هذه فاطمة صلوات الله عليها المجلد 5

هویة الکتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2799:2012

الرقم الدولي ISBN: 9789933489458

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي أ. خالد جواد العلواني

المحرّر: محمدرضا دهقانزاد

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012 - 2803

الرقم الدولي 9789933489496

الحسني، نبيل، 1965 – م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم) دراسة وتحليل نبيل الحسني. طا - كربلاء العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الفكرية والثقافية شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434ق. = 2013م.

ج. – (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100 ).

المصادر .

1. فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)، 98 قبل الهجرة - 11 ه_. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) ، 98 قبل الهجرة - 11 ه_. - فضائل. 3 . فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)؛ 8 ؟ قبل الهجرة - 11 ه_. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) 11ق. 5 . فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)، 18 قبل الهجرة - 11 ه_. إيذاء وتعقيب. 6 . فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) 8؟ قبل الهجرة - 11 ه_ . - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

BP 80. F389 H3767 2013

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 2

هَذه فَاطِمة صَلوات الله و سلامه عليها

وهيَ قلبي وَ رُوحي التي بَيْن جَنبَي

(النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم)

دِرَاسَةٌ وَ تَحلیلٌ

السَّيّد نَبيل الحَسَنيّ

الجزء الخامس

إصدار

شعبة الدراسة و الي الاسلامية في قسم الشؤون الفکرِيَّة والثقافية في العَتَبَةُ الحُسَینِيَةِ المَقَدَّسَةِ

ص: 3

حقوق النشر محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1434ه_ - 2013م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

طبع على مطابع

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات Published by Aalami Est.

بیروت - طريق المطار - قرب سنتر زعرور Beirut Airport Road

هاتف : 01/450426 - فاكس : 01/450427 Tel:01/450426 Fax:01/450427

فرع ثاني: العراق - كربلاء المقدسة - شارع السدرة - موبایل: 07801561980

ص: 4

الفَصل الأَوّل

مَنزلتهَا علیهاالسّلام عند الملائِکَة وَالأنبيَاء وَالكُتُب السَّمَاويَّةِ

ص: 5

ص: 6

المبحث الأول

منزلتها عليها السلام عند الملائكة

تمتاز حياة الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين بارتباطها بالفيض الإلهي ممثلاً ذلك بالملائكة عليهم السلام؛ ولعل القرآن الكريم غني في إشباع هذه الحقيقة من الآيات الكريمة.

إلّا أننا هنا بحاجة إلى تتبع الروايات والآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته في بيانهم لعلاقة الملائكة بفاطمة عليها السلام وإظهار منزلتها لديهم.

ولعل سؤالاً يرد على ذهن القارئ الكريم مفاده : ما هي الحكمة من بيان علاقة الملائكة بفاطمة أو إظهار منزلتها عندهم؟

وأقول :

لا يخفى على كثير من أهل المعرفة ان وجود الملائكة كاشف عن الرحمن سبحانه وتعالى وكاشف كذاك عن أمور أخرى :

1 . الطهر، إذ الملائكة لا تقرب إلا الأماكن والأشخاص الطاهرين.

ص: 7

2. القداسة، وهي صفة ملازمة للملائكة ومحل نزولها، بل ما من شيء ارتبط بالسماء الا وكان الرمز الدال على هذا الارتباط هم الملائكة، ولذلك: نجد ان الرسومات التي ظهرت ل-دى الحضارات في العالم نجدها ترمز إلى القداسة والطهر بالملائكة.

3. الرهبة التي تحيط بوجود الملائكة.

4. الاطمئنان والسكينة.

5 . القوة والعزة والمدد ، أي الارتباط بالقوة العظمى مما يعني استحالت الغلبة على الشخص الذي يكون متصلاً بهذا الفيض الإلهي كما حدث في معركة بدر الكبرى في نزول الملائكة.

6. التزود بالعلم وذلك ان الوحي هو الناقل لهذا العلم إلى الأنبياء عليهم السلام.

7. ويبقى الأساس في ذلك هو القرب من الله تعالى ولا يحصل القرب الا بالتقوى والإخلاص والطاعة؛ وغير ذلك من المظاهر والدلائل التي تحيط بوجود الملائكة.

إذن : هناك حقائق كثيرة يكشفها وجود الملائكة في حياة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام وان لديها منزلة وشأناً عندها؛ بل ان التتبع لحياة الزهراء عليها السلام يجد هذه الخصوصية الخاصة، بمعنى ارتباطها بالملائكة من قبل ان تلدها خديجة عليها السلام حينما كانت نوراً بين يدي الله تعالى حتى وافتها المنية شهيدة محتسبة، وهي كالآتي:

ص: 8

المسألة الأولى: منزلتها عند الملائكة أجمعين قبل خلق آدم عليه السلام

أخرج الديلمي في إرشاد القلوب وعنه المجلسي رحمهما الله عن سلمان الفارسي في حديث نبوي شريف يروي فيه بدو خلق أنوار محمد وأهل بيته عليهم السلام إلى أن يصل إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«وكانت الملائكة تسبح الله تعالى وتقول في تسبيحها : سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى، فلما أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها . فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنها ؟!

فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة الزهراء عليها السلام يومنذ كالقنديل وعلقه في قرط العرض فزهرت السموات السبع والأرضون السبع...» (1).

والحديث واضح الدلالة على معرفة الملائكة بما تكون فاطمة وما لديها من المنزلة والشأن عند الله تعالى وبخاصة بعد أن ابتليت بالظلمة فكان فرجها وخلاصها من هذه الظلمة بنور فاطمة عليها السلام فكيف لا تتوسل إلى الله تعالى بها وكيف لا تأنس إلا بها ولا يكتب لها الدوام عند الله تعالى الا من خلال فاطمة عليها السلام.

وعليه يكون نور فاطمة هو مصدر الفيض والبقاء والمدد للملائكة وليس العكس كما هو حال الأنبياء عليهم السلام وتلك فريدة اختصت بها فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

ص: 9


1- البحار : ج 43 ، ص 17

المسألة الثانية

منزلتها عند جبرائيل عليه السلام

إن النظر إلى حياة الأنبياء عليهم السلام والمرسلين لا يخلو من ظهور ملازم الجبرائيل عليه السلام في هذه الحياة أي حياة أنبياء الله ورسله، ولعل أوضح الصور التي تسوق الذهن إلى التأمل في هذا الظهور لروح القدس هي الصورة التي يعرضها القرآن عن السيد المسيح وأمه عليهما السلام .

ولعل : هذا التزامن في الظهور وترسيخه في أذهان الناس يعود إلى تثقيف الناس على هذه الملازمة بين الأنبياء وجبرائيل عليه السلام لاسيما وان عيسى بن مريم هو آخر المبشرين بالخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.

مما يؤسس إلى عقيدة قوية في المجتمع العربي ترتكز على ان جبرائيل عليه السلام سيكون له - قطعاً - دور أعظم مما كان لعيسى بن مريم عليه السلام وذلك كله الله تعالى إليه من مهام يقتضيها مقام سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.

من هنا :

كان لجبرائيل عليه السلام ظهور خاص في حياة الزهراء عليها السلام مثلما كان لمريم وأكثر من ذلك ، مع ملاحظة اختلاف التكاليف الشرعية فما كلفت به مريم بنت عمران غير ما كلفت به فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويكاد لا يخفى على المتأمل أن سمة الظهور التي كانت لجبرائيل عليه السلام في حياة مريم عليها السلام إنما كانت محصورة في تنفيذ أمر الله تعالى في إلقاء كلمته إليها ثم نكاد لا نرى لهذا الظهور في حياة مريم عليها السلام.

ص: 10

لكننا في حياة الصديقة فاطمة عليها السلام نجد أن هذا الظهور كان استثنائياً فيما لو قورن مع بيوتات الأنبياء والمرسلين عليهم السلام لاسيما تلك البيوت التي نص القرآن على ظهور جبرائيل فيها كإبراهيم الخليل عليه السلام كما في قوله تعالى :

« وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)» (1).

وعليه : فان هذا الظهور - وكما دلت عليه الأحاديث - كان ملازماً منذ خلق فاطمة عليها السلام والى يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لعله إلى يوم استشهادها كما في قضية مصحف فاطمة الذي هو بإملاء ملك من الملائكة - لعله جبرائيل - أو غيره وبروايتها وتدوين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - كما سيمر بإذن الله في الفصل القادم- .

أما هنا فسنورد الأماكن والأزمان التي كان الجبرائيل عليه السلام حضور فيها وهي كالاتي :

أولاً : إنها خلقت من عرق جبرائيل وزغبه

هذا الحديث من الأحاديث التي أوردناها في الجزء الأول من الكتاب في مبحث خلق فاطمة من ثمار الجنة وسنورده هنا بحسب الحاجة الدالة على الموضوع.

ص: 11


1- سورة هود، الآية : 74

فقد أخرج فرات الكوفي في تفسيره عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام،« عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

معاشر الناس تدرون لما خلقت فاطمة؟

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية.

وقال: خلقت من عرق جبرائيل وزغبه

قالوا: يا رسول الله استشكل ذلك علينا، تقول: حوراء إنسية لا إنسية، ثم تقول: من عرق جبرائيل وزغبه؟

قال: إذاً أنبئكم: أهدى إلي ربي تفاحة من الجنة أتاني بها جبرائيل عليه السلام فضمها إلى صدره، فعرق جبرائيل، وعرقت التفاحة، فصار عرقهما شيئاً واحداً ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قلت: وعليك السلام يا جبرائيل.

فقال: إن الله أهدى إليك تفاحة من الجنة، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري، ثم قال: يا محمد كلها.

قلت: يا حبيبي يا جبرائيل! هدية ربي تؤكل؟

قال: نعم، قد أمرت بأكلها، فأفلقتها، فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور قال: كل فإن ذلك نور المنصورة فاطمة.

قلت: يا جبرائيل من المنصورة؟

قال: جارية تخرج من صلبك، واسمها في السماء المنصورة، وفي الأرض فاطمة...» (1).

ص: 12


1- تفسير فرات الكوفي : ص 321؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 18 ، الخصائص الفاطمية للكجوري

والحديث واضح الدلالة في ظهور جبرائيل في حياة فاطمة عليها السلام ومنذ اللحظات الأولى لخلقها فكيف لا تكون بتلك القرابة القريبة من الوحي وما يترتب عليه من الآثار النورانية والقدسية بما أوتي روح القدس من خصائص وامتيازات.

ثانياً : هبوط جبرائيل عليه السلام بصورته العظمى لإيصال نور فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا

تناولنا في الجزء الأول من الكتاب موضوع خلق فاطمة عليها السلام من ثمار الجنة وذكرنا هناك حديث اعتزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمدة أربعين يوماً، ثم نزل إليه الملائكة الثلاثة وهم جبرائيل وإسرافيل وميكائيل عليهم السلام وهم يحملون النور الفاطمي المودع في بعض ثمار الجنة فكان تحفة أرسلها الله عز وجل لنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما نصت عليها الرواية التي سنوردها هنا لعلاقتها مع العنوان فهي تظهر حجم المنزلة التي لفاطمة عليها السلام عند جبرائیل عليه السلام فضلا عن بيان تلك الملازمة في الظهور للوحي في حياتها عليها السلام وهو ما يجعلها ذات خصوصية خاصة.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«فلما كان في كمال الأربعين – (أي أربعين يوماً من الاعتزال والعبادة) - هبط جبرائيل فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرنك السلام وهو يأمرك بأن تتأهب لتحيته وتحفته.

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

يا جبرائيل وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لا علم لي.

ص: 13

قال: فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس أو قال: استبقى فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واقبل جبرائيل عليه السلام وقال: يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام

قال علي (عليه السلام): فجلست على الباب وخلا النبي (صلى الله عليه وآله) بالطعام، وكشف الطبق واذا عنق من رطب وعنقود من عنب، فأكل النبي ( عليه السلام) منه شبعا وشرب من الماء ريا، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرائيل وغسل يديه ميكائيل ومندله إسرافيل وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء. ثم قام النبي (صلى الله عليه وآله) ليصلي فأقبل عليه جبرائيل وقال: الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها فإن الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة. فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.

ثالثاً : اختصاص جبرائيل بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام ومراحل ظهوره زماناً ومكاناً
اختصاص جبرائيل بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام ومراحل ظهوره زماناً ومكاناً

يعدّ زواج فاطمة عليها السلام محطة من المحطات التي كان الجبرائيل عليه السلام دورٌ خاصٌّ فيها فكان ظهوره في هذه المناسبة متكرراً حتى أصبح هو المعني بهذا الأمر مما يقود الذهن إلى ان أمر زواجها من علي عليهما السلام لا يقل أهمية من بعث الأنبياء عليهم السلام وذلك لما يترتب عليه من جعل الإمامة في ذريتهما وليتجلى فيهما الاصطفاء الإلهي على العالمين.

قال تعالى :

« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ »

ص: 14

بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم» (1).

من هنا: نجد أن هذا الظهور المتكرر لجبرائيل عليه السلام في هذه المناسبة إنما لكونهما المختارين لخروج نور النبوة وصراط الشريعة وتحقيق دولة الحق والعدل وظهور الإسلام على الدين كله في المهدي ابن فاطمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ألف. هبوط جبرائيل عليه السلام بخبر تزويج فاطمة في السماء ليزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض من علي بن أبي طالب عليه السلام

عن أم سلمة، وسلمان المحمدي، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، كلهم قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال :

«هبط عليّ جبرائيل، فقال: السلام عليك ورحمة الله يا نبي الله، ثم انه وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة، وفيها سطران مكتوبان بالنور.

فقلت حبيبي جبرائيل ما هذه الحريرة، وما هذه الخطوط ؟

فقال جبرائيل: يا محمد إن الله عز وجل أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه، فبعثك برسالته ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخا ووزيرا، وصاحباً وختنا فزوجه ابنتك فاطمة.

فقلت حبيبي جبرائيل ومن هذا الرجل؟

فقال لي: يا محمد أخوك في الدنيا والآخرة وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب»(2).

ص: 15


1- سورة آل عمران : 33 - 34
2- البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 128
باء: جبرائيل وميكائيل يجريان عقد نكاح فاطمة من علي في السماء والملائكة هم الشهود

وبالإسناد السابق في الفقرة «ألف» ، قال : جبرائيل عليه السلام :

«ثم أوحى الله أن أعقد عقدة النكاح، فاني قد زوجت فاطمة بنت حبيبي محمد –ب_ - عبدي علي بن أبي طالب».

وفي خبر عن أم أيمن: وعقد جبرائيل وميكائيل في السماء نكاح علي وفاطمة . قال جبرائيل :

فعقدت عقدة النكاح وأشهدت على ذلك الملائكة أجمعين، وكتبت شهادتهم في هذه الحريرة وقد أمرني عز وجل أن أعرضها عليك وان اختمها مسك وان ادفعها إلى رضوان، وان الله عز وجل لما أشهد الملائكة على تزويج علي من فاطمة أمر شجرة طوبى أن تنشر حملها من الحلي والحلل، فنشرت ما فيها فالتقطته الملائكة والحور العين، وأن الحور العين لتهادينه ويفتخرن به إلى يوم القيامة ..» (1).

جيم: جبرائيل عليه السلام يشتري الدرع الحطمية من علي عليه السلام ثم يهديها إليه ليكون مهر فاطمة عليها السلام

بعد ان يقوم جبرائيل عليه السلام في إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمجريات عقد فاطمة في السماء ويأمره عن الله عز وجل بإجراء العقد في الدنيا، فإن الظهور الثالث الذي تنقله الروايات لجبرائيل عليه السلام يكون في تحديد مهر فاطمة عليها السلام.

ص: 16


1- البحار للمجلسي : ج 43، ص 128

ولقد مرّ علينا في الجزء الثاني من الكتاب: ان مهر فاطمة كان مقداره أربعمائة درهم وديناراً حصل عليها الإمام علي عليه السلام من خلال بيعه لدرعه الحطمية التي غنمها في معركة بدر الكبرى.

الا ان الملاحظ في هذا المهر هو قيام جبرائيل عليه السلام بشراء هذه الدرع وإعطاء ثمنها لعلي عليه السلام ثم ارجاعها إليه بعنوان الهدية.

فقد ورد في الحديث انه جاء بالدرع والدراهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطرحها بين يديه وقال :

يا رسول الله بعت الدرع بأربعمائة درهم ودينار، وقد اشتراها دحية وسألني أن أقبل الدرع هدية فما تأمرني فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ليس هو دحية لكنه جبرائيل، والدراهم من عند الله لتكون شرفاً وفخراً لابنتي فاطمة»(1) .

والحديث واضح الدلالة في اختصاص فاطمة بهذا التشريف الإلهي الذي امتازت به على جميع نساء الدنيا في أمر زواجها. فضلاً عن ذلك فان الآثار التكوينية في مصدر مال المهر على الحياة الزوجية والذرية ما لا يخفى بيانه لأهل الإشارة ،والعرفان ولو شاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر ما لهذه المسألة أي أن تكون الدراهم من الله تعالى والحامل لها جبرائيل عليه السلام على هذا الزواج ليبين ذلك للناس الا ان اقتصاره على هذا القول فيه كفاية لمن أراد ان يقف على الحكمة في أن يتولى جبرائيل عن الله تعالى بذل مهر فاطمة عليها السلام .

ص: 17


1- دلائل الإمامة للطبري : ص3

دال: إن عطر فاطمة ليلة زفافها عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل ممزوج بعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

إن من الأمور التي اعتادها النساء هو الاحتياج إلى العطر ليلة الزفاف، لكن أن يكون هذا العطر من السماء ومن أجنحة جبرائيل وحبات عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا أمر غير اعتيادي؛ بل فريد واستثنائي كفرادة علي وفاطمة عليهما السلام وما تعلق بهما من أمر الدين والدنيا والآخرة.

فقد روي : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر نساءه بتزيين فاطمة عليها السلام فاستدعين من فاطمة طيباً فاتت بقارورة فسئلت عنها ؟ فقالت :

كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول لي - أبي - : يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمك، فكان إذا نهض سقط من ثيابه شيء فيأمرني بجمعه.

فسئل رسول الله عن ذلك فقال :

«هو عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل».

وأتت بماء ورد فسألت أم سلمة عنه ؟

قالت : هذا عرق رسول الله كنت آخذه عند قيلولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1).

ولعل ، بل الأرجح أن التي أتت بماء الورد هي نفسها فاطمة عليها السلام

ص: 18


1- الأمالي للطوسي : ص 42. المناقب لابن شهر : ج 3، ص 130 . الدر النظيم لابن أبي حاتم : ص 407 . البحار للمجلسي : ج 43، ص 114 - 115

وذلك أن أم سلمة قد تزوجت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد زواج فاطمة بسنتين أو ثلاث إلا أن هذا الفعل أي : جمع حبات تعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكرر كذلك من أم سلمة ولعل الرواة اشتبهوا في نسب هذا الفعل إلى أم سلمة في زواج فاطمة عليها السلام في حين أن التي جاءت بالعنبر الذي تساقط من أجنحة جبرائيل وبماء الورد الذي كان يتساقط من تعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة عليها السلام فكان عطرها في ليلة زفافها لعلي عليه السلام

هاء: جبرائيل عليه السلام يهبط في سبعين ألف ملك في ليلة زفاف فاطمة عليها السلام

من الأزمنة التي ظهر فيها جبرائيل عليه السلام في حدث زواج فاطمة عليها السلام هو ليلة زفافها، فقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري، انه قال: «فلما كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة إلى علي عليهما السلام وبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعض الطريق إذ سمع صلى الله عليه وآله وسلم وجبة فإذا هو جبرائيل في سبعين ألف وميكائيل في سبعين ألف.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«ما أهبطكم إلى الأرض»؟

قالوا: جننا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام».

واو: جبرائيل يتحف فاطمة وعليّاً عليهما السلام ليلة الزفاف بطعام من الجنة

إن من الأمور التي تلازم الأعراس هو تهيئة طعام في ليلة العرس للعروسين ، لكن الذي لم يحصل الا في عرس علياً وفاطمة عليهما السلام : هو أن يأتيهما جبرائیل بهدية ليلة العرس.

ص: 19

فقد هبط جبرائيل عليه السلام في زمرة من الملائكة بهدية - وهي عبارة عن سلة وكانت مغلقة فلما استقر الحال بالعروسين في بيتهما - فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلة فإذا فيها كعك وموز وزبيب فقال :

هذا هدية جبرائيل، ثم اقلب يده سفرجلة فشقها نصفين فأعطى علياً نصفاً وفاطمة نصفاً وقال :

هذه هدية من الجنة إليكما(1).

ياء: جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة زفاف فاطمة بقتل الإمام الحسين عليه السلام

لم تزل ليلة زفاف فاطمة عليها السلام استثنائية وفريدة في جميع مجرياتها حتى في حياة جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فمن منهم يهبط عليه جبرائيل ليطلعه في ليلة زفافه على ما قضاه الله تعالى في أمر زواجه من إرزاقه بولدٍ تقتله أمته من بعده.

نعم هذا الذي حصل في ليلة زفاف علي وفاطمة عليهما السلام كما أخبرهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند السحر من ليلة الزفاف.

فعن علي أمير المؤمنين عليه السلام قال :

فلما كان في آخر السحر أحسست برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهبت لأنهض، فقال:

مكانك أتيتك في فراشك رحمك الله.

ص: 20


1- الخرائج للراوندي : ج 2، ص 536 ؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 96

فأدخل رجليه معنا في الدثار ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة فاستيقظت فبكى وبكت وبكيت لبكانهما.

فقال لي: ما يبكيك؟!

فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله بكيت وبكت فاطمة فبكيت لبكانكما.

فقال: أتاني جبرائيل فبشرني بفرخين يكونان لك ثم عزيت بأحدهما وعلمت أنه يقتل غريباً عطشانا فبكت فاطمة حتى علا بكاؤها.

ثم قالت: يا أبي لم يقتلوه وأنت جده وعلي أبوه وأنا أمه؟!

قال: يا بنية لطلبهم الملك، أما إنهم سيظهر عليهم سيف لا يغمد إلا على يد المهدي من ولدك يا علي من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أبغضك وأبغض ذريتك فقد أبغضني ومَنْ أبغضني أبغضه الله وأدخله النار»(1).

ص: 21


1- فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي : ص108. نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الطبري : ص 96

المبحث الثاني

منزلة فاطمة عليها السلام عند الأنبياء عليهم السلام

حينما نستعرض الأحاديث الشريفة الخاصة ببيان حياة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وما قدر الله تعالى لهم من الابتلاءات فإننا سنجد ظهوراً لأسماء محمد وعترته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في نجاة هؤلاء الأنبياء وخروجهم من هذه الابتلاءات ببركة التوسل الله تعالى بهم.

ولذا : فإننا نجد منزلة فاطمة عليها السلام لدى الأنبياء إنما ظهرت من خلال توسلهم إلى الله تعالى بالخمسة أصحاب الكساء، وانها كانت معروفة لديهم بما خصها الله تعالى من الفضل والشأن الذي أهلها ان تكون ملاذاً في الدعاء عند أنبياء الله تعالى ورسله سلام الله عليهم أجمعين، فكانت كالآتي :

المسألة الأولى: منزلتها عند آدم عليه السلام

فيما يخص نبي الله آدم عليه السلام من ابتلاء مع زوجه حواء يكاد يكون معروفاً للقاصي والداني إلا أن الذي يجهله كثير من الناس هو توسله في هذا

ص: 22

الابتلاء بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين فمن الله تعالى عليه بالنجاة مما ابتلي به وتاب عليه إنه هو التواب الرحيم، وهو ما دلت عليه الروايات الآتية :

1 . روى الحر العاملي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :

سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ؟

قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ فتاب عليه»(1).

2. روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام في معنى قوله تعالى :

«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» .

والحديث الشريف طويل أخذنا منه موضع الاستدلال، فجاء فيه :

فلما أراد الله عز وجل أن يتوب عليهما جاهما جبرئيل فقال لهما : إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتها به من الهبوط من جوار الله عز وجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام

ص: 23


1- وسائل الشيعة للعاملي: ج 7، ص 98 - 99

إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم، فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها وحملها الإنسان الذي قد عرفته فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة، وذلك قول الله عز وجل:

«إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْن أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»(1) .

والحديث يكشف عن معرفة آدم والأنبياء عليهم السلام من بعده بمنزلة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام وان حفظ هذه المنزلة يعد أمانة في أعناقهم يحفظونها ويوصون بها أوصياءهم ومواليهم كي لا يقع أحدهم بنفس ما وقع فيه آدم عليه السلام حينما طلب هذه المنزلة لنفسه فعوقب بالخروج من الجنة.

. وروي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في تفسيره قوله تعالى :

«فَتَلَقَى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(2).

فقال عليه السلام :

«التواب القابل للتوبات، الرحيم بالتائبين (قلنا اهبطوا منها جميعا) كان أمر في الأول أن يهبطا، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا، لا يتقدم أحدهم الآخر. والهبوط إنما كان هبوط آدم وحواء من الجنة، وهبوط الحية أيضا منها فإنها كانت من أحسن دوابها، وهبوط إبليس من حواليها، فإنه كان محرما عليه دخول الجنة. (فاما يأتينكم مني هدى) يأتيكم. وأولادكم من بعدكم.

ص: 24


1- معاني الأخبار، للصدوق : ص110
2- سورة البقرة، الآية : 37

مني هدى يا آدم ويا إبليس (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون، ولاهم يحزنون إذا يحزنون. [توسل آدم عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وآله وقبول توبته بهم عليهم السلام: قال عليه السلام فلما زلت من آدم الخطيئة، واعتذر إلى ربه عز وجل، قال: يا رب تب علي، واقبل معذرتي، وأعدني إلى مرتبتي، وارفع لديك درجتي فلقد تبين نقص الخطيئة وذلها في أعضاني وسائر بدني. قال الله تعالى: يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك، وفي النوازل (التي) تبهظك؟ قال :آدم یا رب بلی قال الله عز وجل (له: فتوسل بمحمد) وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصا، فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك. فقال :آدم يا رب يا إلهي وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل (إليك) بهم تقبل توبتي وتغفر خطينتي، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك وأبحته جنتك وزوجته حواء أمتك، وأخدمته كرام ملانكتك ! قال الله تعالى: يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك (و) بالسجود (لك) إذ كنت وعاءً لهذه الأنوار، ولو كنت سألتني بهم قبل خطينتك أن أعصمك منها، وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منه لكنت قد جعلت ذلك. ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي، فالآن فيهم فادعني لأجبك. فعند ذلك قال :آدم: اللهم ([بجاه محمد وآله الطيبين) بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من الهم لما تفضلت (علي) بقبول تويتي وغفران زلتي واعادتي من كراماتك إلى مرتبتي. فقال الله عز وجل: قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك، وصرفت آلاني ونعماني إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عز وجل: (فتلقی آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم».

ص: 25

المسألة الثانية: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله نوح عليه السلام

حينما تعددت الابتلاءات عند الأنبياء عليهم السلام تعددت معها الألطاف الإلهية كذاك، وذلك لما يظهره الله تعالى لهم من الكرامة والمنزلة عند اجتيازهم هذه الابتلاءات.

إلا أن الملاحظ في هذه الابتلاءات التجاؤهم إلى أصحاب الكساء كمحلِّ یكشف به ومن خلاله الابتلاء وذلك بما ورثوه عن أبي البشر نبي الله تعالى آدم حينما أوصى بنيه ووصيه بذلك هذا أولاً.

وثانياً : إن هذه الابتلاءات تظهر جانباً من التعريف بهذه الأسماء وأصحابها

بمعنى ما ظهر لآدم هو بيان شأنهم عند الله وان الدعاء إلى الله عند الله وان الدعاء إلى الله بهم لا يرد، والحاجة تقضى بإذنه تعالى. لكن ما ظهر لنوح عليه السلام كان جانباً بما سيبتلى به أصحاب هذه الأسماء ومن ثم تصبح هذه الكاشفية عن ابتلاء آل محمد هي بحد ذاتها مورد تصبير وتطمين وتأسي للأنبياء عليهم السلام فيما يتعرضون له اثناء نشر رسالتهم والتبليغ عن شريعة الله تعالى.

وهو ما دلّ عليه الحديث الآتي : روى السيد ابن طاووس بسنده عن عطية العوفي عن ثابت البنائي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال :

«لما أراد الله عز وجل ان يهلك قوم نوح عليه السلام أوحى الله إليه ان شق ألواح الساج فلما شقها لم يدر ما يصنع فهبط جبرئيل عليه السلام فأراه هيئه السفينة ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون الف مسمار فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار منها فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري أفق السماء فتحير من ذلك

ص: 26

نوح فأنطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال: أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله فهبط عليه جبرئيل فقال له يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله قال هذا باسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد الله أسمره أولها على جانب السفينة اليمين ثم ضرب بيده إلى مسمارثان فأشرق وأنار فقال نوح وما هذا المسمار قال: مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فاسمره جانب السفينة اليسار في أولها ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال هذا مسمار فاطمة فاسمره إلى جانب مسمار أبيها ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار فقال هذا مسمار الحسن فاسمره إلى جانب مسمار أبيه ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق وأنار وبكى فقال يا جبرئيل: ما هذه النداوة فقال هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء فاسمره إلى جانب مسمار أخيه ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم وحملناه على ذات ألواح ودسر قال النبي صلى الله عليه وآله الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها»(1).

المسألة الثالثة: منزلة فاطمة عليها السلام عند إبراهيم عليه السلام

فلما كانت منزلة فاطمة عليها السلام عند آدم ونوح عليهما السلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام مجموعة مع الخمسة أصحاب الكساء، فأما منزلتها عند إبراهيم عليه السلام ظهرت كذاك بالضمن مع منزلة أبيها وبعلها وبنيها، وهو ما كشف عنه الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام.

فعن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، قال

سألته عن قول الله عز وجل :

ص: 27


1- الأمان من أخطار الأسفار للسيد ابن طاووس : ص 119 . نوادر المعجزات للطبري : ص 64 ، بحار الأنوار: ج 11، ص328. الدر النظيم لابن حاتم : 764

«وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات» .

ما هذه الكلمات ؟ قال :

«هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم».

فقلت له : يا ابن رسول الله فما يعني عز وجل بقوله : "أتمهن"؟ قال :

«يعني أتمهن إلى القائم عليه السلام إثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليه السلام».

قال المفضل : فقلت له : يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل :

«وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبهِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (1) .

قال :

«يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة».

قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن وهما جميعا ولدا رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة؟ فقال عليه السلام :

«إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول: لم فعل الله ذلك؟ فإن الإمامة خلافة الله عز وجل ليس لأحد أن يقول: لم جعلها الله في صلب الحسين

ص: 28


1- سورة الزخرف، الآية : 28

دون صلب الحسن لان الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون».

والحديث يظهر حقيقة جديدة في هذه الكلمات وهي :

1 . إنّ إبراهيم هو أول من دعا الله تعالى بالمعصومين الأربعة عشر في حين كانت الأنبياء من قبله تدعو الله تعالى بالخمسة أصحاب الكساء أي بالأسماء التي دعا بها آدم عليه السلام، أما إبراهيم فقد أتم الله له تعالى هذه الكلمات وعرفه بها فأخذ يدعو الله بها .

2. إن الدعاء بهذه الكلمات التي أتمها الله تعالى لإبراهيم إنما كان لعظم الحاجة التي كان يسأل الله عنها إبراهيم عليه السلام وهي الإمامة، مما أن يعني الدعاء بهذه الكلمات لا يرد مهما كان حجم الحاجة التي يدعو بها الداعي ولاسيما تلك الحاجات التي كانت للمراتب الأخروية لحاجة إبراهيم في أن يجعله إماماً وأن يجعل هذه الرتبة والمنزلة لأولاده.

3. إن الإقرار بهذه الكلمات التي أتمها الله لإبراهيم وهم محمد وعترته أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين هو إقرار ابتلائي كما ابتلى به إبراهيم عليه السلام، بمعنى يحتاج الإنسان للوصول إلى هذه المعرفة لمقدمات عديدة تكشفها سيرة إبراهيم ورتبته عند الله تعالى التي أحرزت لديه بلطف الله إتمام هذه الكلمات.

ولو كانت المعرفة غير تامة لما نال هذا اللطف الإلهي ولكان حاله حال نبي الله آدم عليه السلام حينما ابتلي من قبل بهذه الكلمات التي لم يكشف له منها إلا خمس كلمات؛ ولعل قوله تعالى :

«اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّدِقِينَ ».

ص: 29

فيه من الكاشفية ما يجعل المرء يبني نفسه أولاً على التقوى وإحرازها وتلبسه بها كي يتمكن من نيل اللطف الإلهي فيكون مع الصادقين وهي الكلمات التي أتمها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام .

ومما يدل عليه ما روي عن أبي بصير قال : سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام عن تفسير هذه الآية :

«وَإِن مِن شِیعَتِهِ، لإبْرَاهِيمَ» .

فقال عليه السلام :

«إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم عليه السلام كشف له عن بصره فنظ فرأى نورا إلى جنب العرش، فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور محمد صفوتي من خلقي. ورأى نورا إلى جنبه فقال: إلهي وما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور علي ابن أبي طالب ناصر ديني. ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقيل له: هذا نور فاطمة فطمت محبيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين ورأى تسعة أنوار قد حفوا بهم فقال: إلهي ما هذه الأنوار التسعة؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة فقال إبراهيم: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا عرفتني من التسعة؟ قيل يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وابنه الحسن والحجة القائم ابنه.

فقال إبراهيم: إلهي وسيدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت. قيل: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال إبراهيم: وم تعرف شيعته؟ قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختم في اليمين».

ص: 30

المسألة الرابعة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله يعقوب عليه السلام

تكشف منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله يعقوب من خلال الدعاء الذي علمه جبرائيل عليه السلام ليعقوب بعد أن فقد ولديه يوسف وبنيامين وذهب بصره من الحزن.

كما نص عليه الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في بيانه لما جرى على آل يعقوب فمما جاء فيه انه قال :

«فهبط جبرائيل على يعقوب فقال يا يعقوب ألا أعلمك دعاء يرد الله عليك به بصرك، ويرد عليك ابنيك؟ قال: بلى.

قال: قل ما قاله أبوك آدم فتاب الله عليه، وما قاله نوح فاستوت به سفينته علی الجودي ونجا من الغرق، وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين ألقي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما .

فقال يعقوب عليه السلام وما ذاك يا جبرئيل؟ فقال: قل: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، أن تأتيني بيوسف وبنيامين جميعا، وترد علي عيني.

فما استتم يعقوب عليه السلام هذا الدعاء حتى جاء البشير فألقى قميص يوسف عليه فارتد بصيرا فقال لهم: ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون.

«قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ »(1)» .

ص: 31


1- الأمالي الصدوق : ص323. وسائل الشيعة للعاملي: ج 7، ص 101 . البحار للمجلسي : ج 12، ص 260

المسألة الخامسة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله موسى الكليم عليه السلام

منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله موسى الكليم عليه السلام

تشير النصوص الواردة عن العترة النبوية صلوات الله عليهم أجمعين عن تعدد الابتلاءات التي مر بها موسى الكليم مع قومه، ولذا فقد تعددت الأدعية التي كان يدعو بها موسى عليه السلام ويتوسل إلى الله بحق محمد وآله في جميع هذه المواطن ففرج الله تعالى عنه، وهي كالآتي :

أولاً : في خروجه لميقات ربه وابتلاء بني إسرائيل بفتنة السامري

جاء في تفسير الإمام العسكري عليه السلام : قال الله عز وجل :

«وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ»(1).

قال : كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل : إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداءكم آتيكم بكتاب من عند ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله فلما فرج الله عنهم أمره الله عز وجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل فظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب فصام ثلاثين يوما، فلما كان آخر اليوم استاك قبل الفطر، فأوحى الله عز وجل إليه :

يا موسى أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ؟ صم عشرا اخر ولا تستك عند الافطار، ففعل ذلك موسى عليه السلام وكان وعده الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة، فأعطاه إياه، فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل.

ص: 32


1- البقرة : 51

فقال : وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون، أخطأ موسى ربه وقد أتاكم ربكم، أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه، وأنه لم يبعث موسى عليه السلام لحاجة منه إليه، فأظهر لهم العجل الذي كان عمله.

فقالوا : كيف يكون العجل إلهنا ؟ قال : إنما هذا العجل يكلمكم منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة، فلما سمعوا منه كلاما قالوا له : إنه في العجل كما في الشجرة، فضلوا بذلك وأضلوا، فلما رجع موسى إلى قومه قال :

يا أيها العجل أكان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل وقال : عزّ ربنا من أن يكون العجل حاويا له، أو شيء من الشجرة والأمكنة عليه مشتملا، لا والله يا موسى، ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى حائط وحفر في الجانب الآخر في الأرض وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه على دبره وتكلم ما تكلم لما قال :

« ... هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ...» (1).

یا موسی بن عمران ما خذل هؤلاء بعبادتي واتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين، وجحودهم بموالاتهم وبنبوة النبي ووصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها، قال الله عز وجل :

فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد وعلي وقد

ص: 33


1- سورة طه ، الآية : 88

شاهدتموهما وتبينتم آياتهما ودلائلهما) (1).

وروى السيد نعمة الله الجزائري : قال الله عز وجل :

«ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» .

أي عفونا عن أوائلكم عبادة العجل لعلكم أيها الكائنون في عصر محمد صلى الله عليه وآله من بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم.

قال عليه السلام : وإنما عفا الله عز وجل عنهم لأنهم دعوا الله بمحمد وآله الطيبين وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين فعند ذلك حمهم الله وعفا عنهم.

ثم ساق الحديث إلى قوله : وأمر الله موسى عليه السلام أن يقتل من لم يعبده من ،عبده، فتبرأ أكثرهم وقالوا لم نعبد، فقال الله عز وجل لموسى :

أبرد هذا العجل بالحديد بردا ثم ذره في البحر، فمن شرب منه ماء اسودت شفتاه وانفه وبان ذنبه .

ففعل، وبان العابدون فأمر الله الاثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهري السيوف يقتلونهم ونادى مناد : ألا لعن الله أحداً اتفاهم بيد أو رجل ولعن الله من تأمل المقتول لعله ينسبه حميما قريبا فيتعداه إلى الأجنبي.

فاستسلم المقتولون فقال القاتلون نحن أعظم مصيبة منهم نقتل بأيدينا آباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأقرباءنا ونحن لم نعبد فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة.

ص: 34


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 256

فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : إني إنما امتحنتهم كذلك لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل ولم يهجروهم ولم يعادوهم على ذلك، قل لهم من دعا الله بمحمد وآله الطيبين ان يسهل عليهم قتل المستحقين للقتل بذنوبهم ففعل فقالوها ، فسهل عليهم ولم يجدوا لقتلهم لهم ألما .

فلما استمر القتل فيهم وهم ستمائة ألف إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل، وفق الله بعضهم فقال لبعض والقتل ولم يفض بعد إليهم فقال أو ليس الله قد جعل التوسل بمحمد وآله الطيبين أمرا لا يخيب معه طلبة ولا يرد به مسألة وهكذا توسلت به الأنبياء والرسل، فما لنا لا نتوسل ؟!

قال فاجتمعوا وضجوا وقالوا: يا ربنا نجنا بجاه محمد الأكرم وبجاه علي الأفضل الأعظم وبجاه فاطمة ذات الفضل والعصمة وبجاه الحسن والحسين سبطي سيد المرسلين وسيدي شباب أهل الجنة أجمعين وبجاه الذرية الطيبة الطاهرة من آل طه ويس لما غفرت لنا ذنوبنا وغفرت لنا هفوتنا وأزلت هذا القتل عنا.

فذلك حين نودي موسى عليه السلام من السماء : ان كف القتل فقد سألني بعضهم مسألة وأقسم علي قسما لو أقسم به هؤلاء العابدون العجل وسألني بعضهم العصمة حتى لا يعبدوه لوفقتهم وعصمتهم، ولو أقسم علي بها إبليس لهديته ولو أقسم بها نمرود أو فرعون لنجيتهم.

فرفع الله عنهم القتل فجعلوا يقولون يا حسرتنا أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين حتى يقينا الله شر الفتنة (1).

ص: 35


1- تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 256 . تأويل الآيات الظاهرة : ج 1 ، ص 60 . مستدرك الوسائل : ج 5 ، ص 235 . البحار : ج 13، ص 235 . قصص الأنبياء : ص 312 - 315
ثانياً : في لقاء موسى الكليم بالخضر عليه السلام وما جرى بينهما من التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام

روى العياشي ( عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال :

«انه لما كان من أمر موسى عليه السلام الذي كان أعطى مكتل فيه حوت مملح، قيل له: هذا يدلك على صاحبك عند عين مجمع البحرين لا يصيب منها شيء ميتا الأحي يقال لها الحياة فانطلقا حتى بلغا الصخرة فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين فاضطرب الحوت في يده حتى خدشه وانفلت منه ونسيه الفتى، فلما جاوز الوقت الذي وقت فيه أعني موسى :

«فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ ءَاتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَا (62) قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّحْرَةِ فَإنّي نَسِيتُ الموتَ وَمَا أَنسَنِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أذكَرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى ءَاثَارِهِمَا قَصَصا»(1).

فلما أتاها وجد الحوت قدخر في البحر فاقتصا الأثر حتى اتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر اما متكيا واما جالسا في كساء له، فسلم عليه موسى فعجب من السلام وهو في أرض ليس فيها السلام.

فقال: من أنت؟

قال: انا موسى .

قال: أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما ؟

ص: 36


1- سورة الكهف، الآيات : 62 و 63 و 64

قال: نعم، قال: فما حاجتك؟

قال اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا، قال: إني وكلت بأمر لا تطيقه، ووكلت بأمر لا أطيقه، وقال له:

«قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خبرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْمِي لَكَ أَمْرًا»(1).

فحدثه عن آل محمد عليهم السلام وعما يصيبهم حتى اشتد بكاؤهما، ثم حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين وعن ولد فاطمة وذكر له من فضلهم وما أعطوا حتى جعل يقول يا ليتني من آل محمد وعن رجوع رسول الله عليه وآله السلام إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه، وتلا هذه الآية:

«وَنُقَلِبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ».

فإنه أخذ عليهم الميثاق»).

ثالثاً : تعريف موسى قومه بمنزلة محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين في دخولهم باب حطة

وعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في قوله :

« ... وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلوَى ...» (2).

«المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه، والسلوى السماني أطيب طير لحما يسترسل لهم فيصطادونه.

ص: 37


1- سورة الكهف، الآيات : 67 و 68 و 69
2- سورة البقرة، الآية : 57

وفي قوله تعالى:

« ... ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ... »(1).

وهي أريحا من بلاد الشام وادخلوا باب القرية سجدا الله تعظيما لمثال محمد وعلي، مثل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال وان يجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما وليذكروا العهد والميثاق المأخوذ عليهم :

« ... وَقُولُوا حِظَةٌ ... »

أي قولوا ان سجودنا الله تعظيما لمثال محمد وعلي واعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا ومحو لسيناتنا :

«فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذى قِيلَ لَهُمْ»(2).

أي لم يسجدوا كما أمروا وقالوا كما أمروا ولكن دخلوها من منقلبها باستاهم، وقالوا اهتطانا سمقانا - أي حنطة حمراء ينقونها أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول فأنزلنا على الذين غيروا - بدلوا - ما قيل لهما ولم ينقاد والولاية محمد وعلي وألهما الطيبين (رجزا من السماء) والرجز الذي أصابهم انه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألف كلهم من علم الله انهم لا يؤمنون ولا يتوبون»(3).

ص: 38


1- سورة البقرة الآية : 58
2- سورة البقرة الآية : 59
3- تفسير الإمام العسكري : ص 261. تفسير الصافي للفيض الكاشاني : ج 1 ، ص136. بحار الأنوار: ج 13، ص18. قصص الأنبياء : ص299
رابعاً : توسل صاحب بقرة بني إسرائيل بالنبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم

جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام :

ان بني إسرائيل جمعوا أموالهم لشراء البقرة، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما يلي به جلدة فبلغ خمسة آلاف ألف دينار فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه السلام وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة لا ندري أيهما أعجب إحياء الله هذا وانطاقه بما نطق به أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم.

فأوحى الله إليه : يا موسى قل لبني إسرائيل من أحب منكم ان أطيب في دنیاه عيشه وأعظم في جناني محله واجعل بمحمد وآله الطيبين فيها منادمته ليفعل كما فعل هذا الفتى انه كان قد سمع موسى بن عمران ذكر محمدا وآلهما الطيبين، وكان عليهم مصليا ولهم على جميع الخلائق من الجن والإنس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت له المال العظيم.

قال الفتى : يا نبي الله كيف احفظ هذه الأموال؟ أم كيف احذر من عداوة من عاداني فيها؟ وحسد من يحسدني لأجلها ؟ قال : قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقول قبل ان تنالها فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد، يحفظها عليك أيضا بهذا القول مع صحة الاعتقاد، فقالها الفتى فما رامها حاسد له إلا رفعه الله عنها .

فلما قال موسى عليه السلام للفتى ذلك وصار الله له بمقالته حافظا، قال هذا المنشور: اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين ان تبقيني في الدنيا ممتعا بابنة عمي وهبت له لمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه ثابت فيها جنانه قوية

ص: 39

فيها شهواته يتمتع بحلال الدنيا ويعيش ولا تفارقه، فإذا حان حينهما وماتا جميعا معا، فصارا إلى جناني، فكانا زوجين فيها ناعمين.

ولو سألني هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده ان أعصمه من الحسد وأقنعته بما رزقته وذلك هو الملك العظيم لفعلت، ولو سألني بذلك مع التوبة أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل لأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال، ولو سألني بعد ما افتضح وتاب إلي وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى ان أنسي الناس فعله بعد ما ألطف لأوليائه فيعفون عن القصاص لفعلت وكان لا يعيره بفعله أحد.

فلما ذبحوها، قال الله تعالى :

« ... فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ... »(1).

وأرادوا ان لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ولكن اللجاج حملهم على ذلك واتهامهم لموسى حداهم قال : فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا : افتقرت القبيلة ووقف إلى التكفف وانسلخا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا، فادع الله لنا بسعة الرزق فقال لهم موسى ويحكم ما أعمى قلوبكم اما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى أو ما سمعتم دعاء المقتول المنشور؟

وما و ما أتم له من العمر الطويل والسعادة والتنعم بحواسه لما لا تدعون الله بمثل وسيلتهما، ليسد فاقتكم فقالوا : اللهم إليك التجأنا وعلى فضلك اعتمدنا فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم

ص: 40


1- سورة البقرة، الآية : 71

فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان وتكشفوا في موضع كذا كذا وجه أرضها قليلا ويستخرجوا ما هناك، فإنه عشرة آلاف دينار ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود أحوالهم، ثم ليقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهي خمسة آلاف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة لتضاعف أحوالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين واعتقادهم لتفضيلهم (1) .

خامساً : التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام عند استسقاء موسى عليه السلام لقومه

روى المجلسي نقلاً عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام، انه قال :

«وإذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ» .

قال : واذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقي لما لحقهم العطش في التيه، وضجوا بالبكاء إلى موسى وقالوا : هلكنا بالعطش، فقال موسى : (إلهي بحق محمد سيد الأنبياء، وبحق علي سيد الأوصياء، وبحق فاطمة سيدة النساء، وبحق الحسن سيد الأولياء، وبحق الحسين سيد الشهداء، وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء)، فأوحى الله تعالى :

يا موسى (اضرب بعصاك الحجر) فضربه بها (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس). كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب (مشربهم) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم (2).

ص: 41


1- تفسير الإمام الحسن العسكري : ص 282 . تأويل الآيات الظاهرة : ج1، ص70. البحار : ج 13، ص 273 . التفسير الصافي : ج 1 ، ص 145
2- البحار للمجلسي : ج 13، ص 184 . مستدرك سفينة البحار ج 2، ص222

المسألة السادسة : منزلة فاطمة عند نبي الله زكريا عليهما السلام

إن الملاحظ في كاشفية منزلة فاطمة عليها السلام لدى نبي الله زكريا عليه السلام هو معرفته - من خلال الوحي - بما يجري على سيد الشهداء الإمام الحسين ابن علي عليهما السلام من الفجائع والرزايا هذه الرزايا هي في الأساس كانت واقعة على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحب أن يكون له نظير منها ويبتلى بمثل ما ابتلي والرواية التي تظهر هذه الحقيقة، هي كالآتي :

روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام :

«أن زكريا عليه السلام سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة .

فقال - ذات يوم -: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي.

فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال:

«كهيعص»(1).

فالكاف اسم (كربلاء) والهاء هلاك العترة) والياء ( يزيد) وهو ظالم الحسين والعين (عطشه) والصاد (صبره) فلما سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء

ص: 42


1- سورة مريم، الآية : 1

والنحيب، وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنانه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثوب هذه المصيبة؟ إلهي تحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟ ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده.

فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك»(1).

ص: 43


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ص 261 . الاحتجاج للطبرسي : ج 2، ص273. مناقب آل أبي طالب عليه السلام : ج 3، ص 237

المبحث الثالث

منزلتها عليها السلام في التوراة والإنجيل

حينما نجد أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يتلقون من الله أسماء محمد وعترته في مواطن الابتلاء والشدة ويدعون الله تعالى فيفرج عنهم فإن هذه المنزلة التي نالها محمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم لدى الأنبياء عليهم السلام هي کذاك موجودة في الكتب السماوية، كي يتعرف أبناء هذه الأمم وأتباع هؤلاء الأنبياء منزلة محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين، والظاهر ان أبناء هذه الأمة هم الأقل حظاً في هذه المعرفة وصون الحرمة فقد اقترفوا هتك حرمة الله ورسوله بقتل ابنته فاطمة وسلب مالها وقتل زوجها وولدها وسبي بناتها وأحفادها يطاف بهم في بلاد المسلمين .

وعليه: فإن هذه المنزلة التي لفاطمة لم تكن محصورة عند أشخاص الأنبياء عليهم السلام وإنما كذاك جاءت في بعض الكتب السماوية بحسب ما تقرره المصلحة الإلهية في حفظ الأمم ونجاتها وقربها من الله تعالى حينما يبتلون بابتلاءات مختلفة ثم يؤمرون بالتوجه إلى الله تعالى بمحمد وآله كي يكشف عنهم الضر الذي نزل بهم فمنهم من آمن ومنهم من جحد حق محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين فشدد الله عليهم ابتلاء هم وفي الآخرة عذاب أليم.

ص: 44

أما ما أشارت إليه الروايات الشريفة في بيان منزلة فاطمة في الكتب السماوية فانها قد نصت على ورود هذه الأسماء الطاهرة في التوراة والإنجيل خاصة، دون غيرهما من الكتب السماوية ولعل عدم انتشار هذه الكتب السماوية كصحف إبراهيم وإسحاق ويعقوب وألواح نوح وإبراهيم عليهم السلام لا يدل على عدم وجود هذه الأسماء المباركة فيها.

ومن هنا : فاننا نورد ما جاء عن العترة النبوية في بيان منزلة فاطمة عليها السلام في التوراة والإنجيل.

1 . روى الشيخ المفيد (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسائل ألقاها إليه يهودي فجاء فيها قوله :

فقال اليهودي : يا محمد، فأخبرني عن السادس عن ثمانية أشياء في التوراة مكتوبة أمر الله بني إسرائيل أن يعبدونه بعد موسى.

فقال النبي صلى الله عليه وآله :

«أنشدك الله إن أخبرتك أن تقربه؟».

فقال اليهودي : بلى يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وآله :

«إن أول ما في التوراة مكتوب: محمد رسول الله وهي مما أساطه ثم صار قائما».

ثم تلا هذه الآية :

« ... يجدُونَهُ، مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَةِ وَالإنجيل ...» (1).

ص: 45


1- سورة الأعراف، الآية : 157

«وَمُبَشِّرًا بِرَسُولِ يَأْتِي مِنْ بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ» (1).

وأما الثاني والثالث والرابع فعلي وفاطمة وسبطاها وهي سيدة نساء العالمين، في التوراة (إيليا وشبرا وشبيرا وهليون)».

فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

قال : صدقت يا محمد) (2).

2. روى الراوندي ( عن الإمام الرضا عليه السلام في حوار جرى بينه وبين الجاثليق - أسقف الكنيسة - حول التوراة والإنجيل فكان مما توجه إلى الجاثليق فقال :

«هل دل الإنجيل على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟».

قال : لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه فقال عليه السلام :

«أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث؟».

فقال الجائليق : اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره ؟ قال الرضا عليه السلام :

«فان قررتك انه اسم محمد وذكره، وأقر عيسى به وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد أتقر ولا تنكره؟».

قال الجائليق : ان فعلت أقررت، فإني لا أرد الإنجيل ولا أجحده، قال الرضا عليه السلام :

ص: 46


1- سورة الصف، الآية : 1
2- الاختصاص للمفيد : ص 37

«فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد، وبشارة عيسى بمحمد».

قال الجائليق : هات !

فأقبل الرضا عليه السلام يتلو ذلك السفر - الثالث من الإنجيل - حتى بلغ ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

يا جائليق من هذا الموصوف؟».

قال الجاثليق: صفه ، قال - عليه السلام - :

«لا أصفه إلا بما وصفه الله : هو صاحب الناقة والعصاء والكساء النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم.

سألتك يا جائليق بحق عيسى روح الله وكلمته، هل تجد هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجائليق مليا، وعلم أنه إن جحد الإنجيل كفر».

فقال : (نعم) هذه الصفة في الإنجيل، وقد ذكر عيسى هذا النبي، (ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم).

فقال الرضا عليه السلام :

«أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة محمد صلى الله عليه وآله فخذ علي في السفر الثاني، فإني أوجدك ذكره».

وذكر وصيه، وذكر ابنته فاطمة، وذكر الحسن والحسين.

فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا عليه السلام عالم

ص: 47

بالتوراة والإنجيل فقال : والله قد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود التوراة والإنجيل والزبور، وقد بشر به موسى وعيسى جميعا، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا فأما اسمه محمد، فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنه محمدكم أو غيره، فقال الرضا عليه السلام:

«احتجزتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد صلى الله عليه وآله؟ أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمدنا؟».

فأحجموا عن جوابه وقالوا : لا يجوز لنا أن نقر لكم بأن محمدا هو محمدكم لأنا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيه على ما ذكرت أدخلتمونا في الإسلام كرها، فقال الرضا عليه السلام :

«أنت يا جائليق آمن في ذمة الله وذمة رسوله أنه لا يبدوك منا شيء تكره مما تخافه وتحذره».

قال : أما إذا قد آمنتني فان هذا النبي الذي اسمه (محمد) وهذا الوصي الذي اسمه (علي) وهذه البنت التي اسمها (فاطمة) وهذان السبطان اللذان اسمهما (الحسن والحسين) في التوراة والإنجيل والزبور ، قال الرضا عليه السلام :

فهذا الذي ذكرته في التوراة والإنجيل والزبور من اسم هذا النبي، وهذا الوصي، وهذه البنت وهذين السبطين، صدق وعدل أم كذب وزور؟».

قال : بل صدق وعدل، وما قال الله إلا بالحق، فلما أخذ الرضا عليه السلام إقرار الجائليق بذلك، قال لرأس جالوت :

ص: 48

«فاستمع الآن يا رأس جالوت السفر الفلاني من زبور داود».

قال : هات بارك الله عليك وعلى من ولدك فتلا الرضا عليه السلام السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فقال :

«سألتك يا رأس الجالوت بحق الله أهذا في زبور داود ؟ ولك من الأمان والذمة والعهد ما قد أعطيته الجائليق».

فقال رأس الجالوت : نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم، قال الرضا عليه السلام :

«فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران عليه السلام في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلي العدل والفضل؟».

قال: نعم، ومن جحد هذا فهو كافر بربه وأنبيائه، قال له الرضا عليه السلام :

«فخذ الآن علي سفر كذا من التوراة».

فأقبل الرضا عليه السلام، يتلو التوراة، وأقبل رأس الجالوت يتعجب من تلاوته وبيانه، وفصاحته ولسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد قال رأس الجالوت : نعم، هذا أحماد وبنت أحماد وإليا وشبر وشبير وتفسيره بالعربية : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فتلا الرضا عليه السلام السفر إلى تمامه.

فقال رأس الجالوت - لما فرغ من تلاوته - :

ص: 49

والله يا ابن محمد لولا الرئاسة التي قد حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحماد، واتبعت أمرك، فوالله الذي أنزل التوراة على موسى، والزبور على داود والإنجيل على عيسى ما رأيت أقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك، ولا رأيت أحدا أحسن بيانا وتفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك ) (1).

ص: 50


1- الخرائج والجرائح للراوندي : ج 1 ، ص 344 - 347؛ البحار : ج 49، ص76

المبحث الرابع

منزلة فاطمة عليها السلام في الأمة

تشير الروايات الشريفة إلى مجموعة من الدلائل الكاشفة بين مفهوم السيادية عند المسلمين ومفهومها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حجم الشأنية وعظيم المنزلة التي لفاطمة في الإسلام لاسيما وقد أوردنا في بداية هذا الجزء ما كان لها من المنزلة في القرآن والسنة وهما مع كونهما يصبان في هذا العنوان العام (منزلة فاطمة في الإسلام) إلا إننا وجدنا ان هناك مجموعة أخرى من الروايات تشير إلى هذه المنزلة في الأمة أو بين أهل الأرض أو العالمين فأوردناها ضمن هذا العنوان وذلك لشمولية هذه الأحاديث، فكانت كالآتي :

المسألة الأولى:

انها سيدة نساء الأمة

ان المنزلة التي نص عليها الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه مسلم في صحيحه ( عن مسروق عن عائشة لتدل على انها بلا ريب أفضل نساء الأمة وأعظمها منزلة كما هو واضح من خلال النص النبوي الذي ترويه عائشة قائلة :

اجتمع فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله - وآله - عليه وسلم فقال :

«مرحبا بابنتي».

ص: 51

فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة ثم إنه سارها فضحكت أيضا فقلت لها : ما يبكيك؟ فقالت :

«ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت : أخصك رسول الله صلى الله عليه وآله - وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين، وسألتها عما قال فقالت :

«ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم».

حتى إذا قبض سألتها فقالت :

إنه كان حدثني إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وانه عارضه به في العام مرتين ولا أراني الا قد حضر أجلي وانك أول أهلي الحوقا بي ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك ثم إنه سارني فقال الا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أوسيدة نساء هذه الأمة فضحكت لذلك»)(1).

ان هذه المنزلة لتدل على انها بلا ريب أفضل نساء الأمة وأعظمها منزلة إلاّ أن هذا الوضوح في الحديث والظهور في الدلالة على أفضلية فاطمة وسيادتها على نساء الأمة لم يكن بمانع عن دفع المكابرة والمغالطة عند بعض المخالفين للنصوص النبوية فجعلوا - كابن حزم الأندلسي - أفضلية عائشة وأزواج النبي على فاطمة وعلى جميع الصحابة (2) ، وكابن تيمية الذي توقف في أفضلية خديجة وعائشة

ص: 52


1- صحیح مسلم : ج 7، ص 144
2- تحفة الأحوذي : ج 10 ، ص 265. فيض القدير للمناوي : ج2، ص 53

فقال : «جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة » (1) !

اما ابن القيم فيقول إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله، فذاك أمر لا يطلع عليه فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وان أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها أخواتها وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة (2).

وهذه الأقوال - غير العلمية - ما أريد منها إلا ذر الرماد في عيون المسلمين واستخدامها وسيلة لتشتيت ذهن المسلم فلا يقف على حقيقة تلك الرموز التي خصها الله تعالى بفضله وشرفها على كثير من خلقه فينصرف إلى شخصيات لم تزده إلا بعداً عن الله تعالى حينما يتخذها أسوة في حياته وهو في قرارة نفسه يجد أن حثل هذه الرموز لا تصلح ان تكون من بين عوام الناس فكيف بها مثلاً يقتدى به؛ وقد اعرض بفطرته وذوقه عن كثير مما يقرأ أو يسمع عنها.

وعليه : لا يجد المسلم إلا النفرة عن هذه الأحاديث وما تشير إليه لأنها تخالف أبسط نظم الحياة والفطرة والعقل فيندفع حينها للبحث عما هو صحيح وقويم وجميل لتنتظم به حياته ويكون انموذجاً في بناء المجتمع الإسلامي.

من هنا وجدنا أن نناقش هذه الأقوال وندرسها كي نصل مع القارئ الكريم إلى أن أصحاب المنزلة والكرامة والوجاهة عند الله تعالى هم الذين اجتباهم على شرعه وخصهم بنوره فكانوا الدعاة إليه والأدلاء عليه.

ص: 53


1- فتح الباري لابن حجر: ج 7، ص 84
2- المصدر السابق
أولاً : أفضلية فاطمة وخديجة على نساء الأمة تثبتها السنة والإجماع وبهما يسقط قول ابن حزم الأندلسي بتفضيل عائشة على سائر الصحابة حتى على أبيها

إن المتتبع للأحاديث النبوية الشريفة لا يبقى عنده أدنى شك في أن فاطمة عليها السلام وخديجة هما أفضل نساء هذه الأمة؛ وهي حقيقة أيقنها كثير من علماء المسلمين حينما انصفوا أنفسهم فيما وجدوا في الأثر وسمعوا من الرواة.

وفي ذلك يقول الحافظ السبكي الكبير : «الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة(1). والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع».

ونقل ابن حجر في فتح الباري قائلاً: «انعقد الاجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة»(2).

وقد عرض قول ابن حزم في تفضيله أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الصحابة على الحافظ السبكي فأجاب :

«هو قول ساقط مردود » (3).

وقال ابن حجر : «وقائله هو محمد بن حزم وفساده ظاهر»(4).

أقول : وفساد هذا القول سببه أنه مخالف للقرآن وذلك ان ابن حزم ينطلق؛ في تفضيله أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وسائر الصحابة من حيث كونهن أزواجه وسيكنَّ معه في درجته في الجنة لأن المرأة ترافق زوجها.

ص: 54


1- فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص 85
2- المصدر السابق
3- فتح الباري : ج 7، ص 106
4- فيض القدير للمناوي : ج 3، ص 107

وخلاف هذا القول للقرآن واضح بين إلا على ابن حزم ومن أعماه بغضه لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن كان قبل ابن حزم أو من جاء بعده، كما هو واضح في هذه النصوص القرآنية :

1 . فكيف تكون أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه في منزلته والله تعالى يقول لهن :

«مَن يَأْتِ مِنكُنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا»(1).

2. وتهديده سبحانه لهن بتطليقهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستبداله بخير منهنّ، وهذا يدل على ان هناك نساء كثيرات في الأمة هنّ خير من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والا لا يصح ان يتصور ان الله سيزوجه من حور العين في الحياة الدنيا، بل قطعاً ان هناك نساء في الأمة هنّ خير من أزواجه فان لم يكففن عن إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان الله سيطلقهن منه ويستبدلهن بأزواج خير منهنّ كما هو واضح في قوله تعالى :

«عَسَى رَبُّهُ إن طَلَقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَات تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِبَاتِ وَأَبْكَارًا»(2).

3. بل كيف تكون عائشة وحفصة معه في درجته وقد تظاهرتا على رسول الله بالأذى حتى نزل به قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار فقال تعالى :

ص: 55


1- سورة الأحزاب : الآية 30
2- سورة التحريم : الآية 5

«إن تَتُوبَا إلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرُ»(1).

4. وقوله سبحانه في تتخييرهن جميعاً بين البقاء معه وتحمل صعوبات الحياة التي تفرضها النبوة من الزهد ونبذ المظاهر الدنيوية وبين الرحيل عنه وأخذهن مهورهن لاسيما وقد تذمر بعضهن كعائشة من الحياة معه بهذا النهج الأخروي .

فقال سبحانه :

«يَاَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْن أُمَتِّعَكُنَّ وأُسَرّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا»(2) .

ولا يخفى على أهل اللغة والبلاغة ان وجود (من) في منكن بعضية وليست بيانية، وبمعنى منهن من كانت محسنة ومنهن من لم تكن.

5. بل يعطي القرآن حقيقة بيئة متعلقة في أزواج الأنبياء عليهم السلام وانهن مرهونات بأعمالهن بل ان زواجهن من الأنبياء هو محل ابتلاء عظيم فمنهن من

فازت برضا الله ورضوانه كسارة وهاجر زوجتي إبراهيم وكخديجة زوجة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم التي تضافرت الأحاديث النبوية الشريفة في أفضليتها وخيرتها وسيادتها على نساء أهل الجنة كما كان لفاطمة ومريم وآسية؛ ومنهن من خسرت الدنيا والآخرة كزوجتي لوط ونوح عليهما السلام .

ص: 56


1- سورة التحريم، الآية : 4
2- سورة الأحزاب، الآية : 28 - 29

فقال سبحانه :

«ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَنَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مع الدَّاخِلِينَ»(1).

أما فساد صاحب القول، أي ابن حزم ففيه وفي مذهبه الظاهري واتباعه يقول علماء أبناء العامة ما يلي :

1. كابن عربي فيقول في الظاهرية :

هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها وتكلمت بكلام لم تفهمه تلقفوه من أخوانهم الخوارج حيث تقول لا حكم إلا لله وكان أول بدعة لقيت في رحلتي بالباطن فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية اشبيلية يعرف بابن حزم نشأ وتعلق بمذهب الشافعي انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ،ويرفع ويحكم ويشرع ينسب إلى دين الله ما ليس فيه ويقول عن العلماء ما لم يقولوا»(2).

ولعل هذا القول ليس بغريب فابن حزم ناصبي متعصب ملئ بغضاً لعلي بن أبي طالب وآله وكيف لا يكون كذلك وهو ينحدر من بيت عرف بالموالاة لآل أبي سفيان زعيم الأحزاب وقائد أحد الذين قتلوا ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسبوا بناته فنسب الرجل هو :

ص: 57


1- سورة التحريم، الآية : 10
2- تذكرة الحفاظ للذهبي : ج 3، ص 1149 . سير أعلام النبلاء للذهبي : ج18، ص188

( علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الفارسي الأصل الأموي اليزيدي القرطبي الظاهري) (1) .

2 . قال الحافظ ابن خلكان (المتوفى 681ه_) :

«وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف لفقهاء وقته فتمالأوا على بغضه وردوا قوله وأجمعوا على تضليله وشنّعوا عليه وحدّورا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لبلبة - بفتح اللامين بينهما باء موحدة ساكنة - بلدة بالأندلس ، وقيل انه توفي في دمنت ليشم وهي قرية ابن حزم»(2).

3. وقال ابن العريف فيه : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين، يعني كثرة وقوعه في الأئمة»(3).

4. قال عنه الحافظ الذهبي (المتوفى 748ه_) : «ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة، وسب وجدع ، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث انه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها ونفروا منها، وأحرقت في وقت» (4).

ص: 58


1- تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي : ج 3، ص 114
2- وفيات الأعيان لابن خلکان ،ج3، ص327
3- مرآة الجنان لليافعي: ص 63
4- سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 18، ص187

إذن :

قوله في تفضيل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وسائر الصحابة قول فاسد لفساد صاحبه كما صرّح بذلك علماء المسلمين من أبناء العامة.

ثانياً : مناقشة ابن القيم في أفضلية عائشة على فاطمة عليها السلام وبيان فساد منهجه في التفضيل

قال ابن القيم : ( إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله تعالى فذاك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وان أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها ، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها) (1) .

أقول :

إن هذا التفريع في الواقع لا يقدم للقارئ شيئاً يعتد به، سوى الخروج بنتيجة يميل إليها الرافعي ويعتقد بها وهو ان عائشة أفضل من فاطمة صلوات الله وسلامه عليها معتمداً في ذاك على المراوغة والتضليل وهو يعلم علم اليقين ان لا فضيلة لامرأة في الأمة على فاطمة صلوات الله وسلامه عليها؛ فقد ثبت في القرآن والسنة ان فاطمة أفضل وأخير وأسيد نساء العالمين.

أما قوله : (إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله تعالى فذاك أمر لا يطلع عليه.... الخ) - ظناً منه - انه استطاع ان ينسب الفضل لعائشة على نساء الأمة

ص: 59


1- فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص 85 ؛ تحفة الأحوذي للمباركفوري : ج 10 ، ص 265

فأضغاث أحلام لا تصمد أمام الأدلة الآتية :

ألف : قوله : ان أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله تعالى فذاك أمر لا يطلع عليه أحد فهو كذب وذلك :

1 . إنّ التفضيل المستند إلى كثرة الثواب قد اطلع عليه الوحي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه لمناقب المهاجرين والأنصار وغيرهم من الأنبياء والأولياء.

كقوله صلى الله عليه وآله وسلم في علي بن أبي طالب عليه السلام :

«لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه».

وغيرها من الأحاديث الكاشفة عن منزلة بعض المهاجرين والأنصار.

2 . إذا كان المناط عند ابن القيم في التفضيل بين عائشة وفاطمة صلوات الله عليها كثرة الثواب وهو أمر لا يطلع عليه أحد، فهذا جار كذاك في جميع الصحابة من السابقين الأولين والمهاجرين والأنصار وأصحاب بدر وأحد وحنين وأصحاب بيعة الرضوان وغيرها.

فضلاً عن انه يكون قد رد على قوله تعالى :

«تُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ»(1).

فهذه المقامات التي يؤمن بها السلف والخلف كلها بحسب قاعدة ابن القيم لا أساس لها ولا فضل لمهاجري أو أنصاري أو بدري وذلك - وبحسب منهاج ابن

ص: 60


1- سورة الفتح، الآية : 29

القيم - ان الثواب لا يطلع عليه أحد ؛ وان عمل هؤلاء غير مجز لأنه عمل صدر عن الجوارح فهم لا يجازون عليه وإنما سيجازون على عمل القلوب !! فهذا بحسب منهج ابن القيم في التفضيل بين أصحاب الفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

باء. قوله : (وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة).

أقول : إن نظرة ولو سريعة إلى سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولاسيما المرحلة المدنية أي من السنة الأولى للهجرة إلى السنة الحادية عشرة ليدرك الناظر ان المدة الزمنية التي عاشتها عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي قصيرة جداً فيما لو أرجعنا الأمر إلى الأعداد وحساب الأيام التي كانت لها من بين تسع نساء لاسيما في السنوات الأخيرة.

بمعنى: لو أردنا أن نحسب عدد الأيام التي كانت لها من بين تسع أزواج لكان نصيبها يوماً واحداً من كل تسعة أيام فيكون لها ثلاثة أيام في الشهر وبضع ساعات ولو ضربناها في اثني عشر شهراً لكان نصيبها في السنة ستة وثلاثين يوماً، وهذا فضلاً عن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسفر أو للجهاد وانشغاله بالتهجد وشؤون الأمة والرعية ومواجهة المشركين والمنافقين وأهل الكتاب وغير ذلك.

ومن ثم من أين كان لها العلم وحالها في الحصول على الحديث النبوي كحال غيرها من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وان الإنسان يلقى زوجه في الليل وغالب الليل يخلد للراحة كي يستطيع ان يواصل عمله في

ص: 61

النهار فضلا عن ذلك فقد عرف عنها انها كانت تتهم الصحابي أبا هريرة بالكذب على رسول الله وتحديث الناس بأحاديث لم يسمعها منه أزواجه لاسيما هي فقالت له :

(إنك لتحدث بشيء ما سمعته ؟ ! فقال : يا أمه طلبتها وشغلك عنها المكحلة والمرآة، فقالت : (لعله) (1).

إذن : قد فات عن عائشة كثير من الأحاديث التي شغلتها عن طلبها المكحلة والمرآة؛ ومن ثم فان قول ابن القيم في كثرة علمها تدفعه مكحلة عائشة ومرآتها؛ فضلاً عن ذلك فقد شغلتها أمور كثيرة أخرى غير المرآة والمكحلة كاللعب بالبنات، أي : العرائس التي تتخذها البنات غرضاً للعب فيما بينها.

ولعل ابن القيم وغيره ممن يرى الفضل لعائشة على نساء الأمة في علمها هو لكثرة لعبها بالدمى إلى وقت قريب من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا ريب ان هذه الحالة السلوكية التي كانت ترافقها هي مما جبل عليه الإنسان وذلك لاحتياجه السايكولوجي إلى اللعب لاسيما وأن روايات أهل السنة والجماعة تقول : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبها في سبع سنوات وتزوج بها في تسع ومن ثم ان احتياجها للعب بالدمى هو حالة سلوكية فطرية يحركها الدافع النفسي لسد فراغ الطفولة؛ ولذا نجدها تحدثنا عن هذه الأفعال الطفولية فتقول :

1. (كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لي

ص: 62


1- أخرجه الحاكم في المستدرك : ج 3، ص 509 . الاصابة لابن حجر : ج 7، ص 440 . سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 2، ص 604

صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل يتقمَّعْن منه، فيُسرِّ يُهُنَّ إلى فيلعبن معى) (1).

2. وفي حديث آخر أخرجه الحافظ البغوي عن عائشة انها قالت :

(رجع رسول الله من غزوة تبوك أو حنين ومعها بنات لُعب) (2).

ولا يخفى على القارئ الكريم أن غزوة حنين كانت بعد فتح مكة أي قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين.

3. وجاء في السيرة الحلبية عنها انها قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك أو حنين فهبت ريح فكشفت ناحية من ستر على صفة في البيت عن بنات لي.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

«ما هذا يا عائشة؟!».

قلت: بناتي ! ورأى بينهن فرساً لها جناحان من رقاع، قال :

«ما هذا الذي أرى وسطهن؟!».

:قلت فرس قال :

«ما هذا الذي عليه ؟!».

ص: 63


1- صحيح البخاري كتاب الآداب، باب : الإنبساط إلى الناس : ج 7، ص 102. صحیح مسلم کتاب: فضائل الصحابة، باب 13 ، باب في فضل عائشة حديث 81؛ مصابيح السنة للبغوي كتاب النكاح : باب 10 ، عشرة النساء حديث 2420 . فتح الباري لابن حجر : ج 10، ص 437
2- مصابيح السنة للبغوي، كتاب النكاح ، باب : عشرة النساء، حدیث 2442 ، ج 2 ، ص 452

قلت: جناحان، قال :

جناحان!!

قلت : أما سمعت إن لسليمان خيلاً لها أجنحة.

فضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه) (1).

ولم يقتصر الأمر على لعب عائشة بالدمى إلى حد قريب من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كانت تتعامل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأسلوب يكشف عن طبيعة هذه المرحلة العمرية التي يحتاج فيها الإنسان إلى التقويم لا ان يكون هو مقوماً لغيره أو ان يوصف بالعلم، وأي علم هذا الذي كان يدفع عائشة إلى أن تضع رجلها في موضع سجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بين يدي ربه يصلي كلما يريد أن يسجد.

أو انها تقوم بضرب يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يتناول صحناً فيه طعام بعثت به أم سلمة فتقوم بكسر الإناء، ولا يخفى ما لهذه الأفعال من أذى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد قال الله تعالى :

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا: (2).

وإليك أيها القارئ الكريم هذه النصوص التي تكشف عن طبيعة (العلم)

ص: 64


1- السيرة الحلبية : ج 2، ص 341
2- سورة الأحزاب، الآية : 75

الذي كانت تحمله عائشة ففضلت به على نساء الأمة كما يعتقد ابن القيم الذي أراد توجيه المسلمين إلى هذه العقيدة ولنضفها إلى ما مرّ ذكره سابقاً في الفقرة ألف وباء :

جيم روى البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم انها قالت :

«كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فلما قام بسطتهما»(1) .

قالت : (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) (2) .

ولاشك ان الجملة الأخيرة هي دسيسة في الرواية، بدليل عدم احتياج الحديث إلى لفظ (قالت) مجدداً لاسيما وان أحداً لم يقطع عليها حديثها أو لم تأتي بجملة اعتراضية كي يحتاج الراوي إلى بيان كلامها إلا أن الرواة حينما وجدوا أن هذا الفعل يشان به صاحبه ولا يليق بمحضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوردوها تقولا على عائشة بلفظ : «قالت : والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح.

ولقد التفت السندي في حاشيته على سنن النسائي فقال : (قوله : والبيوت يومئذ الخ.. اعتذار عنها بأنها ما كانت تدري وقت سجوده لعدم المصباح، وإلا لما احتاج صلى الله عليه وآله وسلم إلى الغمز).

أقول :

ص: 65


1- صحيح البخاري، باب ما يذكر في الفخذ : ج1، ص 101
2- المصدر السابق

على الرغم من أن السندي التفت إلى أن هذه العبارة هي دخيلة على الرواية وانها من تقولات البخاري أو شيوخه الا أنه رجع إلى منهج التضليل كغيره معلّلاً هذا الفعل بعدم وجود المصباح مستنداً باحتياج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغمز رجل عائشة .

في حين أن احتياج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى غمز رجل عائشة لأنها لم تكف عن وضع رجلها في موضع سجوده فاضطر صلى الله عليه وآله وسلم إلى دفع رجلها كي يستطيع أن يسجد في صلاته .

وأما قوله لعدم وجود المصباح في البيوت يومئذ، فهو كذب بدليل :

1 . لو لم يكن هناك مصباح في البيت لما تمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يبصر موضع سجوده ولما شاهد عائشة تضع رجلها في موضع سجوده، بل لو لم يكن هناك مصباح لما استطاعت عائشة أن تضع رجلها في موضع سجوده تحديداً ولوضعتها في موضع آخر لكنها كانت تبصر موضع سجوده فتضع رجلها فيه ولذا نجدها تعاود الفعل في نفس الموضع، بمعنى لو لم يكن هناك مصباح لما علمت ان النبي رفع رأسه من السجود لتعود مرة أخرى لوضع رجلها فيه.

2. ما يدل على وجود المصابيح في البيوت ما أخرجه الترمذي في السنن، عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«أغلقوا الباب، وأوكنوا السقاء(1)، واكفنوا الإناء(2) ، أو خمروا الإناء(3)، واطفنوا

ص: 66


1- أي سد فم السقاء
2- أي قلب الإناء
3- أي تغطيته بقطعة من القماش

المصباح، فإن الشيطان لا يفتح غلقا، ولا يحل وكاء ولا يكشف آنية، فإن الفويسقة (1) تضرم على الناس بيتهم» (2).

3. روى الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال :

كان رجل يطوف بالبيت وهو يقول في دعائه أوه أوه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنه لأواه».

قال أبو ذر فخرجت ذات ليلة فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المقابر يدفن ذلك الرجل ومعه المصباح (3).

والحديثان يدلان على أن المصابيح كانت آنذاك موجودة ومستخدمة في البيوت وان ادعاء البخاري أو شيوخه بعدم وجودها في البيوت آنذاك لا يحمل أي وجه من الصدق .

فضلاً عن هذا التصرف المشين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي لا يكشف الا عن علم خاص بعائشة لا يعلمه الا ابن القيم وأشياعه فان هناك أفعالاً أخرى كانت تقوم بها عائشة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نعلم كيف فضلت بعلمها على نساء الأمة.

دال: روى النسائي عن عائشة قالت : ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إناء فيه طعام فما ملكت نفسي أن

ص: 67


1- أي الفأرة
2- سنن الترمذي : ج 33، ص171 . باب: ما جاء في استحباب التمر
3- مستدرك الحاكم : ج 1 ، ص 368

كسرته فسألت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن كفارته فقال :

«إناء كإناء وطعام كطعام»(1).

هاء: عن أنس قال : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول ! ! فسقطت القصعة فانكسرت، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى، فجعل يجمع فيها الطعام ويقول :

«غارت أمكم كلوا فأكلوا».

فأمر حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المسكورة في بيت التي كسرتها) (2).

ولعل هذه الرواية رواها أنس بن مالك والتي لم يشأ أن يصرح فيها عن هوية المرأة التي ضربت يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتسببت بألمه وكسر قصعة زوجته ؛ هي عائشة لكنه غفل عن ان عائشة ستحدث هي بنفسها عن هذه الأفعال التي كانت تقوم بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي تكشف عن حجم علمها الذي فضلت به على نساء الأمة !!

ويكفيك أيها القارئ الكريم من علمها هذا ما روته عن فعلها مع حفصة ونزول الوحي في آية من الذكر الحكيم تظهر حقيقة ما توصلت إليه عائشة من

ص: 68


1- سنن النسائي : ج 7، ص71. وصححه الألباني في صحيح الجامع وزيادته : ج 2، ص 13 ، برقم 1462 من كتاب المظالم
2- السنن الكبرى للنسائي : ج 5 ، ص 286 . مسند أحمد : ج 3، ص 263 ؛ من مسند أنس بن مالك. صحيح البخاري : ج 3، ص 108 ، من كتاب المظالم

علوم في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي رجحت به عند ابن القيم على نساء الأمة فتقول :

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا فتواصیت انا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير - أي رائحة كريهة في فمك - أكلت مغافير .

فدخل على إحداهما ، فقالت ذلك له، فقال : لا ، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له، فنزلت:

«يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَ اللهُ لَكَ تَبْغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

إلى قوله تعالى :

«إن تَتُوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَيْكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرُ»(1).

فهذا العلم الذي كانت به عائشة قد فضلت على نساء الأمة والذي به رجحت عند ابن القيم وابن تيمية الذي توقف بين خديجة (صلوات الله وسلامه عليها وبين عائشة).

على الرغم من ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاش مع خديجة خمساً وعشرين سنة الا انه لم ير منها قط انها خالفت له امراً أو أدخلت عليه أذى أو تخالفت وتواطأت مع غيرها كما ينص البخاري على النبي صلى الله عليه وآله

ص: 69


1- سورة التحريم، الآية 1 و 4

وسلم لينزل به قرآن يهددهما بأن لو لم تتوبا فان الله هو وجبرائيل وصالح المؤمنين ناصرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لكننا هنا نورد ما وفقنا الله إليه في أن خديجة فاقت مريم بنت عمران في مواضع عديدة.

ثالثاً: مناقشة قول ابن تيمية في التفضيل بين خديجة وعائشة وتوقفه في ذلك بأيهما أفضل

لا شك ان الإنسان حينما يعمي الله بصيرته فكيف للبصر ان يرى أو للعقل ان يذعن أو للقلب ان يوقن وهذا حال ابن تيمية حينما يرى ببصره كل هذه المواقف والأحاديث التي زخرت بها صحاح ابناء السنّة والجماعة وهي تنقل هنا صورة وهناك صورة أخرى عن حجم الأذى الذي كان ينزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عائشة كما مر بيانه آنفاً وبين خديجة صلوات الله عليه-ا ال-تي كانت وزيرة صدق، وموضع أنس، وخير سند لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد واسته بنفسها ومالها حتى لحقت بربها فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية.

ونحن في الوقت الذي لا نريد الإسهاب في بيان الأحاديث النبوية الشريفة في بیان فضل خديجة وتفضيلها وسيادتها وخيريتها على نساء الأمة ونساء الجنة أي على جميع نساء الأمم السابقة التي بعثت بها الأنبياء عليهم السلام، إلا أننا في الوقت نفسه.

نورد هنا ما وفقنا الله تعالى إليه في بيان المواضع التي فاقت بها خديجة مريم بنت عمران عليها السلام فكانت كالآتي :

ص: 70

ألف: إنّ مريم عليها السلام لما رجعت تحمل وليدها نبي الله عيسى عليه السلام التجأت إليه في دفع الأذى عنها.

ولذا :

«فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّا»(1).

وإن هذه الأزمة قد انتهت بكلام نبي الله عيسى عليه السلام:

«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا»(2) .

في حين كانت خديجة تدافع عن النبوة بنفسها ومالها، وهذا أفضل.

باء : إنّ مريم عليها السلام كان كلما يمر عليها الوقت كانت تجد الأمن والأمان وهذا يخفف جهد البلاء عليها، في حين كانت خديجة كلما يمر بها الوقت كان يشتد عليها الجهد والابتلاء حتى توفيت خديجة بعد أن أنهكها الجوع والمعاناة في شعب أبي طالب عليه السلام نتيجة للحصار الذي فرضه طواغيت قريش .

ولقد قال تعالى :

«وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا»(3).

جيم : كانت مريم عليها السلام تلقى من حيث كونها في مقام الوالدية كل بر من نبي الله عيسى عليه السلام.

ص: 71


1- سورة مريم، الآية : 29
2- سورة مريم، الآية : 30
3- سورة النساء، الآية : 95

قال تعالى :

«وَبَرَّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا»(1).

بمعنى أن المبتلى هنا نبي الله عيسى عليه السلام.

في حين كانت خديجة عليها السلام هي المبتلاة في موقع حسن التبعل وما يفرضه من جهاد، فضلاً عما يفرضه الارتباط بسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم على الزوجة من تكاليف شرعية كما دل قوله تعالى :

«يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ»(2).

وكما هو ثابت في النصوص الأخرى، وهذا أفضل عند الله تعالى.

دال : إن مريم عليها السلام لم يظلمها المسيحيون في حين أن خديجة عليها السلام ظلمها المسلمون الذين قتلوا ابنتها فاطمة عليها السلام وأحفادها الحسن والحسين عليهما السلام وذريتهما وساقوا بنات فاطمة زينب وأم كلثوم وبنات الإمام الحسين سكينة ورقية من كربلاء إلى الشام ، وهم يقادون كما تقاد نساء الترك والديلم، وغير ذلك مما فضلت به خديجة ابنة خويلد عليها السلام؛ وما أوتيت ابنتها فاطمة عليها السلام لأعظم.

فكيف تكون عائشة أفضل من خديجة أو أن يتوقف ابن تيمية في أيهما أفضل وخديجة عليها السلام أفضل من مريم عليها السلام كما بينا آنفاً.

ص: 72


1- سورة مريم، الآية : 32
2- سورة الأحزاب الآية : 32
رابعاً : مناقشة قول الرافعي في تفضيل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة صلوات الله وسلامه عليها

قال الرافعي : ( إن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل نساء هذه الأمة، فإن استثنيت فاطمة لكونها بضعة، فأخواتها شاركتها ؛ وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي أصيبت فيّ) (1) .

أقول :

ألف : (أما قوله فإن استثنيت فاطمة - من التفضيل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لكونها بضعة فأخواتها شاركتها)، لا شك إن الإنسان حينما لم يتمكن من التحرر من العصبية الجاهلية والأهواء النفسية فانه ينحدر إلى الجهل فيكون له حاجزاً عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فتكون النتيجة أن يقوم بالمساواة بين فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، وبين أخواتها في حديث البضعة الصادر عن الحضرة النبوية المقدسة فيقول :

«إنما فاطمة بضعة مني».

وكأن الرافعي لم يقرأ مسنداً من مساند المسلمين، أو صحاحهم، أو سنتهم، أو مستدركاتهم التي مع كثرتها لم يكن فيها حديث واحد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينص على بضعية أخوات فاطمة منه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يأتي الرافعي فيتقول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشر كهن مع

ص: 73


1- فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص 84

فاطمة في هذه المنزلة الخاصة.

وكأنه أدرى - والعياذ بالله - من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببناته ومن منهن كانت بهذه المنزلة من النبوة والرسالة فكانت بضعة منه يرضيه ما يرضيها ويسخطه ما يسخطها.

أو لعل الرافعي أطلع الغيب فأخبر بما لم يخبر به الوحي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان منزلة بناته فسكت - والعياذ بالله - عن بيان منزلتهن من النبوة وما لهن من الشأن عند الله تعالى.

ولكن : نود هنا أن ننقل للرافعي ومن يعتقد بقوله ما قاله المناوي نقلاً عن العلقمي فقال :

(إن فاطمة هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين)، فعقب عليه المناوي قائلاً : (وإطلاقه مرضي) (1).

وأقول : أنى للشيخين والصحابة ما نزل به الوحي في آية التطهير فقال سبحانه :

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهَرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).

وفاطمة مشكاة الآية.

وأنى لهم بالمباهلة بفاطمة وبعلها وولديها فقال سبحانه :

«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ

ص: 74


1- فيض القدير للمناوي : ج 3، ص 107
2- سورة الأحزاب، الآية : 33

فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَذِبِينَ»(1).

وأنى لهم بالمودة لفاطمة بعلها وولديها وقد أوجب الله حبهم على الخلائق فقال :

«قل لا أَسْئَلكُم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2) .

وهل يتقبل الله صلاة الشيخين وجميع الصحابة من المهاجرين والأنصار وجميع المسلمين بدون الصلاة على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها .

« فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ»(3) «أَنُلْرِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ»(4) .

باء : واما قوله : (وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة :

«هي أفضل بناتي أصيبت فيّ»).

فهذا القول غير صحيح ولا يصمد أمام كثير من الأدلة التي تنفي صدور هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو كالآتي :

1 . إن هذا الحديث هو من الآحاد وقد نص على كونه كذلك الضحاك في الآحاد والمثاني (5).

ص: 75


1- سورة آل عمران الآية : 61
2- سورة الشورى، الآية : 23
3- سورة فاطر، الآية : 3
4- سورة هود الآية : 28
5- الآحاد والمثاني للضحاك : ج 5 ، ص 375

2 . إن طريقة التدليس التي اتبعها الرافعي في هذا الحديث لا يمكن لها أن تغني عن الحق شيئاً بل بها يفتضح أمر المدلس فضلاً عن الخيانة العلمية والأخلاقية.

فهذا الحديث الذي يستدل به الرافعي والذي أخرجه الطحاوي والحاكم هو نفسه يرد هذا الافتراء في كون زينب أفضل بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . الا ان الرافعي دلس فيه فذكر صدر الحديث وترك عجزه الذي ينص على تكذيب هذا القول فضلاً عن أن التحديث به يعد انتقاصاً لحق فاطمة عليها السلام كما يصرح بذلك الحاكم والطحاوي والدولابي واللفظ للحاكم فيقول :

فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام أي ان زينب أفضل بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق إلى عروة فقال :

«ما حديث بلغني عنك تحدثه تنتقص فيه فاطمة؟».

فقال : (والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب، وإني أنتقص فاطمة حقاً هو لها، وأما بعد فلك أن لا أحدث به أبداً).

قال عروة: (وإنما كان هذا قبل نزول آية :

«ادْعُوهُمْ لِأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ»(1).

ص: 76


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : ج 2، ص201، قصة هجرة زينب مشكل الآثار للطحاوي : ج 1 ، ص 134 ، باب : 23. فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص82. الآحاد والمثاني : ج 5 ، ص 373

والعجيب من الرافعي أن يتجرأ فينتقص حقاً لفاطمة عليها السلام على الرغم من قراءته لهذا الحديث وعلمه ببطلان الاعتقاد بأن زينب أفضل بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولهذا الغرض كان مجيء الإمام زين العابدين لعروة وتذكيره بأن التحديث بهذا الحديث بين الناس وشياعه ، أي : انها مع أخواتها رقية وأم كلثوم بنات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعد انتقاصاً لحق فاطمة في كونها واحدة أبيها.

ولذلك نجد عروة بن الزبير يقول في نهاية الحديث : «وإنما كان هذا قبل نزول آية:

«ادْعُوهُمْ لِأبَابِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ».

بمعنى: أن جعلها بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان قبل نزول الآية ولكن بعد نزولها فيلزم أن تدعى زينب لأبيها الحقيقي لا أن تحسب بنتا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يتستر على ذاك ويُحدّث به الناس (1).

جيم . فضلًا عن ذلك فقد رد الحافظ ابن حجر العسقلاني على هذا القول الذي أطلقه الرافعي حينما استند إلى هذا الحديث فقال : «أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته بأن ذلك كان متقدماً ثم وهب الله لفاطمة عليها السلام من الأحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الأمة مطلقاً» (2).

ص: 77


1- لمزيد من الاطلاع على هذه الحقيقة، ينظر كتاب خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة فقد تم تخصيص الجزء الأول من الكتاب حول حقيقة بنات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
2- فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر: ج7، ص82

المسألة الثانية:

إن فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين

لم تقتصر الأحاديث النبوية الشريفة على بيان منزلة فاطمة عليها السلام في الأمة وإنما تعدتها إلى بيان منزلتها على العالمين كي لا يبقى عذر المعتذر في نكران فضلهم وجحد حقهم لاسيما وقد أوضح القرآن وأسهب النبي بالبيان عن أن فاطمة وبعلها وبنيها هم خاصة شرع الله وأمناؤه على دينه وحملة وحيه الذي نزل به الروح الأمين على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا ليس بالغريب على من تعصب للباطل وكره الحق وإظهاره أن ينكر على آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل هذا الكم الكبير من الأحاديث الشريفة لاسيما فيما يتعلق بعلي وفاطمة صلوات الله عليهما مما دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ومن خلال ما أطلعه عليه الوحي من انقلاب الأمة وظه-ور الفتن فيها ومحاربة أهل بيته وعداوتهم أيما عداوة - إلى أن يعمد إلى استخدام وسائل متعددة في حث الناس على التمسك بأهل بيته واتباعهم وملازمتهم ونصرهم ففي ذلك نصر الإسلام والشريعة.

فنجده يلتمس الأوقات والأماكن المناسبة ليبث في الأمة روح الإيمان والتذكير كي لا يقع أحد منهم في التهلكة أو يتبع الباطل، وها هو القرآن يصرح بالعديد من الحقائق التي تذكر وقائع الأيام والأمم السالفة التي وقعت فيها الفتن فكانت سبباً لهلاكها وضياعها.

من هنا : عمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى أساليب عديدة في التبليغ لما يرتضيه الله تعالى لهذه الأمة ، فكانت كالآتي :

ص: 78

أولاً : اخباره الناس من خلال المسجد النبوي في بيان منزلة فاطمة عليها السلام

وقد أخذ بيدها وقال :

«من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها هي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني ، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله - جل وعلا-»(1) .

فكان هذا الاخبار العام هو وسيلة في نجاة الأمة من الوقوع في الفتنة وحفظ حرمته صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن فيها حرمة الله وحرمة الإسلام فضلاً عن ان أهل بيته هم آل يس الذين اصطفاهم الله لشرعه وجعلهم حججاً على خلقه.

ثانياً : اصطحابه بعض الصحابة لزيارة بيت فاطمة عليها السلام

وكان ذلك من خلال اصطحابه لعمران بن حصين كما أخرج ابن شاهين عنه قائلاً :

«خرجت يوماً فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم فقال لي :

يا عمران فاطمة مريضة هل لك أن تعودها.

قال : قلت فداك أبي وأمي وأي شرف أشرف من هذا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلقت معه حتى أتى الباب فقال :

السلام عليكم أ أدخل؟

قالت :

وعليكم أدخل.

ص: 79


1- المحتضر لحسن بن سليمان الحلي : ص 234 . البحار للمجلسي : ج 43، ص 54

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

أنا ومن معي.

قالت :

والذي بعثك بالحق ما علي إلا هذه العباءة.

قال :

ومع رسول الله ملامة خلقة.

فرمى بها إليها فقال :

شدي بها على رأسك.

ففعلت ثم قالت :

أدخل.

فدخل ودخلت معه فقعد عند رأسها وقعدت قريباً منه فقال :

أي بنية كيف تجدك؟

قالت :

والله يا رسول الله إني لوجعة واني ليزيدني وجعاً إلى وجعي أن ليس عندي ما آكل.

قال : فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبكت وبكيت معهما.

فقال لها :

أي بنية اصبري مرتين أو ثلاثة.

ص: 80

ثم قال لها :

يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟

قالت :

يا ليتها ماتت فأين مريم بنت عمران؟!

قال لها :

أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والذي بعثني بالحق لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة لا يبغضه إلا كل منافق»(1).

ثالثاً : بيانه لمنزلتها في محضر أزواجه وفي اللحظات الأخيرة من حياته

وهذا يدل على أهمية الموضوع الذي يتحدث عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن الإنسان يهتم في هذه اللحظات بأهم الأشياء لديه، ولذا نجده صلى الله عليه وآله وسلم لما دخلت عليه فاطمة عليها السلام، وهو في مرضه الذي توفي فيه قال لها :

يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين؟ (2)

ص: 81


1- فضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين : ص 25 . الاستيعاب لابن عبد البر : ج 4 ، ص 1895 . نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : ص179 . تاريخ ابن عساكر : ج 42 ، ص 134 . الجوهري للبري : ص 17. تاريخ الإسلام للذهبي : ج3، ص46. بشارة الإسلام لمحمد بن أبي القاسم الطبري : ص118. ينابيع المودة للقندوزي : ج 2، ص 134 . ذخائر العقبي : ص 43 . إحياء علوم الدين : ج 10 ، ص 74
2- المستدرك : ج 3، ص 156 . الفردوس للديلمي : ج 3، ص 145 . الكنز : ج 12 ، ص 110 ، ح 24232 . وفي الجمع بين رجال الصحيحين: ج2، ص 611 . الاصابة لابن حجر : ج 8، ص56. وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن سعد : ص 270 . وفي الاستيعاب : ج 4 ، ص 1893 ، ح 1895
رابعاً : بيانه إلى إن منزلة السيادة على نساء العالمين محصورة بفاطمة عليها السلام ولا تتجزء على سيدات العوالم الأخرى

إن الذي يرشد إليه حديث عمران بن حصين في كون فاطمة سيدة نساء عالمها ومريم سيدة نساء عالمها يحتاج إلى توجيه ينسجم مع نصوص أخرى واردة عن المعصومين عليهم السلام لاسيما الأحاديث النبوية الشريفة التي تنص على ان فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي كالآتي :

1 . عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«إن علياً وصبي وخليفتي وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني ومن نا واهم فقد ناواني ومن جفاهم فقد جفاني ومن برهم فقد برني وصل الله من وصلهم وقطع الله من قطعهم ونصر الله من أعانهم وخذل الله من خذلهم»(1).

2. عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال :

ذاك لمريم كانت سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (2).

3. وروى الطبرسي في مسائل اليهودي للإمام علي عليه السلام كان من بينها قوله :

ص: 82


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق : ج 4 ، ص 420
2- معاني الأخبار للصدوق : ص 107 ، دلائل الإمامة للطبري : ص 54

فإن هذا يعقوب عليه السلام أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته قال علي عليه السلام :

«لقد كان كذلك ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من حفدته»(1).

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنا سيد الأنبياء والمرسلين وأفضل من الملائكة المقربين وأوصياني سادة أوصياء النبيين والمرسلين وذريتي أفضل ذريات النبيين والمرسلين وأصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيين والمرسلين وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين»(2).

6 . أو ذكرها عليها السلام ضمن سيدات أهل الجنة أو العالمين وباللفظ الذي يدل على اشتراكها في هذه السيادة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

حسبك من نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

7. عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(3).

8. وعن عائشة قالت لفاطمة عليها السلام :

ص: 83


1- الاحتجاج للطبرسي : ج 1 ، ص 214
2- التحصين لابن طاووس : ص 561
3- سنن الترمذي كتاب : 62 ، ح3878 السمط الثمين للطبري : ص 34 . درر السمط في خبر السبط لابن الأبار ص 77 وسيلة الإسلام لابن قنفذ ص 54

ألا أبشرك ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم يقول :

«سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(1).

أقول : إن هذه الأحاديث الشريفة التي وردت في حق فاطمة صلوات الله عليها وبيان منزلتها والتي يظهر فيها اختصاصها بمنزلة السيادة على العالمين مرة واشتراكها مع مريم وخديجة وآسية مرة أخرى وتجزؤ هذه السيادة في المرة الثالثة.

إن هذا الظهور في الأحاديث يحتاج إلى توجيه يقرب المعنى ويوصل إلى الدلالة التي ترشد إليها هذه الأحاديث، فكانت كالآتي :

1 . إنّ معنى سيادتها على العالمين من الأولين والآخرين مع اختصاص مريم عليها السلام بذاك لاسيما ما جاء في قوله تعالى :

«يَا مَريَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَأَصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(2).

وبيانه صلى الله عليه وآله وسلم ان هذا الاصطفاء على العالمين مقيد في زمانها فإن مثاله كمثال الشمس والكواكب، فكل كوكب هو سيد عالمه، لكنه بالنسبة للشمس لا يرقى في سيادته على سيادتها، وفي نفس الوقت تكون الشمس سيدة عالمها، وعالم غيرها من الكواكب مع ملاحظة ان الجميع ضمن مجرة واحدة وعالم واحد وكذا حال فاطمة عليها السلام فهي كالشمس في عالم النساء مع وجود نساء أخريات كمريم وخديجة وآسية هنّ كالكواكب.

ص: 84


1- مستدرك الحاكم : ج 3، ص 185. مجمع الزوائد للهيثمي : ج 9، ص 201 . المعجم الكبير للطبراني : ج 11، ص328
2- سورة آل عمران، الآية : 42

ومما يدل على هذا المعنى قوله تعالى في اصطفاء بعض الأنبياء وآل الأنبياء عليهم السلام، فقول سبحانه :

«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَ ءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَعَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّة بعضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم»(1).

2. إن سيادة فاطمة صلوات الله عليها على نساء العالمين من الأولين والآخرين يقتضيه قوله تعالى :

«كُنتُم خير أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»(2).

وهذه الخيرة التي لهذه الأمة تقتضي خيرية فاطمة على بقية نساء الأمم.

أي : حتى ولو حملنا سيادتها على عالمها فكونها من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيدة نساء الأمة أو المسلمين يلزم سيادتها على غيرها من الأمم السابقة أو العوالم النسوية الماضية واللاحقة إلى قيام الساعة.

وهو ما يتسق مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام في وفاته :

«أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين» (3).

ولا شك ان الجنة تجمع نساء جميع العوالم من الأولين والآخرين، وبهذا

ص: 85


1- سورة آل عمران، الآية : 33 - 34
2- سورة آل عمران، الآية : 110
3- صحيح البخاري، باب: علامات النبوة : ج 4 ، ص 183

تكون فاطمة سيدة نساء العالمين.

3. إنّ كون هذه الأمة هي الأمة الوسط من بين الأمم كما صرّح به القرآن في قوله تعالى :

«وكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لَنَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(1).

فان ذلك يقتضي المحورية التي يرجع إليها نظم الأمم وإصلاحها، وحالها كحال النواة في الخلية، ولاشك من الناحية الفيزيائية أن الرعوية والسيادية في الخلية تكون للنواة وبذلك جعلها الله في الوسط من الكون الخلوي، وكذا حال هذه الأمة وكذا حال فاطمة صلوات الله عليها من نسائها ونساء العالمين.

ولعل أقرب المعاني لهذه السيادة على العالمين ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه لمعنى اسم «الزهراء» حينما ابتلى الله الملائكة بظلمة شديدة فلم تكد ترى حينها أول-ه-ا م-ن آخرها وحينها ضجت الملائكة إلى الله بالدعاء ونادت : إلهنا وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها الا ما فرجت عنا هذه الظلمة فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ، فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق والمغارب، فلأجل ذلك سميت الزهراء» (2).

أي : بسيادة نورها على المشارق والمغارب.

ص: 86


1- سورة البقرة، الآية : 143
2- البحار للمجلسي : ج 36 ، ص 73. الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن شاذان : ص 113

المسألة الثالثة: منزلتها بين أهل الأرض

لم يزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يظهر منزلة أهل بيته عليهم السلام لاسيما فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وبنيها) فمن بين منزلتها في القرآن والسنة ونساء العالمين ينعطف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لبيان منزلتها بين أهل الأرض ليزداد أهل الإيمان سروراً وابتهاجاً ويمتلئ أهل النفاق غيظاً ونكراناً للحق وهو ما دل عليه قوله تعالى :

«قُل مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(1).

أما الحديث الشريف فقد رواه الشيخ ابن شاذان القمي رحمه الله عن ابن عباس قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن بن عون :

أنتم أصحابي وعلي بن أبي طالب مني وأنا من علي، فمن قاسه بغيره فقد جفاني، ومن جفاني فقد آذاني، ومن آذاني فعليه لعنة ربي. يا عبد الرحمن إن الله تعالى أنزل علي كتابا مبينا وأمرني أن أبين للناس ما نزل إليهم ما خلا علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه يستغني عن البيان، إن الله تعالى جعل فصاحته كفصاحتي ودرايته كدرايتي. ولو كان الحلم رجلا لكان عليا عليه السلام. ولو كان الفضل شخصا لكان الحسن عليه السلام. ولو كان الحياء صورة لكان الحسين عليه السلام. ولو كان الحسن (هيئة لكانت) فاطمة بل هي أعظم، إن فاطمة عليها السلام ابنتي خير أهل الأرض عنصرا وشرفا

ص: 87


1- سورة آل عمران الآية : 119

وكرما. (1)

ولا يخفى ان الغرض من هذه الاحاديث النبوية الشريفة هو حفظ الأمة من الوقوع في الضلال وترك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتباع البدع من خلال الامتثال لأهل الباطل الذين يدعون زورا وبهتانا انهم في شرعهم متمسكون بسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتاب الله عز وجل.

وهاهو كتاب الله وسنة رسوله يدعوان إلى التمسك بالعترة النبوية الطاهرة.

وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة ويوصيها في اتباع المسلك الذي ينجيها في الدنيا والآخرة من بعد وفاته ولقاء ربه فيقول لهذه الأمة وللناس جميعاً كما يروي الصدوق رحمه الله عن أنس بن مالك، قال :

صلی رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الفجر، فلما انفتل من صلاته أقبل علينا بوجهه الكريم على الله عز وجل ثم قال :

«معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليستمسك بالزهرة، فمن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين».

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«أنا الشمس، وعلي القمر، وفاطمة الزهرة والحسن والحسين الفرقدان، وكتاب الله لا يفترقان حتى يردا علي الحوض»(2).

ص: 88


1- مائة منقبة لابن شاذان القمي : ص 136 . المنقبة الثامنة والستون
2- معاني الأخبار للصدوق : ص 114 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر : ص 242 ، البحار ج 16 ، ص 91

الفَصل الثَّاني

مَنزِلتهَا علیهاالسّلام في الآخرةِ

ص: 89

ص: 90

المبحث الأول

منزلتها يوم القيامة

تفيد الروايات الشريفة في بيان مجريات يوم القيامة إلى مجموعة من الحقائق الكاشفة عن منزلة أهل البيت عليهم السلام بصورة عامة وعن منزلة فاطمة عليها السلام بصورة خاصة فضلاً عن بيان شأنها وكرامتها ومقامها عند الله تعالى في يوم تناوله القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركات التي تنقل السامع إلى أهوال هذا اليوم العظيم وأحداثه، هذا اليوم الذي لم يخط القلم بمثله ولم يرد على اللوح المحفوظ بنظيره.

ولو أردنا ان نتتبع الآيات والروايات التي تتحدث عن يوم القيامة لخرجنا عن عنوان الكتاب.

ومن هنا :

كانت لنا وقفات مع الأحاديث الشريفة المتعلقة ببيان منزلة فاطمة عليها

ص: 91

السلام في هذا اليوم لأنه اليوم الذي تكشف فيها السرائر وتوضع فيه الموازين ويرى الإنسان حقيقة إيمانه وصدق اعتقاده فضلاً عن القصاص والحساب والمساءلة وتطاير الصحف وتعدد الأهوال

بل يكفي في ذلك آيتان كريمتان:

قال تعالى :

«يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ»(1).

«يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرَّءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأَتِهِ، وَأَبِهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنيه»(2).

ولا شك أن الإنسان في مثل هذا اليوم سيكون أحوج ما يكون إلى رحمة ربه وشفاعة رسوله والى عمله الذي لف في عنقه واحتمله على ظهره وقد قدم به بين يدي ربه ليقرر به مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار وكما أسلفنا يوم لا مثل له في أهواله وعقباته وخوفه الذي يبدأ مع الإنسان كنقطة تحول جديدة في هذه المرحلة التي بدأت من حين خروج روحه ومفارقة جسده ونزوله في قبره حتى يأذن الله تعالى في بدء مرحلة جديدة من هذه المرحلة حينما ينفخ اسرافيل عليه السلام في الصور للنشور وبعث الأرواح وقدومها أو سوقها إلى ساحة المحشر.

إذن :

كيف سيكون حشر فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وخروجها من قبرها ؟

ص: 92


1- سورة الحج، الآية : 2
2- سورة عبس، الآيات : 34 - 36

المسألة الأولى:

كيف يكون خروج فاطمة من قبرها إلى ساحة المحشر؟

يكشف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجريات البعث من القبور وتشققها عن أهلها وخروج الناس إلى المحشر والوقوف بين يدي الله تعالى لغرض المساءلة والحساب وكيف سيكون حال الناس في هذه اللحظات الرهيبة.

فعن فرات الكوفي عن ابن عباس قال :

(سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول :

«دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم على فاطمة عليها السلام وهي حزينة؛ فقال لها : ما حزنك يا بنية؟

قالت: يا أبه ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة.

قال: يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل أنه قال: أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا ثم أبي إبراهيم ثم بعلك علي بن أبي طالب عليه السلام ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك : يا فاطمة ابنة محمد قومي إلى محشرك فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك فينا ولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ويأتيك روفائيل بنجيبة من نورزمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب فتركبينها ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح فإذا جد بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غيرنار، وعليهن أكاليل الجوهر مرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينك، فإذا مثل الذي سرت من قبرك

ص: 93

إلى أن لقيتك استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلم عليك وتسيرهي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك فإذا توسطت الجمع وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الاقدام») (1).

إذن :

بهذه الكيفية يكون خروج فاطمة عليها السلام من قبرها وقدومها إلى ساحة المحشر والحديث يشتمل على مجموعة من المسائل، منها :

أولاً : الحكمة في خروج فاطمة عليها السلام من قبرها ضمن تشريفات ملكوتية

تكشف الرواية الشريفة عن اختصاص فاطمة عليها السلام بتشريفات خاصة بأمر الله تعالى عند خروجها من قبرها وذهابها إلى ساحة المحشر ؛ هذه التشريفات هي في الحقيقة ليست فقط عنواناً للتفضيل على غيرها من الخلق بل عنواناً لإظهار قدرها أمام الخلائق هذا القدر الذي تم تجاهله من الناس بشكل كبير أدى إلى استنان ظلمها بل والتجاهر بذلك، إن لم يكن عند المنافقين من الواجبات التي أوجبوها على أنفسهم ضمن شريعتهم الخاصة بهم.

ويكفي من ذلك بياناً يدل على حقيقة استنان ظلمها منذ أن فارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا خروج نعشها في الليل ودفنها سرا فلم يشهدها

ص: 94


1- تفسير فرات الكوفي : ص 445 . بحار الأنوار: ج 8، ص 53 . اللمعة البيضاء للتبريزي : ص 896

أحد من الصحابة سواء أكانوا من المهاجرين أم الأنصار؛ إذ لم يكن معها سوى زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولديها الحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين، ولا يعلم موضع قبرها أحد من المسلمين.

ولذلك :

شاء الله أن يجزيها على ما صبرت واحتسبت فيجعل هذا النعش الذي دفن في الليل سراً ولم يشهده أحد وكأنها من الأعاجم الذين لا شأن لهم ولا قدر لديهم عند العرب، أن يكون حالها عند الخروج بهذا التشريف والتعظيم وليشهده جميع الخلائق والأمم ؛ إذ مثلما يكون حال الزعماء والملوك والعظماء والوجهاء مشهوداً لهم في خروجهم من الدنيا بتشييع يليق بمنزلتهم ويتناسب مع شأنهم كذلك سيكون حال فاطمة عليها السلام عند خروجها من قبرها وشتان بين تشريفات الدنيا وتشريفات الآخرة.

ولذا: كان حالها عند خروجها من القبر قد اختلف بشكل يدلل على حقيقة قدرها ومنزلتها وشأنها عند الله تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فكيف بمن تأتي الله وهي قلب حبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

إذن : تدلل هذه الرواية الشريفة على هذه التشريفات الملكوتية الخاصة بخروج فاطمة من قبرها لهذه العلة، وإلا لم نجد رواية واحدة تكشف لنا عن مثل هذه التشريفات حتى عند خروج سيد الخلق أجمعين من قبره صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 95

ثانيا : إظهار منزلة خديجة في المحشر من خلال استقبالها لفاطمة عليها السلام

هذه المسألة تحتاج إلى تأمل خاص ونسأل الله أن يمن علينا بلطفه ؛ إذ إن استقبال خديجة الكبرى عليها السلام لفاطمة صلوات الله عليها كان يقتضي أن تكون خديجة عليها السلام أسبق في الخروج من قبرها وحضورها في ساحة المحشر كي تتمكن من استقبال فاطمة عليها السلام ؛ بل قد أفادت الرواية أن مريم وحواء وآسية كن في استقبال فاطمة في حين نرى أن الرواية كانت قد أشارت إلى تسلسل الخروج من القبور كما هو واضح في صدر الرواية ؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم الفاطمة عليها السلام :

«يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرائيل عن الله عز وجل أنه قال: أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي إبراهيم، ثم بعلك علي بن أبي طالب، ثم يبعث الله إليك جبرائيل في سبعين الف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب ... الخ الحديث».

فالظاهر في عرض الرواية أن هذه المدة الزمنية التي يقوم فيها الملائكة باستقبال فاطمة من قبرها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك فينا ولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفّة من ذهب فتركبينها ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح».

هذه المراسيم والتشريفات سيكون لها مدة زمنية لا يعلمها إلا الله تعالى إلا أنها تكون مرحلة فاصلة بين خروج فاطمة عليها السلام من قبرها بعد ابن عمها

ص: 96

علي بن أبي طالب عليه السلام وبين وصولها بهذا الموكب المهيب إلى ساحة المحشر، وإنه في هذه المدة الزمنية سيكون خروج مريم وآسية وحواء وخديجة عليهن السلام، ليكن في استقبال فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

وإلا يمكن أن يتم الأمر بقوله كن فيكون بدون أن يكون هناك مدة زمنية تستغرق اكتمال هذه المراسيم والتشريفات الملكوتية التي تتخللها خروج سيدات نساء الجنة ليكنَّ في استقبال سيدتهن فاطمة بصفتها صاحبة المنزلة الخاصة في سيديتها على نساء العالمين كما هو ثابت في النصوص، وهذا أولاً.

ثانيا : اختصاص فاطمة بألوية التسبيح له علاقة بنوع تعبدها الله رب العالمين لاسيما تسبيحها الذي علمها إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تضافرت الروايات في فضله وشأنه عند الله تعالى.

فضلاً عن أن القرآن الكريم يعطي عنواناً لعبادة الخلق في القرآن الكريم ب_ (التسبيح) قال تعالى :

1- «تُسَبِحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَدِهِ، وَلَكِن لا نَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»(1) .

اختصاص أهل البيت عليهم السلام بالتسبيح في قوله تعالى :

2- «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْأَصَالِ»(2).

ص: 97


1- سورة الإسراء، الآية : 44
2- سورة النور، الآية : 41

3- أ«َلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَةُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ»(1).

بل نجد أن القرآن الكريم يأمر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالتسبيح، فقال عز وجل :

4- «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى»(2).

5- «وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ»(3).

6- «وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(4).

أما ما ورد في تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الروايات الشريفة عن العترة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فهي أكثر من أن تذكر في هذا المجال، ولكن نكتفي بذكر رواية واحدة فإنها دالة على عظم هذا التسبيح عند الله تعالى واندراج التسبيح في فلكه الدلالي؛ فقد روى الكليني رحمه الله عن زرارة بن أعين رضي الله تعالى عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عزّ وجل:

ص: 98


1- سورة النور، الآية : 41
2- سورة الأعلى، الآية : 1
3- سورة الأنبياء، الآيتان : 19 و 20
4- سورة الزمر، الآية : 75

«اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»(1)» (2).

وعليه: فحمل الملائكة لألوية التسبيح عند قدومها إلى ساحة المحشر مع فاطمة عليها السلام في تلك القافلة إنما هو لارتباطها بنواة التسبيح الذي عرض له القرآن الكريم في جملة من الآيات الكريمة.

ثالثا : اختصاص خديجة عليها السلام بألوية التكبير في ساحة المحشر كاشف عن شرافة منزلتها

تظهر الرواية الشريفة منزلة خديجة عليها السلام في ساحة المحشر من خلال إحاطتها بسبعين ألف ملك يحملون ألوية التكبير وهي تقبل لتستقبل ابنتها فاطمة عليها السلام بكينونة أنها سيدة نساء العالمين.

علماً : أن منزلة الأمومة في هذا التشريف لا تتعارض مع منزلة الشأنية التقوائية التي اختصت بها فاطمة عليها السلام بلحاظ قوله تعالى :

«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(3).

فحالها هنا حال علي بن أبي طالب عليه السلام مع أمه فاطمة بنت أسد فضلاً عن أن القرآن الكريم يقدم صورة خاصة تتحدث عن الشأنية والخصوصية التي لا ترتكز على التقوى كما مر سابقا بل على حكمة خاصة وخصوصية بلائية كما في سجود نبي الله يعقوب عليه السلام لولده يوسف حينما دخل عليه في القصر.

ص: 99


1- الكافي للكليني : ج 2، ص 500 ، باب أن الصاعقة لا تصيب الذاكر
2- سورة الأحزاب، الآية : 41
3- سورة الحجرات، الآية : 13

قال سبحانه وتعالى :

«وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَابَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءيَاَيَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا» (1).

أما اختصاصها بالتكبير فيمكن معرفة دلالته من خلال ما حظي به التكبير من معان خاصة دخلت في بعض العناوين الشرعية.

وهي كالآتي :

1 - يدخل التكبير في أهم الفروع الدينية التكليفية على المسلم ألا وهي الصلاة، فتكبيرة الإحرام في الصلاة هي باب يلج من خلالها المسلم إلى فيض لطف الله سبحانه فيلزم عليه الإحرام.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير»(2).

2- ويدخل التكبير في الحج لمن أقام في منى (3) ، وهو يدلل على تعظيم هذه الشعيرة.

3- كما يدخل التكبير في صلاة العيد كدليل على خصوصية هذه المناسبة وما يرتبط بها من آثار اجتماعية ونفسية لدى المسلم.

4 - التكبير في أجزاء الأذان والإقامة قبل كل صلاة، وغير ذلك.

ص: 100


1- سورة يوسف، الآية : 100
2- الكافي للكليني : ج 3، ص 69
3- المقنع للشيخ الصدوق : ص 285

وهذه العناوين حينما نتأملها نجدها تدور في فلك التعظيم والإجلال والقوة والعزّة فضلاً عن آثارها الروحية والملكوتية، وهو ما يتلاءم بحق مع الدور الذي قامت به خديجة الكبرى عليها السلام في قيام الإسلام والذب عنه، ومؤازرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته حتى عظم الإسلام وبلغ تلك المرتبة السامية فيما بين الأمم.

المسألة الثانية:

كيف يكون شأن فاطمة عليها السلام في ساحة المحشر؟

تفيد الرواية السابقة بأن فاطمة عليها السلام سيكون خروجها من قبرها بتلك التشريفات الملكوتية التي لا ينالها غير فاطمة ثم تصل صلوات الله عليها بهذا الموكب المهيب إلى ساحة المحشر وفي الوصول سيكون لها كذاك تشريفات وحالات أخرى تنفرد بها من بين عباد الله المخلصين.

وهي كالآتي :

أولاً : إنها تقدم إلى ساحة المحشر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

في حديث أخرجه الحاكم النيسابوري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر، ويبعث صالح على ناقته، وأبعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها، وتبعث فاطمة أمامي»(1).

والظاهر من الروايات الشريفة المتعلقة ببيان يوم المحشر أن الخروج من القبور

ص: 101


1- مستدرك الحاكم : ج 3، ص 153

يكون تباعاً بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام :

«أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي ابراهيم، ثم بعلك علي بن أبي طالب عليهم السلام»(1).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي» (2) .

وهذا يدل على أن تشقق الأرض وخروج الناس من القبور يكون بداية للحشر. بمعنى آخر أن هذا التشقق وخروج الناس يكون واحداً تلو الآخر فأول من تنشق عنه الأرض النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نبي الله إبراهيم عليه السلام ثم علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم فاطمة عليها السلام حتى إذا اكتمل خروج الناس من قبورهم يكون حشرهم إلى ساحة المحشر فتبعث فاطمة قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولاشك أن قدوم الأنبياء على الدواب إلى ساحة المحشر - كما ينص الحديث - كاشف عن تكريمهم على الناس وإظهار منزلتهم بين الخلائق.

فضلاً عن ان هذا الحال ملازم للتقوى والعبودية لله تعالى فأكرم الخلق عند الله أتقاهم.

وعليه فإن قدوم فاطمة صلوات الله عليها إلى ساحة المحشر وهي بهذه التشريفات الملكوتية متقدمة في القدوم على أشرف ما خلق الله تعالى كاشف في

ص: 102


1- تفسیر فرات الكوفي : ص 445
2- صحیح مسلم : ج 7، ص89

المقام الأول عن منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الله تعالى فإكرامه يكون من خلال إكرام بضعته فاطمة عليها السلام.

بمعنى أدق : أن الله تعالى أراد وبسابق علمه أن يظهر مكانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنده من خلال إكرام ابنته وقلبه وبضعته وروحه التي بين جنبيه ؛ وان هؤلاء الذين ظلموها إنما ظلموا سيد الخلق وانتهكوا حرمته، فقدومها إلى ساحة المحشر قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو إكرام له صلى الله عليه وآله وسلم وكما قيل : «المرء يكرم في ولده».

ثانياً : إنّ فاطمة عليها السلام تجتاز الخلائق في ساحة المحشر وقد أمروا بغض أبصارهم
إنّ فاطمة عليها السلام تجتاز الخلائق في ساحة المحشر وقد أمروا بغض أبصارهم

إن مما تحدث عنه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عن مجريات يوم المحشر بيانه لكيفية قدومها إلى عرصة يوم القيامة فيقول صلى الله عليه وآله وسلم لها :

«فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك فإذا توسطت الجمع وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الأقدام.

ثم ينادي مناد من تحت العرش يُسمع الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن معها، فلا ينظر إليك يومنذ إلا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وعلي بن أبي طالب عليه السلام، ويطلب آدم حواء فيراها مع أمك خديجة أمامك»(1).

ص: 103


1- تفسیر فرات الكوفي : ص 445

والحديث يدل على أمور ، منها :

ألف: العلة في حشر الخلائق سراعاً إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

يتحدث القرآن الكريم عن خروج الناس من قبورهم وحشرهم إلى عرصة يوم القيامة سراعاً كما في قوله تعالى :

1. «يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرُ عَلَيْنَا يَسِيرٌ»(1).

2. «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصبِ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ»(2).

والعلة هو إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أن القادة أو الملوك أو الأمراء حينما يريدون ان ينظروا في أمر الرعية أو الأمة التي يقودونها أو يتأمرون عليها فان ذلك يتطلب بادئ ذي بدء أن يجتمع هؤلاء الناس في مكان محدد ليقوم عندها القائد أو الملك فيتحدث إليهم بما يريد.

وهذه حالة تسالمت عليها الناس في جميع الأزمنة والأمكنة ولعل القرآن لم يكن ليفته بيان هذا التجمع لدى الرعية وآثاره عليهم كما في قضية موسى عليه السلام وفرعون حينما بعث في الناس يأمرهم ان يجتمعوا كي ينظروا ما يجري بين موسى والسحرة. قال تعالى :

«قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَابِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ»(3).

ص: 104


1- سورة ق ، الآية : 44
2- سورة المعارج، الآية : 43 – 44
3- سورة الأعراف الآية : 111 - 112

فكان اجتماع الناس والسحرة مقدماً على حضور موسى وهارون عليهما السلام وملك مصر .

من هنا : جرت العادة في المجتمعات كافة ان يجتمع الناس أولاً ثم تأتي القادة أو الأمراء وذلك لبيان منزلتهم وما تقتضيه شأنيتهم، بل إن حضور الملوك أو الأمراء ابتداءً يعد انتهاكاً عقلائياً واجتماعياً.

وعليه : لابد من التأمل فيما يعرضه القرآن الكريم من حشر الناس سراعاً وبين ما تسالم عليه الناس في جميع الأمم وبين ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم بانه «أول من تنشق عنه الأرض»، «وانه العاقب الذي يحشر الناس على عقبه ، أي من خلفه فيكون هو مقدماً عليهم وبين ما ورد في الحديث الشريف عنه في بيانه لفاطمة عليها السلام وكيفية خروجها من قبرها وحشرها وهي بتلك التشريفات التي كشفت عنها الأحاديث الشريفة.

ونقول :

1 . إن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بما لديه من مقام السيادية على الأنبياء والرسل والخلق جميعاً فان هذا المقام يستلزم خروجه من قبره أولاً ومثاله مثال اجتماع أمير مع رعيته في مكان واحد فإن التأدب واللياقة فضلاً عن حرمته وشأنيته تلزم الرعية بتقديمه عليهم في الخروج من هذا المكان.

إنّ مقام الشهودية يقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشاهد على الأنبياء جميعاً وذلك من خلال قوله تعالى :

ص: 105

«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا» (1).

أي حتى الأنبياء على جلالة قدرها وحرمتها الا انها يجيء بها الله تعالى قبل رسوله وحبيبه.

من هنا :

استلزمت هذه المقامات التي خص الله بها رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون خروج الناس من الأجداث سراعاً كي لا يطيل الموقف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بمعنى : ان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو أول من تنشق عنه الأرض فيكون خروجه مقدماً على الناس كما قلنا تأدباً وإجلالاً لشأنه فلا يقدم عليه أحد بالخروج، لكن حشر الناس إلى عرصة يوم القيامة يكون سراعاً كما نص الوحي كي لا يطول المقام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون حشرهم من حيث خروجه من القبر على عقبه فسمي العاقب لأن مقتضى الخروج من القبر هو الحشر للحساب.

ولذا :

يتضح معنى ان فاطمة عليها السلام تقدم إلى ساحة المحشر تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما لها من الشأنية والمكانة لديه، ولا يخفى أن هذه الشأنية إنما للتقوى وذلك ان مثال عدل الله وصفاته في الأرض هو حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 106


1- سورة النساء، الآية : 41
باء: إن الخلائق تغض أبصارها لمرور فاطمة غض إجلال وتعظيم وليس غض حرمة في عرصة يوم القيامة

ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«فإذا توسطت الجمع وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الإقدام؛ ثم ينادي مناد من تحت العرش يُسمع الخلائق: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن معها، فلا ينظر إليك يومنذ إلا إبراهيم خليل الرحمن وعلي بن أبي طالب عليهما السلام».

والحديث يكشف عن حقيقتين وهما :

1 . إن جواز فاطمة عليها السلام الذي نص عليه الحديث مقيد - هنا . بساحة المحشر ؛ إذ لفاطمة عليها السلام يوم المحشر أكثر من انتقالة وعند كل انتقالة يأمر الله الخلق بغض أبصارهم - كما سيمر في جوازها على الصراط .

ولذلك : فان هذا هو الجواز الأول، أي الانتقالة الأولى لها في ساحة المحشر لكن لم يحدد الحديث إلى أين ستذهب فاطمة عليها السلام عند اجتيازها الجمع في ساحة المحشر، إذ لعلها تذهب إلى الصراط أو انها ستذهب إلى موضع آخر من مواضع ساحة المحشر إذ تفيد الرواية انها تأتي بهذا الموكب والجلالة حتى تتوسط ساحة المحشر.

2 . إن غض البصر الذي أمر الله تعالى به الخلائق إنما هو لعنوان الإجلال والتعظيم كما يفعل عند مرور الملوك والأمراء والزعماء وليس لعنوان الحرمة المقرونة بالمرأة الأجنبية والدليل عليه هو :

أ : إن التكاليف الشرعية ترفع يوم القيامة وان حرمة النظر من متعلق الحكم

ص: 107

الدنيوي، اما في الآخرة فيرفع القلم عن هذه الأحكام لأنه يوم جزاء وحساب.

ب. إن الحديث ينص على ان الذين ينظرون لفاطمة شخصان فقط وهما إبراهيم وعلي بن أبي طالب عليهما السلام ولا ينظر إليها في هذا الموقف حتى ولداها الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام فضلاً عن بقية أبنائها الأئمة المعصومين وذلك إجلالاً لها وتعظيماً لشخصها المقدس .

ثالثاً : إنها عليها السلام تقف يوم القيامة عن يمين العرش بعد أن تنتقل من ساحة المحشر لفاطمة عليها السلام حركة ثانية في ساحة المحشر بعد أن تقدم إليه من قبرها بتلك التشريفات الملائكتية والقدسية كما مر بيانه آنفاً حتى تصل إلى وسط الجمع فينادي المنادي أن غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة فيكون وصولها إلى المحشر بهذا الموكب.

ثم تنقل من وسط الجمع إلى جهة أخرى وهي عرش الله تعالى فتكون انتقالتها هذه لها مراسيم جديدة وتشريفات قدسية تختلف عن تلك التي جاءت بها من قبرها إلى وسط المحشر، فهنا سيكون قائد ناقتها جبرائيل عليه السلام، وأما هناك أي من قبرها إلى عرصة يوم القيامة كان قائد ناقتها روفائيل عليه السلام.

كما تنص الأحاديث الشريفة وهي كالآتي :

1 . روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول :

إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مديجة الجنين خطامها من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر،

ص: 108

عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نوريرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركنا، كل ركن مرصع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شما لها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة، ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد. فلا يبقى يومنذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد، إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة بنت محمد، فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله، فتزج بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله؛ يا حبيبتي وابنة حبيبي، سليني تعطي، واشفعي تشفعي، فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم، فتقول: إلهي وسيدي ذريقي وشيعتي وشيعة ذريقي، ومحبي ومحبي ذريقي. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبو ذريتها ؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة»(1).

والرواية تدل بوضوح إلى انتقالها إلى جهة العرش وقد قدمت من ساحة المحشر بتلك التشريفات القدسية ومما ينص على انها تنقل إلى جهة العرش يوم القيامة فتكون حركتها مصحوبة بهذه التشريفات وقد أمر الله تعالى الخلائق بغض أبصارهم، ما رواه الحر العاملي رحمه الله عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله الصادق في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

ص: 109


1- الأمالي للصدوق : ص17 - 18

«أخبرني جبرائيل أني عن يمين العرش يوم القيامة، وأن الله كساني ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي وانك يا علي عن يمين العرش وان الله كساك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي وانك يا فاطمة عن يمين العرش وان الله كساك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي قال فقلت جعلت فداك فان الناس يكرهون الوردي قال يا أبان ان الله لما رفع المسيح عليه السلام إلى السماء رفعه إلى جنة فيها سبعون غرفة وأنه كساه ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي قال قلت جعلت فداك أخبرني بنظيره من القرآن قال يا أبان ان الله يقول فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان)» (1).

المسألة الثالثة:

لفاطمة خطبة ومنبر يقام لها في يمين العرش تخطب به الخلائق يوم القيامة تشكو ما نزل بولديها الحسن والحسين عليهما السلام

إن من المقامات التي يشهدها الخلائق لفاطمة يوم القيامة ان ينصب لها منبرٌ من نور لترتقيه فتخطب الخلائق في يوم المحشر حالها في ذاك حال أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وبعلها علي بن أبي طالب عليه السلام وحال الأنبياء عليهم السلام التي تخطب في يوم المحشر وقد وضع لها منابر ، كما تنص الروايات وهي كالآتي :

أولاً : أول من يوضع له المنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى

روى فرات الكوفي قال : حدثني الحسين بن سعيد معنعنا : عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال :

ص: 110


1- وسائل الشيعة : ج 5 ، ص 33

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة لا كمراقيكم فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل عليه السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى فأقول لعلي: اصعد، فيكون أسفل مني بدرجة فأضع لواء الحمد في يده ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة، فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله [ تعالى. ر] هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو ذريتك وعدو أمتك النار فأخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب فالنار والجنة يومنذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها فهو قول الله تبارك وتعالى في كتابه:

«الْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَارٍ عَنِيدٍ».

ألق يا محمد ويا علي عدوكما في النار. ثم أقوم فأثني على الله ثناء لم يثن عليه أحد قبلي ثم اثني على الملائكة المقربين ثم أثني على الأنبياء والمرسلين ثم أثنى على الأمم الصالحين ثم أجلس فيثني الله ويثني علي ملائكته ويثني علي أنبياؤه ورسله ويثني علي الأمم الصالحة»(1).

ثانياً: إن الله تعالى يجعل الكرم يوم القيامة لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام

روى فرات الكوفي قائلاً : ( حدثنا سهل بن أحمد الدينوري معنعنا : عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال جابر لأبي جعفر عليه السلام:

ص: 111


1- تفسير فرات الكوفي : ص 437 - 438

جعلت فداك يا ابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة عليها السلام إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك، قال أبو جعفر:

حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبي أعلى منابرهم يوم القيامة ثم يقول الله:

يا محمد الخطب.

فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصبي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فيكون منبه أعلى منابرهم ثم يقول الله: يا علي اخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبر من نور ثم يقال لهما لخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.

ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام:

أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أير آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا ؟

فيقمن فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة الله الواحد القهار.

فيقول الله جل جلاله يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة») (1).

ص: 112


1- تفسیر فرات : ص 298 - 299
ثالثاً: منبر فاطمة عليها السلام يوم القيامة من نور له سبع مراق

أما فاطمة صلوات الله عليها فسينصب لها منبر لكنه يختلف بكثير عن منبر أبيها الذي لم يرق إليه أحد مما خلق الله تعالى لا ملك مقرب ولا نبي مرسل سوى حبيب الرحمن أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وحيث ان فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عن يمين العرش يوم القيامة فان هذا المنبر سيكون حيث يقف آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فينصب لها منبر لتخطب الخلائق خطبة تشكو فيها ما جرى عليها وعلى ولديها وذريتها كما تنص الروايات الآتية :

1 . روى فرات الكوفي في تفسيره ( عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثم ينصب لك منبر من النور فيه سبع مراق، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة بأيديهم ألوية النور، وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء منك عن يسارك حواء وآسية بنت مزاحم، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرنيل عليه السلام فيقول لك : يا فاطمة سلي حاجتك فتقولين: يا رب أرني الحسن والحسين فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دما وهو يقول: يا رب خذلي اليوم حقي ممن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ثم يخرج فوج من النار فيلتقط قتلة الحسين وأبنائهم وأبناء أبناهم يقولون: يا رب إنا لم نحضر الحسين عليه السلام فيقول الله لزبانية جهنم: خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار

ص: 113

فإنهم كانوا أشد على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه فيسمع شهيقهم في جهنم»)(1).

2 . وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها فيقال لها أدخلي الجنة، فتقول لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي فيقال لها أنظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما ليس عليه رأس فتصرخ صرخة فأصرخ الصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها. وفي رواية وتنادى وا ولداه واثمرة فؤاداه، قال فيغضب الله عز وجل لها عند ذلك فيأمر نارا يقال له هب هب، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لا يدخلها روح أبدا، ولا يخرج منها غم أبدا فيقال: التقطي قتلة الحسين، فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها. فينطقون بالسنة ذلقة ناطقة يا ربنا بم أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عز وجل: أن من علم ليس كمن لا يعلم» (2).

3. روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده إلى أحمد بن سليمان الطائي (عن الإمام على بن موسى الرضا عليهما السلام قال :

«حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين قال حدثني أبي الحسين بن علي قال حدثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قال:

ص: 114


1- تفسیر فرات : ص 445 - 446
2- اللهوف في قتلى الطفوف : ص 139 - 140

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تحشر ابنتي فاطمة عليها السلام يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلق بقائمة من قوائم العرش تقول يا لحكم الحاكمين الحكم بيني وبين قاتل ولدي قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحكم لابنتي فاطمة ورب الكعبة»)(1).

4. روى الصدوق رحمه الله بسنده يرفعه إلى عنبسة الطائي (عن أبي جبير عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله يمثل لفاطمة رأس الحسين متشخطا بدمه فتصيح وا ولداه وا ثمرة فؤاداه فتصيح الملائكة لصيحة فاطمة عليها السلام وينادون أهل القيامة قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة، قال: فيقول الله عز وجل افعل به ولشيعته وأحبانه وأتباعه») (2).

5. روى الصدوق بسنده (عن يعقوب بن زيد عن منصور عن رجل عن شريك يرفعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها فيقال لها ادخلي الجنة فتقول لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي فيقال لها انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما وليس عليه رأس فتصرخ صرخة وأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها فيغضب الله عز وجل عند ذلك

ص: 115


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق : ج 2، ص 8. شرف المصطفى للخركوشي «مخطوط» يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (1887) والحديث جاء في الورقة .173 . مسند الفردوس للديلمي : ج 5 ، ص 476 . ح 8812 . ينابيع المودة للقندوزي : ج 2، ص 343
2- ثواب الأعمال : ص219

فيأمر نارا يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لا يدخلها روح أبدا ولا يخرج منها غم أبدا فيقال التقطي قتلة الحسين وحملة القرآن فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت وشهقوا بها وزفرت وزفروا بها فينطقون بألسنة ذلقة طلقة يا ربنا فيما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان فيأتيهم الجواب عن الله تعالى ان من علم ليس كمن لا يعلمه»(1).

6 . روى ابن شهر آشوب (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«بيني وبين قاتل الحسين خصومة يوم القيامة آخذ ساق العرش بيدي ويأخذ علي بحجزتي وتأخذ فاطمة بحجزة علي ومعها قميص فأقول:

يا رب أنصفني في قتلة الحسين»(2).

وبعد أن يأخذ فاطمة وعلي ورسول الله عليهم السلام حقهم من قتلة ولدها الحسين وذريتها وأشياعهم كما مرّ في الأحاديث فإنها عليها السلام سيكون لها انتقالة ثالثة من يمين العرش إلى الصراط المستقيم، وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

ص: 116


1- ثواب الأعمال للصدوق : ص 217 . البحار للمجلسي : ج 7، ص127
2- مناقب آل أبي طالب للمازندراني : ج 3، ص238

المبحث الثاني

منزلة فاطمة عليها السلام على الصراط يوم القيامة ليس كمثلها منزلة

إن التأمل في الروايات الشريفة الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين حول يوم القيامة ومجرياته وما يختص بالصراط المستقيم ليعطي صورة عن منزلة فاطمة تأخذ العقل إلى نتيجة مفادها : إن لفاطمة منزلة على الصراط ليس لها مثيل قط .

وذلك أن التكريم الذي تحاط به فاطمة يوم القيامة لا يحاط به أحد من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فلفاطمة عليها السلام مواكب وتشريفات قدسية عند كل انتقالة في المحشر تختلف من حيث الإجلال والتكريم عن نظيرتها.

ففاطمة صلوات الله عليها إذا أرادت ان تنتقل من ساحة المحشر - كما مرّ سابقاً - إلى يمين العرش كان تكريمها وتشريفاتها الملائكية والقدسية تختلف عن انتقالها من مكانها عند يمين العرش إلى الصراط المستقيم لتجوز عليه إلى الجنة.

بل : تفيد الأحاديث الشريفة بأنها حينما تجوز الصراط سيكون لها تشريفات جديدة تختلف عن السابقة لتصل بهذا الإجلال والحفاوة والتعظيم إلى باب الجنة، وهذه التشريفات كالآتي :

ص: 117

المسألة الأولى: ما تمتاز به التشريفات القدسية لخروج فاطمة من قبرها إلى المحشر واختلافها عن بقية التشريفات التي لها عند انتقالها من مكان إلى آخر في يوم القيامة

مرّ علينا في المسألة الأولى الكيفية التي تخرج عليها فاطمة من قبرها نذكر منها ما يخص الشاهد الذي نستدل به على اختلاف هذه التشريفات وتعددها في يوم القيامة.

عن علي عليه السلام عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لفاطمة عليها السلام في حديثه عن منزلتها في يوم القيامة، فيقول :

«ثم يبعث الله إليك جبرائيل - أي عند تشقق الأرض عنها - في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك:

يا فاطمة ابنة محمد قومي إلى محشرك.

فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك، فينا ولك اسرافيل الحلل فتلبسينها، ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها، وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح.

فإذا جدّ بك السير أستقبلك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور تسطع منها ريح العود من غير نار، وعليهن أكاليل الجوهر مرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينك.

ص: 118

فإذا مثل الذي سرت من قبرك إلى أن استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلم عليك وتسيرهي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله وبرسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير فإذا أقربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك فإذا توسطت الجمع وذلك ان الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي الأقدام»(1).

وتمتاز هذه التشريفات الخاصة بخروجها من القبر وقدومها إلى ساحة المحشر بما يلي :

1. قدوم جبرائيل عليه السلام بسبعين ألف ملك.

2. قدوم اسرافيل عليه السلام بثلاث حلل من الجنة.

3. قدوم روفائيل بنجيبة من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب، فيقود روفائيل النجيبة إلى ساحة المحشر .

4 . إن الملائكة التي يقدم بها جبرائيل يكون بأيديها الوية التسبيح فتسير بين يديها.

5 . يستقبلها سبعون ألف حورية بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار وعليهن أكاليل الجوهر مرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينك .

ص: 119


1- تفسير فرات الكوفي : ص 445 . البحار للمجلسي : ج 8، ص 53 . خديجة بنت خويلد للمؤلف : ج2، ص 246

6. قدوم مريم بنت عمران لاستقبالها ومعها سبعون ألفاً من حور العين فتكون عن يسارها .

7. استقبال خديجة لها ومعها سبعون ألف ملك

ونلاحظ : هنا شأنية خديجة على مريم عليهما السلام فمريم تقدم مع الحور العين وخديجة تقدم مع الملائكة وبأيديها ألوية التكبير.

اما شأنيتها في انتقالها من ساعة المحشر إلى يمين العرش فتكون ضمن تشريفات أخرى تمتاز بميزات جديدة كما في المسألة القادمة :

المسألة الثانية ما تمتاز به التشريفات الملكوتية لانتقال فاطمة من ساحة المحشر إلى يمين العرش

إن من الحقائق التي تظهرها الأحاديث الشريفة ان في كل حركة وانتقالة الفاطمة في يوم الحشر ينادي المنادي في الخلائق فيأمرها بغض أبصارها ؛ بمعنى ان هذا الأمر الإلهي لأهل الجمع لم يكن محصوراً في جواز فاطمة على الصراط كما نصت الأحاديث حيث اقترن ذكر الصراط بغض أبصار الخلائق وجاء الأمر الإلهي بغض الأبصار كما في الحديث الشريف الآتي :

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطمها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسلك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نوريرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، وداخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج

ص: 120

سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والياقوت تضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شما لها سبعون ألف ملك وجبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا يبقى يومنذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله»(1) .

والحديث واضح الدلالة على ان التشريفات التي ترافق انتقال فاطمة عليها السلام من ساحة المحشر إلى يمين العرش تختلف كلياً عن تلك التشريفات الملكوتية والقدسية التي رافقتها من خروجها من قبرها إلى المحشر .

وهو كالآتي :

1 . فهنا كان جبرائيل عليه السلام هو قائد الناقة، وهناك عند الخروج من القبر كان روفائيل هو القائد.

2. اختلاف الوسيلة في القدوم فهنا كانت فاطمة راكبة على ناقة ضمن مواصفات مر ذكرها وهناك كانت على نجيبة من نور.

3. على الناقة هنا كانت قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها وعلى النجيبة هناك كانت محفة من ذهب ، أي : هودج ليس له قبة.

4. هنا المنادي في الخلائق بغض أبصارهم جبرائيل عليه السلام وهو ينادي بأعلى صوته، وهناك عند خروجها من قبرها وقدومها إلى ساحة المحشر فإن المنادي ينادي من تحت العرش يسمع الخلائق ولم تصرح الرواية بهوية المنادي .

ص: 121


1- الأمالي للصدوق : ص 17

إذن :

اختلفت التشريفات واختلف النداء والمنادي لاختلاف الموقعين في الحركتين وما ذاك أي : الاختلاف في هذه التشريفات القدسية، إلا لإظهار منزلة فاطمة وبيان قدرها وشأنها عند الله تعالى كما هو حال العظماء والزعماء والأمراء حينما ينتقلون من مكان إلى آخر ضمن تشريفات تعكس عظمة هذه الشخصية وهيبتها.

إلا ان الفارق عظيم جداً ولا يمكن قياسه فلا الزمان نفس الزمان ولا المكان نفس المكان ولا الشخوص نفسها ولا التشريفات نفسها فشتان ما بين الدنيا والآخرة والله الأمر من قبل ومن بعد وهو العزيز الحكيم.

المسألة الثالثة: ما تمتاز به التشريفات الخاصة بجواز فاطمة عليها السلام على الصراط عن غيرها من التشريفات يوم القيامة

مثلما كان لفاطمة عليها السلام تشريفات خاصة لخروجها من قبرها وذهابها إلى ساحة المحشر، ومن المحشر إلى يمين العرش، كذاك لها تشريفات قدسية ملكوتية عند انتقالها من يمين العرش بعد أن تخطب خطبتها على منبرها والأحاديث الشريفة تظهر هذه التشريفات الخاصة بعملية الانتقال من يمين العرش إلى الصراط المستقيم والتي تمتاز أي هذه التشريفات بميزات جديدة تتناسب مع هذه المرحلة أي الصراط التي أولاها القرآن والأحاديث النبوية الشريفة عناية خاصة، أي الصراط المستقيم. لموضع على شفير جهنم والذي عليه عقبات كثيرة بعدد الفروض التي أوجبها الله تعالى على عباده.

ص: 122

وعليه :

فإن هذا المنزل العظيم من منازل يوم القيامة وأحد عقباته وخصوصياته الرهيبة هو لفاطمة ضمن حفاوة وتعظيم وإجلال وتكريم لم يحظ به أحد - كما دلت الروايات - إلا بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقلبه وروحه التي بين جنبيه وهي كالآتي:

1 . روى سليمان الأعمش، عن ابن ظبيان ( عن أبي ذر رحمة الله عليه قال : رأيت سلمان وبلالاً يقبلان إلى النبي صلى الله عليه وآله إذ انكب سلمان على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله يقبلها فزجره النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، ثم قال له :

«يا سلمان لا تصنع بي ما تصنع الأعاجم بملوكها، أنا عبد من عبيد الله، آكل مما يأكل العبيد، وأقعد كما يقعد العبيد».

فقال له سلمان يا مولاي سألتك بالله إلا أخبرتني بفضائل فاطمة يوم القيامة ؟ قال : فأقبل النبي صلى الله عليه وآله ضاحكا مستبشرا ، ثم قال :

«والذي نفسي بيده إنها الجارية التي تجوز في عرصة القيامة على ناقة رأسها من خشية الله وعيناها من نور الله وخطامها من جلال الله وعنقها من بهاء الله وسنامها من رضوان الله ، وذنبها من قدس الله، وقوائمها من مجد الله، إن مشت سبحت وان رغت ،قدست عليها هودج من نور فيه جارية إنسية حورية عزيزة جمعت فخلقت و صنعت ومثلت من ثلاثة أصناف: فأولها من مسك أذفر وأوسطها من العنبر الأشهب وآخرها من الزعفران الأحمر، عجنت بماء الحيوان لو تفلت تفلة في سبعة أبحر مالحة لعذبت، ولو أخرجت ظفر خنصرها إلى دار الدنيا

ص: 123

لغشي الشمس والقمر، جبرئيل عن يمينها وميكائيل عن شمالها، وعلي أمامها والحسن والحسين وراءها، والله يكلأها ويحفظها، فيجوزون في عرصة القيامة فإذا النداء من قبل الله جل جلاله (معاشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم، هذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله نبيكم زوجة علي إمامكم، أم الحسن والحسين) فتجوز الصراط وعليها ريطتان بيضاوان»)(1).

2 . روى فرات الكوفي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، (عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه قال :

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد من لدن العرش: غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتستقبلها عشرة آلاف حوراء لم يستقبلن أحدا قبلها ولا يستقبلن أحدا بعدها ومعهن عشرة آلاف ملك ومعهم حراب النور على نجانب من ياقوت، أجنحتها وأزمتها لؤلؤ رطب عليها رحائل من در، على كل رحل منهم ( منها ) نمرقة من سندس، ركابها زبرجد، فيجزن بها على الصراط حتى ينتهين بها إلى الفردوس»)(2).

3. الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع، نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط.

قال: فتمر ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبقى اللامع»)(3).

ص: 124


1- تأويل الآيات الظاهرة : ص 472 - 474
2- تفسير فرات الكوفي : ص 444 . مسائل علي بن جعفر : ص 345، 346
3- دلائل الإمامة لابن جرير الطبري الإمامي : ص 50 ز كشف الخفاء للعجلوني : ج 1 ، ص 101، ح263

4 . روى علي بن جعفر ( عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم حتى تمر فاطمة بنت محمد، فتكون أول من يكسى، وتستقبلها من الفردوس إثنا عشر ألف حوراء وخمسون ألف ملك، على نجانب من الياقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ الرطب، ركيها من زبرجد، عليها رحل من الدر، على كل رحل نمرقة من سندس حتى يجوزوا بها الصراط، ويأتوا بها الفردوس»).

وهذه الأحاديث الشريفة تكشف عن تلك التشريفات القدسية التي ترافق حركة فاطمة عليها السلام من يمين العرش إلى الصراط لتجوز عليه ومن معها كالبرق الخاطف أي وهي بهذا الموكب العظيم الذي امتاز بميزات عديدة جعلته يختلف عن غيره في التشريفات التي رافقت حركة فاطمة عليها السلام وتنقلها في يوم القيامة ؛ وما ذاك إلا لإظهار قدرها وجاهها ومنزلتها وشأنها عند الله تعالى.

أما ما امتازت به هذه التشريفات القدسية التي رافقت انتقال فاطمة عليها السلام وجوازها على الصراط فهي كالآتي :

1 . إن الناقة التي هيئت لفاطمة عليها السلام في جوازها على الصراط تختلف عن النجيبة التي تقدم عليها من قبرها إلى ساحة المحشر، وتختلف عن الناقة التي تنتقل عليها من ساحة المحشر إلى يمين العرش ويمكن ملاحظة هذا الاختلاف والاستدلال عليه بما يأتي:

ص: 125

أ: عند خروجها من قبرها وقدومها إلى المحشر تكون راكبة على نجيبة وهي الكريمة من الإبل صفتها من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب ويقودها روفائيل.

ب : اما عند انتقالها عليها السلام إلى يمين العرش فتكون على ناقة مديحة الجنبين خطمها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك الاذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً كل ركن مرصع بالدر والياقوت، تضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شمالها سبعون ألف ملك و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ج: وهنا عند جوازها على الصراط فانها تقدم من يمين العرش وهي راكبة على ناقة رأسها من خشية الله وعينها من نور الله، وخطامها من جلال الله ، وعنقها من بهاء الله وسنامها من رضوان الله وذنبها من قدس الله وقوائمها من مجد الله إن مشت ،سبحت، وإن رغت قدست عليها هودج من نور فيه جارية إنسية حورية عزيزة جمعت فخلقت وصنعت ومثلت من ثلاثة أصفاف: فأولها من مسك أذفر، وأوسطها من العنبر الأشهب ، وآخرها من الزعفران الأحمر، عجنت بماء الحيوان.

2 . إن في هذا الموقف ومع هذه التشريفات فان المنادي في الخلائق هو الله جل جلاله: «معاشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم، هذه فاطمة بنت

ص: 126

محمد نبيكم، زوجة علي إمامكم، أم الحسن والحسين، فتجوز الصراط وعليها ريطتان (1) بيضاوان، وفي انتقالها إلى يمين العرش فان المنادي جبرائيل عليه السلام وعند وصولها من قبرها إلى ساحة المحشر كان المنادي ينادي من تحت العرش والفرق واضح في النداء خلال المواضع الثلاثة.

3. في جوازها على الصراط يكون جبرائيل عن يمينها وميكائيل عن شمالها وعلي ،أمامها والحسن والحسين من خلفها، وهذا يختلف عن المواضع السابقة عند حركتها وانتقالها .

4. يستقبلها من جنة الفردوس اثنا عشر ألف حوراء، وخمسون ألف ملك، على نجائب من الياقوت أجنحتها وأزمتها لؤلؤ رطب وكل ذلك يدل على عظيم منزلتها عند الله تعالى.

المسألة الرابعة: ما تمتاز به التشريفات القدسية الخاصة بانتقال فاطمة عليها السلام من الصراط إلى الجنة وبما تختلف عن بقية التشريفات المرافقة لحركتها في يوم القيامة

1 . روى فرات الكوفي عن سهل بن أحمد الدينوري معنعناً عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال جابر لأبي جعفر علیه السلام : جعلت فداك يا بن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة عليها السلام إذا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك ؟ قال أبو جعفر عليه السلام :

حدثني أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:

ص: 127


1- الريطة : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ونسجاً واحدا

«إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم...».

إلى أن يقول :

«يا أهل الجمع طأطنوا الرؤوس وغضوا الأبصار فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة فيأتيها جبرائيل بناقة من فوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيروها عند باب الجنة»(1).

2 . روى الصدوق رحمه الله بسنده إلى سعيد بن المسيب عن ابن عباس : (قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال:

«اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيدهم بروح القدس».

ثم قال صلى الله عليه وآله :

«يا علي، أنت إمام أمتي، وخليفتي عليها بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور، عن يمينها

ص: 128


1- تفسير فرات الكوفي : ص 299 ، بحار الأنوار للمجلسي : ج 43 ، ص 65 . قادتنا كيف نعرفهم : للسيد الميلاني : ج 3، ص 158

سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة، فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات وصامت شهر رمضان، وحجت بيت الله الحرام، وزكت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت عليا بعدي، دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة».

3. روى ابن جرير الطبري الإمامي ( عن علي بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«تحشر ابنتي فاطمة وعليها حلة الكرامة، قد عجنت بماء الحيوان، تنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها .

ثم تكسى أيضا حلة من حلل الجنة، وهي ألف حلة، مكتوب على كل حلة بخط أخضر: (أدخلوا ابنة محمد الجنة على أحسن صورة وأحسن كرامة، وأحسن منظر).

فتزف إلى الجنة كما تزف العروس، ويوكل بها سبعون ألف جارية»)(1).

والأحاديث الشريفة تنص على امتياز المحطة الرابعة لحركة فاطمة عليها السلام يوم المحشر وهي انتقالها من الصراط إلى الجنة والتي اختلفت بها عن المحطات الثلاث السابقة التي كان لكل محطة ما يميزها عن الآخرة من التشريفات والحفاوة والجلالة والإكرام. وهذا يكشف عن عظيم منزلتها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها عند الله تعالى وما لها من الشأنية والوجاهة التي نالت بها كل هذه التشريفات في يوم هو من أعظم الأيام التي خلقها الله تعالى ابتلاء وشدة

ص: 129


1- دلائل الإمامة للطبري : ص 155

وهولاً وخوفاً وهلعاً وغيرها مما اختص بهذا اليوم الذي «كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»(1).

إلا أن بضعة سيد الأنبياء والمرسلين، وحليلة إمام المتقين وأم الحسن والحسين، التي جعلها الله مشكاة الأنوار، وأم الأئمة الهداة الأطهار، سيدة نساء العالمين، وروح شريعة رب العالمين وقلبه صلى الله عليه وآله وسلم خزانة الوحي، ومستودع أنوار روح القدس.

«ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينِ (20) قُطَاعِ ثُمَّ أَمِين»(2).

نعم، هذه هي فاطمة، وهذا هو قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروحه التي بين جنبيه في يوم القيامة بهذه التشريفات والحفاوة والجلالة والهيبة والكرامة التي لم يحظَ أحد من الأنبياء والمرسلين والشهداء بما أعده الله تعالى لها في مثل هذا اليوم كي يعرف الناس قدرها الذي حقره الظالمون وشأنها الذي تجاهله المنافقون وحرمتها التي انتهكها الكافرون الذين لم يحكموا بما أنزل الله(3).

فها هو يوم القيامة فأي قدر لفاطمة عليها السلام سيعرفهم الله به؟! وأي منزلة سيظهرها الله لهم ؟! وأي شرف سيطأطئ له الخلائق ويغضون لأجله أبصارهم في كل حركة لفاطمة في يوم المحشر؛ حتى يتمنى الناس ان يكونوا فاطميين حينما لا يجرؤون على رفع أبصارهم إليها وقد جاءت من الصراط

ص: 130


1- سورة الإنسان الآية : 7
2- سورة التكوير، الآية : 20 - 21
3- قال تعالى: «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئكَ هُمُ الْكَفِرُونَ» ، وقال عز وجل: «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَتهكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» ، وقال سبحانه: «وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَيكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»، سورة المائدة الآيات : 44، 45 ، 47

فيستقبلها جبرائيل بتشريفات خاصة تتناسب مع هذه المحطة الأخيرة أي انتقالها إلى الجنة فكانت كالآتي :

1 . يستقبلها جبرائيل عليه السلام فيأتيها بناقة من فوق الجنة مديجة الجبين خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها .

والملاحظ هنا مجموعة أمور تجعل هذه الناقة تختلف عن غيرها مما يجعلها من مختصات هذه المحطة الأخيرة في حركة فاطمة يوم القيامة وهي :

أ : إنها مدبجة الجبين أي ممتلئة أو مزينة وقيل في المجاز: «دبج المطر الأرض يديجها بالضم أي ديجاً وديجها زينها بالرياض»(1).

ب :خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب.

ج : عليها رحل من المرجان في حين كانت فاطمة عليها السلام عند خروجها من قبرها تقدم على نجيبة من نجائب الجنة وتكون من نور ويقودها روفائيل.

د يكون على الناقة هنا ،رحل ورحل الناقة الكور وهو كالسراج وآلته للفرس (2) ، والرحل يختلف عن الهودج والمحفاة التي كانت على النوق في المحطات السابقة التي مرت بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

2 . إن الله تعالى يبعث إليها مائة ألف ملك فيصيرون على يمينها ومائة ألف أخرى يحملها على أجنحتهم حتى يصيروها عند باب الجنة.

وفي الرواية الثانية ان الله تعالى يبعث إليها سبعين ألف ملك عن يمينها

ص: 131


1- أساس البلاغة للزمخشري : ص 261
2- نزهة النظر في غريب النهج والأثر للبدري : ص 743

وشمالها وأمامها وخلفها ولا تعارض بين الروايتين فهما محمولان إما على الجزئية أي : ان السبعين هي من ضمن المائة.

وإما محمول على ان الطريق إلى الجنة له مرحلتان أو أكثر وفي هذه المراحل تتغير التشريفات القدسية المرافقة لها .

فتكون الرواية الثانية تتحدث عن أحد هذه المحطات بين الصراط والجنة بدليل ان الرواية نصت على نجيب من نور وهو الكريم من الإبل، وهو غير الناقة التي يأتي بها جبرائيل فتناخ بين يديها ؛ وعليه :

تكون الرواية قد كشفت عن حقيقة جديدة وهي ان الطريق بين الصراط والجنة له محطات وهي كالآتي :

1. المحطة الأولى تبدأ من الصراط وفيها يأتي جبرائيل عليه السلام إلى فاطمة بناقة من نوق الجنة مدبجة الجبين خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها ويبعث الله إليها مائة ألف ملك.

2. المحطة الثانية تكون فيها فاطمة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك وكذاك عن شمالها وأمامها وخلفها.

3. المحطة الثالثة : تكسى فيها فاطمة ألف حلة مكتوب على كل حلة بخط :أخضر : أدخلوا ابنة محمد الجنة على أحسن صورة، وأحسن كرامة، وأحسن ،منظر، فتزف إلى الجنة كما تزف العروس، ويوكل بها سبعون ألف جارية؛ وهنا تحملها الملائكة على أجنحتها فتصيرها عند باب الجنة.

فالحمد لله رب العالمين على ما أكرم به نبيه المصطفى وآله أجمعين فجعل لهم شرفاً يطأطئ له كل شريف ؛ ونسأله ان يزيدهم في الدنيا والآخرة.

ص: 132

المبحث الثالث

منزلة فاطمة عليها السلام في الجنة

قد يتصور البعض ان التشريفات القدسية تقتصر على يوم القيامة ومن ثم لا وجود لها في الجنة حيث إن أهلها محل الكرامة والشرف والسعادة الذين شملهم لطف الله ورحمته فكانوا من أهل جنته.

إلا أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تفيد بأن لكل نفر في الجنة شرافة وله موضعه الذي يمتاز به عن غيره، وان هناك تفضيلاً كبيراً بين أهلها لاختلاف درجاتهم ومنزلتهم عند الله تعالى.

ولذا فقد كانت الدعوات من القرآن إلى الناس في التنافس فيما بينها كي يصلوا إلى درجاتها ومنازلها وتنوع جناتها.

وعليه :

فلفاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها شرافة خاصة في الجنة تمتاز بها عن غيرها من نساء أهل الجنة فضلاً عن اختصاصها ببعض الميزات في دخولها إلى الجنة وماذاك الا لعظيم منزلتها وعلو شأنها ودرجتها عند الله تعالى.

ويمكن لنا الوقوف عند هذه الحقائق من خلال المسائل الآتية.

ص: 133

المسألة الأولى : إظهار شرافة فاطمة ومنزلتها عند باب الجنة

من الحقائق التي أظهرتها الأحاديث الشريفة المرتبطة بالجنة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه عن الاسراء والمعراج فقال :

1. «لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله علي حبيب الله الحسن والحسين صفوة الله فاطمة أمة الله على باغضهم لعنة الله»(1) .

2. وقد ورد الحديث بلفظ آخر ، وهو :

«رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله والحسن والحسين سبطا رسول الله وفاطمة الزهراء صفوة الله وعلى ناكرهم وباغضهم لعنة الله تعالى»(2).

3. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أخو رسول الله، قبل أن يخلق الله السموات والأرض بألفي عام»(3).

أما ما هي الحكمة من وجود هذه الكتابة على باب الجنة ؟

وأقول :

ص: 134


1- الأمالي للطوسي : ص 355. كشف الغمة للأربلي : ج 1 ، ص 526 . الجواهر السنية للحر العاملي : ص 399. تاریخ بغداد : ج 1 ، ص 274
2- الفضائل لابن شاذان : ص83
3- الأمالي للشيخ الصدوق : ص 134 ، عمدة الأخبار لابن البطريق : ص233، المعجم الأوسط للطبراني : ج 5 ، ص 343

1 . إن في ذلك دلالة على أن الله خلق الجنة لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ومثاله في الحياة الدنيا ما يضعه الناس من أسمائهم على بيوتهم ومحلاتهم وكل ممتلكاتهم كي يعلم الناس انها تعود لفلان أو فلان هكذا يكون وضع هذه الأسماء على باب الجنة.

2 . إن وجود هذه الأسماء له دلالة للداخل إلى الجنة بأن أصحاب هذه الأسماء هم سادات الجنة فيكون بالمعنى الأول على الملكية وبالمعنى الثاني على السيادية.

3. إن في ذلك سروراً للمؤمنين حيث سيلتقون مع من تولوا وأحبوا وشايعوا في الحياة الدنيا.

المسألة الثانية: إنّ فاطمة سيدة نساء الجنة

لا شك ان الجنة هي محل خلاصة العباد وفيها تكون النساء المؤمنات اللاتي اجتزن الحياة الدنيا بالإيمان والعمل الصالح فنلنَ برحمة الله ولطفه وفضله الفوز في الجنة.

إلا أن الدخول إلى الجنة يكشف للداخلين إليها حقائق جمّة لا يمكن حصرها أو الوقوف عندها وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»(1).

ومما فيها منزلة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومما فيها شرافة فاطمة ودرجتها عند الله تعالى والتي سيظهرها الله تعالى لأهل الجنة، فمنها ما نص

ص: 135


1- الأمالي للصدوق : ص 517

عليه الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لفاطمة في مرضه الذي توفي فيه.

1. «إن جبرائيل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وانه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلأحضر أجلي، وانك أول أهل بيتي لحاقاً بي»

فبكت فاطمة صلوات الله عليها . فقال :

«أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة»(1) .

2 . وفي لفظ آخر : عن زر بن حبيش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«ثم نزل ملك من السماء فاستأذن الله ان يسلم علي لم ينزل قبلها فبشرني ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»(2) .

ولأنها سيدة نساء الجنة فهذا يعني انها سيدة مريم بنت عمران وآسية بن مزاحم وخديجة عليهم السلام وهي السيادة التقوائية بمعنى ان فاطمة بلغت رتبة من التقوى لم تبلغها امرأة قط ولأجل ذلك نالت هذه السيادية على النساء في الجنة.

ص: 136


1- صحيح البخاري باب علامات النبوة : ج 4 ، ص 183. وباب : مناقب المهاجرين : ج 4 ، ص 209
2- مستدرك الحاكم : ج 3، ص 164 ، وفي ص 168 برقم 4733 . سنن الترمذي : ج 5 ، ص 660 ، برقم 3781 ، سنن الكبرى للنسائي : ج 5 ، ص 80 ، برقم 8298 ، مسند احمد : ج 4، ص 569 ؛ فضائل الصحابة للنسائي : ج 1 ، ص 58 ، ط دار الكتب العلمية؛ المنتقب الإسلامي : ج 3، ص 80 ، برقم 11773؛ مسند الحارث بزوائد الهيثمي : ج 2، ص 910 ، برقم 989؛ مسند الموصلي : ج12، ص 110 ، برقم 6743 ، ط دار المأمون بدمشق ؛ الآحاد والمثاني : ج 5 ، ص 25 ، برقم 2963؛ فتح الباري : ج 6 ، ص 447 ، ط دار المعرفة؛ تحفة الأحوذي : ج 10، ص 269؛ فيض القدير للمناوي : ج 2، ص 461 ، ط المكتبة التجارية بمصر ؛ حلية الأولياء : ج 4 ، ص 190 ، ط دار العربية للكتاب

المسألة الثالثة:

إنّ فاطمة أول من يدخل الجنة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة في ذلك

إنّ مما يستوقف الباحث والقارئ تخصيص الأولوية في الدخول إلى الجنة على غيرها من مظاهر الحفاوة والتكريم الذي يظهره الله تعالى لمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين لما بلغه المصطفى وعترته من الكمالات التقوائية فهم خيرة الله من خلقه وخاصته من عباده وصفوته وحجته عليهم ومن ثم لابد أن يكون الكرم كل الكرم واللطف الإلهي مخصوصاً بهم.

ومن بين مظاهر هذا اللطف الإلهي بمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين أولوية الدخول إلى الجنة على جميع خلق الله تعالى ولاسيما الأنبياء والمرسلين وعباد الله المخلصين.

ولذا :

لابد أن يكون لهذا التخصيص دلالات ترشد القارئ إلى مكنون هذا اللطف والتكريم الإلهي لمحمد وعترته في يوم القيامة.

أولاً : خصوصية الأولوية في الدخول إلى الجنة

لا شك ان الجنة هي جوهر الجزاء الرباني ومصداق تحققه للعباد والله جل شأنه صادق الوعد ولا يخلف الميعاد ؛ ومن ثم فان للدخول إلى الجنة بصفة الأولوية له من الخصوصية التي يمكن ملاحظتها فيما يأتي:

1. قد جرت العادة في الحياة وعند جميع الأمم والشعوب أن يكون (للأول) دلالة الجد والاجتهاد والتفوق على غيره من النظراء في مجالات الحياة كافة لاسيما

ص: 137

ما يتعاهده الناس في موارد السباق والتحصيل الدراسي.

ومن ثم أصبح عنوان (الأول) له تلك الدلالة المرتكزة في ذهن السامع في التفوق والمثابرة والجد والاجتهاد الذي غلب فيها نظراءه فكان الأول عليهم.

2 . إن الدخول إلى الجنة ضمن عنوان (الأولية) له دلالة استحقاق (الأول) لهذه الجائزة ومن ثم فهو المالك لها الذي نالها باستحقاق وجدارة.

3. لا شك ان الجائزة، أي الجنة ليس لها إلا دلالة واحدة وهي التقوى فمن دخل أولاً إلى الجنة فهو الأول في سلم التقوى الذي أحرز كل جزئياتها وكلياتها حتى أصبح عنوانها في الحياة الدنيا ؛ ولذا اسحق رتبة أكرم الخلق عند الله تعالى بدلالة قوله سبحانه :

«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» .

4. إن دخول الثاني والثالث والرابع إلى الجنة بعد الأول هو بلحاظ الاستحقاق التقوائي والجزائي وذلك ان الله تعالى ليس له قرابة مع أحد ومن ثم فإن التخصيص مرتكز على العمل الصالح والإيمان.

5 . لا شك ان الإنسان بعد أهوال يوم القيامة ومجرياته فانه بأشد الحاجة إلى الخلاص من هذه الأهوال والدخول إلى محل الأمان إذ ما يزال الإنسان في خوف راجياً لرحمة الله تعالى حتى يشمله لطف الله فيدخل إلى الجنة وفي هذا معنى خاصٌّ لا يدركه إلا الواقف في عرصات يوم القيامة وهو ينظر إلى السابقين السابقين في الدخول إلى الجنة.

وعليه :

ص: 138

فهذا التخصيص في الأولية للداخلين إلى الجنة له هذه الدلالات وغيرها مما تختزنه قلوب أهل عناية الله تعالى والذي دلت عليه الأحاديث الشريفة وهي كالآتي :

1. أخرج الحافظ ابن البطريق والحافظ الزيلعي ( عن علي عليه السلام قال :

«شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد الناس، فقال لي: أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن ايماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا وشيعتنا من خلق ذريتنا»)(1).

2. روى الحاكم النيسابوري ( عن علي عليه السلام :

«إن أول من يدخل الجنة أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين.

قلت یا رسول الله: فمحبونا ؟

قال: من ورائكم») (2).

3. روى الزرندي الحنفي عن أبي هريرة، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

أول شخص يدخل علي الجنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل») (3).

ص: 139


1- عمدة عيون صحاح الأخبار لابن البطريق : ص 50 ؛ تخريج الأحاديث للزيلعي : ج 3، ص 335. الكشف والبيان للثعلبي : ج8، ص311. تفسير الكشاف للزمخشري : ص 467. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج 16، ص 32
2- بشارة المصطفى : ص 46. مستدرك الحاكم : ج 3، ص 151
3- نظم درر السمطين للزرندي : ص 18 . مسند الفردوس للديلمي : ج 1، ص 38، ح 81. فيض القدير للمناوي : ج 1 ، ص 53 . إمتاع الأسماع للمقريزي : ج 3، ص333

4 . روى أبو نعيم الأصبهاني بسنده (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول شخص يدخل على الجنة: فاطمة بنت محمد، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل»).

إن الملاحظ في هذه الأحاديث الشريفة جملة من الأمور وهي كالآتي :

1 . إن العترة النبوية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم أول الداخلين إلى الجنة، أي قبل جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وأوصيائهم والشهداء والعلماء وغير ذلك من مراتب الدرجات عند الله تعالى؛ وهذا يكشف عن كونهم خيرة الله من خلقه وأشرفهم على عباده وأقربهم منه عز وجل عبودية وطاعة وإخلاصاً.

2 . إن دخولهم يكون من حيث الترتيب على هيئة المجموعة، إذ الظاهر من الحديث الأول : أن الخمسة أصحاب الكساء ، أي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم و ذريتهم وأشياعهم هم أول من يدخل بلحاظ الأمم أو المجموعات وذلك أن المناط في يوم القيامة في الإقبال إلى المحشر والخروج منه إلى الجنة بعد المرور بعدة محطات خاصة به يكون على هيئة الجماعة التي يقودها إمامها .

ومما يدل عليه :

ص: 140

أ : قال تعالى :

«يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِإِمَامِهِم»(1).

ب : قال تعالى :

«يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفَدَا»(2).

ومحمد وعلي والحسن والحسين والأئمة من ذرية الحسين هم المتقون الذين يحشرون على هيئة الوفد كما نصت الآية المباركة.

ج : أخرج الحميري القمي عن موثقة مسعدة بن صدقة قال : حدثنا جعفر بن محمد، عن آبائه : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجهال؛ وان أنمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم» (3).

3. إن المراد بالأزواج للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي هما خديجة وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين لكن أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدم ذكرهما (ظاهرا) لوجود خصوصية خاصة في دخول خديجة وفاطمة عليهما السلام نص على ذلك الحديث الثالث والرابع ؛ اللذان أشارا إلى خصوصية دخول فاطمة إلى الجنة.

ص: 141


1- سورة الإسراء، الآية : 71
2- سورة مريم، الآية : 85
3- قرب الإسناد للحميري : ص78
ثانياً : ما هي الحكمة في أن تكون فاطمة عليها السلام أول الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة؟

من الحقائق التي يكشفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعلق بيوم القيامة والدخول إلى الجنة والمخصوصة بفاطمة عليها السلام ما ورد في الحديث الثالث والرابع من بيان لخصوصيتين مهمتين فيما يتعلق بأمر الدخول إلى الجنة دون غيرهما من الخصائص والميزات التي ترافق وجود فاطمة عليها السلام في الجنة.

بمعنى: ما زلنا في بيان أمر الدخول إلى الجنة وليس بما يتعلق بمنزلتها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها في الجنة والذي سنتعرض لذكره لاحقاً.

ففي أمر الدخول إلى الجنة لفاطمة خصوصية خاصة وميزات متعددة وهي كالآتي :

1 . إن الملاحظ في الأحاديث السابقة استتار اسم فاطمة في بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأول الداخلين إلى الجنة كقوله لعلي صلوات الله عليهما :

أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل إلى الجنة أنا وأنت والحسن والحسين والحكمة في ذلك هو اختصاصها بميزة لم يحظ أحد بها من الخلق ألا وهي انها أول الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى : : أن الأسبقية في الدخول تكون مقيدة في أولوية الداخلين بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم من خلفه علي بن أبي طالب والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين فإذا دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيكون أول الداخلين عليه فاطمة عليها السلام وهذا يحتمل معنيين :

ص: 142

أ: إما انها من ضمن المجموعة الخاصة بمحمد وعلي وولدها كما نص عليه الحديث الثاني فكانت بلفظ التصريح وبلفظ الاستتار أو التلميح في لفظ أزواجنا كما في الحديث الأول ثم تدخل عليه في جنته التي خلقها الله له وهي جنة عدن، أي أول من يدخل عليه في جنته وليس عموم الجنة فاطمة.

ب: واما انها تتأخر في الدخول لتكون بعد أبيها وبعلها وولديها ثم تدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنته لتجتمع معه في مكان واحد ؛ إلا أن المعنى الأول هو الأقرب لما لها من المنزلة والوجاهة والشأنية عند الله تعالى والتي تتسق مع سلسلة الأحاديث الشريفة الكاشفة عن منزلتها عند الله تعالى.

ولكن يبقى كونها أول الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له ميزته وحكمته الخاصة كما سيظهر في بقية النقاط :

2 . إن من مظاهر الحكمة في كونها أول من يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، هو انها أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم يكون دخولها بصفة الأولوية متعلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما له من الكرامة والمنزلة عند الله تعالى؛ إذ يعجل الله له في إدخال فاطمة عليه لأنها أقرب الخلق إلى قلبه وأحبهم إليه، ومن ثم ففي ذلك إدخال للسرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3. إن من مظاهر الحكمة في هذه الأولية في الدخول على النبي صلى الله

ص: 143

عليه وآله وسلم ظلامة فاطمة عليها السلام واستجابة دعائها فقد دلت الروايات على انها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تدعو الله تعالى فتقول :

«يا حي يا قيوم، برحمتك استغيث فأغثني، اللهم أخرجني من النار، وأدخلني الجنة والحقني بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لها : يعافيك الله ويبقيك، فتقول: يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق بالله»(1).

فاستجاب الله لها.

وكانت تلهج بهذا الدعاء خلال المدة القصيرة التي عاشتها بعد النبي وهي خمسة وسبعون يوماً.

4 . وهذا يكشف في الوقت نفسه عن شدة تعلقها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت ترتجي من الله تعالى أن يأخذ بيديها إلى لقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقد ورد في الروايات انها لشدة تعلقها وحبها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تسأل منه صلى الله عليه وآله وسلم اين تلقاه يوم القيامة فكانت كالآتي :

ألف : ( عن فاطمة صلوات الله عليها قالت لأبيها :

«يا أبت أخبرني كيف يكون الناس يوم القيامة؟».

قال :

«يا فاطمة يشغلون فلا ينظر أحد إلى أحد، ولا والد إلى الولد ولا ولد إلى أمه».

ص: 144


1- البحار للعلامة المجلسي : ج 43، ص 218

قالت :

«هل يكون عليهم أكفان إذا خرجوا من القبور؟».

قال :

«يا فاطمة تبلى الأكفان وتبقى الأبدان تستر عورة المؤمن، وتبدى عورة الكافرين».

قالت :

«يا أبت ما يستر المؤمنين؟».

قال :

«نوريتلألأ لا يبصرون أجسادهم من النور».

قال :

يا أبت فأين ألقاك يوم القيامة؟».

قالت :

«انظري عند الميزان وأنا أنادي: رب أرجح من شهد أن لا إله إلا الله، وانظري عند الدواوين إذا نشرت الصحف وأنا أنادي رب حاسب أمتي حسابا يسيرل وانظري عند مقام شفاعتي على جسر جهنم كل إنسان يشتغل بنفسه وأنا مشتغل بأمتي أنادي يا رب سلم أمتي، والنبيون عليهم السلام حولي ينادون رب سلم أمة محمد صلى الله عليه وآله») (1).

باء : روى ابن المغازي، فقال : (بينا فاطمة جالسة إذ أقبل أبوها صلى الله

ص: 145


1- بحار الأنوار: ج 7، ص111

عليه وآله حتى جلس إليها فقال لها :

«مالي أراك حزينة؟».

قالت :

«بأبي أنت وأمي يا رسول الله وكيف لا أبكي ولا أحزن وتريد ان تفارقني».

فقال لها :

«يا فاطمة لا تبكي ولا تحزني فلا بد من فراقك فاشتد بكاؤها».

و قالت:

«يا أبتي أين ألقاك؟».

قال:

«تلقيني على تل الحمد اشفع لأمتي.

قالت :

«يا أبت وان لم ألقك».

قال:

«تلقيني عند الصراط جبرئيل عن يميني وميكانيل عن شمالي واسرافيل آخذ بحجزتي والملائكة من خلفي وانا أنادى أمتي فيهون عليهم الحساب ثم انظر يمينا وشمالا إلى أمتي وكل نبي يوم القيامة مشتغل بنفسه يقول يا رب نفسي نفسي وأنا أقول يا رب أمتي أمتي فأول من يلحق بي أنت وعلي والحسن والحسين فيقول الرب عز وجل يا محمد ان أمتك لو أتوني بذنوب كأمثال الجبال لغفرت لهم ما لم

ص: 146

يشركوا بي شينا ولم يوالوا عدوا») (1) .

ج: وقريب منه ما روی ابن عباس قال :

(قالت فاطمة عليها السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في سكرات الموت :

«يا أبه أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا فأين الميعاد غدا».

قال:

«أما إنك أول أهلي الحوقا بي والميعاد على جسر جهنم».

قالت:

«يا أبه أليس قد حرم الله عز وجل جسمك ولحمك على النار؟».

قال :

«بلى ولكني قائم حتى تجوز أمتي».

قالت:

«فان لم أرك هناك».

قال :

«تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنم استوهب الظالم من المظلوم».

قالت:

«فان لم أرك هناك».

ص: 147


1- المناقب لابن المغازي : ص 243 ؛ الفضائل لابن شاذان : ص 121

قال :

«تريني في مقام الشفاعة وأنا أشفع لأمتي».

قالت :

«فان لم أرك هناك».

قال:

«تريني عند الميزان وانا أسأل الله لامتي الخلاص من النار».

قالت :

«فان لم أرك هناك».

قال :

«تريني عند الحوض حوضي عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء على حوضي ألف غلام بألف كأس كاللؤلؤ المنظوم وكالبيض المكنون من تناول منه شرية فشربها لم يظمأ بعدها أبدا فلم يزل يقول لها حتى خرجت الروح من جسده صلى الله عليه وآله وسلم»)(1) .

حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن إسحاق المادري بالبصرة في رجب سنة ثماني عشرة وثلاث مائة قال : حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد قال : حدثنا غانم بن الحسن السعدي، قال: حدثنا مسلم بن خالد المكي ، قال : (حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

ص: 148


1- کشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي : ج 2، ص 119

«قالت فاطمة عليها السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله:

يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم، ويوم الأهوال، ويوم الفزع الأكبر».

قال:

«يا فاطمة، عند باب الجنة، ومعي لواء الحمد، وأنا الشفيع لأمتي إلى ربي».

قالت:

«يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟».

قال :

«القيني على الحوض وأنا أسقي أمتي».

قالت :

«يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟».

قال :

«القيني على الصراط وأنا قائم أقول: رب سلم أمتي».

قالت :

«فإن لم ألقك هناك؟.

قال :

«القيني وأنا عند الميزان أقول: رب سلم أمتي».

قالت :

«فإن لم ألقك هناك؟».

ص: 149

قال :

«القيني عند شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أمتي. فاستبشرت فاطمة بذلك صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها»)(1).

ثالثاً : افتخار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأولوية دخول فاطمة عليه في الجنة

من الأحاديث التي نصت على اختصاص فاطمة عليها السلام بأولوية الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة بلفظ جاء فيه عنه صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع، وأول مشفع ولا فخر، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول شخص يدخل علي الجنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم».

والحديث مر ذكره في الفقرة السابقة لغرض الاستشهاد و نورده هنا لغرض الدراسة والتحليل، فكانت النتيجة كالآتي :

1 . في البدء يقوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر عدة مواضع افتخارية في يوم القيامة، والسبب في كونها محل افتخار لانها مخصوصة به ولا يمكن أن ينالها أحد غيره.

فهو:

أ : أول من يدخل الجنة ونعم المفخرة يوم القيامة.

ب: وأول شافع يأذن الله له بالشفاعة هو رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 150


1- الأمالي للصدوق : ص 275 - 276

وسلم، ونعم المفخرة هي .

ج : وأنه أول من يتشفع من يتشفع به الخلق حيث سيجعل الله للأنبياء والمرسلين والشهداء والمؤمنين شفاعة يشفعون من خلالها للناس، وكذاك سيكون للناس مواقف عديدة يلتمسون فيها ان يشفع لهم أحد من عباد الله المخلصين، فأول من يلجأ الخلق إليه في الاستشفاع هو سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا موضع نعم الافتخار به يوم القيامة.

د: والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده لواء الحمد الذي يدل على انه قائد الحمد وتحت لوائه يكون الحامدون وبه تحققت الغاية في خلق الخلق لقوله تعالى :

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(1).

وهذا موضع فخر يوم القيامة.

ه_ : والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد ولد آدم عليه السلام وهذا موضع فخر.

إلا انه صلى الله عليه وآله وسلم على الرغم من أن هذه المواضع كلها مواضع فخر يفتخر بها صاحبها على الخلق أجمعين إلا أنها عند النبي الأعظم غير ذلك، بمعنى : لن يفتخر بها يوم القيامة على الخلق أي لا يجدها محلاً للافتخار على الرغم من استحالة الوصول إليها فلو كانت عسيرة المنال أو صعبة الاستحصال لما جعلها سيد الخلق موضعاً للافتخار بل استحال الوصول إليها لعدم امكانية تحقق الشروط والمقدمات الموجبة لمنالها .

ص: 151


1- سورة الذاريات الآية : 56

لكنها ، أي هذه المواضع تحقق بشخصه الأقدس الذي وصفه القرآن بقوله :

«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (1).

أي : من يأتي بخلقه وقد منع القرآن الوصول إلى مرتبته التي نال بها الوصول إلى :

«فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»(2).

وعليه :

فجميع هذه المواضع هي في الحقيقة مواضع افتخارية إلا أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا يراها كذاك.

وهذا يدل على حقيقتين، وهما :

1. خلقه الكريم وتواضعه العظيم يمنعه من التفاخر على الخلق على الرغم من انها مواضع يتحقق فيها الافتخار لكونها مراتب أخروية ودرجات إيمانية، ومنازل تقوائية انحصرت به صلى الله عليه وآله وسلم.

2 . إن الفخر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل الفخر يكمن في أولوية دخول فاطمة عليه يوم القيامة، وهذه تدل على جملة من المقامات الفاطمية وهي كالآتي :

أ : كون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مقام السيادية على جميع الناس فهو سيد ولد آدم استلزم أن يكون الناظر في شؤونهم الإيمانية وحقائهم

ص: 152


1- سورة القلم ، الآية : 4
2- سورة النجم ، الآية : 9

الوحدانية فهو الأعلم - باذن الله تعالى - بمن كان تحت صفة المخلصين.

وبمن :

«وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلم»(1).

ولذا فهذا الاستحقاق في السبق إلى الجنة الذي يتفاضل به الناس يوم القيامة هو موضع الافتخار فمن سيسبق الناس في الدخول إلى الجنة سيكون موضع افتخار على غيره ولأن فاطمة هي أول من يدخل على سيدها وسيد ولد آدم وهي ابنته فهذا يعني أنها أحرزت ما لم يحرزه غيرها من الناس أجمعين.

فان قيل : فأين علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا الموضع، فنقول :

لا شك أن الذي نعتقد به ونتقرب إلى الله به هو: أن علي بن أبي طالب عليه السلام هو أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو وصيه وخليفته وإمام الأمة من بعده من لزمه نجا ومن تركه ضلّ وهوى إلا ان الحديث الشريف في مورد الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس في مورد الداخلين إلى الجنة وقد مرّ سابقاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي :

إلا ترضى أن تكون رابع أربعة:

أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين.

ولكنه في مورد أول الداخلين عليه : هي فاطمة ابنته ولذا أردفها بقوله : «بنت محمد» ولم يقل فاطمة وهذا موضع يفتخر فيه الإنسان حينما يكون ولده هم من نالوا الأولوية في إحراز المراتب العلية عند الله تعالى؛ فضلاً عن ذكرنا لبعض

ص: 153


1- سورة الأنعام، الآية : 82

وجوه الحكمة آنفاً في كونها أول من يدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة.

ب: كونها أول من يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا يكشف عن انها أفضل من مريم فلو كانت مريم أفضل لكانت الأولوية والسبق في الدخول على سيد الخلق أجمعين لمريم عليها السلام ولذا أردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثه بقوله :

«ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل».

إلا أنها أفضل من مريم بدلالة كونها أول من يدخل عليه وهذا هو الفخر عنده صلى الله عليه وآله وسلم.

ج : على الرغم من أن الله تعالى بعث مائة وأربعة وعشرين ألف نبى وكان منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً ومنهم خمسة من أولو العزم الا انهم لم يحظوا بما حظي به سيد الخلق في جعل ابنته سيدة نساء العالمين وأول الداخلين على سيد ولد آدم.

بمعنى:

لم يكن لنبي أو رسول ابنة مثلما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا موضع الافتخار عند رسول الله إذ لم تصل إلى المراتب العلية والمنازل السيادية والتقوائية بين بنات الأنبياء والمرسلين مثلما وصلت إليه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فكانت موضع افتخار عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 154

المسألة الرابعة:

إن فاطمة عليها السلام إذا صارت عند باب الجنة تلتفت إلى المحشر

لعل من أهم الأماكن التي تظهر فيها منزلة فاطمة صلوات الله عليها بعد الصراط هي وقوفها عند باب الجنة والتفاتها إلى ساحة المحشر لعلة خاصة يكشفها الحديث الشريف الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام الذي يكشف فيه عن فضل فاطمة عليها السلام حينما طلب منه جابر الجعفي ان يحدثه بحديث عن فضل فاطمة تفرح به الشيعة فكان مما قال عليه السلام :

«فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.

فيقول الله تعالى: يا بنت حبيبي، ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي فأدخليه الجنة».

قال أبو جعفر :

«والله يا جابر انها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهمان يلتفتوا فإذا التفتوا.

يقول الله يا أحباني ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحباني ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنة».

ص: 155

قال أبو جعفر:

«والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى :

«فَمَا لَنَا مِن شَافِيعِينَ (100) وَلَا صَدِير حَميم»(1).

فيقولون :

«فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2)».

قال أبو جعفر :

«هيهات هيهات منعوا ما طلبوا.

«وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(3)»)(4).

والحديث الشريف يكشف عن جملة من الحقائق المتعلقة بيوم القيامة، وهي كالآتي :

أولاً : خصوصية كونها بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلالته العقائدية على المسلم

إن من المسائل التي أرشد إليها القرآن والسنة النبوية هي تعظيم حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل : قد اتفق الفقهاء على اختلاف مذاهبهم في الإسلام على أن الانتقاص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاك

ص: 156


1- سورة الشعراء ، الآيتان: 100 و 101
2- سورة الشعراء، الآية : 102
3- سورة الأنعام، الآية : 28
4- تفسیر فرات الكوفي : ص 299

حرمته كسبه يعد خروجاً من الملة إذا كان مسلماً وحده القتل وتفاوتوا في القول للذمي ولعل الرجوع في هذه المسألة إلى الشريف المرتضى عند الإمامية وخاتمة المجتهدين تقي الدين السبكي في كتابه السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه كفاية للاطلاع (1).

وفي المقابل فإن هذه الحرمة والتعظيم لشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلزم المسلم حفظ ما يختص به وتعظيمه وصونه لاتصاله به صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف إذا كانت هناك نصوص صريحة عنه صلى الله عليه وآله وسلم تظهر تلازم ،رضاه، وغضبه وسروره وتألمه، واذاه ، وحربه، وسلمه بهم، أي بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما مرّ بيانه سابقاً لاسيما فيما يختص بفاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

من هنا : يظهر الحديث الشريف مسألة عقائدية مهمة من خلال مخاطبة الباري عز وجل لفاطمة في يوم القيامة ب_ (ابنة حبيبي ) فكونها ابنة حبيب الله لزم لمن آمن بالله وادعى انه يحبه ان يحبها ويكرمها ويعظم حرمتها لأنها ابنة حبيب الله عز وجل.

ومن كان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجب عليه أن يحب ابنته لأنها بضعته وقلبه فمن أحب امرءاً أحب ما يتصل به من أبناء وأشياء فكيف بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 157


1- أنظر في ذلك : الانتصار للشريف المرتضى : ص 408 . المجموع للنووي : ج 19 ، ص 426 . مواهب الجليل للحطاب الرعيني : ج 8 ، ص 380. حاشية المختار لابن عابدين : ج 4 ، ص317
ثانياً : احتياج الإنسان إلى لطف الله تعالى وليس إلى استحقاق العمل الصالح

قد يتوهم الإنسان أن مستحقات العمل الصالح في الآخرة بمعزل عن لطف الله ورحمته تؤهله للدخول للجنة فيكون بذلك قد غفل عن ان الفوز بالجنة متوقف على أمور عدة، منها :

1 . في البدء كل عمل صالح مقيد بالقربة إلى الله تعالى فإذا خلا العمل من نية القربة الله فإنه يكون مردوداً على صاحبه.

2. لابد من الالتفات إلى أن انجاز العمل بمقدماته يكون مرهوناً بالتوفيق فقد يسلب الإنسان التوفيق للعمل فلا يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة ومن ثم فان انجاز العمل وإحراز مقدماته وتمامه واتقانه وخواتيمه كله لابد أن يكون بلطف الله والتوسل إليه بذلك ولعل حال إبراهيم الخليل وولده إسماعيل خير شاهد على مدخلية التوفيق وخطورة الالتفات إلى صاحب النعم عز وجل والإلحاح في الدعاء إليه لنيل هذه المراتب.

قال تعالى في معرض بيانه لبناء البيت الحرام بيد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام :

«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِیمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ»(1).

فعلى الرغم من تحقق شروط القبول ومقدمات رفع العمل إلى الله تعالى وذلك ان العامل ومساعده هما من أنبياء الله ومحل العمل وعنوانه بيت الله تعالى

ص: 158


1- سورة البقرة، الآية : 127

إلا أنهما أي إبراهيم وإسماعيل لم يغفلا عن الدعاء إلى الله بقبول عملهما الصالح وذلك ان الله تعالى عليم بنواياهما وإخلاصهما وأدائهما للعمل الصالح وهو السميع بما يخطر في القلب ومطلع على الأحوال.

وعليه : نجد الحديث الشريف في الفقرة التي ورد فيها قوله :

«وقد أمرت بك إلى جنتي».

يرشد إلى حقيقة أخروية مفادها ان الإنسان يدخل إلى الجنة بلطف الله تعالى فهو الذي منح المقدمات لهذا العمل من الإدراك والهمة والرغبة والسعي والمواصلة والثبات ،وغيرها فكل هذا يجري بلطف الله تعالى ولو شاء لسلب الإنسان هذه المقدمات لكنه برحمته وإحسانه وكرمه يحول بين المرء وموانع التوفيق ويسوقه إلى النعم والكرامة ويدخله جنته ولو شاء لمنع، لكنه صادق الوعد وهو العزيز الحكيم.

ثالثاً : لماذا تسأل فاطمة عليها السلام عن قدرها عند باب الجنة دون غيرها من المواطن في يوم القيامة

ورد في الحديث قولها عليها السلام :

«يا رب أحببت ان يعرف قدري في مثل هذا اليوم».

إنه سؤال يبعث على الدهشة فضلاً عن الحيرة في الوصول إلى مكامن الحكمة في السؤال، فبضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن غافلة عن مجريات يوم القيامة فلماذا تريد أن يعرف قدرها في هذا الموضع عند باب الجنة؛ بل هناك تساؤلات أخرى.

ص: 159

1 . ألم يظهر الله قدرها في هذا اليوم وهي التي نالت من التشريفات القدسية ما لم يحظ به أحد بحسب ما أفادت به الروايات - منذ خروجها من قبرها والى باب الجنة وكما مرّ بيانه خلال هذا المبحث - فكانت لها تشريفات ملكوتية وحفاوة قدسية.

ومن ثم ما الذي تريده قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروحه من الظهور وقد طأطأت الخلائق لمرورها وأمروا بغض الأبصار دونها والمنادي من بطنان العرش مرة وجبرائيل مرة، ومن رب العزة مرة أخرى؟!!

2. ما هو قدرها الذي تنتظره من الله، أو المكنون في علم الله ولم يظهره إلى الآن؛ ولذا تسأل عنه بضعة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ؟

وجوابه :

أ: حينما يوفق المؤمن للنجاة في يوم القيامة وينجو برحمة ربه من أهوال هذا اليوم فيأمر الله تعالى به إلى الجنة يكون قد حقق نصراً لا نظير له، ومن ثم قد يتوهم متوهم أن الوصول إلى باب الجنة بالنسبة للأنبياء والمرسلين وغيرهم من عباد الله المخلصين يكون بمعزل عن هذه الأماكن والمواطن المهولة كما هو ح-ال العظماء والوجهاء في الحياة الدنيا فهم يعفون من المرور بالمواطن التي تسبب لهم إزعاجاً، أو أقله فقدان الراحة أو التقليل من الشأن، فنلاحظ وعلى سبيل المثال ان مراكبهم تسير في الطرقات بشكل سريع ويفسح لهم المجال ولا يتقيدون بأحكام الطرقات المعروفة بقوانين المرور وغيرها من الحالات التي يشاهدها الناس وقد تسالموا على رؤيتها فقد أصبحت حالة عامة في جميع البلاد.

وعليه : قد يتوهم في يوم القيامة أن بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله

ص: 160

وسلم تجتاز تلك المواطن وهي بتلك التشريفات القدسية، لأنها أبنة حبيب الله وسيدة النساء ومن ثم لا يكون - بحسب هذا الوهم - أي دور للتقوى فيشك الشاك ويهزأ الكافر ويسخر المنافق.

وإن كانت رؤيتهم لهذه التشريفات غصة في صدورهم وغيظاً في قلوبهم، فيريد الله عز وجل أن يزيدهم غيظاً كما دل عليه قوله تعالى :

«قل مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(1).

أي : كي يخرجوا ما في نفوسهم في هذا اليوم الذي يجادل الإنسان فيه ربه أكثر الجدال.

قال تعالى :

«وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا»(2).

وقال سبحانه :

«أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ»(3).

ولأنه أكثر شيئاً جدلاً، وخصيم ،مبين، بل حتى كونه في النار يخاطب خازن النيران فيقول :

«وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إنَّكُم مَاكِثُونَ»(4).

ص: 161


1- سورة آل عمران، الآية : 119
2- سورة الكهف، الآية : 54
3- سورة يس، الآية : 3
4- سورة الزخرف، الآية : 77

ولذا : أرادت ابنة حبيب الله تعالى أن ترد هذا الوهم وتبدد هذا الشك وتزيد في حسرة المنافق فسألت الله تعالى ان يعرف الناس قدرها.

ب: إن من الصفات التي اقترنت بأهل بيت العصمة وموضع الرحمة هي الكرم والجود ومن شيمة الكريم أن يقدم صاحب الحاجة على نفسه ويغيث الملهوف فكيف لفاطمة وهي قلب من بعث رحمة للعالمين ومن كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً أن تترك المحتاج وتدير الطرف عن الملهوف فتدخل إلى الجنة وتترك خلفها شيعتها ومحبيها.

ولذا: كان رجوعها إلى ساحة المحشر لهذا الغرض الذي سيظهر فيه قدرها كما سيمر لاحقاً لاحقاً من خلال بيان فقرات الحديث الشريف.

رابعاً : قدر فاطمة عليها السلام في يوم القيامة شفاعتها لمحبيها وشيعتها

حينما ينظر الإنسان إلى الفارق بين تلك التشريفات القدسية والحفاوة

والتكريم الإلهي لفاطمة عليها السلام في يوم القيامة منذ خروجها من روضتها التي فيها قبرها إلى باب الجنة وبين شفاعتها لمحبيها وشيعتها فإنه يلمس الحقائق الآتية.

1 . إن الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأعمال الصالحة تحقق بلطف الله ورحمته النجاة في يوم القيامة والفوز بالجنة الا ان كل هذا لا يعطي صورة أمام الناس في يوم القيامة لهذا المؤمن الناجي والداخل إلى الجنة من المنزلة عند الله تعالى فقد يعتقد البعض أن الفائز في هذا اليوم إنما نال استحقاقه وجائزته نتيجة لجهده والتزامه بما أمر الله تعالى ومن ثم حاله في هذا الأمر كحال غيره من

ص: 162

الفائزين في هذا اليوم.

بمعنى:

كيف يلتمس الناس يوم القيامة قدر الأنبياء والمرسلين والأمم لو كان الأمر محصوراً فقط بجوازهم يوم الحساب والدخول إلى الجنة برحمة الله تعالى؟

وعليه :

لابد من آلية أخرى تظهر للأمم مَنْ مِن بين الخلق له قدر عند الله تعالى وجاه بحيث لا يستطيع اثنان من التشكيك في وجود هذا القدر.

وكما قلنا : قد يتوهم كثير من الناس يوم القيامة بأن هذه التشريفات القدسية الفاطمة بعلة انها ابنة حبيب الرحمن وسيدة النسوان فقدم لها هذا التكريم والحفاوة كما قدم لأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.

إذن :

نحن بحاجة إلى مظهر جديد غير تلك التشريفات القدسية والحفاوة والتكريم الإلهي لفاطمة عليها السلام في يوم القيامة يحقق وجود قدر لها عند الله تعالى يقطع الشكوك ويثلج قلوب المؤمنين ويغيظ قلوب المنافقين والكافرين.

2. إن الرجوع إلى القرآن الكريم والنظر في آياته المباركة المتعلقة في إظهار قدر الأنبياء ومنزلتهم وجاههم عنده يكاد يكون محصوراً في مظهر واحد ألا وهو الشفاعة وذلك حسبما دلت عليه الآيات الكريمة وهي كالآتي:

أ: «لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»(1).

ص: 163


1- سورة مريم، الآية : 87

ب : «يَوْمَئِذٍ لَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا»(1) .

ج: «وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ»(2).

د: «أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ»(3). «قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(4).

ه_: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(5).

و: «وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ»(6).

ز: «يَاَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالكَفِرُونَ هُمُ الظَّلِمُونَ»(7) .

وهذه الآيات المباركة فيها محكم وفيها متشابه وبحمل المتشابه على المحكم نخرج بنتيجة في غاية الأهمية لما يترتب عليها من أمور عقائدية مرتبطة بيوم القيامة من جهة وبالأنبياء والمرسلين والأئمة من جهة أخرى وكلاهما مرتبط بقضية

ص: 164


1- سورة طه، الآية : 109
2- سورة سبأ، الآية : 23
3- سورة الزمر، الآية : 43
4- سورة الزمر، الآية : 44
5- سورة الزخرف، الآية : 86
6- سورة البقرة، الآية : 48
7- سورة البقرة، الآية : 254

الشفاعة، ويمكن إيجازها في النقاط الآتية.

1. بالنظر إلى أصل الشفاعة فجميع الآيات والأحاديث الشريفة تقطع بوجودها في يوم القيامة وتأمر بالإيمان بها.

2 . اختلف في انحصار الشفاعة بالله تعالى فلا شافع يوم القيامة إلا الله كما تنص بعض الآيات أو انها متعددة فيكون الشافع أو المشفع في هذا اليوم الأنبياء والمرسلون والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين أو غيرهم كالشهداء والصالحين وغيرهم؟

وحاصل الآيات والأحاديث النبوية انها متعددة بإذن الله تعالى في يوم القيامة ويكفي في ذاك صاحب الشفاعة العظمى هو سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم .

وعليه: فالسؤال المطروح : إذا كانت غير محصورة بالله تعالى ويمكن منحها في يوم القيامة إلى النبي الأعظم والأنبياء والمرسلين وغيرهم فأين تكون خصوصيتها وإظهار قدر صاحبها ؟

والجواب : في الشفاعة نفسها.

بمعنى:

1 . تعذر حصولها بسهولة بل انها من الامتيازات المخصوصة والنادرة التي يتطلب الحصول عليها حظوة خاصة وجهداً وجهاداً عسيراً كما دلت عليه هذه الآيات :

أ: «لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن أتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»(1).

ص: 165


1- سورة مريم، الآية : 87

ب : «يَوْمَيذٍ لَّا تَنَفَعُ الشَّفَعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا»(1).

ج: «وَلَا تَنفَعُ الشَّفَعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ»(2).

فهذه الآيات الثلاث تحدد ثلاث ميزات يلزم توفرها بالشافع كي يمنح منزلة الشفاعة، وهي :

«ان له عند الرحمن عهداً»، «مأذون من الله»، «مرضي القول عند الله» وهذه الميزات الثلاث من أعسر الأمور التي يعجز تحققها مع ما فرض على الإنسان من تكاليف شرعية غاية الجهد في تحصيلها يحقق النجاة لفاعلها يوم القيامة، ومن ثم يحتاج الإنسان إلى خصوصية خاصة وخطر عظيم وجاه وحظوة عند الله تعالى الذي تجلى عن أن يكون له صاحب وتنزه عن أن يكون له شريك وهو العزيز الحكيم

2 . إن أهمية الشفاعة وخطورتها وعظمتها تكمن فيما يراه الإنسان من أهوال وصعوبات وعسر وشدة خلال مرحلة انتقاله من الدنيا إلى الآخرة فمنذ الاحتضار وسكرات الموت والنزول إلى القبر ومجريات البرزخ والنشور والبعث والحساب والصراط والميزان وتطاير الكتب والمسألة وغيرها من مجريات هذه المرحلة تجعل الإنسان يوقن بأهمية الشفاعة وخطورتها وعظمتها فضلاً عن النتائج التي تترب عليها في السعادة الأبدية أو الشقاوة الأبدية؛ ومن ثم بها يظهر قدر صاحب الشفاعة ويظهر قدره أكثر حينما يكون المشفع شافعاً.

ص: 166


1- سورة طه، الآية : 109
2- سورة سبأ، الآية : 23

وعليه : أرادت بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرف الخلق قدرها من خلال منزلة الشفاعة وأراد الله تعالى إن يظهر شفاعتها بأكثر مما طلبت وذلك ان الله عز وجل جزيل الإحسان ودائم الفضل والمنة على أوليائه فكان إظهاره جل شأنه لقدر فاطمة في أن يكون المشفع بها صاحب شفاعة وهذا قمة الظهور أمام الخلائق بما لها من القدر عند الله تعالى.

وكان ما جاء في الأمثال - ولله المثل الأعلى – (ألف عين لأجل عين تكرم) متحققاً في شفاعة فاطمة يوم القيامة، ولذلك : يقول الإمام الصادق عليه السلام وهو يقسم بالله تعالى :

«والله لا يبقى في الناس إلا شاك، أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى:

«فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»(1).

ومما يدل على ان لشفاعتها خصوصية خاصة يوم القيامة ما ورد من الإمام الصادق عليه السلام وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وهي كما يأتي :

1 . روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله :

«ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها.

ثم قال: يا فاطمة أبشري، فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك

ص: 167


1- سورة الشعراء ، الآيتان : 100 و 101

وشيعتك، فتشفعين يا فاطمة لو أن كل نبي بعثه الله وكل ملك قربه الله شفعوا في مبغض لك غاصب لك ما أخرجه الله من النار أبداء»)(1).

2 . وعن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول :

«دخلت يوما منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وفاطمة بين يديه وهو يقول يا حسن ويا حسين أنتما كفتا الميزان وفاطمة لسانه ولا تعدل الكفتان إلا باللسان ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة ثم التفت إلي فقال يا أبا الحسن أنت توفي المؤمنين أجورهم وتقسم الجنة بينهم وبين شيعتك»)(2).

المسألة الخامسة:

كيفية دخولها إلى جنتها وتعظيم أمرها في الجنان

إنّ من الأمور البديهية التي تقود الذهن إلى الإقرار دون روية أو تأمل هو إكرام الله تعالى لأهل جنته، ولعل تلك التشريفات القدسية التي رافقت فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها هي من العناصر التي تجعل العقل يتسالم على تعظيم منزلتها في الجنة وتفخيم شأنها وكيف لا وهي أحد عناوين طاعة الله تعالى وحجته على خلقه.

ولذا نجد أن الروايات الشريفة تكشف عن هذه المنزلة في الجنة فتبدأ من الدخول حيث تشريفات أخرى لتنتهي ببيان جنتها وقصرها وبعض أحوالها، فكانت كالآتي :

ص: 168


1- العدد القوية : ص 225
2- کشف الغمة : ج 1 ، ص 506
أولاً : كيف يكون حالها عند أول دخولها إلى الجنة ؟ وما سبب تشفعها لمن أدخل الناروهي في الجنة

روى فرات الكوفي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام في كيفية دخول فاطمة إلى الجنة وبعض أحوالها عند الدخول، أنه عليه السلام قال :

«فإذا دخلت إلى الجنة ونظرت إلى ما أعد الله لها من الكرامة قرأت:

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنْ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورُ (34) الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ، لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبُ».

قال: فيوحي الله عز وجل إليها: يا فاطمة سليني أعطك، وتمني علي أرضك فتقول: إلهي أنت المنى وفوق المنى، أسألك أن لا تعذب محبي ومحبي عترتي بالنار، فيوحي الله إليها : يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار»(1) .

إن لدخول فاطمة عليها السلام إلى الجنة ميزة خاصة كحالها في يوم القيامة الذي تميز بميزات عديدة كما مرّ بيانه، هذه الميزة في الدخول هي تجدد سؤالها من الله تعالى في شفاعة محبيها وشيعتها وهذا يكشف عن جملة من الأمور، منها :

1 . ان لها شفاعة عظيمة ومتجددة ولعل تجدد شفاعتها حتى بعد دخولها إلى الجنة يكشف عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسن والحسين عليهما السلام :

«ولأمكما الشفاعة الكبرى»

ص: 169


1- تفسير فرات الكوفي : ص 444 . بحار الأنوار: ج 27 ، ص 140 . البرهان في تفسير القرآن للبحراني : ج 4 ، ص 553

والسبب ان محل الشفاعة في العادة - كما هو مستفاد من الروايات - يكون في ساحة المحشر ومثل الحساب والدخول إلى الجنة الا اننا نجد ان بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجدد طلبها وسؤلها من الله تعالى بالشفاعة لمحبيها ومحبي ذريتها وهذا يدل على :

انها قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى : ان الله تعالى جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، بل هو عين رحمة الله تعالى وفاطمة قلب هذه الرحمة فمحلها منها محل القطب من الرحى. ولذا تجدد طلبها في شفاعة محبيها ومحبي ذريتها.

2 . إنّ الظاهر في هذه الرواية انها تشفع إلى أولئك الذي كان حبهم لها ولأولادها لفظياً وليس قلبياً فكان حالهم ان لم يشملهم عطفها ورأفتها ورحمتها بهم وذلك لأنهم لم يحبوا فاطمة وأولادها بقلوبهم ومما يدل عليه ما ورد في الحديث السابق عند رجوعها إلى المحشر لتلتقط شيعتها فيأتيها النداء :

«يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك او لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة».

فهؤلاء هم أهل رتبة المحبة القلبية لفاطمة وذريتها وشرافتهم انهم استحقوا شفاعتها قبل دخولها إلى الجنة حينما كانوا في ساحة المحشر ، اما أولئك الذين كانوا أهل المحبة اللسانية أو اللفظية فان فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها لن تنساهم فانها تتشفع لهم فتقول :

«إلهي أنت المنى وفوق المنى أسألك أن لا تعذب محبي ومحبي عترتي بالنار».

ص: 170

فتكون هذه الشفاعة متأخرة على الأولى وذلك لمنزلة أهل المحبة القلبية وهم شيعتها وتقدمهم على أهل المحبة اللسانية.

ثانياً : تباشر أهل الجنان بها وجلوسها على كرسي من نور في جنة الفردوس فيجلسون حولها روى علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يظهر فيه مجريات يوم القيامة وما أعد الله تعالى لفاطمة في هذا اليوم، فمما جاء فيه، أنه قال :

فيتباشر بمجينها أهل الجنان. فتجلس على كرسي من نور، ويجلسون حولها. وهي جنة الفردوس التي سقفها عرش الرحمان، وفيها قصران قصر أبيض وقصر أصفر من لؤلؤة على عرق واحد، في القصر الأبيض سبعون ألف دار، مساكن محمد وآل محمد. وفي القصر الأصفر سبعون ألف دار، مساكن إبراهيم وآل إبراهيم، ثم يبعث الله ملكا لها لم يبعث لأحد قبلها ولا يبعث لأحد بعدها. فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: سليني. فتقول: هو السلام، ومنه السلام، قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، وفضلني على سائر خلقه، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي وحفظهم في فيوحي الله إلى ذلك الملك من غيرأن يزول من مكانه، أخبرها أني قد شفعتها في ولدها وذريتها ومن ودهم فيها، وحفظهم بعدها، فتقول: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن، وأقر عيني فيقر الله بذلك عين محمد(1).

والرواية تكشف عن تجدد طلبها في الشفاعة وهذا كما قلنا مما اختصت به فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها حتى تكاد تجمع هذه

ص: 171


1- مسائل علي بن جعفر عليه السلام : ص 345 ، دلائل الإمامة لابن جرير الطبري : ص 154

الأحاديث على حقيقة واحدة : انها صاحبة الشفاعة الكبرى وذلك لتجددها في مواضع عدة وعدم انحصارها في يوم المحشر حيث تنص الروايات على ذلك لاسيما فيما يتعلق بصاحب الشفاعة العظمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي الشفاعة للأمة.

إذ الملاحظ ان الشفاعة هي من مختصات يوم القيامة حيث يلوذ الخلق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابتداءً من الأمم السابقة وانتهاء بأمته أو العكس فيقدم المسلمون لهذه الشفاعة ويؤخر غيرهم التماساً من سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه :

فإن الشفاعة التي تطلبها فاطمة هنا : هي خاصة لأولاد الحسن والحسين وما انحدر عنهم من أبناء وأحفاد وهم ذرية فاطمة صلوات الله عليها، ومن ثم تسأل الشفاعة كذاك في هذا الموضع أي من جنة الفردوس إلى من ودّ أولادها وهم المسلمون الذين أوجب الله عليهم المودة في القربى فمن ودهم وحفظهم لأجل فاطمة استحق شفاعتها من هذا المكان فيشفعها الله فيهم.

ثالثاً :
إقامة التعزية على ولدها الحسين في قصرها في جنة الفردوس فتكون بركة التعزية الشفاعة

روى فرات الكوفي عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدت الحسن قائما والحسين نائما مقطوع الرأس

ص: 172

فتقول للحسن: من هذا ؟ فيقول: هذا أخي ان أمة أبيك قتلوه وقطعوا رأسه، فيأتيها النداء من عند الله يا بنت حبيب الله إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك اني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه واني جعلت تعزيتك اليوم أني لا أنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي أنت وذريتك وشيعتك ومن أولاكم معروفا ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن والاها معروفا ممن ليس من شيعتها فهو قول الله عز وجل:

«لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» .

قال: هول يوم القيامة

«وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ»(1).

هي والله فاطمة وذريتها وشيعتها ومن والاهم معروفا ممن ليس هو من شيعتها.

والحديث الشريف يكشف عن جملة من الحقائق وهي كالآتي :

1. لم تزل فاجعة الإمام الحسين عليه السلام هي الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي نزلت برسول الله وابنته وزوجها وأولادها وذريتها وشيعتها؛ ولأنها بمستوى التفرد فيما أصيب به الأنبياء من الابتلاءات إلا أن هذه المصيبة استحقت أن تكون مرتبطة بالله تعالى ولذا أقام التعزية سبحانه على الحسين في دار فاطمة وهي في جنة الفردوس.

ص: 173


1- سورة الأنبياء، الآية : 102

2 . إن سؤالها من الإمام الحسن عليه السلام من هذا ؟ ! يكشف عن انها لم تعرفه وذلك لما نزل به من الجراحات من طعن الرماح وضرب السيوف، ورمي السهام وغيرها، فضلاً عن أنه عليه السلام مقطوع الرأس.

3. لقد جرت العادة في مجالس التعزية على سيد الشهداء عليه السلام أن يقدم للخطيب أو قارئ التعزية بركة من المجلس، وكذاك يقدم للزائرين، فأراد الله سبحانه أن يقدم للزهراء لكونها صاحبة العزاء بركة فكانت شفاعتها.

4 . يظهر هذا الحديث الشريف شرافة فاطمة ومنزلتها كما يظهر ان الشفاعة التي مرت ضمن مراحل انما تكون قبل محاسبة العباد فتدخل فاطمة وذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً من هو ليس من شيعتها الجنة والناس بعد لم يحاسبهم الله تعالى وقوفاً في ساحة المحشر.

وعليه :

تكون شفاعتها متعددة في يوم القيامة وذلك حسبما دلت عليه الأحاديث الشريفة.

الشفاعة الأولى: عند باب الجنة

وذلك حينما تلتفت إلى ساحة المحشر فتكون هذه الشفاعة لشيعتها ومحبيها وفيها يظهر الله تعالى إلى الخلائق قدر شيعتها وتشفعهم في غيرهم في هذا اليوم.

الشفاعة الثانية: عند دخولها الجنة

وهي خاصة بمن أحب فاطمة بلسانه كما مرّ بيانه.

ص: 174

الشفاعة الثالثة: عند دخولها قصرها وإقامة المأتم على ولدها الحسين

إن الشفاعة الثالثة تكون عند دخولها قصرها وإقامة التعزية على ولدها الحسين عليه السلام وهو خاص لذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً ممن هو ليس من شيعتها وهذه الشفاعات تكون قبل ان يحاسب الله الناس يوم القيامة ضمن مراحل زمنية لا يعلمها إلا الله تعالى.

رابعاً : صفة جنتها التي بناها الله لها ولعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما

روى الطبراني والهيثمي وغيرهما (عن عبد الله بن مسعود قال :

سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم في غزوة تبوك يق-ول ونحن نسير معه:

«إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي ففعلت؛ قال جبريل عليه السلام: إن الله بنى جنة من لؤلؤة قصب بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب وجعل سقوفها زبرجدا أخضر وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت ثم جعل عليها غرفا لبنة من فضة ولبنة من ذهب ولبنة من در ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد ثم جعل فيها عيونا تنبع في نواحيها وحفت بالأنهار وجعل على الأنهار قبابا من در قد شعبت بسلاسل الذهب وحفت بأنواع الشجر وبني في كل غصن قبة وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء غشاؤها السندس والاستبقى وفرش أرضها بالزعفران وفتق بالمسك والعنبر وجعل في كل قبة حوراء والقبة لها مائة باب على كل باب حارسان وشجرتان في كل قبة مفرش وكتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي.

ص: 175

قلت: يا جبريل لمن بنى الله هذه الجنة؟ قال: بناها لفاطمة ابنتك وعلي بن أبي طالب سوى جنانها تحفة أتحفها وأقر عينيك يا رسول الله» ) (1) .

خامساً : إن جبل العقيق الأصفر مطل على دار فاطمة في الجنة

روى الشيخ الطوسي رحمه الله : عن علي بن النعمان عن بشير الدهان قال : (قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك أي الفصوص اركبه على خاتمي ؟ فقال عليه السلام :

«يا بشير أين أنت عن العقيق الأحمر والعقيق الأصفر والعقيق الأبيض؟ فإنها ثلاثة جبال في الجنة، فأما الأحمر فمطل على دار رسول الله صلى الله وآله وسلم، وأما الأصفر فمطل على دار فاطمة صلوات الله عليها، وأما الأبيض فمطل على دار أمير المؤمنين عليه السلام، والدور كلها واحدة يخرج منها ثلاثة أنهار من تحت كل جبل نهر أشد بردا من الثلج وأحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن لا يشرب منها إلا محمد وآله وشيعتهم، ومصبها كلها واحد، ومجراها من الكوثر، وان هذه الثلاثة جبال تسبح الله وتقدسه وتمجده وتستغفر لمحبي آل محمد صلى الله عليه وآله، فمن تختم بشيء منها من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله لمير إلا الخير والحسنى والسعة في رزقه والسلامة من جميع أنواع البلاء وهو في أمان من السلطان الجائر ومن كل ما يخافه الإنسان ويحذره») (2).

ص: 176


1- المعجم الكبير للطبراني : ج22، ص 409. مجمع الزوائد للهيثمي : ج 9، ص 205. مناقب آل أبي طالب : ج 3، ص 114 . تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : ج 42 ، ص 130 . بحار الأنوار: ج 43 ، ص 41
2- أمالي الطوسي : ص 38 - 38
سادساً : بعض أحوالها في الجنة

روی محمد بن سليمان الكوفي، والشيخ الصدوق، والثعلبي والقرطبي، وغيرهم عن ابن عباس انه قال:

(فبينا أهل الجنة في الجنة، إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة يا رب إنك قلت في كتابك :

«لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا» (1).

فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرائيل فيقول :

«ليس هذه الشمس، ولكن علياً وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما») (2).

وبهذا الحديث نكون قد انهينا هذا المبحث وما ذلك الا بفضل الله ولطفه ومنه.

هذا وفاطمة عليها السلام تحصى النجوم ولا تحصى فضائلها، وكيف يطمع في إحصاء فضائل سيدة نساء العالمين، وبضعة سيد الأولين والآخرين، ولم يترك صلى الله عليه وآله وسلم ولداً سواها، وانقطع نسله الشريف إلا منها» (3).

ص: 177


1- سورة الإنسان الآية : 13
2- مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي : ج 1 ، ص 184 . الأمالي للصدوق : ص333 تفسير الثعلبي : ج 10، ص 102 . تفسير القرطبي : ج 19، ص 138. نهج الإيمان لابن جبر: ص 175
3- بهجة الأخيار في حلية النبي المختار ، (مخطوط) من تصنيف حسن بن عبد الله بن محمد البخشي المتوفى سنة 1190 ه_؛ والمخطوط يرقد في مكتبة الأسد بدمشق الشام ويحمل الرقم (14388)

ص: 178

الفَصل الثَّالِث

بَعضُ شُؤُونِ فَاطِمَة علیهاالسّلام وَ خَواصهَا

ص: 179

ص: 180

المبحث الأول:

أسماؤها

لفاطمة صلوات الله عليها مجموعة من الأسماء دل-ت عليها الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام وهي كالآتي :

قال عليه السلام :

«لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجل، فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والمرضية، والمحدثة، والزهراء»(1) .

ولا شك أن هذه الأسماء التي سميت بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كانت لصفة من صفاتها التي كانت تتصف بها مما جعلها سبباً لهذا الاسم أو ذاك.

المسألة الأولى :

إنها فاطمة عليها السلام

فأما فاطمة : فقد تناولنا الأسباب التي جعلت بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتصف بهذا الاسم وتسمى به في الجزء الثاني من الكتاب عند ولادتها لكن

نضيف هنا : أن لهذا الاسم آثاراً خاصة كشفتها الروايات الشريفة، وهي :

ص: 181


1- الأمالي للصدوق : ص 592 ؛ الخصال : ج2، ص 414؛ دلائل الإمامة : ص 10؛ كشف الغمة : ص 463 ؛ العدد القوية : ص 226
ألف: إن التسمية بفاطمة ينفي الفقر عن الدار

1 - روى الكليني، عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :

«لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء»(1).

2 - وعن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن بكر ابن صالح عن سليمان الجعفري قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :

لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء» (2).

3 - وعن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن سليمان بن جعفر الجعفري قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :

«لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد وأحمد وعلي والحسن والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء عليهم السلام»(3).

باء: التسمية بفاطمة لها حقوق عند أبيها

إن المستفاد من الأحاديث الشريفة في آثار التسمية بفاطمة عليها السلام أن التسمية بهذا الاسم يترتب عليها عند والد الفتاة حقوق خاصة.

ص: 182


1- الكافي : ج 6 ، ص 19
2- وسائل الشيعة : ج 21 ، ص 396
3- التهذيب : ج 7، ص 438

فعن علي بن محمد عن ابن جمهور عن أبيه ( عن فضالة بن أيوب عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب فقال لي :

«يا سكوني ما غمك؟».

فقلت له ولدت لي بنت فقال لي :

«يا سكوني على الأرض تقلها وعلى الله رزقها تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك».

فسرى والله عني، فقال :

«ما سميتها؟».

فقلت : فاطمة ، فقال :

«آه، آه».

ثم وضع يده على جبهته فقال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفره ،أمه، ويستحسن اسمه ويعلمه كتاب الله عز وجل، ويطهره، ويعلمه السباحة؛ وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها، ويستحسن اسمها، ويعلمها سورة النور ولا يعلمها سورة يوسف عليه السلام، ولا ينزلها الغرف، ويعجل سراحها إلى بيت زوجها أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها»)(1).

ص: 183


1- التهذيب : ج 8، ص112

المسألة الثانية:

إنها الزهراء عليها السلام

إنها الزهراء عليها السلام(1)

الزهراء، وهو من أشهر أسمائها بعد فاطمة حتى أصبح ملاصقاً لها فما إن قيل فاطمة حتى أردف بالزهراء ؛ وقيل في فقه اللغة : إن الإنسان إذا كان أبيض بياضاً محموداً أدنى صفرة كلون القمر والدر فهو أزهر وفي حديث أنس في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (كان) أزهر ولم يكن أمهق أي شديد البياض) (2).

أما السبب وراء اتصافها وتسميتها بالزهراء، فقد وردت عن العترة النبوية بعض الأحاديث الكاشفة عن ذلك، وهي كالآتي :

ألف: بنورها زهرت السماوات السبع والأرضون السبع

عن سلمان الفارسي قال : (كنت جالساً عند النبي المكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلم فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ورحب به فقال : يا رسول الله بم فضل علينا علي بن أبي طالب عليه السلام أهل البيت والمعادن واحدة ؟ فقال له النبي المكرم صلى الله عليه وآله وسلم :

«إذاً أخبرك يا عم إن الله تبارك وتعالى خلقني وخلق عليا ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم.

ولما أراد الله تعالى بدو خلقنا فتكلم بكلمة فكانت نورا ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحا فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعليا منهما.

ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجل من نور العرش.

ص: 184


1- ذكرها بهذا الاسم : ابن حجر في الاصابة : ج 8، ص 53 ، ط دار الجيل؛ درر السمط في خبر السبط : ص 67
2- فقه اللغة للثعالبي : ج 1 ، ص 14

ثم فتق من نور علي نور السماوات، فعلي أجل من نور السماوات.

ثم فتق من نور الحسن نور الشمس؛ ومن نور الحسين عليه السلام نور القمر فهما أجل من نور الشمس ومن نور القمر.

وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه وتقول في تسبيحها : سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى.

فلما أراد الله جل جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا ؟ فقال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة عليها السلام يومنذ كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ومن أجل ذلك سميت فاطمة (الزهراء).

وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه فقال الله عزّ وجل: وعزتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها»(1) .

باء : إن الله تعالى خلقها من نور عظمته

عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال :

«لأن الله عزّ وجل خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض

ص: 185


1- إرشاد القلوب للديلمي : ج 2، ص 403

بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة الله ساجدين وقالوا الهنا وسيدنا ما لهذا النور فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سماني خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبياني أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقي وأجعلهم خلفاني في ارضي بعد انقضاء وحيي»(1).

جيم : إنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام

عن أبان بن تغلب قال : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام يا ابن رسول الله لم سمّيت الزهراء عليها السلام زهراء ؟ فقال :

«لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور.

كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة.

فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام.

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة عليها السلام فأشرق

ص: 186


1- علل الشرايع للصدوق : ج 1، ص 179 ؛ دلائل الإمامة : ص 54

وجهها بالحمرة فرحا وشكر الله عز وجل فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام.

فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام»)(1).

ويستفاد من الحديث بعض الأمور ، وهي :

1 - لا شك أن السياق العام للحديث يقتضي وجود أمير المؤمنين عليه السلام في الدار كي يتمكن القادم إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام من الاستئذان والدخول ولكونه من الأمور البديهية لدى حياة الناس فلم يتعرض الإمام لذكره وبيانه في أثناء الحديث.

2 - إن القادم إلى بيت علي عليه السلام لكي يدخل إلى بيت فاطمة عليها السلام ليرى ذلك النور إنما قدم بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا : نجد من البديهي الذي عليه حياة أمير المؤمنين عليه السلام أنها قائمة على الامتثال لأمره صلى الله عليه وآله وسلم، أي: يكون أمر الدخول إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام قد حصل بالملازمة لطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - لا شك أن خروج هذا النور ودخوله إلى بيوت القوم وبتلك الكيفية التي

ص: 187


1- علل الشرايع : ج 1، ص 181 - 182

أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام إنما كان الغرض منه إرشاديّاً كي يعلم الناس ما لفاطمة من الشأنية عند الله ومثاله مثال مريم ابنة عمران عليها السلام حينما اقتضت الضرورة والحكمة الإلهية في إظهار منزلتها للناس لغرض حفظ حرمتها وعدم التعرض لتلك الحدود الإلهية.

4 - كي يعلم الناس أن فاطمة عليها السلام هي المخصوصة بحمل نور الأئمة كما كانت مريم مخصوصة بنور النبوة، ولذا لما ولدت فاطمة عليها السلام الإمام الحسين ذهب النور منها إلى ولدها الإمام الحسين عليه السلام وذلك أن الإمامة في صلبه فعلم الناس حينها لما وجدوا أن هذا النور الزاهر قد انقطع من الظهور في بيوتهم عند ولادة الإمام الحسين عليه السلام؛ أي إنه هو المخصوص بحمل هذا النور نور الإمامة من بعده.

وهذا كله لغرض إلزام الحجة على الناس في البيان والتذكير والبشارة والوعد والوعيد في أن هذا البيت وأهله هم أهل بيت النبوة والإمامة والقرآن، أي الشريعة.

دال : إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء

روى الصدوق عن محمد بن عمارة عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عن فاطمة لم سمّيت زهراء؟، فقال:

«لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض»(1).

ص: 188


1- معاني الأخبار للصدوق : ص 64
هاء : لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

ذكر المناوي أن السبب في تسميتها بالزهراء: «لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم»(1) .

المسألة الثالثة: إنها البتول

و مما سميت به فاطمة عليها السلام من الأسماء واتصفت بها : (البتول).

وأصل (البتول) في اللغة من التبتل : وهو الانقطاع عن النكاح(2) ، وهو القطع، ولهذا قيل : بتلْتُ الشيء أي قطعته ومنه قيل في الصدقة يبينها الرجل من ماله : صدقة بتّة بتلة ، أي : قطعها صاحبها من ماله وبانت منه (3).

(وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم وبها سميت مريم أم المسيح عليهما السلام وسميت فاطمة البتول : لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً ودينا وحسباً وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى) (4).

وقد كشفت الروايات الشريفة عن معان أخرى غير ما ورد في اللغة لهذا الاسم، وهي كالآتي :

1 - روى الكليني عن عبد الصمد بن بشير قال : (دخلت امرأة على أبي عبد الله عليه السلام فقالت : أصلحك الله إني امرأة متبتلة ، فقال :

«وما التبتّل عندك؟».

ص: 189


1- إتحاف السائل للمناوي : ص 24
2- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير : ج 1 ، ص 94
3- غريب الحديث لابن سلام : ج 4 ، ص 19
4- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير : ج 1 ، ص 94

قالت : لا أتزوج ، قال :

«وَلِمَ؟» .

قالت: ألتمس بذلك الفضل، فقال :

«انصرفي فلو كان ذلك فضلا لكانت فاطمة عليها السلام أحقّ به منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل»)(1).

2 - وعن علي عليه السلام قال : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل ما البتول، فإنا سمعناك يا رسول الله تقول إن مريم بتول وفاطمة بتول ؟ فقال :

«البتول التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض؛ فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء» (2).

3 - وروى ابن شهر آشوب، قال: (سمیت مريم بتولاً لأنها بتلت عن الرجال، وسميت فاطمة بتولاً لأنها بتلت عن النظير) (3).

4 - ويكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة في أن السبب في كونها بتولا ، لا ترى ما تراه النساء، عائد إلى كونها مخلوقة من ثمار الجنة، فيقول لها :

«يا حميرا - وهي نقيض البتول : إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون»(4).

ص: 190


1- الكافي للكليني : ج 5 ، ص 509
2- كشف الغمة : ص 4464 معاني الأخبار للصدوق : ص 64 ؛ علل الشرايع للصدوق : ج 1، ص 181؛ دلائل الإمامة : ص 54
3- المناقب لابن شهر آشوب : ج 3، ص330
4- المعجم الكبير للطبراني : ج 22 ، ص 401 ؛ مجمع الزوائد : ج 9، ص 202

5- وقيل هي المنقطعة عن أقرانها في الفضل(1).

ومن البديهي أننا لا نستطيع أن نقف على المعنى الحقيقي لهذه الصفة التي اتصفت بها فاطمة عليها السلام إلا من خلال الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام .

المسألة الرابعة: إنها الحوراء

وفيما ورد من أسمائها التي سميت بها : (الحوراء) وللاسم معنىّ لغويٌّ ذكره أهل اللغة في معاجمهم، فقال الفراهيدي : (الحور : شدة بياض العين وشدة سوادها، ولا يقال : امرأة حوراء إلا لبيضاء مع حورها والجميع : حور) (2).

وقيل للنساء الحواريات لبياضهن (3).

وقال ابن السكيت : الحور: شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض جلد الجسد ؛ ويقال : للبيضاء حَوْرَاءُ لا يقصد بذلك حور عينيها(4).

أما ما ورد في الأحاديث الشريفة فله معنى آخر غير الذي جاء به أهل اللغة وهو كالآتي :

1 - روى الصدوق : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها

ص: 191


1- تفسير السمعاني : ج 6 ، ص 80
2- كتاب العين : ج 3، ص 288
3- الصحاح للجوهري : ج 2، ص 639
4- المخصص لابن سيدة : ج 1 ، ق1، ص98

فأكلتها فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، وفاطمة حوراء إنسية، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي»(1).

2 - روى محمد بن سليمان الكوفي، عن الشعبي يقول : سمعت الحارث الأعور قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

«ليلة عرج بي إلى السماء فرك لي جبرائيل فركة من شجرة طوبى فنزلت إلى الأرض فواقعت خديجة ابنة خويلد فعلقت بابنتي فاطمة، فهي حوراء إنسية لا يخرج منها الأذى كما يخرج من النساء»(2).

3 - روى ابن أبي حاتم الشامي قائلاً : قال سليمان الأنصاري: كنا جلوساً في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل علي عليه السلام فتحضر له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، وكان له عشرة أيام منذ دخل بفاطمة عليها السلام، فقال له :

«ألا أخبرك في عرسك شينا».

قال عليه السلام :

«إن شئت فافعل صلى الله عليك».

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«هذا أخي جبرائيل عليه السلام قال: تشاجر آدم وحواء عليهما السلام في الجنة، فقال آدم عليه السلام؛ يا حواء ما هذه المشاجرة؟ فقالت: يقع لي أن ما خلق الله تعالى

ص: 192


1- الأمالي للشيخ الصدوق : ص 546 ؛ الاحتجاج للطبرسي : ج2، ص191
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : ج 2، ص191

خلقا أحسن مني ومنك، فأوحى الله تعالى إليه بأن يا آدم طف الجنة فانظر ماذا ترى؟ قال: فبينا آدم عليه السلام يطوف في الجنة إذ نظر إلى قبة بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها، داخل القبة شخص على رأسه تاج، في عنقه خناق، في أذنيه قرطان، فخر آدم ساجدا الله تعالى، فأوحى الله إليه: يا آدم ما هذا السجود وليس موضعك موضع سجود ولا عبادة؟

فقال آدم: يا جبرائيل ما هذه القبة التي ما رأيت أحسن منها ؟

فقال جبرائيل عليه السلام: إن الله عز وجل قال لها كوني فكانت.

قال آدم عليه السلام: فمن هذا الشخص الذي داخلها ؟

قال: شخص جارية حوراء إنسية تخرج من ظهر نبي يقال له محمد.

قال: فما هذا التاج الذي على رأسها ؟

قال: هو أبوها محمد.

قال: فما هذا الخناق الذي في عنقها ؟

قال: بعلها علي بن أبي طالب.

قال: فما هذان القرطان اللذان في أذنيها ؟

قال: هما قرطا العرش وريحانتا الجنة ولداها الحسن والحسين.

قال: فكيف ترد يوم القيامة هذه الجارية؟

قال: إن الله تعالى يقول: ترد على ناقة ليست من نوق دار الدنيا، رأسها من بهاء الله ومؤخرها من عظمة الله وعظامها من رحمة الله، وقوائمها من خشية الله، ولحمها وجلدها معجونان بماء الحيوان، قال الله تعالى له (كن) فكان يقود زمام الناقة سبعون ألف صف من الملائكة، كلهم ينادون: غضوا

ص: 193

أبصاركم يا أهل الموقف حتى تجوز الصديقة سيدة النساء فاطمة الزهراء»)(1).

ونلاحظ في الحديث أن اسمها في الجنة بالحوراء الإنسية كما رآها آدم عليه السلام ؛ وهي أفضل من حواء وذلك أن سبب تحرك آدم عليه السلام في الجنة كان للبحث عن إجابة للسؤال الذي سألته حواء عن وجود امرأة أفضل منها .

المسألة الخامسة: إنها الطاهرة

لاشك أن هذه الصفة هي مما نص عليها القرآن الكريم في محكم كتابه في قوله تعالى :

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).

فهي الطاهرة بإرادة الله تعالى في أهل بيت النبوة وهم (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومون من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

وهي الإرادة التكوينية التي ينفرد بها أهل البيت عليهم السلام عن بقية ولد آدم وليست الإرادة التشريعية التي يشترك فيها جميع أهل الشرائع السماوية التي أنزلها الله تعالى.

وفضلاً عن هذه الآية المباركة فقد ورد عن الصادق علیه السلام معنی آخر يدلل على حقيقة خاصة تسير جنباً إلى جنب مع ما نص عليه القرآن الكريم منها :

ص: 194


1- الدر النظيم لابن أبي حاتم الشامي : ص 459؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني : ج2، ص11؛ شرح العينية الحميرية للفاضل الهندي : ص 122
2- سورة الأحزاب، الآية : 33

1 - روى الشيخ الطوسي عن (أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«حرّم الله عزّ وجل النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة عليها السلام حية». قلت : فكيف؟ قال :

«لأنها طاهرة لا تحيض»)(1).

المسألة السادسة: إنها المحدثة

تكشف الروايات الشريفة عن السبب في تسمية فاطمة ب_ (المحدثة) يعود إلى كونها تحدثها الملائكة وهي ليست نبية، إذ النبوة ختمت بأبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهي كالآتي :

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

«إنما سميت فاطمة عليها السلام ،محدثة، لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها.

فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عزّ وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»)(2) .

ص: 195


1- تهذيب الأحكام للطوسي : ج 7، ص 475 ؛ الأمالي للطوسي : ص 44؛ المناقب لابن شهر : ج3، ص 110
2- علل الشرائع للصدوق : ج 1، ص 182

2 - وروى الصفار عن سليم الشامي قال : سألت محمد بن أبي بكر قلت كان علي عليه السلام محدّثا ؟ قال :

«نعم».

قلت : وهل يحدث الملائكة - غير - الأنبياء؟ قال :

«نعم، وفاطمة كانت محدثة ولم تكن نبيّة»)(1) .

المسألة السابعة: سمّيت في التوراة ب_(هليون)

ومما نصت عليه الرواية الشريفة أن فاطمة والحسن والحسين وعلياً ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وردت أسماؤهم في التوراة، كما نص على ذلك الشيخ المفيد قائلاً :

(قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«إنّ أول ما في التوراة مكتوب محمد رسول الله وهي مما أساطه».

ثم صار قائما ثم تلا هذه الآية :

«يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجيل ...» (2).

ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد». وأما الثاني والثالث والرابع فعلي وفاطمة وسبطاهما، وهي سيدة نساء العالمين في التوراة إيليا وشبرا وشبيرا وهليون يعني فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام») (3).

ص: 196


1- بصائر الدرجات: ص392
2- سورة الأعراف الآية : 157
3- الاختصاص للمفيد : ص37

المبحث الثاني: كنيتها وألقابها

المسالة الأولى: كنيتها

لفاطمة عليها السلام بعض الكنى التي كنيت بها، وهي :

(أم الحسن، أم الحسين، أم المحسن، أم السبطين، أم الريحانتين، أم الخيرة، أم البررة، أم الأزهار، أم الأخيار، أم النجباء، أم الأئمة المعصومين) (1).

إلّا أن أشهر ألقابها هو : أم أبيها (2).

ومعنى الكنية في اللغة : كناية : تكلم بما يستدل به عليه أو أن تتكلم بشيء وأنت تريد غيره أو بلفظ يجاذبه جانبا حقيقة ومجاز، وزيدا أبا عمرو و به كنيته

ص: 197


1- الخصائص الفاطمية للكجوري : ج1، ص 113
2- الإصابة لابن حجر : ج 8، ص 53 ، برقم 11583 ؛ درر السمط في خبر السبط ؛ تهذيب التهذيب لابن :حجر ج6 ، ص 554 ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج22، ص 397، برقم 985، عن المدائني؛ مجمع الزوائد للهيثمي : ج 9، ص 339؛ العقد الثمين : ج 1، ص 271؛ سيرة مغلطاي : ص99، ط دار القلم ؛ إتحاف السائل للمناوي : ص 25؛ المنتقى في سرد الكنى للذهبي: ج 2، ص 197 ، برقم 6946؛ سير أعلام النبلاء : ج 2، ص 119 ، ط مؤسسة الرسالة ؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 35، ص 247، ط دار الرسالة التعديل والتجريح لابن سعد الباجي : ج 3، ص 1295 ؛ الاستيعاب : ج 4 ، ص 1899 ، ط دار الجيل ؛ الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر : ج 8، ص 53 ، ط دار الجيل

بالكسر والضم سماه به كأكناه ،وكناه، وأبو فلان كنيته وكنوته ويكسران وهو كنيه، أي: كنيته (1).

(والكنية تقوم مقام الاسم فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه، والكنية من مفاخر العرب وعاداتهم، ولم تكن معروفة عند غيرهم من الأمم، وهم يستعملونها توقيرا وتعظيماً وتكريما للمكنى، ثم صارت متداولة عند العجم حيث صاروا يكنون بعبارات وإشارات خاصة عندهم، بل إن العرب يفضلون الكنية على اللقب.

قال الشاعر :

أكنيه حين أناديه لأكرمه *** ولا ألقبه واسوءة اللقبا

كذاك أدبت حتى صار من خلقي *** إني وجدت ملاك الشيمة الأدبا

وظاهر معنى البيتين أنّ الكنية ممدوحة واللقب مقدوح.

وروي عن أمير المؤمنين :

«إنّ الأطفال كانوا يكنّون منذ الولادة في صدر الإسلام»)(2).

وقال العلّامة المجلسي: الكنية للمولود في المهد علامة الشرف بل هي مستحبّة.

وفي الحديث المعتبر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنّى سيّد الشهداء عليه السلام يوم ولادته بأبي عبد الله .

ص: 198


1- القاموس المحيط للفيروز آبادي : ج 4 ، ص 384
2- الخصائص الفاطمية للكجوري : ج1، ص112

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

نحن الكرام (بنو الكرا *** م) وطفلنا في المهد يكني

إنا إذا قعد اللئا *** م على بساط العز قُمنا

ومنه يعرف ما ذهب إليه العلّامة المجلسي وما هو المشهور.

وعرفوا الكنية بأنه ما كان مصدّراً بأب وأُم وابن مثل (أبو الحسن ، وأُم كلثوم، وابن عبّاس، وابن الحاجب) بل ما كان مصدّراً ب_ (بنت) أيضاً مثل (بنت العنب وبنت الكرم) وغيرها.

وكان العرب يكنّون الرجل باسم ابنته توهيناً له، فيقال (أبو كريمة وأبو رقّيّة وأبو عائشة وأبو أمامة وأبو أسامة) وكان يكنّى عثمان ب_ ( أبي ليلى) وكذا معاوية بن يزيد بن معاوية، وكان المخالفون يكنّون أمير المؤمنين عليه السلام ب_ (أبي زينب).

وقد يكنّون بلحاظ وصف شائع، مثل (أبو اليقظان) كنية الديك بلحاظ استيقاظه ، ومثل (أبو وذحة) كنية الحجّاج بن يوسف الثقفي، والوذحة الخنفساء - ولهذه الكنية قصّة - وكنّي يزيد بن معاوية ب_(أبي زنه) وزنه اسم قرد.

ومن أقبح كنى العرب : أبو الحمراء، وأبو النتن، وأبو البعرة، وأبو لهب كُنّي بذلك لحمرة شديدة في وجهه.

قال أحد المفسّرين في تفسير قوله تعالى :

«فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا ...» (1).

المراد من القول اللين مُخاطبة فرعون بالكنية.

ص: 199


1- سورة طه الآية : 44

وخاطب موسى عليه السلام البحر قائلاً (يا أبا خالد انفلق)، ودعيت الحمّى ب (أُم ملدم) وفي ذلك أسرار.

وقد وضع العرب للحيوانات كنى تجدها كثيراً في (حياة الحيوان)؛

والخلاصة : يجب تعظيم الأسرة المحترمة وإكرام الآل العظماء وذوي البيوتات، ومن أقسام الاحترام والتكريم الشائعة الدعوة بالكنية.

وقد تسقط كلمة الأب بمقتضى الحال ومتطلبات المقام ويُكتفى بذكر الاسم فقط دون سبقه (بأب) أو (أم ) ، كما قال عبد المطلب عليه السلام :

وصيت من كنيته بطالب *** عبد مناف وهو ذو تجارب

والمراد من (طالب) (أبي طالب) واسمه (عبد مناف) وهو من الأعلام المشتركة.

وروي نظير ذلك في حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المكنّى بقاسم يعني (أبو القاسم)، ونظيره ما ورد في كتاب الغيبة في حقّ إمام العصر - أرواحنا له الفداء - حيث روي أنّه كنّي بجعفر والمراد (أبو جعفر).

وكنّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام - بمقتضى الحال لا الماضي ولا الاستقبال - لما رآه نائماً على التراب ب_(أبي تراب) وقال :

«قم يا أبا تراب».

وكانت أحبّ الكنى إليه عليه السلام وكان يفتخر بها، ولنعم ما قاله

ص: 200

الصاحب بن عبّاد(1):

ص: 201


1- ترجم له السيد شرف الدين في مراجعاته فقال : (إسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني ابو القاسم المعروف بالصاحب ابن عباد ذكره الذهبي في ميزانه فوضع على اسمه (دت) رمزا إلى احتجاج أبي داود والترمذي به في صحيحيهما (152) ثم وصفه : بأنه أديب بارع شيعي قلت: تشيعه مما لا يرتاب فيه أحد، وبذلك نال هو وأبوه ما نالا من الجلالة والعظمة في الدولة البويهية، وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء، لأنه صحب مؤيد الدولة بن بويه منذ الصبا فسماه الصاحب، واستمر عليه هذا اللقب حتى اشتهر به ثم أطلق عل-ى ك-ل من ولي الوزارة بعده، وكان أولا وزير مؤيد الدولة أبي منصور ابن ركن الدولة ابن بويه، فلما توفي مؤيد الدولة وذلك في شعبان سنة (373) بجرجان، استولى على مملكته أخوه أبو الحسن علي المعروف بفخر الدولة فأقر الصاحب على وزارته ، وكان معظما عنده، نافذ الأمر لديه، كما كان أبوه عباد بن العباس وزيرا معظما عند أبيه ركن الدولة نافذ الأمر لديه ولما توفي الصاحب - وذلك ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاث مئة بالري عن تسع وخمسين سنة - أغلقت له مدينة الري، واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، وحضر فخر الدولة ومعه الوزراء والقواد وغيروا لباسهم، فلما خرج نعشه صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة، وقبلوا الأرض تعظيما للنعش، ومشى فخر الدولة في تشييع الجنازة كسائر الناس، وقعد للعزاء أياما ورثته الشعراء، وأبنته العلماء، وأثنى عليه كل من تأخر عنه، قال أبو بكر الخوارزمي : نشأ - الصاحب بن عباد - من الوزارة في حجرها، ودب ودرج من وكرها، ورضع أف-اويق درها، وورثها عن آبائه، كما قال أبو سعيد الرستمي في حقه : ورث الوزارة كابرا عن كابر ** موصولة الإسناد بالإسناد يروي عن العباس عباد وزا *** رته وإسماعيل عن عباد وقال الثعالبي في ترجمة الصاحب من يتيمته : ليست تحضرني عبارة أرضاها للافصاح عن علو محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم، وتفرده بالغايات في المحاسن وجمعه أشتات المفاخر، لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه وجهد وصفي - يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه. ثم استرسل في بيان محاسنه وخصائصه (153) وللصاحب مؤلفات جليلة منها كتاب المحيط في اللغة في سبعة مجلدات رتبه على حروف المعجم، وكان ذا مكتبة لا نظير لها . كتب إليه نوح بن منصور أحد ملوك بني سامان يستدعيه ليفوض إليه وزارته وتدبير أمر مملكته، فاعتذر إليه : بأنه يحتاج لنقل كتبه خاصة إلى أربع مئة جمل فما الظن بغيرها، وفي هذا القدر من أخباره كفاية

أنا وجميع من فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب) (1)

(ولقد تناول العلماء في مصنفاتهم المعاني التي تختزنها كنية فاطمة عليها السلام: (أم أبيها).

فقال بعضهم : من الواضح أن المراد من هذا اللفظ هو الاستعمال المجازي وليس المعنى الحقيقي، وعليه كيف نجد المعنى المجازي المناسب دون التورط بمعارض - وهذا أولاً -.

وثانيا : (أمُ) لغة بمعنى القصد كما في (اللهم)، قال تعالى :

«... وَلَا ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ...» (2).

ويقال أم فلان فلاناً ، أي : قصده.

وأصل (أم) : (أمهة) وجمعه (أمهات) وتستعمل غالباً (أمهات) للإنسان، و (أمات) للبهائم، وتصغيرها (أميمة) وهو اسم امرأة، وقد تضاف التاء إلى الأب أو (أم) بدلاً عن الياء، فيقال: يا أبت افعل ويا أمت لا تفعلي) - كما جاء في محكم التنزيل :

«... يَاَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ...» (3)

وقولهم : (لا أم لك) ذم ودعاء وإمام مشتقة من نفس المادة، وهو مَن قصده الخلق وتقدّمهم؛ وفي التفسير الآية الكريمة :

ص: 202


1- خصائص الفاطمية : ج 1 ، ص 112 - 115
2- سورة المائدة، الآية : 2
3- سورة الصافات، الآية : 102

« ...وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ...» (1).

قال : هو الكتاب وفي قوله :

« ...وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِين»(2).

قال : هو الطريق.

والأمام بالفتح هو القدّام.

والغالب استعمالها بمعنى (الأصل ) يقال : (أم الجيش ) وهي كما قال الفخر الرازي : الراية العظمى في قلب الجيش، وهي ملاذ الجيش وملجأ العسكر.

قال قيس بن الحطيم :

عصبنا أمّنا حتى ابذعرّوا *** وصار القوم بعد ألفتهم شلالا

و (أمّ الكتاب) مرّ معناه و (أمّ الطريق) : الطريق الأعظم، و (أمّ الدماغ) - كما في مجمع البيان - المقدّم من كلّ شيء، والجامع منه يقال له (أمّ الرأس)، وقيل (أمّ الدماغ) لأنه مجمع الحواس والمشاعر، ويقال للأرض (أمّ) لأنّها أصل الإنسان منها خرج وإليها يعود، قال تعالى جلّ شأنه:

«أَلَمْ تَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتَا (25) أَحْيَاهُ وَأَمْوَاتَا»(3).

وقال أميّة بن الصلت :

فالأرض معقلنا وكانت أمنّا *** فيها مقابرنا وفيها نولد

ص: 203


1- سورة يس الآية : 12
2- سورة الحجر، الآية : 79
3- سورة المرسلات، الآيتان : 25 و 26

وكذا (أمّ القرى) لانتشار القرى والمدن منها، ويقال لرئيس القوم (أمّ القوم، ويقال للماهية (أُمّ الوجود) لأنها مظهر الوجود، ويقال للعناصر الأربعة (الأمّهات) لتوليد المواليد الثلاثة، وقال الإمام المعصوم للخمر (أُمّ الخبائث) لأنّها سبب لكلّ الذنوب الأخرى، ونظائره كثير.

وكذا يقال للمجرّة (أمّ النجوم) ولإمام الجماعة (أمّ القوم).

ثالثاً : تبيّن ممّا مرّ أنّ (الأمّ) بمعنى (القصد).

ورأيت في بعض الكتاب أنّ الأمّ تعني أيضاً الثمرة، لأنّها القصد والمقصود من الشجرة) (1).

وبناءً على ما تقدم يمكن التوصل إلى بعض الدلالات المستقاة من هذه المعاني:

1 - حينما تكون فاطمة قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله :

«فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي».

يتضح أنها أم وجوده إذ لا حياة للإنسان بدون القلب والروح.

2- لا شك أن المراد من وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو النبوة، ودوام النبوة بوجود الإمامة المنصوص عليها من الله تعالى كما نص سبحانه على النبوة لأنها محل شرع الله تعالى وترجمان شريعته، ولا شك أن فاطمة هي أم الأئمة وبذاك تكون أم دوام الشريعة وقلب نواتها.

ص: 204


1- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري : ج 1، ص 127 - 129

3 - إنّ لها من الحقوق على النبي بحجم ما تحمله الأمومة الاعتبارية ولذا نجده صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أقبلت عليه فاطمة عليها السلام فإنه يقوم إجلالاً لها ويقبل يدها ويجلسها في مجلسه، وهذه الظاهرة النبوية نجدها متطابقة مع الظاهرة الأسرية في أكثر المجتمعات الإنسانية في إظهارها لمنزلة الأم وإجلالها واحترامها وإبداء الحب لها.

4 - إنها بهذه الكنية تكون صاحبة الحق الأعظم على المؤمنين وذلك بدلالة قوله تعالى :

«النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ...» (1).

ولا يخفى أن منزلة الأمومة التي جاءت بها الآية هي في محل تحريم الزواج عليهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وليست الأمومة النسبية، وكذاك ليست الأمومة الاعتبارية، وإنما الأمومة التحريمية على الرجال حرمة أبدية لا تجيز إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزواج من رجل آخر؛ ولذلك كانت عائشة تقول للنساء : (أنا أم رجالكم لست بأمكم) (2)، حينما قالت لها إحدى النساء : يا أمه.

بدليل زواج الإمام علي عليه السلام من فاطمة وهي بنت خديجة أم المؤمنين فلو كانت الحرمة نسبية فما جاز لأحد أن يتزوج من زينب وأم كلثوم

ص: 205


1- سورة الأحزاب، الآية : 6
2- السنن الكبرى للبيهقي : ج 7، ص 70؛ عمدة القاري للعيني : ج 1، ص39؛ مسانيد أبي يحيى الكوفي : ص 85 ؛ تفسیر ابن زمنين : ج 3، ص 388؛ تفسير الثعلبي : ج 8، ص9؛ تفسير السمعاني : ج 4 ، ص 260 ؛ الطبقات لابن سعد : ج 8، ص 64

ورقية على فرض إنهن بنات خديجة، ولأصبحن بهذه النسبة أخوات المؤمنين مثلما أزواجه أمهاتهم.

في حين أن فاطمة عليها السلام منزلتها الأمومية في الإسلام أعظم حقاً من منزلة الأم النسبية للمسلم وذلك أنها أم سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بمن عظم حقها على سيد الخلق ، كيف سيكون حقها على المسلمين؛ وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أبوي هذه الأمة، ففاطمة لها منزلة الأمومة على هذه الأمة.

المسألة الثانية:

ألقابها عليها السلام

للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام مجموعة من الألقاب الشريفة الكاشفة عن صفاتها المحمدية وموضع العناية الإلهية؛ ولقد ذكر لها ابن شهر المازندراني مجموعة من هذه الألقاب الشريفة؛ فيما عد لها الشيخ الكجوري (135) لقباً، ولكننا وقبل الولوج في هذه الألقاب الشريفة نعرف أولاً اللقب.

أولا : ما هو اللقب؟

(اللقب : جمعه ألقاب، قال تعالى :

« ... وَلَا تَلْمِرُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ...» (1).

وقال في مجمع البحرين: (قد يكون اللقب علماً من غير نبز، فلا يكون حراما)) (2).

ص: 206


1- سورة الحجرات، الآية : 11
2- مجمع البحرين: ج 2، ص 167 ، مادة : لقب

واللقب ممدوح بعد الكنية وهو إمّا مُشعر بالمدح أو بالذم والنهي في الآية للألقاب المذمومة التي يكرهها المدعو بها لما فيها من الذم والتنابز هو التلقيب بالمذموم.

والمؤمن لا يُدعى باسمه إكراماً وتعظيماً واحتراماً، بل يدعى باللقب الممدوح ، ولو لم يكن التلقيب مستحسناً لما نزل لقب (أمير المؤمنين) من السماء لسلطان الولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ولما أظهر جبرائيل الأمين عليه السلام كلّ ذلك السرور والفرح لما نزل به ولما انبسط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابتهج لهذه الموهبة العظمى، ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقب أسد الله وأسد رسوله لعمّه الأكرم حمزة عليه السلام وجعل هذا اللقب المبارك فخراً له. وفي الحديث :

«حقّ المؤمن على أخيه أن يسمّيه بأحبّ أسمائه».

تبيّن أنّ كثرة الأسماء والألقاب دليل الشرف وعلوّ القدر ورفعة المقام، وكلّ لقب يكون - عادة - إشارة إلى صفة خاصة يتصف بها الملقّب، وذِكر الصفة يدلّ على الموصوف، بل يدخل السرور والابتهاج عليه.

وقد لقبت الصدّيقة الطاهرة عليها السلام على لسان رسول الله وملائكته والأئمة المعصومين عليهم السلام في موارد عديدة بأسماء مباركة وألقاب شريفة تحكي شرف صفاتها الخاصة التي اتصفت بها ذاتها المقدّسة.

وقد عبّر - أحياناً - عن معنى واحد بألفاظ عديدة وعبارات شتّى و (كثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى) (1) .

ص: 207


1- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري : ج 1، ص 138
ثانياً : ما ذكره المازندراني من ألقاب فاطمة عليها السلام

قال رحمه الله : (وأسماؤها على ما ذكره أبو جعفر القمي : فاطمة، البتول، الحصان - من الحصانة والتحصين، الحرة، السيدة العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية المرضية، المحدثة مريم الكبرى، الصديقة الكبرى.

ويقال لها في السماء : النورية، السماوية، الحانية.

وقلنا : الصديقة بالأقوال والمباركة بالأحوال، والطاهرة بالافعال الزكية بالعدالة والرضية بالمقالة والمرضية بالدلالة المحدثة بالشفقة والحرة بالنفقة ، والسيدة بالصدقة، الحصان بالمكان، والبتول في الزمان، والزهراء بالاحسان، مريم الكبرى في الستر، وفاطم بالسر، وفاطمة بالبر، النورية بالشهادة، والسماوية بالعبادة والحانية بالزهادة، والعذراء بالولادة، الزاهدة الصفية، العابدة الرضية، الراضية المرضية، المتهجدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيدة النسوان وحبيبة حبيب الرحمن، والمحتجبة عن خزان الجنان، وصفية الرحمن، ابنة خير المرسلين، وقرة عين سيد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيدات نساء العالمين، المتظلمة بين يدي العرش يوم الدين ثمرة النبوة، وأم الأئمة وزهرة فؤاد شفيع الأمة، الزهراء المحترمة، والغراء المحتشمة ، المكرمة تحت القبة الخضراء، والإنسية الحوراء، والبتول العذراء ست النساء، وارثة سيد الأنبياء، وقرينة سيد الأوصياء، فاطمة الزهراء، الصديقة الكبرى، راحة روح المصطفى حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى، وصاحبة شجرة طوبى، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى، ابنة النبي، وصاحبة الوصي، وأم السبطين، وجدة الأئمة، وسيدة نساء الدنيا والآخرة، زوجة المرتضى، ووالدة المجتبى، وابنة المصطفى، السيدة المفقودة،

ص: 208

الكريمة المظلومة الشهيدة، السيدة الرشيدة، شقيقة مريم، وابنة محمد الأكرم، المقطوعة من كل شر، المعلومة بكل خير، المنعوتة في الإنجيل، الموصوفة بالبر والتبجيل، درة صاحب الوحي والتنزيل، جدها الخليل، ومادحها الجليل وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل ) (1) .

ثالثا: ما ذكره الشيخ محمد باقر الكجوري من ألقاب فاطمة عليها السلام

ذكر لها الشيخ الكجوري رحمة الله تعالى عليه مجموعة من الألقاب بلغت (135) لقباً فكانت كالآتي :

(الأول : أمة الله، الثاني : آية الله الثالث : بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرابع زوجة وليّ الله، الخامس : كلمة الله التامّة، السادس : حجاب الله المُرخى، السابع : نخبة أبيها ، الثامن : ستر الله الكبرى، التاسع : كلمة التقوى، العاشر : المزوجة في الملأ الأعلى، الحادي عشر : الغرّة الغرّاء، الثاني عشر : الزهرة الزهراء، الثالث عشر : العارفة بالأشياء الرابع عشر : المعروفة في السماء، الخامس عشر: سيدة الإماء، السادس عشر : حاملة البلوى، السابع عشر : مبشّرة الأولياء، الثامن عشر : عديلة مريم، التاسع عشر : زجاجة الوحي العشرون : مشكاة الأنوار، الحادي والعشرون: ثمرة النبوّة، الثاني والعشرون: بقيّة النبوّة، الثالث والعشرون : ابنة الصفوة، الرابع والعشرون : عقيلة الرسالة، الخامس والعشرون : والدة الحجج، السادس والعشرون : صاحبة الجنّة السامية، السابع والعشرون : فلذة الكبد الثامن والعشرون : تفّاحة الفردوس، التاسع والعشرون : الفاضلة المحدّثة، الثلاثون: جمال الآباء، الواحد والثلاثون : شرف الأبناء الثاني

ص: 209


1- مناقب آل أبي طالب عليه السلام لابن شهر آشوب : ج 3، ص133

والثلاثون : صفوة الشرف، الثالث والثلاثون : معدن الحكمة، الرابع والثلاثون: موطن الرحمة ، الخامس والثلاثون: ريحانة النبيّ، السادس والثلاثون : الروح بين جنبي المصطفى، السابع والثلاثون : المشرقة الرباعيّة، الثامن والثلاثون: البيضاء البضّة، التاسع والثلاثون: وديعة الرسول، الأربعون: الناطقة بالشهادتَين، الحادي والأربعون : الوليدة في الإسلام، الثاني والأربعون : شفيعة الأُمّة، الثالث والأربعون : قلادة الوجود، الرابع والأربعون: ركن الدين، الخامس والأربعون: الدعوة المستجابة، السادس والأربعون : الطاهرة الميلاد، السابع والأربعون: مقتولة الولد، الثامن والأربعون : إحدى الكُبَر، التاسع والأربعون : صاحبة المصحف، الخمسون : صاحبة الأحزان الطويلة، الواحد والخمسون : سيدة نساء الجنّة، الثاني والخمسون: سيّدة الأئمّة، الثالث والخمسون : سيّدة نساء هذه الأُمّة، الرابع والخمسون: سيّدة بنات آدم، الخامس والخمسون : سيّدة نساء الأولين والآخرين، السادس والخمسون : الكوكب الدرّيّ، السابع والخمسون : أعزّ البرية، الثامن والخمسون : الخيرة من الخير، التاسع والخمسون : المنعوتة في الإنجيل، الستون : درّة التوحيد، الحادي والستون : قرّة عين الخلائق، الثاني والستون : ليلة القدر، الثالث والستون : الصلاة الوسطى، الرابع والستون : مَن بِرُّها خير العمل، الخامس والستون : العالمة، السادس والستون : الصابرة، السابع والستون : الصادقة، الثامن والستون : المتهجّدة، التاسع والستون : القانعة، السبعون : القانية، الواحد والسبعون : الحبّة النابتة، الثاني والسبعون : الذروة الشامخة، الثالث والسبعون : العابدة، الرابع والسبعون : الشهيدة، الخامس والسبعون : الرشيدة، السادس والسبعون : المضطهدة، السابع والسبعون: صاحبة القبة الفاطمية، الثامن والسبعون: منهدّة الركن التاسع والسبعون : المُمتَحَنة،

ص: 210

الثمانون : المغصوبة حقّها، الحادي والثمانون : الممنوعة حقّها، الثاني والثمانون : الكريمة، الثالث والثمانون : المظلومة، الرابع والثمانون : التقيّة، الخامس والثمانون : النقيّة، السادس والثمانون : المتعوبة، السابع والثمانون : عين المحجّة، الثامن والثمانون : ناحلة الجسم، التاسع والثمانون: وديعة المصطفى، التسعون : بَضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، الواحد والتسعون : ثالثة الشمس والقمر، الثاني والتسعون : صَدَف الفخار، الثالث والتسعون : الحبيبة، الرابع والتسعون : الكئيبة، الخامس والتسعون : الصفية، السادس والتسعون : الميمونة النسل، السابع والتسعون : الكلمة الطيّبة، الثامن والتسعون : الدُرّة المنضدّة، التاسع والتسعون : القدوة المسدّدة، المائة : خامسة أهل العبا، الواحد بعد المائة : النبيلة، الثاني بعد المائة : الجميلة الجليلة، الثالث بعد المائة : المعصومة، الرابع بعد المائة : العفيفة، الخامس بعد المائة : الوحيدة، السادس بعد المائة : الوالهة، السابع بعد المائة : باكية العين، الثامن بعد المائة : محترقة القلب، التاسع بعد المائة : معصبة الرأس، العاشر بعد المائة : وسيلة الرضوان، الحادي عشر بعد المائة : المصباح المنير، الثاني عشر بعد المائة : العُروة الوثقى، الثالث عشر بعد المائة : سفينة النجاة، الرابع عشر بعد المائة : عين الحياة، الخامس عشر بعد المائة : قرار القلب، السادس عشر بعد المائة : زَين الفواطم، السابع عشر بعد المائة : نور الأنوار، الثامن عشر بعد المائة : ذريعة الشيعة، التاسع عشر بعد المائة : عيبة العِلم، العشرون بعد المائة : وعاء المعرفة، الحادي والعشرون بعد المائة : حظيرة القدس، الثاني والعشرون بعد المائة : سماء الكواكب الدرّيّة، الثالث والعشرون بعد المائة : سُلالة الفخر، الرابع والعشرون بعد المائة: فخر الأئمّة، الخامس والعشرون بعد المائة : برزخ النبوّة والولاية، السادس والعشرون بعد المائة : بهجة الفؤاد، السابع والعشرون بعد المائة : حجّة

ص: 211

الله الكبرى، الثامن والعشرون بعد المائة: مهجة العالَم، التاسع والعشرون بعد المائة : آية الله العظمى، الثلاثون بعد المائة : أرومة العناصر، الحادي والثلاثون بعد المائة : جُرثومة المفاخر، الثاني والثلاثون بعد المائة : ربيبة المكرمة، الثالث والثلاثون بعد المائة : عالية الهمّة، الرابع والثلاثون بعد المائة : القائمة في الليل، الخامس والثلاثون بعد المائة : الصائمة في النّهار.

سيّدتنا فاطمة أُمّ الأئمّة الأطهار، حليلة عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليها وعلى والدها وبعلها وولديها.

اللهم املأ قلوبنا من ولائها، وأجرِ ألسنتنا بثنائها، ولا تجعلها خصيمة لنا، ولا مغضبة علينا في يوم ننتظر شفاعتها ونرجو أن نلتجئ بكلائتها، وأنت أعلم بعواقب الأمور ، وأرحم بمن ربّيته في توالي الدهور، فويلٌ عند ظهور الساعة لمن خصمته عند الشفاعة.

وبالجملة : فإنّ الألقاب الشريفة التي مرّ ذكرها بالعدد المبارك استُخرجت من الأدعية والروايات وكلمات العلماء الأعلام.

وإنّ كلّ لقب منها يشير إلى معنى معيّن، ويفيد كرامة خاصة، ويحكي رواية لأهل الدراية، ولكن متى تقاس القطرة بالبحر، والبيضاء بالذرّ؟ ومتى تنتهي ألقابها الشريفة وأوصافها المنيفة؟ ولنعم ما قيل:

إنّ شيئاً كلّه لا يدرك *** اعلموا أن كله لا يترك) (1)

ص: 212


1- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري : ج 1، ص 133 - 149

المبحث الثالث: بعض خواصها

المسألة الأولی:

حرزها

الحرز: بكسر الحاء، المكان الحصين ؛ ويقال : هذا حرز، وحريز، واحترزت من كذا، وتحرزت منه، أي: توقيته.

ومنه : الاتقاء، والتحفظ(1)، التميمة، الحجاب، التعويذة(2).

وقد ورد في كتاب الله تعالى سورتان باسم (المعوذتان) وهما سورة الفلق وسورة الناس وهما ما يتعوذ بهما المسلم من العين والحسد والسحر والوسواس.

ولقد ورد في محكم التنزيل في ذكره سبحانه لمريم عليها السلام حينما أرسل إليها روح القدس :

«قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ...» (3).

ص: 213


1- معجم مقاييس اللغة لابن فارس : ج 2، ص38
2- المصطلحات إعداد مركز المعجم الفقهي : ص 963؛ المخصص لابن سيدة : ج 3، ق3 (السفر الثاني عشر)، ص 300
3- سورة مريم، الآية : 18

وفيما ورد عن العترة عليهم السلام في الأدعية والاستعاذة بالله تعالى والأحراز ليثري المؤمن الملتمس سبيل النجاة والاستشفاء، حتى ضمت كتب الأدعية أحرازاً بأسماء الأئمة منسوبة إليهم فكانوا يملونها للمؤمنين كي يتعوذوا ويتحصنوا بها من الأضرار لاسيما شرور الخلق بإذن الله تعالى.

أما ما ورد من الأحراز لفاطمة عليها السلام فهو كالآتي :

1- حرز النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام خاص لها

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم، ورسوله الكريم فلا تهشمي العظم ولا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم أخرجي من حامل كتابي هذا إلى من لا يؤمن بالله العظيم ورسوله الكريم وآله محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام»(1).

2 - وروى السيد ابن طاووس أن لها هذا الحرز الذي كانت تدعو الله به
2 - وروى السيد ابن طاووس أن لها هذا الحرز الذي كانت تدعو الله به

«بسم الله الرحمن الرحيم يا حي يا قيوم برحمتك استغنيت فأغثني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً وأصلح لي شأني كله»(2).

ما علمته لسلمان من الأحراز

1 - روى السيد ابن طاووس كذلك أن لها حرزاً آخر علمته سلمان المحمدي رضي الله عنه وهو الحرز الذي علمها إياه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقالت لسلمان :

ص: 214


1- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي : ص 401
2- مهج الدعوات لابن طاووس : ص 6

«إن سرك أن لا يمسك أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه».

فقال سلمان : علميني هذا الحرز.

فقالت عليها السلام:

«بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله النور، باسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضرار مشكور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين»(1).

وللحرز مقدمة وكرامة سنوردها إن شاء الله في باب معاجزها وكراماتها.

المسألة الثانية:

رحى فاطمة عليها السلام

إنّ مما اختصت به فاطمة عليها السلام في شؤونها الحياتية (الرحى) التي كانت تستخدمها في طحن الشعير أو القمح.

و (الرحى) : الطاحونة أو الجاروشة (2)، تتكون من حجرين دائرين أو مربعين يكون الأسفل على الأرض ويتوسطه عصا في محل المركز ويسمى (قطب الرحى).

لكي يمسك الحجر الأعلى عند دورانه وحركته على الحجر الأسفل وذلك

ص: 215


1- مهج الدعوات لابن طاووس : ص 7
2- معجم ألفاظ الفقه الجعفري : ص 206

بواسطة وتد من الخشب مثبت على طرف الحجر الأعلى كي يمسك ويحرك بواسطة الحجر بشكل دائري مما يؤدي إلى طحن حبوب الشعير عند إدخالها من فتحة دائرية عند قطب الرحى وتوضع تحت الرحى قطعة من الجلد ليقع عليها الدقيق وتسمى هذه الجلدة ب_(الثفال) (1).

وعليه :

أولاً : لقد طحنت سيدة نساء العالمين بالرحى حتى يبس جلد يديها

إن عملية طحن الحبوب تكون شاقة وذلك لثقل الحجر وما يستلزمه من دوران مستمر كي يحقق عملية الطحن والحصول على الدقيق أو (الطحن)؛ فضلاً عن اضطرار المرأة لرفع هذين الحجرين من موضع إلى آخر أو رفع الحجر الأعلى لجمع الدقيق العالق بين الحجرين.

من هنا : نجد أن الروايات الشريفة أشارت إلى بيان هذا الجهد الذي كانت تقوم به بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذ في الغالب يستعين كثير من النساء في هذا العمل بخادمة أو خادم يوفر على المرأة بذل هذا الجهد في عملية تحضير الدقيق.

إلا أنّ ضعف الحال الذي عليه علي وفاطمة صلوات الله عليهما لم يمكنهما من استجلاب خادمة تعين فاطمة عليها السلام على هذا الجهد مع كونها سيدة نساء العالمين، وابنة سيد الخلق أجمعين؛ إلا أن ذلك لم يمنعها من بذل هذا الجهد من أجل رعاية أولادها وزوجها فنالت من الله تعالى أجراً عظيماً.

ص: 216


1- الفائق في غريب الحديث للزمخشري : ج 1 ، ص 367

ولقد وردت روايات عديدة أشارت إلى هذا الجهد وما خص الله تعالى به من الكرامة والفضل والبركة وهي كالآتي :

1 - روى الصدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال في جهد فاطمة وحسن تبعلها لاسيما فيما يتعلق بطحن الشعير، أن قال :

«وطحنت بالرحى حتى مجلت(1) يداها » (2) .

ولنا عودة للحديث في موضعين في (تسبيحها) و(زهدها) إن شاء الله تعالى.

2 - أخرج أحمد في المسند (عن علي أنه قال لفاطمة - صلوات الله عليهما -:

«والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي فاستخدميه».

فقالت - عليها السلام - :

«وأنا والله طحنت حتى مجلت يداي»)(3) .

3 - وروى الطبراني عن أم سلمة أنها قالت: (إن فاطمة جاءت تشتكي الخدمة، فقالت :

«يا رسول الله مجلت يداي من الرحى الخبز مرة والعجين مرة»)(4).

ص: 217


1- مجلت يداها: أي ثخن جلدها وتعجر، وظهر فيها ما يشبه البر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة؛ مجمع البحرين : ج 5 ، ص 47 ، مادة (مجل)
2- علل الشرايع للشيخ الصدوق : ج 2، ص 366
3- مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ، ص 106 ؛ مجمع الزوائد : ج 10، ص 100
4- المعجم الكبير للطبراني : ج 23، ص 339؛ معجم الزوائد للهيثمي : ج 10، ص 122
ثانياً :
ما رافق رحى فاطمة من الكرامات التي أظهرها الله لبعض الصحابة

إن ما يتحف الله به أولياءه وعباده الصالحين ظهور الكرامات لهم إما سراً فيكون صاحب الكرامة هو المخصوص بهذا اللطف الإلهي كي يثلج الله قلبه ويثبته على دينه وما ذاك إلا من لطف الله وسابق رحمته .

وإما تكون الكرامة عامة يشهدها صاحب الكرامة مع غيره من الناس ممن حضر عنده وكلتا الحالتين مردها ومرجعها وتوقيتها وكيفيتها إلى الله تعالى فسبحان من هو اللطيف الخبير بعباده.

ولقد عرض القرآن الكريم بعض الشواهد على هذه الكرامات والألطاف الإلهية لبعض عباده وأوليائه منها :

1 - ما كان لمريم ابنة عمران من الكرامة واللطف الإلهي في نزول الطعام إليها من الجنة ومحادثة الملائكة لها، قال تعالى :

«وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَأَصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(1).

وقوله سبحانه :

«... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَمَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(2).

2 - وظهرت بإذن الله تعالى لآصف كرامة كبيرة في نقله عرش بلقيس، كما

ص: 218


1- سورة آل عمران الآية : 42
2- سورة آل عمران الآية : 37

نص عليه قوله تعالى :

«قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمُ مِنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ ، قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ...» (1).

في حين كان بإمكان نبي الله سليمان أن يقوم بالأمر بنفسه وذلك لما أتاه الله من الكرامة والملك وما سخر الله له من الجن والرياح وغير ذلك.

3- ولعل ظهور الكرامة التي خص الله بها أصحاب الكهف لتكشف - فضلاً عما سبق من الكرامات - عن حقيقة عقائدية مفادها أن ظهور الكرامة لا يرتبط بعنوان النبوة، بمعنى : لا يشترط ظهورها بوجود الأنبياء عليهم السلام بل هي من لطف الله وفضله الذي يخص به من يشاء من عباده المخلصين فمن كان بهذه الصفة أي :

«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(2).

سينال من لطف الله وفضله والله ذو الفضل العظيم.

من هنا :

فإن ظهور هذه الكرامة المرتبطة برحى فاطمة صلوات الله عليها لبعض الصحابة إنما هو بلحاظ شأن الناظر وما يحتمله من المشاهدة ولو ارتقى الناظر في يقينه واعتقاده بما لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الفضل عند الله تعالى لرأى عجباً.

فما لفاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها من المنزلة عند الله

ص: 219


1- سورة النمل، الآية : 40
2- سورة البينة، الآية : 5

تعالى ما تحار فيه العقول إلا أن الله تعالى شاء برحمته أن يقطع الناس عن معرفتها ويستر عنهم قدرها الذي لديه جل شأنه.

ولذا : فقد كشفت الأحاديث - كما أسلفنا - من سؤالها ربها سبحانه في يوم القيامة عن إظهار قدرها ومعرفة الخلق لها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون :

«إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(1).

ولا يخفى أن المراد من سلامة القلب هنا من الميل إلى غير آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهم أبواب الله المؤتى منها إليه جلت قدرته فسبحان من :

«لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ»(2).

ولذلك : قد يرى البعض أن هذه الكرامات التي ظهرت في بيت فاطمة عليها السلام وكانت متعلقة بالرحى من الغلو، وقد يراها البعض أمراً كبيراً ، وقد يراها البعض الآخر هو أقل مما يمكن إظهاره لبعض الذين امتحن الله قلوبهم بالإيمان، فكانت النظرة متفاوتة لهذه الكرامة.

إلا أن الملاحظ في هذه الرواية أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلل السبب في ظهور الكرامة إلى أكثر من علة، والظاهر أن هذا البيان مرتبط بالسائل ومدى استعداده لتقبل هذا التعليل بعد رؤيته الرحى تدور لحالها بدون وجود فاطمة صلوات الله عليها .

وهذه الروايات كالآتي :

ص: 220


1- سورة الشعراء، الآية : 89
2- سورة الأنبياء، الآية : 23
ألف: ما ظهر لميمونة من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت : (بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقمح إلى فاطمة لتطحنه، ثم ردني إليها فوجدت فاطمة عليها السلام نائمة والرحى تدور، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، فقال :

«إنّ الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت»(1).

والحديث فيه بعض النقاط وهي كالآتي:

1 - من حيث السند فقد أشار الذهبي في ميزانه إلى أحد طرق الحديث مقتصراً عليها فقط ليوحي إلى القارئ بأن الحديث (منكر) على قلبه؛ ولذا خدش في أحد رواته وهو (محمد بن الأزهر بن عيسى بن جابر الكرخي) واتبعه بقوله : (روى عن أبي عتاب الذلال وعصمة بن سليمان المناكير) (2).

ولعل جميع فضائل العترة النبوية هي مناكير على قلب الذهبي ومن سار على نهجه في الاعتقاد بهم صلوات الله وسلامه عليهم؛ في حين أن للحديث طرقاً أخرى أشار إليها ابن شهر آشوب المازندراني في المناقب (3)، إلا أن الذهبي أعرض عنها ليوهم القارئ أن الحديث لا يعتد به.

ص: 221


1- رواه ابن شهر آشوب عن الحسن البصري، وابن إسحاق عن عمار وميمونة إن كليهما قالا، وساق الحديث ثم عقب عليه بقوله : ( رواه أبو القاسم السبتي في مناقب أمير المؤمنين، وأبو صالح المؤذن في الأربعين عن الشعبي بإسناده عن ميمونة، وابن فياض في شرح الأخبار، انتهى كلامه في : ج 3، ص 116 ، من المناقب
2- ميزان الاعتدال للذهبي : ج 3، ص 468
3- المناقب لابن شهر : ج 3، ص 116

2 - الملاحظ في هذا الحديث والأحاديث الأخرى المتعلقة بالرحى بأن فاطمة صلوات الله عليها لم تكن لتطحن لبيتها فقط بدليل :

إن يديها مجلتا، أي يبس جلدهما وهذا يكشف عن كثرة استخدامها للرحى ولعل سبب هذه الكثرة في استخدام الرحى يعود فضلاً عما كان يبعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة من القمح، هو أنها كانت تعين المساكين والفقراء فتنفق من الطحين وهذا أكبر أثراً في إدخال السرور على قلب المؤمن لأنه خفف عليه مؤونة طحنه لاسيما وإن بعضاً من المساكين قد لا يجد مالاً يشتري فيه رحىً.

3 - يكشف الحديث عن رتبة استحصال الكرامة، بمعنى : أن الإنسان حينما يسلك الطريق إلى الله تعالى فيكون من أوليائه وعباده الصالحين فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه ويعينه في أمر الدنيا والآخرة ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«إن الله علم ضعف أمته».

فلأنها أمة الله تعالى فقد أعانها على أمر من أمور الدنيا وفي الآخرة أعظم عوناً ورحمة.

باء: ما ظهر لسلمان الفارسي من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

روى محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (بسنده إلى الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام قال :

«بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلمان إلى منزل فاطمة بحاجة، قال -

ص: 222

سلمان - فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا والرحى تدور من برا وما عندها من أنيس فعدت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله رأيت أمراً عظيما .

فقال هيه يا سلمان تكلم بما رأيت وسمعت قلت وقفت بباب ابنتك وسلمت فسمعت فاطمة عليها السلام تقرأ القرآن من جوا والرحى تدور من برا وما عندها أنيس.

فتبسم صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا سلمان إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها من جوارحها إيماناً إلى مشاشها(1)، فتفرغت إلى طاعة الله فبعث ملكا اسمه روفائيل، وكفاها تعالى مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة».

وفي رواية أخرى :

«رحمة يدير لها الرحي»)(2).

والحديث يشر إلى نقاط، منها :

1 - أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يبين لسلمان العلة في دوران الرحى وبضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في داخل حجرتها تقرأ القرآن؛ هذه العلة أنها عليها السلام ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها، فتفرغت إلى طاعة الله تعالى؛ فأحرزت بذلك رحمة الله وكفاها سبحانه مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة.

ص: 223


1- المشاش : جمع مشاشة : وهي رؤوس العظام اللينة ، الصحاح - مشش : ج 3، ص1019
2- دلائل الإمامة للطبري : ص 140 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج 3، ص 117 ؛ البحار للمجلسي: ج 43 ، ص 46

والحديث فضلاً عن أنه يظهر العلة في دوران الرحى وتحقق الكرامة إلا أنه يظهر المستوى الذي بلغته فاطمة صلوات الله عليها من الإيمان.

2 - أنّ الفضل في بلوغ المراتب والوصول إلى الدرجات العالية لا يمكن أن يتحقق للإنسان بدون الله تعالى، فهو سبحانه الموفق للإيمان والمعين برحمته في بلوغ المراتب ثم يمن تحنناً منه ورحمة على عبده مع عونه وسابق لطفه بالكرامة وإتحافه وإدخال السرور إلى قلبه.

وفي الحقيقة لا يمكن أن يقاس بين سعي الإنسان في قربه من ربه وبين إسراع المولى عزّ شأنه في الاقبال على عبده وما ذاك إلا كرماً منه فسبحان من هو أكرم الأكرمين وهو العزيز الحكيم.

3 - الحديث يظهر سُنّة من سنن السير والسلوك إلى الله تعالى.

وهي : لابد من بلوغ الإنسان هذا المستوى من الإيمان حتى يتمكن من التفرغ للعبادة، بمعنى : لا يتحقق التفرغ التام ما لم يكن الإيمان قد بلغ هذا المستوى وعندها يكون الانقطاع إلى الله تعالى فيكفيه الله سبحانه مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة.

4- إن الفارق بين حال مريم وتفرغها للعبادة ونزول الطعام إليها في المحراب وبين حال فاطمة عليها السلام، أن مريم لم يكن لها شيء يشغلها عن الأمور الحياتية عن العبادة في حين أن فاطمة كانت عليها واجبات التبعل والأمومة وخدمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن كل هذا لم يمنعها من الانقطاع إلى الله وهي بذاك أعظم درجة لأنها مع وجود المشاغل متفرغة لربها.

ص: 224

جيم: ما ظهر لأبي ذر الغفاري من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

روى ابن شهر آشوب عن أبي الصولي في أخبار فاطمة عليها السلام، وأبو السعادات في فضائل العشرة بالاسناد ( عن أبي ذر الغفاري قال : بعثني النبي أدعو عليا فأتيت بيته وناديته فلم يجبني فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي :

«عُد إليه فإنه في البيت».

فأتيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن، ولا أحد عندها فقلت لعلي: إن النبي يدعوك ، فخرج متوشحاً حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما رأيت !! فقال :

«يا أباذر لا تعجب، الله ملائكة سياحون في الأرض موكلون بمعونة آل محمد»)(1).

ورواه المحب الطبري بلفظ قريب منه وأكثر بياناً، وهو كالآتي : ( عن أبي ذر قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدعو علياً، فأتيت بيته فناديته فلم يجبني، فعدت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي:

«عُد إليه، أدعه فإنه في البيت».

قال : فعدت أناديه، فسمعت صوت رحى تطحن، فشارفت فإذا الرحى تطحن، وليس معها أحد فناديته، فخرج إلي منشرحاً، فقلت له : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوك ، فجاء، ثم لم أزل أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وينظر إليّ، ثم قال :

ص: 225


1- المناقب لابن شهر : ج 3، ص 37؛ الرياض النضرة للمحب الطبري : ج 3، ص 202 ؛ ينابيع المودة لقندوزي : ج 2، ص 187 ، وص 380 ، وص 465 ؛ الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي : ص 176

«يا أبا ذر ما شأنك؟».

فقلت : يا رسول الله عجيب من العجب، رأيت رحى تطحن في بيت علي وليس معها أحد يرحى !؟ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - :

«يا أبا ذر إن الله ملائكة سياحين في الأرض، وقد وكلوا بمؤونة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم»)(1).

والحديث فيه جملة من النقاط، منها :

1 - إن من الملاحظ في الحديث أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم بهذه الكرامة ووقت حدوثها وإن اختياره لشخصية مثل أبي ذر له من الوقع على نفوس المسلمين آنذاك ولعله في كل وقت.

ولذا :

نجده صلى الله عليه وآله وسلم قد طلب من أبي ذر أن يعود مع تأكيده له بوجود علي عليه السلام في البيت قائلاً :

«عُد إليه، ادعه فإنه في البيت».

2 - من الملاحظ أيضاً : مشارفة أبي ذر ونظره إلى داخل بيت علي عليه السلام قبل أن يؤذن له بذلك، وهو محل إشكال لا ينسجم مع تعاليم الإسلام؟

فنقول :

أ: لم يزل أبو ذر في عنوان الطاعة الله حتى مع مشارفته لبيت علي عليه السلام وذلك لتمسكه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوة علي عليه

ص: 226


1- الرياض النضرة : ج 3، ص 202

السلام وقوله له :

«فإنه في البيت».

ومن ثم لم يخرج أبو ذر عن التمسك بقوله تعالى :

«وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلًا مُّبِينًا»(1).

وغيرها من الآيات المحذرة عن معصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا : فهو لم يجتهد مقابل النص القرآني ويعمل برأيه.

والقرآن والسيرة مليئان بالشواهد التي يختبر فيها الرجال بين طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الاجتهادات الشخصية، ولعل قضية نبي الله موسى عليه السلام مع العبد الصالح الخضر عليه السلام في خرق السفينة، وقتل الصبي وبناء الجدار فيها الكفاية على الاستشهاد بحال أبي ذر فضلاً عن المواقف الكثيرة التي كانت لأمير المؤمنين عليه السلام في الامتثال لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وترك الاجتهاد كما في حادثة قتل ذي الثدية وغيرها كثير.

ب : لا شك أن الإيمان بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن علياً في الدار ، وسماع أبي ذر لصوت الرحى تدور ولا من أحد يجيبه وهو ينادي مع تأكيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوجود علي صلوات الله وسلامه عليه يدفع الإنسان إلى التحقق في شأن هذا الصوت وكيف أن الرحى تدور ولا من أحد يجيب؟ إنها أسئلة قطعاً تدفع الإنسان إلى التحقق في أمر هذا الصوت، وهو الذي كان ينتظره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 227


1- سورة الأحزاب الآية : 36

بمعنى: أن يشارف أبو ذر ليتحقق من هذا الحدث فيعود فيخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولو كان فعله مخالفاً للحكم الشرعي لكان أول المنبهين له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وأن البيت بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

بل نجد أن رسول الله كان يراقب أبا ذر ليلمس أثر ما رآه عليه، ولذا : قال له بعد أن شاهده ينظر إليه تلك النظرات :

«يا أبا ذر ما شأنك؟».

3 - خروج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من البيت على هيئة وردت بلفظتين مصحفتين لم أتحقق أيهما كانت الأصل فهما متقاربتان، أي (منشرح، ومتوشح).

فالرواية التي أخرجها ابن شهر المازندراني وردت بلفظ (متوشحاً)، بينما وردت لفظة (منشرحاً) في الرواية التي أخرجها محب الدين الطبري، وكلاهما يتسق مع مضمون الرواية إلا أن كلاً منهما له دلالة.

فأما كونه (متوشحاً) فمعناه : خروجه عليه السلام وقد وشح بثوبه، وهو كان قد أدخل ثوبه تحت إبطه الأيمن وألقى بطرفه على كتفه الأيسر كما يفعله المحرم، وكما يتوشح الرجل بحمائل سيفه، فتقع الحمائل على عاتقه الأيسر، وتكون اليمنى مكشوفة، وهذا يكشف عن سرعة التلبية والإجابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد دعاه وهذه المسارعة كاشفة عن الرتبة الإيمانية الرفيعة التي امتاز بها أمير المؤمنين عليه السلام.

ص: 228

وأما كونه (منشرحاً) أي منبسطاً مسروراً فالظاهر منه أنه كان مسروراً لمشاهدة هذه الكرامة أي دوران الرحى دون من يديرها، أو لرؤيته أن أبا ذر قد شاهد هذه الكرامة وقد أذن الله له أن يطلع على هذه الشأنية والخصوصية التي لبيت علي وفاطمة عليهما السلام.

أو لعل سروره وانشراحه كان ،للإثنين أو لعله لأمر تعلق بطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يتبعه.

بمعنى:

أن علياً عليه الصلاة والسلام كان يظهر عليه الانشراح كلما علم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتاجه في أمر وهذا يكشف عن مستوى حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاله حال من يفرح عند سماع محبوبه في حاجته، أو ليقضي الحبيب ما يحتاجه حبيبه من حاجة.

4 - الحديث الشريف يكشف عن خصوصية خاصة متعلقة بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي : أن الله تعالى جعل لهم ملائكة سياحين، أي: يتنقلون في الأرض، وإن وظيفتهم ومهمتهم هي أن يقوموا بأداء مؤونة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أي : إن الملائكة تتشرف بخدمتهم في الحياة الدنيا أين ما حلوا في هذه المعمورة، وهو ما عبر عنه سابقاً بلفظ (الرحمة)، أو بيان اسم أحد هؤلاء الملائكة الذين تكفلوا بمؤونة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان الذي يطحن هو الملك (روفائيل)، وهو من الملائكة السياحة.

ص: 229

دال: تكرر ظهور الكرامة لسلمان في بيت فاطمة عليها السلام

روى محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (بسنده إلى المفضل بن عمر قال: حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال سلمان الفارسي رضي الله عنه :

خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وأنا أريد الصلاة فحاذيت باب علي بن أبي طالب عليه السلام فإذا أنا بهاتف من داخل الدار وهو يقول :

«أشتد صداع رأسي، وخلا بطني، ودبرت كفاي من طحن الشعير».

فمضني القول مضاً شديداً، فدنوت من الباب فقرعته قرعاً خفيفاً، فأجابتني فضة جارية فاطمة عليها السلام فقالت : من هذا ؟

فقلت : أنا سلمان، ابن الاسلام.

قالت : وراءك يا أبا عبد الله، فإن ابنة رسول الله من وراء الباب، عليها اليسير من الثياب ؟ فأخذت عباءتي فرميت بها داخل الباب فلبستها فاطمة عليها السلام، ثم قالت :

«يا فضة قولي لسلمان يدخل، فإن سلمان منا أهل البيت ورب الكعبة».

فدخلت فإذا أنا بفاطمة جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجر، فحانت مني التفاتة فإذا أنا بالحسن بن علي في ناحية من الدار يتضور من الجوع، فقلت جعلني الله فداك يا ابنة رسول الله، قد دبرت كفاكمن طحن الشعير وفضة قائمة ؟ فقالت :

ص: 230

«نعم يا أبا عبد الله أوصاني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوم ولي يوم، فكان أمس يوم خدمتها، واليوم يوم خدمتي».

قال سلمان : فقلت : جعلني الله فداك إني مولى عتاقة، فقالت :

«أنت منا أهل البيت».

قلت : فاختاري أحد الخصلتين : إما أن أطحن لك الشعير أو أسكت لك الحسن ؟ قالت :

«يا أبا عبد الله، أنا أسكته فإني أرفق، وأنت تطحن الشعير».

قال : فجلست حتى طحنت جزءاً من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت حتى صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغت من الصلاة أتيت علي بن أبي طالب وهو بيمنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجذبت رداءه، وقلت : أنت ها هنا وفاطمة قد دبرت كفاها من طحن الشعير؟ !

فقام وإن دموعه لتنحدر على لحيته، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينظر إليه حتى خرج من باب المسجد ؛ فلم يمكث إلا قليلاً.

فإذا هو قد رجع يتبسم من غير أن تستبين أسنانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«يا حبيبي خرجت وأنت باك ورجعت وأنت ضاحك؟».

قال :

«نعم بأبي أنت وأمي، دخلت الدار وإذا فاطمة نائمة مستلقية لقفاها، والحسن نائم على صدرها وقدامها الرحى تدور من غيريد».

ص: 231

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال :

«يا علي، أما علمت أن لله ملائكة سائرة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة»(1).

والحديث يشتمل على جملة من الأمور، منها :

1 - يقدم الحديث صورة واضحة عن جهاد فاطمة المنزلي وحسن مواساتها لزوجها ومصداق تبعلها، فكانت بهذا الجهد والجهاد أنموذج المرأة المسلمة والزوجة الصالحة التي تنتهي عندها كل الفضائل التي يمكن للمرأة أن تأتي بها؛ ولذاك فهي سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علم الله ما دار الفلك وتعاقب الليل والنهار.

2 - إن مما يستوقف الباحث سماع سلمان لشكوى فاطمة صلوات الله عليها حينما مرّ بجانب بيتها دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

وجوابه :

إن الله تعالى هو من بيده الخير ، وهو الذي يسوقه إلى من يشاء من عباده، ولا شك أن سلمان بما لديه من الرتبة الإيمانية قد وفق لسماع شكوى فاطمة إلى الله تعالى.

كي يساق له الخير في إعانة بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار التوجع لحالها ومن ثم التوفيق لسماع ما رآه علي عليه السلام.

ص: 232


1- دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص 140 - 141؛ الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي : ج 2، ص 531 ؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 28؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 36

3- إن كلام فاطمة صلوات الله عليها الذي سمعه سلمان هو في معرض الشكوى إلى الله تعالى إذ كانت تشكو لربها آلام رأسها وجوعها وما أصابها من الجهد من طحن الرحى.

4 - إن سبب شكواها يرجع إلى أمور :

ألف : إنها صلوات الله عليها كانت في هذا الوقت في الحادية عشرة من عمرها، وذلك أنها ولدت في السنة الخامسة من البعثة وتزوجت في السنة الثانية للهجرة، فكان عمرها حينها عشر سنوات وولدت الحسن ولها عشر سنوات ونصف وذلك أن الحسن والحسين ولدا لستة أشهر وأن الفاصل الزمني بينهما ستة أشهر.

ب: إنها حامل في هذا الوقت بالإمام الحسين عليه السلام مما يشكل مجهوداً كبيراً على المرأة بين الرضاعة والحمل وجهد العمل وقلة الطعام.

وعليه: فسبب وجع رأسها وشكواها لهذه الأمور.

5 - قول سلمان (فمضني القول مضاً) فيه حقائق عدة، منها :

ألف : شدة تألمه وحزنه لما سمع وإن هذا الحال كأنما حاله وهذه الآلام هي آلامه ولذا قال : (مضني القول مضاً).

باء : هذا التوجع الذي ظهر على سلمان منشأه أن سلمان من أهل البيت عليهم السلام وهو يكشف عن حقيقة ارتباط الشيعة بعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما نص عليه الإمام الصادق عليه السلام :

«خلقنا من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من

ص: 233

عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحن إلينا»(1).

وهذا الموضوع مرّ بيانه في الجزء الأول من الكتاب، في معنى الحديث الشريف :

شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا (2) ، في مسألة : طينة فاطمة عليها السلام.

جيم : إن هذا الأمر في غاية كبيرة من الأهمية، وذلك لإظهاره منزلة شيعة فاطمة عليها السلام وأبنائها وما أعد الله لهم من الأجر الذي بينه الإمام الصادق عليه السلام فإنه قال :

/ننفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، وهمه لأمرنا عبادة وكتمانه لسرنا جهاد في سبیل الله » (3).

6 - قول سلمان : (فقرعته قرعاً خفيفا).

يكشف عن تأدبه التابع من حسن معرفته بحرمة أهل هذا البيت ولا شك أن هذه المعرفة هي من خلال القرآن والسنة النبوية الشريفة حينما كان يرى ما يفعله الوحي والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع هذا الباب - كما مرّ بيانه سابقاً -.

7 - قولها صلوات الله عليها :

«یا فضة قولي لسلمان يدخل، فإن سلمان منا أهل البيت ورب الكعبة».

ص: 234


1- بصار الدرجات للصفار : ص 40
2- بحار الأنوار: ج 53 ، ص 303
3- كتاب الكافي للكليني : ج 2، ص 226

يظهر هذا اللفظ الشريف حقيقة مهمة مرتبطة بمقدمات وشروط الدخول إلى بیت فاطمة عليها السلام إذ الإذن في الدخول إلى هذا البيت بحاجة إلى بلوغ رتبة (منا أهل البيت).

ولا شك أن للبيوت المحترمة والأسر العظيمة قواعد وأصولاً للدخول على أهلها.

فكيف بفاطمة؛ بمعنى حتى تأذن فاطمة صلوات الله عليها لابد أن يكون الداخل (منا).

8 - قول سلمان : (وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجر).

يكشف هذا القول عن اثر الرحى في كفي فاطمة صلوات الله عليها إلى درجة الإدماء وإصابة يديها بجروح، لكنها مع هذا فهي مستمرة في الطحن والعمل، وفي الواقع إن هذا الأمر المحير والسبب :

ألف : إنّ سيلان الدم يلزم ترك العمل وذلك إما لاحتياجها لرفع الدم عن عمود الرحى وتطهيره وإما لوجود الألم في يدها.

باء : بكاء الإمام الحسن عليه السلام وهو يتضور جوعاً وهذا يلزم إسكاته إلا أنها صلوات الله عليها لم يمنعها وجود الدم، وآلام الجرح وبكاء ولدها من ترك الطحن !! وهو ما لم أجد له جواباً ؛ ولعلها لم تشأ أن يقدم زوجها وهي لم تهيئ له طعاماً، وهذا ما نراه عند كثير من المؤمنات اللاتي تأسين بسيدتهن فاطمة صلوات الله عليها .

أما وجود الدم على عمود الرحى فهو لم يعد خللاً لأنه ليس شرطاً في صحة

ص: 235

العمل أو القبول، وهذا إذا قلنا أنه من لوازم الطهارة والتي لا يشترط توفرها إلا في الأعمال العبادية كالصلاة والطواف وغيرها.

ولكن وجوده على العمود وعدم رفعه وجلوس سلمان في محل فاطمة صلوات الله عليها ومزاولته الطحن دون أن يروي لنا قيامه بتطهير الرحى، ثم اتباعه الطحن بالذهاب إلى المسجد وأداء الصلاة كله يدل على طهارة دم المعصوم عليه السلام.

وإن سلمان علم بذلك واعتقد به بدليل : إن بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تقم بذلك ولم تطلب من سلمان أن يقوم بالتطهير كما إنه لم يخبر بذلك فلم يحتج إلى الماء للتطهير لأن العمود لم يتنجس.

وأما أن سلمان عمد إلى تطهيره لأنه من مقدمات الواجب، أي طهارة الأعضاء قبل الوضوء والذهاب إلى الجماعة؛ إلا أن سكوت الزهراء عليها السلام عن هذا الأمر يكشف عن طهارة دم المعصوم.

9 - الحادثة تقدم درساً شرعياً وتربوياً للأسرة المسلمة في كيفية التعامل مع الخادمة وذلك حينما تظهر فاطمة صلوات الله عليها المنهاج الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقسيم العمل فجعل يوماً لها ويوماً لخادمتها فضة.

ولذا نجدها : قد صبرت وتحملت الألم وما أصاب يدها وغير ذلك التماساً للأجر وتمسكاً بقول رسول الله صلى الله وآله وسلم وطاعته؛ ولا شك أنها لا تستطيع ترك طحن الشعير لحسن تبعلها وهو كذاك يصب في الأجر والثواب.

ص: 236

10 - بكاء الإمام علي عليه السلام عند سماعه ما بفاطمة من الجهد حتى لم يستطع أن يمسك دموعه ويحبسها عن سلمان الفارسي سلمان الفارسي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاشف عن شدة حبه لفاطمة عليها السلام.

فكيف كان حاله وما هو حجم مصابه وتألمه وتوجعه حينما هجم الأصحاب على بيت فاطمة عليها السلام فأحرقوا بابها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها.

هاء: ما ظهر لبلال المؤذن من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

وقريب من هذه الحادثة ( يروي ابن عدي عن أنس عن بلال المؤذن قال :

مررت على فاطمة وهي تعالج الرحى، قال وابنها الحسين يبكي، قال وحانت الصلاة، قال بلال فقلت لفاطمة :

أيما أعجب إليك أنكفيك الرحى أو الصبي؟ فقالت :

«أنا ألطف بصببي».

قال : فأخذت بقية الطحن فطحنته عنها فأتيت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فقال :

«یا بلال ما حبسك؟».

فقلت: يا رسول الله مررت على فاطمة وهي تعالج الرحى فأعنتها على طحنها، فقال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«رحمتها رحمك الله»)(1).

ص: 237


1- الكامل لابن عدي : ج 2، ص 170 ؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج 25 ، ص 272
واو: ما رواه أبو هريرة من كرامة دوران الرحى لحالها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وفي هذا الخصوص وجدت في أحد المخطوطات رواية عن أبي هريرة يروي فيها حديث يدور بين فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان دخل عليها فوجدها تطحن الشعير فشكت إليه ما بها من الجهد.

والرواية طويلة وتتضمن مجموعة من الوصايا النبوية للمرأة المسلمة وما لها من الأجر عند الله تعالى في حسن تبعلها وجهادها الأسري؛ إلا أنني لم أعثر عليها في مصدر مطبوع فيما توفر لدي من مصادر في حين أنني وجدتها على كثير من المواقع الإلكترونية على شبكة الانترنيت.

فبين معتمد عليها في التوجيه والإرشاد الأسري وبين مكذب لها ومعترض عليها لكونها ليست بحديث ولا أصل لها يعتمد عليه من الأصول الحديثية.

ولكن هذا لا يمنع من إيرادها لكونها تصب في التربية الأسرية وجهاد المرأة في دارها وحسن تبعلها والتماسها للأجر والثواب وهي كالآتي :

(عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه دخل يوماً على فاطمة - عليها السلام - وهي تبكي فقال لها النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«ما الذي يبكيك يا فاطمة؟».

فقالت :

«يا أبي بكاني مكابرة طحن الشعير والعجين، وشغل البيت، وأنا حامل، فلو

ص: 238

أمرت علياً أن يشتري لي جارية تساعدني على طحن الشعير وغير ذلك».

فقال النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«هل تعلمين لعلي شاة أو بعير وذهباً أو فضة؟».

فقالت - عليها السلام - :

«لا أعلم لعلي شيئاً من ذلك!».

فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - :

«يا فاطمة إذا المرأة حملت بعلها ما لا يطيق، كانت من أهل النار، ولكن يساعدك على طحن الشعير البشير النذير».

قال : فطحن معها رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، فقامت فاطمة - عليها السلام - ونفضت غبار الطحين عن جسدها فجلس النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم على الرحي وقال :

«بسم الله».

وأراد أن يديرها بيده الشريفة فأذن الله تعالى للرحى أن تدور بنفسها بلا تعب ولا نصب فأنطقها الله الذي أنطق كل شيء وقالت بلسان فصيح : السلام عليك يا محمد، ما بقي عليك إلا طحن الشعير أيها البشير النذير؟ والذي بعثك بالحق نبياً لو أمرتني إلى طحن شعير الدنيا كله لأفعل ذلك كله.

فقال لها النبي صلى الله عليه - وآله – وسلم:

«بارك الله فيك أيها الرحى».

وجعل النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم يصب فيها الشعير بيده وهي دايرة

ص: 239

لنفسها من غيريد تديرها ولا سايق يسوقها ومازالت كذلك حتى فرغ الشعير ولم تبطل دورانها، فقال لها النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«مالك في الأول أطعتني وفي هذه الساعة تعصيني؟».

فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيرا لا أسكن حتى تضمن لي على الله الجنة والنجاة من النار، فقال لها رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«أيتها الرحى أنت حجر ليس لك عينان تشع، أو أذنان تسمع، ولا يد تبطش، ولا رجل تمشي وتخافي من النار؟

فقالت : يا رسول الله إني سمعت فاطمة عليها السلام تقرأ في محرابها قوله تعالى :

« ... وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ... »(1) .

فخفت أن أكون من تلك الحجارة التي ذكرها الله تعالى في القرآن.

قال : فبسط النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم يدعو بدعوات لم تحجب عند رب السماوات وإذا بالأمين جبرائيل عليه السلام قد هبط وقال :

«يا محمد ربك يقريك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك بشّر الرحى فإن الله أعتقها وجعلها من أفضل أحجار الجنة في قصر فاطمة الزهراء عليه السلام».

قال : فبعد ذلك التفت النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم إلى فاطمة عليها السلام فقال لها :

ص: 240


1- سورة البقرة، الآية : 24

«یا فاطمة ما من امرأة طحنت مؤونة عيالها بيدها إلا كتب الله لها بكل حبة حسنة، ومحا عنها سينة.

يا فاطمة ما من امرأة خبزت لعيالها، إلا جعل الله بينها وبين النار سبعة صناديق.

يا فاطمة ما من امرأة غسلت قدرها، إلا غسلها من الذنوب وطهرها من العيوب.

يا فاطمة ما من امرأة غزلت بيدها وأنفقت على زوجها وعيالها، إلا كتب الله لها بكل خيط حسنة ومحا عنها سيئة.

يا فاطمة ما من امرأة دهنت رؤوس بناتها، إلا كتب الله لها بكل شعرة من شعورهم حسنة ومحا عنها سينة.

يا فاطمة ما من امرأة منعت جارتها حاجة، إلا منعها الله الشراب من الحوض يوم القيامة.

يا فاطمة ست حاجات يكره منعها : الماء والنار، والخميرة والرحى، والملح، والأبرة؛ فمن منع ذلك الماء لا يسقى من الحوض يوم القيامة، ومن منع النار ألقى الله العدوان بينه وبين أهله، ومن منع الخميرة يبتلى بالغاشية، ومن منع الملح فكأنما عصى الله فله النار.

يا فاطمة أفضل عمل المرأة رضى زوجها عليها، والذي بعثني بالحق نبيا لومتي وزوجك غير راض عنك، ما صليت عليك، يا فاطمة ما من امرأة رضي عنها زوجها ليلاً ونهاراً كان لها أفضل من عبادة سنة صيام نهارها، وقيام ليلها، يا فاطمة ما من امرأة ماتت على طاعة زوجها إلا وجبت لها الجنة.

يا فاطمة مسكينة امرأة بلا زوح، كشجرة بلا ثمر.

يا فاطمة الرجل إذا نظر إلى امرأته نظرة واحدة، كتب له ولها بكل نظرة مائة

ص: 241

حسنة، وان قبلها كتب الله له ألف حسنة، وان جامعها كتب الله له مائة ألف حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة، ويخلق الله تحت كل شعرة ملك يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب الله ثواب ذلك في صحيفته.

يا فاطمة إذا حملت المرأة استغفرت لها الملائكة في السماء والحيتان في البحار، والسمك في السماء وكتب الله لها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى، وإذا اشتد عليها الطلق، كتب الله ثواب ألف شهيد، وإذا وضعت خرجت من ذنوبها كيوم ولدتها أمها، وكتب الله ثواب سبعين حجة.

يا فاطمة ما من امرأة عبست في -وجه - زوجها إلا سلطت عليها زبانية جهنم، فإن منعته الفراش لعنها من فوق عرشه والملائكة والناس أجمعين.

يا فاطمة ما من امرأة خففت عن زوجها من كتابها درهماً واحداً إلا كتب الله بكل درهم قصراً في الجنة.

يا فاطمة ما من امرأة صلت فرضها ودعت ولم تدع لزوجها، إلا ردّ الله صلاتها عليها.

يا فاطمة ما من امرأة تزينت بغير اذن زوجها إلا لعنها الله من فوق عرشه وكل رطب ويابس حتى ترجع إلى بيتها.

يا فاطمة ما من امرأة غضب عليها زوجها فلم ترضه إلا كانت في سخط الله وعذابه وغضبه.

يا فاطمة ما من امرأة كشف وجهها لغير زوجها إلا أكبها الله في النار على وجهها.

يا فاطمة ما من امرأة كدرت زوجها في بيتها، الأسلط الله عليها حية وسبعين عقرباً إلى يوم القيامة.

ص: 242

يا فاطمة ما من امرأة قالت لزوجها طلقني ولم يرض زوجها بذلك إلّا جاءت يوم القيامة ووجهها عظم بلا لحم، وقد خرج لسانها من فمها وتدلى على صدرها ثم تلقى في جهنم ولو كانت تصوم النهار وتقوم الليل.

يا فاطمة ما من امرأة هجرت زوجها من فراشه ليلة واحدة، إلّا كانت يوم القيامة مع فرعون وهامان في الدرك الأسفل من النار ولو كانت عابدة زاهدة.

یا فاطمة ما من امرأة عبدت الله بعبادة مريم بنت عمران، ودعاها زوجها لحاجة ولم تجبه في ذلك، إلا كانت مع الشياطين فيمن يحشر في جهنم في السلاسل والاغلال.

يا فاطمة ما من امرأة فعلت شيئاً بغير اذن زوجها، إلا كانت يوم القيامة مع اليهود والنصارى الذين يبدلون كلام الله تعالى.

يا فاطمة لو خرج من أنف الرجل دماً وقيحاً ولحسته بلسانها ولم يرضَ زوجها عنها، إلا كانت يوم القيامة في تابوت من النار، ثم تلقى في جهنم.

يا فاطمة لو أن للمرأة مالاً مثل قارون وملك سليمان بن داود، وأكله الرجل، وقالت له: أكلت مالي، إلّا أحبط الله عملها أربعين سنة.

يا فاطمة المرأة لو عبدت الله تعالى بعبادة أهل السموات وأدخلت على زوجها هماً أو غماً، إلّا جاءت يوم القيامة مغلولة اليدين إلى عنقها مقيدة الرجلين وقد تعلقت بها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

يا فاطمة إذا نظرت المرأة إلى زوجها بعين الغضب وغير محبة، إلا تسمرت عيناها بسمارين من النار.

ص: 243

يا فاطمة تسعة آلاف من الملائكة يلعنون النساء اللاتي يخُنّ أزواجهن في أنفسهن.

یا فاطمة ما من امرأة لم ترضَ بالقليل من زوجها لم يرض عنها الله يوم القيامة ولو كانت من بنات المرسلين.

يا فاطمة ما من امرأة لم تقر ضيف زوجها، إلا لعنها الله تعالى من فوق عرشه وغضب عليها ولعنتها الملائكة.

يا فاطمة الضيف مفتاح الجنة، فمن أتاه ضيف أتاه الله برزقه وفتح الله له باباً من أبواب الجنة»(1).

المسألة الثالثة:

مغزل فاطمة صلوات الله عليها

المُغزل والمَغزَل : ما يغزل به ؛ قال الفراء : والأصل الضم، وإنما هو من أغزل، أي أدير وفتل، وأغزلت المرأة : أدارت المغزل (2).

وللمغزل نصيب في التوجيه والإرشاد الأسري فضلاً عما يحققه من نفع اقتصادي وإن كان بحسب المكان والزمان ذا دخل محدود؛ ولقد ورد فيه أحاديث شريفة تكشف عن اهتمام الإسلام بتوفير الأجواء المناسبة للمرأة لاسيما ونحن نتحدث عن معالجة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للمجتمع القبلي الذي كان يطبق بقوانينه على الأسرة سواء كان ذلك في مكة أو المدينة أو عموم المجتمع العربي.

ص: 244


1- کتاب نوادر حكايات مستطرفات في مناقب المتقدمين من الأنبياء والصالحين (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق الشام
2- الصحاح للجوهري : ج 5 ، ص 1781
أولاً : الحث على تعلم المرأة الغزل والحكمة فيه ؟

يمكن لنا تحديد فوائد المغزل وحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعترة على استخدامه في الأسرة من خلال ما ورد عنهم عليهم السلام في المغزل، وهي كالآتي :

1 - أخرج الحاكم النيسابوري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ؛ قائلاً:

«لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل، وسورة النور»(1).

وبهذا اللفظ أخرج الشيخ الصدوق والكليني والحر العاملي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال :

«لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة، ولا تعلموهن سورة يوسف، وعلموهن المغزل وسورة النور، فإذا سبحت المرأة عقدت على الأنامل لأنهن مسؤولات يوم القيامة»(2).

2 - أخرج القاضي المغربي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال :

«نعم الشغل للمرأة المؤمنة المغزل»(3).

3 - أخرج الصدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعم اللهو الغزل للمرأة الصالحة»(4).

ص: 245


1- مستدرك الحاكم : ج 2، ص 396
2- الكافي للكليني : ج 5 ، ص 516 ؛ من لا يحضره الفقيه : ج2، ص396؛ وسائل الشيعة للحر العاملي : ج 6 ، ص 185
3- دعائم الإسلام للمغربي : ج 2، ص 214؛ جامع أحاديث الشيعة : ج 17 ، ص 374
4- علل الشرايع : ج 2، ص 583 ؛ الوسائل: ج 5 ، ص 319

4 - أخرج الطبرسي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح في يد الغازي المريد وجه الله»(1) .

5 - روى العياشي ( عن محمد بن خالد الظبي قال : مرّ إبراهيم النخعي على امرأة وهي جالسة على باب دارها بكرة، وكان يقال لها أمر بكر، وفي يدها مغزل تغزل به، فقال لها : يا أم بكر ، أما كبرت أما آن لك أن تضعي هذا المغزل ؟ فقالت :

وكيف أضعه وقد سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول :

«هو من طيبات الكسب»)(2).

وكما هو واضح فإن هذه الأحاديث الشريفة جاءت في إرشاد الآباء والأزواج إلى ما يناسب وضع المرأة آنذاك كي لا تترك دون استثمار للوقت أو أنها تندفع بسبب الفراغ إلى بعض الشؤون التي لا تناسب مع تكوينها ووظيفتها الحياتية.

ولا شك أن الحياة اختلفت في كل خصوصياتها حتى أصبحت المرأة في كثير من البلاد لا ترى المغزل إلا في المتاحف التي تهتم في التراث الشعبي لها.

وعليه :

يمكن فهم هذه النصوص الشريفة حينما يحمل بعضها على بعض في ظهور الحكمة من تعليم المرأة المغزل، في أمرين:

ص: 246


1- مكارم الأخلاق للطبرسي : ص238
2- تفسير العياشي : ج 1 ، ص 150 ؛ وسائل الشيعة : ج 17، ص 237 . ص237

1 - استثمار الوقت كقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«نعم اللهو المغزل».

وكقول أمير المؤمنين عليه السلام :

«نعم الشغل للمرأة المؤمنة المغزل».

2 - حث المرأة على العمل والتكسب بما يناسب وضعها وتكوينها وتكاليفها الشرعية.

ثانيا:
خصوصية مغزل فاطمة عند أهل البيت عليهم السلام

عند أهل البيت عليهم السلام في خصوصية هذا المغزل وأهميته هناك أكثر من عنوان وهي كالآتي:

الف: دور مغزل فاطمة عليها السلام في نزول سورة (هل أتى)
دور مغزل فاطمة عليها السلام في نزول سورة (هل أتى)

أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله (عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام في قوله عزّ وجل:

«يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ...» (1).

«مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه رجلان فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما .

فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً الله عزّ وجل، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام،

ص: 247


1- سورة الإنسان الآية: 7

وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.

فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟

قال: نعم.

فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت، ثم عملت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعا من الشعير، فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله المغرب، ثم أتى منزله، فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.

فوضع اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم ذات المجد واليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين *** جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين *** يشكو إلينا جائعاً حزين

كل امرئ بكسبه رهين *** من يفعل الخير يقف سمين

موعده في جنة رحيم *** حرمها الله على الضنين

وصاحب البخل يقف حزين *** تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

ص: 248

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:

أمرك سمع يا بن عم وطاعة *** مابي من لؤم ولا وضاعة

غذيت باللب وبالبراعة *** أرجو إذا أشبعت من مجاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة *** وأدخل الجنة في شفاعة

وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا، وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح.

ثم عملت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله، ثم أتى منزله، فلما وضع المخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين، قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني بما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.

فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم بنت السيد الكريم *** بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا الله بذا اليتيم *** من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم *** حرمها الله على اللئيم

وصاحب البخل يقف ذميم *** تهوي به النار إلى الجحيم

شرابها الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

فسوف أُعطيه ولا أبالي *** وأوثر الله على عيالي

أمسوا جياعاً وهم أشبالي *** أصغرهما يقتل في القتال

ص: 249

بكربلا يقتل باغتيال *** لقاتليه الويل مع وبال

يهوي في النار إلى سفال *** كبوله زادت على الأكبال

ثم عملت فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله، ثم أتى منزله، فقرب إليه الخوان، وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا ! فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم يا بنت النبي أحمد *** بنت النبي سيد مسود

قد جاءك الأسير ليس يهتد *** مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد *** من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد *** ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأعطني لا تجعليه ينكد

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

لم يبق مما كان غير صاع *** قد دبرت كفي مع الذراع

شبلاي والله هما جياع *** يا رب لا تتركهما ضياع

أبو هما للخير ذو اصطناع *** عبل الذراعين طويل الباع

ما على رأسي من قناع *** إلا عبا نسجتها بصاع

وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شي».

ص: 250

قال شعيب في حديثه : وأقبل علي بالحسن والحسين عليهما السلام نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر بهم النبي صلى الله عليه وآله قال :

«يا أبا الحسن، أشد ما يسوني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة».

فانطلقوا إليها وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله ضمها إليه وقال :

«وا غوثاه ،بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى!».

فهبط جبرئيل عليه السلام فقال :

«يا محمد، خذ ما هيا الله لك في أهل بيتك».

قال :

«وما آخذ يا جبرئيل؟»

قال :

«هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاحٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كأس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنَا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفجرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمَا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ، مِسْكِينَا وَبِنمَا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمّا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبَّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُم

ص: 251

نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِینَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرُونَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِلَتْ قُطُوفُهَا نَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِئَانِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيراً (15) قَوَارِيرًا مِن فِضَّةٍ فَذَرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ تُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُوا مَنشُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا ومُلكًا كَبِيرًا (20) عَلِيهُمْ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُر مَشْكُورًا»(1))(2).

والرواية تكشف عن بعض النقاط، وهي كالآتي

1 - تعاون الزهراء عليها السلام مع زوجها ومساندتها له في العمل على التكسب بما يتناسب مع وضع المرأة داخل البيت وحفظها من الاحتكاك أو المحادثة مع الرجال إنما هو في غاية من الأهمية إذ قد يتصور كثير من النساء والرجال أن الإسلام يمنع المرأة من أداء أي دور في تحسين دخل الأسرة والتعاون مع الزوج في النهوض بمستوى الدخل لديها مما ينعكس إيجاباً على تكوين حياة كريمة لهذه الأسرة وتوفير مستلزمات الأبناء واحتياجاتهم.

2 - لابد أن يكون العمل للمرأة داخل المنزل بموافقتها وقبولها لا أن يحملها الرجل ذلك إلا أن الدرس المستفاد من هذه الرواية امتثال فاطمة صلوات الله عليها لأمر زوجها بدون أي استفهام لاسيما وأن الأمر متعلق بولديها، وإيفاء ما عليهم من النذر الذي نذروه الله تعالى.

ص: 252


1- سورة الإنسان، الآيات : 1 – 22
2- الأمالي للشيخ الصدوق : ص329 - 332

3- لا شك أن عمل فاطمة عليها السلام في هذه الحادثة یدور مدار الطاعة لله تعالى، وهذا أمر في غاية من الأهمية، وهي كالآتي :

ألف : الطاعة للزوج حينما جلب الصوف وعدم الاعتراض وذلك أن الإنفاق من واجبات الزوج.

باء : العمل في غزل ثلث الصوف مقابل ثلث الشعير لكل يوم وهذا خاص في عدالة المعصوم وتعامله مع حقوق الناس.

جيم : قصر الأمل فالقيام بغزل الكمية كلها يدل على طول الأمل والبقاء ثلاثة أيام في حين كانت الزهراء تهم في غزل ثلث الكمية لكل يوم فإذا وافى الإنسان الأجل يعاد الصوف والشعير إلى صاحبه.

دال : العمل في الإيفاء بالنذر وهذه الموارد كلها طاعة الله تعالى.

4 - يتضح من خلال الرواية أن بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تقف إلى جنب زوجها وتعينه منذ أن أذن الله تعالى في تكوين هذه الأسرة، وإن أحد أسباب إصابة يديها (فمجلت) كما مر سابقاً إنما كان لامتثالها في معونة علي عليه السلام سواء بالرحى وطحن الشعير أو بغزل الصوف؛ ولا يخفى أن ذلك مرده إلى التآزر والتماس الأجر عند الله تعالى فضلاً عما يتمخض عن هذا التعاون من الحب والمودة بين الزوج والزوجة.

5 - قد يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده : أين دور الرجل في تهيئة احتياجات الأسرة ؟

وجوابه :

ص: 253

أولاً : طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدمة على احتياجات النفس والأسرة

لا شك أننا في دراسة حياة البيت الأنموذجي في الإسلام في البيت الذي أذن الله تعالى أن يرفع ويذكر فيه اسمه؛ بيت جمعت فيه جميع عناوين الحياة الأسرية بما يخالطها من مسائل شرعية وسنن تربوية.

وهنا: أي ما يخص الإمام علياً عليه السلام يتحدد من خلال عنوانين الأول : دوره في الامتثال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يفرضه عليه عنوان الوصي والخليفة والأخ، مما يستلزم تقديم هذا العنوان على النفس والأولاد والزوجة، وهو عنوان صحيفة علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وبه نال ما نال من الله تعالى ومما يدل عليه :

قوله صلوات الله وسلامه عليه حينما سأله حبر من اليهود: أنبيّ أنت؟ فقال :

«ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1) .

فضلاً عن تضافر الآيات في بيان رتبة طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتباعه، وحبه وغير ذلك.

ثانياً : مواساة فاطمة عليها السلام لعلي في احتياجات الأسرة

دوره كزوج وأب وهذا يستلزم الإنفاق ولكونه نذر نفسه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن اتباع أسباب السعي والتكسب تصبح قليلة وذلك بما يفرضه عليه العنوان الأول، أي خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 254


1- الكافي للشيخ الكليني : ج 1، ص90؛ التوحيد للشيخ الصدوق : ص 174

واحتياجات نشر الرسالة وحمايتها والدفاع عنها؛ إلا أنه مع القلة في الوقت التكسبي فقد بذل جهداً يعجز عنه الرجال حتى قال :

«لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري»(1) .

من هنا :

وجدت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، المشاركة في هذا الجهاد ومعونة علي صلوات الله وسلامه عليه على الإنفاق على ولديها فكانت تطحن الشعير وتغزل بالمغزل، فبلغت بذلك أمرين :

الأمر الأول : الجهاد في سبيل الله وخدمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في توفير الأجواء التي تمكن الإمام علياً عليه السلام من مواصلة واجبه الرسالي.

الأمر الثاني : الجهاد التبعلي في تحمل ضنك الحياة والصبر على الضائقة والزهد وصبرها على ضعف حال الزوج كما تعلمنا بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

باء: كان لعلي عليه السلام قميص من غزل فاطمة عليها السلام يتقي به نفسه في الحروب

ذكر ابن شهر آشوب في المناقب : (إن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان له قميص من غزل فاطمة عليها السلام يتقي به نفسه في الحروب ؛ وهذا القول وإن لم أعثر على ما يتناوله بالبيان من أقوال المعصومين عليهم السلام، إلّا أنه، أي: هذا

ص: 255


1- الغارات للثقفي : ج 2، ص 739؛ مسند أحمد : ج 1، ص 106 ؛ الدعاء للطبراني : ص93؛ الترغيب والترهيب للمنذري : ج 2، ص 452 ؛ تغليق التعليق لابن حجر : ج 3، ص 470 ؛ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام: ص 282؛ و (سنوت) : أي إنه كان يسقي النخيل بالدلو

القميص هو من حيث الآثار التكوينية كقميص يوسف عليه السلام الذي ظهرت له آثار إعجازية في إرجاع البصر لنبي الله يعقوب؛ قال تعالى عن لسان يوسف عليه السلام في محكم التنزيل :

«اذهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ»(1).

ومن ثم لا غرابة فيما يرويه ابن شهر من وجود هذا القميص الذي كان لأمير المؤمنين علي عليه السلام من غزل فاطمة عليها السلام؛ وقد عرض القرآن لهذه الحادثة فيما بين نبيين من أنبيائه على الرغم من أن يعقوب عليه السلام كان بإمكانه أن يلتجئ بنفسه إلى الدعاء والتوسل بالله تعالى ليرد عليه بصره لكن الله تعالى أراد أن يظهر بعض شؤون ألطافه التي كانت لدى بعض الأنبياء عليهم السلام؛ كخاتم سليمان، وعصا موسى وما أعطاه الله لسيدهم وأشرف الخلق أجمعين لخير مما أوتي الأنبياء والمرسلون أجمعون؛ وما أوتي آل محمد خير مما أوتي آل يعقوب وغيرهم.

جيم: مغزل فاطمة عليها السلام من مختصات تراث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم

يروي السيد ابن طاووس وابن نما الحلي : (إن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام حينما أدخل على يزيد بن معاوية لعنهما الله مع سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجرى ما جرى عليهم في مجلس الطاغية وبعد

ص: 256


1- سورة يوسف، الآية : 93

تخوف يزيد لعنه الله تعالى من انقلاب الأمر عليه لاسيما بعد معرفة الناس بما جرى على آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم على خطوة سياسية أراد بها تخفيف الاحتقان وغضب بعض مقربيه فعمد إلى التلطف بالإمام زين العابدين عليه السلام؛ فكان مما جرى بينهما من محاورة :

قال يزيد لعلي بن الحسين عليه السلام : وعدتك بقضاء ثلاث حاجات أذكرها، فقال عليه السلام :

«الأولى: تريني وجه سيدي الحسين عليه السلام لأتزود.

والثانية: ترد علينا ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة وقميصها وقلادتها.

والثالثة: إن كنت عزمت على قتلي فوجه مع النسوة من يوصلهن إلى حرم جدهن».

قال : أما وجه أبيك فلن تراه أبداً، وأما قتلك فقد عفوت عنك فما يوصلهن إلى المدينة غيرك، وأمر برد المأخوذ وزاد عليه مائتي دينار.

ففرقها الإمام زين العابدين عليه السلام على الفقراء والمساكين؛ ثم أمر يزيد بمضي الأسارى إلى أوطانهم مع نعمان بن بشير وجماعة معه إلى المدينة) (1).

والحادثة تظهر بعض المسائل، منها :

1 - إن مغزل فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها ،وقميصها أي : جلبابها وما يتعلق بها من مختصات تراث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 257


1- اللهوف في قتلى الطفوف : ص 114؛ مثير الأحزان لابن نما الحلي : ص 85 ؛ البحار : ج 45 ، ص 144؛ العوالم للبحراني : ص 445؛ لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين : ص239

قد حملها الإمام الحسين عليه السلام معه إلى كربلاء؛ أو لعل الظاهر أن المغزل كان عند عقيلة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم زينب الكبرى عليها السلام ابنة فاطمة الزهراء عليها السلام لأنه من شؤون المرأة.

2 - الظاهر أن الحكمة في حمله مع غيره كالقميص إنما يعود لإظهار الحجة على أن هؤلاء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما فعل الإمام الحسين عليه السلام من لبسه لعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركوبه على ناقته الشهباء وفرسه المرتجز واليحموم (فرس جبرائيل) (1) ، الذي كان يقاتل عليه وسقط عنه ومعه كان آخر أمره.

3 - تكشف الرواية على أن جيش الشام كان في مقدمة الجند الذين اجتمعوا لقتل سيد شباب أهل الجنة وسلب بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك حرصاً منهم على اغتنام ما لآل محمد من مال؛ وإلا لما كان يزيد يستطيع أن يرد هذه المقتنيات للإمام زين العابدين عليه السلام لو كانت موجودة بين الجند الذين هم من أهل الكوفة والحال إن هذه المقتنيات لدى جند الشام فأعيدت إلى الإمام زين العابدين عليه السلام.

ولعله، أي : يزيد بن معاوية هو من أمر بذلك ؛ بمعنى أن تكون هذه الفرقة هم من يتولى أمر قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلبه بدليل :

ص: 258


1- اليحموم : سمي هذا الفرس باليحموم للونه المميز، وهو الأسود الشديد الظلمة، وهو من خيل جبرائيل المسمى ب_ (فرس الحياة) الذي كان يقاتل عليه في معركة بدر حينما أمر الله تعالى بنزول الملائكة لنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لمزيد من الاطلاع على هذه الحقيقة الغيبية، ينظر: اليحموم فرس جبرائيل في عاشوراء للمؤلف

إن شمر بن ذي الجوشن كان على رأس ألف فارس من أهل الشام وهؤلاء هم الذين كان يشكلون النخبة التي يعتمد عليهم يزيد وعبيد الله بن زياد فيما لو تلكّأ عمر بن سعد بن أبي وقاص في تنفيذ أمر طاغية بني أمية.

ولا يخفى على القارئ أن شمر بن ذي الجوشن هو الذي تولى أمر الإجهاز على ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكيفية التي تناقلتها الرواة في كتب الحديث والتاريخ والسيرة والتراجم وغيرها.

4 - لا شك أن لهذه المقتنيات وهذا التراث المحمدي من الآثار التكوينية ما كان لتراث الأنبياء عليهم السلام كقميص يوسف وعصا موسى وخاتم سليمان؛ لكن آل البيت عليهم السلام لا يكشفون هذه الآثار إلى الناس وقد جرى عليهم ما جرى من القتل والسلب والتشريد.

المسألة الرابعة :

بقلة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وسبب معاداة بني أمية لها

تشير الروايات الشريفة إلى أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب نوعاً من (البقل) وهو الهندباء(1) .

كما أن فاطمة وعلياً صلوات الله عليهما كانا يحبان كذلك أنواعاً أخرى من (البقل) فكانت بقلة علي عليه السلام الباذروج، وبقلة فاطمة (الفرفخ) (الرجلة) وتسمى أيضا بأسماء أخرى سنمر عليها.

والبقلة من (البقل) ، وهو : (كل نبات اخضرت له الأرض فهو بقل، وبقل

ص: 259


1- الكافي : ج 6 ، ص 363

وجه الغلام ؛ خرجت لحيته، وابقلت الأرض : أخرجت بقلها) (1).

وقال ابن منظور في لسان العرب عن ابن سيده في المخصص: (البقل) من النبات ما ليس بشجر دق ولاجل وحقيقة رسمه ما لم تبق له أرومة على الشتاء بعدما يُرعى ؛ وقال أبو حنيفة : ما كان منه ينبت في بزره ولا ينبت في أرومة ثابتة فاسمه البقل ، وقيل كل نابتة أول ما تنبت فهو البَقَل، وفرق ما بين البقل ودق الشجر أن البقل إذا رعي لم يبق له ساق والشجر تبقى له سوق وإن دقت (2).

أولاً : التعريف ب_ (بقلة الزهراء عليها السلام ) وأسماؤها
ألف: التعريف ببقلة الزهراء عليها السلام وصفة شكلها

من البقول العشبية يؤكل ورقه مطبوخاً أو نيئاً؛ ويكون شكله إما منتصباً ويصل ارتفاعه إلى حوالي 30 سم، ومنها ما هو منبسط، ساقها وأفرعها ملساء ذات لون مخضر إلى محمر عصيرية رخوة، أوراقها بيضية مقلوبة مستديرة القمة، الأزهار صغيرة صفراء اللون جالسة بدون أعناق تتفتح في الصباح ثم تنغلق غالباً قبل منتصف النهار.

باء: أسماء بقلة الزهراء عليها السلام وانتشارها في العالم

لأن هذه البقلة مباركة فقد انتشر وجودها في شرق الأرض وغربها وعرفها الناس بأسماء متعددة وهي كالآتي:

ص: 260


1- مختار الصحاح لأبي بكر الرازي : ص38
2- لسان العرب : ج 11، ص 60 ؛ المخصص لابن سيدة : ج 3، ق 1 (السفر العاشر)، ص 173

1 - فقد عرفت عند أهل البيت عليهم السلام ببقلة الزهراء عليها السلام لأنها كانت تحبها وانتشر ذلك في المدينة، وعرف المسلمون بحب فاطمة عليها السلام لهذه البقلة فغير بنو أمية اسمها بغضاً لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأسموها ب_ (بقلة الحمقاء).

2 - وسميت عند بني أمية وأشياعهم ومواليهم ب_(البقلة الحمقاء).

3 - وتعرف في لبنان ب_(البقلة) وكثيراً ما يستخدمها اللبنانيون في سلطة (الفتوش).

4 - تسمى كذلك في بلاد الشام كالأردن وفلسطين وسوريا ب_(الفرحين) و(الفرخينة).

5 - وفي مصر تسمى ب_ (الرجلة).

6 - وفي بلاد المغرب العربي تسمى ب/ت (بليبشة).

7 - وفي اللغة العبرية لدى اليهود تسمى ب_(أرغيلم).

8 - وعند الافرنج ب_ (بركال سالي).

9 - وعند اليونانيين تعرف ب_(أنوق).

10 - وفي العراق تسمى ب_(اللوينة) و(البربين).

11 - وعند الإيرانيين تسمى ب_(خلفة أو خرفة).

12 - والاسم العلمي لها (Portalace oleracea )

13- والاسم العالمي لها (Purslane )

وسيمر علينا لاحقا وجودها في أغلب بلاد العالم.

ص: 261

ثانيا: ما روي في فضل بقلة الزهراء عليها السلام التي سميت ( الرجلة ( Pueslane)، أو الفرفخ، أو البربين أو اللوينة وغيرها من الأسماء

وردت بعض الروايات الشريفة عن العترة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهي تبين فضل هذه البقلة وشرافتها على بقية البقل، كما تظهر أحقاد بني أمية وبغضهم في تغيير اسم هذه البقلة عداوة وبغضاً لآل البيت عليهم السلام وهي كالآتي :

1 - روى الكليني رحمه الله ( عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

«ليس على وجه الأرض بقلة أشرف ولا أنفع من الفرفخ. وهو بقلة فاطمة عليها السلام».

ثم قال :

«لعن الله بني أمية هم سموها بقلة الحمقاء بغضاً لنا وعداوة لفاطمة عليها السلام»)(1).

2 - كما روى الكافي رحمه الله (عن الصادق عليه السلام قال :

«بقلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهندباء وبقلة أمير المؤمنين الباذورج، وبقلة فاطمة الفرفخ»)(2).

3- روى الراوندي قائلاً : (كانت فاطمة الزهراء عليها السلام تحب هذه البقلة فدعيت إليها، فقيل : بقلة الزهراء، كما نسبت الشقائق إلى النعمان ؛ ثم بنو أمية غيرتها فقالوا بقلة الحمقاء، ثم جعل من ذب عنهم من علمائهم فقالوا البقلة

ص: 262


1- الكافي : ج 6 ، ص 367 ؛ المحاسن للبرقي : ج 2، ص 517 ؛ الوسائل للحر العاملي : ج 25 ، ص 194
2- الكافي : ج 6 ، ص 363؛ الوسائل: ج 25 ، ص 180

الحمقاء، وقالوا : الحمقاء صفة للبقلة لأنها تنبت بممر الناس ومدرج الحوافر فتداس ولا تطول) (1).

4 - وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه مرّ بالرجلة وفي رجله قرحة، فداواها بها فبرأت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«بارك الله فيك أنبت حيث شنت فأنت شفاء من سبعين داء وأدناه الصداع»)(2).

5 - وقريب من هذه الرواية بلفظ آخر أخرجه الكليني رحمه الله (عن الإمام أبي عبد عبد الله الصادق عليه السلام قال :

«وطئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرمضاء فأحرقته فوطن على الرجلة، فسكن عنه حر الرمضاء فدعا لها وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحبها، ويقول: من بقلة ما أبركها»)(3).

6 - وذكر عبد الوهاب السبكي في الطبقات : (وكان صلى الله عليه - وآله - وسلم يحب من البقول الهندباء، والباذورج، والبقلة الحمقاء، التي يقال لها الرجلة) (4).

7 - وسماها الحافظ الزمخشري ب_ (سيدة البقل) (5)، وأردف هذه التسمية

ص: 263


1- الدعوات للراوندي : ص 155؛ مستدرك الوسائل: ج 16 ، ص 421
2- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث لأبي بكر الهيثمي : ص 164 ؛ إحياء علوم الدين للغزالي : ج 7، ص 128
3- الكافي : ج 6 ، ص 367؛ وسائل الشيعة : ج 25 ، ص 194
4- طبقات الشافعية الكبرى : ج 6 ، ص 326 ؛ دعائم الإسلام : ج 2، ص 113
5- أساس البلاغة : ص 198 ؛ مجمع البحرين : ج 5 ، ص 324

بقوله : (استحمقت لأنها تنبت في المسايل) (1) ! !

أقول : إن المستفاد من هذه الروايات والأقوال جملة من الملاحظات وهي كالآتي :

1 - لا شك أنّ بقلة الزهراء عليها السلام أو (الرجلة) أو (الفرفخ) هي لا تملك لنفسها الخيار في أن تكون في منبت مجرى الماء أو المسائل فالأمر الله تعالى ومن ثم كونها كذاك لا يكون مسوغاً في نسب الحمق لها وهي من مرادفات ولوازم القوة العاقلة.

2 - إن كانت منابتها متعددة كما قيل في المسائل وممر الناس ومدرج الحوافر ، وموضع القدم(2) ، وقيل : إن السبب في تسميتها بالحمقاء : لأنها تنبت في كل موضع (3) .

فهذا مدعاة لأن تنسب لها صفة البركة لا أن توصف بهذه الصفة الذميمة التي تنم عن أن السبب الحقيقي في هذه الصفة لا يعود إلى كونها تنبت في كل موضع أو في المواضع التي ذكرت ؛ وإنما لاشتهارها ببقلة الزهراء عليها السلام فغيرت بغضاً لمن تسمت باسمها.

3 - إن من مظاهر الحكمة في انتشار هذه البقلة في مختلف المواضع إنما يعود إلى دعوة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لها كما مر في الحديث الشريف :

ص: 264


1- المصدر السابق
2- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني : ص190
3- الزهراء في معاني كلمات الناس لابن الأنباري : ص 371

«أنبت حيث شنت».

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم كما عن الصادق عليه السلام :

«من بقلة ما أبركها».

فضلاً عن فوائدها الغذائية والعلاجية والطبية التي كانت مدعاة لإنباتها في أغلب البلاد.

4 - إن أقل ما يمكن أن توصف به هذه البقلة وذلك تأدباً من المسلم في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان يحبها، ومن ثم فإن وصفها بصفة ذميمة يسوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم - والعياذ بالله-.

5 - إن تطور الحياة وتنوع الثقافات وتعدد المعطيات تكشف عن أن هذه الصفة الذميمة تنم عن جاهلية الذام وتعصبه الأعمى الذي يطبق على منافذ تفكيره فيحجب عنه الرؤية الإسلامية والحياتية التي ترتكز على استخلاص المنفعة والنظر فيما أعده الله تعالى من النعم لهذا الإنسان فسخر له الطبيعة لتدر عليه بلطف الله ورحمته كرمها وعطاءها.

من هنا :

فإننا لو نظرنا إلى ما أودعه الله تعالى في هذه البقلة من الفوائد الغذائية والعلاجية لهذا الإنسان لأدرك أن السبب في عيشها في مسايل الماء وقرب الأنهار إنما كان لحكمة إلهية سيمر بيانها، وإن تعدد مواضع إنباتها ومقاومتها لمختلف أنواع التربة إنما كي توصل ما بها من غذاء وعلاج لهذا الإنسان الناكر للجميل الذي يقابلها بالذم وتقابله بالغذاء والدواء.

ص: 265

ثالثا :
فوائد بقلة الزهراء عليها السلام الغذائية التي استحقت أن توصف ب_ (بقلة البركة) و ( سيدة البقل )

إنّ مما منّ الله به على الإنسان أن علمه ما لم يعلم فكان من فضله أن فتح له منافذ العلوم وسخر له استحصالها واتقانها، والانتفاع منها، فكان مما سعى له معرفة ما أودع الله تعالى من الفوائد الغذائية والعلاجية في النباتات وغيرها مما يحيط بالإنسان على هذا الكوكب.

إذ ذكرت بعض المواقع الخاصة في النباتات والأغذية والعلاج ما تحتويه هذه البقلة المباركة من مواد غذائية تفردت بها عن غيرها وهي كالآتي :

الف: وجود مشتركات غذائية بين بقلة الزهراء عليها السلام والأسماك

إن الحكمة في إثبات بقلة الزهراء عليها السلام أو الرجلة في ضفاف الأنهار يعود إلى وجود مشتركات في التركيبة الغذائية بينها وبين الأسماك.

إن مَنْ لم يدركوا تلك العلاقة الوثيقة بين الأسماك ونبات (الرجلة) أو (البقلة ) (Purslane) فتسرعوا في حكمهم بالحماقة على سلوك نمو هذا النبات على ضفاف الجداول ومجاري المياه وبزعمهم؛ فالرجلة (لا) تستحق تسميتها ب_(البقلة الحمقاء) لأنها تنبت في مسيل المياه مما يعرضها في أي وقت للاقتلاع والانجراف بفعل تدفق المياه.

ولكن نتائج الدراسات التي فحصت المكونات الغذائية لأوراق وسيقان نبات (الرجلة) تشير إلى خلاف هذا تماماً، مما يبرر تسمية البعض لها ب_ (البقلة المباركة).

ومفاد تلك التحاليل أن (الرجلة) هي أحد أعلى النباتات الورقية احتواء

ص: 266

على دهون (أوميغا - 3) ومعلوم أن أغنى المصادر الغذائية بدهون (أوميغا - 3) هي الأسماك والحيوانات البحرية - وكأن (الرجلة) بنموها على ضفاف مجرى المياه تحاول أن تهيئ لنفسها ظرفاً تتشابه بها مع الأسماك كي تكون مثلها غنية بزيوت (أوميغا - 3) .

ومن حسن الحظ الصحي أن أوراق الرجلة لا تزال أحد المكونات الرئيسية في أطباق السلطات الطازجة في بلدان حوض البحر المتوسط فهي في (الفتوش) وسلطة (البقلة) وغيرها، كما أنها إحدى الخضروات الورقية التي تطيب للكثيرين تناولها ،مطبوخة، أسوة بأوراق السبانغ والملوخية.

وما قد لا يعلمه البعض أن هذه الأوراق النباتية غنية بالعناصر الغذائية الصحية، التي تستدعي الاهتمام بتناولها وحضورها ضمن تشكيلات أطباق الموائد، كما أن مدارس شتى للطب القديم، في الصين والهند والشرق الأوسط، أدركت منذ زمن قديم كلا من القيمة الغذائية لها وجدوى استخدامها للكثير من الأمراض، إضافة إلى أن ثمة كثيراً من الدراسات الطبية العلمية حول الجدوى المحتملة لأوراق الرجلة في عدد من الحالات المرضية) (1) .

باء: الاستخدامات والفوائد العلاجية لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane )

تستخدم (بقلة الزهراء عليها السلام) (نبات الرجلة Purslane) في أنحاء مختلفة من العالم لعلاج الحروق والصداع والمعدة، وأمراض الأمعاء والكبد، والسعال وضيق التنفس والتهاب المفاصل ؛ كما تستخدم كعشب منشط، ملين القلب، والمطريات، وارتخاء العضلات، والعلاجات المضادة للالتهابات، ومدر

ص: 267


1- منتديات مون لايت - نبات الرجلة

للبول(1)، وفي علاج السرطان، ومرض الزهايمر، وغيرها.

ويستخدم (بقلة الزهراء عليها السلام) في العلاجات السريرية كعلاج فعال عن طريق الفم؛ وتستخدم أوراقها في علاج لدغات الحشرات، أو الثعابين على الجلد والدمامل والقروح، ولآلام لسعة النحل.

وتستخدم بقلة الزهراء عليها السلام في علاج مرض الزحار العصري، والإسهال، والبواسير، ونزيف ما بعد الولادة؛ ونزيف الأمعاء) (2).

جيم: استخداماتها الطبية

تحتوي (بقلة الزهراء عليها السلام) أو (البربين) على أكثر أحماض (أوميغا 3) الدهنية ك_ (حمض الفالينوليك) على وجه الخصوص، وقد أظهرت البحوث المنشورة من قبل الدول حول البرسلين أن لديه 5051 ملغ من حمض (EPA ) وهو كمية غير عادية.

وقد أثبتت وكالة حماية النباتات البرية الأمريكية وجود أحماض (أوميغا 3) الدهنية في هذه النبتة بنسبة جيدة، وأن هذه الدهون ينحصر وجودها في الأسماك، وبعض الطحالب كما تحتوي (بقلة الزهراء عليها السلام) (برسلين Purslane) على مجموعة مهمة من الفيتامينات وخاصة (فيتامين A )، و(فيتامين C)، وبعض (فيتامين B ) و (الكاروتينات).

فضلاً عن احتوائها على مجموعة من المعادن المهمة للجسم مثل (المغنسيوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والحديد)؛ كما تحتوي بقلة الزهراء عليها السلام على

ص: 268


1- (www.emergencyoutdoors.com)
2- المصدر السابق

وجود نوعين من الأصباغ القلوية، وهما (Betacyanins )، الحمر و(Betaxanthins ) الأصفر، وتعد هذه الأصباغ من الأنواع القوية المضادة للأكسدة.

وقد أوجدت الدراسات المختبرية أن لهذه الأصباغ خصائص مضادة للطفور(1).

وتحتوي كمية 155 غراماً من أوراق الرجلة الطازجة على نحو 15 كالوري (سعرة حرارية)، وفيها 94 غراماً من الماء، و 5,58 غرام من الدهون، و2.66 غرام سكريات، وغرام واحد بروتينات ؛ ومن المعادن تحتوي على :

45 مليغرام من الصوديوم؛ و 65 مليغرام من الكالسيوم؛ وميلغرامين من الحديد، و 65 مليغرام من الماغنيسيوم، و 44 من الفسفور، و 500 مليغرام من البوتاسيوم، وكميات جيدة من الزنك، والنحاس، والمنغنيز، والسيليسيوم والمعادن الأخرى؛ وكل هذا رغم تدني محتواها من الطاقة وذلك أن لكل 155 غراماً من أوراقها الطازجة سعرات حرارية من التي توجد في خمس موزات بوزن 155 غرام، وأقل مما في سدس شريحة خبز ال_(التوست) العادي(2).

دال: استخداماتها العلاجية في الطب القديم

(لقد عدّت الرجلة (بقلة الزهراء عليها السلام) منذ القدم من أفضل النباتات الطبية، فقد قال عنها ابن البيطار : إن فيها قبضاً يسيراً وتبرد تبريداً شديداً لمن يجد لهيباً وتوقداً متى وضعت على فم معدته وإذا أكلت أو شربت فعلت ذلك؛ وهي تشفي الضرس بتلميسها، وبسبب قبضها فهي موافقة لمن به قرحة الأمعاء وللنساء

ص: 269


1- المصدر السابق
2- موقع العلاج - العلاج بالأعشاب (alelaj.com)

اللواتي يعرض لهن النزيف، ومن ينفث الدم وعصارتها أقوى في هذا الموضوع؛ وهي باردة مطفئة للعطش تبرد البدن وتربطه وتنفع المحرورين في البلدان الحارة.

ومن يجعلها في فراشه لم ير حلما، وإذا شويت وأكلت قطعت الاسهال وتقطع العطش المتولد من الحرارة في المعدة والقلب والكلى، وتنفع من حرق النار، مطبوخة ونية إذا تضمد بها.

ويقول كمال الدين السيوطي في كتابه: (الرجمة في الطب والحكمة) إن لنبات الرجلة فائدة في درء حرارة وأورام وشدة الوجع والبخارات المتصاعدة إلى العين؛ وذلك بأن يأخذ مسحوق الرجلة مع دقيق الشعير ودهن الورد وتضمد بها العين فتبرأ بإذن الله ، كما يقول : إن لها فائدة في درء أمراض الفم وذلك بأن يأخذ ماء الرجلة والعسل ويتمضمض به ويستاك.

أما داود الانطاكي فيقول : إن من فوائدها أنها تمنع الصداع والأورام الحارة، والرمد، وحرقة البول والحصى، والبواسير، وحرارة الكبد والمعدة، وآلام الضرس، وخشونة الرئة، والإكثار منها يسقط الشهوتين، ومتى شربت بالروائد قطعت الحمى، ولا يقوم مقامها شيء في قطع العطش.

وقال ابن سينا : إنها تنفع في قلع التّاليل، وورقها ينفع من وجع الضرس الناتج من أكل الحوامض وبذورها إذا خلط بالخل يصبر على العطش، ويصطحبها المسافرون معهم في أسفارهم عند توقع فقد الماء، وفيها قبض يمنع السيلانات المزمنة وهي قامعة للصفراء؛ وتنفع من ثبور الرأس غسلا ، ومن الرصد كحلا بمائها، وتمنع القيء، وتحبس نزف الدم من الحيض، وينفع ماؤها في البواسير الدامية

ص: 270

والحميات الحارة وإذا شربت أو أكلت قطعت الاسهال (1).

هاء: استخدام شعوب العالم لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane) في العلاجات الطبية والروحية
1. الرجلة دواء عالمي لكل داء

نشرت مجلة العناية الشخصية بحثا ل_( انتوني سي يويك) والاستشاري (ديويك دانا) جاء فيه :

(من النادر جداً أن نأتي على نبتة رائعة جدا، ونستغرب كثيراً كيف من الممكن أن نكون أغفلنا هذه النبتة ؟ !

الرجلة : نبتة فريدة من نوعها ومن الساحر أنها قد حصلت على تعريف متشابه على فوائدها في كل التقاليد والعادات حول العالم.

تستعمل هذه النبتة على أنها نوع من الخضار والبهار وعلى أنها نبات طبي منذ العصر المصري القديم وأصبحت مشهورة في انكلترا خلال العصور الوسطى.

فالسؤال لماذا وقعت هذه النبتة في غياهب الغموض ؟ أهي جديدة؟

الجواب : لا أعتقد ذلك اقرأ ماذا قال كابيبر سنة 1653 : (رجلة الحدائق تستعمل على أنها عشب للسلطة) إنها معروفة جدا بحيث لا تحتاج إلى الوصف : لذلك عليّ فقط أن أتكلم على فضائل هذه النبتة كما يأتي :

-أنها نبتة تحت سلطان القمر.

ص: 271


1- المصدر السابق

-إنها جيدة لتبريد أي حرارة في الكبد، والدم، والكلى، والمعدة، ولا يوجد أفضل منها في المناطق الحارة من البدن.

- إنها تبقي على الحرارة وخاصة عند إفرازات الكوليرا من المعدة، وأيضاً تساعد عند الدورة الشهرية للمرأة والإباضة، ومرض السيلان (اسهال الكليتين)، والتقطير من الرأس وآلامه الناتجة عن الحرارة، وتفيد عندما تريد النوم، وعند الجنون المؤقت أو حالات السعر.

فإذا قطعت وغليت مع الخل وأعطيت للأطفال فإنها تساعد على التخلص من الديدان.

فعصيرة النبتة تحمل فائدة لكل الاستعمالات، بالإضافة إلى المذكور سالفا : فإنه يساعد على منع القيء، وإذا أعطيت مع بعض السكر أو العسل فإنه يساعد في حالات سعال الكبار والسعال الجاف وضيق التنفس والقمل، ويقي من حالات العطش المفرط ماء النبتة المقطر يستعمل للكثير - لو قلنا أكثر فإنه قليل في حقها - من الحالات مع التقليل من السكر تساعد على التأثيرات السابقة.

العصير لوحده بحد ذاته مؤثر في الالتهابات والتقرحات في الأجزاء الخاصة بالمرأة والرجل، وكذلك في الأحشاء والبواسير عندما تكون مقترحة أو سحجة.

إذا قطعت النبتة ووضعت على الجبين ومقدمتي الرأس فإنها تهدئ الحرارة الزائدة فيها التي تقتل الراحة والنوم.

وإذا وضعت على العين فإنها تبعد الاحمرار والتقرحات فيها.

وكذلك في الأجزاء المصابة بالشرويه - حب الشباب الخ - والحب والبثور واحمرار الجلد وغيرها.

ص: 272

وأيضا انها تقطّع ويضاف إليها بعض الخل وتوضع على الرقبة بالإضافة إلى كمية مماثلة من الصفراوات وبذور الكتان فإنها تذهب بآلام الرقبة والتشنجات.

عصير النبتة أيضا مع زيت الورود يساعد على علاج آلام الرقبة والتشنجات والإصابة بضربات الصاعقة الرعدية والاحتراق بالبارود، ويستخدم أيضا من أجل التهابات ثدي ،المرأة، كذلك من أجل تهدئة الحرارة في كل الالتهابات والإصابات، كذلك توصف من أجل الحبل السري الباقي عند الأطفال وكذلك تساعدهم على حالات التهابات الفم وأورام اللثة ومن أجل تثبيت الأسنان الآيلة للسقوط.

والماء المقطر من هذه النبتة قد تم استعماله من البعض وقد قام بمعالجة آلام أسنانهم حينما فشلت جميع العلاجات الأخرى، والعصير المكثف إذا تحول إلى كبسولات مع بودرة العلكة التراتجيكانث (علك الماء ) مع العلكة العربية تؤخذ من أجل الذين يصنعون المياه الدموية.

كذلك توصف لداء النقرس فإنها تقلل من الألم في مواضعه وكذلك يساعد في حالات تصلب الأوتار إذا لم تكن ناتجة عن التشنج أو حالات البرد.

2 . الرجلة في الفلكور العالمي

لقد عد نبات الرجلة في العصور القديمة على أنه إحدى مضادات السحر، وإذا وضعت حول السرير قيل إنه يقي من الأرواح الشريرة(1).

فقد كان عملها الحماية من الأرواح الشريرة ، ولو حملت فإنه كان عليها أن تجذب الحب والحظ لقد كانت تحمل من قبل الجنود ليحموا أنفسهم في المعركة.

ص: 273


1- (Grieve, 1991)

لقد اعتقد أنه إذا وضعت على السرير فإنه سيحمي الشخص من الكوابيس (1) . إنها تحت هيمنة القمر (2) ، وإنه من المفروض أن تعمل على الأحاسيس الفيزيائية وتؤخذ بانتظام لتطوير ورؤية العرافين - المبصرين -(3).

وشرابه ممكن أن يستعمل لصفاء العين الثالثة وغسل الكرة الكرستالية أو المرآة السحرية، ولا شك أنها نصيحة مفيدة للزملاء في التسويق لدينا !

3 . الرجلة في أفريقيا

هذا النبات بكامل أجزائه قد عد من مضادات الالتهابات (يقضي على الحرارة)، ومبيد للجراثيم، والزحار العصوي والاسهال، والبواسير، وفتق الأمعاء؛ وقد تم استخدامه في الوصفات الطبية بوصفها مضادة لمرض السكر.

4 . الرجلة في الكونغو

العشبة تستعمل بشكل عام لمشاكل القلب، ويستخدم ما شابهها من المستحضرات على أنه من المسكنات في نوبات الجنون (4).

5 . الرجلة في الغابون

يتم استخدامه في الكمادات الخراجات الكدمات والدمامل، ويستخدم المستخلص المغلي في محلول بمثابة مسكن على الجبهة للصداع.

ص: 274


1- (Lavender and Franklin, 1997 )
2- (Level 1987 )
3- (Lavender and Franklin, 1997)
4- (Burkill, 1997)
6 . الرجلة في غانا

إنها تعد شعاراً للسلام ولو مزجت مع الزيت فإنها ستمثل كملطف ضد الأرواح الشريرة ، وأن لها استعمالات في الاحتفالات الدينية والشفاء بعد المرض، وإنها سحر للأطفال من أجل الحظ الجيد.

وتوضع الأوراق في الأسفل ثم تخلط مع زيت وتربط على الدمامل مباشرةً (1).

7. الرجلة في ساحل العاج

الأيبري (وهي قبيلة من الشعوب الأكانية في ساحل العاج) حيث تستعمله هذه القرية كبلاستر تشتت الألم الناتج من الخراج، لذلك تساعد المريض على عدم الحاجة إلى وخز مكان الإصابة ، والنبتة كذلك إن مزجت مع حبات الفردوس -نوع من عائلة الزنجبيليات - وزبدة الشيا الأفريقية الذهبية فإنه ينتج مرهم يوضع على مناطق الألم في الأضلاع، ولب النبات يستعمل كعلاج للربو(2).

8. الرجلة في ملاوي

الأوراق تطبخ بدون قدر، وقد يخلط معها نبتة الأمارانثوس ليفيدوس، والناتج يكون لينا ومحبوبا لكن لا يبدو أنه يؤكل غالبا والأوراق تؤكل نيئة مع السلطة من قبل الفرنسيين (3).

ص: 275


1- (Quisumbing, 1978)
2- (Burkill, 1997)
3- المصدر السابق
9. الرجلة في شمال أفريقيا

النبات كله هو مضاد للالتهاب والجراثيم، وفي الزحار العصوي، والإسهال والبواسير، والنزيف.

وكما يدخل في الوصفات المضادة لمرض السكر، وتستخدم خارجيا كمادة من الأوراق الطازجة للخراجات والنبات بالكامل يعد من المطريات، ومفقد للشهوة الجنسية، ومهدئ، ومدرر للبول، وعامل منعش، وطارد للديدان، ومهدئ للحبوب ومانع للعطش(1).

10 . الرجلة في جنوب أفريقيا

هذه الحشائش النضرة هي الخضروات المفضلة في جميع أنحاء جنوب أفريقيا، والأطفال يأكلون الأوراق طازجة (2) ، ومن المسلم به أنه يفيد لعلاج نفث الدم وأمراض الرئة.

11. الرجلة في غرب أفريقيا

علاج للمشاكل البولية البيلة الدموية وغيرها، وإذا سحقت مع النطرون المحلية والزيت تكون وصفة للتورمات والكدمات والداحوس الخ، ويستخدم عصارة النبات في علاج آلام الأذن، ووجع الأسنان أيضاً، وهو أحد وصفات قبائل الهوسا لمرض الزهري(3).

ص: 276


1- (Burkill, 1447)
2- (Wyk Gericke, 2000)
3- (Quisumbing, 1978)، (Burkill, 1997)
12 . الرجلة عند الهنود الأمريكان

تم العثور على بذور الرجلة في عام 1974م ، في كهوف الملح في ولاية كنتاكي، وتم تحديد عمرها بواسطة موجات الراديو ويرجع عمرها على الألفية الأولى قبل الميلاد في عصر إنسان ما قبل التاريخ(1). وقد استعملت كأعشاب طبخ وخضار وغالباً ما كان يتم إضافتها على الحساء(2).

13 . الرجلة في استراليا

كانت البذور السوداء لنبات الرجلة غذاء أساسيا للسكان الأصليين (الأبورجين) في المناطق النائية ، وعندما تتحول سيقان النبات إلى وردية يتم حصد النبات وتجمع على أرض صلبة أو لحاء الأشجار أو جلد الكنغر .

وبعد بضعة أيام تبدأ البذور في التساقط وكانت تجمع وتحول إلى عجينة ثم تُطبخ (3).

14 . الرجلة في الصين

إن أكثر الاستعمالات المذكورة للعشبة قديما في الصين تعود إلى 500 سنة قبل الميلاد.

ويوجد وثائق مكتوبة في الأدوية العشبية الصينية، وتعدّ تقليداً لتذوق المر والبرد وأيضا لتخفيف الحرارة ومضاد للأكسدة (4) .

ص: 277


1- (Coffey, 1993)
2- (Sully, 1970)
3- (Low, 1991)
4- (Qing re jie du)

وقد تم استعمالها لتبريد الدم، وتخثر الدم، ونزيف الزحار العصوي، وتغوط الدم، ونزيف البواسير، ونزيف الرحم (1) ، وخارجياً تستعمل كما ذكر مسبقاً.

بالإضافة إلى استعمال العشب طازجا فقد استعمل الصينيون مغلي النبات وبودرة العشب الجاف من أجل التطبيق الموضعي في السنوات الأخيرة، وقد تم استعماله لعلاج التهاب القولون، والتهاب الزائدة الدودية الحاد، ومرض السكري، والتهاب الجلد والقوباء(2).

وقد استعمل النبات بالكامل والأوراق وهو حامض ومدرر للبول، وهو عشبة تبريد تعمل على تخفيض الحمى وتزيل السموم، ولذلك فهي فعالة ضد الكثير من الالتهابات البكتيرية.

والأوراق تستعمل لعلاج أورام الكدمات والجروح والقروح الشديدة، وتورمات ،ذمي، وداء السيلان والثر الأبيض، وأمّا البذور فاستخدمت كمضاد للالتهاب والإسهال والبواسير والنزف المعوي، كما تم وصفه ترياقا، ومن المبردات، ومضاد للزحار (3).

وقد وصف لحالات الزحار الأميبي والبواسير والخراجات الناتجة عن الحرارة الزائدة.

وقد أفيد بأن النبات يستعمل في صنع المطريات في الصين(4).

ص: 278


1- (Keys, 1971)
2- (Leung Foster, 1996)
3- (Reid 1993)
4- (Quisumbing, 1978)

والصينيون يأكلون النبات كخضر، ويمكن استخدامها بأمان في جرعات عالية، والعشب الطازج هو أفضل لجميع الأغراض العلاجية.

15 . الرجلة في كوشين، الصين (لائوس - فيتنام - كمبوديا - تايلند)

كثيرا ما تستعمل البذور لأمراض المعدة ومهيج للحيض وكذلك يستعمل كمطري ومدرر للبول.

16 . الرجلة في كولومبيا

تم الإفادة بأن النبات يتم استعماله كمطري، ويتم وصفه للأورام، ومسامير القدم.

17 . الرجلة في مصر

النبتة تستعمل كخضر وكمادة من الأوراق الطازجة تستعمل للدمامل، ويستعمل النبات كله كنوع من المهدئ والمطريات مدرر للبول، منعش، ويعتقد أيضاً أن يكون دواء مضاداً للدود) (1).

18 . الرجلة في أوربا

طبياً قد تم استعماله للكثير من المشاكل الصحية فالعصير يؤخذ وهو طازج لعلاج تقطير البول (تشنجات مؤلمة أثناء التبول) وكذلك مزج مع السكر والعسل ليوفر علاجا للسعال الجاف وضيق النفس والعطش غير المعتدل ويستعمل خارجياً للبشرة للآلام والالتهابات (2).

ص: 279


1- (Boulos and el hadidi, 1984)
2- (Grieve, 1998)

ويوصف أيضاً كمفرز للصفراء (تحفيز إفراز الصفراء من الكبد) ومنق (عامل تنقية) (1).

19 . الرجلة في أمريكا الوسطى

غوادالوب : لقد تم الافادة بأنه تم استعماله كمنشط وطارد للحمى.

20 . الرجلة في الهند

عصير النبتة يستعمل في حالة بصق الدم(2) .

والأطباء المحليون يستعملون النبتة لالتهاب المعدة(3) .

21 . الرجلة في كوريا

وقد صممت دراسات لتحديد نشاط محتمل سام للخلايا في استخراج (Merhanolic)، من 65 صنفا من الأدوية الخام (1210)، ضد سرطان الدم وخطوط الخلايا (P3881)، في المختبر، من ضمن هذه العينات قد تم اختيار 25 عينة، وكما تم عرض مستخلصات (N ) بيوتانول من هذه العينات لسمية الخلايا؛ وقد تم اختيار 9 عصائر وجرى فحص العينات المطلوبة للنشاط المضاد للسرطان المحتمل في الجسم الحي باستخدام (P388d1)، العمر الافتراضي وساركومة (180) وزن الورم من النماذج وعلى أساس نتائجها فإن عصارة الرجلة وجدت بأنها فعالة كمضادة للسرطان (4).

ص: 280


1- (Chiej)
2- (Nadkarni Nadkarni, 1999; Drury, 1873)
3- (Drury, 1873)
4- (Choi at al, 2000)
22 . الرجلة في ماليزيا

منشط جيد للوهن العام وفيها مضاد للإسقربوط، وخصائص مطريات ومسكنات (1).

23 . الرجلة في أمريكا الشمالية

في أمريكا الشمالية قد تم عده على أنه مدر للبول (زيادة إفراز البول) ويستعمل للتبريد، وكان من المعتقد أن البذور في أحد الأزمنة بأنه طارد يدمر الديدان الطفيلية المعوية على الرغم من المعروف إلا أنها خاملة وهو نبات صالح للأكل (2).

24 . الرجلة في سريلانكا

يستخدم لعلاج الزحار وتقرحات المعدة الداخلية ويستخدم النبات كعلاج للتعرق ومضاد للبثع ولعلاج نفث الدم وأمراض الرئة، والجلد، وكعلاج لعضة الثعبان، ويتم طهيها وتؤكل كخضر (3).

25 . الرجلة في سيبيريا

في سيبيريا يستخدم العشب بوصفه مهدئاً معدياً.

والعشب المسحوق يوضع على الصدغ ليهدي الحرارة الزائدة والألم وتوضع على العين لإزالة الالتهاب (4).

ص: 281


1- (Level; 1987)
2- (Watt Breyndwijk, 1932; Quisumbing, 1978)
3- (Jayaweera, 1982)
4- (Quisumbing, 1978)
26 . الرجلة في ترينيداد وتوباغو

إنه عشب طبخ منذ العصور القديمة وتستعمل في السلطات والكالالو في بعض الجزر(1) .

وشاي العشب أو المستخلص يعطى من أجل خفقان القلب (2).

رابعاً : العلة في إيراد هذه الدراسة عن بقلة الزهراء عليها السلام المعروفة عالمياً بالرجلة؟

لقد أوردت هذه المعلومات حول استخدام شعوب العالم لهذه البقلة لبيان آثار دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها بالبركة وبيان إحاطة الإمام الصادق عليه السلام - بإذن الله تعالى - بما لهذه البقلة من فوائد جمة مما جعلتها بهذه الشرافة كما قال عليه السلام :

«ليس على وجه الأرض أشرف ولا أنفع من الفرفخ وهو بقلة فاطمة عليها السلام».

ثم قال :

«لعن الله بني أمية هم سموها بقلة الحمقاء بغضاً لنا وعداوة لفاطمة عليها السلام»)(3).

وعليه :

فإن نتيجة البحوث والدراسات المخبرية والغذائية والطبية أثبتت أن الذين أسموا بقلة الرجلة بالحمقاء، إنهم هم الحمقى.

ص: 282


1- (Carrington, 1998)
2- (1988 ,Seaforth ) (بتصرف)
3- الكافي للكلني رحمه الله : ج 6 ، ص 367

المسألة الخامسة :

كان يعجبها من الطعام (الخل والزيت)

روى الحر العاملي رحمه الله : ( عن محمد بن جعفر العاصمي، عن أبيه، عن جده ، قال : حججت ومعي جماعة من أصحابنا فأتينا المدينة وقصدنا مكاناً ننزله فاستقبلنا غلام لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، وعلى حمار له أخضر يتبعه الطعام فنزلنا بين النخل وجاء هو فنزل وأتي بالطشت والماء فبدأ وغسل يديه وأدير الطشت عن يمينه حتى بلغ آخرنا ثم أعيد عن يساره حتى أتي على آخرنا ثم تعدم الطعام فبدأ بالملح ثم قال:

«كلوا بسم الله الرحمن الرحيم».

ثم ثنّى بالحلو ثم أتي بكتف مشوي فقال :

«كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فإن هذا طعام كان يعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم».

ثم أتي بالخل والزيت فقال

«كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فإن هذا الطعام كان يعجب فاطمة عليها السلام»)(1).

تكشف الرواية الشريفة عن جملة من الأمور وهي كالآتي :

1 - أدام المائدة وكيفية إكرام الضيف والبدء بجهة اليمين حينما يكون الحاضرون أكثر من نفر.

2 - اهتمام الإمام الكاظم عليه السلام بالنظافة وضرورة تغسيل اليدين قبل

ص: 283


1- وسائل الشيعة : ج 25 ، ص 34 - 35

البدء بالطعام وإن الغسل يكون مرتين.

3 - الابتداء بالملح، وهو يكشف عن أهميته في فتح الشهية فضلاً عن دور الملح في تطهير أو تعقيم الفم من الجراثيم والميكروبات وهو ما لا يخفى على القارئ لاسيما من كان له اهتمامات طبية.

4 - قد لا يختلف اثنان في مذاق الشواء لاسيما من كتف الشاة وحسن إقبال الناس عليه وبخاصة حينما يكون المرء في رحلة خارج المنزل كما تنص الرواية لجلوس الإمام وأصحابه بين النخيل.

5 - من الملاحظ أيضاً أن الإمام أبا الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام كان يكرر البسملة مع كل صنف جديد من الطعام، كما تشير الرواية.

6 - إن ما يهمنا في هذه المسألة هو معرفة ما للخل والزيت من فوائد غذائية وطبية وروحية، وهي كالآتي :

أولاً : ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل والزيت
ألف: ما ورد من الأحاديث في الخل والزيت

روى البرقي والكليني رحمه الله في فوائد الخل والزيت معاً ما يأتي :

1 - روى الكليني عن خالد بن نجيح قال :

كنت أفطر مع أبي عبد الله عليه السلام ومع أبي الحسن الأول عليه السلام في شهر رمضان فكان أول ما يؤتى به قصعة من ثريد خل وزيت فكان أول ما يتناول منها ثلاث لقم ثم يؤتى بالجفنة) (1).

ص: 284


1- الكافي : ج 6 ، ص 327 ، ح1

2 - روى الكليني عن عثمان بن عيسى، عن حماد بن عثمان، عن سلامة القلانسي قال : (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فلما تكلمت قال لي :

«مالي أسمع كلامك قد ضعف».

قلت : قد سقط فمي قال : فكأنه شق عليه ذلك، ثم قال :

«فأي شيء تأكل؟».

قلت: اكل ما كان في البيت فقال :

«عليك بالثريد فإن فيه بركة فإن لم يكن لحم فالخل والزيت»)(1).

3 - وروى أيضا عن إسماعيل بن ،مهران عن حماد بن عثمان، عن زيد بن الحسن قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

«كان أمير المؤمنين عليه السلام أشبه الناس طعمة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يأكل الخبز والخل والزيت ويطعم الناس المخبز واللحمه») (2).

4 - وروى عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبيدة الواسطي، عن عجلان قال : تعشيت مع أبي عبد الله عليه السلام بعد عتمة وكان يتعشى بعد عتمة فأتي بخل وزيت ولحم بارد فجعل ينتف اللحم فيطعمنيه ويأكل هو الخل والزيت ويدع اللحم فقال :

«إن هذا طعامنا وطعام الأنبياء عليهم السلام»)(3).

ص: 285


1- الكافي : ج 6 ، ص 327، ح2
2- الكافي : ج 6 ، ص 328، ح3
3- الكافي : ج 6 ، ص 328، ح4

5 - وروى عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى قال : (أكلت مع أبي عبد الله عليه السلام فقال :

«يا جارية ايتينا بطعامنا المعروف».

فاتي بقصعة فيها خل وزيت فأكلنا) (1).

6 - وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (كان أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الخل والزيت وقال :

هو طعام الأنبياء عليهم السلام»)(2) .

7 - وبهذا الإسناد قال : (قال أمير المؤمنين عليه السلام :

«ما افتقر أهل بيت يأتدمون بالخل والزيت وذلك أدم الأنبياء عليهم السلام»)(3).

8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أيوب بن الحر، عن محمد بن علي الحلبي قال : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطعام فقال :

«عليك بالخل والزيت فإنه مري، فإن عليا عليه السلام كان يكثر أكله واني أكثر أكله وانه مريء»)(4).

ص: 286


1- الكافي : ج 6 ، ص 328 ، ح 5
2- الكافي : ج 6 ، ص 328 ، ح6
3- الكافي : ج 6 ، ص 328 ، ح7
4- الكافي : ج 6 ، ص 328، ح 8

9 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

«كان أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الخل والزيت ويجعل نفقته تحت طنفسته»(1).

باء: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل

1 - عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أم سلمة رضي الله عنها فقربت إليه كسرا فقال :

«هل عندك إدام؟».

فقالت : لا يا رسول الله ما عندي إلا خل فقال صلى الله عليه وآله :

«نعم الادام المخل ما أقفر بيت فيه الخل»)(2).

2 - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان ابن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«المخل يشد العقل»(3).

3 - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول :

ص: 287


1- الكافي : ج 6 ، ص328، ح 9
2- الكافي : ج 6 ، ص 329، ح1
3- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح2

«ما أقفر بيت فيه خل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك»(1).

4 - عن علي بن محمد بن بندار ، عن أبيه، عن محمد بن علي الهمداني : (أن رجلا كان عند الرضا عليه السلام بخراسان فقدمت إليه مائدة عليها خل وملح فافتتح عليه السلام بالخل فقال الرجل : جعلت فداك أمرتنا أن نفتتح بالملح ؟ فقال :

«هذا مثل هذا يعني المخل وان المخل يشد الذهن ويزيد في العقل»)(2).

5 - عن علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبان بن عبد الملك، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«إنا لنبدأ بالخل عندنا كما تبدوون بالملح عندكم فإن الخل ليشد العقل»(3).

6 - عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن النوفلي عن السكوني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

«كان أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخل»(4).

7- عن علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن شعيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: نعم الادام الخل يكسر المرة ويطفئ الصفراء ويحيي القلب»(5).

ص: 288


1- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح3
2- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح 4
3- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح 5
4- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح6
5- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح7

8 - عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن حنان عن أبيه، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكر عنده خل الخمر، فقال عليه السلام :

«إنه ليقتل دواب البطن ويشد الفم»)(1).

9- عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«خل الخمر يشد اللثة ويقتل دواب البطن ويشد العقل»(2).

10 - عن محمد بن يحيى، عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن محمد وأحمد ابني عمر بن موسى عن أبيهما رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال :

«الاصطباغ بالخل يقطع شهوة الزناء»(3).

11 - وعن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم عن ربيع المسلي عن أحمد بن رزين عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :

«عليك بخل المخمر فاغمس فيه فإنه لا يبقى في جوفك دابة إلا قتلها»(4).

12 - عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن محمد بن عبد الله، عن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«إن بني إسرائيل كانوا يستفتحون بالخل ويختمون به ونحن نستفتح بالملح ونختم بالخل) (5).

ص: 289


1- الكافي : ج 6 ، ص 330، ح 8
2- الكافي : ج 6 ، ص 330 ، ح 9
3- الكافي : ج 6 ، ص 330 ، ح 10
4- الكافي : ج 6 ، ص 330 ، ح11
5- الكافي : ج 6 ، ص 330، ح 12
جيم: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الزيت

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح ، عن مأبي عبد الله عليه السلام قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كلوا الزيت وادهنوا بالزيت فإنه من شجرة مباركة»(1).

2 - عن منصور بن العباس، عن محمد بن عبد الله بن واسع، عن إسحاق بن إسماعيل، عن محمد بن يزيد، عن أبي داود النخعي، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ادهنوا بالزيت وأتدموا به فإنه دهنة الأخيار وإدام المصطفين، مسحت بالقدس مرتين، بوركت مقبلة وبوركت مدبرة، لا يضر معها داء» (2).

3 - عن سهل بن زياد عن النوفلي عن الجريري، عن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

الزيت دهن الأبرار وإدام الأخيار، بورك فيه مقبلا وبورك فيه مدبرا، انغمس بالقدس مرتين»(3) .

ص: 290


1- الكافي : ج 6 ، ص 331 ، ح1
2- الكافي : ج 6 ، ص 331 ، ح4
3- الكافي : ج 6 ، ص 331 ، ح6
ثانياً :
ما ورد في الدراسات والأبحاث المعاصرة من نتائج تظهر فوائد الخل والزيت حينما يمزجان مع بعضهما

تناولت الدراسات والأبحاث المختصة في الأغذي-ة وفوائدها الغذائية والعلاجية والطبية كلا من الخل وزيت الزيتون على حدة، والتي تظهر الحكمة في اهتمام أهل البيت عليهم السلام بجمع الخل والزيت معاً في موائدهم كما تظهر الحكمة في إكثارهم عليهم السلام من الأكل منهما كما هو واضح في الروايات الشريفة التي مر ذكرها .

وعليه :

أحببنا أن نورد للقارئ ما لهذين الصنفين من الغذاء من فوائد عديدة في المجالين الغذائي والعلاجي وهي كالآتي:

ألف: فوائد الخل وآثاره العلاجية

الخلّ هو محلول مخفف من حمض الخليك ويمكن الحصول على الخل بتخمير ثمار معظم الفواكه مثل التمر أو العنب أو التفاح (CHCOOH ) توصلت جميع المراكز العلمية في العالم إلى نتيجة واحدة مفادها أن بدايات الطب كانت تعتمد على استخدام الخل في علاج الأمراض ذلك أنه يعد العلاج السحري الذي يضمن حياة أكثر صحة وعافية، وهذه الأيام فإن العديد من تقارير الدراسات العلمية تؤكد على القدرات العلاجية والوقائية للخل إذا ما استخدم في النظام الغذائي اليومي، حيث تعتمد استخداماته عند تحضير أصناف الطعام.

ص: 291

وفي إحدى الدراسات التي صدرت عن مادة الخل وخصائصها وطرق استخدامها في المعالجة، أشارت إلى أكثر من 300 طريقة يتم فيها استخدام الخل لمكافحة الجراثيم والتخفيف من متاعب الجسم والحفاظ على صحته إضافة إلى نصائح عملية في استخدامات الخل في التنظيف وإزالة آثار المواد الدهنية عن الملابس وداخل المنازل، ومن الخصائص الصحية للخل قدرته على التخفيف من آلام الحلق وتهدئة السعال وقتل الجراثيم التي تتواجد في الطعام كما أن الخل يعد وسيلة علاجية فعالة في تنشيط الدورة الدموية في الساقين والتخفيف من أوجاع الروماتيزم والتقليل من تأثير ضربات الشمس وتهدئة الحروق والتخفيف من متاعب الأقدام المؤلمة والمساعدة على وقف ظاهرة الفواق وتهدئة الكدمات والطفح الجلدي.

وتتنوع الخصائص العلاجية للخل؛ إذ إنه يعمل على حسن مراقبة الشهية ويقلل من البقع الملونة للجلد والناجمة عن الشيخوخة ويحمي الجلد من الاحمرار نتيجة التعرض للشمس ويحافظ على صحة الشعر والتخلص من القشرة وتهدئة الآلام العضلية، وفيما يتعلق بقدرات الخل على التنظيف فهي كبيرة وعديدة؛ إذ إنه يستخدم كمادة معقمة ويستخدم في غسل الملابس مما يعيد لها لمعان ألوانها الطبيعية فتصبح الملابس البيضاء أكثر بياضاً كما أن الخل يزيل بقع العرق ع-ن الملابس ويزيل البقع عن السجاد ويمتص الروائح ويمكن إضافته إلى ماء التنظيف لأرضيات المنازل فتزداد نظافة ولمعانا كما يصلح شقوق الأخشاب ويعد الخل وسيلة تلميع جديدة للأثاث ويزيل بقع الحبر ويعطي لمعانا واضحاً للوحة القيادة في السيارة، كما هو مادة مذيبة للعلكة التي تلتصق بالملابس.

ص: 292

وأمام جميع هذه الخصائص الصحية والتنظيفية فإن الخل يبقى الوسيلة المثالية من الجانب الاقتصادي فهي أرخص ثمنا مقارنة مع العديد من أشكال العلاج أو مواد التنظيف الأخرى.

وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الخل يحتوي على وفرة في مادة (غليسيد) (Glucides ) والألياف المفيدة لصحة الجسم.

وحين يتم إنتاج الخل اعتمادا على ثمار التفاح يكون غنيا بمادة البكتين والتي مجرد دخولها الجهاز الهضمي فإنها تتحد مع جزيئات الكولسترول حيث يعمل البكتين على طرح جزيئات الكولسترول المتحد خارج الجسم وكلما انخفضت نسبة الكولسترول في الجسم تضاعفت نسبة الإصابة باضطرابات القلب وفي هذا الخصوص قام المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة مؤخراً بافتتاح فرع خاص بالطب الذي يعتمد على استخدام خلاصة النباتات والأعشاب في علاج متاعب الجسم حيث يحتل الخل مكانة مهمة في استخدامات المعهد بعد أن أمكن التحقق من نجاعته في علاج الكثير من المتاعب الصحية.

من جانب آخر يمكن حفظ العديد من الخضراوات كالباذنجان والقرنبيط والشمندر والجزر والفاصوليا في سائر الخل بشكل جيد كما يمكن استخدامه في حفظ أفضل الفواكه.

ويشير المعهد الوطني للصحة في أمريكا إلى أن الخل استخدم لانقاد آلاف الجنود في أثناء حرب الاستقلال في الولايات المتحدة، واستخدم ابقراط قديما الخل في علاج مرضاه حيث كان يضع ضمادات من الخل على مواضع الجروح والحروق.

ص: 293

باء: فوائد زيت الزيتون وآثاره العلاجية

زيت الزيتون : هو زيت ناتج من عصر أو ضغط ثمار الزيتون، وهي شجرة تنمو في حوض البحر الأبيض المتوسط.

يستعمل زيت الزيتون في الطبخ والصيدلة والطب وفي إشعال المواقيد الزيتية وفي الصّابون.

وهو مستعمل بكثرة لكونه غذاء صحياً غنياً بالدهون المفيدة والفيتامينات.

تعدّ شجرة الزيتون (Olea europaea ) مصدر غذاء طيب ومقاومة لأمراض النباتات، وعصير أوراق الزيتون أو خلاصتها أو مسحوقها تعدّ مضاداً حيوياً ومضاداً للفيروسات قويا كما أنها مقوية لجهاز المناعة الذي يحمي الجسم من الأمراض والعدوى وتقلل من أعراض فيروسات البرد والجدري والهربس.

والأوراق بها مادة (Oleuropen ) (حامض دهني غير مشبع) مضادة قوية للجراثيم كالفيروسات والطفيليات وبكتريا الخميرة والأوالي حيث تمنع نموها، كذلك الزيت يعدّ مليئاً بعناصر حديدية مقوية للجسد.

يعد زيت الزيتون المحضر من ثمار الزيتون بالعصر على البارد (يطلق عليه زيت عذري) أو بالمذيبات ويعالج الحساسية المتكررة ومشاكل الجهاز الهضمي وملين خفيف، ويعالج تورم العقد الليمفاوية والوهن وتورم المفاصل وآلامها وقلة الشهية والجيوب الأنفية المنتفخة ومشاكل الجهاز التنفسي ولاسيما الربو وقرح الجلد والهرش والقلق ومشاكل العدوى ووهن العضلات.

وكان يستخدمها الإغريق لتنظيف الجروح والتئامها، وهو مضاد للبكتريا

ص: 294

والفطريات والطفيليات والفيروسات وتفيد في البواسير ومدرة خفيفة للبول، لهذا كانوا يتناولونها لعلاج النقرس وتخفيض السكر في الجسم وضغط الدم وتقوية جهاز المناعة ولهذا يفيد في علاج الأمراض الفيروسية ومرض الذئبة والالتهاب الكبدي والإيدز ومشاكل الموثة والصدفية وعدوى المثانة وتحضر خلاصة لهذا الغرض.

ويمتاز زيت الزيتون عن غيره من الدهون الحيوانية والنباتية بأنه سهل الهضم، إذ تحتاج باقي الزيوت والدهون إلى عدة عمليات هضمية قبل أن يستطيع الجسم امتصاصها، لأن الدهون التي يحتويها أشبه بالدهون الموجودة في حليب الأم، أي إنه سهل الامتصاص، وهذا ما يجعله غذاءً مفيداً للأطفال، فهو يحتوي على كمية كبيرة من فيتامين (د) الضروري لوقاية الأطفال من مرض الكساح، لأنه يثبت الكالسيوم في العظام ويقوّيها، كما يحتوي زيت الزيتون على مواد مهمة تسهم في تقوية الأعصاب ويحتوي على مواد مضادّة للأكسدة وهي ذات فوائد عظيمة، إذ تسهم في تحطيم الجزيئات الضارة المتراكمة في الجسم، مما يساعد كبار السن على المحافظة على صحتهم.

ص: 295

المبحث الرابع:

زهدها عليها السلام

يعد الزهد من أشهر الظواهر الحياتية لدى الديانات السماوية لما له من دلالة على الارتباط الروحي والقلبي بالآخرة والعزوف عن الحياة الدنيا ومغرياتها التي تشكل حاجزاً بين الإنسان وبين الوصول إلى هدفه الأخروي والفوز بالحياة السرمدية.

بل نكاد نرى أن الزهد بمفهومه العرفي متغلغل حتى في الديانات والمعتقدات التي اتخذت من التقشف والاكتفاء باليسير من لوازم الحياة كي لا تنشغل النفس بهذه الاحتياجات وتغفل عن نموها وبنائها حتى تصل إلى الكمال.

ولعل الفلاسفة منذ فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو وانتهاءً بفلاسفة العصر الحديث قد اهتموا بمعرفة آثار الملذات والغرائز على سير الإنسان ونموه الروحي وسعيهم إلى معرفة البناء الحقيقي للإنسان وإن اختلفت هذه الرؤى في موضع ما أو اتفقت في موضع آخر مع التعاليم التي جاءت بها الشرائع السماوية.

وعليه : لا يخفى على القارئ الكريم ما للزهد من تغلغل في الديانات والسلوكيات التي ارتبط وجودها وظهورها الاجتماعي مع الدين.

ص: 296

من هنا : اختلفت المفاهيم حول الزهد ومصداقه الخارجي ومظهره السلوكي لدى الزاهد قديماً وحديثاً ولاسيما فيما يتعلق بالإسلام حتى ظهر مذهب ابتنى الزهد كأساس في سيره وسلوكه وتعبده وفلسفته الحياتية كالتصوف مثلاً أو تلك المذاهب التي تفرعت منه فاتخذت أنماطاً لها في السلوك والتعبير والدعوة إلى الله تعالى، كالمولوية والقادرية والدراويش وغيرها مما انتشر في بلاد المغرب العربي، وأفريقيا، والعراق، والشام، وتركيا، وإيران، وغيرها.

وما يهمنا هنا : ما ورد عن أئمة العترة النبوية في بيان معنى الزهد ومصداقه الخارجي الذي تخلل حياتهم كي نصل إلى معنى زهد بضعة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

المسألة الأولى: تعريف الزهد عند الفقهاء واللغويين

ذكر الفقهاء للزهد تعريفاً استمدوا رؤيتهم له من خلال النصوص الشريفة، فقالوا :

الزُهد : بضم أوله، وسكون ثانيه، مصدر زهد عن الشيء أو زهد فيه؛ مال عنه ؛ ترك ما في الدنيا ابتغاء ما عند الله من الثواب.

أن يكون المرء بما عند الله أرجى منه مما هو في يده(1) .

وفضلاً عن تعريفهم الزهد بما مرّ فقد كتب الفقهاء والعلماء في الزهد خاصة دون غيره من الفضائل الأخلاقية كتباً كثيرة وافردوا له من مصنفاتهم في الأخلاق

ص: 297


1- معجم لغة الفقهاء، لمحمد قلعجي : ص 234 ؛ المصطلحات، أعداد مركز المعجم الفقهي : ص 1284؛ معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : ص 215

حظاً وافراً وما ذاك إلا لعلمهم بما للزهد من التأثير في المستوى الفردي والاجتماعي، فضلاً عن آثاره الإرشادية والتربوية في المجتمع.

ومن بين أولئك العلماء، الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى الذي أفرد لكل معصوم من المعصومين الأربعة عشر كتاباً خاصاً في زهده فضلاً عن بقية علماء الطائفة كحسين بن سعيد الكوفي المتوفى في القرن الثالث الهجري) وكتاب الزهد والمواعظ للبرقي (المتوفى سنة 274ه_) وغيرها؛ في حين كتب فقهاء أبناء العامة في الزهد كذلك ، كإمام المذهب الحنبلي، وغيره.

أما عند اللغويين فقد قالوا : (الزهد والزهادة في الدنيا؛ ولا يقال الزهد إلا في الدين خاصة والزهد ضد الرغبة والحرص على الدنيا والزهادة في الأنبياء كلها : ضد الرغبة .

وزَهَدَ، وهي أعلى، يَزْهَدُ فيهما زُهْداً وزَهَد بالفتح عن سيبويه، وزهادة فهو زاهد من قوم زُهّاد ، وما كان زهيداً ولقد زَهَدَ وزَهِدَ يَزْهَدُ منهما جميعاً ، وزاد ثعلب : وزَهُد أيضاً، بالضم.

والتزهيد في الشيء وعن الشيء : خلاف الترغيب فيه.

وزَهَّدَه فى الأمر : رَغْبَه عنه .

وفي حديث الزهري وسئل عن الزهد في الدنيا فقال : هو أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره ؛ أراد أن لا يعجز ويقصر شكره على ما رزقه الله من الحلال، ولا صبره عن ترك الحرام ؛ الصحاح : يقال زهد في الشيء وعن الشيء.

وفلان يتزهد أي يتعبد وقوله عز وجل:

ص: 298

«... فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ» (1).

قال ثعلب : اشتروه على زُهْدِ فيه.

والزَّهِيد : الحقير.

وعطاء زَهِيدٌ : قليل.

وازْدَهَدَ العطاءَ : استقلَّه.

ابن السكيت : يقولون فلان يزدهد عطاء من أعطاه أَي يعدُّه زهيداً قليلًا.

والمُزْهِدُ : القليل المال.

وفي حديث النبي ، صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«أفضل الناس مؤمن مُزْهِدٌ».

المُزْهِد : القليل الشيء وإِنما سمي مُزْهِداً لأَن ما عنده من قلته يُزْهَدُ فيه.

وشيء زَهيد : قليل.

قال الأعشى يمدح قوماً بحسن مجاورتهم جارة لهم :

فلن يطلبوا سِرَّها للغنّى *** ولن يتركوها لإزهادِها

يقول : لن يتركوها لقلة مالها وهو الإزهاد ؛ قال أَبو منصور : المعنى أَنهم لا يسلمونها إِلى من يريد هتك حرمتها لقلة مالها .

وفي الحديث : ليس عليه حساب ولا على مؤمن مُزْهِد.

ومنه حديث ساعة الجمعة : فجعل يُزَهّدُها أََي يقللها .

ص: 299


1- سورة يوسف، الآية : 20

وفي حديث عليّ - عليه السلام - :

«إنك لَزَهِيدُ».

وفي حديث خالد : كتب إِلى عمر بن الخطاب : أن الناس قد اندفعوا في الخمر وتزاهدوا الحدّ أي احتقروه وأهانوه ورأوه زهيداً.

ورجل مُزْهِدٌ : يُزْهَدُ في ماله لقلته.

وأزْهَدَ الرجلُ إِزْهاداً إذا كان مُزْهِداً لا يُرْغَبُ في ماله لقلته.

ورجل زهيد وزاهد: لئيم مزهود فيما عنده؛ وأنشده اللحياني :

يا دَبِّلُ ما بِتُّ بليل هاجدا *** ولا عَدَوتُ الركعتين ساجداً

مخافةٌ أن تُنْفِدي المَزاوِدا *** وتَعْيِقي بعدي عَبوقا بارداً

وتسألي القَرْضَ لئيماً زاهِدا

ويقال : خذ زَهْدَ ما يكفيك أي قدر ما يكفيك ؛ ومنه يقال : زَهَدْتُ النخلَ وزَهْدتُه إِذا خَرَصته.

وأَرض زَهاد : لا تسيل إِلا عن مطر كثير.

أَبو سعيد : الزَّهَدُ الزكاة، بفتح الهاء، حكاه عن مبتكر البدوي؛ قال أبوسعيد : وأصله من القلة لأن زكاة المال أقل شيء فيه.

الأَزهري : رجل زهيد العين إِذا كان يقنعه القليل، ورغيب العين إِذا كان لا يقنعه إِلا الكثير؛ قال عديّ بن زيد :

وللْبَخْلَةُ الأولى، لمن كان باخلا *** أعفُ، ومن يبخل يُلَمّ ويُزَهَّد

يُزَهّد أي يُبَخَّل وينسب إِلى أَنه زهيد لئيم.

ص: 300

ورجل زهيد وامرأة زهيد : قليلا الطعم.

وفي التهذيب : رجل زهيد وامرأَة زهيدة وهما القليلا الطُّعْم؛ وفيه في موضع آخر: وامرأَة زهيدة قليلة الأَكل، ورغيبة : كثيرة الأكل، ورجل زهيد الأكل.

وزَهَاد التِّلاع والشّعاب : صغارها ؛ يقال : أصابنا مطر أسال زَهَاد الغُرْضانِ، الغرضان: الشعاب الصغار من الوادي ؛ قال ابن سيده : ولا أعرف لها واحداً.

وواد زهيد : قليل الأخذ من الماء.

وزهيد الأَرض : ضيقها لا يخرج منها كثير ماء، وجمعه زُهدان.

ابن شميل : الزَّهيد من الأَودية القليلُ الأَخذ للماء، النَّزِلُ الذي يُسيله الماءُ الهين، لو بالت فيه عناق سال لأَنه قاعٌ صُلْبُ وهو الحَشَادُ والنَّزِلُ.

ورجل زَهيد : ضيق الخُلُق، والأُنثى زهيدة.

وفي التهذيب : اللحياني : امرأة زهيدٌ ضيقة الخلق، ورجل زهيد من هذا.

والزَّهْدُ : الحَزْرُ.

وزَهَدَ النخلَ يَزْهَدُه زَهْداً : خرصه وحزره) (1).

المسألة الثانية: الزهد في أحاديث العترة النبوية

تضافرت النصوص الشريفة عن العترة النبوية الشريفة صلوات الله عليهم أجمعين في بيان فضل الزهد وأجره وآثاره المحمودة على النفس والسلوك والمجتمع وهنا : نود أن نشير إلى بعض من هذه الأحاديث ثم نعرج إلى زهد فاطمة صلوات الله عليها .

ص: 301


1- لسان العرب : ج 3، ص 196 - 198

1 - روى الكليني عن سفيان ابن عيينة قال، (سألته ، أي : الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام عن قوله عزّ وجل :

«إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (1).

قال - عليه السلام - :

«القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه».

قال :

«وكل قلب فيه شرك أوشك فهو ساقط وإنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة»)(2).

والحديث يكشف عن أن الزهد هو تفرغ القلب للآخرة وتحققه من خلال خلو القلب من الدنيا.

2 - وروى الكليني عن علي بن هاشم عن أبيه قال: (قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما) :

«الزهد عشرة أجزاء أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا » ) (3) .

ويكشف الحديث عن دور الزهد في السير والسلوك إلى الله تعالى وأنه من مختصات الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى، فضلاً عن بيان شرافة الورع واليقين في مراتب الإيمان والقرب من الله تعالى.

ص: 302


1- سورة الشعراء ، الآية : 89
2- الكافي للكليني : ج 2، ص 16
3- الكافي للشيخ الكليني : ج 2، ص 62

3- روى الشيخ الطوسي رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

«ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا تحريم الحلال، بل الزهد فيها أن لا تكون بما في يدك أوثق بما عند الله عزّ وجل»(1).

4 - روى الطوسي رحمه الله عن أبي يعفور : (قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتى بها فقال :

«تحب أن تصنع بها ماذا؟».

قال : أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل منها، وأتصدق، وأحج، واعتمر، فقال أبو عبد الله عليه السلام :

«ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة»)(2).

5 - روى الحر العاملي رحمه الله ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل جبرائيل فقال :

«يا جبرائيل فما تفسر الزهد؟».

قال :

«يحب من يحب خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرج من حلال الدنيا، ولا يلتفت إلى حرامها ، فإن حلالها حساب وحرامها عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها، ويتحرج عن حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن يغشاها، وأن يقصر أمله، وكان بين عينيه أجله»)(3).

ص: 303


1- تهذيب الأحكام : ج 6 ، ص 327
2- المصدر السابق
3- وسائل الشيعة : ج 15 ، ص 194

6 - وروى الحر العاملي عن الإمام الرضا عليه السلام قال :

«كان فيما ناجى الله به موسى عليه السلام أنه ما تقرب إلي المتقربون بمثل البكاء من خشيتي، وما تعبد لي المتعبدون بمثل الورع من محارمي، ولا تزين لي المتزينون بمثل الزهد في الدنيا عما بهم الغنى عنه»(1).

7 - وروى الحر العاملي (عن عبد الله بن القاسم، عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

«إذا أراد الله بعبد خيراً أزهده في الدنيا، وفقهه في الدين وبصره عيوبها، ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة».

قال : وسمعته يقول :

«إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسموه»)(2).

8 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«الزهد بين كلمتين من القرآن، قال تعالى:

« لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ ...» (3).

ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد استكمل الزهد بطرفيه»(4).

9 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«الزهد في الدنيا قصر الأمل، وشكر كل نعمة، والورع عما حرم الله عليك»(5).

ص: 304


1- المصدر السابق
2- وسائل الشيعة : ج 16 ، ص 13
3- سورة الحديد، الآية : 23
4- وسائل الشيعة : ج 16 ، ص 19
5- الوسائل: ج 16 ، ص 15

والأحاديث الشريفة في ذلك كثيرة جداً وكلها تحدث المؤمن على أن يكون قلبه مشغولاً بالله تعالى وأن يحرص على أن يتغلل شيء من الدنيا إلى قلبه فينجر خلفه حتى ينتهي به المطاف وقد ملكته الدنيا.

ومن هذه المعاني التي كشفتها الأحاديث الشريفة يتضح لنا كيفية تطبيقها بشكل عملي في الحياة من خلال معرفة زهد فاطمة عليها السلام، وهو ما سنتناوله في المسألة الثالثة.

المسألة الثالثة:

حياة فاطمة عليها السلام كلها قائمة على الزهد

عند النظر إلى حياة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنجد أن هذه الحياة كلها قائمة على الزهد منذ أن شاء الله تعالى برحمته أن يجمع علياً وفاطمة صلوات الله عليهما في بيت واحد ليكون من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

أولاً : زهدها في مكونات البيت وأثاثه عند الزواج

لقد مرّ علينا خلال البحث في الكتاب فيما يتعلق بزواج فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ومقدار مهرها وجهازها الذي تكوّن منه بيتها ومحل عرسها وعيشها ؛ وهنا نورد بعض الأحاديث الكاشفة عن مكونات هذا البيت الذي كان أساسه الزهد.

1 - روى الحر العاملي عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :

«كان صداق فاطمة عليها السلام جرد برد حبرة ودرع حطمية وكان

ص: 305

*

فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه»(1).

2 - وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«لقد تزوّجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش كنا ننام عليه بالليل،ونعلف عليه الناقة بالنهار، ومالي معين غيرها»(2).

ثانياً : زهدها عن الخادم وقيامها بعمل دارها بنفسها

لا شك أن الإنسان في طبعه يميل إلى الراحة والدعة ولذا يسعى إلى من يستعين به على توفير هذا الأمر، ولاشك أن الحياة في الماضي كانت تفتقر إلى كثير من سبل الراحة والمعونة داخل الأسرة كما نلاحظ اليوم من توفير الأجهزة العديدة فضلاً عن الاستعانة داخل المنزل ب_( الخادمة) أو (الخادم) كما هو واضح في بعض البلاد العربية والأجنبية وإن اختلفت المسميات بين المربية والخادمة أو المنظفة وغير ذلك، والتي جميعها تنبع من سعي الإنسان في الحصول على الراحة.

لكن هذا الأمر نجده غير متوفر في بيت فاطمة عليها السلام، فقد زهدت عن الخادم وأدت عملها بنفسها حتى أصابها ضرر شديد عند ذلك سعى أمير المؤمنين عليه السلام في قصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحصول على خادمة تعين فاطمة عليها السلام؛ ولعل الحديث عن هذه التفاصيل سيكون بعون الله في البحث المتعلق بتسبيحها.

ولكن المستفاد من حديث أمير المؤمنين عليه السلام الذي سنورده أنها كانت

ص: 306


1- الوسائل: ج 21، ص 251
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج 2، ص 96 ؛ مجموعة دارم : ج 2، ص12

تزهد في وجود الخادم والمعين حتى أضر بها ذلك، وما ذاك إلا لصبرها على مرارة الحياة وأن لا تكلف زوجها شيئاً ، وهو الزهد بعينه وحقيقته.

روى الطبرسي رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل من بني سعد:

«ألا أحدثك عني وعن فاطمة، أنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى تدخنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد»(1).

ثالثا : زهدها في الملبس

ولم يقتصر زهد فاطمة صلوات الله عليها على مكونات البيت وقيامها بالعمل في دارها بنفسها وزهدها عن الخادم وإنما زهدت كذلك في امتناع الزائد في الملبس إلى الحد الذي كانت تبكي بعض الصحابة.

1 - فقد أخرج البيهقي وابن كثير والقرطبي عن أنس بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها قال - أنس - وعلى فاطمة - صلوات الله عليها - ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ما تلقى قال :

«إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك»)(2).

ص: 307


1- مكارم الأخلاق : ص 280
2- السنن الكبرى للبيهقي : ج 7، ص 95 ، ح 13323؛ تفسير ابن كثير: ج 3، ص 286 ؛ تفسير القرطبي : ج 12 ، ص 234

2 - روى المحدث النوري عن السيد ابن طاووس، عن كتاب المنبئ عن زهد : ( عن أبي محمد جعفر بن أحمد القمي أنه قال :

أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ ...» (1) .

بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شديداً وبكت أصحابه لبكائه إلى أن ذكر أن بعض أصحابه ذهب إلى فاطمة عليها السلام وأخبرها بخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكائه، فقالت :

«تنح من بين يدي أضمّ إليّ ثيابي».

قال : فلبست فاطمة عليها السلام شملة من صوف قد خيطت اثني عشر

مكانا بسعف النخل فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة بكى وقال : وا حزني إن قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكانا بسعف النخل) (2).

رابعاً : صبرها على مرارة الحياة وهو جوهر الزهد

إنّ من أوضح مصاديق الزهد في الحياة هو الصبر على مرارة العيش وتحمل الأذى من أجل الآخرة وهذا ما شاهده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياة بضعته وقلبه وروحه التي بين جنبيه حتى دمعت عيناه رأفة بها وهو من سماه رب العزة سبحانه وتعالى بقوله :

ص: 308


1- سورة الحجر، الآية : 43
2- مستدرك الوسائل: ج 3، ص273

«بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»(1).

فكيف ببضعته وسيدة نساء العالمين ؟ !

1 - فقد روى الطبرسي (عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

«دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام وعليها كساء من ثلة(2) الإبل، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أبصرها فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله عليّ:

«وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرَضَى»(3)»)(4).

2 - روى الطوسي عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت الأشعث بن قيس الكندي وجويبرا الحلبي قالا لعلي أمير المؤمنين عليه السلام :

(حدثنا في خلواتك أنت وفاطمة قال :

«نعم، بينا أنا وفاطمة في كساء إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصف الليل وكان يأتيها بالتمر واللبن ليعينها على الغلامين، فدخل فوضع رجلا بحيالي ورجلا بحيالها، ثم إن فاطمة بكت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك يا بنية محمد فقالت: حالنا كما ترى في كساء نصفه تحتنا ونصفه فوقنا .

ص: 309


1- سورة التوبة، الآية : 128
2- الثلة : هي الصوف والوبر ، أي : شعر الإبل يجمع مع البعض فيصنع منه الأكيسة، وهو شديد السمك، فضلاً عن كونه شديد الحر وهو لباس الفقراء والمساكين
3- سورة الضحى، الآية : 5
4- مکارم الأخلاق : ص 235

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا فاطمة، أما تعلمين أن الله تعالى اطلع اطلاعة من سمانه إلى أرضه فاختار منها أباك فاتخذه صفيا، وابتعثه برسالته، وانتمنه على وحيه، يا فاطمة، أما تعلمين أن الله اطلع اطلاعة من سمانه إلى أرضه فاختار منها بعلك وأمرني أن أزوجكه وأن أتخذه وصيا، يا فاطمة، أما تعلمين أن العرش شاك ربه أن يزينه بزينة لم يزين بها بشرا من خلقه فزينه بالحسن والحسين، بركنين من أركان الجنة».

وروي :

«ركن من أركان العرش »)(1).

خامساً :
زهدها في المأكل مع ولديها وصبرها على الجوع

تناولت جملة من الأحاديث زهد فاطمة وصبرها على الجوع ضمن صوّر عدة، ولعل مرد هذه الصوّر وتعددها إلى كون الزهد حالة ملازمة لبيت فاطمة صلوات الله عليها مما أتاح مشاهدة هذه المظاهر الحياتية لأكثر من شخصية من الصحابة آنذاك.

1 - روى الخوارزمي عن أبي سعيد الخدري أن فاطمة عليها السلام قالت :

«أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت السلام عليك يا أبه فقال وعليك السلام يا بنية فقالت والله يا نبي الله ما أصبح في بيت علي عليه السلام طعام ولا دخل بين شفتيه طعام منذ خمس ولا لنا ثاغية ولا راغية ولا أصبح في بيته سفة».

فقال النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

ص: 310


1- الأمالي للطوسي : ص 406

«أدني مني».

فدنت، فقال :

«أدخلي يدك بين ظهري».

فهوت بيدها فإذا هي بحجر بين كتفي رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم مربوطاً بعمامته إلى صدره فصاحت فاطمة عليها السلام صيحة شديدة، وقال :

«ما أوقد في دار محمد نار منذ شهرين».

ثم قال لها :

«أما تدرين ما منزلة علي مني كفاني أمري وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وضرب بين يدي بالسيف وهو ابن ست عشرة سنة، وقتل الأبطال وهو ابن سبع عشرة سنة، وفرج همومي وهو ابن اثنتين وعشرين سنة وحده، وكان من معه خمسين رجلا».

فأشرق وجه فاطمة عليها السلام ولم تزل قدماها من مكانها حتى أتت علياً عليه السلام وإذا البيت قد أنار بنور وجهها فقال لها علي عليه السلام :

«يا بنت محمد لقد خرجت من عندي ووجهك على غير هذه الحال».

فقالت :

«إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني بفضلك»)(1).

إن المستفاد من الحديث الشريف بعض الأمور، وهي :

ص: 311


1- كشف اليقين : ص 455 - 456

ألف : لا شك أن الإنسان بحاجة إلى من يلتجئ إليه من أهل الآخرة كما فعلت فاطمة صلوات الله عليها حينما التجأت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى : ضرورة الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أمرنا القرآن :

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ ...» (1).

حينما يمر المؤمن بضائقة في الحياة؛ وذلك لما له من التأثير الكبير في سكون النفس وطمأنينة القلب ؛ وكما يقال رب سائل عن مسألة وهو عارف بها بمعنى أن فاطمة صلوات الله عليها لم يكن ذهابها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دافعه الدنيا وإنما هو التوجيه لكل امرأة مؤمنة في كيفية أخذ العبرة والصبر على مرارة الحياة الدنيا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

باء : إنّ الذي جعل فاطمة تستهين بهذه الصعوبات الحياتية ومرارة الحياة الدنيا وتزداد صبراً وزهداً هو المعرفة بصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزهده فإن كان عسيراً على المرأة أن تبقى خمسة أيام بدون طعام فإن حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصعب بكثير وصبره ليس له حد وها هو يستعين على الجوع بوضع حجر بين كتفيه.

ولعل مرد ذلك هو أن هذا المحل يكون لتجمع الدم الذي يكون محملاً بالدهون ولأجله يكون محل الحجامة بين الكتفين والتي تعمل أي الحجامة على تبديل الخلايا الحمراء وتحفز الكبد على إعادة نشاطه.

ص: 312


1- سورة الأحزاب، الآية : 21

جيم: الحديث يكشف عن علاقة المؤمن بذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وتأثيره الإيماني والروحي فضلاً عما تحققه من الأجر والثواب عند الله تعالى، وهو ما انعكس على وجه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها فقد أشرق وجهها وامتلأ البيت نوراً حينما عادت إلى بيتها.

وهذا يكشف عن أن نسبة ظهور النور في وجه المؤمن عند ذكر فضائل علي عليه السلام تعود إلى صدق اعتقاده ومستوى يقينه بولاية علي بن أبي طالب ومنزلته عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان حال فاطمة صلوات الله عليها ومستوى معرفتها ويقينها بولاية علي صلوات الله عليهم أجمعين.

2 - روى السيد ابن طاووس في كتابه اليقين : ( إن أمير المؤمنين عليه السلام دخل يوماً إلى منزله فالتمس شيئاً من الطعام فأجابته الزهراء فاطمة عليها السلام فقالت :

«ما عندنا شيء وانني منذ يومين أعلل الحسن والحسين».

فقال :

«أعطونا مرطا نضعه عند بعض الناس على شيء».

فأعطى فخرج له إلى يهودي كان في جيرانه فقال له :

«أخا تبع اليهود أعطنا على هذا المرط صاعاً من شعير».

فأخرج إليه اليهودي الشعير فطرحه في كمه ومشى عليه السلام خطوات فناداه اليهودي أقسمت عليك يا أمير المؤمنين إلا وقفت لأشافهك؛ فجلس ولحقه

ص: 313

اليهودي فقال : له إن ابن عمك يزعم أنه حبيب الله وخاصته وخالصته وأنه أشرف الرسل على الله تعالى فقل له أفلا سأل الله تعالى أن يغنيك عن هذه الفاقة التي أنتم عليها.

فأمسك عليه السلام ساعة ونكت بإصبعه الأرض وقال له :

«يا أخا تبع اليهود والله إن الله عباداً لو أقسموا عليه أن يحول هذا الجدار ذهباً لفعل».

قال فاتقد الجدار ذهبا فقال له عليه السلام :

«ما أعنيك إنما ضربتك مثلا فأسلم اليهودي»)(1) .

حقائق يكشفها الحديث

ألف: يظهر الحديث درجات الأولياء وعباد الله المخلصين الذين شروا الحياة الآخرة بالدنيا وصبروا على مرارة الحياة بحلاوة الآخرة على الرغم من أنهم يستطيعون أن يلتجئوا إلى الدعاء فيفتح الله عليهم أبواب الغنى لكنهم يدركون أن الفقر في الحياة الدنيا والزهد فيها أحب إلى الله تعالى من الغنى والثروة.

فاختاروا ما يحب الله وتركوا ما يكره حتى أصبح الزهد والفقر شعاراً لمن ارتبط شخصه بشرع الله ودينه على مر العصور.

بل الثابت في الشريعة أن الله تعالى شرط على أنبيائه ورسله الزهد في الحياة الدنيا كما هو واضح في دعاء الندبة :

ص: 314


1- اليقين للسيد ابن طاووس : ص 455 ؛ البحار للمجلسي : ج 41 ، ص 250؛ مستدرك سفينة البحار: ج 2، ص 39

(اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسكم ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت له-م الذكر العلي ....) (1).

باء : فضلا عن ذلك فإن الحديث يظهر مستوى زهد فاطمة عليها السلام وحسن تبعلها وجهادها في سبيل الله الذي جعل للمرأة في دارها من خلال صبرها وتبعلها وسعيها في مرضاته؛ فقد كانت فاطمة عليها السلام تؤثر علياً على نفسها فتقوم بتعليل ولديها أي إسكاتهم بالشيء اليسير وتلهيهم عن الجوع منذ يومين، حتى نفد ما عندها.

جيم: يظهر الحديث عن طواعية الأشياء للمعصوم عليه السلام وولايته التكوينية وسرعة استجابة هذه الأشياء له؛ كما في حال الجدار الذي اتقد ذهباً بإذن الله تعالى ورجوعه إلى حاله الأول حينما قال عليه السلام له : ما أعنيك.

ولعل الرجوع إلى القرآن الكريم ليرشد المسلم إلى تمكين المعصوم من الولاية التكوينية كما هو حال سليمان وعيسى بن مريم اللذين أظهر الله تعالى جانباً مما منحهما من الولاية التكوينية وطواعية الأشياء لهما .

3 - عن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت محمد (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاها يوماً فقال :

ص: 315


1- مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي رحمه الله تعالى

«أين ابناي - يعني حسنا وحسينا -؟».

قالت :

«أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق».

فقال علي :

«اذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء».

فذهبا بهما إلى فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر.

فقال عليه السلام:

«يا على ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما ؟».

قال علي :

«أصبحنا وليس في بيتنا شي فلو جلست يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أجمع لفاطمة تمرات».

فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي ينزع لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شيء من تمر فجعله في حجرته ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد حمل أحدهما وحمل علي الآخر حتى أقبلا بهما) (1).

4 - ومن طرق أبناء العامة روى هناد والشيباني عن عمار بن أبي عمار: (إنّ فاطمة شكت على علي الجوع في ولدها فخرج حتى أتى إلى بعض أهل المدينة

ص: 316


1- الذريعة الطاهرة للدولابي : ص 146؛ المعجم الكبير للطبراني : ج22، ص 422؛ الترغيب والترهيب للمنذري : ج 4 ، ص 211

فاستقى له عددا من الأدلاء كل دلو بتمرة حتى ملا كفّه ثم أتاها به فقال :

«كلي وأطعمي صبيانك»)(1).

5 - روى المحدث النوري عن ابن عباس : (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة عليها السلام فنظر إلى صفار وجهها وتغيّر حدقتها فقال لها :

«يا بنية ما الذي أراه من صفار وجهك وتغير حدقتك».

فقالت :

«يا أبة إن لنا ثلاثا ما طعمنا».

إلى أن قال : ثم وثبت حتى دخلت إلى مخدع لها فصفت قدميها فصلت ركعتين فقرأت في أولها الحمد و (ألم) السجدة؛ وفي الثانية الحمد وسورة الأنعام، ثم رفعت باطن كفها إلى السماء وقالت :

«إلهي وسيدي هذا محمد نبيك وهذا علي ابن عم نبيك وهذان الحسن والحسين سبطا نبيك إلهي أنزل علينا ماندة من السماء كما أنزلتها على بني إسرائيل أكلوا منها وكفروا بها، اللهم أنزلها علينا فإنا بها مؤمنون».

قال ابن عباس : والله ما استتمت الدعوة فإذا هي بصحفة من ورائها ...) (2).

والحديث يكشف عن إحدى معاجزها وكراماتها التي ظهرت فضلاً عن زهدها؛ وسيمر علينا الحديث في المبحث القادم وهو : معاجزها وكراماتها.

ص: 317


1- الزهد لهناد : ج 2، ص 389، حديث 757 كتاب الحجة للشيباني : ج 3، ص 457
2- مستدرك الوسائل للنوري : ج 6 ، ص 311 ، ح (6886 و 6887)

المبحث الخامس:

معاجزها وكراماتها

تناولنا في مبحث (رحى فاطمة عليها السلام) آثار الآيات والكرامات التي ترافق الأنبياء والأولياء على الفرد والمجتمع وذكرنا أن تنوع الآية أو الكرامة زماناً ومكاناً مرتبط بما تتركه هذه الآية في الفرد الشاهد لها أو الجماعة أو المجتمع، فضلاً عن الاستعدادات التي ترافق ظهورها لدى الناظر أو الشاهد للآية.

وهنا: في معاجز فاطمة صلوات الله عليها وكراماتها نجد أن تلك الآثار تنوعت بين اختصاصها بالخمسة أصحاب الكساء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهي من قبيل إتحافهم وإكرامهم بما عند الله تعالى وبين اختصاصهم ببعض الصحابة، أي ظهور هذه الكرامة الفاطمية لهم واختصاصهم بمشاهدة هذه اللطف الإلهية ؛ وبين اختصاصها بعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخيراً ما ظهر لبعض اليهود الذين كانوا في المدينة وآثار هذه الكرامة عليهم.

وعليه : تنوع هذه الكرامات يرجع إلى النتائج التي تتركها على الناظر والشاهد لها من جهة، ومن جهة أخرى كانت دواماً لنزول اللطف الإلهي والفيض الرحماني على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 318

المسألة الأولى :

تكرار كرامة نزول الطعام إليها من السماء

يعرض القرآن الكريم في حديثه عن مريم ابنة عمران عليها السلام اختصاصها بالكرامة من الله تعالى ممثلاً في نزول الطعام إليها من السماء بواسطة الفيض الإلهي وهم الملائكة عليهم السلام ؛ والتي يعرضها القرآن الكريم في قوله تعالى :

«...كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1).

وتظهر الآية المباركة دوام نزول الطعام وكثرة مشاهدة زكريا عليه السلام لهذه الكرامة وهو واضح في مطلع الآية المباركة :

«...كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ ...».

والملاحظ في الروايات الشريفة أن هذا التكرار في نزول اللطف الإلهي الذي تعاهده زكريا هو نفسه قد حصل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين فقد شهدوا تكرار الكرامة ودوام نزول الطعام لفاطمة صلوات الله عليها مرات عديدة وفي أزمان مختلفة.

والمستفاد من هذه الروايات، جملة من الأمور، منها :

1 - بحسب الظاهر للآية المباركة أن الطعام الذي كان ينزل لمريم مخصوص بها دون غيرها من أهل بيتها بمعنى لم تتناول الروايات ذكر اشتراك نبي الله زكريا بهذا الطعام وهذا يدل إما على اختصاصها دون غيرها بهذا الرزق ؛ وإما أن الروايات لم

ص: 319


1- سورة آل عمران، الآية: 37

تهتم بهذه التفاصيل الدقيقة وكأنها تحصيل حاصل.

ولكن الذي يظهر أنها مختصة بمريم عليها السلام وأن زكريا كان سهمه من هذه الكرامة المشاهدة والاعتبار مما يرى إذ التفت حينها إلى أمر الذرية التي تأخرت عليه وقد بلغ من العمر عتيا ومن ثم تعذر عليه الإنجاب طبقاً للسنن الكونية التي أوجدها الله تعالى وأخضع الأشياء لها.

لكن هذه السنن هي في النهاية خاضعة لأمر خالقها وموجدها جلت قدرته؛ ولذلك توجه زكريا إلى الله في أن يمن عليه بالخلف؛ فقال سبحانه عن هذه اللحظات التأملية التي مر بها زكريا وقد كان شاهداً لكرامة مريم ونزول الطعام إليها :

«هنالك دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٌ طَيِّبَةٌ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ» (1).

2 - إشتراك العترة النبوية بهذا الطعام؛ إذ تفيد بعض الروايات أن نزول الطعام لفاطمة كان مخصوصاً لها ولأبيها وبعلها وولديها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا أفضل من الطعام الذي كان يقتصر على مريم فقط، وهذا يدل على أنهم جميعاً مخصوصون بهذا اللطف وعلى أنهم من سنخية نور الله تعالى أي : إنهم من نور واحد وإن اختلفت منازلهم ودرجاتهم عند الله تعالى كأفضل الخلق وسيد ولد آدم النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم أخيه ووصيه وخليفته علي أمير المؤمنين عليه السلام، ثم بضعته النبوية

ص: 320


1- سورة آل عمران، الآية: 38

فاطمة الزهراء عليها السلام البتول، ثم الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.

3 - إنها واسطة نزول الفيض لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأحد أبواب اللطف الإلهي ، فهذا الطعام الذي ينزل من السماء لاشك أنه يختلف من حيث الماهية والنشأة والآثار، ومن ثم مثلما جعل الله تعالى النبي الأعظم مصدراً لنزول اللطف الأعظم والفيض الأقدس إلى الخلق جميعاً فكان باب رحمة الله الواسعة وهو المخصص بالعطاء للخلق جميعاً ف_ «هَذَا عَطَاؤُنَا فَأَمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حساب»(1) ؟

فإن فاطمة صلوات الله عليها باب من الفيض واللطف الإلهي المخصوص لآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وهي المخصوصة في قوله عزّ وجل لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»(2).

فظاهر العطاء في آية سليمان عليه السلام تسخير القوى الطبيعية التي بها تستقيم حياة الناس وغيرهم من المخلوقات كالطيور والدواب والنبات وقد أوكلها إليه وظاهر العطاء هنا فاطمة صلوات الله وسلامه عليها ولذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة وتقديم الذبائح شكراً لله على ما أعطى وذلك لعظيم

ص: 321


1- سورة ص ، الآية : 39
2- سورة الكوثر ، الآية : 1

منزلة فاطمة عليها السلام في حين لم يؤمر سليمان بالصلاة ولم يطلب منه الذبيحة والقرابين فشتان بين عطاء أسباب الحياة في الدنيا وبين عطاء أسباب حياة الشريعة وهي فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط علم الله.

4 - تفيد الروايات أيضاً أن فاطمة عليها السلام كانت سبباً لنزول الفيض إلى شيعتها كعمار وسلمان وأبي ذر والمقداد وغيرهم.

الصورة الأولى لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

أخرج محمد بن سليمان الكوفي (المتوفى في القرن الثالث الهجري) عن أبي سعيد الخدري قال :

(أصبح علي ذات يوم فقال :

«يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه؟».

فقالت - عليها السلام - :

«والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح عندي شيء أغذيكه ولا ما أطعمناكه منذ يومين إلا شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني - تعني حسناً وحسينا-».

فقال علي - عليه السلام - :

«يا فاطمة ألا كنت أعلمتني لأبيع لكم شيئا؟».

فقالت عليها السلام :

«يا أبا الحسن إني كنت استحي من إلهي (من) أن تكلف نفسك ما لا

ص: 322

تقدر عليه».

فخرج علي من عند فاطمة واثقا بالله حسن الظن بالله فاستقرض دينارا فا قرضه (المسؤول عنه) فبينا الدينار في يد علي أراد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم فعرض له المقداد في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته فلما راه علي أنكر شأنه فقال :

«يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟».

فقال : يا أبا الحسن خل سبيلي ولا تسألني عما وراثي، فقال له :

«يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك».

فقال : يا أبا الحسن رغبة إلى الله وإليك أن تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي، فقال - عليه السلام - :

«يا أخي تسرك أن تكتمني حالك؟».

فقال له: يا أبا الحسن أما إذا أبيت فالذي أكرم محمدا بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلا الجهد ولقد تركت عيالي يتضاغون جوعا فلما سمعت (ضجة) العيال لم تحملني الأرض فخرجت مهموم-ا راكبا رأسي فهذه حالي ! فهملت عينا علي باكيا حتى بلت دموعه لحيته فقال :

«أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني من رحلي غير الذي أزعجك من رحلك ولقد اقترضت دينا را فهاكه فقد آثرتك به على نفسي!».

فدفع إليه الدينار ثم رجع حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 323

صلاة المغرب مر بعلي في الصف الأول فغمزه برجله فقام علي متبعا (إياه) حتى لحقه على باب من أبواب المسجد فسلم فرد رسول الله (عليه) السلام فقال :

«يا أبا الحسن هل عندك شيء تعشينا فنميل معك ؟».

فمكث (علي) مطرقا لا يحير جوابا حياءً من رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يعلم ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه وأين وجهه صلى الله عليه وآله وسلم (و) قد كان أوحى الله إلى نبيه أن يتعشى تلك الليلة عند علي فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سكوته قال له :

«يا أبا الحسن مالك لا تقول لا فانصرف عنك أو تقول نعم فأمضي معك؟».

قال : حياء وتكرما بلى يا رسول الله اذهب بنا.

فأخذ رسول الله بيد علي فانطلقا حتى دخلا على فاطمة (وهي) في مصلاها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة يفور دخانها ، فلما سمعت (فاطمة) كلام النبي صلى الله عليه وآله في رحلها خرجت من مصلاها فسلمت عليه وكانت من أعز الناس عليه فرد السلام ومس بيده على رأسها وقال :

«يا بنية كيف أمسيت؟ رحمك الله عشينا غفر الله لك، وقد فعل».

فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، وبين يدي علي بن أبي طالب - عليه السلام - عنه فلما نظر ( علي ) إلى لون الطعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا فقالت له فاطمة :

«سبحان الله يا أبا الحسن ما أشح نظرك وأشده؟ هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا أستوجب السخطة؟».

ص: 324

فقال (علي) :

«وأي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه أليس عهدي بك في اليوم الماضي تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين؟».

قال : فنظرت فاطمة إلى السماء وقالت :

«إلهي يعلم ما في السماء والأرض أني لم أقل الاحقاء».

فقال - عليه السلام - :

«يا فاطمة أنى لك هذه الطعمة التي لم أنظر إلى مثل لونه قط ولم أشم مثل ريحه قط ولم أكل مثله قط !».

قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي فغمزها ثم قال :

«يا علي هذا بدل دينارك هذا جزاء بدينارك هذا من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب».

ثم استعبر النبي صلى الله عليه وآله باكيا ثم قال :

«الحمد لله الذي أبا لكما أن يخرجكما من الدنيا حتى يجريك يا علي في المثال الذي جرى فيه زكريا ويجريك يا فاطمة في مثل الذي جرت فيه مريم ابنة عمران.

«...كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَريَا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا»(1))(2).

ص: 325


1- سورة آل عمران الآية : 37
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي : ج 1 ، ص 201 - 204 ، باب اقتراض علي دينارا؛ تفسير فرات الكوفي : ص 84 - 85 ؛ فضائل فاطمة لعمر بن شاهين : ص 27؛ كشف الغمة للأربلي : ج 2، ص 98 ؛ البحار للمجلسي : ج37، ص 105
الصورة الثانية لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

روى ابن أبي حاتم الرازي عن أبي يعلى وخرجه الزيلعي وابن كثير، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام أياماً ولم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في ديار أزواج-ه فل-م يصب عند إحداهن شيئاً فأتى فاطمة فقال :

«يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جانع».

قالت :

«لا والله بنفسي وأمي».

فلما خرج عنها بعثت جارة لها رغيفين وبضعة لحم فأخذته ووضعته في جفنة وغطت عليها وقالت :

«والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسي من غيري».

وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجع إليها فقالت :

«قد أتانا الله بشيء فخبأته لك».

فقال :

«هلمي يا بنية».

فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحما، فلما نظرت إليه بهتت وعرفت أنه من عند الله فحمدت الله وصلت على نبيه أبيها وقدمت إليه فلما رآه حمد الله وقال :

«من أين لك هذا؟».

ص: 326

قالت :

«هومن عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب».

فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى على فدعاه وأحضره وأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي حتى شبعوا، قالت فاطمة :

«وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت منها على جميع جيراني وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا»)(1) .

الصورة الثالثة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

وهذه الصورة رويت عن حذيفة بن اليمان وعن أبي سعيد الخدري وعند التقابل بين الروايتين وجدت أن رواية أبي سعيد الخدري فيها بعض الفقرات التي لا تنسجم مع سياق الرواية مما يدل على أنها أقحمت في النص ؛ كقوله :

(فلما كان الغد أقبل رسول الله في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا) (2).

ص: 327


1- تفسير ابن أبي حاتم: ص 207؛ تخريج الأحاديث : ج 1، ص 184 ؛ تفسير ابن كثير: ج 1 ، ص 368؛ الخرائج والجرائح : ج 2، ص 528 - 529 ؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 6 ، ص 122 ؛ إقبال الأعمال لابن طاووس : ص 529 ؛ تفسير الصراط المستقيم : ج 1، ص 171؛ تفسير سعد السعود : ص 131؛ تفسير جوامع الجامع للطبرسي : ج 1، ص 282 ؛ تفسير البيضاوي : ج 2، ص 35؛ تفسير الكشاف للزمخشري : ج 1 ، ص 427
2- سعد السعود : ص 90 - 91 ؛ البحار للمجلسي: ج 43 ، ص 77

ولا يمكن أن يصح هذا الكلام فأي دار تتسع لجميع المهاجرين والأنصار وهم جلوس، وكيف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي بهم جميعاً إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام في حين أن حقيقة الأمر كما يروي حذيفة بن اليمان أنهم كانوا خمسة نفر فقط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سیمر.

وعليه : فيبدو أن أبا سعيد الخدري أحب أن يضيف كرامة لجميع الصحابة دون استثناء وإنهم قد أكلوا من هذا الطعام الذي نزل من السماء كما هو حاله في الصورة الثانية التي مرّ ذكرها آنفاً فقد أقحم الراوي أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والجيران في تناولهم لهذا الطعام في حين أننا وجدنا بعض الروايات وهي تؤكد على الحصر في تناول هذا الطعام واختصاصه بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعض من شيعتهم.

أما حقيقة الصورة الثالثة من نزول الطعام من السماء لفاطمة صلوات الله عليها فيرويها الشيخ الطوسي، والطبري (الشيعي) بسنده عن حذيفة بن اليمان قال :

(لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل معه النجاشي قدحا من غالية وقطيفة منسوجة بالذهب هدية إلى النبي فلما قدم جعفر والنبي في خيبر أتاه جعفر بالهدية القدح والقطيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله».

فمد أصحاب النبي أعناقهم إليها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«أين علي؟».

ص: 328

فلما جاء قال :

«يا علي خذ هذه القطيفة إليك».

فأخذها وأمهل حتى إذا قدم المدينة انطلق إلى البقيع وهو سوق المدينة فأمر صائغاً ففصل القطيفة سلكا سلكا فباع الذهب وكان ألف مثقال وفرقه على فقراء المهاجرين والأنصار ورجع إلى منزله ولم يبق له من الذهب شيء لا قليل ولا كثير، فلقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار فقال :

«يا علي إنك أخذت بالأمس ألف مثقال فاجعل غداي اليوم وأصحابي عندك».

ولم يكن علي يومئذ يرجع إلى شيء من العروض من الذهب والفضة فقال حياء أو كرما :

«نعم يا رسول الله أدخل أنت وأصحابك على الرحب والسعة».

فدخل النبي ومن معه، قال حذيفة : وكنا خمسة نفر أنا وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد، قال : فدخل علي على فاطمة يلتمس عندها زادا فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور وعليها عراق كثير وكأن رائحتها المسك فحملها علي ووضعها بين يدي النبي ومن حضر فأكلنا منها حتى شبعنا ولم ينقص منها شيء فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودخل على فاطمة فقال :

«أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟

فأجابته ونحن نسمع :

ص: 329

«هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب».

فخرج النبي إلينا مستبشرا وهو يقول :

«الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي فاطمة رأي زكريا لمريم كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها : يا مريم أنى لك هذا، فتقول هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب»)(1) .

الصورة الرابعة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

وهذه الصورة قد مرّ ذكرها كاملة في المبحث السابق كشاهد علی زهدها و نوردها باختصار ؛ وقد أخرجها المحدث النوري عن الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره، في خبر طويل ذكر فيه جوع فاطمة وأبيها وزوجها وولديها عليهم السلام وأنها دخلت بيتها وصلت ركعتين قرأت في أولاهما الفاتحة و (ألم) السجدة وفي الثانية الحمد وسورة الأنعام ، فلما سلمت دعت فأنزل الله تعالى عليها مائدة، الخبر) (2).

الصورة الخامسة لنزول الطعام من السماء لفاطمة صلوات الله عليها

وهذه الصورة أخرجها ابن شهر آشوب عن أبي بكر هبة الله العلافي بإسناده إلى ابن عباس في خبر طويل : ( إنه اجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وجعفر عند فاطمة عليهم السلام، وهي في صلاتها فلما سلمت أبصرت عن يمينها

ص: 330


1- المسترشد لمحمد بن جرير الطبري : ص 286 ؛ دلائل الإمامة للطبري : ص 145؛ الأمالي للطوسي : ص 614 - 615 ؛ حليلة الأبرار للبحراني : ج 2، ص 268 ؛ البحار للمجلسي : ج21، ص 20؛ البرهان للسيد هاشم البحراني : ج 1، ص 619 ؛ الدر النظيم لابن أبي حاتم الشامي : ص 465
2- مستدرك الوسائل للنوري : ج 6 ، ص 311

رطباً على طبق وعلى يسارها سبعة أرغفة وسبعة طيور مشويات وجام من لبن وطاس من عسل وكأس من شراب الجنة وكوز من ماء معين فسجدت وحمدت وصلت على أبيها وقدمت الرطب.

فلما فرغوا من أكله قدمت المائدة فإذا بسائل من وراء الباب : أهل بيت الكرم هل لكم في إطعام المساكين فمدت فاطمة يدها إلى رغيف ووضعت عليه طيراً وحملت بالجام وأرادت أن تدفع إلى السائل فتبسم نبي الله في وجهها وقال :

«إنها محرمة على هذا السائل».

ثم نبأها بأنه إبليس وأنه لو واسيناه لصار من أهل الجنة) (1).

الصورة السادسة لنزول الطعام من السماء

ورد في تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان وعلي بن حرب الطائي ومجاهد بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي هريرة وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه واللفظ له عن أبي هريرة أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله إلى أزواجه فقلن ما عندنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

«من لهذا الرجل الليلة؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«أنا يا رسول الله».

ص: 331


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : ج 2، ص88؛ البحار للمجلسي : ج 37، ص102. شرف المصطفى للخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الاسد الوطنية ويحمل الرقم : 1887

وأتى فاطمة وسألها :

«ما عندك يا بنت رسول الله».

فقالت :

«ما عندنا إلا قوت الصبية لكنا نؤثر به ضيفنا».

فقال علي عليه السلام :

«يا بنت محمد نومي الصبية وأطفني المصباح».

وجعلا يمضغان بألسنتهما، ولما فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج فوجدت الجفنة مملوءة من فضل الله فلما أصبح صلى مع النبي فلما سلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته نظر إلى أمير المؤمنين وبكى بكاء شديداً وقال :

«يا أمير المؤمنين لقد عجب الرب من فعلكم البارحة».

فقرأ :

«... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...» (1).

أي : مجاعة.

«... وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ...».

يعني : علياً وفاطمة والحسن والحسين

«فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(2)).

ص: 332


1- سورة الحشر الآية : 9
2- المناقب لابن شهر : ج 2، ص 74؛ مستدرك الوسائل للنوري : ج 7، ص 214 - 215

وقد روى هذه الحادثة الشيخ الطوسي والحر العاملي ولم يذكرا خبر الجفنة(1).

والرواية الشريفة تكشف عن بعض الأمور ، منها :

1 - تعطي الرواية درساً تربوياً في إكرام الضيف وما له من الأثر التوفيقي على الإنسان إلى الحد الذي ينزل رزقاً من السماء كما حدث لعلي وفاطمة عليهما السلام.

2 - لا شك أن التفاوت في الفضل من الله تعالى ودرجة استحقاقه متوقف على الاخلاص في العمل وصدق النية وقصد القربة الله تعالى كي يحصل الإنسان على هذه الكرامة التي نالها أهل البيت عليهم السلام وهذا درس تربوي في التعامل مع الله تعالى يقدمه بيت علي وفاطمة صلوات الله عليهما.

3 - إن الحكمة في التعجب الذي نصت عليه الرواية يعود - بحسب الظاهر للرواية - إلى أن العمل الذي قام به علي وفاطمة كان على درجة عالية من التوافق والفهم إذ الغالب في الحياة الزوجية أن تبدي المرأة اعتراضاً لاسيما وأن الأمر متعلق بأمر مستحب وهو إكرام هذا الضيف فكيف إذا كان هناك صبية ليس لهم سوى هذا الطعام الذي قدم للضيف وهنا يأخذ بالأم حنانها وعاطفتها اتجاه أولادها فتبدي اعتراضاً وممانعة لزوجها لكن فاطمة كانت على طاعة تامة وفهم مشترك ونية واحدة في التقرب إلى الله تعالى ولا شك أن علياً له من العاطفة اتجاه ولديه كما لفاطمة لكن قدم الضيف.

ص: 333


1- الأمالي للطوسي : ص 185 ؛ وسائل الشيعة للحر العاملي : ج 9، ص 462

والسؤال المطروح : لماذا كل هذا الاهتمام بهذا الضيف؟

وجوابه : دفع الحرج عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم يكن عند أزواجه طعام ولعلهن لم يجدن ضرورة في التضييف مما سيوقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حرج وأذى فكان علي وفاطمة عليهما السلام قد تحملا الأذى والجوع حباً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاصدين في ذلك رضا الله ورسوله.

فأنزل الله فيهم :

«... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...».

وعليه :

فهذه الصوَر المتعددة تثبت أن نزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام كان متكرراً كما كان حال مريم ابنة عمران عليها السلام، إلا أن الفارق هو أن طعام مريم الذي كان من السماء كان الحين ولادة عيسى عليه السلام وأما فاطمة فكان الطعام ينزل إليها من السماء بعد زواجها وولادتها للحسن والحسين عليهم السلام فكان يأكل منه الخمسة أصحاب الكساء وبصورة متكررة إكراما منه سبحانه وتعالى لهم.

ودلالة على أن فاطمة بعد زواجها وولادتها لولديها لم تزدد من الله تعالى إلا قرباً وطاعة وارتفاع منزلة وهذا يكشف عن أحد أسباب كونها سيدة نساء العالمين، وذلك أن مريم عليها السلام كانت خليلةٌ من دون زوج وأولاد ومتفرغة للعبادة والذكر في حين كانت فاطمة عليها السلام مع وجود الموانع والمشاغل

ص: 334

والواجبات والحقوق إلا أنها تزداد تعرفاً وطاعة الله وهذا أفضل عند الله تعالى. بقي لنا في هذه المسألة أن نضيف صورتين الأولى كانت مرتبطة ببيت فاطمة عليها السلام كما هو حال الصور السابقة لكن الكرامة وظهور الآية كانت بيد رسول الله ؛ والصورة الثانية كانت كذلك في بيت فاطمة صلوات الله عليها إلا أن وقتها كان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بمعنى: أن نزول الطعام إليها من السماء كان كذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي: إن دوام هذه الكرامة حاصلة مما يدل على أنها في ارتقاء وارتفاع وقرب من الله تعالى وهي حقيقة العترة النبوية؛ إذ كلما ازداد عليهم البلاء كلما كان قربهم من الله أكبر وخير شاهد على ذلك قول سيد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء بعد مقتل جميع أهل بيته من الرجال والأطفال إذ إنه قال :

«هوّن ما نزل بي أنه بعين الله».

الصورة السابعة : ظهور آية تكثير الطعام لأيام ولم ينقص ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهذه الصورة أخرجها الحميري القمي (المتوفى سنة 304ه_) فقال :

إن علي بن أبي طالب قال :

«دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم وذرة بدرهم فأتيت به فاطمة عليها السلام حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت: لو أتيت أبي فدعوته فأتيته وهو مضطجع، وهو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً فقلت: يا رسول الله عندنا طعام فقام واتكأ عليّ ومضينا نحو فاطمة عليها السلام فلما دخلنا قال: هلم طعامك يا فاطمة عليها السلام».

ص: 335

فقدمت البرمة والقرص فغطى القرص وقال :

«اللهم بارك لنا في طعامنا، ثم قال: أغر في لعائشة فغرفت، ثم قال أغر في لأم سلمة فغرفت فما زالت تغرف حتى وجهت إلى نسانه التسع قرصة قرصة ومرقا، ثم قال: اغر في لابنيك وبعلك ثم قال اغرفي وكلي وأهدي الجاراتك».

ففعلت وبقي عندهم أياما يأكلون من ذلك) (1) .

والملاحظ في هذه الرواية الشريفة أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هنا أمر بنقل كميات من هذا الطعام إلى أزواجه وجيران فاطمة صلوات الله عليها في حين كنا نشاهد أن الطعام الذي ينزل من السماء لفاطمة كان يقتصر على الخمسة أصحاب الكساء صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا يدل على أن الطعامين مختلفان من حيث الماهية والمنشأ وإن كان الثاني هو ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن محتواه كان من طعام الدنيا، أي اللحم والذرة اللذان اشتراهما أمير المؤمنين عليه السلام مما يجعل فيه العمومية في الخير بينا ذاك الذي نزل من السماء مخصوص ومقيد بالعترة النبوية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ومما يدل عليه :

ما رواه ابن شهر في المناقب عن (كتاب أبي إسحاق العدل الطبري عن عمر ابن على عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«دعانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وفاطمة والحسن والحسين ثم نادى

ص: 336


1- قرب الاسناد للحميري القمي : ص 325؛ الخرائج والجرائح للراوندي: ج 1، ص108 ؛ البحار للمجلسي : ج 17 ، ص 232

بالصحفة فيها طعام كهيئة السكنجبين وكهينة الزبيب الطائفي الكبار، فأكلنا منه فوقف سائل على الباب فقال له رسول الله أخسأ، ثم قال: ارفع ما فضل فرفعه فقالت فاطمة عليها السلام يا رسول الله لقد رأيتك اليوم صنعت شيئا ما كنت تفعله، سأل سائل فقلت اخسأ ورفعت فضل الطعام ولم أرك رفعت طعاماً قط فقال صلى الله عليه وآله وسلمان الطعام كان من طعام الجنة وإن السائل كان شيطانا») (1).

ولعل الرجوع إلى السيرة النبوية ليغني القارئ عن الاحتياج إلى إثبات هذه الحقيقة إذ تعدد ظهور الآيات النبوية في الطعام والشراب لأصحابه في طيلة حياته المقدسة أشهر من أن يذكر.

الصورة الثامنة : نزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهذه الصورة أخرجها الشيخ الطوسي مختصرة، ورواها الراوندي بتمامها إلا أنه لم يورد لها سنداً، ونحن نوردها مع بعض بذكر السند وتمام المتن.

أخرج الشيخ الطوسي ( عن جعفر غلام عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن محمد بن نهيك عن النصيبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام :

«يا سلمان اذهب إلى فاطمة عليها السلام فقل لها تستحف من تحف الجنة».

قال سلمان: فخرجت إلى فاطمة فقالت :

«جفوتموني بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

ص: 337


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج 2، ص 251

ثم قالت :

«اجلس».

فجلست، فحدثتني أنها كانت جالسة أمس وباب الدار مغلق قالت :

«وأنا أتفكر في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ انفتح الباب من غير أن يفتحه منا أحد فدخلت عليّ ثلاث جوار من الحور العين من دار السلام وقلن نحن من الحور العين من دار السلام أرسلنا إليك رب العالمين يا ابنة محمد كنا مشتاقات إليك».

فقلت لواحدة منهن، أظن أنها أكبرهن سناً :

«ما اسمك؟».

قالت : أنا مقدودة خلقت للمقداد بن الأسود، وقلت للثانية :

«ما اسمك؟».

قالت : ذرة خلقت لأبي ذر وقلت للثالثة :

«ما اسمك؟».

قالت : سلمى خلقت لسلمان الفارسي، ثم قالت فاطمة :

«أخرجن لنا طبقا عليه رطب أمثال الخشكنانك الكبار أشد بياضاً من الثلج وأذكى ريحا من المسك الأذفر وقد أحرزت نصيبك لأنك منا أهل البيت فافطر عليه وإذا كان غدا فأتني بنواه».

قال سلمان : فأخذت الرطب فما مررت بجماعة إلا قالوا معك مسك فأفطرت عليه، فلم أجد له نواة فغدوت إليها وقلت : يا ابنة رسول الله لم أجد له عجماً قالت :

ص: 338

«يا سلمان إنما هو نخل غرسه الله لي في دار السلام بكلام علمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

قال لي :

«إن سرك أن لا تمسك الحمى في دار الدنيا فواظبي عليه وقولي: (بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور، الحمد لله الذي أنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، بقدر مقدور، على نبي محبور الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور)».

قال سلمان : فتعلمته وعلمته أكثر من ألف إنسان ممن به الحمى فكلهم برؤوا بإذن الله) (1).

المسألة الثانية: كرامة نزول الخاتم من السماء إليها

إن من الكرامات التي اختصت بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزول خاتم من السماء إليها، وكانت قد جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسأله خاتما. فقال :

«ألا أعلمك ما هو خير من المخاتم إذا صليت صلاة الليل فاطلبي من الله عزّ وجل خاتما فإنك تنالين حاجتك».

ص: 339


1- اختيار معرفة الرجال للطوسي : ج 1 ، ص 41 ؛ الخرائج والجرائح للراوندي: ج2، ص 533؛ روضة الواعظين للنيسابوري : ص 282 ؛ البحار للمجلسي : ج 22 ، ص 353 ؛ الدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني : ص 217؛ معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره : ج 9، ص197؛ نفس الرحمن للطبرسى : ص 337

قالت :

«فدعت ربها تعالى فإذا بهاتف يهتف يا فاطمة الذي طلبت مني تحت المصلى».

فرفعت المصلى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له فجعلته في إصبعها وفرحت، فلما نامت في ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنة فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنة مثلها، قالت :

«لمن هذه القصور؟».

قالوا : لفاطمة بنت محمد قالت :

«فكأنها دخلت قصراً من ذلك».

ودارت فيه فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم فقالت :

«ما لهذا السرير قد مال على ثلاثة؟».

قالوا : لأن صاحبته طلبت من الله تعالى خاتماً فنزع أحد القوائم وصيغ لها خاتم وبقي السرير على ثلاث قوائم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقصت القصة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«معاشر آل عبد المطلب ليس لكم الدنيا، إنما لكم الآخرة وميعادكم الجنة، ما تصنعون بالدنيا فإنها زائلة غرارة.

فأمرها النبي أن ترد الخاتم تحت المصلى فردت ثم نامت على المصلى فرأت في المنام أنها دخلت الجنة فدخلت ذلك القصر ورأت السرير على أربع قوائم فسألت عن حاله فقالوا : ردت الخاتم ورجع السرير إلى هيئته) (1).

ص: 340


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج 3، ص 339؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 47؛ مستدرك سفينة البحار : ج 3، ص 20

والمستفاد من الرواية أمور منها :

1 - التجاء فاطمة عليها السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل صغيرة وكبيرة وهذا المنهج يكشف عن الآثار الإيمانية والتربوية التي ينبغي بالمسلم أن يستسن بها وذلك بالرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته في كل شاردة وواردة ويسأل الله تعالى بهم أن يرشده لحسن الصواب.

2 - تحقيق ما كانت تتمنى وهذا يكشف عن سرعة الإجابة لها عند الله تعالى.

3 - فضيلة صلاة الليل وإن طلب الحاجة بعد هذه الصلاة يحقق للإنسان سرعة الإجابة.

4 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«ليس لكم الدنيا».

إنما يراد به أن الله قد شرط على أنبيائه وأوليائه الزهد في الدنيا كما سابقاً، إذ لا يخفى على أهل المعرفة أن أصل الخاتم هو من السماء وليس من حطام هذه الدنيا؛ فصلاً عن أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أرشدها إلى كيفية الحصول على الخاتم ؛ ومن ثم إن هذا النعيم الذي أعده الله تعالى لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم محفوظ لهم في الآخرة ولو شاءوا أن يكون لهم ما كان لسليمان وأعظم من ذلك لأعطاهم الله تعالى؛ لكن الله تعالى اختار لهم الآخرة فسلموا لما أراد الله وأحب لهم. فضلاً عن ذلك :

فقد روى ابن شهر آشوب كرامة أخرى لها غير ما مرّ ذكره في المسألتين

ص: 341

السابقتين، وهي كرامة إسلام مجموعة من اليهود حينما (رهنت عليها السلام كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال : ما هذه الأنوار في دارنا ؟ !

قالت : لكسوة فاطمة فأسلم في الحال وأسلمت إمرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفسا) (1).

المسألة الثالثة معجزة غليان القدر وفورانه وإدخال فاطمة يدها فيه تحركه

المعجزة : (من عجز عن الشيء يعجز عجزاً : إذا ضعف ولم يقدر عليه، وهي أمر خارق للعادة يظهره الله لنبي تأييداً لنبوته، وعرفت بأنها أمر داع إلى الخير والسعادة يظهر بخلاف العادة على يد الذي يدعي النبوة عند تحدي المنكرين على وجه يعجز عن الإتيان بمثله للتحدي والمعارضة) (2).

وهذا اللفظ والتعريف يرشد القارئ إلى معنيين المعنى الأول : إن إتيان كل أمر خارق يعجز عن إتيانه البشر فهو : إعجاز ومعجزة، ولأنها كذلك فهي تحتاج إلى قوة تتحكم بتعطيل هذه الأسباب والسنن الكونية كتعطيل سنة الاحراق من النار كما هو حال نبي الله إبراهيم أو كخروج الناقة من صخرة ملساء وغير ذلك.

ولا شك أن هذه القوى المعطلة لهذه القوانين والسنن الطبيعية هي قدرة الله تعالى فهو سبحانه من خلق هذه الموجودات ووضع فيها سنناً وقوانين وبيده أمرها وإليه ترجع الأمور.

ص: 342


1- المناقب لابن شهر : ج 3، ص 117 ؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 47 ؛ جامع أحاديث الشيعة للبروجردي: ج 18، ص 352
2- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : ج3، ص313

والمعنى الثاني الذي يرشد إليه هذا التعريف : أن المعجزة تترافق مع وجود الأنبياء عليهم السلام للاحتجاج على خصومهم وإظهار الدليل على أنهم مرتبطون بخالق هذه السنن والقوانين ولذا فهم يرجعون إليه في دعواهم.

وحينما يُدرك الإنسان أن هذا الشخص أو ذاك مرتبط بالسماء ومؤيد من الله تعالى وهو خاصته والمختار من خلقه لا شك أنه سيذعن لنداء العقل أما من خالف عقله واتبع هوى نفسه سيكون مصيره العصيان والتردي والهلاك.

وهذه المعجزة التي شاهدتها عائشة حينما دخلت على فاطمة صلوات الله عليها فرأتها تحرك القدر بيدها والقدر تغلي وتفور تظهر أن فاطمة عليها السلام ممن اختارهم الله لشرعه وخصهم بدينه واصطفاهم لذلك من بين خلقه فهم خاصة الله وصناعته لنفسه كما قال سبحانه :

«وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي»(1).

بمعنى:

أراد الله تعالى من عائشة أن تدرك أن فاطمة من أولئك الذين ارتبط وجودهم بالله تعالى ودينه وشرعه ولذا فهم يأتون بما يعجز عنه البشر، أما كيف وقعت معجزة غليان القدر وفاطمة تحركه بيدها فهي كالآتي:

(وعن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس قال: سألني الحجاج ابن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم أصلح الله الأمير

ص: 343


1- سورة طه ، الآية : 41

دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم في قدر والقدر على النار يغلي (وفاطمة صلوات الله عليها) تحرّك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق(1).

فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتى دخلت على أبيها، فقالت : يا أبه، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً ( عجبا) ، رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي وهي تحرّك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنية ! اكتمي، فإنّ هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال :

«إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار والذي بعثني بالرسالة، واصطفاني بالنبوة لقد حرم الله تعالى النار على لحم فاطمة، ودمها، وشعرها، وعصبها، (وعظمها)، وفطم من النار ذريتها وشيعتها، إن من نسل فاطمة من تطيعه النار، والشمس والقمر والنجوم، والجبال، وتضرب الجن بين يديه بالسيفه وتوافي إليه الأنبياء بعهودها، وتسلّم إليه الأرض كنوزها، تنزل عليه من السماء بركات ما فيها الويل لمن شك في فضل فاطمة.

(لعن الله من يبغضها لعن الله من يبغض بعلها، ولم يرض بإمامة ولدها.

إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً، ولشيعتها موقفاً.

و إنّ فاطمة تدعى فتكسى، وتشفع فتشفّع، على رغم كلّ راغم».

ص: 344


1- البقبقة : حكاية صوت القدر في غليانه؛ تاج العروس : ج 6 ، ص 297

ولقد أجاد فيها الفاضل الشيخ الدمستاني حيث يقول :

أيكبر عن قدر البتولة أنها *** تلامس ما في القدر وهي تفور

أما هي بنت المصطفى طابع الحصى *** بخاتمه والمسلمون حضور

ومن كانت الحور الحسان تزورها *** لهن لديها غبطة وسرور

وفي القدر كفاية في بيان فضلها وشرفها) (1).

وقريب من هذا المعنى روى ابن حمزة الطوسي، (عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وقد دخل إلى بيت فاطمة عليها السلام فوجد قدرا منصوبة بين يديها تغلي بغير نار !

فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بما رأى فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال :

«يا أبا عبد الله، أعجبك ما رأيت من حال ابنتي فاطمة؟».

قلت: نعم، يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أتعجب من أمر الله، إن الله تبارك وتعالى علم ضعف فاطمة عليها السلام، فأيدها بمن يعينها على دهرها من كرام ملائكته»)(2).

فضلاً عن ذلك فقد أوردنا في مبحث (رحى فاطمة) بعض الروايات التي تكشف عن منزلتها عند الله تعالى وما آتاها من الكرامة والشأنية فكان من بين تلك المظاهر التي ترشد الناظر والقارئ إلى هذه المنزلة : دوران الرحى لها من غير طاحن يقوم بطحن الشعير.

ص: 345


1- وفاة فاطمة للبلادي البحراني : ص13
2- الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي : ص 201

ص: 346

المحتويات

الفَصلُ الأَوّل

مَنزلتهَا عِند الملائِكَة وَالأنبياءِ وَالكُتُب السَّمَاويَّةِ

المبحث الأول: منزلتها عليها السلام عند الملائكة ... 7

المسألة الأولى: منزلتها عند الملائكة أجمعين قبل خلق آدم عليه السلام ... 9

المسألة الثانية: منزلتها عند جبرائيل عليه السلام ... 10

أولاً : إنها خلقت من عرق جبرائيل وزغبه ... 11

ثانياً: هبوط جبرائيل عليه السلام بصورته العظمى لإيصال نور فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا ... 13

ثالثاً: اختصاص جبرائيل بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام ومراحل ظهوره زماناً ومكاناً ... 14

ص: 347

ألف: هبوط جبرائيل عليه السلام بخبر تزويج فاطمة في السماء ليزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض من علي بن أبي طالب عليه السلام ... 15

باء: جبرائيل وميكائيل يجريان عقد نكاح فاطمة من علي في السماء والملائكة هم الشهود ... 16

جيم: جبرائيل عليه السلام يشتري الدرع الحطمية من علي عليه السلام ثم يهديها إليه ليكون مهر فاطمة عليها السلام ... 16

دال: إن عطر فاطمة ليلة زفافها عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل ممزوج بعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 18

هاء: جبرائيل عليه السلام يهبط في سبعين ألف ملك في ليلة زفاف فاطمة عليها السلام ... 19

واو: جبرائيل يتحف فاطمة وعلي عليهما السلام ليلة الزفاف بطعام من الجنة ... 19

ياء: جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة زفاف فاطمة بقتل الإمام الحسين عليه السلام ... 20

المبحث الثاني : منزلة فاطمة عليها السلام عند الأنبياء عليهم السلام ... 22

المسألة الأولى: منزلتها عند آدم عليه السلام ... 22

المسألة الثانية: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله نوح عليه السلام ... 26

المسألة الثالثة: منزلة فاطمة عليها السلام عند إبراهيم عليه السلام ... 27

المسألة الرابعة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله يعقوب عليه السلام ... 31

المسألة الخامسة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله موسى الكليم عليه السلام ... 32

أولاً : في خروجه لميقات ربه وابتلاء بني إسرائيل بفتنة السامري ... 32

ثانياً: في لقاء موسى الكليم بالخضر عليه السلام وما جرى بينهما من التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام ... 36

ثالثاً: تعريف موسى قومه بمنزلة محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين في دخولهم باب حطة ... 37

رابعا: توسل صاحب بقرة بني إسرائيل بالنبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم ... 39

خامساً: التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام عند استسقاء موسى عليه السلام

ص: 348

لقومه ... 41

المسألة السادسة: منزلة فاطمة عند نبي الله زكريا عليهما السلام ... 42

المبحث الثالث: منزلتها عليها السلام في التوراة والإنجيل ... 44

المبحث الرابع: منزلة فاطمة عليها السلام في الأمة ... 51

المسألة الأولى: انها سيدة نساء الأمة ... 51

أولاً: أفضلية فاطمة وخديجة على نساء الأمة تثبتها السنة والإجماع وبهما يسقط قول ابن حزم الأندلسي بتفضيل عائشة على سائر الصحابة حتى على أبيها ... 54

ثانيا: مناقشة ابن القيم في أفضلية عائشة على فاطمة عليها السلام وبيان فساد منهجه في التفضيل ... 59

ثالثاً: مناقشة قول ابن تيمية في التفضيل بين خديجة وعائشة وتوقفه في ذلك بأيهما أفضل ... 70

رابعا: مناقشة قول الرافعي في تفضيل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة صلوات الله وسلامه عليها ... 73

المسألة الثانية: إن فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين ... 78

أولاً: اخباره الناس من خلال المسجد النبوي في بيان منزلة فاطمة عليها السلام ... 79

ثانياً: اصطحابه بعض الصحابة لزيارة بيت فاطمة عليها السلام ... 7

ثالثاً: بيانه لمنزلتها في محضر أزواجه وفي اللحظات الأخيرة من حياته ... 81

رابعاً : بيانه إلى إن منزلة السيادة على نساء العالمين محصورة بفاطمة عليها السلام ولا تتجزء على سيدات العوالم الأخرى ... 82

المسألة الثالثة: منزلتها بين أهل الأرض ... 87

ص: 349

الفَضْلُ الثَّاني

مَنزِلتهَا علیهاالسّلام في الآخرةِ

المبحث الأول : منزلتها يوم القيامة ... 91

المسألة الأولى: كيف يكون خروج فاطمة من قبرها إلى ساحة المحشر؟ ... 93

أولاً: الحكمة في خروج فاطمة عليها السلام من قبرها ضمن تشريفات ملكوتية ... 94

ثانيا: إظهار منزلة خديجة في المحشر من خلال استقبالها لفاطمة عليها السلام ... 96

ثالثا: اختصاص خديجة عليها السلام بألوية التكبير في ساحة المحشر كاشف عن شرافة منزلتها ... 99

المسألة الثانية: كيف يكون شأن فاطمة عليها السلام في ساحة المحشر؟ .... 101

أولاً : إنها تقدم إلى ساحة المحشر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 101

ثانياً : إنّ فاطمة عليها السلام تجتاز الخلائق في ساحة المحشر وقد أمروا بغض أبصارهم ... 103

الف: العلة في حشر الخلائق سراعاً إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ......104

باء : إن الخلائق تغض أبصارها لمرور فاطمة غض إجلال وتعظيم وليس غض حرمة في عرصة يوم القيامة ... 107

ثالثاً: إنها عليها السلام تقف يوم القيامة عن يمين العرش بعد أن تنتقل من ساحة المحشر ... 108

المسألة الثالثة: لفاطمة خطبة ومنبر يقام لها في يمين العرش تخطب به الخلائق يوم القيامة تشكوما نزل بولديها الحسن والحسين عليهما السلام ... 110

ص: 350

أولاً: أول من يوضع له المنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى ... 110

ثانياً إن الله تعالى يجعل الكرم يوم القيامة لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ... 111

ثالثاً: منبر فاطمة عليها السلام يوم القيامة من نور له سبع مراق ... 113

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام على الصراط يوم القيامة ليس كمثلها منزلة ... 117

المسألة الأولى: ما تمتاز به التشريفات القدسية لخروج فاطمة من قبرها إلى المحشر واختلافها عن بقية التشريفات التي لها عند انتقالها من مكان إلى آخر في يوم القيامة ... 118

المسألة الثانية: ما تمتاز به التشريفات الملكوتية لانتقال فاطمة من ساحة المحشر إلى يمين العرش ... 120

المسألة الثالثة: ما تمتاز به التشريفات الخاصة بجواز فاطمة عليها السلام على الصراط عن غيرها من التشريفات يوم القيامة ... 122

المسألة الرابعة: ما تمتاز به التشريفات القدسية الخاصة بانتقال فاطمة عليها السلام من الصراط إلى الجنة وبما تختلف عن بقية التشريفات المرافقة لحركتها في يوم القيامة ... 127

المبحث الثالث: منزلة فاطمة عليها السلام في الجنة ... 133

المسألة الأولى : إظهار شرافة فاطمة ومنزلتها عند باب الجنة ... 134

المسألة الثانية: إن فاطمة سيدة نساء الجنة ... 135

المسألة الثالثة: إنّ فاطمة أول من يدخل الجنة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة في ذلك ... 137

أولاً : خصوصية الأولوية في الدخول إلى الجنة ... 137

ثانيا: ما هي الحكمة في أن تكون فاطمة عليها السلام أول الداخلين على رسول

ص: 351

الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة؟ ... 142

ثالثاً: افتخار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأولوية دخول فاطمة عليه في الجنة ... 150

المسألة الرابعة: إن فاطمة عليها السلام إذا صارت عند باب الجنة تلتفت إلى المحشر ... 155

أولاً: خصوصية كونها بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلالته العقائدية على المسلم ... 156

ثانياً: احتياج الإنسان إلى لطف الله تعالى وليس إلى استحقاق العمل الصالح ... 158

ثالثاً: لماذا تسأل فاطمة عليها السلام عن قدرها عند باب الجنة دون غيرها من المواطن في يوم القيامة ... 159

رابعاً: قدر فاطمة عليها السلام في يوم القيامة شفاعتها لمحبيها وشيعتها ... 162

المسألة الخامسة : كيفية دخولها إلى جنتها وتعظيم أمرها في الجنان ... 168

أولاً : كيف يكون حالها عند أول دخولها إلى الجنة؟ وما سبب تشفعها لمن أدخل النار وهي في الجنة ... 169

ثانيا: تباشر أهل الجنان بها وجلوسها على كرسي من نور في جنة الفردوس فيجلسون حولها ... 171

ثالثاً: إقامة التعزية على ولدها الحسين في قصرها في جنة الفردوس فتكون بركة التعزية الشفاعة ... 172

الشفاعة الأولى: عند باب الجنة ... 174

الشفاعة الثانية: عند دخولها الجنة ... 174

الشفاعة الثالثة: عند دخولها قصرها وإقامة المأتم على ولدها الحسين ... 175

رابعاً: صفة جنتها التي بناها الله لها ولعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ... 175

خامساً: إن جبل العقيق الأصفر مطل على دار فاطمة في الجنة ... 176

سادسا : بعض أحوالها في الجنة ... 177

ص: 352

الفَصلُ الثَّالِث

بَعضُ شُؤُونِ فَاطِمَة علیهاالسّلام وَخَواصِهَا

المبحث الأول: أسماؤها ... 181

المسألة الأولى : إنها فاطمة عليها السلام ... 181

الف: إن التسمية بفاطمة ينفي الفقر عن الدار ... 18

باء: التسمية بفاطمة لها حقوق عند أبيها ... 182

المسالة الثانية: إنها الزهراء عليها السلام ... 184

ألف: بنورها زهرت السماوات السبع والأرضون السبع ... 184

باء: إن الله تعالى خلقها من نور عظمته ... 185

جيم: إنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام ... 186

دال: إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء ... 188

هاء: لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ... 189

المسألة الثالثة: إنها البتول ... 189

المسألة الرابعة: إنها الحوراء ... 191

المسألة الخامسة: إنها الطاهرة ... 194

المسألة السادسة: إنها المحدثة ... 195

المسالة السابعة: سمّيت في التوراة ب_(هليون) ... 196

المبحث الثاني: كنيتها وألقابها ... 197

المسالة الأولى: كنيتها ... 197

المسالة الثانية: ألقابها عليها السلام ... 206

أولا : ما هو اللقب؟ ... 206

ص: 353

ثانياً: ما ذكره المازندراني من ألقاب فاطمة عليها السلام ... 208

ثالثا: ما ذكره الشيخ محمد باقر الكجوري من ألقاب فاطمة عليها السلام ... 209

المبحث الثالث: بعض خواصها ... 213

المسألة الأولى: حرزها ... 213

1 - حرز النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام خاص لها ... 214

2 - وروى السيد ابن طاووس أن لها هذا الحرز الذي كانت تدعو الله به ... 214

ما علمته لسلمان من الأحراز ... 214

المسألة الثانية: رحى فاطمة عليها السلام ... 215

أولاً : لقد طحنت سيدة نساء العالمين بالرحى حتى يبس جلد يديها ... 216

ثانياً: ما رافق رحى فاطمة من الكرامات التي أظهرها الله لبعض الصحابة ... 218

الف: ما ظهر لميمونة من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 221

باء: ما ظهر السلمان الفارسي من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 222

جيم: ما ظهر لأبي ذر الغفاري من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 225

دال: تكرر ظهور الكرامة لسلمان في بيت فاطمة عليها السلام ...230

هاء: ما ظهر لبلال المؤذن من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 237

واو: ما رواه أبو هريرة من كرامة دوران الرحى لحالها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 238

المسألة الثالثة: مغزل فاطمة صلوات الله عليها ... 244

أولاً: الحث على تعلم المرأة الغزل والحكمة فيه؟ ... 245

ثانيا خصوصية مغزل فاطمة عند أهل البيت عليهم السلام ... 247

ألف: دور مغزل فاطمة عليها السلام في نزول سورة (هل أتى) ... 247

أولاً : طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدمة على احتياجات النفس والأسرة ... 254

ثانياً : مواساة فاطمة عليها السلام لعلي في احتياجات الأسرة ... 254

باء: كان لعلي عليه السلام قميص من غزل فاطمة عليها السلام يتقي به نفسه في الحروب ... ک255

جيم مغزل فاطمة عليها السلام من مختصات تراث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... 256

ص: 354

المسألة الرابعة : بقلة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وسبب معاداة بني أمية لها ... 259

أولاً : التعريف ببقلة الزهراء عليها السلام) وأسماؤها ... 260

الف: التعريف ببقلة الزهراء عليها السلام وصفة شكلها ... 260

باء: أسماء بقلة الزهراء عليها السلام وانتشارها في العالم ... 260

ثانيا : ما روي في فضل بقلة الزهراء عليها السلام التي سميت (الرجلة ( Pueslane)، أو الفرفخ، أو البربين، أو اللوينة وغيرها من الأسماء ... 262

ثالثا: فوائد بقلة الزهراء عليها السلام الغذائية التي استحقت أن توصف ب_(بقلة البركة) و(سيدة البقل) ... 266

الف: وجود مشتركاتغ بين بقلة الزهراء عليها السلام والأسماك ... 266

باء: الاستخدامات والفوائد العلاجية لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane ) ... 267

جيم: استخداماتها الطبية ... 268

دال: استخداماتها العلاجية في الطب القديم ... 269

هاء: استخدام شعوب العالم لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane) في العلاجات الطبية والروحية ... 271

1 . الرجلة دواء عالمي لكل داء ... 271

2 . الرجلة في الفلكور العالمي ... 273

3 . الرجلة في أفريقيا ... 274

4 . الرجلة في الكونغو ... 274

5 . الرجلة في الغابون ... 274

6 . الرجلة في غانا ... 275

7. الرجلة في ساحل العاج ... 275

8. الرجلة في ملاوي ...

9. الرجلة في شمال أفريقيا ... 276

10 . الرجلة في جنوب أفريقيا ... 276

11 . الرجلة في غرب أفريقيا ... 276

12 . الرجلة عند الهنود الأمريكان ... 277

13 . الرجلة في استراليا ... 277

14 . الرجلة في الصين ... 277

ص: 355

15 . الرجلة في كوشين الصين (لائوس - فيتنام - كمبوديا – تايلند) ... 279

16 . الرجلة في كولومبيا ... 279

17 . الرجلة في مصر ... 279

18 . الرجلة في أوربا ... 279

19 . الرجلة في أمريكا الوسطى ... 280

20 . الرجلة في الهند ... 280

21 . الرجلة في كوريا ... 280

22 . الرجلة في ماليزيا ... 281

23 . الرجلة في أمريكا الشمالية ... 281

24 . الرجلة في سريلانكا ... 281

25 . الرجلة في سيبيريا ... 281

26 . الرجلة في ترينيداد وتوباغو ... 282

رابعاً: العلة في إيراد هذه الدراسة عن بقلة الزهراء عليها السلام المعروفة عالمياً بالرجلة؟ ... 282

المسألة الخامسة : كان يعجبها من الطعام (الخل والزيت) ... 283

أولاً: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل والزيت ... 284

ألف: ما ورد من الأحاديث في الخل والزيت ... 284

باء: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل ... 287

جيم: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الزيت ... 290

ثانياً: ما ورد في الدراسات والأبحاث المعاصرة من نتائج تظهر فوائد الخل والزيت حينما يمزجان مع بعضهما ... 291

ألف: فوائد الخل وآثاره العلاجية ... 291

باء: فوائد زيت الزيتون وآثاره العلاجية ... 294

المبحث الرابع: زهدها عليها السلام ... 296

المسألة الأولى: تعريف الزهد عند الفقهاء واللغويين ... 297

المسألة الثانية: الزهد في أحاديث العترة النبوية ... 301

المسألة الثالثة حياة فاطمة عليها السلام كلها قائمة على الزهد ... 305

ص: 356

أولاً: زهدها في مكونات البيت وأثاثه عند الزواج ... 305

ثانيا: زهدها عن الخادم وقيامها بعمل دارها بنفسها ... 306

ثالثا: زهدها في الملبس ... 307

رابعا: صبرها على مرارة الحياة وهو جوهر الزهد ... 308

خامساً: زهدها في المأكل مع ولديها وصبرها على الجوع ... 310

حقائق يكشفها الحديث ... 314

المبحث الخامس: معاجزها وكراماتها ... 318

المسالة الأولى : تكرار كرامة نزول الطعام إليها من السماء ... 319

الصورة الأولى لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 322

الصورة الثانية لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 326

الصورة الثالثة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 327

الصورة الرابعة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 330

الصورة الخامسة لنزول الطعام من السماء لفاطمة صلوات الله عليها ... 330

الصورة السادسة لنزول الطعام من السماء ... 331

الصورة السابعة: ظهور آية تكثير الطعام لأيام ولم ينقص ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 335

الصورة الثامنة: نزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 337

المسألة الثانية: كرامة نزول الخاتم من السماء إليها ... 339

المسألة الثالثة: معجزة غليان القدر وفورانه وإدخال فاطمة يدها فيه تحركه ... 342

المحتويات ... 347

ص: 357

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.