ینابیع الأحکام في معرفة الحلال و الحرام المجلد 4

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:قزویني، علي بن اسماعیل، 1237 - 1298ق.

عنوان المؤلف واسمه:ینابیع الاحکام في معرفة الحلال و الحرام/ تالیف علي الموسوي القزویني ؛ تحقیق علي العلوي القزویني.

تفاصيل النشر:قم: جامعة المدرسین في الحوزة العلمیه بقم، موسسه النشر الاسلامي، 1424ق.-= 1382 -

مواصفات المظهر:5ج.

فروست:موسسه النشر الاسلامي التابعه لجماعة المدرسین بقم المشرفه؛ 1075، 1076، 1079.

ISBN:دوره 978-964-470-077-4 : ؛ 46000 ریال : ج.1: 964-470-077-5 ؛ 105000 ریال: ج. 5 : 978-964-470-850-3 ؛ ج. 2 978-964-470-847-3 :

لسان:العربية.

ملحوظة:محقق جلد پنجم عبدالرحیم الجزمئی القزوینی است.

ملحوظة:ج. 2 (چاپ اول: 1432 ق.= 1390) (فیپا).

ملحوظة:ج. 5 (چاپ اول: 1429ق. = 1387).

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:فقه جعفری -- قرن 13ق.

الحلال والحرام

طهارت

معرف المضافة:علوي قزویني، علي، محقق

معرف المضافة:جزمئي قزویني، عبدالرحیم

معرف المضافة:جامعة المدرسین في الحوزة العلمیه بقم. موسسه النشر الاسلامي

تصنيف الكونجرس:BP183/3/ق4ی9 1382

تصنيف ديوي:297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية:1 1 4 1 6 5 0

ص: 1

اشارة

ینابیع الاحکام فی معرفه الحلال و الحرام

تالیف علی الموسوی القزوینی

تحقیق علی العلوی القزوینی.

ص: 2

كتاب الزكاة

اشارة

ص: 3

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

كتاب الزكاة

[في معنى الزكاة]

و اعلم أنّ الزكاة لغة جاء لمعنيين:

أحدهما: الطهارة، و منه قوله عزّ من قائل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا (1) أي طهّرها من الأوساخ الباطنيّة الّتي تعتري النفس من الصفات الرديئة و الأخلاق الرذيلة كالبخل و الشحّ و الحسد و الكبر و طلب الجاه و طلب الدنيا و العجب و الرياء و نحو ذلك، و منه أيضا قوله تعالى: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً (2) أي طاهرة، و منه أيضا قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا (3) بناء على أنّ العطف للتفسير لنكتة اخرى غير التوضيح، و لعلّها التنبيه على أنّ هذه الصدقة سمّيت في الوضع الشرعي زكاة لأجل هذه المناسبة تسمية للسبب باسم المسبّب.

و ثانيهما: النموّ و الزيادة، و يجوز كون تسمية «الصدقة» المعهودة في الشرع «زكاة» لأجل مناسبة هذا المعنى باعتبار أنّها توجب نموّ المال و ازدياده و تضاعف بركاته أو زيادة الأجر و الثواب و تضاعف المثوبات الاخرويّة، و في زكاة البدن الّتي هي زكاة الفطرة توجب ازدياد العمر و تضاعف طوله باعتبار أنّها تزيل أوساخ الأمراض الّتي

ص: 4


1- الشمس: 9.
2- الكهف: 74.
3- التوبة: 103.

تعتري الإنسان المشرفة له على الموت على ما يستفاد من بعض الروايات(1) من أنّ من فوائدها حفظه عن اتّفاق موته في تلك السنة.

و هذا الاعتبار و إن كان هو المعروف إلاّ أنّ الأوفق بالإشارة المستفادة من الآية المتقدّمة هو الاعتبار الأوّل، و كيف كان فهو شرعا بناء على ثبوت الحقيقة الشرعيّة في ألفاظ العبادات و لا سيّما هذه اللفظة و اختها اسم لصدقة معهودة معروفة عند المتشرّعة منقسمة: تارة إلى الواجبة و المستحبّة، و اخرى إلى ما يتعلّق بالمال و ما يتعلّق بالذمّة و هو زكاة الفطرة.

و قد اختلف في تعريفها فذكروا لها تعاريف متكثّرة لا يسلم شيء منها عن شيء مثل: ما عن المعتبر و التذكرة من أنّها: «اسم لحقّ يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب»(2)-(3) و ما عن المسالك من أنّها: «صدقة مقدّرة بأصل الشرع ابتداء»(4) و ما عن الدروس من أنّها: «الصدقة المقدّرة بالأصالة»(5) و ما عن التنقيح من أنّها: «صدقة راجحة مقدّرة بأصل الشرع»(6) و ما عن الشهيد أيضا من أنّها: «صدقة متعلّقة بنصاب بالأصالة»(7) و ما عن التحرير من أنّها: «القدر المخرج من النصاب»(8) و ما عن المنتهى من أنّها: «حقّ ثبت في المال بشرائط»(9) و ما عن البيان من أنّها: «قدر معيّن في المال أو في الذمّة للطهارة و النماء»(10) و في المجمع من أنّها: «صدقة مقدّرة بأصل الشرع ابتداء تثبت في المال أو في الذمّة للطهارة لهما»(11) إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

و لا خفاء في أنّ هذا الاختلاف ليس خلافا في معنى الزكاة بحسب الشرع إذ ليس له إلاّ معنى واحد قصد الكلّ بما أتاه من العبارة، الكشف عن ذلك المعنى الواحد.

ص: 5


1- الهداية: 207، الفقيه 66:2، باب فضل الصدقة، الوسائل 14/15:9 و ما بعده، ب 1 من أبواب وجوبها، و في: 367، ب 1 من أبواب الصدقة.
2- المعتبر: 485، إليك نصّها: «و في الشرع اسم لحقّ يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب».
3- التذكرة 307:5، و لكن صدر العبارة المنقولة في المأخذ بالنحو التالي: «الحقّ الواجب في المال الّذي يعتبر...».
4- المسالك 356:1.
5- الدروس 228:1.
6- التنقيح 296:1.
7- الدروس 228:1.
8- التحرير 345:1.
9- المنتهى 9:2.
10- البيان: 275.
11- مجمع الفائدة و البرهان 6:4.

و حيث إنّ ذلك المعنى معلوم معهود لدى المتشرّعة يغنينا ذلك عن التكلّم فيها جمعا و منعا، و في مؤدّاها صحّة و سقما، و النظر فيما اورد عليها و ما لعلّه سيورد، و الحرص على إصلاح ما يمكن إصلاحه بدفع بعض ما اورد أو توجيه ما يقبل التوجيه صونا له عن ورود ما اورد أو لعلّه يورد.

فالحريّ بالغرض الأصلي هو الاشتغال بالبحث عن حكم الزكاة و سائر ما يتعلّق، و حيث قد أشرنا إلى أنّ «الزكاة» باعتبار تعلّقها ب «المال» و ب «البدن» على قسمين فتمام البحث فيها يقع في مقصدين:

ص: 6

المقصد الأوّل في زكاة المال

اشارة

و هي من أركان الشرع المبين و ضروريّات الدين، الّتي منكرها مع العلم بكونها ثبتت بضرورة من الدين كافر. و وجوبها ثابت بالإجماع محصّلا و منقولا بالغا نقله حدّ التواتر بل فوقه بل بالضرورة من دين الإسلام حسبما أشرنا إليه، و الكتاب و السنّة.

فمن الكتاب الآيات المتكاثرة الّتي منها ما تكرّر من قوله تعالى: أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ (1) و منها قوله تعالى: وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ (2)و منها قوله تعالى: وَ لاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مٰا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ (3) و منها قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (4)و منها قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا (5). بناء على إرادة «الزكاة المفروضة» من «الصدقة» كما صرّح به جمع، بل عن مجمع البيان(6) أنّه نقله عن الجبائي(7) و أكثر المفسّرين، و عن كنز العرفان: «أنّ عليه إجماع الامّة»(8) و إن تأمّل

ص: 7


1- البقرة: 43 و 83 و 110 و 277.
2- فصّلت: 7.
3- آل عمران: 180.
4- التوبة: 34.
5- التوبة: 103.
6- مجمع البيان 117:5.
7- مجمع البيان 117:5.
8- لم نعثر على هذه الجملة في المصدر.

فيهما صاحب الذخيرة(1) تعليلا بأنّه: «ذهب كثير من المفسّرين(2) إلى أنّ المراد بها ثلث الأموال و إنّ الآية وردت في جماعة مخصوصة أمر اللّه تعالى بأخذ ثلث أموالهم كفّارة لما صدر منهم و اختلفوا في من وردت فيهم على أقوال» انتهى(3).

و يشهد لما ذكرناه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لمّا نزلت آية الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا (4) في شهر رمضان فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مناديه فنادى في الناس: أنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة... إلى أن قال عليه السّلام: ففرض عزّ و جلّ عليهم من الذهب و الفضّة، و فرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فنادى بهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عمّا سوى ذلك. ثمّ قال عليه السّلام: لم يعرض(5)لشيء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا و أفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم، قال عليه السّلام: ثمّ وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق»(6).(7)

و من السنّة الأخبار(8) الدالّة على فضلها و أنحاء مثوباتها و وجوبها و عقاب تاركها ما فوق حدّ الإحصاء و غير خفيّة على المتتبّع و لا حاجة إلى التعرّض لذكرها بعد وضوح أصل الحكم، بل ضروريّته المخرجة له عن عنوان المسائل الفرعيّة المستدلّ

ص: 8


1- الذخيرة: 419.
2- جامع البيان 22:11، تفسير القرطبي 242:8، تفسير الجلالين: 258.
3- الذخيرة: 419.
4- التوبة: 103.
5- هذه الجملة في الحديث هي كالتالي: «قال عليه السّلام: «ثمّ لم يفرض» في نفس المصدر المشار إليهما تحت الهامش السابق.
6- الصحاح 1517:4، مادة: طسق: «الوظيفة من خراج الأرض، القاموس المحيط 258:3، و هو مكيال أو ما يوضع من الخراج على الجريان أو شبه ضريبة معلومة».
7- الكافي 2/497:3، الوسائل 1/9:9 الباب الأوّل من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الفقيه 13:2 - 1598/14. الأصناف الّتي تجب عليها الزكاة.
8- الوسائل 9: الباب: 1-6 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الكافي 496:3-510.

عليها بالأدلّة النظريّة.

و بعد ما ثبت أصل وجوب الزكاة على سبيل الإجمال فينبغي التكلّم في تفاصيل هذه القضيّة المجملة ممّا يرجع إلى: من يجب عليه الزكاة، و ما يجب فيه الزكاة، و ما يصرف إليه الزكاة، فالكلام بالقياس إلى هذه الجهات الثلاث و ما يتبعها يقع في مباحث، و قبل الخوض فيها ينبغي أن ينبّه على فائدة تعرّض لذكرها جمع من المصنّفين و هي:

إنّ المشهور قديما و حديثا محقّقا و محكيّا أنّه: «لا يجب في المال حقّ آخر سوى الزكاة و الخمس» للأصل بمعنى أصالة البراءة عن وجوب ما عداهما، و عن العقاب المحتمل ترتّبه على ترك أداء ما عداهما، المتأيّد بالمرويّ مرسلا: «ليس في المال حقّ غير الزكاة»(1) و إن طعن عليها في الذخيرة بكونها عاميّة لا تصلح للتعويل عليها(2)، و فيه: أنّه لا يمنع من التأييد إن كان الأصل قابلا لأن يؤيّد و فيه كلام. و لو اكتفينا في جبر الرواية الضعيفة بالشهرة الفتوائية - كما عليه جماعة - كانت الرواية مجبورة بها فكانت حجّة مستقلّة.

و ربّما ايّد أيضا بأنّه «لو وجب لاشتهر» لتوفّر الدواعي إلى اشتهاره و التالي باطل.

و ربّما يدلّ عليه قويّة معاوية بن شريح بل حسنته قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في الزرع حقّان حقّ تؤخذ به و حقّ تعطيه، قلت: و ما الّذي اؤخذ به و ما الّذي اعطيه ؟ قال عليه السّلام: أمّا الّذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر، و أمّا الّذي تعطيه فقول اللّه عزّ و جلّ : وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ (3) يعني من حصدك الشيء بعد الشيء و لا أعلمه إلاّ قال عليه السّلام: «الضغث ثمّ الضغث(4) حتّى يفرغ»(5) بناء على أن يكون المراد من «الأخذ به» المؤاخذة و العقاب على تركه في دار الآخرة فيكون المراد من «الحقّ الّذي يعطيه» ما يعطيه بمشيئته من دون أن يؤاخذ على تركه.

ص: 9


1- الخلاف 32:2 المسألة 31.
2- الذخيرة: 419.
3- الأنعام: 141.
4- المصباح المنير 1، 362:2: ضغثت: «و هو قبضة حشيش مختلط رطبها بيابسها، و يقال ملء الكفّ من قضبان أو حشيش أو شماريخ...».
5- الكافي 1/544:3، الوسائل 2/196:9 الباب 13 من أبواب زكاة الغلّاة.

و لكن ناقش فيه في الذخيرة: «بأنّه يجوز أن يكون معنى قوله عليه السّلام تؤخذ به، الأخذ في(1) الدنيا، لأن يأخذ الزكاة من أصحاب الأموال، بخلاف حقّ الحصاد فإنّه أمر بينه و بين اللّه و إن عصى بالترك»(2).

و يمكن دفعها بأنّها: تتّجه لو كانت العبارة مكان قوله عليه السّلام: «تؤخذ به» «يؤخذ منك» و إن كان يساعد على الحمل المذكور مراعاة شدّة الارتباط بين المعطوف و المعطوف عليه، إذ على ما بنى عليه الاستدلال يوجد نوع تنافر بينهما كما لا يخفى على ذي الذوق السليم.

[مخالفة الشيخ للمشهور و أدلّته]

و كيف كان فعن الشيخ في الخلاف المصير إلى مخالفة المشهور فقال: «بوجوب حقّ آخر غير الزكاة و هو ما خرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث، و الحفنة(3)بعد الحفنة يوم الجذاذ»(4) و عن المرتضى في الانتصار احتماله(5) و نفى البعد عنه في الذخيرة(6).

و ربما أمكن رفع الخلاف بحمل الوجوب في كلام الشيخ على إرادة المعنى اللغوي الجامع للاستحباب و هو: «الثبوت» جمعا بين ما ادّعاه من إجماع الفرقة عليه على ما ستعرفه و شهرة خلافه حسبما عرفت. و على أيّ حال فحجّته على الوجوب على تقدير تحقّق المخالفة امور على ما حكي:

أحدها: إجماع الفرقة عليه، و اجيب بمنع الإجماع على الوجوب مع شهرة خلافه، بل المسلّم انعقاده على الرجحان المطلق المشترك بينه و بين الاستحباب.

و ثانيها: الأخبار، و اجيب(7) بمنع دلالتها على الوجوب.

ص: 10


1- و في المصدر هكذا: «في الدنيا، لأنّ الإمام عليه السّلام يأخذ الزكاة».
2- الذخيرة: 420.
3- المصباح المنير 1-142:2 حفنا و حفنة و هي ملء الكفّين، و الجمع: حفنات مثل سجدة و سجدات.
4- الخلاف 5:2.
5- الانتصار: 213.
6- الذخيرة: 420.
7- سيأتي البحث عنها في ص 15.

و ثالثها: قوله عزّ من قائل: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ وَ لاٰ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ (1) و نهوضها دليلا على مختاره مبنيّ على إرادة «الوجوب» من الصيغة و «حقّ الحصاد» من: «حقّه» و لذا اجيب عنها تارة بالحمل على الاستحباب، و اخرى بمنع كون «الحقّ » مرادا به «حقّ الحصاد» بل المراد به على ما ذكره جمع(2) من المفسّرين: «الزكاة المفروضة».

و ربما ايّد بأنّ قوله: «و آتوا حقّه» إنّما يحسن إذا كان الحقّ معلوما قبل نزول الآية، و لكن يزيّفه أنّه مشترك اللزوم بينه و بين إرادة حقّ الحصاد لأنّ التكليف به أيضا إنّما يحسن لو كان ذلك الحقّ معلوما قبل نزول الآية، و لو دفع بجواز كون «الحقّ » على تقدير إرادة «الزكاة المفروضة» مبيّنا بالسنّة المطهّرة السابقة أو أن يبيّن بالسنّة المطهّرة اللاحقة حين حضور وقت الحاجة، و كان التكليف المستفاد من الآية تكليفا بالمجمل ورد قبل وقت الحاجة لمصلحة، لتعارضه مثله فإنّ نحوه(3) يجري على تقدير إرادة «حقّ الحصاد».

و كيف كان فالعمدة في المقام تحقيق المعنى المراد من حَقَّهُ و لا يكفي فيه قول جمع من المفسّرين، إذ لا حجّة فيه ما لم ينته إلى تفسير أهل بيت العصمة، و لكن الظاهر من جهة الآية و المقطوع به من جهة الأخبار كون المراد به «حقّ الحصاد».

[آيات القرآن و حقّ الحصاد]

أمّا الأوّل: فلوجهين:

أحدهما: أنّ الحمل على الزكاة المفروضة يستلزم التجوّز في آتُوا حَقَّهُ بحمله

ص: 11


1- الأنعام: 141.
2- جامع البيان 10873/70:8 و ما بعده، معاني القرآن 501:2، أحكام القرآن 12:3، تفسير مجمع البيان 177:4-178.
3- أي لزوم التبيين بالسنّة المطهّرة السابقة أو اللاحقة، و لهذا على تقدير إرادة حقّ الحصاد كان التكليف المستفاد من الآية مجملا.

على إرادة: اعزموا يوم الحصاد على أداء الحقّ و اهتمّوا به حتّى لا تؤخّروه من أوّل أوقات إمكان أدائه، و هذا ممّا لا داعي إليه.

و ثانيهما: قوله تعالى: وَ لاٰ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ (1) لأنّ الإسراف المنهيّ عنه هنا عبارة عن المجاوزة عن القصد، و لا يكون إلاّ فيما لا تكون مقدّرا، و الزكاة المفروضة مقدّرة لكونها بين العشر و نصف العشر و لا يتحقّق في أدائها المجاوزة عن القصد، و لذا استشهد به الإمام(1) عليه السّلام فيما رواه المرتضى في الانتصار(2)مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ (4) قال عليه السّلام: ليس ذلك من الزكاة، أ لا ترى أنّه قال [جلّ ]: وَ لاٰ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ . و عن المرتضى: «و هذه نكتة منه عليه السّلام مليحة لأنّ النهي عن السرف لا يكون إلاّ فيما ليس بمقدّر و الزكاة مقدّرة»(3).

[الروايات و حقّ الحصاد]

و أمّا الثاني: فالأخبار الدالّة عليه صراحة و ظهورا في غاية الكثرة، كخبر معاوية بن شريح المتقدّم(4) و المرسل(5) المتقدّم أيضا، و صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير كلّهم: «عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ : وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ فقالوا جميعا:

قال أبو جعفر عليه السّلام: هذا من الصدقة تعطي المسكين القبضة بعد القبضة و من الجذاذ(6)

ص: 12


1- فقه القرآن 216:1، تهذيب الأحكام 303/106:4، لم نعثر على نصّ هذه العبارة، يبدو استفادة هذه المعنى من روايات باب الحصاد و الجذاذ في الكافي 564:3، الفقيه 46:2، الوسائل 195:9، ب 13-16 من أبواب زكاة الغلاّة.
2- الانتصار: 207.
3- الانتصار: 207.
4- الوسائل 2/196:9، الباب: 13 من أبواب زكات الغلاّت، الكافي 1/544:3.
5- تقدّم آنفا في استشهاد الإمام عليه السّلام في ما رواه سيّد المرتضى في الانتصار.
6- الصحاح 561:2، جذذ: جذذت الشيء: كسرته و قطعته، و الجذاذ: ما تقطع منه، عطاء غير مجذود أي غير مقطوع، النهاية في غريب الحديث و الآثار 237:1، الجذاذ بالفتح و الكسر صرام النخل و هو قطع ثمرتها.

الحفنة بعد الحفنة حتّى يفرغ» الخ(1).

و خبر شعيب العقرقوفي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله عزّ و جلّ : وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ قال عليه السّلام: الضغث من السنبل و الكفّ من التمر إذا خرص قال: و سألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله قال عليه السّلام: لا، هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله بيته»(2).

و خبر سعد بن سعد عن الرضا عليه السّلام قال: «قلت: إن لم يحضر المساكين و هو يحصد كيف يصنع ؟ قال عليه السّلام: ليس عليه شيء»(3).

و المرسل عن الحلبي «أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ : وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ كيف اعطي ؟ قال عليه السّلام: تقبض بيدك على الضغث فتعطيه المسكين و المسكين حتّى تفرغ»(4).

و خبر زرارة و حمران و محمّد بن مسلم: «عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ قالا عليهما السّلام: تعطي منه الضغث بعد الضغث و من السنبل القبضة بعد القبضة»(5).

و خبر جراح المدائني: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ قال عليه السّلام: تعطي منه المساكين الّذين يحضرونك تأخذ بيدك القبضة بعد القبضة حتّى تفرغ»(6).

و خبر أبي بصير: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ فسمّاه اللّه حقّا قال: قلت: و ما حقّه يوم حصاده ؟ قال عليه السّلام: الضغث تناوله من حضرك من أهل الخصاصة(7)»(8).

و خبر أبي بصير المرادي: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تصرم(9) بالليل و لا تحصد

ص: 13


1- الكافي 2/565:3، تهذيب الأحكام 37/106:4، الوسائل 1/195:9، ب 13 من أبواب زكاة الغلاّت.
2- الوسائل 9، 4/196، ب 13 من أبواب زكاة الغلاّت.
3- نفس المصدر: 5/197.
4- المصدر/ 6، الفقيه 46:2.
5- المصدر/ 7.
6- المصدر/ 8.
7- الصحاح 1037:3، الخصاصة و الخصاص: الفقر.
8- الوسائل 9/197:9، ب 13 من أبواب زكاة الغلاّت.
9- الصحاح 561:2، جذذ: جذذت الشيء: كسرته و قطعته، و الجذاذ: ما تقطع منه، عطاء غير -

بالليل و لا تضحّ (1) بالليل و لا تبذر(2) بالليل فإنّك إن فعلت لم يأتك القانع و المعترّ، فقلت: ما القانع و المعترّ؟ قال: القانع الّذي يقنع بما أعطيته و المعترّ الّذي يمرّ بك و يسألك، و إن حصدت بالليل لم يأتك السؤال و هو قول اللّه: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ عند الحصاد يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدته، فإذا خرج فالحفنة بعد الحفنة، و كذلك عند الصرام، و كذلك البذر و لا تبذر بالليل لأنّك تعطي في البذر كما تعطي في الحصاد»(3).

و خبر محمّد بن مسلم: «عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا يكون الحصاد و الجذاذ بالليل، لأنّ اللّه يقول: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ »(4).

و خبر محمّد الحلبي: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبي جعفر عليه السّلام عن عليّ بن الحسين عليه السّلام أنّه قال لقهرمانه و وجده قد جذّ نخلا له من آخر الليل، فقال عليه السّلام له:

لا تفعل أ لا تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الحصاد و الجذاذ بالليل، و كان يقول صلّى اللّه عليه و آله:

الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقّه يوم حصاده»(5) إلى غير ذلك من المستفيضة(6)الدالّة على كراهة الحصاد و الجذاذ بالليل تعليلا بنحو ما عرفت.

و صحيحة أحمد بن محمّد(7) بن أبي نصر البزنطي: «عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

سألته عن قول اللّه تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ وَ لاٰ تُسْرِفُوا قال عليه السّلام: كان أبي عليه السّلام يقول: من الإسراف في الحصاد و الجذاذ أن يصدّق الرجل بكفّيه جميعا، و كان أبي عليه السّلام إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه يتصدّق بكفّيه، صاح به: أعط بيد واحدة،

ص: 14


1- في النسخة المخطوطة بلا تشديدة، و لكن يبدو أنّ التشديدة هو الأصحّ : «تضحّ » من ضحّى يضحّي تضحية، أي «لا تذبح الأضحية بالليل».
2- من البذر و بذر الحب، بذرا ألقاه في الأرض للزراعة.
3- الوسائل 1/198:9، ب 14 من أبواب زكاة الغلاّت، الكافي 3/565:3.
4- الوسائل 6/200:9، ب 14 من أبواب زكاة الغلاّت.
5- الوسائل 10/200:9، ب 14 من أبواب زكاة الغلاّت.
6- فى المصادر المستخرجة تحت العنوان: الروايات و حقّ الحصاد.
7- في الوسائل: «أحمد بن محمّد عن ابن أبي نصر البزنطي».

القبضة بعد القبضة و الضغث بعد الضغث من السنبل»(1).

و خبر محمّد بن مسلم: «عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: وَ لاٰ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ (2) قال عليه السّلام: كان فلان بن فلان الأنصاري - سمّاه - كان له حرث و كان إذا جذّه تصدّق به، و بقى هو و عياله بغير شيء فجعل اللّه ذلك سرفا»(3).

[دلالة الآيات و الروايات على استحباب حقّ الحصاد]

و بقى الكلام في حمل الأمر في الآية بأداء ذلك الحقّ على الوجوب أو الاستحباب، و يكفي في صرفه عن الوجوب: مصير المعظم إلى عدم الوجوب، و كونه مشهورا شهرة عظيمة كادت تبلغ الإجماع، إذ به يتوهّن ظهور الصيغة في إرادة الوجوب، كما يتوهّن به دلالة الأخبار عليه.

و يؤيّده بل يدلّ عليه خبر معاوية بن شريح المتقدّم(4).

و يمكن استظهار إرادة الاستحباب من الآية و من الأخبار أيضا، من أخبار كراهة الحصاد في الليل لأنّها تلازم استحباب أداء ذلك الحقّ ، إذ لو كان واجبا لناسب كون الحصاد في الليل محرّما. و يشعر به أيضا ما دلّ من الأخبار على ثبوت نحو ذلك الحقّ في البذر أيضا بتقريب أنّه [أيضا ممّا] لم يقل أحد بوجوبه، و كيف كان فالمعتمد هو المشهور المنصور.

و إذا تقرّر ذلك فينبغي التكلّم في المباحث الثلاثة المتقدّم إليها الإشارة.

ص: 15


1- الوسائل 202:9، 1/203، ب 16 من أبواب زكاة الغلاّت، الكافي 6/566:3.
2- الأنعام: 141.
3- المصدر/ 2.
4- تقدّم تخريجها في: 9، الهامش 5.

المبحث الأوّل فيمن يجب عليه الزكاة

اشارة

فنقول: إنّه لا ينبغي التأمّل في وجوب الزكاة على البالغ، العاقل، الحرّ، المالك للأجناس الزكويّة، المتمكّن من التصرّف فيها قولا واحدا و إجماعا محصّلا و منقولا.

و هذا ممّا لا كلام فيه و لا شبهة تعتريه، و إنّما الكلام في مدخليّة كلّ من القيود الخمس في موضوع الحكم بحيث لم تجب على من فقدها، و مرجعه إلى اشتراط وجوبها بشروط خمس ليتفرّع عليه عدم وجوبها على الطفل، و لا على المجنون، و لا على المملوك، و لا على من لم يتملّك النصاب، و لا على من لا يتمكّن من التصرّف في ماله.

فالعمدة في المقام إنّما هو إثبات «الشرطيّة» بالتكلّم في مطالب خمس.

المطلب الأوّل: في اشتراط وجوبها بالبلوغ:
اشارة

فلا تجب في أموال الصغير سواء كان «يتيما» و هو من لا أب له أو لا مطلقا(1)و هو في الجملة إجماعي، و في كلام جماعة(2) دعوى الإجماع عليه، و من مشايخنا(3)من ادّعى استفاضة نقله عليه.

ص: 16


1- و لعلّ مراده الصغير الثريّ الّذي يعيش في كنف أبيه.
2- منهم: المحقّق في الشرائع 105:1 و العلاّمة في المنتهى 23:8، نهاية الأحكام 298:2 و الشهيد الأوّل في البيان: 165 و الشهيد الثاني في شرح اللمعة 12:2.
3- الجواهر 14:15.

و العمدة في دليله: الأصل، مع انضمام عدم تناول أوامر الزكاة و أدلّة وجوبها للطفل و ماله، و بعده الروايات.

و أمّا الأصل فمن وجهين، أحدهما: أصالة [عدم](1) تعرّض الشارع لجعل زكاة في مال الطفل.

و ثانيهما: الأمر الدائر بين الأصل القطعي الثابت بالعقل و النقل و هو: أنّ الطفل ما لم يبلغ ليس عليه تكليف و لا سيّما الإلزامي إيجابا و تحريما، و أصالة البراءة عن الوجوب المحتمل و العقاب المحتمل ترتّبه على ترك إخراج الزكاة.

و ذلك: أنّ المخاطب بإخراج الزكاة إن احتمل كونه «الطفل» فينفيه الأصل بالمعنى الأوّل(2) و إن احتمل كونه «وليّه» فينفيه الأصل بالمعنى الثاني(3) و إنّما خصّصناه بالوليّ لعدم جريانه في «حقّ الأطفال» و اختصاصه «بالبالغين الكاملين» باعتبار أنّ المنساق من أدلّته أنّه لم ينتف عن مورده من شروط التكليف الاّ «العلم» أو هو مع «القدرة» في الجملة فيكون بحسب المورد مخصوصا بالبالغين الكاملين.

و قد يستدلّ أيضا كما عن المعتبر و المنتهى: «بأنّ الزكاة عبادة محضة تفتقر إلى النيّة فلا تجب على من تتعذّر عليه»(4)-(5) و لعلّ السرّ في تعذّر النيّة على الطفل أنّ حقيقة النيّة هي: قصد امتثال الأمر، و حيثما انتفى الأمر استحال النيّة بمعنى قصد امتثال الأمر.

و بذلك يندفع ما اجيب عن الاستدلال تارة بمنع تعذّرها، و اخرى بنقضه بالاستحباب. نعم يرد عليه بأنّ المخاطب بالإخراج على تقدير الوجوب إنّما هو الوليّ و تتأتّى منه النيّة.

و أضعف منه الاستدلال: بأنّ الزكاة عبادة فلا تجب على الصبيّ كالصلاة و الحجّ لتوجّه الخطاب بالإخراج إلى الوليّ لا إلى الطفل.

و أضعف منهما الاستدلال بالمرسل: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يبلغ،

ص: 17


1- ليس في الأصل.
2- أي أصالة عدم تعرّض الشارع لجعل الزكاة في مال الطفل.
3- و هو أنّ الطفل ما لم يبلغ ليس عليه تكليف.
4- المعتبر 486:2.
5- المنتهى 472:1، و لكن اضيفت فيه كلمة: «أدائها» تفتقر أدائها إلى النيّة.

و عن النائم حتّى ينتبه، و عن المجنون حتّى يفيق»(1) لأنّ رفع القلم عن الصبيّ لا ينافي وجوب الزكاة في ماله بعد ما كان المخاطب بإخراجه الوليّ .

و أمّا الروايات: فأخبار مستفيضة، فيها الصحاح و غيرها، ففي صحيح محمّد بن مسلم: «عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن مال اليتيم، فقال عليه السّلام: ليس فيه زكاة»(2).

و صحيح زرارة: «عن أبي جعفر عليه السّلام: ليس في مال اليتيم زكاة»(3).

و صحيح أبي بصير المرادي: «عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ليس على مال اليتيم زكاة»(4).

و خبر أبي بصير: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سمعه يقول عليه السّلام: ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلاّته - من نخل أو زرع أو غلّة - زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتّى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس»(5).

و خبره الآخر: «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس على مال اليتيم زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه فيما بقي حتّى يدرك، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة، ثمّ كان عليه مثل ما على غيره من الناس»(6).

و صحيح محمّد بن القسم بن الفضيل: «قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام أسأله عن الوصيّ أ يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ؟ قال: فكتب عليه السّلام: لا زكاة على يتيم»(7).

ص: 18


1- الخصال: 93، 40/94، ب الثلاثة، مستدرك الوسائل 84:1، / 10/39، ب 3 من أبواب مقدّمة العبادات و 1/13:18 الباب 6 من أبواب مقدمات الحدود.
2- تهذيب الأحكام 2/26:4، الوسائل 7/85:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
3- تهذيب الأحكام 3/26:4، الوسائل 8/85:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
4- الوسائل 6/85:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الاستبصار 2/31:2.
5- الاستبصار 2/31:2، تهذيب الأحكام 29:4، 14/30، الوسائل 11/86:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
6- الوسائل 3/84:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة الكافي 540:3، 2/541، الاستبصار 2/31:2، و لكن الرواية تختلف عن المنقول هنا.
7- المصدر السابق/ 4 الكافي 8/541:3، 2 الفقيه 2065/177:2، تهذيب الأحكام 15/30:4.

و خبر العلا: «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على مال اليتيم زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا»(1).

و خبر أبي الحسن: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبي عليه السّلام يخالف الناس في مال اليتيم، ليس عليه زكاة»(2).

و صحيح الحلبي: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: في مال اليتيم عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة، فإذا عملت به فأنت له ضامن و الربح لليتيم»(3).

و كون هذه الأخبار و غيرها - ممّا ستسمع - صريحة في نفي الوجوب ممّا لا حاجة له إلى بيان، ككون إطلاق النفي فيها ظاهرا في عموم النفي بالقياس إلى الاستحباب أيضا. و بالجملة يفيد نفي مطلق الحكم وجوبا و استحبابا. و بعبارة اخرى:

أنّ النفي بإطلاقه يفيد أنّه لم يجعل في مال اليتيم زكاة لا وجوبا و لا استحبابا، و موردها و إن كان هو اليتيم الظاهر عرفا في من «لا أب له» غير أنّه لا قائل بالفصل بينه و بين «من له أب»(4).

فيثبت عموم الحكم بالإجماع المركّب و عدم القول بالفصل، مع ما ستعرفه في خبر محمّد بن الفضيل الآتي من السؤال «عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم»(5)و في خبر يونس بن يعقوب من التعبير بأنّ «لي اخوة صغار»(6) المتناول بإطلاقه، و عموم الجواب من جهة ترك الاستفصال لهما معا، و كون إطلاق المال المذكور فيها شاملا لجميع أنحاء مال الطفل من: النقدين اتّجر بها أو لم يتّجر، و الغلاّت و المواشي أيضا واضح لا حاجة له إلى البيان.

فهذا هو الأصل في مال الطفل، و هل خرج منه شيء من أمواله بأن يثبت فيه زكاة وجوبا أو استحبابا أو لا؟ تحقيقه يستدعي البحث في ثلاث مسائل:

ص: 19


1- المصدر السابق/ 12.
2- نفس المصدر/ 9، تهذيب الأحكام 4/27:4.
3- الوسائل 1/84:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الكافي 1/540:3، تهذيب الأحكام 1/26:4.
4- يمكن مراده الصغير الثريّ الّذي يعيش في كنف أبيه.
5- سيأتي تخريجها في: 21 الهامش: 3.
6- سيأتي تخريجها في: 21، الهامش 4.
[الزكاة في أموال الطفل من النقدين]
اشارة

المسألة الاولى: في ماله الّذي يكون من قبيل النقدين و له حالان:

إحداهما: كونه موضوعا في مكان من غير أن يتّجر به، و هذا ما لا زكاة فيه أصلا لا وجوبا و لا استحبابا قولا واحدا.

و أخراهما: كونها بحيث يتّجر بها الوليّ له، و هذا ممّا اختلف فيه قول الأصحاب، فالمشهور بينهم شهرة عظيمة كادت تبلغ الإجماع، بل هو على ما تعرفه إجماع: «أنّه لا يجب فيه الزكاة بل تستحبّ ».

و عن المفيد في المقنعة ظهور كلامه في الوجوب قائلا: «لا زكاة في صامت أموال الأطفال من الدراهم و الدنانير إلاّ أن يتّجر به الوليّ ، فإن اتّجر بها و حرّكها وجب عليه إخراج الزكاة»(1).

إلاّ أنّه عن الشيخ في التهذيب تأويله بأنّه: «إنّما يريد به الندب و الاستحباب لا الفرض و الإيجاب، لأنّ المال لو كان لبالغ و اتّجر به لما وجب فيه الزكاة عنده وجوب الفرض فالطفل أولى»(2).

و عن الحلّي في السرائر إنكار الوجوب و الاستحباب قائلا: «بأنّ الرواية الواردة بالاستحباب ضعيفة شاذّة أوردها الشيخ إيرادا لا اعتقادا»(3).

و عن البيان استظهاره من كلام ابن الجنيد(4) و نفى البعد عن المصير إليه في المدارك بعد ما استجود كلام الحلّي(5) و ربما حكي تقويته عن المحقّق البهبهاني في شرح المفاتيح(6).

و الأقوى الأوّل، لنا على عدم الوجوب ما تقدّم(7) من الروايات المطلقة النافية

ص: 20


1- المقنعة: 237، و لكن عبارة المقنعة بالنحو التالي: «لا زكاة عند آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله في صامت أموال الأطفال و المجانين من الدرهم و الدنانير إلاّ أن يتّجر الوليّ لهم أو القيّم عليهم بها فإنّ اتّجر بها...».
2- تهذيب الأحكام 26:4-27.
3- السرائر 430:1-431 و 441.
4- البيان: 277، ظاهر كتاب «البيان» الاستظهار من كلام ابن إدريس لا ابن الجنيد.
5- المدارك 18:5.
6- مصابيح الظلام في شرح شرائع الإسلام 135:10-137.
7- تقدّم آنفا بعد كلامه: و أمّا الروايات.

للزكاة عن مال الطفل مطلقا المتناول إطلاقها لمال التجارة أيضا، مضافا إلى خصوص صحيح زرارة و محمّد بن مسلم: «عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّهما قالا: ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شيء، فأمّا الغلاّت فعليها الصدقة واجبة»(1).

و ليس للقائل(2) بالوجوب - مع عدم صراحة كلامه في إرادة الظاهر و تطرّق التأويل إليه من تلميذه - إلاّ خصوص رواية محمّد بن الفضيل: «قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم زكاة ؟ فقال عليه السّلام: لا يجب في مالهم زكاة حتّى يعمل به فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأمّا إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه»(3).

مضافا إلى روايات اخر مثل:

صحيحة يونس بن يعقوب «قال: أرسلت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام إنّ لي اخوة صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة ؟ قال عليه السّلام: إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة.

قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة ؟ قال عليه السّلام: إذا اتّجر به فزكّه»(4).

و موثّقة أحمد بن عمر بن أبي شعبة عن أبيه «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن مال اليتيم، فقال عليه السّلام: لا زكاة عليه إلاّ أن يعمل به»(5).

و صحيحة محمّد بن مسلم «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على مال اليتيم زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا إلاّ أن يتّجر به أو تعمل به»(6).

و خبر سعيد السمّان «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به، فإن اتّجر به فالربح لليتيم و إن وضع فعلى الّذي يتّجر به»(7).

ص: 21


1- الوسائل 2/83:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الكافي 5/541:3، تهذيب الأحكام 13/29:4.
2- أي المفيد في المقنعة.
3- الوسائل 4/88:9، ب 2، تهذيب الأحكام 27:4، 8/28، الاستبصار 3/29:2.
4- الوسائل 5/85:9، ب 1، الكافي 7/541:3.
5- الوسائل 10/86:9، تهذيب الأحكام 5/27:4.
6- الوسائل 1/87:9، ب 2، الكافي 3/541:3.
7- الوسائل 2/87:9، الكافي 6/541:3، تهذيب الأحكام 6/27:4، الاستبصار 1/29:2.

و خبر أبي العطارد الخيّاط «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به ؟ فقال عليه السّلام: إذا حرّكته فعليك زكاته. قال: قلت: فإنّي احرّكه ثمانية أشهر و أدعه أربعة أشهر، قال عليه السّلام: عليك زكاته»(1).

و صحيح زرارة و بكير «عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ليس في الجوهر و أشباهه زكاة و إن كثر، و ليس في نقر(2) الفضّة زكاة، و ليس على مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال»(3).

[ردّ دلالة الروايات على وجوب الزكاة في أموال الطفل]

و الجواب عن الأوّل كون ظاهره ممّا أعرض عنه المعظم فيتوهّن، و مع الغضّ عن ذلك فهو ضعيف السند لضعف راويه(4) فتارة ضعّف و اخرى رمي بالغلوّ.

و عن البواقي بمنع ظهور أكثرها في الوجوب، لأنّ الاستثناء عن النفي العام لا يفيد إلاّ إثبات الأمر المردّد بين الوجوب و الاستحباب لا خصوص الوجوب، إلاّ إذا فرض المنفيّ في جانب المستثنى منه خصوص الوجوب، و لعلّه موضع منع.

و لو اكتفى في إثبات المطلب بظهور بعضها كقوله عليه السّلام: «إذا اتّجر فزكّه» في خبر يونس بن يعقوب(5) أو سلّم الظهور في البواقي، أيضا يتوجّه إليه أنّه يتوهّن بإعراض الأصحاب أو معظمهم عن العمل به بل بفهمهم لخلافه مع ما فيها من الكثرة، فنحو هذه الكثرة مع قلّة القابل بظهورها تنهض شاهدا بالخروج عن الظاهر، و منه ما قيل من: «أنّه كلّما ازدادت الروايات كثرة و القائل بظهورها قلّة غلب على الظنّ عدم إرادة الظاهر بل

ص: 22


1- الوسائل 3/88:9، الاستبصار 4/29:2، تهذيب الأحكام 9/28:4، الكافي 2/540:3.
2- الصحاح 835:2، و النقرة: السبيكة. و النقرة: حفرة صغيرة في الأرض.
3- الوسائل 1/69:9، ب 12 من أبواب وجوب الزكاة، هذا الحديث يشمل بعض الفقرات و باقي الفقرات ذكر في حديث آخر: المصدر، ب 8/2، الفقيه 1599/16:2.
4- في الرواية المذكورة في 21، الهامش: 3، قال الطوسي في رجاله: 365 محمّد بن الفضيل، أزدي، صيرفي، يرمى بالغلوّ، له كتاب.
5- الوسائل 5/88:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الكافي 7/541:3.

إرادة خلافه»(1).

و من ذلك كلّه ظهر دليل الاستحباب فإنّ هذه الروايات على كثرتها بعد صرفها عن الوجوب لا محمل لها إلاّ الاستحباب، مضافا إلى الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة الّتي منها ما عن المعتبر من قوله: «عليه إجماع علمائنا»(2) و منها ما عن السيّد الطباطبائي في المصابيح(3) و السيّدين في الانتصار(4) و الناصريّات(5) و الغنية(6).

و أمّا ما عرفت من الحلّي(7) من إنكار الاستحباب أيضا استنادا إلى ضعف الرواية به و شذوذها فهو في غاية الضعف و الشذوذ، فإنّ في الروايات المحمولة على الاستحباب ما هو صحيح و ما هو موثّق. و دعوى الشذوذ مع كثرة العامل و شهرة العمل بل الإجماع عليه كما ترى.

فائدة: قضيّة اشتراط وجوب الزكاة بالبلوغ مع اشتراطه بحلول الحول و مضيّه أن يعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ، فلا يكفي فيه الملفّق ممّا سبق بعضه على البلوغ و لحق بعضه الآخر به. و عزاه في الذخيرة إلى ظاهر المتأخّرين و إن استشكل في إثباته بحسب الدليل حيث قال: «ظاهر المتأخّرين حيث ذكروا في شرائط وجوب الزكاة التكليف ثمّ اعتبروا حصول الشرائط و استمرارها طول الحول، أنّ البالغ يستأنف الحول من حين البلوغ و أنّه لا يجب عليه إذا تمّ الحول السابق في زمان تكليفه، لكن إثبات ذلك بحسب الدليل لا يخلو عن إشكال، إذا المستفاد من الأدلّة عدم وجوب الزكاة على الصبيّ ما لم يبلغ، و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه، إذ لا يستفاد من أدلّة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف. و اللام في قوله عليه السّلام في حسنة أبي بصير السابقة: «فليس عليه لما مضى زكاة»(8) غير واضحة في الدلالة على المعنى الشامل للعلّية الناقصة، بل المتبادر منه خلافه فلا دلالة فيها على

ص: 23


1- الهداية: 20، 21، غنائم الأيّام 414:1.
2- المعتبر 487:2.
3- مصابيح الأحكام: 141، مخطوط.
4- الانتصار: 207.
5- الناصريّات: 281.
6- الغنية: 115 و 128.
7- السرائر 430:1-431 و 441.
8- تقدّم تخريجها في: 18، الهامش: 6.

مدّعاهم. و قوله عليه السّلام في الخبر المذكور: «و لا عليه فيما بقى حتّى يدرك» مجمل غير واضح في معنى ينفعهم في إثبات الفرض المذكور. و بالجملة للتأمّل في هذا المقام مجال و كذا الكلام في المجنون» انتهى(1).

أقول: يمكن الذبّ عن الإشكال تارة بحسب القاعدة و هي: أنّ الصبيّ ما لم يبلغ كما لا يتوجّه إليه الأمر المطلق كذلك لا يتوجّه إليه الأمر المشروط، و حينئذ فلو لم يعتبر مضيّ تمام الحول من حين البلوغ لزم أحد الأمرين: من عدم كون وجوب الزكاة على الصبيّ بعد بلوغه بالحول، أو تعلّق الأمر المشروط بالحول بالصبيّ قبل بلوغه، و اللازم بكلي قسميه باطل و الملازمة واضحة.

و اخرى بحسب الدليل و هو قوله عليه السّلام: «و لا عليه فيما بقي حتّى يدرك» بعد قوله عليه السّلام: «فإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة» لظهوره في إدراك الحول بعد البلوغ و مرجوحيّة احتمال إرادة إدراك الحلم الّذي هو عبارة اخرى للبلوغ حذرا عن التكرار كما لا يخفى.

المسألة الثانية: في غلاّت الطفل:
اشارة

و قد اختلفوا في وجوب الزكاة فيها و عدمه، فقيل: بعدم الوجوب كما عن الحلّي(2)و نسبه في المدارك(3) إلى المرتضى(4) و ابن الجنيد(5) و ابن أبي عقيل(6) و عامّة المتأخّرين(7).

و قيل: بالوجوب كما عن الشيخين(8) و أتباعهما و فسّروا بأبي الصلاح(9)و ابن البرّاج(10) و ابن حمزة(11) و ابن سعيد(12) و عن المرتضى في المسائل الناصرية أنّه

ص: 24


1- الذخيرة: 421 س 3.
2- السرائر 430:1-431 و 441.
3- المدارك 22:5.
4- الناصريّات: 281، جمل العلم و العمل: 119.
5- المختلف 152:3، السرائر 430:1.
6- مركز المعجم، فقه ابن أبي عقيل العمّاني: 378، 381، المختلف 152:3، السرائر 429:1.
7- الدروس 229:1، مجمع الفائدة 12:4.
8- المبسوط 234:1، تهذيب الأحكام 26:4، المقنعة: 238.
9- الكافي: 164.
10- المهذّب 168:1.
11- الوسيلة: 121، 123.
12- الجامع للشرائع: 137.

ذهب إليه أكثر أصحابنا(1).

ثمّ القائلون بعدم الوجوب بين قائل باستحبابها فيها و هو المشهور، و قائل بعدم الاستحباب أيضا و هو للحلّي(2).

[أدلّة عدم وجوب الزكاة في غلاّت الطفل]

و الأقوى عدم الوجوب، لنا - بعد الأصل - عموم ما تقدّم(3) من الروايات المصرّحة «بأنّه ليس في مال اليتيم زكاة» المتناولة لغلّاته أيضا على ما تقدّم، و خصوص ما رواه عليّ بن الحسن عن حمّاد عن حريز عن أبي بصير «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سمعه يقول:

ليس في مال اليتيم زكاة و ليس عليه صلاة و ليس على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة و إن بلغ(4) فليس عليه لما مضى زكاة و لا عليه لما يستقبل حتّى يدرك و إذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة و كان عليه مثل ما على غيره من الناس»(5).

و قد وصفها بعضهم بالموثّقة باعتبار عليّ بن الحسن بناء على كون أبي بصير هو الثقة، و لو كان فيها قصور أو ضعف بناء على اشتراك أبي بصير بين الثقة و الضعيف كما طعنها به في المدارك(6) لانجبر بالشهرة و عمل الأكثر.

و القدح في دلالتها بأنّ النفي الوارد على العامّ يفيد رفع الإيجاب الكلّي و نحن نسلّم أنّه ليس على جميع غلاّته الزكاة بل الزكاة إنّما هو على الغلاّت الأربعة دون سائر الحبوب.

يدفعه أوّلا: ما حقّق في الاصول من عدم الفرق في إفادة عموم السلب بين النفي الوارد على العامّ و عكسه.

و ثانيا: إنّ صرف النفي إلى سائر الحبوب غير الغلاّت الأربعة، يأباه التمثيل للغلاّت

ص: 25


1- الناصريّات: 281.
2- السرائر 430:1، 431 و 441.
3- تقدّم تخريجها في: 18، 19.
4- و في المصدر هكذا: «... و إن بلغ اليتيم فليس...».
5- تقدّم تخريجها في ص 18، الهامش: 6.
6- المدارك 21:5.

المنفيّ عنها الزكاة بالنخل و الزرع و الغلّة، فإنّ هذه الأمثلة ليست إلاّ الغلاّت الأربعة و هي مورد النفي لا غير.

و عن أهل القول بالوجوب الاحتجاج بعموم ما دلّ على ثبوت الفريضة في كلّ من الأجناس المقدّرة من نحو قوله عليه السّلام: «في خمس من الإبل شاة»(1) و «فيما سقت السماء العشر و فيما سقت الأرض نصف العشر»(2) و غيره. و عن المناهل أنّه يعضده نحو قوله تعالى: وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ (3) فإنّه أعمّ من أن يكون زكاة نفسه أو زكاة المولّى عليه(4) و عن الشيخ الاحتجاج بما رواه في التهذيب في الصحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم: «عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّهما قالا: مال اليتيم ليس عليه في العين و الصامت شيء، فأمّا الغلاّت فإنّ عليها الصدقة واجبة»(5).

و لا خفاء في ضعف الجميع، أمّا ما دلّ على ثبوت الفريضة الخ، فلمنع العموم المتوهّم في نحو هذه الخطابات، لكونها مجملات باعتبار ورودها مورد بيان حكم آخر و هو مقدار الزكاة الثابتة في الأجناس المذكورة، أو أصل وجوبها فيها من غير نظر إلى من تجب عليه، أو في ماله تخصيصا و تعميما، فلا إطلاق فيها بالقياس إلى غير مورد الحكم الّذي سيقت المطلقات لبيانه.

و أمّا الآية(6) فلاختصاص الخطاب بالبالغين، مع ظهوره في كون المخاطب مالكا

ص: 26


1- الوسائل 108:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الفقيه 23:2، تهذيب الأحكام 20:4، الاستبصار 19:2.
2- لا يوجد نصّ هذه الرواية في المصادر الإماميّة، و الروايات كلّها يعيّن كيفيّة السقاية على مصاديقها: الفقيه 35:2، الاستبصار 14:2، تهذيب الأحكام 13:4، الوسائل 177:9، أبواب زكاة الغلاّت، مستدرك الوسائل 88:7، ب 3 من أبواب زكاة الغلاّت.
3- البقرة: 43، 83، 110.
4- السيّد محمد بن علي الطباطبائي، المعروف بالمجاهد، المناهل: 14 ب، مكتبة أية اللّه النجفي المرعشي، النسخة المخطوطة، رقم المسلسل: 9759.
5- تهذيب الأحكام 13/29:4.
6- البقرة: 43، 83 و 110.

للنصب، و عدم شائبة عموم فيه للأولياء، و لو سلّم عدم ظهوره في المالك نفسه، فلا أقلّ من منع ظهوره في العموم فيكون من هذه الجهة مجملا، باعتبار وروده أيضا لبيان أصل وجوب إخراج الزكاة على البالغين مع السكوت عن التعميم و التخصيص بالقياس إلى المالك و الوليّ .

و أمّا الرواية(1) فهي و إن كانت صحيحة غير أنّها تتوهّن تارة جهة صدورها لموافقتها مذهب العامّة على ما حكي، فعن المصابيح: «أنّ المعروف من مذهب جمهورهم و عمل سلاطينهم أخذ الزكاة من غلاّت الأيتام»(2) و عن منتهى العلاّمة نسبة القول بثبوت الزكاة في غلاّت اليتيم إلى فقهاء الجمهور(3) و قد اشير إليه في الخبر المتقدّم عن: «أبي الحسن عن أبيه عليهما السّلام قال: كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم، ليس عليه زكاة»(4). و عليه فيقوى في الصحيحة(5) احتمال خروجها مخرج التقيّة، و لا يقدح فيه عدم(6) وجود القول بعدم الوجوب أيضا بينهم على ما قيل(7) أو عن الخلاف من أنّ أبا حنيفة و أصحابه قد وافقوا على نفي وجوب الزكاة في مال اليتيم مطلقا(8) و عن التذكرة(9) أنّ به قال ابن شبرمة(10) و الحسن البصري(11) و سعيد بن المسيّب(12) و سعيد ابن جبير(13) و أبو واثل(14) و النخعي(15) و أصحاب(16) الرأي لجواز تحقّق موجب التقيّة للإمام المسئول أو للسائل بالقياس إلى القول بالوجوب بأن كان من أهل هذا القول حاضرا في مجلس صدور الخطاب لو كانت التقيّة قوليّة راجعة إلى المسئول، أو كان السائل ممّن يعاشر طائفة من أهل هذا المذهب لو كانت التقيّة فعليّة راجعة إلى السائل.

ص: 27


1- الرواية المنقولة عن تهذيب الأحكام في احتجاج الشيخ.
2- المصابيح (المخطوطة): 140.
3- المنتهى 472:1.
4- الوسائل 9/86:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، تهذيب الأحكام 4/27:4، ب: أمّا الذى يدلّ على أنّه لا زكات في مال اليتيم.
5- الوسائل 2/83:9، الكافي 5/541:3، تهذيب الأحكام 13/29:4.
6- يبدو أنّ هذه الكلمة زائدة.
7- لعلّ القائل بها هو العلاّمة في التذكرة 11:5، المسألة 5.
8- الخلاف 40:2.
9- التذكرة 11:5.
10- المغني 493:2.
11- المغني 493:2.
12- المجموع 331:5. (16،15،14،13) المجموع 331:5، الميزان 3:2، فتح العزيز 517:5، حلية العلماء 10:3، المبسوط 2: 262، اللباب 137:1.

كما تتوهّن اخرى دلالتها على الوجوب، إذ ليس فيها إلاّ لفظ «واجبة» و ظهوره في المعنى المرادف للفرض محلّ منع:

إمّا لعدم وضوح ثبوت هذا الظهور للراوي في عرف زمان الخطاب باعتبار عدم ثبوت كونه ثمّة حقيقة شرعيّة أو متشرّعة في المعنى المذكور، مع شيوع إطلاقه ثمّة على الثبوت أو الاستحباب أو تأكّده كما يرشد إليه استقراء الأخبار.

أو لإعراض المعظم عن الأخذ بهذا الظاهر.

أو لأنّ قوله عليه السّلام: «و ليس على جميع غلاّته»(1) الخ أظهر في نفي الوجوب عن الغلاّت الأربع من لفظ «واجبة» في المعنى المرادف للفرض، فوجب الخروج عن هذا الظاهر تقديما للأظهر عليه.

لا يقال: قضيّة صحّة سند الصحيحة وجوب ترجيحها على الموثّقة(2) لأنّ ذلك(3)إنّما يسلّم حيث لم يكن مرجّح دلالتي، و أمّا مع وجودها فلا يلتفت إلى المرجّحات السنديّة على ما حقّق في محلّه. و من طريق البحث يظهر أنّ الأقوى في الخلاف الثاني بالنسبة إلى الاستحباب و عدمه هو القول بالاستحباب، حملا للفظ الوجوب في الصحيحة عليه، المعتضدة بالشهرة المتأخّرة و فهم الأكثر فليتدبّر.

المسألة الثالثة: في مواشي الصبيّ :
اشارة

و قد اختلفوا في وجوب الزكاة و عدمها فيها على حذو ما سبق في غلاّته على قولين: فقيل بالوجوب كما عن الشيخ(4) و أتباعه كأبي الصلاح(5) و ابن البرّاج(6) و ابن حمزة(7) و ابن زهرة(8) و ابن سعيد(9) و نسبه السيّد المرتضى إلى أكثر أصحابه(10) و عن

ص: 28


1- الاستبصار 2/31:2، تهذيب الأحكام 29:4، 14/30، الوسائل 11/86:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- أي دلالة الموثّقة على عدم الوجوب أظهر من دلالة الصحيحة على الوجوب.
3- أي رعاية المرجّحات السنديّة في الترجيح و التقديم.
4- المبسوط 234:1.
5- الكافي في الفقه: 164.
6- المهذّب 168:1.
7- الوسيلة: 121.
8- الغنية: 118.
9- الجامع للشرائع: 137.
10- الناصريّات: 281، جمل العلم و العمل: 119، و لكنّ العبارة فيها هي كالتالي: «فقد ذهب أكثر أصحابنا...».

ابن حمزة دعوى الإجماع عليه(1).

و قيل بعدم الوجوب كما هو المشهور(2) بين المتأخّرين بل عليه عامّتهم كما في المدارك(3) و اختاره جماعة من القدماء كالصدوقين(4) و السيّد و الحلّي(5) و ابن أبي عقيل(6).

و الأقوى عدم الوجوب لما تقدّم من الأصل(7) و النصوص(8) المستفيضة المصرّحة بنفي الزكاة عن مال اليتيم المتناولة بإطلاقها لمواشيه مع عدم وجود ما ينافيها في النصوص كما صرّح به جماعة(9) من الفحول، بل ليس على القول بالوجوب وجه

(الف) المراسم: 128.

(ب) السرائر 430:1-431 و 441.

(ج) المختلف: 152:3.

(د) المختلف: 152:3.

(ه) الناصريّات: 281 و جمل العلم و العمل: 119.

(و) المقنعة: 238، المبسوط 234:1.

(ز) الكافي في الفقه: 165.

(ح) المهذّب 168:1.

ص: 29


1- لم نعثر عليه في الوسيلة.
2- و العجب عن المحقّق السبزواري في الذخيرة: 421، يدّعي ما يناقض كلام المؤلّف هنا، إليك نصّ عبارة الذخيرة: الخامس: اختلف الأصحاب في وجوب الزكاة في غلاّت الطفل و مواشيه و المشهور بين المتأخّرين الوجوب و إليه ذهب سلاّر (الف) و ابن ادريس (ب) و نقله عن ابن الجنيد (ج) و ابن أبي عقيل (د) و السيّد المرتضى (ه) و أوجب الشيخان (و) و أبو الصلاح (ز) و ابن البرّاج (ح) الزكاة في غلاّت الأطفال و المجانين و مواشيهم و قال السيّد المرتضى في المسائل الناصريّة: «و الصحيح عندنا أنّه لا زكاة في مال الصبيّ من العين و الورق و امّا الزرع و الضرع فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنّهم يأخذوا منهم الصدقة و الأقرب الأوّل لعموم الأخبار السابقة...» و لكن بعد الرجوع إلى كلامهم، يظهر لنا، أنّهم لم يكونوا جازما لهذا المعنى، لأنّهم يضعون البحث عنها في مقام الردّ و الإبرام و لا يلوح الميل إلى الوجوب أبدا من عبائر: سلاّر، ابن ادريس، ابن الجنيد، ابن أبي عقيل، و السيد المرتضى، و لذلك يبدو ارتكاب التقيّة منهم و الغفلة من الذخيرة. و اللّه أعلم.
3- المدارك 22:5.
4- فقه الرضا: 196 و 198 و 332، الفقيه 16:2، المختلف 152:3.
5- السرائر 430:1، 431، 441.
6- المختلف 152:3، السرائر 429:1.
7- تقدّم في: ص 17.
8- تقدّم تخريجها في: ص 18 و 19.
9- المعتبر 486:2، الركن الأوّل، من يجب عليه و 593، زكاة الفطرة، المختلف 152:3-153، البيان: 165، شرح اللمعة 11:2-12، جامع المقاصد 5:3، مجمع الفائدة 8:4، 9.

يعتمد عليه إلاّ أمران:

[أدلّة الوجوب و ردّه]

أحدهما: عموم ما دلّ على ثبوت الفريضة في المواشي كقوله: «في خمس من الإبل شاة» و نحوه، و قد ظهر ممّا بيّنّاه سابقا(1) ضعفه.

و ثانيهما: الإجماع المركّب فيما بين الغلاّت و المواشي بتقريب أنّ كلّ من قال بالوجوب في الأوّل قال به في الثاني، و كلّ من نفاه في الثاني نفاه في الأوّل، و المفروض دلالة النصّ الصحيح على وجوبها في الأوّل فيثبت في الثاني بالإجماع المركّب.

و يزيّفه - بعد تسليم أصل الإجماع - أنّه إنّما يستقيم على القول بالوجوب في أحد شطريه، و هو عندنا محلّ منع كما تقدّم. و أمّا الإجماع المنقول المحكيّ عن ابن حمزة(2)حسبما عرفت، فهو موهون أوّلا: بوجود المخالف كالجماعة المتقدّمة من القدماء(3)و قد أشار إلى وجوده أيضا السيّد في كلامه المتقدّم(4) حيث نسب القول بالوجوب إلى أكثر أصحابه مؤذنا بوجود المخالف، هذا مع مخالفة المتأخّرين له، فيخرج بهذا كلّه عن صلاحية الاستدلال لأنّه إنّما يكون حجّة حيث أوجب الظنّ الاطمئناني لا مطلقا.

و على المختار فهل تستحبّ الزكاة أو لا؟ قولان، ثانيهما المشهور، و ذهب جماعة(5) من منكري الوجوب إلى نفي الاستحباب أيضا تبعا للجماعة المتقدّمة(6) من القدماء، و لم نقف في النصوص على ما يمكن التمسّك به على الاستحباب كما اعترف به جماعة(7) أيضا، مع أنّه كالوجوب حكم شرعي يحتاج إلى دليل و لم نقف لأصل القول به على دليل سوى أمرين:

ص: 30


1- سبق في: 26.
2- لم نعثر عليه في الوسيلة.
3- أشيرت إليها في: 22.
4- تقدّم تخريجها في: 25 الهامش: 1.
5- الذخيرة: 421، المعتبر 486:2، المدارك 22:5.
6- تقدّمت في ص 24.
7- المدارك 22:5، المعتبر 488:2، الذخيرة: 421.
[عدم استحباب الزكاة في مواشي الصبيّ ]

أحدهما: الإجماع المركّب و عدم القول بالفصل بين غلاّت الطفل و مواشيه في الوجوب و الاستحباب.

و فيه منع واضح.

و ثانيهما: قاعدة التسامح(1) في أدلّة السنن بناء على عموم: «من بلغه فتوى الفقيه» و إن كان واحدا فضلا عن الأكثر، و منع ذلك أوضح لاشتراط انتفاء احتمال الحرمة الذاتيّة في جريان هذه القاعدة، و احتمالها من جهة عموم حرمة التصرّف في مال الغير و لا سيّما الأيتام قائم في المقام و معه لا مجرى للقاعدة. فالأقوى هو القول بعدم الاستحباب، للأصل، و عدم الدليل عليه، مع أنّه أحوط.

تذنيب: لا ينبغي التأمّل في تناول اليتيم في النصوص و الطفل(2) و الصبيّ في الفتاوى للمولود المنفصل بجميع أصنافه من الرضيع و الفطيم(3) و الصبيّ المميّز و غيره إلى أن يبلغ و هل يعمّ الحمل أو لا؟ قولان: أقواهما الثاني وفاقا للمسالك(4) و لعلّه للأكثر، بل عن المسالك: «إنّ بعض الأصحاب ادّعى عليه الإجماع» لا لعدم صدق هذه الألفاظ عليه حقيقة بل لعدم انصراف مطلقات الباب إليه، فلا تجب إخراج الزكاة عن ماله مطلقا و لا تستحبّ له أيضا.

و العجب أنّ السيّد في المناهل(5) استقرب القول الأوّل استنادا إلى أنّ لفظ «الطفل» في معظم كتب الأصحاب كالشرائع(6) و النافع(7) و المعتبر(8) و المنتهى(9) و التحرير(10)

ص: 31


1- الكافي 87:3، الوسائل 80:1 يدلّ عليه جميع روايات الباب.
2- القاموس 7:4، مادّة: الطفل بالكسر: الصغير من كلّ شيء أو المولود.
3- مجمع البحرين 414:3، مادّة: ف ط م: الفطيم ككريم هو الّذي انتهت مدّة رضاعه.
4- المسالك 358:1، قال في هامشها: المراد بالطفل، هنا المنفصل فلا وجوب و لا استحباب في الحمل، بل ادّعى عليه بعض الأصحاب الإجماع و في البيان احتمل انسحاب الحكم فيه مراعى بانفصاله حيّا.
5- المناهل: 5 الف، النسخة المخطوطة الرقم: 9759.
6- الشرائع 105:1 و 124.
7- المختصر النافع: 63.
8- المعتبر 488:2-489.
9- المنتهى 471:1-472.
10- التحرير 1، 57.

و المختلف(1) و القواعد(2) و الإرشاد(3) و البيان(4) و جامع المقاصد(5) و الكفاية(6) و غيرها مطلق يعمّ حقيقة عرفا و لغة «للحمل» كلفظ «اليتيم» في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(7) و استدلّ عليه بأمارات الحقيقة من: تبادر القدر المشترك، و عدم صحّة السلب، و صحّة الاستعمال في الحمل، مع وجود القدر المشترك القريب، و صحّة الاطّراد، و صحّة التقسيم، و التقييد بالقيدين و استثناء الحمل، و حسن الاستفهام منه.

و التقييد خلاف الأصل و لم يقم عليه دليل، و لا يمكن دعوى تبادر غير الحمل من اللفظين المذكورين للمنع منه باعتبار فقد الدليل... إلى آخر ما ذكره.

فإنّ شيئا ممّا ذكره لا ينافي ما ذكرناه من منع انصراف مطلقات الأدلّة، و هذا ليس من التقييد ليطالب بدليله و ينفي احتماله بالأصل، فليتدبّر.

ثمّ ليعلم أنّا و إن استقصينا(8) الكلام في زكاة أموال الأطفال وجوبا و استحبابا و عدمهما إلاّ أنّه أهملنا البحث في جهة مهمّة متعلّقة بالاتّجار بمال الطفل حيث إنّا قيّدناه في مسألة استحباب الزكاة في نقديه(9) بكون المتّجر «وليّا» غير أنّ النصوص المعلّقة للزكاة في ماله بالاتّجار مطلقة من هذه الجهة، و لكن كلام كثير من الأصحاب في هذا المقام مشتمل على تفصيل اخذ فيه أقسام مختلفة الأحكام يتفرّع عليها فروع مهمّة:

[الاتّجار بمال الطفل و بيان أقسامها الاولى و الثانية]

و بيان هذه الأقسام على وجه تنضبط هو أنّ المتّجر في مال الطفل إمّا أن يكون هو الوليّ أو غير الوليّ ، و على التقديرين إمّا أن يكون مليّا أو غير مليّ ، و على التقادير إمّا أن يتّجر للطفل أو لنفسه بعد أن يضمنه - و هو أن ينقله إلى نفسه بناقل شرعي كالاستقراض و نحوه - و لاستعلام أحكام هذه الأقسام و التوصّل إلى الفروع المتفرّعة

ص: 32


1- المختلف 151:3، 152.
2- القواعد 329:1، 330.
3- الإرشاد 278:1.
4- البيان: 276.
5- جامع المقاصد 5:3.
6- كفاية الأحكام: 34.
7- الوسائل 1/87:9، ب: 2 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الكافي 3/541:3.
8- تقدّم في: 17 و ما بعدها.
9- تقدّم في: 20، تحت العنوان: و اخراهما...

عليها نتكلّم في أربع مسائل:

المسألة الاولى: فيما لو كان المتّجر وليّا و اتّجر للطفل لا لنفسه، فإن كان مليّا فهو القدر المتيقّن من مورد النصوص الآمرة بالزكاة في مال تجارة المولّى عليه. و بالجملة هذا العنوان يتعلّق به أحكام لا مناص من التكلّم فيها:

أحدها: استحباب الزكاة في هذا المال، و قد تقدّم(1) البحث عنه مستقصى.

و ثانيها: كون الربح الحاصل في هذا المال المتّجر به للطفل المولّى عليه كما نصّ عليه جماعة من أساطين الطائفة(2) بل الظاهر كونه وفاقيّا، بل ينبغي دعوى الضرورة في الإجماع عليه. و يدلّ عليه عموم القاعدة(3) المجمع عليها أيضا من حيث كون الربح زيادة حصلت في مال المولّى عليه فيتبعه في الملك، و خصوص المستفيضة المصرّحة بكونه لليتيم الّتي تقدّم(4) ذكر أكثرها في المباحث المتقدّمة و ستسمع جملة من ذلك.

و ثالثها: في أنّه إذا حصل خسران في ذلك المال من غير تفريط و تقصير من الوليّ فهل هو على المولّى عليه كما كان الربح له، أو على الوليّ فيضمن و نحوه ما لو تلف المال جميعا؟ قولان: صار إلى ثانيهما جماعة من القدماء كالمقنعة(5) و الوسيلة(6)و المراسم(7) على ما حكي، و إلى أوّلهما صاحب التنقيح(8) على ما حكي أيضا، و يظهر اختياره من صاحب الذخيرة(9) ناسبا له أيضا إلى الشيخ(10) و غيره، و استقربه السيّد في

ص: 33


1- تقدّم في: ص 20.
2- البيان: 165، جامع المقاصد 5:3، مجمع الفائدة 15:4، المسالك 355:1، 356، النهاية: 174، 175، الوسيلة: 279، الغنية: 128، السرائر 441:1، المنتهى 472:1.
3- العناوين 125:2، المسالك 363:4 و 258:8.
4- تقدّم تخريجها في: ص 19.
5- المقنعة: 237.
6- الوسيلة: 121 و لكن ظاهر كلامه ينصرف عمّا حكي عنه.
7- لم نعثر على كلام له بهذا المعنى.
8- التنقيح 295:1، عبارته ليس صريحا و من الممكن استفادة هذا المعنى من إطلاق عبارته.
9- الذخيرة: 422.
10- الاستبصار 6/30:2، التهذيب 28:4، 11/29، الفقيه 16:2، أشار إليها في نهاية الحديث: 1599، الوسائل 6/89:9 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

المناهل(1) و لعلّه خيرة أكثر المتأخّرين(2) بل كافّتهم. و هو الأقوى، لأصالة البراءة، و عموم قوله تعالى: مٰا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (3) و خصوص ما رواه الشيخ في المعتبر كالصحيح عن الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم و هو وصيّه أ يصلح له أن يعمل به ؟ قال عليه السّلام: نعم يعمل به كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما قال: قلت: فهل عليه ضمان ؟ قال عليه السّلام: لا إذا كان ناظرا له»(4).

و قيل في وصف سند الرواية أنّ ابن محبوب ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و ابن جرير ممدوح، و ابن أبي الربيع غير موثّق و لكن له كتاب يرويه ابن مسكان(5) و لأجل كون ابن محبوب من أصحاب الإجماع على التصحيح، كانت الرواية كالصحيح في الاعتبار و إن لم تصر بذلك صحيحة بحسب الاصطلاح المتأخّر، بناء على أن يكون المراد من الإجماع على التصحيح، الإجماع على ترتيب آثار الصحّة، و هو كاف في الحجّية و وجوب القبول و إن لم يفد الإجماع المذكور عدالة الوسائط الّذين بين ابن محبوب و الإمام عليه السّلام.

و بما بيّنّاه يندفع المناقشة فيها بما في المناهل من الاستشكال في جواز الاستناد إلى رواية أبي الربيع: «لضعف سندها فإنّ إجماع العصابة على التصحيح لا يقتضي عدالة جميع الوسائط الّتي هي بعد الحسن، و كذا مجرّد مدح خالد لا يفيد توثيقه، و كذا مجرّد رواية ابن مسكان لكتاب أبي الربيع لا يفيد توثيقه»(6) انتهى.

ص: 34


1- المناهل: 6 ب، النسخة المخطوطة، الرقم: 9759.
2- المنتهى 472:1، مجمع الفائدة 15:4، الذخيرة: 422، البيان: 165، السرائر 441:1، المعتبر 2: 487، لا يخفى أنّ عبائر أكثر هؤلاء الفقهاء ليست صريحة في ذلك و لكن يستفاد عدم الضمان في هذا القسم من إطلاق الضمان فيما لو اتّجر الوليّ لنفسه.
3- التوبة: 91.
4- التهذيب 11/28:4، الوسائل 6/89:9، ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
5- لم نعثر على هذا الكتاب إلاّ ما حكاه النجاشي و الفقهاء الخاصّة عن وجوده و رواية ابن مسكان منه، إليك نصّ عبارة النجاشي: «أبو الربيع الشامي الغزي روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و له كتاب يرويه عبد اللّه بن مسكان...».
6- المناهل: 6 ب، 7 الف، الرقم: 9759، المخطوطة.

هذا، و يعضدها عموم قاعدة نفي السبيل(1) عن المحسن المستفادة من قوله تعالى:

مٰا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (2) .

نعم يعارضها عدّة روايات الدالّة بعمومها على الضمان:

كصحيحة زرارة و بكير: «عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ليس على مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به، فإن اتّجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال»(3).

و صحيحة الحلبي: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: في مال اليتيم عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام:

إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة، فإذا عملت به فأنت له ضامن و الربح لليتيم»(4).

و رواية سعيد السمّان قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به، فإن اتّجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الّذي يتّجر به»(5) و هي و إن كانت عامّة للوليّ و غير الوليّ غير أنّ رواية أبي الربيع خاصّة بالوليّ فبها تخصّص العمومات بغير الوليّ .

[اجرة عمل المتولّي لمال اليتيم]

و رابعها: إنّ الوليّ المتّجر بمال الطفل هل يستحقّ بإزاء عمله شيئا من الربح أو من صلب المال أو لا؟ فيه تفصيل: فإن كان متبرّعا في اتّجاره فليس له أن يأخذ منه شيئا، و إن لم يكن متبرّعا فإن قصد باتّجاره العمل فيه بطريق المضاربة فله من الربح على حسب ما شرطه لنفسه و لو نصفه، لا من صلب المال لمكان قوله عليه السّلام في رواية أبي الربيع:

«و الربح بينهما»(6) مع ظهورها في العمل بطريق المضاربة حيث عبّر بقوله عليه السّلام: «يعمل به كما يعمل بمال غيره» و إن لم يقصد به العمل بطريق المضاربة فهو محلّ الكلام.

ص: 35


1- المعروف بقاعدة الإحسان (القواعد الفقهية 9:4).
2- التوبة: 91.
3- الفقيه 1599/16:2، الوسائل 8/89:9، ب 2 من أبواب من تجب.
4- الكافي 1/540:3، تهذيب الأحكام 1/26:4، الوسائل 1/83:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
5- الكافي 6/540:3، الاستبصار 1/9:2، تهذيب الأحكام 6/27:4، الوسائل 2/87:9، ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
6- تقدّم تخريجها في: 34.

و قد حكي عن بعض(1) المحقّقين من متأخّري المتأخّرين جواز أخذ الاجرة، و حكي أيضا عن صريح مجمع الفائدة(2) و قوّاه السيّد في المناهل(3) و لعلّه مذهب الأكثر حيث لم نقف على قول بالمنع و لا على حكايته إلاّ ما عن ابن إدريس(4) و الظاهر أنّ المسألة من جزئيّات عنوان: «من يتولّى أموال اليتيم بوصاية» و نحوها المعنون في كتاب الوصيّة المختلف في حكمه من حيث ما يستحقّه الوليّ و مقداره.

فعن الإسكافي(5) و الشيخ(6) و جماعة من المتأخّرين(7) أنّه يأخذ اجرة المثل، و عن الشيخ في النهاية أنّه يأخذ قدر كفايته حيث قال: «فإن اتّجر متّجر بأموالهم نظرا لهم يستحبّ له أن يخرج من أموالهم الزكاة و جاز له أن يأخذ من الربح بقدر ما يحتاج إليه على قدر الكفاية»(8) و هو ظاهره في محكيّ التهذيب قائلا: «و متى كان قصده نظرا لليتيم جاز له أن يأخذ من الربح شيئا ما يكون له بلغة»(9) و عنه في الخلاف(10)و التبيان(11) أنّه يأخذ أقلّ الأمرين من اجرة المثل و قدر كفايته، و حكي نحوه عنه في المبسوط إلاّ أنّه قيّده فيه بالفقر قائلا: «الوليّ إن كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقلّ الأمرين كفايته أو اجرة مثله» (12).

[اعتبار اجرة المثل لعمل المتولّي لمال اليتيم و أدلّته]

فالأقوال بملاحظة الإطلاق و التقييد في قولي الشيخ أربعة، و لكن الأقوى بالنظر إلى القاعدة و الدليل الخاص هو اعتبار اجرة المثل.

أمّا القاعدة فلأنّ اتّجار الوليّ و تولّيه لمال اليتيم عمل للمسلم و هو غير متبرّع

ص: 36


1- جامع المقاصد 301:11-302 و 188:5 و ما بعده.
2- مجمع الفائدة 13:4.
3- المناهل: 7 الف، المخطوطة، الرقم: 9759.
4- السرائر 441:1.
5- المختلف 35:5.
6- الخلاف 179:3، النهاية: 362.
7- المختلف 260:3، مجمع الفائدة 13:4، اللمعة: 157، المسالك 277:6.
8- النهاية: 361.
9- تهذيب الأحكام 29:4.
10- الخلاف 179:3.
11- التبيان 911:3 و 316:4 و لكن لم نعثر في كلامه حول الآيات الشريفة المرتبطة بالأيتام - في سورتي النساء و الأنعام - ما يدلّ على ذلك. (12) المبسوط 163:2.

فيه فيكون محترما فلا يخرج منه بلا عوض، و المعهود من العوض له عرفا إنّما هو اجرة المثل.

و أمّا الثاني(1) فصحيح هشام بن الحكم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّن تولّى مال اليتيم أ له أن يأكل منه ؟ فقال عليه السّلام: ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم، فليأكل بقدر ذلك»(2).

و بهما يخرج عن عموم الآيات الناهية عن قرب مال اليتيم و أكله من نحو قوله تعالى: وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3) و قوله: وَ لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَهُمْ إِلىٰ أَمْوٰالِكُمْ إِنَّهُ كٰانَ حُوباً كَبِيراً (4) و ربما نزّل «المعروف» الوارد في قوله تعالى: وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (5) على اجرة المثل مرادا به قدر اجرة سعيه و كذلك ما في المستفيضة(6) الواردة في تفسير الآية(7).

[المناقشة في الآيات و الروايات]

و فيه نظر بل منع، لظهور الآية و الأخبار المفسّرة لها في قدر الحاجة و الكفاية خصوصا مع ملاحظة ما في صحيحين(8) من تفسير «المعروف» ب «القوت» و يعضده بل يدلّ عليه تقييد النهي عن الأكل بالإسراف في الآية السابقة على هذه الآية من قوله تعالى: وَ لاٰ تَأْكُلُوهٰا إِسْرٰافاً وَ بِدٰاراً أَنْ يَكْبَرُوا (9) بناء على أن يكون المراد بالإسراف:

«المجاوزة عن القصد» في أكل ما يحلّ أكله كما هو المناسب للمقام، لا أكل ما لا يحلّ أكله، و لا إنفاق المال في غير طاعة اللّه.

و عليه فالآية و غيرها من الأخبار المفسّرة لها تعارض ما تقدّم في دليل اجرة

ص: 37


1- ما ذكره المؤلّف تحت العنوان: «أمّا القاعدة» يراد بنفسه الرقم الاولى.
2- تهذيب الأحكام 81/343:6، الوسائل 5/251:17، ب 72 من أبواب كتاب التجارة.
3- الأنعام: 15.
4- النساء: 2.
5- النساء: 6.
6- الوسائل 250:17 ب 72 من أبواب ما يكتسب به.
7- النساء: 6 «و من كان فقيرا فليأكل بالمعروف».
8- تهذيب الأحكام 71/340:6، و 244:9-42/245، الوسائل 1/250:17، ب: 72 من أبواب كتاب التجارة.
9- النساء: 6.

المثل، و يمكن الجمع بإرجاع هذه إلى اجرة المثل من باب الحمل على خلاف الظاهر تقديما للأظهر على الظاهر، أو بحمل ما تقدّم على من لا يستغرق أوقاته بالاشتغال بأموال اليتيم بحيث يشغله ذلك عن السعي في تحصيل القوت له و لعياله، و حمل هذه على صورة الاستغراق، أو بحملهما على اعتبار أقلّ الأمرين.

و لكنّه بعيد في الغاية، و سابقه أظهر منه، بل هو المتعيّن دون أوّل الوجوه، لوجود شاهد عليه في الأخبار المفسّرة كخبر(1) أبي بصير المرويّ عن تفسير العيّاشي عن الصادق عليه السّلام فيها: قال عليه السّلام: «هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية و يشغل فيها نفسه فليأكل منه بالمعروف، و ليس له ذلك في الدنانير و الدراهم الّتي عنده موضوعة»(2).

و خبر زرارة المرويّ عنه أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام فيها: «سأله عنها فقال عليه السّلام: ذلك إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف لنفسه فليأكل بالمعروف من مالهم»(3).

و بقى الكلام في مطالب اخر تتعلّق بالمقام و الموضع المناسب للتعرّض لها باب الوصيّة.

[استحباب الزكاة في مال الطفل يعتبر بحصول الربح أو عدم الخسران ؟]

و خامسها: إنّ تعلّق الزكاة بمال الطفل و استحبابها فيه هل يعتبر فيه حصول الربح فيه بالاتّجار؟ أو يكفي عدم عروض الخسران، أو لا يعتبر ذلك أيضا؟ احتمالات، ربما يوهم الأخير(4) إطلاق النصوص(5) و الفتاوى(6) المعلّقة لاستحباب الزكاة بالاتّجار من دون تقييد له بأحد الأمرين.

و يمكن الذبّ عنه باستظهار اعتبار الربح من تبادر حصوله من إطلاق الاتّجار

ص: 38


1- وسائل الشيعة 252:17، 9/253، ب: 72 من أبواب كتاب التجارة.
2- تفسير العيّاشي 221:1.
3- الوسائل 10/253:17، ب: 72 من أبواب كتاب التجارة.
4- أي استحباب الزكاة في مال الطفل في صورة عدم عروض الخسران.
5- تقدّم تخريجها في: 21.
6- النهاية: 361، الشرائع 105:1، الدروس 229:1، جامع المقاصد 5:3.

المعلّق عليه الحكم، فإنّ المتبادر منه في العرف تبادرا إطلاقيّا ما يستتبع الربح، و يمكن استظهاره أيضا من الفرق الموجود في النصّ و الفتوى بين المال الموضوع في مكان من غير أن يتّجر به بنفي الزكاة عنه و المال المتّجر به بإثبات الزكاة فيه، و هذا الفرق لا بدّ له من فارق و الاتّجار من حيث هو و مع قطع النظر عن لازمه الغالبي لا يصلح فارقا، فوجب كون الفارق هو الربح اللازم من الاتّجار، فهو الّذي علّق عليه حكم الزكاة، و لعلّ الحكمة فيه أن يتدارك به النقص اللازم في المال من إخراج الزكاة منه.

ثمّ الظاهر كفاية حصول الربح في الجملة في أثناء الحول الّذي ابتدأه من حين الشروع في الاتّجار، فليتأمّل في المسألة فإنّا لم نقف من الأصحاب على نصّ في ذلك.

و سادسها: هل يعتبر في جواز اتّجار الوليّ في مال الطفل المولّى عليه كونه مليّا أو لا؟ و الحقّ أنّ هذا البحث ممّا استغني عنه، لأنّ الملاءة إنّما تعتبر في صورة ضمان الوليّ ، و هو: أن ينقل مال الطفل إلى نفسه بناقل شرعي من استقراض و نحوه فيعتبر كونه مليّا ليظهر فائدته عند ردّ المال المضمون و تفريغ الذمّة.

و لا ضمان فيما نحن فيه، إذ المفروض اتّجار الوليّ للطفل لا لنفسه، و قد عرفت أنّه مع الخسران أو تلف المال أيضا لم يضمن إذا لم يكن مفرّطا، و حينئذ فلا فائدة في اعتبار الملاءة هاهنا، و لذا أطلق الأصحاب جواز اتّجار الوليّ و تعلّق الزكاة بالمال المتّجر به، و عليه فلا فرق في الوليّ الّذي يتّجر بمال الطفل بين المليّ و غيره.

[في اتجار الوليّ للطفل هل يعتبر المصلحة أو يكفي عدم المفسدة ؟]

و سابعها: هل يعتبر في جواز اتّجار الوليّ اشتماله على مصلحة تعود إلى الطفل المولّى عليه فيجب مراعاته عند كلّ اتّجار، أو يكفي فيه عدم المفسدة، أو لا يعتبر ذلك أيضا؟ أو يفرّق في الأولياء بين الأب و الجدّ فيكفي فيهما عدم المفسدة، و بين غيرهما فيعتبر فيه المصلحة ؟ احتمالات، لا يبعد دعوى كون الأكثر على اعتبار المصلحة مطلقا، بل هذا من جزئيّات مطلق تصرّفات الوليّ في مال المولّى عليه الّذي تكلّموا في كون جوازه منوطا بالمصلحة و عدمه.

ص: 39

و الظاهر أنّ الأوّل(1) مذهب الأكثر فعن الشيخ في المبسوط: «و من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة: الأب و الجدّ للأب و وصيّ الأب و الجدّ و الحاكم و من يأمره» ثمّ قال:

«و كلّ هؤلاء الخمسة لا يصحّ تصرّفهم إلاّ على وجه الاحتياط و الحظّ للصغير لأنّهم إنّما نصبوا لذلك، فإذا تصرّف فيه على وجه لا حظّ فيه كان باطلا لأنّه خلاف ما نصب له»(2) و عن الحلّي في السرائر: «لا يجوز للولي التصرّف في مال الطفل إلاّ بما يكون فيه صلاح المال و يعود نفعه إلى الطفل دون المتصرّف فيه و هذا الّذي يقتضيه اصول المذهب»(3). و حكى التصريح به عن المحقّق(4) و العلاّمة(5) و الشهيدين(6) و المحقّق الثاني(7) و غيرهم، و عن الفاضل الهندي في شرح الروضة(8) أنّ المتقدّمين عمّموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء، و عن مفتاح الكرامة(9) استظهر من عبارة العلاّمة في باب الحجر من التذكرة(10) نفي الخلاف في ذلك بين المسلمين، بل قيل إنّه تبعا لشيخه في شرح القواعد(11) استظهر الإجماع على إناطة جواز تصرّف الوليّ بالمصلحة، و لكنّه مع ذلك نسب إلى الشيخ المشار إليه في شرح القواعد اختيار التفصيل المتقدّم، و تبعه شيخنا قدّس سرّه في الجواهر(12) و شيخنا الآخر رفع مقامه في متاجره(13).

و تحقيق المقام يقتضي النظر أوّلا في مقتضى الاصول، ثمّ في مقتضى القواعد، ثمّ النظر في أنّه هل خرج منها شيء أو لا؟

فنقول: إنّ مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على مال غيره و نفسه مطلقا، و خرج منه بأدلّة الولاية المقرّرة في محلّها: الأب و الجدّ و الوصيّ لأحدهما و الحاكم و أمينه و عدول

ص: 40


1- أي كفاية عدم المفسدة.
2- المبسوط 200:2.
3- السرائر 441:1.
4- المعتبر 487:2، المختصر النافع: 53، الشرائع 333:2-334 و 408، 778:4.
5- التحرير 102:1 و 164 و 220، نهاية الأحكام 299:2 و 480، القواعد 125:1، الإرشاد 360:1.
6- المسالك 166:3 و 34:4، 35 و 136:5، الدروس 197:2، 327 و 318:3، 403، اللمعة الدمشقيّة: 118، 138.
7- جامع المقاصد 5:3 و 87:4 و 72:5 و 188 و 368:6.
8- المناهج السويّة: النسخة المخطوطة، الرقم: (مسلسل) 9267.
9- مفتاح الكرامة 89:16، 90.
10- التذكرة 80:2.
11- شرح القواعد 140:2.
12- الجواهر 20:15 و 332:22 و 297:28 و غيرهما.
13- المكاسب 536:3 و ما بعده.

المؤمنين عند تعذّر الحاكم بالقياس إلى اليتيم بل مطلق الطفل، ثمّ قضيّة الأصل المذكور بالنسبة إلى تصرّفات الوليّ - المرخّص فيها بمقتضى أدلّة الولاية - هو الاقتصار على القدر المتيقّن من محلّ الرخصة، و ليس إلاّ ما اشتمل على المصلحة فضلا عن اعتبار خلوّه عن المفسدة.

و يوافقه في اعتبار الخلوّ عن المفسدة صحيحة أبي حمزة الثمالي: «عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنت و مالك لأبيك. ثمّ قال عليه السّلام: لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه إنّ اللّه لا يحبّ الفساد»(1). فإنّ التعليل لمورد الرواية بعدم محبّة الفساد المفيد للتحريم يقضي بعموم المنع من الفساد في مال المولّى عليه.

[الاستدلال على اعتبار المصلحة بالآية الشريفة: وَ لاٰ تَقْرَبُوا ]

و في اعتبار المصلحة قوله تعالى: وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (2)و لكن استفادة هذا المطلب من الآية يستدعي التعرّض لبيان الاحتمالات الجارية فيها ثمّ ترجيح بعضها على بعض فنقول: إنّ «القرب» المنهيّ عنه يحتمل لمعان:

أحدها: أن يراد به التصرّفات الوجوديّة في مال اليتيم معامليّة موجبة للنقل و الانتقال و غيرها.

و ثانيها: خصوص التصرّفات المعامليّة الموجبة لهما من بيع أو صلح أو إجارة أو استقراض أو نحو ذلك.

و ثالثها: وضع اليد على مال اليتيم ممّن كان بعيدا منه على معنى إدخاله تحت اليد بعد أن لم يكن له عليه يد.

و رابعها: مطلق الأمر الاختياري المتعلّق بمال اليتيم من فعل أو ترك، و معنى الآية حينئذ: لا تختاروا في مال اليتيم أمرا اختياريّا فعلا أو تركا، و الفرق بين هذا المعنى

ص: 41


1- الكافي 3/135:5، أصل الحديث في المصدر هكذا: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام: و ما احبّ له أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه، أنّ اللّه لا يحب الفساد» الوسائل 2/263:17، ب 78 من أبواب ما يكتسب به، الاستبصار 2/48:3، تهذيب الأحكام 83/343:6.
2- الأنعام: 152.

و المعاني الاخر: أنّ النهي على هذا المعنى يتناول ترك التصرّف في مال اليتيم أيضا و إبقاءه على حاله أو عند شخص، فلا يجوز شيء من ذلك إلاّ بالطريقة الّتي هي أحسن بخلاف غيره من المعاني الاخر، فلو دار الأمر على المعنى الأخير بين بيعه أو تركه أو بين نقله من مكان إلى آخر أو إبقائه على حاله كان جواز كلّ من ذلك منوطا بكونه أحسن من الآخر.

و لفظ «الأحسن» يحتمل لأن يراد منه التفضيل كما هو حقيقة أفعل التفضيل، و لأن يراد منه معنى الحسن و هو المعنى الوصفي المعرّى عن التفضيل.

و على الأوّل: فإمّا أن يراد به أفضليّة التصرّف الخاص بالإضافة إلى تركه خاصّة، أو يراد به الأفضليّة بالإضافة إلى غيره من تركه أو سائر التصرّفات الوجوديّة.

و على الثاني: فإمّا أن يراد به ما فيه مصلحة، أو يراد به ما لا مفسدة فيه بملاحظة أنّ من معاني «الحسن» ما لا حرج في فعله، على ما ذكر في محلّه(1).

[أقرب المحتملات في الآية الشريفة]

و الأظهر من محتملات «القرب» هو الاحتمال الأوّل لأنّه المتبادر في متفاهم العرف من نحو تركيب الآية و نظائرها، كما أنّ الظاهر من محتملات «الأحسن» هو التفضيل بالنسبة إلى كلّ ما عدى المفضّل، أعمّ من تركه و من سائر التصرّفات الوجوديّة. أمّا ظهور أصل التفضيل فلأنّه المعنى الحقيقي فلا يصرف عنه من غير صارف إلى غيره لأصالة الحقيقة، و أمّا ظهور كونه بالقياس إلى كلّ ما عدى المفضّل فلإطلاق ورود «أفعل» في الكلام و عدم تقييده بقيد عدمي و لا وجودي. و أمّا سائر محتملات «القرب» فبعيدة عن اللفظ خصوصا الاحتمال الأخير و بعده الاحتمال الثالث.

و عليه فلو باع مال اليتيم بعشرة دراهم لمصلحة في أصل المبايعة ثمّ أراد تبديل الدراهم بالدينار بطريق بيع الصرف و لم يكن في هذا التبديل مصلحة أصلا على معنى

ص: 42


1- يبدو أنّه نقل المؤلّف عن شيخه، الأنصاري: المكاسب 575:3، و لكن لم نظفر على قائله المنسوبة إليه.

مساواة الدراهم و الدينار بالإضافة إلى حال اليتيم و عدم اشتمال أحدهما على مصلحة، لم يكن هذا التبديل جائزا. نعم لو فرض أنّه في ابتداء البيع تردّد بين البيع بالدراهم و البيع بالدينار مع وجود المصلحة في أصل البيع و تساوي الفردين و عدم اشتمال أحدهما على مزيّة تخيّر بينهما، لأنّ القدر المشترك بين الفردين المتساويين إذا كان جائزا فهو يقتضي التخيير بينهما في الوجود الخارجي.

و أمّا لو باعه بعشرة دراهم لمصلحة فيه ثمّ ظهر أنّ في تبديل الدراهم بالدينار مصلحة اخرى جاز ذلك التبديل.

و لو ظهر له من حين البيع أنّ في أصل بيعه مصلحة، و في بيعه بالدينار مصلحة اخرى زائدة على مصلحة أصل البيع، فهل لا يجوز بيعه إلاّ بالدينار تحصيلا لمصلحة الفرد الزائدة على مصلحة الجنس، أو يجوز بيعه بالدراهم أيضا اكتفاء بمصلحة الجنس ؟ وجهان: من اعتبار التفضيل بالقياس إلى غير المفضّل مطلقا، و من اعتباره بالنسبة إلى تركه فقط. و قد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل.

و من ذلك ظهر الحكم في الفرع الآخر و هو: ما لو كان لليتيم دار كان بيعها و أخذ الثمن و الاسترباح منه لصرف الربح في مصارفه مصلحة له، و كان إبقاؤها على حالها ثمّ إجارتها لأن يصرف وجه الإجارة في مصارفه أيضا مصلحة له، مع كون ذلك أصلح له على معنى اشتماله على مزيّة و مصلحة زائدة على مصلحة البيع، كان ذلك متعيّنا لأنّه «أحسن» من البيع فلم يجز البيع.

[بيان القاعدة الكلّيّة المستفادة من الآية الشريفة]

و بالجملة فاستفيد من الآية(1) الشريفة: أصل كلّي و قاعدة كلّية و هو: أنّ جواز التصرّف في مال اليتيم كائنا ما كان منوط بالمصلحة، و بعبارة اخرى كون مناط جواز التصرّف هو «النفع» لا أنّ مناط حرمة التصرّف هو «الضرر».

و بذلك نعالج التعارض المتوهّم في حسنة الكاهلي: «قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا

ص: 43


1- الأنعام: 152.

لندخل على أخ لنا في بيت أيتام و معه خادم لهم فنقعد على بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم، و ربّما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم، فما ترى في ذلك ؟ قال عليه السّلام: إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، و إن كان فيه ضرر فلا»(1) بين الشرطيّة الاولى لظهورها في إناطة جواز التصرّف بوجود «النفع» و الشرطيّة الثانية لظهورها في إناطة حرمة التصرّف بوجود «الضرر» فيتعارضان فيما ليس بنافع و لا بمضرّ، و وجه العلاج تارة منع أصل التعارض بين الشرطيّتين، و اخرى إمكان جمع صحيح بينهما.

[علاج التعارض في حسنة الكاهلي]

أمّا الأوّل: فلمنع كون الشرطيّة الثانية مناقضة للاولى بل هي عين مفهوم الاولى صرّح به في الكلام و عبّر عنه بالقضيّة الملفوظة بناء على أن يكون المراد من النفع الّذي علّق عليه الجواز هو أن يصل إلى الأيتام عوض ما يستلزمه الدخول في بيتهم من التصرّفات الّتي يتعلّق بها اجرة المثل و عوض ما يشربه الداخل من الماء و ما يطعمه من الطعام و اجرة استخدام الخادم، و يكون المراد من الضرر الّذي علّق عليه عدم الجواز عدم وصول ذلك العوض إليهم، و هذا كما ترى عين مفهوم هذه الشرطيّة، فليس للشرطيّتين مدلولان متنافيان و لا مفهومان متناقضان.

و أمّا الثاني: فلأنّ التعارض بين الشرطيّتين على تقدير تسليمه إنّما وقع بين مفهوميهما من باب تعارض العامّين من وجه لكون مفهوم الشرطيّة الاولى عدم جواز الدخول في بيتهم مع عدم النفع سواء كان معه ضرر أو لا؟ و مفهوم الثانية جواز الدخول مع عدم الضرر سواء تحقّق معه نفع أو لا؟ فيتعارضان في مادّة الاجتماع و هو ما لا نفع فيه و لا ضرر، و يجمع بينهما بإرجاع التخصيص إلى مفهوم الثانية.

و الشاهد لذلك التخصيص هو الآية(2) الشريفة القاضية بإناطة جواز التصرّف

ص: 44


1- الكافي 4/129:5، مع تفاوت يسير في بعض الكلمات، تهذيب الأحكام 68/339:6، الوسائل 1/248:17، ب 71 من أبواب ما يكتسب به.
2- الأنعام: 152.

بوجود النفع، و هذا يصلح أيضا شاهدا للتأويل المتقدّم(1) الّذي عليه مبنيّ منع أصل التعارض حسبما بيّنّاه، و لكن أظهر التأويلين هو الثاني لرجوع الأوّل إلى حمل القضيّة الظاهرة في تعليق عدم الجواز على أمر وجودي و هو «الضرر» على تعليقه على أمر عدمي و هو «عدم وصول النفع» و هذا بعيد جدّا، و أمّا التأويل الثاني فليس بذلك البعيد.

و أمّا ما تقدّم من صحيحة(2) أبي حمزة الثمالي القاضية بحرمة التصرّف مع الفساد فلا ينافي مدلول الآية من إناطة جواز التصرّف بوجود المصلحة، لأنّ قضيّة ذلك عدم جواز التصرّف مع عدم المصلحة سواء اشتمل على المفسدة أو لا، فمفاد الرواية مندرج في مدلول الآية و يوافقه في الحكم.

ثمّ بقى في المقام أمران:

[التصرّف الواجب من الوليّ في فرض المصلحة]

أحدهما: إنّه إذا ثبت للوليّ جواز التصرّف المشتمل على المصلحة في مال المولّى عليه فهل هذا التصرّف واجب عليه فيجب عليه الاسترباح في نقديه و استنماء ملكه بزرع أو غرس أو نحو ذلك أو لا؟ لم نقف في الأصحاب على مصرّح بالوجوب، و لا في النصوص و الروايات على ما يدلّ عليه، فأصالة البراءة تنفي احتماله و احتمال العقاب المحتمل ترتّبه على تركه، فالوجه هو عدم الوجوب. و ليس في الآية(3)المتقدّمة ما ينافيه، إذ قصارى ما استفيد منه هو جواز التصرّف مع وجود المصلحة، و هو لا يلازم الوجوب بتقريب أنّ الاستثناء من التحريم لا يفيد إلاّ إثبات الجواز و هو أعمّ من الوجوب، و الأعمّ لا يستلزم الأخصّ .

و ثانيهما: في أنّه هل خرج من القاعدة الكلّية المستفادة من الآية شيء من التصرّفات من مطلق الأولياء بأن يكتفي فيه بعدم المفسدة، أو بعض الأولياء في مطلق التصرّفات بأن يكتفي منه بعدم المفسدة أو لا؟ فيه خلاف، مذهب الأكثر و منهم الشيخ

ص: 45


1- و هي ما أشار إليها: أمّا الأوّل.
2- تقدّم تخريجها في: 41.
3- الأنعام: 152.

و الحلّي في المبسوط(1) و السرائر(2) - على ما عرفت(3) حيث اعتبروا في تصرفات الوليّ وجود المصلحة و أطلقوا، بل الشيخ في المبسوط(4) صرّح بالتعميم بالنسبة إلى الأولياء - هو العدم، و قد تقدّم(5) استظهار الإجماع عليه تارة، و عدم الخلاف فيه بين المسلمين اخرى.

و في مقابله قولان آخران:

أحدهما: جواز الاقتراض مع الملاءة من مطلق الأولياء فيكفي فيه عدم الإضرار و لا يعتبر معه وجود النفع، عزي اختياره إلى الشيخ جعفر النجفي في شرحه للقواعد(6)بل يظهر الجزم به من ثاني الشهيدين في المسالك و لكن في خصوص الوصيّ حيث ذكره في شرح عبارة الشرائع القائلة: «و الوصيّ لا يمضي تصرّفه إلاّ بعد الوفاة»(7) إلى أن قال: «و قيل يجوز أن يقوّم على نفسه و أن يقترض إذا كان مليّا»(8) انتهى.

فقال الشارح في شرح هذه العبارة: «و إنّما يصحّ له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحة للطفل إذ لا يصحّ بيع ماله بدونها مطلقا، أمّا الاقتراض فشرطه عدم الإضرار بالطفل و إن لم تكن المصلحة موجودة»(9) انتهى. و يحتمل كون مختاره عموم الجواز بالقياس إلى مطلق الأولياء و إنّما ذكره في أحكام الوصيّ تبعا لعبارة المتن من دون اختصاص له بالوصيّ .

و ثانيهما: تصرّفات الأب و الجدّ مطلقا فيكفي في جوازها أيضا عدم المفسدة و لا يشترط وجود المصلحة، عزي اختياره إلى أوّل الشهيدين(10) ثمّ إلى الشيخ المتقدّم ذكره، و تبعه غير واحد من مشايخنا(11).

و ظاهر أنّ مرجع هذين القولين إلى تخصيص آخر في آية وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ اَلْيَتِيمِ (12)

ص: 46


1- المبسوط 162:2 و 200-201.
2- السرائر 441:1.
3- تقدّم البحث عنها تحت العنوان: و سابعها: اعتبار المصلحة في الاتّجار للمولّى عليه.
4- المبسوط 162:2 و 200-201.
5- تقدّم تخريجها في: 40.
6- شرح القواعد 146:2.
7- الشرائع 269:2.
8- الشرائع 269:2.
9- المسالك 165:3 و 166.
10- الدروس 169:3، عبارته ليست صريحة و من الممكن استفادة هذه المعنى من مفهومه المخالف.
11- الجواهر 22:15، المكاسب 536:3، 537.
12- الأنعام: 152.

بل تخصيصين آخرين زيادة على التخصيص الوارد عليها من جهة الاستثناء، بل الظاهر أنّ هذين التخصيصين يردان على المستثنى لا على المستثنى منه فلا بدّ لهما من شاهد يقال له «المخصّص».

أمّا التخصيص الأوّل فالظاهر أنّ مبناه على إطلاق ما دلّ على جواز الاقتراض للوليّ من مال الطفل مطلقا، من النصوص الّتي منها:

ما عن الكافي في الصحيح عن منصور بن حازم عن: «أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ولّي مال يتيم أ يستقرض منه ؟ فقال عليه السّلام: إنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره فلا بأس بذلك»(1) فإنّ إطلاق نفي البأس يقتضي جواز اقتراض الوليّ مع وجود النفع و مع عدمه، بل و مع الإضرار أيضا، غاية الأمر أنّه خرج منه صورة الإضرار بالإجماع و النصّ الّذي منه التعليل ب «أنّ اللّه لا يحبّ الفساد» الموجود في صحيح أبي حمزة المتقدّم(2) و بقى الباقي و منه صورة عدم النفع مع عدم الضرر.

هذا هو مستند هذا القول إلاّ أنّ الكلام في نهوضه لتخصيص الآية، و الظاهر أنّ طريقه أنّ الآية بالاستثناء تدلّ على اشتراط مطلق تصرّفات مطلق الوليّ في مال اليتيم بوجود النفع و المصلحة، و هذا عامّ و الرواية مجوّزة لخصوص الاقتراض فتكون أخصّ مطلقا، و من البيّن تقدّم الخاصّ على العامّ فلا بدّ من تخصيص الآية بالرواية، فالمتّجه في الاقتراض هو كفاية عدم الإضرار في جوازه و لا يعتبر معه وجود النفع.

و فيه أنّ النسبة بين الرواية و الآية حينئذ عموم و خصوص من وجه، إذ الرواية خاصّ بالاقتراض عامّ في صورتي وجود النفع و عدم وجوده، و الآية خاصّ بصورة وجود النفع عامّ في الاقتراض عنه و من سائر التصرّفات و يجتمعان في الاقتراض الخالي عن النفع، و يمكن إرجاع التخصيص إلى الآية لشاهد داخلي و هو كون الرواية أقلّ أفرادا من الآية فيكون أظهر دلالة منه.

ص: 47


1- الكافي 131:5-5/132، 6، الوسائل 258:17-1/259، ب 76 من أبواب ما يكتسب به.
2- تقدّم تخريجها في: 41.

هذا، إلاّ أنّ الأحوط مراعاة وجود النفع خروجا عن شبهة مخالفة الإجماع أو مخالفة الواقع، و إنّما المعضل هو إثبات التخصيص الثاني بالقياس إلى مطلق تصرّفات الأب و الجدّ فإنّ دليله لا يخلو عن خفاء، إذ لم نقف على دليل عليه إلاّ ما اعتمد عليه شيخنا في متاجره(1) من مطلقات ولاية الأب الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد و ماله.

مثل رواية سعيد بن يسار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير؟ قال عليه السّلام: نعم. قلت: يحجّ حجّة الإسلام و ينفق منه ؟ قال عليه السّلام: نعم بالمعروف. ثمّ قال عليه السّلام: نعم يحجّ منه و ينفق منه، إنّ مال الولد للوالد و ليس للولد أن يأخذ من مال والده إلاّ بإذنه»(2).

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه، قال عليه السّلام: يأكل منه ما شاء من غير سرف. و قال عليه السّلام: في كتاب عليّ أنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلاّ بإذنه، و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، و له أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل: أنت و مالك لأبيك»(3).

و صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل:

أنت و مالك لأبيك. ثمّ قال أبو جعفر عليه السّلام: ما احبّ أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه، إنّ اللّه لا يحبّ الفساد»(4).

و رواية الحسين بن أبي العلاء: «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما يحلّ للرجل من مال ولده ؟ قال عليه السّلام: قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه، قال: فقلت له: فقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص: 48


1- المكاسب 537:3.
2- الوسائل 91:11، ب 35 من أبواب وجوب الحجّ ، الاستبصار 9/50:3، تهذيب الأحكام 5: 44/15.
3- الكافي 135:5، 5/136، الوسائل 262:17، / 1، ب 78 من أبواب ما يكتسب به، الاستبصار 1/48:3، تهذيب الأحكام 82/343:6.
4- الكافي 3/135:5، الوسائل 2/263:17، ب 78 من أبواب ما تكتسب به، الاستبصار 48:3 / 2، تهذيب الأحكام 83/343:6.

للرجل الّذي أتاه، فقدم أباه. فقال صلّى اللّه عليه و آله له: أنت و مالك لأبيك، فقال عليه السّلام: إنّما جاء بأبيه إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن امّي، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه و على نفسه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شيء أو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن»(1).

و رواية محمّد بن سنان: «أنّ الرضا عليه السّلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله، و علّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه و ليس ذلك للولد لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ و جلّ : يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ اَلذُّكُورَ (2) إلى أن قال عليه السّلام:

و لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنت و مالك لأبيك، و ليس للوالدة مثل ذلك لا تأخذ من ماله شيئا إلاّ بإذنه أو بإذن الأب...» الخ(3).

و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الوالد يحلّ له من مال ولده إذا احتاج إليه ؟ قال عليه السّلام: نعم، و إن كان له جارية فأراد أن ينكحها قوّمها على نفسه و يعلن ذلك، قال عليه السّلام: و إن كان للرجل جارية فأبوه أملك بها أن يقع عليها ما لم يمسّها الابن»(4).

[المناقشة في الروايات]

أقول في نهوض هذه المطلقات لإثبات أصل الولاية للأب نظر فضلا عن عمومها للتصرّفات الماليّة الغير المنوطة بالمصلحة، لأنّ قصارى ما يثبت بها إنّما هو حكم تكليفي خاصّ بالوالد في ماله ولده و هو تحليله له في موضع حاجته و جواز صرفه على نفسه بقدر حاجته فهي مسوقة لإعطاء هذا الحكم التكليفي كما يرشد إليه إطلاقها بالقياس إلى بلوغ الولد، بل ظهور بعضها في البالغ كالفارقة بين الوالد و الولد بالجواز

ص: 49


1- الكافي 6/136:5، الفقيه 3669/177:3، الاستبصار 6/49:3، تهذيب الأحكام 344:6 / 87، الوسائل 8/265:17، ب 78 من أبواب ما يكتسب به.
2- الشورى: 49.
3- الوسائل 265:17، / 9، ب 78 من أبواب ما يكتسب به.
4- الاستبصار 8/50:3، تهذيب الأحكام 90/345:6، الوسائل 268:17، ب 79 من أبواب ما يكتسب به.

للأوّل بدون إذن الولد و عدمه للثاني بدون إذن الوالد، و المقيّدة لنكاح جارية الابن بعدم مسّه إيّاها، و ما دلّ منها على عدم جواز ذلك للوالدة إلاّ بإذن الولد أو إذن أبيه، و كيف كان فللمناقشة في دلالة الأخبار المذكورة على مطلوبهم مجال واسع.

إلاّ أن يقال: بأنّها تدلّ على عموم ولاية الأب بطريق الفحوى، بتقريب أنّها تدلّ على اختيار الأب في صرف مال الابن على نفسه فاختياره في حفظ ذلك المال و التصرّف فيه بما يرجع إلى الابن فيه طريق الأولويّة.

أو يقال: إنّ النصوص المذكورة و ما بمعناها بمقتضى ظاهر سياقاتها مسوقة لبيان توسعة دائرة ولاية الأب بالقياس إلى سائر الأولياء على معنى أنّ دائرة ولايته أوسع حتّى أنّه رخّص في صرف مال المولّى عليه على نفسه عند الحاجة بخلاف سائر الأولياء لعدم ثبوت ذلك الحكم في حقّهم.

أو يتمسّك لإثبات عموم الولاية بما استفاض عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «أنت و مالك لأبيك»(1) بتقريب أنّ اللام ليست للملك و لا الاختصاص، لوضوح أنّ الولد و ماله ليسا ملكين للوالد و لا أنّ ماله مختصّ به فلا بدّ من صرفها عن الملكيّة إلى ما هو من لوازم الملكيّة و هي السلطنة التامّة على نفس الولد و ماله المقتضية لجواز عموم التصرّفات في ذلك المال بل في نفس الولد أيضا، غاية الأمر أنّه خرج منها ما لا يجوز في زمان الصغر أو فيما بعد البلوغ بالدليل. و هذا التقرير أظهر من سابقيه فعليه المعوّل.

[الاستدلال على تعميم ولاية الأب للجدّ]

و لكن لا يذهب عليك أنّ النصوص المذكورة مختصّة بالأب و لا تشمل الجدّ، فلا بدّ في تعميم الحكم بالنسبة إليه إمّا من انضمام عدم القول بالفصل إن ثبت عدم قائل به، غير أنّه غير واضح بل محلّ منع لما في كلام بعض المشايخ(2) من أنّه حكى عن بعض متأخّري المتأخّرين القول بالفصل بينهما.

أو من الاستناد بما ورد في: ولاية الجدّ على نكاح صغيرة ابنه مع وجود أبيها،

ص: 50


1- تقدّم تخريجها في: 48 و 49.
2- الشيخ الأنصاري، كتاب الزكاة: 28، المكاسب 538:3، 542.

تعليلا بمثل ما ورد في الأب من: «أنّ الولد و ماله لأبيه» كخبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام قال: «إنّي ذات يوم عند زياد بن عبيد اللّه الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال: أصلح اللّه الأمير أنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني فقال زياد لجلسائه الّذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل ؟ قالوا: نكاحه باطل. قال: ثمّ أقبل عليّ فقال:

ما تقول يا أبا عبد اللّه فيما سألني ؟ فأقبلت على الّذين أجابوه فقلت لهم: أ ليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أنت و مالك لأبيك ؟ فقالوا: بلى. فقلت لهم: كيف يكون هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه عليه ؟ قال عليه السّلام: فأخذ بقولهم و ترك قولي»(1).

و خبر عليّ بن جعفر عن أخيه قال: «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته، فهوى جدّها أن يزوّج أحدهما، و هوى أبوها الآخر، أيّهما أحقّ أن ينكح ؟ قال عليه السّلام:

الّذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية لأنّها و أباها للجدّ»(2).

وجه الدلالة أنّ من مقتضى سلطنته الجدّ على الأب سلطنته على ما للأب، سلطنته عليه من مال ابنته و نكاحها و منافع بدنها، و إطلاق المطلقات المذكورة و إن كان يشمل صورة الإضرار بالولد أيضا إلاّ أنّه يخصّص بغير تلك الصورة بالنصّ و الإجماع، فيبقى إطلاقها بالقياس إلى صورة عدم وجود النفع معارضا لإطلاق الآية الناهية عن التصرّفات الغير النافعة، فيحكم ذلك الإطلاق على إطلاق الآية فتخصّص الآية بغير الأب و الجدّ.

و يشكل بأولويّة التقييد من التخصيص و هو يقضي بتعيّن تقييد مطلقات الولاية بصورة وجود النفع و المصلحة. فالقول باشتراطه لذلك - مضافا إلى ضعف دلالة المطلقات على عموم السلطنة، و إلى ما سمعت عن غير واحد من الفحول(3) من استظهار الإجماع تارة و عدم الخلاف بين المسلمين اخرى، و ما عن الفاضل الهندي في

ص: 51


1- الكافي 3/395:5، الوسائل 5/290:20، ب 11، من أبواب عقد النكاح.
2- الوسائل 8/291:20، ب 11 من أبواب عقد النكاح.
3- تقدّم في: 40.

شرح الروضة: «من أنّ المتقدّمين عمّموا الحكم باعتبار المصلحة من دون استثناء»(1)و ما في المحكيّ عن الحلّي(2) من أنّ هذا هو الّذي يقتضيه اصول المذهب - لا يخلو عن قوّة، بل أقوى مع أنّه أحوط.

[الزكاة فيما لو اتّجر الوليّ من أموال المولّى عليه لنفسه]

المسألة الثانية: فيما لو كان وليّا و اتّجر لنفسه بعد أن يضمن المال و ينقله إلى نفسه بناقل شرعي كالاقتراض و نحوه و كان مليّا فلا إشكال في أنّ الربح للوليّ و الزكاة مستحبّة عليه، بل الظاهر أنّه إجماعي و قد نصّ غير واحد من مشايخنا(3) بعدم الخلاف فيه كما عن السيّد في الرياض(4) أيضا، و لكن عن منتهى(5) العلاّمة أنّه نسب القول بالحكمين إلى الشيخ و لم يتعرّض له بتصديق و لا ردّ مشعرا بنوع تردّد، و لم يعرف وجهه و لا محلّه من الحكمين أ هو كون الربح للوليّ أو كون الزكاة عليه ؟ و أيّا ما كان فينبغي القطع بعدم كونه في محلّه كما لا ينبغي التأمّل في ثبوت الحكمين معا.

أمّا كون الربح للوليّ فلأنّه مع ظهور الإجماع عليه على القاعدة الشرعيّة المجمع عليها من: «أنّ الربح تابع لرأس المال» كما: «أنّ النماء تابع للأصل» مضافا إلى خصوص رواية منصور الصيقل - المنجبر ضعفها أو قصورها بالعمل - «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به. قال: فقال عليه السّلام: إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن المال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن المال»(6).

و أمّا استحباب الزكاة عليه لا على المولّى عليه فلابتنائه على استحباب الزكاة في مطلق مال التجارة على المالك لأنّه بعد الضمان من أفراده، و سيجيء الكلام فيه في محلّه.

و توهّم خروج هذا الفرد عن حكم مطلق مال التجارة و كون الزكاة فيه على الطفل

ص: 52


1- المناهج السويّة: 4.
2- السرائر 441:1.
3- الجواهر 18:15.
4- الرياض 5:5 و 33.
5- المنتهى 472:1.
6- الوسائل 7/89:9، ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الاستبصار 7/30:2، تهذيب الأحكام 12/29:4.

من إطلاق الأخبار المتقدّمة(1) الناصّة بالزكاة عليه في ماله المتّجر به - و لعلّه مبنى تردّد العلاّمة في المنتهى -(2) يدفعه ظهور الأخبار المذكورة في كون الاتّجار للطفل أو تعيّن تقييد إطلاقها به على تقدير تسليم عدم الظهور بل الإطلاق المتوهّم، فلا ينبغي الاسترابة حينئذ في عدم تعلّق الزكاة هنا بالطفل.

و حيث إنّ مبنى الحكمين على ما في كلام الأصحاب(3) على جواز اقتراض الوليّ مال المولّى عليه تكليفا و صحّته وضعا، على معنى انتقاله بالقرض إلى الولي فلا بدّ من إثبات ذلك و نحن قد قدّمنا(4) البحث فيه سابقا و أقمنا الدليل عليه من النصوص كصحيحة(5) منصور بن حازم فلا ينبغي التأمّل حينئذ في الجواز و الصحّة للوليّ .

[اشتراط اقتراض الوليّ بالملاءة]

نعم اللائق بالبحث هنا إنّما هو اشتراط اقتراض الوليّ بكونه مليّا مطلقا، أو عدم اشتراطه به كذلك، أو يفصّل بين الأب و الجدّ و غيرهما فيشترط في غيرهما، أو بين الأب فيجوز له الاقتراض من مال الولد لحجّة الإسلام دون غيره احتمالات، بل أقوال، إلاّ أنّه لم نقف على قائل بعدم الاشتراط مطلقا، و لا على حكاية قول به.

و القول بالاشتراط مطلقا هو المصرّح به في كلام جماعة و لعلّه للأكثر بل عن مجمع الفائدة بعد دعوى الشهرة عليه أنّه «كاد أن يكون إجماعا»(6).

و القول بعدم الاشتراط في الأب و الجدّ، نسبه في المدارك و الذخيرة إلى المتأخّرين ففي المدارك: «و استثنى المتأخّرون من الوليّ الّذي يعتبر ملاءته الأب و الجدّ فسوّغوا

ص: 53


1- تقدّم تخريجها في: 21.
2- المنتهى 472:1.
3- الجواهر 18:15، الشيخ الأنصاري، كتاب الزكاة: 16 و 87، مصباح الفقيه 4:3، المبسوط 1: 234، المختلف 260:3، الدروس 229:1، السرائر 441:1، المسالك 356:1، 357، و المجلد الثالث: 166، الرياض 36:5، المدارك 19:5، و تقدّم أيضا نبذة من كلامهم في الصفحات:....
4- تقدّم في: 39 و ما بعدها.
5- الكافي 131:5، 5/132، 6، الوسائل 258:17، 1/259 الباب 76 من ابواب ما يكتسب به.
6- مجمع الفائدة 14:4.

لهما اقتراض مال الطفل مع العسر و اليسر»(1) و نحوه عبارة الذخيرة(2).

و القول بعدم الاشتراط في الأب في خصوص حجّة الإسلام مستفاد من إطلاق المحكيّ عن الشيخ(3).

و يمكن اختيار ما عليه الأكثر، لعموم القاعدة المستفادة من آية لاٰ تَقْرَبُوا (4)بالقياس إلى غير الأب، غاية الأمر أنّه قام الدليل على عدم اشتراط وجود المصلحة في اقتراض الوليّ ، و أمّا عدم المفسدة و عدم الإضرار بالطفل فهو شرط بمقتضى القاعدة فلا بدّ من اعتبار الملاءة فرارا عن الإضرار و الفساد. و لخصوص المستفيضة الّتي فيها الصحيح و غيره.

[الاستدلال بالروايات]

ففي صحيح ربعي بن عبد اللّه: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في رجل عنده مال اليتيم فقال عليه السّلام: إن كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و إن هو اتّجر به فالربح لليتيم و هو ضامن»(5).

و صحيح محمّد بن مسلم: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في مال اليتيم. قال عليه السّلام: العامل به ضامن و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال. و قال عليه السّلام: إن عطب أدّاه»(6).

و خبر أسباط بن سالم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت: أخي أمرني أن أسألك عن مال اليتيم في حجره يتّجر به. فقال عليه السّلام: إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شيء غرمه له، و إلاّ فلا يتعرّض لمال اليتيم»(7).

ص: 54


1- المدارك 19:5.
2- الذخيرة: 422.
3- المبسوط 299:1.
4- الأنعام: 152.
5- الكافي 3/131:5، تهذيب الأحكام 341:6، 76/342، الوسائل 257:17، 3/258، ب 75 من أبواب ما يكتسب به.
6- الكافي 2/131:5، تهذيب الأحكام 77/342:6، الوسائل 2/257:17، ب 75 من أبواب ما يكتسب به.
7- الكافي 4/131:5 و لكن صدر الرواية في المأخذ هكذا: «امرني أخي أن أسألك عن مال اليتيم في حجره...»، تهذيب الأحكام 341:6، 75/352، الوسائل 3/258:17، ب 75 من أبواب ما يكتسب به.

و خبره الآخر قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كان لي أخ هلك، فأوصى إلى أخ أكبر منّي و أدخلني معه في الوصيّة و ترك ابنا له صغيرا و له مال أ فيضرب به أخي فما كان من فضل سلّمه لليتيم و ضمّن له ماله ؟ فقال عليه السّلام: إن كان لأخيك مال يحيط بمال الميّت إن تلف فلا بأس به، و إن لم يكن له مال فلا يعترض لمال اليتيم»(1).

و خبر الصيقل المتقدّم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به. قال:

فقال عليه السّلام: إذا كان عندك مال و ضمّنته فلك الربح و أنت ضامن للمال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال»(2).

و هذه النصوص كما ترى واضح الدلالة على أصل اعتبار الملاءة في ضمان الوليّ ، و لكن في عمومها لجميع الأولياء حتّى الأب و الجدّ نظر، بل منع فإنّ منها ما هو خاصّ بالوصيّ ، و منها ما هو عامّ باعتبار الإطلاق للوصيّ و منصوب الحاكم، و ليس فيها من جهة اشتمالها سؤالا و جوابا على ذكر «اليتيم» ما يعمّ «الأب و الجدّ».

أمّا في الأوّل(3): فلظهور(4) اليتيم لغة و عرفا في من لا أب له.

و أمّا في الثاني(5): فلعدم تبادر «الجدّ» و انفهامه من إطلاقها حتّى ما ذكر(6) فيه الرجل أو نحو قوله: «مال اليتيم يعمل به»(7). و قوله: «العامل به ضامن»(8) و لو سلّم دخول الجدّ في إطلاق بعض هذه فلا يدخل فيه الأب قطعا. و عدم القول بالفصل أيضا غير واضح، بل القول بالفصل في الجملة على ما سمعت عند تحرير الخلاف في المسألة موجود.

و العجب أنّ السيّد في الرياض(9) بعد ما ذكر منها صحيح(10) ربعي و خبر(11)

ص: 55


1- الكافي 1/131:5 مع تفاوت في بعض الكلمات و إليك نصّها: «فيضرب» بلا همزة، و «يضمن» بلا تشديد، و بدل كلمة: «الميت» في المأخذ يكون: «اليتيم» و بدل كلمة: يعترض» يكون «يعرض» تهذيب الأحكام 78/342:6، الوسائل 1/257:17، ب 75 من أبواب ما يكتسب به.
2- تقدّم تخريجها في: 52.
3- أي فيما هو خاصّ بالوصيّ .
4- كما في الخبرين عن أسباط بن سالم.
5- أي فيما هو عامّ .
6- كما في رواية ربعي بن عبد اللّه.
7- كما في رواية الصيقل المتقدّم.
8- كما في رواية محمّد بن مسلم.
9- الرياض 36:5.
10- تقدّم تخريجها آنفا.
11- تقدّم تخريجها آنفا.

الصيقل و اكتفى في غيرهما بالإشارة، جعل إطلاقها مقتضيا لعدم الفرق في الوليّ بين الأب و الجدّ له و سائر الأولياء. و للمناقشة في عمومها للحاكم أيضا مجال واسع إلاّ أن يتمسّك لإثبات عمومه له بعدم القول بالفصل.

[قصور دلالة النصوص لجميع الأولياء]

و كيف كان فقصور دلالة النصوص(1) على عموم الحكم لجميع الأولياء واضح لا ينبغي التأمّل فيه، و لعلّه لذا ذهب المتأخّرون(2) إلى عدم اعتبار هذا الشرط في ضمان الأب و الجدّ استنادا إلى إطلاق الأخبار(3) الدالّة على: «أنّ الولد و ماله للوالد» مضافا إلى إطلاق نصوص «تقويم الأب جارية ابنه على نفسه»(4) إذا أراد نكاحها فإنّ هذين الإطلاقين حجّة هذا القول بناء على عدم وضوح ما يوجب تقييدها في ضمان الأب و الجدّ و إقراضهما بصورة ملاءتهما من نصوص(5) اعتبار الملاءة. هذا مع تأيّدهما بما عن مجمع الفائدة من قوله: «كأنّه لا خلاف فيه»(5) فوجه المتأخّرين(7) في استثناء الأب و الجدّ من اعتبار الملاءة قويّ جدّا.

و ليس في النصوص(8) ما ينهض للخروج عن الإطلاقين إلاّ صحيحة(6) أبي حمزة المتقدّمة المعلّلة لمنع أخذ الأب ما زاد على قدر حاجته، بل على ما يدفع به ضرورته بكونه من الفساد المنهيّ عنه في قوله عليه السّلام: «إنّ اللّه لا يحبّ الفساد» فإنّ التعليل عامّ يفيد عموم المنع لكلّ ما يصدق عليه الفساد فيتناول اقتراض الأب و الجدّ من غير ملاءة لكونه إضرارا بالطفل و إفسادا في ماله لأنّه تعريض للمال في معرض الزوال و التلف من دون موجب.

و يزيّفه - بعد منع كونه من الفساد المنهيّ عنه في نظر العرف ثمّ تسليم صدقه - وجوب الخروج من عموم التعليل بالفحوى المستفادة من استثناء أخذ قدر الحاجة

ص: 56


1- تقدّم تخريجها آنفا.
2- كما اشيرت إليها في: 55.
3- تقدّم تخريجها في: 48 و 49.
4- تقدّم تخريجها في 49. (5و7و8) تقدّم تخريجها في: 53 و 54.
5- مجمع الفائدة 14:4.
6- تقدّم تخريجها في: ص 48.

الموجود في الصحيحة المشار إليها مع انضمام عدم القول بالفصل و الإجماع المركّب بتقريب: أنّه إذا جاز للوالد في موضع حاجته أن يأخذ من مال ولده مجّانا، فلئن يجوز له في نحو ذلك الموضع الأخذ منه قرضا، طريق الأولويّة. و إذا ثبت جواز اقتراض الأب بل الجدّ مع عدم الملاءة في موضع الحاجة بل الضرورة، فيحكم بجوازه لهما في غير موضع الحاجة و الضرورة بعدم القول بالفصل، إذ لا قائل في الأصحاب بالفصل بين الصورتين بل كلّ من معتبري الملاءة فيهما و غير معتبريها أطلقوا في القول بالاعتبار و القول بعدمه بالقياس إلى صورتي الحاجة و عدمها فليتدبّر. و لكنّ الأحوط بل الاحتياط الشديد هو مراعاة الملاءة في الاقتراض مطلقا حتّى في الأب و الجدّ بترك الاقتراض مع عدم الملاءة مطلقا.

و لنختم المسألة بإيراد أمرين:

[تفسير الملاءة و الأقوال فيها]

أحدهما: أنه اختلفت كلمتهم في تفسير الملاءة بما يرجع إلى ثلاثة أقوال:

الأوّل: ما في الوسيلة من تفسير المليّ ب «المالك لمثل المال المضمون»(1) و في معناه ما عن بعض محشّي الشرائع من أنّه: «يسار المتصرّف»(2) بحيث يكون بمقدار ذلك المال احتياطا، و عليه ينزل إطلاق غير واحد من الأخبار المتقدّمة كصحيح(3)ربعي و صحيح(4) محمّد بن مسلم و خبر الصيقل(5) بل يوافقه الثاني من خبري أسباط(6)ابن سالم و ليس فيه كالنصوص اعتبار الزيادة على المستثنيات في الدين.

الثاني: ما عن المسالك من أنّه: «أن يكون للمتصرّف مال بقدر مال الطفل المضمون فاضلا عن المستثنيات في الدين و عن قوت يوم و ليلة له و لعياله الواجبي

ص: 57


1- الوسيلة: 279.
2- حاشية الشرائع 238:10. (3و4و5و6) تقدّم تخريجها في: 54 و 55.

النفقة»(1) و لعلّه إليه يرجع إطلاق الأوّل(2) و النصوص أيضا بناء على إحالة اعتبار الزيادة على المستثنيات إلى وضوحه في الخارج، و كيف كان فاستشكل فيه صاحب المدارك(3) «بأنّ ذلك قد لا يحصل معه الغرض المطلوب من الملاءة»(4) و استجوده السيّد في المناهل موجّها له و مبيّنا وجهه بأنّ : «ما يملكه زائدا على المستثنيات قد يكون مغصوبا أو غير متمكّن من التصرّف فيه بغير ذلك»(5) و عن المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة أيضا استشكاله: «من جهة تجدّد قوت اليوم و الليلة يوما فيوما، و قد يحدث امور اخر من الضمانات إلاّ أن يشترط بقاء ذلك دائما، و مع ذلك قد يلزم مال في ذمّته دفعة واحدة بحيث يستغرق ماله فيبقى مال اليتيم بلا عوض أو يتلف» انتهى(6).

[القول الثالث في تفسير الملاءة]

الثالث: ما اختاره صاحب المدارك: «من أنّ المراد بالملاءة كونه بحيث يقدر على أداء المال المضمون من ماله لو تلف بحسب حاله»(7) و تبعه السيّد في الرياض(8)و نسب إلى شارح المفاتيح(9) أيضا، و إليه يرجع ما يظهر من نهاية الشيخ من تفسيره بكونه: «متمكّنا في الحال من مقدار ما يضمن به مال الطفل»(10) بناء على كون مراده ممّا يضمن به ما يغرم به مال الطفل.

و قضيّة هذا التفسير أنّه لا يعتبر في الملاءة «وجود ما يساوي مال الطفل من المال فعلا» بل يكفي فيه كونه بحيث يحصل له مال حين الأداء يقدر به على أداء المال المضمون، بأن يكون له حرفة أو صنعة يقدر به على اكتساب المال للأداء، أو كان بحيث يتوقّع حصول المال له من الجوائز و الصلات و الهدايا و الهبات و الصدقات و الزكوات و نحوها. بل قضيّة ذلك أن يكفيه في حصول الملاءة - لو كان غرضه من الاقتراض أن يتّجر بالمال المقترض - بحيث يتمكّن من أداء المال المضمون من ربحه.

ص: 58


1- المسالك 279:1.
2- هو رواية صحيح ربعي.
3- تقدّم تخريجها آنفا.
4- المدارك 18:5.
5- المناهل: 7 ب، الرقم 5759، المخطوطة.
6- مجمع الفائدة 14:4.
7- المدارك 18:5.
8- الرياض 35:5 و 37.
9- الكركي، حاشية الشرائع 98:10.
10- النهاية: 175.

و لا ريب أنّ هذا القول و إن ساعد عليه الاعتبار إلاّ أنّه لا شاهد له من النصوص، بل ظاهر الأوّل من خبري أسباط بن سالم(1) اعتبار الأمرين معا: «وجود المال حال الاقتراض، و القدرة على أداء المال المضمون من ذلك المال» حيث قال عليه السّلام فيه: «إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شيء غرمه له» نظرا إلى أنّ قوله عليه السّلام: «غرمه له» يتضمّن القدرة على الغرامة. و يمكن إرجاعه بنحو من التأويل إلى القول المذكور بأن يقال: إنّ المقصود بالأصالة و المطلوب بالذات من اعتبار وجود المال حال الاقتراض، التوصّل به إلى الغرامة حين الأداء و القدرة عليه في وقته، فيكون اعتبار وجوده مقصودا بالتبع و مطلوبا للغير، و محصّله أنّ المناط هو: «القدرة على الأداء مطلقا». و عليه فالقول المذكور لا يخلو عن قوّة إلاّ أنّ الأقوى اعتبار وجود الأمرين معا عملا بظاهر الخبر الّذي به يحصل العمل بسائر النصوص المطلقة في اعتبار وجود المال مع أنّه أحوط.

[بطلان القرض عند انتفاء الملاءة]

و ثانيهما: أنّ الوليّ بناء على اشتراط الملاءة فيه - مطلقا أو في غير الأب و الجدّ - إذا لم يكن مليّا و أخذ من مال الطفل قرضا كان القرض باطلا، و هو غاصبا فاعلا للمحرّم، و إذا اتّجر به و حصل ربح كان الربح للطفل، و إذا تلف المال كان ضامنا، هذه أحكام أربع كأنّه لا خلاف في شيء منها:

أمّا الأوّل: فمعنى بطلان القرض، أنّ المال لا ينتقل إلى الوليّ و لا يدخل في ملكه، كما هو قضيّة شرطيّة الملاءة نظرا إلى أنّ انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، و ظاهر الأدلّة كونها شرطا للحكم الوضعي و هو الصحّة فيلزم من انتفائه البطلان، لا للحكم التكليفي فقط و هو الجواز ليلزم من انتفائه الحرمة الغير المنافية للصحّة.

و أمّا الثاني: فلأنّ أخذه منه بعنوان القرض و تصرّفه فيه بالاتّجار و نحوه على هذا العنوان تصرّف غير مأذون فيه، فيكون غصبا بالمعنى الأعمّ و الغصب محرّم.

ص: 59


1- تقدّم تخريجها في: 55.

و أمّا الثالث: فلأنّ الربح على ما ذكرناه مرارا يتبع رأس المال و مبناه على قاعدة:

«أنّ ملك المعوّض يتبع ملك العوض و بالعكس» و تحريره: أنّ مال الطفل إذا كان باقيا على ملكه و كان عشرة فاشترى به الوليّ متاعا مع وجود غبطة للطفل فيه، ثمّ باع المتاع باثني عشر أو خمسة عشر مثلا فالزائد على العشرة في ذلك الثمن ربح و العشرة مع الزيادة بمجموعهما يدخل في ملك الطفل باعتبار دخول المتاع في ملكه باعتبار كون المال الأوّل المشترى به المتاع ملكا له، إذ المفروض صحّة كلّ من الاشتراء و البيع باعتبار وقوعهما من الوليّ و احتوائهما لسائر شرائط الصحّة الّتي منها وجود الغبطة لأنّ الكلام على هذا التقدير.

و لا يقدح فيها وقوع كلّ منهما بقصد كون المتاع ثمّ عوضه المشتمل على الزيادة للوليّ نفسه لا للطفل، لأنّ قصد كون كلّ من العوضين في عقود المعاوضة، ليس كقصد التلفّظ بالصيغة و قصد المعنى إفراديّا و تركيبيّا و هو الإنشاء من مقوّمات العقد و لا من شروط صحّته و تأثيره. و لذا لو اشترى الوالد مثلا من ماله ثوبا أو عقارا بقصد أن يكون لولده أو زوجته أو خادمه أو غير ذلك لم يصر بمجرّد هذا القصد ملكا للولد و نحوه، بل يصير ملكا لنفسه لأنّ ملك المعوّض يتبع ملك العوض، فلو أراد بعد ذلك كونه للولد و غيره و انتقاله إليه يحتاج إلى عقد مستأنف من هبة أو صلح أو نحوه.

و كذلك في ما لو اشترى بمال موكّله متاعا فيما و كلّ فيه فإنّه لا يعتبر في صحّته و دخول المتاع في ملك الموكّل قصد كونه له، بل لو قصد كونه لنفسه لم يقدح في الصحّة و كان القصد المذكور لغوا. و بالجملة القصد إلى كون المعوّض لمالك العوض و كون العوض لمالك المعوّض ليس شرطا، و القصد إلى كونه لغيره في المسألتين ليس مانعا.

و محصّله أنّ القصد المذكور وجوده و عدمه سواء، و لذا كان الأقوى عندنا صحّة الفضولي إذا لحقه إجازة المالك سواء قصد العاقد الفضولي - بائعا كان أو مشتريا - كونه للمالك أو لنفسه.

و لا ينافي جميع ما ذكرناه قاعدة: «العقود تتبع للمقصود» بعد ملاحظة ما أشرنا إليه من: أنّ القصد الّذي يتبعه العقد هو ما ينحلّ إلى قصد التلفّظ بالصيغة و قصد معانيها الإفراديّة أي معاني مفرداتها و قصد معناها التركيبي و هو الإنشاء لا نحو القصد المذكور.

ص: 60

فما في المدارك: «من أنّه لا يبعد توقّف الشراء على الإجازة في صورة شراء الوليّ أيضا، لأنّ الشراء لم يقع بقصد الطفل ابتداء و إنّما أوقعه المتصرّف لنفسه فلا ينصرف إلى الطفل بدون الإجازة، و مع ذلك كلّه فيمكن المناقشة في صحّة مثل هذا العقد و إن قلنا بصحّة العقد الواقع من الفضولي مع الإجازة، لأنّه لم يقع للطفل ابتداء من غير من إليه النظر في ماله و إنّما أوقعه المتصرّف في مال الطفل لنفسه على وجه منهيّ عنه»(1) ليس على ما ينبغي.

[أقوال الفقهاء في الاشتراء بعين مال الطفل أو في الذمّة]

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق الفاضلين(2) بل الأكثر(3) كما في الرياض(4) عدم الفرق في كون الربح للطفل، بين الشراء بعين مال الطفل أو في الذمّة مع التأدية من ماله، و لعلّه لإطلاق النصوص المصرّحة بكون الربح لليتيم في صورة عدم الملاءة المبنيّ على صدق الاتّجار أو العمل بماله عرفا مع الشراء في الذمّة أيضا.

و قيّده جماعة منهم ثاني الشهيدين بما لو كان الشراء بالعين، فلو كان في الذمّة وقع الربح للوليّ قال في المسالك: «و إنّما يكون الربح لليتيم مع الشراء بالعين،.... إلى أن قال: و لو كان الشراء في الذمّة وقع للمشتري و الزكاة المستحبّة عليه»(5) و لعلّهم أرادوا بذلك ما: لو اشترى في الذمّة من غير قصد حين الشراء إلى التأدية من مال الطفل، ثمّ بدا له حين الأداء أن يؤدّيه من ماله، و هذا هو الّذي ينبغي القطع بكون الربح فيه للوليّ لا للطفل، لعدم صدق الاتّجار و العمل بماله فلا يتناوله النصوص الحاكمة بكون الربح لليتيم.

و أمّا لو اشترى في الذمّة قاصدا للتأدية من مال الطفل و هو الغالب من شراء الوليّ للطفل فالمتّجه فيه وقوع الربح للطفل لصدق الاتّجار و العمل بماله عرفا فيتناوله إطلاق

ص: 61


1- المدارك 20:5.
2- القواعد 329:1، التذكرة 14:5، الشرائع 105:1، المعتبر 487:2.
3- المبسوط 234:1، مجمع الفائدة 20:4، السرائر 441:1.
4- الرياض 35:5 و 36.
5- المسالك 356:1 و 357.

النصوص، و لعلّه مراد الفاضلين و الأكثر من إطلاقهم بكون الربح له، و عليه فالنزاع بينهم(1) و بين الجماعة(2) لعلّه يعود لفظيّا فتأمّل.

و مع معنويّة النزاع فالتفصيل حسبما بيّنّاه أجود، و إطلاق الفريقين ليس بجيّد جمعا بين النصوص و القواعد الحاكمة بتبعيّة ملك المعوّض للعوض و لو كان كلّيا في الذمّة و حذرا من الخروج عنهما معا بلا مخرج.

و أمّا الرابع: و هو كون الوليّ ضامنا، فالمراد بالضمان هنا غرامة المثل أو القيمة مع التلف، و بضمانه في صورة الملاءة، - المصحّحة للاقتراض - نقله إلى ملكه بوجه شرعي على وجه يشتغل ذمّته بمثل المال من حين الاقتراض، هكذا فرّق بينهما في المسالك(3)فلم يتّحد الضمانان في صورتي صحّة الاقتراض و بطلانه باعتبار تحقّق الملاءة و انتفائها، و وجه الضمان في صورة انتفاء الملاءة، كون الوليّ في أخذه قرضا و سائر تصرّفاته المبنيّة عليه غاصبا، و الغصب مع تلف العين المغصوبة من أسباب الضمان، أعني وجوب الغرامة للمالك بالمثل في المثلي و القيمة في القيمي.

و بذلك يظهر الفرق بين مسألتنا هذه و ما تقدّم(4) في المسألة الاولى من عدم ضمان الوليّ المتّجر بمال الطفل له مع التلف سواء كان مليّا أو لا.

و وجه الفرق: عدم تحقّق سبب الضمان و هو الغصب ثمّة و تحقّقه هنا، فلا يتوجّه ما قد يسبق إلى الذهن من المناقشة في الضمان هنا، بتقريب أنّ قضيّة عدم صحّة القرض هنا بسبب انتفاء الملاءة مع فرض صحّة اتّجاره بواسطة كونه وليّا المقتضية لوقوع الشراء و الربح للطفل، رجوع اتّجاره هذا إلى اتّجار الوليّ الغير المليّ المأخوذ في عنوان المسألة الاولى، فما وجه الضمان هنا؟ لوضوح الفرق بين المقامين حسبما بيّنّاه.

ثمّ ينبغي القطع بأنّه لا زكاة هنا على الوليّ و لو استحبابا للأصل، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه، و ربما ايّد بل استدلّ بموثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

ص: 62


1- و هم الفقهاء الآخرون.
2- المراد ما ذكره المؤلّف في الفقرة الثالثة تحت عنوان: و فيه جماعة منهم ثاني الشهيدين...
3- المسالك 357:1 و 166:3.
4- تقدّم في: 33.

«قلت له: الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أ يضمنه ؟ قال عليه السّلام: نعم. قلت: فعليه زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان و الزكاة»(1) و في شموله لما نحن فيه نظر، لأنّ إطلاق الجواب بالضمان من غير استفصال بين الوليّ و غيره و لا بين كون الاتّجار لليتيم أو لنفسه مع أنّه لا ضمان على الوليّ إذا اتّجر لليتيم و لو كان غير مليّ و لا على الوليّ المليّ و إنّ اتّجر لنفسه يوجب ظهور إطلاق الرجل في إرادة غير الوليّ ، و حينئذ يستقيم إطلاق الجواب بالنسبة إلى المليّ و غيره و كون الاتّجار لليتيم أو لنفسه من غير أن يندرج فيه الوليّ الغير المليّ إذا اتّجر لنفسه.

[استحباب الزكاة في مال الطفل و المناقشة فيه]

و في استحبابها في مال الطفل - كما عليه الشيخ في النهاية(2) و عنه في المبسوط(3)و عن الصدوق(4) و الشهيدين(5) و المحقّق الثاني(6) و السيّد في المناهل(7) - و عدمه كما عليه الفاضلان في الشرائع(8) و النافع(9) و القواعد(10) و الإرشاد(11) و السيّد في الرياض(12) و غيرهم خلاف على قولين: أحوطهما الثاني، و أقواهما الأوّل، لقوّة دليله و هو إطلاق ما مرّ(13) من النصوص على ثبوت الزكاة في المال المتّجر به فإنّه يعمّ ما لم يكن الاتّجار للطفل.

و المناقشة فيه باختصاصها بحكم التبادر بصورة كون الاتّجار للطفل لا غيره كما في الرياض(14) مدفوعة بمنع التبادر لو اريد به تبادر قصد كون الاتّجار للطفل، و عدم قدحه في المختار لو اريد به تبادر وقوع الاتّجار للطفل لأنّ هذا أيضا يقع في متن الواقع له و إن قصد به الوليّ نفسه.

ص: 63


1- الوسائل 88:9 و 5/89، ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الاستبصار 5/30:2، تهذيب الأحكام 10/28:4.
2- النهاية: 174.
3- المبسوط 233:1.
4- لم نجد في آثار الصدوق ما يدلّ على ذلك.
5- المسالك 358:1، البيان: 165.
6- جامع المقاصد 5:3.
7- المناهل: 5 ب.
8- الشرائع 105:1.
9- المختصر النافع: 53.
10- القواعد 329:1 و 344.
11- الإرشاد 278:1.
12- الرياض 34:5-36.
13- تقدّم تخريجها في: ص 21.
14- الرياض 34:5-36.

و عن العلاّمة في النهاية(1) الاستدلال لنفي الزكاة هنا بعد الأصل بموثّقة(2)ابن مهران المتقدّمة. و لا خفاء في ضعفه، لأنّها على تقدير شمولها الوليّ الغير المليّ إذا اتّجر لنفسه ظاهرة بل صريحة في نفي الوجوب، لأنّ قوله عليه السّلام: «لا» بعد قول السائل:

«فعليه زكاة ؟» الظاهر في الوجوب يفيد نفي الوجوب، و هو لا ينافي الاستحباب، نعم كما أنّه لا ينافيه لا يدلّ عليه أيضا، هذا مع ما عرفت من منع شمول إطلاقها الوليّ .

[وجوه ما لو كان المتّجر غير وليّ و لا مأذون]

المسألة الثالثة: ما لو كان المتّجر غير وليّ و لا مأذونا من الوليّ و اتّجر للطفل مع غبطة له فيه، و إنّما قيّدناه بعدم الإذن من الوليّ لأنّ المأذون من الوليّ كالوليّ في مضيّ تصرّفاته المنوطة بالغبطة من غير ضمان مع التلف فهو من مرتبطات المسألة الاولى، و إنّما قيّدناه بالغبطة للطفل لأنّ ما لا غبطة فيه فاسد من أصله فلا يحكم عليه بما سيأتي من كون الربح للطفل و استحباب الزكاة فيه.

و كيف كان فالمتّجر المذكور إمّا أن يكون بحيث يمكنه الوصول إلى الوليّ و الاستئذان منه أو لا، و على الأوّل فإمّا أن يلحق اتّجاره إجازة الوليّ أو لا، و على الثاني فإمّا أن يكون حفظ مال الطفل متوقّفا على الاتّجار المذكور أو لا؟ فهذه صور أربع، و قد حكم جماعة منهم صاحب الذخيرة(3) بأنّ الربح للطفل و على المتّجر ضمان المال إن تلف، و قيل في الحكم الأوّل: «كأنّه ممّا لا خلاف فيه» و في الحكم الثاني:

«و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه»(4) و إطلاق الحكمين يعمّ الصور الأربع.

و يشكل إطلاق الأوّل بالنسبة إلى ما لو لم يجزه الوليّ فإنّ كون الربح للطفل يقتضي صحّة التجارة المذكورة اشتراء و بيعا و هي لا تجامع قاعدتهم المقرّرة في عقد الفضولي من: «توقّف صحّته على إجازة المالك أو من له الولاية عليه» لو كان صغيرا أو مجنونا.

ص: 64


1- نهاية الإحكام 300:2.
2- تقدّم تخريجها في: ص 63.
3- الذخيرة: 422.
4- الشيخ الأنصاري، الزكاة: 18، 88، لم نعثر على هذه العبائر و قائلها إلاّ ما يحتمل كونها كلام الشيخ الأنصاري، حكاه الشيخ في الموضعين من كتابه مع اختلاف طفيف في الموضع الأوّل (الزكاة: 18) و تغاير الموضوع في الموضع الثاني (الزكاة: 88).

و هاهنا إشكال آخر بالنسبة إلى الحكم الثاني، فإنّ ضمان المتّجر للمال على تقدير التلف خروج عن قاعدة الإحسان المستفادة من قوله تعالى: مٰا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1) فإنّ الاتّجار المذكور مع ابتنائه على مراعاة الغبطة للطفل إحسان في حقّه و التزام ضمان المتّجر إثبات سبيل عليه، و لئن سلّمنا عدم صدق الإحسان في جميع الصور الأربع فلا ينبغي التأمّل في صدقه في الصورة الثالثة و هي عدم إمكان الوصول إلى الوليّ و توقّف حفظ المال على الاتّجار به.

و يمكن دفع الإشكال الأوّل بأحد الوجوه الثلاث:

الأوّل: تقييد كلامهم هنا في الحكم بكون الربح للطفل المبتني على صحّة الاشتراء بصورة إجازة الوليّ عملا بالقاعدة المشار إليها المبتنية على القول بصحّة الفضولي و لو من جانب المشتري، كما يظهر الالتزام به من الشهيد في المسالك قائلا: «و إنّما يكون الربح لليتيم مع الشراء بالعين و كون المشتري وليّا أو مع إجازته و حصول غبطة للطفل...

إلى أن قال: و لو لم يكن وليّا أو مع إجازته و حصول غبطة الطفل... إلى أن قال: و لو لم يكن وليّا أو لم يكن له فيه غبطة بطل البيع و لا زكاة هنا على أحد»(2) انتهى. و نفى البعد عنه في الذخيرة(3) و نسبه في الرياض(4) إلى جماعة و صرّح بمثله في المدارك(5).

الثاني: تخصيص القاعدة باتّجار غير الوليّ بمال الطفل من دون إذن الوليّ بدعوى عدم وقوفه على إجازة الوليّ كما يظهر الالتزام به عن بعضهم(6) استنادا إلى ظاهر إطلاق النصوص المصرّحة بكون الربح لليتيم في المال المتّجر به له كصحيحة زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس على مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به، فإن اتّجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال»(7).

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: في مال اليتيم عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة، فإذا عملت به فأنت له ضامن و الربح

ص: 65


1- التوبة: 91.
2- المسالك 357:1.
3- الذخيرة: 422.
4- الرياض 38:5.
5- المدارك 20:5.
6- الشيخ الأنصاري، الزكاة: 19-20.
7- الوسائل 8/89:9، ب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الفقيه 1599/16:2.

لليتيم»(1).

و رواية سعيد السمّان قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به، فإن اتّجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الّذي يتّجر به»(2) فإنّها و إن كانت عامّة للوليّ و غير الوليّ و لكن وجب تخصيصها بغير الوليّ لما دلّ على عدم ضمان على الوليّ لو تلف المال الّذي اتّجر به، و هي بعد إخراج الوليّ عنها مطلقة في الحكم بكون الربح لليتيم بالنسبة إلى لحوق إجازة الوليّ و عدمه، فينهض ذلك لتخصيص القاعدة العامّة لكونه بالقياس إليها خاصّا.

الثالث: منع مخالفة الحكم المذكور للقاعدة لحصول الإجازة من المالك الحقيقي و هو الشارع عملا بظاهر الأخبار المذكورة فإنّها في الدلالة على كون الربح لليتيم مطلقا إمضاء لاشتراء غير الوليّ و إجازة له، فلا بدّ من الصحّة بناء على أنّ المراد من الإجازة المعتبرة في صحّة الفضولي ما يعمّ إجازة المالك المجازي و المالك الحقيقي و هو الشارع، و أجود الوجوه و أصحّها بل صحيحها هو الوجه الأوّل.

بقرينة ما ذكروه صريحا في باب البيع من وقوف صحّة الفضولي على إجازة المالك أو الوليّ ، و مرجعه إلى إرجاع الظاهر إلى النصّ و حمل المطلق على المقيّد، قال في الشرائع عند بيان شروط المتعاقدين: «و أن يكون البائع مالكا أو ممّن له أن يبيع عن المالك كالأب و الجدّ و الوكيل و الوصيّ و الحاكم و أمينه، فلو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليّه على الأظهر»(3).

هذا مع إمكان منع الإطلاق في كلامهم، لقوّة احتمال كونه منزّلا على ما هو مجرى العادة من حصول إجازة الوليّ لما فيه غبطة المولّى عليه خصوصا فيما لو توقّف حفظ ماله على الاتّجار المذكور.

ص: 66


1- الوسائل 1/83:9، ب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الكافي 1/540:3، تهذيب الأحكام 1/26:4.
2- الوسائل 2/87:9، ب 2 باب، الكافي 6/541:3، الاستبصار 1/29:2، تهذيب الأحكام 4: 6/27.
3- الشرائع 268:2.

و أمّا الوجه الثاني فهو ممّا لا يتحمّله معقد القاعدة من فتاويهم المصرّحة بوقوف صحّة الفضولي في مال الصغير على إجازة الوليّ الّذي لا مصداق له إلاّ ما نحن فيه أو أنّه أحد جزئيّاته، مع أنّه لا شاهد لهذا التخصيص إلاّ النصوص المزبورة بتوهّم كونها مطلقة بالقياس إلى الإجازة و عدمها، و يزيّفه منع الإطلاق بتقريب ما في توجيه كلام الأصحاب فإنّها بحكم العادة مقيّدة بصورة إجازة الوليّ مع إمكان منع الإطلاق بوجه آخر، و هو ورودها مورد بيان حكم آخر من دون تعرّض لاعتبار إجازة الوليّ إثباتا و لا نفيا.

و ممّا ذكر انقدح ضعف الوجه الأخير أيضا، مع أنّه لم يظنّ على أحد من الأصحاب القول به، مع منافاته لصريح عبائرهم في باب الفضولي على ما عرفت بعضها، فما سمعت عن المسالك: من اشتراط إجازة الوليّ هنا في غاية الجودة كما أنّ الاستناد لدفعه إلى ظاهر النصوص المذكورة(1) في غاية الضعف.

و قضيّة اشتراط الصحّة بإجازة الوليّ ، عدم صحّة الاشتراء و البيع، و عدم وقوع الربح لليتيم مع عدم الإجازة، و لا فرق في الصورتين بين كون المتصرّف مليّا و عدمه، و لا بين كون ذلك التصرّف ممّا يتوقّف عليه حفظ المال و عدمه، للإطلاق فتوى و نصّا.

و أمّا الإشكال الثاني: فيدفعه منع صدق الإحسان على الاتّجار المذكور فيما أمكنه الوصول إلى الوليّ و الاستئذان منه و لم يفعل، لكونه تصرّفا غير مأذون فيه من المالك و وليّه و لا من الشارع فيكون غصبا و الغصب قبيح عقلا و محرّم شرعا، فلا يكون إحسانا فهو في تصرّفه غير محسن فلا يشمله قاعدة نفي السبيل المستفادة من الآية(2).

و توهّم استفادة الإذن الشرعي من عموم قوله تعالى: وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْبِرِّ وَ اَلتَّقْوىٰ (3).

يدفعه منع كونه برّا مع فرض كونه غصبا، نظرا إلى عموم ما دلّ على اشتراط جواز التصرّف في مال الغير بإذن المالك أو وليّه.

كما أنّ توهّم استفادة الإذن الشرعي من إطلاق الاستثناء في قوله تعالى:

ص: 67


1- المسالك 357:1.
2- التوبة: 91.
3- المائدة: 2.

وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (1) .

يدفعه منع تناول الإطلاق لغير الوليّ باعتبار كون الآية من جهة الإجماع و أدلّة الولاية مخصوصة بالأولياء، و عليه فضمان المتصرّف على تقدير التلف مع كونه منصوصا بالخصوص على القاعدة لعموم: «على اليد ما أخذت»(2) و إنّ : «الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال»(3) «و من أتلف مال الغير فهو له ضامن»(4) و غير ذلك من عمومات الضمان.

و أمّا ما لا يمكنه الوصول إلى الوليّ حتّى الحاكم، فإن كان المتصرّف عدلا فهو بنفسه - من باب ولاية عدول المؤمنين عند تعذّر الحاكم و أمينه - وليّ ، فيكون خارجا عن عنوان المسألة و هو كون المتصرّف غير وليّ فلا ينصرف إليه إطلاق حكمهم بالضمان، بل هو داخل في عنوان المسألة الاولى لأنّ الوليّ المأخوذ فيه أعمّ ، و على تقدير عدم دخوله في هذا العنوان فهو ملحق به حكما جزما.

و إن لم يكن عدلا فلا ولاية له، بناء على اشتراط العدالة في ولاية عدول المؤمنين، و حينئذ فإن توقّف حفظ المال على التصرّف المذكور فالظاهر كونه إحسانا لاستقلال العقل بإدراك حسنه فيكشف عن إذن الشارع بعنوان الوجوب فيندرج في عموم آية:

«نفي السبيل»(5) فلا ضمان عليه أيضا، و إلاّ فلا يجوز له التصرّف، و لو فعل كان باطلا و يلزم من بطلانه عدم وقوع الربح لليتيم.

ص: 68


1- الأنعام: 152.
2- السنن: 95:6، مستدرك الوسائل 4/88:17، الخلاف 408:3، المسألة 20، كنز العمّال 10: 29811/360، الجامع الصغير 5455/158:2.
3- من القواعد الفقهيّة: الشرائع 767:4، الإيضاح 171:2 و 173 و 176 و 181 و 186، المهذّب البارع: 254:4، جامع المقاصد 101:5 و 239:6 و 298-299، المكاسب 474:3.
4- الجواهر 157:36، قال المحشّي في هامشها: المراد هو الحديث المشتهر على ألسنة الفقهاء: «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» إلاّ أنّه لم أجد نصّ ذلك مع التتبّع التامّ في مظانّه و إنّما هى قاعدة مصطادة من عدّة روايات كما أشار إلى ذلك أيضا شيخنا صاحب الجواهر في كتاب الغصب 37: 60، فمن تلك الروايات: الوسائل 326:27، ب 10، 11، 14 من أبواب الشهادات و ج 358:18 الباب 5، 7 من كتاب الرهن، و ج 141:19، ب 29، 5، 9 من كتاب الإجارة و ج 36:23، ب 18 من كتاب العتق و في: 15، ب 5 و ج 118:28، ب 22 من أبواب حدّ الزنا و في: 357 الباب: 1 من أبواب نكاح البهائم/ 4.
5- التوبة: 91.

فانقدح بجميع ما قرّرناه أنّ إطلاق كلام الأصحاب في عنوان هذه المسألة لا ينصرف إلى ما عدى إمكان الوصول إلى [الوليّ ](1) و إنّ إطلاقهم بالربح للطفل مخصوص بصورة حصول الإجازة من الوليّ ، و بالضمان - على تقدير التلف - مخصوص بصورة عدم الإجازة كما يظهر وجهه بالتأمّل، فإنّها إن حصلت قبل التلف خرج المتصرّف عن موضوع الضمان لصيرورته مأذونا من الوليّ ، و إن حصلت بعده فليست بجائزة، و على تقدير الحصول ليست بصحيحة و لا رافعة للضمان.

و هل يستحبّ الزكاة في مال الطفل ؟ قولان: - حكاهما السيّد في المناهل -(2)أوّلهما: لجماعة منهم الشهيدان(3) و المحقّق الثاني(4) و السيّد المشار إليه و غيره، و هو الأقوى لإطلاق النصوص المتقدّمة و الأحوط عدم التعرّض لإخراجها و اللّه العالم.

المسألة الرابعة: فيما لو كان المتّجر غير الوليّ و اتّجر لنفسه

بعد ضمان المال و نقله إلى نفسه باقتراض و نحوه، و قد اتّفقت كلمتهم هنا على الحكم: بعدم صحّة الاقتراض من حيث عدم كون المقترض وليّا و لا مأذونا من الوليّ ، و بكون الربح للطفل، و بكون المتصرّف ضامنا للمال على تقدير تلفه، و اختلفوا في استحباب الزكاة حينئذ و عدمه.

و الظاهر أنّه لا خلاف عندهم في الأحكام الثلاث الاولى كما استظهره غير واحد أيضا، و في الذخيرة بالنسبة إلى الحكم الأوّل ما يؤذن بدعوى الإجماع عليه حيث قال:

«اعلم أنّ الأصحاب ذكروا أنّ التصرّف في مال الطفل بالاقتراض مشروط بأمرين:

أحدهما: كون المتصرّف وليّا لأنّ التصرّف في مال الغير يحتاج إلى ولاية شرعيّة، لكن لو تعذّر الوصول إلى الوليّ و توقّف المصلحة على التصرّف المذكور لا يبعد جوازه لغير الولي أيضا لقوله تعالى: وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(5) انتهى(6).

و بالجملة هذه الأحكام لا ينبغي التأمّل في شيء منها و يعلم وجهها بملاحظة ما مرّ

ص: 69


1- يبدو أنّه وقع سقط في الجملة و الصحيح ما كتبناه.
2- المناهل: 5 ب و ما بعده.
3- المسالك 356:1-357، البيان: 165.
4- جامع المقاصد 5:3.
5- الأنعام: 152.
6- الذخيرة: 422.

في المسائل السابقة، فالاقتراض ليس بصحيح لانتفاء الولاية، و الربح يقع للطفل إذا لحق الاشتراء و المبايعة إجازة الوليّ و قد تقدّم وجهه. و كون قصد المشتري نفسه لا الطفل غير قادح في الصحّة كما عرفت، و إذا تلف المال لم يزل ضمان المتصرّف بالمثل أو القيمة لعموم «على اليد ما أخذت» و غيره و خصوص النصوص على تقدير شمولها الفرض.

نعم يبقى الكلام فيما ذكره الذخيرة من: «أنّه لو تعذّر الوصول إلى الولي و توقّف المصلحة على التصرّف المذكور، لا يبعد جوازه لغير الوليّ أيضا»(1) و لقد حكي عن المحقّق البهبهاني في شرح المفاتيح(2) ما يقرب من ذلك.

فإنّه لا يخلو عن شيء، لأنّ المتصرّف على تقدير تعذّر الوصول إلى الوليّ بنفسه وليّ من باب ولاية عدول المؤمنين إن كان عدلا، فصحّة اقتراضه مع إحراز مصلحة للطفل فيه منوطة بكونه مليّا، و مع انتفاء الملاءة أو عدم العدالة فلا ولاية.

فحينئذ [إن] اريد بالمصلحة المتوقّفة عليه منفعة للطفل بحصول الربح، فلا نسلّم جوازه لمجرّد توقّف المصلحة بهذا المعنى عليه لانتفاء الولاية مع عدم لحوق الإجازة.

و التمسّك بآية: لاٰ تَقْرَبُوا - بعد ملاحظة كون الاستثناء الموجود فيها مقيّدا بالأولياء - ليس في محلّه.

و إن اريد بها حفظ المال، فينبغي الجزم بتعيّنه لا نفي بعد جوازه لا للآية، بل لاستقلال العقل بحسن مصلحة حفظ مال اليتيم فيكون مأذونا فيه من الشارع و يشمله عموم وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْبِرِّ (3) و لنفي الضمان عموم: مٰا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (4).

و أمّا استحباب الزكاة على الطفل ففيه خلاف على قولين: أقواهما من جهة إطلاق النصوص المتقدّمة الاستحباب، و أحوطهما من جهة الخروج عن شبهة الخلاف عدم تعرّض الوليّ لإخراج الزكاة فيما غايته الاستحباب.

ص: 70


1- الذخيرة: 421.
2- مصابيح الظلام 99:10.
3- المائدة: 2.
4- التوبة: 91.
المطلب الثاني في اشتراط وجوب الزكاة بالعقل
اشارة

فيتفرّع عليه أنّه لا زكاة في أموال المجنون من النقدين و المواشي و الغلاّت، و هذا الحكم في الجملة و إن كان ممّا لا خلاف فيه، إلاّ أنّ إثباته بطريق القاعدة المجمع عليها الثابتة بالعقل و النقل و هي: «اشتراط مطلق التكليف بالعقل(1) و المجنون لا عقل له» غير ممكن، لأنّ الزكاة في مال المجنون لو كانت واجبة فالمخاطب بإخراجها الوليّ لا المجنون، فعدم توجّه التكليف إليه لا ينافي وجوب الزكاة في ماله.

و من ذلك سقط جملة من الاستدلالات المذكورة هاهنا مثل: «أنّ الزكاة تكليف و المجنون ليس من أهل التكليف»(2) و مثل: «أنّ الزكاة عبادة محضة مفتقرة إلى النيّة و هي متعذّرة من المجنون»(3) فإنّها ليست متعذّرة من الوليّ ، و مثل النبوي: «رفع القلم عن الصبيّ حتّى يبلغ و عن المجنون حتّى يفيق»(4) فإنّ رفع قلم التكليف عن المجنون لا ينافي وجوب الزكاة على وجه يكون المخاطب بإخراجها الوليّ .

و أمّا الاستدلال: بأنّ الزكاة شرّعت مطهّرة للذنب لقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا (5) و المجنون لا ذنب عليه(6).

ص: 71


1- الوسائل 1/266:10 و 3، ب 24 من أبواب من يصحّ منه الصوم، المعتبر 696:2؛ المنتهى 2: 585؛ التذكرة 103:6، السرائر 430:1.
2- المختلف 152:3.
3- الخلاف 110:2، المسألة 128، جواهر الفقه: 32، المنتهى 472:1، المدارك 299:5.
4- سنن البيهقي 339:2.
5- التوبة: 103.
6- الحدائق 19:12، السرائر 430:1، المختلف 152:3.

ففيه - بعد تسليم إطلاق انتفاء الذنب عن المجنون -: أنّ غاية ما يدلّ عليه الآية كون مطهّرية الذنب من خواصّ الزكاة، و لا يقتضي ذلك كون العلّة الباعثة على تشريعها و وجوبها مطلقا هي التطهير للذنب، فلا ينافي وجوب الزكاة في مال المجنون.

فالوجه في إثباته،(1) التمسّك بالاصول العامّة العمليّة مثل: «أصالة عدم الجعل» أي عدم تعرّض الشارع لجعل في مال المجنون، و «أصالة براءة ذمّة الوليّ عن التكليف بإخراجها».

و أمّا الأدلّة الخاصّة كالإجماعات(2) و النصوص(3) فليس فيها ما ينهض لنفي وجوبها في مطلق أمواله، نعم الظاهر أنّ عدم وجوبها في خصوص النقدين إجماعي، و الإجماعات المنقولة عليه مستفيضة، مثل ما في المدارك من: «أنّه أجمع علماؤنا كافّة على أنّه يشترط في وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة الكمال، فلا تجب زكاتهما على صبيّ و لا على مجنون»(4) و ما في الروضة كما عن البيان(5) من: «أنّه لا زكاة على المجنون في النقدين إجماعا»(6) و ما عن الغنية من أنّه: «يشترط في وجوبها في الذهب و الفضّة العقل بدليل الإجماع الماضي ذكره»(7) و ما عن المعتبر و المنتهى من: «أنّ ذلك مذهب علمائنا أجمع»(8) و عن المقنعة أيضا ما يؤذن بدعواه من قوله: «لا زكاة عند آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله في صامت أموال المجانين من الدراهم و الدنانير»(9).

و هل تستحبّ في النقدين ؟ الظاهر نعم بلا خلاف ظاهرا لخبر عبد الرحمن بن الحجّاج الموصوف بالصحّة في كلام جماعة(10) و الحسن في كلام بعضهم(11) و القوّة في

ص: 72


1- أي إثبات عدم الزكاة في أموال المجنون، كما أشار إليها الحلّي في السرائر 431:1، و العلاّمة في المختلف 155:3.
2- السرائر 430:1، 431، المعتبر 486:2، الحدائق 17:12، الرياض 1، 262، الشيخ الأنصاري 458:2، غنائم الأيّام 37:4.
3- الوسائل 90:9، ب 1 و 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، تهذيب الأحكام 16/30:4-17، الكافي 542:3.
4- المدارك 15:5.
5- البيان: 165.
6- شرح اللمعة 11:2، 12.
7- الغنية: 118.
8- المعتبر 485:2، المنتهى 471:1.
9- المقنعة: 238.
10- المنتهى 472:1، مجمع الفائدة 13:4، المدارك 16:5، الحدائق 22:12-23، الرياض: 262، غنائم الأيّام 37:4.
11- لم نعثر عليهم.

الذخيرة(1) قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة من أهلنا مختلطة أ عليها زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إن كان قد عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا»(2). و ضعفه - إن كان - أو قصوره كذلك مجبور بالعمل.

و يؤيّده خبر موسى بن بكر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة»(3) و ظهورهما في الوجوب يخرج عنه بكونه متروكا عند الأصحاب إذ لا عامل بهذا الظهور.

و أمّا غلاّته و مواشيه فقيل: بوجوب الزكاة فيهما كما عن الشيخين و أتباعهما(4)استنادا إلى أنّ الزكاة تجب في غلاّت الأطفال و مواشيهم فكذلك في غلاّت المجانين و مواشيهم. و المشهور عدم الوجوب(5) و هو المنصور للأصل المتقدّم(6) و عدم دليل مخرج عنه أو رافع موضوعه، و ما أشرنا إليه، فالحكم في الأصل ممنوع، و بعد تسليمه فالملازمة بينه و بين مثله في المجنون ممنوعة، لبطلان القياس إن اريد ثبوتها لجامع عدم العقل، و منع ثبوت الإجماع المركّب و عدم وجود القائل بالفصل إن اريد ثبوتها للإجماع، و منع الغلبة المعتدّ بها بحيث أوجب الظنّ و الاطمئنان إن اريد ثبوتها بالاستقراء بدعوى أنّ المجنون يشارك الطفل في غالب الأحكام فكذلك فيما نحن فيه لأنّ الظنّ يلحق الشيء بالأعمّ الأغلب.

ص: 73


1- الذخيرة: 421.
2- الكافي 2/542:3، تهذيب الأحكام 16/30:4، الوسائل 1/90:9، ب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
3- الكافي 3/542:3، تهذيب الأحكام 30:4، 17/31، الوسائل 2/90:9، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
4- المبسوط 233:1، النهاية: 174، الخلاف 40:2، تهذيب الأحكام 26:4، المقنعة: 238، الناصريّات: 281، المهذّب 168:1، المختلف 151:3.
5- الدروس 229:1، مجمع الفائدة 12:4، السرائر 430:1-431. المسالك 358:1، الرياض 41:5.
6- تقدّم في: 72.

و هل تستحبّ فيهما؟ الأكثر(1) لا، للأصل مع عدم دليل. و قيل: نعم تمسّكا بالاستقراء(2) و هو مدخول فيه.

فوائد:

الاولى: ظاهر إطلاق الأكثر(3) في المجنون عدم الفرق في عدم وجوب الزكاة في أمواله بين المطبق و ذي الأدوار، لأنّهم أطلقوا الحكم بعدم الوجوب في المجنون من غير استفصال، بل قيل: أنّه كذلك من المفيد إلى الفاضل(4) حيث لم يستفصل أحد بين الإطباقي و الأدواري حتّى إنّ الفاضل في التذكرة(5) و إن تعرّض لذكر ذي الأدوار إلاّ أنّه صرّح بعدم وجوب الزكاة عليه أيضا قائلا: «لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول، و لو جنّ في أثنائه سقط و استأنف من حين عوده». انتهى.

و لم نقف ممّن تأخّر منه أو تقدّم عليه على من أوجبها على ذي الأدوار دون المطبق، أو استشكل في اشتراط الكمال طول الحول عدى صاحب المدارك حيث استشكل فيما ذكره الفاضل في التذكرة(6) بعد ما قال: «الأقرب تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة إذ لا مانع من توجّه الخطاب إليه في تلك الحال»(7).

و فيه من الضعف ما لا يخفى، إذ ليس الكلام في أنّ طروء الجنون في أثناء الحول هل هو مانع من تعلّق الزكاة حال الإفاقة أو لا؟ حتّى يتمسّك لنفي المانعيّة بأنّه لا مانع من توجّه الخطاب إليه في تلك الحال، بل الكلام في أنّه: هل يكفي الحول الّذي تخلّل في أثنائه الجنون في توجّه الخطاب بالزكاة أو لا؟ نظرا إلى كون الزكاة واجبا مشروطا

ص: 74


1- السرائر 430:1، 431، الشرائع 105:1، مجمع الفائدة 12:4، المسالك 358:1، الشرائع 1: 105، المدارك 23:5، الذخيرة: 421، الرياض 5:5، قال صاحب الجواهر 28:15: تبع لهذا الحكم: «ثاني المحقّقين و الشهيدين و أبي العبّاس القطيفي و الميسي و غيرهم على ما حكى بعضهم».
2- التذكرة 14:5، 15، نهاية الإحكام 300:2، الدروس 229:1، شرح اللمعة 12:2، جامع المقاصد 5:3، لم نظفر في كلماتهم ما يدلّ على الاستناد إلى الاستقراء.
3- المقنعة: 238، المبسوط 341:2، الدروس 229:1، مجمع الفائدة 12:4، السرائر 430:1، 431، المسالك 358:1، الجواهر 29:15.
4- الجواهر 29:15، شيخ الأنصارى، الزكاة: 11.
5- التذكرة 16:5، و لكن ليس في المأخذ كلمة: «أدوارا».
6- التذكرة 16:5.
7- مدارك الأحكام 16:5.

بحلول الحول و الشكّ إنّما هو في كفاية هذا الحول في تحقّق الشرط، و مرجعه إلى الشكّ في وجود المقتضي لوجوب الزكاة، و الاستناد إلى نفي المانعيّة مع الشكّ المذكور غير مجد. و من ذلك ظهر صحّة التمسّك بالأصل لنفي وجوبها على ذي الأدوار أيضا، لكون الشكّ المفروض ما يحرز به موضوع الأصل.

و حينئذ فالوجه في عدم الفرق كما هو الأقرب بين ذي الإطباق و ذي الأدوار هو اتّحاد الطريق أعني الأصل حسبما قرّرناه(1) و بعبارة اخرى أنّ الأصل الّذي هو المستند في عدم وجوب الزكاة في أموال مطلق المجنون جار بعينه في ذي الأدوار، فرجع محصّل الكلام إلى ما ذكره في التذكرة من اشتراط حصول الكمال الّذي هو شرط وجوب الزكاة طول الحول و استمرار حال الإفاقة في تمام الحول.

و إن كان ربما يشكل الحال في هذا البيان بأنّه إنّما يستقيم فيما اشترط في وجوب الزكاة فيه من الأموال حلول الحول كالنقدين و المواشي و أمّا ما لا يشترط فيه كالغلاّت فلا، بل يكفي فيه حصول الشرط و هو الكمال من حين تعلّق الوجوب و هو: زمان اشتداد الحبّ في الحنطة و الشعير، و انعقاد الحصرم في الزبيب، و بدوّ الصلاح و هو الاحمرار أو الاصفرار في التمر إلى زمان تنجّز التكليف بالاخراج.

و حينئذ يتّجه القول بالوجوب في الأدواري في خصوص غلاّته إذا كان إفاقته من حين تعلّق الوجوب بالمال إلى توجّه الخطاب بالإخراج، و لم نقف من الأصحاب على من فصّل بنحو هذا التفصيل، بل قضيّة إطلاق الأكثر حسبما عرفت(2) هو إطلاق الحكم بالقياس إلى قسمي المجنون في جميع أموالهما.

و يمكن التمسّك للتعميم في أموال الأدواري و إلحاق غلاّته بسائر أمواله بعدم القول بالفصل و الإجماع المركّب بعد ما ثبت أحد شطريه بالأصل. و يشكل بعدم جريان قاعدة الإجماع المركّب فيما ثبت أحد شطريه بالأصل، لعدم ثبوت الإجماع على الملازمة بينهما في الحكم الظاهري كما ثبت عليها في الحكم الواقعي.

و يمكن التمسّك بالأصل أيضا هنا لكون الأدواري في جميع حالاته و أمواله حتّى

ص: 75


1- تقدّم في: 72.
2- عرفت في: 74.

الغلاّت مشكوك الحال. و لكنّ الاحتياط في إخراج الزكاة من غلاّته إذا تحقّقت إفاقته من حين تعلّق الوجوب إلى توجّه الخطاب بالإخراج، و أحوط منه رعاية إخراج الزكاة منها مطلقا، و أحوط منهما الإخراج من مطلق أمواله حتّى النقدين و المواشي.

الثانية: قال العلاّمة في التذكرة كما حكي عنه أيضا في النهاية: «و تجب الزكاة على الساهي و النائم و المغفل، دون المغمى عليه لأنّه تكليف و ليس من أهله»(1). و اعترضه صاحب المدارك بقوله: «في الفرق نظر فإنّه إن أراد أنّ المغمى عليه ليس أهلا للتكليف في حال الإغماء فمسلّم لكن النائم كذلك، و إن أراد كون الإغماء مقتضيا لانقطاع الحول و سقوط الزكاة كما ذكره في ذي الأدوار طولب بدليله، و بالجملة فالمتّجه مساواة الإغماء للنوم في تحقّق التكليف بالزكاة بعد زوالهما كما في غيرها من التكاليف و عدم انقطاع الحول بعروض ذلك في أثنائه»(2) و استجوده في المناهل(3).

الظاهر أنّ المراد بالسهو هنا النسيان، و لكن لا يدرى أنّه هل هو نسيان المال، أو نسيان بلوغه النصاب، أو نسيان أصل عنوان الزكاة، أو نسيان وجوبها حين تحقّق سائر شرائطه ؟ و أيّا ما كان فالظاهر توجّه الخطاب بها بعد التذكّر حال اجتماع الشرائط.

و هذه الاحتمالات جارية في المغفل الظاهر في إرادة الغافل فبعد زوال الغفلة يتوجّه الخطاب بالزكاة لعموم الأدلّة.

و أمّا النوم فلا يدرى أنّ المراد به ما كان مستوعبا لتمام الحول، أو متحقّقا في أثنائه مطلقا، أو عند تعلّق الوجوب، أو عند توجّه الخطاب بالإخراج ؟ و الأوّل بعيد، بل محال عادة، و أيّا ما كان فالظاهر هنا أيضا توجّه الخطاب بعد الانتباه.

و أمّا الإغماء فهو كما ذكره المدارك من عدم لحوقه بالجنون(4) و هو ظاهر الأصحاب ممّن عدى الفاضل(5) حيث لم يستثنوا إلاّ المجنون، و توهّم عموم المجنون للمغمى عليه بحسب المفهوم كما ترى.

ص: 76


1- التذكرة 16:5، نهاية الإحكام 300:2، عبارة النهاية ليست صريحة، و من الممكن استفادة هذا المعنى من إطلاق عبارته و عدم تعرّضه لسقوط الزكاة عنهم.
2- المدارك 16:5.
3- المناهل: 18 ب.
4- المدارك 16:5.
5- التذكرة 16:5، نهاية الإحكام 300:2.
المطلب الثالث في اشتراط وجوب الزكاة بالحرّية
اشارة

ليتفرّع عليه عدم وجوبها على المملوك، بل هو على القول: «بأنّه لا يملك مطلقا»(1) ممّا لا خلاف فيه، فلا يجب عليه على هذا القول زكاة قولا واحدا، هذا كما هو المصرّح به في كلامهم(2) بل هذا في الحقيقة خارج عن معقد البحث، بل مع انتفاء الملك الّذي هو من شروط وجوبها على ما سيأتي(3) لا معنى للتكلّم في اشتراط الحرّية أيضا، بل لا فائدة فيه أصلا لأنّ اشتراطه يغني عن اشتراطها.

فالمقصود من عقد هذا البحث إنّما هو بيان شرطيّة الحرّية أو عدمها على القول بأنّه: «يملك مطلقا»(4) أو: «فاضل الضريبة»(5) أو: «أرش الجناية»(6) أو غير ذلك، فإنّ

ص: 77


1- سيأتي في الصفحات اللاحقة.
2- المعتبر 489:2، المختلف 156:3، المبسوط 206:1. يبدو انّ هذا إجماعي في فقه الإماميّة، المسالك 382:3، الشيخ الأنصاري، كتاب الزكاة: 102، كتاب الطهارة 473:2، الذخيرة: 422، مجمع الفائدة 16:4، غنائم الأيّام 40:4، نهاية الأحكام 301:2، الخلاف 121:3، المسألة 207، السرائر 353:2.
3- سيأتي في الصفحات اللاحقة.
4- سيأتي في: ص 78.
5- الصحاح 170:1: الضريبة الّتي تؤخذ في الإرصاد و الجزية و نحوها، و منه ضريبة العبد و هى غلّته، مجمع البحرين 3: و ضربت عليه خراجا: أي جعلته عليه وظيفة، و الاسم الضريبة، و منه ضريبة العبد و هو ما يؤدّي سيّده من الخراج المقدّر عليه.
6- مجمع البحرين 1: أرش الجناية، ديتها، و الجمع أروش مثل فلس و فلوس... و الأرض ما يأخذه المشترى من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع، و منها أروش الجنايات لأنّها جابرة للنقص.

فيه خلافا بين الأصحاب على قولين: فقيل بأنّه لا زكاة عليه و هو للفاضلين في الشرائع(1) و التذكرة(2) و قيل بوجوبها عليه و هو أيضا لهما في المعتبر و المنتهى(3) و في المختلف أنّ : «على القول بأنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية قولان للأصحاب نقلهما الشيخ»(4).

أقول: و لعلّ الأوّل للأكثر بل يتناوله إطلاق الإجماع الّذي نقله في التذكرة قائلا:

«الحرّية شرط في الزكاة فلا يجب على العبد بإجماع العلماء»(5).

و حيث إنّ الخلاف مبنيّ على القول بملكه، فالأولى التكلّم في تحقيق هذه المسألة.

فنقول: اختلف الأصحاب في أنّه يملك أو لا يملك على أقوال:

الأوّل: إنّه لا يملك مطلقا و هو للأكثر، و في الرياض أنّه الأشهر(6) و عن التذكرة(7) و المصابيح(8) دعوى الشهرة، و نسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا(9) و عن زكاة الخلاف و نهج الحق الإجماع عليه(10).

الثاني: أنّه يملك، و هو خيرة الشرائع(11) و عزى إلى التنقيح(12) أيضا و عن الدروس نسبته إلى ظاهر الأكثر(13) و في المسالك و الروضة أنّ القول بالملك في الجملة للأكثر(14).

الثالث: أنّه يملك فاضل الضريبة خاصّة، اختاره في النافع(15) و الكفاية(16) و حكاه في الشرائع(17) مرسلا.

الرابع: أنّه يملك أرش الجناية خاصّة، حكاه في المعتبر(18) عن بعض.

الخامس: أنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية معا، حكاه في المنتهى عن

ص: 78


1- الشرائع 105:1.
2- التذكرة 16:5 و 368.
3- المنتهى 473:1.
4- المختلف 156:3.
5- التذكرة 16:5.
6- الرياض 43:5.
7- التذكرة 317:10.
8- لم نظفر عليه.
9- التذكرة 317:10.
10- الخلاف 43:2، نهج الحقّ : 484.
11- الشرائع 313:2 و 314.
12- لم نعثر عليها.
13- الدروس: 230.
14- المسالك، 382:3، الروضة 312:3.
15- المختصر النافع: 132.
16- كفاية الأحكام: 101 و 198 و 220.
17- الشرائع 313:2 و 314.
18- المعتبر 489:2.

بعض الأصحاب(1) و عن التنقيح(2) أنّه حكاه عن النهاية(3).

السادس: ما عزي إلى الشيخ في التهذيب من أنّه يملك ما ملّكه المولى و فاضل الضريبة و أرش الجناية(4). و ربما نقل في المسألة أقوال اخر أشار إليها شيخنا قدّس سرّه في الجواهر(5).

حجّة القول الأوّل: وجوه كثيرة، مرجعها إلى: الأصل و الاعتبار و الكتاب و السنّة.

أمّا الأصل: فلأنّ المالكيّة و التملّك أمر حادث و الأصل عدمه. و التمسّك به إنّما ينفع لو لا عمومات الملك و الأسباب المملّكة الاختياريّة أو القهريّة.

و أمّا الاعتبار فمن وجوه غير خالية عن مصادرات مثل: أنّه مملوك فلا يكون مالكا لأنّ مالكيّته لغيره فرع مالكيّته لنفسه، و إنّ ما يكتسبه العبد من فوائد ملك المولى فيكون تابعا له، و إنّ نفسه و بدنه و صفاته الّتي من جملتها مالكيّته و سلطانه مملوكة و يرجع ذلك إلى أنّ جميع ما بيده من الأموال و الأملاك مملوكة لمولاه. و لا خفاء في ضعف الجميع، و على تقدير خلوصها عن المصادرة لا تنهض لتأسيس الحكم الشرعي، نعم تصلح مؤيّدة للدليل.

و أمّا الكتاب فقوله عزّ من قائل: ضَرَبَ اَللّٰهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لاٰ يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (6)فإنّ : (شيئا) نكرة منفيّة فتفيد العموم، و تملّكه للمال و تصرّفه الّذي هو لازم له، شيء، و قضيّة العموم نفي القدرة عليه.

و المناقشة فيه بأنّه لا ينفي الملكيّة القهريّة الغير المنوطة بقدرة المالك - كالموصى به و الوقف الخاصّ بل العامّ على القول بدخوله في ملك الموقوف عليهم و ما أشبه ذلك -

ص: 79


1- المنتهى 473:1.
2- لم نعثر عليها.
3- نهاية الإحكام 301:2.
4- تهذيب الأحكام 40/224:8، نسب هذا القول في المبسوط 206:1 إلى بعض الأصحاب، و المعتبر 489:2 قال: و في بعض رواياتنا يملك فاضل الضريبة، و قال بعض أصحابنا و أرش الجناية. و نسبه في الشرائع 106:1 إلى قيل. قال في الجواهر 32:15: على أنّه لم نعرف القائل به، بل و لا القائل بالزكاة على المملوك مع كونه مالكا فى غيره أيضا سوى ما استظهر من الوسيلة: 121 و 122، حيث إنّه لم يذكر هنا من الشرائط، منضمّا إلى ما يظهر في العتق، الوسيلة: 341 من الملكيّة، مجمع الفائدة 17:4.
5- الجواهر 31:15.
6- النحل: 75.

تندفع بانضمام الإجماع المركّب. و بعبارة اخرى متى ثبت امتناع الملك الاختياري للعبد ثبت امتناع الملك القهري له أيضا، للإجماع على نفي التفصيل بهذا الوجه.

كما أنّ المناقشة فيه بأنّ : عَبْداً لا عموم فيه فيحتمل الفرد الخاصّ و عدم قدرة عبد من العبيد على شيء لا ينافي قدرة غيره على التملّك، تندفع بأنّ وصف المملوك عامّ و لحوقه بالعبد يقتضي إرادة جنس العبد إذ ليس في العبيد من ليس بملك.

و أمّا المناقشة فيه بأنّ الاستدلال إنّما ينهض لو كان جملة: لاٰ يَقْدِرُ صفة موضحة مساوية لموصوفها، و هو غير معلوم، بل الظاهر خلافه، فإنّ الأصل في الصفة أن تكون مخصّصة و لذا أطلق الاصوليّون كون الصفة من المخصّصات، و عليه لا يتّجه الاستدلال بها على المدّعى، بل هي بالدلالة على خلافه أولى.

فيدفعها منع كون الصفة المذكورة مخصّصة بل هي موضحة، و التمسّك للأوّل بالأصل المذكور غير صحيح.

أمّا أوّلا: فلمنع الأصل حيث لا مدرك له حسبما بيّنّاه(1) في الاصول في بحث «عدم حجّية مفهوم الوصف» و ليس في كلام الاصوليّين حيث يعدّون الصفة من المخصّصات شهادة بذلك الأصل بل غرضهم ثمّة بيان أنّ من المخصّصات المتّصلة، الصفة من دون نظر إلى أنّ الأصل فيها كونها مخصّصة أو لا؟ و لذا يذكره كلّ من يقول بذلك الأصل و كلّ من ينكره.

و أمّا ثانيا: فلأنّ الأصل المذكور على تقدير ثبوته ليس هنا في مجراه لأنّها إنّما تجري في صفة صالحة لأن تكون مخصّصة بأن تكون أخصّ من موصوفها في الصدق لوضوح امتناع كون المساوية له مخصّصة فلا بدّ عند التمسّك بالأصل المذكور إحراز الصلاحيّة من غير جهة الأصل بإثبات كونها أخصّ ثمّ التمسّك به لإثبات التخصيص بها و لا يمكن إحراز أصل الصلاحيّة و إثباتها بالأصل، و منشأ إشكال الموضحيّة و المخصّصيّة فيما نحن فيه إنّما هو اشتباه حال عدم القدرة على شيء من حيث إنّه مساو للعبوديّة في الصدق كما أنّ المملوكيّة مساوية له أو أخصّ منه، فما لم يحرز كونه

ص: 80


1- تعليقة على معالم الاصول 342:4.

أخصّ لم يتّجه التمسّك، و لا يمكن إثبات كونه كذلك بنفس ذلك الأصل، فالّذي ينبغي أن يتكلّم فيه إنّما هو مساواة تلك لموصوفها لتكون في الآية موضحة أو كونها أخصّ .

فنقول: الأظهر هو المساواة لوجوه:

منها: أنّ المتبادر من الآية من جهة قرينة المقام و سياق الكلام أنّ غرضه تعالى بذكر الوصفين بعد العبد إنّما هو الكشف عن معنى في الموصوف لازم له غير منفكّ منه، و إن شئت قلت: إنّ جملة لاٰ يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ و إن كانت بحسب الصورة صفة إلاّ أنّها بحسب المعنى وردت للحكم على العبد بكونه لا يقدر على شيء و الإخبار عنه بذلك بحكم التبادر و الانفهام، و لا يصحّ ذلك إذا ساوى المحكوم به للمحكوم عليه لعدم جواز الإخبار عن الأعمّ بالأخصّ صونا لكلام الحكيم عن الكذب.

و منها: إنّ عدم القدرة على التملّك لو لا كونه لازما مساويا لموصوفه لناسب أن يذكر الإنسان أو الرجل مثلا بأن يقال: «ضرب اللّه إنسانا لا يقدر على شيء» و كان ذكر: «العبد المملوك» عاريا عن الفائدة، و توضيحه أنّ عدم القدرة على التملّك إمّا من جهة انتفاء قابليّة التملّك، أو من جهة فقدان المال لأن يتملّك.

و لا ريب أنّ الثاني صفة مشتركة بين العبد المملوك و الحرّ الغير المملوك لأنّ منه من لا يقدر على التملّك لفقدان المال، و قضيّة كون الصفة أخصّ أن يكون عدم القدرة لأجل فقدان المال لا انتفاء قابليّة التملّك، و المناسب له أن يؤخذ: «الإنسان» موصوفا لعدم فائدة في تخصيص: «العبد المملوك» بالذكر، و حيث إنّه خصّ بالذكر اقتضى كون عدم قدرته على التملّك من جهة انتفاء قابليّة التملّك، و هو يقضي بكون الصفة مساوية للموصوف.

و منها: القرينة المقابلة بين العبد المملوك الّذي وصفه بأنّه لا يقدر على شيء و الحرّ الّذي وصفه بقوله عزّ من قائل: وَ مَنْ رَزَقْنٰاهُ مِنّٰا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ (1) فإنّه تعالى وصف الحرّ بوصفين:

أحدهما: كونه رزقه رزقا حسنا، فإنّ الظاهر أنّ المراد به أنّه أعطاه مالا كثيرا

ص: 81


1- النحل: 75.

و ملّكه إيّاه.

و ثانيهما: كونه يتصرّف فيه بالتصرّفات الماليّة التابعة للملك الّتي منها إنفاقه منه سرّا و جهرا، و قضيّة إطلاق نفي المساواة بينهما انتفاء كلّ من هذين الوصفين عن العبد، كنّى عن انتفاء الوصف الأوّل بوصف المملوكيّة و النكتة فيه تنافي المملوكيّة للمالكيّة بحيث لا يجتمعان في محلّ واحد، و عن انتفاء الوصف الثاني بقوله: لاٰ يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ أي على شيء من التصرّفات الماليّة التابعة للملكيّة.

و من ذلك ظهر أنّ الآية أدلّ شيء في المقام على نفي صلاحية المملوك للملك على وجه السلب الكلّي، بل ربما يظهر من تفريع الإنفاق سرّا و جهرا في الحرّ - على كونه أعطاه اللّه المال و ملّكه إيّاه على ما هو مفاد كلمة الفاء في قوله: فَهُوَ يُنْفِقُ الآية - إنّ ذكر الوصف الأوّل توطئة لإيراد الوصف الثاني.

و هكذا يقال في العبد بقرينة المقابلة فذكر المملوكيّة الّتي هي كناية عن عدم المالكيّة توطئة لذكر عدم قدرته على التصرّفات الماليّة التابعة للملكيّة، و هذا بظاهره يعطي أنّ انتفاء القدرة فيه على التصرّفات الماليّة إنّما هو باعتبار انتفاء مالكيّته على معنى كونه من الآثار المترتّبة عليه و الأحكام المتفرّعة عليه، كما أنّ قدرة الحرّ و سلطنته على تلك التصرّفات من الآثار المترتّبة عليه.

و بذلك يندفع ما اورد كما عن مجمع الفائدة(1) من أنّه على تقدير تسليم كون القيد للبيان و شاملا للتصرّف و الأقوال فعدم القدرة عليها لا يلازم انتفاء الملك لجواز كونه من جهة الحجر باعتبار المملوك محجور عليه حتّى على القول بأنّه يملك فإنّ ظاهر الآية كون انتفاء القدرة متفرّعا على المملوكيّة الملازمة لانتفاء المالكيّة.

كما يندفع به أيضا ما قيل أيضا من أنّ لاٰ يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ و إن كان نكرة منفيّة إلاّ أنّ إرادة العموم منها ممنوعة لاقتضائه تخصيص العامّ إلى أقلّ من النصف، لقدرة العبد على أشياء كثيرة مع إذن المولى، فينبغي حملها على إرادة شيء معيّن و هو غير معلوم لنا، فتصير الآية مجملة، فإنّ تفريع عدم القدرة على انتفاء الملكيّة يقضي بأنّ

ص: 82


1- مجمع الفائدة 16:4، 17، 18.

المراد به نفي السلطنة المالكيّة، فهو بهذا الاعتبار لا يقدر على شيء من دون استثناء شيء فلا تخصيص فيه أصلا.

و قد استدلّ أيضا من الكتاب بقوله عزّ من قائل في سورة الروم: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوٰاءٌ (1)فإنّ الاستفهام فيه إنكاري يقتضي امتناع الشركة بين الأحرار و المماليك بوجه، و لو صحّ ملك العبد لأمكن ذلك قطعا.

و عن المصابيح بعد الاستدلال بهذه الآية بالوجه الّذي سمعت: «و المراد من الموصول في قوله تعالى: فِي مٰا رَزَقْنٰاكُمْ جنس الأموال الّتي رزق اللّه عباده لا خصوص الأعيان الّتي رزقها الأحرار، إذ لا دلالة في ذلك حينئذ على رفعة شأن الموالي و ضعة المماليك و نقصهم، لأنّ التساوي بهذا الوجه منفيّ في حقّ الأحرار أيضا»(2).

و ردّ الاستدلال كما عن مجمع الفائدة بما محصّله: «أنّ غاية ما يدلّ عليه الآية إنّما هو نفي شركة المملوك في مال مولاه، و هو لا ينافي تملّكه بالاستقلال فيما ملّكه المولى أو بالكسب و نحوه من دون شركة»(3).

و أمّا السنّة فطوائف من الأخبار:

الطائفة الاولى: ما دلّ من الروايات على أنّ العبد إذا بيع كان ما في يده قبل البيع لسيّده، إلاّ أن يدخله في البيع أو يشترط كونه للمشتري فيكون له حينئذ.

ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما قال: «سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا، قال: فقال عليه السّلام: المال للبائع إنّما باع نفسه إلاّ أن يكون شرط عليه أنّ ما كان له من مال أو متاع فهو له»(4).

و رواية يحيى بن أبي العلاء عن: «أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام قال: من باع عبدا و كان للعبد مال فالمال للبائع إلاّ أن يشترط المبتاع، أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بذلك»(5).

ص: 83


1- الروم: 28.
2- لم نظفر عليه.
3- مجمع الفائدة 16:4 و 17 و 18.
4- الكافي 2/213:5، تهذيب الأحكام 20/71:7، الوسائل 1/252:18، ب 7 من أبواب بيع الحيوان.
5- الفقيه 3815/220:3، الوسائل 4/253:18 الباب 7 من أبواب بيع الحيوان.

و صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يشتري المملوك و ماله قال عليه السّلام: لا بأس، قلت: فيكون مال المملوك أكثر ممّا اشتراه به، قال: لا بأس به»(1).

و صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يشتري المملوك و له مال لمن ماله ؟ فقال عليه السّلام: إن كان علم البائع إنّ له مالا فهو للمشتري، و إن لم يكن علم فهو للبائع»(2).

و صحيحة أيضا عن: «أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في رجل باع مملوكا و له مال، قال عليه السّلام: إن كان علم مولاه الّذي باعه أنّ له مالا فالمال للمشتري، و إن لم يعلم به البائع فالمال للبائع»(3). وجه الاستدلال بها أنّ المملوك لو كان مالكا لما في يده لاستمرّ ملكه له بعد البيع و لم يكن شيء من ذلك للبائع و لا للمشتري، بل و لم يكن للبائع بيعه معه، و لا اشتراطه للمشتري.

و الأولى في بيان وجه الاستدلال أن يقال: إنّ ظاهر سياق هذه الروايات سؤالا و جوابا أنّ السائل فيها كمحمّد بن مسلم و زرارة و غيرهما كان معتقدا بأنّ المملوك ليس مالكا لما في يده من المال و أنّه كان ملكا لمولاه و إلاّ لم يحتج إلى السؤال خصوصا بنحو ما في صحيحة زرارة من قوله: «لمن ماله» و كان مردّدا و شاكّا في أنّه هل لمولاه الأوّل و هو البائع ؟ أو لمولاه الثاني و هو المشتري ؟ بتوهّم دخوله في المبيع تبعا و انتقالا مع المملوك من مالكه الأوّل إلى مالكه الثاني فقرّره الإمام عليه السّلام على معتقده من عدم مالكيّة المملوك و كون الملك للمملوك و أجاب عمّا هو مردّد و شاكّ فيه بطريق قصر التعيين بقوله عليه السّلام: «المال للبائع» لا للمشتري إلاّ أن يشترط في ضمن العقد كونه للمشتري.

و قوله عليه السّلام: «إنّما باع نفسه» في صحيحة محمّد بن مسلم في معنى التعليل للنفي

ص: 84


1- الفقيه 3817/220:3، الكافي 3/213:5، تهذيب الأحكام 91/71:7، الوسائل 254:18 / 1، ب 8 من أبواب بيع الحيوان.
2- الفقيه 3816/220:3، الكافي 1/213:5، تهذيب الأحكام 21/71:7، الوسائل 253:18 / 2، ب 7 من أبواب بيع الحيوان.
3- الفقيه 3449/117:3، الوسائل 3/253:18، ب 7 من أبواب بيع الحيوان.

المستفاد من قوله عليه السّلام: المال للبائع» المفيد للحصر من باب قصر التعيين، و حاصله أنّ المالك إنّما باع المملوك فلا موجب لكون ماله للمشتري ما لم يشترط كونه له، و قضيّة هذا البيان كون اللام حيثما اضيف إلى المملوك في جميع هذه الأخبار للاختصاص المطلق، و حيثما اضيف إلى البائع للملك.

و بذلك يندفع جملة من المناقشات الواردة على الاستدلال بتلك الأخبار.

مثل ما قيل من أنّ كون اللام في قوله عليه السّلام: «للبائع» للملك ليس بأولى من كونه في قوله عليه السّلام: «له» للملك، بل الأوّل لا ينافي الثاني، فيحكم بكون العبد مالكا و لكن ينتقل المال منه إلى البائع فيكون له تعبّدا.

و مثل أنّ المجاز في لام «له» في قوله عليه السّلام: «ما كان له من مال أو متاع» ليس بأولى من تقييد قوله عليه السّلام: «أن يكون شرط عليه» الخ بصورة رضا العبد بما شرط عليه.

و أمّا ما عساه يناقش من أنّ ما في يد المملوك من المال قد يكون أصله من مولاه، و قد أخذه خيانة و سرقة و ادّخره لنفسه كما هو المعمول بين الخدمة و العبيد، و حينئذ فالحكم بكونه للبائع إنّما هو باعتبار كونه من أصله له.

فيدفعه: ظهور قوله عليه السّلام: «له» فإنّه يقتضي اختصاصه به، و هذا لا يصدق على التقدير المفروض، لوضوح أنّه لا يقال على المال المسروق الّذي بيد السارق و لا على المال المغصوب الّذي في يد الغاصب: إنّه له.

كما أنّ ما عساه أيضا يناقش به من أنّ كون المال المختصّ بالمملوك ملكا للبائع في مورد الأخبار المذكورة لا ينافي قابليّة المملوك لأن يكون مالكا بأحد من الأسباب المملّكة، لجواز كون المال المفروض إنّما حصل له بعطيّة من مولاه من دون تمليك لمجرّد الإباحة في التصرّف و الانتفاع به.

يدفعه: أيضا ترك الاستفصال المفيد للعموم في كلام الإمام عليه السّلام بعد إطلاق السائل، و لكن يشكل ذلك بالنسبة إلى فاضل الضريبة و أرش الجناية لأنّ الروايات لا تنفي صلاحية العبد لتملّك هذين المالين، و ترك الاستفصال غير مجد في عموم الحكم لهما، لأنّه إنّما يفيد العموم فيما لو كان المطلق متواطئا بأن لا يتفاوت أفراده في الشيوع و الندرة، و إلاّ فإطلاق الجواب كإطلاق السؤال ينصرف إلى الأفراد الشائعة، و لا ريب

ص: 85

في ندرة وقوع فاضل الضريبة و أرش الجناية فلا يعمّه إطلاق السؤال و الجواب فليتدبّر.

الطائفة الثانية: الأخبار الدالّة على أنّ العبد إذا اعتق و كان في يده مال فهو لمولاه المعتق كصحيحة زرارة المرويّة بطرق عديدة عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل أعتق عبدا له و للعبد مال، لمن المال ؟ فقال عليه السّلام: إن كان يعلم إنّ له مالا تبعه ماله، و إلاّ فهو للمعتق»(1) و موثّقة عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أعتق عبدا له و للعبد مال و هو يعلم أنّ له مالا، فتوفّي الّذي أعتق العبد لمن يكون المال ؟ يكون للّذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال عليه السّلام: إذا أعتقه و هو يعلم أنّ له مالا فماله له، و إن لم يعلم فماله لولد سيّده»(2) إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

و وجه الاستدلال على ما ينساق من عبارة المصابيح(3) أنّه لو كان مالكا لما في يده لم يخرج إلى المولى لمجرّد عدم علمه به عند العتق، لأصالة بقاء ما كان على ما كان، و لامتناع كون الأمر العدمي علّة للوجودي، و كذلك لم يكن له بمجرّد استثنائه عند العتق على ما ورد في بعض الأخبار أيضا كموثّقة زرارة: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه و هو يعلم أنّ له مالا و لم يكن السيّد استثنى المال حين أعتقه فهو للعبد»(4).

و لو عورض بأنّه لو لم يكن مالكا لما في يده بل كان ملكا لمولاه لم يخرج إليه بمجرّد علم المولى و عدم استثنائه إيّاه، لأصالة بقاء ما كان على ما كان.

لدفعه جواز كون علم المولى به مع عدم تعرّضه له بالاستثناء حين العتق أمارة على إبقائه على إباحته الّتي كانت قبل العتق، حيث أباح له المال ليتصرّف فيه كيف شاء و ينتفع به حيثما أراد بحيث اختصّ به لذلك، أو أمارة على أنّه أعرض عنه فيكون من

ص: 86


1- تهذيب الأحكام 36/223:8، الوسائل 4/48:23، ب 24 من أبواب كتاب العتق، الكافي 6: 3/190، الفقيه 3449/117:3، الاستبصار 1/10:4.
2- تهذيب الأحكام 38/223:8، الاستبصار 3/11:4، الفقيه 3451/117:3، الوسائل 23: 6/49، ب 24 من أبواب كتاب العتق.
3- لم نظفر عليه.
4- الكافي 2/190:6، الفقيه 3450/117:3، تهذيب الأحكام 37/223:8، الوسائل 47:23 / 1، ب 24 من أبواب كتاب العتق.

المال المعرض عنه فيملكه العبد بعد العتق بقصد التملّك، أو أمارة على وهبه إيّاه و بذله له بناء على أنّ المعاطاة تجري في نحو الهبة و البذل، و أنّه يكفي فيهما مطلق الفعل المقصود به التمليك و لو نحو ترك التعرّض له بالاستثناء و الاسترداد.

و ربما يومئ إلى هذا الوجه أو سابقه التعبير فى غير واحد من الأخبار بقوله عليه السّلام:

«تبعه ماله» بناء على عود الضمير المنصوب إلى العتق أي «تبعه المال الّذي بيده من السيّد في الخروج عن ملكه» فتأمّل.

و تحقيق المقام أن يقال: إنّ قول السائل: «لمن المال»؟ أو «لمن يكون مال العبد»؟ سؤال عن تعيين المالك المردّد في نظره بين المولى و العبد، و هذا يدلّ على اشتباه حال ذلك المال في نظره، و من المعلوم أنّه لا بدّ له من موجب. و يحتمل فيه وجوه أربع:

الأوّل: أن يكون موجبه الشبهة في صلاحية المملوك لأن يملك، و عليه فاللام في قوله عليه السّلام: «و للعبد مال» و قوله عليه السّلام: «يعلم أنّ له مالا» لمطلق الاختصاص الدائر بين الاختصاص الملكي و الاختصاص الغير الملكي.

و لكن هذا الوجه ضعيف فيبعد تنزيل الروايات عليه:

أمّا أوّلا: فلأنّه لو كان الموجب للسؤال و اشتباه الحال شبهة صلاحية المالكيّة لتلغو ذكر العتق و فرض الواقعة في صورة العتق، إذ لا مدخليّة لخصوصيّة العتق في هذه الشبهة و استعلام حالها، إذ المناسب حينئذ السؤال عن مال العبد في نفسه أعتق أو لم يعتق.

و أمّا ثانيا: فلأنّ التفصيل المذكور في الجواب لا يلائم شبهة الصلاحية، لعدم مدخليّة علم المولى بالمال و عدمه في الصلاحية و عدمها حتّى أنّ علمه به يعطيه الصلاحية فإنّه غير معقول.

الثاني: أن يكون السائل معتقدا لصلاحية المملوك للمالكيّة و لكنّه لمّا وجد في الخارج أنّ المال الّذي يحصل في يد المماليك على قسمين:

أحدهما: ما هو للمولى، و ثانيهما: ما هو ملكه، و اشتبه عليه شخص المال الّذي في يده عند العتق هل هو من القسم الأوّل، أو من القسم الثاني ؟ فتفصيله عليه السّلام: باعتبار أنّ

ص: 87

المولى إذا كان عالما بالمال فعلمه مع عدم تعرّضه له بالاستثناء كاشف عن كون ذلك المال من القسم الثاني، و إلاّ لقضت العادة باستثنائه، و إذا لم يكن عالما به حكم بكونه للمولى للأصل بمعنى الظاهر الّذي مدركه الغلبة إذ الغالب في الاموال الّتي بأيدي العبيد و المماليك كونها للموالي، و عليه فاللام في قوله: «للعبد مال» أيضا لمطلق الاختصاص الدائر بين الملكي و الغير الملكي.

و هذا أيضا كسابقه في الضعف، لأنّ قضيّة الفرض كون شبهة السائل موضوعيّة، و هذا خلاف ما ينساق من الروايات سؤالا و جوابا من كونه تعرّض للسؤال لشبهة حكميّة، مع أنّ الشبهة الموضوعيّة في مفروض المقام لا يرجع فيها إلى الإمام عليه السّلام بل ينبغي الرجوع إلى المولى لاستعلام حال المال أو إلى العبد.

الثالث: أن يكون معتقدا لكون المال المفروض للعبد و لكن كان شبهته ناشئة عن احتمال انتقال المال حين العتق إلى المولى، و قضيّة ذلك كون اللامات بأجمعها في السؤال و الجواب للملك.

و هذا أيضا ضعيف من جهة مخالفة انتقال المال في صورة عدم علم المولى به إليه للاصول و القواعد الشرعيّة و إن كان أوفق بقواعد اللفظ بالنظر إلى اللامات، أمّا مخالفته الاصول فلأصالة بقاء ملك العبد في ذلك المال، و أصالة عدم خروجه عن ملكه، و أصالة عدم دخوله في ملك المولى.

و أمّا مخالفته القواعد فلأنّ انتقال المال إلى السيّد إمّا أن يكون بنفسه و لا عن سبب، و هو مع امتناعه خلاف القاعدة المستفادة من الشرع من أنّ انتقال مال شخص إلى آخر لا بدّ له من ناقل شرعي أو يكون عن سبب، و السبب إمّا أن يكون: صيغة العتق، أو عدم علم المولى بالمال، و الأوّل باطل لأنّ صيغة العتق ك «أنت حرّ لوجه اللّه» إنشاء ثمرته فكّ الرقّ و لم يجعلها الشارع سببا لنقل الملك من شخص إلى آخر، و كذلك الثاني لامتناع تأثير العدمي في الوجودي.

الرابع: أن يكون معتقدا بكونه للمولى و لكنّه احتمل بقاء اختصاصه بالعبد بعد العتق أو انتقاله إليه بإعراض أو بذل أو نحوه حسبما أشرنا إليه عند بيان وجه

ص: 88

الاستدلال فسئل عن حقيقة الحال، و قضيّة هذا الوجه و إن كان كون اللام في قوله عليه السّلام:

«للعبد مال»(1) للاختصاص الغير الملكي، و لكنّه في نفسه أوفق بقواعد الشرع و ضوابط الدين، فالأولى تنزيل الروايات(2) عليه كما أنّ عليه مبنى الاستدلال بالبيان المتقدّم(3)فالاستدلال في الجملة متّجه لو لا ما سنبيّنه في القدح في الاستدلال الآتي.

و مع ذلك فهذا كسابقه قاصر عن إثبات تمام المدّعى إذ لا ينفي ملك العبد لفاضل الضريبة و أرش الجناية، فهو في مقابل أهل القول بالملك فيهما أو في أحدهما غير ناهض، و ندرة وجود هذين القسمين من المال في أيدي العبيد تمنع من التمسّك بترك الاستفصال المفيد للعموم في صورة إطلاق السؤال و الجواب.

و ممّا استدلّ به أهل القول بنفي المالكيّة مطلقا ما عن المصابيح من: أنّ العبد إذا مات و ترك مالا كان في يده فإنّه لمالكه بالإجماع و النصوص المستفيضة، فلو صحّ ملك ملك(4) العبد لزم أن يكون ميراثا لأنّه مال انتقل إليه من مالكه بالموت و لا نعني من الميراث إلاّ هذا، و اللازم باطل بالإجماع على أنّ الحرّ لا يرث عبدا، و للصحيح المرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام بطرق متعدّدة: «أنّه لا يتوارث الحرّ و العبد»(5) فالملزوم و هو ملك العبد لما في يده أيضا باطل. و لا يلزم ذلك على القول بانتفاء الملك لأنّ ما في يد العبد ملك للمولى قبل موته فلا يكون منتقلا إليه بعده حتّى يكون ميراثا(6).

و اجيب عنه: تارة بمنع الملازمة، لمنع كون كلّ مال ينتقل من إنسان إلى غيره بعد موته ميراثا، فإنّ الوقف ينتقل من أربابه إلى الطبقة الثانية و لا يكون ميراثا و المال الموصى به ينتقل إلى الموصى له بعد موت الموصي و ليس ميراثا.

و لا خفاء في ضعفه، إذ الميراث هو المال المنتقل إلى إنسان بموت مالكه من حيث

ص: 89


1- تقدّم تخريجه في: 86.
2- تقدّم تخريجها في: 86.
3- تقدّم في: 86.
4- كذا في الأصل.
5- الكافي 149:7، 150، الفقيه 5738/341:4، الاستبصار 11/177:4، 12، 13، تهذيب الأحكام 11/335:9، 12، 13، الوسائل 1/43:26-8، ب 16 من أبواب كتاب الفرائض.
6- لم نظفر عليه.

موته على أنّ السبب التامّ للانتقال هو الموت، و عليه فسند المنع ممّا لا وقع له إذ النظيران ليسا ممّا انتقل بالموت على الوجه المذكور، أمّا الوقف فلأنّه على القول بكونه ملكا للموقوف عليهم ينتقل إليهم بعقد الوقف بشرائطه الّتي منها القبض فاستقراء الملك في الطبقة الثانية مشروط بوجودها و انقراض الطبقة الاولى، و أمّا أصل الملك فهو من آثار العقد، و أمّا المال الموصى به فلأنّه ينتقل بنفس الوصيّة إلى الموصى له و شرطه موت الموصي.

و اخرى: بمنع أحد الإجماعين، إمّا الإجماع على الملزوم و هو انتقال المال بموت العبد إلى المولى، أو الإجماع على بطلان اللازم، و هو: الإجماع على أنّ الحرّ لا يرث العبد على تقدير تسليم الملازمة، و كيف يمكن تسليم الإجماعين معا و القائلون بمالكيّة العبد جماعة(1) كثيرة من المحقّقين، فلا بدّ من كون إحدى المسألتين خلافيّة.

و فيه: أنّه لا مجال لمنع الإجماعين، فإنّهم نقلوه في المسألتين حتّى على القول بملك العبد، بل الإجماع الثاني مبنيّ عليه و إلاّ فلا مال له حتّى يورّث، بل الحقّ رجوع الإجماعين إلى واحد لكون المسألة الاولى عبارة اخرى للمسألة الثانية، فإنّ كون مال العبد بعد موته لمولاه لا معنى له إلاّ أنّه لا يورّث حتّى لو كان له قريب حرّ من ولد أو نحوه كان ماله للمولى. و قضيّة ذلك أن لا يكون المولى وارثا.

و لذا ترى أنّ السيّد في الرياض عند شرح عبارة النافع: «و أمّا الرقّ فيمنع من الإرث في الوارث و الموروث»(2) قال مفسّرا له: «بمعنى أنّ الرقّ لا يورّث بل ماله لمولاه بحقّ الملك لا بالإرث و إن كان له وارث حرّ، و لا خلاف في شيء من ذلك حتّى على القول بأنّ العبد يملك، بل عليه الإجماع في عبائر جمع»(3) انتهى.

فالوجه في الجواب هو منع الملازمة، بتقريب أنّ الميراث على ما عرفت هو الّذي انتقل بالموت، و انتقال مال العبد إلى مولاه ليس بالموت من حيث إنّه موت لأنّ ملك العبد على القول به ليس كسائر الأملاك، و لا كملك سائر الملاّك، بل ملك خاصّ مغاير لغيره من جهات عديدة، و لذا كان محجورا عليه و جاز للسيّد انتزاعه منه.

ص: 90


1- تقدّم في: 78.
2- المختصر النافع: 257.
3- الرياض 342:2.

و من الجائز أن يكون من جهات فرقه أنّه ملك متزلزل مراعى بقاؤه على بقاء رقّية العبد لمولاه فيزول ببيع أو عتق أو موت أو نحو ذلك، و إذا زال ملكه عنه ينتقل إلى المولى بجعل إلهي فتأمّل، فإنّ هذا الاعتبار لا يخرجه عن صدق انتقال المال إليه بالموت عرفا مع ما فيه من التكلّف الواضح. فالأوجه بناء كون ماله لمولاه لا لوارثه على عدم ملكه، فالدليل لا يخلو عن دلالة.

و ممّا استدلّ به على أنّه لا يملك من جهة الأخبار ما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ينكح أمته من رجل أ يفرّق بينهما إذا شاء، فقال عليه السّلام: إن كان مملوكه فليفرّق بينهما إذا شاء إنّ اللّه تعالى يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لاٰ يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (1) فليس للعبد شيء من الأمر»(2) فإنّ قوله عليه السّلام: «فليس للعبد شيء من الأمر» بعمومه يشمل التصرّف و الملك، فيدلّ على عدم الملك.

و ردّ بإمكان دعوى ظهور «الأمر» في الأمر المعهود المفروض في الرواية و هو النكاح، فيدلّ على أنّ العبد لا اختيار له في نكاحه لا عقدا و لا حلاّ بل زمام الأمر بيد السيّد، فيعقد النكاح له حيث شاء و بحلّه حيث شاء.

و يدفعه: ما حقّق في محلّه من أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحلّ .

و الاعتذار له بأنّ القدر المتيقّن من ذلك هو الألفاظ الموضوعة لا المطلقات الّتي من جملتها لفظ الأمر، ممّا لا أتحقّق معناه، بل لا نجد فرقا في فهم العرف العامّ بين الألفاظ الخاصّة كلفظ: «رجل، و إنسان، و ماء» مثلا و الألفاظ المطلقة الّتي لا اختصاص له بعنوان خاصّ كلفظي «الشيء و الأمر».

و الأولى في الجواب أن يقال: إنّ لفظ «الأمر» على ما ورد في محلّه يطلق على معان: منها معنى «شيء» و هو الحقيقة، و منها «الفعل». و لا ينبغي أن يكون المراد منه هنا الأوّل ليكون معنى العبارة: «فليس للعبد شيء من الشيء» لأنّه تعبير ركيك و تكرار غير فصيح، فتعيّن حمله على الثاني، فيدلّ الرواية على عدم اختياره في الأفعال

ص: 91


1- النحل: 75.
2- الاستبصار 10/207:3، تهذيب الأحكام 23/340:7، الوسائل 8/182:21.

المقدورة لغيره من الأحرار بدون إذن مولاه، و هذا لا ينفي مالكيّته الّتي هي من قبيل الصفات خصوصا إذا حصلت قهرا بسبب غير اختياري. فالإنصاف أنّ هذه الرواية ليس فيها دلالة واضحة على نفي الملك.

و ممّا استدلّ أيضا من طريق السنّة صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك في يده مال عليه زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا، قلت: و لا على سيّده ؟ قال عليه السّلام: لا لأنّه لم يصل إليه و ليس هو للمملوك»(1).

وجه الدلالة أنّه نفى وجوب الزكاة على المملوك و على سيّده معا معلّلا للثاني:

بعدم تمكّنه من التصرّف فيما كان في يد المملوك باعتبار كونه غافلا عن أنّ في يده مالا لعدم وصول الخبر - أي قضيّة أنّ في يده مالا - إليه، و للأوّل: بانتفاء مالكيّته فإنّ كلاّ من الملك و التمكّن من التصرّف شرط لوجوب الزكاة، و هذا مع نفيه بالمطابقة مالكيّة المملوك عمّا في يده يدلّ بالالتزام على ملك المولى لما في يد مملوكه، لأنّه لولاه لناسب تعليل عدم وجوب الزكاة عليه أيضا بعدم الملك الّذي هو علّة مشتركة بينه و بين مملوكه، و الجواب بانضمام ترك الاستفصال يعمّ كلّ مال في يد المملوك.

و دلالة هذه الرواية على عدم مالكيّة المملوك في غاية الوضوح، و لكن شمول الحكم لفاضل الضريبة و أرش الجناية موضع نظر لما تقدّم(2) من ندرة وجود هذين النوعين من المال.

و ممّا استدلّ عليه أيضا خبر محمّد بن قيس الموصوف في المصابيح(3) بالصحّة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنّه قال في المملوك ما دام عبدا فإنّه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير، و لا كثير عطاء و لا وصيّة إلاّ أن يشاء سيّده»(4). فإنّ قوله عليه السّلام: «فإنّه و ماله لأهله» كالصريح في نفي ملك العبد لماله و كون ماله ملكا لمولاه كما أنّه ملك لمولاه.

و المناقشة فيه بأنّ كون الإضافة في: «ماله» لأدنى ملابسة ليس بأولى من كون

ص: 92


1- الكافي 5/542:3، الفقيه 1635/36:2، الوسائل 4/92:9، ب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- تقدّم في: 86.
3- لم نظفر عليه.
4- الاستبصار 3/135:4، تهذيب الأحكام 216:9، 3/217، الوسائل 1/410:19، ب 78 من أبواب كتاب الوصايا.

اللام في قوله عليه السّلام: «لأهله» لأدنى ملابسة.

يدفعها: أنّ الإضافة المذكورة تفيد الاختصاص و لا يعتبر فيه الملكيّة لأنّه الأصل فيها، و الأصل في اللام الملك فلا صارف عن هذين الأصلين، و عليهما مبنى الاستدلال فلا مناقشة. و عطف المال على العبد في الحكم بكونه للمولى ينفي احتمال إرادة مجرّد الاختصاص من اللام بالنسبة إليه، لأنّه بالنسبة إلى العبد للملك. و كونه بالنسبة إليه للملك و إلى المال للاختصاص يوجب الاستعمال في المعنيين الحقيقي و المجازي، و هو غير سائغ. و كونه للقدر الجامع بينهما و هو مطلق الاختصاص مجاز لا يصار إليه إلاّ لقرينة منتفية في المقام.

و استدلّ عليه بوجوه اخر غير تامّة لا ينبغي الإطناب بذكرها و قد استوفاها السيّد في المناهل(1).

و ينبغي التعرّض لبيان أدلّة القول(2) بالملك و هي وجوه:

منها: ظواهر الأحاديث المتكاثرة المتضمّنة لإضافة المال إلى العبد كما تقدّم(3)أكثرها. و فيه: أنّ الإضافة إن لم تكن بتوسيط اللام فهي ليست إلاّ للاختصاص، و إن كانت بتوسيط اللام فهي محمولة على مطلق الاختصاص لقرينة تقدّم(4) ذكرها.

و منها: عموم أدلّة حصول الملك بالأسباب الشرعيّة أجناسا و أنواعا فإنّه يعمّ الأحرار و العبيد، و المناقشة فيه بالانصراف إلى الأحرار غير مسموعة بالقياس إلى ما كان عمومه بالوضع لا بالإطلاق كقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (5)«و المؤمنون عند شروطهم»(6) و ما أشبه ذلك ممّا لا يجري فيه دعوى الانصراف.

نعم يخدشه: أنّ العامّ قابل للتخصيص كما أنّ المطلق قابل للتقييد، و ما تقدّم(7) في أدلّة نفي الملك ناهض لتخصيص تلك العمومات و إن كان فيه ما هو من قبيل خبر

ص: 93


1- المناهل: 19 الف و ما بعده.
2- هذا هو القول الثاني كما تقدّم إجمالها في ص 78. تحت العنوان: «الثاني».
3- تقدّم في: 83.
4- تقدّم في: 85.
5- المائدة: 1.
6- مستدرك الوسائل 15424/301:13، ب عيون أخبار الرضا عليه السّلام 23/169:1.
7- تقدّم في: 89.

الواحد و فيها ما هو من الكتاب بناء على ما حقّق في محلّه من جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد.

و منها: قوله تعالى: وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ اَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ (1) وجه الاستدلال أنّ الضمير في قوله:

إِنْ يَكُونُوا و كذلك: يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ يعود إلى جميع المذكورين سابقا و منهم العبيد و الإماء، فالجزاء يدلّ على توقّع الغناء و إمكانه في حقّهم، و فيه دلالة على الملك إذ لا غناء بمال غير مملوك.

و فيه: أنّ الظاهر اختصاص الضمير بالأحرار المراد من «الأيامى» بقرينة «منكم» و القرينة عليه اختصاص الشرط و الجزاء بهم، باعتبار أنّ العبد إذا كان نكاحه بإذن مولاه فالمهر و النفقة على المولى، فلا يتفاوت الحال فيه بين فقره و غناه، ففقره لا يحجزه من النكاح و لا غناه يجديه في الرغبة عليه.

و ما ذكرناه أولى ممّا أجاب به في المفاتيح(2) على ما حكي من: أنّ المراد من الغناء في الآية ما يتحقّق معه رغد العيش و سعته و إن لم يكن لأجل حصول الملك، بل الإباحة، و الغناء بهذا المعنى ثابت للعبيد و الإماء فإنّ حالهم في ذلك تابع لحال الموالي و السادات. و لو اريد بالغناء ما يستند إلى الملك لم يكن عدمه في حقّ المماليك مانعا من التزويج لثبوت المهر و النفقة إذا كان النكاح بإذنه، و لا وجوده مرغّبا لهم فيه، لتحقّق الحجر المانع من التصرّف و إن حصل الملك، و هو خلاف ما يقتضيه سياق الآية.

و منها: موثّقة إسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر فيقول: حلّلني من ضربي إيّاك و من كلّ ما كان منّي إليك و ممّا أخفتك و أرهبتك، فيحلّله و يجعله في حلّ رغبة فيما أعطاه، ثمّ إنّ المولى بعد أصاب الدراهم الّتي أعطاه في موضع قد وضعها فيه فأخذها المولى، أ حلال هي له ؟ قال: فقال عليه السّلام: لا تحلّ له لأنّه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة

ص: 94


1- النور: 32.
2- لم نعثر عليه في المفاتيح، غير أنّه يذكره النجفى في الجواهر 182:15 و لكن لا يشير إلى مأخذه.

و القصاص يوم القيامة، فقلت له: فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال عليه الحول ؟ قال عليه السّلام:

لا إلاّ أن يعمل له فيها، و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا»(1).

و الجواب عن ذلك منع الدلالة، لأنّ موضع الدلالة إن كان قوله: «يهب لعبده...» إلخ.

ففيه: أنّ غاية ما فيه، الدلالة على أنّ المولى يهب لعبده الدراهم، و لا يدلّ على أنّ العبد ملكها، و لا ملازمة بين هبة المولى و ملك العبد، و لو سلّم أنّ لفظ الهبة في الوضع الشرعي أو العرف المتشرّعي يدلّ على التمليك فهو - مع أنّه وقع في كلام الراوي لا كلام الإمام عليه السّلام الّذي هو الحجّة - ظاهر في ذلك، و أكثر ما تقدّم(2) في أدلّة عدم الملك أظهر في نفي مالكيّته، فيتعيّن الأخذ بذلك و إرجاع التأويل إلى الظاهر بحمله على إرادة الإعطاء المطلق الغير الملازم للملك، لشيوع إطلاقه عليه في الكتاب و السنّة و المحاورات و منه قول عزّ من قائل: يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ اَلذُّكُورَ (3)و قوله أيضا: اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ اَلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى اَلْكِبَرِ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ (4) و لعلّه يرشد إليه التعبير بالإعطاء في قوله فيما بعد: «رغبة فيما أعطاه».

و إن كان قوله عليه السّلام: «لا تحلّ له» بتقريب أنّ المنع و التحريم إنّما هو من جهة عدم جواز الرجوع في الهبة المعوّضة كما يقتضي التعليل كون إعطاء الدراهم منها، فلو لا أنّه يملك ما ملّكه المولى لم يكن لذلك المنع المستفاد من قوله عليه السّلام: «لا تحلّ » وجه.

ففيه - مع أنّه أخصّ من المدّعى - أنّ التعليل ربّما يفيد ضربا من الكراهة في الرجوع إلى ما أعطاه الإنسان فدية لخلاص نفسه من عقوبة الآخرة و قصاص مظلومه عليه في تلك الدار و هو لا يلازم الملك و لو في خصوص المورد باعتبار كون المعطى مملوكا. و لو سلّم الدلالة على الملك «فلا تحلّ » ظاهر في المنع الملازم له، و ما تقدّم في أدلّة نفي الملك أظهر في النفي و قضيّة تقديم الأظهر إرجاع التأويل إلى الظاهر بحمله على إرادة الكراهة، بل مع قطع النظر عن هذه القاعدة يتعيّن حمله عليه إخراجا

ص: 95


1- الفقيه 232:3: ح 3855، وسائل الشيعة 3/256:18، ب 9 من أبواب بيع الحيوان.
2- تقدّم في: 85.
3- الشورى: 49.
4- إبراهيم: 39.

له عن مخالفة الإجماع على جواز الانتزاع للمولى حتّى على القول بالمالكيّة. و لا ريب أنّ الكراهة المصروف إليها لأحد الوجهين لا تلازم الملك، لأنّ الدلالة عليه كانت مبنيّة على استفادة المنع و التحريم.

و إن كان قوله عليه السّلام: «إلاّ أن يعمل له فيها» بتقريب أنّ ثبوت الزكاة فرع على الملك لأنّه من شروطه.

ففيه: أنّ ظاهر الاستثناء يفيد وجوب الزكاة في مال التجارة و هذا أيضا يخالف الإجماع، و حمله على الاستحباب و إن كان يخرجه عن مخالفة الإجماع إلاّ أنّ الدلالة على الملك حينئذ على وجه الظهور، فلا بدّ من إرجاع التأويل إليه.

و ممّا يحتمل فيه - و إن بعد - تقييده بإذن المولى كما ربما يشعر به قوله: «و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا» لوضوح أنّ زكاة مال الإنسان لا يعطى الإنسان نفسه و لا حاجة له إلى البيان، و إنّما اللائق بالبيان المنع من إعطاء زكاة مال المولى له لعدم استحقاقه من جهة وجوب نفقته على المولى. و ربّما احتمل فيه التقيّة لموافقة الحكم مذهب العامّة كما صرّح به في الرياض(1).

و منها: خبر أبي جرير قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل قال لمملوك له: أنت حرّ ولي مالك، قال عليه السّلام: لا يبدأ بالحرّية قبل المال، يقول: لي مالك و أنت حرّ، برضاء المملوك»(2).

و فيه - مع قصور سند الرواية، بل عدم اتّضاح حاله من جهة الاختلاف الشديد الواقع في حال الراوي، بل عن الرياض(3) و المصابيح(4) التصريح بضعفه لاشتراك الراوي بين زكريّا بن عبد الصمد القمّي الثقة، و زكريّا بن إدريس بن عبد اللّه بن سعد الأشعري الّذي لم يذكر الشيخ في الرجال، و لا نصّ عليه النجاشي في ترجمته بتوثيق و لا مدح -: منع الدلالة، إذ ليس فيه إلاّ إضافة المال إلى العبد و هي لا تفيد الملك، بل

ص: 96


1- الرياض 391:5، 392.
2- الكافي 5/191:6، الفقيه 3557/153:3، الاستبصار 4/11:4، الوسائل 5/48:23، ب: 24 من كتاب العتق.
3- الرياض 391:5، 392.
4- لم نظفر عليه.

أقصاها الاختصاص، و هو أعمّ من الملك فيجامع كون المال من أصله للمولى. بل استثناء المال عند العتق ربما يدلّ على كونه ملكا للمولى كما أنّ كونه له مع جهله به يدلّ عليه، و لا ينافيه اعتبار تقديم الاستثناء و لا اعتبار رضاء المملوك لاحتمال الأوّل كونه تعبّدا أو ضربا من الاستحباب، و الثاني لرعاية جانب الإنصاف و المروءة و لئلاّ ينكسر قلب المعتق. و بعد تسليم الدلالة فهو ظاهر و ما تقدّم أظهر فيتطرّق التأويل إلى الظاهر بنحو ما ذكر.

و منها: موثّقة إسحاق بن عمّار «عن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام أنّ عليا عليه السّلام أعتق عبدا له فقال عليه السّلام: إنّ ملكك لي و لك و قد تركته لك»(1).

و فيه أيضا منع الدلالة، لظهور «ملكك» في ملك الرقبة لا ملك المال و تشريك العبد مع نفسه الشريفة، لأنّ له علاقة في نفسه و بدنه مع ملك المولى، و لذا كان مختارا في أفعاله العاديّة. و قوله عليه السّلام: «و قد تركته لك» معناه إزالة قيد الرقّية عنه على وجه كان مالكا لنفسه بالاستقلال من دون مشاركة الغير له، مع أنّه لو كان المراد ملك المال لزم شركة العبد مع المولى و هو ممّا لا قائل به و ينفيه الآية: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ شُرَكٰاءَ (2) و مع الغضّ عن ذلك فالظاهر أنه أراد بالملك المال، و كونه لهما لا ينافي كونه ملكا للعبد بأن يراد من كونه لهما اختصاصه بهما فبالنسبة إلى المولى على وجه المالكيّة و بالنسبة إلى العبد على وجه الإباحة من المولى. و مع الغضّ عن ذلك أيضا فهو مع قيام الاحتمالات المذكورة ظاهر و ما تقدّم أظهر فليحمل ذلك على بعض ما ذكر.

و منها خبر الفضيل بن يسار الموصوف بالصحّة «قال لي: عبد مسلم عارف أعتقه رجل عارف فدخل به على أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يا هذا من هذا السندي ؟ قال: رجل عارف و أعتقه فلان، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ليت إنّي كنت أعتقته، فقال السندي

ص: 97


1- الوسائل 7/49:23، ب 24 من كتاب العتق، تهذيب الأحكام 88/237:8، و لمّا كان الرواية في المصدرين تختلف عن المنقول هنا، لذا نكتفي بنقل نصّ الرواية: إنّ ملكك لي و لكن قد تركته لك.
2- الروم: 28.

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي قلت لمولاي بعني بسبعمائة درهم و أنا اعطيك ثلاثمائة درهم، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن كان يوم اشترطت لك مال فعليك أن تعطيه، و إن لم يكن يومئذ لك مال فليس عليك شيء»(1).

و فيه أوّلا: إنّ ظاهر الحكاية كون الراوي للواقعة هو العبد المعتق، و حاله غير معلوم و غايته كونه عارفا و هو لا يلازم الوثاقة، فلا يقاوم لمعارضة ما مرّ.

و ثانيا: ما في متنه من التعقيد و الركاكة المخرجة له عن حدّ الفصاحة في غير موضع منه ممّا لا يخفى على المتأمّل، مع ما فيه من أمارة السقط لعدم معلوميّة فاعل دخل به لا مظهر و لا مضمرا لعدم سبق ما يصلح مرجعا للضمير.

و ثالثا: أنّه ليس فيه ما يستفاد منه الملك إلاّ قوله عليه السّلام: «إن كان لك مال و إن لم يكن لك مال» و هو غير صريح بل و لا ظاهر في المالكيّة. و لو سلّم الظهور فهو ظاهر و ما تقدّم أظهر.

و منها: رواية الحلبي الموصوفة بالصحّة عن: «أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يبيع المملوك و يشترط عليه أن يجعل له شيئا، قال عليه السّلام: يجوز ذلك»(2).

و فيه - مع ما فيه من جهالة الشرط المفسدة له - أنّ العبد بعد البيع يدخل في حجر المشتري فلا يملك التصرّف لو كان له مال، و تقييده بإذن المشتري يجامع ملك المشتري لماله أيضا، فلا دلالة فيه على الملك أصلا.

و ربّما استدلّ على هذا القول بوجوه اعتباريّة لا ينبغي الإصغاء إليها و لا يجدي الإطناب بذكرها، و العمدة من أدلّته هي الروايات و قد عرفت حالها.

في تزييف أدلّة مالكيّة العبد

و ملخّص الجواب عنها: إنّا إن بنينا على كون روايات النفي أظهر دلالة من روايات

ص: 98


1- الوسائل 1/87:23، ب 51 من كتاب العتق، تهذيب الأحكام 120/246:8.
2- تهذيب الأحكام 5/68:7، الفقيه 3814/220:3، الوسائل 2/273:18، ب 19 من أبواب بيع الحيوان.

الإثبات كما هو الأقوى على ما يرشد إليه التأمّل الصادق خصوصا فيما في صحيح عبد اللّه بن سنان من تعليل عدم وجوب الزكاة فيما في يد المملوك على المولى و المملوك ب «عدم تمكّن المولى من التصرّف و عدم مالكيّة العبد»(1) و ما في صحيح محمّد بن قيس من قوله عليه السّلام: «إنّه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصيّة إلاّ أن يشاء سيّده»(2) فلا بدّ من الجمع بينهما بالأخذ بالأظهر و إرجاع التأويل إلى الظاهر كما حقّق في محلّه من تعيّن تقديم الأظهر عند وقوع التعارض بينه و بين الأظهر. و إنكار الأظهريّة مكابرة لا ينبغي الالتفات إليه، و أضعف منه دعوى أظهريّة أخبار الإثبات، إذ ليس إلاّ الاعتساف و الخروج عن الإنصاف.

و إن بنينا على تساويهما في الظهور فلا بدّ من الترجيح و الرجوع إلى المرجّحات، لكون تعارضهما على وجه التباين الّذي يتعيّن فيه ما ذكر على ما حقّق في محلّه، و لا ريب إنّ المرجّح في جانب أخبار النفي من جهات عديدة:

منها: ما يرجع إلى السند، فإنّ أخبار المنع كلّها صحاح و أخبار الإثبات كلّها أو أكثرها موثّقات و بعضها أيضا غير نقيّ ، و لا ريب إنّ الصحيح أقوى في مقام المعارضة من الموثّق.

و منها: أكثريّة العدد، فإنّها توجب كون الأكثر عددا أقرب إلى الصدور.

و منها: موافقة الكتاب الّتي ترجّح المضمون، لكشفه عن وقوع خلل في المخالف إمّا في صدوره أو دلالته أو جهة صدوره.

و منها: موافقة الشهرة الاستناديّة، فإنّها أيضا تكشف عمّا في الأخبار المخالفة لها من خلل في إحدى جهاتها الثلاث.

و أنت بالتأمّل في جميع ما أسلفناه إلى هذا المقام بعين الإنصاف تعرف أنّه لا وقع لما قد يناقش في أدلّة القول بعدم الملكيّة من:

«أنّ الأخبار الّتي استدلّ بها على عدم الملكيّة لا تنهض لإثباته فضلا عن صلاحيتها لمعارضتها للأخبار الدالّة على الملكيّة، و قد تقدّم(3) الإشارة إلى وجوه

ص: 99


1- تقدّم تخريجه في: 92.
2- تقدّم تخريجه في: 92.
3- تقدّم في: 92 و 93.

المناقشة في دلالتها على عدم الملكيّة.

سلّمنا ظهورها فيها و كثرتها و وضوح سند أكثرها، و لكنّ الأخبار(1) الدالّة على الملكيّة أظهر دلالة مع كثرتها و وضوح سند أكثرها، على أنّ الأظهر دلالة أولى بالترجيح بعد بلوغه درجة الحجّية سندا و إن قلّ و كان سنده أدنى من المعارض له و إن كثر و صحّ سندا.

سلّمنا التكافؤ دلالة و سندا و عددا، و لكن ترجيح الأخبار(2) النافية للملك باعتبار:

اعتضادها بالكتاب، و الشهرة المحكيّة في التذكرة(3) و المخالفة لمذهب الجماعة من العامّة(4) و الاستقراء، و موافقة الاصول، مشكل:

لمنع دلالة الكتاب على عدم الملكيّة كما تقدّم(5) إليه الإشارة.

و لمعارضة الشهرة المحكيّة في التذكرة(6) بالشهرة المحكيّة على الملكيّة في الجملة في جملة من الكتب(7) و قد تقدّم إليها الإشارة.

و لمنع أنّ مصير جماعة من العامّة إلى الملكيّة - مع عدم معلوميّة مذهب الباقين أو معلوميّة مصيرهم إلى عدم الملكيّة - يوجب الترجيح خصوصا مع عدم كون الذاهبين إلى الملكيّة منهم من الحنفيّة(8) و النقل عن الشافعي(9) و أحمد(10).

و لمعارضة الاستقراء المذكور لغلبة اشتراك المماليك مع الأحرار في أكثر أحكام العبادات و المعاملات، و لعلّ هذا أولى بالترجيح لأنّه أقوى فتأمّل.

و لمعارضة الأخبار الموافقة للشهرة بموافقة الأخبار الدالّة على الملكيّة بالوجوه

ص: 100


1- تقدّم في: 94 و 96 و 97 و 98.
2- تقدّم تخرجها في 83 و 84.
3- التذكرة 16:5.
4- المهذّب للشيرازى 140:1، المجموع 327:5، المغنى 489:2، الشرح الكبير بهامش المغني 2: 439، بداية المجتهد و نهاية المقتصد: 245.
5- تقدّم في: 79 و 80.
6- تقدّم في: 78، تحت العنوان: «الأوّل».
7- تقدّم في: 87 تحت العنوان «الثاني» و هؤلاء الكتب: الشرائع، التنقيح، الدروس، المسالك، الروضة.
8- بدائع الصنائع 6:2، الهداية 96:1.
9- المهذّب للشيرازى 140:1، المجموع 327:5، مغني المحتاج 408:1.
10- المغني 490:2، الشرح الكبير بهامش المغني 439:2.

المتقدّم إليها، و لعلّها أقوى من الوجوه المذكورة في المصابيح(1) لترجيح الأخبار الدالّة على عدم الملكيّة فتأمّل» انتهى.

و في جميع فقرات هذا الكلام ما لا يخفى من التحكّمات و المصادرات و الدعاوي الباطلة.

حجّة القول الثالث:

صحيحة عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له و قد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كلّ سنة و رضي بذلك المولى، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة، قال: فقال عليه السّلام:

إذا أدّى إلى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك، ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ ليس قد فرض اللّه على العباد فرائض فإذا أدّاها إليه لم يسألهم عمّا سواها، قلت له: فللملوك أن يتصدّق ممّا اكتسب و يعتق بعد الفريضة الّتي كان يؤدّيها إلى سيّده ؟ قال عليه السّلام: نعم، و أجر ذلك له»(2).

و فيه: أيضا منع، إذ لو اريد استفادتها من قوله عليه السّلام: «فهو للمملوك» ففيه: منع ظهور اللام في الملك و لو لخصوص قرينة المقام المستفادة من تنظير المقام بطريقته تعالى في فرائضه الّتي فرضها على العباد و اقتصر عليها و أدّاها العباد، في أنّه يدلّ على كونهم فيما سواها من أفعالهم و تروكهم مطلق العنان مرخّصين فيها من قبله تعالى، و هذا هو معنى قوله عليه السّلام: «لم يسألهم عمّا سواها». فإنّ المولى أيضا إذا فرض ضريبة على عبده في كسبه و اقتصر عليه و لم يتعرّض للزائد عليها كان ذلك في معنى: جعل العبد مختارا في الزائد على التقدير(3) مأذونا في التصرّفات فيه و جميع الانتفاعات به، و قضيّة ذلك أن

ص: 101


1- لم نظفر عليه.
2- الكافي 1/190:6، الفقيه 3474/126:3، تهذيب الأحكام 40/224:8، الوسائل 18: 1/255، ب 9 من أبواب بيع الحيوان.
3- في الأصل هكذا: «مختار في الزائد على تقدير...»

لا يفيد اللام أزيد من الاختصاص الغير الملازم للملكيّة، مع أنّه قد يدّعى ظهورها وضعا في الاختصاص المطلق، و لا يبعد دعوى تبادره في الاستعمالات.

و إن اريد استفادتها من تجويز «التصدّق و العتق» بذلك الزائد بتقريب: أنّه لو لا كونه ملكا للعبد لم يكن شيء من ذلك جائزا.

ففيه: أنّ عدم جواز هذه التصرّفات مشترك اللزوم بين كون الزائد ملكا للمولى أو ملكا للعبد، لأنّه على تقدير الملكيّة له لم يجز شيء من ذلك لمكان الحجر المجمع عليه، (و إن قيّدت الجواز حينئذ بإذن المولى و رضاه و لو كان مستفادا من شاهد الحال فيعارضه جريان مثله على تقدير عدم الملكيّة، فقوله عليه السّلام: «نعم» مقيّد لا محالة بإذن المولى و رضاه على كلي تقديري الملكيّة و انتفائها و سقط بذلك دلالته على الملكيّة.

و لا يمكن استفادة الملكيّة من قوله عليه السّلام: «و أجر ذلك له» لقوّة احتمال عود الضمير إلى السيّد، و على تقدير عوده إلى العبد فلعلّ كون الأجر له من جهة أنّه إذا كان العبد مأذونا من السيّد في جميع تصرّفاته و انتفاعاته في ما سوى الضريبة كان جميع منافعه و فوائده له من قبل السيّد و من جملتها الأجر و الثواب المترتّب على نحو هذه التصرّفات الحسبيّة، أو أنّ الأجر إنّما يترتّب على الفعل الاختياري المأذون فيه من السيّد بالعموم الصادر من العبد.

و إذا سقط دلالة الرواية على الملكيّة هنا فيرجع فيه إلى الأصل المقتضي لعدم الملكيّة و لا وارد(1) عليه من إطلاق الأدلّة و عمومها كما هو واضح. و إن بنينا على عموم ترك الاستفصال المستفاد من الأخبار النافية للملك حتّى بالنسبة إلى نحو فاضل الضريبة أو أرش الجناية، كان عدم الملكيّة حينئذ مستفادا من الدليل أيضا.

و أمّا القول الرابع:

فلم نقف على حجّة له سوى ما نقل من: أنّ المولى إنّما يملك خدمته و الانتفاع به، و أمّا النفس فنفسه، و أمّا البدن فبدنه، و أرشهما له و لم تتعلّق التكاليف بهما.

ص: 102


1- يبدو أنّ الصحيح: «يرد».

و فيه: من المصادرة ما لا يخفى، فإنّا نقول: إنّ السيّد إنّما يملك خدمة مملوكه و الانتفاع به باعتبار كونه مالكا لرقبته، و هذا يقتضي كون نفسه و بدنه أيضا ملكا له و إلاّ استحال وقوع النفع عليه لكون مورده الأعيان الّتي يتبعها المنافع، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ ما يأخذه العبد بعنوان الأرش فهو أيضا من منافعه و فوائده فيكون ملكا للسيّد.

و بالجملة فهذا أضعف شيء ذكر في المقام.

و ربّما استدلّ عليه أيضا بما تقدّم(1) في أدلّة القول الثاني من موثّق إسحاق بن عمّار: «في الرجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر فيقول: حلّلني...» الخ و هذا أيضا لخروج المقام عن مورد هذا الخبر، و لعلّ نظر المستدلّ فيه إلى الفحوى، فإنّه إذا ملك المال الّذي أعطاه السيّد فداء لمجرّد ضربه إيّاه من دون جناية، فلأن يملك ما أعطاه أرشا على جناية طريق الأولويّة.

و يزيّفه أنّه بعد تسليم دلالة الرواية منطوقا على مالكيّته في الفدية ثمّ تسليم الأولويّة، فهذا دليل على الملك فيما ملّكه المولى و أرش الجناية معا، فلا وجه للاقتصار في مالكيّته على أرش الجناية كما هو صريح القول الرابع، مع أنّه قد عرفت المنع من المنطوق فكيف بالمفهوم الّذي عبّر عنه بالفحوى.

و أمّا القولان الآخران(2): فلم نقف عليهما على دليل أصلا، و يمكن استنباطه من أدلّة الأقوال الاخر بالضمّ و التركيب بأن يستدلّ للقول الخامس بصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة في فاضل الضريبة(3) و الوجه الاعتباري المتقدّم في أرش الجناية، و للقول السادس بهما، مضافا إلى موثّقة إسحاق بن عمّار المذكورة فيما ملّكه المولى.

و قد تقدّم الجواب عن الجميع، و ظهر ضعف الكلّ فلا حاجة إلى الإعادة.

فقد انقدح من تضاعيف البحث أنّ الأقوى من أقوال المسألة هو القول الأوّل الّذي هو المشهور.

و إذا تمهّد هذا فلنرجع إلى أصل المطلب من: «عدم وجوب الزكاة على المملوك»

ص: 103


1- تقدّم تخريجه في: 94.
2- أي القول الخامس و السادس، تقدّم إجمالهما في 78 و 79.
3- تقدّم تخريجه في: 101.

فنقول: لا ينبغي التأمّل في عدم وجوبها عليه على القول المختار: «من أنّه لا يملك مطلقا حتّى فاضل الضريبة و أرش الجناية» بل هو على ما نبّهنا عليه خارج عن معقد البحث في هذا المطلب، لأنّ عدم الوجوب حينئذ من متفرّعات اشتراط وجوبها بالملك، و لذا ذكر في الغنية على ما حكي عنه «أنّه خرج العبد باشتراط الملك لأنّ العبد لا يملك شيئا و إن ملكه سيّده» انتهى(1).

و إنّما المقصود بالبحث هو النظر في وجوبها و عدم وجوبها عليه على القول بالملك مطلقا أو في الجملة، و لذا بنى المتعرّضون للمسألة كصاحبي المدارك(2) و الذخيرة(3)

و غيرهما تبعا للعلاّمة في المختلف(4) الخلاف فيها على القول بالملك، و عن المختلف أنّه ذكر أنّ : «على القول بأنّه يملك فاضل الضريبة و أرش الجناية قولان للأصحاب نقلهما الشيخ»(5).

و كيف كان فعلى هذا القول اختلفوا في وجوبها و العدم على قولين، حكاهما جماعة:

أحدهما: أنّه لا يجب، و مرجعه إلى اشتراط وجوبها بالحرّيّة، و هو صريح الفاضلين في الشرائع(6) و التحرير(7) و القواعد(8) و حكي اختياره عن الشهيد في البيان(9) و الدروس(10) و المحقّق الثاني في حاشية الشرائع(11) و اختاره في المدارك(12)و الكفاية(13) و الذخيرة(14) و لعلّه للأكثر.

و ثانيهما: أنّه يجب عليه الزكاة، و اختاره من متأخّري أصحابنا الفاضلان في المعتبر(15) و النافع(16).

ص: 104


1- الغنية: 118-119.
2- المدارك 24:5.
3- الذخيرة: 422-423.
4- المختلف 156:3.
5- المختلف 156:3.
6- الشرائع 105:1.
7- التحرير 348:1.
8- القواعد 330:1.
9- البيان: 166.
10- الدروس 230:1.
11- حاشية الشرائع 240:10.
12- المدارك 24:5.
13- كفاية الأحكام: 34.
14- الذخيرة: 422-423.
15- المعتبر 489:2.
16- اصطلاح الفاضلان يطلق على المحقّق الحلّي و العلامة الحلّي و لذا يبدو أنّ الإرجاع على المحقّق الحلّي وحده، سهو من المؤلّف، و من الممكن استفادة هذا المعنى من منتهى العلاّمة 472:1 و 473، حيث يبتني وجوب الزكاة على المملوك، في فرض مالكيّة العبد لفاضل الضريبة و أرش الجناية.

و الأقوى هو القول الأوّل، و العمدة من دليله النصوص المعتبرة، كصحيح(1) عبد اللّه ابن سنان المتقدّم، المصرّح بعدم وجوبها على المملوك و لا على سيّده معلّلا بأنّه لم يصل إلى السيّد و ليس هو للمملوك.

و صحيحين آخرين له أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ففي أحدهما: «سأله رجل و أنا حاضر عن مال المملوك أ عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: لا و لو كان ألف ألف درهم، و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شيء»(2).

و في الآخر: «قال: [ليس] في مال المملوك شيء و لو كان له ألف ألف درهم، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيء»(3).

و يستفاد منهما التلازم بين عدم وجوب الزكاة على تقدير وجود المال و تملّك النصاب و عدم الاستحقاق لها على تقدير فقدهما، بمعنى: أنّ من لا يجب عليه الزكاة على تقدير وجود المال و بلوغه النصاب لا يستحقّ أخذ الزكاة على تقدير [عدمه] و ينعكس بأنّ : من يجب عليه الزكاة على تقدير وجود المال فهو ممّن يستحقّ الزكاة على تقدير فقد المال.

و قد استدلّ على عدم الوجوب أيضا بوجهين آخرين:

أحدهما: أنّ العبد و إن كان مالكا إلاّ أنّه غير متمكّن من التصرّف لكونه محجورا عليه، و التمكّن من التصرّف شرط في وجوب الزكاة.

و الآخر: أنّ ملك العبد ناقص غير تامّ لجواز انتزاعه منه للمولى فلا يجب عليه الزكاة لاشتراط وجوبها بتماميّة الملك.

و فيهما من الضعف ما لا يخفى:

أمّا في الأوّل فأوّلا: فلأنّه يقتضي كون عدم وجوبها عليه من متفرّعات اشتراط وجوبها بالتمكّن من التصرّف، و هو شرط آخر، و الكلام إنّما هو في اشتراط وجوبها و العدم بالحرّيّة.

ص: 105


1- تقدّم تخريجه في: 92.
2- الوسائل 3/91:9، ب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الفقيه 1634/36:2.
3- الوسائل 1/91:9، الكافي 1/542:3.

و ثانيا: فلأنّه يفرض الكلام في صورة ما لو تمكّن العبد من التصرّفات برفع المولى الحجر عنه فإنّه و إن كان محجورا عليه إلاّ أنّ حجره مراعى بعدم إذن المولى له في عامّة التصرّفات فإذا أذنه صار متمكّنا من جميع التصرّفات.

و أمّا في الثاني فأوّلا: فلأنّ شرطيّة تماميّة الملك بنفسها محلّ كلام، و في معناها كلام آخر لمكان الإجمال فيها فلعلّ القائل بالوجوب قوله مبنيّ لى عدم اعتبار ذلك الشرط.

و ثانيا: فلأنّه على تقدير تسليم الشرطيّة فليفسّر الشرط بما لا ينافي جواز انتزاع المال الثابت للمولى، و مرجعه إلى أنّ الكلام في وجوب الزكاة على العبد و عدمه مفروض مع تحقّق تماميّة الملك في حقّه كما أنّه مفروض مع تحقّق أصل الملك له.

و أمّا القول بالوجوب: فلم نقف عليه على دليل يعتمد عليه و لم نعثر على نصّ فيه، نعم نقل السيّد في المناهل(1) الاحتجاج له بوجهين:

الأوّل: أنّ العبد مالك و له جميع أنواع التصرّفات.

الثاني: ما يظهر من المعتبر(2) و المنتهى(3) من اتّفاق القائلين بمالكيّة العبد، على وجوبها عليه.

و يرد على الأوّل:

أوّلا: منع تمكّن العبد عن التصرّفات، لمكان الحجر الّذي لعلّه إجماعي.

و ثانيا: منع الملازمة بين جواز التصرّفات و وجوب الزكاة، لانتفاء اللزوم عقلا و شرعا و عرفا.

و ثالثا: أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ فلا يعبأ به.

و على الثاني: منع الاتّفاق أوّلا، فإنّ المحقّق في الشرائع(4) قائل بالملك، و هو ناف للوجوب.

و منع جدواه ثانيا: إن اريد به الاتّفاق الكاشف عن قول المعصوم عليهم السّلام إذ القائلون بملك العبد شر ذمة قليلون فلا ينعقد به الإجماع الكاشف، و إن اريد به ما دون ذلك

ص: 106


1- المناهل: 19 ب، 20 ب.
2- المعتبر 489:2.
3- المنتهى 472:1-473.
4- الشرائع 105:1-106.

فلا حجّة فيه، و لا يجوز التعويل عليه في إثبات الحكم المخالف للأصل.

ثمّ إنّه لا فرق في إطلاق الفتاوى و النصوص بعدم وجوب الزكاة على المملوك بين القنّ و المدبّر و امّ الولد و المكاتب المشروط و المطلق الّذي لم يتحرّر منه شيء بعدم أداء شيء من مال الكتابة، على ما صرّح به الفاضلان(1) و الشهيدان(2) و غيرهما، و في المناهل فيما عدا المكاتب «إنّ الظاهر أنّه مما لا خلاف فيه»(3) و في المدارك و الذخيرة في المكاتب: «أنّه المعروف من مذهب الأصحاب»(4) و عن التذكرة نسبته إلى علمائنا(5) و عن المنتهى، «أنّه قول العلماء إلاّ أبا حنيفة»(6) لصدق المملوك على كلّ من هذه الأنواع فيشملهم النصوص المعلّقة لعدم وجوب الزكاة على المملوك.

و ربّما ايّد بالنبويّ المرسل: «لا زكاة في مال المكاتب»(7) و رواية البختري و هو وهب بن وهب عن: «أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس في مال المكاتب زكاة»(8) استضعافا لسنديهما، و لولاه لكان كلّ دليلا مستقلاّ، و لو ثبت عمل الأصحاب بهما على وجه الاستناد و الاعتماد انتهض كلّ دليلا لانجبار ضعفهما بالعمل.

و أمّا المكاتب المطلق الّذي تحرّر بعضه بأداء بعض مال كتابته و بلغ نصيب حرّيته النصاب فالمصرّح به في كلام جمع كثير من الأساطين: «وجوب الزكاة عليه في نصيب حرّيّته»(9) و قيل: «بلا خلاف أجده»(10) و عن الحدائق: «أنّه محلّ اتّفاق»(11) و قيل:

ص: 107


1- التذكرة 16:5، 17؛ القواعد 33:1، المعتبر 489:2.
2- المسالك 358:1 و 444، البيان: 166.
3- المناهل: 20 الف.
4- المدارك 25:5، الذخيرة: 423.
5- التذكرة 16:5.
6- المنتهى 473:1، المبسوط 4:3، بدائع الصنائع 56:2، المغني 490:2.
7- سنن البيهقي 109:4، المغني 491:2، كانت الرواية في هذه المصادر هكذا: «ليس في مال المكاتب زكاة حتّى يعتق».
8- الكافي 4/542:3، الوسائل 5/92:9، ب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الفقيه 36:2 / 1636.
9- الدروس 230:1، الحدائق 30:12، الجواهر 487:15، الشيخ الأنصاري، الزكاة: 37، الخلاف 72:2، المسألة 83، المعتبر 490:2، شرح اللمعة 12:2، كشف الغطاء 346:2، المنتهى 473:1.
10- الجواهر 34:15.
11- الحدائق 29:12.

«قولا واحدا»(1) استنادا إلى عموم الأخبار(2) الدالّة على وجوب الزكاة على من ملك النصاب، و قصوره من جهة توهّم الانصراف إلى الأحرار ينجبر بفهم الأصحاب.

ثمّ الظاهر من جهة إطلاق النصوص و الفتاوى في عدم وجوب الزكاة على المملوك، عدم الفرق فيه بين ما لو أذنه المولى في التصرّف، كما صرّح به السيّد في الرياض و استقر به ولده في المناهل(3) و لا ينافيه المرويّ عن قرب الإسناد: «ليس على المملوك زكاة إلاّ بإذن مواليه»(4) لأنّ ضعف سنده يأبى عن التعويل عليه، و ربّما اوّل بإرادة الإذن في الإخراج بعد تعلّقه بمال المولى.

ص: 108


1- الجواهر 487:15.
2- الرياض 43:5.
3- المناهل: 20 ب.
4- قرب الاسناد: 893/228.
المطلب الرابع في اشتراط وجوب الزكاة في جميع الأجناس الزكويّة بالملك
اشارة

فلا زكاة عليه فيما ليس بمملوك له كالمباح الّذي ابيح له في التصرّفات، كما نصّ عليه جمع كثير من أساطين(1) الطائفة من القدماء و المتأخّرين، و في المناهل: «بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه»(2) و عن الغنية في مقام: «أنّه لا خلاف فيه»(3) و في مقام آخر: دعوى إجماع الإماميّة عليه»(4) و عن المعتبر(5) كما عن نهاية الأحكام دعوى اتّفاق العلماء عليه(6) و عن المنتهى: «أنّه قول العلماء كافّة»(7) فالمسألة إجماعيّة، و ربّما ادّعي الضرورة عليه مذهبا و دينا، و يمكن استظهاره من الأخبار(8) الدالّة على وجوبها على من عنده النصاب.

فأصل هذا الحكم ممّا لا كلام فيه، و إنّما الكلام فيما ذكره المحقّق بعد ذكر هذا الشرط من أنّه: «لا بدّ أن يكون الملك تامّا»(9) و نسب ذكره إلى العلاّمة في المنتهى(10)

ص: 109


1- الشرائع 106:1، الدروس 230:1، المسالك 358:1، مجمع الفائدة 20:4، المدارك 25:5 و 26، الذخيرة: 423، الحدائق 30:12، الجواهر 35:15، المبسوط 202:1 و 203، المنتهى 1: 475 و 477.
2- المناهل: 28 الف.
3- الغنية: 118.
4- الغنية: 118.
5- المعتبر 490:2.
6- نهاية الإحكام 301:2.
7- المنتهى 473:1 و 475 و 477.
8- يساعد له الروايات في أبواب من تجب عليه الزكاة: الكافي 512:3 و ما بعده، الاستبصار 6:2 و ما بعده، تهذيب الأحكام 6:4 و ما بعده، الوسائل 93:9 و ما بعده، الفقيه 13:2 و ما بعده.
9- الشرائع 106:1.
10- المنتهى 473:1 و 475 و 477.

و التحرير(1) و الإرشاد(2) و نسبه في المدارك إلى المصنّف و جمع من الأصحاب و ناقش فيه: «بأنّه لا يخلو من إجمال، فإنّهم إن أرادوا به عدم تزلزل الملك - كما ذكره بعض المحقّقين(3) - لم يتفرّع عليه جريان البيع المشتمل على خيار في الحول من حين العقد و لا جريان الموهوب فيه بعد القبض فإنّ الهبة قد يلحقها مقتضيات كثيرة توجب فسخها بعد القبض من الواهب، و إن أرادوا به كون المالك متمكّنا من التصرّفات في النصاب كما اومئ إليه في المعتبر(4) لم يستقم أيضا لعدم صلاحيته للتفريع و لتصريح المصنّف بعد ذلك باشتراط التمكّن من التصرّف، و إن أرادوا به حصول تمام السبب المقتضي للملك - كما ذكره بعضهم - لم يكن فيه زيادة على اعتباره. ثمّ قال: و كيف كان فالمعتبر تحقّق الملك خاصّة، و أمّا التمكّن من التصرّف فهو شرط آخر، و سيجيء الكلام فيه» انتهى(5).

أقول: الظاهر أنّ تماميّة الملك يراد بها ما يقابل النقص، و هي لا تنافي تزلزل الملك، و لا عدم التمكّن من التصرّف، فإنّ كلاّ منهما يجامع الملك التامّ .

أمّا الأوّل: فكالتزلزل الناشئ من الخيار اللازم من الشرط في ضمن العقد أو من نفس العقد كما في المعاطاة و الهبة الغير المعوّضة لغير ذي رحم، أو من خلل واقع في المبيع أو الثمن من عيب أو غبن أو تخلّف وصف، أو من غير ذلك من أسبابه: من تأخير الثمن و مخالفة الشرط و تبعّض الصفقة أو نحو ذلك، و لا ريب أنّ الملك في جميع هذه الموارد تامّ .

و أمّا الثاني: فكالّذي يستند إلى وجود مانع شرعي: كالعين المرهونة، و العين المنذورة، و المحجور عليه لسفه أو جنون أو نحو ذلك، فإنّ تعلّق حقّ للمرتهن بها في الأوّل و تعلّق حقّ للمنذور له في الثاني و قصور نظر السفيه و نحوه عن إصلاح المال مانع شرعي.

ص: 110


1- التحرير 349:1.
2- الإرشاد 278:1.
3- القواعد 330:1.
4- المعتبر 490:2.
5- المدارك 26:5.

أو إلى مانع عقلي: كالمال المغصوب، لكون اليد الغاصبة فيه مانعا عقليّا.

أو إلى انتفاء شرط من الشروط العقليّة: كالحضور في المال الغائب إلى غير ذلك، فإنّ الملك في جميع هذه الموارد تامّ مع عدم تمكّن المالك من التمكّن فيه.

و لا ريب أنّ نقصان الملك أيضا يوجب تزلزلا فيه كما يوجب عدم التمكّن من التصرّف أيضا، و لعلّ مراد الجماعة في اعتبار الملك التامّ ، الاحتراز عن ملك العبد لكونه ناقصا، فلذا يجوز للمولى انتزاعه، و هذا آية تزلزله، و هو محجور عليه من التصرّفات، و هو آية عدم تمكّنه من التصرّف.

فيجوز في معناه إرادة عدم نقصان الملك، كما يجوز إرادة عدم التزلزل بالمعنى اللازم من نقص الملك لا من الخيار و نحوه فصحّ تفريع ما تقدّم من جريان المبيع المشتمل على الخيار في الحول من حين العقد و جريان الموهوب فيه بعد القبض، و إرادة التمكّن من التصرّف بالمعنى اللازم من تماميّة الملك، و لا يغني عنه التمكّن من التصرّف الّذي ذكره المحقّق(1) فيما بعد ذلك فليتدبّر.

ثمّ إنّ هاهنا فروعا تتفرّع على اشتراط الملك و تذكر في طيّ مسائل:

[مسائل]
المسألة الاولى: لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلاّ بعد القبض،

و بعبارة اخرى يتوقّف جريانه في الحول على القبض، و بعبارة ثالثة يعتبر الحول بعد القبض، فقبله لا يجب عليه زكاة و لو بعد سنة بل سنين، لانتفاء الملك الّذي هو من شرط الوجوب قبل القبض، و إذا حصل القبض انتقل الموهوب إلى الموهوب له فجرى في الحول، فإذا حال عليه الحول وجبت الزكاة بلا خلاف في الحكمين ظاهرا. و من طريق هذا البيان - وفاقا لجماعة - ظهر كون مبنى هذا الفرع على القول بكون: «القبض شرطا للصحّة و حصول الملك» و أمّا على القول بكونه: «شرطا للّزوم» فيجري في الحول من حين قبول الهبة و لا يعتبر فيه القبض إلاّ حيث يتوقّف عليه التمكّن من التصرّف في الموهوب، و حينئذ لا بدّ من القبض في جريانه في الحول تحصيلا للتمكّن من التصرّف الّذي هو شرط آخر على

ص: 111


1- الشرائع 106:1.

ما سيأتي بيانه.

و في المسالك عند شرح عبارة الشرائع(1): «فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلاّ بعد القبض.» قال: «سواء جعلنا القبض ناقلا للملك أم كاشفا عن سبقه بالعقد، لمنعه من التصرّف فيه قبل القبض على التقديرين»(2).

و أورد عليه في المدارك حيث فهم من هذه العبارة أنّه إشارة إلى خلاف آخر في القبض على القول بكونه «شرطا للصحّة» غير الخلاف المعروف في كونه «شرطا للصحّة أو للزوم» بقوله: «و هو غير جيّد، لأنّ هذا الخلاف غير واقع في الهبة، و إنّما وقع الخلاف فيها في كون القبض شرطا في الصحّة أو اللزوم»(3) و تبعه في فهم هذا المعنى في مفتاح الكرامة حيث قال - على ما حكي -: «و لقد تتبّعت فوجدت الأمر كما ذكره في المدارك لكن لم اسبغ التتبّع»(4).

أقول: الظاهر أنّ ما ذكر في المسالك إشارة إلى الخلاف المعروف لا إلى خلاف آخر، غاية ما هنالك أنّه عبّر عن القول بكون: «القبض شرطا للّزوم» بكونه: «كاشفا عن سبق الملك بالعقد» و إنّما دعاه إلى ذلك ملاحظة أنّ القول بكونه: «شرطا للّزوم» بظاهره غير صحيح، إذ الهبة في الوضع الشرعي عقد جائز و إن حصل القبض و لا تصير لازمة إلاّ في مواضع مخصوصة، فجعل القبض شرطا للّزوم لا يجامع كونها جائزة حتّى بعد القبض إلاّ إذا اوّل بما لا ينافي الجواز، و هو أن يقال: إنّه ليس المراد «باللزوم» هنا لزوم عقد الهبة قبالا «لجوازها» بل المراد به: «لزوم الملك» من اللازم بمعنى ما لا ينفكّ عن العقد فإنّه ما لم يحصل القبض لم يكن معلوما لقيام احتمال رجوع الواهب عن الهبة في نيّته، فإذا حصل القبض علم لزومه أي عدم انفكاكه عن العقد، فمعنى كونه:

«شرطا للزوم» بهذا المعنى كونه: «شرطا للعلم به» أي كونه بحيث يتوقّف عليه العلم باللزوم، و من المعلوم أنّ ما يتوقّف عليه العلم باللزوم كاشف عن سبق الملك بالعقد.

و أمّا تعليله لتعميم اعتبار القبض بالنسبة إلى القولين بمنع المتّهب من التصرّف في

ص: 112


1- الشرائع 106:1.
2- المسالك 358:1-359.
3- المدارك 26:5.
4- مفتاح الكرامة 90:11.

الموهوب قبل القبض على التقديرين فلأنّ جواز التصرّف فيه موقوف: على حصول الملك في الواقع، و على العلم بحصوله، فعلى القول بكون: «القبض شرطا للصحّة» يمنع من التصرّف فيه شرعا قبل القبض لانتفاء الملك في الواقع، و على القول بكونه: «شرطا للّزوم» يمنع من التصرّف أيضا قبله لعدم العلم بالملك.

ثمّ إنّه لا فرق في عدم اعتبار الحول إلاّ بعد القبض بين الهبة اللازمة ككونها لذي رحم، و الهبة الجائزة ككونها لأجنبيّ لانتفاء الملك قبل القبض فيهما معا كما صرّح به في المنتهى(1) و غيره. و لو رجع الواهب في الموهوب قبل الحول سقط الزكاة عن المتّهب كما حكي التصريح به عن المنتهى(2) مدّعيا عليه الاتّفاق، و لو رجع بعد الوجوب و قبل الأداء بأن كان الرجوع بعد الحول في موضع جاز الرجوع لم يسقط الوجوب، فيقدّم حقّ الفقراء لتعلّقه بالعين و لا يضمنه المتّهب بعد إخراجه إلى المستحقّ ، لأنّ هذا الاستحقاق يجري مجرى الإتلاف كما صرّح به في المدارك(1) و غيره، و أشار إليه في المنتهى(4).

هذا كلّه فيما يعتبر فيه الحول، و أمّا ما لا يعتبر فيه كالغلاّت فالمصرّح به في كلام جماعة(2) أنّه: يعتبر في وجوب زكاته على المتّهب حصول القبض قبل زمان تعلّق الوجوب بالنصاب كانعقاد الحبّة مثلا في الحنطة و الشعير، فلو حصل القبض بعده كان زكاته على الواهب.

المسألة الثانية: لو اوصي له بنصاب يعتبر الحول بعد القبول بعد الوفاة

لو اوصي له بنصاب فالمصرّح به في كلام الفاضلين(3) و الشهيدين(4) و غيرهما أنّه يعتبر الحول بعد القبول بعد الوفاة، و في المدارك أنّه: «مذهب أكثر الأصحاب، لأنّه وقت انتقال الموصى به إلى ملك الموصى له»(5) و في الذخيرة: «لأنّه وقت انتقال

ص: 113


1- المدارك 27:5.
2- الذخيرة: 423، 441، المسالك 361:1، غنائم الأيّام 98:4، 99، 44، مستند الشيعة 9، 19: الجواهر 38:15، الشيخ الأنصاري، الزكاة: 38، المدارك 27:5.
3- الشرائع 106:1، المنتهى 477:1.
4- المسالك 359:1، البيان: 166.
5- المدارك 27:5.

الموصى به عند أكثر الأصحاب، و عند بعضهم(1) القبول كاشف عن انتقال الملك من حين الوفاة»(2).

و في كلام جماعة(3) التصريح باعتبار القبول في جريان الموصى به في الحول على هذا القول أيضا لعدم التمكّن من التصرّف فيه باعتبار عدم العلم بانتقاله إليه، و من ذلك ما عن حاشية الشرائع و الإرشاد من: «أنّ ذلك ثابت مطلقا سواء قلنا إنّ القبول ناقل للملك إلى الموصى له، أو قلنا بأنّه كاشف عن دخوله في ملك الموصى له من حين الموت، أمّا على الأوّل فظاهر لانتفاء الملك قبل القبول، و أمّا على الثاني فلانتفاء تماميّة الملك لانتفاء العلم به حينئذ و انتفاء كونه بيده على جهة الملك أو بيد وكيله»(4).

أقول: و ينبغي اعتبار القبض بعد القبول أو التمكّن منه إحرازا للتمكّن من التصرّف، بل يعتبر القبض أو التمكّن منه في الوارث في جريان نصيبه من الميراث في الحول إن كان نصابا لإحراز التمكّن من التصرّف و إن كان انتقل إليه بالموت.

المسألة الثالثة: [لو اشترى نصابا من الحيوان هل يجري في الحول من حين العقد و لا يعتبر فيه تقضّي زمان الخيار أو لا يجري]

لو اشترى نصابا من الحيوان مثلا أو غيره ممّا اشتمل على خيار فاختلف الأصحاب في أنّه هل يجري في الحول من حين العقد و لا يعتبر فيه تقضّي زمان الخيار أو لا يجري إلاّ بعد تقضّي زمان الخيار، و بعبارة اخرى هل يعتبر الحول من حين العقد، أو يعتبر بعد انقضاء مدّة الخيار كثلاثة أيّام في الحيوان و غيرها فيه أو في غيره إذا شرطه في العقد؟ على قولين، أوّلهما للمعظم(5) و ثانيهما للشيخ(6) على ما في كلام جماعة من نسبته إليه، و مبنى القولين على الخلاف في زمن انتقال المبيع إلى المشتري هل هو بالعقد كما عليه المشهور، أو بعد انقضاء الخيار كما عن الشيخ(7)؟ و الأقوى هو

ص: 114


1- الخلاف 94:2.
2- الذخيرة: 423.
3- الجواهر الكلام 38:15، التذكرة 32:5، المسالك 359:1، المدارك 27:5، الذخيرة: 423.
4- حاشية الشرائع 240:10 و 241، لا يوجد لدينا حاشية الإرشاد.
5- الشرائع 106:1، التذكرة 204:1، المسالك، 359:1.
6- الخلاف 114:2، المسألة 135، المبسوط 227:1.
7- الخلاف، 114:2، المسألة 135.

الأوّل، لأنّ المقتضي لانتقاله إليه و هو العقد ثابت فيترتّب عليه الحكم و الخيار لا يصلح مانعا لأنّه لا ينافي ملك ذي الخيار و غيره، بل ينافي لزوم العقد، فإذا كان التقدير تقدير ملك المشتري للنصاب من حين العقد جرى في الحول من حينه. نعم يعتبر فيه قبضه أو تمكّنه من القبض شرعا و حسّا إحرازا للتمكّن من التصرّف الّذي هو شرط آخر لوجوب الزكاة كما صرّح به في المسالك و حاشية القواعد(1) و زاد في الأوّل: «أنّه يتفرّع عليه ما لو لم يتقابضا فإنّ لكلّ منهما حبس ما عنده حتّى يتقابضا، فلو توقّف ذلك على مضيّ زمان لم يجر في الحول قبله» انتهى(2).

ثمّ إنّ المصرّح به في كلماتهم عدم الفرق في محلّ الخلاف بين الخيار الثابت بأصل الشرع كخيار الحيوان، و ما هو ثابت بالشرط في ضمن العقد - فعلى قول الشيخ(3) يتوقّف انتقاله إلى المشتري على انقضاء زمان الخيار في الجميع - و لا بين ما لو اختصّ الخيار الثابت بالشرط بالبائع أو بالمشتري، أو كان مشتركا بينهما كما حكي التصريح به عنه في الخلاف(4).

لكن عنه في المبسوط نوع فرق بين خيار المشتري و خيار البائع في كيفيّة توقّف الانتقال على انقضاء مدّة الخيار فقال: «إنّ الخيار إذا اختصّ بالمشتري ينتقل المبيع من ملك البائع بالعقد و لا يدخل في ملك المشتري إلاّ بانقضاء الخيار»(5).

و يتفرّع عليه أنّه إذا حال عليه الحول من حين العقد قبل انقضاء الخيار لم يجب زكاته لا على البائع و لا على المشتري لانتفاء ملكهما معا، بخلاف ما لو كان الخيار للبائع. و إن لم يختصّ به و حال الحول قبل انقضاء الخيار فيجب زكاته على البائع على قول الشيخ(6) و على المشتري على المشهور، و وجهه كونه على الأوّل ملكا للبائع في تمام الحول و على الثاني ملكا للمشتري كذلك.

ص: 115


1- حاشية القواعد المعروف بحاشية النجّاريّة المنسوبة إلى الشهيد الأوّل (المخطوطة): 31، فوائد القواعد: 234، 239 و لكن عبارته ليست صريحا، جئنا بكلا الحاشيتين لوجود الاحتمالين من: حاشية القواعد، بصورته المطلقة.
2- المسالك 361:1.
3- الخلاف، 114:2، المسألة 135.
4- الخلاف، 114:2، المسألة 135.
5- المبسوط 227:1.
6- الخلاف، 114:2، المسألة 135.

ثمّ إنّ هاهنا فرعين يتفرّع أحدهما على المشهور، و ثانيهما على قول الشيخ:

أمّا الأوّل: فهو أنّه لو حال عليه الحول في زمان خيار البائع ممّا بعد العقد وجبت زكاته على المشتري كما عرفت، و حينئذ فلو أخرج الزكاة من غير العين فلا كلام، كما أنّه لو أخرجها منها و لم يرجع البائع عند تقضّي الخيار حتّى لزم البيع لا كلام، و أمّا لو رجع عند انقضاء الخيار ليس له منع المشتري من إخراجها من العين لتعلّق الحقّ بها، نعم له أن يسقط من الثمن ما قابل للقدر المخرج، و الأصل فيه أنّه إذا فسخ ذو الخيار و كانت العين باقية رجع إليها و إن كانت تالفة كلاّ أم بعضا رجع إلى بدلها مثلا أو قيمة.

أمّا الثاني: إنّه إذا حال الحول في زمن الخيار و لم يفسخ حتّى انقضى المدّة وجب الزكاة على البائع على قول الشيخ، فإن أخرج الزكاة حينئذ من غير العين فلا كلام، و إن أخرج منها بطل البيع من المخرج، و ثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة.

فرع: لو اشتراه البائع بعد تقضّي المدّة أو رجع في مدّة الخيار قبل الحول استأنف حولا لتجدّد الملك له و لا عبرة بما مضى قبل البيع.

المسألة الرابعة: في الغنيمة هل يجري في الحول بالحيازة أو لا يجري فيه إلاّ بعد القسمة ؟

و بعبارة اخرى هل يعتبر فيه الحول بعد الحيازة أو بعد القسمة فلا يجب زكاة قبلها؟ قولان:

ثانيهما للفاضلين(1) و الشهيدين(2) و غيرهما، و في المدارك: «أنّ هذا قول أكثر الأصحاب»(3) و عن المسالك: «أنّه المشهور بين الأصحاب»(4). و ظاهر المحقّق في المعتبر كظاهر المحكيّ عن الشيخ في الخلاف اختيار الأوّل.

ففي المعتبر: «الغنيمة تملك بالحيازة و يجب الزكاة إذا بلغت حصّة الواحد نصابا و حال عليها الحول، و لا يجب الإخراج إلاّ عند قبضه لأنّ الزكاة تجب في عينه سواء كانت الغنيمة جنسا أو أجناسا»(5) و في محكيّ الخلاف: «أنّها تجري في الحول من حين الحيازة. ثمّ قال: و لو قلنا لا تجب الزكاة عليه لأنّه غير متمكّن من التصرّف فيه

ص: 116


1- الشرائع 106:1، المنتهى 477:1.
2- المسالك 360:1، البيان: 167.
3- المدارك 30:5.
4- المسالك 360:1.
5- المعتبر 564:2.

قبل القسمة لكان قويّا»(1).

و مبنى القول الثاني - كما في كلام جماعة(2) - على أنّ الغنيمة لا تملك بالحيازة، بل بالقسمة فلا يدخل ما قبل القسمة في الحول لانتفاء الملك. و من أصحاب هذا القول من استند في ذلك إلى عدم تماميّة الملك و عدم استقراره في شيء معيّن قبل القسمة كالعلاّمة في التذكرة قائلا: «لا تجري الغنيمة في الحول إلاّ بعد القسمة و لا يكفي عزل الإمام بغير قبض الغانم، فلو تأخّر قسمة الغنيمة حولا فلا زكاة لعدم استقرار الملك فإنّ للإمام أن يقسّم بينهم قسمة تحكّم فيعطي كلّ واحد من أيّ الأصناف ما شاء فلم يتمّ ملكه على شيء معيّن بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزكاة، هذا إذا كانت من أجناس مختلفة، و لو كانت من جنس واحد فالوجه ذلك أيضا لأنّ ملكهم في غاية الضعف و لهذا يسقط بالإعراض»(3) انتهى.

و مرجع ما ذكره إلى كون مبنى قوله: باعتبار القسمة في اعتبار الحول على أنّ :

«تماميّة ملك النصاب و استقراره» شرط في وجوب الزكاة و هي متوقّفة على القسمة.

و فيهم من استند فيه إلى أنّ التمكّن من التصرّف - الّذي هو شرط آخر - متوقّف على القسمة و إن كان الملك حاصلا بالحيازة كالعلاّمة في المنتهى قائلا: «الغانمون يملكون أربعة أخماس الغنيمة بالحيازة، فإذا بلغ حصّة الواحد منهم نصابا و حال عليها الحول وجبت الزكاة، و هل يتوقّف الحول على القسمة ؟ الوجه ذلك، لأنّه قبل القسمة غير متمكّن فلا يكون الشرط موجودا سواء كانت الغنيمة من جنس واحد أو أجناس مختلفة»(4). ثمّ نقل عن الشافعي(5) تفصيلا بين الجنس الواحد و الأجناس المختلفة ثمّ قال: «و هو قويّ ». و لكن ظاهره اختيار الأوّل.

و حكي الاستناد إلى الوجه المذكور عن ثاني الشهيدين في فوائد القواعد(6) حكاه صاحب المدارك قائلا: «و جزم جدّي قدّس سرّه في فوائد القواعد بتوقّفه على القسمة و إن

ص: 117


1- الخلاف 114:2، المسألة 134.
2- المسالك 360:1، الجواهر 40:15، جامع المقاصد 410:3، الذخيرة: 423.
3- التذكرة 32:5.
4- المنتهى 477:1.
5- المجموع 353:5، فتح العزيز 512:5.
6- فوائد القواعد: 239.

كانت الغنيمة تملك بالحيازة، لأنّ الغانم قبل القسمة ممنوع من التصرّف في الغنيمة، و التمكّن من التصرّف أحد الشرائط كالملك»(1) انتهى.

و القول الّذي اختاره العلاّمة في الكتابين هو مختاره أيضا في التحرير(2) و نسب إليه أيضا في نهاية الأحكام(3) و مستنده يحتمل الوجه الأخير كما يحتمل الوجه السابق عليه، فهو في الكتب الأربعة مع الشهيد في فوائد القواعد من أهل القول: «بحصول ملك الغنيمة بالحيازة» كالشيخ في الخلاف(4) و المحقّق في المعتبر(5) إلاّ أنّهم اعتبروا القسمة في الحول لتوقّف تماميّة الملك أو التمكّن من التصرّف عليها. و أمّا الشيخ و المحقّق فمبنى قولهما: «بعدم توقّف الحول على القسمة» على «حصول الملك بالحيازة» كما استند إليه لهما في المسالك(6) و المدارك(7).

و يشكل من جهة عدم تماميّة ملك الغنيمة قبل القسمة، فعلى تقدير كون شرط وجوب الزكاة هو «الملك التامّ » فلا بدّ من اعتبار القسمة في جريانها في الحول، إحرازا لتماميّة الملك المتوقّفة عليها فكيف يكتفيان بمجرّد الحيازة.

و لكنّ الخطب في دفعه سهل: إمّا لعدم صراحة كلامهما في عدم اعتبار القسمة، بل قد عرفت عن الشيخ فيما حكي عن خلافه(8) ما يدلّ على ميله إلى اعتبار القسمة بل اعترافه بقوّة القول باعتبارها في وجوب الزكاة.

أو لعدم كون تماميّة الملك معتبرة عندهما في وجوب الزكاة، بل المعتبر أصل الملك بناء على أنّ هذا الشرط إنّما اعتبره جماعة(9) من الأصحاب لا كلّهم.

أو لأنّ تماميّة الملك لا معنى لها إلاّ عدم المنع من التصرّف فهي ليست شرطا آخر وراء التمكّن من التصرّف على ما زعمه غير واحد عند اختلافهم في معنى تماميّة الملك فجعلوه بمعنى عدم المنع من التصرّف.

أو لمنع انتفاء تماميّة الملك في الغنيمة قبل القسمة و إن فسّرنا تماميّته باستقراره في شيء معيّن، بدعوى أنّ كلاّ من الغانمين يملك بمجرّد الحيازة حصّته المعيّنة في

ص: 118


1- المدارك 30:5.
2- التحرير 349:1.
3- نهاية الإحكام 306:2-307.
4- الخلاف 114:2، المسألة 134.
5- المعتبر 564:2.
6- المسالك 360:1.
7- المدارك 30:5.
8- الخلاف 114:2، المسألة 134.
9- تقدّم ذكرهم في ص: 109.

الواقع ملكا مستقرّا، على معنى إنّه يتمّ ملكه على شيء معيّن في الواقعي، غاية الأمر أنّه غير ممتاز في نظر الحسّ عن حصّة غيره الّتي هي أيضا معيّنة في الواقع، فقسمة الإمام عليه السّلام إنّما تعتبر لتمييز معيّن واقعي عن معيّن واقعي لا لتعيين محلّ ملك مردّد غير مستقرّ في شيء معيّن في الواقع.

و ربما يظهر من عبارة المعتبر كون بناء كلامه على هذا الوجه حيث إنّه عقيب العبارة المتقدّمة عنه في تعميم وجوب زكاة الغنيمة بالنسبة إلى الجنس و الأجناس قال: «و قال الشافعي(1): لا تجب لو كانت أجناسا لأنّ للإمام الخيرة في تعيين حصّة الغانم، و نحن نمنع ذلك»(2) انتهى بناء على رجوع منعه إلى ما تضمّنه كلام الشافعي في نفي وجوب الزكاة في الأجناس من عدم كون حصّة الغانم معيّنة بدون تعيين الإمام فقوله: «و نحن نمنع ذلك» معناه: نمنع عدم تعيين الحصّة في الواقع و افتقاره إلى تعيين الإمام هذا.

و إنّما المعضل دفع إشكال آخر يتوجّه إليهما حيث لم يعتبرا القسمة في التمكّن من التصرّف في الغنيمة، مع أنّ الظاهر أنّه لا كلام عندهم في كونه شرطا لوجوب الزكاة على ما سيأتي بيانه، كما أنّه لا كلام عندهم ظاهرا في منع الغانمين من التصرّف قبل القسمة. إلاّ أن يذبّ عن ذلك أيضا بعدم صراحة كلامهما في عدم اعتبار القسمة مطلقا، غاية ما فيه ظهوره في عدم اعتبارها في حصول الملك أو في حصوله مع تماميّته، بل قد عرفت عن خلاف(3) الشيخ ما يقضي باعترافه بتوقّف التمكّن على القسمة و قوّة القول باعتبار القسمة لإحراز هذا الشرط، ثمّ بعد جميع اللتيا و الّتي فهما أعرف بحقيقة ما قالاه.

تذنيب: في كلام جماعة منهم: الشرائع و المنتهى و التحرير إنّه: «إذا عزل الإمام لبعض المقاتلة قسطا و حال عليه الحول وجبت الزكاة إن كان حاضرا لتمكّنه من التصرّف، و إن كان غائبا لم تجب لعدم التمكّن من التصرّف و يجري عليه الحول عند

ص: 119


1- المجموع 353:5، فتح العزيز 512:5.
2- المعتبر 564:2.
3- الخلاف 114:2، المسألة 134.

وصوله إليه أو إلى وكيله»(1) و الظاهر أنّ المراد بوصوله إليه أو إلى وكيله حضور أحدهما عنده لأنّه يكفي في التمكّن الّذي هو المناط في وجوب الزكاة كما اكتفى به في الحاضر. و لو اريد به قبض أحدهما يتوجّه إليه إشكال: «عدم الفرق حينئذ بين الحاضر و الغائب» لأنّه إن كان التمكّن متوقّفا على الوصول بهذا المعنى لتوقّف عليه فيهما معا، و إلاّ فلا فيهما معا، فالفرق بينهما تحكّم، و لعلّه لذا اعتبر الشهيدان(2) قبض المغانم أو وكيله أو قبض الإمام عنه مع الحضور و الغيبة.

و عن القواعد أنّه: «لا يكفي عزل الإمام بغير قبض الغانم»(3) و إطلاقه يعمّ الحاضر و الغائب.

و أمّا التكلّم في عدم مدخليّة القبض في التمكّن فهو شيء آخر و لعلّ الأظهر عدم التوقّف، و لذا ذكر في الدروس على ما حكي: «إنّ عزل الإمام كاف على قول»(4)و فرضنا أنّ الفارق بين الحاضر و الغائب في مدخليّة القبض في التمكّن و عدمها منتف.

المسألة الخامسة: إذا نذر أن يتصدّق بعين النصاب
اشارة

فلا يخلو إمّا أن يكون بعد الحول، أو في أثنائه، فإن كان الأوّل ففي كلام جماعة أنّه: «يجب إخراج الزكاة منه و التصدّق بالباقي»(5)و في المناهل: «بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه»(6).

و وجه أوّل الحكمين:

أوّلا: الأصل لسبق تعلّق وجوب الزكاة بالعين و الأصل بقاؤه و عدم زواله بالنذر لرجوع الشكّ إلى قدح العارض.

و ثانيا: عموم ما دلّ على وجوب الزكاة عند حلول الحول مثل قول الباقر و الصادق عليهما السّلام المرويّ بطرق كثيرة صحيحة: «كلّما لم يحل عليه الحول عند ربّه

ص: 120


1- الشرائع 106:1، المنتهى 477:1 و 478، التحرير 349:1.
2- المسالك 360:1، البيان: 167.
3- القواعد 331:1.
4- الدروس 230:1.
5- المدارك 31:5، الجواهر 43:15، الشيخ الأنصاري، الزكاة: 57.
6- المناهل: 30 الف.

فلا شيء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه»(1).

و أمّا ثاني الحكمين: فوجهه عمومات وجوب الوفاء بالنذر مثل قوله عزّ من قائل:

وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (2) و هذا على تقدير تعلّق النذر بالنصاب بطريق العموم الأفرادي و كأن يقول: «للّه عليّ أن أتصدّق بكلّ من هذه الأغنام» مثلا. و أمّا لو تعلّق بمجموع النصاب من حيث المجموع ففي دليل وجوب التصدّق بالباقي خفاء، لعدم جريان العمومات باعتبار تعذّر المجموع بسبب تعذّر البعض، فمورد النذر و هو مجموع الكلّ متعذّر و مجموع الباقي ليس موردا له، و انصرافه إليه قهرا مع أنّه غير مقصود للناذر لا بدّ له من شاهد مفقود في المقام، و استدلّ في المناهل بعموم قوله عليه السّلام: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»(3) و قوله عليه السّلام: «الميسور لا يسقط بالمعسور»(4) و قوله عليه السّلام:

«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه(5)»(6).

و فيه: أنّ هذه العمومات لا تجري إلاّ في مركّب امر به و تعذّر بعض أجزائه، فلا بدّ من إحراز الأمر من غير جهة هذه العمومات فلا تجري فيما لم يثبت الأمر به هذا.

و لكن إطلاق الجماعة(7) في الحكم بوجوب التصدّق بالباقي يقضي بعدم الفرق، فإن بلغ إجماعا، و إلاّ فللتأمّل في الحكم المذكور مع تعلّق النذر بالمجموع مجال، فالمسألة محلّ إشكال.

و إن كان الثاني انقطع الحول بالنذر لتعيّن العين للتصدّق فيمتنع صرفها فى غير الصدقة بالمنع الشرعي و الزكاة تتعلّق بالعين، و في القواعد(8) و المسالك(9) و المدارك(10)أنّه يلحق بما ذكر بطريق أولى ما لو جعل النصاب صدقة بالنذر، و علّله في الأخيرين بخروجه عن ملكه بالنذر، و في الأخير دعوى كونه ممّا قطع به الأصحاب ثمّ عقّبه بقوله: «للنظر فيه مجال».

ص: 121


1- الكافي 1/534:3، الاستبصار 1/22:2، تهذيب الأحكام: 1/24:4، الوسائل 1/116:9 الباب 5 من أبواب زكاة الأنعام.
2- الحجّ : 29.
3- عوالي اللآلئ 58:4، ح 206.
4- عوالي اللآلئ 205/58:4، عوائد الأيّام: 89.
5- عوالي اللآلئ 207/58:4.
6- المناهل: 30 ألف.
7- و هم المذكورون في: 120.
8- القواعد 330:1.
9- المسالك 360:1.
10- المدارك 31:5.

أقول: و لتحقيق القول في صحّة نذر الثمرة و انعقاده و هو نذر: «أن يكون هذا الشيء صدقة أو ملكا لفلان أو وقفا» أو نحو ذلك حتّى لا يفتقر إلى استعمال علاج أو إجراء عقد أو إيجاد سبب و عدمه محلّ آخر.

هذا كلّه إذا كان نذر التصدّق بعين النصاب مطلقا أو مشروطا بشرط قد حصل بعد النذر، و أمّا ما لم يحصل شرطه إلى حلول الحول من حين النذر ففي انقطاع الحول به - كما في النذر المطلق فلا يجب فيه زكاة لتعلّق النذر به فيكون مانعا من التصرّف فيه بما يخرجه من الملك - و عدمه فيجب الزكاة فيه عند حلول الحول لعدم تحقّق الشرط الموجب لصرفه في النذر فلا يكون مخاطبا بالوفاء به حينئذ و إلاّ لتقدّم المشروط على شرطه احتمالان، ذكرهما العلاّمة في القواعد(1) و لم يرجّح شيئا، و كذا في المسالك(2)و ظاهرهما الوقف. و عن العلاّمة في النهاية(3) و ولده فخر المحقّقين(4) المصير إلى أوّلهما، و عزي اختياره إلى جامع المقاصد(5) أيضا، و في المدارك: «أنّ المتّجه منع المالك من التصرّفات المنافية للنذر كما في المطلق، فإن ثبت أنّ ذلك مانع من وجوب الزكاة كما ذكره الأصحاب انقطع الحول بمجرّد النذر، و إلاّ وجبت الزكاة مع تمامه و كان القدر المخرج من النصاب كالتالف من المنذور و تجب الصدقة بالباقي مع حصول الشرط»(6) و عن ظاهر الروضة مصير بعض إلى الاحتمال الثاني(7) و المسألة قويّة الإشكال، لتعارض الأصلين: أصالة البراءة عن المنع من التصرّف، و أصالة البراءة عن الخطاب بالزكاة عند تمام الحول مع عدم حصول الشرط.

فروع:

الأوّل: لو نذر الصدقة بمال في الذمّة مثل النصاب قدرا و وصفا لم يمنع من وجوب الزكاة في النصاب و إن كان بصفات المنذور، كما صرّح به في المسالك(8) و حكي التنبيه

ص: 122


1- القواعد 330:1-331.
2- المسالك 360:1-361.
3- نهاية الإحكام 305:2.
4- الإيضاح 169:1.
5- جامع المقاصد 7:3.
6- المدارك 32:5.
7- شرح اللمعة 13:2.
8- المسالك 360:1-361.

عليه في القواعد: محتجّا بأنّ الدين لم يمنع من الزكاة(1) و استجوده في المناهل(2).

الثاني: لو نذر مطلقا ثمّ عيّن له مالا مخصوصا فالأقرب عدم سقوط الزكاة عنه لعدم تعيّنه للنذر بسبب التعيين، و استقر به في المناهل(3) أيضا لعموم الأدلّة(4) و حكي عن الشهيد قول بسقوطها عنه(5) و وجهه غير واضح.

الثالث: لو نذر الصدقة ببعض النصاب فكما لو نذرها بتمامه في جميع الأحكام المذكورة، كما نبّه عليه في المناهل(6).

الرابع: يلحق بالنذر في جميع الأحكام العهد و اليمين حيثما تحقّقا بشرائطهما كما نصّ عليه في المناهل(7).

ص: 123


1- القواعد 331:1.
2- المناهل: 30 ب.
3- المناهل: 30 ب.
4- أي عموم أدلّة وجوب الزكاة.
5- البيان: 166.
6- المناهل: 30 ب.
7- المناهل: 30 ب.
المطلب الخامس في اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرّف في النصاب
اشارة

قال في الشرائع: «التمكّن من التصرّف معتبر في الأجناس كلّها»(1) و في الحدائق:

«و هو أيضا ممّا لا خلاف فيه فيما أعلم»(2) و في المدارك: «هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب»(3) و في المنتهى: «و عليه فتوى علمائنا»(4) و عن الرياض: «عند علمائنا أجمع»(5) و عن الغنية: «الإجماع على اعتبار الملك و التصرّف فيه»(6) و عن الخلاف: «الإجماع على أنّها لا تجب في المغصوب و المجحود و المسروق و الغريق و المدفون في موضع نسيته»(7) ثمّ نفى الخلاف.

و هذا و إن لم يكن إجماعا على القاعدة إلاّ أنّه قال في المناهل: «الظاهر أنّ ذكره لتلك الأفراد للتمثيل لا للحصر»(8).

و ربما نسب إلى ظاهر الوسيلة(9) و الجمل(10) و المراسم(11) و الجمل(12) و العقود:

عدم شرطيّة ما ذكر مطلقا، و إلى ظاهر الغنية(13) عدم شرطيّته في زكاة الغلاّت و المواشي.

ص: 124


1- الشرائع 106:1.
2- الحدائق 31:12.
3- المدارك 19:5 و 32.
4- المنتهى 475:1.
5- الرياض: 44:5.
6- الغنية: 118-119.
7- الخلاف 31:2، المسألة 30.
8- المناهل: 30 ب.
9- الوسيلة: 121.
10- رسائل المرتضى 74:3، كتاب الجمل.
11- المراسم: 129.
12- الرسائل العشر: 197، 205.
13- الغنية: 118 و 119.

و الدليل على الشرطيّة مضافا إلى الإجماعات، الروايات الّتي ذكر ثلاثة منها في المدارك(1) كصحيحة عبد اللّه بن سنان: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك»(2).

و صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذها متى يجب عليه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: إذا أخذها ثمّ يحول عليه الحول يزكّي»(3).

و موثّقة زرارة - بابن بكير - عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه قال في رجل ماله عنه غائب فلا يقدر على أخذه، قال عليه السّلام: فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، و إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين»(4).

فالعمدة من دليل الشرطيّة: الإجماعات، و الروايات، (و في كلّ شيء)(5) أمّا ما في الإجماعات فإجمال [فى] معقدها، إذ لا يدرى أنّ الشرط هو التمكّن من التصرّف في الجملة، أو من جميع أنحاء التصرّفات ؟ حتّى التصرّفات المخرجة عن الملك.

و أمّا ما في الروايات فقصورها دلالة، فإنّ قصارى ما يستفاد منها إنّما هو سقوط الزكاة في المال الغائب الّذي لا يقدر صاحبه على أخذه، و أمّا إذا أخذه أو قدر على أخذه فليس فيها دلالة على كون التمكّن من التصرّف شرطا كما تنبّه عليه صاحب المدارك و العجب أنّه مع تفطّنه بذلك قال: «نعم يمكن الاستدلال عليه بأنّه لو وجب الزكاة في النصاب مع عدم التمكّن من التصرّف فيه عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج

ص: 125


1- المدارك 19:5 و 32.
2- الوسائل 61/95:9، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، تهذيب الأحكام 2/32:4.
3- الوسائل 1/96:9، ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الاستبصار 2/28:2، تهذيب الأحكام 12/34:4.
4- الوسائل 7/95:9، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الاستبصار 3/28:2 تهذيب الأحكام 1/31:4.
5- يبدو أن يكون زائدة.

من غيره، و هو معلوم البطلان فإنّ الزكاة إنّما تجب في العين»(1). انتهى.

مع أنّه أيضا قاصر عن إفادة تمام المطلوب لأنّ أقصى ما يثبت به إنّما هو اعتبار تحقّق التمكّن من التصرّف في زمان الإخراج، مع أنّ المقصود شرطيّته في تمام الحول على معنى توقّف جريانه في الحول عليه.

و ممّا يرد عليها أيضا - على تقدير دلالتها على شرطيّة التمكّن - إجمالها من حيث إفادة شرطيّة التصرّف في الجملة، أو شرطيّة جميع أنحاء التصرّفات حتّى المخرجة من الملك.

و يتوجّه إليها و إلى الإجماعات أيضا قصورها في الدلالة على شرطيّة التمكّن من التصرّف في جميع الأجناس حتّى ما لا يعتبر فيه الحول كالغلاّت، فإنّ الروايات لا تشمل ما عدى ما يعتبر فيه الحول.

و الإجماعات أيضا ليس في معاقدها التعرّض لتعميم الشرطيّة، نعم ظاهر عبارة الشرائع(2) التعميم كما مرّ، و عن المسالك التصريح به حيث قال: «إنّ الغصب إذا استوعب مدّة شرط الوجوب و هو نموّه في الملك بأن لم يرجع إلى مالكه حتّى بدا الصلاح لم يجب»(3). انتهى.

و استشكل فيه صاحب المدارك تعليلا بما ذكرناه من قصور الروايات في غير ما يعتبر فيه الحول، ثمّ قال: «و لو قيل بوجوب الزكاة في الغلاّت متى تمكّن المالك من التصرّف في النصاب لم يكن بعيدا»(4). انتهى. فكلماتهم بالنسبة إلى ذلك مضطربة، و هذا يوجب اضطراب معاقد الإجماعات أيضا.

و يمكن رفع الإجمال عن معاقد الإجماعات بمراجعة سائر كلمات المجمعين أو الناقلين للإجماع مثل حكمهم بسقوط الزكاة في المبيع المشتمل على خيار للبائع بناء على أنّه يمنع المشتري عن إخراجه من ملكه بل عن مطلق التصرّفات المنافية لخيار البائع، فتأمّل.

ص: 126


1- المدارك 33:5.
2- الشرائع 106:1.
3- المسالك 361:1.
4- المدارك 34:5.

كما يمكن دفع قصور الروايات بفهم الأصحاب إذ كما أنّ عملهم يجبر قصور سند الرواية الضعيفة فكذلك فهمهم يجبر قصور دلالة الرواية، حيث كشف عن قرينة بيان عثروا عليها.

و يمكن إثبات تعميم شرطيّة التمكّن من التصرّف بالقياس إلى الغلاّت أيضا بإطلاق معاقد الإجماعات المنقولة، فتأمّل في جميع المقامات المذكورة فإنّ في النفس في الجميع شيئا.

ثمّ إنّ في كلام جماعة أنّ التمكّن من أداء الواجب ليس شرطا لوجوب الزكاة بل هو شرط في الضمان، أمّا كونه شرطا في الضمان فقد صرّح به في الشرائع(1)و المسالك(2) و المدارك(3) و عن التلخيص(4) و القواعد(5) و التحرير(6) و الإرشاد(7)و الدروس(8) و الجامع(9) و مجمع الفائدة(10) و الكفاية(11) و الذخيرة(12).

و أمّا عدم كونه شرطا في الوجوب فقد صرّح به في الشرائع(13) و المسالك(14)و المدارك(15) و عن المعتبر(16) قيل: و هو ظاهر ما عداهما من الكتب المتقدّمة. و كلامهم في هذا المقام أيضا لا يخلو عن إجمال، لأنّ معنى: «كون التمكّن من أداء الواجب شرطا في الضمان لا الوجوب» أنّه ما يتوقّف عليه الضمان لا الوجوب، و يلزم من انتفائه انتفاء الضمان لا الوجوب. و لا يدرى أنّ المراد من التمكّن من الأداء، التمكّن منه في أيّ وقت و على أيّ وجه ؟ فيحتمل فيه وجوه:

أحدها: التمكّن من الأداء في الحول من أوّله إلى آخره، فهو بحيث يلزم من انتفائه انتفاء الضمان و لا يلزم منه انتفاء الوجوب.

و ثانيها: التمكّن منه من حين حلول الحول و لو آنا ما، فهو الّذي يلزم من انتفائه

ص: 127


1- الشرائع 106:1.
2- المسالك 361:1.
3- المدارك 33:5.
4- تلخيص المرام: 44.
5- القواعد 332:1.
6- التحرير 353:1.
7- الإرشاد 279:1.
8- الدروس 231:1.
9- جامع المقاصد 9:3.
10- مجمع الفائدة 26:4.
11- كفاية الأحكام: 35.
12- الذخيرة: 426-427.
13- الغنية: 118-119.
14- المسالك 361:1.
15- المدارك 33:5.
16- المعتبر 504:2-505.

انتفاء الضمان لا انتفاء الوجوب.

و ثالثها: التمكّن من الأداء في الجملة في الحول أو ما بعده، فهو الّذي يلزم من انتفائه رأسا انتفاء الضمان و لا يلزم انتفاء الوجوب.

و ينبغي القطع ببطلان هذا الوجه الأخير، لأنّ وجوب الأداء مع عدم التمكّن منه رأسا. تكليف بما لا يطاق، فيلزم من انتفاء التمكّن من الأداء على هذا الوجه انتفاء الوجوب أيضا.

كما ينبغي القطع ببطلان أوّل الوجوه، إذ لا زكاة في أثناء الحول لانتفاء شرط الحول، فلا يظهر لعدم كون التمكّن من الأداء في تمام الحول شرطا للوجوب ثمرة.

و أمّا أوسط الوجوه فهو و إن كان قد يترجّح في بادئ النظر صحّته، غير أنّه عند التحقيق أيضا لا وجه له، إذ مع وجود النهي من الأداء فيما بعد حلول الحول كما يثبت الضمان على تقدير التلف عند التأخير فكذلك يثبت الوجوب، و مع انتفائه كما ينتفي الضمان فكذلك ينتفي الوجوب أيضا لئلاّ يلزم التكليف بما لا يطاق.

نعم هاهنا وجه رابع و هو: أن يراد منه التمكّن من أداء الواجب بعد الحول في بلد النصاب و موضعه لعدم وجود مستحقّ فيه، فهو الّذي يلزم من انتفائه انتفاء الضمان، و لا ينتفي معه الوجوب إذا أمكن إيصاله إلى المستحقّ في بلد آخر بالبعث إليه.

و من ثمرات عدم شرطيّته بهذا المعنى للوجوب و شرطيّته للضمان، أنّه لا يجوز حمله إلى بلد آخر على تقدير وجود المستحقّ في البلد فلو حمل و الحال هذه ثمّ تلف في أثناء الطريق أو ضلّ أو أخذه قاطع الطريق ضمن.

و إذا عرفت هذا فاعلم أنّ عدم كون ما ذكر شرطا للوجوب ما صرّح به في الشرائع(1) و المسالك(2) و المدارك(3) و عن المعتبر(4) و نسب إلى ظاهر غيرها من الكتب الآتية، بل عن منتهى العلاّمة أنّه: «قول علمائنا أجمع»(5) و يدلّ إطلاق الأوامر المعلّقة لوجوب الزكاة بحلول الحول، و إليه أشار ما عن المعتبر(6) من التمسّك بقوله عليه السّلام:

ص: 128


1- الشرائع 106:1.
2- المسالك 361:1.
3- المدارك 33:5.
4- المعتبر 504:2-505.
5- المنتهى 490:1.
6- المعتبر 505:2.

«لا زكاة في مال حتّى يحول الحول»(1) و ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، و ملخّصه أنّه باعتبار مفهوم الغاية يدلّ على وجوب الزكاة بعد حلول الحول و إطلاقه يعمّ ما لو لم يتمكّن من أداء الواجب في محلّ النصاب و بلده، و عن المعتبر التمسّك أيضا بأنّه «لو حال على النصاب أحوال و لم يتمكّن من الأداء وجبت زكاة الأحوال و هو دليل الوجوب»(2).

و أمّا كونه شرطا للضمان فقد صرّح به في الشرائع(3) و المسالك(4) و المدارك(5)و عن التلخيص(6) و القواعد(7) و التحرير(8) و الإرشاد(9) و الدروس(10) و الجامع(11) و مجمع الفائدة(12) و الكفاية(13) و الذخيرة(14) و في المدارك: «هو مجمع عليه بين الأصحاب»(15)و عن الذخيرة: «أنّه متّفق عليه بين الأصحاب»(16).

و استدلّ عليه في المدارك: «بأنّ الزكاة تجب في العين لا في الذمّة فيكون النصاب في يده كالأمانة لا يضمن إلاّ بالتعدّي أو التفريط»(17).

و الأولى أن يستدلّ عليه بما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح على الصحيح قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت هل عليه ضمانها حتّى تقسّم ؟ فقال عليه السّلام: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها قد خرجت من يده، و كذلك الوصيّ الّذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد به(18) الّذي أمر بدفعه

ص: 129


1- النوري، مستدرك الوسائل 7: الباب: 7 من أبواب زكاة الأنعام: ح 2، لم نظفر في الكافي و الفقيه و الاستبصار و تهذيب الأحكام و الوسائل على الرواية بألفاظها، و لكن جميع الروايات المتضمّنة لبيان شرطيّة الحول يدلّ عليه كما في الكافي 13/522:3 و 8/523 و 1/524-5، الاستبصار 2/2:2، تهذيب الأحكام 1/24:4، الوسائل 9/57:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة.
2- المعتبر 505:2.
3- الشرائع 106:1.
4- المسالك 361:1.
5- المدارك 33:5.
6- تلخيص المرام: 44.
7- القواعد 332:1.
8- التحرير 353:1.
9- الإرشاد 279:1.
10- الدروس 231:1.
11- جامع المقاصد 9:3.
12- مجمع الفائدة 26:4.
13- كفاية الأحكام: 35.
14- الذخيرة: 426-427.
15- المدارك 33:5.
16- الذخيرة: 426-427.
17- المدارك 33:5.
18- في الوسائل هكذا: «إذا وجد ربّه...».

إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان»(1).

و ما رواه زرارة في الصحيح على الصحيح أيضا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال عليه السّلام: ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان، قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال عليه السّلام: لا و لكن إن عرف لها أهلا فعطّلت(2) أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها»(3).

و في مقابلهما أخبار معتبرة اخر دالّة بإطلاقها على نفي الضمان فى من بعث بزكاته إلى خارج بلده و قد ذكرها في المناهل(4) نقلا عن الذخيرة و لا بدّ من تنزيلها على التفصيل المستفاد من الصحيحين(5) حملا للمطلق على المقيّد.

و يتفرّع على القاعدة أنّه لو تلف النصاب قبل التمكّن من الأداء سقطت الزكاة و لا ضمان، و لو تلف بعد الوجوب و إمكان الأداء فأخّر الأداء تساهلا، أو حمل إلى خارج بلده تشهّيا ضمن عملا في كلّ ذلك بما تقدّم من الصحيحين، و إنّما يتحقّق تلف الزكاة مع العزل أو تلف جميع النصاب. و لو تلف بعضه وزّع على حصّة المالك و نصيب الفقراء بالنسبة و ضمن المالك نصيبهم في موضع الضمان كما ذكره في الذخيرة على ما حكي و استجوده في الذخيرة(6).

ثمّ إنه يتفرّع على اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرّف في النصاب عدم وجوب الزكاة في امور ذكرها الأصحاب من باب التفريع، و نحن أيضا نذكرها في طيّ مسائل:

المسألة الاولى: في المال المغصوب،

إذا غصب غاصب مالا من الأموال الزكوية فهو ما دام مغصوبا لا يجب فيه زكاة و إن حال عليه أحوال فيما يعتبر فيه الحول، كما نصّ عليه كثير من

ص: 130


1- الكافي 1/553:3، تهذيب الأحكام 16/47:4، الوسائل 1/285:9، ب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة.
2- في الوسائل هكذا: «فعطبت...».
3- . الكافي 553:3، تهذيب الأحكام 17/48:4، الوسائل 2/286:9، ب 39 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- المناهل: 31 الف و ب.
5- الذخيرة: 427.
6- الذخيرة: 426-427.

الأساطين(1) و لعلّه محلّ وفاق، و في المنتهى: «أنّ عليه فتوى علمائنا»(2).

و يكفي في دليله كون التمكّن من التصرّف شرطا و هو منتف، و يدلّ عليه من الروايات عموما صحيحة الفضلاء الخمسة عن الصادقين عليه السّلام: «كلّما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب»(3).

و ما رواه عليّ بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «أنّه كلّما لم يحل عندك حول فليس عليك فيه زكاة»(4).

و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك»(5).

و موثّقة عبد اللّه بن بكير المتقدّمة عمّن رواه عن أبي عبد اللّه أنّه: «قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال عليه السّلام: فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، و إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين»(6) و قضيّة الرواية أنّه: لو قدر على تخليصه وجب فيه، و هو كذلك لأنّه بالقدرة على التخليص متمكّن عن التصرّف فيه، و لو قدر على تخليص بعضه و لو بالاستعانة بعالم أو ظالم وجبت الزكاة فيما زاد على الفداء إن بلغ نصابا.

و كما لا يجب زكاة مال المغصوب على المغصوب منه، كذلك لا يجب على الغاصب، غير أنّه في الأوّل لانتفاء شرط التمكّن و في الثاني لانتفاء المالكيّة.

المسألة الثانية: في المال الغائب عن المالك و وكيله

فإنّه أيضا ممّا لا يجب فيه زكاة ما دام غائبا

ص: 131


1- الدروس 230:1، المسالك 361:1، المدارك 34:5، الذخيرة: 424، غنائم الأيّام 45:4، مستند الشيعة 43:9، الجواهر 49:15.
2- المنتهى 475:1.
3- الكافي 1/534:3، تهذيب الأحكام 1/24:4، الاستبصار 23:2-1/24، الوسائل 9: 1/116، ب 5 من أبواب زكاة الأنعام و الباب 1/121:8.
4- الوسائل 3/169:9، ب 15 من أبواب الذهب و الفضّة و الباب: 2/8، تهذيب الأحكام 4: 7/8، الكافي 8/518:3، الاستبصار 1/6:2.
5- تقدّم في: 125.
6- تقدم في: ص 125.

على ما صرّح به جمع من أساطين الطائفة(1) بل لم نقف على مخالف في المسألة و عن منتهى العلاّمة أنّ : «عليه فتوى علمائنا»(2).

و دليله من النصوص ما تقدّم من صحيحة الفضلاء و رواية عليّ بن يقطين و صحيحة عبد اللّه بن سنان و موثّقة ابن بكير(3) مضافا إلى روايات اخر:

منها: روايتا إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السّلام ففي إحداهما: «سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا حتّى يقدم، قلت: أ يزكّيه حين يقدم ؟ قال عليه السّلام: لا حتّى يحول عليه الحول»(4).

و في الاخرى: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو؟ و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب عن أبيه ؟ قال عليه السّلام: يعزل حتّى يجيء، قلت: فعلى ماله زكاة ؟ فقال عليه السّلام: لا حتّى يجيء، قلت: فإذا هو جاء أ يزكّيه ؟ فقال عليه السّلام: لا حتّى يحول عليه الحول»(5).

و في معناهما روايات غير معتبرة اخر أوردها السيّد الجليل في مناهله(6).

ثمّ إنّ قضيّة تفريع الحكم المذكور في المال الغائب في كتب الأصحاب على ما تقدّم من اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرّف في النصاب، أن يكون مرادهم في الفتاوى من عبارة قولهم: «لا زكاة في المال الغائب عن المالك و وكيله»: عدم وجوب الزكاة في المال الغائب لعدم قدرة المالك و وكيله على أخذه و الوصول إليه، لا لعدم كونه في يدهما و إن قدر أحدهما على أخذه.

و عليه فمناط وجوب الزكاة فيه بعد مراعاة حلول الحول عليه إنّما هو القدرة على الأخذ لا الأخذ الفعلي، و لذا نسب إلى صريح كلام العلاّمة في النهاية(7) و التحرير:

ص: 132


1- الدروس 230:1، المسالك 361:1، المدارك 34:5، الذخيرة: 424، مستند الشيعة 43:9، الجواهر 49:15.
2- المنتهى 475:1.
3- تقدّم تخريجها في: ص 131.
4- الوسائل 3/94:9 و 2، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، تهذيب الأحكام 1/34:4، الكافي 1/527:3، 5.
5- الوسائل 3/94:9 و 2، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، تهذيب الأحكام 1/34:4، الكافي 1/527:3، 5.
6- المناهل: 32 ب و ما بعده.
7- نهاية الإحكام 304:2.

«وجوب الزكاة عند التمكّن من التصرّف و إن غاب عنه و عن وكيله»(1) و في معناه كلام المحقّق في النافع قائلا: «فلا يجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه متمكّنا منه»(2)و أصرح منهما عبارة الشيخ المحكيّة عن النهاية: «و لا زكاة على مال غائب إلاّ إذا كان صاحبه متمكّنا منه أيّ وقت شاء، فإن كان متمكّنا منه لزمته الزكاة»(3) و عزي إليه نحوه في الخلاف(4)، بل قيل: يظهر منه في موضع من الخلاف أنّه لا خلاف فيه(5).

و كأنّ مبنى التعبير عن عنوان المسألة في فتاوى الجماعة بمثل العبارة المذكورة، على التلازم الغالبي بين «غيبة المال» و «عدم التمكّن من أخذه» لجهل به، أو نسيانه، أو عدم استطاعة الوصول إليه بنفسه أو وكيله. و على هذا فلا ظهور للعبارة المذكورة في اعتبار كون المال في يد الوكيل، في وجوب الزكاة فيه كما زعمه صاحب الذخيرة(6)حتّى أنّه نسبه مع عبارة الإرشاد(7) إلى ظاهر كثير من عباراتهم، مع اعترافه بأنّ ظاهر التفريع على اشتراط التمكّن من التصرّف في عباراتهم يقتضي وجوب الزكاة عند التمكّن من التصرّف و إن غاب عنه و عن وكيله.

و هذا عجيب، فيرد عليه منع ظهور العبارة في خلاف ما يقتضيه التفريع، و لو سلّم فيصرفها عن الظهور في الخلاف نفس التفريع، لكونه بمنزلة النصّ الموجب لإرجاع التأويل إلى الظاهر بحمله على صورة عدم التمكّن من الأخذ و التصرّف، فلا اضطراب في كلام الأصحاب كما زعمه.

نعم للشهيد في البيان عبارة تدلّ على أنّه فهم من عبارتهم اعتبار كونه في يد الوكيل في وجوب الزكاة حيث قال: «المانع الثاني القهر فلا يجب في المغصوب و المسروق و المبيع في يد من يمنعه ظلما، و المجحود مع عدم إمكان الاستنقاذ و لو أمكن وجب، و لو صانعه ببعضه وجب في المقبوض، و في إجراء(8) إمكان المصانعة مجرى التمكّن نظر، و كذا الاستعانة بظالم، أمّا الاستعانة بالعادل، فتمكّن، و لو حبس عن ماله من غير إثبات اليد عليه وجبت الزكاة لنفوذ تصرّفه فيه، نعم لو كانت سائمة

ص: 133


1- التحرير 57:1.
2- المختصر النافع: 53.
3- النهاية: 175.
4- الخلاف 111:2، المسألة 129-130 و ص 80، المسألة 96.
5- الذخيرة: 420.
6- الذخيرة: 420.
7- الإرشاد 278:1 و 279 و 284 و 286.
8- في المصدر: «اجزاء».

لا داعي(1) لها و لا حافظ احتمل السقوط لاشتراطهم في الغائب كونه في يد الوكيل»(2)انتهى. و فيه ما لا يخفى.

ثمّ إنّ صاحب الذخيرة بعد ما فهم تعارضا بين أخبار المسألة باعتبار كونها بين:

مطلق في نفي الزكاة عن المال الغائب كما عدى موثّقة(3) ابن بكير، و مقيّد له بعدم قدرة المالك على أخذه حيث أمر بالزكاة فيه مع القدرة على أخذه كالموثّقة فقال: «يمكن الجمع بين الأخبار بوجهين:

أحدهما: حمل المطلق على المقيّد، و حينئذ يحمل روايتا(4) إسحاق بن عمّار على أنّ الغائب لا يعلم بانتقال المال إليه إذ الظاهر أنّ ذلك يلحق بعدم القدرة على الأخذ.

و ثانيهما: حمل موثّقة عبد اللّه بن بكير على الاستحباب و الأخبار الاخر على نفي الوجوب. ثمّ رجّح الوجه الثاني بقوله: لكن عدم وضوح دلالة قوله عليه السّلام: (فعليه الزكاة) في الموثّقة المذكورة على الوجوب تقتضي رجحان القول بعدم وجوب الزكاة في المال الغائب مطلقا، فلو قيل به لم يكن بعيدا»(5) انتهى.

و فيه: منع ظهور المطلقات في الإطلاق بعد ملاحظة التلازم الغالبي بين غيبة المال عن المالك و وكيله و تعذّر أخذه، و عدم التمكّن من التصرّف فيه، فيقوى في النظر ورودها مورد الغالب كما في فتاوى الأصحاب حسبما أشرنا إليه. و لو سلّم الاطلاق فالمتعيّن على ما حقّق في الاصول حملها على المقيّد لرجحان التقييد على المجاز عند دوران الأمر بينهما، و مرجعه إلى تقديم الأظهر - و هو قوله: «فعليه الزكاة» في الوجوب - على الظاهر و هو المطلق في الإطلاق.

و دعوى: عدم وضوح دلالته على الوجوب، مدافعة، لما علم بضرورة من العرف و نصّ أهل اللغة من كون «على» في نظائر المقام من التراكيب ظاهرا كالنصّ في الإلزام، و لذا يقع التعارض بين الموثّقة(6) و المطلقات(7) لورود النفي فيها على كلمة

ص: 134


1- في المصدر: «لا يراعي لها».
2- البيان 167.
3- تقدّم تخريجه في: ص 131.
4- تقدّم تخريجهما في: 132.
5- الذخيرة: 427.
6- و هي موثّقة ابن بكير الّتي تقدّم تخريجها في: 131.
7- أي الروايات اللاتي تقدّم تخريجها في: 131.

«على» المفيدة للإلزام كقوله عليه السّلام: «ليس عليه شيء» و «لا صدقة على المال الغائب عنك» و «ليس عليك فيه زكاة».

و لصاحب الذخيرة(1) كلام آخر على أخبار المسألة في الجرح و التعديل بينهما و لوضوح وهنه لا ينبغي الالتفات إليه.

فروع:

الأوّل: لو غاب المالك عن ماله بعد ما كان حاضرا عنده بحيث زال تمكّنه من التصرّف فيه كما لو اسر إلى بلاد الكفر فالّذي صرّح به في المنتهى(2) و حكي الإشارة إليه عن ابن البرّاج في جواهر الفقه(3) و استجوده السيّد في المناهل(4) هو: «سقوط الزكاة عنه» محتجّا بأنّ الغيبوبة تتحقّق من الطرفين، و هو كذلك، لإطلاق النصّ و الفتوى، بل خصوص روايتي(5) ابن عمّار المخصوصتين بغيبوبة المالك.

الثاني: لو كان المال الغائب عن المالك في يد الحاكم أو أمينه ففي تنزيله منزلة المال الّذي في يد المالك و عدمه وجهان: أقواهما الثاني، لإطلاق النصّ و الفتوى، و صدق عدم تمكّن المالك من التصرّف فيه. و كون يد الحاكم و أمينه بمنزلة يد المالك فكأنّ المال في تصرّفه، يحتاج إلى دليل و لا دليل عليه.

الثالث: إذا كان المال الغائب عن مالكه في يد وكيله المتمكّن من التصرّف فيه ففي وجوب الزكاة فيه كما لو كان في يد المالك و عدمه قولان:

أحدهما: الوجوب، و هو ظاهر الشرائع(6) و جملة من كتب العلاّمة(7) و غيرهما ممّن عبّر عن عنوان المسألة: «بالمال الغائب عن المالك و وكيله» فإنّه بظاهره يقتضي وجوب الزكاة فيه لو كان في يد الوكيل كما يقتضي وجوبه لو كان في يد المالك.

و ثانيهما: عدم الوجوب، و نسب إلى ظاهر المقنعة(8) و النهاية(9) و الغنية(10) و النافع(11)

ص: 135


1- الذخيرة: 420.
2- المنتهى 475:1.
3- جواهر الفقه: 30.
4- المناهل: 34 الف.
5- تقدّم تخريجهما في: 132.
6- الشرائع 106:1.
7- التحرير 350:1، القواعد 330:1؛ التذكرة 19:5، المنتهى 475:1.
8- المقنعة: 239.
9- النهاية: 175.
10- الغنية: 128.
11- المختصر النافع: 53.

و المعتبر(1) و المنتهى(2) و الجامع(3) و الخلاف(4) و غيرها(5) ممّن أناط وجوب الزكاة في المال الغائب بتمكّن المالك من التصرّف فيه لا بكونه في يده أو يد وكيله.

و للأوّلين عمومات الزكاة كتابا كقوله تعالى: آتُوا اَلزَّكٰاةَ (6).

و سنّة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الزكاة على المال الصامت الّذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه»(7) و صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»(8).

حجّة الآخرين عموم صحيحة(9) الفضلاء و صحيحة(10) عبد اللّه بن سنان و خبر(11)عليّ بن يقطين و موثّقة ابن بكير(12) و روايتي إسحاق بن عمّار(9) فإنّها في نفي وجوب الزكاة عن المال الغائب عن المالك عامّة لكون المال في يد وكيله و عدمه، و هي لكونها أخصّ من العمومات المتقدّمة(10) تنهض مخصّصة لها حتّى إنّه لو قيّدنا مطلقاتها بمقيّدها بحملها على صورة عدم قدرة المالك على أخذه و التصرّف فيه كانت مخصّصة للعمومات الأوّلية.

أقول: الإنصاف و مجانبة الاعتساف يقتضي المصير إلى القول الأوّل، لأنّ يد الوكيل يد الموكّل و تصرّفه تصرّفه، فكأنّ المال في تصرّف المالك و تحت يده، بل نقول: إنّ توكيله للغير في التصرّف فيه عموما أو خصوصا و تسليطه إيّاه على المال نوع تصرّف منه فيه، و تمكّنه من التوكيل تمكّن من التصرّف فيه. و الظاهر عدم الفرق حينئذ بين ما لو كان الوكيل مأذونا في جميع التصرّفات أو في تصرّف خاصّ .

ص: 136


1- المعتبر 490:2.
2- المنتهى 475:1 و 476.
3- جامع المقاصد 6:3 و 7.
4- الخلاف 111:2، المسألة 96 و 129 و 130.
5- المختلف 185:3.
6- البقرة: 43 و 83 و 110 و 277.
7- الوسائل 3/75:9، ب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و 4/170، ب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة، تهذيب الأحكام 2/35:4.
8- الكافي 13/522:3، و 4/525، تهذيب الأحكام 4/35:4، الفقيه 1625/32:2. (9و10و11و12) تقدّم تخريجها في: 131.
9- تقدّم تخريجهما في: 132.
10- الروايات الّتي تقدّم في الفقرة الاولى.

الرابع: إذا مضى على المال الغائب سنون ثمّ عاد إلى مالكه لا يجب الزكاة فيه لسنة واحدة من السنين المتقدّمة بل يستحبّ ، و كذلك في الضالّ و المفقود، وفاقا لجمع من الأساطين كالمحقّق في كتبه الثلاث(1) و العلاّمة في جملة من كتبه(2) و الشهيدين في الدروس(3) و المسالك(4) و المحقّقين الكركي و الأردبيلي في الجامع(5) و مجمع الفائدة(6)و صاحبي المدارك(7) و الذخيرة(8) و عن الرياض «إنّ الاستحباب أشهر بل لا خلاف فيه إلاّ من بعض من ندر ممّن تأخّر»(9) و في المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا مؤذنا بدعوى الإجماع»(10) و نحوه في المدارك: «قائلا هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا»(11).

و عزي إلى ظاهر عبارة النهاية وجوب ذلك لتضمّنها الأمر بإخراج الزكاة لسنة واحدة حيث قال: «و إن لم يكن متمكّنا و غاب عنه سنين ثمّ حصل عنده يخرج عنه زكاة سنة واحدة»(12).

و قد سمعت عن الرياض أنّه حكاه عن نادر ممّن تأخّر و لعلّه الّذي حكي عن الحدائق نسبته إلى ظاهر بعض فضلاء متأخّري المتأخّرين(13).

و لنا على عدم الوجوب - بعد الأصل المعتضد بما عرفت من الشهرة و حكاية الإجماع بل ظهوره أيضا - أنّ شرط وجوب الزكاة و هو: «التمكّن من التصرّف» منتف في جميع السنين فلا يجب في شيء، كما أشاره إلى هذه الحجّة في المعتبر فيما حكي عنه من قوله: «لنا أنّ الموجب لسقوط ما قبل السنة موجود في السنة فيجب الوجوب فيها كغيرها»(14).

هذا مضافا إلى خصوص صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما متى يجب عليه

ص: 137


1- الشرائع 107:1، المعتبر 490:2، 491، المختصر النافع: 53.
2- التحرير 350:1، القواعد 330:1، التذكرة 19:5، المنتهى 475:1.
3- الدروس 230:1.
4- المسالك 362:1.
5- جامع المقاصد 7:3.
6- مجمع الفائدة 23:4.
7- المدارك 37:5.
8- الذخيرة: 424 و 425.
9- الرياض 5: ص 45.
10- المنتهى 475:1.
11- المدارك 37:5.
12- النهاية: 175-176.
13- الحدائق 33:12.
14- المعتبر 491:2.

الزكاة ؟ قال عليه السّلام: إذا أخذها ثمّ يحول عليه الحول يزكّي»(1).

و روايتي ابن عمّار في إحداهما «قلت: أ يزكّيه حين يقدم ؟ قال عليه السّلام: لا حتّى يحول عليه الحول و هو عنده»(2).

و في اخراهما «قلت: فإذا هو جاء يزكّيه ؟ فقال عليه السّلام: لا حتّى يحول عليه الحول في يده»(3) لقضائها بكون وجوب الزكاة في المال الغائب بعد عوده إلى مالكه مقصورا على حلول الحول عليه بعد العود عند مالكه.

و لنا على استحبابها لسنة واحدة ورود الأمر به في موثّقة ابن بكير المتقدّمة، لمكان قوله عليه السّلام: «فإذا خرج زكّاه لعام واحد»(4).

و حسنة سدير الصيرفي قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الّذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمّ إنّه احتفر الموضع من جوانبه فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه ؟ قال عليه السّلام: يزكّيه لسنة واحدة، لأنّه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه»(5).

و صحيحة رفاعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمّ يأتيه فلا يرد(6) رأس المال كم يزكّيه ؟ قال عليه السّلام: سنة واحدة»(7).

و إنّما يحمل الأمر فيهما على الاستحباب مع ظهوره في الوجوب جمعا بينهما و بين ما تقدّم، مع أنّ فهم الأصحاب لخلاف الوجوب و خروجهم عن ظاهر الأمر يوجب كون ظهوره موهونا. و هذا هو السرّ في العدول عن قاعدة ترجيح التقييد على المجاز فإنّ رجحان الأوّل إنّما هو حيث لوحظ كلّ من التقييد و المجاز بما هو هو. و أمّا

ص: 138


1- تقدّم تخريجها في: 125.
2- تقدّم تخريجها في: 132.
3- تقدّم تخريجها في: 132.
4- تقدّم تخريجها في: 125.
5- الوسائل 1/93:9، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الكافي 1/519:3.
6- في هامش الأصل هكذا: «فلا يزيد رأس المال عليه، كما في المنتهى، منه».
7- الكافي 2/519:3، الاستبصار 4/28:2، الوسائل 4/94:9، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

إذا طرأهما ما يوجب و هنا في ظهور [التقييد] و قوّة في ظهور المطلق، فيرجّح فيه المجاز حينئذ. مع أنّ ما تقدّم من صحيحة ابن أبي محمود(1) و روايتي ابن عمّار(2)لا يتحمّل الحمل على المقيّد بإرادة نفي الوجوب فيما سوى سنة واحدة. نعم إنّما يستقيم ذلك في مطلقات النصوص مثل صحيحة الفضلاء(3) و رواية عليّ بن يقطين(4)و ما بمعناهما، فإنّها قابلة لحمل إطلاقها على ما زاد على سنة واحدة.

و هل يختصّ الاستحباب بما لو كانت مدّة الغيبة ثلاث سنين فما زاد، أو يعمّها و السنتين فما زاد، أو يعمّ السنة الواحدة أيضا؟ كلماتهم فيه مختلفة، بل ربّما يظهر منهم الخلاف في ذلك أيضا في الجملة فظاهر الشرائع و النافع حيث عبّر بقوله: «فإن مضى عليه سنون و عاد»(5) و في معناه عبارة الإرشاد(6) كما عن القواعد(7) و النهاية(8)و الوسيلة(9) هو الأوّل.

و عن المحقّق الثاني أنّه حمل عبارة القواعد و غيرها على إرادة السنتين فما زاد(10)فظاهره اختيار الثاني، و عنه نسبة التنبيه عليه إلى الشهيد(11) و غيره، و وجهه غير واضح، و في المدارك عن المنتهى(12): «أنّه أطلق استحباب تزكية المغصوب و الضالّ مع العود لسنة واحدة»(13) و استظهره في المناهل(14) من الجواهر(15) و المعتبر(16) و المنتهى(17)و التحرير(18) و مجمع الفائدة(19) لتصريحهم بأنّه إذا عاد الضالّ إلى ربّه استحبّ له أن يزكّي لسنة واحدة، و إطلاق الموثّقة(20) ربّما يساعد عليه، و ليس ببعيد.

المسألة الثالثة: الرهن لا يجب فيه الزكاة

ما دام رهنا مطلقا على الأصحّ الأقوى وفاقا لظاهر

ص: 139


1- تقدّم تخريجها في: 125.
2- تقدّم تخريجها في: 132.
3- تقدّم تخريجها في: 131.
4- تقدّم تخريجها في: 131.
5- الشرائع 107:1، المختصر النافع: 53.
6- الإرشاد 278:1.
7- القواعد 330:1.
8- النهاية: 176.
9- الوسيلة: 122.
10- جامع المقاصد 7:3.
11- البيان: ص 168.
12- المنتهى 475:1.
13- المدارك 38:5.
14- المناهل: 35 ب.
15- الجواهر 57:15.
16- المعتبر 491:2.
17- المنتهى 475:1.
18- التحرير 350:1 و 354.
19- مجمع الفائدة 23:5.
20- تقدّم تخريجه في: 125.

إطلاق الشرائع(1) و القواعد(2) و التحرير(3) و موضع من المبسوط(4) على ما حكاه غير واحد، لعدم تمكّن الراهن من التصرّف فيه حال كونه رهنا.

و قيل: بوجوبها فيه مطلقا كما عن الشيخ في موضع آخر من المبسوط قائلا:

«فلو رهن النصاب قبل [أن تجب فيه الزكاة] ثمّ حال الحول و هو رهن وجبت الزكاة فيه، فإن كان موسرا كلّف إخراج الزكاة، و إن كان معسرا تعلّق بالمال حقّ الفقراء فيؤخذ منه لأنّ حقّ المرتهن في الذمّة»(5). و لم نقف على موافق له.

و قيل: بالفرق، فإن قدر الراهن على فكّه وجبت الزكاة فيه لأنّه متمكّن من التصرّف فيه، و إلاّ فلا تجب و هو لظاهر المحكيّ عن الدروس قائلا: «و لا في الرهن مع عدم تمكّنه من فكّه»(6) و يظهر أيضا من عبارة العلاّمة المحكيّة عن النهاية قائلا: «و لو كان قادرا على الانفكاك وجبت الزكاة لتمكّنه من التصرّف، و لا يخرجها من النصاب لتعلّق حقّ المرتهن فيه تعلّقا مانعا من تصرّف الراهن»(7).

و يظهر تقوية هذا التفصيل عن محكيّ الشيخ في الخلاف بعد ما اختار فيه عدم الوجوب مطلقا استنادا إلى عدم التمكّن من التصرّف(8) و استحسنه صاحب المدارك:

«ان ثبت أنّ عدم تمكّن الراهن من التصرّف في الرهن مسقط للوجوب»(9) و في الذخيرة أنّ : «عندي في المسألة إشكال»(10) و المستفاد من كلام غير واحد أنّ عدم القدرة على الفكّ قد يكون: لتأجيل، و قد يكون لحجر الراهن عن التصرّفات في سائر أمواله، و قد يكون لإعساره و قضيّة ذلك تأتّي القدرة على الفكّ بكون الدين حالا

ص: 140


1- الشرائع 106:1.
2- القواعد 33:1.
3- التحرير 350:1 و 354.
4- المبسوط 225:1-226.
5- ما نقله المصنّف رحمه اللّه عن المبسوط هنا، يختلف عمّا ورد في كتاب المبسوط، إليك نصّ عبارتها: «و متى رهن قبل أن تجب فيه الزكاة ثمّ حال الحول و هو رهن وجبت الزكاة و إن كان رهنا لأنّ ملكه حاصل، ثمّ ينظر فيه، فان كان للراهن مال سواه كلّف إخراج الزكاة منه و إن كان معسرا فقد تعلّق بالمال حقّ المساكين يوخذ منه لأنّ حقّ المرتهن في الذمّة».
6- الدروس 230:1.
7- نهاية الإحكام 304:2.
8- الخلاف 80:2 و 111.
9- المدارك 36:5.
10- الذخيرة: 426.

و الراهن موسرا و لم يكن محجورا.

فاعلم أنّ أضعف الأقوال هو القول: «بالوجوب مطلقا» لشذوذه، مع مخالفته الأصل، و عدم وضوح دليل عليه مخرج من الأصل عدى العمومات الأوّليّة كتابا(1)ك آتُوا اَلزَّكٰاةَ ، و سنّة كصحيحتي محمّد بن مسلم و زرارة ففي الاولى: «الزكاة على المال الصامت الّذي يحول عليه الحول و لم يحرّكه»(2) و في الثانية: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»(3).

و يدفعها: أنّها بعد تخصيصها بما دلّ على اشتراط التمكّن من التصرّف في النصاب في وجوب الزكاة غير باقية على حالها، و لا خلاف بينهم على ما يظهر من تتبّع كلماتهم: «أنّ حقّ المرتهن المتعلّق بالرهن مانع شرعي من التصرّف فيه» و لا خفاء في انتفاء التمكّن من التصرّف مع قيام هذا المانع مع عدم القدرة على رفعه، فبطل إطلاق القول بالوجوب.

نعم الإشكال إنّما هو في صورة القدرة على رفعه المعبّر عنه في كلام الجماعة(4):

«بالقدرة على فكّ الرهن» هل هو كاف في التمكّن من التصرّف في الرهن، بمعنى أنّ القادر على فكّ الرهن متمكّن من التصرّف - كما عليه مبنى قول الجماعة(5) بالفرق - أو لا؟

فإنّ لمانع أن يمنع ذلك بتقريب أنّ القدرة على فكّ الرهن ليس بعينه هو التمكّن من التصرّف فيه بل هو قدرة على رفع المانع، و مرجعه إلى القدرة على تحصيل التمكّن من التصرّف، و لا ريب أنّ القدرة على تحصيل التمكّن من التصرّف غير التمكّن من التصرّف، و شرط الوجوب إنّما هو نفس التمكّن لا القدرة على تحصيله.

إلاّ أن يقال بالنظر إلى ما حقّق في محلّه - من أنّ القدرة الّتي هي من شروط

ص: 141


1- البقرة: 43، 83، 110، 277.
2- الوسائل 3/75:9، ب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
3- الكافي 13/522:3، الفقيه 1625/32:2، تهذيب الأحكام 4/35:4.
4- الدروس 230:1، نهاية الإحكام 304:2، المدارك 36:5، الذخيرة: 426، مستند الشيعة 9: 47، المبسوط 225:1.
5- أي كلّ من أوجب شرطيّة التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة، كما تقدّم في: 124.

التكليف أعمّ من القدرة بالواسطة لأنّ المقدور بالواسطة مقدور في نظر العقل و العرف فيصحّ تعلّق التكليف به -: إنّ القدرة على فكّ الرهن تمكّن من التصرّف فيه بالواسطة، فرجع القول بوجوب الزكاة معه إلى دعوى: أنّ التمكّن من التصرّف الّذي هو شرط وجوب الزكاة أعمّ منه بالواسطة و بلا واسطة، و الأصل فيه أنّ المعيار في تشخيص حصول التمكّن و عدمه هو العرف، و هو عند العرف أعمّ منه بالواسطة.

و لكن يزيّفه منع التمكّن من التصرّف و لو بالواسطة بمجرّد القدرة على فكّ الرهن، و توضيحه: أنّ كون القادر على فكّه متمكّنا من التصرّف فيه، إن اريد به كونه كذلك بعد الفكّ بالنسبة إلى ما بعده، فهو و إن كان مسلّما غير أنّه لا يجدي في وجوب الزكاة في الرهن بالنسبة إلى حال الرهن.

و إن اريد به كونه كذلك بالقياس إلى ما قبل الفكّ بمعنى كونه متمكّنا من التصرّف فيه حال كونه مرهونا بمجرّد قدرته على الفكّ .

ففيه: المنع و إلاّ لزم خروج ما جعله الشارع مانعا عن كونه مانعا، و ذلك إنّ المانع على ما عرفت إنّما هو تعلّق حقّ المرتهن بالعين المرهونة، و معنى مانعيّته شرعا إنّه أثّر في المنع الشرعي من التصرّف فيه، و معنى كونه متمكّنا من التصرّف فيه حال كونه رهنا، إنّه غير ممنوع من التصرّف فيه شرعا لكونه قادرا على فكّه.

و هذا كما ترى إنكار للمنع الشرعي فيلزم ما ذكرناه من خروج ما جعله الشارع مانعا عن كونه مانعا و هو باطل جزما. فالأصحّ هو ما ذكرناه من عدم الوجوب مطلقا لانتفاء التمكّن مطلقا، و لذا قال في جامع المقاصد على ما حكي من أنّه: «لا يجب في المرهون و إن تمكّن من فكّه على الأصح»(1).

المسألة الرابعة: لا يجب الزكاة في الوقف

من الأنعام الثلاثة بل و غيرها كالنقدين على القول بصحّة وقفهما وفاقا للفاضلين في الشرائع(2) و المعتبر(3) و الإرشاد(4) و القواعد(5) و التحرير(6)

ص: 142


1- جامع المقاصد 7:3.
2- الشرائع 106:1.
3- المعتبر 489:2-491.
4- الإرشاد 278:1.
5- القواعد 330:1.
6- التحرير 349:1.

و المنتهى(1) و الشهيدين في الدروس(2) و الروضة(3) و المحقّقين الكركي و الأردبيلي في الجامع(4) و المجمع(5) و صاحبي المدارك(6) و الذخيرة. و لم نقف على مخالف فيه، و في الذخيرة: «الظاهر إنّه ممّا لا خلاف فيه»(7) و عن الكفاية: «لا زكاة في الوقف بلا خلاف»(8) و في المناهل: «ظهور الاتّفاق عليه»(9).

و وجهه بعد الأصل و عدم دليل على الوجوب على القول بعدم كون الوقف ملكا لأحد أو كونه ملكا للّه سبحانه واضح، لانتفاء الملك الّذي هو من شروط وجوبه. و أمّا على القول بكونه ملكا للموقوف عليه فلعدم تماميّة الملك لعدم الاختصاص و مشاركة غيره من البطون اللاحقة، أو للمنع من التصرّف فيه بغير الاستنماء، أو لمنافاة الزكاة للوقفيّة لأنّها تتعلّق بالعين و إخراجها يوجب بطلان الوقفيّة فيها و هو باطل.

و إلى ذلك أشار في المدارك تبعا للمعتبر(10) و هي حيث استدلّ على عدم الوجوب: «بأنّها لو وجبت لوجبت في العين، فيخرج به عن الوقف، و هو باطل»(11).

و الظاهر كما هو المصرّح به في جملة من العبائر عدم الفرق في الحكم بين الوقف العامّ ، و الوقف الخاصّ ، و الوقف على الجهة العامّة.

و لو حصل من الغنم الموقوفة نتاج و بلغ نصابا و حال عليه الحول فعن الشيخ في المبسوط(12) أنّه: «وجبت الزكاة في النتاج إلاّ أن يكون الواقف شرط أن يكون الغنم و ما يتوالد منها وقفا» و استجوده في المدارك على تقدير صحّة الشرط و تنظّر في صحّته(13).

و فصّل في الذخيرة على تقدير عدم الشرط بأنّه: «إن كان وقفا على معيّن وجبت الزكاة في النتاج إن استجمعت شرائط الوجوب، و إن كان وقفا على جماعة معيّنة

ص: 143


1- المنتهى 475:1.
2- الدروس 230:1.
3- شرح اللمعة: 13:2.
4- جامع المقاصد 7:3.
5- مجمع الفائدة 23:4.
6- المدارك 36:5.
7- الذخيرة: 425.
8- كفاية الأحكام: 35.
9- المناهل: 34 ب.
10- المعتبر 491:2.
11- المدارك 36:5.
12- المبسوط 205:1، ما نقله المصنّف رحمه اللّه عن المبسوط هنا يختلف عمّا ورد في كتاب المبسوط و إليك نصّها: «... فإن ولدت و حال على الأولاد الحول و كانت نصابا وجب عليه فيها الزكاة إذا كان الواقف شرط انّ جميع ما يكون منها للموقوف عليه.»
13- المدارك 36:5.

محصورة اعتبرت الشرائط في سهم كلّ واحد، و إن كان وقفا على جميع المسلمين فالظاهر أنّه لا يجب فيه الزكاة لعدم تحقّق الشرائط فيه و يكون من قبيل بيت المال الّذي صرّحوا بعدم وجوب الزكاة فيه، و إن كانت وقفا على جماعة معيّنة و كانت القسمة مفوّضة إلى رأي الناظر اعتبرت الشرائط في سهم كلّ واحد بعد القسمة»(1) و استجوده في المناهل(2).

و إذا بلغ غلّة النخيل و الكروم الموقوفة على معيّن نصابا أو على جماعة معيّنة و بلغت حصّة كلّ واحد نصابا وجبت الزكاة عليه و عليهم، كما صرّح به جماعة(3) و إذا كانت وقفا على جميع المسلمين أو على الجهة العامّة لم تجب الزكاة لعدم التعيين أو لعدم الملك أو لعدم الاختصاص.

المسألة الخامسة: لا تجب الزكاة في الضالّ و المفقود و المجحود و المسروق و ما سقط في البحر

من الدراهم و الدنانير على ما هو المصرّح به في كلام جماعة(4) و في المناهل ظهور الاتّفاق عليه(5) و عن المنتهى فيما عدى المفقود إنّ عدم الوجوب فيه حتّى يعود إلى مالكه و يستقبل به العود مذهب علمائنا، و محلّ الكلام ما لو عاد و لم يحل عليه الحول بعد عوده(6).

و يعلم وجه عدم الوجوب ممّا مرّ في المغصوب و المال الغائب، لاندراج المجحود و المسروق في المغصوب، و الضالّ و المفقود و الساقط في البحر في المال الغائب في وجه، و لكن إفرادها بعنوان آخر في كلام الجماعة(7) مبنيّ على وجه آخر يقضي بخروجها عنهما، و هو: أن يراد بالمغصوب ما أخذه الغاصب في العلانية قهرا و عدوانا، و بالغائب ما غاب عن المالك لجهل أو نسيان و نحوه، أو غاب عنه المالك بأسر أو

ص: 144


1- الذخيرة: 425.
2- المناهل: 34 ب.
3- الذخيرة: 425، المبسوط 205:1، المدارك 36:5، مستند الشيعة 47:9، مجمع الفائدة 23:4، المدارك 35:5، البيان: 166.
4- المعتبر 490:2، المنتهى 475:1، البيان: 167، مجمع الفائدة 23:4، المدارك 35:5، الذخيرة: 425.
5- المناهل: 34 ب.
6- المنتهى 475:1.
7- المعتبر 490:2، المنتهى 475:1، البيان: 167، مجمع الفائدة 23:4، المدارك 35:5، الذخيرة: 425.

مسافرة و نحوه. و بالجملة إن يراد بهما معنى خاصّ لا يعمّ المذكورات.

و عليه فيكفي في دليل عدم الوجوب - بعد الأصل - انتفاء شرط الوجوب و هو التمكّن من التصرّف، مضافا إلى عموم الروايات المتقدّمة أعني: صحيحتي الفضلاء و عبد اللّه بن سنان و روايتي عليّ بن يقطين(1) و عبد اللّه بن بكير(2).

ثمّ المراد بالضالّ على ما في كلام جماعة(3) الحيوان الضائع، و بالمفقود غيره من الأموال الضائعة.

و في المسالك أنّه: «يعتبر في مدّة الضلال و الفقد إطلاق الاسم، فلو ضلّ لحظة أو يوما في الحول لم ينقطع»(4) و هذا غير واضح، لأنّ سقوط الزكاة في الضالّ و المفقود ليس لخصوص عنوان الضلال و الفقد حتّى يناط باعتبار المدّة قلّة و كثرة بصدق اسمهما، بل باعتبار ما لزمهما من انتفاء التمكّن من التصرّف مدّة الضلال و الفقد، و كأنّ المراد بما ذكره: اعتبار صدق التمكّن و عدم التمكّن مع الضلال و الفقد الحاصل في أثناء الحول، فما حصل فيه الوصفان لحظة أو يوما من الحول لم يصدق فيه عرفا أنّ المالك لم يتمكّن من التصرّف فيه، بل يقال: إنّه كان متمكّنا من التصرّف فيه طول الحول، و لعلّه إلحاق للنادر بالمعدوم.

و لعلّه إلى ما بيّنّاه أشار صاحب المدارك حيث إنّه بعد نقل عبارة المسالك(5) قال:

«و هو جيّد بل ينبغي إناطة السقوط بحصول الغيبة الّتي لا يتحقّق معه التمكّن من التصرّف»(6) و حيث إنّ المدار في سقوط الزكاة و وجوبها في المال على صدق التمكّن من التصرّف فيه و عدمه، فالمتّجه فيما لو تمكّن في المجحود بل المسروق أيضا من إثبات الحقّ بإقامة البيّنة و أخذ المال بحكم الحاكم هو: وجوب الزكاة وفاقا للقواعد(7)و الدروس(8) و البيان(9) لصدق التمكّن من التصرّف عرفا في نحو الصورة المفروضة.

و لعلّ مبناه على أنّ التمكّن من التصرّف في نظر العرف و العقل أعمّ منه مع الواسطة،

ص: 145


1- تقدّم تخريجها في: 131.
2- تقدّم تخريجها في: ص 131.
3- المعتبر 490:2، المنتهى 475:1، البيان: 167، مجمع الفائدة 23:4، المدارك 35:5، الذخيرة: 425.
4- المسالك 362:1.
5- المسالك 362:1.
6- المدارك 37:5.
7- القواعد 330:1.
8- الدروس 230:1.
9- البيان: 167.

و لذا كان المقدور بالواسطة في مورد التكليف مقدورا عند العقل و العرف. و يدلّ على ما ذكرناه أيضا عموم قوله عليه السّلام في موثّقة ابن بكير: «إن كان يدعه متعمّدا و هو يقدر على أخذه فعليه فيه الزكاة»(1) لقضائه بإطلاقه بأنّ المناط في وجوب الزكاة هو: «القدرة على الأخذ» و لا ريب أنّه في الصورة المفروضة يصدق أنّه يقدر على أخذ ماله.

و من ذلك ظهر أنّ المتّجه هو الوجوب أيضا فيما لو تمكّن من أخذ ماله بالاستعانة بعادل وفاقا للبيان(2) و في الاستعانة بظالم وجه، لكنّ الأولى قصر الوجوب هنا على ما لو لم يستلزم الاستعانة به محرّما، و إلاّ حرم الاستعانة و سقط معه الزكاة، لانتفاء التمكّن من الأخذ و التصرّف، لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي.

المسألة السادسة: لا يجب الزكاة في الدين

الّذي لا يقدر صاحبه على أخذه و استيفائه من المديون لأجل أو إعسار أو مماطلة أو جحد أو غير ذلك بلا خلاف أجده بل قولا واحدا، و لذا ذكر في الرياض «اتّفاقا فتوى و نصّا»(3) و يدلّ عليه - مع ذلك بعد الأصل - عموم الأخبار الآتية بل هو القدر المتيقّن المتّفق على العمل به من موردها، مضافا إلى خصوص الروايات الآتية المفصّلة الناصّة بعدم الوجوب في الصورة المفروضة.

و أمّا الدين المقدور على أخذه بكونه حالا و المديون موسرا باذلا و لكن صاحبه يؤخّره و لا يأخذه ففي وجوب الزكاة فيه كما عن الشيخين(4) و المرتضى(5) و عدمه كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تبلغ الإجماع خصوصا عند المتأخّرين(6) بل قيل: إنّه إجماع منهم(7) و هو المعتمد، للأصل، و عدم كون الدين «مالا» ينصرف إليه عمومات

ص: 146


1- الاستبصار 3/28:2، تهذيب الأحكام 1/31:4، الوسائل 7/95:9، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- البيان: 167.
3- الرياض 46:5.
4- المبسوط 211:1، تهذيب الأحكام 31:4، المقنعة: 239.
5- رسائل المرتضى 75:3.
6- نهاية الإحكام 303:2، المدارك 39:5، السرائر 444:1، الذخيرة: 425، غنائم الأيّام 49:4.
7- لم نعثر في كلماتهم التصريح بذلك و من الممكن استفادة هذا المعنى من بعض تعبيراتهم الّتي يشعر بالإجماع كما نقل النجفي في الجواهر 57:15 عن التنقيح: «بل في التنقيح هو مذهب الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه» و نقل السبزواري في الذخيرة: 425 عن الآخرين: «و إليه ذهب ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و ابن إدريس و جمهور المتأخّرين منهم المصنّف».

الزكاة بل هو كلّي في ذمّة الغير، و إن شئت قلت: إنّ الزكاة بحكم انصراف الأدلّة تتعلّق بالعين و لا عين هنا.

مضافا إلى عموم النصوص النافية للزكاة عن الدين بإطلاقه كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك»(1).

و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحلّ عليه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: يزكّي العين و يدع الدين، قلت: فإنّه اقتضاه بعد ستّة أشهر، قال عليه السّلام: يزكّيه حين اقتضاه»(2).

و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الدين عليه زكاة ؟ قال عليه السّلام:

لا حتّى يقبضه، قلت: فإذا قبضه أ يزكّيه ؟ قال عليه السّلام: لا حتّى يحول عليه الحول في يده»(3).

و موثّقة محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: ليس في الدين زكاة ؟ فقال عليه السّلام: لا»(4)

و موثّقة سماعة: «قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: ليس عليه فيه زكاة حتّى يقبضه فإذا قبضه فعليه الزكاة، و إن هو طال حبسه على الناس حتّى يمرّ لذلك سنون فليس عليه زكاة حتّى يخرج، فإذا هو خرج زكّاه لعامه ذلك»(5).

و خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «قال: ليس على الدين زكاة إلاّ أن يشاء ربّ الدين أن يزكّيه»(6).

و خبره الآخر عن أخيه قال: «سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء

ص: 147


1- تهذيب الأحكام 2/32:4، الوسائل 6/95:9، ب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- الوسائل 9/98:9، ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الكافي 6/523:3.
3- الوسائل 3/96:9 و 4، ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الاستبصار 1/28:2، تهذيب الأحكام 11/34:4، 4.
4- الوسائل 3/96:9 و 4، ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الاستبصار 1/28:2، تهذيب الأحكام 11/34:4، 4.
5- الوسائل 6/98:9، ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
6- الوسائل 14/99:9، ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

قبضه صاحبه هل عليه زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا حتّى يقبضه و يحول عليه الحول»(1).

و ليس للقول الآخر إلاّ روايتا درست بن أبي منصور و عبد العزيز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ففي اولاهما قال: «ليس في الدين زكاة إلاّ أن يكون صاحب الدين هو الّذي يؤخّره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتّى يقبضه»(2).

و في الثانية: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له الدين أ يزكّيه ؟ قال عليه السّلام: كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة»(3).

و دلالة روايات المشهور و إن كانت بالعموم و لو من جهة ترك الاستفصال و دلالة الروايتين من جهة اشتمالهما على التفصيل بالخصوص و ضابطة تقدّم الخاصّ على العامّ و المقيّد على المطلق تقضي ببناء الروايات العامّة على الروايتين و إرجاعها إلى التفصيل المستفاد منهما، إلاّ أنّ قصور سنديهما - باشتمالهما على عدّة من المجاهيل، بل ضعف سند الاولى و إعراض المعظم عن العمل بهما إلى العمل بالعموم، و موافقتهما لمذهب جمهور أهل الخلاف في الجملة - يوجب تعيّن العمل بالعموم.

و مع قطع النظر عن قصور السند و ضعفه يتقوّى الأخبار العامّة، و يتوهّن الروايتين بإعراض المعظم عن العمل بهما، لأنّه يكشف عن وقوع خلل في إحدى جهاتهما إمّا في صدورهما و في دلالتهما، أو في جهة صدورهما فلا بدّ من طرحهما أو حملهما على الاستحباب أو على التقيّة.

و ما ذكرناه هو الباعث على عدم إجراء قاعدة: حمل المطلق على المقيّد و بناء العامّ على الخاصّ هنا بعد الغضّ عمّا في السند لا ما ذكره العلاّمة في المختلف على ما حكاه في المدارك حيث إنّه بعد حمل الخبرين على الاستحباب قال: «لا يقال:

لم لا يجوز أن يكون وجه الجمع ما فصّل في هذين الخبرين ؟ لأنّا نقول: لمّا سأله الحلبي عن الدين و أطلق عليه السّلام القول بانتفاء الوجوب، وجب انتفاؤه مطلقا، إذ لو كان في

ص: 148


1- الوسائل 15/100:9، ب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- الوسائل 7/97:9، ب 6 من أبواب من يجب عليه الزكاة، الكافي 3:3، تهذيب الأحكام 5/32:4.
3- الوسائل 96:9-5/97، ب 6 من أبواب من يجب عليه الزكاة، تهذيب الأحكام 6/32:4.

صورة ما لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة و هذا باطل»(1) انتهى. و استجوده في المدارك(2). و فيه ما فيه لأنّه لو صحّ لانسدّ باب حمل المطلق على المقيّد و بناء العامّ على الخاصّ في الأخبار.

ثمّ لا فرق على المختار في عدم وجوب الزكاة في الدين بين ما لو كان الدين من النقدين أو من الأنعام. و عن العلاّمة في التذكرة التصريح بأنّه: «لو كان الدين نعما فلا زكاة فيه. ثمّ قال: و من أوجبه في الدين توقّف هنا لأنّ السوم شرط و ما في الذمّة لا يوصف بكونه سائما. ثمّ استشكله: بأنّهم ذكروا في السلم في اللحم التعرّض لكونه لحم راعية أو معلوفة، و إذا جاز أن يثبت في الذمّة لحم راعية جاز أن يثبت راعية»(3)

و استجوده في المدارك ناقلا عن جدّه أنّه أورد عليه في فوائد القواعد بأنّه: «إنّما يتّجه إذا جعلنا مفهوم السوم عدميّا و هو عدم العلف كما هو الظاهر من كلامهم، أمّا إنّ جعلناه أمرا وجوديّا و هو أن يأكل من مال اللّه المباح لم يعقل كون ما في الذمّة سائما»(4)و تنظّر فيه في المدارك قائلا: «و في الفرق نظر، فإنّه إذا جاز ثبوت الحيوان في الذمّة جاز ثبوت هذا النوع المخصوص منه و هو ما يأكل من المباح»(5) انتهى.

و فيه ما لا يخفى، بل الوجه عدم وجوبها في النعم مطلقا، و السرّ فيه أنّ موضوع وجوب الزكاة في النعم إنّما هو السائم و المشتقّ حقيقة في حال التلبّس، و المبدأ هنا وصف خارجي يلحق الشخص الخارجي، و ما في الذمّة كلّي غايته اعتبار تقييده بمفهوم السوم و هو أيضا كالموصوف به أمر ذهنيّ لا يكفي اعتباره في توجّه الخطاب بالزكاة، لأنّ شرط الوجوب إنّما هو الوصف الخارجي لا المفهوم الذهني. و الظاهر عدم الفرق في ذلك بين ما لو اعتبر الوصف أمرا عدميّا أو وجوديّا، غاية الأمر أنّه على الأوّل يعتبر اتّصاف الذات به في ظرف الخارج و إن كان الوصف باعتبار كونه عدما ممّا لا خارج له إلاّ من حيث العدميّة، فليتدبّر.

ص: 149


1- المختلف 162:3-163.
2- المدارك 40:5-41.
3- التذكرة 24:5.
4- فوائد القواعد: 233.
5- المدارك 40:5-41.
المسألة السابعة: فيما يجب فيه الزكاة من القرض،
اشارة

فليعلم أنّه إذا استقرض شيئا من الأموال الزكويّة كالدراهم و الدنانير مثلا و كان نصابا، و تركه المستقرض بعد القبض بحاله حتّى حال عليه الحول فيجب عليه زكاته و لا شيء على المقرض، كما هو المصرّح به في كلام جمع كثير من أساطين الطائفة(1) و عن الشيخ في الخلاف(2) نفي الخلاف بين الطائفة عن الحكمين، و حكي نفي الخلاف عن السرائر(3) أيضا، و عن صاحب التنقيح: «أنّ مذهب الأصحاب أنّ زكاة القرض على المقترض»(4) و هو المعتمد. و دليله بعد الأصل بالنسبة إلى القارض وجوه:

منها: القاعدة، و هي: أنّ ذلك المال بسبب عقد القرض و قبض المقترض خرج عن ملك القارض و دخل في ملك المقترض، فلا يجب زكاته على الأوّل لانتفاء شرط الوجوب و هو الملكيّة، و تجب على الثاني لاجتماع شرائطه بالنسبة إليه كما هو المفروض.

و منها: عمومات الأخبار، مثل ما في صحيحة الفضلاء من قوله عليه السّلام: «كلّما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه، فإذا حال عليه الحول وجب»(5).

و ما في خبر عليّ بن يقطين: «كلّما لم يحل حول عندك فليس عليك فيه زكاة»(6)فإنّه بالمفهوم يدلّ على وجوبها إذا حال عليه الحول عنده.

و صحيحة محمّد بن مسلم و زرارة: «الزكاة في المال الصامت الّذي حال عليه الحول و لم يحرّكه»(7).

ص: 150


1- الشرائع 106:1، التذكرة 30:5، المسالك 359:1، المدارك 29:5، مجمع الفائدة 25:4.
2- الخلاف 111:2، المسألة 129.
3- السرائر 443:1-445.
4- التنقيح 299:1.
5- الوسائل 1/116:9، ب 8 من أبواب زكاة الأنعام، الاستبصار 1/22:2 و: 1/23، تهذيب الأحكام 1/24:4، و: 1/25، الكافي 534:3-1/535.
6- الوسائل 154:9 و 2/155 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الاستبصار 1/6:2، الكافي 8/518:3، تهذيب الأحكام 7/8:4.
7- الكافي 13/522:3، تهذيب الأحكام 2/35:4، الوسائل 3/75:9، ب 14 من أبواب وجوب الزكاة.

و صحيحة زرارة: «أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»(1) فإنّ هذه الأخبار و غيرها ممّا يقف عليه المتتبّع تعمّ ما نحن فيه و تدلّ بالعموم على وجوب الزكاة فيه.

و منها: الأخبار الخاصّة المستفيضة المشتملة على الصحاح و غيرها المصرّحة بكل من الحكمين كصحيحة زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته، على المقرض أو على المقترض ؟ قال عليه السّلام: لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض، قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال عليه السّلام: لا يزكّي المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شيء لأنّه ليس في يده شيء إنّما المال في يد الآخر، فمن كان المال في يده زكّاه، قال، قلت: أ فيزكّي مال غيره من ماله ؟ فقال عليه السّلام: إنّه ماله ما دام في يده و ليس ذلك لأحد غيره، ثمّ قال عليه السّلام:

يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و على من ؟ قلت: للمقترض، قال عليه السّلام:

فله الفضل و عليه النقصان، و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكّيه بل يزكّيه فإنّه عليه»(2).

و صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث أو ما شاء اللّه، على من الزكاة ؟ على المقرض أو على المقترض ؟ - المستقرض نسخه بدل - فقال عليه السّلام: على المستقرض لأنّ له نفعه و عليه زكاته»(3).

و صحيحة الحسن بن عطيّة «قال لهشام بن أحمد: احبّ أن تسأل لي أبا الحسن عليه السّلام أنّ لقومي عندي قروضا ليس يطلبونها منّي، أ فعليّ فيها زكاة ؟ فقال عليه السّلام: لا تقضي و لا تزكّ »(4).

ص: 151


1- الفقيه 1625/32:2، تهذيب الأحكام 4/35:4، الوسائل 2/163:9، ب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الكافي 6/520:3، تهذيب الأحكام 9/33:4، الوسائل 1/100:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
3- تهذيب الأحكام 8/33:4، الوسائل 5/102:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
4- تهذيب الأحكام 10/33:4، الوسائل 6/102:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده، قال عليه السّلام: إن كان الّذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض»(1).

و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: «سألته عن رجل عليه دين و في يده مال لغيره هل عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إذا كان قرضا فحال عليه الحول فزكّه»(2).

و خبر أبان بن عثمان عمّن أخبره قال: «سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل عليه دين و في يده مال و فى بدينه، و المال لغيره، هل عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إذا استقرض فحال عليه الحول فزكاته عليه إذا كان فيه فضل»(3).

و خبر العلاء قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يكون عنده المال قرضا فيحول عليه الحول، عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: نعم»(4).

ثمّ إنّ هذا كلّه فيما إذا لم يشترط المقترض على المقرض أداء الزكاة من ماله، و أمّا إذا شرطه عليه فهل يجب عليه أن يؤدّيها و يعمل بالشرط أو لا؟ فيه خلاف على أقوال:

أوّلها: ما عليه جمع كثير من أساطين الطائفة(5) الّذي قال في المسالك أنّه المشهور بين الأصحاب(6) و في المدارك أنّه مذهب الأكثر(7) من أنّه لا يصحّ الشرط و لا يجب العمل به.

و ثانيها: أنّه يجب العمل بهذا الشرط فيجب الزكاة على القارض و تسقط عن المقترض كما عن الشيخ في قرض النهاية قائلا فيها: «إذا استقرض الإنسان شيئا كان عليه زكاته إن تركه، و إن أداره في تجارة كان عليه مثل ما لو كان المال له ملكا،

ص: 152


1- الكافي 5/520:3، تهذيب الأحكام 32:4، 7/33، الوسائل 2/101:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- الكافي: 7/521، الوسائل 3/101:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
3- الكافي 9/521:3، الوسائل 101:9-4/102، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الفقيه 21:2.
4- الوسائل 7/102:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
5- المبسوط 213:1، التذكرة 30:5، الحدائق 40:12، الذخيرة: 426، الجواهر 200:15.
6- المسالك 387:1.
7- المدارك 124:5-125.

و يسقط زكاته عن القارض إلاّ أن يشرط المستقرض عليه أن يزكّيه عنه فحينئذ تجب الزكاة على القارض دون المستقرض»(1).

و استقر به العلاّمة في المختلف على ما حكي عنه ناقلا له عن الشيخ و القاضي ابن البرّاج و ابن حمزة قائلا: «لو شرط المستقرض الزكاة على المقرض صحّ و سقطت الزكاة عنه و وجبت الزكاة على القارض، قاله الشيخ رحمه اللّه و تبعه ابن البرّاج و ابن حمزة»(2)و قال ابن إدريس: «الزكاة على المستقرض على كلّ حال، و لا يصحّ هذا الشرط»(3)و الأقرب الأوّل، و نسب اختياره إلى الحدائق(4).

و ثالثها: ما فصّله في المسالك(5) و استحسنه في المدارك(6) و اختاره في الرياض من «أنّ المشروط إن كان ثبوت الزكاة على المقرض ابتداء مع براءة ذمّة المقترض بأن يكون المقرض هو المخاطب بها دون المقترض حتّى إنّه لو لم يؤدّها من ماله لم يكن على المقترض شيء، فلا يصحّ الشرط و لا يجب على المقرض شيء و إن كان تحمّل أداء ما وجب على المقترض، فإن أدّاها عن المقترض من ماله برأ ذمّة المقترض و إلاّ وجب على المقترض أداؤها و تفريغ ذمّته عنها»(7).

و قضيّة الأصل - أعني أصالة [براءة] ذمّة المقرض عمّا يحتمل وجوبه عليه بالشرط - و القاعدة و هي القاعدة المتقدّم إليها الإشارة القاضية بعدم وجوب الزكاة إلاّ على مالك النصاب، و عموم جملة من النصوص كقوله عليه السّلام: «الزكاة على المال الصامت الّذي حال عليه الحول و لم يحرّكه، و أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»(8) يساعد على القول الأوّل.

و قد يستدلّ عليه أيضا بإطلاق المستفيضة المتقدّمة المصرّحة بنفي الزكاة عن

ص: 153


1- النهاية: 312.
2- المختلف 161:3.
3- السرائر 444:1-445، لم نظفر على هذه الجملة بالفاظها في عبارات السرائر، و من الممكن استفادة هذا المعنى مفهوما بالدلالة الالتزامي البيّن.
4- الحدائق 40:12.
5- المسالك 387:1.
6- المدارك 125:5.
7- الرياض 49:5.
8- تهذيب الأحكام 2/35:4، الوسائل 4/170:9، ب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

القارض و إثباتها على المقترض فإنّه يعمّ صورة الشرط أيضا.

و فيه من الضعف ما لا يخفى، لمنع الإطلاق المذكورة فإنّه في الأخبار المشار إليها واردة مورد بيان حكم آخر و مسوقة لبيان من يجب عليه الزكاة من القارض و المقترض بحسب أصل الشرع، و وجوبها على القارض على القول بصحّة الشرط ليس ممّا هو بحسب أصل الشرع بل هو وجوب لحقه لعارض بسبب من قبله و هو الشرط في ضمن العقد، فلا ينفيه النصوص المشار إليها لعدم كونها متعرّضة لنحو هذا الوجوب بنفي و لا بإثبات. فوجه المشهور منحصر فيما ذكرناه من الأصل و القاعدة و العموم.

و ينبغي النظر في أنّه هل هنا مخرج عنها يدلّ على صحّة الشرط مطلقا أو في الجملة المستلزمة لوجوب الزكاة أو تحمّل أدائها على القارض أو لا؟

فقد يستدلّ عليها بما تقدّم في صحيحة منصور بن حازم:

«عن رجل استقرض مالا و حال عليه الحول و هو عنده، فقال عليه السّلام: إن كان الّذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه...» الحديث(1).

و فيه: منع الدلالة على صورة الشرط صراحة و لا ظهورا و لا إشعارا بل غايته ما فيه الدلالة على أنّ تأدية زكاة المال الواجبة على المالك قابلة للنيابة فمن أدّاها نيابة عن المالك من ماله أجزأه. و توهّم الدلالة من جهة الإطلاق بالنظر إلى صورتي الشرط و عدمه، يدفعه: أنّه بحسب المورد و إن كان يعمّ الصورتين إلاّ أنّه ساكت عن الدلالة على صحّة الشرط و تأثيره في وجوب الزكاة ابتداء أو وجوب تحمّل تأديته عن المقترض على المقرض، و هو المطلوب المتنازع فيه لا غير.

و استدلّ أيضا بصحيحتي عبد اللّه بن سنان و الحلبي عن الصادق عليه السّلام ففي الاولى «سمعت الصادق عليه السّلام يقول: باع أبي عليه السّلام من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين، و إنّما فعل ذلك لأنّ هشاما كان هو الوالي»(2) و في الثانية: «باع أبي عليه السّلام أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال و اشترط عليه

ص: 154


1- الكافي 5/520:3، تهذيب الأحكام 32:4، 7/33، الوسائل 2/101:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- الكافي 2/524:3، الوسائل 1/174:9، ب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين»(1) تدلاّن على صحّة الشرط في ضمن العقد. و لا يقدح اختصاصهما بالبيع لأنّه إذا صحّ شرط زكاة المال على البائع في ضمن عقد البيع صحّ شرطها على القارض في ضمن عقد القرض إذ لا فرق في ذلك بين العقود. و استدلّ بهما في الحدائق(2) و ايّد الحكم بهما في الرياض(3) و المناهل(4).

و فيه - مع ما فيه من شائبة القياس -: منع دلالتها على ما نحن فيه، لقوّة احتمال أن يكون المشروط على البائع في مورديهما إخراج الزكاة المتعلّقة بذلك المال عنده فيما مرّ به من السنين، لعلمه عليه السّلام بأنّه في هذه السنين لم يخرج زكاته فشرط عليه إخراج الزكاة الّتي خوطب بإخراجها في هذه السنين. و ممّا يؤيّد ذلك أنّه لو كان المشروط إخراج زكاته في السنين المستقبلة فوجب أن يكون المراد إخراج الزكاة لكلّ سنة عند حلول الحول، و هو موقوف على بقاء ذلك المال عند الإمام عليه السّلام إلى عشر سنين أو ستّ سنين، و هذا بعيد عادة، و ربّما أمكن دعوى العلم العادي بالعدم.

و بالجملة فما ذكرناه لو لم يكن ظاهر الخبرين فلا أقلّ من كونه محتملا بالاحتمال المساوي، فسقط به الاستدلال بهما. فانحصر طريق إثبات صحّة الشرط بل لزومه و عدمه في القواعد فنقول:

إن كان المشروط ثبوت الزكاة على المشروط عليه ابتداء بأن يكون هو المخاطب بها دون المقترض أصلا فلا ينبغي التأمّل في عدم صحّته فضلا عن وجوب الوفاء به لمخالفته الكتاب و السنّة، فإنّ المستفاد من الكتاب و السنّة و سائر الأدلّة وجوب زكاة المال على المالك دون غيره، فجعلها على غيره بالشرط في ضمن العقد مخالف له فيكون باطلا.

و إن كان المشروط تحمّل أدائها عن المقترض مع فرض كونه المخاطب بإخراجها ابتداء بحيث لو لم يؤدّها القارض وجب إخراجها عليه تحصيلا لبراءة ذمّته، فأصل

ص: 155


1- الكافي 524:3، الوسائل 2/174:9، ب 18 من أبواب زكاة الذهب الفضّة.
2- الحدائق 42:12.
3- الرياض 50:5.
4- المناهل: 37 ب.

الشرط صحيح، لدلالة الرواية المتقدّمة(1) على قبولها النيابة و التبرّع، فيتمسّك لصحّته بل وجوب الوفاء به بعموم «المؤمنون عند شروطهم»(2) كما أشار إليه السيّد في الرياض قائلا: «لا ريب في دلالة الرواية على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته و لو تبرّعا، و حيث جازت صحّ اشتراطها و لزم، لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط السائغة، و هذا منها»(3) انتهى.

و لكن العامّ المذكور لما كان مخصوصا بالشروط المأخوذة في العقود اللازمة حتّى إنّه لو اخذ شرط في ضمن عقد جائز لم يلزم الوفاء به، فصحّة الشرط المذكور من جهة العموم مبنيّة على كون عقد القرض من العقود اللازمة، و هذا و إن كان خلافيّا إلاّ أنّ الأشهر هو اللزوم، بل قيل: إنّه إجماع بين المتأخّرين، و لذا لا يجوز للقارض الرجوع إلى عين المال و أخذه قهرا و إن لم يرض به المقترض.

و قد يقال: إنّ هذا العقد ليس على هذه العقود اللازمة لمكان جواز مطالبة القارض في أيّ وقت شاء و لا على حدّ العقود الجائزة لعدم جواز الرجوع إلى عين المال.

هذا، و لكنّ الأقوى هو اللزوم و لا ينافيه جواز مطالبة القارض، بل هو عند التحقيق من لوازم اللزوم لا الجواز، و لذا يجب الأداء على المقترض بمجرّد المطالبة مع اليسار.

و السرّ فيه: أنّ القرض من عقود المعاوضة و مرجعه إلى معاوضة مال بكلّي مثله في الذمّة، و قضيّة كون عوض المال هو الكلّي في الذمّة أن يجوز للقارض مطالبة عوض ماله من حين الفراغ عن العقد و يجب على المقترض ردّه بعد المطالبة كما في سائر عقود المعاوضة، كما لا ينافيه توسعة وقت الأداء بالقياس إلى المقترض لكون مبنى مشروعيّة القرض على الإرفاق و الإمهال و التأجيل.

فما قيل: إنّه و إن كان عقدا لازما إلاّ أنّ الدليل دلّ على عدم الالتزام ببعض لوازمه و لذا جاز المطالبة مطلقا، ففيه ما لا يخفى فإنّ قضيّة عقد المعاوضة جواز مطالبة العوض فهذا لا ينافي اللزوم حتّى يعتذر له بمثل ما ذكر.

ص: 156


1- تقدّم تخريجها في: 155.
2- الفقيه 205:3، الاستبصار 4/232:3، تهذيب الأحكام 66/371:7، الوسائل 4/276:21، ب 20 من أبواب المهور.
3- الرياض 50:5.
خاتمة: الإسلام ليس شرطا لوجوب الزكاة بل هو شرط لصحّتها،

فالكافر يجب عليه زكاة ماله إذا كان من الأجناس الزكويّة، و لكن إذا أدّاه حال الكفر لم يقع صحيحا.

أمّا الأوّل: فمع أنّ الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه - و عن المحقّق في نكت النهاية(1)و المحقّق الأردبيلي في شرح القواعد(2) ما يؤذن بدعوى الإجماع فعن الأوّل: «أنّها تجب على الكافر عندنا» و عن الثاني: «لو كان صاحب المال كافرا وجبت عليه على ما هو رأي الأصحاب» - أنّه قد حقّق في الاصول و الفروع أنّ الكفّار مكلّفون بفروع الشريعة كما أنّهم مكلّفون باصولها، و هذا منها.

و يؤيّده قوله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ (3) و منهم من أخذه دليلا، و لعلّه مدخول فيه، لقوّة احتمال إرادة مانع الزكاة من المشركين، إمّا على الحقيقة إذا كان منعه الزكاة عن إنكار، أو المجاز لضرب من الاستعارة و التشبيه إذ المانع كان اعتماده في منع الزكاة لخوف النقص في المال على ماله لا على ربّه فكأنّه أشرك لربّه شركا خفيّا. و ممّا يؤيّد إرادة ذلك أنّ الإيعاد بترك إيتاء الزكاة يقضي بأنّه الموجب للاستحقاق و إلاّ كان نفس الشرك أولى بالإيعاد، فتأمّل.

و أمّا الثاني: فلما تقرّر أيضا من كون الإيمان شرطا لصحّة العبادات، و عليه مبنيّ ما استفاض من الروايات ببطلان أعمال المخالف. و عن المعتبر الاستدلال على ذلك بأنّ : «صحّة الأداء مشروطة بنيّة القربة و لا يصحّ من الكافر»(4) و لا خفاء في ضعفه، إذ الكافر قد يكون مقرّا بالوحدانيّة بل برسالة سائر الأنبياء فيتأتّى منه نيّة القربة و يتأتّى أيضا من وكيله المسلم إذا وكّله في إخراج زكاة ماله، فالأوجه ما ذكرناه. و عليه فلو أدّاها تقع باطلة و إن تحقّق منه أو من وكيله نيّة القربة.

و إذا أسلم الكافر ففي سقوط زكاة السنين الماضية عنه كما يسقط قضاء فوائته قول معروف ذهب إليه الفاضلان: المحقّق في المعتبر(5) و العلاّمة(6) في جملة من كتبه

ص: 157


1- النهاية و نكتها 421:1-422.
2- لم نعثر على كتاب له تحت هذا العنوان.
3- فصّلت: 6-7.
4- المعتبر 490:2.
5- المعتبر 490:2.
6- التحرير 348:1، التذكرة: 40:5، القواعد 332:1.

استنادا إلى قوله عليه السّلام: «الإسلام يجبّ ما قبله»(1) و توقّف فيه في المدارك(2) و عزاه في الذخيرة(3) إلى غير واحد استضعافا للرواية سندا و دلالة. و لعلّه في غير محلّه، لأنّ الرواية بعمل الأصحاب و فهمهم مجبورة إن ثبت العمل بها هنا و لو من الأكثر أو جماعة ممّن يعتبر، و عن الأردبيلي في مجمع الفائدة احتمال الإجماع على أصل الحكم حيث قال: «كأنّه للإجماع»(4).

و ربّما أمكن الإشكال في الحكم على تقدير العمل بالرواية من جهة اخرى و هي:

أنّ غاية ما يرتفع بالإسلام و يسقط إنّما هو حقّ اللّه، و أمّا حقّ الناس الّذي يشهد بثبوته في مورد الزكاة تعلّقها بالعين فلا؛ يجب عليه بعد الإسلام إخراجها وجوبا تعبّديّا يعتبر في امتثاله نيّة القربة، و هذا لا ينافي بقاء الوجوب التوصّلي و هو إيصال الحقّ إلى مستحقّه كيفما اتّفق و إن لم ينو به التقرّب، و يقوى ذلك لو ثبت أنّه جاز للإمام أو الساعي أن يأخذ منه الزكاة حال الكفر قهرا عليه و إن لم ينويا بأدائها إلى المستحقّ «القربة» لأنّه لا جهة له إلاّ مراعاة إيصال الحقّ إلى مستحقّه، فتأمّل في ذلك فإنّا لم نجد منهم في هذا المقام تصريحا بذلك.

و قد استدلّ للسقوط أيضا بقوله عزّ من قائل: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ (5) و ضعفه دلالة واضح، لظهور المغفرة في التجاوز عن إثم الكفر.

و في الشرائع(6) كما عن النهاية(7) و القواعد(8) و التلخيص(9) و الجامع(10) و مجمع الفائدة(11) أنّه إذا تلفت الزكاة في يد الكافر لم يضمن و إن أهمل أو فرّط في الحفظ، و نسبه في الذخيرة إلى كثير(12) و لعلّ مبناه على أنّ الضمان بعد تلف العين حكم مخالف للأصل فلا يلتزم به إلاّ عن دليل و لا دليل عليه هنا بالخصوص، و ما تقدّم من النصوص في ضمان المسلم لا يتناول الكافر.

ص: 158


1- مسند أحمد 199:4 و 204-205.
2- المدارك 42:5.
3- الذخيرة، 426:3.
4- مجمع الفائدة 26:4.
5- الأنفال: 38.
6- الشرائع 107:1.
7- نهاية الإحكام 308:2 و 434.
8- القواعد 332:1.
9- تلخيص المرام: 44.
10- جامع المقاصد 9:3.
11- مجمع الفائدة 26:4.
12- الذخيرة، 426:3.

و ربّما ينزّل عدم الضمان على ما بعد الإسلام فإنّ الزكاة إذا سقطت بالإسلام فلا فائدة في ضمانها بعد التلف.

و إطلاق كلامهم يقتضي نفي الضمان مطلقا حتّى حال الكفر، و لذا ذكر في المسالك:

«أنّ الحكم بعدم الضمان مع التلف لا تظهر فائدته مع إسلامه لما عرفت من أنّها تسقط عنه و إن بقى المال بل إنّما تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الإمام أو الساعي أخذ الزكاة منه قهرا فإنّه يشترط فيه بقاء النصاب، فلو وجده قد أتلفه لم يضمنه الزكاة و إن كان بتفريطه و لم أقف على دليل يدلّ على اعتبار هذا الشرط»(1) انتهى.

و ظاهر كلامه رحمه اللّه أنّ سقوط الضمان حتّى حال الكفر مخالف للأصل حيث قال:

«و لم أقف على دليل يدلّ على اعتبار هذا الشرط» يعني شرط بقاء النصاب، و لذا استشكل فيه في المدارك قائلا: «و هو مشكل لعدم وضوح مأخذه»(2) يعني مأخذ عدم الضمان. أقول: المسألة لا تخلو عن إشكال و للتوقّف فيه مجال و إن كان ما وجّهناه لا يخلو عن قرب.

ص: 159


1- المسالك 362:1-363.
2- المدارك 42:5.

المبحث الثاني فيما يجب فيه الزكاة من الأموالو سائر ما يتعلّق به من الشروط و الأحكام

اشارة

المبحث الثاني فيما يجب فيه الزكاة من الأموال(1)و سائر ما يتعلّق به من الشروط و الأحكام

و اعلم أنّه يجب الزكاة في تسعة أشياء: الأنعام الثلاث الإبل و البقر و الغنم، و الذهب و الفضّة، و الغلاّت الأربع الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و لا تجب في غيرها.

أمّا الوجوب في هذه الأشياء فبإجماع علماء الإسلام، و عن التذكرة و المنتهى أنّه مجمع عليه بين المسلمين(2).

و أمّا الثاني: فبالشهرة العظيمة الّتي كادت تبلغ الإجماع بل هو إجماع في الحقيقة لشذوذ المخالف و معلوميّة نسبه، و لذا قال في المعتبر: «إنّه مذهب الأصحاب عدى ابن الجنيد»(3) فإنّ المنقول عن ابن الجنيد أنّه قال: «تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كلّ ما دخل القفيز من حنطة و شعير و سمسم و أرز و دخن و ذرّة و عدس و سلت و سائر الحبوب»(4)انتهى. مع احتمال كلامه لإرادة الاستحباب بالقياس إلى ما عدى الحنطة و الشعير

ص: 160


1- التذكرة 49:5 عبارتها هكذا: «المال الّذي تجب فيه الزكاة ضربان: ما هو نماء نفسه، و ما يرصد للنماء، فالأوّل الحبوب و الثمار فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة و لا يعتبر فيه حول، و ما يرصد للنماء كالمواشى يرصد للدرّ و النسل، و الذهب و الفضّة للتجارة فإنّه لا تجب فيه الزكاة حتّى يمضي حول من حيث تمّ نصابه في ملكه، و به قال جميع الفقهاء.»
2- التذكرة 43:5، المنتهى 473:1.
3- المعتبر 493:2.
4- المختلف 195:3.

لما تعرفه من كونه مجمع عليه.

هذا مع أنّ النصوص بالحكمين(1) معا مستفيضة بل متواترة، ففي صحيح الفضلاء الخمس - زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي و فضيل بن يسار - عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «فرض الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في تسعة أشياء و عفا عمّا سواهنّ ، في الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّه عمّا سوى ذلك»(2).

و صحيح عبد اللّه بن سنان قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا (3) في شهر رمضان فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مناديه فنادى في الناس: أنّ اللّه تبارك و تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة فرض اللّه عليكم من الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عمّا سوى ذلك»(4).

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق - و الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع - ففيه العشر. ثمّ قال عليه السّلام: و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شيء، و ليس فيما أنبتت الأرض شيء إلاّ في هذه الأربعة أشياء»(5).

و موثّق عبيد اللّه بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سئل عن الزكاة، قال عليه السّلام: الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّا سوى ذلك»(6).

ص: 161


1- و هما: وجوب الزكاة في الموارد التسعة و عدم وجوبها في غير هذه الأشياء.
2- الوسائل 4/55:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، الكافى 1/509:3، الاستبصار 5/3:2.
3- التوبة: 103.
4- الوسائل 1/9:9، ب 1 من أبواب وجوب الزكاة، الكافى 2/497:3، الفقيه 1598/13:2.
5- الوسائل 8/63:9، ب 9 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 13:4، 1/14، الاستبصار 1/14:2.
6- الوسائل 11/54:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 4/3:4، الاستبصار 4:2.

و موثّق زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن صدقات الأموال، فقال عليه السّلام: في تسعة أشياء ليس في غيرها شيء: في الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية، و ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء، و كلّ شيء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شيء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج»(1).

و موثّق أبي بصير و الحسن بن شهاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة على تسعة أشياء و عفا عمّا سوى ذلك على: الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم»(2).

و رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم، و عفا عمّا سوى ذلك»(3).

و رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «الزكاة في تسعة أشياء، على الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه عمّا سوى ذلك»(4).

و رواية محمّد بن طيّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّ الزكاة إنّما يجب جميعها في تسعة أشياء خصّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بفريضتها فيها و هي: الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه عمّا سوى ذلك»(5).

و خبر عليّ بن جعفر في كتابه عن موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الصدقة فيما هي ؟ قال عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: في تسعة، الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم، و عفا عمّا سوى ذلك»(6).

ص: 162


1- الوسائل 9/63:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 2/2:4 و الاستبصار 2/2:2.
2- الوسائل 10/57:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 3/3:4، الاستبصار 3/2:2.
3- الوسائل 5/55:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، الكافي 2/509:3، الاستبصار 6/3:2، تهذيب الأحكام 6/3:4.
4- الوسائل 8/55:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 2/1:4، الاستبصار 1/2:2.
5- الوسائل 6/60:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، المقنعة: 234.
6- الوسائل 17/60:9 الباب 8 من أبواب وجوب الزكاة، مسائل علىّ بن جعفر: 49/116.

و خبر محمّد بن جعفر الطيّار أيضا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمّا تجب فيه الزكاة، فقال عليه السّلام: في تسعة أشياء، الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه عمّا سوى ذلك، فقلت: أصلحك اللّه فإنّ عندنا حبّا كثيرا، قال، فقال عليه السّلام: و ما هو؟ قلت: الأرز، قال عليه السّلام: نعم ما أكثره، فقلت: أ فيه الزكاة ؟ فزبرني، قال: ثمّ قال عليه السّلام: أقول لك: إنّ رسول اللّه عفا عمّا سوى ذلك، و تقول: إنّ عندنا حبّا كثيرا أ فيه الزكاة ؟»(1)

و خبر جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال سمعته يقول: وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة على تسعة أشياء و عفا عمّا سوى ذلك على: الفضّة و الذهب و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، فقال له الطيّار و أنا حاضر: إنّ عندنا حبّا كثيرا يقال له الأرز، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: و عندنا حبّ كثير، قال: فعليه شيء؟ قال عليه السّلام: لا، قد اعلمنّك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عفا عمّا سوى ذلك»(2).

و عن ابن الجنيد(3) الاحتجاج بالعمومات الكتابيّة و الأخبار الخاصّة:

أمّا الأوّل: فقوله تعالى: وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ (4) و قوله أيضا: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ (5)و قوله أيضا: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ (6) بتقريب أنّ المراد بالإنفاق إعطاء الصدقة بدلالة قوله تعالى: وَ اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ

ص: 163


1- الوسائل 12/58:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 9/4:4، الاستبصار 9/4:2.
2- الوسائل 58:9-13/59، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 10/5:4، الاستبصار 10/5:2.
3- المختلف 194:3 و 195 و 256 و 257، نسب العلاّمة إلى الشيخ و ابن أبي عقيل و الاحتجاج بالآية الثانية فقط، لم نعثر في المختلف على استدلال ابن جنيد بجميع الآيات المذكورة في موضع البحث، و لعلّ المؤلّف استظهر الاحتجاج المذكور عن مطاوي عبارات السيّد المرتضى في ابتداء الانتصار أو من المصادر الفقهيّة الاخرى. تعرّض السيّد هنا لاحتجاج ابن الجنيد كان لإرادة دفع نظريّة التعميم في وجوب الزكاة من الموارد التسعة المعروفة إلى الموارد الاخرى، فغاية الملخّصة ممّا يناله السيّد في المقام هو قصور بعض الادلّة اللفظيّة عن إثبات نظريّة التعميم و الحمل على التقيّة في بعضها و الإرجاع إلى التأويل في باقي الأدلّة الموهمة للإيجاب.
4- البقرة: 43 و 83 و 110.
5- الأنعام: 141.
6- البقرة: 267.

وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ (1) يعني لا يخرجون الزكاة و قوله أيضا: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا (2) و قوله أيضا: وَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ لِلسّٰائِلِ وَ اَلْمَحْرُومِ (3).

و الجواب عن الآية الاولى: بأنّها باعتبار ما يجب فيه الزكاة مجملة فلا بدّ من وصول بيانه من أهل البيت عليهم السّلام و قد بيّنوه في أخبارهم المتواترة فخصّوها بالتسعة المتقدّمة، و لو سلّم البيان بضابطة عموم حذف المتعلّق، وجب تخصيصها بالتسعة المذكورة بواسطة الأخبار المتقدّمة(4).

و عن الآية الثانية: منع كون «الحقّ » المأمور بإيتائها الزكاة الواجبة، بل المراد به على ما تقدّم تحقيقه «حقّ الحصاد» الّذي يعطى الفقير و السائل و المجتاز ضغثا بعد ضغث و حفنة بعد حفنة، و الأمر به للاستحباب.

و عن الآية الثالثة: منع اختصاص «الإنفاق» بإخراج الزكاة بل أعمّ منه و من إنفاق الزوجة و الأبوين و غيرهما ممّا هو واجب، و من الإنفاق في سبيل اللّه و غيره ممّا هو مستحبّ ، و من إنفاق الصديق و الحميم من غير طلب للقربة و غير ذلك ممّا هو مباح، و لعلّ المراد به في الآية ضرب من الواجب غير الزكاة أو المندوب أو المباح، و كونه خصوص الزكاة يحتاج إلى دلالة منتفية في المقام مع إمكان دعوى ظهوره في غيرها.

و عن الرابعة: أنّها بمقتضى صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة(5) و غيرها مخصوصة بالتسعة أشياء متقدّمة.

و عن الخامسة: منع إرادة الزكاة الواجبة من «الحقّ » بل الصدقة المستحبّة الّتي تعطى الفقير و السائل بقرينة ورود ذكره في قرن المستحبّات و سياق المدح.

و لو سلّم العموم وجب تخصيصها بالتسعة أشياء، لما تواتر من الأخبار المصرّحة بالعفو عمّا سواها.

و أمّا الثاني: فصحيح محمّد بن مسلم قال: «سألته عن الحرث - عن الحبوب، نسخة بدل - ما يزكّى منها؟ قال عليه السّلام: البرّ و الشعير و الذرّة و الدخن و الأرز و السلت

ص: 164


1- التوبة: 34.
2- التوبة: 103.
3- الذاريات: 19.
4- تقدّمت في ص 161-163.
5- تقدّمت في ص 161.

و العدس و السمسم كلّ هذا يزكّى و أشباهه»(1).

و صحيح حريز عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله، ثمّ قال عليه السّلام: «كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة، و قال عليه السّلام: جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الصدقة في كلّ شيء أنبتت الأرض إلاّ ما كان في الخضر و البقول و كلّ شيء يفسد من يومه»(2).

و ما رواه الكليني بإسناد صحيح عن عليّ بن مهزيار في حديث: «أنّ أبا الحسن عليه السّلام كتب إلى عبد اللّه بن محمّد: الزكاة على كلّ ما كيل بالصاع، قال: و كتب عبد اللّه و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه: سأله عن الحبوب، فقال:

و ما هي ؟ فقال عليه السّلام: السمسم و الأرز و الدخن و كلّ هذا غلّة كالحنطة و الشعير، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في الحبوب كلّها زكاة»(3).

و روي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «كلّما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قال: فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب الحمص و العدس زكاة ؟ فوقّع عليه السّلام: صدّقوا الزكاة في كلّ شيء كيل»(4).

و رواية أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحرث ما يزكّى منه ؟ فقال عليه السّلام: البرّ و الشعير و الذرّة و الأرز و السلت و العدس كلّ هذا ممّا يزكّى، و قال عليه السّلام:

كلّما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة»(5).

و موثّقة أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل في الأرز شيء؟ قال عليه السّلام: نعم.

ثمّ قال عليه السّلام: إنّ المدينة لم يكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه، و لكنّه قد حصل فيه و كيف لا يكون فيه ؟ و عامّة خراج العراق منه»(6).

ص: 165


1- الوسائل 4/62:9، ب 9 من أبواب وجوب الزكاة، الكافي 1/510:3.
2- الوسائل 5/62:9 و 6، الكافي 2/510:3.
3- الوسائل 1/62:9، الكافي 3/510:3، تهذيب الأحكام 11/5:4.
4- الوسائل 2/62:9، ب 9 من أبواب وجوب الزكاة.
5- الوسائل 3/62:9، ب 9 من أبواب وجوب الزكاة، الكافي 6/511:3، الاستبصار 8/4:2، تهذيب الأحكام 8/4:4.
6- الوسائل 11/64:9 الباب 9 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 4/65:4.

و صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: في الذرة شيء؟ فقال عليه السّلام لي: الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق الّتي يجب فيها الزكاة فعليه الزكاة»(1).

و صحيحة محمّد بن إسماعيل قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إنّ لنا رطبة و أرزا فما الّذي علينا فيها؟ فقال عليه السّلام: أمّا الرطبة فليس عليك فيها شيء، و أمّا الأرز فما سقت السماء العشر و ما سقى بالدلو فنصف العشر من كلّ ما كلت بالصاع أو قال عليه السّلام: وكيل بالمكيال»(2).

[ردّ المؤلّف على أدلّة ابن الجنيد]

و الجواب عنها مع احتمال خروجها مخرج التقيّة لموافقة ظواهرها لمذهب جمهور العامّة على ما حكي، فعن المنتهى(3) أنّ القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي(4) و أبي حنيفة(5) و مالك(5) و أبي يوسف(7) و محمّد(8) و ربّما يشهد رواية أبي سعيد القمّاط المرويّة عن معاني الأخبار عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه: «سئل عن الزكاة فقال عليه السّلام: وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة على تسعة و عفا عمّا سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضّة و البقر و الغنم و الإبل. فقال السائل: و الذرّة، فغضب عليه السّلام ثمّ قال عليه السّلام: كان و اللّه على عهد رسول اللّه السماسم و الذرّة و الدخن و جميع ذلك، فقال: إنّهم يقولون: إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال عليه السّلام: كذبوا فهل يكون العفو إلاّ عن شيء قد كان ؟ و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر»(6).

ص: 166


1- الوسائل 10/64:9 الباب 9 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 3/65:4.
2- الوسائل 2/62:9، ب 9 من أبواب وجوب الزكاة.
3- المنتهى 474:1.
4- كتاب الامّ 37:2، الرسالة: 189-191. (5و7و8) المبسوط 2:3-3.
5- الشرح الكبير 447:1.
6- الوسائل 3/54:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة، معاني الأخبار: 1/154، الخصال: 19 و 421.

إنّ هذه الأخبار في فهم الأصحاب محمولة على الاستحباب، لعدم مقاومتها لمعارضة ما مرّ(1) من الأخبار المتواترة سندا الحاصرة لما يجب فيه الزكاة في التسعة بطريق النصوصيّة، بخلافها لظنّية سندها و ظهور دلالتها فلا بدّ من إرجاع التأويل إليها.

و لو سلّم عدم قطعيّة سند ما تقدّم باعتبار عدم التواتر، لكفى نصوصيّة دلالتها في إرجاع التأويل إليها، تقديما للنصّ على الظاهر.

و يؤكّد ما تقدّم في الدلالة على نفي وجوب الزكاة صراحة فيما بين الحبوب عمّا عدى الغلاّت الأربع، صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب... إلى أنّ قال عليه السّلام: و ليس فيما أنبتت الأرض شيء إلاّ في هذه الأربعة أشياء»(2).

و صحيحة زرارة و بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس في شيء أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الدخن و الحمّص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه زكاة، إلاّ أن يصير ما لا يباع بذهب أو فضّة تكنز، ثمّ يحول عليه الحول و قد صار ذهبا أو فضّة فيؤدّى عنه من كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، و من كلّ عشرين دينارا نصف دينار»(3).

[ما يستحبّ فيه الزكاة إجمالا]

ثمّ إنّه يستحبّ الزكاة ممّا عدى الامور التسع المذكورة في أربعة أشياء:

الأوّل: كلّ ما أنبته الأرض ممّا يكال أو يوزن ممّا عدى الغلاّت الأربع من الحبوب: كالأرز و الذرّة و الدخن و العدس و الحمّص و السمسم و ما أشبه ذلك، و من الحبوب نوعان: اختلف في كونهما من الحنطة و الشعير ليجب فيهما الزكاة، أو من سائر

ص: 167


1- تقدّمت في: 161-163.
2- الوسائل 8/63:9، ب 9 من أبواب وجوب الزكاة، تهذيب الأحكام 1/13:4، الاستبصار 2: 1/14.
3- الوسائل 63:9 و 9/64، تهذيب الأحكام 12/6:4، الاستبصار 12/6:2.

الحبوب الّتي يستحبّ فيها الزكاة ؟ و هما «السلت» بالضمّ ثمّ السكون و «العلس» بالتحريك.

فقيل:(1) بالأوّل و قيل(2) بالثاني، و توقّف جماعة منهم المحقّق في المعتبر على ما حكي قائلا: «قال الشيخ: العلس كالحنطة و السلت كالشعير، و قد قال بعض أهل اللغة:

العلس نوع من الحنطة و السلت نوع من الشعير، و عندي في ذلك توقّف»(3) انتهى.

الثاني: مال التجارة.

الثالث: الخيل الإناث السائمة.

الرابع: العقار الّتي اشتراها للاستنماء و إن كانت نحو الحانوت و البستان. و بيان تفاصيل هذه الأشياء و فروعها و سائر ما يتعلّق بها له محلّ آخر يأتي في أواخر المبحث إن شاء اللّه تعالى.

و ينبغي التكلّم في تفاصيل الأنواع التسعة المتقدّمة الّتي يجب فيها الزكاة، و يقع ذلك في مقامات ثلاث:

ص: 168


1- المبسوط 217:1، الخلاف 65:2، المسألة 77.
2- المختلف 187:3.
3- المعتبر 497:2.
المقام الأوّل فيما يتعلّق بالأنعام الثلاثة من الأحكام و الشروط و اللواحق فنقول: يشترط في وجوب الزكاة فيها امور:
الأوّل: النصاب
اشارة

و كونه شرطا مجمع عليه بين المسلمين، بل قيل: ضروري في المذهب إن لم يكن كذلك في الدين(1) و الإجماعات المنقولة عليه مستفيضة، و النصوص الدالّة عليه متواترة، و هو مختلف بحسب اختلاف الأنواع الثلاث، فيذكر في مراحل ثلاث:

المرحلة الاولى: في نصاب الإبل،
اشارة

ففيها اثنى عشر نصابا على المشهور في الجميع و الإجماع في الأكثر.

الأوّل: بلوغها خمسا، و فيها شاة.

الثاني: بلوغها عشرا، و فيها شاتان.

الثالث: بلوغها خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: بلوغها عشرين، و فيها أربع شياه.

الخامس: بلوغها خمسا و عشرين، و فيها خمس شياه.

السادس: بلوغها ستّا و عشرين، و فيها بنت مخاض.

ص: 169


1- الجواهر 207:15.

السابع: بلوغها ستّا و ثلاثين، و فيها بنت لبون.

الثامن: بلوغها ستّا و أربعين، و فيها حقّة.

التاسع: بلوغها إحدى و ستّين، و فيها جذعة.

العاشر: بلوغها ستّا و سبعين، و فيها بنتا لبون.

الحادية عشر: بلوغها إحدى و تسعين، و فيها حقّتان.

الثاني عشر: بلوغها مائة و إحدى و عشرين، و فيها و ما بعدها بالغة ما بلغت في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون.

و الظاهر أنّ هذه النصب لا خلاف فيها إلاّ في بعضها، و عن جماعة الإجماع عليها، قال في المدارك: «هذه النصب مجمع عليها بين علماء الإسلام كما نقله جماعة منهم المصنّف في المعتبر(1) سوى النصاب السادس فإنّ ابن أبي عقيل(2) و ابن الجنيد(3)أسقطاه و أوجبا بنت المخاض في خمس و عشرين إلى ستّ و ثلاثين و هو قول الجمهور»(4) انتهى. و ظاهر كلامه موافقة ابن الجنيد للعمّاني في كلّ من إسقاط النصاب السادس و إيجاب بنت المخاض مطلقا في خمس و عشرين إلى ستّ و ثلاثين، و ربما نسب إليه المخالفة في الحكم الثاني فأوجب بنت المخاض، و إن لم تكن فابن لبون، و إن لم يكن فخمس شياه.

و هذان النقلان يخالفان المحكيّ من عبارة ابن الجنيد حيث قال: «ثمّ ليس في زيادتها شيء حتّى تبلغ خمسا و عشرين فإذا بلغتها ففيها ابنة مخاض انثى، فإن لم يكن في الإبل فابن لبون ذكر فإن لم يكن فخمس شياه، فإن زاد على الخمس و العشرين واحد ففيها ابنة مخاض، فإن لم توجد فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين، فإن زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون»(5).

و هذا كما ترى صريح في أنّه يعتبر النصاب السادس، نعم له مخالفة في كلّ من حكمي النصاب الخامس و السادس في الجملة كما يظهر بأدنى تأمّل.

ص: 170


1- المعتبر 500:2.
2- المختلف 168:3 و 170.
3- المختلف 168:3 و 170.
4- المدارك 53:5-54.
5- المختلف 169:3.

ثمّ إنّ كون النصاب العاشر ستّا و سبعين إنّما هو على المشهور شهرة عظيمة، خلافا للصدوقين فبدّلاه بإحدى و ثمانين، قالا: «فيها ثنى إلى تسعين»(1) و هذا أيضا في الضعف و الشذوذ كسابقه بل أضعف منه. و كذلك كون النصاب الثاني عشر مائة و إحدى و عشرين إنّما هو على المشهور بالشهرة العظيمة، خلافا للسيّد المرتضى في الانتصار(2)فبدّلها بالمائة و ثلاثين و جعل فيها حقّة واحدة و بنتا لبون.

قيل: جعله ممّا انفردت به الإماميّة مع أنّه ادّعى الاجماع في الناصريّة(3) على خلافه، و هذا كاف في ضعفه مع مخالفته للإجماع المحكيّ عن الخلاف(4) و السرائر(5)و غيرهما كالتذكرة قائلا: «إنّها إذا زادت على المائة و العشرين واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون... إلى أن قال: و على هذا الحساب بالغا ما بلغ عند علمائنا»(6) و كذا عن المنتهى(7) و عن كشف الحقّ نسبته إلى الإماميّة(8) و عن المفاتيح إلى علمائنا كافّة(9).

و المعتمد هو ما عرفت من النصب عددا أو معدودا، و الأصل فيه - بعد الإجماع في تسعة منها، و الشهرة العظيمة في ثلاثة - النصوص المعتبرة المستفيضة:

ففي صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان، فإن بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإن زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقّة - و إنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها - إلى ستّين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة فحقّتان

ص: 171


1- الهداية: 172.
2- الانتصار: 215.
3- الناصريّات: 278.
4- الخلاف 7:2، المسألة 3.
5- السرائر 435:1.
6- التذكرة 59:5.
7- المنتهى 85:8.
8- نهج الحقّ : 454.
9- مفاتيح الشرائع 198:1.

إلى عشرين و مائة، فإن زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة و في كلّ أربعين ابنة لبون»(1).

و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الزكاة فقال عليه السّلام: ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين، فإذا كانت عشرين ففيها أربع من الغنم إلى خمس و عشرين، فإذا كانت خمسا و عشرين، ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإذا زادت واحدة على خمس و ثلاثين ففيها ابنة لبون انثى إلى خمس و أربعين، و إذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة، و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلاّ أن يشاء المصدّق يعدّ صغيرها و كبيرها»(2).

و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في خمس قلائص(3)شاة، و ليس فيما دون الخمس شيء، و في عشر شاتان، و في خمس عشرة ثلاث، و في عشرين أربع، و في خمس و عشرين خمس، و في ستّ و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين

ص: 172


1- الفقيه 1604/23:2، الوسائل 1/108:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام.
2- الاستبصار 1/19:2، تهذيب الأحكام 20:4-1/21، الوسائل 2/109:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام.
3- مجمع البحرين 541:3: قلائص هي جمع القلوص بالفتح و هي النافة الشابّة بمنزلة الجارية من النساء.

و مائة، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة»(1).

هذا على ما رواه الشيخ، و نحوه ما رواه الكليني بإسنادين صحيحين عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجّاج و فيه بعد قوله عليه السّلام: «و في ستّ و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين: و قال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا و بين الناس، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين...» إلى آخر الحديث(2).

و قويّة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه قالا: «ليس في الإبل شيء حتّى تبلغ خمسا، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة، ثمّ في كلّ خمس شاة حتّى تبلغ خمسا و عشرين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فإذا لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس و ثلاثين، فإذا زادت على خمس و ثلاثين فابنة لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت فحقّة إلى ستّين، فإن زادت فجذعة إلى خمس و سبعين، فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت فحقّتان إلى عشرين و مائة، فإن زادت ففي كلّ خمسين حقّة و في كلّ أربعين ابنة لبون.

و أمّا قول القديمين بل العماني وحده على ما عرفت(3) فمع ضعفه و شذوذه فليس في الروايات ما يشهد له سوى ما رواه الكليني و الشيخ عنه في الكافي و التهذيب في الحسن بإبراهيم بن هاشم بل الصحيح على الصحيح عن الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام:

«قال في صدقة الإبل في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، و ليس فيها شيء حتّى تبلغ خمسا و ثلاثين، فإذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون، ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ خمسا و أربعين، فإذا بلغت خمسا و أربعين ففيها حقّة طروقة الفحل، ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ ستّين، فإذا بلغت ستّين

ص: 173


1- الوسائل 4/110:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الكافي 2/532:3، الاستبصار 1/19:2، تهذيب الأحكام 2/21:4، ليس في نقل الوسائل هذه الفقرة: «فان زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين و مائة».
2- الكافي 2/532:3.
3- تقدّم في: ص 170.

ففيها جذعة، ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ خمسا و سبعين، فإذا بلغت خمسا و سبعين ففيها ابنتا لبون، ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل، ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ عشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل، فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كلّ خمسين حقّة و في كلّ أربعين ابنة لبون، ثمّ ترجع الإبل على أسنانها، و ليس على النيّف(1) شيء، و لا على الكسور شيء»(2).

و الجواب أنّ هذه الرواية مع عدم مقاومتها لمعارضة ما مرّ(3) من وجوه شتّى و احتمالها التقيّة - و إن بعد لموافقتها العامّة كما أشار إليه عبد الرحمن في الرواية المتقدّمة(4) - أنّها في سائر فقراتها مشتملة على ما لا يقول به أحد، و هو: إيجاب بنت لبون لخمس و ثلاثين، و حقّة لخمس و أربعين، و جذعة لستّين، و هكذا... و لو أضمر مع كلّ واحد قوله: «و زادت واحدة» كان هذا الإضمار محتملا في محلّ البحث أيضا. مع اشتمالها أيضا على ما لا قائل به أيضا، و هو: جعله المائة و العشرين نصابا و بزيادة الواحد أيضا نصابا آخر.

و بالجملة فهذا الخبر إمّا مطروح أو مأوّل أو محمول على التقية، و ليس للصدوقين في الرسالة(5) و الهداية(6) إلاّ موافقة العبارة المحكيّة عن كتاب فقه الرضا(7) و يكفي في ضعفه أنّ ما لم يثبت كونه من المعصوم لا يقاوم لمعارضة النصوص المعتبرة المستفيضة، و على تقدير المقاومة فالترجيح لها من جهات عديدة منها الاعتضاد بعمل المعظم.

و أمّا السيّد(8) فمستنده - لما ذهب إليه من نفي وجوب الزكاة في المائة و العشرين و ما زاد عليها ممّا بين العشرين و الثلاثين - الأصل حيث قال فيما حكي عن الانتصار بعد اختيار المذهب: «و الّذي يدلّ على صحّة مذهبنا بعد الإجماع المتردّد أنّ الأصل

ص: 174


1- مجمع البحرين 399:4، النيّف: هو الزيادة، و كلّما زاد على العقد فنيف إلى يبلغ العقد الثاني.
2- الكافي 1/531:3، تهذيب الأحكام 4/22:4.
3- مرّ في: 172 و 173.
4- تقدّم تخريجه في: 172.
5- لم نعثر عليها.
6- الهداية: 171-172.
7- فقه الرضا: 196.
8- و هو السيّد المرتضى في الانتصار، تقدّم في ص 171.

هو براءة الذمّة، و قد اتّفقنا على ما يخرج من الإبل إذا كانت مائة و عشرين، و اختلفت الامّة فيما زاد على العشرين فيما بينها و بين الثلاثين، و لم يقم دليل قاطع على وجوب شيء ما بين هذه العشرين إلى أن يبلغ الزيادة ثلاثين فيجب فيها حقّة و بنتا لبون عندنا، و عند الشافعي(1) و مالك(2) و عند أبي حنيفة(3) يجب حقّتان و شاتان، فقد أجمعنا على وجوب الزكاة في مائة [و ثلاثين] و لم نجتمع على وجوب شيء من الزيادة فيما بين العشرين و الثلاثين، و لم يقم دليل شرعي قطعي فيجب أن يكون على الأصل...» إلى آخر ما ذكر(4).

و جوابه منع جريان الأصل مع وجود النصوص المعتبرة من طرق أصحابنا المجمع على العمل بها و عدم إفادتها القطع [و] على تقدير تسليمه غير قادح بعد فرض حجّية الأخبار الغير العلميّة حيث حصل الوثوق و الاطمئنان بصدورها كما فيما نحن فيه على ما حقّق في محلّه.

ثمّ إنّ في المقام امورا مهمّة ينبغي التعرّض لها:

[احدها] [كيفيّة التقدير بالأربعين و الخمسين]

أحدها: أنّ ظاهر الأخبار المنسوب إلى ظاهر الأكثر أنّ التقدير بالأربعين و الخمسين لتعيين المقدّر المخرج الّذي هو في كلّ أربعين بنت لبون و في كلّ خمسين حقّة في الأخبار و الفتاوى على وجه التخيير مطلقا، و اختاره صريحا المحقّق الأردبيلي رحمه اللّه في مجمع الفائدة(5) و صاحب المدارك(6) ناقلا له عن ثاني الشهيدين في فوائد القواعد(7) مع نسبته له إلى ظاهر الأصحاب. و هو المختار.

خلافا لجماعة كالشيخ في الخلاف(8) و المبسوط(9) و ابن حمزة في الوسيلة(10)

ص: 175


1- الامّ : 5.
2- الشرح الكبير 434:1.
3- المبسوط 151:2.
4- الانتصار: 215.
5- مجمع الفائدة 64:4.
6- المدارك 58:5.
7- فوائد القواعد: 245.
8- الخلاف 14:2، المسألة 8.
9- المبسوط 192:1.
10- الوسيلة: 124-125.

و العلاّمة في النهاية(1) و التذكرة(2) و المنتهى(3) و المحقّق الكركي في حاشية الشرائع(4)و ثاني الشهيدين في المسالك(5) فخصّوه بصورة إمكان الاستيعاب بكلّ منهما، و إلاّ فقد يتعيّن التقدير بأربعين، و قد يتعيّن بخمسين، و قد يجب الجمع بينهما، و قد يخيّر بين الجمع و كلّ من التقديرين.

قال في محكيّ المسالك: «التقدير بالأربعين أو الخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخيّر، و إن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحقّ الفقراء، و إن لم يمكن إلاّ بهما وجب الجمع. فعلى هذا يجب تقدير أوّل هذا النصاب و هو المائة و إحدى و عشرون بالأربعين، و المائة و الخمسون بالخمسين، و المائة و السبعون بهما و يتخيّر بينهما، و في الأربعمائة بين الاعتبار بهما و بكلّ واحدة منهما»(6) انتهى.

و فيه: أنّ التفصيل المذكور خروج عن مقتضى قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة و خبره الآخر: «فإن زادت على المائة و العشرين واحدة ففي كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين ابنة لبون»(7) فإنّه لو كان العدّ بالأربعين مع هذا العدد متعيّنا لكان ذكر الخمسين معه لغوا بل إضلالا، مع أنّ قوله عليه السّلام في صحيحتي ابن الحجّاج و أبي بصير: «فإن كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة» بعد ذكر «المائة و العشرين»(8) مطلق يشمل صورة زيادة الواحدة أيضا على هذا العدد، فلو تعيّن الأربعون لهذا العدد مع زيادة واحدة و غيرها ممّا لم يبلغ إلى ثلاثين لم يكن لهذا الإطلاق وجه بل كان من الإغراء بالجهل حيث لا شاهد بالتقييد بصورة زيادة ثلاثين على العدد المذكور.

كما أنّ تقييد التخيير المستفاد ممّا في خبري زرارة بصورة الاستيعاب بكلّ منهما كالمائتين بأن يكون الزيادة على المائة و عشرين بثمانين، ممّا لا شاهد له حيث إنّ القول بالتفصيل المذكور ممّا لا دليل عليه.

ص: 176


1- نهاية الإحكام 327:2.
2- التذكرة 64:5.
3- المنتهى 90:8 و 92، ما يجب فيه الزكاة.
4- حاشية الشرائع 243:10.
5- المسالك 365:1.
6- المسالك 365:1.
7- تقدّما في: 171 و 173.
8- تقدّمتا في: 172.

و الاحتجاج له بأنّ مراعاة الأكثر استيعابا أحوط، ضعيف لمنع وجوب الاحتياط مع إمكان أصل الاحتياط لكونه معارضا بمثله في جانب المالك.

و أضعف منه الاحتجاج بمراعاة حقّ الفقراء، لعدم دليل على لزوم مراعاة حقّ الفقراء فيكون معارضا بحقّ المالك، مع أنّه قد يقال كما عن المحقّق الأردبيلي(1) أيضا بأنّ ظاهر الأخبار تقديم حقّ المالك و ترجيح جانبه، مع أنّه يمكن أن يقال: بأنّ الشارع جبر التفاوت الحاصل بإسقاط البعض كإحدى و عشرين في صورة العدّ بالخمسين بزيادة السنّ في الحقّة الموجبة لزيادة القيمة، فربّما كان تعادل حقّتان بحسب القيمة لثلاث بنات لبون.

و الإجماع المتوهّم من كلام العلاّمة في التذكرة(2) و عبارته في المنتهى حيث نسبه فيه إلى علمائنا(3) موهون بشهرة خلافه، و معارض بالإجماع على التخيير مطلقا المستفاد من ظاهر عبارة الغنية(4).

و الشهرة المحكيّة فيه عن الكفاية(5) موهونة بظهور كلام الأكثر في التخيير مطلقا.

و الاحتجاج له أيضا بأنّ اعتبار الخمسين في المائة و إحدى و عشرين يوجب حقّتين مع أنّهما واجبتان فيما دونها إلى إحدى و تسعين فلا فائدة في جعلها نصابا آخر، يدفعه: إنّ الفرق بين النصابين بالتعيين و التخيير المسوّغ للعدول عن حقّتين إلى ثلاث بنات لبون من الفوائد بل أعظمها.

[ثانيها: زيادة واحدة على المائة و العشرين يوجب تغيير الفرض]

و ثانيها:

أنّه لا كلام لأحد في أنّ الفريضة فيما دون المائة و إحدى و عشرين حقّتان حتّى في المائة و العشرين، كما أنّه لا كلام في أنّه إذا زاد واحدة على المائة و العشرين يوجب تغيير الفرض، و أمّا زيادة جزء من البعير فظاهر الأخبار - المعلّقة لتغيير الفرض بزيادة واحدة - أنّها لا توجب تغييرا كما في صورة عدم زيادة ذلك الجزء، و هو المصرّح به في كلام جماعة(6) بل عن تذكرة العلاّمة دعوى الإجماع عليه حيث قال:

ص: 177


1- مجمع الفائدة 64:4.
2- التذكرة 59:5.
3- المنتهى 90:8.
4- الغنية: 122.
5- كفاية الأحكام: 36.
6- المدارك 58:5، الذخيرة: 434، مستند الشيعة 107:9، الجواهر 81:15.

«لو كانت الزيادة بجزء من بعير لم يتغيّر به الفرض إجماعا»(1) و نقل عن بعض العامّة(2)قولا بتغيّر الفرض بزيادة الجزء، و هو ضعيف، و قصر الخلاف عليه يقضي بأن لا مخالف من أصحابنا.

و ثالثها: اختلفوا في أنّ الواحدة الزائدة على المائة و العشرين هل هو جزء من النصاب

- كما عن العلاّمة في نهاية الإحكام(3) استنادا إلى اعتبارها في النصّ في العدد - أو شرط في وجوب الفريضة ؟ كما عن غير واحد من المتأخّرين و لعلّهم حاشية الشرائع(4)و الروضة(5) و المدارك(6) و الرياض(7) استنادا إلى خروجها عن النصاب بالاعتبارين، و يظهر من الذخيرة(8) التوقّف حيث نقل القولين و لم يرجّح شيئا، و كذلك الشهيد في البيان(9) على ما حكي معلّلا للجزئيّة باعتبارها في العدد نصّا و فتوى، و للشرطيّة بأنّ إيجاب بنت اللبون في كلّ أربعين يخرجها عن الجزئيّة فيكون شرطا لا جزءا، و يظهر فائدة الشرطيّة في أنّه لا يسقط من الزكاة شيء بتلف الواحدة الزائدة بعد الحول من غير تفريط.

و الأظهر من جهة النصوص هو الأوّل، لورود اعتبار زيادة الواحدة من النصاب السادس إلى الثاني عشر في خبري(10) زرارة بل و غيرهما في سياق واحد و بعبارة واحدة و هو قوله عليه السّلام: «و إذا زادت واحدة» في الجميع، فكما أنّها فيما عدى الأخير أفادت جزئيّة الواحدة فكذلك فيه بشهادة وحدة السياق و وحدة العبارة، مع ملاحظة عدم قائل بالشرطيّة فيما عداه.

و بذلك يندفع ما اورد على وجه القول بالجزئيّة من اعتبارها في العدد نصّا من أنّه أعمّ من الجزئيّة و الشرطيّة، فإنّ إرادة الجزئيّة من عبارة: «إن زادت واحدة» في سائر

ص: 178


1- التذكرة 62:5.
2- هو أبو سعيد الاصطخري، نقل عنه في المهذّب للشيرازي 152:1، المجموع 390:5، فتح العزيز 318:5، حلية العلماء 37:3.
3- نهاية الأحكام 322:2.
4- حاشية الشرائع 243:10.
5- شرح اللمعة 18:2.
6- المدارك 58:5.
7- الرياض 60:5-61.
8- الذخيرة 433:3-434.
9- البيان: 173-174.
10- تقدّما في: 171 و 173.

النصب مع وحدة السياق قرينة على إرادة مثلها من مثل هذه العبارة في النصاب الأخير، و التفكيك بينهما بعيد عن فهم العرف.

و أمّا الاستدلال للشرطيّة بخروجها عن النصاب بالاعتبارين، ففيه: أنّه مبنيّ على كون النصاب «كلّ أربعين و كلّ خمسين» و هو ممنوع بل النصاب بمقتضى ظاهر النصوص إنّما هو المائة و إحدى و عشرين و العدّ بالأربعين أو الخمسين إنّما هو لتعيين القدر المخرج لا لتعيين النصاب، مع أنّ خروج الواحدة على تقدير العدّ بكلّ من الخمسين و الأربعين معارض بخروج العشرين مع الواحدة على تقدير العدّ بالخمسين أيضا و لا قائل بكونه شرطا. و الاعتذار له بأنّ خروج العشرين حينئذ من باب العفو عن الزكاة فيه، جار في خروج الواحدة على هذا التقدير و على تقدير العدّ بالخمسين أيضا، و الفرق تحكّم.

و على المختار فلو تلفت الواحدة الزائدة بعد الحول و قبل التمكّن من الإخراج وزّعت على المائة و إحدى و عشرين فيسقط من الزكاة و هي كلّ من الحقّتين أو ثلاث بنات لبون جزء من مائة و إحدى و عشرين جزء. و الاحتياط بعدم اعتبار النقص بها ممّا لا ينبغي تركه، خروجا عن شبهة الخلاف.

و رابعها: أنّ في كون التخيير فيما اجتمع في مال ما يمكن إخراج الفريضين

من الحقّة و بنت اللبون كالمائتين أو أربعمائة مثلا للمالك أو للساعي، قولان: عزي ثانيهما إلى الشيخ في الخلاف(1) و المشهور(2) الأوّل، بل العلاّمة في محكيّ المنتهى نسب الذهاب إليه إلى علمائنا(3) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، و هو ظاهر المحقّق(4) حيث اختار الأوّل و نسب الثاني إلى الشافعي(5).

و هو المعتمد، عملا بظاهر الأخبار، مضافا إلى أنّ وجوب إخراج الزكاة تكليف

ص: 179


1- الخلاف 14:2، المسألة 8.
2- التذكرة 62:5، مجمع الفائدة 64:4، 65، الحدائق 51:12، الشيخ الأنصاري، الزكاة: 140.
3- المنتهى 90:8.
4- المعتبر 501:2.
5- الامّ 6:2.

المالك فليكن التخيير حالة في تكليفه، مع أنّ المستفاد من طريقة الشارع في باب الزكاة كون بنائه في حقّه على الرفق، فالمناسب له كون التخيير حكما له. و يتأكّد الجميع بما عرفت من الشهرة و ظهور نقل الإجماع من الفاضلين(1) و إن كان كلام أحدهما أظهر.

و عن المختلف «الحقّ أنّ الخيار في ذلك إلى المالك أيّهما شاء دفع، لنا أنّه عليه السّلام أمر العامل بتخيير المالك»(2).

و أراد بأمره عليه السّلام العامل بتخيير المالك ما في صحيحة يزيد بن معاوية قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: بعث أمير المؤمنين مصدّقا من الكوفة إلى باديتها فقال عليه السّلام له: يا عبد اللّه انطلق و عليك بتقوى اللّه وحده لا شريك له، و لا تؤثرنّ دنياك على آخرتك، و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحقّ اللّه فيه حتّى تأتي بادي بني فلان، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثمّ امض إليهم بسكينة و وقار حتّى تقوم فتسلّم ثمّ قل: يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم حقّ فتؤدّونه إلى وليّه ؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه، فإن أنعم لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن تحيفه أو تعدّه إلاّ خيرا، فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه فإنّ أكثره له، فقل له: يا عبد اللّه أ تأذن في دخول مالك ؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلّط عليه فيه و لا عنف به، فاصدع المال صدعين ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ثمّ اصدع الثاني صدعين فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ثمّ لا يزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه عزّ و جلّ في ماله فإذا بقى ذلك فاقتض ذلك منه، فإن استقالك فأقله ثمّ اخلطهما و اصنع الّذي صنعت أوّلا حتّى تأخذ حقّ اللّه من ماله...» الحديث(3).

و التخيير المأمور به فيه و إن لم يكن ممّا نحن فيه إلاّ أنّه يمكن أن يستشهد به لما

ص: 180


1- القواعد 336:1، المعتبر 501:2.
2- المختلف 181:3-182.
3- الكافي 536:3، تهذيب الأحكام 8/96:4، الوسائل 1/129:9، ب 14 من أبواب زكاة الأنعام.

نحن فيه، كما أنّه يمكن الاستدلال بهذا الحديث على ما بيّنّاه من كون بناء الشارع في باب الزكاة مع المالك على الرفق و المداراة.

و خامسها: من فقد «ابنة المخاض» فيما فريضته هذه و عنده «ابن لبون ذكر» يجزئه ذلك

فتوى و نصّا، أمّا الفتوى فقيل(1) قولا واحدا، و عن تذكرة العلاّمة الإجماع عليه(2).

و أمّا النصّ فروايات: كصحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام: «فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر»(3).

و صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «فإذا كانت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر»(4).

و قويّة القسم بن عروة عن الباقر و الصادق عليهما السّلام: «ثمّ في كلّ خمس شاة حتّى تبلغ خمسا و عشرين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون»(5).

و عن المعتبر(6) و المنتهى(7) الاستدلال بالخبر العامّي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر»(8).

و المرويّ من طريق أصحابنا في حديث عليّ عليه السّلام: «فإن لم يكن عنده ابنة مخاض

ص: 181


1- لم نظفر على قائل هذه الجملة بألفاظها و لكن فتاوى الفقهاء في هذا الموضع كما فحصناه كانت متوافقة.
2- التذكرة 67:5-68.
3- الفقيه 1604/23:2، الوسائل 1/108:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام.
4- الاستبصار 1/19:2، تهذيب الأحكام 1/21:4، الوسائل 2/109:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام.
5- الاستبصار 3/20:2، تهذيب الأحكام 3/21:4، الوسائل 109:9-3/110، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام.
6- المعتبر 500:2 و 515، لم نظفر بانتهاء الإسناد إلى النبيّ عليه السّلام.
7- المنتهى 108:8.
8- سنن أبي داود 1569/98:2، سنن ابن ماجة 1799/574:1.

على وجهها و ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس معه شيء»(1).

ظاهر الفتوى و هذه النصوص مضافا إلى إطلاق الأخبار المتقدّمة(2) عدم إجزاء ابن لبون مع وجود ابنة مخاض عنده، و مع فقدها لا يتفاوت الحال في إجزاء ابن لبون بين تساوي قيمتهما أو تفاوتها مع زيادة قيمة ابن لبون أو نقصانها، عملا بالإطلاق فتوى و نصّا.

و لو تمكّن من تحصيل ابنة المخاض بشراء و نحوه مع وجود ابن لبون عنده لم يجب تحصيله اجتزاء بابن اللبون من جهة الإطلاق المذكور.

و لو فقد ابن اللبون أيضا فإن تمكّن من تحصيلهما معا بشراء و نحوه فالمصرّح به في كلام جماعة(3) - بل ادّعي(4) فيه الشهرة العظيمة، و عن ظاهر المعتبر(5) كونه محلّ وفاق - أنّه لا يتعيّن عليه تحصيل بنت المخاض، بل يجوز تحصيل ابن اللبون، لأنّه بشرائه يكون واجدا له و فاقدا لبنت المخاض فيجزئه للروايات.

نعم لو اشتراهما معا تعيّن ابنة المخاض، لصدق وجودها.

و لو كان عنده ابن لبون و ابنة مخاض مريضة أو معيبة بحيث لا تجزئ عن الصدقة يجزئه ابن اللبون، لأنّ الموجود من ابنة المخاض بمنزلة العدم فهو كمن فقدها. و يدلّ عليه المرويّ عن عليّ عليه السّلام: «و من لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها...» الخ(6).

و الأحوط شراء ابنة مخاض مجزئة، و وجوبه ممّا لا دليل عليه.

و لو وجد عنده بنت مخاض أعلى من صفة الواجب لم يجزئه ابن لبون وفاقا

ص: 182


1- تهذيب الأحكام 7/95:4، الوسائل 127:9، 1/128، ب 13 من أبواب زكاة الأنعام.
2- تقدّمت في: 172 و 173.
3- الخلاف 11:2، المنتهى 484:1، الذخيرة: 438، المسالك 374:1.
4- لم نعثر في المصادر المستخرجة في الهامش 181 على هذه الجملة: «الشهرة العظيمة» يبدو استظهرها المؤلّف من كلام بعضهم حيث يدّعي الوفاق من الإماميّة و موافقة الجمهور.
5- المعتبر 515:2.
6- التهذيب 7/95:4، الوسائل 127:9، 1/128، ب 13 من أبواب زكاة الأنعام.

للمعتبر(1) و المنتهى(2) لأنّه واجد لابنة مخاض. و لو اشترى ابنة مخاض مجزئة ممّا هو أدون ممّا هو موجود عنده إجزاؤه فهو مخيّر حينئذ بين دفع الموجود و شراء المجزئة.

و في المقام امور اخر يأتي التعرّض لها في أواخر الباب.

المرحلة الثانية في نصاب البقر:
اشارة

و اعلم أنّ فيه نصابين: «ثلاثون و أربعون» على ما في الشرائع(3) كما عن النهاية(4)و الوسيلة(5) و الغنية(6) و النافع(7) و التبصرة(8) و الإرشاد(9) و القواعد(10) و التحرير(11)و الجامع(12) و الدروس(13) و البيان(14) و اللمعة(15) و الروضة(16) و الرياض(17) و عن المسالك هو المشهور في كلامهم(18) و في الذخيرة هذا هو المشهور بين الأصحاب بل المسلمين(19).

و لكن ينبغي أن يعلم أنّه ليس مرادهم بهما الثلاثون الشخصي و الأربعون الشخصي بل الثلاثون و الأربعون الكلّيان المنحلّان إلى كلّ ثلاثين و كلّ أربعين فيندرج فيهما الثلاثون الأوّل و الأربعون الأوّل و الستّون و السبعون لاشتماله عليهما و الثمانون و التسعون و مائة و عشرون.

و هذا هو معنى الدوام في عبارة الشرائع حيث قال: «في البقر نصابان ثلاثون و أربعون دائما»(20) كما فهم في المدارك تبعا لجدّه في المسالك(21) قائلا في شرح العبارة: «يريد بذلك أنّ الثلاثين لا ينحصر في الأوّل و لا الأربعين في الثاني بل

ص: 183


1- المعتبر 515:2.
2- المنتهى 108:8.
3- الشرائع 108:1.
4- النهاية: 181.
5- الوسيلة: 125.
6- الغنية: 122-123.
7- النافع: 54.
8- التبصرة: 67.
9- الإرشاد 280:1-281.
10- القواعد 336:1-337.
11- التحرير 365:1.
12- الجامع للشرائع: 128.
13- الدروس 234:1.
14- البيان: 176.
15- اللمعة الدمشقيّة: 41.
16- شرح اللمعة 18:2.
17- الرياض 61:5.
18- المسالك 365:1-366.
19- الذخيرة: 434.
20- الشرائع 108:1.
21- المسالك 365:1-366.

يتعلّق الحكم بكلّ ثلاثين و كلّ أربعين فالنصاب في الحقيقة واحد كلّي و هو أحد العددين»(1) انتهى.

و ظنّي أنّهما لو عبّرا مكان: «أنّ الثلاثين لا ينحصر في الأوّل....» إلخ «بأنّ النصاب الأوّل لا ينحصر في الثلاثين الأوّل و لا النصاب الثاني في الأربعين الأوّل» لكان أوضح في شرح العبارة و إفادة المطلب.

و كيف كان فبما وجّهناه ظهر أنّه لا حاجة إلى تكلّف جعل نصب البقر أربعة: الأوّل ثلاثون، و الثاني أربعون، و الثالث ستّون، و الرابع ما زاد، يؤخذ من كلّ ثلاثين، «تبيع»(2)أو «تبيعة» و من كلّ أربعين، «مسنّة» كما صنعه في المنتهى(3) و عزي إلى الجمل و العقود(4) و لا إلى تكلّف جعلها خمسة: الثلاثة(5) الاول المذكورة، ثمّ سبعون، ثمّ الكلّي

[أداء الفريضة في البقر على وجه التخيير أو التعيين ؟]

ثمّ إنّ الفريضة في البقر تبيع أو تبيعة على التخيير في كلّ ثلاثين، و المسنّة(6)في كلّ أربعين، بالإجماع في الثاني، و الشهرة العظيمة الّتي كادت تبلغ الإجماع في الأوّل، بل في المنتهى: «أجمع المسلمون على وجوب التبيع و التبيعة في الثلاثين، و وجوب المسنّة في الأربعين و أجمعوا على أنّ هذين السنين هي المفروضة في زكاة البقر»(7) و نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع(8) و في المعتبر بعد التمسّك برواية الفضلاء

ص: 184


1- المدارك 58:5.
2- مجمع البحرين 281:1، 282: و التبيع ولد البقر أوّل سنته، و بقرة تبيع ولدها معها، و الانثى تبيعة، التذكرة 106:5: الجذع و الجذعة و هي الّتي لها حول و يسمّى شرعا: تبيعا و تبيعة.
3- المنتهى 130:8، نصب البقر.
4- الرسائل العشر: 200.
5- و هم: ثلاثون، أربعون ثمّ ستّون.
6- لم نظفر في المعاجم، بيان حول هذه الكلمة إلاّ ما قاله العلاّمة في التذكرة 106:5: فإذا كمل سنتين و دخل في الثلاثة فهو ثنيّ و ثنيّة و هي المسنّة شرعا، فإذا دخل في الرابعة فهو رباع و رباعيّة، فإذا دخل في الخامسة فهو سديس و سدس، فإذا دخل في السادسة فهو صالغ، ثمّ لا اسم له، بل يقال: صالغ عام و عامين و ثلاثة.
7- المنتهى 130:8، نصب البقر.
8- التذكرة 75:5.

على الوجه الموافق للمشهور قال: «و هو قول العلماء»(1) و في المدارك: «هذا قول العلماء كافّة»(2).

و لعلّ مبنى هذه الإجماعات على عدم قدح خلاف المخالف، لشذوذه و معلوميّة نسبه في الإجماع، أو عدم دلالة كلامه على المخالفة و إلاّ فالمعروف في كتب الاستدلال عن العماني و والد الصدوق القول: «بأنّ في ثلاثين تبيعا حوليّا»(3) من دون ذكر التبيعة، و وجه عدم الدلالة: قوّة احتمال كون الاقتصار عليه على أنّه أحد فردي الواجب التخييري.

و كيف كان فالأصل في المسألة: الشهرة العظيمة و الإجماعات المنقولة اللتين كلّ منهما حجّة مستقلّة، مضافا إلى صحيحة الفضلاء - على ما رواه في المعتبر(4) مرسلا و اعتمد عليها - عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حوليّ أو تبيعة، و ليس في أقلّ من ذلك شيء، ثمّ ليس فيها شيء حتّى يبلغ أربعين ففيها مسنّة، ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ ستّين ففيها تبيعان أو تبيعتان، ثمّ في سبعين تبيع أو تبيعة و مسنّة، و في ثمانين مسنّتان، و في تسعين ثلاث تبايع»(5).

و انطباق الرواية على قول المعظم واضح غير أنّ المحقّق متفرّد في نقلها بهذا المتن، و نقلها جماعة منهم العلاّمة في المنتهى(6) و صاحب المدارك(7) و غيرهما مع اختلاف في المتن من حيث اشتمال صدرها على قوله عليه السّلام: «في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حوليّ » من دون ذكر «تبيعة» معه و اشتمالها في عنوان الستّين على قوله عليه السّلام: «فإذا بلغت الستّين ففيها تبيعتان» إلى أن قال: «فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث حوليّات» الخ.

و لعلّ وجه الاستدلال بها حينئذ تعيّن حمل إيجاب التبيعين في الستّين على أنّهما أحد فردي الواجب التخييري للإجماع على أنّهما لا تجبان على التعيين، و لزم من ذلك

ص: 185


1- المعتبر 502:2.
2- المدارك 59:5 و 81.
3- المختلف 178:3.
4- المعتبر 502:2.
5- الكافي 1/534:3، تهذيب الأحكام: 1/24:4، وسائل الشيعة 114:9-1/115، ب 4 من أبواب زكاة الأنعام.
6- المنتهى 128:8.
7- المدارك 59:5 و 81.

كون ذكر التبيع في الفقرة الاولى أيضا على أنّه أحد فردي الواجب التخييري للإجماع على اتّحاد حكم الفقرة الاولى مع الفقرة الثالثة في التعيين و التخيير، كما نبّه عليه السيّد في المناهل بقوله: «تصريح الرواية بوجوب التبيعة في الستّين يقتضي التخيير بينها و بين التبيع في الثلاثين، لأنّ وجوبها في الستّين تخييري لظهور الاتّفاق على نفي وجوبها عينا فيها، فيلزم التخيير في الثلاثين لظهور عدم القائل بالفرق بين المقامين»(1).

و عن مجمع الفائدة الإشارة إليه حيث إنّه بعد الإشارة إلى ما تمسّك به في المختلف(2) على القول بالتخيير حسبما تعرفه أيّده بقوله: «و يؤيّده إيجاب التبيعتين في ستّين»(3) و رواها في الفقيه(4) و الوسائل(5) نقلا عن الكافي(6) خالية عن ذكر التبيعة في جميع فقراتها، و هي بهذا المتن حجّة قول ابن أبي عقيل و ابن بابويه(7) و تبعهما صاحب الحدائق(8) عملا بهذا المتن لوروده في كتب الحديث. و أصالة عدم السقط أيضا يساعد على هذا المتن، كما أنّ أصالة عدم التحريف و التصحيف يساعد على ما في المنتهى و المدارك.

و ربّما احتمل فيما نقله في المعتبر موافقا للمشهور بأنّ لعلّه عثر عليه فيما عنده من الاصول كذلك، كما هو مظنّة ذلك.

و اختلاف متن الرواية ربّما يوجب اضطرابا في النفس من جهة النصّ و إن كان يمكن إثبات التخيير من جهة الأصل، لأنّ الاختلاف المذكور يوجب اندراج المقام في مسألة دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و الأصل في نوع هذه المسألة و إن كان عندنا هو التعيين من جهة قاعدة الاشتغال و هي واردة على أصل البراءة الّذي اعتمد عليه القائل بأصالة التخيير، إلاّ أنّها غير جارية في خصوص المقام بناء على قيام الإجماع على كون التبيعة مبرئة للذمّة في الثلاثين كالتبيع، كما أشار إليه العلاّمة في المنتهى

ص: 186


1- المناهل: 64 ب.
2- المختلف 178:3 و 182.
3- مجمع الفائدة 65:4.
4- الفقيه 25:2-26.
5- الوسائل 114:9-1/115، ب 4 من أبواب زكاة الأنعام.
6- الكافي 1/534:3.
7- المختلف 178:3.
8- الحدائق 55:12.

حيث قال: «و لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين للأحاديث»(1) و حينئذ فلا يجري قاعدة الاشتغال و يلزم منه جريان أصالة البراءة المقتضية للتخيير.

و احتجّ في المنتهى على التخيير أيضا من جهة القاعدة بأنّ : «التبيعة أفضل من التبيع»(2) فإيجابها يستلزم إيجاب التبيع دون العكس فهو أحوط فيتعيّن التخيير بينهما.

و يظهر منه في موضع آخر من الكتاب: «أنّ الوجه في أفضليّة التبيعة كونها أنفع بالدرّ و النسل»(3).

و يزيّفه منع ذلك بل التبيع أفضل بالحرث و الحمل، و غاية ما يسلّم اختلاف الأمكنة و الأصقاع في ذلك فلم يطّرد أفضليّة التبيعة، و لو سلّم فيتطرّق المنع إلى دعوى الملازمة بين إيجاب الأفضل و إيجاب غير الأفضل، و لو سلّم فيتوجّه المنع إلى إيجاب الأفضل حيث لم يدلّ عليه النصّ بالخصوص في الثلاثين، و المفروض إنّه لم يذكر مستندا له إلاّ كونه أحوط، فيتوجّه المنع إلى قضاء الأحوطيّة بالوجوب مع تطرّق المنع إلى أصل الأحوطيّة بعد صراحة النصّ بإيجاب غير الأفضل، غاية الأمر اشتباه حاله بين كونه على وجه التعيين أو على أنّه أحد فردي الواجب التخييري، و من ذلك ربّما أمكن ادّعاء الاستلزام في العكس على تقدير تسليم الأفضليّة أو من جهة الإجماع على إجزاء التبيعة.

و بالجملة فالحجّة المذكورة فاسد الوضع من جهات عديدة. و كيف كان فالمعتمد هو المشهور عملا بالإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأيّدة بالأصل المتقدّم، و هذا كلّه ربّما يكشف عن كون النصّ الخارج من المعصوم هو ما يوافق المشهور.

المرحلة الثالثة في نصاب الغنم:
اشارة

و اعلم أنّ فيه خمسة نصب على المشهور في بعضها و إن كان البعض الآخر إجماعيّا: أربعون و فيها شاة، ثمّ مائة و إحدى و عشرون و فيها شاتان، ثمّ مائتان و واحدة

ص: 187


1- المنتهى 133:8.
2- لم نعثر على قوله في المنتهى بل قاله في المختلف 178:3.
3- المنتهى 133:8.

و فيها ثلاث شياه، ثمّ ثلاثمائة و واحدة و فيها أربع شياه، ثمّ أربعمائة ففي كلّ مائة شاة بالغة ما بلغت.

و في المدارك في الثلاث الاول: «أنّ هذه النصب الثلاثة مجمع عليها بين الأصحاب»(1) و نحوه ما في المعتبر حيث قال: «ليس فيما دون الأربعين من الغنم زكاة، و إذا بلغت أربعين ففيها شاة، ثمّ ليس في الزائد شيء حتّى يبلغ مائة و إحدى و عشرين ففيها شاتان، ثمّ ليس في الزائد شيء حتّى يبلغ مائتين و واحدة ففيها ثلاث شياه. هذا كلّه بغير خلاف إلاّ ما حكى الشعبي عن معاذ قال: في مائتين و أربعين ثلاث شياه، و في ثلاثمائة و أربعين أربع شياه، و الحكاية ضعيفة، لأنّها مخالفة للإجماع، و قال أصحاب الحديث: لم يلق الشعبي معاذا، فهي إذن ساقطة»(2) انتهى.

و نحوه في المنتهى قائلا: «و قد أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم أنّ أوّل نصب الغنم أربعون فلا يجب في سائمة الغنم إلاّ إذا بلغتها ففيها شاة، ثمّ لا يجب فيها شيء حتّى تبلغ مائة و إحدى و عشرين ففيها شاتان، ثمّ مائتان و واحدة ففيها ثلاث شياه، و هذا كلّه وفاقا إلاّ ما حكاه الشعبي عن معاذ قال: في مائتين و أربعين ثلاث شياه و في ثلاثمائة و أربعين أربع شياه، و هي شاذّة مخالفة للإجماع...» الخ(3).

و كأنّ هذه الإجماعات المنقولة بالقياس إلى النصاب الأوّل لعدم العثور على المخالف أو لشذوذه أو معلوميّة نسبه، و إلاّ فالصدوق في الفقيه جعله أربعين و واحدة حيث قال: «و ليس على الغنم شيء حتّى تبلغ أربعين شاة، فإذا بلغت أربعين شاة و زادت واحدة ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم اسقط هذا كلّه و اخرج من كلّ مائة شاة»(4) انتهى. و كيف كان فاتّفقت كلمة من تأخّر عنه على ضعفه و شذوذه، لخلوّه عن المستند و مخالفته النصوص المعتبرة.

ص: 188


1- المدارك 59:5.
2- المعتبر 503:2.
3- المنتهى 489:1.
4- الفقيه 26:2-27.
[الخلاف في عدد نصب الغنم]

ثمّ إنّ في كون النصب خمسة و خامسها الأربعمائة فيؤخذ فيها من كلّ مائة شاة حسبما ذكرنا كما عليه الأكثر، أو أربعة و رابعها الثلاثمائة و واحدة فيؤخذ فيها من كل مائة شاة كما عليه جماعة(1) كثيرة ؟ قولان، حكاهما المحقّق في الشرائع حيث إنّه عند بيان النصب بعد ما وصل إلى النصاب الرابع بقوله: «ثمّ ثلاثمائة و واحدة» قال:

«فإذا بلغت ذلك قيل يؤخذ من كلّ مائة شاة، و قيل بل يجب أربع شياه حتّى تبلغ أربعمائة فيؤخذ من كلّ مائة، شاة بالغا ما بلغ و هو الأشهر و تظهر الفائدة في الوجوب و الضمان» انتهى.(2)

و في المدارك نقل هذا الاختلاف على وجه يوهم الاختلاف بينه و بين الشرائع في نقل القول الأوّل، حيث قال في شرح عبارة الشرائع المتكفّلة لحكاية القولين: «اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب المفيد(3) و المرتضى(4) و ابن بابويه و ابن أبي عقيل(5)و سلاّر(6) و ابن حمزة(7) و ابن إدريس(8) إلى أنّ الواجب في الثلاثمائة و واحدة ثلاث شياه و أنّه لا يتغيّر الفرض من مائتين و واحدة حتّى تبلغ أربعمائة، و نقله في التذكرة(9)

ص: 189


1- رسائل المرتضى 77:3، المراسم: 131، الوسيلة: 126، السرائر 436:1، قال المحقّق البحراني في الحدائق 58:12: «و إلى هذا القول ذهب جملة من الأجلاّء كالشيخ المفيد و المرتضى و الصدوق و ابن أبي عقيل و سلاّر و ابن حمزه و ابن إدريس.
2- الشرائع 143:1.
3- المقنعة: 238، و إليك نصّها: في زكاة الغنم: لا زكاة في أقلّ من أربعين، فإذا بلغتها ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى ثلاثمائة، فإن كثرت ففي كلّ مائة شاة.
4- رسائل المرتضى 77:3، ما نقله المصنف هنا، يختلف عمّا في جمل المرتضى، و إليك نصّها: في زكاة الغنم لا زكاة فى أقلّ من أربعين، فإذا بلغتها ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى ثلاثمائة، فإن كثرت ففي كلّ مائة شاة.
5- المختلف 179:3.
6- المراسم: 131.
7- الوسيلة: 126.
8- السرائر 436:1.
9- التذكرة 82:5، كما في المجموع 417:5، فتح العزيز 338:5، حلية العلماء 52:3، بداية المجتهد 262:1، المبسوط 182:2، بدائع الصنائع 28:2، المغني 463:2، الشرح الكبير 515:2.

عن الفقهاء الأربع(1). و ذهب الشيخ(2) و ابن الجنيد(3) و أبو الصلاح(4) و ابن البرّاج(5) إلى أنّه يجب فيها أربع شياه ثمّ لا يتغيّر الفرض حتّى تبلغ خمسمائة»(6) انتهى و تبعه في حكاية القولين على الوجه المذكور في الذخيرة و المناهل(7).

و المخالفة بين النقلين بعد اتّفاقهما على كون النصب على أوّل القولين أربع واضحة، حيث إنّ ما نقله يقتضي كون الثلاثمائة و واحدة ساقطة عمّا بين النصب ملحقة في الحكم بالنصاب الثالث و كون النصاب الرابع أربعمائة و لذا قال: «و إنّه لا يتغيّر الفرض من مائتين و واحدة حتّى تبلغ أربعمائة» و ما في الشرائع يقتضي انتهاء النصب إليها و كونها النصاب الرابع.

و الجمع بينهما و إن كان يمكن بجعل أقوال المسألة ثلاثة: أحدها: كون النصب خمسة و خامسها الأربعمائة. و ثانيها: كونها أربعة و رابعها الأربعمائة بإسقاط الثلاثمائة و واحدة عمّا بين النصب و هذا ما نقله في المدارك و غيره. و ثالثها: كونها أربعة و رابعها الثلاثمائة و واحدة و هو ما نقله في الشرائع. و لكنّه بعيد في الغاية لكونه خلاف ما يظهر من كلماتهم من انحصار الخلاف في قولين.

و العجب أنّه(8) نقل احتجاج أهل القول الأوّل(9) برواية هي أوفق بما حكاه في الشرائع و هي:

رواية محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة»(10) فإنّها على تقدير شمول قوله عليه السّلام: «إذا كثرت الغنم» لصورة زيادة الواحدة على الثلاثمائة منطبقة على ما في الشرائع لا غير.

ص: 190


1- أي الشافعي و مالك و أبي حنيفة و أحمد.
2- الخلاف 21:2-22، المسألة 17.
3- المختلف 179:3.
4- الكافي في الفقه: 167.
5- المهذّب 164:1.
6- المدارك 60:5-61.
7- الذخيرة: 434-435. المناهل: 47، ب.
8- أي صاحب المدارك.
9- القائلون بأنّ النصب في الغنم خمسة.
10- الاستبصار 2/23:2، تهذيب الأحكام 2/25:4، الوسائل 116:9-2/117، ب 5 من أبواب زكاة الأنعام.

و يمكن توجيه ما نقله بمنع مخالفته لما في الشرائع بتقريب أن يقال: إنّه عبّر عمّا في الشرائع بالعبارة المذكورة بتوهّم أنّه نقل باللازم، فإنّ كون الفريضة في كلّ مائة من ثلاثمائة و واحدة شاة يوجب كون فريضة المجموع ثلاث شياه: و هي بعينها فريضة المائتين و واحدة، و هكذا فيما فوقها إلى أن يبلغ الأربعمائة فيصير الفريضة حينئذ أربع شياه، و اللازم من ذلك أن لا يتغيّر الفرض من مائتين و واحدة حتّى تبلغ أربعمائة، و النصاب ما يتغيّر معه الفرض، و الثلاثمائة و واحدة لا يتغيّر معها الفرض.

و فيه: منع الاتّحاد و العينيّة بين الثلاثة شياه المفروضة على تقدير كون الثلاثمائة و واحدة بنفسها نصابا و بين الثلاثة المفروضة في المائتين و واحدة و إن توافقتا عددا.

و يظهر الثمرة في محلّ الوجوب فإنّه على الأوّل مجموع الثلاثمائة و واحدة و على الثاني ما في ضمنه و هو المائتان و واحدة و كان المائة الزائدة عفو، أو في وقوع النقص على الزكاة بتلف الواحدة بعد الحول من غير تفريط على الأوّل دون الثاني لوجود النصاب بعد التلف، فيسقط من شاة واحدة جزء من مائة جزء شاة.

كما يظهر نظير هذه الثمرة الثلاثمائة و واحدة و الأربعمائة على القول المشهور من كون الاولى نصابا رابعا و الثانية نصابا خامسا مع كون الفريضة على التقديرين أربعة شياه.

و كيف كان فمنشأ الخلاف بين القولين اختلاف الروايتين الدالّة إحداهما على المشهور: كحسنة بل صحيحة الفضلاء الخمس عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «في الشاة في كلّ أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شيء ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثمّ ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتّى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتّى تبلغ أربعمائة فإذا تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة...» الحديث(1).

ص: 191


1- تهذيب الأحكام 2/25:4، الاستبصار 22:2، 1/23، الوسائل 1/116:9، ب 6 من أبواب زكاة الأنعام.

و اخراهما على القول الآخر و هو على ما حكاه المحقّق ما تقدّم(1) من خبر محمّد ابن قيس بناء على صدق الكثرة بزيادة الواحدة.

و اجيب عنه: تارة بضعف السند، لكون محمّد بن قيس الراوي مشتركا بين جماعة بعضهم ضعيف فيحتمل كونه هو الضعيف(2) و ردّ بأنّ المشترك بين الثقة و الضعيف هو الّذي يروي عن الباقر عليه السّلام و أمّا الراوي عن الصادق فهو غير محتمل للضعيف، نعم يحتمل كونه ممدوحا خاصّة و موثّقا فيحتمل الخبر من جهته كونه من الحسن أو من الصحيح، هكذا نقل عن ثاني الشهيدين في فوائد القواعد(3).

و السرّ في الاحتمالين كون الراوي عن الصادق عليه السّلام مشتركا بين محمّد بن قيس الأسدي و محمّد بن قيس البجلي و الأوّل ممدوح و الثاني ثقة.

و في المدارك: «أنّ المستفاد من كلام النجاشي و غيره أنّ محمّد بن قيس هذا هو البجلي الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه فتكون الرواية صحيحة»(4) و قد ذكر نحوه صاحب الذخيرة إلاّ أنّه جعل القرينة: «رواية عبد الرحمن بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عنه»(5).

أقول: هذا حسن على تقدير اتّحاد البجلي كما استظهر غير واحد، قيل: و يستفاد من الخلاصة(6) و إلاّ فعلى تقدير التعدّد كما هو ظاهر تعدّد العنوان في كتب الرجال فهو أيضا مشترك بين الممدوح و الثقة.

و اخرى: بمنع الدلالة، فإنّ قوله عليه السّلام: «فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة» يقتضي إناطة إيجاب الشاة في كلّ مائة بوصف الكثرة على معنى أن يحدث من وصف الكثرة بزيادة ما يزيد على ثلاثمائة ما لا يكون متحقّقا في المزيد عليه، و لا ريب أنّ زيادة الواحدة لا يكفي في ذلك لعدم كون الثلاثمائة المزيد عليها قليلة و هي مع الواحدة كثيرة، بل كلّ منهما في نفسها كثيرة و إن كانت الثانية أكثر. فلا بدّ و أن يراد منها ما يحصل بزيادة المائة، للإجماع على عدم مدخليّة زيادة ما دونها و ما فوق الواحدة بالخصوص في الفرض.

ص: 192


1- تقدّم في: 190.
2- المختلف 180:3.
3- فوائد القواعد: 246-247.
4- المدارك 62:5.
5- الذخيرة: 435.
6- خلاصة الأقوال: 252.

و قضيّة ذلك كون الثلاثمائة و واحدة في هذه الرواية مسكوتا عنها، و لعلّ الداعي إلى إهمالها التقيّة كما يومئ إليها تغيير اسلوب العبارة فعبّر هنا بعبارة «إذا كثرت الغنم» لا بعبارة «إذا زادت واحدة» كما في السوابق لما عن الشيخ في الخلاف من «أنّه قال جميع الفقهاء و(1) أبو حنيفة(2) و مالك(3) و الشافعي(4) و غيرهم إنّه ليس في الثلاثمائة و واحدة أربع شياه كما جعلنا، و في أصحابنا من(2) ذهب إلى هذا على رواية شاذّة، و قد بيّنّا الوجه فيها»(3) انتهى.

و ثالثة: بمنع معارضتها لرواية الفضلاء(4) على تقدير تسليم دلالتها، فإذا ليست إلاّ «بالإطلاق» فيقيّد بصورة بلوغ «الأربعمائة» جمعا بينها و بين رواية الفضلاء المخصّصة للحكم بأنّ لكلّ مائة شاة بالأربعمائة، فهي مقيّدة و رواية ابن قيس(5) مطلقة فيحمل المطلق على المقيّد.

و رابعة: بحملها على التقيّة لموافقتها مذهب العامّة على تقدير تسليم الدلالة و التعارض، و قد حكي مضمونها في المنتهى(6) عن الفقهاء الأربع، و في المعتبر(7) عن الثلاثة منهم، و في المحكيّ عن الشيخ في الخلاف عن جميع الفقهاء قائلا: «قال جميع الفقهاء و أبو حنيفة و مالك و الشافعي و غيرهم: إنّه ليس في الثلاثمائة و واحدة أربع شياه كما جعلنا»(8) انتهى.

و في الذخيرة بعد الجزم بحملها على التقيّة قال: «و لعلّ في قوله عليه السّلام: فإذا كثرت الغنم، حيث غيّر اسلوب الكلام و لم يصرّح بالمقصود بل أبهم في التعبير إشارة إلى ذلك، فإنّ دأبهم عليهم السّلام في مواضع التقيّة إيراد المبهمات و المجملات و الإشارات الدقيقة إلى المقصود أحيانا تقديرا للعدول عن التصريح بالحقّ بمقدار الحاجة، كما لا يخفى على

ص: 193


1- حرف «و» ليس في الخلاف. (2و3و4) المدوّنة الكبرى 313:1، اللباب 144:1، المجموع 417:5، بداية المجتهد 253:1، البحر الزخّار 165:3.
2- و هو السيّد المرتضى في جمل العلم و العمل: 126.
3- الخلاف 21:2، المسألة 17.
4- تقدّم في: 191.
5- تقدّم في: 190.
6- المنتهى 489:1.
7- المعتبر 503:2.
8- الخلاف 21:2، المسألة 17.

من تتبّع»(1) انتهى

و لكن لا يخفى عليك أنّ هذا الحمل إنّما يتّجه على تقدير تكافؤ الروايتين في سائر المرجّحات و هو على تقدير كونهما صحيحتين أو حسنتين واضح، و أمّا على تقدير كون هذه الرواية صحيحة و رواية الفضلاء حسنة - بإبراهيم بن هاشم كما هو المشهور - فيشكل الحمل المذكور على ما حقّق في محلّه.

و يمكن الذبّ بأنّ الصحّة و الحسن أصلهما من الاصطلاح فلا يناط بهما من حيث هما الحكم، فربّما يكافئ الحسن في القوّة الصحيح و ربّما يترجّح عليه، و منه ما لو كان الحسن في من يعتمد عليه في الحديث و يعتمد عليه الأجلاّء كإبراهيم بن هاشم، و من ذلك قال في الذخيرة: «و عندي أنّ الحسان بإبراهيم بن هاشم لا تقصر عن الصحاح»(2) انتهى.

خصوصا مع روايته عن حمّاد عن حريز و انتهاء السند إلى الفضلاء الخمس حالهم في الفضل و الفقه و الجلالة واضح و الكلّ من أصحاب الإجماع، و عن الصادق عليه السّلام في رواية(3) وصفهم بالمخبتين النجباء الامناء. و بذلك مضافا إلى كثرة الرواة و أعدليّة كلّ واحد ربّما أمكن الترجيح السندي، خصوصا مع تعدّد الإمام المرويّ عنه، لأنّ لكلّ من ذلك مدخليّة تامّة في قوّة احتمال الصدور و ضعف احتمال الكذب و السهو و الاشتباه.

فظهر أنّ المعتمد هو القول المشهور، و ثمرة الخلاف بين القولين كما نبّه عليه السيّد في الرياض: «واضحة فإنّه يجب في الثلاثمائة و واحدة أربع شياه على المختار، و ثلاث شياه على غيره»(4) و أمّا الفائدة بين الثلاثمائة و واحدة على المختار و الأربعمائة مع اتّحاد الفريضة بحسب الصورة فقد ذكر في الشرائع كما عن القواعد أنّها تظهر في الوجوب و الضمان(5).

و في الذخيرة: «أنّه(6) في درسه أورده سؤالا قال: و الأحسن في تقريره أن يقال إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة و واحدة فأيّ فائدة في جعلهما نصابين ؟

ص: 194


1- الذخيرة، 435:3.
2- الذخيرة، 435:3.
3- الاختصاص: 66.
4- الرياض 63:5.
5- الشرائع 108:1، القواعد 337:1.
6- أي المحقّق.

و ينسحب مثله في المائتين و واحدة و الثلاثمائة و واحدة على القول الآخر.

و الجواب أنّ الفائدة يظهر في الوجوب و الضمان:

أمّا الأوّل فلأنّ محلّ الوجوب في الأربعمائة مجموعها، و في الثلاثمائة و واحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة و واحدة و ما زاد عنه عفو، فهذا هو الفائدة في جعلهما نصابين و كذلك الكلام في نظيره على القول الآخر.

و أمّا الضمان فلأنّه لو تلفت واحدة من أربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة(1) جزء من شاة، و لو كانت ناقصة عنها لم يسقط عن الفريضة شيء ما دامت الثلاثمائة و واحدة باقية، لأنّ الزائد عليها ليس محلاّ للفريضة بل هو عفو. و لو تلفت شاة من الثلاثمائة و واحدة سقط عن الفريضة جزء من خمسة و سبعين جزء و ربع جزء من شاة. قال: و هذا محصّل ما ذكره»(2) و نقله في المدارك أيضا ثمّ قال:

«فظهرت الفائدة في كثرة الفريضة للفقير في قلّة الفائت و للمتصدّق في العكس»(3).

و عن الرياض المناقشة في الفائدة الاولى بأنّ اختلاف المحلّ ممّا لا يترتّب عليه حكم شرعي في هذا المحلّ عدى ما يذكر في الفائدة الثانية و هو على تقدير تماميّتها فائدة اخرى، و إذا لم يترتّب عليه حكم شرعي كان مجرّد اختلاف عبارة. و على الفائدة الثانية تبعا لجماعة منهم صاحبا المدارك و الذخيرة بمنع عدم سقوط شيء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة، لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين فتكون الفريضة حقّا شائعا في المجموع و مقتضى الإشاعة توزيع التالف على المجموع و إن كان الزائد على النصاب عفوا إذ لا منافاة بين الأمرين(4).

و يمكن دفع هذه المناقشة بما ستعرف ممّا دلّ عليه النصّ و الإجماع من أنّ الفريضة في النصاب و لا يتعلّق بما زاد ممّا بين النصابين شيء و لا يجب فيه شيء.

إلاّ أن يقال: إنّ المراد من عدم تعلّق شيء بما زاد عدم تأثير انضمام الزائد على النصاب إليه في وجوب شيء آخر زائد على ما وجب بسبب النصاب، و هذا لا ينافي إشاعة ما وجب بالنصاب في كلّ واحد من آحاد المجموع كما هو قضيّة تعلّق الزكاة

ص: 195


1- في الذخيرة: «جزء من (مائة) سبعين جزء من شاة...».
2- الذخيرة: 435.
3- المدارك 64:5.
4- الرياض 63:5.

بالعين، فالمراد من تعلّق الفريضة بالنصاب كونه مؤثّرا في وجوبها على سبيل الإشاعة في المجموع منه و ممّا زاد عليه إلى أن يبلغ نصابا، كما هو مقتضى ظاهر قوله عليه السّلام:

«فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة» بعد قوله عليه السّلام: «في كلّ أربعين شاة».

و كذلك قوله عليه السّلام: «فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك» بعد قوله عليه السّلام: «فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان».

و قوله عليه السّلام: «فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه» بعد قوله عليه السّلام: «فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه...» إلى آخر الحديث.

و قوله عليه السّلام: «ثمّ ليس فيها شيء حتّى تبلغ عشرين و مائة» و قوله عليه السّلام أيضا: «و ليس فيها أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين» و قوله عليه السّلام أيضا: «ثمّ ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتّى تبلغ ثلاثمائة» لبيان عدم تعلّق شيء زائد على الفريضة بما زاد ممّا بين النصابين بالمعنى المتقدّم و كلمة «حتّى» متعلّقة ب «ليس» و الغاية داخلة في المغيّا.

و قضيّة هذا كلّه أن يكون الفريضة المشاعة في المجموع كلاّ مجموعيّا يلتئم من أجزاء متساوية متكثّرة على حسب تعدّد آحاد المجموع من النصاب و ما زاد بأن يؤخذ من كلّ شاة منه جزء حتّى يتمّ الفريضة بانضمام المجموع فإنّ هذا هو معنى الاشاعة، لا جزئيّا حقيقيّا و هو الفرد المعيّن عند الشارع الغير المعيّن عند المكلّف، و لا كلّيّا اعتباريّا و هو فرد ما على وجه يكون تعيينه موكولا إلى المكلّف فيتخيّر في إخراج أيّ شاة امتثالا للأمر بإخراج الكلّي.

و يلزم ممّا ذكرنا عدم كون الشاة المؤدّاة مثلا بعينها هي الفريضة لعدم وجود الكلّ المجموعي على الوجه الّذي قرّرناه في الخارج، فلا يمكن إخراجه و تأديته إلى الفقير بل هي مسقطة عنه و بدل له، على معنى كون الشاة المؤدّاة بدلا عن الشاة الّتي هي في النصاب أو في المجموع منه و ممّا زاد على سبيل الإشاعة، فالمتّجه هو ما عليه الجماعة من عدم الفرق في سقوط شيء من الفريضة بين الأربعمائة و صورة النقص بتلف واحدة و نحوها، و سيلحقك تتمّة الكلام في ذلك في مسألة تعلّق الزكاة بالعين.

و ينبغي ختم المقام برسم امور:
اشارة

ص: 196

[لا يجب الزكاة في ما زاد على النصاب]

أحدها: ذكر جماعة منهم الفاضلان أنّ الفريضة في الأنعام تجب في كلّ نصاب من النصب المذكورة فيها و لا يجب فيما زاد عليها ممّا بين النصابين شيء(1) و في بعض الكتب أنّه لا يتعلّق بما زاد شيء. و قضيّة هذا البيان كون النصاب عبارة عمّا يتعلّق به الفريضة، و كون الفريضة عبارة عمّا يجب إخراجه من النصاب.

و في المدارك علّل الحكمين بقوله: «أمّا أنّ الفريضة تتعلّق بكلّ واحد من هذه النصب فلأنّ ذلك معنى تقدير النصاب، و أمّا أنّ ما بين النصابين لا يجب فيه شيء فلأنّ ذلك فائدة التقدير، و يدلّ على الحكم الثاني أيضا ما في صحيحة(2) الفضلاء المتكفّلة لبيان نصب البعير من قوله عليه السّلام: «و ليس على النيّف شيء و لا على الكسور شيء»(3).

و نحوه قوله عليه السّلام في صحيحتهم(4) المتكفّلة لبيان نصابي البقر. و يقرب منهما ما في خبر نصب الغنم من قوله عليه السّلام: «و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شيء و ليس في النيّف شيء»(5) و لعلّ تسمية الزائد على النصاب نيّفا لمناسبة أنّ النيّف على ما في القاموس و المجمع: ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني(6).

و الظاهر أنّ مبنى ما ذكره الجماعة من نفي تعلّق شيء بما زاد على ما تقدّم في الفرق بين النصابين من توهّم الفائدة الثانية، و عليه فيتوجّه إليه نحو المناقشة المتقدّمة.

و يمكن توجيهه بنحو ما مرّ من كون المراد من نفي التعلّق، عدم تعلّق شيء آخر زائد على الفريضة الواجبة بسبب النصاب بأن يكون الزائد على النصاب أيضا عنوانا

ص: 197


1- المعتبر 504:2، القواعد 337:1.
2- الكافي 531:3، 1/532، الاستبصار 20:2-4/21، تهذيب الاحكام 22:4-4/23، وسائل الشيعة 111:9-6/112، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام.
3- المدارك 64:5.
4- الكافي 1/534:3، تهذيب الأحكام 1/24:4، الوسائل 114:9، 1/115، ب 5 من أبواب زكاة الأنعام.
5- الكافي 534:3، 1/535، الاستبصار 22:2، 1/23، تهذيب الأحكام 1/25:4، الوسائل 9: 1/116، ب 6 من أبواب زكاة الأنعام.
6- القاموس المحيط 203:3 مادّة نوف، مجمع البحرين 399:4، مادّة نيف. ن، ى، ف.

لوجوب شيء آخر، كما أنّ النصاب عنوان لوجوب الفريضة.

فمعنى كون الفريضة واجبة في النصاب أو متعلّقة به كونه عنوانا لوجوبها، و هذا لا ينافي كون الفريضة مشاعة في المجموع متعلّقة بالزائد أيضا على سبيل الإشاعة كائنا ما كان إلى أن يبلغ نصابا آخر، و عليه فيحمل قوله عليه السّلام: «و ليس في النيّف شيء» في النصّ على أنّه ليس فيه شيء على الاستقلال بأن يكون بنفسه عنوانا لوجوب شيء غير الفريضة، جمعا بينه و بين قوله عليه السّلام: «ففيها مثل ذلك» المتكرّر مع نصب الغنم، لما عرفت من أنّه يقتضي تعلّق الفريضة الواجبة بالنصاب بالمجموع منه و مجموع الزائد على وجه الإشاعة و يتمّ في الباقي من سائر مراتب الزيادة غير المرتبة الأخيرة بعدم القول بالفصل.

[بيان الاصطلاحات في الزائد على النصاب]

و ثانيها: أنّ للأصحاب في الزائد على النصاب الّذي لا يتعلّق به زكاة اصطلاحات:

كالشنق و الوقص و العفو، إلاّ أنّهم خصّوا الأوّل بالإبل و الثاني بالبقر و الثالث بالغنم قال في الشرائع: «و قد جرت العادة بتسمية ما لا يتعلّق به الفريضة من الإبل شنقا و من البقر و قصا و من الغنم عفوا، و معناه في الكلّ واحد، فالتسعة من الإبل نصاب و شنق، فالنصاب خمس و الشنق أربع، بمعنى أنّه لا يسقط من الفريضة شيء و لو تلفت الأربع.

و كذا التسعة و الثلاثون من البقر نصاب و وقص، فالفريضة في الثلاثين و الزائد و قص حتّى يبلغ الأربعين. و كذا مائة و عشرون من الغنم نصابها أربعون و الفريضة فيها و عفوها ما زاد حتّى يبلغ مائة و إحدى و عشرين، و كذا ما بين النصب الّتي عدّدناها»(1) انتهى.

قال في المدارك: «و المستفاد من كلام أهل اللغة أنّ الشنق بفتح الشين المعجمة و النون و الوقص بفتح القاف لفظان مترادفان قال في القاموس: الشنق محرّكة ما بين الفريضتين في الزكاة، ففي الغنم ما بين أربعين و مائة و عشرين و قس في غيرها(2) و قال

ص: 198


1- الشرائع 109:1.
2- القاموس 251:3 مادّة «شنق».

أيضا: الوقص بالتحريك واحد الأوقاص في الصدقة و هو ما بين الفريضتين(1) و نحوه قال الجوهري في الصحاح(2) و قال ابن الأثير في النهاية: الشنق بالتحريك ما بين الفريضتين من كلّ ما تجب فيه الزكاة»(3)-(4).

و نحوه ما في الذخيرة إلاّ أنّه خالفه في ضبط الشنق فقال: «المستفاد من كلام أهل اللغة أنّ الشنق بضمّ الشين المعجمة و النون و الوقص بفتح القاف لفظان مترادفان بمعنى ما بين الفريضتين في الزكاة»(5) انتهى.

و قضيّة كلام القاموس و الصحاح و النهاية تسمية النصاب فريضة، و هو خلاف ما عليه الأصحاب، ففي المناهل: «ما يتعلّق به الزكاة يسمّى نصابا كما صرّح به في الوسيلة(6) و التحرير(7) و المنتهى(8) و يسمّى ما يؤخذ منه في الزكاة فريضة كما صرّح به في الجمل و العقود(9) و الوسيلة(10) و المنتهى(11) و التحرير(12) و البيان(13)»(14).

[لا يجتمع المتفرّق فى الملك]

و ثالثها: قال في الشرائع كما عن المقنعة(15) و النافع(16) و المعتبر(17) و القواعد(18)و الدروس(19) و اللمعة(20) و غيرها: «و لا يضمّ مال إنسان إلى غيره و إن اجتمعت شرائط الخلطة و كانا في مكان واحد بل يعتبر في مال كلّ واحد بلوغ النصاب، و لا يفرّق بين مالي المالك الواحد و لو تباعد مكانهما»(21).

و الظاهر أنّه لا خلاف في الحكمين بل في المدارك في أوّلهما: «أنّ هذا الحكم

ص: 199


1- القاموس 322:2، مادّة «و قص عنقه».
2- الصحاح 1061:3-1062، 1503:4-1504.
3- النهاية 505:2، مادّة «شفق».
4- المدارك 65:5.
5- الذخيرة: 436.
6- الوسيلة: 124.
7- التحرير 366:1.
8- المنتهى 486:1.
9- الرسائل العشر: 200.
10- الوسيلة: 124.
11- المنتهى 486:1.
12- التحرير 366:1.
13- البيان: 174.
14- المناهل: 50 ب.
15- المقنعة: 238.
16- النافع: 56.
17- المعتبر 518:2.
18- القواعد 337:1.
19- الدروس 236:1.
20- اللمعة: 42.
21- الشرائع 109:1.

مجمع عليه بين الأصحاب»(1) و عن التذكرة في ثانيهما: «أنّه مذهب علمائنا أجمع»(2).

و يدلّ على الحكمين معا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «و لا يفرّق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرّق»(3) و معناه أنّه لا يفرّق بين مجتمع في الملك بوحدة المالك و لو تفرّق مكانا، و لا يجمع بين متفرّق في الملك بتعدّد المالك و لو اجتمع مكانا. و يدلّ على الحكم الثاني أيضا - كما في المدارك(4) - إطلاق قوله عليه السّلام: «في أربعين شاة شاة» فإنّه يتناول المجتمعة و المتفرّقة.

و لا فرق في مالي إنسانين لا يضمّ أحدهما إلى آخر في اعتبار النصاب في الزكاة بين صورتي الاختلاط و غيره كما أشار إليه في الشرائع بقوله: «و إن اجتمعت شرائط الخلطة»(5) و الخلطة بكسر الخاء على ما في كلام جماعة(6): «جعل المالين مالا واحدا سواء كانت خلطة أعيان كأربعين بين شريكين أو خلطة أوصاف كالاتّحاد في المرعى و المشرب و المراح و الفحل و الحالب و المحلب مع تميّز المالين».

كما لا فرق في مالي المالك الواحد في كفاية بلوغهما النصاب بين اتّحاد مكانيهما و تعدّدهما و تقارب المكانين و تباعدهما كما نصّ عليه في الشرائع(7) أيضا، و عن التذكرة أيضا: «أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون بين المالين مسافة القطر و لا عند علمائنا أجمع»(8).

[بيان أسنان الإبل]

و رابعها: أنّ أسنان الإبل الّتي تؤخذ في الزكاة منحصرة في أربع: أعلاها الجذعة، و أدناها بنت المخاض، و ما بينهما بنت اللبون و الحقّة، بلا خلاف في شيء من ذلك كما صرّح به غير واحد، قال في المدارك: «لا خلاف في أنّ الجذعة أعلى الأسنان

ص: 200


1- المدارك 66:5-67.
2- التذكرة 100:5.
3- الاستبصار 2/23:2، تهذيب الأحكام 2/25:4، الوسائل 116:9-2/117، ب 6 من أبواب زكاة الأنعام، و لكن ليست هذه الفقرة فيه.
4- المدارك 66:5-67.
5- الشرائع 109:1.
6- المراد به جماعة العامّة كما في الشرح الكبير 530:2، فصل في الخلطة. لا يكون هذا التعريف مقبولا عند فقهاء الإماميّة كما فحصناه في كتبهم.
7- الشرائع 109:1.
8- التذكرة 100:5.

المأخوذة من الزكاة، كما لا خلاف في أنّ بنت المخاض أصغر أسنانها»(1) و إنّما قيّدناها بالزكاة لأنّها كثيرة لا تؤخذ في الزكاة إلاّ الأربعة المذكورة.

فعن الكليني في الكافي: «أسنان الإبل من أوّل يوم تطرحه امّه إلى تمام السنة حوار، فإذا دخل في الثانية سمّي ابن مخاض لأنّ أمّه قد حملت، فإذا دخل في السنة الثالثة يسمّى ابن لبون و ذلك أنّ امّه قد وضعت و صار لها لبن، فإذا دخل في السنة الرابعة يسمّى الذكر حقّا و الانثى حقّة لأنّه قد استحقّ أن يحمل عليه، فإذا دخل في السنة الخامسة يسمّى جذعا، فإذا دخل في السادسة يسمّى ثنيّا لأنّه قد ألقى ثنيّته، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيّته و سمّي رباعيا، فإذا دخل في الثامنة ألقى السنّ الّذي بعد الرباعيّة و سمّي سديسا، فإذا دخل في التاسعة و طرح نابه سمّي بازلا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، و ليس له بعد هذا اسم. و الأسنان الّتي تؤخذ منها في الصدقة، من بنت مخاض إلى الجذع»(2) انتهى. و نحوه ما في الفقيه(3).

و قال في المنتهى: «أوّل فرائض الإبل المأخوذة بنت المخاض و هي الّتي كملت لها سنة و دخلت في الثانية سمّيت بذلك لأنّ امّها ماخض - أي حامل - و المخاض اسم جنس لا واحد له من لفظه و الواحدة خلفة، ثمّ بنت اللبون و هي الّتي لها سنتان و دخلت في الثالثة سمّيت بذلك لأنّ امّها ولدت و صارت ذات لبن، ثمّ الحقّة و هي الّتي كملت لها ثلاث سنوات و دخلت في الرابعة فاستحقّت للحمل أو لطرق الفحل، ثمّ الجذعة - بفتح الذال - و هي الكاملة أربعا و دخلت في الخامسة لأنّها تجذع أي تسقط سنّها و هي أعلى أسنان الزكاة كما أنّ بنت المخاض هي أصغر أسنانها، فإذا تعدّت الخامسة و دخلت في السادسة فهي الثنيّة، و إن دخل في السابعة فهو الرباع و الرباعيّة، و إن دخل في الثامنة فهو سديس و سدس، فإذا دخل في التاسعة فهو بازل - أي طلع نابه - ثمّ يقال بعد ذلك بازل عام و بازل عامين، و البازل و المخلف واحد. و يقال له أوّل انفصاله بالولادة: فصل و حوار، ثمّ بنت مخاض و على ما قلناه من الترتيب»(4) انتهى.

ص: 201


1- المدارك 89:5.
2- الكافي 533:3.
3- الفقيه 1606/25:2.
4- المنتهى 483:1.

و عن المعتبر: «الفرائض المأخوذة في الإبل أوّلها بنت المخاض و هي الّتي استكملت سنة و دخلت في الثانية و سمّيت بذلك لأنّها بلغت حدّا يحمل أمّها و لو كانت حائلا، و الماخض الحامل، و بنت اللبون هي الّتي استكملت سنتين و دخلت في الثالثة و سمّيت بذلك لأنّ امّها حقّ لها أن يضع و يصير ذات لبن، و الحقّة هي الّتي استكملت ثلاثا و دخلت في الرابعة أي استحقّت أن يطرقها الفحل أو يحمل عليها، و الجذعة هي الّتي لها أربع و دخلت في الخامسة لأنّها تجذع أي تسقط سنّها و هي أعلى سنّ يؤخذ في الزكاة»(1) انتهى إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع من كلام الفقهاء و أهل اللغة.

[لا يشترط في الحقّة طروقة الفحل]

ثمّ إنّ ظاهر إطلاق أكثر الأخبار الواردة في نصب الإبل - مضافا إلى أصالة البراءة النافية لاحتمال مدخليّة شيء في العبادة - أنّه لا يشترط في الحقّة طروقة الفحل(2)و هو ضرابه لها بل يكفي استعدادها له، كما نصّ عليه جمع كثير من أساطين الطائفة(3)و هو المشهور على ما حكاه في الذخيرة(4) و نقلت عن المختلف(5) أيضا.

و لا يعارضها ما في صحيحة الفضلاء الخمس من قوله عليه السّلام: «فإذا بلغت خمسا و أربعين ففيها حقّة طروقة الفحل... إلى أن قال: فإذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل»(6) لأنّها مع أنّها غير معمول بها عند معظم الأصحاب - لاشتمالها على جعل النصابين خمسا و أربعين و تسعين مع أنّ الأوّل على التحقيق المتقدّم(7) ستّ و أربعين و الثاني إحدى و تسعين - لا دلالة فيها على خلاف مقتضى الأخبار المطلقة بتقريب أنّ «طروقة الفحل» نعت أو عطف بيان «لحقّة» و هي على ما نصّ عليه الفيروزآبادي

ص: 202


1- المعتبر 513:2.
2- الذخيرة 433:3 «طروقة الفحل فهي الّتي قد طرقها الفحل أي نزا عليها و هي فعولة بمعنى مفعولة كما قيل ركوبة و حلوبة بمعنى مركوبة و محلوبة».
3- المختلف 175:3، مجمع الفائدة 63:4، الذخيرة: 433، الجواهر 123:15.
4- الذخيرة: 433.
5- المختلف 175:3.
6- في هامش الأصل: ضرب الفحل ضرابا، أي نكح.
7- تقدّم في: 174.

عبارة عن بلوغ الناقة أن يضربها الفحل، قال في القاموس: «و ناقة طروقة الفحل بلغت أن يضربها الفحل و كذا المرأة»(1) فهي على تقدير النعت صفة توضيحيّة، كما يساعد عليه ما ذكروه في وجه تسمية هذه الناقة «حقّة» من أنّها استحقّت طروقة الحمل.

و يحتمل أن يكون إطلاق «الحقّة» على الناقة المخصوصة هنا باعتبار معناها الوصفي المأخوذ فيه «الاستحقاق» و ذكر وصف «طروقة الفحل» تنبيه على ما لوحظ في موضوع الحكم أو في التسمية من جهات الاستحقاق نظرا إلى أنّها متعدّدة: كالانتفاع بها أو الحمل عليها أو الركوب عليها أو طروقة الفحل لها، و لذا اختلفت كلماتهم في بيان وجه التسمية.

و على بعض ما ذكرناه يحمل ما حكي عن القديمين ابني الجنيد و أبي عقيل من قولهما: «فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها حقّة طروقة الفحل»(2) و عليه فلا مخالفة لهما في المسألة، و لو سلّم مخالفتهما كما هو المعروف منهما فهو قول شاذّ لا يلتفت إليه.

الشرط الثاني السوم:
اشارة

الشرط الثاني(3) السوم:

بلا خلاف بين أصحابنا، و في الذخيرة: «لا أعرف خلافا بين أصحابنا في اشتراط السوم في وجوب الزكاة»(4) و في المنتهى: «و عليه فتوى علمائنا»(5) و عن المعتبر: «و به قال العلماء إلاّ مالكا تفرّد بذلك»(6) و عن التحرير: «السوم شرط في الإبل و البقر و الغنم إجماعا»(7) و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب»(8) و عزي التمسّك بالإجماع عن مجمع الفائدة(9) و الرياض(10) أيضا و في الجواهر إجماعا بقسميه(11) و عن الحدائق: «عليه علماء الإسلام»(12).

ص: 203


1- القاموس 257:3، مادّة «طرق».
2- المختلف 175:3.
3- تقدّم الشرط الأوّل في ص 169.
4- الذخيرة: 430.
5- المنتهى 486:1.
6- المعتبر 505:2-506.
7- التحرير 363:1.
8- المدارك 67:5.
9- مجمع الفائدة 54:4.
10- الرياض 64:5.
11- الجواهر 92:15.
12- الحدائق 79:12.

فالحكم من جهة الإجماع و لو نقلا مستفيضا ممّا لا إشكال فيه، و هو مع ذلك منصوص عليه في النصوص، ففي صحيح الفضلاء الوارد في زكاة الإبل: «و ليس على العوامل شيء، إنّما ذلك على السائمة الراعية»(1) و في صحيحهم الوارد في زكاة البقر:

«و ليس على الكسور شيء، و لا على العوامل السائمة شيء، إنّما الصدقة على السائمة الراعية»(2) و صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على الفرس و البعير يكون للرجل يركبها شيء؟ فقال عليه السّلام: لا ليس على ما يعلف شيء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الّذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء»(3).

و هذه الروايات و إن اختصّت بحسب المورد بالإبل و البقر إلاّ أنّ قوله عليه السّلام: «إنّما الصدقة على السائمة» في الروايتين الأخيرتين - بضابطة أنّ المورد لا يخصّص و إنّ العبرة بعموم اللفظ - يعمّ الغنم أيضا، مضافا إلى الإجماع المركّب و عدم القول بالفصل.

و يتفرّع على شرطيّة السوم أمران:

أحدهما: عدم وجوب الزكاة في المعلوفة من الأنعام، و ثانيهما: عدم وجوبها في السخال و أولاد الأنعام ما لم يستغنوا عن الامّهات بالرعي، لأنّ السوم شرط فينتفي بانتفائه المشروط، أمّا في الأوّل فواضح، و أمّا في الثاني فلأنّ السوم لغة الرعي فلا يتحقّق مدّة الرضاع، و هذا واضح و لا كلام فيه لأحد.

[الأقوال في وقت اعتبار الحول في أولاد السائمة]

و إنّما الكلام في وقت اعتبار الحول فيها هل هو من حين الاستغناء عن الامّهات

ص: 204


1- الكافي 531:3-1/532، الاستبصار 20:2-4/21، تهذيب الأحكام 22:4-4/23، الوسائل 118:9-1/119، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
2- الكافي 1/531:3، التهذيب 22:4 /، الاستبصار 4/21:2، الوسائل 111:9-6/112، ب 2 من أبواب زكاة الانعام، و: 114-1/115، ب 4 من أبواب زكاة الأنعام، و لكن في هذا الموضعين من الوسائل لا يوجد الفقرة بتمامها.
3- تهذيب الأحكام 67:4-2/68، الوسائل 3/119:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.

بالرعي ؟ كما عليه جماعة منهم الفاضلان في الشرائع(1) و القواعد(2) و التحرير(3)و المختلف(4) و الشهيد في اللمعة(5) و المحقّق الكركي في حاشية الشرائع(6).

أو من حين النتاج ؟ (و هو تولّدها من الامّهات) كما عليه جماعة آخرين منهم ثاني الشهيدين في الروضة(7) و عن الكفاية(8) أنّه مذهب الأكثر، و عن المختلف(9)و المسالك(10) أنّه المشهور.

أو أنّه من حين الاستغناء عن الامّهات في أولاد المعلوفة و من حين النتاج في أولاد السائمة ؟ كما عن الشهيد في البيان(11) و عن مجمع الفائدة أنّه غير بعيد(12) و في المدارك بعد ما استجود العمل برواية زرارة الدالّة على اعتبار الحول من حين النتاج أنّه: لا يخلو عن قوّة(13) أقوال:

حجّة القول الأوّل عموم دليل السوم كقوله عليه السّلام: «إنّما الصدقة على السائمة الراعية» فإنّه بعموم مفهوم الحصر المستفاد من كلمة «إنّما» و لو باعتبار كونها في معنى النفي و الاستثناء يدلّ على نفي الزكاة عن كلّ ما ليس بسائمة، و منه السخال، لما عرفت من عدم تحقق السوم مدّة الرضاع.

حجّة القول الثاني ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن اذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس في صغار الإبل شيء حتّى يحول عليها الحول من حين ينتج»(14).

و قويّة زرارة أو موثّقته عن أحدهما في حديث قال عليه السّلام: «ما كان من هذه الأصناف الثلاثة - الإبل و البقر و الغنم - فليس فيها شيء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج»(15) و هذا أخصّ ممّا تقدّم و الخاصّ مقدّم على العامّ فيخصّص به العامّ ، و لا يقدح

ص: 205


1- الشرائع 109:1.
2- القواعد 334:1.
3- التحرير 364:1.
4- المختلف 167:3.
5- اللمعة الدمشقيّة: 42.
6- حاشية الشرائع 246:10.
7- شرح اللمعة 26:2.
8- كفاية الأحكام: 36.
9- المختلف 167:3.
10- المسالك 368:1.
11- البيان: 172.
12- مجمع الفائدة 59:4.
13- المدارك 68:5.
14- الكافي 3/533:3.
15- الوسائل 4/123:9، ب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الاستبصار 3/20:2، تهذيب الأحكام 4: 21-3/22.

اختصاص الصحيحة بصغار الإبل لأنّه يتمّ في صغار البقر و الغنم بعدم القول بالفصل لعدم ظهور قائل به. و ليس للتفصيل المتقدّم عن البيان(1) وجه إلاّ أمران:

أحدهما(2): كونه جمعا بين الأخبار كما أشار إليه في المسالك(3) و ضعفه واضح، فإنّ الجمع المذكور الّذي مرجعه إلى التأويل في كلا المتعارضين بالتخصيص - مع أنّه من دون شاهدين خارجيّين غير مقبول كما حقّق في محلّه - غير جار إلاّ في المتبائنين و المقام ليس منهما، لكون ما دلّ على نفي وجوب الزكاة في الأولاد أعمّ مطلقا ممّا دلّ على اعتبار حولها من حين النتاج باعتبار شموله لمعلوفة الامّهات، فيكون المقام من تعارض العامّ و الخاصّ الّذي يقدّم فيه الخاصّ على العامّ ، فطريق الجمع فيه تخصيص دليل اعتبار السوم بالأولاد.

و قد يتوهّم انعكاس الفرض - و هو كون ما دلّ على اعتبار السوم أخصّ من الأخبار الدالّة على أنّ السخال حولها من النتاج - تعليلا بأنّه يصدق عليها حين ارتضاعها من السائمة أنّها سائمة حقيقة، و لا يصدق ذلك حين ارتضاعها من المعلوفة.

و فيه أوّلا: منع صدق السائمة عليها بمجرّد سوم امّهاتها، و لا ينافيه عدم صدق المعلوفة عليها أيضا، إذ لا يلزم من عدم صدق المعلوفة صدق السائمة لإمكان الواسطة و السخال منها.

و ثانيا: منع تناول إطلاق السائمة على تقدير صدقها عليها حقيقة لها، لمكان انصرافه إلى الامّهات فقط.

و ثالثا: إنّ هذا الاعتبار يقضي بخروج أولاد السائمة من الحكم السلبي المستفاد من مفهوم الحصر و دخولها في الحكم الإيجابي، و يلزم من ذلك انقلاب النسبة السابقة إلى نسبة العموم من وجه لا انعكاس الفرض، لكون قوله عليه السّلام: «إنّما الصدقة على السائمة» باعتبار مفهوم الحصر عامّا في المعلوفة و أولادها من الإبل و البقر و الغنم، و ما دلّ على أنّ حول السخال من حين النتاج عامّا في أولاد السائمة و أولاد المعلوفة، فيتعارضان في أولاد المعلوفة، لقضاء الأوّل بنفي وجوب الزكاة فيها و قضاء الثاني

ص: 206


1- البيان: 172.
2- شطب على «ثانيهما» في الأصل.
3- المسالك 368:1.

بوجوبها فيها.

و إنّما يتأتّى الجمع الموافق لقول البيان لو أرجعنا التأويل إلى الثاني و تخصيصه بأولاد المعلوفة و هو ممّا لا شاهد له، فيتعيّن إرجاع التأويل و التخصيص إلى الأوّل ترجيحا لما هو أقلّ أفرادا من المتعارضين على ما هو أكثرها و تقديما للدلالة المنطوقيّة على الدلالة المفهوميّة، و يعضده الشهرة الفتوائيّة بل العمليّة على تقدير تحقّقها.

فصل:

يعتبر في السائمة استمرار السوم طول الحول و في جميعه، و لا يكفي فيه السوم في بعض الحول مع أغلبيّة العلف و لا مع تساويهما بلا خلاف فيهما ظاهرا و إن حكي عن مبسوط الشيخ في الثاني جعل الأحوط إخراج الزكاة إلاّ أنّه قال مع ذلك: «إن قلنا إنّه لا يجب فيها زكاة كان قويّا، لأنّه لا دليل على وجوب ذلك في الشرع، و الأصل براءة الذمّة»(1).

و كذلك لا يكفي أغلبيّة السوم كما عليه الأكثر منهم الفاضلان(2) و الشهيدان(3)و غيرهما من المتأخّرين(4) و متأخّريهم(5) خلافا للشيخ في الخلاف(6) و المبسوط(7)على ما حكي عنه، و قبله ابن الجنيد كما حكاه عنه في المختلف(8) و ربّما نسب المصير إليه إلى ظاهر الدروس(9) و لم أتحقّقه.

و كيف كان فالمختار المعتمد هو الأوّل، لظاهر قول أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في صحيحة الفضلاء: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شيء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فإذا حال عليه

ص: 207


1- المبسوط 198:1.
2- المعتبر 506:2-507، المختلف 166:3.
3- شرح اللمعة 21:2-22، الدروس 233:1.
4- جامع المقاصد 11:3، مجمع الفائدة 55:4.
5- المدارك 67:5، 68، الذخيرة: 432، الحدائق 79:12، 80، الرياض 7:5.
6- الخلاف 53:2-54، المسألة 62.
7- المبسوط 198:1.
8- المختلف 166:3.
9- الدروس 234:1.

الحول وجب عليه»(1).

و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيحة زرارة المتقدّمة: «ليس على ما يعلف شيء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الّذي يقتنيها فيه الرجل فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء»(2).

فإنّ ظاهر الخبرين اعتبار السوم الّذي هو شرط في جميع الحول و العام، فلا يقال على ما كان سومها أغلب إنّها سائمة في الحول أو في العام. و إلى ذلك ينظر استدلال المحقّق في المعتبر على القول المختار بأنّ : «السوم شرط الوجوب فكان كالنصاب»(3).

و أمّا ما اورد عليه في المدارك و الذخيرة من: «أنّ النصاب قد وقع التنصيص على اعتبار ملكه طول الحول فينقطع بخروجه عن الملك في أثنائه، بخلاف السوم لعدم التصريح باعتبار دوامه فيرجع في صدق اسم الوصف إلى العرف»(4).

ففيه: أنّه قد عرفت ظهور الخبرين في اعتبار دوام السوم و استمراره طول الحول، و لا حاجة معه إلى التصريح.

و استدلّ للقول الآخر في جملة(5) من الكتب بوجوه ضعيفة و هي: «إنّ اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير و غير الأغلب بالنسبة إليه يسير، و إنّ اعتبار السوم في جميع الحول يقتضي إسقاط الزكاة غالبا و عدم وجوبها إلاّ في الأقلّ ، و إنّ خفّة المئونة موجودة هنا فأشبه السائمة في جميع الحول، و إنّ الأغلبيّة معتبرة في سقي الغلاّت فكذا تعتبر في السوم.

و الجواب عن الأوّل منع كون غير الأغلب بجميع مراتبه يسيرا بل هو في كثير من مراتبه كثير و معه يزول اسم السوم قطعا، على أنّ الشرط ليس هو السوم المطلق بل

ص: 208


1- الفقيه 26:2، الاستبصار 23:2-1/24، تهذيب الأحكام 15/41:4، الوسائل 5/120:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
2- تقدّم في: 204.
3- المعتبر 507:2.
4- المدارك 69:5، الذخيرة: 432. هو ما يستفاد من ظاهر عبارة الذخيرة و لكن لم نجد نصّها كما هو المنقول هنا.
5- المعتبر 506:2، الخلاف 52:2، 53، 54، المدارك 69:5، الدروس 233:1.

السوم في الحول، و هذا يزول بعلف شهر بل اسبوع بل يومين بل يوم، مع أنّ الجميع من أفراد غير الأغلب، نعم لا يقدح فيه علف لحظة بل ساعة بل نصف يوم، و هذا بمجرّده لا يقتضي اعتبار الأغلب و الاكتفاء به بقول مطلق.

و عن الثاني منع الملازمة بقول مطلق بل يختلف ذلك بحسب البلدان و الأصقاع، و حيث يلزم نمنع بطلان اللازم لأنّه مقتضى شرطيّة سوم الحول، فدعوى بطلان اللازم إنكار للشرطيّة أو اجتهاد في مقابلة النصّ .

و عن الثالث منع علّية خفّة المؤنة إلاّ على الاستنباط الظنّي فيكون قياسا، و هو باطل. و هذا بعينه الجواب عن الرابع، مع أنّه فيه مع الفارق.

ثمّ إنّهم اختلفوا في سقوط الزكاة عنها و خروجها عن اسم السوم بعلف يوم أو يومين فقيل بالسقوط للخروج عن اسم السوم كما عليه الفاضلان في الشرائع(1)و الإرشاد(2) و عنهما في المعتبر(3) و النافع(4) و القواعد(5) و نهاية الإحكام(6)، و حكي عن الحلّي في السرائر(7).

و قيل بالعدم كما عن ابن الجنيد(8) و قوّاه الشهيد في المحكيّ عن بيانه(9) و استقربه في المحكيّ عن دروسه(10) و عزي اختياره إلى حاشية الشرائع(11) و اختاره في المسالك و الروضة(12).

و ربّما انيط الحكم بصدق اسم السائمة عرفا مع هذا العلف فلا تسقط و عدمه فتسقط كما في المدارك(13) و الذخيرة(14) تبعا للعلاّمة في المنتهى(15) كما عنه أيضا في التذكرة(16) و التحرير(17) و نسبه في المدارك إلى العلاّمة و من تأخّر عنه(18) و عن

ص: 209


1- الشرائع 109:1.
2- الإرشاد 280:1.
3- المعتبر 507:2.
4- النافع: 55.
5- القواعد 333:1-334.
6- نهاية الإحكام 317:2.
7- السرائر 446:1.
8- المختلف 166:3.
9- البيان: 171.
10- الدروس 233:1.
11- حاشية الشرائع 247:10.
12- المسالك 369:1، شرح اللمعة 22:2.
13- المدارك 69:5.
14- الذخيرة: 432.
15- المنتهى 486:1.
16- التذكرة 48:5.
17- التحرير 363:1.
18- المدارك 69:5.

الرياض أنّه مذهب أكثر المتأخّرين(1) و اختاره في المحكيّ عن مجمع الفائدة قائلا:

و لا تحديد في الشرع فيرجع [إلى العرف] كما في غيره(2) و علّله في المحكيّ عن الرياض بعدم النصّ و وجوب الرجوع إلى العرف في مثله(3).

و الأقوى المعتمد هو القول الأوّل، لما تقدّم من صحيحتي الفضلاء و زرارة(4)لقضائهما في متفاهم العرف بأنّ موضوع وجوب الزكاة هو السائمة في الحول و العام، و إنّ شرط وجوبها سوم الحول أو السوم في الحول، و لا ريب أنّه مع علف يوم أو يومين لا يصدق ذلك لا بمعنى عدم صدق الوصف بنفسه، بل بمعنى عدم صدق الإضافة، بل عدم صدق المضاف إليه فإنّ : «الحول» و نحوه «العام» بحسب الوضع لغة و عرفا اسم لمجموع أيّام معيّنة معدودة و ليس مشتركا بين التامّ و الناقص و لا للقدر المشترك بين الزائد و الناقص، فلا يصدق حقيقة على ما ينقص بيوم أو يومين.

نعم قد يتسامح عرفا فيطلق على ما نقص ذلك بل أزيد، تنزيلا للنقص منزلة عدمه، فاللفظ في الحقيقة يطلق على التامّ لكن بعد التنزيل المذكور الّذي هو تصرّف عقلي فلا مجاز في اللفظ، و نحو هذا التنزيل غير ثابت في خطاب الشرع حيث علّق على الحول و ما يرادفه حكم شرعي كما فيما نحن فيه و الأصل عدمه، كما أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة.

فلا يصدق على تقدير تخلّل علف يوم أو يومين في أثناء الحول أنّها سائمة في الحول و لا سوم الحول و لا السوم في الحول، و لا ينتقض ذلك بالعلف لحظة أو لحظتين في أثناء الحول الّذي ظاهرهم عدم الخلاف في عدم قدحه في الصدق، كما استظهره في المناهل(5) فإنّ نحو هذا العلف اليسير جدّا ينزل في العرف منزلة عدمه فكأنّه لم يتخلّل علف في الأثناء، و يلزمه صدق السائمة في الحول و سوم الحول عرفا.

و إلى ما قرّرناه من وجه الاستدلال يرجع الاستدلال للقول المختار بأنّ السوم شرط ففواته في بعض الحول كفواته [في كلّ الحول].

ص: 210


1- الرياض 64:5.
2- مجمع الفائدة 55:4.
3- الرياض 64:5.
4- تقدّما في: 204.
5- المناهل: 53 الف، 54 الف.

و بما بيّنّاه أخيرا يندفع ما اورد عليه من: «أنّه يلزم من ذلك أنّه لو اعتلف لحظة أن يخرج عن اسم السوم و ليس كذلك» كما في المنتهى(1) و المدارك(2) و طريق الدفع منع الملازمة، هذا و لكن الاحتياط بإخراج الزكاة في مفروض المسألة ممّا لا ينبغي تركه.

و الظاهر أنّه لا فرق في كون تخلّل العلف في الأثناء قادحا في صدق سوم الحول بين كونه في زمان يعتاد الأنعام نوعا فيه الأكل كالأيّام أو في زمان لا يعتاد فيه الأكل كالليالي، و حينئذ فلو سامت نهارا و علّفها ليلا خرجت عن كونها سائمة في العرف.

و يلحق بالعلف في زمان يعتاد فيه الأكل ما لو تركت التشاغل بالرعي يوما أو يومين أو أكثر لمانع من مرض أو حبس أو نحو ذلك، و من ذلك ما في إرشاد العلاّمة من قوله: «و كذا لو منعها الثلج أو غيره من الرعي»(3) و قال في الذخيرة: «لعموم الأدلّة الدالّة على اعتبار السوم»(4) و لا يعتبر فيه تخلّل التعليف من المالك و لا من غيره كما يظهر من عبارة الشرائع قائلا: «و كذا لو منع السائمة مانع كالثلج و نحوه فعلّفها المالك أو غيره بإذنه أو بغير إذنه»(5) و لذا قال في المدارك: «و متى انتفى السوم سقطت الزكاة سواء اعتلفت الدابّة بنفسها أو علّفها المالك أو غيره بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك أو غيره»(6).

ثمّ إنّ ما ذكره قدّس سرّه من سقوط الزكاة بانتفاء السوم مطلقا و في جميع الصور المذكورة هو الحقّ الّذي لا محيص عنه عملا بمقتضى شرطيّة السوم، و هو المصرّح به في كلام جماعة من المتأخّرين(7) و متأخّريهم(8) و منهم الشهيد الثاني في المسالك قال: «و وجه الحكم في الجميع خروجها عن اسم السائمة بالعلف كيف اتّفق. و لكن استشكل الحكم فيما لو علّفها الغير من مال نفسه نظرا إلى المعنى المقصود من العلف و الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة معه و هو المئونة على المالك الموجبة للتخفيف كما اقتضته في الغلاّت

ص: 211


1- المنتهى 486:1.
2- المدارك 69:5.
3- الإرشاد 280:1.
4- الذخيرة: 432.
5- شرائع الاسلام 109:1.
6- المدارك 70:5.
7- الشرائع 109:1، القواعد 333:1-334، البيان: 171-172.
8- جامع المقاصد 11:3، المدارك 67:5-68، الذخيرة: 432، الحدائق 79:12-80، الرياض 7:5.

عند سقيها بالدوالي... ثمّ قال: و مثله ما لو علّفها الغير من مال المالك بغير إذنه لثبوت الضمان عليه... إلى أن قال: و للتوقّف في المسألتين مجال و إن كان القول بخروجها من السوم فيهما لا يخلو من وجه»(1) انتهى.

و عن تذكرة العلاّمة إلحاقها بالسائمة لو علّفها الغير من ماله لعدم المئونة(2)و لا خفاء في ضعف العلّة، فإنّ الحكم معلّق على اسم السائمة فينتفي بانتفائه، لا على الحكمة، فالعلّة غير منصوصة، و استنباط العلّية من المناسبة لا يصلح لإلحاق غير السائمة بالسائمة، لكونه من القياس الباطل عندنا.

ثمّ إنّ وصف السوم المعلّق عليه الحكم في السائمة عبارة عن الرعي بنصّ أئمّة اللغة(3) مضافا إلى التصريح به في صحيحتي(4) الفضلاء حيث وصف فيهما السائمة بالراعية بناء على كون الصفة موضحة مبيّنة للمعنى المراد من الموصوف، و عليه فكلّ ما لم يصدق عليه السائمة الراعية في الحول لم يجب فيه الزكاة سواء صدق عليها المعلوفة أو لا.

نعم كلّما صدق عليه المعلوفة كشف عن انتفاء صدق السائمة، و عليه فتكون من المعلوفة عرفا ما لو أطعمها المالك أو أكلت هي بنفسها شيئا مملوكا له كالتبن و الزرع و لو كان نحو الفصيل و غيره ممّا يزرع بالخصوص للدوابّ ، و ما لو اشترى لها من المرعى فأرسلها فيه للرعي، و ما لو أطعمها مرعى غيره غصبا و من دون إذنه، فإنّها في الكلّ معلوفة و ليست بسائمة و إن كان أكلها للزرع أو الكلاء بطريق الرعي كما صرّح بجميع(5) جماعة من فحول متأخّرينا(6).

ص: 212


1- المسالك 369:1-370.
2- التذكرة 48:5.
3- كمجمع البحرين 458:2، السائمة من الماشية: الراعية.
4- الكافي 531:3-1/532، الاستبصار 20:2، 4/21، تهذيب الأحكام 22:4-4/23، الوسائل 118:9-1/119، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام و الباب 111:2-6/112.
5- كذا في الأصل.
6- الشرائع 109:1، القواعد 333:1-334، البيان: 171-172، المسالك 369:1-370، جامع المقاصد 11:3.

بخلاف ما لو استأجر أرضا لترعى فيها، و ما لو دفع مالا إلى الظالم على الكلاء المباح مصانعة، و ما لو أرسلها لترعى من الكلاء المملوك له تبعا لملك الأرض من القرية الّتي ملكها فإنّها في هذه الصور ليست بمعلوفة بل سائمة عرفا.

و لكن في ضابط الفرق بينها و بين الصور الأولة الّتي هي فيها معلوفة خفاء و إشكال و إن وجّهه ثاني الشهيدين في المسالك بالنسبة إلى صورتي الاستيجار و ما يأخذه الظالم على الكلاء احتمالا بقوله: «و كأنّه بناء على أنّ الغرامة في مقابلة الأرض دون الكلاء، إذ مفهوم الاجرة لا يتناوله. ثمّ استشكله بقوله: و لا يخلو من إشكال»(1).

أقول: و يمكن أن يكون الضابط كون ما تأكله من الكلاء بتعليف أو اعتلاف من المباحات الّتي لم يتطرّق إليها ملك مالك بالخصوص قصدا و أصالة باستنماء أو استنبات أو زرع أو نحو ذلك و إن كانت مملوكة تبعا لملك الأرض لمالك الدابّة أو غيره، فليتدبّر في ذلك فإنّه غاية ما يذكر في المقام من ضابط الفرق و تحقّق السوم و صدق السائمة عرفا و انتفائهما.

الشرط الثالث الحول: فلا يجب في الأنعام زكاة قبل حلوله
اشارة

بلا خلاف يظهر بين أصحابنا، و عن المعتبر:

«عليه فتوى العلماء»(2) و في المنتهى: «هو قول أهل العلم كافّة إلاّ ما حكي عن ابن عبّاس(3) و ابن مسعود(4) أنّهما قالا: إذا استفاد المال زكّاه في الحال ثمّ يتكرّر بتكرّر الحول... إلى أن قال: و الإجماع دالّ عليه، و خلاف المذكورين قد انقرض فلا اعتداد به»(5) و صرّح بالإجماع أيضا في الرياض(6) فهو الحجّة.

مضافا إلى ما استفاض به من النصوص، ففي صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «قالا: ليس على العوامل من الإبل و البقر شيء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه، فإذا حال عليه

ص: 213


1- المسالك 307:1.
2- المعتبر 507:2.
3- المجموع 361:5، المغني 496:2.
4- المجموع 361:5، المغني 496:2.
5- المنتهى 486:1.
6- الرياض 65:5.

الحول وجب عليه»(1).

و صحيحهم أيضا عنهما عليهما السّلام في زكاة البقر «قالا: إنّما الصدقة على السائمة الراعية، و كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه حتّى يحول عليه الحول، فإذا حال عليه وجب فيه»(2).

و صحيحهم أيضا الوارد في زكاة الغنم عنهما «قالا عليهم السّلام: كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه»(3).

و خبر زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «ليس في الإبل شيء...» إلى أن قالا عليهم السّلام: و ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم فليس فيها شيء حتّى يحول عليها الحول من يوم ينتج»(4).

و موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام عن صدقات الأموال فقال عليه السّلام: «في تسعة أشياء ليس في غيرها شيء في الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية، و ليس في شيء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شيء، و كلّ شيء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شيء حتّى يحول عليه الحول منذ ينتج»(5).

في استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر و عدمه

ثمّ إنّه صرّح الفاضلان(6) في كتبهما و الشهيدان في الدروس(7) و البيان(8)

ص: 214


1- الفقيه 26:2، الاستبصار 23:2-1/24، تهذيب الأحكام 15/41:4، الوسائل 5/120:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام و الباب 111:2-6/112.
2- الوسائل 1/121:9، ب 8 من أبواب زكاة الأنعام، التهذيب 15/41:4.
3- الكافي 534:3-1/535، الاستبصار 22:2-1/23، تهذيب الأحكام 1/25:4، الوسائل 9: 1/116، ب 6 من أبواب زكاة الأنعام.
4- الوسائل 4/123:9، ب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الاستبصار 3/20:2، تهذيب الأحكام 4: 21-3/22.
5- الاستبصار 2/2:2، تهذيب الأحكام 2/2:4، الوسائل 9/57:9، ب 8 من أبواب وجوب الزكاة.
6- القواعد 332:1 و 335، المعتبر 507:2.
7- الدروس 232:1.
8- البيان: 117.

و المسالك(1) و الروضة(2) و المحقّقان في حاشية الشرائع(3) و مجمع الفائدة(4) و السيّدان في المدارك و الرياض(5) و السبزواري في الكفاية و الذخيرة: و إنّ حدّ الحول أحد عشر شهرا كاملا و إذا دخل الثاني عشر و أهلّ هلاله فعند ذلك حال الحول و وجبت الزكاة و لو لم يكمل أيّامه(6) و عن موضعين من الذخيرة نفي الخلاف في ذلك بين الأصحاب(7)و في المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا»(8) و نحوه عن التذكرة(9) و عن المعتبر: «هو مذهب علمائنا أجمع»(10) و في الرياض: «إجماعا»(11) و في المدارك: «هذا مذهب علمائنا أجمع»(12) و في المسالك: «اعلم أنّ الحول لغة اثنى عشر شهرا، و لكن أجمع أصحابنا على تعلّق الوجوب بدخول الثاني عشر، و قد أطلقوا على الأحد عشر اسم الحول أيضا لذلك»(13) انتهى.

ثمّ استدلّوا على ذلك من طريق النصّ بما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد اللّه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: قلت له: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة، فعل ذلك قبل حلّها بشهر، فقال عليه السّلام: إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة»(14).

هذا، و لكنّهم اختلفوا في انقطاع الحول الأوّل الّذي هو شرط للوجوب بدخول الشهر الثاني عشر فيحتسب ذلك الشهر من الحول المستقبل، و عدم انقطاعه به فيحتسب من الحول الأوّل و يكون جزءا منه على قولين: أشهرهما الأوّل، و ثانيهما للشهيدين في الدروس(15) و البيان(16) و المسالك(17) و الروضة(18) و حاشية(19) القواعد و المحقّق

ص: 215


1- المسالك 370:1-371.
2- شرح اللمعة 23:2.
3- حاشيه الشرائع 247:10.
4- مجمع الفائدة 33:4.
5- المدارك 71:5-72، الرياض/ 65:5.
6- كفاية الأحكام: 35، الذخيرة: 428.
7- الذخيرة: 428.
8- المنتهى 487:1.
9- التذكرة 51:5.
10- المعتبر 507:2.
11- الرياض 65:5.
12- المدارك 71:5-72.
13- المسالك 370:1-371.
14- الكافي 4/525:3.
15- الدروس 232:1.
16- البيان: 171.
17- المسالك 370:1-371.
18- شرح اللمعة 23:2.
19- فوائد القواعد: 241.

الثاني في حاشية الشرائع(1).

و يتفرّع عليهما استقرار الوجوب و تزلزله، فعلى الأوّل كان الوجوب الحاصل بدخول الثاني عشر وجوبا مستقرّا لا يتوقّف استقراره على تمام أيّام ذلك الشهر، و على الثاني كان الثابت به وجوبا متزلزلا مراعى استقراره ببقاء الشروط الاخر إلى كمال أيّام ذلك الشهر.

فليس في المقام إلاّ نزاعا واحدا يمكن تقريره بصورة النزاع الموضوعي و هو ما قرّرناه ليتفرّع على قوليه كلا تقديري الحكم من استقرار الوجوب و تزلزله، و بصورة النزاع الحكمي، كما صنعه السيّد في الرياض قائلا: «و هل يستقرّ الوجوب بذلك حتّى أنّه لو دفع الزكاة بعد دخوله ثمّ اختلّ أحد الشروط فيه لم يرجع، أم يتوقّف على تمامه ؟ وجهان»(2).

و نحوه ما في المسالك حيث قال: «و لا شكّ في حصول أصل الوجوب بتمام الحادي عشر، و لكن هل يستقرّ الوجوب به أم يتوقّف على تمام الثاني عشر... إلى أن قال عند اختيار المذهب: و حينئذ فيكون الثاني عشر جزءا من الأوّل و استقرار الوجوب مشروط بتمامه... إلى أن قال: فيكون الأحد عشر حولا لمطلق الوجوب و الاثنى عشر حولا للوجوب المستقرّ»(3).

و العجب عن سيّد المناهل أنّه جعلهما مسألتين و ذكرهما بعنوانين و نقل الاختلاف في كليهما، ثمّ نسب في ثانيهما القول باستقرار الوجوب إلى كلّ من قال باحتساب الثاني عشر من الحول الثاني، و القول بعدم استقراره إلاّ بتمام الثاني عشر إلى كلّ من قال بأنّه من الحول الأوّل(4).

و كيف كان فالأقوى في المسألتين هو استقرار الوجوب المستلزم لكون الثاني عشر من الحول الثاني، لنا ظهور الوجوب في النصّ و الفتاوى و معاقد الإجماعات في الوجوب المستقرّ، و في كلام جماعة(5) - تبعا للإيضاح(6) لفخر المحقّقين ولد العلاّمة -

ص: 216


1- حاشية الشرائع 247:10.
2- الرياض 65:5.
3- المسالك 371:1.
4- المناهل: 55، الف و ما بعده.
5- المسالك 370:1، مجمع الفائدة 32:4-33، الذخيرة: 428، الحدائق 74:12.
6- الإيضاح 172:1.

تقرير الاستدلال بما في النصّ من قوله عليه السّلام: «إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه الزكاة» بأنّ الفاء يقتضي التعقيب بلا مهلة فبأوّل جزء منه يصدق عليه أنّه حال عليه الحول، و «حال» فعل ماض لا يصدق إلاّ بتمامه.

مع أنّ الوجوب المتزلزل ممّا ليس له معنى محصّل إلاّ الحكم بالوجوب من حين دخول الثاني عشر المصادف في الواقع للوجوب المستقرّ تارة و لانتفاء الوجوب رأسا اخرى، لأنّ الوجوب المشروط بالاشتراط الحقيقي من العالم بالعواقب على ما حقّق في الاصول غير معقول، و مع بقاء الشروط إلى أن يكمل أيّام الثاني عشر ينكشف الوجوب المستقرّ من حين دخوله، و مع اختلال بعضها فيما بين دخوله و استكمال أيّامه ينكشف انتفاء الوجوب رأسا فلا يبقى إلاّ الحكم بالوجوب الّذي قد يصادف الوجوب الواقعي و قد يصادف انتفاءه و تسميته وجوبا متزلزلا كما ترى.

فصار المحصّل على المختار أنّ الشرط الثالث هو مضيّ أحد عشر شهرا كاملا يعلم كمالها بدخول الثاني عشر، غاية ما في الباب أنّه اطلق في النصّ و الفتوى على الأحد عشر شهرا كاملا اسم الحول مجازا لقربه من المعنى الحقيقي، لوضوح أنّ أحد عشر شهرا خلاف معناه اللغوي، و قد اطلق عليه اللفظ بدليل الإجماع و النصّ ، و كونه على الحقيقة مبنيّ على النقل بتجدّد الوضع الشرعي أو المتشرّعي الّذي يندفع بالأصل، و الإطلاق أعمّ من الحقيقة.

فما يظهر من عبارة الإيضاح من الالتزام بكونه في أحد عشر شهرا من الحقائق الشرعيّة قائلا: «و حيث ثبت تسمية الأحد عشر شهر حولا شرعا قدّم على المعنى اللغوي لما تقرّر من أنّ الحقيقة الشرعيّة مقدّمة على اللغويّة»(1) ليس بسديد.

و ممّا يؤيّد المنع أنّ المتبادر من الحول في عرف المتشرّعة خلاف هذا المعنى، و هذا غير متبادر منه بل يصحّ سلب الاسم عنه عندهم، و هو ميزان عرف زمان الشارع فيكشف عن عدم تبادره من اللفظ في عرف زمان الشارع و صحّة سلب الاسم عنه ثمّة، و هذا ينافي الحقيقيّة.

ص: 217


1- راجع الإيضاح 172:1.

و من فروع المسألة وجوب إخراج الزكاة بمجرّد دخول الثاني عشر و دفعها إلى المستحقّ على المختار دونه على القول الآخر، و عدم جواز الرجوع بها بعد دفعها إليه إذا اختلّ بعض الشروط فيما بينه و بين تمام الشهر على المختار و جواز الرجوع بها على القول الآخر، و ضمانها بالتلف فيما لو أخّر إخراجها عن دخول الثاني عشر إلى أن اختلّ بعض الشروط بعد التلف و قبل تمام الشهر على المختار لتفريطه دونه على القول الآخر، و سقوط وجوبها باختلاف بعض شروطها فيما بين دخول الشهر و استكمال أيّامه على القول الآخر و عدم سقوطه على المختار. و في بعض هذه الفروع نظر، يظهر وجهه بالتأمّل فيما بيّنّاه من منع معنى محصّل للوجوب المتزلزل.

الشرط الرابع: في زكاة خصوص الإبل و البقر أن لا تكون عوامل،

فلو كانت عوامل فكما لو كانت معلوفة في عدم وجوب الزكاة، و في المناهل التعبير عن المسألة بأنّه «يشترط في وجوب الزكاة في الأنعام الثلاثة أن لا تكون عوامل»(1) و ما ذكرناه أسدّ إذ لا يعقل العوامل في الغنم، و هو المستفاد من كلام الأصحاب.

و كيف كان فالظاهر أنّ اشتراط هذا الشرط في وجوب الزكاة ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما نبّه عليه في الذخيرة بقوله: «و الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب، بل لم يخالف فيه إلاّ شاذّ من العامّة»(2) و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء كافّة إلاّ من شذّ من العامّة»(3).

و الدليل عليه - بعد الأصل مضافا إلى ما ذكر - النصوص المستفيضة المتكاثرة ففي صحيح الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شيء»(4).

ص: 218


1- المناهل: 61 الف.
2- الذخيرة: 433.
3- المدارك 79:5.
4- الفقيه 26:2، الاستبصار 23:2، 1/24، تهذيب الأحكام 15/41:4، الوسائل 5/120:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.

و في صحيحهم أيضا في زكاة الإبل قال عليه السّلام: «و ليس على العوامل شيء»(1) و في آخر في زكاة البقر قال عليه السّلام: «ليس على النيّف شيء، و على الكسور شيء، و لا على العوامل شيء»(2).

و صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: هل على الفرس و البعير يكون للرجل يركبها شيء؟ فقال عليه السّلام: لا ليس على ما يعلف شيء إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها، عامها الّذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شيء»(3).

و في خبر آخر لزرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «ليس في شيء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم و كلّ شيء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شيء»(4).

و لا يقاوم لمعارضتها موثّقة إسحاق بن عمّار قال: «سألته عن الإبل تكون للجمّال أو تكون في بعض الأمصار أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرّيّة ؟ فقال عليه السّلام: نعم»(5) و موثّقته الاخرى قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الإبل العوامل عليها زكاة ؟ فقال عليه السّلام: نعم عليها زكاة من جهات شتّى»(6) مع احتمالهما التقيّة أو حملها(7)على الاستحباب كما احتمله غير واحد.

ثمّ المعتبر في هذا الشرط العدمي كالسوم استمراره طول الحول و لا يكفي فيه

ص: 219


1- الكافي 531:3-1/532، الاستبصار 20:2-4/21، تهذيب الأحكام 22:4-4/23، الوسائل 118:9، 1/119، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
2- الكافي 1/534:3، تهذيب الأحكام 1/24:4، الوسائل 2/119:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
3- تهذيب الأحكام 67:4، 2/68، الوسائل 3/119:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
4- الاستبصار 2/24:2، تهذيب الأحكام 16/41:4، الوسائل 4/80:9، ب 17 من أبواب وجوب الزكاة.
5- الاستبصار 3/24:2، تهذيب الأحكام 41:4-17/42 و 19، الوسائل 7/120:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
6- تهذيب الاحكام 18/42:4، وسائل الشيعة 8/121:9، ب 7 من أبواب زكاة الأنعام.
7- كذا في الأصل، و الظاهر: حملهما.

تحقّقه في الأغلب، و انتفاؤه في أثناء الحول و لو بيوم واحد قادح، و الظاهر أنّ الخلاف المتقدّم في السوم في كفاية الأغلبيّة و عدم قدح عدم العمل بيوم في الأثناء جار هنا كما نصّ عليه صاحب الذخيرة(1) و عنه في الكفاية أيضا قائلا: «بأنّ الخلاف الّذي مرّ باعتبار السوم و عدمه جار هاهنا»(2) و عن الشهيد في البيان إنّه قال: «و الكلام في المرجع في كونها عوامل إلى العرف كالسوم»(3) و عن المختلف التصريح بأنّه: «لا عبرة باليسير في الزمان الكثير»(4) و عن التحرير التصريح بأنّه: «لا يؤثّر اليوم في السنة و الشهر»(5) و الشيخ(6) يعتبر الأغلب.

ثمّ إنّه بعد ما عرفت شرائط وجوب الزكاة في الأنعام فاعلم أنّ هاهنا مسائل مهمّة ينبغي التعرّض لها في طيّ مراحل:

[مسائل]
المرحلة الاولى: إذا اختلّ بعض الشرائط في أثناء الحول

كما لو نقصت النصاب قبل حوله، انقطع و سقطت به الزكاة قولا واحدا بلا إشكال و لا خلاف. و أمّا لو أبدل النصاب و عاوضه أو بعضه ببيع أو صلح أو هبة معوّضة بجنسه كأربعين شاة بأربعين شاة اخرى و لو اختلفا صنفا كالضأن و المعز أو وصفا كالذكورة و الانوثة - لأنّ الجميع من جنس واحد - أو بغير جنسه كأربعين شاة بثلاثين بقرا أو بخمسة إبل مثلا قصد به الفرار من الزكاة أو لا، ففي انقطاع الحول و سقوط الزكاة به و عدمه خلاف بين الأصحاب على أقوال:

أشهرها بل المشهور منها الانقطاع و السقوط مطلقا.

و قيل بالعدم فيما لو عاوضه بجنسه كما عن الشيخ في المبسوط(7) و ربما نسب إليه

ص: 220


1- الذخيرة: 433.
2- كفاية الأحكام: 36.
3- البيان: 172، و لمّا كان العبارة في المصدر تختلف عن المنقول هنا لذا نكتفى بنقل العبارة: «... و الكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم».
4- المختلف 166:3، لم نعثر على نفس العبارة المنقولة عن المختلف، نصّ كلام العلاّمة يختلف عما نقل عنه هنا.
5- لم نعثر فيها على نصّ هذه العبارة.
6- المبسوط 198:1، 214.
7- المبسوط 206:1.

في الخلاف(1) أيضا.

و قيل بالعدم فيما لو قصد به الفرار من الزكاة كما عن السيّد في الانتصار(2) و الشيخ في الجمل(3) و في الذخيرة(4) نسبه إليه في المبسوط(5).

و المعتمد هو القول الأوّل، لنا عليه بعد الأصل عموما ما تكرّر في عدّة روايات معتبرة متقدّمة من قوله عليه السّلام: «كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فليس عليه شيء ما»(6).

في الصحيح عن عليّ بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «قلت له: إنّه يجتمع عندي الشيء فيبقى نحو من سنة أ نزكّيه ؟ قال عليه السّلام: لا، كلّ ما لا يحول عليه الحول عندك فليس عليك فيه زكاة، و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه، قال: قلت:

و ما الركاز؟ قال عليه السّلام: الصامت المنقوش، ثمّ قال عليه السّلام: إذا أردت فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شيء من الزكاة»(7) و لا يصدق على شيء من العوضين أنّه حال عليه الحول عند ربّه بل يصدق على كلّ منهما خلافه، و مورد الرواية ظاهرا و إن كان الذهب و الفضّة إلاّ أنّ الاعتبار بعموم الجواب.

و خصوصا روايات معتبرة كصحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه، قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم، قال عليه السّلام: ليس عليه شيء أبدا، قال و قال زرارة عنه أنّه قال عليه السّلام: إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته، ثمّ خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة الّتي وجبت عليه، و قال عليه السّلام: إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شيء، بمنزلة من خرج ثمّ أفطر إنّما لا يمنع ما حال عليه، فأمّا ما لم يحل عليه فله منعه، و لا يحلّ له منع مال غيره فيما قد حلّ عليه. قال زرارة: و قلت له: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده و أهله فرارا بها من الزكاة، فعل ذلك قبل حلّها بشهر، فقال عليه السّلام: إذا

ص: 221


1- الخلاف 55:2-56، المسألة 64.
2- الانتصار: 219.
3- الرسائل العشر: 206.
4- الذخيرة: 431.
5- المبسوط 206:1.
6- تقدّمت في: 213 و 214.
7- الكافي 8/518:3، الاستبصار 1/6:2، تهذيب الأحكام 7/8:4، الوسائل 154:9-2/155، ب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

دخل الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة، قلت له: فإن أحدث فيها قبل الحول ؟ قال عليه السّلام: جاز ذلك له، قلت: إنّه فرّ بها من الزكاة، قال عليه السّلام: ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها، فقلت له: أنّه يقدر عليها، قال فقال عليه السّلام: و ما علمه أنّه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه ؟ قلت: فإنّه دفعها إليه على شرط، فقال عليه السّلام: إنّه إذا سمّاها هبة جازت الهبة و سقط الشرط و ضمن الزكاة، قلت له: و كيف يسقط الشرط و يمضي الهبة و يضمن الزكاة ؟ فقال عليه السّلام: هذا شرط فاسد و الهبة مضمونة ماضية و الزكاة له لازمة عقوبة، ثمّ قال عليه السّلام: إنّما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا، قال زرارة: قلت له: إنّ أباك قال عليه السّلام لي: من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها، فقال عليه السّلام:

صدق أبي، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه. ثمّ قال عليه السّلام: أ رأيت لو أنّ رجلا اغمي عليه يوما ثمّ مات فذهب صلاته، أ كان عليه و قد مات أن يؤدّيها؟ قلت: لا إلاّ أن يكون أفاق من يومه، ثمّ قال عليه السّلام: لو أنّ رجلا مرض في شهر رمضان ثمّ مات فيه أ كان يصام عنه ؟ قلت: لا، قال عليه السّلام: فكذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلاّ ما حال عليه الحول»(1).

و صحيحة عمر بن يزيد «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل فرّ بماله عن الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه فيه شيء؟ فقال عليه السّلام: لا و لو جعله حليّا أو نقرا فلا شيء عليه، و ما منع نفسه من فضله فهو أكثر ممّا منع من حق اللّه الّذي يكون فيه»(2).

و صحيحة هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء أعمالا فأصاب فيها أموالا كثيرة و أنّه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة، أ عليه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: ليس على الحليّ زكاة، و ما أدخل عليه نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة»(3).

ص: 222


1- الكافي 525:3-4/526، وسائل الشيعة 35:9-4/36، ب 10 من أبواب وجوب الزكاة.
2- الكافي 1/559:3، الفقيه 1624/32:2، تهذيب الأحكام 9:4، 14/10، الوسائل 1/159:9، ب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
3- الاستبصار 7/8:2، تهذيب الأحكام 14/9:4، الكافي 7/518:3، الوسائل 160:9-161 / 4، ب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

و صحيحة عليّ بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «لا تجب الزكاة فيما سبك، قلت: فإن كان سبكه فرارا من الزكاة ؟ قال عليه السّلام: أ لا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه، لذلك لا يجب عليه الزكاة»(1).

و الرواية المرويّة عن العلل بسند ضعيف - لاسماعيل بن سهل لجهالته - عن زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل كانت عنده دراهم أشهرا فحوّلها دنانير فحال عليها منذ يوم ملكها دراهم، حول أ يزكّيها؟ قال عليه السّلام: لا، ثمّ قال عليه السّلام: أ رأيت لو أنّ رجلا دفع إليك مائة بعير و أخذ منك مائتي بقرة فلبثت عنده أشهرا و لبثت عندك أشهرا فموتت عندك إبله، و موّت عنده بقرك أ كنتما تزكّيانهما؟ فقلت: لا، قال عليه السّلام: كذلك الذهب و الفضّة. ثمّ قال عليه السّلام: و إن حوّلت برّا أو شعيرا ثمّ قلبته ذهبا أو فضّة فليس عليك فيه شيء إلاّ أن يرجع ذلك الذهب أو تلك الفضّة بعينها أو بعينه، فإن رجع ذلك فإنّ عليك الزكاة لأنّك قد ملكتها حولا، قلت له: فإن لم يخرج ذلك الذهب من يدي يوما، قال عليه السّلام: إن خلط بغيره فيها فلا بأس و لا شيء فيما رجع إليك منه. ثمّ قال عليه السّلام: إن رجع إليك بأسره بعد اليأس منه فلا شيء عليك فيه حولا»(2).

و هذه الأحاديث بأجمعها تدلّ على أنّ إخراج النصاب عن الملك أو تبديله أو معاوضته بجنسه أو بغير جنسه في أثناء الحول فرارا من الزكاة أو لا يوجب بطلان الحول و سقوط الزكاة.

احتجّ الشيخ كما نقل: «بأنّ من عاوض أربعين سائمة بأربعين سائمة يصدق عليه أنّه ملك أربعين سائمة طول الحول فيجب عليه فيها الزكاة»(3).

و اجيب عنه بأنّ كلاّ من الأربعين لم يحل عليه الحول و ملخّصه أنّ عنوان الحكم ما حال عليه الحول عند ربّه و لم يصدق على شيء من الأربعين الاولى و لا الأربعين الثانية أنّه ما حال عليه الحول بل يصدق خلافه كما مرّ.

ص: 223


1- الوسائل 2/160:9: ب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- علل الشرائع 1/374:2، وسائل الشيعة 3/165:9، ب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
3- لم نعثر عليه.

و عن السيّد في الانتصار الاحتجاج بإجماع الطائفة، ثمّ قال: «فإن قيل: قد ذكر أبو عليّ بن الجنيد(1) أنّ الزكاة لا يلزم الفارّ منها و ذلك ينقض(2) ما ذكرناه، قلت: الإجماع قد تقدّم ابن الجنيد و تأخّر عنه، و إنّما عوّل ابن الجنيد على أخبار رويت عن أئمّتنا عليهم السّلام تتضمّن أنّه لا زكاة عليه إن فرّ بماله(3) و بإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر و أقوى و أولى و أوضح طريقا تتضمّن أنّ الزكاة يلزمه، و يمكن حمل ما يتضمّن من الأخبار أنّ الزكاة لا يلزمه على التقيّة، فإنّ ذلك مذهب جميع المخالفين. و لا تأويل للأخبار الّتي وردت بأنّ الزكاة يلزمه إذا فرّ منها إلاّ إيجاب الزكاة، فالعمل بهذه الأخبار أولى»(4).

و في المدارك(5) و الذخيرة(6) و غيرهما احتمال كون مراده(7) من الأخبار الّتي أشار إليها ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم في الموثّق قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحليّ فيه زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا، إلاّ ما فرّ به من الزكاة»(8).

و عن إسحاق بن عمّار في الموثّق أيضا قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة، قلت: لم يفرّ بها، ورث مائة درهم و عشرة دنانير، قال عليه السّلام: ليس عليه زكاة»(9).

و عن معاوية بن عمّار في القويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: الرجل يجعل لأهله الحليّ من مائة دينار و مائتي دينار و أراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: ليس فيه زكاة، قلت: فإنّه فرّ به من الزكاة، فقال عليه السّلام: إن كان فرّ به من الزكاة

ص: 224


1- المختلف 159:3، يختلف المنقول هنا عمّا في المختلف اختلافا طفيفا.
2- نقل المصنّف رحمه اللّه عن الانتصار يختلف اختلافا طفيفا عمّا كان في كتاب الانتصار، إليك نصّ العبارة في الانتصار:... لا يلزم الفارّ منها ببعض ما ذكرناه...
3- الفقيه 1624/32:2، الكافي 559:3، الاستبصار 6:2، تهذيب الأحكام 9:4، 14/10، الوسائل 159:9، ب 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
4- الانتصار: 219 مسألة: 108.
5- المدارك 76:5.
6- الذخيرة: 432.
7- أي مراد السيّد في الانتصار.
8- الاستبصار 5/8:2 تهذيب الأحكام 12/9:4.
9- الاستبصار 4/40:2، تهذيب الأحكام 4/94:4.

فعليه الزكاة، و إن كان فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة»(1).

و الجواب عن إجماع الطائفة - مع شهرة خلافه - واضح، فليس لنا إلاّ الإجماع المنقول و يتوهّن بذلك بحيث خرج عن حدّ الحجّية.

و عن الأخبار - مع احتمالها إرادة الفرار بعد حول الحول و تعلّق الزكاة كما هو ظاهر ذيل صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّمة حيث قال زرارة: «قلت: إنّ أباك قال لي: من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها، فقال عليه السّلام: صدق أبي، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه... إلى أن قال عليه السّلام: فكذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلاّ ما حال عليه الحول»(2). و عن الشيخ حمل الخبرين الأوّلين عليه - أنّها لا تقاوم لمعارضة ما سبق من جهات شتّى.

و ما ادّعاه السيّد من كونها: «أظهر و أقوى و أولى و أوضح طريقا» واضح المنع، لأنّها ليست إلاّ الموثّقات إن صحّ في الخبر الأخير، فكيف بها و الصحاح المعتضدة بعمل المعظم.

و ما احتمل فيها من الحمل على التقيّة، يدفعه ما قيل(3) من أنّ العامّة مختلفون فذهب مالك و أحمد إلى الوجوب(4) و الشافعي و أبو حنيفة إلى عدم الوجوب(5) مع احتمال الاستحباب في الدالّة على الوجوب كما عن الشيخ في الاستبصار الحمل عليه(6) و استقربه في الذخيرة(7) و جزم به في المدارك(8) على تقدير صحّة السند.

المرحلة الثانية: في أحكام السخال المتجدّدة و غيرها ممّا تجدّد ملكه في أثناء حول الامّهات
اشارة

ممّا هي في حدّ نصاب أو أقلّ ، و لها صور كثيرة لا بأس بالتعرّض لذكر جملة منها:

ص: 225


1- الاستبصار: 6/8، تهذيب الأحكام 13/9:4، الوسائل 6/157:9، ب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- تقدّم في: 221.
3- قال العلاّمة في المنتهى 182:8.
4- فتح العزيز 492:5.
5- لم نعثر على قولهما.
6- الاستبصار 6/8:2.
7- الذخيرة: 432.
8- المدارك 76:5.

الصورة الاولى: ما لو كانت الامّهات نصابا و تولّد منها في أثناء الحول ما لم تكن نصابا مستقلاّ و لا مكمّلة لنصاب آخر بانضمامها إلى الامّهات كما لو تولّدت أربع من الإبل من الخمس أو تسع مثلا من ثلاثين بقرة أو ثلاثون شاة أو أقلّ أو أزيد من أربعين شاة، و كذلك ما لو ملك في أثناء حول النصاب ما لم يبلغ النصاب المستقلّ و لا هي مكمّلة لنصاب آخر، فلا إشكال و لا خلاف في أنّه لا يجب عليه إلاّ فريضة النصاب بعد انتهاء حولها و ليس على الزيادة المتجدّدة بالولادة و غيرها شيء آخر، لما تقدّم من عدم وجوب شيء في الزائد على النصاب المدلول عليه بالإجماع و النصّ المندرج في قولهم عليهم السّلام: «و ليس على النيّف شيء»(1).

و يندرج في ذلك ظاهرا ما لو تولّد من أربعين شاة أربعون اخرى أو ملك أربعين اخرى في أثناء حول الأربعين الاولى، فإذا تمّ حول الامّهات يجب فيها شاة و لا يجب في السخال بعد تمام حولها شاة اخرى و لا في الأربعين الثانية بعد تمام حولها، وفاقا للعلاّمة في أكثر كتبه كالمنتهى(2) و التذكرة(3) و القواعد(4) و التحرير(5) و النهاية(6) و ثاني الشهيدين في المسالك(7) و الروضة(8) و المدارك(9) و الذخيرة(10) و الرياض(11) على ما حكي عن الأوّلين محتجّين بعد الأصل بعموم ما دلّ على كون الزائد على النصاب عفوا لقوله عليه السّلام: «و ليس على النيّف شيء»(12).

و توضيحه: أنّ الأربعين الثانية المتجدّد ملكها بالولادة أو غيرها زائدة على النصاب الأوّل و لم تبلغ النصاب الثاني و لا هي مكمّلة بالانضمام للثاني الثاني، فتكون من النيّف فتكون عفوا.

ص: 226


1- تقدّم في: 219.
2- المنتهى 491:1.
3- التذكرة 51:5.
4- القواعد 332:1-333.
5- التحرير 364:1.
6- نهاية الإحكام 317:2.
7- المسالك 372:1.
8- شرح اللمعة 25:2.
9- المدارك 77:5.
10- الذخيرة: 432.
11- الرياض 68:5.
12- الوسائل 111:9، 6/112، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الكافي 531:3، 1/532، الاستبصار 20:2-4/21، تهذيب الأحكام 22:4، 4/23.

و عن المعتبر(1) و الدروس(2) احتمال وجوب شاة اخرى فيها تمسّكا بقوله عليه السّلام:

«في كلّ أربعين شاة شاة»(3).

و فيه: أنّ ليس المراد به ما يعمّ صورة تكرّر الأربعين و تعدّدها على وجه يتكرّر معه الفريضة، للإجماع على أنّه لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان، بل المراد بها أربعين واحدة شخصيّة و هي النصاب الأوّل، و التعبير بلفظة: «كلّ » لعلّه لتعدّد النصاب الأوّل على حسب تعدّد مالكيّتها لا لتكرّر الأربعين في ملك مالك واحد.

الصورة الثانية: ما لو كان عنده نصاب فتولّد منها في أثناء الحول ما هو نصاب مستقلّ كخمس من الإبل أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم إذا تولّد من الخمس خمس اخرى، و من الثلاثين ثلاثون أو أربعون، و من الأربعين مائة و إحدى و عشرون.

و حكمه أنّ لكلّ من الامّهات و السخال حولا بانفرادها بلا إشكال و لا خلاف، فيجب عند انتهاء حول كلّ منهما إخراج ما وجب في نصابها من الزكاة، فإذا تمّ حول الامّهات وجب إخراج ما وجب في نصابها، و إذا تمّ حول السخال من حين النتاج وجب ما وجب فيها أيضا من شاة أو تبيع أو مسنّة و شاتين.

و وجهه ما تقدّم بالنصّ و الإجماع من أنّ حول الامّهات ليس حول السخال، بل كان لكلّ منهما حول برأسه.

و نحوه ما إذا ملك في أثناء النصاب الأوّل ما كان نصابا مستقلاّ، و لقد صرّح بما ذكرنا جماعة كالمسالك(4) و الروضة(5) و المدارك(6) و الذخيرة(7).

الصورة الثالثة: ما لو كان عنده نصاب فتولّد منها ما ليست نصابا مستقلاّ و لكن كانت مكمّلة للنصاب الثاني بالانضمام إلى النصاب الأوّل بعد إخراج ما وجب في الأوّل كثلاثين بقرة إذا تولّد منها إحدى عشر، و ثمانين غنما إذا تولّد منها اثنان و أربعون، فقد ذكروا فيها وجوها و هي:

ص: 227


1- المعتبر 509:2-510.
2- الدروس 232:1.
3- تهذيب الأحكام 2/25:4، الاستبصار 22:2، 1/23، الوسائل 1/116:9، ب 6 من أبواب زكاة الأنعام.
4- المسالك 372:1.
5- شرح اللمعة 24:2.
6- المدارك 77:5.
7- الذخيرة: 432.

سقوط اعتبار النصاب الأوّل و صيرورة الجميع نصابا واحدا، فإذا تمّ حوله من حين زيادة الزائد وجب إخراج ما وجب فيه من مسنّة في مثال البقرة و شاتين في مثال الغنم.

أو وجوب إخراج زكاة كلّ منهما عند انتهاء حوله، فعند انتهاء حول الأوّل يخرج تبيع أو شاة، و عند انتهاء حول الثاني من حين النتاج مسنّة أو شاتان.

أو عدم ابتداء حول الزائد حتّى ينتهي حول الأوّل ثمّ استئناف حول آخر للجميع، فيخرج ما وجب في الأوّل عند انتهاء حوله، و ما وجب في الثاني أيضا عند انتهاء الحول المستأنف.

ففي كلام جماعة كالمسالك(1) و المدارك(2) و الذخيرة(3) و نقل عن الفخر(4)و الشهيدين(5) و أبي العباس(6) و المقداد(7) و الكركي(8) و الصيمري(9) و البهبهاني(10) و شيخ كشف الغطاء(11) و الحدائق(12) و الرياض(13) أنّ أوجه الوجوه الوجه الأخير، و هو وجوب إخراج زكاة الأوّل عند انتهاء حوله ثمّ استئناف حول الثاني بعد حول الأوّل لوجود المقتضي و انتفاء المانع.

و متى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضمّا إلى غيره في ذلك الحول، للأصل، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا ثنيّا فى صدقة»(14) و قول أبي جعفر عليه السّلام في حسنة زرارة:

«لا يزكّى المال من وجهين في عام»(15).

و المراد من المقتضي - المدّعى وجوده بالنسبة إلى إخراج زكاة الأوّل عند انتهاء حوله - عموم الأدلّة من قوله عليه السّلام: «في كلّ ثلاثين بقرة تبيع»(16) و «في أربعين شاة،

ص: 228


1- المسالك 372:1.
2- المدارك 77:5.
3- الذخيرة: 432.
4- الإيضاح 174:1.
5- شرح اللمعة 24:2-25، الحاشية النجاريّة: 32.
6- المهذّب البارع 509:1.
7- التنقيح 304:1.
8- جامع المقاصد 10:3.
9- تلخيص الخلاف 271:1، 268.
10- مصابيح الظلام 210:10.
11- كشف الغطاء 352:2.
12- الحدائق 80:12-81.
13- الرياض 67:5.
14- كنز العمّال 332:6، 15902/466، النهاية 224:1.
15- الكافي 6/520:3، تهذيب الأحكام 9/33:4، وسائل الشيعة 1/100:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
16- الكافي 1/534:3، الفقيه 26:2، تهذيب الأحكام 1/24:4، الوسائل 64:9، 1/65، ب 10

شاة»(1) أو «أن كانت أربعين ففيها(2) شاة» و من انتفاء المانع انتفاء ما يوجب الخروج في النصاب الأوّل من هذه العمومات.

و قد يذكر في المقام فرارا عن تثنية الصدقة وجه آخر و هو التوزيع، و هو أنّه يجب عند انتهاء حول الأوّل ما هو فريضته فإذا انتهى حول الزائد من حين زيادته أخرج ما يخصّه من فريضة نصاب المجموع بالنسبة، و إذا تمّ الحول الثاني للامّهات أخرج منها بقيّة هذه الفريضة فيخرج في مثال البقر في الحول الأوّل للامّهات تبيع و للعشر عند انتهاء حولها من حين النتاج ربع مسنّة، و عند انتهاء الحول الثاني للامّهات يخرج منها ثلاثة أرباع مسنّة و هكذا يبقى أبدا.

و هذا كما ترى أضعف الوجوه، لكونه خروجا من مقتضى الأدلّة رأسا، لأنّ ظاهر النصوص إخراج ما وجب في كلّ من النصابين بتمامه عند انتهاء حوله، غاية الأمر أنّه يعتبر ابتداء حول الثاني بعد انتهاء حول الأوّل فرارا عن تثنية الصدقة.

ثمّ إنّ لثاني الشهيدين في هذا المقام في الروضة عبارة لا تخلو في ابتداء النظر عن قصور و إن رجعت بعد التدبّر و التعمّق إلى بعض ما ذكرناه في الصورة الثالثة مع بعض آخر ممّا ذكرناه في الصورة الاولى و هي قوله: «أمّا لو كان غير مستقلّ ففي ابتداء حوله مطلقا، أو مع إكماله للنصاب الّذي بعده، أو عدم ابتداء حوله حتّى يكمل الأوّل فيجزئ الثاني لهما أوجه، أوجهها الأخير، فلو كان عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شيء، و على الأوّل فشاة [عند تمام حولها أ] و ثمانون فولدت اثنين و أربعين فشاة للاولى خاصّة، ثمّ يستأنف حول الجميع بعد تمام الأوّل، و على الأوّلين يجب اخرى عند تمام حول الثانية»(3) انتهى.

فإنّ قوله: «مطلقا» في الوجه الأوّل تعميم بالنسبة إلى إكمال الزائد الغير المستقلّ

ص: 229


1- تهذيب الأحكام 2/25:4، الاستبصار 22:2، 1/23، الوسائل 1/116:9، ب 6 من أبواب زكاة الأنعام.
2- الاستبصار: 2/23، تهذيب الأحكام 2/25:4، الوسائل 116:9-2/117، ب 6 من أبواب زكاة الأنعام.
3- شرح اللمعة 24:2-25.

للنصاب الّذي بعده و عدمه.

و قوله: «أو مع إكماله» الخ أي ابتداء حول الزائد من حين زيادته بشرط كونه مكمّلا للنصاب الّذي بعده.

و قوله: «أو عدم ابتداء حوله» الخ أي عدم ابتداء حوله إلاّ بعد انتهاء الحول الأوّل الّذي هو حول الامّهات مع الشرط المذكور.

و قوله: «فيجري الثاني لهما» أي يجري الحول الثاني للامّهات و السخال الزائدة عليها في مفروض الوجه الأخير الّذي بلغ المجموع فيه النصاب الّذي بعدهما.

قوله: «لم يجب فيها شيء» أي في الأربعين المتولّدة الّتي هي السخال، و مبناه على الوجه الأخير الّذي هو أوجه الوجوه، و إنّما لم يجب فيه شيء على هذا الوجه، لأنّ شرط ابتداء الحول لها الّذي هو شرط الوجوب إنّما هو كونها مكمّلة للنصاب الّذي بعدها مع كون الحول إنّما يبتدأ به بعد تمام حول نصاب الامّهات، و المفروض في المثال انتفاء هذا الشرط. و من ذلك ظهر عدم وجوب شيء فيها أيضا على الوجه الثاني.

قوله: «و على الأوّل فشاة» أي على أوّل الوجوه الّذي هو عبارة عن ابتداء للسخال في المثال المذكور و إن لم تكن مكمّلة للنصاب الّذي بعدها، و مبنى هذا الوجه على ما تقدّم احتماله في الصورة الاولى عن المعتبر(1) و الدروس(2) من وجوب شاة في الأربعين الثانية كما وجبت في الاولى عملا بعموم قوله عليه السّلام: «في كلّ أربعين شاة شاة».

قوله: «و على الأوّلين يجب اخرى عند تمام حول الثانية» أي يجب زكاة اخرى و هي شاتان عند تمام حول السخال الّذي يبتدأ من حين التولّد و النتاج.

الصورة الرابعة: ما لو كان عنده نصاب و ملك في أثناء الحول بالولادة أو بغيرها ما كان مكمّلا للنصاب الآخر مع اشتماله أيضا على نصاب كما لو ملك عشرين من الإبل و ملك بالولادة مثلا في أثناء الحول ستّة أو سبعة اخرى، فيحتمل القول فيه بوجوب أربع شياه في العشرين و وجوب شاة في الستّ دائما، كلّ عند تمام حوله.

ص: 230


1- المعتبر 509:2-510.
2- الدروس 232:1.

و القول بسقوط اعتبار عشرين عند تجدّد ملك الستّ و صيرورة الجميع نصابا واحدا فعند تمام حوله من حين الزيادة يجب فيه بنت مخاض.

و القول بوجوب أربع شياه في العشرين عند تمام حوله ثمّ يبتدأ بحول الجميع من حين الزيادة و عند انتهائه يجب فيه بنت مخاض.

و القول بأنّه لا يبتدأ بحول الجميع بعد إخراج الأربع شياه للعشرين عند تمام حوله إلاّ بعد انتهاء ذلك الحول.

و القول بوجوب أربع شياه في العشرين عند تمام حوله و ستّة أجزاء من ستة و عشرين جزءا من بنت مخاض في الستّ عند تمام حولها ثمّ وجوب بنت المخاض في المجموع و لكن على وجه التوزيع بأن يكون إذا تمّ الحول الثاني للعشرين وجب فيه عشرون جزء من ستّة و عشرين جزء من بنت مخاض، و إذا تمّ الحول الثاني للستّ وجب فيها ستّة أجزاء و هكذا... وجوه، أجودها الوجه الأوّل، و أحوطها الثالث بل الرابع لئلاّ يلزم تثنية الصدقة.

ثمّ إنّ في المقام فروعا كثيرة: مثل أنّه لو كان عنده أربعون و قد نتجت أربعون قبل الحول أو قبل إمكان أداء الزكاة أربعون و تلفت الامّهات سقط عنها الزكاة، و إذا تمّ حول السخال وجب فيها الزكاة.

و مثل أنّه لو كان عنده أربعون شاة فتلفت واحدة قبل الحول بعد أن نتجت واحدة، بطل الحول الأوّل و استؤنف حول آخر من حين تولّد الواحدة. و نحوه ما لو ملك الواحدة، و السرّ فيه أنّ هذه الواحدة لم يحل عليها الحول فيصدق عدم حول الحول على الجميع، و شرط وجوب الزكاة حول الحول على جميع النصاب، و هو منتف.

و مثل أنّه لو حال الحول على النصاب فتلف بأجمعه فإن كان بتفريط منه و إن كان بتأخير أداء الزكاة مع إمكانه كان ضامنا للزكاة، و إن لم يكن بتفريطه لم يضمن، و لو تلف بعضه مع التفريط لم يسقط من الفريضة شيء، و إن لم يكن بتفريطه سقط منها بنسبة التالف إلى النصاب، فلو كان التالف شاة واحدة من أربعين شاة مثلا سقط من الفريضة جزء من أربعين جزء من شاة، فلو كانت شاتين سقط منها جزءان و هكذا.

ص: 231

تذنيب: لو ارتدّ المالك للنصاب

فلا يخلو إمّا أن يكون عن فطرة أو عن ملّة، و على التقديرين فإمّا أن يكون الارتداد قبل الحول أو بعده، فإن كان الارتداد عن فطرة قبل الحول بطل الحول بانقطاع الملك و انتقال المال إلى الورثة فيستأنف الحول من حين الارتداد و عند تمام الحول يجب على الورثة إخراج زكاته كما صرّح به جماعة(1)و ربما يستظهر من كلامهم عدم الخلاف فيه من حيث عدم تعرّضهم للإشارة إلى خلاف و لا إشكال، و إن كان الارتداد بعد الحول وجبت عليه الزكاة و لا يصحّ منه.

أمّا الأوّل فلعدم اشتراط وجوبها بالإسلام، و أمّا الثاني فلكون الإسلام شرطا للصحّة كما في سائر الأعمال و العبادات، و عن المسالك(2) أنّه يتولّى الإمام أو الساعي الأداء و النيّة و يجزئ عنه لو عاد إلى الإسلام، بخلاف ما لو أدّاها بنفسه فلا يجزئه و إن عاد إلى الإسلام، إلاّ مع بقاء العين و علم القابض و حينئذ يجزئه إن جدّد النيّة.

و إن كان الارتداد عن ملّة قبل الحول فيجب عليه الزكاة عند تمام حوله لبقائه في ملكه و عدم انتقاله إلى الورثة بمجرّد ذلك و إن حجر عليه من التصرّف و هذا غير قادح في الوجوب باعتبار عدم تمكّنه من التصرّف الّذي هو من شروط الوجوب كما توهّم، لأنّه بقدرته على العود إلى الإسلام متمكّن من التصرّف، ففي هذه الصورة أيضا إذا لم يعد إلى الإسلام يتولّى الإمام أو نائبه الساعي النيّة في أداء الزكاة، و إذا عاد إليه يجزئه، بخلاف ما لو أدّاها بنفسه فإنّه لا يجزئه إلاّ إذا جدّد النيّة مع بقاء العين أو علم الآخذ.

و ممّا ذكر مضافا إلى ما تقدّم ظهر حكم ما لو حصل الارتداد عن ملّة بعد الحول، فلا فرق بين الارتدادين إلاّ في انتقال المال إلى الورثة في الارتداد عن فطرة و عدم انتقاله إليهم إلاّ بالقتل أو الموت في الارتداد عن ملّة كما صرّح به في محكيّ الدروس قائلا: «أمّا الردّة فإن كانت عن فطرة انقطع الحول و إلاّ فلا ما لم يقتل أو يمت»(3)

ص: 232


1- التذكرة 21:5، الجواهر 110:15، المبسوط 203:1-204، الشرائع 110:1، المسالك 373:1.
2- المسالك 373:1.
3- الدروس 230:1.

و استجوده في المناهل(1).

و إذا التحق المرتدّ عن ملّة بدار الحرب ففي انتقال أمواله إلى الوارث و عدمه قولان: فعن الشيخ في المبسوط أنّه يزول ملكه و ينتقل المال إلى ورثته إن كان له ورثة و إلاّ فإلى بيت المال، و إن كان حال عليه الحول اخذ منه الزكاة و إن لم يحل عليه الحول لم يجب عليه شيء(2) و عن المختلف المصير إلى المنع قائلا: «و الأقرب إنّ الحاكم يحفظها فإن عاد فهو أحقّ بها و إلاّ انتقلت إلى ورثته بعد موته و حينئذ يجب فيها الزكاة عليه»(3).

أقول: تحقيق المسألة و ترجيح أحد القولين موكول إلى محلّه و إن كان ما اختاره في المختلف في ظاهر النظر لا يخلو عن قوّة.

و اعلم أنّ المرتدّة و لو عن فطرة كالمرتدّ عن ملّة في جميع الأحكام المذكورة فيه من: عدم انقطاع الحول بارتدادها، و وجوب الزكاة عليها بعد الحول و إن كانت محجورة عن التصرّف لقدرته على رفع الحجر بالعود إلى الإسلام.

المرحلة الثالثة: في الإبدال و الفروع المتعلّقة بها
اشارة

و فيه مسائل:

الاولى: قد تقدّم(4) أنّ الفريضة في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة على التخيير، و في أربعين من البقر مسنّة، و ظاهر فتاوي الأصحاب كما هو المصرّح به في كلام جماعة(5)أنّها تجب على التعيين فلا يجزئ عنها المسنّ ، و عن الرياض الإجماع عليه(6) و هو قضيّة ظاهر النصّ حيث قال عليه السّلام في صحيحة الفضلاء: «و في أربعين بقرة مسنّة»(7).

ص: 233


1- المناهل: 60، الورقتين: الف و ب.
2- المبسوط 203:1-204.
3- المختلف 164:3-165.
4- تقدّم في: 184.
5- النهاية: 181، المبسوط 197:1: الغنية: 123، السرائر 436:1، المعتبر 502:2، التذكرة 73:5 - 74، البيان: 176، المسالك 374:1، مجمع الفائدة 65:4، الذخيرة: 434.
6- الرياض 61:5.
7- الوسائل 114:9، 1/115، ب 4 من أبواب زكاة الانعام، الكافى 1/534:3، التهذيب 4: 1/24.

و ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى عدم الفرق في تعيّن المسنّة بين ما لو كان ما عنده من البقر ذكورا أو اناثا أو مختلطة وفاقا للجواهر(1) خلافا للمحكيّ عن المنتهى من اجتزائه بالمسنّ إذا لم يكن عنده إلاّ ذكور محتجّا بأنّ الزكاة مواساة فلا يكلّف غير ما عنده(2).

و فيه: أنّه اعتبار لا يصلح لتأسيس الحكم الشرعي، و مع ذلك فلا ينهض لتقييد النصّ الصحيح، و لذا يقال: إنّه اجتهاد في مقابلة [النصّ ] مع أنّه يقضي بجواز الاجتزاء بالمسنّ إذا لم يكن عنده مسنّة مع كون ما عنده إناثا أو مختلطة، و هو باطل.

الثانية: قد تقدّم أنّ الفريضة في ستّ و عشرين من الإبل بنت مخاض، و من ليست عنده بنت مخاض يجزئه ابن لبون ذكر و إن تمكّن من تحصيلها بشراء و نحوه، ساوى قيمته قيمتها أو لا؟ من غير خلاف يظهر، و عن الذخيرة: «لا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب»(3) و عن الرياض: «بغير خلاف ظاهر»(4) و عن التذكرة: «كونه موضع وفاق»(5) للأخبار المتقدّم ذكرها الّتي منها صحيحتا(6) زرارة و أبي بصير.

و ظاهر أنّ الحكم في النصّ و الفتوى معلّق على عدم وجودها عنده لا على تعذّرها، فما عن ظاهر البيان من أنّه: يشترط في إجزاء ابن اللبون تعذّر بنت المخاض(7) ليس بشيء.

و لو كانت موجودة عنده لا يجزئه ابن اللبون، كما هو أشهر القولين عملا بمفهوم الشرط في النصّ و الفتوى. و قيل: يجزئه كما عن القواعد(8) و التنقيح(9) و ظاهر الجمل و العقود(10) و الوسيلة(11) و الغنية(12) و النافع(13) و التبصرة(14) و الإرشاد(15) و الدروس(16).

و عن التنقيح: الاحتجاج بكونه أكبر سنّا(17) و لا خفاء في ضعفه، إذ الحكم تعبّدي

ص: 234


1- الجواهر 115:15.
2- المنتهى 483:1.
3- الذخيرة: 438.
4- الرياض 78:5-79.
5- التذكرة 68:5.
6- تقدّمتا في: 181.
7- البيان: 173.
8- القواعد 336:1.
9- التنقيح 306:1.
10- الرسائل العشر: 200.
11- الوسيلة: 124-125.
12- الغنية: 126.
13- النافع: 56.
14- التبصرة: 68.
15- الإرشاد 281:1.
16- الدروس 235:1.
17- التنقيح 306:1.

و لا مدخليّة للأكبريّة.

و أجاب عنه السيّد في الرياض: «بأنّ الأكبريّة سنّا لا دليل على اعتبارها و إنّما المعتبر الفريضة الشرعيّة أو ما يقوم مقامها في الشريعة، و هو هنا ابن اللبون مع فقدها خاصّة أو وجودها إن ساوى قيمته قيمتها أو زادت عليه و جوّزنا إخراج القيمة مطلقا، و الأوّل خارج عن مفروضنا و الثاني أخصّ من المدّعى»(1) انتهى.

و فيه: أنّ كلام الأصحاب إنّما هو في إجزاء ابن اللبون على أن يكون هو الفريضة بحسب أصل الشريعة و لو بكونه أحد فردي الواجب التخييري، و إلاّ فلو جوّزنا العدول عن بنت المخاض إلى القيمة فلا إشكال في إجزاء كلّ شيء قيمته حتّى ابن اللبون و إن نقص قيمته عن قيمتها، غاية الأمر أنّه يتدارك النقص بانضمام شيء آخر إليه، فالقول بإجزائه من حيث القيمة و بنائه على تجويز إخراج القيمة خارج عمّا نحن فيه.

ثمّ إنّه إذا فقد بنت المخاض و ابن اللبون معا فالمصرّح به في كلام كثير من الأصحاب أنّه يتخيّر في شراء أيّهما شاء، لأنّه بشراء ابن اللبون يكون واجدا له دون بنت المخاض فيجزيه، و نسب إلى ظاهر المحقّق في المعتبر(2) و العلاّمة(3) في جملة من كتبه أنّه موضع وفاق بين علمائنا و أكثر العامّة.

نعم عن مالك من العامّة أنّه يلزمه شراء بنت المخاض، استنادا إلى أنّه مع عدمهما لا يكون واجدا لابن اللبون فيتعيّن عليه ابتياع ما يلزم الذمّة و هو بنت المخاض، و لأنّهما استويا في العدم كما لو استويا في الوجود(4) و استظهر في المدارك(5)و الذخيرة(6) و الرياض(7) وجود القائل به من أصحابنا.

و كيف كان فالقول المذكور ضعيف جدّا، و الوجهان أيضا ضعيفان، لتطرّق المنع إلى كون ما في الذمّة في هذه الحالة خصوص بنت المخاض لظهور النصوص المعلّقة

ص: 235


1- الرياض 78:5-79.
2- المعتبر 515:2.
3- التحرير 360:1، التذكرة 68:5، القواعد 336:1، المنتهى 109:8.
4- المدوّنة الكبرى 306:1، حلية العلماء 43:3.
5- المدارك 82:5.
6- الذخيرة: 438.
7- الرياض 79:5.

لإجزاء ابن اللبون بصورة فقدها في أنّها إنّما تجب بالخصوص على تقدير وجودها و أمّا مع عدمهما معا فلا دليل على وجوبها بالخصوص، غاية الأمر أنّه يجب عليه شراء ما يؤدّيه مقدّمة، و بشراء ابن اللبون يكون واجدا له فيكون كما لو وجده ابتداء فوجب كونه مجزئا لتحقّق شرطه و هو عدم وجود بنت المخاض. و أوضح منعا دعوى مساواة عدمهما لوجودهما لأنّها قياس محض فلا يعبأ به فالأقوى هو التخيير و لكنّ الأحوط مراعاة شراء ابن اللبون.

[فى الإبدال]

الثالثة: من وجب عليه سنّ من الإبل و ليست عنده و عنده أعلى منها بسنّ و درجة واحدة دفعها و استدفع شاتين أو عشرين درهما، و إن كانت ما عنده أدون ممّا وجبت عليه بدرجة واحدة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، كما هو المصرّح به في كلام جمع(1) كثير من الأصحاب، و في المدارك: «هذا قول علمائنا أجمع»(2) و في التذكرة: «عند علمائنا أجمع»(3) و في المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا أجمع» و عن الغنية دعوى الإجماع عليه(4) و عن مجمع الفائدة دليله الإجماع(5) و عن الحدائق: «الحكم مجمع عليه بينهم فيما أعلم»(6).

و عليه فلو وجبت عليه جذعة و ليست عنده و عنده حقّة دفعها مع شاتين أو عشرين درهما، أو حقّة و ليست عنده و عنده جذعة دفعها و يأخذ شاتين أو عشرين درهما، أو حقّة و ليست عنده و عنده بنت لبون دفعها مع شاتين أو عشرين درهما، أو بنت لبون و ليست عنده و عنده حقّة دفعها و أخذ شاتين أو عشرين، أو بنت لبون و ليست عنده و عنده بنت مخاض دفعها مع شاتين أو عشرين درهما، أو بنت مخاض و ليست عنده و عنده بنت لبون دفعها و أخذ شاتين أو عشرين درهما.

ص: 236


1- السرائر 450:1، الشرائع 111:1، المختلف 176:3، المسالك 375:1، الذخيرة: 438، الحدائق 52:12.
2- المدارك 83:5.
3- التذكرة 66:5.
4- المنتهى 483:1.
5- مجمع الفائدة 82:4.
6- الحدائق 52:12.

و الأصل في هذا الحكم - مضافا إلى ما عرفت من الإجماعات و ما بمعناها - خبر مقرن بن عبد اللّه بن سمعة بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جدّه - أو عن جدّ أبيه أو عن جدّه عن جدّ أبيه على اختلاف النسخ المنجبر ضعفه بجهالة مقرن و أبيه و جدّه و جدّ أبيه بعمل الأصحاب - «أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كتب له في كتابه الّذي كتبه له بخطّه حين بعثه على الصدقات: من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و ليست عنده جذعة و عنده حقّة فإنّه يقبل منه الحقّة و يجعل معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت عنده صدقة الحقّة و ليست عنده حقّة و عنده جذعة فإنّه يقبل منه الجذعة و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته حقّة و ليست عنده حقّة و عنده ابنة لبون فإنّه يقبل منه ابنة لبون و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده حقّة فإنّه يقبل منه الحقّة و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده ابنة مخاض فإنّه يقبل منه ابنة مخاض و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة مخاض و ليست عنده ابنة مخاض و عنده ابنة لبون فإنّه يقبل منه ابنة لبون و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها و عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس معه شيء، و من لم يكن معه إلاّ أربعة من الإبل و ليس له مال غيرها فليس فيها شيء إلاّ أن يشاء ربّها فإذا بلغ ماله خمسا من الإبل ففيها شاة».(1)

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «و كلّ من وجبت عليه جذعة و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده جذعة دفعها و أخذ من المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده بنت لبون دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه بنت لبون و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها

ص: 237


1- الكافي 7/539:3، تهذيب الأحكام 7/95:4، الوسائل 5/111:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام.

و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه بنت لبون و لم تكن عنده و كانت عنده بنت مخاض دفعها و أعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه بنت مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه بنت مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع معها شيئا»(1).

فالحكم المذكور لوضوح دليله ممّا لا ريب فيه و لا شبهة تعتريه.

و ينبغي التنبيه على امور:

الأمر الأوّل: أنّ التفاوت في جميع المراتب الأربع أخذا و إعطاء بحكم النصّ و فتوى الأكثر حتّى فيما بين بنت مخاض و بنت لبون إنّما هو شاتان أو عشرين درهما، خلافا للصدوقين في الرسالة(2) و المقنع(3) و أبي الفضل(4) الجعفي في بنت مخاض و بنت لبون فجعلوا التفاوت بينهما أخذا و إعطاء «شاة واحدة» و مستندهم في ذلك المحكيّ عن فقه الرضا(5) مع أنّ الصدوق في الفقيه(6) أفتى بما وافق المشهور.

و فيه - مع شذوذ أصل القول - ضعف مستنده، لعدم كون الكتاب المذكور ثابت الاعتبار، و على تقدير ثبوت اعتباره فما فيه لا يقاوم لمعارضة الخبرين، لمكان عمل المعظم بهما إذ به ينجبر ضعيفهما و يعتضد صحيحهما مضافا إلى الإجماعات المنقولة.

ص: 238


1- الوسائل 127:9، 1/128، ب 13 من أبواب زكاة الأنعام، الفقيه 1604/23:2.
2- لم نعثر عليها.
3- المقنع: 158.
4- لم نظفر على أثر لهذا الشخص، غير أنّه يذكره المحقّق الأردبيلى في موضع من المجمع الفائدة 46:14 و يصفه بالنحو التالى: «... و أبي الفضل الجعفي صاحب الفاخر» و النجاشي قال في رجاله: 374-375. محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان أبو الفضل الجعفي الكوفي المعروف بالصابوني سكن مصر كان زيديّا، ثمّ عاد إلينا و كانت له منزلة بمصر، له كتب، منها: كتاب الفاخر (ثمّ تعدّ له كتب كثيرة) الكنى و الألقاب 401:2، 402، يظهر من كلام الأردبيلى و أصحاب التراجم بأنّه كانت للجعفي كتب مختلفة في الفقه و التفسير و الكلام و منها كتاب الفقه يسمّى بالفاخر و لكن لم نظفر عليه.
5- فقه الرضا: 196.
6- الفقيه 23:2، 24.

الأمر الثاني: الانتقال إلى البدل مع الجبر أخذا و إعطاء في النصّ و الفتوى معلّق على فقد المبدل، فلا يجوز لمن عنده ابنة مخاض و ابنة لبون معا إذا وجبت عليه إحداهما إبدالها بالاخرى مع الجبر، لوجوب الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورد الدليل، و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

الأمر الثالث: عن المسالك(1) تبعا للعلاّمة في التذكرة(2) إجزاء شاة و عشرة دراهم في الجبر أخذا و إعطاء، و مرجعه الاجتزاء بالملفّق من الشاة و الدراهم على وجه التبعيض. و ظاهر النصّ و الفتوى عدم الإجزاء كما صرّح به جماعة(3) فالقول المذكور خروج عن الظاهر من غير جهة فلا يعبأ به سيّما مع أنّ الحكم المخالف للأصل يقتصر فيه على مورد الدليل.

الأمر الرابع: إذا تفاوتت الأسنان في العلوّ و الدنوّ بأزيد من درجة واحدة كما إذا كانت عليه بنت مخاض و لم تكن عنده إلاّ الحقّة أو الجذعة، أو كانت عليه جذعة و لم يكن عنده إلاّ بنت لبون أو بنت مخاض، أو كانت عليه حقّة و لم تكن عنده إلاّ بنت مخاض فهل يتضاعف المقدّر الشرعي في الجبر و التفاوت - بأن يدفع في الصورة الاولى الحقّة و يسترجع أربعة شياه أو أربعين درهما، و في الثانية و الثالثة الجذعة و يسترجع أربع شياه أو أربعين درهما، و في الرابعة بنت اللبون و يجعل معها أربع شياه أو أربعين درهما، و في الخامسة بنت المخاض و يجعل معها ستّ شياه أو ستّين درهما - أو لا يتضاعف المقدّر الشرعي فلا يدفع في هذه الصور إلاّ القيمة السوقيّة فدفع ما عنده عن الفريضة ثمّ جبر التفاوت في العلوّ و الدنوّ بشاتين أو عشرين درهما أخذا و إعطاء مقصور على ما لو كان التفاوت بين الفريضة و ما يدفع عنها بسنّ واحد و درجة واحدة ؟ فيه خلاف على قولين:

أقواهما الثاني، و هو الأشهر على ما عن الكفاية(4) و رأي مشهور بين الأصحاب كما في الذخيرة(5). و اختاره الحلّي على ما نسب إليه قائلا: لا يجوز ذلك بل يؤخذ

ص: 239


1- المسالك 374:1-375.
2- التذكرة 69:5.
3- غنائم الأيّام 73:4 المدارك 84:5، الذخيرة: 438.
4- كفاية الأحكام: 37.
5- الذخيرة 438:3.

بالقيمة السوقيّة لأنّه «ضرب من الاعتبار و القياس و المنصوص من الأئمّة عليهم السّلام و المتداول من الأقوال و الفتيا بين الأصحاب أنّ هذا الحكم فيما يلي السنّ الواجبة من الدرج دون ما بعد عنها»(1).

و الأوّل ما حكاه في المختلف عن أبي الصلاح(2) و نسبه إلى ظاهر الشيخ في المبسوط(3) و استقربه هو في الكتاب(4) و مال إليه في المنتهى لقوله: «إنّه لا يخلو عن قوّة»(5) و ربما نسب إليه في جملة من كتبه(6) و عن غاية المراد نسبة اختياره إلى الجعفي(7) و إن خالف في مقدار الجبر. و ربّما استظهر عن التنقيح التوقّف في المسألة(8).

لنا وجوب الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المنصوص، و تضاعف المقدّر في الصور المذكورة خارج عن المنصوص فلا يصار إليه لكونه قياسا محرّما كما أشار إليه الحلّي.

و احتجّ العلاّمة على ما استقربه: «بأنّ المجموع من بنت المخاض و الغنم أو الدراهم مساو لبنت اللبون في المصالح المتعلّقة بإيجابها، و المجموع من بنت اللبون و الغنم أو الدراهم مساو للحقّة في المصالح المتعلّقة بإيجابها، و الضرورة قاضية بأنّ مساوي المساوي مساو، فيكون بنت المخاض مع الضعف من الغنم أو الضعف من الدراهم مساوية للحقّة في المصالح المتعلّقة بإيجابها، و إذا كان كذلك جاز الانتقال في الدرجتين فما زاد فهاهنا مقدّمات ثلاث:

إحداها: مساواة بنت المخاض مع الغنم أو الدراهم لبنت اللبون في المصالح، لأنّه لو لا ذلك لقبح جعله بدلا على تقدير المساواة أو الرجحان، و لأنّه لولاه لكان حراما كالترك.

الثانية: مساواة بنت اللبون مع الغنم أو الدراهم للحقّة، و هي مقدّمة ظاهرة ممّا سبق.

ص: 240


1- السرائر 435:1.
2- الكافي في الفقه: 167.
3- المبسوط 194:1-195.
4- المختلف 176:3-178.
5- المنتهى 485:1.
6- التحرير 360:1، التذكرة 69:5، القواعد 338:1-339.
7- غاية المراد 247:1.
8- التنقيح 306:1.

الثالثة: جواز الانتقال مع تقدير المساواة و هو أيضا ظاهر إذ مع التساوي في المصالح المتعلّقة بالتكليف يقبح التخصيص لأحد المتساويين بالإجزاء دون صاحبه»(1) انتهى.

و فيه أوّلا: منع مساواة بنت المخاض و شاتين أو عشرين درهما لبنت اللبون في جميع الأحكام المصالح و إلاّ استحال كون بدليّتهما عنها معلّقة على فقدها، بل يجب كونهما بدلا عنها مطلقا و لو مع وجودها على وجه يقع كلّ منهما أحد فردي الواجب التخييري، لما حقّق في محلّه من أنّ كلّ شيئين متشاركين في المصلحة يقبح تخصيص أحدهما بعينه بالأمر و الإيجاب، بل وجب الأمر بهما معا على وجه التخيير، فبنت المخاض مع انضمام شاتين أو عشرين درهما متساوية لبنت اللبون في بعض الأحكام و المصالح.

و الأصل فيه أنّها مع الجبر المذكور بدل اضطراري لبنت اللبون، و البدل الاضطراري يشارك المبدل في بعض الأحكام، كالترابيّة حيث تقع بدلا عن المائيّة حيث إنّها تشارك المائيّة في بعض الأحكام و هي استباحة الصلاة لا جميع أحكامها الّتي منها رفع الحدث، فغاية ما يسلّم من مساواة بنت المخاض مع الجبر المذكور لبنت اللبون كونها مجزئة عنها كما أنّها عند وجودها كانت مجزئة عن نفسها، و لا يلزم من ذلك كونها مجزئة عمّا كانت بنت اللبون عند وجودها مجزئة عنه عند وجوبه و هو الحقّة.

و ثانيا: منع مساواة بنت المخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما للحقّة لمجرّد كون بنت اللبون و شاتين أو عشرين درهما مساوية لها، لجواز مدخليّة خصوصيّة في ذات بنت اللبون في الإجزاء عن الحقّة منتفية في بنت المخاض و أربع شياه أو أربعين درهما.

و من ذلك ظهر أنّ التعدّي هنا من بنت اللبون مع الشاتين أو عشرين درهما إلى بنت المخاض مع الأربع أو الأربعين ليس من القياس الجليّ ، لوجوب كون العلّة في الفرع آكد و أقوى منها في الأصل في القياس الجليّ ، و مع احتمال مدخليّة الخصوصيّة

ص: 241


1- المختلف 176:3-178.

في الأصل لا يعقل الآكديّة و الأقوائيّة في الفرع.

و من ذلك ظهر أيضا أنّه ليس من باب تنقيح المناط، لعدم القطع بإلغاء الفارق لمجرّد قيام احتمال مدخليّة خصوصيّة في ذات الأصل.

و من ذلك انقدح بطلان ما ذكره العلاّمة في المختلف على ما حكي من ردّ كلام الحلّي حيث جعل القول بتضاعف المقدّر قياسا من أنّه: «خطأ، بل هو حكم مستفاد من قضايا عقليّة قطعيّة»(1) لتطرّق المنع إلى قطعيّة المقدّمات المذكورة و لا سيّما دعوى مساواة بنت المخاض مع الضعف من الغنم أو الضعف من الدراهم لحقّة، لما عرفت من قيام احتمال مدخليّة خصوصيّة في ذات بنت اللبون منتفية في بنت المخاض و لو مع تضاعف الجبر معها. و بالجملة فالطعن على الدليل بكونه قياسا لخروجه من المنصوص في محلّه.

ثمّ إنّه ينبغي أن يعلم أنّ المراد من الإجزاء المنفيّ في قولنا: «إنّ بنت المخاض مع الأربع أو الأربعين لا تجزئ عن الحقّة» و كذلك «بنت اللبون مع الأربع أو الأربعين عن الجذعة» إنّما هو إجزاؤها عنها على أنّها بنفسها بدل شرعي عنها، و إلاّ فدفعها عنها - قيمة - على تقدير مساواة قيمتها السوقيّة لقيمة هذا المجموع - فممّا لا ينبغي التأمّل في جوازه و كونه مجزئا، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

و ينبغي أن يعلم أيضا أنّ من طريق الاستدلال على المنع من تضاعف المقدّر في الصور المتقدّمة من أنّه خروج من النصّ ، ظهر أنّه لا يجزئ ما زاد على الجذع من أسنان الإبل كالثني و هو ما دخل في السادسة و الرباع و هو ما دخل في السابعة و السديس و هو ما دخل في الثامنة و الباذل - و هو ما دخل في التاسعة - عن الجذع و ما دونه أيضا مع أخذ التفاوت، بأن يدفع عن الجذع مثلا الثنيّ و يسترجع شاتان أو عشرون درهما، كما نصّ عليه جمع كثير من الأصحاب(2) و في المناهل

ص: 242


1- المختلف 178:3.
2- المسالك 376:1، المدارك 85:5-86، الشرائع 111:1، غنائم الأيّام 74:4، مستند الشيعة 9: 124، الجواهر 121:15.

ظهور الاتّفاق عليه(1) و عن الشهيد في البيان: «أنّهم أجمعوا على انتفاء الجبر فيما زاد على الجذع»(2).

و الأصل فيه وجوب الاقتصار في إجزاء غير الفرض عن الفرض على مورد النصّ ، و هذا ليس منه.

و يلزم في نحو ذلك أيضا الرجوع إلى القيمة السوقيّة كما صرّح به في الشرائع(3)و غيره. و حينئذ فلو دفع ما زاد بعنوان القيمة و يستردّ التفاوت لو كان، فالظاهر أنّه جائز بلا خلاف، غير أنّ التفاوت حينئذ لا يتعيّن كونه شاتين أو عشرين درهما بل قد يزيد عليه و قد ينقص منه.

و قد ذكر جماعة(4) في إجزاء ما زاد على الجذع من الأسنان المذكورة عنه و عدمه وجهين: من زيادة القيمة، و من الخروج من المنصوص. و هذا يعطي التوقّف و ليس في محلّه، بل الوجه عدم الإجزاء أصالة و الإجزاء قيمة، و زيادة القيمة غير مطّردة و حيث زادت القيمة أو تساوت أجزء دفع ما زاد بعنوان القيمة.

و من طريق الاستدلال المذكور أيضا ظهر أنّه لا يجوز جبر ما دون الفريضة بمثله أو بما دونه فلا يجزئ بنتا مخاض عن بنت لبون، و لا بنت لبون و بنت مخاض عن حقّة، و لا بنتا لبون و لا حقّة و بنت لبون عن جذعة، لخروج الجميع عن النصّ .

نعم حيثما تعيّن العدول إلى القيمة السوقيّة جاز دفع إحدى هذه الفروض بعنوان القيمة على تقدير تساوي القيمتين أو مع زيادة قيمة المدفوع، و جاز استرجاع الزيادة حينئذ.

و كذلك ظهر أيضا عدم إجزاء بنت المخاض عن الخمسة شياه فى من عنده خمس و عشرون إبلا إلاّ بعنوان القيمة مع تساوي القيمتين أو زيادة قيمة بنت المخاض.

و كذا الكلام في من أراد دفع الشياه عن بنت المخاض.

و ذكر في المدارك للصورة الاولى وجها للإجزاء من باب الأولويّة نظرا إلى إجزاء

ص: 243


1- المناهل: 69 ب.
2- البيان: 174.
3- الشرائع 111:1.
4- الدروس 235:1، المعتبر 516:2، المبسوط 194:1.

بنت المخاض عن الأكثر فيجزئ عن الأقلّ ثمّ رجّح ما اخترناه ناقلا له عن المعتبر أيضا قائلا: «و الأصحّ عدم الإجزاء مطلقا إلاّ بالقيمة السوقيّة إن سوّغنا ذلك بل قال المصنّف في المعتبر: لو أخرج عن خمس من الإبل بعيرا لم يجزئ لأنّه أخرج غير الواجب فلا يجزئ عنه كما لو أخرج بعيرا عن أربعين شاة من الغنم، نعم لو أخرجه بالقيمة السوقيّة و كان مساويا لقيمة الشاة أو أكثر جاز(1) و هو حسن.

ثمّ قال: و لو حال الحول على النصاب و هو فوق الجذع فظاهر الأصحاب وجوب تحصيل الفريضة من غيره لتعلّق الأمر بها فلا يجزئ غيرها إلاّ بالقيمة. و قال في التذكرة: إنّ المالك مخيّر بين أن يشتري الفرض و بين أن يعطي واحدة منها و بين أن يدفع القيمة(2) و لم يستدلّ عليه بشيء، و هو مشكل.

و كذا الكلام لو حال الحول على إحدى و ستّين و هي دون الجذع، أو ستّ و أربعين و هي دون الحقق، أو ستّ و ثلاثين و هي دون بنات اللبون، أو ستّ و عشرين و هي دون بنت المخاض. و جوّز الشهيد في البيان الإخراج من النصاب مطلقا و إن كان دون بنت المخاض، ثمّ قال: و حينئذ ربّما تساوى المخرج من الستّ و العشرين إلى الإحدى و الستّين.

ثمّ احتمل وجوب السنّ الواجبة من غيره(3) و هذا الاحتمال لا يخلو عن قوّة»(4).

انتهى كلامه رفع مقامه، و إنّما نقلناه بطوله، لجودة ما اختاره في جميع الفروع المذكورة.

و في الشرائع(5) و المدارك(6) و المناهل ناقلا عن جمع آخر أنّه لا جبران فيما عدى الإبل من البقر و الغنم(7) و عن التذكرة: «لا نعلم فيه خلافا»(8) و عن الرياض: «لا خلاف في ذلك»(9) و عن البيان: «أجمعوا على انتفاء الجبر في غير أسنان الإبل»(10).

و الأصل فيه وجوب الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد الدليل و لم يدلّ الدليل

ص: 244


1- المعتبر 513:2.
2- التذكرة 195:5.
3- البيان: 175.
4- المدارك 86:5.
5- الشرائع 111:1.
6- المدارك 86:5.
7- المناهل: 70 الف.
8- التذكرة 71:5.
9- التذكرة 71:5.
10- البيان: 174.

إلاّ على لزوم العين مع الإمكان و بدلها و هو القيمة السوقيّة مع عدم إمكان العين، و حينئذ فإذا فقد الفريضة من البقر أو الغنم و وجد الأدنى منها يدفعها و يتمّم القيمة السوقيّة كما صرّح به جماعة، و لو وجد الأعلى فقال في المناهل: «جاز دفعه شرعا، و نسب إلى صريح المنتهى(1) كونه أفضل ثمّ قال: و له أن يستردّ الزائد بالقيمة السوقيّة»(2) كما صرّح به في المدارك(3) أيضا، و عزي إلى الذخيرة(4).

[دفع الأعلى أو الأدنى مع الجبر]

ثمّ بقى في المقام أمران:

أحدهما: أنّه صرّح جماعة(5) كما هو ظاهر إطلاق الآخرين(6) بأنّه يجزئ دفع الأعلى و الأدنى مع الجبر المذكور أخذا أو إعطاء سواء كانت القيمة السوقيّة للفريضة الأصليّة مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أو زائدة عليه أو ناقصة عنه.

و هذا التعميم بالنظر إلى إطلاق النصّ حسن في صورة دفع الأدنى مع الجبر بأحد الأمرين من شاتين أو عشرين درهما، و أمّا في صورة دفع الأعلى و أخذ أحد الأمرين من الساعي أو الفقير فإطلاقه غير جيّد، لأنّه لا يوافق حكمة تشريع الزكاة لإيصال النفع إلى الفقير و كفاية مئونته، فيما لو استوعب المأخوذ من الفقير قيمة المدفوع إليه بأن يساوي ما اخذ منه من الشاتين أو عشرين درهما لقيمة بنت اللبون المدفوعة إليه عن بنت المخاض مثلا.

لذا استشكل جماعة في الإجزاء هنا من إطلاق النصّ ، و من أنّ المالك كأنّه لم يؤدّ شيئا(7) ثمّ استوجه في المدارك عدم الإجزاء قائلا: «بأنّ المتّجه هنا عدم

ص: 245


1- المنتهى 485:1.
2- المناهل: 70 الف.
3- المدارك 86:5.
4- الذخيرة: 438.
5- الشرائع 111:1، مستند الشيعة 123:9، الذخيرة: 438، المدارك 84:5، الحدائق 54:12، الرياض 77:5.
6- المعتبر 516:2، المبسوط 194:1، الكافي في الفقه: 167، المختلف 175:3، البيان: 174.
7- الشرائع 111:1، مستند الشيعة 123:9، الذخيرة: 438، المدارك 84:5، الحدائق 54:12، الرياض 77:5.

الإجزاء»(1) و نسب إلى ظاهر التذكرة(2) و نفي عنه البعد في الذخيرة(3) و عن الحدائق احتماله(4) و عن الرياض تقويته(5).

أقول: و أشكل من الصورة المذكورة ما لو كان قيمة المدفوع إلى الفقير أنقص من المأخوذ منه - بأن يكون قيمته خمسة عشر مثلا و قد اخذ منه عشرين - فإنّ تشريع الجبر حتّى في نحو هذه الصورة إدخال ضرر على الفقير، مع أنّ المقصود من تشريع الزكاة إيصال النفع إليه لا إدخال الضرر عليه فينبغي القطع بالعدم هاهنا و لا أظنّ قائلا بغير ذلك، بل الظاهر عدم اندراج نحو هذه الصورة في إطلاق النصّ و الفتوى كما يظهر وجهه بالتأمّل، و لك أن تستند لنفي مشروعيّة الجبران هنا بعموم حديث «لا ضرر و لا ضرار» الدالّ على نفي جعل الحكم الضرري.

و ثانيهما: أنّه ذكر الفاضلان و غيرهما في الشرائع و الإرشاد و البيان و المدارك و الذخيرة: «أنّ الخيار في دفع الأعلى و الأدنى و في الجبر بالشاتين أو الدراهم للمالك»(6).

أقول: الخيار في دفع الأعلى و الأدنى ممّا لا نفهم معناه إذ المفروض تعيّن أحدهما بعد فقد الفريضة، إلاّ أن يريدوا به الخيار بين دفع ذلك مع الجبر أو دفع القيمة السوقيّة للفريضة المفقودة، و هذا خلاف ظاهر مساق عبائرهم.

و أمّا الخيار في الجبر بين الشاتين و الدراهم فلعلّ وجهه ظاهر النصّ ، و ربّما احتمل كونه إجماعيّا، و ظهور النصّ في خيار المالك في مسألة دفع الأدون و الجبر معه حسن، لقوله عليه السّلام في الخبرين المتقدّمين: «و يعطي معها شاتين أو عشرين درهما»(7).

و أمّا في مسألة دفع الأعلى و أخذ الجبر فظاهر قوله عليه السّلام: «و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما» كون الخيار في اختيار أحد الأمرين للساعي أو الفقير إلاّ أن يقال بأنّ معنى قوله عليه السّلام: «و يعطيه المصدّق» يعطي من الأمرين ما اختاره المالك، و هو خلاف ظاهر لا يصار إليه من دون صارف. و بالجملة إن كان خيار المالك في هذه

ص: 246


1- المدارك 84:5.
2- التذكرة 71:5.
3- الذخيرة: 438.
4- الحدائق 54:12.
5- الرياض 77:5.
6- الشرائع 111:1، الإرشاد 281:1، البيان: 174، المدارك 84:5، الذخيرة 438:3.
7- تقدّما في: 237 و 238.

الصورة إجماعا أو شهرة كاشفة عن بلوغ قرينة مخرجة من ظاهر النصّ إليهم و إن اختفت فهو، و إلاّ فللمنع من أصل الحكم مجال لظهور النصّ في الخلاف.

المرحلة الرابعة: في دفع القيمة عن أعيان الفرائض في الزكاة و سائر الفروع و الأحكام المناسبة لهذا الباب
اشارة

فنقول: يجوز العدول من أعيان الفرائض إلى القيمة من أيّ جنس من المال كانت، كما عليه المعظم على ما حكي عن أكثرهم كالشيخين(1) و السيّدين(2) و الفاضلين(3)و الشهيدين(4) و غيرهم من المتأخّرين(5) و متأخّريهم(6) بل من غير خلاف يعرف.

كما حكي التصريح به عن السيّد في الرياض(7) فيما عدى الأنعام الثلاثة و عن المعتبر: «في الزكاة عن الذهب و الفضّة و الغلاّت أنّه قول علمائنا أجمع»(8) و في التذكرة: «يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن النقدين و الغلاّت عند علمائنا أجمع»(9)و لعلّه لمثل هذه العبائر ما حكي عن الرياض من قوله: «بل عليه الإجماع في عبائر جماعة منهم الفاضل في التذكرة»(10).

و الأصل في الحكم فيما عدى الأنعام خبران صحيحان أحدهما: ما عن عليّ بن جعفر قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة، أ يحلّ ذلك ؟ قال عليه السّلام: لا بأس به»(11).

و ثانيهما: ما عن محمّد بن خالد البرقي قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب

ص: 247


1- الخلاف 50:2، المسألة 59، المقنعة: 253.
2- الانتصار: 215، الغنية: 126.
3- القواعد 338:1-339، المعتبر 516:2.
4- البيان: 174، شرح اللمعة 28:2.
5- جامع المقاصد 426:3، مجمع الفائدة 126:4.
6- المدارك 274:5، الذخيرة 468:3، المفاتيح 202:1.
7- الرياض 78:5-80.
8- المعتبر 516:2.
9- التذكرة 196:5.
10- الرياض 78:5-80.
11- الفقيه 1622/31:2، تهذيب الأحكام 6/95:4، الوسائل 2/167:9، ب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

دراهم، قيمته ما يسوّى أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه ؟ فأجاب أيّما تيسّر يخرج»(1).

و قصورهما دلالة على العموم - من حيث إنّ الأوّل لا يدلّ صراحة و لا ظهورا على جواز جعل القيمة عن النقدين من غير جنس النقدين، و الثاني لا يتناول التمر و الزبيب و لا غير الدراهم في القيمة عن الحنطة و الشعير و الذهب و لا الدراهم أيضا في العدول عنها إلى القيمة - يجبر في الجميع بعدم القول بالفصل، لإطلاق الفتاوى و معاقد الإجماعات، مع عدم تعرّض أحد من أرباب التصانيف لنقل قول بالفرق في الجهات المذكورة أو بعضها، كما تعرّضوا لنقله بين الأنعام و غيرها من النقدين و الغلاّت، فلو كان هناك قول آخر بالفرق لنقلوه جزما.

و أمّا في الأنعام ففي جواز إخراج القيمة عن أعيان الفرائض و إجزائها عنها فيها و عدمه قولان للأصحاب: أشهرهما كما عن الرياض(2) بل المشهور كما هو ظاهر إطلاق كلام الذخيرة هو الأوّل(3) و في المنتهى «أنّه مذهب أكثر علمائنا»(4) و في المدارك «أنّه مذهب أكثر المتأخّرين»(5) و عن الغنية: «أصحابنا لا يختلفون في جواز أخذ القيمة في الزكاة»(6) و إطلاقه يتناول ما نحن فيه، و عن الشيخ: «إجماع الفرقة و أخبارهم»(7) حيث استدلّ بهما.

و القول الآخر مختار المفيد في المقنعة قائلا: «لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلاّ أن تعدم ذوات الأسنان المخصوصة في الزكاة»(8) و قيل: يفهم من المعتبر الميل إليه(9) و ربّما عزي الميل إليه أيضا إلى مجمع الفائدة(10) و اختاره من متأخّري المتأخّرين صاحب المدارك(11) و تبعه صاحب الذخيرة و الكفاية(12).

ص: 248


1- الفقيه 1623/32:2، تهذيب الأحكام 5/95:4، الوسائل 1/167:9، ب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الرياض 80:5.
3- الذخيرة: 447.
4- المنتهى 504:1.
5- المدارك 91:5.
6- الغنية: 126.
7- الخلاف 50:2، المسألة 59.
8- المقنعة: 253.
9- المعتبر 513:2 و 517.
10- مجمع الفائدة 124:4.
11- المدارك 91:5.
12- الذخيرة: 447، كفاية الأحكام: 38.

و يظهر من عبارة المقنعة المتقدّمة أنّ محلّ النزاع ما لو كان المالك واجدا لأعيان الفرائض و للقيمة معا، و أمّا لو فقد العين و وجد القيمة فالمفيد أيضا يجوّز دفع القيمة و كذلك متابعوه(1).

و كيف كان فلا ينبغي التأمّل في أنّ قضيّة ظاهر الأدلّة من النصوص و غيرها وجوب إخراج العين، و جواز الاجتزاء عنها بالقيمة حكم مخالف لهذا الظاهر فلا يصار إليه إلاّ لدلالة معتبرة، فالمانع هنا مستظهر و الدلالة لازمة على المثبت، و لذا استدلّ عليه الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة و أخبارهم(2) و إن ردّه المحقّق في المعتبر بمنع الإجماع و عدم دلالة الأخبار على موضع النزاع(3).

و كأنّه قدّس سرّه أراد بالإجماع ما لا يقدح فيه خلاف شيخه المفيد و بالأخبار بعض ما مرّ و ما يأتي بالتقريب الآتي.

و عن العلاّمة رحمه اللّه الاستدلال عليه «بأنّ المقصود بالزكاة دفع الخلّة و سدّ الحاجة و هو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين، و بأنّ الزكاة إنّما شرّعت جبرا للفقراء و معونة لهم و ربّما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات فاقتضت الحكمة التسويغ»(4).

و لا خفاء في ضعف الوجهين، لعدم صلاحية نحو هذه الاعتبارات مستندا لحكم شرعي مخالف للدليل، و لو سلّمنا لما ذكر تأثير، فهو من باب علّة تشريع الزكاة و هو لا يلازم الاطّراد بحيث يدور عليها الحكم وجودا و عدما، فلعلّ لخصوصيّة العين أيضا مدخليّة في الحكم، كيف و لو صلح ما ذكر علّة تامّة للحكم لقضى بإيجاب الزكاة في الذمّة و يبقى تعلّقها بالعين بلا فائدة، مع أنّه لو انيط الحكم بالأنفعيّة لقضى بتعيين العين تارة و تعيين القيمة اخرى لأنّه ربّما كانت العين أنفع، و لزم من ذلك التفصيل لا اطّراد الحكم بجواز القيمة.

و أضعف من الوجهين تمسّكه في المنتهى: «بأنّ الزكاة تجب على طريق المساواة و تسامح صاحبها، و في تعيّن العين ضيق بالمالك فإنّه ربّما احتاج إلى العين»(5).

ص: 249


1- الانتصار: 215، الخلاف 16:2 المسألة 11، الغنية: 126.
2- الخلاف 50:2، المسألة 59.
3- المعتبر 513:2 و 517.
4- التذكرة 197:5.
5- المنتهى 504:1.

و نحوه في الضعف تمسّكه في المختلف: «بأنّه يجوز إخراج القيمة في غير الأنعام فيجوز فيها، أمّا المقدّمة الاولى فلما مرّ إليه الإشارة، و أمّا الثانية فلأنّ إخراج القيمة إمّا أن يكون تحصيلا للمصالح المطلوبة شرعا أو لا؟ فإن كان الأوّل أجزأ مطلقا، و إن كان الثاني امتنع مطلقا»(1) و يكفي في ضعفه إنّ مبنى الشرع و أحكامه على الجمع بين المختلفات و الفرق بين المجتمعات.

و الأولى الاستدلال على الجواز هنا أيضا بقوله في صحيح البرقي المتقدّم: «أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه ؟ فأجابه أيّما تيسّر يخرج»(2) بتقريب أنّ قوله عليه السّلام: «كلّ شيء» عامّ يشمل بعمومه جميع الأجناس الزكويّة حتّى الأنعام، و يكشف عن كون تخصيص الأشياء المذكورة قبله بالذكر من باب المثال فهذا تعميم في السؤال بعد التخصيص مثالا و خرج الجواب من الإمام عليه السّلام بعد هذا التعميم مفيدا لعموم الحكم حتّى الأنعام، خصوصا بملاحظة تعبيره عليه السّلام بقوله: «أيّما تيسّر» فإنّه يقضي بأنّ المدار في إخراج الزكاة على ما تيسّر إخراجه للمالك، و هذا يقتضي تسويغ إخراج العين و القيمة معا، إذ لو تعيّن العين لم يكن لإناطة الحكم بالتيسّر وجه كما لا يخفى.

و لا يلزم من ذلك كون العدول إلى القيمة معلّقا على تعسّر العين لأنّ مفروض السائل في السؤال وجود العين و القيمة معا، فاريد بالتيسّر في الجواب مجرّد الأسهليّة و سهولة الدفع، و محصّله أنّه لا تضييق على المالك باعتبار تعيين ما عليه من العين بل موسّع عليه و مرخّص في إخراج ما تيسّر له من العين أو القيمة.

و يؤيّده بل قيل يدلّ عليه أيضا المرويّ عن عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن محمّد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين اعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أنّ ذلك خير لهم، قال: فقال عليه السّلام:

لا بأس»(3) و السند معتبر لتردّده بين الصحّة و التوثيق، و دلالته واضحة لو لا ورود

ص: 250


1- المختلف 230:3-231.
2- الفقيه 1622/31:2، تهذيب الأحكام 5/95:4، الوسائل 1/167:9.
3- قرب الاسناد: 159/49.

المناقشة فيها بنحو ما ستعرفه من القدح في دلالة الرواية الآتية في الفرع الثاني، إلاّ أن يتشبّث حينئذ بالفحوى أو بإطلاق قوله: «اعطيهم من الزكاة فأشتري لهم» فإنّه يعمّ ما لو كان الزكاة الواجبة من أحد النقدين فيشتري به الثياب و الطعام و ما لو كانت من أجناس اخر فيتقبّل العين لنفسه و يشتري بقيمته الثياب و الطعام.

فروع:
[الاول دفع القيمة لا أصل و لا بدل]

الأوّل: قال العلاّمة في المنتهى كما عنه في التحرير(1) و عن الشيخ في الخلاف(2):

«إنّ القيمة تخرج على أنّها قيمة لا أصل و بدل. و نسبه إلى أبي حنيفة(3) ثمّ قال: و في أصحابه من قال الواجب أحد الشيئين فأيّما أخرج كان أصلا... إلى أن قال: لنا أنّ المنصوص عليه العين و الأحاديث إنّما دلّت على القيمة على أنّها قيمة لا بدل و أصل في نفسها»(4).

و حاصل ما أفاده رحمه اللّه: أنّ العدول عن عين الفريضة إلى القيمة ليس على أنّه اختيار لأحد فردي الواجب التخييري اللذين وقع التخيير بينهما بحسب أصل الشرع و هما العين و القيمة ليكون كلّ من حيث تعلّق الخطاب به أصلا، و من حيث كونه معادلا للآخر بدلا له، بل على أنّه تعويض للعين بقيمته السوقيّة بأن يتقبّلها المالك و يدفع القيمة السوقيّة عوضا عنها.

و هذا نحو معاملة معاوضيّة، بل معاوضة مشروعيّتها ثبتت بإذن الشارع و ترخيصه، نظير ما لو أذن المالك من بيده عين من أعيان ماله في أن يتقبّلها لنفسه و يدفع إليه قيمته، و عليه فلا يكون القيمة أصلا و بدلا، و الدليل على ذلك أنّ مقتضى النصوص إخراج العين بعينه فإخراج القيمة حينئذ لا جهة له إلاّ عوضا في المعاملة المعاوضيّة.

[الثانى اخراج العين افضل فى الانعام]

الثاني: صرّح جماعة بأنّ إخراج القيمة و إن كان جائزا مطلقا إلاّ أنّ إخراج العين

ص: 251


1- التحرير 382:1.
2- الخلاف 50:2، المسألة 59.
3- المبسوط 156:2، المجموع 429:5، المغني 671:2-672.
4- المنتهى 504:1.

أفضل و يتأكّد في الأنعام، و لعلّ وجهه ما تقدّم(1) من كون العين هو الأصل فإنّ قضية أصالة العين أفضليّة إخراجها، نظرا إلى أنّ إخراج القيمة على الوجه الّذي وجّهناه ليس عزيمة و لا على وجه الاستحباب، بل غايته الرخصة، فيبقى أصالة العين و وجوبها العيني على حاله و هو يقتضي الأفضليّة، و أمّا تأكّدها في الأنعام فللاحتياط و الخروج عن شبهة الخلاف.

و استدلّ السيّد في الرياض بما رواه الكليني عن محمّد بن أبي عبد اللّه عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن سعيد بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسّمه ؟ قال عليه السّلام:

لا يعطيهم إلاّ الدراهم كما أمر اللّه تعالى»(2) قال في وجه الاستدلال: و في قوله: «كما أمر اللّه» إشعار بأنّ الزكاة المسئول عن جواز قيمتها إنّما هو الدراهم، و إلاّ فليس المأمور به من اللّه سبحانه في كلّ جنس إلاّ ما يجانسه لا الدراهم مطلقا، و عليه فقوله عليه السّلام: «لا يعطيهم إلاّ الدراهم» وارد على: «زكاتها» و يكون قوله عليه السّلام: «كما أمر اللّه» مشعرا بل ظاهرا في عموم المنع و ثبوته مطلقا، و ظاهره و إن أفاد المنع و الحرمة لكنّه محمول على الكراهة جمعا بين الأدلّة(3).

و فيه - بعد القدح في سند الرواية من جهة «سهل» المختلف فيه و «سعيد بن عمر» المجهول فلا تقاوم لمعارضة ما مرّ من الروايات المجوّزة حتّى يجمع بينهما بإرجاع التأويل إليها، نعم هي لضعفها لا تنهض لإثبات المنع و التحريم فلتحمل على الكراهة و التنزيه تسامحا في أدلّة السنن -: منع الدلالة على ما نحن فيه، لأنّ مورد الرواية اشتراء الرجل بدراهم الزكاة الأشياء المذكورة للفقراء، و هذا بمقتضى ظاهر الرواية ممّا لم يأذن فيه الشارع، و هو غير مسألة إخراج القيمة الّذي أذن فيه الشارع بموجب ما تقدّم من الروايات، و هو أن يتقبّل المالك عين الزكاة لنفسه و يدفع قيمته السوقيّة من ماله، فلا مقتضى للجمع من جهة عدم التعارض.

ص: 252


1- راجع: 239 و 240 و 243.
2- الكافي 3/559:3.
3- الرياض 81:5.

إلاّ أن يقال بأنّ كل من يجوّز إخراج القيمة بالمعنى المذكور يجوّز تبديل العين بالمعنى المستفاد من الرواية أيضا، و هو مشكل لعدم الدليل عليه من النصوص، و الإجماع عليه بسيطا أو مركّبا غير واضح، إلاّ أن يتمسّك عليه بالمرويّ عن قرب الإسناد المتقدّم لأنّ قوله: «اعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما»(1) الخ أيضا من مورد هذه الرواية و ليس من مسألة إخراج القيمة بالمعنى المذكور، فيجمع بينهما بحمل هذه الرواية على الكراهة و الأفضليّة.

و يشكل بأنّ الأفضليّة حينئذ إنّما ثبتت لدفع العين في مقابلة الاشتراء بها شيئا آخر للمستحقّ من الثياب و غيرها لا لدفع العين في مقابلة إخراج القيمة بالمعنى المبحوث عنه إلاّ أن يتشبّث بالإجماع المركّب و عدم القول بالفصل، و فيه تأمّل.

و بالجملة فإن تمّ ما وجّهناه لإثبات الأفضليّة أو ثبت الإجماع عليها فهو و إلاّ فإثبات الدليل عليها في غاية الإشكال إلاّ على البناء على التسامح و الاكتفاء فيه بفتوى الفقيه، فتأمّل جيّدا.

[الثالث] [إخراج المنفعة في الزكاة]

الثالث: عن العلاّمة في المنتهى و التحرير(2) و الشهيد في الذكرى(3) و البيان إنّهما استقربا صحّة إخراج المنفعة في الزكاة كسكنى الدار و علّله في المنتهى: «بأنّه حقّ مالي فجاز إخراجه قيمة كالأعيان»(4) و عن الذكرى و البيان أنّ : «تسليمها بتسليم العين.

ثمّ قال: و يحتمل المنع لأنّها تحصل تدريجا»(5) و استشكل الجواز في المدارك و زاد عليه الإشكال في: «إخراج القيمة ممّا عدى النقدين لقصور الروايتين عن إفادة العموم»(6) و اختار المنع في الذخيرة(7) نظرا إلى فقد الدليل على الصحّة، و مال إليه في المناهل قائلا: «بأنّ احتمال المنع في غاية القوّة»(8).

ص: 253


1- قرب الاسناد: 159/49.
2- التحرير 382:1.
3- لم نظفر عليه في الذكرى.
4- المنتهى 504:1.
5- البيان: 186.
6- المدارك 92:5.
7- الذخيرة: 447.
8- المناهل: 72.

أقول: يمكن الاستدلال على الصحّة بعموم قوله عليه السّلام في صحيحة البرقي: «أيّما تيسّر يخرج»(1) و عليه فالأقرب هو الجواز و الصحّة، و الأحوط عدم الاجتزاء بالمنفعة.

ثمّ في المحكيّ عن الشهيد في الكتابين أنّه: «لو آجر الفقير نفسه أو عقاره ثمّ احتسب مال الإجارة جاز و إن كان معرضا للفسخ»(2) و استجوده في المدارك تعليلا بأنّه: «مال مملوك»(3) و نفى عنه البعد في الذخيرة نظرا إلى: عموم القيمة(4) كما هو المستفاد من كلام الأصحاب(5) و استقربه في المناهل(6).

أقول: ما اختاروه جيّد، لعموم قوله عليه السّلام: «أيّما تيسّر يخرج». و كذلك كلّ دين للمالك على الفقير فيجوز احتسابه عليه عمّا وجب عليه من الزكاة بأن يتقبّل العين و يجعل دينه عليه قيمته.

[الرابع يعتبر فى الغيبة قيمة وقت الاخراج]

الرابع: صرّح جماعة بأنّ المعتبر في القيمة قيمة وقت الإخراج، ارتفع السوق في ذلك الوقت أو انخفض حتّى أنّه لو فرّط بالتأخير، و علّلوه بأنّه وقت الانتقال إلى القيمة. و عن العلاّمة في التذكرة أنّه قال: «إنّما تعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه، فلو قوّمها و ضمن القيمة ثمّ زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج فالوجه وجوب ما تضمّنه خاصّة دون الزائد و الناقص و إن كان قد فرّط بالتأخير حتّى انخفض السوق أو ارتفع، أمّا لو لم يقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإخراج»(7) و في المدارك قال: «و في تعيّن القيمة بمجرّد التقويم نظر»(8).

أقول: بعد ما عرفت من أنّ مبنى إخراج القيمة على المعاوضة الّتي أذن فيها الشارع، يظهر لك أنّه لا وجه للنظر، بل الوجه هو ما ذكره العلاّمة، لأنّه بتقبّله العين بإزاء قيمتها السوقيّة صارت العين ملكا له و اشتغلت ذمّته بالعين، غاية الأمر أنّه أخّر دفع القيمة لعذر أو لا لعذر عصيانا فوجب إجزاء تلك القيمة المضمونة حيثما أخرجها.

ص: 254


1- الفقيه 1622/31:2، تهذيب الأحكام 6/95:4، الوسائل 2/167:9، ب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- البيان: 186، لم نظفر عليه في الذكرى.
3- المدارك 92:5.
4- الذخيرة: 447.
5- الجواهر 128:15.
6- المناهل: 72 الف.
7- التذكرة 198:5.
8- المدارك 92:5.

ثمّ لو اختلفت قيم وقت الإخراج في بلد الإخراج باعتبار اختلاف السوق أو باعتبار اختلاف الرغبات فقال في المناهل: «يحتمل قويّا إجزاء أقلّ القيم و إن كان أكثرها أحوط»(1).

أقول: و لعلّ وجهه عموم القيمة في كلام الأصحاب، أو لأصالة البراءة عن الزائد، و فيهما نظر، أمّا الأوّل فلأنّ المعتبر عموم الدليل لا عموم الفتوى، و أمّا الثاني فلأنّ المقام من مجاري أصل الاشتغال لأنّ أوّل ما اشتغلت به الذمّة يقينا إنّما هو العين فوجب تحصيل اليقين بالبراءة عنها و لا يقين إلاّ باخراج أكثر القيم، و يتأكّد بأصالة عدم صحّة المعاوضة لو جعل لها أقلّ القيم.

مسائل مهمّة:
[الاولى] [الشاة المأخوذة للزكاة]

الاولى: اختلف الأصحاب في أقلّ ما يجزئ من الشاة المأخوذة في الزكاة على قولين، أشار إليهما المحقّق في الشرائع بقوله: «و الشاة الّتي تؤخذ من الزكاة قيل أقلّه الجذع من الضأن و الثنيّ من المعز، و قيل: ما يسمّى شاة، و الأوّل أظهر»(2) و عزي اختيار هذا القول إليه في النافع(3) و المعتبر(4) أيضا و إلى الخلاف و الغنية(5) و الوسيلة(6) و العلاّمة في أكثر كتبه(7) و الشهيدين في الدروس(8) و البيان(9) و اللمعة(10) و الروضة(11) و الجامع(12)و الرياض(13) و ظاهر التنقيح(14) و حاشية الشرائع(15) و المسالك(16) و في الرياض أنّه الأشهر(17) و في الذخيرة(18) كما عن الكفاية أنّه المشهور بين الأصحاب(19) و عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه(20).

ص: 255


1- التذكرة 198:5.
2- الشرائع 112:1.
3- النافع: 55.
4- المعتبر 512:2.
5- الخلاف 17:2 المسألة 12، الغنية: 123.
6- الوسيلة: 124.
7- التحرير 359:1، التذكرة 107:5، القواعد 338:1.
8- الدروس 235:1.
9- البيان: 173.
10- اللمعة: 42.
11- شرح اللمعة 27:2.
12- جامع المقاصد 240:3-241.
13- الرياض 70:5-71.
14- التنقيح 305:1.
15- حاشية الشرائع 249:10.
16- المسالك 378:1.
17- الرياض 70:5-71.
18- الذخيرة: 436.
19- كفاية الأحكام: 36.
20- الخلاف 17:2 المسألة 12، الغنية: 123.

و أمّا القول الثاني و إن كان نقله في الشرائع(1) و لكنّه لم يظهر كون قائله من أصحابنا، و احتمل في المناهل كونه من العامّة(2) و قد بالغ في الرياض في إنكار وجوده قائلا بعد دعوى الأشهريّة: «بل لا خلاف فيه يعرف و لا ينقل إلاّ في الشرائع فقد حكى فيه القول بكفاية ما يسمّى شاة، و القائل به غير معروف و لا منقول، بل على خلافه الإجماع في الغنية و الخلاف»(3) انتهى.

نعم ربّما يظهر اختياره من عبارة التحرير لمكان تعبيره بلفظ «ينبغي» بقوله:

«ينبغي أن يكون الجذعة من الضأن و الثنيّة من المعز و كذا شاة الجبران»(4) لظهوره في الرجحان المفيد لتجويز خلافه. و لأجل عدم نصوصيّته فيه يحتمل إرادة الوجوب و نفى عنه البعد في المناهل(5) نعم اختاره صريحا صاحب المدارك(6) و يظهر الميل إليه من الذخيرة حيث ناقش في دليل القول الأوّل ثمّ حكى دليل هذا القول من غير مناقشة فيه(7) و عزي نحوه إلى مجمع الفائدة(8) و الكفاية(9).

و الأقوى هو القول الأوّل، لخبر سويد بن غفلة: «أتانا مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال:

نهينا أن نأخذ المراضع و امرنا أن نأخذ الجذعة و الثنيّة»(10) و ضعفه سندا باعتبار عاميّته منجبر بعمل المعظم، كما أنّ قصوره دلالة منجبر بفهمهم، و هو فيهما معا معتضد بالشهرة العظيمة محقّقة و محكيّة، و بالإجماع المنقول بطريقين و بالمرسل المرويّ عن غوالي اللآلئ عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن و الثنيّ من المعز. قال: و وجد ذلك في كتاب عليّ عليه السّلام»(11).

و ليس للقول الآخر إلاّ إطلاق الشاة في النصوص الآمرة بها كقوله عليه السّلام: «في خمس من الإبل شاة و في أربعين شاة شاة» و الجواب منع إطلاق الشاة على ما دون الجذع و الثني، و لو سلّم الصدق، فيتوجّه المنع إلى انصراف الإطلاق إليه، و لو سلّم

ص: 256


1- الشرائع 112:1.
2- المناهل: 72-73 الف.
3- الرياض 70:5-71.
4- التحرير 359:1.
5- المناهل: 72-73 الف.
6- المدارك 92:5-93.
7- الذخيرة: 436.
8- مجمع الفائدة 73:4 و 77.
9- كفاية الأحكام: 36.
10- المجموع 399:5، لم نعثر عليه في المصادر الروائيّة الإماميّة الخمسة.
11- عوالى اللآلئ 230:2.

فيخرج عن الإطلاق بالتفصيل المستفاد من الخبر المنجبر سندا و دلالة و منقول الإجماع و غيره حملا للمطلق على المقيّد.

و ينبغي التنبيه على امور:

أحدها: صرّح جماعة بعدم الفرق في تعيّن الجذع و الثنيّ على التفصيل المتقدّم(1)بين شاة زكاة الغنم و شاة زكاة الإبل، و هو ظاهر إطلاق الأكثر حيث أطلقوا في القول بالتفصيل المذكور من غير تخصيص له بشاة زكاة الإبل، فالاقتصار على زكاة الغنم كما عن البيان(2) و على زكاة الإبل كما عن الجامع(3) لعلّه لا يراد به قصر الحكم عليه.

ثمّ إنّ مراد الأصحاب من التحديد بالجذع و الثنيّ في النوعين هو أنّ أقلّ ما يجزئ ذلك، فلا يجزئ ما دونه، لا أنّ الأعلى منه لا يجزئ، فلو دفع الأعلى أجزأه بل أولى بالإجزاء، و لا يستحقّ استرداد قيمة الزيادة للأصل، و عدم الدليل عليه، و كون الأعلى من مصاديق الشاة. غاية الأمر أنّ الشارع قيّدها بعدم كونها أقلّ من الجذوع و الثنيّ ، و هذا لا يقتضي التقييد بعدم الزيادة عليه و لا قصر الواجب دفعه على هذا السنّ . فما عن الدروس من أنّه: «لو فقد الجذع و الثنيّ في غنمه دفع الأقلّ و أتمّ القيمة أو الأكثر و استردّ الزائد»(4) ليس على ما ينبغي.

[الأقوال في تفسير الجذع و الثنيّ ]

ثانيها: اختلفوا في تفسير الجذع و الثنيّ على أقوال متشتّة و عبارات مضطربة لا جدوى بالإطناب بذكرها في الأوّل، و على قولين في الثاني: أحدهما ما دخل في الثانية، و ثانيهما ما دخل في الثالثة إلاّ أنّ المنقول عن أكثر أهل اللغة في الأوّل:

«ما أكمل سنة و دخل في الثانية» و في الثاني: «ما دخل في الثالثة»(5).

ص: 257


1- تقدّم في ص 255.
2- البيان: 173.
3- جامع المقاصد 16:3، 17.
4- الدروس 235:1.
5- الصحاح 1194:3، الجذع: قبل الثني... تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية و لولد البقر و الحافر في السنة الثالثة، و للإبل في السنة الخامسة: أجذع، مجمع البحرين 355:1، الجذع بفتحتين: و هو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، و من البقر و المعز ما دخل في الثانية، و في المغرب في

و لكنّ الّذي حكي اختياره في الأوّل عن جمع من أساطين الطائفة كالشيخ في المبسوط(1) و ابني حمزة(2) و إدريس(3) و العلاّمة في جملة من كتبه(4) و ثاني الشهيدين في الروضة(5) و المسالك(6) و مجمع الفائدة أنّه ما له سبعة أشهر(7) و ربّما ادّعي الأشهريّة فيه، و في الثاني أنّه ما كمل سنة و دخل في الثانية و عن جماعة(8) دعوى الشهرة عليه.

و لا خفاء في أنّ طريق الاحتياط فيهما يقتضي اختيار الأكمل و هو ما له سنة كاملة في الأوّل و ما دخل في الثالثة في الثاني على طبق ما عليه أكثر أهل اللغة، و لكنّ السيّد في الرياض(9) جعل ما اختاره الجماعة فيهما أوفق بأصل البراءة و لعلّه أيضا مستند الجماعة فيما اختاروه.

غير أنّا لا نرى وجها للتمسّك بأصل البراءة هنا أصلا، لعدم كون الشكّ ابتداء في التكليف و لا آئلا إليه، مع كونه ابتداء في المكلّف به كما هو ضابط جريان أصل البراءة، بل هو شكّ في المكلّف به مع عدم أوله إليه في التكليف، لأنّ الاختلاف بين الأصحاب و اختلاف كلامهم لكلام أكثر أهل اللغة أوجب كون المكلّف به المعيّن في الواقع مجملا مردّدا في النظر بين الأنقص و الأكمل.

و من البيّن استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينيّة و لا تحصل إلاّ باختيار الأكمل، فالمقام من مجرى أصل الاشتغال لا أصل البراءة، مضافا إلى استصحاب بقاء الفريضة المتعلّقة بالعين على سبيل الإشاعة في الذمّة حتّى يتحقّق المسقط اليقيني، فالمتّجه حينئذ وجوب مراعاة استكمال سنة في الجذع و استكمال سنتين في الثنيّ .

ص: 258


1- المبسوط 199:1.
2- لم نعثر في الوسيلة على ما صرّح في خصوص جملة: سبعة أشهر.
3- السرائر 448:1.
4- التحرير 369:1، التذكرة 105:5 و 107، القواعد 338:1، المنتهى 482:1-483.
5- شرح اللمعة 27:2.
6- المسالك 378:1.
7- مجمع الفائدة 77:4.
8- الذخيرة 436:3، الحدائق 66:12-67.
9- الرياض 72:5.

[تساوي الذكر و الانثى فى الإجزاء]

ثالثها: صرّح في النافع(1) و الرياض بأنّه يجزئ الذكر و الانثى قال السيّد في شرحه: «سواء كان النصاب كلّه ذكرا أو انثى أو ملفّقا منهما إبلا كان أو غنما، و سواء كان الذكر الّذي يدفع في نصاب الغنم الإناث بقيمة واحدة منها أو لا، وفاقا لجماعة منهم الشيخ في المبسوط(2) و الفاضل في جمله من كتبه(3) للإطلاقات»(4).

و يستفاد التعميم المذكور من اختلاف عبائر الأصحاب المشتمل بعضها(5) على التعبير بالجذوع و الثني، و البعض(6) الآخر على التعبير بالجذوعة و الثنيّة، و يقتضيه اختلاف الخبرين المتقدّمين(7) في ذلك.

و الظاهر أنّ مراد السيّد من الإطلاقات، إطلاق الشاة في النصوص الآمرة بها. ثمّ نقل خلافا عن الشيخ في الخلاف لأنّه عيّن الانثى في الاناث من الغنم مطلقا(8) و عن العلاّمة في المختلف لأنّه جوّز في الغنم الإناث دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة(9) ثمّ قال: «و لعلّ وجهه تعلّق الزكاة بالعين فلا بدّ من دفعها منها أو من غيرها مع اعتبار القيمة. ثمّ ناقش فيه بقوله: و لا يخلو عن مناقشة فإنّ الزكاة المتعلّقة بالعين ليس إلاّ مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها و إلاّ لما تصوّر تعلّقها بالإبل بل و لا الغنم حيث يجوز دفع الجذعة عنها»(10) انتهى.

أقول: و بما ذكره يندفع ما استشكله بعضهم على القول بتفسير الجذع بما دون سنة:

«من أنّ تعلّق الزكاة بالعين يقتضي الشركة و هي تقتضي اعتبار المماثلة في السنّ و المفروض أنّه يعتبر الحول في النصاب، فالشركة تقتضي كون الفريضة أحد النصاب

ص: 259


1- النافع: 55.
2- المبسوط 200:1.
3- التحرير 59:1، التذكرة 108:5.
4- الرياض 72:5.
5- الخلاف 17:2، المسألة 12، الوسيلة: 126، الغنية: 123؛ السرائر 448:1، الشرائع 112:1، الدروس 235:1، جامع المقاصد 241:3، شرح اللمعة 27:2، المسالك 377:1، مجمع الفائدة 77:4، المدارك 85:5.
6- الخلاف 24:2، المسألة 20، المعتبر 512:2، التذكرة 107:5، مجمع الفائدة 83:4 و 101.
7- تقدّما في: 256.
8- الخلاف 25:2، المسألة 22.
9- المختلف 258:3.
10- الرياض 72:5-72.

الّذي حال عليه الحول فكيف تكون جذعا»(1) و هو ما له دون سنة.

و حاصل الدفع ما ذكره بعض مشايخنا على طبق ما سمعت عن السيّد بقوله: «إنّ المراد بالشركة المزبورة على نحو زكاة الإبل من كون الفريضة مشاعة في مجموع النصاب، حتّى أنّ للفقير في كلّ واحد منه جزء فلا بأس حينئذ بتقديرها في مقام الدفع بالجذع و غيره، لرجوع الحاصل إلى أنّ الفقير يملك من النصاب ما يقابل الجذع كالتبيع في البقر و الشاة و بنت المخاض مثلا في الإبل و من المعلوم عدم اختصاص وجوب الزكاة بما لو وجد مسمّى الفريضة في النصاب بل لو وجد لا يتعيّن على المالك دفعه»(2) انتهى.

المسألة الثانية: [عدم جواز أخذ المريضة مع وجود الصحيحة]

صرّح جمع كثير من أساطين الطائفة من المتأخّرين(3) و متأخّريهم(4) بأنّه لا تؤخذ في الزكاة المريضة مع وجود الصحيحة في النصاب، و لا الهرمة مع وجود الشابّة، و لا ذات عوار - مثلّثة العين - و هي ذات العيب مع وجود السليمة، و في المدارك(5)و الذخيرة أنّ المنع من الثلاثة مذهب الأصحاب، و زاد في الثاني: «لا أعرف فيه خلافا بينهم»(6) و عن المنتهى: «لا نعلم فيه خلافا»(7) و في الرياض إجماعا على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا(8).

و استدلّوا عليه تارة بقوله عزّ من قائل: وَ لاٰ تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (9) أي لا تقصدوا الرديء من المال و هو يشمل الثلاثة، لكون الجميع من الخبيث بمعنى الرديء و قد نهي في الآية عن إنفاقه.

و اخرى بالنبوي عليه السّلام: «لا تؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تيس إلاّ أن

ص: 260


1- انظر مفتاح الكرامة 244:11.
2- الجواهر 133:15.
3- الشرائع 112:1، التذكرة 111:5، البيان: 174، شرح اللمعة 27:2، مجمع الفائدة 73:4.
4- المدارك 94:5، الذخيرة: 437، الحدائق 65:12، الرياض 8:5، غنائم الأيّام 77:4.
5- المدارك 94:5.
6- الذخيرة: 437.
7- المنتهى 485:1.
8- الرياض 75:5-76.
9- البقرة: 267.

يشاء المصدّق»(1) كما عن المعتبر(2) و المنتهى(3) و في الذخيرة(4).

و ثالثة بصحيح محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلاّ أن يشاء المصدّق»(5).

و عدم اشتمالهما على المريضة صريحا غير قادح، إمّا لأنّ المرض عيب فتدخل المريضة في إطلاق ذات عوار، أو لعدم قائل بالفرق كما صرّح به السيّد في الرياض(6)فيتمّ بعدم القول بالفصل بل الإجماع على عدم الفصل بين الثلاثة.

ثمّ يبقى الكلام في الاستثناء الّذي اشتمل عليه الروايتان قال السيّد في الرياض:

«لم أر مفتيا بهذا الاستثناء صريحا»(7) و عن مجمع الفائدة: «أنّه ممّا لا يقول به أحد.

و علّله بأنّه: ليس له اختيار ما ليس بواجب»(8) ثمّ احتمل التأويل بالأخذ قيمة.

و من مشايخنا من استشكل فيه: «بناء على كون المصدّق بالكسر أي آخذ الزكاة، بأنّه غير موافق لقاعدة اعتبار المصلحة في الوليّ ، أو عدم المفسدة، إلاّ أن يحمل على ما إذا كان في القبول بالقيمة مصلحة للفقراء فيقبل بها، أو على ما إذا تمكّن من بيعه بقيمة الصحيح، أو المراد قبوله في سهم نفسه أو غير ذلك ممّا لا ينافي القواعد»(9) مع الحمل عليه. و بالجملة فالاستثناء المذكور ممّا لا عامل بظاهره من الأصحاب، فليس للمصدّق أن يأخذ المريضة و غيرها من الثلاثة على أنّها الفريضة.

ثمّ إنّ الحكم المذكور - أعني عدم جواز أخذ إحدى الثلاث في الصدقة و عدم إجزاء دفعها - إنّما هو على تقدير وجود صحيح في النصاب، إمّا بكون النصاب كلّه صحيحا أو بعضه صحيحا. و أمّا إذا كان كلّه مراضا مثلا فالمصرّح به في كلام

ص: 261


1- المستدرك 4/66:7، ب 9 من أبواب زكاة الأنعام. سنن أبي داود 1572/99:2، سنن ابن ماجة: 1807/578.
2- المعتبر 514:2.
3- المنتهى 485:1.
4- الذخيرة: 437.
5- الوسائل 3/125:9، ب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الاستبصار 2/23:2، تهذيب الأحكام 4: 2/25.
6- الرياض 76:5.
7- الرياض 76:5.
8- مجمع الفائدة 71:4.
9- الجواهر 135:15.

المتأخّرين و متأخّريهم كالمحقّق في كتبه الثلاث(1) و العلاّمة في جملة من كتبه(2)و الشهيدين في البيان(3) و المسالك(4) و حاشية الشرائع(5) و المدارك(6) و الذخيرة(7) و الرياض:

«أنّه لا يكلّف بشراء الصحيحة»(8) أي لا يكلّف الزاما و في المدارك: «أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب»(9) و في المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا»(10) مؤذنا بدعوى الإجماع، و في الرياض بإجماعنا(9) الصريح في الخلاف الظاهر في المنتهى.

فالظاهر بملاحظة ما ذكر بل المظنون بالظنّ المتآخم للعلم أنّ الحكم وفاقي و يتأكّد ذلك بملاحظة ما في كلام جماعة (12) من نقل الخلاف عن المالك(10) من العامّة فأوجب شراء الصحيحة استنادا إلى إطلاق النصّ في قوله: «لا تؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عوار»(11).

و كيف كان فوجه ما عليه الأصحاب أنّ الزكاة تتعلّق بالعين فشركة المستحقّ مع المالك إنّما حصلت في العين المريضة، فتكون الحصّة الموجودة في العين للمستحقّ من جنس المريضة، فتكون الفريضة الّتي يجب إخراجها من جنس المريضة لا غير، و قضيّة ذلك أن لا يكلّف بشراء الصحيحة، مع أنّه لا دليل عليه، و الأصل ينفيه.

و توهّم إطلاق النصّ - كما عرفت عن بعض العامّة - يدفعه انصراف المطلق إلى الشائع المتعارف من النصاب باعتبار الغلبة، و هو ما كان صحيحا أو ما وجد فيه الصحيح، فلا ينصرف إلى الفروض النادرة الّتي منها المراض كلّه.

و حينئذ فإن كانت الفريضة موجودة عنده و هي مريضة كبنت المخاض المريضة في ستّة و عشرين من الإبل المفروض كونها مراضا مثلا يدفعها، و إلاّ فإن تطوّع باشتراء

ص: 262


1- الشرائع 113:1، المعتبر 517:2، النافع: 56.
2- التحرير 361:1، التذكرة 112:5-113، القواعد 338:1.
3- البيان، 174 و 177.
4- المسالك 382:1.
5- حاشية الشرائع 251:10.
6- المدارك 104:5.
7- الذخيرة: 437.
8- الرياض 75:5-76.
9- الرياض 75:5-76. (9و10و11) المنتهى 485:1.
10- المغني 467:2، الشرح الكبير بهامش المغني 508:2، فتح العزيز بهامش المجموع 369:5.
11- المستدرك 4/66:7، ب 9 من أبواب زكاة الأنعام، سنن أبي داود 1572/99:2، سنن ابن ماجة 1807/578:1.

الصحيحة و دفعها كان أفضل كما صرّح به جماعة(1) و إلاّ فله أن يشتري المريضة و يدفعها، و له أن يدفع قيمة المريضة و أيّهما فعل أجزأه كما صرّحوا به أيضا.

فلو كان بعض النصاب صحاحا و بعضه مراضا لم يجز الأخذ بالمريضة و جاز الأخذ بالقيمة موزّعة على الصحاح و المراض، فلو كان النصف من الستّ و العشرين صحاحا و نصفه مراضا و فيها بنت مخاض صحيحة و بنت مخاض مريضة فإن تطوّع بدفع الصحيحة فهو و إلاّ لم يجز أخذ المريضة لإطلاق النهي عن أخذها، نعم جاز الأخذ بالقيمة موزّعة على النصف الصحيح و النصف المريض.

و السرّ فيه أنّ الفريضة حينئذ بنت مخاض يكون نصفها صحيحا و نصفها مريضا، و حيث إنّ العين لا تتحقّق في الخارج بهذا الوصف فلا جرم يعدل إلى الأخذ بقيمة يكون بعضها قيمة النصف الصحيح و بعضها قيمة النصف المريض. فلو فرضنا أنّ قيمة الصحيح من بنت المخاض تساوي عشرين و قيمة المريض منها تساوي عشرة فقيمة الملفّقة من النصف الصحيح و النصف المريض خمسة عشر لأنّ نصف عشرين عشرة و نصف عشرة خمسة.

و هكذا في الأربعين من الغنم إذا كان نصفه مراضا و نصفه صحاحا و فرضنا أنّ قيمة كلّ واحد من الصحيح عشرون و قيمة كلّ واحد من المراض عشرة فالقيمة الّتي يجب الأخذ بها خمسة عشر.

و يسهل هنا تعيين القيمة الموزّعة على الصحيح و المريض بطريق النسبة بأن ينسب قيمة الفريضة الواجب دفعها أو دفع قيمتها إلى قيمة مجموع النصاب فإنّ الفريضة في الأربعين شاة واحدة، و هي بالنسبة إلى الأربعين ربع عشره، فلا بدّ و أن تكون قيمتها أيضا ربع العشر من قيمة الأربعين شاة سواء كان كلّها صحاحا أو مراضا أو بعضها صحاحا و بعضها مراضا.

ففيما كان نصف الأربعين صحاحا و النصف الآخر مراضا مع كون قيمة كلّ من

ص: 263


1- منهم العلاّمة في المنتهى 485:1.

الصحيحة عشرين و قيمة كلّ من المريضة عشرة فقيمة النصف الصحاح أربعمائة و قيمة النصف المراض مائتان و المجموع ستّمائة، و عشرها ستّون و ربع الستّين خمسة عشر، فهذه قيمة الفريضة الّتي يجب في المثال دفعها.

و على هذا المقياس يؤخذ بالقيمة في جميع الفروض سواء تساوى الصحيح و المريض أو كان الأوّل أغلب أو كان الثاني أغلب.

و لقد أشار إلى جميع ما بيّنّاه الشهيد الثاني في المسالك قائلا في شرح عبارة الشرائع: «و لا تؤخذ المريضة و لا الهرمة...»(1). الخ: «هذا إذا كان في النصاب صحيح أو فتى أو سليم من العور، أمّا لو كان جميعه كذلك أجزأ الإخراج منه، و لو اختلف في ذلك قسّط و أخرج صحيحا بقيمة القسط الصحيح و المعيب، فلو كان نصف أربعين شاة صحيحا و نصفها مريضا و قيمة كلّ صحيحة عشرون و كلّ مريضة عشرة اشترى صحيحة تساوي خمسة عشر، و لو أخرج صحيحة قيمتها ربع عشر الأربعين كفى و هو أسهل من التقسيط غالبا»(2).

و قال أيضا في شرح قول المحقّق: «و لو كان السن الواجبة مريضة لم يجب أخذها»(3) الخ: «لا فرق في ذلك بين كونها خاصّة مريضة كستّ و عشرين من الإبل فيها بنت مخاض واحدة مريضة أو بعضها و إن كان المريض أغلب، و الضابط أنّه متى كان في النصاب صحيحة لم يجز المريضة، بل إمّا أن يتطوّع بصحيحة أو يخرج قيمة موزّعة على الجميع، فلو كان نصف الستّ و عشرين مريضا و نصفها صحيحا و قيمة الصحيح من بنت المخاض تساوي عشرين و المريض عشرة أخرج خمسة عشر، و لو فرض تمام النصاب صحيحا و فيه شنق مريض وجب إخراج الصحيح إذ لا يزيد الشنق على عدمه»(4).

و إلى بعض ما ذكره أشار العلاّمة في المنتهى قائلا: «لو كانت إبله صحاحا و مراضا كلّف فرضا صحيحا بقيمة صحيح و مريض، فيقال: لو كان النصف صحاحا

ص: 264


1- الشرائع 112:1-113.
2- المسالك 378:1.
3- الشرائع 112:1-113.
4- المسالك 381:1-382.

و قيمة الفرض الصحيح عشرون و المريض عشرة أخرج فرضا قيمته خمسة عشر»(1).

و نحوه ما في التذكرة(2) و غيره و قال في المنتهى أيضا: «إذا كان إبله مراضا كلّها و الفرض صحيح فإن أخرجه فلا بحث، و إن أخرج مريضا لم يجزئ لأنّ في إبله صحيحا بل يشتري بقيمة الصحيح و المريض، فإذا كان الفرض بنت لبون كلّف شراء بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستة و ثلاثين جزء من صحيحة و خمسة و ثلاثين جزء من مريضة»(3) و نحوه ما في التذكرة(4).

و الظاهر أنّ مراده من الفرض ما لو كان النصاب بأجمعه مريضا إلاّ مقدار الفرض كما لو كان في ستّة و ثلاثين من الإبل خمسة و ثلاثون مريضة و بنت لبون واحدة صحيحة فقوله: «و الفرض صحيح» بعد قوله: «إذا كانت إبله مراضا» كلّها يجري مجرى الاستثناء و إن كان ظاهر العبارة يعطي كون مقدار الفرض المفروض كونه صحيحا زائدا على النصاب المفروض كون كلّه مريضا، و عليه فالمراد من قوله: «كلّف شراء بنت لبون صحيحة بقيمة» الخ إنّه كلّف شراء بنت لبون صحيحة قيمته تساوي جزء من ستّة و ثلاثين جزء من صحيحة، و خمسة و ثلاثين جزء من ستّة و ثلاثين جزء من مريضة.

و السرّ في ذلك أنّ واحدة من النصاب صحيحة و خمسة و ثلاثون منه مريضة، و إذا وزّعت الفريضة على الجميع كانت مشتملة على ستّة و ثلاثون جزء واحدة من هذه الأجزاء من الصحيحة و خمسة و ثلاثون منها من المريضة فلا بدّ و أن تكون قيمتها أيضا مشتملة على ما ذكر.

و يتمّ ذلك على قاعدة التقسيط و على قاعدة النسبة أيضا، فلو كان قيمة الصحيحة دينارين و قيمة كلّ من المريضة دينارا فقيمة المجموع سبعة و ثلاثون دينار، فيصير قيمة الفريضة بالنسبة إلى قيمة المجموع جزء من ستّة و ثلاثين جزء من قيمة الصحيحة و خمسة و ثلاثون جزء من ستّة و ثلاثون جزء من قيمة المريضة و هو دينار و جزء من ستّة و ثلاثين جزء من دينار.

ص: 265


1- المنتهى 485:1.
2- التذكرة 112:5-114.
3- المنتهى 485:1.
4- التذكرة 112:5-114.

و عليه فلو كان النصاب كلّه صحيحا إلاّ مقدار الفريضة و هو مريض بأن تكون خمسة و ثلاثون من الستّة و ثلاثين صحيحة و واحدة منها مريضة و إن كانت بنت لبون كلّف شراء بنت لبون صحيحة قيمتها جزء من ستّة و ثلاثين جزء من مريضة و خمسة و ثلاثون جزء من ستّة و ثلاثين جزء من صحيحة، فتأمّل.

المسألة الثالثة: لا تؤخذ الربّى و الأكولة و فحل الضراب في الصدقة،
اشارة

كما هو المصرّح به في كلام المتأخّرين(1) و متأخّريهم(2) و حيث لم يتعرّض أحد لنقل الخلاف فالظاهر أنّ الحكم وفاقي، و في المناهل دعوى ظهور الاتّفاق في كلّ من الثلاث(3) كما في الرياض أيضا في الأوّل، بل فيه في الأخيرين أنّه متّفق عليه بيننا(4).

و هو مع ذلك منصوص عليه في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تؤخذ أكولة - و الأكولة الكبيرة من الشاة يكون في الغنم - و لا والدة و لا الكبش الفحل»(5).

و محتمل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه «قال: ليس في الأكيلة و لا في الربّى - و الربّى الّتي تربّى اثنين - و لا شاة اللبن و لا فحل الغنم صدقة»(6)بناء على حمله على عدم الأخذ صدقة لا عدم تعلّق الصدقة، للإجماع على تعلّقها بالربّى و شاة اللبن كما في الرياض(7) و غيره.

و ما سمعت من متن الصحيحة كما في الكافي و عن الفقيه باسناد صحيح: «و لا في الربّى الّتي تربّى اثنين» و الأوّل تفسير و الثاني محتمل له و للتقييد، و أيّا ما كان فهو ممّا لا قائل به كما أومأ إليه في الرياض قائلا: «لكن فيه تفسيرها بالّتي تربّى اثنين أو تقييد المنع بها خاصّة و لا قائل بهما»(8).

ص: 266


1- السرائر 437:1، الشرائع 113:1، المنتهى 485:1، الدروس 235:1.
2- جامع المقاصد 17:3، المدارك 106:5، الذخيرة: 437، الرياض 8:5، غنائم الأيّام 79:4.
3- المناهل: 74 ب.
4- الرياض 74:5-75.
5- الكافي 3/535:3.
6- الكافي 2/535:3، الفقيه 1608/28:2، الوسائل 1/124:9، الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام.
7- الرياض 74:5-75.
8- الرياض 74:5-75.

و علّل المنع أيضا في الربّى تارة بأنّ فيه إضرارا بولدها لمكان اشتغالها بتربيتها، و اخرى بأنّ النفساء مريضة و هي في المعز كالنفساء في الأناسي كما عن سرّ العربيّة قال: «يقال امرأة نفساء و ناقة عائد و نعجة دغوث و عنز ربّى»(1).

و في الأكولة تارة بأنّ فيه تحكّما على المالك كما عن المعتبر(2) و اخرى بأنّ فيه إضرار بالمالك كما عن المنتهى(3) و استدلّ عليه أيضا في الأخيرين(4) بقوله عليه السّلام للمصدّق: «إيّاك و كرائم أموالهم»(5) و هذه الوجوه و إن لم تنهض أدلّة على الحكم الشرعي إلاّ أنّها تصلح لتأييد بها.

و ينبغي التنبيه على امور:
[[الاولى] تفسير الربّى و الأكولة]

أحدها: أنّ الربّى بضمّ الراء و تشديد الباء كحبلى جمعه رباب بالضمّ ، و في تفسيرها ذاتا و وصفا أقوال متشتّة، ففي مجمع البحرين أنّه خصّها بعضهم بالمعز و بعضهم بالضأن، و في المسالك: «و ربّما اطلقت على الشاة و الناقة أيضا نصّ عليه الجوهري(6)و مراد المصنّف هنا ما هو أعمّ منها و هو مطلق النعم الوالدة»(7) انتهى.

و لعلّه استظهار من المصنّف باعتبار استفادة إرادته من مدرك الحكم و هي الموثّقة المتقدّمة(8) حيث عبّر عنها فيها ب «الوالدة» و هي مطلقة تشمل الوالدة من جميع النعم، و عليه فلا اختصاص لإرادة الأعمّ بالمصنّف بل ينبغي أن يكون مراد كلّ من استند إلى الموثّقة، هذا هو الاختلاف في الذات. و ما ذكره في المسالك من حيث بيان موضوع الحكم متّجه لعموم المدرك و إن لم يتبيّن كونه كذلك لغة.

و أمّا الاختلاف في الوصف فقد عرفت أنّها الوالدة فقيل: إنّها الوالدة ما بينها و بين خمسة عشر يوما(9) و قيل: عشرين يوما، و قيل: إلى شهر(10) و قيل: إلى شهرين(11)

ص: 267


1- فقه اللغة و سرّ العربيّة: 187.
2- المعتبر 514:2.
3- المنتهى 485:1.
4- أي الربّى و الأكولة.
5- سنن أبي داود 1584/104:2.
6- الصحاح 131:1، مادّة ربب.
7- المسالك 382:1.
8- تقدّمت في: 266.
9- مجمع البحرين 128:2.
10- لم نعثر في المجمع و الصحاح و المآخذ الفقهيّة الإماميّة ما يدلّ عليها.
11- مجمع البحرين 128:2.

و قيل: إلى خمسين يوما(1) و قيل: الشاة القريبة العهد بالولادة(2) و لعلّه أشهر، و على القول بإرادة الأعمّ فهي: «الوالدة عن قرب» كما في المسالك(3) و لعلّ الأقوال الاخر أيضا اجتهادات في تحديد القرب بالولادة، و عليه فلا خلاف عند أربابها في كون الضابط هو القرب بالولادة و هو أمر عرفي.

و عن النهاية: «الضابط استغناء الولد عنها عرفا»(4) و هذا موافق للاحتياط و قاعدة الاشتغال، إذ التكليف بإخراج الفريضة يقيني و لا يحصل اليقين بالبراءة عنه بإخراج ما يحتمل كونه ربّى، فلا بدّ من إخراج ما يقطع عدم كونه ربّى و لا يكون إلاّ ما يستغنى عنها الولد.

فتحقيق المقام حينئذ أنّ المرجع في معرفة الربّى هو العرف إن ساعد على حدّ معيّن يطمئنّ به النفس، و إلاّ فلا محيص من الرجوع إلى الأصل المذكور.

و أمّا الأكولة فهي على ما في كلام جماعة: «السمينة المعدّة للأكل»(5).

و أمّا فحل الضراب فواضح، و الظاهر أنّه لا فرق فيهما أيضا بين الأنعام الثلاث كما صرّح به في المناهل.

ثانيها: هل يجوز أخذ أحد هذه مع رضا المالك و دفعه بطيب نفسه

كما عليه الفاضلان في المعتبر(6) و المنتهى(7) أو لا؟ كما هو ظاهر إطلاق الشرائع(8) و القواعد(9)و الدروس(10) و البيان(11) بل صريح المسالك(12) في الاولى و الأخيرة كما عن حاشية الشرائع(13) و في المنتهى صرّح بعدم الخلاف في الأوّل قائلا بعد ذكر المنع في الثلاثة:

ص: 268


1- الصحاح 131:1، الربّى: بالضمّ ، الشاة الّتي وضعت حديثا، التذكرة 116:5.
2- مجمع البحرين 128:2.
3- المسالك 382:1.
4- نهاية الإحكام 332:2، ليس فيها كلمة: «عرفا».
5- المبسوط 199:1، السرائر 437:1، الشرائع 113:1، التذكرة 117:5، البيان: 176، المسالك 382:1.
6- المعتبر 514:2.
7- المنتهى 485:1.
8- الشرائع 112:1-113.
9- القواعد 335:1 و 338.
10- الدروس 235:1.
11- البيان: 176-177.
12- المسالك 382:1.
13- حاشية الشرائع «حياة المحقّق الكركي و آثاره 10»: 252.

«لو تطوّع المالك بذلك جاز بلا خلاف، لأنّ النهي في هذه منصرف إلى الساعي لتفويت المالك النفع و الإرفاق به، لا لعدم إجزائها»(1).

و في المسالك جعل الجواز و عدمه في الربّى مبنيّين على ما تقدّم(2) من التعليلين قائلا: «و مقتضى جعلها نظيرة النفساء أنّ المانع من إخراجها المرض، لأنّ النفساء مريضة و من ثمّ لا يقام عليها الحدّ، فلا يجزئ إخراجها و إن رضي المالك. و يحتمل كون المانع الإضرار بولدها فلو رضي بإخراجها جاز. الأجود الأوّل، نعم لو كانت الجميع ربّى لم يكلّف الإخراج من غيرها كالمراض»(3) انتهى.

و الأولى بناء القول بالجواز على أنّ مفاد قوله: «لا تؤخذ» في النصّ و الفتوى حكم راجع إلى الساعي، و مرجعه إلى منع الأخذ بأحد هذه الثلاثة مواساة على المالك و إرفاقا به، و محصّله منعه من الأخذ قهرا على المالك، و مقتضاه جواز الأخذ لو دفعها برضا نفسه.

و يزيّفه النقض بورود هذه العبارة بعينها في المريضة و الهرمة و ذات العوار أيضا، فلو كان مفاد ما ذكر، جاز أخذها لو دفعها المالك برضا نفسه مع أنّ ظاهرهم الاتّفاق على عدم الجواز مطلقا، و قضيّة ذلك أن يكون مفاد هذه العبارة عدم جواز الأخذ الملازم لعدم الإجزاء أي عدم جواز الأخذ بما دفعه المالك من الامور المذكورة لمكان عدم إجزائه.

و لئن سلّمنا عدم ظهور الرواية في هذا المعنى فلا نسلّم ظهورها في المعنى الأوّل أيضا، فيبقى أصل الفضل بالقياس إلى المالك سليما، إلاّ أن يتمسّك في خصوص الأكولة و فحل الضراب بالأولويّة، و يدفعها أنّ التعويل عليها مبنيّ على كونها قطعيّة أو ظنّية بما يطمئنّ به النفس و هما ممنوعان، و كيف كان فالأحوط عدم الاجتزاء بهما دفعا و أخذا.

[ثالثها: الاختلاف فى عد الاكولة و فحل الضراب من النصاب و عدمه]

و ثالثها: في أنّهم بعد ما اتّفقوا ظاهرا في أنّ الربّى تعدّ من النصاب - كما حكاه

ص: 269


1- المنتهى 485:1.
2- تقدّم في: 267.
3- المسالك 382:1.

كذلك في المدارك(1) و الذخيرة(2) و الرياض(3) و هو الّذي يساعد عليه عموم: قوله عليه السّلام:

«في كلّ خمسين حقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون»(4) و لا ينبغي الاستشكال فيه كما في المناهل(5) استنادا إلى ظهور صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة(6) لمكان قوله عليه السّلام: «و ليس في الربّى صدقة» لما تقدّم(7) من كونها مؤوّلة بالحمل على إرادة عدم أخذها صدقة لا عدم تعلّق الصدقة بها - اختلفوا في عدّ الأكولة و فحل الضراب منه و عدمه، ففي النافع(8) و الإرشاد(9) كما عن التبصرة(10) و اللمعة(11) و البيان(12)و الروضة(13) و مجمع الفائدة انّهما لا تعدّان منه، و عن أبي الصلاح عدم عدّ فحل الضراب(14) و عن ظاهر الأكثر إنّهما تعدّان منه(15) بل فى الرياض نسبته إلى الأكثر بل المشهور(16) و عن ابن إدريس عدّ فحل الضراب(17) و عن المختلف التصريح بعدّه(18)و يظهر من الذخيرة كما عن حاشية الشرائع(19) و المدارك(20) و الكفاية(21) التوقّف.

و مستند المانعين ما عرفت من صحيحة ابن الحجّاج(22) و مستند الآخرين عمومات النصوص كقوله عليه السّلام: «في كلّ خمسين حقّة»(23) و نحوه، و هذا مع استقلاله حجّة معتضدة بمصير الأكثر بل الشهرة المحكيّة و موافقة الاحتياط، و الرواية موهونة دلالة بمخالفة الشهرة بل الاتّفاق في خصوص الربّى كما عرفت، فالقول بالعدّ قويّ

ص: 270


1- المدارك 106:5.
2- الذخيرة: 437.
3- الرياض 8:5 و 75 و 76.
4- الوسائل 108:9-1/109، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الكافي 531:3-1/532، الفقيه 2: 1604/23، الاستبصار 1/19:2، تهذيب الأحكام 21:4-3/22.
5- المناهل: 74 الف و ب، يستفاد من إطلاق عبارته.
6- تقدّمت في: 266.
7- تقدّم في 266.
8- النافع: 56.
9- الإرشاد 281:1.
10- التبصرة: 68.
11- اللمعة: 42.
12- البيان: 176.
13- شرح اللمعة 27:2، 28.
14- الكافي في الفقه: 167.
15- السرائر 437:1، المختلف 181:3، جامع المقاصد 17:3، شرح اللمعة 28:2، المدارك 5: 107، مستند الشيعة 137:9.
16- الرياض 8:5 و 75 و 76.
17- السرائر 437:1.
18- المختلف 181:3.
19- حاشية الشرائع 252:10.
20- المدارك 106:5.
21- كفاية الأحكام: 36.
22- تقدّمت في: 266.
23- تقدّم في: 173.

جدّا، و مع ذلك أحوط فالمصير إليه متعيّن، و التوقّف في غير محلّه.

و لا يشترط في عدّ الفحل بكون الجميع أو معظمها فحولا كما عن البيان(1) و لا بأن كثرت الفحول بحيث تجاوزت العادة كما عن حاشية الشرائع(2) و لا بالزيادة على القدر المحتاج إليه لضرب الماشية كما في المسالك(3) و عن الروضة(4).

ص: 271


1- البيان: 176.
2- حاشية الشرائع 252:10.
3- المسالك 382:1.
4- شرح اللمعة 27:2-28.
المقام الثانيفيما يتعلّق بالذهب و الفضّة
اشارة

المقام الثاني(1)فيما يتعلّق بالذهب و الفضّة

و قد مرّ الكلام(2) في وجوب الزكاة فيهما و بيان الدليل من الإجماعات و النصوص و غيرها، و البحث هنا إنّما هو في شروط وجوبه و سائر ما يتعلّق بهما، أمّا الشروط فثلاث:

[شروط وجوب الزكاة فى النقدين]
الشرط الأوّل: النصاب،
اشارة

و لا خلاف في اشتراط وجوب الزكاة به و النصوص الدالّة عليه متواترة، بل بالغة فوق حدّ التواتر و ستعرف جملة منها. و لكلّ من الذهب و الفضّة نصابان، أمّا النصاب الأوّل في الذهب فاختلف فيه الأصحاب على قولين:

أحدهما: بلوغه «عشرين دينارا» فيجب فيه الزكاة كما عن الشيخين(3)و السيّدين(4) و ابن حمزة و سلاّر في الوسيلة(5) و المراسم(6) و الفاضلين(7) و الشهيدين(8)و غيرهم من المتأخّرين و متأخّريهم، و نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا(9) و عن الكفاية أنّه الأشهر(10) و في الذخيرة على المشهور بين الأصحاب(11) و عن الخلاف و السرائر

ص: 272


1- تقدّم المقام الأوّل في: 169.
2- مرّ في: 160.
3- الخلاف 83:2، المسألة 99، المقنعة: 235.
4- الناصريّات: 274، الغنية: 119.
5- الوسيلة: 126.
6- المراسم: 131.
7- قواعد الأحكام 339:1، المعتبر 523:2.
8- البيان: 185، شرح اللمعة 30:2.
9- المنتهى 492:1.
10- كفاية الأحكام: 37.
11- الذخيرة: 439.

دعوى الإجماع عليه(1) بل عن السرائر إجماع المسلمين(2).

و ثانيهما: بلوغه «أربعين دينارا» فيجب فيه دينار و لا يجب في أقلّ من أربعين شيء، و هو في جملة من كتب الأصحاب منسوب إلى عليّ بن بابويه(3) و قد ينسب إليه و إلى ولده الصدوق(4) و عن الخلاف أنّه قول قوم من أصحابنا(5) و عن المعتبر أنّه «قول أبي جعفر بن بابويه و جماعة من أصحاب(6) الحديث»(7).

و المختار هو القول الأوّل و دليله - مع ما عرفت - النصوص المتكاثرة القريبة من التواتر، بل المتواترة حقيقة - كما جزم به السيّد في الرياض(8) - الّتي فيها الصحاح و الموثّقات و غيرها، و نحن نذكر هنا جملة منها لما فيها من الكفاية ففي صحيح عبد اللّه بن سنان على ما عن المختلف(9) و مجمع الفائدة(10) من الوصف بالصحّة: «عن الصادق عليه السّلام قال: أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مناديه... إلى أن قال عليه السّلام: فليس في الذهب شيء حتّى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف دينار إلى أن يبلغ أربعة و عشرين، و على هذا الحساب حتّى زاد على عشرين، أربعة أربعة ففي كلّ أربعة، عشر إلى أن يبلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال.»(11).

ص: 273


1- الخلاف 83:2، المسألة 99، السرائر 447:1.
2- السرائر 447:1.
3- المختلف 184:3، السرائر 447:1.
4- الفقيه 14:2، المقنع: 161، لمّا كان كلام الصدوق في الفقيه يختلف عمّا اسند إليه هنا لذا نكتفي بنقل عبارة الفقيه «ليس على الذهب شيء حتّى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ فيه نصف دينار إلى أن يبلغ أربعة و عشرين، ثمّ فيه نصف دينار و عشر دينار، ثمّ على هذا الحساب متى زاد على عشرين، أربعة أربعة كلّ أربعة عشر دينار حتّى يبلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال». و قال في المقنع بنفس العبارة في الفقيه و لكن استند في نهاية كلامه إلى رواية و إليك نصّها:... و قد روي أنّه ليس على الذهب شيء حتّى يبلغ أربعين مثقال، فإذا بلغ ففيه مثقال.
5- الخلاف 83:2-84، المسألة 99.
6- عبارة المحقّق في المعتبر يختلف عن المنقول هنا اختلافا طفيفا و هو: زيادة كلمة: «منّا» فى نهاية هذه الجملة فى المعتبر و يبدو أن يكون مراد المحقّق عن أصحاب الحديث من فقهاء الإماميّة و هم عليّ بن بابويه و لم نعثر على غيره.
7- المعتبر 523:2.
8- الرياض 88:5-89.
9- المختلف 183:3.
10- مجمع الفائدة 88:4-89.
11- الفقيه 1598/14:2.

و صحيح الحسين بن يسار قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة ؟ فقال عليه السّلام: في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، فإن نقصت فلا زكاة فيها، و في الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه»(1).

و صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال عليه السّلام: ليس عليه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا»(2).

و الموثّق عن عليّ بن عقبة و عدّة من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّهما قالا: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة»(3).

و الموثّق عن زرارة و بكير ابني أعين أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول في الزكاة:

«أمّا في الذهب فليس في أقلّ من عشرين دينارا شيء، فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس في أقلّ من مائتي درهم شيء، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك، و ليس في مائتي درهم و أربعين درهما غير درهم إلاّ خمسة الدراهم، فإذا بلغت أربعين و مائتي درهم ففيها ستّة دراهم، فإذا بلغت ثمانين و مائتي درهم ففيها سبعة دراهم، و ما زاد فعلى هذا الحساب، و كذلك الذهب و كلّ ذهب إنّما الزكاة على الذهب و الفضّة الموضوع إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، و ما لم يحل عليه الحول فليس فيه شيء»(4).

و الموثّق عن يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في عشرين دينارا

ص: 274


1- الكافي 6/516:3، الوسائل 3/143:9، ب 2 من أبواب الزكاة الذهب و الفضّة.
2- الفقيه 1646/40:2، تهذيب الأحكام 138:4، 13/139، الوسائل 494:9، 1/495، ب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
3- الكافي 515:3-3/516، الاستبصار 1/12:2، تهذيب الأحكام 1/6:4، الوسائل 9: 5/138، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
4- تهذيب الأحكام 12:4، 4/13، الوسائل 11/140:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

نصف دينار»(1).

و الخبر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس فيما دون العشرين شيء»(2).

و الموثّق عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و من الذهب من كلّ عشرين دينارا نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شيء»(3).

و الخبر عن أبي عيينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا جازت الزكاة العشرين دينارا ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار»(4).

و الخبر عن زرارة عن أحدهما في حديث قال عليه السّلام: «ليس في الذهب زكاة حتّى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال، ثمّ على حساب ذلك إذا زاد المال في كلّ أربعين دينارا دينار»(5).

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

و يدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الذهب و الفضّة ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: مائتا درهم و عدلها من الذهب، قال: و سألته عن النيّف و الخمسة و العشرة، قال عليه السّلام: ليس عليه شيء حتّى يبلغ أربعين درهما»(6) بتقريب أنّ عدل الشيء بالفتح ما يساويه قيمة و هو من الذهب عشرون، لأنّ كلّ دينار في زمان الصدور كان عشرة دراهم. و في معناها خبران آخران.

حجّة القول الآخر خبر الفضلاء الأربع - محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد

ص: 275


1- الاستبصار 2/12:2، تهذيب الأحكام 6:4، 2/7، الوسائل 139:9، 8/140، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الاستبصار 12:2، تهذيب الأحكام 3/7:4، الوسائل 9/140:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
3- الكافي 1/515:3، تهذيب الأحكام 2/:4، الوسائل 4/138:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
4- الكافي 4/516:3، الوسائل 6/139:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
5- الوسائل 10/140:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة، تهذيب الأحكام 1/12:4.
6- الكافي 7/516:3، الوسائل 1/137:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

و الفضيل في الموثّق - عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «قالا في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال، و في الورق إلى كلّ مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شيء، و لا في أقلّ من مائتي درهم شيء، و ليس في النيّف شيء حتّى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد»(1).

و عن الشيخ في التهذيب الجواب عنه بطريق الجمع بإرجاع التأويل إليه بما حاصله: أنّ قوله عليه السّلام: «و ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شيء» يجوز أن يكون أراد به دينارا واحدا، لأنّ قوله عليه السّلام: «لا شيء» محتمل للدينار و لما يزيد عليه و لما ينقص عنه، و هو يجري مجرى المجمل الّذي يحتاج إلى تفصيل، و نحمله على الدينار بمعونة دلالة الأخبار المفصّلة. و في قوله عليه السّلام: «و في كلّ أربعين دينارا دينار» ليس يناقض لما قلناه، لأنّ عندنا أنّه يجب فيه دينار و إن كان هذا ليس بأوّل نصاب(2) انتهى.

و في الحملين من البعد و مخالفة الظاهر ما لا يخفى، خصوصا أوّلهما بتقريب أنّ «شيئا» في نحو المقام لكونه من النكرة في سياق النفي ظاهر في العموم و لا إجمال فيه، و قد يحتمل التخصيص في قوله عليه السّلام: «ليس في أقلّ من أربعين دينارا شيء» بحمله على ما عدى عشرين دينارا جمعا، و قد يحتمل الحمل على التقيّة لموافقته مذهب بعض العامّة(3) و استبعده في الذخيرة بمخالفته لأكثر العامّة(4).

و الأولى فى الجواب ترجيح أخبار قول المعظم بما معها من المزيّة و المرجّح من وجوه عديدة و جهات شتّى، منها الأكثريّة و اعتضاد البعض ببعض، و اعتضاد الجميع بنفي الخلاف و نقل الإجماع، و اشتهارها و كونها مشهورة، و شذوذ هذا الخبر مع شذوذ القائل به. و بالجملة فإمّا أن يؤوّل إن كان قابلا له، أو يطرح.

و بهذا كلّه يجاب عن الخبر الآخر الّذي رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة في جملة حديث: «قال، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون

ص: 276


1- الاستبصار 5/13:2، تهذيب الأحكام 17/11:4، الوسائل 13/141:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- تهذيب الأحكام 11:4، ذيل الحديث 17.
3- المحلّى 66:6.
4- الذخيرة: 439.

درهما و تسعة و ثلاثون دينارا أ يزكّيها؟ قال عليه السّلام: ليس عليه شيء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتّى يتمّ أربعين و الدراهم مائتي درهم...» الحديث(1).

مع اختلاف متن هذا الخبر حسبما عن الفقيه(2) من قوله عليه السّلام: «تسعة عشر دينارا» مكان قوله عليه السّلام: «تسعة و ثلاثون دينارا» في السؤال و قوله عليه السّلام: «ليس عليه في الدراهم و الدنانير زكاة حتّى يتمّ » في الجواب، فيتعارضان إن لم نقل بترجيح نسخة الفقيه نظرا إلى أضبطيّته.

و أمّا النصاب الثاني ففيه أيضا على ما في جملة من الكتب الفقهيّة أيضا خلاف على قولين:

أحدهما: أنّه بعد عشرين، أربعة دنانير على معنى الأربعة الكلّي المنحلّ إلى أربعة ففيه عشر دينار زائد على نصف الدينار للعشرين، و هذا القول لكلّ من قال بالنصاب الأوّل من غير خلاف بينهم، و عن المختلف نسبته إلى مذهب علمائنا(3) و المنتهى و عن مجمع الفائدة دعوى الإجماع عليه(4).

و ثانيهما: أنّه أن يبلغ أربعين دينارا أيضا، نسبه غير واحد إلى عليّ بن بابويه(5)و عن البيان نسبته إلى ابني بابويه(6).

و المعتمد هو القول الأوّل، عملا بما استفاض من النصوص مع اعتضادها بالشهرة و عمل الأكثر، و قد تقدّم جملة منها في نصوص النصاب الأوّل كصحيحة عبد اللّه بن سنان و موثّقة عليّ بن عقبة و رواية أبي عيينة(7).

و مستند القول الآخر ما تقدّم(8) أيضا من خبر الفضلاء الأربع لمكان قوله عليه السّلام: «في كلّ أربعين مثقالا مثقال» و يظهر الجواب بالتأمّل فيما مرّ.

ص: 277


1- تهذيب الأحكام 92:4.
2- الفقيه 22:2.
3- المختلف 183:3.
4- مجمع الفائدة 88:4 و 95.
5- المختلف 184:3، السرائر 447:1.
6- البيان: 185.
7- تقدّم تخريجها في: 273 و 274 و 275.
8- تقدّم في: 276.

و ينبغي التنبيه على امور:

أحدها: الظاهر أنّ تعدّد النصاب في الذهب و ما تقدّم من أنّ فيه نصابين إنّما هو على ما عليه المعظم، و أمّا على ما عليه ابنا بابويه فالظاهر أنّه ليس فيه إلاّ نصاب واحد و هو الأربعون الكلّي المنحلّ إلى كلّ أربعين، و إلاّ لتكثّر نصب الذهب عندهما إلى ما لا يتناهى و لم ينحصر في الأربعين الأوّل و الأربعين الثاني لوجوب الزكاة عندهما في الثالث و الرابع و هكذا، و هو باطل.

أو كان النصاب الثاني عندهما الأربعين الكلّي المنحلّ إلى كلّ أربعين بعد ما كان النصاب الأوّل الأربعين الشخصي، و هذا تكلّف بارد لا يظنّ ارتكابه بمثلهما بخلاف ما لو اعتبر النصاب ابتداء الأربعين الكلّي حسبما بيّنّاه، لعدم حزازة فيه حينئذ. و عليه فما تقدّم(1) من نقل الخلاف في النصاب الثاني و حكاية القول المخالف عن عليّ بن بابويه و ولده كما صنعه جماعة، ليس على ما ينبغي.

و ثانيها: قضيّة الأصل و دلالة الروايات ظهورا و صراحة كون أقلّ من عشرين دينار و أقلّ من أربعة دنانير و لو بيسير عفوا لا يجب فيه زكاة، كما هو المصرّح به في كلام الأصحاب(2) و عن الإرشاد نفي الخلاف عن ذلك(3) و عن المعتبر(4) و التنقيح دعوى الإجماع عليه(5) و عن المنتهى و غيره إجماع المسلمين(6) و الظاهر عدم الفرق في القلّة بين مراتبها حتّى ما لو كانت بقدر حبّة، نعم لو كانت القلّة بحيث لم يخرج الدنانير معها عن صدق عشرين دينارا أو أربعة دنانير لم يقدح في الوجوب.

و ثالثها: أنّ القدر الواجب إخراجه في النصاب الأوّل على ما في أكثر الأخبار «نصف دينار» و في جملة منها التعبير «بنصف مثقال» و هما بمعنى(7) لأنّ الدينار مثقال شرعي، و المراد بالمثقال هنا هو الشرعي. و في النصاب الثاني «عشر دينار» أو «عشر مثقال» و نحو الأخبار في التعبير بالدينار و المثقال فتاوى الأصحاب، و قد وقع فيها

ص: 278


1- تقدّم في: 273.
2- كما تلاحظ في العناوين اللاحقة.
3- الإرشاد 282:1، لم نعثر على التصريح بنفي الخلاف.
4- المعتبر 523:2 و 525.
5- التنقيح 308:1-309.
6- المنتهى 492:1.
7- أي بمعنى واحد.

التعبير بعبارة ثالثة مرادفة لهما و هي «عشرة قراريط» في النصاب الأوّل و «قيراطان» في النصاب الثاني نظرا إلى أنّ الدينار عشرون قيراطا.

و رابعها: أنّه كلّما زاد أربعة ففيها قيراطان، و ملخّصه أنّ في كلّ أربعة بعد العشرين قيراطان زائدا على ما في سابقه حتّى تبلغ أربعين ففيها دينار، فيؤول الكلام إلى أن يقال: إنّ في كلّ عشرين «نصف» و في كلّ أربعة «قيراطان» أعني عشر دينار.

و أمّا الفضّة فنصابها الأوّل: «مائتا درهم» ففيها خمسة دراهم، و نصابها الثاني «أربعون درهما» ففيها درهم، و كلّما زادت أربعين ففيها درهم، كما هو المصرّح به في كلامهم(1) بلا خلاف يظهر فيهما، و في كلام غير واحد نفي الخلاف فيهما، بل في كلام جماعة نقل الإجماع عليه كقول المعتبر في الأوّل: «عليه علماء الإسلام»(2) و قول المنتهى فيه: «و قد أجمع المسلمون على ذلك»(3) و قول التذكرة فيه أيضا بإجماع العلماء(4) و قول الغنية في الثاني: «و الدليل على مقدار النصاب الثاني فيها الإجماع الماضي»(5) و قول المنتهى فيه أيضا أنّه: «قول علمائنا أجمع»(6).

و الأصل فيه - مع ما ذكر - النصوص المتكاثرة البالغة فوق حدّ الاستفاضة.

كصحيحة الحسين بن يسار المتقدّمة قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام في كم وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الزكاة ؟ فقال عليه السّلام في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها»(7).

و صحيحة الحلبي المتقدّمة قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الذهب و الفضّة ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: مائتا درهم و عدلها من الذهب، و سألته عن النيّف الخمسة و العشرة، قال عليه السّلام: ليس عليه شيء حتّى يبلغ أربعين فيعطي من كلّ أربعين درهما درهم»(8).

و صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام في حديث قالا: «في الورق في

ص: 279


1- كما نجد في العناوين اللاحقة.
2- المعتبر 529:2.
3- المنتهى 492:1.
4- التذكرة 124:5، المسألة 68.
5- الغنية: 120.
6- المنتهى 492:1.
7- تقدّمت في: 274.
8- تقدّمت في: 275.

كلّ مائتين خمسة دراهم، و لا في أقلّ من مائتي درهم شيء، و ليس في النيّف شيء حتّى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد»(1).

و موثّقة رفاعة النخّاس قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: إنّي رجل صائغ أعمل بيدي و أنّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة ففيها زكاة ؟ فقال عليه السّلام: إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فإنّ عليها الزكاة»(2).

و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال عليه السّلام: «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم من الفضّة، و إن نقصت فليس عليك زكاة»(3).

و موثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال عليه السّلام: «في الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس فيما دون المائتين شيء، فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شيء حتّى تبلغ الأربعين، و ليس في شيء من الكسور شيء حتّى تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير على هذا الحساب»(4).

و موثّقة زرارة و بكير ابني أعين أنّهما سمعا أبا جعفر عليه السّلام يقول في الزكاة إلى أن قال عليه السّلام: «ليس في أقلّ من مائتي درهم شيء، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك، و ليس في مائتي درهم و أربعين درهما غير درهم إلاّ خمسة الدراهم، فإذا بلغت أربعين و مائتي درهم ففيها ستّة دراهم، فإذا بلغت ثمانين و مائتي درهم ففيها سبعة دراهم و ما زاد فعلى هذا الحساب، و كذلك الذهب و كلّ ذهب...» الخ(5).

و رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «ليس في الفضّة زكاة حتّى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فإذا زادت فعلى حساب ذلك في كلّ

ص: 280


1- الاستبصار 5/13:2، تهذيب الأحكام 17/11:4، الوسائل 13/141:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الوسائل 2/143:9، ب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الكافي 2/515:3.
3- الوسائل 4/143:9، ب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
4- تهذيب الأحكام 3/7:4، الوسائل 6/144:9، ب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
5- الوسائل 10/145:9، ب 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

أربعين درهما درهم، و ليس في الكسور شيء»(1).

و رواية محمّد الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زاد على المائتي درهم أربعون درهما ففيها درهم، و ليس فيما دون الأربعين شيء، فقلت: فما في تسعة و ثلاثين درهما؟ قال عليه السّلام: ليس على التسعة و الثلاثين درهما شيء»(2).

و ينبغي التنبيه على امور:
الأوّل: ما نقص عن المائتين و عن الأربعين بعد المائتين عفو فلا زكاة فيه

نصّا و فتوى و إن كان النقص يسيرا.

الثاني: القدر الواجب هنا في كلّ من النصابين

كما في نصابي الذهب ربع العشر فيجب إخراج خمسة دراهم في النصاب الأوّل، و إخراج درهم في النصاب الثاني نصّا و فتوى.

[الثالث] تفسير الدرهم

الثالث: للدرهم تقديران:

أحدهما: أنّ الدرهم: «ستّة دوانيق» و الدانق: «ثماني حبّات» من أوسط حبّات الشعير حملا للدرهم الواقع في أخبار الأئمّة عليهم السّلام على متعارف زمانهم عليهم السّلام بلا خلاف.

و في المدارك: «قد نقل الخاصّة(3) و العامّة(4) أنّ قدر الدرهم في ذلك الزمان ستّة دوانيق»(5).

و في الرياض: «الدرهم الّذي قدّر به المقادير الشرعيّة هنا و في القطع و في الديات

ص: 281


1- الوسائل 144:9-8/145، تهذيب الأحكام 1/12:4.
2- الوسائل 145:9، تهذيب الأحكام 3/12:4.
3- منهم: الشيخ في الخلاف 336:1، المحقّق في المعتبر 2، 529، العلاّمة في المنتهى 493:1، الشهيد الثاني في الروضة 31:2.
4- منهم: ابن قدامة في المغني 597:2، الشربيني في مغني المحتاج 389:1، الصنعاني في سبل السلام 602:2.
5- المدارك 114:5.

و الجزية ستّة دوانيق على ما صرّح به الأصحاب(1) من غير خلاف بينهم أجده، بل عزاه جماعة منهم إلى الخاصّة و العامّة و علمائهم، مؤذنين بكونه مجمعا عليه بينهم»(2) و نقل فيه و في المدارك التصريح به عن جماعة(3) من أهل اللغة.

و في الذخيرة نقل عن العلاّمة في النهاية(4) أنّه قال: «الدنانير لم يختلف المثقال فيها في جاهليّة و لا إسلام، و أمّا الدراهم فإنّها كانت مختلفة الأوزان و الّذي استقرّ عليه الأمر في الإسلام أنّ وزن الدرهم الواحدة ستّة دوانيق، كلّ عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب، و الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير.

و السبب فيه أنّ غالب ما كانوا يتعاملون فيه به من أنواع الدراهم في عصر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الصدر الأوّل بعده نوعان: البغليّة، و الطبريّة، و الدرهم الواحد من البغليّة ثمانية دوانيق، و من الطبريّة أربعة دوانيق، فأخذوا واحدا من هذه و واحدا من هذه و قسّموها نصفين و جعلوا كلّ واحد درهما في زمن بني اميّة، و أجمع أهل ذلك الزمان على تقدير الدراهم الإسلاميّة بها، فإذا زادت على الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه كان مثقالا، فإذا نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، و كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و كلّ عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما و سبعان.

قال المسعودي: إنّما جعل كلّ عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب لأنّ الذهب، أوزن من الفضّة فكأنّهم جرّبوا قدرا من الفضّة و مثله من الذهب فوزنوهما فكان وزن الذهب زائدا على وزن الفضّة بمثل ثلاثة أسباعها و استقرّت الدراهم في الإسلام على أنّ كل درهم نصف مثقال و خمسه(5) و بها قدّرت نصب الزكاة و مقدار الجزية و الديات و نصاب القطع في السرقة و غير ذلك»(6) انتهى.

و عن الشهيد في البيان أنّ الجمع المذكور كان بإشارة زين العابدين عليه السّلام(7) و في خبر سليمان حفص المروزي قال: «قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام: الدرهم وزن

ص: 282


1- منهم: العلاّمة في القواعد 54:1، و الشهيد الأوّل في الدروس 60، الشهيد الثانى في الروضة 31:2.
2- الرياض 90:5-91.
3- كمجمع البحرين 29:2.
4- نهاية الإحكام 340:2-341.
5- لم نعثر عليه.
6- الذخيرة: 440.
7- البيان: 185.

ستّة دوانيق، و أمّا أنّ الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشعير»(1).

ففي المدارك: «أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب»(2) و في الذخيرة: «أنّه مقطوع به في كلام جماعة من الأصحاب»(3).

و عن الرياض: «أنّه ما قطع به الأصحاب على الظاهر المصرّح به في المدارك متّفق عليه بينهم، و صرّح به علماء الفريقين كما في رسالة(4) الخال العلاّمة المجلسي عليه الرحمة في تحقيق الأوزان»(5) انتهى. و الظاهر أنّه كسابقه ممّا لا خلاف فيه، فلا حاجة إلى زيادة تكلّم فيهما.

و ثانيهما: أنّ الدرهم: «نصف مثقال و خمسه» و المثقال: «درهم و ثلاثة أسباع درهم» و المراد بالمثقال هو الشرعي، و عليه فالعشرة دراهم: «سبعة مثاقيل» و مائتا درهم: «مائة و أربعون درهما»(6) و أربعون درهما: «ثمانية و عشرون درهما»(7)و عشرون مثقالا: «ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم» و كلّ ذلك مصرّح به في كلام الأصحاب منهم العلاّمة في عبارة النهاية المتقدّمة(8).

الرابع: عن المعتبر و التحرير و المنتهى و البيان أنّه يعتبر في اعتبار النصاب اعتباره «بالميزان لا بالعدد»(9) و عن المنتهى: «هو قول العلماء»(10) و نقل الإجماع عليه في المعتبر على ما في العبارة المحكيّة عنه قائلا: «لا عبرة بالعدد، و قال المزني(11): نعتبر العدد، و لكنّ الإجماع على خلافه فلا عبرة بقوله»(12).

الشرط الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة

كما هو المصرّح به في كلامهم، بلا خلاف

ص: 283


1- الاستبصار 3401/121:2، الفقيه 69/34:1، معاني الأخبار: 1/249.
2- المدارك 114:5.
3- الذخيرة: 440.
4- لم نعثر عليها.
5- الرياض 91:5.
6- كذا في الأصل، الصحيح: مائة و أربعون مثقالا.
7- كذا في الأصل، و الصحيح: ثمانية و عشرون مثقالا.
8- نهاية الإحكام 340:2-341.
9- البيان: 185.
10- المنتهى 493:1.
11- كذا في الأصل، و لكن في المعتبر: المغربي، لم نعثر على أثره.
12- المعتبر 529:2.

يظهر كما عن الرياض(1) و مجمع الفائدة(2) و عليه إجماع الطائفة كما عن الانتصار(3)و في المدارك و الذخيرة: «هذا قول علمائنا أجمع»(4).

و الأصل فيه مع ذلك النصوص:

ففي صحيح عليّ بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السّلام: «قال: قلت له: إنّه يجتمع عندي الشيء فيبقى نحوا من سنة أ نزكّيه ؟ فقال عليه السّلام: لا كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء، قال، قلت: و ما الركاز؟ قال عليه السّلام: الصامت المنقوش. ثمّ قال عليه السّلام: إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شيء من الزكاة»(5).

و خبر جميل بن درّاج - الّذي و صفه في المدارك(6) بالموثّق و في الذخيرة(7)بالقويّ - عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و أبي الحسن عليه السّلام قال: «ليس في التبر زكاة إنّما هي على الدنانير و الدراهم»(8).

و خبره الآخر عن بعض أصحابه أنّه قال عليه السّلام: «ليس في التبر زكاة إنّما هي على الدنانير و الدراهم»(9).

و يمكن استفادة الشرطيّة أيضا من الأخبار النافية للزكاة عن الحليّ و سبائك الذهب و نقار الفضّة، خصوصا ما تضمّن منها على تعليمهم عليهم السّلام الحيلة للفرار عن الزكاة بسبك المال، فتأمّل.

ص: 284


1- الرياض 84:5-85.
2- مجمع الفائدة 46:4 و 84 و 98.
3- الانتصار: 214.
4- المدارك 115:5-116، الذخيرة: 439.
5- الكافي 8/518:3، الاستبصار 1/6:2، تهذيب الأحكام 7/8:4، الوسائل 154:9 - 2/155، ب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
6- المدارك 115:5-116.
7- الذخيرة: 439.
8- الكافي 518:3، الاستبصار 2/7:2، تهذيب الأحكام 4/7:4، الوسائل 3/155:9، ب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
9- الاستبصار 4/7:2، تهذيب الأحكام 6/7:4، الوسائل 5/156:9، ب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

و ينبغي التنبيه على امور:

الأوّل: أنّه قد يتوهّم من قوله عليه السّلام: «الصامت المنقوش» في صحيح ابن يقطين إطلاق بالقياس إلى ما عدى سكّة المعاملة ممّا نقش للزينة و غيرها، و لكنّه يدفعه - مع أنّه لا قائل به من الأصحاب - منع الإطلاق، لانصراف النقش فيه إلى نقش السكّة، و لو سلّم يجب الخروج عنه بالحصر المستفاد من قوله عليه السّلام: «إنّما هي على الدنانير و الدراهم» في خبري جميل، فإنّ نفي الزكاة عن غير الدنانير و الدراهم لا يجامع الإطلاق المتوهّم فيقيّد بنقش السكّة.

الثاني: إطلاق النقش و عموم الدنانير و الدراهم في النصّ و الفتوى يتناول ما كان من المسلم و ما كان من الكافر و لو حربيّا، كما إنّ إطلاقهما أيضا يتناول الرائج في بلد المالك و غيره.

و يؤيّده رواية زيد الصائغ قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارا فرأيت فيها دراهم تعمل: ثلث فضّة و ثلث مسا - نحاسا، نسخة بدل - و ثلث رصاصا و كانت تجوز عندهم و كنت أعملها و انفقها، قال: فقال عليه السّلام:

لا بأس بذلك إذا كان يجوز عندهم، قلت: أ رأيت إن حال عليه الحول و هي عندي و فيها ما يجب عليّ فيه الزكاة ازكّيها؟ قال عليه السّلام: نعم إنّما هو مالك، قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتّى حال عليها الحول ازكّيها؟ قال عليه السّلام: إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضّة الخالصة من فضّة و دع ما سوى ذلك من الخبيث، قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة إلاّ أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة، قال عليه السّلام: فاسبكها حتّى تخلص الفضّة و يحترق الخبيث ثمّ تزكّي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة»(1).

و إنّما جعلناها تأييدا مع صراحة دلالتها نظرا إلى ضعف سندها بجهالة الراوي و غيره من رجال السند. و إن ثبت عمل الأصحاب أو جماعة ممّن يعتنى بشأنهم بها على وجه يكون كافيا في جبر السند كانت دليلا تامّا، و لقد نبّه على ما ذكر سيّد

ص: 285


1- الكافي 9/517:3، الوسائل 1/153:9، ب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

الرياض قدّس سرّه بقوله: «و ضعف [السند] مجبور بالعمل»(1).

و عن مجمع الفائدة بعد ما تمسّك بها فيما سيأتي من مسألة الدراهم المغشوشة:

«و لا يضرّ عدم صحّة السند للتأييد بالشهرة بل عدم الخلاف»(2) و إن كان في دلالته على الشهرة الاستناديّة كما هو مناط الشهرة الجابرة نظر.

و من طريق إطلاق النصّ و الفتوى يظهر أنّه لا يعتبر في المسكوكة من الدنانير و الدراهم كونها معمولة في المعاملة بالفعل و لا يضرّ كونها مهجورة، و مرجعه إلى أنّه يكفي كونها معمولة في وقت و إن هجرت في زمان الوجوب، كما صرّح به جماعة من الفحول(3) و في المناهل: «ظهور الاتّفاق عليه»(4) و عن الرياض: «لم أر فيه خلافا»(5)و عن الروضة: «عدم الاعتبار باتّخاذها آلة للزينة»(6) يعني أنّه لا يسقط عنها الزكاة و هو كذلك عملا بالاطلاق نصّا و فتوى.

الشرط الثالث: حول الحول على النصاب
اشارة

و هو بأجمعه موجود عنده بلا خلاف فيه، كما في المنتهى(7) و عن الغنية دعوى الإجماع عليه(8) و في المدارك و الذخيرة أنّ اعتبار الحول في زكاة النقدين مجمع عليه بين العلماء(9).

و النصوص الدالّة عليه بالغة فوق حدّ الاستفاضة، و قد مرّ جملة منها في اعتبار هذا الشرط في زكاة الأنعام و بعضها في بيان نصاب النقدين و في بيان اعتبار السكّة فيهما.

و منها: ما في صحيح عبد اللّه بن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان له مال موضوع حتّى إذا كان قريبا من رأس الحول أنفقه قبل أن يحول عليه الحول أ عليه صدقة ؟ قال عليه السّلام: لا»(10).

ص: 286


1- الرياض 85:5.
2- مجمع الفائدة 99:4.
3- الشرائع 114:1، البيان: 184، مجمع الفائدة 86:4، المدارك 116:5، الذخيرة: 439، شرح اللمعة 30:2.
4- المناهل: 93 الف.
5- الرياض 85:5.
6- شرح اللمعة 30:2.
7- المنتهى 494:1.
8- الغنية: 118.
9- المدارك 117:5، الذخيرة: 438.
10- الكافي 3/525:3، الوسائل 2/169:9، ب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

و صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يفيد المال قال عليه السّلام:

لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول»(1).

و صحيح عليّ بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «قلت له: إنّه يجتمع عندي الشيء فيبقى نحو من سنة أ نزكّيه ؟ قال عليه السّلام: لا كلّ ما لم يحل عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة»(2).

ثم إنّ المراد بالحول هنا كما تقدّم في حول الأنعام أحد عشر شهرا كاملا يعلم كماله بدخول الثاني عشر و ظهور هلاله و لا يعتبر كمال الثاني عشر، و دليله:

صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قلت له: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة، فعل ذلك قبل حلّها بشهر، فقال عليه السّلام: إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجب عليه فيها الزكاة»(3).

و في معناه المرسل عن الصادقين عليهما السّلام: «إذا دخل في الثاني عشر فقد حال عليه الحول»(4).

و يشترط في الوجوب بقاء عين جميع النصاب طول الحول، كما هو المصرّح به في كلام جمع من الفحول(5) بل الظاهر كما في المناهل إنّه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب(6) عملا بظواهر النصوص المعتبرة للحول. فلو حصل النقص فيه و لو يسيرا في أثناء الحول سقط الوجوب سواء كان النقص بآفة سماويّة من موت و نحوه أو بغيرها من فعل فاعل مختار و لو فعل المالك من إتلاف أو بيع أو هبة أو غيرهما من العقود المخرجة للعين عن الملك.

ص: 287


1- الكافي 525:3، تهذيب الأحكام 3/35:4، الوسائل 1/169:9، ب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الكافي 8/518:3، الاستبصار 1/6:2، تهذيب الأحكام 7/8:4، الوسائل 2/154:9، ب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
3- الكافي 525:3-4/526، تهذيب الأحكام 35:4-4/36، الوسائل 2/163:9، ب 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
4- لم نعثر عليه.
5- الشرائع 114:1، القواعد 339:1، البيان: 184، جامع المقاصد 19:3، المسالك 384:1، مجمع الفائدة 87:4 و 97، المدارك 116:5.
6- المناهل: 57 ب.

و لو استكمل ما نقص في أثناء الحول استأنف الحول من حين كماله. و لو حصل النقص بعد الحول لم يسقط الوجوب، نعم يوزّع النقص على جميع النصاب إن لم يكن بتفريط المالك، و إلاّ اختصّ النقص بماله و لا يسقط من الفريضة شيء.

و يعتبر أيضا تحقّق سائر الشرائط الّتي منها الملك و التمكّن من التصرّف في النصاب في تمام الحول، فلو انتفى بعضها في أثنائه سقط الوجوب، ثمّ لو عاد في الأثناء استأنف الحول من حين العود.

ثمّ إنّ هنا مسائل مهمّة:

[مسائل مهمة]
المسألة الاولى: [تغيير النصاب في أثناء الحول]

لو غيّر النصاب في أثناء الحول بسبك أو تحلية أو غيرهما أو عاوضه ببيع أو صلح أو غيرهما بغير جنسه كما لو عاوض الدراهم بالدنانير أو بالعكس أو عاوض كلاّ منهما بالحنطة أو الشعير أو غيرهما و لم يكن قصد به الفرار عن الزكاة فينبغي القطع بسقوط الزكاة بذلك، و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه كما في المناهل(1).

نعم لو عاوضه بجنسه كالدراهم بدراهم اخر و الدنانير بدنانير اخر قصد به الفرار أو لم يقصد فالمعظم على السقوط، و عن الشيخ في التهذيب قول بعدم السقوط و إن عاوض بالجنس أو بغيره بقصد الفرار(2) فالأكثر بل المشهور بين المتأخّرين بل عامّتهم على السقوط(3) و عن السيّد في الانتصار قول بعدم السقوط(4) و ربّما عزي أيضا إلى الخلاف(5) و الغنية(6) و المسائل المصرية للسيّد(7) و عن الرياض أنّ عليه أكثر المتقدّمين على الظاهر(8) و نقل عن جدّه(9) أنّه حكاه عن الصدوقين(10)

ص: 288


1- المناهل: 58 الف.
2- تهذيب الأحكام 9:4.
3- الشرائع 114:1، القواعد 339:1، البيان: 184، جامع المقاصد 19:3، المسالك 384:1، مجمع الفائدة 87:4-97، المدارك 116:5.
4- الانتصار: 219.
5- الخلاف 55:2، المسألة 64، ص 56، المسألة 65.
6- الغنية: 118.
7- رسائل المرتضى 224:1 و 75:3
8- الرياض 94:5.
9- لم نظفر في الرياض ما يدلّ على هذا النقل عن جدّه (قدس سرّه).
10- الفقيه 15:2، المقنع: 163، المختلف 157:3.

و المبسوط(1) و جمل السيّد(2) و حكي أيضا نسبته إلى الشيخ في موضع من التهذيب(3).

و المعتمد في المسألتين هو السقوط.

و بالجملة المختار هو سقوط الزكاة بتغيير النصاب أو تعويضه أو إخراجه عن الملك مطلقا، و قد تقدّم دليله من الأخبار مع دليلي القولين الآخرين و الجواب عنهما في أحكام النصاب من الأنعام الثلاث على وجه أغنانا عن التكلّم في الدليل و المعارض هاهنا، فلا حاجة إلى الإعادة و التكرار.

المسألة الثانية: [عدم وجوب الزكاة في الحليّ و السبائك]

المعروف من مذهب الأصحاب المصرّح به في كلام أساطينهم من القدماء(4)و المتأخّرين(5) و متأخّريهم(6) أنّه لا يجب الزكاة في الحليّ محلّلا كان كالسوار(7)و القرط(8) للمرأة، و المنطقة و حلية السيف للرجل، أو محرّما كالخلخال للرجل و المنطقة للمرأة و الأواني المتّخذة من الذهب و الفضّة، و في الرياض: «و إن كان محرّما بإجماعنا»(9) و عن تذكرة العلاّمة في المحلّل: «أنّه قول علمائنا أجمع و أكثر أهل العلم» و في المحرّم: «عند علمائنا» قال: «و أطبق الجمهور(10) كافّة على إيجاب الزكاة فيه»(11).

ص: 289


1- المبسوط 206:1.
2- رسائل المرتضى 75:3.
3- تهذيب الأحكام 94:4-95.
4- فقه الرضا: 198، المقنع: 167، المقنعة: 258، الانتصار: 214، المسألة: 102 الكافي: 164، الخلاف 87:2 المسألة 102، المهذّب 159:1.
5- السرائر 442:1، الشرائع 114:1، القواعد 339:1-340، البيان: 184، شرح اللمعة 30:2.
6- جامع المقاصد 13:3، مجمع الفائدة 45:4-46، المدارك 74:5، الذخيرة: 431، الحدائق 12: 96، الرياض 9:5، غنائم الأيّام 69:4.
7- الصحاح 1574:4 (فى الهامش: 2) الدستينج العريض و هو فارسي معرّب (بالفارسيّة يقال: دستبند) و هو السوار، مجمع البحرين 56:2، مادّة د م ل ج: في الحديث ذكر السوار و الدملج... كقنفذ: شيء يشبه السوار تلبسه المرأة في عضدها.
8- الصحاح 1151:3، القرط: الّذي يعلّق في شحمة الاذن و الجمع: قرطة و قراط، رمح و رماح.
9- الرياض 92:5.
10- المجموع 35:6، 37، فتح العزيز 23:6، المغني 606:2، المبسوط 192:2.
11- التذكرة 129:5 و 132.

و الأصل في الحكم بعد الإجماع، الأخبار المستفيضة ففي الصحيح عن محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحلي فيه زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا»(1).

و في صحيح رفاعة قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله بعضهم عن الحليّ فيه زكاة ؟ فقال عليه السّلام: لا و إن بلغ مائة ألف»(2).

و صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحلي أ يزكّى ؟ فقال عليه السّلام: إذا لا يبقى منه شيء»(3).

و صحيح هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «ليس على الحلي زكاة»(4).

و رواية مروان بن مسلم عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحليّ عليه زكاة ؟ قال عليه السّلام: ليس فيه زكاة و إن بلغ مائة ألف درهم، كان أبي يخالف الناس في هذا»(5) إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

ثمّ إنّ قضيّة [إطلاق] النصوص و صريح الفتاوي عدم الفرق بين المحلّل و المحرّم، كما أنّ قضيّة إطلاقهما أيضا عدم الفرق بين قليله و كثيره - و هو المصرّح به في كلام جماعة و في قوله عليه السّلام: «و إن بلغ مائة ألف أو مائة ألف درهم» - و لا بين أن يتضاعف قيمته و عدمه و لا بين أن يكون الغرض من اتّخاذه الزينة أو الإعارة أو الإجارة أو غيرها. و في بعض النصوص أنّ زكاة الحليّ إعارته لمؤمن استعاره، و حمل على الاستحباب و أفتى به جماعة، و هو متّجه.

فائدة: قال المحقّق في الشرائع و العلاّمة في الإرشاد: «و لا زكاة في السبائك

ص: 290


1- الكافي 1/517:3، الفقيه 15:2، الاستبصار 2/7:2، تهذيب الأحكام 9/8:4، الوسائل 9: 5/157، ب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الكافي 4/518:3، الفقيه 15:2، الاستبصار 1/7:2، تهذيب الأحكام 8/8:4، الوسائل 9: / 4، ب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
3- الكافي 518:3 الوسائل 1/156:9، ب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
4- الكافي 7/518:3، الاستبصار 7/7:2، تهذيب الأحكام 14/9، الوسائل 2/156:9، ب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
5- الاستبصار 4/8:2، و فيه: هارون بن مسلم عن أبي البختري.

و لا النقار و لا التبر»(1) و نسبه في الذخيرة(2) إلى المشهور و وافقه في الأوّلين جمع كثير من الأصحاب. و قد ورد النصّ بنفي الزكاة في كلّ من الثلاثة، ففي الأوّلين:

قوله عليه السّلام في صحيح عليّ بن يقطين المتقدّم: «و كلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء، قال: قلت: و ما الركاز؟ قال عليه السّلام: الصامت المنقوش، ثمّ قال: إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شيء من الزكاة»(3).

و في الأخير روايتا جميل بن درّاج حيث قال عليه السّلام فيهما: «ليس في التبر زكاة إنّما هي الدنانير و الدراهم»(4).

و في الأوّلين أيضا نصوص اخر تقدّم جملة منها و يقف المتتبّع على الباقي.

و قد اختلفت كلمتهم في تفسير الأوّلين بل الثلاثة(5) ففي كلام جماعة السبائك:

«القطع الغير المضروبة من الذهب، و النقار: القطع الغير المضروبة من الفضّة»(6) و في المسالك التصريح بكون كلّ منهما للأعمّ من قطع الذهب و الفضّة قائلا في شرح عبارة الشرائع: السبائك تشمل الذهب و الفضّة: «قال الجوهري: يقال سبكت الفضّة و غيرها سبكا أذبتها، و الفضّة سبيكة و الجمع السبائك(7) و يمكن أن يريد بالسبائك هنا الفضّة لا غير كما دلّ عليه آخر كلام الجوهري، و خصّها بعض الأصحاب بالذهب(8) و هو لا يوافق ما ذكروه. و أمّا النقار بكسر النون جمع نقرة بضمّها فهي كالسبيكة، و قيل: قطع الفضّة(9) و به يحصل الفرق بينها و بين السبائك على التفسير الأخير»(10) انتهى.

و يساعد على ما ذكره من التعميم في السبائك، المحكيّ عن المغرب من قوله:

«سبك الذهب و الفضّة أذابها و خلّصها من الخبث، و السبكة: القطعة المذابة منها و غيرها إذا استطالت»(11) انتهى.

ص: 291


1- الشرائع 114:1، الإرشاد 282:1.
2- الذخيرة: 440.
3- تقدّم في: 284.
4- تقدّما في: 284.
5- السبائك و النقار و التبر.
6- المدارك 119:5، الرياض 92:5، الصحاح 600:2، التبر: ما كان من الذهب غير مضروب، فإذا ضرب دنانير فهو عين، و لا يقال تبر إلاّ لذهب.
7- الصحاح 1589:4، مادّة: سبك.
8- حاشية محقّق الكركي على الشرائع: 93.
9- مجمع البحرين 359:4.
10- المسالك 385:1.
11- المغرب في ترتيب المعرب (غير مرقومة الصفحات) مادّة: «تبر» نسخة المخطوطة، الرقم

و صريح القاموس في النقار قائلا: «النقرة بالضمّ ، القطعة المذابة من الذهب و الفضّة و الجمع نقار»(1) انتهى. و يحتمله كلامه في السبائك قائلا: سبيكة كسفينة القطعة المذوبة.

و في المجمع أيضا صرّح بالتعميم فيهما معا(2).

أقول: و يساعد على التعميم فيهما و عدم اختصاص السبائك بالذهب و لا النقار بالفضّة ظواهر الأخبار(3) الّتي أظهرها قوله عليه السّلام:

في صحيحة عليّ بن يقطين: «إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شيء من الزكاة»(4) إذ لا إشكال في أنّ «الصامت المنقوش» مطلق متناول للذهب و الفضّة معا، و الضمير المنصوب في قوله عليه السّلام: «فاسبكه» راجع إليه. و يكون تقدير قوله عليه السّلام: «إذا أردت ذلك» الخ أنّه إذا أردت أن لا يكون عليك شيء فاسبك الصامت المنقوش، و لو لا السبك للأعمّ لما صحّ الأمر به في الصامت المنقوش الّذي هو أعمّ .

و أصرح منه تعليل الأمر به: «بأنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شيء من الزكاة» إذ لو لا السبك للأعمّ لما حسن إدراج نقار الفضّة في العلّة، و يكون الإضافة في كلّ من السبائك و النقار من باب إضافة العامّ إلى الخاصّ . و التفكيك بين الذهب و الفضّة في المضاف إمّا تفنّن في العبارة أو لأنّ الغالب في السبائك إضافته إلى الذهب و في النقار إضافته إلى الفضّة.

و يقرب منه صحيح آخر لعليّ بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المال الّذي لا يعمل به و لا يقلّب، قال عليه السّلام: تلزمه الزكاة في كلّ سنة إلاّ أن يسبك»(5).

و خبر زيد الصائغ و فيه: «قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة إلاّ أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة، قال عليه السّلام: فاسبكها حتّى تخلص الفضّة و يحترق

ص: 292


1- القاموس 147:2، مادّة: نقره.
2- مجمع البحرين 159:4، مادّة: ن ق ر.
3- تقدّمت في: 284.
4- الكافي 8/518:3، الاستبصار 1/6:2، تهذيب الأحكام 7/8:4، الوسائل 154:9-2/155، ب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
5- الكافي 5/518:3، الاستبصار 3/7:2، تهذيب الأحكام 5/7:4، الوسائل 4/155:9، ب 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

الخبيث..(1).» الخ.

و خبران آخران له أيضا في أحدهما:

«لا يجب الزكاة فيما سبك، قلت: فإن كان سبكه فرارا من الزكاة»(2) الخ.

و في الآخر أيضا: «لا تجب الزكاة فيما سبك»(3).

و صحيح عمر بن يزيد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه شيء؟ فقال عليه السّلام: لا و لو جعله حليّا أو نقرا فلا شيء عليه فيه»(4).

و أمّا التبر فهو أيضا على ما نصّ عليه جماعة من أهل اللغة أعمّ من الذهب و الفضّة، فعن القاموس: «التبر بالكسر: الذهب و الفضّة أو فتاتهما قبل أن يصاغا فإذا صيغا فهما ذهب أو فضّة أو ما استخرج من المعدن قبل أن يصاغ»(5) و عن المجمل «أنّه ما كان من الذهب و الفضّة غير مصوغ»(6).

و عن المغرب: «ما كان غير مضروب من الذهب و الفضّة». و يساعد على ما عن المغرب خبرا جميل بن درّاج و فيهما: «ليس في التبر زكاة إنّما هي على الدنانير و الدراهم»(7).

و عن بعضهم تفسيره: «بتراب الذهب قبل تصفيته»(8) و لعلّه مراد الفاضلين(9)و غيرهما من العبارة الجامعة بينه و بين السبائك و النقار، كما أنّ المراد بالسبائك في تلك العبارة يحتمل كونه ما يختصّ بالذهب و من النقار ما يختصّ بالفضّة، و كيف كان فالظاهر أنّ الجميع في النصوص لمعنى واحد.

ص: 293


1- الكافي 9/517:3، الوسائل 1/153:9، ب 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الوسائل 2/160:9، ب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
3- الوسائل 3/160:9، ب 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
4- الكافي 1/559:3، الفقيه 1624/32:2.
5- القاموس المحيط 379:1.
6- المجمل: 153.
7- تقدّما في: 284.
8- نقله لسان العرب عن ابن جنّي: لسان العرب 88:4، مجمع الفائدة 98:4.
9- المعتبر 528:2، المنتهى 492:1.
المسألة الثالثة: [عدم اعتبار الجودة و الرداءة]

المسألة الثالثة:(1) [عدم اعتبار الجودة و الرداءة]

لا اعتبار باختلاف الرغبة بسبب الجودة و الرداءة مع تساوي الجوهرين الجيّد و الرديء في الجنسيّة - أعني في جنس الذهب و جنس الفضّة - بصدقه عليهما بل يضمّ الجيّد إلى الرديء في اعتبار النصاب، فإن بلغ المجموع نصابا وجبت الزكاة وفاقا لأساطين المتأخّرين(2) و متأخّريهم(3) بل بلا خلاف يظهر بين الأصحاب، و في المناهل:

«بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه»(4) و نفى عنه الريب في المدارك(5) لعموم الأدلّة من النصوص و الإجماعات، فإنّ إطلاق قوله عليه السّلام: «في عشرين دينارا نصف دينار و في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم»(6) و تناوله الجيّد و الرديء بل صورتي تساوي الرغبة و القيمة، و اختلافهما ممّا لا يكاد يخفى على المتأمّل.

ثمّ إنّ تطوّع المالك بإخراج الجيّد و الأرغب فلا كلام في كونه مجزئا كما هو المصرّح به في كلام المتعرّضين لأصل المسألة، و إن ماكس فله تقسيط الفريضة بأن يخرج من كلّ جنس بقسطه و بالنسبة إليه، كما هو المصرّح به في كلامهم أيضا.

و لكنّ الكلام في أنّه على التعيين فلا يجزئ إخراج الفريضة بتمامها من الرديء، أو على الأفضل فيجزئ الإخراج من الأدون أيضا؟ قولان، ذهب إلى كلّ منهما جماعة.

و ثانيهما ما اختاره الشيخ(7) و تبعه جماعة، و يظهر الميل إليه من صاحب المدارك(8) كما عن الذخيرة(9) و استقربه في المناهل(10) و استدلّوا عليه بحصول الامتثال بإخراج ما يصدق عليه الإسم.

و يزيّفه أنّ صدق الإسم إنّما يجدي في حصول الامتثال على تقدير تعلّق

ص: 294


1- في الأصل: المسألة الثانية.
2- الشرائع 115:1 المسالك 385:1، البيان: 185.
3- المدارك 121:5، مجمع الفائدة 100:4، غنائم الأيّام 92:4.
4- المناهل: 99 ب.
5- المدارك 121:5.
6- الكافي 1/515:3، الاستبصار 12/6:2، الوسائل 63:9-9/64، ب 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة، و فيها: «فتؤدّى عنه من كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، و من كلّ عشرين دينارا نصف دينار.»
7- المبسوط 209:1.
8- المدارك 121:5-122.
9- الذخيرة: 441.
10- المناهل: 99 ب.

الزكاة بالذمّة و هو على ما ستعرفه خلاف الفرض، و عليه فبعض ما وجب إخراجه إنّما هو من جنس الأرغب فكيف يجزئ عنه الأدنى، فالوجه هو تعيّن التقسيط و لا يجزئ عنه غيره.

نعم لو أخرجه بالقيمة ينبغي القطع بالإجزاء. و لو أخرج من الأعلى ما هو بقدر قيمة الأدون فيما لو كانت الفريضة من جنسه كثلث دينار من الأعلى عن نصف دينار من الأدون فالمصرّح به في المدارك و الذخيرة و غيرهما أنّه لم يجزئه، لأنّ الواجب إخراج نصف دينار من العشرين فلا يجزئ عنه الناقص(1) و عن التذكرة احتمال الإجزاء اعتبارا بالقيمة(2) و الأوّل أقرب مع أنّه أحوط.

المسألة الرابعة: [الدراهم و الدنانير المغشوشة]

في الدراهم و الدنانير المغشوشة و لها صور: في بعضها يجب الزكاة، و في بعضها لا تجب.

الصورة الاولى: ما كان الغشّ من غير جنس الفضّة و الذهب - كالرصاص و النحاس - و لم يبلغ الخالص الموجود فيها النصاب، و هذه ما لا يجب فيها الزكاة بلا خلاف يظهر، لأنّ الزكاة إنّما تجب في الذهب و الفضّة لا في غيرهما من المعادن مع اعتبار بلوغهما النصاب، و المفروض عدم بلوغ الخالص النصاب.

الصورة الثانية: ما لو شكّ في بلوغ الخالص النصاب، فالمصرّح به في كلام المتأخّرين(3) و متأخّريهم(4) عدم وجوب التصفية و السبك عليه ليعلم البلوغ و عدمه، و في محكيّ المسالك «لا قائل بوجوب التصفية مع الشكّ في النصاب»(5) و في المناهل ظهور الاتّفاق عليه(6) و علّله في الذخيرة بأنّ : «وجوب الزكاة مشروط ببلوغ النصاب فلا يجب تحصيل مقدّمة الواجب المشروط و لا تحصيل العلم بها»(7).

ص: 295


1- المدارك 121:5-122، الذخيرة: 441.
2- التذكرة 128:5-129.
3- المسالك 387:1، المعتبر 525:2، البيان: 184-185، التذكرة 127:5، المسالك 387:1.
4- مجمع الفائدة 99:4، الحدائق 93:12.
5- المسالك 387:1.
6- المناهل: 100 الف.
7- الذخيرة: 441.

أقول: الأولى الاستناد في ذلك إلى أصل موضوعي و هو: أصالة عدم بلوغه النصاب، المعتضدة بأصالة البراءة عن الزكاة، و أصالة البراءة عن التصفية على تقدير احتمال وجوبها النفسي، و عن تحصيل العلم بالبلوغ على تقدير احتمال وجوبها المقدّمي، و لا وارد على هذه الاصول من الأدلّة.

و لا يخدش فيها اشتراط العمل بالأصل بالفحص، للإجماع على عدم وجوب الفحص في العمل بالأصل في الموضوعات و بلوغ الخالص من الذهب أو الفضّة النصاب و عدمه من الموضوعات، و الشكّ في وجوب الزكاة و إن كان في ابتدائه من الاشتباه في الحكم إلاّ أنّ منشأه اشتباه الموضوع الخارجي فيلحق من جهته أصل البراءة بالأصل الجاري في الموضوعات الّتي لا فحص فيها إجماعا بل ضرورة.

و السرّ فيه أنّ الفحص إنّما يجب احرازا لموضوع الأصل، و لا حاجة لإحرازه إليه في الموضوعات، لكون موضوعه فيها «عدم العلم» الّذي هو محرز بالفرض، بخلاف الأحكام الّتي موضوع الأصل فيها العجز عن العلم الّذي لا يحرز إلاّ بالفحص كما حقّقناه في الاصول(1).

ص: 296


1- تعليقة على معالم الاصول، الجزء السادس: 217، إليك بعض من عبائره: فينبغي القطع بعدم وجوب الفحص في إعمال أصل البراءة في الموضوعات و عدم اشتراطه بالبحث و السؤال في الشبهة تحريميّة أو وجوبيّة، دليله - بعد الإجماعات المنقولة - الإجماع العملي و هو السيرة القطعيّة من المسلمين الكاشفة عن الرضاء فإنّها في جميع الأعصار و كلّ الأمصار مستقرّة في البناء في الموضوعات على الاصول من دون فحص و سؤال، من دون فرق فيه بين العوامّ و الخواصّ من العلماء و الفقهاء حتّى أنّ الفقهاء في كلّ عصر كانوا يرخّصون أتباعهم من العوامّ بالبناء على الاصول فيها من دون أن يكلّفوهم الفحص، مضافا إلى أخبار ذلك الأصل ممّا يختصّ بالشبهات التحريميّة كصحيحة عبد اللّه بن سنان و رواية مسعدة بن صدقة و لا سيّما في ذيلها من قوله عليه السّلام: «الأشياء كلّها على ذلك حتّى يستبين لك غير هذا او تقدم به البيّنة» الظاهر في صورة إمكان تحصيل العلم أو تحصيل البيّنة و ما يعمّها و الشبهات الوجوبيّة كالنبوي المصرّح برفع مؤاخذة التسعة الّتي منها: لا يعلمون.
المقام الثالث في زكاة الغلاّت و سائر ما يتعلّق بها
[في زكاة الغلاّت، شرطيّة النصاب]
اشارة

و قد مرّ الكلام في وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع و دليله من الإجماعات و النصوص و عدم وجوبها في غيرها من الحبوب و الثمار و استحبابها فيما أنبتت الأرض ممّا يكال أو يوزن، و الغرض الأصلي في المقام بيان اشتراط وجوبها في الغلاّت الأربع ببلوغها النصاب، و أنّ النصاب خمسة أوسق، و أنّ الوسق ستّون صاعا و إنّ الصاع تسعة أرطال بأرطال العراق و ستّة أرطال بالمدني و أربعة أمداد، و أنّ المدّ رطلان و ربع بالعراقي و رطل و نصف رطل بالمدني، و أنّ الرطل مائة و ثلاثون درهما على المشهور.

و هذه أحكام كثيرة ينبغي التعرّض لبيانها و إثباتها بالدليل.

فنقول: يشترط النصاب في وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع بلا خلاف بل الإجماع المستفيض نقله، و في المنتهى: «إنّ اعتبار النصاب في الغلاّت قد اتّفق عليه أكثر أهل العلم، و أنّه لا نعلم فيه خلافا إلاّ من مجاهد(1) و أبي حنيفة(2) فإنّهما أوجبا الزكاة في قليل الغلاّت و كثيرها، و باقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق»(3) انتهى.

و يدلّ عليه مضافا إلى [ما ذكر] ما استفاض من النصوص المعتبرة و غيرها إن

ص: 297


1- المغني 553:5، الشرح الكبير 554:2.
2- بدائع الصنائع 59:2، الهداية 109:1، تحفة الفقهاء 322:1.
3- المنتهى 189:9-190.

لم نقل بتواترها.

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس فيما دون خمسة أوساق شيء، و الوسق ستّون صاعا»(1).

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوسق و الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا، و ليس فيما دون ثلاثمائة صاع شيء، و ليس فيما أنبتت الأرض شيء إلاّ هذه الأربعة»(2).

و صحيحة سعد بن سعد الأشعري قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، فقال عليه السّلام: خمسة أوساق بوسق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقلت: كم الوسق ؟ قال عليه السّلام: ستّون صاعا، قلت: و هل على العنب زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال عليه السّلام: نعم إذا خرصه أخرج زكاته»(3).

و صحيحة محمّد بن مسلم: «قال [سألت] أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التمر و الزبيب ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة ؟ فقال: خمسة أوسق»(4).

و صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حديث قال عليه السّلام: «ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوساق شيء»(5).

و صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس في النخل صدقة حتّى

ص: 298


1- الاستبصار 15/18:2، تهذيب الأحكام 18:4، 15/19، الوسائل 6/177:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
2- تهذيب الأحكام 1/13:4، الاستبصار 1/14:2، الوسائل 176:9، 5/177، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
3- الوسائل 1/175:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت/ 1، الكافي 5/514:3.
4- الوسائل 3/175:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت، الكافي 7/514:3، الاستبصار 18:2 / 14، تهذيب الأحكام 14/18:4.
5- الوسائل 2/175:9 و 4، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت، الاستبصار 25:2-4/26، تهذيب الأحكام 8/38:4.

يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيبا»(1).

و موثّقة زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «و أمّا ما أنبتت الأرض من شيء من الأشياء فليس فيه زكاة إلاّ في أربعة أشياء - البرّ و الشعير و التمر و الزبيب - و ليس في شيء من هذه الأربعة الأشياء شيء حتّى تبلغ خمسة أوسق، و الوسق ستّون صاعا و هو ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إن كان من كلّ صنف خمسة أوساق غير شيء و إن قلّ فليس فيه شيء، و إن نقص البرّ و الشعير و التمر و الزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شيء، فإذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّا»(2).

و موثّقة أبي بصير و الحسن بن شهاب قالا: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ليس في أقلّ من خمسة أوساق زكاة، و الوسق ستّون صاعا»(3).

و رواية عبد اللّه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام قال: «في زكاة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ليس فيما دون الخمسة أوساق زكاة، فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيه الزكاة، و الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبيّ »(4).

و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام أنّه كتب إلى المأمون في كتاب طويل: «الزكاة الفريضة في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم... إلى أن قال عليه السّلام: و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا و الصاع أربعة أمداد»(5).

و أمّا ما في بعض الروايات في الحنطة و التمر من وجوب الزكاة فيهما قليلا كان أو كثيرا(6) فمع شذوذه و احتماله التقيّة لموافقته المجاهد(7) و أبي حنيفة(8) محمول على

ص: 299


1- الوسائل 7/175:9 و 11، تهذيب الأحكام 13/18:4، الاستبصار 4/15:2.
2- الوسائل 177:9-8/178، تهذيب الأحكام 17/19:4، الاستبصار 4/15:2.
3- الوسائل 9/178:9، الاستبصار 16/18:2، تهذيب الأحكام 16/19:4.
4- الوسائل 12/178:9، تهذيب الأحكام 2/14:4، الاستبصار 2/14:2.
5- الوسائل 13/179:9، ب 1 من ابواب زكاة الغلاّت.
6- الوسائل 2/180:9 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات و غيرها ممّا ورد في الباب.
7- المغني 553:5، الشرح الكبير 554:2.
8- بداية المجتهد 257:1، المجموع 458:5، الهداية 109:1، تحفة الفقهاء 322:1.

الاستحباب كما عن الشيخ(1).

و أمّا أنّ النصاب خمسة أوسق - فمع ظهور الإجماع عليه و حكاية نقله عن جماعة من أساطين الطائفة كالناصريّات(2) و الخلاف(3) و الغنية(4) و المنتهى(5) - فهو صريح النصوص المذكورة، فلا حاجة لإثباته إلى دليل آخر.

كما أنّ كون الوسق ستّين صاعا أيضا كذلك، لصراحة جملة من النصوص المتقدّمة فيه، مع ظهور الإجماع عليه، و حكاية نقله عن الخلاف و الغنية و المنتهى، و لا ينافي شيئا من ذلك ما عن الخليل من: «أنّ الوسق حمل البعير»(6) لأنّ ستّين صاعا يصلح حملا للبعير، و إن كان الوسق بمعنى الحمل قد يزيد عليه و قد ينقص.

و أمّا ما في بعض الروايات الشاذّة الغير المعمول بها من تقدير النصاب بوسقين أو وسق أو ستّين صاعا(7) فمطروح أو مأوّل بحمله على الاستحباب، و لو عبّر في بعضها بلفظ الوجوب لتعيّن حمله على تأكّد الندب، كما عن الشيخ(8) و غيره.

و أمّا أنّ الصاع تسعة أرطال بالعراقي - فمع أنّه مصرّح به في كلام جمع من الأساطين(9) و حكي دعوى الإجماع عليه عن الانتصار(10) و الخلاف(11) و الغنية(12) بل عن الناصريّات(13) أيضا حيث نقله على أنّ الصاع تسعة أرطال بتقريب أنّه عراقي فظاهره إرادة العراقي - مدلول عليه بروايتين: إحداهما صحيحة سندا و غير صريحة دلالة، و اخراهما صريحة دلالة و غير صحيحة سندا.

ص: 300


1- تهذيب الأحكام 17:4-18، ح: 9-12، الاستبصار 16:2 و ما بعده.
2- الناصريّات: 283-285.
3- الخلاف 58:2، المسألة 69.
4- الغنية: 121.
5- المنتهى 497:1.
6- العين 191:5، فيه: الوسق: حمل يعنى ستّين صاعا. و لكن يذكره الجوهري في الصحاح 4: 1566، هكذا: قال الخليل: الوسق هو حمل البعير.
7- الوسائل 2/180:9، ب 3 من أبواب زكاة الغلات.
8- تهذيب الأحكام 17:4-18، 9-12، الاستبصار 16:2 و ما بعده.
9- المبسوط 241:1، المهذّب 167:1، الوسيلة: 127، السرائر 106:1، الشرائع 116:1، المعتبر 533:2.
10- الانتصار: 227.
11- الخلاف 156:2.
12- الغنية: 121.
13- الناصريّات: 286.

أمّا الاولى كصحيحة أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام: «قد بعثت لك العام عن كلّ رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال بدرهم»(1) فكتب عليه السّلام إليه جوابا محصوله التقرير على ما ذكر. قالوا في وجه الدلالة: إنّ المراد بالأرطال هنا العراقيّة، لأنّها أرطال بلادهم و هي عبارة عن الصاع لأنّه الواجب في الفطرة.

و أمّا الاخرى فرواية جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني و كان معنا حاجّا قال:

«كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام على يدي أبي: جعلت فداك أنّ أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول الفطرة بصاع المدني و بعضهم يقول بصاع العراقي، قال: فكتب عليه السّلام إليّ :

الصاع ستّة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي، قال: و أخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة»(2).

و راوي هذا الحديث و إن لم يذكر في كتب الرجال بمدح و لا قدح، لكن هناك عدّة أمارات ربّما تشعر بوثاقته أو باعتبار حديثه:

منها: كون الحديث مذكورا في الفقيه(3) الّذي ضمن الصدوق صحّة رواياته كما أشار إليه في المدارك(4).

و منها: عدم كونه مذكورا في من استثناه محمّد بن الحسن بن الوليد(5) من الرجال الّذين يروي عنهم محمّد بن أحمد بن يحيى(6) لظهور كون السبب في الاستثناء القدح في عدالتهم، و لذلك ذكر أبو العبّاس(7) بن نوح في وصف الاستثناء المذكور - المشتمل على محمّد بن عيسى بن عبيد الّذي هو أيضا من المستثنين على ما حكي - «و قد أصاب شيخنا أبو جعفر رحمه اللّه(8) في ذلك كلّه و تبعه أبو جعفر(9) بن بابويه على ذلك إلاّ في

ص: 301


1- الوسائل 3/346:9، ب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الكافي 24/174:4.
2- الوسائل 1/340:9، ب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الكافي 9/172:4، تهذيب الأحكام 4: 119/34.
3- الفقيه 2063/176:2.
4- المدارك 133:5.
5- في معجم رجال الحديث 87:1: هو من مشايخ الصدوق و كانت له كتاب هي أحد مصادر الروايات المودعة في كتاب من لا يحضره الفقيه.
6- رجال النجاشي: 348: و له كتب متعدّدة، منها نوادر الحكمة.
7- رجال النجاشي: 348.
8- رجال النجاشي: 348. و هو شيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد.
9- الفقيه 1652/42:2 و 2063/176، اعتمد الصدوق على الروايات المتّخذة من شيخه -

محمّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه لأنّه كان على ظاهر العدالة و الثقة».

و عن المحقّق البهبهاني في التعليقة(1) أنّ في حكاية استثنائهم و خصوص ما ذكره ابن نوح دلالة على أنّهم كانوا يلاحظون العدالة في الراوي، ففيهما شهادة على عدالة من رووا عنه سيّما من روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى و لم يستثن روايته.

و منها: ما عن تعليقة البهبهاني أيضا في ترجمة أبيه إبراهيم بن محمّد: أنّه و أولاده كانوا وكلاء الناحية(2) و هذا بظاهره يقتضي كون جعفر أيضا وكيلا و هو آية كونه جليلا كأبيه.

و يوافق الخبرين و يؤيّدهما خبر عليّ بن بلال قال: «كتبت إلى الرجل عليه السّلام أسأله عن الفطرة و كم تدفع ؟ قال: فكتب عليه السّلام: ستّة أرطال بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي»(3).

[فى كمّيّة الصاع]

و أمّا أنّ الصاع ستّة أرطال بالمدني فيدلّ عليه - مضافا إلى ما سمعت - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتوضّأ بمدّ و يغتسل بصاع، و المدّ رطل و نصف، و الصاع ستّة أرطال»(4) و عن الشيخ يعني أرطال المدينة(5) فيكون تسعة أرطال بالعراقي. و من هنا يظهر أنّ الرطل المدني يزيد على العراقي بنصفه، و العراقي ينقص من المدني بثلثه، و لذا يكون العراقي مائة و ثلاثين درهما، و المدني مائة و خمسة و تسعين درهما.

و أمّا أنّه أربعة أمداد فعن المعتبر و المنتهى أنّه قول العلماء كافّة(6).

ص: 302


1- منهج المقال، مع حواشي الوحيد البهبهاني، في هامش الصفحة: 313 (رحلي، كتابخانه آية اللّه النجفي المرعشي، مسلسل 82932، ق 261، رديف 8، شماره 27).
2- منهج المقال 360:1، و بهامشها تعليقة البهبهاني.
3- الاستبصار 1/49:2، تهذيب الأحكام، 16/83:4، الوسائل 2/341:9، ب 7 من أبواب زكاة الفطرة.
4- الاستبصار 2/121:1.
5- الخلاف 130:1.
6- المعتبر 532:2، المنتهى 497:1.

و يدلّ عليه من النصوص صحيحتا الحلبي و عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيهما: «و الصاع أربعة أمداد»(1) و خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام و فيه: «و الصاع أربعة أمداد»(2).

و خبر عليّ بن شعبة عن الرضا عليه السّلام و فيه: «و الصاع تسعة أرطال و هو أربعة أمداد، و المدّ رطلان و ربع بالرطل العراقي»(3).

و هذا يدلّ على أنّ المدّ رطلان و ربع رطل بالعراقي، و رطل و نصف رطل بالمدني، بل هذا من الواضحات الّتي لا حاجة لها إلى الاستدلال، إذ المدّ ربع الرطل، و ربع التسعة اثنان و ربع، كما أنّ ربع الستّة واحد و نصف.

و يظهر بالتأمّل فيما ذكرنا أنّ النصاب بحساب الأصواع ثلاثمائة صاعا، و بحساب الأرطال المدنيّة ألف و ثمانمائة رطل، و بحساب الأرطال العراقيّة ألفان و سبعمائة رطل.

و اختلفوا في مقدار الرطل العراقي فالأكثر أنّه مائة و ثلاثون درهما أحد و تسعون مثقالا شرعيّا، و عن العلاّمة في التحرير و موضع من المنتهى أنّه مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع درهم(4).

و الأوّل أقوى، لقوله عليه السّلام في ذيل خبر جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني:

«و أخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا و مائة و سبعين وزنة»(5).

و ما رواه الشيخ في التهذيب باسناد - قال في الذخيرة ظاهره كونه معتبرا(6) - عن إبراهيم بن محمّد الهمداني: «اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام أسأله عن ذلك، فكتب عليه السّلام: أنّ الفطرة صاع من قوت بلدك... إلى أن قال عليه السّلام: و الفطرة عليك و على الناس كلّهم و من تعول من ذكر و انثى صغير و كبير حرّ

ص: 303


1- الاستبصار 7/47:2 و 8، تهذيب الأحكام 7/81:4 و 8، الوسائل 12/336:9، ب 6 من أبواب زكاة الفطرة.
2- الوسائل 13/179:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت، و الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح 18.
3- الوسائل 9/185:9، ب 4 من أبواب زكاة الغلاّت.
4- التحرير ج 374:1، المنتهى 497:1.
5- الوسائل 1/340:9، ب 7 من أبواب زكاة الفطرة، الكافي 9/172:4، تهذيب الأحكام 4: 17/83، الاستبصار 163/49:2.
6- الذخيرة: 441-442.

أو عبد فطيم أو رضيع، تدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، يكون الفطرة ألف و مائة و سبعون درهما»(1).

وجه الدلالة أنّ الرطل العراقي على ما بيّنّاه سابقا ينقص من المدني بثلثه فيكون مائة و ثلاثين درهما.

و هذان الخبران إن صحّ الاعتماد عليهما بناء على اعتبارهما لذاتهما أو انجبار قصور سنديهما بالعمل أو موافقة الأكثر فلا إشكال، و إلاّ فلا مناص من اعتبار المائة و الثلاثين درهما في كلّ من نصاب زكاة المال و مقدار زكاة الفطرة عملا بالأصل فيهما، أمّا في زكاة المال فأصل البراءة، و أمّا في زكاة الفطرة فأصل الاشتغال، و التقريب يظهر بأدنى تأمّل.

فالنصاب حينئذ بحساب الدراهم: ثلاثمائة و إحدى و خمسون ألف درهم لأنّه مرتفع ضرب ألفين و سبعمائة في مائة و ثلاثين، و بحساب المثاقيل الصيرفيّة: - بضابطة أنّ كلّ عشرة درهم خمسة مثاقيل صيرفيّة و ربع مثقال - مائة و أربعة و ثمانون ألف مثقال و مائتان و خمسة و سبعون مثقالا، و بحساب المنّ التبريزي(2): مائتا منّ و ثمانية و ثمانون منّا إلاّ خمسة و أربعين مثقالا صيرفيّا، و بحساب المنّ الشاهي(3) المتداول في هذا الزمان: مائة و أربعة و أربعون منّا إلاّ خمسة و أربعين مثقالا.

و ينبغي التنبيه على امور:
الأوّل: [تحقيقيّة التقدير]

ظاهر الأخبار النافية للزكاة عمّا دون خمسة أوساق و ما دون الثلاثمائة صاع، كون التقدير المذكور تحقيقا، كما نصّ عليه المنتهى(4) و التحرير(5) و البيان(6) و المدارك(7)

ص: 304


1- تهذيب الأحكام 79:4.
2- هذه الكمّيّة يساوي أربعين سيرا و يعادل ثلاثة كيلو گرم على التقريب (فرهنگ فارسى عميد 2: حرف ميم).
3- هذه الكمّيّة يساوي ثمانين سيرا (نفس المصدر السابق).
4- المنتهى 497:1.
5- التحرير 374:1.
6- البيان: 178 و 186.
7- المدارك 135:5.

و الذخيرة(1) و الرياض(2) لا تقريبا، و ربّما استشعر من عبارة المنتهى عدم الخلاف فيه بين أصحابنا، و لعلّه لتخصيصه القول بالتقريب إلى بعض العامّة(3) محتجّا بأنّ الوسق لغة: «الحمل» و هو يزيد و ينقص.

و بالجملة فالوجه هو ما ذكروه، عملا بظاهر النصوص. و القول بالتقريب ضعيف جدّا، لضعف دليله، فإنّ التقدير الشرعي المستفاد من النصوص وارد على المعنى اللغوي فلا عبرة به في المقام. و هذا هو معنى ما ذكره التذكرة في ردّه من: «أنّا إنّما اعتبرنا التقدير الشرعي لا اللغوي»(4).

الأمر الثاني: [اعتبار الوزن في نصاب الغلاّت]

نصاب الغلاّت يعتبر بالوزن، لأنّه أضبط و أحفظ من الزيادة و النقيصة، و لظاهر النصوص بتقريب أنّ النصاب و إن قدّر في الأخبار بالأوساق المقدّرة بالأصواع و الصاع كان كيلا مخصوصا ثمّة، غير أنّه قدّر تارة بالأرطال و اخرى بالأمداد، و الأرطال بالدراهم و الكلّ من الأوزان.

و عن البيان التصريح بأنّ الاعتبار بالوزن مع احتماله الاكتفاء بالكيل و لو نقص من الوزن(5).

و عن العلاّمة في التحرير و المنتهى: «أنّ النصب معتبرة بالكيل بالأصواع و اعتبر الوزن للضبط و التحفّظ، فلو بلغ النصاب بالكيل و الوزن معا وجبت الزكاة قطعا، و لو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك، و لو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير فإنّه أخفّ من الحنطة مثلا لم تجب الزكاة على الأقوى»(6).

و في المدارك بعد ما نقل ذلك: «أنّ مرجعه إلى اعتبار الوزن خاصّة و هو كذلك، إذ التقدير الشرعي إنّما وقع به لا بالكيل. و مع ذلك فهذا البحث لا جدوى له في هذا

ص: 305


1- الذخيرة: 442.
2- الرياض 102:5.
3- المجموع 458:5، فتح العزيز 565:5، الصحاح 1566:4، القاموس المحيط 289:3.
4- التذكرة 145:5.
5- البيان: 178، 186.
6- التحرير 374:1-375، المنتهى 497:1.

الزمان، إذ لا سبيل إلى معرفة قدر الصاع إلاّ بالوزن»(1).

الأمر الثالث: [نصاب الغلاّت يعتبر وقت الجفاف]

نصاب الغلاّت الأربع إنّما يعتبر وقت جفاف التمر و يبس العنب و الحنطة و الشعير على معنى اعتبار بلوغها جافّا و يابسا خمسة أوسق، فلو كان الرطب و العنب و الغلّة الرطبة خمسة أوسق بحيث لو جفّ كلّ واحد منها و صار تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص فلا زكاة، وفاقا للمعتبر و المنتهى و التذكرة و التحرير(2) و القواعد(3)و الدروس(4) و المدارك(5) و الذخيرة(6) و الروض(7) بل عن الأوّل أنّ عليه اتّفاق العلماء(8) و عن المنتهى و التذكرة دعوى الإجماع عليه(9) و الوجه فيه أنّ التقدير الشرعي وقع على الأسامي الأربعة.

ثمّ عن التذكرة أنّ : ما لا يجفّ مثله و إنّما يؤكل رطبا كالهلباث(10) و البرين(11)و شبههما من الدقل(12) فإنّه تجب فيه الزكاة أيضا، لقوله عليه السّلام: «فيما سقت السماء العشر»(13) و إنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا و هل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه ؟ الأقرب الأوّل و إن كان تمره يقلّ ، ثمّ نقل عن الشافعيّة(14) وجها بأنّه يعتبر

ص: 306


1- المدارك 136:5.
2- التحرير 374:1-375.
3- القواعد 341:1.
4- الدروس 236:1-237.
5- المدارك 136:5.
6- الذخيرة: 442.
7- الرياض 103:5 و 106.
8- المعتبر 534:2.
9- المنتهى 497:1، التذكرة 148:5.
10- لسان العرب 198:2، الهلباث ضرب من التمر، هلبث.
11- العين 27:8، الضبط فيها: البرنى ضرب من التمر أحمر، مشرب، صفرة، كثير اللحاء، عذب الحلاوة، ضخم و البرنى بلغة أهل العراق.
12- القاموس المحيط 376:3، الصحاح 1698:4، الدقل: أردأ التمر.
13- المستدرك 1/88:7، ب 3 من أبواب زكاة الغلاّت، الكافي 5/511:3، و في: 1/512-3 و 6، الاستبصار 14:2-3/17 و 5-7 و 21، تهذيب الأحكام 13:4-1/17-3 و 5 و 8 و 9، و في: 8/38، و في: 118-1/119، و في: 128-2/130، الوسائل 2/62:9، ب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، و في: 176-5/177، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
14- المجموع 458:5، فتح العزيز 568:5.

بغيره(1) و لا ريب في ضعفه و لو لم يصدق على اليابس من هذا النوع اسم الزبيب و التمر اتّجه سقوط الزكاة فيه مطلقا.

ثمّ إنّ في المقام مسائل مهمّة ينبغي التعرّض لها:

[مسائل مهمة]
المسألة الاولى: [فى تعلّق الزكاة بعد بدوّ الصلاح و قبل التسمية]

لا يتعلّق وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع قبل بدوّ صلاحها و هو انعقاد الحبّ في الحنطة و الشعير و انعقاد الحصرم في الكرم و الاحمرار أو الاصفرار في النخل بلا خلاف ظاهرا، كما عن مجمع الفائدة(2) نفي الخلاف فيه صريحا. كما أنّه يتعلّق الوجوب بها عند الجفاف و اليبس اللذين عليهما مدار صدق الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب حقيقة بلا خلاف أيضا ظاهرا، بل عن مجمع الفائدة(3) أيضا نفي الخلاف فيه صريحا، و هذا هو القدر المتيقّن من النصوص المعلّقة لوجوبها على هذه الأسماء.

و قد اختلف الأصحاب في تعلّقه بها بعد بدوّ صلاحها و قبل تحقّق التسمية بهذه الأسماء على وجه الحقيقة و عدمه على قولين:

أحدهما: المنع، كما اختاره المحقّق في كتبه الثلاث(4) و نقل في المختلف و غيره عن الإسكافي(5) و عن المنتهى أنّه كان يذهب إليه والده(6) و يظهر عن الذخيرة(7) كما عن الروضة أيضا الميل إليه(8) و ربّما استفيد من عبارة النهاية بل من المقنعة(9) و جمل العلم(10) و الناصريات(11) و الجمل و العقود(12) و الخلاف(13) و المراسم(14) و الوسيلة(15)و الغنية(16) و النزهة(17) لتضمّنها كالنهاية، التنصيص على وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع:

الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و التنبيه على نفي وجوبها في غيرها صريحا كما في

ص: 307


1- التذكرة 148:5.
2- مجمع الفائدة 28:4.
3- مجمع الفائدة 28:4.
4- الشرائع 116:1، المعتبر 534:2، المختصر النافع: 57.
5- المختلف 185:3-186.
6- المنتهى 497:1 و 500.
7- الذخيرة: 441.
8- شرح اللمعة 32:2-33.
9- المقنعة: 239.
10- رسائل المرتضى 78:3.
11- الناصريّات: 284.
12- الرسائل العشر: 203.
13- الخلاف 60:2-61، المسألة 73.
14- المراسم: 128.
15- الوسيلة: 123 و 127.
16- الغنية: 115.
17- النزهة: 48.

بعضها أو إشارة كما في البعض الآخر، فهذا القول ذهب إليه كثير من الأصحاب إن لم نقل أكثرهم، و قوّاه في الرياض(1) و إن صرّح أخيرا بالتردّد» انتهى هكذا في المناهل(2).

و ثانيهما: أنّه يتعلّق الوجوب بها في الحالة المذكورة كما عن الشيخ(3) و الحلّي(4)و العلاّمة في أكثر كتبه و الشهيد في الدروس و البيان و المحقّق الثاني في حاشية الشرائع و الجامع، و عن جماعة التصريح بأنّه المشهور بين الأصحاب و ربّما يظهر في مطاوي البحث و تضاعيف الكلام من بعضهم قول بالتفصيل كما ستعرف.

و ظاهر أنّ القول بالمنع موافق للأصل، لأصالة عدم تعلّق الوجوب في الحالة المذكورة إلى أن يتيقّن تعلّقه، و هو بعد تحقّق التسمية بالأسماء الأربعة على وجه الحقيقة.

و يساعد عليه ظاهر الأدلّة من النصوص و الإجماعات المعلّقة للوجوب على هذه الأسماء لتبادر حالتي الجفاف و اليبس، و ليس علينا في هذا المقام تجشّم إثبات كون التبادر وضعيّا، لكفاية التبادر الإطلاقى في إثبات اختصاص الوجوب بالحالة المذكورة، فالمانع مستظهر لكون الأصل اعتبارا و لفظا مع المنع.

و استدلّ عليه بالأصل، و لعلّ المراد به أصالة العدم لعدم جريان أصل البراءة في نحو المقام.

و بصحيحة عليّ بن جعفر أنّه: «سأل أخاه موسى عليه السّلام عن البستان لا تباع غلّته، و لو بيعت بلغت غلّتها مالا فهل يجب فيه صدقة ؟ فقال عليه السّلام: لا إذا كانت تؤكل»(5).

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التمر و الزبيب ما أقلّ ما يجب فيه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: خمسة أوسق، و يترك معافارة و امّ جعرور(6) لا يزكّيان و إن كثرا...»(7). الخ.

قيل: الوجه في ترك هذين النوعين تعارف أكلهما قبل صيرورتهما تمرا، فيكون

ص: 308


1- الرياض 103:5-104.
2- لم نعثر على هذا الجزء من المناهل.
3- المبسوط 214:1.
4- السرائر 453:1.
5- تهذيب الأحكام 19:4، / 18، الوسائل 1/190:9، ب 8 من أبواب زكاة الغلاّت.
6- مجمع البحرين 207:3، مادّة: عفر، معافارة و امّ جعرور ضربان رديّان من التمر.
7- تهذيب الأحكام 14/18:4، الوسائل 3/176:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.

مضمونه موافقا لمضمون صحيحة عليّ بن جعفر، و هما تنهضان حجّة لمن يعتبر في تعلّق صدق اسم التمر.

و فيه: منع الدلالة فيهما على ذلك، لجواز كون بناء عدم عدّهما من النصاب و سقوط الزكاة عنهما عدم صدق اسم التمر على اليابس منهما، أو كون الإسقاط من باب العفو إرفاقا على المالك فيهما لتعارف أكلهما رطبا، أو أنّ الشارع إنّما أسقط الزكاة عنهما سدّا لتوصّل المالك إلى إخراج الزكاة عن غيرهما منهما باعتبار كونهما أردأ التمور، كما ورد في عدّة روايات:

ففي رواية عن أبي بصير: «عن أبي عبد اللّه في قول اللّه عزّ و جلّ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ وَ لاٰ تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (1)قال عليه السّلام: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجيء قوم بألوان من التمر و هو من أردأ التمر يؤدّونه من زكاتهم، تمرة يقال له الجعرور و المعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى، و كان بعضهم يجيء بها عن التمر الجيّد فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منها بشيء، و في ذلك نزل وَ لاٰ تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّٰ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ (2) و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين»(3).

و رواية إسحاق بن عمّار عن: «جعفر بن محمّد عليه السّلام قال كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فيه عذق يسمّى الجعرور و عذق يسمّى معافارة كانا عظيم نواهما رقيق لحاهما، في طعمهما مرارة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للخارص:

لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلّهم يستحيون لا يأتون بهما فأنزل اللّه يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ إلى قوله تُنْفِقُونَ »(4) و في معناهما غيرهما.

و ليس للقول الثاني إلاّ وجهان احتجّ بهما العلاّمة في المنتهى:

«أحدهما: تناول الأدلّة من الأخبار و غيرها المعلّقة لوجوب الزكاة على الأسماء الأربعة نظرا إلى تسمية الحب إذا اشتدّ حنطة و شعيرا و البسر تمرا فإنّ أهل اللغة(5)

ص: 309


1- البقرة: 267.
2- البقرة: 267.
3- الوسائل 205:9-1/206، ب 19 من أبواب زكاة الغلّة.
4- الوسائل 5/207:9، ب 19 من أبواب زكاة الغلّة.
5- الصحاح 559:2، البسر: اوّله طلع، ثمّ خلال، ثمّ بلح، ثمّ بسر، ثمّ رطب، ثمّ تمر، الواحدة: بسرة.

نصّوا على أنّ البسر نوع من التمر و على أنّ الرطب نوع من التمر»(1).

و فيه: منع أصل التسمية إن اريد بها الحقيقة، إذ لا شاهد عليها من العرف و اللغة، بل خواصّ المجاز من تبادر اليابس و الجافّ منها و عدم تبادر الحبّة الرطبة و البسر و الحصرم(2) و صحّة سلب الاسم - و لا سيّما التمر و الزبيب عن غير اليابس حتّى الرطب و العنب فضلا عن البسر و الحصرم - تشهد بخلاف الحقيقة.

و لا يبقى لتوهّم الحقيقة من حيث العرف إلاّ الاستعمال، و هو بل شيوعه و إن كان مسلّما إلاّ أنّه مجاز باعتبار ما يؤول إليه، نظير ما في إطلاقها على الخضر و النخيل و الكروم، و لو سلّم عدم تبيّن المجازيّة فأصل الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

و ما ادّعاه من نصّ أهل اللغة - مع أنّه لا يتمّ في غير البسر و لا سيّما الحصرم - يدفعه في البسر أيضا عدم الوقوف على أثر لهذا النصّ كما اعترف به جماعة(3) من أساطين الطائفة، بل المنقول من كلام جماعة منهم صراحة و ظهورا خلافه.

فعن المجمع: «قد تكرّر في الحديث ذكر التمر و هو بالفتح فالسكون: اليابس من ثمر النخل»(4).

و عن المغرب: «البسر غورة خرما»(5) و عن المصباح المنير: «التمر ثمر النخل كالزبيب من العنب و هو اليابس بإجماع أهل اللغات»(6).

و عن الصحاح: «التمر أوّله طلع ثمّ خلال ثمّ بلح ثمّ بسر ثمّ رطب ثمّ تمر» و هذا و إن كان ربّما يوهم ما ادّعاه، غير أنّ الظاهر منه بقرينة المقابلة بين المراتب الستّ المذكورة مغايرة كلّ مرتبة لما يليها في الاسم و التسمية على وجه الحقيقة، فكما أنّ الطلع و الخلال و البلح ليست تمرا على الحقيقة فكذلك البسر أيضا، و إلاّ كان الجميع

ص: 310


1- المنتهى 204:8.
2- القاموس 97:4، الحصرم كزبرج: التمر قبل النضج، مجمع البحرين 524:1، الحصرم: أوّل العنب ما دام حامضا.
3- الشيخ الأنصاري، الزكاة: 71؛ المدارك 138:5، الذخيرة: 427.
4- مجمع البحرين 295:1، مادّة: ت م ر.
5- المغرب في ترتيب المعرب، الباء مع السين، مخطوطة، الرقم: 5608.
6- المصباح المنير: 76.

تمرا حقيقة و لم يقل به أحد، بل الظاهر أنّ العلاّمة(1) أيضا لا يقول به.

فإن أراد من نصّ أهل اللغة بكون: «البسر نوعا من التمر» ذلك، فقد عرفت حاله من عدم النصوصيّة في تلك العبارة، بل و لا الظهور بل ظهور خلافه.

نعم عن القاموس: «البسر هو التمر قبل إرطابه، و الواحدة بسرة»(2) و فيه نوع ظهور فيما ذكره غير أنّه لا يقاوم لمعارضة ما عرفت من عبائر الجماعة، و يتوهّن بما سمعت عن المصباح من دعوى إجماع أهل اللغات على حصر التمر الّذي شبهه أوّلا بالزبيب في اليابس، بل ربما ينهض ذلك قرينة على أنّه أراد بالإطلاق تعريف البسر بمجازه الشائع تمييزا له عن سائر الثمار و غيرها، لمكان عدم وقوع اسم التمر عليها و لو مجازا.

ثمّ إنّه بعد جميع هذه اللتيا و الّتي لو سلّمنا كون «البسر» من أفراد الحقيقة فلا يوجب ذلك بمجرّده كونه بحيث يتناوله الإطلاق في النصوص و معاقد الإجماعات لتبادر اليابس. و لو كان من باب الانصراف في المطلق فإنّه على ما بيّنّاه عند بيان الأصل كاف في منع شمول الحكم المعلّق في النصوص و غيرها على التمر للبسر، و من هذا تقدر على إجراء هذا المنع و سنده في الحنطة و الشعير و الزبيب أيضا بعد تسليم ما بعد بدوّ الصلاح منها في أفراد الحقيقة.

فالاستدلال المذكور في النظر الدقيق في غاية الضعف و السقوط مع ما فيه من سائر الحزازات مثل كونه أخصّ من المدّعى لعدم جريانه في نحو الحصرم، و تتميمه بعدم القول بالفصل إن سلّمناه معارض بمثله كما أشار إليه سيّد الرياض(3).

و ثانيهما(4): ورود الرواية بوجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبيبا(5).

قال في الذخيرة: «و كأنّه إشارة إلى ما رواه الشيخ عن سليمان في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيبا)(6) و لكنّه أجاب عنه في الكتاب بأنّ : لمفهوم هذا الكلام

ص: 311


1- راجع التذكرة 147:5.
2- القاموس 372:1 مادّة: «بسر».
3- الرياض 104:5-105.
4- الوجه الثاني من الوجهين اللذين احتجّ بهما العلاّمة في المنتهى.
5- المنتهى 204:8.
6- تهذيب الأحكام 14:4 و 18.

احتمالين: أحدهما: إناطة الوجوب بحالة يثبت له البلوغ خمسة أوساق حال كونه زبيبا.

و ثانيهما: إناطة الوجوب بحالة يقدّر له هذا الوصف. و الاستدلال بهذا الخبر إنّما يستقيم على تقدير ظهور المعنى الثاني و هو في معرض المنع، بل لا يبعد ادّعاء ظهور المعنى الأوّل إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر من اللفظ و لا يرجّح المعنى الثاني زوال وصف العنبيّة عند كونه زبيبا لأنّ مثله شائع، فإذا قيل ز لا تجب الصلاة على الصبيّ حتّى يعقل الأشياء بالغا، لا يفهم منه المعنى التقديري»(1).

أقول: يمكن ترجيح ذلك المعنى بملاحظة أنّ زبيبا حال إمّا لفاعل البلوغ و هو العنب أو لمفعوله و هو خمسة أوساق، و بعبارة اخرى حال للبالغ أو للمبلغ، فعلى الأوّل صفة للعنب و على الثاني لصفة العنب و هو خمسة أوساق فيرجع إلى العنب أيضا بضابطة أنّ صفة الصفة صفة، و على التقديرين فإمّا أن يراد بالزبيب الزبيبيّة المحقّقة أو الزبيبيّة المقدّرة، و الأوّل باطل لمبائنة حالة الزبيبيّة لحالة العنبيّة فيستحيل اتّصاف أحدهما بالآخر، فتعيّن الثاني، فيكون تقدير الرواية في حاصل المعنى: «حتّى يبلغ لو كان زبيبا خمسة أوساق» أو «حتّى يبلغ خمسة أوساق لو كان زبيبا» و على التقديرين فهو ظاهر الانطباق على مذهب المشهور.

و يشكل بملاحظة الجزء الأوّل من الرواية و هو قوله عليه السّلام: «ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق» لتعذّر حقيقة النخل فيكون مجازا إمّا في البسر أو الرطب أو في التمر، و على الأوّل لا يتمّ معنى الرواية إلاّ بتقدير خمسة أوساق بالتمريّة ليكون المعنى: «ليس في البسر أو الرطب صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق تمرا» للإجماع و النصّ على اشتراط التمريّة في النصاب، و إنّما الكلام في اشتراطها في وقت تعلّق الزكاة و عدمه، و على هذا التقدير يوافق الجزء الأوّل للجزء الثاني في المعنى و انطباقه على مذهب المشهور بعد اعتبار التقدير حسبما ذكرناه.

و لكنّه يوجب تأويلا آخر زائدا على التجوّز في لفظ النخل لأنّ تقدير التمر حالا للبالغ أو المبلغ خلاف الأصل فوجب جعل النخل مجازا في التمر لئلاّ يحتاج إلى تقدير

ص: 312


1- الذخيرة: 428.

الحال، فيكون المعنى: «ليس في التمر صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق» و هذا ظاهر الانطباق على خلاف المشهور، و حينئذ يختلف الجزء الأوّل مع الجزء الثاني في المعنى بناء على ما ذكرناه من التقدير في الجزء الثاني، فلا بدّ من إرجاع الجزء الثاني إلى الجزء الأوّل رفعا للاختلاف و التعارض.

و يتأتّى ذلك بأن يكون معنى قوله عليه السّلام: «حتّى يبلغ خمسة أوساق زبيبا»: حتّى يبلغ خمسة أوساق و قد صار زبيبا، أو حال كونه صار زبيبا، أو حتّى يبلغ و قد صار زبيبا خمسة أوساق. و على التقادير فخرجت الرواية من الدلالة على مذهب المشهور، و لكنّه ليس بحيث ينفيه ليكون معارضا لرواية اخرى، لظهور كون الحصر المستفاد منها بالقياس إلى حالات الأقلّ من خمسة أوساق لا بالقياس إلى حالات ما عدى التمر و الزبيب.

و قد يستدلّ أيضا بروايتين صحيحتين اخريين:

إحداهما: ما رواه الكليني عن سعد بن سعد الأشعري في الصحيح قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أقلّ ما يجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، فقال عليه السّلام:

خمسة أوساق بوسق النبيّ ، فقلت: كم الوسق ؟ قال عليه السّلام: ستّون صاعا، قلت: فهل على العنب زكاة أو إنّما يجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال عليه السّلام: نعم إذا خرصه أخرج زكاته»(1).

و ثانيهما: عن سعد بن سعد الأشعري أيضا في الصحيح عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل... إلى أن قال: و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال عليه السّلام: إذا صرم و إذا خرص»(2).

و في الرياض علّل وجه الدلالة: «بظهورهما في إناطة الوجوب بأوان الخرص و هو على ما صرّح به الأصحاب و منهم الماتن في المعتبر فيما حكي عنه إنّما يكون في حال كون الثمرة بسرا و عنبا(3). ثمّ قال: و من هنا ينقدح وجه الاستدلال على قولهم بكلّ ما دلّ على جواز الخرص في النخيل أو الكروم من الروايات و الإجماع المنقول الّذي

ص: 313


1- الكافي 5/514:3.
2- الوسائل 306:9-1/307، ب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- المعتبر 535:2-536.

حكاه الماتن في المعتبر بناء على ما ذكره هو و غيره من الأصحاب(1) في فائدته و صفته من أنّه تقدير الثمرة لو صارت تمرا و العنب لو صارت زبيبا فإن بلغت الأوساق وجبت الزكاة، ثمّ يخيّرهم بين تركه أمانة في أيديهم و بين تضمينهم حصّة الفقراء أو يضمن لهم حصّتهم... إلى آخر ما ذكروه. و كلّ هذا إنّما يتوجّه على المشهور و إلاّ فعلى غيره لا وجه للخرص في ذلك الوقت و لا المنع عن التصرّف إلاّ بالتضمين لجوازه من غير احتياج إليه على هذا التقدير، و هذا أحد الثمرات المتفرّعة على الخلاف هنا» انتهى.

و أجاب عن الرواية الثانية: «بقوّة احتمال كون وقت الخرص فيها هو وقت الصرم لجعله فيها أيضا وقت الوجوب، فإذا حمل وقته على ما هو المشهور لكان التعليق بوقت الصرم ملغى لما بين وقته و وقت الخرص بالمعنى المشهور من المدّة ما لا يخفى، إذ الخرص بهذا المعنى في حال البسريّة و العنبيّة و الصرم إنّما يكون بعد صيرورته تمرا فكيف يستقيم تعليق الوجوب بكلّ منهما بل إنّما يستقيم بحمل الخرص فيها على وقت كونه تمرا أو زبيبا، و المراد أنّ في ذلك الوقت يتعلّق به الوجوب سواء صرمه أو خرصه على رءوس الأشجار و النخيل و الزرع.» ثمّ زعم أنّه: «على هذا يسهل الجواب عن الاولى بحمل الخرص فيها أيضا على ما حمل عليه الثانية، فإنّ أخبارهم عليهم السّلام يكشف بعضها بعضا، قال: و لعلّه لذا لم يستدلّ بهما في المنتهى، و يبعد غاية البعد غفلته عنهما»(2) انتهى.

أقول: يمكن دفع الجواب بمنع الملازمة فإنّ كلمة: «إذا» في الرواية للتوقيت فقط، و كون الزكاة متعلّقة بالتمر و الزبيب في حال التمريّة و الزبيبيّة ممّا لا كلام فيه و على المشهور هي الزكاة المتعلّقة في حال البسريّة و الحصرميّة أو العنبيّة و قد استمرّت إلى حال الصرم، و الإمام عليه السّلام بعد ما ذكر تعلّق الوجوب في وقت الصرم نبّه على تعلّقها في وقت الخرص أيضا دفعا لتوهّم السائل اختصاص الوجوب بوقت الصرام، فلا تنافي بين الحكمين لتمسّ الحاجة إلى الجمع بإرجاع أحدهما إلى الآخر.

و بالجملة الرواية تدلّ على أنّ الزكاة تتعلّق في وقت الخرص و تستمرّ إلى وقت

ص: 314


1- كالعلاّمة في المنتهى 501:1-502.
2- الرياض 106:5-108.

الصرم و هذا بعينه هو المشهور. مع أنّ الحمل المذكور ربّما يقضي بإلغاء اعتبار الخرص على تقدير وقوع الصرم في وقته، إذ لا يكون الخرص بعد الصرم فتأمّل.

و في الذخيرة أجاب عن الخبر الأوّل بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلّة خصوصا على ما في بعض نسخ الكافي من التعبير بالواو بدل أو(1).

و فيه: أنّه لا معارض لظاهر الخبر في جانب القول الآخر ليدعو إلى هذا الجمع، إذ ليس في الأدلّة المعلّقة لوجوب الزكاة على الأسماء الأربعة إلاّ ظهور تعلّق الوجوب حال التمريّة و الزبيبيّة مع السكوت عن حال البسريّة و الحصرميّة أو العنبيّة، لا الظهور في نفي التعلّق في حال البسريّة و الحصرميّة أو العنبيّة.

و عن الخبر الثاني بأنّه يجوز أن يكون الخرص فيما صار تمرا على النخل مثلا و الصرام في غيره لقصر الحكم في السؤال على الأربعة المذكورة و لا يلزم من ذلك ثبوت الحكم عند العنبيّة و البسريّة، و يحتمل أن يكون المراد أنّ وقت الخرص و الصرام أوّل وقت وجوب إعطاء الزكاة من باب التقديم إذا علم وصوله إلى حدّ التمريّة و الزبيبيّة جامعا للشرائط، هذا مع احتمال حمل الوجوب على الاستحباب المؤكّد جمعا بين الأدلّة(2).

و فيه: أنّ كلّ ذلك خلاف ظاهر لا داعي إلى ارتكابه.

نعم يمكن المناقشة في الخبر الأوّل بأنّه يدلّ على تعلّق الوجوب بالعنب لا على تعلّقه به حين انعقاد الحصرم، و الخبر الثاني أيضا لا يدلّ على تعلّقه حين البسريّة لجواز كون الخرص فيه كما في العنب حين الرطبيّة. و مع ذلك فهما أخصّ من المدّعى لعدم جريان حكمهما في الحنطة و الشعير إلاّ إذا ثبت كون الخرص فيهما حين الفريكية(3)لا بعد اليبوسة و هو حين التسمية، و لا يبعد القول به خصوصا مع ملاحظة ما عن المعتبر و المنتهى: «من أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث الخارص حين بدوّ الصلاح»(4).

و التمسّك بعدم القول بالفصل في المقامين مشكل، لعدم العلم بالإجماع على عدم

ص: 315


1- الذخيرة: 428.
2- الذخيرة: 428.
3- لسان العرب 473:10: الفرك، ذلك الشيء حتّى ينقلع قشره عن لبّه كالجوز.. و افرك السنبل أي صار فريكا و هو حين يصلح أن يفرك و يؤكل، الصحاح 1602:4 مادّة: فرك.
4- المعتبر 535:2-536، المنتهى 500:1.

الفصل خصوصا مع ملاحظة ما حكاه الشهيد رحمه اللّه في البيان على ما نقل عن ابن الجنيد و المحقّق من أنّهما اعتبرا في الثمرة التسمية عنبا(1) و وافقهما صاحب المدارك حيث إنّه بعد ذكر الخبرين قال: «فيتعيّن العمل بهما»(2).

و هذه المناقشة جارية فيما لو استدلّ على المشهور بكلّ ما دلّ من الروايات و الإجماع المنقول الّذي حكي نقله عن المعتبر على جواز الخرص في النخيل و الكروم(3) كما استدلّ به السيّد في الرياض(4) و أشار إليه صاحب الذخيرة قائلا:

«و ربّما استأنس للقول المشهور بما روي من طريق العامّة(5) أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث على الناس من يخرص عليهم»(6).

و بالجملة فدليل المشهور من جهة النصوص غير تامّ ، و تمام مدّعاهم بما يعوّل عليه من الدليل غير ثابت، فلا يبقى لقولهم إلاّ الشهرة المعتضدة بفتوى الحلّي(7) الّذي لا يعوّل إلاّ على القطعيّات، فيحصل منها الظنّ الاطمئناني بكون حكم اللّه سبحانه هو المشهور، و لكن يشكل التعويل عليها بعد تسليم تحقّقها بأنّه إنّما يتّجه إذا لم يعلم مستند المشهور و فساده، و ليس له إلاّ ما عرفت من الأدلّة القاصرة عن إفادة تمام المدّعى، إلاّ أن يمنع كون ما ذكر مستندا، حيث لم يتمسّك به إلاّ البعض. و بالجملة فالمصير إلى هذا القول في غاية الإشكال.

و القول بتعلّق الوجوب بالعنب و الرطب نظرا إلى الخبرين المتقدّمين(8) و سائر ما دلّ على الخرص بناء على أنّ المتعارف منه في حال العنبيّة و الرطبيّة، لا يخلو عن قوّة، فيتعيّن المصير إليه فيهما، و إلى المشهور في غيرهما إن ثبت كون الخرص فيه حين بدوّ الصلاح و هو حين الفريكيّة، و لا يخلو عن قوّة.

و لكنّ الأحوط مع ذلك في الجميع رعاية القول المشهور و التعلّق حين بدوّ

ص: 316


1- البيان: 181.
2- المدارك 138:5.
3- المعتبر 535:2.
4- الرياض 107:5.
5- سنن ابن ماجة 1820/583:1، موطّأ مالك 703:2، سنن أبي داود 3414/364:3-3415، مسند أحمد 24:2، سنن الدارقطني 2/133:2-3 و 25، سنن البيهقي 122:4.
6- الذخيرة: 428.
7- السرائر 453:1.
8- تقدّما في: 313.

الصلاح، فلا يتصرّف في النصاب حينئذ إلاّ بعد الخرص و التضمين كما هو العمدة من فوائد هذا القول، بخلافه على القول الآخر فيجوز للمالك التصرّف فيه مطلقا. و من فوائد الخلاف أيضا ما يظهر فيما لو نقلها بعد بدوّ الصلاح إلى غيره، فإنّ الزكاة تجب على الناقل على قول الشيخ(1) و متابعيه، و على المنقول إليه على قول المحقّق(2) و موافقيه.

و منها: ما يظهر فيما لو مات بعد بدوّ الصلاح و عليه دين مستغرق، فلا زكاة عليه على قول المحقّق و من وافقه، و تجب على قول الشيخ و من وافقه.

و منها: ما يظهر في الأنواع الّتي تؤكل رطبا أو عنبا و لم يتعارف اتّخاذ التمر و الزبيب، فإنّه لا زكاة فيها على قول المحقّق، و تجب على قول الشيخ.

المسألة الثانية: [وقت إخراج الزكاة في الغلاّت]

صرّح المتأخّرون(3) و متأخّروهم(4) بأنّ وقت إخراج الزكاة في الغلّة من الحنطة و الشعير إنّما هو بعد التصفية، و في الثمرة من التمر و الزبيب بعد اليبس و الجفاف الّذي عليه مدار التسمية تمرا و زبيبا و إن كان على النخيل و الكروم و قبل الصرام و الجذاذ، و في الذخيرة: «الظاهر أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب»(5) و في المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، قال: بل قال في المنتهى: اتّفق العلماء كافّة على أنّه لا يجب الإخراج في الحبوب إلاّ بعد التصفية و في التمر إلاّ بعد التشميس و الجفاف(6) ثمّ قال: و نحوه قال في التذكرة(7)»(8) و نسب نحوه إلى المعتبر(9).

و أمّا ما عن المختلف من أنّه: «لا يجب الإخراج إلاّ عند الحصاد إجماعا»(10) ففي المناهل أنّه لا بدّ من تنزيله على ما ذكر(11).

و أمّا ما في الشرائع: «من أنّ وقت الإخراج في التمر بعد اخترافه(12) و في الزبيب

ص: 317


1- الخلاف 114:2، المسألة 135.
2- الشرائع 116:1.
3- المعتبر 532:2-535، القواعد 341:1، جامع المقاصد 21:3، شرح اللمعة 36:2 و 38.
4- مستند الشيعة 173:9، مجمع الفائدة 29:4، الرياض 108:5-109.
5- الذخيرة: 443.
6- المنتهى 499:1.
7- التذكرة 148:5 و 162.
8- المدارك 139:5.
9- المعتبر 534:2-536.
10- المختلف 185:3-186.
11- لم نعثر عليه.
12- المصباح المنير 167، خرفت الثمار: قطعتها و 509: قطفت العنب، قطعته.

بعد اقتطافه»(1) ففي المدارك كما عن المسالك(2) أنّ «في جعله ذلك وقت الإخراج تجوّز، لأنّ وقته إنّما هو عند يبس الثمرة و صيرورتها تمرا أو زبيبا»(3).

و في كلام جماعة كالمدارك(4) و الذخيرة(5) و الرياض(6) أنّ الظاهر أنّ المراد بوقت الإخراج الوقت الّذي إذا أخّرت الزكاة عنه مع التمكّن من إخراجها تصير مضمونة على المالك، أو الوقت الّذي يسوغ للساعي فيه مطالبة المالك بالإخراج لا الوقت الّذي لا يجوز تقديم الزكاة عليه لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي لمالك الثمرة قبل الجذاذ و إجزاء دفع الواجب على رءوس الأشجار.

و يدلّ على الجواز - مضافا إلى العمومات(7) - خصوص قوله عليه السّلام في صحيحة سعد بن سعد الأشعري: «إذا خرصه أخرج زكاته»(8).

ثمّ إنّ الزكاة في الغلاّت كلّها إنّما تجب على مالك النصاب إذا ملكه قبل وقت تعلّق الوجوب بأن يكون في ذلك الوقت في ملكه سواء ملكه بالزراعة أو بالغرس أو بالابتياع أو الصلح أو الاتّهاب أو الوراثة أو المهر أو نحو ذلك بلا خلاف ظاهر، بل عن المعتبر و المنتهى أنّ عليه اتّفاق العلماء كافّة(9) و يستفاد من صاحب المدارك و غيره كونه إجماع المسلمين(10).

و هذا هو الأصل في المسألة و المدرك فيها، لخلوّ النصوص عمّا يدلّ على ذلك صراحة أو ظهورا. و عليه فلو ملكه بعد الوقت المذكور كانت الزكاة على الناقل لا المنتقل إليه كما هو المصرّح به في كلامهم، و الظاهر عدم الفرق في الحكم المذكور بين القولين المتقدّمين في وقت تعلّق الوجوب أ هو بعد بدوّ الصلاح أو بعد التسمية بالأسماء الأربعة.

ثمّ إنّه إذا أخرج الزكاة عن نصاب الغلاّت على الوجه المعتبر شرعا و دفعها إلى

ص: 318


1- الشرائع 116:1.
2- المسالك 391:1.
3- المدارك 139:5.
4- المدارك 139:5.
5- الذخيرة: 443.
6- الرياض 109:5.
7- و هي عمومات حصر الزكاة في التسعة الّتي منها التمر و الزبيب و الشعير و الحنطة فيكون المعتبر، صدق الأسامي المزبورة و لا يصدق حقيقة إلاّ عند الجفاف - ورد هذه العمومات في المصادر الروائي الفقهي تحت العنوان: «ما يجب عليه الزكاة» كما في الوسائل 9، ب 8 من أبواب وجوبها.
8- الوسائل 2/195:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
9- المعتبر 538:2، المنتهى 497:1 و 500.
10- المدارك 140:5.

الساعي أو المستحقّ مرّة واحدة لم يجب عليه بعد ذلك زكاة فيه و إن بقى سنين كثيرة، و هذا الحكم أيضا إجماعي، و في المدارك أنّه مجمع عليه بين الأصحاب(1) و عن المعتبر أنّ : «عليه اتّفاق العلماء عدى الحسن البصري(2)»(3).

و يدلّ عليه من النصوص ما رواه الشيخ في الحسن بل الصحيح عن زرارة و عبيد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شيء و إن حال عليه الحول عنده، إلاّ أن يحوّله مالا فإن فعل فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكّيه و إلاّ فلا شيء عليه و إن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه قائما، و إنّما عليه صدقة العشر فإذا أدّاها مرّة واحدة فلا شيء عليه فيها حتّى يحوّله مالا و يحول عليه الحول و هو عنده»(4).

المسألة الثالثة: [في إخراج المؤن]
اشارة

اختلف الأصحاب في اعتبار إخراج المؤن كلّها في زكاة الغلاّت و عدمه فعن الشيخ في المبسوط(5) و الخلاف(6) و يحيى بن سعيد في الجامع(7) أنّ المؤن كلّها على ربّ المال لا على الفقراء فلا يخرج منها شيء، و حكاه في المدارك عن جدّه ثاني الشهيد في حاشية القواعد(8) المنسوبة إليه فذكر أنّه اعترف بأنّه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة و قال: «إنّ إثبات الحكم الشرعي بمجرّد الشهرة مجازفة»(9) و اختاره من متأخّري المتأخّرين صاحبا المدارك(10) و الذخيرة(11) و نسبه في الرياض إلى جماعة من المتأخّرين(12).

و عن الخلاف نقل الإجماع عليه إلاّ من عطاء(13) و لعلّه مستفاد من عبارته المحكيّة هذه: «كلّ مئونة تلحق الغلاّت إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال، و به قال جميع

ص: 319


1- المدارك 140:5.
2- المجموع 568:5.
3- المعتبر 538:2.
4- تهذيب الأحكام 14/40:4.
5- المبسوط 214:1.
6- الخلاف 67:2، المسألة 78.
7- الجامع للشرائع: 134.
8- فوائد القواعد: 251.
9- المدارك 142:5.
10- فوائد القواعد: 251.
11- الذخيرة: 442-443.
12- الرياض 117:5-118.
13- المجموع 467:5.

الفقهاء إلاّ عطاء»(1).

و فيه نظر، لأنّ المعهود في لفظ «الفقهاء» عند نقل المذهب في كلام الأصحاب في الاصول و الفروع قبالا للمتكلّمين إطلاقها على فقهاء العامّة و متكلّميهم لا ما يعمّ الأصحاب، فلا يدلّ هذه العبارة على إرادة إجماع الأصحاب كما تنبّه عليه السيّد في المناهل(2) و يؤيّده إفراد «عطاء» الّذي من العامّة بالاستثناء.

نعم في عبارة محكيّة عن ابن سعيد التصريح بالإجماع و هي: «أنّ المئونة على ربّ المال دون المساكين إجماعا إلاّ عطاء فإنّه جعلها بينه و بين المساكين، و يزكّي ما خرج من النصاب بعد حقّ السلطان و لا يندر البذر لعموم الآية(3) و الخبر(4) و لأنّ أحدا لا يندر ثمن الغراس و آلة السقي كالدولاب و الناضح و اجرته و لا فارق بين الثمرة و الغلّة»(5) هكذا نقله في المدارك(6) و لكن في المناهل: «و أمّا ما نسبه في المدارك إلى الجامع من دعوى الإجماع فلم أجده في نسختي و لكنّها كثير الغلط».

و القول الآخر أنّه يخرج المؤن كلّها، نسب إلى الشيخين في المقنعة(7) و النهاية(8)و الاستبصار(9) و السيّد في جمل العلم(10) و ابن زهرة في الغنية(11) و الحلّي في السرائر(12)و المحقّق في كتبه الثلاث(13) و العلاّمة في كتبه(14) و الشهيد في الدروس(15) و البيان(16)و نسبه في الرياض(17) إلى الصدوق(18) أيضا، و عن المعتبر و المنتهى أنّه مذهب أكثر الأصحاب(19) و عن المختلف و الحاشية المنسوبة إلى الشهيد الثاني أنّه المشهور، بل عن الثاني هذا هو المشهور بين الأصحاب(20) حتّى كاد أن يكون إجماعا. و من ثمّ لم ينقل

ص: 320


1- الخلاف 67:2، المسألة 78.
2- لم نعثر عليه.
3- البقرة: 43، التوبة: 103.
4- الوسائل 5/9، ب 1، من أبواب زكاة الغلاّت.
5- الجامع للشرائع: 134.
6- المدارك 142:5.
7- المقنعة: 239.
8- النهاية: 178.
9- الاستبصار 25:2.
10- رسائل المرتضى 78:3.
11- الغنية: 120-121.
12- السرائر 434:1.
13- الشرائع 116:1، المعتبر 541:2، النافع: 57.
14- التحرير 378:1، التذكرة 151:5 و 153، القواعد 341:1.
15- الدروس 237:1.
16- البيان: 178.
17- الرياض 115:5.
18- الفقيه 35:2.
19- المعتبر 541:2، المنتهى 500:1.
20- المختلف 191:3، فوائد القواعد: 250-251.

المصنّف فيه خلافا. و عن الروضة أنّ المشهور بعد الشيخ استثناء المئونة(1).

و المستفاد من مطاوي كلماتهم أنّ محلّ النزاع ما عدى حصّة السلطان ممّا يأخذ بعنوان المقاسمة، و أمّا هذه الحصّة فلا خلاف بين الفريقين في اعتبار إخراجها في وجوب الزكاة فالباقي من الغلّة و الثمرة بعد إخراجها إن بلغ النصاب فما زاد هو مورد القولين.

و كيف كان فاستدلّ للقول الأوّل بالإجماع المنقول المتقدّم إليه(2).

و بما رواه الشيخ في الحسن بل الصحيح عن أبي بصير عن محمّد بن مسلم جميعا عن أبي جعفر عليه السّلام «إنّهما قالا له: هذه الأرض الّتي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال عليه السّلام:

كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّه منها الّذي قاطعك عليه و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(3) و هذه الرواية كالصريحة في عدم استثناء شيء ممّا يخرج من الأرض سوى المقاسمة، إذ المقام مقام البيان و استثناء ما عسى أن يتوهّم اندراجه في العموم.

و بما في عدّة من أخبار صحيحة من قولهم عليهم السّلام: «ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا»(4) فإنّ لفظ «ما» من صيغ العموم فيتناول ما قابل المئونة و غيرها.

و اجيب عن الأوّل تارة بمنع ثبوت أصل نقل الإجماع في الخلاف و الجامع حسبما تقدّم الإشارة إليه(5) و اخرى بأنّه على فرض ثبوته يتوهّن بمصير الأكثر إلى الخلاف، بل بمخالفة الشهرة العظيمة حسبما عرفت حكايتها عن الحاشية المنسوبة إلى ثاني الشهيدين(6).

ص: 321


1- شرح اللمعة 35:2.
2- تقدّم في: 319.
3- الاستبصار 1/25:2، تهذيب الأحكام 5/36:4، الوسائل 1/:9 ب 7 من أبواب زكاة الغلاّت.
4- الوسائل 9، 176-5/177، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت، الاستبصار 3/15:2، تهذيب الأحكام 1/13:4.
5- تقدّم في: 320.
6- فوائد القواعد: 250-251.

و عن الثاني(1) كما في الرياض بما ملخّصه: «إنّا نقول بموجب الصحيحة من أنّ العشر إنّما هو فيما حصل في يد المالك بعد مقاسمة السلطان، بناء على أنّ مقاسمة السلطان لا يكون عادة إلاّ بعد إخراج المؤن من نفس الزرع كما قيل، و عليه فالحاصل في يده حينئذ ليس إلاّ ما عدى المؤن. و عليه فدلالة الصحيحة منعكسة، و لعلّه لذا جعلها الشيخ في الاستبصار(2) و غيره دليلا على مختاره. قال السيّد: و هو غير بعيد»(3)و لكن تنظّر فيما ذكره في المناهل(4).

و عن الثالث بما في المنتهى كما عن المختلف: «من أنّ العشر إنّما يجب في النماء و الفائدة و ذلك لا يتناول المئونة»(5).

و فيه: أنّ جميع ما خرج من الأرض من الغلّة و جميع ما حصل من الشجر من الثمرة نماء و فائدة، و عين المئونة ليست بموجودة فيهما حتّى يقال بأنّ العشر لا يتناولها، و الكلام إنّما هو في تعيّن إخراج ما يقابل المئونة من النماء و الفائدة و عموم لفظ: «ما» يأباه على ما عليه مبنى الاستدلال.

و أشار في الرياض إلى جواب آخر و هو: المناقشة في دلالة الأخبار المشار إليها:

«بورودها لبيان حكم آخر و هو التفصيل بين ما يجب فيه العشر و نصفه، و لذا لم يستثن منها جملة أو أكثرها ما وقع الاتّفاق على استثنائه»(6) و توضيح ما ذكره أنّ هذه الأخبار مسوقة لبيان مقدار ما يجب إخراجه من الغلّة و الثمرة من العشر، و نصف العشر و جواز إخراج المؤن و عدم جوازه حكم آخر لم تكن الأخبار مسوقة لبيانه.

و فيه: أنّه يلزم من ذلك سدّ باب التمسّك بالعموم في نفي احتمال التخصيص فإنّ قوله: أكرم العلماء، عامّ مسوق لبيان من يجب إكرامه عموما و جواز استثناء زيد منه و عدم جوازه حكم آخر لم يكن الخطاب مسوقا لبيانه، فلا يتّجه التمسّك بعمومه لنفي احتمال الاستثناء. فالوجه في منع الاستدلال بالأخبار المذكورة و عدمه أن ينظر في

ص: 322


1- هذا جواب عن الروايتين.
2- الاستبصار 25:2، ب: 11، ذيل ح 3.
3- الرياض 116:5.
4- لم نظفر عليه.
5- المنتهى 500:1، المختلف 191:3.
6- الرياض 115:5-116.

لزوم التخصيص في لفظ العامّ بالتزام إخراج المؤن و عدمه، و الظاهر العدم لأنّ الموصول المفيد للعموم و لو لتضمّنه معنى الشرط كناية عمّا اجتمع فيه شرائط وجوب الزكاة بدليل تعرّض الأخبار لبيان قدر الواجب الّذي هو فرع على اجتماع شرائط الوجوب، و من الشرائط كونه في حدّ النصاب فإذا أخرج عنه المؤن فإن لم يخرج عن النصاب فهو باق تحت العامّ فلا تخصيص، و إن خرج عن النصاب فبخروجه عن العامّ لا يلزم أيضا تخصيص فيه حتّى ينفى احتماله بالعموم، لكونه خروجا موضوعيّا باعتبار عدم كون الباقي بعد إخراج المؤن ممّا اجتمع فيه شرائط الوجوب. و بعبارة اخرى عدم وجوب الزكاة فيه على ما هو لازم القول بإخراج المؤن من باب التخصّص لا التخصيص، فالتمسّك بالعموم لنفي إخراج المؤن غير متّجه على التقديرين.

غاية ما هنالك أنّه على التقدير الثاني قبل إخراج المؤن مشكوك الحال بالنسبة إلى اجتماع شرائط الوجوب و عدمه فيه، لكونه بين تقديرين من: تعيّن إخراج المؤن منه فلم يجتمع فيه الشرائط، و عدم إخراجها فاجتمع فيه الشرائط، و هذا يوجب الشكّ في وجوب الزكاة فيه و عدمه، و الأصل عدم الوجوب. و لم يلزم من ذلك أيضا تخصيص في العامّ ، لعدم تبيّن اندراج هذا الفرد في العامّ .

اللّهمّ إلاّ أن يقال في منع إخراج المؤن بأنّ ضمير «فيه» في قوله عليه السّلام: «ففيه نصف العشر» و قوله عليه السّلام: «فيه العشر» راجع إلى الموصول، فلو اعتبر إخراج العشر أو نصف العشر بعد إخراج المؤن لزم الاستخدام في الضمير أو إضمار البعض، و أيّا ما كان فهو خلاف ظاهر لا داعي إلى ارتكابه.

و يمكن دفعه بأنّ الضمير راجع إلى الموصول بمعنى: الباقي بعد إخراج ما ينبغي إخراجه من الغلّة و الثمرة، و ممّا ينبغي إخراجه على القول بإخراج المؤن إنّما هو المؤن كما أنّ منه حصّة السلطان. غاية الأمر أنّ الضمير قبل مساعدة الدليل على القول المذكور مجمل، لاحتمال كون المؤن مثل حصّة السلطان فلا يبقى له ظهور يتمسّك به لنفي إخراج المؤن، فليتأمّل فإنّ في النفس بعد شيئا.

احتجّ للقول المشهور بوجوه:

ص: 323

منها: الأصل الّذي أشار إليه في المناهل(1) و قرّره بأنّ الأصل عدم وجوب الزكاة إلاّ بعد إخراج المؤن. و لا خفاء في ضعفه، لمنع جريان الأصل في بعض التقادير، و بطلان الاستثناء في آخر فإنّه لا يجري على القول بإخراج المؤن بعد اعتبار النصاب لثبوت وجوبها حينئذ على تقديري إخراجها و عدم إخراجها، و لا على القول بإخراجها قبل اعتبار النصاب إن بقي النصاب، و لا على القول بإخراج المؤن المتقدّمة على تعلّق الوجوب إن بقى النصاب لثبوت الوجوب على التقديرين فيهما، نعم يجري على هذين القولين إن خرج عن النصاب بفرض إخراجها إلاّ أنّه لا مورد للاستثناء حينئذ كما لا يخفى.

و منها: ما قرّره العلاّمة في المنتهى من: «أنّه مال مشترك بين الفقراء و المالك فلا يختصّ أحدهما بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة»(2).

و فيه: منع صدق الخسارة على صرف المئونة لتنمية البستان أو الزرع أو الأشجار أو النخيل أو الكروم و تحصيل الفائدة مع حصول النماء و الفائدة كما في مفروض المسألة.

نعم يبقى لزوم شركة الشريكين فى المئونة و إن لم يصدق على صرفها الخسارة.

و يدفعه: أنّه ممّا لا مقتضي له فى المقام، و ذلك لأنّ أصل هذه الشركة شركة قهريّة تعبّديّة حصلت بجعل الشارع على خلاف الأصل و القاعدة، فإنّ الأصل و القاعدة فى كلّ مال اختصاص ملكه بصاحب ذلك المال و عدم شركة غيره معه في الملك إلاّ بسبب من الأسباب المملّكة و لم يتحقّق هنا شيء منها. و كما أنّ أصل الشركة حكم مخالف للأصل و القاعدة يتوقّف حصوله على توقيف الشارع و توظيفه، فكذلك لزوم الشركة في المئونة عليه حكم مخالف للأصل يتوقّف على توقيفه و لم يحصل لانتفاء الدلالة عليه.

و لا يمكن التمسّك له بقاعدة الشركة في المال المشترك المقتضية لكون المؤن على الشريكين معا، لعدم جريان هذه القاعدة هنا بعدم انصراف أدلّتها إليه كائنة ما كانت، و إنّما هي منصرفة إلى الشركة المعهودة المعدودة من المعاملات الحاصلة من خلط المالين أو اختلاطهما مع استناد مالكيّة صاحب كلّ منهما إلى شيء من الأسباب

ص: 324


1- لم نظفر عليه.
2- المنتهى 500:1.

المملّكة و لو كان نحو الموت في الميراث المشترك بين الورثة.

و على ذلك ينزل ما أورده صاحب المدارك من: «أنّ النصاب و إن كان مشتركا بين المالك و الفقراء إلاّ أنّه ليس على حدّ سائر الأموال المشتركة لتكون الخسارة على الجميع، و لهذا جاز للمالك الإخراج من غير النصاب و التصرّف فيه بمجرّد الضمان و وجب عليه كلّ ما يتوقّف عليه الدفع إلى المستحقّ من اجرة الكيّال و الوزّان لتوقّف الواجب عليه و ذلك بعينه آت في اجرة الحصاد و التصفية، على أنّ هذا الدليل إن تمّ فإنّما يقتضي استثناء المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب بالنصاب و المدّعى أعمّ »(1) انتهى.

و يندفع بما ذكرنا ما ذكره في الرياض في تضعيف ما عرفته عن المدارك من: «أنّ مقتضى الأصل في الشركة بمقتضى القاعدة المقرّرة المتّفق عليها فتوى و رواية هو الشركة في النفع و الخسارة و غيرها من الأحكام المترتّبة على الشركة، و خروج بعضها ممّا ذكره هنا بدليل من خارج لا يقتضي انفساخ قاعدة أصل الشركة، و إن هي إلاّ كالعامّ المخصّص في الباقي حجّة، مع أنّ الظاهر أنّ الوجه في خروج الخارج من نحو جواز التصرّف و الإخراج من غير النصاب إنّما هو التخفيف على المالك و السهولة، و هو يقتضي استثناء المئونة فإنّ في عدمه عسرا و حرجا عظيما منفيّا في الشريعة.

و الأخصّية مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين المئونة المتأخّرة عن تعلّق الوجوب و المتقدّمة عليه»(2) انتهى.

فإنّ القاعدة غير جارية فيما نحن فيه و أدلّته غير شاملة له، و أمّا حكاية التخفيف و السهولة على المالك فمعارضة بالمواساة للفقراء، فكما أنّ أصل تشريكهم له مواساة لهم فهذا يقتضي عدم ورود نقص عليهم في حقّهم المقدّر بالعشر و نصف العشر بإخراج المؤن. و ممّا قرّرناه ظهر منع التمسّك بقاعدة الشركة و إن سلّمنا صدق الخسارة على المالك مع عدم إخراج المئونة.

و منها: ما استند إليه في المنتهى أيضا: «من أنّ المئونة سبب للزيادة فتكون على الجميع»(3).

ص: 325


1- المدارك 144:5.
2- الرياض 113:5-114.
3- المنتهى 500:1.

و هذا أضعف من سابقه، لأنّ كون المئونة سببا للزيادة و إن كان مسلّما و أمّا كونها على الجميع فغير مسلّم، لأنّه عين المدّعى فكيف يجعل دليلا عليه.

و منها: ما استند إليه فيه أيضا من: «أنّ إلزام المالك بالمئونة كلّها حيف عليه و إضرار به، و هو منفيّ »(1).

و فيه: أنّه لا إلزام هنا من الشارع على المالك في المئونة بل هو بطيب نفسه تحمّلها للتنمية و تحصيل الفائدة و قد حصلا، فلا حيف عليه و لا إضرار به بحيث يستند إلى الشارع على ما هو مناط قاعدة نفي الضرر المستنبطة من قوله عليه السّلام: «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام»(2) نعم لو كان هناك إلزام من الشارع فهو إيجاب أصل الزكاة في النماء و الفائدة، فلو كان في ذلك إضرار بحيث يترتّب عليه أثر النفي و عدم وجوب الزكاة فيما يقابل المئونة لقضى بنفي وجوب الزكاة رأسا حتّى فيما لم يقابل المئونة، و هذا مع بطلانه في نفسه ممّا لم يقل أحد بكونه حكما ضرريّا و على تقدير صدق ذلك فينجبر الضرر المترتّب عليه بالمنافع و المثوبات الاخرويّة.

و منها: ما عنه أيضا من: «أنّ الزكاة في الغلاّت تجب في النماء و الفائدة و هو لا يتناول المئونة»(3) و قد تقدّم الإشارة إلى الجواب عن ذلك و ملخّصه: أنّ الزكاة تجب في النماء، و جميع ما خرج من الأرض نماء و المئونة بجزء منه حتّى لا يتناوله الوجوب، بل جزئه ما يقابل المئونة و هو ليس بخارج منه.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و يترك للحارس العذق(4) و العذقان و الحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله»(5).

ص: 326


1- المنتهى 500:1.
2- الوسائل 3/32:18-5، ب 17 من أبواب الخيار الكافي 2/252:5، الفقيه 3368/76:3 و في: 3859/233 و في: 5718/334، تهذيب الأحكام 147:7، و في 4/164.
3- المنتهى 500:1.
4- الكافي 7/514:3، الوسائل 3/176:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت و الباب 8 من أبواب زكاة الغلاّت/ 3.
5- المصباح المنير 1-399:2: العذق: الكباسة و هو جامع الشماريخ... و العذق: النخلة نفسها و يطلق العذق على أنواع من التمر.

و في معناها: صحيحة محمّد بن مسلم و أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «و يعطى الحارس أجرا معلوما و يترك من النخل معافارة و امّ جعرور يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إيّاه»(1) فإنّ العذق و العذقين و الثلاثة إنّما يترك للحارس من باب الاجرة فتكون مئونة.

و نوقش في دلالتهما بالأخصّية من المدّعى، لعدم تناولهما غير مئونة الحارس.

و اجيب عنها تارة بضرورة عدم القائل بالفرق. و ردّه في المدارك بأنّ : «ذلك ثابت عند الجميع و قد صرّح به من لا يعتبر المئونة كما حكاه في التذكرة(2) و المنتهى»(3).

و اخرى بعموم التعليل المستفاد من قوله عليه السّلام: «و الحارس يكون في النخل ينظره» و قوله عليه السّلام: «لحفظه» كما أشار إليه السيّد في الرياض(4) فإنّ المنساق منهما أنّ وجود الحارس و نظارته من لوازم حصول النماء و الثمرة و سلامتها عن الآفات فتكون مئونته الّتي هي الاجرة من لوازمهما، فيشعر ذلك بأنّ كلّ مئونة هي من لوازم حصول الثمرة و سلامتها، يعتبر إخراجها أوّلا.

و هذا لا يخلو عن قوّة، و يعضده الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع كما نصّ عليه ثاني الشهيدين في ما تقدّم(5) من حاشية القواعد المنسوبة إليه، بل نحو هذه الشهرة بنفسها تصلح حجّة لإفادتها ظنّ الاطمئنان باعتبار أنّه لا بدّ له من مدرك معتبر، و إن كان ذلك المدرك هو الخبران المتقدّمان فينجبر بها حينئذ قصور دلالتهما إن كان، فإنّ قصور الدلالة ينجبر بفهم المعظم كما أنّ قصور السند ينجبر بعمل المعظم، بل ربّما يكشف هذه الشهرة باعتبار موافقة فتوى من لا يعمل في الفروع إلاّ بالقطعيّات - كالحلّي و ابن زهرة - عن وجود مدرك قطعي.

و يؤيّدهما قول الشيخ في النهاية: «و ليس في شيء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان و إخراج المؤن منها»(6) بناء على

ص: 327


1- الكافي 2/565:3، الفقيه 46:2-47، تهذيب الأحكام 37/106:4، الوسائل 4/191:9، ب 8 من أبواب زكاة الغلاّت.
2- تذكرة الفقهاء 153:5-155.
3- المدارك 144:5.
4- الرياض 112:5-113.
5- تقدّم في ص: 320.
6- النهاية: 178.

ما جزم به بعض مشايخنا(1) وفاقا لجماعة. و ما يظهر من الحلّي في مواضع عديدة من سرائره(2) كما قيل من: أنّه في النهاية يفتي بمتون الأخبار بحذف الأسانيد من دون اختلاف أو مع اختلاف يسير، لا يخلّ بالمقصود، فتكون هذه الفتوى حينئذ بمنزلة رواية مرسلة.

و يؤيّده أيضا ضعيفا المحكيّ عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السّلام: «و ليس في الحنطة و الشعير شيء إلى أن يبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعا، و الصاع أربعة أمداد، و المدّ مائتان و اثنان و تسعون درهما و نصف، فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلا، و إن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر، و في التمر و الزبيب مثل ما في الحنطة و الشعير»(3). قال السيّد في الرياض(4): «و المراد بمئونة العمارة و القرية، مئونة الزراعة قطعا، و به صرّح جدّي المجلسي(5) فيما حكاه عنه خالي العلاّمة»(6).

و يؤيّده أيضا إخراج حصّة السلطان و مئونة الحارس المتّفق عليهما.

و يؤيّد الجميع أيضا النصوص(7) المتكاثرة الفارقة في إخراج العشر و نصف العشر بين ما يسقى بماء المطر و ما يسقى بالدلاء بتقريب: أنّ المئونة لو كانت على ربّ المال لما توجّه تنصيف العشر فيما كثرت فيه.

و وجه التأييد هنا أنّ نصف عشر مجموع الثمرة أو الغلّة فيما يسقى بالدلاء عشر الباقي منهما بعد إخراج مئونة السقي كما يظهر بالتأمّل، و كأنّ الشارع الحكيم لاحظ هذه المئونة الّتي هي سبب الكثرة و وجدها و لو في الغالب مساوية لخمسة أعشار الثمرة و الغلّة بحيث يكون نصف عشر منه متعلّقا بالفقراء و الباقي بالمالك فاعتبر إخراجها بالأمر بإخراج نصف عشر المجموع في القدر الواجب للفقراء لكونه على ما عرفت عشر الباقي بعد إخراج الخمسة أعشار للمئونة، و إنّما اعتبر هذه المئونة بهذا الطريق

ص: 328


1- الجواهر 223:15 و 228.
2- السرائر 434:1 و 448.
3- فقه الرضا عليه السّلام: 197.
4- الرياض 12:5.
5- لوامع صاحبقراني 533:5.
6- مصابيح الظلام 72:10.
7- سيجيء عن قريب في: 337.

الّذي مرجعه إلى تنصيف عشر المجموع و لم يعتبر مثله في غيرها من المؤن و مئونة ما يسقى بماء المطر و ما كان بعلا لانضباطها و لو في الغالب و عدم انضباط غيرها.

و بذلك انقدح وجه الفرق بين القسمين، و يندفع به الاستشهاد للقول بعدم إخراج المؤن أصلا بالنصوص المشار إليها بالتقريب المبنيّ على السؤال المشهور الّذي حكاه السيّد في الرياض من: «أنّ الزكاة إذا كانت لا تجب إلاّ بعد إخراج المؤن فأيّ فارق بين ما كثرت مئونته و ما قلّت حتّى وجب في أحدهما العشر و في الآخر نصفه ؟»(1)

فإنّ الفارق هو الانضباط و عدمه، فليتأمّل جيّدا فإنّه دقيق.

و بالجملة فالخبران مع الشهرة و المؤيّدات المشار إليها إن لم ينهض كلّ واحد بانفراده حجّة مستقلّة فلا أقلّ من نهوض المجموع من باب تراكم الظنون باعتبار ارتقائها إلى حدّ الاطمئنان، حجّة للمشهور من لزوم إخراج المؤن كلّها، فهو المختار في المسألة.

و ينبغي التنبيه على أمرين:
أحدهما: أنّ المؤن هل يعتبر إخراجها قبل اعتبار النصاب

فإن بلغ الباقي بعد إخراجها النصاب وجبت الزكاة فيه و إلاّ فلا و يتفرّع عليه أنّ الغلّة أو الثمرة إن كانت مع المؤن خمسة أوسق فإذا أخرج منها المؤن بقى أقلّ منها لم يجب فيه زكاة، أو يعتبر إخراجها بعد اعتبار النصاب فوجبت الزكاة في الباقي بعد إخراجها و إن قلّ و نقص من النصاب فإذا كان المجموع خمسة أوسق وجبت فيها الزكاة فيخرج منها المؤن كلّها ثمّ يخرج الزكاة من الباقي و إن قلّ ، أو يفصّل بين المئونة المتقدّمة على بدوّ الصلاح فتخرج قبل النصاب و المتأخّرة عن بدوّ الصلاح فتخرج بعد النصاب ؟

و بعبارة اخرى: هل يعتبر النصاب بعد إخراج المؤن مطلقا، أو قبل إخراجها كذلك، أو يعتبر بلوغه بعد المئونة المتقدّمة على وقت تعلّق وجوب الزكاة و قبل المئونة المتأخّرة عن وقت الوجوب ؟ وجوه، بل أقوال:

ذهب إلى أوّلها العلاّمة في المنتهى قائلا: «المؤن تخرج وسطا من المالك و الفقراء

ص: 329


1- الرياض 116:5.

فما فضل و بلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصفه»(1) و نسب إليه في التحرير(2) و إلى ظاهر المقنعة(3) و هو ظاهر نهاية الشيخ(4) و اختاره في الرياض حاكيا له عن المعتبر(5)و الحلّي(6) و ابن زهرة(7) و غيرهم، ثمّ قال: «و لعلّه المشهور»(8).

و إلى ثانيها العلاّمة في التذكرة(9) و اختاره صاحب المدارك(10) و مال إليه في الذخيرة(11) كما عنه في الكفاية(12) و في المناهل ربّما يستفاد من جمل العلم(13)و الشرائع(14) و النافع(15) و المعتبر(16) و القواعد(17) و الدروس(18) لأنّها أطلقت وجوب الزكاة بعد المئونة و هو شامل لصورتي كون الباقي بعدها نصابا أو لا؟

و فيه نظر، لأنّ العلاّمة في المنتهى قبل العبارة المتقدّمة عنه قال: «و زكاة الزرع و الثمار بعد المئونة كاجرة السقي و العمارة و الحصاد و الجذاذ و الحافظ، و بعد حصّة السلطان و به قال أكثر أصحابنا و اختاره الشيخ في النهاية»(19) ثمّ صرّح بعد ذلك بما تقدّم(20). و يظهر منه أنّ مرادهم من العبارة المذكورة و نحوها بيان وجوب إخراج الزكاة بعد إخراج المؤن كلّها إن بلغ الباقي النصاب لا مطلقا و إن لم يبلغه.

و كيف كان فثالث الوجوه ما نسب اختياره إلى المحقّق الثاني في جامع المقاصد(21) و حاشية الشرائع(22) و الشهيد الثاني في المسالك(23). و الروضة(24)

و المعتمد هو القول الأوّل، للأصل فإنّ ما خرج بوضع المؤن كلّها منه عن النصاب يشكّ في وجوب الزكاة فيه و توجّه الخطاب بها إليه و الأصل براءة و نفيا عدمه، و ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(25) المعتضد بظاهر مرسلة النهاية(26). و المرويّ (27)

ص: 330


1- المنتهى 500:1.
2- التحرير 378:1.
3- المقنعة: 239.
4- النهاية: 178.
5- المعتبر 540:2-541.
6- السرائر 434:1.
7- الغنية: 120-121.
8- الرياض 117:5-118.
9- التذكرة 153:5.
10- المدارك 144:5-145.
11- الذخيرة: 443.
12- كفاية الأحكام: 37.
13- رسائل المرتضى 78:3.
14- الشرائع 116:1.
15- النافع: 57.
16- المعتبر 540:2-541.
17- القواعد 341:1.
18- الدروس 237:1.
19- المنتهى 500:1.
20- تقدّم آنفا.
21- جامع المقاصد 21:3-22.
22- حاشية الشرائع 256:10.
23- المسالك 393:1.
24- شرح اللمعة 36:2.
25- تقدّمت في ص: 308.
26- تقدّم في: 327.
27- فقه الرضا عليه السّلام: 197.

عن الرضوي فإنّ في الصحيحة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التمر و الزبيب ما أقلّ ما تجب فيه الزكاة ؟ فقال عليه السّلام: خمسة أوساق و يترك معافارة و امّ جعرور لا يزكّيان و إن كثرا و يترك للحارس العذق و العذقان» الخ إذ لا شبهة في أنّ النصاب يعتبر في غير النوعين، و كذلك في غير العذق و العذقين بمقتضى ظاهر وحدة السياق و قضيّة عموم التعليل المنساق من الخبر كون سائر المؤن أيضا كذلك.

و أمّا القول الثاني فلم نقف له على مستند سوى ما أشار إليه في المناهل من قوله عليه السّلام في عدّة أخبار: «ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو كان بعلا ففيه العشر»(1) قال في وجه الاستدلال: خرج منه ما لو لم يبلغ النصاب مطلقا بالدليل و لا دليل على خروج ما بلغ النصاب قبل المئونة لا بعدها فيبقى مندرجا تحته. و يعارضه عدم الدليل على دخول ذلك تحته بتقريب ما بيّنّاه سابقا(2) من أنّ الموصول كناية عمّا اجتمع فيه شرائط الوجوب و هذا مشكوك الحال فيندرج في موضوع أصل البراءة لإجمال النصّ .

و أمّا القول الثالث فلم نقف له أيضا على وجه يعتمد عليه، نعم ذكر في حاشية الشرائع: «أنّ الأصحّ أنّ المؤن المتقدّمة على بدوّ الصلاح يعتبر بلوغ النصاب بعدها لأنّ قدرها مستثنى للمالك فلا تصلح لتعلّق الزكاة به، بخلاف المتأخّرة عنه لأنّها بمنزلة المؤن اللازمة في المال المشترك فتكون بين الشريكين»(3).

و فيه ما لا يخفى، من منع كلّ من المقدّمتين، فإنّ كون قدر المؤن المتقدّمة مستثنى للمالك أوّل الدعوى، فلا يصلح دليلا على الدعوى. و كون المؤن المتأخّرة بحيث يجري فيه حكم مؤن المال المشترك أيضا محلّ منع بسند تقدّم ذكره سابقا.

فالأقوى هو القول الأوّل و إن كان التفصيل أقرب بالاحتياط، و أحوط منه القول الثاني و هو إخراج المؤن كلّها بعد اعتبار النصاب، و أحوط من الجميع عدم اعتبار إخراج المؤن أصلا كما هو قول الشيخ في المبسوط(4) و الخلاف(5) و من تبعه قبالا

ص: 331


1- الاستبصار 3/15:2، تهذيب الأحكام 1/13:4، الوسائل 176:9-1/177، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
2- تقدّم في ص 323.
3- حاشية الشرائع 256:10-257.
4- المبسوط 214:1.
5- الخلاف 67:2، المسألة 78.

للمشهور.

و ثانيهما: في بيان ضابط المئونة المعتبر استثناؤها
اشارة

و الأنواع المندرجة فيه.

فنقول: إنّ المراد بالمئونة كما ذكره ثاني الشهيدين في المسالك و الروضة: «كلّما يغرمه المالك على الغلّة ممّا يتكرّر كلّ سنة عادة و إن كان قبل عامه»(1) و بعبارة اخرى كلّ مال يبذله المالك لأجل الغلّة من المبتدأ إلى المنتهى الّذي هو التصفية و الثمرة، و يندرج فيه أنواع كثيرة:

منها: اجرة الأرض بالمعنى الشامل لمال الإجارة و الحصّة المعيّنة من الحاصل لمالك الأرض في المزارعة، و اجرة المثل في الأرض المغصوبة سواء كان الغاصب هو مالك الزرع و الثمرة و لم ينو إعطاء مالكها اجرتها أو غيره، فإنّ الظاهر أنّه لا خلاف بين القائلين باستثناء المؤن في كونها من المئونة المستثناة، كما أنّه لا كلام في كون اجرة الأرض في صورة الغصب منها، و لكن يعتبر دفعها فيما كان الغاصب غير مالك الزرع إلى مالك الأرض لا إلى الغاصب، فلو دفعها إليه لم يبرأ ذمّته، و لو أخذها الغاصب قهرا لم يحتسب من المئونة المستثناة قبل النصاب بل يعتبر إخراجها بعد النصاب و يغرم للمالك أيضا اجرة أرضها و يستثنيها قبل النصاب.

و هل يوجب الأوّل نقصا في حصّة المستحقّ أو لا، بل يضمن قدر النقصان في حصّته ؟ الوجه فيه التفصيل، فإن كان المالك بحيث تمكّن من مدافعة الغاصب فيما غرمه له و لم يفعل فهو ضامن لتقصيره و إلاّ فلا ضمان عليه، هذا إذا غرم للغاصب حصّة من الحاصل، و إن غرم له مالا آخر من أحد النقدين ممّا ضرب عليه الغاصب لم يتوجّه إلى المستحقّ نقص أصلا و لم يرد عليه خسارة مطلقا.

ثمّ المعتبر في هذه الاجرة المعدّة من المئونة إنّما هو الاجرة المعتادة المعبّر عنها باجرة المثل لا مطلق ما يبذله المالك و إن زاد على القدر المعتاد، فلو بذل أزيد منها لم يحتسب الزائد من المئونة.

و كذا الكلام في سائر أنواع الاجرة الّتي يغرمها المالك للحارث و الحارس و الفلاّح

ص: 332


1- المسالك 393:1، شرح اللمعة 36:2.

و العملة لعمارة الأرض و تنقية القناة أو الأنهار أو للحصاد أو الجذاذ أو التصفية أو غير ذلك ممّا يتعلّق بالغلّة إذا لم يعيّن لهم اجرة في عقد إجارة و نحوه و إلاّ فيغرم على حسب ما جرى عليه العقد.

و منها: البذر، كما هو المصرّح به في كلام جماعة من المتأخّرين(1) و متأخّريهم(2)و الظاهر أنّ كونه من المئونة ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب و يندرج في الضابط المتقدّم، لأنّه ممّا يغرمه المالك على الغلّة فيدلّ على استثنائه كلّما يدلّ على استثناء المؤن.

و استدلّ عليه العلاّمة في المنتهى بعد ما ذكر: «البذر من المئونة بأنّ الزكاة إنّما تجب في النماء و ليس هو منه، و بأنّ إيجاب الزكاة فى البذر يستلزم وجوب تكرير الزكاة في الغلاّت، و قد أجمع المسلمون على خلافه»(3).

و لا خفاء في ضعف الوجهين:

أمّا الأوّل: فلأنّ المقدّمتين مسلّمتان و لكن لا يلزم منهما كون البذر من المؤن اللازم استثناؤها لعدم وجود عينه في الغلّة.

و أمّا الثاني: فمع أنّه لا يتمّ في غير البذر الّذي تعلّق به الزكاة سابقا و أخرج زكاته فيه، منع الملازمة إذ لا يلزم من إيجاب الزكاة في الغلّة من دون إخراج ما يساوي البذر إيجابها في البذر ليلزم منه تكرير الزكاة لعدم وجود عينه فيها. و الوجه هو ما ذكرناه.

و لكنّ الكلام في أنّ في المسالك(4) و جامع المقاصد(5) و حاشية الشرائع تقييد البذر بكونه من ماله المزكّى، بل في الأخير تقييده بأحد الأمرين من ذلك أو عدم تعلّق الزكاة به قائلا: «و البذر من المئونة فيستثنى لكن إذا كان مزكّى سابقا أو لم يتعلّق به الزكاة سابقا»(6).

و ظاهرهم كون التقييد احترازا عمّا تعلّق به الزكاة سابقا و لم يخرج زكاته فبذر و الحال هذه، و لم يتّضح وجهه هل هو إخراج عن حكم المئونة على معنى أنّ ما ذكر

ص: 333


1- التذكرة 154:5، البيان: 178، الشرائع 116:1، جامع المقاصد 21:3.
2- شرح اللمعة 36:2، مجمع الفائدة 108:4، المدارك 145:5، الذخيرة: 442، الرياض 114:5.
3- المنتهى 500:1.
4- المسالك 393:1.
5- جامع المقاصد 21:3-22.
6- حاشية الشرائع 256:10.

و إن كان من المئونة إلاّ أنّه لا يستثنى بدليل فيطالب بدليله، و هو غير واضح. أو أنّه خارج عن المئونة موضوعا بدعوى أنّ ظاهر الضابط المتقدّم للمئونة كونها من مال المالك خاصّة و هذا مشترك بينه و بين المستحقّ؟ و هذا أيضا ليس بشيء، لأنّ قضيّة كون البذر مشتركا كون النماء الحاصل منه أيضا مشتركا من حين حصوله غاية ما في الباب لزوم وضع ما يختصّ بالمستحقّ من البذر مع ما يختصّ به من النماء ثمّ إخراج ما يختصّ بالمالك من البذر من الباقي لضابطة إخراج المؤن كلّها و هذا منه ثمّ اعتبار الباقي فإن بلغ النصاب وجب فيه الزكاة و إلاّ فلا، بل لو فرضنا بلوغ حصّة المستحقّ من النماء النصاب تعلّق به الزكاة أيضا.

و يمكن أن يكون الوجه في التقييد و الاحتراز التنبيه على أنّ ما ذكر ممّا تعلّق به الزكاة و لم يكن مزكّى سابقا له حكم آخر منحلّ إلى التفصيل المذكور، و مرجعه إلى أنّ النماء الحاصل من نحو هذا البذر خارج عمّا يستثنى منه المؤن الّتي منها البذر للمالك بقول مطلق قبل اعتبار النصاب. و بالجملة كلامهم هنا غير محرّر، و بما بيّنّاه ظهر حكم هذا القسم من البذر.

ثمّ إنّ المالك لو اشترى البذر ففي تعيّن استثناء عينه، أو ثمنه، أو التخيير بينهما، أو وجوب أكثر الأمرين من ثمنه و قدر قيمته، أو أقلّ الأمرين منهما وجوه: يظهر أوّلها ممّن أطلق كون البذر من المئونة كما في المنتهى(1) و عن القواعد(2) و التحرير(3)و التبصرة(4) و جامع المقاصد(5). و صرّح بثالثها في المسالك(6) و الروضة(7) و استحسنه في المدارك(8) و الرياض(9). و نفى البعد عن رابعها في حاشية القواعد(10) و جعله في

ص: 334


1- المنتهى 500:1.
2- القواعد 341:1.
3- التحرير 378:1.
4- التبصرة: 71.
5- جامع المقاصد 21:3.
6- المسالك 393:1.
7- شرح اللمعة 36:2.
8- المدارك 145:5-146.
9- الرياض 117:5.
10- لم نظفر على حاشية القواعد للشهيد الأوّل، كذلك لم نعثر في حاشية القواعد للنجاريّة (من تلامذة الشهيد الأوّل) نسخة مخطوطة في مركز الأبحاث و الدراسات الاسلاميّة تحت الرقم 716673/1016 /ث و لكن في حواشي القواعد طبعة حجريّة (رحليّة) القواعد 55:1، من منشورات الرضي، قم: نجده ناقلا عن البيان.

المناهل في غاية القوّة، و جعل كون الأحوط مراعاة خامس الوجوه.

و الظاهر أنّ محلّ النزاع ما لو اختلف قدر الثمن و قدر قيمة العين بأن ارتفعت أو انخفضت بعد الاشتراء، و قضيّة الضابط المتقدّم من كون المئونة عبارة عمّا يغرمه المالك على الغلّة اعتبار أكثر الأمرين، لصدق الغرامة على القدر الزائد على الأقلّ الموجود في الأكثر، و لكنّ الأحوط هو الاقتصار في الاستثناء على الأقلّ .

و منها: الاجرة بجميع أنواعها كاجرة السقي و اجرة العمارة و اجرة الحارس و اجرة الحصاد و اجرة الجذاذ و اجرة التصفية و اجرة تنقية مجاري المياه، و يندرج في اجرة السقي ثمن الماء إذا اشتراه من صاحبه، و أمّا أنّ المراد منها خصوص اجرة السقي فيما يسقى بماء المطر أو سيحا أو نحو ذلك أو أعمّ منها و من اجرة السقي فيما يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح فسيأتي تحقيقه في مسألة العشر و نصف العشر.

و منها: حصّة السلطان فلا تجب الزكاة إلاّ بعد إخراجها كما هو المصرّح به في كلام جماعة من غير خلاف يظهر بين أصحابنا و في كلام غير واحد نفي الخلاف فيه، بل في كلام جماعة ما ظاهره دعوى الإجماع عليه، فعن المعتبر: «خراج الأرض يخرج وسطا و يؤدّي زكاة ما بقي إذا بلغ نصابا إذا كان لمسلم و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام، و قال أبو حنيفة(1): لا عشر في الأرض الخراجيّة»(2).

و في المنتهى: «خراج الأرض يخرج وسطا ثمّ يزكّي ما بقي إن بلغ نصابا إذا كان المالك مسلما، و هو مذهب علمائنا و أكثر الجمهور، و قال أبو حنيفة: لا زكاة في الأرض الخراجيّة»(3).

و عن التذكرة: «تجب الزكاة في أرض الصلح و من أسلم أهلها عليها بإجماع العلماء، و أمّا ما فتح عنوة فإذا زرعها و أدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب، و لا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع»(4).

و عن التنقيح: «حكم الخراج حكم المؤن في كون الزكاة بعد إخراجه قال به أكثر

ص: 335


1- سنن البيهقي 134:4، الهداية 112:1، تحفة الفقهاء 323:1.
2- المعتبر 540:2.
3- المنتهى 500:1.
4- التذكرة 154:5-155.

علماء الإسلام»(1) و الظاهر أنّ تخصيص نسبة القول به إلى أكثر علماء الإسلام في مقابلة خلاف أبي حنيفة من العامّة.

و عن حاشية القواعد: «ألحق الأصحاب حصّة السلطان بالمئونة»(2) و في الرياض:

«إنّما يجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان بلا خلاف بل بالإجماع عليه كما صرّح في الخلاف(3) و المعتبر و المنتهى»(4).

و تفصيل المسألة أنّ الأرض الّتي يتعلّق بها حصّة للسلطان إمّا أن تكون من الأراضي الخراجيّة و هي المفتوحة عنوة، أو من غيرها كالأراضي الموقوفة أو المملوكة للغير مع جهالة مالكها الّتي يغصبها السلطان، و على التقديرين ما يأخذه السلطان إمّا أن يكون حصّة من حاصل الأرض و تسمّى بالمقاسمة، أو غيرها من أحد النقدين و يسمّى بالخراج. و على التقادير إمّا أن يكون السلطان هو الإمام العادل، أو من المخالفين من الامويّة و العبّاسية و غيرهم، أو من سلاطين الشيعة الّذين لم يدّعوا الإمامة لأنفسهم.

و أخصّ هذه الصور القدر المتيقّن من إطلاق الفتاوى و معاقد الإجماعات هو ما كان الأرض خراجيّة و الآخذ هو الإمام أو من المخالفين، و هذا ممّا لا ينبغي التأمّل في اعتبار استثناء ما يأخذه السلطان ثمّ إخراج الزكاة ممّا بقى إن اجتمع فيه شرائط الوجوب الّتي منها النصاب، للأصل، و ظهور الإجماع، و الإجماعات المنقولة المعتضدة بنفي الخلاف، مضافا إلى النصوص المعتبرة.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم و أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنّهما قالا له: هذه الأرض الّتي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال عليه السّلام: كلّ أرض دفعها إليك السلطان فتاجرته (فما حرثته، نسخة بدل) فيها فعليك فيما أخرج اللّه تعالى منها الّذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر إنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(5).

ص: 336


1- التنقيح 313:1.
2- فوائد القواعد: 250-251.
3- الخلاف 67:2-68، المسألة 80.
4- الرياض 111:5.
5- الكافي 4/513:3، الاستبصار 1/25:2، تهذيب الأحكام 35:4-4/39 و 9، الوسائل 9: 1/188، ب 7 من أبواب زكاة الغلاّت.

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: «سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث أو النصف، هل عليه في حصّته زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا»(1).

و صحيحة صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي جميعا قالا:

«ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها من أهل بيته فقال عليه السّلام: من أسلم طوعا، تركت أرضه في يده و اخذ منه العشر ممّا سقي بالسماء و الأنهار و نصف العشر ممّا كان بالرشاء فيما عمّروه منها، و ما لم يعمّروه منها أخذه الإمام فقبّله(2) ممّن يعمّره و كان للمسلمين و على المتقبّلين في حصصهم العشر أو نصف العشر و ليس في أقلّ من خمسة أوسق شيء من الزكاة، و ما اخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالّذي يرى كما صنع رسول اللّه بخيبر قبل سوادها و بياضها يعني أرضها و نخلها و الناس يقولون لا يصلح قبالة الأرض و النخل و قد قبّل رسول اللّه خيبر قال عليه السّلام: و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف في حصصهم»(3).

و صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال عليه السّلام: «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال عليه السّلام: العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و اخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمّر منها، و ما لم يعمّر منها أخذه الوالي فقبله ممّن يعمّره و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوساق شيء، و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالّذي يرى كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر قبّل أرضها و نخلها و الناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذ البياض أكثر من السواد، و قد قبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر»(4).

ص: 337


1- الوسائل 5/190:9، ب 7 من أبواب زكاة الغلاّت.
2- الكافي 512:3-1/513، تهذيب الأحكام 8/38:4، الوسائل 175:9-2/176، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت، و في: 1/182، ب 4، و في: 188-2/189، ب 7.
3- قبّلها: أي أعطاها مزارعة و مساقاة، منه.
4- الكافي 512:3-2/513، الاستبصار 25:2-4/26، تهذيب الأحكام 8/38:4، و في: 118-1/119، الوسائل 175:9-2/176، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت، و في: 1/182، ب 4، و في: 188-2/189، ب 7.

ثمّ إنّ عبارات الأصحاب في التعبير عمّا يأخذه السلطان مختلفة بين من عبّر بالحصّة و عزي إلى الأكثر و من عبّر بالخراج كما عرفت(1) عن المعتبر و التذكرة و المنتهى و التنقيح. و عن الصيمري: «أنّ الكلّ عبارة عن معنى واحد»(2) و عن جامع المقاصد: «المراد بحصّة السلطان خراج الأرض أو قسمتها»(3) و في الحدائق: «المراد بخراج السلطان و حصّته هو ما يأخذه من الأرض الخراجيّة من نقد أو حصّة من الحاصل»(4) انتهى.

فظاهر فتاويهم كون كلّ من النقد و حصّة من الحاصل المأخوذين على الأرض الخراجيّة بعنوان حقّ الأرض و اجرتها مستثنى بلا خلاف و إشكال لأحد، و يساعد عليه إطلاق النصوص فإنّ قبالة الأرض في قوله عليه السّلام: «سوى قبالة الأرض»(5) يتناول النوعين، و كذا قوله عليه السّلام: «يقبّله بالّذي يرى»(6) بل و قوله عليه السّلام في الخبر الأوّل ممّا تقدّم:

«الّذي قاطعك عليه»(7) إن لم يصرفه عن الإطلاق قوله عليه السّلام: «بعد مقاسمته لك»(8) إلى خصوص حصّة من الحاصل.

فما عن التذكرة من أنّه: «لو ضرب الإمام على الأرض الخراج من غير حصّة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع لأنّه كالدين» ليس على ما ينبغي.

و بالجملة لا ينبغي التأمّل في عموم الحكم من هذه الجهة فتوى و نصّا.

و لكن ينبغي أن يعلم أنّ ما يأخذه السلطان إن كان حصّة من الحاصل يستثنى بتمامه، و إن كان نقدا فهو إنّما يستثنى بتمامه لو كان الزرع مقصورا على الجنس الزكوي، و لعلّ إطلاق كلام الأصحاب بل النصوص مصروف إليه. و أمّا لو لم يكن مقصورا عليه بأن يكون أعمّ منه و من الأجناس الغير الزكويّة من الحبوبات و الفواكه و غيرها فاستثناؤه بتمامه غير جيّد، لأنّه إنّما يؤخذ اجرة للأرض و هي تتعلّق بالجميع.

فالوجه فيه حينئذ هو التوزيع على الجميع، فيستثنى من الجنس الزكوي ما هو بجباية و بقدر حصّته من الاجرة بعد التوزيع.

ص: 338


1- عرفت في: 235.
2- غاية المرام 253:1.
3- جامع المقاصد 22:3.
4- الحدائق 125:12-126. (5و6و7و8) تقدّمت في: 236 و 237.

ثمّ يبقى الكلام فيما يأخذه سلاطين الشيعة على الأراضي من الخراج و المقاسمة و إن لم تكن الأراضي خراجيّة ممّا غصبوها من الأراضي الموقوفة، أو المملوكة للغير مع جهالة مالكيها و ما يؤخذ على الأراضي الغير الخراجيّة و إن كان الآخذ إمام العدل أو الجور من المخالفين.

و لم نقف من الأصحاب على من تعرّض لهذه الصور صريحا عدى صاحب الحدائق قائلا: «قد عرفت أنّ المراد بخراج السلطان و حصّته هو ما يأخذه من الأرض الخراجيّة من نقد أو حصّة من الحاصل و إن سمّي الأخير مقاسمة، و حينئذ فيكون هذا الحكم مخصوصا بما إذا كانت الأرض خراجيّة و هي المفتوحة عنوة و الآخذ به الإمام إمام عدل كان أو إمام جور كخلفاء الامويّة و العبّاسية لعنهم اللّه و من يحذو حذوهم إلى يومنا هذا، كما هو الظاهر من الأخبار و كلام أكثر الأصحاب و إن خالف فيه شذوذ من أصحابنا. بقى الكلام فيما لو لم تكن الأرض خراجيّة أو كانت و كان الآخذ ليس ممّن يدّعي الإمامة كسلاطين الشيعة في بلاد العجم فهل يكون ما يأخذونه على الأراضي و الحال هذه مستثنى و يكون على الجميع كحصّة السلطان المتقدّمة، أو يختصّ بالمالك ؟ إشكال: ينشأ من أنّ هذا ليس من الخراج المستثنى لما عرفت من شروطه، و دلالة ظواهر الأخبار على وجوب العشر و نصف العشر على ما أخرجت الأرض مطلقا خرج منه السلطان بالدليل المتقدّم و بقى ما عداه. و من أنّ هذا ظلم لحقّ المالك في هذه الزراعة فيصير من قبيل السرقة و نحوها من أسباب التلف من غير تفريط فلا تكون مضمونة عليه بل توزّع على الجميع و يكون إخراج النصاب بعده إن وقع ذلك قبل استقرار الوجوب و إلاّ فبالنسبة إلى المالك و الفقراء. و هو الأقرب. و يؤيّده ظاهر رواية سعيد الكندري قال: «قلت للصادق عليه السّلام: إنّي آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، فقال عليه السّلام: أعطهم فضل ما بينهما، فقلت: إنّي لم أظلمهم و لم أزد عليهم، قال عليه السّلام: إنّهم زادوا على أرضك»(1) فإنّه يستفاد من هذا الخبر أنّه لا ضمان على من جبره الحاكم و أخذ مال الغير من يده ظلما. و يعضد ذلك ما صرّح به الشهيد الثاني رحمه اللّه في المسالك في

ص: 339


1- تهذيب الأحكام 61/208:7، الوسائل 10/56:19، ب 16 من كتاب المزارعة.

صورة ما إذا أخذ الجائر بزيادة على الخراج المعتاد ظلما حيث قال: فلا يستثنى الزائد إلاّ أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكّن المالك من منعه سرّا و جهرا(1) فلا يضمن حصّة الفقراء من الزائد»(2) انتهى.

و في المناهل احتمال إلحاق السلاطين الّذين أشار إليهم باولئك السلاطين و عموم الحكم لكلّ من يسمّى سلطانا حقيقة و لكلّ أرض و لو لم تكن خراجيّة في غاية القوّة، للأصل، و إطلاق النصوص، و معظم الفتاوى المتضمّنة جملة منها لدعوى الإجماع مع عدم اشتهار الفرق و عدم وروده في نصّ ، و فحوى ما دلّ على استثناء حصّة السلاطين العبّاسيّة، و لكن مراعاة الاحتياط أولى. انتهى.

و في المستند ما ملخّصه: «أنّ ما يأخذه منه إمّا حصّة من الحاصل أو شيء آخر، فعلى الأوّل فلا شكّ في استثناء حصّته مطلقا مخالفا كان أو مؤالفا و إن لم يكن ما أخذه ملكا شرعيّا له مع كون المالك بحيث إن لم يكن ما يأخذه ملكا شرعيّا له لم يتمكّن المالك من ممانعة السلطان أو إخفائه كلاّ أو بعضا منه لتعلّق الزكاة بالعين و إن تمكّن و فرّط فلا يستثنى شيء، و إن كان ما يأخذه غير حصّة الحاصل فلا يستثنى مطلقا لعدم دليل عليه أصلا و إن أخذه لأجل الزراعة إذ لا دليل على وضع جميع المؤن»(3) انتهى.

و ما قوّاه في المناهل تمسّكا بالأصل و إطلاق معظم الفتاوى و معاقد الإجماع و يظهر اختياره من شيخنا في الجواهر(4) لا يخلو عن قوّة، خصوصا فيما يؤخذ على الأراضي الخراجيّة لا يخلو عن قوّة، و لكنّ الاحتياط أيضا كما ذكره سيّما في الأراضي المغصوبة موقوفة كانت أو مملوكة مع جهالة مالكها.

فروع:
الأوّل: [ما يأخذه الجائرون زيادة على الضريبة]

إنّه إذا أخذ الجائر ما يزيد على ما يصلح اجرة للأرض عادة أو على الخراج المعتبر بحسب العادة فلا ينبغي التأمّل في أنّ الزائد لا يلحق بالحصّة المعتبر استثناؤها

ص: 340


1- المسالك 393:1-394.
2- الحدائق 125:12-126.
3- مستند الشيعة 187:9-188.
4- الجواهر 225:15.

قبل النصاب، لعدم اندراجه في إطلاق النصّ و الفتوى و معقد الإجماع. و هل يعتبر إخراجه من النصاب فيكون مشتركا بين المالك و الفقراء فلا يضمن المالك حصّة الفقراء من الزائد أو لا؟ فلا يرد نقص من جهته على الفقراء فيضمن المالك حصّتهم منه، فيه تفصيل بين أن يأخذه السلطان قهرا عليه بحيث لا يتمكّن من منعه سرّا و جهرا فلا يضمن حصّة الفقراء منه و بين ما لو تمكّن من منعه و فرّط فيضمن كما صرّح به في المسالك(1) و حاشية الشرائع(2).

الثاني: لو ضرب السلطان الجائر على ملك المالك المختصّ به حصّة من حاصله

فأخذها ظلما فالظاهر عدم اندراجها في حصّته المأخوذة من باب المقاسمة المحكوم باستثنائها فتوى و نصّا، و هل تكون على المالك و الفقراء جميعا فلا ضمان على المالك في حصّة الفقراء، أو تكون على المالك فقط فيضمن للفقراء حصّتهم منها؟ فيه التفصيل المتقدّم بين تمكّن المنع و عدمه.

[الثالث: اقسام المؤنة]

الثالث: المئونة على الزرع منها ما يختصّ بالأجناس الزكويّة، و منها ما يختصّ بغيرها من المزروعات و المحصولات، و منها ما هو مشترك بينهما، و الأوّلان واضحا الحكم من حيث استثناء الأوّل و عدم استثناء الثاني، و الأخير يوزّع بينهما فما يتعلّق منه بالجنس الزكوي يستثنى دون غيره، و هو واضح.

الرابع: لا يلحق بالمؤن المعتبر استثناؤها، ثمن الأرض المبتاعة و مئونة حفر القناة

و حفر الأنهار الكبار و بناء القرية و بيوتها و حصنها و غيرها ممّا لم يكن لأجل الغلّة، و ضابطه كلّ مئونة خرجت من المالك و له مقابل سوى الغلّة قبالا للمؤن الّتي يغرمها لأجل الغلّة و لا مقابل لها إلاّ الغلّة، و في معنى هذا الضابط للمؤن المعتبر استثناؤها، ما تقدّم عن المسالك من التعبير عنها ب «ما يغرمه المالك للغلّة ممّا يتكرّر كلّ سنة»(3)فإنّ اعتبار التكرّر لإخراج ما لا يتكرّر و هو الّذي له مقابل سوى الغلّة، و يندرج فيه ثمن العوامل و الآلات اللازمة للحرث من الأخشاب و غيرها، فإنّ العوامل و الآلات

ص: 341


1- المسالك 393:1-394.
2- حاشية الشرائع 256:10.
3- تقدّم في: 332.

المبتاعة مقابلة لأثمانها. و في كلام العلاّمة في المنتهى(1) أيضا إشارة إلى اعتبار التكرّر في كلّ سنة في المؤن المستثناة، و اللّه العالم.

المسألة الرابعة: [في القدر المخرج من الزكاة و الضابط فيه]
اشارة

في بيان ما يجب إخراجه من الزكاة، و هو إمّا العشر أو نصف العشر.

أمّا الأوّل: ففيما يسقى سيحا أو بعلا أو عذيا. و أمّا الثاني: ففيما يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح.

و المراد بالسيح: الماء الجاري - كما عن الجوهري(2) - جرى على وجه الأرض أو في الأنهار كما هو قضيّة إطلاقه، و بالبعل: ما يشرب من النخل بعروقه من تحت الأرض القريبة من الماء كما عنه أيضا(3) و بالعذي بكسر العين المهملة و التسكين: الزرع لا يسقيه إلاّ ماء المطر كما عنه أيضا(4) و بالرشاء: الحبل الّذي يستقى به الماء. و الدوالي:

جمع الدالية. قيل: «إنّها و الناعورة بمعنى و هي الّتي يديرها البقرة(5) و عن الجوهري:

«الدالية: المنجنون، و هي الدولاب الّتي يديرها البقرة(6) و الناعورة: يديرها الماء(7).

و النواضح: جمع الناضح، و هو البعير الّذي يستقى عليه، و في بعض الأخبار كما تعرف التعبير بالسواني مكان النواضح و هو جمع السانية، عن الجوهري: «السانية هي الناضحة و هي الناقة الّتي يستقى عليها».

و قد ذكر في المدارك للقسم الأوّل الّذي فيه العشر ضابطا كلّيا و هو: «ما لا يحتاج في سقيه إلى آلة من دولاب و نحوه» و في موضع آخر بعد ذكر جملة من روايات المسألة قال: «و المستفاد من هذه الروايات أنّ الفارق بين وجوب العشر و نصفه احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب و نحوه، فمتى توقّفت ترقية الماء إلى الأرض على ذلك كان الواجب فيها نصف العشر و إلاّ فالعشر، و لا عبرة بغير ذلك من الأعمال

ص: 342


1- المنتهى 500:1.
2- الصحاح 377:1، مادّة: سيح.
3- الصحاح 1635:4.
4- الصحاح 737:2.
5- لسان العرب 266:14، الصحاح 125:1.
6- الصحاح 2095:5، 2201:6.
7- الصحاح 411:1.

كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها لعدم اعتبار الشارع إيّاه»(1) و نحوه في الذخيرة(2).

و عن الكفاية و قد أشار إلى الضابط المذكور بالبيان الثاني في المعتبر(3) قائلا على ما حكي: «أنّ ضابط نصف العشر إنّ ما يسقى بآلة يرفع الماء إليه كان فيه نصف العشر كالدالية و الدولاب»(4).

و المستفاد عن منتهى العلاّمة: «إناطة العشر و نصف العشر بافتقار سقيه إلى مئونة و عدم افتقاره إليها»(5).

و هذا أعمّ ممّا عرفت عن المدارك، و استفادته من الأخبار مشكل، بل الأظهر هو الأوّل.

و كيف كان فالحكم المذكور - أعني وجوب العشر و نصف العشر - ممّا لا خلاف فيه بين العلماء كما عن التذكرة(6) و إنه ممّا اتّفق عليه علماء الإسلام كما عن المعتبر و المنتهى(7) و في الرياض الإجماع عليه(8).

و الأصل فيه الأخبار المستفيضة المعتبرة:

ففي صحيح زرارة و بكير جميعا عن أبي جعفر عليه السّلام قال عليه السّلام: «في الزكاة ما كان يعالج بالرشا و الدوالي و النضح ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعلا أو سماء ففيه العشر كاملا»(9).

و صحيح الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار إذا كانت سيحا أو كان بعلا العشر، و ما سقت السواني و الدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر»(10).

و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال عليه السّلام: «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير

ص: 343


1- المدارك 146:5-147.
2- الذخيرة: 442.
3- المعتبر 539:2.
4- كفاية الأحكام: 37.
5- المنتهى 498:1.
6- التذكرة 150:5.
7- المعتبر 539:2، المنتهى 498:1.
8- الرياض 109:5.
9- الاستبصار 4/15:2، تهذيب الأحكام 7/16:4، الوسائل 5/184:9، من أبواب زكاة الغلاّت.
10- الكافي 3/513:3، الوسائل 2/183:9، ب 4 من ابواب زكاة الغلاّت.

و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوسق و الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، و ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا»(1).

و موثّقة زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السّلام قال في آخره: «فإذا كان يعالج بالرشا و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّا»(2).

و صحيح صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعا قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال عليه السّلام: من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و اخذ منه العشر ممّا سقت السماء و الأنهار، و نصف العشر ممّا كان بالرشاء...» الحديث(3).

و مرسلة عبد اللّه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام في حديث زكاة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، قال عليه السّلام: «و الزكاة فيها العشر فيما سقت السماء أو كان سيحا، و نصف العشر فيما سقي بالغرب و النواضح»(4).

و مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال في حديث طويل: «فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر كما سقي بالدوالي و النواضح...» الحديث(5) إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

و يستفاد من مجموع هذه الأحاديث أنّ مدار نصف العشر على افتقار السقي إلى

ص: 344


1- تهذيب الأحكام 1/13:4، الاستبصار 1/14:2، الوسائل 176:9-5/177، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
2- تهذيب الأحكام 17/19:4، الوسائل 177:9-8/178، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
3- الكافي 512:3-2/513، تهذيب الأحكام 8/38:4، و في: 118-1/119، الوسائل 9: 2/175، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
4- تهذيب الأحكام 2/14:4، الاستبصار 2/14:2، الوسائل 9، 8/185، ب 4 من أبواب زكاة الغلاّت، و في: 12/179، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
5- تهذيب الأحكام 128:4-129، 2/130، الوسائل 3/183:9، ب 4 من أبواب زكاة الغلاّت، و في: 3/266، ب 28 من أبواب المستحقّين للزكاة.

آلة و استعمال علاج، و مدار العشر على عدم الافتقار إليهما.

و في المدارك: «اعلم أنّه قد اورد على التفصيل سؤال مشهور، و هو أنّ الزكاة إذا كانت لا تجب إلاّ بعد إخراج المؤن فأيّ فارق بين ما كثرت مئونته و ما قلّت، حتّى وجب في أحدهما العشر و في الآخر نصفه»(1).

و عن المحقّق قدّس سرّه في المسائل الطبريّة أنّه أجاب: «بأنّ الأحكام متلقّاة من الشرع المطهّر، و كثير من علل الشرع غير معلوم لنا، فتكون علّة الفرق نفس النصّ »(2).

و فيه ما لا يخفى من عدم تعلّقه بالسؤال المذكور، لأنّه في الحقيقة وارد على القول بلزوم إخراج المؤن كلّها قبل النصاب بملاحظة الفرق المذكور الوارد في النصوص.

و محصّله: أنّه لو انيط وجوب الزكاة بإخراج المؤن كلّها فلا يتفاوت الحكم بين قلّة المؤن و كثرتها، و قضيّة ذلك بطلان الفرق بالعشر و نصف العشر و تعيّن العشر في الجميع، و حيث إنّ الفرق ثابت فدلّ ذلك على بطلان القول بإخراج المؤن و الجواب المذكور لا يدفع هذا السؤال، بل إنّما يتّجه لو كان السؤال عن مجرّد الفرق من دون انضمام مقدّمة إخراج المؤن كلّها و المفروض خلافه.

و لذا قد يجاب عنه بطريق المعارضة و هو: «أنّه لو كان المؤن على ربّ المال لما توجّه تنصيف العشر فيما كثرت مئونته» و من هنا قد يستشهد بالأخبار الفارقة المتقدّمة(3) للقول بإخراج المؤن.

فالوجه في الجواب عن السؤال أن يقال بمنع إناطة الفرق بالعشر و نصف العشر بقلّة المئونة و كثرتها، كيف و ليس في شيء من النصوص المتقدّمة و لا في غيرها دلالة على هذا المناط و لا إشعار به، و لو صحّ ذلك لقضى بانعكاس الفرق فيما سقي سيحا بالماء المشترى بثمن غال أو بماء القناة الّتي مئونة حفرها أزيد من مئونة ما سقي بالآلة.

بل الظاهر على ما بيّنّاه كون المناط هو افتقار السقي إلى آلة من الدلو و الدولاب

ص: 345


1- المدارك 147:5-148.
2- الرسائل التسع: 310 و لكنّ المنقول هنا يختلف عمّا في الرسائل في بعض الكلمات.
3- تقدّمت في: 343 و 344.

و نحوهما و عدم افتقاره إليها، و كأنّ النكتة في ذلك جبر كلفة المالك الّتي لزمها دوام استعمال الآلات عنه بالتخفيف في قدر الواجب، و لعلّه إلى ذلك ينظر ما اجيب به أيضا من أنّ استعمال الاجراء على السقي و الحفظة و أشباه ذلك كلفة متعلّقة بالمالك زائدة على بذل الاجرة فناسبها التخفيف عن المالك.

و بالجملة تنصيف العشر الّذي هو تخفيف عن المالك فيما يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح و غيرها من الآلات في مقابلة الكلفة اللازمة على المالك في هذا القسم، لا في مقابلة المؤنة اللازمة منه من اجرة الاجراء و الحفظة و غير ذلك قلّت أو كثرت.

و من ذلك ظهر أنّ النصوص الفارقة بين القسمين ليست متعرّضة للمؤن إثباتا و نفيا، فلا يمكن الاستدلال بها على نفي اعتبار إخراجها و لا الاستشهاد بها لإثبات اعتبار إخراجها، و عليه فكلّ مئونة لزمها السقي في القسمين اعتبر إخراجها كسائر المؤن تساوت فيهما أو كثرت في أحدهما و قلّت في الآخر أو اختصّت بأحدهما دون الآخر.

تذنيب: [لو اجتمع الأمران من السقاية]

ما تقدّم من إطلاق العشر و نصف العشر إنّما هو فيما سقي بأحد الأمرين، و لو اجتمع الأمران بأن يسقى تارة سيحا مثلا و اخرى بالدلو و الدولاب يتبع الأكثر و الأغلب فيؤخذ إمّا العشر أو نصفه، و إن تساويا اخذ من نصفه العشر و من نصفه الآخر نصف العشر أو اخذ من المجموع نصف العشر و نصف نصف العشر و بعبارة اخرى ثلاثة أرباع العشر، كما حكي التصريح بالحكمين عن جمع كثير من الأوائل(1) و الأواخر(2) من غير نقل خلاف، بل إنّهما ممّا لا خلاف فيهما بل عن الخلاف الإجماع عليهما(3) و عن المعتبر على ثانيهما اتّفاق العلماء(4) و عن المنتهى: «عليه إجماع العلماء»(5) و في المدارك في أوّلهما: «أنّه قول علمائنا و أكثر العامّة(6)»(7) و عن مجمع الفائدة فيه أيضا أنّه: «عمل

ص: 346


1- الغنية: 120، الخلاف 68:2، الكافي: 165، الوسيلة: 127، المعتبر 539:2.
2- الدروس 237:1، المسالك 394:1 و 395، الحدائق 122:12، الرياض 10:5.
3- الخلاف 67:2، المسألة 79.
4- المعتبر 539:2.
5- المنتهى 498:1.
6- المدارك 148:5.
7- المغني 559:2-560، الشرح الكبير 563:2.

الأصحاب من دون ظهور المخالف»(1).

و يدلّ عليهما من النصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن عمير عن معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «فيما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا فالعشر، و أمّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر، فقلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثمّ تزيد الماء و تسقى سيحا، فقال عليه السّلام: إنّ ذا ليكون عندكم كذلك ؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام: النصف و النصف، نصف بنصف العشر، و نصف بالعشر فقلت: و الأرض تسقى بالدوالي ثمّ تزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا، قال عليه السّلام: و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة، أربعين ليلة و قد مكث (و قد مضت، نسخة بدل) قبل ذلك فى الأرض ستّة أشهر، سبعة أشهر، قال عليه السّلام: نصف العشر»(2).

و الراوي و إن لم يذكر في الرجال بتوثيق إلاّ أنّ رواية ابن أبي عمير عنه بل البزنطي أيضا كما قيل: يدلّ على حسن حاله(3) و مع ذلك فالرواية قد عمل بها أساطين الطائفة فينجبر به قصور سندها أو ضعفها إن كان، و يعضدها مع ذلك الاعتبار.

ثمّ إنّ في كون المعتبر في الأكثريّة الأكثر عددا - كما رجّحه في المدارك(4)و الروض(5) قيل(6) ربّما يستفاد من الخلاف(7) و الوسيلة(8) و الغنية(9) و النافع(10)و الشرائع(11) و المعتبر(12) و التبصرة(13) و الارشاد(14) و التحرير(15) و البيان(16) و الجامع(17) - أو الأكثر زمانا كما عن بعض(18) أو الأكثر منفعة و نموّا كما عن القواعد(19) و الدروس(20)

ص: 347


1- مجمع الفائدة 118:4.
2- الكافي 6/514:3، الاستبصار 5/15:2، تهذيب الأحكام 8/16:4، الوسائل 1/187:9، ب 6 من أبواب زكاة الغلاّت.
3- الذخيرة: 443.
4- المدارك 149:5.
5- الرياض 110:5.
6- يبدو أنّه الشيخ الأنصاري، الزكاة: 237.
7- الخلاف 67:2، المسألة 79.
8- الوسيلة: 127.
9- الغنية: 120.
10- النافع: 57.
11- شرائع الاسلام 116:1.
12- المعتبر 540:2.
13- التبصرة: 71.
14- الإرشاد 283:1.
15- التحرير 376:9.
16- البيان: 181.
17- جامع المقاصد 23:3.
18- المسالك 395:1، المدارك 149:5-150، الحدائق 123:12 مستند الشيعة 179:9.
19- القواعد 342:1.
20- الدروس 237:1.

و حاشية الشرائع(1) و عن حاشية القواعد التصريح بأشهريّته(2) قيل(3) و استقر به العلاّمة في جملة من كتبه(4) و ولده في الشرح(5)؟ وجوه، بل أقوال، أقربها الأوّل لظهور العدد من لفظ الأكثر في فتوى الأصحاب و معقد الإجماع الّذي منه ما عن الخلاف من قوله: «إذا سقي الأرض سيحا و غير سيح معا فإن كانا نصفين اخذ نصفين و إن كانا متفاضلين غلّب الأكثر، دليلنا إجماع الفرقة»(6).

قال في المسالك على ما حكي: «أنّ الكثرة حقيقة في الكمّ المتّصل(7) و هو هنا أعداد السقيات لا زمانه، و اللفظ إنّما يحمل على حقيقته»(8) و لا ينافيه ظهور الرواية في الأكثريّة بحسب الزمان، لأنّها لا تنفكّ غالبا عن الأكثريّة العدديّة. و لذا قال في الرياض:

«يمكن تقييد إطلاق الرواية بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه إلى عدد أكثر»(9). و بذلك يندفع الاحتجاج لثاني الأقوال بظاهر الرواية المتقدّمة(10) حيث اطلق فيها نصف العشر و رتّبه على أغلبيّة الزمان من غير استفصال عن عدد السقيات في تلك المدّة و عن الأكثر نموّا و نفعا، هذا و لكنّ المسألة بعد لا يخلو عن شوب إشكال.

ثمّ إنّه إذا سقي بكلّ ممّا يوجب العشر كالسيح و ما يوجب نصف العشر كالدالية و لم يعلم الحال من الغلبة و التساوي ففي وجوب الأقلّ أعني نصف العشر لأصالة البراءة عن الزائد، أو الأكثر أعني العشر كما عن بعض العامّة(11) تغليبا لجانب الاحتياط، أو إلحاقه بصورة التساوي فيجب ثلاثة أرباع العشر كما رجّحه جماعة [وجوه] و هو الأقرب لظاهر الرواية المتقدّمة فإنّ قوله عليه السّلام: «النصف و النصف نصف بنصف العشر و نصف بالعشر» بإطلاقه يشمل الصور الثلاث: صورة التساوي، و صورة وجود الأكثر، و صورة الاشتباه، خرج منه صورة وجود الأكثر بذيل الرواية و بقى الباقي و منه ما نحن فيه، و يعضده أصالة عدم التفاضل و هو لكونه أصلا موضوعيّا وارد على أصل البراءة،

ص: 348


1- حاشية الشرائع 257:10.
2- القواعد: 253.
3- المدارك 149:5.
4- التذكرة 153:5، القواعد 342:1، المنتهى 498:1.
5- إيضاح الفوائد 181:1.
6- الخلاف 67:2، المسألة 79.
7- كذا في الأصل، و في المسالك: في الكمّ المنفصل.
8- المسالك 395:1.
9- الرياض 110:5-111.
10- تقدّمت في: 347.
11- المغني 557:2، الشرح الكبير بهامش المغني 563:2.

و الاحتياط في نحو ما نحن فيه ليس بواجب و غايته الاستحباب و لا كلام فيه ظاهرا.

المسألة الخامسة: [الملاك في المتفرّقات وحدة المالك]
اشارة

لا يعتبر في وجوب الزكاة في الثمرة و الغلّة وحدة المكان، و لا وحدة زمان الطلوع، و لا وحدة زمان البلوغ الحدّ الّذي يتعلّق به الزكاة - أعني بدوّ الصلاح - فلو كان لمالك واحد نخيل أو كروم أو زروع في أمكنة متعدّدة أو بساتين و مزارع مختلفة أو بلاد متباعدة ضمّ بعضها إلى بعض فإن بلغ المجموع نصابا فما زاد وجب فيه الزكاة على ما هو المعروف بين الأصحاب المصرّح به في كلام أساطينهم(1) و عن المنتهى:

«لا يعرف فيه خلافا»(2) و عن التذكرة: «أنّه مجمع عليه بين المسلمين»(3) لإطلاق قوله عليه السّلام: «فيما سقت السماء العشر»(4). و عموم قوله عليه السّلام: «ليس في شيء من هذه الأربعة الأشياء شيء حتّى يبلغ خمسة أوسق»(5) و غيره(6) من نصوص تقدير نصاب الغلاّت بخمسة أوسق.

فلو كان بعضها مع وحدة المكان أو تعدّده بلغ الحدّ الّذي يتعلّق الوجوب و كان نصابا اخذ منه، و يتربّص لبلوغ الباقي فإذا بلغ اخذ منه أيضا قلّ أو كثر و لا يراعى فيه النصاب و هكذا، و إن لم يكن نصابا لم يؤخذ لعدم الوجوب بل يتربّص فإذا بلغ الباقي أيضا ضمّ إلى الأوّل فبعد بلوغ المجموع النصاب اخذ منه، و هذا كلّه واضح نظرا إلى عمومات الأخبار.

فرعان: [في تجميع المتفرّقات]

أحدهما: أنّه إن اتّفقت الثمار المختلفة الأمكنة في الجودة و الرداءة تخيّر المالك في الإخراج من أيّ موضع شاء مع اتّحاد المكان و تعدّده إن لم يوجب الإخراج من غير

ص: 349


1- المختلف 186:3، الشرائع 117:1، المبسوط 215:1، البيان: 181، جامع المقاصد 22:3، المدارك 151:5.
2- المنتهى 499:1.
3- التذكرة 160:5-161.
4- تقدّم في: 306.
5- الوسائل 177:9-8/178، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
6- تقدّم في: 298 و 299.

بلد المال و الوجوب، و إن اختلفت لا يجزئ الرديء عن الجيّد بل اخرج من كلّ واحد بحسابه.

ثانيهما: إذا كان له نخل يطلع في السنة مرّتين ففي ضمّ الثمرة الثانية إلى الاولى و عدمه بل لكلّ حكم نفسه خلاف على قولين: أشهرهما الأوّل، و نسب إلى أكثر الأصحاب(1) و قيل: بالثاني كما عن الشيخ في جملة من كتبه. و قيل: صرّح بذلك في المبسوط(2) و قيل: يظهر من الوسيلة المصير إليه(3) و الأوّل أقرب لأنّهما ثمرة عام واحد فيتناوله عموم قوله عليه السّلام: «فيما سقت السماء العشر»(4) و احتجاج الشيخ على ما حكي بأنّهما في حكم ثمرة سنتين، محلّ منع بل مصادرة واضحة.

المسألة السادسة: [عدم كفاية الرطب للزكاة]

لا يجوز للساعي أخذ الرطب عن التمر و العنب عن الزبيب أصالة، و لو أخذه لم يكن مجزئا كما هو المصرّح به في كلام جماعة(5) بل الظاهر عدم الخلاف فيه إلاّ في بعض فروض المسألة كما تعرفه، لا لنقصانه إذا جفّ بل لعدم كونه من أفراد المأمور به، فإنّ الزكاة تتعلّق بالعين فالواجب هو العشر أو نصف العشر من التمر و الزبيب، و الرطب ليس تمرا كما أنّ العنب ليس زبيبا.

و بذلك ظهر ضعف ما عن منتهى العلاّمة من استقرابه إجزاء الرطب عن التمر إذا اخرج منه ما لو جفّ لكان بقدر الواجب تعليلا بتسمية الرطب تمرا في اللغة(6) لكون تعليله عليلا.

نعم لو أخذه قيمة كان جائزا إن سوّغنا إخراج القيمة في غير النقدين كما مرّ تحقيقه، كما أنّه يجزئ أخذ الرطب و التمر لو اخرجا عن مثلهما إن سوّغنا تعلّق الزكاة

ص: 350


1- الشرائع 117:1، المختلف 186:3، التذكرة 160:5-161، البيان: 181، مجمع الفائدة 4: 119، جامع المقاصد 22:3، المدارك 151:5، الذخيرة: 444، الحدائق 141:12.
2- المبسوط 215:1.
3- الوسيلة: 127.
4- تقدّم في 306.
5- القواعد 341:1، التذكرة 162:5، الدروس 237:1، جامع المقاصد 22:3، المسالك 396:1 - 397، المدارك 152:5.
6- المنتهى 497:1 و 499.

بهما حال الرطبيّة و التمريّة.

ثمّ لو أخذ الساعي الرطب و العنب عن التمر و الزبيب و جفّ ، كان له بعد الجفاف أخذه عن الواجب، و إن نقص يرجع على المالك بالنقصان، و إن زاد ردّ إليه الزائد، و لو أراد المالك استرجاع الجميع و دفع بدله كان له ذلك لعدم خروج ما دفعه من الرطب و العنب عن ملكه، كما أنّه لو أراد بعد الجفاف إبقاءه عن الواجب و دفع النقصان كان له ذلك أيضا.

و هذه الأحكام مع وضوحها مصرّح به في كلام جماعة.

و عن المبسوط و البيان: «أنّه لو أخذه الساعي كذلك وجب ردّه، فإن تلف ضمنه»(1).

و استشكل بعض مشايخنا ضمانه فيما لو علم الدافع بالفساد دون الساعي تعليلا:

«بأنّ المالك هو الّذي غرّر بماله و سلّط عليه. ثمّ قال: بل و مع علمهما معا به»(2).

أقول: يمكن الذبّ عنه بأنّ المالك في دفعه إليه و إن كان عالما بالفساد إلاّ أنّه دفعه مع العلم بالفساد على وجه كان له استرجاعه و دفع بدله، أو دفعه الصحيح بعد الجفاف مع دفع النقصان، أو استرجاع الزيادة إن كان، فلم يسلّطه عليه بحيث لو أتلفه أو تلف في يده لم يكن له الرجوع عليه، فإطلاق القول بالضمان في محلّه فتأمّل.

المسألة السابعة: [لو مات المالك و عليه دين]
اشارة

لو مات المالك للنخيل أو الكروم أو الزرع و عليه دين فله باعتبار وجوب الزكاة و عدم وجوبها صور:

الصورة الاولى: أن يكون موته بعد ظهور الثمرة و بلوغها الحدّ الّذي يتعلّق بها الزكاة و قضيّة الفرض أن يتعلّق وجوبها بالنصاب قبل الموت، و الدين غير مانع منه فيجب إخراجها بعد الموت من أصل المال بلا خلاف يظهر بل إجماعا كما في المدارك.(3)

و إن كان الدين مستغرقا لباقي التركة بعد إخراجها و لو ضاقت التركة من أصلها أو

ص: 351


1- المبسوط 217:1-218، البيان: 182.
2- الجواهر 245:15.
3- المدارك 153:5.

الباقي منها بعد إخراج الزكاة عن الدين ففي وجوب تقديم الزكاة كما عليه الأكثر(1) أو وقوع التحاصّ (2) و وجوب التقسيط بين أصحاب الدين و أرباب الزكاة كما عن الشيخ في المبسوط(3) قولان: أقواهما الأوّل، لأنّ الزكاة تجب في العين، و الدين يجب في الذمّة، و المفروض سبق تعلّقها بالثمرة في حياته قبل الموت، و هذا يوجب خروج القدر الواجب عن ملك المديون فلا يكون من تركته الّتي يتعلّق بها الدين.

و توهّم المناقشة فيه بأنّ الزكاة إنّما يتعلّق بالعين ما دام المالك حيّا لا مطلقا حتّى بعد الموت، يدفعه: أنّ المفروض تعلّقها بالعين حال الحياة و سقوطها بالموت ممّا لا دليل عليه، فيحكم ببقاء التعلّق بالاستصحاب، مضافا إلى استصحاب استحقاق الفقراء إيّاها، هذا مضافا إلى عموم قوله عليه السّلام: «فيما سقت السماء العشر»(4).

و توهّم أنّ وجوب إخراج العشر على المالك المستفاد من الرواية قد سقط عنه بموته، يندفع بأنّه و إن كان يسقط عن الميّت إلاّ أنّه يتوجّه خطاب الإخراج إلى الوارث، كما لو نذر اضحيّة حيوان بعينه فمات قبل الوفاء.

و عن الشيخ الاحتجاج لما اختاره: «بأنّهما حقّان تعلّقا بهذه العين فوجب التقسيط»(5).

و فيه: أنّ تعلّق الدين بالقدر الواجب من النصاب لسبق تعلّق الزكاة به محال، لخروجه عن ملك الميّت في حياته و عدم كونه بعد مماته جزء من تركته كسهم الشريك من المال المشترك إذا مات أحد الشريكين و عليه دين مستغرق، نعم لو عدم عين النصاب بعد تعلّق الزكاة بها حال الحياة بحيث صارت في الذمّة كانت كسائر الديون.

فإذا مات مع استغراق الديون الّتي منها الزكاة وجب التحاصّ و التقسيط بلا إشكال، بل و لا خلاف ظاهر.

الصورة الثانية: أن يكون موته قبل ظهور الثمرة مع استغراق دينه للتركة ثمّ ظهرت

ص: 352


1- التذكرة 149:5، البيان: 180، المسالك 398:1، المدارك 156:5، غنائم الأيّام 109:4، مستند الشيعة 206:9، المدارك 153:5-154، الذخيرة: 444.
2- الشرائع 117:1، التحاص: أي جعل المال عدّة حصص للزكاة، و الباقي للديّان. أرباب الزكاة يعني من يعطى الزكاة له، و هو المصالح الثمانية، أو الحاكم الشرعي.
3- المبسوط 218:1-219.
4- تقدّم في: 306.
5- الخلاف 143:2، المسألة 178.

الثمرة و بلغت الحدّ الّذي يتعلّق به الزكاة، ففي وجوب إخراج زكاتها عند بلوغها النصاب مع وحدة الوارث أو تعدّده مع بلوغ نصيب كلّ واحد أو نصيب بعضهم منها النصاب، و عدم وجوبه وجهان مبنيّان على الخلاف في مسألة: «دين الميّت و تركته» أ هي في حكم مال الميّت و لا تنتقل إلى الورثة، أو تنتقل إليهم ؟

فعلى القول بعدم انتقالها إليهم و إنّها في حكم مال الميّت لا يجب زكاتها لا على الميّت لخروجه بالموت عن صلاحية توجّه الخطاب إليه، و لا على الوارث لانتفاء الملك.

و على القول بانتقالها إليه ففي وجوب الزكاة عليه قولان:

أحدهما: الوجوب، و اختاره في المدارك(1) و وافقه بعض مشايخنا(2) لكون الثمرة إنّما حدثت في ملكه فتكون ملكا له فعليه الزكاة لتحقّق شروط وجوبها الّتي منها الملك.

و قيل: بعدم الوجوب، و اختاره في المسالك و حاشية الشرائع محتجّا في الأوّل بما ملخّصه: «أنّ الوارث و إن كان مالكا للتركة إلاّ أنّه محجور عليه من التصرّف فيها لتعلّق الديون بها كتعلّقها بالرهن، فشرط الوجوب و هو التمكّن من التصرّف غير موجود»(3) و في الثاني: «بأنّ الملك غير تامّ لتعلّق الدين بها»(4).

و ردّ بأنّه لو سلّم كون تعلّق الدين بها كتعلّق حقّ الرهانة فإنّما يتمّ ذلك في الاصول لأنّها من تركة الميّت لا في الثمرة لحدوثها في ملك الوارث و ليست جزء من التركة، كما أشار إليه في المدارك بقوله: «و لا يتعلّق بها الدين على ما قطع به الأصحاب لأنّها ليست جزء من التركة»(5).

[الخلاف في انتقال التركة إلى الورّاث مع استيعاب الدين]

أقول: و حيث قد عرفت بناء الحكم في محلّ البحث على القولين في مسألة تركة المديون فينبغي صرف النظر في تحقيق تلك المسألة فنقول:

إنّ الأصحاب بعد ما اتّفقوا على أنّ دين الميّت يتعلّق بتركته في الجملة، و على أنّ

ص: 353


1- المدارك 154:5.
2- الجواهر 247:15 و 251.
3- المسالك 398:1.
4- حاشية الشرائع 258:10.
5- المدارك 154:5.

التركة لا تنتقل إلى الديّان و لا إلى اللّه سبحانه، و على انتقالها إلى الورثة مع انتفاء الوصيّة و الدين - بل في كلام بعض مشايخنا(1) على كلّ من هذه الأحكام نقل الإجماع بقسميه، و عن بعضهم(2) أيضا حكايته: على انتقال الفاضل عن الدين مع عدم الوصيّة و على انتقال الزائد على الثلث إليهم و لو مع الوصيّة به - اختلفوا على ما حرّره بعض مشايخنا(3) في انتقالها أجمع إليهم مع استيعاب الدين و انتقال ما قابل منها الدين مع عدم الاستيعاب، و عدمه، بل هي في الصورتين في حكم مال الميّت على قولين:

فقيل: بعدم الانتقال، و هو لجماعة(4) و عن المسالك و المفاتيح نسبته إلى الأكثر(5)و عن الحلّي في وصايا السرائر نفي الخلاف عنه(6) و في دينه جعله من اصول مذهبنا(7).

و قيل: بالانتقال، و هو لجماعة آخرين(8) و عن بعضهم استظهار كونه المشهور، و في المحكيّ عن تذكرة العلاّمة ما ظاهره الإجماع حيث قال: «الحقّ عندنا أنّ التركة تنتقل إلى الوارث»(9).

و قد ذكر أصحاب القولين بأساميهم شيخنا في أواخر حجر الجواهر(10) و معلوم أنّ النزاع إنّما هو قبل أداء الوارث و قضائه الدين من مال نفسه، و أمّا بعده فلا خلاف لأحد في انتقال التركة بأجمعها إلى الورثة.

حجّة القول الأوّل قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ (11) عقيب اللام المتكرّر في الآية السابقة الظاهرة في الملك لا استقراره، فيدلّ على أنّ ملك الورثة للتركة إنّما هو بعد الدين، على معنى كون ملكهم لسهامهم من التركة مراعى بأداء الدين.

و بالجملة شرط صحّة الميراث و انتقاله أن يكون ما يفضل عن الدين فلا يملك الوارث إلاّ بعد قضاء الدين إلى آخره للآية الظاهرة في أنّ ملك السهام بعد الدين، لظهور اللام في الملك لا استقراره.

و خبر عبّاد بن صهيب - المردّد بسبب الاختلاف في حاله بين الصحيح و الموثّق -

ص: 354


1- الجواهر 84:26.
2- الذخيرة: 445، الجواهر 246:15 و ما بعده.
3- الجواهر 84:26.
4- منهم المحقّق في الشرائع 171:1.
5- المسالك 397:1-398، المفاتيح 317:3.
6- السرائر 202:3-203.
7- السرائر 47:2.
8- منهم الشهيد في المسالك 397:1.
9- التذكرة 149:5 و 302.
10- الجواهر 84:26-85.
11- النساء: 11 و 12.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته فلمّا حضرته الوفاة حسب جميع ما فرّط فيه ممّا يلزمه من الزكاة ثمّ أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له، قال عليه السّلام: جائز يخرج ذلك من جميع المال إنّما هو بمنزلة دين لو كان عليه، ليس للورثة شيء حتّى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة»(1).

و صحيح سليمان بن خالد عنه أيضا: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في دية المقتول أنّه يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين»(2).

و السيرة المستمرّة على تبعيّة النماء للتركة في وفاء الدين، و هو مستلزم لبقائها على حكم مال الميّت لا الورثة.

و اجيب عن الآية - بعد ملاحظة الإجماع على ملك الوارث للثلثين مع الوصيّة بالثلث، و الإجماع الّذي حكاه بعضهم، مع شهادة التتبّع له على ملكه للزائد على مقابل الدين - بما ملخّصه: أنّ الآية مسوقة لبيان أنّ هذه السهام يعتبر إخراجها ممّا بقى من التركة بعد الثلث و الدين أو أحدهما لا من أصل التركة دفعا لتخيّل كونها من أصل المال، لا لبيان أنّ ملك الورثة لسهامهم لا يكون إلاّ بعد أداء الدين أو عزله عن التركة لئلاّ ينافي الإجماع المذكور، و كون السهام إنّما يعتبر إخراجها ممّا بقى من الدين لا من الأصل، لا ينافي انتقال جميع التركة إلى الورثة قبل قيامهم بأداء الدين و لو من مالهم الآخر(3).

أقول: مبنيّ دلالة الآية على مطلب المستدلّ و عدم دلالتها على اختلاف الأنظار في كون قوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ المتكرّر في مواضع أربع قيدا لمدلول اللام المتكرّرة و هي الملكيّة أو قيدا للسهام المذكورة في الآيات، و بعبارة اخرى هل هو من قيود الحكم و هو الملكيّة، أو من قيود موضوعه و هو كلّ واحد من السهام ؟ ففي مثل قوله تعالى: وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاٰلَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ

ص: 355


1- الوسائل 1/255:9، ب 21 من أبواب المستحقّين للزكاة، الكافي 1/547:3.
2- الوسائل 1/35:26، ب 10، من أبواب موانع الإرث، الكافي 2/139:7، الفقيه 318:4 / 5686، تهذيب الأحكام 7/375:9.
3- الجواهر 86:26.

فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي اَلثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصىٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (1) هل هو قيد للملكيّة المستفادة من اللام و من قوله:

شُرَكٰاءُ أو ل اَلسُّدُسُ و اَلثُّلُثِ .

و الأظهر هو الثاني بل هو المتعيّن، لأنّ التركيب النحوي عند التأمّل لا يتحمّل الأوّل لما قرّر من أنّ الظرف بعد المعرفة في محلّ النصب على أن يكون حالا فلا بدّ و أن يكون المعرفة مفعولا كما في: اَلثُّلُثِ أو فاعلا كما في: اَلسُّدُسُ لكونه فاعلا للظرف الأوّل أعني لكلّ واحد منهما باعتبار متعلّقه و هو: «ثبت» مثلا ليكون الحال مبيّنا لهيئته. فالتقدير: «فثبت لكلّ واحد منهما السدس و إن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث حال كونهما أي السدس و الثلث من بعد الوصيّة و الدين» فالمتّصف بالبعديّة هو نفس السدس و الثلث.

و هكذا يقال في قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ (2) و قوله أيضا:

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ (3) و قوله أيضا: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ (1)كلّ بالقياس إلى ما قبله من السهام المقدّرة في المواضع الثلاثة، فالآية بالقياس إلى انتقال جميع التركة إلى الورثة قبل أداء الدين ساكتة نفيا و إثباتا فلا تنهض دليلا على مطلب المستدلّ ، فليتدبّر.

و اجيب عن صحيح عبّاد بن صهيب بما ملخّصه: أنّ العمل بظاهر قوله عليه السّلام: «ليس للورثة شيء» مع الإجماع المحكيّ على أنّهم يملكون الفاضل عن الدين غير ممكن، فلا بدّ من حمله حينئذ على نفي جواز التصرّف، أو نفي استقرار الملك أو غير ذلك.

و احتمال تخصيص الشيء بما يقابل الدين يوجب إلغاء لفظ: «حتّى يؤدّوا» لكون المعنى حينئذ: «ليس لهم شيء من مقابل الدين حتّى يؤدّوه» و هو بعد التأدية غير باق ليكون لهم. فهو قبل التأدية و بعده ليس لهم. و حمله على التأدية من مالهم لا من التركة خلاف ظاهر آخر.(2).

و فيه: أوّلا أنّ الإجماع على انتقال الفاضل عن الدين إليهم محصّله غير معلوم

ص: 356


1- النساء: 11.
2- الجواهر 87:26.

و منقوله موهون، يكون كلماتهم بين ظاهر و صريح في وجود الخلاف في الانتقال و عدمه بالقياس إلى الفاضل أيضا، فمن الظاهرة إطلاق الدين في القواعد(1) و جامع المقاصد(2) و غيرهما فإنّه يقضي بكون الدين في كلام القائل: «بعدم الانتقال» مطلقا في الدين المستوعب و غيره، و من الصريحة عبارة المسالك في محلّ بحثنا من باب الزكاة قائلا: «إذا قلنا بأنّ التركة على حكم مال الميّت إلى أن يوفي الدين سواء كان مستوعبا لها أم لا لا إشكال في عدم وجوب الزكاة على الوارث و إن فضل له عن الدين نصاب لعدم ملكه إيّاه عند صلاحية الوجوب»(3) فإنّه يقضي بوجود القول بعدم الانتقال في الدين الغير المستوعب أيضا مطلقا.

و نحوه عبارة الذخيرة حيث إنّه - في عنوان: ما لا يكون الدين مستوعبا للتركة و فضل لبعض الورثة أو جميعهم ما يبلغ النصاب مع بلوغ المال حدّ الوجوب قبل أداء الدين - قال: «ففي وجوب الزكاة عليه قولان: أحدهما عدم الوجوب، و هو مبنيّ عند القائل به على القول بعدم انتقال ما يفضل عن الدين إلى الوارث قبل أدائه... إلى أن قال:

و ثانيهما الوجوب، و هو مستقيم بناء على القول بانتقال الزائد إلى الورثة كما هو مذهب أكثر الأصحاب حتّى قيل إنّ القائل بخلافه غير معلوم»(4).

و الظاهر أنّ مراده من القائل بنفي معلوميّة القائل بخلافه، صاحب المدارك قائلا في آخر كلامه عند شرح عبارة الشرائع(5): «إذا مات المالك و عليه دين...»(6). الخ: «و هذا الحمل مع بعده إنّما يتمّ إذا قلنا ببقاء التركة على حكم مال الميّت و إن لم يكن الدين محيطا بها، و المصنّف لا يقول بذلك، بل القائل به غير معلوم»(7) انتهى.

و بالجملة كلماتهم في المقام مضطربة غاية الاضطراب، و به يتوهّن الإجماع محصّلا و منقولا، فلا مانع من الأخذ بظاهر قوله عليه السّلام: «ليس للورثة شيء»(8) و هو عموم نفي الانتقال حتّى في الزائد على مقابل الدين. و مرجعه إلى أنّ وجود الدين و إن

ص: 357


1- القواعد 334:1.
2- جامع المقاصد 12:3-13.
3- المسالك 397:1.
4- الذخيرة: 444-445.
5- الشرائع 117:1.
6- المدارك 153:5.
7- المدارك 153:5.
8- الوسائل 1/255:9، ب 21 من أبواب المستحقّين للزكاة، الكافي 1/547:3.

لم يستوعب مانع عن انتقال التركة مطلقا إلى الورثة قبل أدائه.

و ثانيا: أنّ نفي جواز التصرّف أو استقرار الملك في غاية البعد من لفظ: «ليس للورثة شيء» و التخصيص المذكور مع حمل التأدية على التأدية من مالهم ليس بذلك البعيد فتعيّن المصير إليه.

و اجيب عن صحيح سليمان أيضا بحمل المفهوم على مثل ما مرّ من نفي جواز التصرّف و نحوه بقرينة الإجماع المتقدّم(1).

و فيه: ما مرّ من منع الإجماع تارة، و تخصيص المفهوم على ما يقابل الدين اخرى، فالخبران واضحا الدلالة على عدم انتقال جميع التركة مع الدين.

و اجيب عن السيرة أوّلا بمنع استقرارها على التبعيّة، و ثانيا بمنع منافاتها الانتقال، إذ كما يجب على الورثة صرف أصل التركة في وفاء الدين على القول بانتقالها إليهم، فكذلك يجوز أن يتبعها النماء في ذلك، و مرجعه إلى التبعيّة في مجرّد الحكم التكليفي، و هو لا ينافي الانتقال و الملكيّة.

و للقول الثاني أيضا وجوه:

منها: معلوميّة عدم بقاء المال بلا مالك، و لا يكون مالكه الغرماء للإجماع عليه بقسميه، و لا الميّت لكون الملك صفة وجوديّة لا يقوم بالمعدوم و لذا لم يملك ابتداء إذ لا فرق بين الابتداء و الاستدامة.

و يزيّفه أوّلا: النقض بالثلث مع الوصيّة و ليس ملكا للورثة.

و ثانيا: أنّه لا مانع من بقاء الملك بلا مالك، و لا دليل من عقل و لا نقل على امتناعه. و دعوى معلوميّته - مع عدم مساعدة دليل عليها - مردودة على مدّعيها. و عليه مبنيّ ما عليه المحقّقون من جعل النسبة بين المال و الملك عموما من وجه لافتراق الأوّل في الحبّة من الحنطة مثلا و افتراق الثاني في ثلث الميّت.

و ثالثا: منع امتناع قيام الملك بالميّت فإنّ كون الملك صفة وجوديّة لا تقوم بالمعدوم مسلّم، و لكن كون الميّت معدوما ممنوع، فإنّ الموت ليس عبارة عن الانعدام،

ص: 358


1- الجواهر 87:26.

بل عبارة عن مفارقة الروح عن البدن، و لكلّ منهما في النشأة الاخرى وجود، أمّا الروح فواضح، و أمّا البدن فلأنّه بعد خرابه يفنى لا أنّه ينعدم. و الفناء و إن فسّر بالهلاك و الاضمحلال إلاّ أنّه في محصّل المعنى عبارة في خراب البدن عن تفرّق أجزائه العنصريّة و لحوق كلّ جزء بعد التفرّق بجنسه.

و بذلك يندفع شبهة منكري المعاد الجسماني استنادا إلى امتناع إعادة المعدوم، لوضوح الفرق بين الفناء و العدم، و الموت المستتبع لخراب البدن فناء لا أنّه عدم.

على أنّ لقائل أن يقول: إنّ الملك من الصفات القائمة بالروح و لا شبهة في وجوده في نشأة الآخرة، و لئن سلّمنا أنّه يقوم به بشرط علاقته بالبدن، يجوز قيامه به أيضا لجواز تعلّقه في هذه النشأة ببدن آخر على القول بثبوت القالب المثالي فليتدبّر.

و من الجائز أيضا كون ثلث الميّت أيضا ملكا له، كما هو ظاهر النصوص من نحو قوله عليه السّلام: «و له ثلث ماله»(1) و قوله عليه السّلام: «و ليس له إلاّ الثلث»(2) و نحو ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

و منها: أنّها لو لم تنتقل إليهم لما شارك ابن الابن مثلا عمّه إذا مات أبوه بعد جدّه ثمّ حصل الإبراء من الدين، و التالى باطل إجماعا.

و فيه: عدم ملازمة مشاركة ابن الابن بعد حصول الإبراء لمالكيّته من أبيه لجواز كون منشئه الاستحقاق الّذي ينتقل بالإرث، فكما أنّ عمّه يملك بعد الإبراء لأجل استحقاقه التركة فكذلك ابن أخيه أيضا يملكه لأجل الاستحقاق الّذي ورثه من أبيه.

و منها: أنّ الحالف مع الشاهد إنّما هو الوارث المخاصم في مال الميّت، فلو لا الانتقال إليه لساوى الغريم في عدم ثبوت مال الغير بيمينه.

و فيه: أيضا يجوز أن يكون ثبوت المال بيمينه مع شاهد لنحو استحقاق له في

ص: 359


1- الكافي 3/11:7، الفقيه 5422/185:4، الاستبصار 2/119:4، تهذيب الأحكام 191:9 / 2، الوسائل: 2/272:19.
2- الكافي 7/8:7 و 10، الفقيه 5426/186:4، الاستبصار 121:4-12/122، تهذيب الأحكام 8/188:9-9، الوسائل: 6/273:19، ب 10 من كتاب الوصايا، و الباب 1/11، 12، و في: 2/297، ب 17، و في: 7/299.

المال ليس للغريم و لا لغيره ممّن ليس بوارث.

و منها: أنّه لا خلاف في أنّ الورثة أحقّ بأعيان التركة من [الميّت]، بل عليه الإجماع بقسميه، و من هنا حكي عن بعضهم(1) أنّ النزاع في القيمة لا في نفس التركة.

و فيه: أنّ الأحقّية لا تلازم الملكيّة بل هي عبارة عن عدم جواز مزاحمة غيرهم في أخذ عين التركة بقيمتها للورثة.

و منها: عموم ما دلّ على أنّ جميع تركة الميّت لوارثه كقوله عليه السّلام: «ما تركه الميّت لورثته»(2) اعتمد عليه شيخنا في الجواهر(3) و لم نقف عليه في الروايات، و على تقدير وجوده و سلامة سنده قابل للتخصيص، فيخصّص بغير المديون، أو بما يفضل عن الدين كما يخصّص بالزائد على الثلث في صورة الوصيّة، و الشاهد الخبران المتقدّمان(4)فإنّهما لوضوح دلالتهما على عدم الانتقال مع الدين ينهضان لتخصيص العموم المذكور، و لا صارف لظهورهما بحيث أوجب التأويل فيهما.

غاية الأمر إن سلّمنا الشهرة المحكيّة في عبارة الذخيرة المتقدّمة(5) على انتقال ما يفضل عن الدين المعتضدة بما تقدّم(6) عن المدارك من عدم قائل بخلافه و الإجماع المحكيّ نقله عن بعضهم أن يخصّصا أيضا بما يقابل الدين و محصّل مضمونهما حينئذ:

أنّ ما قابل الدين مع الاستيعاب و مع عدمه لا ينتقل إلى الورثة فمع الاستيعاب لا ينتقل شيء أصلا، و مع عدمه لا ينتقل غير الفاضل، و هذا هو المختار المعوّل عليه.

و من ثمرات القولين ما أشار إليه شيخنا من أنّه: «لا إشكال في تعلّق الدين بالنماء بناء على بقائها على حكم مال الميّت، و أمّا على الانتقال إلى الوارث فالمتّجه عدمه للأصل. و دعوى تبعيّة النماء للمال في التعلّق أيضا ممنوعة»(7).

أقول: و جعل في المدارك(8) عدم تعلّق الدين بالنماء على القول المذكور ممّا قطع

ص: 360


1- الجواهر 88:26-89.
2- الوسائل 247:26-4/248، ب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، مع اختلاف طفيف.
3- الجواهر 88:26-89.
4- تقدّما في: 355.
5- تقدّمت في: 357.
6- تقدّم في: 357.
7- الجواهر 88:26-89.
8- المدارك 154:5.

به الأصحاب و علّله بعدم كونه جزء من التركة كما عرفته سابقا. و لتتمّة الكلام في المسألة موضع آخر.

ثمّ إنّ ما بيّنّاه من تعلّق الدين بالنماء على القول الأوّل على تقدير استيعاب الدين للتركة و النماء المتجدّد معا واضح، و أمّا على تقدير استيعابه لأصل التركة دون النماء بأن يكون التركة بانفرادها مساوية للدين ففي تعلّق الدين بالنماء عند تجدّده إشكال، منشؤه التشكيك في انتقال النماء إلى الورثة حينئذ و عدمه فإنّ فيه احتمالين: من أنّ النماء في الصورة المفروضة كالفاضل عن الدين من التركة فينتقل إلى الورثة، و من أنّه كما يتّبع الأصل في الملك الحقيقي فكذلك يتّبعه في الملك الحكمي، و التركة في حكم مال الميّت و كذلك النماء.

و يساعد عليه أصالة عدم الانتقال كما يساعد على الأوّل أصالة عدم تعلّق الدين بالنماء، و يمكن ترجيحه على أصالة عدم الانتقال بوروده عليه لكون شكّه سببيّا فإنّ المانع من انتقال التركة و نمائها إلى الورثة إنّما هو الدين، و إذا شكّ في تعلّقه بالنماء كان ذلك الشكّ سببا للشكّ في انتقاله.

و من المحقّق في محلّه تقديم الأصل السببي، و لا يقدح فيه قاعدة تبعيّة النماء للأصل، لأنّ القدر المسلّم منها التبعيّة في الملك لا في عدم الملك، فلا يلزم من عدم كون التركة ملكا للورثة عدم كون النماء ملكا لهم، و لا دليل على التبعيّة أيضا في كونه في حكم مال الميّت مع كونه فاضلا عن الدين.

و بما ذكر يظهر الحال في النماء في الدين الغير المستوعب للتركة، فإنّ الوجه فيه أيضا على ما بيّنّاه الانتقال إلى الورثة، قضيّة لورود أصالة عدم تعلّق الدين على أصالة عدم الانتقال. و من فوائد كونه في الصورتين ملكا لهم، وجوب الزكاة فيه عند بلوغه النصاب لو كان ثمرة النخيل أو الكروم مع اتّحاد الوارث، أو تعدّده مع بلوغ نصيب كلّ واحد أو نصيب بعضهم النصاب.

و بالتأمّل فيما حقّقناه يظهر أنّ ما تقدّم في الصورة الثانية - من التفصيل في وجوب

ص: 361

الزكاة و عدمه في الثمرة الظاهرة بعد موت المالك على الوارث بين انتقال التركة إليه و عدمه - إنّما يستقيم فيما لو كان الدين مستوعبا للتركة و الثمرة معا، و أمّا ما لو لم يستوعب الثمرة استوعب الأصل أو لا فلا فرق بين القولين في وجوب الزكاة على الوارث في الثمرة مع اجتماع شرائطها لكون الثمرة حينئذ ملكا له على القولين.

و على الدين المستوعب للأصل و الثمرة ينزّل إطلاق كلام جماعة من الأصحاب هنا.

و لعلّ ما ذكرناه من عدم الفرق في الدين الغير المستوعب يندرج فيما أشار إليه في المدارك بقوله: «فاعلم أنّ قول المصنّف رحمه اللّه: إذا مات المالك و عليه دين يقتضي بإطلاقه عدم الفرق في الدين بين المستوعب للتركة و غيره إلاّ أنّ الظاهر حمله على المستوعب كما ذكره في المعتبر(1) لأنّ الدين إذا لم يستوعب التركة ينتقل إلى الوارث ما فضل منها عن الدين عند المصنّف، بل و غيره أيضا ممّن وصل إلينا كلامه من الأصحاب، و على هذا فيجب زكاته على الوارث مع اجتماع شرائط الوجوب، خصوصا إن قلنا إنّ الوارث إنّما يمنع من التصرّف فيما قابل الدين من التركة خاصّة، كما اختاره الشارح(2)و جمع(3) من الأصحاب»(4) انتهى.

الصورة الثالثة: أن يكون موته بعد ظهور الثمرة و قبل بلوغها الحدّ الّذي يتعلّق به الوجوب ثمّ بلغت قبل أداء الدين مع كون الدين مستوعبا للتركة الّتي منها الثمرة هنا، فالوجه فيه على ما في كلام جماعة(5) بناء المسألة على القولين في انتقال التركة إلى الورثة، فعلى القول بعدم الانتقال لم يجب الزكاة. لما مرّ في الصورة السابقة.

و على القول بالانتقال ذكروا فيه وجوها أربع صار إلى كلّ وجه قائل.

الأوّل: عدم الوجوب مطلقا، ذهب إليه ثاني الشهيدين استنادا إلى المنع من التصرّف في التركة قبل أداء الدين(6).

الثاني: الوجوب مطلقا سواء قلنا بجواز التصرّف في التركة أو في الثمرة قبل أداء

ص: 362


1- المعتبر 543:2-544.
2- المسالك 397:1.
3- منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 103:4.
4- المدارك 154:5-155.
5- البيان: 169، المنتهى 206:8، فوائد القواعد، ينقل عنه النجفي في الجواهر 248:15.
6- المسالك 397:1.

الدين أم لا، و استقر به في الذخيرة و نسب إلى الشهيد في البيان(1) احتماله تعليلا: «بحصول السبب و الشرط أعني إمكان التصرّف و كون تعلّق الدين هاهنا أضعف من تعلّق الرهن»(2)و استدلّ هو على تقدير المنع من التصرّف في التركة حتّى الثمرة بعموم أدلّة وجوب الزكاة، و عدم ثبوت كون المنع من التصرّف مطلقا مانعا من وجوبها فإنّهم لم يحتجّوا على ذلك إلاّ ببعض الأخبار المختصّة ببعض المواد(3) الّتي لا تشمل محلّ البحث.

الثالث: ما اختاره في التذكرة من أنّه: «إن كان للورثة مال أخرجوه من مالهم لأنّ الوجوب حصل في ملكهم، و تعلّق حقّ الغرماء بذلك لا يمنع من وجوب الزكاة كالمرهون، فإن لم يكن للورثة مال يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها لتعلّق الدين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة و وجوبها لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين و هي استحقاق جزء من المال فيقدّم على حقوق الغرماء»(4).

الرابع: ما فصّله في المدارك من أنّه: «إن تمكّن من التصرّف في النصاب و لو بأداء الدين من غير التركة وجبت الزكاة عليه و إلاّ فلا»(5) و أدلّة هذه الأقوال غير خالية عن تجشّمات و مصادرات و مقدّمات غير ثابتة، بل الثابت خلافها.

و الظاهر بناء المسألة على خلاف آخر في تعلّق الدين بالتركة المجمع عليه في الجملة: هل هو كتعلّق الدين بالرهن ؟ فيمنع الورثة من التصرّف فيها و إن كانت ملكا لهم، أو كتعلّق أرش الجناية برقبة الجاني ؟ أو أنّه تعلّق مستقلّ ليس كأحد التعلّقين فلا يمنعون من التصرّف فيها على التقديرين.

و الأوّل مختار الشهيد الثاني في المسالك(6) و الثاني مختار العلاّمة في التذكرة(7).

و الثالث مختار جامع المقاصد(8).

و الحقّ أنّ التعلّق في الجملة ثابت و كونه كتعلّق الرهن غير ثابت، بل عدم كون المقام من موضوع الرهن يأباه، فيشكّ في منع الورثة من التصرّف في التركة و الأصل عدم المنع، فالمقتضي لوجوبها و هو عموم الأدلّة موجود مع تحقّق شرائط الوجوب

ص: 363


1- الذخيرة: 444.
2- البيان: 180.
3- كذا في الأصل، و لعلّ الصواب: الموارد.
4- التذكرة 160:5.
5- المدارك 154:5.
6- المسالك 398:1-399.
7- التذكرة 160:5.
8- جامع المقاصد 12:3.

الّتي منها الملك و التمكّن من التصرّف و المانع من وجوبها مفقود فتجب.

ثمّ الأصحّ أنّه لا يغرم العشر للديّان إذ لا موجب للضمان و إنّما أخرج حقّ الفقراء لتعلّقه بالعين و وجوب إخراجه فلا يستتبع ضمانا، و هذا هو معنى الاستدلال على عدم الغرامة بأنّ الوجوب قهري فهو كنقص القيمة السوقيّة و النفقة على التركة.

و قيل: يغرم، و استقر به الشهيد في البيان لسبق حقّ الديّان(1) و ضعفه ظاهر ممّا بيّنّاه لمنع تعلّق حقّهم بالعشر بعد فرض عدم منع الدين من وجوب الزكاة فالوجوب كاشف عن عدم تعلّق حقّ لهم بالعشر الواجب إخراجه للفقراء.

و على القول بالتغريم، الأصحّ أنّه لا يتعيّن على الوارث الإخراج من ماله لو وجد مالا يخرجه عن الواجب لفرض تعلّقه بالعين. و القول بتعيينه - لأنّه لا فائدة في الإخراج من العين ثمّ الغرم - ضعيف، لضعف دليله و عدم مقاومته لقضيّة التعلّق بالعين المقتضي لاستحقاق أربابها حصّة منها.

و أمّا في الدين الغير المستوعب للتركة بأن يفضل عنه مقدار الثمرة أو ما زاد فعلى القول بعدم الانتقال حتّى في الفاضل عن الدين فالحكم من حيث عدم وجوب الزكاة على الوارث لانتفاء الملك واضح، و على القول بالانتقال حتّى فيما يقابل الدين فالحكم أيضا من حيث وجوب الزكاة عليه لعدم منع حقّ الديّان عن جواز التصرّف و عن تعلّق الزكاة كما تقدّم أيضا واضح.

و أمّا على القول بعدم الانتقال فيما يقابله و الانتقال فيما يفضل عنه فربّما يسبق إلى الوهم وجوبها مع وحدة الوارث أو بلوغ نصيب كلّ من الثمرة النصاب أو في نصيب من بلغ نصيبه النصاب، لكون الثمرة فاضلة عن الدين مع فرض عدم منع حقّ الديّان إن قلنا بتعلّقه بالفاضل و إن كان منتقلا إلى الوارث.

و يشكل بأنّه إنّما يستقيم على تقدير تخصيص ما يقابل الدين الغير المنتقل إليه بما عدى الثمرة من التركة و هو موضع منع لعدم المخصّص، و الدين مانع من انتقال مقدار ما يقابله منها على سبيل الإشاعة، فالمقام موضع إشكال و للتوقّف فيه الآن مجال.

ص: 364


1- البيان: 169.
المسألة الثامنة: في أنّ الزكاة تتعلّق بالعين
اشارة

المشهور بين الأصحاب كما في الذخيرة(1) و عن الكفاية(2) أنّ الزكاة تتعلّق بالعين، بل عن مجمع الفائدة: «أنّه لا خلاف في تعلّقها بالعين عند أصحابنا»(3) بل عن التذكرة:

«أنّها تجب في العين عند علمائنا»(4) بل عن المنتهى: «تجب في العين لا في الذمّة ذهب إليه علماؤنا أجمع»(5) بل عن الإيضاح: «أنّ الزكاة تتعلّق بالعين بإجماع الإماميّة»(6) بل القائل بوجوبها في الذمّة في الأصحاب غير معلوم حتّى أنّ جماعة منهم المعتبر(7) لم ينبّهوا على وجود هذا القول في أصحابنا.

نعم نقل عن البيان(8) أنّه حكي عن ابن حمزة(9) أنّه نسب القول المذكور إلى بعض أصحابنا، و على تقدير وجود قائل به في أصحابنا لا ينبغي التأمّل في ندرته و شذوذ قوله. و كلماتهم بين ظاهرة و صريحة في عدم الفرق في القولين بين الأنعام و الأثمان و الغلاّت، نعم عن البيان احتمال وجوبها في الذمّة في النصب الخمس من الإبل، لعدم كون الواجب فيها من جنس العين(10).

حجّة القول بالوجوب في العين وجوه:

أوّلها: قوله عليه السّلام: «في أربعين شاة شاة»(11) و قوله عليه السّلام: «في ثلاثين من البقر تبيع»(12)و قوله عليه السّلام: «في عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال»(13) و قوله عليه السّلام: «في خمس من

ص: 365


1- الذخيرة: 446.
2- كفاية الأحكام: 38.
3- مجمع الفائدة: 124:4.
4- التذكرة 187:5.
5- المنتهى 505:1.
6- الإيضاح: 207.
7- المعتبر 520:2.
8- البيان: 186-187.
9- يفهم من بعض عبائره أنّ الزكاة تتعلّق بالعين و لكن لم نعثر على التصريح بها، كذلك لم نعثر على انتسابه إلى بعض الأصحاب.
10- البيان: 186-187.
11- الكافي 534:3-1/535، الاستبصار 1/22:2، تهذيب الأحكام 1/25:4، الوسائل 9: 1/116 و 3، ب 5 من أبواب زكاة الأنعام.
12- تهذيب الأحكام 1/24:4، الفقيه 25:2-1606/26، الوسائل 64:9-1/65، الباب 10 من أبواب وجوب الزكاة.
13- الاستبصار 1/12:2، تهذيب الأحكام 1/6:4، الوسائل 138:9 و 5/140 و 10، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

الإبل شاة»(1) و قوله عليه السّلام: «فيما سقت السماء العشر»(2).

فإنّ ظاهر هذه الألفاظ وجوبها في العين لمكان كلمة «في» الظاهرة في الظرفيّة و حقيقة الظرفيّة: «الاشتمال».

و اعترض عليه في الذخيرة بأنّ كلمة «في» في أمثال هذه المواضع غير واضحة الدلالة على المعنى الظرفي، بل استعمالها في معنى السببيّة شائع ذائع، كما في قول الصادق عليه السّلام: في قتل الخطأ: «مائة من الإبل»(3) و «في العينين الدية(4) و في أحدهما نصف الدية» و كما يقال: في الشيء الفلاني كفّارة كذا في الأخبار الكثيرة الواردة في الكفّارات، و أمثال ذلك كثيرة جدّا. و أضعف من ذلك قوله عليه السّلام: «في خمس من الإبل شاة» لعدم إمكان حملها على الظرفيّة إلاّ بتأويل(5). انتهى.

و فيه: أنّ ورود كلمة «في» لمعنى السببيّة في اللغة و إن شاع و لا ينكر و لكن شيوعه لم يبلغ حدّ الحقيقة و وضع التعيّن و لا المجاز المشهور، بل إطلاقه في معنى الظرفيّة أكثر و أشيع. فتكون عند الإطلاق ظاهرة فيه. و القول بكونها حقيقة في السببيّة كما عن بعض(6) الاصوليين - مع أنّه معارض بما عن الفاضلين(7) و جماعة(8) من فضلاء العامّة من إنكار مجيئه لمعنى السببيّة - في غاية الضعف و السقوط فلا ينبغي الإصغاء إليه.

و أمّا ما ذكره من عدم إمكان حملها في قوله عليه السّلام: «في خمس من الإبل شاة» على الظرفيّة إلاّ بتأويل، فلعلّه أراد من التأويل ما هو بطريق الإضمار بتقدير المقدار لداعي عدم كون الفريضة من جنس النصاب هنا، و هو الّذي ذكروه في الاصول في باب

ص: 366


1- الاستبصار 5/22:2، تهذيب الأحكام 2/21:4، الوسائل 4/110:9، ب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الفقيه 1604/23:2.
2- الكافي 1/512:3، الفقيه 3880/241:3، تهذيب الأحكام 1/13:4.
3- الوسائل 8/196:29، ب 1 من أبواب ديات النفس.
4- الكافي 3/311:7، الفقيه 5285/132:4، تهذيب الأحكام 3/245:10، الوسائل 29: 284-4/285، ب 1 من أبواب ديات الأعضاء.
5- الذخيرة 446:3.
6- غنائم الأيّام 81:4.
7- المعتبر 520:2-521، المنتهى 244:8-245.
8- المغني 537:2، حلية العلماء 33:3، المجموع 377:5.

تعارض الأحوال من دوران الأمر في الكلام بين المجاز و الإضمار.

فيندفع ما ذكره بأنّه لا ضير في ذلك، بل التأويل المذكور هو المتعيّن ترجيحا لحقيقة كلمة «في» إمّا لكون الأرجح في نوع هذا التعارض هو الإضمار تقديما للأظهر على الظاهر بدعوى أنّ اللفظ المحتمل فيه المجاز أظهر في حقيقته من الهيئة التركيبيّة الكلاميّة في عدم الحذف و التقدير، أو لرجحان خصوص الإضمار هنا على المجاز باعتبار استلزام المجاز هنا بإرادة السببيّة من كلمة «في» لمجاز آخر و هو حمل قضيّة الخبر الّتي هي من الجملة الخبريّة على الإنشاء و هو وجوب مقدار الشاة بسبب خمس من الإبل بخلاف صورة الحقيقة فإنّ الجملة حينئذ محمولة على الإخبار من باب بيان الواقع، و يستفاد منه وجوب الأداء بدلالة الالتزام من دون حاجة له إلى التأويل كما يظهر وجهه بأدنى تأمّل.

هذا مع أنّه لا اختصاص المذكور بقوله عليه السّلام: «في خمس من الإبل شاة»(1) بل لا بدّ من ارتكابه في غيره ممّا تقدّم حتّى في قوله عليه السّلام: «في أربعين شاة شاة و في ثلاثين من البقر تبيع و في ستّ و عشرين من الإبل بنت مخاض»(2) خصوصا مع عدم وجود تبيع أو بنت مخاض في النصاب لثبوت الفريضة على المختار في النصاب على سبيل الإشاعة، و لا يستقيم ذلك إلاّ بإرادة الكلّ المجموعي من الشاة و التبيع و بنت المخاض و نصف الدينار، و هو ما يلتئم من أجزاء متساوية على حسب آحاد النصاب بحيث يوجد في كلّ واحد جزء، كأربعين جزء من الشاة في أربعين شاة، و ثلاثين جزء من التبيع في ثلاثين من البقر، و ستّ و عشرين من بنت مخاض في ستّ و عشرين من الإبل و هكذا، لا جزئيّا حقيقيّا معيّنا عند اللّه و لا كلّيّا اعتباريّا و هو «فرد ما» على وجه يؤول إلى تخيير المالك. و لذا لو تلف بعض النصاب بلا تفريط من المالك حصل النقص في الفريضة أيضا بنسبة ما تلف و هو لا يستقيم إلاّ بأن وجد في التالف جزء من الفريضة، بنسبته كجزء واحد من أربعين جزء من الشاة مثلا لو كان التالف شاة واحدة، أو جزءين لو كان شاتين، و هكذا.

ص: 367


1- تقدّم في: 366.
2- تقدّم في: 365.

و من الظاهر أنّ الكلّ المجموعي بالمعنى الّذي ذكرناه باعتبار إشاعته و عدم وجوده مستقلاّ في الخارج ما يعبّر عنه بالمقدار، فلا بدّ من تقديره في الجميع حملا للشاة و التبيع و بنت المخاض و بنت لبون و الحقّة و الجذعة على حقائقها فليتدبّر.

و بما ذكرناه ظهر ضعف ما تقدّم عن البيان من احتمال وجوبها في الذمّة في النصب الخمس من الإبل لعدم كون الواجب من جنس العين، و ضعف تعليله لعدم الفرق في كون الفريضة على الإشاعة حتّى في متّحد الجنس.

و ثانيها: عدّة من الأخبار الظاهرة الدلالة على وجوبها في العين كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين، فباعها على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى ؟ قال عليه السّلام: نعم يؤخذ زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع»(1).

و خبر أبي المعزا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى شرّك بين الفقراء و الأغنياء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»(2).

و صحيح أو حسن بريد بن معاوية قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: بعث أمير المؤمنين عليه السّلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها فقال عليه السّلام له: يا عبد اللّه انطلق... إلى أن قال عليه السّلام: فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه فإنّ أكثره له.. إلى أن قال عليه السّلام: فاصدع المال صدعين ثمّ خيّره أيّ الصدعين شاء، فأيّهما اختار فلا تعرّض له، ثمّ اصدع الباقي صدعين...» إلى آخر الخبر(3).

و صحيح أو حسن محمّد بن خالد أنّه «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصدقة فقال عليه السّلام:

إنّ ذلك لا يقبل منك، فقال: إنّي أحمل ذلك من مالي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: مر مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء و لا يجمع بين متفرّق و لا يفرّق بين مجتمع فإذا دخل المال فليقسّم المال نصفين و يخيّر صاحبها أيّ القسمين شاء، فإن اختار فليدفعه إليه، فإن

ص: 368


1- الكافي 5/531:3، الوسائل 1/127:9، ب 12 من أبواب زكاة الأنعام.
2- الكافي 3/545:3، الوسائل 215:9 و 4/219، ب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- الوسائل 1/129:9، ب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الكافي 1/536:3، تهذيب الأحكام 8/4.

تتبعت نفس صاحب الغنم من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثا فليدفعها إليه ثمّ ليأخذ صدقته، فإذا أخرجها فليقوّمها في من يريد فإذا قامت على ثمن، فإن أراد صاحبها فهو أحقّ بها و إن لم يردها فليبعها»(1).

و المناقشة في الرواية الاولى بأنّ التخيير المستفاد منها ينافي التعلّق بالعين كما في الذخيرة(2) يدفعها: منع المنافاة بل يؤكّده فإنّ البيع في قدر الواجب لمّا لم يكن صحيحا فخيّر الإمام عليه السّلام في أداء الزكاة بين الوجهين: أحدهما: إخراج المشتري إيّاه ممّا اشتراه ثمّ يرجع على البائع بقسطه من الثمن، و ثانيهما: أن يتقبّله البائع و يدفع قيمته من ماله كما في صورة ما لو لم يبعه فإنّ البيع الفاسد وجوده كعدمه.

كما أنّ المناقشة في الرواية الثانية بما في الذخيرة أيضا من: «أنّها و إن تعلّقت بالذمّة لكن يجب إخراجها من الأموال الّتي تدخل تحت ملكه فيحصل الشركة بهذا الاعتبار و ذلك لا يقتضي تعلّقها بعين النصاب، و بالجملة دلالة الخبر على الشركة المصطلح عليها غير واضحة، نعم يصلح للتأييد»(3).

يدفعها: بأنّ ظاهر الخبر هو الشركة في الأموال الزكويّة و صرفها إلى غيرها من الأموال - مع أنّه إخراج للشركة عن حقيقتها - خلاف ظاهر لا داعي إلى ارتكابه، و المفروض عدم ثبوت حقيقة شرعيّة في لفظ «الشركة» بل هي أمر عرفي و على تقدير الثبوت فلا داعي إلى صرفها إلى غير معناها الشرعي. نعم بقرينة ما ستعرف ينبغي التصرّف فيها بحملها على الشركة على وجه المصرفيّة لا على وجه المالكيّة.

و ثالثها: جملة من الوجوه الاعتباريّة وقع الاحتجاج بها في كلام الأصحاب متفرّقة.

منها: أنّها مطهّرة للمال فكانت في العين.

و منها: أنّها لو وجبت في الذمّة لتكرّرت في النصاب الواحد بتكرّر الحول، و التالي باطل اتّفاقا.

و منها: أنّها لو وجبت في الذمّة لم تقدّم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت

ص: 369


1- الكافي 5/538:3، تهذيب الأحكام 10/98:4، الوسائل 3/131:9، ب 14 من أبواب زكاة الأنعام.
2- الذخيرة: 446-447.
3- الذخيرة: 446.

التركة، و التالي باطل اتّفاقا فكذا المقدّم.

و منها: أنّها لو وجبت في الذمّة لم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط، و التالي باطل فكذا المقدّم.

و منها: أنّها لو وجبت في الذمّة لم يجز للساعي تتبّع العين لو باعها المالك، و التالي باطل اتّفاقا فكذا المقدّم.

و لا خفاء في ضعف الكلّ و وضوح دفع الجميع، أمّا الأوّل: فلأنّ كون الزكاة مطهّرة للمال لا يلازم كونها في العين، لجواز كون بلوغ العين النصاب مع اجتماع سائر شروط الوجوب سببا لوجوب قدر في الذمّة لو أدّى كان مطهّرا للعين، و بالجملة كونها مطهّرة للعين، لا يقتضي كونها جزءا منها.

و أمّا البواقي فلمنع الملازمة في الجميع، و سند المنع هو دليل بطلان اللوازم في الجميع و هو الاتّفاق إن تمّ أو غيره. و بالجملة عدم تكرّر الزكاة في النصاب الواحد بتكرّر الحول، و تقدّم الزكاة على الدين مع قصور التركة، و سقوطها بتلف النصاب من غير تفريط، و تتبّع الساعي العين إذا باعها المالك، كلّها أحكام ثبتت بالدليل و لعلّه الاتّفاق فلا ينافي شيء منها الوجوب في الذمّة.

هذا مع إمكان منع بطلان التالي في الجميع، و سند المنع أنّ هذه الأحكام المذكورة كلّها لوازم تترتّب على كون الزكاة في العين و أنّها من فوائده، و لذا يستدلّ على كلّ في محلّ ذكره بذلك فلا بدّ في ثبوت الكلّ من الاستدلال بالتعلّق بالعين فلا بدّ من إثبات ذلك أوّلا بالدليل ثمّ الاستدلال به على تلك الأحكام و لا يمكن العكس. و من هنا ينقدح منع الاتّفاق المستدلّ به على بطلان اللوازم، لأنّه إنّما يتمّ لو كان التعلّق بالعين اتّفاقيّا، و إذ ليس فليس.

و الحاصل أنّ الوجوه المذكورة لا تنهض لإثبات التعلّق بالعين و لا يبعد كونها مؤيّدة للدليل.

و أمّا القول بالوجوب في الذمّة فلم نقف على دليله مع عدم ثبوت كون قائله من الأصحاب، نعم عن المحقّق في المعتبر(1) أنّه حكاه عن بعض العامّة محتجّا عليه بأنّها

ص: 370


1- المعتبر 520:2-521.

لو وجبت في العين لكان للمستحقّ إلزام المالك بالأداء من العين، و لمنع المالك من التصرّف في النصاب إلاّ بعد إخراج الفرض، و الجواب عنهما منع الملازمة، لجواز أنّ الشارع أوجبها في العين العدول في الأداء إلى غير العين مثلا أو قيمة، و رخصة في التصرّف في النصاب بعد أن يضمّن الفرض على نفسه إرفاقا له و تسهيلا للأمر عليه.

[تعلّق حقّ المستحقّ على وجه الاستحقاق و الشركة]

ثمّ إنّ من طريق الاستدلال على وجوبها في العين حسبما بيّنّاه يظهر أنّه بطريق الاستحقاق فيكون المستحقّ شريكا، و هو ظاهر خبري أبي المعزى و بريد بن معاوية(1)وفاقا لجماعة، بل في المدارك: «أنّه الظاهر من كلام الأصحاب حيث أطلقوا وجوبها في العين»(2).

و أمّا ما عن البيان من كونه كتعلّق الرهن أو كتعلّق أرش الجناية بالعبد فلو باعها المالك كان التزاما منه بأدائها(3) فواضح الضعف جدّا.

و الاستدلال على ضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر و هو مرجّح للتعلّق بالذمّة - مع أنّه معارض بالإجماع على تتبّع الساعي العين لو باعها المالك - واضح الدفع بما ذكرناه في دفع حجّة الوجوب في الذمّة، مع إمكان منع الملازمة، و سنده الإجماع المذكور.

و أمّا التمسّك لنفي الشركة بأصالة بقائه على ملكيّة المالك و عدم انتقاله إلى المستحقّ ، فلا خفاء في ضعفه، كضعف التمسّك بأنّه: لو انتقل إلى المستحقّ لكان الانتقال قهريّا كالإرث و الانتقال القهري في غاية الندرة فلا يلحق به موضع الشكّ بل يلحق بالغالب و هو الانتقال الإرادي الاختياري. أمّا ضعف الأوّل فلأنّ الأصل مع وجود الدليل على خروجه عن ملك المالك لا حكم له، و أمّا ضعف الثاني فلأنّا لو قلنا بالانتقال فمدركه ليس قاعدة الإلحاق حتّى يقابل بنحو ما ذكر بل مدركه ظواهر أدلّة التعلّق بالعين.

ص: 371


1- تقدّما في: 368.
2- المدارك 98:5.
3- البيان: 187.

نعم ربّما يشكل الحال فيما اخترناه من التعلّق على وجه الاستحقاق و الشركة لوجهين:

أحدهما: ما اورد عليه من أنّ المستحقّ للزكاة أصناف، منها: في سبيل اللّه، و من الظاهر أنّه ليس بمالك حقيقة بل لا يصحّ مالكيّته.

و ثانيهما: ما اورد عليه أيضا من أنّه لو انتقل إلى المستحقّ فلا يخلو إمّا أن ينتقل إلى مستحقّ معيّن، أو إلى مستحقّ غير معيّن، أو إلى جميع المستحقّين، و الكلّ باطل.

أمّا الأوّل فلعدم الدليل عليه، مع امتناع الترجيح من غير مرجّح، مضافا إلى أنّ انتقاله إلى المعيّن يقتضي وجوب صرفه إليه خاصّة و هو ينافي تخيير المالك في صرفه فى من شاء من المستحقّين. و أمّا الثاني فالانتفاء الدليل عليه أيضا مع جواز صرفه فى من شاء، و هو أيضا ينافي الانتقال إلى غير المعيّن. و أمّا الثالث فلتعذّر إحصاء المستحقّين لكثرتهم فلا يمكن لكلّ منهم سهم مع أنّه يجوز الدفع إلى واحد من غير توقّف على إذن الباقين، و هذا ينافي اشتراك الجميع المقتضي لعدم جواز دفعه إلى بعضهم من دون غيره من الشركاء لحرمة التصرّف في مال الغير بدون إذنه.

و يمكن الذبّ عن الإشكال الأوّل بأنّ معنى التعلّق بالعين على وجه الاستحقاق، خروج قدر الواجب ببلوغ النصاب و حول الحول مع اجتماع سائر الشرائط عن ملك المالك، ثمّ يجب عليه إخراجه و دفعه إلى المستحقّ أو إلى الإمام أو الساعي، فإذا وصل إلى المستحقّ مع كونه ممّن يصلح للمالكيّة كالفقير و المسكين و ابن السبيل و نحوهم يملكه، فما لم يصل إليه لا يكون ملكا لأحد و إن خرج عن ملك المالك، و لا امتناع فيه بل ليس بعزيز كما في ثلث الميّت بناء على أنّه لا يملك و المال الموصى به - بناء على اشتراط قبول الموصى له بعد الموت في ملكه - فبموت الموصي يخرج عن ملكه و يبقى بلا مالك إلى أن يلحقه القبول.

فعدم كون «في سبيل اللّه» مالكا للزكاة حقيقة، لا ينافي تعلّقها بالعين بالمعنى المذكور، بل قد عرفت أنّ سائر الأصناف أيضا لا يملكون ما لم يصل إلى قبضهم، غاية الأمر أنّ المالك يجب عليه بعد خروجها عن ملكه أن يصرفها في مصارفه فمن مصارفه: من يملك، و من مصارفه: ما لا يملك.

ص: 372

و ممّا يكشف عن ذلك أنّهم حملوا آية الصدقة و هي قوله تعالى: إِنَّمَا اَلصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ اَلْمَسٰاكِينِ (1) إلى قوله: وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ على بيان المصرف لا الاستحقاق بقرينة قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي اَلصَّدَقٰاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهٰا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهٰا إِذٰا هُمْ يَسْخَطُونَ (2) فإنّه نزل ردّا عليهم و ردعا لمعتقدهم أنّه صلّى اللّه عليه و آله يجور فيدلّ على أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يجور بل يصرفه في مصرفه، و من ثمراته أنّه لا يجب في الصرف، التوزيع و استيعاب كلّ صنف و لا استيعاب آحاد صنف واحد أيضا.

و من ذلك كلّه ظهر اندفاع الإشكال الثاني أيضا و حاصله: أنّا لا نقول بانتقاله إلى مستحقّ معيّن و لا غير معيّن و لا جميع المستحقّين، بل هناك شقّ رابع و هو خروجه عن ملك المالك، و حيث إنّ مصرفه الأصناف السبع المذكورة في الآية، يتساوى من هذه الجهة نسبته إلى الجميع و إلى آحاد كلّ صنف، و يجوز للمالك صرفه في بعض و لو واحدا من دون اشتراطه بإذن غيره و إذا صرفه فيه سقط نسبته إلى الباقين. و على هذا كلّه فمعنى كون «المستحقّ شريكا» أنّه شركة على وجه المصرفيّة لا أنّه شركة مالكيّة.

ثمّ إنّ هاهنا مسائل:
منها: أنّه لو تمكّن من إخراج الزكاة و إيصالها إلى المستحقّ أو الإمام أو الساعي و لم يفعل فقد فرّط،

و حينئذ فلو تلف النصاب ضمن - كما صرّح به الفاضلان(3)و غيرهما - و إن كانت الزكاة في يده أمانة شرعيّة، لأنّ من حكم الأمانة كونها مضمونة على الأمين في صورتي التعدّي و التفريط.

[تعلّق الزكاة بالصداق]

و منها: أنّه لو تزوّج امرأة و أمهر لها مالا زكويّا بالغا للنصاب و أقبضها ثمّ حال عليه الحول فالزكاة واجبة عليها لتحقّق الحول في ملكها سواء طلّقها بعد الحول و بعد الدخول أو قبله أو لم يطلّقها، غاية الأمر أنّه يستقرّ لها تمام المهر بالدخول، نعم

ص: 373


1- التوبة: 60.
2- التوبة: 58.
3- القواعد 343:1 و 347، المعتبر 535:2 و 505.

لو طلّقها قبل الدخول رجع إليه نصف المهر موفّرا كما في الشرائع(1) و غيره، و عليها الزكاة تماما لأنّها مخاطبة بها.

و اختلفوا في معنى «التوفير» فعن المعتبر: «أنّ له نصف النصاب كملا و كان عليها الزكاة في النصف الباقي الّذي هو نصيبها»(2) مستدلاّ عليه بأنّ الزوج يمكنه الرجوع بنصف المفروض فيرجع به لقوله تعالى: فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ (3) لا بالقيمة، بخلاف ما لو تلف الكلّ فيرجع بقيمة النصف إذ لا طريق له في الرجوع بالنصف إلاّ أخذ القيمة.

و قيل(4) التوفير عدم نقصان نصف المهر على الزوج بسبب الزكاة و لكن لها إخراج الزكاة من عين النصاب و كان له نصف الباقي و غرامة نصف المخرج، و على هذا فهي تتخيّر بين أن تدفع إليه نصف الباقي بعد إخراج الزكاة و تغرم له نصف المخرج، و أن تدفع إليه نصف النصاب تماما و عليها الزكاة في نصيبها من النصف الباقي.

و في المناهل: «أنّ الأحوط ما في المعتبر بل هو في غاية القوّة - أعني تعيّن دفع النصف تماما إليه و إخراج الزكاة من النصف الآخر - و حينئذ فلو تلف ذلك النصف و تعذّر أخذها منها لإعسار و نحوه، كان للساعي الرجوع على الزوج في النصف الراجع إليه، لأنّ الزكاة إنّما تجب في العين و الزوج يرجع إليها بالغرامة و القيمة. و لو طلّقها قبل الدخول في أثناء الحول انقطع الحول في النصف الراجع إليه و إذا تمّ في النصف الآخر و كان نصابا وجب فيه الزكاة و إلاّ فلا، و لو انفسخ النكاح سقط المهر كلّه، و حينئذ فإن كان قبل قبضها لا زكاة عليها جزما، و إن كان بعد قبضها و حال عليه الحول ففي الزكاة عليها إشكال كما عن المنتهى إلاّ أنّه قال: أقربه الوجوب.»

[تكرّر الأحوال المتعدّدة على النصاب]

و منها: إذا كان عنده نصاب كأربعين شاة مثلا و حال عليه أحوال متعدّدة فإن أخرج زكاته عند انقضاء كلّ سنة من غيره تكرّرت الزكاة بتكرّر الحول عليه كما صرّح به

ص: 374


1- شرائع الاسلام 112:1.
2- المعتبر 562:2.
3- البقرة: 237.
4- الدروس 231:1، الشيخ الأنصاري، الزكاة: 210.

الفاضلان(1) و غيرهما، و في المناهل: «ظهور الاتّفاق عليه لعدم إيماء في كتب المذكورين إلى خلاف» و لا إشكال في ذلك لبقائه في طول كلّ سنة في ملك مالكه و هو نصاب تامّ ، فإذا حال عليه الحول في كلّ سنة يتناوله عموم قوله عليه السّلام: «كلّما حال عليه الحول ففيه الزكاة».

و الظاهر من إطلاقهم عدم الفرق في التكرّر بين المختار من تعلّق الزكاة بالعين و القول الآخر من تعلّقها بالذمّة، نعم إن لم تخرج زكاته من غيره لم يجب فيه إلاّ زكاة حول واحد و هو الحول الأوّل على المختار لنقصان المال عن النصاب بخروج بعضه و هو مقدار الفريضة عن ملك مالكه عند حول الحول الأوّل و بقى في غيره من الأحوال ناقصا، و أمّا على القول الآخر فالظاهر تكرّر وجوب الزكاة أيضا - كما هو من ثمرات هذا القول - لكونه نصابا تامّا في كلّ سنة.

و إذا كان عنده أكثر من نصاب كتسعة و أربعين شاة مثلا و لم تخرج زكاته من غيره فعند حول كلّ حول و إن حصل النقص في النصاب على المختار بوجوب الزكاة فيه و خروج جزئه من ملك المالك، إلاّ أنّه يجبر من الزائد فبقى ثمانية و أربعون في ملكه عند تمام الحول الأوّل، و سبعة و أربعون عند تمام الحول الثاني، و ستّة و أربعون عند تمام الحول الثالث، و هكذا إلى أن يبقى أربعون عند تمام الحول التاسع. و متى حصل النقص في أربعين من غير جبران كما لو حال عليه العاشر بدخول الحادي عشر لم يجب فيه زكاة بعد، و قضيّة الفرض عند تمام السنة العاشرة أن يجب عليه عشرة شياه في نحو المثال.

و إذا كان عنده ستّة و عشرون من الإبل و مضى عليها حول واحد وجب عليه بنت مخاض، و إن مضى حولان وجب عليه مع بنت المخاض خمسة شياه، و إن مضى ثلاثة أحوال وجب مع ما ذكر أربعة شياه اخر، و إن مضى أربعة وجب مع ما ذكر ثلاثة شياه اخر، و إن مضى خمسة وجب مع ما ذكر شاتان اخريان، و إن مضى خمسة وجب مع ما ذكر شاة، فمجموع الشياه الواجبة عليه مع بنت المخاض بتكرّر الأحوال الستّ

ص: 375


1- القواعد 343:1، المعتبر 521:2.

خمسة عشر شاة.

و هذا هو معنى ما في الشرائع(1) و غيره من جملة من كتب العلاّمة و غيرها من أنّه:

«إن مضى عليها حولان وجب عليه بنت مخاض و خمس شياه، و إن مضى عليها ثلاث أحوال وجب عليه بنت مخاض و تسع شياه»(2) و علّله في المدارك و الذخيرة بأنّه: «إنّما وجب عليه في الحولين بنت مخاض و خمس شياه لأنّ بنت المخاض هي الفريضة في الحول الأوّل فيبقى خمسة و عشرون و الواجب فيها خمس شياه، و في الحول الثالث ينقص من النصاب قيمة الشياه الخمس فيجب فيها أربع شياه و هكذا»(3) انتهى.

و السرّ في وجوب الأربع في الحول الثالث مع فرض نقصان الشياه الخمس في النصاب الخامس و هو خمسة و عشرون، إنّه يجبر ذلك النقص بالنسبة إلى النصاب الرابع و هو عشرون بما بقى من الخمسة الزائدة عليه فيستكمل عشرون للسنة الثالثة فيجب لها أربع.

ثمّ إنّ في المدارك ذكر و تبعه في الذخيرة: «أنّ ذلك الحكم مقيّد بما إذا كان النصاب بنات مخاض أو مشتملا عليها أو قيمة الجميع بنات مخاض. يعني أن يساوي قيمة كلّ واحد قيمة بنت مخاض، إذ مع انتفاء هذه الفروض فإن كانت قيمة الجميع زائدة عن قيمة بنت المخاض أمكن أن يخرج قيمة بنت المخاض عن الحول الأوّل من جزء واحد من النصاب و يبقى منه قيمة خمس شياه عن الحول الثاني فيجب في الثالث خمس شياه أيضا، و إن كانت ناقصة عن قيمة بنت المخاض نقص النصاب في الحول الثاني عن خمس و عشرين فيجب فيه أقلّ من خمس شياه كما لا يخفى»(4) انتهى.

أقول: ما ذكراه من التقييد حسن، و لكن يرد على ما ذكراه أخيرا على تقدير نقص النصاب في الحول الثاني عن خمس و عشرين من أنّه يجب فيه أقلّ من خمس شياه، أنّه على تقدير حصول النقص في هذا النصاب و عدم جبران له ينبغي أن يسقط فرض خمس شياه رأسا في الحول الثاني لا أن يجب فيه أقلّ من خمس شياه، و قضيّة ذلك

ص: 376


1- الشرائع 113:1.
2- التحرير 363:1-364، المنتهى 487:1.
3- المدارك 101:5، الذخيرة: 447.
4- المدارك 101:5، الذخيرة: 447.

أن يجب في مفروض المسألة - و هو ما لو مضى على ستّ و عشرين من الإبل ثلاثة أحوال - بنت مخاض و أربع شياه للعشرين الّذي هو النصاب الرابع لنقصان الخمسة و العشرين عن النصاب. و يمكن تنزيل كلامهما على ذلك بأن يكون المراد من وجوب أقلّ من خمس شياه في الحول الثاني وجوب أربع شياه مع بنت المخاض، و ليس ببعيد.

[التجانس في الأنعام]

و منها: أنّ الضأن و المعز جنس واحد في وجوب الزكاة، و كذلك البقر و الجاموس، و العراب من الإبل بكسر العين و البخاتي بفتح الباء جمع البختي بضمّها و هي الإبل الخراسانيّة و العراب خلافها، كما صرّح به جماعة من المتأخّرين(1) و متأخّريهم(2) على وجه يظهر منهم عدم الخلاف فيه، و لذا قال في الذخيرة: «لا أعرف فيه خلافا»(3) و عن التذكرة و المنتهى: «لا نعرف فيه خلافا»(4).

و في المدارك ما يؤذن بدعوى الإجماع عليه حيث قال: «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب»(5) و عن الشهيد في البيان دعوى الإجماع عليه في خصوص البقر و الجاموس(6) كما عن المعتبر فيهما أيضا دعوى اتّفاق العلماء عليه(7).

و يدلّ عليه فيهما أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قلت له: في الجاموس شيء؟ قال عليه السّلام: مثل ما في البقر»(8).

فالنصاب يتحقّق بمجموع الصنفين من كلّ من الأجناس الثلاث المذكورة بلا إشكال في المسألة. و قضيّة اتّحاد الجنس فيهما أن يتخيّر المالك في إخراج الفريضة من أيّهما شاء من النصاب المجتمع كما صرّحوا به أيضا من غير خلاف في الجملة.

ص: 377


1- الشرائع 113:1، القواعد 338:1 شرح اللمعة 13:2-14، الدروس 234:1.
2- المدارك 102:5، الحدائق 71:12، غنائم الأيّام 79:4، مجمع الفائدة 72:4-73، الذخيرة: 447.
3- الذخيرة: 447.
4- التذكرة 77:5 و 81، المنتهى 482:1.
5- المدارك 104:5.
6- البيان: 176.
7- المعتبر 501:2 و 503.
8- الفقيه 1607/26:2، الوسائل 1/115:9، ب 5 من أبواب زكاة الأنعام.

و هل يعتبر في التخيير تساوي الصنفين في القيمة أو لا، بل هو مطلق مع التساوي و مع الاختلاف ؟ فيه قولان: ثانيهما للعلاّمة فى جملة من كتبه(1) و استحسنه في المعتبر(2) على ما حكي، و عن الكفاية أنّه: «الأشهر»(3) و هو الأظهر لصدق الامتثال مع الإخراج من أيّ الصنفين، لصدق اسم الشاة و الجذع و التبيع و المسنّة و بنت المخاض و غيرها عرفا و لغة على الجميع.

و عن جماعة منهم الشيخ و العلاّمة في التذكرة(4) و المنتهى(5) و الشهيدين في الدروس(6) و المسالك(7) وجوب التقسيط مع الاختلاف، فلو كان عنده عشرون بقرة و عشرون جاموسة و قيمة المسنّة من أحدهما اثنتا عشر و من الآخر خمسة عشر، أخرج مسنّة من أيّ الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر و نصف. و عن البيان: «احتمال أنّه يجب من كلّ صنف نصف مسنّة أو قيمته»(8) و هذا يرجع إلى ما ذكره الجماعة، و في معناهما وجوب مسنّة مجموع قيمته نصف قيمة مسنّة من صنف و نصف قيمتها من صنف آخر. و كيف كان فهذا القول أحوط و إن كان الأوّل أقوى.

[قبول ادّعاء المالك من دون بيّنة و يمين]

و منها: أنّه لو ادّعى المالك عدم حولان الحول على ماله، أو تلف ما ينقص النصاب بتلفه في أثناء الحول، أو إبداله في أثناء الحول، أو إخراج الزكاة، أو نقصان الخرص في الغلاّت، قبل قوله من غير بيّنة و لا يمين، كما هو المصرّح به في كلام المتأخّرين(9)و متأخّريهم(10) من غير نقل خلاف، بل الظاهر عدم الخلاف فيه و إن كانت عباراتهم مختلفة في ذكر جميع الامور المذكورة و الاقتصار على بعضها، و عن المعتبر و المنتهى

ص: 378


1- المنتهى 448:1، التحرير 368:1، القواعد 338:1.
2- لم نعثر عليه في المعتبر.
3- كفاية الأحكام: 38.
4- التذكرة 77:5.
5- المنتهى 448:1 و 487.
6- الدروس 234:1.
7- المسالك 380:1.
8- البيان: 176، فيها: و يحتمل أن يجب في كلّ صنف ثلث تبيع منه أو قيمته....
9- المعتبر 587:2، القواعد 342:1، البيان: 201، شرح اللمعة 54:2.
10- جامع المقاصد 24:3، المدارك 102:5-103، الذخيرة: 445، غنائم الأيّام 181:4-182.

الاستدلال بأنّ الزكاة عبادة شرعيّة فيرجع فيها إلى قوله(1).

و العمدة في مستند الحكم ما في صحيح أو حسن بريد بن معاوية عن الصادق عليه السّلام في حديث أمير المؤمنين عليه السّلام في جملة كلام له عليه السّلام لمصدّقه الّذي أرسله إلى بادية الكوفة: «قل لهم: يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه تعالى في أموالكم فهل اللّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه ؟ فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه، و إن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخفيفه أو تعده إلاّ خيرا»(2).

ثمّ إنّه لو شهد عليه شاهدان مع اجتماع شرائط قبول الشهادة و منها العدالة فيهما قبل شهادتهما فيؤخذ منه الزكاة سواء شهدا بحول الحول أو بعدم الإخراج، و لكن بحيث رجع إلى الإثبات لتعذّر أو تعسّر الاطّلاع على العدم المحض كأن يدّعي المالك إخراج شاة معيّنة في وقت معيّن و شهد الشاهدان بموت تلك الشاة في الوقت المذكور أو خروجها عن ملكه أو غير ذلك ممّا يخرجها عن الشهادة على النفي الصرف.

[جواز الخرص]
اشارة

و منها: أنّه صرّح جماعة - كما عن الشيخين في المقنعة(3) و المبسوط(4) و الفاضلين في المعتبر(5) و المنتهى(6) و القواعد(7) و الإرشاد(8) و التحرير و الشهيد في الدروس(9) و البيان(10)و صاحبي المدارك(11) و الذخيرة(12) و غيرهم - بجواز الخرص على أرباب النخيل و الكروم و تضمينهم حصّة الفقراء، و عن المعتبر: «اتّفاق علمائنا و أكثر العامّة(13) عليه»(14)

ص: 379


1- المعتبر 587:2، المنتهى 448:1 و 487.
2- الوسائل 1/129:9، ب 14 من ابواب زكاة الانعام، الكافي 1/536:3، باب ادب المصدق، تهذيب الأحكام 8/4، ب 29.
3- المقنعة: 239.
4- المبسوط 215:1-216.
5- المعتبر 535:2.
6- المنتهى 500:1.
7- القواعد 342:1.
8- الإرشاد 284:1.
9- الدروس 237:1.
10- البيان: 182.
11- المدارك 106:5.
12- الذخيرة: 445.
13- حلية العلماء 79:3، المغني 569:2، المجموع 478:5.
14- المعتبر 535:2-536، لم نعثر فيه ما يدلّ على التصريح بهذا الاتّفاق و الإجماع و لكن يفهم من مطاوي عبائره.

و عنه و عن المنتهى التمسّك بما رواه الجمهور عن غياث بن أسيد: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم»(1). و المرويّ أيضا أنّه:

«خرص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على امرأة بوادي القرى حديقة لها»(2). و المرويّ أيضا «أنّه بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عبد اللّه بن رواحة إلى يهود فخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه»(3) و بأنّ أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل و التصرّف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر(4).

و الروايات المذكورة أخبار عاميّة غير صالحة للاستناد إليها - مع ما قيل على خبر عبد اللّه بن رواحة من عدم كون مورده من المسألة في شيء فإنّه ورد في يهود خيبر الّذين قبّلهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أرضها و نخلها بالنصف - و الأخير اعتبار لا يصلح لتأسيس الحكم الشرعي. و الكلّ يصلح للتأييد لو وجد على الحكم دليل يعوّل عليه.

و العمدة في المقام الاستدلال بما تقدّم في مسألة وقت وجوب الزكاة في الغلاّت من قول أبي الحسن عليه السّلام في صحيح سعد بن سعد الأشعري الوارد في العنب «إذا خرصه أخرج زكاته»(5).

و بصحيحه الآخر أيضا عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل... إلى أن قال: و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى يجب على صاحبها؟ قال عليه السّلام:

إذا صرم و إذا خرص»(6).

و دلالتهما على مشروعيّة الخرص واضحة كوضوح دلالة ثانيهما على عدم الفرق في المشروعيّة بين الغلاّت الأربع، و عليه فالاختلاف في جوازه في الزرع كما عن الشيخ(7)

ص: 380


1- سنن البيهقي 121:4، سنن الترمذي 644/36:3، سنن ابن ماجة: 1819/582:1.
2- صحيح 155:2، مسند أحمد 424:5، سنن البيهقي 122:4.
3- سنن أبي داود، 1606/110:2، سنن البيهقي 123:4، المصنّف 7219/129:4.
4- المعتبر 535:2، المنتهى 500:1.
5- الكافي 5/514:3، الوسائل 1/175:9، ب 1 من أبواب زكاة الغلاّت.
6- الوسائل 1/307:9، ب 52 من أبواب المستحقّين للزكاة، الكافي 4/523:3.
7- الخلاف 60:2، المسألة 73.

و جماعة(1) و عدمه كما عن ابن الجنيد(2) و الفاضلين في المعتبر(3) و المنتهى(4)و التحرير(5) ليس على ما ينبغي، فالقول بالجواز فيه هو الصحيح، من جهة النصّ الصحيح لا لما استدلّوا به من وجود المقتضي - و هو الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه و تصفيته - لضعفه بما أشرنا إليه، كضعف احتجاج الآخرين(6) بأنّ الخرص نوع تخمين و عمل بالظنّ فلا يثبت إلاّ في موضع الدلالة. و التشبيه بالكرم قياس فاسد، مع وقوع الفرق من وجهين:

أحدهما: أنّ الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه و تبدّده و عدم اجتماعه و قلّة التطلّع على مقدار كلّ سنبلة منه، بخلاف النخل فإنّ ثمرته ظاهرة مجتمعة يتمكّن الخارص من إدراك كلّ غدق منها و كذا الكرم.

و ثانيهما: أنّ الحاجة فى النخل و الكرم ماسّة الى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها رطبة غالبا قبل الجذاذ و الاقتطاف، بخلاف الزرع فإنّ الحاجة إلى تناول الفريك منه قليلة جدّا.

في وقت الخرص

ثمّ إنّه ربّما يشكل الحال في وقت الخرص و إن كان لا يبعد بناؤه على الأقوال الثلاث المتقدّمة(7) في وقت تعلّق الوجوب، فعلى المشهور من كونه بعد بدوّ الصلاح و هو انعقاد الحبّ في الحنطة و الشعير و الحصرم في الزبيب و الاصفرار أو الاحمرار في التمر يتّجه كون وقته حين بدوّ الصلاح، و على القول بكون وقت الوجوب ما بعد التسمية يتّجه كون وقته حين التسمية، و لذا قال في المناهل: «و كيف كان فاحتمال كون الخرص حين التسمية بالتمر و الزبيب و الحنطة و الشعير على المختار في غاية القوّة»

ص: 381


1- المدارك 163:5، الذخيرة: 445، الحدائق 133:12، غنائم الأيّام 102:4، جامع المقاصد 3: 23، كشف الغطاء 348:2-349، الجواهر 256:15.
2- المختلف 186:3.
3- المعتبر 537:2.
4- المنتهى 500:1 و 502.
5- التحرير 378:1.
6- و هم مخالفو الخرص في الزرع.
7- تقدّم في: 307.

انتهى. و على ما رجّحناه من كون وقت الوجوب في التمر و الزبيب حين الرطبيّة و العنبيّة و في غيرهما حين التسمية يتّجه كون الخرص أيضا كذلك.

و لكنّ الأحوط في الجميع كونه حين بدوّ الصلاح، لأنّ الأحوط في وقت تعلّق الوجوب هو ذلك، و لما في المعتبر و المنتهى من: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يبعث الخارص ذلك الوقت»(1).

و من الغريب أنّ الفاضلين في الكتابين مع مصيرهما في وقت الوجوب إلى كونه حين التسمية(2) صرّحا بكون وقت الخرص حين بدوّ الصلاح، و اللازم من كلامهما عدم جواز التصرّف للمالك في الثمرة بعد بدوّ الصلاح ما لم يحصل الخرص مع أنّهم جعلوا من فروع القول بكون وقت الوجوب حين التسمية، جواز التصرّف مطلقا، و إنّما فرّعوا عدم الجواز إلاّ بعد الخرص على القول بكون وقت الوجوب حين بدوّ الصلاح، فبين كلاميهما تهافت واضح كما تنبّه عليه غير واحد.

[عدد الخارصين]

و صرّح جماعة بكفاية الواحد في الخرص(3) كما صرّح غير واحد منهم بكون الاثنين أفضل(4) و عن الشيخ التصريح بكونهما أحوط استظهارا(5) و ربّما ادّعي ظهور الاتّفاق على كفاية الواحد(6) و يحتمله إطلاق النصّ و الفتوى(7) و يؤيّده ما عن المعتبر و المنتهى: من أنّ النبيّ اقتصر على خارص واحد حيث أرسل عبد اللّه بن رواحة(8). و أنّ الخارص يقدّر الثمرة بحسب حدسه و اجتهاده فكان بمنزلة المفتي و الحاكم، و أنّ الأمانة

ص: 382


1- المعتبر 535:2-536، المنتهى 500:1.
2- المنتهى 497:1 و 499، المعتبر 534:2.
3- القواعد 343:1، البيان: 182، جامع المقاصد 24:3، المدارك 160:5-161.
4- مجمع الفائدة 123:4، الذخيرة 445:3، المنتهى 500:1، الدروس 237:1، الجواهر 258:15.
5- المبسوط 217:1.
6- لم نظفر على قائله.
7- المبسوط 217:1، المعتبر 536:2، الجامع للشرائع: 123، المدارك 160:5-161، الذخيرة: 445، القواعد 343:1 و التذكرة 165:5، البيان: 182.
8- المعتبر 535:2-536، المنتهى 500:1.

بمعنى العدالة المعتبرة فيه يعصمه عن تطرّق التهمة إليه.

و أفضليّة الاثنين بل أحوطيّتهما - خروجا عن شبهة مخالفة الواقع - واضحة. نعم يعتبر فيه كونه من أهل المعرفة بهذا الشأن، و كونه عدلا أيضا كما صرّح به غير واحد، لأنّه المتيقّن من محلّ الرخصة و مشروعيّته، مضافا إلى آية النبأ(1) القاضية بعدم الوثوق بقول الفاسق.

و عن البيان التصريح بأنّه: «إذا خرص المالك بنفسه جاز»(2) و ظاهره قبول قوله فيه مطلقا، و لعلّه للاستقراء القاضي بكون مبنى الأمر في باب الزكاة على الإرفاق و سهولة الأمر عليه، و لذا قبل قوله في الإخراج و النصاب و التلف و عدم الحول و الإبدال في أثنائه.

و عن الأردبيلي في مجمع الفائدة نفي البعد عنه مع قوله بأنّه: «ينبغي أن يكون الخرص حينئذ مع وكيل الحاكم مثل الساعي و إن لم يكن فمع العدلين أو العدول، لأنّه أحوط و أبعد من التهمة و من إضلال الشيطان و تسويل النفس»(3) نعم لو تعذّر للحاجة لا يبعد جوازه عند نفسه، و حيث اكتفي بخرص نفسه سقط اعتبار العدالة، نعم المعرفة معتبرة على كلّ حال إذ لا اعتداد بقول غيره.

بيان كيفيّة الخرص

و كيفيّته أن تتبّع كلّ نخلة أو كلّ كرم و يقدّر بحسب حدسه و تخمينه ما على كلّ من الرطب أو العنب، ثمّ يجمع المقدّرات ثمّ يقدّر ما يخرج من المجموع تمرا أو زبيبا لو جفّ فإن بلغ المقدّر النصاب تبيّن تعلّق الزكاة و وجوبها، ثمّ يقدّر حصّة الفقراء من الرطب و العنب بحساب العشر أو نصف العشر و هكذا يصنع في خرص الزرع مع أدنى تفاوت في التتبّع يعرفه أهل هذا الشأن.

ثمّ عن المعتبر و المنتهى و التحرير و القواعد: «أنّ الخارص إذا عرف المقدار يخيّر الملاّك بين تركه أمانة في يدهم و بين تضمينهم حصّة الفقراء و يضمّن لهم حقّهم، فإن

ص: 383


1- الحجرات: 6.
2- البيان: 182 و 194.
3- مجمع الفائدة 121:4.

اختاروا الضمان كان لهم التصرّف كيف شاءوا، و إن أبوا جعله أمانة و لم يجز لهم التصرّف بالأكل و البيع و الهبة لأنّ فيها حقّ المساكين»(1) و لعلّ وجه التخيير بين الأمرين المحافظة على حقّ الفقراء عن التلف و النقصان.

و ظاهر إطلاقهم بعدم جواز التصرّف - على تقدير اختيار جعله أمانة - عدم جواز التصرّف في الجميع، و هو قضيّة التعليل أيضا كما في المال المشترك، و لكن عن النهاية:

«أنّ الظاهر أنّ المنع عن الأكل و الهبة إنّما هو في عشر المساكين لا في تسعة أعشار المالك»(2) و كأنّه أراد به أنّ مورد المنع الذاتي هو: «عشر الفقراء» لا ما يعمّه و المنع العرضي الشامل لتسعة أعشار المالك أيضا، و إلاّ فعشر الفقراء غير ممتاز عن تسعة أعشار المالك لأنّه إنّما يتعلّق بعين مجموع النصاب على سبيل الإشاعة، فتخصيص ماهيّة المنع بالعشر مع انتشاره في الجميع و إشاعته غير جيّد، إلاّ أن يراد ذلك بعد تعيين الخارص أو تعيين المالك بنفسه. و أمّا جواز التصرّف في الجميع بعد الخرص و التضمين فالظاهر أنّه محلّ وفاق بل في المحكيّ عن المنتهى التصريح بالإجماع عليه قائلا:

«و لو أكل المالك رطبا فإذا كان من بعد الخرص و التضمين جاز إجماعا، لأنّ فائدة الخرص إباحة التناول»(3).

و هل يجوز للمالك أن يضمن نصيب الفقراء بنفسه من دون تضمين الخارص ؟

الظاهر الجواز خصوصا إذا اريد بالضمان أن يتقبّله المالك بقيمته السوقيّة، و هو الظاهر عملا بأدلّة العدول في الزكاة إلى القيمة. و قد صرّح بالجواز هنا أيضا في المحكيّ عن المنتهى قائلا: «و لو كان يعني أكل المالك رطبا بعد الخرص و قبل التضمين بأن خرص عليه الخارص و لم يضمّنه جاز إذا ضمن بنصيب الفقراء، و كذا لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو بنفسه»(4).

و يظهر الجواز من عبارة صاحب المدارك حيث إنّه - بعد ما تنظّر في أكثر الأحكام الّتي نقلها عن المحقّق(5) في هذا المقام - قال: «و القدر المتحقّق من ذلك جواز البناء

ص: 384


1- المعتبر 536:2، المنتهى 500:1-501، التحرير 378:1، القواعد 342:1، 343.
2- نهاية الإحكام 356:2.
3- المنتهى 502:1.
4- المنتهى 502:1.
5- المعتبر 536:2.

على قدر الخرص عند عدم العلم بالمقدار، و جواز التصرّف في الثمرة بعد الضمان لأنّ ذلك فائدة الخرص، و للإجماع المنقول عليه من جماعة منهم العلاّمة في المنتهى فإنّه قال: لو أكل المالك رطبا... إلى آخر ما حكاه من عبارة المنتهى المتقدّمة. ثمّ إنّه قال قدّس سرّه:

و لم أقف للأصحاب على تصريح لمعنى الضمان هنا، و ذكر المحقّق الشيخ عليّ أنّ المراد به العزم على الأداء من غيرها، و كأنّ المراد العزم على أداء الزكاة من غير ما تعلّق به التصرّف و إن كان من نفس النصاب»(1).

أقول: بعد ما عرفت أنّ الضمان إنّما هو لتحصيل إباحة التصرّف في نصيب الفقراء ظهر لك أنّ مراد الأصحاب من الضمان هنا ما يتضمّن إباحة التصرّف، و من المعلوم أنّه لا يباح ذلك التصرّف إلاّ بعد دخول نصيب الفقراء في ملك المالك و انتقاله إليه، و لا يتأتّى ذلك إلاّ بعد تقبّل المالك للنصيب بقيمته السوقيّة الّذي هو معاوضة جوّزها الشارع و أمضاها بمقتضى أدلّة جواز العدول إلى القيمة.

و ظاهر أنّ هذه المعاوضة توجب اشتغال الذمّة بالقيمة و استقرارها في ذمّة المالك، فحقيقة معنى الضمان حينئذ إنّما هو جعل المالك ذمّته مشغولة بقيمة النصيب الّتي يراد بها هنا مطلق العوض الّذي يجزئ عنه الأداء من مطلق ماله، و لعلّ هذا هو مراد المحقّق الشيخ عليّ من تفسيره الضمان بالعزم على الأداء من غيرها بناء أن يراد من العزم المذكور تقبّل المالك الّذي يؤول إلى المعاوضة المذكورة فليتدبّر.

ص: 385


1- المدارك 163:5.
ينبوع القول في مال التجارة
اشارة

قد أشرنا في أوائل المبحث إلى ما يستحبّ فيه الزكاة و أنّه امور:

منها: مال التجارة، و ينبغي التكلّم في موضوعه و حكمه و شروطه و فروعه، أمّا الموضوع فقد عرّفه في الشرائع بأنّه: «المال الّذي ملكه بعقد معاوضة و قصد به الاكتساب عند التملّك»(1) و في معناه ما في إرشاد العلاّمة و غيره من أنّه: «ما ملك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملّك»(2) قال في المدارك: «هذا التعريف لمال التجارة من حيث تتعلّق به الزكاة»(3) و نحوه في الذخيرة(4).

قال في الشرائع تفريعا على القيود المأخوذة في التعريف: «فلو انتقل إليه بميراث أو هبة لم يزكّه و كذا لو ملكه للقنية(5) و كذا لو اشتراه للتجارة ثمّ نوى القنية»(6).

و في المدارك: «فالمال في التعريف بمنزلة الجنس و خرج بالموصول وصلته ما ملك بغير عقد كالإرث و حيازة المباحات و إن قصد به التكسّب، أو بعقد غير معاوضة كالهبة و الصدقة و الوقف، و المراد بالمعاوضة ما تقوّم طرفاها بالمال فيخرج الصداق و عوض الخلع و الصلح عن دم العمد و إن قصد بذلك الاكتساب، و خرج بقصد الاكتساب عند التملّك ما ملك بعقد معاوضة مع عدم قصد الاكتساب إمّا مع الذهول أو قصد القنية

ص: 386


1- الشرائع 118:1.
2- الإرشاد 285:1.
3- المدارك 164:5.
4- الذخيرة: 449.
5- الصحاح 2467:6: قنوت الغنم و غيرها قنوة و قنوة، و قنيت أيضا قنية و قنية، إذا اقتنيتها لنفسك لا لتجارة.
6- الشرائع 118:1.

أو الصدقة أو نحو ذلك»(1). و جرى على منواله في الذخيرة(2) كما هو دأبه و ديدنه في أكثر المواضع.

و ظاهر ما ذكره في الشرائع أخيرا بقوله: «و كذا لو اشتراه...» الخ(3) يعطي اعتبار استمرار قصد التكسّب من حين التملّك طول الحول، كما هو المصرّح به في كلام جماعة(4) و عن المعتبر أنّه: «موضع وفاق لخروج المال بنيّة القنية عن كونه مال التجارة»(5) و لكن تفريع ذلك على التعريف غير جيّد كما تنبّه عليه في المدارك(6) إذ لم يؤخذ فيه قيد يقتضي تفرّعه عليه، و ليس في عبارة القيد الأخير ظهور يفيده.

ثمّ إنّهم ذكروا شروطا اخر يأتي ذكرها. و ظاهرهم كون ما يستفاد من قيود التعريف و الشرط الأخير الّذي لا يستفاد منها شروطا للموضوع، و ما ذكروه بعنوان الشروط شروطا للحكم، و لعلّ ضابط الفرق بينهما الخصوص و العموم، فشروط الموضوع هي الشروط الخاصّة بمال التجارة، و شروط الحكم عامّة له و لغيره من الأجناس الزكويّة ممّا يجب فيه الزكاة أو يستحبّ .

و يشكل بأنّ هذا إن تمّ بالنسبة إلى النصاب و الحول، لا يتمّ بالقياس إلى الطلب برأس المال أو زيادة لاختصاصه بمال التجارة، و لو فرّق بأنّ شروط الموضوع ما ترجع إليه من حيث صدق مال التجارة عليه و هذا لا مدخليّة له في هذا الصدق.

يرد عليه أنّه لا يلائم ما تقدّم عن المدارك و الذخيرة من: «أنّ هذا التعريف لمال التجارة من حيث تتعلّق به الزكاة»(7) فإنّ قضيّة ذلك صدق مال التجارة بحسب مفهومه العرفي بدون القيود المذكورة كلاّ أو بعضا. و يمكن حينئذ إدراج الشرط المذكور فيما يرجع إلى مال التجارة من حيث تتعلّق به الزكاة و بالجملة عباراتهم في هذا المقام مختلّ النظام.

و كيف كان فمقتضى الأصل فقاهة و اجتهادا أن لا يكون في مال التجارة مطلقا

ص: 387


1- المدارك 164:5.
2- الذخيرة: 449.
3- الشرائع 118:1.
4- المنتهى 506:1-507، جامع المقاصد 25:3، الذخيرة: 449، الحدائق 144:12-146، مستند الشيعة 243:9 و 246.
5- المعتبر 548:2-549.
6- المدارك 164:5.
7- تقدّم في: 386.

زكاة إيجابا و استحبابا.

أمّا الأوّل: فلأنّ الأصل عدم تعرّض الشارع لجعل زكاة مطلقا، أو أنّ الأصل عدم تعرّضه لجعل حكم إيجابي و استحبابي لزكاة مال التجارة.

و أمّا الثاني: فالحصر المستفاد من الأخبار الحاصرة للزكاة في الأجناس الثمانية المتقدّمة الّتي ليس منها مال التجارة في أكثر أنواعه، فلا بدّ في إثباتها فيه و لو استحبابا من دليل مخرج من الأصل، و حيث إنّ العمدة من دليله الأخبار فوجب في الخروج من الأصل، الاقتصار على القدر المتيقّن من مدلولها، و هو ثبوت الزكاة فيما ملك بعقد معاوضة ماليّة محضة بقصد التكسّب مع مقارنة ذلك القصد للتملّك و استمراره طول الحول، و لا يتعدّى إلى غيره ممّا ملك بغير عقد فضلا عمّا ملك بعقد غير معاوضة أو بعقد معاوضة ماليّة غير محضة أو ما لم يقارن قصد التكسّب تملّكه أو لم يستمرّ طول الحول إلاّ بدليل عامّ يقتضي ثبوتها في غير ما ذكر من القدر المتيقّن من الأنواع المذكورة.

فلا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب ثمّ النظر في مفادها استعلاما لوجود نحو العموم المذكور فيها و عدمه.

ففي صحيح محمّد بن مسلم - الموصوف عند الأكثر بالحسن بإبراهيم بن هاشم - قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى متاعا و كسد عليه و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكّيه ؟ فقال عليه السّلام: إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال، قال: و سألت عن الرجل يوضع عنده المال (الاموال، نسخة بدل) يعمل بها فقال عليه السّلام: إذا حال الحول فليزكّها»(1).

و صحيح إسماعيل بن عبد الخالق قال: «سأله سعيد الأعرج و أنا حاضر أسمع فقال:

إنّا نكبس الزيت و السمن نطلب بها التجارة فربما مكثت عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة ؟ قال: فقال عليه السّلام: إن كنت تربح به شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلاّ وضيعته فليس عليك زكاة حتّى يصير ذهبا أو

ص: 388


1- الكافي 1/527:3-2، الاستبصار 5/10:2، تهذيب الأحكام 2/68:4، الوسائل 71:9 / 3، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.

فضّة، فإذا صار ذهبا أو فضّة فزكّه للسنة الّتي تتّجر (اتّجرت فيها، نسخة بدل) فيها»(1).

و خبر أبي الربيع الشامي - كالصحيح بصفوان بن يحيى و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه مع صحّة السند إليه و هو يروي عن منصور بن حازم الثقة عن أبي الربيع - «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة، أو حتّى يبيعه ؟ فقال عليه السّلام: إن كان أمسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة»(2).

و صحيح صفوان بن يحيى عن محمّد بن حكيم عن خالد بن الحجّاج الكرخي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة، فقال عليه السّلام: ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلاّ لتزداد فضلا على فضلك فزكّه، و ما كانت من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شيء آخر»(3).

و خبر سماعة قال: «سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين و أكثر من ذلك، قال عليه السّلام: ليس عليه زكاة حتّى يبيعه إلاّ أن يكون أعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، و إن لم يكن أعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتّى يبيعه و إنّ حبسه (ما حبسه، نسخة بدل) بما حبسه فإذا هو باعه فإنّما عليه زكاة سنة واحدة»(4).

و خبر أبي بصير عن: «أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تأخذنّ مالا مضاربة إلاّ مالا تزكّيه أو يزكّيه صاحبه، و قال عليه السّلام: إن كان عندك متاع في البيت موضوع فأعطيت به رأس مالك فرغبت عنه فعليك زكاته»(5).

و خبر العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت المتاع لا اصيب به رأس المال عليّ

ص: 389


1- الكافي 9/529:3، تهذيب الأحكام 69:4، الاستبصار 6/10:2.
2- الاستبصار 4/10:2، تهذيب الأحكام 1/68:4، الوسائل 4/71:9، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.
3- الكافي 7/529:3، الوسائل 71:9، 5/72، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.
4- الكافي 3/528:3، الوسائل 6/72:9، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.
5- الكافي 8/529:3، الوسائل 7/72:9، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.

فيه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: لا، قلت: أمسكه سنتين ثمّ أبيعه ما ذا عليّ؟ قال عليه السّلام: سنة واحدة»(1).

و خبره الآخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان أبي يقول: إنّما الزكاة في الذهب إذا قرّ في يدك، قلت له: المتاع يكون عندي لا اصيب به رأس مالي عليّ فيه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: لا»(2).

و خبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الرجل يكون في يده المتاع قد باد عليه و ليس يعطى به الأقلّ من رأس ماله، عليه زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا، قال: فإنّه مكث عنده عشر سنين ثمّ باعه كم يزكّي سنة ؟ قال عليه السّلام: سنة واحدة»(3).

و خبر محمّد بن مسلم أنّه قال: «كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول»(4) قال يونس: تفسير ذلك أنّه كلّ مال عمل للتجارة من حيوان و غيره فعليه فيه الزكاة.

و هذه الأخبار بأسرها - إلاّ بعضها لاشتمالها سؤالا أو جوابا على رأس المال - تدلّ على أنّ مورد الحكم المستفاد منها من المال أو المتاع ما كان حاصلا بعقد معاوضة ماليّة محضة.

مضافا إلى ما اشتمل منها على الاشتراء و الكبس فإنّ الأوّل صريح في ذلك و الثاني ظاهر فيه، و كذلك ما اشتمل منها على «التجارة» بناء على أنّها اطلقت على «المال» تسمية للمسبّب باسم السبب، إذ المال الموجود في اليد يحصل بسبب التجارة. و يتّضح ذلك زيادة اتّضاح بقوله عليه السّلام: «ليس يمنعك من بيعها إلاّ لتزداد فضلا على فضلك» و قوله عليه السّلام: «فيها نقصان» ضرورة أنّ الفضل و النقصان في المال إنّما يلاحظان بالإضافة إلى رأس المال، كما أنّ ما اشتمل منها على قوله عليه السّلام: «فكسد عليه» يدلّ على قصد الاكتساب باشترائه.

ص: 390


1- الاستبصار 11:2 و 8، تهذيب الأحكام 5/69:4، الوسائل 72:9، 9/73، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.
2- الوسائل 10/73:9، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.
3- الوسائل 11/73:9، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.
4- الوسائل 8/72:9، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة، الكافي 5/528:3.

و أصرح منه في الدلالة عليه قوله: «نطلب بها التجارة» و هذا زيادة على ذلك يدلّ على مقارنة ذلك القصد للتملّك، كما أنّ قوله: «فربّما مكثت عندنا السنة و السنتين» و نحوه قوله: «فيمكث عنده السنة و السنتين و أكثر من ذلك» و قوله: «أمسكه سنتين» يدلّ على استمرار القصد المذكور طول الحول. و يمكن استظهار ذلك من سائر الأخبار أيضا. فمورد الحكم المخالف للأصل المستفاد منها ما اشتمل على القيود المذكورة.

و لا يقدح فيه كونها أو كون أكثرها أو بعضها مستفادة من كلام السائل و لا يثبت به الاعتبار، لأنّ الجواب ورد على طبق السؤال و ليس فيه عموم يشمل ما زاد على مورد السؤال، فيكون الحكم المستفاد منه مقصورا على هذا المورد و لا يتعدّاه إلى غيره.

و ليس لمانع الاختصاص أن يتمسّك للتعميم: بأنّ مال التجارة يصدق على المال المعدّ للتجارة، و هذا يتحقّق بمجرّد نيّة التجارة بالمال و لو كان ملكه حاصلا بالإرث أو الهبة أو نحو ذلك، أو لم يقارن هذه النيّة لتملّكه، كما عن المحقّق في المعتبر(1) و تبعه بعض مشايخنا(2) و يظهر الميل إليه من المدارك(3) و الذخيرة(4).

أمّا أوّلا: فلأنّ مال التجارة بهذه الإضافة لم يؤخذ عنوانا للحكم في شيء من الأخبار.

و أمّا ثانيا: فلمنع صدقه عرفا على ما ذكر، و منع كفاية مجرّد إعداده لذلك المتحقّق بمجرّد النيّة في الصدق نظرا إلى الإضافة الّتي ليست إلاّ كالإضافة في مال المصالحة و مال الإجارة فكما أنّها فيهما تفيد كون المال حاصلا بعقد المصالحة و عقد الإجارة فكذلك في مال التجارة تفيد كونه حاصلا بالتجارة المتحقّقة ببيع أو اشتراء أو صلح.

و ليس له أن يتمسّك أيضا بقوله عليه السّلام: «كلّ مال عملت به» في خبر محمّد بن مسلم الأخير، لأنّ العمل بالمال لا يصدق بمجرّد إعداده للتجارة بل إنّما يصدق باشتراء و بيعه المقصود بهما التجارة، و لذا فسّره يونس بأنّه كلّ مال عمل للتجارة. و لا بخبر سماعة و ما بعده إلى آخر الأخبار على: نفي اعتبار مقارنة القصد للتملّك، لأنّها لو لم تكن

ص: 391


1- المعتبر 548:2-549.
2- الجواهر 259:15-260.
3- المدارك 164:5.
4- الذخيرة: 449.

ظاهرة بحسب متفاهم العرف في «المقارنة» فليست بظاهرة في عدمها، إلاّ من جهة الإطلاق الّذي عساه يتوهّم في المقام.

و يدفعه: ورود الإطلاق مورد حكم آخر، و هو: إثبات الزكاة مع وجود رأس المال و نفيها مع عدم وجوده، من دون نظر مع الوجود إلى تعميم بالقياس إلى مقارنة القصد و لا إلى تخصيص.

نعم لا يبعد الاستدلال على العموم بخبر سماعة - الّذي قال في الذخيرة: لا يبعد أن يعدّ موثّقا(1) - عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس على الرقيق زكاة إلاّ رقيق يبتغى به التجارة، فإنّه من المال الّذي يزكّي»(2).

و خبر شعيب - الّذي نقله شيخنا قدّس سرّه في الجواهر(3) - عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «كلّ شيء جرّ عليك المال فزكّه و كلّ شيء ورثته أو وهبته لك فاستقيل»(4).

فإنّهما يعمّان الموروث و الموهوب و المشترى و غيرها و ما قصد بتملّكه التجارة من حين التملّك و غيره. و لكن توهّم العموم منهما بالنسبة إلى الموروث و الموهوب و غيرهما ممّا ملك بغير عقد المعاوضة الماليّة المحضة، يندفع بأنّه عموم بدوي يرتفع بالتأمّل بالقرينة الموجودة فيهما المفيدة لكون موردهما ما حصل بعقد المعاوضة لا غير.

أمّا ما في الخبر الأوّل فقوله عليه السّلام: «إلاّ رقيق يبتغى به التجارة» فإنّ التجارة عبارة عن طلب الزيادة الّتي يعبّر عنها بالربح، و لا ريب أنّ الزيادة بمعنى الربح إنّما يلاحظ بالقياس إلى رأس المال. و أمّا ما في الخبر الثاني فقوله عليه السّلام: «جرّ عليك المال» فإنّ الشيء إنّما يجرّ المال على صاحبه بنحو البيع و الصلح، و المنساق من المال يجرّه بهما إنّما هو الزيادة الّتي تنصرف في متفاهم العرف إلى ما هو بالاضافة إلى رأس المال لوضوح أنّ ما يباع بثمن المثل أو أقلّ منه لا يقال أنّه جرّ مالا، و حمله على الزيادة

ص: 392


1- الذخيرة: 448.
2- الكافي 3/530:3، الوسائل 2/79:9، ب 17 من أبواب وجوب الزكاة.
3- الجواهر 261:15.
4- الكافي 1/527:3، في الجواهر: «فاستقبل به» بدل: فاستقيل، الوسائل 1/171:9، ب 16 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

الملحوظة بالنسبة إلى ثمن المثل خلاف ما ينساق منه عرفا.

هذا مع احتمال كون لام «المال» للعهد مرادا به رأس المال أو مع زيادة أو احتمال كون المراد من سوق الرواية إثبات الزكاة فيما أعطى برأس ماله أو مع زيادة فتكون على طبق ما تقدّم من الأخبار الدالّة على إناطة الزكاة بطلب رأس المال.

نعم يبقى فيهما عدم الدلالة على اعتبار مقارنة قصد الاكتساب، و فيه: أنّه ليس من الدلالة على عدم الاعتبار. و لو سلّم الدلالة من جهة توهّم الإطلاق فهي موهونة بشهرة خلافها، و إعراض الأكثر عنها، و الاتّفاق المنقول على اعتبارها.

ففي المدارك: «و قد ذهب علماؤنا و أكثر العامّة إلى اعتبار ذلك أيضا»(1) و في الذخيرة: «هل يعتبر مقارنة هذه النيّة للتملّك كما هو المستفاد من كلام المصنّف ؟ قيل:

نعم، و هو المشهور بين الأصحاب قال المحقّق في المعتبر: و يشترط في وجوب الزكاة نيّة الاكتساب بها عند تملّكها، و هو اتّفاق العلماء»(2).

[حكم الزكاة فى مال التجارة]

و أمّا الحكم: فالمشهور بين الأصحاب كما في الحدائق أنّه «الاستحباب»(3) و نسبه في المنتهى إلى الأكثر(4) و في الذخيرة إلى أكثر المتقدّمين و جمهور المتأخّرين(5) و عن المحقّق أنّه نقل عن بعض علمائنا قولا بالوجوب(6) قيل: و هو الظاهر من كلام ابن بابويه(7) و عن المختلف أنّه نقله عن ابن بابويه(8) و حكي عن ابن أبي عقيل أنّه نسبه إلى طائفة من الشيعة(9) و يساعد عليه ظواهر الأخبار المتقدّمة(10).

إلاّ أنّ هناك روايات اخر صريحة في نفي الوجوب، مضافا إلى النصوص الحاصرة لما يجب فيه الزكاة في الأجناس التسع المتقدّمة.(11)

ص: 393


1- المدارك 165:5.
2- الذخيرة: 449.
3- الحدائق 144:12 و 146.
4- المنتهى 478:1.
5- الذخيرة: 448.
6- المعتبر 547:2.
7- الخلاف 91:2، المسألة 106، المدارك 49:5، إيضاح الفوائد 184:1.
8- المختلف 191:3-192، المقنع: 168، الفقيه 15:2.
9- المختلف 191:3-192، المقنع: 168، الفقيه 15:2.
10- تقدّمت في: 388-390.
11- تقدّمت في: 161-163.

ففي صحيح زرارة قال: «كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السّلام و ليس عنده غير ابنه جعفر عليه السّلام فقال عليه السّلام: يا زرارة إنّ أبا ذرّ و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عثمان: كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذرّ: أمّا ما اتّجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة فاختصما في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: القول ما قال به أبو ذر، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام لأبيه: ما تريد إلاّ أن يخرج مثل هذا فيكفّ الناس أن يعطوا فقراءهم و مساكينهم ؟ فقال أبوه عليه السّلام: إليك عنّي لا أجد منها بدّا»(1).

و صحيح سليمان بن خالد قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثمّ وضعه، فقال عليه السّلام: هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إليّ رأس المال (مالي، نسخة بدل) و أفضل منه، هل عليه فيه صدقة و هو متاع ؟ قال عليه السّلام:

لا حتّى يبيعه، قال: فهل يؤدّي عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعا؟ قال عليه السّلام: لا»(2).

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرجل يشتري الوصيفة(3)يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها، أعلى ثمنها زكاة ؟ قال عليه السّلام: لا حتّى يبيعها، قلت: فإن باعها أ يزكّي ثمنها؟ قال عليه السّلام: لا حتّى يحول عليه الحول و هو في يده»(4).

و رواية عبد اللّه بن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا قالوا: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

ليس في المال المضطرب زكاة، فقال له إسماعيل ابنه: يا أبة جعلت فداك أهلكت فقراء

ص: 394


1- الوسائل 1/74:9، ب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الاستبصار 3/9:2، تهذيب الأحكام 8/70:4.
2- الاستبصار 2/9:2، تهذيب الأحكام 7/71:4، الوسائل 2/75:9، ب 14 من أبواب وجوب الزكاة.
3- المصباح المنير، مادّة: وصف، الوصيفة: الجارية دون المراهق، النهاية: الوصيفة: الجارية، الوصيف: العبد.
4- الكافي 6/529:3، الاستبصار 7/11:2، تهذيب الأحكام 4/69:4، الوسائل 4/75:9، ب 14 من أبواب وجوب الزكاة.

أصحابك، فقال عليه السّلام: أي بنيّ حقّ أراد اللّه أن يخرجه فخرج»(1).

قال في الحدائق بعد نقل هذه الروايات عقيب الأخبار المتقدّمة: «أنت خبير بأنّ ظاهر الأخبار المتقدّمة كما عرفت هو الوجوب و صريح هذه الأخبار نفي الوجوب، و الشيخ قد جمع بين الأخبار بحمل الأخبار المتقدّمة على الاستحباب(2) و تبعه على ذلك الأصحاب كما هي عادتهم و قاعدتهم في جميع الأبواب، و عندي فيه توقّف لما عرفت في غير موضع ممّا تقدّم. نعم لو كان في الأخبار من أحد الطرفين ما يدلّ على الاستحباب صريحا أو ظاهرا لزال الإشكال، و أمّا أنّ الاستحباب يثبت بمجرّد اختلاف الأخبار و جمعها فهو ممّا لا دليل عليه يوجب الركون إليه و كيف لا؟ و الاستحباب حكم شرعي يتوقّف على الدليل الواضح. و مجرّد اختلاف الأخبار ليس بدليل يوجب ذلك كما لا يخفى على المنصف. و مع ذلك فإنّه لا يحصل الجمع بين الأخبار بما ذكروه، بل و لا يبعد حمل الروايات المتقدّمة على التقيّة حيث إنّ الوجوب مذهب أبي حنيفة(3)و الشافعي(4) و أحمد(5) على ما نقله في المعتبر(6) و في صحيحة زرارة و موثّقة ابن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا ما يشير إلى ذلك... إلى أن قال:

و التقريب فيما ذكرناه من الحمل على التقيّة هو أنّه لمّا كان ظاهر أوامرهم في تلك الأخبار الدالّة على ثبوت الزكاة في مال التجارة هو الوجوب المترتّب على تركه العقاب، راجع الصادق عليه السّلام أباه عليه السّلام و إسماعيل أباه عليه السّلام في نفي الزكاة عن مال التجارة:

«بأنّ الناس إذا سمعوا بذلك لم يزكّوا» و لو كانت تلك الأخبار إنّما اريد بها الاستحباب كما يدّعيه الأصحاب لم يكن للمراجعة في هذين الخبرين معنى، إذ لا منافاة بين الاستحباب و عدم الوجوب.

و قول الصادق عليه السّلام لأبيه: «ما تريد إلاّ أن يخرج من هذا فيكفّ الناس أن يعطوا

ص: 395


1- الاستبصار 1/9:2، تهذيب الأحكام 6/70:4، الوسائل 5/75:9، ب 14 من أبواب وجوب الزكاة.
2- الاستبصار 11:2.
3- المبسوط 190:2، تحفة الفقهاء 271:1، بدائع الصنائع 20:2.
4- الامّ 46:2، حلية العلماء 99:3، المهذّب 159:1.
5- المغني و الشرح 623:2، الكافي 423:1.
6- المعتبر 497:2.

فقراءهم» و قول إسماعيل: «أهلكت فقراء أصحابك» ظاهر الدلالة في كون الناس في تلك الأوقات يخرجون زكاة التجارة وجوبا و أنّهم متى سمعوا أنّها غير واجبة كفّوا عن الإعطاء و هلكت الفقراء. و قول الباقر عليه السّلام: «إليك عنّي لا أجد منها بدّا» و كذا قول الصادق عليه السّلام: «حقّ أراد اللّه أن يخرجه فخرج» ظاهر الدلالة في أنّ الحكم الشرعي كان مخفيّا بالتقيّة تلك المدّة المديدة، و أنّ أخبارهم الّتي استفاضت بالوجوب إنّما كانت للتقيّة و على خلاف الحكم الشرعي الواقعي، و أنّهم عليهم السّلام أرادوا إظهاره في هذا الوقت لمصلحة اقتضته، و لو كان الحكم في المسألة على الاستحباب كما عليه الأصحاب لم يكن للمراجعة و لا لما وقع من الجواب معنى» انتهى(1).

و أنت خبير بخروج ما ذكره عن السداد و عدم انطباقه على قواعد الاجتهاد فإنّ من المحقّق أنّ التعارض بين النصّ و الظاهر صوريّ ، و أنّ مرجّحات الدلالة مقدّمة على مرجّحات الصدور و مرجّحات جهة الصدور، و من مرجّحات الدلالة: النصوصيّة، فيقدّم النصّ على الظاهر بإرجاع التأويل إلى الظاهر.

و الأخبار المتقدّمة ظاهرة في الوجوب مع احتمالها الاستحباب، و الأخبار النافية للوجوب صريحة في عدم الوجوب، و ينقلب بذلك ظهور الوجوب من الأخبار المتقدّمة إلى ظهور إرادة الاستحباب، و مرجعه إلى نهوض الأخبار النافية للوجوب قرينة على إرادة الاستحباب من الظاهرة في الوجوب، كما أنّه لو قال: رأيت أسدا، ثمّ قال: ما رأيت المفترس، ينهض الثاني قرينة على إرادة الرجل الشجاع من الأوّل.

فدليل الاستحباب هو نفس الأخبار النافية للوجوب لا مجرّد الاختلاف بينها و بين الأخبار الظاهرة فيه، بل نفس هذه الأخبار بعد نهوض الأخبار النافية له قرينة على إرادة خلاف الظاهر و هو الاستحباب، و حملها عليه لا ينافي ورودها مورد التقيّة لأنّ وظيفة التقيّة قد تتأدّى بإرادة خلاف الظاهر فيما له ظاهر مع إخفاء القرينة عليه و تأخير بيانه إلى وقت الحاجة و هو زمان ورود الأخبار النافية للوجوب.

و الأنسب بمقام العصمة في نظائر المقام هو مراعاة مصلحة التقيّة بإرادة خلاف

ص: 396


1- الحدائق 149:12.

الظاهر سيّما إذا كانت التقيّة قوليّة و فعليّة، فالأوّل في حقّ الإمام في مقام البيان، و الثاني في حقّ السائل في مقام العمل خصوصا إذا كان خلاف الظاهر المراد من الخطاب هو الحكم الواقعي الأوّلي كما في المقام.

فهذا هو الحكم الشرعي الّذي كان مخفيّا في تلك المدّة المديدة لمصلحة التقيّة فأرادوا عليهم السّلام إظهاره في ذلك الزمان لمصلحة مقتضية، و لا يلزم من إخفائه في المدّة المذكورة إغراء بالجهل إذا كانت مصلحة التقيّة أو غيرها مقتضية له، لأنّ الإغراء بالجهل إنّما يلزم أو يقبح بتأخير البيان عن وقت الحاجة، و المدّة المديدة لقيام مصلحة التقيّة أو غيرها لم تكن وقت الحاجة إلى البيان.

و ممّا يؤكّد جوازه هنا أنّه لم يلزم منه مخالفة الواقع في العمل، لأنّ كلاّ من الوجوب و الاستحباب يقتضي الفعل غير أنّ الأوّل يقتضيه على وجه الحتم و الثاني لا على وجه الحتم، فما وقع في تلك المدّة بمقتضى اعتقاد الوجوب موافق لما يقتضيه الاستحباب، فما وقع منهم فيها من إخراج الزكاة من أموال تجاراتهم كان فعلا راجحا مطلوبا للشارع و هو بعد بيان عدم الوجوب أيضا باق على رجحانه و مطلوبيّته، و ما لزم من المخالفة الالتزاميّة بسبب اعتقاد الوجوب فيما هو مستحبّ في الواقع لا ضير فيه خصوصا مع تعقيبها بالبيان الرافع لها في وقت الحاجة.

[شروط استحباب الزكاة في مال التجارة]
اشارة

و أمّا الشروط فامور:

منها: وجود رأس المال طول الحول

بأن يطلب برأس ماله في تمام الحول مع زيادة أو بدونها، فلو نقص رأس المال و لو قيراطا كما في المعتبر(1) أو حبّة كما في المنتهى(2) و غيره في الحول كلّه أو في بعضه أوّلا أو وسطا أو آخرا لم يستحبّ الزكاة و إن كان ثمنه أضعاف النصاب، و حيثما بلغ رأس المال استأنف الحول بلا خلاف أجده.

و في المعتبر: «على ذلك فقهائنا أجمع»(3) و في المنتهى: «ذهب إلى ذلك علماؤنا

ص: 397


1- المعتبر 550:2 و 545.
2- المنتهى 508:1.
3- المعتبر 550:2 و 545.

أجمع»(1). و في التذكرة: «عند علمائنا أجمع»(2) و قال في موضع آخر منها أيضا:

«فلو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ثمّ نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن كان قد اشترى بنصاب ثمّ نقص السعر في أثناء الحول ثمّ ارتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا»(3) و عن ظاهر الغنية أيضا الإجماع عليه(4).

و الحجّة عليه - مضافا إلى هذه الإجماعات - أكثر النصوص المتقدّمة(5) خصوصا قوله عليه السّلام في صحيح إسماعيل بن عبد الخالق: «إن كنت تربح به شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، و إن كنت إنّما تربّص به لأنّك لا تجد إلاّ وضيعته فليس عليك زكاة»(6) و لو كان فيها قصور من حيث عدم وضوح دلالتها على اعتبار وجوده طول الحول كان مجبورا بفهم الأصحاب و إجماعات الباب.

[شرط الحول]
اشارة

و منها: الحول على معنى مضيّ الحول على مال التجارة من حين التكسّب به و تملّكه للتجارة بلا خلاف أجده، و في المعتبر: «أنّ عليه اتّفاق علماء الإسلام»(7) و في المنتهى: «و هو قول علماء الإسلام»(8) و في التذكرة: «يشترط الحول في تعلّق زكاة التجارة إجماعا»(9) و في المدارك: «هذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب»(10).

و يدلّ عليه أيضا من النصوص: ما رواه الكليني في الحسن عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها، فقال عليه السّلام:

إذا حال عليها الحول فليزكّها»(11).

و عن محمّد بن مسلم أيضا «أنّه قال عليه السّلام: كلّما عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول»(12).

و قال في الشرائع بعد ذكر هذا الشرط: «و لا بدّ من وجود ما يعتبر في الزكاة من

ص: 398


1- المنتهى 508:1.
2- التذكرة 209:5 و 208.
3- التذكرة 209:5 و 208.
4- الغنية: 128.
5- تقدّمت في: 388-390.
6- تقدّم في: 388.
7- المعتبر 544:2.
8- المنتهى 507:1.
9- التذكرة 208:5.
10- المدارك 170:5-171.
11- الكافي 2/528:3.
12- الكافي 5/528:3.

أوّل الحول إلى آخره»(1) يعني يعتبر وجود سائر شرائط الزكاة في تمام الحول، و لذا قال في المدارك: «و يندرج في قول المصنّف: (و لا بدّ من وجود ما يعتبر في الزكاة) الشرائط العامّة و الخاصّة»(2) و هو ظاهر غيره بل صريح كثير من العبارات بالنسبة إلى بعض الشروط كالشرط المتقدّم المصرّح بوجوده طول الحول أو في الحول كلّه.

و السرّ فيه أنّ قوله عليه السّلام: «كلّما عملت به فعليك فيه الزكاة» و إن كان بحسب اللفظ مطلقا إلاّ أنّ المراد من هذا اللفظ المطلق جمعا بينه و بين الأدلّة المثبتة للشروط الخاصّة و العامّة هو المقيّد بما قصد بتملّكه بعقد المعاوضة التجارة و طلب برأس ماله و كان نصابا.

و قوله عليه السّلام: «إذا حال عليه الحول» وارد على الموضوع المقيّد بحسب المعنى، و هكذا قوله عليه السّلام: «إذا حال عليها الحول» في الخبر الأوّل، فيدلّ على اعتبار مضيّ الحول على المال الجامع للشرائط و وجود الشرائط في الحول كلّه. و من ذلك ظهر اعتبار بقاء عين السلعة و المتاع طول الحول كما في المال، لأنّ الضمير في قوله عليه السّلام: «عليه» أو «عليها» بظاهره لا يتناول الإبدال بل هو كالصريح في اعتبار حولان الحول على الأعيان.

[لو تبدّلت الأعيان في أثناء الحول سقطت الزكاة]

فلو تبدلّت الأعيان في أثناء الحول بغيرها سقطت الزكاة و إن بلغ القيمة النصاب، و لا بدّ من استيناف الحول من حين تجدّد الإبدال وفاقا للصدوق(3) و المفيد(4) و المحقّق و غيره و عن المعتبر الاستدلال عليه: «بأنّه مال يثبت فيه الزكاة فيعتبر بقاؤه كغيره و بأنّه مع التبدّل يكون الثانية غير الاولى فلا تجب فيها الزكاة لأنّه لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول»(5) خلافا للعلاّمة(6) و ولده(7) و من تأخّر عنهما على ما حكاه في المدارك و غيره(8) و عن العلاّمة و ولده دعوى الإجماع عليه، و هو ضعيف و الإجماع المدّعى موهون.

ص: 399


1- الشرائع 118:1.
2- المدارك 170:5-171.
3- راجع المقنع: 168.
4- المقنعة: 247.
5- المعتبر 547:2.
6- التذكرة 209:5 و 212 و 213.
7- الإيضاح 185:1 و 187.
8- المدارك 172:5.

و عن الشيخ التفصيل بأنّه: «لو بادل ذهبا بذهب أو فضّة بفضّة لم ينقطع الحول، و ينقطع لو بادل بغير جنسها لقولهم: الزكاة في الدنانير و الدراهم، و لم يفرّقوا بين تبدّل الأعيان و بقائها فيحمل عليهما. و يدفعه ما أورده عليه من: أنّ الزكاة و إن وجبت في الدراهم و الدنانير فإنّها لا تجب مطلقا بل الحول معتبر فيهما إجماعا»(1).

و عنه أيضا أنّه: «لو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير لا ينقطع حول الدراهم بل يبني حول العرض على حول الأصل»(2).

حكاه في المنتهى(3) و يظهر منه الميل إليه، و نقله أيضا عن أبي حنيفة(4)و الشافعي(5) و أحمد(6).

و احتجّوا بأنّ العلّة في إيجاب الزكاة «النموّ» و هو إنّما يثبت في مال التجارة بالتقليب و المبادلة فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الّذي وجبت به فيه الزكاة لأجله مانعا، و لأنّ المعتبر في زكاة التجارة «القيمة» و هي تثبت فيها فكانا كالمال الواحد.

و فيهما من الضعف ما لا يخفى، لأنّ الحول شرط لا محالة و مقتضا شرطيّته عدم كون النموّ علّة تامّة، فهو معتبر من باب المقتضي و هو مع مصادفة انتفاء الشرط لا يقتضي. و الحول غير متحقّق لا بالنسبة إلى الأصل و لا بالنسبة إلى القيمة، أمّا الأوّل فلفرض عدم بقائه إلى آخر الحول، و أمّا الثاني فلعدم وجود السلعة من ابتداء الحول و المعتبر قيمته، هذا مع تطرّق المنع إلى علّيّة النموّ لعدم الدلالة عليه، و غاية ما يسلّم أنّه معتبر من باب الحكمة على معنى: أنّ مال التجارة لما كان معرضا للنموّ ثبتت فيه الزكاة و لذا يثبت مع طلب رأس المال من دون زيادة، فالعلّة شيء آخر مشتمل على أجزاء و من أجزائه الحول.

ص: 400


1- الخلاف 55:2 المسألة 64 و: 94 المسألة 108، و: 97 المسألة 112، و: 100 المسألة 115.
2- الخلاف 55:2 المسألة 64 و: 94 المسألة 108، و: 97 المسألة 112، و: 100 المسألة 115.
3- المنتهى 507:1.
4- المبسوط 20:3-21، تحفة الفقهاء 273:1، بدائع الصنائع 15:2.
5- الامّ 47:2، حلية العلماء 102:3، المهذّب 160:1، المجموع 55:6.
6- المغني 626:2، الشرح الكبير بهامشها 635:2.
[بلوغ قيمة مال التجارة بأحد النقدين نصابا]

و منها: بلوغ قيمته بأحد النقدين الذهب و الفضّة نصابا، أمّا اعتبار النصاب فالظاهر كما في الذخيرة: «أنّه ممّا لا خلاف فيه»(1) و في المعتبر: «عليه علماء الإسلام»(2) و في المنتهى(3) كما عن كشف الالتباس: «هو قول علماء الإسلام»(4) ثمّ قال: «فلو ملك دون النصاب و حال عليه الحول لم تثبت الزكاة إجماعا»(5) و عن النهاية أيضا الإجماع عليه(6) و بهذه الإجماعات و غيرها يقيّد الروايات المطلقة الدالّة بإطلاقها على زكاة مال التجارة. و ليس في النصوص تعرّض لبيان هذا الشرط صراحة و لا ظهورا عدى ما في خبر إسحاق الآتي.

و أمّا اعتبار كون النصاب هنا نصاب أحد النقدين في القيمة ففي الذخيرة: «الظاهر أنّه لا خلاف فيه»(7) و في الرياض: «أنّ الحكم ممّا لا إشكال فيه بعد عدم ظهور خلاف فيه»(8) بل قيل: «أنّه متّفق عليه بين الخاصّة و العامّة»(9).

و لم نجد في النصوص أيضا دلالة واضحة عليه إلاّ أنّ صاحب المدارك قال: «إنّ الظاهر من الروايات أنّ هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها نصابهما و يتساويان في قدر المخرج»(10) انتهى.

و لم نقف على ما ادّعاه من ظهور الروايات سوى محتمل خبر إسحاق بن عمّار أو ظهوره عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: «قلت له: تسعون و مائة درهم و تسعة عشر دينارا، عليها في الزكاة شيء؟ فقال عليه السّلام: إذا اجتمع الذهب و الفضّة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة لأنّ عين المال الدراهم، و كلّما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود إلى الدراهم في الزكاة و الديات»(11) فإنّ قوله عليه السّلام: «فبلغ ذلك» ظاهر في بلوغ المجموع

ص: 401


1- الذخيرة: 449.
2- المعتبر 546:2 و 551.
3- المنتهى 507:1.
4- المعتبر 546:2 و 551.
5- كشف الالتباس: 207، الورقة ب، النسخة المخطوطة، الرقم: (مسلسل) 4462.
6- نهاية الإحكام 364:2.
7- الذخيرة: 449.
8- الرياض 120:5.
9- لم نعثر على من صرّح بذلك، مجمع الفائدة 146:12، و هو مجمع عليه بين الخاصّة و العامّة.
10- المدارك 167:5.
11- الكافي 516:3-8/517، الاستبصار 39:2-3/40، تهذيب الأحكام 3/93:4، الوسائل 7/139:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.

من الذهب و الفضّة المجتمعين، و هذا بملاحظة عدم اعتبار الانضمام في نصاب النقدين - بل يعتبر بلوغ كلّ منهما بانفراده نصابه - لا ينطبق على زكاة النقدين بل إنّما ينطبق على زكاة مال التجارة، فيكون المراد من الذهب و الفضّة و الدرهم و الدينار في مورد الرواية سؤالا و جوابا مال التجارة، فيكون المراد من بلوغ مجموعهما «مائتي درهم» بلوغ قيمة المجموع، لأنّ بلوغ العين مائتي درهم مع الاختلاف في الجنس غير معقول.

و قوله عليه السّلام: «لأنّ عين المال الدراهم» يعني أنّ أصل المال الّذي يتعلّق به زكاة مال التجارة هو الدراهم من حيث كونها قيمة فيعتبر نصابها، و هذا يدلّ على مذهب الشيخ في زكاة مال التجارة على ما سيأتي من تعلّقها بالقيمة لا بالعين.

و يدلّ على ما ذكرناه أيضا - من انطباق مورد الرواية على زكاة مال التجارة، و إنّ نصابه يعتبر في القيمة، بل زكاته أيضا تتعلّق بالقيمة - قوله عليه السّلام: «و كلّما خلا الدراهم» الخ فإنّه يفيد حكما عامّا في مال التجارة بجميع فروضه على طريقة القاعدة الكلّية.

و يؤيّده ما روي مرسلا عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم و الدنانير»(1).

و عن الشيخ(2) احتجاجه به على ما اختاره من: تعلّق الزكاة هنا بالقيمة. و يظهر من الفاضلين(3) و غيرهما كون الرواية باعتبار السند متلقّاة بالقبول حيث لم يقدح فيه أحد، نعم إنّما قدح المحقّق في المعتبر(4) في دلالتها، و عليه فالرواية معتبرة بعد اعتبار سندها و وضوح دلالتها فتكون حجّة مستقلّة لا مؤيّدة فقط و إن افتقر وضوح دلالتها إلى انضمامها بالخبر الأوّل(5).

و بما ذكرناه ظهر مستند الأصحاب في جزمهم بكون نصاب مال التجارة يعتبر في القيمة، و إنّ المعتبر فيها بلوغها نصاب أحد النقدين.

و ربّما يؤيّده أيضا صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام

ص: 402


1- الكافي 8/517:3، الاستبصار 39:2-3/40، تهذيب الأحكام 3/93:4، الوسائل 9: 7/139، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
2- الخلاف 95:2-96، المسألة 109.
3- التذكرة 219:5، المنتهى 1 508، المعتبر 550:2.
4- المعتبر 550:2.
5- تقدّم في: 401.

عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟ قال عليه السّلام: ليس عليه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا»(1) بناء على أن يكون الموصول كناية عن جنس ما يكون في مثله الزكاة، أو عن كلّ ما يكون في مثله الزكاة لا عن خصوص الدنانير المتّخذة ممّا خرج من المعدن، فيتناول بإطلاقه أو بعمومه مطلق مال التجارة المتّخذة ممّا خرج من المعدن، فتأمّل.

ثمّ إنّ قضيّة كون المعتبر في مال التجارة نصاب أحد النقدين فتوى و نصّا عدم اعتبار نصاب غيرهما، كما صرّح في المدارك ناقلا له عن جماعة قال: «و لا يعتبر نصاب غيرهما من الأموال قطعا»(2) كما صرّح به جماعة منهم العلاّمة في التذكرة فإنّه قال: «النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين الذهب و الفضّة دون غيرهما، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة و قصر الثمن عن نصاب أحد النقدين ثمّ حال الحول كذلك فلا زكاة، و لو قصر الثمن عن زكاة المواشي بأن اشترى بأربع من الإبل متاع التجارة و كانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصابا من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به»(3) انتهى.

ثمّ إنّ قضيّة اعتبار أحد النقدين في زكاة مال التجارة، أن يقوّم السلعة و متاع التجارة بأحدهما مطلقا وفاقا لإطلاق الشرائع(4) و الإرشاد(5) و القواعد(6) و غيرهما، و رجّحه بعض مشايخنا(7) عملا بإطلاق ما تقدّم(8) من الأخبار خصوصا قوله عليه السّلام:

«فبلغ ذلك مائتي درهم» في خبر إسحاق(9) بناء على ما عرفت من أنّ المراد به بلوغ قيمة المجموع لعدم تعقّل بلوغ العين مع اختلاف الجنس. و قوله عليه السّلام أيضا: «و كلّما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود إلى الدراهم» فإنّ ردّ العرض إلى الدراهم لا يكون إلاّ بالتقويم. و إطلاقهما يتناول ما لو كان الثمن المشترى به الذهب و الفضّة أو الذهب أو المتاع من أحد النقدين أو عروضا، و ما لو كان الثمن - على تقدير كونه أحد

ص: 403


1- الفقيه 1647/40:2، تهذيب الأحكام 138:4-13/139، الوسائل 494:9-1/495، ب 4 من أبواب الخمس.
2- المدارك 167:5-168.
3- التذكرة 220:5.
4- الشرائع 119:1.
5- الإرشاد 285:1.
6- القواعد 345:1.
7- الجواهر 277:15.
8- تقدّم في: 388-390.
9- تقدّم في: 401.

النقدين - من جنس ما وقع به التقويم و غيره.

و قوله عليه السّلام(1): «لأنّ عين المال الدراهم» أيضا يدلّ عليه، و معناه أنّ أصل المال الّذي يلاحظ في زكاة التجارة هو الدراهم. و تخصيص الدراهم بالذكر لعلّه لكونه أحد فردي النقد أو لأنّه المتعارف المعهود في زمن الصدور أو غير ذلك، مع أنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، مع ما في المرسلة المتقدّمة(2) من ذكر النقدين معا بقوله عليه السّلام: «كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم و الدنانير».

و لكن صاحب المدارك استشكل إطلاق الحكم بقوله: و هو مشكل على إطلاقه، و الأصحّ أنّ الثمن إن كان من أحد النقدين وجب تقويم السلعة بما وقع الشراء به كما صرّح به المصنّف في المعتبر(3) و العلاّمة(4) و من تأخّر(5) عنه، لأنّ نصاب العرض مبنيّ على ما اشترى به فيجب اعتباره به كما لو لم يشتر به شيئا، و لقوله عليه السّلام: «إن كنت تربح به شيئا أو تجد مالك فعليك زكاته»(6) و رأس المال إنّما يعلم بعد التقويم بما وقع به الشراء، و لو وقع الشراء بالنقدين وجب التقويم بهما، و لو بلغ أحدهما النصاب زكّاه دون الآخر، و لو كان الثمن عروضا قوّم بالنقد الغالب، و اعتبر بلوغ النصاب و وجود رأس المال في الحول به خاصّة، و لو تساوى النقدان كان له التقويم بأيّهما شاء، و يكفي في استحباب الزكاة بلوغ القيمة النصاب بأحدهما و كذا وجود رأس المال(7) انتهى.

و نحوه ما في الذخيرة(8) و قد تبعا في اختيار التفصيل المذكور الشهيدين في الدروس(9) و المسالك(10) و نسب إلى الشيخ في المبسوط(11) و الخلاف(12) و أنت خبير بضعف هذا القول و خلوّه عن الدليل.

ص: 404


1- تقدّم في: 401.
2- تقدّمت في: 402.
3- المعتبر 547:2.
4- التحرير 388:1، التذكرة 216:5.
5- منهم: الشهيد الأوّل في الدروس 61، المحقّق الثاني في جامع المقاصد 150:1، الشهيد الثاني في المسالك 58:1.
6- الكافي 9/529:3، تهذيب الأحكام 3/69:4، الاستبصار 6/10:2، الوسائل 1/70:9، ب 13 من أبواب وجوب الزكاة.
7- المدارك 175:5-176.
8- الذخيرة: 449.
9- الدروس 238:1.
10- المسالك 402:1.
11- المبسوط 220:1-222.
12- الخلاف 99:2، المسألة 114.

و الاحتجاج بما تقدّم - من أنّ نصاب العرض مبنيّ على ما اشترى به - في غاية الضعف و إن وجّهناه بأنّ المراد به بناء حول العروض على حول الثمن الّذي اشتريت به إذا كان من أحد النقدين، و هذا يقتضي وجوب اعتبار نصابهما به لما عرفت من ضعف القول بالبناء، و إنّ الصحيح استئناف الحول من حين اشتراء العروض. و العجب عن صاحبي المدارك و الذخيرة و غيرهما أنّهم خالفوا الشيخ في هذا القول بمصيرهم إلى القول بالاستئناف. و هذا مع الاحتجاج المذكور بينهما تهافت واضح.

و لو اريد من الاحتجاج مجرّد ابتناء نصاب العروض على نصاب الثمن المشترى به المفروض كونه أحد النقدين في الاعتبار الشرعي، على معنى أنّ الشارع لم يعتبر للعروض من حيث كونه محلاّ للتجارة نصابا بالخصوص، بل جعل نصابه نصاب الثمن المفروض كونه أحد النقدين.

ففيه: أنّ الشارع بنى نصاب العروض على نصاب الثمن المفروض من حيث كونه أحد النقدين لا من حيث كونه ثمنا اشتري به العروض، و دعوى البناء عليه من هذه الحيثيّة لا غير أوّل المسألة، بل لا تخلو عن مصادرة بل عينها.

و أضعف من الاحتجاج المذكور الاحتجاج الثاني، إذ ليس المراد من وجود رأس المال في متاع التجارة وجود عينه بل وجود مقداره، و لا ريب أنّه يعلم بالتقويم مطلقا و لا يتوقّف العلم به على التقويم بخصوص ما وقع الشراء به و هذا واضح.

ثمّ إنّ قضيّة القول المختار صحّة ما في الشرائع - تفريعا على ما سبق من أنّ متاع التجارة يقوّم بالدراهم و الدنانير -: «من أنّه إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلّقت بها الزكاة لحصول ما يسمّى نصابا»(1) فإنّه جيّد خصوصا إذا كان المبلغ نصاب الدراهم لا الدنانير سواء وافق الثمن المشترى به أو لا.

و يظهر بما بيّنّاه ضعف ما في المدارك من الاعتراض على إطلاق هذه العبارة أيضا بنحو ما سبق بقوله: «هذا إنّما يتمّ إذا كان الثمن عروضا و تساوى النقدان و إلاّ وجب التقويم بالنقد الّذي وقع به الشراء أو بالنقد الغالب خاصّة»(2) و نحوه ما في

ص: 405


1- الشرائع 119:1.
2- المدارك 176:5.

الذخيرة(1) أيضا، و قد تبعا في ذلك أيضا صاحب المسالك(2) فإنّ اعتبار التقويم بالنقد الغالب أو تساوي النقدين فيما لو كان الثمن عروضا، و بما وقع الشراء به فيما لو كان نقدا تقييد بلا دليل.

و ربّما يشكل الحال في فرض التخلّف بين نصابي النقدين بملاحظة ما سبق(3) في مباحث زكاة النقدين من أنّ دينارا بحسب القيمة كان يساوي عشرة دراهم، و عشرين دينارا تساوي مائتي درهما، و قضيّة ذلك بلوغ القيمة النصاب بكلّ من النقدين لا بأحدهما دون الآخر.

و يسهل الذبّ عنه بأنّ ما سبق من التساوي إنّما هو بحسب العرف القديم أعني عرف زمن الصدور و ما يقاربه، و يجوز الاختلاف بين الأزمنة في قيمة الذهب و الفضّة ارتفاعا و انخفاضا كما في أعصارنا هذه، فإنّ عشرين دينارا يعادل خمسة عشر مثقالا صيرفيّا(4) ذهبا و قيمته تعادل إحدى و عشرين تومانا(5) و مائتا درهم تعادل مائة مثقالا و خمسة مثاقيل صيرفيّة و قيمته تعادل عشرة تومان إلاّ نصف عشر تومان، و مفروض المسألة حينئذ ما إذا بلغ قيمة السلعة ذلك المبلغ و ما فوقه ما لم يبلغ إحدى و عشرين تومانا.

ثمّ عن جماعة من الأصحاب و منهم الفاضل في التذكرة(6) و المنتهى(7) و صاحب المدارك(8) و الذخيرة(9) في الزيادة على النصاب الأوّل اشتراط بلوغها النصاب الثاني، أعني أربعة في الذهب و أربعين في الفضّة فلا زكاة في الأقلّ . و ظاهر إطلاق الفاضلين في الشرائع و الإرشاد: عدم الاشتراط(10).

و عن ثاني الشهيدين أنّه ذكر في حواشي القواعد: «أنّه لم يقف على دليل يدلّ

ص: 406


1- الذخيرة: 450.
2- المسالك 402:1-403.
3- سبق في: 275.
4- في الرياض 92:5، الصيرفي هو ثلاثة أرباع الصيرفي، فالصيرفي هو مثقال و ثلث من الشرعي.
5- فرهنگ فارسى عميد 643:1: كانت ميزان النقود المملكة الإيرانيّة في عصر القاجار و معادلا لعشرة آلاف دينار.
6- التذكرة 220:5.
7- المنتهى 166:8.
8- المدارك 168:5.
9- الذخيرة: 449.
10- الشرائع 119:1، الإرشاد 285:1.

على اعتبار النصاب الثاني هنا، و إنّ العامّة(1) صرّحوا باعتبار الأوّل خاصّة»(2) و اعترض عليه في المدارك بأنّ : «الدليل على اعتبار الأوّل هو بعينه الدليل على اعتبار الثاني و الجمهور إنّما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين»(3) و الظاهر أنّ مراده من الدليل الجاري في النصابين هو ما تقدّم منه من دعوى ظهور الروايات في أنّ هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها نصابها و يتساويان في قدر المخرج.

أقول: و يكفي في دليل ذلك قوله عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمّار: «و كلّما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود إلى الدراهم في الزكاة و الديات»(4) فإنّه بإطلاقه - مع وروده في معرض البيان - يدلّ على أنّ زكاة مال التجارة بحسب القيمة كزكاة الدراهم في جميع الأحكام من اعتبار النصابين و القدر المخرج و غير ذلك.

و يؤيّده ما ذكره في الذخيرة من أنّه: «حيث كان التعويل في اعتبار النصاب الأوّل على الإجماع كان الحكم منوطا بالقدر المتيقّن فيلزم اعتبار النصاب الثاني لعدم تحقّق الاجماع في القدر الناقص منه»(5).

[زكاة مال التجارة تتعلّق بالقيمة لا بالعين]

ثمّ عن الشيخ و أتباعه: «أنّ زكاة مال التجارة تتعلّق بقيمة المتاع لا بعينه»(6) و في الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا»(7) و عن المفاتيح نسبته إلى أصحابنا(8) و هو يؤذن بدعوى الإجماع، بل قيل: إنّ عبارة المنتهى(9) تشعر بدعوى الإجماع عليه(10) و في المعتبر عن أبي حنيفة(11) من العامّة أنّه ذهب إلى تعلّقها بالعين

ص: 407


1- مغني المحتاج 389:1، المبسوط 189:2-190.
2- لم يعرف للشهيد الثاني كتاب بهذا العنوان، غير ما يسمّى ب «فوائد القواعد في شرح القواعد» و لم نعثر فيه ما يدلّ على ذلك.
3- المدارك 168:5.
4- الكافي 516:3-8/517، الاستبصار 39:2-3/40، 3/93:4، وسائل 7/139:9، ب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضّة.
5- الذخيرة: 449.
6- الخلاف 95:2 المسألة 109، المبسوط 221:1، المراسم: 136.
7- الجواهر 272:15.
8- المفاتيح 203:1.
9- المنتهى 508:1.
10- الحدائق 150:12.
11- سنن البيهقي 147:4.

قال: فإن أخرج منها فهو الواجب و إن عدل إلى القيمة فقد أخرج بدل الزكاة. و قال المحقّق: إنّ ما قاله أبو حنيفة أنسب بالمذهب(1) و عن التذكرة أنّه نفى البأس عن هذا القول(2) و استحسنه في المدارك(3) و عن المفاتيح أنّه أصحّ (4) و في الذخيرة أنّ المسألة عندي محلّ تردّد(5).

و المراد من القيمة هاهنا ما يقدّر معادلا للمتاع من أحد النقدين، و إنّما سمّي قيمة لأنّه في المعاملة يقاوم المتاع و يقوم مقامه، و إنّما كونها من أحد النقدين لما اعتبر في زكاة المتاع بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين، و لذا قال في الشرائع: «زكاة التجارة تتعلّق بقيمة المتاع لا بعينه و يقوّم بالدراهم أو الدنانير»(6).

و لمّا كان مبنى التقويم على الفرض و التقدير بملاحظة صلاحية المتاع - بحسب نظر أهل الخبرة مع كون القيمة المقدّرة معدومة حال وجود المتاع لأنّها إنّما تتحقّق في الخارج بعد بيع المتاع لا قبله - فمعنى تعلّق الزكاة بالقيمة: استحباب إخراج القدر المخصوص، و هو: «ربع العشر» من جنس القيمة المقدّرة أعني جنس الدراهم أو الدنانير.

و كيف كان فالأقوى هو المشهور من: تعلّق هذه الزكاة بالقيمة بالمعنى المذكور.

لنا على ذلك، ظاهر خبر إسحاق بن عمّار المتقدّم(7) في مواضع منه:

منها: قوله عليه السّلام: «ففيها الزكاة» فإنّ في العدول عن تثنية الضمير - إرجاعا له إلى الذهب و الفضّة - و عن تذكيره (إرجاعا له إلى المجموع منهما) إلى الإفراد و التأنيث دلالة واضحة على اعتبار عوده إلى الدراهم المدلول عليه بقوله عليه السّلام: «فبلغ ذلك مائتي درهم» على طريقة المرجع المعنوي.

و منها: قوله عليه السّلام: «لأنّ عين المال الدراهم» بالتوجيه المتقدّم.

و منها: قوله عليه السّلام: «و كلّما خلا الدراهم» الخ كما تقدّم(8) الإشارة إليه، فإنّ الردّ إلى الدراهم في الزكاة ممّا لا معنى له إلاّ الرجوع في أحكام زكاة العرض من النصاب و قدر المال المخرج و قدره إلى الدراهم. و يؤيّد الجميع أو يدلّ على المطلب استقراء

ص: 408


1- المعتبر 550:2.
2- التذكرة 219:5.
3- المدارك 174:5.
4- المفاتيح 203:1.
5- الذخيرة: 450.
6- الشرائع 119:1.
7- تقدّم في: 401.
8- تقدّمت الإشارة إليه في: 407.

الأجناس الزكويّة، و أقسام ما يجب فيه، و ما يستحبّ فيه الزكاة المفيد للملازمة بين محلّ النصاب و متعلّق الزكاة، إن عينا فعين، و إن قيمة فقيمة و لم يوجد فيها ما يعتبر النصاب في العين و الزكاة في القيمة، و لا ما يعكس فيه الأمر.

و إلى ذلك ينظر احتجاج الشيخ بأنّ النصاب معتبر بالقيمة و ما اعتبر النصاب منه وجبت الزكاة فيه كسائر الأموال، كما ينظر إلى الوجه السابق احتجاجه الآخر بما رواه عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم و الدنانير».

و بما بيّنّاه من التقرير و التوجيه يندفع عنه ما أورده المحقّق في المعتبر عليهما قائلا: «و تمسّك الشيخ ضعيف، أمّا قوله النصاب معتبر بالقيمة قلنا مسلّم لكن ليعلم بلوغها القدر المعلوم و لا نسلّم أنّه لوجوب الإخراج منها، و أمّا الرواية فغير دالّة على موضع النزاع لأنّها دالّة على أنّ الأمتعة تقوّم بالدراهم و الدنانير و لا يلزم من ذلك إخراج زكاتها منها»(1) و يظهر وجه الاندفاع بالتأمّل فيما قرّرناه.

ثمّ إنّ هذا الخلاف على القول باستحباب هذه الزكاة لا يظهر له فائدة مهمّة عدى ما حكي عن الشهيد رحمه اللّه في حاشية القواعد عند قول المصنّف: «و الزكاة تتعلّق بقيمة المتاع» من قوله: «و تظهر الفائدة في مثل من عنده مائتا قفيز من حنطة تساوي مائتي درهم، ثمّ تزيد بعد الحول ثلاثمائة درهم فإن قلنا تتعلّق بالعين أخرج خمسة أقفزة أو قيمتها سبعة دراهم و نصفا، و إن قلنا بالقيمة أخرج خمسة دراهم أو بقيمتها حنطة»(2) انتهى.

[فوائد تعلّق الزكاة بالقيمة]

نعم على القول بوجوبها ربّما ذكر فوائد اخر: ففي كلام جماعة: «و تظهر فائدة الخلاف في جواز بيع السلعة بعد الحول و قبل إخراج الزكاة أو ضمانها فيجوز على الأوّل كما نصّ عليه في المنتهى(3) لأنّها إنّما تتعلّق بالقيمة دون الثاني»(4).

و عن ثاني الشهيدين قدّس سرّه: «و تظهر فائدة الخلاف أيضا فيما لو زادت القيمة بعد

ص: 409


1- المعتبر 550:2.
2- الحاشية النجاريّة: 33.
3- المنتهى 508:1.
4- المدارك 174:5، الحدائق 150:12-151.

الحول فعلى المشهور يخرج ربع عشر القيمة الاولى، و على الثاني ربع عشر الزيادة أيضا و في التحاصّ و عدمه لو قصرت التركة»(1) انتهى.

و الأوّل راجع إلى ما عرفت عن الشهيد في حواشي القواعد، و إخراج ربع عشر الزيادة أيضا على التعلّق بالعين مبنيّ على العدول في إخراج الزكاة إلى القيمة بدلا.

و أمّا الثاني فناقشه في المدارك: «بأنّ التعلّق بالقيمة غير الوجوب في الذمّة فيتّجه القول بتقديم الزكاة على القول بالوجوب و إن قلنا إنّها تتعلّق بالقيمة كما اختاره في الدروس(2) إلاّ أن يقال: إنّ التعلّق بالقيمة إنّما يتحقّق بعد بيع عروض التجارة أمّا قبله فلا، و هو بعيد جدّا»(3).

و فيه: أنّ التعلّق بالقيمة و الوجوب في الذمّة و إن كانا يتغايران مفهوما بالعموم و الخصوص فإنّ ما في الذمّة أعمّ من المثل و القيمة إلاّ أنّ التعلّق بالقيمة المقدّرة هاهنا على ما أوضحناه ممّا لا محصّل له إلاّ استقرار القدر المخصوص من أحد النقدين في الذمّة، ففائدة التحاصّ على القول بوجوب هذه الزكاة مع التعلّق بالقيمة في محلّها، و المناقشة المذكورة في غير محلّها.

مسائل:
المسألة الاولى: [التجارة في النصب و اجتماع الزكاتين]

قال في الشرائع: «إذا ملك أحد النصب الزكويّة للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة، سقطت زكاة التجارة و وجبت زكاة المال و لا تجتمع الزكاتان و يشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة، و قيل: تجتمع الزكاتان هذه وجوبا و هذه استحبابا»(4).

قال في المدارك عند شرح العبارة: هذا القول - يعني القول بالاجتماع - مجهول القائل، و قد نقل المصنّف في المعتبر الإجماع على خلافه فقال: «لا تجتمع زكاة العين و زكاة التجارة في مال واحد اتّفاقا»(5) و نحوه قال العلاّمة في التذكرة و المنتهى(6).

ص: 410


1- المسالك 402:1.
2- الدروس 238:1.
3- المدارك 174:5-175.
4- الشرائع 119:1.
5- المعتبر 549:2.
6- التذكرة 233:5، المنتهى 509:1.

و الأصل في ذلك قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «لا ثنيا في(1) صدقة»(2) و قول الصادق عليه السّلام في حسنة زرارة: «لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد»(3). ثمّ إن قلنا باستحباب زكاة التجارة وجب القول بسقوطها، لأنّ الواجب مقدّم على الندب، و إن قلنا بالوجوب قال الشيخ في الخلاف و المبسوط: «تجب الزكاة العينيّة دون التجارة لأنّ وجوبها متّفق عليه و لأنّها تتعلّق بالعين فكانت أولى»(4) و قال بعض العامّة: «تقدّم زكاة التجارة لأنّها أحظّ للفقراء لتقويمها بالنقدين و عدم اختصاصها بعين دون عين»(5). قال في المعتبر:

«و الحجّتان ضعيفتان، أمّا الاتّفاق على الوجوب فهو مسلّم و لكن القائل بوجوب زكاة التجارة يوجبها كما يوجب زكاة المال فلم يكن عنده رجحان، و أمّا كونها مختصّة بالعين فهو موضع المنع و لو سلّم لم يكن في ذلك رجحان لاحتمال كون ما يلزم القيمة أولى، و أمّا كونه أحظّ للفقراء فلا نسلّم وجوب مراعاة الأحظّ للمساكين، و لم لا تجب مراعاة الأحظّ للمالك ؟ لأنّ الصدقة عفو المال و مواساة فلا تكون سببا لإضرار المالك و لا موجبة للتحكّم في ماله»(6). و حكى الشارح قولا في المسألة بتخيير المالك في إخراج أيّهما شاء لتساويهما في الوجوب، و امتناع الجمع بينهما، و عدم المرجّح لأحدهما(7) و الأصحّ ما ذكره الشيخ من تقديم العينيّة لانتفاء الدليل على ثبوت زكاة التجارة مع وجوب العينيّة، فإنّ الروايات المتضمّنة لثبوت هذه الزكاة لا تعطي ذلك كما يظهر للمتتبّع»(8) انتهى.

أقول: المعتمد هو هذا القول أعني وجوب زكاة العينيّة و سقوط زكاة التجارة على القولين باستحبابها و وجوبها معا، لوجود الدليل على ثبوت الاولى و عدم وجوده على

ص: 411


1- «لاثنيا» أي تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة: النهاية 224:1.
2- كنز العمّال 446:6، 15902/332.
3- الكافي 6/520:3، تهذيب الأحكام 9/33:4، الوسائل 1/100:9، ب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
4- الخلاف 104:2، المسألة 120 و: 96 المسألة 110 و: 99 المسألة 114، المبسوط 222:1، نقل المؤلّف الشريف يختلف اختلافا طفيفا عمّا في المبسوط.
5- المغني 627:2.
6- المعتبر 549:2.
7- المسالك 403:1.
8- المدارك 177:5-178.

ثبوت الثانية كما ذكره صاحب المدارك.

أمّا الأوّل: فلأنّ النصوص المستفيضة المقتضية لزكاة العينيّة في الأجناس التسع المتقدّمة باعتبار عمومها الأحوالي ظاهر الشمول لصورتي ما لو عرضها التجارة و ما لم تعرضها.

ثمّ هذه النصوص بانضمام حسنة أو صحيحة الفضلاء الخمس - زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي و فضيل بن يسار - عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا: «فرض اللّه الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنّها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في تسعة أشياء و عفا عمّا سواهنّ في الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّا سوى ذلك»(1).

و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مناديه فنادى في الناس أنّ اللّه تبارك و تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، فرض اللّه عليكم من الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عمّا سوى ذلك»(2) واضح الدلالة على أنّه لم يعف الزكاة عن هذه التسع بحال من الحالات حتّى حال عروض التجارة لها أو لبعضها.

و أمّا الثاني: فلأنّ مفاد أدلّة زكاة التجارة من الروايات و غيرها بعد مراعاة الجمع و الضمّ إلى نصوص زكاة العينيّة الّتي منها الخبران المذكوران، هو أنّ كلّ مال و متاع عرضته التجارة ممّا عفى زكاة العينيّة عنه يستحبّ أو يجب الزكاة في قيمته بحيث لو لا عروض التجارة لها لم يستحبّ أو لم يجب الزكاة في عينه و لا قيمته، و هذا كما ترى لا يتناول شيئا من أجناس زكاة العينيّة.

و ملخّصه: أنّه لا عموم في أدلّة زكاة التجارة بحيث يشمل أجناس الزكاة العينيّة

ص: 412


1- الكافي 1/509:3، الاستبصار 5/:2، تهذيب الأحكام 5/3:4، الوسائل 8/13:9، ب 1 من أبواب وجوب الزكاة.
2- الكافي 2/497:3، الفقيه 1598/13:2، الوسائل 1/9:9، ب 1 من أبواب وجوب الزكاة.

من غير فرق فيه بين القول باستحباب زكاة التجارة و القول بوجوبها، و لو سلّم العموم فغايته بملاحظة دليل نفي اجتماع زكاتين في مال واحد من النص و الإجماع إرجاع التخصيص إلى أحد العامّين بإخراج محلّ الاجتماع من عموم أدلّة زكاة التجارة أو من عموم أدلّة زكاة العينيّة، و يتعيّن الأوّل لكون المسألة من تعارض الأحوال برجوعها إلى تعارض التخصيصين، و الضابط في الترجيح فيها على ما حقّق في محلّه: تقديم الأظهر المقتضي لإرجاع التأويل إلى غير الأظهر، و لذا يقدّم تخصيص الأقلّ على تخصيص الأكثر و تخصيص أكثر أفرادا من العامّين على تخصيص أقلّها و تخصيص العامّ المخصّص على تخصيص غير المخصّص.

و لا ريب في أنّ نصوص زكاة العينيّة أظهر دلالة على العموم من أخبار زكاة التجارة بلا فرق في ذلك أيضا بين القولين بناء على أنّ مستندهما هذه الأخبار غير أنّ القائل بالوجوب يأخذ بظواهرها و أهل القول بالاستحباب يأوّلونها بالاستحباب جمعا بينها و بين أخبار اخر نافية لزكاة التجارة رأسا كما تقدّم.

و قضيّة ما اخترناه أنّه إن عاوض الزكوي بمثله كأربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة في أثناء الحول استأنف الحول للعينيّة و يسقط عنه العينيّة و التجارة معا، أمّا السقوط فلانقطاع الحول بتبديل المال و لو بجنسه في كلّ من العينيّة و التجارة و اشتراط وجود المال طول الحول في وجوب الزكاة في كلّ منهما على ما تقدّم تحقيقه، و أمّا استئناف الحول للعينيّة لا للتجارة فلما اخترناه هنا من تقديم العينيّة على التجارة و عدم اجتماعها معها في مال واحد من غير فرق في ذلك بين كون الأوّل مأخوذا للتجارة أو للقنية.

المسألة الثانية: [الزكاة في مال المضاربة و ربحها]
اشارة

قال في الشرائع: «إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل على ربّ المال لانفراده بملكه و زكاة الربح بينهما تضمّ حصّة المالك إلى ماله و يخرج منه الزكاة لأنّ رأس ماله زكاة(1) و لا يستحبّ في حصّة الساعي الزكاة إلاّ أن يكون نصابا»(2) انتهى.

ص: 413


1- كذا في الأصل، و في الشرائع:... رأس ماله نصاب.
2- الشرائع 119:1.

و المراد بالأصل هنا ما قابل من العروض قيمته قدر رأس المال، و بالربح ما زاد قيمته منه على رأس المال و انضمام الحصّة من الربح إلى الأصل في إخراج الزكاة لأنّ المجموع منهما مال واحد لمالك واحد، و بضابطة ما تقدّم(1) من أنّ زكاة التجارة تتعلّق بقيمة المتاع لا بعينه، يتعلّق الزكاة هنا بقيمة المجموع، و لكن اعتبار الانضمام على وجه يخرج الزكاة من الحصّة أيضا بحسبها مبنيّ على أحد الأمرين: إمّا بلوغ المجموع النصاب الأوّل دون الأصل وحده، أو بلوغ الحصّة النصاب الثاني على تقدير بلوغ الأصل النصاب الأوّل إذ لو لا أحد الأمرين لم يتّجه الحكم بإخراج الزكاة رأسا أو بإخراجها عن المجموع، و العبارة المذكورة قاصرة عن إفادة ذلك، و العلّة المذكورة فيها غير تامّة كما هو واضح.

و لكن يشكل الحال في إثبات الزكاة على العامل في حصّته من الربح لعدم وضوح دليله، فإنّ خطاب زكاة مال التجارة بمقتضى ظاهر نصوصه يتوجّه إلى ربّ المال و مالك الأصل، و العامل ليس بمالك له، غير أنّه لم نقف على مستشكل و لا متأمّل فيه عدى صاحب الذخيرة حيث إنّه بعد ما ذكر كون زكاة حصّة العامل عليه بعد استجماعها الشرائط و نسبه إلى جماعة من الأصحاب قال: «و فيه تأمّل لعدم عموم الأدلّة على ثبوت زكاة التجارة على وجه يشمل محلّ البحث»(2) انتهى.

و يندفع بأنّ مبنى المسألة في كلام الأصحاب على أنّ العامل يملك الحصّة بظهور الربح فيها و لا معنى لظهوره إلاّ ارتفاع قيمة المتاع إلى أن يزيد على رأس المال، و القيمة قبل أن ينضّ المتاع أمر موهوم غير قابل لأن يملك فلا محلّ لملكه إلاّ ما قابل قيمته من المتاع الحصّة من الزائد على رأس المال، و هو المراد من الحصّة المملوكة له في كلام الأصحاب، و تصويره أنّه: إذا ارتفعت قيمة العروض فرأس المال منه ما قابل(3)قيمته رأس المال و الزائد ربح، و حصّة العامل تعتبر من الزائد و يملكها ملكا متزلزلا يتوقّف استقراره بإنضاض جميع المال أو إنضاض قدر رأس المال مطلقا أو مع الفسخ و القسمة أو أحدهما على ما يستفاد من عبارة المسالك.(4)

ص: 414


1- تقدّم في: 407.
2- الذخيرة: 450.
3- فى الأصل: قال.
4- المسالك 406:1.
[المنساق من نصوص زكاة التجارة]

ثمّ نقول: إنّ المنساق من نصوص زكاة التجارة و لو بانضمام فهم الأصحاب الجابر لقصور دلالتها إنّ وجود مال التجارة بشرائطه المتقدّمة سبب لتعلّق الزكاة بقيمته، فإن اختصّ المال بواحد كان هو المخاطب بإخراجها، و إن كان بين اثنين كما في المال المشترك - و منه ما نحن فيه - كان كلّ منهما مخاطبا بالإخراج في حصّته، و يندرج فيه حصّة العامل إذا حال عليها الحول من حين ظهور الربح و بلغ قيمتها النصاب الأوّل و لا يكفي البلوغ النصاب الثاني وحده لأنّ اعتباره مترتّب على وجود النصاب الأوّل لمالكه، كما أشار إليه في المسالك قائلا: «يعتبر في حصّة المالك بلوغ النصاب الثاني لوجود الأوّل عنده و في حصّة العامل بلوغ النصاب الأوّل إذ ليس له سواها، نعم لو فرض أنّه يتّجر مع مال المضاربة بماله أيضا و كان نصابا كانت حصّته من الربح كحصّة المالك، و لو قصر المال الأوّل عن النصاب ضمّ إليه الربح فيهما»(1) انتهى.

و اشترط في المدارك في حصّة العامل مع ما ذكر كونه: «متمكّنا من التصرّف فيها و لو بالتمكّن من القسمة»(2) و ردّ بعدم منع الزكاة كما في المال المشترك مع كون نصيب كلّ منهما نصابا، ثمّ إنّ هذا كلّه بالنسبة إليه لو قلنا إنّه يملك الحصّة، و أمّا لو قلنا إنّه يستحقّ اجرة المثل فالزكاة كلّها على المالك لأنّ الاجرة دين و الدين لا يمنع الزكاة.

[معنى كون الربح وقاية الرأس المال]

ثمّ إنّه قال في الشرائع تفريعا على ملك العامل للحصّة: «و هل يخرج قبل أن ينضّ المال ؟ قيل: لا لأنّه وقاية لرأس المال، و قيل: نعم لأنّ استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية، و هو أشبه»(3). أقول: «الانضاض» لغة تحويل المال عينا بعد أن كان متاعا، و قد يعبّر عن العين بالدراهم أو الدنانير كما في الذخيرة(4).

ص: 415


1- المسالك 406:1.
2- المدارك 181:5.
3- الشرائع 19:1.
4- الذخيرة: 450.

و القول بالنفي منقول عن الشيخ في ظاهر المبسوط(1) و التحرير(2) و الموجز(3)و كشفه(4) و العليّين(5) و غيرهم، و القول بالإثبات عنه في المبسوط(6) و الخلاف(7) و عن الفاضلين في الشرائع(8) و المعتبر(9) و الإرشاد(10).

و معنى كون «الربح وقاية لرأس المال» أنّه إذا حصل في متاع التجارة وضيعة بمعنى النقص و الخسران احتسب من الربح إكمالا لرأس المال و حفظا له عن النقصان.

و السرّ في منع الوقاية أنّها حقّ للمالك تعلّق بالربح و استحقاقه لها مانع عن استقلال العامل بالإخراج منه، و قضيّة ذلك أنّه لا يجوز له تعجيل الإخراج من عين مال القراض.

و وجّه دليل المجوّز بأنّ إذن الشارع في إخراج ذلك القدر أخرجه عن الوقاية.

و فيه: أنّ الكلام في إثبات إذن الشارع و لا دليل عليه سوى ما ذكر و هو عين الدعوى.

و استدلّ على القول المذكور أيضا: «بأنّ الزكاة من المؤن الّتي تلزم المال كاجرة الدلاّل و الوزّان و أرش جناية العبد و فطرته» و استحسنه في المدارك(11) على القول بالوجوب، و تأمّل فيه صاحب الذخيرة(12) و لعلّ وجهه وضوح الفرق بين المقامين، فإنّ الربح إنّما يعتبر بعد إخراج الحقوق المذكورة فلا ينافي ثبوتها لكونه وقاية، و الزكاة على تقدير جواز إخراجها تتعلّق بالربح فينافي حقّ الوقاية.

ثمّ يرد على الوجهين معا أيضا إنّ سبق استحقاق المالك من جهة الوقاية كما هو المفروض، بملاحظة أنّ الزكاة لا يتعلّق إلاّ بعد الحول - بخلاف حقّ الوقاية - مانع عن تعلّق استحقاق الفقراء.

ثمّ إنّ هاهنا إشكال آخر و هو أنّ فرض المسألة و النزاع فيها إن كان على تقدير

ص: 416


1- المبسوط 223:1-224.
2- التحرير 388:1.
3- الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 174.
4- كشف الالتباس: 211، الورقتين: الف و ب، المخطوطة، الرقم: 4462.
5- يقال هما: المحقّق الكركي، الشيخ عليّ بن الحسين الكركي، جامع المقاصد 28:3، و الشيخ عليّ الميسي (الفاضل الميسي) و لم نظفر بكتابه.
6- المبسوط 223:1-224.
7- الخلاف 105:2-106، المسألة 123.
8- الشرائع 119:1.
9- المعتبر 548:2.
10- الإرشاد 285:1.
11- المدارك 182:5.
12- الذخيرة: 450.

إذن المالك مطلقا في الإخراج فهو يقتضي سقوط حقّه، أو مع تضمين العامل لمقدار الزكاة لو حصل الخسران فهو لا ينافي استحقاقه، و على التقديرين لا يتّجه الاستدلال على المنع بحقّ الوقاية و إن كان على تقدير عدم إذنه، فالاحتجاج على المنع بالشركة المانعة في المال المشترك من تصرّف أحد الشريكين بدون إذن الشريك الآخر أولى من الاحتجاج بحقّ الوقاية، و احتمال أنّ الشركة ممّا ألغاها الشارع هنا يحتاج إلى دليل و لا دليل عليه و إلاّ كان حقّ الوقاية أيضا ملغى.

و عن العلاّمة في القواعد(1) أنّه جمع بين تعجيل الإخراج و جعل الربح وقاية بضمان العامل مقدار الزكاة لو احتيج إلى إتمام المال كما في ضمان المرأة زكاة المهر لو طلّقت قبل الدخول. و عن الشهيد في الدروس الاعتراض عليه بأنّه: «قول مستحدث مع أنّ فيه تغريرا بمال المالك لو اعسر العامل»(2).

«و اجيب عنه بأنّ إمكان الإعسار أو ثبوته بالقوّة لا يزيل حقّ الإخراج الثابت بالفعل»(3) و ردّ بأنّه حسن إن ثبت ثبوت الحقّ المذكور فعلا و هو أوّل الدعوى(4).

أقول: و لمّا كان مبنى الخلاف في المسألة كما يظهر من الاحتجاجات و النقوض و الإبرامات على القول بوجوب زكاة التجارة و القول بتعلّقها بعين المال لا قيمته و القولان كلاهما خلاف التحقيق فلا ضرورة قضت بزيادة النظر و البحث فيها، و أمّا على القول المختار من الاستحباب و التعلّق بالقيمة فلا إشكال لبقاء صفة الوقاية مع عدم تعيّن الاخراج و لا من العين مع التأدية من مال آخر غير مال المضاربة.

المسألة الثالثة: [الدين لا يمنع الزكاة]

الدين لا يمنع من زكاة التجارة و لو لم يكن للمالك وفاء إلاّ منه، نصّ عليه الفاضلان(5) و الشهيدان(6) و غيرهما و عن التذكرة و ظاهر الخلاف الإجماع عليه(7) و من

ص: 417


1- القواعد 345:1.
2- الدروس 239:1.
3- المسالك 407:1.
4- المسالك 407:1.
5- القواعد 345:1، المعتبر 541:2.
6- البيان: 191.
7- الخلاف 107:2-108، المسألة 125، التذكرة 228:5.

هنا ذكر في المدارك أنّ : «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب»(1) و علّلوه بأنّ متعلّق الدين الذمّة، و متعلّق زكاة التجارة العين أو القيمة على الخلاف المتقدّم(2) فلا تعارض بينهما. و هذا عليل، و العمدة الإجماع. و في المدارك: - كما عن التذكرة - «يمكن أن يقال: لا يتأكّد إخراج زكاة التجارة للمديون مع المضايقة لأنّه نفل يضرّ بالفرض»(3).

ثمّ إنّهم قالوا: و كذا زكاة المال لأنّها تتعلّق بالعين، و هذا واضح و عليه مبنيّ ما تقدّم من مسألة التحاصّ (4) و عن المنتهى: «أنّ الدين لا يمنع الزكاة سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن، و سواء استوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه، و سواء كانت أموال الزكاة ظاهرة كالنعم و الحرث أو باطنة كالذهب و الفضّة و عليه علماؤنا أجمع»(5)و في المدارك أنّ : «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب مدّعى عليه الإجماع»(6).

و استدلّ عليه بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و خبر ضريس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«أنّهما قالا: أيّما رجل كان له مال موضوع حتّى يحول عليه الحول فإنه يزكّيه و إن كان عليه من الدين مثله و أكثر منه، فليزكّ ما في يده»(7).

المسألة الرابعة: [الزكاة في نماء العقارات و الخيول السائمة]

قال في الشرائع و غيره: «العقار المتّخذة للنماء يستحبّ الزكاة في حاصله»(8) و في كلام جماعة أنّ العقار لغة الأرض، و المراد هنا ما يعمّ البساتين و الخانات و الحمّامات و نحو ذلك.

و نسبه في المدارك إلى تصريح الأصحاب و قال: استحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم، و لم أقف على مستنده و قد ذكره العلاّمة في التذكرة و المنتهى(9)مجرّدا عن الدليل، ثمّ قال في التذكرة: «و لا يشترط فيه الحول و لا النصاب للعموم»(10)

ص: 418


1- المدارك 183:5.
2- تقدّم في: 407.
3- المدارك 183:5.
4- تقدّم في: 409 و 410.
5- المنتهى 506:1 و 510.
6- المدارك 183:5.
7- الكافي 13/522:3، الوسائل 1/104:9، ب 10 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
8- الشرائع 120:1.
9- المنتهى 506:1 و 510.
10- التذكرة 233:5.

و استقرب الشهيد في البيان(1) اعتبارهما، و لا بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تمّ ، و على هذا فإنّما يثبت الاستحباب فيه إذا كان الحاصل عرضا غير زكوي، أمّا لو كان نقدا فإنّ الزكاة تجب فيه مع اجتماع الشرائط و يسقط الاستحباب(2) انتهى.

و قد يجعل ذلك من زكاة التجارة فيعتبر فيها ما يعتبر في زكاة التجارة من الحول و النصاب و القدر المخرج، بتقريب: أنّ التجارة عرفا هي «التكسّب» و هو أعمّ من التكسّب بنقل العين و استنمائها، فإنّ الاسترباح له طريقان في العرف أحدهما: بنقل الأعيان، و الآخر: باستنمائها مع بقاء العين. و قد يظهر هذا الاعتبار من المحكيّ من عبارة المصابيح للسيّد الطباطبائي قدّس سرّه حيث قال: «إنّ عدم تعرّضهم لذكر قدر هذه الزكاة و وقت الإخراج و كيفيّته أصلا قرينة على كونها كزكاة التجارة» انتهى.

و عن جماعة كالفاضل(3) و الشهيد(4) و أبي العباس(5) و الصيمري(6) و المحقّق الثاني(7) و غيرهم التعرّض لكون المخرج هنا ربع العشر كزكاة التجارة.

أقول: و في شمول نصوص زكاة التجارة لما نحن فيه تأمّل واضح، و لكنّ الحكم لمّا كان من السنن فالخطب فيه سهل، لكفاية فتوى الفقيه فيه خصوصا إذا كانت من جماعة.

ثمّ إنّ ظاهرهم اختصاص هذا القسم بكون حاصل العقار من غير الأجناس الزكويّة، و أمّا ما كان حاصله منها فيعتبر فيه ما يعتبر في زكاة المال فيجب عند اجتماع شروط وجوبها، و أمّا مع عدم اجتماعها ففي الاستحباب نظر: من عدم الدليل و الأصل يقتضي عدمه، و من اندراجه في عموم الفتوى في زكاة حاصل العقار إن لم نعتبر فيها الحول و النصاب.

ص: 419


1- البيان: 192.
2- المدارك 185:5.
3- التذكرة 234:5.
4- البيان: 192.
5- جمال الدين أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي، الرسائل العشر (الموجز الحاوي): 174، لم يصرّح بذلك و لكن يفهم من إطلاق عبارته.
6- غاية المرام 258:1.
7- جامع المقاصد 26:3.
المسألة الخامسة: قال في الشرائع: «الخيل إذا كانت إناثا سائمة و حال عليها الحول ففي العتاق عن كلّ فرس ديناران،

و في البرازين عن كلّ فرس دينار استحبابا»(1) قال في المدارك:

«المراد بالفرس العتيق الّذي أبواه عربيّان كريمان، و البرزون بكسر الباء خلافه، و عن التذكرة: و قد أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة السوم و الانوثة و الحول». و الأصل فيه ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم عنهما جميعا عليهما السّلام قال: وضع أمير المؤمنين عليه السّلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، و جعل على البرازين دينارا»(2)-(3).

و هذا كما يدلّ على الشروط الثلاثة يدلّ على عدم اعتبار النصاب هنا، و لعلّ دلالته على الحكم و هو الاستحباب بواسطة ظهور وضع أمير المؤمنين عليه السّلام فيه، و لو كان فيه قصور ينجبر بفهم الأصحاب.

ص: 420


1- الشرائع 120:1.
2- الكافي 1/530:3، التهذيب 1/67:4، الاستبصار 2/12:2.
3- المدارك 186:5.

المبحث الثالث [أصناف المستحقّين للزكاة]

اشارة

في من يصرف إليه الزكاة، المعبّر عنه في كلام الأصحاب بالمستحقّ الّذي تعرّض سبحانه و تعالى لبيان أصنافه في قوله عزّ من قائل: إِنَّمَا اَلصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اَلْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي اَلرِّقٰابِ وَ اَلْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (1) و لا خلاف في أنّ أصناف المستحقّ هم المذكورون في الآية، و في المحكيّ عن المنتهى: «أنّه لا خلاف فيه بين المسلمين»(2) بعد ما صرّح بالإجماع عليه في صدر العبارة، و نحوه الإجماع المحكيّ عنه في التذكرة(3).

و ينبغي التعرّض لبيان تفصيل الأصناف المذكورة و ما يتعلّق بكلّ واحد من الأحكام.

الصنف الأوّل و الثاني: الفقراء و المساكين،
اشارة

بناء على المشهور الّذي عليه الأكثر من كونهما متغايرين و إنّ المسكين أسوأ حالا من الفقير، لأنّ الفقير هو المحتاج المتعفّف الّذي لا يسأل، و المسكين هو المحتاج الّذي يسأل لشدّة حاجته. و هو الأصحّ عملا بعدّة من الروايات المعتضدة بالشهرة، و نصّ كثير من أهل اللغة. خلافا للشرائع(4) فجعل الأشبه كونهما

ص: 421


1- التوبة: 60.
2- المنتهى 517:1.
3- التذكرة 237:5.
4- الشرائع 120:1.

بمعنى واحد على معنى كونهما مترادفين، و في المدارك: «ذهب إليه جماعة منهم المصنّف»(1).

و لا يترتّب على الإطناب في تحقيق هذا المقام فائدة مهمّة، كما نصّ عليه جماعة(2) تعليلا بأنّه حيثما ذكر أحدهما منفردا في الخطاب دخل في إطلاق لفظه الآخر كما في آية الكفّارة فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (3) حيث تعلّق فيها الحكم بالمساكين و دخل فيه الفقير، و في المسالك: «بغير خلاف»(4) و في الروضة و الرياض: «الإجماع عليه»(5) و إنّما الخلاف فيما لو اجتمعا، و لم يجتمعا إلاّ في آية الزكاة، و المفروض اشتراكهما في استحقاق تناولها و إن كان قد يظهر في بعض الموارد النادرة كما لو نذر أو أوصى أو وقف للأسوإ حالا منهما فإنّه لا يدخل فيه الآخر حينئذ بخلاف العكس، هذا على ما في المسالك.

و في المدارك: «أنّه غير جيّد بل المتّجه عدم دخول كلّ منهما في الآخر و إن كان أسوأ حالا من المنذور له لأنّ اللفظ لا يتناوله كما هو المفروض»(6) و الظاهر أنّ مبناه على القول بالتغاير على كونه على وجه التباين كما يفصح عنه دوران الأمر فيهما بين الإثبات و النفي بالنظر إلى السؤال.

و أمّا ما عن مجمع الفائدة من التأمّل في كون ما ذكر فائدة نظرا إلى ما ملخّصه: «أنّ النذر و غيره إنّما علّق صريحا بالأسوإ فيعطي كلّ من تيقّن كونه أسوأ سواء سمّي بالفقير أو بالمسكين»(7).

ففيه: أنّه مبنيّ على توهّم: أنّهم أرادوا ممّا ذكروه من الفائدة ما لو تعلّق الحكم في النذر و الوصيّة و الوقف بعنوان الأسوأ فتعيّن إجراؤه فيه سواء سمّي فقيرا أو مسكينا فلا يترتّب نحو هذه الفائدة أيضا على البحث في تحقيق معنى اللفظين، و ليس كما توهّم

ص: 422


1- المدارك 188:5.
2- التذكرة 238:5، المدارك 191:5، الحدائق 155:12، الرياض 138:5-139، الجواهر 15: 297.
3- المائدة: 89.
4- المسالك 409:1.
5- شرح اللمعة 42:2، الرياض 139:5.
6- المدارك 193:5.
7- مجمع الفائدة 149:4.

بل المراد تعلّقه بأحد العنوانين يكون في الواقع أسوأ حالا من الآخر فيفيد معرفة كون ما تعلّق به الحكم من العنوان المعيّن سواء كان هو الفقير أو المسكين، هو الأسوأ «فائدة عدم دخول الآخر في الحكم.»

و في المقام مناقشة اخرى تتوجّه إلى ما ذكره الجماعة من أنّه إذا انفرد كلّ منهما دخل الآخر في إطلاق لفظه كما تنبّه عليها صاحب المدارك و تبعه الذخيرة(1) حيث تنظّر فيما حكاه عن جدّه في المسالك: «من أنّ الفقراء و المساكين متى ذكر أحدهما خاصّة دخل فيه الآخر بغير خلاف»(2) و قال: «إنّ ذلك مشكل جدّا بعد ثبوت التغاير لأنّ إطلاق لفظ أحدهما و إرادة الآخر مجاز لا يصار إليه إلاّ مع القرينة و مع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته»(3) و أشار إليه أيضا الشهيد رحمه اللّه فيما حكي عن بيانه حيث إنّه بعد أن نقل عن الشيخ(4) و الراوندي(5) و الفاضل(6) أنّهم قالوا: «يدخل كلّ منهما في إطلاق لفظ الآخر» قال: «فإن أرادوا به حقيقة ففيه منع و يوافقون على أنّهما إذا اجتمعا كما في الآية يحتاج إلى فصل مميّز»(7).

أقول: يمكن توجيه ما ذكروه على وجه يندفع به الإشكال المذكور بأنّ مقتضى القاعدة و الأصل اللفظي في هذين اللفظين عدم دخول معنى أحدهما في إطلاق لفظ الآخر انفرد كلّ منهما في الخطاب أو اجتمعا، إلاّ أنّه يحمل كلّ منهما حيثما انفرد على إرادة ما يعمّ معنى الآخر لقرينة كشف عنها الإجماع أو النصّ كما هو الحال في آية الكفّارة.

و على أيّ حال كان فالعمدة في المقام هو بيان ما به يستحقّ هذان الصنفان للزكاة و يحلّ لكلّ منهما تناولها، وحدّه على ما يستفاد من مطاوي كلماتهم و تضاعيف بياناتهم صراحة و ظهورا من غير خلاف: «عدم الغنى» و يعبّر عنه بالفقر، فالغنى مانع من الزكاة و الغنيّ من يحرم عليه تناولها، و هذا شامل للصنفين و معتبر فيهما معا و لا خلاف في هذا القدر.

ص: 423


1- الذخيرة: 452.
2- المسالك 409:1.
3- المدارك 291:5-292.
4- المبسوط 246:1.
5- لم نجد في فقه القران ما يدلّ على ما حكاه الشهيد في البيان.
6- المختلف 198:3.
7- البيان: 193.

قال العلاّمة في المنتهى: «و الأصل فيه عدم الغنى الشامل للمعنيين إذا تحقّق استحقّ صاحبه الزكاة بلا خلاف»(1) انتهى. و في المعتبر: «و الضابط في الاستحقاق من ليس بغني»(2).

و يدلّ عليه من الروايات صريحا ما رواه الشيخ عن هارون بن حمزة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يروون عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذي مرّة سويّ ، فقال عليه السّلام: لا يصلح لغنيّ ..» الخ(3) و ما أرسله الفاضلان في المعتبر و المنتهى من قوله عليه السّلام: «لا يحلّ الصدقة لغنيّ و لا لقويّ مكتسب»(4).

[كلمات الأصحاب فى ما يتحقّق به الغنى]

و قد اختلف الأصحاب فيما به يتحقّق «الغنى» المانع من استحقاقها، فعن الشيخ في الخلاف: «الغنيّ من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته»(5) و قد جعله في المبسوط قولا لغيره لأنّه قال: «و في أصحابنا من قال: من ملك نصابا تجب فيه الزكاة كان غنيّا تحرم عليه الصدقة، و ذلك قول أبي حنيفة»(6) و قد اختار فيه قولا آخر فقال: «الغنيّ الّذي يحرم عليه أخذ الصدقة باعتبار الفقر، هو أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من تلزم كفايته على الدوام، فإن كان مكتفيا بصنعة و كانت صنعته تردّ عليه كفايته و كفاية من تلزمه نفقته حرمت عليه، و إن كانت لا تردّ عليه حلّ له ذلك»(7).

و الظاهر أنّ مراده من القدرة على الكفاية على الدوام، القدرة عليها طول السنة احترازا عن القدرة عليها في بعض أيّام السنة دون بعض أو في بعض شهوره دون بعض فإنّه ليس من الغنى المانع إجماعا كالإجماع على عدم اعتبار القدرة عليها طول مدّة العمر فيه. و على ما بيّنّاه ينطبق ما عن المختلف: «و الظاهر أنّ مراده بالدوام هنا مئونة

ص: 424


1- المنتهى 517:1.
2- المعتبر 565:2.
3- تهذيب الأحكام 1/51:4.
4- المعتبر 566:2-567، المنتهى 518:1.
5- الخلاف 146:2، المسألة 183.
6- فتح العزيز 176:6-177، المجموع 113:6.
7- المبسوط 256:1-257.

السنة»(1).

و العجب أنّ صاحب المدارك استبعده، و تبعه في الذخيرة ففسّراه بما لا يتحمّله العبارة من: «أنّه لعلّ المراد به أن يكون له ما تحصل به الكفاية عادة من صنعة أو ضيعة أو مال يتعيّش به أو نحو ذلك»(2).

و هذا كما ترى في كمال البعد، و لا بعد فيما ذكره في المختلف.

و عن ابن إدريس: «الغنيّ من ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمئونة طول سنته على الاقتصاد فإنّه يحرم عليه أخذ الزكاة سواء كانت نصابا أو أقلّ من نصاب أو أكثر من النصاب فإن لم يكن كفايته سنة فلا يحرم عليه أخذ الزكاة»(3) و هذا يوافق ما عرفته عن المبسوط و اختاره في المنتهى(4) و في معناه ما في المعتبر من: «أنّ الغنى ما يحصل به الكفاية»(5) و مفهوم ما في الشرائع في تفسير الفقراء و المساكين من قوله:

«و هم الّذين تقصر أموالهم عن مئونة سنتهم»(6).

و حكاه في المعتبر(7) عن الشيخ في باب قسم الصدقات(8) و نسبه في المدارك إلى عامّة المتأخّرين، و لكنّه ناقش في إطلاقه قائلا: «لا يخفى أنّ هذا الإطلاق مناف لما صرّح به الأصحاب كالشيخ(9) و المصنّف في النافع(10) و العلاّمة(11) و غيرهم من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيّش به أو ضيعة يستغلّها إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية، إذ مقتضاه أنّ من كان كذلك كان فقيرا و إن كان بحيث لو أنفق رأس المال المملوك له لكفاه طول سنته»(12).

ص: 425


1- المختلف 214:3.
2- المدارك 193:5، الذخيرة: 452.
3- السرائر 462:1.
4- المنتهى 518:1.
5- المعتبر 566:2-567.
6- الشرائع 120:1.
7- المعتبر 566:2.
8- لم نعثر على نصّ هذه الجملة في كتب الشيخ، إليك ما وجدناه في الخلاف 229:4، المسألة 10: الفقير أسوأ حالا من المسكين، لأنّ الفقير: هو الّذي لا شيء له، أو معه شيء يسير لا يعتدّ به، و المسكين: الّذي له شيء فوق ذلك، غير أنّه لا يكفيه لحاجته و مئونته.
9- المبسوط 256:1.
10- النافع: 58.
11- التحرير 403:1، التذكرة 241:5.
12- المدارك 194:5.

و تبعه في هذه المناقشة صاحب الذخيرة كما تبعه في اختيار المذهب حيث ذكر في المدارك: «و المعتمد أنّ من كان له مال يتّجر به أو ضيعة يستغلّها فإن كفاه الربح أو الغلّة له و لعياله لم يجز له أخذ الزكاة و إن لم يكفه جاز له ذلك، و لا يكلّف الإنفاق من رأس المال و لا من ثمر الضيعة، و من لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مئونة السنة له و لعياله»(1) و قال في الذخيرة: «و الأقرب»(2) و ذكر ذلك بعين العبارة.

ثمّ قال في الشرائع و غيره: «و من يقدر على اكتساب ما يموّن به عياله لا تحلّ له لأنّه كالغنيّ و كذا ذو الصنعة، و لو قصرت عن كفايته جاز أن يتناولها»(3) و ظاهره كظاهر غيره بل صريح غير واحد إنّ القادر على الاكتساب و ذا الحرفة و الصنعة ليس بغنيّ و لكنّه في حكم الغنيّ و ملحق به في عدم حلّية تناول الزكاة.

و هو ظاهر صاحب المدارك مع أنّه في باب زكاة الفطر عند بيان ما يتحقّق به الغنى المقتضي لوجوب هذه الزكاة قال: «و الأصحّ أنّه ملك قوت السنة فعلا أو قوّة لأنّ من لم يملك ذلك تحلّ له الزكاة»(4).

و نحوه الذخيرة في هذا المقام قائلا: «و الأصحّ أنّ الغنيّ من ملك قوت السنة له و لعياله فعلا أو قوّة. قال: و هو مختار جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان»(5) و في معناهما ما في المنتهى من قوله: «و الغنى الموجب للفطرة من ملك قوت سنة له و لعياله أو يكون ذا كسب أو صنعة تقوم بأوده(6) و أود عياله سنة»(7) و يقرب منه ما في المعتبر(8).

و ظاهرهم هنا اندراج المكتسب و ذي الصنعة في الغنيّ ، و احتمال التغاير بين الغنى المعتبر في زكاة الفطر و الغنى المعتبر في زكاة المال فيه ما لا يخفى.

و الإنصاف أنّ الغنى بحسب العرف مقول بالتشكيك و لم يعلم له من جهة العرف معنى يكون جامعا و مانعا، و كذلك بحسب اللغة، لأنّه إن اريد بها أصل اللغة فلا كاشف

ص: 426


1- المدارك 194:5.
2- الذخيرة: 452-453.
3- الشرائع 120:1.
4- المدارك 313:5.
5- الذخيرة: 472.
6- لسان العرب 74:3، أود: المشقّة، النهاية في غريب الحديث 80:1، الأود: العوج.
7- المنتهى 532:1.
8- المعتبر 566:2-567.

له إلاّ العرف و قد عرفت حاله، و إن اريد بها المعاني المودعة في كتب اللغة فلم نقف فيها أيضا على ما يشفي العليل و يروي الغليل حتّى أنّ صاحب القاموس في مادّة الغنى ذكر أنّه: «ضدّ الفقر»(1) و لم يشرحه، و كأنّه بضابطة: أنّ الأشياء تعرف بأضدادها أحال معرفته إلى معرفة الفقر، و لكنّه في مادّة الفقر ذكر أيضا أنّه ضدّ الغنى ثمّ قال: «و قدره أن يكون له ما يكفي عياله».

و هذا أيضا كما ترى ليس بجامع و لا مانع، و لا يدرى أنّ الأصحاب على اختلاف كلماتهم و أقوالهم فيه أرادوا بيان معناه عرفا أو لغة، و أيّا ما كان فلا شاهد لشيء ممّا ذكروه في عرف و لا لغة. و احتمال كون مرادهم بيان الغنى الشرعي، دون ذلك خرط القتاد، لعدم ثبوت وضع شرعي لهذا اللفظ، و لم نقف منهم على من ادّعاه صريحا، فلا بدّ في استعلامه من التأمّل في مساق الأخبار الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السّلام فنقول: إنّ المنساق من مجموع ما ورد في الباب بعد التأمّل التامّ هو: أنّ الغنيّ من عنده من مال أو ربح تجارة أو غلّة ضيعة أو نماء عقار أو مواش أو غيرهما، أو حاصل الاكتساب بواسطة حرفة أو صنعة و لو قوّة من الكفاية الماليّة في مئونة نفسه و عياله و لو سنة، فالفقير من ليس عنده الكفاية الماليّة بشيء من الوجوه المذكورة سواء لم يكن عنده شيء أصلا و هو المسكين، أو كان شيء يسير لا ينهض بكفايته في مئونة السنة له و لعياله.

[الغنى في مساق الأخبار]

و أمّا الأخبار الواردة في الباب فكثيرة كصحيح أبي بصير أو حسنه - بإبراهيم بن هاشم - قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره، قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة ؟ قال عليه السّلام: زكاته صدقة على عياله و لا يأخذها إلاّ أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها، و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة»(2).

ص: 427


1- القاموس 371:4.
2- الكافي 1/560:3، الوسائل 1/231:9، ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

و المرويّ عن العلل في الصحيح عن محمّد بن مسلم و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تحلّ الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم يكن له حرفة و يخرج زكاتها منها و يشتري منها بالبعض قوتا لعياله و يعطي البقيّة أصحابه، و لا تحلّ الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوّت بها عياله»(1).

و المروي عنه أيضا في الضعيف عن عليّ بن إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن السائل و عنده قوت يوم أ يحلّ له أن يسأل، و أن يعطى شيئا من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله ؟ قال عليه السّلام: يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة»(2).

و المرويّ عن معاني الأخبار في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذي مرّة سويّ و لا لمحترف و لا لقويّ ، قلنا: ما معنى هذا؟ قال عليه السّلام: لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها»(3).

و المرويّ عن المقنعة عن يونس بن عمّار قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و يجب الفطرة على من عنده قوت السنة» و هي سنّة مؤكّدة على من قبل الزكاة لفقره، و فضيلة لمن قبل الفطرة لمسكنته دون السنّة المؤكّدة و الفريضة(4).

و صحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أ يكبّ فيأكلها و لا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة ؟ قال عليه السّلام: لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقيّة من الزكاة و يتصرّف بهذه لا ينفقها»(5).

و خبر هارون بن حمزة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

ص: 428


1- العلل 1/370:2.
2- العلل 371:2-1/372.
3- معاني الأخبار: 262.
4- المقنعة: 248، الوسائل 11/224:6، ب 2 من أبواب زكاة الفطرة.
5- الكافي 6/561:3، الوسائل 238:9-1/239، ب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة.

لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذي مرّة سويّ ، فقال عليه السّلام: لا تصلح لغنيّ ، قال فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها قال عليه السّلام: فلينظر ما يفضل منها فيأكل هو و من يسعه ذلك و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله»(1).

و حسن زرارة و محمد بن مسلم - بإبراهيم بن هاشم - أو صحيحهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث «قال عليه السّلام: لا تحلّ لمن كان عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها، و إن أخذها أخذها حراما»(2) فإنّ حولان الحول على هذا المال عنده يكشف عن عدم احتياجه إليه في مئونة سنته، و لا يكون إلاّ بأن يكون عنده مال آخر كفاه في مئونته و هو الوجه في حرمة أخذ الزكاة.

و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثير أ له أن يأخذ من الزكاة ؟ فقال عليه السّلام: يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل ؟ قال قلت: نعم، قال عليه السّلام: كم يفضل ؟ قلت: لا أدري، قال: إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة، قال قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه ؟ قال عليه السّلام: بلى، قلت: كيف يصنع ؟ قال عليه السّلام: يوسّع بها على عياله في طعامهم و شرابهم و كسوتهم و إن بقي منها شيء يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتّى يلحقهم بالناس»(3).

قال في الوسائل: «يحتمل أن يكون اعتبار نصف القوت مع القوت في هذا الحديث ليصرف في بقيّة المئونة من كسوة و نحوها إذ ليس بداخل في القوت، أو ليصرف في قوت صاحب المال إذ ليس بداخل في عياله. و يحتمل أن يكون إشارة إلى جواز اعتبار التوسعة في الجملة و عدم لزوم المضايقة بالاقتصار على أقلّ الكفاية»(4).

و خبر إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه قال: «دخلت أنا و أبو بصير على

ص: 429


1- تهذيب الأحكام 1/51:4، الوسائل 239:9-4/240 الباب 11 من أبواب المستحقّين للزكاة.
2- تهذيب الأحكام 2/51:4، الوسائل 5/240:9، ب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- الكافي 3/560:3، الفقيه 1630/34:2، الوسائل 4/232:9، ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- الوسائل 234:9، ذيل الحديث 11، ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.

أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له أبو بصير: إنّ لنا صديقا و هو رجل صدوق يدين اللّه بما تدين به، فقال عليه السّلام: من هذا يا أبا محمّد الّذي تزكّيه ؟ فقال: العبّاس بن الوليد بن صبيح، فقال عليه السّلام:

رحم اللّه الوليد بن صبيح، ما له يا أبا محمّد؟ قلت: جعلت فداك له دار تسوى أربعة آلاف درهم و له جارية و له غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل و له عيال، أ له أن يأخذ من الزكاة ؟ قال عليه السّلام: نعم، قال: و له هذه العروض ؟ فقال عليه السّلام: يا أبا محمّد فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه ؟ أو ببيع جاريته الّتي تقيه الحرّ و البرد و تصون وجهه و وجه عياله ؟ أو آمره أن يبيع غلامه أو جمله و هو معيشته و قوته ؟ بل يأخذ الزكاة فهي له حلال و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله»(1).

و موثّقة سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم ؟ فقال عليه السّلام: نعم إلاّ أن يكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم يكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيه فلا»(2) و خصوصيّة الدار بالنسبة إلى الغلّة الكافية و غير الكافية غير معتبرة لظهور الإجماع على عدم الفصل كما أشار إليه في الذخيرة(3).

و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين درهما، فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال عليه السّلام: إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو

ص: 430


1- الكافي 10/562:3، الوسائل 3/236:9 الباب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.
2- الكافي 560:3، 4/561، الفقيه 33:2-1629/34، تهذيب الأحكام 48:4-1/49، و في: 107-42/108، الوسائل 1/235:9، ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- الذخيرة: 452-453.

يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه»(1).

و حسن زرارة أو صحيحه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سمعته يقول عليه السّلام: إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف و لا لذي مرّة سويّ قويّ فتنزّهوا عنها»(2).

و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن الأوّل قال: «سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسّع به إن كانوا لا يسعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه ؟ فقال عليه السّلام: لا بأس»(3) إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع و إنّما أكثرنا في إيراد الروايات طلبا للتواتر معنى و قد حصل و هو الباعث على إيراد الضعاف و غيرها ممّا لا يعتبر.

فروع كثيرة تذكر في طيّ مسائل:

[مسائل]
الاولى: [جواز أخذ الزكاة لمن يقصر عن كفايته]

من كان له مال تجارة يتعيّش بربحها أو ضيعة يتعيّش بغلّتها و لكن لا يكفيه الربح أو الغلّة في مئونة السنة يحلّ له أخذ الزكاة و لا يكلّف بإنفاق رأس المال و لا ببيع الضيعة و إنفاق ثمنها و إن كانا بحيث يكفيانه في مئونة السنة أو أزيد، وفاقا لصاحب المدارك ناسبا له إلى تصريح الأصحاب(4) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، و يدلّ عليه إطلاق أكثر ما تقدّم و خصوص جملة منها و لا سيّما صحيح معاوية بن وهب فراجع و تدبّر.

الثانية: لو كان له مال معدّ للإنفاق من جنس أحد النقدين أو غيرهما

من مأكول أو ممّا يباع و يتعيّش بثمنه أو حصل له ما يموّن عياله و نفسه باكتساب أو صنعة أو اجرة عقار أو دابّة أو غيرها ممّا يدخل فيه الإجارة، اعتبر في حلّ الزكاة له، قصوره و عدم

ص: 431


1- الكافي 9/561:3، الفقيه 1628/33:2، الوسائل 2/239:9، ب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة.
2- الكافي 2/560:3، الوسائل 2/231:9، ب 8 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- الكافي 5/561:3، تهذيب الأحكام 44/108:4، الوسائل 1/238:9، ب 11 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- المدارك 194:5 و 197.

كفايته في الجميع في مئونة السنة له و لعياله، كما صرّح به جماعة(1) عملا بالنصوص المتقدّمة و لزم منه أنّه مع الكفاية و عدم القصور لا يحلّ عملا بما ذكر أيضا.

الثالثة: [شرط حلّيّة الزكاة للمكتسب]

قد عرفت أنّه يشترط في حلّ الزكاة للمكتسب و ذي الصنعة قصور ما حصل له من المال عن مئونة السنة، و عن الشيخ أنّه حكى في الخلاف عن بعض أصحابنا أنّه:

«جوّز دفع الزكاة إلى المكتسب من غير اشتراط القصور»(2) و عن المختلف: «أنّه استدلّ له بأنّه غير مالك النصاب و لا لقدر الكفاية فجاز له الأخذ من الصدقة كالفقير.

ثمّ أجاب عنه: بأنّ الفقير محتاج إليها بخلاف صورة النزاع»(3) و استحسنه في المدارك(4).

أقول: يكفي في ردّ هذا القول ما تقدّم في النصوص المعتبرة و غيرها من قولهم عليهم السّلام: «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف»(5) كما يكفي في تضعيف دليله كونه اجتهادا في مقابلة النصّ .

ثمّ إنّه هل يعتبر في منع ذي الكسب الكافي في مئونة السنة عن تناول الزكاة تشاغله بالفعل على الكسب و تلبّسه بالعمل فعلا، أو يكفي فيه مجرّد قدرته عليه ؟ فلا يحلّ له تناولها لمجرّد قدرته على الكسب الكافي و إن لم يتشاغل به فعلا، و رجع الكلام إلى أنّه مع القدرة المذكورة يكلّف بالكسب و تحصيل ما يموّن به عياله و لا يعطى من الزكاة شيئا. و كذا الكلام في ذي الحرفة و ذي الصنعة. و لم نقف من الأصحاب على من تعرّض لتحقيق هذا المقام صريحا.

نعم لجماعة منهم عبارات ربّما يستشمّ منها كفاية مجرّد القدرة على الكسب،

ص: 432


1- المعتبر 567:2-568، البيان: 193، جامع المقاصد 30:3، المسالك 409:1، المدارك 5: 193-194، الذخيرة: 452.
2- الخلاف 230:2-231، المسألة 11.
3- المختلف 222:3، ما نقل المصنّف هنا يختلف اختلافا طفيفا عمّا في المختلف.
4- المدارك 197:5.
5- تقدّم في: 431.

كعبارة الشرائع: «و من يقدر على اكتساب ما يموّن به عياله لا تحلّ له لأنّه كالغنيّ و كذا ذو الصنعة، و لو قصرت عن كفايته جاز أن يتناولها»(1) و عبارة المنتهى: «لو كان قادرا على التكسّب بما فيه كفايته، حرمت عليه الزكاة»(2). و عبارة القواعد: «و يمنع القادر على تكسّب المؤنة بصنعة أو غيرها»(3) و عبارة الإرشاد: «و القادر على تكسّب المؤنة بصنعة أو غيرها ليس بفقير و إن كان معه خمسون درهما»(4) و عبارة الغنية: «و أن لا يكون ممّن يمكنه الاكتساب لما يكفيه... إلى أن قال: بدليل الاجماع المتكرّر و طريقة الاحتياط»(5) و عبارة السرائر: «و أن لا يقدر على الاكتساب الحلال بقدر ما يقوم بأودته و سدّ خلّته»(6).

و يظهر ذلك ممّا ذكره في المدارك و الذخيرة - من فروع هذا المقام - من أنّه «يعتبر في الاكتساب و الصنعة كونهما لا يقين بحاله لما في التكليف بغير المعتاد من الحرج و الضرر المنفيّين بالآية(7) و الرواية(8)»(9) و وجه الظهور أنّه لو كان المدار في منع الزكاة على التشاغل الفعلي بما يحصل به قدر الكفاية فلا يتفاوت فيه الحال بين ما لو كان الكسب المتشاغل به لائقا بحاله أو غير لائق و يلغو التعليل بأنّ في التكليف بغير المعتاد من الحرج و الضرر المنفيّين كما لا يخفى.

و يظهر ذلك أيضا ممّا ذكره في الكتابين(10) كما في المنتهى و عن نهاية الأحكام و التحرير و غيرها من أنّه: «لو كان التكسّب يمنعه عن التفقّه في الدين فالوجه جواز أخذها لأنّه مأمور بالتفقّه في الدين إذا كان من أهله»(11) و وجه الظهور أنّ قضيّة إناطة المنع و الجواز بالتشاغل و عدمه فعلا هو جواز أخذها بترك التشاغل و لو لصارف

ص: 433


1- الشرائع 120:1.
2- المنتهى 519:1.
3- القواعد 348:1.
4- الإرشاد 287:1.
5- الغنية: 124.
6- السرائر 459:1.
7- المائدة: 6، الحجّ : 78، البقرة: 185 و 231 و 233 و 281 و 286.
8- الوسائل 1: الباب: 5/464، ب 39 من أبواب الوضوء، ب 8 من أبواب الماء المطلق ح 5، الفروع ج 2/292:5 و 8، و: 4/280.
9- المدارك 196:5-197، الذخيرة 461:3.
10- أي المدارك و الذخيرة.
11- المنتهى 519:1، نهاية الإحكام 383:2، التحرير 403:1.

نفساني، و يلغو إناطة الجواز بمنع التفقّه في الدين و تعليله بأنّه مأمور به إذا كان من أهله، كما هو واضح.

و صريح عبارة المدارك و الذخيرة كون إناطة المنع بمجرّد القدرة مشهورة لقولهما في شرح عبارة الشرائع و الإرشاد: «هذا هو المشهور بين الأصحاب»(1) كما في الأوّل أو: «على المشهور بين الأصحاب»(2) كما في الثاني، بل في المحكيّ عن مفتاح الكرامة في شرح عبارة القواعد(3): «هذا ممّا لا خلاف فيه»(4) كما في تخليص التلخيص(5).

و لكن لجماعة عبارات اخر ظاهرة في إناطة الأمر بالتشاغل و التلبّس الفعلي مثل عبارة نهاية الشيخ: «و لا يجوز أن يعطى الزكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده و أود عياله، فإن كانت حرفته لا تقوم به جاز أن يأخذ ما يتّسع به على أهله، و من ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته لم يجز له أن يأخذ الزكاة، و إن كان سبعمائة و هو لا يحسن أن يتعيّش بها جاز له أن يقبل الزكاة و يخرج ما يجب عليه فيما يملكه من الزكاة ليتّسع به على عياله»(6).

و عبارة التحرير(7) «لو كان ذا كسب يكتسبه حرم عليه أخذها، و لو كان كسبه يمنعه من التفقّه في الدين فالأقرب عندي جواز أخذها، و لو كان معه ما يموّن به عياله و نفسه بعض السنة جاز أن يتناولها من غير تقدير، و قيل لا يتجاوز»(8).

و عبارة الدروس: «و يمنع من يكتفي بكسبه و لو ملك خمسين كما لا يمنع من لا يكتفي به و لو ملك سبعمائة، و كذا ذو الصنعة و الضيعة»(9) و عبارة البيان: «و يعطى ذو الحرفة و الصنعة إذا قصرتا عن حاجته أو شغلاه عن طلب العلم على الأقوى»(10).

و يمكن إرجاع عبارات الأوّلين(11) أيضا إلى مؤدّى ظاهر هذه العبارات بحمل القدرة على الاكتساب على ما يستتبع الاكتساب فعلا، بقرينة ما في الشرائع في تعليل

ص: 434


1- المدارك 196:5-197.
2- الذخيرة: 461.
3- القواعد 348:1.
4- مفتاح الكرامة 447:11.
5- لم نجد أثرا لهذا الكتاب.
6- النهاية: 187.
7- في الأصل: عبارة السرائر.
8- التحرير 403:1.
9- الدروس 240:1.
10- البيان: 193.
11- العبارات المنقولة من الفقهاء في: 433.

منع القادر على الاكتساب بأنّه «كالغنيّ » فإنّ هذا التشبيه لا يستقيم إلاّ مع حصول ما يكفي في مئونة السنة مضافا إلى قوله عقيب ذلك: «و لو قصرت عن كفايته جاز أن يتناولها»(1) و نظير ذلك من القرائن في كلامهم كثير.

و كذلك ما يقف عليه المتتبّع من الإشارات و غيرها ممّا ينساق منها إناطة الأمر وجودا و عدما بحصول قدر الكفاية و عدمه. و يؤيّده أيضا ما ربّما يستظهر من بعضهم(2)من الإجماع على جواز إعطاء ذي الصنعة إذا أعرض عنها و ترك التكسّب بها.

و يؤيّد الجميع سيرة المسلمين قديما و حديثا حيث لا يراعون في إعطاء الزكوات و أخذها مجرّد القدرة على الاكتساب، بل يعطونها و يأخذونها عند عدم وجود قدر الكفاية و لو مع القدرة على اكتسابه. و مع الغضّ عن جميع ذلك فالمتّبع هو الدليل و هو يساعد على ما بيّنّاه: من عدم اعتبار مجرّد القدرة مع انتفاء الفعليّة و إناطة المنع و عدمه بما حصل بالكسب من قدر الكفاية و عدمه، و هو بعد إطلاق جملة كثيرة من النصوص المتقدّمة(3) ظواهر غير واحد منها بل نصوصيّة بعضها:

كصحيح محمّد بن مسلم المرويّة عن العلل المتضمّن لقوله عليه السّلام: «تحلّ الزكاة لمن له سبعمائة درهم إذا لم يكن له حرفة... إلى قوله عليه السّلام: و لا تحلّ الزكاة لمن له خمسون درهما و له حرفة يقوت بها عياله»(4).

و قوله عليه السّلام في موثّقة سماعة: «و أمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه ان شاء اللّه»(5) و هو ظاهر قوله عليه السّلام في صحيح أبي بصير أو حسنه: «و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة.»(6)

و قوله في صحيح زرارة المرويّ عن معاني الأخبار: «لا يحلّ له أن يأخذها و هو

ص: 435


1- الشرائع 120:1.
2- الشرائع 120:1، المسالك 408:1-409، المنتهى 518:1-519، الجواهر 314:15.
3- تقدّمت في: 427-430.
4- العلل 1/370:2.
5- تقدّم في: 430.
6- تقدّم في: 427.

يقدر على أن يكفّ نفسه عنها»(1) فإنّ القدرة على كفّ النفس عن الزكاة أخصّ من القدرة على الاكتساب لأنّها إنّما تحصل بوجود قدر الكفاية بسبب الاكتساب و لو متدرّجا كما هو واضح.

مضافا إلى أنّ المحترف في قوله عليه السّلام: «و لا لمحترف» ظاهر في من اتّخذ قوته على الحرفة وسيلة لكسب المال على ما حقّقناه في مباحث المشتقّ من الاصول(2).

و بذلك ظهر عدم منافاة قوله عليه السّلام في صحيح زرارة أو حسنه: «أنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف و لا لذي مرّة سويّ قويّ فتنزّهوا عنها»(3) لما ادّعيناه من الظهور، لأنّه أيضا بالتقريب المذكور ظاهر فيه لا أنّه مخالف له، فليتدبّر.

الرابعة: [إعطاء الزكاة للفقراء و إن كان لهم الدار و الخادم]

يعطى الفقير من الزكاة و إن كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه كما نصّ عليه في الشرائع مقيّدا له بأنّه: «إذا كان لا غنى له عنهما»(4) قال في المدارك: «يتحقّق عدم الغنى في الدار باحتياجه إلى السكنى و إن حصل له غيرها ببذل أو استئجار، و في الخادم بكون المخدوم من عادته ذلك أو باحتياجه إليه، و يلحق بهما فرس الركوب و ثياب التجمّل نصّ عليه في التذكرة و قال: إنّه لا يعلم في ذلك كلّه خلافا(5) و ينبغي أن يلحق بذلك كلّما يحتاج إليه من الآلات اللائقة بحاله و كتب العلم لمسيس الحاجة إلى ذلك كلّه و عدم الخروج بملكه عن حدّ الفقر إلى الغنى»(6) انتهى. و في الحدائق: «الظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في أنّ دار السكنى و الخادم و فرس الركوب لا تمنع من أخذ الزكاة مع الحاجة إليها»(7).

و الأصل في هذا الباب عدّة روايات:

منها: خبر إسماعيل بن عبد العزيز المتقدّم(8) و موثّقة سماعة المتقدّمة(9) في دار الغلّة.

ص: 436


1- تقدّم في: 428.
2- تعليقة على معالم الاصول 451:2.
3- تقدّم في: 431.
4- الشرائع 120:1.
5- التذكرة 275:5.
6- المدارك 200:5.
7- الحدائق 161:12.
8- تقدّم في: 429.
9- تقدّمت في: 430.

و خبر عمر بن اذينة عن غير واحد عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّهما سئلا عن الرجل له دار و خادم أو عبد يقبل الزكاة ؟ قال عليه السّلام: نعم إنّ الدار و الخادم ليسا بمال»(1).

و خبر سعيد بن يسار قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: تحلّ الزكاة لصاحب الدار و الخادم لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام لم يكن يرى الدار و الخادم شيئا»(2).

و خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الزكاة أ يعطاها من له الدابّة ؟ قال: نعم و من له الدار و العبد فإنّ الدار ليس يعدّها بمال»(3) و نفي المال عن الدار و الخادم في خبر عمر بن اذينة إنّما اريد به نفي الاعتداد بهما في الغنى المانع من الزكاة، و كذلك قوله في الخبر الأخير: «فإنّ الدار ليس يعدّها بمال» و ليس ذلك إلاّ من جهة مسيس الحاجة إليهما في انتظام المعاش، و التعليل يفيد عموم الحكم لكلّ ما يحتاج إليه من فرس الركوب و لباس التجمّل و كتب العلم و غيرها من الآلات كما فهمه صاحب المدارك(4).

و يشير إليه أيضا قوله عليه السّلام في خبر إسماعيل بن عبد العزيز: «أو ببيع جاريته الّتي تقيه الحرّ و البرد و يصون وجهه و وجه عياله أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هي معيشته و قوته»(5) بل قوله عليه السّلام: «فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه» يفيد عدم منع الشيء إذا اتّخذه لمجرّد حفظ العزّ إذا كان من أهل العزّة و الشرف و من عادة أبناء نوعه اتّخاذ ذلك الشيء بهذا الاعتبار، فيتعدّى الحكم إلى غير الدار من الفرس و الخادم و نحوهما و إن لم يكن هناك حاجة.

و لقد أجاد صاحب الحدائق حيث قال: «و الظاهر من فحاوي هذه الأخبار أنّ الحكم في ذلك مرتّب على أحوال الناس و ما هم عليه من الرفعة و الضعة، فمن كان من أهل الشرف و الرفعة الّذين جرت عادتهم بالبيوت الواسعة و الخدم و الخيل و نحو ذلك

ص: 437


1- الكافي 7/561:3، تهذيب الأحكام 4/51:4، الوسائل 235:9-2/236، ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة، الفقيه 1627/33:2.
2- تهذيب الأحكام 5/52:4، الوسائل 4/236:9، ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- الوسائل 5/237:9، ب 9 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- المدارك 200:5-201.
5- تقدّم في: 429.

من ثياب التجمّل بين الناس و الفروش و الأسباب فإنّ ذلك لا يمنع من أخذ الزكاة من حيث هذه الأشياء و لم يكلّف ببيعها و الاقتصار على أقلّ ما يجزئ به من ذلك»(1) انتهى.

و على هذا فالرخصة في أخذ الزكاة مع وجود هذه الأشياء تنوط بأحد الأمرين على حدّ منع الخلوّ: من العادة لأجل الشرف و العزّة، و من الاحتياج إليها في انتظام أمر المعيشة، كما يظهر فهم ذلك من صاحب المدارك في عبارته المتقدّمة(2) فمن اتّخذ شيئا ممّا ذكر اقتراحا من دون أن يكون هناك عادة و لا حاجة و كان بحيث لو باعه كفاه ثمنه في مئونته لا يحلّ له أخذ الزكاة بل يكلّف ببيع ما عنده.

قال في المدارك: «و لو كانت دار السكنى تزيد عن حاجته بحيث يكفيه قيمة الزيادة حولا و أمكنه بيعها منفردة فالأظهر خروجه بذلك عن حدّ الفقر، أمّا لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة فالأظهر أنّه لا يكلّف ببيعها و شراء الأدون لإطلاق النصّ ، و لما في التكليف بذلك من العسر و المشقّة، و به قطع في التذكرة. ثمّ قال: و كذا الكلام في العبد و الفرس، و لو فقدت هذه المذكورات استثني له أثمانها مع الحاجة إليها، و لا يبعد إلحاق ما يحتاج إليه في التزويج بذلك مع الحاجة إليه»(3) انتهى و كلّ هذا حسن جيّد.

الخامسة: [جواز إعطاء الفقير مقدار ما يغنيه]

الأكثر في ذي الكسب القاصر أنّ ما يعطى من الزكاة لا يتقدّر بقدر بل يجوز أن يعطى ما يغنيه و يزيد على غناه كغير المكتسب و قيل - كما حكاه في الشرائع(4)و جماعة(5) -: «إنّ ذا الكسب القاصر ليس له أن يأخذ ما يزيد عن كفايته حولا»(6) ثمّ قال أيضا في شرح عبارة الشرائع المتكفّلة لبيان هذا الخلاف: «و اعلم أنّ ظاهر عبارة المصنّف و غيرها يقتضي أنّ محلّ الخلاف ذو الكسب القاصر و ربّما ظهر من كلام

ص: 438


1- الحدائق 163:12.
2- تقدّمت في: 436.
3- المدارك 201:5، تذكرة الفقهاء 275:5.
4- الشرائع 120:1 و 126، ما وجدنا هذه الفقرة بنصّ ألفاظها و لا تعبيرا حاكيا عن مدلولها في الشرائع و يمكن وقوع السقط في النسخة الّتي كانت عند صاحب المدارك، غاية ما عثرنا عليه ممّا يقرب المعنى المشار إليها هو عبارته التالية، الشرائع 126:1. و لو تعاقبت العطيّة فبلغت مئونة السنة، حرم عليه ما زاد.
5- البيان: 193، المنتهى 518:1.
6- المدارك 198:5-199.

العلاّمة في موضع من المنتهى تحقّق الخلاف في غيره أيضا فإنّه قال: لو كان معه ما يقصر عن مئونته و مئونة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة لأنّه محتاج، و قيل: لا يأخذ زائدا عن تتمّة المؤنة حولا، و ليس بالوجه(1). مع أنّه قال في موضع آخر من المنتهى(2): يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه و هو قول علمائنا أجمع»(3) انتهى.

أقول: و حيث إنّ طريق المسألتين من جهة النصوص على القول بجواز: «إعطاء ما يغنيه و ما زاد على غناه» واحد و هو إطلاق النصوص المجوّزة لإعطاء ما يغنيه فالأولى جعلهما مع غير المكتسب الّذي لا مال عنده أصلا عنوانا واحدا و هو: «الفقير المحتاج إلى الزكاة مطلقا» سواء كان ذا الكسب القاصر أو ذا المال القاصر أو غيرهما ممّن لا كسب له و لا مال.

فنقول: إنّ الأقوى جواز إعطائه من الزكاة ما زاد على كفاية سنة دفعة، و مرجعه إلى جواز إعطاء ما يصير به غنيّا دائما أو إلى مدّة أو إلى سنة، و هذا هو معنى قول المحقّق في موضع آخر من الشرائع(4) و في النافع(5) و المعتبر(6) و نحوه ما في المنتهى:

«لا حدّ للأكثر»(7) و ربّما يؤدّي مؤدّاه ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: ما يعطى المصدّق ؟ قال عليه السّلام: ما يرى الإمام و لا تقدّر له بشيء»(8) فتأمّل.

و كيف كان ففي المدارك: «و أمّا إنّه لا حدّ للأكثر إذا كان دفعة فهو قول علمائنا أجمع»(9) و قد سبق نحوه عن منتهى العلاّمة.

و لك أن تقول: إنّ إطلاق الفتوى المذكورة و معقد الإجماعين و غيرهما بملاحظة الخلاف في ذي الكسب القاصر و ذي المال القاصر حسبما عرفت منزّل على غيرهما ممّن لا كسب له و لا مال. و على أيّ حال كان فالمختار ما عرفت من جواز إعطاء ما يوجب الغنى و ما يزيد عليه عملا بعدّة من المعتبرة الشامل إطلاقها لجميع الصور

ص: 439


1- المنتهى 518:1 و 528.
2- المنتهى 518:1 و 528.
3- المدارك 199:5.
4- الشرائع 120:1 و 126.
5- النافع: 60.
6- المعتبر 590:2-591.
7- المنتهى 530:1.
8- الكافي 13/563:3، تهذيب الأحكام 45/108:4.
9- المدارك 282:5.

المذكورة:

كصحيح سعيد بن غزوان على طريق الشيخ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة ؟ قال عليه السّلام: أعطه من الزكاة حتّى تغنيه»(1) و نحوه ما في صحيحه أو حسنه بإبراهيم بن هاشم على طريق الكليني إلاّ أنّ فيه: «قال عليه السّلام: تعطيه من الزكاة ما تغنيه.»(2)

و موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «قلت له: اعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما، قال عليه السّلام: نعم و زده، قلت: اعطيه مائة، قال عليه السّلام: نعم و أغنه إن قدرت على أن تغنيه.»(3)

و خبر إسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اعطي الرجل من الزكاة مائة درهم، قال عليه السّلام: نعم، قلت: مائتين، قال عليه السّلام: نعم، قلت: ثلاثمائة، قال عليه السّلام: نعم، قلت:

أربعمائة، قال عليه السّلام: نعم، قلت: خمسمائة، قال عليه السّلام: نعم حتّى تغنيه.»(4)

و موثّق عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه سئل كم تعطي الرجل من الزكاة ؟ قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إذا أعطيت فأغنه.»(5)

و في الصحيح عن ابن أبي عمير عن زياد بن مروان عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «أعطه ألف درهم.»(6)

و المرسل المرويّ عن معاني الأخبار عن بشر بن بشّار قال: «قلت للرجل - يعني أبا الحسن عليه السّلام -: ما حدّ المؤمن الّذي يعطى الزكاة ؟ قال عليه السّلام: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثمّ قال عليه السّلام: أو عشرة آلاف و يعطى الفاجر بقدر، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّه

ص: 440


1- تهذيب الأحكام 4/63:4.
2- لم نظفر بهذه الإسناد في الكافي.
3- الكافي 2/548:3، الوسائل 3/259:9، ب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة، تهذيب الأحكام 7/64:4.
4- تهذيب الأحكام 63:4-6/64، الوسائل 7/260:9، ب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.
5- الكافي 3/548:3، تهذيب الأحكام 8/64:4، الوسائل 4/259:9، ب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.
6- تهذيب الأحكام 5/63:4، الوسائل 6/260:9، ب 24 من أبواب المستحقين للزكاة.

و الفاجر في معصية اللّه»(1).

و عن الشهيد في البيان: «أنّ ما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب»(2).

و ردّه في المدارك بأنّ : هذا الحمل ممكن إلاّ أنّه يتوقّف على وجود المعارض و لم نقف على نصّ يقتضيه - يعني أنّ الحمل المذكور تخصيص في الأخبار العامّة بإطلاقاتها للمكتسب و لغيره فلا بدّ له من شاهد و لم نقف في النصوص - ثمّ قال: نعم ربّما أشعر به مفهوم قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن وهب: «و يأخذ البقيّة من الزكاة»(3) لكنّها غير صريحة في المنع من الزائد(4).

و كأنّه أراد من الصراحة المنفيّة ما يعمّ الظهور فإنّها غير ظاهرة أيضا في المنع من الزائد. و ربّما يتوهّم الدلالة على المنع من النصوص المصرّحة بإعطاء الفقراء من الزكاة ما يكتفون:

و منه ما رواه الكليني في الصحيح عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ شيخا من أصحابنا يقال له عمر سأل عيسى بن أعين و هو محتاج، فقال له عيسى بن أعين: أما إنّ عندي من الزكاة و لكن لا اعطيك منها، فقال له: و لم ؟ فقال: لأنّي رأيتك اشتريت لحما و تمرا، فقال: إنّما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما و بدانقين تمرا ثمّ رجعت بدانقين لحاجة، قال: فوضع أبو عبد اللّه عليه السّلام يده على جبهته ساعة ثمّ رفع رأسه ثمّ قال عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى نظر في أموال الأغنياء ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به و لو لم يكفهم لزادهم، بل يعطيه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ .»(5)

و يدفعه: منع الدلالة على المنع من الزائد مع احتمال إرادة ما يكتفي به في مدّة العمر لا خصوص السنة، مع أنّ الخبر و نحوه مسوق لبيان حكمة الجعل و التشريع فلا نظر فيه إلى المنع و التجويز عموما أو خصوصا.

ص: 441


1- لم نعثر عليه.
2- البيان: 193.
3- الكافي 6/561:3، الوسائل 238:9-1/239، ب 12 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- المدارك 198:5.
5- الكافي 2/556:3.

نعم في المرويّ عن قرب الأسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول: يعطى المستدين من الصدقة و الزكاة دينهم كلّ ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف، فأمّا الفقراء فلا يزاد أحدهم على خمسين درهما و لا يعطى له أحد خمسون درهما أو عدلها من الذهب»(1).

قال في الوسائل: «هذا محمول على حصول الكفاية في السنة بذلك فلا يعطى بعدها مرّة اخرى، و أمّا إعطاء ما زاد دفعة فلا بأس»(2).

و هو حمل بعيد، و الأولى في منع نهوضه لمعارضة ما مرّ القدح في سنده بحسين بن علوان المنسوب بالعامّية الغير المصرّح بتوثيقه.

نعم يبقى المناقشة في دلالة ما تقدّم بالنظر إلى احتمال أن يراد من الإغناء فيها القدر الكافي منه في المنع من أخذ الزكاة و هو قدر الكفاية في مئونة السنة لا «الغنى» المطلق الّذي يعدّ صاحبه في العرف و العادة من الأغنياء.

و يدفعها: الإطلاق المعتضد بفهم الأصحاب، و يؤيّده إطلاق المائة و الخمسمائة و الألف، و خصوص خبر(3) بشر بن بشار.

و التمسّك للمنع مطلقا أو في خصوص ذي الكسب القاصر بطريقة الاحتياط و أصالة الاشتغال، يدفعه ورود أصل البراءة عليه إن اريد به ما هو بالقياس إلى الآخذ، و الإطلاق إن اريد به ما هو بالقياس إلى الدافع بل الآخذ أيضا.

السادسة: [من ادّعى الفقر طلبا للزكاة]
اشارة

من ادّعى الفقر طلبا للزكاة فإن عرف صدقه أو كذبه عومل على حسب ما عرف منه فيعطى إن عرف صدقه و يمنع إن عرف كذبه قولا واحدا، و إن جهل الأمران و احتمل الصدق و الكذب معا فعبارات الأصحاب فيه مختلفة و إن كانت متّفقة على جواز إعطائه في الجملة، فعن الشيخ في المبسوط: «إذا جاء رجل إلى الإمام أو الساعي

ص: 442


1- قرب الاسناد 374/109.
2- الوسائل 261:9، ذيل الحديث 10، ب 24 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- لم نعثر عليه.

و ذكر أنّه لا مال له و لا كسب و سأله أن يعطيه شيئا من الزكاة فإن عرف الإمام صدقه أعطاه، و إن عرف كذبه لم يعطه، و إن جهل حاله نظر فإن كان جلدا(1) في الظاهر أعطاه، و قيل: إنّه يحلف لأنّه يدّعي أمرا يخالف الظاهر و قيل: إنّه لا يحلف، و هو الأقوى. و أمّا إذا كان ضعيفا في الظاهر فإنّه يعطيه من الصدقة و لا يحلفه، لأنّ الظاهر موافق لما يدّعيه. فإن ادّعى هذا السائل أنّه يحتاج إلى الصدقة لأجل عياله فهل يقبل قوله ؟ قيل: فيه قولان، أحدهما: يقبل قوله بلا بيّنة، و الثاني: لا يقبل قوله إلاّ ببيّنة لأنّه لا يتعذّر. و هذا هو الأحوط. هذا في من لا يعرف له أصل مال، فأمّا إذا عرف له أصل مال فادّعى أنّه تلف و أنّه محتاج لا يقبل قوله إلاّ ببيّنة، لأنّ الأصل بقاء المال»(2).

و اعترض العلاّمة في المختلف على قوله: «أحوط» فيما نقله من القول بالبيّنة - بعد ما استظهر كون قائله من العامّة - بقوله: «الظاهر أنّ مراد الشيخ بالقائل من الجمهور و صيرورته إلى القول الثاني ليس بجيّد، لأنّ قوله مقبول عملا بظاهر العدالة المستند إلى أصل الإسلام»(3).

و يرد عليه أنّه جعل القول المذكور أحوط و هو ليس اختيارا له و لا ريب في أحوطيّته.

و عن المعتبر: «إن ادّعى الفقر عومل بما عهد من حاله، و إن جهل عومل بدعواه و لم يكلّف يمينا، و لو ادّعى حاجة عياله ففي القبول من دون إحلافه تردّد، أشبهه القبول لأنّه مسلم ادّعى ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه. و لو عرف له مال و ادّعى ذهابه قال الشيخ: يكلّف البيّنة لأنّه ادّعى خلاف الظاهر، و الأشبه أنّه لا يكلّف ببيّنة تعويلا على ظهور عدالته. و كذا البحث في العبد لو ادّعى العتق أو الكتابة»(4).

و يرد عليه أنّ الشيخ استند في التكليف بالبيّنة إلى الأصل لا إلى الظاهر.

و عن التذكرة: «و يعطى من ادّعى الفقر إذا لم يعلم كذبه سواء كان قويّا قادرا على التكسّب أو لا، و يقبل قوله من غير يمين سواء كان شيخا ضعيفا أو شابّا ضعيف البنية أو زمنا أو كان سليما قويّ البنية جلدا، و هو أحد وجهي الشافعي... إلى أن قال: و الثاني للشافعيّة: أنّه يحلف إن كان قويّا في بنيته ظاهرة الاكتساب لأنّ ظاهره يخالف ما قال.

ص: 443


1- في هامش الأصل: أي قويّا شديدا، منه.
2- المبسوط 247:1.
3- المختلف 222:3-223.
4- المعتبر 568:2.

و ليس بجيّد لأنّه مسلم ادّعى ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه. و لو عرف له مال و ادّعى ذهابه قال الشيخ: يكلّف البيّنة لأنّه ادّعى خلاف الظاهر و الأصل البقاء(1) و به قال الشافعي(2) و الأقرب أنّه لا يكلّف بيّنة تعويلا على صحّة إخبار المسلم. و كذا البحث في العبد لو ادّعى العتق أو الكتابة. و لو ادّعى حاجة عياله فالوجه القبول من غير يمين لأنّه مسلم ادّعى أمرا ممكنا و لم يظهر ما ينافي دعواه، و يحتمل الإحلاف لإمكان إقامة البيّنة على دعواه»(3).

[مطالبة البيّنة ممّن ادّعى الفقر]

و في المنتهى: «إذا ادّعى شخص الفقر فإن عرف كذبه منع، و إن عرف صدقه اعطي، و إن لم يعلم حاله قبلت دعواه و لم يكلّف بيّنة و لا يمينا لأنّه يدّعي الأصل و هو عدم المال و الأصل عدالة المسلم فكان قوله مقبولا. أمّا لو عرف أنّ له مالا و ادّعى تلفه قال الشيخ رحمه اللّه: يكلّف بيّنة على التلف لأنّ الأصل بقاء المال، و الأقرب أنّه لا يكلّف بيّنة عملا بعدالته. و لو ادّعى المريض أو الشيخ أو الشابّ - الّذي هو ضعيف البنية - العجز عن الحركة و الاكتساب، قبل قوله إجماعا، لأنّه يدّعي ما يشهد له الظاهر بصدقه. و إن كان قويّ البنية جلدا فادّعى العجز عن الاكتساب فالأقرب قبول قوله من غير يمين، عملا بعدالته، و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله(4) أعطى الرجلين اللذين سألاه و لم يحلفهما، و قال الشافعي: يحلف لأنّه يدّعي خلاف الظاهر. و لو ادّعى عيالا يعجز عن مئونتهم فالأقرب أيضا قبول قوله من غير يمين كما يقبل قوله إنّه غير مكتسب. و قال الشافعي: يطالب بالبيّنة لإمكانها»(5).

و في المدارك بعد نقل جملة من العبارات المتقدّمة: «و المسألة محلّ إشكال: من اتّفاق الأصحاب ظاهرا على جواز الدفع إلى مدّعي الفقر إذا لم يعلم له أصل مال من

ص: 444


1- المبسوط 253:1.
2- حلية العلماء 151:3، المهذّب 171:1، المجموع 195:6.
3- التذكرة 244:5.
4- سنن أبي داود 1633/118:2، سنن النسائي 99:5-100، مسند أحمد 224:4 و 362:5.
5- المنتهى 526:1.

غير تكليف له ببيّنة و لا يمين، و ورود بعض الأخبار بذلك و إن ضعف سندها، و كون الدعوى موافقة للأصل، و استلزام التكليف بإقامة البيّنة على الفقر الحرج و العسر في أكثر الموارد، مع خلوّ الأخبار من ذلك بل ورود الأمر بإعطاء السائل و لو كان على ظهر فرس. و من أنّ الشرط اتّصاف المدفوع إليه بأحد الأوصاف الثمانية فلا بدّ من تحقّق الشرط كما في نظائره، و الاحتياط يقتضي عدم الاكتفاء بمجرّد الدعوى إلاّ مع عدالة المدّعي أو الظنّ الغالب بصدقه»(1).

و قال في الذخيرة - بعد ما نقل أكثر ما تقدّم و أورد جملة كلام في المسألة -:

«و التحقيق أنّ تحصيل العلم بالفقر غير معتبر و إلاّ لزم حرمان أكثر الفقراء، و انتفاؤه معلوم من عادة الأئمّة عليهم السّلام و كذا السلف. و هل يكفي الظنّ الحاصل من الأمارات أو من دعواه مطلقا أو إذا كان أمينا مطلقا أو عند تعذّر البيّنة أم لا، بل يحتاج إلى البيّنة مطلقا، أو في بعض صور المسألة، أو يحتاج إلى الحلف كذلك لي فيه توقّف إلى أن يفتح اللّه عليّ طريق معرفته.»(2)

أقول: و منشأ الإشكال أنّ دفع الزكاة إلى مستحقّها واجب، و معلوم أنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي المبرئ اليقيني، و هو الدفع إلى من علم فقره بالعلم العقلي أو الشرعي، و من العلم الشرعي: دعوى الفقر مع البيّنة مطلقا، أو اليمين كذلك، أو البيّنة فيما إذا خالفت الدعوى الأصل كدعوى الحاجة لأجل العيال أو لأجل ذهاب المال و تلفه، و اليمين مع موافقة الأصل كدعوى عدم المال.

لا يقال: كون البيّنة أو اليمين علما شرعيّا في نحو المقام، يحتاج إلى دليل، و ليس بموجود، و لا عموم في الأخبار الواردة فيهما بحيث يشمل المقام و نظائره لأنّك إذا تتبّعتها و لاحظتها بعين الإنصاف لوجدتها مخصوصة بموضع المعارضة المتحقّقة بالدعوى و الإنكار في مقابلها و لا معارضة و لا إنكار فيما نحن فيه.

لأنّا نقول: يكفي في إثبات حجّيتهما في خصوص المقام إجماع العلماء على قبول الدعوى مع أحدهما مطلقا أو على التفصيل المشار إليه، و ليس علينا تكلّف إثبات

ص: 445


1- المدارك 202:5.
2- الذخيرة: 463.

عموم في الأخبار المشار إليها و لا إثبات دليل عام، فإنّ المعلوم من طريقتهم بملاحظة عباراتهم المتقدّمة و غيرها من كلماتهم أنّه: لا كلام لأحد و لا خلاف بينهم في القبول في الصورة المذكورة، بل ظاهر كلماتهم يعطي إجماع الفريقين عليه.

و إنّما الخلاف في بعض صور المسألة إنّما هو في قبول الدعوى المجرّدة أو لزوم طلب البيّنة من المدّعي أو إحلافه، بل ظاهر عباراتهم كون القول باللزوم و عدم القبول على خلاف المشهور، بل قد عرفت عن مختلف(1) العلاّمة في بعض الصور كونه من الجمهور، بل لم يظهر في أصحابنا من اعتبر أحد الأمرين إلاّ الشيخ في المبسوط(2)حيث اعتبر البيّنة في صورة دعوى تلف المال و جعلها أحوط في صورة دعوى الحاجة لأجل عياله.

و لأجل هذا كلّه قال في الحدائق: «و إن جهل حاله فالمشهور بل ظاهرهم الاتّفاق عليه أنّه يصدّق في دعواه و لا يكلّف يمينا و لا بيّنة، كما يظهر من المعتبر(3) و المنتهى(4)و غيرهما»(5) و قال في موضع آخر: «و الأظهر عندي هو القول المشهور، و يدلّ عليه وجوه. ثمّ ذكر في جملة الوجوه: اتّفاق الأصحاب على الحكم المذكور من غير أن يظهر مخالف و إلاّ لنقل خلافه»(6).

و قد عرفت عن منتهى(7) العلاّمة نقل الإجماع على قبول الدعوى فيما شهد بها الظاهر كدعوى المريض أو الشيخ أو الشابّ الّذي هو ضعيف البنية عن العجز عن الحركة و الاكتساب. بل التتبّع يشرف الفقيه على القطع بالإجماع على القبول في دعوى ما وافق الأصل كعدم وجود المال.

و مع هذا كلّه فلا ينبغي التأمّل في قبولها في هذه الصورة عملا مع ما ذكر بأصالة عدم وجود المال فإنّ معناها وجوب ترتيب آثار عدم وجوده الّتي منها: جواز دفع الزكاة إليه، و كونه مبرئا لذمّة الدافع. و يدلّ على جواز القبول و الدفع و لو مع شهادة الظاهر بخلافه قوله عليه السّلام في صحيحة أبي بصير المتقدّمة: «بل يعطيه ما يأكل و يشرب

ص: 446


1- عرفت في: 443.
2- المبسوط 247:1 و 253.
3- المعتبر 568:2.
4- المنتهى 526:1.
5- الحدائق 163:12 و 164.
6- الحدائق 163:12 و 164.
7- عرفت في: 444.

و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ »(1) يعني يعطي السائل، و إطلاقه ينفي لزوم طلب البيّنة و الإحلاف، و سياق الرواية يقضي بكون الحكم على الوجه الكلّي الغير المختصّ بموردها الخاصّ بل يتناول ما لو ادّعى الحاجة لأجل عياله و ما شهد الظاهر بخلافه خصوصا مع ملاحظة أنّ مورد الرواية من هذا القبيل في نظر عيسى بن أعين فإنّه إنّما منع السائل من الزكاة لأنّه رآه اشترى لحما و تمرا، و كأنّه استظهر من اشترائه اللحم و التمر عدم فقره و حاجته إلى الزكاة و أمره الإمام عليه السّلام مع هذه الحالة بإعطائه لمجرّد سؤاله و دعواه الحاجة.

[مطالبة البيّنة و اليمين يلزم حرمان أكثر الفقراء]

و يدلّ عليه أيضا في جميع صور المسألة حتّى دعوى الحاجة لأجل العيال أو ذهاب المال أنّه: لو لا جواز القبول و توقّف على البيّنة أو اليمين لزم حرمان أكثر الفقراء مع ما بهم من الاستحقاق الواقعي، لما فيهم من عزّة النفس الّتي يشقّ معها عليهم كشف سريرتهم لغيرهم ليطّلع على حاجته أو أنّه من أهل السؤال أو تحمّل المنّة من غيرهم ليشهد لهم بالفقر، كما يشقّ عليهم تحمّل اليمين خصوصا مع سبق الغنى عليهم و كان حاجتهم لأجل ذهاب أموالهم و يكرهون من إشاعة حالتهم فيتثبّطون(2) لأجل هذه المشاقّ و المكاره عن السؤال و استدعاء الزكاة، و يلزم من ذلك عليهم الضرر من جهات شتّى، و ربّما يفضي ذلك إلى تلف النفس بل النفوس و هتك العرض و ارتكاب الأعمال القبيحة و الأفعال المحرّمة، و كلّ ذلك منفيّ بعموم قوله عليه السّلام: «لا ضرر و لا ضرار»(3)و عمومات نفي(4) العسر و الحرج هذا.

و يؤيّد الجميع أنّ طلب البيّنة من المدّعي أو إحلافه في الدعوى السليمة عن

ص: 447


1- تقدّمت في: 441.
2- المصباح المنير 2-1: كتاب الثاء: 80: ثبّطه تثبيطا قعد به عن الأمر و شغله عنه و منه تخزيلا و نحوه.
3- الكافي 8/2:5، الوسائل 427:25-1/429 و 3-5، ب 12 من أبواب إحياء الموات.
4- من الآيات الشريفة: المائدة: 6، الحجّ : 78، البقرة: 185. و من الروايات: الوسائل 1: الباب 39 من أبواب الوضوء ج 5 و ب 9 من أبواب الماء المطلق/ 14 و الباب 5/8.

المعارض إذلال للمؤمن، و هو منهيّ عنه في رواية أبي بصير الآتية في المسألة الآتية.

و يؤيّده أيضا رواية عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلاّ في دين موجع(1) أو غرم مفظع(2) أو فقر مدقع(3) ففيك شيء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه...» الخ(4).

السابعة: [لا يجب إعلام الفقير بأنّ المدفوع إليه من وجه الزكاة]

لا يجب إعلام الفقير المستحقّ للزكاة بأنّ المدفوع إليه من وجه الزكاة لو كان مترفّعا يستحيي من قبولها على هذا الوجه فيجوز دفعها على وجه الصلة، كما هو المصرّح به في كلام جماعة من أساطين(5) الطائفة، و عن تذكرة العلاّمة أنّه لا يعرف فيه خلافا(6).

و الأصل فيه من النصوص ما رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فاعطيه من الزكاة و لا اسمّي له أنّها من الزكاة، فقال عليه السّلام: أعطه و لا تسمّ و لا تذلّ المؤمن». و رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير، و في الوسائل: «رواه المفيد في المقنعة مرسلا»(7).

قال في المدارك - بعد ذكره -: «لكنّ الرواية ضعيفة السند باشتراك الراوي بين

ص: 448


1- الصحاح 1295:3، مادّة: وجع: الموجع هو الوجيع، مثل أليم بمعنى مؤلم.
2- الصحاح 1259:3 مادّة: فظع أي شديد، شنيع، جاوز المقدار.
3- الصحاح 1208:3، مادّة: دقع - الدقعاء: التراب، يقال: دقع الرجل بالكسر، أي لصق بالتراب ذلاّ... و فقر مدقع، أي ملصق بالدقعاء.
4- الوسائل 6/211:9، ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.
5- الشرائع 121:1، المسالك 410:1، المدارك 203:5، غنائم الأيّام 128:4، مستند الشيعة 9: 336.
6- التذكرة 287:5.
7- الفقيه 1597/13:2، الكافي 563:3-3/564، الوسائل 314:9-1/315، ب 58 من أبواب المستحقّين للزكاة، المقنعة: 260-261.

الثقة و الضعيف»(1).

و يرد عليه - كما تنبّه عليه في الحدائق -: أنّ رواية عاصم بن حميد عنه قرينة على أنّه المرادي الّذي وصفه في الحدائق: ب «الثقة الجليل القدر»(2) فالرواية حينئذ على طريق الصدوق صحيحة. و لو سلّم عدم الصحّة التفاتا إلى الاختلاف في حال المرادي فهي معتبرة كالصحيحة بالمرادي، لكونه ممّن أجمعت العصابة على تصديقه.

قال في المدارك أيضا - بعد طعنه المذكور -: و مع ذلك فهي معارضة بما رواه الكليني في الحسن عن محمّد بن مسلم. قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل يكون محتاجا نبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك زمام و استحياء و انقباض أ فنعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه و هي منّا صدقة ؟ فقال عليه السّلام: لا إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه، و ما ينبغي له أن يستحيي بما فرض اللّه عزّ و جلّ إنّما هي فريضة اللّه فلا يستحيي منها»(3) ثمّ قال: و يمكن حملها على الكراهة(4).

و قال في الوسائل بعد ذكر الحديث: «هذا محمول على احتمال كون الامتناع لعدم الاحتياج و انتفاء الاستحقاق، أو على عدم وجوب الإخفاء»(5).

و قال في الحدائق: «و الأظهر عندي في تأويلها هو حمل قوله عليه السّلام في الجواب:

«لا» على الإضراب عن الكلام السابق لا على نفي إعطائها إيّاه على غير ذلك الوجه كما وقع في سؤال السائل، و يكون ما بعد «لا» بيانا لما هو الأولى في هذا المقام فبيّن أنّها إذا كانت زكاة فله أن يقبلها و لا ينبغي له أن يستحيي من قبولها و هي حقّ فرضه اللّه تعالى. ثمّ قال: فإن لم يقبلها على هذا الوجه فلا تلزمه بها و تعطيها إيّاه على وجه الزكاة، و يفهم منه جواز الإعطاء لا على الوجه المذكور، فجواب السؤال إنّما علم من المفهوم و إلاّ فمنطوق الخبر إنّما سيق في الكلام على ذلك المستحقّ و أنّه ينبغي له كذا و لا ينبغي

ص: 449


1- المدارك 204:5.
2- الحدائق 171:12-172.
3- الكافي 4/564:3، الوسائل 2/219:6، ب 58 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- المدارك 204:5.
5- الوسائل 315:9، ب 58 من أبواب المستحقّين، ذيل الحديث 2.

له كذا»(1) انتهى.

و تبعه في ذلك التأويل شيخنا في الجواهر(2).

أقول: هذا التأويل لمجرّد رفع المعارضة الظاهريّة بين الخبرين حسن إلاّ أنّ دلالة الجواب بالمفهوم على: جواز إعطائها لا على وجه الزكاة موضع منع، بل الإنصاف أنّه على هذا التوجيه ساكت عن ذلك نفيا و إثباتا فمقصود السائل على هذا غير حاصل.

و الأولى في التأويل أن يقال: إنّ السائل إنّما سأل عن جواز إعطاء ما هو من الزكاة لا على وجه الزكاة، و معناه إعطاؤها لا بداعي كونه زكاة فإنّ «الوجه» عبارة عن الداعي إلى العمل أو عن عنوان العبادة الّذي يجب قصده في النيّة المعتبرة في صحّة العبادة.

و لا ريب أنّ إعطاء ما هو من الزكاة لا بداعي كونه زكاة أو لا بداعي الأمر بإعطائها على أنّها زكاة، إخلال في نيّة العبادة فتبطل سواء نوى وجها آخر و هو: إعطاؤها بداعي كونها صلة أو هديّة، أو لا؟ فقوله عليه السّلام في الجواب: «لا» نهي عن إعطائها على النحو المذكور و تنبيه على بطلانه و عدم كونه مجزئا. و كذلك قوله عليه السّلام: «فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطيها إيّاه» أي لا تعطها لا بداعي الزكاة، و هذا لا ينافي مؤدّى الخبر الأوّل و هو إعطاؤها إيّاه و قصد في النيّة داعي الزكاة، و لكن [لم يعلم] للمستحقّ كونها زكاة لئلاّ تعتريه الذلّة - و هذا ظاهر في صورة جهل المستحقّ بكون ما يعطيه المالك من غير تسمية له زكاة - فيدلّ على عدم وجوب إعلام المستحقّ بكونه زكاة.

و الخبر الثاني ظاهر في صورة علم المستحقّ بكون ما يعطيه المالك - لا بداعي الزكاة بل بداع آخر - زكاة و يعطيها المالك لا بداعي الزكاة.

و إلى ما بيّنّاه يرجع ما أفاده شيخنا في الجواهر في الجمع بين الخبرين قال: «يمكن حمل الحسن المذكور على عدم الاجتزاء بقبض المستحقّ مصرّحا باشتراط كونه لا على وجه الزكاة، بل على وجه الصلة أو الهبة أو استيفاء دين يزعمه على الدافع أو نحو ذلك و أنّه إن كانت الزكاة فهو غير قابل لها، بخلاف الصحيح الأوّل فإنّ أقصاه إيصال الزكاة له من دون تسميتها له و لم يكن قد قبضها مشترطا في قبضه عدم كونها زكاة، بل أقصاه عدم تشخيص قصده بكونها زكاة الحاصل من عدم تسميتها

ص: 450


1- الحدائق 171:12-172.
2- الجواهر 325:15.

له، و لا دليل على اشتراطه بل إطلاق الأدلّة يقتضي عدمه خصوصا بناء على أنّها في الذمّة أو صارت فيها بالعارض لأنّها كالدين يكفي فيه نيّة الدافع، و كذا بناء على كونها في العين فإنّه يكفي نيّته و قبض المستحقّ بعنوان التملّك، لإطلاق الأدلّة و صدق امتثال الأمر بالإيتاء و معلوميّة كون الزكاة ليست من قسم العقود المعتبر مطابقة قبولها و لو فعلا لإيجابها، بل هي أشبه شيء بالأحكام. و اعتبار قبض المستحقّ إنّما هو لتحقيق امتثال الدافع فيما أمر به من الإيتاء و إلاّ فهو ممّا لا ربط له بالدفع، فمع حصول كلّ من الدفع و القبض يتمّ الامتثال و إن لم يقصد القابض كونها زكاة، بل الظاهر الاجتزاء بذلك و إن كذب الدافع. و قال: إنّها ليست زكاة إلاّ أنّ القابض لم يقبضها على أنّها ليست زكاة بل نوى التملّك المطلق الّذي يجامع كونها زكاة في الواقع، لأنّ الإثم الحاصل للدافع بالكذب في إخباره لا يقدح في صدق الامتثال في الواقع...» إلى آخر ما ذكره(1).

أقول: بل الظاهر صدق الامتثال للدافع لو حصل القبض من القبض بنيّة أنّها ليست زكاة، لأنّ المفروض أنّ كونها زكاة يتشخّص بنيّة الدافع، و لا مدخليّة لنيّة القابض في هذا التشخيص و لا يقدح مخالفتها لنيّة الدافع المتحقّقة في الواقع في تحقّق تلك النيّة، و لا دليل على اشتراط مطابقة النيّتين في الامتثال. و قصد التملّك المتحقّق في ضمن نيّة الخلاف إن اعتبرناه في التملّك كاف في حصول الملك للقابض، و إلاّ فلا دليل على اشتراط قصد التملّك منه في حصول الملك له أيضا.

ثمّ إنّ المنساق من الحسن أو الصحيح المذكور(2) كراهة الامتناع من قبول الزكاة للمستحقّ لو دفع إليه على وجه الزكاة، بل المستفاد من ظاهر بعض الروايات حرمته كما رواه الكليني بعدّة طرق: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «تارك الزكاة و قد وجبت له، مثل مانعها و قد وجبت عليه»(3) و قضيّة الجمع بين الروايات حمل ذلك على شدّة الكراهة.

الثامنة: [لو بان الفقير غنيّا ارتجعت الزكاة]
اشارة

قال في الشرائع: «لو دفعها إليه على أنّه فقير فبان غنيّا ارتجعت مع التمكّن، فإن تعذّرت كانت ثابتة في ذمّة الآخذ و لم يلزم الدافع ضمانها سواء كان الدافع المالك أو

ص: 451


1- الجواهر 326:15-327.
2- ذكر في: 449.
3- الكافي 2/563:3.

الإمام أو الساعي»(1).

فظاهر العنوان - مضافا إلى تعليلاتهم الآتية لعدم وجوب الإعادة - كون الدفع حاصلا بالطريق المشروع لمعرفة الفقير و إحراز فقره كالقطع بالفقر أو الظنّ به إن قلنا بجواز التعويل عليه هنا، و دعوى الآخذ للفقر مطلقا أو مع البيّنة أو اليمين إن قلنا باشتراط انضمام أحدهما إلى الدعوى. فأمّا لو دفعها لمجرّد احتمال الفقر أو ظنّه إن لم نقل بحجّيّته أو اعتمادا على خبر من لا يصحّ التعويل عليه كالصبيّ و الفاسق و ما يجري مجراه فظاهرهم الإجماع على ضمان الدافع حيث تعذّر ارتجاعها و عدم خروجه عن عهدة التكليف. فكيف كان فما سمعته من عبارة الشرائع يتضمّن مسألتين:

[مسالتان]
إحداهما: [وجوب ارتجاع الزكاة مع إمكانه]

وجوب ارتجاعها مع إمكانه، و ظاهرهم الإجماع عليه مع علم الآخذ بأنّها زكاة، علم أنّها لا تحلّ لغير الفقير أو جهله، و علّلوه(2) بأنّه: «في أخذه عاص محض فيتعلّق به وجوب الردّ مع بقاء العين و المثل أو القيمة مع التلف» و ظاهر هذا البيان يفيد وجوب الردّ على الآخذ و لا يدلّ على وجوب الاسترداد على الدافع، و ظاهر التعبير بالارتجاع وجوبه عليه أيضا و الدليل قاصر عن إفادته.

بل ربّما يدلّ على عدم وجوبه أيضا ما تمسّك به القائلون(3) بعدم وجوب الإعادة عليه مع عدم إمكان الارتجاع من: «أنّه دفعها إلى من ظاهره الفقر دفعا مشروعا فيحصل الامتثال و لا يستعقب الإعادة للأصل» فإنّ حصول الامتثال المسقط لوجوب الإعادة لا يتفاوت فيه الحال بين إمكان ارتجاعها من الآخذ و عدم إمكانه، و هو يقضي بعدم وجوب الاسترداد على الدافع و إن وجب الردّ على الآخذ.

نعم على القول بعدم الامتثال و عدم خروجه عن عهدة التكليف بذلك الدفع، فدليل

ص: 452


1- الشرائع 121:1.
2- الشرائع 121:1، المدارك 204:5، غنائم الأيّام 129:4-130، مستند الشيعة 337:9-339، الجواهر 327:15، الذخيرة: 463.
3- المبسوط 261:1، المنتهى 527:1، المعتبر 569:2، المدارك 206:5-207، غنائم الأيّام 4: 131، مستند الشيعة 338:9-339.

وجوب الاسترداد عليه واضح، و هو: بقاء الامتثال المقتضي لوجوب إيتاء الزكاة لمستحقّها الّذي لا يتمّ إلاّ بارتجاع ما دفعه أو بدفع غيره، فكلماتهم في هذا المقام متهافتة.

و أمّا مع انتفاء علم الآخذ فظاهر إطلاق عبارة الشرائع كما سمعته وجوب ارتجاعها أيضا، و عن المعتبر القطع بعدم جواز الارتجاع: «لأنّ الظاهر أنّها صدقة»(1)أي مندوبة، و استجوده صاحب المدارك(2) إذا ظهر كونها كذلك أي كونها صدقة، و اختلف كلام العلاّمة في كتابيه المنتهى و التذكرة ففي الأوّل: «ليس للمالك الرجوع لأنّ دفعه محتمل للوجوب و التطوّع»(3) و استقرب في الثاني: «جواز الارتجاع لفساد الدفع لأنّه أبصر بنيّته»(4) و استجوده في المدارك بشرط بقاء العين و انتفاء القرائن الدالّة على كونها صدقة(5).

أقول: و الوجه هو جواز الارتجاع بل وجوبه لأنّها مال الغير وصل إلى يد غير مستحقّه فوجب على من أوصلها إليه استرجاعها منه ليوصلها إلى مستحقّها، و ظهور كونها صدقة مندوبة أو احتمالها في نظر الآخذ لا ينفيه لأنّ أقصاه حلّ الأخذ له و التصرّف له فيها ما لم ينكشف الفساد على طريقة الحكم الظاهري المجعول للجاهل ما دام جاهلا لا على حدّ الحكم الواقعي المجعول للواقعة من حيث هي فيكون كمال الغير الواصل إلى يد أحد باعتقاد أنّه لنفسه، أو باعتقاد الإباحة أو احتمالها إذا كان مستنده في الأخذ و التصرّف أصل الإباحة ثمّ انكشف فساد الاعتقاد و الاحتمال بتبيّن كونه مال الغير فكما يجب عليه ردّه مع بقاء العين و ردّ مثله أو قيمته مع تلفها فكذا يجب على الدافع استرداده و إيصاله إلى مستحقّه كما لو دفع مال الغير إليه.

و توهّم أنّه في دفع الزكاة هو الّذي سلّط الآخذ على أخذ ماله و التصرّف فيه و إتلافه فلا يملك الرجوع عليه و مطالبته و لا على تغريمه المثل أو القيمة في صورة تلف العين.

يندفع بأنّه لم يسلّطه على ماله بل سلّطه على الزكاة الّتي هي مال المستحقّ فلا يملكها الآخذ فتستقرّ في ذمّته حتّى مع التلف، و لذا ذكر في الشرائع على تقدير

ص: 453


1- المعتبر 569:2.
2- المدارك 204:5 و 205.
3- المنتهى 527:1.
4- التذكرة 349:5.
5- المدارك 204:5 و 205.

تعذّر الارتجاع: «أنّها كانت ثابتة في ذمّة الآخذ»(1) فإنّه الموافق لقواعد الضمان(2)و عموم: «على اليد ما أخذت»(3) من غير فرق فيه بين صور العلم أو الجهل بالموضوع أو الحكم إذا لم يمكن ارتجاعها.

و اخراهما: عدم لزوم ضمانها على الدافع

أي عدم وجوب إعادتها عليه من ماله.

و تفصيل القول في ذلك أنّ الدافع إن كان الإمام عليه السّلام أو نائبه ففي الذخيرة: «لا أعلم خلافا في الإجزاء و عدم الضمان»(4) و عن المنتهى: «أنّه لا خلاف فيه بين العلماء»(5)و علّلوه بأنّ المالك خرج من العهدة بالدفع إلى الإمام أو نائبه و الدافع خرج من العهدة بالدفع إلى من يظهر منه الفقر، و إيجاب الإعادة تكليف جديد منفيّ بالأصل.

و في المدارك: «الدافع فعل المأمور به و هو الدفع إلى من يظهر منه الفقر إذ الاطّلاع على الباطن متعذّر، و امتثال الأمر يقتضي الإجزاء. ثمّ قال: إنّما الخلاف فيما إذا كان الدافع هو المالك»(6).

و أقوالهم في محلّ الخلاف ثلاثة: الأوّل أنّه لا ضمان عليه، كما عن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ(7) و عليه المحقّق في الشرائع(8) و الثاني: أنّه ضامن و يجب عليه الإعادة، و عليه المفيد و أبو الصلاح(9) و الثالث: ما استقربه المحقّق و العلاّمة في المعتبر و المنتهى: «من سقوط الضمان مع الاجتهاد و ثبوته بدونه.»(10)

أقول: مقتضى قاعدة عدم الإجزاء في الأمر الظاهري و الأمر الظاهري الشرعي المستفاد من دليل اعتبار الظنّ أو الأمارة الشرعيّة على ما حقّقناه في الأصول(11)من(12) عدم الإجزاء و الضمان و وجوب الإعادة، فإنّ طريق دفع المالك على ما أشرنا إليه

ص: 454


1- الشرائع 121:1.
2- أي الضمان الجاري في: التسبيب و على اليد و الإتلاف.
3- المستدرك 88:17، ب 1 من أبواب كتاب الغصب ح 4. كنز العمّال 5713/327:5.
4- الذخيرة: 463.
5- المنتهى 527:1.
6- المدارك 205:5.
7- الخلاف 240:4، المسألة 28، المبسوط 261:1.
8- الشرائع 121:1.
9- المقنعة: 259، الكافي في الفقه: 173.
10- المعتبر 569:2، المنتهى 527:1.
11- تعليقة على معالم الاصول 206:4-207.
12- كذا في الأصل، و الظاهر: زيادة كلمة «من».

في عنوان المسألة إمّا القطع بفقر الآخذ فيندرج بذلك دفعه في المأمور به الظاهري العقلي، أو الظنّ بالفقر أو دعواه مع البيّنة أو اليمين، أو بدونهما فيندرج في المأمور به الظاهري الشرعي، و قد برهنّا في الاصول أنّه لا يفيد شيء منهما الإجزاء لا لأنّ الامتثال حاصل و هو غير مجز - فإنّه غير صحيح - بل لانكشاف عدم حصول الامتثال من أصله، فالمأتيّ به غير مأمور به و المأمور به غير مأتيّ به، و هو بعد باق في عهدة المكلّف و يجب عليه الخروج عن العهدة بالإعادة.

و هذا هو الأصل في جميع العبادات من غير فرق فيه بين العمليّة و الماليّة و بهذا الأصل نحكم في كلّ مورد تبيّن الاختلال في المأتيّ به بالإعادة فيما يمكن إعادته و القضاء فيما ثبت في نوعه القضاء، إلاّ ما خرج منه بدليل دالّ على الإجزاء و سقوط الإعادة و القضاء.

و يؤيّده في خصوص المقام أو يدلّ عليه ما رواه الكليني و الشيخ عنه عن ابن أبي عمير عن الحسين بن عثمان في الصحيح عمّن ذكره: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنّه معسر فوجده موسرا، قال عليه السّلام: لا تجزئ عنه»(1).

و عليه فما احتجّ به الموجبون(2) للإعادة مضافا إلى الرواية من أنّه: «دفعها إلى غير مستحقّها فلا تقع مجزية كالدين» في غاية الجودة.

و ما قيل في ردّه من: «أنّ الدفع كان إلى المستحقّ بحسب الظاهر و إن كان غير مستحقّ بحسب الواقع فيكون مجزئا، لأنّ التكليف منوط بالاستحقاق الظاهري»(3)واضح الضعف، لأنّ الاستحقاق الظاهري إنّما يكفي في الحكم بامتثال التكليف المقتضي للإجزاء ما لم ينكشف الخلاف، و مع انكشافه انكشف عدم الامتثال و بقاء التكليف في العهدة.

و القول بعدم وجوب الإعادة لا حجّة له سوى أنّه دفعها إلى من ظاهره الفقر دفعا مشروعا فيحصل الامتثال و لا يستعقب الإعادة للأصل و فقد حجّة واضحة عليها.

ص: 455


1- الكافي 1/545:3، تهذيب الأحكام 3/51:4، الوسائل 5/215:9، ب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة.
2- و هم: المفيد و أبو الصلاح و الشيخ الطوسي.
3- الذخيرة: 463.

و يظهر الجواب عنه بملاحظة ما عرفت من منع حصول الامتثال بعد انكشاف الخلاف، و حينئذ فالإعادة لا تحتاج إلى حجّة اخرى غير الأمر الأوّل الباقي في عهدة الدافع.

و حجّة المفصّلين وجهان:

أحدهما: أنّ المالك أمين على الزكاة فيجب عليه الاجتهاد و الاستظهار في دفعها إلى مستحقّها فبدونه يجب الإعادة.

و ثانيهما: ما رواه الكليني و الشيخ عنه عن عبيد بن زرارة - في الحسن بإبراهيم بن هاشم بل الصحيح - قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ما من رجل يمنع درهما في حقّ اللّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه، و ما من رجل يمنع حقّا من ماله إلاّ طوّقه اللّه عزّ و جلّ به حيّة من نار يوم القيامة، قال: قلت له: رجل عارف أدّى الزكاة إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم ؟ قال عليه السّلام: نعم، قال: قلت فإن لم يعرف لها أهلها فلم يؤدّها، أو لم يعلم أنّها عليه فعلم بعد ذلك ؟ قال عليه السّلام: يؤدّيها إلى أهلها لما مضى، قال: قلت فإن لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثمّ علم بعد، سوء ما صنع، قال عليه السّلام: ليس عليه أن يؤدّيها مرّة اخرى» و عن الكافي و التهذيب بعد نقل هذه الرواية: «و عن زرارة مثله غير أنّه قال: إن اجتهد فقد برئ، و إن قصّر في الاجتهاد و الطلب فلا.»(1)

و أجاب عن الأوّل في المدارك بأنّه: «إن أريد بالاجتهاد القدر المسوّغ لجواز الدفع و لو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلاّ أنّ مثل ذلك لا يسمّى اجتهادا و مع ذلك فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار إلى ما أطلقه الشيخ في المبسوط(2) من انتفاء الضمان مطلقا، و إن اريد به البحث عن حال المستحقّ زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب إجماعا على ما نقله جماعة. و عن الروايتين بأنّ موردهما خلاف محلّ النزاع و لكنّهما تدلاّن بالفحوى على انتفاء الضمان مع الاجتهاد في محلّ

ص: 456


1- الكافي 546:3، تهذيب الأحكام 103:4، الوسائل 11/38:9، ب 5 من أبواب وجوب الزكاة. وردت تمام الحديث في الباب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة ح 1.
2- المبسوط 261:1.

النزاع، و أمّا الضمان مع انتفاء الاجتهاد فلا دلالة لهما عليه في المتنازع بوجه. ثمّ قال:

و كيفما كان فينبغي القطع بسقوط الضمان مع الاجتهاد لتحقّق الامتثال و فحوى الروايتين، و إنّما يحصل التردّد مع استناد الدفع إلى مجرّد الدعوى من كون الدفع مشروعا فلا يستعقب الإعادة و عدم وصول الحقّ إلى مستحقّه، و لعلّ الأوّل أرجح»(1) انتهى.

و فيه: منع تحقّق الامتثال بناء على القاعدة المتقدّمة(2) مع الاجتهاد و بدونه، و دعوى القطع به غير مسموعة، كما أنّ دعوى دلالة الروايتين بالفحوى عليه ممنوعة، فإنّ مورد الروايتين بمقتضى ظاهر سياقهما: كون المدفوع إليه غير الأهل بمعنى المخالف، و كون الاجتهاد كافيا - في الدفع إلى الفقير المخالف الّذي ليس من أهل الولاية - في تحقّق الامتثال مع الجهل بحال المدفوع إليه و مسقطا للإعادة، لا يلازم كونه مع الدفع إلى غير الفقير من أهل الولاية أيضا كذلك إلاّ بالقياس الباطل عندنا.

غاية الأمر أنّ بناء العمل على الروايتين في موردهما يقضي بكون الإيمان المعدود من شروط المستحقّ شرطا علميّا، و لا يلزم من ذلك كون الفقر الّذي هو العمدة من شروطه أيضا شرطا علميّا، مع أنّ الأصل في الشروط كونها واقعيّة إلاّ ما خرج بالدليل الدالّ على العلميّة، فتوهّم الفحوى ليس إلاّ قياسا باطلا.

فالأصحّ في محلّ النزاع هو ما عرفت من عدم الامتثال المقتضي لعدم سقوط الإعادة، عملا بالقاعدة المحكّمة المتقنة المعتضدة بالرواية المرسلة(3) مع عدم وضوح المخرج عنها.

ثمّ إنّ في الشرائع بعد العبارة المتقدّمة(4) في صدر المسألة: «و كذا لو بان أنّ المدفوع إليه كافر أو فاسق أو ممّن تجب نفقته أو هاشمي و كان الدافع من غير قبيله»(5)و ذكر الفاسق هنا مبنيّ على اعتبار العدالة في مستحقّ الزكاة و سيأتي الكلام فيه.

قال في المدارك: «و قد قطع الشيخ(6) و أكثر الأصحاب(7) بعدم لزوم الإعادة في

ص: 457


1- المدارك 206:5.
2- تقدّمت في: 454.
3- الكافي 1/545:3، الوسائل 5/215:9، ب 2 من أبواب المستحقّين للزكاة.
4- تقدّمت في: 451.
5- الشرائع 121:1.
6- المبسوط 261:1.
7- منهم: أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 173، ابن إدريس في السرائر 459:1، العلاّمة في المنتهى 527:1.

جميع هذه الصور»(1) و في الذخيرة: «فالّذي قطع به الأصحاب كالشيخ و من تبعه، عدم الإعادة في جميع هذه الصور»(2) و عن المعتبر الاستدلال عليه بأنّ «الدفع واجب فيكتفي في شرطه بالظاهر تعليقا للوجوب على الشرط الممكن فلم يضمن لعدم العدوان في التسليم المشروع.»(3)

أقول: إن كان إجماعا كما هو ظاهر المحكيّ عن مختلف العلاّمة من الإجماع على الإجزاء في الصور المذكورة(4) فلا كلام و إلاّ فما تقدّم من القاعدة المحكّمة مطّردة في الجميع و لا مخرج عنها و الإجماع غير معلوم. و ما سمعت عن العلاّمة محتمل لإرادة الاتّفاق من الخصم، كما احتمله بعض مشايخنا تعليلا: «بأنّه ذكره في الردّ على أبي الصلاح» بعد ما حكى عنه الفرق بين الفقير و الغنيّ . ثمّ قال: «مع أنّه يمكن منعه بالتتبّع حتّى عند المتأخّرين فإنّ ظاهر الدروس(5) و غيره(6) - ممّن جعل المدار على الاجتهاد - عدم الفرق بين سائر الشروط، و عن الفاضلان(7) أنّهما استثنيا من ذلك ما لو ظهر المدفوع إليه عبدا للمالك فأوجبا فيه الإعادة مطلقا لأنّ المال لم يخرج عن ملك المالك بذلك فيجري مجرى عزلها من غير تسليم»(8).

استشكله في المدارك: «بأنّ ذلك بعينه آت في سائر الصور فإنّ غير المستحقّ لا يملك الزكاة في نفس الأمر سواء كان عبد المالك أو غيره»(9) و يدفعه وضوح الفرق بين عدم خروج المدفوع عن ملك المالك و بين عدم دخوله في ملك المدفوع إليه، و الثابت في سائر الصور هو الثاني و هو لا ينافي خروجه عن ملك المالك، و المقصود من الاستدلال في محلّ النزاع هو الأوّل.

و السرّ فيه بملاحظة أنّ ما في يد العبد من الأموال ملك للسيّد فيد العبد حينئذ في كلّ ما وصل إليه بمنزلة يد السيّد، و ظاهر أنّ الشخص لا يملك ثانيا ملك نفسه أو أنّه لا يملك من نفسه، و هذا هو معنى ما ذكره بعض مشايخنا من: «أنّ المراد بعدم الخروج

ص: 458


1- المدارك 207:5.
2- الذخيرة: 464.
3- المعتبر 570:2.
4- المختلف 210:3.
5- الدروس 243:1.
6- المسالك 411:1، المعتبر 569:2، المنتهى 527:1، المدارك 206:5-207، غنائم الأيّام 132:4.
7- المنتهى 527:1، المعتبر 570:2.
8- الجواهر 327:15-332.
9- المدارك 208:5.

عن ملك المالك أنّ المال وقع في يد مالكه فهذا كما لو عزله و جعله في صندوق و نحوه»(1) فالفرق في غاية الوضوح إلاّ أنّ الوجه في الجميع عدم الفرق في عدم الإجزاء، لعدم تحقّق الامتثال بحسب الواقع وفاقا لشيخنا المذكور و صاحب الحدائق.(2)

الصنف الثالث العاملون عليها:

و هم «جباة الصدقات» كما في المعتبر و المنتهى(3) و «عمّال الصدقات» كما في الشرائع(4) و «السعاة لتحصيلها» كما في الإرشاد(5) و «الساعون في جبايتها و تحصيلها بأخذ و كتابة و حساب و حفظ و قسمة و نحو ذلك، كما في المدارك و الذخيرة(6)، و عن تفسير عليّ بن إبراهيم نقلا عن العالم عليه السّلام: «و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتّى يؤدّوها إلى من يقسّمها»(7).

و في المنتهى: «لا خلاف في استحقاقهم»(8) و في الذخيرة: «الظاهر أنّه لا خلاف بين أصحابنا في استحقاق هؤلاء سهما من الزكاة و إن كانوا أغنياء، و إليه ذهب أكثر العامّة»(9) و في المدارك: «قد أجمع علماؤنا و أكثر العامّة(10) على استحقاق هؤلاء نصيبا من الزكاة و إن كانوا أغنياء»(11).

و يدلّ عليه أيضا الآية و الرواية مثل ما رواه الكليني عن زرارة و محمّد بن مسلم في الحسن بإبراهيم بن هاشم بل الصحيح قالا لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «أ رأيت قول اللّه عزّ و جلّ : إِنَّمَا اَلصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اَلْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي اَلرِّقٰابِ وَ اَلْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اَللّٰهِ (12) أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف ؟ فقال عليه السّلام: إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنّهم يقرّون له بالطاعة»(13).

ص: 459


1- الجواهر 333:15.
2- الحدائق 171:12.
3- المعتبر 570:2، المنتهى 519:1.
4- الشرائع 121:1.
5- الإرشاد 286:1.
6- المدارك 208:5، الذخيرة: 453.
7- تفسير القمّي 299:1.
8- المنتهى 519:1.
9- الذخيرة: 453.
10- منهم: الشافعي في الامّ 72:2، ابن قدامة في المغني 516:2.
11- المدارك 208:5.
12- التوبة: 60.
13- الكافي 1/496:3، الفقيه 4:2-1577/5، تهذيب الأحكام 2/49:4، الوسائل 209:9 - 1/210، ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.

و عن أبي حنيفة أنّه يعطى عوضا و اجرة لأنّه لا يعطى إلاّ مع العمل و لو فرّقها المالك أو الإمام لم يكن له نصيب، و لأنّه يأخذها مع الغنى و الصدقة لا تحلّ لغنيّ (1).

و اجيب عن الأوّل: بأنّ عدم إعطائهم إلاّ مع العمل لا ينافي استحقاقهم لأنّهم إنّما يستحقّونه بشرط العمل لا أنّها عوض عن عملهم، و لذا لا يعتبر فيها تقدير العمل و لا تعيين المدّة و لا تقدير الاجرة.

و عن الثاني: بأنّهم إنّما يستحقّونها باعتبار العمل لا باعتبار الفقر، فلا ينافي غناهم لاستحقاقهم، كما أنّ ابن السبيل كذلك فإنّه يعطى و إن كان غنيّا في بلده.

و إذا قد عرفت أنّ العامل إنّما يستحقّ السهم لعمله لا مطلقا، تعرف أنّه لو أخلّ بالعمل لم يستحقّ شيئا، و منه(2) ما لو دفعها المالك بنفسه إلى الفقير أو إلى الإمام فسقط بذلك حقّ العامل، كما نصّ عليه في المنتهى و التذكرة(3) و في المنتهى أيضا أنّه: «إذا فرّقها الإمام بنفسه لم يكن له أخذ شيء منها، لأنّ استحقاق سهمه من الخمس لما يفعله من المصالح و هذا منها»(4).

و في التذكرة: «لو تولّى الإمام أو الوالي من قبله قسمتها لم يستحقّ منها شيئا، لأنّه يأخذ رزقه من بيت المال لأنّه يتولّى امور المسلمين، و هذا من جملة المصالح»(5) و في الشرائع: «أنّ الإمام مخيّر بين أن يقدّر لهم جعالة مقدّرة، أو اجرة عن مدّة مقدّرة»(6)و في المدارك: «لا ريب في جواز الأمرين مع ثالث و هو عدم التعيين و إعطائهم ما يراه الإمام كباقي الأصناف»(7) و في المنتهى ذكر الوجوه الثلاث بقوله: «و للإمام أن يقدّر له اجرة معلومة عن مدّة معيّنة، أو يجعل له جعالة، أو يجعل له نصيبا من الصدقات»(8)و المرويّ من هذه الوجوه هو الأخير لحسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت ما يعطى المصدّق ؟ قال عليه السّلام: ما يرى الإمام و لا يقدّر له شيء»(9) فهذا هو الأولى. و لذا ذكر

ص: 460


1- بدائع الصنائع 44:2، المغني 516:2.
2- أي من موارد عدم استحقاق العامل للزكاة.
3- المنتهى 519:1، التذكرة 248:5.
4- المنتهى 519:1.
5- التذكرة 248:5.
6- الشرائع 121:1.
7- المدارك 213:5.
8- المنتهى 515:1-519.
9- الكافي 13/563:3، تهذيب الأحكام 45/108:4، الوسائل 4/211:9، ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.

في التذكرة: «و الوجه أنّه لا يشترط تقدير الاجرة أو السهم لأنّ له نصيبا يفرضه تعالى فلا يشترط في استعماله غيره، و لقول الصادق عليه السّلام(1) ثمّ ذكر الرواية.

و فيها أيضا بعد ما ذكر تخيير الإمام بين أن يستأجره لمدّة معلومة أو يعقد له جعالة فإذا عمل ما شرط عليه فإن كان اجرة مثله أقلّ كان الفاضل من الثمن من الصدقة مردودا على أهل السهام، و إن كان السهم أقلّ من اجرته جاز للإمام أن يعطيه الباقي من بيت المال. و قال بعيد ذلك: «و يجوز أن يعطيه من باقي الصدقة و يقسّم الفاضل عن اجرته بين باقي المستحقّين لأنّ الفاضل لمّا ردّ عليهم كان الناقص عليهم» و نقل نحوه عن الشهيد في البيان قائلا: «و لو عيّن له اجرة فقصر السهم عن اجرته أتمّه الإمام من بيت المال و من باقي السهام، و لو زاد نصيبه عن اجرته فهو لباقي المستحقّين»(2).

و في الشرائع: «يجب أن يستكمل فيهم أربع صفات: التكليف و الإيمان و العدالة و الفقه و لو اقتصر على ما يحتاج إليه فيه جاز، و أن لا يكون هاشميّا، و في اعتبار الحرّيّة تردّد»(3).

و الظاهر عدم الخلاف في اعتبار الثلاث الاولى، و في اعتبار الفقه خلاف، فعن المعتبر: الميل إلى عدم اعتباره(4) و عن البيان استحسانه(5) و في المدارك: نفي البأس(6)و لا يخلو عن وجه، لأنّ معرفة المسائل المتعلّقة بالعمالة حسبما يحتاج إليه بالتقليد أيضا ممكن، و لو اريد بالفقه ما يعمّ ذلك كان النزاع لفظيّا.

و انتفاء الهاشميّة إنّما يعتبر من حيث عدم استحقاقهم النصيب لكونه من الزكاة فلو تبرّع الهاشمي بالعمل أو استأجره المالك باجرة من غير الزكاة فالظاهر عدم البأس به كما نصّ على جوازه في المدارك. و ظاهر النصّ الوارد فيه أيضا هو المنع من أخذ النصيب ففي صحيح العيص بن القسم عن الصادق عليه السّلام قال:

«إنّ اناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات

ص: 461


1- التذكرة 249:5.
2- البيان: 194، عبارة المنقول هنا تختلف عمّا في كتاب البيان، إليك نصّها:... فليشترط في الإجارة العلم بالعمل و الاجرة، و لو قصر السهم عن أجرته فهو لباقي المستحقّين، و لو يسمّ له شيئا جاز و يعطيه الإمام عليه السّلام.
3- الشرائع 121:1.
4- المعتبر 571:2.
5- البيان: 199.
6- المدارك 211:5-212.

المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الّذي جعله اللّه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلّب إنّ الصدقة لا تحلّ لي و لا لكم و لكن قد وعدت الشفاعة - ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اللّهمّ اشهد قد وعدها - فما ظنّكم يا بني عبد المطلّب إذا أخذت بحلقة باب الجنّة أ تروني موثرا عليكم غيركم»(1).

و الأقرب في الحرّية أيضا عدم الاعتبار وفاقا للعلاّمة في المختلف و مال إليه في المعتبر(2) على ما حكي، و نفى عنه البأس في المدارك: «لحصول الغرض بعمل المملوك»(3) إذا استعمله بإذن مولاه، و لا ينافيه كون العامل يستحقّ نصيبا من الزكاة و المملوك لا يملك، لأنّ عمل العبد كعمل المولى فيعود النصيب إلى المولى و يملكه باعتبار أنّه كأنّه العامل. و لو كان مكاتبا فالظاهر عدم الخلاف في جواز عمالته، لأنّه صالح للتكسّب و الملك كما في المدارك(4).

الصنف الرابع المؤلّفة قلوبهم:

و لا خلاف في أنّ لهم سهما من الزكاة، و قد نصّ القرآن بذلك(5) و في المدارك:

«أجمع العلماء كافّة على أنّ للمؤلّفة قلوبهم سهما من الزكاة»(6) و في المنتهى:

«استحقاقهم ثابت بالنصّ و الإجماع»(7) و في الذخيرة: «لا أعلم خلافا بين العلماء في أنّ للمؤلّفة قلوبهم سهما من الزكاة، و الإجماع عليه منقول»(8).

و إنّما الخلاف في مقامين:

أحدهما: في اختصاص هذا السهم بالكفّار أو شموله للمسلمين أيضا؟ فعن الشيخ في المبسوط: «المؤلّفة قلوبهم عندنا هم الكفّار الّذين يستمالون بشيء من مال الصدقات إلى الإسلام و يتألّفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك و لا يعرف علماؤنا مؤلّفة أهل الإسلام»(9) و نسبه في الذخيرة و المدارك إلى المحقّق و جماعة من

ص: 462


1- تهذيب الأحكام 1/58:4، الوسائل 1/268:9، ب 29 من أبواب المستحقّين للزكاة، الكافي 1/58:4.
2- المعتبر 571:2.
3- المدارك 213:5.
4- المدارك 213:5.
5- التوبة: 60.
6- المدارك 214:5.
7- المنتهى 519:1.
8- الذخيرة: 454.
9- المبسوط 249:1.

الأصحاب(1) إلاّ أنّ المحقّق في الشرائع قال: «هم الكفّار الذين يستمالون للجهاد و لا نعرف مؤلّفة غيرهم»(2) و نحوه عن الخلاف(3) و المصباح(4) و الوسيلة(5) و الإرشاد(6)فلم يذكروا الاستمالة إلى الإسلام، و لعلّ المراد من عبارة المبسوط الاستمالة إلى الإسلام لمجرّد الجهاد مع المسلمين لأهل الشرك لا لقبول الإسلام فيكون معنى الجميع واحدا.

و يرجع الكلّ إلى ما عن الاقتصاد: «أنّهم قوم كفّار لهم ميل إلى الإسلام يستعان بهم على قتال أهل الحرب، و عن بعضهم أنّه فسّره بالمنافقين»(7) و لعلّ المراد به ابن الجنيد لأنّه فسّره بأنّهم: «من أظهر الدين بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم بيده و كان معهم إلاّ قلبه»(8) و يمكن إرجاع ذلك أيضا إلى قول الشيخ و من تبعه(9) بناء على أن يكون المراد من الكافر أعمّ ممّن يكون كافرا في الظاهر و الباطن و من يكون كافرا في الباطن كالمنافق. فالكلمات المذكورة صراحة و ظهورا تعطي الاختصاص بالكفّار، و قيل:

الظاهر أنّه المشهور(10) و عبارة المبسوط تؤذن بدعوى الإجماع عليه، و عن الغنية نفي الخلاف عنه(11).

و في مقابل هذا القول ما نقل عن المفيد من: «أنّ المؤلّفة قلوبهم ضربان: مسلمون، و مشركون»(12) و هو ظاهر المحكيّ عن الحلبي في إشارة السبق قائلا: «هم المستعان بهم في الجهاد و إن كانوا كفّارا»(13) و نحوه ما في النافع(14) و عزي إلى المعتبر(15)و التذكرة(16) و قيل(17) مال إليه جماعة من المتأخّرين(18) بل هو صريح الحلّي في

ص: 463


1- الذخيرة: 454، المدارك 214:5.
2- الشرائع 121:1.
3- الخلاف 233:4، المسألة 16.
4- لا يوجد لدينا.
5- الوسيلة: 128.
6- الإرشاد 268:1.
7- الاقتصاد: 282.
8- المختلف 200:3.
9- منهم: يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 143 و الفاضل الآبي في كشف الرموز 253:1.
10- الحدائق 175:12.
11- الغنية: 123، هذه العبارة في الغنية يختلف عن المنقول هنا اختلافا طفيفا.
12- لم نعثر على نصّ هذه العبارة في آثار المفيد.
13- إشارة السبق: 112.
14- النافع: 59.
15- المعتبر 573:2.
16- التذكرة 249:5 و 251.
17- الجواهر 239:15.
18- المدارك 215:5، الذخيرة: 454، الرياض 11:5-12، غنائم الأيّام 137:4، مستند الشيعة 9: 276، الحدائق 177:12.

السرائر قائلا: «المؤلّفة ضربان: مؤلّفة الكفر، و مؤلّفة الإسلام. و قال شيخنا أبو جعفر:

المؤلّفة ضرب واحد و هم مؤلّفة الكفر. و الأوّل مذهب شيخنا المفيد و هو الصحيح»(1)هكذا نقله العلاّمة في المختلف و استقربه استنادا إلى عموم كونها مؤلّفة، و ما في خبر زرارة و محمّد بن مسلم الآتي من قول الصادق عليه السّلام: «سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم الرقاب عامّ و الباقي خاصّ »(2) قال: «و إنّما يكون عامّا لو تناول القسمين»(3).

و قد شاع نقل هذا القول أيضا عن الشافعي حيث إنّه «قسّم المؤلّفة قسمة أوّلية إلى قسمين مشركين و مسلمين، ثمّ جعل المشركين صنفين:

أحدهما: قوم من المشركين لهم شرف و طاعة في الناس و حسن نيّة في الإسلام يعطون استمالة لقلوبهم و ترغيبا لهم في الإسلام مثل صفوان بن اميّة و غيره، و الثاني:

قوم مشركون لهم قوّة و شوكة و طاعة إذا أعطاهم الإمام كفّوا شرّهم من المسلمين فهؤلاء كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعطيهم استكفافا لشرّهم.

و جعل المسلمين أربعة أصناف: قوم لهم شرف و سداد و لهم نظراء من الكفّار إذا اعطوا نظر إليهم نظراؤهم فرغبوا في الإسلام فهؤلاء أعطاهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و قوم لهم شرف و طاعة أسلموا و في نيّاتهم ضعف أعطاهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليقوّي نيّاتهم.

و قوم من الأعراب في طرف من بلاد الإسلام و بإزائهم قوم من المشركين إن أعطاهم الإمام قاتلوا عن المسلمين و إن لم يعطوا لم يقاتلوا و احتاج الإمام إلى مئونة في تجهيز الجيوش إليهم فهؤلاء يعطون و يتألّفون ليقاتلوا المشركين و يدفعونهم.

و قوم من الأعراب في طرف من بلاد الإسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات و حملوها إلى الإمام و إن لم يعطهم لم يجبوها و احتاج الإمام في إنفاذ من يجبوها إلى مئونة كثيرة فيجوز أن يعطيهم لأنّ فيه مصلحة»(4) انتهى ملخّصا.

ص: 464


1- السرائر 457:1.
2- الكافي 496:3، الفقيه 1577/4:2، وسائل الشيعة 1/209:9، ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.
3- المختلف 200:3.
4- سنن البيهقي 19:7، المغني 320:7، الشرح الكبير، بهامش المغني 693:2.

و عن حواشي القواعد للشهيد الأوّل: «لا ريب أنّ التأليف متحقّق في الجميع إلاّ أنّ المؤلّفة قلوبهم زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذين كان يعطيهم من الزكاة و غيرها زيادة على غيرهم، ما كانوا كفّارا بل مسلمين ضعيفي العقائد أشرافا في قومهم كأبي سفيان و الأقرع بن حابس و عيينة بن حصين و نظائرهم، و هم معلومون مضبوطون بالعدد بين العلماء»(1).

أقول: في تحقّق التأليف فيما عدى الصنف الثاني منع واضح، فصدق المؤلّفة قلوبهم على الجميع محلّ منع، لعدم صدق المشتقّ مع انتفاء المبدأ. و لو سلّم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعطي الجميع من الصدقة فلا نسلّم أنّه يعطيهم من سهم المؤلّفة، لجواز كونه إنّما يعطي ما عدى الأخير من سهم سبيل اللّه و الأخير من سهم العمالة، كما احتمله هو في البيان(2) و الشهيد الثاني في روض الجنان(3).

و ممّا بيّنّاه يظهر تطرّق المنع إلى اندراج الصنف الثاني من صنفي المشركين في المؤلّفة و منع كون ما أعطاهم من سهم المؤلّفة.

و من ذلك يظهر ما في عبارة المجمع للشيخ الطريحي قائلا: «و المؤلّفة قلوبهم أي المستمالة قلوبهم بالمودّة و الإحسان و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعطي المؤلّفة قلوبهم من الصدقات و كانوا من أشراف العرب، فمنهم من كان يعطيه دفعا لأذاه، و منهم من كان يعطيه طمعا في إسلامه و إسلام أتباعه، و منهم من كان يعطيه ليثبت على إسلامه لقرب عهده بالجاهليّة»(4).

و ربّما يستشمّ من عبارة المفيد المحكيّة عن كتاب الإشراف، اختصاصه بقوم من المسلمين قائلا فيه: «هم الداخلون في الإيمان على وجه يخاف عليهم معه مفارقته فيتألّفهم الإمام بقسط من الزكاة لتطيب نفوسهم بما صاروا إليه و يقيمون عليه فيألفون و يزيل عنهم بذلك دواعي الارتياب»(5) و اختاره صريحا صاحب الحدائق فإنّه بعد ما نقل طائفة من الأخبار الواردة في المؤلّفة قال: «و هذه الأخبار كما ترى كلّها ظاهرة في أنّ المؤلّفة قوم مسلمون قد أقرّوا بالإسلام و دخلوا فيه لكنّه لم يستقرّ في قلوبهم و لم يثبت ثبوتا راسخا فأمر اللّه تعالى نبيّه بتألّفهم بالمال لكي تقوّى عزائمهم و تشتدّ

ص: 465


1- لم نظفر عليها.
2- البيان: 195.
3- لم نظفر في روض الجنان ما يدلّ على ذلك، و لكن نعثر عليها في المسالك 414:1.
4- مجمع البحرين 89:1، مادّة: أ، ل، ف.
5- الإشراف: 239، مصنّفات الشيخ المفيد 9.

قلوبهم على البناء(1) على هذا الدين، فالتأليف إنّما هو لأجل البقاء على الدين و الثبات عليه لا لما زعموه من الجهاد كفّارا كانوا أو مسلمين و أنّهم يتألّفون بهذا السهم لأجل الجهاد»(2) انتهى.

و أمّا الأخبار المتعلّقة بالمقام فهي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام:

«سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قال عليه السّلام: هم قوم وحّدوا اللّه عزّ و جلّ و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، و شهدوا أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله فأمر اللّه نبيّه أن يتألّفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الّذي دخلوا فيه و أقرّوا به، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش و مضر منهم أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس، فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أ تأذن لي بالكلام ؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: نعم، فقال: إن كان هذا الأمر في هذه الأموال الّتي قسّمت بين قومك شيئا أنزله اللّه رضينا و إن كان غير ذلك لم نرض، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أ كلّكم على قول سيّدكم سعد؟ فقالوا: سيّدنا اللّه و رسوله، ثمّ قالوا في الثالثة: نحن على قوله و رأيه، فحطّ(3) اللّه فورهم و فرض للمؤلّفة قلوبهم سهما في القرآن»(4).

و صحيحته الاخرى أيضا عن الباقر عليه السّلام قال: «المؤلّفة قلوبهم قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من دون اللّه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتألّفهم و يعرّفهم و يعلّمهم»(5).

و مرسلة موسى بن بكير عن الباقر عليه السّلام: «ما كانت المؤلّفة قلوبهم قطّ أكثر منهم اليوم، و هم قوم وحّدوا اللّه و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله قلوبهم و ما جاء به، فتألّفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تألّفهم المؤمنين بعد رسول اللّه لكي ما يعرفوا»(6).

ص: 466


1- في الحدائق: على البقاء.
2- الحدائق 177:12.
3- في هامش الأصل: يعنى فرونشانيدن آتش غضب ايشان را.
4- الكافي 2/411:2.
5- تهذيب الأحكام 49:4-3/50، الوسائل 211:9-7/212، ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.
6- الكافي 5/412:2.

و في حديث عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السّلام: «و المؤلّفة قلوبهم قوم وحّدوا اللّه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّدا رسول اللّه، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتألّفهم و يعلّمهم كيما يعرفوا فجعل اللّه لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا.»(1)

و المرسلة المرويّة عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد عليه السّلام أنّه «قال في قول اللّه عزّ و جلّ : وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قوم يتألّفون على الإسلام من رؤساء القبائل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعطيهم ليتألّفهم، و يكون ذلك في كلّ زمان إذا احتاج إلى ذلك الإمام فعله»(2).

و خبر زرارة و محمّد بن مسلم في الصحيح أنّهما قالا لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «أ رأيت قول اللّه تعالى إِنَّمَا اَلصَّدَقٰاتُ ... (3) إلى آخر الآية أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف ؟ فقال عليه السّلام: إنّ الإمام عليه السّلام يعطي هؤلاء جميعا لأنّهم يقرّون له بالطاعة، قال زرارة: قلت:

فإن كانوا لا يعرفون ؟ فقال عليه السّلام: يا زرارة لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلاّ من يعرف، فمن وجدت في هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس، ثمّ قال عليه السّلام: سهم المؤلّفة و سهم الرقاب عامّ و الباقي خاصّ ...» الحديث(4).

و هذه الروايات كما ترى كلّها متقاربة العبارات متطابقة المضامين، و مفادها: أنّ التأليف إنّما كان لغرض إلقاء معرفة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو معرفة ما جاء به من فرائض اللّه في قلب من لا يعرفه أو يشكّ فيه أو في بعض ما جاء به، فيكون محلّه الكفّار الّذين كفرهم باعتبار ما يرجع إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع دخولهم في دين الإسلام باعتبار ما يرجع إلى معرفة اللّه سبحانه و توحيده و خلعهم الشرك عن أنفسهم و خروجهم من عبادة غيره تعالى لعدم انحصار الكفر في الشرك باللّه أو في كفر الجحود للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وصفهم بكونهم مسلمين لو سلّم فإنّما هو لمجرّد ما ذكر من التوحيد و خلع الشرك و عبادة غير اللّه تعالى.

نعم يستفاد من الخبر الأخير أنّ من لا يعرف الّذي يعطى من سهم المؤلّفة أعمّ ممّن لا يعرف النبيّ و من لا يعرف الوصيّ بعده بناء على أن يكون المراد من الإمام الّذي

ص: 467


1- تفسير القمّي 299:1.
2- دعائم الإسلام 260:1.
3- التوبة: 60.
4- الكافي 1/496:3، الفقيه 1577/4:2، تهذيب الأحكام 2/49:4، الوسائل 1/209:9، ب 1 من أبواب المستحقّين للزكاة.

يعطيهم «السيّد الرئيس المطاع» نبيّا كان أو وصيّا، و يكون اللام في قوله عليه السّلام: «لأنّهم يقرّون له بالطاعة» للغاية كما هو الظاهر، و لقرينة اللام في قوله عليه السّلام: «ليرغب في الدين».

و يكون حاصل المراد أنّ الإمام عليه السّلام «المطاع» يعطي من لا يعرفه بالنبوّة أو الوصاية لأن يفضيه إلى معرفته و يقرّ له بالطاعة و ليرغب في دين اللّه الّذي جاء به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله المتضمّن لوجوب الولاية للأئمّة عليهم السّلام فيكون المؤلّفة قلوبهم أعمّ من الكافر و المسلم بهذا المعنى، و هو المراد من قوله عليه السّلام: «و سهم المؤلّفة عامّ ». و قوله عليه السّلام: «فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك» معناه أنّ إعطاء المؤلّفة بالمعنى الأعمّ من وظائف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الوصيّ عليه السّلام بعده دون غيرهما ممّن يتولّى إعطاء الزكاة، فهذا يدلّ على سقوط هذا السهم في أزمنة الغيبة، و اللّه العالم.

و أمّا تأليف الكفّار الغير الموحّدين لأجل الاستعانة بهم على الجهاد مع المشركين و قتال أهل الحرب - حسبما ذكره الشيخ في المبسوط(1) و من وافقه(2) - فأخبار الباب قاصرة الدلالة عليه، فإن كان إجماع كما كان يشعر به عبارة المبسوط(3) و نفي الخلاف المحكيّ عن الغنية(4) و الإجماع المنقول عن الخلاف(5) و يعضده الشهرة المحكيّة، و إلاّ فللبحث فيه مجال واسع.

و الّذي يسهّل الخطب في ذلك أنّ أصل هذا البحث قليل الثمرة كما في كلام جماعة(6) لجواز الدفع إليهم لأجل الفائدة المذكورة من سهم المصالح و سبيل اللّه لا من سهم المؤلّفة، و لذا ذكر صاحب المدارك - بعد ما نقل عن الشافعي ما تقدّم من تقسيمه المؤلّفة إلى قسمي المشركين و أقسام المسلمين - أنّه: «لا ريب في جواز الدفع إلى جميع هذه الأقسام من الزكاة، لكن مع عدم تحقيق التأليف يكون الدفع من سهم المصالح أو من سهم العاملين.»(7).

و ثانيهما(8): في سقوط سهم المؤلّفة بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فعن ابن بابويه في الفقيه أنّه

ص: 468


1- المبسوط 249:1.
2- تقدّم تخريج مصادرهم في: 463.
3- المبسوط 249:1.
4- الغنية: 123.
5- الخلاف 233:4-234، المسألة 16.
6- منهم: النراقي في مستند الشيعة 277:9.
7- المدارك 215:5.
8- تقدّم أحدهما في: 462.

يسقط(1) و عزي إلى النهاية(2) و الوسيلة(3) أيضا، و قيل: هو قول لبعض العامّة(4) و علّلوه بأنّه سبحانه أعزّ الدين و قوّى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف. و لا يخفى ضعفه.

و عن المحقّق في المعتبر: «الظاهر بقاؤه لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعتمد التأليف إلى حين وفاته و لا نسخ بعده»(5) و هذا أيضا استدلال ضعيف، إذ لا يلزم كون السقوط من باب النسخ لثبوت الواسطة بين البقاء و النسخ.

و عن الشيخ أنّه: «يسقط في زمن غيبة الإمام عليه السّلام دون زمن حضوره، لأنّ الغرض من التأليف إنّما يكون للجهاد الساقط في زمان غيبة الإمام»(6) و هذا التعليل و إن كان عليلا لعدم انحصار الغرض في الجهاد لما عرفت، و لكنّ القول المذكور قويّ بالنظر إلى النصّ الدالّ على كون التأليف و إعطاء سهم المؤلّفة من وظائف الإمام عليه السّلام المطاع نبيّا كان أو وصيّا كخبر زرارة و محمّد على ما بيّنّاه(7) فلاحظ و تأمّل.

الصنف الخامس جهة الرقاب:

المعبّر عنها في الآية بقوله: وَ فِي اَلرِّقٰابِ (8) و إنّما عدل هنا عن اللام بكلمة «في» لأنّ المال في الرقاب يصرف في فكّ رقبتهم و إزالة رقّيتهم، لا أنّه يعطونهم يتصرّفون فيه كيف شاءوا بخلاف الأصناف الأربع السابقة، فالرقاب جهة لصرف المال لا أنّهم يملكونه بأنفسهم. و كذلك الغارمون و ما بعده، فإنّ المال يصرف في قضاء ديونهم، لا أنّه يصرف إليهم حتّى يتصرّفوا فيه كيف شاءوا. هكذا نقله في المدارك(9) و غيره عن جمع من المفسّرين(10). و تكريرها في سبيل اللّه للتأكيد، قيل: «ليدلّ على فضل ترجيح لهذين على الرقاب و الغارمين»(11).

ص: 469


1- الفقيه 6:2.
2- النهاية: 185.
3- الوسيلة: 128.
4- منهم: الكاشاني في بدائع الصنائع 45:2، ابن رشد في بداية المجتهد 275:1.
5- المعتبر 573:2-574.
6- المبسوط 249:1، الخلاف 233:4، المسألة 16، النهاية: 185، و لكن عبارة الشيخ في الخلاف يختلف عن المنقول هنا اختلافا طفيفا.
7- تقدّم في ص 467.
8- التوبة: 60.
9- المدارك 216:5.
10- منهم: النيسابوري في غرائب القرآن (جامع البيان للطبري 10):111، البيضاوي في تفسيره 72:3.
11- الكشّاف 282:2.

و هذا الصنف مع أنّه نصّ عليه في الكتاب أجمع عليه العلماء.

و عن التذكرة: «أنّ الرقاب من جملة الأصناف المعدودة في القرآن و أجمع المسلمون عليه، و اختلفوا في المراد فالمشهور عند علمائنا أنّ المراد به صنفان:

المكاتبون يعطون من الصدقة ليدفعوه في كتابتهم، و العبيد تحت الشدّة يشترون و يعتقون، لقوله تعالى: وَ فِي اَلرِّقٰابِ (1) و هو شامل لهما، فإنّ المراد إزالة رقّيته»(2)انتهى و نسبته إلى الشهرة إنّما هو بالإضافة إلى الحصر المتضمّن لنفي ما عدى الصنفين لا بالإضافة إلى إثباتهما، فإنّ كون الصنف الأوّل مرادا من الآية ممّا أجمع عليه الفريقان العامّة و الخاصّة، كما أنّ دخول ثانيهما في المراد منها ممّا أجمع عليه أصحابنا، و الإجماعات المستفادة من عباراتهم صراحة و ظهورا في حدّ الاستفاضة، و وافقهم على ذلك أكثر العامّة لأنّ المخالف منهم فيه أبو حنيفة(3) و الشافعي(4) كما في كلام جماعة منهم المحقّق في المعتبر قائلا على ما حكي: «سهم الرقاب و يدخل فيه المكاتبون و العبيد إذا كانوا في ضرّ و شدّة، و حكي عن أبي حنيفة و الشافعي الاختصاص بالمكاتبين»(5) انتهى.

و لذا قال في المدارك: «أمّا جواز الدفع من هذا السهم إلى المكاتبين و العبيد إذا كانوا في ضرّ و شدّة فهو قول علمائنا و أكثر العامّة(6)»(7) فإنّ تخصيصه الحكم بأكثر العامّة إنّما هو بالقياس إلى العبيد إذا كانوا في ضرّ و شدّة لا المكاتبين إذ لا خلاف عندهم فيه.

و في مقابل المشهور - على ما بيّنّاه: من أنّ النسبة إليه بالإضافة إلى نفي ما عدى الصنفين - قول المحقّق في الشرائع و المعتبر حيث جعل أصناف الرقاب الداخلة في الآية ثلاثة: «ثالثها العبد يشترى و يعتق و إن لم يكن في شدّة لكن بشرط عدم

ص: 470


1- التوبة: 60.
2- التذكرة 255:5.
3- المبسوط 9:3، بدائع الصنائع 45:2، الهداية 112:1.
4- الامّ 72:2، حلية العلماء 157:3، المهذّب 175:1، المجموع 200:6.
5- المعتبر 574:2.
6- حكاه الكاشاني في بدائع الصنائع 45:2، ابن رشد في بداية المجتهد 277:1.
7- المدارك 216:5.

المستحق»(1) بل ظاهر عبارته المحكيّة عن المعتبر كونه إجماع علمائنا قائلا: «و لو لم يوجد مستحقّ جاز شراء العبد من الزكاة و عتقه و إن لم يكن في ضرّ، و عليه فقهاء الأصحاب»(2) انتهى.

و أضاف في الشرائع إلى الثلاثة رابعا و تردّد فيه حيث قال: «و روي رابع و هو من وجب عليه كفّارة و لم يجد فإنّه يعتق عنه، و فيه تردّد»(3).

و مراده بالرواية ما أورده عليّ بن إبراهيم في تفسيره مرسلا عن العالم عليه السّلام قال:

«و في الرقاب قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفّرون به و هم مؤمنون، فجعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم»(4) و وجه تردّده على ما فهمه صاحب المدارك: «عدم وضوح إسناد الرواية، لأنّ عليّ بن إبراهيم أوردها مرسلة. قال: و هو في محلّه»(5) و يمكن جبر هذا الضعف بما في عبارتي المبسوط و التذكرة من ظهور كونها ممّا أجمع الأصحاب على روايته، ففي عبارة المبسوط: «و روى أصحابنا أنّ من وجب عليه عتق رقبة في كفّارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق»(6) و في عبارة التذكرة: «و روى علماؤنا ثالثا و هو من وجب عليه كفّارة عتق في ظهار و شبهه و لم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة و يعتقها في كفّارته، لرواية عليّ بن إبراهيم...»(7) إلى آخر ما ذكره.

هذا و لكن يشكل ذلك بعدم ظهور عامل بها حتى أنّ الشيخ الّذي قد عرفت عبارته لم يعمل بها، لأنّه قال بعد العبارة المذكورة: «و الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو و يعتق عن نفسه» و عن المعتبر جواز إعطائه من سهم الغارمين أيضا: «لأنّ القصد بذلك إبراء ذمّة المكفّر ممّا في عهدته»(8) و استجوده في المدارك تعليلا بأنّ : «ذلك في معنى الغرم»(9) فالقول الرابع لم يتحقّق قائله.

ص: 471


1- الشرائع 121:1.
2- المعتبر 574:2، 575.
3- الشرائع 121:1.
4- تفسير القمّي 299:1.
5- المدارك 219:5.
6- المبسوط 250:1.
7- التذكرة 255:5.
8- المعتبر 574:2.
9- المدارك 219:5.

نعم هاهنا قول آخر يكون هو رابع الأقوال، و هو جواز الإعتاق من الزكاة مطلقا أي من غير اشتراط الضرورة و لا عدم المستحقّ و كذلك شراء الأب منها، استجوده في المدارك بعد ما نسبه إلى العلاّمة في القواعد(1) قال: «و قوّاه ولده في الشرح(2) و نقله عن المفيد(3) و ابن إدريس(4) و هو جيّد، لإطلاق الآية الشريفة». و يؤيّده ما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع و الأحكام عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن هارون بن مسلم عن أيّوب بن الحرّ أخي أديم بن الحرّ قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك يعرف هذا الأمر الّذي نحن عليه أشتريه من الزكاة و اعتقه ؟ قال: فقال عليه السّلام: اشتره و أعتقه، قلت: و إن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال عليه السّلام: ميراثه لأهل الزكاة لأنّه اشترى بسهمهم. قال و في حديث آخر: بمالهم»(5). و ما رواه الكليني عنه عن عدّة من أصحابه عن أحمد بن محمّد عن الحسن بن محبوب عن أبي محمّد الوابشي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة - زكاة ماله - قال عليه السّلام: اشترى خير رقبة لا بأس بذلك»(6).(7)

أقول: و في كون موردهما من سهم الرقاب نظر لما ستعرفه، فالأقوى هو الاقتصار في هذا السهم على المكاتبين و العبيد الّذين في الضرورة و الشدّة كما هو المشهور عملا - بعد الإجماع بقسميه على دخولهما في صنف الرقاب المنصوص عليه في الآية - بالمرسل المنجبر قصوره سندا و دلالة باشتهار العمل به بل الإجماع عليه عن الصادق عليه السّلام: «أنّه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها قال عليه السّلام: يؤدّى عنه من مال الصدقة، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: وَ فِي اَلرِّقٰابِ »(8).

و الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة

ص: 472


1- القواعد 349:1.
2- الإيضاح 196:1.
3- المقنعة: 241.
4- السرائر 463:1.
5- علل الشرائع 1/372:2.
6- الكافي 552:3، الوسائل 1/251:9، ب 19 من أبواب المستحقّين للزكاة.
7- المدارك 217:5-218.
8- الوسائل 1/293:9، ب 44 من أبواب المستحقّين للزكاة، الفقيه 3471/125:3، تهذيب الأحكام 8/275:8.

يعتقها، فقال عليه السّلام: إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم، ثمّ مكث مليّا ثمّ قال عليه السّلام: إلاّ أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه فيعتقه»(1).

فإنّ الآية إن كانت من المجمل فيبيّنها الخبران، و إن كانت من العامّ فيخصّصها الخبران، و قضيّة ذلك اختصاص سهم الرقاب بهذين الصنفين لأنّهما المراد من الرقاب لا غير.

و المناقشة في دلالة الخبر الثاني على كونه من هذا السهم لاحتمال كونه من سهم سبيل اللّه بناء على القول بعمومه لكلّ قربة، يدفعها الاستثناء من قوله عليه السّلام: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» بتقريب أنّ الظلم عبارة عن وضع الشيء على غير مستحقّه، فيدلّ على أنّ اشتراء مطلق النسمة من مال الزكاة ثمّ إعتاقها ليس من مستحقّي الزكاة، و الاستثناء يدلّ على أنّ اشتراء العبد المسلم إذا كان في ضرورة الشدّة تحت مواليه و إعتاقه ليس ظلما فيكون من مستحقّي الزكاة.

و لا يمكن اندراجه في الفقراء و المساكين و لا في العاملين و لا في المؤلّفة قلوبهم و لا في الغارمين و لا في أبناء السبيل، فيبقى في ظاهر النظر مردّدا بين الرقاب و سبيل اللّه، إلاّ أنّه يرجّح الأوّل في دقيق النظر أخذا بظاهر اللفظ، فإنّ قوله تعالى: وَ فِي اَلرِّقٰابِ (2) أي فكّهم و تخليصهم عن الرقّيّة أظهر في الشمول لإعتاق العبد الّذي يكون في الشدّة من قوله تعالى: وَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ (3) و يعضده فهم الأصحاب، و يبقى تحت المستثنى منه العبيد الّذين لا يكونون في ضرورة و شدّة و إن كانوا مسلمين.

و يمكن اندراج المكاتبين أيضا مع قطع النظر عن الخبر الأوّل المصرّح بدخوله في المراد من الرقاب في المستثنى لأنّ العجز عن أداء مال الكتابة نوع من الضرورة.

و بما بيّنّاه ينقدح ضعف القول: بجواز اشتراء العبد و إعتاقه من هذا السهم مع عدم المستحقّ ، و القول بجواز الاشتراء و الإعتاق عمّن وجب عليه كفّارة العتق، و القول بجواز الاشتراء و الإعتاق مطلقا، لدخول الجميع في إطلاق المستثنى منه بعد استثناء العبد المسلم في الضرورة، و قضيّة ذلك إرجاع التأويل في الروايات المستدلّ بها على هذه الأقوال إمّا بحملها على صورة الضرورة و الشدّة، أو صرف إطلاقها إلى سبيل اللّه إن

ص: 473


1- الكافي 2/557:3، تهذيب الأحكام 16/100:4.
2- التوبة: 60.
3- التوبة: 60.

قلنا بعمومه لكلّ قربة.

و حمل قوله عليه السّلام: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» جمعا، كما جزم به صاحب المدارك.(1)

يدفعه أنّه يوجب المجاز في لفظ الظلم بلا قرينة عليه، و مجرّد الجمع لا يصلح قرينة عليه لإمكانه بأحد الحملين المذكورين، بل هو المتعيّن لكون التقييد أو التخصيص أرجح من المجاز على ما حقّق في الاصول.(2)

ص: 474


1- المدارك 217:5.
2- تعليقة على معالم الاصول 205:2-210، تعارض المجاز و التخصيص.

الفهرس

كتاب الزكاة الزكاة لغة و اصطلاحا 4

المقصد الأوّل في زكاة المال أدلّة وجوب الزكاة 7

هل يجب في المال حقّ آخر سوى الزكاة و الخمس ؟ 9

نقل كلام الشيخ في وجوب حقّ الحصاد 10

آيات القرآن و حقّ الحصاد 11

الروايات و حقّ الحصاد 12

دلالة الآيات و الروايات على استحباب حقّ الحصاد 15

المبحث الأوّل في من يجب عليه الزكاة:

المطلب الأوّل في اشتراط وجوب الزكاة بالبلوغ 16

المسألة الاولى: الزكاة في مال الطفل الّذي يكون من قبيل النقدين 20

المسألة الثانية: الزكاة في غلاّت الطفل 24

المسألة الثالثة: الزكاة في مواشي الصبيّ 28

تذنيب: هل الطفل و الصبيّ يعمّ الحمل أم لا؟ 31

الاتّجار بمال الطفل و بيان أقسامها الاولى و الثانية 32.

المسألة الاولى: فيما لو كان المتّجر وليّا و اتّجر للطفل لا لنفسه 33

اجرة عمل المتولّي لمال اليتيم 35

ص: 475

اعتبار اجرة المثل لعمل المتولّي لمال اليتيم و أدلّته 36

هل يعتبر في استحباب الزكاة في مال الطفل حصول الربح أو عدم الخسران ؟ 38

هل يعتبر في جواز اتّجار الوليّ أن يكون مليّا أو لا؟ 39

هل يعتبر في اتّجار الوليّ المصلحة أو يكفي عدم المفسدة ؟ 39

الاستدلال على اعتبار المصلحة بالآية الشريفة وَ لاٰ تَقْرَبُوا 41

أقرب المحتملات في الآية الشريفة 42

بيان القاعدة الكلّيّة المستفادة من الآية الشريفة 43

علاج التعارض في حسنة الكاهلي 44

تصرّف الوليّ في فرض المصلحة واجب أو لا؟ 45

هل يكتفي في تصرّف الوليّ عدم المفسدة أم لا؟ 45

في اقتراض الوليّ مع الملاءة 46

يكفي في جواز تصرّفات الأب و الجدّ مطلقا عدم المفسدة 46

الاستدلال على تعميم ولاية الأب للجدّ 50

الزكاة فيما لو اتّجر الوليّ من أموال المولّى عليه لنفسه 52

اشتراط اقتراض الوليّ بالملاءة 53

هل يعتبر الملاءة في جميع الأولياء؟ 55

تفسير الملاءة و الأقوال فيها 57

أقوال الفقهاء في الاشتراء بعين مال الطفل أو في الذمّة 61

في استحباب الزكاة في مال الطفل ما لم يكن الاتّجار له و المناقشة فيه 63

لو كان المتّجر غير وليّ و لا مأذونا من الوليّ و اتّجر للطفل 64

لو كان المتّجر غير الوليّ و اتّجر لنفسه بعد ضمان المال 69

المطلب الثاني في اشتراط وجوب الزكاة بالعقل 71

الزكاة في أموال المجنون 71

فوائد: الاولى: ظاهر إطلاق الأكثر في المجنون عدم الفرق بين المطبق و ذي الأدوار 74

ص: 476

الثانية: الزكاة في أموال الساهي و النائم و المغفل و المغمى عليه 76

المطلب الثالث في اشتراط وجوب الزكاة بالحرّيّة 77

المطلب الرابع في اشتراط وجوب الزكاة في جميع الأجناس الزكويّة بالملك 109

مسائل:

المسألة الاولى: لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلاّ بعد القبض 111

المسألة الثانية: لو اوصي له بنصاب يعتبر الحول فيه بعد القبول بعد الوفاة 113

المسألة الثالثة: لو اشترى نصابا من الحيوان هل يعتبر الحول من حين العقد أو يعتبر بعد انقضاء مدّة الخيار؟ 114

المسألة الرابعة: هل يعتبر في الغنيمة الحول بعد الحيازة أو بعد القسمة ؟ 116

تذنيب: حكم ما إذا عزل الإمام لبعض المقاتلة قسطا و حال عليه الحول 119

المسألة الخامسة: إذا نذر أن يتصدّق بعين النصاب 120

المطلب الخامس: في اشتراط وجوب الزكاة بالتمكّن من التصرّف في النصاب 125

مسائل: المسألة الاولى: الزكاة في المال المغصوب 130

المسألة الثانية: الزكاة في المال الغائب عن المالك و وكيله 131

المسألة الثالثة: حكم زكاة الرهن 139

المسألة الرابعة: حكم زكاة الوقف 142

المسألة الخامسة: الزكاة في الضالّ و المفقود و المجحود و المسروق و ما سقط في البحر 144

المسألة السادسة: حكم الزكاة في الدين 146

المسألة السابعة: حكم الزكاة في القرض 150

خاتمة: الإسلام ليس شرطا لوجوب الزكاة بل هو شرط لصحّتها 157

المبحث الثاني: ما يجب فيه الزكاة 160

يجب الزكاة في تسعة أشياء 160

ص: 477

ما يستحبّ فيه الزكاة 167

المقام الأوّل: ما يتعلّق بالأنعام الثلاثة 169

شروط وجوب الزكاة:

الأوّل: النصاب 169

المرحلة الاولى: نصاب الإبل 169

امور مهمّة:

أحدها: كيفيّة التقدير بالأربعين و الخميس 175

ثانيها: زيادة واحدة على المائة و العشرين يوجب تغيير الفرض و هل زيادة جزء من البعير توجب التغيير أم لا؟ 177

ثالثها: الواحدة الزائدة على المائة و العشرين هل هو جزء من النصاب 178

رابعها: هل التخيير فيما اجتمع في مال ما يمكن إخراج الفريضين للمالك أو للساعي ؟ 179

خامسها: من فقد ابنة المخاض فيما فريضته هذه و عنده ابن لبون ذكر يجزئه ذلك 181

المرحلة الثانية: نصاب البقر 183

أداء الفريضة في البقر على وجه التخيير أو التعيين ؟ 184

المرحلة الثالثة: نصاب الغنم 187

رسم امور: أحدها: لا يجب الزكاة في ما زاد على النصاب 197

ثانيها: بيان الاصطلاحات في الزائد على النصاب 198

ثالثها: لا يجتمع المتفرّق في الملك 199

رابعها: بيان أسنان الإبل 200

لا يشترط في الحقّة طروقة الفحل 202

الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة السوم 203

أمران: أحدهما: عدم وجوب الزكاة في المعلوفة 204

ثانيها: عدم وجوب الزكاة في أولاد الأنعام 204

ص: 478

الأقوال في وقت اعتبار الحول في أولاد السائمة 204

فصل: يعتبر في المسألة استمرار السوم طول الحول و في جميعه 207

الشرط الثالث من شروط وجوب الزكاة الحول 213

في استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر و عدمه 214

الشرط الرابع: في خصوص الإبل و البقر أن لا تكون عوامل 218

مسائل مهمّة ينبغي التعرّض لها في طيّ مراحل:

المرحلة الاولى: إذا اختلّ بعض الشرائط في أثناء الحول 220

المرحلة الثانية: أحكام السخال المتجدّدة و غيرها ممّا تجدّد ملكه في أثناء

حول الامّهات 225

تذنيب: لو ارتدّ المالك للنصاب 232

المرحلة الثالثة: الإبدال و الفروع المتعلّقة بها 233

التنبيه على امور:

الأمر الأوّل: التفاوت في جميع المراتب أخذا و إعطاء شاتان أو عشرون درهما 238

الأمر الثاني: الانتقال إلى البدل مع الجبر أخذا و إعطاء معلّق على فقد المبدل 239

الأمر الثالث: إجزاء شاة و عشر دراهم في الجبر أخذا و إعطاء 239

الأمر الرابع: إذا تفاوتت الأسنان في العلوّ و الدنوّ بأزيد من درجة واحدة 239

بقي في المقام أمران: أحدهما: يجزئ دفع الأعلى و الأدنى مع الجبر المذكور 245

ثانيهما: الخيار في دفع الأعلى و الأدنى للمالك 246

المرحلة الرابعة: في دفع القيمة عن أعيان الفرائض في الزكاة 247

فروع: الأوّل: دفع القيمة لا أصل و لا بدل 251

الثاني: إخراج العين أفضل في الأنعام 251

الثالث: إخراج المنفعة في الزكاة 253

الرابع: يعتبر في القيمة قيمة وقت الإخراج 254

مسائل مهمّة: الاولى: أقلّ ما يجزئ من الشاة المأخوذة في الزكاة 255

ص: 479

التنبيه على امور: أحدها: لا فرق في تعيّن الجذع و الثني بين شاة زكاة الغنم

و شاة زكاة الإبل 257

ثانيها: الأقوال في تفسير الجذع و الثني 257

ثالثها: تساوي الذكر و الانثى في الإجزاء 259

المسألة الثانية: عدم جواز أخذ المريضة مع وجود الصحيحة 260

المسألة الثالثة: لا تؤخذ الربّى و الأكولة و فحل الضراب في الصدقة 266

التنبيه على امور: أحدها: تفسير الربّى و الأكولة 267

ثانيها: هل يجوز أخذ أحد هذه مع رضى المالك و دفعه بطيب نفسه 268

ثالثها: الاختلاف في عدّ الأكولة و فحل الضراب من النصاب و عدمه 270

المقام الثاني فيما يتعلّق بالذهب و الفضّة 272

شروط وجوب الزكاة في النقدين، الشرط الأوّل: النصاب 272

ينبغي التنبيه على امور: أحدها: نصاب الذهب عند الصدوق و أبيه 278

ثانيها: لو كان الذهب أقلّ من عشرين دينار و أقلّ من أربعة دنانير و لو بيسير

لا يجب فيه الزكاة 278

ثالثها: القدر الواجب إخراجه في النصاب الأوّل نصف دينار 278

رابعها: كلّما زاد أربعة ففيها قيراطان 279

النصاب الأوّل في الفضّة مائتا درهم و نصابها الثاني... 279

ينبغي التنبيه على امور: الأوّل: ما نقص عن المائتين و عن الأربعين بعد المائتين

فلا زكاة فيه 281

الثاني: القدر الواجب في كلّ من النصابين ربع العشر 281

الثالث: تفسير الدرهم 281

الشرط الثاني في وجوب الزكاة في النقدين أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة 283

الشرط الثالث: حول الحول على النصاب 286

مسائل مهمّة

ص: 480

المسألة الاولى: تغيير النصاب في أثناء الحول 288

المسألة الثانية: عدم وجوب الزكاة في الحليّ و السبائك 289

المسألة الثالثة: عدم اعتبار الجودة و الرداءة 294

المسألة الرابعة: الزكاة في الدراهم و الدنانير المغشوشة 295

المقام الثالث في زكاة الغلاّت:

يشترط النصاب في وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع 297

في كميّة الصاع 302

ينبغي التنبيه على امور، الأوّل: تحقيقيّة التقدير 304

الأمر الثاني: يعتبر نصاب الغلاّت بالوزن 305

الأمر الثالث: نصاب الغلاّت الأربع إنّما يعتبر وقت الجفاف 306

مسائل مهمّة: المسألة الاولى: في تعلّق الزكاة بعد بدوّ الصلاح و قبل التسمية 307

المسألة الثانية: وقت إخراج الزكاة في الغلاّت 317

المسألة الثالثة: في إخراج المؤن 319

ينبغي التنبيه على أمرين: أحدهما: هل يعتبر النصاب بعد إخراج المؤن مطلقا أو

قبل إخراجها كذلك...؟ 329

ثانيهما: في بيان ضابط المئونة المعتبر استثناؤها 332

لا تجب الزكاة إلاّ بعد إخراج حصّة السلطان 335

حكم ما يأخذه سلاطين الشيعة على الأراضي من الخراج و المقاسمة 339

فروع: الأوّل: ما يأخذه الجائرون زيادة على الضريبة 340

الثاني: لو ضرب السلطان الجائر على ملك المالك المختصّ به حصّة من حاصله 341

الثالث: أقسام المئونة 341

الرابع: لا يلحق بالمؤن المعتبر استثناؤها ثمن الأرض المبتاعة و مئونة حفر

القناة و حفر... 341

المسألة الرابعة: في القدر المخرج من الزكاة و الضابط فيه 342.

ص: 481

تذنيب: في اجتماع الأمران من السقاية 346

المسألة الخامسة: الملاك في المتفرّقات وحدة المالك 349

المسألة السادسة: عدم كفاية الرطب للزكاة 350

المسألة السابعة: لو مات المالك و عليه دين 351

الخلاف في انتقال الشركة إلى الورّاث مع استيعاب الدين 353

المسألة الثامنة: الزكاة تتعلّق بالعين 365

هاهنا مسائل:

منها: لو تمكّن من إخراج الزكاة و إيصالها إلى المستحقّ أو الإمام أو الساعي

و لم يفعل فقد فرّط 373

منها: تعلّق الزكاة بالصداق 373

منها: تكرّر الأحوال المتعدّدة على النصاب 374

منها: التجانس في الأنعام 377

منها: قبول ادّعاء المالك من دون بيّنة و يمين 378

منها: جواز الخرص 379

في وقت الخرص 381

في عدد الخارصين 382

بيان كيفيّة الخرص 383

ينبوع: القول في مال التجارة ما يستحبّ فيه الزكاة امور: منها: مال التجارة 386

موضوع مال التجارة 386

حكم الزكاة في مال التجارة 393

شروط استحباب الزكاة في مال التجارة امور:

منها: وجود رأس المال طول الحول 397

منها: الحول على معنى مضيّ الحول على مال التجارة 398

ص: 482

لو تبدّلت الأعيان في أثناء الحول سقطت الزكاة 399

منها: بلوغ قيمة مال التجارة بأحد النقدين نصابا 401

زكاة مال التجارة تتعلّق بالقيمة لا بالعين 407

فوائد تعلّق الزكاة بالقيمة 409

مسائل:

المسألة الاولى: التجارة في النصب و اجتماع الزكاتين 410

المسألة الثانية: الزكاة في مال المضاربة و ربحها 413

المنساق من نصوص زكاة التجارة 415

معنى كون الربح وقاية لرأس المال 415

المسألة الثالثة: الدين لا يمنع الزكاة 417

المسألة الرابعة: الزكاة في نماء العقارات و الخيول السائمة 418

المسألة الخامسة: الخيل إذا كانت إناثا سائمة و حال عليها الحول ففي العتاق عن

كلّ فرس ديناران، و في... 420

المبحث الثالث: أصناف المستحقّين للزكاة:

الصنف الأوّل و الثاني: الفقراء و المساكين 421

كلمات الأصحاب في ما يتعلّق به الغنى 424

الغنى في مساق الأخبار 427

مسائل:

الاولى: جواز أخذ الزكاة لمن يقصر عن كفايته 431

الثانية: لو كان له مال معدّ للإنفاق من جنس أحد النقدين أو... 431

الثالثة: شرط حلّية الزكاة للمكتسب 432

الرابعة: إعطاء الزكاة للفقراء و إن كان لهم الدار و الخادم 436

الخامسة: جواز إعطاء الفقير مقدار ما يغنيه 438

السادسة: من ادّعى الفقر طلبا للزكاة 442

ص: 483

مطالبة البيّنة ممّن ادّعى الفقر 444

السابعة: لا يجب إعلام الفقير بأنّ المدفوع إليه من وجه الزكاة 448

الثامنة: لو بان الفقير غنيّا ارتجعت الزكاة 451

مسألتان: إحداها: وجوب ارتجاع الزكاة مع إمكانه 452

اخراهما: عدم لزوم ضمانها على الدافع 454

الصنف الثالث: العاملون على الزكاة 459

الصنف الرابع: المؤلّفة قلوبهم 462

الصنف الخامس: جهة الرقاب 469

ص: 484

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.