخلاف المطلق فانّه يقتضي ايجاب مقدمات الوجود.

اذا عرفت ذلك فيظهر عدم المطاردة بين الامرين ، لانّ الأهم في مرتبة اقتضائه الامتثال لا يزاحم الامر الآخر ، والمهم يكون اقتضاؤه للامتثال في مرتبة عدم الأهم ، وقد عرفت انّه في تلك المرتبة خال عن المزاحم رأسا.

وبعبارة اخرى : سبب استحالة الامرين انما هو رجوعها الى الامر باجتماع الضدين ، ومع عدم رجوعهما الى ذلك وعدم اقتضاء واحد منهما للامتثال في مرتبة اقتضاء الآخر له فلا موجب للاستحالة ، هذا.

مع انّ المستحيل انما هو اذا لم يقدر المكلف على اسقاط الامرين ، وما نحن فيه ليس كذلك ، حيث انّه يقدر عليه باتيان الأهم ، فلا تزاحم ولا تضاد بينهما في مقام الامتثال في آن من الآنات ، فأين الاستحالة؟

ولكن التحقيق : عدم صحة التقريب ، وبيانه يتم برسم امور :

الاول : انّ محل الكلام هو اجتماع الحكمين البعثيين بحيث ينقدح في نفس

ص: 327


1- يأتي التقريب الثاني بقوله : « الثاني من التقريبين : انه يرجع ... الخ » بعد عدة صفحات.

المولى البعث والزجر على المكلف بالنسبة الى الضدين ، وامّا اجتماع الانشائين ، أو الفعلي مع الانشائي فلا كلام ولا اشكال فيه.

الثاني : انّ اجتماع الضدين لما كان مستحيلا فلا ينقلب - بضم امور اختيارية اليه وتقييده بها - عما هو عليه من الاستحالة الى الامكان ، لاستلزام الانقلاب في الذاتيات ، وهو ما لا اشكال في استحالته. ولا فرق أيضا في استحالة الاجتماع بين الضدين بين كون المضادة بينهما ذاتية أو عرضية.

الثالث : انّه لا بد من كون الطلب مقدما على الفعل زمانا ولو آناً ما ، للزوم طلب الحاصل لولاه ، مع انّه لا بد منه كي يكون الطلب داعيا الى الفعل.

الرابع : انّ الاطاعة والعصيان لا يتحققان قبل مضي زمان الفعل فيما لم يسلب الاختيار بالنسبة اليه قبله وان كان المكلف عازما على المعصية مثلا ؛ كما انه لا يسقط الامر قبل تحقق الاطاعة والعصيان فعلا وان علم الآمر بتحققهما فيما بعد ، وإلاّ لزم سقوطه عن الفساق قبل مجيء زمان الفعل.

الخامس : انّ الامر والبعث الى العبد مثل الارادة المحركة للعضلات بالنسبة الى فعل المباشر بنفسه.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ استحالة الاجتماع بين المتضادين بنفسهما كافية في امتناع الامر بهما معا من المولى الحكيم ، حيث انّ توجيه الامر الى العبد انما يصير فيما لو كان المولى فاعلا بنفسه إيّاه لأمكن تحريك عضلاته اليه ، ولا اشكال في عدم امكان تحريك العضلات - في آن واحد من العاقل - الى المتضادين معا كالحركة والسكون مثلا ، فاذا لم يمكن اقبال النفس وارادته الحتمية اليهما معا في افعال نفسه فكيف يكون اقبالها الى بعث الغير وحمله اليهما فعلا؟ ويدل عليه الوجدان لمن تعنّت عليه البرهان.

فان قلت : انما المسلّم قبحه اذا لم يكن المكلف بنفسه سببا له بعزم المعصية

ص: 328

على الامر بالأهم ، وامّا معه فلا قبح فيه ، حيث انّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

قلت : امّا الاستحالة فلما عرفت من كفاية ثبوتها بنفس امتناع الجمع بين المتضادين سواء كانت المضادة ذاتية أو عرضية ؛ وامّا رفع الاستحالة بفعل المكلف ، ففيه : ما عرفت في الامر الثاني من عدم انقلابها الى الامكان ، مع انّه لو كان كذلك لما يحتاج في تصحيح الامر بالمتضادين الى الترتب ، بل يكفي الامر بهما معلقا على فعل المكلف ابتداء كقوله : « إن كنت في ساحل البحر فأنقذ الغريقين ».

والحاصل : انّ الاستحالة العقلية لا ترتفع بفعل المكلف.

فان قلت : انّ الامر بالأهم يسقط من الفعلية بالعزم على المعصية مع علم الآمر بحصول المعصية واقعا ، فيبقى الامر بالمهم بلا مزاحم.

قلت : انّ الامر لا يسقط بالعزم على معصيته ما لم يتحقق فعلا ، كما عرفت في الامر الرابع ؛ مضافا الى استلزامه عدم المعصية.

فان قلت : انّ الاجتماع المستحيل انما يلزم اذا كان الامران في مرتبة واحدة ، وفيما نحن فيه ليس كذلك ، لتأخر الامر بغير الأهم عن الامر به بمرتبتين ، لتحققه بعد حصوله وارادة معصيته ، لما عرفت فيه من الاشتراط وان لم يكن كذلك زمانا بناء على الشرط المتأخر.

قلت : انّه على فرض التسليم وان لم يكن الامر بالمهم في مرتبة الامر بالأهم ، إلاّ انّه في مرتبة لعدم التعليق فيه بمرتبة دون اخرى بمعنى ، انّه موجود في ظرف عدم الاطاعة واقعا بالاطلاق الذاتي لا مقيدا بالعدم حتى لا يمكن ذلك ، وحينئذ فيجتمعان في المرتبة ، فيعود المحذور ؛ وحيث انك عرفت في الامر الثالث تقدم الطلب على الفعل زمانا ما ، تعرف انّهما يجتمعان فيما قبل الفعل ولو بآن

ص: 329

واحد ، فلا وجه لتوهم كون الامر الثاني في آن الفعل ، ولا اشكال في سقوط الاول حينئذ ، فلا يجتمعان.

ودعوى : عدم منع العقل عن الامر بالمتضادين اذا كان التكليف بأحدهما مبنيا على تقدير خلوّ الوقت عن الآخر لاعتبار انتفاء أحدهما في مطلوبية الآخر ، وانما الممنوع التكليف بالجمع بينهما.

مدفوعة : بأنّ خلوّ الزمان عن أحد الضدين مما لا بد ، وهو منشأ الاستحالة ، فلا يجدي في رفعها ؛ وامّا طلب الجميع فمما لا اشكال في لزومه على ذلك التقدير حيث ان الامر بغير الأهم متوجه الى المكلف بمقتضى حصول شرطه ، والفرض عدم التعليق في الامر بالأهم فهو متوجه على جميع التقادير ومنها تقدير حصول شرط الامر بالمهم ، ولازم كل منهما الامتثال على طبقه في مرتبة تحققه.

فان قلت : انّه يقدر على اسقاطهما بالاتيان.

قلت : انّه مستلزم للخلف ، بمعنى انّه قادر على الخروج عن موضوع اختلاف المتلازمين في الحكم الفعلي ، حيث انّ ترك الأهم حرام بمقتضى اقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده العام بمعنى الترك ، وفعل المهمّ الملازم معه واجب ، فيلزم ما ذكر في استحالته أو قبحه.

هذا كله ، مع انّه يرد على الترتب كما عن الشيخ المدقق الشيرازي (1) دام ظله بأنّ ترك المهم حرام ، فحينئذ لا يخلو :

امّا أن يكون المحرّم هو مطلق الترك أعم من الموصل الى الأهم وغيره

ص: 330


1- هو الشيخ محمد تقي الشيرازي ، مفجّر ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال الانگليزي. له ( حاشية المكاسب ) و ( رسالة صلاة الجمعة ) و ( رسالة الخلل ) و ( المنظومة الرضاعية ) ، لكن لم نعثر على كتبه ، ويحتمل انه منقول من مجلس درسه. ثم ان المطلب المذكور قد ذكره ايضا غير القوچاني من الاعاظم ، مثل الاصفهاني في نهاية الدراية 2 : 244 والمشكيني في حاشيته 2 : 48.

الجامع مع فعل الأهم. ولا اشكال في فساده بعد حرمة ترك الأهم مطلقا وعدم تمكن المكلف من امتثالهما ، فليست ثمرة البعثين إلاّ ثبوت العقابين وهو قبيح من الحكيم لو لم نقل باستحالته ، لانّ جعل التكليف لاجل ترتب العقوبة بلا داع الامتثال لا شبهة في فساده.

وامّا ان يكون الحرام الترك الخاص غير الموصل الى فعل الأهم ؛ فيرد عليه :

أولا : بأنّ لازمه عدم وجوب الفعل ، لما عرفت سابقا من انّ نقيض الترك الخاص هو ترك هذا الترك أعم من الفعل والترك الموصل ، فيكون الواجب هو ترك الترك الأعم ، لا الفعل الذي يكون أخص منه.

وثانيا : على تقدير تسليم وجوبه لا بد أن يكون عينيا بعد حصول شرطه ، وحينئذ فيلزم التخيير بين الواجب التعييني وغيره الذي هو الترك الموصل الى فعل الأهم. وبعبارة اخرى : يلزم الوجوب التخييري بين الازالة والصلاة ؛ ولا معنى للتخيير في الواجب التعييني كما هو واضح.

وثالثا : يرد عليه ما عرفت من عدم الثمرة لهذا التكليف - مع وجود التكليف بالأهم - إلاّ ترتب العقوبة على المخالفة القهرية بالنسبة الى أحدهما ، ولا شبهة في فساده من الحكيم.

ولكن التحقيق : عدم لزوم خروج الفعل المطلق عن كونه واجبا ، ولا انقلابه الى التخييري ، لوضوح كونه عينيا في مورد وجوبه وانما الاختيار في تبديل الموضوع الى موضوع آخر وهو ليس من قبيل المحذورين. نعم اشكال ثبوت العقابين باق على حاله.

ثم انّ منشأ الاستحالة ليس لزوم اجتماع الامر والنهي في المهم لاجل كون تركه مقدمة للأهم كي يدفع بعدم المقدمية أولا وبعدم وجوب المقدمية ثانيا ، بل هو

ص: 331

ما عرفت من استحالة اقبال النفس الى المتضادين فعلا بالنسبة الى فعل المباشر والبعث عليهما في فعل الغير مع عدم تمكنه إلاّ من امتثال أحدهما ، وهو لازم على ذاك التقدير ، ولا ريب في بطلانه.

وامّا ما يتراءى في الموالي الفعلية العرفية بالنسبة الى عبيدهم من توجيه الامرين على نحو الترتب فهو بعد ما عرفت البرهان على خلافه : امّا مبني على التجاوز عن الامر الاول ؛ وامّا يكون الثاني من باب الارشاد العقلي بحكمه بحسن فعل غير الأهم ليحترز به عن مقدار من عقاب مخالفة الأهم على القول بالاحتياط ، أو يحصل به القرب في الجملة وان حصلت المعصية أيضا بالنسبة الى الأهم.

الثاني من التقريبين : (1) انّه يرجع الامر بالمهم الى طلب سد أنحاء عدمه إلاّ سد عدمه الذي ينشأ من قبل فعل الأهم.

وبعبارة اخرى : انّ عدمه الملازم لفعل أضداده الخاصة مطلوب الترك إلاّ عدمه الملازم لفعل الأهم ، ومرجع هذا الى طلب الوجود من الجهات الملازمة لسائر الجهات دون الجهة الملازمة لترك الأهم.

فلو فرض اضافات وجودية لوجود الضد لكان ذلك متعلقا للطلب من تمام الاضافات إلاّ من جهة اضافة واحدة ؛ أو فرض اجزاء خارجية له وكان كل منهما ملازما لترك واحد من الأضداد لكان كل منهما مطلوبا إلاّ الجزء الملازم لترك الأهم ، لعدم امكان سراية الامر الى شرط وجوبه كما لا يخفى.

وحينئذ فمثل هذا الامر بالمهم لا يزاحم الامر بالأهم ، بل لا يكون الامر بالقيد ، لعدم سرايته اليه من جهة المضادة ، فلا استحالة في البين.

ص: 332


1- قد مضى التقريب الاول منه بقوله : « ان يقال في تقريبه وجهان أحدهما ... الخ » قبل عدة صفحات.

وفيه :

أولا : انّ اشتراط الامر بالضد بترك ضده لا يمكن في الضدين اللذين لا ثالث لهما ، لاستلزامه طلب الحاصل كما لا يخفى.

وثانيا : انّ فرض أعدام خاصة للشيء الواحد يخرجها عن النقيض الى الضد الخاص ، لعدم كون النقيض متعددا ، وعرفت حكم الضد.

وثالثا : انّ الوجود لاجل اضافته الى أعدام ضده لا يكون ذات اضافات أو ذات اجزاء حتى يتعلق ببعضها الامر دون بعض.

ورابعا : أنه خارج عن محل النزاع ، لأنه في اثبات تعلق الامر بنفس ما هو بضد للمأمور به بنحو الترتب ، فارجاعه الى غير جهة الضدية لا يحتاج الى الترتب كما لا يخفى. وهذا الطريق أوهن من الأول.

ثم انك بعد ما عرفت البرهان على امتناع الترتب تعلم انّه على تقدير عدم اتيان المكلف للضدين لا يعاقب إلاّ بالنسبة الى مخالفة الأهم ، دون غيره ، لعدم فعلية أمره ؛ وامّا استبعاد ذلك من ملاحظة بعض الامثلة فهو شبهة في مقابلة الوجدان واشتباه الأهم بغيره.

منها : مزاحمة الصلاة مع السير الى الحج فيما دار الامر بينهما ، وحينئذ فلو لم يأت المكلف بهما فاستبعاد ترتب العقاب على أحدهما دون الآخر ليس في محله ، ولكن لا يبعد أهمية الصلاة.

ومنها : مزاحمة الصوم مع السفر الواجب ولكن المزاحمة في هذا الفرض مشكل حيث انّ الواجب حينئذ هو الامساك قبل الترخص وهو لا يزاحم السفر ، وانما الضد هو الصوم في اليوم وهو لا يكون واجبا مع وجوب السفر المعلق على عدمه الصوم ولو مباحا ، فكيف يجب مع وجوبه؟

نعم اذا سقط وجوبه يتعلق به الوجوب لا مع غيره ، وحينئذ فلو لم يسافر

ص: 333

وأفطر يلزم بعدم العقاب إلاّ بالنسبة الى مخالفة السفر لو كان هو الأهم إلاّ من جهة جواز افطاره شرعا كي يقال لعدم جواز التصريح به من الشارع مع حكم العقل اللازم بتدارك مقدار من عقاب مخالفة السفر مع ارشاد الشارع اليه ، بل من جهة عدم الامر الفعلي بالنسبة اليه كما عرفت فتأمل.

وهنا نقوض ينبغي الاشارة اليها :

منها : التكليف الكفائي فيما لا يمكن صدوره إلاّ من واحد فانّ كل واحد مكلف ومعاقب على الترك مع امتناع الصدور من كل واحد ؛ ولا فرق بين تعدد التكليف أو المكلف به ، فاذا لم يعقل توجه تكليفين الى شخص واحد فكذلك لا يصح توجه تكليف واحد الى شخصين أيضا.

ومنها : انّه لو نذر بشيء ثم نذر بأنّه لو لم يفعل تصدّق بدرهم ، ولا وجه للالتزام ببطلان الثاني على ما يشاهد به العرف والاعتبار ، فيكون التكليف بالثاني مرتبا على الاول.

ومنها : انّ كل مكلف لا يعقل اطلاقه ولا تقييده بالنسبة الى نقيض المطلوب فلا يصح أن يقال : « أيها التارك افعل » لأنه كلما فعل يخرج عن عنوان المكلف ، وكذا « أيها الفاعل اترك » ؛ واذا سلّم عدم تعقل التقييد فلا يصح الاطلاق أيضا فلا مانع من أن يتعلق بهذا العنوان تكليف آخر ، الى غير ذلك من الامثلة التي توهم صحة الترتب.

ولكن جواب الكل يظهر بالتدبر.

اذا عرفت ما ذكرنا من عدم صحة القول بالترتب ، فيظهر انّ صحة الضد منحصرة بما ذكرنا من كفاية الحسن الذاتي في كون الشيء عبادة وان لم يكن أمر في البين.

260 - قوله : « نعم فيما اذا كانت موسعة وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت لا في تمامه ».

260 - قوله : « نعم فيما اذا كانت موسعة وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت لا

ص: 334

في تمامه ». (1)

فهل يوجب ذلك تضييق دائرته بحيث يكون غير الأهم منحصرا في افراده غير المضادة معه ، فلا يصح لو أتى به ، مع مخالفته على قول البهائي باحتياج العبادة الى الامر به على ما هو عليه لو لا الأهم من التوسعة؟

فنقول :

بناء على اقتضاء الامر بالشيء النهي عن ضده على المقدمية فلا اشكال في الفساد.

وامّا بناء على عدم الاقتضاء :

فان كان المضيق لا يجتمع مع الموسع ولو في آخر الوقت سواء كان من جهة احاطة فعله بوقت الموسع أو من جهة عدم التمكن بفعله بعده ، فلا اشكال في عدم الصحة أيضا بناء على الاحتياج الى الامر.

وامّا لو لم يكن كذلك بل يمكن الاتيان بالموسع بعد الاتيان بالمضيق أيضا :

فان قلنا حينئذ بتعلق الامر بالافراد بحيث كان كل من الايقاعات للموسع متعلقا له على نحو التخيير الشرعي - غاية الامر كانت الاشارة اليها بالعنوان الجامع - فلا اشكال في عدم الصحة أيضا ، وإلاّ للزم الامر بالمتضادين.

وان قلنا بتعلق الامر بالطبيعة فقد يقال : بعدم التضييق ، حيث انّ الطبيعة لما كانت مقدورة - ولو باتيان الفرد غير المضاد - فلا مضادة بينه وبين المأمور به الأهم وان أتى بها في ضمن الفرد المضاد ، لكونها - بعد الغاء خصوصيته الفردية المفروض عدم دخلها في متعلق الامر - عين الطبيعة في ضمن غيره ، لعدم التميز فيها بوجود آخر بعد ملاحظتها بما هي.

ص: 335


1- كفاية الاصول : 168 ؛ الحجرية 1 : 115 للمتن و 1 : 122 للتعليقة.

وبعبارة اخرى : لما كان متعلق الامر هو الطبيعة - والمضادة انما هو بين الأهم والفرد لا بينه وبينها - ولا يسري حكم الافراد الى الطبيعة لعدم الضيق في دائرتها بعد القدرة عليها في ضمن فرد ما ، فلا محذور في كون الطبيعة مطلوبة ، فيصح الامتثال بها ولو في ضمن الفرد المضاد المفروض عدم تعلق الامر به.

ولكن التحقيق : التضييق في متعلق الامر ولو بناء على الطبيعة حيث انّ المطلوب حينئذ وجوده الطبيعي ، وحيث انّ وجود الطبيعة كان متحدا له مع وجود الفرد فلا يصح تعلقه به بنحو يسع الفرد المضاد ؛ ولكنه مع ذلك يصح اتيانه بداعي الامر لعدم منقصته عن المصلحة في باقي الافراد ، إذ لو لم يكن يأثم - كالفعل في أول الوقت - فيصح الاتيان به بداعي الامر المتعلق بها في الافراد ، ولتحصيل الغرض ، فلا دلالة للعقل على اعتبار أزيد من اتيان الشيء بداعي الامر بحيث لولاه لما أتى به في الامتثال ، بل يحكم بكفاية ذلك مع عدم خلافه من الشرع.

ثم انّه قد صرح في التقريرات (1) في آخر مسألة الضد في تصحيح الضد بناء على الاحتياج الى الامر : يكون الامر متعلقا بالطبيعة وانّه من قبيل اللوازم التابعة لها مقيدة بوجودها الذهني ، فلا يسري الى الخارج وان كان يحصل باتيان الخارج على نحو الانطباق. وجعل من هذا القبيل تعلق الامر بالفرد مفهوم فرد ما منه.

وفيه خلل من وجوه فراجع وتأمل.

261 - قوله : « [ وان كان جريانه عليه أخفى كما لا يخفى ، فتأمل ] ».

261 - قوله : « [ وان كان جريانه عليه أخفى كما لا يخفى ، فتأمل ] ». (2)

ص: 336


1- مطارح الانظار : 125 السطر 15 - 17 والسطر 29 - 32 ، والطبعة الحديثة 1 : 586 و 587 - 588.
2- لم يشر القوچاني في هذا المورد الى كلمة او عبارة للآخوند للتعليق عليها بل بدأ كلامه بنفس التعليق وقال : « لعله اشارة ... الخ » لكن بالقرائن الموجودة تكون حاشيته هذه تعليقا على قول الآخوند « فتأمل ». كفاية الاصول : 169 ؛ الحجرية 1 : 116 للمتن و 1 : 123 العمود 1 للتعليقة.

لعله اشارة الى انّه كذلك لو كان المراد بالفرد هو فرد ما على نحو الكلي ، ومعه يكون مثل التعلق بالطبيعي وضوحا وخفاء.

وامّا لو كان المراد منه الاشخاص بخصوصيتها نظير التخيير الشرعي ، فلا يكون مثل الطبيعي أصلا ولو خفاء كما عرفت ، وان كان ذلك في نفسه محل الاشكال بعد وضوح وحدة الغرض كما نشير اليه [ فيما يأتي ]. (1)

262 - قوله : « فصل : لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ».

262 - قوله : « فصل : لا يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ». (2)

وليعلم : انّ الظاهر انّ المراد بالشرط شرط الامر ، بارجاع الضمير اليه ، فامّا أن يكون من شروطه ابتداء وامّا أن يكون من شروط المأمور به فيرجع بالأخرة اليه ، حيث انّه مشروط بالقدرة على المأمور به وهو بدون الشرط غير مقدور.

فاذا عرفت ذلك فاعلم : انّه - بعد ما تقرر في محله من كون الامر ذا مراتب من الانشاء والفعلية وغيرهما - ان كان الامر بالشيء [ يشمل ] النزاع في مرتبة مع العلم بانتفاء شرطه في تلك المرتبة فلا خفاء في عدم امكانه وقوعا لاستحالة وجود الشيء مع انتفاء علته ، إلاّ أن يراد الجواز في حال عدم شرطه لا مقيدا به الامكان الذاتي ، وهو بمراحل عن محل البحث.

وان كان في اتيان الامر في مرتبة سابقة مع العلم بانتفاء شرطه في المرتبة اللاحقة : فان كان بغير داعي وقوعه في صراط اللاّحق بل بداعي آخر فلا اشكال في جوازه ؛ وان كان بداعي وقوعه في صراطه كما لو كان الامر الاقتضائي الواقعي بداعي وقوعه في صراط الفعلي الجدي بأن يصل اليه ليترتب عليه آثار تلك المرتبة ، فلا اشكال في عدم جوازه بل استحالته من العاقل بما هو كذلك.

ص: 337


1- في الاصل الحجري ( آنفا ).
2- كفاية الاصول : 169 ؛ الحجرية 1 : 116 للمتن و 1 : 123 العمود 1 للتعليقة.

فان قلت : فكيف الامر بالنسبة الى العصاة مع العلم بانتفاء الشرط - وهو الارادة - منهم؟ وما الفرق بين الامر المتعلق بهم وغيرهم؟

قلت : الفرق بقاء القدرة بالنسبة اليهم دون غيرهم.

فالتحقيق : انّ الامر المتعلق بهم مثل المتعلق بغيرهم في ترتب ما كان غاية له وهو البعث وايجاد الداعي بالنسبة الى العبد الى الفعل وانّه لم يصدر منه فعلا ، وهو مع ملاحظة المصلحة في الفعل أو الامر كان علة الامر ولا ينفك عنه ، لا وقوع الفعل من المأمور فعلا كي لا يصلح مع العلم بعدمه ، حيث انّ غاية فعل الشخص لا بد أن تستند اليه ، وفعل المأمور على فرض الصدور لا يستند اليه فلا يكون غاية له.

وتوهم : كون الفائدة هو اتمام الحجة ، لا البعث الحقيقي.

مدفوع : بأنّ الحجة لا تتم على العاصي إلاّ بالبعث الحقيقي ؛ مع انّ التكليف النوعي بمراتب العبد لا يكون إلاّ على نحو واحد كما لا يخفى.

263 - قوله : « لعدم شرطه لكان جائزا ».

263 - قوله : « لعدم شرطه لكان جائزا ». (1)

قد عرفت انه ايضا غير جائز معه وقوعه في صراط الفعلية.

264 - قوله : « فصل : الحق انّ الاوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبائع دون الافراد ».

264 - قوله : « فصل : الحق انّ الاوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبائع دون الافراد ». (2)

وليعلم أولا : انّ ظاهر عناوين القوم في تعبيراتهم ب- « متعلقات الاوامر » وإن اقتضى تخصيص النزاع بما اذا ثبت الطلب بالصيغة ، إلاّ أنّ التحقيق عمومه لما اذا ثبت بغير اللفظ أيضا من الاجماع والعقل.

نعم لما كان من المسلّم انّ متعلق الطلب هو الايجاد المتحد مع الوجود وانّ

ص: 338


1- كفاية الاصول : 170 ؛ الحجرية 1 : 116 للمتن و 1 : 116 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 171 ؛ الحجرية 1 : 117 للمتن و 1 : 123 العمود 2 للتعليقة.

النزاع في انّ متعلق الايجاد هو الطبيعة أو الافراد ، فيقع الكلام فيما اذا ثبت الطلب باللفظ في كون الايجاد مأخوذا في مفاد الجزء المادي المفيد للطبيعة أو الفرد على الخلاف ، أو في مفاد الجزء الصوري وتكون المادة مفيدة لمتعلق الايجاد كما انّه هو التحقيق ، لشهادة الوجدان بورود الامر والنهي على مادة واحدة بمعنى فارد ، فيكشف عن كون متعلق الطلبين من الوجود والترك مأخوذا في الهيئة.

ثم انّه لا اشكال في انّ المطلوب هو الوجود الخارجي للطبيعة أو الفرد ، لا الذهني ، لانّ المراد بالطبيعة - على القول به - هو الطبيعة المبهمة اللابشرط المقسمي القابل للوجود الخارجي لا المقيد بالذهن غير القابل لذلك ، كما هو الظاهر من التقريرات (1) في تصحيح الضد. وامّا الفرد على القول به هو الطبيعة المأخوذة مع احدى خصوصياته الفردية لا مفهوم فرد ما ، على ما هو الظاهر منه أيضا في تلك المسألة.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّهم قد اختلفوا في انّ متعلق الاوامر :

هل هو الطبيعة؟ كي يكون المطلوب هو الوجود السعي بحيث لم يلحظ معه خصوصية أصلا وان كان لا يتحقق في الخارج إلاّ مع إحداها ، وتكون الخصوصيات حينئذ لوازم المطلوب.

أو انّ المتعلق هو الوجود الخاص للطبيعة المأخوذة مع احدى الخصوصيات؟ فتكون الخصوصيات حينئذ داخلة في المطلوب ، ويكون طلب الافراد نظير التخيير الشرعي ولكن مع الاشارة اليها بعنوان واحد اجمالي ، نظير كون الوضع عاما والموضوع له خاصا.

والتحقيق : انّ المطلوب هو الوجود السعي ، والخصوصيات من لوازمه ،

ص: 339


1- مطارح الانظار : 125 السطر 15 - 17 والسطر 29 - 32 والطبعة الحديثة 1 : 586 - 588.

بشهادة الوجدان على ذلك بعد ملاحظة الانسان حاله في مطلوباته من أفعال نفسه ، فانّه على انّ الملحوظ قبل الصدور ليس إلاّ وجودها السعي بلا التفات الى الخصوصيات اجمالا أو تفصيلا فليقس على ذلك حال المطلوبات من العبد اذا كانت بالقضايا الطبيعية ، بل هو كذلك في القضايا المحصورة حقيقة وان كان الحكم متعلقا بالافراد بحسب التعبير ، هذا. مع انّ وحدة الغرض في المطلوب بضميمة عدم امكان استناد الواحد الى الكثير شاهد على ذلك أيضا.

ولا فرق في هذا النزاع بين القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.

امّا على الاول : فعلى مذهب الاشراقيين من كون الوجود حقيقة واحدة ذات مراتب كثيرة من الشدة والضعف فالفرق بين القول بالطبيعة والفرد واضح ، حيث انّ الافراد حينئذ وان كانت هي المراتب المميزة بما به الاشتراك بينهما من شدة الوجود وضعفه إلاّ انّ الحدود العدمية الملحوظة في تلك المراتب لازمة من دون لزوم الحقيقة الوجودية الملحوظة مع قطع النظر عن المراتب المحدودة بحد أوسع من الحدود الشخصية الموجب لانتزاع ماهية كلية ، فيفرّق الطبيعة عن الافراد كما لا يخفى.

نعم على مذهب المشّائين من كون الوجود حقائق متباينة الذات بتمامها ، فيشكل الفرق بين القول بعدم الفرق بين حقيقة الوجود وفرده حينئذ.

والتزام المعنى الواحد المشترك بين الافراد لأن يصير منشأ لانتزاع المعنى الفارد وهو مفهوم الوجود البديهي الصدق في جميعها وإلاّ لم ينتزع الواحد من المتباينات بما هي كذلك ؛ ابطال لذاك القول ورجوع الى القول الاول.

إلاّ أن يقال : بكفاية كون منشأ الانتزاع معنى عرضيا ، ويكون هو المأمور به ، والافراد محصلة له. ولكنه مخالف لما هو التحقيق من كون متعلق الاوامر ما هو الذاتي للافراد الخارجية.

ص: 340

أو يقال بكون الوجود حقائق متعددة بعدد الماهيات النوعية لا الشخصية ، فيحصل الفرق.

وامّا على الثاني : فالفرق انّ المأمور به على الاول هو الطبيعة المبهمة اللابشرط القسمي ، وعلى الثاني تلك الطبيعة ولكن مأخوذة بشرط الخصوصيات.

ويشكل أيضا بناء على كون الماهيات المتأصلة هي الاشخاص المسماة بالماهية عند الحكيم لا النوع المنطقي ؛ إلاّ أن يفرّق بالاعتبار أيضا.

265 - قوله : « فانه طلب الوجود ، فافهم ».

265 - قوله : « فانه طلب الوجود ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انّه كذلك لو كان الايجاد في مفاد الهيئة ؛ وامّا لو كان مأخوذا في المادة فيكون الامر مثل الطلب في كون متعلق كل منهما وجود الماهية لا نفسها كما لا يخفى.

266 - قوله : « دفع وهم : لا يخفى انّ كون وجود الطبيعة أو الفرد متعلقا للطلب ... الخ ».

266 - قوله : « دفع وهم : لا يخفى انّ كون وجود الطبيعة أو الفرد متعلقا للطلب ... الخ ». (2)

بمعنى ان المطلوب من المكلف امّا ضد الوجود أو الماهية بمفاد الجعل البسيط ولو كان المطلوب هو الفرد غير المتشخص إلاّ بالوجود ، بلا لزوم طلب الحاصل ، حيث انّه يلزم لو كان المطلوب هو ايجاد الفرد المحقق به ، أو بالجعل التأليفي مطلقا ؛ لا أن يكون المطلوب ما هو المفروض فردا على تقدير صدوره من المكلف بالجعل البسيط بعد زمان الطلب كما لا يخفى.

فما يظهر من الفصول (3) من لزوم تحصيل الحاصل على تقدير تعلق الامر بالافراد مثل جعله النزاع في اللفظ ، لا وجه له.

ص: 341


1- كفاية الاصول : 172 ؛ الحجرية 1 : 117 للمتن و 1 : 123 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 172 ؛ الحجرية 1 : 117 للمتن و 1 : 123 العمود 2 للتعليقة.
3- الفصول الغروية : 126 السطر 7 - 8.

ولعل منشأ توهم لزوم طلب تحصيل الحاصل - بناء على تعلقه بالفرد - أمران :

أحدهما : انّ الطبيعة لا تصير فردا إلاّ بانضمام الوجود اليها ، وبدونه يكون من قبيل انضمام العوارض الكلية ، وهو لا يفيد التشخص.

ثانيهما : تخصيص النزاع بالطلب الثابت من اللفظ ، فانّه بناء عليه يكون مفاد الهيئة طلب الايجاد كما عرفت ، والمادة - بناء على أصالة الوجود - هو الفرد المتشخص بالوجود ، فالامر المتعلق به ليس إلاّ طلب الحاصل.

ولكنه يدفع : مضافا الى ما عرفت من كون المطلوب حينئذ جعل الوجود بسيطا ؛ انّ المادة بناء على درج الوجود في الهيئة ليس هو الوجود ولو بناء على أصالته ، بل يكون المراد منها هو الطبيعة الدالة على خصوصية الوجود المطلوب ، فلا يلزم طلب الحاصل.

267 - قوله : « فصل : اذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز ».

267 - قوله : « فصل : اذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز ». (1)

ولا طريق آخر اليه.

بيانه : انّ هناك مقامات :

الاول : مقام الثبوت ، فنقول : انّه بعد ارتفاع الوجوب وبعد الدليل على عدم خلوّ الواقعة من الحكم الشرعي يمكن ثبوت كل من الاحكام الاربعة الأخر بلا مرجح لاحدها بالنسبة الى الباقية ، فادّعاء الاولوية لبعضها تحكّم ، والمفروض انّه لو كان كل منها بحدّه موجودا لكان حادثا لا باقيا حتى يكون أولى من البقية كما لا يخفى.

ص: 342


1- كفاية الاصول : 173 ؛ الحجرية 1 : 120 للمتن و 1 : 124 العمود 2 للتعليقة.

الثاني : مقام الاثبات ، ومن الواضح انّه لا دلالة لدليل الناسخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم في ضمن الوجوب ؛ وامّا على ثبوت الجواز بالمعنى الاخص أو حكم آخر بعد ارتفاع الوجوب فبطريق أولى ؛ ولا دلالة للامر الاول أيضا ، لبقاء الجواز في ضمن الوجوب ، حيث انّ دلالته على الوجوب على فرض كونه مركبا انما هو على المركب بما هو كذلك فتنتفي الدلالة بعد ارتفاع البعض.

ودعوى : انّه يدل على استمرار الوجوب وانما يدل تضمنا على استمرار جزئه ، والمقدار الثابت من الحجة - على الخلاف - انما هو عدم ارادة المدلول المطابقي لا التضمني ، فيحكم ببقائه جمعا بين الدليلين.

مدفوعة : بأنّ المدلول التضمني هو الجنس بعين وجود الفصل ، وهو مقطوع الانتفاء كالمطابقي.

كما انّ دعوى : دلالته على الوجوب المركب باعتبار زمان وعلى جزئه الجنسي باعتبار زمان آخر.

مدفوعة : بلزوم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي ؛ مع انّ الكلام في نسخ مطلق الوجوب الثابت ولو بغير اللفظ.

الثالث : انّه اذا شك في بقاء الجواز الكلي في ضمن الوجوب ، بحيث لو كان باقيا لكان في ضمن غير الوجوب من الاحكام - لو سلّم التركيب - فيكون ذلك من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي ، فيما اذا علم بارتفاع الفرد الموجود من الكلي وشك في حدوث فرد آخر منه مقارنا لارتفاعه ؛ وتقرر في محله انّه لا يجري فيه الاستصحاب إلاّ اذا كان وجود الفرد اللاحق من مراتب وجود الفرد الاول بنظر العرف كي يصدق البقاء بالاضافة اليه ، دون ما اذا كان مباينا معه في

ص: 343

نظرهم وان كان من مراتبه (1) حيث انّ موضوعه لا بد من كونه عرفيا ، فيدور بقاؤه مدار نظرهم.

اذا عرفت ذلك فنقول : انّه على تقدير بساطة الاحكام - كما هو التحقيق - لا اشكال في كون الاباحة وجودا مباينا للوجوب بتمام ذاتيهما ، فلا يجري الاستصحاب فيه ولو على القول بجريانه في القسم الثالث ، لعدم كونهما فردي كلي واحد حينئذ.

نعم على ذلك يكون [ الاستحباب ] (2) مع الوجوب من مراتب حقيقة واحدة وهو الطلب وانما الاختلاف بالشدة والضعف فيكونان على تقدير ترتب أحدهما على الآخر من مراتب الوجود الواحد عقلا ، لكنه مع ذلك لا يجري فيه الاستصحاب لكونهما متباينين بنظر العرف ، وعرفت دورانه مدار نظرهم.

وامّا على تقدير التركيب فلا اشكال في كون الاستحباب والاباحة مباينا مع الوجوب وجودا ، عقلا وعرفا ، لكون كل منفصلا بفصل مباين مع فصل الآخر ، فلا يجري فيه الاستصحاب لما عرفت من اعتبار كون وجود الفرد الثاني عين وجود الفرد الاول عرفا كي يصدق - بالبناء عليه - الابقاء وبعدمه النقيض ، وليس كذلك في المقام.

مضافا الى اعتبار امكان بقاء المشكوك بعينه في الاستصحاب كي يصح التنزيل بلسان الابقاء ؛ والجنس بعد ارتفاع الفصل ليس كذلك.

268 - قوله : « وان كان بملاك انّه يكون في كل واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر ».

268 - قوله : « وان كان بملاك انّه يكون في كل واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر ». (3)

ص: 344


1- رتبة. نسخة ؛ كذا في الحجرية.
2- في الاصل الحجري ( الاستصحاب ).
3- كفاية الاصول : 174 ؛ الحجرية 1 : 120 للمتن و 1 : 125 العمود 1 للتعليقة.

والظاهر انّ الارادة الواقعية لا تتعلق إلاّ بجامع محصل للغرض لعدم تعقل تعلقها [ بالمتضادين ] (1) في الحصول.

نعم الحق هو الوجوب الانشائي في الوجوب التخييري في صورة تعدد الغرض ، [ و ] يكون متعلقا بكل واحد ، لا على بعض معيّن وإلاّ لزم الترجيح من غير مرجح ، ولا على الواحد المفهومي لعدم كونه دخيلا في الغرض ، ولا على الواحد المردد المصداقي لعدم كونه قابلا للوجود ؛ ولكنه سنخ من الطلب غير التعييني ، حيث انّ الثاني يقتضي الامتثال باتيان متعلقه معيّنا ، والاول يقتضي للسقوط بالأعم منه ومن الاتيان ببدله ، فكأنه من مراتب امتثاله ، ولازم ذلك الاكتفاء ببعض الافراد.

وامّا مع الاتيان بالتمام فيشكل الامتثال مع تعدد الغرض ، للتزاحم بينها في حصوله ، إلاّ مع تجزئة الغرض من كل منها أو مع العلم بحصوله في ضمن ما اختاره المولى لو كان له حالة منتظرة.

وامّا مع مخالفة الكل فالظاهر ترتب العقاب الواحد على مجموع التروك على نحو التداخل أو على نحو يكون كلّ جزء العلة ، لعدم ترتّبه بانتفاء كل منها كما هو واضح.

ثم انّ طلب كل واحد يتنجز على النحو الذي عرفت لا مشروطا بترك غيره ، وإلاّ للزم طلب المتضادين حين ترك الكل بحصول شرطه ، ولزم عدم الامتثال حين فعل الجميع لعدم حصول شرط الكل ، وهو كما ترى تعلق الطلب على التخيير.

ومما ذكرنا يعرف انّه لا وجه للقول بكون الواجب هو مفهوم أحدهما.

ص: 345


1- في الاصل الحجري ( بالمضادين ).

ثم انّه يمكن توجيه القول بكون الواجب عند اللّه ما يختاره المكلف بأنّ المراد : انّ ما يستقر فيه الوجوب الفعلي ويحقق في ضمنه امتثاله هو ذلك ؛ إلاّ انّ هذا التوجيه لا يتأتّى فيما لو فعل المكلف الكل أو ترك الكل كما لا يخفى.

269 - قوله : « إلاّ أنه لا يكاد يصح البعث حقيقة اليه ».

269 - قوله : « إلاّ أنه لا يكاد يصح البعث حقيقة اليه ». (1)

بل حيث ان أحدهما لا على التعيين مصداق لا وجود له في الخارج فلا يتعلق به سائر الصفات ايضا ، وإلاّ لزم كون العلم جهلا كما لا يخفى.

270 - قوله : « بقي الكلام في انّه هل يمكن التخيير ... الخ ».

270 - قوله : « بقي الكلام في انّه هل يمكن التخيير ... الخ ». (2)

بين الاقل والاكثر ؛ فلا بد من تحققه بينهما واقعا في التخيير العقلي - وكذا الشرعي بناء على التحقيق من رجوعه الى العقلي - من أمرين :

أحدهما : كون الغرض من الامر قائما بالطبيعة المشتركة بينهما بنحو يكون حصوله منه مراعى باستقرار وجودها بوجود أحد فرديه بحيث لا يتحقق ما دام لم يستقر بأحد فرديه ، وإلاّ فلو حصل بمجرد تحقق الطبيعة بالوصول الى حد الاقل في التدريجي - فيما لم تكن الفردية بالقصد - لم يبق مجال للامتثال بالاكثر ، لحصوله بمجرد حصول الغرض بالاقل كما لا يخفى.

ثانيهما : أن تنطبق الطبيعة على الاكثر بنحو انطباقها على الاقل ، بأن يكون وجودها متحدا مع مجموع الاكثر. وبعبارة اخرى : أن يكون الاكثر بتمامه في الخارج [ ب- ] وجود الطبيعة ، لا أن يكون وجودها شيئا زائدا اشتمل مع ذلك

ص: 346


1- تعليقة القوچاني هذه ، تعليقة على عدة سطور اضافها الآخوند نفسه الى متن الكفاية ، وقد اشار محققوا الكفاية الى هذه السطور. راجع طبعة جماعة المدرسين : 175 ؛ والحجرية 1 : 120 للمتن والتعليقة كليهما ؛ وطبعة مؤسسة آل البيت : 141 ؛ والطبعة الحجرية المحشاة بحاشية المشكيني 1 : 226 السطر 10.
2- كفاية الاصول : 175 ؛ الحجرية 1 : 121 للمتن و 1 : 125 العمود 1 للتعليقة.

على فضل كي يكون أفضل افراد الطبيعة أم لا.

ثم انّه لا بد مع ما ذكر أن يكون الاقل في مقام فرديته بشرط لا بالنسبة الى الاكثر ، لا بشرط ، وإلاّ لكان هو الفرد للطبيعة أبدا ولو في ضمن الاكثر وتكون الزيادة زيادة.

فاذا عرفت ذلك فاعلم : انّه لو فرضت طبيعة كانت منطبقة على الاقل والاكثر على النحو الذي عرفت من الانطباق مع حصول الغرض بوجود الاكثر نحو حصوله من الاقل ، فلا بد للمولى في مقام الامر بها من التخيير بين الاقل والاكثر ، وإلاّ لكان مجازفا مرجحا للاقل بلا مرجح وان كان العبد مع ذلك لو أتى بالاكثر - فيما لم يشتمل على الفضل - [ كان ] موجبا للتطويل بلا طائل.

ثم انّه لا فرق فيما ذكرنا بين كون اجزاء الكثير مما لم يتخلل بينها العدم كما في الخط ؛ أو يتخلل ، كما في التسبيحة على التخيير بين الواحدة والثلاثة ، والقصر والاتمام بناء على استحباب التسليم وعدم التعيين بمجرد النسبة.

ولكن التحقيق : انّ ايجاد الطبيعة في ضمن الاكثر فيما لم تكن فردية الاقل بالقصد - بل كان بخصوصياته القهرية - يكون من قبيل تبديل الامتثال بوجود آخر ، فلا ينافي ذلك مع التخيير بين الاقل والاكثر كما لا يخفى.

ثم انّ هذا في التخيير العقلي وهكذا الحال في التخيير الشرعي بينهما بخصوصيتها المأخوذة بشرط ، لا يخفى وجهه على المتأمل.

ص: 347

الوجوب الكفائي

271 - قوله : « فصل : في الوجوب الكفائي ».

271 - قوله : « فصل : في الوجوب الكفائي ».

271 - قوله : « فصل : في الوجوب الكفائي ». (1)

والحق : انّه يتعلق بكل من المكلفين ويسقط بفعل بعض عن الآخرين لشهادة الوجدان - فيما اذا تعلق غرض بفعل واحد بحيث يحصل منه بمجرد صدوره في الخارج بلا دخل لصدوره من بعض دون آخر في ذاك الغرض أصلا مع امكان صدور الفعل من كل من المكلفين - على تعلقه بكل منهم على نحو يسقط عن الكل بقيام البعض به ، وعلى انّه سنخ من الطلب مقابل التعييني ويكون أثره عند العقل العقاب على الكل بترك الكل ، لتحقق ملاكه وهو العصيان عن كل منهم مع قدرته على الامتثال.

ومجرد سقوطه عنه بفعل غيره لا يوجب عدم كونه مكلفا [ به ] ابتداء.

ثم انّ تعلق هذا السنخ من الطلب بكل واحد ليس مشروطا بعدم صدور الفعل عن غيره ، وإلاّ لزم عدم الامتثال أصلا عند فعل الجميع ، وعدم تعلقه به إلاّ عند ترك غيره وهو كما ترى. فحينئذ لو فعل الجميع دفعة ، ففي استناد حصول الغرض بفعل المجموع من حيث المجموع أو ببعض دون بعض؟ وجهان.

التحقيق هو الاول ؛ ولكنه يحكم لكل واحد باستحقاقه ثواب الفعل ، لصدق الاطاعة بفعله عقلا بعد ملاحظة تعلق الطلب بكل واحد ، إلاّ أن يكون الجمع ذا

ص: 348


1- كفاية الاصول : 177 ؛ الحجرية 1 : 121 للمتن و 1 : 125 العمود 2 للتعليقة.

مفسدة ، فلا يحصل الامتثال أصلا ، ولا بد من اعادة البعض.

272 - قوله : « يكون التخيير بينها كالتخيير بين افرادها الدفعية عقلا ».

272 - قوله : « يكون التخيير بينها كالتخيير بين افرادها الدفعية عقلا ». (1)

يكون المعتبر في الواجب طبيعته الكلية المنطبقة على اجزاء تلك القطعة دون غيرها ، كاعتبار بين الزوال الى المغرب في الظهر - أو مجموعه باعتبار لا بدية أحد اجزائه - لأداء الواجب.

273 - قوله : « ثم انّه لا دلالة للامر بالموقت بوجه على الامر به في خارج الوقت ».

273 - قوله : « ثم انّه لا دلالة للامر بالموقت بوجه على الامر به في خارج الوقت ». (2)

قد اختلف في انّ الامر بالموقت هل يقتضي الامر به مع فواته فيه قضاء بالمعنى المصطلح وهو فعل ما فات في وقته في خارجه لتحصيل غرض ذلك لا لغرض آخر - ويعبّر عنه بكون القضاء بالامر الاول - أم لا؟ فلو ثبت وجوب القضاء لكان بأمر جديد.

فنقول : انّ هنا مقامين :

الاول : مقام الثبوت ، فنقول : انّ الغرض الداعي الى الامر اذا كان في المأمور به يكون :

تارة : في متن الواقع متعلقا بالموقت بما هو كذلك بحيث لا ينبغي مجال لتداركه بعد فوت الغرض الوقتي ، ويعبّر عن ذلك بوحدة المطلوب ، فيكون الطلب في هذا القسم منتفيا بارتفاع الوقت.

واخرى : يكون متعلقا بمرتبته الاقصى بحيث لو فات الموقت لكان الغرض باقيا بمرتبته الذاتية اللازمة التدارك مع امكانه ، ويعبّر عن ذلك بتعدد المطلوب ، ولا اشكال في بقاء الطلب باتيان ذلك الفعل في خارج الوقت.

ص: 349


1- كفاية الاصول : 177 ؛ الحجرية 1 : 122 للمتن و 1 : 125 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 178 ؛ الحجرية 1 : 122 للمتن و 1 : 125 العمود 2 للتعليقة.

هذا بحسب الوقت ؛ وكذلك ملاحظة حال سائر القيود الثابتة للواجب.

الثاني : في مقام الاثبات ، وهو يختلف حسب اختلاف ثبوت القيد متصلا أو منفصلا بعدم الدلالة على البقاء في الاول وامكانه في الثاني على اختلاف الموارد كما في المتن.

ثم انّ الظاهر انّ اثبات القضاء بدليل على حدة ليس واجدا لغرض آخر غير الاول ، بل يكشف عن بقاء الغرض الاول بمرتبته الذاتية مع كونه مما يمكن تداركه ؛ فالمناقشة في تسميته ذلك قضاء الاول وادّعاء كونه لغرض آخر ، مطلب آخر ليس في محله.

274 - قوله : « ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت ».

274 - قوله : « ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت ». (1)

والمتصور فيه هو القسم الثالث من استصحاب الكلي ، حيث انّ المشكوك بقاء كلي الوجوب في ضمن الفرد الحادث المتعلق بمطلق الفعل بعد ارتفاع المتعلق بالموقت ولم يكن حادثا من الاول في عرضه لتحقق التزاحم في الغرض [ و ] حصوله بينه وبين غير الأهم ، إلاّ بناء على الترتيب ، فتدبر.

ووجه عدم جريان الاستصحاب : انّ جريانه في الحكم مشروط ببقاء الموضوع ، ولا اشكال في مغايرة الفعل في خارج الوقت معه في الوقت عرفا ، فلا وجه لجريانه في الحكم.

275 - قوله : « فصل : الامر بالأمر بشيء أمر به لو كان الغرض حصوله ».

275 - قوله : « فصل : الامر بالأمر بشيء أمر به لو كان الغرض حصوله ». (2)

واعلم : انّ الغرض الداعي الى الامر الاول بحسب مقام الثبوت :

يكون تارة : يحصل بمجرد الامر الثاني وان لم يحصل الشيء المأمور به

ص: 350


1- كفاية الاصول : 178 ؛ الحجرية 1 : 122 للمتن و 1 : 126 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 178 ؛ الحجرية 1 : 122 للمتن و 1 : 126 العمود 1 للتعليقة.

في الخارج أصلا ، كما لو تعلق الغرض بجعل السلطنة والولاية للمأمور الاول بلا تعلقه بصدور الفعل في الخارج أصلا.

ويكون اخرى : متعلقا بصدور الفعل من المأمور الثاني بلا مانع من نفس الامر ، ويكون توسيط الامر للوصلة الى ذلك الشيء ، ويكون الامر الثاني بمنزلة التبليغ وان كان له مانع كعدم السلطنة للآمر على المأمور الثاني كالأب بالنسبة الى غلام ابنه مثلا ؛ وككون الامر مستلزما لامتنان المأمور على الآمر مع كونه مبغوضا له ، وحينئذ يجعل الامر الثاني وصلة الى الفعل المتعلق به الغرض ؛ فالمطلوب عدم كون أمره أمرا بالشيء بل يكون أمرا بالامر.

فاذا عرفت اختلاف الأغراض بحسب اختلاف الموارد تعرف انّه لا دلالة للامر بالامر على كونه أمرا بالشيء بمجرده ، خصوصا بعد معلومية كون الغرض من دواعي الاستعمال وعدم دخوله في المستعمل فيه ، فكيف يدّعى بكون استعماله بداعي غرض دون آخر كما لا يخفى؟

وادّعاء الغلبة في العرف في أحد الاقسام لا يخلو من التأمل. نعم لا يبعد ظهور الامر في الامر بالبعث الى متعلقه وهو صدور الامر من المأمور الاول لا الفعل من الثاني ، إلاّ على خلاف ظاهر اللفظ ، فلا يرتكب إلاّ بقرينة دالة عليه.

276 - قوله : « فصل : اذا ورد أمر بشيء بعد الامر به قبل امتثاله ».

276 - قوله : « فصل : اذا ورد أمر بشيء بعد الامر به قبل امتثاله ». (1)

انّ هاهنا أمورا لا بد من التنبيه عليها :

أحدها : انّ محل الكلام هو الطلب الحقيقي فانّه يتأكد مرة ويتكرر اخرى ؛ وامّا الانشاء فلا اشكال في تكرره مطلقا كما هو واضح.

الثاني : انّ فائدة التوكيد يكون تارة هو الاهتمام بالمأمور به ، وشدة الطلب

ص: 351


1- كفاية الاصول : 179 ؛ الحجرية 1 : 127 للمتن و 1 : 126 العمود 2 للتعليقة.

اخرى ، وثالثة دفع توهم الاهتمام ، كل ذلك فوائد الانشاء.

الثالث : انّ الشيء الواحد - ولو كان هو الطبيعة - لم يتكرر طلبه ما لم يلحظ فيه من خارجه ما يوجب التكرار ولو بقيد كونه مرة اخرى في الطبيعة ، لاستلزامه اجتماع المثلين.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ مقتضى المادة - من حيث ظهورها في الماهية لا بشرط بلا لحاظ قيد فيها - هو التأكيد ، لما عرفت من عدم تكرر الطلب الحقيقي بالنسبة الى الواحد ؛ ومقتضى الهيئة - من حيث ظهورها في كون انشاء الطلب بداعي البعث الحقيقي لا بداع آخر من التأكيد وغيره - هو التكرار ، فاذا كان كذلك فلا دليل على تعيين أحدهما من لفظ الامر.

نعم لا يبعد أن يقال : انّ همّ العرف - فيما اذا لم يذكر في البين سبب أصلا أو ذكر سبب واحد لهما - هو التأكيد ، لانّ ظهور المادة في الطبيعة - بما هي - أقوى من ظهور الهيئة في البعث الحقيقي ، لكون الاول ظهورا لفظيا والثاني ظهورا مقاميا ، فيحمل على التأكيد.

ص: 352

المقصد الثاني: النواهي

اشارة

ص: 353

ص: 354

المقصد الثاني

في

النواهي

277 - قوله : « فصل : الظاهر انّ النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الامر ».

277 - قوله : « فصل : الظاهر انّ النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الامر ». (1)

أقول : الظاهر انّ المتبادر من المادة - اطلاقيا - انه الطلب بالقول ، حتى انّ الحاصل منه بالاشارة أو الكتابة ليس من مصاديقه ؛ ولعل تلك الخصوصية صارت منشأ لتفسير البعض النهي بالقول المخصوص ، غفلة عن لزوم اختلاف سائر مشتقاته معه في المفهوم ، لعدم صحة اشتقاقها منه بهذا المعنى وهو كما ترى ؛ ولا يلزم ذلك على ما ذكرنا كما عرفت في مادة الامر ، فتدبر.

ثم انه يقع البحث فيه أيضا من وجوه :

الاول : في دلالته على الحرمة ؛ والظاهر انه مما لا اشكال فيه لتبادرها منه في موارد اطلاقاته العرفية بلا قرينة في البين أصلا فيدل على كونه حقيقة فيه فيكون كذلك لغة بضميمة أصالة عدم النقل ، هذا. مضافا الى صحة سلبه عن الكراهة.

ص: 355


1- كفاية الاصول : 182 ؛ الحجرية 1 : 127 للمتن و 1 : 126 العمود 2 للتعليقة.

والثاني : في اعتبار علو الناهي بالنسبة الى المنهي. والظاهر انه مما لا اشكال فيه أيضا ، لتبادره عند اسناد النهي الى مجهول الحال من حيث العلو وعدمه فيكشف ذلك عن اعتباره في مفهومه ، ولصحة سلبه عن طلب [ الداني ] (1) فلا يصدق عليه النهي وان صدق عليه الطلب. ومنه يظهر انّ طلب الترك أعم منه.

نعم ربما يشكل بأنّ المأخوذ في مادة الامر :

ان كان هو مفهوم علو الطالب اسميا ؛ ففيه : مع انه خلاف ما هو المتبادر منه ، غير قابل التحقيق واقعا بالانشاء.

وان كان هو مصداقه حرفيا ؛ ففيه : انه من خصوصيات النسبة [ أل- ] مستفادة بالانشاء الحاصل بالاستعمال لا يمكن أن يكون مأخوذا في مادة الهيئات ، فتدبر.

[ الثالث ] : (2) انّ الظاهر عدم كفاية استعلاء الناهي عن اعتبار علوّه ، لصحة سلبه عن طلب غير العالي وان كان مستعليا.

وتوهم : صحة اطلاق النهي عرفا على طلب الداني عند استعلائه ، ويكشف عنه تهديد العقلاء إيّاه بقولهم : « انتهى الامر ».

مدفوع : بأنّ تهديدهم للداني لعله من جهة تخيل العلو في حقه ، فأبرز طلبه بصورة العالي ، ويكون اطلاق النهي حينئذ امّا حقيقة بملاحظة اعتقاد الداني العلو في حقه ، أو مجازا بعلاقة مشابهة القائه نحو القاء العالي ، فمع احتمال ذلك فكيف يستدل بذلك على كفاية الاستعلاء؟ هذا.

مضافا الى لزوم الاشتراك اللفظي حينئذ بين طلب المستعلي وطلب العالي ،

ص: 356


1- في الاصل الحجري ( الذاتي ).
2- قد ذكر في الاصل الحجري بعنوان « الثاني » وذكر « الرابع » الآتي بعنوان « الثالث » ؛ ولا بد أنه من اشتباه الناسخ.

حيث انّ جعله للجامع بينهما مع اشكال في تصويره يستلزم عدم اعتبار كل منهما في مفهومه وهو كما ترى.

[ الرابع ] : انّ الظاهر عدم اعتبار الاستعلاء من العالي أيضا ، لصحة اطلاق النهي على طلبه وان صدر منه تذللا.

278 - قوله : « والظاهر هو الثاني ».

278 - قوله : « والظاهر هو الثاني ». (1)

لتبادر ذلك منه ، وكفاية مجرده عند العقلاء ، مع الالتفات الى النهي في الامتثال وان لم يحصل الكف ، لتوقفه على الميل الى الفعل ثم الإعراض عنه ، فيكشف عن عدم كون المطلوب منه الكف ؛ مع انه لو كان مطلوبا مطلقا فيلزم منه العصيان عند عدم الميل والكف ، وان كان مطلوبا عند الميل الى الفعل فيلزم كون جميع النواهي طلبا مشروطا وهو كما ترى.

نعم غاية ما يرد على تعلقه بالترك انه نفي محض وهو لا يصلح أثرا للقدرة وانه سابق ، فكيف يستند الى القدرة المتأخرة وانه أزلي مستمر؟ فلا يتعلق به القدرة ، لاستلزامه أثرا متجددا.

ولكنه يدفع : بأنه لو لم يكن العدم مقدورا لما كان الوجود مقدورا أيضا ، لتساوي نسبة القدرة الى طرفي الوجود والعدم ، وإلاّ لكان الفاعل الموجود موجبا لا مختارا.

وبأنّ العدم المتعلق به النهي هو العدم اللاحق المتأخر عن الطلب وقدرة المكلف ، لا السابق ، وهو باعتبار - باضافته الى الوجود الخاص - يعبر عنه بعدم الملكة ، وله شائبة من الوجود عند بعض أهل المعقول ، فيصح استناده الى المكلف ، حيث انّ الفاعل المختار بعد ملاحظة أفعاله الاختيارية وما فيها من المصالح

ص: 357


1- كفاية الاصول : 182 ؛ الحجرية 1 : 127 للمتن و 1 : 127 للتعليقة.

والمفاسد : فامّا أن يريد وجودها فيصدر منه ، أو لا يريدها فيتسبب الى عدمها بعد ايجاد العلة للوجود اختيارا ، ويكفي ذلك في استناد العدم اللاحق اليه.

وان أبيت إلاّ عن كون العدم مطلقا نفيا محضا وأزليا - ولو كان هو العدم الخاص - فلا يصلح لتعلق القدرة عليه بذاته فنقول :

انّ استمرارها مما يتعلق به القدرة بترك علة الوجود بالاختيار ، وبهذا الاعتبار يكون متعلقا للنهي فلا وجه لتوجيهه الى الكف مع ما فيه من محذوره [ من ] انّ الاستمرار ليس أمرا زائدا على نفس العدم ، وعلى تقدير التسليم يكون حكمه حكمه ؛ فالأولى ما ذكرنا من الجواب.

279 - قوله : « ثم انّه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار ، كما لا دلالة لصيغة الامر ».

اشارة

279 - قوله : « ثم انّه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار ، كما لا دلالة لصيغة الامر ». (1)

أقول : امّا أصل معناها فالظاهر انه لمطلق التحريم الانشائي لغة وعرفا ولو لم يكن من العالي ، بل ولو لم يكن بداعي ترك الفعل جدا بأن كان الانشاء بداع آخر من الاستهزاء والتهديد وغيرهما. نعم هو مما ينصرف اليه الاطلاق وقد مر وجهه في الامر فلا نطيل بذكره.

وامّا افادتها للتكرار وضعا أو بمقدمات الحكمة وعدمه ، فنقول :

امّا ادّعاء الوضع لخصوص أحدهما بحيث لو استعملت في غيره لكان مجازا فلا وجه له ، بل الحق انها للقدر المشترك بينهما ، لتبادره عند الاطلاق ، دون خصوص واحد منهما كما لا يخفى.

وامّا اثباته بمقدمات الحكمة فنقول : انه يقع الكلام اولا في تعيين أصل متعلقه من انه مجرد الطبيعة المبهمة غير المقيدة بالاطلاق والتقييد عند عدم

ص: 358


1- كفاية الاصول : 182 ؛ الحجرية 1 : 127 للمتن و 1 : 128 العمود 1 للتعليقة.

القرينة ، أو الطبيعة المرسلة غير المقيدة بقيد أصلا؟ ثم على الثاني هل يقتضي التكرار بترك جميع الافراد دفعية وتدريجية أم لا؟

أقول : انّ الغرض في ترك الطبيعة في مقام [ وقت ] (1) الثبوت يحصل :

تارة : بالنفي المحض بمعنى انه لا بد من عدم تحقق الطبيعة في دار الوجود أصلا ، بحيث لو تحقق وجود فرد ما منها ينتفي الغرض ولو مع ترك جميع افرادها.

واخرى : يكون الغرض متعدد المراتب بكون المرتبة الاعلى منه حاصلة بالنفي المحض والمرتبة الدانية منها حاصلة بالترك بعد الوجود أيضا وهكذا ، وحينئذ فيكون الاول متحد المطلوب والثاني متكثر المطلوب.

اذا عرفت كيفية الغرض فيظهر انّ التكرار المطلوب في طرف الترك متصور على وجهين :

أحدهما : الترك المستمر بحيث لم يتخلل بالوجود والعصيان أصلا ، بحيث يكون الترك في ضمن جميع الافراد ارتباطيا.

والثاني : مطلق الترك على طريق الاقل والاكثر غير الارتباطيين ، بحيث يكون مطلوبا ولو بعد العصيان بايجاد الطبيعة.

وليعلم انّ صيغة النهي بحسب الوضع لا تدل إلاّ على ترك الطبيعة المهملة ولا تدل على التكرار وجودا وعدما فاثباته يحتاج الى مقدمات الحكمة ، ومقتضاها - لو تمت في المتعلق بحسب القيود وقتا وغيره بالمقدار المحتمل - لا يثبت لها ، إلاّ انها مطلقة غير مبهمة بحسب ما جرت فيه المقدمات ؛ ومن المعلوم انّ طلب ترك الطبيعة يقتضي عدمها بما هي بلا نظر الى فرد ووقت أصلا ، فلازم مطلوبيتها كذلك ان لا يوجد فرد منها في دار التحقق.

ص: 359


1- غير واضح في الاصل الحجري ، ويمكن ان تكون زائدة.

وامّا لو عصى وأتى بفرد منها فلا يقتضي مجرد اطلاقها مطلوبية عدمها بعد العصيان أيضا. ويظهر ذلك بالمقايسة الى مطلوبية وجودها ، فانّ اطلاقها في مقام تعلق الامر بها يقتضي مجرد وجودها بلا اشتراط ايجادها في ضمن فرد معيّن ، وبعد ايجادها لا دلالة لتكريرها أصلا.

نعم الفرق انّ وجودها السعي يحصل باتيان فرد منها ، بخلاف عدمها فانه لا يتحقق إلاّ بعدم الاتيان بجميع افرادها حتى انه لا يتحقق باتيان فرد في آخر الوقت الذي قد حددت الطبيعة به موضوعا للحكم ، ولازمه التكرار بالمعنى الاول الذي ليس تكرارا في الحقيقة وذلك لخصوصية الوجود والعدم ، لاختلاف كيفية تعلق الطلب بهما.

والحاصل : انه بناء على تعلق الاوامر والنواهي بالطبيعة لا يقتضيان إلاّ مجرد ايجادها أو إعدامها ، وليس ترك كل فرد جزءا للمطلوب بل المطلوب ترك واحد بسيط ، وهي بمنزلة المحصل له ، ولازمه الاشتغال عند الشك - في فرد انه من الطبيعة أم لا - إلاّ أن يجري الاصل الموضوعي وهو أصالة عدم تحقق الطبيعة باتيان المشكوك كما لا يخفى.

وامّا التكرار بالمعنى الثاني الذي يكون الترك مطلوبا بعد الاطاعة والعصيان أيضا فلا دلالة عليه.

فان قلت : انّ الامر والنهي وان لم يكونا متعلقين بالفرد ابتداء إلاّ انه كما لم يمكن امتثال الطبيعة في الامر إلاّ في ضمن الفرد - فلذلك يحكم بلزوم ايجاده في الامر - فليكن كذلك في النهي أيضا ، وحيث انه لا معيّن في البين فيحكم بلزوم ترك جميع الافراد دفعيا كانت أو تدريجيا زمانيا ؛ وبعبارة اخرى : يحكم بلزوم ترك تحصلات الطبيعة ، وهو معنى التكرار.

قلت : انه على تقدير تسليم السراية الى الافراد في الامر تبعا فانّما هو من

ص: 360

جهة انّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، فلا بد حينئذ في الامر بالطبيعة من تسريته الى الاشخاص مقدمة أو عرضا ؛ وامّا الترك فليس كذلك ، حيث انّ الشيء في عدمه لا يحتاج الى التشخص بل ينعدم بعدم علة الوجود [ وبعده ] (1) تكون نسبة العدم الى الطبيعة والى الفرد في عرض واحد بلا تقدم لاحداهما على الاخرى بنحو من التقدم ؛ وقضية مطلوبية ترك الطبيعة هو التكرار بالمعنى الاول لا الثاني كما عرفت.

نعم لو جرت مقدمات الحكمة ثانيا في نفس كيفية تعلق النهي بالطبيعة - وبعبارة اخرى : في افادة طلب تركها ولو بعد الاتيان من جهة استكشاف مبغوضية الوجود مطلقا بها - فله وجه ، إلاّ انه يسأل عن عدم اجراء مثل هذا في الاوامر.

وعلى كل حال فليس مجرد اطلاق الطبيعة كافيا في افادة التكرار بحسب الأزمان بالمعنى الثاني ؛ فما يظهر من الفصول (2) من كفاية ذلك في تعلق النهي على الافراد الزمانية فليس في محله ، فراجع وتأمل.

280 - قوله : « الاول : المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين ».

280 - قوله : « الاول : المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين ». (3)

وحينئذ يكون محط النزاع في المقام : انّ التعدد الطارئ في المجمع من جهة العنوانين : هل يصير موجبا لتعدد ذلك الواحد؟ كي لا يكون توجيه كل من الامر والنهي اليه بجهة غير جهة الآخر اجتماعا للضدين.

أم لا؟ بل يكون انطباق العنوانين على محل واحد موجبا للاتحاد ،

ص: 361


1- في الاصل الحجري ( وبعد ).
2- الفصول الغروية : 122 السطر 37 الى ص 123 السطر 4.
3- كفاية الاصول : 183 ؛ الحجرية 1 : 130 للمتن و 1 : 128 العمود 2 للتعليقة.

فتوجيههما اليه يكون من ذاك القبيل ولو كان ذاك المجمع كليا كالكون الكلي الجامع بين الصلاة والغصب وكالانسان الجامع بين الكاتبية والابيضية مثلا ؛ وانما كان ذاك الكلي مجمعا باعتبار وجوده السعي الخارجي على التحقيق من وجود الطبيعي في الخارج.

فلا يرد بلزوم كون المجمع شخصيا خارجيا بناء على تعلق الامر والنهي على الطبائع باعتبار وجوده الخارجي فتدبر.

وعلى كل حال فالاتيان بالواحد في محل النزاع انما هو لاخراج الكلي اذا تعلق الامر بأحد افراده والنهي بفرده الآخر كالسجود لله تعالى وللشمس مثلا ، ويسمّى ذلك واحدا بالجنس وبعبارة اخرى : واحدا بالعرض ؛ وما ذكر من كون المجمع كليا هو الواحد الجنسي ويكون واحدا حقيقيا ، والقيد لاخراج الاول لعدم كون المتعلق واحدا حقيقة.

281 - قوله : « كالصلاة في المغصوب ».

281 - قوله : « كالصلاة في المغصوب ». (1)

والاولى عدم التمثيل للمجمع الكلي به حيث انه لا بد من اخراج عنوان المأمور به ، وللنهي عنه عن ذلك كما لا يخفى ؛ فالأولى في المثال قوله أخيرا : « كالحركة ».

282 - قوله : « أمّا في المعاملات فظاهر ».

282 - قوله : « أمّا في المعاملات فظاهر ». (2)

لعدم الامر فيها ، فيكون خروجها عن محل النزاع من باب التخصص. نعم لو تعلق بها أمر وجوبي أيضا فيكون وضوح خروجها عن مسألة الاجتماع على قول الفصول (3) رحمه اللّه من جهة وحدة المتعلق فيها.

ص: 362


1- كفاية الاصول : 183 ؛ الحجرية 1 : 130 للمتن و 1 : 129 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 184 ؛ الحجرية 1 : 130 للمتن و 1 : 129 العمود 1 للتعليقة.
3- الفصول الغروية : 140 السطر 20.

283 - قوله : « الثالث : انّه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما يقع في طريق الاستنباط ».

283 - قوله : « الثالث : انّه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما يقع في طريق الاستنباط ». (1)

ولا يخفى انّ المسألة مما أمكن تحريرها فقهيا ، حيث انه يستفاد منها وجوب الصلاة وحرمة الغصب مثلا على الجواز ، أو أحدهما مع تغليب جانبه على الطرف الآخر على الامتناع ، أو مرجعية الاصول على التوقف ان لم يشكل برجوعه اليه باعتبار [ أنّ ] اللازم [ هو ] عنوان المبحوث عنه لا نفسه كما لا يخفى.

وأمكن جعلها من المبادئ الاحكامية أيضا من جهة كون جواز اجتماع الحرمة والوجوب مثلا من حالاتهما الموجبة لازدياد معرفة بالنسبة اليهما.

كما انه يمكن تحريرها كلاميا من جهة كون النزاع في حكم العقل بالجواز وعدمه ، مع التأمل في دخول مطلق الاحكام العقلية في المسائل الكلامية ، إلاّ أن يرجع الى فعله تعالى بأنه هل يصح منه تعالى تعميم طلبه الايجابي أو التحريمي بالنسبة الى مجمعها الواحد ، والثواب للعبد والعقاب عليه بفعله ذلك ، أم لا؟

ويمكن ادراجها في المبادئ التصديقية الاصولية أيضا لاجل اجلائها في تعيين التعارض بين الدليلين وعدمه.

ولكن التحقيق : انّ بحث الاصولي [ في ] (2) تلك المسألة من جهة كونها من مقاصد الاصول ، حيث انه لا اشكال في كون نتيجة المسألة مما يمكن استنباط الحكم الفرعي منها من الوجوب والحرمة على الجواز ، وأحدهما على الامتناع ، وتغليب طرفه على الآخر - ولا أقل من استفادة حكم الاصول - على التوقف.

ومجرد تحقق ما لا تكون المسألة به من مسائل الاصول من الجهات لا

ص: 363


1- كفاية الاصول : 185 ؛ الحجرية 1 : 131 للمتن و 1 : 129 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( من ).

يوجب خروجها منها بعد تحقق ما يوجب دخولها فيها من المناط ، لما عرفت سابقا من كون تمايز مسائل علم عن آخر بتمايز جهات البحث ، لا باختلافها موضوعا أو غيره.

284 - قوله : « الرابع : انّه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه : أنّ المسألة عقلية ».

284 - قوله : « الرابع : انّه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه : أنّ المسألة عقلية ». (1)

حيث انّ النزاع انما هو في حكم العقل بجواز اجتماع الحكمين في مجمع واحد بتعدد العنوان وعدمه بلا تفاوت بين ثبوتهما بالخطاب اللفظي أو اللبّي ، فلا وجه لجعلها من المباحث اللفظية وجعل ثمرتها التعارض بين الادلة وعدمه كما في التقريرات (2) مع ما فيه من الاشكال كما سيأتي.

إلاّ أنّ التعبير بهما لاجل غلبة صدور الطلب بهما لا لخصوصية في الثبوت اللفظي ؛ حتى انّ تفصيل البعض (3) في المسألة بين العقل والعرف - بالجواز على الاول والامتناع على الثاني - ليس مبنيا على دلالة اللفظ كما توهم ، بل مبناه كون الجمع اثنين بالنظر الدقيق العقلي ولو كانا موجودين بوجود واحد فيجوز ، وواحدا بالنظر المسامح العرفي فيمتنع ، بل يكون بنظر العقل أيضا [ كذلك ] (4) بغير وجه الدقة ، فيتطابق مع العرف.

285 - قوله : « الخامس : لا يخفى أنّ ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعمّ جميع اقسام الايجاب والتحريم ».

285 - قوله : « الخامس : لا يخفى أنّ ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعمّ جميع اقسام الايجاب والتحريم ». (5)

والضابط : انّ كل قسمين من أقسام الامر والنهي يكون اجتماعهما في المحل

ص: 364


1- كفاية الاصول : 186 ؛ الحجرية 1 : 131 للمتن و 1 : 129 العمود 1 للتعليقة.
2- مطارح الانظار : 126 السطر 22 - 23 والطبعة الحديثة 1 : 593 - 594.
3- المقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2 : 12 عند قوله : « نعم العقل يجوّز الصحة ... الخ ».
4- في الاصل الحجري ( كل ).
5- كفاية الاصول : 186 ؛ الحجرية 1 : 131 للمتن و 1 : 129 العمود 2 للتعليقة.

الواحد بوحدة الجهة موجبا لاجتماع الضدين ، [ و ] يكون اجتماعهما فيه بتعدد الجهة داخلا في محل النزاع وهو يجري في كل من الاقسام ؛ فلا وجه للتخصيص إلاّ توهم انصراف الامر والنهي في محل النزاع الى خصوص العيني التعييني ، وهو - على تقدير الاغماض مما ذكر في المتن - انما كان في صيغتهما لا في مادتهما.

ولا يخفى انّ التضاد بين الوجوب والحرمة التخييريين فيما اذا كان الاجتماع بلوازمهما في المجمع ، بأن يكون الاتيان به امتثالا للامر وعصيانا للنهي كما في مثال المتن لا فيما اذا كان الاجتماع بأنفسهما فقط ، وإلاّ فلا بأس باجتماعهما في عنوان واحد ، كما لو أمر بتزويج احدى الاختين ونهى عن الاخرى ، فضلا عن العنوانين.

ثم انّ المراد بالجواز وعدمه - بعد ما عرفت من كون المسألة عقلية - هو الامكان والامتناع العقليان الذاتيان لا التكليفيان أو الوقوعيان ، حيث انّ النزاع انما هو في لزوم اجتماع الضدين من تعلق الحكمين على المحل الواحد بتعدد الجهة وعدمه ؛ ولا اشكال في كون الامتناع المنتسب الى اجتماع الضدين هو الامتناع الذاتي وان كان انتسابه الى كل من الضدين وقوعيا.

ولا فرق فيما ذكرنا بين القول المطلق أو التفصيل بين العقل والعرف بالجواز على الاول والامتناع على الثاني ، حيث انّ العقل - فيما اذا أخذ الموضوع بنظر العرف - يحكم بامتناع اجتماع الضدين ذاتيا أيضا.

وهل النزاع على كل حال يكون النزاع بالنسبة الى نفس عنوان المبحث وهو اجتماع الضدين صغرويا وان كان بالنسبة الى لازم المسألة - وهو تعيين الحكم الفرعي للمجمع - كبرويا؟

286 - قوله : « نعم لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا ».

286 - قوله : « نعم لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف

ص: 365

بالمحال محذورا ومحالا ». (1)

وفيه : انّ اعتبار المندوحة عند من يرى التكليف بالمحال محذورا مطلقا لا يجدي في فعلية الحكم في المجمع وان كان مجديا في غيره ، لتحقق ملاك الاستحالة وهو عدم القدرة على امتثال النهي التعييني مع الامر التخييري بالمجمع ولو مع المندوحة.

نعم من يجوّز التكليف بالمحال اذا كان بسوء الاختيار [ كان ] (2) ذاك القيد كافيا في الفعلية كما لا يخفى ، فتدبر.

287 - قوله : « وأنت خبير بفساد كلا التوهمين».

287 - قوله : « وأنت خبير بفساد كلا التوهمين (3) ». (4)

لجريان الامتناع ، وهو اتحاد الامر والنهي في الوجود الخارجي مع كونه هو المتعلق لهما في الحقيقة وعدم إجداء تعدد الجهة ؛ وكذا مناط الجواز جاريا على كلا القولين : امّا الاول فواضح ، وامّا الثاني فلانّ ملاكه على القول بالطبيعة.

امّا الطبيعتان ذهنا أو في الخارج اعتبارا بعد وضوح كون الطبيعة بلحاظ ذاك الوجود متعلقا للطلب ، حيث انّ الوجود الخارجي يضاف الى الطبيعة المأمور بها تارة ، والى الطبيعة المنهي عنها اخرى ، فيتعدد اعتبارا ، ويكفي هذا المقدار في تعلق الامر والنهي بهما.

وامّا تعددهما حقيقة بناء على امكان الماهيتين الحقيقيتين للشيء الواحد الخارجي انضماما كما في الهيولى والصورة على قول ، أو اتحادا كما فيهما على

ص: 366


1- كفاية الاصول : 187 ؛ الحجرية 1 : 132 للمتن و 1 : 129 العمود 2 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( لكان ).
3- نسبه الى بعضهم في هداية المسترشدين : 327 السطر 2 - 4 ، والطبعة الحديثة 3 : 52 ؛ والفصول : 124 السطر 25 - 26 ؛ والقوانين المحكمة 1 : 140 السطر 7 - 8.
4- كفاية الاصول : 188 ؛ الحجرية 1 : 132 للمتن و 1 : 129 العمود 2 للتعليقة.

قول آخر.

ويجري كلا الوجهين بناء على التعلق بالفرد أيضا ، حيث انه يتعدد :

اما ذهنا أو خارجا اعتبارا لكونه ذا وجهين حيث انه يلحظ فردا [ لطبيعة ] (1) تارة ، ولاخرى ثانية ، فيتعلق به الامر من حيث كونه فردا لعنوان ويتعلق به النهي من حيث كونه فردا لعنوان آخر ، فهو وان كان مغايرا مع الطبيعة من حيث كون الخصوصية الخارجية من مقوماته الداخلية مع أنها من العوارض اللازمة للطبيعة ، إلاّ أنّ التعدد الاعتباري حاصل فيه أيضا من حيث اضافته تارة الى الصلاة معرّى عن خصوصية الغصب ، واخرى الى طبيعة الغصب معرّى عن الصلاة وهذا القدر يكفي في كونه متعلقا للامر والنهي.

وامّا حقيقة بناء على امكان كون الشيء الواحد فردين حقيقة للطبيعتين ، قياسا الى اجتماع الماهيتين في الشيء الواحد ، وكان تعدد فرديته لاشتماله على خصوصيتين متغايرتين كاشتماله على ماهيتين.

والحاصل : انه لا فرق في جريان النزاع بين القولين في متعلق الطلب ، حيث انّ القائل بالجواز يمكن ذهابه اليه على كل منهما ؛ وكذا القائل بالامتناع.

ولكنه يمكن الفرق بكون خصوصية الفردية وان لم يكن لعين كل من العنوانين إلاّ انه داخل فيهما جزءا ولو كان [ كل ] منهما معرّى عن الآخر ؛ وإلاّ فمع عدم لحاظ بعض الخصوصيات في كل من عنوان المأمور به والمنهي عنه لا يحصل الفرق بين القول بالطبيعة وبين القول بالفرد ، وحينئذ يشكل تقريب الجواز على الثاني حيث انه لا بد فيه من المباينة المفهومية رأسا بين المتعلقين كما لا يخفى.

ص: 367


1- في الاصل الحجري ( للطبيعة ).

288 - قوله : « الثامن : انّه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلاّ اذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا ».

288 - قوله : « الثامن : انّه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلاّ اذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا ». (1)

ولا يخفى انّ هذا دفع لما قد يتخيل : انّ من ثمرة مسألة اجتماع الامر والنهي وقوع التعارض بين روايتين كان مضمون احداهما الامر بالصلاة ومضمون الاخرى النهي عن الغصب مثلا وعدمه.

وحيث انه بناء على الجواز يحكم بعدم التعارض بينهما وعلى الامتناع يقع بينهما التعارض ، فلا بد من العلاج بالترجيح دلالة أو سندا لو كان وإلاّ فالتخيير أو التوقف أو التساقط والرجوع الى الاصل ، على الاختلاف في المتعارضين.

بيان الدفع : انّ التعارض وعدمه لا يبتني على ما نحن فيه أصلا حيث انه : امّا يعلم اجمالا بكذب احدى الروايتين عموما أو اطلاقا ، أو لا.

فعلى الاول يقع بينهما التعارض ولو لم يكن بينهما مجمع أصلا ، أو كان وبنينا على الجواز في المسألة.

وعلى الثاني فلا تعارض بينهما ولو في المجمع ؛ ويدخل في مسألة [ الاجتماع ] (2) مع وجود ما يوجب دخولهما فيهما وهو احراز المقتضي في كليهما من مدلولهما المطابقي لو كانا متعرضين للحكم الاقتضائي ، ومن مدلولهما الالتزامي لو كانا متعرضين للحكم الفعلي بناء على ما تقرر في محله من حجية المتعارضين في دلالتهما الالتزامية غير المعلوم كذبها.

ولا ينافي ذلك تبعيته للمطابقة لأنه في مقام الدلالة لا في مقام الحجية ، فلا [ يعامل ] (3) معهما معاملة التعارض.

ص: 368


1- كفاية الاصول : 189 ؛ الحجرية 1 : 132 للمتن و 1 : 130 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( الاجماع ).
3- في الاصل الحجري ( يعمل ).

289 - قوله : « فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال ».

289 - قوله : « فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال ». (1)

ولا يخفى انه يقع الكلام تارة في الغلبة وعدمه ، واخرى في أصل ثبوت المقتضي.

امّا الاول : فان أحرز ذلك بالعلم فلا اشكال في تقديمه والعمل على طبقه وان كان الدليل الدال عليه في مقام الاثبات أضعف من الآخر دلالة وسندا ، ويحمل الدليل على مقام الاقتضاء فيرتفع التعارض بينهما.

وكذا لو احرز بالظن المعتبر الخارجي بلا اعتناء في قباله بظهور الدليل غير الأهم في الفعلية الكاشف عن عدم مزاحم أقوى.

290 - قوله : « ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين ».

290 - قوله : « ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين ». (2)

ربما يجاب : بأنّ القائل بالجواز يقول برجوع النهي في تلك الموارد الى العنوان الخارجي عن متعلق الامر ، فيصير الجواز فيها لتعدد الجهة كما عن المحقق القمّي (3) رحمه اللّه في مثل الصلاة في الحمّام وغيره بتوجه النهي الى الخارج.

ولكنه مندفع : بأنّ النقض بمثل ذلك على تقدير التسليم انما هو فيما له البدل من العبادات ؛ وامّا فيما لا بدل له منها فلا يجدي ، لعدم تجويز - القائل بالجواز - الاجتماع فيما يمكن له البدل بناء على اعتبار المندوحة ، فيبقى الاشكال فيها على القولين ، فلا يصح التمسك بمثله.

291 - قوله : « امّا لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك ، فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض »

291 - قوله : « امّا لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك ، فيكون الترك

ص: 369


1- كفاية الاصول : 190 ؛ الحجرية 1 : 133 للمتن و 1 : 131 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 197 ؛ الحجرية 1 : 137 للمتن و 1 : 131 للتعليقة.
3- القوانين المحكمة 1 : 142 السطر 13 - 15.

كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض » (1).

أو لاجل مصلحة في نفس الترك بلا حاجة الى عنوان آخر منطبق عليه.

أو أمكن اشتمال كل من الفعل وتركه على مصلحة في نفسه بلا حاجة الى اعتبار آخر ، كما احتمله قدس سره في درسه.

وليعلم : انّ الكراهة في المقام ليس بمعناها الاصطلاحي حيث [ أنها ] (2) ناشئة من مفسدة في الفعل ، ويقع الكسر والانكسار بين المصلحة والمفسدة ، فالحكم للغالب منهما ، ومع عدمه يكون الحكم هو الاباحة ؛ وامّا في المقام فهي ناشئة من مصلحة في الترك وتكون المصلحتان من قبيل المتزاحمين بلا كسر وانكسار بينهما.

فان قلت : انّ الترك نقيض الفعل ؛ ومن المعلوم انّ رجحان كلا من طرفي النقيض مستلزم مرجوحية الآخر بل عينه فيجتمع الرجحان والمرجوحية في طرف واحد فلا بد من الكسر والانكسار بينهما ، لا التزاحم فقط.

قلت : انّ النقيض انما هو العدم لا الترك ؛ مع انّ الترك فيما نحن فيه انما نلتزم برجحانه اذا وقع بقصد التقرب ، والترك المتقرب به ليس نقيضا له وإلاّ للزم في صورة الترك - بدون التقرب به - ارتفاع النقيض ، ولا يكون العدم الصرف والترك المطلق قابلا لعروض التشخص عليه كي يكون الترك المتشخص بالتقرب مصداقا له ؛ ومن المسلّم أنّ نقيض الفعل العبادي مجرد عدمه غير الملحوظ معه عنوان وجودي أصلا ، سواء كان هو التقرب أو غيره.

فان قلت : هب انّ الترك الملحوظ معه وجودي - جزءا أو شرطا - ليس مقتضيا للفعل المتقرب به ، إلاّ أنّ الترك العبادي ليس كذلك حيث انّ قصد القربة

ص: 370


1- كفاية الاصول : 198 ؛ الحجرية 1 : 137 للمتن و 1 : 132 للتعليقة.
2- في الاصل ( هنا ).

ليس جزءا للفعل العبادي أو شرطا له ، فكيف بالنسبة الى الترك المأتي به؟ وإلاّ فلو كانت المصلحة من قبل التقرب فيلزم الدور ، بل من كيفيات الاطاعة فيكون الترك الراجح هو النقيض ، فيلزم المحذور من وقوع الكسر والانكسار.

قلت : هب انّ قصد القربة ليس جزءا في العبادة أصلا إلاّ انّ الوجودي الذي يكون عنوانا للترك ليس هو قصد القربة ، بل انما هو عنوان آخر وجودي راجح منطبق على الترك وهو مثل ( مخالفة الاعداء ) في صوم يوم عاشوراء و ( اجابة المؤمن ) في الصوم المندوب مثلا ، وحيث انّ ذاك العنوان مما يمكن أن يكون قصديا وقربيّا وغير حاصل إلاّ به فلا بد من قصد القربة إلاّ لاجل ذلك.

فالحاصل : انه بعد انطباق العنوان الوجودي على ترك العبادة المكروهة التي لا بدل لها ، يكون كل من فعلها وتركها ذات مصلحة ويكون كل من الامر والنهي بالنسبة اليها حينئذ مولويا حقيقيا لا ارشاديا ، غاية الامر يكون الفعلي هو الواحد منهما على التخيير ، أو خصوص [ المتعلق ] (1) بالغالب من الطرفين في المصلحة.

292 - قوله : « إلاّ أن التنزيهي غير كاف ، إلاّ اذا كان عن حزازة فيه ».

292 - قوله : « إلاّ أن التنزيهي غير كاف ، إلاّ اذا كان عن حزازة فيه ».

وفيه : (2) أنه لا فرق في مطلوبية الترك - الموجب لعدم الرجحان والصحة في العبادة - بين ان يكون تحريميا أو تنزيهيا ، ولا يجتمع رجحان الفعل مع رجحان نقيضه.

بل الجواب : ما عرفت من عدم كون الترك العبادي نقيضا للفعل ، فراجع.

293 - قوله : « نعم يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد الى الترك »

293 - قوله : « نعم يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد الى

ص: 371


1- في الاصل الحجري ( التعلق ).
2- تعليقة القوچاني هذه ليست تعليقة على متن الكفاية ، بل هي تعليقة على حاشية الآخوند على متن الكفاية. راجع كفاية الاصول : 198 ؛ والطبعة الحجرية 1 : 138 للمتن والحاشية كليهما.

الترك » (1).

الأحسن أن يحمل في كليهما على المولوي خصوصا في الاخير ، لانّ الطلب الارشادي اذا تعلق بشيء لا بد أن يكون لاجل منقصة في فعله كالصلاة في الحمّام لا أن يكون من أجل رجحان في فعل آخر ملازم لترك ما تعلق به وإلاّ لكان الطلب الارشادي عرضيا أيضا ، فيلزم ارتكاب خلاف الظاهر من وجهين : من حمله على الارشادي ؛ والعرضي.

ومن المسلّم انّ ارتكاب مجرد الحمل على العرضي فقط مع مراعاة المولوية أولى من ذلك.

294 - قوله : « وامّا القسم الثاني : ... الخ ».

294 - قوله : « وامّا القسم الثاني : ... الخ ». (2)

وهي العبادات التي لها بدل كالصلاة في الحمّام مثلا ، فمع امكان أن يكون النهي عنه لاجل ما ذكر في القسم الاول من الوجهين طابق النعل بالنعل يمكن أن يكون أيضا لاجل حزازة في الطبيعة المأمور بها ويكون ثواب تلك الطبيعة لاجل تلك الحزازة أنقص منه لو لم يكن معها ، وذلك فيما لو كان للطبيعة المأمور بها - مع قطع النظر عن طرو خصوصية عليها - مقدارا من المصلحة والرجحان ؛ وربّما تنقص تلك المصلحة لاجل طرّ خصوصية وجودية عليها لاجل المنافرة بينهما كالصلاة في الحمّام بلحاظ اتحادها مع الكون في الحمّام غير الملائم مع ما هو « فسطاط الدين » و « معراج المؤمن » وهو الصلاة وان لم يكن في ذلك الكون - في نفسه - حزازة أصلا ، بل قد لا يكون واجبا ؛ وربّما تزداد تلك المصلحة لاجل طروّ خصوصية على الطبيعة لشدة الملاءمة بينهما كالصلاة في المسجد ؛ وربّما لا تزداد ولا تنقص تلك المزية بل تبقى على حالها كما في الصلاة في الدار ، لعدم المنافرة

ص: 372


1- كفاية الاصول : 199 ؛ الحجرية 1 : 138 للمتن و 1 : 133 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 199 ؛ الحجرية 1 : 138 للمتن و 1 : 133 للتعليقة.

ولا شدة الملاءمة بينهما.

وبما ذكرنا تعرف انّ طلب الترك في هذا القسم ليس لاجل انطباق عنوان وجودي ذي منقصة عليه كما في الوجه الاول ، بل لاجل خصوصية وجودية لفرد خاص من الطبيعة فيكون ذلك الفرد بما هو طبيعة خاصة أقل مصلحة من الطبيعة في حد نفسها مع قطع النظر عن الخصوصيات ، ويكون تعلق النهي على ذلك الفرد لاجل تلك الحزازة لكنه ليست بحدّ يوجب النقص من حدّ الوجوب ، بل تبقى المصلحة على مقدار من المصلحة يكون كافيا في الايجاب وان نقصت عن مصلحة الطبيعة لامكان اشتمالها على أزيد من المقدار المقتضي للوجوب ، ويبقى بعد طروّ الحزازة على الحد الكافي في الوجوب فيكون الفرد واجبا وذلك النهي يحمل على الارشاد نصحا للمطلوب منه واراءة للطريق بالنسبة اليه الى اختيار الفرد الكامل للتوصل به الى الفوز بأعلى مراتب الثواب المقرر لتلك الطبيعة.

والفرق بين الارشاد في هذا القسم والقسم الاول في كمال الوضوح ، لكون المنشأ في المقام هو المنقصة في أصل ما تعلق به النهي ، بخلافه في السابق فانه لمجرد الارشاد الى عنوان راجح بلا حزازة فيما تعلق به كما لا يخفى ؛ فتكون الكراهة بمعنى أقلية الثواب للمنهي عنه بالنسبة الى ما أعد للطبيعة من المصلحة في حد نفسها ؛ فلا يرد بلزوم القول بالكراهة بالنسبة الى كل مرجوح بالنسبة الى شيء آخر.

295 - قوله : « وأمّا القسم الثالث : ... الخ ».

295 - قوله : « وأمّا القسم الثالث : ... الخ ». (1)

وهي العبادات التي تعلق بها النهي لاجل اتحادها مع عنوان يكون بينهما

ص: 373


1- كفاية الاصول : 200 ؛ الحجرية 1 : 139 للمتن و 1 : 134 للتعليقة.

وبينه عموم من وجه كالصلاة في بيت الظلام مثلا ، أو لاجل ملازمتها مع مثل هذا العنوان.

ففي صورة [ الاتحاد ] (1) يكون من أمثلة مسألة اجتماع الامر والنهي ، فعلى القول بالامتناع وترجيح جانب الامر - كما هو المفروض - يحمل النهي فيها على مجرد الانشاء على طبق ما هو ملاكه من المنقصة من دون أن يصير فعليا لاجل [ اتحاد ] (2) المنهي عنه مع ما هو الاغلب منه مصلحة من عنوان المأمور به.

ويمكن ابقاؤه على ما هو الظاهر فيه من الفعلية ، بحمله على الارشاد الى أقلية ثواب الفرد المنهي عنه وحسن تركه الى ما ليس فيه تلك الحزازة.

وامّا بناء على الجواز فيكون النهي عن الصلاة في مواضع التهمة بالعرض ، لكون المنهي عنه حينئذ ذلك العنوان غير المتحد مع المأمور به ؛ وكذا الحكم في صورة المقارنة مع العنوان المنهي عنه.

ويمكن أيضا حمله على الارشاد الى ترك هذا الفرد باختيار الفرد الآخر غير المقارن لما فيه الحزازة.

اذا عرفت ما ذكرنا ظهر انّ تفسير الكراهة بمعنى قلة الثواب انما هو في القسم الثاني على بعض الوجوه ، وفي القسم الثالث في صورة الاتحاد بناء على الامتناع لا على الجواز كما لا يخفى.

296 - قوله : « كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها ».

296 - قوله : « كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها ». (3)

لا يخفى : انّ الاستحباب لو كان :

ص: 374


1- في الاصل الحجري ( الايجاد ).
2- في الاصل الحجري ( ايجاد ).
3- كفاية الاصول : 201 ؛ الحجرية 1 : 139 للمتن و 1 : 135 للتعليقة.

لانطباق عنوان مشتمل على مصلحة غير ملزمة على الواجب يكون اقتضائيا مولويا.

ولعنوان ملازم غير منطبق كذلك يكون مولويا عرضيا.

ولو كان لشدة المناسبة بين الطبيعة المأمور بها والخصوصية المتحدة معها يكون ارشاديا حقيقيا.

297 - قوله : « ولا يخفى انّه لا يكاد يأتي القسم الاول هاهنا ».

297 - قوله : « ولا يخفى انّه لا يكاد يأتي القسم الاول هاهنا ». (1)

ولا يخفى جريانه فيها لو كان الامر الاستحبابي لاجل عنوان آخر سواء كان منطبقا على الواجب أو كان ملازما له ، غاية الامر يكون الاستحباب حكما اقتضائيا ما دام الواجب فعليا ؛ وفعليا لو خرج الوجوب عن الفعلية لغفلة ونحوه ؛ مع انه لا وجه للتأكد في صورة عدم الانطباق كما لا يخفى.

298 - قوله : « وفيه : مضافا الى المناقشة في المثال ، بأنه ليس من باب الاجتماع ».

298 - قوله : « وفيه : مضافا الى المناقشة في المثال ، بأنه ليس من باب الاجتماع ». (2)

حيث انّ من الواضح في المثال المذكور هو عدم اتحاد المأمور به سواء كان هو الاثر الحاصل في الثوب ، وكذا لو كان عبارة عن حركة الخياط والإبرة فيه.

نعم يشكل ذلك لو كان عبارة عن الحركة القائمة بنفس العضو ، فانه لا يبعد اتحاده مع الكون التخييري الذي هو من ضروريات الجسم.

299 - قوله : « بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا ».

299 - قوله : « بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا ». (3)

ص: 375


1- كفاية الاصول : 201 ؛ الحجرية 1 : 139 للمتن و 1 : 135 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 202 ؛ الحجرية 1 : 140 للمتن و 1 : 135 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 202 ؛ الحجرية 1 : 140 للمتن و 1 : 136 للتعليقة.

ولعل وجهه : انّ متعلق الامر والنهي يكون متعددا بالنظر الدقيق العقلي بناء على تعلقهما بالطبائع ، حيث انّهما متعددان ذاتا وفي مقام تعلق الاحكام. ولو كانا موجودين بوجود واحد يكون واحدا بالنظر المسامحي العرفي في مقام صدورهما عن المكلف بلحاظ كونهما موجودين بوجود واحد.

وفيه : انّ حكم العرف بالامتناع لو كان في موضوع حكم العقل بالجواز فلا اشكال في انّ الحاكم بالامتناع والامكان هو العقل ، ولا طريق للعرف بالنسبة اليه إلاّ بملاحظة عقولهم ؛ مع انّ حكم العقل هو الامتناع بعد ما عرفت من تعلق الاحكام بالطبائع بلحاظ الخارج وهو واحد وجودا وماهية ، فالجواز لو كان لكان بحكم العرف ، نظرا الى تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه غفلة عن وحدة المحكي عنه والمعنون ؛ ولكنه لا يتّبع أيضا بعد القطع على كون حكمه من باب الخطأ في التطبيق.

وان كان حكم العرف بالامتناع في غير موضوع حكم العقل بالجواز ، كأن يستفيد العقل من الامر والنهي اللفظيين معنيين يمكن اجتماعهما في مورد واحد ، ويستفيد العرف معنيين لا يمكن اجتماعهما كذلك.

ففيه : مع ما عرفت من عدم اختصاص النزاع بمدلولي الامر والنهي اللفظيين بل في مطلق الوجوب والحرمة ؛ انه على تقدير التسلّم يكون المحكّم في استفادة المعنى [ من ] (1) الخطاب هو فهم العرف لا العقل ، وبعد استفادته يتطابقان في الحكم بالجواز والامتناع فلا يختلفان بعد ذلك ، هذا.

مع انّ اختلاف موضوع حكمهما ليس من باب مخالفتهما في الحكم ؛ فالظاهر انّ مراد المفصل انما كان في وحدة الموضوع ، وعرفت انّ الحكم فيه هو

ص: 376


1- في الاصل الحجري ( عن ).

العقل لا العرف.

300 - قوله : « الاول : انّ الاضطرار الى ارتكاب الحرام ... الخ ».

300 - قوله : « الاول : انّ الاضطرار الى ارتكاب الحرام ... الخ ». (1)

لا يخفى انه لو اضطر الى ارتكاب الحرام :

فان لم يكن بسوء اختياره فلا اشكال في ارتفاع القبح والمذمة على ما ارتكبه ، عقليا كان الاضطرار كما لو أدخله الغير على الدار الغصبي قهرا ، أو شرعيا كما لو كان ذلك لحفظ النفس المحترمة ، فحينئذ يبقى العنوان الآخر مؤثرا في الحسن بلا مزاحم كما لو صلى في ذلك الحال وان كان مغلوبا في المصلحة لو لا الاضطرار ، وذلك لحصول ما هو شرط العبادة من اشتمال الفعل على جهة الحسن فعلا مع صدوره من الفاعل متقربا به.

وامّا ان كان بسوء اختياره فلا اشكال في استحقاقه العقوبة عليه بصدور الفعل منه مبغوضا عليه - وان كان يسقط عنه الخطاب عصيانا له بعد الاضطرار اليه بالاختيار لقبح توجه الخطاب الفعلي اليه بعد ذلك - ولا يتعلق به الايجاب لصدوره عنه مبغوضا عليه بالنهي السابق ، ولا يجتمع الامر مع المبغوضية. هذا في الجملة ليس مما فيه الارتياب.

وانما الاشكال فيما كان ما اضطر اليه - بسوء الاختيار - مما انحصر به التخلص عن الحرام كالخروج فيمن توسط في الأرض المغصوبة كذلك ؛ فبعد الاتفاق على انّ حكمه عقلا - بعد دوران أمره بين الخروج بمقدار قليل من الزمان والبقاء فيها كثيرا مع عدم التخلص بوجه آخر - هو الخروج ، اختلف الأعلام في اتصافه بالحسن وعدمه وتعلق الامر والنهي به معا أو أحدهما وعدمه على أقوال :

أحدها : انه مأمور به فقط كما في التقريرات (2) عن الشيخ.

ص: 377


1- كفاية الاصول : 203 ؛ الحجرية 1 : 140 للمتن و 1 : 137 للتعليقة.
2- مطارح الانظار : 153 السطر 33 والطبعة الحديثة 1 : 709.

وثانيها : انه منهي عنه قولا فقط.

وثالثها : انه مأمور به ، مع جريان حكم المعصية بالنهي المتوجه اليه سابقا مع انقطاعه عنه فعلا كما هو مختار صاحب الفصول. (1)

ورابعها : انه مأمور به ومنهي عنه ، كما اختاره المحقق القمّي (2) رحمه اللّه وهو المحكي عن أبي هاشم. (3)

والحق : انه يقع مبغوضا عليه بالنهي السابق - الساقط عنه بارتكاب ما يؤدي اليه - بنحو المتحتّم العقلي بلا توجه الامر الشرعي المولوي بالنسبة الى الخروج أصلا ، ولو لم يمكن التخلص عن الغصب إلاّ به.

امّا كونه منهيا عنه سابقا فلكون التصرف في الغصب بجميع أنحائه قليلة وكثيرة - ومنها التصرف الخروجي - تصرفا في ملك الغير وضررا عليه ذا مفسدة.

ولما كان المكلف متمكنا منه فعلا وتركا ولو بتوسط الدخول - لكفاية توسيط مقدمة اختيارية في كون ذي الواسطة اختيارية وان لم يكن كذلك بلا توسيط كما في الافعال التوليدية - فكان منهيا عنه قبل الدخول ، لاجل التمكن من امتثال خطاب النهي بترك الدخول ومخالفته بارتكابه اختيارا ، فيستحق المثوبة على الاول ولو فيما اضطر اليه بالاختيار ، والعقوبة على الثاني ولو فيما انحصر به التخلص عن الحرام كذلك ، وذلك لحصول ما هو شرط الاطاعة والعصيان من توسيط الاختيار.

ولا ينافي الاضطرار اليهما بعده ، وذلك لانّ الايجاب أو الامتناع بالاختيار لا

ص: 378


1- الفصول الغروية : 138 السطر 25.
2- القوانين المحكمة 1 : 153 السطر 21 - 22.
3- شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي 1 : 94 السطر 13 و 17 - 18 ؛ مطارح الانظار : 153 السطر 24 - 25 والطبعة الحديثة 1 : 707 ؛ المنخول : 129 ؛ البرهان 1 : 208 ؛ المعتمد 1 : 195.

ينافي الاختيار ؛ ولكنه يسقط الخطاب عن المكلف عما اضطر اليه عقلا كالخروج بعد الدخول مع عدم التخلص عن الحرام بوجه آخر ، لكون النهي عنه حينئذ - بعد حكم العقل باختياره لاجل كونه أقل المحذورين - سفها ولغوا ، ولو كان ذا مفسدة فعلية.

والحاصل : انّ الخروج عن الدار الغصبي بعد دخولها بسوء الاختيار يكون مبغوضا عليه بالنهي السابق ، مع سقوطه عنه فعلا لما عرفت.

ودعوى : عدم توجه النهي اليه فعلا أصلا لا قبل الدخول لعدم القدرة عليه حينئذ ، ولا بعده لحكم العقل بلزوم اختياره.

مدفوعة : بما عرفت من القدرة عليه قبله ولو بالواسطة ، وكفايته في تعلق الخطاب به ، فبعد سقوطه عند بالاضطرار اليه بالاختيار يكون البغض منه باقيا ؛ وامّا عدم الامر لعدم الملاك له وهو المصلحة المقتضية للحسن الباعث للامر فلما عرفت من كون الخروج في حال الصدور مبغوضا عليه بالنهي السابق ، فكيف يكون محبوبا وحسنا؟

وامّا حكم العقل بلزوم اختياره بعد الدخول فلا يدل على تحقق المصلحة المقتضية للحسن فيه ، حيث انّ العقل - (1) بعد ما لاحظ التصرف في الغصب وانه بجميع أنحائه ذا مفسدة فعلية قد تعلق النهي به كذلك قبل الدخول فعليا ، وانّ المكلف بعد دخوله في الدار الغصبي بسوء اختياره قد أوقع نفسه في مفسدة الحرام ومخالفة النهي ، مع دوران أمره حينئذ بين الخروج منها في زمان قليل وبين بقائه فيها كي يكون أبدا في مفسدة الحرام ومرتكبا لما يبغضه المولى دائما - يحكم بالخروج ، من جهة كونه أقل محذورا في ارتكاب المبغوض من البقاء المستلزم

ص: 379


1- جملة معترضة مؤلفة من عدة اسطر.

لارتكابه دائما ، لا من جهة اشتماله على الحسن كي يستتبع حكم الشرع مولويا على طبقه.

نعم لا مانع من حكمه ارشادا على طبق ارشاد العقل الى أقل القبيحين وأخف المحذورين.

والحاصل : أنه بعد صيرورة النهي بالنسبة الى الدخول فعليا في زمان - وان سقط عنه بعده عصيانا - لا وجه لاشتماله على ما هو ملاك الامر ، لعدم اجتماعه مع المبغوضية الفعلية ، وبدونه لا يتعلق به.

نعم لو لم يكن الاضطرار بسوء الاختيار - كما في صورة إلجاء الغير إيّاه على الدخول - فلا يكون الخروج منه مبغوضا عليه ، لعدم مخالفة النهي ، لدخوله فيه قهرا.

فان قلت : انّ الخروج من الغصب وان لم يكن بنفسه مشتملا على المصلحة أصلا إلاّ انه لاجل انطباق عنوان التخلص عن الغصب عليه يكون حسنا ، لوضوح محبوبية التخلص عنه الموجب لتحقق الحسن في مصاديقه ، بل يوجب انطباقه عليه حسنه أزلا وأبدا لكونه مما ينطبق عليه التخلص كذلك ولو قبل تحقق الموضوع معلقا على وجوده ، بل كلما تفرض الحركة الخروجية من حيث كونها حين وجودها لا تتحقق إلاّ مقدمة لترك الغصب الزائد - ولا تتصف إلاّ معنونا بالتخلص عن الغصب - فيحكم العقل بحسن مثل هذه الحركة أزلا وأبدا ؛ نظير شرب الخمر الذي يكون مقدمة لحفظ النفس بعد الوقوع في المهلكة.

مضافا الى عدم تعلق النهي عن الحركة الخروجية قبل الدخول - لكونه منتفيا بانتفاء الموضوع - وبعده ، لما ذكر.

والى ذلك يرجع ما في تقريرات شيخنا العلاّمة الانصاري قدس سره في وجه عدم

ص: 380

حرمة الخروج فراجع. (1)

قلت : انك بعد المراجعة الى الوجدان تعرف انّ الخروج لا يوجد فيه عنوان آخر غير انه الحركة الخاصة في الغصب ، ولا يفترق عن الانحاء الأخر منها في كون جميعها تصرفا في الغصب إلاّ في كونه أقل محذورا وقبحا منها ، فيحكم به ارشادا حفظا عن الوقوع في المحذور الأشد.

ومجرد انتزاع عنوان التخلص عما هو معلوم بحقيقته وواقعيته - ما ليس إلاّ نحوا من الحركة الغصبية أقل محذورا من غيره - لا يوجب اشتماله على المصلحة.

وقياس ما نحن فيه بشرب الخمر لحفظ النفس مع الفارق.

بيان الفرق : انّ شرب الخمر من مقدمات حفظ النفس ولعله كان منشأ لتوهم الحسن فيه مطلقا ؛ بخلاف الخروج فيما نحن فيه بالنسبة الى البقاء في الغصب دهرا الموجب لزيادة الوقوع في المفسدة فانّ النسبة بينهما هي المضادة ، حيث انه يدور الامر بعد الدخول فيه : بين التصرف فيه في زمان قليل بارتكاب الخروج بحيث لا يتحقق معه الكون في الغصب الموجود ولو في الآن الثاني ، وبينه في زمان كثير باختيار البقاء ؛ والنسبة بينهما هي المضادة بلا توقف لعدم أحدهما على وجود الآخر ، بل يتوقف على عدم ارادته الملازم مع ارادة الآخر فحينئذ يكون بين كل منهما مع عدم الآخر التلازم ، لعدم الثالث بينهما ، كما هو كذلك في كل متضادين لا ثالث لهما.

نعم لا بأس بالالتزام بتوقف الكون في خارج الدار - الملازم لترك البقاء فيها - على الخروج.

فعلى تقدير المقدمية يكون مقدمة لملازم الواجب لا لنفسه وهو ليس

ص: 381


1- مطارح الانظار : 154 السطر 18 - 19 والطبعة الحديثة 1 : 711.

بواجب إلاّ بالعرض ؛ فاذا لم يكن مقدمة للواجب فلا وجه [ لوجوبه ] (1) الغيري بوجوبه ، والفرض انه لا جهة اخرى موجبة لحسنه.

فاذا عرفت ذلك فظهر فساد القول بكونه مأمورا به فقط.

وعلى تقدير تسليم المقدمية - كالمقيس عليه وهو شرب الخمر بالنسبة الى حفظ النفس - يسري الوجوب الغيري اليه في صورة الانحصار بغير سوء الاختيار.

وامّا مع عدم الانحصار فكما فيما قبل الدخول ، حيث انّ الواجب هو الترك المقدور او لا ترك مع كفاية القدرة عليه - ولو بالواسطة - في صحة التكليف به ، بلا تفاوت في ناحية الواجب بين قبل الدخول وبعده حتى يكشف عن اختلاف الخروج المطلوب الترك قبله أو بعده أو معه اذا كان بسوء الاختيار ، فلا يصير واجبا لكونه منهيا عنه مع كونه مبغوضا سابقا ومبغوضا فقط لاحقا.

وحدّ المبغوضية مخالفة النهي الفعلي قبل الاضطرار ؛ ومن المعلوم انّ الفعل الذي به تحصل المخالفة والعصيان يكون مبغوضا عليه وان سقط عنه الخطاب ، لعدم الفائدة ، وحينئذ فلا يتوجه الامر الى المبغوض.

فان قلت : انّ أهمية المقدمة - وهو حفظ النفس مثلا - يقتضي محبوبية ما يتوقف عليه. وان أبيت عن كونه محبوبا - لعدم تعلقه بالمبغوض - فلا أقل من تعلق الطلب به ، لعدم انفكاك طلب ذي المقدمة من طلبها عند عدم النهي الفعلي عنها ، لفرض سقوطه بانحصار الطريق الى ذي المقدمة بها ، ولو بسوء الاختيار.

قلت : مجرد عدم النهي الفعلي لا يكفي في تعلق الامر ، بل لا بد فيه من عدم المبغوضية ، بل من المحبوبية ؛ والمقدمة اذا كانت مبغوضة لا يتعلق الحبّ - ولو

ص: 382


1- في الاصل الحجري ( بوجوبه ).

غيريا - بها ، وإلاّ فلو كان مجرد الصلاح كافيا في تعلق الامر بها لكان كذلك في غير صورة الانحصار أيضا ، وليس كذلك ؛ ولا الطلب ، لعدم تعلقه بما ليس فيه الحب. هذا ما أفاده الاستاذ قدس سره لبيان عدم تعلق الامر بالمبغوض.

ولكن التحقيق : صحة الطلب به بعد الوقوع فيه ولو بسوء الاختيار ، مع دوران الامر بين ما فيه المفسدة الصرفة وبين ما فيه تلك المصلحة ، كما لو دار الامر في الحركة في الدار الغصبي بين الغصب المحض وبين الغصب المتوصل الى واجب آخر مشتمل على المصلحة ، فانّ العقل في هذه الصورة يلزم المكلف الى اختيار هذا الفرد بالنسبة الى غيره - وكذا الشرع - مولويا من باب الملازمة ؛ ولا يلزم في الامر المولوي أن يكون بملاك المحبوبية الموجبة ، بل يكفي تخفيف المبغوضية الموجب لتخفيف العقوبة. وهذا في التوصليات غير المتوقف صلاحها على قصد القربة لا اشكال فيه.

وامّا العبادات فلا يخلو عن اشكال من حيث توقف صلاحها على قصد القربة المتوقف على محبوبيته ، غير المجتمع مع المبغوضية أصلا.

ولكن التحقيق : فيه أيضا ذلك : لانّ غاية الامر توقف صلاح العبادات على الاتيان بداع الهي ، وهو كما يحصل بفعل المحبوب كذلك يحصل بما يوجب تخفيف العقوبة ، حيث انه يمكن اختيار الفرد الذي يحصل به التخفيف بداع النهي به. نعم لو لم يكف في حصول الغرض من العبادات الفعلي مجرد التخفيف بل لا بد فيه من الاتيان بما يوجب القرب ليس إلاّ ، فيشكل ما ذكرنا فتدبر.

ثم على تقدير عدم الامر بالمقدمة فهل الامر بذي المقدمة باق في صورة الانحصار بالحرام بسوء الاختيار ، أم لا؟

الذي اختاره الاستاذ هو الثاني ، لعدم شرط الامر وهو القدرة على المكلف به شرعا وعقلا ؛ ومن المعلوم انه مع البغض - على طريقه المنحصر - يكون ممتنع

ص: 383

الوصول اليه شرعا ، والامتناع الشرعي كالامتناع العقلي فلا يتوجه اليه الامر ، إلاّ أن تكون المقدمة المنحصرة مضطرا اليها بحيث خرجت عن الاختيار كالالقاء عن شاهق الواقع في طريق حفظ النفس فانه لا مانع حينئذ من الامر به ، لكونه من قبيل ما لم يكن له مقدمة أصلا.

ولكن التحقيق : هو الاول ، وانّ مبغوضية المقدمة - بعد سقوط النهي عنها وحكم العقل بلزوم اتيانها على أي حال - لا تكون مانعا من الامر بذي المقدمة ، لعدم التحريك اليها من قبل الامر بذيها بعد وقوعها اضطرارا وارشادا الى حكم العقل ، ولا ملازمة تامة بين الامر بها والامر بذيها ، فملاك المولوية فيه باق على ما كان عليه قبل الانحصار ، وانما المانع النهي بالنسبة الى المقدمة - لقبح البعث الى الشيء مع الزجر عما يتوقف عليه بل استحالته - لا مجرد المبغوضية.

ثم انه على ما ذكرنا - من الالتزام بالامر بالنسبة الى الخروج المتوصل به الى ترك الغصب الزائد بعد سقوط النهي عنه بالدخول - فالأولى ما ذهب اليه في الفصول (1) من كونه مبغوضا ومعصية بالنسبة الى النهي السابق ومأمورا به في الحال.

لا من أجل :

انّ الخروج من نحوين للترك أحدهما قبل الدخول يتعلق به الطلب بلحاظ المفسدة في الفعل بلا مفسدة في تركه حينئذ ، وثانيهما بعد الدخول ويكون مما فيه المفسدة لتفويته الأهم فيكون فعله حينئذ مما فيه المصلحة باعتبار المقدمية مع اضمحلال المفسدة ويتعلق النهي فلا اجتماع في متعلق الامر والنهي لا بذاته ولا من حيث المصلحة والمفسدة لاختلاف المحل.

ص: 384


1- الفصول الغروية : 138 السطر 25.

حتى يدفع : بأن تمايز التروك وتعددها بلحاظ تعدد الوجود وتمايزه وبدون التميز فيه لا وجه لملاحظة التعدد فيه كما في المقام ، حيث انّ الخروج الذي لا يكون بعد الدخول واحد أزلا وأبدا ؛ مع انّ المصلحة والمفسدة انما تكونان في الفعل ، فهو : امّا يكون مما فيه المصلحة أبدا فيكون محبوبا لا غير ، وامّا أن يكون مما فيه المفسدة كذلك فيكون مبغوضا لا غير.

بل لاجل ما ذكرنا : من اشتمال الفعل بذاته على المفسدة ، وبخصوصيته المقدّمي على المصلحة ؛ ولكن لما كان التكليف سابقا في المندوحة - من جهة تمكنه من التحرز عن المفسدة واحرازه للمصلحة بمقدمة اخرى - فكان الخروج منهيا عنه ، وبعد الدخول مضطرا الى المفسدة فيؤثر مصلحته المقدمي في الامر ؛ وعرفت انّ أثره تخفيف العقوبة ؛ ولا تلزم المحبوبية في تعلق الامر ؛ ولا يرد عليه ما في المتن ، فتدبر.

301 - قوله : « وإلاّ لكانت الحرمة معلقة على ارادة المكلف ».

301 - قوله : « وإلاّ لكانت الحرمة معلقة على ارادة المكلف ». (1)

يعني انه اذا اختار غير الدخول في الدار الغصبي يكون الخروج عنها حراما وامّا اذا اختاره فلا يكون محرّما ؛ والحال انّ التكليف لا بد أن يكون مطلقا حتى يصير داعيا الى الامتثال ، فلو كان طلب الترك فيما نحن فيه مثلا معلقا على حصول الترك بنفسه لكان من قبيل طلب الحاصل كما لا يخفى.

302 - قوله : « لا انّه ما شرب الخمر فيها ».

302 - قوله : « لا انّه ما شرب الخمر فيها ». (2)

مقصوده : انّ ترك الخروج عند ترك الدخول فيما نحن فيه وترك شرب الخمر عند ترك الوقوع في الهلكة - بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع - يكون حاصلا بنفسه بلا استناد الى أحد ، ولا بد من كون المكلف به مستندا اليه حتى

ص: 385


1- كفاية الاصول : 205 ؛ الحجرية 1 : 141 للمتن و 1 : 142 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 205 ؛ الحجرية 1 : 141 للمتن و 1 : 142 العمود 2 للتعليقة.

يكون موردا للتكليف ، حتى لا يكون من قبيل طلب الحاصل كما لا يخفى.

فالخروج الذي يكون مستندا الى المكلف وجودا أو عدما انما يكون بعد الدخول ، ولا يكون حينئذ الاّ حسنا مأمورا به بلا سبق نهي بالنسبة اليه أصلا ، لانّ المانع على التقرير السابق هو المسبوقية به والمفروض عدمه ، فلا محذور في القول بكونه مأمورا به أزلا وأبدا. ولكن دفعه واضح كما في المتن.

303 - قوله : « ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة ».

303 - قوله : « ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة ». (1)

هذا كله بعد تسليم كون الخروج مقدمة للتخلص عن الغصب كشرب الخمر بالنسبة الى حفظ النفس ؛ وقد عرفت الفرق بينهما : بأنّ نسبة الخروج مع البقاء ليس إلاّ نسبة المضادة ، بخلاف شرب الخمر فانه مقدمة للحفظ ، فلا يجري فيه حكم المقدمة كما يجري في الشرب.

304 - قوله : « فمن ترك الاقتحام فيما يؤدي الى هلاك النفس ... الخ ».

304 - قوله : « فمن ترك الاقتحام فيما يؤدي الى هلاك النفس ... الخ ». (2)

والظاهر : انّ كلمة ( ما ) المجرورة موصولة ، وهي عبارة عن الفعل الذي يؤدي الى واحد من هلاك النفس أو شرب الخمر ، فيكون المراد انه قبل الارتكاب الى ما يؤدي الى أحدهما كان قادرا على تركهما بتركه ، مثل الافعال التسبيبية ، فهذا المقدار يكفي في صدق استناده الى المكلف وفي تعلق التكليف بتركهما قبل ذلك ، وعند مخالفته بارتكاب ما يؤدي الى أحدهما يسقط النهي عن الشرب.

إلاّ انه يبقى على ما هو عليه من المفسدة والمبغوضية السابقة وكونه موجبا لاستحقاق العقوبة ، فلا وجه لحسنه والامر المولوي به.

ولكنك عرفت عدم اعتبار الحسن الفعلي في الامر المولوي.

ص: 386


1- كفاية الاصول : 206 ؛ الحجرية 1 : 144 للمتن و 1 : 142 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 207 ؛ الحجرية 1 : 144 للمتن و 1 : 142 العمود 2 للتعليقة.

305 - قوله : « ضرورة منافاة حرمة شيء كذلك مع وجوبه في بعض الاحوال ». (1)

ولا يخفى انه لا يبتني على الترتب ، لانّ المتعلق واحد ، فهو باطل ولو على صحة الترتب.

ولا يخفى انّ المنافاة انما هو على فرض الحرمة والوجوب في زمان واحد ، وامّا مع وجود أحدهما في زمان سقوط الآخر كما في المقام فلا ، حيث انّ المضادة بين الحكمين انما هو اذا اجتمعا في زمان واحد في متعلق واحد ؛ ومع عدم الوحدة من جهة فلا تضاد.

306 - قوله : « مع عدم تعددها هاهنا ... الخ ».

306 - قوله : « مع عدم تعددها هاهنا ... الخ ». (2)

لما عرفت انّ الامر المقدّمي انما يتعلق بما هو مقدمة بالحمل الشائع. وبعبارة اخرى : بعنوانه الواقعي الذي تعلق به النهي ، لا بعنوان المقدمة.

307 - قوله : « ثم لا يخفى : انّه لا اشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع ».

307 - قوله : « ثم لا يخفى : انّه لا اشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع ». (3)

أقول : تفصيله : انه لا اشكال في الصحة على عدم اتحاد الصلاة باجزائها مع الكون الغصبي ؛ كما انه كذلك بناء على الجواز على اشكال فيه في سعة الوقت بناء على اعتبار قصد الوجه في العبادة ، حيث انه لا أمر بالصلاة الملازم مع الغصب.

لكنه لا وجه له بناء على كفاية قصد القربة ، بل ولو بناء على لزوم قصد الوجه لصحة اتيان ذاك الامر بداعي الامر بالطبيعة ؛ وكذلك على الامتناع في حال الخروج بناء على كونه مأمورا به ليس إلاّ ؛ وامّا بناء على كون الخروج منهيا عنه

ص: 387


1- كفاية الاصول : 209 ؛ الحجرية 1 : 145 للمتن و 1 : 143 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 210 ؛ الحجرية 1 : 146 للمتن و 1 : 143 العمود 1 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 210 ؛ الحجرية 1 : 146 للمتن و 1 : 143 العمود 1 للتعليقة.

فقط أو القول باجراء حكم المعصية عليه سواء قيل بتعلق الامر به كما عن الفصول (1) أو لا ، فحكم الصلاة فيه هو حكمها في غير حال الخروج كما هو واضح.

ولا فرق في ذلك بين النافلة والفريضة ، لاشتراكهما في ملاك العبادة ، فالتفصيل بينهما كما عن بعض لا وجه له.

308 - قوله : « أو مع غلبة ملاك الامر على النهي مع ضيق الوقت ».

308 - قوله : « أو مع غلبة ملاك الامر على النهي مع ضيق الوقت ». (2)

ولكنك قد عرفت انّ الوجه هو الصحة ولو فيما غلب جانب المفسدة بعد الدخول فيما لم تستلزم الصلاة تصرفا زائدا في الغصب ، لعدم التفاوت حينئذ بين ارتكاب ذات المفسدة المحضة مع ايجاد ذي المصلحة في الخارج وبين ارتكاب المشتمل على كلتيهما حتى يخفف به عقاب المفسدة الغالبة اذا أتى به بداعي ذلك.

إلاّ أن يقال : بلزوم المحبوبية الصرفة مع الاتيان بذاك الداعي في العبادة ، مع عدم كفاية غيره فيها ولو بجعل ذات المفسدة الغالبة مانعا عن صحة الصلاة وحينئذ يشكل في صورة النسيان أو الجهل ، [ فكيف ] (3) يحكم بالصحة معها ، فتدبر.

309 - قوله : « فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة وإن لم تكن مأمورا بها ».

309 - قوله : « فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة وإن لم تكن مأمورا بها ». (4)

مطلقا على ما ذكرنا ، وفي صورة غلبة المصلحة بناء على ما ذكره الاستاذ قدس سره ؛ وحكمها ينتقض فيما كان الخروج مقدمة لحفظ النفس ولو بسوء

ص: 388


1- الفصول الغروية ص 138 السطر 25.
2- كفاية الاصول : 210 ؛ الحجرية 1 : 146 للمتن و 1 : 143 العمود 1 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( كيف ).
4- كفاية الاصول : 211 ؛ الحجرية 1 : 146 للمتن و 1 : 143 العمود 1 للتعليقة.

الاختيار حيث انه اختار اجراء حكم المعصية بلا توجه أمر في البين مع حكمه بالصحة في المقام ، إلاّ أن يفرّق بين المصلحة النفسية والمصلحة الغيرية عقلا ، فيرتفع الاشكال ، فتدبر.

310 - قوله : « وإلاّ كان بين الخطابين تعارض فيقدم الاقوى منهما ».

310 - قوله : « وإلاّ كان بين الخطابين تعارض فيقدم الاقوى منهما ». (1)

هذا ، ان كان كل واحد منهما ظاهرا في الفعلية ولم يعلم الغالب منهما من الخارج فيجمع بينهما بحمل غير الاقوى على الاقتضائي والاقوى على الفعلي لو كان.

311 - قوله : « وإلاّ فلا محيص عن الانتهاء الى ما تقتضيه الاصول العملية ».

311 - قوله : « وإلاّ فلا محيص عن الانتهاء الى ما تقتضيه الاصول العملية ». (2)

ومقتضاها - في مثل الصلاة في الدار الغصبي - البراءة عن الحرمة والاشتغال بالنسبة الى الصلاة ، لكون الشك في كون المأمور به هو المطلق أو الخاص ، ولا يجري في مثله البراءة.

وتوهم : انّ اجراء قاعدة الاشتغال مع البراءة عن الحرمة ينافي العلم الاجمالي في مورد العلم بالترجيح اجمالا بالوجوب التخييري أو الحرمة.

مدفوع : بأنه لا محذور في اجراء الاصل العملي اذا لم يستلزم المخالفة القطعية.

لا يقال : انه بعد الفراغ عن عدم تأثير المفسدة الغصبية في القبح تبقى المصلحة الصلاتية في تأثيرها في الحسن بعد قصد التقرب بها بلا مزاحم.

لأنّا نقول : انه لا بد في صحة العبادة - مضافا الى قصد التقرب - [ من ] (3) احراز صلاحية حصول التقرب في المأتي به فعلا ، ومع الشك في غلبة المصلحة

ص: 389


1- كفاية الاصول : 211 ؛ الحجرية 1 : 147 للمتن و 1 : 143 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 211 ؛ الحجرية 1 : 147 للمتن و 1 : 143 العمود 2 للتعليقة.
3- في الاصل ( الى ).

على المفسدة فلم يحرز ذلك ، فالمرجع هو الاشتغال بالنسبة الى الامر بالصلاة ؛ والمانع انما يكون عقليا مزاحما مع أصل وجود المأمور به وليس من قبيل سائر الموانع الشرعية المأخوذة في المأمور به حتى يرجع فيه الى حديث الرفع ونحوه.

312 - قوله : « كما هو قضية التقييد والتخصيص ... الخ ».

312 - قوله : « كما هو قضية التقييد والتخصيص ... الخ ». (1)

ربّما يتوهم - كما عن بعض المعاصرين - بأنّ العنوانين في مورد التصادق يصيران وجودا واحدا على الامتناع ، فلا بد أن يكون له أثر واحد امّا الصلاح أو الفساد ، فاذا كانت جهة الفساد غالبة فلا بد من تقييد مورد الامر ، فكيف يكون صحيحا ولو في بعض الحالات؟ مع انّ الوجود الواحد لا يصير مصداقا لهما.

ولكنه يدفع : بأنّ العنوانين وان كانا متحدين مصداقا إلاّ انه لا امتناع في تأثيره في الصلاح من جهة وفي الفساد من جهة اخرى ، وليس بين الامرين اتحاد كما كان كذلك بين جهتي المؤثر ، فلا بأس بتحققهما. نعم قد يكون بينهما المضادة ، أو يكون كل من العنوانين مقرونا بمانع الاثر للآخر ، وحينئذ فلا بد من التقييد كما في باب التعارض.

فقد ظهر انّ توهم التقييد لا وجه له على نحو الاطلاق ، وانما الكلام في مورد احراز عدمه ثبوتا واثباتا ، فلا وجه للاشكال.

313 - قوله : « المقتضي لصحة مورد الاجتماع ... الخ ».

313 - قوله : « المقتضي لصحة مورد الاجتماع ... الخ ». (2)

صفة لقوله : « التخصيص العقلي » بعد توصيفه بقوله : « المختص » ، ويكون كل منهما مبيّنا لخصوصية من التخصيص العقلي المفارق له مع التخصيص اللفظي.

وحاصله : انّ الغالب في مورد الاجتماع لو كان هو النهي فهو ما دام كان فعليا لا يصح المورد لاسقاط الامر.

ص: 390


1- كفاية الاصول : 211 ؛ الحجرية 1 : 147 للمتن و 1 : 143 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 212 ؛ الحجرية 1 : 147 للمتن و 1 : 143 العمود 2 للتعليقة.

ولكنه اذا سقطت عنه الفعلية بوجه يصير اتيانه صالحا لاسقاطه ، ولتحصيل غرضه مع تحقق الامر لو قلنا بانشاء الاحكام على طبق الجهات الواقعية وفعليتها بفعلية الجهة ، وبدونه لو قلنا بتبعيتها للغالب من الجهات واقعا ، فانه حينئذ يصح المورد بداعي المحبوبية بدون الامر كما لا يخفى.

314 - قوله : « لكنه من الواضح انّ العموم المستفاد منهما كذلك إنما هو بحسب ما يراد من متعلقهما فيختلف سعة وضيقا ».

314 - قوله : « لكنه من الواضح انّ العموم المستفاد منهما كذلك إنما هو بحسب ما يراد من متعلقهما فيختلف سعة وضيقا ». (1)

أقول : يمكن أن يقال : بتقديم النهي ولو على تقدير تسليم كون دلالة متعلق النهي على تعيين الحقيقة المنفية في ضمن الاطلاق القسيمي مقابل التقييد بمقدمات الحكمة كدلالة متعلق الامر على ذلك ، حيث انّ الفرق انّ سريان النفي والنهي الى جميع افراد الطبيعة المطلقة استيعابا انما هو بالالتزام العقلي بحيث لا يمكن نفي تلك الطبيعة إلاّ على نحو السريان ، بخلاف الامر ، فانّ دلالته على اثبات العموم البدلي أيضا بقرينة الحكمة فيكون احتياج الامر الى مقدمات الحكمة من وجهين ، بخلاف النهي فانه يحتاج اليها من جهة واحدة ، وهذا المقدار يكفي في الاظهرية ، هذا.

مع انّ دلالة النهي عقلا على السريان يكفي في اثبات الاطلاق في المادة عرفا بلا افتقار الى مقدمات الحكمة نظير لفظ ( كل ) مثلا ، وذلك لم يستلزم المجازية على تقدير القرينة على التقييد بتعدد الدال والمدلول ، بخلاف الامر ، فانه يحتاج اليها بقول مطلق.

ولعل [ الامر بالتدبّر ] (2) في آخر كلامه اشارة الى الوجه الاول الذي ذكرنا.

ص: 391


1- كفاية الاصول : 213 ؛ الحجرية 1 : 148 للمتن و 1 : 143 العمود 2 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( التدبر ).

315 - قوله : « بل ربّما يكون العكس أولى ».

315 - قوله : « بل ربّما يكون العكس أولى ». (1)

ولا يقال : انّ المفسدة غالبة على المصلحة غالبا ، لأنه على تقدير التسليم لا يوجب إلاّ ظنا خارجيا لا يعتنى به في المشكوك.

316 - قوله : « فانّه فيما اذا دار بين الواجب والحرام ».

316 - قوله : « فانّه فيما اذا دار بين الواجب والحرام ». (2)

وبعبارة اخرى : فيما كان داعيا لترجيح المكلف في مقام العمل فيما لم يمكن له الجمع بينهما ، لا فيما كان سببا لتشريع الحكم على طبق الحسن والقبح الواقعيين التابع للراجح عقلا لا لموافقة الغرض النفساني.

ومن هنا ظهر الجواب عن مثل قوله علیه السلام : « ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ غلب الحرام على الحلال » (3) فانّ مورده المال الحلال المختلط ، لا المردد بين كونه حلالا أو حراما.

317 - قوله : « فانما يجري فيما لا يكون هناك مجال لاصالة البراءة أو الاشتغال ».

317 - قوله : « فانما يجري فيما لا يكون هناك مجال لاصالة البراءة أو الاشتغال ». (4)

وفيه : انّ مجرد نفي فعلية الحرمة بأصالة البراءة لا يكفي في صحة العبادة ، لما عرفت من اشتراطها - مضافا الى قصد التقرب - بكون الفعل صالحا للتقرب به بأن يعلم بكونه ذا مصلحة غير مزاحم بالمفسدة.

وامّا اذا علم بهما ولم يحرز الغالب منهما فلا يحرز صلاحيته ، من جهة عدم العلم بالغلبة ، وهو وان صار مجرى لاصالة البراءة إلاّ انّ اشتماله على المصلحة الغالبة أيضا مشكوك ، فلا يحرز ما هو شرط العبادة وان قصد به التقرب.

ص: 392


1- كفاية الاصول : 214 ؛ الحجرية 1 : 148 للمتن و 1 : 144 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 214 ؛ الحجرية 1 : 148 للمتن و 1 : 144 للتعليقة.
3- الموجود في المصادر هو بدون كلمة « على » ، مستدرك الوسائل 13 : 68 باب عدم جواز الانفاق من الكسب الحرام ... الخ الحديث 3. وبحار الانوار 65 : 144 ؛ وكذلك 2 : 272 كتاب العلم باب 33 الحديث 6.
4- كفاية الاصول : 214 ؛ الحجرية 1 : 148 للمتن و 1 : 144 للتعليقة.

ومن هنا ظهر ما في ما ذكره في الحاشية (1) بقوله : « وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة لو أتى به بداعي الامر المتعلق ... الخ ». وليس واحد من العبادات يكفي فيه مجرد قصد القربة مع عدم المبغوضية بلا مصلحة في البين ، فضلا عن جلّها كما لا يخفى.

318 - قوله : « فأصالة البراءة غير جارية بل كانت ... الخ ».

318 - قوله : « فأصالة البراءة غير جارية بل كانت ... الخ ». (2)

وفيه : ما عرفت انّ مجرد العلم بالمفسدة مع مقارنته بالعلم بالمصلحة غير المعلوم غلبة واحدة على الاخرى غير مانع عن أصالة البراءة ؛ واجراؤها غير مانعة الجمع مع أصالة الاشتغال أيضا.

319 - قوله : « إنما يكون لقاعدة الامكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا ».

319 - قوله : « إنما يكون لقاعدة الامكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا ». (3)

يعني لكلتا القاعدتين بطريق القضية مانعة الخلو ، فلا ينافي جريانهما معا تارة كما في ما بعد العادة ، أو خصوص القاعدة كما في أول رؤية الدم المشكوك.

320 - قوله : « أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب ».

320 - قوله : « أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب ». (4)

إلاّ انه لا يوجب التنزل الى التيمم للصلاة ، حيث انه يمكن له العلم بالصلاة مع الطهارة من الحدث والخبث فيما لو صلى بعد التوضي من الاول ثم [ يطهّر ] (5) مواضع الملاقاة منه بالاناء الثاني ثم يصلي بعد ذلك. نعم لو لم يمكن له تكرار الصلاة كان لما ذكره وجه ، فتدبر.

ص: 393


1- اي في تعليق الآخوند على كلام نفسه في الكفاية : 215.
2- كفاية الاصول : 215 ؛ الحجرية 1 : 148 للمتن و 1 : 145 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 215 ؛ الحجرية 1 : 149 للمتن و 1 : 145 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 216 ؛ الحجرية 1 : 149 للمتن و 1 : 145 للتعليقة.
5- في الاصل ( يتطهر ).

321 - قوله : « فلا مجال لاستصحابها ... الخ ».

321 - قوله : « فلا مجال لاستصحابها ... الخ ». (1)

بناء على ما هو التحقيق عنده من عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ.

322 - قوله : « الظاهر لحوق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات ».

322 - قوله : « الظاهر لحوق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات ». (2)

ولا يخفى انّ الموضوع في تعدد الاضافات انما هو العنوان المضاف لا الاضافة ، وهو واحد فلا يصير من قبيل الاجتماع ؛ وعلى تقدير دخولها فلا يكون تمام الموضوع بل المضاف داخل فيه أيضا ، فيصير تعدد الاضافة نظير القول بتعلق الحكم بالفرد الذي أشكلنا دخوله في محل النزاع ، فتدبر.

323 - قوله : « بناء على الامتناع أو عدم المقتضي لأحد الحكمين ».

323 - قوله : « بناء على الامتناع أو عدم المقتضي لأحد الحكمين ». (3)

أقول : بل خصوص الاخير لا الاول ، لأنه بناء على الامتناع لا يعامل التعارض مطلقا - ولو في مورد الجهل - بالغالب أو النسيان كما لا يخفى.

324 - قوله : « فانّ البحث فيها في انّ تعدد الجهة ».

324 - قوله : « فانّ البحث فيها في انّ تعدد الجهة ». (4)

نعم بناء على عدم الإجداء وتغليب جانب النهي تكون تلك من فروع هذه ، فالفرق بما ذكر ، لا بسائر ما ذكر في البين.

325 - قوله : « الثاني : انّه لا يخفى انّ عدّ هذه المسألة من مباحث الالفاظ ... الخ ».

325 - قوله : « الثاني : انّه لا يخفى انّ عدّ هذه المسألة من مباحث الالفاظ ... الخ ». (5)

أقول : يقع الكلام في انّ النزاع في المسألة هل هو لفظي في دلالة صيغة

ص: 394


1- كفاية الاصول : 216 ؛ الحجرية 1 : 149 للمتن و 1 : 149 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 216 ؛ الحجرية 1 : 149 للمتن و 1 : 145 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 217 ؛ الحجرية 1 : 149 للمتن و 1 : 146 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 217 ؛ الحجرية 1 : 150 للمتن و 1 : 146 للتعليقة.
5- كفاية الاصول : 217 ؛ الحجرية 1 : 150 للمتن و 1 : 146 للتعليقة.

النهي ، سواء قلنا بدلالتها على الحرمة أيضا ، أو عقلي؟ واقع في المنافاة بين الحرمة والصحة وان لم يكن لفظ في البين ، ويكون التعبير بالنهي لكونه الغالب في ورود التحريم به.

وجهان :

يشهد للثاني قول أبي حنيفة (1) بدلالة النهي على الصحة ، فانه لاجل انّ الحرمة لا تتعلق بالمقدور ولا يكون كذلك إلاّ أن يكون متعلقه صحيحا وإلاّ لكانت الحرمة متعلقة بغير المقدور وهو كما ترى.

ولكن الاقوى جعل النزاع لفظيا ، كما يشهد به ملاحظة أدلتهم وجعل الدلالة لغة في عداد الاقوال ، وتكون دعوى الملازمة بين الحرمة والفساد في العبادات من مبادئ اثبات الدلالة الالتزامية اللفظية ، ويكون اثبات الفساد باللفظ في المعاملات بحمله على الارشاد وفي العبادات بحمله على الأعم منه ومن الحرمة الذاتية ، لثبوت الفساد فيها على كلا النحوين ؛ فعلى ذلك يكون اثبات الفساد في العبادات - فيما كانت الحرمة بدليل لبّي - من باب الاستطراد.

وان أبيت إلاّ عن كون النزاع في العبادات عقليا - ولا أقل فيما اذا ثبتت الحرمة فيها بدليل لبّي - فالأولى التفصيل في محل النزاع : بين كون المنهي عنه من العبادات فالنزاع في الأعم من كون الدلالة لفظية أو عقلية ، وبين كونه من المعاملات فالنزاع من جهة دلالة اللفظ فقط.

326 - قوله : « إلاّ انّ ملاك البحث يعم التنزيهي ».

326 - قوله : « إلاّ انّ ملاك البحث يعم التنزيهي ». (2)

وهو عدم صلاحية المبغوض لأن يتقرب به اليه تعالى ، وهو يجري في غيره من النهي الغيري والتنزيهي أيضا ، لمكان عدم اجتماع الرجحان العبادي مع

ص: 395


1- منتهى الوصول والامل : 101 ؛ شرح تنقيح الفصول : 173.
2- كفاية الاصول : 218 ؛ الحجرية 1 : 150 للمتن و 1 : 147 للتعليقة.

المرجوحية بل مع الاباحة أيضا فكيف عن غيرها؟ فالنهي عنها بجميع أقسامه داخل في النزاع ، دون المعاملات ، لعدم دلالة النهي الغيري والتنزيهي فيها على الفساد بلا كلام.

ومما ذكرنا من تقرير النزاع - عقلية مرة ولفظية اخرى - ظهر انّ المراد من الاقتضاء أعم من أن يكون ثبوتيا كما في العبادات ، أو اثباتيا كما فيها أيضا وفي المعاملات.

327 - قوله : « الرابع : ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها ».

327 - قوله : « الرابع : ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها ». (1)

وقد عبّر عنه في كلمات القوم بالعبادة والمعاملة وعرّف كل منهما بتعريفات غير خالية عن الخلل ، مثل تعريف العبادة بما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء والمعاملة بما علم فيه ذلك ؛ واخرى بما في المتن وغير ذلك بما ذكر في الحد ، مع ما في كل من المناقشة.

وحيث انه ما ورد لفظهما في آية ولا في رواية ولا في معقد اجماع [ بل ] انما يكون التعبير بهما لكون كل منهما جامعا لشتات أحد قسمي متعلق النهي ، فالأولى التعبير عن كل بما لم يرد فيه خلل [ بأن ] (2) تجعل العبادة بالمعنى اللغوي و [ عند ] (3) الفرس ( پرستش ) ؛ ويكون ذلك : في بعض الافعال لازما لاصل حقيقته بحيث لا يتحقق إلاّ عباديا بالمعنى اللغوي ولو كان حراما كالسجود مثلا ؛ وفي بعض الافعال تعليقيا ، بمعنى انه لو تعلق به أمر لكان عباديا.

ويمكن أن يقال بنحو آخر : وهو انّ متعلق النهي :

يكون تارة : بحيث يتوقف حصول الاثر المرغوب منه - لو لا النهي عنه -

ص: 396


1- كفاية الاصول : 218 ؛ الحجرية 1 : 150 للمتن و 1 : 147 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( أن ).
3- في الاصل الحجري ( في ).

على اتيانه قربيا ، كما لو كان الاثر المقصود حصول القرب وسقوط القضاء والاعادة ، حيث انّ كل ذلك لا يحصل إلاّ باتيانها بقصد التقرب ، ويسمى ذلك بالعبادة.

ويكون اخرى : بحيث لا يتوقف حصول الاثر المرغوب منه على ذلك - كما في غالب الافعال - ويسمى ذلك بالمعاملة.

ويكون ثالثة : بحيث يشتمل على أثرين يتوقف حصول واحد منهما بالاتيان بداعي التقرب ولا يتوقف الآخر عليه ، كدفن الموتى مثلا ؛ فبلحاظ أثر يكون من العبادات وبلحاظ آخر من المعاملات. وان شئت قلت : يطلق عليه العبادات بالمعنى الأعم بلحاظ أثر ، والمعاملات بالمعنى الأعم بلحاظ آخر.

والظاهر جريان النزاع في دلالة النهي على الفساد في كل من الاقسام ، غاية الامر يكون القسم الثالث بلحاظ أثره القربي داخلا في النزاع في العبادات وبلحاظ أثره الاخير داخلا في النزاع في المعاملات.

ويشهد لعموم النزاع في المعاملات بالمعنى الأعم استدلال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط لعدم حصول الطهارة بالاستنجاء بالمطعوم ونحوه ، للنهي عنه في الاخبار قال : « [ و ] كلما قلنا [ انه ] لا يجوز استعماله [ في الاستنجاء اما لحرمته او لكونه نجسا إن ] (1) استعمل في ذلك ونقى به الموضع [ ينبغي ان يقول : انه لا يجزي ] لأنه منهي عنه ، والنهي [ يدل على فساد المنهي عنه (2)] ». (3)

فما توهم : من اختصاص النزاع بغير المعاملة وارجاع كلام الشيخ ذلك الى العبادات بالمعنى الأعم ، فيه ما لا يخفى ؛ مضافا الى كونه تخصيصا بلا وجه.

ص: 397


1- في الاصل الحجري ( في الخبث فان ).
2- في الاصل الحجري ( يقتضي الفساد ).
3- المبسوط 1 : 17.

328 - قوله : « أو ما لو تعلق الامر به كان امره أمرا عباديا ».

328 - قوله : « أو ما لو تعلق الامر به كان امره أمرا عباديا ». (1)

لا يخفى انّ هذين التعبيرين انما هو في العبادة بالمعنى الاخص ، وامّا بالمعنى الأعم فأعم منهما.

ثم انّ اختلاف التعبير في المعنى الاخص انما هو باختلاف الموارد ، حيث انّ قسما منها تكون عباديتها ذاتية بمعنى أن وجودها يتقوم بالخضوع والانقياد كالسجود وان لم يحصل به القرب بالفعل.

وقسم آخر ليس كذلك ، نظير الصوم فانه الامساك المخصوص ، ولا يعتبر في أصل وجوده التذلل ، ولكنه يكون بحيث لو تعلق به الامر لا يسقط أمره إلاّ بقصد التقرب.

ولما لم تكن جميع العبادات [ بالمعنى ] الاخص مثل القسم الاول ، فالأولى التعبير الثاني فانه أعم كما هو واضح. وأولى منه ما ذكرنا حتى يعم النزاع العبادي [ لغير ] (2) الاخص أيضا ، لانّ تخصيصه به يكون بلا مخصص كما لا يخفى.

329 - قوله : « لا ما أمر به لاجل التعبد به ».

329 - قوله : « لا ما أمر به لاجل التعبد به ». (3)

وجه النفي : انّ هذه التعبيرات انما توهم انّ عنوان العبادة انما يتقوم بالامر أو القرب الفعليين بحيث لولاها في فعل لما كان عبادة ، وذلك يستلزم التنافي بين عنوان العبادة والنهي كما لا يخفى ؛ فلاجل ذلك انما عدل عن مثل هذه التعبيرات الى ما ذكرنا.

ص: 398


1- كفاية الاصول : 219 ؛ الحجرية 1 : 150 للمتن و 1 : 149 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( بغير ).
3- كفاية الاصول : 219 ؛ الحجرية 1 : 150 للمتن و 1 : 149 للتعليقة.

330 - قوله : « بأن يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الاثر ».

330 - قوله : « بأن يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الاثر ». (1)

في هذه العبارة إيماء الى ما ذكرنا من انّ الأولى [ أنّ ] تميّز كل من العبادة والمعاملة عن الآخر انما هو بملاحظة الاثر.

ثم انّ تخصيص محل النزاع بما كان يتصف بالصحة والفساد واضح ، حيث انّ ما لا يتصف بهما وان كان تترتب عليه الآثار الشرعية كلما وجد كالغصب الموجب للضمان ونحوه ، لا يتصور فيه النزاع في المقام كعدم الفساد فيه كي ينازع فيه.

ثم ما ذكرنا من اعتبار الاتصاف بهما على الأعمي فواضح ؛ وامّا على الصحيحي فلا بد من المسامحة في الفاسد بجعله صورة العبادة - التي تترتب عليه الآثار التي يفسد معها - حقيقة واحدة بنظر العرف كما لا يخفى.

331 - قوله : « عقدا كان أو ايقاعا أو غيرهما ، فافهم ».

331 - قوله : « عقدا كان أو ايقاعا أو غيرهما ، فافهم ». (2)

لعله اشارة : الى انه لا وجه لتخصيص الشيء في العنوان بالعبادة بالمعنى الذي ذكره سابقا ، لما عرفت من اشتمال بعض الاشياء على أثرين يدخل بملاحظة واحد منهما في العبادة وبملاحظة الآخر في المعاملات ، بحيث لا يصير داخلا في الاخير بلحاظ أثره الاول ، فالأولى ارادة المعنى العام.

ثم انه بناء على ما ذكرنا تكون النسبة بين العبادة والمعاملة عموما من وجه بخلاف ما ذكره قدس سره فانّ النسبة - بناء عليه - هي التبادر ، فتدبر.

332 - قوله : « فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر ، وفاسدا بحسب آخر ».

332 - قوله : « فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر ، وفاسدا بحسب آخر ». (3)

ص: 399


1- كفاية الاصول : 219 ؛ الحجرية 1 : 151 للمتن و 1 : 150 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 220 ؛ الحجرية 1 : 151 للمتن و 1 : 150 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 220 ؛ الحجرية 1 : 151 للمتن و 1 : 150 للتعليقة.

كما في القسم الثالث الذي ذكرنا ، فانه يتصف :

بالفساد ، بالنسبة الى أثره القربي اذا لم يؤت به بداعي القربة.

وبالصحة ، بالنسبة الى أثره المعاملي اذا اتي به مشتملا على جميع ما اعتبر في ترتبه عليه جزءا أو شرطا.

وامّا فيما يختلفان بالنسبة الى شخصين بالنسبة الى أثر واحد كما في العبادات بالامر الظاهري ، ملحوظة بالنسبة الى الامر الواقعي على الخلاف في الاجزاء وعدمه ، وكما في المعاملات بالنسبة الى [ العقد ] (1) الفارسي مثلا على الخلاف في صحتها وفسادها. بل ربّما يختلفان كذلك بالنسبة الى شخص واحد باختلاف نظريه.

333 - قوله : « ومن هنا صح أن يقال : انّ الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف ».

333 - قوله : « ومن هنا صح أن يقال : انّ الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف ». (2)

هذا اشارة الى انه وان فسّرت الصحة عند المتكلم بموافقة الامر أو موافقة الشريعة ، وعند الفقهاء باسقاط التعبد به ثابتا ، أعم من القضاء والاعادة فيما كان له شأنية الثبوت ، لا أن يكون ثابتا بالفعل كي يرد النقض بصحيح العيدين مثلا ؛ إلاّ انه لا يكشف عن اصطلاح خاص في معنى الصحة والفساد ، بل تعبير كل بما ذكره انما هو بملاحظة ما هو المهم من الاثر عنده.

ثم انّ هذين التفسيرين يكونان متلازمين في المأتي به بالامر الواقعي ، بل وفي كل أمر بالنسبة الى نفسه لحصول موافقة الامر وسقوط القضاء والاعادة بالنسبة الى نفس الامر بالمأتي به. وامّا الامر الاضطراري والظاهري بالنسبة الى الامر الواقعي فعل القول بالاجزاء وتعميم الامر في تفسير المتكلمين بالنسبة الى

ص: 400


1- في الاصل الحجري ( القصد ).
2- كفاية الاصول : 220 ؛ الحجرية 1 : 151 للمتن و 1 : 151 للتعليقة.

كل أمر فكذلك يتلازمان أيضا ؛ وامّا على القول بالعدم فالصحة عند المتكلم تكون أعم منه عند الفقيه ، كما انهما يتعاكسان في العموم والخصوص بناء على الاجزاء وتخصيص الامر في تفسير المتكلم بالامر الواقعي كما لا يخفى.

ثم انّ هذا كله في صحة العبادة ؛ وامّا في المعاملات فهي عند الكل عبارة عن كونها بحيث يترتب عليها آثارها المرغوبة منها ، من جهة اشتمالها على جميع ما يعتبر في ترتبها عليها من الاجزاء والشرائط.

ويظهر من تعريف الصحة تعريف الفساد أيضا لكونه عدم الملكة بالنسبة اليها.

334 - قوله : « تنبيه : وهو انّه لا شبهة في أنّ الصحة والفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان ».

334 - قوله : « تنبيه : وهو انّه لا شبهة في أنّ الصحة والفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان ». (1)

قد وقع النزاع في انّ الصحة والفساد قابلان للجعل الشرعي أم لا؟

فنقول :

امّا الصحة في العبادات عند المتكلم فليست بحكم حتى يكون مجعولا ، حيث انّ موافقة الامر عنوان ينتزع عن المأتي به مطابقا للمأمور به ، بلا حاجة الى جعل ، بل ولا قابلية له أصلا ؛ وامّا عند الفقيه ففي المأتي به بكل أمر بالنسبة اليه يكون من الاحكام المستقلة العقلية غير المجعولة بنفسها من قبل الشارع. نعم يكون موضوعها - وهو نفس الامر - مجعولا منه.

امّا الامر الاضطراري والظاهري بالنسبة الى الامر الواقعي فيمكن أن يكون قابلا للجعل كما لو اشتمل على مقدار من مصلحة الواقع ، فحينئذ يكون المقتضي للقضاء موجودا إلاّ انه يرفعه الشارع بجعل متابعة الامر الظاهري مانعا عن ايجابه ،

ص: 401


1- كفاية الاصول : 221 ؛ الحجرية 1 : 151 للمتن و 1 : 151 للتعليقة.

للتسهيل على العباد ، كما انه يمكن أن يجعله لاستدراك باقي المصلحة. نعم لو اشتمل الامر الظاهري على تمام المصلحة لكان للقول بعدم مجعوليته وجه ؛ ولكنه لا يتم باطلاقه.

وتوهم : كون الاستدراك مع مصلحة التسهيل في الصورة الاولى علة تامة للسقوط ، فليست الصحة مجعولة أصلا.

مدفوع : بأنّ مجرد الحكمة لتشريع السقوط لا يكون دليلا على امتناع الجعل بعد امكان جعل الاثبات بمقتضيه ؛ وامّا مصلحة الجعل فلا محيص عنه في فعل الشارع مطلقا ، كما في نفس الاحكام التكليفية.

وامّا الصحة في المعاملات بمعنى جعلها بحيث يترتب عليها الآثار ، فهي قابلة للجعل بتشريع المعاملة تأسيسا وامضاء.

وتوهم : انّ جعل الصحة بهذا المعنى يكون راجعا الى جعل سببية المعاملة للملكية مثلا ، وقد قرر في غير المقام بعدم قابليته في مثل السببية للجعل أصلا ، أصالة وتبعا.

مدفوع :

أولا : بأنّ هذا مسلّم لو كانت نفس المعاملة بعد هذا الجعل سببا بعد ما لم يكن كذلك ، بل السبب نفس جعل الشارع متعلقا بهذه المعاملة ؛ وفرق بين كون المعاملة بنفسها سببا بعد الجعل ، وبين كونها بانضمام جعل الشارع سببا للملكية كما لا يخفى.

وثانيا : نقول : لا بأس بجعل السببية في المقام لانّ ما ثبت امتناع الجعل بالنسبة اليه هو السببية في الاسباب الواقعية المؤثرات في الخارج الناشئة

ص: 402

[ عن ] (1) الارتباط الواقعي بينها وبين مسبباتها ، دون الاسباب في الامور الاعتبارية الناشئة من اعتبار من بيده الجعل مع المصلحة فيه ، كما في المقام.

وثالثا : نلتزم بأنّ جعل السببية للمعاملة كناية عن جعل الملكية مثلا عند المعاملة ابتداء ، ولا جعل للسببية أصلا.

ثم انّ ما ذكرنا من المجعولية وعدمها انما هو بالنسبة الى الكلي ، وامّا بالنسبة الى المصاديق فليست الصحة في جميعها مجعولة أصلا ، بل يكون تبعا للتطبيق العقلي كما لا يخفى.

تنبيه : قد اعتبر المحقق القمّي (2) في محل النزاع وجود ما يقتضي الصحة لو لا النهي بحيث لو احرز عدم دلالة النهي على الفساد نقول بها ، وإلاّ فمع عدم ما يقتضيها فأصالة الفساد محكّمة ، فلا ثمرة في النزاع.

وقد أورد عليه في التقريرات (3) [ بعدم ] (4) تماميته على الاطلاق ، بل انما يتم في العبادات فقط لعدم معقولية العبادة بدون الامر ؛ وامّا في المعاملات فلا دليل على تخصيص النزاع بما له جهة صحة.

وثمرة النزاع فيها اثبات الفساد بالدليل الاجتهادي ، فيترتب عليه ما يترتب على الدليل الاجتهادي من المعارضة على الدليل المقابل لو كان ، وغيره.

ولا يخفى انّ ما أورد عليه في المعاملات في محله ، ولكن قبوله في العبادات في غير محله ، حيث انه يصح ورود النهي فيها أيضا بعد توهم الصحة والامر ، بل مع عدم الامر يقينا ، كما اذا كان الامر والنهي في أول الشريعة بلا سبق ما يقتضي

ص: 403


1- في الاصل ( على ).
2- القوانين المحكمة 1 : 160 السطر 7.
3- مطارح الانظار : 160 السطر الاخير الى ص 161 السطر 3 ، والطبعة الحديثة 1 : 739.
4- في الاصل الحجري ( بعد ).

الصحة ابتداء كما لو أمر ابتداء بصوم غير العيدين ونهى عن صومهما في كل مقام يقطع بعدم الامر واقعا ؛ وما يتوهم منه قبله مجرد صورة لا واقعية له.

نعم لا بد فيما لم يكن أمر في البين من احراز كون المنهي عنه عبادة ، بمعنى انه لو تعلق به أمر لا يسقط إلاّ أن يأتي به قربيّا كي يكون من العبادات المنهي عنها ، وذلك امّا بعدم ورود الامر على سنخ المنهي عنه عبادة أو كون اختراعه للتعبد به ، لا أن يكون لمجرد كونه من الامور [ العبادية ] (1) في أثر.

335 - قوله : « السابع : لا يخفى انّه لا أصل في المسألة يعوّل عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد ».

335 - قوله : « السابع : لا يخفى انّه لا أصل في المسألة يعوّل عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد ». (2)

يعني لا أصل تثبت به المسألة الاصولية وهو الدلالة على الفساد وعدمه ؛ فما هو المعروف في المقام من كون الاصل في العبادات والمعاملات - بعد الشك في صحتها وفسادها - هو الفساد فمع عدم تماميته على الاطلاق - كما نشير اليه [ قريبا ] - (3) يكون أصلا في المسألة الفرعية ، لا الاصولية.

وامّا الاصل المتوهم في المقام بحيث يكون مثبتا لدلالة النهي ، فلا يصح جريانه :

امّا أولا : فلانّ دلالة اللفظ على المعنى - بمعنى ظهورها فيه الذي لازمه انسباق المعنى منه الى الذهن - من الامور الوجدانية التي تكون مقطوعة العدم بمجرد عدم احرازها ، فلا يبقى مثلها - بعد عدم احرازها - موردا للاصل.

فان قلت : انّ الدلالة من صفات الالفاظ الثابتة لها عند العرف ، فقد يشك في واقعها فيحتاج في نفيها الى الاصل ، ولذلك قد ترى الاصوليين قد

ص: 404


1- في الاصل الحجري ( العادية ).
2- كفاية الاصول : 222 ؛ الحجرية 1 : 152 للمتن و 1 : 154 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( آنفا ).

[ تنازعوا ] (1) في دلالة الصيغة على الوجوب مثلا ، وفي دلالة الامر عقيب الحظر على الاباحة وعدمها ؛ وذلك يكشف عن عدم كونها نظير الامور الوجدانية غير القابلة للشك أصلا.

قلت : انّ المسلّم أنّ الدلالة من الامور الاضافية التي قد توجد لشخص وتفقد لآخر ، إلاّ انّ أحدا من أهل العرف واللسان لو شك ابتداء في ثبوت دلالة اللفظ عندهم مع كونه منهم فبمجرد التأمل والمراجعة الى وجدانه - مع عدم احرازها - يقطع بعدمها عندهم بلا احتياج الى الاصل. وإن أبيت إلاّ عن شكه بثبوتها عندهم فلا أقل من قطعه بعدمها عنده - لو كان هو المخاطب بخطاب النهي - فلا يحتاج بالنسبة الى نفسه الى الاصل.

وامّا ما ترى من النزاع في دلالة صيغة الامر على الوجوب وعلى الاباحة لو وقعت عقيب الحظر فلا ينافي ما ذكرنا من عدم كونها قابلة للنزاع ، لانّ النزاع في مثل المذكورات انما هو في ثبوت الوضع أو وجود القرينة ، لا في نفس الدلالة.

نعم قد يتوهم مما ذكر - في الشك في الدلالة - في رفع الدور في مسألة التبادر : من كون الانسباق عند أهل اللسان ناشئا عن علمه الارتكازي بالوضع ، ولكنه قد يشك في ثبوت هذا العلم الارتكازي فيحتاج العلم به تفصيلا الى إعمال التبادر ، وحيث انّ ظهور اللفظ بنفسه عند أحد - مع عدم التفصيلي له بالوضع - يكون مستندا الى العلم الارتكازي ، فيدور معه وجودا وعدما ويكون الشك فيه موجبا للشك فيه ، فيثبت الشك في الدلالة.

ولكنه يدفع : بأنّ مثل هذا الشك - على تقدير التسليم - انما كان بدويا زائلا

ص: 405


1- في الاصل الحجري ( نازعوا ).

بعد التأمل بلا أصل في البين.

وامّا ثانيا : فعلى تقدير التسليم [ لا ] (1) يجدي في اجراء الاصل فيها أيضا ، لعدم صحته من جهة اخرى ، لانّ النزاع :

إن كان في دلالة النهي على الفساد من جهة دعوى الملازمة بين الحرمة وبينه كما في العبادات - بعد الفراغ عن دلالته على الحرمة - فلا مجرى فيها للاصل ، لعدم سبقها بالعدم بمفاد كان الناقصة ، و [ أمّا ] بمفاد كان التامة [ فلا ] (2) أثر له إلاّ بالمثبت.

وان كان في أصل دلالته على الفساد ، بدعوى ظهورها في الارشاد بقرينة عامة صارفة عن ظهوره الاصلي - بعد الفراغ عن عدم الملازمة المذكورة - وهي غلبة كون النهي في المعاملات لذلك بحيث صار ظاهرا فيه كما في ظهور الامر عقيب الحظر في الاباحة ، للقطع بعدم قرينة فيهما غيرهما وحينئذ يكون الشك في قرينية الشيء الموجود ، وحيث أنه لا حالة سابقة له فلا تجري أصالة عدم القرينة له ؛ وأمّا أصالة الظهور نوعا في معناه الاصلي - وهو ظهور الحرمة عند العقلاء - فهي محكّمة ، فلا يثبت الفساد أيضا.

هذا كله في جريان الاصل في نفس المسألة الاصولية.

وأمّا الاصل في المسألة الفرعية بعد الفراغ عن عدم جريانه فيها :

فامّا في المعاملات بعد الشك في تأثير المعاملة الواقعية للملكية مثلا : فأصالة عدم تحقق سببية هذه المعاملة فعلا - بناء على كون السببية مجعولة - لا بأس بها ، حيث أنّ تأثيرها لم يكن قبل تحققها متحققا ، فيشك في تحققها بعده فيستصحب عدمه بمفاد كان التامة ، بل تجري أصالة عدم جعل السببية من قبل

ص: 406


1- في الاصل الحجري ( فلا ).
2- في الاصل الحجري ( لا ).

الشارع.

وإن أبيت إلاّ عن عدم كون السببية مجعولة فأصالة عدم تحقق سبب أصلا للملكية لا بأس بها أيضا ؛ ومع رفع اليد عنها فأصالة عدم حصول الملكية محكّمة.

وأمّا في العبادات : فالشك في صحة عبادة وفسادها على أنحاء ، حيث أنّ الشك في صحة عبادة :

امّا أن يكون من جهة الشك في ثبوت المقتضي للامر به وعدمه فحينئذ فأصالة عدم الامر وعدم المقتضي له يقضي بعدم عباديته. مضافا الى أنّ الشك في المقتضي للعبادية كاف في عدم جواز اتيانه عبادة. نعم يمكن أن يؤتى برجاء كونه عبادة باحتمال كونه راجحا في الواقع.

وتوهم : انه يدور الامر حينئذ بين المحبوبية والمبغوضية فيه واقعا.

مدفوع : بأنّ احتمال كونه مبغوضا مثلا وذا مفسدة واقعا لا [ يتنافى ] (1) مع اتيانه برجاء المحبوبية ، وانما المنافي المبغوضية الفعلية ، وهو مقطوع العدم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وأمّا أن يكون من جهة الشك في المانع وهو على قسمين :

أحدهما : أن يكون المانع المشكوك على تقدير وجوده رافعا للامر عن الممنوع من جهة كونه أهم بلا مزاحمة له في أصل مصلحته ومحبوبيته ، بل هو على ما كان عليه من المصلحة والمحبوبية ، إلاّ أنه لا أمر به فعلا ، للابتلاء بالمزاحم الأهم.

ولا يخفى أنّ هذا القسم من المانع لا ترتفع ما به عبادية الممنوع حيث أنّ المشكوك منه لا يزيد على المتيقن ؛ ومن المعلوم صحة الاتيان به عبادة مع المزاحم

ص: 407


1- في الاصل الحجري ( ينافي ).

المتيقن على ما تقرر في كفاية الرجحان في العبادة بلا [ افتقار ] (1) الى الامر.

وثانيهما : أن يكون المانع على تقدير وجوده موجبا لزوال الرجحان عن الممنوع وخروجه عن المحبوبية : أمّا لزوال [ مصلحته ] (2) بالمفسدة الغالبة ، أو لخروجه عن قابلية تأثيره في المطلوبية ، وحينئذ :

فان كان المانع المشكوك من قبيل ما يوجب زوال المصلحة ، فلا اشكال في كونه من قبيل القسم الاول الكافي في عدم جواز اتيانه عبادة بمجرد الشك في المقتضي.

وأمّا ان كان من قبيل ما يوجب زوال تأثيره وحينئذ :

فان قلنا : بعدم التزاحم بين الجهات في مقام اقتضائها لانشاء الحكم على طبقها واقعا - وانما التزاحم في مقام التأثير في فعلية الحكم وهو فيما اذا حصل العلم بها والالتفات اليها - فيكون من القسم الاول من المانع فيصح اتيان المشكوك عبادة ، للقطع بالمقتضي واحراز عدم المانع يقينا ، حيث أنّ المانع هو المفسدة الملتفت اليها المؤثرة في فعلية الحكم وحيث انها على تقدير وجودها لم يلتفت اليها فيما نحن فيه ، فيقطع بعدم فعليتها بمقتضى قبح العقاب بلا بيان بل [ بمقتضى ] (3) البراءة الشرعية.

والحاصل : أنّ الامر بمقتضى المصلحة بعد عدم العلم بالمفسدة يكون حينئذ فعليا بلا اشكال.

وأمّا ان قلنا : بتزاحمها في مقام التأثير في انشاء الحكم واقعا بحيث يكون

ص: 408


1- في الاصل الحجري ( اقتصار ).
2- في الاصل الحجري ( مصلحة ).
3- في الاصل الحجري ( مقتضى ).

الحكم الواقعي على طبق أقوى الجهتين [ فبمجرد ] (1) الشك في وجود المفسدة الغالبة لا يعلم بتحقق تمام المقتضي للامر ، فيكون نظير الشك في المقتضي الموجب للشك في العبادية ؛ والفرض أنّ مزاحمته حينئذ بوجودها الواقعي لا بوجودها الفعلي كي يقطع بالعدم بمجرد عدم العلم بها.

وأصالة عدم المانع لا تجدي لاثبات الامر ، لعدم كونه من الآثار الشرعية لعدم المفسدة الغالبة بل هو بالنسبة اليه من آثاره العقلية ؛ وأمّا صحة التقرب فبطريق أولى.

هذا ما قرره الاستاذ دام ظله في درسه في هذا المقام.

ولكن مقتضى التحقيق الذي ذكره - في مبحث اجتماع الامر والنهي (2) من كفاية حصول المصلحة فيما أتى بالفعل بداعي حصولها ، مع عدم فعلية المفسدة الغالبة في اسقاط الامر ولو قلنا بتأثير أقوى الجهتين في الحكم الواقعي في المقام وسقوط الامر فيما أتى به بداعي حصول المصلحة ، مع عدم العلم بالمفسدة ولو كانت غالبة - فيما لم تضمحل المصلحة ، دون ما اذا اضمحلت كما هو واضح.

إلاّ أن يقال : أنّ المفروض في تلك فيما اذا أحرزت المصلحة غير المضمحلة بحسب الواقع ، فبمجرد عدم فعلية المفسدة تكفي المصلحة في اسقاط الامر ، وهاهنا لم يحرز وجود المصلحة كذلك فتأمل.

هذا كله مقتضى الاصل فيما لم يكن أمر في البين.

وأمّا اذا كان هناك أمر فيكون الشك :

تارة : في كون المشكوك عبادة من افراد المأمور به أم لا؟ من جهة دوران عنوان المأمور به بين كونه عنوانا خاصا مغايرا للمشكوك أو عنوانا عاما شاملا له ،

ص: 409


1- في الاصل الحجري ( فمجرد ).
2- كفاية الاصول : 198 ؛ والفوائد المطبوعة حجريا في ذيل حاشية الآخوند على الرسائل : 346.

مثل ما اذا شك في تعلق الامر ب- ( زيد ) أو ب- ( الرجل ) الشامل ل- ( عمرو ) مثلا حيث أنه من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير ؛ فالاقوى أنه لا أصل في البين يعيّن كون المشكوك مأمورا به أم لا ، لا عقلا ولا نقلا كما حقق في مسألة البراءة.

ويكون اخرى : من جهة الشك في كون المشكوك مشتملا على جميع ما اعتبر في المأمور به شرطا أو جزءا ، كما في دوران الامر بين الاقل والاكثر بعد العلم بتعلق الامر بالطبيعة المركبة ؛ ويتوقف كون الاقل من افراد المأمور به على البراءة عقلا أو نقلا في تلك المسألة.

ولكنه على البراءة العقلية : لا تثبت الصحة بالمعنى الذي عند المتكلم وهو موافقة الامر ، لعدم العلم بكون الامر النفسي متعلقا بالاقل ؛ وأمّا بمعنى اسقاط الاعادة والقضاء فتثبت الصحة ما لم ينكشف الخلاف ، وأمّا بعده فلا. ولكنه يمكن اثبات القضاء قبل انكشاف الخلاف أيضا بمقتضى « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت » (1) لو قلنا بكون الفوت هو مجرد عدم الاتيان في الوقت حيث أنه يمكن اثباته بالاصل ، بخلاف ما لو قلنا بكونه أمرا وجوديا.

وأمّا على البراءة النقلية : فيدور اثبات الصحة بكلا المعنيين - ولو بعد كشف الخلاف - على تحكيم أدلة البراءة من حديث الرفع وغيره على أدلة الاجزاء والشرائط الواقعية ، حيث أنه :

بناء على حكومته عليها يكون المكلف به بالنسبة الى الجاهل بها هو الاقل

ص: 410


1- العبارة الصحيحة هي : « ... كما فاتته ». ومع ذلك فهي ليست بعبارة الرواية ، بل هو بيان من المجلسي رحمه اللّه في البحار 89 : 92 عند قوله : « السابر. .. ». والتعبير الصحيح للرواية هو : « ... يقضي ما فاته كما فاته ... الخ » ، تهذيب الاحكام 3 : 162 باب احكام فوائت الصلاة ، الحديث 11.

بلا أمر بغيره ، فيصدق على فعله الصحة بمعنى اسقاط [ الاعادة ] (1) والقضاء بمعنى موافقة الامر أيضا.

وامّا بناء على عدم التحكيم فالصحة بمعنى موافقة الامر واقعا منتفية بعدم الامر الواقعي بالنسبة الى المأتي به بعد كشف الخلاف. نعم لا بأس بالقول به ظاهرا قبله ؛ وأمّا بمعنى اسقاط الاتيان به ثانيا فلا بأس بها قبل كشف الخلاف ، وأمّا بعده فيبتني على أخذ فوت الفريضة - في دليل القضاء العيني - فوت مصلحتها مع التزام التدارك بالامر الظاهري مطلقا ؛ وبدون واحد منهما فلا صحة بهذا المعنى أيضا كما لا يخفى.

336 - قوله : « أو وصفها الملازم لها ... الخ ».

336 - قوله : « أو وصفها الملازم لها ... الخ ». (2)

ولا يخفى أنّ الملازمة لو كانت بمعنى عدم امكان انفكاك الجهر أو الاخفات عن قراءة خاصة فلا ريب في بطلانه لوضوح انفكاك كل منهما عنها بل عن مطلق القراءة كما لا يخفى.

نعم لو كانت بمعنى أن كلا منهما صفة ، بل متحد الوجود معها ، بل وجود خاص منها فلا اشكال في صحته ؛ وبهذا يفترق عن الوصف المقارن ولو بناء على الجواز.

337 - قوله : « وكذا القسم الثاني بلحاظ انّ جزء العبادة عبادة ».

337 - قوله : « وكذا القسم الثاني بلحاظ انّ جزء العبادة عبادة ». (3)

فيفسد بناء على التحقيق فيها من الفساد ؛ وأمّا فساد الكل بفساده من حيث هو فلا.

نعم قد يذهب اليه لو لم يتدارك الجزء بعده ، وعلى تقدير التدارك أيضا من

ص: 411


1- في الاصل الحجري ( العبادة ).
2- كفاية الاصول : 222 ؛ الحجرية 1 : 152 للمتن و 1 : 157 العمود 1 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 223 ؛ الحجرية 1 : 152 للمتن و 1 : 157 العمود 1 للتعليقة.

حيث القران بين السورتين المانع عن صحة العبادة ، أو من جهة الزيادة في الفريضة ان قلنا بشمولها لمثل هذه الزيادة.

338 - قوله : « وأمّا القسم الثالث : فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة ».

338 - قوله : « وأمّا القسم الثالث : فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة ». (1)

أقول : لا اشكال في عدم سراية النهي عن الشرط - بما هو كذلك - الى المشروط ؛ ولا في عدم لزوم اجتماع الامر والنهي في نفس الشرط أيضا.

أمّا الاول : فلخروج الشرط عن المشروط وهو الصلاة ، حيث أنّها عبارة عن الافعال والحركات الخاصة من القيام والركوع وغيرها ؛ ولا اشكال في خروج الصوم عنها كما هو واضح.

فان قلت : انّ المأمور به بالامر النفسي ليس مجموع تلك الافعال والحركات بوجوداتها المطلقة بل بوجوداتها الملحوظة معها الشرط ، فيكون الشرط حينئذ نظير الاجزاء في كونه داخلا في المجموع الذي تعلق به الامر النفسي ، فيسري النهي [ من ] (2) الشرط الى المأمور به.

قلت : هب انّ المأمور به ليس نفس مجموع الاجزاء بوجوداتها المطلقة بل [ بوجوداتها ] (3) الخاصة ، إلاّ أنه لا يجدي في ترشح الامر النفسي الى الشرط أيضا ، حيث أنّ المأمور به حينئذ تلك الوجودات الخاصة المقترنة بالشرط بحيث يكون الشرط خارجا عنها. نعم تقيدها به وان كان داخلا إلاّ أنّ التقييد من الاجزاء الذهنية وليس من مقولة الفعل الخارجي كي يتعلق به الامر.

كما أنه ليس بمنهي عنه بالنهي عن الشرط وان كان معلولا له في الحصول ،

ص: 412


1- كفاية الاصول : 223 ؛ الحجرية 1 : 152 للمتن و 1 : 157 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( عن ).
3- في الاصل الحجري ( وجوداتها ).

لعدم سراية النهي من العلة الى المعلول وان قلنا بالسراية في طرف العكس. فقد ظهر أنّ النهي عن الشرط لا يسري الى المشروط بناء على عدم تعلق الامر بتقيده به ، بل وكذلك بناء عليه كما لا يخفى.

وأمّا [ الثاني : وهو ] عدم لزوم اجتماع الامر والنهي - ولو قلنا بوجوب المقدمة - فلتوجه الامر الغيري الى المقدمات المباحة دون المحرمة وان كان يحصل منها الغرض وهو التوصل الى ذي المقدمة كما حقق في محله.

ثم انّ عدم سراية النهي عن الجزء والشرط [ الى ] (1) الخارج الذي ظرفه العبادة بما هي كذلك اليها [ هو ] فيما لم يستفد منه مانعيتها لها ؛ وامّا بناء عليه فلا اشكال في الفساد.

339 - قوله : « كما في القسم الخامس فانّ النهي عنه لا يسري الى الموصوف ».

339 - قوله : « كما في القسم الخامس فانّ النهي عنه لا يسري الى الموصوف ». (2)

ولا يخفى أنه ان لم تكن مندوحة في البين فلا اشكال في ارتفاع الامر إلاّ على تقدير غلبة المصلحة على المفسدة فيرتفع النهي ؛ ومعها فيبتنى على مسألة اجتماع الامر والنهي على الاختلاف.

340 - قوله : « الاول : في العبادات فنقول : وعلى اللّه الاتكال : أنّ النهي المتعلق بالعبادة ».

340 - قوله : « الاول : في العبادات فنقول : وعلى اللّه الاتكال : أنّ النهي المتعلق بالعبادة ». (3)

لا يخفى أنّ النهي في هذه الصورة يمكن أن يكون ارشادا الى فسادها لفقدانها لما يعتبر في صحتها جزءا أو شرطا ، وكونه كذلك : امّا باستعماله في مجرد طلب الترك انشاء بداعي الارشاد بلا لزوم مجاز كما لا يخفى ، أو بداعي الحرمة

ص: 413


1- في الاصل الحجري ( أو ).
2- كفاية الاصول : 223 ؛ الحجرية 1 : 153 للمتن و 1 : 157 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 224 ؛ الحجرية 1 : 153 للمتن و 1 : 157 العمود 2 للتعليقة.

المولوية المتعلقة بملتزماتها تشريعا ؛ ويستكشف حينئذ بطريق الإن نقصانها جزءا أو شرطا ان يكون ... (1) لحرمته الذاتية ... (2) بمفسدة ذاتية في العبادة.

341 - قوله : « لا يقال : هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة ».

341 - قوله : « لا يقال : هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة ». (3)

... (4) وان كانت العبارة قاصرة في الجملة ، انّ العبادة متوقفة على المقربية الفعلية التي لا تكون إلاّ بالامر الناشئ من المصلحة الذاتية في الشيء ، فلا يعقل أن يكون مبغوضة ذاتا ؛ ومع عدم الامر وملاكه فلا يمكن أن يؤتى به عبادة بداعي الامر إلاّ على نحو التشريع ، ومعه فيكون حرمته من جهة التشريع الناشئ من اتيان غير العبادة عبادة ، حيث انّ المحرّم من العبادات كالصلاة في أيام الاقراء لو اتي بها بغير قصد القربة لداع آخر من التعليم وغيره لا تكون محرّمة واذا انضمت اليها القربة تكون محرمة ، فيكشف عن أنّ المحرّم هو استنادها الى الشارع مع عدم الاستناد اليه واقعا ، ومع الحرمة التشريعية فلو كان حراما ذاتا أيضا يلزم اجتماع المثلين وهو محال.

ولكن التحقيق : انه لا مانع من الحرمة الذاتية في العبادة :

امّا اولا : فلانّ العبادة غير متوقفة على الامر بل تكون بعض الافعال كذلك ولو لم يكن في البين أمر ، حيث انها من ذاتيات بعض الافعال بحيث لا توجد في الخارج إلاّ عبادة كالتعظيم والتذلل والتخضع في الركوع والسجود - بناء على كونهما من العناوين التي لا تتحقق بدون القصد - وكما في الالتزام كما في النذر ، فالعبادية في مثلها لا تتوقف على الامر بل لا تقع موجودة في الخارج إلاّ عبادة ؛ وفي بعض آخر معنى العبادة تعليقية ، بمعنى انه لو تعلق به أمر لكان أمرا عباديا ، وهو لا ينافي

ص: 414


1- ( 1 و 2 و 4 ) كلمات غير واضحة في الاصل الحجري ، لتلف في هذا الموضع.
2- ( 1 و 2 و 4 ) كلمات غير واضحة في الاصل الحجري ، لتلف في هذا الموضع.
3- كفاية الاصول : 224 ؛ الحجرية 1 : 153 للمتن و 1 : 157 العمود 2 للتعليقة.
4- ( 1 و 2 و 4 ) كلمات غير واضحة في الاصل الحجري ، لتلف في هذا الموضع.

كونه حراما ذاتا بالفعل ولو لم يؤت بداعي الامر.

وثانيا : انّ الجمع بين الحرمة الذاتية مع التشريعية لا يكون جمعا بين المثلين ، لتعلق أحدهما بالفعل الخارجي والآخر بالجانحي.

وثالثا : انّ المصالح والمفاسد ليستا من ذاتيات الافعال كي لا تتخلفا عنها بالوجوه والاعتبار ، فقد يكون الفعل ذا مصلحة لعروض جهة اعتبارية من صدورها من شخص دون آخر وفي حال دون آخر ، ويصير ذا مفسدة بصدوره عن شخص آخر أو من ذاك الشخص في حال آخر كما في العبادات التي تقع رياء - بناء على كون الرياء من قبيل الداعي الى داعي - فانّ العبادة معه بداعي الرياء تكون بنفسها مبغوضة ومحرّمة مع عدم قصور في المتعلق جزءا أو شرطا بناء على عدم اخذ الخصوصيات المتوقفة على الامر في المأمور به وجودا أو عدما ، ومع ذلك تكون فاسدة ومبغوضة لاجل نقصان في كيفية الاطاعة فهو عبادة بقصد الامر الشرعي لا التشريعي ومحرّمة.

والحاصل : أنه لا اشكال في الحرمة الذاتية في العبادات ، وكون المحرّمات منها من هذا القبيل.

ثم انه لو قامت قرينة على كون النهي في العبادات لواحد منهما فلا اشكال ومع عدمهما فهل الاصل كونه للحرمة الذاتية أو تشريعا؟

من أصالة الظهور ، ومن كون النهي عقيب الامر أو توهمه نظير الامر عقيب الحظر في عدم الظهور في الحرمة ، بل في مجرد الارشاد الى الفساد ، لعدم اشتمال المنهي عنه على مصلحة العبادة فتكون حرمتها تشريعية ؛ وجهان ؛ الاظهر هو الثاني.

وان أبيت إلاّ عن ظهورها في الحرمة الذاتية فلا أقل من ارادة الارشاد أيضا ولا يلزم بناء على ذلك استعمال اللفظ في المعنيين من الارشاد والحرمة الذاتية ،

ص: 415

حيث انّ الاستعمال انما هو في معنى واحد وهو طلب الترك.

وامّا الارشاد والتوصل الى تركه خارجا للمبغوضية الذاتية فهما من قبيل الداعي ، لا المستعمل فيه كما لا يخفى. كما أنه لو انضم اليهما عدم حصول الجزء والشرط للعبادات باتيانهما في ضمن المنهي عنه في النهي عن الجزء والشرط لا يصير استعمالا في الزائد عن المعنى الواحد أيضا.

ثم انّ الفساد في المقام يكون أشد في عدم الصلاحية للتقرب من الفساد في مسألة اجتماع الامر والنهي ، حيث انّ المفروض أنّ النزاع هناك لما كان بعد احراز العنوان المشتمل على المصلحة والعنوان الآخر المشتمل على المفسدة ويكون التزاحم في مقام الفعلية فبعد عدم الفعلية في أحد الطرفين ولو كان غالبا وكان هو المفسدة ، يكون الآخر في تأثيره في فعلية الحكم المطابق بلا مزاحم ، فيصح اتيانه عبادة لو كان هو الملتفت اليه ، لاشتماله على ما يصير به الشيء عبادة ؛ بخلافه في المقام حيث انّ الكلام فيه فيما اذا تعلق النهي بنفس عنوان العبادة فيكشف - عن عدم اشتماله على المصلحة بل عن اشتماله على المفسدة أيضا - عن الحرمة الذاتية ، فلا يكون في البين ما يصلح للتقرب على عدم تقدير صيرورة عدم النهي فعليا.

ومن هنا ظهر أنه على الحرمة الذاتية تكون العبادة المنهي عنها [ بنفسها ] (1) أبعد [ من ] (2) صلاحيتها للتقرب عن صورة الارشاد.

فما في التقريرات (3) من الحكم بعدم الفساد مع الغفلة عن النهي في صورة كون النهي للحرمة الذاتية لكون الفساد حينئذ تابعا للنهي لا العكس ، فيه : ما لا

ص: 416


1- في الاصل الحجري ( لنفسها ).
2- في الاصل الحجري ( عن ).
3- مطارح الانظار : 163 السطر 14 - 15 والطبعة الحديثة 1 : 750.

يخفى من الخلط بين مسألة اجتماع الامر والنهي ومسألتنا هذه التي لم يحرز فيها ذلك.

ولا ينافي ذلك ما ذكرنا من كون مورد الاجتماع في تلك المسألة - بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي - من صغريات مسألة النهي في العبادات ، حيث توهم انه لا بد امّا من الالتزام بالصحة في المقام في صورة الغفلة عن النهي ، أو على عدمها هناك أيضا.

ووجه عدم المنافاة : انّ ما ذكرنا هناك يكون من قبيل المنهي عنه لوصفه ، وما هو محل الكلام في المقام - من عدم القابلية للصحة أصلا - انما هو في المنهي عنه لذاته الكاشف عن المفسدة ولو لخصوصية تعليلية ، ولا أقل من عدم المصلحة ، فكيف الفرق بين المقامين؟

وظاهر النهي المتعلق بعنوان العبادة الخاصة انّ مطلقها الموجود في ضمنها خال عن المصلحة - ولو لاضمحلالها بواسطة الخصوصية - وإلاّ لكان الأولى تعليقه على العنوان الخارج كما في مسألة الاجتماع.

342 - قوله : « المقام الثاني : في المعاملات ، ونخبة القول ... الخ ».

342 - قوله : « المقام الثاني : في المعاملات ، ونخبة القول ... الخ ». (1)

أقول : انّ النهي فيها على أقسام :

الاول : أن يتعلق بها من حيث كونها فعلا من الافعال بلا ملاحظة جهة فيها من حيث النقل والانتقال.

ولا اشكال في عدم دلالة هذا القسم على الفساد ، غاية الامر يدل على كونها مبغوضة ذاتا أو لجهة طارئة كما في البيع وقت النداء وهو لا ينافي أن تكون مؤثرة : امّا بناء على عدم جعل السببية فواضح ؛ وامّا بناء عليه لحكمة داعية الى جعل

ص: 417


1- كفاية الاصول : 225 ؛ الحجرية 1 : 154 للمتن و 1 : 159 للتعليقة.

المبغوض سببا على تقدير الوجود ، ويحصل اللطف الملازم للمنهي عنه.

الثاني : أن يكون النهي عنها من جهة مبغوضية المضمون الحاصل هنا الذي يكون فعلا تسبيبيا ، كما في النهي عن بيع المسلم والمصحف للكافر بحيث أن تملك الكافر لهما يكون مبغوضا فيكون التمليك مبغوضا.

ولا يدل هذا القسم أيضا على الفساد ، لامكان اشتمال الجعل وتأثيره في الخارج - على تقدير الوقوع - على المصلحة وان كان ما يتوصل به اليه مبغوضا.

الثالث : أن يكون النهي عنها من جهة مبغوضية التسبب بها الى الاثر وان لم يكن في وجودها - من حيث كونها فعلا ولا في السبب منها - مفسدة أصلا بل كان مشتملا على المصلحة من هذه الجهات ، إلاّ أنّ التسبب به الى المبغوض يكون مبغوضا.

ويمكن أن تكون حرمة الظهار من هذا القبيل بناء على أن لا تكون الحرمة من جهة كونها فعلا كما في الاجنبية مثلا ، ولا في أثرها وهو حرمة الزوجة كما في منذورة الترك ، بل من جهة التوصل اليها من هذا الطريق.

وهذا القسم لا دلالة له على الفساد ايضا ولا ملازمة بينهما عقلا وعرفا. هذا ما أفاده الاستاذ دام ظله العالي.

إلاّ انّ جعل السببية مع كون التسبب بالسبب مبغوضا محل اشكال ، إلاّ أن تكون حرمة التسبب به عارضية لا لازمة لها في جميع الموارد ، وإلاّ : فامّا ان لا تجعل السببية أصلا لو كان السبب مبغوضا دائما ؛ أو لا يكون التسبب مبغوضا أيضا. وهذه الملازمة تكون عرفية لا عقلية.

الرابع : أن يكون النهي من جهة حرمة الآثار المطلوبة [ منها ] (1) بحيث

ص: 418


1- في الاصل الحجري ( عنها ).

تكون حرمتها ثابتة لها بقول مطلق غير مختصة بوجه دون آخر كالنهي عن بيع الكلب لحرمة ثمنه ، وحيث انّ حرمة الآثار ثابتة على جميع التقادير فيستكشف منه عدم تأثير المعاملة في الملكية بحيث لو كانت مؤثرة لما كانت هذه الآثار محرّمة.

ولا يقاس بالقسم الثاني ، فانّ المبغوض هناك هو نفس الملكية الحاصلة وفيما نحن فيه هو آثارها من جهة عدم حصول ما كان مترتبا عليها. ومن هنا ظهر الفرق بين القسمين واستلزام أحدهما الفساد دون الآخر.

الخامس : أن يكون النهي ارشادا الى فقدان المعاملة لبعض ما يعتبر في صحتها جزءا أو شرطا ، وناظرا الى اطلاق دليل الصحة ، فلا محالة يكون مقيدا لاطلاقه ؛ ولا ريب في كشفه عن الفساد.

اذا عرفت ما ذكرنا من الاقسام فاعلم : أنه مع عدم القرينة على [ أحد ] (1) الوجوه يكون النهي ظاهرا في القسم الاول من حرمة المعاملة من جهة كونها من جملة الافعال. إلاّ أنه لا يبعد دعوى الغلبة في المعاملات على دلالته على فسادها ، امّا لظهورها في القسم الثالث من تعلقه بها من حيث التسبب بها الى الاثر - مع الالتزام بالفساد حينئذ - للملازمة بين النهي عن التسبب تحريما وفساد المعاملة عرفا ؛ أو في القسم الخامس - من كونه للارشاد الى الفساد - بقرينة كون النهي في المعاملة في سياق الامر الظاهر في الارشاد الى النفوذ. وعلى أي حال فدعوى كشف النهي عن فساد المعاملة ليست ببعيدة.

نعم هذه الدعوى انما كانت مسلّمة في خصوص المعاملات بالمعنى الاخص لا المعاملات بالمعنى الأعم ، كما ربّما يظهر من استدلال الشيخ (2) لعدم حصول

ص: 419


1- في الاصل ( حد ).
2- المبسوط 1 : 17.

الطهارة بالاستنجاء ببعض الاشياء على النهي عنه بها بحيث يظهر منه العموم ، لأنه - مضافا الى عدم تسليمه في خصوص الاستنجاء لاحتمال كون النهي عن الاستنجاء ببعض الاشياء للحرمة الذاتية من جهة الاحترام وغيره لا الارشاد - لا يصح في غيره قطعا ، لعدم القرينة في غير الاخص ، وهو ما عرفت من كون النهي في سياق الامر الظاهر في الارشاد لعدم الامر فيها كذلك ، ولا أقل من عدم الاستقصاء ، فكيف يدّعى كون النهي للارشاد عموما؟ هذا اذا تعلقت صيغة النهي بالمعاملة.

والظاهر جريان النزاع فيما تعلق لفظ الحرمة أيضا ، وان أمكن دعوى أظهريته في خصوص الحرمة الذاتية ساكتا عن الفساد وعدمه عن الصيغة ، لغلبة استعمالها بدواعي أخر غير داعي الوصلة الى مجرد الترك خارجا - خصوصا في المعاملة - دونه بغلبة استعماله بداعي الوصلة الى الترك خارجا مطلقا.

343 - قوله : « فاذا أجاز فهو له جائز».

343 - قوله : « فاذا أجاز فهو له جائز (1) ». (2)

أقول : ومنه ما رواه الكليني (3) بطريق فيه موسى بن بكير والصدوق (4) عن زرارة مرسلا عنه علیه السلام : « سألته عن رجل تزوج عبده امرأة بغير اذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك الى مولاه ان شاء فرق بينهما وان شاء أجاز نكاحهما ، فان فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلاّ أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، وان أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الاول. فقلت لأبي جعفر علیه السلام : فانه في اصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر علیه السلام : انما أتى

ص: 420


1- الكافي 5 : 478 باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ، الحديث 3 ؛ من لا يحضره الفقيه 3 : 350 باب طلاق العبد ، الحديث 4.
2- كفاية الاصول : 226 ؛ الحجرية 1 : 155 للمتن و 1 : 161 للتعليقة.
3- الكافي 5 : 478 باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ، الحديث 2 ، لكن باختلاف يسير بينه وبين من لا يحضره الفقيه.
4- من لا يحضره الفقيه 3 : 283 باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ، الحديث 1.

شيئا حلالا وليس بعاص لله ، انما عصى سيده ولم يعص اللّه ، انّ ذلك ليس كاتيان ما حرّم اللّه عزّ وجلّ من نكاح في عدّة أو أشباهه ». (1) وغير ذلك من الاخبار الكثيرة.

وجه الدلالة : أنه علیه السلام جعل الفساد ملازما شرعا مع معصية اللّه في المعاملات وجعل منها العقد في العدّة ، وان لم يكن بينهما ملازمة عقلا وعرفا. وليعلم انّ الاستدلال يتم بناء على أن تكون مقابلة المعصية في العقد المذكور مع العصيان في عقد العبد قرينة على كونها بمعنى مخالفة النهي كما في المثال ، فيدل على كون النهي التحريمي دالا على الفساد ، وبناء على ذلك تكون معصية العبد لسيده من جهة مخالفة نهيه عن التزويج ، ويدل عليه المعصية فانها ظاهرة في مخالفة النهي المولوي ، دون مجرد عدم الاذن.

فان قلت : ينفى العصيان في عقد العبد حينئذ ، مع أنّ عصيان المولى بمخالفة نهيه يستتبع العصيان بالنسبة اليه تعالى ، فلا بد من الحمل على مجرد عدم الاذن كي لا يكون العقد معصية لله تعالى أيضا.

قلت : لا ينافي ذلك مع ظهور المعصية في مخالفة النهي ، حيث انّ المراد من معصيته تعالى لا بد أن يكون في نهيه تعالى عن العقد بما هو - كما في العدّة - لا بالعنوان الثانوي كما في عقد العبد ، فانّ النهي عن مخالفة السيد ، فالمراد من عدم المعصية لله تعالى في مجرد المعاملة بعنوانها الأوّلي.

ولكنه : يشكل ابقاء المعصية على ظاهرها ، لاستلزامه تخصيص معصية السيد ، بقرينة اتحاد السياق على ذلك أيضا ، وهو - مع أنّ عدم اجازة عقد العبد من جهة معصية السيد أعم من ذلك - مخالف لقول السائل : « ثم اطّلع على ذلك » الظاهر في صورة عدم الاذن فقط ، فلا يتم الاستدلال على كذا ، لانّ الفساد في

ص: 421


1- بسبب وجود الاختلاف ، قد نقلنا الرواية عن المصادر لا عن الكفاية.

صورة عدم تشريع المعاملة أصلا مما لا ريب فيه ، فلا يدل على دلالة النهي في غيره على الفساد ، مع أنه لولاه لكان الحكم هو الصحة باطلاق الادلة الدالة عليها.

ولا يخفى انّ اطلاق المعصية على ذلك من جهة استلزامه التصرف في سلطان الغير بغير اذنه شائع متعارف. وان أبيت عن ظهور المعصية في الروايات في ذلك فلا أقل من احتماله المساوي للمعنى الاول ، فلا يتم الاستدلال ، فتأمل.

وظني انّ الاستدلال بالروايات انما يتم لو ثبت انّ المراد بالمعصية هو مخالفة النهي المتعلق بالمعاملة بعنوانها الأوّلي بكل واحد من الاقسام المتصورة في النهي ، لا ان ينحصر بغير القسم الاول كما عن التقريرات (1) ، بتوهم انه لا يتأتّى فيه ، حيث انّ المعصية المنفية ليست مخالفة النهي التحريمي بما هو فعل ، لتحققه بمعصية السيد أيضا وقد كانت منفية.

ولكنك عرفت الجواب : بأنّ المنفية على ذلك التقدير مخالفة النهي المتعلق بالمعاملة بعنوانها الأوّلي لا مطلقا ، والموجودة منها بمخالفة السيد انما هو مخالفة النهي عن مخالفة السيد ولا ربط له بالمعاملة ؛ إلاّ أن يجعل عنوان المخالفة - [ كعنوان ] (2) المقدمية والنذر ونحوهما - موجبا لتعلق الحكم بمعنوناتها بالعنوان الأوّلي ، فيتم ما ذكره.

344 - قوله : « تذنيب : حكي عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة ».

344 - قوله : « تذنيب : حكي عن أبي حنيفة والشيباني (3) دلالة النهي على الصحة ». (4)

ص: 422


1- مطارح الانظار : 164 السطر 28 - 32 والطبعة الحديثة 1 : 756.
2- في الاصل ( العنوان ).
3- منتهى الوصول والامل : 101 ؛ شرح تنقيح الفصول : 173 الفصل الثالث في لازمه ( اي النهي ) ؛ شرح المختصر للعضدي 1 : 211 السطر 9.
4- كفاية الاصول : 227 ؛ الحجرية 1 : 155 للمتن و 1 : 163 العمود 1 للتعليقة.

ملخص استدلالهم يحتاج الى مقدمتين : احداهما نظرية ، والاخرى ضرورية.

الاولى : انّ ظاهر النهي - سواء كان بالصيغة أو بالمادة - هو التحريم المولوي المستتبع للعقاب على المخالفة لا الارشاد ونحوه من الدواعي ، وكذلك ظاهر متعلقه اذا كان هو المعاملة مثلا هو نفسه بعنوانه الأوّلي وبمعناه الحقيقي لا المجازي ؛ كما انّ ظاهره في صورة الاطلاق كونه مطلقا متعلقا بالحقيقي لا الثابت باعتقاد المخاطب وان لم يكن معاملة عند المتكلم.

وحينئذ فاذا ورد النهي عن شيء فلا بد من الحمل على كون النهي عنه بعنوانه الأوّلي ومعناه الحقيقي متعلقا للتحريم الذاتي.

الثانية : أنه لا بد من كون متعلق التحريم مقدورا ذاتا بقول مطلق ، لا بتخيل المخاطب وحده كما عرفت في المقدمة الاولى.

وهاتان المقدمتان تستلزمان صحة المنهي عنه ؛ وإلاّ لزم بعد وضوح المقدمة الثانية التصرف في المقدمة الاولى : امّا في الهيئة بالحمل على الارشاد ، أو [ في ] المادة بارادة المعنى المجازي ، أو التقييد بكونه صحيحا باعتقاد المخاطب وغير ذلك.

ثم انه اذا كان النهي عن المعاملة تسبيبا أو تسببا فلا بد من الصحة ولو قلنا بكون الالفاظ أسامي للأعم. نعم إن اريد منها مجرد السبب الايقاعي - وهو العقد المشتمل على الايجاب والقبول - فلا دلالة له على الصحة ولو أخذ على ظاهره من الحرمة الذاتية ، لاحتمال كون المحرّم نفس الفعل من حيث انه فعل من الافعال. هذا في المعاملات.

وامّا في العبادات : فان كانت مما لا تتوقف في عباديتها على تعلق أمر بها ، بل كانت بنفسها مما لا تقع في الخارج إلاّ عبادة كما في كل ما اشتمل على التواضع

ص: 423

من الركوع والسجود ، فلا بأس بالالتزام بقولهما ان كان المراد من صحتها أنها تقع في الخارج عبادة وان كانت محرّمة ومبغوضة ذاتا ؛ وان كان المراد منها موافقة الامر أو اسقاط القضاء فلا.

وامّا ان كانت مما تتوقف في عباديتها الفعلية على الامر كما لو لم تشتمل على عنوان عبادي أصلا في نفسها ، فلا صحة بعد تعلق النهي بها بأحد معانيها أصلا ولو مع جواز اجتماع الامر والنهي ، لوحدة العنوان فيما نحن فيه ، ولا بد من تعدده في تلك المسألة.

فظهر مما ذكرنا أنّ قول أبي حنيفة لا بأس به في بعض الصور وان كان واضح الفساد في بعضها الآخر.

ص: 424

المقصد الثالث: المفاهيم

اشارة

ص: 425

ص: 426

المقصد الثالث

في

المفاهيم

345 - قوله : « مقدمة : وهي انّ المفهوم ... الخ ».

345 - قوله : « مقدمة : وهي انّ المفهوم ... الخ ». (1)

اعلم : أنهم قد ذكروا لهما تعريفات عديدة :

منها : ما عن الحاجبي في تعريف المنطوق بأنه : « ما دل عليه اللفظ في محل النطق » ، والمفهوم بأنه : « ما دل عليه اللفظ [ لا ] (2) في محل النطق ». (3)

وقد اختلف في تفسير ما أخذ فيه من القيود ووقع النقض والابرام فيه ، إلاّ أنه لما لم يكن لفظهما مما ورد في آية ولا رواية ، ولا ما ذكر لهما من الحدود والرسوم مما ورد عن المعصوم بل كان التعبير بهما - في الاصطلاح - للاشارة الى ما وقع النزاع في ثبوته وعدمه ، وكان التعبير عنهما بما ذكر لهما من التعريفات غالبا من قبيل شرح الاسم ، فلا يهمّ النقض والابرام فيما ذكر ، بل الأولى تعيين المعنى الذي كان محلا للنزاع وموردا للنفي والاثبات [ أولا ثم ] (4) التعبير عنه بلفظ جامع بأي

ص: 427


1- كفاية الاصول : 230 ؛ الحجرية 1 : 155 للمتن و 1 : 163 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( الاّ ).
3- منتهى الوصول والامل : 147.
4- في الاصل الحجري ( أو الاتم ).

نحو كان بحيث يحكي عنه ، فنقول :

حيث انّ النزاع لما كان في انّ القضايا المذكورة فيها الشرط والوصف والغاية ونحوها هل هي دالة وضعا أو اطلاقا على معنى مختص بخصوصية تكون تلك الخصوصية مستتبعة لحكم آخر موافق للحكم المذكور فيها أو مخالف له أم لا؟ فيكون حقيقة المفهوم بناء على ثبوته هو : الحكم اللازم للخصوصية المأخوذة في المعنى المدلول عليه بتلك القضايا.

ومما ذكرنا ظهر امور في المقام :

احدها : انّ النزاع في المقام بناء على كون المفهوم بالوضع في وضع اللفظ للمعنى الخاص المستتبع لحكم آخر لازم للخصوصية وعدمه.

وبعبارة اخرى : يكون المفهوم - بناء عليه - من لوازم الموضوع له بما هو كذلك ؛ لا من لوازم المعنى ولو لم يؤخذ التقيد به في الموضوع له أصلا كما في لوازم المعاني المفردة مثل ( حاتم ) بالنسبة الى الجود ، وكما في الكنايات بالنسبة الى لوازمها المستفادة من معانيها مع قطع النظر عن كونها موضوعا للخاص مثل ( جبان الكلب ) و ( مهزول الفصيل ) ونحوهما.

مضافا الى ما فيها من عدم كون المعنى المستفاد منها من قبيل الحكم كما هو كذلك في المفهوم نفيا واثباتا.

ثانيها : انّه ظهر - من كون المفهوم من لوازم الخصوصية المأخوذة في الموضوع له - انّ دلالة اللفظ عليه من أقسام دلالة الالتزام ، لا المطابقة والتضمن عن بعض من كونه جزءا للموضوع له من جهة كون اللفظ موضوعا للمعنيين ايجابية وسلبية. فالدلالة عليه بالتضمن ، فيه : انّه لا أولوية لاحدهما يسمى منطوقا والآخر مفهوما ، فلا بد ان يكون كل منهما منطوقا وليس كذلك.

ثالثها : انّه ظهر انّ المفهوم هو التابع للخصوصية في الموضوع له ، غير

ص: 428

مذكور ذاك الحكم بنفسه ، سواء كان لغير مذكور أيضا كما في مفهوم الوصف ونحوه ، أو للمذكور كما في مفهوم الشرط حيث انّ الحكم - في طرف المفهوم فيه للموضوع المذكور في القضية - معلق على انتفاء القيد بناء على كون التعليق في القضية الشرطية راجعا الى نفس الحكم لبا كما هو كذلك لفظا.

فما عن بعض الاصوليين : (1) من انّ المفهوم هو الحكم الثابت لغير الموضوع المذكور سواء كان الحكم مذكورا بنفسه أم لا ، بتوهم : انّه في بعض صور مفهوم الموافقة يكون الحكم مذكورا كما في قولك : « لا تضرب غلام زيد احتراما له » الدال على حرمة ضربه بطريق أولى ، ففيه :

مضافا الى انتقاضه بمفهوم الشرط - بناء على كون القيد للحكم فيكون الموضوع مذكورا حينئذ - انّ المفهوم في المثال المذكور هو شخص حرمة ( ضرب زيد ) وهو غير مذكور بل المذكور حرمة ( ضرب الغلام ).

[ رابعها ] (2) : انّ المنفي في مفهوم المخالفة - كما في القضية الشرطية ونحوها - انما هو سنخ الحكم المذكور في القضية لا الشخص الثابت للموضوع المذكور فيها ، وإلاّ فانتفاؤه ضروري بانتفاء موضوعه ولو بقيده وهو ثابت في جميع الموارد الثابت فيها الحكم للموضوع ، ولا يكون محلا للنزاع في المفهوم لكونه بحكم العقل ؛ والنزاع انما هو في دلالة اللفظ.

346 - قوله : « فلا بد للقائل بالدلالة من اقامة الدليل على الدلالة بأحد الوجهين ».

346 - قوله : « فلا بد للقائل بالدلالة من اقامة الدليل على الدلالة بأحد الوجهين ». (3)

ص: 429


1- وهو عضد الدين الايجي ( العضدي ) شارح مختصر ابن الحاجب في كتابه شرح المختصر 2 : 302 السطر 25.
2- في الاصل الحجري ( الرابع ).
3- كفاية الاصول : 231 ؛ الحجرية 1 : 158 للمتن و 1 : 163 العمود 2 للتعليقة.

لا يخفى : انّ التقارن بين وجود الشرط والجزاء : امّا بنحو الاتفاق ، او بنحو التلازم ؛ وعلى الثاني : اما بنحو لم يكن بينهما ترتب وبعبارة اخرى تقدم وتأخر رتبي كما هو في معلولي علة ثالثة ، أم كان بينهما ترتب ؛ وعلى الثاني : اما لم يكن بينهما علة ومعلولية كما لو كان الشرط مع علة الجزاء معلولي علة ثالثة فيكون الشرط في عرض علة الجزاء بلا تأثير له فيه ، أو كان بين نفسهما التأثير والعلية ؛ وعلى الثاني : امّا يكون الشرط علة منحصرة ، أم لا.

فالقائل بالمفهوم لا بد له أن يثبت العلية المنحصرة ، بعد الفراغ عن انّ كلمة ( إن ) وأخواتها للربط الثابت بواحد من الانحاء.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ اثبات المفهوم عند القائلين به على وجوه :

الاول : بالوضع ، من جهة التبادر ، بدعوى : انّ المنساق الى الاذهان الصافية من الجمل الشرطية هو التعليق ، على وجه ينتفي الحكم عند انتفاء الشرط ، بلا قرينة حالية حينئذ أو مقالية بحيث يستكشف كون أدوات الشرط موضوعة للربط الخاص المذكور ويكون استعمالها في غيره مجازا مع القرينة.

[ الثاني ] (1) : بالاطلاق ، بجريان مقدماته :

تارة : في نفس كلمة ( إن ) وأخواتها ، بدعوى : أنّها وان كانت موضوعة لمطلق الربط بين العلة والمعلول إلاّ أنه عند الاطلاق في مقام الاستعمال وعدم التقييد يكون المستفاد هو الربط المذكور.

ويرد عليه : بما يرد على الانصراف من عدم تعدد الربط ، وعدم كون معنى الحرف قابلا لجريان المقدمات فيه ، وعدم أولوية الخاص من بين سائر أنحاء الربط اثباتا كي [ يتيقن ] (2) بمقدمات الحكمة كما لا يخفى.

ص: 430


1- في الاصل الحجري ( وثانيها ).
2- في الاصل الحجري ( تيقن ).

واخرى : في مدخول كلمة ( إن ).

والاطلاق المدّعى في المقام على قسمين :

الاول : كما حققه الاستاذ (1) هو الاطلاق الحالي بالنسبة الى الشرط بمعنى أنه عند اطلاقه - وعدم تقييد تأثيره في الحكم بحالة عدم اجتماعه مع شيء آخر أو عدم سبقه به - يستفاد أنه يكون مؤثرا في الحكم بنفسه بجميع حالاته المقارنة مع شيء آخر ، أو المسبوقية به ، أو عدمهما. ولا اشكال في انحصار التأثير كذلك في العلة المنحصرة ، حيث انّ تأثير غيرها يكون مشروطا بعدم المقارنة مع السبب الآخر وعدم مسبوقيته به كما لا يخفى ، فلا يكون مؤثرا في جميع الحالات.

لا يقال : انّ الاطلاق الأحوالي لا يثبت الانحصار ، لعدم منافاته مع غيره فيما اذا استحال مقارنة الشرط مع السبب الآخر ، وكذا تأخره عنه ، لكون الاطلاق بالنسبة الى الحالات الممكنة.

لأنّا نقول : انّ الاطلاق انما يصح بالنسبة الى الحالات الممتنعة أيضا في القضية الشرطية ، حيث انّ صدق الشرطية لا يستلزم صدق الطرفين ، فالاطلاق انما يصح اذا صلح الشرط للتأثير في الفروض الممتنعة أيضا فينافي الاطلاق مع فرض الانحصار كما لا يخفى ؛ مع انّ الانحصار في غير هذا الفرض يكفي في المفهوم فيه ولو لم يثبت في مثله.

الثاني : كما حكي عن الفصول (2) الاطلاق بالنسبة الى أصل السبب ، بمعنى انّه عند الاقتصار على ذكر سبب واحد للجزاء - في مقام بيان استقصاء أسبابه وعدم ضم شيء آخر معه - يستفاد منه كون سبب الحكم منحصرا فيه ، ويكون مؤثرا بشخصه ، لا من جهة كونه من أحد أسبابه ؛ وهذا كاستفادة الوجوب التعييني في

ص: 431


1- كفاية الاصول : 233.
2- الفصول الغروية : 147 السطر 16 - 17.

مقابل التخييري عند اطلاق الواجب وعدم ضمّ شيء آخر معه تخييرا.

ولا يخفى وضوح الفرق بين الاطلاقين ، حيث انّ الاول في مقام بيان حالات الشيء التي يكون مؤثرا فيها بلا تعرض للاسباب من كونها واحدة أو متعددة إلاّ تبعا قهريا ، والثاني في مقام بيان استقصاء الاسباب بلا تعرض لحالات الشيء من كون تأثيره بجميعها أو بعضها عند الاطلاق ، بلا ضمّ شيء معه الاّ تبعا ، وان كانا مشتركين في افادة الانحصار والاحتياج الى مقدمات الحكمة.

كما أنّهما يشتركان في كونهما اطلاقا لفظيا بناء على كون انحصار السبب وعدمه نحوين من السببية بالشدة والضعف ، أو نحوين من حالاته من جهة كونه مؤثرا بشخصه وخصوصيته في صورة الانحصار بقدر جامعه في غيره ؛ وإلاّ فيكون الاول لفظيا والثاني اطلاقا مقاميا ، فتدبر.

الثالث : بالانصراف ، بدعوى : انصراف القضية الشرطية الموضوعة لمطلق السببية الى الاكمل منها وهو المنحصرة ، كما في انصراف جميع المطلقات الى الفرد الكامل منها ، هذا.

لكن الظاهر عدم تمامية الوجوه المذكورة.

امّا الانصراف ، ففيه : مضافا الى عدم كون الانحصار وعدمه ناشئين من الاختلاف في العلية بل انما هو لاجل كون الشيء علة بخصوصيته أو بجامعه بعد وضوح عدم استناد المعلول الواحد الى المتكثر بلا اختلاف في العلية أصلا ، والى عدم كون الاكملية على تقدير الاختلاف موجبا للانصراف ؛ انّه يتم فيما كان اللفظ الموضوع اسما ، وامّا الحرف فلا ، حيث انّ الانصراف هو انسباق الفرد الكامل الى الذهن بعد توجهه الى المطلق وهو لا يتم في الحرف أصلا ، لمكان عدم التفات النفس الى معناه كي تتوجه منه الى الفرد الكامل منه من جهة شدة تماميته في ذلك الفرد ، بل تتوجه اليه آليا ، وهو ما لا يوجب الانصراف.

ص: 432

نعم يمكن جعل متعلق الحرف بنحو لا يكون المعنى الحقيقي للحرف من حالاته بل فرد منه أو معناه المجازي ، فيكون اللفظ مستعملا فيه ابتداء وكاشفا عنه من جهة عدم كشف الحرف إلاّ عما كان حالة للغير ومن خصوصياته ، ولذلك قيل بكون المجاز في الحرف تبعا للمجاز في المتعلق ؛ ولكن ذلك ليس من الانصراف في شيء.

وامّا الاطلاق ، ففيه : انّ مرجعه الى انكار المفهوم ، حيث انّه متوقف على احراز كون المتكلم في مقام البيان بالنسبة الى حالات تأثير الشرط أو بالنسبة الى استقصاء الاسباب أو بالنسبة الى جهة التأثير - على الاختلاف - في الاطلاق زائدا على اثبات الثبوت عند الثبوت ، وهو - مع كثرة استعمال الجمل بنحو لا مفهوم فيها - مما يقطع بعدمه. واحرازه في البعض ارجاع الى القرينة بعد تسليم عدم المفهوم ، وهو مما لا ينكر ، ولا يجدي مطلقا.

وامّا الوضع : فاثباته بالتبادر مشكل ، لعدم التبادر بعد كثرة استعمال القضية الشرطية في مطلق ثبوت الحكم عند الثبوت.

ودعوى : المجازية في تلك الموارد والعناية في استعمالها فيما اذا تعددت الجمل الشرطية متعاقبة أو تعقب بعض الجمل بعد السؤال عن المتكلم عن سبب آخر.

فأشكل : لعدم العناية بعد المراجعة الى الوجدان في تلك الموارد.

والحاصل : انّه لا ظهور للجمل الشرطية في السببية المنحصرة ، فيقوم احتمال سبب آخر للحكم من حيث اللفظ مساويا لاحتمال انتفائه ، فلا يستدل بتلك الجمل على المفهوم.

ص: 433

ولعله الى ما ذكرنا يشير ما ذكره السيد (1) رحمه اللّه في مقام المنع عن المفهوم على ما سيشير الى كلامه قدس سره ، لا ان يكون مراده من الاحتمال مجرد الامكان العقلي عند إبداء احتمال المانع عن المفهوم كي يرد عليه : بعدم صحة كلامه في المقام بعد كون المسألة لفظية لا عقلية ، وبعدم مقاومة احتمال العقل لظهور اللفظ ، لاستبعاد ذلك منه كما لا يخفى.

347 - قوله : « ان قلت : نعم ولكنه قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة ».

347 - قوله : « ان قلت : نعم ولكنه قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة ». (2)

هذا اشارة الى جريان الاطلاق في نفس الحرف لا في مدخوله حاليا أو وحدة وان كان مستتبعا للارتباط الخاص تبعا لا ابتداء كما على هذا التقرير.

348 - قوله : « ومقايسته مع تعيّن الوجوب النفسي باطلاق صيغة الامر مع الفارق ».

348 - قوله : « ومقايسته مع تعيّن الوجوب النفسي باطلاق صيغة الامر مع الفارق ». (3)

والأولى أن يقاس بالواجب التعييني.

ويفرّق أيضا بأنّ الاطلاق في صيغة الامر انما هو في المادة ، لاجل عدم ذكر عدل له كما في الواجب التخييري ، بخلاف الاطلاق في المقام فانّه في نفس مفاد الحرف كما هو المفروض ، هذا.

مع ما عرفت من عدم اختلاف أنحاء الترتب بالانحصار وعدمه ، بخلاف الوجوب فانه تختلف أنحاؤه بالتعيين والتخيير كما تختلف بسائر أنحائه أيضا ؛ ويكشف عنه اختلاف آثاره في الموارد كما لا يخفى.

ص: 434


1- الذريعة الى اصول الشريعة 1 : 406.
2- كفاية الاصول : 232 ؛ الحجرية 1 : 158 للمتن و 1 : 164 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 233 ؛ الحجرية 1 : 159 للمتن و 1 : 164 العمود 2 للتعليقة.

349 - قوله : « ثم انّه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم باطلاق الشرط ».

349 - قوله : « ثم انّه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم باطلاق الشرط ». (1)

هذا اشارة الى الوجه الاول من الاطلاق الذي ذكرناه في الحاشية السابقة. (2) ولا يخفى انّ هذا مثل الاطلاق في صيغة الامر.

350 - قوله : « وامّا توهم أنه قضية اطلاق الشرط ... الخ ».

350 - قوله : « وامّا توهم أنه قضية اطلاق الشرط ... الخ ». (3)

هذا اشارة الى اطلاق السبب مقاميا من جهة عدم ذكر سبب آخر معه ؛ وحينئذ :

فان كان المراد استكشاف وحدة السبب فلا بأس به ، إلاّ أنه يرد بعدم الكلية.

وان كان استكشاف شرطية الشرط من انّه على نحو التعيين مثلا فيرد عليه ما أورده في المتن.

351 - قوله : « وفيه ما لا يخفى ، ضرورة انّ استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له احيانا وبالقرينة لا يكاد ينكر ».

351 - قوله : « وفيه ما لا يخفى ، ضرورة انّ استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له احيانا وبالقرينة لا يكاد ينكر ». (4)

وجه عدم المفهوم في الآية - مضافا الى الاجماع على حرمة الاكراه مطلقا - انّه لا يمكن تحقق الاكراه مع عدم ارادة المتعفف حتى يقال بانتفاء الحرمة في طرف المفهوم. نعم يمكن أن يكون المراد الاستدلال بثبوت الاستعمال في مجرد الربط بضميمة كون الاصل في الاستعمال الحقيقة.

ولكنه يرد عليه : بأنّ هذا الاصل يجري في اثبات المراد ، لا في كيفية

ص: 435


1- كفاية الاصول : 233 ؛ الحجرية 1 : 159 للمتن و 1 : 164 العمود 2 للتعليقة.
2- يقصد التعليقة رقم 346 الآنفة ، عند قوله : « والاطلاق المدّعى في المقام على قسمين : الاول : كما حققه الاستاذ ... الخ ».
3- كفاية الاصول : 233 ؛ الحجرية 1 : 159 للمتن و 1 : 164 العمود 2 للتعليقة.
4- كفاية الاصول : 235 ؛ الحجرية 1 : 160 للمتن و 1 : 165 العمود 1 للتعليقة.

الاستعمال بعد العلم بالمراد.

ثم انّه اذا شك في المسألة ولم يقم دليل على اثبات المفهوم ، فالظاهر بل المقطوع عدم أصل في البين يتعيّن به الوضع وعدمه بعد مغايرة كل واحد منهما في اللحاظ والملحوظ مع الطرف الآخر كما لا يخفى.

وامّا الاصل الحكمي فعلى ما في التقريرات (1) موافقته لمقتضى المفهوم ، حيث انّه يستكشف من تعليق الحكم - ولو كان هو الاباحة - على الشرط كونه مما لا بد في ثبوته من سبب ولا يكفي فيه مجرد عدم الاقتضاء ، فعند الشك في سبب آخر [ بعد ] (2) انتفاء الاول فالاصل عدمه ، فيثبت به عدم الحكم مطابقا للقول بالمفهوم.

ولكنه يرد عليه : باشتراط جريان الاصل في سببية شيء وجودا وعدما امّا بأن تكون السببية مجعولة ، أو كان ترتب الحكم على السبب في لسان دليل شرعا ، ولا اشكال في انتفائهما في السبب المشكوك فلا تجدي أصالة عدمه في نفي الحكم.

وقياس ذلك بالشك في موضوعية شيء في جريان أصالة عدمه لنفي الحكم ؛ مدفوع :

بالفرق : بأنّ الاستصحاب في المقيس عليه :

امّا في الموضوعية ، فيرجع الى استصحاب نفس الحكم.

وامّا في نفس ذات الموضوع ، ولا اشكال في انّ ترتب الحكم عليه انما كان في لسان الدليل شرعا ولا اشكال في جريان الاستصحاب فيه ؛ وهذا بخلاف السبب والمسبب ، لانفكاك الحكم عن سببه جعلا بتعلقه به ابتداء بدون ترتبه عليه

ص: 436


1- مطارح الانظار : 171 السطر 7 - 14 والطبعة الحديثة 2 : 27 - 28.
2- في الاصل الحجري ( بعده ).

في لسان دليل شرعا.

نعم الاصل في نفس الحكم يكون مختلفا فقد يكون الحكم :

تارة : هو أصالة بقائه ، كما لو كان الشك مسبوقا بوجود السبب المعلوم بعد انتفائه.

واخرى : أصالة عدم حدوثه ، كما لو شك في حدوثه بغير السبب المعلوم ثبوته.

تنبيه : لا بد أن يعلم انّ المفهوم ليس من مقولة اللفظ كي يستظهر المعنى منه على حسب اختلاف ظهورها في الموارد ، بل هو معنى لازم للمعنى المنطوقي فيكون على طبقه ، فلا بد من المخالف منه في القضية الشرطية من تعيين ما هو المهم تعليقه على الشرط على اختلاف فيه باختلاف الموارد.

فان كان المهم منه - فيما لو كان الجزاء سالبة كلية مثلا - هو عموم الحكم ، بأن يكون لاصل الحكم أسباب عديدة ويكون الشرط علة منحصرة لعمومه لا لاصله ، يكون المنفي في طرف المفهوم هو العموم لا الحكم على نحو الكلية.

وان كان المهم تعليق أصل الحكم في كل فرد على الشرط بنحو تنحل القضية الكلية الى القضايا الشخصية العديدة ويكون التعبير بالكلية والعموم للاشارة اليها بلا نفسية فيه ، يكون المنفي حينئذ هو الحكم في كل فرد ، فيرجع المفهوم الى الموجبة الكلية.

وكذا الحكم في المطلق المثبت فقد يكون المعلق هو الاطلاق فلا ينتفي الحكم في طرف المفهوم بالكلية ؛ وقد يكون ما هو الحكم الاطلاق ذاتا فيكون المنفي هو أصل الحكم اللازم منه السلب الكلي.

وكذا الحكم فيما لو كان المعلق في الجزاء هو الوجوب المنصرف الى

ص: 437

التعييني عند الاطلاق ، فتارة : يكون المهم فيه هو تعليق الوجوب النفسي التعييني ، واخرى : هو تعليق الوجوب التخييري ، و [ ثالثة ] (1) : هو مطلق الوجوب ، فيختلف المنفي حسب اختلاف الموارد.

فظهر انّ نفي المعلق على الشرط [ هو ] في المنطوق. ولا فرق بين كون المعلق مفاد لفظ وضعا بالقرينة مقامية كانت أو عقلية أو لفظية.

فما يظهر من التقريرات (2) من عدم صحة التعليق بالنسبة الى ما يجيء من قبل الاثبات أو النفي وانّ النفي في المفهوم ربما يفيد غير ما هو لازم المنطوق ، فيه ما فيه ، يظهر بالتأمل فيما ذكرنا في المقام.

352 - قوله : « بل لاجل انّه اذا صار شيء وقفا ... الخ ».

352 - قوله : « بل لاجل انّه اذا صار شيء وقفا ... الخ ». (3)

لانّ ملكية شيء خاص تعلق الوقف به غير قابل للتعدد ، فانتفاء الملكية من غير الموقوف عليه مثلا - من جهة عدم القابلية - يكون عقليا لا لفظيا ، فلا ربط له بالمفهوم.

نعم لو دل على انتفاء الوقوف رأسا - ولو بالنسبة الى غير تلك العين الموقوفة فيما انتفى فيه عنوان الموقوف عليه - لكان ذلك من قبيل المفهوم وأنّى للشهيد (4) قدس سره باثبات ذلك ، فظهر انّ تفصيله في غير محله.

353 - قوله : « وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الاشكال ».

353 - قوله : « وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الاشكال ». (5)

ص: 438


1- في الاصل الحجري ( اخرى ).
2- مطارح الانظار : 173 السطر 29 وصفحة 174 السطر 10 والطبعة الحديثة 2 : 41 - 42.
3- كفاية الاصول : 236 ؛ الحجرية 1 : 161 للمتن و 1 : 165 العمود 2 للتعليقة.
4- تمهيد القواعد : 110 القاعدة 25.
5- كفاية الاصول : 238 ؛ الحجرية 1 : 161 للمتن و 1 : 165 العمود 2 للتعليقة.

كما يظهر بذلك فساد ما عن حاشية المعالم (1) في مبحث مفهوم الشرط بالتزام كون الموضوع له عاما فلا مانع من التعليق بالنسبة اليه.

حيث انّه لا يجدي التزام ذلك مع التزامه بكون المستعمل منه خاصا في الحروف في مبحث الوضع ، وانّ الخصوصية فيه من جهة انّ الاستعمال الآلي عليه لا يمكن إلاّ بجعل المعنى آلة للغير ؛ ويظهر من بعض كلماته انّ المراد هو الخاص وان لم يكن المستعمل فيه بنفسه جزئيا ، ولكنه يرجع أيضا الى ما ذكره من خصوصية المستعمل فيه لكن لا بنفسه بل من الجهة التي ذكرها ، فلا يقبل التعليق بالنسبة اليه.

مضافا الى عدم صحة ما ذكره ، الناشئ من الخلط بين ما يتقوم به الاستعمال وبين ما يتوقف عليه المستعمل فيه من الخصوصية ، لما في المتن.

وليعلم : انّ المراد من كلية المعنى كونه كذلك بذاته لا بملاحظة الاشتراط ، وإلاّ فالمشروط بما هو كذلك يكون خاصا كما لا يخفى.

354 - قوله : « ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني ».

354 - قوله : « ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني ». (2)

حيث انّ للقضية الشرطية بناء على المفهوم ظهورين :

أحدهما : بحسب المنطوق ، في كون الشرط بنفسه مستقلا في التأثير بلا ربط للغير في تأثيره.

وثانيهما : في خصوصية انحصار العلة التي لازمه الانتفاء عند الانتفاء.

ومن المعلوم انّ ظهوره الاوّلي أقوى من الثاني ، فالمتعين عند الدوران هو رفع اليد عن الثاني ، ولازمه الوجه الثاني دون باقي الوجوه المذكورة لاحتياجها الى التصرف في المنطوق بحسب ظهوره الاول غير ذلك.

ص: 439


1- هداية المسترشدين : 281 السطر 16 - 25 والطبعة الحديثة 2 : 423.
2- كفاية الاصول : 239 ؛ الحجرية 1 : 162 للمتن و 1 : 165 العمود 2 للتعليقة.

امّا الاول فلانّه وان كان بحسب الظاهر تقييدا في المفهوم إلاّ أنّ المعلوم انّه لم يكن من مقولة اللفظ كي يتصرف فيه ، بل هو معنى لازم للمنطوق ، فالاختلاف فيه اطلاقا وتقييدا يدور مدار التقييد في المنطوق كذلك ، بأن يقال : « الشرط هذا أو ذاك الآخر » بجعل كل من الشرطين عدلا للآخر ، وهو خلاف الظاهر.

وأمّا الثالث : فلا اشكال في كونه خلاف الظاهر في المنطوق بجعل الشرط جزء المؤثر ، وقد عرفت ظهوره في كونه بنفسه تمام المؤثر مطلقا.

وأمّا الرابع : فالتصرف فيه من جهة ارادة القدر المشترك من الشرط ، مع ظهوره في كونه بخصوصيته مؤثرا.

وأمّا الخامس : فالتصرف في منطوق أحدهما - مضافا الى مفهومه - لازم ، بأن يجعل مفاده مجرد ثبوت الجزاء عنده بلا علية في البين بل ولا اطلاق في الثبوت ، بأن يكون ثبوته عنده عند وجود الشرط الآخر بسببية ذلك وكشف هذا عنه ، فيكون أحدهما معرّفا عن الآخر.

فظهر انّ غير الوجه الثاني يستلزم التصرف في المنطوق بوجه دونه ، لعدم التصرف فيه إلاّ بمجرد عدم الالتزام بالخصوصية المفهومية ، فعند الدوران لا بد من اختياره كي يسلم عن ذلك ، هذا.

مضافا الى عدم ظهور القضية الشرطية عند تعددها وشروطها في أزيد من الثبوت عند الثبوت.

355 - قوله : « بعنوانه الخاص ، فافهم ».

355 - قوله : « بعنوانه الخاص ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى أنّ التصرف بهذا النحو بارادة الجامع من الشرط ليس بقسيم

ص: 440


1- كفاية الاصول : 239 ؛ الحجرية 1 : 162 للمتن و 1 : 165 العمود 2 للتعليقة.

للوجهين الاوّلين ، بل يكون ذلك مما لا بد منه فيهما ، أيضا لانّ ارادة الجامع ليس من لوازم المفهوم بل من لوازم استقلال كل من الشرطين في التأثير وان لم نقل به.

نعم بناء على الوجه الثالث من جعل كل من الشرطين جزء المؤثر فلا داعي الى هذا التصرف ؛ وحينئذ فالأحسن هو ارادة الجامع مع بقاء المفهوم بحاله ، لعدم التعارض حينئذ.

356 - قوله : « وبقاء الآخر على مفهومه ... الخ ».

356 - قوله : (1) « وبقاء الآخر على مفهومه ... الخ ».

لا يخفى انّ مجرد رفع اليد عن المفهوم في أحدهما مع بقاء الآخر على مفهومه لا يجدي في رفع التعارض ، بل لا بد من تقييد اطلاق المنطوق في ذلك أيضا حتى يرتفع التعارض في البين كما أشرنا الى هذا الوجه وأشار اليه الاستاذ طاب ثراه في حاشيته (2) في هذا المقام بقوله : « ولازمه تقييد منطوقها بمفهوم

ص: 441


1- هناك مقطع من متن الكفاية بعد قول الآخوند : « بعنوانه الخاص فافهم » ( الآنف ) وقبل قوله : « الامر الثالث » ( الآتي ) لم يرد في بعض النسخ المعتمدة من الكفاية وورد في نسخ اخرى معتمدة ايضا. وهذا المقطع عليه تعليقة للمحقق القوچاني - وهي المشار اليها برقم1. وتعليقتين للمشكيني ، فاحببنا ان نورد هنا هذا المقطع المحذوف اتماما للفائدة. المتن المحذوف : « واما رفع اليد عن المفهوم في خصوص احد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لأن يصار اليه إلاّ بدليل آخر ، الاّ ان يكون ما أبقى على المفهوم أظهر ، فتدبر جيدا ». راجع الكفاية الحجرية المحشاة بحاشية القوچاني ١ : ١٦٢ للمتن و ١ : ١٦٦ العمود ١ للحاشية ؛ وكذلك راجع الكفاية الحجرية المحشاة بحاشية المشكيني ١ : ٣١٤ والطبعة الحديثة ٢ : ٢٩٦ _ ٢٩٧. واما الكفاية طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام : ٣٠٢ وطبعة جماعة المدرّسين : ٢٣٩ فلم تذكرا المتن الآنف ، فهو محذوف من هاتين الطبعتين. ولعل الانسب حذفه ، فالاصفهاني قدس سره في نهاية الدراية ٢ : ٤٢٢ يذهب الى انه قد شطب على هذه الفقرة في النسخة المصححة ، على ان السيد الحكيم قدس سره لم يذكرها اصلا في حقائق الاصول ، اضف الى ذلك ان هذا المقطع هو وجه خامس من وجوه تعدد الشرط قالوا بسقوطه ، ونسبوه الى السرائر ( السرائر ١ : ٣٣١ ).
2- لا توجد حاشية للآخوند على هذا الموضع من نسخ الكفاية المتداولة ، ولعلها على نسخة مصححة بقلم الآخوند رحمه اللّه نفسه اطلع عليها القوچاني وكذلك المشكيني ( راجع الكفاية مع حواشي المشكيني الطبعة الحديثة 2 : 296 ) ؛ ولعل قوله : « ولازمه تقييد منطوقها بمفهوم الآخر » هو من جملة الفقرة التي شطب عليها الآخوند في النسخة التي يقول عنها نهاية الدراية في 2 : 422.

الآخر » أي بسبب مفهوم الآخر.

إلاّ أنّ الأحسن أن يقال : « بمنطوق الآخر » ، مع عدم الالتزام بالعلية أيضا ، بأن يكون مفاد احدى القضيتين ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط عند وجود الشرط الآخر وتأثيره في الجزاء كما عرفت ؛ ولكنه تصرف لا يصار اليه إلاّ بالدليل.

357 - قوله : « الامر الثالث : اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ... الخ ».

357 - قوله : « الامر الثالث : اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ... الخ ». (1)

أقول : انّ الجزاء :

ان لم يكن مما يقبل التعدد كقتل شخص زيد المسبب عن ارتداده وعن المقاصّة وغيرهما ، أو لم يكن أيضا مما يقبل الشدة والضعف ولو في خصوص مقام ، فلا اشكال في تداخل الاسباب في التأثير عند التوارد دفعة واستقلال السابق عند التعاقب ؛ وان كان قابلا لذلك ، فيكون الوجوب الشديد - مثلا - الى الجميع عند التوارد ، وأصل الوجوب الى السابق وشدته الى اللاحق عند التعاقب ، ويكون كل منهما مؤثرا حينئذ.

وان شئت سمّ ذلك تداخلا من جهة استناد الوجود الى الجميع ، وان شئت سمّه بعدمه من جهة التأثير الفعلي من كل واحدة مرتبة من الاثر. نعم لا بأس بتسميته تداخلا في المسبب.

وامّا ان كان الجزاء مما يقبل التعدد ، فان كان المسبب عن كل وجوب عنوان غير العنوان المسبب عن آخر فان كان كل منهما مطلقا بلا تقييد بعدم

ص: 442


1- كفاية الاصول : 239 ؛ الحجرية 1 : 162 للمتن و 1 : 166 العمود 1 للتعليقة.

اجتماعه مع الآخر كما في ( اكرام العالم ) المسبب عن سبب و ( اكرام الهاشمي ) المسبب عن الآخر ، فلا اشكال في جواز تداخلهما وسقوط أمرهما باكرام الجميع ، لا من جهة اجتماع الوجوبين فيه فعلا كي يرد بعدم امكان اجتماع المثلين ، بل من جهة انطباق الطبيعتين عليه وكونه متصفا بوجوب واحد مؤكد ، مع صدق الامتثال بكل منهما في مقام الخروج عن العهدة.

نعم لو قلنا بالتقييد في كل من العنوانين بغير مورد الاجتماع فلا بد من عدم التداخل ، إلاّ انّه خلاف ظاهر اطلاق القضية الشرطية ؛ ولا ينافي ذلك ظهورها في تأثير الشرط في وجوب الطبيعة فعلا كما لا يخفى ، ولكن النزاع في غير هذا القسم.

وامّا ان كان الجزاء طبيعة واحدة فيقع الكلام فيه في مقامين :

الاول : مقام الثبوت.

ولا اشكال في كون الوجوب في تلك المرحلة واحدا ولو تعدد الشرط ؛ كما انّه يمكن أن يكون متعددا في هذه الصورة غاية الامر امكان كل على وجه.

بيانه يظهر بمقدمتين :

احداهما : انّه لو كان كل من الشرطين مؤثرا فعليا في الجزاء لحصل من كل منهما ايجاب على حدة ، فيتحقق وجوبان.

وثانيهما : لم لا يمكن كون الطبيعة الواحدة بما هي واحدة قابلة لتعلق ايجابين فعليين ؛ حيث انّ [ للواحد ] (1) الجنسي ولو لوحظ في متعلق الامر وجودها السعي بلا تصرف فيه كما للواحد الشخصي في عدم القابلية للحكمين الفعليين - كانا متماثلين أو متضادين - مع وحدة الزمان.

ص: 443


1- في الاصل الحجري ( الواحد ).

اذا عرفت ذلك : فمع حفظ المقدمتين لا بد على تقدير تعدد الايجاب الفعلي :

امّا من جعل الجزاء في كل منهما عنوانا مغايرا مع عنوان الآخر.

وامّا من التصرف في الجزاء الواحد بجعله في الشرط الثاني وجودا من الطبيعة غير الوجود الحاصل بالشرط الاول.

كما انّه لا بد - بناء على ابقاء الجزاء على ظهوره في الطبيعة الواحدة بما هي واحدة - من التصرف في المقدمة الاولى بعدم جعل كل من الشرطين مؤثرا في الايجاب بل الشرط الاول فقط على تقدير التعاقب ، أو الجامع بينهما على تقدير التوارد دفعة ، أو غير ذلك من وجوه التصرف.

الثاني : مقام الاثبات.

أقول : انّ للقضية الشرطية جهات من الظهور :

احداها : ظهورها في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، سواء كان بنحو التأثير ، أو بنحو المعرّفية والامارة على حدوث الجزاء بسببه الواقعي عند حدوثه.

ثانيتها : ظهور كل من القضايا مستقلا في المؤثرية أو في المعرّفية ، لا أن يكون جزءا مؤثرا أو جزء معرّف.

وثالثتها : ظهور كل منها في حدوث أصل الطبيعة عند حدوث الشرط ، لا [ مرتبته ] (1) هاهنا أو فرد منها.

ورابعتها : ظهور الجزاء في كل منها في الطبيعة المرسلة بوجودها السعي ، بلا تقييد فيه بوجود غير وجودها الحاصل بالشرط الآخر.

اذا عرفت ذلك ؛ فلو كان الجزاء في القضايا الشرطية متعددا طبيعة بنحو

ص: 444


1- في الاصل الحجري ( مرتبة ).

يكون كل منها مصادما مع الطبيعة الاخرى فيمكن القول بالتداخل في المجمع مع حفظ ظهور القضية الشرطية من جميع الجهات المذكورة ؛ وان كان المجمع بسبب انطباق العنوانين عليه لا يتصف إلاّ بوجوب واحد مسبب عن الانشائين ، ولازمه كون كل منهما جزءا مؤثرا بالنسبة اليه.

وامّا لو كان الجزاء طبيعة واحدة كما هو المفروض كأن يقال : « اذا نمت فتوضأ واذا بلت » فلا يمكن العمل بتلك القضيتين بما لهما من جهات الظهور المذكورة سواء قلنا بالتداخل أو بعدمه ، حيث انّ القول بالعدم بملاحظة عدم امكان اجتماع الحكمين في الطبيعة الواحدة مستلزم للتصرف في الجزاء بتقييده في كل من الشرطين بوجود غير الوجود الحاصل بالشرط الآخر ، كأن يقال في المثال : « اذا بلت فتوضأ وضوءا آخر مغايرا للوضوء النومي ».

كما انّ القول بالتداخل مستلزم للتصرف في احدى جهات الظهور :

امّا في ظهور القضية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، بأن يحمل على مجرد ثبوته عند حدوثه أعم من الحدوث كما في الشرط الاول أو البقاء كما في الشرط الثاني ، مع رفع اليد أيضا عن ظهور الشرطية في تأثير الشرط فعلا في الجزاء ، لعدم امكانه بالنسبة الى الشرط الثاني بعد حدوثه عند الشرط الاول.

وامّا عن ظهورها في حدوث أصل طبيعة الجزاء عند حدوث الشرط ، بحملها على الأعم منه ومن حدوث مرتبة منها ، كما لو لم يحدث بالشرط الثاني إلاّ تأكد الوجوب الحاصل بالسبب الاول.

وامّا في ظهورها في فعلية التأثير بحملها على الأعم منه ومن التأثير الثاني ، كما في الشرط الثاني.

والحاصل : انّه لا يمكن العمل بالقضية الشرطية عند تعددها بما لها من جهات الظهور كما يمكن الاخذ بها كذلك عند وحدتها ، فلا بد من التصرف.

ص: 445

وتوهم : صدق الامتثال بالفعل الواحد ولو مع تسليم تعدد الاشتغال بفردين من الطبيعة الواحدة.

مدفوع : بعدم امكان اتحاد الفردين من الطبيعة الواحدة في الوجود الواحد كما هو واضح.

وعدم حفظ الوحدة بجعل الجزاء عند كل سبب عنوانا على حدة كي يمكن تصادقهما ؛ فمع استلزامه الخلف من كون النزاع في الطبيعة الواحدة - مع ظهور القضيتين فيها أيضا - لا يجدي في التداخل ، اذ لعل العنوانين مما لا يتصادقان في المجمع الواحد.

فقد ظهر مما ذكرنا انّ ظهور الجزاء في نفسه في الطبيعة بما هي طبيعة واحدة - الذي لازمه عدم تعلق ايجابين عليها فعلا - مما لا ينكر كما في التقريرات (1) ومتن الكفاية (2) من الالتزام بعدم الظهور في الجزاء في الوحدة والكثرة أصلا ، وانما يكون تابعا للشرط في ذلك [ وهو ] انما يصح في الشرطيات المتصلة ، حيث انّ ظهور الجزاء في ذلك انما هو بمقدمات الحكمة ومنها عدم البيان - على الخلاف - ، ومع ظهور الشرطية في التعدد فلا تتم المقدمات [ الاّ ] (3) في الشرطيات المنفصلة التي هي محل النزاع في المقام كما هو واضح.

نعم لا يبعد ان يقال : انّ ظهور الشرط فيما ذكرنا من الجهات أقوى فيكون قرينة على التصرف في ظهور الجزاء في الطبيعة بحمله في كل من الشرطيتين على فرد دون فرد حادث بالشرط الآخر ، ولذلك ترى العرف يبنون على تعدد الجزاء عند تعدد الشرط مع عدم قرينة أصلا ، كما يظهر بالمراجعة اليهم في مقام امتثال

ص: 446


1- مطارح الانظار : 177 السطر 12 - 16 والطبعة الحديثة 2 : 57 - 58.
2- كفاية الاصول : 240.
3- في الاصل الحجري ( لا ).

الاوامر العرفية.

وامّا بناء على التداخل :

ففي صورة التعاقب لا بد من رفع اليد عن جميع ما للقضية الشرطية الثانية من جهات الظهور.

وفي صورة التوارد عن ظهور كل منهما في الاستقلال في التأثير.

وقد عرفت اقوائية الشرطية في جميع ما لها من الظهور من ظهور الجزاء في الطبيعة. نعم قد يصير الامر بالعكس بالقرينة.

فظهر مما ذكرنا انّ القاعدة عدم التداخل.

358 - قوله : « لا مجرد كون الاسباب الشرعية معرّفات لا مؤثرات ». (1)

لاجل توهم انّه بناء على المعرّفية لا يستلزم اختبار التداخل التصرف في القضية الشرطية أصلا ؛ ولكنه لا وجه له.

بيانه : انّه لما تقرر في محله من تبعية الاحكام - عند العدلية - للمصالح والمفاسد على اختلاف بينهم من كونهما في المأمور بها والمنهي عنها أو في نفس الاحكام ، سواء كان المراد بالاحكام هو :

الارادات الشرعية القائمة بذاته تعالى التي تكون فيه تعالى عبارة عن علمه بصلاح الافعال وفسادها ، كما انّ الارادة التكوينية فيه تعالى عبارة عن علمه تعالى بالنظام الأحسن للعالم.

أو الخطابات الانشائية الصادرة في مقام اظهارها على المخاطبين.

أو الاعتبارات القائمة بأفعال المكلفين المنتزعة عن الخطابات من الوجوب والتحريم وغيرهما.

ص: 447


1- كفاية الاصول : 242 ؛ الحجرية 1 : 168 للمتن و 1 : 167 للتعليقة.

وتقرر أيضا : انّ اختلاف المصالح والمفاسد والحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات ، بحيث يكون الفعل بالاضافة الى شيء حسنا وبالاضافة الى [ آخر ] (1) قبيحا أو في زمان حسنا وفي آخر قبيحا ، بل يكون كذلك ولو على القول بتبعية المصلحة والمفسدة لذوات الافعال ، ولكن بحمله على ارادة خصوصياتها الشخصية كي لا ينافي ما ذكرنا من اختلافها بالوجوه والاعتبار.

فنقول بعد هاتين المقدمتين :

انّ الشروط المترتبة عليها الجزاء في القضايا الشرعية :

يمكن أن تكون في مقام الثبوت من نفس تلك الوجوه والقيود الموجبة لحسن الافعال وقبحها.

ويمكن أن تكون من لوازم تلك القيود.

فعلى الاول يكون الشرط من الاسباب الواقعية ، وعلى الثاني من المعرفات.

وأمّا في مقام الاثبات فيتبع ظهور القضية الشرطية في العلاقة اللزومية بين الشرط والجزاء بنحو وعدمها ، بل في كون الشرط من الامارات الكاشفة عن ثبوت تلك القيود والتي لها دخل في المصلحة والمفسدة.

فاذا عرفت ما ذكرنا فنقول :

امّا اولا : ان أراد القائل - بكون الاسباب الشرعية معرفات - كونها كذلك في مقام الثبوت فقد عرفت امكان كل من القسمين فيه وعدم اختصاصه بواحد منهما ، وان أراد كونها كذلك في مقام الاثبات فقد عرفت دورانه مدار ظهور القضية في العلاقة اللزومية وعدمها ؛ ومن المعلوم انّ ظهورها في العلاقة المذكورة مما لا

ص: 448


1- في الاصل الحجري ( الآخر ).

يخفى ، فتكون الاسباب الشرعية من الاسباب الواقعية.

وان أبيت عن ظهورها فيه فلا أقل من عدم ظهورها في الكاشفية أيضا ، فيختلف بحسب الموارد ، فلا يصح دعوى المعرّفية على الاطلاق.

وامّا ثانيا : لو كان مقصود القائل - بكون الاسباب الشرعية معرّفات - اثبات التداخل من جهة اجتماع لوازم متعددة للشيء الواحد بناء على ما عرفت من كون الكاشف على ذلك لوازم ما كان مؤثرا في المصلحة الدالة على وجوده.

ففيه : أنه مبتن على تعدد اللوازم واقعا كي لا يرتفع الكشف بارتفاع واحد منها بقيام آخر مقامه ، مع انّها في مقام الثبوت مختلفة ، حيث انّه قد ينحصر اللازم في شيء واحد وقد يتعدد ، مع انّ ظهور القضية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط مطلقا كان مسبوقا أو مقارنا مع شيء آخر أم لا مما [ لا ] يخفى ، ولازم ذلك الوحدة والاّ لزم اجتماع العلتين المستقلتين في الكشف الواحد أو وجود الكشفين في زمان واحد بالنسبة الى مكشوف واحد ، وهو محال كما عرفت ذلك بالنسبة الى نفس الاسباب.

فظهر انّ ارجاع الاسباب الى المعرّفات - مع أنه خلاف ظاهر القضية - لا يجدي فيما هو المهم من اثبات التداخل به.

359 - قوله : « نعم لو كان المراد بالمعرّفية في الاسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام ».

359 - قوله : « نعم لو كان المراد بالمعرّفية في الاسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام ». (1)

فليست بعلة غائية ولا فاعلية كما هو واضح ، ولا بمادية وصورية ، فليست بعلة أصلا ، فيكون من قيود الموضوع.

ولكنه يدفع : بأن دخلها في الموضوع موجب لدخلها في المصلحة الداعية

ص: 449


1- كفاية الاصول : 243 ؛ الحجرية 1 : 168 للمتن و 1 : 169 للتعليقة.

اليها فكأنها من قبيل العلة الغائية ، وليس المراد من العلة بأزيد منها هاهنا. هذا كله في الشروط المتعددة.

واما الاوامر المتعددة ابتداء كما في قولك : « اضرب اضرب » أو « أكرم أكرم » بلا تعليق على سبب فهل يدل على تعدد الايجاب الحقيقي مثل تعدد القضية السببية أم لا؟

فنقول : انّه لو كان كل منها بملاك على حدة فلا يبعد تعدد الوجوب وان قلنا بكفاية الامتثال الواحد من جهة تداخل المسبب ؛ واما لو كانت بملاك واحد فلا يبعد انّ ظهور المتعلق في الطبيعة بما هي طبيعة واحدة أقوى من ظهور هيئة الامر في الايجاب الحقيقي ، حيث انّه انما كان من جهة ظهور استعمالها في كونه بداعي التوصل الى واقع المتعلق بالارادة الجدّية ، لا من جهة ظهور لنفس المستعمل فيه حيث انّه واحد ولو بناء على كون الوجوب للتأكيد كما قرر في محله.

وامّا ظهور المتعلق فيما ذكرنا فانما هو من جهة ظهور اللفظ ولا اشكال في أنه أقوى من الاول ، فيكون قرينة على كون الانشاء الثاني للتأكيد ، والاهتمام في التوصل به الى المقصود ، حيث انّ التكرار قد يدعو العبد الى الامتثال ، ولا يكون كذلك عند عدمه.

فمن هنا ظهر انّ التأكيد في المقام غير التأكيد في الاسباب - بناء على التداخل - حيث انّ المراد منه التوصل الى بيان شدة الغرض وتأكد الطلب ، بخلافه فيما نحن فيه ، فانّه يحصل ولو كان الطلب بأول مرتبة من مراتبه ، وكذا ملاكه.

ثم انّ الاصل في المسألة - لو لم تكن القضية الشرطية ظاهرة في شيء - هل هو التداخل أو عدمه؟

فنقول : انّ الشك تارة : في تداخل الاسباب ، واخرى : في تداخل المسببات.

ص: 450

وعلى الاول : فان كان الشك في تأثير كل من الاسباب في وجوب على حدة فالاصل عدم الاشتغال بأزيد من الواحد ؛ وان كان الشك في تأثير السبب اللاحق في تأكد الوجوب - بعد القطع بعدم حدوث أزيد من واحد بالسبب الثاني وعدمه - فالظاهر عدم صحة اجراء أصالة عدم تأثير السبب الثاني حينئذ ، حيث انّ المقصود منه اثبات عدم التأكيد ، ومن المعلوم انّ التأكيد ليس مما يترتب عليه شرعا كي ينتفي بأصالة عدمه.

نعم هو من لوازمه عقلا ، ولا بد في المستصحب من كونه ذي أثر شرعي بنفسه أو بحكمه ؛ وكذلك أصالة عدم التأكد لعدم كونه بنفسه أثرا شرعيا ولا مما يترتب عليه أثر شرعي.

إلاّ أن يقال : بأنّ تأكد الوجوب مجعول بعين جعله ، كما في الوجوب بالنسبة الى الندب ؛ وأمّا أصالة عدم تحقق الوجوب المؤكد بمفاد كان التامة وان كان بنفسه أثرا شرعيا إلاّ أنه لا يثبت به عدم التأكيد بعد تحقق السبب الثاني في شخص الوجوب المتحقق بالسبب الاول إلاّ بالمثبت.

نعم لا بأس بأصالة بقاء شخص الوجوب بحدّه لو شك في ارتفاعه بتحقق السبب الثاني فيما لو كان الشك في حصول التأكيد وعدمه.

وعلى الثاني : أي فيما لو شك في تداخل المسببات بعد القطع بتأثير كل من الاسباب في وجوب على حدة ، فلا اشكال في انّ الاصل بقاء الاشتغال بعد الامتثال بفرد واحد وعدم سقوطه إلاّ بفرد آخر. هذا كله فيما كان المسبب من الاحكام التكليفية.

وامّا اذا كان من الاحكام الوضعية مثل النجاسة كما لو وقع في البئر ما يوجب نزح أربعين دلوا من النجاسات ثم وقعت نجاسة اخرى من هذا الجنس أو من غيره يوجب نزح مقدار آخر لو كان منفردا ، فيشك في تأثيره فيه أيضا في حال

ص: 451

اجتماعه مع النجاسة الاولى وعدمه.

فان كان المراد من النجاسة مجرد التكليف من وجوب الاجتناب مطلقا ووجوب النزح في مثل البئر لا شيئا آخر غيره ، فلا اشكال في كون الاصل عدم حدوث التكليف بالنسبة الى نزح آخر زائدا على ما ثبت وجوبه.

وان كان المراد منها أمرا واقعيا ولو كان مجعولا ، بحيث يكون وجوب الاجتناب والنزح من آثاره فحينئذ نقول :

انّ النجاسة الحادثة بعد الاخرى على تقدير تأثير السبب الطارئ لمّا لم توجب وجودا آخر منها على الاقوى بل توجب شدة وجوبه بالنسبة الى النجاسة الاولى ، فالشك في التأثر يوجب الشك في التأكيد ، والاصل فيه - كما عن المشهور ، بعد ما عرفت من عدم جريان أصالة عدم التأثير وأصالة عدم التأكيد وأصالة عدم الوجود المؤكد ، لعدم صحة كل بوجه - هو بقاء النجاسة بوجودها السالف - لو شك في بقائه وارتفاعه بعد نزح الاربعين - باستصحاب الكلي من القسم الثاني ، لتردد الفرد الموجود قبل النزح بين الضعيف الزائل بنزح المقدار الاقل وبين الشديد الباقي بعده ، بل باستصحاب الشخص أيضا كما قرر في محله.

إلاّ أنّ التحقيق : حكومة أصالة بقاء النجاسة الشخصية - الثابتة قبل وقوع النجس اللاحق في البئر بحدّها الاوّلي وعدم حدوث الشدة فيها بالسبب اللاحق - على استصحاب النجاسة ، حيث انّ لازمه ارتفاعها بنزح الاقل ، ومع ذلك فلا وجه لما ذهب اليه المشهور في تلك المسألة باستصحاب النجاسة ، ولعل مقصودهم اجراء ذاك الاصل فيما كان الشك في تداخل المسببات بعد الفراغ عن تأثير الاسباب ولو لاجل اختلاف الآثار الكاشف عن تعدد التأثير ، وحينئذ : فاذا شك في ارتفاع النجاسة الحادثة بعد وقوع السبب الثاني في البئر فالمحكّم هو أصالة بقاء النجاسة بعد نزح الاقل ، إلاّ مع نزح زائد يوجب اليقين بالزوال.

ص: 452

فان قلت : انّ الشك في بقاء النجاسة وعدمها يكون مسببا من الشك في حكم تعليقي في المقام وهو طهارة البئر عن نجاسة الكلب على تقدير نزح الاربعين قبل وقوع النجاسة اللاحقة ، حيث انّه يشك في بقائها بنحو التعليق بعد وقوعها أيضا ؛ فباستصحاب الطهارة المتحققة سابقا بنحو التعليق فيما بعد الوقوع يرتفع الشك عن النجاسة السابقة ، لانه يعلم بارتفاعها بالنزح المذكور لقضية المسببية ، ولا اشكال في تقديم الاستصحاب التعليقي - في كل مورد يكون جاريا - على استصحاب الحكم الفعلي السابقي ، كما في تقديم استصحاب الحرمة على تقدير الغليان في حال الزبيبية بعد ثبوتها حال العنبية على استصحاب الاباحة السابقة فعلا.

قلت : انّ الاستصحاب التعليقي لا يجري ، لاختلاف الموضوع ، حيث انّ موضوعه هو النجاسة المحدودة بالنجاسة الكلبية بما هو كذلك - بحسب لسان الدليل والعرف والعقل - لا مطلق النجاسة ؛ ومن المعلوم انّ هذه النجاسة على تقدير اشتدادها بنجاسة حيوان آخر لا تكون موضوعة لها بما هي مشتدة.

وبعبارة اخرى : النجاسة المركبة من النجاستين ليست من موضوعه ، فلو حكمت بحكم آخر لما كان نقضا - للسابقة المحدودة بحد خاص - لا دليلا ولا عرفا ؛ ومن المعلوم انّه لا بد في الاستصحاب من صدق النقض والبقاء على تقدير رفع اليد عن الحكم والعمل به ، وحينئذ فيكون استصحاب بقاء النجاسة جاريا بلا معارض. نعم لو كان الشك في بقاء أصل الحكم التعليقي لنفس النجاسة الكلبية بعروض حالة في البئر بغير النجاسة ونحوه ، فالحكم هو استصحابه.

ولا يخفى : انّ ما ذكرنا من اختلاف الموضوع بالنسبة الى الحكم التعليقي لا ينافي ما هو التحقيق من عدم كون الاشتداد موجبا لتغير الوجود ، بل تبقى الوحدة معه أيضا لانه وان كان لم يوجب تعدد الوجوب دقة إلاّ أنّ الحكم التعليقي ليس

ص: 453

بثابت لذلك الوجود إلاّ بحدّه الخاص شرعا وعرفا ، فالوجود وان كان واحدا حقيقة إلاّ أنّ الموضوع كان مختلفا عرفا وشرعا.

ثم انّه لا يرد على ذلك بلزوم اختلاف الموضوع بالنسبة الى الحكم اللاحق أيضا ، لانّ الحكم الطارئ المقصود في المقام - مثل وجوب الاجتناب والنزح ونحوهما - هو من آثار بقاء مطلق النجاسة لا من آثار نجاسة خاصة ، بل يكون حكم نزحه داخلا في غير المنصوص فيأتي كل ما قدّر له من النزح.

360 - قوله : « الظاهر انّه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا ، لعدم ثبوت الوضع ».

360 - قوله : « الظاهر انّه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا ، لعدم ثبوت الوضع ». (1)

اعلم : انّه يمكن أن يكون الوصف الواحد في مقام الثبوت علة لثبوت نوع حكم في موضوع ، بحيث يدور الحكم في الموضوع مدار الوصف بلا بدل لهذا الوصف في مقام العلية فينتفي الحكم عند انتفائه ؛ ويمكن أن لا يكون الوصف علة أصلا ، أو لا تنحصر العلية فيه على تقديرها بل العلة هي الاوصاف المتعددة ، فلازمه عدم الانتفاء عند انتفائه.

واذا كان كذلك في مقام الثبوت فيقع النزاع في مقام الاثبات : في انّه اذا ثبت الحكم في القضية للموصوف بوصف سواء كان غير معتمد على الموصوف كما لو قال : « أكرم عالما » أو معتمدا عليه كما لو قال : « أكرم رجلا عالما » فهل يدل ذلك على انتفاء سنخ الحكم عند الانتفاء ، أم لا؟ قولان.

ثم انّ اثباته عند القائلين :

امّا بالوضع ، بأن تكون هيئة القضية الوصفية موضوعة لثبوت الحكم للموصوف معلقا على وصفه ثبوتا خاصا يكون لازمه ذلك.

ص: 454


1- كفاية الاصول : 244 ؛ الحجرية 1 : 169 للمتن و 1 : 174 للتعليقة.

وامّا بقرينة عامة دالة على ذلك.

وامّا محذور اللغوية ، بحيث لو لا الحمل على المفهوم لكان ذكره لغوا.

وامّا لكون المفهوم أظهر الفوائد.

ولكن الاقوى عدم تمامية هذه الوجوه.

امّا الوضع : فبعد ذكر الوصف في القضايا المتعددة التي لا مفهوم لها قطعا بل كان لفوائد اخرى بلا عناية فيها ولا ملاحظة علاقة - بل ولا التفات في غالب الموارد - بالمفهوم ؛ فدعواه بعيدة جدا ، بل ممنوعة.

وامّا القرينة العامة : فان كان منشؤها هي الغلبة فمنتفية لعدم غلبة للمفهوم على الفوائد الاخرى ، مع أنّ ملاحظتها ليس بالعناية أصلا.

وان كان الاطلاق بمقدمات الحكمة المتوقفة على كون المتكلم في مقام بيان تمام المناط للحكم في القضية كي يكون الاقتصار في هذا المقام على الوصف المذكور دالا على انتفاء سنخ الحكم ، فمع انّ احراز ذلك في غالب الموارد مشكل فكيف عن الجميع ؛ رجوع الى القول بعدم المفهوم ، حيث انّ ثبوت المفهوم في بعض الموارد عند تمامية مقدمات الحكمة ليس مما ينكر ولا بداخل في محل النزاع كما عرفت في مفهوم الشرط.

وامّا اللغوية : فتتوقف على انتفاء جميع الفوائد غير المفهوم ، وليس كذلك ، حيث انّه :

قد تكون الفائدة اختصاص الموصوف بذلك الحكم في مقام الثبوت ، لانحصار الموضوع فيه ثبوتا ، ولكنه ليس كذلك بمدلول للقضية.

وقد تكون الفائدة الاهتمام بالموصوف أو للعلم بحكم غيره في غير هذا المقام. نعم قد تكون الفائدة هو المفهوم أيضا.

وامّا كون المفهوم أظهر الفوائد : كالاسد الذي تكون الشجاعة من أظهر

ص: 455

فوائده ؛ ففيه :

انّ نفس الوصف من جملة فوائد الموصوف ، ولا معنى لثبوت فوائد له حتى يكون واحدا منها [ أو ] أظهرها ؛ إلاّ أن يرجع الى انّ المفهوم أظهر فوائد ذكر الوصف وهو - مع ما عرفت من اختلاف الموارد بحسب الفائدة وعدم الغلبة في واحد منها - محل تأمل بل منع.

والحاصل : انّ دعوى المفهوم في القضية [ الوصفية ] (1) غير بيّنة ولا مبينة ؛ ولا ينافي ذلك مع ما قرر من كون الاصل في القيود احترازية ، ولا مع ما قرر من حمل المطلق على المقيد ، حيث انهما يأتيان على القول بعدم المفهوم أيضا.

أما الاول : فلانّ كون القيود احترازية انما هو في مقام تحديد الموضوع فانّه في طرف المنطوق - سواء قلنا بالمفهوم أو بعدمه - يوسّع تارة ويضيق اخرى ، ولكن لو لحقه قيد فيوجب تضييقه دائما بناء على أصالة الاحتراز في القيود ، ولازم ذلك وان كان انتفاء الحكم الثابت للموضوع الخاص عن غيره إلاّ أنه ليس من المفهوم ، لما عرفت من انّ انتفاء شخص الحكم في المنطوق عقلي ولو مع كون المستعمل فيه للهيئة كليا ، حيث انّ الطبيعة الثابتة لشخص موضوع لا يعقل بقاؤها من حيث كونها ثابتة له عند انتفائه ، فلا ربط له بالمفهوم الذي هو مدلول اللفظ على القول به.

وأمّا الثاني : فلانّ حمل المطلق على المقيد - فيما اذا التزم به - انما هو فيما لو كان التكليف واحدا ، ولا اشكال في انّه مع وحدته تقع المعارضة :

بين ظهور دليل المطلق : في كون الموضوع لهذا التكليف هو المطلق الصادق على جميع الافراد الذي لازمه ثبوت الحكم لها بنحو التخيير العقلي.

ص: 456


1- في الاصل الحجري ( الشرطية ).

وبين ظهور دليل المقيد : في كون الموضوع لذلك هو خصوص المقيد ولو لم نقل بثبوت المفهوم له ؛ ولا اشكال في انّه بناء على أظهرية القيد لا بد من حمل المطلق عليه.

فالحاصل : انّ المفهوم في جميع الموارد لا دليل عليه. نعم قد يثبت ذلك في بعضها بالحكمة ، كما لو كان المتكلم في مقام البيان في مثل « في الغنم السائمة زكاة » (1) وحينئذ : فان كان في مقام بيانه بالنسبة الى افراد الغنم فيثبت المفهوم بالنسبة الى معلوفة الغنم فقط ، وان كان في مقام البيان بالنسبة الى كل ما يجب فيه الزكاة من الانعام فيدل على عدم وجوب الزكاة في المعلوفة من الابل أيضا ؛ وامّا السائمة منها فيبتني على استكشافه العلية المنحصرة بوصف السائمة بما هي بلا خصوصية في الغنم فيدل على وجوب الزكاة عن السائمة من غيرها أيضا.

ثم انّ المفهوم على القول به انما هو فيما اذا لم يكن الوصف واردا مورد الغالب - بأن يكون في أغلب افراد الموصوف - وإلاّ فيحمل على كون ذكره لمجرد التوضيح بالوصف الغالب ، لا أن يكون قيدا للحكم بحيث يوجب اختصاصه بدائرة الوصف. نعم يمكن أن لا يدل الكلام حينئذ على ثبوت الحكم في غير محل الوصف الغالب أيضا ، حيث انّ ذكره - على تقدير التنزل عن المفهوم - لا يدل على الثبوت في غيره.

وعلى هذا : فيشكل اثبات الحرمة في مثل قوله تعالى : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ ) (2) لغير ذوات الحجور.

لانه يدفع : بأنّ اثباته انما هو من جهة تعلق الحرمة بقوله : ( رَبائِبُكُمُ ) ولا

ص: 457


1- عوالي اللآلي 1 : 399 المسلك الثالث الحديث 50 ؛ ولم نعثر عليه في مصادر الحديث. وفي دعائم الاسلام 1 : 257 في ( ذكر زكاة المواشي ) بلفظ : « الزكاة في الابل والبقر والغنم السائمة ... الخ ».
2- سورة النساء : 23.

يخفى انّ الجمع المضاف من ألفاظ العموم ، فبعد عدم تضييق دائرته بالوصف يكون عمومه بحاله.

ثم انّ ما ذكرنا في مفهوم الشرط - من كون المنفي في طرف المفهوم ما هو المهم تعليقه عليه لا غيره - يجري فيما نحن فيه أيضا ، كما في مثل قولك : « الماء الكر لم ينجسه شيء » حيث انّ الوصف قد يكون علة لاصل الحكم الكلي فيكون مفهومه سالبة كلية ، وقد يكون علة لعموم الحكم لا لاصله فيكون المنفي رفع الايجاب الكلي بحيث لا [ يتنافى ] (1) مع الايجاب الجزئي أيضا.

361 - قوله : « لو لم نقل بأنه الاقوى لكونه بالمنطوق ».

361 - قوله : « لو لم نقل بأنه الاقوى لكونه بالمنطوق ». (2)

فيه : انّ مجرد كونه بالمنطوق لا يوجب كونه أقوى من المفهوم [ بعد ] (3) كون كل منهما بمقدمات الحكمة. نعم لو كان بالوضع لكان ذلك كذلك ، لا مطلقا كما لا يخفى.

362 - قوله : « وأمّا في غيره ففي جريانه اشكال ... الخ ».

362 - قوله : « وأمّا في غيره ففي جريانه اشكال ... الخ ». (4)

أي في غير الوصف الاخص سواء كان مساويا للموصوف ، أو أعم مطلقا منه ، أو أعم منه من وجه في غير مورد الموصوف اذا كان فاقدا للوصف.

وجه الاشكال : انّ الموضوع في القضية هو الموصوف المذكور فيها ، فاذا كان أعم من الوصف يكون تعليق الحكم فيه عليه دالا على انتفائه عند انتفاء وصف عن الموضوع المذكور فيها كما هو شأن المفهوم على القول به.

وامّا غير ذلك الموصوف عند فقدانه الوصف - كما في سائر الصور - فلا ،

ص: 458


1- في الاصل الحجري ( ينافي ).
2- كفاية الاصول : 245 ؛ الحجرية 1 : 169 للمتن و 1 : 176 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( بعدم ).
4- كفاية الاصول : 245 ؛ الحجرية 1 : 169 للمتن و 1 : 176 للتعليقة.

لعدم كونه مذكورا في القضية حتى يدل على انتفائه عنه.

وجه الدفع : انّ المتكلم :

ان كان بصدد بيان علة الحكم في خصوص الموصوف فلا يدل إلاّ على الانتفاء في خصوصه.

وان كان بصدد بيان تمام ما هو الموضوع للحكم مطلقا فيدل على انتفائه عن غير مورد الوصف ولو كان غير الموصوف المذكور في القضية.

ولا فرق في ذلك بين كون الوصف مساويا للموصوف ، أو أعم منه مطلقا ، أو من وجه بالنسبة الى غير الموصوف ؛ لانّ البناء :

ان كان هو ذكر الموضوع ؛ فهو منتف في جميع الصور.

وان كان فقدان الوصف مطلقا ، فهو متحقق في الجميع أيضا ؛ فيختلف الحكم بحسب اختلاف الموارد.

363 - قوله : « لانسباق ذلك منها كما لا يخفى ».

363 - قوله : « لانسباق ذلك منها كما لا يخفى ». (1)

هذا بناء على كون المغيّا هو السنخ والطبيعة حتى تدل الغاية على انتفاء السنخ لا الشخص ، حتى يكون انتفاؤه عن غير مورد المغيّا عقليا ، لا لفظيا مدلولا عليه بالكلام كما عرفت مرارا.

وتوهم : كون الحكم شخصيا اذا كانت الدلالة عليه بالصيغة - من جهة كون الموضوع له والمستعمل فيه أو خصوص الاخير فيها شخصيا - كما في الحروف.

مدفوع : بما عرفت : من انّ المستعمل فيه في الحروف ونظائرها عام ، فلا بأس في دلالة الغاية على انتفاء السنخ فراجع.

364 - قوله : « وان كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به ».

364 - قوله : « وان كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به ». (2)

ص: 459


1- كفاية الاصول : 246 ؛ الحجرية 1 : 170 للمتن و 1 : 177 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 246 ؛ الحجرية 1 : 170 للمتن و 1 : 177 للتعليقة.

ولكن الظاهر انّ التحديد اذا كان بملاحظة الحكم يكون دالا على انتفاء سنخه عن غير مورد المغيّا ، لدلالته على المغيّا ، وإلاّ لكان بملاحظة حكمه كما لا يخفى.

ثم انّه لا بد من كون مدخول الاداة - مثل كلمة ( حتى ) و ( الى ) - نهاية للمغيّا ، سواء كان نهاية حقيقة كما لو كان هو الجزء [ الاخير ] (1) الحقيقي له بحيث [ ينفد بنفاده ] (2) أو نهاية مسامحة بأن تكون له اجزاء كما في قولك : « سرت الى الكوفة » حيث انّ كون الكوفة نهاية انما هو من باب المسامحة.

365 - قوله : « وهو أنها هل هي داخلة في المغيّا بحسب الحكم ، أو خارجة عنه؟ ».

365 - قوله : « وهو أنها هل هي داخلة في المغيّا بحسب الحكم ، أو خارجة عنه؟ ». (3)

وبعبارة اخرى : هل يكون مدخول مثل كلمة ( حتى ) و ( الى ) داخلا في الموضوع بحيث تكون النهاية المدلول عليها منتزعة حينئذ عن الجزء [ الاخير ] (4) منه؟ كي لا ينافي ما اتفق عليه من كونهما للنهاية ، أو خارجا عنه؟

حتى تكون النهاية المذكورة منتزعة عن الجزء الآخر للمغيّا المقارن للجزء الاول من المدخول ، وحينئذ فجعله نهاية بلحاظ مجاورته لما ينتزع عنه وهو الجزء الاخير.

والحق أن يقال : انّ المدخول :

ان كان من قبيل الاول الذي عرفت كونه جزءا أخيرا للمغيّا ، فلا اشكال في دخوله فيه موضوعا ، لكون الجزء داخلا في الكل.

ص: 460


1- في الاصل الحجري ( الآخر ).
2- في الاصل الحجري ( ينفذ بنفاذه ).
3- كفاية الاصول : 247 ؛ الحجرية 1 : 170 للمتن و 1 : 177 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( الآخر ).

وان كان من قبيل الثاني ، فالظاهر انّه عند عدم القرينة على كل من الدخول والخروج هو الخروج ، كما يظهر بالتأمل في موارد استعمال كلمة ( حتى ) و ( الى ) في العرف ، بحيث يكون الدخول بدون القرينة خلاف الظاهر بالنسبة اليهما كما في قولك : « سرت الى باب الصحن » أو « باب فلان » أو « داره » أو « الى البصرة » حيث انّه تصدق هذه الاستعمالات - بلا عناية وقرينة - على مجرد السير الى مقارن الجزء الاول للمذكورات بلا دخول فيها.

بخلاف ما لو كان المراد هو الدخول فانّه يحتاج الى القرينة ولو من جهة كون المدخول هو الجزء الاخير ؛ إلاّ أن يدّعى عدم العناية في موارد الدخول أيضا ، فتكون الكلمتان للقدر المشترك بينهما وهو النهاية للمغيّا سواء كان ذلك بأول جزء من المدخول أو بآخر جزء منه ؛ ولو كان الظاهر عند الاطلاق هو الخروج.

366 - قوله : « فصل : لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلبا أو ايجابا بالمستثنى منه ».

366 - قوله : « فصل : لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلبا أو ايجابا بالمستثنى منه ». (1)

أقول : كما لا شبهة في استفادة الحصر مما يدل عليه بمادته اسما من لفظ ( القصر ) و ( الحصر ) وغيرهما من افادتهما لغة ، أو من سائر اللغات ؛ كذلك لا شبهة في استفادته من كلمة الاستثناء ، يعني من كلمة ( إلاّ ) خلافا لابي حنيفة (2) قائلا : بعدم تعرضه لحكم المستثنى نفيا واثباتا ، وانما يدل على خروجه من شخص الحكم في المستثنى منه ، مستدلا بقوله صلی اللّه علیه و آله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (3) فانّه يدل على نفي الصلاة في صورة فقدان الطهارة لا على اثباتها بوجودها ، وإلاّ لزم صدقها عليها

ص: 461


1- كفاية الاصول : 247 ؛ الحجرية 1 : 170 للمتن و 1 : 178 للتعليقة.
2- شرح المختصر للعضدي 1 : 264 السطر 25 وص 265 السطر 4.
3- وسائل الشيعة 1 : 261 أبواب الوضوء ، باب وجوب الطهارة عند دخول وقت الصلاة ، الحديث 1.

ولو لم يكن معها سائر الاجزاء والشرائط أصلا ، وهو باطل.

وقد اجيب : بكون الحصر في طرف الاثبات اضافيا ، بأن يكون المراد في طرف المستثنى اثبات الصلاة من حيث الطهارة لا مطلقا كي يدل على صدق الصلاة بمجرد الطهارة.

ولكنه مدفوع : بأنّ صدق المركبات بمجرد وجود جزء منها مع انتفاء اجزائها الآخر ركيك ، لصدق انتفائها - بقول مطلق - مع انتفاء جزء منها ، وهو ينافي صدقها اضافيا بمجرد جزء منها.

والأولى أن يجاب : بأنّ الموضوع في المركبات - في مقام اثبات جزء أو شرط لها - هو الواجد لجميع الاجزاء والشرائط ، غير ما اريد اثباته لها ولو بلسان بيان انتفائها بانتفائه كما هو الظاهر من تتبع الموارد ؛ واذا كان كذلك فيكون اثبات الصلاة - بنفسها على الصحيحي وبوصف صحتها على الأعمي - بعد تحقق جميع اجزائها وشرائطها بمجرد تحقق الطهارة حقيقية ، وانتفائها بانتفائها حقيقية أيضا كما هو ظاهر.

أو يجاب : بكون المستثنى هو الايجاب الجزئي في مقام السلب الكلي في طرف المنطوق ، كما في ما لم يحرز كون الشارع في مقام البيان إلاّ بالنسبة الى جملة المستثنى منه.

ولكن الظاهر انّ دلالة كلمة ( إلاّ ) على الحصر مما لا شبهة فيه ، ويدل عليه - مضافا الى التبادر - دلالة كلمة ( إلاّ ) الدالة على الاسلام المتوقف على التوحيد.

ودعوى : كون ذلك بالنقل شرعا أو مجازا ، مدفوعة : بكون الاستعمال في المقام وغيره بمعنى واحد بلا عناية في البين كما هو الظاهر.

ثم انّه هل تحتاج كلمة ( لا ) الى تقدير خبر لها من مثل ( موجود ) و ( ممكن ) ونحوهما بناء على أن يكون للنفي الربطي بمعنى ليس الناقصة أو لا؟ بناء على قول

ص: 462

الصحيحي على أن يكون للنفي المحمولي بمعنى ليس التامة غير المحتاجة الى الخبر ، بأن يجعل اسما معنى وان استعمل حرفا لفظا وعملا؟ وجهان.

لا يبعد الثاني منهما في استعمالاتها في غالب الموارد عرفا في مثل ( لا رجل ) و ( لا مال ) ونحوهما.

367 - قوله : « والاشكال في دلالتها عليه بأنّ خبر ( لا ) اما يقدر ( ممكن ) أو ( موجود ) ».

367 - قوله : « والاشكال في دلالتها عليه بأنّ خبر ( لا ) اما يقدر ( ممكن ) أو ( موجود ) ». (1)

أقول : يرد عليه هذا الاشكال بناء على عدم الخبر أيضا ، نظرا الى كون مادة القضية هو الامكان أو الفعلية.

ولكنه يدفع : بأخذ الإله اسما لمفهوم واجب الوجود واسم الجلالة علما للشخص الواجب الوجود المستجمع لجميع الكمالات ، ولا اشكال في أنّ انحصار مفهوم واجب الوجود وحقيقته في شخص واحد على أي التقديرين يدل على نفي امكان وجوب الوجود عن غيره تعالى وإلاّ لكان ضروري الوجود ؛ كما أنه يستلزم الفعلية لذلك الشخص وإلاّ لكان ممكن الوجود كما لا يخفى.

ثم [ هل ] انّ دلالة كلمة ( إلاّ ) على ما ذكرنا بالمنطوق؟ بناء على أن تكون بنفسها دالة على قضية اخرى مخالفة لقضية المستثنى منه منضمة اليها ، وعرفت انّ المفهوم هو المعنى اللازم لمعنى خاص آخر ، لكونه في طوله لا في عرضه.

أو بالمفهوم؟ بناء على دلالة مجموع القضية على كون الحكم الثابت في المستثنى منه متخصصا بخصوصية وهو اختصاص الحكم الايجابي أو السلبي فيه للموضوع المأخوذ فيه المستلزمة لثبوت خلاف ذاك الحكم للمستثنى ؛ وجهان.

أظهرهما الثاني ، حيث انّ ظاهر كلمة « لا إله إلاّ اللّه » بمجموعها اختصاص

ص: 463


1- كفاية الاصول : 248 ؛ الحجرية 1 : 171 للمتن و 1 : 179 للتعليقة.

نفي الالوهية بغير اللّه تعالى فيدل على ثبوتها له تعالى بالمفهوم.

ولا يخفى يمتنع ان ما ذكرنا من جهة كلمة ( إلاّ ) مرادفة الاختصاص من جهة دلالتها على نحو ترتب الحكم على موضوعه يكون حاصله الاختصاص به على الحصر كلمة ( بل ) الآخر فيه.

368 - قوله : « وربما يعدّ مما دل على الحصر كلمة ( بل ) الاضرابية ».

368 - قوله : « وربما يعدّ مما دل على الحصر كلمة ( بل ) الاضرابية ». (1)

أقول :

قد يكون العطف في الاثبات فيدل على كون الحكم ثابتا للمعطوف مثل المعطوف عليه.

وقد يكون في النفي فيدل على ثبوت ضد الحكم وهو الاثبات للمعطوف عليه مثل قولك : « ما قام زيد بل عمرو ».

وقد يكون للترقي كما هو واضح.

وقد يكون للاضراب بمعنى الإعراض عن اثبات الحكم للسابق في الذكر والقصد الى اثباته للمذكور بعدها ؛ وحينئذ يكون ذكر السابق :

تارة : لمجرد الغلط سواء كان منشؤه سبق اللسان أو النسيان ، فلا اشكال في عدم دلالته على الحصر.

واخرى : توطئة للاضراب وهو قد يكون أيضا لمجرد تحقق الحكم وتثبيته في مدخول كلمة ( بل ) بهذا التعبير في مقام الاثبات بلا تعرض للنفي عن غيرها ثبوتا.

واخرى : يكون لاثبات حصر الحكم فيه واقعا فيدل على الحصر.

وحينئذ فيختلف الحكم بحسب اختلاف الموارد ، فلا بد في تعيين خصوصية

ص: 464


1- كفاية الاصول : 249 ؛ الحجرية 1 : 171 للمتن و 1 : 180 العمود 1 للتعليقة.

[ الحصر من ] (1) قرينة اخرى من مقام أو لفظ ونحوهما لا مطلقا.

369 - قوله : « ومما يفيد الحصر - على ما قيل - تعريف المسند اليه باللام ».

369 - قوله : « ومما يفيد الحصر - على ما قيل - تعريف المسند اليه باللام ». (2)

ولا يخفى : انّ المدّعى دلالته عليه في غير ما كان في البين قرينة لذلك من مبالغة في المدح واثبات الكمال كما في ( أنت الرجل ) بحيث يستكشف منه الحصر الادّعائي.

ثم انّه لو كان المراد من تعريف المسند اليه الاستغراق فالظاهر عدم الاشكال في افادته الحصر الحقيقي - لو لا القرينة على كونه لمجرد الادّعاء ويكون التعبير بالمعرّف للتوسع والتفنن في العبارة - كما انّه يكون حمل المعرّف الاستغراقي قرينة لعدم فرد له غير المحمول.

واما لو كان المراد الجنس فلا يدل على العموم ، إلاّ اذا اريد من الجنس - المشار اليه بالاشارة الذهنية - المتحد معه وجوده السعي ، وإلاّ فلو اريد من الحمل مجرد الاتحاد مع وجود الطبيعة المهملة فلا يدل على العموم ، ضرورة عدم دلالة مجرد الاتحاد على الحصر.

واما ارادة الحمل الذاتي من هذه الموارد وان كان يفيد الحصر أيضا إلاّ أنه لا يخفى فساده ، ضرورة ظهور كون الحمل فيها شائعا لا ذاتيا.

ص: 465


1- في الاصل الحجري ( الحصرين ).
2- كفاية الاصول : 249 ؛ الحجرية 1 : 171 للمتن و 1 : 180 العمود 1 للتعليقة.

ص: 466

المقصد الرابع: العام والخاص

اشارة

ص: 467

ص: 468

المقصد الرابع

في

العام والخاص

370 - قوله : « فصل : قد عرّف العام بتعاريف ... الخ ».

370 - قوله : « فصل : قد عرّف العام بتعاريف ... الخ ». (1)

الظاهر عدم الاحتياج الى تعريفه لانّه - مضافا الى وضوح معناه المتعارف عند الاصولي بالنسبة الى الاستيعاب الشمولي مثلا - لا يترتب على تعريفه ما يترتب على تعريف غيره من الالفاظ المصطلحة بينهم ، من كونه ضابطا لجزئيات محدودة وموجبا لمعرفة افرادها وتميّزها عن غيرها ، حيث انّ معرفة الالفاظ الدالة على العموم معلومة ومحصورة بنفسها من غير حاجة الى الضابط.

وعلى تقدير الشك فيها لا يرتفع ذلك ببيان الضابط بل يبقى على ما هي عليه من الشك في الافادة وعدمها ، وحينئذ فلا مقصود لهم من التعريف إلاّ بيان جامع بالنسبة الى الموارد المعلومة ، وهو غير مفيد فائدة مهمة كما لا يخفى.

371 - قوله : « فصل : لا شبهة في انّ للعموم صيغة تخصه لغة وشرعا ».

371 - قوله : « فصل : لا شبهة في انّ للعموم صيغة تخصه لغة وشرعا ». (2)

ص: 469


1- كفاية الاصول : 252 ؛ الحجرية 1 : 172 للمتن و 1 : 180 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 253 ؛ الحجرية 1 : 173 للمتن و 1 : 180 العمود 1 للتعليقة.

أقول : ان ما يمكن أن [ يتنازع ] (1) فيه مقامان :

الاول : في وجود صيغة خاصة له ، بلا اشتراك بينه وبين الخاص وضعا وعدمه.

والثاني : في ظهورها ، مما يثبت وضعه له في موارد الاستعمال وعدمه ، من جهة قرينة عامة صارفة أو موجبة لعدم انعقاد الظهور فيه.

امّا المقام الاول : فالظاهر انّه لا ريب في ثبوت الوضع بالنسبة الى بعض الالفاظ بخصوصه بلا اشتراك بينه وبين الخصوص بلا احتياج في اثباته الى التبادر ونحوه ، لما عرفت في محله من لزوم انتهاء التبادر - المفتقر اليه في اثبات الوضع - الى العلم اجمالا وارتكازا ، وامّا مع العلم به تفصيلا مقام الاجمال فلا يحتاج اليه بل هو مقدم عليه كما لا يخفى.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، لوضوح العلم التفصيلي بالوضع بالنسبة الى بعض الالفاظ بحيث لا تعتريه شبهة أصلا.

وامّا المقام الثاني : فقد قيل بعدم ظهور الفاظ العموم فيه ، لغلبة التخصيص وشيوعه حتى قيل : « ما من عام إلاّ وقد خص » فيكون غير ما علم فيه التخصيص في معرضه أيضا ، فلا يتحقق له ظهور فيه أصلا.

ولكنه يدفع : بأنّ ذلك مسلّم لو كانت الغلبة في المخصصات المتصلة امّا لو كانت في المنفصلات كما هو كذلك فلا ، حيث انّه لا يوجب عدم الاستعمال فيه ولو لضرب القاعدة كما قرر في محله ، وحينئذ نقول : انّ الفاظ العموم مستعملة فيه غالبا - ولو كان المراد منها خاصا - بالارادة الجدّية لا الاستعمالية ، لكون المراد منها هو العموم ضربا للقاعدة.

ص: 470


1- في الاصل الحجري ( ينازع ).

والذي يثمر في الظهور هو غلبة التخصيص بالارادة الاستعمالية وهو منفي في المقام ، مع أنه يمكن أن يقال بذلك في التخصيص بالمتصل أيضا ، بناء على كون ارادة الخاص بتعدد الدال والمدلول في مدخول مثل ( كل ) و ( اللام ) ويكونان مثلهما مستعملين طبيعة مقيدة ، وفي المنفصل طبيعة مطلقة ؛ إلاّ أنّ كلمة ( اللام ) و ( كل ) باقيان على العموم والشمول إلاّ أن تقوم قرينة على ارادة البعض من لفظ ( كل ) مثلا فتكون مجازا في الخاص.

ومجرد ذلك في بعض الاحيان لا يصلح قرينة عامة صارفة لظهورها في العموم كما هو واضح.

372 - قوله : « ولا الى انّ التخصيص قد اشتهر وشاع ... الخ »

372 - قوله : « ولا الى انّ التخصيص قد اشتهر وشاع ... الخ » (1).

اشارة الى النزاع في المقام الثاني الذي عرفته.

373 - قوله : « فصل : ربما عدّ من الالفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي ».

373 - قوله : « فصل : ربما عدّ من الالفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي ». (2)

لما فرغ عن اثبات أصل الوضع في الجملة شرع في الصغريات.

ولا اشكال في وضع كلمة ( كل ) والجمع المحلى باللام للعموم ، وامّا غيرهما : من الجمع المضاف والمفرد المحلى باللام والنكرة في سياق النفي ، فالظاهر عدم وضعها للعموم وان كانت مفيدة له بالحكمة في بعض الموارد لعدم ثبوت أمارة الوضع من التبادر ونحوه في المذكورات ، امّا في الاولين فواضح ، وامّا في الاخير فكذلك حيث انّ المتيقن في مدخول النفي في مثل ( لا رجل ) ونحوه هو الوضع للجنس ، وفيه هو الوضع للنفي ، وامّا العموم فلا دليل عليه.

نعم يمكن اثباته فيه عقلا بعد اثبات كون المدخول هو الطبيعة المرسلة

ص: 471


1- كفاية الاصول : 253 ؛ الحجرية 1 : 173 للمتن و 1 : 173 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 254 ؛ الحجرية 1 : 173 للمتن و 1 : 180 العمود 2 للتعليقة.

بالحكمة لا المهملة والمقيدة ، لمنافاتهما لها ، لعدم صدق نفي الطبيعة المطلقة إلاّ بنفي جميع افرادها ، فدلالة النكرة المنفية على العموم انما هو بمقدمات الحكمة - في المدخول - وحكم العقل على عدم صدق النفي إلاّ بنفي الجميع ، لا بالوضع ، هذا.

مع انّ افادة لفظ ( كل ) العموم تحتاج الى مقدمات الحكمة بالنسبة الى مدخوله أيضا باثبات كونه هي الطبيعة المرسلة ، لا المهملة والمقيدة وان كان الفرق : بكون الدلالة على العموم بعد ذلك بالوضع في كلمة ( كل ) وبالعقل في كلمة ( النفي ) كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال : بعدم الاحتياج الى الحكمة بالنسبة الى مدخولهما ، بدعوى : كون كلمة ( كل ) وكلمة ( لا ) للعموم بالنسبة الى ما يصلح أن يراد من المدخول في الاولى ونفيه كذلك في الثانية ، ولكنه محل تأمل.

وعلى أي حال ، فلو ثبت العموم في لفظ وضعا كما في الجمع أو حكمة كما في غيره يكون المخصص الوارد عليه :

امّا بالمنفصل ، فلا يوجب المجاز بالنسبة اليه ولا صرف ظهوره المنعقد فيه بالاستعمال كما سيأتي.

وامّا بالمتصل ، وهو يكون :

تارة : من قبيل القيود والصفات الراجعة الى مدخول أدوات العموم ولا اشكال في كونها مانعة عن انعقاد الظهور في العموم ، إلاّ أنها لا توجب المجاز أصلا امّا بالنسبة اليها فواضح بعد ما عرفت من كونها لعموم مدخولها مطلقا كان أو مقيدا كما فيما نحن فيه ، وامّا بالنسبة الى المدخول فلكون الخصوصية مرادة من نفس القيود بتعدد الدال والمدلول لا من المدخول ، بدعوى كون القيود قرينة لارادة الخصوصية منه أيضا لعدم الاحتياج اليه ، فلا تنثلم أصالة الحقيقة فيه.

ص: 472

واخرى : يكون من قبيل الاستثناء وما يشابهه فيكون قرينة على عدم ارادة العموم من أدواته ، بل البعض مجازا فيوجب المجازية فيها على اشكال فيه ، بل يمكن اجراء حكم القرينة المنفصلة ودعوى الظهور في العموم كما سيظهر [ قريبا ]. (1)

وما ذكرنا من الوجهين في ذكر القيود لا فرق فيه بين المفرد المحلى باللام ، و ( كل ) ، والنكرة المنفية ، والجمع المحلى باللام كما لا يخفى.

374 - قوله : « فصل : لا شبهة في أنّ العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي ».

374 - قوله : « فصل : لا شبهة في أنّ العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي ». (2)

ويذكر في وجه الحجية امور :

منها : ما قيل بكونه من جهة كون تمام الباقي أقرب المجازات الى المعنى العام.

وفيه : أنّ الاقربية المعتبرة في تعيين المعنى المجازي [ هي ] ما كانت موجبة لشدة الانس بينه وبين اللفظ [ و ] توجب انصرافه اليه عند القرينة على عدم ارادة الحقيقة ولا يحصل ذلك إلاّ بكثرة الاستعمال ؛ ولا الاقربية الاعتبارية التعمّلية غير الموجبة لذلك كما في المقام.

مضافا الى اختلاف الباقي بعد التخصيص في العمومات ؛ فلا مرتبة خاصة للاقربية يدّعى انصراف لفظها اليه عند صرفها عن العموم كما هو واضح.

ومنها : ما قيل : بأنّ الظهور فيما بقي [ هو ] من جهة كونه معنى حقيقيا أيضا ، حيث انّ العام الاستغراقي بمعنى العموم والشمول.

وفيه : مضافا الى بطلانه بعد البناء على كون صيغة العام حقيقة في العام

ص: 473


1- في الاصل الحجري ( آنفا ).
2- كفاية الاصول : 255 ؛ الحجرية 1 : 174 للمتن و 1 : 181 العمود 1 للتعليقة.

الاستغراقي ومجازا في غيره ؛ انّه يستلزم كون العام حقيقة لو استثني منه جميع افراده الى أن يبقى أقل مراتب الشمول من اثنين أو ثلاثة ، وحينئذ فيكون بعد الاخراج مجملا أيضا ، لتعدد الحقائق كما لا يخفى.

ومنها : ما حكي عن الشيخ (1) قدس سره - بعد تسليم مجازية الباقي - وهو : انّ دلالة العام على كل فرد من افراده غير منوط بدلالته على فرد آخر ولو كانت مجازية ، إذ هي انما هو بواسطة عدم شموله للفرد الخارج ، لا بواسطة شموله للباقي ، فالمقتضي للحمل عليه موجود وهو الدلالة الاصلية والمانع انما هو بالنسبة الى الخارج وحده ، فيبقى في دلالته على تمام الباقي بحاله.

وفيه :

انّه مجمل المراد ، حيث انّ المراد :

لو كان هو الدلالة المستندة الى الوضع لكل واحد ، فلا وجه له بعد تسليم المجازية واختصاص الوضع بخصوص الاستغراق ؛ مع أنه على تسليمه يكون الصالح لدلالته عليه بالوضع متعددا ، فلا يرتفع الاجمال.

هذا مضافا الى عدم الاشكال في فساد القول بدلالة مستقلة لكل واحد بعد تسليم الوضع للعموم ، حيث انّه معنى اجمالي يشمل جميع افراده استغراقا ويكون الوضع والدلالة على كل من افراده في ضمنه تبعا [ فتناط ] (2) الدلالة عليه على الاستعمال فيه والدلالة عليه ، وبعد انتفاء تلك الدلالة في مورد التخصيص فكيف تبقى الدلالة التبعية بالنسبة اليها؟

وإن كان المراد : انّ الدلالة على كل واحد انما كانت موجودة حين الدلالة على المعنى العمومي فيبقى بعد ارتفاعه بالنسبة اليها.

ص: 474


1- مطارح الانظار : 192 السطر 17 - 21 والطبعة الحديثة 2 : 132.
2- في الاصل الحجري ( فينوط ).

ففيه : انها كانت تابعة للدلالة عليه فكيف تبقى بعد ارتفاع المتبوع؟

وان كان المراد ما نذكره في المخصص [ قريبا ] (1) ففيه : انّه مناف للتصريح بالمجازية كما سيظهر.

والأولى أن يجاب :

بأنّ المخصص ان كان منفصلا فلا يوجب المجازية في دليل العام ولا ارتفاع ظهوره [ الاستغراقي ] (2) حيث انّه كان المراد في العموم بالارادة الاستعمالية لضرب القاعدة كي يكون دليل العام حجة من المولى للعبد ، وعليه في المورد المشكوك والمنفصل انما يصادم الارادة الجدّية بمقدار دلالته ، وفي غيره تبقى الارادة الاستعمالية والظهور بحالهما في كونهما طريقين الى الارادة الجدّية ما لم تقم حجة اخرى على الخلاف ، والمفروض انتفاؤها في غير الخاص ؛ والحجية في كل ما يشمله ظهوره ليس من منوط بالحجية في غيره كما كان كذلك في أصل الظهور. ولعل ما ذكرناه من الحجية في المنفصل هو مراد الشيخ رحمه اللّه لكنه عرفت عدم انطباق كلامه عليه.

وامّا ان كان المخصص متصلا : فان كان من قبيل القيود والصفات الموجبة لتقييد العام فينعقد ظهوره فيما بقي بلا مجاز فيه أصلا لكون التضييق بتعدد الدال والمدلول لا في ارادة العام ، لكونها دالة على العموم بالنسبة الى افراد الطبيعة المقيدة.

وان كان من قبيل الاستثناء فيحتمل أن يكون نظير القيود الأخر قرينة على تقييد العام بلا انثلام في العموم المستفاد من الادوات ، غاية الامر يكون العموم في افراد الطبيعة المقيدة لا المرسلة ، فلا مجاز فيها أيضا.

ص: 475


1- في الاصل الحجري ( آنفا ).
2- في الاصل الحجري ( الاستقراري ).

ويحتمل أن يكون حاله حال المخصص المنفصل في كون لفظ العام مستعملا في العموم توطئة للاخراج بالاستثناء ، ولكنه يكون الاستثناء فيما نحن فيه قرينة على كون الموضوع هو الباقي بعد ما خرج عنه بأن يكون الاسناد والحكم بعد الاخراج عن العام المستعمل في العموم توطئة ، بخلاف المنفصل ، لكون الحكم فيه مستندا الى العام بعمومه كما هو ظاهر.

ويحتمل أن يكون كالمنفصل حتى في اسناد الحكم الى العام ، لضرب القاعدة ، ولكنه بعيد.

وعلى أي حال فلا مجاز في العام بعد التخصيص بالنسبة الى ما بقي بعد أصلا.

375 - قوله : « فصل : اذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا بأن كان دائرا بين الاقل والاكثر ». (1)

أقول : امّا ان كان المخصص المجمل من قبيل القيود المتصلة بالعام فيوجب سراية الاجمال اليه حيث انّه يكون العام بقيده المتصل به ، لما عرفت من صيرورته مجملا وغير قابل للحجية أصلا.

وامّا ان كان من قبيل المنفصل فلا يوجب سراية الاجمال بالنسبة اليه بعد ما عرفت من عدم ايجابه لارتفاع ظهوره ، بل العام باق على ظهوره في العموم ؛ وكذا لو كان المخصص معلوما من حيث المفهوم اذا كان مشتبها.

نعم يكون المنفصل موجبا لتضييق دائرة حجيته ، وهو انما يصح بالنسبة الى ما كان حجة فيه لا بالنسبة الى ما كان مجملا فيه ، كما لو كان المخصص بلفظ ( الفاسق ) المردد بين المرتكب للكبيرة فقط أو المرتكب للصغيرة أيضا ، فيشك

ص: 476


1- كفاية الاصول : 258 ؛ الحجرية 1 : 175 للمتن و 1 : 181 العمود 2 للتعليقة.

في فسق المرتكب للثاني بعد العلم بفسق المرتكب للاول ، فحيث لم يكن المخصص حجة بالنسبة اليه فيبقى ظهور العام حجة بالنسبة اليه بعد بقاء ظهوره في عمومه لافراده.

وامّا الاستثناء فالظاهر انّه من قبيل المتصل لا المنفصل فيوجب الاجمال في العام لو كان المستثنى مجملا ، فلا ينعقد له ظهور في العموم.

هذا كله في المردد بين الاقل والاكثر.

وامّا المردد بين المتباينين فلا اشكال في عدم حجية العام بالنسبة اليه مطلقا ، للاجمال ، أي سواء كان متصلا أو منفصلا وهو واضح.

وامّا لو كان المخصص مشتبها مصداقا لا مفهوما :

فان كان بين المتباينين فلا اشكال في عدم الحجية أصلا.

وان كان بين الاقل والاكثر ، فان كان بالمتصل فواضح ، لعدم احراز جزء العنوان المأخوذ في موضوع الحكم كما لو كان أصل عنوان العام مجملا في نفسه.

وامّا لو كان بالمنفصل ، فقد يتوهم الحجية ، لعدم حجية الخاص بالنسبة الى الفرد المشكوك دخوله تحته كي يوجب تخصيص العام.

ولكنه وهم حيث انّ المخصص وان لم يكن حجة في الفرد المشكوك ، إلاّ أنه حجة في بيان مراد المولى من العام بأنّ الارادة الجدّية [ هي ] في غير ما انطبق عليه عنوان الخاص ، فيعلم انّ المراد الجدي فيه غير عنوان الخاص.

والمراد الاستعمالي وان كان أوسع من ذلك إلاّ انّه خرج عن الحجية بمقدار عنوان الخاص ، فالفرد المشكوك لم يحرز انه من العنوان الباقي أو الخارج ، فلا يكون حجة فيه.

ومجرد بقاء الظهور لا يجدي في الحجية بعد تضييق دائرة الحجية ؛ ولا يرد ذلك في المخصص المجمل مفهوما ، لعدم خروج العام بسببه عن الحجية إلاّ في

ص: 477

المقدار الذي كان الخاص في نفسه حجة في مفهومه وهو المقدار المتيقن.

وامّا المخصص المشتبه مصداقا المبيّن مفهوما فهو حجة في نفس عنوانه الكلي فيوجب تخصيص العام بغير عنوانه ، فلا بد من احراز الباقي حتى يتمسك به.

والسرّ : انّ عنوان الخاص يكون أظهر عند العرف في تعيين المراد الواقعي [ من ] (1) العام ، فيوجب التوقف عن التمسك في الفرد المشكوك مصداقا عندهم ، إلاّ مع العلم بدخوله في الباقي ؛ وليس كذلك المخصص المشتبه المفهوم لعدم العلم بمفهومه وطريقيته الى الواقع ، فكيف يتوقف عن ذلك بعد انعقاد ظهوره؟ وحيث انّه ليس للشارع طريقة اخرى في مباحث الالفاظ فتكون طريقته طريقة العرف في جميع ذلك.

فان قلت : انّ توقف العرف عن التمسك بالعام لعله من جهة عدم جعلهم حكما ظاهريا في المشكوك ، بخلاف الشارع فلعله يكون ظهور العام في الفرد المشكوك حكما ظاهريا من قبله حتى يعلم المخصص.

قلت :

أولا : ان الحكم عند العرف هو التوقف ؛ ولو كان عندهم حكما ظاهريا أيضا عن بعض مواليهم بالنسبة الى عبيدهم فيكون ذلك طريقة الشرع أيضا.

وثانيا : انّ مجرد جعل الشرع حكما في غير المورد لا يدل عليه فيه أيضا.

ومجرد امكانه لا يدل على حجية العام في المشكوك مع عدم حجيته عند العرف ، بل تحتاج الحجية الى دليل صريح من قبله على ذلك ، وإذ ليس فليس.

فان قلت : عموم « العلماء » في عنوان العام وشموله لجميع افراده - حتى

ص: 478


1- في الاصل الحجري ( عن ).

المشكوك الدخل منها في المخصص - يكون قرينة على ارادة الحكمين منه : الواقعية بالنسبة الى الافراد المعلوم الخروج من المخصص ، والظاهرية بالنسبة الى المشكوك فيه ؛ نظير ما قرر في مثل : « كل شيء طاهر » (1) في استفادة الحكم الواقعي منه بالنسبة الى العنوان الواقعي ، والظاهري بالنسبة الى العنوان المشكوك الثانوي ، من جهة عموم ( الشيء ) لكلا العنوانين.

قلت : فرق بين ( الشيء ) الشامل [ للواقعي ] (2) وبين عنوان العام الذي هو العنوان الواقعي فقط ، فالحكم الثابت له لا يكون إلاّ حكما واقعيا بحسب دليله وان كان يحكم بدليل حجية سنده أو ظاهره انّه يكون حكما ظاهريا.

والحاصل : انّ المخصص لما كان أقوى ظهورا في تعيين المراد الواقعي بمقدار عنوانه فتكون طريقة العرف العام العمل بالعام في المورد المتيقن بقاءه تحته والتوقف في المشكوك ، ولم يصل من الشرع - على الخلاف - بيان ، مع انّ الشك في الحجية كاف في عدمها ، فلا بد في العمل بالعام من احراز عدم كون الفرد المشكوك داخلا في المخصص ولو بأصل معتبر يدل على كونه من العناوين الباقية.

ثم انّه هل يحرز ذلك في جميع الموارد حتى فيما لم يكن لواحد من العناوين الباقية أو الخارجة حالة سابقة أم لا؟ فنقول :

ص: 479


1- ليس من كلام المعصوم ، وانما هو عنوان مذكور في كتب الحديث في بعض ابواب كتاب الطهارة ؛ وقد حكاه مستدرك الوسائل عن الصدوق رحمه اللّه ؛ مستدرك الوسائل 2 : 583 الباب 30 باب ان كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه. نعم هناك رواية بلفظ : « كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر » ؛ تهذيب الاحكام 1 : 285 باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات الحديث 119 أواخر الحديث ؛ ووسائل الشيعة 2 : 1053 أبواب النجاسات - باب ان كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه ... الخ الحديث 4.
2- في الاصل الحجري ( الواقعي ).

فيه تفصيل وهو : انّ المخصص لو كان قيدا وجوديا موجبا لتقييد عنوان العام كما لو كان عنوانه مثل ( العدالة ) فلا أصل لاحرازه فيما ليس له حالة سابقة ؛ وامّا ان لم يكن كذلك بأن يكون عنوانه وجوديا مباينا للعناوين الباقية كما لو كان المخصص ( لا تكرم الفساق ) مثلا فلا يبعد أن يقال : الاصل عدم تحقق الفسق أو النسبة بينه وبين الشخص المشكوك بمفاد كان التامة ، حيث انّه لم يكن قبل وجوده فسقه الخاص والنسبة الخاصة ويشك في تحققهما بعد وجوده فالاصل عدمها المحمولي في نفسه ، لا اثباته للشخص بمفاد ليس الناقصة كي يرد بعدم الحالة السابقة له.

فان قلت : انّ المخصص الافراد المتصفة بصفة الفسق بمفاد كان الناقصة ، فما دام لم يحرز عدمه كذلك فكيف يتمسك بالعام؟

قلت : هو ذلك إلاّ أنه يكفي في التمسك به احراز العنوان الباقي المنوط به الحجية ، ولا شك في انّ العام لم يضر المتحقق معه صفة الفسق من العناوين الباقية غير عنوان الخاص ، فبمجرد احراز العنوان الباقي يكون العام حجة فيه وان لم يثبت الاتصاف بعدم الفسق بليس الناقصة.

والسرّ : انّ التوقف عن التمسك بالعام أولا كان للشك في دخول العناوين الباقية وان كان ذلك للشك في دخوله في عنوان المخصص ، فبعد احراز واحد منها لم يكن وجه للتوقف.

وان أبيت إلاّ عن لزوم احراز عدم المخصص في جواز التمسك ، قلت : في التعبد بعدمه التعبد بعنوان الباقي المنافي معه ، بناء على كون المنافاة بينهما أعم من وجودهما الواقعي والظاهري ، فيحكم بعدم أحد المتنافيين بمجرد احراز الآخر بلا أصل مثبت ، كما يكفي احرازه في الحكم بثبوت لازمه - كوجوب الاطاعة - الأعم كما قرر في محله.

ص: 480

ثم انّ ما ذكرنا لا اشكال فيه بالنسبة الى المخصص المنفصل غير الموجب للعنوان الواقعي الوجودي في العام ؛ وامّا الاستثناء فلا يبعد جريانه فيه أيضا ، حيث انّ استثناء الفاسق لا يوجب تقييد ظهور عنوان « العلماء » في العدول ، بل المسلّم ظهور لفظ العام فيما عدا المخصص أيّا ما كان من العناوين ومن جملتها « العالم » غير المتحقق معه نسبة الفسق بمفاد كان التامة.

هذا كله في عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فيما اذا كان المخصص لفظيا.

ومثله فيما اذا كان التخصيص بعنوان معلوم مفهوما كما لو قام اجماع على لفظ دال على مثل ذلك العنوان.

376 - قوله : « وإن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا ».

376 - قوله : « وإن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا ». (1)

كما في دلالة العقل على خروج ( المؤمن ) من عموم « لعن اللّه بني اميّة قاطبة » (2) وخروج ( العدول ) من عموم ( أكرم كل جيراني ) مثلا ، فالتحقيق : جواز التمسك بالعام في الفرد المشكوك خروجه لبيا.

امّا اولا : فلعدم توقف العرف عن العمل بالعام بمجرد الشك في الخروج على النحو المذكور وإلاّ ما من عام إلاّ ويشك في ثبوت مناف لحكمه واقعا ، ومع ذلك لا يعتنى بمثل هذا الشك ويتمسك به بل يعدّ العبد - المتوقف عن العمل بالعموم في مثل ( أكرم كل جيراني ) بمجرد الشك في كون بعض الجيران عدوا - خارجا عن طريقة الامتثال ومذموما عليه. وعمل العرف والعقلاء - على التمسك مع الشك في المنافي عقلا - من أقوى الادلة على جواز التمسك به في الشبهة المصداقية اللبية.

ص: 481


1- كفاية الاصول : 258 ؛ الحجرية 1 : 175 للمتن و 1 : 182 العمود 2 للتعليقة.
2- زيارة عاشوراء المعروفة.

وامّا ثانيا : فلكون ورود العام من قبل المولى بلا تعرض للتخصيص - مع كونه بصدد بيان حكم العام - دليلا على عدم وجود ما كان منافيا عقلا ومخصصا في ما بين افراده ، فكان ذلك - مضافا الى الكبرى - دليلا على عدم وجود المنافي فيكون دليلا على الصغرى أيضا ، وإلاّ لتعرض لاخراجه.

ولا فرق في ذلك بين كون الشك في فرد زائد - بعد القطع بخروج فرد آخر - وبين كونه في أصل وجود المخصص.

وسرّه : انّ ظهور العام وبناء العقلاء على أصالته في كل فرد لا يرفع اليد عنه إلاّ مع حجة أقوى على خلافه ، المتيقنة في المشكوك بالمخصص اللبّي.

وقياس حكم العقل بخروج كل ما كان منافيا لعنوان العام قطعا ، بما كان التخصيص بالمنفصل لفظيا في عدم جواز التمسك في الشبهة المصداقية ، بتوهم انّ بيان التخصيص صار مفوضا الى حكم العقل ، فيصير كالبيان النقلي.

مدفوع : بالفرق بينهما ، بكون الخروج فيما نحن فيه بمثل القطع الذي يكون عذرا في المخالفة فيما يحكم به العقل ؛ ومن المعلوم انّه لا يحكم بالعذر إلاّ في الافراد المعلومة.

وبعبارة اخرى : يكون حكم العقل في الوجودات الخارجية - مع كون الايمان ملاكا لحكمه - فيكون واسطة في الثبوت لا عنوانا له حتى يكون واسطة في العروض ، وحينئذ يكون عدد التخصيص بعدد الوجودات المنافية لحكم العام ، حيث انّه ليس له مقام اثبات وانشاء وراء مقام الثبوت والارادة اللبية الواقعية ، فحكمه يتعلق بما هو متعلق للارادات اللبية.

وامّا المخصص اللفظي فيكون حجة شرعية من قبل المولى في العنوان الكلي وقدما على العموم في الحكم بالعنوان الكلي فيضيق دائرة حجيته في العنوان الكلي في بقاء الانشاء والاثبات الكاشف عن مقام الثبوت ، فالفرد

ص: 482

المشكوك يدور بين الحجتين ، فادخاله في احداهما دون اخرى ترجيح بلا مرجح.

وسرّ ذلك : انّ كل ما صار المولى بصدد تضييق العام وتحديد افراده بالقاء حجتين احداهما دليل العام وثانيتهما دليل الخاص ، يكشف عن اشتمال افراد العام على المخصص ووجوده فيما بينها وعن عدم تعرض المولى له وجودا ولا عدما ، فعلى العبد احراز احدهما وافرازه عن الآخر ؛ بخلاف ما لم يصدر عنه إلاّ حجة واحدة - وهو العام - مع كونه بصدد بيان تمام مقصوده ، فانّه يستكشف منه عرفا عدم اشتمال العام على مناف ومخصص أصلا ، فلا يجوز التوقف عن التمسك به إلاّ فيما قطع بالعذر عقلا وهو ما علم بالمخصص قطعا والزائد عليه شك في تخصيص زائد. والمرجع فيه - كالشك في أصل التخصيص - هو ظهور العام.

377 - قوله : « ايقاظ : لا يخفى ... الخ ».

377 - قوله : « ايقاظ : لا يخفى ... الخ ». (1)

قد عرفت في الحاشية السابقة تفصيل جريان الاصل.

378 - قوله : « والتحقيق : أن يقال : انّه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعموم ».

378 - قوله : « والتحقيق : أن يقال : انّه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعموم ». (2)

أقول : انّ العناوين الثابتة لها الاحكام على قسمين :

احدهما : ما كان من العناوين الاولية للافعال ، مثل الغسل والوضوء والبيع ونحوها من العبادات والمعاملات.

وثانيهما : ما كان من قبيل العناوين الثانوية التي تعرض على أفعال المكلفين مقيدة بالعناوين الاولية ، مثل النذر والشرط والضرر والعسر والحرج ونحوها مما كانت متعلقة بالعناوين الاولية ؛ وهذا مما لا خفاء فيه.

وانما الكلام في أنه اذا شك في صحة العناوين الاولية فيما كانت متعلقة

ص: 483


1- كفاية الاصول : 261 ؛ الحجرية 1 : 177 للمتن و 1 : 177 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 262 ؛ الحجرية 1 : 178 للمتن و 1 : 183 العمود 1 للتعليقة.

بالعناوين الاولية من العبادات مثلا ، مع عدم اطلاق أو عموم في دليله يشمل المشكوك ، فهل يمكن التمسك في اثبات الصحة بعمومات العناوين الثانوية المتعلقة بها ، كما لو تعلق النذر بالوضوء بالماء المضاف - المشكوك صحته في نفسه - فيتمسك لصحته بعموم « اوفوا بالنذر » (1) بأن يقال : انّه متعلق للنذر وكلما كان كذلك فهو واجب الوفاء فهو كذلك ، واذا كان واجبا فيكون صحيحا لعدم وجوب ما ليس بصحيح ، أم لا؟ بل لا بد من احراز الصحة في نفسه كي يجب الوفاء به ، وبدونه لا يصح التمسك بدليل وجوب الوفاء ، فنقول :

انّ العناوين الثانوية على قسمين :

الاول : ما كان موضوعها العناوين الاولية مقيدة بما لها من الاحكام كما في النذر ، بناء على تقييد متعلقه بكونه راجحا في نفسه.

وهذا القسم مما لا اشكال في عدم صحة التمسك بعموم دليله اذا شك في صحة متعلقه في نفسه ، لعدم احراز موضوعه بتمامه مع الشك ، فكيف يتمسك بدليله في اثبات حكمه ، فهل ذلك إلاّ على وجه دائر؟

الثاني : ما كان موضوعها نفس العناوين الاولية مجردة عن ثبوت حكم لها.

وهذا القسم مما لا اشكال في صحة التمسك به لاثبات حكمه مع ما يستتبعه من الصحة لو كانت ملازمة له ، لانّ موضوعه نفس العنوان المحرز في البين بلا تقييد بالحكم المشكوك ، كما في مثل قاعدة الضرر والعسر والحرج ونحوها المتعلقة بنفس العناوين الاولية.

وحينئذ : فان كان دليل العنوان الاولي مهملا بالنسبة الى طروّ العنوان الثانوي عليه أو كان موافقا له في الحكم فلا اشكال. وامّا ان كان مخالفا له في الحكم

ص: 484


1- لا يوجد بهذه العبارة ، بل الموجود في الروايات هو تعبير الآية الشريفة « يوفون بالنذر » ( سورة الانسان : 7 ) وغيره مثل : « يحلف بالنذر » في باب النذور من تهذيب الاحكام 8 : 307 الحديث 19.

الثابت فان علم بالمقتضي لكل منهما [ ف- ] يكونان من قبيل المتزاحمين في تبعية الفعلي الاقوى منهما مع العلم به ، وإلاّ فالتوقف والرجوع الى ما لتلك المسألة من الحكم.

نعم فرق بين ما نحن فيه وتلك المسألة وهو : انّه على تقدير القول بالجواز هناك - بتوهم كون متعلق الامر والنهي هي العناوين والطبائع بما هي هي فيختلف المتعلقان بلا اتحاد في البين أصلا - لا يقال به هنا.

امّا اولا : فلأنّ العنوان الثانوي يكون مقيدا بالعنوان الاولي ، فيكونان من قبيل المطلق والمقيد ، فيصيران من قبيل النهي في العبادات.

وامّا ثانيا : فلأنّ العناوين الثانية نظير عنوان المقدمية والضدية انما هي متعلقة بنفس الهويات - عند الكل - بعناوينها الاولية ؛ والعناوين الثانوية انما هي واسطة في الثبوت لا العروض ، كما في تلك المسألة ، فتدبر.

نعم التحقيق : انّ الجمع العرفي بينهما [ هو ] بحمل العنوان الثانوي على مقام الفعلية والأوّلي على مقام المقتضي. هذا اذا لم يعلم بعدم المقتضي لواحد منهما وإلاّ فيكونان نظير المتعارضين.

ثم انّ عنوان الشرط لا يبعد أن يكون نظير القسم الثاني في كون متعلقه هو العنوان الاولي بلا تقييد بالحكم ، ويكون مخالفته للكتاب والسنة وتحليله للحرام وبالعكس فيما اذا ثبت علّية العنوان الاولي للحكم المخالف ، كما في شرط شرب الخمر أو الزنا مثلا ؛ وامّا فيما لم يثبت من الخارج أو بالنصوصية وكان ذلك بمجرد اطلاق مع قطع النظر عن العناوين الثانوية الطارئة ، فلا بأس بالشرط توفيقا ، وإلاّ ما من مورد إلاّ ويلزم تحليل الحرام أو بالعكس كما لا يخفى.

اذا عرفت ذلك فلا يخفى الفرق بين القسمين ، ولا يشتبه عليك الامر في جواز التمسك بدليل العنوان الثانوي لاثبات حكمه للعنوان الاولي المشكوك في

ص: 485

حكمه في أحدهما دون الآخر.

379 - قوله : « وأمّا صحة الصوم في السفر بنذره فيه بناء على عدم صحته فيه بدونه ».

379 - قوله : « وأمّا صحة الصوم في السفر بنذره فيه بناء على عدم صحته فيه بدونه ». (1)

مقصوده : انّه يرد على ما ذكرنا - من لزوم كون موضوع النذر مقيدا بالحكم الرجحاني - بنذر الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات ، مع كونهما بدونه مرجوحا ، بل حراما تشريعيا.

ثم انّه كيف يكونان من العبادات بنحو لا بد أن يؤتى بهما - بعد تعلق النذر - بقصد القربة مع كون الامر بالوفاء به توصليا غير متوقف على قصد القربة ، ولا رجحان في نفسهما ، ولا أمر كي يؤتى بهما بداعي امتثاله؟

والجواب من وجوه :

الاول : أن يقال : بوجود المقتضي في نفسهما بلا تعلق النذر أيضا ، وانما كان عدم الامر استحبابا أو وجوبا من جهة المانع ولو كان هو العسر والمشقة ، وبعد تعلق النذر بهما يرتفع المانع ؛ ويستكشف ذلك بدليل صحة النذر.

إلاّ انّه مخالف لالتزام الائمة علیهم السلام بتركهما ، ولما ورد من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت ، ولخصوص دليل النذر الظاهر في كون النذر موجبا لاصل الرجحان فيهما.

الثاني : أن يقال : انّ النذر لازم بعد تعلقه مع خصوصية في المتعلق موجبة لرجحانه والرجحان في المتعلق انما هو بواسطة هذه الخصوصية ، مع قطع النظر عن وفاء النذر المتعلق به وان كان حادثا بعد تعلقه ، ولا دليل على أزيد من ذلك في النذر.

ص: 486


1- كفاية الاصول : 263 ؛ الحجرية 1 : 178 للمتن و 1 : 183 العمود 2 للتعليقة.

الثالث : أن يلتزم بتخصيص الادلة الدالة على كون متعلق النذر راجحا في نفسه ، فيلتزم بصحته في الموردين بدليل صحة النذر فيهما دون غيرهما من الموارد ، لعدم دليل على التقييد.

وامّا الجواب عن اشكال قصد القربة :

ففي الاولين : بكون القربة بداعي الرجحان النفسي الذي لم يحصل في العبادات إلاّ اذا أتى بها بالقربة حيث انّ الصوم والاحرام منها.

وفي الاخير : من جهة لزوم الوفاء بالنذر المتعلق بما كان على تقدير الامر به من العبادات المتوقفة على القربة ، غير الحاصلة منها الغرض - ولو كان من قبل أمرها - إلاّ بها ، كما قرر في محله من انّ بعض الاشياء مما كان على تقدير الامر به من العبادات فلم يصح الاتيان إلاّ بقصد امتثال الامر بها ولو لم يكن في نفسها مصلحة إلاّ في أمرها.

380 - قوله : « مثل ما اذا علم انّ زيدا يحرم اكرامه ». (1)

أقول : الظاهر المسلّم من بناء العقلاء هو العمل بأصالة العموم في اثبات الحكم في الفرد الذي علم بدخوله في عنوان العام وشك في خروجه عن حكمه ، فيتمسك به مثلا لاثبات وجوب ( اكرام زيد العالم ) في المثال ؛ وامّا تعيين ( زيد ) المشكوك بأنه من الجهال كي يترتب عليه جميع ما يثبت للجاهل من الاحكام فلا علم ببناء العقلاء على ذلك لو لم يدّع خلافه.

وما اشتهر بينهم من حجية الاصول اللفظية مطلقا حتى المثبت منها انما هو بالنسبة الى افراد العام - المحكومة بحكمه - من اللوازم ، لا تعيين عنوان الضد في الفرد المشكوك بالاصل ثم ترتيب ما له من الاحكام عليه.

ص: 487


1- كفاية الاصول : 264 ؛ الحجرية 1 : 179 للمتن و 1 : 184 للتعليقة.

وسرّه : أنّ أصالة العموم : امّا لتعيين المراد الاستعمالي ، أو لتعيين المراد الجدي ؛ والاول غير مشكوك فيه في المقام ، لكونه هو العموم مطلقا سواء كان الخاص داخلا في عنوان العام أو داخلا في عنوان الضد ؛ والثاني كذلك أيضا ، لانّ غير الخاص محكوم بحكم العام واقعا والخاص محكوم بضده ثبوتا ، وانما الشك في صفة التطابق بين الارادتين ولا دليل على تعيينها بعد العلم بأصل المراد كما لا يخفى.

381 - قوله : « والذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا أو بعد الفحص ».

381 - قوله : « والذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا أو بعد الفحص ». (1)

وهذا الكلام انما هو [ في ] المخصص المنفصل ، والشك فيه ليس من قبيل المتصل في كونه في القرينة المانعة عن الظهور بل انما هو بالنسبة الى وجود المعارض الاقوى ، لعدم ارتفاع الظهور عن العام بمجرد العثور على المخصص المنفصل بل ظهوره المنعقد له على ما هو عليه ، وانما المخصص يرفع حجيته في مقداره على ما عرفت وجهه سابقا.

ولا بد في تعيين محل النزاع من بيان أمرين :

الاول : انّ عدم التمسك بالعام قبل الفحص هل هو من جهة عدم المقتضي له قبله كما في الاصول العملية ، أو من جهة المانع؟

والتحقيق ان يقال : انّه لا بد في العام من أمرين :

احدهما : الظهور ، وهو كون اللفظ قالبا لمعنى العموم عند العرف بحيث يكون القاؤه عندهم القاء لمعنى العموم ، وهو مما لا اشكال في تحققه قبل الفحص حيث انّه لا يتحقق به ظهور لو لم يكن قبله.

ص: 488


1- كفاية الاصول : 264 ؛ الحجرية 1 : 179 للمتن و 1 : 185 للتعليقة.

ثانيهما : أصالة الظهور وهو بناء العقلاء على التمسك به في كشف مراد المتكلم.

وحينئذ : فان كان المراد من المقتضي هو الظهور فالحق مع القول بتحققه ، وان كان المراد منه هو بناء العقلاء فالحق مع القول بالعدم ، إذ يكون الخلاف في وجوده كما هو واضح.

الثاني : انّ محل الخلاف في حجية العام [ هو ] بمجرد الشك في ورود المخصص المنفصل بلا علم به أصلا ولو اجمالا ، وامّا معه فلا اشكال في عدم الحجية سواء كان بالنسبة الى العام الواحد أو كان مرددا بين عمومات متعددة ؛ فلو فرض الاطلاع في الاخبار بالمخصصات بينها بمقدار المعلوم بالاجمال ثم حصل الاطلاع بعد ذلك على عمومات اخرى بلا علم في البين ، لتأتّى الخلاف أيضا.

فان قلت : فما وجه التخصيص بعمومات الكتاب؟ وهل ذلك إلاّ للعلم الاجمالي بالتخصيص بينهما؟

قلت : وجه التخصيص - كما نشير اليه - امّا توهم اختصاص خطاباتها بالمشافهين وامّا لكثرة التخصيصات في تلك العمومات.

كما انّ الكلام في حجية ظهور الظنون الخاصة المفروغة عن سندها بالعلم والعلمي - فسيأتي الخلاف في التواتر أيضا - فلا وجه للتمسك للحجية بما يدل على اعتبار السند من أدلة أخبار الآحاد من آية النبأ ونحوها ، والكلام في الظن الخاص ومن المعلوم انّ حجيته كما قرر في محله ليس منوطا بالظن الشخصي ، لا في الظن المطلق المنوط بالفعلية ، فلا وجه لما استدل لعدم الحجية قبل الفحص بعدم الظن الشخصي بالمراد قبله الملازم لعدم الظن بالاطاعة المنزل اليه بعد العلم ، بتخيل كون الحجية في العمومات من باب الظن المطلق ، أو من باب توهم اعتبار الظن الشخصي بالمراد في الظنون الخاصة.

ص: 489

ومما ذكرنا في المقام مع ما ذكرنا سابقا - من كون الكلام في المخصص المنفصل لا المتصل - فلا وجه لجعل المقام من مصاديق أصالة الحقيقة التي تكون حجيتها متفقا عليها بلا فحص عن المخصص ، فقد ظهر فساد غالب ما ذكر لكل من الطرفين من وجوه الاستدلال كما في التقريرات. (1)

والظاهر انّ وجه الخلاف هو في كونها في معرض التخصيص وعدمه ، فلو لم تكن المعرضية في البين كما في الخطابات الصادرة من الموالي الى عبيدهم فلا وجه للفحص.

اذا عرفت ذلك ظهر : انّ الحق عدم جواز التمسك بالعمومات التي كانت في معرض التخصيص قبل الفحص ، حيث انّه بعد نقل عدم الخلاف - بل الاجماع - على عدم الحجية قبل الفحص فلو لم يوجب ذلك القطع بعدمه فلا أقل من الشك ، فلم تحرز الحجية ، حيث انّ المناط هو سيرة العقلاء ولا بد من القطع به في احراز الحجية.

ثم انّ محل الكلام ليس بمنحصر في المخصص بل في مطلق المعارض ولو كان مباينا ؛ إلاّ أنك لما عرفت انّ وجه عدم الحجية هو وقوع العمومات في معرض التخصيص ، ولم [ يحقّق ] (2) كثرة المعارضات الأخر كثرة المخصص فصار ذلك موجبا لتخصيص العمومات بالخلاف في الفحص عن مخصصاتها دون غيرها. نعم لو كان غيرها كذلك فيأتي الخلاف فيها مع كون الوجه فيها أيضا عدم الحجية.

382 - قوله : « ثم انّ الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل ، باحتمال أنه كان ولم يصل ».

382 - قوله : « ثم انّ الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل ،

ص: 490


1- مطارح الانظار : 197 السطر الاخير وص 198 السطر 1 - 2 والطبعة الحديثة 2 : 158.
2- في الاصل الحجري ( يتحقق ).

باحتمال أنه كان ولم يصل ». (1)

لعدم الخلاف ، بل الاجماع :

على أصالة عدم القرينة عند الشك في وجود القرينة المتصلة مع القطع بارادة الظاهر على تقدير عدمها.

وعلى أصالة الظهور فقط على تقدير القطع بعدم القرينة مع الشك في ارادة الظهور وعدمها ، لاحتمال حكمة داعية على اخفاء مراده.

وعلى كلا الاصلين على تقدير اجتماع الشكين - على اختلاف المقامات حسب اختلاف حالات المخاطبين - وإن كان التحقيق هو أصالة الظهور في جميع الموارد وان كان تعليقيا في مورد وتخييريا في مورد آخر.

والظاهر عدم الفرق فيما ذكرنا بين كون العام في معرض التخصيص وعدمه ، على خلاف المخصص المنفصل. نعم الظاهر هو التوقف عن العمل به في صورة الشك في قرينية الموجود ؛ كما انّ المقطوع هو عدم الحجية مع العلم الاجمالي بالمخصص ، سواء كان بالنسبة الى عامّ واحد أو الى متعدد كما عرفت.

383 - قوله : « إلاّ أنّ الاجماع بقسميه على تقييده به ».

383 - قوله : « إلاّ أنّ الاجماع بقسميه على تقييده به ». (2)

حاصله : أن المقتضي وموضوع الحجية في العمل بالعام موجود قبل الفحص وانما البحث هنا هو عن المزاحم ، بخلاف الاصول العملية حيث انّه لا مقتضي ولا موضوع للحجية فيها إلاّ بعد الفحص ؛ امّا في الاصول العقلية فواضح ، وامّا في النقلية فلتقيد موضوعها بالفحص ، للاجماع ، وان كان دليلها في نفسه مطلقا.

وفيه : انّ الامر في العقلية كما ذكره ؛ وامّا في النقلية :

ص: 491


1- كفاية الاصول : 265 ؛ الحجرية 1 : 184 للمتن و 1 : 187 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 266 ؛ الحجرية 1 : 184 للمتن و 1 : 187 للتعليقة.

فان كان المراد من وجود المقتضي هو الحجية الفعلية في أحدهما دون الآخر فهو غير متحقق في كلا المقامين ، لما عرفت من عدم بناء العقلاء على العمل بالعمومات فيما كانت معرضا للتخصيص قبل الفحص أيضا.

وان كان المراد هو الظهور الذي يكون موضوعا للحجية فهو موجود في الاصول العملية النقلية ايضا ، والاجماع انما يمنع عن حجيتها لا عن ظهور أدلتها ، غاية الامر عدم الحجية في الاصل اللفظي كان لعدم احراز بناء العقلاء ، وفي الاصل العملي للاجماع.

نعم الظفر بالمخصص في اللفظي لا يرفع الموضوع والظفر بالامارة في الاصل العملي يرفع الموضوع - وهو الشك - بناء على ورود الامارات على الاصول ؛ فحقيقة الفرق انما هو بعد الفحص والظفر بالدليل على خلافه بارتفاع الموضوع في أحدهما دون الآخر ، لا قبل الفحص كما لا يخفى ؛ والى ذلك أشار بقوله : « فافهم ».

384 - قوله : « ولا بد قبل الخوض في تحقيق المقام من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض والابرام بين الاعلام ».

384 - قوله : « ولا بد قبل الخوض في تحقيق المقام من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض والابرام بين الاعلام ». (1)

قد أشار قدس سره الى أمرين :

الاول : الامور التي ينبغي أن تجعل موردا للنقض والابرام ومحلا للتشاجر بين الأعلام.

منها : التكليف المتضمن له الخطاب ، فانّه يقع النزاع في انّه هل يمكن تعلقه - في مقام الثبوت - بالمعدومين في ذلك الزمان مع قطع النظر عن توجه خطاب بالنسبة اليهم أم لا؟

ص: 492


1- كفاية الاصول : 266 ؛ الحجرية 1 : 184 للمتن و 1 : 188 العمود 1 للتعليقة.

ومنها : أن يجعل النزاع في انّه هل يمكن المخاطبة معهم بل مع الغائبين عن مجلس التخاطب بالالفاظ الموضوعة للخطاب - أو بتوجيه الكلام بالنسبة اليهم - [ سواء ] كان متضمنا للتكليف أم لا؟ بل لا يمكن المخاطبة إلاّ مع المشافهين في مجلس التخاطب.

ومنها : أن يجعل النزاع في الالفاظ الواقعة تلو أداة الخطاب مثل « المؤمنين » ونحوها في انّها - بعد عمومها في نفيها للمعدومين في زمان الخطاب - هل كانت باقية على حالها بعد وقوعها تلو الادوات؟ أم كانت قرينة لتخصيصها بالنسبة الى المشافهين؟

الثاني : [ هل ] انّ النزاع في المسألة عقلية؟ أو لغوية؟

فعلى الوجه الاول والثاني عقلية ، وعلى الوجه الثالث فالمسألة لغوية واقعة في كون أداة الخطاب موضوعة لخطاب خصوص المشافهين أو الأعم منهم ومن غيرهم ؛ وعلى تقدير الاختصاص فهل تصلح قرينة لانصراف ما وقع في تلوها الى خصوصهم أم لا؟

اذا عرفت ذلك فلا بد من بسط المقال في أمرين ، ينقّح بواحد منهما امكان تعلق أصل التكليف ثبوتا بالنسبة الى المعدومين وجودا أو عدما ، وبثانيهما تعلق الخطاب بالنسبة اليهم حقيقة أو ايقاعا وتعيين معنى الادوات اثباتا ووضعا.

فنقول : انّ الحكم الشرعي :

اذا جعلناه عبارة عن الارادة [ التشريعية ] (1) التي هي في الواجب تعالى عين العلم بالصلاح والفساد في أفعال المكلفين نظير الارادة التكوينية التي هي عبارة عن العلم بالنظام الأحسن مع كون الخطابات الانشائية مجرد اظهار تلك

ص: 493


1- في الاصل الحجري ( الشرعية ).

الارادة فقط ، فلا اشكال في تعلقه بالمعدوم.

وان جعلناه عبارة عن الاعتبارات التي تتحقق بالانشاء وبها تصير الافعال واجبة أو محرمة ، وحينئذ فنقول : انّ لها كما قرر في محله مراتب : الانشائي ، والفعلي ، والتنجز ؛ وبعبارة اخرى : ذات تقرر ، وتعلق ، وتنجز.

امّا الفعلي منها الواصل الى مرتبة البعث والزجر فلا شبهة في عدم امكان تعلقه بالمعدوم ، حيث انّ الطلب الحقيقي - الذي يكون منشأ جعله الارادة في المبادئ النازلة - من الامور الاعتبارية الاضافية القائمة بالطالب والمطلوب منه ، ولا يمكن تحقق مصداقه الحقيقي بالحمل الشائع بمجرد الطالب مع كون المطلوب منه معدوما في الخارج ؛ ونظيره في الاعتبارات الوضعية ، الملكية ، فانّه لا يمكن ايجاد الملكية في الخارج مع كون المنتقل اليه معدوما فيه. هذا بالنسبة الى الفاقد لشرائط الفعلية.

وامّا التكليف الانشائي غير الواصل الى مرتبة الفعلية بنحو كان مشروطا في الوصول اليها بوجدان شرائط تلك المرتبة ، فيمكن تحققه مع كون المكلف معدوما في الخارج ، حيث انّ الانشاء خفيف المئونة يكفي في صدوره من الحكيم مجرد حكمة داعية اليه ومنها جعل قانون واحد لجميع من يمكن أن يبلغ حدّ التكليف من المكلفين بلا حاجة الى انشاء للحكم على حدة بالنسبة الى من يوجد ويجمع الشرائط بعد ان كان معدوما أو فاقدا للشرط ، بل المؤثر بالنسبة اليهم في الفعلية ذاك الانشاء السابق كما يؤثر بالنسبة الى الموجودين الواجدين في ذاك الحين.

ولا اشكال في تحقق هذه المرتبة :

في الشرعيات قبل المعرفة بها كما في موارد الاحكام الظاهرية ، فانّ

ص: 494

فعليتها بدلالة أخبار البراءة من مثل « كل شيء لك حلال حتى تعرف انّه حرام » (1) وغيره مقيدة بها ، وكما في صدر الاسلام في الغالب ، لعدم استعداد الأنام للتكليف عليهم فعلا.

وفي العرفيات كما في انشاء الملكية في الوقف للبطون ، فانّه : بالنسبة الى الموجودين ايجاد ملكية حقيقية ، وبالنسبة الى المعدومين ليس إلاّ مجرد انشاء بلا استتباع حقيقة إلاّ حال وجودهم وبعده تصير الملكية لهم بنفس ذلك الانشاء بلا حاجة الى مئونة اخرى ، بناء على ما هو التحقيق من كون البطون اللاحقة متلقية للملك عن نفس الواقف.

فالحاصل : انّ الطلب من حيث كونه نسبة بين الطالب والمكلف ومتقوما بهما لا يمكن أن يصير فعليا حال عدم المكلف.

وامّا انشاؤه ، بمعنى : مجرد بناء قانون لمن يمكن أن يبلغ حدّ التكليف الفعلي ، فلا مانع منه ، وهو وان كان أيضا من الامور القائمة بالطرفين المحتاجة الى المصلحة ، إلاّ أنه يكفي فيه مجرد لحاظه حال صيرورة المطلوب منه في ما بعد الفعلية ، مع كون الصادر منه حينه ذا مصلحة مقتضية لانشاء حكم على طبقها كي يصير فعليا بعد اجتماع الشرائط.

هذا كله في انشاء الحكم المطلق بلا تقييده بشيء.

وامّا انشاؤه مشروطا بوجود المكلف مجتمعا للشرائط فأوضح من أن يخفى.

ولكن الظاهر من الاحكام المستفادة من الخطابات الشرعية - بناء على

ص: 495


1- لا يوجد في المصادر بهذا التعبير ، والموجود في من لا يحضره الفقيه وغيره هو : « كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ». الفقيه 3 : 216 باب الصيد والذبائح الحديث 92.

شمولها للمعدومين - هو الاول ؛ وامّا الثاني : وهو تعيين الخطاب معنى ولفظا ، أداة ومتعلقا ، فلا بد أن يعلم :

انّ محل الكلام في هذا المقام ليس ما اذا كان موضوع التكليف الواقع تلو الخطاب غير صالح بنفسه لشمول المعدومين مثل ( يا أيّها الحاضرون ) مثلا ( افعلوا كذا ) و « يا أيّها النبي افعل كذا » ولا ما اذا كان المخاطب بالكلام غير موضوع التكليف سواء لم يكن الكلام مقرونا بأداة الخطاب كقوله تعالى : ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (1) ، أو كان مقرونا بها كقوله : « يا أيّها النبي يجب على المؤمنين كذا » مثلا ، فانّه لا شبهة في عدم شمول التكليف في الاول للمعدومين وشموله في الثاني لهم بلا وجه لتوهم الخلاف.

بل الكلام فيما اذا كان الموضوع المكلف [ به ] صالحا بنفسه للعموم والشمول ، وكان مع ذلك واقعا في تلو الخطاب ومخاطبا به في الكلام كقوله : « يا أيّها المؤمنون افعلوا كذا » فحينئذ يقع الكلام في انّه باق على ما هو عليه من صلاحية العموم بالنسبة الى المعدومين والغائبين عن مجلس التخاطب أم لا؟ بل كانت أداة الخطاب قرينة لارادة الموجودين بل خصوص المشافهين في المجلس [ و ] موجبة للتقييد بهم.

ولا بد في تحقيق الحال في المرام من بيان معنى الخطاب وتعيين الموضوع له لأداته فنقول : انّ الخطاب :

امّا واقعي : (2) وهو عبارة عن توجيه الشخص كلامه في الخارج نحو أحد للافهام به مع حصول التوجه له به حقيقة عقيبه ؛ وهذا المعنى قد يتحقق في الخارج بالحمل الشائع :

ص: 496


1- سورة آل عمران : 97.
2- يأتي شقه الآخر بقوله : « وأما ايقاعي ».

تارة : بمجرد المكالمة مع أحد ولو بالجملة الخبرية بدون القصد الى مفهوم الخطاب مع عدم وجود أداته في البين ، ويكون الكلام الصادر المتوجه اليه مصداقا له بالحمل الشائع.

واخرى : بالقاء الكلام اليه بقصد حصول النداء حقيقة مع كون الخطاب بأداته تارة ، وبمجرد التوجه مع القصد الى تحققه اخرى.

ومن هنا يظهر : انّ الخطاب الحقيقي يحتاج الى أمرين :

أحدهما : وجود المتوجه اليه الكلام حينه ، لامتناع التوجه الى المعدوم.

وثانيهما : حضوره بنحو يبلغه شخص الكلام الصادر وبدونه لم يحصل التوجيه والابلاغ الى المخاطب ، بل المعتبر قابليته للشعور ، بل الالتفات الفعلي الى توجيه الكلام اليه ، فلا تكون المخاطبة مع غير ذوي العقول أو غير الملتفت منهم خطابا حقيقيا ، فضلا عن المعدوم.

وتوهم : انّ عدم امكان الخطاب الحقيقي بالنسبة الى غير المشافه انما هو في خطاب الممكن ، وأمّا في خطاب الواجب تعالى فهو في غاية الامكان ، لاحاطته بالغابر [ والآتي ] (1) وعموم قدرته في كل شيء.

مدفوع : بأنّ محل النزاع هو الخطاب [ للمكلفين ] (2) بوجودهم الزماني المحدود الجسماني لا بوجودهم الدهري الروحاني ، وانّ ما به الخطاب هو القرآن بوجوده اللفظي المخلوق صوتا في الشجر بنزول الملك بالنسبة الى خطاب النبي صلی اللّه علیه و آله ، وبلسان النبي بالنسبة الى خطاب سائر البشر ، لا القرآن بوجوده العلمي وبوجوده في مقام العلو من اللوح والقلم وقلب النبي صلی اللّه علیه و آله مقدما على نزول الملك بقاعدة الاشرف فالاشرف.

ص: 497


1- في الاصل الحجري ( والماضي ).
2- في الاصل الحجري ( بالمكلفين ).

وحينئذ : يعلم انّ القصور من ناحية المخاطب المعدوم في الخارج ، وكذا من جهة عدم قابلية اللفظ الذي يقع به التخاطب لكونه غير قار ومتصرم الوجود ، فلا يجدي فيه عموم القدرة.

مع انّ ما ذكر في التوهم انما يجدي فيما اذا كان المخاطب ( بالكسر ) هو اللّه تعالى كما بالنسبة الى النبي صلی اللّه علیه و آله على اشكال فيه ، واما بالنسبة الى سائر المكلفين فالمخاطب من قبله تعالى هو النبي صلی اللّه علیه و آله بوجوده الناسوتي ، فيحصل القصور من الطرفين.

هذا كله في الخطاب اللفظي.

وامّا الخطاب النفسي على قول الاشاعرة فهو - على تقدير معقوليته - خارج من حريم النزاع كما لا يخفى.

وامّا ايقاعي : (1) [ وهو ] (2) مجرد قصد النداء باللفظ الى شيء انشاء ولو كان بداعي آخر غير حصول النداء الحقيقي من تحسر وتأسف وتحزّن ونحوها ، وهو مما لا اشكال في تحققه بالنسبة الى غير ذوي العقول كما وقع كثيرا في كلام البلغاء مثل قوله : « أيا جبلي نعمان باللّه خلّيا » (3) وكقوله : « أيا شجر الخابور ما لك مورقا » (4) وكقولك : « يا جدار » ونحو ذلك.

كما انّه لا اشكال في تحققه بالنسبة الى المعدوم والغائب أيضا كما في قولك

ص: 498


1- تقدم شقه الاول بقوله : « اما واقعي ».
2- في الاصل الحجري ( فهو ).
3- صدر بيت لقيس بن الملوح ( مجنون ليلى ). المغني 1 : 29 ؛ جامع الشواهد 1 : 281. والبيت بتمامه : أيا جبلي نعمان باللّه خلّيا *** نسيم الصبا يخلص اليّ نسيمها
4- صدر بيت للفارعة بنت طريف بن الصلت ، ترثي اخاها الوليد بن طريف ؛ الاعلام 5 : 128. والبيت بتمامه : أيا شجر الخابور ما لك مورقا *** كأنك لم تجزع على ابن طريف

عند ذكرك من تكرهه وتعاديه مع عدم حضوره بل مع موته : « أيّها اللئيم صنعت كذا وكذا » ولمن تحبه وتحترمه « يا ولدي فعلت لك كذا وكذا » تنادي وتخاطب كل واحد بما يليق به عندك.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ النزاع في شمول الخطابات الشفاهية التي كانت متعلقاتها صالحة للعموم في نفسها للغائبين عن مجلس الخطاب - بل المعدومين في زمانه - وعدمه ، يبتني على وضع أدوات الخطاب :

تارة : بوضعها للدلالة على بيان حالة المخاطبية للملقى اليه الكلام.

واخرى : بوضعها للخطاب الانشائي مشروطا بداعي تحقق الخطاب الواقعي.

وثالثة : بانصرافها بأحد أسبابه الى خصوص ما كان بداعي الخطاب الحقيقي ، مع وضعها لمطلق الانشائي.

ورابعة : بالالتزام بوضعها لمطلق الخطاب الايقاعي ولو كان بداع آخر : من مثل بيان جعل قانون للكل في الخطابات الشرعية بلا انصراف في البين.

فعلى الوجوه الاولى لا اشكال في عدم الشمول إلاّ مع عناية في الكلام ؛ كما انه على الاخير لا مانع منه بلا عناية فيه.

والظاهر المتبادر من موارد استعمال أدوات الخطاب هو الاخير ، حيث انّا نرى استعماله في خطاب غير ذوي العقول والغائب المعدوم بلا ارتكاب عناية من تنزيل غير العالم وغير الحاضر منزلة العالم والحاضر ، بل تكون مستعملة بمجرد حصول دواع في النفس من تحسّر ونحوه بلا انتظار شيء آخر من علاقة وقرينة.

ويدل عليه : تشريك الغائبين بل الحاضرين الخارجين عن المشافهة

ص: 499

المتعارفة غير السامعين للكلام كقوله : « يا أهل يثرب لا مقام لكم بها » (1) وكقولك : « أيّها الحاضرون » مع كون بعضهم ممن لا يسمع الكلام ؛ وخطابات النفس ؛ والخطابات الكتابية من المصنفين ، فانّ استعمال الادوات في أمثال المقامات مع قصد التشريك - بلا عناية وتجوّز - بتنزيل غير الحاضر منزلته ونحوه ظاهرا بل قطعا بالنسبة الى الحاضرين غير السامعين للكلام مع قصد الخطاب بالنسبة اليهم أيضا ، يدل على وضعها لمجرد الخطاب الايقاعي بأي داع كان.

وتوهم : كون هذا التنزيل ارتكازيا وغير ملتفت اليه ؛ يدفعه : انّ الارتكازي لا بد من العلم بوجوده بعد الالتفات اليه ، ولا علم بمثل هذا التنزيل في المقام ولو بعد الالتفات [ الى موارد ] (2) الاستعمالات.

وحينئذ يكون عموم المتعلق في مثل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) (3) ونحوه بالنسبة الى الغائب والمعدوم باقيا على حاله بلا مزاحم. وعلى تقدير الشك في كون الاداة موضوعة للخطاب الحقيقي أو الايقاعي - بل مع تسليم التبادر الاطلاقي بالنسبة الى الاول في الجملة - يكون العموم الوضعي للمتعلق أظهر ، ويحمل التكليف المتضمن له على الحقيقي الفعلي بالنسبة الى الحاضر الواجد للشرائط ، وعلى الانشائي بالنسبة الى غيره.

وما ورد من قول النحويين واللغويين من أنّ مثل هذه الادوات موضوعة للخطاب والنداء فانّما هو مشترك بينهما كما لا يخفى.

ص: 500


1- من جملة بيتين مشهورين لبشير بن حذلم ينعى بهما الحسين علیه السلام في المدينة ، وهما : يا أهل يثرب لا مقام لكم بها *** قتل الحسين فأدمعي مدرار الجسم منه بكربلاء مضرّج *** والرأس منه على القناة يدار مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم : 374.
2- في الاصل الحجري ( بموارد ).
3- في آيات كثيرة ، مثلا سورة الاحزاب : 9.

فظهر مما ذكرنا : انّ القول باشتراك الخطابات القرآنية والخطابات الواردة في كلام النبي صلی اللّه علیه و آله والائمة علیهم السلام للغائبين بل المعدومين مما لا بأس به ، غاية الامر تكون الخطابات الايقاعية بالنسبة الى المشافهين خطابا حقيقيا أيضا وبالنسبة الى غيرهم مجرد بيان انشاء الاحكام لهم ، كي يثمر في الفعلية بعد وجودهم واجتماعهم [ مع ] الشرائط.

نعم لو دل دليل على وضع الادوات للخطاب الحقيقي فلا مناص عن الالتزام باختصاص الخطابات القرآنية بالمشافهين ، لعدم القرينة على المجاز.

385 - قوله : « الاولى : حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين ». (1)

لقبح الخطاب [ بما ] (2) له ظاهر مع ارادة خلافه بلا قرينة ؛ دونه على القول بعدم الشمول ، فانّه لا يجوز لهم التأويل على الظهور لعدم قصد فهمهم منها ، بل يجب عليهم الفحص والاجتهاد في تحصيل ما فهمه الموجودون المخاطبون ثم العمل على ما هو حاصل الفهم عندهم بأدلة الاشتراك.

وفيه : اولا : انّه قد قرر في محله انّه لا فرق في حجية الظهور بين من قصد افهامه بالخطاب وبين غيره ؛ والفرق بينهما خارج عن منهج السداد وطريقة أرباب المحاورات عند كشف المقاصد عن الخطابات.

وثانيا : لا ملازمة بين اختصاص الخطاب بالمشافهة وبين كونه مقصودا بالفهم فقط ، وحينئذ فيمكن كون الخطاب مخصوصا بالمشافهين ، مع كون المقصود بالفهم أعم منهم ومن المعدومين ، فلا تظهر الثمرة.

386 - قوله : « الثانية : صحة التمسك باطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم ».

386 - قوله : « الثانية : صحة التمسك باطلاقات الخطابات القرآنية بناء على

ص: 501


1- كفاية الاصول : 269 ؛ الحجرية 1 : 186 للمتن و 1 : 190 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( لما ).

التعميم ». (1)

من غير فرق بين اتحادهم في الصنف مع الحاضرين وعدمه ، بل ولو كان فهمهم مخالفا لفهم المشافهين فيما لم يكن اختلاف الفهم مستندا الى اختلاف الوضع مثلا بالنقل ونحوه ؛ دونه على القول بالعدم فانّه يجب عليهم العمل بتكليفهم الثابت لهم مع اتحاد الصنف.

وامّا مع الاختلاف في الصنف أو الشك فيه فلا ، لعدم دليل على الاشتراك من الضرورة والاجماع في هذه الصورة ؛ والمفروض عدم تعرض الدليل لتكليف المعدومين أيضا.

وفيه : على تقدير اختصاص الحكم - المتضمن له الخطاب - بالمشافهين واحتياج الاشتراك الى احراز اتحاد الصنف ؛ انّه يثبت الاتحاد بعد نفي ما يشك دخله في الحكم في المشافهين باطلاق الخطابات - ولو على عدم الشمول لما عرفت من حجية الظواهر - لغير من قصد افهامه أيضا ، فعند اثبات الحكم لهم بالظواهر ونفي ما يشك دخله للحاضرين يستكشف الاتحاد ، فيثبت الحكم لهم بلا اشكال.

هذا انما هو في الادلة المتضمنة للاحكام الواقعية.

وكذا الكلام في الادلة المثبتة للاصول العملية من الاستصحاب وغيره ، حيث انّه بعد تعيّن ظهور اللفظ في مثل « لا تنقض » في خصوص الشك في الرافع أو الأعم منه ومن الشك في المقتضي بعد الحكم بسبب حجية الظهور بعدم دخل قيد آخر من الحضور ونحوه في الحكم ، يحكم بثبوت هذا الحكم للمعدومين في زمان الخطاب أيضا بأدلة الاشتراك ، فتدبر.

ص: 502


1- كفاية الاصول : 270 ؛ الحجرية 1 : 186 للمتن و 1 : 190 العمود 1 للتعليقة.

نعم ان قلنا بالعدم إلاّ لمن قصد افهامه بالخطاب كما عليه القمّي (1) رحمه اللّه فيشكل التمسك بالظواهر ويحتاج ثبوت التكليف للمعدومين الى دليل من الخارج على تعيين حكم الحاضرين ، ودليل آخر على الاشتراك من اجماع وضرورة ، وحينئذ فمجرد دليل الاشتراك لا يكفي في ثبوت التكليف لهم مع الشك في ثبوته للحاضرين مطلقا أو مشروطا بشرط كانوا واجدين له دون المعدومين.

ولا يلزم من ذلك هدم أساس الشريعة على ما توهم ، للعلم بعدم اعتبار كثير مما ربما يتوهم اعتباره مطلقا أو في غالب الاحكام ، كمجرد الحضور في زمان النبي صلی اللّه علیه و آله فانّه يقطع بعدم اعتباره في الغالب ؛ ففي النادر لو شك فيه لم يلزم منه بأس. نعم بناء على حجية الظواهر لغير من قصد افهامه بالخطاب أيضا ، يرتفع الشك بالاخذ بظاهر الخطاب المتوجه اليهم من عموم واطلاق ونحوهما.

فان قلت : ربما يشكل احراز الاطلاق فيما كان الشك في اعتبار شيء في التكليف كانوا واجدين له دون غيرهم ، لعدم جريان مقدمات الحكمة مع كون الصفة المحتملة هو المتيقن في مقام التخاطب بل مطلقا - بناء على عدم قبح توجيه الخطاب المشروط مطلقا فيما كان المكلفون المخاطبون بجميعهم واجدين للشرط - فمع احتمال ذلك لا يتمّ الاطلاق بمقدمات الحكمة في اثبات الصغرى.

نعم لو كان ظهور عموم وحقيقة في البين لا بأس بالتمسك بهما ، وامّا في موارد الاطلاق فلا يجدي دليل الاشتراك إلاّ في بعض الصور.

قلت : انّ المشكوك الاعتبار الثابت للحاضرين دون من عداهم على أنحاء :

منها : ان يشك في دخل مجرد زمان الحضور في الحكم بلا دخل للحاضرين

ص: 503


1- القوانين المحكمة 1 : 233 - 234.

فيه بحيث لو كانوا في زماننا أيضا لم يثبت لهم ، كما انّ المعدومين لو كانوا في زمانهم لثبت لهم أيضا. وفي الحقيقة يرجع هذا الشك الى الشك في انتهاء أمد الحكم وانقضاء مصلحته ، وحينئذ فان كان اطلاق بحسب الزمان ، وإلاّ فلا يجدي مثل قوله [ علیه السلام ] : (1) « حلال محمد حلال [ ابدا ] الى يوم القيامة وحرامه حرام [ ابدا ] الى يوم القيامة » (2) لظهور كونه في مقام بيان عدم نسخ شريعته المشتملة على مجموع الاحكام في قبال نسخ الشرائع الاخرى ، لا في مقام عدم نسخ كل شخص من الحكم. نعم استصحاب عدم النسخ مما لا اشكال فيه.

ومنها : أن يشك في اعتبار عنوان خاص من مثل صفة الحضور - أي حضور الامام - ونحوها المتحقق للحاضرين دون غيرهم بلا دخل خصوصية فيهم ولا لزمانهم ، بحيث لو كانوا في زمان الغيبة لم يثبت الحكم لهم ، كما انّ المعصوم علیه السلام لو كان حاضرا في زماننا هذا لثبت الحكم لنا أيضا.

ومنها : أن يشك في اعتبار عنوان مجمل ثابت لهم دون غيرهم بلا خصوصية فيهم ولا لزمانهم أيضا.

والفرق بينه وبين سابقه [ هو ] بمجرد معلومية العنوان المشكوك الدخل وجهالته.

وهذان القسمان بعد اشتراكهما في عدم كفاية دليل الاشتراك في رفع الشك يجدي فيهما الاطلاق لو كان ، ومع عدمه فالمحكّم استصحاب بقاء الحكم الثابت في السابق بناء على المسامحة في الموضوع بجعله نوع المكلفين لا اشخاصهم.

ومنها : أن يشك في اختصاص الحكم باشخاص الحاضرين بخصوصهم بلا دخل لعنوان خاص أو عام ممكن الزوال عنهم ، بل المخصص نفس وجوداتهم

ص: 504


1- في الاصل الحجري ( تعالى ).
2- الكافي 1 : 58 باب البدع والرأي والمقاييس الحديث 19.

الخاصة بحيث لم يكن الحكم ثابتا للمعدومين ولو كانوا في زمانهم أيضا ، كما أنه لا ينفك عنهم ولو كانوا في زمان المعدومين أيضا ؛ ولا يصح التمسك لنفي القيد المشكوك بالاطلاق ، لرجوعه الى الاطلاق بالنسبة الى وجود الموضوع وعدمه.

وهذا القسم وان كان راجعا بالدقة الى الشك في دخل خصوصية غير منفكّة عنهم وغير متحققة في غيرهم أيضا ، إلاّ أنه من المورد المتيقن لجريان الاشتراك من العقل والضرورة والاجماع بلا حاجة الى اطلاق للدليل ، وإلاّ لم يبق مورد لادلة الاشتراك كما لا يخفى ؛ بخلاف غيره من الاقسام فانّه يحتاج - مضافا الى أدلته - الى اطلاق وعموم ، ولا أقل من الاستصحاب كما عرفت.

387 - قوله : « وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد معه ».

387 - قوله : « وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد معه ». (1)

اشارة الى دفع ما قيل من انّه لا يصح التمسك بالاطلاق فيما كان المشافهون واجدين لما شك في دخله في الحكم ، حيث انّه يدفع القيد بالاطلاق فيما لو كان المراد هو المقيد واقعا لزم نقض الغرض ، لا فيما ليس كذلك كما لو كان المشافهون واجدين للقيد.

وحاصل الدفع : انّ القيد المشكوك ان كان مما يتطرق اليه الفقدان لا يصح الاطلاق مع ارادة القيد ، للزوم نقض الغرض أيضا كما لا يخفى. نعم لو كان الوصف لازما للحاضرين بحيث لا ينفك عنهم لا بأس بالاطلاق حينئذ مع كون المراد في الواقع مقيدا ، ففي مثله لم يثبت الاتحاد بمجرد الاطلاق.

388 - قوله : « لما افاد دليل الاشتراك ... الخ ».

388 - قوله : « لما افاد دليل الاشتراك ... الخ ». (2)

وقد عرفت التفصيل ، والكفاية في بعض دون بعض.

389 - قوله : « كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير ».

389 - قوله : « كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب

ص: 505


1- كفاية الاصول : 270 ؛ الحجرية 1 : 186 للمتن و 1 : 190 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 271 ؛ الحجرية 1 : 186 للمتن و 1 : 186 للتعليقة.

الضمير ». (1)

لا لما في التقريرات (2) من كون الشك في كون الضمير حقيقة أو مجازا مسببا عن الشك في الحقيقة والمجاز في المرجع بحيث لو عيّن المعنى الحقيقي فيه باجراء اصالة عدم القرينة لتعيّن المجاز في الضمير ، فيكون الاصل في المرجع سببا رافعا للشك في الضمير ومقدما على الاصل فيه كما في الاصل السببي والمسبّبي في الاستصحاب.

لانّه - مضافا الى عدم تسبب الشك في أحدهما عن الآخر بل الشك فيهما مسبب عن العلم الاجمالي بارادة خلاف الظاهر في أحدهما ، والى عدم صحته في الظواهر أصلا حيث انها اما منعقدة للالفاظ الواقعة في الكلام عرفا بعد تماميتها أم لا بلا تعليق في انعقادها على شيء آخر - يكون المدار في حجية الظواهر هو بناء العقلاء فلا بد من تعيين بنائهم فيها بالرجوع اليهم في الشك السببي والمسبّبي فيها ؛ ولا دليل لفظي فيها كي يقال بتقديم السببي لاستلزامه التخصيص بالنسبة الى المسبّبي ، دون العكس لاستلزامه التخصيص بلا وجه أو على وجه دائر كما في الاستصحاب.

بل لما في المتن (3) من كون المتيقن من بناء العقلاء على حجية أصالة الظهور انما هو فيما شك في أصل المراد من اللفظ كما في المقام بالنسبة الى المرجع حيث انّه لا يعلم انّ المراد منه العموم أو الخصوص ، لا فيما شك في كيفية الاستعمال من انّه على نحو الحقيقة أو على نحو المجاز بعد القطع بالمراد كما في الضمير في ما نحن فيه ، فانّه لا شبهة في كون المراد منه هو بعض افراد العام ولكنه

ص: 506


1- كفاية الاصول : 272 ؛ الحجرية 1 : 187 للمتن و 1 : 190 العمود 2 للتعليقة.
2- مطارح الانظار : 208 السطر 36 - 37 وص 209 السطر 1 - 4 والطبعة الحديثة 2 : 210.
3- كفاية الاصول : 272.

يشك في كون ذلك البعض تمام المراد من المرجع كي يكون استعمال الضمير فيه حقيقيا ، أو بعضه كي يكون استعماله فيه مجازيا.

إلاّ أن يقال : بكون الشك فيما نحن فيه راجعا الى خصوصية المراد - من كونه واجدا لخصوصية كونه تمام المراد من المرجع - المعتبرة في الموضوع له أو فاقدا لها. ويلتزم بأصالة الظهور في تعيين الخصوصية أيضا.

ولا يخفى انّه بناء على تمامية ما ذكر - من عدم جريان أصالة الظهور في طرف الضمير - لا فرق فيه بين كون ظهوره مساويا مع ظهور المرجع ، أو أقوى منه.

ثم انّه بناء عليه لا تلزم المجازية في الكلمة أو في الاسناد في الضمير ، بل يمكن بقاؤه على ظهوره في الرجوع الى تمام المراد من المرجع ، لمصلحة ضرب القاعدة ، غاية الامر يلتزم بعدم الحجية في المقدار المتيقن من الخروج وفي الزائد عليه يكون هو المرجع لو شك في التخصيص ؛ وهذا بخلافه بناء على الاستخدام ، حيث انّه بناء عليه يكون حجة في المتيقن المراد ، لا في المشكوك كما لا يخفى.

ثم انّ الدوران على تقدير تسليمه انما هو بناء على كون الضمير موضوعا للرجوع الى المراد من المرجع بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص بأخذ الارادة في طرف المرجع في ما وضع له الضمير بلا لزوم محذور الدور في أخذ الارادة فيه ، وامّا بناء على كونه موضوعا لما وضع له المرجع فلا دوران كما هو واضح فتأمل.

390 - قوله : « إلاّ أن يقال : باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا ».

390 - قوله : « إلاّ أن يقال : باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا ». (1)

هذا انما يصح بناء على المجازية في المخصص المتصل ؛ وامّا بناء على

ص: 507


1- كفاية الاصول : 272 ؛ الحجرية 1 : 187 للمتن و 1 : 191 العمود 1 للتعليقة.

الحقيقة فيه كما عرفت فلا تجري أصالة الحقيقة مطلقا.

نعم الأولى أن تبدّل أصالة الحقيقة بأصالة عدم القرينة ولو مع الشك في قرينية الموجود كما لا يخفى.

391 - قوله : « فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع ».

391 - قوله : « فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع ». (1)

نعم بعد ما عرفت سابقا من عدم كون المفهوم بالوضع بل بالاطلاق المختلف بحسب المقامات فالتحقيق :

تقديم العام لو كان بالوضع ، لصلاحيته للبيان المتوقف على عدمه الاطلاق لو لا احتفاف المنطوق بما يوجب خصوصية فيه مستلزمة للمفهوم ، وإلاّ فلا بد من متابعة الظهور المنعقد معهما الكلام ولو بخلاف العموم ، ومع عدمه فالمتبع هو ما قرر للكلام المجمل من الحكم.

وامّا لو كانا في كلامين لا يصلح أحدهما طرف ظهور [ للآخر ] (2) فالمناط في التقديم حينئذ ملاحظة الاظهر منهما مطلقا [ سواء ] كانا بالوضع أو بالحكمة أو مختلفين ؛ فعلى تقدير وجوده لا بد من التصرف في الآخر :

امّا في العام ، بحمله على خلاف العموم.

وامّا في المفهوم ، بالتصرف في منطوقه بنحو لا يدل على الخصوصية المستتبعة له.

لا فيه ابتداء ، كي يرد بعدم قابليته للتصرف لكونه عقليا تبعا للمنطوق على ما قرر في محله.

وعلى تقدير عدمه فيعامل معهما معاملة الكلام المجمل في مقدار

ص: 508


1- كفاية الاصول : 273 ؛ الحجرية 1 : 187 للمتن و 1 : 191 العمود 1 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( لآخر ).

التعارض.

392 - قوله : « خارج عن طريقة أهل المحاورة ... الخ ».

392 - قوله : « خارج عن طريقة أهل المحاورة ... الخ ». (1)

فلا يذهب اليه في كلمات الشارع.

وأمارته هل تختص بها الاخيرة أو يشترك معها الباقي؟

[ فيه ] : (2) خلاف بل أقوال ؛ [ و ] يمكن أن يقع النزاع في مقامين :

الاول : في مقام الثبوت : بأن يكون النزاع في امكان رجوع الاستثناء الى الجميع وعدمه ، كما يظهر ذلك من صاحب المعالم (3) رحمه اللّه : حيث انّه أوقع النزاع في معنى الاداة ووضعها ، وذكر من باب المقدمة أقسام الوضع من كونه مع الموضوع له خاصين أو عامين أو خصوص الوضع عاما مع كون الموضوع له خاصا ، وجعل بعد ذلك وضع الحروف من قبيل الاخير ، ثم اختار امكان رجوع الاستثناء الى الجميع بعد صلاحية المستثنى لذلك من جهة كون الاخراج من الجميع حينئذ فردا خاصا من مطلق الاخراج فيكون من الموضوع له الاداة.

وكأنّ المتوهم في قباله - لعدم الامكان - زعم : أنّ الاستثناء من الجميع يستلزم استعمال أداته في اخراجات متعددة ، فيكون في أكثر من معنى واحد ، وهو الممتنع.

والتحقيق ، كما ذكره : انّ معنى الاداة لا يختلف - ولا يحصل التفاوت فيه في صورة الاستثناء من الجميع - عن حالها اذا كان المستثنى منه واحدا ، ولا يلزم تعدد الاخراج بتعدد المستثنى منه بل الاداة مستعملة في اخراج المستثنى من المستثنى منه ولو كان متعددا ، كما نشاهد بالوجدان عدم حصول التفاوت بعد الاتيان بجمل

ص: 509


1- كفاية الاصول : 273 ؛ الحجرية 1 : 192 للمتن و 1 : 191 العمود 2 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( ففيه ).
3- معالم الدين : 124.

متعددة بين قولنا : « إلاّ الفساق » من واحد منها ، أو من الجميع.

ولا فرق في ذلك بين كون الحروف موضوعة لطبيعة الاخراج أو بخصوصياتها التي منها الاخراج عن الجميع ؛ مع انّه قرر في محله انّ المراد من الخصوصية المرادة في معاني الحروف أخذها مقيدة بكونها آلية في اللحاظ لا جزئية في الخارج ؛ ومن المعلوم انّ الآلية في اللحاظ لا يتفاوت فيها بين كون ما يرتبط به معنى الحروف واحدا أو كثيرا.

غاية ما يمكن أن يقال في المحذور : انّ معنى الحرف كان متقوما بآلية اللحاظ وهو لا يتحقق إلاّ باللحاظ الاستقلالي ، ومع تعدده بتعدد الجمل فيما نحن فيه يلزم لحاظات متعددة بنحو الآلية في أداة الاستثناء وهو بحكم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، فلا شبهة في لحاظاته.

ولكن الدفع : انّ لكل من الجمل المستثنى منها لحاظين : أحدهما : لحاظه التفصيلي حين التلفظ به ، وثانيهما : لحاظه ارتكازا عند الاستثناء ، حيث انّ الارتكاز منه باق عنده وإلاّ لم يحصل الارتباط ، ولا يخفى انّ الجميع اجتمع في اللحاظ الارتكازي في الذهن عند الاستثناء ، وهو انما يكون آلة لهذا اللحاظ الارتكازي الاسمي بالنسبة الى الجميع وهو واحد كما في الظرف بعد أفعال متعددة في قولك : « نمت وأكلت وشربت في الدار » ، فلا وجه للاشكال أصلا.

المقام الثاني : في مقام الاثبات فنقول : على تقدير وجود القرينة بالنسبة الى البعض أو الكل لا اشكال فيه ، ومع عدمها فالمتعين هو الاخيرة لعدم الظهور في [ غيرها ]. (1) ومجرد الصلاحية لا يكفي في الظهور.

نعم يشكل أصالة العموم في غير الاول ، لما مرّ مرارا من عدم حجيتها مع

ص: 510


1- غير واضح في الاصل.

وجود ما يصلح للقرينة كما فيما نحن فيه ، بل ولو على تقدير جريان أصالة الحقيقة تعبدا ، لعدم المجاز في الاستثناء ؛ إلاّ أن يقال بالتعبد في اجراء أصالة عدم القرينة.

393 - قوله : « فصل : الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص ».

393 - قوله : « فصل : الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص ». (1)

اختلفوا فيه على أقوال ، أوجهها الجواز ، بعد الفراغ عن حجيته من باب الظن الخاص ؛ ويظهر ذلك بعد دفع ما استدل به للمنع ، وهو وجوه :

الاول : انّ الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني ، والقطعي لا يعارض بالظن.

والجواب : انّ المعارضة لم تكن بين سند الكتاب وسند الخبر بل بين دلالة الاول وسند الثاني ، وقد قرر في محله حكومة دليل اعتبار سند الخاص أو وروده على أصالة العموم في العام - فيما كان بحسب الدلالة - نصا أو أظهر منه.

الثاني : انّ دليل حجية الخبر هو الاجماع ، ولا يشمل ذلك للمخالف للكتاب. والجواب يظهر مما في المتن.

الثالث : الاخبار المانعة عن العمل بالخبر المخالف للكتاب وانّه « باطل » (2) كما في بعض منها وانّ « كل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف » (3) و « فلم أقله » (4)

ص: 511


1- كفاية الاصول : 274 ؛ الحجرية 1 : 192 للمتن و 1 : 192 للتعليقة.
2- وسائل الشيعة 18 : 89 كتاب القضاء ، باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة ، الحديث 48 ؛ بحار الانوار 2 : 244 كتاب العلم ، باب علل اختلاف الاخبار وكيفية الجمع بينها ، الحديث 52.
3- الكافي 1 : 69 باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، الحديث 3. وقد صححنا الفاظ الرواية حسب المصدر.
4- الكافي 1 : 69 باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، الحديث 5. وقد صححنا الفاظ الرواية حسب المصدر.

كما في بعض آخر منها ، وانّ الخبر المخالف لا يؤخذ به (1) في بعض آخر ، الى غير ذلك من هذه المضامين.

والجواب :

مضافا الى مخالفة هذه الاخبار المانعة مع ظاهر آيتي النبأ والنفر الدالتين على حجية الاخبار مطلقا فتطرح لكونها مخالفة للكتاب.

والى النقض بالخبر المتواتر اذا كان مخالفا لعموم الكتاب.

وبالمخالف المعلوم الصدور اجمالا من أخبار الآحاد.

انّ هذه الاخبار على طائفتين :

احداهما : ما وردت في مقام العلاج في المتعارضين ، ولا شبهة في كون هذا المقدار من موافقة أحدهما لظاهر الكتاب ومخالفة الآخر مرجحا له عليه - بناء على عموم الترجيح بمثله - فلا دخل له بما نحن فيه أصلا.

الثانية : ما وردت في مطلق الخبر المخالف ؛ وهذا القسم :

منه ما يدل على عدم صدوره عنهم علیهم السلام وانّه زخرف.

ومنه ما يدل على عدم جواز العمل به والتوقف فيه.

ولكنهما بعد عدم كون المعارضة بالعموم والخصوص مخالفة عرفا ، وبعد العلم بمخالفة بعض الاخبار - المتواترة والمعلومة الصدور من الآحاد - للكتاب مخالفة العموم والخصوص ، لا بد من حملهما :

امّا على بعض الاخبار المنسوبة اليهم علیهم السلام الواردة في اصول الدين مثل مسائل الغلو والجبر والتفويض.

أو على صورة المعارضة أيضا.

ص: 512


1- الكافي 1 : 69 باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، الحديث 1 ، وما بعده عدة احاديث.

أو على أنّ المراد انّهم علیهم السلام ليسوا بصدد تشريع شرع على حدة في قبال الشرع الالهي ، بل المراد انّه كما يمكن أن تكون بعض الآيات بيان المراد الواقعي لبعض الآيات الأخر كذلك يكون كلامهم علیهم السلام المخالف لظاهرها شارحا لها لخفاء دلالتها على غيرهم علیهم السلام .

أو على صورة المخالفة بنحو التباين.

الى غير ذلك من الاحتمالات المنافية للاستدلال بها على المنع عن التخصيص.

وان أبيت إلاّ عن ظهورها في المنع عن العمل بالخبر المخالف لظاهر الكتاب فلا أقل من الحمل على أحد هذه الوجوه توفيقا بين الادلة وقطعا لمحذور القطع بصدور الاخبار المخالفة.

ويكشف عما ذكرنا كله جريان السيرة على العمل بخبر الواحد في مقابل العمومات القرآنية.

الرابع : انّه لو جاز التخصيص بخبر الواحد لجاز النسخ به ، واللازم مخالف للاجماع.

بيان الملازمة : اشتراك النسخ معه في كونه تخصيصا في الأزمان ومخالفا لظاهر اطلاق دليل المنسوخ في الاستمرار كخبر الواحد المخصص لعموم الكتاب ؛ هذا مع جريان وجه الجواز من كونه جمعا بين الدليلين فيه أيضا.

والجواب : المنع عن قيام الاجماع على عدم جواز النسخ به ، حيث انّه متقوم [ بما ] (1) كان سنده الوجوه الضعيفة المذكورة في منع التخصيص ؛ وعلى تقدير التسليم فان كان الاجماع شاملا للتخصيص فالأولى التمسك به ، لا القياس ؛

ص: 513


1- في الاصل الحجري ( بمن ).

ومع عدم الشمول فهو الفارق ؛ مضافا الى الفارق في نفسه وهو ما قيل من ندرة النسخ وشيوع التخصيص ، فيكون أولى.

394 - قوله : « وبيانا لمراده من كلامه ، فافهم ».

394 - قوله : « وبيانا لمراده من كلامه ، فافهم ». (1)

لعله اشارة الى انّ جعل المخالفة بهذا المعنى ينافي جعله ضابطا للمخاطبين في مقام العمل ، فلا بد من حمل المخالف على معنى يمكن للمخاطب تعيين مصاديقه.

395 - قوله : « وذلك لانّ الخاص ان كان مقارنا مع العام ».

395 - قوله : « وذلك لانّ الخاص ان كان مقارنا مع العام ». (2)

كأن كان صدور كل منهما من امام أو كانا من امام واحد ، مع كون الخاص بالفعل أو التقرير. ولا اشكال في هذه الصور في الحكم بتخصيص العام بلا وجه للنسخ.

396 - قوله : « أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به ».

396 - قوله : « أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به ». (3)

ولا يخفى : انّ تعيين التخصيص في هذه الصورة انما هو بناء على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإلاّ - كما هو التحقيق - فيكون حاله كما بعد الحضور في حصول الدوران.

ووجه جوازه : انّه يمكن أن يكون المقتضي للحكم الواقعي في وقت ثابتا ولكن مع وجود المانع ؛ ومن المعلوم انّه يمكن أن يكون النبي صلی اللّه علیه و آله عالما بوجود المقتضي و [ أنشأ ] (4) الحكم على طبقه واختفى عليه المانع لمصلحة من المصالح ثم ينكشف له المانع أو ينكشف له انّ المصلحة في مجرد الانشاء لا في مرتبة

ص: 514


1- كفاية الاصول : 276 ؛ الحجرية 1 : 193 للمتن و 1 : 193 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 276 ؛ الحجرية 1 : 193 للمتن و 1 : 194 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 276 ؛ الحجرية 1 : 193 للمتن و 1 : 194 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( انشاء ).

الواقع فيخبر ( بالفتح ) من هذه الجهة ، بل يمكن أن يكون عالما بهذه الكيفية ولكن كانت المصلحة في الاخفاء ، كما سيجيء في النسخ بعد حضور وقت العمل.

397 - قوله : « وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا ».

397 - قوله : « وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا ». (1)

واذا لم يعلم انّ صدور العام لبيان الحكم الواقعي أو لبيان الحكم الظاهري فيدور الامر بين كون الخاص ناسخا أو مخصصا ، ولا يبعد أن يقال : بتقديم النسخ في هذه الصورة بايداع النبي صلی اللّه علیه و آله على الناسخ عند الامام بأن يظهره عند تمامية أمد الحكم الواقعي ، حيث انّه بناء على النسخ يكون ظهور العام - في كون وجه صدوره لبيان الحكم الواقعي الأولي - مع ظهوره في الاستيعاب باقيا بحاله ، بخلافه بناء على التخصيص.

لا يقال : بناء عليه يكون ظهوره في العموم الاستمراري بالنسبة الى الافراد التي تكون محكومة بحكمه باقيا بحاله ، فيتعارض الظهوران في طرف العام.

لأنّا نقول : انّ أصالة الظهور في الاستمرار الزماني ليست بحجة بالنسبة الى الفرد الخاص ، للعلم بعدم ارادته من العام بعد الظفر بالخاص من حين وروده أو من أول الامر فتبقى أصالة الظهور في العموم الافرادي بحالها. نعم لو كان الخاص ظاهرا في ثبوت حكمه من ابتداء الشريعة لكان أقوى من العام فيحكم بالتخصيص.

ففي الحقيقة يقع التعارض بين ظهور الخاص في ثبوت حكمه من أول الشريعة وظهور العام في كون جهة الصدور هو بيان الواقع ، وبين ظهوره في العموم الافرادي ، ولا اشكال في تقدم التخصيص حينئذ على النسخ مع ما هو المسلّم من غلبة التخصيص على النسخ ارتكازا ، فيوجب أظهرية الخاص انشاء. نعم في مورد

ص: 515


1- كفاية الاصول : 276 ؛ الحجرية 1 : 193 للمتن و 1 : 194 للتعليقة.

عدم ظهور الخاص إلاّ على ثبوت حكمه من حين وروده ، فيتوقف بينهما كما لا يخفى.

ثم انّه لا بأس بالتخصيص من جهة استلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، حيث انّ القاء الكلام بنحو العموم - مضافا الى كونه ذا صلاح في نفسه من جهة ضرب القاعدة - يكون مشتملا على المصلحة في افادة الحكم الظاهري على طبق العام ، من مثل التسهيل والترغيب في الاسلام في صدر الاسلام كما في غالب الاحكام ؛ ثم اذا ارتفع الصلاح أو المانع عن اظهار الحكم الواقعي فيظهر التخصيص ، كما في غالب المخصصات الواردة في كلمات الائمة علیهم السلام بالنسبة الى العمومات الصادرة في الكتاب والسنة النبوية.

398 - قوله : « وإلاّ لكان الخاص أيضا مخصصا له ».

398 - قوله : « وإلاّ لكان الخاص أيضا مخصصا له ». (1)

يعني على تقدير ورود العام لبيان الحكم الظاهري أيضا بالنسبة الى بعض الافراد لتأتّى الدوران بين التخصيص والنسخ ، والرجوع الى الاكمل لو كان ، والقواعد الاخرى مع عدمه.

399 - قوله : « وان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص ... الخ ».

399 - قوله : « وان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص ... الخ ». (2)

فانّ الخاص في دلالته على ثبوت حكمه في جميع الازمان أظهر من دلالة العام على ثبوت حكمه لجميع الافراد حتى الخاص ، أو العكس ؛ فلا اشكال في التخصيص في الاول والنسخ في الثاني.

ومن أسباب الاظهرية غلبة التخصيص ، وندرة النسخ لو كان ارتكازيا ، ومع عدمه فيعامل معه معاملة المجمل بلا ترجيح للتخصيص على النسخ ، لكونه نحو تخصيص في الازمان أيضا ، مع اشتراكهما في ارتكاب خلاف الظاهر في كل منهما ؛

ص: 516


1- كفاية الاصول : 276 ؛ الحجرية 1 : 193 للمتن و 1 : 196 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 276 ؛ الحجرية 1 : 193 للمتن و 1 : 195 للتعليقة.

ولكن الاظهر هو التخصيص.

وتوهم : لزوم تقديم البيان بناء عليه.

مدفوع : بعد استلزامه المرجوحية ، حيث انّ صفة البيانية في الخاص تكون متأخرة عن العام وان كانت ذاته متقدمة عليه ؛ ولا محذور في ذلك.

ثم لو كان ورود العام قبل حضور زمان العمل بالخاص فيأتي الدوران أيضا بناء على جواز النسخ قبل الحضور كما عرفت.

400 - قوله : « وأما لو جهل وتردد ... الخ ».

400 - قوله : « وأما لو جهل وتردد ... الخ ». (1)

ولا فرق بين أن يكون كلاهما مجهولي التاريخ أو أحدهما ، لعدم جريان أصالة التأخر في المجهول التاريخ : امّا اولا : فلما تقرر في الاستصحاب من عدم جريانه في المجهول التاريخ ؛ وامّا ثانيا : فلعدم ترتب أثر شرعي عليه.

واثبات صفة التأخر حتى يثبت به النسخ - مع انّه مثبت - ليس بذي أثر شرعي كما لا يخفى.

401 - قوله : « وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع الى الاصول العملية ».

401 - قوله : « وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع الى الاصول العملية ». (2)

وفيه : اولا : انك عرفت تقدم التخصيص على النسخ في جميع الصور المحتملة ، سواء كان الخاص مقدما على العام أو كان مؤخرا عنه فيما كان ظهور الخاص في ثبوت الحكم له من ابتداء الشريعة ، فلا وجه للتوقف. نعم لو لم يكن ظاهرا في ذلك فله وجه.

ثم انّه فيما علم تأخر الخاص وتردد بين كونه قبل حضور زمان العمل بالعام أو بعده لا وجه للرجوع الى الاصول العملية ، للعلم بأنّ الفرد الخاص محكوم بحكمه سواء كان ناسخا أو مخصصا. نعم فيما لو تردد بين كونه مقدما على العام

ص: 517


1- كفاية الاصول : 277 ؛ الحجرية 1 : 194 للمتن و 1 : 196 العمود 1 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 277 ؛ الحجرية 1 : 194 للمتن و 1 : 196 العمود 1 للتعليقة.

أو مؤخرا عنه - وما قدمنا التخصيص على النسخ - فللرجوع اليها وجه ، فتدبر.

402 - قوله : « أو مع عدم اطلاعه على ذلك ... الخ ».

402 - قوله : « أو مع عدم اطلاعه على ذلك ... الخ ». (1)

لما ورد في الاخبار كما في اصول الكافي « انّ لله تعالى علمين علم مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ اللّه وعلم علّمه أنبياءه وملائكته » (2) ففي مثل هذا ينشأ الحكم على طبق المقتضي أو المصلحة في نفسه بلا علم لنفسه الشريفة بوجود المانع ثم بعد ذلك يظهر له المانع فيخبر بالناسخ.

ويمكن أن يكون عدم اطلاعه على ذلك ببعض مراتب نفسه الشريفة المتوجهة الى الخلق والمدبرة للعالم العنصري وان كان عالما ببعض مراتبها الاخرى المتوجهة الى الخلق والمتصلة بالعقل الفعال ، بل يكون في تلك المرتبة أشرف من جميع ما سوى اللّه تعالى وأول ما يستفيض من الواجب - بقاعدة الاشرف - واسطة في الفيض التي يكون جبرئيل متعلما بتعليمه. نعم يكون الروح الامين واسطة لنزول الوحي على قلب سيد المرسلين ببعض مراتب نفسه الشريفة المدبرة للكائنات الناسوتية ، فلا ينافي نزول الفيض من الملك الى النبي صلی اللّه علیه و آله ، لقاعدة نزول الرحمة أولا الى الاشرف ، للزوم الطفرة بدونه.

وحينئذ فلا بأس بالالتزام بخفاء الاحكام الواقعية ببعض مراتب نفسه الشريفة وان كان عالما ببعض مراتبها الاخرى ، ويلتزم بالبداء الحقيقي بالنسبة اليه صلی اللّه علیه و آله وإلاّ بالنسبة اليه تعالى والى المقام العالي له صلی اللّه علیه و آله ، فلا يلزم الجهل فيه تعالى ولا تغيير الارادة ، بل الارادة الحقيقية منه تعالى كانت على وفق الناسخ ؛ والموافق للمنسوخ ليس إلاّ مجرد الحكم الصوري ؛ كما انّ المصلحة

ص: 518


1- كفاية الاصول : 278 ؛ الحجرية 1 : 194 للمتن و 1 : 196 العمود 1 للتعليقة.
2- الكافي 1 : 147 كتاب التوحيد باب البداء ، الحديث 8 ؛ باختلاف يسير.

الواقعية في الفعل انما كانت على طبق الناسخ في زمان النسخ ، والمصلحة في المنسوخ انما كانت في انشاء الحكم الصوري ؛ فلا استحالة في النسخ لا ثبوتا ولا اثباتا.

ثم انّ بعض إخبارات الانبياء المنكشف الخلاف بالنسبة الى التكوينيات انما كان من قبيل النسخ في التشريعيات في تمام الجهات حرفا بحرف بلا محذور و [ استحالة ]. (1)

كما انّ النسخ مطلقا انما هو بالنسبة الى لوح المحو والاثبات الذي يعبر عنه بالقضاء القدري ، وامّا بالنسبة الى اللوح المحفوظ الذي يعبر عنه بالقضاء الحتمي فالمحفوظ فيه هو المطابق للارادة الحتمية منه تعالى التي اذا تعلقت بشيء يكون ، ولا يمكن التخلف [ عنها ]. (2)

ويمكن أن يقال : انّ اللوح المحفوظ هو النفس النبوي صلی اللّه علیه و آله في المقام الأعلى أيضا.

ص: 519


1- في الاصل الحجري ( استحالته ).
2- في الاصل الحجري ( منها ).

ص: 520

المقصد الخامس: المطلق والمقيد و المجمل والمبين

اشارة

ص: 521

ص: 522

المطلق والمقيد

403 - قوله : « عرّف المطلق بأنه : ما دل على شائع في جنسه ».

403 - قوله : « عرّف المطلق بأنه : ما دل على شائع في جنسه ». (1)

وما الموصولة صفة اللفظ.

والمراد من الشيوع هو الاشاعة الحقيقية والانتشار الواقعي على البدل ، مقابل العموم الاستغراقي ومقابل الاحتمال كما في قول بعض هو : « ما دل على حصة محتملة لحصص كثيرة » (2) والمراد هو الاشاعة بحسب الصدق في نفسه لا من حيث الحكم.

والمراد من قوله : « في جنسه » بيان ما يسري اليه الاشاعة وهي الحصص التي تندرج في الجنس الجامع بين الحصص التي تكون تحت تلك الحصة الشائعة ، لا الحصص التي كانت في عرضها ، وإلاّ لما صدق عليها كما هو واضح.

وهذا التعريف أولى من سائر ما ذكر في تعريف المطلق ممّا ذكر لفظ ( الحصة ) فيه ويكون ظاهرا في لحاظ الاشاعة في الحصة ، لا في نفس الجنس ابتداء. ومما يظهر منه انّ المطلق صفة المعنى لا اللفظ ولكنه يتوقف على كون المطلق حقيقة في اللابشرط القسمي أو بشرط شيء ، لا المقسمي فقط ، وهو كما سيجيء غير ثابت.

ص: 523


1- كفاية الاصول : 282 ؛ الحجرية 1 : 195 للمتن و 1 : 196 العمود 2 للتعليقة.
2- معالم الدين : 150 والطبعة الحجرية : 154 ؛ شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي 2 : 284 السطر 6.

والاولى كما في المتن الاعراض عن التحديد ، حيث انّ [ لفظ ] (1) المطلق ما ورد في آية أو رواية موضوعا للحكم الشرعي [ كي ] (2) يحتاج الى بيان مفهومه لتعيين موضوع حكمه ، بل الموضوع للآثار الشرعية هو المصاديق الخاصة ، وغرض الاصولي [ من ] (3) تعريفه تعيين معنى جامع لشتات المصاديق بحيث : ينعكس باشتماله لجميع ما يعدّ في الاصطلاح مطلقا ، ويطّرد بأن يخرج عنه ما ليس كذلك ؛ وحينئذ نقول : انّه ما من تعريف إلاّ ويرد عليه النقض طردا أو عكسا أو كليهما عند من صار بصدد التحديد ، أو عند غيره ممن صار بصدد النقض والابرام ، ولا ثمرة تترتب عليه ، لما عرفت من انّ المقصود معرفة حال الجزئيات الموضوعات للآثار ؛ فالأولى التعرض لبيان معانيها.

404 - قوله : « فمنها : اسم الجنس ... الخ » الى قوله : « ومنها علم الجنس ... الخ ».

404 - قوله : « فمنها : اسم الجنس ... الخ » الى قوله : « ومنها علم الجنس ... الخ ». (4)

أقول مقدمة لتوضيحها : انّ كل معنى من المعاني على اختلاف أنحائه جنسا أو صنفا ، أو موضوعا أو عرضا :

قد يلاحظ من حيث هو هو من غير ملاحظة شيء معه من وجود ذهني ، أو خارجي ، أو قيد آخر يوجب تقييده بوجه ، حتى لا يلاحظ كونه متصورا في الذهن ، بل ينظر الى ذات المعنى من غير لحاظ كونه مقصودا ؛ ويسمى ذلك جنسا.

واخرى : يلحظ ذاك المعنى مقيدا بالوجود الذهني ؛ فيسمى مفهوما عقليا.

وثالثة : يلاحظ بشرط لا ، أي مقيدا بعدم ما عداه ، ولا تحقق له إلاّ بمجرد

ص: 524


1- في الاصل الحجري ( اللفظ ).
2- في الاصل الحجري ( كما ).
3- في الاصل الحجري ( عن ).
4- كفاية الاصول : 282 ؛ الحجرية 1 : 195 للمتن و 1 : 196 العمود 2 للتعليقة.

فرض الذهن لانّه كلما يلاحظ مجردا يصير ملحوظا مخلوطا.

وقد يلاحظ لا بشرط قسميا ، بحيث يصير مقيدا بالارسال وعدم اعتبار القيد معه ، ولا تحقق له بهذه الملاحظة إلاّ بمجرد الفرض أيضا لانه كلما يلاحظ مرسلا يصير مقيدا أيضا.

وقد يلاحظ بشرط شيء فيصير مشروطا ، وشرطه :

قد يكون هو الشيوع والسريان ، فيسمى مطلقا اصوليا.

وقد يكون هو الوحدة المفهومي ، فيسمى فردانا وفردا منتشرا ، وهو غير الفرد المردد واقعا أو احتمالا ، لكونه غير ملحوظة معه الخصوصية الفردية ، دونهما ، كما نشير اليه.

وقد يكون غيره ، فيسمى مقيدا ، أو صنفا ، أو شخصا.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ اسم الجنس موضوع للطبيعة بالاعتبار الاول وهو اللابشرط المقسمي غير الملحوظ معه قيد أصلا ، لا للمفرد المنتشر أو غيره مما لوحظ معه قيد. وأما علم الجنس فالمشهور انّه موضوع للطبيعة المذكورة مقيدة بوجودها الذهني بأن يكون معنى ( أسامة ) هو طبيعة الاسد المتعينة بالتصور الذهني بحيث لو اعتبرت نفس الطبيعة بما هي هي لم تكن مفهوما لعلم الجنس بل لاسم الجنس ؛ وإنما ذهابهم اليه لما رأوا من معاملة النحويين معه معاملة المعرفة لفظا ، فقد قيل : انّ ذلك من جهة التغاير المعنوي.

ولكنه [ عقيدة فاسدة ] (1) وبيانه يحتاج الى مقدمة وهي :

انّ الطبيعة اللابشرط المقسمي - غير المرهونة عند قيد وغير المصطادة بتعيين ما يقبل لأن ينضم اليه التعيين الخارجي فيتحد معه ولأن يطرأ عليه التعيين

ص: 525


1- في الاصل الحجري ( فاسدة العقيدة ).

الذهني فيصير مفهوما ذهنيا ، فالمقصود انّه - لا تأبى عن قيد ولا تتعصى عن تعيين أصلا.

وامّا اذا لوحظت مقيدة بالخارج فهي غير قابلة للصدق على كثيرين ولا لأن توجد في الذهن ؛ فلو قيل : انّها تكون معلومة فليس معناه انّ الموجود الخارجي صار مقيدا بالوجود الذهني غير الصادق إلاّ بتحقق الخارج في الذهن ، بل معناه انّه صارت محكية بالصورة الذهنية ومعلومة بالعرض كما ؛ انّ تقييد موضوع بعض الاحكام الشرعية أحيانا بالعلم - بأن يكون المعلوم من الشرب مثلا هو المحرّم دون غيره - معناه انّ الشرب الخارجي يكون موضوعا للحكم الشرعي اذا حصلت مماثلة في الذهن لا مطلقا ، لا انّ الخارج يتحد مع صفة العلم ، وإلاّ فليس بقابل للامتثال.

واذا لوحظت مقيدة بالوجود الذهني ، لا يمكن أن تحصل في الخارج ولا أن تحمل على المصداق الخارجي ، وإلاّ لا نقلب الذهن خارجا ؛ فلو قيل : انّ المعلوم هو زيد الخارجي ، لا يمكن إلاّ بالتجريد.

فان قيل : اذا لم يصدق الموجود في الذهن المقيد به على الخارجي ، فكيف تكون الطبيعة الموجودة في الذهن كليا عقليا قابل الصدق على كثيرين.

قلت : انّ الكلي هو ذات الملحوظ في الذهن ، لا مشروطا باللحاظ ، إلاّ أنّ لحاظ الكلية له [ هو ] حال كون الطبيعة في الذهن ولم تلحظ في غير تلك الحال ؛ بخلاف الكلي الطبيعي فانّ لحاظ الكلية له غير ملحوظ بكونه في حال لحاظ الذهن وان كان في ذاك الحال.

اذا ظهر ذلك فاعلم : انّ علم الجنس - على المشهور - موضوع للطبيعة المقيدة بالذهن ، وهو مع مخالفته للوجدان - الشاهد على عدم الفرق بين المتبادر من أسد واسامة إلاّ بمجرد المعاملة مع أحدهما في اللفظ معاملة التعريف دون

ص: 526

الآخر - غير صحيح بالبرهان وهو ما عرفت من عدم معقولية اتحاد الموجود الذهني بوصفه مع الموجود الخارجي ، فيلزم منه عدم معقولية حمل مثل ( اسامة ) على الفرد الخارجي إلاّ بعناية التجريد في المحمول باستعماله في جزء معناه ، وهو غير خال عن التعسف عند العقول كما اعترف به في الفصول (1) ، فهو - مع عدم الدليل عليه بل الدليل على عدمه - غير محتاج اليه.

ويمكن أن يقال : بكون التعريف بملاحظة تعيينه الجنسي في نفسه لا تعيينه في الذهن حتى يرجع الى ما ذكر ، وحينئذ فالفرق بين علم الجنس واسمه لحاظ التعيين في الموضوع له في أحدهما دون الآخر.

ثم انّه لا فرق في عدم صحته في مقام الحمل : بين كون القيد داخلا في المحمول ، أو القيد خارجا والتقييد به داخلا ، لعدم معقولية التقييد بالوجود الذهني إلاّ بأن يكون نفس المقيد في الذهن ، فيستحيل الحمل.

405 - قوله : « ومنها : المفرد المعرف باللام ». (2)

أقول : يقع الكلام في أنه هل تدل اللام على الاشارة الذهنية الى معنى مدخوله حرفيا كما عليه المشهور كلفظ ( هذا ) للاشارة الحسية مع الاختلاف أيضا :

بين كونه مشتركا معنويا موضوعا لخصوص الاشارة الى الجنس ؛ الجامع بين المجرد عن اعتبار تحققه في ضمن الفرد وبين المأخوذ باعتبار تحققه : اما في ضمن جميع الافراد في الاستغراق ، أو في ضمن فرد ما في الذهني ، أو الفرد المعيّن في العهد الخارجي ، أو الحضوري ، أو الذكري ، مع كون الخصوصيات بالقرائن الخارجية باختلاف المقامات.

ص: 527


1- الفصول الغروية : 165 الفصل الثاني من العام والخاص السطر 31 - 40 وص 166 السطر 1 - 3.
2- كفاية الاصول : 284 ؛ الحجرية 1 : 200 للمتن و 1 : 197 العمود 1 للتعليقة.

وبين كونه مشتركا لفظيا بين الاشارة الى كل منها بالخصوص لكل بوضع على حدة.

وبين القول بعدم الدلالة على شيء أصلا ، بل يكون اتيانها في اللفظ بمجرد التعريف اللفظي بلا دلالة على شيء كما في الحسن والحسين كما اعترفوا به في العهد الذهني ؛ و [ تكون ] الخصوصيات بالقرائن الخارجية على اختلاف المقامات كما هو عليه الاستاذ (1) مستدلا - مضافا الى عدم الانسباق الى الذهن من لفظ ( الرجل ) إلاّ نفس الطبيعة - بأنّ في البين بناء على تسليم ما قيل به أمران : أحدهما : الاشارة الذهنية الى معنى المدخول ؛ ثانيهما : الخصوصيات الاخرى من الجنسي أو الفردي على أنحائه.

والحق : عدم دلالة اللام على كل منهما أصلا.

اما الاول : فبما عرفت في علم الجنس من أنّ المقيد بالامر الذهني ولو بنحو التقيد لا يكون إلاّ في الذهن ، فلا يعقل أن يقال : « زيد الرجل » إلاّ بعناية التجريد غير الخالي عن التعسف كما مر حرفا بحرف.

واما الثاني : فبأنّ الخصوصيات لو كانت هي التعيين الذهني الجنسي أو الفردي المبهم ، فيرد عليه ما مرّ. وان كانت هي الخصوصيات الثابتة للمدخول في نفس الامر من الجنسي أو الفردي مثلا ولو لم تكن في الذهن ، ففيه :

انّ المعرّف - بنفسه - لا دلالة له على واحد منها إلاّ بقرينة اخرى ، مختلفة بحسب الموارد ، فهي الدال ، لدوران الدلالة مدارها ، فلا وجه لاستنادها الى اللام ؛ وامّا الاشارة الخارجية في العهد الخارجي والذكري - على فرض التسليم - [ فهي ] بقرينة اخرى أيضا.

ص: 528


1- كفاية الاصول : 285 - 286.

والحاصل : انّه لا دلالة على كون اللام موضوعا لمعنى إلاّ لمجرد التزيين - كما حكى نجم الائمة (1) - في جميع الاقسام إلاّ في خصوص العهد الذهني ، ذاهبا الى كون الاشارة الذهنية الى فرد ما مستندة الى اللام ، لعدم دلالة المدخول عليه ؛ ولكنه غفلة عن انّه بواسطة القرينة الخارجية أيضا كما في بعض الكتب البيانية. (2)

ولكن يمكن أن يقال : بأنّ خصوصية التعريف الذهني لو كان داخلا في المحمول لورد عليه ما ذكر من عدم صحة الحمل إلاّ بالتجريد.

وامّا لو كان لمجرد الاشارة الى ما هو المحمول - كما لو قيل : « زيد » متحد مع الطبيعة التي تشار اليها في الذهن لا بما هو في الذهن كما في الاشارة في مثل ( زيد هذا الرجل ) الخارجة عن المحمول ، وان كان بينهما فرق بأنّ الاشارة في اسم الاشارة جاء من قبل الاستعمال وفي اللام داخل في المستعمل فيه ، إلاّ أنّه لا يوجب فرقا فيما هو المهم ؛ أو كان المراد من المعروفية هو المعلومية بالعرض لا المعلوم بالذات - لما كان به بأس.

إلاّ أنّ الانصاف عدم ثبوت الوضع بعلائم الحقيقة.

406 - قوله : « وذلك لتعيّن المرتبة الاخرى ، وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى ».

406 - قوله : « وذلك لتعيّن المرتبة الاخرى ، وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى ». (3)

هذا الكلام دفع لما قيل من أنّ دلالة الجمع المعرّف على الاستغراق الافرادي مستندة الى اللام حيث انّها للتعريف ، ولا تعريف في الجمع إلاّ بارادة جميع الافراد.

ص: 529


1- الكافية مع شرح الرضي الاسترآبادي 2 : 129 السطر 2 - 4.
2- شرح المختصر للتفتازاني 1 : 78 عند الكلام ( في احوال المسند اليه ) حول التعريف باللام.
3- كفاية الاصول : 285 ؛ الحجرية 1 : 201 للمتن و 1 : 197 العمود 2 للتعليقة.

بيان الدفع : انّه لو قلنا بكون هيئة الجمع المعرّف موضوعا على حدة للاستغراق الافرادي - كما هو الظاهر من دلالته عليه لو لا القرينة في البين - فلا ربط له بما هو ذكر أصلا كما هو واضح ، وإلاّ فالتوهم المذكور مدفوع بعدم كون التعاريف في المقام هو التعريف الحقيقي كما اعترفوا به في العهد الذهني ؛ وحينئذ فلو كانت الدلالة بخصوص اللام فأقل الجمع هو القدر المتيقن فلتكن الاشارة اليه كي يفيد - بمقدمات الحكمة - العموم البدلي ، وهو غير صحيح ، وحينئذ فالقول بالوضع مما لا بأس به.

كما انّه يذهب اليه في المفرد على تقدير عدم المناص عن دلالته على الاستيعاب.

وثمرة الوضع بهذه الهيئة التميز عن الهيئات الاخرى من مثل النون وغيره الدال على خصوصية اخرى.

ولكن يمكن أن يقال : انّ مقصودهم من كون اللام للتعريف أنه للاشارة الى المدخول كما في لفظ « هذا » وان كان بينهما فرق بالاسمية والحرفية ، ومن المعلوم انّ الاشارة لا تتحقق بالنسبة الى الافراد المبهمة كما في أقل الجمع المردد بينهما كالنكرة ، بخلاف جميع الافراد ؛ ولا يقاس بالعهد الذهني لتصريحهم بكون التعريف فيه لفظيا دون غيره. نعم في تعريف الجنس غير المقصود تحققه في ضمن الافراد تكون الاشارة الى مجرد الطبيعة في الذهن ، فلا يستلزم التعريف الخارجي.

407 - قوله : « ومنها : النكرة ... الخ ».

407 - قوله : « ومنها : النكرة ... الخ ». (1)

ولا يخفى ان المعنى الذي يمكن أن يكون مفهوما للنكرة - سواء كانت

ص: 530


1- كفاية الاصول : 285 ؛ الحجرية 1 : 201 للمتن و 1 : 198 العمود 1 للتعليقة.

الدلالة مستندة الى التنوين في مثل كلمة ( رجل ) أو الى نفس النون - يدور بين امور ثلاثة :

أحدها : الفرد المعيّن واقعا غير المعين عند المخاطب ، بحيث يحتمل عنده الانطباق على كل واحد من الخصوصيات. وبعبارة اخرى : تكون النكرة الفرد المجهول في قبال المعلوم.

ثانيها : الفرد المردد ، بمعنى انّ معناها فرد من الجنس مرددا ، فشيء من الخصوصيات غير معتبر فيه على التعيين وان اعتبر أحدها فيه لا على التعيين. ولا يخفى انّ الترديد حينئذ معتبر في واقعه فلا واقع له غير الترديد ، دون القسم الاول كما هو واضح.

وثالثها : الطبيعة المأخوذة فيها الوحدة المفهومية لا المصداقية فيكون معنى النكرة فردا ، كليا [ لا ] (1) جزئيا ، حيث انّ ضم المفهوم الكلي الى الكلي لا يفيد تشخصه غاية الامر يوجب ضيقه في الجملة فيصير [ محصّلا ] (2) من [ الطبيعة ] (3) المهملة.

ولا يبعد القول بكون النكرة بالمعنى الثالث ؛ ويشهد على ذلك مقام الامر والطلب ، ويحتاج ذلك الى مقدمتين :

احداهما : انّه مما لا اشكال في صحة الامر بالنكرة بمعناها المذكور عند الاذهان بلا ارتكاب خلاف الظاهر بتجريد ونحوه.

ثانيتهما : انّه لا اشكال في حصول امتثال أمرها بفرد معين من [ زيد أو

ص: 531


1- غير واضح في الاصل.
2- غير واضح في الاصل.
3- غير واضح في الاصل.

عمرو ] (1) ولا اشكال أيضا في عدم حصول الامتثال إلاّ باتيان ما ينطبق عليه عنوان المأمور به.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الفرد المردد بقيد الترديد المعتبر في الثاني كما هو الظاهر من الفصول بقوله : « [ فتقييده تقييد ] (2) ترديدي لا تعييني » (3) لا يمكن انطباقه على الفرد المعين الخارجي ، لوضوح عدم صدق الترديد عليه ، فحينئذ لو كان معنى النكرة هو الفرد المردد للزم عدم حصول الامتثال ، لما عرفت من عدم الانطباق ، فيتعين كونه بمعنى فرد ما لكونه معنى انطباقيا.

وتوهم : كون الفرد المردد قابلا للامتثال بفرد معيّن كما في الواجب التخييري بين الافراد.

مدفوع : بأنّ الواجب في التخييري هو كل فرد معينا.

وكفاية الامتثال بفرد واحد إنما هو من نحو تعلق الامر التخييري الموجب [ امتثال ] (4) الكل باتيان فرد واحد.

كما انّ توهم : انّ الامر بالنكرة بالمعنى الثالث نظير الامر التخييري.

مندفع : بأنّ المعلوم فيها الامتثال بتمام ما هو المأمور بلا سقوط بعض منه ، فيخالف الواجب التخييري.

والحاصل : انّ جعل النكرة بمعنى الفرد المردد غير صحيح ، لما هو المعلوم من حالها من صحة تعليق الامر بها بما لها من المفهوم ، مع التمكن من الامتثال المذكور. نعم الظاهر صدقها على الفرد المجهول المعين واقعا وهو :

ص: 532


1- غير واضح في الاصل.
2- في الاصل الحجري ( فالتقييد بقيد ).
3- الفصول الغروية : 163 السطر 9.
4- غير واضح في الاصل.

اما لكونها للجامع بينه وبين فرد ما.

واما لخصوص الثاني بأن يقال : انّ الاستعمال فيه أيضا في فرد ما المحتمل انطباقه على فرد بدلا عند المخاطب ؛ والخصوصية إنما كانت بالقرينة.

408 - قوله : « اذا عرفت ذلك فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة ».

408 - قوله : « اذا عرفت ذلك فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة ». (1)

مقصوده : انّه بعد بيان مفهوم بعض مصاديق المطلق فلا بد أن نشير الى بيان ما يطلق عليه لفظ المطلق بمادته وهو امور :

الاول : معنى اسم الجنس - وهو الماهية المهملة غير الملحوظ فيها إلاّ الطبيعة - معنى لحاظ كونها بهذا اللحاظ بنحو عدم الاعتبار ، لا اعتبار العدم ، ويسمى ذلك باللابشرط المقسمي ، ولا اشكال في قابليته لانضمام القيود اليه واتحاده مع كل منها.

الثاني : هو الطبيعة المأخوذة معه السريان والشياع كالعموم البدلي الصادق على كل فرد بدلي ، لا المقيدة بالارسال المنطقي عن كل قيد بنحو لا يكون له موطن إلاّ في الذهن كما لا يخفى.

الثالث : الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية مطابقة لمعنى النكرة.

والظاهر عدم طريق الى واحد منها اصطلاحا ؛ والتعريفات مختلفة ؛ فيحتمل عدم اصطلاح جديد من لفظ المطلق بل كان باقيا في معناه اللغوي ، فيصح اطلاقه على كل من المعاني المذكورة ، على كل بالاضافة الى جهة كما لا يخفى.

كما انّه يطلق في مقابلة المقيد في كل منها بالاضافة الى ما اطلق عليه الاطلاق ، غاية الامر اذا كان بمعنى اسم الجنس والنكرة يقبل لطريان القيد عليه ،

ص: 533


1- كفاية الاصول : 286 ؛ الحجرية 1 : 201 للمتن و 1 : 198 العمود 1 للتعليقة.

دونه اذا كان بمعنى الشياع والسريان فانه يقابل المقيد ويعانده ، لا أن يكون مقسما له كما لا يخفى.

409 - قوله : « ولا يخفى ان المطلق بهذا المعنى لطروّ القيد غير قابل ».

409 - قوله : « ولا يخفى ان المطلق بهذا المعنى لطروّ القيد غير قابل ». (1)

أي : بمعنى الشمول ، لما عرفت من مقابلته مع المقيد.

410 - قوله : « وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق ».

410 - قوله : « وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق ». (2)

اختلفوا في كون التقييد موجبا للمجازية في المطلق وعدمه على أقوال ، ثالثها التفصيل بين التقييد بالمنفصل ، فالاول ؛ وبالمتصل فالثاني. وبيان المختار يحتاج الى توضيح - معنى اسم الجنس الوارد عليه التقييد والمفاهيم [ المحتملة وصفه بواحد ] (3) منها امور :

الاول : الطبيعة المهملة ، وقد عرفت انها مجرد المعنى بلا لحاظ شيء ، أو مطلقا بنحو عدم الاعتبار.

وثانيها : الطبيعة المرسلة المسماة باللابشرط القسمي ، وعرفت عدم قابليته لطريان قيد عليه أصلا ، ولا موطن له إلاّ الذهن إلاّ بالتجريد ، كما انّ الاول يقبل ذلك بلا عناية وتجريد.

الثالث : الطبيعة المأخوذة بشرط شيء سواء كان هو السريان والشيوع بحسب وجوده الخارجي ويسمى مطلقا اصطلاحيا ، أو قيدا آخر يوجب التقييد في الجملة كالرقبة المتصفة بالمؤمنة أصلا ويسمى مقيدا.

اذا عرفت ذلك فالحق كما ذهب اليه السيد السلطان (4) رحمه اللّه : [ من ] انّ

ص: 534


1- كفاية الاصول : 286 ؛ الحجرية 1 : 202 للمتن و 1 : 202 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 286 ؛ الحجرية 1 : 202 للمتن و 1 : 198 العمود 2 للتعليقة.
3- في الاصل الحجري ( المحتمل أو صفة لواحد ).
4- حاشية سلطان العلماء : 305 عند التعليق على قول المعالم : « فلأنه جمع بين الدليلين ... الخ » ؛ معالم الدين الطبعة الحجرية الموشحة بحاشية السلطان : 155.

أسماء الاجناس موضوعة للطبيعة المهملة اللابشرط المقسمي ، خلافا لما نسب الى المشهور من كونها موضوعة للطبيعة بشرط السريان والشيوع.

ويدل على ما ذكرنا - مضافا الى تبادر ذلك من لفظ « رجل » مجردا كما في مقام التعداد ، وسائر علائم الحقيقة - صحة الحمل على فرد معيّن خارجي بلا لحاظ تجريد وغاية ، فلو كان موضوعا لما نسب اليه المشهور لما صح ذلك بدونه ، وهو خلاف الوجدان في مقام الحمل. وامّا اللابشرط القسمي الاوّلي فلم يذهب اليه ، كما انّه عليه لا يقبل [ طريان ] (1) قيد عليه أصلا ، ولما فيه من المنافاة من اعتبار عدم التقييد بشيء.

فما في التقريرات (2) : من جعله أيضا قابلا لطريان القيد عليه وانّ الفرق بينه وبين المقسم بمجرد الاعتبار :

ان كان مراده القابلية مع التقييد بالارسال ، ففي غاية الفساد.

وان كان القابلية بدون أخذه مقيدا بالارسال وان كان ملتفتا الى انّه ملحوظ في تلك الحال دون القسم ، لعدم الالتفات اليه فيه أصلا كما يظهر من قوله : « وملخصه انّ القسم بمائز المقسم بالالتفات الى أنّه [ وكذلك الحال لو كان المراد بالاطلاق هو الشياع والسريان فانه لا يصلح لطرو القيد عليه ايضا في الجهة التي لوحظ فيه السريان كما يشهد عليه ] (3) في تلك الحالة كذلك وهو غير ملتفت اليه في المقسم وان كان هو أيضا كذلك ... الخ ».

ففيه : انّه خلط لما اصطلح عليه في المعقول من كون القسم هو المقيد

ص: 535


1- في الاصل الحجري ( لطريان ).
2- مطارح الانظار : 216 السطر 22 الى آخر الصفحة والطبعة الحديثة 2 : 250 - 252.
3- نسخة. ( كذا في الاصل الحجري ).

باللابشرطية في كلام السلطان رحمه اللّه في مقام عدم مجازية المقيد وهو قوله رحمه اللّه : « انّه يمكن العمل بالمطلق والمقيد من دون اخراج عن حقيقته بأن يعمل بالمقيد ويبقى المطلق على حاله فلا يجوز (1) ارتكاب مجاز حتى يجعل ذلك وظيفة المطلق ، فانّ مدلول المطلق ليس صحة العمل بأي فرد كان حتى ينافي مدلول المقيد ، بل هو أعم منه ومما يصلح للتقييد - بل المقيد في الواقع - ألا ترى انّه معروض للقيد كقولنا : « رقبة مؤمنة » وإلاّ لزم حصول المقيد بدون المطلق ، مع أنّه لا يصلح لأي رقبة كانت ؛ فظهر انّ مقتضى المطلق ليس ذلك ، والاّ لم يتخلف فيه » (2) انتهى.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّه اذا ورد قيد على المطلق متصلا أو منفصلا ، ففي مقام الثبوت يمكن بقاؤه على حقيقته ، ويكون مع القيد من قبيل تعدد الدال والمدلول بحيث يكون الدال على كل جزء من المقصود جزءا من الدال ، ويمكن مجازيته بأن يكون القيد قرينة على ارادة الخصوصية من لفظ المطلق.

وتوهم : عدم صحته من جهة استلزامه التكرار في القيد.

مدفوع : مضافا الى امكان تبديله بقيد ملازم له يفيد الخصوصية بلا اتيانه في اللفظ ؛ انّه على تقدير التسليم إنما يصح فيما لو اريد من المطلق المعنى التركيبي ، لا ان يراد منه الخاص بنحو يكون التقيد داخلا والقيد خارجا كما لا يخفى.

واما في مقام الاثبات : فالظاهر انّ الاستعمال على نحو الحقيقة حمله ذلك

ص: 536


1- يجب. نسخة ، ( كذا في الاصل الحجري ).
2- مطارح الانظار : 217 السطر 1 - 4 والطبعة الحديثة 2 : 252. ثم ان هذه السطور التي نقلها التقريرات عن السلطان كأنما هي نقل بالمضمون ، لوجود اختلاف كبير بينها وبين الفاظ السلطان. راجع حاشية السلطان : 305 ؛ معالم الدين الحجرية : 155.

على تعدد الدال والمدلول ، بناء على اجراء أصالة الحقيقة فيما لو علم المقصود وشك في كيفية الاستعمال ، مضافا الى استبعاد الالتزام بالمجاز فيما لو كان القيد متصلا ، بحمله على كون الغرض من اتيانه هو القرينية لا افادة معناه ، فتدبر.

411 - قوله : « ثالثتها : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ».

411 - قوله : « ثالثتها : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ». (1)

وليعلم : انّ القدر المتيقن من خصوص مقام ، أو مقال ، أو انس ذهن ببعض الافراد يوجب تيقنه - غير القرينة المصطلحة - حيث انّ القرينة توجب تعيّن كون ذلك البعض هو تمام المراد من اللفظ بلا حاجة الى اجراء مقدمات الحكمة ؛ بخلاف القدر المتيقن فانّ القرينة المذكورة إنما دلت على كون البعض متيقن الارادة ، اما انّه تمام المراد فلا ، لعدم لزوم ذلك على المتكلم ، بل المتعين عليه هو بيان موضوع الحكم بحيث لا يقع المخاطب على خلاف الواقع ، لا دفع جميع ما يشك فيه.

نعم يمكن اثبات كون ذاك البعض المتيقن هو تمام المراد ثابتا بالحكمة ، من جهة انّه لو كان المراد هو الاطلاق مع عدم دلالة اللفظ عليه فعليه بيانه على حدة ، ومع عدمه فالمتعين هو ذاك البعض المتيقن ، فيكون التيقن مثل القرينة في النتيجة ؛ ولعله أشار اليه بقوله : « فافهم ».

ثم انّ المتيقن لا بد أن يكون في مقام التخاطب ، بحيث يكون الانسباق الى الذهن من اللفظ مع ما يحف به من القرائن ، لا أن يكون بالمقدمات الخارجية العقلية بحيث لا يستند الى اللفظ ، وإلاّ يحكم بالاطلاق ، للزوم نقض الغرض بدونه ، حيث انّ المراد من كون المتكلم في مقام البيان كونه بصدد بيان المقصود باللفظ ، لا بأمر خارج كما هو ظاهر.

ص: 537


1- كفاية الاصول : 287 ؛ الحجرية 1 : 202 للمتن و 1 : 199 العمود 1 للتعليقة.

412 - قوله : « ثم لا يخفى عليك انّ المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ... الخ ».

412 - قوله : « ثم لا يخفى عليك انّ المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ... الخ ». (1)

اشارة الى دفع ما ربما يستشكل على التمسك بالمطلق فيما يظفر بقيد منفصل ، حيث انّ الظفر به يكشف عن عدم كون المتكلم الحكيم في مقام بيان مقصوده الواقعي بهذا اللفظ ، ومن هنا يشكل التمسك به ولو قبل الظفر به ، للعلم بتقييد الغالب من المطلقات فلا يحرز مع ذلك كونه في مقام البيان ؛ مع أنّ السيرة المستمرة [ هي ] على التمسك به ولو بعد الظفر بالف مقيد ، فكيف ذلك؟

فقيل : بكشف القيد عن عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة ويبنى على الاحراز من سائر الجهات كما في التقريرات (2) ، فعلى ذلك يكون ظهور المطلق في الاطلاق معلقا على عدم ورود قيد أصلا ، ومعه فيكون المحكّم هو المقيد ولو كان ظهوره ضعيفا ، لكونه واردا على المطلق ؛ كما هو مبنى تقديم ظهور العام على المطلق ، لكون ظهوره تنجيزيا وغير معلق دونه.

إلاّ انّ هذا الجواب لا يغني من جوع ، حيث انّ ظهور المطلق تنجيزي أيضا ، لكون مقدمات الحكمة بمنزلة القرينة المتصلة فبعد تمامية الكلام مع تماميتها يستقر له الظهور ، فلا بد أن يكون تقديم المقيد عليه من باب تقديم المعارض الاقوى ، فربما ينعكس الامر لو كان ظهور المطلق أقوى.

وامّا بالحمل على عدم البيان من هذه الجهة دون جهة اخرى [ وهذا ] على فرض التسليم إنما هو في القيود العرضية المتباينة ، لا في القيود الطولية أو المشتركة في جامع قريب ، فانّ حمله حينئذ على البيان - من الجهة الخاصة دون حيثية اخرى - مستبعد في مقام المحاورات غير المبتنية على الدقائق.

ص: 538


1- كفاية الاصول : 288 ؛ الحجرية 1 : 202 للمتن و 1 : 199 العمود 1 للتعليقة.
2- مطارح الانظار : 220 السطر 1 - 3 والطبعة الحديثة 2 : 267.

فالتحقيق : في الجواب ان يقال : انّ البيان يطلق على معنيين :

أحدهما : البيان الواقعي في مقام العمل والحاجة ، بحيث لو كان المراد هو المقيد ولم يبيّن عند ذلك فيلزم عليه ارتكاب القبح ، وهذا ما يقال : « تأخير البيان عن مقام الحاجة قبيح ».

ثانيهما : البيان في قبال الاهمال والاجمال في الكلام ، بمعنى انّ المتكلم صار بصدد افادة السامع تمام مقصوده الواقعي واظهاره بهذا الخطاب ، في مقابل أن يهمل أو يجمل ، بحيث لو كان مراده المقيد ولم ينصب قرينة عليه يلزم منه نقض الغرض المتعلق بايراد تمام مقصوده بهذا الكلام.

والاول يحصل ببيان مقصوده الواقعي الجدي الى حال العمل ؛ بخلاف الثاني ، فانّه يحصل باظهار انّ مقصوده ليس هو الاهمال أو الاجمال ، بل هو الاطلاق من جهة أو من جهات.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ البيان المعتبر احرازه في المطلق هو الثاني ، لا الاول ؛ ولا شبهة في انّ الظفر بالمقيد لا يكشف عن عدم كونه في مقام البيان وارادة الاطلاق من الكلام بعد استقرار ظهوره ، غاية الامر بعد تمامية المقدمات يحكم بارادته لضرب القاعدة كي يكون مرجعا للمخاطب عند الشك في المقيد ؛ كما لو كان الظهور مستندا الى الوضع كما في العام وفي المطلق على ما نسب الى المشهور بأنّ المصادفة بالقيد على هذا القول لا يكشف عن عدم ارادة ظاهره ولا عن عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة بل يبقى على ظهوره ، غاية الامر لو كان ظهور الخاص والمقيد أقوى من ظهور العام والمطلق فيقدم عليهما ، كما في كل معارض أقوى ويدل على كون المراد الجدي على طبقهما ؛ ومع ذلك فلا يكشف عن عدم ارادة الظهور بل يحمل على كون ارادته لمصلحة ضرب القاعدة عند الشك ؛ فالظفر بالقيد وعدمه سواء في عدم الكشف عن عدم البيان بالمعنى

ص: 539

الثاني.

ومن هنا ظهر انّه ربما يقدم ظهور المطلق لو كان أقوى على المقيد والعام خلافا للشيخ رحمه اللّه كما عرفت. (1)

413 - قوله : « بقى شيء : وهو أنه لا يبعد أن يكون الاصل ».

413 - قوله : « بقى شيء : وهو أنه لا يبعد أن يكون الاصل ». (2)

أقول : بعد ما عرفت من توقف التمسك بالاطلاق على كون المتكلم في مقام البيان وعدم نصب القرينة ، فان أحرز ذلك بالقطع فلا اشكال.

وان شك في أحدهما :

فان كان في الثاني ، فلا شبهة في أنّ الرجوع الى أصالة عدم القرينة المعتبرة عند العقلاء في محاوراتهم ، ويستكشف بها عدم القيد وان كان في الاول ، فمع عدم الطريق اللمي القطعي يكون الطريق منحصرا في الإنّي وهو المراجعة الى بناء العقلاء ، وحيث انّ بناءهم على التمسك باطلاق كلام المتكلم مع عدم ما يوجب الاهمال أو الاجمال - مع انّ بناءهم ليس جزافيا - فيكشف عن كون المرتكز عندهم في محاوراتهم كونهم بصدد افادة تمام ما هو المقصود للمخاطب بهذا الكلام ، فيحصل عندهم الظن بكون المتكلم الخاص كذلك ، فيبنون على حجيته.

ولا اشكال في كون بنائهم أصلا معتبرا لا بد من الرجوع اليه في مقام استكشاف مراد المتكلم ، والتمسك بالاطلاق ، بلا اعتراض منه بأنّ مرادي لعله المقيد ، بل يستند اليه نقض الغرض عند ذلك.

وتوهم : عدم البناء على ذلك وعدم الاحتجاج عند العمل والحاجة.

مدفوع : بعدم الفرق عندهم في صحة التمسك بالاطلاق ولو لم يكن مقام الحاجة بعد ، كما يظهر بالمراجعة الى الوجدان عند المحاورة فانّه لا يبقى تحير في

ص: 540


1- مطارح الانظار : 220 السطر 1 - 5 والطبعة الحديثة 2 : 267.
2- كفاية الاصول : 288 ؛ الحجرية 1 : 202 للمتن و 1 : 199 العمود 2 للتعليقة.

الكلام ، كما في التمسك بأصالة عدم القرينة.

وتوهم : الفرق بينه وبين المقام ، بارجاعها الى البناء على عدم المانع بعد احراز المقتضي وهو الظهور اللفظي ، وارجاع ما نحن فيه الى الشك في المقتضي لكون احراز مقام البيان مقوما لاصل الظهور.

مدفوع :

أولا : برجوع عدم القرينة أيضا الى المقتضي ، لكون الظهور متقوما بالوضع ، أو كون المتكلم بصدد البيان ، مع عدم القرينة في كليهما.

وثانيا : بعدم الفرق في حجية بناء العقلاء في الشك في المانع أو الشك في المقتضي ، لكون الدليل على الحجية وهو بناء العقلاء - مع الامضاء الشرعي - واحدا في المقامين.

414 - قوله : « انّه لا اطلاق فيما كان له الانصراف الى خصوص بعض الافراد أو الاصناف ».

414 - قوله : « انّه لا اطلاق فيما كان له الانصراف الى خصوص بعض الافراد أو الاصناف ». (1)

والوجه فيه : انّ الانصراف امّا يكون راجعا الى القدر المتيقن المشروط عدمه.

وامّا يكون راجعا الى القرينة الموجبة لتعيين نقيض الافراد ، فينافي الاطلاق.

بيانه : انّ الانصراف له مراتب :

احداها : الانسباق [ الخطوري ] (2) - لانس الذهن - الى بعض الافراد من الخارج ، لا من اللفظ ؛ ولكنه يرتفع الشك بأدنى التفات بالقطع أو ما هو أقوى من

ص: 541


1- كفاية الاصول : 289 ؛ الحجرية 1 : 203 للمتن و 1 : 200 للتعليقة.
2- في الاصل الحجري ( الحضوري ).

ذلك ، مع ارتفاعه بالتأمل أيضا.

ثانيتها : [ ما ] (1) وصّل الانس الى بعض الافراد من نفس اللفظ - ولو بتعدد الدال والمدلول - الى حد لا يرتفع معه الشك بل يبقى بعد التأمل أيضا ؛ ولكنه يوجب كون ذاك البعض المنصرف اليه متيقن الارادة ، اما انّه تمام المراد فلا ، فيدخل تحت القدر المتيقن المنافي لظهور اللفظ في الاطلاق كما عرفت.

الثالثة : أن يبلغ حد الشياع في المجاز المشهور عند تعارضه مع الحقيقة المرجوحة ؛ ولا خفاء في انّه يوجب في المقام ظهور اللفظ ولو بواسطة ما يحتف به من شدة الانس في خصوص المنصرف اليه ، وان لم يوجب ذلك في ذاك المقام بل يحصل فيه التوقف.

والفرق : منافاة المعنى الحقيقي للمعنى المجازي فيه فتتعارض أصالة الحقيقة مع الشهرة فتوجب التوقف ، دون المقام ، لما عرفت من وضع المطلق للطبيعة المهملة القابلة لعروض القيد عليه بلا لزوم مجاز ، كما لو كان بدال آخر ومنه الشهرة والانس في المقام ، فلا ينافي أصالة الحقيقة ، فيتعين المنصرف اليه ويدخل ذلك في القرينة غير الجارية معها الحكمة الموجبة للاطلاق. ولا يخفى انّ ظهور اللفظ إنما هو بواسطة قرينة الانس ، لا بحاقّه كي يدخل في القسم الآتي.

ثم انّه مع ما ذكرنا قد يشك في كون الظهور مستندا الى نفس اللفظ ؛ إلاّ انّه لا يوجب ثبوت الحقيقة.

الرابعة : أن يبلغ الشياع حد الاشتراك على تقدير عدم هجر المعنى الاول ، وان كان يحتاج ارادته الى قرينة معيّنة ؛ وحدّ النقل على تقدير الهجر ، ويحتاج المعنى الاول - على ذلك - الى قرينة صارفة ، نظير المجاز المصطلح. ولا

ص: 542


1- غير واضح في الاصل الحجري.

يخفى انّ الظهور في هذين القسمين مستند الى حاق اللفظ وان قطع النظر عن القرينة.

415 - قوله : « كما في المنقول بالغلبة ، فافهم ».

415 - قوله : « كما في المنقول بالغلبة ، فافهم ». (1)

اشارة الى انّه يشكل في ظهور لفظ المطلق وحده فيما اذا كان ارادة المقيد بتعدد الدال والمدلول بقرينة متصلة لفظية دائما ، مع كون المجرد نوعا آخر من اللفظ مع المركب منه ومن القرينة ، فكيف يصل الى حد الشهرة في المجاز ، فضلا عن الحقيقة؟

ثم انّه اذا كان للمطلق انصراف الى بعض افراده بنحو يمنع عن ظهوره في الاطلاق ثم قام دليل على ثبوت حكمه لبعض الافراد النادرة ، كما لو قام الاجماع مثلا على جواز الغسل بماء الكبريت ، فهل يوجب ذلك التعدي الى غيره من الافراد النادرة في ثبوت حكم المطلق فيها؟

فيحكم بالجواز في المياه المضافة أيضا كما عليه المرتضى (2) رحمه اللّه .

أو لا؟ بل يقتصر على مورد الدليل ، كما ذهب اليه المشهور.

والحق في ذلك : التفصيل ، فلا يوجب التعدي ولو كان قطعيا ، لاستقرار الظهور في المطلق في المنصرف اليه ، ولا يرفع اليد عنه إلاّ بمقدار الدليل على الالحاق وان كان بالقرينة المتصلة.

فان كان دلالتها على مجرد منع الانصراف عن خصوص ذلك الفرد معينا لا عن غيره - أو مع الشك في منع الانصراف عن غيره - فلا يوجب التعدي أيضا :

امّا لظهور المطلق مع الانصراف بضميمة ما حفّ به من القرينة في الفردين : من الشائع ؛ وهذا الفرد الملحق به.

ص: 543


1- كفاية الاصول : 289 ؛ الحجرية 1 : 203 للمتن و 1 : 201 للتعليقة.
2- مسائل الناصريات : 105 كتاب الطهارة - المسألة الثانية والعشرون.

وامّا لكونهما متيقن الارادة منه كما لا يخفى.

وإن كان دلالتها على دفع توهم الانصراف ، كي يبقى المطلق على طبعه الأوّلي قبل الانصراف ، وكان ذكر الفرد النادر الخاص للاهتمام أو للمثال كما قد يتحقق ذلك في بعض الموارد ، فالوجه ما ذهب اليه المرتضى.

416 - قوله : « تنبيه : وهو انّه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة ... الخ ».

416 - قوله : « تنبيه : وهو انّه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة ... الخ ». (1)

لا بد في الحكم بالاطلاق من كل جهة احراز كونه في مقام البيان بالنسبة الى تلك الجهة ، ولا يكفي احراز ذلك من جهة واحدة في الحكم به من جهة اخرى ، وهو واضح بعد تسليم الاشتراط.

ومن هنا اعترض على الشيخ (2) رحمه اللّه في استدلاله على طهارة موضع عضّ الكلب بقوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ ) (3) مع وروده في مقام الحلية من حيث التذكية ولا يرتبط بجهة الطهارة والنجاسة.

نعم لو كان بين الجهات ملازمة عقلية أو عادية أو شرعية فيكفي الاحراز من جهة منها في الحكم بالاطلاق في الجهات الملازمة لها ، كما لو دل دليل - ولو بالاطلاق - على صحة الصلاة في عذرة ما لا يؤكل لحمه عند عدم العلم به ، للتلازم بينهما كما هو واضح.

تنبيه : لو كان المطلق منصرفا الى بعض الافراد في حال الاختيار - كما ينصرف الامر بالمسح باليد الى المسح بباطنها في حال القدرة - فهل يوجب ذلك

ص: 544


1- كفاية الاصول : 289 ؛ الحجرية 1 : 203 للمتن و 1 : 202 للتعليقة.
2- الخلاف ( طبعة طهران ذو مجلدين ) 2 : 517 - 518 ؛ وطبعة جماعة المدرسين 6 : 12 ؛ والمبسوط 6 : 259.
3- سورة المائدة الآية 4.

في حال الاضطرار أيضا؟ كي لا يحكم بالمسح بالظهر في حال الاضطرار ، أم لا؟ بل يوجب الانصراف في خصوص حال الاختيار فيبقى على اطلاقه في حال الاضطرار.

فنقول : انّه لو كان الدليل بنفسه غير شامل إلاّ حال الاختيار فلا اشكال في العمل على طبق الانصراف ؛ وان كان شاملا لحالتي الاختيار والاضطرار فلا بد من ملاحظة انّ الانصراف في خصوص احدى الحالتين فيعمل بالاطلاق في غيرها ، أو مطلقا فالحكم على طبق الانصراف في كلتا الحالتين.

ويختلف ذلك بخصوصيات الموارد ، ولا بد من كون جهة الاطلاق مع جهة الانصراف عرضيين كأن يكون كلاهما في الموضوع ، أو كانا في الحكم ؛ وامّا لو كانت جهة الانصراف في الموضوع والآخر في الحكم فلا معنى للاطلاق في غير مورد المنصرف اليه كما لا يخفى.

417 - قوله : « فصل : اذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ، فاما أن يكونا مختلفين في الاثبات والنفي واما يكونا متوافقين ».

417 - قوله : « فصل : اذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ، فاما أن يكونا مختلفين في الاثبات والنفي واما يكونا متوافقين ». (1)

أقول : قد ذكروا لهما اقساما كثيرة ، من كونهما مختلفين في المحمول كأن يكون المحكوم به في أحدهما العتق وفي الآخر الضيافة ، أو متحدين فيه مع كونهما منفيين أو مثبتين أو مختلفين مع ذكر سببهما متحدا أو متعددا ، أو عدم ذكره ، الى غير ذلك من الاقسام.

إلاّ أنّ الغرض من تكثير الاقسام تنقيح الموارد التي يحصل فيها المنافاة بين الدليلين ، فالحريّ في المقام للاصولي صرف عنان الكلام الى ما لهما بحسب الكبرى في مورد المنافاة من الاحكام وحوالة تشخيص صغرى المنافاة [ الى

ص: 545


1- كفاية الاصول : 289 ؛ الحجرية 1 : 203 للمتن و 1 : 203 للتعليقة.

نظر ] (1) الفقيه في مقام تعيين ما للعمل من الاحكام ؛ وإلاّ فلا كلية لما ذكر من المناط للتعدد والاتحاد.

مثل ما قيل : من انّه لو كان السبب فيهما واحدا لكان دالا على وحدة الحكم فتتأتّى المنافاة ، وان كان دالا على التعدد فيلزمه تعدد الامتثال ؛ فانّه قد يمنع ظهور الاول في وحدة الحكم بعد امكان تأثيره في حكمين مختلفين ، وكذا الثاني على القول بالتداخل في مقام التأثير بالمسبب ، أو في مقام الامتثال وغير ذلك ؛ ومع ذلك لا بأس ان نتعرض لبعض الاقسام تبعا للأعلام.

فمنها : ما اذا كان الكلامان مثبتين مع كونهما متحدي المحكوم به والحكم ، فلا بد من التصرف في أحدهما.

الاكثرون على حمل المطلق على المقيد. قد اختار ذلك في التقريرات (2) لاجل عدم لزوم مجاز في المطلق حينئذ كما هو واضح بعد ملاحظة وضعه للطبيعة المهملة ، ولا خلاف ظاهر ، لكون الاطلاق مقيدا بعدم ورود القيد ومعه فلا ظهور له فيه ؛ وهذا بخلاف ما اذا ابقي المطلق على حاله فانّه يلزم التصرف في القيد : امّا بحمل أمره على التخيير فيلزم التخيير بين الكلي والفرد وهو غير معقول ، أو على الاستحباب وهو مجاز لا يذهب اليه مع السبيل الى الحقيقة.

ولكن هذا التعليل عليل.

امّا ما ذكر من عدم التصرف في المطلق ، ففيه : انّه اما لاجل كون المطلق معلقا على عدم البيان ، فقد عرفت انّه معلق على عدمه في مقام البيان ، لا على عدمه أبدا.

وان كان لعدم لزوم مجاز فيه ، ففيه : انّ خلاف الظاهر لا ينحصر فيه ، حيث

ص: 546


1- في الاصل الحجري ( بنظر ).
2- مطارح الانظار : 220 السطر 34 - 37 والطبعة الحديثة 2 : 272.

انّه بعد تمامية مقدمات الحكمة ينعقد له ظهور مستقر حيث انّ قرينة الحكمة من القرائن المتصلة كاللفظية ، كما انّ الامر بالمقيد ظاهر في الوجوب التعييني حقيقة في خصوص متعلقه بمقدمات الحكمة أيضا ، فيتنافيان ، فيدور الامر بين ارتكاب خلاف الظاهر في المطلق بحسب المادة بحمله على المقيد ، وبين ارتكابه في المقيد بحسب الهيئة ؛ لا من جهة حمل أمره على الاستحباب كي يرد بلزوم المجاز بل :

امّا بحمله على التخيير العقلي بين الافراد وجعل عدم المقيد هو الفرد الآخر ، لا المطلق كي يرد بعدم معقولية التخيير الشرعي بين الكلي والفرد.

أو بحمله على كونه متعلقا بالمطلق والغاء تعلقه بالخصوصية وحمله على ذكر أحد الافراد ، حتى يكون تكرار الامر المطلق تأكيدا ، وامّا بحمله على كونه متعلقا بأفضل الافراد ، مع بقاء ظهوره في استعماله في الوجوب التعييني انشاء في خصوص المقيد مع رفع اليد عن ظهوره في كونه بداعي البعث اليه حقيقة ، بحمله على كونه بداعي الفضل والمزية في الفرد الخاص فيوجب تأكده في خصوص الفرد.

فيظهر : انّ الجمع بين المطلق والمقيد لا ينحصر بحمل الاول على الثاني ، بل كما يكون بذلك الوجه يكون بالتصرف في المقيد ، بل ربما يكون المطلق أقوى ظهورا من المقيد فلا بد من التصرف فيه. ويختلف كيفية الجمع بأقوائية المطلق أو المقيد باختلاف الموارد.

ويشهد على ما ذكرنا - بناء على المشهور في المستحبات - [ من ] (1) حمل المقيد على أفضل الافراد [ إبقاء ] (2) المطلق على حاله ؛ وليس ذلك إلاّ من جهة

ص: 547


1- في الاصل الحجري ( على ).
2- في الاصل الحجري ( وبقاء ).

كونه من وجه الجمع أيضا ، كما لو ورد أمر مطلق بزيارة الحسين علیه السلام وأمر آخر بزيارته علیه السلام في يوم عرفة.

فان قلت : لعل ذلك من فهم تعدد الامر فيها ، وعرفت عدم التنافي بناء على ذلك.

قلت : مضافا الى أنّ الحمل على الافضل الموجب للاكتفاء بفرد واحد للامرين إنما هو بناء على وحدة التكليف فيهما ، وإلاّ لكان اللازم الاتيان بفردين ؛ انّ فهم التعدد - على تقدير التسليم - إنما هو من نفس اللفظ من جهة ظهور المطلق في السريان مع ظهور المقيد في الوجوب التعييني في خصوص المقيد ، لا مع فهمه من الخارج.

ولا فرق في ذلك بين الواجبات والمستحبات [ لأنّا ] (1) نفرض الكلام فيما لا يفرض فيه التعدد أصلا ، كما لو ورد أمر بزيارة الحسين علیه السلام في يوم عرفة مطلقا وورد آخر بزيارته علیه السلام في ذلك اليوم ، أو ورد أمر باستحباب التكبيرة بعد الركوع وورد أمر آخر باستحبابها رافعا لليدين مع كون كل منهما بعنوان الجزئية لا بعنوان انّها ذكر اللّه ، فلا يحتمل تعدد الحكم ، ومع ذلك فلا يتوقفون في حمل المقيد على أفضل الافراد والحكم باستحباب التكبيرة بعده مطلقا.

والحاصل : انّ الجمع في المستحبات بحمل المقيد على أفضل الافراد - مع عدم قرينة اخرى في البين - يشهد على عدم انحصار وجه الجمع بما ذكر في الواجبات من الحمل.

إلاّ أنّه يشكل الفرق بين الواجبات والمستحبات - بالاخذ بالمطلق وحمل المقيد على الافضل - فيما اتحد فيه الحكم في المستحبات ، وحمل المطلق على

ص: 548


1- في الاصل الحجري ( انّا ).

المقيد في الواجبات كما لو دل دليل على وجوب تكبيرة الاحرام مطلقا واخرى على وجوبها رافعا لليدين بلا قرينة اخرى ، فكيف الفرق؟

وتوهم : كون ذلك من جهة القرينة الخارجية في المستحبات ، مدفوع : بثبوته بدونها أصلا ؛ كتوهم فهم تعدد الحكم فيها دون الواجبات ، مع انك عرفت دفعه أيضا.

ولا فرق فيما ذكرنا بين قول المشهور ، وبين قول السلطان (1) المنصور ، لما عرفت من تساويهما في الظهور انعقادا واستقرارا وسائر جهات الدلالة.

فما في التقريرات بعد الاشكال المذكور في الفرق بقوله : « والوجه [ فيه ] على المشهور واضح ، لانّ اللفظ ظاهر في التعدد ، واثبات الاتحاد من الخارج موقوف على مقدمة عزيزة وهي : القطع بعدم تفاوت مراتب تلك الماهية في المطلوبية ، وانّى لك باثباته. وتحقيقه : انّ تعدد الاستحباب كما يكون بتعدد الفعل ، كذلك يكون بتعدد مراتب محبوبية فعل واحد ، وقد علمنا بذلك في موارد خمسة جمّة ... الخ » (2) لا وجه له.

حيث انّ الوجه في المستحبات لو كان لدلالة الدليل على تحقق المحبوبية في مطلق افراد الطبيعة المستحبة واختلافها في المرتبة ، مع اشتمال الفرد على مزية زائدة كما في المثالين المذكورين.

ففيه : انّ هذا الوجه موجود في الواجبات أيضا ، كما في افراد صلاة الظهر الواجبة مثلا مع الاختلاف في المحبوبية بمراتبها ، لاشتمال بعض الافراد على مزية زائدة لا يصل الى حد الوجوب كما في الصلاة في المساجد والمشاهد المشرفة ، أو

ص: 549


1- حاشية سلطان العلماء : 305 عند التعليق على قول المعالم : « فلأنه جمع بين الدليلين ... الخ » ومعالم الدين الطبعة الحجرية الموشحة بحاشية السلطان : 155.
2- مطارح الانظار : 222 السطر 33 - 35 والطبعة الحديثة 2 : 281.

يصل اليه أيضا بنحو يمكن تدارك تلك المزية الزائدة الواجبة كما فيما لو تعلق النذر بمطلق الظهر في المسجد مع الاتيان بالظهر الفعلي في غير المسجد ، أو لا يمكن تداركها بعد استيفاء المزية الثابتة لاصل الطبيعة كما في الجهر أو الاخفات والقصر والاتمام ؛ فمع جريان الوجه المذكور في الواجبات أيضا لا وجه للفرق ؛ مع انّ التعدي عن مورد الدليل في المستحبات الى غيره - كما هو مفروض الكلام - لا وجه له أيضا.

فان قلت : لعل وجه التصرف بالحمل في الواجبات انّه : على تقدير تحقق المصلحة فيها في مطلق افراد الطبيعة ، لا يصح الامر به هكذا مع الامر التعييني بخصوص بعض الافراد الواجد للمصلحة الزائدة ، وإلاّ لزم جواز الامر بالمتضادين ولو كان بأحدهما تعيينا وبالآخر تخييرا ، وهو محال.

قلت : هذا الكلام يجري بعينه في المستحب أيضا ، حيث انّه مع أهمية المصلحة الاستحبابية في بعض الافراد الموجبة للامر به تعيينا ، لا يأمر بالافراد الاخرى.

نعم يمكن الفرق بينهما بأنّه عند تحقق المصلحة في الطبيعة المطلقة - مع اهميتها في بعض الافراد - يستحسن عند العقل توجه الامر في المستحبات الى المطلق ، ارشادا الى تحقق الملاك ، والى الأهم تعيينا وفعليا ، حيث انّه لمّا لم يكن في ترك امتثال الامر الفعلي فيها محذور فيرشد الى فعل غير الأهم ، لطفا على العباد. وأمّا في الواجبات فلا يستحسن عند العقل ابتداء توجيه الامر الى المطلق - ولو ملاكا - مع فعلية الامر في بعض الافراد ؛ وان كان يتفق ذلك فيها ايضا أحيانا فيما اذا كان بين المتزاحمين عموم من وجه لا عموم مطلق كما في المقام.

ويشهد على ما ذكرنا كون أغلب المستحبات كذلك في الاجناس المختلفة منها ، لا في خصوص الافراد المندرجة تحت نوع واحد حتى تلزم المصادرة ، فانه

ص: 550

ما من مستحب في اليوم والليلة إلاّ وقد أمر بأهم منه كما يظهر بالمراجعة اليها ، بخلاف الواجبات فانّه لا يوجد مثل ذلك فيها إلاّ أحيانا في موارد العموم من وجه وفي العموم المطلق بدليل بغير لفظ الامر بمثل قوله : علیه السلام « تمت صلاته » (1) في مقام كفاية الجهر في موضع الاخفات والقصر في موضع الاتمام ، وبالعكس.

ولاجل ما ذكرنا ربّما يكون المقيد في الواجبات أظهر من المطلق فيحمل ، وبالعكس في المستحبات. نعم ان لم تحصل أظهرية المقيد في الواجبات والمطلق في المستحبات على النحو المذكور فيشكل ابداء الفارق بما ذكر من الوجوه ، لعدم الاعتماد على الوجوه والاعتبارات الخارجة عن اللفظ.

تنبيه : اذا عرفت انّ التنافي بين المطلق والمقيد إنما هو مع وحدة التكليف لا مع التعدد ، فيقع الكلام في تشخيص الصغرى فنقول :

انّه على تقدير قرينة لفظية أو مقامية على الوحدة ولو بأن يذكر بسبب وقلنا بدلالته على وحدة المسبب فلا اشكال ؛ وامّا على تقدير العدم فهل [ مقتضى ] (2) دليل المطلق والمقيد بنفسهما هو التعدد أو الوحدة؟

ولا بد في ذلك من تعيين ظاهر كل منهما على حدة ، ثم ملاحظة التنافي وعدمه فنقول :

انّه لا اشكال في ظهور المطلق - بمقتضى أمره ومادته - في الوجوب التعييني الفعلي بالنسبة الى الطبيعة المطلقة بنحو الشيوع والسريان ، ولازمه التخيير

ص: 551


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 227 باب 49 باب احكام السهو في الصلاة الحديث 21 ؛ بحار الانوار 85 : 77 باب 24 باب الجهر والاخفات الحديث 11.
2- في الاصل ( يقتضي ).

العقلي بين افراده. ولا فرق في ذلك بين قول المشهور أو المنصور كما هو ظاهر بعد ما عرفت من كون الحكمة قرينة متصلة موجبة لانعقاد الظهور بتمامية الخطاب. كما انّه لا اشكال في ظهور دليل المقيد بمقتضى أمره ومتعلقه في الوجوب التعييني الفعلي بالنسبة الى خصوص الطبيعة المقيدة ؛ وعند ذلك فيحصل المحذور في المقيد ، حيث انّه يلزم - من ظهور أمره في الوجوب الفعلي به بخصوصه مع ظهور المطلق في سريان حكمه الفعلي الى جميع الافراد ومنها المقيد تخييرا - اجتماع المثلين من الوجوب التخييري أو التعييني فيه ، فلا بد في رفعه :

امّا من التصرف في المادة بتقييد كل منهما بوجود مغاير للوجود المأتي به للآخر على تقدير اختيار امتثاله في المقيد.

وامّا من التصرف في ظهور أحد الخطابين ، بحمله على التأكيد : امّا في الامر بالمقيد بحمله على بيان أفضل الافراد تأكيدا على نحو ما عرفت سابقا ، أو في المطلق بحمله على المقيد ولو بحسب الارادة الجدية لا الاستعمالية.

ولكن الأوجه الفرق : بالحمل على الواجبات ، والحمل على الافضل في المستحبات على ما عرفت وجهه.

ومنها : ما اذا كان المطلق والمقيد منفيين. والظاهر لزوم محذور اجتماع المثلين فيهما أيضا مع ظهور كل منهما بحسب الخطاب والمتعلق في الحرمة التعيينية في متعلقه بنحو الاطلاق كما في المطلق ، وبنحو التقييد في المقيد ؛ ولكن لا يتأتّى التصرف في المادة بتقييدها في أحدهما بوجود مغاير للآخر كما لا يخفى ، فينحصر الجمع امّا بحمل المطلق على المقيد ، وامّا بحمل المقيد على التأكيد ، لزيادة الاهتمام بتركه ، أو غير ذلك كما هو الظاهر في المقام.

ولكن هذا اذا لم يعلم اجمالا بوحدة الحكم وكذب أحدهما ، وإلاّ فلا يبعد

ص: 552

تقديم المقيد ، لأظهريته من المطلق. كما انّه فيما اذا لم نقل بالمفهوم في المقيد ، وإلاّ فيحصل التعارض بين المطلق والمفهوم ، فلا يبعد حينئذ تقديم المفهوم بناء على كونه بالوضع ، وإلاّ فالاجمال والرجوع الى قاعدة اخرى لو كانت ، وإلاّ فإلى الاصل العلمي. ومقتضى الاحتياط العمل بالمطلق في المنفيين ، وبالمقيد في المثبتين كما لا يخفى.

ومنها : ما اذا كانا مختلفين ؛ فان كان المطلق منفيا والمقيد مثبتا كأن يقال : « لا تعتق رقبة » و « اعتق رقبة مؤمنة » فلا اشكال في الحكم بتقييد المطلق ، لكون المقيد نصا في الجواز بالمعنى الأعم المنافي لظاهر النهي في المطلق في الحرمة ؛ وان كان بالعكس كأن يقال : « اعتق رقبة » و « لا تعتق رقبة كافرة » فالظاهر تقديم المقيد أيضا ، لكونه أظهر في الحرمة في خصوص متعلقه من ظهور الاطلاق في المطلق.

وامّا تقديم الامر بالمطلق وحمل النهي عن المقيد على الكراهة في العبادات بمعنى أقلّية الثواب وان كان ممكنا إلاّ أنّ الجمع الاول أظهر ؛ مع انّ الحمل على الكراهة ليس طريق الجمع في ما لم يكن المقيد من العبادة ، للزوم ارادة الكراهة المصطلحة حينئذ ، وهو لا يجتمع مع ظهور الامر أصلا كما لا يخفى.

ثم انّ ما نحن فيه ليس من قبيل اجتماع الامر والنهي كي يبتني على القول بالجواز فيها وعدمه ، بل من قبيل النهي في العبادات ، لكون متعلق الامر والنهي عنوانا واحدا فيما نحن فيه ولا بد من التعدد في مسألة الاجتماع.

وامّا اختصاص البحث في المطلق والمقيد المختلفين فيما نحن فيه دون مسألة النهي في العبادات ، [ فهو ] من جهة كون البحث فيما نحن فيه في الصغرى ، من انّه هل كان في البين نهي أم لا؟ بناء على تقديم الامر ، والبحث هناك في الكبرى ، من حيث الدلالة على الفساد بعد الفراغ عن وجود النهي.

ص: 553

418 - قوله : « على خلاف مقتضى الاصل ، فافهم ».

418 - قوله : « على خلاف مقتضى الاصل ، فافهم ». (1)

اشارة الى أنّ الظهور ليس بمراعى بعدم وجود القيد على الخلاف مطلقا بلا تفاوت بين كون مقام البيان محرزا بالوجدان أو بالاصل ، فلا بد عند وروده من ملاحظة التعارض وتقديم الاظهر منهما.

419 - قوله : « بحسب مراتب المحبوبية ، فتأمل ».

419 - قوله : « بحسب مراتب المحبوبية ، فتأمل ». (2)

اشارة الى ما ذكرنا من لزوم المصادرة في اثبات الغلبة بعدم فعلية افراد المستحب الواحد نوعا ، حيث انّه لا وجه له إلاّ الجمع بين المطلق والمقيد بحمل الاول على بيان مرتبة من المطلوبية والثاني على التأكد ؛ والمفروض انّ الجمع بهذا النحو موقوف على الغلبة المذكورة ، فتلزم المصادرة.

نعم لو كانت الغلبة في الاجناس المختلفة من المستحبات فلا محذور أصلا كما لا يخفى.

420 - قوله : « أو انّه كان بملاحظة التسامح في ادلة المستحبات ».

420 - قوله : « أو انّه كان بملاحظة التسامح في ادلة المستحبات ». (3)

وفيه : انّ جريان أدلة التسامح فرع صدق البلوغ وهو لا يصدق إلاّ على ما هو المحصل من الجمع العرفي بين الدليلين ؛ فاذا كان المستفاد عرفا من المطلق المعارض مع المقيد هو المقيد فلا يتحقق البلوغ فيه باطلاقه.

والحاصل : انّ أدلة التسامح توجب [ الجبر في ] (4) ضعف السند ، لا في الدلالة.

ص: 554


1- كفاية الاصول : 291 ؛ الحجرية 1 : 206 للمتن و 1 : 205 العمود 2 للتعليقة.
2- كفاية الاصول : 291 ؛ الحجرية 1 : 206 للمتن و 1 : 205 العمود 2 للتعليقة.
3- كفاية الاصول : 291 ؛ الحجرية 1 : 206 للمتن و 1 : 205 العمود 2 للتعليقة.
4- في الاصل الحجري ( جبر ).

421 - قوله : « تنبيه : لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين ... الخ ».

421 - قوله : « تنبيه : لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين ... الخ ». (1)

فان كانا مختلفين كأن يقال : « البيع نافذ » و « البيع الفلاني ليس بنافذ » فالظاهر حكم العرف بالتقييد.

وان كانا مثبتين فالظاهر انّ حكم العرف هو العمل بهما ، لعدم المنافاة بينهما في الحكم الوضعي ، لكونه بمنزلة الإخبار عن تأثير المعاملة ، ويجوز الإخبار عن تأثير شيء متعددا بلا استلزام لاجتماع المثلين في المقيد.

نعم يلزم الاشكال بناء على كون السببية مجعولة شرعا ، أو كونها منتزعة عن الحكم التكليفي كما عليه الشيخ الانصاري رحمه اللّه . (2)

هذا لو لم يعلم بكذب أحدهما اجمالا ، وإلاّ فالظاهر تقديم المقيد لكونه حينئذ أظهر.

تذنيب : اذا ورد قيد على المطلق مع كون ذاك القيد مطلقا بالنسبة الى افراده الداخلة تحته ، كما لو دل دليل على تقييد قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (3) بالستر مطلقا سواء كان بالحرير أو بغيره مثلا ، وآخر على اعتبار كون الستر في الصلاة بغير الحرير ، فيدور الامر :

بين رجوعه الى القيد الاول ، فيكون الشرط في الصلاة أمرا واحدا وهو الستر الخاص بغير الحرير ، فيوجب تعذر الخصوصية تعذر الشرط رأسا ، كما قيل كذلك بالنسبة الى اشتراط الطهارة في الساتر فحكم بالصلاة عاريا لا مع اللباس النجس.

ص: 555


1- كفاية الاصول : 291 ؛ الحجرية 1 : 206 للمتن و 1 : 205 العمود 2 للتعليقة.
2- مطارح الانظار : 224 السطر 3 - 6 والطبعة الحديثة 2 : 287.
3- سورة البقرة : 43.

وبين رجوعه الى نفس الصلاة فيكون المعتبر فيها أمرين : الستر مطلقا ، وان تكون الصلاة سترها بغير الحرير ، بحيث لو تعذرت الخصوصية [ لبقي ] (1) الستر المطلق بحاله ؛ ولا بعد في رجوع الخصوصية الثانية الى نفس الصلاة وان كان لا يمكن إلاّ في ضمن مطلق الستر.

والظاهر في مقام الدوران تعيين الوجه الثاني ، فيحكم باعتبار شرطين في الصلاة ، فلا يحكم بالتقييد ، لعدم المنافاة ، فعند تعذر الخصوصية تكون الصلاة واجدة لشرائطها الآخر فيجب اتيانها به ؛ إلاّ أن تكون الخصوصية شرطا لطبيعة الصلاة مطلقا نظير الاركان.

ص: 556


1- في الاصل الحجري ( ليبقى ).

المجمل والمبيّن

422 - قوله : « فصل : في المجمل والمبيّن ».

422 - قوله : « فصل : في المجمل والمبيّن ». (1)

قد عرّف المجمل بتعريفات كثيرة مذكورة في الكتب المبسوطة ، إلاّ أنه لمّا لم يرد لفظ في آية أو رواية موضوعا للاثر الشرعي بل إنّما كان اطلاقه في ألسنة الاصوليين جامعا لشتات بعض المصاديق في التعبير ، فلا فائدة في النقض والابرام في تعريفه.

مع انّ الظاهر عدم استقرار اصطلاح فيه في معنى خاص غير ما يفهم منه عرفا عند اطلاقه ، وهو : عدم كون اللفظ - عند من اضيف اليه - ظاهرا في معنى خاص ينسبق الى ذهنه عند اطلاقه. وبعبارة اخرى : عدم كون اللفظ قالبا لمعنى خاص بنحو يكون القاؤه في مقام الاستعمال القاء ذلك المعنى اليه. والمبيّن على خلافه.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون اللفظ مجملا ذاتا من جهة عدم العلم بوضعه ، أو عرضا من جهة اكتنافه في اللفظ بما يوجب التحيّر في المراد ، أو من جهة اشتراكه لفظا ، الى غير ذلك من أسباب الاجمال ، لصدقه عرفا على كل منها.

والظاهر انّ الاهمال - مقابل البيان في المطلق - ليس داخلا في الاجمال فيما نحن فيه كما لا يخفى. كما انّ الاجمال انما هو بالنسبة الى ظهور اللفظ بحسب الدلالة الخطورية الكافية في الارادة الاستعمالية ، لا بالنسبة الى الارادة الجدية ؛

ص: 557


1- كفاية الاصول : 293 ؛ الحجرية 1 : 207 للمتن و 1 : 206 للتعليقة.

فالعلم بارادة خلاف الظاهر من الخارج لا يوجب اجمال اللفظ ، فلا وجه لما في التقريرات (1) من تقسيمه الاجمال بالنسبة اليه أيضا فراجع.

ولا يخفى انّ الاجمال والبيان من المعاني الاصولية بالنسبة الى الاشخاص ، فقد يكون لفظ مجملا عند واحد ومبيّنا عند آخر ، فيختلف حكمه بالاضافة الى من اضيف اليه اللفظ.

اذا عرفت التوسعة في معنى الاجمال بالنسبة الى أسبابه وفي كونه اضافيا ، ظهر لك انّه : لو كان اللفظ مجملا عند شخص ، لا يمكن اثبات كونه مبيّنا عنده بالبرهان ، حيث انّ الاستدلال [ لا ] (2) يوجب صيرورة اللفظ قالبا لمعنى - بحيث يكون القاؤه القاء ذلك اليه بلا التفات الى نفس اللفظ إلاّ بما هو فان في المعنى كما هو كذلك في الالفاظ المستعملة في مقام المحاورة لبيان المقاصد - لو لم يكن كذلك في نفسه.

مثلا : لو كان تركيب كلمة ( لا ) مجملا - ولو كان من جهة كثرة الاستعمال والشهرة في نفي الصحة - في الدلالة على نفي الماهية ولم يكن عنده ظاهرا فيه ، لم يثبت ذلك بالاستدلال عليه باثبات وضعها لنفي الجنس ، كما هو كذلك في الافعال المستندة الى الاعيان الخارجية مثل ( حرّمت عليكم الخمر ) ونحو ذلك.

نعم لو راجع ذلك الشخص الى العرف ورأى الظهور عندهم في معنى خاص ويقيد بذلك في استعمالاته ، يصير اللفظ ظاهرا بالنسبة الى ذلك المعنى عنده أيضا ، وعند ذلك فيخرج عن الاجمال أيضا كما هو واضح لمن له أدنى التفات.

كما انّه ربما يكون مجملا تفصيلا ومبيّنا ارتكازا فيحتاج العلم به الى الملاحظة التفصيلية ، نظير الوضع في مسألة التبادر. ولعله أشار الى ذلك بقوله : « فتأمل ». والحمد لله الذي وفقني.

ص: 558


1- مطارح الانظار : 225 السطر 31 - 32 والطبعة الحديثة 2 : 299.
2- في الاصل الحجري ( لم ).

محتويات الجزء الاول

المولف في سطور ... 5

كلمة التحقيق ... 15

المقدمات

موضوع العلم ... 25

تمايز العلوم ... 29

موضوع علم الاصول ... 32

تعريف علم الاصول ... 38

الوضع ... 43

اسباب الوضع واقسامه ... 44

حقيقة الوضع ... 45

الوضع في الحروف ... 49

تحقيق المعنى الحرفي ... 49

اختلاف المعنى الاسمي عن الحرفي ... 53

الفرق بين الخبر والانشاء ... 55

المبهمات ( اسماء الاشارة والضمائر ) ... 58

وضع المجازات ( الاستعمال المجازي بالطبع او بالوضع ) ... 58

اطلاق اللفظ وارادة نوعه او صنفه او مثله او شخصه ... 62

اخذ الارادة في معاني الالفاظ ... 65

ص: 559

تبعية الدلالة للارادة ... 67

وضع المركبات ... 69

أمارات الوضع أو علائم الحقيقة والمجاز ... 71

الحقيقة الشرعية ... 73

الصحيح والأعم ... 75

مناقشة الباقلاني ... 76

معنى الصحة ... 77

تصوير الجامع على الصحيح ... 78

وجوه تصوير الجامع على الاعم ، الوجه الاول ... 81

الوجه الثاني ... 82

الوجه الثالث ... 83

الوجه الرابع ... 84

محاولة اخرى لتصوير الجامع ... 85

ثمرة النزاع في المقام ... 89

رد الثمرة المترتبة على القولين ... 91

القول بظهور الثمرة في النذر ... 91

ادلة الصحيحي :

- التبادر... 92

2 - صحة السلب عن الفاسد... 93

3 - الاخبار... 93

4 - القطع بالوضع للمركبات التامة... 96

ادلة الأعمّي :

1 - التبادر... 97

2 - صحة التقسيم الى الصحيح والفاسد... 97

3 - الاخبار... 98

4 - صحة تعلق النذر بالفاسد... 99

ص: 560

تحرير النزاع في اسامي المعاملات ... 101

وضع الفاظ المعاملات للصحيح لا يوجب اجمالها ... 103

انحاء الدخل في الماهية ... 105

الاشتراك اللفظي ... 108

استعمال اللفظ في أكثر من معنى ... 110

حقيقة الاستعمال ... 110

امتناع الاستعمال في اكثر من معنى ... 111

رد التفصيل بين المفرد ، وبين التثنية والجمع ... 113

الجواب عن الاستدلال ببطون القرآن ... 114

المشتق

المراد من المشتق ... 115

عدم اختصاص النزاع بالمشتق الجاري على الذات ... 117

اسماء الزمان ... 117

دلالة الفعل على الزمان ... 119

الفرق بين المعنى الحرفي والاسمي ... 120

المراد بالحال في عنوان المسألة ... 121

الاصل اللفظي في المسألة ... 122

الاصل العملي في المسألة ... 122

أدلة المختار في المقام :

1- التبادر وصحة السلب... 124

2 - مضادة الصفات... 124

الاشكال على المضادة ... 125

الاشكال على صحة السلب ... 126

ادلة وضع المشتق للاعم :

عدم صحة السلب ... 127

الاستدلال بآية العهد ... 128

ص: 561

تنبيهات المشتق :

الاول : بساطة المشتق ... 131

مناقشة دليل السيد الشريف على البساطة ... 133

مناقشة ايراد الفصول على السيد الشريف ... 133

دليل آخر على البساطة ... 137

الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه ... 138

الثالث : ملاك الحمل ... 140

الرابع : كفاية المغايرة مفهوما ... 142

مناقشة الفصول في صفاته تعالى ... 145

الخامس : قيام المبدأ بالذات ... 145

السادس : في اعتبار الاسناد الحقيقي ... 147

المقصد الاول : الاوامر

مادة الامر ، وفيها جهات :

الاولى : معاني الامر لغة ... 151

معنى الامر اصطلاحا ... 154

الثانية : اعتبار العلو في معنى الامر ... 156

الثالثة : الامر حقيقة في الوجوب ... 158

الرابعة : الطلب والارادة ... 159

اتحاد الطلب والارادة ... 160

مناقشة استدلال الاشاعرة على المغايرة ... 165

التوفيق بين الامامية والمعتزلة ... 166

تكليف الكفار والعصاة ... 168

صيغة الامر

معاني صيغة الامر ... 176

صيغة الامر حقيقة في الوجوب ... 177

ص: 562

الجواب عن اشكال المعالم في أوامر الائمة : ... 179

الجمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب ... 181

التعبدي والتوصلي

معنى الوجوب التعبدي والتوصلي ... 184

اعتبار قصد القربة في الطاعة عقلا ... 184

دخل القربة في العبادة ... 189

امتناع التمسك باطلاق الامر ... 191

لزوم الاحتياط لاجل الغرض ... 191

اقتضاء اطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا ... 196

الامر عقيب الحظر ... 197

المرة والتكرار ... 200

ما يحصل به الامتثال ... 204

الفور والتراخي ... 208

الإجزاء

المراد من الوجه ... 212

معنى الاقتضاء ... 213

معنى الاجزاء ... 213

الفرق بين الاجزاء ومسألة المرة والتكرار ... 215

مناقشة الفرق بين الاجزاء ومسألة تبعية القضاء للاداء ... 215

اجزاء امتثال الامر عن التعبد به ثانيا ... 215

اجزاء امتثال الامر الاضطراري ... 217

اجزاء امتثال الامر الظاهري ... 222

الشك في اعتبار الامارة من حيث السببية والطريقية ... 233

الاجزاء في القطع بالامر خطأ ... 235

الفرق بين الاجزاء والتصويب ... 236

مقدمة الواجب

ص: 563

المسألة اصولية لا فقهية ... 237

تقسيم المقدمة الخارجية الى : السبب ، والشرط ، والمانع ، والمعد ... 239

هل المركب هو نفس الاجزاء بالاسر؟ ... 241

تقسيم المقدمة الى : عقلية ، وشرعية ، وعادية ... 246

تقسيم المقدمة الى : مقدمة الوجود ، والصحة ، والوجوب ، والعلم ... 247

تقسيم المقدمة الى : المتقدمة ، والمقارنة ، والمتأخرة ... 249

تقسيمات الواجب

المطلق والمشروط ... 256

رجوع القيد الى الهيئة او المادة ... 258

وجوب المعرفة والتعلم ... 263

كيفية اطلاق الواجب على الواجب المشروط ... 264

المعلق والمنجز ... 264

اشكال النهاوندي في الواجب المعلق ودفعه ... 265

اشكال الفصول في الواجب المعلق ودفعه ... 268

تردد القيد بين رجوعه الى المادة او الهيئة ... 269

المرجع هو الاصل العملي في التردد المذكور ... 270

النفسي والغيري ... 273

حكم الشك في النفسي والغيري ... 275

حكم الامر الغيري في استحقاق الثواب والعقاب ... 275

الاشكال على عبادية الطهارات الثلاث ... 279

عدم اعتبار قصد التوصل في المقدمة ... 284

المقدمة الموصلة ... 285

الفرق بين قول الشيخ والفصول ... 285

رد استدلال صاحب الفصول ... 290

مناقشة ثمرة القول بالمقدمة الموصلة ... 292

الاصلي والتبعي ... 294

ص: 564

المراد من الاصلي والتبعي ... 294

حكم الشك في الاصالة والتبعية ... 296

ثمرة النزاع في وجوب المقدمة وعدمه ... 296

اخذ الاجرة على الواجبات ... 297

ثمرة اخرى لمسألة وجوب المقدمة ... 298

تأسيس الاصل في مقدمة الواجب ... 301

ادلة الملازمة بين المقدمة وذيها ... 303

برهان ابي الحسين البصري على وجوب المقدمة ... 304

الجواب عن برهان ابي الحسين ... 305

التفصيل بين السبب وغيره ... 305

التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره ... 306

مقدمة الحرام والمكروه ... 307

مسألة الضد ... 310

المراد بالاقتضاء ... 311

الاقوال في توهم المقدمية بين الضدين ... 311

عدم الفرق بين الضد الموجود والمعدوم ... 321

الاقتضاء التضمني وفساده ... 322

ثمرة المسألة ... 323

الترتب ... 325

المطاردة بين طلب الأهم والمهم ... 326

أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه ... 337

في تعلق الاوامر والنواهي بالطبائع ... 338

توهم لزوم طلب الحاصل ودفعه ... 341

نسخ الوجوب ... 342

الوجوب التخييري ... 344

التخيير بين الاقل والاكثر ... 346

ص: 565

الوجوب الكفائي ... 348

الواجب الموقت : الموسع والمضيق ... 349

الامر بالامر ... 350

الامر بعد الامر ... 351

المقصد الثاني : النواهي

مادة النهي وصيغته ... 355

عدم دلالة النهي على التكرار ... 358

اجتماع الامر والنهي ... 361

المراد بالواحد المتعلق للامر والنهي ... 361

فرق هذه المسألة عن مسألة النهي في العبادة ... 362

في ان مسألة الاجتماع اصولية ، لا فقهية ولا كلامية ... 363

في ان مسألة الاجتماع عقلية لا لفظية ... 364

شمول النزاع لجميع اقسم الايجاب والتحريم ... 364

اعتبار قيد المندوحة وعدمه ... 365

مبنى النزاع هو تعلق الاحكام بالطبائع او الافراد ... 366

اعتبار وجود المناطين في المجمع ... 368

ما يستكشف به المناط ... 369

مناقشة الدليل الاول لمجوز اجتماع الامر والنهي ... 369

القسم الاول من العبادة المكروهة ... 369

القسم الثاني من العبادة المكروهة ... 372

القسم الثالث من العبادة المكروهة ... 373

اجتماع الوجوب والاستصحاب ... 374

مناقشة الدليل الثاني للمجوز ... 375

رد التفصيل القائل بالجواز عقلا والامتناع عرفا ... 375

تنبيهات مسألة الاجتماع :

ص: 566

التنبيه الاول : مناط الاضطرار الرافع للحرمة ... 377

حكم الاضطرار بسوء الاختيار ... 377

حكم توسط الارض المغصوبة ... 377

صحة الصلاة في الدار المغصوبة اضطرارا ... 387

التنبيه الثاني : صغروية الدليلين لكبرى التعارض او التزاحم ... 389

وجوه ترجيح النهي على الامر في حال الاجتماع ، والاشكال فيها :

1 - النهي اقوى دلالة من الامر... 391

2 - اولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة... 392

3 - الاستقراء... 393

التنبيه الثالث : الحاق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات ... 394

اقتضاء النهي عن الشيء للفساد ، وفيه امور :

الاول : فرق هذه المسألة عن مسألة الاجتماع ... 394

الثاني : هل المسألة عقلية او لفظية ... 394

الثالث : عموم ملاك البحث للنهي التنزيهي والتبعي ... 395

الرابع : معنى العبادة في المسألة ... 396

الخامس : تحرير محل النزاع ... 399

السادس : تفسير الصحة والفساد ... 399

تنبيه : الصحة والفساد عند المتكلم ... 401

الرد على المحقق القمي في عدم وجود الثمرة للنزاع ... 403

السابع : لا اصل في المسألة ... 404

الثامن : انحاء تعلق النهي بالعبادة ... 411

بيان الحق في المسألة ، وفيه مقامان :

المقام الاول : اقتضاء النهي الفساد في العبادات ... 413

المقام الثاني : عدم اقتضاء النهي الفساد في المعاملات ... 417

الاستدلال على اقتضاء الحرمة للفساد بالاخبار ... 420

تذنيب : دلالة النهي على صحة متعلقه عند ابي حنيفة والشيباني ... 422

ص: 567

المقصد الثالث : المفاهيم

تعريف المفهوم وانه من صفات المدلول او الدلالة ... 427

مفهوم الشرط ... 429

الاستدلال للمفهوم بمقدمات الحكمة ... 434

الاستدلال للمفهوم باطلاق الشرط ... 435

مناقشة ادلة المنكرين للمفهوم ... 435

المفهوم ليس من مقولة اللفظ ... 437

مناقشة تفصيل الشهيد ... 438

اذا تعدد الشرط فهل يخصص مفهوم كل بمنطوق الآخر ... 439

اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ( تداخل المسببات ) ... 442

مفهوم الوصف ... 454

مفهوم الغاية ... 459

مفهوم الحصر ، مفاد ادوات الاستثناء ... 461

دلالة ( الاّ ) على الحصر ... 463

مناقشة دلالة ( بل ) على الحصر ... 464

مناقشة دلالة ( ال ) على الحصر ... 465

المقصد الرابع : العام والخاص

تعريف العام ... 469

هل للعموم صيغة تخصه ... 469

رد القول بوضع الفاظ العموم للخصوص ... 470

ما يعد من الفاظ العموم :

1 - النكرة في سياق النفي... 471

2- المحلى باللام... 473

حجية ما بقي من العام بعد التخصيص ... 473

التفصيل بين المخصص المتصل والمنفصل ... 475

ص: 568

اقسام المخصص المجمل مفهوما ... 476

اقسام المخصص المجمل مصداقا ... 477

المخصص اللبي ... 481

التمسك بالعام في الشك لا من جهة التخصيص ... 483

التمسك باصالة العموم لاحراز عدم فردية المشتبه ... 487

العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص ... 488

الفرق في الفحص بين الاصول اللفظية والعملية ... 491

عموم الخطابات لغير المشافهين ... 492

عدم صحة تكليف المعدوم عقلا فعلا ... 494

صحة خطاب المعدوم والغائب ، وعدمه ... 495

خروج الخطاب النفسي الاشعري عن محل النزاع ... 498

ثمرة القول بشمول خطاب المشافهة للمعدومين ... 501

تعقب العام بضمير يرجع الى بعض افراده ... 505

في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف ... 508

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ... 509

تخصيص الكتاب بخبر الواحد ... 511

دفع ادلة المانعين ... 511

تعارض العام والخاص ... 514

حكم الجهل بتاريخ العام والخاص ... 517

دوران الخاص بين كونه مخصصا وناسخا ... 517

البداء ... 518

المقصد الخامس : المطلق والمقيد

تعريف المطلق ... 523

الفاظ الاطلاق :

1 - اسم الجنس... 524

ص: 569

2 - علم الجنس ... 526

3 - المفرد المعرف باللام... 527

الجمع المعرف باللام ... 529

4 - النكرة... 530

صحة اطلاق المطلق على اسم الجنس والنكرة ... 533

مقدمات الحكمة ... 537

الاصل كون المتكلم في مقام البيان ، وعدمه ... 540

اقسام الانصراف المانع من الاطلاق ... 541

المطلق ذو الجهات المتعددة ... 544

المطلق والمقيد المتنافيين ... 545

عدم اختصاص التقييد بالحكم التكليفي ... 555

المجمل والمبيّن ... 557

ص: 570

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.