أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 10

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1400 ه.ق

الصفحات: 320

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء العاشر

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

الطبعة الأولی

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

1398ه - 1987م

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

والحمد لله على ما وهب ، ما خط قلم وما كتب ، والصلاة على محمد وآله زينة العجم والعرب.

بهذه الحلقة تكون موسوعة ( أدب الطف ) قد اجتازت العاشرة من خطواتها ف- ( تلك عشرة كاملة ).

وكنت أتمنى أن أصل بهذه الموسوعة إلى الاعلام الذين عاصرتهم وعاشرتهم حتى أكتب ما شاهدت منهم لا ما سمعت عنهم ، وقد حقق اللّه أمنيتي وأعطاني رغبتي فله الشكر والفضل ما كر الجديدان انه ولي الاحسان.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

الشيخ جعفر النقدي

المتوفى 1370

قال يندب حجة آل محمد الامام المهدي علیه السلام :

طالت بغيبتك الاعوام والحجج *** فداك نفسي متى يأتي لنا الفرج

ماذا اعتذارك للدين الحنيف اذا *** وافاك يشكو الرزايا وهو منزعج

الدهر جرد فينا من مصائبه *** عضبا غدت فيه منا تسفك المهج

وقام يشمت منا كل ذي حنق *** جمر العداوة في أحشاه معتلج

حتى متى الصبر والدنيا قد امتلأت *** جورا وقد زاد في آفاقها الهرج

نهضا فركن الهدى من بعد رفعته *** قد هدمته رعاع الناس والهمج

هذي امية ظلما دك بينهم *** من طود مجدكم في كربلا ثبج

غداة طبقت الدنيا بمارقة *** في ظلمة الغي بعد الرشد قد ولجوا

وقال في هلال شهر المحرم :

حسدت أمية هاشما بنبيها *** خير البرية سيد الامجاد

ويزيدها قد رام يمحو ذكره *** ويبدل التوحيد بالالحاد

وبنهضة السبط الشهيد وقتله *** قام الهدى واسم النبي الهادي

فعلى جميع بني الهدى أن يلبسوا *** في يوم مصرعه ثياب حداد

ص: 7

الشيخ جعفر ابن الحاج محمد بن عبد اللّه بن محمد تقي بن الحسن بن الحسين بن علي التقي الربعي المعروف بالنقدي عالم خبير متبحر وأديب واسع الاطلاع ومؤلفاته تشهد بذلك لقد طالعت كتابه ( منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان ) بجزئيه فوجدته مشحونا بالادب والعلم وفيه ما لذ وطاب ولو لم يكن له الا هذا المؤلف لكان أقوى شاهد على سعة اطلاعه. ولد في مدينة العمارة - ميسان - ليلة 14 رجب 1303 ه نشأ على أبيه الذي كان من المثرين وذوي اليسار فعني بتربيته واحس منه الرغبة الكاملة بالعلم فبعثه الى النجف الأشرف للتحصيل العلمي فنال الحظوة الكافية ودرس دراسة جدية وحضر في الاصول على الشيخ محمد كاظم الخراساني وفي الفقه على السيد محمد كاظم اليزدي ولمع نجمه واشتهر بين أقرانه فوفد اهالي بلدته يطلبونه للاقامة عندهم وذلك عام وفاة أبيه سنة 1332 وألزمه العلماء بذلك فأجاب طلبهم وسار إلى هناك مرشداً مصلحا وكانت حكومة الاحتلال تكلفه بملاحظة الدعاوى الشرعية التي كانت ترد عليها فكان الواجب يقضي عليه بالنظر فيها وفي خلال ذلك آثار حسنة منها بناء جامع لم يزل يعرف باسمه ورشحته حكومة الاحتلال للقضاء الشرعي فامتنع لكن الزام العلماء ووجهاء البلد اذ قرروا عدم قبول غيره فقبل وذلك سنة 1337.

واستمر في القضاء الى سنة 1343 ه ونقل الى بغداد ثم الى عضوية التمييز الشرعي الجعفري وكان لا يفتر عن الكتابة والتأليف والتوفيق يحالفه بكل ما يكتب فمنها :

1 - مواهب الواهب في ايمان ابي طالب طبع في النجف.

2 - الانوار العلوية والاسرار المرتضوية طبع في النجف.

3 - وسيلة النجاة في شرح الباقيات الصالحات للعمري ، طبع في ميسان.

4 - الحجاب والسفور طبع أكثر من مرة ببغداد.

ص: 8

5 - الاسلام والمرأة طبع مرات ببغداد.

6 - الدروس الاخلاقية طبع ببغداد.

7 - خزائن الدرر شبه الكشكول في ثلاث مجلدات.

8 - ذخائر العقبى.

9 - تاريخ الكاظمين.

10 - اباة الضيم في الاسلام.

11 - الروض النضير في شعراء وعلماء القرن المتأخر والاخير.

12 - ذخائر القيامة في النبوة والامامة.

13 - الحسام المصقول في نصرة ابن عم الرسول.

14 - غرة الغرر في الائمة الاثني عشر.

أما شعره فهو من الطبقة الممتازة وأكثره في مدح أهل البيت علیهم السلام ، وكتب في الصحف كثيرا ونشر في مجلات وجرائد العراق ومصر ولبنان وسوريا ففي مجلة ( العرفان ) والمرشد والهدى والاعتدال والاستقلال والنجف وغيرها. ترجم له الشيخ محمد السماوي في الطليعة فقال : فاضل مشارك في جملة من العلوم واديب حسن المنثور والمنظوم فمن قوله متغرلا :

لحاظك أم سيوف مرهفات *** وقدك في الغلالة أم قناة

أتنكر فتك طرفك بي وهذي *** خدودك من دماي مضرجات

جفونك قد رمت قلبي نبالا *** فيا لله ما فعل الرماة

فديتك هل تصدق لي الاماني *** وان قيل الاماني كاذبات

تسلسل في هواك حديث دمعي *** فاسنده عن البحر الرواة

ص: 9

اشبب في ربي نجد وقصدي *** ربوعك لا الطلول الدارسات

اسكان الحمى رفقا بصب *** تغنت في صبابته الحداة

فلا برق سوى نيران شوقي *** وليس سوى جفوني معصرات

ومن عجب تخاف الاسد بأسي *** وتسفك مهجتي الريم المهاة

وقوله :

أشمس الرصافة لا حجبت *** غيوم الحيا من محياك نورا

مدحت الحجاب الى أن رأت *** خدودك عيني مدحت السفورا

ومن نظمه وعنوانه - الحياة.

واني لاختار الحياة التي بها *** فوائد منها يستفيد بنو جنسي

فان لم تبلغني الحياة ماربي *** تخيرت موتا فيه يسترني رمسي

ولي همة شماء لم ترض منزلا *** لها في العلى الا على هامة الشمس

يقلب بالآمال قلبي وتنثني *** تنافسني في كل مكرمة نفسي

وقال أيضا :

مونسي العلم والكتاب الجليس *** لم يرقني من الانام انيس

يا نفوس الورى دعيني ونفسي *** انما آفة النفوس النفوس

حبذا وحدة بها لي تجلى *** من زماني المعقول والمحسوس

علمتني ان الحياة كتاب *** خطه الكون والليالي دروس

نلت فيها ما لم ينله رئيس *** حل في دسته ولا مرؤوس

* * *

يا رئيسا ذلت لديه نفوس *** رغبة وانحنت اليه رؤوس

كل نفس ما قدستها المزايا *** لم يفدها من غيرها التقديس

يا عقولا بالجهل يعبث فيها *** من بني الدهر سائس ومسوس

فيك قد أشرقت أشعة قدس *** وأضاءت كما تضيء الشموس

ومن عرفانياته قوله وقد نشرتها مجلة الاعتدال النجفية :

ص: 10

يا من سكن القلب وما فيه سواه *** رفقا بمحب بك قد طال عناه

شوقا لمحياك الى البدر صبوت *** وجدا ودجى الليل بذكراك لهوت

في اثر محبيك للقياك عدوت *** في بادية العشق وقد تهت وتاهوا

في مدرسة الحب تلقيت دروسا *** أحييت من الدارس فيهن نفوسا

كم أبصرت العين بدورا وشموسا *** لم تحك محياك ولا لمع سناه

ما أسرف في نعتك من قال وغالى *** بل قصر اذ مثلك قد عز جمالا

من مظهر معناك تصورت خيالا *** فاعتل به القلب وما الطرف رآه

اشتاق الى قربك والقرب منائي *** لا صبر على البعد وقد عز عزائي

ما انظر في الكون أمامي وورائي *** من يعقل الا وأرى أنت مناه

في المسجد والدير وفي البيعة أمسى *** عشاقك يلقون على العالم درسا

من نافذة الكون بهم تهتف همسا *** أوصافك كفوا فلقد جل علاه

ومن نوادره قوله :

شوقي اليك عظيم *** لا شيء أعظم منه

ان كان عندك شك *** فاسأل فؤادك عنه

وقال :

يا منية القلب رفقا *** كفاك هذا التجني

هواك أضرم نارا *** بين الجوانح مني

ان كان عندك شك *** فاسأل فؤادك عني

وقال :

ما بال نشوان بماء الدلال *** الا صبا قلبي اليه ومال

مهفهف القد له وجنة *** تشرق كالبدر بأوج الكمال

ديباجة الحسن لعشاقه *** قد أوضحت عنوان شرح الجمال

نقطة مسك فوق كافورة *** يخالها الجاهل في الخد خال

قد خفقت اقراطه مثلما *** يخفق قلبي ان مشى باختيال

تسبي لحاظ الظبي الحاظه *** وجيده يفضح جيد الغزال

والشعر داج كليالي الجفا *** والوجه زاه كصباح الوصال

ص: 11

عهدي بفيه وهو ياقوتة *** فمن به نظم هذي اللئال

من ذاق من ريقته شهدة *** بشراه قد ذاق الرحيق الزلال

جالت وشاحاه على خصره *** وكلما جالت بها القلب جال

لك العنايا واصفا خصره *** اكفف فقد رمت بلوغ المحال

ومن روائعه في الاخلاق :

اذا رزق الانسان في الجسم صحة *** وكان قنوعا بالذي حل في اليد

وعاشره في بيته من يحبه *** فذاك الغنى لا كنز تبر وعسجد

وله شعر كثير لو جمع لكان ديوانا يجمع القصائد المطولة وبعضها في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والتشوق إلى النجف - موطن دراسته - ومن قوله في الإمام المهدي علیه السلام :

أما وعينيك ان القلب مكمود *** من ساءني رزؤكم ما سرني عيد

ما العيد الا بيوم فيه انت ترى *** تلقى اليك من الدنيا مقاليد

وتملأ الأرض قسطا بعدما ملئت *** جورا وقد حل في أعداك تنكيد

يا صاحب العصران العصر قد نقصت *** أخياره وبن والأشرار قد زيدوا

وصارم الغدر في اعناق شيعتكم *** قد جردته الاعادي وهو مغمود

اللّه أكبر يا ابن العسكري متى *** تبدو فيفرح ايمان وتوحيد

فديت صبرك كم تغضي وأنت ترى *** شمل الزمان به قد حل تبديد

وذي نواظرنا تجري مدامعها *** وملؤهن من الارزاء تسهيد

تاللّه ما انعقدت يوما محافلنا *** الا بها مأتم للسبط معقود

وروى له الشيخ السماوي في ( الطليعة ) قصيدة في الامام الحسين علیه السلام وأولها :

سرى يخبط البيدا بهم ذلك الركب *** وسار من المشتاق في اثرهم قلب

ومنها :

هوى للثرى من سرجه فتزلزلت *** له السبعة الافلاك وارتجت الحجب

ص: 12

قضى نحبه ظامي الحشا بعدما ارتوى *** بفيض دماء القوم صارمه العضب

وما انكشفت من قبله الحرب عن فتى *** بمصرعه منه العدى نابها الرعب

كنت مشغولا بالكتابة عن المترجم له في يوم 17 - 10 - 1977 وهو يوم تعداد العام لسكان العراق فدخل الشاب المحامي محسن الشيخ جواد الشيخ محمد حسن سميسم ليقوم بتسجيل افراد العائلة ولما رأى الترجمة قال : ان المترجم له أرخ ولادتي بقوله :

بشرى الجواد بمولد *** فقدومه بالخير معلن

ولد بتاج العز وال *** علياء توجه المهيمن

آل السميسم داركم *** ارختها ضاءت بمحسن

وفي مخطوطاتي قصيدة من نظم المترجم له يرثي بها السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين علي وشريكة الحسين في النهضة وأولها :

ما جف دمع المستهام المغرم *** بعد الوقوف ضحى بتلك الارسم

وفي أواخرها :

أشقيقة السبطين دونك مدحة *** قس الفصاحة مثلها لم ينظم

تمتاز بالحق الصريح لو أنها *** قيست بشعر البحتري ومسلم

بيمين اخلاصي اليك رفعتها *** ارجو خلاصي من عذاب جهنم

وعليك صلى اللّه ما رفعت له *** أيدي محل بالدعاء ومحرم

وهي 53 بيتا ما زلت احتفظ بها وبخطه والتوقيع : نظم عبد ذوي الولاء جعفر نقدي :

توفي رحمه اللّه فجأة في اليوم التاسع من محرم الحرام 1370ه- في حسينية آل الياسين بالكاظمية في المأتم الحسيني فارتجت الكاظمية لفقده وحمل الى النجف فدفن يوم تاسوعا في الصحن العلوي الشريف ، وكان قد سبقه البحاثة الشيخ محمد السماوي الى دار البقاء بخمسة ايام كما ذكر الشيخ الطهراني في النقباء.

ص: 13

الشيخ حسين شهيب

المتوفى سنة 1370

لقد هاج في قلب الشجي غرام *** لركب بجرعاء الغميم أقاموا

سروا فأذلت الدمع اثر مسيرهم *** دما والحشا منى عراه سقام

وقد قوض الصبر الجميل لبينهم *** وشب عليهم في الفؤاد ضرام

ظللت أنادي في الربوع فلم يجب *** ندائي وأنى للربوع كلام

أأحبابنا هل من سبيل لوصلكم *** فيحيى فؤاد لج فيه هيام

وهل نلتقي بعد الفراق سويعة *** فيطفى من القلب الشجي أوام

فيا سعد دع عنك الصبابة والهوى *** وعرج على من بالطفوف أقاموا

وحي كراما من سلالة هاشم *** نمتها الى المجد الاثيل كرام

بنفسي افدي اسرة هاشمية *** لها قد سما فوق السماك مقام

رأت ان دين اللّه بين أمية *** تلاعب فيه ما تشاء طغام

فقامت لنصر الدين فرسان غالب *** عليها من البأس الشديد وسام

وقد جردت عضبا من الحزم لو رمت *** شماما به لا نهد منه شمام

الى أن ثووا في الترب بين مبضع *** ومنعفر منه تطاير هام

فجاءهم سبط الرسول مناديا *** احباي هبوا فالمنام حرام

رضيتم بأن ابقى وحيدا وانتم *** ضحايا على وجه الصعيد نيام

الى أن قضى حق العلى بمواقف *** بها قام للدين الحنيف دعام

فأردوه بالبيض الصفاح وبالقنا *** ولم يرع فيه للنبي ذمام

فخر على وجه الثرى عن جواده *** وفيه احاطت بالسيوف لئام

فأقبلن ربات الخدور حواسرا *** وليس لها الا العفاف لثام

ص: 14

أحطن به مستصرخات كأنها *** حمام على أوكارهن حيام

واعظمها وجدا عقيلة حيدر *** تنادي أخاها والدموع سجام

علي عزيز أن أراكم على الثرى *** تداس لكم بالصافنات عظام

خطيب توارث الخطابة عن اب عن جد من أسرة عربية تعتز بخدمة المنبر الحسيني فهو الشيخ حسين ابن الشيخ محمد خطيب الحلة الفيحاء ابن الخطيب الشيخ عبد الحسين وكذلك جد والده الشيخ شهيب. ولد في الحلة حوالي سنة 1322 ه ونشأ في كنف والده فكان عونا له في أداء مهمته الخطابية كما مرنه اخوه الدكتور محمد مهدي البصير على تعاطي الادب ونظم الشعر. توفي فجأة بالحلة بالسكتة القلبية وحمل نعشه الى النجف ودفن بها سنة 1370 وجزع ابوه لفقده جزعا شديدا حتى ذهب بصره ، وأقام له الاستاذ السيد علي القزويني المحامي معتمد فرع حزب الاستقلال بالحلة حفلا اربعينيا في مقر فرع الحزب حيث كان من أعضائه وأبنه جماعة من شعراء اللغتين الفصحى والدارجة. ترجم له الشيخ اليعقوبي في البابليات والخاقاني في شعراء الحلة قال وله شعر كثير في السياسة والاجتماع وهو من النوع المقبول.

ص: 15

الشيخ محمد رضا ياسين

المتوفى 1370

قال قدس اللّه نفسه الطاهرة عندما زار مرقد مسلم بن عقيل سلام اللّه عليه :

ان جئت كوفان يوما *** وطفت تلك المغاني

زر مسلم بن عقيل *** وحي مرقد هاني

تفز بما ترتجيه *** من المنى والاماني

اسرة آل ياسين عريقة بالعلم والفضل وتعتبر الاسرة الموجهة للناس الى الخير والكمال وقد توارثت الزعامة الروحية وتولت القيادة الدينية فأحسنت القيادة ، وشيخنا المترجم له كان بركة الارض بتقواه وورعه وقداسة ذاته وطيب أعراقه.

ولد في الكاظمية ضحوة الاربعاء سابع ربيع الاول 1297 ه من ابوين كريمين فكان مثال الوداعة في طفولته واشتغل بالدراسة منذ نعومة اظفاره وتفرست الناس فيه النبوغ والعبقرية وعقدوا عليه الآمال وما كاد يتخطى العقد الثاني حتى شهد له اعلام

ص: 16

عصره بالاجتهاد ، واستوطن النجف عام 1336 ه فكان فيها من شيوخ الفقه وملتقى رجال الفكر وابطال العلم وعرف بتحقيقه وغزارة فقهه ، ما جلست اليه مرة الا وتملكتني الهيبة فقد كان أضوء من المصباح لصباحة وجهه وما أحلى تلك الشيبة البهية يجلله الوقار والعظمة وافضل مميزاته زهده في الدنيا وانصرافه عنها. رجع اليه الناس عن عقيدة صميمة واحبه الخاص والعام وتوافدت عليه وجهاء الاقطار.

وفي كل ذلك يحاول أن يزوي نفسه ويفسح لمن يرغب في الشهرة ومع كل ذلك فقد طبعت رسالته ( بلغة الراغبين في فقه آل ياسين ) مرارا كثيرة ، ولقد دعيت مرة إلى مأتم يختص بالسيد الجليل السيد محمد بن الإمام علي الهادي سلام اللّه عليه وبعد الفراغ من الحديث انشدنا رحمه اللّه من نظمه :

يا أبا جعفر اليك لجأنا *** ولمغناك دون غيرك جئنا

فعسى تنجلي لنا آي قدس *** فنرى بالعيان ما قد سمعنا

وقل ما رأيت مرجعا من المراجع يخلو من ناقم عليه أو ناقد له ولحاشيته ولكن شيخنا المترجم له أكاد ان اقول اجمع الناس على حبه والثقة به.

توفي بالكوفة يوم السبت في الساعة السابعة والنصف عصرا 28 من رجب سنة 1370 وكان يوما مشهودا ونعته الاذاعة وعطلت الاسواق وحمل النعش للنجف بأعلام مجللة بالسواد والاناشيد المحزنة ترددها مختلف الطبقات رحمه اللّه رحمة واسعة وقد اصدر صاحب مجلة البيان النجفية عددا خاصا حافلا بالشعر والنثر.

ص: 17

الشيخ محمد السماوي

المتوفى 1370

من قصيدة طويلة للشيخ محمد السماوي وقد تضمنت الابيات المعروفة لجعفر بن ورقاء (1).

كم دمع عينك يهمع *** أفما تكف الادمع

وتوثب الحقد الحسين *** فسار فيه يجعجع

حتى رماه بكربلا *** حيث الجيوش تجمع

والمشرفية شهر *** والسمهرية شرع

والنبل قد ملأ الفضا *** ء مخطف أو وقع

ص: 18


1- جعفر بن ورقاء الشيباني هو ابو محمد كان فاضلا اديبا مصنفا وكان أمير بني شيبان وتقلد عدة ولايات للمقتدر ، وكان شاعرا جيد البديهة يأخذ القلم ويكتب ما يريد من نثر ونظم كأنما هو محفوظ له ، وله مع سيف الدولة مكاتبات ، ذكره النجاشي والعلامة وغيرهما. ولد بسامراء سن مائتين واثنتين وسبعين وتوفي في رمضان سنة ثلثمائة واثنتين وخمسين كما في فوات الوفيات. انتهى عن الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ السماوي كما نسب له الابيات المشهورة والتي أولها : رأس ابن بنت محمد ووصيه *** للناظرين على قناة يرفع وقد تقدم في الجزء الأول من هذه الموسوعة ان هذه الابيات للشاعر دعبل بن علي الخزاعي كما يقول الحموي في معجم الادباء.

والنقع يدجو والبوا *** رق في دجاه لمع

فثنى على القربوس رجلا *** وانثنى يتطلع

وهداهم وعظا فلم *** يصغوا اليه ولم يعوا

فاستل صارمه فهام *** لا تعد وأذرع

مهما محا جمعا تكتب *** آخر متجمع

ضاق الفضاء وسيفه *** ان ضاق فيهم يوسع

غرثان لا يروى بغير *** دمائهم أو يشبع

صافي الحديدة لا يزال *** فرنده يتشعشع

مما يكونه الاله *** له ومما يصنع

حتى دعاه اللّه واز *** دهى المقام الارفع

فأجاب داعي ربه *** لبيك ها أنا طيع

ورمى الحسام فعاد و *** هو الى المواضي مرتع

صلت عليه المرهفات *** فسجد أو ركع

وتشابكت فيه النبا *** ل فخر وهو مدرع

وتناكصت عنه الحجا *** رة ليس فيه موضع

فاقل رأس بالسنان *** له وديست أضلع

يا للرجال لحادث *** منه الجبال تصدع

( رأس ابن بنت محمد ) *** فوق الاسنة يرفع

( والجسم منه على الثرى ) *** ثاو هناك مبضع

( والمسلمون لهم هنا ) *** لك منظر أو مسمع

( لا منتكر فيهم ولا ) *** منهم له متوجع

( كحلت بمنظرك العيون ) *** عماية لا تقلع

( وأصم رزؤك في البر *** ية ) كل اذن تسمع

( أسهرت اجفانا ) *** وكنت لها كرى يتمتع

( وأنمت أخرى لم تكن ) *** من خوف بأسك تهجع

نم كيفما شاؤا فأنت *** الضيغم المستجمع

يخشى وثوبك في الحيا *** ة وفي الممات ويفزع

ما بقعة الا تمنت *** أنها لك موضع

ص: 19

ولسر علمك مدفن *** ولطيب جسمك مضجع

ءأبا علي لا يزل *** يجري لرزئك مدمع

ويذوب قلب من مصا *** بك ذا وتخفق أضلع

والهفتاه تقطع الا *** حشا وليست تقطع

ما ان يبرد اصبع *** تدمى وسن يقرع

كلا ولا اللبات تلد *** م والجباه تبضع

ان الاسى ذاك الاسى *** معها فماذا نصنع

الشيخ محمد ابن الشيخ طاهر بن حبيب بن الحسين بن محسن الفضلي السماوي كان أبوه عالما فاضلا والمترجم له ولد في السماوة بتاريخ 27 ذي الحجة عام 1292 ه ونشأ بها وبعد عشر سنوات من ولادته توفي ابوه فهاجر الى النجف لطلب العلم فقرأ المبادئ على العلامة الشيخ شكر البغدادي والشيخ عبد اللّه بن معتوق القطيفي ودرس الرياضيات على الشيخ آغا رضا الاصفهاني وأصول الفقه على الشيخ علي ابن الشيخ باقر صاحب الجواهر كما درس على الشيخ آغا رضا الهمداني والسيد محمد الهندي والشيخ حسن المامقاني وشيخ الشريعة وممن زوده باجازة الاجتهاد الحجة السيد حسن الصدر والشيخ علي الشيخ باقر ثم عين قاضيا في المحكمة الشرعية الجعفرية في النجف الاشرف طيلة زمن الاحتلال وعامين من الحكم الوطني ثم نقل الى كربلاء فبقي سنتين ومنها الى بغداد فبقي عشر سنين بين القضاء والتمييز الشرعي وأخيرا طلب نقله الى النجف وبقي يشغل منصب القضاء سنة واحدة ثم استقال على أثر خلاف بينه وبين فخامة السيد محمد الصدر ونظم الخطيب محمد علي اليعقوبي :

قل للسماوي الذي *** فلك القضاء به يدور

الناس تضربها الذيو *** ل وأنت تضربك الصدور

يقول صاحب شعراء الغري : والسماوي مارس الصحافة واشتغل كمحرر في صحيفة ( الزوراء ) الرسمية والتي كانت ببغداد باللغتين : التركية والعربية مدة سنتين وذلك في أواخر العهد التركي

ص: 20

حتى سقوط بغداد ومن النوادر الادبية أنه دخل على مدير المال وعنده كاتب يهودي يرتاح الى كماله وجماله فأنشد الشيخ السماوي مرتجلا - واسم اليهودي ( يعقوب ).

يا آل موسى ان يعقوبكم *** جارت معانيه على العالمين

حكم لحظيه وأردافه *** فأفسدت محكمة المسلمين

مال مدير المال من لحظه *** واتخذ الارداف صندوق أمين

ومن غزله قوله :

أبدلي مم احورار المقل *** أهو من كحل بها أم كحل

بت منها وهي سكرى ثملا *** هل سمعتم ثملا من ثمل

تلفت نفسي أما يرأف بي *** ساحر الاجفان أو يعطف لي

ثغره الاشنب لو عللني *** لشفى لي عللي أو غللي

جائر الاعطاف كم قد هزها *** فأسال النفس فوق الاسل

ترجم له الزركلي في ( الاعلام ) فقال :

الشيخ محمد بن طاهر السماوي بحاثة كبير وأديب لبيب وفقيه بارع شغل منصب القضاء الشرعي ردحا من الزمن ، ولد ونشأ بالسماوة على الفرات شرقي الكوفة ، وهي غير السماوة القديمة ، وتعلم بالنجف ، اكثر في شبابه من نظم الغزل والاخوانيات وانقطع في كهولته الى المدائح النبوية وما يتصل بها من مدح الحسين السبط والائمة الطاهرين وهو عضو من أعضاء المجمع العلمي العراقي ، صنف كتبا منها ( ابصار العين في انصار الحسين ) انتهى ، الكواكب السماوية ، عنوان الشرف في تاريخ النجف وهو أرجوزة في 500 بيتا ، تأريخ الطف أرجوزة في 1250 بيتا ، صدى الفؤاد في تاريخ الكاظم والجواد ارجوزة في 1120 بيتا ، وشائح السراء في تاريخ سامراء ارجوزة في 700 بيتا وهذه الاربعة طبعت في كتاب واحد ، ظرافة الاحلام فيمن نظم شعرا في المنام ، بلوغ الامة في تأريخ النبي والائمة ارجوزة في 120 بيتا ، رياض الازهار فيما نظمه في النبي وآله الاطهار ، الترصيف في التصريف ، مناهج الوصول الى علم الاصول ، فرائد الاسلاك في الافلاك ، الطليعة من شعراء الشيعة وغير هذه كثير

ص: 21

فقد كتب عشرات الكتب وكان شديد الشغف بالاستنساخ والتأليف كنت اسأله واستفيد منه ودخلت عليه مرة فرأيته يكتب تفسير القرآن استنساخا فقال لي اني كتبت وجمعت من الدواوين لشعراء لم يجمع شعرهم مما يربو على الخمسين شاعرا ، أما من التفاسير فهذا التفسير السادس الذي اكتبه بخطي ، واذكر ان التاجر السيد حسن زيني قال لي مرة : يوجد ديوان جدنا السيد محمد زيني في مكتبة الشيخ السماوي ولعلك تستطيع شراءه لي ، ولما أبديت ذلك للشيخ قال لي هاك الديوان فاسرته أولى به ولما سألته عن الثمن ، قال : خذ منه ما تجود به يده ، وكانت مكتبة السماوي مضرب المثل وأمنية هواة الكتب واذكر أنه حاول ان تشترى منه وتوقف وقفا محبسا حتى ولو تنازل عن بعض ثمناها وقال : اتمنى ان تقدر هذه المكتبة وأتبرع بثلث قيمتها اذا حصل من يوقفها وقفا خيريا ، واعتقد انه لو كان يملك القوت لاوقفها هو ولكنه كان مملقا ، وبعد وفاته باعها الورثة وتفرقت في عشرات من المكتبات اخص المخطوطات التي تنيف على الالفي مخطوط ، ومن ذكرياتي انه لما أصدر كتبه الثلاثة ( عنوان الشرف ) ظرافة الاحلام ، الكواكب السماوية قرضتها بقطعة شعرية نشرتها جريدة ( الهاتف ) في سنتها الثامنة عدد 306 ومنها :

الا هكذا فليك المنتجون *** وفي مثل هذا يكون الشغف

وهذا الذي يستحق الثناء *** وعنوانه يستحق الشرف

جدير اذا قيل بحاثة *** له بالكمال الكمال اعترف

له طرف في أحاديثه *** ظرافتها تزدري بالطرف

وان راح يعرب عن نطقه *** ويروي نوادره والنتف

لقلت هو البحر لكنه *** لئاليه فاقت لئالي الصدف

ومقتطفات له كالهلال *** وقل ما الهلال وما المقتطف

يقول الكاتب المعاصر في شعراء الغري : كتب السماوي بخطه أكثر من مأتي كتاب مضافا إلى انه ينتقي الكتب القيمة وطبعاتها القديمة : الصحيحة حتى ارتفعت طبعات بولاق بسبب كثرة طلبه لها وكتب عن مكتبته جرجي زيدان في كتابه ( تاريخ آداب اللغة العربية ) أما مؤخذاتنا عليه رحمه اللّه فقد كان ينتحي القوافي

ص: 22

الصعبة فتعوزه السلاسة كما انه لو اتحفنا بتاريخ النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء نثرا لكان أنفع من نظمه في أرجوزة واليكم قصيدة في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله وقد التزم فيها بالحروف المهملة دون المعجمة.

أهواه سمح الوعود أمرد *** أعطى مرام الورود أم رد

هلال سعد ودعص رمل *** حلاهما عوده المؤود

أطال صدا وحال عهدا *** ومل ودا وواصل العد

سطا وعود الاراك رمح *** عدله والسهام سدد

أما لاهل الهوى محام *** وهل لصرعى الوداد عود

الى أن يقول :

وصائم الوصل لو رآه *** راء لصلى على محمد

الاطهر المرسل الموطى *** طاها عماد العلى الموطد

ملك سما للسماء لما *** أوحى له اللّه عد واصعد

وهي طويلة نكتفي منها بهذا ، وله من قصيدة في الامام الحسين علیه السلام .

كم طلعة لك يلا هلال محرم *** قد غيبت وجه السرور بمأتم

ما انت الا القوس في كبد السما *** ترمي قلوب المسلمين بأسهم

ذكرتهم يوم الطفوف وما نسوا *** لكن تجدد ذكره المتصرم

يوم به زحف الضلال على الهدى *** وبه تميز جاحد من مسلم

بعثت بنو حرب كتائب تقتفي *** بكتائب وعرمرما بعرمرم

ونحت بها عزم ابن حيدر فاستوى *** منها يلف مؤخرا بمقدم

سدت بها صدرالفضا فأزالها *** منه بصاعقة الحسام المخذم

وأعاضت الماء الفرات بوردها *** فأفاضها بندى يديه وبالدم

كم من خميس جال في أوساطه *** فدعاه ملقى لليدين وللفم

قص الجناح له وأنشب قلبه *** بمخالب البازي وظفر الضيغم

تتقصف الاصلاب في يوم الوغى *** ما ان يقول انا الحسين وينتمي

وتهافت الارواح مثل فراشها *** دفعا ببارق سيفه المتضرم

أترى أمية يوم قادت جيشها *** ظنته يعطيها يد المستسلم

هيهات ما أنف الابي بضارع *** للحادثات من الخطوب الهجم

ص: 23

فقضى بحكم حسامه ، أجسادها *** لاوابد ، ونفوسها لجهنم

في فتية يتلونه فكأنه *** من بينهم قمر يحف بأنجم

ويستمر في نظمه الى رثاء الحسين ومصرعه.

وله قصيدة في علي الاكبر شهيد الطف منها :

يا أشبه الناس بنفس المصطفى *** خليقة وخلقا ومنطقا

بمن اذا اشتاقوا النبي أبصروا *** وجها له يجلو سناه الغسقا

لله من ظام ولكن سيفه *** من الدما راو يمج العلقا

يرشف من ثغر أبيه بضعة *** لاتستطيع بالظما أن تنطقا

ثم يعود للقتال جاهدا *** يقط كشحا ويقد مفرقا

يستقبل البيض بوجه ويرى *** ان الفنا خير له من البقا

حتى هوى على الثرى موزعا *** بين المواضي والقنا مفرقا

يستحمل الريح سلاما لاب *** بر فينقض عليه صعقا

يا زهرة الدنيا على الدنيا العفا *** وزهرة الافق وليت أطبقا

ونبعة ريانة من دوحة *** بها النبي والوصي اعتنقا

فمن نحاك بالحسام ضاربا *** جسما تغذى بالتقى وما اتقى

وأي سيف حز منك منحرا *** جرى به دم الهدى مندفقا

وللشيخ السماوي شعر كثير في الامام الحسين يجده المطالع في كتاب ابصار العين وغيره وتحس بلوعته لفاجعة أهل البيت بأبياته التي صدر بها كتابه بقوله :

فاجعة ان أردت اكتبها *** مجملة دكرة لمدكر

جرت دموعي فحال حائلها *** ما بين لحظ الجفون والزبر

وقال قلبي بقيا علي فلا *** واللّه ما قد طبعت من حجر

بكت لها الأرض والسماء وما *** بينهما في مدامع حمر

وقوله مخمسا بيتا واحدا من قصيدة الشيخ كاظم الازري السالفة الذكر :

ص: 24

ان يقتلوك على شاطي الفرات ظما *** فقد تزلزل كرسي السما عظما

وقد بكتك دما حتى العدى ندما *** أي المحاجر لا تبكي عليك دما

أبكيت واللّه حتى محجر الحجر

وله في رثاء الحسين علیه السلام قصيدة ، مطلعها :

أدموع عين أم مخيله *** هطلت على تلك الخميلة (1)

واخرى في أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) أولها :

بكرت تصب اللوم مزنه *** لما رأت قلبي وحزنه

وثالثة في ( عيد الغدير ) أولها :

أضئ يا أيها البرق التماعا *** لعلي ان أرى تلك الرباعا

وقال في رثاء الامام أمير المؤمنين علیه السلام :

تذكر بالرمل جلاسه *** فهاج التذكر وسواسه

وأفرده الوجد حتى انثنى *** يعاقر من حزن كاسه

فصار اذا رمقته العيون *** يطأطئ من ذلة راسه

وليل دجوجي برد الصبا *** تولت همومي الباسه

أقام فخيم في أعيني *** وسد بقلبي أمراسه

تململت فيه أناجي الجوى *** وأدرس يا ربع أدراسه

أيا وحشة ما وعاها امرئ *** وآنس في الدهر ايناسه

تمثل ليلة غال الشقي *** بها علم القسط قسطاسه

وأرصده في ظلام الدجى *** بحيث العدى آمنت باسه

أتاه وقد اشغلته الصلاة *** وأهدأت النفس أنفاسه

على حين قد عرجت روحه *** ولم تودع الجسم حراسه

فلو أنه داس ذاك العرين *** بحيث يرى الليث من داسه

لفر الى الموت من نظرة *** وألقى الحسام وأتراسه

ولكنه جاءه ساجدا *** وقد وهب اللّه احساسه

ص: 25


1- المخيلة جمعها مخائل : السحب المنذرة بالمطر.

فقوى عزيمته واجترى *** فشق بصارمه راسه

وهد من الدين أركانه *** وجذ من العدل أغراسه

وغيض للعلم تياره *** وأطفأ للحق نبراسه

فيا طالب العلم خب فالكتاب *** قد مزق الكفر قرطاسه

ويا وافد العرف عد بالسحاب *** غب وغيب رجاسه

ويا رخم الطير سد فالعقاب *** قد مهد الموت أرماسه

فمن للعلوم يرى فكره *** ومن للحروب يرى باسه

ومن لليتيم ومن للعديم *** يبدل عن ذاوذا ياسه

قضى المرتضى بعدما قد قضى *** ذمام القضا بالذي ساسه

قضى حيدر العلم فالعالمون *** أضاعوا الصواب بمن قاسه

أعني على النوح يا صاحبي *** فقد جاوز الحزن مقياسه

ألسنا فقدنا امام المهدي *** وبدر الفخار ومقياسه

أتبكي الاوزة في وجهه *** واصبر ان فلقوا رأسه

وقال في مدح الحسين الشهيد :

أدهق ساقي الهوى له قدحه *** فشب زند الجوى بما قدحه

بات يجن الهوى ويستره *** لكن صوت البكاء قد فضحه

ترثي له الناس رقة وهم *** لم ينظروا قلبه ولا قرحه

ثل الجوى عزمه بحب رشا *** لو مر عذب الصبابه جرحه

جؤذر رمل ومهر سابقة *** ألا ترى جيده ومتشحه

حاز من الزبرقان لمحته *** وباع من مشتري السما ملحه

خطا قناة وما خطى كبدي *** ومال صفحا سيفا وما صفحه

دعاه قلبي للحزن لازمه *** فلم يزل همه ولا ترحه

ذاك لان الفؤاد هام به *** ولم يطع فيه قول من نصحه

رق لمن لم يرق سواك له *** وارث لمن لا تزال مقترحه

زايلت وصفيك ثم عدت الى *** ( الحسين ) أجلو من وصفه مدحه

سبط النبي الهادي وبهجته *** وثقله الاكبر الذي طرحه

شاد عماد الهدى وأطلعه *** بدرا يوازي بدر السما وضحه

صرف في دين جده فكرا *** له وأوحى الى الهدى لمحه

ص: 26

ضاقت يد المسلمين عن رجل *** يقيم للمسلمين منفسحه

طلاب حق ركاب مخطرة *** حيي وجه بالسيف منه قحه

ظلوا حيارى به فلم يجدوا *** سواه يعطي الاسلام ما اقترحه

عاذ به خائفا فآمنه *** ومستميحا فبثه منحه

غدا يشيد الهدى ويرفع ما *** كان أبوه النبي قد فتحه

فكم دريس أعاد رونقه *** وكم مشوب قد رده صرحه

قاتل عنه بصاحب خذم *** لو صادم الطود حده نفحه

كهم بيض الظبى بموقفه *** الحرج وأنسى عن قوسه قزحه

لما انثنى في الكفاح مبتسما *** كأن في حومة الوغا فرحه

ماز الهدى وانجلت حقائقه *** و عدن سبل الاسلام متضحه

نال المنى في وقوفه ومضى *** لله ذبحا فويح من ذبحه

ورد ضوء الكتاب منتشرا *** يجلو على مسمع الهدى فصحه

هدى به اللّه من أضل هدى *** ومن للإسلام صدره شرحه

يقصر وصفه الطويل ثنا *** فقل بمثن يقيم منسرحه

ص: 27

الشيخ ابراهيم حموزي

المتوفى 1370

رجعي يا بلابل الاغصان *** واستثيري بلابل الاشجان

رددي لي بكل لحن شجي *** واستجيدي مهيج الاحزان

انت مثلي في عالم الشجو الا *** أنني عالم بما قد شجاني

والشجي الجهول فيما شجاه *** كالمعزي وجدا من الثكلان

كم كتمت الهوى لذات صدود *** قد شجاني فراقها وبراني

لي بحبي لها الذ نعيم *** وعذابي بها النعيم الثاني

قدحباني بها الاله ولكن *** قد رماني بهجرها وابتلاني

ذكرتني بهجرها لي هجري *** واجتوائي لمنهج الرضوان

اغفلتني بزهوها وكأني *** ما احتسبت المعاد في حسباني

كنت أصبو الى السعادة لكن *** فرط جهلي على الشقا أغواني

جرأتني على التمرد نفسي *** في هواها وقادني شيطاني

بالرقيبين قد علمت ولكن *** سوء حظي عن الهدى أعماني

لست أدري اذا استطار فؤادي *** يوم بعثي بجسمي العريان

ما اعتذاري لدى الحساب اذا ما *** نشرا ما اقترفت طول زماني

ما اعتذاري وقد جنيت ذنوبا *** أثقلتني وسودت ديواني

ما اعتذاري اذا دعيت وخفت *** حسناتي بكفة الميزان

مااعتذاري اذا سئلت بماذا *** قد تقضى بك الزمان الفاني

ما اعتذاري اذا نشرت وعدت *** ماجنته يداي والرجلان

وأقيمت علي مني شهود *** باجترامي جوارحي ولساني

لهف نفسي اذا أخذت كتابي *** بشمالي وأبت بالخسران

ص: 28

واستتمت علي حجة حق *** عن قضاء المهيمن المنان

من مجيري من العذاب اذا ما *** قيدتني سلاسل الخذلان

من مجيري على الصراتط اذا ما *** أرعشتني عواقب العصيان

عقبات وربما كنت ادري *** ما الاقي بها وما يلقاني

ان عدتني بهاحسان فعال *** وتخوفت ضيعتي وهواني

وأذيق العصاة حر عذاب *** واستحقوا المصير للنيران

فنجاتي بسيدالرسل طه *** وبكائي لسبطه الظمآن

أظمأته عصابة الشرك ظلما *** وسقته الردى يد العدوان

منعوه من الورود لماء *** وبكفيه يلتقي البحران

وأثاروا عليه حربا عوانا *** واستثاروا كوامن الاضغان

فاستدارت عليه سبعون ألفاً *** وتنادت عليه بالخذلان

ألبوها عليه من كل فج *** من شآم تجري الى كوفان

واستخفوا لحربه بثلاث *** بين سهم وصارم وسنان

حر قلبي له وروحي فداه *** من وحيد يجول في الميدان

بفؤاد مؤجج يتلضى *** بين حر الظما وحر الطعان

مستغيثا بجده وأبيه *** مفردا بينهم بلا أعوان

وينادي مذكرا وهو نور اللّه *** أجلى مذكرا في بيان

قائلا فيهم أنا ابن علي *** المرتضى وابن خيرة النسوان

وابن طه محمد خير خلق *** طرا وآية الرحمن

فلماذا دمي يحل ولحمي *** من نبي الهدى نما بلبان

فأتاه من العدى سهم حتف *** ليته شق مهجتي وجناني

وانتحى قلبه فرن صداه *** في حشى الدين صرة الآذان

فهوى للصعيد خير امام *** ساطع النور طيب الاردان

ضارعا للاله فيما ابتلاه *** في سبيل التسليم والاذعان

ونحاه القضا بضربة سيف *** من خولى وطعنة من سنان

ورقى الشمر صدره بحسام *** هد ركن الهدى وصرح الأماني

ومضى يقطع الوريد بعضب *** سله البغي في يدي شيطان

فاكتسى الكون بالظلام حدادا *** لمصاب بكت له الثقلان

ونعاه الوجود والعرش أن قد *** فل عضب الهدى مع الايمان

قتلوه وما رعوا فيه حق *** المصطفى لا ولا علي الشان

تركوه مرملا بدماء *** فوق حر الثرى بلا أكفان

ص: 29

فابك شجوا له بحر فؤاد *** وزفير بأنة الثكلان

واجر حزنا عليه دمعك لكن *** من نجيع بمدمع هتان (1)

* * *

الشيخ ابراهيم ابن العالم الجليل الشيخ عبد الرسول حموزي فقيه فاضل ومن رجال الفضل والكمال لا زلت اتصوره جيدا وأذكر أحاديثه العذبة في ديوان الحاج عباس دوش ، كان بعدما نفرغ من تلاوة قصة الحسين علیه السلام يسترسل فيتحدث عن مواقف الاسلام وبطولات اعلام الاسلام ساعات من الليل والكل يصغي اليه بشوق ولهفة لحسن بيانه وفصاحة لسانه.

ولد في النجف الاشرف سنة 1315 ه ونشأ بها على أبيه الشيخ الوقور فعني بتربيته وكان فطنا ذكيا ثم درس على فريق من الاعلام ونمت ملكاته العلمية والادبية مضافا الى خلقه العالي وتمسكه بآداب الاسلام وكنت أتذكره والابتسامة لا تفارق شفتيه وقد حباه اللّه بوجه مقبول تقرأ عليه اللوذعية والوداعة معا. كانت وفاته فجأة بدون سابق مرض وذلك في الثامن من شهر اللّه المبارك شهر رمضان عام 1370 ه خارج مركز بلد الناصرية - محافظة ذي قار - وكان هناك من أجل التبليغ والارشاد في شهر الصيام. فحمل الى النجف ودفن واقيمت له الفاتحة ثلاث ليالي في اقرب جامع الى داره وهو جامع الشيخ الطريحي رحمه اللّه رحمة واسعة.

ص: 30


1- سوانح الافكار ج 3.

الشيخ عبد اللّه الستري

الشيخ عبد اللّه الستري ترجم له صاحب انوار البدرين فوصفه بالعالم العامل والفقيه الكامل وهو الشيخ عبد اللّه ابن المرحوم الشيخ عباس الستري البحراني كان من بقايا علماء البحرين الاتقياء الورعين الزاهدين كثير النوافل والصيام يشتغل بالتدريس في قريته الخارجية من جزيرة ( ستره ) يحضر عنده جملة من الطلبة والعلماء ، كثير المواظبة على البحث والتصنيف متواضع النفس. حدثني شيخنا الثقة الشيخ احمد ابن الشيخ صالح وكان أبوه من جملة تلامذته ، وهو أيضا ادركه وقرأ عنده - انه كان قبل اشتغاله بالدرس يشتغل هو والحاضرون معه بفتل الحبال وتمييلها لاجل صنعة الفرش المسماة ب ( المداد ) وكانت معايشتهم منها ولاولاده دكاكين لصنعتها بالاجرة.

ودرسه لتلامذته ، شرح اللمعة وشرح الشرائع وتهذيب الاحكام وقطر الندى وألفية ابن الناظم وحتى درس ( الاجرومية ) فلا يأنف من تدريس كبير أو صغير ، وصنف كتاب ( معتمد السائل ) في الفقه وله شرح ( مختصر النافع ) مجلدان وتفسير القرآن وله كتاب ( الخلافيات ) وهو المسائل الخلافية بين الاصحاب في الفقه ، وله ( منية الراغبين ) في الطهارة والصلاة وله رسالة سماها

ص: 31

( الجوهرة العزيزة ) وله شرح على شرح السيوطي للالفية في النحو ، ورسالة في حكم الجهر والاخفات بالتسبيح في الاخيرتين وثالثة المغرب وحكم البسملة.

وله مراثي سيد الشهداء وامام السعداء ابي عبد اللّه الحسين علیه السلام ، توفي وعمره في الثمانين ودفن في جانب مسجده من الجنوب في قرية الخارجية وقد زرت قبره ودفن اولاده بعده معه ، وقرأ عند جماعة منهم الشيخ حسين بن عصفور وبعده على ابنه العالم الشيخ حسن وله الاجازة عنه. وله تلامذة صلحاء منهم العالم الشيخ صالح بن طعان الستري البحراني والد العلامة الارشد الشيخ احمد.

ص: 32

السيد محسن الأمين

المتوفى 1371

هذه كربلا فقف في ثراها *** واخلع النعل عند وادي طواها

فهي وادي القدس التي ودت *** الشهب الدراري بأنها حصباها

حل فيها النور الذي نار موسى *** صاحب الطور من سناه سناها

فاخرت كعبة الحجيج فكانت *** أشرف الكعبتين قدرا وجاها

يا اماما لولاه ما خلق الخلق *** ولا كان أرضها وسماها

هو من أحمد وأحمد منه *** طينة شرفت على ما سواها

خيرها بعد جده وأبيه *** خير من قد داس الحصى ووطاها

قف بها واسكب الدموع دماء *** وابك طول المدى على قتلاها

أي قتلى في اللّه ما من نبي *** أو وصي من قبل الا بكاها

وبكت بالدم السموات والار *** ض وقد قل بالدماء بكاها

أي عين في الناس تبخل بالدم *** -ع وعين النبي باد قذاها

السيد محسن ابن السيد عبد الكريم الحسيني عالم شهير خدم بقلمه فأجاد الخدمة مما أوجب له الشكر من الامة ولد في قرية ( شقرا ) في جنوب لبنان وذلك في حدود 1282 ه ودرس المقدمات في مدارس جبل عامل على المشاهير من فضلائها وبرع بين اقرانه ثم هاجر الى النجف للتحصيل الفقهي وذلك عام 1308 وأكب على التحصيل واستقى من الاعلام : الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني وشيخ الشريعة وقد أجازه معظم هؤلاء ، وهاجر من النجف الى الشام سنة 1319 ه بطلب من أهلها وكانت آثارة الطيبة

ص: 33

وحسناته الخالدة تذكر وتشكر ولم تزل مدرسته المعروفة بالمدرسة المحسنية تشهد له بالفضل مضافا الى منتوجاته الفكرية ومؤلفاته الكثيرة في مختلف العلوم وهذه موسوعة ( أعيان الشيعة ) شاهد صدق على ما نقول ، والجزء الاربعون من هذه الموسوعة يتضمن سيرته وهو بقلمه وأقلام آخرين وفي صدر الكتاب صورته وخطه وأبيات من منظومة في رحلته العراقية الايرانية عام 1352 - 1353 هجري وهي :

حيا الحيا بمحاني الشام أوطانا *** وجاد أربعها سحا وتهتانا

مرابع كن للآرام مرتبعا *** وكان غصن الصبا فيهن ريانا

يا ساكني الهضب من اكناف عاملة *** والنازلين على ارجاء لبنانا

حيث النسيم سرى غضا يموج به *** قطر الندا ويهز الرند والبانا

لم تنظر العين مذ فارقت أرضكم *** في طيبها كبلاد الشام بلدانا

والكتاب يزيد على الثلثمائة صفحة يتدرج مراحل حياته رحمه اللّه ومشاهداته للحوادث التي رافقها طيلة هذا العمر المحفوف بالبركات واليكم تعداد مؤلفاته :

1 - الدر الثمين في اهم ما يجب معرفته على المسلمين.

2 - ارشاد الجهال الى مسائل الحرام والحلال.

3 - أساس الشريعة في الفقه.

4 - الدر المنظم في حكم تقليد الاعلم.

5 - البرهان على وجود صاحب الزمان.

6 - حق اليقين في التأليف بين المسلمين.

7 - لواعج الاشجان.

8 - اصدق الاخبار في قصة الاخذ بالثأر.

9 - الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد ويتضمن الكثير من شعره في اهل البيت.

ص: 34

10 - المجالس السنية في خمسة أجزاء.

11 - السحر الحلال في المناظرة بين العلم والمال.

12 - الرحيق المختوم في المنثور والمنظوم - ديوان شعره.

13 - معادن الجواهر في أخبار الأوائل والاواخر ، ثلاثة اجزاء.

14 - مفتاح الجنات في الادعية ، ثلاثة أجزاء.

15 - نقض الوشيعة.

16 - ابو فراس الحمداني.

17 - ابو تمام الطائي.

18 - دعبل الخزاعي.

19 - المسائل الدمشقية في الفروع الفقهية.

20 - منظومة في الرضاع وأخرى في المواريث الى غير ذلك.

توفي ببيروت وشيع تشييعا فخما مشى فيه رجال السلك الدبلوماسي من الجمهوريتين اللبنانية والسورية وذلك يوم الرابع من شهر رجب 1371 ه. ونعته دور الاذاعات الاسلامية والعربية.

ص: 35

الشيخ محمد حسين المظفر

المتوفى 1371

أنجد حادي العيس أم أتهما *** أم أمّ نجد الغور ام يمما

سار وأبقاني أسير الضنى *** مرتهنا ارعى نجوم السما

لم يبق لي الف ولا مألف *** الاحمامات به حوما

قد شفها وجدي فناحت لما *** قاسيته من ألم ألما

وأشعث ثاو به لا يرى *** الا الاثافي حوله جثما

حتى اذا ما الركب زمت به *** كوم ترامت بالفلا أسهما

من نار احشائي جرت أدمعي *** فاجتمع الضدان نار وما

لا النار تطفيها دموعي ولا *** دمعي بنيران الحشى أضرما

من ناشد لي يوم ترحالهم *** قلبا بنيران الاسى مضرما

أودى به فرط الجوى فاغتدى *** في كل لحن يندب الارسما

أخنى عليها الدهر من بعدما *** كانت لمن وافى حماها حمى

لما انجلى عنها حسين وبالطف *** على رغم العدى خيما

حفته من فتيانه عصبة *** كل له الموت الزؤام انتمى

تخاله بدر على طالعه *** في أفق المجد وهم أنجما

ما بين عباس اذا قطبت *** رعبا مصاليت الوغى بسما

والقاسم القاسم حق العلى *** بالسيف لما بالمعالي سما

وذا هلال طالعا في سما *** الهيجاء ان بدر السما أظلما

حتى يقول فيها :

ص: 36

يا راكبا يطوي أديم الفلا *** في جسرة للسير لن تسأما

شملالة حرف أمون اذا *** مرت تخال الريح قد نسما

عرج على مثوى الامام الذي *** في سيفه ركن الهدى قوما

والثم ثرى اعتابه قائلا *** قم ياحمى اللاجي وحامي الحمى

هذي بنو حرب الى حربكم *** قادت جموعا جمعت من عمى

ثارت لاخذ الثأر لما رأت *** من يوم بدر يومها مظلما

ظنت أبي الضيم مذ أحدقت *** فيه جنود الشرك مستسلما

ضاقت عليها الارض في رحبها *** لما رأته مشهرا معلما

ان كر فر الجيش من بأسه *** كالحمر لما أبصرت ضيغما

لم يبق في الكوفة بيت ولا *** في غيرها الا ترى مأتما

ما هز في يوم الوغى رمحه *** الا لارماح العدى حطما

أو سل فيه سيفه لا ترى *** سيفا لهم الا وقد كهما

اما ومشحوذ الغرار الذي *** في حده حتف العدى ترجما

لولا القضا ما كان ريحانة *** المختار يوم الطف يقضي ظمى

وآله الغر وأصحابه الامجاد *** صرعى حوله جثما

وحائرات لم تجد ملجأ *** تأوي اليه بعد فقد الحمى

ترى خباها أحرقته العدى *** وثقلها صار لهم مغنما

الشيخ محمد حسين ابن الشيخ يونس ابن الشيخ أحمد ولد في قرية الشرش - قرية تابعة لقضاء الغورنة تبعد عنها ما يقرب من 3 كيلومترات ، وكان ميلاده سنة 1293 ه. نشأ ذواقة للعلم والأدب واخذ عن أبيه مقدمات العلوم وهاجر إلى النجف فدرس الفقه وحضر درس الملا كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي والشيخ ملا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه ولما أتم دروسه رجع الى القورنة فكان فيها امام المحراب والخطيب المصقع والمدرس الخبير وأخذ يغذي الناس سيما المتفين حوله مباديء العلوم من نحو وصرف وأدب وفقه حتى نشأ جملة من المهذبين وهواة الكمال وكانت رسائله ترد النجف وفيها القطعة الشعرية والمقالة الادبية والتأريخ المعجب وقد امتاز بنظم التاريخ للحوادث التي يعاصرها ومنها تاريخه العشري يوم تأسست جمعية منتدى النشر بالنجف ومن نوادره قوله في قاض للمحكمة الشرعية السنية اسمه علي جاء الى قضاء القورنة ، قال يؤرخ عام تعيينه فيها.

ص: 37

قل للذي رام القضا *** من آخر وأول

من حنفي وشافعي *** ومالكي وحنبلي

كفوا فقد تواترت *** اخبار خير مرسل

بالصدق تنبي ارخوا *** يا قوم اقضاكم علي

وأهدى له كتاب الكامل للمبرد فأخذ يقرأ فيه ورأى أنه عند ذكر النبي صلی اللّه علیه و آله يصلي عليه الصلاة المبتورة ، يذكره ولم يذكر آله فقال :

ان كتابا لم يكن يبتدى *** فيه بذكر الآل بعد النبي

ولم يكن يختم في ذكرهم *** فليس ب ( الكامل ) في مذهبي

ومن شعره في أهل البيت سلام اللّه عليهم قوله :

آل النبي فما للناس شأوهم *** ولا يضاههيم بالفضل كل نبي

وله في الامام الحسين عدة قصائد عامرة منها قوله في مطلع القصيدة

أماط الدجى عن صبح طلعته الغرا *** فنادى منادي الحي حي على المسرى

نووا ظعنا والقلب بين رحالهم *** يناديهم مهلا قفا نبك من ذكرى

والقصيدة ذكرها المعاصر الخاقاني في شعراء الغري.

وكان جميل الشكل حسن الهندام لطيف البزة سريع الجواب حاضر النكتة توفي في قضاء القورنة في شهر صفر سنة 1371 ونقل جثمانه الى النجف الاشرف. وله آثار علمية منها كتاب في الفقه ، وآخر في فاطمة الزهراء وديوان شعر وقام بمقامه ولده فضيلة الشيخ يونس بعدما درس في النجف ونضجت مواهبه.

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فذكر له جملة من المراسلات الأدبية والنتف الشعرية.

قال : ومن شعره قوله يؤرخ عام ذهابه لحج بيت اللّه الحرام عام 1337 ه.

ص: 38

تسير بنا السلامة حيث سرنا *** وأمن اللّه ممدود الرواق

فطورا في بواخر سابحات *** وطورا فوق اكوار النياق

وجاوزنا تخب بنا المطايا *** لطيبة باشتياق واحتراق

فزرنا المصطفى وبنيه حتى *** سقينا الارض بالدمع المراق

وأقبلنا جميعا في سرور *** نسير من الحجاز الى العراق

رجعنا بالمسرة قم فأرخ *** لقد ذهب العنا والاجر باق

وارخ وفاة سيدة من الفضليات من آل القزويني وذلك عام 1336.

يا ابن الاطائب لا تكن جزعا *** لكريمة بضريحها استترت

البنت ان ماتت جرى مثلا *** تاريخها هي عورة سترت

ولا يفوتنا ان نذكر أنه ابتلي في أواخر ايامه بمرض أقعده خمسة عشر عاما حتى وافاه الاجل. ترجم له الشيخ الطهراني في نقباء البشر وقال : رأيت له كتاب ( حلية المرتلين ) في التجويد ورسالة ( التجويد ) للسيد محمد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة فرغ من كتابتهما عام 1310 ومن حسن خطه في التأريخ يظهر أنه يومئذ من أبناء العشرين تقريبا.

ص: 39

الشيخ مهدي اليعقوبي

المتوفى 1372 ه

عج والتثم حرما ملا *** ئكة السماء تطيل لثمه

وزر الامام ابن الامام *** أخا الامام أبا الائمة

واشمم شذا الارج الذي *** كان النبي يطيل شمه

خير البرية بالطفوف *** عدت عليه شر أمه

أبكى أباه وجده *** وأخاه والزهراء أمه

نور برغم الشرك يأ *** بى اللّه الا أن يتمه

الشيخ مهدي اليعقوبي خطيب أديب وواعظ متعظ ، عذب الكلام حلو العبارة لطيف الانسجام جمعتني معه بلدة الرميثة بمناسبة محرم الحرام فكنت أخطب شرقي البلد وهو يخطب في الجانب الغربي فكنت استعذب اقواله وأراه ورعا متثبتا حسن الاداء تنم على خطابته روح الاخلاص وبوادر الايمان. كتب عنه أخوه الشيخ محمد علي في البابليات ، فقال : ولد بالنجف الاشرف سنة 1302 ونشأ على المحافل بحكم مهنة والده وتدرج على الخطابة فكان لم يبارح أباه في حضر ولا سفر ، وقلما يخطب ولم يذكر

ص: 40

خطبة من خطب الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب فقد كان ، كما يقول اخوه يحفظ ثلاثة ارباع نهج البلاغة.

لقد رأيت في مخطوطات الشيخ اليعقوبي جملة من مؤلفات المترجم له وكلها بخطه ومنها مجاميع خطية تجمع المختار من الشعر في رثاء الامام الحسين علیه السلام ومنها المجموع ( الرائق ). ما كنت أشاهده في محافل النجف الا نادرا وفي الصحن العلوي أحيانا منزويا ولا زلت اذكر مواقفه الخطابية ومجالسه المنبرية ووعظه الديني وقد أنشد ولده يعقوب بين يديه في مأتم الحسين تخميسا لابيه وهو قوله مخمسا ابيات السيد جعفر الحلي.

لست أنسى عقائل الطهر طه *** قد دهاها من العدى ما دهاها

مذ جفاها ملاذها وحماها *** سلبتها أيدي الجفاة حلاها

فخلا معصم وعطل جيد

هتفت والدموع تنهل شجوا *** وغدت تستجير لم تلف مأوى

وبها العيس تقطع البيد عدوا *** ووراها كم غرد الركب حدوا

للثرى فوك أيها الغريد

سيروهن حاسرات بوادي *** هاملات الدموع شبه الغوادي

هذه تشتكي وتلك تنادي *** عجبا لم تلن قلوب الاعادي

لحنين يلين منه الحديد

وله من قصيدة في الامام موسى الكاظم سابع الائمة من أهل البيت صلوات اللّه عليهم.

تنام عيون بني نثلة

وهاشم قرت على وترها (1)

ص: 41


1- نثيلة بنت كليب بن خباب ام العباس بن عبد المطلب كانت أمة لفاطمة بنت عمرو المخزومية أم عبد اللّه ابي النبي « ص » وام ابي طالب والزبير أولاد عبد المطلب ويقول ابو فراس في ميميته : ولا لجدكم معشار جدهم *** ولا نثيلتكم من أمهم امم

الى م على الضيم تغضي الجفون *** وقد حكم العبد في حرها

تناست ببغداد ماذا جنت *** على عزها وذرى فخرها

فقد غادرته رهين السجون *** ودست له السم من غدرها

أباب الحوائج للقاصدين *** ومن كفه الغيث في وفرها

أذلت فجيعتك المسلمين *** وأذكت حشا الدين في حجرها

اتقضي ببغداد رهن القيود *** ونعشك يرمى على جسرها

وله من قصيدة في رثاء والده الخطيب الشهير الشيخ يعقوب.

ما ان ذكرتك ساعة الا جرى *** بمذاب قلبي مدمع هتان

بالامس كنت لكل ناد زينة *** واليوم فيك ثرى القبور يزان

من بالندي اليه بعدك تشخص *** الابصار او تصغي له الآذان

أسفا على الاعواد بعدك اصبحت *** ينزو فلان فوقها وفلان

قد كنت أفصح من تسنمها فمن *** قس بن ساعدة ومن سحبان (1)

ولكم نصرت بني النبي بمقول *** ما البيض أمضى منه والخرصان

بفرائد لك كالخرائد غردت *** فيها الحداة وغنت الركبان

ما شيعوا للقبر نعشك وحده *** بل شيع المعروف والعرفان

كلا ولا دفنوك وحدك انما *** دفن التقى والفضل والايمان

ان اوحشت منك الديار فقد زهت *** بك في جوار بني النبي جنان

ص: 42


1- قس بن ساعدة الايادي احد حكماء العرب في الجاهلية ، واول من قال في كلامه ( أما بعد ) عاش حتى أدرك زمن النبي « ص » ورآه في سوق عكاظ وسئل عنه فقال : يحشر امة وحده. وسحبان وائل خطيب يضرب به المثل ، يقال : أخطب من سحبان ، اشتهر في الجاهلية وعاش زمنا في الاسلام ، كان اذا خطب لا يعيد كلمة ولا يتوقف ولا يقعد حتى يفرغ ، اقام في دمشق ايام معاوية ومات سنة 54 ه.

أدوار مرقص

المتوفى 1372 ه 1952 م

ركب الحسين الى الفخار الخالد *** بيض الصفاح فكان اكرم رائد

حشد الطغاة عليه كل قواهم *** وحموا عليه ورد ماء بارد

وتخيلوه يستجيب اليهم *** اما احس من الظما بالرافد

تأبى البطولة أن يذل لبغيهم *** من لم يكن لسوى الاله بساجد

أيهابهم سبط النبي وعنده *** جيش من الايمان ليس بنافد

حسب الفتى من قوة ايمانه *** ولكربلاء عليه أصدق شاهد

ولان قضى بين الاسنة ظاميا *** فلسوف يلقى اللّه أكرم وافد

ولسوف يسقيه النبي محمد *** كأسا تفيض من المعين البارد

قدم الزمان وذكره متجدد *** في كل قلب بالفضيلة حاشد

وخلود كل فضيلة بخلود من *** لولاه لم يكن الزمان بخالد

ايه دم الشهداء سل متدفقا *** واسق القلوب ببارق وبراعد

ان القلوب الممحلات اذا ارتوت *** منه زهت بمكارم ومحامد

يا غرة الشهداء من عليائها *** لوحي عليهم كالضياء العاقد

موسومة بدم الشهادة فهي لا *** تنفك تدمي مثل زند الفاصد

كيما يسيروا في الحياة بنهجه *** لا يخضعون لغاصب ومعاند

أديب سوري ، كاتب ، شاعر ، ناثر اجاد الكتابة والبحث والفوص في فقه اللغة وادبياتها ، وهو صحافي منشئ نشيط ،

ص: 43

حرر في كثير من كبريات الجرائد والمجلات في سوريا ومصر ولبنان وراسلها ، كما انه انشأ بعضها في بلدته. وهو محاضر لبق كثيرا ما دعي للتحاضر في النوادي والجمعيات العلمية والادبية ، وخطيب عرف بقدرته على الخطابة والتصرف بفنون الكلام.

ولعل ميزته البارزة هي ما له من أثر وجهد عظيمين في حقل التربية والتعليم فهو يعد بحق من كبار المعلمين الذين افنوا ريق العمر في تهذيب الناشئة وتنشئتها على العلم والاخلاق. اشتهر بمقدرته اللغوية وغوصه على شوارد اللغة واوابدها كما جهد نفسه في تيسير الاخذ بأسبابها ، وذلك بما وضع من كتب ومؤلفات مسبطة مخدومة.

وهو من كبار النقلة والمترجمين في النصف الاول من القرن العشرين. عرب أكثر ما عربه عن الفرنسية وادبياتها. وهو مترجم دقيق ، حذق اصول التعريب وعمل على التعريف بها بضبط قواعدها وتحديد شروطه ومقتضياته. كان عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق.

ولد في اللاذقية وفيها تلقى علومه الاولية وأتمها. قضى سحابة عمره المديد الى سنة 1940 تاريخ احالته على المعاش. معلما تارة في مصر وطورا في بلدته او مدرسة كفتين بالقرب من طرابلس.

خص قسما كبيرا من وقته في تحبير المقالات ومراسلة المجلات وتدبيج الابحاث التاريخية والادبية واللغوية. حرر وهو في مصر وراسل بعد عودته منها كثيراً من جرائد الوادي. الاهرام. المقطم. الجوائب المصرية. البصير. المؤيد. اللواء. المقتطف. المنار. الضياء. الرابطة العربية كذلك كتب كثيرا من جرائد ومجلات سوريا ولبنان : البيرق. البشير. المشرق. مجلة المجمع العلمي. الاماني. وله في هذه وتلك من البحوث والمقالات. ما يجعل منه بحق من كبار كتاب المقالة الصحفية البارزين في العصر الحديث.

ص: 44

مؤلفاته :

1 - الادب العربي في ما له وما عليه.

2 - ديوان ادوار مرقص.

3 - ذخيرة المتأدب.

4 - فن التعريب عن اللغة الفرنساوية.

5 - في سبيل العربية.

6 - كفيل الاملاء.

7 - كفيل البيان والشعر.

8 - كفيل العروض والقافية.

9 - نحن ولغتنا في هذا العصر.

وله كتب مترجمة كثيرة.

عن كتاب ( مصادر الدراسة الادبية )

تأليف يوسف اسعد داغر

الجزء 2 ص 699 - 702

ص: 45

الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء

المتوفى 1373 ه

خذوا الماء من عيني والنار من قلبي *** ولا تحملوا للبرق منا ولا السحب

ولا تحسبوا نيران وجدي تنطفي *** بطوفان ذاك المدمع السافح الغرب

ولا أن ذاك السيل يبرد غلتي *** فكم مدمع صب لذي غلة صب

ولا أن ذاك الوجد مني صبابة *** لغانية عفراء أو شادن ترب

نفى عن فؤادي كل لهو وباطل *** لواعج قد جرعنني غصص الكرب

ابيت لها أطوي الضلوع على جوى *** كأني على حجر الغضا واضع جنبي

رزاياكم يا آل بيت محمد *** أغص لذكراهن بالمنهل العذب

عمى لعيون لا تفيض دموعها *** عليكم وقد فاضت دماكم على الترب

وتعسا لقلب لا يمزقه الاسى *** لحرب به قد مزقتكم بنو حرب

فواحرتا قلبي وتلكم حشاشتي *** تطير شظاياها بواحرتا قلبي

أأنسى وهل ينسى رزاياكم التي *** ألبت على دين الهداية ذولب

أأنساكم هوى القلوب على ظمى *** تذادون ذود الخمس عن سايغ الشرب

أأنسى بأطراف الرماح رؤوسكم *** تطلع كالاقمار في الانجم الشهب

أأنسى طراد الخيل فوق جسومكم و *** ما وطأت من موضع الطعن والضرب

أأنسى دماء قد سفكن وادمعا *** سكبن واحرارا هتكن من الحجب

أأنسى بيوتا قد نهبن ونسوة *** سلبن وأكبادا اذبن من الرعب

أأنسى اقتحام الظالمين بيوتكم *** تروع آل اللّه بالضرب والنهب

ص: 46

أأنسى اضطرام النار فيها وما بها *** سوى صبية فرت مذعرة السرب

أأنسى لكم في عرصة الطف موقفاً *** على الهضب كنتم فيه أرسى من الهضب

تشاطرتم فيه رجالا ونسوة *** - على قلة الانصار - فادحة الخطب

فأنتم به للقتل والنبل والقنا *** ونسوتكم للاسر والسبي والسلب

اذا أوجبت أحشاءها وطأة العدى *** علا ندبها لكن على غوثها الندب

وان نازعتها الحلي فالسوط كم له *** على عضديها من سوار ومن قلب

وان جذبت عنها البراقع جددت *** براقع تعلوهن حمرا من الضرب

وان سلبت منها المقانع قنعت *** اذا بثت الشكوى عن السلب بالسب

وثاكلة جنت فما العيس في الفلا *** وناحت فما الورقاء في الغصن الرطب

تروي الثرى بالدمع والقلب ناره *** تشب وقد يخطي الحيا موضع الجدب

تثير على وجه الثرى من حماتها *** ليوث وغى لكن موسدة الترب

نيام على الاحقاف لكن بلا كرى *** ونشوانة الاعطاف لكن بلا شرب

فكم غرة فوق الرماح وحرة *** لآل رسول اللّه سيقت على النجب

وكم من يتيم موثق ليتيمة *** ومسبية في الحبل شدت الى مسبي

بني الحسب الوضاح والنسب الذي *** تعالى فأضحى قاب قوسين للرب

اذا عدت الانساب للفخر أو غدت *** تطاول بالانساب سيارة الشهب

فما نسبي الا انتسابي اليكم *** وما حسبي الا بأنكم حسبي

الشيخ محمد الحسين ابن شيخ العراقين البحاثة الشيخ علي ابن الحجة الشيخ محمد رضا ابن المصلح بين الدولتين الشيخ موسى ابن شيخ الطائفة الشيخ الاكبر جعفر ابن العلامة الشيخ خضر بن يحيى بن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي.

من كبار رجالات الاسلام ومن أشهر مشاهير علماء الشيعة ومن الشخصيات العالمية التي دوت في الخافقين.

ص: 47

ولد في النجف الاشرف 1294 في بيئة طافحة بالعلم والعلماء ولم يتجاوز العقد الاول من عمره المبارك حتى كرع من العلوم وانغمس بالدراسات الاسلامية بعد العلوم العربية وأتم دراسة الفقه والاصول وهو بعد شاب ولازم حلقات دروس الاعلام كالملا كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي والشيخ اغا رضا الهمداني حتى عد من المبرزين وشهد له الجميع بالتفوق وتلمذ في الفلسفة والكلام على الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي والشيخ أحمد الشيرازي والشيخ علي محمد النجف ابادي وغيرهم من أساطين الحكمة والفلسفة ، وشرع بالتأليف والتدريس فكانت حوزة محاضراته لا تقل عن مائة عالم من خيرة المحصلين وكتب ( شرح العروة الوثقى ) كما ألف ( الدين والاسلام او الدعوة الاسلامية ) الذي طبع ببغداد ولماهاجمته وداهمته سلطة الاتراك بأمر الوالي ناظم باشا وبايعاز المفتي الشيخ سعيد الزهاوي فصمم على طبعه خارج العراق فسافر الى الحج وكتب في سفرته رحلة ممتعة اسماها ( نزهة السمر ونهزة السفر ) وبعد عودته من الحج عرج على لبنان فطبع الكتابين بمطبعة العرفان - صيدا ، واتصل بكبار العلماء وقادة الفكر كما جرت له مناظرات مع فيلسوف الفريكة امين الريحاني وتم طبع ( المراجعات الريحانية ) كما نشرت له الصحف والمجلات من المناظرات مع الاب انستاس الكرملي وجرجي زيدان وما دار بينه وبين علماء الازهر الشيء الكثير ، وفي الحرب العالمية الاولى والحركة الوطنية سنة 1332 كان في طليعة المجاهدين بالسيف والقلم ، ولم يزل اسمه يلمع وشهرته تتسع في الاوساط حتى اصبح المفزع للامة في كل مهمة ، وطالبه الناس عامة وخصوصا مقلدوه بنشر رسالته العملية فنشر ( وجيزة الاحكام ) باللغتين العربية والفارسية ، و ( السؤال والجواب ) و ( التبصرة ) و ( حاشية العروة الوثقى ) الى غير ذلك. يتحلى بهمة عالية فقد قام بكثير من المهام والاسفار التي احجم الكل عن القيام بها وما ذاك الا لاعتماده على اللّه واعتداده بنفسه ، ولما انعقد المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف في شهر رجب سنة 1350 ه والمصادف كانون الاول سنة 1931 م دعي من قبل لجنة المؤتمر عدة مرات فأجاب وسافر الى القدس وهناك ما روته الصحف وكتبت عنه الكتب من نصر واقبال في خطبه التاريخية واذعان المسلمين عامة لآرائه وافكاره بكلمته حول كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

ص: 48

وبعد الفراغ من خطبته الارتجالية التي دامت ساعتين أو أكثر تقدم للصلاة فائتم به في الصلاة أكثر من عشرين الفا بينهم اعضاء المؤتمر وهم مائة وخمسون عضوا من أعيان العالم الاسلامي.

زار ايران سنة 1352 ه فمكث نحو ثمانية اشهر متجولا في مدنها داعيا الى التمسك بالمبادئ الاسلامية والأخلاق المحمدية ، فكان أين ما حل التفت حوله القلوب ولخطبه النارية في المدن الاسلامية حرارة يحسها السامعون فقد خطب باللغة الفارسية في همدان وطهران وخراسان وشيراز وكرمانشاه والمحمرة وعبادان واجتمع يومذاك بملك ايران رضا شاه بهلوي وعاد من طريق البصرة فكانت له مواقف خطابية في البصرة والناصرية والحلة ما تحدثك عنه كراسة ( الخطب الاربع ) وفي سنة 1371 ه 1952 م دعي لحضور المؤتمر الاسلامي في كراجي فاحتفلت به الباكستان واذاعت دار الاذاعة خطبته الاصلاحية وعند عودته استقبلته النجف على اختلاف طبقاتها على بعد 30 كيلومترا وكنت في جملة المستقبلين فحييته في منتصف طريق - كربلاء - النجف بقصيدة وذلك يوم 22 جمادى الثانية 1371 ه وكان في مقدم الرتل للسيارات المستقبلة متصرف كربلاء والمفتش في وزارة الداخلية العراقية امين خالص فانشدت :

كذا يلمع القمر النير *** كذا ينهض المصلح الاكبر

كذا ترتقي عاليات النفوس *** وهام الاثير لها منبر

كذا يعذب العمر في مثل ذا *** والا فما قدر من عمروا

كذا يشمخ العلم فوق السهى *** فما عرش كسرى وماقيصر

أشيخ الشريعة بل رمزها *** ومفخرها عشت يا مفخر

أقدس شخصك اذ أنه *** مثال الكمال متى يذكر

اذا ما انتسبت الى جعفر *** فحسبك منتسبا جعفر

لئن حسبتك الورى واحدا *** ( ففيك انطوى العالم الاكبر )

نهضت فبوركت من ناهض *** فما وثبة الليث اذ يزأر

وابلغت في النصح في مجمع *** تردد تاريخه الاعصر

تحدث ابا الصالحات التي *** تعالت سناء فلا تستر

تحدث الينا فكل الحواس *** شعور وأكبادنا حضر

أتينا لنصدر عن مورد *** ومنك حلى الورد والمصدر

تلقتك تفرش أكبادها *** وخفت للقياك تستبشر

ابا الشرع هذي يد برة *** يوافيك فيها الفتى شبر

ص: 49

اذا جمع الناس نيروزهم (1) *** فنيروزنا وجهك الانور

فطرت ولكن بآمالنا *** ورحت بارواحنا تعبر

قال رحمه اللّه في مقدمة كتابه ( الدين والاسلام ) : ليس الشرف الا أن يكدح الانسان في معركة الحياة حتى يكتسب امتلاك مال أو ملكة كمال اياما كان ، علما او صناعة ، خطابة او شجاعة او غير ذلك من ماديات الشرف وطلايعه ثم يخدم المرء بمساعيه تلك ومكتسباته امته وملته خدمة تعود بالهناء والراحة عليهم ، أو دفع شيء من الشرور عنهم. الشرف حفظ الاستقلال وتنشيط الافكار وتنمية غرس المعارف ، والذب والمحاماة عن نواميس الدين وأصول السعادة ، الشريف من يخدم أمته خدمة تخلد ذكره وتوجب عليهم في شريعة التكافؤ شكره ، كل يؤدي جهده وينفق مما عنده.

حياته مليئة بالحسنات وختمها بكتابيه القيمين ( الفردوس الاعلى ) و ( جنة المأوى ) طبع الاول في الارجنتين وما زلت احتفظ بنسخة الاهداء منه رحمه اللّه بأنامله المرتعشة قبل وفاته بشهرين فقط ، اشار عليه البعض بالسفر الى كرند للاستجمام والراحة فوافاه الاجل فجر يوم الاثنين 18 ذي القعدة الحرام 1373 ونقل جثمانه الى النجف بحفاوة قل ما شوهد نظيرها ودفن بمقبرة خاصة أعدها لنفسه في وادي السلام ، وكانت الخسارة فادحة وبقي مكانه شاغرا وتجاوبت اذاعات الشرق تنعاه ويجدر بنا أن نذكر أسماء مؤلفاته لا على سبيل الحصر :

1 - اصل الشيعة وأصولها ، طبع أكثر من عشرين طبعة.

2 - الارض والتربة طبع اكثر من مرة.

3 - الآيات البينات.

4 - العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية مخطوط.

5 - تحرير المجلة في الفقه كتاب ممتع تحتاجه جميع الطبقات

ص: 50


1- كان قدوم الشيخ قبل عيد النيروز بيوم واحد.

وانما ألفه حيث رأى ( مجلة العدلية ) أو ( مجلة الاحكام ) المقرر تدريسها في كلية الحقوق ببغداد من زمن الاتراك وهي بحاجة الى التنقيح والتحرير ، فألف تحرير المجلة بخمسة أجزاء :

6 - المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون وبهذا الكتاب أوجد وعيا عاما.

7 - الميثاق العربي الوطني.

8 - مختارات الاغاني.

9 - ديوان شعره. الى غير ذلك.

وهناك من أدبه المنثور والمنظوم ما تتألف منه المجلدات اذ أنه كان دائرة معارف وهذه رائعة من روائعه نظمها في ( كرند ) ليلة وفاته وقبل أن يوافيه الاجل بعشر ساعات.

يدهش اللب من كرند جبال *** مثل قلب البخيل جلمود صخره

غير أن العيون منها جوار *** وعيون البخيل لم تند قطره

كم دروس منها استفدت فكانت *** فكرة ثم عبرة ثم عبره

يا جبال الاجيال والدهر يعدو *** للفنا وهي للبقا مستقره

وقفت والزمان يمشي عليها *** راكضا وهي في العلى مشمخره

قد سبقن ( الشعرى العبور ) عبورا *** لجة الكون واحترزن المجرة (1)

هي مثل الحديد صم ولكن *** قد كستها الاشجار أينع خضره

وينابيعها تفيض زلالا *** صفق الريح بالعذوبة نهره

وعليها الطيور تشدو بلحن *** جالب للثكول كل مسره

نطحت جبهة السماء ولاحت *** في جبين التاريخ للارض غره

وحدة والسيول قد فرقتها *** قطعا فهي وحدة وهي كثرة

كل طود كالشيخ قد غالب الكون *** عراكا فقوس الدهر ظهره

سائلوها عن الملوك الخوالي *** أين تيجانها وأين الاسره

ص: 51


1- الشعرى العبور : كوكب. قال في القاموس : الشعرى العبور ، والشعرى الغميصاء من اخوات سهيل.

قصر شيرين هاهنا وعليها *** ذاب ( فرهاد ) حسرة بعد حسره

كم ملوك تنعمت في ذراها *** ثم راحت في عالم الذرذره

وبهذي الشعاب كم عاش شعب *** قد جهلنا حتى بناه وذكره

أين ( شبديز ) حين يعلو ( أبروي *** ز ) عليه فيسبق العدو فكره (1)

أين ساسان والسلاطين منه *** ملأوا الارض بسط علم وقدره

قد أقمنا بها زمانا نعمنا *** برده والعراق يلفح حره

نحن في الصيف والشتاء علينا *** قارص يجلب الاذى والمضره

خير أوقاتنا الظهيرة فيها *** نتسلى ظهر النهار وعصره

أوقفتنا تلك الجبال حيارى *** نتحرى سر الجلال وسفره

يذهب الفكر صاعدا ثم يهوي *** واجدا في طريقه كل عثرة

يابديع الجمال في كل قلب *** نور ذاك الجمال أودع جمره

قد سقتنا تلك الشمائل كأسا *** فسكرنا ولم نذق قط خمره

ان هذا الوجود بحر ولكن *** اين من في الوجود يسبر قعره

ولهذي الاكوان لب ولكن *** ما عرفنا حتى لحاه وقشره

ولهذي الحياة معنى ولكن *** علنا بالممات نعرف سره

كتب عنه الكثير وترجموا له ولعل خير من كتب وأسهب الكاتب على الخاقاني في موسوعته شعراء الغري فقد ذكر له جملة من المنظوم والمنثور واثبت انطباعاته عنه واليكم نتفا من شعره ، قال في قصيدة عنوانها : ساعة الوداع.

سر على اليمن والشرف *** ودع النفس والكلف

أيها الظاعن الذي *** أخذ القلب وانصرف

ص: 52


1- شبديز اسم فرس خاص كان قد أهدي للملك خسرو ابرويز من الروم ، وكلمة ( شبديز ) في الفارسية معناها لون الليل ، والتسمية تشعر بسواده الغامق ، ولهذا الفرس خصائص منها قوته الخارقة حتى انه كان عندما يرسل الى البيطار لا يقوى عليه أقل من عشرة رجال لامساكه ، ومنها انه كان أطول من مستوى ارتفاع خيول العالم بأربعة أشبار ، ولشدة اعتزاز الملك به كان يطعمه من كل ما يطعم منه ، ولما مات شبديز أمر الملك بتغسيله وتكفينه ودفنه ونقش صورته على الحجر تخليدا لذكراه. عن فرهنك برهان قاطع ج 2 / 859.

سر معافى كما تشا *** ناعم البال والكنف

فلك الفوز بالهنا *** ولنا بعدك الاسف

سار عدوا وليته *** لو قليلا لنا وقف

فتلفت عساك أن *** تنعش النفس من تلف

يا كراما سروا وما *** زودوني سوى الدنف

في وداع ولم نضع *** فيه كفا لنا بكف

لهف نفسي لساعة *** منك لو ينفع اللّهف

ساعة للوداع ما *** نلت منها ولا طرف

فرحلتم مع الاسى *** وبقينا مع الاسف

يا مصابيح أوجه *** لا عدمناك في السرف

يا مفاتيح السن *** لا فقدناك للغلف

لاعدمناك للخطابة *** للحكم للنصف

انت ريحانة العلوم *** وريحانة الظرف

انت ريحانة المشوق *** اذا شفه الشغف

انت يا شمس لا كسفت *** ويا بدر لا انخسف

انت تلك العصا التي *** قال ( خذها ولا تخف )

انت يا جملة الجمال *** ويا شرفة الشرف

انت حر كما عرفت *** وحر وما عرف

لؤلؤ انت قد صفا *** فحكاه لنا الصدف

اين لبنان والعراق *** وأمريك والنجف

فسلام لك البقاء *** وللباطل التلف

وقال وقد وقف على قبر اقبال الشاعر الفيلسوف عام 1371 ه عندما زار الباكستان.

يا عارفا جل قدرا في معارفه *** حياك مني اكبار واجلال

ان كان جسمك في هذا الضريح ثوى *** فالروح منك لها في الخلد اقبال

تحية لك من خل اتاك على *** بعد المزار بقول مثل ما قالوا

لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق ان لم يسعد الحال

هذا البيت مطلع قصيدة من شعر المتنبي ، وقال : وعنوانها ( عزمات العرب ) وقد بعث بها الى امين الريحاني.

ص: 53

يا عزمات العرب البواسل *** هبي لحل هذه المشاكل

قومي فلا موضع للقعود أو *** يسكن غلي هذه المراجل

انت رعيت الملك في شبابه *** حتى احتملته على الكواهل

فكيف لا تحتمليه كاهلا *** مهدد الحوزة بالغوائل

هذي الذئاب اعترضت لغابكم *** تعرض البغاث للاجادل

ما الملك الا صارم وانتم *** من صدره بموضع الحمائل

أين الحميات التي تسعرت *** منكم بتلك الاعصر الاوائل

دكدكتم أمس عروش قيصر *** وطاق كسرى وصروح بابل

فيا بقايا يعرب حسبكم *** من رقدة الجهل او التجاهل

عودوا لاصل عنصر العرب الذي *** كنتم به من اشرف السلائل

انتم فروع دوحة واحدة *** فكيف قطعتم عرى التواصل

ما فرقت اديانكم بينكم *** لكنها سياسة من خاتل

ألا مساعير يثورون لها *** بسلة البيض وهز الذابل (1)

ترقص عند الحرب مهما سجعت *** من الحديد سجعة العنادل

على الاخاء العربي اجتمعوا *** فيا لها اخوة لعاقل

ان كان لا بد من الموت فمت *** بالعز تحت عثير القساطل

تموت كي تحيا وتحيا امة *** أودت بها سخيمة التواكل

تطامنت للذل بعد عزة *** هزت رواسي الارض بالزلازل

واليوم عادت فضلة من بعدما *** كانت لها سابقة الفواضل

يا دارهم أين بنوك والاولى *** بنوك بالعلوم والفضائل

وقفت في آثار آبائي الاولى *** أسأل والدمع كنهر سائل

اسألها عن باهر المجد الذي *** قطوفه دانية العثاكل

اسألها عن قاهر العز الذي *** أغنى عن الحصون والمعاقل

فكيف أضحى خاملا من بعدما *** زها كروض الروض في الخمائل

أضاءت الشرق مصابيح له *** واستشرق الغرب من الفتائل

دونكها هدية من واقف *** بين رجاء آيس وآمل

تزف من مصر الى نيورك *** من نجفي بهواك حافل

من خالص الاخاء لامداهن *** وصادق الولاء لا مصاقل

ومن شعره الذي لم ينشر ( حماسيات روض الحزين ) وقد نظم

ص: 54


1- اقتبس هذا البيت من شعر منصور النمري حيث قال : الا مصاليت يغضبون لها *** بسلة البيض والقنا الذابل

على حروف الهجاء.

يا أمنا الدنيا التي لم تزل *** أعق من ضب لاولاده

تستهدف الطفل وترميه *** بالازراء من ساعة ميلاده

غايتنا الموت ولا يعرف *** الانسان ما حكمة ايجاده

نحن بنو الارض وكل امرء *** اصداره من عين ايراده

من جسمه تأخذ عند البلى *** كل الذي اعطته من زاده

* * *

يا زمني اعطيتني وردة *** ارتاح منها بالنسيم الشذي

وعدت فاسترجعتها آخذا *** ليتك لم تعط ولم تأخذ

قذفت بي في غمرات الاسى *** ولجة الوجد فمن منقذي

أودعتني السجن وقيدتني *** وقلت لي ان تستطع فانفذ

وهكذا القوة والضعف والناس *** على ناموسها تحتذي

* * *

أقرة عيني قصمت القرى *** غداة رحلت معا والكرى

رحلت فاجريت دمعي دما *** وليتك تعلم ماذا جرى

تحامل جورا علي الزمان *** فاسقط من أفقي نيرا

ولم يكف حتى سطا ثانيا *** فألحق بالاكبر الاصغرا

خطوب تمزق صبر الحليم *** وتأمرني بعد أن أصبرا

* * *

بغداد ما سحرك عال ولا *** ببالغ الذروة في الافك

لكن رجال الشعب الوانهم *** في حمق تضحك بل تبكي

خدعتم في الخدع أمثالكم *** فالتأم الحاكي مع المحكي

دعهم وما جروا على شعبهم *** من قاصمات الظهر بالضنك

ستنجلي الغبرة عما جنوا *** وخبثهم يظهر بالسبك

* * *

تحمل ولداننا للرحيل *** ونحن غدا بعدهم نرحل

أتونا ضيوفا وقد أبطأوا *** ولكن برحلتهم عجلوا

ثلاث سنين وكانوا بها *** من ابن ثلاثين هم أكمل

وما أفضل القوم كبارها *** ولكنما الاكبر الافضل

فدى لهم تالدي والطريف *** لو أن الردى بالفدا يقبل

ص: 55

الى كم على الدنيا الدنية تحرص *** وظلك منها لم يزل يتقلص

تكد لكي تزداد بالمال ثروة *** وفي كل يوم حبل عمرك ينقص

بني المال قد أخلصتم لحسابه *** وأنى لكم يوم الحساب التخلص

تفحصت عن سر القضاء تيقنا *** فما زادني غير الشكوك التفحص

ودنياكم ما متعتني بخيرها *** ويا ليتني من شرها اتخلص

سر الحقيقة في الخليقة غامض *** تنبو المعاني عنه والالفاظ

ان كان آدم قد نسي ميثاقه *** أيكون في ابنائه حفاظ

لا الانبياء عظاتهم قد أثرت *** فيهم ولا النصحاء والوعاظ

والناس سكرى من مدامة جهلهم *** لا نائمون هم ولا أيقاظ

خفض عليك فليس فيهم مبصر *** عمت العيون وأعشت الالحاظ

وقال يرثي الامام الحسين علیه السلام :

في القلب حر جوى ذاك توهجه *** الدمع يطفيه والذكرى تؤججه

أفدي الاولى للعلى اسرى بهم ظعن *** وراه حاد من الاقدار يزعجه

ركب على جنة المأوى معرسه *** لكن على محن البلوى معرجه

مثل الحسين تضيق الارض فيه فلا *** يدري الى أين ملجاه ومولجه

ويطلب الامن بالبطحا وخوف بني *** سفيان يقلقه عنها ويخرجه

وهو الذي شرف البيت الحرام به *** ولاح بعد العمى للناس منهجه

يا حائرا لا وحاشا نور عزمته *** بمن سواك الهدى قد شع مسرجه

وواسع الحلم والدنيا تضيق به *** سواك ان ضاق خطب من يفرجه

ويا مليكا رعاياه عليه طغت *** وبالخلافة باريه متوجه

يا عاريا قد كساه النور ثوب سنى *** زما بصبغ الدم القاني مدبجه

يا ري كل ظمى واليوم قلبك من *** حر الظما لو يمس الصخر ينضجه

يا ميتا مات والذاري يكفنه *** والارض بالترب كافورا تؤرجه

ويا مسيح هدى للراس منه على *** الرماح معراج قدس راح يعرجه

ويا كليما هوى فوق الثرى صعقا *** لكن محياه فوق الرمح أبلجه

ويامغيث الهدى كم تستغيث ولا *** مغيث نحوك يلويه تحرجه

فأين جدك والانصار عنك ألا *** هبت له أوسه منهم وخزرجه

وأين فرسان عدنان وكل فتى *** شاكي السلاح لدى الهيجا مدججه

وأين عنك ابوك المرتضى أفلا *** يهيجه لك اذ تدعو مهيجه

ص: 56

يروك بالطف فردا بين جمع عدى *** البغي يلجمه والغي يسرجه

تخوض فوق سفين الخيل بحر دم *** بالبيض والسمر زخار مموجه

حاشا لوجهك يا نور النبوة أن *** يحمي على الأرض مغبرا مبلجه

وللجبين بأنوار الامامة قد *** زها وصخر بني صخر يشججه

أعيذ جسمك يا روح النبي بأن *** يبقى ثلاثا على البوغا مضرجه

عار يحوك له الذكر الجميل ردى *** ايدي صنايعه بالفخر تنسجه

والراس بالرمح مرفوع مبلجه *** والثغر بالعود مقروع مفلجه

حديث رزء قديم الاصل اخرج اذ *** عن الاولى صح اسنادا مخرجه

تاللّه ما كربلا لولا سقيفتهم *** ومثل ذا الفرع ذاك الاصل ينتجه

ففي الطفوف سقوطا لسبط منجدلا *** من سقط محسن خلف الباب منهجه

وبالخيام ضرام النار من حطب *** بباب دار ابنة الهادي تأججه

لكن أمية جاءتكم بأخبث ما *** كانت على ذلك المنوال تنسجه

سرت بنسوتكم للشام في ظعن *** قبابه الكور والاقتاب هودجه

من كل والهة حسرى يعنفها *** على عجاف المطي بالسيرمدلجه

كم دملج صاغه ضرب السياط على *** زند بأيدي الجفاة ابتز دملجه

ولا كفيل لها غير العليل سرت *** ترثي له ألم البلوى وتنشجه

تشكوعداها وتنعى قومها فلها *** حال من الشجو لف الصبر مدرجه

فنعيها بشجى الشكوى تؤلفه *** ودمعها بدم الاحشاء تمزجه

ويدخل الشجو في الصخر الاصم لها *** تزفر من شظايا القلب تخرجه

فيا لارزائكم سدت على جزعي *** بابا من الصبر لا ينفك مرتجه

يفر قلبي من حر الغليل الى *** طول العويل ولكن ليس يثلجه

أود أن لا أزال الدهر انشئها *** مراثيا لو تمس الطود تزعجه

ومقولي طلق في القيل أعهده *** لكن عظيم رزاياكم يلجلجه

ولا يزال على طول الزمان لكم *** في القلب حر جوى ذاك توهجه

وقال يرثي الامام الحسين علیه السلام :

لك اللّه من قلب بأيدي الحوادث *** لعبن به الاشجان لعبة عابث

تمر به الافراح مرة مسرع *** وتوقفه الاتراح وقفة ماكث

تذكر من أرزاء آل محمد *** مصائب جلت من قديم وحادث

عشية خان المصطفى كل غادر *** وبز حقوق المرتضى كل ناكث

ص: 57

إلى ان يقول :

الى أن دبت تسري بسم نفاقهم *** الى كربلا رقش الافاعي النوافث

فأخنت على آل النبي بوقعة *** بها عاث في شمل الهدى كل عابث

غداة استغاث الدين بابن نبيه *** فهب له من نصره خير غايث

بحلم اذا اشتد البلا غير طايش *** وعزم اذا الداعي دعى غير رايث

ونجدة عزم من لوي وجوههم *** تعد لكشف النائبات الكوارث

رمى لهوات الخطب فيهم فجردوا *** من العزم أمثال الرقاق الغوارث

وهاجوا اشتياقا للهياج كأنما *** لهم في الوغى خود الظباء الرواعث

وأطربهم وقع الظبى فكأنه *** رنين المثاني عندهم والمثالث

لقد ثبتوا في موقف هان عنده *** زوال الجبال الراسيات المواكث

ولما قضوا من ذمة المجد حقها *** وصانوا حمى التوحيد من شعث شاعث

مضوا تأرج الارجاء من طيب ذكرهم *** وتستدفع اللأوا بهم في الهنابث

والقصيدة بكاملها خمسون بيتا.

وقال أيضا في رثاء الامام ، وهذا المقطع الاول من القصيدة.

دع الدنيا فما دار الفناء *** بأهل للمودة والصفاء

متى تصفو وتصفيك الليالي *** وقد كونت من طين وماء

تروقك في مسرتها صباحا *** وتطرق بالمساءة في المساء

تناهى كل ذي أمل فهلا *** لعينك يا شباب من انتهاء

وفازت في سعادتها نفوس *** وليتك لو قصرت عن الشقاء

فويلي ما أشد اليوم ضعفي *** واعصائي لجبار السماء

ويا خجلي ولم أعبأ بذنب *** وأهل مودتي أهل العباء

هداة اللّه خص بهم لواء *** الهدى والحمد بورك من لواء

كفتهم ( انما ) في الذكر فاكفف *** فعنك لهم بها خير اكتفاء (1)

أريد بأن أوفيهم ثناءا *** وان عظموا وجلوا عن ثناء

قضوا ما بين مقتول بسم *** ومحزوز الوريد من القفاء

برغم الدين أولاد الزواني *** تشفت من ذراري الانبياء

ص: 58


1- اشارة لقوله تعالى « انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل اليبت ويطهّركم تطهيرا ».

ولا يوم أشد بلا وكربا *** كيومهم بعرصة كربلاء

غداة اتت تحف أبا علي *** فوارس من بني عمرو العلاء

تسارع كالشهاب الى هياج *** وتنبت كالهضاب لدى اللقاء

أبوا الا الى العز انتسابا *** فليس لهم أب غير الاباء

وله في رثاء الامام الشهيد ما تزيد على السبعين بيتا وهذه قطعة منها :

نفس أذابتها أسى زفراتها *** فجرت بها محمرة عبراتها

وتذكرت عهد المحصب من منى *** فتوقدت بضلوعها جمراتها

وأنا العصي من الابا وخلائقي *** في طاعة الحر الكريم عصاتها

بأبي وبي من هم أجل عصابة *** سارت تؤم من العلى سرواتها

عطرى الثياب سروا فقل في روضة *** غب السحاب سرت به نسماتها

وبعزمها من مثل ما بأكفها *** قطع الحديد تأججت لهباتها

فكأن من عزماتها أسيافها *** طبعت ومن أسيافها عزماتها

آحادهم ألف اذا ضمت على *** الف المعاطف منهم لاماتها

يسطون في الجم الغفير ضياغما *** لكنما شجر القنا أجماتها

كالليث أو كالغيث في يومي وغى *** وندى غدت هباتها وهباتها

حتى اذا نزلوا العراق فأشرقت *** بوجودهم وسيوفهم ظلماتها

وينتهي به المطاف فيقول :

واحر قلبي يا ابن بنت محمد *** لك والعدى بك أنجحت طلباتها

منعتك من نيل الفرات فلا هنا *** للناس بعدك نيلها وفراتها

وعلى الثنايا منك يلعب عودها *** و برأسك السامي تشال قناتها

ونساؤكم أسرى سرت بسراتها *** تدعو وعنها اليوم أين سراتها

هاتيك في حر الهجير جسومها *** صرعى وتلك على القنا هاماتها

بأبي وبي منهم محاسن في الثرى *** للحشر تنشر فخرهم حسناتها

وله في رثاء علي الاكبر ابن الامام الحسين (عليه السلام) أول الشهداء من بني هاشم ، مطلعها :

هو الوجد يذكيه الجوى في الجوانح *** فيجري بمنهل الدموع السوافح

ص: 59

66 بيتا.

وقال في مطلع مرثية في الحسين علیه السلام :

بناء المجد في شرف المساعي *** وعز النفس في كرم الطباع

تأس بآل احمد يوم خفوا *** اليها وثبة الاسد المراع

37 بيتا.

وأخرى يرثي بها العباس بن علي تحتوي على 74 بيتا مثبتة في مخطوطنا ( سوانح الافكار ) أولها.

أبا صالح ان العزا لمحرم *** ومنكم بني الزهرا استحل به الدم

ومن قصائد الشيخ كاشف الغطاء في الحسين علیه السلام وتنشر لاول مرة.

ماذا يذم المرء من أخلاقها *** دنيا ذعاف السم در فواقها (1)

بينا تريك بشاشة واذا بها *** حشدت عليك الرزء من آفاقها

ما راق منها مشرب الا وقد *** سلت عليه بارقات رقاقها

معشوقة لم ترتض في مهرها *** الا ببذل العمر من عشاقها

خضراء تهواها العيون ولم تكن *** في الخبر الا حنظلا بمذاقها

ما تم بدر مشرق في جوها *** الا رمته بخسفها ومحاقها

كم من وفي العهد قد غدرت به *** والغدر خير سجية بخلاقها

طرقت علي بمستقر ملمة *** ما خلت أن ابقى على استطراقها

نزلت بأقصى الري الا أنها *** قد سودت بالحزن وجه عراقها

لهفي على الظعن المجد الى العلى *** متحمل الاقمار فوق نياقها

سيقت ظعائنهم تخب وما دروا *** أن الحتوف تساق اثر مساقها

حتى اذا بلغوا وما بلغ المنى *** عثر القضا فكبت على أعناقها

ص: 60


1- الفواق فرع الناقة أو ثديها.

واستنزل البدر المشعشع مشرقا *** منه البدور تغار في اشراقها

واستخطف الاسد الملبد باسلا *** تعنوا له الآساد من اشفاقها

وانحط عن أوج الفخار بنسرها *** مردي نسور الجو في آفاقها

من سام هضب علاك يا سامي الذرى *** هضما فحطك عن سماء رواقها

هذا الذي خطبته أبكار العلى *** عن رغبة في مجده بصداقها

ذا حائز قصب المفاخر أن جرى *** كان المجلي فائزا بسباقها

وفي كتاب جنة المأوى من مؤلفات المترجم له قصيدة في يوم الغدير نظمها قبل أربعين سنة وتحتوي على 25 بيتا مثبتة في ديوانه الموجود في مكتبته العامة ، أولها.

امام الهدى هل أبدع اللّه آية *** لمعناه أسمى منك شأنا وأشمخا

كم استصرخ الاسلام يدعو فلم يجد *** لصرخته الا حسامك مصرخا (1)

ص: 61


1- أثبتناها في سوانح الافكار في منتخب الاشعار ج 4.

الشيخ محمد علي قسّام

المتوفى 1373 ه

يا راكبا هيماء اجهدها السرى *** تطوي مناسمها ربى ووهادا

عرج على وادي البقيع معزيا *** أسد العرين السادة الامجادا

اسد فرائسها الاسود اذا سطت *** ولرب اسد تفرس الآسادا

ماذا القعود وجسم سيدكم لقى *** في كربلا تخذ الرمال وسادا

تعدو عليه العاديات ضوابحا *** جريا فتوسع جانبيه طرادا

وتساق نسوتكم على عجف المطي *** أسرى تكابد في السرى الاصفادا

قوموا فقد ظفرت علوج أمية *** بزعيمكم وشفت به الاحقادا

رامت ودون مرامها بيض الضبا *** مشحوذة لم تألف الاغمادا

رامت تقود الليث طوع قيادها *** وأبى أبو الاشبال ان ينقادا

فسطاعليهم كالعفرني مفردا *** وأبادهم وهم الرمال عدادا

يسطو فيختطف النفوس بعضبه *** الماضي الشبا ويوزع الاجسادا

فتراه يخطب والسنان لسانه *** فيهم وظهر جواده أعوادا

فجلا عجاجتها ولف خيولها *** وطوى الرجال وفرق الاجنادا

وأباد فيلقها ابن حيدر بالظبى *** والسمر طعنا مخلسا وجلادا

حتى اذا شاء القضا انجازه *** العهد القديم فأنجز الميعادا

ومضى نقي الثوب تكسوه العلى *** فخرا طرائف عزة وتلادا

سهم أصابك يا ابن بنت محمد *** قلبا أصاب لفاطم وفؤادا

وأمض داء اي داء معضل *** أوهى القلوب وزعزع الاطوادا

سبي الفواطم للشام حواسرا *** أسرى تجوب فدافدا ووهادا

ولرب زاكية لاحمد ابرزت *** حسرى فجلببها الحيا أبرادا

ص: 62

تدعو أباها الندب نادبة له *** والطرف منها بالمدامع جادا

أتغض طرفا والحرائر أبردت *** من كربلا نحو الشام تهادى

الشيخ محمد علي قسام خطيب شهير ، فارس المنابر شارك في الثورة العراقية وجلجل صوته الجهوري وكنا نستمد من براعته واساليبه ونتعلم منه أساليب الخطابة ويظهر من أسلوبه الخطابي أنه درس المبادئ وأتقن النحو والصرف والمنطق والبلاغة والفقه والاصول وأضاف الى ذلك مطالعة الكتب الحديثة فأكسبته مرونة وعذوبة فكان يمتاز بتجسيد القصة وتجسيم الوقعة التي يتحدث عنها كواقعة كربلاء أو غيرها حتى كأنك تشاهدها وهو أقدر الخطباء على التأثير في النفوس.

كتب كثيرا والف ولا زلنا نحتفظ بمجاميع من خطه الجيد الذي يفوق ببراعته على الخطاطين وكل مؤلفاته في التاريخ والاخلاق والسيرة وقد طبع له بعد وفاته ( الدروس المنبرية ) ونظم الشعر في شبابه وراسل اخوانه وأخدانه وقد وقفت على مجموع له فيه عدة قصائد في آل الجواهر وآل القزويني وآل السيد صافي وال الكيشوان وفي قصاصات بخطه احتفظ بقصيدة له قالها في زواج السيد محمد الكيشوان مادحا بها عمه السيد كاظم الكيشوان ومطلعها :

قد قلب الصب في لحظ وقد *** ريم صقيل العارضين ذو غيد

وأخرى في زفاف الشيخ محمد حسين نجل المرحوم الشيخ علي آل الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر وأولها :

برزت لنا من خدرها تتهادى *** بيضاء تعطف اسمرا ميادا

ورنت بمقلة جؤذر متذعر *** في مسقط الوادي رأى صيادا

نار الجمال توقدت في خدها *** شعلا فشبت بالحشى ايقادا

ص: 63

وله في زفافه أيضا مهنيا بها ابن عمه الشيخ محمد حسن مطلعها :

أهاج قلبي بارق على أضم *** ألم في جنح من الليل ادلهم

وقد أثبت في مؤلفي سوانح الافكار في منتخب الاشعار ، الجزء الثالث صفحة 73 قصيدته التي يرثي بها الامام الحسين علیه السلام ، ومنها :

قلبي تصدع من وجد ومن ألم *** ومهجتي لم تزل مشبوبة الضرم

وها فؤادي بعد الظاعنين وها *** انسان عيني بعد البين لم ينم

كم لي وقد صوت الحادي بركبهم *** مدامع قد جرت ممزوجة بدم

يا راكبا حرة هيماء قد طبعت *** على المسير وقطع البيد والاكم

تشق قلب الفيافي في مناسمها *** فلا تكاد ترى من خفة القدم

عج بالمدينة واندب اسد غابتها *** من طبق الكون في باس وفي كرم

والضاربين بيوت العز فوق ذرى *** العلياء مثبتة الاطناب والدعم

هبو بني مضر الحمراء وانبعثوا *** كالاسد تحت شبا الهندية الخذم

لا صبر حتى تقودوا الخيل مسرجة *** جردا عليها من الفرسان كل كمي

لا صبر حتى تهزوا السمر مشرعة *** من كل أسمر في اللبات منحطم

فما لكم قد قعدتم والحسين لقى *** في كربلا قد قضى صادي الفؤاد ظمي

ورأسه فوق رأس الرمح مرتفع *** كالبدر اشرق في داج من الظلم

ما بال هاشم قد قرت ونسوتها *** بين العدى لم تجد من كافل وحمي

تغض طرفا وقدما كنت أعهدها *** على المذلة لم تهجع ولم تنم

وفي آخرها خطاب للامام الحسين علیه السلام :

ان تمس منعفرا فوق الصعيد لقى *** دامي الوريد برغم المجد والكرم

فقد قتلت نقي الثوب من دنس *** مهذبا من مسيس العار والوصم

والخطيب قسام يستحق أن يكتب عنه أكثر من هذا لان هناك جوانب من حياته مليئة بالعبقرية وما ظنك بخطيب جال أكثر المدن وملأها يقظة وكمالا ، ولد سنة 1299 بالنجف الاشرف في اسرة شريفة معروفة في الاوساط ولاشتهاره بالخطابة فقد حبب الى ابني

ص: 64

اخيه الشيخ جعفر والشيخ جواد ان يسلكا مسلكه فكانا خطيبين ناجحين مرموقين. عاش الخطيب قسام 74 عاما فقد وافاه الاجل ببغداد في المستشفى الملكي ليلة الجمعة 24 جمادي الاولى 1373ه- 29 كانون الثاني 1954 م وكان يوم مجيء جثمانه للنجف من الايام المشهودة فقد اقيمت على روحه عدة فواتح كما تبارى الخطباء والشعراء يوم أربعينه في مسجد الهندي بالنجف وكنت ممن شارك بقصيدة مطلعها :

سند الشريعة في جميع الاعصر *** هذي الروائع من خطيب المنبر

ذاك الذي يمسي ويصبح ناشرا *** علم الجهاد كقائد في عسكر

أمعلم الاجيال تنثر جوهرا *** فكأن صدرك معدن من جوهر

يا منبر الاسلام دمت متوجا *** بالانجبين وكل ليث قسور

يا منبر الاسلام دمت منورا *** طول الزمان بكل عقل انور

يا منبر الاسلام دمت مضمخا *** بالرائعات من الفم المتعطر

ومجالس هي كالمدارس روعة *** أم لكل مهذب متنور

المنبر العالي حكيم مبصر *** يصف الدواء بحكمة المتبصر

يا فارس الميدان عز علي أن *** تهوي وحولك سابغات الضمر

يا من اذا أرسلت لفظك لؤلؤا *** جرت العيون بلؤلؤ متحدر

أو قمت في أعلى المنابر خاطبا *** فكأن قولك ريشة لمصور

والقصيدة بكاملها نشرتها مجلة العرفان اللبنانية م 41 / 1164 وكانت رائعة الاستاذ حسن الجواهري - أمين مكتبة النجف يومذاك هي من أفخر الشعر ويحضرني مطلعها :

قالوا نعيت فقلت المنبر اضطربا *** غاض البيان ومصباح الندي خبا

ص: 65

الشيخ عبد الكريم العوامي

المتوفى 1373

هل المحرم فاستهلت ادمعي *** وورى زناد الحزن بين الاضلع

مذ أبصرت عيني بزوغ هلاله *** ملأ الشجا جسمي ففارق مضجعي

وتنغصت فيه علي مطاعمي *** و مشاربي وازداد فيه توجعي

اللّه يا شهر المحرم ما جرى *** فيه على آل الوصي الانزع

اللّه من شهر اطل على الورى *** بمصائب شيبن حتى الرضع

شهر لقد فجع النبي محمد *** فيه واي موحد لم يفجع

شهر به نزل الحسين بكربلا *** في خير صحب كالبدور اللمع

فتلألات تلك الربوع بنوره *** و علت على هام السماك الارفع

هو أحد الفضلاء وعلماء المنطق والبيان يتحلى بالنباهة والفقاهة ، ولد سنة 1319 وتوفي سنة 1373 ودفن بكربلاء المقدسة وكانت دراسته في النجف الاشرف اكثرها عند المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه اللّه ، ومن آثاره وتآليفه كتاب ( الدر النضيد في رد مستنكر مأتم الامام الشهيد ) وديوان شعره الذي اسماه ب ( سبحات القدس ) و ( تعليقة على الكفاية ) للسيد الخونساري. ترجم له الخطيب الاديب صديقنا الشيخ سعيد آل ابي المكارم في مؤلفه ( اعلام العوامية في القطيف ) وذكر جملة من القصائد التي قيلت في تأبينه كما ذكر عدة قصائد من شعره في الامام الحسين علیه السلام جزاه اللّه خير الجزاء.

ص: 66

محمد هاشم عطية

المتوفى 1372

سما فوق النجم محتده الاسمى *** وحير في آثاره النظم والنثرا

وأرمد أجفان العلا من طلابه *** معاقد مجد توهن العزم والحزما

وجارته هوج الريح تبغيه ضلة *** فما أدركت شأوا ولا بلغت مرمى

حسين ومن مثل الحسين وانه *** لمن نبعة الوحي المقدس اذ يسمى

أبوه علي نافح الشرك قبله *** ورد على أعقابه الجور والظلما

بناها فأعلى والسوابق ترتمي *** بابطال بدر دونها تعلك اللجما

وصبحها هيجاء من حيث شمرت *** فانسى الجبان الحرب والبطل القدما

فصار له ذاك الفخار الذي به *** علت شوكة الاسلام دون الورى قدما

ولم يخش يوم الغار ان أرصدوا له *** على الحتف سيفا او يرشوا له سهما

فقام وفي برديه أنوار غرة *** يكاد لدى اشراقها يبصر الاعمى

فلما رأوه عاينوا الموت جاثما *** فطاروا شعاعا لم يجد لهم عزما

وقالوا : علي سله اللّه صارما *** ليوسع دار الكفر من بأسه هدماً

علي بناه اللّه اكرم ما بنى *** وعلمه من فضله العلم والحلما

حوى بالحسين الحمد والمجد والندى *** ونور الهدى والبأس والجسد الضخما

ولكن قوما تبر اللّه سعيهم *** أرادوا به حربا وكان لهم سلما

فاخفوا دبيب الكيد عنه وجردوا *** كتائب تستسقي الدماء اذا تظمى

فلما رأى أن لا مقام وانها *** لنفس الابي الحر لا تحمل الضيما

تيمم من ارض الفراتين مزجيا *** قلائص لم يعرفن في دوها وسما

عليهن من آل الرسول عصابة *** تدانى عليها من يمانية رقما

كواكب حول ابن البتول اذا اعتزوا *** توسمته من بينهم قمرا تما

ص: 67

ومن مثله في الناس أكرم والد *** ومن هي كالزهراء فاطمة اما

مشى ركبه لو تعلم البيد أنه *** الحسين لعلت من مواطئه لثما

كما مسحت ركن الحطيم يد ابنه *** فكاد اشتياقا يمسك الراحة العظمى

فالقى على الطف الرحال ومادرى *** بأن القضاء الحتم في سبطه حما

فيا بؤس يوم الطف لم يبق مشرق *** ولا مغرب لم يسقه الحزن والهما

ولا بقعة الا مضرجة دما *** ولا قلب الا وهو منفطر يدمى

ومال الضحى بالشمس فيه وبدلت *** من النور في الافاق أرديه سحما

لمستشهد في كربلاء زهت به *** مفاخر عدنان لخير الورى ينمى

لافضل من لبى وأكرم من سعى *** وأطهر من ضم الحجيج ومن أما

فشلت يمين أيتمت من بناته *** عقائل لم يعرفن من قبله اليتما

من الخفرات البيض ماذقن ساعة *** هوانا ولا بؤسا رأين ولا عدما

رأتها الفيافي سادرات ومارعوا *** لهن ذماما لا ولا عرفوا رحما

عتاقا على الاقتاب يخمشن أوجها *** ملوحة تشكو بأعينها السقما

وفيهن مرنان النحيب تولهت *** فأنحت بكفيها على خدها لطما

اذا رجعت منها الحنين تقطعت *** نياط وهزت من قواعدها الشما

ومن يك مثلي بالحسين متيما *** فلا عجب أن يحرز النصر والغنما

مناط مثوبات ومهبط حكمة *** وكنز تقى تمت به وله النعمى

محمد هاشم عطية استاذ بارع وأديب كبير له شهرته في مصر والعراق والعالم العربي فهو أستاذ الادب العربي بجامعة فؤاد الاول بالقاهرة ، وهو استاذ الادب العربي بدار المعلمين العالية في بغداد يعجبك أسلوبه وأدبه ظهر ذلك في مواقف له منها رائعته التي نشرتها مجلة الاعتدال النجفية عنوانها : النجف الاغر وهذه هي :

أمن بغداد أزمعت الركابا *** وخليت المنازل والصحابا

وأنت بغيدها كلف تمنى *** لو أنك قد لبست بها الشبابا

وانك كنت لا تقني حياء *** ولا تخشى على فند عتابا

لخود قد زهاها الحسن حتى *** خلعن له من الدل النقابا

يرحن موائسا ويفحن عطرا *** وما ضمخن من عطر ثيابا

ص: 68

يساقطن الحديث كأن سلكا *** نثرن به لآلئه الرطابا

وانك اذ ترجيها لوعد *** لكا الضمأن اذ يرجوالسرابا

وان لبست عبائتها وأرخت *** مآزرها وآثرت الحجابا

ارتك اذا انثنت للحين كفا *** تزين من أناملها الخضابا

وجيدا حاليا ورضاب ثغر *** تذم لطعمه الشهد المذابا

تسائلني وانت بها عليم *** كأنك لست معمودا مصابا

أجدك هل سألت بها حفيا *** فصدق عن دخيلتها الجوابا

وهل أخفيت شجوك عن مليم *** تهانف حينما شهدت وغابا

وهل ارسلت من زفرات قلب *** تعلقها على مقة (1) وتابا

وأقصر عنه باطله وماذا *** يرجي المرء ان قوداه شابا

وليس له على الستين عذر *** اذا قالوا تغازل أو تصابى

فعد عن الصبا والغيد واطلب *** الى الاشياخ في النجف الرغابا

ففي النجف الاغر أروم صدق *** حلا صفو الزمان بها وطابا

عشقت لهم - ولم أرهم - خلالا *** تر الاحساب والكرم اللبابا

متى ماتأث منتجعا حماهم *** تربعت الاباطح والهضابا

لقيت لديهم أهلى وساغت *** الى قلبي موتهم شرابا

وهل انا ان أكن أنمى لمصر *** لغير نجارهم أرضى انتسابا

عجبت لمادح لهم بشعر *** ولا يخشى لقائلهم معابا

وان ينظم وليدهم قريضا *** أراك السحر والعجب العجابا

غرائب منهم يطلعن نجدا *** ويزحمن الكواكب والسحابا

أولئك هم حماة الضاد تعزى *** عروقهم لاكرمها نصابا

واوفاها اذا حلفت بعهد *** واطولها اذا انتسبت رقابا

وكيف وفيهم مثوى علي *** بنوا من فوق مرقده قبابا

وقدما كان للبطحاء شيخا *** وكان لقبة الاسلام بابا

نجي رسالة وخدين وحي *** اذا ضلت حلومهم أصابا

وماكأبي الحسين شهاب حرب *** اذا الاستار ابرزت الكعابا

وليس كمثله ان شئت هديا *** ولا ان شئت في الاخرى ثوابا

ولا كبنيه للدنيا حليا *** ومرحمة اذا الحدثان نابا

متى تحلل بساحتهم تجدها *** فسيحات جوانبها رحابا

وان شيمت بوادقهم لغيث *** تحدر من سحائبه وصابا

ص: 69


1- المقة : الحب.

هم خير الائمة من قريش *** واذكاهم وأطهرهم اهابا

حباهم ربهم حلما وعلما *** ونزل في مديحهم الكتابا

وحببهم الى الثقلين طرا *** وزادتهم لسدته اقترابا

فمن يك سائلا عنهم فاني *** أنبئه اذا احتكم الصوابا

فلن تلقى لهم ابدا ضريبا *** اذا الداعي لمكرمة أهابا

مصابيح على الافواه تتلى *** مدائحهم مرتلة عذابا

وما دعي الاله بهم لامر *** تعذر نيله الا استجابا

نشرت مجلة البيان النجفية في سنتها الاولى صفحة 521 تحت عنوان : الاستاذ هاشم عطية في النجف. وقال زار سعادة الاستاذ الكبير هاشم عطية الاديب الكبير والاديب المصري المشهور وأستاذ الادب العربي بدار المعلمين العالية ببغداد وزار جمعية الرابطة الادبية وقوبل بالترحاب والتقدير وحفاوة بالغة وكانت زيارته مساء 4 / 4 / 1947 وقد دعت الجميعة طبقات الادباء والشعراء والشباب المثقف وكان مع المحتفى به الاستاذ حسين بستانة فحياه من أعضاء الرابطة الاستاذ صالح الجعفري بكلمة والعلامة الشيخ علي الصغير بقصيدة والشاعر عبد الرسول الجشي بقصيدة والشاعر الرفيق السيد محمودالحبوبي سكرتير الجمعية بقصيدة ثم تقدم المحتفى به الاستاذ هاشم عطية فألقى قصيدة عنوانها : تحية النجف وكانت من الشعر العالي. ولا عجب فالشاعر عطية أديب كبير وشاعر فحل وعالم فذ ، وأعقبه الشاعر هادي الخفاجي بقصيدة جارى بها قصيدة المحتفى به وزنا وقافية وفكرة فكانت مفاجئة بديعة سارة ، وفي صباح اليوم الثاني زار الاستاذ عطية مرقد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانجذب كثيرا لتلك الروحانية.

توفي بتاريخ 13 / 10 / 1953 ترجم له الاستاذ يوسف اسعد داغر في كتابه ( مصادر الدراسة الادبية في البلاد العربية ) المطبوع ببيروت سنة 1972.

ص: 70

الشيخ قاسم المُلا

المتوفى 1374 ه

هل العيش بالدهناء يا مي راجع *** وهل بقيت للشوق فيك مطامع

ربوع عفت من ساكنيها فأصبحت *** برغم أهيل الحي وهي بلاقع

وقفت بها والقلب يقطر عندما *** من الجفن اذ عزت عليه المدامع

اسائلها والوجد يذكي أواره *** وقد حنيت مني عليه الاضالع

عراص الغضا أقوت ربوعك بعدما *** بهن لارباب الغرام المجامع

كأن لم يجدك الغيث بعدي بدره *** ولا روضت منك الربى والاجارع

ولا رفرف النسم الشمالي موهنا *** ولا أو مضت فيك البروق اللوامع

ولا خطرت فيك الظباء سوانحا *** وغنت على البانات منك السواجع

ولآئمة قد صارعتني بلومها *** غداة رأتني للهموم أصارع

وقالت أتبكي أرسما بان أهلها *** وطوح فيها السير والسير شاسع

اميم فما أبكي لحي ترحلوا *** ولا أنا للدارات والجزع جازع

ولكن بكائي للحسين ورهطه *** ومن لهم بالطف جلت مصارع

بيوم به هبت الى الضرب غلمة *** عزائمهم والماضيات قواطع

بكل فتى ما بارح الطعن رمحه *** ولا بارحت منه النزال الوقايع

* * *

اذا ما دعاه صارخ بعد هجعة *** فقبل انقطاع الصوت منه يسارع

تغذى بثدي الحرب إذ هي امه *** وكلهم من ذلك الثدي راضع

يروعون اما اقدموا في نزالهم *** وما راعهم في حومة الموت رائع

كأن الردينيات بين اكفهم *** صلال ذعاف الموت فيهن ناقع

لقد رفعت من عثير النقع خيلهم *** سماء بها نجم الاسنة طالع

ص: 71

الى أن هووا صرعى وما لغليلهم *** بهاجرة الرمضا سوى الدم ناقع

فعاد ابن طه لم يجد من مدافع *** فديتك يا من بان عنك المدافع

فأيقضت الاعداء منه ابن نجدة *** على الضيم منه الطرف ما قط هاجع

تراه الاعادي دارعا في مضافة *** ولكنه بالصبر في الروع دارع

اذا رن طبل الحرب غنى حسامه *** قفا نبك من رقص الطلى يا قواطع

وان أظلم الميدان من نقع طرفه *** فأحسابه والماضيات نواصع

وان غيمت يوما سحائب عزمه *** بماء الطلى تنهل فهي هوامع

الى أن هوى فوق الثرى وجبينه *** بلألائه للشمس والبدر صادع

وغودر في عفر الرغام رمية *** ورضت بقب الخيل منه الاضالع

فضجت له السبع الطباق وأعولت *** وعجت على الآفاق سود زعازع

يعلى على الخطي جهرا كريمه *** فيبصر بدر منه في الافق طالع

عجبت له رأسا بأبرجة القنا *** ترائى خطيبا فهو بالذكر صادع

وعادت نساه للمغاوير مغنما *** تجاذب ابراد لها وبراقع

يعز على الندب الغيور سباؤها *** يجاب بها فج الفلا والاجارع

وهاك استمع ما يعقب القلب لوعة *** وتسكب فيه للعيون المدامع

يفاوضها شتما يزيد بمجلس *** وما هي الا للنبي ودائع

ويوضع راس السبط تحت سريره *** فيا شل اذ يغدو له وهو قارع

بني الوحي لا أحصي جميل ثنائكم *** وقد خرست فيه الرجال والمصاقع

عليكم سلام اللّه ما بعزاكم *** من العين تهمي فيه سحب هوامع

الشيخ قاسم من خطباء الحلة ناظما وناثرا وخطيبا محققا له شهرته الخطابية ، واذكر أني راسلته مرة مستوضحا منه عن قائل القصيدة الهائية التي تنسب لاحد أشراف مكة فأجابني بأنها تنسب لاكثر من واحد منهم ولا شك أنها لهم ومنهم خرجت. ولد سنة 1290 ه وقد تقدمت ترجمة والده المرحوم الشيخ محمد الملا وقد سار هذا الولد على ضوء الوالد وتأدب على يده ومنه تلقى فن الخطابة ورواية الشعر ، ويقول اليعقوبي في البابليات : وكان جل تحصيله الادبي من الشاعر المجيد الحاج حسن القيم فكان يعرض عليه كثيرا من قصائده ورأيت في هذه السنة وهي سنة 1398 ه وأنا في الحلة في منزل ولد المترجم له ، الملا عبد الوهاب ابن الشيخ قاسم الملا أقول رأيت من آثاره الادبية والشعرية مخطوطات كثيرة

ص: 72

تدل على أدب واسع وتضلع في الاخبار والعقائد والمناظرات كما حدثني ابن اخته السيد حبيب الاعرجي - احد خطباء النجف - بكثير من روائعه ومواقفه الخطابية.

عاش 84 سنة حيث ودع الحياة ليلة الاربعاء رابع ربيع الثاني 1374 ه وحمل الى النجف بموكب من الحليين ودفن بوادي السلام واقيمت له الفواتح ورثي بكثير من القصائد ، وقد استعرت ديوانه من الاخ البحاثة السيد جودت القزويني وتصفحته ونقلت عنه بعض ما اردت اذ أن الديوان يضم كثيرا من الشعر وهو وثيقة تأريخية مفيدة والجدير بالذكر أن أكثر ما في الديوان هو في الاسرة القزوينية المشهورة بعلمها وأدبها وشرفها في الحلة الفيحاء.

ومن شعره في علي الاكبر بن الحسين شهيد الطف :

وحق الهوى العذري لست ارى عذرا *** لصب يواتي بعد بعدكم الصبرا

ولست أرى يحلو لعيني منامها *** وما عاشق من لم تكن عينه سهرى

يقولون لي بالعرف صابر هواهم *** واني أرى صبري بشرع الهوى نكرا

أجيرتنا بالجزع جار غرامكم *** وجرعتموني يوم ودعتم مرا

سلوا الليل عني هل أذوق رقاده *** وهل انا قد سامرت الا به الزهرا

ولم يشجني ركب أجد مسيره *** كركب حسين حين جد به المسرى

سروا عن مغاني طيبة وحدت بهم *** نجائب تطوي في مناسمها القفرا

الى ان اناخوا بالطفوف قلاصهم *** وحادي نواهم بعد شقشقة قرا

فما عشقوا فيها سوى البيض رونقا *** ولا سامروا الا المثقفة السمرا

فواثكل خيرالرسل اكرم فتية *** بهم عرقت للفخر فاطمة الزهرا

فيا راكب الوجناء تسبق طرفه *** اذا ما فلت اخفافها السهل والوعرا

تجوب الفيافي لا تمل من السرى *** اذا غرد الحادي وحنت الى المسرى

أقم صدرها ان جئت اكناف طيبة *** ومن طيبها تستنشق الند والعطرا

هنالك فاخضع واخلع النعل والتثم *** ثراها وقل والعين باكية عبرى

اليك رسول اللّه جئت معزيا *** بقاصمة للدين قد قصمت ظهرا

شبيهك في الاخلاق والخلق أودعت *** محاسنه في كربلا بثرى الغبرا

ذوى غصنه من بعدما كان يانعا *** وبالرغم ريح الحتف تقصمه قسرا

فيا ليل طل حزنا فليلى بنوحها *** وأجفانها ان جنها ليلها سهرى

ص: 73

تعط الحشا لا البرد حزنا على ابنها *** وأدمت اديم الخد من خدشها الظفرا

فما أم خشف أدركته على ظما *** وخوف حبالات نأت في الفلا ذعرا

بأوجد منها حين للسبط عاينت *** ومنه صقيل الوجه حزنا قد اصفرا

أعيدي دعاء الام يا ليل انني *** أرى ابنك في اعداه يغتنم النصرا

فأرخت على الوجه المصون اثيثها *** وطرف أبيه السبط من طرفها أجرى

ولم أنسه لما عليه قد انحنى *** واحشاؤه حزنا مسعرة حرى

ينادي على الدنيا العفا ونداؤه *** عليه عظيم شجوه يصدع الصخرا

بني جرحت القلب مني فلم أجد *** لجرحك طول الدهر غورا ولا سبرا

بني تركت العين غرقى بدمعها *** وجذوة قلبي حرها يضرم الجمرا

اذا رمت أن اسلو مصابك برهة *** تهيجني فيه الكئابة بالذكرى

ومن شعره في أهل البيت يذكر مصائبهم :

أغار الاسى بين الضلوع وأنجدا *** فصوب طرفي الدمع حزنا وصعدا

ولي كبد رفت لفقد احبتي *** غداة نأوا والعيس طار بها الحدا

وقد كنت رغد العيش في قرب دارهم *** فمذ بعدوا عني غدا العيش أنكدا

اسرح طرفي في ملاعب حورهم *** فلم أر لا خودا هناك وخردا

وما كان يعشو الطرف قبل فراقهم *** لانهم كانوا لطرفيه اثمدا

وبالتلعات الحمر من بطن حاجر *** غرام أقام القلب مني وأقعدا

ظللت أنادي والركائب طوحت *** بصبري وماري الندا بسوى الصدى

أأحبابنا هل أوبة لاجتماعنا *** أم الشمل بعد الظاعنين تبددا

ولم يشجني ربع خلا مثل ماشجى *** فؤادي ربع قد خلا من بني الهدى

نوى العترة الهادين أضرم مهجتي *** وبين حنايا أضلعي قد توقدا

خلت منهم تلك العراص فأقفرت *** وقد عصفت فيهن عاصفة الردى

وكانوا مصابيحا لخابطة الدجى *** اذا قطعت في الليل فجا وفدفدا

تنير به أحسابهم ووجوههم *** فبعدهم ياليت أطبق سرمدا

ونار قراهم قد رآها كليمه *** فعاد بها في أهله واجدا هدى

وسحب أياديهم يسح ركامها *** ومنهلهم للوفد قد ساغ موردا

قضوا بين من أرداه سيف ابن ملجم *** فأبكى أسى عين البتول واحمدا

ومابين من أحشاه بالسم قطعت *** وقد نقضوا منه عهودا وموعدا

وصدوه عن دفن بتربة جده *** وأدنوا اليه من له كان أبعدا

ص: 74

ولم تخب نيران الضغائن منهم *** ولا قلب رجس من لظى الغيظ ابردا

الى أن تقاضوا من حسين ديونهم *** فروت دماه المشرفي المهندا

أتته بجند ليس يحصى عديده *** ولكنه من يوم بدر تجندا

وساموه ذلا أن يسالم طائعا *** يزيد وأن يعطي لبيعته يدا

فهيهات ان يستسلم الليث ضارعا *** ويسلس منه لابن ميسون مقودا

فجرد بأسا من حسام كانما *** بشفرته الموت الزؤام تجردا

اذا ركع الهندي يوما بكفه *** تخر له الهامات للارض سجدا

وأعظم ما أدمى مآقيه فقده *** أخاه ابا الفضل الذي عز مفقدا

رآه وبيض الهند وزع جسمه *** وكفيه ثاو في الرغام مجردا

فنادى كسرت الآن ظهري فلم اطق *** نهوضا وجيش الصبر عاد مبددا

وعاد الى حرب الطغاة مبادرا *** عديم نصير فاقد الصحب مفردا

ومازال يردي الشوس في حملاته *** الى أن رمي بالقلب قلبي له الفدا

فمال على الرمضا لهيف جوانح *** بعينيه يرنو النهر يطفح مزبدا

مصاب له طاشت عقول ذوي الحجى *** اذا ما تعفى كل رزء تجددا

وما بعده الا مصاب ابي الرضا *** كسا الدين حزنا سرمديا مخلدا

أتهدأ عين الدين بعد ابن جعفر *** وقد مات مظلوما غريبا مشردا

فعن رشده تاه الرشيد غواية *** وفارق نهج الحق بغيا وأبعدا

سعى بابن خير الرسل يا خاب سعيه *** فغادره رهن الحبوس مصفدا

ودس له سما فأورى فؤاده *** فكل فؤاد منه حزنا توقدا

وهاك استمع ما يعقب القلب لوعة *** وينضحه دمعا على الخد خددا

غداة المنادي اعلن الشتم شامتا *** على النعش يا للناس ما أفضع الندا

أيحمل موسى والحديد برجله *** كما حمل السجاد عان مقيدا

وللشيخ جاسم الملة خطيب الفيحاء يهنئ الشيخ شمعون في عرسه ويهنئ به السيد ابراهيم السيد محمد رحمه اللّه .

اسفرت تخجل ضوء القمر *** بنت حسن بين أقمار الكلل

طاف قلبي في هواها وسعى *** حين الفاه طريقا مهيعا

ولها لبى فؤادي مسرعا *** فأظلته بليل الشعر

فاهتدى التشبيب فيها والغزل

ص: 75

نشأت بين سجوف وستور *** ونمت انسية في زي حور

أكؤس السحر بعينيها تدور *** فحبتني من لماها المسكر

قرقفا صرفا بعل ونهل

ان رنت في لحظها قلت الحسام *** أوبدت قلت هي البدر التمام

اسقمتني فعلى جسمي السلام *** ورمت عيني بداء مسهر

اي وما في الرأس شيبي اشتعل

يا خليلي انشرا ذكر الدمى *** واطويا عني تذكار الحمى

وارحما صبا بليلى مغرما *** ودعاني اليوم اقضي وطري

ولام العاذل اليوم الهبل

اقول ويستمر في التشبيب والغزل الى أن يقول :

همت في ذكر المعالي شغفا *** وزلال الوصل لي منها صفا

حيث في عرس ابن حمون الصفا *** تنثني العليا كغصن نضر

قد كساها حسنها أبهى الحلل

نال بالتقوى وبالزهد المرام *** واليه العلم قد القى الزمام

فارتقى من غارب المجد السنام *** وزكا فيه زكي العنصر

وسما فيه الى اسمى محل

منطق التصريح فيه أعلنا *** حيث قد كان اللبيب الفطنا

قمع الغي وأحيا السننا *** وبه جاء صحيح الخبر

انه في العلم فرد والعمل

وقال وقد اهدى نبقا الى أحد اخوانه :

مكارمك البيض التي لا أطيقها *** بعد وقد جازت بك الغرب والشرقا

فأهديت نبقا نحوكم متفائلا *** به اننا في لطفكم ابدا نبقى

ص: 76

رثاؤه للامام الحسين في مطلع قصيدة حسينية :

أهاجك برق كاظمة لموعا *** فزدت به على شغف ولوعا

وقال في مطلع هلال محرم الحرام قصيدة مطلعها :

غب يا هلال محرم بحداد *** حزنا على آل النبي الهادي

وأخرى في الامام الحسن الزكي السبط الاكبر وأولها :

هجرت الكرى ولذيذ الوسن *** لما ناب سبط النبي الحسن

وله رائعة في عقيلة الوحي زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين أولها :

تجنى علي الحب وهو محبب *** وأمرضني وهو الطبيب المجرب

ومنها في تعيين قبرها في ضيعة ( راوية ) بالشام :

لمرقدها بالشام تروي ثقاتها *** وقيل بمصر ، ان هذا لاعجب

لمرقدها بالشام دلت خوارق *** بها ينجلي من ظلمة الشك غيهب

وفي آخرها :

واني ارجو أن أزورك قاصدا *** فمنك ومن آبائك الخير يطلب

عليكم سلام اللّه ما دام ذكركم *** أفوه به بين الانام واخطب

للشيخ قاسم الملا لما زار مرقد الامام الحسين علیه السلام في العشرين من صفر سنة 1311.

زرت ابن خير الورى جميعا *** والنفس قد ادركت مناها

شممت روح الجنان لما *** شممت ريحانة ابن طاها

ص: 77

الحاج عبد الحسين الازري

المتوفى 1374

رسول الاباء.

عش في زمانك ما استطعت نبيلا *** واترك حديثك للرواة جميلا

ولعزك استرخص حياتك انه *** أغلى والا غادرتك ذليلا

شأن التي أخلفت فيك ظنونها *** فجفتك واتخذت سواك خليلا

تعطي الحياة قيادها لك كلما *** صيرتها للمكرمات ذلولا

كالخيل ان عرفتك من فرسانها *** جعلتك تعتقد اللجام فضولا

العز مقياس الحياة وضل من *** قد عد مقياس الحياة الطولا

قل : كيف عاش ، ولا تقل كم عاش *** من جعل الحياة الى علاه سبيلا

لا غرو ان طوت المنية ماجدا *** كثرت محاسنه وعاش قليلا

* * *

ما كان للاحرار الا قدوة *** بطل توسد في الطفوف قتيلا

بعثته اسفار الحقائق آية *** لا تقبل التفسير والتأويلا

لا زال يقرؤها الزمان معظما *** من شأنها ويزيدها ترتيلا

يدوي صداها في المسامع زاجرا *** من عل ضيما واستكان خمولا

ص: 78

أفديك معتصما بسيفك لم تجد *** الاه في حفظ الذماركفيلا

خشيت أمية أن تزعزع عرشها *** والعرش لولاك استقام طويلا

بثوا دعايتهم لحربك وافترى *** المستأجرون بما ادعوا تضليلا

من أين تأمن منك ارؤس معشر *** حسبتك سيفا فوقها مسلولا

طبعتك اهداف النبي وذربت *** يدها شباتك وانتضتك صقيلا

فاذا خطبت رأوك عنه معبرا *** واذا انتميت رأوك منه سليلا

أو قمت عن بيت النبوة معربا *** وجدوا به لك منشأ ومقيلا

قطعوا الطريق - لذا عليك - والبوا *** من كل فج عصبة وقبيلا

وهناك آل الامر اما سلة *** أو ذلة فأبيت الا الاولى

ومشيت مشية مطمئن حينما *** أزمعت عن هذي الحياة رحيلا

تستقبل البيض الصفاح كأنها *** وفد يؤمل من نداك منيلا

فكأن موقفك الابي رسالة *** وبها كأنك قد بعثت رسولا

نهج الاباة على هداك ولم تزل *** لهم مثالا في الحياة نبيلا

وتعشق الاحرار سنتك التي *** لم تبق عذرا للشجا مقبولا

* * *

قتلوك للدنيا ولكن لم تدم *** لبني أمية بعد قتلك جيلا

ولرب نصر عاد شر هزيمة *** تركت بيوت الظالمين طلولا

حملت ( بصفين ) الكتاب رماحهم *** ليكون رأسك بعده محمولا

يدعون باسم ( محمد ) وبكربلا *** دمه غدا بسيوفهم مطلولا

لو لم تبت لنصالهم نهبا لما *** اجترأ ( الوليد ) فمزق التنزيلا

تمضي الدهور ولا ترى الاك في *** الدنيا شهيد المكرمات جليلا

وكفاك تعظيما لشأوك موقف *** أمسى عليك مدى الحياة دليلا

ما أبخس الدنيا اذا لم تستطع *** أن توجد الدنيا اليك مثيلا

بسمائك الشعراء مهما حلقوا *** لم يبلغوا من ألف ميل ميلا

الحاج عبد الحسين الازري (1) من شعراء العراق اللامعين حر

ص: 79


1- لقب الشاعر بالازري من جهة اخواله الذين منهم الملا كاظم الازري المتوفى 1212.

التفكير والعقيدة ومن اوائل دعاة التحرير وقد أصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد كانت من اوائل الجرائد ان لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم وقد نفاه الاتراك وحبس في الانضول ولم يكن يعرف له هذه الشاعرية الفياضة الا القليل حتى ظهر لاول مرة بسوق عكاظ ببغداد ، وكان من المجلين في تلك الحلبة ، ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية ، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة ، ومن رباعياته التي يرددها الناس في معرض الامثال قوله :

عبث الختل بالطباع وكانت *** كنبات ثماره الاخلاق

صاح لولا النفاق لم يعش النا *** س ولولاهم لمات النفاق

وله ديوان شعر يصور فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويرا غاية في البراعة ولكن ليس من هم بطبع هذا الديوان مع وجود المبلغ الذي رصده له المرحوم نفسه مما خلف من الميراث.

وترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر وقال : كان يتقن اللغة التركية والفارسية مضافا الى الفرنسية وقرض الشعر وهو دون الخامسة عشرة فأجاد وأبدع على صغر سنه وتعاطى التجارة واشتغل بالسياسة وجال في عالم الصحافة.

أصدر جريدة الروضة في سنة 1327 وكانت أدبية سياسية برز عددها الاول في 22 حزيران 1909 وعطلتها الحكومة بعد مرور اقل من سنة فأصدر في سنة 1328 جريدة ( مصباح الشرق ) وكانت سياسية ظهر العدد الاول منها في الأول من آب 1910 واستمرت تصدر بانتظام سنة كاملة ثم عطلتها الحكومة. وكان يدير ادارة مجلة ( العلم ) التي أصدرها العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني في 1328 = 1910 عندما أصدرها اول الامر في بغداد ، ثم اصدر جريدة المصباح في سنة 1329 وكان سياسية ، وقد ظهر العدد الاول منها في سابع آذار سنة 1911 ثم اصدر جريدة ( المصباح الاغر ) وبرز

ص: 80

عددها الاول في 14 تشرين الثاني 1911 واستمرت تصدر بانتظام حتى قامت الحرب العالمية الاولى فعطلتها الحكومة ونفت صاحبها الى الانضول. وفي سنة 1343 اصدر مجلة ( الاصلاح ) شهرية صدر عددها الاول في غرة محرم الموافق ثاني آب 1924 وكان نادي الاصلاح في بغداد يتولى ادارتها والانفاق عليها ، وقد توقفت بعد صدور العدد الثاني على الرغم من اقبال الناس عليها.

ولد الحاج عبد الحسين في بغداد سنة 1298 ه وترعرع في زمن كثرت فيه الانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد البالية ، من أجل ذاك نشأ وهو ثورة ادبية اجتماعية سياسية وعندما تقرأ ديوانه يرتفع بك الى جو مواج بهذه الالوان ، وفي سنة 1911 م اصدر جريدة المصباح ثم عطلتها شؤون الحرب العامة الاولى ، وحيث أن الادب الافرنسي واسع الخيال وكان الشاعر يتقن الافرنسية فكان محلقا في خياله ومبدعا في أسلوبه القصصي كتب الشيخ علي الشرقي عنه فقال (1) : كنت أنا والفقيد الغالي نختلف على تلعة من تلعات بلد النجوم لبنان ، وذلك في صيف 1951 وكنا ننعم باستجلاء اجمل صور الماضي الاجتماعية والادبية. وفي يوم من أيام هذه الندوة ونحن نتناشد المختار من الشعر واذا بالشيخ يضع بين يدي ديوانا من شعره لا اشذ اذا قلت اني وجدته المختار من المختار ، وليس للاستاذ الازري ديوان واحد ولكن هذا المجموع كان الحبيب اليه من شعره. لم يبهرني ذلك الديوان بديباجته المشرقة ولا لانه مجموعة صور رسمتها ريشة خلاق بل لاني وجدته وعاء انيقا في قراراته روح الشاعر الشاعر ، وفي جنباته قلبه المشع وعاطفته الملتهبة ، وقال ثلاثة اجيال وآل الازري يطلعون في أفق الادب العراقي ثلاثة نوابغ : أولهم الشيخ كاظم الازري ، وآخرهم ولا أقول أخيرهم الاستاذ الفقيد ، وواسطة العقد هو الشيخ محمد رضا (2) اما الشيخ كاظم فلم يكن في بغداد اشهر

ص: 81


1- في مقال تحت عنوان : الاستاذ الازري الكبير نشر في مجلة العرفان ج 42 / 534.
2- ترجمنا لهم في هذه الموسوعة.

منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي ، كما انه كان في الطليعة من شعراء النجف ونوابغها على كثرة ما في تلك المدينة من النوابغ يومذاك مثل آل الفحام وآل النحوي وآل محيي الدين وآل الاعسم وبيت زوين ووو.

يتخيل البعض انه من أسرة الحاج كاظم الازري الشاعر الشهير والذي تقدمت ترجمته - وليس بين الاسرتين علاقة الا علاقة الادب دون النسب ، حدثني الصديق الاستاذ جعفر الخليلي أنه سمع من الحاج عبد الحسين الازري نفسه انه ينفي هذه النسبة عن طريق الآباء والامهات وليس في ذلك غرابة فلقب الازري نسبة الى بيع الازر وقد يشترك الآلاف من الناس بهذه المهنة دون أن تكون بينهم قرابة أو يكون هنالك نسب.

وكتب عنه الاستاذ الكبير جعفر الخليلي في موسوعة ( العتبات المقدسة ) فقال الحاج عبد الحسين الازري من شعراء العراق اللامعين ، حر التفكير والعقيدة ومن اوائل دعاة التحرير. وقد اصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد، كانت من اوائل الجرائد ان لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم ، وقد نفاه الاتراك وحبس في الانضول ، ولم يكن أحد يعرف له هذه الشاعرية الفياضة الا القليل حتى ظهر لاول مرة بسوق عكاظ ببغداد ، وكان من المجلين في تلك الحلبة ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية ، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة.

له ديوان شعر يصور فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويرا غاية في البراعة ولكن ليس من هم بطبع هذا الديوان مع وجود المبلغ الذي رصده له المرحوم نفسه مما خلف من الميراث اذ انه هو الجامع لديوانه والناظم عقوده بيده.

ولد ببغداد سنة 1298 للهجرة وترعرع في زمن كثرت فيه الثورات والانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد. والمطلع على ديوانه يطلع على سجل حافل بالتيارات الفكرية. فمن نوادره قوله :

ص: 82

ان العراق وكان في *** زمن من الازمان بحرا

حكم الوراثة موجب *** في طبعه مدا وجزرا

متقلب كرياحه *** ما بين آونة وأخرى

وقوله :

ليت السما تقوى فتنقذني *** حتى افوز بمدفن عطر

فتراب هذي الارض قاطبة *** قد دنسته جرائم البشر

ومن روائعه قصيدته في تأبين محمد جعفر ابو التمن.

تحولت بعدك الارياف والمدن *** مآتما والمعزى فيهما الوطن

لو أن للموت عقل لافتداك بمن *** أعمالهم دفنتهم قبلما دفنوا

ورائعته في فيصل الاول وأولها :

نعوا للعروبة عنوانها *** ومن عين هاشم انسانها

وأخرى عنوانها ( في السينما ) أولها :

خلطاء من كل فج حضور *** وصفوف كما تصف السطور

فكأني بهم قصيدة شعر *** راق فيها التجنيس والتشطير

ومن روائعه ونوادره قوله :

في سغبي موتي فهل بعده *** عندك ما يرهب أو يفزع

وانما يخشى على نفسه *** عواقب الاحداث من يشبع

وقال :

ومن الذل أن تعيش بدار *** كل يوم منها على الحر عام

عبث حبك البقاء طويلا *** ان تعش مثلما تعيش السوام

ص: 83

آثاره :

1 - بطل الحلة رواية عصرية.

2 - البوران رواية عصرية.

3 - قصر التاج.

4 - ديوان شعر.

توفي رحمه اللّه في بغداد يوم الاحد 21 ربيع الثاني 1374 ه ونقل جثمانه الى النجف الاشرف بتشييع مهيب فدفن في وادي السلام ونعته الصحف العراقية والعربية ورثاه عارفوه وأبنوه.

يقول الازري في قصيدته ( ردوا ).

ردوا الى اريافكم ردوا *** لا الكاس شأنكم ولا ( النرد )

لا تلهكم صور مزيفة *** عنه كما يتزيف النقد

فالسم قد يبدو لشاربه *** حلو المذاق كأنه الشهد

لا تحسبوا ان الحضارة في *** سبط الشعور وشعركم جعد

ان النفوس على بداوتها *** لكن تحضر دونها الجلد

خلوا الكهوف الى عناكبها *** فلهن في حشراتها حشد

في كل زاوية لها شرك *** متعدد الاشكال ممتد

تضدي ولا تنفك جائعة *** مهما تكاثر حولها الصيد

لم تبلغ الاطماع حاجتها *** منها وليس لحاجها حد

عاد الهواء بجوها نتنا *** لا الطيب يخفيه ولا الند

شر الحواضر ما بتربتها *** تشقى الجموع ويسعد الفرد

وفي قصيدته زوجوها ... ايماءات اجتماعية دالة بادر الى توضيحها الازري عقب قيام أحد معارفه بالزواج من فتاة تصغره بمراحل وقد أثارته هذه الحادثة بشكل عجيب فأوحت اليه هذه الصور الحادة :

قدر أم بلاهة في أبيك *** ضيعت رشده فطوح فيك

ص: 84

لست أدري كيف ارتضاك لعات *** عابث كل ليلة بفتاة

قد تراءى له بزي ثقات *** رب ذئب يبدو بصورة شاة

وابن آوى مقلد صوت ديك

يا لخود كزهرة من بنفسج *** تملأ الصبح بهجة ما تبلج

بينما قد تفتحت وهي تأرج *** غالها آثم ولم يتحرج

فتوارت فالشمس بعد الدلوك

نمت والهر يا حمامة كامن *** يرقب الفتك بالطيور الدواجن

انما الشرع قد حماك ولكن *** مدع فيه من لصوص المدائن

أغفل النائمين من أهليك

ومنها ..

طوقتها يداه بالرغم عنها *** والتوت مذ رأته بالقرب منها

كيف تأبى وحظها لم يعنها *** تركته يرعى بها دون منهى

كحمار في روضة متروك

لم تجد وهي دونه من مفر *** ينقذ الصيد من براثن هر

أرجعته الدنيا لارذل عمر *** غرقت في لعابه وهو يجري

جري ماء من محقن مفكوك

سائلي الليل كم به من سرير *** لف جذعا بغصن بان نضير

سائليه ويا له من خبير *** أنعوش قد كللت بزهور

أم نطوع الى ضحايا النوك

ص: 85

سمحوا للنفوس أن تتصبى *** تسترق الحسان لهوا ولعبا

ومذ استيقنوا الشريعة تأبى *** أن يتم الزواج قسرا وغصبا

قتلوها وباسمها قتلوك

ولعوا في تعدد الازواج *** ولع الذئب بافتراس النعاج

والملذات ما لها من سياج *** أطلقتهم من قيد كل زواج

واستخفت بآية العدل فيك

حكموك بالرق دون اعتراض *** وهوى النفس حكمه فيك ماضي

هو في الوقت مدع وهو قاضي *** وعلى حكمه وعقد التراضي

باعك المالكون من مشتريك

ليت شعري والحق كان جليا *** لك مثل الذي عليك سويا

أهو العصر لم يزل جاهليا *** أم هو الوأد قد تغير زيا

ليكف العقاب عن وائديك

قال قوم ما أنت الا متاع *** تارة يشترى وطورا يباع

كل حق عند القوي مضاع *** وجدوك ضعيفة فاستطاعوا

أن يسومونك ذلة المملوك

ومن قصيدته « صوني جمالك » هذا المقطع ..

كيف الحفاظ وأنت زدت *** بريحك النار التهابا

وطلعت ثائرة على *** الدنيا فأحدثت انقلابا

حتى ظفرت بما حلا *** لك من مفاتنها وطابا

ورأيت أجمل من وشاحك *** قامة غضت اهابا

فكشفت منها الجانبين *** وعفت للوسط النقابا

ص: 86

عبث حبك البقاء

ليس يجدي من الضعيف الكلام *** يسمع الناس ما يقول الحسام

انما الحق سلوة العاجز الاعز *** ل فيما لو جارت الاحكام

يتسلى به كما يتسلى *** بحديث الصبابة المستهام

كل عيش يمر في ساحة العز *** حلال وما سواه حرام

ومن الذل أن تعيش بدار *** كل يوم منها على الحر عام

قل لثاو طوى على الذل كشحا *** ما وراء الذي تحملت ذام

عبث حبك البقاء طويلا *** ان تعش مثل ما تعيش السوام

أو يكن حظك الحثالة منها *** انما حصة الكلاب العظام

وسواء اطال أم قصر الليل *** اذا لازم النهار الظلام

ان اردت الحياة فاطلب بها العز *** وان رمت غيره فالحمام

أرهفت نفسك الهواجس حتى *** كثرت في سباتك الاحلام

كم تقاسي في كل يوم شقاء *** لك يبقى وتذهب الايام

خاب من راح واثقا بالاماني *** ما وراء السراب الا الاوام

يتمنى للداء منها علاجا *** رب داء دواؤه الصمصام

وعجيب ممن يعيش خليا *** ليس يدري ما الضيم وهو مضام

لم ينم في الهواء من كان يدري *** أن للعز أعينا لا تنام

يا نداماي حسبكم ما شربتم *** فرغ الكاس واستشف المدام

عظم اللّه أجركم بالحميا *** والمسرات ما لهن دوام

اتركوا لي كأس الاسى ولغيري *** ما حوى الكاس من طلى والجام

ان صفوي ما كدرته الاعادي *** وصلاحي ما أفسد النمام

ليت أني علمت ما خبأ الدهر *** لقومي وقدر العلام

أمل يبعث النفوس ولولا *** ه تساوى الاقدام والاحجام

وبقايا مني يطاردها اليأس *** فلا منعة ولا استسلام

أدلج الركب والطريق مخوف *** حف فيه الغموض والابهام

خبريني عن الغمائم يا ريح *** فعهدي بالخطب عهد قدام

جف ماء الوادي وكان جماما *** وذوى فيه رنده والبشام

قطع اللّه ايديا منه جذت *** خير نبت والنبت بعد تمام

ص: 87

فرصة في زمانها اغتنمتها *** واطمأنت اذ الرفاق نيام

انما آفة الورى طمع النفس *** وداء الاطماع داء عقام

رب صعب القياد ذللّه المال *** كما ذلل البعير الخطام

واذا لم ير العقوبة جان *** فمن السهل عنده الاجرام

من حبته الفوضى بكاس دهاق *** فمناه أن لا يسود النظام

كثر القانصون حولك فاحذر *** وابتعد عن شراكهم يا حمام

ما عسى أن يؤثر الشعر فيمن *** لم تؤثر به الخطوب الجسام

ص: 88

الدخان

ظن الدخان بعرض الجو أن له *** من المواهب ما للعارض الغادي

وليس صعبا عليه أن يباريه *** فيما يفيض لرواد ووراد

اذا تمدد سد الافق صيبه *** مزمز ما بين ابراق وارعاد

أو شاء أغدق من أطرافه مطرا *** كالسيل يغمر سطح البلقع الصادي

وظل يختال تيها من تسنمه *** متن الرياح على أرجاء بغداد

حتى تخيل كل القوم منتظرا *** نداه من حاضر في الارض اوباد

و ما النسيم له الا كراحلة *** تطوي الفضا بين اتهام وانجاد

وهكذا قد تناسى أن منشأه *** من جوف حراضة أو كور حداد

ضاقت به فرمته من مداخنها *** فراح يحدوه من ريح الصبا حادي

وبينما هو نحو الافق متجه *** على جناح نسيم راكد هادي

هبت من الافق ريح صرصر عرضا *** فشتته وأجلته عن الوادي

الحق أيقظه في صوت عاصفة *** ايقاظه مجرما في سيف جلاد

من ظن أن له الايام خاضعة *** فان أحداثها منه بمرصاد

ومن يطر بجناحي وهمه نصبت *** له الحقيقة منها فخ صياد

ص: 89

أوظار

تأتي الحياة فترتدينا برهة *** وترد تخلعنا كثوب يسمل

وبحكم ألفتها ظننا أننا *** هدف لها وكذا الظنون تعلل

ما نحن الا للحياة وسيلة *** فبنا لاجل بقائها تتوسل

كل لاهداف الحياة مسخر *** وبكل جارحة اليها يعمل

من ناطق فوق البسيطة عاقل *** وبهيمة خرساء ليست تعقل

قد هيأت للنسل من شهواتهم *** فيهم معامل ثم قالت : أنسلوا

فاذا تعطل عامل من بينهم *** نبذته اذ لم يجدها المتعطل

كالنخل يبقى منه ما هو حامل *** رطبا ويقلع منه ما لا يحمل

واذا أتم النحل لقح اناثه *** لم يبق يصلح للحياة فيقتل

كمنت بزهرة كل نبت حاضر *** لتهيئ النبت الذي هو مقبل

وتعود تكمن في خلايا بذرة *** وتعاف من ثمراته ما يؤكل

تنميه حتى تستغل نشاطه *** ما تستطيع وبعد ذلك يهمل

غرض البقاء يسوقها فلذاك من *** جيل لآخر جهدها يتحول

غطت رحاب الارض في أوظارها *** حتى اختفى منها الاديم الاول

تتعاقب الاجيال فوق خشاشها *** والموت يكنس والحياة تزبل

لولا العلاقة بالحياة غريزة *** لم يبق من لشقائها يتحمل

والمرء عبد للغريزة ما له *** من رقها ما دام حيا موئل

ص: 90

الكتاب والحجاب

نظمها الازري معارضا لقصيدة ( المرأة في الشرق ) التي أنشدها الاستاذ معروف الرصافي على أحد مسارح بغداد.

أمنازل الخفرات بالزوراء *** لا زعزعتك عواصف الاهواء

قري فانك للفتاة أريكة *** ضربت سرادقها على النجباء

لا تحزني مما رماك به الهوى *** ظلما وظنك معقل الاسراء

أين الاسارة من عفاف طاهر *** أين المعاقل من كناس ظباء

أكريمة الزوراء لا يذهب بك ال *** نهتج المخالف بيئة الزوراء

أو يخدعنك شاعر بخياله *** ان الخيال مطية الشعراء

حصروا علاجك بالسفور وما دروا *** ان الذي حصروه عين الداء

أو لم يروا ان الفتاة بطبعها *** كالماء لم يحفظ بغير اناء

من يكفل الفتيات بعد ظهورها *** مما يجيش بخاطر السفهاء

ومن الذي ينهى الفتى بشبابه *** عن خدع كل خريدة حسناء

ليس الحجاب بمانع تهذيبها *** فالعلم لم يرفع على الازياء

أولم يسغ تعليمهن بدون أن *** يملأن بالاعطاف عين الرائي

ويجلن ما بين الرجال سوافرا *** بتجاذب الارداف والاثداء

فكأنما التهذيب ليس بممكن *** الا اذا برزت بدون غطاء

وكأنما الاصلاح عز بناؤه *** ما لم يشيد مسرح بنساء

ان المسارح لا تدير شؤونها *** من كلفت برعاية الابناء

مثل بها دور الفضيلة انها *** تغنيك عن تمثيل دور اباء

وانظر الى شأن المحيط وأهله *** كيلا تفوتك حكمة الحكماء

نص الكتاب على الحجاب ولم يبح *** للمسلمين تبرج العذراء

قل لي فماذا يصنع العلماء لو *** نزهتهم من سيرة الجهلاء

ماذا يريبك من حجاب ساتر *** جيد المهاة وطلعة الذلفاء

ماذا يريبك من ازار مانع *** وزر الفؤاد وضلة الاهواء

ما في الحجاب سوى الحياء فهل من *** التهذيب أن يهتكن ستر حياء

هل في مجالسة الفتاة سوى الهوى *** لو أصدقتك ضمائرالجلساء

شيد مدارسهن وارفع مستوى *** أخلاقهن لصالح الابناء

وافحص عن الاخلاق قبل حجابها *** أو ما سمعت بطائر العنقاء

هلا اختبرت الاقوياء خلاقهم *** لو كنت تأمن عفة الضعفاء

أسفينة الوطن العزيز تبصري *** بالقعر لا يغررك سطح الماء

وحديقة الثمر الجني ترصدي *** عبث اللصوص بليلة ليلاء

ص: 91

الانانية

غمر السرورفؤادها بزواجه *** وأعاد شاحب وجهها متهللا

قد كان من أقصى الاماني عندها *** يوم ترى فيه ابنها متأهلا

حتى اذا نعمت بليلة عرسه *** وتفيأ الضيف الجديد المنزلا

نظرتهما مسرورة وتجاهلت *** قلقا افاق بنفسها فتململا

لم تدر ما هو؟ غير أن فؤادها *** قد عاد لا يجد السرور الاولا

ظنته وهما عارضا فاذا به *** داء على مر الليالي استفحلا

وطغت عليها وحشة من بيتها *** فكأنه بعد العشي تبدلا

وكأنها ندمت وودت لو أبى *** ليعيش معها راهبا متبتلا

كان ابنها ملكا اليها خالصا *** واليوم ها هو للغريب تحولا

وتوهمت شبحا يحاول فصلها *** عنه ويطلب منه أن يتنصلا

* * *

رجعت لعزلتها تناجي نفسها *** وتود عما نالها أن تسألا

فأجابها القلق الذي شعرت به *** مهلا فاني لم اجئ متطفلا

أنا ذلك الغرض الاناني الذي *** في كل نفس لم أزل متأصلا

حب الامومة لابنها حب لها *** فاذا تلمست العقوق تسللا

نار الحروب توقدت من لذعتي *** والحرص يختلق الذنوب تعللا

لو لم اكن لم تشهدي متظلما *** من جائريه ولا بطاغ مبتلى

لا يستطيع العلم جذم أواصري *** ولو أنه بلغ السموات العلى

بل كلما ارتقت الحضارة في الورى *** اشتدت قوادحها وزادتني صلى

* * *

أنا كاللظى والناس في غليانهم *** كالماء والدنيا استحالت مرجلا

ص: 92

فترة

أضحكتنا ورب ضحك بكاء *** فترة من زماننا رعناء

فترة ضاعت المقاييس بين *** الناس فيها وسادت الاهواء

خلقت من خشارة الناس رهطا *** عرفت بعد خلقه الآباء

لمة من بني الشوارع عاشت *** حيث عاش الاعيار واللقطاء

حشرات طلعن من طبقات *** الارض لما استتبت الظلماء

وجراثيم حين لاءمها الماء *** تفشى من سمهن الوباء

رفعتها من الحضيض ولم تر *** فع نهاها فمسها الخيلاء

وكذاك اعتلاء من ليس اهلا *** للمعالي مصيبة وبلاء

* * *

يا لها فترة من الدهر فوضى *** يستوي الهدم عندها والبناء

كثر الانتحال فيها وباتت *** تستغل الانساب والاسماء

كيف لا ترقبن كل عثار *** من قصير عليه طال الرداء

غره المرتقى فظن بأن *** الناس - حاشاه - اعبدو اماء

وله وحده الكرامة ، والعزة *** والمجد، والنهى ، والعلاء

تقرأ العجب فيه من نظرات *** ملؤها الاحتقار والازدراء

مطرق ان مشى كمن اشغلته *** لحلول المشاكل الآراء

لو تصفحته وجدت ثيابا *** فوق جسم كأنه المومياء (1)

مجدبا كالسباخ من كل خير *** جل ما في جرابه الكبرياء

ان تسل منه فالجواب اقتضاب *** أو تسلم فرده ايماء

* * *

واذا ما استنسبته قال انا *** من أياد وغيرنا الادعياء

نحن من حاملي اللواء بذي ( قار ) *** أبونا ، وأمنا البرشاء

ص: 93


1- المومياء دواء يحنط به الاجسام كالهياكل القديمة.

وبنو عمنا الاراقم من تغلب *** والاعشيان والخنساء

دارنا الغور ، والعذيب ، ووادي *** الجزع ، والابرقان ، والدهناء

وجبل السراة تشهد أنا *** عرب ليس غيرنا عرباء

هكذا تفعل المهازل في الدنيا *** وتقضي الغباوة العمياء

وكذا يبطر الرخاء خفيف الوزن *** من حيث لم يسعه الاناء

* * *

تتغنى به البلاهة والطيش *** وبعض من الغناء رثاء

لا تلمه فقد رأى فوق ما لم *** يتصور ، وانجاب عنه الشقاء

من رياش تحفه في المقاصير *** وكانت تلفه القرفصاء

* * *

وتخب السيارة اليوم فيه *** بعد ما خد أخمصيه الحفاء

يوجد الخير حيث يوجد في المرء *** ضمير يشع منه الضياء

* * *

أيها الفترة اقترفت ذنوبا *** قد تلقى عقابها النبلاء

ليس هذا الزمان الا كتابا *** انت منه الصحيفة السوداء

فيك راح الهوى يخط ويملي *** لم تقيده ذمة أو حياء

طالما غرت الظواهر عيني *** وغطى على الظنون الرياء

ثم دارت رحى الزمان فأبدت *** لي ما ينطوي عليه الخفاء

رب داء ترى من العار شكواه *** وشكوى يثنيك عنها الاباء

ص: 94

الشيخ عبد الحسين الحلّي

المتوفى 1374 ه

يا ليالي بأعلى الكرخ عودي *** عله يخضر في عودك عودي

ان أيامي كانت خدمي *** فيه لما كنت من بعض عبيدي

فزت فيه بجنان جمعت *** بين قضبان غصون وقدود

كلما هبت صبا قلت لها *** يا غصون اعتنقي عطفا وميدي

بيد الناهد من رمانها *** واليد الاخرى برمان النهود

أحسب الطلع نضيدا مثلما *** طلع اللؤلؤ في الثغر النضيد

انشق التفاح فيها خجلا *** لم لا أرشف تفاح الخدود

وأخد الروض أبغي ورده *** أفلا تغني خدود عن ورود

كلما في الكون فيه لذة *** لك ان متعت بالعيش الرغيد

وأقم ان شئت في كوخ بلا *** كدر أو شئت في قصر مشيد

وادرع طمرا اذا كنت به *** وادعا تستغن عن وشي البرود

الى أن يقول :

بهدى آل الهدى استمسك فقد *** جمعوا الفائت للفضل العتيد

عترة الوحي الذين ابتهجت *** لهم الدنيا بأنوار الوجود

قد كفاهم انهم من نوره *** خلقوا والناس طرا من صعيد

وكفى عن مدح الناس لهم *** مدحهم في محكم الذكر المجيد

فقضوا بين سميم وقتيل *** ومضوا بين شريد وطريد

ص: 95

يا بني الزهراء انتم عدتي *** وبكم يكثر ان قل عديدي

بيتكم قصدي ومدحي لكم *** هو في نظم الثنا بيت قصيدي

انتم المحور من دائرة *** أكملت قوسي نزولي وصعودي

انتم حبل اعتصامي ان تكن *** بلغت نفسي الى حبل الوريد

ليس لي الا ولاكم عمل *** آمن الهول به يوم الوعيد

ما لنقصي جابر غيركم *** يوم تدعو سقر هل من مزيد

لكم مني الهنا ممتزجا *** بالاسى في مولد السبط الشهيد

هزه في مهده الروح ومن *** هزه الروح به خير وليد

فرحت اهل السماوات به *** وغدت تزهر جنات الخلود

وبه اللّه عفا عن فطرس *** فأميطت عنه اغلال القيود

واصل اللّه به البشرى وما *** تنفع البشرى بمقطوع الوريد

قتلوه ظامئا دون الروى *** ثم ساقوا أهله سوق العبيد

تتراماها النواحي في الفلا *** حسرا لابن زياد ويزيد

أزعجت من خدرها حاسرة *** كالقطا روع من بعد هجود

فقدت كل عماد فدعت *** من بني عمرو العلى كل عميد

لبدور بدماها شرقت *** وبها اشرق مغبر الصعيد

قد تواروا بقنا الخط أهل *** قصد الخطي غاب للاسود

يا أبا الصيد الميامين وهل *** ينجب الاصيد ولدا غير صيد

أنت لي ركن شديد يوم لا *** يلتجى الا الى ركن شديد

هذه مني يد مدت فخذ *** بيدي منك الى ظل مديد

أنا في حشري عليكم وافد *** طالبا حق ولائي ووفودي

لا أكن بين عداكم ضائعا *** في غد ضيعة عيسى في اليهود

الشيخ عبد الحسين الحلي علم الاعلام له المكانة المرموقة في الكمال والتضلع في العلوم وقد هجر الحلة مهبط رأسه ومحل أسرته وهو في الثالث عشر من سنه وقصد النجف حيث العلم والمعارف ، وحيث الدرس والتدريس فقرأ ما شاء أن يقرأ من العلوم العربية والمنطق والفقه وأصوله والكلام والحكمة والتفسير والحديث وغير ذلك وأصبح استاذا يشار اليه بالبنان وحصلت له ملكة نحت الشعر وقرضه عندما كان في أيام شبابه يتردد على الحلقات الادبية والنوادي الشعرية ، ولا ابالغ اذا قلت ان العلامة الحلي قليل النظير

ص: 96

في النجف من الوجهتين العلمية والادبية فهو الاستاذ الذي تحضر لديه جملة من طلاب العلم ورواده ، وهو الاديب الذي تتبارى أمامه الشعراء والحكم الذي تذعن لحكمه الادباء ، خفيف الروح حسن المعشر لا يظهر بمظاهر العظمة والرفعة ومن هنا يأنس به كل واحد ، تعرض عليه شعرك فيعيرك أذنا صاغية أما اذا اراد أن ينبهك على خطأ من بيت غير موزون أو قافية لا تلائم اخواتها تزداد ابتساماته ويلتفت اليك قائلاً : أيقال هكذا وللشيخ الحلي مؤلفات كثيرة في مواضيع شتى منها ( نصرة المظلوم ونقد التنزيه ، ترجمة الشريف الرضي ) دراسة قيمة كانت مقدمة لكتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل للسيد الرضي الى غير ذلك.

ولد في الحلة عام 1301 ه ولما ابتدأ بدراسة العلوم العربية هاجر للنجف كما تقدم يقول صاحب الحصون : كانت هجرة الشيخ عبد الحسين عام 1314 وعند وصوله النجف ارتجل هذه الابيات في مدح الامام أمير المؤمنين علیه السلام :

يا علي الفخار فيك هدانا *** اللّه بعد العمى سواء السبيل

كن مقيلي من العثار فإني *** جاعل في ثرى حماك مقيلي

لا أبالي وقد تخذتك كهفا *** عاصما لي من كل خطب جليل

أنت من لاعج الحميم مجيري *** والى نافح النعيم دليلي

أنت من خير معشر وقبيل *** بحماهم يحمى ذمار النزيل

والمترجم له قد درس على الشيخ محمود ذهب الفقه والاصول ولازم شيخ الشريعة ملازمة الظل فأخذ عنه كثيرا من العلوم منها علمي الدراية والرجال وكثيرا من الحديث والحكمة والكلام والهيئة والحساب وقد أجازه في الاجتهاد ولكن الظروف القاسية اضطرته الى قبول القضاء في البحرين كمميز لاحكام المحاكم الشرعية فاستفاد منه الخليج. هذا ولم يفتر عن نشراته وبحوثه في المجلات فقد واصل في نشر موضوع الشعوبية والشعوبيين وبين فترة واخرى يتحف الادب والادباء برائعة من روائعه امثال رائعته التي اولها.

لولا هوى وطني وحسن وفائي *** ما كان فيه ولا يكون ثوائي

ص: 97

حب له ما انفك حشو حشاشتي *** أبدا وتلك سجية الامناء

حلت به ايدي الشباب تمائمي *** وعلى الكمال عقدت فيه ردائي

وقوله في الغزل قصيدته التي مطلعها :

أطلع لي قده وخده *** فخلت غصنا عليه ورده

وفي قصيدته اسرار الهوى يقول :

ما للظبا نظرات من هوى فيها *** لكن لعينيك تمثيلا وتشبيها

ولست الثم ثغر الكاس عن شغف *** لكن لريقة ثغر منك تحكيها

وارقب الشمس في الآفاق أرمقها *** لان من خدك الاسنى تلاليها

يا ويح نفسي من نفس معذبة *** منها عليها غدا في الحب واشيها

يا من جلت لي معنى البدر طلعته *** ممثلا وهوبعض من معانيها

كم لي بها نظر جلت مظاهره *** من بعده فكر دقت معانيها

اني لاصبو الى اغصان مائسة *** لما غدا عنك مرويا تثنيها

وأعشق الوردة الحمراء احسبها *** خدا فألثمه افكا وتمويها

* * *

يجلو السلافة لي في خده رشأ *** تحكيه في رقة المعنى ويحكيها

وردية لم أخلها في زجاجتها *** - استغفر اللّه - الا خد ساقيها

حمراء في فلك الاقداح مطلعها *** وفي العقول اذا سارت مجاريها

رقت فلم أدر في كاساتها جليت *** ام كاسها لصفاء او دعت فيها

عذراء باتت وبات القس يحرسها *** والصلب من حولها في الدير تحميها

ما زوجت بسوى ابن المزن والدها *** حكم المجوس بها القسيس يفتيها

شعت فقامت لها الحرباء ترمقها *** كأنها الشمس في أبهى تجليها

شمس تفوق شموس الافق ان بها *** كمثل ايامها ضوءا لياليها

كان الشيخ عبد الحسين رحمها لله زميلا لوالدي وبينهما صداقة ومودة وتبادل الزيارة والمذاكرات العلمية متصلة فلا يمر اسبوع الا

ص: 98

وارى والدي في دار الشيخ الحلي وارى الحلي في دارنا أيضا وكان الوالد يقول لي : اعرض ما يعسر عليك فهمه على الشيخ عبد الحسين فكنت اثناء ذلك اسمع منه النكتة المستملحة والنادرة الادبية ولعهدي بجماعات من المشغولين بالتأليف والمعنيين بالبحوث التاريخية والادبية ومرجعهم الشيخ بكل ما يكتبون ولعهدي بشاعر من المتدرجين على نظم الشعر كان يقرأ على الشيخ شعره وشعوره وكثيرا ما كان الشيخ يداعبه فتستحيل الجلسة الى فكاهة ومرح اذ أن الشيخ يقرض ذلك الشعر بقطعة تكون على الوزن والقافية وحسبك ان تقرأ جريدة الهاتف النجفية ومجلة الاعتدال لتقف على منثور المترجم له ومنظومه انه يقول في رائعته ( عالم الغد ).

أيصدقني يومي الاحاديث في غد *** فيغدو على برحاء قلبي مسعدي

سقاني على التبريح كاسا مريرة *** أهل بعدها يصفو ويعذب موردي

وروت لنا جريدة الهاتف من شعره تحت عنوان ( البلبل السجين ) :

أيها البلبل حيتك الغوادي والروائح

وتعطرت من الزهر بأصناف الروائح

مرة غنيت في دهري فردتني الصوائح

وتغني أنت دوما ثم لا تزجر مرة

ما الذي مازك لولا أن تغريدك فطره

ومن بدائعه المرتجلة ان زار فضيلة الشيخ عبد الحسين شرع الاسلام عند رجوعه من السفر وكان في المجلس طبقة من علماء النجف فطالبوا زميلهم بهدية منه بمناسبة زيارته للامام الرضا علیه السلام بخراسان فقام الشيخ وجاء بجملة من الخواتيم الفيروزجية وقال ليختر كل واحد خاتما ، فارتجل الشيخ الحلي.

ألقى الخواتيم لنا فانتثرت *** حتى تزاحمنا عليها معه

فلا تسل عنا فكل واحد *** أدخل في خاتمة اصبعه

لقد كانت حياة الشيخ الحلي مدرسة وكان امة في فرد لذلك عز

ص: 99

نعيه وتهافتت الوفود على ولده الدكتور علي تعزيه والحق انها هي الثكلى ثم اقيمت له حفلة تأبين في منتدى النشر والقى ولده كلمة ملتهبة لوعة وحسرة وانا لله وانا اليه راجعون. ومما هو جدير بالذكر ان سبط الشيخ المغفور له وهو صديقنا الاستاذ مجيد حميد ناجي قد اتحفنا بجملة من أشعار جده وروائع من منظومه احتفظنا بها في مخطوطاتنا من الاطالة.

ص: 100

الشيخ حسن سبتي

المتوفى 1374 ه

أهلت دموعي حين هل محرم *** فطيب الكرى فيه علي محرم

فلهفي لال المصطفى كم تجرعوا *** أذى يوم وافوا كربلاء وخيموا

فوافتهم اجناد آل امية *** وقائدهم شمر الخنا يتقدم

فهب بنو العلياء أبناء فاطم *** وسيدهم أهدى الانام وأكرم

حسين من الباري اجتباه وخصه *** ظهيرا الى الدين الحنيف يقوم

فهب بها ابن المجتبى القرن قاسم *** يكيلهم بالمشرفي ويقسم

وغاص بهم شبل الزكي مدمرا *** بصارمه نثرا وبالرمح ينظم

يجول بهم جول الرحى فكأنه *** عليم بفن الحرب لا متعلم

دجى صبح ذاك اليوم نقعا ووجهه *** أضاء كبدر التم والليل مظلم

فنكس أعلاما وأردى قساورا *** ودمر باقي جيشهم وهو معلم

اذا ما تجلى في النزال يريهم *** ثبات علي جده وهو يبسم

وقام يسوي بينهم شسع نعله *** فلم يخش ما بين العدى يترنم

يقول انا ابن المجتبى نجل فاطم *** فان تنكروني فالوغى بي تعلم

فشلت يد الازدي كيف بسيفه *** نحى رأسه ضربا فخضبه الدم

وخر على وجه البسيطة فاحصا *** برجليه في الرمضا جديلا يخذم

فلم انس اذ وافاه ينعاه عمه *** كمنقض صقر والمدامع تسجم

فقدتك بدرا غاله الخسف بغتة *** ونجم سعود لا تضاهيه أنجم

فيا لك عريسا تزف مخضبا *** بنبل الاعادي اذ نثارك أسهم

فلو أنني باق بكيتك لوعة *** ولكن الى ما صرتم متقدم

ص: 101

الحسن بن الكاظم بن الحسن بن علي بن سبتي السهلاني الحميري خطيب أديب ضليع بحاثة ولد في النجف 1299 ونشأ بها على أبيه شيخ الخطباء ودرس المقدمات من علوم العربية وتخصص لخدمة المنبر الحسيني فألف ( الكلم الطيب ) و ( أنفع الزاد ) في سيرة النبي وآله الامجاد نظما ، وله ديوان شعر كبير كما له ( سلوة الجليس ) في التشطير والتخميس ونظم باللغة الدارجة باوزان مختلفة ومن منظوماته الرصينة قصيدته المشجية يستنهض بها العرب وملوك الاسلام ومن خدماته نشره ديوان والده عام 1372 وكان يقرأ ما ينظمه من ملحمته الكبيرة في أهل البيت وعدد ابياتها (1500) بيتا فرغ من نظمها سنة 1347 طبعت بالنجف سنة (1357) ومن المشهور بين المتأدبين أن في مقدمة الخطباء الذين يخلو كلامهم من اللحن هو الخطيب الشيخ حسن سبتي وكان ذواقة مدح الناس وشاركهم في أفراحهم وأتراحهم وأرخ كثيرا من الحوادث والعمارات ووفيات الاعلام.

كانت وفاته عصر يوم الخميس 23 من شهر صفر 1374 ه وشيع باجلال وتبجيل واحترام شارك فيه كافة الطبقات ودفن في الصحن الحيدري الشريف بالقرب من قبر والده وأعقب ولدا واحدا يتحلى بحسن السلوك.

ص: 102

حسين علي الأعظمي

المتوفى 1375 ه

1955 م

القصيدة التي القاها الاستاذ حسين علي الاعظمي وكيل عميد كلية الحقوق في حفلة التأبين الكبرى في الصحن الكاظمي.

لا تلمني ان جرت عيني دما *** اي دمع ويك لم ينبجس

هل ترى العالم الا مأتما *** قد طغت نيرانه في الانفس

أيها الباكون حولي اقتربوا *** واسمعوا انشودة الدمع الهتون

ان شعري أكبد تلتهب *** ودموع غرقت فيها العيون

ثم نوحوا واندبوا من ذهبوا *** انهم بعد النوى لا يرجعون

قتلوا ظلما وهم لم يذنبوا *** انهم خير الورى لو يعلمون

لهم القرآن أم وأب *** وعلى قرآنهم هم عاكفون

غير أن الظلم بالغدر رمى *** أمة الحق ولم يبتئس

صال كالذئب عليها مجرما *** ويله من مجرم مفترس

* * *

مصرع أو مذبح أو مأتم *** رفرفت فيه نفوس الشهداء

ودموع جاريات ودم *** وعويل وصراخ وبكاء

فهنا الغيد ثكالى تلطم *** وهنا الاطفال غرقى في الدماء

وهنا الابطال صرعى جثم *** حاربوا الظلم فماتوا كرماء

ص: 103

مشهد يا لهف نفسي مؤلم *** مفزع قد شهدته كربلاء

لا ترى الا دما منسجما *** وجسوما فصلت من أرؤس

ووجوها مثل أقمار السما *** بعثرت مشرقة في الغلس

* * *

مصرع فاضت به روح الشهيد *** وهي تعلو في سماوات الخلود

هو حرب بين شهم وعنيد *** ما له في دولة الظلم حدود

غيرأن المال ذو بأس شديد *** وله الناس قيام وقعود

وبه قد ربح الحرب يزيد *** وهو لولا المال خانته الجنود

غير أن الظلم شيطان مريد *** وعليه العدل لا بد يسود

أرأيت الظلم كيف انهدما *** وعلا العدل متين الاسس

وهوى ذكر يزيد وسما *** عاليا مجد الحسين الاقدس

* * *

مبدأ قد خطه خير الشباب *** في كتاب المجد تتلوه العصور

اقرؤه انه خير كتاب *** لو وعت أحكامه الغر الصدور

كله عزم وحزم وانقلاب *** وسمو وحياة ونشور

واذا جن ظلام أو سراب *** فهو للسارين في الظلماء نور

واذا السيف تلاقى والحراب *** ولد المبدأ كالليث الهصور

ياحسين انك الحي بما *** لك من مجد سما لم يطمس

انما الميت الذي مات وما *** ذكره غير بلى مندرس

* * *

دولة عاث بأهليها الفساد *** وطغى في أرضها بحر المجون

كانت الدولة شورى واجتهاد *** فغدت ملكا كما هم يشتهون

وطغى فيها يزيد وزياد *** ونأى عنها بنوها الاقربون

لا ترى فيها صلاحا أو رشاد *** كل ما فيها ضلال أو جنون

واذا أرشدهم اهل السداد *** أقبروهم في غيابات السجون

ص: 104

واذا الظلم تمادي هدما *** اي ظلم ويك لم يندرس

واذا ما غشي القلب العمى *** ما له في ليله من قبس

* * *

بايع الناس الحسين بن علي *** وهو أولى الناس لما بايعوا

انه سبط رسول ونبي *** أي انسان له لا يخضع

قرشي هاشمي عربي *** حسب كالشمس زاه يسطع

عبقري النفس محبوب أبي *** قائد في قومه متبع

وله في الحرب باس علوي *** أي ذي قلب له لا يخشع

بايعوه فاتاهم قدما *** لا يبالي بالعدا كالبيهس

وله آل النبي العظما *** حرس أعظم بهم من حرس

* * *

موكب يسبح في بحر القفار *** من نجوم وشموس وبدور

هجروا الافلاك او تلك الديار *** لبلاد حفرت فيها القبور

وكأن الشمس في البيداء نار *** جمرها من وهج الحر الصخور

وكأن الليل من نار النهار *** لهب فيها وتنور يفور

واذا الليل عليهم خيما *** لا ترى غير الظبى من قبس

ووجوه مثل أقمار السما *** طلعت مشرقة في الغلس

* * *

وصلوا الطف فحل الموكب *** آمنا تحرسه تلك الاسود

والدجى كالبحر ساج مرهب *** ما له غير السماوات حدود

كوكب يبدو فيخفى كوكب *** عله في الليلة الاخرى يعود

وبدا الصبح فعز المطلب *** اذ رأوا موكبهم بين جنود

نقضوا عهدهم وانقلبوا *** بعدما قد أبرموا تلك العهود

لست أدري كيف خانوا الذمما *** وهي صك ثابت في الانفس

ص: 105

ويلهم قد نقضوا العهد وما *** عهدهم غير هوى مندرس

* * *

اعلنوا الحرب على من بايعوا *** واستباحوا دمه منقلبين

واذا خاطبهم لم يسمعوا *** أعلنوا الحرب عليه ثائرين

قال ياقوم عن الحرب ارجعوا *** لم نجئ أوطانكم مغتصبين

انكم بايعتمونا فدعوا *** شأننا ان كنتم منتقضين

والى اللّه تعالى المرجع *** وغدا عنكم ترونا راجعين

أطلقوا آل النبي كرما *** لهم من شر هذا المحبس

قبل أن أملأ دنياكم دما *** بحسام دمه لم يحبس

* * *

سمع القوم فصالوا كالذئاب *** فتصدى لهم شبل هصور

حكم السيف بأغماد الرقاب *** عله يدفع عنهم من يجور

فرموه فهوى مثل الشهاب *** غارقا في دمه وهو يفور

صارخا الموت في عهد الشباب *** في سبيل الحق بعث ونشور

نحن آل البيت لم نرض العذاب *** وعلى مملكة الظلم نثور

واذا متنا حيينا وسما *** ذكرنا من بعدنا لم يطمس

ان من رام خلودا دائما *** عشق الموت ولم يبتئس

* * *

وهنا دوى صراخ وعويل *** من فؤاد بالاسى متقد

من أب يصرخ من هذا القتيل *** ويلكم هذا القتيل ولدي

ويحكم هذا ذبيح أو مسيل *** من دم فوق الثرى منجمد

غسلوه بدم منه يسيل *** وادفنوا جثمانه في كبدي

انني من بعده ارجو الرحيل *** عن حياة شب فيها كمدي

أضرمت في القلب نارا بعدما *** قلبت ظهر المجن الانحس

ص: 106

في عدو زدت فيه سأما *** وبلاد ضاق فيها نفسي

* * *

فأجاب القائد الفظ العنيد *** ما لكم عندي طعام أو شراب

انما عندي سلاح وحديد *** وبلاء وشقاء وعذاب

فأجاب الاب ما ذنب الوليد *** قال ذنب الاب للابن عقاب

أسقه من دمه كأس صديد *** ورماه فهوى مثل الشهاب

غارقا في دمه وهو شهيد *** لم يخف قاتله يوم الحساب

هل ترى في الناس يوما مجرما *** مثل هذا المجرم المفترس

أغضب الارض وسكان السما *** وهو في ذلك لم يبتئس

* * *

آب بالطفل الى الام الحنون *** غارقا في دمه المنحدر

فتعالى صوتها بعد سكون *** ووجوم وأسى منفجر

ذبحوا طفلي وهم لا يخجلون *** ويلهم في ذبحه من بشر

وهنا فاضت قلوب وعيون *** بدموع أو دم منهمر

حيث آل البيت ضجوا يندبون *** مصرع الشمس وخسف القمر

لا ترى الا ظلاما خيما *** في نفوس ما لها من قبس

يحسبون الصبح ليلا مظلما *** مكفهرا وهم في حندس

* * *

مشهد لان له قلب الجماد *** وقلوب القوم غضبى لا تلين

غير قلب لفتى ( حر ) جواد *** خاف من غضبة رب العالمين

أغمد السيف ونادى يا عباد *** اتقوا اللّه وكونوا راحمين

لم يكن حربكم هذا جهاد *** بل هو الباطل والظلم المبين

لم يكونوا اهل بغي وفساد *** انهم كانوا كراما مؤمنين

بهم الدين تعالى وسما *** مشرق النور وطيد الاسس

ص: 107

واذا ما بات ليلا مظلما *** ما لنا غير الهدى من قبس

* * *

يا الهي انهم قد غدروا *** واستباحوا دمنا واضطهدوا

قد نصحناهم فلم يعتبروا *** وطلبنا قربهم فاتبعدوا

وأردنا وصلهم فاستنكروا *** ورجونا عطفهم فاستأسدوا

وخطبنا ودهم فاستنكروا *** وحفظنا عهدهم فاستبعدوا

وصبرنا في الوغى فانفجروا *** وعصمنا دمهم فاستنفدوا

لست أدري ما يريدون لما *** فيهم من جنة أو هوس

قد رضينا بالذي قد قسما *** في الورى من أنعم او ابؤس

* * *

وهوى كالشمس في بحر الدماء *** بعدما قد فتكت فيه الجروح

فعلا من نسوة البيت البكاء *** هذه تندب والاخرى تنوح

ثم نادى ابتغي قطرة ماء *** علني أشربها ثم أروح

غير أن القوم كانوا لؤماء *** قطعوا الرأس وفي القلب قروح

فتوارى غارقا ذاك الضياء *** واختفى ذيالك الوجه الصبوح

ومضى من ظمأ مضطرما *** غارقا في دمه المنبجس

وتعالت روحه نحو السما *** يحتسي من دمه ما يحتسي

* * *

وهنا ضجت من الحزن الفواطم *** عندما غاب عن الدنيا الشهيد

لا ترى غير سبايا ومآتم *** وقتيل وذبيح وشريد

غنموهن وما هن غنائم *** ليزيد أو لاتباع يزيد

واذا ما طفن يوما بالعواصم *** قلن هل نحن سبايا أو عبيد

اننا يا ويلكم أولاد هاشم *** سيد الاحرار ذي المجد التليد

أيها القوم اطلقونا كرما *** اننا قوم كرام الانفس

ما خلقنا أعبدا أو خدما *** اننا آل النبي الاقدس

ص: 108

ولد حسين بن علي بن حبشي العبيدي الاعظمي سنة 1325 ه والمصادف 1907 م في محلة الحارة في الاعظمية وتعلم قراءة القرآن الكريم ثم أكمل الدراسة الابتدائية ، وبعدها دخل مدرس الامام أبي حنيفة وتخرج عام 1924 م فدخل جامعة آل البيت وتخرج سنة 1927 م فعين مدرسا بكلية الامام الاعظم ثم أكمل دراسة الحقوق وتخرج فيها سنة 1936 م واشتغل بالمحاماة فترة من الزمن ، ثم عين مدرسا بالغربية المتوسطة ، ثم عين مدرسا معيدا في كلية الحقوق ثم رئيسا لقسم الشريعة وبعدها تولى عمادة كلية الحقوق.

كان اديبا شاعرا فاضلا محبا للخير متواضعا ، غزير العلم محبوبا لدى الخاص والعام ، يسعى في مصالح الناس. له مؤلفات قيمة منها :

( أحكام الاوقاف ) بغداد 1947 و ( اصول الفقه ) بغداد 1948 و ( مع ابن سينا ) بغداد 1352 و ( الوصايا ) بغداد 1942 و ( احكام الزواج ) بغداد 1949 و ( الاحوال الشخصية ) بغداد 1947 وعلم الميراث بغداد - 1941 وغيرها كثير ، وديوان شعر فخم ، ما يزال مخطوطا. توفي في 5 - 9 - 1955 ودفن في مقبرة الخيزران بالاعظمية (1).

وطبعت له رسالة بعنوان ( مع ابن سينا ) وهي قصيدة عصماء فلسفية مع شرحها وقد القاها في المهرجان الالفي الذي عقد باهتمام الجامعة العربية وقد اختاره العراق ليمثله في هذا المهرجان وأول القصيدة.

هلا هبطت من المحل الارفع *** روحا لتشهد مهرجان المجمع

وهو يباري قصيدة ابن سينا الفلسفية والتي أولها :

هبطت اليك من المحل الارفع *** ورقاء ذات تعزز وتمنع

ص: 109


1- اعلام العراق الحديث - باقر أمين الورد المحامي.

وللاستاذ حسين علي الاعظمي في الامام الحسين قصيدة عنوانها : ( الشهيد ) القاها في صحن الكاظميين يوم عاشوراء.

نظمت وما غير المناحات لي شعر *** له من دمي شطر ومن أدمعي شطر

نظمت دم الاحرار لي قصيدة *** تنوح بها الدنيا ويبكي بها الدهر

نظمت دم الاحرار من آل هاشم *** اذا ما جرى والطف من دمهم بحر

نظمت دموع الهاشميات نادبا *** بدمع له مد وليس له جزر

فتى هاشمي ثار حين تعطلت *** شريعته الغراء واستفحل الشر

بمملكة فيها يزيد خليفة *** له النهي دون الهاشميين والامر

يزيد طغى في الارض حتى تزلزلت *** بطغيانه وانهد من ظلمه الصبر

وعاث فسادا في البلاد وأهلها *** فمادت وعم الناس في حكمه الجور

أيرضى امام الحق والدين أن يرى *** عدو الهدى والدين في يده الامر

يريدون منه أن يبايع فاجرا *** وفي بيعة الفجار لو علموا فجر

أبى بيعة الباغي وخف لحربه *** بآل لهم في النصر آماله الغر

أتى الكوفة الحمراء ليثا محررا *** وفي الكوفة الحمراء ينتظر النصر

هنالك أنصار دعوه فجاءهم *** بقلب شجاع لا يداخله ذعر

فخانوا عهودا أبرموها ولم يكن *** له منهم الا الخصومة والغدر

وقد منعوه الماء وهو أسيرهم *** فضاقت به الدنيا وضاق به الاسر

يرى النهر والاطفال يبكون حوله *** عطاشى وما غير السراب لهم نهر

قد اضطرمت أكبادهم فتساقطوا *** على الارض لا حول لديهم ولا صبر

وجفت ثدي المرضعات من الظما *** وأصبحن في عسر يضيق به العسر

ينادين قوما لا تلين قلوبهم *** وقد لان لو نادين صماءه الصخر

وهل يرتجى ماء بقفر عدوهم *** ألا ليت لا كان العدو ولا القفر

أب في يديه طفله جاء يستقي *** له الماء اذ أودى بمهجته الحر

رضيع كمثل الطير يخفق قلبه *** فما رحموا الطفل الرضيع وما بروا

سقوه دما من طعنة في وريده *** فخر ذبيحا لا وريد ولا نحر

أب في يديه طفله يذبحونه *** فهل لهم فيه وفي طفله وتر

وهل يقتل الطفل الرضيع بشرعهم *** فان كان هذا شرعهم فهو الكفر

أب رفع الطفل الرضيع الى السما *** ليعلن في آفاقها دمه الطهر

وآب غريقا في دماء رضيعه *** تمج دما منه الحشاشة والثغر

فدوى صراخ الام تلقى وليدها *** ذبيحا قد احمرت وريداه والشعر

ص: 110

تقبله من جرحه وتضمه *** الى قلبها والقلب مستعر جمر

ورددت الآفاق صوت صراخها *** وفي أذن الباغين عن سمعه وقر

وهبت صقور الهاشميين للوغى *** اذا ما هوى صقر تقدمه صقر

الى أن هوى الليث الهصور مضرجا *** على الارض لا فر لديه ولا كر

فتى أغرقته في الدماء جروحه *** وهد قواه الضرب والطعن والنحر

هنالك قامت في الخيام مناحة *** وشبت بها النيران وانهتك الستر

ودوى صراخ الهاشميات في السما *** فناحت عليهن الملائكة الغر

مشين اسارى خلف رأس معلق *** على الرمح لا وعي لهن ولا صبر

قد اضطرمت اكبادهن من الاسى *** وحل بهن الموت والرعب والذعر

سبايا وهل تسبى بنات محمد *** وهن بتاج المجد انجمه الزهر

* * *

شهيد العلى ما أنت ميت وانما *** يموت الذي يبلى وليس له ذكر

وما دمك المسفوك الا قيامة *** لها كل عام يوم عاشوره حشر

وما دمك المسفوك الا رسالة *** مخلدة لم يخل من ذكرها عصر

وما دمك المسفوك الا تحرر *** لدنيا طغت فيها الخديعة والختر

وثورة ايمان على ظلم عصبة *** اطاعتها شر وعصيانها خير

وهدم لبنيان على الظلم قائم *** بناه الهوى والكيد والحقد والغدر

فأين يزيد وهو فيها خليفة *** وهل ليزيد في خلافته فخر

لقد غصب الدنيا ولم يدر أنه *** اذا مات من دنياه ليس له قبر (1)

ولسعادة الاستاذ حسين علي الاعظمي استاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق قصيدة حسينية وقد ألقاها صبيحة يوم عاشوراء سنة 1365 وأولها

أي دمع نظمته الشعراء *** ودماء ذرفتها الخطباء

ص: 111


1- مجلة الغري : السنة الثامنة.

في مصاب مادت الارض له *** وله اهتزت من الهول السماء (1)

ورائعته رابعة القاها يوم العاشر من المحرم سنة 1364 أولها :

الدمع ينطق والعيون تترجم *** عما يضم اليوم هذا المأتم

اليوم قد ذبح الحسين وآله *** ظلما وفاض الدمع وانفجر الدم (2)

ص: 112


1- مجلة البيان : السنة الاولى.
2- مجلة البيان : السنة الاولى.

الشيخ قاسم محيي الدين

المتوفى 1376 ه

بسبط محمد قل ما تشاء *** به الضراء تدفع والبلاء

تعاظم في مكارمه علاء *** حسين من به شرف العلاء

لقد ضربت به أعراق مجد *** بلغن لخير من تلد النساء

يناجز آل سفيان ضرابا *** كأن حسامه فيه القضاء

يكهم كل مصقول صنيع *** يحل بمن يناجزه الفناء

ولولا أن حكم اللّه يجري *** لجاراه القضاء كما يشاء

الى أن خر بدر هدى رمته *** على عفر من الارض السماء

هوى سبط الهدى تربا جبينا *** على عفر تغسله الدماء

وقد نسجت عليه الريح بردا *** وعاري الجسم حجبه السناء

ورضت منه جرد الخيل صدرا *** فصدري دون أضلعه الفداء

فوا لهفي على الرأس المعلى *** على رأس السنان له سناء

وقال :

بنفسي صريعا بكته السما *** وناحت عليه بسكانها

بنفسي عار كسته الرياح *** برودا تردى بقمصانها

طريحا على حرها والعيون *** تمنت تقيه بانسانها

وأمست لقى حوله صحبه *** تعادى العدا فوق أبدانها

فلهفي على كل صدر غدا *** لخيل العدا صدر ميدانها

وحمل الفواطم فوق المطى *** تقاسي لواعج اشجانها

يطاف بها فوق عجف النياق *** بأمصارها وببلدانها

ص: 113

تصوب المدامع عن عندم *** وتشجي الصخور بألحانها

ثواكل تدعو أسى جدها *** وتنعى له غر شبانها

فمن شأن أعدائها زجرها *** وطول النياحة من شانها

سبوها الى الشام سبي الاماء *** وقد ربقوها بأشطانها

سوافر من فوق عجف المطي *** تطوي النجود بغيطانها

بنفسي من روعتها العدا *** فطاشت خطاها كأذهانها

لقد أدخلوها على مجلس *** تعاني به آل مروانها

تنوح وتنحب من ثكلها *** وتنعى بها ليل عدنانها

وتسبى كسبي الاما ، والحبال *** بأكتافها وبأيمانها

فكم من رضيع غذته يد *** المنايا بدرة ألبانها

وكم من فتاة سباها العدا *** تستر في فضل أردانها

وكم من كرائم للمصطفى *** نوائح عجت بألحانها

الشيخ قاسم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ موسى ابن الشيخ شريف بن محمد بن يوسف بن جعفر بن علي بن الحسين بن محيي الدين الاول ابن عبد اللطيف بن علي نور الدين بن أحمد شهاب الدين ابن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد جمال الدين بن ابي جامع العاملي الحارثي الهمداني.

توفي والده بعد سنة من ولادته فكفله جده الشيخ جواد ثم خاله الشيخ أمان ومن السنين الاولى لنشأته كان معقد آمال الاسرة وموضع تعهدها ، وفي سن مبكرة بدت علائم نبوغه عليه وظاهرة صلاح ونجابة في سلوكه الامر الذي اكسبه حب الناس واعجابهم باستقامته وفضله.

ولد في 25 رمضان سنة 1314 وتوفي 1376 ه.

نشأ في النجف الاشرف ودرس المقدمات من العربية وما اليها على الشيخ جواد محيي الدين وتلمذ في الفقه والاصول على الشيخ احمد كاشف الغطاء والميرزا حسين النائيني والسيد أبي الحسن الاصبهاني يقتصر شعره على أهل البيت علیهم السلام طبع له أكثر

ص: 114

من ديوان ، الاول نشر سنة 1955 م وكتاب البيان في غريب القرآن كما طبع من نظمه العلويات العشر تحتوي على عشر قصائد في مدح أمير المؤمنين علیه السلام قضى ردحا من الزمن وهو الموجه المرشد لقبائل الجبور في قضاء ( الحمزة ) و ( القاسم ) وسعى في تعمير هاتين البقعتين وكتب عن حياة القاسم ابن الامام موسى بن جعفر علیه السلام كما كتب كتابة مفصلة عن حياة الحمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العباس ابن الامام امير المؤمنين المكنى بأبي يعلى ، والكتابة عن علمه وفضله استفدت منها. والشيخ قاسم يتحلى بصفات عالية قل من يتحلى بها وهذا هو الذي جعل له هذا الاثر الكبير في نفوس عارفيه ولم يزل أبناء تلك المنطقة يذكرونه ويتأسفون عليه فهو أبي الى أبعد حدود الاباء حتى لو التهم التراب لم يظهر عليه ولم يطلب من أحد بالرغم من سعيه المتواصل لاغاثة المحتاجين فكم اغاث الارامل وكم بنى الدور للطلاب وكم سعى في ايفاء ديون المعسرين لكنه لنفسه لا يطلب شيئا وشخصيته شخصية محبوبة جذابة معروف بلطف المعشر لا تجده متبرما ولا غضبانا يستحيل ان يجافي احدا ويقاطعه ومجلسه العامر في كل ليلة بالمذاكرات العلمية والنوادي الادبية يجمع بين العالم والاديب والوجيه والموظف الى جنب مكتبته العامرة التي ملأت رفوفها جوانب المجلس ، والشيخ قاسم أشهر العروضيين في النجف ومن قدماء الشعراء سافر الى جنوب لبنان وكان موضع الحفاوة من طبقات اللبنانيين وساجل الادباء والشعراء هناك وكانت له مناظرات علمية وسجل من الذكريات ملحمته الشهيرة في مناظر جباع وأولها :

بوركت يا جباع ذات الشجر *** حياك منهل الحيا المنهمر

جباع جنات وصاف ماؤها *** يمتد من سلسال عذب الكوثر

كان لا يعتز بكل ما نظم الا شعره في اهل بيت النبي صلوات اللّه عليهم فقد جمعه ونشره في مطابع النجف بجزئين وأسماه ( المقبول في رثاء الرسول وآل الرسول ) توفي يوم السابع عشر من ربيع الثاني ودفن بوادي السلام مع الزفرات والحسرات وما أروع المرثية التي ألقاها الدكتور عبد الرزاق محيي الدين يوم اربعينه في مسجد اّل الجواهري واليكم المقطع الاول منها :

ص: 115

تطاردني الذكرى فما الطرف هاجع *** ولا أنت منسي ولا أنت راجع

رؤى لست بالمحصي مداها تواكبت *** وحشد طيوف مرزمات تدافع

تعرفتها طفلا صبيا ويافعا *** فتيا فكيف الحال والشيب ناصع

أطلت تناغي المهد اذ انا راضع *** وتدرج بي في البيت اذ أنا راتع

تتابع خطوي ما استقام فان هفا *** اخذن بضبعي فاستوى لك ضالع

وتدفعني دفعا الى حيث ترتقي *** سموا وحاشا لا أقول المطامع

تعهدتني نبتا تزعزعه الصبا *** فكيف اذا هبت عليه الزعازع

تزيد ارتكاسي في التراب تواضعا *** فيزهي لك العود الذي هو فارع

وتعرضه للشمس في وقدة الضحى *** ليقوى على ما بيتته الزوابع

وتورده من بعض ما أنت وارد *** نميرا تساقي او مريرا تقارع

وتعتده ظلا وعودك شاخص *** ورجع الصدى الحاكي وصوتك ساجع

تريه المنى ما ذر في الافق طالع *** وعقبى العنا ماحط في الارض واقع

وترميه للجلى وان ناء منكب *** وحالت معاذير واقصر شافع

فينهض لا مستحقبا غير عزمة *** ولا زاد الا ما تجن الاضالع

تقاصرت الابعاد دون مراده *** فسيان داني غايتيه وشاسع

مراح طويل سهده متواصل *** وصبح حثيث خطوه متتابع

أناف على العهد التليد بطارف *** خبا ماتع منه فاشرق رائع

متى احتضنته الجامعات تنفست *** وقد صبأت غيري عليه الجوامع

وما كان فقدي يوم فقدك واحدا *** ولكن منايا جمة ومصارع

وتاريخ قوم ما انثنوا عن ولاية *** ولا قطعتهم عن علي قواطع

مشوا يوم صفين بما زحم الوغى *** وضاق به سهل ودكت متالع

وحين تغشى الناس شك وابلسوا *** وخالطهم من كيد عمرو مخادع

وشيلت على أعلى الرماح مصاحف *** وقيل ارجعوا فالحكم لله راجع

ابت قومه همدان الا صلابة *** وان زلزلت بكرو طاشت مجاشع

وظلوا على عهد الجهاد وشوطه *** وان بذلت ساحاته والذرائع

رواة حديث او بناة عقيدة *** وحفاظ سر ضقن عنه المسامع

على حين كان النطع والسيف مركبا *** وكان ارتدادا ان يقال مشايع

* * *

وعاد لهم من عامل وهضابها *** حصون منيعات الذرى ومصانع

ص: 116

ونقطة بعث للولاء مجدد *** يصد بها الغازي ويحمى المدافع

وكان انطلاق بعد فترة شجعة *** وبعث على أرض العراقين طالع

سروا كالنجوم الزهر تقتحم الدجى *** فيهدى بها سار ويأمن فازع

تقاسمت الآفاق هذا محدث *** وذلك محتج وهذاك شارع

جريئون ما هابوا الملوك كأنما *** ممالكهم مما أفاضوا قطائع

وهذا الذي أثرى وذاك الذي اقتنى *** فقير الى ماعندهم متواضع

الى أن رسا اصل وقامت معالم *** وسنت قوانين وسادت شرائع

أخا الصالحات الباقيات مناثرا *** أصات بها داع وأمن سامع

ورب الندي الرحب ضاق بأهله *** فأوسعه خلق على العسر واسع

والقصيدة بكاملها نشرها الدكتور عبد الرزاق في مؤلفه ( الحالي والعاطل تتمة لملحق أمل الآمل ) مع ترجمة وافية للمترجم له.

ص: 117

السيد حسين القزويني البغدادي

المتوفى 1376 ه

ما لي أرى الدمن الخوالي *** صم المسامع عن سؤالي

اني عهدت ربوعها *** كانت محطا للرحال

وفناءها مأوى الضيو *** ف ومركز السمر العوالي

ما بالها حكم البلى *** بعراصها فغدت خوالي

ومحا الجديد رسومها *** فغدت مسارح للرئال

واستبدلت وحش الفلا *** سكنا من البيض الحوالي

ورياضها قد صوحت *** بعد الغضارة والجمال

شجوا لخطب قد جرى *** في آل أحمد خير آل

أهل المناقب والفضا *** ئل والفواضل والمعالي

وذووا الفصاحة والسجا *** حة والسماحة والنوال

قد غالهم ريب الزما *** ن فصرعوا بشبا النصال

من كل اشوس باسل *** جم العلى سامي المنال

وأشم أغلب أروع *** شهم لنار الحرب صالي

تلقاه في ليل القتا *** م كأنه بدر الكمال

فاذا الجموع تكاثرت *** رد الرعال على الرعال

وقفوا لعمري وقفة *** أرسى من الشم الجبال

حتى قضوا في كربلا *** عطشا على الماء الزلال

ص: 118

السيد حسين ابن السيد صالح ابن السيد مهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي المعروف بالسيد حسون.

وأبوه صاحب القصائد المشهورة في أهل البيت علیهم السلام ولد في حدود سنة 1280 وتوفي في المائة الرابعة بعد الاف. وهو أديب شاعر سليقي لا نحوي قال الشيخ السماوي في الطليعة : رأيته فرأيت منه رجلا بهي الصورة ضخم المناكب قوي العارضة اذا انشد شعره وشعر أخيه الراضي وشعر أبيه الصالح وكان يتولى مسك الدفاتر لبعض تجار بغداد فمن شعره قوله متغزلا :

جاءتك تسحب للهنا أذيالها *** غيداء ما رأت العيون مثالها

بيضاء ناعمة الشبيبة غضة *** رسمت لمرآة الهدى تمثالها

جعلت عقارب صدغها حراسها *** من لثمها وجعودها أفعى لها

قد زين الزند البهي سوارها *** حسنا وزين ساقها خلخالها

حوراء حالية المعاصم والطلى *** عشق المتيم غنجها ودلالها

ومن قوله في قصيدة الغزل :

ألؤلؤ ثغر ساطع في المباسم *** يلوح لصب بالجآذر هائم

أم الكاعب الحسناء كالشمس ضوؤها *** تميس محلاة الطلى والمعاصم

وقوله مشطرا بيتي الشيخ محمد النقاش النجفي المتوفى في حدود 1300 ه في السماور :

نديم كلما أججت نارا *** به شوقا يزيل الغم عني

ومهما الماء يصلى للندامى *** بأحشاه غدا طربا يغني

يغني ثم يسقيني كؤوسا *** معسلة المذاق بغير من

ويطربني بصوت معبدي *** ألا أفديه من ساق مغني

وقال أحدهم : السيد حسين السيد صالح القزويني الحسيني البغدادي النجفي وقد غلب عليه اسم السيد ( حسون ). ولد سنة 1280 ه ببغداد ونشأ بها ، كان طويل القامة جسيما أبيض الوجه ، بهي المنظر نظم فأجاد ومن شعره يستنهض لاخذ الثأر ومطلع القصيدة :

ص: 119

مدارس وحي اللّه هد مشيدها *** وشتت منها شملها وعديدها

وأضحت يبابا مقفرات عراصها *** يجوب بها وحش الفلاة وسيدها

الى ان يقول :

ألم تعلمي أضحى الحسين بكربلا *** صريعا على البوغاء وهو فريدها

ألم تعلمي بالطف أضحت نساؤكم *** برغم العلى تبتز عنها برودها

ومنها :

مضى اليوم من عليا نزار عميدها *** وقوض عنها فخرها وسعودها

فيا أيها الغلب الجحاجحة الاولى *** على هامة الجوزا تسامى صعودها

دهاك من الارزاء أعظم فادح *** له اسودت الايام وابيض فودها

فتلك بنو حرب بعرصة كربلا *** أحاطت على سبط النبي جنودها

لقد حشدت من كل فج لحربه *** جيوش ضلال ليس يحصى عديدها

وذادته عن ورد الشريعة ظاميا *** الى أن قضى بالطف وهو شهيدها

فأين لك الرايات تقطر بالدما *** اذا خفقت يوم الكفاح بنودها

وأين لك البيض القواطع في الوغى *** تذعر قلب الموت رعبا حدودها

وأين لك السمر الطوال التي لها *** المراكز لبات العدى وكبودها

وأين لك الجرد العتاق اذا جرت *** تزلزل أغوار الربى ونجودها

وأين الابا منكم وتلك نساؤكم *** يسير بها جبارها وعنديها

قال الشيخ السماوي في الطلعية : وهي طويلة وشعره في هذا الباب كثير.

ومن قصيدة في الحماس

سأركب للعلياء اجرد شيظما *** واستل يوم الروع ابيض مخذما

وأسري بجنح الليل لا أرهب العدى *** واعتقل الرمح الوشيج المقوما

توفي يوم الاثنين في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني سنة

ص: 120

1376 ه وهو من المعمرين قد تجاوز المائة ودفن بالنجف الأشرف في الجانب القبلي من الصحن الحيدري وفي احد الاواوين. واعقب ستة اولاد ذكور وجملة من الاناث اما الذكور فهم : مهدي ، حسن ، صالح ، علي ، باقر ، صادق ترجم له السيد الامين في الاعيان ج 26 ص 158 وترجم له السماوي في الطليعة والشيخ أغا بزرك في طبقات الاعلام الشيعة ص 588.

ص: 121

الشيخ علي الجشي

المتوفى 1376 ه

أتغض يا ابن العسكري على القذا *** جفنا ومن علياك جذ سنامها

عجبا لحلمك كيف تبقى عصبة *** وترتكم تطأ الثرى اقدامها

أتراك تنسى يوم جذت منكم *** في الطف عرنين الفخار طغامها

يوم به كف القطيعة طاولت *** علياءكم ولها تطأطأ هامها

وتعاهدت في حفظ ذمة احمد *** سادات انصار الاله كرامها

حتى اذا ضربوا القباب وطرزت *** بالسمر والبيض الرقاق خيامها

قامت تحوط المحصنات كأنها *** اسد وأخبية النسا آجامها

فأتت كتائب آل حرب نحوها *** تسعى وتطمع أن يذل همامها

فاستوطأت ظهر الحمام تخوض في *** بحر الوغى وقرينها صمصامها

قوم اذا عبس المنون تهللت *** تلك الوجوه ولم تطش أحلامها

قوم اذا نكص الفوارس في الوغى *** ثبتوا كأن منى النفس حمامها

قوم معانقة الصوارم والقنا *** ما بتين مشتبك الرماح غرامها (1)

هو الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشي القطيفي المولود سنة 1296 ه والمتوفى يوم الثلاثاء 15 - 5 - 1376 ه رجل الايمان والعقيدة عاش فترة من الزمن في النجف الاشرف دارسا ومدرسا ، وقد تولى في القطيف منصب القضاء في ظروف صعبة ولكنه قابلها بايمان راسخ

ص: 122


1- رياض المدح والرثاء للشيخ حسين البلادي البحراني.

فكان يطبق الموازين الشرعية ويرعى لها قدسيتها بثبات وعزم غير هياب ولا وجل ، ترجم له العلامة المعاصر الشيخ فرج العمران القطيفي في موسوعته ( الازهار الارجية في الاثار الفرجية ) : فلله دره من عالم مجاهد مثالي صابر محتسب راح وترك فراغا لا يسد.

توفي رحمه اللّه يوم 15 - 5 - 1376 ه آخر النهار بمستشفى الظهران ودفن يوم 16 - 5 - 1376 وكان يوما مشهودا في القطيف وتقدمت الجماهير أمام النعش تردد الاناشيد المشجية تحمل الاعلام السود وحتى عطلت الدوائر الحكومية واشتركت هيئة التعليم التابعة للمعارف في التشييع والتأبين.

فقد وقف الاستاذ المصري محمد ابو المعاطي على القبر وابن الفقيد بما يليق ومكانته ، افتتحها بقوله : اللّهم ان هذه وديعتنا عندك ، ثم ذكر ما للفقيد من اياد بيضاء في التوجيه والارشاد مشيدا بمكانته العلمية وتوالت الخطباء والشعراء بكلماتهم الحارة وعواطفهم الملتهبة ، وصلى عليه العلامة الشيخ فرج العمران ثم رثاه بعد ذلك بقصيدة مؤثرة ألقيت في الفاتحة الكبرى التي أقيمت في حسينية آل السنان بالقلعة وتبارى تلامذته الذين كانوا يدرسون عليه مبدين أسفهم لفقد استاذهم ولا يفوتنا أن نشير بأن له من الشعر في أهل البيت ما نشر في ديوان خاص ، وفي رياض المدح والرثاء شعر من بعض ما قال.

آثاره : منظومة كفاية الاصول بكلا جزئيها ، و ( الشواهد المنبرية ) طبع و ( الروضة العلية ) طبع و ( الديوان ) جزآن طبع بمطابع النجف والاول يحتوي على مدائح ومراثي أهل الكساء صلوات اللّه عليهم والثاني في مدح ورثاء أئمة أهل البيت وشهداء كربلاء.

ص: 123

الشيخ عبد الحسين الحويزي

المتوفى 1377 ه

يرثي العباس بن علي (عليه السلام) :

ما بال دمعك من ذوب الحشا ذرفا *** تبكي لشرخ شباب عصره سلفا

تبيض عيناك حزنا للشباب وكم *** ابقى عليك ذنوبا سودت صحفا

جد الصبا بك يبغي كل مهلكة *** حتى اذا جزت غايات لها وقفا

وقرت منه بآثام تنوء بها *** ثقلا ويوم تناءى قلت وا أسفا

ضيف الشباب مقيما كان في لممي *** وقد أحس بذكر الشيب فانصرفا

ولى الشباب ووافى الشيب من كثب *** فذا أرى ناظري وجها وذاك قفا

ما اثبتت شهوات للصبا همزت *** سوء على المرء الا والمشيب نفى

صفو المشيب بياض كالصباح زها *** جلا سواد شباب قد دجى سدفا

تقوى نشاطا من التقوى عليه متى *** ألم والجسم من أعبائه نحفا

فان اردت بأن تلقى الاله ولا *** ذنبا عليك له قد كنت مقترفا

اسمع بأم القرى بابن الصفا فقرا *** من نعيها للملا كاس الحمام صفا

سليل حيدر من أم البنين نشا *** شبلا لمنهج ضرغام العرين قفا

تبسمت بيد العباس بيض ظبى *** بكت بها الحرب حتى دمعها وكفا

نادى أنا ابن علي الطهر حيدرة *** والموت احجم لما صوته عرفا

دنا لخفق لواء العز في يده *** وبالفرار خفوقا جاشه رجفا

توسط الحرب والابطال ناكصة *** فدق بالطعن من شوك القنا طرفا

سنانه اهتز للاشباح مختلسا *** وسيفه استل للارواح مختطفا

والنقع يستافه في الكر غض صبا *** بأنفه والردى في موره عصفا

وخال سود المنايا في نواظره *** بيضا فهام بها من حبه شغفا

ص: 124

بكفه السيف عار سافحا علقا *** في موكب ظل بالارهاج ملتحفا

فناجزته العدا مرضى قلوبهم *** فحكم السيف فيهم فاستحال شفا

وقال مذ وكف الطعن الدراك دما *** للسمر ريب الردى حسبي به وكفى

لا أرهب الموت في يوم اللقاء ولا *** أهاب ان طمحت عين الردى صلفا

نحا الشريعة والاجال مشرعة *** زرق الرماح وفيها الحتف قد زحفا

حتى ازال صناديد الوغى فرقا *** عن الفرات وجاب النقع فانكشفا

فخاض في غمرات الماء سابحه *** وللروى مد منه الكف مغترفا

ومذ تذكر من قلب الحسين ظما *** عاف المعين ومنه قط ما ارتشفا

وغرفة قد رماها من أنامله *** شادت له بفراديس العلى غرفا

فانصاع والعلم الخفاق منتشرا *** بكفه والسقا منه اعتلى كتفا

فا ستقبلته هوادي الخيل طالعة *** مثل النسور عليه سربها عكفا

فقام يحصد حصد الزرع انفسها *** بمرهف لجنى اعمارها اقتطفا

فصير الارض بحرا بالدماء فذا *** بلجه راسبا اضحى وذاك طفا

حتى اذا دك للاجال شاهقها *** ببأسه ولاطواد الردي نسفا

برت يمينا لها الاقدار باسطة *** يمنى به كل من فوق الثرى حلفا

ومنه جذت يسار اليسر حاسمة *** حوادث ما درت عدلا ولا نصفا

من هاشم بدر تم في الصعيد هوى *** لقى بضرب عمود هامه خسفا

لم أنسه عندما نادى ابن والده *** ادرك اخاك ومنه الصوت قد ضعفا

فجاءه السبط والاماق سافحة *** دمعا ومنه عليه قلبه انعطفا

وخر من سرجه للارض منحنيا *** عليه نونا بقد لم يزل الفا

يقول والوجد رهن في جوانحه *** والدمع منه على الاجفان قد وقفا

اخي اضحت بك العلياء عاطلة *** وكان فعلك في آذانها شنفا

اضحى بفقدك سيف الحق منثلما *** وظل بعدك لدن العدل منقصفا

هذي عليك دواعي الدين صارخة *** والمجد في كل ناد معولا هتفا

فتى عليه العلى جزت غدائرها *** وقلبها هاج من حر الجوى لهفا

سل سلة البيض عنه فهي شاهدة *** ان الشهادة زادت قدرة شرفا

قد باع في اللّه نفسا منه غالية *** دون الحسين اقيمت للردى هدفا

في لجة القدس كانت خير جوهرة *** ايدي الهدى نشرت عن ضوئها الصدفا

لهفي لزينب لما اخبرت فزعت *** ان ابن والدها نصب المنون عفا

دعت على مفرق الدنيا العفا بأخ *** به انمحى الصبر مني والسلو عفا

يهنيك ان سلبت عني العدا ضغنا *** بردا وتلبس بردا للعلى ترفا

من بعد فقدك يرعانا بناظره *** وللضعائن يبدي ذمة ووفا

ص: 125

ويوم مرت عليه وهو منجدل *** عليه ثوب لخفاق النسيم ضفا

نادته والعين عبرى تستهل دما *** من الشجى فيه لما ماؤها نزفا

اما ترى الغل ادمى في السبا عنقي *** وسوط زجر بمتني في الوجيف هفا

أعرضت عنا وقد كنت الرؤوف بنا *** حاشا نرى فيك من بعد الوداد جفا

لئن مضيت وفيك الفضل مكرمة *** فاللّه يبقي لنا صون العلى خلفا

يا ابن الوصي ثنائي صغته ذهبا *** مخلصا ليس يدري سبكه الزيفا

ارجو الشفاعة لي يوم الجزاء وكم *** بها اله السما عمن عصاه عفا (1)

الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عمران الحويزي النجفي ولد في النجف سنة 1287 ه من اسرة نزحت من الحويزة وآثرت النجف محلا للسكن فانفرد عمران والد الشاعر بتجارة القماش وطفق الوليد - عبد الحسين - يشق طريقه لاستلهام العلوم عن طريق مشايخ عصره كالسيد ابراهيم الطباطبائي والسيد محمد حسين الكيشوان ، ولما مات والده عمران اضطر الولد الى اشغال المتجر ليعيش من ورائه ثم اصبح المتجر ندوة ادبية ومنتجعا للادباء ، وشاء القدر أن تمتد يد اللصوص وتسرق ذلك المتجر ذلك مما دعاه أن يترك النجف ويؤثر السكنى في كربلاء عام 1335 ( فقضى نصف قرن تقريبا في كربلاء حتى خبت جذوة هذا الاديب الكبير ليلة الجمعة اول محرم الحرام 1377 ه ترجم له العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في ( الحصون المنيعة ) بقوله : اديب شاعر يحترف الشعر وهو اليوم يمتهن التجارة وله شعر كثير في أهل البيت وغيرهم ، وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وقال كانت له اليد في كثير من العلوم كالرياضيات والهندسة والجفر والرمل والكيمياء وله فيها بعض الرسائل والاثار. وكان في شبابه مثال الاديب الجريء فقد كان يعتد بنفسه واتفق يوما أن قرأت له قصية وكان في المجلس الشاعر السيد جعفر كمال الدين فاستبعد أن تكون من نظم الحويزي لجودتها وأنها من نظم استاذه الطباطبائي - كان الحويزي في اوائل العقد الثالث من عمره وكان ممن حضر ذلك المجلس من شيوخ العلم والادب الملا عباس الزيوري ،

ص: 126


1- للشاعر عشرات القصائد في يوم الحسين وفاجعة الطف ، وقام الاستاذ حميد مجيد هدو بنشر ديوانين له ثانيهما يختص باهل البيت (عليهم السلام) طبعه سنة 1385 ه 1965 م في مطبعة النعمان النجف.

فقال : امتحنوه ففي الامتحان يكرم المرء أو يهان ، ثم قال للحويزي أنا انظم صدور أبيات وعليك أن تنظم أعجازها واندفع قائلا :

يا قطب دائرة الوجود ومن هو ال *** نبأ العظيم ومن اليه المفزع

انت ابن عم المصطفى ووصيه *** وأبو بنيه وسره المستودع

ما قام بيت للنبوة مشرع *** الا وانت له عماد يرفع

وجبت ولايته على أهل السما *** والارض ان سمعوا وان لم يسمعوا

فاكبره شيوخ الادب فارتجل الحويزي قائلا :

يستصغر الخصم قدري في لواحظه *** ونظم شعري كبير منه تبيان

فلست اوهى قوى من نملة نطقت *** وظل معتبرا منها سليمان

والحويزي شاعر سريع البديهة يرتجل الشعر ولا يجاريه احد بهذه الملكة حدثني بجملة من نوادره الادبية والبعض منها لا تكتب ، ومما اذكره من سرعة البديهة انني لما تزوجت زواجي الاول بتاريخ 27 رجب 1356 ه عقدت حفلات أدبية تبارى فيها الشعراء وبحكم الصلة بين والدي والمرحوم الشيخ محمد علي كمونة - زعيم كربلاء - أقام الشيخ محمد علي كمونة اياما في النجف يحضر هذه الندوات وكان الشاعر الحويزي يلازمه فكان يقول : لو طلبتم مني كل يوم قصيدة لهيأتها لكم كانت هذه الرائعة التي احتفظ بها وهي بخطه لم تزل عندي.

نفحت خدودك روضة غناءا *** وهمت عيوني ديمة وطفاءا

ترعى النواظر ورد خدك مونقا *** ولقلب صبك ترتع الاحشاءا

فقطفت ورد الخد احمر يانعا *** وقطفت من قطع الحشا السوداءا

لم أدر خدك وردة فأشمها *** أو احتسيها خمرة صهباءا

ومتى بفترة ناظريك أدرتها *** دبت فارعش سكرها الاعضاءا

لو لم تكن تلك الزجاجة معدنا *** ما أطلعت ياقوتة حمراءا

وأدارها الساقي على خلطائه *** فلكا مدامتها تضيء ذكاءا

يختال كالطاووس حامل كاسها *** رقت كعين الديك منه صفاءا

ص: 127

أشقيق بدر التم وجهك لم يزل *** والبدر في افق السماء سواءا

أطلعت وجهك بالعقاص مبرقعا *** بهما جمعت النور والظلماءا

اللّه أنشأ حسن وجهك صانعا *** فرنا له فاستحسن الانشاءا

ومن العذيب سأمت رقة مائة *** ووردت من عذب المدامع ماءا

فمياه دمعي لا يحل ورودها *** فلربما جرت الدموع دماءا

ان اشتكي بمريض لحظك علة *** فلها وجدت لمى الشفاه شفاءا

ولك الدموع أذعن كل سريرة *** تحت الضلوع كتمتها اخفاءا

الحسن قرط بالثريا أذنه *** لما اناط بجيده الجوزاءا

مي ونعم في العريب بحسنه *** ومثال اسمى قد محا اسماءا

قيس سلا ليلى بحبك فانبرى *** وجدا يكابد ليلة ليلاءا

لانت لديك أخادعي وحشاك لي *** يبدي القساوة صخرة صماءا

انا لو ملكت من العوارض قبلة *** بغناي صات العاشقون غناءا

ماء الحياة بريق ثغرك لوبه *** موتى الهوى سقيت غدت احياءا

وكحلت عينا في الخمائل علمت *** بالغنج نرجس روضها الاغفاءا

يجني علي ولم أكن متعذرا *** واليه افدي النفس مهما ساءا

خفضتني ذلا واني واثق *** بثنا علي استطيل علاءا

في غابة العلياء عرس شبله *** من ذا يبشر باسمه العلياءا

ولدته ام المكرمات وقد أبى *** الا يجاري سبقه الآباءا

ملئت ميازره حجى وبراعة *** وسماحة وبسالة وحياءا

يعزى الى الشرف الاصيل أرومة *** وأبوه احرز عزة واباءا

ساد الخليقة فاستطال بسؤدد *** زانت طلاقة وجهه الخضراءا

وبمركز المجد المؤثل ثابت *** قطبا يدير من العلى أرحاءا

والى المكارم انهضته عزيمة *** فشآ فنال بسعيه ما شاءا

الفضل قدمه اماما للهدى *** وترى الورى تقفو خطاه وراءا

لو كان غير الشمس تحسد مجده *** يوما لغادر عينها عمياءا

فسل الغري يجبك عنه بأنه *** للرشد يوضح طلعة غراءا

هذا علي ظاهر اعجازه *** قد أعجز الاقران والاكفاءا

نال الزواهر حين جد وحسبه *** يدعون جدة مجده الزهراءا

فاقت مناقبه على شهب السما *** ضوءا وزاد عديدها احصاءا

واذا رأى زمن لمجدك ثانيا *** حققت نظرة عينه حمقاءا

ياآل شبر لم تزل انواركم *** تأبى بأندية الهدى اطفاءا

عرجت بكم همم لغايات العلى *** سبقت فجاوزت المدى اسراءا

ص: 128

يهنيكم عرس زففت لاجله *** هديا لانواع الثنا غيداءا

اني دعوت اللّه يجمع شملكم *** ورجوت مني يستجيب دعاءا

لا زلت اتصوره حينما انشدت هذه القصيدة وهو يبتسم وربما داعبه الشيخ كمونة بأنه راح يتصبى ويتشبب في شيخوخته ويجيبه الشيخ الحويزي بأني أنظم لسان حالك ، وهكذا كان المرح لا يفارق الشيخ الحويزي وتعجبك منه تلك البسطة في الجسم مزدانة ببسطة العلم والادب وشيبة نورانية ووجه بشوش ، ولعهدي بجماعات من المتأدبين في كربلاء وهم يحسنون الفارسية فكانوا يجتمعون به في الصحن الحسيني الشريف أو في المدرسة الدينية وينشدونه الشعر الفارسي وما يتضمن من معاني نادرة فكان بتأمل قليل يصبه في الشعر العربي ومنه البيتان وقد عربهما عن الفارسية.

كل شيء في عالم الكون أرخى *** دمعه في الوجود يبكي حسينا

نزه اللّه عن بكى ، وعلي *** قد بكاه ، وكان لله عينا

والحويزي الذي خدم الادب طوال ثمانين عاما لا عجب اذا خلف خلالها خمسة عشر ديوانا ضخما (1) لم تزل مخطوطة سوى ديوانين كتب لهما النشر ، والثاني كله في أهل البيت (عليهم السلام) وكانا بمثابة العقب حيث مات ولم يعقب ولا أنسى أن ديوانا خاصا من هذه الدواوين جمع فيه التشطير والتخميس ولا شك ان هذه الموسوعة وثائق تاريخية ثمينة يحتاج اليها كل احد وهي جديرة بالتقدير والتثمين مضافا الى البراعة الشعرية فمن شعره في العرفان قوله :

كثرت بوحدة ذاتك الاسماء *** ولكل وصف بالهدى سيماء

أنت المؤثر والوجود يرى له *** أثرا أقمن دليله الآلاء

قد كنت كنزا قبل كل حقيقة *** غطاه عن مرأى العقول خفاء

ما حجبت أثرا لصنعك ظاهرا *** أرض ولا ضمت سناك سماء

ص: 129


1- كل ديوان يحتوي على عشرة آلاف بيت.

يا حي تنشر عنك أموات البلى *** وتموت في ملكوتك الاحياء

خشعت لهيبتك السماء وأرجعت *** شم الجبال ودكت الارجاء

وأقمت فوق الماء عرشك ثابتا *** فسمت قوائمه وغيض الماء

وعنت لقدرتك النفوس مخافة *** وانقادت الخضراء والغبراء

وعن العقول تجردت لك بالعلى *** حكم لهن الكبرياء رداء

وعلى العوالم نور ذاتك لم يزل *** شيئا وليس كمثله اشياء

نظرت لحكمتك البصائر فانثنت *** حيرى فكل بصيرة عمياء

بقضاء أمرك كل شيء هالك *** ولنور وجهك في الوجود بقاء

متنزه عن جنس كل مشابه *** دحضت بك الاضداد والاكفاء

يا باسط الارزاق من يد قدرة *** تجري بها السراء والضراء

فيك السما رفعت ولا عمد لها *** لم تسر في دورانها أرجاء

عرفت بصحتها النفوس وسقمها *** انت الدواء لها وأنت الداء

طبعت له ملحمة شعرية باسم ( فريدة البيان ) في مدح الرسول الاعظم واهل بيته وافاه الاجل في شهر آب 1957 م 1377 ه ونقل جثمانه الى النجف الاشرف.

ص: 130

حليم دمّوس

المتوفى 1377 ه - 1957 م

ذكرى الحسين حفيد احمد صفحة *** زادت بأسرار السماء يقيني

تلك الضحية في المحرم جددت *** في كعبة الاسلام صرح الدين

لم أنس بيتا للشهيد وقد دوت *** كلماته في الطف منذ قرون

ان كان دين محمد لم يستقم *** الا بقتلي يا سيوف خذيني (1)

حليم دموس شاعر اديب كاتب مشهور بنظم الشعر جال في عدة ميادنيه وأغراضه ولد في زحلة بلبنان وتعلم في الكلية الشرقية ثم هاجر الى البرازيل وتعاطي الصحافة مدة قصيرة ثم رجع الى وطنه. كان محبا للغة العرب ومدافعا عنها بقوة وله وقفات طيبة في الذود عن أمجادها زمن الاستعمار الفرنسي. اتصل بكبار الشعراء والادباء في البلاد العربية واحبهم وأحبوه لطيبة نفسه وسلامة قلبه.

ومن آثاره ديوان ( المثالث والمثاني ) ( يقظة الروح او ترانيم حليم ) ( الاغاني الوطنية ) ( قاموس العوام ) (2).

ص: 131


1- أقول : يظن الكثير ان هذا البيت هو من نظم الامام الحسين علیه السلام وانه ارتجله يوم عاشوراء ، والصحيح انه قيل عن لسان الحسين علیه السلام وناظمه الشاعر الكربلائي الشيخ محسن ابو الحب المتوفى 1305 ه وهو من قصيدة اولها. ان كنت مشفقة علي دعيني *** ما زال لومك في الهوى يغريني
2- العراق في الشعر العربي والمهجري تأليف الدكتور محسن جمال الدين.

حنين الروح

جاء في مجلة البيان النجفية : الاستاذ الكبير حسان حليم دموس أشهر من أن يعرف وها هو يوافينا بعدة قصائد لاهوتية سامية

روحي تحن الى ظلالك *** وفمي يحدث عن جلالك

سبحانك اللّهم في كون *** يدل على كمالك

الملك ملكك في السماوات *** العلى وهنا كذلك

اين السعادة في الدنى *** والمرء في دنياه هالك

شوقي الى عدل الملائك *** لا الى ظلم الممالك

فاجعل حياتي في يديك *** فكلها من بعض مالك

أنا من أنا يا رب ان *** قارنت قولي في فعالك

انا نسمة مرت على *** هذي الربى وعلى جبالك

انا من ضبابك قطعة *** بيضاء ترقد في تلالك

أنا موجة من بحر جودك *** ترتجي صافي نوالك

انا نجمة لمعت وغابت *** فجأة والليل حالك

انا رملة صغرى تقلبها *** الرياح على رمالك

انا دمعة سالت على *** خد الطبيعة من زلالك

أناظل طيف عابر *** في مهمه وعر المسالك

يجتاز في وادي الحياة *** ولا يرى الا المهالك

ويخوض في بحر المنى *** متمسكا بعرى حبالك

يا رب انقذني سريعا *** ان أكن اهلا لذلك

اني تعبت من الحياة *** فهل أرى باهي خيالك

واذا النفوس تطهرت *** حنت الى مرأى جمالك

أنا اكتفي سكنا بقربك *** بين شمسك أو هلالك

يا حبذا الارواح تصبح *** في الاعالي من عيالك

هي حول عرشك كالملائك *** عن يمينك أو شمالك

نور على نور تدفق *** بين جنات هنالك

أشهى مناي ظلالها *** فاجعل نصيبي في ظلالك

ص: 132

عباس أبو الطوس

المتوفى 1377 ه

لك في صراع البغي يوم أكبر *** لا زال يرويه النجيع الأحمر

وتعيده الايام لحنا ثائرا *** ينساب في سمع الزمان ويهدر

فتشع في سفر الكرامة اسطر *** منه وتستوحي الكرامة أسطر

لك مثل ما لابيك ذكر خالد *** باق بقاء الدهر لا يتغير

وفضائل يقف الاعاظم خشعا *** لجلالها ويقرها المتنكر

تزكو بطابعها السليم فتزدهي *** بشعاعها طرق الرشاد وتزهر

لك مثل ما لمحمد بجهاده *** عزم واقدام وخلق نير

لا زال يومك وهو يوم شهادة *** يجلو الظلام عن العيون ويحسر

ويزيل أهوال النفوس وذعرها *** لتهب ترعد كالاسود وتزأر

وصلابة تطأ الردى وشواظه *** خنقا اذا بدت الجموع تزمجر

بك يا شهيد سنبتنيها أمة *** عربية تثني العدو وتقهر

وبنور مجدك سوف نرفع مجدنا *** ألقا تتيه به الاباة وتفخر

وتشق ديجور الحياة طلائعا *** ليست تهاب المعتدين وتحذر

وبتضحياتك نستزيد بسالة *** نحيا بها رغم الجروح وننصر

ولد الشاعر عباس أبو الطوس في مدينة كربلاء سنة 1350 ه الموافق سنة 1930 وانحدر من عائلة فقيرة تعرف ب آل أبي الطوس

ص: 133

ما أن شب وترعرع في كنف هذه العائلة حتى دفعه ابوه الى احد الكتاتيب - وعباس لم يتجاوز السادسة من عمره آنذاك فتعلم القراءة والكتابة وولع بالادب منذ الطفولة وتدرج وهو يقرأ النحو كالقطر لابن هشام والالفية لابن مالك ويطالع ( البيان والتبيين ) للجاحظ و ( جوهر البلاغة ) وتاريخ الاسلام ويقضي شطرا من وقته بقراءة دواوين الشعر كما حفظ خمسين خطبة من نهج البلاغة لامير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام ، وحفظ ما يقارب عشرة آلاف بيت من الشعر ومنها ( المعلقات ).

ونهض به عزمه ونبوغه لاكمال دراسته في النجف وهكذا مكث مكبا حوالي سنتين وعاد بعدها الى مسقط رأسه وصار يشارك في الحفلات الادبية وينشر روائعه في الصحف المحلية حتى جمع أكثر من ديوان ، وسمى أول دواوينه ب ( هدير الشلال ) ومنه نعرف الروح الحماسية التي يتحلى بها شاعرنا ومنها تحية الجيش الباسل لخوض المعارك في فلسطين.

فلسطين تناديكم بنفس *** تكاد تهد زفرتها الجبالا

وقلب لا يزال من البلايا *** ومن صهيون يلتهب اشتعالا

ومن دواوينه ( أغاني الشباب ) جمع قصائده في الوصف والغزل والنسيب.

يا ذكريات الحب والسمر *** وافاك ليل الصب فانتشري

ودعي الهموم تظل عالقة *** بسوانح الاحلام والفكر

وتجمعي حولي مهدهدة *** أشواق قلب ضج من كدر

وتحشدي والليل يحضنني *** والنجم لماح على البشر

وطلاقة الماضي مرفرفة *** كرفيف حلم مشرق الصور

كتب الاديب المعاصر سلمان هادي الطعمة عن الشاعر وقال :

له ديوان في مديح ورثاء أهل البيت يضم طائفة من القصائد العامرة تليت في احتفالات كربلاء ومهرجاناتها الادبية ومن روائعه في ذكرى الامام علي علیه السلام وقد ألقاها في الروضة الحسينية :

ولد الوصي فيا خواطر رددي *** نغم الهنا في مهرجان المولد

واستلهمي الذكرى قوافي ترتمي *** بأرق من روح الربيع وأبرد

ثم اسكبي الشعر الجميل بشائرا *** غرا تفيض بصبوتي وتوددي

ص: 134

شعرا كما انتفض الاريج مرفرفا *** فوق الجداول والغصون الميد

كأس الهوى بيدي فاضت رقة *** وعلى فمي نغم المحب المنشد

وصبا فؤادي للوصي وكيف لا *** يصبو المشوق الى الحبيب الابعد

وهذا مطلع أخرى من روائعه ألقاها في الروضة الحسينية ليلة مولد الحسين :

ناجاك قلب بالصبابة مفعم *** وفم بغير ولاك لا يترنم

وهفا لمولدك المخلد شاعر *** من فيض حبك يستمد وينظم

ودع الحياة وهو في عمر الورد دون أن يتزوج فقد وافاه الاجل يوم السبت 26 - 12 - 1958 في المستشفى الحسيني بكربلاء فشيع الى مثواه الاخير في مقبرة كربلاء.

ص: 135

الشيخ محمد جواد الجزائري

المتوفى 1378

يا ليل طلت ورحت تمتد *** قل لي أهل لك في غد عهد

اني لاسمع بالصباح فهل *** ذاك الصباح لمقلتي يبدو

هل أوقف الافلاك مبدعها *** أو حال دون مسيرها سد

أو كان نظم الكون مضطربا *** لا العكس متجه ولا الطرد

أو أنت ذياك القديم فلا *** قبل لديك يرى ولا بعد

كلا فأنت الكم متصلا *** حتم على أجزائك العد

أو أنت انت وان يومي من *** أرزاء يوم الطف مسود

أرزاء هذا الكون تعبث في *** سر الحياة وما لها حد

أنا لا أغالط في حقائقها *** كلا فأمر عيانها جد

لكن رزايا الطف ليس لها *** في نوعها مثل ولا ند

طوت الحقوب حدودها ولها *** في كل آونة لنا حد

هل انها نوع وكان له *** في قلب كل موحد فرد

أو أنها فرد وكان له *** بعد ليوم الحشر ممتد

نزلت بحومة كربلا ولها *** آل النبي محمد قصد

وتمثلت ومثالها شعل *** وتمثلوا ومثالهم وقد

الشيخ محمد جواد الجزائري.

ابن الشيخ علي الجزائري ولد في النجف سنة 1298 وفيها نشأ

ص: 136

وتوفي سنة 1378.

هو من أسرة عربية وبيت علم استوطن النجف الاشرف قبل القرن التاسع الهجري وكانت فيه الزعامة الروحية متوجة بالعلم. قوي القلب صلب الارادة لا يخاف في اللّه لومة لائم ما رأيت مثله من يغار على النجف وكرامتها وعلى العمة وحرمتها. له مؤلفات مطبوعة ومخطوطة وحديثة عن الثورة ومواقفه الجريئة وكيف حكم عليه بالاعدام من قبل الانكليز حديث ملذ معجب. مرض ودخل المستشفى ببغداد للتداوي فأرسلت اليه قطعة شعرية نشرتها مجلة الغري النجفية في سنتها 14 اذكر منها :

حن الفؤاد الى لقائك *** متطلعا لسما علائك

قفص الاضالع عاقه *** من أن يطير الى فنائك

فمتى البشير يسرنا *** فالانس في بشرى شفائك

عيدي بمطلعك الاغر *** وأن أراك على روائك

متسلسلا بحديثك العذب *** المسلسل كالسبائك

ويزينه في ندوة العلم *** الصحيح سنى بهائك

وتضم حفلك صفوة *** مثل الغصون على الارائك

وكان هيكلك الملائك *** أو انت من بعض الملائك

فالفضل ما ضمت شفاهك *** والفضائل في ردائك

تصغي لمقولك البليغ *** بحسن لفظك في أدائك

أأبا المعز ، وعزك المعقود *** في عالي لوائك

ماقيمة الجبل الاشم *** بجنب عزمك أو مضائك

فاقبل تحية مخلص *** لا زال يلهج في ثنائك

وحين صدور ( حل الطلاسم ) ردا على ايليا ابي ماضي كان له صدى اعجاب في الاوساط الادبية في بلاد العرب ، وكان لادباء لبنان السبق الى التنويه بفضل هذا الديوان واكباره لما فيه من المحاكمات العقلية حول أي موضوع شك فيه الشاعر الكبير ايليا أبو ماضي في طلاسمه. ومن أدباء لبنان البارزين بأدبهم العالي الاستاذ حسان حليم دموس صاحب الاثار الشعرية الرائعة والمقامات الادبية العالية والمواقف الدينية في سبيل اسلامه وقد

ص: 137

بعث بتحية الاعجاب الى العلامة الجواد في رسالة شعرية رائعة وعنوانها :

الى العلامة الجزائري :

سلام على النجف الاشرف *** سلام مشوق محب وفي

قرأت كتابك يا ابن العرا *** ق بثغر بسيم وقلب حفي

قواف رقاق كذوب الندى *** أزاحت لنا كل سر خفي

حللت الطلاسم حلا عجيبا *** فعدت اليها ولم اكتفي

سيدي الجليل الجواد ، الآن قلبت آخر ورقة بل آخر صفحة وانتهيت من تنسم ألطف نفحة من آخر مقطع من حل الطلاسم وأنا اردد قائلا مع الناظم :

بهداه سرت في الدرب وأدركت المراما

وتمشيت مع المنق بدءا وختاما

كل سار تخذ المنطق في السير اماما

فاز من ناحية الحكمة فيه انا ادري

فشكرا لهيتك الشعرية الثمينة يا شيخ العصر فلقد عرفنا منها كيف يستخرج الدر من البحر وكيف يلمع العقد النظيم الكريم في النحر .. ورأينا كيف تتكشف الحقائق الروحية شعرا ويعصر الشعر خمرا بل يذوب سحرا. ان من الشعر لحكمة وان من البيان لسحرا. فمن جار السماء (1) وجارة الوادي (2) الى واديك وناديك ، ومن سماء بلادي ابنة الارز اهتف وأناديك ومن أرض أجدادي احييك وأناجيك :

ص: 138


1- جبل لبنان الاثم.
2- زحلة مسقط رأس الناظم وقد ولد فيها عام 1888.

سلاما ، فخر آل الشيخ احمد *** وعد لربوعنا والعود احمد

اليك تحن أرواح تمنت *** بقاءك بينها واللّه يشهد

سأذكر ساعة فيها اجتمعنا *** وانت على ربى لبنان فرقد

تزيد وداعة وتزيد فيضا *** بنور نباهة وشعاع سؤدد

فيا لمجرب خبر الليالي *** وطار الى كواكبها وصعد

وأعلن أن سر الكون روح *** هو النور اللباب وما تردد

فيدري انه يدري ويجري *** ويعرض مشهدا في اثر مشهد

يطل على الطبيعة مثل نسر *** برأي من صحائفها مسدد

وهذي الروح من انوار ربي *** وهذا الجسم من ذرات جلمد

فمرحى أيها الاسدي مرحى *** فمثلك من جرى ابدا وعبد

عرفت الدرب والدير المعلى *** عرفت الكوخ والقصر المشيد

حللت طلاسم الماضي بشعر *** أعدت به لنا اعجاز احمد

أزحت عن الحقائق كل ستر *** بمرهف خاطر وبنيل مقصد

وخضت غمارها وبلغت شوطا *** عليه راية الآمال تعقد

فحلك حكمة والقول فصل *** وشعرك نغمة والوحي معبد

فمن وطني الى النجف المفدى *** تحياتي لآل الشيخ احمد

وطبع ديوانه في لبنان سنة 1389 ه وهو طافح بالوطنيات والوجدانيات سيما أحاسيسه ومواهبه عن ثورة الحرب العالمية وما عاناه من سجن وتعذيب يقول :

ولما ادلهمت علينا الخطوب *** وحققت الحادثات الظنونا

لقينا زعازع ريب المنون *** وهان على النفس ما قد لقينا

ولم نلو للدهر جيد الذليل *** وان يكن الدهر حربا زبونا

ونظم ملحمة ( حل الطلاسم ) نشرتها المجلات مع شرحها ثم نشرت مستقلة في بيروت كما نشر له ( نقد الاقتراحات المصرية في تيسير العلوم العربية ) و ( فلسفة الامام الصادق ) وألف في الفقه والاصول والفلسفة ولا زلت اتصوره واستشهد بأحاديثه وأكبر روحه الدينية ومواقفه الوطنية كتب عنه باسهاب زميلنا الباحث علي الخاقاني في شعراء الغري وأسهب في الحديث عنه وجاء بألوان من شعره سيما وطنياته ووجدانياته ومما هو جدير بالذكر ان الخاقاني زامل الشيخ الجزائري وجالسه فترة طويلة. وقد انطفا هذا المصباح الوقاد يوم الاثنين 15 - 10 - 1378 المصادف 23 - 4 - 1959 م.

ص: 139

الشيخ كاظم نوح

المتوفى 1379

هلال محرم قد أوجرا *** فؤادي بنار جوى مسعرا

هلال به هل دمع العيون *** فكان لطرفي قد أسهرا

بكينا لما حل في كربلا *** ودمع العيون دماء جرى

وقد كسفت شمسنا والنجوم *** تساقطن حزنا على ما جرى

على ما جرى في عراص الطفوف *** بعترة احمد خير الورى

غداة ابن سعد اتى فائدا *** لجيش كثيف بها عسكرا

يناجز سبط نبي الهدى *** ويطمع في الري اذ أمرا

ودارت رحى الحرب في موقف *** به قابل الادهم الاشقرا

ففرت كتائبها نكصا *** وفي وجهها السبط قد غبرا

ومذ اثخنوا جسمه بالجراح *** ثوى يا بنفسي لقى بالعرا

وجالت على جسمه خيلهم *** ورضت له الصدر حتى القرا

الشيخ كاظم ابن الشيخ سلمان بن داود بن سلمان بن نوح ابن محمد من آل غريب الاهوازي الكعبي الحلي الكاظمي ، تخرج على يد أبيه الخطيب الشهير الشيخ سلمان الذي انتقل من الحلة الى الكاظمية وعمره خمسة عشر سنة وتوفي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وذلك عام 1308 ه وحمل الى النجف ودفن بوادي السلام.

ص: 140

ولد المترجم له في اوائل شهر رجب سنة 1302 ه وتلقى الكتابة والقراءة عند الكتاتيب ويقفو أثر أبيه في المجالس الحسينية ويستمع اليه بكل لهفة ويكتب القطعة من المراثي ويحفظها ويتلوها على أبيه على الطريقة المألوفة في المآتم الحسينية. درس النحو على السيد محمد ابن السيد محسن العاملي ، والشيخ محمد رضا اسد اللّه ، كما درس الفقه عليهما وعلى السيد احمد الكيشوان وكتاب تجريد الاعتقاد في علم الكلام على الشيخ مهدي المراياتي وبرع في الخابة حتى عرف ب خطيب الكاظمية ومن أجلى المواقف خطابه في ( حسينية الشيخ بشار ) ببغداد يوم جاء الوفد المصري وعلى رأسه الكاتب الشهير احمد أمين يستمعون الى حديثه وخطابه ففتح باب المناظرة وأخذ يحاسب الدكتور احمد أمين على مفترياته على الشيعة في كتابه ( فجر الاسلام ) وكان الموقف موفقا والمجتمع يصغي اليه بكل شوق وهو مستمر في بيانه واحتجاجه وقوة استدلاله وتفنيده لتلك المفتريات والتهم مما دعى الدكتور أحمد أمين ان يصرح بأنه سيعيد طبع الكتاب خاليا من هذه الاغاليط ، قال المرحوم السيد محسن الامين في ( أعيان الشيعة ) ج 1 - 135 ما نصه : ومن العجيب ان احمد أمين زار العراق بعدما انتشر كتابه ( فجر الاسلام ) في زهاء ثلاثين رجلا من المصريين وحضر في بغداد مجلس وعظ الشيخ كاظم الخطيب الشهير فتعرض لكلام أحمد أمين في كتابه وفنده بأقوى حجة وأوضح برهان ووفى المقام حقه وهم يسمعون فاعجبوا ببيانه واذعنوا لبرهانه.

وفي سنة 1376 ه دعي للمشاركة في الاحتفال العالمي في الباكستان بمناسبة مرور أربعة عشر قرنا على ميلاد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام ، وكان وفد العراق يتألف من السادة الاعلام وهم : السيد علي نقي الحيدري ، السيد حسن الحيدري ، الشيخ محمد علي اليعقوبي ، الشيخ كاظم نوح ، الشيخ محمد رضا المظفر ، السيد محمد تقي الحكيم ، السيد عبد الوهاب الصافي ، السيد ابراهيم الطباطبائي. أما آثاره العلمية فمنها ديوانه المطبوع بمطابع بغداد في ثلاثة أجزاء وديوان رابع وهو يختص بأهل البيت علیهم السلام وقد طبع بمطابع بغداد أيضا غير شعره الذي لم يطبع والذي يزيد على (10000) بيتا ومن

ص: 141

الجدير بالذكر انه أرخ اكثر من 500 حادثة تاريخية اضافة الى أغراض أخر.

2 - محمد والقرآن ذكر شهادات الاجانب في القرآن الكريم والنبي العظيم.

3 - الحضارة والعرب وما ذكره الاجانب في ذلك.

4 - المدنية والاسلام.

5 - ملاحظات على تاريخ الامة العربية لدرويش المقدادي.

6 - الحسم لفصل ابن حزم.

7 - رد الشمس لعلي بن أبي طالب من طرق أهل السنة.

8 - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفيه أربعة مسائل تتضمن حديث ( الائمة من قريش ... ).

9 - المواعظ الدينية الصحية ، نشرته مديرية الصحة العامة بغداد 1936 م. توفي رحمه اللّه فجأة على أثر ضيق في التنفس وذلك في شهر جمادى الآخرة من سنة 1379 ه فكان يوما مشهودا في الكاظمية وبغداد واقيمت له الفواتح في أماكن عديدة ، وأقيمت له حفلة تأبينية في الكاظمية بمناسبة الاربعين شارك فيها الدكتور حسين علي محفوظ والسيد محمد علي الحيدري القاضي ، والسيد سعيد العدناني والخطيب جواد شبر ( كاتب هذه الترجمة ) واليكم قطعة من القصيدة أو المقدمة :

حياتك كلها غيث عميم *** ولفظك كله در نظيم

ونثرك يملأ الاجواء طيبا *** كأن حروفه عطر شميم

مربي الجيل أنت ، وكان حقا *** رثاؤك أيها الرجل العظيم

تذيع على الورى ستين عاما *** دروسا نهجها جزل قويم

وانك خالد الذكرى ويبقى *** حديثك تستطيب به النسيم

* * *

أبا الاعواد والحكم اللواتي *** تمثل فيها الادب الصميم

ص: 142

ترف علي روائعها قلوب *** لرقتها ، وتنتعش الجسوم

رأيتك تسحر الالباب وعظا *** فكانت في يديك كما تروم

وآلاف الانام اليك تصغي *** ووجهك لاح مطلعه الوسيم

ودوى صوتك المرهوب فيها *** كأنك في اللقا أسد هجوم

وقد ضاق المكان بهم فضلت *** على مرآك أرواح تحوم

مواقف لست احصيها بعد *** على الدنيا وهل تحصى النجوم

* * *

أبا الاعواد منبرك المرجى *** لنفع الناس يعلوه الوجوم

فهل اسندته لفتى أبي *** وهل أحد يقوم بما تقوم

فمن لشباب هذا العصر يهدي *** اذا عصفت بفكرته السموم

تجاذبه العوامل ليس يدري *** علي أي المبادئ يستديم

ص: 143

الشيخ كاظم كاشف الغطاء

المتوفى 1379

أيا عترة المختار والسادة الطهر *** وآل رسول اللّه والانجم الزهر

ويا علة التكوين والآية التي *** تحير في ادراكها اللب والفكر

بني أحمد انتم معادن حكمة *** فعلمكم كنز وجودكم بحر

أدين بحب المصطفى وولائكم *** مدى الدهر حتى ينقضي منى العمر

تنوه طه والنبا بمديحكم *** وياسين والانفال تشهد والقدر

كذا سورة الاعراف قد شهدت لكم *** وفي جل آيات الكتاب لكم ذكر

وكم قد أتت من آية في امية *** ليخزى بها حرب ويرمى بها صخر

لقد لعنوا في محكم الذكر لعنة *** يدور بها عصر ويفنى بها عصر

وقد قتلوا سبط النبي وسبطه *** تطالبه ثأرا بما فعلت بدر

وقد رفعوا رأس الحسين على القنا *** تطوف به البلدان عسالة سمر

بنفسي جسوما طاهرات وقد غدت *** تداس بجرد الخيل مذ رضض الصدر

الشيخ كاظم ابن الشيخ موسى ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. ولد سنة 1304 ومات والده وهو طفل رضيع فكفله عمه الشيخ صاحب الحصون فنشأ نشأة علمية أدبية وحضر على اعلام عصره بحكم

ص: 144

بيئته وأسرته ، أدركت أيامه فكان مثالا لطهارة القلب وحسن الخلق وطيب المعشر وكنت اقرأ على اساريره النور فلا تفارقه الابتسامة واثر السجود بين عينيه كثيرا ما كان يحضر مأتم سيد الشهداء ويشجعني كثيرا على خدمة المنابر ولا زلت احتفظ بأشعاره بخط يده اذ كان يتأثر بمنابري فينظم القطعة الشعرية ويثنى على تلك الروحانية وربما فارق النجف الى البصرة اذ له هناك مزرعة ويروي جملة من الشعر الذي نظمه شعراء عصره بمناسبة قرانه بابنة عمه الشيخ صاحب الحصون سنة 1324 ه وأرخ بعضهم قائلا :

قد أصبحت آيات آل جعفر *** تتلى بلفظ ناثر وناظم

حتى السماء نظمت نجومها *** في مدح تلك السادة الاعاظم

والمجد قد تهللت طلعته *** بشرا فأرخه بعرس كاظم

ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر قسما من شعره وجانبا من أخلاقه وتواضعه فمن شعره في أهل البيت علیهم السلام :

أرقت وماخوفا من الموت أأرق *** ولا طمعا في المال مثلي يأرق

ولست بحب الغانيات موله *** ولا للحسان البيض قلبي يعشق

ولست لمخلوق من الناس راجيا *** ولا لغني جئته اتملق

ولا كنت في حرب الرياسة راغبا *** بأثقالها اشقى وفيها اطوق

ولكنني في عفو ربي ولطفه *** واسأل غفران الذنوب وافرق

وفي حب آل اللّه والعترة التي *** بهم سارت الافلاك والشمس تشرق

أموت وأحيا مستهاما بحبهم *** وفيهم من النيران انجو واعتق

كانت وفاته رحمه اللّه في مدينة الحلة وشيع جثمانه الطاهر يوم الثلاثاء 3 - 11 - 1959 من مقبرة المحقق الحلي الى النجف الاشرف وكان الناس في باب البلد عند جامع الحيدري يستقبلون الجثمان من مختلف الطبقات حتى دفن في وادي السلام.

ص: 145

الشيخ كاظم السوداني

المتوفى 1379

خلت من الدار مغانيها *** وأقفرت بعد مبانيها

فهي يباب بعدهم للبلا *** ما أحسن الدار بأهليها

سلها عسى تنبيك عن نأيهم *** وأين جد السير حاديها

وحيها في صيب كالحيا *** تندى له العين أماقيها

لها على العشاق حق البكا *** فقف بها يا سعد نبكيها

يا وحشة الدار وقد أقفرت *** خالية الا أثافيها

قطينها خف وقد زمزمت *** تحدو الى الطف نواجيها

وقوضت لكن على اثرها *** قوضت الدنيا بما فيها

حملها المجد فشالت ضحى *** تقودها غر مساعيها

شعارها الذكر به قد تلت *** ورتلت في الآي تنشيها

يا يومهم وهو العظيم الذي *** قد طبق الدنيا نواعيها

قد أعقبوا فيه لهم وقفة *** تبقى الى الحشر معاليها

سل كربلا عنهم وسل أرضها *** من دك بالكر روابيها

وكيف فاضت وطغت في دم *** تجري وحد السيف يجريها

أبادها الموت ولكنما *** نشر جميل الذكر يحييها

وثائر شمر عن وثبة *** يقصر عنها الليث تشبيها

صادق طعن ليس يخطي الحشا *** والطعنة النجلاء يرويها

أرخصها دون الهدى مهجة *** - يا بأبي والناس - أفديها

ص: 146

الشيخ كاظم ابن الشيخ طاهر بن حسن بن بندر ، ولد في النجف سنة 1303 ه ونشأ بها وتلمذ على مشايخ الادب وأخذ عنهم أصول العربية وشغف بالادب الجاهلي ويعتد بنفسه كثيرا ، وكثيرا ما كان يقول اذا اسمعته شعرا لشعراء العصر الحاضر يقول وأين هذا من شعر الرضي والمهيار.

له ديوان شعر فيه العشرات من القصائد في أهل البيت علیهم السلام والعلماء والاعيان وقد استكتبني مرة في دارنا - وأنا صغير السن - فأعجبه الخط فأعطاني ديوانه وهو أوراق مبعثرة فكتبته له بأكثر من مائتي صفحة وكان اذا نظم القصيدة في أهل البيت ينشدها بنفسه بطريقته الخاصة في مجلس المرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء الذي كان يعقد كل يوم خميس اسبوعيا. والشيخ كاظم أديب ولغوي ومنبري خدم المنبر الحسيني طيلة عمره وله نوادر أدبية ومساجلات شعرية كثيرة ، ومن قوله :

بادر فطرق العلى من أوضح الطرق *** وانفض لها ساعيا في جد مستبق

لا يركب الهول الا قلب وله *** قلب جريء على أمن بلا قلق

ولا يلم على مجد سوى رجل *** مسهد الجفن مطبوع على الارق

حاذر على المجد واحرص ان تحوط به *** كما أحاطت جفون العين بالحدق

لملبس خلق في العز تلبسه *** أجل من جدة الديباج والسرق

ومن بثوب جديد كان مفخره *** فذاك ابخس ثوب في الدنا خلق

ترجم له الباحث المعاصر الخاقاني وأتحفنا بألوان من شعره لا اتخطر أني كتبته يوم استنسخت له ديوانه ، ومما يخطر ببالي ان المرحوم السيد مير علي ابو طبيخ قدس سره حدثني بأن الشيخ كاظم السوداني كان يطالبه بأكلة من الباذنجان المقلي وهو الذي يسمى ب ( المسمى ) وطالت مطالبته فنظم :

علي القدر يا ابن أبي طبيخ *** الى اللقب الذي قد شاع اسما

طبيخك في مسماه والا *** فاسمك والطبيخ بلا مسمى

ويحدثنا الخاقاني ان المترجم له كان يثور حينما يسمع بتفضيل

ص: 147

المتنبي على غيره كما انه كان يقول : شعر المتنبي مسروق وحتى هجا المتنبي بقصيدة فنظم الشيخ محمد علي اليعقوبي يخاطب المتنبي :

يا ابن الحسين وقد جريت لغاية *** قد أجهدت شعراء كل زمان

لكنما السودان حين هجوتهم *** ثارت عليك ضغائن ( السوداني )

وقال أيضا :

يا هاجيا رب القوافي احمدا *** بلواذع من نظمه وقوارص

حسبي وحسبك في جوابك قوله *** ( واذا أتتك مذمتي من ناقص )

وقد سجلت له في مخطوطاتي قصيدة نظمها في زفافي سنة 1356 ه :

فضائل فعل المرء تعرف بالاثر *** لك الخير فاختر أحسن الحمد والذكر

ولا خير فيمن همه المال والغنى *** وكان من العلياء في جانب الفقر

ورب امرء خالي الوطاب من العلى *** يزاحم - وهو الذيل - من حل في الصدر

يدقر معنى نفسه لا بنفسه *** كبيت بل معنى أضيف الى الشعر

تقدم فيها خامل الذكر من به *** أتى هل أتى الانسان حين من الدهر

لعبد حقيق حرة ذكرياته *** هو الحر لا من قد تشبه بالحر

الى م الشقا في ليلة البؤس والعمى *** أما قد ترى من بعدها طلعة الفجر

فعقلك مرآة لامرين ناظر *** فبالخير تلقى الخير والشر بالشر

وعندك لذات فصاحب أجلها *** فان فساد العقل من لذة الخمر

ومهما ارتقى فيك الكمال بأوجه *** فانك محتاج الى الرأي والفكر

باخلاقه الانسان لا في بروده *** وفي حسنها الحسناء لا في حلى الدر

الا ان حسن السير أطلب نافع *** وكم من سفيه يطلب النفع بالضر

اذا غلب الطغيان يوماعلى امرء *** تجنى مسيئا وهو يدري ولا يدري

وفي كل نفس للتكبر خلقة *** اذا وجدت حظا تخطت الى الكبر

ومن كان ذا عسر فلا يك موجسا *** فمن بعد هذا العسر لليسر واليسر

ومن كان ذا صبر على واجب له *** فبشره بالحسنى بعاقبة الصبر

ومن كان ذا حرص بعيد عن الندى *** تجاوزن عنه السن المدح والشكر

ص: 148

وما كل من قد قال يفعل صادقا *** دع الخبر المكذوب فالصدق في الخبر

وما طاب يوما منبت السوء زاكيا *** وهل ثمر يحلو من الشجر المر

تحذر من النادي ولاتك مغمزا *** فمحشده ضم الذكي مع الغمر

وسر سابقا مثل الجواد الى العلى *** غداة شآ فيها الى حلبة الفخر

تجلى وجلى لامعا بين تربه *** فبان بحسن السعد كالكوكب الدري

فتى لعلي ينتمي وكفى به *** علاء ومجدا طيب الحجر والدر

ص: 149

الشيخ محمد علي الأوردبادي

المتوفى 1380

بجنب الغاضرية لي ثواء *** والفاي الكتابة والرثاء

تجاوبني بنات الدوح نوحا *** وتسعدني الجآذر والظباء

أقول وفي الحشا جذوات وجد *** وملء جوانحي داء عياء

أأكناف الطفوف بأي أرض *** لفرخ المصطفى منك الثواء

أهل دارت ثراك هلال سعد *** بكت اذ غاله الخسف السماء

عشية جاء يحمله ابن طه *** وحشو فؤاده ألم وداء

يلوح عليهما ألق وعرف *** فريا العود ينشره الضياء

فقل بالغصن يحمل منه نورا *** وقل بالنجم تحمله ذكاء

ونادى فيهم والقوم صم *** فلا عن غيهم يلوي نداء

ألا من راحم يسقي رضيعا *** يلوح عليه من طه رواء

فلا يجديه عن سغب لبان *** ولا يطفي لظى احشاه ماء

وان يذنب أبوه كما زعمتم *** فلا ذنب عليه ولا جزاء

فلم يسقوه من ظما ولكن *** حدا للبغي حرملة الشقاء

وفوق سهمه شلت يداه *** فأذبل من بني مضر بهاء

ووافت أمه تعدو ولكن *** لها في نار مهجتها اصطلاء

تقول فتسعر الاشجان فيه *** لعبد اللّه يا نفس الفداء

بني تركتني والهم ثكلى *** وما من بعد يومك لي عزاء

سأبكي ثغرك الدري ما ان *** بسمت وللسنا فيه ازدهاء

ص: 150

واندب وجهك الذهبي وردا *** بماء الحسن كان له ارتواء

أهاصر غصنك الفياح غضا *** وشهد لماك عن دائي شفاء

الشيخ محمد علي بن محمد قاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الاوردبادي التبريزي النجفي جاء في الطليعة فاضل اشتمل على فضل جم وغزير علم وشارك في فنون مختلفة واتسم بأحسن صفة الى تقى طارف وتليد وحسب موروث وجديد ، اجتمعت به كثيرا وعاشرته طويلا فرأيت فيه الرجل المتقد الفهم الغزير العلم. مولده بتبريز سنة الف وثلثمائة وعشر وقدم النجف بعد خمس سنوات وتربى على أبيه تربية صالحة ولازم شيخ الشريعة وكان محل وثوق عند المراجع والمجتهدين وقد أجازوه اجازة اجتهاد أمثال الميرزا النائيني والشيخ عبدالكريم الحائري والسيد ميرزا علي الشيرازي والسيد حسن الصدر الكاظمي والسيد عبد الحسين شرف الدين وغيرهم كما أجازه في رواية الحديث أكثر من ستين علما من الاعلام في الرواية ، وأسرة المترجم له كما ذكر عنها الاستاذ عبد الكريم الدجيلي في كتابه ( شعراء النجف ) نجفية الاصل فقد هاجر أحد أسلافه من النجف الى ايران فألقى عصا الترحال في أوردباد ثم وقعت هجرتهم الى تبريز (1) وشخصية الشيخ الاوردبادي من الشيخصيات اللامعة فهو عالم وباحث وأديب ومؤرخ كتب عدة رسائل في بحوث لا يخوضها غيره ولو نشرت لافادت كثيرا.

كتب رسالة في السيد الجليل محمد ابن الامام علي الهادي علیه السلام كما كتب رسالة في القاسم ابن الامام موسى الكاظم فأفاد وأجاد. والحق أنه أوقف كل أوقاته على خدمة المبدأ والعقيدة وقصيدته في أبي طالب شيخ البطحاء لا زالت ترددها المحافل. وكتب عنه الباحث المعاصر الشيخ محمد هادي الاميني في ( معجم رجال الفكر والادب في النجف خلال الف عام ) قال : محمد علي بن أبي القاسم 1312 - 1380 فقيه مؤرخ فيلسوف

ص: 151


1- شعراء الغري ج 10 \ 96.

شاعر متتبع له ( سبع الدجيل ) ط ( علي وليد الكعبة ) ط ( ابراهيم ابن مالك الاشتر ) ط وذكر له مؤلفا آخر.

وقد عز نعيه على عارفيه لذلك انتفضت الهيئة العلمية لاقامة ذكرى بيوم أربعينه في مسجد الشيخ الانصاري 8 ربيع الاول 1380 ه المصادف 31 - 8 - 1960 وقد اشترك فيه جمع غفير من رجال العلم والأدب. تقول مجلة النجف في الجزء الثالث من السنة الرابعة ما يلي : وكانت كلمة الافتتاح للخطيب السيد جواد شبر ، كلمة آية اللّه السيد محمد جواد التبريزي ، قصيدة السيد محمد الحيدري ، كلمة الدكتور عبد الرزاق محيي الدين ، كلمة العلامة الشيخ محمد رضا المظفر وغيرهم.

ترجم له السيد الامين في الاعيان وذكر نبذة من أشعاره.

ص: 152

سليمان ظاهر

المتوفى 1380

بكيت الحسين ومن كالحسين *** أحق بفرط الشجا والبكا

امام لو أن الذي نابه *** أصيب به يذبل لاشتكى

كفى شرفا أن شكت رزءه *** البرايا، ومن هوله ما شكا

وسيان مؤمنهم باقتسا *** م جواه الممض ومن أشركا

وان أطلس الفلك لم ينحرف *** وقد ماد حزنا فقد أوشكا

بكاه المصلى وركن الحطيم *** وزمزم والحجر والمتكا

وطيبة غصت شجا والغري *** كابد قرحا له مانكا

ألا من له حامل من شج *** بتذكار محنته مألكا

حوت زفرات لو أن الزمان *** وعاها لماد جوى أو بكى

لحزنك فرض على العالمين *** أن يجعلوه لهم منسكا

وهل مر في الدهر خطب عظيم *** الا وصغره خطبكا

وهل قط راو روى مشبها *** له في فظائعه أو حكى

وما عرف الناس في النائبات *** صبورا على بكرها مثلكا

وكان خلال شهيد الدهور *** لم تك تنسب الا لكا

حللت سويداء كل القلوب *** فلم تطو الا على حبكا

وما عرف اللّه من لم يكن *** بحبل ولائك مستمسكا

لقد قصرت شهداء الانام *** في نصرة الحق عن شأوكا

ص: 153

ولم يدركوا غاية في الفخار *** كنت لها دونهم مدركا

شهادة فخر اله الانام *** بها دون كل الورى خصكا

كفاك على ان غدا كعبة *** تحج اليه الورى رمسكا

وعز الحياة ومجد الممات *** شيء خصصت به وحدكا

عليك من اللّه أزكى السلام *** ما طلعت في سماها ذكا

عن مجلة البيان السنة الثانية عدد 35 - 39

الشيخ سليمان ظاهر شيخ الادب ووجه ناصع من وجوه لبنان خدم بقلمه فأفاد وجاهد فابلى في الجهاد عضو المجمع اللغوي بدمشق وهذه مجلة العرفان الصيداوية لو جمع ما فيها من نشرات الشيخ سليمان العلمية والادبية والعقائدية لكانت مجلدات علم وعرفان وموسوعة يعتز بها الزمان ، من مؤلفاته المطبوعة في صيدا سنة 1348 كتاب الذخيرة الى المعاد في مدح محمد وآله الامجاد الفصل الاول في اصول الدين : توحيد وعدل ونبوة وامامة ومعاد ثم ترجمة للائمة الاطهار وعدة قصائد رائعة في المعصومين : وله آداب اللغة العربية.

ومن قصائده الشهيرة التي أشار اليها الاب لويس شيخو اليسوعي مدير مجلة الشرق في ( الآداب العربية في القرن التاسع عشر ) قال : سليمان ظاهر تروى له قصائد حسنة كسورية وشكواها ونظرة في النجوم والحرب والسلم ومن آثاره ما رأيت في مجلة الغري قصيدة عنوانها حياة الانسان وهي من مجموعة في كتاب سميت بالشواهد الالوهية لم ينشر منها شيء ولم تطبع على حدة كما اتحفنا بوصفه آثار بابل والايوان ومقام سلمان الفارسي رحمه اللّه ولا يفوتنا أن نذكر ما للفقيد من رنة حزن وأسف لهذا المثال الصالح والشخصية الفذة فقد ابنته جميع الصحف اللبنانية وأكثر الصحف السورية والعراقية وجميع البلاد العربية ووصفته بما يليق به حيث كان جهبذا من جهابذة لبنان وعلما من أعلامه الخالدين ومن اكبر المساهمين في الحركات الوطنية والخدمات الاجتماعية ومقارعة الاستعمار الفرنسي.

ص: 154

السنة العاشرة من مجلة الغري عدد 7 ، 8 قصيدة للشيخ سليمان ظاهر العنوان علي ومعاوية في الميزان.

دع ابن هند يلاقي ما جنت يده *** وما سيجزيه عن اوزاره غده

ص: 155

الشيخ محمد حسين المظفر

المتوفى 1381

في مولد الامام الحسين (عليه السلام) :

شهر شعبان قد تجسمت نورا *** فاسم وافخر فقد سموت الشهورا

لك بشرى بما حويت من الفخر *** فكم جئت بالسرور بشيرا

أي شهر جاراك في حلبة السعد *** فوافى ويتبع النور نورا

أشرقت فيك للسعود شموس *** وباشراقها الوجود أنيرا

كل شهر للشمس برج وفيه *** تقطع الشمس في السماء المسيرا

وثلاث من الشموس بشعبا *** ن تجلت من البروج ظهورا

في ثلاث منه ، وفي الخمس ، والنصف *** غدا الافق باسما مستنيرا

فاطم أولدت بهن حسينا *** وابنه والمؤيد المنصورا

أنفس صاغها المهيمن نورا *** قدر اللّه صنعها تقديرا

وأفاض السنا على الخلق حتى اشتق *** منه شمسا وبدرا منيرا

هو لولا ذاك السنا ما برى خلقا *** كريما ولا جنانا وحورا

أهل بيت قد أذهب اللّه عنهم *** الرجس اعتصاما وطهروا التطهيرا

الشيخ محمد حسين المظفر ابن الشيخ محمد بن عبد اللّه ابن محمد بن أحمد بن مظفر النجفي أحد الاعلام المرموقين بالعلم والادب. ولد سنة 1312 ه بالنجف الاشرف وتوفي والده في

ص: 156

الخامس من شوال 1322 فكفله أخوه الاكبر الشيخ عبد النبي وقام بتربيته أحسن قيام ، قرأ المقدمات ودرس السطوح على اخيه الاكبر الشيخ محمد حسن ثم حضر درس الميرزا حسين النائيني والشيخ ضياء العراقي والسيد ابو الحسن الاصفهاني وبلغ درجة عالية في الفقه والاصول والتاريخ والادب ، وولع بالتأليف والتحقيق فطرق الابواب الصعبة وأنتج آثارا جليلة ، ومن محاسنه وأسلوبه في طرق التربية أن قام بتربية ثلة من الشباب النابهين فقبل رئاسة المجمع العلمي لمنتدى النشر وكان لنشاطه أكبر الاثر في نفوس الاعضاء ، واذكر - وانا مقرر المجمع العلمي - والمعني بأموره وأرى الواجب أن أكون المسؤول الاول ولكن الشيخ ، أبو أمين - كان له السبق والنشاط مما يجعلني استصغر نفسي. وكان قد هيأ نفسه لقبول اي طلب يكون في سبيل نصرة المبدا والعقيدة.

آثاره :

1 - الامام الصادق علیه السلام في جزئين وقد طبع في النجف.

2 - ميثم التمار طبع في النجف.

3 - الكتاب والعترة.

4 - الشيعة والامامة.

5 - تأريخ الشيعة.

6 - الشيعة وسلسلة عصورها.

7 - دعاء الامام الصادق.

8 - علم الامام.

9 - هشام بن الحكم.

10 - مؤمن الطاق.

11 - الاوصياء.

12 - القرآن تعليمه وارشاده.

ص: 157

13 - الاسلام نشوؤة وارتقاؤه.

14 - الآيات الثلاث.

15 - ديوان شعره وأكثره في أهل البيت.

له اجازة الرواية كتبيا عن الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين. ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) ضمن ترجمة اخيه الاكبر العلامة الشيخ محمد حسن فقال : كان كاملا ينظم الشعر ونظم ارجوزة في بعض ابواب الفقه.

كانت وفاته سنة 1381 ه بالنجف الاشرف رحمه اللّه رحمة واسعة ودفن بمقبرتهم الخاصة بالاسرة الى جنب اخيه الاكبر الشيخ محمد حسن.

ص: 158

الشيخ باقر الخفاجي

اشارة

المتوفى 1381

خليلي عوجا بي على طف نينوى *** ولا تذكرا لي عهد حزوى وذي طوى

قفا بي على وادي الطفوف سويعة *** لعلي أناجيه أيدري لمن حوى

حوى بطلا هز الزمان بموقف *** غداة على متن الجواد قد استوى

أبي أبى الا الرقي الى العلى *** وما صده من ضل عنها ومن غوى

يجول بهم جول الرحى مفردا وهم *** ثلاثون الفا واللوى يتبع اللوى

الى أن هوى للارض روحي له الفدا *** خميص الحشا صادي الفؤاد من الطوى

( أيقتل عطشانا حسين بكربلا ) *** ولم يسق لكن النجيع له روى

ألم يك سبطا للنبي محمد *** فلهفي له في تربة الطف قد ثوى

ألا ان يوم الطف أضرم مهجتي *** ولم أدر قبل الطف ما الحزن والجوى

وزينب تدعو والشجى ملء صوتها *** أخي يا اخي أين استقر بك النوى

الشيخ باقر الشيخ حبيب ابن الشيخ صالح الطهمازي الخفاجي وخفاجة من أشهر الاسر العربية ، عريقة في المجد والكرم والاباء والشمم تقطن أرض بابل ونواحيها. ولد الشاعر في الحلة الفيحاء سنة 1312 ه ونشأ بها وتغذى بأدبها الجم وعلى تربتها الخصبة بالعلم والعلماء والشعراء والفطاحل من فحول الشعر

ص: 159

والادب ، ثم انتقل به أبوه الى ناحية الشنافية قمة الفرات الاوسط وغيل الاسود وصعدة الشجاعة والبسالة وهناك نمت مداركه وزاول الخطابة وخدمة المنبر الحسيني وتولع بقرض الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ، وأنصع صفحة من حياة المترجم له والتي أكسبته الشهرة الواسعة في بلاد العرب عامة والعراق خاصة مواقفه المشرفة في الثورة العراقية فقد واكب الثورة واستنهض القبائل بقصائده الحماسية وأهازيجه الشعبية التي عرفت عنه وما زالت حديث الاندية العربية هناك اذ كان يلهب النفوس حماسة اذا وقف يرتجل الشعر ويرفقه ب ( الهوسة ) بباعث من عقيدته الدينية ونخوته العربية اذ كان يوالي الضربات على المستعمرين والكافرين حتى ليدفع بهم وهو أمامهم الى قذائف النيران وازيز البنادق وأصوات القنابل والمدافع انه لازم خط النار ستة أشهر وبعدها طاردته انكلترا مدة للتشفي به وهو مصر على المحاربة والمخاصمة وحتى اضطرت الانكليز الى اعطاء العراق استقلاله وشروطه التي دام مصرا على تحقيقها وحسبك ان تقرأ الكتب التي ألفت في هذه الثورة ودور شاعرنا فيها هو الدور المجلي ، لقد زاملته وجالسته كثيرا فكان موضع ثقة الجميع يتحلى بأخلاق اسلامية وسجايا عربية لا يكاد يمل من عمل الخير ولا يسأم من خدمة المجتمع ويلوح ذلك في مضامين اشعاره حسبك أن تقرأ ديوانه المطبوع بمطبعة دار النشر والتأليف بالنجف والمسمى ب خير الزاد ليوم المعاد والعقود الدرية في مراثي العترة النبوية باللغة الدارجة وقد طبع بمطبعة الغري الحديثة بالنجف الاشرف وقد قدمت له مقدمة وقرظته بأبيات نشرت في أول الكتاب كما نشر له في حياته ( الحسام المعدود لحرب اليهود ) يستنهض الامة العربية لانقاذ فلسطين ويستثير همم العراقيين ومن قصائده الاستنهاضية قوله في المطلع :

هذى الرميثة سلها عن معالينا *** تنبيك عما فعلنا في أعادينا

و ( العارضيات ) يوم و ( السماوة ) و *** ( السوير ) آخرها نلنا أمانينا

وطبعت له في حياته كراسة بعنوان ( ذكرى الجمهورية العراقية في عامها الاول ) ونشرت له عدة دواوين باللغتين : الفصحى والدارجة منها :

ص: 160

1 - تحفة النشأتين في مدح ورثاء الامام الحسين.

2 - تسلية الواله في النبي وآله.

3 - اللؤلؤ المنثور في النبي وآله البدور تكررت طبعاته.

4 - العقود الدرية في مواليد العترة النبوية.

وهناك دواوين من تراثه الادبي تحتوي على قصائد رائعة للامجاد العربية والمواقف الاسلامية والايام الحافلة بالذكريات الخالدة ورجالات العلم والعلماء وسائر فنون الشعر والأدب واليكم احدى روائعه في الفخر والحماسة والاعتزاز بالنفس والتحلي بالهمم وهي القصيدة التي اثبتناها في آخر الترجمة ، ومن الجدير ان أذكر كلمة للمؤرخ السيد عبد الرزاق الحسني سلمه اللّه اثبتها في كتابه ( تاريخ الثورة العراقية ) وقد سمعها من السيد هادي مكوطر أحد زعماء الثورة وقطب رحاها ، قال : ان موقف الشيخ باقر الخفاجي يعادل آلاف المدافع والبنادق لانه هو الذي يلهب النفوس حماسة واندفاعا.

وله قصيدة في الفخر والحماسة

كم من أمور مهمات ومن أرب *** ادركتها بالعوالي السمر والقضب

ولي يراع كمثل السيل تحسبه *** اذا تحدر فوق الطرس للكتب

والعز والمجد يستوحيهما رجل *** قد كافح الموت لا باللّهو واللعب

اصحرت ها أناذا لا كالذي سفها *** قد راح يفخر بين الناس كان أبي

وما أبي خامل بل كل مكرمة *** قد حازها فاغتنمت الفضل بالنسب

الناس تعشق ما شاءت وما عشقت *** نفسي سوى الطرف والصمصام واليلب

والبخل والجهل بالانسان منقصة *** فما ولعت بغير الجود والادب

تزداد بشرا بنو الآمال ان ترني *** كما تباشرت الازهار بالسحب

بعض يقول لبعض جاء منقذنا *** من فاقة الدهر والبأساء والسغب

وأطعم الضيف ان قلوا وان كثروا *** بادي البشاشة ما في الوجه من غضب

هل كيف اجهل والعلياء تشهد لي *** اني أبي كريم الاصل والحسب

ص: 161

لعامر منتمانا نجل صعصعة *** اكرم به من أبي جاء وابن أبي

فاضرب بطرفك انى شئت لست ترى *** سوى مقر لنا بالمجد والرتب

هذي التواريخ فاسألها تقول نعم *** قدما خفاجة قد سادوا على العرب

الناس تطلب عيشا وهي ضارعة *** ونحن بالبيض والخطية السلب

سل عن مواقفنا الافرنج كم ثبتت *** اقدامنا لهم في الحرب كالهضب

في الرستمية دمرنا جحافلهم *** وفي السماوة كانت غاية الغلب

حتى اذا ايقنوا بالموت قاطبة *** بعض أطاعوا ومال البعض للهرب

فأصبحت راية للعرب خافقة *** منصورة من آله العرش بالعرب

وقد غرسنا بأيدينا لبذرتها *** وكل من قام يدعو ذاك من سببي

من يقض بالعدل ما بيني وبينهم *** هل للحصى الفخر حقا أم الى الشهب

فالشمس يا سعد للرائين واضحة *** ان النحاس بعيد عن على الذهب

ص: 162

السيد عبد الهادي الشيرازي

المتوفى 1382

له موشحة في ميلاد الامام الحسين علیه السلام منها :

ظهر النور المبين الزاهر *** فبدا الغيب وزال الساتر

ولد السبط الزكي الطاهر *** من بحفظ الدين قدما نهضا

فهو لولا شخصه لم ينصر

لم اصرح باسمه حيث الهنا *** كلما ثار به عاد عنا

فاسمه والحزن قدما قرنا *** وهو للقلب يثير المضضا

بلظى الاحزان ذات السعر

فاستمع يا صاح ذكراه فقد *** ضاق صدري وبه النار اتقد

ولذكرى الطف صبري قد نفد *** وكأن القلب في جمر الغضا

لحسين السبط خير البشر

لست انساه وحيدا بالطفوف *** مفردا مستضعفا بين الوف

ضامئا يسقي العدى كأس الحتوف *** آيسا يرقب مختوم القضا

ينذر القوم بأقوى النذر

ص: 163

ما أفاد الوعظ بالقوم اللئام *** وغدت ترمي حسينا بالسهام

فانثنى السبط لتوديع الخيام *** فأتت تسرع بنت المرتضى

والنسا من خلفها بالاثر

السيد ميرزا عبد الهادي الحسيني الشيرازي احد فقهاء الطائفة الامامية ومفخرة من مفاخرها وهو ابن آية اللّه الميرزا اسماعيل ابن الشريف المبجل الامير السيد رضي الذي هو اخو الشريف ميرزا محمود والد السيد المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي نزيل سامراء ، وهما : السيد الأمير رضي ، والسيد ميرزا محمود ولدا الشريف السيد ميرزا اسماعيل. والمترجم له السيد ميرزا عبد الهادي علم من اعلام الامة ومرجع التقليد في عصره وموضع ثقة الجميع في المرجعية.

فلم يك يصلح الا لها *** ولم تك تصلح الا له

ورع وديانة وتقى وذكاء وقاد وفكر صائب ومعرفة بطبقات الناس وتواضع مع عزه واباء ولا عجب فاستاذه الاول هو المغفور له الميرزا محمد تقي الشيرازي فريد دهره وجوهرة عصره ، ثم الاصولي المشهود له بالتفوق الملا كاظم الخراساني صاحب ( كفاية الاصول ) ثم ابن عمته آية اللّه السيد ميرزا علي اقا الشيرازي وغيرهم من فلاسفة الاسلام فكان من اكبر حسنات العصر تربى على يده جملة من دعاة الدين وقوام المذهب وممن يشار اليهم بالبنان مضافا الى ما انتجه قلمه العالي من بحوث قيمة في الفقه والاصول لا زالت تدرس وتعاد وتتخذ مصدرا للباحثين والمدرسين.

ولد قدس سره سنة 1305 وتربى برعاية ابن عمه آية اللّه المجدد الميرزا حسن الشيرازي لانه ولد في السنة التي مات فيها أبوه واكب على الدرس وواصل السهر حتى لمع بين أقرانه واصبح قرة عين اهل العلم ونال درجة الاجتهاد وبعد وفاة المرجع الديني السيد أبي الحسن الاصفهاني اتجهت الانظار اليه وتمت مرجعيته والرجوع اليه عندما توفي آية اللّه السيد البرجردي في ايران. والحق ان سيدنا كان ممن يكره الرفعة ويشنأ السمعة وانما عظم وعظمه

ص: 164

الناس من أجل صغر الدنيا في عينيه ، يجلس فيسكت فاذا سئل أجاب الجواب الشافي الكافي وشاءت ارادة اللّه أن تستأثر بروحه الطاهرة فودع الحياة في شهر صفر سنة 1382 ه.

ص: 165

عبد القادر رشيد الناصري

المتوفى 1382

أأبا العقيدة والنضال الدامي *** قدست ذكرك يا ابن خير امام

وجعلت يومك رمز كل بطولة *** غراء تعبق في فم الايام

وعرفت أنك في القلوب مصور *** لم تمح من لوح الخلود السامي

هيهات تسلبك الخلود منية *** ذهبت بدولة جائر هدام

دين ابن عبد اللّه ما ساد الورى *** لولا دم الشهداء في الاسلام

صفحات تحرير الشعوب من الاذى *** مكتوبة بالسيف لا الاقلام

فالقادسية لم تزل أخبارها *** تروى برغم تقادم الاعوام

وأرى الدماء الحمر خير وسيلة *** لطهارة الدنيا من الآثام

* * *

أأبا العقيدة ، والعقيدة مركب *** ما ذل الا للفتى المقدام

لما رأيت البغي مد رواقه *** والظلم صال على الورى بحسام

ضحيت بالدنيا لاجل كل عقيدة *** لم يعتنقها غير كل همام

أفديك من بطل ابى الا الردى *** فمضى يكافح دونه ويحامي

هل كنت الا الليث ديس عرينه *** فمضي يكافح دونه ويحامي

والنفس ان كبرت تعاظم همها *** في العيش بل سخطت على الاجسام

ص: 166

يا ابن الاولى نزل الكتاب مبشرا *** بهم ويا ابن السادة الاعلام

الطاهرين وكلهم داع الى *** سبل الهدى أو حافظ لذمام

من فارس قاد الجحافل في الوغى *** أو مالك للحق فضل زمام

انا ان بكيتك لست أبكي فانيا *** تطوي مفاخره يد الايام

لي من مصابك وهو نبع خالد *** وحي يحيي مرقمي بسلام

الاربعون تصرمت بمواكب الا *** تراح والتذكار والآلام

وكأنها والحزن غال ضياءها *** قبر يجلله الردى بقتام

* * *

يا أيها الفلك المشع قداسة *** الناظر الدنيا بعين وئام

غنيت في ذكراك أروع آية *** هبطت على وتري الجريح الدامي

وهتفت والدمع الهتون يقول لي *** هذا أوان روائع الانغام

أنى التفت رأيت جرحك ماثلا *** لنواظري في يقظتي ومنامي

فاذا غفوت فأنت ملء نواظري *** واذا صحوت فأنت انت أمامي

واذا تمثلك الضمير فانما *** ملك يحاط بهالة الاعظام (1)

ولد في لواء السليمانية سنة 1920 م الموافق 1339 ه وأكمل دراسته الثانوية في بغداد. واشتغل في الصحف والاذاعة. له ديوانان : الحان الالم ، وصوت فلسطين. ومن شعره تغريدة جراح.

أحبك والهوى وتر صدوح *** وأنسام معطرة وروح

ومجمرة دم العشاق فيها *** بخور كلما احترقت تفوح

وفردوس من المتع الغوالي *** على شطآنه يحلو الصبوح

أحبك هل علمت سلي دموعي *** على كفيك لو سئلت تبوح

احبك هل علمت بأن روحي *** على شفتيك ذائبة تنوح

وأني قد عصرت دمي غراما *** فأزهر من دمي طلح وشيح

واني لو ابوح بسر حبي *** لناح على فمي الوتر الذبيح

وهل تدري الشقائق في الروابي *** بأن دمي بمبسمها يلوح

أحبك يا سهيل فكل عرق *** من الاشواق ملتاع جريح

تناهى في هواك فكل آه *** يضيق بنارها الصدر الفسيح

اذا عانقت طيفك في خيالي *** وطيفك باللقا أبدا شحيح

ص: 167


1- مجلة البيان النجفية - السنة الثالثة ص 227.

فاني قد نذرت اليك عمري *** وعمري في هناك سنى لموح

وما رتلت أشعاري غناء *** ولكن غردت فيك الجروح

نشرت له الصحف العراقية قصائد كثيرة وطبع له ديون بعنوان ( آثام ) وتوفي بتاريخ 11 - 5 - 1962 وبعد وفاته قام كامل خميس بنشر ديوان له غير هذه الثلاثة. ومن شعره في الامام الحسين علیه السلام قصيدته التي عنونها ب ( اشراقة من نور الحسين ) نشرت في الجزء الثاني من ديوانه وقصيدته الاخرى عنوانها ب ( الدهر يصغي والزمان يردد ) وثالثة في الإمام الحسين أيضا نشرها في مجلة البيان النجفية ، السنة الثانية : أولها :

لك في الجوارح حسرة لا تخمد *** تخبو السنون ونارها تتوقد

ص: 168

الشيخ محمد رضا المظفر

المتوفى 1383

حكم الغرام تضاحك وبكاء *** بيض الثغور ودمعتي الحمراء

ضدان يكتنفان سر صبابتي *** ضيق النجاء وعينها النجلاء

واذا اقتربت فمن مذهب خدها *** نار وفي النحر اللجين الماء

ومن الجعود فليل همي أسود *** ومن الخدود نهاري الوضاء

أدنو وأين من العناق متيم *** أدنى له أن تذهب الحوباء

وأقول قد قبلت منها مبسما *** فيه المنى لو تفعل الشعراء

وتنازلت نفسي لعدل قوامها *** فرجعت وهو الصعدة السمراء

ان قد من صخر فؤاد معذبي *** فأنا على تعذيبه الخنساء

سفها يخيل لي الوصال وانما *** انا والحقيقة واصل والراء

فأغوص في بحر الخيال طماعة *** وأعود لا صفر ولا بيضاء

واذا انكفأت فللحقيقة اهتدي *** فبها الحسين السبط وهو ذكاء

شمس لها يوما هنا ورزية *** وأنا على حاليهما الحرباء

شعبان منه على المحب لذاذة *** طابت ، ورزء فيه عاشوراء

نشدو على فرح وبين قلوبنا *** شرر عليه من الرماد غطاء

بشراي اني في ولاك متيم *** تقتادني السراء والضراء

يخضر عيشي في ادكارك مشرقا *** ضحكت لك الخضراء والغبراء

يوم به خص النبي وآله *** فرحا فعمت في الورى الآلاء

والشمس تشرق في السماء بعيدة *** وبنورها تتضاحك الارجاء

ص: 169

ما شأن فطرس أن يقال تمدحا *** أنجاه وهو من القضاء قضاء

بالمدح تكتسب الانام ترفعا *** وعلاه منه على الثناء ثناء

اما سكت فليس من ذهب كما *** ذهبوا ، واما فهت فالفأفاء

فالجد ذاك الجد والأب ذلك *** النبا العظيم وامه الزهراء

يا سره العالي الجلي تقاصرت *** عن كنهه الافكار والآراء

في الارض في الآفاق أنت وفي السما *** في الشمس في البدر المنير ضياء

في جمع هذي الكائنات وان تسل *** سل آدما من تلكم الاسماء

الشيخ محمد رضا ابن الشيخ محمد بن عبد اللّه آل مظفر عالم فيلسوف ومصلح من المصلحين ولد في النجف خامس شعبان 1323 ه بعد وفاة والده بستة أشهر فكفله أخواه الشيخ عبد النبي والشيخ محمد حسن فنشأ عليهما وتعلم المبادئ وقرأ مقدمات العلوم على افاضل عصره وقد قضى ردحا من الزمن وهو مكب على دروسه في مدرسة السيد كاظم اليزدي الكبرى ، وحضر في الفقه والاصول دروس الميرزا حسين النائيني والشيخ ضياء العراقي ، كما حضر في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الاصفهاني سنوات عديدة. وأضاف الى دراسة العلوم الدينية العلوم الرياضية العالية ومبادئ العلوم الطبيعية على الطريقة الحديثة كما برع في الفنون العربية كالعروض وقرض الشعر في شبابه فأجاد فيه ونشر في الصحف والمجلات. اذا عد أفاضل الطلاب فهو في الطليعة وقد ساهم في الحركة الفكرية في النجف واشتغل في كثير من المسائل الدينية العامة واسس ( جميعة منتدى النشر ) عام 1354 ه وانتخب لرئاستها من سنة 1357 وجدد انتخابه في كل دورة ، وله آثار علمية خالدة منها :

1 - السقيفة ألفه سنة 1352 ه بحث علمي منطقي وقد طبع أكثر من مرة.

2 - المنطق ، في ثلاثة أجزاء ، طبع مرات ولم يزل يتدارسه الطلاب.

ص: 170

3 - عقائد الامامية ، طبع سنة 1773 ه وأعيدت طبعته مرات.

4 - أصول الفقه ما زال يتدارسه الطلاب.

5 - أحلام اليقظة محاضراته التي ألقاها في قاعة المجمع الثقافي وهي بحوث فلسفية حول ترجمة الحكيم الملا صدرا الشيرازي صاحب الاسفار.

توفي بالنجف ليلة 16 رمضان سنة 1383 ه وشيع تشييعا حافلا بالعلماء والوجوه من النجف وخارجها ، وأقبر مع أخيه الحجة الشيخ محمد حسن بمقبرتهم الخاصة.

ص: 171

بدر شاكر السياب

المتوفى 1383

قال يعاتب يزيد ويتفجع على الامام الحسين الشهيد علیه السلام :

ارم السماء بنظرة استهزاء *** واجعل شرابك من دم الاشلاء

واسحق بظلك كل عرض ناصع *** وأبح لنعلك أعظم الضعفاء

واملأ سراجك ان تقضى زيته *** مما تدر نواضب الاثداء

واخلع عليك كما تشاء ذبالة *** هدب الرضيع وحلمة العذراء

واسدر بغيك يا يزيد فقد ثوى *** عنك الحسين ممزق الاحشاء

والليل أظلم والقطيع كما ترى *** يرنو اليك بأعين بلهاء

أحنى لسوطك شاحبات ظهوره *** شأن الذليل ودب في استرخاء

مثلت غدرك فاقشعر لهوله *** قلبي وثار وزلزلت أعضائي

واستقطرت عيني الدموع ورنقت *** فيها بقايا دمعة خرساء

يطفو ويرسب في خيالي دونها *** ظل أدق من الجناح النائي

حيران في قعر الجحيم معلق *** ما بين ألسنة اللظى الحمراء

أبصرت ظلك يا يزيد يرجه *** موج اللّهيب وعاصف الانواء

رأس تكلل بالخنا واعتاض عن *** ذاك النضار بحية رقطاء

ويدان موثقتان بالسوط الذي *** قد كان يعبث أمس بالاحياء

قم فاسمع اسمك وهو يغدو سبة *** وانظر لمجدك وهو محض هباء

ص: 172

وانظر الى الاجيال يأخذ مقبل *** عن ذاهب ذكرى أبي الشهداء

كالمشعل الوهاج الا أنها *** نور الاله يجل عن اطفاء

عصفت بي الذكرى فألقت ظلها *** في ناظري كواكب الصحراء

مبهورة الاضواء يغشي ومضها *** أشباح ركب لج في الاسراء

أضفى عليه الليل سترا حيك من *** عرف الجنان ومن ظلال ( حراء )

أسرى ونام فليس الا همسة *** باسم الحسين وجهشة استبكاء

تلك ابنة الزهراء ولهى راعها *** حلم ألم بها مع الظلماء

تنبي أخاها وهي تخفي وجهها *** ذعرا وتلوي الجيد من اعياء

عن ذلك السهل الملبد يرتمي *** في الافق مثل الغيمة السوداء

يكتض بالاشباح ظمأى حشرجت *** ثم اشرأبت في انتظار الماء

مفغورة الافواه الا جثة *** من غير رأس لطخت بدماء

زحفت الى ماء تراءى ثم لم *** تبلغه وانكفأت على الحصباء

غير الحسين تصده عما انتوى *** رؤيا فكفي يا ابنة الزهراء

من للضعاف اذا استغاثوا والتظت *** عينا يزيد سوى فتى الهيجاء

بأبي عطاشى لاغبين ورضعا *** صفر الشفاه خمائص الاحشاء

أيد تمد الى السماء وأعين *** ترنو الى الماء القريب النائي

عز الحسين وجل عن أن يشتري *** جم الخطايا طائش الاهواء

آلى يموت ولا يوالي مارقا *** ري الغليل بخطة نكراء

فليصرعوه كما أرادوا انما *** ما ذنب أطفال وذنب نساء

عاجت بي الذكرى عليها ساعة *** مر الزمان بها على استحياء

خفقت لتكشف عن رضيع ناحل *** ذبلت مراشفه ذبول حباء

ظمآن بين يدي أبيه كأنه *** فرخ القطاة يدف في النكباء

لاح الفرات له فأجهش باسطا *** يمناه نحو اللجة الزرقاء

واستشفع الاب حابسيه على الصدى *** بالطفل يومي باليد البيضاء

رجي الرواء فكان سهما حز في *** نحر الرضيع وضحكة استهزاء

فاهتز واختلج اختلاجة طائر *** ظمآن رف ومات قرب الماء

* * *

ذكرى ألمت فاقشعر لهولها *** قلبي وثار وزلزلت أعضائي

ص: 173

واستقطرت عيني الدموع ورنقت *** فيها بقايا دمعة خرساء

يطفو ويرسب في خيالي دونها *** ظل أدق من الجناح النائي

حيران في قعر الجحيم معلق *** ما بين السنة اللظى الحمراء (1)

ولد الشاعر بدر شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب في قرية ( جيكور ) من قرى أبي الخصيب في لواء البصرة والواقعة على شط العرب وذلك سنة 1344 ه 1926 م ، فنشأ في محل ولادته ، ثم دخل المدرسة الابتدائية في ابي الخصيب ثم انتقل الى المدرسة المحمودية التي أسسها المرحوم محمود باشا عبد الواحد سنة 1910 حيث تخرج فيها سنة 1938 ثم أكمل دراسته المتوسطة والاعدادية في البصرة وبعدها التحق بدار المعلمين العالية في بغداد حيث ظهرت مواهبه بانتمائه الى جماعة اخوان ( عبقر ) عن طريق الندوات والاحتفالات التي كانت تقام في دار المعلمين العالية وعمل مترجما في جريدة ( الجبهة الشعبية ) كما شغل وظيفة رئيس الملاحظين في مديرية الشؤون الثقافية في مديرية الموانئ العامة ، وعين عضوا في هيئة تحرير مجلة الموانئ - عام 1961 و1962 ثم سافر الى بيروت للمعالجة وحضر مؤتمر الشعراء العرب ودخل مستشفى الجامعة الاميركية ، وعاد الى البصرة ثم سافر الى لندن للاستشفاء وقد خصصت مديرية الموانئ العامة دارا له ولعائلته.

وله مؤلفات منها : ( ازهار ذابلة ) القاهرة 1947 و ( أساطير ) النجف 1950 و ( انشودة المطر ) بغداد 1960 و ( حفار القبور ) بغداد 1952 ، مختارات من الادب البصري - البصرة 1956 والمعبر البصري - البصرة 1956 او المعبد العريق بيروت 1962 ومولد الحرية الجديد ( ترجمة بيروت 1961 ) و ( المومس العمياء ) بغداد 1954 و ( منزل الاقنان )

ص: 174


1- عن ديوانه ( أساطير ) المطبوع بمطبعة الغري الحديثة 1369 ه 1950 م.

بيروت 1963 وغيرها. توفي في الكويت عام 1964 (1) وكتبت مجلة ( آفاق عربية ) العدد الاول من السنة الثالثة عن شاعرية السياب والتجدد في شعره ، والحق ان السياب شاعر من شعراء الفكرة والموضوع في الادب العراقي المعاصر ، تأثر بأليوت وايدث سيتويل وغيرهما من شعراء الانكليز ... تعلم منهم التعبير بالصور وتداعي المعاني والتعبير عنها بطرق غير مألوفة ومال أخيرا الى ادخال عنصر الثقافة والاستعانة بالاساطير والتأريخ والتضمين والغرف من الانثروبولوجيا. اذ أنه عندما درس في دار المعلمين العالية في بغداد وقضى سنتين في فرع الادب العربي انتقل الى اللغة الانكليزية فتخرج منها عام 1948.

مات وهو لم يكمل السادسة والعشرين من عمره. وفاته 24 - 12 - 1964 رأيت في جريدة الجمهورية الصادرة ببغداد عدد 3442 ه بتاريخ 1 كانون الاول 1978 الشاعر والناقد المصري حسن توفيق الذي نال شهادة الماجستير من جامعة القاهرة عن رسالته ( الشاعر بدر شاكر السياب ).

ص: 175


1- أعلام العراق الحديث ، باقر أمين الورد.

الشيخ حميد السماوي

المتوفى 1384

لا حكم الا للقضاء وما الذي *** يجري بغير اشاءة وقضاء

يهفو الزمان ولا تزال صروفه *** تهفو بغابره الى الهيجاء

ويظل يشدو شدوه فترتل *** الاشهاد ما استوحى ابو الشهداء

عوجي أمية في حضيضك واضربي *** صفحا اذا شئت عن العلياء

خلي الطريق لاهله وترسلي *** في كل مظلمة من الارجاء

كبلت أيدي المخلصين بحادث *** أطلقت فيه هواجس الشعراء

ما اظلم يوم الطف الا للاولى *** فيهم أضاءت ليلة الاسراء

نجمت بعاهل هاشم وتمخضت *** أحلامها عن خيرة الابناء

أمناء وحي اللّه في العهد الذي *** ختم القضاء على فم الامناء

صدروا وما انفكوا على ورد الردى *** متزاحمين تزاحم الاكفاء

ضربوا لهم طنبا بكل تنوفة *** وبنوا لهم فلكا بكل سماء

فتناثرت هاماتهم بمساقط *** الاقدار لا بمساقط الانواء

رقمت على لوح الوجود وخططت *** بالنور صدر العالم الوضاء

جذبتهم الصحرا الى أحضانها *** علما بأنهم بنو الصحراء

وتدافعت فيهم حداتهم فمن *** بيداء شاسعة الى بيداء

ما كان أسعدهم بادراك المنى *** وأحقهم بالمدح والاطراء

أبقية الخلفاء من عمرو العلى *** حدبت عليك صنايع الخلفاء

ضاقت رحاب الارض فيك وانها *** لولا القضاء فسيحة الارجاء

ص: 176

فلئن سموت مصفدا نحو العلى *** فلقد هويت موزع الاشلاء

أجهدت نفسك في شؤون لم يزل *** فيها حسامك أبلغ الخطباء

رفقا بهم رفقا فلست بمسمع *** من في القبور مواعظ الاحياء

أرسلتها خطبا ترن وما عسى *** تجدي بجنب الصخرة الصماء

ما كنت أحسب والمقدر كائن *** ان العقول تصاب بالاغماء

سمعا أبا الشهداء نجوى شاعر *** فيما تنوء به من الارزاء

أنا لم أقم لكم مقام مؤبن *** فأطيل فيكم مدحتي وثنائي

لكن أقول وهل تراني واجما *** أما وجدتك مصغيا لندائي

ان الاناشيد التي رتلتها *** قطعا وأنت تجود بالحوباء

ورسمتها في صدر كل صحيفة *** سطرين : صدر هدى وصدر دماء

ذهبت ويؤسفني ادكاري أنها *** ذهبت وراء سفاسف الاهواء (1)

الشيخ حميد ابن الشيخ احمد آل عبد الرسول الشهير بالسماوي ينتهي نسبه الى قبيلة بني عبس وهي تقطن وادي السماوة من قديم العصور ، ولد المترجم له في السماوة عام 1315 ه ونشأ على حب الخير بحكم بيئته وسيرة سلفه الصالح ومكانة أبيه مرشد تلك المنطقة اذ كان المرجع الديني والزمني هناك وقد أرخ ولادة المترجم له ( صاحب الطليعة ) البحاثة الشيخ محمد السماوي بقصيدة مطولة وآخرها :

أنا انشي وأنت في الناس أرخ *** فاق عبد الحميد فضلا ومجدا

هاجر الى النجف الاشرف وهو شاب حدث السن وبعد أن أكمل المقدمات تخصص للدراسات العالية على اساتذة جهابذة أمثال المرحوم الميرزا حسن النائيني والشيخ محمد حسين الاصفهاني وميرزا فتاح الزنجاني صاحب الحاشية على المكاسب ، وكان يعد من الطبقة العالية في الاوساط العلمية.

ص: 177


1- عن الديوان.

وتوفرت له المعلومات الكافية والاحاطة التامة بعلمي الفقه والاصول فطلبه اهالي السماوة وألحوا عليه بالرجوع الى بلده ومسقط رأسه فاستجاب لطلبهم بأمر من مراجع الطائفة وعاد الى السماوة واعتزت به كاعتزاز العين بانسانها.

والسماوي شاعر فحل بما أوتي من جزالة القول وقوة الذهنية والفكرة الوقادة وهو أحد أعلام الشعر في العالم العربي ، وفي العراق لا يوازيه في شهرته وشاعريته غير افراد عدد أصابع اليد ، ولازال الادباء يحفظون شعره ويتناشدونه ، وهذه رباعياته التي عارض بها الطلاسم لايليا أبي ماضي وعنوانها : فوق اثباج الطبيعة. نشرتها الصحف ونشرها الاديب التقي الحاج رضا السماوي في كراسة ، ومما سجلته للشاعر العالم في مؤلفي ( شعراء العصر الحاضر ) قوله يخاطب بلبلا في قفص :

يا بلبل القفص المطل *** وشاعر الروض الاغن

ما كان ظني أن أراك *** مغردا ما كان ظني

فالحزن أعمق نغمة *** من نغمة الوتر المرن

لحن النفوس الشاعرات *** وهل تجيش بغير لحن

واذا علا صوت النعي *** بمحفل سكت المغني

يا ابن الاراكة قد قتلت *** مسرتي وأثرت حزني

أنا لست من حمم الححيم *** ولست من جنات عدن

أو لم نكن أبناء لحن *** واحد ولدات فن

نصغي الى وحي الجمال *** ونشرئب لكل حسن

انت الاسير بلا فدى *** وانا الطليق - بغير من

تشدو وأنت بمحبس *** وأنا أنوح بمطمئني

أتصاغرت للسجن نفسك *** فهي من طرب تغني

وتعاظمت نفسي على *** فخلت هذا الكون سجني

ما أنت مثلي في الشعور *** ولست مثلك في التجني

لم أعد أحلام الشباب *** ان اصرح أو أكني

انشوة الطفل الصغير *** وحسرة اليفن المسن

أشدو بقومي ان شدوت *** وانما اياك أعني

فالريح لا تدع السرى *** والغصن لا يدع التثني

ص: 178

ماذا التأني والخطوب *** سريعة ، ماذا التأني

لم يجن من غرس الرجاء *** ببلقع غير التمني

فاهدم دعامة صرحها *** من لم يهدم ليس يبني

ففؤادها متضارب *** الحركات من خوف وأمن

ولسانها متلجلج *** بين المعزي والمهني

ولقد أبدع كل الابداع في قصيدته : عاصفة النوى ، والتي مطلعها :

وجمت فلا نطق ولا ايماء *** وخبت فلا قدح ولا ايراء

جذ القضاء لسانها فتلجلجت *** وتكلم التمتام والفأفاء

وطوى صحيفة مجدها فتكفلت *** بعد العيان بنشرها الانباء

سعدت بهم دهرا فأعقبها الشقا *** وكذا الحياة سعادة وشقاء

وفيها ما سار مسير الامثال فمنها :

لا يصلح الحسن القبيح وهل ترى *** كف الوصيف تزينه الحناء

وقوله :

واصدر على ظمأ فأنت بمنهل *** ترد الصحيحة منه والجرباء

وقوله :

لا تنصتن بجنب كل أراكة *** ما كل غصن فوقه ورقاء

وان استفزك ناعب فلربما *** طرب الاصم وغنت الخرساء

وقصيدته : لمن المواكب ، ومطلعها :

لمن المواكب في ضفاف الوادي *** نشرت مطارفها على الآباد

من عالم العدم استمدت فيضها *** حتى تخطت عالم الايجاد

مخرت بتيار الفنا فتدافعت *** فيها الخطوب الى محيط الهادي

ص: 179

ومنها :

والنار ان يك هينا ايقادها *** لكن هلم الخطب في الاخماد

وفيها عتاب لبعض الاقارب والاحباب :

ما سرني ان سدتكم بل ساءني *** ان لم تكونوا أنتم اسيادي

ومنها :

هامت باذلالي وهمت بعزها *** ( فأنا بواد والعذول بوادي )

سيان في الارقال الا اننا *** شتان في الاتهام والانجاد

وأهب منفردا لجمع شتاتها *** وتهب مجمعة على افرادي

ان هزهم هذا الشعور فحسبهم *** أولا فكم من نفخة برماد

وحسبك فاقرأ حكمياته وفي مقدمتها : طريق الخلود ، وأولها :

متى ائتلفت هذه النيرات *** وماذا أحاط بهذي الكرات

وهل قبل عالمنا عالم *** وهل بعده من هن أوهنات

فماض ولم أدر ما كنهه *** وآت ولم أدر ما فيه آت

ومن براعته الفنية قوله :

اني اعيذك والاقلام ساغبة *** تلوك ما تنضج الآراء والفكر

من كل ساحرة الالفاظ تحسبها *** عصا ابن عمران لا تبقي ولا تذر

فللسياسة أبطال تنادمها *** والنظم والنثر ابطال له أخر

تخدرت حسب ما شاؤا مشاعرنا *** حتى تساوى لديها النفع والضرر

وقوله :

اذا ظمئ العقل في منهل *** فليس يروي حديث الرواة

وكيف أحاول بل الصدى *** اذا انبت في البئر حبل السقاة

ص: 180

دعيني أشق لمستقبلي *** طريق الخلود فما فات فات

كلانا لنا حصة في الوجود *** وكل له شرعة في الحياة

وان السعادة بنت الشقا *** وان الولادة رمز الممات

أعيدي احاديث امس علي *** فاني كيومي حديث الغداة

سأصبح معنى بفكر الاديب *** وسطرا معمى ببطن الدواة

وعندما تدخل الحرم العلوي المطهر تجد ابيات الشيخ السماوي قد كتبت بالذهب.

لمن الصروح بمجدها تزدان *** وبباب من تتزاحم التيجان

هذي عروش الفاتحين بظلها *** تجثو وهذا الملك والسلطان

أقنومة العقل التي بجلالها *** دوى الحديث وجهجه الفرقان

ان لم يقم رضوان عند فنائها *** فلقد أقام العفو والرضوان

نهدت الى قلب الفضا وتدافعت *** فيه كما يتدافع البركان

وترنحت بولاء آل محمد *** طربا كما يترنح النشوان

فتشت أسفار الخلود فشع لي *** منها بكل صحيفة عنوان

شماء لم ترفع ذرى كيوانها *** الا وطأطأ رأسه كيوان

يا درة الشرق التي لجمالها *** سجد الخيال وسبح الوجدان

كم من جليل من صفاتك احجمت *** عن حمله الالفاظ والاوزان

حسبي الى عفو الاله ذريعة *** حرم يؤرخ ( بابه الغفران)

1372 ه-

أما قصائده في سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين فاليك مطالعها وهي :

1 - لا حكم الا للقضاء وما الذي *** يجري بغير اشاءة وقضاء

2 - لمن النواهد لا برحن نواهدا *** يفنى الزمان ولا تزال رواكدا

3 - شأت آل حرب ما استطاعت فأوجست *** بها عن مداجاة ابن فاطمة وهنا

4 - الام تعاني الشوق قد ذهبت لبنى *** فذا ربعها أخنى عليه الذي أخنى

5 - سيري بموكبك المنضد سيري *** فلقد غلا بالنور أفق النور

6 - شأت وذراعاها يراع ومقول *** تخب كما شاء الطموح وترقل

ص: 181

الشيخ حبيب المهاجر

المتوفى 1384

اقول لقلبي كلما لج بالهوى *** رويدا لشمس الطالعات أفول

هب المنظر الجذاب فاق جماله *** زمانا وأحوال الزمان تحول

تجرعت مر الصبر فيما طلبته *** أليس وان طال الزمان يزول

يقصر آمالي به حادث الردى *** ويبسطها وعد المنى فتطول

رأيت السرى في غير لامعة العلى *** يؤوب الى غير الهدى ويؤول

يمد بحرب حيث سارت ضلالها *** ألا انما عبء الضلال ثقيل

ويمضي بسبط المصطفى الطهر رشده *** الى حيث يهوي مجده ويميل

رأت حرب ان أودى الحسين بسيفها *** يدوم لها سلطانها ويطولر

ولم تدر حرب حيث همت ببغيها *** لقتل حسين انها لقتيل

تقاتل عبدان سليل مليكها *** ويبقى لها من بعد ذاك سليل

لقد جهلت حرب هداها وطالما *** يبوء بسوء العاقبات جهول

ولو أنها ألوت عنان ضلالها *** لكان لديها للنجاة سبيل

مشت يوم عاشوراء عميا فلم تدع *** لها جانبا الا اعتراه فلول

تحطم من عليا علي واحمد *** لوا هو ظل للانام ظليل

وتفري بظفر البغي نحر ابن سيد *** به ملكتها عامر وسلول

وتقتل من أبناء حيدر أسرة *** تميل المعالي الغر حيث تميل

وتذبح اطفالا أبى اللّه أن يرى *** لذابحها في الهالكين مثيل

وتحمل من عليا لوي بن غالب *** عقائل لم تبد لهن حجول

يجاب بها في البيد أسرى وقد ثوى *** علي وأودى جعفر وعقيل

لمن تشتكي والسوط آلم متنها *** وأذهلها طفل لها وعليل

ص: 182

وهل لبنيات الهدى بعد هذه *** ملاذ لديها يبتغى وسبيل

وهب أن حربا قادها اللؤم فانثنت *** وليس لها عما تروم مزيل

فما بال فهر لم يثرها حفاظها *** ألا ان من يحمي الذمار قليل

وهل بعد أن أودى الحسين تجد فتى *** اذا دالت الحرب العوان يديل

وهل بعد أن أودى الحسين بن فاطم *** يغاث ضعيف أو يعز ذليل

نضت آل حرب سيفها فثوى به *** حسين وأنى للحسين عديل

ابى الدهر أن يأتي بمثل ابن فاطم *** الا انه في مثله لبخيل

جزى اللّه حربا شر ما جوزي امرؤ *** ولا قالها مما تراه يقيل

فقد كسرت حرب لوا كان خافقا *** ( يعز على من رامه ويطول )

ورمحا اذا رام الزمان يناله *** بسوء تعالى شأوه فيحيل

رأت آل حرب انها بعد كسره *** تصول على وجه الثرى وتجول

وهيهات أن تلتذ بالنوم والورى *** لها عندها بابن النبي ذحول

الشيخ حبيب بن محمد بن الحسن بن ابراهيم المهاجر العاملي عالم كبير وباحث متثبت وأديب واسع الافق ومصنف مكثر. ولد في لبنان سنة 1304 ونشأ متدرجا على حب العلم ثم هاجر الى النجف فحضر على علماء وقته كشيخ الشريعة الاصفهاني ، والشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري ، والميرزا حسين النائيني والسيد ابو الحسن الاصفهاني وغيرهم وأجازه سماحة السيد البحاثة السيد حسن الصدر قدس سره كما اجازه غيره ونزل العمارة - ميسان ، والكوت مدة مصلحا مرشدا قائما بوظائف الشرع الشريف منتدبا من علماء النجف وخرج من العراق في سنة 1350 ه فهبط بعلبك وقام بأعباء الهداية والارشاد بقلمه ولسانه وقد اصطفت سنة وحضرت خطابه في الجامع وزرته وزارني وأهداني نشرته الشهرية ( الاسلام في معارفه وفنونه ) وأبديت ملاحظاتي عليه وتفضل ونشرها.

أما مؤلفاته الممتعة فهي من الكتب النافعة وهو بحق من المصلحين المجاهدين ومن أعلام الفكر والاصلاح وكانت مرتبته هناك بعنوان مفتي الديار البعلبكية وهذه آثاره ومآثره وتصانيفه في الرد على الماديين وفي أصول الدين وفروعه والتاريخ والادب وأنواع العلوم الاسلامية منها منهج الحق ومحمد الشفيع والانتصار

ص: 183

واليتيمة والفروق وأنا مؤمن وكتابه ذكرى الحسين الذي يحتوي على جزئين جمع فيه كل ما يتعلق بوقعة كربلاء وعن حياة الشهيد ابي عبد اللّه وأهل بيته وأصحابه فهي دراسة جامعة مفيدة وضمنها الكثير من نظمه وفوائده جزاه اللّه جزاء العاملين المخلصين. كانت وفاته في بعلبك - لبنان ليلة السبت 11 شوال 1384 ه ونعته محطة الاذاعة اللبنانية ونقل جثمانه للنجف ليكون في جوار أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام .

ص: 184

الشيخ مجيد خميّس

المتوفى 1384

بقلبي سرى ذاك الخليط المروع *** وبالنوم من جفني فما أنا أهجع

أيهجع طرفي والهموم كأنها *** أفاع وفي أحشاء قلبي لسع

واني خليل الحب لكن حشاشتي *** بنيران نمرود الصبابة تلذع

ربيع دموع الناظرين صبابة *** تصعد عن فيض الغوادي وتهمع

كأن دموعي والتهاب جوانحي *** غمائم في حافاتها البرق يلمع

وعاذلة لما رأتني مولعا *** أحن الى ربع خلا منه مربع

تقول أرى للحزن قلبك مقسما *** وجسمك للاسقام أضحى يوزع

فقلت لها والهم يلبسني الشجى *** أقر وآل اللّه بالطف صرعوا

بنفسي كراما من بني العز هاشم *** غدت عن معاليها تذاد وتدفع

كأن المعالي قد غدت مستجيرة *** بها يوم لاشهم عن الجار يمنع

فأضحت تقيها بالنفوس كأنها *** عليها لدى يوم الحفيظة أدرع

رسوا كالجبال الراسيات وللورى *** طيور عليهم حائمات ووقع

بعزم لهم لولاه لم تكن الظبى *** بواتر اذ منه درت كيف تقطع

هم القوم فيهم تشهد البيض انهم *** جبال وغى ليست لدى الحرب تقلع

قضوا كرما تحت الظبى وقلوبهم *** بغير الظما ليست لدى الحتف تنقع

وثاو على حر الصعيد موزع *** برغمكم يا آل فهر يوزع

قضى وهو ظمآن الحشاشة والقنا *** نواهل منه والظبى منه رتع

ومات بحيث العز لفعه على *** تود السما لو بعضه تتلفع

ولا عجب ان تبكه الشمس عندما *** فقد فات منها ضوؤها المتسطع

ص: 185

الشيخ مجيد بن حمادي بن حسين بن خميس ( بالتشديد والتصغير ) الحلي السلامي من شعراء الحلة وعلمائها ، ولد سنة 1304 بالحلة الفيحاء ونشأ بها ذواقا للعلم والادب فدرس على الشيخ محمود سماكة والسيد عبد المطلب الحلي ومبادئ الفقه والاصول على الشيخ محمد حسين علوش والسيد محمد القزويني ، ثم انتقل الى النجف سنة 1332 لاكمال الدراسة فحضر ابحاث أعلام الفقه والاصول كالشيخ ميرزا حسين النائيني والسيد أبو الحسن الاصفهاني والشيخ كاظم الشيرازي والشيخ اغا ضياء العراقي والشيخ هادي كاشف الغطاء فنال حظوة علمية يغبط عليها فتزاحم عليه طلاب العلم ينتهلون من معارفه ، وزوده اساتذته المذكورون باجازة اجتهاد وكان يجمع الى جانب مواهبه العلمية حسن السيرة ولطف المعشر ورقة الشعور مع وداعة وطيب سريرة ومن دروسه التي يلقيها على طلابه ألف كتاب ( غاية المأمول في علم المعقول ) و ( شرح العروة الوثقى ) في الفقه الاستدلالي ، وهو أخو الشاعر الشهير الشيخ ناجي خميس المتقدمة ترجمته في الجزء السابق - طرق شاعرنا المترجم له أكثر أبواب الشعر من غزل ونسيب ومدح ورثاء ومن شعره في أهل البيت علیهم السلام وقد استهله بالغزل على عادة الشعراء.

سل المعنى عن لسيب دائه *** أهل له راق سوى بكائه

لي بالعذيب كبد ضيعتها *** يوم اقتنصت العين من ظبائه

ضيعتها يوم الوداع أدمعا *** تساقطت كالغيث في جرعائه

جنى علي العشق في عدوائه *** هما به بت صريع دائه

وغادر الضلوع مني كمدا *** محنية على لظى برحائه

وما لمن قد طويت احشاؤه *** وانتشرت وجدا على ذكائه

من منهج ينجو به فذو الهوى *** هيهات ان يظفر في نجائه

ما قدح البرق بأحنا بارق *** الا ورت أحشاه في ايرائه

تحن اذ تهجره احبابه *** حنين دين اللّه من أعدائه

يشكو الى المهدي من معاشر *** كم هدموا المشيد من بنائه

أملبس النهار من نقع الوغى *** ليلا تضيع الشمس في ظلمائه

قم وانتض السيف وبادر ترة *** ادراكها وقف على انتضائه

كيوم موسى جار في غدوائه *** كيوم موسى جار في غدوائه

ص: 186

يوم به المعروف عاد منكرا *** والحق قد أجهد في اخفائه

ثم يذكر الامام موسى الكاظم علیه السلام وما جرى عليه.

ان لم يشيع نعشه فلم تكن *** منقصة عليه في عليائه

فخلفه الاملاك قد تزاحمت *** والروح أدمى الافق من بكائه

مناديا عن شجن وانه *** قطع قلب الدين في ندائه

يا قمر الاسلام قد أمسى الهدى *** دجنة مذ غبت عن سمائه

وقد غدا الايمان ينعى نفسه *** فطبق الاكوان في نعائه

هذا امام الحق عاش في العدى *** مضطهدا ومات في غمائه

لقد ثوى بلحده وما ثوى *** الا الهدى والدين في ثوائه

وله أخرى في الحسين علیه السلام كما له ثالثة في الشاعر الشهير الشيخ حمادي نوح أولها :

هتفت بجانحة الظلام تنوح *** ورقاء تعرب عن جوى وتنوح

والمترجم له ممن عاصرتهم وجالستهم وحادثتهم وكان يتواضع للصغير والكبير ويحترم الناس على اختلاف طبقاتهم وهو محل ثقة الجميع فليس هناك أحد الا ويحسن فيه الظن ويثق به وبعدالته وأخلاقه. كانت وفاته يوم السادس من شهر ذي القعدة الحرام 1384 ه المصادف 10 - 3 - 1965 وكان مدفنه في النجف بالصحن الحيدري في الحجرة المجاورة لمقبرة المرحوم السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي رحمه اللّه رحمة واسعة.

ص: 187

الشيخ محمد رضا الغرّاوي

المتوفى 1385

محرم بك السرور حرما *** والصبح فيك صار ليلا مظلما

حيث بك الحسين من آل العبا *** تفتت أحشاؤه من الظما

مستنصرا وما له من ناصر *** يمنعه من العداة أو حمى

قد قتلت أنصاره حتى غدا *** رضيعه بسهمهم منفطما

يا بأبي أفدي جريحا لم تزل *** شيبته مخضوبة من الدما

نزف الدماء والظما أجهده *** أجهده نزف الدماء والظما

يعوم بحرا من دماهم مزبدا *** ومهره السفين مهما قد طما

وفي ختامها :

فيا ابن بنت احمد ومن به *** حتما يزيل اللّه عنا الغمما

وتفرج الشدائد الصعاب اذ *** نلوذ منها بك يا نعم الحمى

الشيخ محمد رضا بن قاسم ابن الشيخ محمد بن احمد بن عيسى بن أحمد بن محمد الغراوي النجفي ، ولد في النجف سنة 1303 ه ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) فقال : عالم فقيه أصولي عارف بأخبار أهل البيت علیهم السلام وسيرهم تقي صالح ثقة ، كانت داره ندوة علمية وأدبية تجتمع فيها نخبة من أهل الفضل في أيام التعطيل للمذاكرات العلمية ، وكان أديبا شاعرا ويعد من الطبقة المتوسطة في متانة شعره ورقته ، له ولع في التأليف والتصنيف ، وكان محيطه وبيئته لا يقدران له ولامثاله من المؤلفين جهودهم ويومئذ كان أهل الحل والعقد مشغولين بالزعامة والرئاسة العامة ومتطلباتها.

ص: 188

حضر المترجم له دروس اعلام عصره منهم الشيخ محمد جواد الحولاوي والشيخ علي رفيش والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي والشيخ مهدي المازندراني وله اجازة منه بتارخ 1338 وله اجازة رواية عن عدة من الاعلام منهم السيد حسن الصدر مؤرخة سنة 1344 ه والسيد مهدي البحراني سنة 1332.

ألف كتبا كثيرة تنوف على الخمسين مؤلفا ومصنفا منها أدلة الاحكام في شرح كتاب شرائع الاسلام ، لم يتم برز منه كتاب الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والزكاة والخمس ، ونفائس التذكرة في شرح التبصرة للعلامة الحلي في أربعة عشر جزءا و ( ازالة الغواشي في مدرك الحواشي ). , حواشي استاذه الطباطبائي على التبصرة و ( عقود الدرر في شرح المعتبر ) للمحقق فقه ، وشرح هداية الصدوق فقه ، ولوامع الغرر منظومة في المواريث ، وأصدق المقال ، في علم الدراية والرجال ومعرفة الاحوال في علم الرجال ، وزهرة العوالم. نظم معالم الاصول وطرايق الوصول الى علم الاصول ، ونصيحة الضال في الامامة ، والنور المبين رد على زيني دحلان ، والانذار في قطع الاعذار في الامامة ولاهبة المعاد في الكلام ، والزاد المدخر في شرح الباب الحادي عشر ، والبضاعة المزجاة ، ثلاثة أجزاء في الاخلاق والسير والمواعظ ، طبع الجزء الأول مه في النجف سنة 1353 ، وسبيل الرشاد ، في المواعظ والمجالس السعيدة ، والنور الكافي في تهجية أخبار الكافي ، رتب أخبار الكافي على حروف الهجاء ، وموهبة الرحمن في تفسير القرآن ، والخيرات الحسان في تفسير القرآن ، والنجم الثاقب مختصر كتاب عمدة الطالب في النسب ، وأماني الاديب مختصر مغني اللبيب ، غير تام الى حرف اللام ، ألفه سنة 1319 ه ، وبلوغ منى الجنان في التفسير لبعض سور القرآن ، ألفه سنة 1349 ه ومحاسن الكواكب ، ديوان شعره الى غير ذلك من الرسائل ، وقد طبع له أخيرا ( الكنز المدخر في آداب المسافر والسفر ) بمطابع النجف سنة 1376 وترجم له الشيخ جعفر محبوبة في ( ماضي النجف وحاضرها ) فذكر نص شهادة العالمين العلمين السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ محمد رضا ياسين - في حقه وفضله وتقواه وعدالته ، ثم عدد مؤلفاته وهي 63 مؤلفا. توفي يوم الاثنين 19 ربيع الاول سنة 1385.

ص: 189

الشيخ محمد علي اليعقوبي

المتوفى 1385

ميلاد أبي الشهداء (عليه السلام)

أي بشرى يزفها جبرئيل *** والمهنى بالسبط فيها الرسول

تتهادى الاملاك فيها التهانى *** فصعود لهم بها ونزول

بوليد قرت به عين طه *** وبه سر حيدر والبتول

نبعة من أراكة قد تناهت *** لذرى الفرقدين منها الاصول

أبواه من قد علمت وعماه *** لدى الفخر جعفر وعقيل

فيه هبت من طيبة نفحات *** من شذاها طابت صبا وقبول

أطلعت من سما الامامة بدرا *** مشرقا ما اعترى سناه الافول

غمر الارض والسماوات نورا *** فسواء غدوها والاصيل

واستهلت بطحاء مكة بابن *** شرفت فيه أهلها والقبيل

واطلت على تهامة سحب اللطف *** فاخضل روضها المطلول

وازدهت في غلائل الروض تختال *** ابتهاجا حزونها والسهول

وتغنت عنادل الشعر تشدو *** والغناء الترحيب والتأهيل

ص: 190

بفتى أنجبته أطهر أم *** ما لها في بنات حوا مثيل

لا تعلل الا بذكراه قلبي *** رب ذكرى يحلو بها التعليل

كنه معناه يعجز الفكر عنه *** ويحار اللسان ماذا يقول

فضل اللّه فيه شعبان قدرا *** وجدير في شأنه التفضيل

جل شانا عن أن يقاس بشهر *** اذ تجلى فيه الوليد الجليل

ثالث الاوصياء خامس أصحاب *** العبا من بهم تجار العقول

كم سقى عاطش الثرى من نداهم *** عارض ممطر وغيث هطول

فيهم ( آدم ) توسل قدما *** ودعا ( نوح ) باسمهم والخليل

بأبى ناشئا بحجر ( علي ) *** وعلى كتف ( احمد ) محمول

هو ريحانة النبي فكم طاب *** -ه الشم منه والتقبيل

واغتذى منه درة الوحي طفلا *** تفتديه شبابها والكهول

أعد الطرف دون أدنى علاه *** ستراه يرتد وهو كليل

سؤدد تقصر الكواكب عنه *** وعلى هامة الضراح يطول

لا تجارى يديه نيلا اذا ما *** طفحت ( دجلة ) وفاض ( النيل )

قرب النفس للاله فداء *** أين منه الذبيح ( اسماعيل )

قام في نصرة الهدى اذ اعاديه *** كثير والناصرون قليل

لاتقل في سوى معاليه مدحا *** فهي فضل وما عداها فضول

وهي في جبهة الليالي الزواهي *** غرر مستنيرة وحجول

حيث قام الدليل منها عليها *** وعلى الشمس لا يقام دليل

صاحب القبة التي بفناها *** يستجاب الدعا ويشفى العليل

كللت قبة السماء جمالا *** فهي من فوق هامها اكليل

يأمن الخائف المروع لديها *** من صروف الردى ويحمى النزيل

فوقها من مهابة اللّه حجب *** وعليها من الجلال سدول

وبيوت الاسلام لولاه لم يسمع *** عليها التكبير والتهليل

وابو النهضة التي ليس ينساها *** من العالمين للحشر جيل

ذكره ضاع كالخمائل نشرا *** وعداه أخنى عليها الخمول

ص: 191

قد محا دولة الجبابر قتلا *** ويظنون أنه المتول

يا أبا التسعة الميامين من لم *** يحص اجمال فضلها التفصيل

وهداة الورى اذا خبط الساري *** وتاه الحادي وضل الدليل

واذا ما السماء بالغيث ضنت *** فبأيديهم تزول المحول

أنت يا من حملت بالطف اعباء *** تكاد الجبال منها تزول

ان دينا شيدته أمس كادت *** تتداعى أركانه وتميل

هاجمته ابناؤه وعليه الشرك *** هاجت أضغانه والذحول

فالى صدره تراش سهام *** وعلى رأسه تسل نصول

من رزايا اقلهن كثير *** وخطوب أخفهن ثقيل

يوم ضلت نهج الهدى وأضلت *** فئة من شعارها التضليل

قد نمتها في الشرق ( أم ) رؤوم *** وأبوها الحنون ( اسرائيل )

قادها الغي للشقا وحداها *** وأتت يقتفي الرعيل الرعيل

جددت شرعة الضلالة والكفر *** وغالت شرائع الحق غول

بدلوا الشرع غيروا النص حتى *** كاد يقضي عليها التبديل

فهي طورا سيف الخصوم وطورا *** في المسيرات بوقها والطبول

برزت كالفحول منهم أناث *** وبدت تشبه الاناث الفحول

بينهم ضاعت المقاييس حتى *** صار سيين عالم وجهول

فجميل الورى لديهم قبيح *** وقبيح الفعال منهم جميل

حاولوا ( مطلبا عظيما ) وظنوا *** الحكم ينهى اليهم ويؤول

ما دروا أن ذلك الظن وهم *** وسراب لم يرو فيه الغليل

* * *

كل يوم عرض لديهم مباح *** ودم في سيوفهم مطلول

فدفين تحت الثرى وهو حي *** وصليب فيه العمود يميل

أمن السلم حربهم للمبادي *** ومن العدل ذلك التنكيل

ومن الرفق والتحنن ذاك *** الفتك بالابرياء والتمثيل

فتكوا بالبلاد فتك ( هلاكو ) *** وجنوا مثلما جنى ( ديغول )

فاستحالت ( أم الربيعين ) منهم *** مأتما كله بكاء وعويل

و ( بكركوك ) للفظائع متن *** يقصر الشرح عنه والتسجيل

انكروا بالاقوال ما ارتكبوه *** وشهود الافعال منهم عدول

كيف يحنو عطفا ويضمر خيرا *** من على الشر طبعه مجبول

ص: 192

ان يخونوا عهد البلاد فعذرا *** ما لهم ناقة بها وفصيل

ليس فيهم الا دخيل وهل *** يؤمن يوما على البلاد دخيل

* * *

فانتضى ( المحسن الحكيم ) حساما *** هو من حد عزمه مصقول

بأبي يوسف تجلى عيانا *** منهج الحق واضحا والسبيل

فاز في حلبة الجهاد ولا *** تعرف الا يوم الرهان الخيول

فرعى بيضة الهدى وحماها *** مثلما بالهزبر يحمى الغيل

كافل المسلمين حامي حمى الشرع *** فنعم الحامي ونعم الكفيل

سالكا نهج حيدر وحسين *** وكذا تقتفي الاسود الشبول

ان يصل جده بحد حسام *** فابنه في شبا اليراع يصول

فشفى علة الهدى بعدما قد *** شفها الوجد والضنى والنحول

رب سقم في الجسم يشفى ولا *** يشفى سقام تصاب فيه العقول

ذاك داء يعدي السليم كما *** يعدي بمكروب دائه المسلول

وانثنى الغي والعصابات منه *** خاسئات قد فاتها المأمول

وانطوت راية الضلال وولى *** عهد ( أنصارها ) الذميم الهزيل

نكصت والجباه منها دوام *** مثلما ناطح الجبال الوعول

عملاء اليهود لم يسلم القرآن *** من كيدهم ولا الانجيل

وقوى اللّه ان أتت لم يعقها *** طائرات العدى ولا الاسطول

يا بني الوحي حسبكم عن قوافي *** الشعر ما فيه صرح التنزيل

ودكم كان للرسالة اجرا *** كل شخص عنه غدا مسؤول

انا ذاك العبد المقيم على العهد *** تحول الدنيا ولست أحول

لا أبالي ان قطع الدهر أوصالي *** وحبل الرجا بكم موصول

منذ ستين قد مضت وثمان *** وسواكم في خاطري لا يجول

ما لوى من عنان نظمي ونثري *** لائم في هواكم وعذول

موقنا انكم غدا شفعائي *** يوم لا ينفع الخليل الخليل

ليس يجزي ما فيه طوقتموني *** وافر الشكر والثناء الجزيل

فاقبلوها عذراء زفت اليكم *** مهرها منكم الرضا والقبول

ستزول الاحداث والدهر يفنى *** وبنوه وذكركم لا يزول

ولسان الخلود ينشد فيكم *** ( أي بشرى يزفها جبرئيل )

ص: 193

الشيخ محمد علي ابن الشيخ يعقوب أديب خطيب وباحث كبير علم من أعلام الادب وسند المنبر الحسيني له اليد الطولى في توجيه الناس وارشادهم ولا زالت مواعظه حديثا معطرا ، لا يكاد يمله جليسه فمن اشهى الاحاديث حديثه وما جلس الا وتجمع الناس حوله من الادباء وأهل الذوق الادبي يتوقعون منه نوادره وملحه وأحاديثه الشهية.

ولد في النجف الاشرف في شهر رمضان 1313 ه ونشأ برعاية والده الخطيب التقي والواعظ الشهير وهاجر والده الى الحلة الفيحاء فنشأ المترجم له في مستهل صباه ومطلع شبابه في مدينة الادب والشعر وكان عندما يختار له والده القصيدة ويحفظها وينشدها في الجامع الذي يصلي فيه الامام العلامة السيد محمد القزويني بمحضر من المصلين هناك وبعد اداء الفريضة وكان السيد يوليه عناية ورعاية وتشجيع على الحفظ وفي سنة 1329 انتقل والده الى رحمة ربه فانقطع حينذاك الى ملازمة العلامة السيد محمد القزويني فغمره بالطافه وأفاض عليه من علمه وأدبه الجم وأخلاقه العالية - وكان دائما يشكر هذا الفضل كأنه يقول :

افضل استاذي على فضل والدي *** وان نالني من والدي الفضل والشرف

فذاك مربي الروح ، والورح جوهر *** وهذا مربي الجسم والجسم من صدف

اليعقوبي في كل ما يقول من نظم ونثر سهل ممتنع لا تكاد تفوته مناسبة من المناسبات الا ونظم فيها البيتين والثلاث أو القطعة المصكوكة كسبيكة الذهب تتداولها العقول والافواه معجبة بها مستلذة بترديدها مع أنه قد نظمها بلا تكلف انما ارسلها ارسالا فاسمعه حين يقول :

قالوا الوزارة شكلت *** برئاسة العمري أرشد

فاستقبل الشعب الوزارة *** بالصلاة على محمد

وحين يداعب الشيخ السماوي يوم أحيل على التقاعد في عهد السيد محمد الصدر رئيس الوزراء.

ص: 194

قل للسماوي الذي *** فلك القضاء به يدور

الناس تضربها الذيول *** وأنت تضربك الصدور

بالاضافة الى الخدمة المنبرية والتبليغ باللسان فقد أضاف اليها الخدمة القلمية والخدمة بالبيان فقد ألف كثيرا وخلف آثارا لها قيمتها ومنها بل في طليعتها مجموعة اسماها ب ( الذخائر ) وهو ديوان شعر خاص يحتوي على حوالي خمسين قصيدة ومقطوعة نظمها في اهل البيت مدحا ورثاءا وقد طبعت سنة 1369 ه وأوصى رحمه اللّه أن يكون معه في قبره.

2 - البابليات وهو ثلاثة أجزاء ويقع الجزء الثالث منه في قسمين وقد طبع سنة 1372 ه.

3 - المقصورة العلية ، وهي قصيدة تناهز ( 450 ) بيتا في سيرة الامام علي بن أبي طالب علیه السلام وقد طبعت 1344 ه.

4 - عنوان المصائب في مقتل الامام علي بن أبي طالب سنة 1347 ه وقبل عام واحد زرت الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي أكبر أنجال المترجم له فاطلعني - متفضلا - على مخطوطات والده المغفور له وهي ثروة علمية وأدبية يعتز بها العلماء والأدباء والباحثون.

5 - اما ديوانه الذي يحتوي على ما نظمه من الشعر خلال مدة تتجاوز الاربعين عاما وقد طبع في سنة 1376 ه وهو طافح بالوطنيات والوجدانيات والوثائق التاريخية وفيه عشر قصائد خاصة في فلسطين ، القي قسم منها في احتفالات جمعية الرابطة الادبية التي أقامتها في هذا الصدد والقسم الباقي القي في مناسبات مختلفة ثم لا تنس جهاده في المغرب العربي ففي الديوان ما يقارب عشر قصائد في هذا الموضوع وحسبك أن تقرأ قصيدته بعنوان ( جهاد المغرب ) اذا أضفنا هذا الى جهاده أكثر من أربعين سنة بقلمه ولسانه ومواقفه يصرخ طالبا استقلال العراق فعندما اصطدم العراق بالجيش الانكليزي عام 1941 في الحرب العالمية الثانية صرخ قائلا :

ص: 195

بالشعب قد عاثت يد عادية *** فجددوها نهضة ثانية

وهناك دواوين حققها بعد أن جمعها ودققها امثال ديوان الملا حسن : القيم ، والشيخ صالح الكواز ، وديوان الشيخ عباس الملا علي ، وديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر ( والد المترجم له ) وديوان الشيخ عباس شكر وديوان الشيخ محمد حسن أبو المحاسن فهذه الآثار كان سبب نشرها وظهورها الى متناول الايدي هو شيخنا الراحل ولولا جهوده ومساعيه في طبعها وتحقيقها لكانت مندثرة كما اندثر من تراثنا الكثير.

ويعجبني من الشيخ اليعقوبي جانب الولاء لاهل البيت علیهم السلام ، فقد كان من وصيته ان يكون رفيقه في القبر ديوان ( الذخائر ) اذ هو الذي ينفعه يوم لا ينفعه مال ولا بنون وقد صدر ذخائر بالبيتين التاليين :

سرائر ود للنبي ورهطه *** بقلبي ستبدو يوم تبلى السرائر

وعندي مما قلت فيهم ذخائر *** ستنفعني في يوم تفنى الذخائر

وقوله في قصيدة له :

ما لي سوى الهادي النبي وآله *** حصن اليه لدى الشدائد التجي

أنا مرتج لهم وان نزل الرجا *** بسواهم ينزل بباب مرتج

ودخلت عليه مرة أعوده وكان يشكو ألما حادا من عينه ورأسه ولا أنسى أنه كان يوم 27 من رجب يوم توافدت الوفود لزيارة مخصوصة لامير المؤمنين علي بن أبي طالب فأنشدني هو :

أبا حسن عذرا اذا كنت لم أطق *** زيارة مثواك الكريم مع الناس

فلولا أذى عيني ورأسي لساقني *** اليك الولا سعيا على العين والراس

وقال :

غرست بقلبي حب آل محمد *** فلم أجن غير الفوز من ذلك الغرس

ومن حاد عنهم واقتفى اثر غيرهم *** فقد باع منه الحظ بالثمن البخس

ص: 196

في فجر يوم الاحد 21 جمادي الثانية 1385 ه الموافق 17 - 10 - 1965 سكت هذا اللسان وانطفأ هذا الضوء فقد ودع الحياة عن 73 عاما فنعته الجمعيات في النجف وفي مقدمتها جميعة الراطة الادبية اذ فقدت عميدها وأقيمت له الفواتح في كثير من البلدان العراقية وغيرها.

ص: 197

الكونيل حبيب غطاس

المتوفى 1385

قال في الامام الحسين علیه السلام :

روحي فداك حسين ما بدا قمر *** بالليل أو أشرقت في الصبح أنوار

انت الشهيد الذي أدميت أفئدة *** لولاك لم يدمها واللّه بتار

صدوك عن مورد الماء المباح فلا *** سالت بأرضهم سحب وانهار

يا كربلاء سقتك المزن هاطلة *** على رفاة حسين فهو مغوار

يلقى المنية عطشانا ومبتسما *** ان المنية في عينيه أقدار

صلى عليه آله العرش ما بزغت *** شمس وما طلعت بالليل أقمار (1)

القائد الكبير الكولونيل حبيب غطاس المسيحي اللبناني ، اعتنق الاسلام وتمسك بمذهب أهل البيت وأعلن باسلامه بكل فخر واعتزاز ، ومبدأ أمره أنه كان سائرا مع والدته وكان عمره نحو الثانية عشرة فصادف مرورهما بشارع ( البسطة ) في بيروت فسمع الاذان وقت الظهر من احدى المآذن الاسلامية فأثر فيه وقال لامه : قفي قليلا حتى نسمع ما يقول : وحاولت أمه صرفه عن ذلك

ص: 198


1- لماذا اختار هؤلاء العظماء مذهب اهل البيت (عليهم السلام) ، للشيخ محمد حسن القبيسي العاملي.

ولكنه أصر وجعل يردد مع المؤذن كلمة : اللّه اكبر اللّه اكبر ثم انصرف وقد جللته الغشية وقام يصغي في أوقات الصلاة ويحب لقاء المسلمين ويرتاح للمصلين.

ودخل مسلك الجيش اللبناني وينال المراتب ويسمو حتى استحق وسام الارز ورتبة ( كولولنيل ) في الجيش اللبناني واحبه كل من عرفه وعاشره. وكان لا يمل من مطالعة الكتب والعقائد حتى أصبح مقتنعا بدين الاسلام متمسكا بأوامر القرآن الكريم فأعلن اسلامه على رؤوس الاشهاد وذلك سنة 1960 م وكان رئيس الجمهورية اللبنانية يوم ذاك الرئيس فؤاد شهاب فأرسل اليه يستوضح منه ذلك فأجابه بصراحة بأنه مسلم وان الاسلام هو دين اللّه ، قال الرئيس : ان هذا الاعتراف سيحملك حملا ثقيلا فهل انت مستعد ، فأجابه القائد : لا أبالي بكل ما يكون بعد أن أكون مع اللّه ، فقال له الرئيس شهاب : اذا كان كذلك يلزمك اما أن تتنازل عن رتبتك أو تستقيل نهائيا من سلك الجيش لان المرتبة التي أنت فيها من مختصات المسيحيين حسب اتفاق الاستقلال اللبناني وما نص عليه الدستور ، فاعلن القائد استقالته من خدمة الجيش.

وكان لحبيب غطاس وقت ذاك زوجة مسيحية وولد قد بلغ مبلغ الرجال فعرض الاسلام عليهما فأبت الزوجة واجاب الولد ثم أثرت عليه المؤثرات فرجع الولد والتحق بوالدته ، فما كان من حبيب غطاس الا انه اعرض عن زوجته وولده وتركهما وشأنهما وتزوج بامرأة مسلمة.

توفي رحمه اللّه يوم الثلاثاء 27 - 8 - 1965 م في المستشفى العسكري - الساعة العاشرة قبل الظهر. انتهى عن كتاب ( لماذا اختار هؤلاء العظماء مذهب اهل البيت ) للشيخ محمد حسن القبيسي العاملي.

ذكر الشيخ القبيسي جملة من أشعاره وقال : وجدتها بخط الناظم ، فمن شعره قوله بعنوان ( رسول اللّه ).

ص: 199

أحبك يا رسول اللّه حبا *** برى جسدي وفتت لي عظامي

وما أبقى بقلبي غير روح *** تود لقاك في دار السلام

عشقتك مذ رأيت النور يبدو *** من القرآن للعرب الكرام

ووحدت الذي سواك أحلى *** من القمرين يا بدر التمام

جمالك سالب عقلي ولبي *** وحسنك ماثل دوما أمامي

وكل جوانحي لبهاك تفهو *** فعجل بالشهادة والحمام

عليك صلاة ربك مع سلام *** تضوع منهما مسك الختام

ومن شعره قوله تحت عنوان : سيدتنا فاطمة الزهراء (عليهاالسلام).

أفاطمة الزهراء ان محمدا *** أحبك حبا لا يفيه التصور

فلا غرو ان دانت بحبك شيعة *** تفاخر أهل الارض فيك وتكبر

فأنت من المختار حبة قلبه *** وأنت من الاطهار أصفى وأطهر

حفظت لنا نسل النبي ومن بهم *** على كل مخلوق نتيه ونفخر

هو الحسن المغوار من بجبينه *** مهابة أهل البيت تزهو وتزهر

وثانية مولاي الحسين وسيدي *** ومن فيه اخلاق النبوة تظهر

عليكم صلاة اللّه ثم سلامه *** بكل أذان فيه اللّه اكبر

وله شعر في ائمة اهل البيت علیهم السلام في كل امام منهم قطعة شعرية عاطرة.

ص: 200

هلال بن بدر

المتوفى 1385

روع الكون وادلهم السماء *** يوم ضجت بخطبها كربلاء

يالخطب من دونه كل خطب *** ومصاب قد عز فيه العزاء

لبس الدهر فيه ثوب حداد *** فهو والدهر ما له انضاء

ليت شعري وهل يبلغني الشعر *** مقاما يجود فيه الرثاء

انما غايتي رثاء امام *** يقصر الشعر عنه والشعراء

سبط خير الانام والصفوة الكبرى *** أبوه وأمه الزهراء

كنز سر العلوم مذ لقنته *** وهو في المهد سرها الانبياء

بطل حازم أبي كمي *** أريحي منزه وضاء

خذلته العراق لما استبانت *** آية الحق وهي منها براء

وبكته من بعد ذاك طويلا *** بعد غيض الدموع منها الدماء

موقف للحسين جل عن الوصف *** ولم ترو مثله الامناء

سار نحو العراق يزحف نحو *** الموت تحدوه عزة قعساء

ضربت حوله العداة نطاقا *** مزقته بعزمها الخلصاء

قادة حرب ان لظى الحرب شبت *** ولدى السلم ساسة خطباء

لهف نفسي على ليوث تصدت *** لعديد ما ان له احصاء

ثبتت في مواقف الموت حتى *** فنيت ، والفناء منها وفاء

جدد الحرب بعد ذاك أخو الحرب *** وما كل عزمه المضاء

أم نحو الصفوف ظمآن صاد *** ويل أم العدو لولا الظماء

وقضى بينها فخر صريعا *** وعليه من الجلال رداء

ص: 201

ان صرعى الطفوف لا شك عندي *** أنهم عند ربهم أحياء

عجبا يقتل الحسين وتبقى *** في هناء من بعده الاشقياء

وتضام الاباة ان طلبوا الحق *** وتسبى من الخدور النساء

النساء المطهرات من العيب *** اللواتي شعارهن الحياء

لا رعى اللّه يا حسين زمانا *** أخذت فيه ثارها الاعداء

قاتل اللّه من أمية فردا *** كمنت في ضميره الشحناء

بأبي الطاهر الزكي ونفسي *** وبيوم طالبت به الظلماء

فصلاة من الاله عليه *** وسلام ورحمة وثناء

الشاعر هلال بن بدر البوسعيدي ، ولد في مدينة مسقط 1314 ه وتلقى علومه على يد علمائها الاباظيين. وتدرج في المناصب من سكرتير والي الى أن أصبح رئيسا لاول بلدية انشئت في مسقط عام 1374 ه ثم انتقل في مناصب اخرى حتى أصبح سكرتيرا خاصا للسلطان سعيد بن تيمور ، ثم اعتزل العمل وتقاعد حتى وافاه الموت في 6 شهر رمضان عام 1385 ه. له جملة قصائد غير أنها لم تجمع في مجموع خاص ، وانه اتلف الكثير منها.

ص: 202

الشيخ محمد رضا الشبيبي

المتوفى 1385

قال : ينحو باللائمة على أحد قتلة الحسين بن علي علیه السلام ، ذلك هو بجدل بن سليم الكلبي الذي حارب الامام الحسين (عليه السلام) وجاء اليه بعد قتله لينال من سلبه شيئا فلم يجد حيث سلبه القوم جميع ثيابه ، لكن رأى خاتمه في خنصره حاول انتزاعه فلم يقدر لجمود الدم عليه فتناول قطعة سيف وجعل يحز الخنصر حتى قطعه وأخذ الخاتم ، فقال شيخنا الشبيبي :

ما بال بجدل لا بلت مضاجعه *** قد حز اصبعه في مخذم ذرب

لو كان يطلب منه بذل خاتمه *** لقال هاك ، وهذا قبل فعل أبي

أشهر أعلام الادب ووجه العراق الناصع هو الشيخ محمد رضا ابن الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم صقر البطائحي النجفي ، ولد في النجف 6 شهر رمضان عام 1306 ه ونشأ على والده الجليل نشأة سامية ، تعلم المبادئ وقرأ المقدمات وقرض الشعر فأجاد فيه من بداية عهده وحضر في الفقه والاصول على علماء وقته كالشيخ محمد كاظم الخراساني وغيره ، ولخصوبة ذهنه وسعة آفاقه الفكرية لم يقتصر على العلوم القديمة بل شارك في فنون اخرى فبرع في البلاغة والفلسفة حتى نبغ في سن مبكرة واشترك مع شيوخ الادب يومذاك وجال في ميادينه بين النابهين من رجاله وهو في طليعة حاملي مشعل الحركة الفكرية

ص: 203

والنهضة الوطنية في العراق ، فقد جاهد في احياء الثقافة والآداب العربية على عهد الاتراك يوم كانت معالم اللغة مطموسة ، وطرق جميع الفنون فنظم في التربية والسياسة والوصف والغزل والوجدانيات والوطنيات ، وحسبك ما نشرته الصحف والمجلات ، وله في البلاغة والبيان ملكة نادرة حيث لا يقل نثره عن شعره وبحوثه الممتعة الطافحة بالمادة ترويها امهات المجلات وهو بالاضافة الى محاسنه الكثيرة لغوي كبير ومن الخبراء المتضلعين. قام أيام الثورة العراقية بخدمات جليلة ومهام خطيرة وانتدب من قبل وجوه العراق من علماء وزعماء واحرار فأوفد الى الحجاز لمقابلة الملك حسين وتسليمه المضابط التي نظمها العراقيون ووقعوا عليها وذلك عام 1337 ه سافر الشيخ فوصل الحجاز بعد عناء شديد واجتمع بالشريف وأطلعه على الحال فأرسلها الشريف الى نجله الامير فيصل في باريس ، ولم يعد المترجم له حتى تم تعيين فيصل ملكا على العراق فجاء معه هو وجملة من الزعماء.

والشبيبي شخصية متعددة الجوانب وقد تقلب في المناصب وهي تزدهي به وتفتخر بكماله وببزته الروحية وكأنه زان المناصب ولم تزنه.

رشح لعضوية نادي القلم البريطاني في سنة 1356 وشغل وزارة المعارف عدة مرات ، ومنحته مصر شهادة الدكتوراه في الآداب دون أن يطلبها ، وترأس المجمع العلمي العراقي ، وكان عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ، وعضو المجمعين العلمي واللغوي بمصر وغير ذلك.

وله آثارعلمية وأدبية وفلسفية وتأريخية منها ( تاريخ الفلسفة ) من أقدم عصورها ومنها ( أدب النظر ) في فن المناظرة و ( التذكرة ) في بعث ما عثر عليه من الكتب والآثار النادرة وديوان شعر طبع سنة 1359 و ( فلاسفة اليهود في الاسلام ) و ( المأنوس في لغة القاموس ) ويقصد بالمأنوس ما كان مألوفا عند فصحاء العرب وفي المختار من كلامهم. ويقابله الغريب الذي يستهجن استعماله ويعد من عيوب فصاحة الكلام و ( المسألة العراقية )

ص: 204

وهو تاريخ مطول لبلدة النجف الاشرف مع تطور العلم والآداب فيها و ( مؤرخ العراق ابن الفوطي ) في اجزاء طبع الاول في سنة 1370 قام بنشره المجمع العلمي العراقي وقد ذكر أغلب هذه الآثار روفائيل بطي في كتابه ( الادب العصري ) وهذه بعض روائعه :

فتنة الناس - وقينا الفتنا - *** باطل الحمد ومكذوب الثنا

رب جهم حولاه قمرا *** وقبيح صيراه حسنا

أيها المصلح من أخلاقنا *** أيها المصلح الداء هنا

كلنا يطلب ما ليس له *** كلنا يطلب ذا حتى أنا

ربما تعجبنا مخضرة *** أربع بالامس كانت دمنا

لم تزل - ويحك يا عصر أفق *** عصر ألقاب كبار وكنى

حكم الناس على الناس بما *** سمعوا عنهم وغضوا الاعينا

فاستحالت وأنا من بينهم *** أذني عينا وعيني أذنا

اننا نجني على أنفسنا *** حين نجني ، ثم ندعو : من جنى

بلغ الناس الاماني حقه *** وبلغناها ولكن بالمنى

أخطأ الحق فريق بائس *** لم يلومونا ولاموا الزمنا

خسرت صفقتكم من معشر *** شروا العار وباعوا الوطنا

أرخصوه ولو اعتاضوا به *** هذه الدنيا لقلت ثمنا

يا عبيد المال خير منكم *** جهلاء يعبدون الوثنا

انني ذاك العراقي الذي *** ذكر الشام وناجى اليمنا

انني اعتد نجدا روضتي *** وأرى جنة عدني عدنا

ايها الجيل اكتشف لي حاضرا *** كلما خرب ماضيك بنى

ينهض الشعب فيمشي قدما *** لو مشى الدهر اليه ما انثنى

غير راقي النفس والروح فتى *** وضع الروح ورقى البدنا

حالة النفس التي تسعدها *** وتريها كل صعب هينا

ففقير من غناه طمع *** وغني من يرى الفقر غنى (1)

وقوله وعنوانها : رجال الغد :

ص: 205


1- الى ولدي للمؤلف طبع النجف 1373 ه.

انتم متعتم بالسؤدد *** يا شباب اليوم - أشياخ الغد

يا شبابا درسوا فاجتهدوا *** لينالوا غاية المجتهد

وعد اللّه بكم أوطانكم *** ولقد آن نجاز الموعد

أنتم جيل جديد خلقوا *** لعصور مقبلات جدد

كونوا الوحدة لا تفسخها *** نزعات الرأي والمعتقد

أنا بايعت على أن لا أرى *** فرقة ، هاكم على هذا يدي

عقد العالم شتى فاحصروا *** همكم في حل تلك العقد

لتكن آمالكم واضعة *** نصب عينيها حياة الابد

لتعش افكاركم مبدعة *** دأبها ايجاد ما لم تجد

لا ينال الضيم منكم جانبا *** غير ميسور منال الفرقد

أو تخلون - وأنتم سادة *** لاعاديكم - مكان السيد

الوفا حفظم أو رعيكم *** - بعدعهد اللّه - عهد البلد

لا تمدوها يدا واهية *** ليد مفرغة في الزرد

تشبه الارض التي تحمونها *** عبث الاعداء غاب الاسد

دبروا الارواح في أجسادها *** فاق داء الروح داء الجسد

ان عقبى العلم من غير هدى *** هذه العقبى التي لم تحمد

من أتانا بالهدى من حيث لم *** يتأدب حائر لم يهتد

غير مجد - ان جهلتم قدركم *** عدد العلم وعلم العدد

واذا لم ترصدوا أحوالكم *** لم تفدكم درجات الرصد

واذا لم تستقم أخلاقكم *** ذهب العلم ذهاب الزبد

عد عنك الروض لا أرتاد لي *** غير أخلاق هي الروض الندي

* * *

بوركت ناشئة ميمونة *** نشأت في ظل هذا المعهد

من جنى من علمه فائدة *** غير من عاش فلم يستفد

ما يرجى - ليت شعري - والد *** أهمل التعليم عند الولد

سيرة الآباء فينا قدوة *** كل طفل بأبيه يقتدي

ليس هذا الشعر ما تروونه *** ان هذي قطع من كبدي (1)

ص: 206


1- الى ولدي للمؤلف طبع بالنجف الاشرف 1373 ه.

ومن منظومه الذي جرى مجرى المثل ولا زال الادباء يستشهدون بها قوله :

ما العبقري الفذ الا فكرة *** ان مات عاش بها الرميم الهامد

لا بد من نقد الزمان فانما *** نحن المعادن ، والزمان الناقد

وقوله :

خيرا لك أن أخاف وتأمني *** يا نفس ، من أن تأمني لتخافي

لي نية في الدهر فيها نية *** والحكم للمستقبل الكشاف

وقوله :

الشعر شيء ناطق في ذاته *** أو قوة في نفسها تتكلم

ولربما روت الطبيعة شعرها *** خرساء لا ثغر هناك ولا فم

وقوله :

قالوا : أتكره نقد الناس قلت لهم *** اذا استعار عدوي ثوب منتقد

قالوا : فناظر ، وصوت الحق مرتفع *** فقلت ، هذا قياس غير مطرد

وقوله :

ولربما عرف المحبون التي *** تجني الشقاء فأصبحوا عشاقها

شأن الفراشة واللّهيب فانها *** تغشاه وهو مسبب احراقها

وقوله :

تفاهمتا عيني وعينك لحظة *** وأدركتا أن القلوب شواهد

مشت نظرة بيني وبينك وانبرى *** من القلب مدلول على القلب رائد

أحاديث لم تلفظ ، وللنفس منطق *** وجيز ، وألفاظ اللسان زوائد

دواوين أهل الحب تفنى وللهوى *** هوى الروح ، ديوان من الشعر خالد

ص: 207

وقوله :

أضاع صوابا عامل غير عالم *** سيسأل عنه عالم غير عامل

أحب الى الديان من علم عالم *** اذا هو لم ينفع به جهل جاهل

وقوله :

لا تملأوا لي أقداحا فقد ملئت *** الى الرؤوس سقاة الحي أقداحي

أولى الخمارين بي ما كان منبعثا *** عن سورة الشوق لا عن سورة الراح

ص: 208

الشيخ حسن صادق

المتوفى 1386

يا ال بيت محمد أنا عبدكم *** قرت بذلك - ان قبلت - عيوني

بل عبد عبدكم وكل مشايع *** لكم تولاكم ولاء يقين

اني فطرت على محبتكم وقد *** شابت بحمد اللّه فيه قروني

ما ان ذكرت مصابكم وذكرت *** تنعاب الغراب على ربى جيرون

وترنم الطاغي يزيد بقوله *** فلقد قضيت من النبي ديوني

الا وجللني الاسى وتقرحت *** مني العيون وجن فيه جنوني

أتعاقب الايام تنسيني وقوف عقائل *** للوحي بين يدي أخس لعين

حسرى كما شاء العدو قد ارتدت *** ثوب المذلة ضافيا والهون (1)

حسن ابن العلامة الكبير الشاعر الشهير الشيخ عبد الحسين الذي تقدمت ترجمته وشعره وهو ابن الشيخ ابراهيم ابن الشيخ صادق.

ولد في النجف الاشرف سنة 1306 وتدرج على العلم والادب كسيرة آبائه يتوارثون العلم والفضيلة أبا عن جد ، وما ظنك بمن أبوه الشيخ عبد الحسين ذلك الفطحل. اشتهر المترجم له بين أخدانه بالفهم والذكاء وسرعة البديهة وحسن الخلق بهي الصورة جميل الشكل. اتقن مبادئ العلوم وهو في سن مبكرة ودرس الفقه والاصول دراسة وافية وأساتذته امثال شيخ الشريعة الاصفهاني النجفي والسيد كاظم اليزدي وغيرهما ، هاجر الى لبنان موطن آبائه وأجداده فرشحته الحكومة اللبنانية للافتاء

ص: 209


1- ديوانه المطبوع في بيروت - دار الحياة.

هناك. وهو في السن أكبر من أخيه العلامة الشيخ محمد تقي واشعر منه لكنه لم يكن أفقه منه كتب عنه الكثير وقالوا : كان قوي النظم سريع البديهة يأتي بالشعر المنسجم والقافية المحبوكة طرق ابواب الشعر فأجاد وحفظ الادباء له من أنواع النظم عدة قصائد من وطنيات ووجدانيات وسياسيات فمن شعره قصيدته التي جاء فيها وقد نظمها سنة 1366 :

حاضر الامر وماضيه سواء *** بالاهازيج وهذا الخيلاء

نجتلي عيد جلاء رائعا *** فمتى من صدء القلب جلاء

ويقول فيها :

مهبط الايحاء كم سال على *** سفح مغناك دموع ودماء

فيك كم طل دم من مصلح *** بكت الارض عليه والسماء

كالاولى بالطف من عمرو العلى *** هاشم المجد لها نفسي الفداء

أنجم مطلعها من يثرب *** ولها كانت مغيبا كربلاء

جاء في مقدمة ديوانه المطبوع في لبنان والذي أسماه ( سفينة الحق ) انه درس في النجف عشرين سنة وحضر على الفطاحل من اساتذة الفقه والاصول وعلم الكلام ، اما ديوانه فيحتوي على مجموعة كبيرة من الشعر في النبي وآله عليهم الصلاة والسلام ، وقصائد مرصوصة في الوطنيات والوجدانيات والتغزل والرثاء ويتضمن جملة من خواطره.

ص: 210

الشيخ محمد رضا فرج اللّه

المتوفى 1386

أقم للحزن يا شيعي مأتم *** ودع عنك الهنا هل المحرم

ودخل الدمع من عينيك يهمي *** ففاطم دمعها فيه همى دم

الشيخ محمد رضا ابن الشيخ طاهر بن فرج اللّه بن محمد رضا بن عبد الشيخ ابن محاسن - ينتهي نسبه الى الاحلاف ، قبيلة في جنوب العراق ، من رجال الفضل والكمال بحاثة ذواقة ولد في النجف يوم عيد الفطر سنة 1319 ه ونشأ بها في حجر والده درس المبادئ وقرأ العربية والمنطق ومقدمات العلوم ثم درس السطوح على أخيه الشيخ محمد طه والشيخ عبد الحسين الحلي والسيد هادي الميلاني والشيخ كاظم الشيرازي وغيرهم ، ثم حضر الخارج في الفقه والاصول على الشيخ احمد كاشف الغطاء والسيد أبي الحسن الاصفهاني والسيد محمد تقي البغدادي والشيخ ضياء العراقي والشيخ عبد اللّه المامقاني والميرزا فتاح والشيخ محمد رضا آل ياسين له مكتبة نفيسة تجمع النوادر من المخطوطات والمطبوعات له من الآثار ( الاعتقاد الصحيح ) في أصول الدين و ( الغدير في الاسلام ) طبع في النجف سنة 1362 و ( المعلم والتلميذ ) و ( علي والامامة ) ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر طائفة من أشعاره في المدح والرثاء والغزل والمراسلات وتفضل ولده الاستاذ حميد فرج اللّه بمجموعة من قصائده في رثاء الحسين علیه السلام وفي الغزل والمراسلات.

ص: 211

حسين بستانة

المتوفى 1387 ه

1968 م

« نهضة الحسين »

قد ثار للحق لم تقعد به السبل *** ولا ثنت عزمه العسالة الذبل

وطالب الحق لا يرضى به بدلا *** ولو تواشج في أشلائه الاسل

كيف السكوت وشرع اللّه مهتضم *** يجور فيه وفي احكامه ثمل

تجلبب الخزي لم يبرح غوايته *** لا الدين يمنعه عنها والخجل

خليفة اللّه هذا ما يدين به *** الكاس والطاس والندمان والغزل

نال الخلافة عن مكر وعن دجل *** حتى تجسد فيه المكر والدجل

يا بئس ما فعلوا اذ زملوه بها *** فاي رجس بثوب المصطفى زملوا

سار الحسين لدين اللّه ينصره *** وليس الا الهدى في الركب والامل

وفتية كليوث الغاب ان عرضت *** أولى الطرائد آساد اذا بسلوا

مطهرون شذيات عوارفهم *** هي المكارم ان صالوا وان وصلوا

لا ينجلي النقع الا عن نواظرهم *** كأنها في ميادين الوغى شعل

ص: 212

تجري بهم سابحات شزب عرب *** تجري الرياح بمجراها اذا حملوا

توري الصفاة متى اصطكت سنابكها *** كما تقادح من ربد الدجى مقل

طوع القياد نجيبات معودة *** ان لا تحيد اذا ما هابها البطل

يرتاع خصمهم اما انتحوه بها *** حتى يبين على أنفاسه الوجل

يخيم كل شجاع عند نخوتهم *** كما يخيم لصوت الاجدل الحجل

الصائلون كما صالت أوائلهم *** والفاعلون على اسم اللّه ما فعلوا

والموردون العوالي كل فاهقة *** كيما تعل صواديها وتنتهل

والشاهرون غداة الروع مرهفة *** عضبا يسيل على شفرائها الاجل

لا يعرف البأس الا في وجوههم *** ولا الشجاعة الا حيثما نزلوا

هم الفوارس ما ذلت رقابهم *** لله ما أرخصوا منها وما بذلوا

صالوا وقد حال دون القصد حينهم *** ما كان أغلبهم لو أنهم مهلوا

عز النصير لهم والبغي محتدم *** ضار تساور في أنيابه الغيل

تعاورتهم ذئاب لا ذمام لها *** يقودها الافك والتدليس والحيل

فمزقوا الادم الزاكي بلا ترة *** وروعوا كبد الزهرا وما حفلوا

ها هم بنوها على الرمضا مقبلهم *** هذا ذبيح وهذا في الثرى رمل

وذا يمج على الغبراء مهجته *** وساجد القوم تبري جسمه العلل

حتى الرضيع الذي جفت حشاشته *** قد أنهلوه بما راشوا وما نبلوا

لم يبق منهم سوى حوراء نادبة *** حرى الفؤاد بجمر الحزن تأتكل

تصيح بين صبيات مروعة *** « بالامس كانوا معي واليوم قد رحلوا »

يا لهف نفسي لهم اذ ريع سربهم *** وهتكت عن بنات المصطفى الحلل

أقول والحزن جياش بجانحتي *** نفسي الفداء لمن بالطف قد قتلوا

واليكم القصيدة التي ألقاها الاستاذ حسين بستانة معاون مدير التسوية في لواء الديوانية وأولها :

وتر النبي وروع الاسلام *** وابيح بيت اللّه وهو حرام

ص: 213

الاستاذ حسين بن علي بن حسين الكروي المعروفين بآل بستانة من عشيرة الكروية من قبائل قيس عيلان من فخذ المصاليخ ، ولد في بغداد سنة 1325 ه والموافق 1907 درس القرآن الكريم في الكتاب وفي سنة 1918 حيث فتحت المدارس قبل في الصف الثالث ، وعند اكماله الصف الرابع دخل كلية الامام الاعظم ، فبلغ فيها السنة الدراسية الرابعة ، وانقطع الى الدراسات الخاصة والبلاغة والمنطق والرياضيات وعلوم الطبيعة والاحياء ، وفي سنة 1925 التحق بجامعة آل البيت ، ونجح مطردا بامتياز في سنيها الثلاث فعين مدرسا ، وبعد سنتين انتدب في بعثة الى دار العلوم العليا بمصر للتخصص باللغة العربية والتربية ، وعند عودته عين مدرسا ثم مديرا ونقل بعدها الى وظائف متعددة. لقد ولع بجيد الكلام منثورة ومنظومة وحفظ في كليهما ما وعى وأثرى فروى ، وكانت أول قصيدة ألقاها في القنصلية العراقية بمصر سنة 1931 يستعدي فيها الوفد المصري على معاهدة نوري السعيد والتي أبرمت عام 1932 وله من المؤلفات كتاب ( المنتخبات الادبية ). انتهى عن اعلام العراق الحديث.

ص: 214

الشيخ علي البازي

المتوفى 1387

الحق في كربلا والباطل اصطدما *** كل يحاول أن يحظى بما رسما

يا غربة الحق اما عز ناصره *** على مناوئه ان جار أو ظلما

ولا محام به تسمو حفيظته *** يحمي حماه ويوليه يدا وفما

بمن وفيمن تراه يستغيث سوى *** الصيد الاباة فهم للخائفين حمى

هم أظهروه على الطغيان حين طغى *** وركزوا باسمه فوق السهى علما

هم الغياث اذا ما أزمة أزمت *** أو عم جدب وبحر النائبات طمى

وجاهدوا دونه بالطف حين رأوا *** وجودهم بعده بين الملا عدما

نفسى الفداء لمن ضحى باسرته *** والصحب دون الهدى في قادة كرما

لله فردا أعز الدين صارمه *** وقد أذل طغاة تعبد الصنما

وأحدقوا فيه والطفل الرضيع قضى *** في حجره مذ له سهم العدى فطما

وفوجئ العالم العلوي في جلل *** ابكى السماوات والاملاك والقلما

ويوم نادى حسين وهو منجدل *** هيا اقصدوني بنفسي واتركوا الحرما

أبكى السماء دما لما قضى عطشا *** لما قضى عطشا أبكى السماء دما

والفاطميات فرت من مخيمها *** في يوم صاح ابن سعد احرقوا الخيما

الشيخ علي البازي ابن حسين بن جاسم اشتهر بالبازي اذ هو لقب لجده الاعلى ، اديب لو ذعي وشاعر شهير ومؤرخ كبير امتاز بنظم التاريخ الابجدي ، ولد المترجم له في النجف في شهر شوال سنة 1305 ه وتدرج على الكتابة والقراءة في الكتاتيب ودرس

ص: 215

النحو والصرف وقسما من علم المنطق وتتلمذ على مجاس آل القزويني في قضاء الهندية يوم كانت هذه الاندية تغني عن مدرسة وتدرج على الخطابة الحسينية واشتهر بها.

والبازي شخصية وطنية واكبت الحكم الوطني والثورة العراقية من بدايتها فقد رصد احداثها وأرخها بالشعر الفصيح ، وكان حديثه ملذا لا تفوته النكتة والظرافة ويكاد جليسه ينسى نفسه لخفة روح الشيخ البازي وعذوبة حديثه وشارك في الحلبات الادبية وساجل الادباء والشعراء فكان له القدح المعلى ، وقد قضى شطرا من عمره يسكن ( الكوفة ) وكان لسانها المدافع عن حقوقها في كل المواقف وممثلها في أكثر المناسبات ، أحبه كل من عرفه وامتزج بمختلف الطبقات ومن أشهر مخلفاته ديوان شعره ، ادب التاريخ هو وثيقة تاريخية تشير الى أكثر الحوادث العراقية وقد نشر الكثير منه في مجلة ( البيان ) النجفية كما انه يجيد النظم باللغة الدارجة فقد نشر جزئين في رثاء اهل البيت علیهم السلام من منظومة تحت عنوان ( وسيلة الدارين ) ومن أشهر شعره الفصيح ملحمته ملحمة الثورة العراقية الكبرى فقد استعرض مبادئ الثورة وأسرارها وذكر ابطالها ورجالها والمواقع التي التحم فيها القتال وبسالة الفرات الاوسط ومواقفه المدهشة ، وأولها :

قف بالرميثة واسأل ما جرى فيها *** غداة ثارت بشوال ضواريها

ص: 216

ضياء الدخيلي

المتوفى 1387

موكب سار في نحور البيد *** يطبع العز أحرفا للخلود

في جلال يضم هول المنايا *** بجناح يصيح بالارض ميدي

تنهل الترب في خطاه حياة *** واكتسى الميت منه ايراق عود

تتوارى عن وجهه حجب الليل *** ويمحى من فجره بعمود

فهو صبح الازمان قد فاض في *** الوديان حتى طغى الهدى للنجود

موجة للرشاد سارت عليها *** هالة من قداسة التوحيد

بامام فيه الهدى لنفوس *** حائرات يبتن في تنكيد

هد صرح الضلال اذ اعوز *** الصحب بعزم كفاه خفق البنود

قد اراد الطاغي ليلبسه الذل *** وهيهات رضخه للقيود

كسر الغل ثائرا يملأ الكون *** دويا وكان بطش الاسود

ها هنا أغضبت نفوس كرام *** فتداعت لهدم حكم يزيد

زلزلته وخططت بدماها *** صور الاحتجاج فوق الحديد

رددته الاجيال درسا بليغا *** مذكيا كل ثورة بوقود

يا امام الاباة يا مثلا أعلى *** جثت عنده منى مستزيد

ان يمت في القديم سقراط *** اصرارا على مبدء وحفظ عهود

فلقد مت ميتة هزت الدهر *** وجاوزته صلابة عود

نهشتك الخطوب ضارية *** الفتك فصدت بعزة الجلمود

لم يزلزل خطاك هول ضحاياك *** وسوق العدى سيول الجنود

بأبي عاريا كسته المواضي *** من دما نحره بأزكى برود

كيف يرضى ابن فخر يعرب أن يضحى *** ذليلا يساق سوق العبيد

يالرهط هانت عليه المنايا *** ساخرا من ضرامها الموقود

ص: 217

زحفوا في الوغى ليوثا وماتوا *** في جهاد العدو ميتة صيد

ثبتوا كالجبال ذودا عن الحق *** لجيش قد سد وجه البيد

يا ابن حامي الديار خلدت للاجيال *** درسا في يومك المشهود

ضياء الدين ابن الشيخ حسن آل الشيخ دخيل الحجامي ، أديب شاعر ، ولد في النجف الاشرف عام 1330 ه من أبوين عربيين ، ونشأ على أبيه الذي عني بتربيته فولع بدراسة مقدمات العلوم فأتقنها وحصل على مقدمات من الفقه والاصول وشاءت رغبته أن ينتقل الى الدراسة الحديثة فأنهى الدراسة الابتدائية والاعدادية والتحق بكلية الطب ببغداد واستمر لمدة اربع سنوات كان مثال الطالب المجد غير أن الصدف الملعونة دفعته الى مصادمة عميد الكلية مما أوجب فصله وحرمانه من الاستمرار وذهبت اتعابه سدى حين عاكسته الحياة وطوحت به وولدت في نفسه عقدة قوية وتبخرت آماله الطويلة العريضة. وقد كنت اذكره ينافس الادباء والشعراء ويقف خطيبا في كثير من حفلات الادب وقد نشر الكثير من شعره في الصحف والمجلات. ترجم له الباحث علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر له روائع من أحاسيسه ومنها قصيدته التي أولها :

اليوم نمنح ذي البلاد جلالا *** ونحطم الاصفاد والاغلالا

سنعيد دور الفاتحين ونمتطي *** من ذروة المجد الاعز منالا

كتبت على وجه الزمان فعالنا *** بدم لترشد بعدنا الاجيالا

ودع الحياة في سن السابعة والثمانين بعد الثلثمائة والالف من الهجرة.

ص: 218

الشيخ حسين القديحي

اشارة

المتوفى 1387

اي خطب عرى البتول وطاها *** ونحى أعين الهدى فعماها

اي خطب أبكى النبيين جمعا *** وله الاوصياء عز عزاها

لست أنساه في ثرى الطف أضحى *** في رجال الهها زكاها

نزلوا منزلا على الماء لكن *** لم يبلوا من الضرام شفاها

وقفوا وقفة لو أن الرواسي *** وقفتها لزال منها ذراها

بأبي مالكي نفوس الاعادي *** صرعتها العداة في بوغاها

وبنفسي ربائب الخدر أضحت *** للعدى مغنما عقيب حماها

بعدما كن في الخدور بصون *** سلبت لكن العفاف غطاها

لهف نفسي لها على النيب حسرى *** لم تجد في السباء من يرعاها

ومن شعره ما أورده في مؤلفه ( رياض المدح والرثاء ) :

يا ابن الوصي المرتضى *** لم لا حسامك ينتضى

طال انتظارك سيدي *** نهضا فقد ضاق الفضا

حاشاك - لست أقول عن *** ثارات جدك معرضا

يا حجة اللّه الذي *** في طوعه أمر القضا

ماذا التصبر والحسين *** بكربلا ظام قضى

قد ظل عار بالعرى *** والجسم منه رضضا

والراس منه بالقنا *** كالبدر لما ان أضا

ص: 219

الشيخ حسين البلادي البحراني

هو ابن الشيخ علي البلادي مؤلف كتاب ( انوار البدرين في تراجم علماء الاحساء والقطيف والبحرين ) ابن الشيخ حسن آل سليمان البلادي.

ولد في النجف الاشرف 18 شهر شعبان سنة 1302 وأرخ مولده الشيخ فرج ابن ملا حسين آل عمران القطيفي بأبيات ، كانت التاريخ قوله :

وأشرق الزمان اذ *** ارخت : نجم قد ظهر

كتب ولده العلامة الشيخ علي ابن الشيخ حسين المترجم له ترجمة والده في مقدمة كتاب ( منية الاديب وبغية الاريب ) المطبوع بالنجف بمطبعة النعمان سنة 1382 ه وذكر جملة من أشعاره في أهل البيت علیهم السلام وقال : له منظومة في ( الامامة ) وأخرى في الاصول الخمسة لم تتم ومنظومة في آداب الاكل والشرب. وقال : ان والدي رحمه اللّه قد غلب عليه الزهد والخشوع والخضوع لله والاعراض عن الدنيا ، ختم القرآن الشريف مع تعلم الكتابة في أربعة أشهر ، درس النحو على العلامة الشيخ محمد ابن الحاج ناصر آل نمر ودرس على والده الفقه والاصول. ومن مؤلفات الشيخ حسين كتابه الذي تقتنيه الخطباء المسمى ب المجالس العاشورية. طبع بمطبع النعمان في النجف. كتب وألف فمن مؤلفاته كنز الدرر ومجمع الغرر وقد قرظه بالشعر جناب السيد رضا الهندي الذي أخذ عن الشيخ اجازة الرواية ، كما قرظه ايضا الخطيب الشيخ حسن سبتي ، والخطيب السيد محمد آل شديد ومن مؤلفاته كتاب ( نزهة الناظر ) يشبه الكشكول و ( كتاب سعادة الدارين في أحوال مولانا الحسين ) وغيرها في الادعية والزيارات ، وله رياض المدح والرثاء ، وقال في ( منية الاديب ) وقلت هذه الابيات لاعلقها في ضريح الامام أمير المؤمنين علیه السلام :

ص: 220

هذا علي امير المؤمنين ومن *** قد كان نورا بساق العرش قد سطعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن *** بالبيت شرفه الرحمن قد وضعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن *** أقام دين الهدى بالسيف فارتفعا

هذا علي أمير المؤمنين ومن *** غذاه خير الورى بالعلم فارتضعا

صلى عليه اله الخلق ما طلعت *** شمس وما البدر في الآفاق قد سطعا

أجازه جماعة من العلماء الاعلام وحجج الاسلام باجازات حرروها بخطوطهم وهم :

1 - العالم الجليل السيد ابو تراب الخوانساري النجفي.

2 - الحجة الكبير السيد حسن الصدر الكاظمي رحمه اللّه .

3 - الشيخ الاجل الشيخ محسن الطهراني المعروف ب اغا بزرك ولغيرهم من شيوخ الاجازات بحيث لو جمعت لكانت كتابا خاصا.

ومن مؤلفات المترجم له ( المجموعة الحسينية ) طبعت بالنجف - المطبعة الحيدرية - سنة 1375 تحتوي على عدة رسائل فيها مجموعة فوائد في الاوراد والادعية والاختام واعمال الايام.

في ليلة الاثنين 13 شهر ذي القعد الحرام بات بصحة وعافية يزاول أعماله من كتابة وقراءة وحتى مضت خمس ساعات من الليل ثم اضطجع على فراشه وكانت ليلة ممطرة وفي الساعة الثامنة غروبية جعل سقف الغرفة يقطر ويسيل فأيقظه أهله لينتقل الى غيرها فقال : ان المطر ينزل من جانب آخر وليس قريبا مني وعند الصبح جاؤوا ليوقظوه فوجدوه قد قبضه اللّه اليه فجهزوه وشيعوه ودفن في مقبرة القديح وذلك يوم 14 ذي القعدة 1387 ه 1967 م.

ص: 221

أحمد خيري بك

المتوفى 1387

الاستاذ احمد خيري بك من علماء مصر ترجم له البحاثة السيد مرتضى الرضوي في كتابه ( مع رجال الفكر في القاهرة ). ولد في الاسكندرية عام 1324 الموافق 1907 م تلقى العلم بالمدارس الحكومية وعلى بعض الاعلام الافاضل. حفظ القرآن وأتم حفظه عام 1352 ه كان عالما بالعلوم الشرعية والحديث ، والفقه وعلم المصطلح والبلاغة واللغة والتأريخ وأصبح حجة فيها. له المام باللغات الحية : العربية والانجليزية والفرنسية والايطالية ، والتركية. وله صلات كثيرة مع جميع العلماء الاعلام في مختلف البلاد الاسلامية نظم في أهل البيت والامام الحسين علیه السلام وقصيدته التي طبعت بمطبعة السعادة وأولها يخاطب الحسين علیه السلام .

بجاهك يدنو الخير والخوف يبعد *** وبابك للمكروب كهف ومقصد

وله مجموعة من المدائح الحسينية مطبوعة رأيتها في مكتبة الامام أمير المؤمنين بالنجف تسلسل 449 - 40.

توفي يوم الثلاثاء 6 رجب ودفن يوم الاربعاء 7 رجب عام 1387 ه الموافق 12 - 10 - 1967 م ودفن في روضته في حديقته بجوار منزله تغمده اللّه برحماته. وصفه السيد الرضوي بالعالم الجليل

ص: 222

والمحقق الخبير والمؤلف البارع والشاعر العبقري ، يوالي أهل البيت ويقدسهم وقال : زرته في روضته بدعوة منه فقابلني باللطف والبشاشة ثم تلا الوانا من شعره وخصوصا شعره في أهل البيت علیهم السلام ثم صنع لنا مأدبة مفصلة فتناولنا الطعام معه في داره العامرة بالروضة وكان طعاما كثيرا طيبا. وعصرا توجهنا بمعيته الى مكتبته العامرة في تلك الروضة وكانت تزيد على سبعة وعشرين الف مجلد ، وأطلعنا على نفائس المخطوطات والكتب التي كانت بخطه كما أن فضيلته اطلعنا على بعض الآثار والنوادر التي كانت تضمها المكتبة وبالوقت أهداني مجموعة من مؤلفاته وآثاره وقصائده كما أني اهديت له مجموعة من منشوراتنا.

ص: 223

الشيخ محمد طه الحويزي

اشارة

المتوفى 1388

اثرها تخف بفرسانها *** تدك الربى فوق غيطانها

وقدها عتاقا بآدابها *** تصرفها لا بأرسانها

تكاد اذا ما ارتمت بالكماة *** تنسل من بين سيقانها

وتغدو تسابق من عجبها *** ظلال القنا بين آذانها

وتشأو بها الريح مجدولة *** كأنها عزائم فرسانها

ويرمي بها النصر بيض الجباه *** بين الجبال لعقبانها

تزف الى حلبات الوغى *** زفيف الصقور لاوكانها

وتسطو بصيد اذا هاجها *** ندى اسرجتها بقمصانها

كماة تكاد تشيم السيوف *** بأجفانها لا بأجفانها

هلم بنا يا ابن ثاوي الطفوف *** وسل من قضى فوق كثبانها

ومن وسدته تريب الجبين *** من شيب فهر وشبانها

ألست المعد لاخذ الترات *** وأخذ العداة بعدوانها

فحتام تغفي وكم تشتكي *** اليك الظبى فرط هجرانها

اصبرا نويت بلى ام طويت *** حشاك وحاشا بسلوانها

وهذي الشريعة تشكو اليك *** عداها وتشريع اديانها

فبادر اغاثتها فهي قد *** دعت منك محكم فرقانها

وصن حوزة الحق فالمبطلون *** تبانوا على هدم بنيانها

وحط دوحة الدين فالملحدون *** تنادوا على جذ اغصانها

ص: 224

رموها بمعطش اعراقها *** فجد بدماهم لعطشانها

لتصلح من شأنها بالحسام *** اصلاح جدك من شانها

غداة ابن أم الردى أمها *** يزجي الجياد بخلصانها

بكل شديد القوى لم يزل *** يقاسي الطوى حب لقيانها

طليق المحيا كأن القنا *** سقته الحميا بخرصانها

تتيه المذاكي بها في الوغى *** وتطفي المواضي بأيمانها

لقد أرخصت للهدى انفسا *** سوى اللّه يعيى بأثمانها

وقد أذعنت للردى خوف أن *** يفوز ابن هند باذغانها

وشدت حبى الحرب كي لا تحل *** حرب حباها بسلطانها

وغالت بنصر ابن بنت النبي *** غلو الجفون بأنسانها

درت انه خير أو طارها *** فباعت به خير أوطانها

نضتها عزائم لو افرغت *** سيوفا لقدت بأجفانها

فجادت بأرواحها دونه *** وظلت تقيه بأبدانها

تحي العوالي كأن قد حلى *** بأكبادها طعن مرانها

وتبدي ابتساما لبيض الظبى *** كان الظبى بعض ضيفانها

وزانت سماء الوغى سمرها *** بشهب رجوما لشيطانها

وأبدت اهلة اعيادها *** بنصر الهدى بيض ايمانها

وراحت تلي حينها في الوغى *** كنشوى تلي الراح في حانها

فمالت نشاوى بسكر الردى *** تخال الظبى بعض ندمانها

وغادرت السبط لا عذرة *** مروع الحمى بعد فقدانها

فعاد يقاسي الاعادي بلا *** ظهير له بين ظهرانها

يشد على جمعها مفردا *** بماضي المضارب ظمآنها

ويسقي صحيفته عزمه *** فيمحو صحيفة ميدانها

اذا هي صلت على هامها *** تخر سجودا لاذقانها

فيحظى الغرار بأوغادها *** ويحظى الفرار بشجعانها

ويخطف ابصارها برقه *** ويرمي بها اثر الوانها

تكاد من الرعب أرواحها *** تروع الجسوم بهجرانها

ولو لم يرد قربه ربه *** لاردى الاعادي بأضغانها

ولكن قضى ان يرى ابن البتول *** ثار ابن هند واخدانها

فأمسى وياتيه حرب على *** نزار فريسة ذؤبانها

ص: 225

فأشفت به ظغن طاغوتها *** ونالت به ثار اوثانها

بنفسي صريعا نضت نفسه *** للبس العلى ثوب جثمانها

بكته السماء ولو خيرت *** به لافتدته بسكّانها

يوى بين صرعى برغم العلى *** ثوت بعد تشييد اركانها

فأمست وقد غسلتها الدماء *** تولى الصبا نسج أكفانها

فباتت تقيها حطيم القنا *** على قفره بأس سرحانها

لقى فوق جرعائها قد أبت *** لهم أن يروا تحت كثبانها

وهل كيف اسرار رب السماء *** ثرى الارض يحظى بكتمانها

سل الطف عنها فمنها به *** فجائع يشجى بتبيانها

فكم من حشا غادرتها القنا *** على الطف نهلة ظمآنها

وكم من جبين جلته الظبى *** فالقته قبسة عجلانها

وكم من فتاة دهتها العدى *** ففرت تعج بفتيانها

تبدت حواسر تعدو الى *** كريم النقيبة غيرانها

فوافته تكبو بأذيالها *** وتكسو الوجوه بأردانها

وألفته في صرعة *** البرايا سواه بأحزانها

جريح الجوارح غير القرى *** قتيل العدى غير اقرانها

كأن الظبى وهي تهفو عليه *** نار أطافت بقربانها

فأهوت عليه واحشاؤها *** كأبياتها نهب نيرانها

تصعد أنفاسها والحشا *** تصوب دموعا باجفانها

وتشرق طورا بأشجانها *** وطورا تلضى بأشجانها

وتحثو التراب على أرؤس *** ثواكل أمست بتيجانها

لحمل الفواطم عجف السرى *** بأكوارها لا بأضعانها

تساق صوارخ ما بينها *** تغني الحداة بألحانها

الشيخ محمد طه الحويزي

المتولد سنة 1317 ه والمتوفى سنة 1388 ه في النجف الاشرف عشية الخميس سادس محرم الحرام ، دفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم التي اقتطعت من دارهم بمحلة العمارة بالنجف وفي مجلة الاعتدال ان ولادته بالنجف حوالي سنة 1320 وهو من اسرة عريقة بالعروبة وسلالة متخصصة بالعلم والادب وممتازة

ص: 226

بالتقوى والصلاح. ترعرع في كنف أبيه الشيخ نصر اللّه الحويزي مضرب المثل في التقوى وعلو النفس ، فأحسن الاب تربية نجله الوحيد الذي كان يتوسم فيه النبوغ والنجابة والعبقرية الفياضة فقام بنفسه على تثقيفه واعداد مواهبه فأقرأه القرآن وعلمه قواعد الخط وأصول الاملاء وغرس في نفسه حب الفضيلة ثم درسه كثيرا من النحو والصرف والفقه.

تدرج على هذا المنوال وظهر بمظهر الاستاذ الذي تلتف حوله حلقات المبتدئين وجماعات المتعلمين يدرسهم باتقان ومهارة. بدأ هذا النجم يتألق في سماء العلم والادب وتفتحت قريحته الوقادة في صفحات الكون وهذه رائعته ( اشعاع النفس ) تدل على فلسفته وعبقريته وكل شعره على هذا المنوال ، وقد حباه اللّه جمال الخلقة والاخلاق وصباحة الوجه وطلاقة اللسان.

تخرج على مشاهير علماء عصره فقد قرأ جملة من كتب الاصول على العلامة الكبير الشيخ عبد الرسول الجواهري كما قرأ الفقه عليه وحضر في الحكمة والفلسفة على الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني وكان من خواصه والمقربين عنده. سافر ومكث أعواما في ( الحويزة ) فكان فيها الزعيم المطاع والعالم المسموع الكلمة ويحسب في عداد ملاكيها وأعيان أهل العلم فيها ثم رجع للنجف بحلة التقوى والصلاح ، ثم كثر عليه الطلب بالعودة للحويزة فعاد اليها حتى وافاه الاجل فيها. كانت وفاته عشية الخميس سادس محرم ودفن يوم الجمعة سابع محرم في مقبرتهم الخاصة بهم وقد نعته دار الاذاعة في الاهواز ودار الاذاعة في بغداد وعقدت مجالس التعزية على روحه الطاهرة في سائر البلدان الاسلامية ولا يفوتنا أن نذكر انشودة الهيئة العلمية في النجف وهي تحف بالجثمان :

يا فقيدا فجع الدين به *** واكتست أندية العلم حداد

رفعوا التقوى على جثمانه *** وطووا في النعش أعلام الرشاد

ص: 227

اشعاع النفس

اشارة

بربك أرشفني ولو رشفة صرفا *** لتوسعني سكرا فأوسعها وصفا

الم تدر ان الراح روح لطيفة *** اذا امتزجت بالقلب زاد بها لطفا

فلا تخف في خبث العناصر لطفها *** فها هي كادت من لطافتها تخفى

وهب أنها تصفي المزاج بمزجها *** أليس بها صرفا يبيت الحجى أصفى

يقولون لي امزج قد ضعفت وما دروا *** تضاعف عقلي مذ وهى جسدي ضعفا

مررت عليها وهي قطف بكرمها *** فكدت حذار المزج اشربها قطفا

وما الخمر صرفا غير مارج جذوة *** اذا صهرت روح به تبرها شفا

فلست أرى الساقي ظريفا كما ترى *** اذا لم يغادرني لصهبائه ظرفا

ولست أراه للنديم كما ترى *** وفيا اذا لم يسقني كأسه الاوفى

فليت فمي وقف بيمنى مديرها *** كما لم يزل عقلي على كأسها وقفا

فمن صرفها املأ لي صحافا وأروني *** تجدني لكم أروي بتوصيفها صحفا

فما هي الا قوة ان تكهربت *** قواي بها زادت أشعتها ضعفا

تجلت على حسي فوحدت خمسه *** وفي كل حس صرت قوته صرفا

فكم غادرتني مذ ترشفتها فما *** ومذ أشرقت عينا ومذ طبقت أنفا

فأبصرتها من كل وجه وذقتها *** فأصبحت لم يفضل أمامي بها الخلفا

وتحسبها في الكأس ماء وان جرت *** بقلبي ذكت نارا أضاءت له الكهفا

فكم احرقت للغيب سجفا وأظهرت *** حقائق غرا دونها ظاهر السجفا

تجلى على طور الطبيعة نورها *** فدكته واستقصت جراثيمه نسفا

ص: 228

فالقيت أطمار العناصر لابسا *** لجلوتها من وشي سندسها شفا

هنالك فاسألني عن السر تلفني *** نبيا حفيا يعلم السر أو أخفى

ولا تتهم خبري بسكري فذوا الحجى *** اذا ما انتشى صاح ويقظان ان أغفى

فما سكرتي الا ابتهاجي بفكرتي *** وما فكرتي الا مشاهدتي الالفا

وان حجبت عني الطبيعة غرة *** من العلم سامت سكرتي حجبها لفا

واني لاستشفي بسكري اذا على *** شفا جرف صحو الصحاة بهم أشفى

وليس كما ظن الغبي نديها *** بمنتزه للشرب بل هو مستشفى

فيا صاح عش بالسكر فالسكر صحة *** وما الصحو الا علة تنشئ الحتفا

فمن يصح لم يستوف لذة عيشه *** بلى من توفته الطلى فقد استوفى

هلم معي واشرب بكأسي تجد بها *** حياة ترى هذي الحياة لها منفى

تجد نشأة ضاءت وضاعت بقدسها *** وما استصبحت شمسا ولا استصحبت عرفا

تجد نشأة لا يعوز العلم أهلها *** وما زاولوا فيه خلافا ولا خلفا

تجد نشأة الغى القوى الخمس أهلها *** رأو ووعوا لا سمع اصغوا ولا طرفا

تجد نشأة ليست تحيط بوصفها *** لغات الورى طرا وان مازجت ظرفا

وهل يدرك الكمه الجمال بوصفه *** بلى ان قضوا سكرا رأوا ما وعوا وصفا

ويا راكبي البحر اتقوه فقد طغى *** هلموا اركبوا كأسي معي تبلغوا المرفا

ركبتم وتيار الطبيعة هائج *** زوارق انقاضا نواتيها ضعفى

فما فلك نوح غير كأسي وما ابنه *** سوى من بغى مأوى سواها فما ألفى

ويا سائلي المريخ عن حال أهله *** بألسنة البرق التي أفصحت خطفا

ارى البرق غيظا قد ورى مذ رآك قد *** سئلت وأحفيت الذي بك لا يحفى

هلموا الى كأسي فكاسي مجهر *** يريكم من المريخ ما دق واستخفى

ومن لم يجد في مجهر عدسية *** زجاجة كاسي لا يحاول به كشفا

ويا من بمنطاد القذائف ازمعوا *** الى القمر المسرى فطارت بهم قذفا

أراكم سلكتم للمنى غير طرقها *** فحتى المنى نادت على القوم والهفا

ولو سلكوا سبلي الى القمر ارتقوا *** بمنطاد كاسي واتقوا ذلك العسفا

ص: 229

فهلا اقتفوا اثري فآبوا برحلة *** وخارطة كلتاهما أثر يقفى

ويا من بشهب الكهربا رجموا الدجى *** فباتت تسر الجن حولهم العزفا

وزانت عروس الارض من كهربائهم *** عقود لآل مذ كساها الدجى وحفا

وباتت لها ترنو السماء فتعتري *** اترنو الى المرآة أم ضرة ذلفا

فما النور ما يجلو عن البصر الدجى *** بل النورما ينضي عن البصر السجفا

ولو اترعوا من زيت كأسي كؤوسهم *** لعادت مصابيحا تضيء ولا تطفى

ولو بسناه استصحبوا لتصفحوا *** عليه كتاب الافق حرفا يلي حرفا

وكم من كتاب للطبيعة اهملوا *** مغازيه واستطرفوا الخط والغلفا

ويا محضري الارواح من رقداتها *** ومستنطقيها ليس يعفى من استعفى

حنانا بها لا تفزعوها فانها *** لتحسبكم تلك الزبانية الغلفا

فان تك شاقتكم فمن كأسي اشربوا *** تروا وتناجوا ذا الهوان وذا الزلفى

تروا تلكم الارواح كيف تناقلت *** كساها فكل في قبا غيره التفا

تروا تلكم الاخلاق كيف تكونت *** جزاءا وفاقا انصف الشهم والجلفا

تروا صور الاعمال كيف تنكرت *** فعرف بدا نكرا ونكر بدا عرفا

تروا كيف أسرار القلوب تصورت *** على مهجة زغفا وفي مهجة رضفا

تروا نية الانسان كيف تأولت *** فأخفت لما أبدى وأبدت لما أخفى

تروا نية الانسان كيف تدينه *** به وهو لا يستطيع نصرا ولا صرفا

تروا نية الانسان كيف تدينه *** ولم تتقبل منه عدلا ولا صرفا

وللشيخ محمد طه الحويزي :

خليلي هذي كربلاء وهذه *** قبور بني الزهراء فيها قفا نبكي

هلما نذيب الدمع مع ذائب الحشا *** ونسقي به بوغاء هيلت على النسك

ألا فاذكرا ما حل فيها وما جرى *** على عصبة التوحيد من عصبة الشرك

وقال :

بآل أحمد ارجو نيل أمنيتي *** بحيث لا مرتجى يرجى سوى الباري

هم عدتي وعديدي والولاء لهم *** كنز به افتدي نفسي من الباري

ص: 230

الشيخ حسين الحولاوي

المتوفى 1388

بوركت يا شعبان في الشهور *** فيك تجلى نور وادي الطور

يا ثالث الايام من شعبان *** ابشر لقد نلت عظيم الشان

عم السرور فيه بيت المصطفى *** اتحفهم رب العلى ما أتحفا

فلتهن فاطم بما قد ولدت *** فانها روح الوجود أوجدت

مولده ازدانت به الافلاك *** واستبشرت بنوره الاملاك

وزينت لاجله الجنان *** وأطفئت لنوره النيران

العالم الجليل والموجه الديني الشيخ حسين نجل العلامة الكبير الشيخ مشكور الحولاوي النجفي كان شخصية لامعة وقدوة في الاخلاق والورع والديانة ما طلع عليه الفجر وهو نائم وما ارتفع صوته طيلة حياته ولا قهقه في ضحكه مدة عمره يبدو عليه الجلال والوقار ، وحديثه كاللؤلؤ المنظوم وكله ارشاد ونصائح وكانت سيرة أبيه الحجة الشيخ مشكور على نموذج عال من التقوى والفتى سر ابيه.

ولد الشيخ حسين في شهر رجب سنة 1313 ه في النجف الاشرف ونشأ في حجر العلم والتقى ودرس العلوم العربية والمنطق وشرع في

ص: 231

الاصول وهو ابن ثلاث عشرة سنة ودرس على المرحوم آية اللّه السيد عبد الهادي الشيرازي ( كفاية الاصول ) كما درس كتاب ( الرياض ) و ( المكاسب ) وفرغ من السطوح وحضر بحث الشيخ ضياء العراقي في الفقه والاصول ، وكان جده العالم الباحث الشيخ محمد جواد الحولاوي يتعاهده ويختبر معلوماته وسير دراسته واشتغل بالتدريس برهة من الزمن وذلك في حياة ابيه المقدس واستقل باقامة امامة الصلاة بتاريخ 1353 ه لمدة 35 سنة يقيم امامة الجماعة صبحا وظهرا ومغربا وهومحل ثقة الجماهير واطمئنان الطبقات المؤمنة مضافا الى دروسه وتدريسه فكتب تعليقة على المكاسب كما كتب تقرير بحث الشيخ اغا ضياء وتعليقة على العروة الوثقى للمرحوم السيد محمد كاظم اليزدي وكتب رسالة في حديث : من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة ونظم ارجوزة في الزكاة وارجوزة في ميلاد النبي صلی اللّه علیه و آله وأرجوزة في الصديقة فاطمة الزهراء والامام أمير المؤمنين والحسن والحسين والائمة من أهل البيت صلوات اللّه عليهم أما أرجوزته في حادثة كربلاء فهي أوسع أراجيزه وكان يعقد مجلسا في داره عندما تمر ذكرى أحد المعصومين ونجتمع من سائر الطبقات ممن يرتاحون الى سماع أرجوزته بهذه المناسبة اذ كان يتحرى نظم الصحيح من سيرته وكان له دور مهم في الثورة العراقية بل في كل الامور الدينية ، فان ذلك الشخص الهادئ الوادع تراه كالاسد الهصور عندما يمس تراث محمد صلی اللّه علیه و آله فيغضب غضبة الاسد الهصور فلا يصبر على التهاون بالدين والتسامح في الشرع المبين ولقد دعى جماعة من كبار العلماء الى مقاطعة الذين يتزيون بزي العلماء الروحانيين ويتلبسون بلباسهم وليس منهم وقام بعقد مجلس خاص اسبوعي للتذاكر في واجبات العلماء ومن هذا المجلس انبثقت فكرة تفسير القرآن فقام المجتهد الكبير الشيخ محمد جواد البلاغي بتأليف ( آلاء الرحمن في تفسير القرآن ) وفكرة ( جماعة العلماء ).

ودع الحياة في السابع من ربيع الاول سنة 1388 ه وهو في ال 75

ص: 232

من العمر فكان يوما مشهودا في النجف وزحفت الناس أفواجا لتشييعه ودفن بمقبرة جده في الصحن الشريف وقد أرخت وفاته.

أودى حسين فنعاه الهدى *** والعلم يذري مدمعا صيبا

وحينما ألحد في قبره *** أرخت عن محرابه غيبا

ص: 233

محمد الخليلي

المتوفى 1388

ان كنت تحزن لادكار قتيل *** فاحزن لذكرى مسلم بن عقيل

واجزع لنازلة بخير مفضل *** أبكى عيون الفضل والتنزيل

واندب قتيلا ما انجلى ليلى الوغى *** أبدا له عن مشبه وبديل

هو ليث غالب مسلم من أسلمت *** مهج العدى لفرنده المصقول

شهم تحدر من سلالة هاشم *** خير البيوت على وخير قبيل

متفرعا من دوحة مضرية *** تنمى لاصل في الفخار أصيل

* * *

أم العراق مبلغا برسالة *** أكرم بمرسله وبالمرسول

وأتى الى كوفان ينقذ أمة *** طلبت اغاثتهم على تعجيل

فاكتض مسجدها بهم وعلت به *** أصواتهم بالحمد والتهليل

وتقاطروا مثل الفراش تهافتا *** طلبا لبيعته على التنزيل

يفدونه بنفيسهم والنفس لا *** يبغون دون رضاه أي بديل

باتوا وبات مؤملا للنصر من *** أشياخهم يا خيبة المأمول

لكنهم ما أصبحوا حتى غدا *** في مصرهم لا يهتدي لسبيل

خذلوه اذ عدلوا الى ابن سمية *** واستبدلوا الارشاد بالتضليل

وتجمعوا لقتاله من بعدما *** عرفوه للارشاد خير دليل

وأتوه منفردا بمنزل طوعة *** وقلوبهم تغلي بنار ذحول

فغدا يفرق جمعهم ويفرق الابطال *** في عزم له مسلول

يلقى الكماء بعزمة مضرية *** اجمالها يغني عن التفصيل

ص: 234

ان صال أرجعهم على اعقابهم *** في بطش ليث في الزحام صؤول

حتى اذا كض الظما أحشاءه *** وغدت دماه تسيل كل مسيل

وافوه غدرا بالامان وخدعة *** منهم فلم يخضع خضوع ذليل

لكنهم حفروا الحفيرة غيلة *** فهوى بها كالليث جنب الغيل

وأتوا به قصر الامارة مثخنا *** بجراحه ومقيدا بكبول

فغدا يقارعه الزنيم عداوة *** ويغيظه سبا بأقبح قيل

ودعا ابن حمران به ولسانه *** لهج بذكر اللّه والتهليل

فأبان رأسا كان يرفعه الابا *** عن جسم خير مزمل مقتول

ورماه من أعلى البناء الى الثرى *** كالطود اذ يهوي لبطن رمول

فقضى شهيدا في مواطن غربة *** متضرجا بنجيعه المطلول

الاستاذ محمد الخليلي ابن الشيخ صادق بن الباقر بن الخليل الطبيب ولد في النجف سن 1318 ونشأ فيها في حجر والده فغذاه بروح الاخلاق ، درس المقدمات من النحو والصرف والمعاني والبيان والادب على أفاضل عصره ثم دخل المدرسة الاهلية العلوية حتى حصل على شهادة الصف الثالث الاعدادي المعادل للصف الخامس الثانوي - اليوم - ثم درس الطب على والده وتخرج على يده ثم سافر الى بغداد فحضر في الطب على بعض الدكاترة الشهيرين هناك كالدكتور عبد الرحمن المقيد وغيره لمدة سنتين ثم على الدكتور الايراني المعروف ب ( وثوق الحكماء ) خريج باريس وحضر قليلا على الطبيب المعروف بمسيح الاطباء في النجف حتى برع في الطب ففتح عيادته أولا بالكوفة لمدة عشر سنين ثم رجع للنجف بعد وفاة والده فكانت عيادته تغص بالمراجعين والذي حببه للناس حسن أخلاقه ولين جانبه وعذوبة لسانه. انتهى ما كتبه عنه الكاتب محبوبة في ماضي النجف. وفي عقيدتي ان الميرزا محمد هو اديب أكثر منه طبيب فهو شاعر ناثر ، اريحي الطبع خفيف الروح لطيف العبارة حاضر النكتة ذو فهم وذكاء اذا نظم أجاد واذا كتب أفاد ، له مطارحات ومساجلات مع الادباء وتشهد له جريدة الهاتف ، فقد كتب الاستاذ جعفر الخليلي سلمه اللّه ( عندما كنت قاضيا ) وجاء المترجم له فنظم ذلك في

ص: 235

أرجوزة في مطولة أبدع في التصوير وأجاد في التعبير ، ومن مؤلفاته ( معجم أدباء الاطباء ) طبع منه جزءان ، وله رسالة طب الصادق علیه السلام ودليل الطبيب في الطب وكتاب في الصحة وكتاب أوصاف الاشراف مترجم عن الاصل الفارسي للحكيم الفيلسوف الخواجة نصير الدين الطوسي رحمه اللّه وكتاب المغريات العشر في العادات الذميمة وكتاب الانسان والمدنية مترجم ومنظومة في الطب اليوناني.

وافاه الاجل في النجف يوم السبت 8 - 6 - 1968 المصادف 1388 له ديوان مخطوط فيه ألوان من الشعر ومختلف فنونه وفيه قصيدة في ابي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين واخرى في علي الاكبر ابن الحسين علیه السلام .

ص: 236

الشيخ كاتب الطريحي

المتوفى 1388

صبا للحمى والخيف قلبي المعذب *** فها أنا في جمر الغضا اتقلب

فكم لامني فيمن هويت عواذلي *** فقلت دعوني فالهوى لي مذهب

ألا لا تلوموا من تعلق قلبه *** بمن قد هوى فالحب للعقل يسلب

غداة بسفح الخيف بت وللاسى *** بقلبي نيران الجوى تتلهب

فيا ليلة قد بت فيها ولم أجد *** مجيبا سوى دمع على الخد يسكب

تعلمت الورق البكا من صبابتي *** فباتت تنوح الليل مثلي وتنحب

فبتنا كلانا دأبنا النوح والاسى *** سوى أنها للالف تبكي وتندب

وان بكائي للذي سار ضحوة *** بأقمار تم في ثرى الطف غيبوا

غداة أتى ارض العراق بصفوة *** عليها من الحرب المثارة مضرب

وأخرى وقد خانته غدرا واقبلت *** تجر جموعا بالهداية تنصب

فجال بها في غلمة أي غلمة *** اسود وغى بالكر تطفو وترسب

الى أن قضوا دون ابن احمد ضحوة *** على عطش منهم وبالارض تربوا

وأصبح في جمع العدى فرد دهره *** فريدا ومنه القلب بالوجد يلهب

بموقفه أحيا مواقف حيدر *** بيوم به الامثال للحشر تضرب

ومذ شاقه الرحمن خر لوجهه *** صريعا على البوغاء وهو مخضب

فيا عجبا للارض لما تزلزلت *** وصدر حسين فوقه الشمر يركب

وشيل على العسال منه كريمه *** وقد كان يتلو الذكر فيهم ويخطب

ونسوته سيرن اسرى بلا حمى *** سبايا كسبي الروم والزنج تجلب (1)

ص: 237


1- مجلة العدل النجفية - السنة السابعة.

الشيخ كاتب ابن الشيخ راضي بن علي بن محمد بن حسين الطريحي المنتهي نسبه الى حبيب بن مظاهر الاسدي قائد ميسرة الامام الحسين في معركة كربلاء وأفضل الانصار الذين قال فيهم الشاعر الكواز :

هم خير أنصار براهم ربهم *** للدين أول عالم التكوين

ولد الشيخ كاتب في النجف الاشرف صباح الجمعة 26 ذي الحجة 1305 ه ونشأ نشأة عالية وتطبع بالجو الروحي والدراسة الدينية الاخلاقية أخذ الاصول على الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الاصفهاني والفقه على الشيخ احمد كاشف الغطاء واختلف على السيد باقر الهندي فدرس عليه علم العروض كما لازم شيخ الادب الشيخ محمد جواد الشبيبي وحضر مجالسه الادبية ونوادره الفكاهية وشذراته الشعرية شارك في الثورة العراقية فصحب شيخ الشريعة والسيد الكاشاني في جبهتي القورنة والكوت ولا زال يقص على رواد مجلسه من وثائق الثورة وروائعها. له عدة بحوث وتعليقات في النحو والصرف والفقه وحاشية على المنطق له ديوان شعر أكثره في أهل البيت علیهم السلام .

توفي لية السبت 21 جمادى الاولى سنة 1388 ه وشيع جثمانه صباح السبت الى مثواه الاخير في النجف ودفن بمقبرته الخاصة تغمده اللّه برحمته وأقيم له حفل تأبيني ضخم بالكوفة لمرور اربعين يوما على وفاته وذلك في 4 رجب 1388 والمصادف 27 أيلول 1968 تبارى فيه الخطباء والشعراء حيث كان من أبرز رجال القلم في مدينة الكوفة.

ص: 238

السيد محمد علي الغريفي

اشارة

المتوفى 1388

قال يرثي أبا الفضل العباس :

من كالزكي أبي الفضل الذي ملكت *** ماء الفرات يداه حينما اندفعا

ولم يذق برد طعم الماء حين رأى *** عنه ابن بنت رسول اللّه قد منعا

قيل ابن مامة قلت اخسأ فذاك أما *** لو أدرك الماء لم يتركه بل كرعا

ابكيه حين رأى فردا أخاه ومن *** فرط الظما أصبحت احشاؤه قطعا

وكل طفل به قد راح من ظمأ *** يصيح واللون منه عاد ممتنعا

مناظر الهبت احشاءه وغدى *** لهولها منه ركن الصبر منصرعا

فاستل مخذمه وانصاع يرفل في *** ثوب الحديد ومنه القلب ما هلعا

يستقبل القوم فردا لا يهاب وفي *** ماضيه للعيش ما أبقى لهم طمعا

أفناهم بشبا الهندي فانقشعوا *** عنه وعاد له الميدان متسعا

سقاهم الموت قسرا حينما حسبوا *** ان الفرات عليه بات ممتنعا

عليهم هو مهما شد خلتهم *** مثل الحمام عليها الصقر قد وقعا

مهما ادلهمت خطوب الحرب كان ابو *** الفضل السميدع بدرا في الوغى سطعا

بسيفه ملك الماء الفرات وكم *** من الرؤوس على شطآنه قطعا

وراح يغرف في كفيه بارده *** وقلبه لاخيه السبط قد خشعا

هيهات ما ذاق منه قطرة ورأى *** أمامه عطش المظلوم فامتنعا

وراح يحمل للاطفال قربته *** كالليث في حمل أعباء الوغى اضطلعا

أفنى الطغاة وكم أبقى بمخذمه *** منهم جليدا على البوغاء قد طبعا

افناهم بشبا عضب له ذكر *** من عزمه لفناء الصيد قد طبعا

لولا القضاء لافناهم ولابن ابي *** سفيان لم تلق منهم واحدا رجعا

ص: 239

ابكيه حيران مقطوع اليدين بلا *** جرم سوى انه بالحق قد صدعا

والسهم بالعين قد أوهى عزيمته *** وللثرى من عمود البغي قد ركعا

وراح يهتف بابن المصطفى ولها *** ادرك أخاك فكأس الموت قد جرعا

فجاءه السبط كالطير الذي انكسرت *** منه الجناحان لا يقوى اذا ارتفعا

يصيح قد طال منى يا اخي جزعي *** وكنت قبلك لما اعرف الجزعا

أطلت مني اذا لاح الدجى سهري *** لكن عدوي وقد فارقتني هجعا

أخي من لبنات المصطفى وبمن *** يلذن بعدك اذ داعي الحفاظ دعا

من لليتامى ومن للارملات اذا *** أصبحن نهبا لمن في النهب قد طمعا

كسرت ظهري وجذت مذ قضيت يدي *** وكنت درعا به لا زلت مدرعا

ما كنت أحسب ترضى بالنعيم ولي *** دارت خطوب وناعي البين في نعا

فاذهب سعيدا لجنات الخلود فلا *** اقول الا هنيئا دائما ولعا

ص: 240

السيد محمد علي الغريفي :

السيد محمد علي ابن السيد عدنان ابن السيد شبر الخ. ولد في سنة 1329 ه ودرس مقدمات العلوم لدى أخيه الاكبر العلامة السيد علي ثم هاجر الى النجف الاشرف وأتم دراسته فيها بحضوره دروس الاعلام والمراجع وبعد وفاة أخيه السيد علي المذكور عاد الى بلد المحمرة وأقام فيها خلفا عن أبيه وأخيه مرجعا دينيا وهاديا مرضيا الى أن وافاه الاجل فيها يوم الخميس السابع من شهر رمضان سنة 1388 ه ونقل جثمانه الطاهر الى النجف الاشرف وشيع ودفن في اليوم الثامن من شهر رمضان وأقام آية اللّه العظمى السيد الحكيم الفاتحة على روحه الطاهرة في مسجد الطوسي وجددتها الهيئة العلمية واقيمت له الفواتح في بلد المحمرة كما أقيم له تأبين في أربعينه ألقي فيه القصائد والخطب وأرخ عام وفاته البحاثة الخطيب السيد علي الهاشمي بقوله من جملة أبيات :

بفقد علي بن عدنانها *** حكت أعين المجد صوب الغمام

فشيعة الفضل في موكب *** وآب به نحو دار السلام

وحل بجنب أبيه الهمام *** لدى جنة الخلد أسمى مقام

وثغر العراق وأبناؤه *** عراها الاسى مذ أتاه الحمام

فنادى مؤرخه ( داعيا *** فتبكي عليا بشهر الصيام )

وأعقب ولدين أحدهما علي والآخر نزار وخلف مؤلفات منها شرح الخطبة الشقشقية كما خلف ديوان شعر رائق فيه عدة قصائد قالها في واقعة الطف فقال في قصيدة رثى بها أبا الفضل العباس (عليه السلام) :

ص: 241

المجد مجدك يا ابن ساقي الكوثر *** والفخر فخرك يا كريم العنصر

بك تفخر الدنيا وكم قد طاولت *** أبناء فهر فيك كل مظفر

قمر بك القمر المنير تلألات *** أنواره وبدى بوجه نير

والفضل يشهد أنه لولاك لم *** يعرف وما في الناس عنه بمخبر

والسيف يلمع في يديك ووقعه *** يوم الوغى كالرعد فوق المغفر

والرمح تنظم فيه كل مدجج *** والشوس بين مجدل ومعفر

لله يومك وهو يوم ما له *** مثل وكم مرت به من أعصر

يوم بوادي الطف كم غنت به *** الاجيال من غاد عليه ومبكر

هيهات ما انساك يوم تزاحفت *** جند الضلال على ابن طه الاطهر

وعليه قد سدوا الفضاء واجلبوا *** للحرب كل مدرع مستنسر

فوقفت كالطود الاشم مشمرا *** عن ساعديك وكنت غير مذعر

نازلت جمعهم فكم لحسامك ال *** ماضي تصاغر كل ليث قسور

ونثرت بالسيف الصقيل رؤوسهم *** ونظمت اسدهم بصدر الاسمر

فرقت شملهم فكم من هارب *** من حد سيفك في عماه محير

أمطرتهم عند النزال صواعقا *** فتركتهم صرعى بيوم ممطر

اني لاكبر فيك أعظم همة *** دفعتك دوما للمحل الاكبر

ومواقفا لك في الطفوف كريمة *** ومناقبا عظمت وان لم تحصر

وازرت يوم الطف سبط محمد *** بمهند صافي الحديد مجوهر

بك لاذت الفتيات من عمرو العلى *** يهتفن باسمك يا عظيم المحضر

لك تشتكى العطش الشديد وانت *** ذو البأس العظيم مظنة المستنصر

فابت لك النفس الكريمة أن ترى *** عطش الفواطم يا بن ساقي الكوثر

فحملت تقتحم الفرات مزمجرا *** بالسيف تضرب هامة المزمجر

وملكت بالسيف الشريعة وانتحى *** عنها لهول لقاك كل غضنفر

فأبيت شرب الماء وابن محمد *** لهبت حشاشته بحر مسعر

هيهات انت اجل قدرا فالوفا *** لك خصلة موروثة عن حيدر

لكن حملت الماء تضرب دونه *** بالسيف لم تملل ولم تتضجر

قاربت رحلك والطغام تزاحفت *** لك بالسهام وبالظبى والسمهر

لولا المقادر ما استطاع مناضل *** منك الدنو ولم يكن بالمجتري

حسم القضاء يديك لكن بالذي *** جادت يداك على الهدى لم يشعر

أبكيك مقطوع اليدين معفرا *** نفسي الفداء لجسمك المتعفر

ولرأسك المفضوخ والعين التي *** انطفأت بسهم في النضال مقدر

فمشى الحسين اليك يهتف يا اخي *** افقدتني جلدي وحسن تصبري

ص: 242

أأخي ها فانظر بنات محمد *** تبكي عليك بلهفة وتزفر

هتفت وقد عز النصير لشخصك *** الغالي وكان هتافها بتحسر

هذا لواؤك من يقوم بحمله *** بل من سيحفظ بعد فقدك معشري

جلل مصابك يا ابن والدي الذي *** قد هد ركني بل أضاع تبصري

أشمت بي أعداي يا أوفى أخ *** عندي به أقوى ويقوى عسكري

من للحمى من للعقائل اصبحت *** حيرى ومن سيحن للطفل البري

لاخير بعدك في الحياة وقد غدى *** عيشى لفقدك لا هنيء ولا مري

أبقيتني فردا أبا الفضل الذي *** ما كان عني قط بالمتأخر

وسبقتني للخلد فاهنأ بالذي *** أولاك ربك من نعيم أوفر

وقال في رثاء علي الاكبر (عليه السلام)

بذكراك ذا الكون العظيم يعطر *** ومن كل من فوق الثرى انت اكبر

وهيهات ماضاهاك في الدهر فارس *** ويوم اللقا انت الكمي الغضنفر

نمتك الكرام الصيد من آل هاشم *** وعرق فيك الطهر طه وحيدر

وان العلي القدر شبل ابن فاطم *** حسين وما في الناس مثلك قسور

ظفرت بأعلى المجد غير منازع *** بمجدك كم في الكون قد خط مزبر

خليق وخلق كالنبي ومنطق *** بليغ به في الناس لازلت تذكر

وبأس به اشبهت حمزة في الوغى *** وصولة مقدام بها صال جعفر

أخذت باطراف الشجاعة والابا *** وورثك العليا أبوك المظفر

وان انس لا انساك يوم تزاحفت *** جيوش العدى يوم الطفوف تزمجر

وجاءت الى لقيا ابيك جحافل *** كعد الحصى يقتادها متجبر

وتأبى لك النفس الكبيرة ان ترى *** أباك الى الهيجا وحيدا يشمر

مشيت بثغر للكريهة باسم *** ووجه صبوح وهو كالبدر يزهر

وجردت سيفا في غراريه لفنا *** لاعداك يا ابن الطهر قد خط اسطر

وأقدمت للاعداء كالليث مانبا *** حسامك بل ما دونه قام مغفر

وخيل للاعداء ان جاء حيدر *** لابنائه بعد المنية ينصر

فأعلمتهم لكن بصوت محمد *** بأنك من ابنائه حين تفخر

فكم من همام فر من هول سطوة *** وضرب حسام منك للهام ينثر

وكنت متى يممت شطر كتيبة *** تولت ومنها كل ليث مقطر

فلولا الظما والجهد من ثقل لامة *** عليك ونار بين احشاك تسعر

ولولا القضا لم يقربوا منك والقضا *** اذا كان حتما فهو لا يتأخر

فلهفي لبدر قد هوى من سمائه *** ومنه المحيا في التراب يعفر

ولهفي لذاك الغصن أذوى من الظما *** وحر سيوف فتكها لا يقدر

وواحر قلبي للشباب مجدلا *** على جسمه الجرد العتاق تعثر

ص: 243

ووجه يفوق البدر حسنا وروعة *** يخر على حر الثرى وهو احمر

ووالده العطشان يرنو لجسمه *** وقد مزقته البيض فهو مبعثر

هوى فوقه كالطود يهتف صارخا *** بني وهي مني عليك التصبر

بني لقد كنت السواد لناظري *** بمن بعدما فارقتني اليوم انظر

بني على الدنيا العفا ليت أنني *** سبقتك في لقيا الردى فهو أجدر

بني لمن ارجو الحياة وانني *** لاحسبها بالحزن بعدك تزخر

بني بمن أعداي بعدك اتقي *** وبعدك من في النائبات سيحضر

بني ومن للفاطميات بعدنا *** وفيمن يلوذ الطفل وهو مذعر

ومن لعليل كاد من شدة الضنى *** يموت ومما نابه ليس يشعر

أحين ترجيناك ترفع للهدى *** منارا وفي نشر الفضائل تجهر

يحاتفنا فيك الحمام وانني *** وددت بقلبي بعد موتك تقبر

وما لي سوى الصبر الجميل وسيلة *** فكل صبور في المعاد سيؤجر

ص: 244

السيد محمد رضا شرف الدين

المتوفى 1389

أعيني سيلي دما قانيا *** وبكى قتيلا بشط الفرات

فيا غيرة اللّه ذا جسمه *** على الترب والراس فوق القناة

فأين بدور بني غالب *** وأين سمو سهمى النيرات

واين الزمان بهم زاهرا *** وأين أويقاتنا الزاهرات

واين الكماة وأين الحماة *** وأين الاباة واين السراة

هذه أبيات من نظم الشاعر في ( رواية الحسين ) التي نظمها مستعرضا وقعة كربلاء وجهاد الامام الحسين وأصحابه من مبدء نهضته حتى مقتله بأسلوب رصين وخيال عال جذاب وتحتوي الرواية على فصول تمثل وقعة كربلاء وتحتوي على 240 صفحة ، طبعت بمطبعة النجاح - بغداد. وكان لها صدى طيبا في الاوساط الادبية وكان ينشد بعض الفصول منها فتصغي له الادباء وترتاح لهذا الاسلوب الروائي الجميل وعقيدتي انه اول من نظم هذه الوقعة بهذا اللون وتقدمت اليه دور السينما تطلب منه تمثيلها على الشاشة بجميع فصولها.

لا زلت اتصوره ببزته الدينية يرتاد مجالس النجف وأندية العلم وهو في الطليعة من الفضلاء وأذكر قصيدته التي أنشدها يوم الثامن من شهر شوال بمناسبة تهديم قبور ائمة البقيع وهو

ص: 245

من أشد الناس حماسا لهذا الحادث المفزع. ولد السيد محمد رضا ابن الحجة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين في مدينة صور بلبنان في شهر المحرم عام 1327 ه الموافق شباط 1909 ولما ترعرع أحس من أبيه بالرغبة الملحة على الدراسة الدينية فسافر الى النجف وقصر نشاطه على الفقه والاصول ودرس على المشايخ الاعلام كالشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهما وهو يتعاهد ملكته الادبية فنظم أول ما نظم روايته الشهيرة ( الحسين ) وذلك عام 1352 ه وأعقبها بنظم رواية ( قيس ولبنى ) كما عني بنظم تاريخ العرب في ملحمة كبيرة تزيد على 300 بيتا. وفي عام 1353 انتقل الى بغداد فأصدر مجلة ( الديوان ) خرج منها خمسة أعداد ، وفي عام 1939 عين في مجلس الاعيان ملاحظا لديوان الرئاسة وفي عام 1947 نقل الى وزارة الخارجية بوظيفة ملحق صحفي في المفوضية العراقية بدمشق فالتقيت به في دمشق فقال لي اني الزمت نفسي ان انظم كل عام قصيدة بذكرى يوم الغدير أين ما حللت واذا كان لك متسع من الوقت ان تحضر غدا لاستماع قصيدتي. وفي عام 1949 نقل الى المفوضية العراقية بطهران ثم الى المفوضية العراقية بجدة حتى شهر آب من عام 1950 وكان موضع تقدير من كل عارفيه فانه وادع الخلق هادئ الطبع وقور الملامح تنم احاديثه عن عقيدة صحيحة صريحة ويعتز بشخصيته وشرفه ويعرف لنسبه الشريف قيمته الغالية وترجم له الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر طائفة من أشعاره.

اخبرني ولده فضيلة العلامة السيد حيدر شرف الدين أن وفاة والده السيد محمد رضا في العاشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1389 ه رحمه اللّه.

ص: 246

الدكتور مصطفى جواد

المتوفى 1389

جل المصاب مصاب آل محمد *** فاذر الدموع بيومه المتجدد (1)

وابك الكرام الذائدين عن العلى *** والدين بالقول الكريم وباليد

ذكر الزمان مصابهم فاعاده *** تاريخ عز للسمو مؤيد

فالحق لا ينسيه سالف عهده *** والذل لا يبقيه سوط المعتدي

والعدل لا تبليه قلة أهله *** والدين لا يوهيه طعن الملحد

آل الرسول أجل فهات حديثم *** واذكر مصابهم ولا تخشى الردي

جمعوا الفضائل والمكارم والعلى *** والعلم والتقوى لاذكى محتد

ما حرر الاسلام الا سادة *** بذلوا دماءهم له عن مقصد

سنوا لاهل الحق سنة ثورة *** اضحى بها الاسلام مرهوب اليد

مل الحديد من الحديد وعزمهم *** ما مل من نصر لدين محمد

فليقلع الجبناء عن اقوالهم *** ان الجبان كأنه لم يولد

في كل قطر روضة لكرامهم *** بندى المعالي روض ذكراها ندي

رام العدو عفاءها لكنها *** حفظت على رغم العدو بمشهد

في المغرب الاقصى وفي مصر وفي *** هذا العراق وفي بقيع الغرقد

وشهيدهم في كربلاء شهيدهم *** في انهم اهل المقام الاوحد

عطف الصفوف على الصفوف يذيقها *** حتف الحتوف وينثني كالجلمد

ص: 247


1- انشد هذه القصيدة في يوم عاشوراء في الحفل المقام في ساحة الامام الكاظم علیه السلام .

هجمات حيدرة العظيم وقلبه *** اذ صال في صفين أو في المربد

لله يوم الطف يوما فارقا *** بيض الوجوه عن الفريق الاسود

كتب العراق وثيقة استقلاله *** بدم الحسين السيد بن السيد

بيني وبينك يا يزيد قضية *** لا تنتهي وعداوة لم تنفد

أورثت ملكا لم تكن أهلا له *** ووليت دينا ريع منك بمفسد

الدكتور مصطفى جواد ولد ببغداد محلة القشلة ودخل المدرسة الابتدائية في دلتاوة ديالي عام 1915.

في عام 1924 أكمل دراسته في دار المعلمين واخذ ينشر بعض خواطره في جريدة الصراط المستقيم ببغداد وعين معلما في عام 1925.

وفي عام 1939 تخرج في جامعة السوربون بفرنسا عن اطروحة بعنوان ( سياسة الدولة العباسية في آخر عصورها ).

في عام 1956 اصبح استاذا في دار المعلمين العالية ( قسم اللغة العربية ) توثقت صلته بمجلة المجمع العلمي العربي بدمشق وأخذ ينشر بعض آثاره فيها منذ عام 1943 وفي عام 1950 اسهم في تحرير مجلة المجمع العلمي العراقي في اليوم السابع عشر من كانون الاول كانت وفاته سنة 1969.

من مؤلفاته 1 - سيدات البلاط العباسي - طبع في بيروت ، 2 - المباحث اللغوية في العراق - طبع في القاهرة 3 - خارطة بغداد قديما وحديثا بالاشتراك مع احمد سوسة واحمد حامد الصراف 4 - الجامع الكبير في صناعة المنظوم والمنثور حققه بالاشتراك مع الدكتور جميل سعيد 5 - تكملة الاكمال في الاسماء والانساب والالقاب - تحقيق وهو لجمال الدين الصابوني.

نشرت مجلة البيان النجفية في السنة الاولى قصيدته التي ألقاها في الحفلة التأبينية لسيد الشهداء يوم العاشر من المحرم سنة 1365 ه الموافق 26 / كانون الاول 1945 في صحن الامامين الكاظميين علیهماالسلام وأولها.

ألمت بي الذكرى فاوسعتها شكرا *** وأرعيتها قلبي فقلبي بها أدرى

ص: 248

كما نشرت له مجلة ( البيان ) أيضا في سنتها الاولى قصيدته التي ألقاها صباح العاشر من المحرم سنة 1964 م في حفل الامام الحسين (عليه السلام) وأولها :

أبى اللّه أن ينسى مصاب ابن فاطم *** فجاءت تعزي الدين شتى العوالم

قد اختلفت اجيالها غير أنها *** تساوت لدى تأبين فخر الهواشم

ولا يفوتنا ان الدكتور مصطفى جواد من اشهر رجالات العرب في الادب ومعرفة لغة العرب ولا تكاد تفوته شاردة او واردة وقد نشر الكثير من ذلك تحت عنوان ( قل ولا تقل ) واخيرا اصدر في كتاب خاص.

ص: 249

عبد الكريم العلاف

اشارة

المتوفى 1389

أي رزء بكت عليه السماء *** ومصاب قد دام فيه العزاء

ذاك رزء وذاك خطب عظيم *** فقدت ابنها به الزهراء

فقدته بكربلا وهي اليوم *** عليه حزينة ثكلاء

فقدته بالطف يوم أتته *** آل حرب وهم له أعداء

جمعوا رأيهم الى الحرب لما *** لعبت في عقولهم صهباء

قابلوه بأوجه وقلوب *** شأنها الغدر ملؤها البغضاء

والتقتهم من آل هاشم شوس *** حين غصت بخيلها الهيجاء

فتية في الوغى بهم كل ليث *** طلق الوجه واضح وضاء

ملؤا واسع الفضا بزئير *** منه دكت لهولها الارجاء

بذلوا النفس والنفيس بعزم *** فلتلك النفوس نفسي الفداء

وقضوا واجب الدفاع الى أن *** نفذ الحكم فيهم والقضاء

ظهروا أنجما وغابوا بدورا *** بينهم طلعة الحسين ذكاء

ظل ملقى له التراب فراش *** وطريحا له القتام غطاء

يرمق الطرف ما له من معين *** غير أطفاله وهم ضعفاء

وعلي السجاد أضحى عليلا *** ومريضا أعياه ذاك الداء

ان شر الافعال فعل طغاة *** ببني المصطفى البشير أساءوا

ما رعوا ذمة بكشف نقاب *** من نساء قد ضمهن الخباء

نسوة للشام سيقت سبايا *** ومن العار أن تساق النساء

ص: 250

صرخت زينب بصوت وقالت *** ويلكم هكذا يكون الجزاء

فلماذا منعتم الماء عنا *** وأبونا لديه ثم الماء

لهف قلبي على أسود عرين *** ورجال أعضاؤهم أشلاء

لهف قلبي على بنات خدور *** زانهن العفاف ثم الحياء

لهف قلبي على خيام تداعت *** حول استارها اريقت دماء

لهف قلببي على بدور أضاءت *** ثم غابت فطاب فيها الرثاء

بعد رزء الحسين باللّه قل لي *** أي رزء بكت عليه السماء

الشاعر عبد الكريم العلاف

ولد عبد الكريم بن مصطفى العلاف ببغداد سنة 1312 ه 1896 ونشأ في احضان عشيرة العزة بمحلة الفضل بعد أن تعلم القراءة والكتابة درس على العلامة الشيخ عبد الوهاب النائب في جامع الفضل ولازمه ملازمة الظل حتى وفاته ، وآل النائب هم الذين أعانوه على تحمل اعباء الحياة ومواصلة الدراسة. وعندما اندلعت نيران الثورة العراقية الكبرى كان في مقدمة شعرائها ، فقد ألقى القصائد الحماسية في جامع الحيدر خانة مما أدت الى سجنه ، وعين بعد تشكيل الحكومة العراقية كاتبا لمالية الكاظمية ثم تركها وآثر الاشتغال في المهن الحرة حتى أصيب بالشلل فاضطر الى مواصلة الحياة بكتابة العرائض. وبعدها بفترة عينه الاستاذ أحمد حامد الصراف في احدى وظائف الاذاعة ، ولم يمض طويل وقت حتى عاد الى كتابة العرائض ثانية حتى وافاه الاجل بتاريخ 22 - 11 - 1969 المصادف 1389 ه صدرت له عدة كتب هي :

1 - الاغاني والمغنيات.

2 - ايام بغداد.

3 - الطرب عند العرب.

4 - بغداد القديمة.

5 - قيان بغداد في العصر العباسي والعثماني والاخير.

ص: 251

6 - مجموعة الاغاني والمغنيات.

7 - الموال البغدادي.

8 - موجز الاغاني العراقية.

عبد الكريم العلاف شاعر يجيد النظم باللغتين : الفصحى والدارجة وهو مؤلف كتاب ( الطرب عند العرب ) و ( بغداد القديمة ) المطبوع بمطبعة المعارف و ( الموال البغدادي ) وهو صحفي أصدر مجلة باسم ( الفنون ) استمرت عاما كاملا ، وقضى فترة بالاشراف على فرقة الرشيد للفنون الشعبية في مصلحة السينما والمسرح (1).

سألته ( كل شيء ) عن الوقت الذي بدأ فيه ينظم الشعر فقال : كنت مولعا بالشعر الفصيح وبدأت أنظمه قبل اربعين عاما ، ولكني رغبت بأن أنظم الشعر الشعبي لروعته وأسلوبه منذ ثلاثين عاما ، قال : ونظمت أغنية :

يا نبعة الريحان *** حني على الولهان

وكنت طريح الفراش في المستشفى عام 1936 بعد أن دهستني احدى السيارات. ونظمت اغنية : خدري الجاي خدري للمطربة الهوزوز بمناسبة اخرى كما نظمت أغنية :

كلبك صخر جلمود ما حن عليه

غنتها كوكب الشرق أم كلثوم عام 1932 عندما زارت بغداد وقد أعجبت بها على ملأ من الناس في الحفلات التي أقيمت آنذاك تكريما لها. وقال : عندي مؤلفات لم تزل مخطوطة.

وجاء في معجم المؤلفين ج 2 - 310 كوركيس عواد. ما نصه :

ص: 252


1- صحيفة ( كل شيء ) البغدادية بتاريخ 31 آذار 1969 المصادف 12 محرم 1389 ه.

عبد الكريم العلاف ( بغداد 1896 ).

1 - الاغاني والمغنيات : مجموعة أغاني عراقية مصورة - بغداد 1933 و1969.

2 - أيام بغداد ( بغداد 1969 ).

3 - بغداد القديمة ( بغداد 1960 ).

4 - الطرب عند العرب ( بغداد. ط 1 - 1945 ط 2 - 1963.

5 - قيان بغداد في العصر العباسي والعثماني الاخير. بغداد 1969.

6 - مجموعة الاغاني والمغنيات ( 24 حلقة : بغداد 1935 - 1946 ).

7 - الموال البغدادي ( بغداد 1964 ).

8 - موجز الاغاني العراقية ( بغداد 1930 ).

ومما استجيد روايته ما يقول صاحب ( بغداد القديمة ص 143 ما نصه : وفي يوم الاحد 17 جمادى الاولى سنة 1335 يقابلها 11 اذار سنة 1917 جمادى الاولى سنة 1335 يقابلها 11 اذار سنة 1917 فوجئنا بخبر سقوط على أيدي الجيوش الانكليزية فوقع وقوع الصاعقة علينا وبعد ساعات ظهرت طيارات في سماء سامراء ورمت القنابل على المنطقة ومن فزعنا لذنا في ضريحي الامامين علي الهادي والحسن العسكري علیهماالسلام ، وذهبت انا ولذت بمقام الامام المهدي علیه السلام ووقفنا وقلنا والدموع تذرف من عيني :

فقم لها يا امام المسلمين فقد *** آن الاوان وخذ في كفك العلما

واصرخ على الشرك واعلن بالجهاد وقل *** وا أحمداه ترى الغبرا تفيض دما

أقول : وروى لي الشاعر الشهير السيد أحمد الهندي من شعر عبد الكريم العلاف :

بربك يا لواء السبط فيئ *** مقاما ضم أشلاء الحسين

فحامل مجدك العباس أضحى *** على الغبراء مقطوع اليدين

ص: 253

السيد محمود الحبّوبي

المتوفى 1389

شجون يقض لها المضجع *** وهم له العين لا تهجع

وحزن تولاك يا ابن الوصي *** لامر هو الحادث الافظع

أتاك بأن خلافتكم *** تحلى بها الالكع الاكوع

يزيد الغرور يزيد الفجور *** يزيد الخمور وما يتبع

أبى طاعة اللّه والمسلمون *** له من أنامله أطوع

ويجبن عن كل فخر كما *** على كل موبقة يشجع

وأثمن من أنفس المسلمين *** له قدح بالطلى يترع

* * *

فبت تؤرقك الهاجسات *** وما لك في دفعها مطمع

أيلعب بالحكم وغد ولا *** يد بالحسام له تصفع

أأضيع هذا الورى بينهم *** نبيه ، وأنبههم أضيع

فظلت كأنك فوق المهاد *** على كل جارحة مبضع

وبينا تفكر بالمسلمين *** وماذا ابن صخر بهم يصنع

اذا بالرسائل تترى عليك *** كمنهلة المزن اذ تهمع

فرسل تجيء ورسل تعود *** وكتب بأضعافها تشفع

رسائل تطلب منك القدوم *** لمن هم ملبوك مهما دعوا

جنود أبيك وأنصاره *** ومن هضبة الجور قد زعزعوا

ص: 254

وحزب أخيك وأشياعه *** ومن غير نهجك لم يتبعوا

وقد وحدوا رأيهم أن تكون *** اماما عليهم وقد اجمعوا

فلما اعتزمت موافاتهم *** وهم في دياجي الشقا هجع

نصيب سواهم نعيم الحياة *** وحظهم فقرها المدقع

قطيع له الذئب راع ، متى *** يطيب ويهنا له مرتع

وما ان خدعت بايمانهم *** ومن خبر الناس لا يخدع

ولكن ليفهم معنى الحياة *** أناس بأوهامهم قنع

خرجت بظعنك من يثرب *** وسرت تشيعك الادمع

وأسرع نحوك أسيادها *** وأدمعهم منهم أسرع

وقد ودعوك فهل أيقنوا *** بأنهم مجدهم ودعوا

فقمت كما انتفض ابن العرين *** لهم ، أو كما عصفت زعزع

وقلت وقد غمر الحاضرين *** جلالك والشرف الارفع

أمر من الموت أن تذعنوا *** لحكم الطليق وأن تخضعوا

وماذا ستجنون من فعلكم *** اذا حصد المرء ما يزرع

أيغدو ابن ميسون وهو الاذل *** عليكم أميرا ولم تجزعوا

أيستبعد الكلب ليث الشرى *** وبالحوت يحتكم الضفدع

أبى مجد هاشم أن يستكين *** بنوه المغاوير أو يضرعوا

وما أبعد الذل عن مثلهم *** لمن عن مخازيه لا يردع

ومن خير اثاره شرها *** وأفضل أعماله الاشنع

وأشهى من العمر اتلافه *** اذا طاول الارفع الاوضع

وليس الحياة بمحبوبة *** اذا غلب الساعد الاصبع

فلا بد من نهضة لي بها *** بلوغ المرام او المصرع

الحسين في طريقه الى مكة :

ظعنت برهطك تطوي القفار *** وبالنجب أجوازها تقطع

يحلك في مهمه مهمه *** ويدنيك من حاجر لعلع

وحولك من هاشم فتية *** فؤاد المعالي بهم مولع

كستها يد العز برد الجلال *** وأبدع تكوينها المبدع

مصابيح في الافق اشباهها *** بهم كل داجية تصدع

تناقلك البيد حتى غدا *** لركبك في مكة موضع

وريع يزيد فبث العيون *** عليك فما فاتهم مجمع

ص: 255

وأحزن مكة أن ابنها *** الابر على هجرها مزمع

ولما تلاقت وفود الحجيج *** ومن كل فج أتت تهرع

شرعت بسيرك نحو العراق *** وخصمك في كيده يشرع

وجئت الطفوف فجاءتك من *** جهات العراق العدى تسرع

رعيل يجد بأثر الرعيل *** وجيش خطى مثله يتبع

وقفت تحذرهم فعلهم *** وتأبى غوايتهم أن يعوا

ومذ أخفق القصد في وعظهم *** وعاد سوى السيف لا ينفع

تقدم للحرب ابناؤها *** ومن بأسهم ليلها يسطع

ليوث وغى ان يحم البلاء *** بهم كل نازلة تدفع

تحامي كماة العدى قربهم *** كما يتقى الجانب المسبع

وخاضوا غمار الردى ، والظبى *** تسل ، وسمر القنا تشرع

فخروا لوجه الثرى بعدما *** تضعضع هولا وما ضعضعوا

وماتوا كراما أريج الثناء *** لهم من أريج الكبا أضوع

رضيع الحسين :

وطفلك أعزز على أمه *** وقد عاد من دمه يرضع

سقته المدامع لو لم يكن *** من الرعب قد جمد المدمع

أتتك به كي تروي حشاه *** وغيرك ليس لها مفزع

وهب انكم قد أخذتم بما *** جنيتم ، فماذا جنى الرضع

وبعدما يصف حملات الحسين (عليه السلام) الى مصرعه يختم الملحمة بقوله :

كفى ان ذكراك يا ابن النبي *** بها كل قلب لنا موجع

ستبقى مخلدة ما دعا *** فم في الورى أو وعى مسمع

وان سهام رزاياكم *** بكل فؤاد لها موقع

أيفزع منها الحشا سلوة *** وقد ضاق فيها الفضا الاوسع

وما جل يومك لو أننا *** بمثل حوادثه نفجع

محمود ابن السيد حسين بن محمود ولد 1323 ه شاعر رقيق وأديب ذواقة من مشاهير الشعراء واعلام الادب نشرت له الصحف كثيرا من الشعر وشارك في حفلات أدبية فكان له قصب السبق طبعت له رباعيات بعنوان : رباعيات الحبوبي.

ص: 256

عرفته كما عرفه غيري هادئ الطبع لطيف المعشر أنيقا مترفا يعتني كثيرا بهندامه وملبسه وأحب شيء الى نفسه الندوات الادبية حتى يعاف النوم والطعام في سبيلها وينسى كل شيء في الحياة يعجبه كثيراً أن يصف الطبيعة في شعره لذا ترى روضياته تمتاز على غيرها وهذه مجلة الغري حافلة بنتاجه الادبي كما تجد ذلك في ديوانه المطبوع بالنجف عام 1367 ه اما رباعياته طبعت سنة 1370 ه وشاهدته ينظم أكثر ما يمر عليه في الحياة لذلك تجد وصفا دقيقا لمناظر الحياة في أشعاره.

ومن أحاسيسه قوله :

دعهم يشيدوا من الاوهام ما شاؤا *** فليس يحفظ خط الكاتب الماء

راموا الفخار فما نالوا مرامهم *** وقد كبا بهم عجز واعياء

جاؤا الحياة بلا عقل وانهم *** سيخرجون من الدنيا كما جاؤا

لو يكشف القلب عما فيه لانكشفت *** منهم الى الناس اشياء واشياء

ولو درت أنهم من بعض من نسلت *** حواء لم تهو الا العقم حواء

ومن وصفياته قوله في وصف الربيع :

هذا الربيع تجلى وهو مبتسم *** فلتبتسم وليودع نفسك الالم

تثني الحياة عليه فالشذا مدح *** وكل زنبقة بين الرياض فم

كسا الفيافي والاكام من حلل *** خضرا ، بها كالفيافي تزدهي الاكم

رفارف ليس يدري من يشاهدها *** صنعاء أحذق في وشيء أم الديم

أي المباهج ترجو أن تفتك هنا *** دنيا هي البشر ، والاشذاء والنغم

حلم جميل تمتع فيه مغتبطا *** فما حياتك الا الطيف والحلم

وقوله :

أشاعرة النهر المصفق كلما *** شدوت من الازهار في خير محفل

تغني وغضي الطرف عما يخافه *** سوانا من الغيب المعمى الموجل

تغني فما ندري غدا ما يجيئنا *** به الدهر ، والدنيا نصيب المغفل

تغني ونحن الآن نشتمل الهنا *** فليس لك الافراح تبقى وليس لي

ص: 257

وجاء في الذكرى للشاعر محمود الحبوبي والتي طبعت بالنجف الاشرف ما يلي :

الشاعر محمود الحبوبي ولد في النجف الاشرف سنة 1906 م من أبوين علويين وكانت تربيته الاولى على والده الفقيه السيد حسين ابن السيد محمود الحبوبي شقيق العالم المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي. أدخله والده سنة 1912 م ( المدرسة العلوية ) وهي مدرسة نظامية أسست في أواخر العهد العثماني واستمرت حتى أوائل الحكم الوطني وأخرجه منهاعام 1916 م بعد أن تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الدين والحساب وأوليات اللغتين العربية والفارسية.

ثابر بعد تركه المدرسة المذكورة على دراسة علوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة وعلم المنطق حتى تخطاها الى دراسة الاصول والفقه. انصرف عام 1929 م الى التخصص في علوم الادب فكان يكثر من قراءة النتاج الادبي الجديد ومواصلة قرض الشعر. وفي سنة 1948 م ترك النجف مع أفراد عائلته واستوطن الاعظمية من بغداد حيث أقام فيها خمس سنوات ثم استوطن بعدها الكرادة الشرقية.

توفي بالجلطة القلبية فجر الاول من أيار 1969 م عن ثلاث وستين سنة ودفن بالنجف في مقبرة عمه السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري لم يتزوج وآثر الانصراف الى دنيا الادب. وله من الآثار الادبية المطبوعة :

1 - ديوان محمود الحبوبي. طبع في النجف عام 1948.

2 - رباعيات الحبوبي. طبع في النجف عام 1951.

3 - شاعر الحياة - موشح - طبع في النجف بعد وفاته عام 1969 وله آثار لم تطبع. أقيمت له ذكرى تأبينية تبارى فيها الشعراء والكتاب وطبعت موادها بمطبعة النعمان بالنجف الاشرف عام 1970.

ص: 258

عبد الحميد السنيد

المتوفى 1970 م

1390 ه

خطيب بارع ، مسقط رأسه بلدة سوق الشيوخ - محافظة ذي قار وفيها نشأ وكان مولده سنة 1902 وبحكم مزاولته لمجالس العلم والادب وميله لحفظ الشعر ورثاء الامام الحسين علیه السلام تولدت ملكته الادبية ونمت مضافا الى مطالعته لكتب الادب والتاريخ والشعر والاطلاع على دواوين الشعراء نهل من مواردها ما نهل حتى ارتوى فراح يفيض من أدبه. نشأ عصاميا استاذ نفسه فما درس في مدرسة ولا تلمذ على استاذ وكافح أميته بنفسه طفلا ومارس الشعر يافعا.

امتهن أولا صياغة الثياب النيلية والالوان الاخرى يستدر منها رزقه ثم تركها غير آسف عليها مذ رأى قابليته الادبية تساعده على الخطابة. وفي سنة 1383 ه طبع ديوانه ( الحان الروح ) بمطبعة دار السلام بغداد وفيه الوان من شعره الوجداني والوطني والعقائدي ، وقد كتب عليه :

ان أزهق الموت روحي *** وغاب في الترب جسمي

فثروتي بعد موتي *** ديوان شعري ورسمي

ومن الحانه في الامام الحسين علیه السلام قصيدته في المولد وعنوانها موكب النور ، أولها :

ص: 259

قمرية الوادي بلحنك غردي *** فالوقت طاب بطيب يوم المولد

وأخرى بعنوان ( سبط الهدى ) أولها :

سرت نفحة البشرى فأطلقت أفكاري *** ووقعت لحني بعد توقيع اوتاري

ومن ألحانه قوله تحت عنوان : مهنتي.

قد أنكروني بنو قومي وما علموا *** أني امرؤ قد سمت بي للعلى قدم

أعيش عنهم بعيدا لا يسامرني *** الا الكتاب بليل الهم والقلم

اصوغ من دور الالفاظ ما عجزت *** عن مثله العرب الامجاد والعجم

لونت منها المعاني المنتقاة باصباغ *** القريحة فازدانت بها الكلم

صهرتهن بقدر الفكر فانبعثت *** نار الشعور لها من تحته ضرم

فالقدر والكوز والداعوش يشهد لي *** والنيل والجوهر الالوان والوضم

وله ( الزهرة الذاوية ) :

زهرتي انت بين زهر الربيع *** خصك اللّه بالجمال الطبيعي

لك عرش بين الزهور رفيع *** قد سما فوق كل عرش رفيع

انت توحين لي القريض فأسمو *** في سماء القريض فوق الجميع

انت معنى الجمال يا منية النفس *** وجو الخيال في موضوعي

انت في الليل روعة وسكون *** فيهما تنجلي صفات الخشوع

انت في الصبح نسمة توقظ الاحساس *** في شاعر الهوى المطبوع

انت في الروض نفحة القدس والطيب *** ولحن الاطيار في الترجيع

انت في العود نغمة تنعش القلب *** وفي الناي أنة الموجوع

اي كف أثيمة فيك عاتت *** فمحت منك اي حسن بديع

بددت حسنك النضير وياما *** كنت اسقيه من نمير دموعي

* * *

رتلي لي حمامة الدوح لحنا *** يبعث الوجد في حنايا ضلوعي

اسعديني على البكاء فاني *** لم اجد لي سوى البكا من شفيع

راعني حادث الزمان فيا *** لله من حادث الزمان المريع

وأتتني تترى عواديه لما *** أيقنت بي لم أهو عيش الخنوع

الوليد الثائر

هنا حلبات الشعر للمتسابق *** فهيا فقد اطلقت للجري سابقي

ص: 260

ووقعت لحني فوق قيثارة الهوى *** بانغام صب واله القلب عاشق

ورحت أغني باسم من ملك الحشا *** باجفانه لا بالسيوف البوارق

فلولاه ما رقت شعوري ولا جرت *** باعذب معنى في الخواطر رائق

وما الشعر الا نظرة وابتسامة *** الى النفس تزجيها مشاعر وامق

وما الشعر الا ما يردد لحنه *** بكل فم من أعجمي وناطق

وما الشعر الا روضة رقصت بها *** بنات الرؤى كالعين بين الحدائق

وما الشعر الا ثورة النفس رتلت *** أهازيجها الاجيال بين الخلائق

فما كل طير كالهزار مغرد *** ولا كشقيق الورد عطرا لناشق

ولا مثل يوم بالمسرات مشرقا *** كيوم بنور السبط بالامس شارق

بمولده طافت مواكب للمنى *** تصافح في دنيا الهنا خير صادق

واشرقت الامال فيه ورفرفت *** طيور المنى في روضها المتناسق

وبالافق الاعلى تطوف مواكب *** من النور تجلو في الدجى كل غاسق

فيالك مولودا بحجر محمد *** تغذى بطيب للنبوة عابق

تفرع من زيتونة احمدية *** زكا أصلها كالفرع بالمجد باسق

فكم سن نهجا للاباة بعزمه *** وحلق في افق من الحزم سامق

وأوضح درس التضحيات لامة *** أبت أن تهاب الموت عند الحقائق

بنهضته الكبرى اهتدى كل ثائر *** الى الحق في غرب الدنا والمشارق

لقد طاب غرسا مثلما طاب مولدا *** ونال من الرحمن أسمى المرافق

ورف على الارضين بالعدل نوره *** فطهرها من رجس كل منافق

وبدد شمل الظالمين وهد من *** معاقلهم في سيفه كل شاهق

وخلد للاجيال أروع صفحة *** تضيء بانوار الهدى كل غاسق

* * *

امام الهدى عفوا فاني ألكن *** بمدحك لا اسطيع تعبير ناطق

ولكنني ارجو شفاعتكم غدا *** من اللّه يوم الحشر بين الخلائق

ص: 261

السيد عبّاس شبّر

المتوفى 1391 ه

يا باذلا في سبيل الحق مهجته *** وما حقا كل تمويه وتأسيس

ومنقذا شرف الاسلام من فئة *** يزيدها البغي تدنيسا لتدنيس

شرعت دستور اخلاص وتضحية *** في مجلس للهدى والحق تأسيسي

بعثت في الدين روحا كان أزهقها *** جور الطغاة وارهاق الاباليس

ضربت رقما قياسيا يحار له *** أهل الحساب واصحاب المقاييس

للمصلحين قواميس مخلدة في *** الارض واسمك عنوان القواميس

تقيم نهضتك الدنيا وتقعدها *** للحشر ما بين اكبار وتقديس

ناهيك من نهضة غص الزمان بها *** لما تضم وتحوي من نواميس

خلدتها فهي للاجيال مدرسة *** تناوح المجد في بحث وتدريس

هذا هو الشرف الباقي فما هرم *** يعزى لغنج عمون أو رعمسيس

في ذمة الدين ما أرخصت من مهج *** للدين سلن على السمر المداعيس

لولاك لاندثرت فينا معالمه *** فلم نجد غير ربع منه مطموس

بعدا لقوم يرون الدين قنطرة *** لما يسد فراغ البطن والكيس

باتوا يحوطون دنياهم بحيطته *** وهم على دخل منه وتدليس

رام ابن ميسون أمرا دونه رصد *** أعيى أباه فأودى تحت كابوس

وكم سعى جده مسعاة ذي حنق *** وجد لكن لجد منه معكوس

وكيف تطفئ نور اللّه زعنفة *** عار على العيس ان قلنا من العيس

لها فصول من التاريخ قد ملئت *** خزيا فكانت هناة في القراطيس

ان انتمت لقريش في أرومتها *** فخسة الطبع تنميها لإبليس

يحيى علاك وتخزى نفس مرتطم *** في حمأة الشرك والطغيان مركوس

هذا ضريحك كم حج الملوك له *** فأين قر الخنا في أي ناووس

صلى عليك الذي أولاك منزلة *** دانت لعليائها علياء ادريس

ص: 262

الفقيه الاديب السيد عباس شبر حسنة من حسنات الدهر ونابغة من نوابغ العصر ووجه ناصع من وجوه الكمال ، لازمته بحكم صلة القرابة وامتزجت به روحيا وكان يعظم في عيني كلما ازددت ويسخر من هذه الحياة التي يتطاحن الناس على زبارجها وزخارفها ويبتعد كل الابتعاد عن المطامع والتصنع ويندد بالمرائين والمدلسين وكان البعض يحسبه مترفعا غير مبال بالكرامات ، وانما كان يرى لنفسها قيمتها ويحفظ لها كرامتها فما عرف عنه الا الاباء والعزة فاسمعه يقول :

ترفعت عن معروف حي وميت *** فكل حطامي منزل لابي وقف

فكم ليلة للغيث بت مسهدا *** احاذر أن يهوي على صبيتي السقف

عانى من شظف العيش ومرارة الحياة وآلام المجتمع شيئا كثيرا وهو صلب الارادة قوي العزيمة تتمثل فيه صفة المؤمن الكامل ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) وحتى لو اقتسم الناس الدنيا لما التفت اليهم ومن وقوله :

انا ما استخدمت شعري *** في مديح أو خلاعة

لا ولا لوثت بالاطماع *** سربال القناعة

أبعد اللّه أديبا *** تخذ الشعر بضاعة

كان عندما يشاهد هذا المجتمع الراكض وراء السفاسف والزخارف وقد بنى كل مقوماته على الدجل استشهد بقول الامام العادل امير المؤمنين علي بن ابي طالب : ان هؤلاء لبسوا الدين كما يلبس الفرو مقلوبا. وكنت عندما اسمعها منه واحدق في وجهه وعينيه البراقتين استغرق ضاحكا ويزداد ارتياحي عندما يفر هذه الكلمة وأن الذي يلبس الفرو مقلوبا فقد استعمله لغير ما وضع له اذ يفقد التدفئة ثم يتراءى شكله كالكبش بمنظر مضحك ثم ينشدني قوله :

يا خليلي كفناني بشعري *** واعصرا للتغسيل منه دموعي

واعرضاني للبدر فهو رفيقي *** كي يصلي على عند الهزيع

ص: 263

وارقبا فسوف يبدو عليه *** عارض من كابة وخشوع

وامنعا اهل موطني حمل نعشي *** فحرام عليهم تشييعي

صور العلامة شبر وابدع بتصويره - لوائح فنية بشعره عن مجتمعه فقد درس الحياة دراسة وافية واتحفنا بروائع جرت مجرى الامثال كقوله :

فالمرء مرآة المحيط وطبعه *** كالماء يأخذ شكله من ظرفه

حديثه ملذ معجب فأين ما حل استرسل بالادب الشهي والفوائد العلمية والادبية والكلمات الحكمية فهو أشبه بدائرة معارف ولا يكاد جليسه يمل حديثه ، لذلك أعددت نفسي لالتقاط منثوره ومنظومه وقال له احد الادباء : ان حفظك للشعر لا يقوى عليه أحد ، فقال كنت ايام شبابي عندما تنتظم حلقة الادباء للتقفية الشعرية التي تبرهن على ملكة الاديب اطلب منهم ان تقتصر التقفية على ديوان واحد من دواوين الشعر كديوان الرضي مثلا ، وفي الليلة التي تليها تكون التقفية وتسمى ب ( المطارة الشعرية ) مقصورة على ديوان المتنبي والبحتري وهكذا. وربما تحبس التقفية وتحصر بدائرة اضيق من ذلك بان تكون بحماسيات الرضي أو حكميات المتنبي او وصفيات ابن الرومي والبحتري أو غزل ابن الاحنف ، قال وربما تكون التقفية مقصورة بباب واحد من ابواب الديوان بمعنى تكون المطاردة بميميات المهيار أو همزيات المرتضى أو بائيات الرضي. وعندما تعرف عليه الشاعر السيد محمود الحبوبي أثناء اقامته بالبصرة وساجله ورأى قوة براعته الادبية اذ كان له على كل كلام شاهد أو شواهد شعرية قال له : اهنئك على هذا الشغف فما رأيت اسمى من روحك الادبية وحافظتك القوية ، وشاركت في الحديث فقلت : ما مر بأحد من الشعراء الا وقرأ شيئا من شعره ، فقال السيد : ما تركت شاعرا من شعراء العرب الا وحفظت أجود ما نظم.

تولى منصب القضاء الشرعي بعد الحاح كثير من عارفيه ومقدري فضله وحتى ألزمه المرجع الديني الاعلى السيد ابو الحسن فتولى القضاء في العمارة أولا ثم في البصرة فبغداد فكان المثال الرائع

ص: 264

للنزاهة فلم ينتقض له حكم قط طيلة اثنتي عشرة سنة ولم يغير المنصب منه شيئا ، ملتزما بأوامر الشرع الشريف متثبتا كل التثبت مراعيا احكام اللّه والشريعة ( المقدسة ) وعرف عنه انه يحرص كل الحرص على حل الخصومات صلحية اكثر منها تنفيذية ومن شعره :

لولا شؤون شرحها محزن *** تهدد الحر بما يخشى

ما كنت بالمنبر مستبدلا *** ما عشت كرسيا ولا عرشا

وقوله :

أبعد الصبر والعزلة *** والاخبات والنسك

أولى الحكم بين الناس *** هذا المضحك المبكي

لقد ألجأني دهري *** الى أمر به هلكي

فللويل على الفعل *** وللويل على الترك

لقد ألزم نفسه ان لا يجلس للقضاء بين الناس الا وهو على وضوء داعيا ربه أن يهديه للصواب ، قال له زميله الشيخ علي الشرقي - وكان اكثر اخوانه اصرارا عليه بتولي القضاء - قال له على سبيل المداعبة ، انك ستجد النشوة الكبرى عندما تجلس وراء منضدتك وتقرر حكمك والناس صامتون مذعنون والمحامون صاغون ترى نفسك كأنك جالس فوق النجوم. وعندما تولى السيد المنصب كتب للشيخ الشرقي : اني وجدت أن تلك الساعة هي أخوف ساعة ، فما من مرة وقد هممت باصدار الحكم الا وارتسمت امام عيني الآية من قوله تعالى « ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ».

كان يقضي شطرا من الليل بالابتهال والدعاء والتضرع والبكاء ويراها احب الساعات الى نفسه ومما أنشدنيه رحمه اللّه في أواخر حياته وهو آخر ما نظم من رباعيات.

لقد أعرضت عن دنيا *** بها لا يرتجى الخير

وأقبلت على اخرى *** اليها ينتهي السير

فدنيا أنا فيها الدار *** والمسجد لا غير

تحيرت فلا ادري *** أدار هي أم دير

وقال :

ولما أن رأيت الناس غرقى *** بطوفان الجهالة والغوايه

ص: 265

فلا قلب يباركه حنان *** ولا رأس تتوجه الهداية

وعاد الدين بينهم غريب *** واهل الدين هم أهل الجناية

بكيت على الورى ولزمت بيتي *** أسير اليأس انتظر النهاية

وأنشدني :

طغى في الناس الحاد بجهل *** فماذا قيمة العقل الحصيف

يريد المرء أن يحيى طليقا *** برغم العلم والدين الحنيف

يقول لنا المعري منذ ألف *** وما أسمى مقال الفيلسوف

اذا ما الحدت امم بجهل *** فقابلها بتوحيد السيوف

وكثيرا ما كان يرتجل البيت والبيتين ولكنها تذهب مع الريح كقوله عن البصرة :

هيهات غاضت أبحر ( الخليل ) *** في عصرنا فالجيل غير الجيل

وقال :

أرى الشط شط العرب مرآة أهله *** فما فيه فيهم من هدوء ومن بشر

يصارف منه الرافدان بعسجد *** لجينا ولكن المحصل للبحر

وكثيرا ما كان عند مطالعته الكتب وتأثره بالكتاب ينظم البيتين والثلاث فيخطها على ظهر الكتاب كقوله عندما طالع ديوان نازك الملائكة (1).

قلت لليل صامت أنت مثلي *** قال اني مصغ للحن الملائك

كم على الليل من شياطين هم *** دحرتها عني نيازك نازك

وكقوله الذي كتبه بخطه على كتاب ( نظرية التطور ) لسلامة موسى :

هبطت الى هذا الوجود فلم أجد *** بميدانه المكتض الا مصارعا

أليس محالا أن أعيش مسالما وقد *** سن قاضي الكون فيه التنازعا

وقوله وقد كتبه بخطه على مجلة الاماني وهو من المناجاة :

أنقذت نوحا وابراهيم ، من غرق *** أنجيت هذا وذا من حرق نيران

فها انا غارق بالدمع محترق *** ( بنار ) حزني فأنقذني باحسان

ص: 266

وفي اثناء مطالعاتي في مكتبته القيمة رأيت ديوان الشاعر بدر شاكر السياب وقد أهداه للشاعر شبر وقد كتب الاهداء بخطه ثم نعته بشاعر الانسانية. وكتب على كتاب ( فلسفة اللذة والالم ).

أطالت تباريح الحياة تألمي *** فطال على الدهر الخؤن تظلمي

ولا عجب للمرء ان عاش شاكيا *** فأقدم حس فيه حس التألم

وكتب أيضا بخطه على كتاب ( اعرف مذهبك ) لمؤلفه مارتين دودج.

مذاهب ليس لها غاية *** الا جدال وأضاليل

والحق مقصور على واحد *** لاحمد أوحاه جبريل

وكتب على ديوان ابي الطيب المتنبي.

أمة الشعر آمني بنبي *** شكلت معجزاته ديوانا

ما ادعى أحمد النبوة حتى *** عاد في الشعر قوله فرقانا

وارتجل مرة عدما استمع الى خطيب الذكرى الحسينية في احدى المجالس :

هتفت لك الاملاك وال- *** -علياء تصفق باليدين

ذهبت سفر الحق من *** دمك المقدس يا حسين

نشرت له امهات المجلات ادبا كثيرا منها مجلة الاعتدال والهاتف والغري والبيان وكتب عنه الاستاذ الخليلي في ( هكذا عرفتهم ) كما كتب عنه الحوماني في ( وحي الرافدين ). كانت ولادته سنة 1322 ه بالبصرة ليلة الجمعة 19 ذي الحجة الحرام والمصادف 24 شباط 1905 م وكانت وفاته ليلة الجمعة 8 شوال 1391 وقد شيع في كل من البصرة والعمارة ميسان والكاظمية وكربلاء والنجف مثواه الاخير في احدى حجر الصحن الشريف وهي الحجرة المجاورة لباب القبلة عن يمين الداخل واقيمت له الفاتحة الكبرى في مسجده الذي يقيم فيه صلاة الجماعة بالبصرة كما اقيمت له الفاتحة في المدرسة الشبرية بالنجف واستمرت الفواتح بنواحي البصرة وسائر العراق حتى يوم اربعينه الذي أقيم في مسجده وشارك العلماء والادباء نظما ونثرا.

ص: 267

الشيخ محمد سعيد مانع

المتوفى 1392

حياة الناس في لهو ولعب *** ونحن حياتنا ذكرى الحسين

لعمرك اننا فيه سنجزى *** نعيما دائما في النشأتين

وللراثي جزاء ليس يحصى *** ويسكن في الجنان قرير عين

الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ سلمان آل مانع. ولد سنة 1339 ه اديب لبيب وظريف لطيف ، شاعر باللغتين الفصحى والدارجة خدم المنبر الحسيني برهة من الزمن درس ونال رتبة عالية فكان احد أساتذة منتدى النشر يوم افتتح مدرسته ، اشتركت معه في تحقيق ( جامع السعادات ) للنراقي وفي تأليف كتاب ( لسان الصدق ) وله ( أنيس الجليس في التشطير والتخميس ) ما زلت احتفظ به بخطه يتحلى بالعفة والحياء وصلابة المبدأ وقوة العقيدة الى جنب رقة الطبع والظرف فهو في الوقت الذي الف كتابا مختصرا في الدعاء وفوائده واختار جملة من الادعية المجربة اقول بهذا الوقت كان قد جمع مجموعة من الاغاني الرقيقة في الحب الطاهر والجمال الباهر والمعاني البديعة التي يشتاقها كل ذي ذوق وحس عالي ، مهما وقعت عينه على الازهار والرياض والورود والرياحين راح يتغنى بصوته الرقيق بما قاله الشعراء في الشعر الروضي. ولا يكاد يطلع عليه الفجر الا وانتبه لطاغة ربه وردد الاوراد وهو شاب مملوء حيوية وايمانا ووجدانا وذكاء وفطنة ، زاملته ولازمته اكثر من عشر سنين وهو اكثر من صاحبته فلا اعرف شخصا اتصلت به روحيا اكثر منه ، درسنا سويا في مدرسة منتدى النشر وحزنا على شهادة التخرج وتدارسنا كثيرا من الكتب فقد حققنا كتاب جامع السعادات للنراقي وعلقنا عليه وهو لم يزل موجودا عندي وعندما حققت اللجنة التي

ص: 268

قامت بطبع الكتاب كان ما حققناه من جملة المصادر. كان الاستاذ المانع يمتهن الخطابة ثم تفرغ للدراسة والتدريس في مدرسة منتدى النشر ، وكنا في اوقات الفراغ نتدارس كتاب ( الكامل ) للمبرد ونطالع على انفراد كتب الاخلاق ونختار منها حتى كان منها كتاب ( الاخلاق في قصة ) فاذا نظم جاء بالشيء المعجب وما زلت احتفظ بمجموعة من مراسلاته وخواطره منها اني كتبت له من لبنان سنة 1365 ه رسالة وفيها قطعة شعرية منها :

حاشاك تمنع وصلنا *** حاشا وفاءك يا ابن مانع

انساك - لا انساك - *** يا قلبي ومثواك الاضالع

هل عهدنا ( الماضي ) أرى *** يوما لعودته ( مضارع )

تلك السويعات العذاب *** أريجها كالمسك ضائع

عودي فقد حن الفؤاد *** لطيب هاتيك المرابع

قفص الاضالع عاقه *** فأناب مرسلة المدامع

قد هام حولا بالكنائس *** ثم حن الى ( الجوامع )

يا صاحب الخلق الاغر *** وجامع الشيم الروائع

هذي البراقع خلفها *** - اللّه ما خلف البراقع -

وجه تناسق بالروائع *** مثل ما يهوى المطالع

فأجابني بقطعة أذكر منها قوله :

بكم نجاة محب *** وجدكم خير شافع

منعت ودي سواكم *** لذاك لقبت مانع

لبنان طابت فسرتم *** لها وخلفتموني

سببتم الهجر انتم *** ففيه لا تتهموني

بالعيد هنأتموني *** هل يعرف العيد مضنى

وصالكم لي عيد *** بغيره لست أهنا

توفي ليلة 22 شوال - ليلة الاربعاء سنة 1392 ه المصادف 28 / 11 / 1972 ومن مؤلفاته كتاب ( الرفيق في الطريق ) يضم النوادر الادبية والنتف الاخلاقية والمقاطيع الشعرية وجملة من شعره ومراسلاته لاصدقائه واخوانه امثال السيد محمد تقي الحكيم وصادق القاموسي من اعضاء منتدى النشر ومن موشحاته رائعته التي عنوانها ( انشودة الفجر ).

ص: 269

الدكتور زكي المحاسني

المتوفى 1392

الملحمة العربية الكبرى للدكتور زكي المحاسني وتنفرد بنشرها مجلة ( قافلة الزيت ) السعودية وقد بلغ بهذه الملحمة حتى الآن النشيد السابع.

قالت مجلة العرفان اللبنانية عدد 4 م 59 : وندعو اللّه ونحن في ارض الوحي ان يمد له بعمره ، وهو اليوم في الخمسين منه ، ليتم هذه الملحمة الفريدة التي ينتظرها العالم العربي الحديث ويرصدها ، لتكون له بين ملاحم الامم في آدابها العالمية ملحمته المثلى.

الملحمة العربية

النشيد المحزون

الحسين

عاطني دمعا وخذ مني عينا *** واحسينا واحسينا واحسينا

انا في الشام وتيار حناني *** ينتحي من ذكرك المحزون حينا

يسأل الريح اذا هبت رخاء *** في البوادي عن هوى قد كان دينا

يا مهادا في العراقين أجيبي *** أين مثوى ذلك المحبوب أينا

كربلاء لفحة قهرية *** حملت في صفحة التاريخ شينا

هي لا ذنب لها من بلدة *** من دعا الاحجار ان تلبس زينا

وقعة فيها على عثيرها *** هزت الدهر لذكراها أوينا

لكأني أبصر المرج دنا *** بخيول بالردى الباغي سرينا

يا لها من طحمة كان خصيم *** سامها العرب وبلواها جنينا

تلك همدان أتت في مذحج *** وتميم وبأقدار رمينا

ص: 270

ذا عدى حصن دين وتقى *** قتلوه قطعوا منه ردينا

فانبرى الصحب على عرض الملا *** شيعة الثأر يصيحون افتدينا

فتن عجت مدى الجيل كما *** تلفح النيران لا تدري الهوينا

هب يطفيها على طغيانها *** بطل اعداؤه نادوا : الينا

ناصح قال له يابن مطيع *** لا تكن كبشا على المنحر هينا

فأبى وهو ينادي رهطه *** لن يصيب العرب من بعدي أينا

فأتاه الجمع في وثب الفدا *** يا حسيناه للقياك أتينا

أم وهب فيهمو مقدامة *** زوجها الكلبي نادى : ما اختشينا

بأبي أنت وأمي تلك روح *** غير ما نفديك فيها ما اقتنينا

خذ أبا الحمد فهذي طعنة *** بعدو اللّه طغواها ورينا

وهتاف قد علا تهداره *** نحن أنصارك انا قد حمينا

فيهمو عمرو أخو قرظة من *** يصدق الموت ولا يعرف مينا

ولديهم سالم ذو عوسج *** وحبيب قال للحتف اقتفينا

وزهير فارس الفتكة ان *** قيل ياابن القين لم تعرفه قينا

ورمى الكندي يفدي خدنه *** بكماة مثل جن قد هوينا

يا لابطال تدانوا في الوغى *** اشهدوا اللّه وقالوا ما اعتدينا

وأتى الخصم بجمع حاشد *** يا رواة الحرب انا قد روينا

قد بكى التاريخ خجلان ولو *** أظلم التاريخ فينا ما اهتدينا

يا أبا المجد ويا زين الملا *** لك في حرب المناجيد بنينا

مشهدا في ملحمات حمحمت *** قد طوين البيد والعمر طوينا

نحن ألجمنا الى الحشر الذي *** قد فرى قلبك ذكراه فرينا

وسفحنا بعدك الدمع على *** بطل ما مثله فيك بكينا

عطشا غبت عن الدنيا فيا *** ليتنا حزنا بماء ما ارتوينا

نشرب الكأس بلا طعم وما *** ساغ أنا بعد ظمآن استقينا

ليس يرثيك سوى روح على *** النجف الاشرف عنها ما انثنينا

حملت سر ( البلاغات ) ولو *** سكبت شعرا لمرثى ما رثينا

يا حبيبي لك في الشام ندى *** في مطل الزهر قد رف علينا

كم ركبنا الشوق نسري عمره *** خلف آماد الهوى فيه جرينا

دمشق الدكتور زكي المحاسني

ولد الدكتور زكي المحاسني سنة 1329 ه 1911 م وكان ابوه من كتاب المحكمة الشرعية بدمشق ، قال : لم يلبث أن توفي وعمري

ص: 271

سنتان ولم يترك لي صورة أراه فيها فعشت يتيما ترعاني أمي الحنون ، وحين نلت الشهادة من كلية الحقوق بدمشق وعمري يومذاك اثنتان وعشرون سنة توفيت امي فعشت بعدها باكيا عليها في شعري وكانت حنونا رؤوما ولن استطيع ان انساها حتى اموت.

الدكتور زكي المحاسني له شهرته الادبية والعلمية ، شاعر رقيق متين الاسلوب واستاذ لامع في مجال التربية والتعليم ومحام قدير وكاتب واديب كبير نشر مقالاته في امهات الصحف والمجلات الشرقية والمهجرية منها :

الرسالة ، الهلال ، المجلة ، الكتاب ، الاديب يحمل شهادة دكتوراه الدولة من جامعة القاهرة من الادب العربي منذ سنة 1947 م مع اجازة ( الليسانس ) منذ سنة 1930 في الحقوق والآداب من الجامعة السورية سنة 1932 م درس فقه اللغة العربية وعلومها والادب العباسي في كلية الآداب العربية ، عين ملحقا ثقافيا بالسفارة السورية في القاهرة 1956 م.

كان عضوا في لجنة التربية والتعليم بدمشق 1956.

كان مديرا ثقافيا لتخطيط التعليم الجامعي بوزارة التربية والتعليم المركزية بالقاهرة سنة 1958 - 1961 ثم مديرا لوزارة التربية السورية.

آثاره ومؤلفاته : ( ابو العلاء ناقد المجتمع ) ( دراسات في الادب والنقد ) وكثير من الدروس الادبية وتغنى بشعره وذكر ثورة العشرين وامجاد العرب ووصف بغداد فكانت حياته حافلة بالعلم والادب والآثار الخالدة حتى تجاوز عمره الستين عاما وفي اليوم 23 من الشهر 3 من عام 1972 م 1392 ه رحل رحلته الابدية الى عالمه الثاني. كتب عنه الدكتور محسن جمال الدين في كتابه ( العراق في الشعر العربي ) وكتب عنه الاستاذ جمال الهنداوي في مجلة العرفان مجلد 61 وفي مجلة البلاغ العراقية السنة السابعة.

ص: 272

الشيخ عبد الكريم صادق

المتوفى 1392

الشيخ عبد الكريم صادق علم من الاعلام وائمة الشرع الكرام وسامته تنبيك عن ايمانه وورعه واساريره تقرأ عليها تقواه وطيب سريرته ، عاش في النجف ولبنان مصلحا مرشدا وافنى جل عمره بالصلاح والاصلاح ولا عجب فالاسرة اسرة علم وتقى فهو ابن البطل الكبير الشيخ عبد الحسين صادق واخو الشيخ محمد تقي صادق والشيخ حسن صادق ، دوحة تنفح بالعطر الطيب ، كان محل ثقة الجميع في عفافه وتقاه وزهده في الدنيا وانصرافه عنها ويحتل في النبطية صدر البلد ازدانت به واحتضنته معتزة به فخورة بفضله رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

أعن الابا يرضى الحسين عدولا *** والخسف هل يرضى عليه نزولا

وهو الذي أنف الدنية قائلا *** انا ما خلقت لان أعيش ذليلا

وانا ابن أعراق الثرى من هاشم *** وأعز من تحت السماء قبيلا

فاذا تحداني وهاجم منعتي *** عات شهرت الصارم المصقولا

ودفعت نفسي للمهالك قائلا *** لا عز الا أن تموت قتيلا

لست الحسين وليس حيدرة أبي *** ان لم أشق الى الكفاح سبيلا

وأخض غمار الموت يتبع بعضها *** بعضا وتعتر السيول سيولا

أأهون والشرف الاصيل يلفني *** بردا ويعصب مفرقي اكليلا

وابي علي من تردي بردة *** للفخر تلثمها النجوم ذيولا

والام فاطمة التي في القرط من *** عرش المهيمن كانت القنديلا

وأنا الذي هز الملائك مهده *** ولظهر احمد كم غدا محمولا

ص: 273

ولكم تنشق وفرتي ريحانة *** طه وقبل مبسمي تقبيلا

أحسين للدين الحنيف وللابا *** وكلاهما لك قد غدا مكفولا

جردت عزمك ثائرا وشحذته *** سيف أغر وساعدا مفتولا

فوقفت اذ عبس الفوارس باسما *** وتهز فيها الصارم المصقولا

لله وقفتك التي كم للورى *** أدهشت البابا بها وعقولا

وله من قصيدة نبوية قال في أولها :

صفاك ربك واصطفاك نذيرا *** يا من بطلعتك الوجود أنيرا

هي دفقة للنور من بحر السنا *** رحب الفضاء بها غدا مغمورا

هي قبسة ممن تجلى نوره *** للطور من سينا فدك الطورا

ولدتك آمنة الفخار مباركا *** ومطيبا ومطهرا تطهيرا

وحواك منها حجر أكرم حرة *** واذا النساء كرمن طبن حجورا

وله أيضا في مدح الرسول الأعظم محمد صلی اللّه علیه و آله .

بالكتاب المنير أحمد جاءا *** معجزا مفحما به البلغاءا

فيه تبيان كل شيء واحصت *** آية كل حكمة احصاءا

ولما في الصدور فيه شفاء *** حينما جهلها يكون الداءا

جاءنا بالهدى رسول أمين *** خاتما رسل ربه الامناءا

جاء كالبدر جاء والليل داج *** يتجلى فمزق الظلماءا

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام

مضى طه وقام وصي له *** مديرا من شريعته رحاها

وفوق منصة الاحكام منها *** علي قد تربع واعتلاها

ففاضت ثم فاضت ثم فاضت *** ركي الفضل طافحة دلاها

فلو وردته عطشى الخلق طرا *** لروى من منابعه ظماها

له من فوق منبره سلوني *** سلوني هل بها الاه فاها

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام

ولاؤك حصني يا علي وجنتي *** اذا قصرت يوم القيامة حجتي

أفي النار ترضى أن يزج معذبا *** وليك لا يشتم روحا لجنة

ص: 274

وحبك منه خامر اللحم وهو في *** غشا الرحم في دور اختباء الاجنة

واذ ألقمتني ثديها الام في اللبا *** تذوقته منه لاول رشفة

ببابك حط الرحل مولاك عالما *** بأنك يا مولى الورى باب حطة

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام :

هي بيعة لك يا علي اقامها *** خير الانام بمشهد الاملاء

يوم الغدير اذ الحجيج معرس *** فيما أحاط به من الصحراء

وله أقيم من الحلائج منبر *** يحنو عليه الدوح بالافناء

حيث الهواجر قد ذكت نيرانها *** والرمل متقد بحر ذكاء

فعلاه خير المرسلين محمد *** وأتى بتلك الخطبة العصماء

فصل في الالهيات ارجوزة له ايضا تشتمل على مأة واربع وعشرين بيتا

المبدأ الفياض رب الجود *** هو القديم الواجب الوجود

شاء فكان عالم التكوين *** مسخرا لكافه والنون

أبدع ما أبدع من صنيعه *** فجاءت الدهشة من جميعه

هذي السما تبنى على غير عمد *** وهذه الارض على الريح تمد

وهذه الشمس وهذا القمر *** كلاهما في سيره مسخر

وله ايضا

بك آمنت يا قديم الوجود *** يا من الكون منه رشحة جود

منك فاض الشعور في كل حي *** وتمشى النمو في كل عود

منك زهر النجوم شعت ضياء *** وبدا الصبح ضاربا بعمود

وتجلت ذكاء ناشرة النو *** ر على الارض سهلها والنجود

أنت سخرتها طلوعا أفولا *** كلما أدبرت لها قلت عودي

وله ايضا

يا واهب الكون منه أجمل الصور *** ويا منوره بالشمس والقمر

ويا مرصع آفاق السماء بما *** يبدو خلال الدجى من أنجم زهر

ص: 275

يا من أدار بها الافلاك دائبة *** ولو أراد لها التعطيل لم تدر

يا من بنى فوقنا السبع العلى ودحى *** من تحتنا الارض مرساة بلا جذر

يا مرسل الريح يجريها مسخرة *** بأمره فهي مهما سيرت تسر

وله أيضا في العقل

هو العقل للانسان أشرف ما فيه *** سراج هدى في حالك الجهل يهديه

له الصدر بيت والفؤاد زجاجة *** اذا ما صفت شع السنا من نواحيه

يزيد بنور العلم نورا وتستقي *** ذبالته من زيته ما يغذيه

هو العلم معراج السعادة للفتى *** تبلغه أسمى الكمال مراقيه

به يكبر الانسان روعة كونه *** وما من جمال فيه أودع منشيه

وله أيضا

يا واهب العقل هذا العقل برهان *** عليك أن طلب البرهان حيران

عداه عما يرى في الكون من نظم *** تمت فما ان عراها قط نقصان

هذي السماوات والافلاك دائرة *** فيها فليس لها يختل ميزان

تجري كواكبها فيها على نسق *** فكل جار له في جريه شان

كل له منزل يأبى تعديه *** الى سواه وفوق الكل سلطان

وله ايضا

أتخفى وهذا النور يا رب سافر *** لوجهك عنا لا يواريه ساتر

لان كنت بالابصار ربي لا ترى *** فما قصرت عن أن تراك البصائر

فأنت الذي عين الشهود خفاؤه *** وأنت الهي في بطونك ظاهر

كم الفيلسوف استفرغ الوسع *** طالبا لذاتك تحليلا اذا هو قاصر

أتى حائما حول الحمى كي ينيله *** ولوجا وأنهى عمره وهو حائر

وله أيضا

العلم حيث يكون علما نافعا *** هو ما يقارن صالح الاعمال

واذا هما افترقا فأعلم عالم *** متبحر هو أجهل الجهال

ص: 276

ولكم نرى من عالم فاق الورى *** بالجاه أصبح مغرما بالمال

يسعى وراءهما واكبر مدهش *** ولع المريض بدائه القتال

يا حامل المشعال كي يهدي الورى *** اتغض طرفك عن سنا المشعال

وله ايضا في المواعظ

عظ منك نفسك قبل ان تعظ الورى *** أولا فخل لمن سواك المنبرا

اتقول سيروا للأمام وأنت من *** يمشي ويرجع للوراء القهقرى

والماء اما لوثته نجاسة *** فمن النجاسة هل يكون مطهرا

فتحر أول أن تكون محررا *** وهنا يحق بأن تقوم محررا

أهواك تعبد ثم عن أن يعبدوا *** أهواءهم لهموا تجيء محذرا

وله أيضا

حاسب النفس قبل يوم الحساب *** وتأهب لرحلة واغتراب

سفر شاسع ومرمى بعيد *** وهبوط الى محل خراب

وسؤال من منكر ونكير *** أفهل أنت ناهض بالجواب

وكتاب في الحشر تلقاه منثو *** را فماذا أنت صانع بالكتاب

حين تبدو لك الصحائف سودا *** اكسبتها الذنوب لون الغراب

وله أيضا ارجوزة

على بني العلم اتباع الرسل *** في صالح القول وحسن العمل

وفي الرياضات لهذي الانفس *** كيما تفوز بالثمين الانفس

من جوهر القدس ومن در الصفا *** وحسبها ذانك حليا وكفى

بذاك ترقى سلم السعادة *** وتبلغ الاوج من السيادة

اذ انهم كنخسة عنهم بدل *** أو مثل أقرب شيء من مثل

قال يذكر المخدرة زينب بنت أمير المؤمنين علي ومحنتها بعد قتل أخيها الحسين

يا ربة الخدر ما لاقيت من خجل *** عصر الطفوف وما عانيت من وجل

اذ الكفيل مضى والرحل صيح به *** نهبا وجردت من حلي ومن حلل

ص: 277

ماذا دهاك ابنة الزهرا فانت على *** ذعر تراكضت في البيدا على عجل

وما عداك وقار من أبي حسن *** ولا شمائل طاها سيد الرسل

دهاك واللّه ان الخيل ضابحة *** جاست خلال الحمى من سائر السبل

وغودرت جنبات الربع خالية *** من كل ذي نجدة يحميك بالاسل

ص: 278

أنور العطّار

المتوفى 1392

انت في العين دمعة الكبرياء *** يا علاءا أزرى بكل علاء

لا أناجيك بالمدامع تهمى *** انت أسمى من الاسى والبكاء

ما غناء الدموع في موقف جل *** عن النوح والشجى والرثاء

لست في مأتم تغص به الار *** ض فتبكي له عيون السماء

لست في الهم عاصفا يذر *** الانفس مرعى مهدودة الاشلاء

انما أنت فكرة ومثال *** للعلى والمروءة السمحاء

نسجت حولك البطولة رمزا *** وارتوت منك دوحة الشهداء

أي معنى سكبت في اذن *** الخلد فظلت تعج بالاصداء

مطمح انت في العلاء بعيد *** واباء أعظم به من اباء

تمتطي الهول مركبا غير هيا *** ب صروف الدجنة السوداء

السجايا الوضاء فيك ابتداع *** واحنيني الى السجايا الوضاء

ضمنت منك مهجة تسع الخير *** ونفسا تموج بالاضواء

وعزوفا عن الدنايا وكبرا *** ومضاءا ما بعده مضاء

وثباتا على العقيدة وقفا *** لم يزل آية على الآناء

وهي النفس ان تثر تركب *** الصعب وتزحم مناكب الجوزاء

يا مثال الجهاد يا صورة البأس *** ويا غاية الندى والسخاء

لذ في ذكرك السني قريضي *** وحلا باسمك الحبيب ندائي

يا رجائي يا باني المثل العليا *** بناء ما مثله من بناء

أيها الموقظ النفوس من الظلم *** ومردي جحافل البغضاء

انفح الكون بالعظائم تترى *** فالعظيمات نفحة العظماء

علم العرب كيف يستسهل الموت *** ذيادا عن فكرة علياء

علم العرب كيف يقضى على *** البغي دفاعا عن عزة قعساء

علم العرب كيف يرتخص البذل *** ويحلو الفداء اثر الفداء

علم العرب كيف يحمى حمى *** الحق ويرعى بمائج من دماء

ص: 279

يا رفاتا تضوع المسك منه *** فسرى الطيب في مدى الارجاء

عبقت منه جنة الخلد حتى *** فغم العطر عالم السعداء

التقيون من شذاه نشاوى *** والنبيون منه في ايحاء

يا طرازا من المروءة سمحا *** فاض بالمكرمات والآلاء

صورة انت للعلى وكتاب *** ليس يبلى ، وعالم من ثناء

رددته الاحقاب جيلا فجيلا *** وروته قيثارة الانباء

وتغنت به الليالي هياما *** فهي منه في رفعة وازدهاء

بابي انت يا حسين وأمي *** يا نشيدي على المدى وغنائي

منك صغت الشعور لحنا جديدا *** وتفردت في بديع أدائي (1)

كان يسمى بشاعر الشباب متأثر بالديباجة البحترية والمدرسة الشامية في الشعر قال يصف خواطره في مقدمة ديوانه ( ظلال الايام ).

غفلت عني المنون فغنيت *** ولحن الحياة لحن قصير

وبنفسي قيثارة تتشكى *** وانا الدمع والاسى والشعور

قصد العراق استاذا في معاهدها العلمية واحتضنته ظلال الرافدين كما احتضنت غيره من أبناء العروبة يوم ان كانت نيران الاستعمار الفرنسي تلهب سماء دمشق نارا وسجنا وتعذيبا ونفيا. حل في بغداد عام 1936 شاعر الشباب السوري انور العطار منتدبا من وزارة المعارف العراقية ليكون استاذا في معاهدها لتدريس الادب العربي ، وأوحت له بغداد ودجلتها الكثير من القصائد الرقيقة ومنها قصيدته ( دجلة في الليل ) ذات الوزن الرقيق والتصوير اللطيف ، تبدو فيها اللوحات الخيالية قال فيها :

اسكب النور يا قمر *** واغمر النهر بالصور

وأذع فرحة الهوى *** وأشع لذة السمر

يتصباني النخيل *** ويغريني النهر

في ثناياه صورة *** حلوة كلها سير

ص: 280


1- ذكرى أبي الشهداء.

هو ريحانة العلى *** فيه من عبقر أثر

ها هنا سيرة الزمان *** وعاها الذي ذكر (1)

واقيمت في النجف حفلة تكريمية في نادي الغري لطلاب المدارس في الشام وكان الاستاذ العطار من بين الاساتذة الذين رافقوا الطلاب فالقى هذه الرائعة :

سلام على النجف الاطيب *** سلام على ورده الاعذب

على مهده عالم الذكريات *** ودنيا توقد كالكوكب

وكوني كآذار جم العبير *** انيقا كمنظوره الاهدب

تنشق ففي الترب مسك العبير *** تهادي وفي الجو عطر النبي

وطف بالهدى والندى والعلاء *** وبالجدث الطاهر الطيب

وقل يا غمام نعشت الغمام *** وقل يا ربيع نفحت الربي

وسلم على العبقري الهمام *** على نبعة الخير من يعرب

يموج من النور في موكب *** ويندى من الطيب في موكب

يطوف على الناس مثل الضباب *** اذا افتر عن مبسم أشنب

ويختال في الكون مثل الربيع *** يرن بفينانه المعشب

وعرج على موئل النعميات *** على الاريحي النجيد الابي

أخي الحزم والعزم والمكرمات *** أخي النائل الاطول الارحب

وهم بالبيان السني الشهي *** وأعجب بروعته أعجب

ورد موردا حافلا بالخلود *** وما شئت من ممتع مطرب

( علي ) ويا سحر هذا النداء *** وأعجب بروعته أعجب

تحن اليك القلوب اللّهاف *** حنين الصغار لجنح الاب

اذا اغطش الليل كنت الشعاع *** وكنت رجاء الغد الاصعب

وكنت الحنان ورمز الندى *** وكنت المعين على المذهب

ولم لا وانت رفيق النبي *** وانت شذى الطهر من يثرب

فيا ساكني النجف المستحب *** سلام القريب الى الاقرب

سأذكر ما عشت هذا النضال *** وأفنى بملهمه الملهب

وأحيا لهذا الحمى نغمه *** وقلبي اما يهم يطرب

فياطير هذا الغناء الرقيق *** فان شئت ترتيله فأندب

ص: 281


1- العراق في الشعر العربي والمهجري للدكتور محسن جمال الدين.

ويا جفن هذا مجال البكاء *** فان رمت ترويحه فاسكب

ويا نفس من ورده فانهلي *** ويا فكر من مائه فاشرب

بني الجود والخلق المستطاب *** من الافرخ الزغب والشيب

فياثورة النجف اليعربي *** غضبت وحقك أن تغضبي

يسيل الفرات بها صاخبا *** ونهر العلى ان يثر يصخب

ولولاك ما كان فجر الخلاص *** ولم يجل عن دارنا الاجنبي

شباب الحياة شباب الجهاد *** يشق المصاعب بالمنكب

مضى يستهين بغلب الصعاب *** ويدفع بالناب والمخلب

وما الحق الا الطماح الصراح *** بغير الرجولة لم يطلب

وله تحت عنوان : حدثيني

انت مثل الشعاع يترك في الكون *** ضياء ، وفي النواظر سحرا

راعني منك عبقري جمال *** يملأ الارض والسماوات شعرا

وفم صيغ من عقيق ودر *** جل من صاغه عقيقا ودرا

حذق السحر في الاحاديث والضحك *** وأصبى فم المحب وأغرى

وحديث مثل الربيع شهي *** يغمر النفس والجوانح عطرا

ساحر من نشائد الحب أحلى *** ناعم من نداوة الفجر أطرى

هو زاد القلوب ريحانة الفكر *** ودنيا تموج خمرا وزهرا

نضر العمر في خيالى فود *** القلب لو أنه يحدث دهرا

انت زينت لي الحياة ولولا *** ك لكانت خلوا من الصفو قفرا

أي سحر هذا الذي فتن الروح *** فمر الوجود يطفح بشرا

حدثيني يسعد بنجواك شعري *** ويزد رفعة وتيها وقدرا

واغمريني بعطفك الحلو تهتز *** لحوني وتسكب الشعر خمرا

حدثيني ففي حديثك دنيا *** تنثر المغريات والفن نثرا

ودعيني أذق لذاذة حلم *** كل من ذاقه ترنح سكرا

حدثيني فأنت آه المغني *** ونشيد يطوف ثغرا فثغرا

وأماني لا تمل التمني *** وسراب يلذ كرا وفرا

ولد عام 1908 م في دمشق نشأ ابان الحرب العالمية الاولى وشهد حياة دمشق ودرس في مكتب عنبر ابان أزمة الصراع بين الامبراطورية العثمانية والامة العربية ، كان في مطلع حياته ولوعا

ص: 282

بالرياضيات. عمل معلما ثم مديرا لمدرسة ( قرية منين ). اتصل بكرد علي ومعروف الارناؤوط ومجلة الزهراء ، ورافق علي الطنطاوي في دمشق وفي بغداد أثناء التدريس. احدهما يكتب والثاني ينظم. له من الدواوين ( البواكير ) و ( الاشواق ) و ( منعطف النهر ) و ( الليل المسحور ) و ( وادي الاحلام ) و ( ظلال الايام ) نشر أغلب شعره في مجلة الزهراء والرسالة وله كتاب ( الوصف والتزويق عند البحتري ) و ( اسرة الغزل في العصر الاموي ) الى بعض كتب مدرسية ، وله ايضا دراسة كاملة لنثر احمد شوقي ولكتابه ( اسواق الذهب ) وله درساة شاملة عن ( خير الدين الزكرلي ).

انور العطار كشعراء وطنه محب للطبيعة ، متطلع الى الحياة ، حفظ في مطالع حياته اكثر من عشرة الاف بيت من جياد اشعار العرب فجاء أسلوبه كالماء الصافي ، فيه عذوبة ولين وفيه تدفق ومضاء. أحب الطبيعة وبردى وأحب لبنان وقال فيها فنونا من الشعر ، كما أحب دمشق وبغداد ودجلة والبصرة وغوطة دمشق ونظم فيها شعرا جيدا. أحب في أول عهده الاراجيز ونظم فيها كثيرا من شعره. حالف العطار الحزن والاسى في أغلب شعره وخلد مظاهر الاسى في النفس قال في قصيدة :

قلم صاغ رائعات المعاني *** وجلاها مثل الضحى اللماح

يطرف النفس بالجديد ابتداعا *** ويحامي عن النهى ويلاحي

هو من نفح خافق عبقري *** وهو من فيض خاطر سماح

تتهامى من سنه صيحة *** الحق فيزهي بذوده والكفاح

ص: 283

السيد احمد الهندي

المتوفى 1392

تطلب في العلا مجدا أثيلا *** فان طلابه أهدى سبيلا

وهم شوقا الى أسل العوالي *** ولا تتعشق الخد الاسيلا

ونل علياك في تعب وكد *** ولا ترغب عن العليا بديلا

تأس بسبط احمد يوم وافى *** يجرر للعلا بردا طويلا

فخط بكربلا رحلا كريما *** وياسرعان ما عزم الرحيلا

رأى حرب السهام عليه عارا *** فجرد للعدى سيفا صقيلا

وأحيى اللّه مبدأه بيوم *** هوى فيه على البوغا قتيلا

وجرد في سبيل اللّه سيفا *** بحول اللّه لا يخشى فلولا

ولو لم يضمئوه فيقتلوه *** لما أغنى عديدهم فتيلا

ومذ ساموه اما القتل حرا *** واما أن يسالمهم ذليلا

تطامن جأشه بسبيل عز *** وان أرداه منعفرا جلا

لو أستسقى السما جادته صوبا *** ولكن راح يستسقي النصولا

أتمطره السماء دما عبيطا *** وهل يشفيه هاطلها غليلا

أقلته الرمول لقى طريحا *** بهاجرة فما أسنى الرمولا

أتوحش يثرب منه قطينا *** وتحظى كربلاء به نزيلا

فيا حربا جنتها كف حرب *** فسر بها وأحزنت الرسولا

وآكلة الكبود تميس بشرا *** وكانت فيه فاطمة ثكولا

فتلكم عينها بالبشر قرت *** وهذي تسهر الليل الطويلا

أمي لغي دماءكم الزواكي *** فلن تتمتعي الا قليلا

السيد احمد ابن السيد رضا الشهير بالهندي في طليعة ادباء النجف ولد عام 1320 ه في النجف ونشأ بها وتخرج على مدارسها الدينية

ص: 284

وأخذ عن أبيه الذي يعد شيخ الادب في العراق بل في العالم العربي ، والمترجم له كان كما يقول عنه الدجيلي في كتابه ( شعراء النجف ) سريع البديهة الى حد لا يوصف فانه أسرع من جري اليراع في القريض ، وقد جربته بمواطن عديدة فحار عقلي وطاش لبي بسرعة خاطره ، وقلا لاحظته لا يجدد النظر في قريضه فقد قال لي يوما : اني اذا اردت ان اصلح قصيدة فهو أصعب علي بكثير من نظمها وقد نشرت صحف العراق له الكثير من روائعه كمجلة الغري والاعتدال والحضارة والمصباح وغيرها. اقول ولا زلت احتفظ بقصيدة عنوانها ( لو أعلم الغيب ) نظمها بمناسبة زفافي سنة 1356 ه ولم تزل في محفظتي وهي بخطه.

حسبي من العيش ما يمضي به الحين *** لا تستغل هوى نفسي العناوين

وما بنيت على الآمال شاهقة *** حتى تؤيد آمالي البراهين

لو أعلم الغيب لم أحفل بحادثة *** ولا عرا أملي في الدهر توهين

ولا نبت بي في تيه مرجمة *** من الخيال عليها الوهم مسنون

لا الخل شاك ولا الايام عاتبة *** ولا الصروف ولا الدنيا ولا الدين

هذا زمانك لا التبجيل فيه على *** قدر ، ولا مدح من يطريه موزون

يعطي جزافا لمن يعطي ، فمغتبط *** بغير حق وشاك منه مغبون

كم صاهل خلته مهرا فحين نبت *** به السبيل تبنته البراذين

وكم أخ لي يحبوني تحيته *** يلين مسا كما لان الثعابين

يقتص مابي من نقص فينشره *** أما ضئيل ثنائي فهو مكنون

يهتز للقذع شوقا كالعميد هوى *** كأنه بسباب الناس مفتون

سخيمة تعجم البلوى مساوئها *** خبرا كما تعجم الخيل الميادين

دع نصحك الدهر لا تحفل بحادثة *** ان كنت رب نهى فالدهر مجنون

واقرأ على صفحات الدهر نيته *** الكون سفر وأهلوه المضامين

الاعتدال جمال غير مصطنع *** والدوح أجمل ما فيه الافانين

والناس تطلب قربانا لخلتها *** والصدق أفضل ما تأتي القرابين

ما المرء لولا كمال النفس يرفعه *** لولا السنا فهلال الافق عرجون

وما الخمائل في الروض الاريض اذا *** كم الهزار ولم تزه الرياحين

وما حياة امرء يعتز في زمن *** تصول فيه على الاسد السراحين

لم يبق لي الدهر من حول فأشكوه *** والطير أرخم صوتا وهو مسجون

لكن لي بجواد النفس ظاهرة *** من المسرة فيها البشر مقرون

شهم لخير الورى أعراقه ضربت *** لما نما مجده الغر الميامين

ص: 285

مهذب النفس قد كانت عناصره *** من الكرامة ، لا ماء ولا طين

وليس بدعا اذا حاز الثنا وزكا *** من وصفه لبيان الفضل تبيين

* * *

وافاك شعري وما لي فيه من أرب *** لكن حقك مفروض ومسنون

طير المسرة يشدو بالهنا فله *** في ندوة الانس والافراح تلحين

واعذر فلي في ختام المسك معتذرا *** في وصف فضلك اطراء وتدوين

وكنت قد طلبت منه أن ينظم قصيدة في الامام موسى الكاظم على وزن خاص فأجاب متفضلا وأرسل لي منظومته مع رسالة وذلك بتاريخ 15 ربيع المولد سنة 1366 فسجلتها في الجزء الرابع من ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) ولم تزل نسختها موجودة عندي بخطه.

كانت وفاته يوم 19 محرم الحرام 1392 ه الموافق 5 / 3 / 1972 م ودفن في النجف بمقبرتهم الملاصقة لدارهم في محلة الحويش بجنب والده المغفور له رحمهم اللّه جميعا برحماته الواسعة.

ص: 286

عادل الغضبان

المتوفى 1392

أقصر فكل ضحية وفداء *** فلك يبث سنى أبي الشهداء

فلك جلت شمس الحسين بدوره *** والبدر يجلوه ضياء ذكاء

يعتز الاستشهاد أن سماءه *** تزري محاسنها بكل سماء

جمعت كرام النيرات فرصعت *** بمنوع الانوار والاضواء

اشراق ايمان ونور عقيدة *** وشعاع بذل وائتلاق فداء

وسنى نفوس تستميت فدى الهدى *** وتذود عنه مصارع الاهواء

شهب من الخلد المنير أشعها *** أفق الفدى قدسية اللألاء

وزهت بها ذكرى الحسين وانها *** ذكرى ليوم النشر رهن بقاء

ان الخلود لنعمة علوية *** يجزى بها الابطال يوم جزاء

يرنو اليها العالمون ودونها *** غمرات أهوال وطول عناء

بالعبقرية والجهاد يحوزها *** طلابها والصبر في البأساء

حسب الحسين ثمالة من فضله *** حتى يخلد في سنى وسناء

لكنه كسب الخلود بنائل *** ضخم من الحسنات والبرحاء

بالبر والخلق الكريم وبالتقى *** والقتل ثم تمزق الاشلاء

حي الحسين تحي سبط أكارم *** اهل الندى والعزة القعساء

رمز النبي الى الفضائل والعلى *** لما دعاه بأجمل الاسماء

ورث الشجاعة والنهى عن هاشم *** والنبل رقراقا عن الزهراء

وغزا قلوب دعاته وعداته *** بفضيلتين مروة ووفاء

فاذا أغار ثناه عن خدع الوغى *** شرف الفؤاد وعفة الحوباء

لهفي على هذه المآثر اعملت *** فيها سيوف الوقعة النكراء

عجبا تعاديه الصوارم والقنا *** وتحله المهجات بالسوداء

ص: 287

حم القضاء فسار عجلان الخطى *** لتغوص فيه سهام كل مرائي

يا ويح زرعة (1) اي يسرى قد من *** سمح تحلى باليد البيضاء

يا ويح شمر أي رأس حز من *** مستأثر بصدارة الرؤساء

ويح الخيول وطأن جثة فارس *** ان يعلهن يجلن في خيلاء

ويح الاكف شققن ستر خبائه *** ورجعن في برد وحلي نساء

ويح السياسة والمطامع والقلى *** ماذا تورث من أذى وبلاء

تحظى ببغيتها وتخلف بعدها *** ما شئت من ثأر ومن شحناء

غرست بأهليها السخائم فارتوت *** بدم الحسين مغارس البغضاء

يا كربلاء سقيت أرضك من دم *** طهر أحال ثراك كنز ثراء

مهما بلغت من الملاحة فالشجى *** يكسو ملامح حسنك الوضاء

ان تنشدي السلوان فالتمسيه في *** ذكرى الحسين وآله السمحاء

ولد عادل الغضبان في 11 / 11 / 1905 م بمدينة مرسين في تركيا من اسرة حلبية الاصل وكان والده ضابطا بالجيش التركي ثم انتقلت اسرته منها وعمره شهران حيث وردوا القاهرة فأقاموا بها وعاش حياته واتصل بدوائرها الأدبية ، له ديوان شعر ضخم سماه ( قيثارة العمر ) فيه شعر عمودي كما ترجم عددا من القصص العالمية : ( دون كيشوت ) ( مملكة البحر ) ( سجين زند ) ( الامير والفقير ) ( الزنبقة السوداء ) وعمل عادل الغضبان بالصحافة الادبية فرأس تحرير مجلة ( الكتاب ) من عام 1945 الى عام 1953 م وله ملحمة شعرية باسم ( من وحي الاسكندرية ) صدرت عام 1964.

يمثل عادل الغضبان امتزاج المدرستين التقليدية والمجددة في صورة دقيقة صادقة ، ويجمع في تكوينه روح حلب وروح مصر ، مدرسة حلب التي جمعت بين الدعوة الى الحرية ونظم الشعر وعرفت بعنايتها بالاسلوب البليغ الناصع وبالشعر الرصين ، وبمدرسة مصر عاش طفلا في القاهرة وارتبطت مطالع حياته بمشاهدها وأدبها وأعلامها قال من قصيدة :

أمنية حقق الرحمن آيتها *** يا رب حقق لنا أقصى امانينا

متى نرى الحق خفاق اللواء على *** مشارف المجد من عالي روابينا

متى يرى الوطن الغالي محطمة *** اغلاله بسلاح من تآخينا

ص: 288


1- زرعة بن شريك وشمر بن ذي الجوشن من قتلة الحسين « ع ».

ترجم له الاستاذ عبد اللّه يوركي حلاق صاحب مجلة ( الضاد ) الحلبية في كتابه ( من اعلام العرب في القومية والادب ) ص 113 - 124 عن كتاب ( تاريخ الشعر العربي الحديث ) تأليف احمد قبش ص 466 ( دمشق 1971 م ).

وانظر ترجمة عادل الغضبان ايضا في ( مصادر الدراسة الادبية ) ج 3 ق 2 ص 1495.

توفي بتاريخ 11 / 12 / 1972.

ص: 289

الشيخ مهدي مطر

اشارة

المتوفى 1395 ه

يا ريشة القلم استفزي واكتبي *** هل كان هزك مثل موقف ( زينب )

هل انت شاهدة عشية صرعت *** منها الحماة ضحى حماة الموكب

المسرعون اذا الوغى شبت لظى *** والمخصبون اذا الثرى لم يعشب

والطالعون بصدر كل كتيبة *** شهباء ترفل بالحديد الاشهب

والمانعون اذا استبيحت ذمة *** والذائدون اذا الحمى لم يرقب

والصادقون اذا الرماح تشاجرت *** فوق الصدور بطعنة لم تكذب

ضربوا عليها منعة من بأسهم *** في غير مائسة القنا لم تضرب

وبنوا لها خدرا فماتوا دونه *** كالاسد دون عرينها المتأشب

* * *

وقفت عليهم كالاضاحي صرعوا *** من كل طلاع الثنية أغلب

هل هزها هذا امقام هالها *** كلا فرشد ثابت لم يعزب

ابت النبوة ان ترى ابناءها *** مخذولة وكذا ابت بنت النبي

يا بنت مقتحم الحصون وقالع *** الباب الحصين بعزمه المتوثب

لك من مقام الفاتحين تمنع *** لولاه عرش امية لم يقلب

ليس الانوثة بالتي تعتاق من *** عزم اذا قال الاله له اغضب

فاذا تجمهرت النفوس وانصتت *** لبلاغة تحكي ( عليا ) فاخطبي

ودعي العيون وان تفجر غيضها *** تنهل من شجو المصاب بصيب

ودعى القلوب تثور في بركانها *** حنقا على خطأ الزمان المذنب

فببعض يوم وقفة لك هدمت *** ما قد بنته امية في احقب

وكأن عاصفة الدمار بملكهم *** عصفت باعصار يثور بلولب

عشرون عاما يحكمون فأصبحوا *** وكأنهم شادوا السراب بخلب

* * *

ان اوقفوك من الاسار بمجلس *** لعب الغرور بوغده المتغلب

فلقد فضحت عقيدة مستورة *** فيهم وعمت ريبة المتريب

ص: 290

من قارص الكلم الممض رميتهم *** بامض لسعا من حماة العقرب

فهي النصول يصول فيها مغضب *** وهي الشفار لجدع انف المعجب

وأريتمهم نفسا تعاظم قدرها *** حتى استهان بحكمهم والمنصب

فتطامنت للارض شوكة طائش *** بسط النفوذ بشرقها والمغرب

سل هاشما هل هانت ابنة هاشم *** يوما وهل فاءت لقرع مؤنب

ما الطهر تنبحها كلاب امية *** كالرجس تنبحها كلاب الحوأب

هذي على صعب المقادة ضالع *** سارت وتلك على الفنيق الادبب

جملان هذا يستنير به الهدى *** رشدا وذاك من الضلال بغيهب

* * *

واسأل امية حين دكت عرشهم *** هل طوحتهم غير وثبة منجب

سقطوا بدهياء اقالت عزهم *** لا يبصرون امامها من مهرب

عجي امية ما حييتم حسرة *** ( كعجيج نسوتكم غداة الارنب )

ولئن ظفرتم بعض يوم انها *** لهزيمة ذهبت بعزك فاذهبي

فقد انزوت عنك الامارة وانطوت *** ايامها فارضي بذاك او اغضبي

ورمت بكوكب النحوس كأنها *** دخلت بنجمك في شعاع العقرب

* * *

ولقد شجاني منك يا ابنة احمد *** يوم متى يخطر لعين تسكب

يوم وقفت من الحسين به على *** متجدل دامي الوريد مخضب

لم تشف خسة قاتليه ولؤمهم *** بالقتل حتى قيل يا خيل اركبي

* * *

وجمعت شملا من نساء ذعرت *** لا يهتدين من الذهول لمهرب

ولكم امضك م نفرار صبية *** لولاك داستها السنابك او صبي

يتفنن الاعداء في ارهابها *** من ضارب او سالب او ملهب

ومطاردات فت في احشائها *** حر الاوام وهجمة من مجلب

كم حلية منها بكف مروع *** نهبا وملحفة بكفي مرعب

هيماء ادهشها المصاب فأذهلت *** مما بها ان لا تلوب لمشرب

وغدت تجمعها السياط لغاية *** فاذا ونت سيقت بذات الاكعب

عات تجشمها الركوب لضلع *** فاذا ابت قالت عصاه لها اركبي

فركبن من شمس النياق وهزلها *** وهما على الحالين اخشن مركب

ما حرة قد كان يزعج جنبها *** لين المهاد وما ركوب المصعب

والعيسى معنفة المسير تضج من *** حاد يجشمها السرى ومثوب

حتى اذا وقفوا بها مكتوفة *** الايدي متى اعيت لجهد تجذب

ص: 291

وكانها ليست صريخة هاشم *** وكانها ليست خلاصة يعرب

والشام ترفل بالحرير وبالحلى *** فرحا وتهزج بالنشيد المطرب

وهناك ما يدمي النواظر والحشى *** مما تصور خسة المتغلب

الشيخ عبد المهدي مطر ولد سنة 1318 ه وهو ابن العالم المجاهد الشيخ عبد الحسين مطر ، لا ابالغ اذا قلت ان الشيخ عبد المهدي كان لا يجاريه في الشاعرية احد من اقرانه ومعاصريه فهو شيخ من شيوخ الادب وعالم حاز المرتبة العالية في فقهه ، وكتب في الاصول كتابا اسماه تقريب الوصول ، شارك في الحفلات الادبية فكان المجلي فيها. وكتب نسبه في مؤلفه المطبوع والموسوم ب ( ذكرى علمين من آل مطر ) ترجم فيه لوالده المغفور له ولعمه الشيخ محمد جواد ، وسألته عن آثاره العلمية فقال كتبت دورة كاملة في الاصول وهي تقريرات المرجع الاكبر السيد ابو القاسم الخوئي كما كتبت كتابا في الدراية والكلام وكتبت كتابا في علم النحو بعنوان : دراسات في قواعد اللغة العربية طبع بمطبعة الآداب بالنجف الاشرف عام 1385 ه اما ديواني المخطوط والمرتب على حروف الهجاء فقد نشرت الصحف اكثره. اقام برهة من الزمن كاستاذ في كلية الفقه في النجف وهو من خيرة الاساتذة. كانت وفاته سنة 1975 م.

من حكمه ونصائحه

سعة الصدر وحسن الخلق *** هي في المرء علامات الرقي

فأرح عقلك بالصمت فقد *** يكمل العقل بنقص المنطق

* * *

اذا الغضب اضطرمت ناره *** فبالصمت أخذ لهيب الضرام

ففي الصمت تدرك ما لا تعيه *** اذا انت أضرمتها بالكلام

* * *

ادب الانسان خير *** للورى من ذهبه

كم يغطي فيه قبحا *** ظاهرا في نسبه

* * *

اذا خاض ناديك في قيلة *** فاسلم من أن تقول استمع

فان ضاق يوما عليك الكلام *** فباب السكوت اذا متسع

ص: 292

استقى هذه الحكم من اقوال اهل البيت وحكمهم فقد جاء عن امير المؤمنين علي علیه السلام : آلة الرئاسة سعة الصدر. وقالوا : السكوت راحة للعقل. وقالوا : طلب الادب اولى من طلب الذهب. وقالوا : انما جعل للانسان لسان واحد مع عينين واذنين ليسمع ويبصر اكثر مما يتكلم وقد اكثر الادباء من نظم هذا المعنى

( يا ابا الزهراء )

هو يوم بعثك ام سنى يتبلج *** ملأ البسيطة نوره المتأجج

أترى الجزيرة أبصرت بك ساعة *** هي بعد عقم في المواهب تنتج

ام ان غماء الكروب وقد طغت *** فوق النفوس بيوم بعثك تفرج

يا صيحة شأت الاثير فأسرعت *** للفتح في طياته تتموج

تلج القلوب المقفلات عن الهدى *** دهرا فتلهب وعيهن فتنضج

شقت دياجير العصور فاسفرت *** عنها ووجه ( الاحمدية ) أبلج

وتفلقت هام الطغاة بعدلها *** حتى استقام على الطريقة اعوج

فالنغمة الفصحى سلاحك ان غدت *** رسل السماء بدعوة تتلجلج

والشرعة البيضاء عندك قوة *** فيها تقارع من تشاء فتفلج

وفتحت ابواب الهدى فتفتحت *** طرق تسد وباب رشد يرتج

أبصرت من صور الجزيرة عالما *** يسري بمختبط الضلال وينهج

فضعافها سلع تباع وتشترى *** وقويها ملك هناك متوج

شأت الوحوش ضراوة فسلاحها *** بدم الوئيدة والوئيد مضرج

وتنافست هي والذئات على دم *** تمتصه وعلى اهاب تبعج

وعلى الخدور الآمنات تروعها *** وعلى النفوس المطمئنة تزعج

حتى اذا انتفضت عليهم وثبة *** من خادر هو من عرين ينفج

ابدى لهم من راحتيه فراحة *** توهي الذي نسجوا واخرى تنسج

فالسيف ينطف من دماء رقابهم *** والروح يهبط بالسلام ويعرج

يجتاز من عقباتهم أخطارها *** وان اختفوا خلف الدباب ودحرجوا

فاذا الجزيرة بعد محل اصبحت *** زهراء من نفحاته تتأرج

فغدوا ولا الاحقاد تقدح فيهم *** ضرما ولا نيرانها تتأجج

وتطاول الاسلام باسمك عاليا *** فسما بمجدك حصنه المتبرج

نهض الطموح به فبانت خيله *** للفتح تلجم في المغار وتسرج

ومشى على هام الدهور نظامه *** يسري بمظلمة العصور ويدلج

حتى تقاربت الخطى واذا به *** كالسهم يدخل في الصميم ويخرج

ص: 293

يطوي القرون بجدة لم يبلها *** قدم ولون في الهداية يبهج

فتطايحت بالوحي من شرفاتهم *** قمم ودك لها نظام اهوج

فاذا صدى الاجيال بعد مرورها *** مترنم باسم ( الحنيفة ) يهزج

واذا ( ابو الزهراء ) فوق شفاهها *** كالذكر تدأب في ثناه وتلهج

واذا الصلاة عليه خير فريضة *** فيا لدين تقحم في الصلاة وتمزج

( يوم وفود الغدير )

أعلى غديرك هذه اللمعات *** ام من عبيرك هذه النفحات

يهتز يومك وهو يوم حافل *** بالرائعات تحفها البركات

يوم تتوجك السماء ببيعة *** عصماء لم تعبث بها ( الفلتات )

جبريل يحمل سرها ومحمد *** كان المبلغ والقلوب وعاة

ربحت بها الدنيا وولى خاسر *** منها تؤجج صدره الحسرات

بسمت لها غرر الزمان وحولت *** عنها الوجوه الكالحات جفاة

فكان يومك وهو يوم مسرة *** غيض تشق به الصدور ترات

ولرب مغبون تكلف بسمة *** تطغى عليها احنة وهناة

فدع الصدور يغص في اكظامها *** منهم فضاء او تضيق فلاة

فالكون يطربه ولاؤك كلما *** غنت بركب الماجدين حداة

ولانت محورها وتلك مواهب *** هبطت عليك ، وللسماء هبات

ذات من الطهر انبرت فتقدست *** ان لا تماثلها بطهر ذات

كف العناية توجتك بتاجها *** رضيت نفوس ام ابت شهوات

من در يومك يحتسي شرع الهدى *** رشدا ومن لمعاته يقتات

قرت به عين الزمان وانه *** ابدا بعين الناقمين قذاة

لبيك يا بطل المواقف ولتطح *** من دون كعبك هذه النكرات

وفداك رواغون لم تفقدهم *** الهيجاء ان عاشوا لها أو ماتوا

* * *

فغداة ( عمرو ) حين زمجر في الوغى *** كالليث تحجم عن لقاه كماة

وسطى فاما ان تثلم شفرة *** للدين دهرا او تقوم قناة

وتلاوذت عنه الكماة ببعضها *** شأن القطاة بها تلوذ قطاة

فتنافح العصب الابي وهبهبت *** ( بفتى نزار ) نخوة وثبات

فانصب منقضا عليه اذا به *** صيد قد انقضت عليه بزاة

وادال للاسلام من سطواته *** وغدت تدور بأهلها السطوات

ص: 294

وغداة خيبر والحصون منيعة *** والبأس جاث والقروم حماة

والموت في يد مرحب قد سله *** عضبا رهيفا لم تخنه شباة

وتحامت الاسد الغضاب فرنده *** ان لا تطيح رؤوسها الشفرات

ولراية الاسلام لما أعطيت *** لسوى فتاها محنة وشكاة

فهنالك الفشل المريع اصابها *** وهناك راحت تسكب العبرات

وتراجعت بالناكلين يذمها *** خور وتشكو حربها اللّهوات

حتى اذا اهتزت بكف مديرها *** رقصت بيمناه لها العذبات

فتنازلا وسط الهياج ولم تكن *** مرت هناك عليهما لحظات

واذا بفارس خيبر او داجه *** لحسام ( فارس هاشم ) نهلات

* * *

( هذي وفوك ) اقبلت ترتاد من *** حوض الولاء قلوبها الشغفات

قم حي وفدك ان دارك كعبة *** عظمى وليس لحجها ميقات

من اي ناحية اتاك مؤمل *** ملأت حقايب ركبه الحسنات

واديك وهو الطور في ذكواته *** تشتاق رمل هضابه عرفات

هذا هو الوادي الذي يلجى له *** وتقال من زلاتها العثرات

هذا هو الوادي الذي فيه استوت *** في الدارجين رعية ورعاة

ترتاده الاحياء تحكم بيعة *** وتلوذ في حفراته الاموات

ويبيت روع اللاجئين اليه في *** حصن منيع ما بنته بناة

* * *

والليل يعلم ان حيدر لم ينم *** فيه سوى ما تقتضيه سناة

متقوسا لله في محرابه *** شبحا تذيب فؤاده الزفرات

قلق الوساد وانه لصحيفة *** بيضاء لم تعلق بها شبهات

يحنو على العافي الضعيف فترتعي *** فيه الضعاف وتستقيم عفاة

ولهان تقلقه جياع سغب *** وتسيل دمعة مقلتيه عراة

يشجيه ان يمسي الضعيف فريسة *** وتعود نهب الناعلين حفاة

ويضيق ذرعا ان يذيب شحومهم *** بؤس وتمتص الدماء قساة

قلب تفجر لليتامى رحمة *** هو للطغاة الغاشمين صفاة

ويد تمد الى الضعاف تغيثهم *** هي للقوى حديدة محماة

لو شاهد الوضع المرير تفجرت *** منه العيون وفاضت الحسرات

لا السوط مرفوع به عن منكبي *** هذا البريء ولا العصى ملقاة

مشت السنين فلم تغير جريه *** النيل نيل والفرات فرات

وكأنما هذي العصور تضامنت *** ان لا يبارح حكمهن طغاة

ص: 295

عدوى بها سقت الامارة بعضها *** بعضا وضاعت عندها الحرمات

ولعل اول ساحة ممقوتة *** غرست عليها هذه الشجرات

غصب الوصاية من علي فهي *** للعدوان اصل فارع ونواة

اذ اغفلوا ( يوم الغدير ) وانه *** يوم رواة حديثه أثبات

سبعون الفا هل تبقى منهم *** يوم السقيفة حاضر او ماتوا

هذي المآسي الداميات وانها *** عبر تمر على الورى وعظات

تزوي الفتوة عن رفيع مقامها *** وتحل فيه اعظم الهرمات

فانظر بمجدك اي عاتق معتد *** تلقى عليه هذه التبعات

أعلى الذين تقدمت أقدامهم *** من ليس تنكر سبقه الحملات

ام للذين اكفهم للبيعة *** الحمقاء قد خفت بها الحركات

ام للاولى وجدوا الطريقة وعرة *** فتتابعوا فيها وهم اشتات

يتراكضون على ركوب مهالك *** عمياء ما بعبابها منجاة

ووراءهم لحب الطريق تنيره *** للسالكين ائمة وهداة

فاترك ملامتها لعمرك انها *** قتلى نفوس ما لهن ديات

واعطف على ( الحبل المتين ) فعنده *** تلقى الرحال وتنشد الحاجات

وتناخ في عتباته مهزولة *** فتعود ملأ اهابها خيرات

* * *

يا سيدي فاقبل مديحي انها *** زفت لمجدك هذه الخفرات

وافتك تسحب من حياء ذيلها *** لتفوز عندك هذه الخدمات

فادفع لها الثمن الكريم وان تكن *** قلت فتلك بضاعة مزجاة

وانا الذي لولاك لم يقدح له *** زند ولم تضرم له جذوات

( دمعة على الحسن السبط ) عام 1363 ه

يا راية الحمد اصدري او ردي *** فانت بعد اليوم لن تعقدي

ما انت بعد الحسن المجتبى *** خفاقة في راحتي سيد

فخبرينا وحديث العلى *** أن ترسليه انت او تسندي

من دك طود الحلم من شامخ *** من قال يا نار الرشاد اخمدي

من صاح في الرائد يبغى الندى *** قوض على رحلك يا مجتدي

من دق من هاشم عرنينها *** من جذ من فهر يد الايد

كيف ارتقى الحتف الى قلعة *** من الابا ملساء لم تصعد

وكيف لم تعقره في غابها *** زمجرة للاسد الملبد

ص: 296

يا فرقد الافق ومغنى الدجى *** في غيهب الليل عن الفرقد

ما انصفتك الحادثات التي *** شذت فكانت منك في مرصد

الم تكن أندى نزار يدا *** للرايح الطاوي وللمغتدي

وقبلها كنت امام الهدى *** وان تنتحيت عن المقعد

من زحزح الامرة عن خصبها *** فيك. لهذا الصحصح الاجرد

وما الذي اعتاضت يد حولت *** عنك ولاها. تربت من يد

اما لديها من محك به *** تميز الصفر عن العسجد

حادت عن الوبل الى خلب *** لاح بذاك البارق المرعد

وانقلبت عن صيب نافع *** الى جفاء الحبب المزبد

لاوجه ملساء ما قابلت *** قارصة العتب بوجه ندي

تركب متن الحكم عريانة *** من كل مجد طارف متلد

ان قام منها للعلى ناهض *** قال له لؤم النجار اقعد

يا لك من مبتزة امرة *** تزوى عن الاقرب للابعد

فراحت الضلال في غيهب *** تسأل هذا الليل عن مرشد

وجمرة الوحي خبت فانبرى *** يفحص زند الحق عن موقد

حالت لهيبا كل آماله *** يا غلة الصديان لا تبردي

قدنشزت عنك ولود المنى *** فانزع يديها منك أو فاشدد

كأن سعد الحظ آلى بأن *** لا يصدق الامة في موعد

تسأله ابيض ايامها *** فزجها في يومها الاسود

يوم على الامة تاريخه *** يسكب دمع الذل لم يجمد

مقروحة الاجفان باتت على *** ليلة ذاك العائر الارمد

اذ قبع الحق على رغم ما *** اسداه في زاوية المسجد

وامسك الطيش بأنيابه *** على زمام الملك والمقود

راح يغذى الملك من حيثما *** ينحت جسم العدل في مبرد

فضاعت الاخلاق قدسية *** وطوح التنكيل بالسؤدد

وعاد فيء الوحي العوبة *** من ملحد يرمى الى ملحد

اهواؤهم قدعبثت بالورى *** ما يعبث القدوة بالمقتدي

* * *

لارعت يا ابن الوحي في مثلها *** من حادثات الزمن الانكد

ان تسلب البرد الذي لم يكن *** غيرك اهلا فيه ان يرتدي

فما سوى الصبر لحكم القضا *** لفاقد الناصر والمنجد

هل تملك الاحرار رأيا اذا *** مالت رقاب الناس للاعبد

ص: 297

ان يركبوا الحكم فما ذللوا *** منك جماح الشامخ الاصيد

أو يسبقوا الوقت فلم يدركوا *** سوطا على مجدك لم يبعد

راموا فلم يسجد لاعتابهم *** وجه لغير اللّه لم يسجد

عضوا على مروته فانثنوا *** لم يمضغوا منه سوى الجلمد

غطرفة جائتك من حيدر *** وعزة وافتك من احمد

لم يكفهم انك سالمتهم *** طوعا ولم تمدد يد المعتدي

واذ رأوا انك في منعة *** عنهم بحد العامل الاملد

دسوا اليك الموت في شربة *** تنفذ لو صبت على جلمد

فرحت تلقي قطعا من حشا *** حرى بجمر السم لم تبرد

وغاضهم دفنك مع احمد *** ان يلتقي المجدان في مرقد

فاستهدفوا نعشك واستصرخوا *** ببغل ذات الجمل المقعد

والقضب في أيمان عمرو العلى *** ان هجهجت بالضيم لم تغمد

وصية منك اهابت بهم *** ان لا يقولوا يا سيوف احصدي

* * *

اخرس تأبينك من هيبة *** السنة الابكار من خردي

فامسكت فيك يدى لم تخف *** من نهشة اليوم ولسب الغد

هذي يدي تحمل درياقها *** يا حمة الايام هذي يدي

( يوم الحسين الدامي ) نظمت في مواكب صفر 1366 ه

وافتك جندا يستثير ويزعر *** فقد المواكب انها لك عسكر

لا تسلمن الى الدنية راحة *** ما كان اسلمها لذل حيدر

وابعث حياة الناهضين جديدة *** فيها الاباء مؤيد ومظفر

وارسم لسير الفاتحين مناهجا *** فيها عروض الطائشين تدمر

ان لم تلبك ساعة محمومة *** ذمت فقد لبت ندائك اعصر

قم وانظر البيت الحرام ونظرة *** اخرى لقبرك فهو حج اكبر

اصبحت مفخرة الحياة وحق لو *** فخرت به فدم الشهادة مفخر

قدست ما أعلى مقامك رفعة *** أخفيه خوف الظالمين فيظهر

* * *

شكت الامارة حظها واستوحشت *** اعوادها من عابثين تأمروا

وتنكرت للمسلمين خلافة *** فيها يصول على الصلاح المنكر

سوداء فاحمة الجبين ترعرعت *** فيها القرود ولوثتها الانمر

ص: 298

سكبت على نغم الاذان كؤوسها *** وعلى الصلاة تديرهن وتعصر

تلك المهازل يشتكيها مسجد *** ذهبت بروعته ويبكي منبر

فشكت اليك وما اشتكت الا الى *** بطل يغار على الصلاح ويثأر

تطوى الفضائل ما عظمن وهذه *** أم الفضائل كل عام تنشر

جرداء ذابلة الغصون سقيتها *** بدم الوريد فطاب غرس مثمر

وعلى الكريهة تستفزك نخوة *** حمراء دامية ويوم احمر

شكت الشريعة من حدود بدلت *** فيها واحكام هناك تغير

سلبت محاسنها امية فاغتدت *** صورا كما شاء الضلال تصور

عصفت بها الاهواء فهي اسيرة *** تشكو وهل غير الحسين محرر

وافى بصبيته الصباح فساقهم *** للدين قربان الاله فجزروا

ادى الرسالة ما استطاع وانما *** تبليغها بدم يطل ويهدر

فبذمة الاصلاح جبهة ماجد *** ترمى ووضاح الجبين يعفر

لبيك منفردا احيط بعالم *** تحصى الحصى عددا وما ان يحصروا

لبيك ضام حلؤوه عن الروى *** وبراحتيه من المكارم ابحر

* * *

هذي دموع المخلصين فرو من *** عبراتها كبدا تكاد تفطر

واعطف على هذى القلوب فانها *** ودت لو انك في الاضالع تقبر

يتزاحمون على استلام مشاعر *** من دون روعتها الصفا والمشعر

ركبوا لها الاخطار حتى لو غدت *** تبري الاكف او الجماجم تنثر

وافوك ( يوم الاربعين ) وليتهم *** حضروك يو الطف اذ تستنصر

لدرت امية اذ اتتك بانها *** ادنى بان تنتاش منك وأقصر

وجدوا سبيلكم النجاة وانما *** نصبوا لهم جسر الولاء ليعبروا

ذخروا ولاك لساعة مرهوبة *** اما الحميم بها واما الكوثر

وسيعلم الخصمان ان وافوك من *** يرد المعين ومن يذاد فيصدر

( شعلة الحق ) ( او ذكرى الامام الصادق ع ) عام 1365 ه

لمن الشعلة تجتاح الظلاما *** قعد الكون لها فخرا وقاما

طلعت من فجرها صادقة *** وغدت تلقي على الشمس لثاما

وانارت افقا قد عسعست *** ظلمات فيه للجهل ركاما

فترة فيها ازدهى العلم فكم *** ايقظت من رقدة الجهل نياما

ص: 299

وارتوى الظامئ من منهلها *** بعدما التاح فلم يبلل اواما

قام فيها منقذ من ( هاشم ) *** غلب الدهر صراعا وخصاما

واذ الامة ظلت حقبة *** ليس تدري اين تقتاد اللجاما

قارعت ايامها فانتخبت *** بينها ( جعفر ) للحق اماما

فحمى حوزتها في فكرة *** صقلتها نفحة الوحي حساما

وانثنى يدفع من تضليلهم *** حججا كانت على الدهر اثاما

مخمدا نارا لهم قد أضرمت *** لم تكن بردا ولا كانت سلاما

لا تسل شرع الهدى كيف بنى *** صرحه الشامخ او كيف اقاما

سل عروش الجور منهم كيف قد *** دكها في معول الحق انهداما

هبهبت في بوقها مدحورة *** لهمام لم يعش الا هماما

مزبد اللجة ما خانت به *** سورة التيار جريا وانتظاما

نبعة من هاشم شبت على *** درة الوحي رضاعا وفطاما

لو رأتها امة العرب بما *** قد رآها اللّه من قدر تسامى

لازدرت في امم الدنيا على *** ولطالت هامة النجم مقاما

حكم منه اضاعوها ولو *** لم تضع اصبحن للكون نظاما

واستعاضوا دونها زائفة *** دسها العابث في الدين سماما

لاعب جاراك هيهات فقد *** سهرت عيناك للحق وناما

شدما قدمها مائدة *** كان فيها الدس في الدين اداما

* * *

وعصور فحصت عن منقذ *** انجبت فيك وقد كانت عقاما

أنت يا مدرسة الكون التي *** خرجت للكون ابطالا عظاما

انت احييت رميما للهدى *** صيرته لفحة الغي رماما

عرفك الذاكي وكم تنشقه *** من انوف ولو ازدادت زكاما

هذه الامة في حيرتها *** قد اناطت بك آمالا جساما

اتراها حين لم تأخذ على *** حظها منك قد ازدادت سقاما

مشعل الحق الذي ضاء لنا *** ميز المبصر ممن قد تعامى

* * *

ولقد غررني في وصفه *** انني ملتهب الفكر ضراما

فارس الآداب في حلبتها *** جامح الفكرة لا يلوي زماما

فتأهبت وعندى خاطر *** أهبة السائح لم يبصر مراما

واذا بي خائض من وصفه *** لجة خاض بها الكون فعاما

انا في معناك عقل سادر *** اكذا مثلي حيرت الاناما

ص: 300

انت يا مفخرة الدهر ومن *** قد توطأت من المجد السناما

أكما قيل على رغم الهدى *** بيد الجور تجرعت الحماما

من طغام ضرجت تاريخها *** بدم الحق مضاعا ومضاما

سنة خطت لكم من سابق *** كيفما متم فقد متم كراما

رمتم الاخرى فلم تتخذوا *** لكم من متع الدنيا حطاما

* * *

أمة العرب احفظيها ذمة *** لابي كان لم يخفر ذماما

جددي الذكرى له واحتفلي *** واجعلي عندك ذكراه لزاما

واهتفي باسم امام الحق لو *** صح ان لا تجعلي النوح ختاما

ص: 301

المستدركات

ابو القاسم المغربي

الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد المغربي

المتوفى سنة 418

قال وقد لجأ الى مشهد الحسين بن علي بن ابي طالب علیهم السلام

تحصنت من كيد العدو وآله *** بمجنبة من حب آل محمد

ودون يد الجبار من أن تنالني *** جواشن أمن صنتها بالتهجد

ألح على مولى كريم كأنما *** يباكر مني بالغريم اليلندد

ليسلمني من بعد أن أناجاره *** وقد علقت احدى حبائله يدي (1)

ترجم له العماد الحنبلي في ( شذرات الذهب ) فقال : ابو القاسم بن المغربي الوزير واسمه حسين بن علي الشيعي ، لما قتل الحاكم بمصر أباه وعمه واخوته هرب وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه فأكرم مورده ثم وزر لصاحب ميافارقين احمد بن مروان الكردي ، وله شعر رائق وعدة تآليف عاش ثمانيا واربعين سنة وكان من ادهى البشر وأذكاهم.

وترجم له الحموي في معجم الادباء قال : ابو القاسم المعروف بالوزير المغربي الاديب اللغوي الكاتب الشاعر ، ولد فجر يوم الاحد ثالث عشر ذي الحجة سنة سبعين وثلثمائة وحفظ القرآن وعدة كتب في النحو واللغة وكثيرا من الشعر ، وأتقن الحساب والجبر والمقابلة ولم يبلغ العمر أربعة عشر ربيعا وكان حسن الخط سريع البديهة في النظم والنثر. ولما قتل الحاكم العبيدي اباه وعمه وأخويه هرب من

ص: 302


1- طبقات المغربي للداودي ج 1 / 154.

مصر فلما بلغ الرملة استجار لصاحبها حسان بن الحسن بن مفرج الطائي ومدحه فأجاره وسكن جأشه وأزال خوفه ووحشته ، أقول وذكر له جملة من المنظوم.

وترجم له الداودي في طبقات المفسرين وقال : اختصر كتاب اصلاح المنطق في اللغة وابتدأ في نظم ما اختصره قبل استكماله سبع عشرة سنة ، وصنف كتاب ( الايناس ) وهو مع صغر حجمه كثير الفائدة وكتاب ( الالحاق بالاشتقاق ) وكتاب ( ادب الخواص ) وكتاب ( الشاهد والغائب ) بين فيه اوضاع كلام العرب والمنقول منه واقسامه تبيانا يكاد يكون أصلا لكل ما يسأل عنه من الالفاظ المنقولة عن أصولها الى استعمال محدث وكتاب ( فضائل القبائل ) وكتاب أخبار بني حمدان واشعارهم واملاءات عدة في تفسيرالقرآن العظيم وتأويله.

وروى موطأ مالك وصحيح مسلم وجامع سفيان وقارض ابا العلاء المعري بمكاتبات أدبية كثيرة الغريب ، وقال الشعر الجيد ، وبرع في الترسل وصار اماما في كتابة الانشاء وكتابة الحساب وتعرف في فنون من علم العربية واللغة.

قتل مسموما بميافارقين في ثالث عشر شهر رمضان سنة ثماني عشرة واربعمائة وحملت جثته الى الكوفة فدفن بتربة كانت له بجوار قبر علي بن أبي طالب علیه السلام وله ديوان شعر ومن شعره قوله :

أقول لها والعيس تحدج للسرى *** أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر

سأنفق ريعان الشبيبة آنفا *** على طلب العلياء أو طلب الاجر

أليس من الخسران أن لياليا *** تمر بلا نفع وتحسب من عمري

اقول أخذ المعنى من شاعرنا محمد مهدي الجواهري بقوله :

خليلي من ظلم الليالي بأنها *** تمر على رغمى وتحسب من عمري

هلما نبع عمرا ونشري مسرة *** فليس بعدل أن نبيع ولا نشري

ص: 303

وترجم له ابن حجر العسقلاني في ( لسان الميزان ) كما ترجم له اليافعي في ( مرآة الجنان ) وترجم له من المعاصرين الشيخ محمد السماوي في مخطوطه ( الطليعة من شعراء الشيعة ) قال : وقوله في غلام حلق شعره.

حلقوا شعره ليكسوه قبحا *** غيرة منهم عليه وشحا

كان قبل الحلاق ليلا وصبحا *** فمحوا ليله وأبقوه صبحا

وذكر له من الشعر قوله

صلى عليك اللّه يا من دنا *** من قاب قوسين مقام النبيه

اخوك قد خولفت فيه كما *** خولف في هارون موسى أخيه

هل برسول اللّه من اسوة *** لم يقتد القوم بما سن فيه

وقوله :

أيا غامضين المزايا الجليلة *** من المرتضى والسجايا الجميلة

ويا غامضين عن الواضحات *** كأن العيون لديها كليلة

اذا كان لا يعرف الفاضلين *** الا شبيههم في الفضيلة

من ابيات تزيد على العشرة ذكرناها ونقلناها عنه في مخطوطنا ( ما تشتهي الانفس ) ج 3 / 278.

ص: 304

ابن أبي الخصّال الشقوري

المتوفى 540 ه

كتب الدكتور عبد السلام الهراس مقالا عنوانه ( مأساة الحسين في الادب الاندلسي ) ونشر هذا المقال في مجلة ( المناهل ) المغربية والتي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية في الرباط. وفي العدد 14 من السنة السادسة.

وذكر شعر أبي عبد اللّه محمد بن ابي الخصال الشقوري المتولد سنة 465 ه والمتوفى 540 ه وقال : هو الكاتب المرابطي البليغ وقد استحيى مأساة الحسين وجدد ذكرى كربلاء ، ولا شك انه انشأ عدة قصائد وقطع نثرية في الموضوع ، لان الرجل كان غزير الانتاج جياش العاطفة ، يمتح من نفس مليئة بالاحزان تنفجر من اغوار عميقة ، لكن لم نسمع من ذلك الانتاج الا بعض الابيات خلال قصائد نبوية ، وقصيدتين رواهما ابن خير عن الشاعر نفسه كما نص على ذلك في كتابه المفيد ( الفهرست ) (1) والقصيدتان حسب ما وصل عن ابن خير احداهما على قافية النون المردفة بالاف ، والثانية على قافية التاء بعد الالف. والى حدود السنتين الاخيرتين كان البحث يعتبرهما مفقودتين الى ان وفقنا أخيراً الى اكتشافهما ، فوقعنا بذلك لاول مرة على بداية واضحة صادقة لعشر بكاء الحسين في قصائد مستقلة.

يقول في الاولى :

عرج على الطف ان فاتتك مكرمة *** واذر الدموع بها سحا وهتانا

وابك الحسين ومن وافى منيته *** في كربلاء مضوا مثنى ووحدانا

يا ليت اني جريح الطف دونهم *** أهين نفسا تفيد العز من هانا

اني لاجعل حزني فيهما ترفا *** يكون للذنب تكفيرا وغفرانا

لله عين بكت ابناء فاطمة *** ترى البكا لهم تقوى وايمانا

ص: 305


1- فهرست ابن خير ص 421.

ما سرني ببكائي ملك قاتلهم *** ومثله معه لو صح أو كانا

آليت باللّه لا أنسى مصائبهم *** حتى أضمن اطباقا واكفانا

فيا محمد قم لله معترفا *** فان ربك قد أولاك احسانا

لم يفرغ اللّه في جنبيك حبهم *** الا لتلقى به فوزا ورضوانا (1)

قال وهي تبلغ عندنا ثلاثة عشر بيتا :

اما الثانية فتبلغ تسعة وعشرين بيتا ، يقول فيها :

لهف نفسي على الحسين ومن لي *** ان يقضي حقوقه عبراتي

يا جنوني برئت منك اذا لم *** تغرقي في بحورها نظراتي

لهف نفسي على قتيل يعزى *** عنه خير الآباء والامهات

اي عيش يطيب بعد قتيل *** مات بالمرهفات اي ممات

حرموه ماء الفرات ولوا *** جده ماسقوا بماء الفرات

وثووا في قصوره واطمأنوا *** وبنات الرسول في الفلوات

ان في كربلاء كربا سقيما *** فتن المؤمنين والمؤمنات

فاتني نصركم بنصلي فنصري *** بفؤاد مجدد الزفرات

وقواف موسومة بدموع *** قدحت في توقد الجمرات

ما بقاء الدموع بعد حسين *** فخذي من صميم قلبي وهات

أتكون الدموع فيه وفي الناس *** سواء كلا وهادي الهداة

هون اللّه بعدهم كل خطب *** وحلت لي علاقم الحادثات

ولابن ابي الخصال عدة قصائد نبوية منها قصيدته الشهيرة المسماة بمعراج المناقب ومنهاج الحب الثاقب عارض بها قصائد حسان بن ثابت ، وقد خمسا ابو عبد اللّه محمد بن الحسن بن جيش المرسي ، وبفضل هذا التخميس استطعنا التقاط ابيات من شعر ابي الخصال في هذا المجال ، يقول في الموضوع الذي يهمنا :

ص: 306


1- مصورة لمخطوط يملكها الاستاذ مصطفى الطاهري الذي يهيئ رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا في موضوع ( ابن أبي الخصال حياته وأدبه ).

ويلحقهم فضل الشفاعة بالرضى *** كلوا واشربوا من خير أكل ومشرب

سوى أن قوما جعجعوا بابن بنته *** وحفوا به من قاتل ومؤلب

وانحوا على أوداجه كل مرهف *** طرير وحزوا رأسه لتتوب

كأنهم لما أباحوا حريمه *** أباحوا حريم الديلمي المحرب (1)

ويقول في احدى الحسينيات :

ولو حدثت عن كربلاء لابصرت *** حسينا فتاها وهو شلو مقدد

وثاني سبطي احمد جعجعت به *** رعاة جفاة وهو في الارض أجرد

ولم يرقبوا الا لآل محمد *** ولم يذكروا أن القيامة موعد

وان عليهم في الكتاب مودة *** بقرباه لا ينحاش عنها موحد

فيا سرع ما ارتدوا وصدوا عن الهدى *** ومالوا عن البيت الذين به هدوا

ويا كبدي ان انت لم تتصدعي *** فانت من الصفوان اقسى وأجلد

فيا عبرتي ان لم تفيض عليهم *** فنفسي أسخى بالحياة وأجود

أتنتهب الايام فلذة احمد *** وافلاذ من عاداهم تتودد

أيضحى ويظمى احمد وبناته *** وبنت زياد وردها لا يصرد

وما الدين الا دين جدهم الذي *** به أصدروا في الصالحين وأوردوا

ينام النصارى واليهود بأمنهم *** ونومهم بالخوف نوم مشرد

وما هي الا ردة جاهلية *** وحقد قديم بالحديث يؤكد

ان ابن ابي الخصال يلح على مأساء كربلاء ويقدمها في صور شتى ويكرر افكاره خلال قصائده وهو أول شاعر اندلسي - فيما نعلم - يعتبر قتل الحسين ردة جاهلية ذلك القتل الذي كان بدافع حقد قديم يضمره بنو عبد شمس لبني هاشم قبل الاسلام وأكده الحديث ، كما أبرزته الاحداث بعد الدعوة الاسلامية ويؤكد كفر القتلة نثرا في بعض رسائله بقوله : وما يلقاها الا كل خارج عن الاسلام ومارق ، كلا ان ملائكة العذاب لتدخل عليهم بالمقامع من كل باب ، فأي وسيلة بينهم وبين شفاعة جده يوم الحساب (2).

أدرك ابن أبي الخصال مكانة عالية على عهد المرابطين كما يتبين ذلك من انتاجه الادبي الغزير لكنه نشب في ثورة فاشلة

ص: 307


1- ازهار الرياض مخطوط بالخزانة العامة بالرباط.
2- رسائل ابن أبي الخصال ، توجد لدى الاستاذ الطاهري مصطفى.

عليهم مع عامل قرطبة ابن الحاج الذي كان ملازما له بالاندلس والمغرب ، وقد نجا من هذه الورطة ليعتزل الحياة السياسية ويزهد في المناصب ، سيما وقد شاهد من الفتن والقلاقل والتمردات ما زهده في تلك الحياة ، فلزم داره خائفا من تلك الاحقاد القديمة ولم يسلم المترجم له حتى ذبحه بعض الجنود الاجلاف واقتحموا داره ونهبوها وكان ذلك يوم السبت 12 ذي الحجة سنة 540 ه ولما توفي الرجل كان العلماء والادباء يقصدون قبره ويزورونه ويجيبونه بقولهم : السلام عليك يا زين الاسلام.

ص: 308

الحاج محمّد عجينة

المتوفى 1334

أميلوها الى ذات اليمين *** على آجام آساد العرين

ركائب حملت وجدا وشوقا *** وما يسمو على الدر الثمين

الى بلد به خلفت روحي *** تحن حنين فاقدة القرين

ذكرت بها الاحبة حين أودى *** بهم في كربلا ريب المنون

الحاج محمد عجينة النجفي من الاسرة التي اشتهرت بالتجارة وسعة الحال ولقب الشاعر نفسه بالهمداني - بسكون الميم - نسبة الى القبيلة اليمانية المعروفة لانه كان دائما يتمثل بالابيات المنسوبة الى الامام علیه السلام في قبيلة همدان.

دعوت فلباني من القوم عصبة *** فوارس من همدان غير لئام

وكان يقول : انا همداني بالولاء والسبب لا بالاصل والنسب فتغلب هذا اللقب عليه ، وكان أبوه الحاج صالح وجماعة آخرون يترددون للتجارة بين العراق ونجد والحجاز كآل الحبوبي وآل شكر وآل زيني ، وقد اختار والده الحاج محمد صالح سكنى مدينة الرسول ومجاورة سيد العالم فتوفي بالمدينة المنورة وعلى اثر ذلك هاجر ولده المترجم له من النجف في ريعان شبابه واستوطن قاعدة الامارة الرشيدية في نجد ( جبل حائل ).

ص: 309

واتصل هناك بالعلامة السيد محمد سعيد الحبوبي واستوحى منذ بعض الخواطر الادبية وملكاته الشعرية قال الشيخ اليعقوبي : رايت له بعض المطارحات المرتجلة مع السيد الحبوبي رحمه اللّه بلغة أهل البادية وهو الشعر الذي يسمى عندهم ب ( القصيد ) ولقد قربته مواهبه الادبية لدى اميري نجد وهما : محمد بن عبد اللّه الرشيد وابن أخيه عبد العزيز بن متعب فكانت له عندهما حظوة ومنزلة سامية ومدحهما بقصائد جمة وما وردت على القصر الرشيدي قصائد هجائية من شعراء آل سعود الا وانتدب من قبل الاميرين المذكورين للرد عليها حتى اذا اتفقت له خصومة مع احد الاكابر في المدينة استعدى فيها الامير الثاني على خصمه فلم يجد منه أية عناية فسافر على أثر لك من نجد متجها نحو المدينة ومكة والطائف وأقام في تلك العواصم برهة ثم عاد الى نجد مؤكدا صلاته مع امرائها مرة ثانية فرضي عنهم ورضوا عنه.

قال الشيخ اليعقوبي : وقفت على مجموعة من شعره كان قد جمعها بقلمه في حياته عند أحد أبناء عمه وجل ما فيها لم يتعد الاساليب القديمة مدح وهجاء وحماس ورثاء وغزل وتشبيب واليك بعض ما اخترناه منها. قال يمدح امير نجد ويذكر بعض مغازيه :

سر على اسم اللّه فالسعد تجلى *** لك من قبل ونجم النحس ولى

لك جند اللّه والحزب الذي *** بلظى هيجائه الاعداء تصلى

فالق من شئت ولا تخش العدى *** قد كسا اللّه بك الاعداء ذلا

وبنو وائل لما أن عصوا *** وتمادوا في سبيل الغي فعلا

يوم هاجت للشقا اقرانها *** فسقاها حتفها علا ونهلا

كم بهم غادرت من نائحة *** تندب الاهل بشجو فهي ثكلى

طلع الفجر عليها بالردى *** فغدت كالليل بالصبح اضمحلا

وربيع الخلق ان اسغبهم *** عام جدب ترك الارجاء محلا

واذا يعرب يوما فاخرت *** كنت أحماها جوارا وأجلا

حكم السيف بهامات العدى *** ان غير السيف لا يحكم عدلا

وله فيها ايضا :

أيا ملك الملوك ومن بيوم *** الندى قد كان أرحمهم جنانا

وحين غزا العتاة بأرض نجد *** هوت لوجوهها ولوت رقابا

جررت على العصاة جيوش عز *** تدك الارض بالزحف اضطرابا

ص: 310

اذا ما الخيل بالابطال جالت *** تراهم فوقها اسدا غضابا

سرايا عزمه لو صادمتها *** جبال تهامه عادت سرابا

فكم من نار حرب اخمدوها *** وكم خاضوا لها بحرا عبابا

ومهدت البلاد كأنما قد *** ضربت على جوانبها حجابا

وكم اوضحت فيها من سبيل *** تعفى رسمه وغدا يبابا

ملات مسامع الايام هولا *** لو ان الطفل يسمعه لشابا

وهناك الوان من شعره لا حاجة لذكرها. اما حادثة اغتياله فانه قد قفل راجعا للعراق حوالي سنة 1325 ه وبقي يتعاطى التجارة في الكوفة ، وكانت له قطعة أرض زراعية في ضواحي قضاء الشامية وقد وقع بسببها نزاع بينه وبين بعض مجاوريه فخرج اليها يوما ولم يعد وانقطعت اخباره وعميت على أهله وظهر بعد التحقيق أنه اغتيل وقتل خنقا ودفن سرا على مقربة من تلك الارض فنقل جثمانه الى النجف وكان وقوع الحادث أيام الفوضى خلال الحرب العامة الاولى سنة 1334 ه وكان عمره يوم قتل نيفا وستين سنة رحمه اللّه. انتهى عن مجلة البيان النجفية السنة الاولى.

وترجم له الاخ الخاقاني في ( شعراء الغري ) ترجمة وافية وقال : انه ولد في النجف عام 1275 ه ونشأ بها على ابيه الحاج محمد صالح ، واتصاله بآل رشيد ومدحه لهم وذكر نماذج من شعره فمن قوله في أهل البيت علیهم السلام :

الى طيبة العليا وبهجتها الغرا *** تشوقني نفسي ولي كبد حرى

وقلب عراه لاعج الهم والاسى *** وخد لينبوع الدموع به مجرى

على سادة بالحق لله سبحوا *** أجل الورى شأنا وأرفعهم قدرا

أئمتنا باب الرجا معدن الحجى *** كرام الورى أبناء فاطمة الزهرا

بفضلهم الدنيا تبارك جدها *** ونلنا بها حظا تضيء له الاخرى

اذا ما سألنا اللّه يوما بحقهم *** أجاب لنا الدعوى ووفى لنا الاجرا

بهم كشف اللّه الكروب عن الورى *** وأمطرت الخضراء واخضرت الغبرا

وفرج عنا كل هم وغمة *** وأبد لنا عن عسرنا بهم يسرا

بهم قامت الدنيا ولولا رضاهم *** لما خلق الرحمن برا ولا بحرا

ص: 311

الشيخ مهدي الحجار

المتوفى 1358

أثرها تعج بأصواتها *** ألا يا لفهر وثاراتها

وقدها عرابا ألفن الفلا *** كأن العنا في استراحاتها

تخايل من تحت فرسانها *** تخايلهم في أريكاتها

عليها من الصيد غلابة *** تصيد الاسود بغاباتها

طلايع هاشم يقتادها *** الى الحرب خير بقياتها

حنانيك يا خلف السالفين *** ووارثها في كراماتها

أعدتك آل لوي لمن *** لواها وسود راياتها

فحتى م تغضي وانت الغيور *** على هضمها واغتصاباتها

أمثل ابن ... يميت البتول *** بفادح خطب رزياتها

ومثل امية تلك التي *** تبيت نشاوى بحاناتها

تغالب مثل بني غالب *** وتدفعها عن مقاماتها

لذاك أبى ذاك رب الابا *** فأرسى على غاضرياتها

ودك من الطف أطوادها *** بآساد فهر وساداتها

كماة يهاب الردى بطشها *** ويخشى القضا من ملاقاتها

وقد اقبلت زمر الظالمين *** بآساد فهر وساداتها

دعاها الى الحرب محبوبها *** فخاضته قبل اجاباتها

وهبت وناهيك فيمن تهب *** لترضي الحبيب بهباتها

ترى ان في النقع نشر العبير *** وما ذاك الا شذى ذاتها

جلتها من العزم بيض الصفاح *** كأحسابها وكنياتها

صحائف تقرأ منها الكماة *** ( انا فتحنا ) وآياتها

فتبغي الفرار وكيف الفرار *** وارجلها فوق هاماتها

لقد تاجرت ربها في النفوس *** وقد ربحت في تجاراتها

ومذ أرخصت سومها للهدى *** أراها المنى في منياتها

برأد الضحى نزلت كربلا *** وفي الليل باتت بجناتها

تهاوت وليس تعاب النجوم *** اذا ما تهاوت كعاداتها

وباتت على الارض مثل البدور *** عراها الخسوف بهالاتها

ص: 312

مغسلة في جراحاتها *** مكفنة في شهاداتها

ولما رأى السبط انصاره *** سقتها الحتوف بكاساتها

رقى ضامرا ونضى صارما *** فقرب أشراط ساعاتها

وحين انبرى نحو هاماتها *** براها ابن خير برياتها

ينادي بآجالها سيفه *** فتأتيه من قبل اوقاتها

كأن الجماجم مشغوفة *** به فهي تأتيه من ذاتها

ترى الارض ترجف من تحته *** باحيائها وبأمواتها

لك الوهن يا أرض عن ثابت *** يزلزل سبع سماواتها

ولما رأى أن هذي النفوس *** جميعا رهائن ميقاتها

فشاقته منزلة الصالحين *** فتاق رواحا لغاياتها

قضى ابن علي فيا هاشم *** قعي بعده في مذلاتها

لمن انت من بعده للورى *** لارائها أم لحاجاتها

الطما على الصدر من بعدما *** غدا صدره رهن غاراتها

حرام على غالب أن تبل *** بالماء حر حشاشاتها

وتلك يتاماهم تشتكي *** وفي الماء جل شكاياتها

ويا آل فهر لقد حق أن *** تميطوا خبا علوياتها

فتلك الحرائر في كربلا *** سترن الوجوه براحاتها

لمن ترفعون الخدور وقد *** ثكلن الخدور برباتها

وجاءت لكافلها تستغيث *** وتبكي العدى لاستغاثاتها

الشيخ مهدي بن داود بن سلمان بن داود الشهير بالحجار عالم فقيه وأديب شهير ، ولد عام 1318 ه وكان والده اميا وكذلك جده اما والده فكان ينقل الحجارة من أنقاضها غير أن الولد المترجم له نشأ ميالا للعلم والادب فدرس المقدمات وهو ابن عشر سنوات ونظم الشعر في الخامسة عشرة من العمر وبرع فيه ، واختلف على مشاهير العلماء وتتلمذ على الزعيم الروحي الشيخ احمد كاشف الغطاء كما حضر على المرجع الديني الميرزا حسين النائيني في الاصول ولمعت مواهب الشيخ الحجار وراح يغذي الشباب بالعلوم الدينية والدروس العربية الاسلامية مضافا الى حلقة أدبية تضم العشرات من الشباب الذين كانوا يعرضون عليه نتاجهم الادبي ويعتدون برأيه اذ كان أبرع اقرانه يومذاك ونشرت المطابع قصيدته الشهيرة الطويلة المسماة ب ( البلاغ المبين ) في العقائد فكان المتأدبون يحفظونها

ص: 313

ويتداولونها ويتدارسون معانيها ومضامينها وله غير هذه مجموعة اراجيز منها ارجوزته المسماة ( فوز الدارين في نقض العهدين ). ويوم كتب السيد محسن الامين كتابه ( التنزيه ) للشعائر الحسينية ثار العلماء الاعلام وأئمة الاسلام بوجهه وكتبوا مفندين ومنتقدين ما كتب وكنت اتصور - وانا في مقتبل العمر - ان المساندين لفكرة السيد الامين والمؤيدين له هم المتجددون والذين يميلون للتحلل من أوامر الدين ، وكان المترجم له قد استخدمت افكاره موجة الشباب فراح ينظم بوحي منهم كقوله من قصيدة مطلعها :

يا حر رأيك لا تحفل بمنتقد *** ان الحقيقة لا تخفى على احد

وما على الشمس باس حيث لم تراها *** عين أصيبت بداء الجهل لا الرمد

سيروا شبيبتنا لكن على خطط *** قد سنها الدين في منهاجه الجديد

انا لنامل فيكم ان شعبكم *** يعود ملتئما في شمله البدد

وبالختام لكم اهدي التحية من *** قلب بغير ولاكم غير معتقد

ويوم بلغت الخصومة أشدها بين المرجعين الكبيرين السيد ابو الحسن الاصفهاني والشيخ احمد كاشف الغطاء حول شخصية الخطيب السيد صالح الحلي فقد حرم الاول الاستماع الى خطابته وأحلها الثاني وعقد له مجلسا في بيته ، وكان المترجم له - كما قلنا - تلميذا للشيخ احمد كاشف الغطاء فأنشد قصيدته التي يقول فيها :

انت العميد لهم برغم انوفهم *** بل انت سيدها وكلهم سدى

رات الشريعة منك اكبر قائد *** فرمت اليك زمامها والمقودا

والعلم مثل البحر هذا غائص *** فيه وهذا منه ما بل الصدا

والعرب تعلم ان تاج فخارها *** بسوى شريعة ( احمد ) لن يعقدا

سلها غداة تصفحت قرآنها *** أفهل رأت ( بيغمبرا او يا خدا )

فخر البيوت بأهلها فافخر على *** بأبي الرضا والمرتضى علم الهدى

واذا روي عن آل جعفر في العلى *** خبر فمن كف ( الحسين ) المبتدا

اني وان كنت البعيد قرابة *** منكم فشعري عنكم لن يبعدا

وشاءت الارادة السماوية والحكمة الربانية والحمد لله على

ص: 314

جميل صنعه ان تنحصر الزعامة الدينية في الآية الكبرى السيد ابو الحسن بعد وفاة المرحوم الحجة الشيخ احمد كاشف الغطاء فيكون الشيخ الحجار من تلاميذه ومخلصيه ويراسله على سبيل المداعبة يستجديه ويستميح نيله وفضله فيقول :

عجبت وكل زماني عجب *** ولست أصرح ماذا السبب

ولكن اشير وانت الخبير *** ولا استحي منك اذ انت أب

( زقسم عجم را نمعدود شدم ) *** فهلا اعد قسم العرب

فيغدق السيد عليه بكرمه المعهود ويجعله ممثلا عنه في جانب ( معقل ) البصرة ويقوم الشيخ بأداء وظيفته الدينية كما يأمر به الشرع الشريف ولكن لم يطل عهده وعاجله القدر فتوفي ليلة السبت 8 شعبان 1358 ه فنقل نعشه بموكب فخم الى النجف ودفن بوادي السلام.

ص: 315

المصادر المطبوعة

أعيان الشيعة السيد محسن الامين

نقباء البشر الشيخ محسن الطهراني

المراجعات الريحانية الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

الذخيرة الشيخ سليمان ظاهر

الحالي والعاطل الدكتور عبد الرزاق محيي الدين

لماذا اختار هؤلاء مذهب أهل البيت القبيسي

العراق في الشعر العربي والمهجري الدكتور محسن جمال الدين

شعراء الغري علي الخاقاني

شعراء من كربلاء سلمان هادي الطعمة

المقبول في آل الرسول ديوان الشيخ قاسم محيي الدين

ديوان الشيخ حميد السماوي

ديوان الشيخ محمد جواد الجزائري

حل الطلاسم الشيخ محمد جواد الجزائري

ديوان الشيخ عبد الحسين الحويزي

ديوان الشيخ كاظم آل نوح

مع رجال الفكر في القاهرة السيد مرتضى الرضوي

الحان الالم عبد القادر رشيد الناصري

صوت فلسطين عبد القادر رشيد الناصري

معارف الرجال الشيخ محمد حرز الدين

أعلام العراق باقر أمين الورد

سفينة الحق ديوان الشيخ حسن آل صادق

ديوان محمد رضا الشبيبي

أساطير بدر شاكر السياب

ص: 316

رباعيات محمود الحبوبي

الباقيات وأنفع الزاد الشيخ باقر الخفاجي

مجلة الاعتدال محمد علي البلاغي

مجلة الاصلاح عبد الحسين الازري

مجلة الغري شيخ العراقين

مجلة البيان علي الخاقاني

جريدة الهاتف جعفر الخليلي

المصادر المخطوطة

الطليعة من شعراء الشيعة الشيخ محمد السماوي

مجموع الشيخ كاشف الغطاء

سمير الخاطر وأنيس المسافر الشيخ علي كاشف الغطاء

المجموع الرائق الشيخ مهدي اليعقوبي

ديوان الشيخ قاسم الملا

ديوان الشيخ محمد الخليلي

ديوان الشيخ كاظم السوداني

ديوان الشيخ محمد رضا المظفر

الاعلام العوامية الشيخ سعيد ابي المكارم

ديوان جواد شبر

سوانح الافكار جواد شبر

الضرائح والمزارات جواد شبر

ص: 317

الفهرس

سنة الوفاة / الاسماء / الصفحة

1370 المقدمة 5

1370 الشيخ جعفر النقدي 7

1370 الشيخ حسين شهيب 14

1370 الشيخ محمد رضا آل ياسين 16

1370 الشيخ محمد السماوي 18

1370 الشيخ ابراهيم حموزي 28

1370 الشيخ عبد اللّه الستري 31

1371 السيد محسن الامين 33

1371 الشيخ محمد حسين بن يونس المظفر 36

1372 الشيخ مهدي اليعقوبي 40

1372 دوار مرقص 43

1373 الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء 46

1373 الشيخ محمد علي قسام 62

1373 الشيخ عبد الكريم العوامي 66

1372 محمد هاشم عطية 67

1374 الشيخ قاسم الملا 71

1374 الحاج عبد الحسين الازري 78

1374 الشيخ عبد الحسين الحلي 95

1374 الشيخ حسن سبتي 101

1375 حسين علي الاعظمي 103

1377 حليم دموس 131

1377 عباس ابو الطوس 133

1378 الشيخ محمد جواد الجزائري 136

1379 الشيخ كاظم آل نوح 140

ص: 318

سنة الوفاة / الاسماء / الصفحة

1379 الشيخ كاظم كاشف الغطاء 144

1379 الشيخ كاظم السوداني 146

1380 الشيخ محمد علي الاورد بادي 150

1380 سليمان ظاهر 153

1381 الشيخ محمد حسين المظفر 156

1381 الشيخ باقر الخفاجي 159

1382 السيد عبد الهادي الشيرازي 163

1382 عبد القادر رشيد الناصري 166

1383 الشيخ محمد رضا المظفر 169

1383 بدر شاكر السياب 172

1384 الشيخ حميد السماوي 176

1384 الشيخ حبيب المهاجر 182

1384 الشيخ مجيد خميس 185

1385 الشيخ محمد رضا الغراوي 188

1385 الشيخ محمد علي اليعقوبي 190

1385 الكولونيل حبيب غطاس 198

1385 هلال بن بدر 201

1385 الشيخ محمد رضا الشبيبي 203

1386 الشيخ حسن صادق 209

1386 الشيخ محمد رضا فرج اللّه 211

1387 حسين بستانة 212

1387 الشيخ علي البازي 215

1387 ضياء الدخيلي 217

1387 الشيخ حسين القديحي 219

1387 احمد خيري بك 222

1388 الشيخ محمد طه الحويزي 224

1388 الشيخ حسين الحولاوي 231

1388 محمد الخليلي 234

1388 الشيخ كاتب الطريحي 237

1388 السيد محمد علي الغريفي 239

ص: 319

سنة الوفاة / الاسماء / الصفحة

1389 السيد محمد رضا شرف الدين 245

1389 الدكتور مصطفى جواد 247

1389 عبد الكريم العلاف 250

1389 السيد محمود الحبوبي 254

1390 عبد الحميد السنيد 259

1391 السيد عباس شبر 262

1392 الشيخ محمد سعيد مانع 268

1392 الدكتور زكي المحاسني 270

1392 الشيخ عبد الكريم صادق 273

1392 انور العطار 279

1392 السيد أحمد الهندي 284

1392 عادل الغضبان 287

1395 الشيخ مهدي مطر 290

المستدركات

418 ابو القاسم المغربي 302

540 ابن أبي الخصال الشقوري 305

1334 الحاج محمد عجينة 309

1358 الشيخ مهدي الحجار 312

ص: 320

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.