أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 9

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1398 ه.ق

الصفحات: 366

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء التاسع

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف

ص: 2

ص: 3

الطبعة الأولی

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

1398ه - 1987م

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة على أفضل من علِم وعلّم سيد الخلق والصادق بالحق وعلى آل الميامين.

بهذا الجزء وهو التاسع من موسوعة ( ادب الطف ) أحسست بأن عملي قد تحقق نجاحه وأن البذرة قد أثمرت وآتت أكلها ، فكثيراً ما سألني الادباء والعلماء عن عدد أجزاء هذه الفكرة وعندما يكون الجواب انها عشرة كاملة يستبطئ البعض تحقيق هذا الأمل وصعوبة انجاز العمل ولهم الحق بذلك إذ كثيراً ما نوى الباحثون والمؤلفون القيام بمهام كثيرة كبيرة وعندما واجهوا الحقيقة واصطدموا بالواقع تراجعوا أو وقفوا.

ولكن اليوم وقد أتمت هذه الموسوعة أجزاءها التسعة ورمت عن كاهلها ما كنت تنوء به من أثقال السنين الماضية وأدت رسالتها بأمانة واخلاص ولم يبق لها إلا جزء واحد يختص بالمعاصرين الذين ما زالوا على قيد الحياة فقد أحرزت نجاحها وحققت مستقبلها وبدأ الباحثون يحرصون على اقتنائها والاعتزاز بها والحمد لله أولاً وآخرا.

المؤلف

ص: 5

تقريض سماحة العلامة السيد حسين نجل المغفور له السيد محمد هادي الصدر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

فضيلة الاخ الكريم الخطيب الكبير البحاثة السيد جواد شُبّر المحترم

تحياتي وأشواقي ودعائي. وبعد فإن أبسط ما تفرضه عليّ أعراف الاخاء الصادق هو أن أبعث اليك بهذه السطور لاهنئك وأُهنئ بك. اهنيك بهذا الجهد الأدبي الضخم الذي بذلته في موسوعتك النفيسة ( أدب الطف ) فجاءت بتوفيق اللّه وتسديده فريدة الفصول رائعة البنود متكاملة الحلقات ، نقية اللون ، حلوة البيان ، غزيرة المادة ، عذبة الاسلوب. وهذا ما تستحق عليه التهنئة.

وإني لأثمّن وأُقدّر ما عانيت في هذا السبيل من متاعب وصعاب لم تثنك عن مواصلة السير حتى قاربت نهاية الشوط بصبر عجيب ، وجلد نادر ، وعزيمة ماضية ، والمهم عندي ان عناءك المتواصل وأتعابك المضنية قد انصبت على موضوع هو في غاية الخطورة والأهمية ، وهل هناك شيء أثمن من أن يجنّد المرء طاقاته وإمكاناته ويصل الليل بالنهار ليطلع على الامة بموسوعة جليلة كموسوعتك لا تستهدف إلا خدمة الحسين علیه السلام وقضيته ولا تعنى إلا بنفض الغبار المتراكم على تراث ولائي ثمين حجب عن رواد المعرفة والأدب هو في سُداه ولحمته انتصار للحق والفضيلة وتعظيم لأئمة الهدى والرشاد ، ودعوة صريحة لانتهاج خط حياتي مشرق يستمد ينابيعه وأصوله من سيرة أبي الأحرار الحسين الشهيد علیه السلام ، ولست مبالغاً إذا قلت أن التهنئة لا تصلح إلا على مثل هذا العمل الهادف الجبار.

ثم أن كتابك الفريد هذا صدر من أهله ووقع في محله على حدّ تعبير الفقهاء

ص: 6

وهذا ما يدعونا إلى أن نهنئ بك ، فالمكتبة العربية كانت تفتقر إلى كتاب يتسم بلون من الاستيعاب والشمول لتراث شعراء العصور عبر امتداداتها الطويلة وعَبر الركام الهائل من انتاج أبنائها ينتقي اللآلئ من الفرائد والقصائد جاعلاً قضية الطف غرضه الرئيس ومطمحه الوحيد ، وحين وفقتَ لذلك فقد ملأت فراغاً كبيراً وأسديت للمعنيين بقضايا الطف يداً لا تنسى تضاف إلى بيض أياديك وخدماتك الدينية المشكورة. وهناك شيء آخر لا بد أن أقف عنده قليلاً ، ذلك أنك اخترت ( ادب الطف ) موضوعاً لموسوعتك ومن أولى منك بالنهوض بهذا العبء ، فما تملكه من القدرات والامكانات لا يملكه الكثيرون من غيرك لممارستك المنبرية الطويلة وخبرتك العريضة.

وشيء جميل والعصر عصر الاختصاص أن يعكف المختصون من رجالنا كل في حقله وميدانه على موضوعات حيوية نافعة ليخرجوا لنا مثل هذه الروائع ، لأن ذلك مما يتناغم مع اختصاصاتهم أولاً ومع روح العصر ثانياً ولا أملك في الختام إلا أن أشكرك جزيل الشكر على هديتك الثمينة ضارعاً اليه سبحانه أن يمدّك بكل ألوان التأييد لا كمال هذه الموسوعة القيمة.

واليك ازجي هذه القصيدة تقديراً لجهودك وجهادك :

( عطاء الجواد )

ضمخت منك بالهدى الابرادُ *** وزكت همة وطاب جهاد

ان تكن عدتَ باحثاً ألمعياً *** فبعلياك تنطق الاعواد

وتساميت مصدراً ( ادب الطف ) *** فراق الاصدار والايراد

روضة تزدهي بعطر المروءات *** فتندى الاغصان والاوراد

وينابيعك الاصيلة رفّت *** فاستقى من معينها الوراد

قد ملكت القلوب بالادب السمح *** فباهت بجهدك النقّادُ

إن موسوعة الطفوف عطاءٌ *** ليس يقوى عليه إلا ( الجواد )

* * *

ص: 7

موّن الدين بالخلود ( حسين ) *** وبلألائه استنار العباد

فدماء الحسين أرسته صرحاً *** وهي من شامخ البناء عماد

وفصول الفداء خطّت مساراً *** بفتوحاته انتشت أمجاد

صورٌ تجتلى فتمتلئ النفسُ *** رواءً ويستطاب الزاد

وبطولات كربلاء نشيد *** كل يوم لحونه تستعاد

لوّن الطف صفحة الدهر ألواناً *** وللظالمين منها السواد

* * *

في حنايا التاريخ ألف أُوارٍ *** ليس يخبو لجمره إيقاد

محن الطف تستبيح البرايا *** فتذوب القلوب والاكباد

وجراح الطفوف تدمي ومنها *** عبرة إثر عبرة تستفاد

* * *

للحسين الشهيد في كل عصر *** شعراء عن نهجه الحق ذادوا

يُستثارون والملاحم غرّ *** ويصوغون والنثار رشاد

ولآلي البيان تلمع كالنجم *** وضيئاً ويخلد الانشاد

لم يريقوا دماً زكياً ولكن *** قد يصون الدم الزكيّ مداد

ولقد ضمّهم كتاب « جوادٍ » *** فغدا حافلاً بما يُستجاد

بغداد - الكرادة الشرقية

29 شوال 1397 ه.

حسين السيد

محمد هادي الصدر

ص: 8

غزوة القزويني

المتوفاة 1331

قالت في رثاء الامام سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) من قصيدة :

أيها المدلج في زيافة *** قصدت في سائقيها النجفا

إن توصلت إلى حامي الحمى *** في الغريين فأبدي الأسفا

قل له إن حسينا قد قضى *** في شفار الكفر محزوز القفا

* * *

هناك جملة من النساء النابهات والأديبات الشهيرات اللاتي ترجمت لهن الكاتبة عائشة تيمور في ( طبقات ربات الخدور ) أما اللاتي هنّ في عصرنا أو قريبات من عصرنا ولهن المكانة المرموقة بالأدب والشعر والكتابة من بينهن صاحبة الترجمة العلوية ( غزوة ) المتوفاة سنة 1331 ه. والحاجة هداية بنت العلامة الكبير الشيخ محمد حسن كبّة المتوفى سنة 1336 وقد ترجمنا له سابقاً له وذكرنا شهرة هذا البيت الرفيع الذي خدم الأدب والعلم أكثر من قرن ، والحاجة هداية هي والدة الشاعرة ( سليمة الملائكة - ام نزار ) المتوفاة سنة 1373 ه. والمصادف 1953 م. وجدة الشاعرة نازك الملائكة ، والحاجة هداية تعيش اليوم في بغداد وتنظم الشعر العالي وقد وقفت على باقة فواحة من شعرها مدّ اللّه في حياة سليلة الأمجاد وسلالة الكرماء الأجواد.

والأديبة المصونة ( آمنة الصدر ) المعروفة ب ( بنت الهدى ) فهي ما زالت

ص: 9

تتحف المكتبة العربية بمؤلفاتها القيّمة وقد طبعت لها ما أنتجه قلمها وبيانها مما يستحق الدراسة.

أما الشاعرة غزوة فهي بنت السيد راضي ابن السيد جواد ابن السيد حسن ابن السيد أحمد القزويني ، وجدها السيد جواد هذا هو أخو العلامة الكبير والمجتهد الشهير السيد مهدي الحلي القزويني صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى سنة 1300 ه. وامها العلوية نازي بنت السيد مهدي المذكور.

ولدت في الحلة في حدود سنة 1285 ه. ونشأت في كنف أخوالها الأعلام وأنكبت على الدراسة فدرست العلوم العربية الفقهية وتتبعت مصادر الأدب والشعر بحكم بيئتها وتربيتها ، فكانت تحفظ من أخبار العرب وقصصهم الشيء الكثير وتربّت بتربيتها جملة من نساء الاسرة وما يتعلق بها ، وقد اقترنت بابن خالها السيد أحمد بن الميرزا صالح القزويني وهو عالم فاضل وأديب شاعر فوجهها بصورة أعمق وجعلها قابلة لهضم محاوراته العلمية في شتى المجالات.

وغزوة شاعرة مقبولة سريعة البديهة مشهود لها بطرافة الأدب وكان لها بذلك كل الفخر إذ أنها عاشت في عصر أشبه بالعصر الجاهلي وحكمه على المرأة ومما أعتقد أنها لم تشاهد في بلدها ومحيطها مَن تحسن الكتابة والقراءة ولا واحدة ، وعزّت الكتابة والقراءة على الرجال آنذاك فما حال النساء.

توفيت رحمها اللّه في شعبان 1331 ه. ودفنت في مقبرة الاسرة وأبّنها الشعراء بما يليق بها.

ص: 10

السيد عيسى الأعرجي

المتوفى 1333

السيد عيسى ابن السيد جعفر ابن السيد محمد ابن السيد حسن ابن السيد محسن صاحب المحصول الحسيني الاعرجي الكاظمي ، ترجم له في اعيان الشيعة فقال :

توفي في أواخر شوال سنة 1333 ه. في الكاظمية ودفن بها في بعض حجر الصحن الشريف. كان فاضلاً أديباً شاعراً فمن شعره قوله من قصيدة حسينية طويلة :

إلى كم أُمني بالطلا والغلاصم *** عطاشى القنا والمرهفات الصوارم

وحتى متى أطوي على الضيم أضلعاً *** وأغضي وفي كفّي رمحي وصارمي

ألست إلى البيت المشيد رواقه *** نمتني اباة الضيم من آل هاشم

فإن لم أثب في شزّب الخيل وثبة *** مدى الدهر يبقى ذكرها في المواسم

فلست الذي في دوحة المجد والعلى *** تفرّع قدماً من علي وفاطم

وإن لم أثرها في العجاج ضوامراً *** عليها مثار النقع مثل الغمائم

فلست قديماً بالذي راح ينتمي *** لعبد مناف في العلى والمكارم

هم القوم إما ان دعوا لفضيلة *** فما لهم في فضلهم من مزاحم

ومهما ترى في الدهر منهم مسالماً *** فما لابن حرب فيهم من مسالم

بني هاشم أبناء حرب ببغيها *** قد ارتكبت منكم عظيم الجرائم

ص: 11

نسيتم غداة الطف أبناء أحمد *** على الأرض صرعى من علي وقاسم

فقوموا غضاباً واشرعوها أسنّة *** تلوّى على الاكتاف مثل الاراقم (1)

قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) : وهي طويلة وله غيرها ، توفي في أواخر شوال سنة الف وثلثمائة وثلاث وثلاثين في الكاظميين ودفن بها عند جده المحسن.

وفي مخطوطنا ( سوانح الافكار في منتخب الأشعار ) جزء ثالث صفحة 51 قصيدة في الزهراء فاطمة علیهاالسلام وهي للسيد عيسى الكاظمي ، وأولها :

خطب يذيب من الصخور صلابها *** ويزيل من شمّ الجبال هضابها

ويقول الشيخ في كتابه ( الطليعة ) : انه كان فاضلاً خفيف الروح أديباً ، رأيته واجتمعت به فرأيت منه الرجل الحصيف الرأي العالي الهمة المنبسط الوجه واليد وكان شاعراً في الطبقة الوسطى ، فمن شعره قوله :

تراءت بليل مشرقات كواكبه *** بصبح محياها تجلّت غياهبه

مهفهفة الاعطاف عقرب صدغها *** على ملعب القرطين تبدو عجائبه

فبتّ أبث العتب بيني وبينها *** وإن هي لا تصغي لما أنا عاتبه

أمخجلة الارام في لفتاتها *** سألتك هل أت من العيش ذاهبه

فكم لجّ قلبي يوم بنت بزورة *** إذا أفلس المديون لجّ مطالبه

وللشيخ عبد الحسين اسد اللّه المتوفى 1336 ه. والآتية ترجمته مؤرخاً وفاة السيد عيسى إبن السيد جعفر الاعرجي الكاظمي قال :

لله طارقة في الدين ما طرقت *** سمع امرئ في الورى إلا وقد فزعا

مذ أقبلت رجّت الغبراء زلزلةٌ *** منها وكادت بها الخضراء أن تقعا

قالوا قضى نحبه عيسى قفلت لهم *** كلا لقد أخطأوا مرأى ومستمعا

ارخته ( بأبي حياً بهيكله *** عيسى بن مريم روح اللّه قد رفعا )

ص: 12


1- عن الطليعة من شعراء الشيعة.

حسين عوني الشمري

المتوفى 1334

قال من قصيدة في رثاء الامام الحسين علیه السلام :

رزء تصاغرت الرزايا دونه *** المجد يندب والمكارم تعول

والمقربات على تنوّع جنسها *** تبكي خواشع عينهنّ وتهمل

تاللّه في صدري من الأحزان ما *** عنه الجبال الراسيات تزلزل

* * *

هو الشيخ حسين بن ملا عبد اللّه بن محمد بن أحمد الشمّري نسبة إلى العشيرة المعروفة ب ( شمّر ) الحنفي المذهب البغدادي المولد.

أديب فاضل له نظم في أغراض متعددة طريفة ، وله مؤلفات جليلة في مباحث متفرقة. منها متن في النحو كتبه لولده علاء الدين ووسمه ب ( العلائية ) كما له رسائل في الفقه مختصرة رأيت بعض أوراقها الخطية.

ولد ببغداد سنة 1270 ه. ونشأ على يد والده المرحوم وكانت له دروس فيما أتقن من المباحث والعلوم يمليها على طلابه ، وقد توفي بمسقط رأسه بغداد سنة 1334 ودفن في مسجد الشيخ الشبلي في الاعظمية ، ومن شعره ما قاله في غرض لطيف :

ذهبنا نبتغي والقوم مالاً *** لنقضي للمعالي بعض دين

ففاز القوم في مال كثير *** واني عدتُ في خفيّ حنين

وما ذنبي سوى اني ( حسين ) *** ( يزيد ) الدهر ظلماً في ( حسين )

فلا تعجب لأيام رمتني *** فأهل الفضل اقذى كل عين (1)

ص: 13


1- عن كتاب الرجال ، ح- 1 ( المخطوط ) للباحث السيد جودت القزويني.

الشيخ عبد الحسين أسد اللّه

المتوفى 1336

ما للعيون قد استهلّت بالدم *** أفهلّ - لا أهلاً - هلال محرم

حيّا بطلعته الورى نعياً وقد *** ردوا عليه تحية بالمأتم

ينعى هلالاً بالطفوف طلوعه *** قد حفّ في فلك الوغى بالانجم

يوم به سبط الرسول استرسلت *** نحو العراق به ذوات المنسم

أدّى مناسكه وأفرد عمرة *** ولعقد نسك الحج لما يحرم

ومن الحطيم وزمزم زمّت به *** الأيام وهو ابن الحطيم وزمزم

في فتية بيض الوجوه شعارهم *** سمر القنا ودثارهم بالمخذم

يتحجبون ظلال سمرهم إذا *** ما الشمس ابيض وجهها للمحرم

يتلمضون تلمض الأفعى متى *** نفثت اسنتهم بشهب الانجم

بلغوا بها أوج العلا فكأنها *** لصعودهم كانت مراقي سُلّم

متماوجي حلق الدروع كأنها *** ماء تزرد بالصبا المتنسم

من كل مفتول الذراع تراه في *** وثباته وثباته كالضيغم

جعلوا قسيّ النبل من أطواقهم *** وبروا من الاهداب ريش الأسهم

وتسنّموها شمائلاً ما إن بدا *** برق تعنّ له ولمّا يعلم

ان أوخدت زفّت زفيف نعامة *** واذا خدت سفّت سفيف القشعم

حفوا وهم شهب السماء بسيد *** بدر بأنوار الإمامة معلم

حتى اذا ركزوا اللوى في نينوى *** وإلى النوى حنّوا حنين متيم

ص: 14

وحمى الوطيس فأضرموا نار الوغى *** وهووا عليها كالطيور الحوّم

وتقلّدوا بيض الضبا هندية *** وبغير قرع الهام لم تتثلّم

والى الفنا هزوا قناً خطية *** بسوى صدور الشوس لم تتحطّم

فكأن في طرق السنان لسمرهم *** سراً بغير قلوبهم لم يكتم

وثنوا خميس الجيش وهو عرمرم *** بخميس بأس في النزال عرمرم

حتى ثوت تحت العجاج كأنها الأ *** قمار تحجب بالسحاب المظلم

نشوانة بمدام قانية الدما *** لغليل أفئدة صواد أوّم

والعالمان تقاسما فرؤوسهم *** تنحو السما والارض دامي الاجسم

فثنى ابن حيدرة عنان جواده *** طلقا محياه ضحوك المبسم

وسما بعزمته على هام العلا *** بسنابك المهر الاغرّ الادهم

ان سلّ متن المشرفي تتابعت *** لعداه صاعقة البلاء المبرم

ذا الشبل من ذاك الهزير وإنما *** تلد الضياغم كل ليث ضيغم

فسقاهم صاب الردى وسقوه من *** راح الدماء عن الفرات المفعم

حتى إذا ما المطمئنة نفسه *** بالوحي ناداها الجليل أن اقدمي

أضحى يجود بنفسه ، وفؤاده *** بمشعّب السهم المحدد قد رُمي

فتناهبوه فللظبا أشلاؤه *** وحشا الفؤاد لسمرها والاسهم

ملقى ثلاثاً في الهجير تزوره *** الاملاك بين مقبّل ومسلّم

وأجال جري الصافنات رحىً بها *** من صدره طحنت دقيق الاعظم

بأبي عقائله الهواتف نوّحاً *** ما بين ثاكلة واخرى أيّم

سلبت رداها واللثام أُميط عن *** وجه بأنوار الجلال ملثّم

ومن الحديد عن الحليّ استبدلت *** طوقاً لجيد أو سوار المعصم

وتصيح يا للمسلمين ألا فتى *** يحمي الذمار ولا ترى من مسلم

مسبية مسلوبة مهتوكة *** حملت على عجف النياق الرسّم

فتخال أوجهها الشموس وإنما *** صبغت بحمر مدامع كالعندم

ومن الطفوف لارض كوفان إلى *** نادي دمشق بها المطايا ترتمي

ص: 15

بأبي رضيع دم الوريد فطامه *** في سهم حرملة ولما يفطم

فكأن نبلته محالب امه *** وكأن ما درّت لبان من دم

إذ أنس لا أنسى العفرني ثاوياً *** حلو الشمائل حول نهر العلقمي

ثاو وعين الشمس لم ترَ شخصه *** مذ غاب في صعد القنا المتحطم (1)

آل اسد اللّه اسرة علمية برز فيها خلال القرنين الأخيرين عدد من رجال العلم والأدب وفي طليعتهم جدهم الاعلى فقيه عصره المعروف الشيخ اسد اللّه الكاظمي التستري المتوفى سنة 1234 ه. الذي عرفوا به وانتسبوا اليه. وكان من جملة من اشتهر منهم مترجمنا الفقيه الاديب الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد تقي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ اسد اللّه الكاظمي. ولد في النجف الأشرف سنة 1283 ه. أيام كان أبوه يسكنها للدراسة وطلب العلم وقضى سني الطفولة هناك ، ثم حل في الكاظمية - تبعاً لأبيه - وهو في الحادية عشرة من العمر ، وبدأ فيها دراسته وتعلّمه على ضوء المنهج الدراسي السائد حينذاك وكان والده العلامة الشيخ محمد تقي هو الاستاذ الأكبر له خلال هذه المرحلة ، وبدافع من ذكائه وألمعيته وجد في نفسه القدرة على البحث والتأليف فكتب رسالة في الاستثناء سماها ( المقابيس الغراء ) كما كتب كرّاساً في تفسير حديث ( اتباع النظرة النظرة ) وفي سنة 1310 ه. عاد إلى النجف لغرض الدراسة العليا والتخصص في علوم الدين على يد اعلام الشريعة فدرس على الفقيه الشيخ رضا الهمداني وغيره وكتب خلال مكثه في النجف حاشية على مباحث القطع من كتاب القطع من كتاب الرسائل في اصول الفقه للشيخ مرتضى الانصاري. وعاد إلى الكاظمية بعد إكمال دراسته العالية في سنة 1324 ه. فاذا به الفقيه البارز والمدرّس المرموق والفاضل المشهود له بالفضيلة ، واتجهت به همته بعد عودته فقام بشرح كتاب استاذه الآخوند الخراساني في اصول الفقه شرحاً يقوم بمهمة ايضاح غوامض الكتاب وتبيان دقائقه وتفصيل ما أجمل فيه وفي غرة ربيع الثاني سنة 1330 ه أتمّ كتابة الجزء الأول من الشرح المذكور وسماه ( الهداية في شرح

ص: 16


1- مجلة البلاغ الكاظمية ، السنة الخامسة.

الكفاية ) ثم عرض مسوّدة الكتاب على فقيه العصر الشيخ محمد تقي الشيرازي إمام الثورة العراقية فاعجب به وكتب له تقريضاَ ، وقد تمّ طبع الجزء الأول من الكتاب بمطبعة الآداب ببغداد سنة 1331 ه. وكتب المؤلف على صفحته الاولى هذه الأبيات :

ما انفك يا بن العسكري تمسكي *** أبداً بحبلٍ من ولاك متين

أقسمت أن أهدي اليك هدية *** ولقد عزمت بأن أبرّ يميني

هذا الكتاب هدية مني لكي *** أُعطى كتابي سيدي بيميني

نظم الشعر في مقتبل عمره وعالج أكثر ألوان الشعر من غزل ونسيب ووصف إلى تهان ومدائح ومراث ، ومن اجتماعيات واخوانيات إلى اخريات في المناسبات الدينية ، ومن قصائد عمودية وموشحة إلى مقطعات مخمّسة ومشطرة ، وفي مجموع شعره نماذج رائعة تدل على شاعريته وسلامة ذوقه. ترجم له البحاثة الشيخ محمد حسن آل ياسين في مجلة البلاغ الكاظمية وجمع ما تسنّى له العثور عليه من شعره من غزل ومديح ورثاء وتخاميس وتشاطير وما جاء في أهل البيت وفي الحسين خاصة كما ترجم له الشيخ السماوي في ( الطليعة من شعراء الشيعة ) وذكر قصيدة من غزله واليكم بعض ما جاء في الترجمة ، قال الشيخ السماوي :

فاضل أخذ الفضل عن أب فأب وتنقل اليه بالنسب وزانه بالحسب وضمّ اليه الأدب فهو فقيه اصولي صميم غير فضولي له كتب مصنفة في العلمين ومدائح في آل البيت النبوي كثيرة وأكثر منها مراثي الحسين ، عاشرته فرأيت منه امرءاً سليم الجانب صافي النية كثير الحافظة متنسكاً تقياً فمن شعره قوله مصدراً ومعجزاً قصيدة في مديح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مهملة.

وله كثير من التصدير والتعجيز في الأئمة علیهم السلام وقصائد غرر في مراثي الحسين (عليه السلام) ولد سنة الف ومايتين وسبع وثمانين وتوفي في أواسط ربيع الآخر من سنة الف وثلثمائة وستة وثلاثين في الكاظميين ودفن بها مع أبيه رحمه اللّه .

الطليعة ج 237 / 1

ص: 17

السيد مصطفى الكاشاني

المتوفى 1336

السيد مصطفى بن الحسين الحسيني الكاشاني الطهراني النجفي. ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة فقال : فاضل العصر علماً وبحره فضلاً وطوده حلماً واديب باللسانين نثراً ونظماً ، رأيته شيخاً قد حلّ الدهر سبكه وترك له تقاه ونسكه ولكن لم يستطع مقاومة همته العالية فهو اليوم واقف نفسه لقضاء حوائج الاخوان عند السلطان دافع نفسه في مضائق لا يصلها كل انسان ، له ديوانا شعر : ديوان بالفارسية وديوان بالعربية كله مديح لأهل بيت النبوة علیهم السلام فمنه قوله :

شمت برق الحمى وآنست نارا *** فاحبسا العيس كي نحيي الديارا

يا نسيم الحمى أفضت دموعي *** وفؤادي رميت فيه شرارا

فذكرت الحمى ومعهد انس *** وشذى من نسيمه اسحارا

وزماناً بالرقمتين تقضى *** فجرت أدمعي له مدرارا

كم قلوب بليل جعدك ضلّت *** وهي فيه مكبلات أسارى

خلّ عنك النسيب يا صاح كم ذا *** تذكر الحي والحمى والديارا

وحسن الفخر والعلى بعلي *** واقضين في مديحه الاوطارا

انت شرفت زمزماً والمصلى *** بل وركن الحطيم والمستجارا

حازت الكعبة التي خارها اللّه *** بميلادك السعيد فخارا

ص: 18

لو على الارض منك قطرة علم *** نزلت عادت القفار بحارا

انت مولى الورى بما نصّ خير *** الرسل يوم الغدير فيك جهارا

ايها المرتضى فداؤك كل الكون *** لا زلت للورى مستجارا

رمد قد أذلني عند عام *** وتداويت فيه منه مرارا

لم يزدني الدواء إلا سقاما *** لم يفدني العلاج إلا خسارا

فأعد نورها فانك مولى *** قد ملكت الاسماع والابصارا

قال : وهي طويلة اخبرني ولده الفاضل السيد ابو القاسم ان اباه السيد مصطفى رمدت عيناه وعجز الأطباء عنها وأيسوا منها حتى استجار بأمير المؤمنين وولده الحسين فأخذ من تراب قبريهما واكتحل به فبرئتا كما ذكر في شعره وكما رأيته أنا صحيحاً سوياً ومن شعره :

أشمس افق تبدت أم محياك *** والمسك قد ضاع لي أم نشر رياك

سريت والليل داج جنح ظلمته *** ثم اهتديت ببرق من ثناياك

رميت قلبي بسهم اللحظ فاتكة *** اما علمت بأن القلب مثواك

فتكت بالصب من هذا الصدود فمن *** بالصد أوصاك او بالفتك افتاك

كذي فقار عليٍّ يوم سلّ على *** اصحاب بغي وإلحاد واشراك

مولى الأنام الذي طافت بحضرته *** كرام رسل اولي عزم واملاك

معارج المصطفى الافلاك يصعدها *** ومنكب المصطفى معراجه الزاكي

وكل قصائده طوال وله غير ذلك من مراث حسينية. ولد سلمه اللّه في حدود سنة الف ومائتين وستين كما اخبرني به ولده المذكور وقد جاء نعيه إلى النجف وانه توفي بالكاظمين لليلتين بقيتا من شهر رمضان من سنة 1332.

أقول : ترجم الكثير من الباحثين وذكروا أن وفاة المترجم له كانت في سنة 1336 ه. ليلة الثلاثاء 19 رمضان وذلك في بلد الكاظمية ولعل الشيخ السماوي اشتبه عليه أو زلّت جرّة القلم ، فالسيد ممن خرج في سنة 1333 ه.

ص: 19

إلى الجهاد متجهاً البصرة والشعيبة وقد أبلى بلاءاً حسنا هناك كاخوانه أمثال السيد الداماد وشيخ الشريعة والسيد مهدي الحيدري واخوانهم المؤمنين وكان المترجم ممن يؤخذ برأيه وتدبيره وعند رجوعه أقام بالكاظمية وكان الوجه الناصع في البلد تأتم به الناس في صلاته ، ترجم له الشيخ حرز الدين في ( معارف الرجال ) فقال : السيد مصطفى ابن السيد حسين بن محمد علي بن محمد رضا الحسيني الكاشاني الطهراني المولود حدود سنة 1266 ه. في كاشان ونشأ في بيت والده العالم الجليل كما قرأ بعض المقدمات عليه وانتقل إلى أصفهان لطلب العلم ثم إلى طهران ثم بعد اداء فريضة الحج حط رحله في النجف الأشرف وفي اخريات أيامه أصبح مشهوراً بالتحقيق في الاصول وفي نظري أنه اصولي أعمق منه فقيهاً واستقل بالتدريس بالنجف. وكان شاعراً أديباً نظم الشعر العربي الجيد والفارسي في المديح والرثاء للأئمة المعصومين. وكانت داره بالنجف حافلة بالعلماء والوجهاء دمث الأخلاق لين الجانب بعمق وتفكير ودهاء وعلى جانب عظيم من السخاء والمروءة والذوق العربي والسليقة الممدوحة.

أقول : وذكر الشيخ جملة من مؤلفاته.

* * *

ص: 20

السيد عدنان الغريفي

المتوفى 1340

استجار بأبي الفضل العباس (عليه السلام) يوم مرضه وقال :

ندبت أبا الفضل الذي هو لم يزل *** قديماً حديثاً في النوائب يقصد

يمدّ على جسمي السقيم بكفه *** وإن لم تكن يوم الطفوف له يد

* * *

السيد عدنان الغريفي : ابن السيد شبر بن السيد علي المشعل الأصغر ابن السيد محمد الغياث بن السيد علي المشعل الأكبر بن السيد احمد المقدس بن السيد هاشم البحراني بن السيد علوي عتيق الحسين علیه السلام بن السيد حسين الغريفي البحراني.

ولد في البصرة في غرة جمادي الثانية سنة 1283 ه. وتوفي في الكاظمية في الخامس من شعبان سنة 1340 ه. ونقل إلى النجف الأشرف ودفن في إحدى حجر الصحن العلوي الشريف عن يسار الداخل من الباب السلطاني. وهو العلم الشهير الغني عن التعريف أجيز في الاجتهاد والفتوى ولم يبلغ الثلاثين من عمره وكان آية في الحفظ والذكاء. وله شعر كثير ورائق. وقد ترجمه أرباب المعاجم وكتب الدكتور حسين علي محفوظ رسالة في أحواله سمّاها ( النابغة البحراني ).

ص: 21

ومن شعره قوله مؤرخاً إصلاح مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) :

مثوى أبو الفضل العباس ثوى فيه *** مثوى تودّ الثريا أن تدانيه

قصر مشيدٌ وبيت عزّ جانبه *** من أن يساويه بيت أو يضاهيه

عبد المجيد علا سلطانه شرفاً *** وزاده بسطة في الحكم باريه

أرسى على الشرف الأوفى قواعده *** فجازت الفلك الأعلى أعاليه

أنى يضاهى علاً قل يا مؤرخه *** ( مثوى أبي الفضل والسلطان بانيه )

أقول : زوّدنا بهذه الترجمة صديقنا العلامة الورع السيد محيي الدين الغريفي سلمه اللّه كما تفضّل بتراجم أعلام الاسرة وستأتي قريباً إن شاء اللّه ، وكتب البحاثة شيخنا الشيخ اغا بزرك الطهراني عن المترجم له وقال : مات أبوه وهو صغير فربّاه خاله السيد سلمان ، وكانت دراسته في النجف على عمه السيد علي والد السيد مهدي البحراني ، والميرزا حبيب اللّه ، والسيد محمد سعيد الحبوبي. وتلمذ عليه السيد ناصر الاحسائي والخطيب السيد صالح الحلي ، وأخصهم به الشيخ عيسى ابن الشيخ ناصر الخاقاني القائم مقامه ووصيه والقيم على أولاده الصغار وهم : علي ، حسن ، محمد علي وشبير.

مؤلفاته وآثاره : قبسة العجلان ، حاشية على العروة ، حاشية على القوانين ، ارجوزة في الحج ، الأنساب المشجرة وهو عند ولده السيد حسن في المحمرة. وترجم له الخاقاني في دليل الآثار المخطوطة ، قال : وقد جمعت ديوانه من مختلف المجاميع المخطوطة ويبلغ مائة وستين صفحة ، وفرغت من جمعه في النجف 10 ذي القعدة سنة 1361 ه. وترجم له تلميذه وابن عمه السيد مهدي في بعض إحازاته. وذكر لنا الدكتور حسين علي محفوظ أنه جمع أشعاره في مجلد ضخم وأسماه ( النابغة البحراني ) ومؤلفه ( قبسة العجلان ) مطبوع طباعة حجرية وعلى هامشه قصيدته المتضمنة لحديث الكساء الشريف ، وأولها :

دع عنك حزواء واترك شعب سعدان *** واستوقف العيس في أكناف كوفان

ص: 22

وحدثني العلامة الجليل المغفور له السيد عباس شبر عن سيرة المترجم له شيئاً كثيراً ، قال : وجاء في تاريخ وفاته على لسان الشيخ جمعة الحائري :

ونعى به الروح الأمين مؤرخاً *** عدنانُ قوّض بعدك الاسلام

وللحاج عبد المجيد العطار مؤرخاً :

بوركت من تربة ضممت فتى *** كان لعين الزمان انسانا

فما تعدّى الحجا مؤرخها *** جنات عدن مثوى لعدنانا

ذكره صاحب الحصون المنيعة فقال : هو فاضل معاصر تركه أبوه بسن الطفولة وقد كفلته امه وسعت في تربيته فهاجر إلى النجف ودخلها وهو ابن الأربعة عشرة سنة وكان بهذا السن يحفظ أربعة عشر الف بيت من الشعر ، ويحفظ القصيدة طالت أو قصرت بمجرد تلاوتها.

ومن شعره قوله وقد أرسلها للحجة الكبير الشيخ عبد الكريم الجزائري :

على الجزع حيث الجزع بالبيض مونق *** مراح بأطراف الرماح مسردق

نعان لظمياء الوشاحين لم تزل *** حذاراً إذا مرت به الريح تخفق

تعان بعين الشهب حصباء أرضه *** ويفضح طوق البدر بدر مطوق

فكم غاضت الكف الخضيب خضيبة *** وكم دق قاب القوس قوس مفوق

أعاريب لا ذل الحضارة نافق *** لديها ولا عزّ البداوة مخلق

أواسط يحميها عن الضيم خلقها *** وعن شظف الألفاظ منها التخلق

غيارى فلا ذكر النساء بجائز *** لديها ولا يلفى لديها التعشق

إذا عبرت بالغرب زفرة عاشق *** تنفس منها بالظبا البيض مشرق

وماشية مشي النزيف كأنما *** يميل بعطفيها السلاف المروق

مهذبة الأطراف تحسب أنها *** كما تتشهى صوّرت يوم تخلق

منعمة لو لا تورّد خدها *** لأيقنت أن الحسن إذ ماج زيبق

ص: 23

أتت وجبين الغرب بالشمس أحمر *** لنا وفؤاد الشرق بالنجم أبلق

على حين لا قلب الصبور بواجف *** عليها ولا ظهر الطريق مطرق

فظلت تدير الطرف وهو مقسّم *** وظلت أرم القلب وهو مفرق

وما أنس للأشياء لا أنس قولها *** أفق انما أنت اللبيب الموفق

رويدك ان الأمر قد جدّ جده *** وان فؤاد الدهر بالسر ضيق

تجاوزت مقدار الشهامة فاتئد *** فغير الذي يممته بك ألق

فقلت عداك الشر لم يبق منزع *** لقوس الهوى لولا الحيا والتخلق

طغى الأمر حتى لست أستطيع حمله *** وما بي لولا الحلم أبدا وأخرق

جزتك الجوازي يا بثينة ما الذي *** يضرك لو اعتقت من ليس يعتق

أفي الحق أن أقضي الزمان ولا أرى *** رسولاً يمنى أو كتاباً يشوق

ومن قوله في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

إمام الهدى وغياث الورى *** وحاكمها السيد المقسط

إمام به هلك المبغضون *** وفي حبّه هلك المفرط

كلا الجانبين عدوٌ له *** وشيعته النمط الأوسط (1)

* * *

وسئل يوماً عما يحفظ من الشعر فأجاب انه يستحضر ثلاثين الف بيت من الشعر ، وكان يحفظ أغلب المتون وشرح ابن الناظم على الألفية متناً وشرحاً ، معروف بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة.

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فذكر غرائب عن ذكائه وفطنته مما يدل أنه نابغة العصور ، قال وكان لا يسمع شيئاً إلا حفظه حتى اللغة الأجنبية من مرة واحدة على الأكثر ، ومن مرتين نادراً كاللغة التركية والفارسية والهندية

ص: 24


1- ديوان السيد عدنان البحراني المخطوط.

والانجليزية. قال الخاقاني : بهذا أصبحت اصدق ما ذكره التاريخ عن ذكاء أبي العلاء المعري وحماد عجرد وأبي تمام. وقال مقترحاً على الشاعرين : السيد جعفر الحلي والسيد محمد سعيد الحبوبي تشطير هذه الأبيات الثلاثة من نوع لزوم ما لا يلزم قال :

واعجبا منك يا فؤادي *** يسعرك الدمع وهو غيث

وانت يا قلب تختشيه *** وهو غزال وأنت ليث

مرّ يريث الخطى وئيداً *** كذاك مشي القطاة ريث

وفي مجموع اللغة خمس قوافي من هذا النوع ، فعجز كل واحد منهما عن التشطير وسجل الخاقاني مجموعة كبيرة من شعره على الحروف الهجائية (1).

وفي كتاب ( الرجال ) المخطوط للباحث السيد جودت القزويني :

اجتمع ذات يوم الشاعر المعروف السيد جعفر الحلي ، والعلامة الشهير السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري الشريف ، فجاء المرحوم السيد عدنان ، فقال السيد جعفر ( للاتحاد الروحي بينهما ) : جاءتنا ريح السمك من البحرين!

فوصل ، وسلم وقال : خير من الباقلاء فانها لا رائحة لها!

فقال السيد جعفر له : إن رائحة الشعر لتتنسم من الحلة الفيحاء من مسير خمسة فراسخ!

فقال له السيد عدنان :

إذا سالت دموع في خدود *** تبيّن من بكى ممن تباكا

فأما ان تنظم ابياتاً ، وانا اشطرها في الحال ، واما ان انظم ابياتاً وامهلك إلى سنة ، فاستغرب قوله ، وقال قل : فقال السيد عدنان :

ص: 25


1- كما قام الاستاذ هاشم محمد الغريفي البصري يجمع شعره أيضاً ، ولا يزال مجموعه مخطوطاً. وفقه اللّه لنشره.

واعجباً منك يا فؤادي *** يسعرك الدمع وهو غيث

وانت يا قلب تختشيه *** وهو غزال وانت ليث

مرّ يريث الخطى وئيداً *** لذاك مشي القطاة ريث

فقال المرحوم الحبوبي للسيد جعفر : ولا عمرك تستطيع تشطرها لأن في اللغة العربية خمس كلمات نظم السيد ثلاثاً ، وابقى اثنين ، وهنّ غيث ، وليث ، وريث!!

نقل هذه القصة الخطيب المرحوم السيد محمد سعيد العدناني في الترجمة الضافية التي سميتها عن حياة الامام السيد عدنان البحراني ، وقد نقلها شفاهاً إلى العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ، وعند انتهائه من سردها قال : فكّر الشيخ كاشف الغطاء وقال : لو كنت حاضراً لشطرتها فان هناك كلمة سادسة غابت عن فكرة السيد الحبوبي وهي ( غيث ، حيث ، ليث ، ريث ، ميث ، جيث ).

فقال له العدناني : مرحباً بك يا سيدي كم ترك الأول للآخر!!

ومن تخميساته التي لم تنشر قوله :

وغيداء بالليل البهيم تسترت *** فلم ترني كفاً ولا هي أُبصرت

فلما برزنا للمصاب وشمّرت *** بدا لي منها معصمٌ حين شمّرت

وكفٌ خضيبٌ زينت ببنان

جنيتُ على نفسي ، وما كنتُ جانيا *** فملكتها بالطوع مني بنانيا

وقمتُ إلى رمي المحصب ساهيا *** فو اللّه ما أدري ، وإن كنتُ داريا

بسبعٍ رميت الجمر أم بثمانِ

ومن المهم أن أُشير إلى أن الخاقاني اشتبه في نسبة بعض الشعر إلى البحراني المذكور كما في شعراء الغري ج 6 ، ومن ذلك أبياته في ( هلال محرم ) صفحة 213 والتي أولها :

ص: 26

قيل ما بال السما مغبرة *** بعد صفو وهي ذات الحبك

والصواب أنها للشاعر الكربلائي الحاج محمد علي كمونة وهي مطبوعة في ديوانه الذي حقّقه الاستاذ محمد كاظم الطريحي فراجعه إن أحببت.

كما نسبَ له الخاقاني تخميساً لأبيات أبي نواس الشهيرة في الصفحة (228) من كتابه السالف الذكر ، وأول التخميس :

هات الصبوح ، وسارع فالاخلاءُ *** من شدة السكر أمواتٌ وأحياءُ

ألم أقل لك إذ حارَ الأطباءُ *** دَع عنك لومي فإنّ اللوم إغراءُ

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

والصواب إن هذا التخميس للشاعر العبقري الحاج محمد رضا النحوي ، وهو مما لم يُطبع من شعره. وقد وقفتُ على مجموعة تخميساته ( مفردةً في كتاب ) ضمن مخطوطات مكتبة العلامة المرحوم الشيخ محمد حسن كبّة البغدادي المتفرقة ومن ضمنها التخميس المذكور. ولا تخفي عليك قُبح هذه النسبة وبشاعتها (1)!!

ص: 27


1- الرجال / مخطوط - الجزء الرابع للسيد جودت القزويني.

الشيخ علي البلادي

المتوفى 1340

الشيخ علي بن حسن بن علي بن الشيخ سليمان البلادي البحراني.

من منظومته المسماة ( جامعة الأبواب ) لمن هم لله خير باب (1) :

ومولد السبط شهيد كربلا *** ثالث شعبان على قول علا

وقيل في الخامس منه بعد أن *** مضت من الهجرة ج فافهمن

قد ختم اللّه له الشهادة *** كما له قد ختم السعادة

بعاشر المحرم المشوم *** بكربلا بالحائر المعلوم

مصابه قد هدّ اركان العلا *** وجلبب الأكوان شجواً وبلا

فلعنة اللّه على مَن قتله *** ومَن رضي بفعل من قد فعله

الشيخ علي بن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني المتوفى سنة 1340.

ترجم نفسه في كتابه ( أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين ) قال : توفي والدي الشيخ حسن عند رجوعه من الحج بالمكان المعروف ب ( رابغ ) سنة 1281 ولي من العمر حينذاك ثمان سنوات ، وكان مولدي سنة 1274 ه. فدرست مبادئ العلوم في بلاد القطيف من نحو وصرف وبلاغة ثم

ص: 28


1- وهي في مكتبتي بخطه.

هاجرت إلى النجف لتحصيل العلوم ودرست على المرحوم الشيخ محمد حسين الكاظمي والسيد مرتضى الكشميري والشيخ محمود ذهب وقد أجازني استاذي الورع الزاهد التقي السيد مرتضى الكشميري إجازة رواية الكتب الأربعة وكتب جميع الأصحاب بل كتب جميع علماء الإسلام من الخاص والعام.

ولي من الكتابات : 1 - منظومة في الاصول الخمسة أسميتها جواهر المنظوم. 2 - ومنظومة ثانية في معرفة الكبائر. 3 - منظومة في مواليد النبي والأئمة والزهراء ووفياتهم علیهم السلام سميتها ( جامعة الأبواب لمن هم لله خير باب ) ومنظومة سميتها ( جامعة البيان في رجعة صاحب الزمان ). 4 - حواش كثيرة على شرح إبن أبي الحديد. 5 - كتاب ( رياض الأتقياء الورعين في شرح الأربعين وخاتمة الأربعين ) يشتمل على 52 حديثاً مشروحة مبسوطة في الاصول والفروع والمواعظ والمناقب وغير ذلك من المؤلفات.

توفي قدس سره صبيحة يوم الحادي عشر من شهر جمادى الاولى سنة 1340 وجاء تاريخ وفاته :

بدر سماء الدين لما اختفى *** دجا بأفق الحق ديجور

فانبجست عيني دماً عندما *** أرخته غاب لنا نور

أقول : وقد عثرت على إجازة كتبها بخطه لجدي السيد محمد شبّر قدس اللّه سره سنة 1327 ه. وها هي بختمه وتوقيعه وخط يده ، قال : بسم اللّه الرحمن الرحيم وبه نستعين. أما بعد حمد اللّه الكريم على سبوغ أفضاله وجسيم آلائه والشكر لله على جزيل نواله وعموم نعمائه ، والصلاة والسلام على خيرته من بريته محمد وآله خزنة وحيه وامنائه. وبعد فيقول العبد الجاني علي بن المرحوم الشيخ حسن ابن المقدس الشيخ علي ابن المرحوم الشيخ سليمان البلادي البحراني عفى اللّه عنه وعنهم وعن جميع المؤمنين وأعطاهم بمنّه ولطفه خير الدنيا والدين بحق محمد المصطفى الأمين وآله الطاهرين الميامين صلى اللّه عليه

ص: 29

وعليهم أجمعين ، انه لما وفقني اللّه الكريم رب العالمين لزيارة مولاي أمير المؤمنين وسيد المسلمين وامام المتقين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين سهم اللّه الصائب وسيفه الضارب قمر بني هاشم أبي الحسن علي بن أبي طالب سلام اللّه عليه وعلى الطاهرين من بنيه الأطائب ، وتشرفت بالوقوف على ابوابه ولثم اعتابه ومنّ اللّه علينا بالاجتماع في أفضل البقاع ، الوادي المقدس الغروي والنادي الأقدس المرتضوي بالمولى الإمام صدر جريدة الأماجد الكرام وبيت قصيدة السادات العظام وزبدة العلماء الأعلام الورع اللوذعي التقي النقي العالم الكامل الزكي غصن الدوحة الأحمدية وفرع السلالة العلوية وثمر الجرثومة الفاطمية ، المولى والزكي الأنور السيد السند والركن المعتمد سيدنا السيد محمد ابن المرحوم المبرور المقدس العلي السيد علي ابن المرحوم المبرور الزكي السيد حسين ابن المقدس المبرور خدين الولدان والحور السيد الأيّد الأمجد العلامة الفهامة الأوحد ، العالم الرباني المجلسي الثاني صاحب التصانيف الكثيرة والعلوم الغزيرة ، المعجب ملائكة السماء بتقواه سيدنا السيد عبداللّه المعروف ب ( شُبّر ) ابن المرحوم المقدس الرضي السيد محمد رضا ابن السيد محمد ابن السيد محسن ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد ناصر الدين ابن السيد شمس الدين محمد ابن السيد محمد ابن السيد نعيم الدين ابن السيد رجب بن الحسن ابن السيد محمد ابن السيد حمزة ابن السيد احمد ابن السيد أبي علي علي ابن السيد عمر بن برطلّه ابن الحسن الأفطس ابن علي الأصغر بن الإمام زين العابدين بن الإمام السبط السعيد أبي عبد اللّه الحسين الشهيد ابن الإمام أمير المؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب علیهم السلام .

نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى *** نوراً ومن فلق الصباح عمودا

الكاظمي النجفي ، أمدّه اللّه بالتوفيقات الربّانية وأيّده بالألطاف السبحانية والعنايات الصمدانية ، سألني وأنا احق بسؤاله وأن اكون من جملة تلامذته ورجاله لا من شكله وأمثاله ، لكن أمره المطاع واجب الاتباع ، أن

ص: 30

اجيزه ما صحت إليّ روايته وثبتت لديّ إجازته من كتب اصحابنا الأبرار ومؤلفات اسلافنا الثقات الأخيار المتصلة اسانيدهم بالأئمة الأطهار ، الآخذين علومهم عن جدهم وسيدهم المصطفى المختار ، المتلقاة من جبرائيل الأمين من الرب الملك القهار صلى عليه وآله الأكرمين الأبرار ، ولا سيما الكتب الأربعة التي عليها المدار المشتهرة في جميع الأزمان والأمصار اشتهار الشمس في رابعة النهار وهي : الكافي الوافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار ، للمحمدين الثلاثة الأوائل الثقاة العلماء الأخيار والجوامع الأربعة وهي : الوسائل ، والوافي ، والحدائق ، وبحار الأنوار للمحمدين الثلاثة المتأخرة الأبرار ، والمحدث المحقق البحراني جليل المقدار ، وغيرها من مؤلفات اصحابنا الأعيان ومصنفات ثقاتنا الأخيار ذوي الايقان والاتقان ، بل اللّه أجداثهم بمياه الرضوان وأحلّهم من الجنان أعلا مكان ، بل وجميع كتب علماء الإسلام من العربية واللغوية والأدبية والرياضية والهندسية مما عُلم نسبة الجميع إلى مؤلفيها الأعيان. فأجزتُ له ادام اللّه ايامه واسبغ عليه أنعامه ان يروي جميع ذلك عني ، عن السيد الرضي العالم العابد ، العامل الكامل الزاهد ، المعرض عن الدنيا وأهلها المقبل على الآخرة وشغلها التقي النقي المتتبع اللوذعي الزكي سيدنا المبرور المحبور السيد مرتضى ابن المرحوم المبرور العالم السيد مهدي الكشميري النجفي تغمده اللّه برحمته وغفرانه وأحلّه دار كرامته ورضوانه ، عن جملة من المشايخ العظام والعلماء الأعلام وأساطين الايمان والإسلام وذوي النقض والابرام. وقد أجازه اكثر علماء زمانه وفضلاء عصره وأوانه عرباً وعجماً وهم كثيرون ، فلنذكر منهم المشاهير منهم تبركاً بذكرهم وتشرفاً بنشر فضلهم وفخرهم ، فمنهم فخر الشيعة وركن الشريعة حجة الاعلام وعلم الاعلام الذي أذعنت له إجلالاً واعظاماً الملوك والحكام وألقت له فضل الزمام ، العلم العلامة الحبر الفهامة المرحوم المبرور الميرزا محمد حسن الشيرازي قدس اللّه تربته ، ومنهم العالم السري والعامل الزكي صاحب المصنفات الكثيرة والتحقيقات

ص: 31

الشهيرة السيد السند السيد محمد مهدي القزويني النجفي المجاور بالحلة السيفية برهة من الزمان قدس اللّه سره ونور قبره ، ومنهم العالم الامين والامام المحقق المكين الزاهد العابد صاحب هداية الانام في شرح شرايع الإسلام الاوحد الامين شيخنا المبرئ من كل شين الشيخ محمد حسين ابن المرحوم الشيخ هاشم الكاظمي النجفي روّح اللّه روحه وتابع فتوحه ، ومنهم العالم العامل الفاضل الكامل ذي الفضل والشرف شيخنا الشيخ محمد طه نجف ، ومنهم العالم الرباني والعالم الصمداني الشيخ لطف اللّه المازندراني قدس اللّه نفسه وطهر رمسه ، ومنهم العالم المحقق المدقق الكامل الأمين المرحوم المبرور الحاج الميرزا محمد حسين ابن المرحوم الحاج ميرزا خليل الطهراني تغمده اللّه برحمته وحباه بدار كرامته ، ومنهم المولى العلامة المحقق المدقق الفهامة الميرزا حبيب اللّه الرشتي النجفي قدس سره ، ومنهم العالم العامل الرباني المحقق الصمداني الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري.

وهؤلاء العلماء الاعلام والاجلاء العظام كلهم ما عدا سيدنا التقي السيد مهدي القزويني وشيخنا ذا الشرف الشيخ محمد طه نجف كلهم يروون عن الإمام العلامة الفقيه المحقق صاحب الجواهر الذي ثبتت له المنّة على علمائنا الأواخر ، عن المحقق الأفخر والشيخ الأكبر كاشف الغطاء عن الشريعة العَراء شيخنا الشيخ جعفر النجفي ، عن الوحيد المجدد الرباني الاغا باقر البهبهاني عن والده الأفضل الأكمل الشيخ محمد ، عن شيخنا غواص بحار الأنوار وراصد أسرار الأئمة الأطهار الشيخ محمد باقر المجلسي عن أبيه التقي النقي المحقق المدقق جامع العلوم والمعارف واليقين الشيخ محمد بهاء الملة والدين عن والده المحقق المدقق عز الدين الشيخ حسين ابن الشيخ عبد الصمد العاملي الجباعي الحارثي عن شيخنا العالم الرباني الشيخ زين الدين الشهيد الثاني - ح - وعن سيدنا العلامة الزكي الصفي السيد محمد مهدي القزويني الحلي النجفي عن عمه العالم العامل ذي الكرامات والمآثر السيد باقر القزويني عن خاله بحر العلوم والمحيي من آثار

ص: 32

آبائه الدروس والرسوم السيد مهدي الطباطبائي ، عن جملة من مشايخه الاعلام ، منهم المحدث المحقق الرباني الشيخ يوسف العصفوري البحراني صاحب الحدائق الناضرة وغيرها من المصنفات الفاخرة ، عن جملة من المشايخ العظام منهم العالم الأفخر والمحقق الأكبر الشيخ حسين إبن الشيخ محمد بن جعفر الماحوزي البحراني ، عن شيخه علامة البشر والعقل الحادي عشر العالم الرباني والمحقق الذي ليس له ثاني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن شيخه الفقيه والحبر النبيه الشيخ سليمان ابن الشيخ علي بن أبي ظبية الشاخوري البحراني ، عن العلامة المحدث النبيه الوحيد الفقيه الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني الملقب بأم الحديث ، عن شيخنا العلامة البهائي رضي اللّه تعالى عنهم وأرضاهم وجعل الجنة مثواهم.

- ح - وعن شيخنا ذي المجد والشرف الشيخ محمد طه نجف عن العالم التقي سلمان زمانه الزاهد العابد الحاج شيخ ملا علي ابن المرحوم الحاج ميرزا خليل الطهراني النجفي قدس اللّه سره ، عن شيخه العلم الظاهر الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.

- ح - وعن شيخنا الفقيه الأمين الازهد الشيخ محمد حسين الكاظمي النجفي والتقي الشيخ لطف اللّه المازندراني كلاهما عن شيخنا علم الأعلام الإمام المرتضى المحقق المدقق الشيخ مرتضى الأنصاري ( والنسبة للانصاري لكونه من ذرية جابر بن عبد اللّه بن حزام الأنصاري ) عن شيخه العالم الأمجد الشيخ أحمد النراقي صاحب المستند وغيره ، عن أبيه العالم المحقق الشيخ محمد مهدي النراقي صاحب مشكاة العلوم وتجريد الاصول وجامع السعادات في تهذيب النفس ومكارم الأخلاق ( وهو من ذرية أبي ذرّ الغفاري الصحابي ) عن شيخه المحقق المدقق الشيخ يوسف البحراني رضي اللّه عنهم.

- ح - وعن شيخنا العلامة الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن السيد السند السيد هاشم ابن المرحوم السيد سليمان التوبلي الكتكتاني البحراني صاحب

ص: 33

البرهان الكبير في التفسير ، ومدينة المعاجز ، ومعالم الزلفى ، وغاية المرام ، وغيرها عن جملة من المشايخ الكرام منهم الفقيه النبيه التقي الشيخ فخر الدين ابن طريح النجفي الرماحي صاحب مجمع البحرين والمنتخب.

- ح - وعن شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي البحراني عن شيخه طود التحقيق ومركز التدقيق الشيخ احمد ابن الشيخ محمد بن يوسف المقابي المقشاعي البحراني عن أبيه المذكور وعن المولى المجلسي وابيه عن شيخنا البهائي.

- ح - وعن شيخنا العالم الرباني الشهيد الثاني عن جملة من المشايخ منهم المحقق الشيخ علي الميسي العاملي عن المحقق الثاني شمس الدين الشيخ علي بن عبد العال الكركي العاملي عن المحقق الفقيه العابد الزاهد الشيخ علي بن هلال الجزائري عن العالم العامل شمس الدين الشيخ محمد المعروف بابن المؤذن العاملي عن الشيخ الفاضل ضياء الدين علي عن أبيه وشيخه المحقق الأجل شمس الملة والدين أبي عبد اللّه الشيخ محمد بن مكي الشهيد الأول صاحب الذكرى واللمعة وقواعد الاصول وغيرها عن جملة من المشايخ العلماء الاعلام منهم السيد المحقق السيد عميد الدين صاحب شرح تهذيب الاصول ومنهم فخر المحققين ابو طالب الشيخ محمد عن ابيه العلامة على الاطلاق شيخ مشايخ الدنيا فضلاً عن العراق آية اللّه في العالمين جمال الملة والدين الشيخ حسن عن والده المحقق الافخر الشيخ يوسف ابن المطهر الحلي عن المحقق شيخ مشايخ العراق نجم الدين الشيخ جعفر بن سعيد الحلي الهذلي صاحب الشرائع والمعتبر والنافع وغيرها.

- ح - وعن العلامة عنه وعن السيدين الجليلين النبيلين الأعلمين الأفضلين رضي الدين ذي الكرامات السيد علي صاحب كتاب الاقبال والطرائف والمهج وغيرها ، وأخيه جمال الدين المحقق السيد احمد صاحب المصنفات الكثيرة التي من جملتها بشرى الشيعة في احكام الشريعة ، في مجلدات كثيرة ابني آل أبي طاووس قدس اللّه ارواحهم ونوّر أشباحهم.

ص: 34

- ح - وعن العلامة الحلي عن المحقق الحكيم المتكلم نصير الملة والدين الخواجه محمد بن محمد بن الحسن الطوسي.

- ح - وعن العلامة الحلي قدس اللّه سره عن الفيلسوف الحكيم العالم الرباني الشيخ ميثم ابن الشيخ علي ابن الشيخ ميثم بن المعلا البحراني الماحوزي صاحب الشروح الثلاثة على نهج البلاغة وكتاب البحر الخضم وقواعد العقائد وغيرها.

- ح - وعن العلامة الحلي عن الفاضل الفقيه التقي الشيخ حسين ابن المحقق المدقق الشيخ علي بن سليمان الستري البحراني ، وهو والمحقق الشيخ ميثم كلاهما عن أبيه الشيخ علي المذكور عن العلامة محقق الحقائق الشيخ أحمد بن سعادة البحراني الستري ايضاً صاحب كتاب قواعد العقائد في علم الكلام وقد شرحها المحقق والخواجه شرحاً جيداً.

- ح - وعن المحقق الحلي عن العلامة الفهامة الشيخ بن نما عن الفاضل أبي عبداللّه محمد بن ادريس الحلي العجلي صاحب كتاب السرائر.

- ح - وعن المحقق الحلي عن السيد الجليل السيد فخار الدين عن الفقيه الشيخ شاذان بن جبرائيل القمي عن ابي القاسم الشيخ محمد بن جرير الطبري الامامي عن المفيد الثاني ابي علي الحسن عن والده شيخ الطائفة المحقة وعماد الفرقة الحقة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي صاحب تهذيب الأحكام والاستبصار والمبسوط والنهاية وغيرها عن الشيخ الامام السعيد أبي عبداللّه الشيخ محمد بن النعمان المفيد البغدادي عن الامام أبي القاسم الشيخ جعفر بن قولويه صاحب كامل الزيارات وغيره عن الشيخ الامام رئيس المحدثين الفقيه ابي جعفر محمد ابن علي بن موسى بن بابويه القمي عن أبيه الفقيه علي بن بابويه وعن جملة مشايخه المذكورين في مشيخة من لا يحضره الفقيه أعلى اللّه درجاتهم وضاعف حسناتهم.

ص: 35

- ح - وعن شيخ الطائفة عن سيدنا الامام المرتضى علم الهدى وعن الشيخ المفيد عن علم الاعلام وحجة الاسلام أبي جعفر الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ثقة الاسلام صاحب الكافي الوافي بالأحكام وجميع الطرق التي لأصحابنا ترجع إلى شيخ الطائفة الطوسي وقد ذكرها في الفهرست وغيره وعن شيخنا الشيخ المفيد طاب ثراه عن مشايخه ورجاله الذين ذكرهم ثقة الاسلام في الكافي إلى أن تنتهي أسانيد هؤلاء الثقاة الأعلام عن أئمتنا الطاهرين الكرام المتصلة أخبارهم الى جدهم وسيدهم الرسول المصطفى عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام عن جبرئيل الأمين عن رب العالمين.

ثم ليعلم سيدنا وعمادنا ومولانا وملاذنا ان لهؤلاء المشايخ الكرام المذكورين من المبدأ إلى الختام طرقاً كثيرة وروايات وفيرة لو أردنا استقصاءها لكانت في مجلد ضخم ، وفي هذا كفاية واللّه ولي التوفيق والهداية. وأحسن ما جمعهم على الترتيب الأنيق والاسلوب الرشيق الشيخ الفاضل صاحب الحدائق في لؤلؤته ، والمحدث الشيخ عبداللّه بن صالح السما هيجي البحراني في اجازته الكبرى التي أجازها الفاضل الشيخ ناصر الجارودي القطيفي والفاضل المتتبع ثقة الاسلام الحاج ميرزا حسين النوري في المجلد الثالث من مستدرك الوسائل وغير ذلك جزاهم اللّه خير الجزاء وحباهم أفضل الحباء ، من أراد ذلك فليرجع إلى ما هنالك.

ولنختم هذه الاجازة الشريفة بحديث متصل الاسناد إلى سادات العباد أئمتنا الأمجاد حتى ينتهي إلى الرسول المصطفى خيرة الملك الجواد وأفضل من برأه اللّه من جميع الخلق والعباد ، فنقول بالسند المتقدم إلى رئيس المحدثين أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي أعلى اللّه مقامه في دار المقامة قال حدّثنا محمد بن القاسم الجرجاني قال حدثنا محمد بن يوسف بن زياد وعلي بن

ص: 36

محمد بن سنان عن ابويهما عن مولانا وسيدنا أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه أمير المؤمنين عليهم الصلاة والسلام قال قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه ذات يوم يا عبد اللّه : أحبب في اللّه وأبغض في اللّه ووالِ في اللّه وعادِ في اللّه فانه لا تنال ولاية اللّه إلا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الايمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا على علاء الدنيا عليها يتواددون وعليها يتباغضون وذلك لا يغنى عنهم عن اللّه شيئاً ، قال الرجل يا رسول اللّه كيف لي أن أعلم أني واليت في اللّه وعاديت في اللّه ، ومَن وليّ اللّه حتى أواليه ، ومن عدوّه حتى أعاديه. فأشار رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الى علي علیه السلام ، وقال : أترى هذا ، قال بلى ، قال صلی اللّه علیه و آله : وليّ هذا وليّ اللّه وعدوّ هذا عدوّ اللّه ، فوالِ وليّ هذا ولو أنه قاتل أبيك ، وعادِ عدوّ هذا ولو أنه أبوك وولدك. انتهى كلامه عليه وآله الطاهرين صلوات اللّه وسلامه.

فليرو سيدنا ومولانا أدام اللّه ظلاله وأصلح أحواله وأزاد في الصالحات والطاعات اقباله وكثر في الفرقة الناجية أمثاله لمن شاء وأحب محتاطاً في ذلك سلك اللّه به وبنا وباخواننا المؤمنين أحسن المسالك وجنبنا جميعاً جميع المهالك انه وليّ ذلك سائلاً من ذاته السليمة وأخلاقه التي هي على نهج الهداية مستقيمة أن يمدّنا بصالح الدعوات ولا سيما في مظان الاجابات.

وكتب العبد الجاني علي بن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني عفى اللّه عن ذنوبهم أجمعين وأعطاهم خير الدنيا والدين بحق محمد وآله الطاهرين صلوات اللّه عليهم كل آن وحين والحمد لله رب العالمين. باليوم 18 من شهر

ص: 37

جمادي الثانية من السنة 1327 السابعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف هجرية على مُهاجرها وآله آلاف الصلوات والتحية.

الختم

ظن علي بربه حسن

وترجم له صديقنا المعاصر الشيخ علي المرهون في ( شعراء القطيف ) وذكر له من المراثي للامام الحسين علیه السلام قصيدته التي يقول في أولها :

يا لخطب زلزل السبع الشدادا *** ولقد أوهى من الدين العمادا

ورمى الاسلام سهماً صائباً *** فأصاب القلب منه والفؤادا

واخرى مطلعها :

هلّ المحرم فاخلع حُلّة الطرب *** والبس به حلل الارزاء والكرب

واحرم وطف كعبة الأحزان منتحراً *** هدي السرور مدى الاباد والحقب

ص: 38

الشيخ عبداللّه باش أعيان

المتوفى 1340

الشيخ عبداللّه ضياء الدين باش أعيان العباسي ، قال مشطراً البيتين الشهيرين وهما من نظم عثمان الهيتي المترجم في الأجزاء السابقة من هذه الموسوعة :

رميت الخيزرانة من يميني *** ولو كانت من الدنيا حطامي

سأتركها ولا أصبو اليها *** وأكره أن أُشاهدها أمامي

ولستُ بحامل ما عشتُ عوداً *** مدى الأيام أو يأتي حمامي

أأحمل في يدي عوداً غشوماً *** بها قرعوا ثنايا ابن الامامِ

* * *

الشيخ عبداللّه ضياء الدين باش أعيان : هو ابن الشيخ عبد الواحد باش أعيان البصرة ترجم له الأديب المعاصر حسون كاظم البصري في مؤلفه المسمى ( ذكرى الشيخ صالح باش اعيان العباسي ) فقال : كان سماحته مثال المروءة ودماثة الخلق وكرم النفس واليد ، يتفقد الصغير والكبير والغني والفقير ، درس على علماء زمانه مثل الشيخ أحمد نور الدين الأنصاري والشيخ عبد

ص: 39

الوهاب الأنصاري والشيخ اسماعيل الكردي والشيخ أحمد الكوهجي والشيخ احمد الحلبي وأجازه أحد العلماء الألوسيين فأصبح عالماً فاضلاً وأديباً وشاعراً ونال رتبة من الحكومة العثمانية ، هي رتبة ( بلاد خمس ) وتعيّن في مناصب منها :

1 - عضواً في محكمة التمييز بالبصرة سنة 1292 ه.

2 - عضواً في المحاكم العدلية سنة 1297 ه.

3 - وكيلاً لرئاسة محكمة الجزاء الشرعية والحقوق ومدعي عموم البصرة وعضواً في مجلس المعارف والأوقاف ، وعضواً في مجلس إدارة الولاية مدة خمس سنوات.

وكان كثير القراءة والتتبع ، فترى معظم كتب الاسرة تحمل تعليقات وهوامش بخطه ، وألّف بضعة رسائل منها :

1 - رسالة عن تراجم أعيان البصرة ، محفوظة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد.

2 - رسالة صغيرة عنوانها ( الفتوحات الكوازية في السياحة إلى الأراضي الحجازية ) وقد طبعت.

3 - بحوث ورسائل في مختلف العلوم.

وأنجب من الاولاد : (1) الشيخ عبد الواحد (2) الشيخ صالح الذي طبعت له ذكرى بقلم حسون كاظم البصري (3) الشيخ محمد أمين عالي وتوفي سنة 1340 ه.

وهذا ثاني أنجاله وهو الشيخ صالح باش أعيان الذي لمع نجمه واشتهر فضله ، وذاع صيته واستوزر اكثر من مرة وتنقل في المناصب العالية. وكان مولده عام 1291 ه. ووفاته سنة 1946 م. 1365 ه. وكان من نظمه في مدح الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

ص: 40

وأقول للساقي فديتك هاتها *** فاذا سكرت من المدام إليّ غن

أيام نلتُ بها المسرة مثل ما *** نلتُ المسرّة في ولاء ابي حسن

قل للذي نظم القريض لغيره *** متمثلاً في الصيف ضيّعتَ اللبن

أجهلتَ حق محمد في حيدر *** قل لي بحقك ( هل أتى ) نزلت لمن

واسرة آل باش تنحدر من صلب عمود الخلفاء العباسيين الذين تربعوا دست الحكم في بغداد ، إذ ان الأمير هاشم بن أبي محمد الحسن المستضيئ باللّه العباسي هو رأس هذه الاسرة ومنه اخذت ترتفع بحلقات متينة متصلة بدقة واحكام إلى يومنا هذا. وترجم له الخاقاني فقال :

عبداللّه ابن الشيخ عبد الواحد ( باش أعيان ) العباسي الملقب بضياء الدين. ولد في البصرة 1263 ه. ونشأ بها محباً للخير والعلم والأدب ، كان مهيب الطلعة جليل القدر سمح النفس يتفقد الفقير. درس العلوم الدينية على جده لأمه الشيخ أحمد نور الأبصاري وعلى فريق من أعلام البصرة ، ولازم الحجة السيد ناصر ابن السيد عبد الصمد والعلامة السيد محمد شبّر الكاظمي ، وكانت مجالسه لا تخلو من الحوار العلمي والأدبي. اجتمع بالرحالة السيد محمد رشيد بن داود السعدي فكتب عنه في رحلته ( قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق والنهرين ). تقلّد عدة مناصب في الدولة العثمانية ، فقد عُيّن في سنة 1297 عضواً في المحاكم العدلية إلى سنة 1320 ه. ووُلي خلالها عدة وظائف منها وكيلاً لرئاسة محكمة الجزاء والشرعية والحقوق ومدعي العموم في البصرة. وعضواً في مجلس المعارف والأوقاف ، وعضواً في ادارة الألوية ، وتلقى عدة فرامين من السلطان عبد الحميد خان توفي بمسقط رأسه - البصرة - سنة 1340 ه. ودفن بمقبرة الاسرة الخاصة في جامع الكواز. له آثار منها رسالة في تراجم أعيان البصرة - توجد في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد ، وكتاب ( الفتوحات

ص: 41

الكوازية في السياحة إلى الأراضي الحجازية ) مطبوع ، ورسائل اخرى لم تكمل. وله تعليقات كثيرة على مئات الكتب المخطوطة بمكتبة الاسرة الخاصة. خلف أنجالاً ثلاثة : 1 - الشيخ عبد الواحد ، 2 - معالي الشيخ صالح المتوفى 1365 ه. والد الشيخ عبد السلام ، 3 - معالي الشيخ محمد أمين المتوفى 1340 ه.

وفي ديوان السيد حيدر قصيدة يهنئ بها الشيخ عبد اللّه بزواج ولده الشيخ عبد الواحد وأولها :

عجل الصب وقد هبّ طروبا *** فتعدّى لتهانيك النسيبا (1)

ص: 42


1- عن ديوان السيد حيدر تحقيق الباحث على الخاقاني.

الملا على الخيري

المتوفى 1340

قال من قصيدة في الامام الحسين علیه السلام :

وراءك عني حسبي اليوم ما بيا *** وكُفّي ملامي لا عليّ ولا ليا

أمن بعد يوم ابن النبي بكربلا *** يجيب فؤادي للصباية داعيا

غداة ابن هند شبّها نار فتنة *** بها عاد جمر الوجد للحشر ذاكيا

وقاد لحرب ابن النبي جحافلا *** وأوقدها حرباً تشيب النواصيا

فهبّ لها حامي حمى الدين مفردا *** بأهلي وبي أفدي الفريد المحاميا

وما زال للأرواح يخطف سيفه *** إلى أن هوى شلواً على الأرض ثاويا

تظلله سمر الرماح وتارة *** تهيل عليه العاصفات السوافيا

تريب المحيا في الصعيد معفراً *** ثلاثاً على وجه البسيطة عاريا

ومن حوله أشلاء أبناء مجده *** دوام بنفسي أفتديها دواميا

وسارت بأطراف الأسنة والقنا *** رؤوسهم يجلو سناها الدياجيا

علي بن الملا حمزة الملقب بالخيري ، بغدادي الأصل حليّ النشأة والتربية ، يقول الشيخ اليعقوبي أن مولده سنة 1270 ه. توفي أبوه وهو لم يبلغ الحلم فهبط الحلة وأقام فيها مرتزقاً من كتابة الصكوك والوثائق الشرعية وما شاكل ذلك ، قال وفيه ذكاء غريزي وميل فطري لتحصيل الأدب ومعاشرة الادباء

ص: 43

فاتصل بآل السيد سليمان وطفق يختلف إلى ندوة شاعر الفيحاء السيد حيدر وتأثر بأدبه فكان من ملازمي داره ورواة أشعاره حتى نسخ الكثير من نظمه ثم صحب ولده السيد حسين وابن أخيه السيد عبد المطلب ، ولهما معه مسامرات ومراسلات. وسكن في أواسط عمره قرية ( ذي الكفل ) (1) واتصل بزعيمها يومذاك وهو الحاج ذرب بن عباس وهو السادن الرسمي لمرقد ذي الكفل فجعله كاتبه الخاص ونائبه على ادارة الأملاك والوقوف التي تحت تصرفه وتوليته.

وكان رحمه اللّه بطل الرواية في قصة ( منارة الكفل ) التي هي مضرب المثل ، فيقال لكل شيء يغتصب علانية ( ما أشبهه بمنارة الكفل ) وخلاصة القصة كما نقلها اليعقوبي في ( البابليات ) عن المترجم له هي : تقدم الحاج ذرب بعريضة إلى السلطان عبد الحميد في سنة 1305 ه. بأن جامع ذي الكفل يعود للمسلمين بدليل وجود منبر ومحراب اسلامي ومنارة للأذان ، وأن اليهود تملكوه وبنوا فيه مخازن وبيوتاً وغرفاً يأوى اليها الزائرون منهم في عيد رأس السنة وعيد الكفارة وغيرهما من المواسم ، فأنكر اليهود كل ذلك فندبت الحكومة ببغداد رجلاً من موظفيها للكشف عن ذلك فجاء إلى قرية ذل الكفل وجلس في ظل المنارة وكتب تقريراً خلاصته ( أن لا منارة هناك ) فكتب الحاج ذرب إلى الاستانة كراسة صغيرة بحث فيها عن المسجد وحدوده القديمة ومساحته وما فيه الآن من بنايات حديثة لليهود وتاريخ المنارة وموضع المحراب والمنبر وما إلى ذلك ( بخط المترجم له وإملائه ) ورفع ذلك إلى الباب العالي في عهد السلطان عبد الحميد فأوفدت من الاستانة لجنة لحل النزاع واستيضاح الحقيقة ولكنها

ص: 44


1- بلدة قائمة على ضفة الفرات اليسرى تقع في منتصف الطريق بين الحلة والكوفة ، فيها مدفن نبي اللّه حزقيال المسمى ب ( ذي الكفل ) وتعرف القرية في المعاجم القديمة ( بئر ملاحة ) ونقل الدكتور مصطفى جواد في مجلة الاعتدال السنة الرابعة عن مزارات السائح الهروي : قبر ذي الكفل وهوحزقيل النبي في موضع يقال له ( برّ ملاحة ) شرقي قرية يقال لها ( قسونات ) وبهذه القرية قبر باروخ استاذ حزقيل ومعلمه ، وبها قبر يوسف الربان ، واليهود يزورونه ، وبها قبر يوشع وليس هذا ابن نون ، وبها قبر عزرا وليس هذا عزرا ناقل التوراة الكاتب.

عند وصولها بغداد توصل اليها اليهود بالمال وذلك بتوسط صالح دانيال فأيدت التقرير الأول ونفت وجودالمنارة في الكفل من دون أن تصل اليها وبعثت في تأييد قرارها من أخذ صورة فوتوغرافية للقرية في احدى جهاتها التي لا يظهر فيها شكل المنارة التي لا تزال باقية إلى الآن.

وقد دوّن المترجم له في مجموعة له كتبها بنفسه لنفسه طائفة من أشعار جماعة من أدباء الحلة كان قد عاصرهم كالكوازين والسيد حيدر وابن عوض وبعض منظوماته في صباه وقليلاً من شعر المتقدمين ويصدر كل قصيدة يثبتها لمعاصريه بقوله :

وقال سلمه اللّه تعالى ، مما يؤكد لنا أنها كتبت في أواخر القرن الثالث عشر ولم يزل مقيماً بالكفل إلى أن توفي يوم الثلاثاء 28 رجب من سنة 1340 ه وحمل إلى النجف الأشرف ودفن فيها وعمره قد أناف على السبعين ، ذكر له الشيخ اليعقوبي في البابليات بعض منظوماته ومراسلاته وقصيدتين في الإمام الحسين علیه السلام ذكرنا في صدرالترجمة واحدة أما الثانية فمنها :

قذيت لآل محمد عين الهدى *** والشرك قد أمسى قرير عيون

فمخضب بالسيف عند سجوده *** في كف أشقى العالمين لعين

ومكابد سمّ العدو بمهجة *** تفدى النفوس لسرّها المكنون

ص: 45

الملا حبيب الكاشانى

المتوفى 1340

قال في مطلع ملحمته التي يرثي بها سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) :

أبسبق القضاء جفّ مدادي *** أم بجمر الغضا أُذيب فؤادي

لا ولا للهوى يرفّ فؤادي *** أو لليلى وزينب وسعاد

ما تعديت عن طريق السداد

ان قلبي على الحسين قريح *** مدمعي بالبكا عليه جريح

وولائي له صحيح صريح *** وضجيجي مع الأنين فصيح

رزؤه قد أذاب مني فؤادي

الملا حبيب اللّه الكاشاني ، الفقيه الكبير حبيب اللّه بن علي مدد الشهير بالكاشاني المتوفى صبيحة يوم الثلاثاء 23 جمادى الآخرة سنة 1340 ه. دفن بكاشان وعمره 87 سنة. قال السيد الأمين في الأعيان : له عدة مؤلفات.

توضيح البيان في تسهيل الأوزان ، تفسير سورة الاخلاص ، تفسير سورة الفاتحة ، تفسير سورة الفتح مطبوع ، تسهيل المسالك إلى المدارك في القواعد الفقهية وقد الحق هذه المنظومة المتقدمة بالكتاب المذكور.

ص: 46

وترجم له البحاثة الطهراني في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) فقال : عالم فقيه ورئيس جليل ومؤلف مروج مكثر ، اشتغل بالتصنيف والتأليف في أنواع العلوم وفنونها وكان مكثراً فقد بلغت عدة تصانيفه مائة وثلاثين كتاباً ورسالة وذلك إلى سنة 1319 ه. وقد عاش بعد هذا التاريخ 21 سنة واللّه العالم بما ألّفه خلال تلك المدة فمن مؤلفاته ، لباب الألقاب ، رجوم الشياطين في ردّ البابية و ( منتقد المنافع في شرح المختصر النافع اثنا عشر مجلداً فرغ منها في سنة 1294 ه. ( توضيح البيان في تسهيل الأوزان ، رياض الحكايات في الأمثال والقصص ، عقايد الايمان في شرح العديلة ، ومن منظوماته الفارسية ( نصيحة نامه ، وشكاية نامه ) ومن منظوماته العربية منية الاصول في الدراية ، ومنظومة في علم المناظرة واخرى في علم الصرف واخرى في النحو اسمها ( درة الجمان ) إلى غير ذلك من المنظوم والمنثور الفارسي والعربي.

ص: 47

السيد أبو بكر بن شهاب

المتوفى 1341

براءة برٍّ في براء محرم *** عن اللّه والسلوان من كل مسلم

فأيّ جنان بين جنبي موحد *** بنار الأسى والحزن لم يتضرّم

وأي فؤاد دينه حب أحمد *** وقرباه لم يغضب ولم يتألم

على دينه فليبكِ من لم يكن بكى *** لرزء الحسين السيد الفارس الكمي

توجه ذو الوجه الأغر مؤدياً *** لواجبه لم يلوه لحيُ لوّم

فوازره سبعون من أهل بيته *** وشيعته من كل طلق مقسّم

فهاجت جماهير الضلال وأقبلت *** بجيش لحرب ابن البتول عرمرم

وحين استوى في كربلاء مخيماً *** بتربتها أكرم به من مخيّم

وساموه إعطاء الدنية عندما *** رأوا منه سمت الخادر المتوسم

وهيهات أن يرضى ابن حيدرة الرضا *** بخطة خسف أو بحال مذمّم

أبت نفسه الشماء إلا كريهة *** يموت بها موت العزيز المكرّم

هو الموت مرّ المجتنى غير أنه *** ألذّ وأحلى من حياة التهضم

وقارع حتى لم يدع سيف باسل *** بمعترك الهيجاء غير مثلّم

وصبّحهم بالشوس من صيد قومه *** نسور الفيافي من فرادي وتوأم

أتاح له نيل الشهادة راقياً *** معارج مجدٍ صعبة المتسنم

هي الفتنة الصماء لم يلف بعدها *** منار من الايمان غير مهدم

فيا أسرة العصيان والزيغ من بني *** أمية من يستخصم اللّه يخصم

ص: 48

هدمتم ذى أركان بيت نبيكم *** لتشييد بيت بالمظالم مُظلم

ولم تمحَ حتى الآن آثار زوركم *** وتصديقه ممن عن الحق قد عمي

ولا بدع أن حاربتم اللّه إنها *** لشنشنه من بعض أخلاق أَخزم

ونازعتم الجبّار في جبروته *** ولكنه من يرغم اللّه يرغم

نبيّ الورى بعد انتقالك كم جرى *** ببيتك بيت المجد والمنصب السمي

دهتهم ولما تمضِ خمسون حجة *** خطوب متى يلممن بالطفل يهرم

فكم كابد الكرار بعدك من قلىً *** وخلف إلى فتك الشقي ابن ملجم

وصبّت على ريحانتيك مصائب *** شهيد المواضي والشهيد المسمم

ضغائن ممن أعلن الدين مكرهاً *** ولولا العوالي لم يوحد ويسلم

أضاعوا مواثيق الوصية فيهم *** ولم يرقبوا إلا ولا شكر منعم

فسق غير مأمور إلى النار حزبهم *** إذا قيل يوم الفصل ما شئت فاحكم

حبيبي رسول اللّه إنا عصابة *** بمنصبك السامي نعز ونحتمي

لنا منك أعلى نسبة باتباعنا *** لهديك في أقوى طريق وأقوم

ونسبة ميلاد فم الطعن دونها *** على الرغم مغتصٌ بصاب وعلقم

نعظم من عظمت ملئى صدورنا *** ونرفض رفض النعل من لم تعظم

لدى الحق خشن لا نداجي طوائفاً *** لديهم دليل الوحي غير مسلم

سراعاً إلى التأويل وفق مرادهم *** لرفع ظهور الحق بالمتوهم

هل الدين بالقرآن والسنة التي *** بها جئت أم أحكامه بالتحكم

ولكن عن التمويه ينكشف الغطا *** لدى الملك الديّان يوم التندم

السيد أبو بكر بن شهاب العلوي الحسيني الحضرمي ينتهي نسبه إلى الإمام أبي عبداللّه الحسين علیه السلام .

ولد سنة 1262 ه. بقرية حصن آل فلوقة أحد مصائف تريم من بلاد

ص: 49

حضر موت وتوفي ليلة الجمعة 10 جمادى الأول سنة 1341 ه ( بحيدر اباد دكن ) من بلاد الهند. كان عالماً جليلاً حاوياً لفنون العلوم مؤلفاً في كثير منها ، قوي الحجة ساطع البرهان ، أديباً شاعراً مخلصاً في ولائه لأهل البيت علیهم السلام ، ونظم منظومته المسماة ( ذريعة الناهض إلى علم الفرائص ) وعمره نحو 18 سنة وله مصنفات في العلوم تناهز الثلاثين. هو شاعر اليمن الأول في زمانه وترك بعده ديواناً ضخماً يضم مختلف أنواع الشعر ، فمن مدائحه للرسول الأعظم قصيدته التي مطلعها.

لذي سلم والبان لولاك لم أهوى *** ولا ازددت من سلع وجيرانه شجوى

وفيها يقول :

ألا يا رسول اللّه يا من بنوره *** وطلعته يستدفع السوء والبلوى

ويا خير من شدّت اليه الرحال من *** عميق فجاج الأرض تلتمس الجدوى

اليك اعتذاري عن تأخر رحلتي *** إلى سوحك المملوء عمّن جنى عفوا

على أن خمر الشوق خامرني فلم *** يدع فيّ عرقاً لا يحنّ ولا عضوا

وأني لتعروني لذكراك هزة *** كما أخذت سلمان من ذكرك العروا

وما غير سوء الحظّ عنك يعوقني *** ولكنني أحسنت في جودك الرجوا

وها أنا قد وافيت للروضة التي *** بها نيّر الايمان ما انفك مجلّوا

وقفت بذلي زائراً ومسلماً *** عليك سلام الخاضع الرافع الشكوى

صلاة وتسليم على روحك التي *** اليها جميع الفخر أصبح معزوا

عليك سلام اللّه يا من بجاهه *** ينال من الآمال ما كان مرجوا

عليك سلام اللّه يا من توجهت *** إلى سوحه الركبان تطوي الفلا عدوا

سلام على القبر الذي قد حللته *** فأضحى بأنوار الجلالة مكسوا

اليك ابن عبد اللّه وافيت مثقلاً *** بأوزار عمرٍ مرّ معظمه لهوا

* * *

ص: 50

وكقصيدته المهملة التي أولها :

ساد رسلَ اللّه طه أحمد *** مصدر الكل له والمورد

كما يضم هذا التيار في أطوائه مراثيه ومدائحه لآل البيت الكرام ، فمن جياد مراثيه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام قصيدته التي أولها :

قفا وانثرا دمعا على الترب أحمراً *** وشقّا لعظم الخطب أقبية الكرى

ومن جيد مديحه لأمير المؤمنين (عليه السلام) قصيدته التي أولها :

خذوا الحذر أن تطوّفوا بخيامها *** وأن تجهروا يوماً برد سلامها

ومن جيد مراثيه للامام الحسين علیه السلام قصيدته التي أولها :

براءة برّ في براء محرم *** عن اللّهو والسلوان من كل مسلم

وكذلك مدائحه لآل البيت الطاهر المنبّه في ديوانه في الصفحات : 41 و 46 و 49 و 51 و 52 وسواها. ومما يصنف في هذا التيار قصائده الطائفية ومحاججاته المذهبية. وهذه القصائد وأغلبها برهان عقلي يطفح بها الديوان.

في بعض قصائده الدينية يكشف عن عميق إيمانه بوحدة المسلمين على اختلاف طوائفهم :

ها كل طائفة من الإسلام مذعنة *** بوحدة فاطر الأكوان

وبأن سيدنا الحبيب محمداً *** عبد الاله رسوله العدناني

وامام كل منهم في دينه *** أخذاً ورداً محكم القرآن

فإلهنا ونبينا وكتابنا *** لم يتّصف بالخلف فيها اثنان

والكعبة البيت الحرام يؤمها *** قاصي الحجيج لنسكه والداني

وصلاة كل شطرها وزكاته *** حتم وصوم الفرض من رمضان

أفبعد هذا الاتفاق يصيبنا *** نزغ ليفتننا من الشيطان

ص: 51

واستمع اليه في هجاء السلفية والذين سُمّوا بالوهابية يقول :

أرشد اللّه شيعة ابن سعود *** لاعتقاد الصواب كي لا تعيثا

فرقة بالغرور والطيش ساروا *** في فجاج الضلال سيراً حثيثا

جسّموا شبّهوا وبالأين قالوا *** لوّثوا أصل دينهم تلويثا

من يعظم شعائر اللّه قالوا *** إنه كان مشركاً وخبيثا

ولهم بعد ذاك خبط وتهو *** يس تولى مجدهم والمريثا

أو يقل ضرني فلان ونجّا *** ني فلان يرونه تثليثا

وإذا ما استغاث شخص بمحب *** وبٍ إلى اللّه كفروا المستغيثا

لابن تيمية استجابوا قديماً *** وابن عبد الوهاب جاء حديثا

اعرضوا عن سوا الحقيقة يبغ *** ون بما يدعون مهداً أثيثا

وتعاموا عن التجوز في الأسن *** اد عمداً فيبحثون البحوثا

أوليس المجاز في محكم الذكر *** أتانا مكرراً مبثوثا

وتسموا أهل الحديث وها هم *** لا يكادون يفقهون حديثا

ويقول في ( البخاري ) :

قضيه أشبه بالمرزئه *** هذا البخاريّ أمامُ الفئه

بالصادق الصدّيق ما احتج في *** صحيحه واحتجّ بالمرجئه

ومثل عمران ابن حطان أو *** مروان وابن المرأة المخطئه

مشكلة ذات عوار إلى *** حيرة أرباب النُهي ملجئه

وحق بيت يممته الورى *** مغذّه في السير أو مبطئه

إن الإمام الصادق المجتبى *** بفضله الآيُ أتت منبئه

أجلّ مَن في عصره رتبةً *** لم يقترف في عمره سيئه

قلامة من ظفر إبهامه *** تعدل من مثل البخاري مئه

ص: 52

وله من قصيدة أسماها ( النبأ اليقين في مدح أمير المؤمنين الإمام علي علیه السلام ) :

علي أخي المختار ناصر دينه *** وملّته يعسوبها وإمامها

وأعلم أهل الدين بعد ابن عمه *** بأحكامه من حلّها وحرامها

وأوسعهم حلماً وأعظمهم تقى *** وأزهدهم في جاهها وحطامها

وأولهم وهو الصبي اجابة *** إلى دعوة الإسلام حال قيامها

فكل امرئ من سابقي امة الهدى *** وان جلّ قدرا مقتد بغلامها

أبي الحسن الكرار في كل مأقطٍ *** مبدد شوس الشرك نقّاف هامها

فتى سمته سمت النبي وما انتقى *** مواخاته إلا لعظم مقامها

فدت نفسه نفس الرسول بليلة *** سرى المصطفى مستخفياً في ظلامها

له فتكات يوم بدر بها انثنت *** صناديد حرب أدبرت في انهزامها

سقى عتبة كاس الحتوف وجرّع *** الوليد ابنه بالسيف مرّ زؤامها

وفي أحد أبلى تجاه ابن عمه *** وفلّ صفوف الكفر بعد التئامها

بعزم سماويٍ ونفسٍ تعودت *** مساورة الأبطال قبل احتلامها

أذاق الردى فيها ابن عثمان طلحة *** أمير لواء الشرك غرب حسامها

وعمرو بن ود يوم أقحم طرفه *** مدى هوّة لم يخش عقبى ارتطامها

دنا ثم نادى القوم هل من مبارزٍ *** ومن لسبنتي عامر وهمامها

تحدّى كماة المسلمين فلم تجب *** كأن الكماة استغرقت في منامها

فناجزه من لا يروع جنانه *** إذا اشتبّت الهيجاء لفح ضرامها

وعاجله من ذي الفقار بضربةٍ *** بها آذنت أنفاسه بانصرامها

وكم غيرها من غمة كان عضبه *** مبدّد غماها وجالي قتامها

به في حنين أيّد اللّه حزبه *** وقد روّعت أركانه بانهدامها

سل العرب طراً عن مواقف بأسه *** تجبك عراقاها ونازح شامها

ص: 53

وناشد قريشاً من أطلّ دماءَها *** وهدّ ذرى ساداتها وكرامها

أجنّت له الحقد الدفين وأظهرت *** له الودّ في اسلامها وسلامها

ولما قضى المختار نحباً تنفست *** نفوس كثيرٍ رغبة في انتقامها

أقامت ملياً ثم قامت ببغيها *** طوائف تلقى بعد شرّ أثامها

قد اجتهدت قالوا وهذا اجتهادها *** لجمع قوى الإسلام أم لانقسامها

أليس لها في قتل عمّار عبرة *** ومزدجر عن غيها واجترامها

أليس نجمٍ عزمه اللّه أمضيت *** إلى الناس إنذاراً بمنع اختصامها

بها قام خير المرسلين مبلغاً *** عن اللّه أمراً جازماً بالتزامها

هو العروة الوثقى التي كلُ مَن بها *** تمسك لا يعروه خوف انفصامها

أما حبه حب النبي محمد *** بلى وهما واللّه أزكى أنامها

شمائل مطبوع عليها كأنها *** سجايا أخيه المصطفى بتمامها

حنانيك مولى المؤمنين وسيد ال- *** -منيبين والساقي بدار سلامها

فلي قلب متبول ونفس تدلّهت *** بحبك يا مولاي قبل فطامها

وداد تمشي في جميع جوارحي *** وخامرها حتى سرى في عظامها

هو الحب صدقاً لا الغلوّ الذي به *** يفوه - معاذ اللّه - بعض طغامها

ولا كاذب الحب ادعته طوائف *** تشوب قلاها بانتحال وئامها

تخال الهدى والحق فيما تأوّلت *** غروراً وترميني سفاهاً بذامها

وتنبزني بالرفض والزيغ إن صبا *** إليك فؤادي في غضون كلامها

تلوم ويأبى اللّه والدين والحجى *** وحرمة آبائي استماع ملامها

فاني على علمٍ وصدق بصيرةٍ *** من الأمر لم أنقل بغير زمامها

ألا ليت شعري والتمني محببٌ *** إلى النفس تبريداً لحرّ أوامها

متى تنقضي أيام سجني وغربتي *** وتنحل روحي من عقال اغتمامها

وهل لي إلى ساح الغريين زورة *** لأستاف رياً رندها وبشامها

ص: 54

إذا جئتها حرمت ظهر مطيتي *** وحرّرتها من رحلها وخطامها

واني على نأي الديار وبينها *** وصدع الليالي شعبنا واحتكامها

منوط بها ملحوظ عين ولائها *** قريب اليها مرتوٍ من مدامها

اليك أبا الريحانتين مديحة *** بعلياك تعلو لا بحسن انسجامها

مقصرة عن عشر معشار واجب الث *** ناء وإن أدّت مزيد اهتمامها

ونفثة مصدور تخفق بعض ما *** تراكم في أحنائه من حمامها

وأزكى صلاة بالجلال تنزلت *** من المنظر الأعلى وأزكى سلامها

على المصطفى والمرتضى ما ترنمت *** على عذبات البان ورق حمامها

وقال من قصيدة في مدح أهل البيت علیهم السلام :

من غرامي بقرطها والقلاده *** ان أمت مغرماً فموتي شهاده

غادة حلّ حبها في السويدا *** ورمى سهمها الفؤاد فصاده

وإذا عرّج النسيم عليها *** هزّ تلك المعاطف الميّاده

زارني طيفها ومنّ بوعد *** هل ترى الطيف منجزاً ميعاده

ليس إلا لها وللنفر البيض *** بنظم القريض يجري جياده

يا غريباً بأي وادٍ أقاموا *** من فسيح البلاد صاروا عهاده

آل بيت الرسول أشرف آل *** في الورى أنتم وأشرف ساده

أنتم السابقون في كل فخرٍ *** أسس اللّه مجدكم وأشاده

أنتم للورى شموس وأقما *** ر إذا ما الضلال أرخى سواده

أنتم منبع العلوم بلا ريب *** وللدين قد جعلتم عماده

أنتم نعمة الكريم علينا *** إذ بكم قد هدى الإله عباده

لم يزل منكم رجال وأقطا *** ب لمن اسلموا هداةً وقاده

أنتم العروة الوثيقة والحبل *** الذي نال ماسكوه السعاده

سفن النجاة أن هاج طوفا *** ن الملمات أو خشينا ازدياده

ص: 55

وبكم أمن أمة اخير إذ أن *** تم نجوم الهداية الوقاده

اذهب اللّه عنكم الرجس أهل *** البيت في محكم الكتاب أفاده

وبتطهير ذاتكم شهد القر *** آن حقاً فيا لها من شهاده

مَن يصلي ولم يصلّ عليكم *** فهو مبدٍ لذي الجلال عناده

معشرٌ حبكم على الناس فرض *** أوجب اللّه والرسول اعتماده

وبكم أيها الأئمة في يو *** م التنادي على الكريم الوفاده

يوم تأتون واللواء عليكم *** خافقٌ ما أجلها من سياده

والمحبون خلفكم في أمان *** حين قول الجحيم هل من زياده

فاز واللّه في القيامة شخصٌ *** لكم بالوداد أدى اجتهاده

كل من لم يحبكم فهو في الن *** ار وان أوهنت قواه العباده

هكذا جاءنا الحديث عن الها *** دي فمن ذا الذي يروم انتقاده

كل قالٍ لكم فأبعده الل *** ه وعن حوضكم هنالك ذاده

خاب من كان مبغضاً أحداً من *** كم ومن قد أساء فيه اعتقاده

ضلّ من يرتجي شفاعة طه *** بعد أن كان مؤذياً أولاده

آل بيت الرسول كم ذا حويتم *** من فخار وسؤددٍ وزهاده

أنتم زينة الوجود ولا زل *** تم بجيدِ الزمان نعم القلاده

فيكم يعذب المريح ويحلو *** وبه يسرع القريض انقياده

كيف يحصي فخاركم رقم أقلا *** م ولو كانت البحار مداده

أُنتم أُنتم حلول فؤادي *** فاز واللّه من حللتم فؤاده

وأنا العبد والرقيق الذي لم *** يكن العتق ذات يوم مراده

أرتجي الفضل منكم وجدير *** بكم المنّ بالرجا وزياده

فاستقيموا لحاجتي ففؤادي *** مُخلص حبّه لكم ووداده

إنّ لي يا بني البتول اليكم *** في انتسابي تسلسلاً وولاده

خلفتني الذنوب عنكم فريداً *** فارحموا عجز عبدكم وانفراده

فلكم عند ربكم ما تشاؤو *** ن وجاه لا تختشون نفاده

ص: 56

السيد هاشم كمال الدين

المتوفى 1341

المرء يحسب أنه مأمون *** والموت حق والفناء يقين

لا تأمن الدنيا فإن غرورها *** خدع الأوائل والزمان خؤن

ما مرّ آن من زمانك لحظة *** إلا وعمرك بالفنا مرهون

وإذا غمرت بنعمة وبلذة *** لا تنسينك حوادثا ستكون

وإذا بكيت على فراق أحبة *** فلتبك نفسك أيها المسكين

لا بدّ من يوم تفارق معشراً *** كنت الوجيه لديهم وتهون

والناس منهم شامت لم يكترث *** فيما دهاك ومنهم محزون

وترى من الهول الذي لاقلّه *** تذرى الدموع محاجر وعيون

فكأنه اليوم الذي في كربلا *** يوم به طاها النبي حزين

يوم به السبع الطباق لعظمه *** قد دكها بعد الحراك سكون

وتجلببت شمس الضحى بملابس *** سوداً تجلبب مثلهن الدين

يوم به فرد الزمان قد اغتدى *** فرداً وليس له هناك معين

ما بين أعداء عليه تجمعت *** منها الجوانح ملؤهن ضغون

طمع العدو بأن يسالم مذعنا *** فأبى الوفاء وسيفه المسنون

وسطا يفرق جمعهم بمهند *** فيه الرؤوس عن الجسوم تبين

ص: 57

ظمآن يمنع جرعة من مائها *** والماء للوحش السروب معين

حفت به اسد العرين وما سوى *** سمرالعواسل والسيوف عرين

ضعفوا عديداً والعدا أضعافهم *** وبدوا جسوما والقلوب حصون

تركوا الحياة بكربلاء وأرخصوا *** تلك النفوس وسومهن ثمين

وحموا خدوراً بالسيوف وبالقنا *** فيها ودائع أحمد والدين

لم أنسهن إذ العدا هتكت ضحى *** منها الخبا وكفيلهن طعين

حسرى تجاذبها الطغاة مقانعاً *** من تحتها سرّ العفاف مصون

وتعجّ تندب ندبها وحميّها *** والجسم منه في الصعيد رهين

من للنساء الحائرات بمهمه *** لم تدر موئلها وأين تكون

السيد هاشم هو الأخ الأكبر ، للشاعر الشهير السيد جعفر ، المترجم له في جزء سابق من هذه الموسوعة ، جاء مع أخيه إلى النجف لاستكمال الفضيلة ، فدرس على جماعة من علماء عصره علمي الفقه والاصول ، ولما توفي أخوه السيد جعفر سنة 1315 ه. انتقل بعده بسنتين إلى الكوفة حوالي سنة 1318 ه. فكان أحد أفاضلها الذين يرجع اليهم في المسائل الشرعية وأحد أئمة الجماعة بها في مسجد قريب من داره يعرف بمسجد النجارين ، وكان وقوراً حسن الطلعة بهي المنظر مهيباً في مجلسه وحديثه. ولد في قرية السادة - من أعمال الحلة الفيحاء - سنة 1269 ه. فهو أكبر من شقيقه السيد جعفر بثمان سنين ولأخيه المذكور فيه مدائح وله معه مراسلات مثبتة بديوانه منها قوله وقد بعث بها اليه من النجف إلى الحلة كما في الديوان.

يا أيها المولى الذي أصفيته *** ودي وإخلاصي وصفو سرائري

يا هاشماً ورث العلى من هاشم *** فسما على بادي الورى والحاظر

أهوى لقاك وبيننا بيداء لا *** بالخفّ نقطعها ولا بالحافر

وتهزني الذكرى اليك محبة *** فكأن قلبي في جناحي طائر

ص: 58

وكانت وفاته بالكوفة آخر شعبان سنة 1341 ه. وله أراجيز ومنظومات عديدة في الفقه كالطهارة وأحكام الأموات وغير ذلك ذكرها الشيخ آغا بزرك في ( الذريعة ) وقد جمع ديوان أخيه السيد جعفر المطبوع في صيدا - لبنان سنة 1331 ه. ورثاه بقصيدتين مطلع الاولى :

ببينك لا بالماضيات القواضب *** أبنت فؤادي بل أقمت نوادبي

ومطلع الثانية :

مضيت وخلّفت القذا بمحاجري *** وأججت نيران الأسى بضمائري

ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره ونثره ومراسلاته وأدبياته.

ص: 59

السيد جواد مرتضى

المتوفى 1341

حتى مَ مِن سكر الهوى *** أبداً فؤادك غير صاحي

فنيَ الزمان ولا أرى *** لقديم غيّك من براح

يمّم قلوصك للسرى *** واشدد ركابك للرواح

ما الدهر إلا ليلة *** ولسوف تسفر عن صباح

قم واغتنمها فرصة *** كادت تطير بلا جناح

مت قبل موتك حسرة *** فعساك تظفر بالنجاح

أو ما سمعت بحادث *** ملأ العوالم بالنياح

حيث الحسين بكربلا *** بين الأسنة والرماح

يغشى الوغى بفوارس *** شوس تهيج لدى الكفاح

متقلدين عَزائماً *** أمضى من البيض الصفاح

وصل المنية عندهم *** أحلى من الخود الرداح

يتدافعون إلى الوغى *** فكأنهم سيل البطاح

هتفت منيتهم بهم *** فتقدموا نحو الصياح

وثووا على وجه الصعي *** د كأنهم جزر الأضاحي

قد غسلوا بدم الطلا *** بدلاً عن الماء القراح

ص: 60

أمست جسومهم لقى *** ورؤوسهم فوق الرماح

لا تنشئي يا سحب غي *** ثاً ترتوي منه النواحي

فلقد قضى سبط النبي *** بكربلا صديان ضاحي

أدمع المدامع رزؤه *** ورمى الأضالع بالبراح

فلتلطم الأقوام حزناً *** حُرّ أوجهها براح

ولتدرع حلل الأسى *** أبداً ولا تصغي للاحي

ساموه إما الموت تح *** ت البيض أو خفض الجناح

عدمت أمية رشدها *** وتنكبت نهج الفلاح

فمتى درت أن الحسي *** ن تقوده سلس الجماح

وقال يرثي الحسين علیه السلام أيضاً :

أيدري الدهر أي دم أصابا *** وأي فؤاد مولعةٍ أذابا

فهلا قطعت أيدي الأعادي *** فكم أردت لفاطمة شبابا

وكم خدر لفاطمة مصون *** أباحته وكم هتكت حجابا

وكم رزء تهون له الرزايا *** ألمّ فالبس الدنيا مصابا

وهيج في الحشى مكنون وجدٍ *** له العبرات تنسكب انسكابا

وأرسل من أكف البغي سهما *** أصاب من الهداية ما أصابا

أصاب حشى البتول فلهف نفسي *** لظام لم يذق يوماً شرابا

قضى فالشمس كاسفه عليه *** وبدرالتم في مثواه غابا

وكم من موقف جمّ الرزايا *** لو أن الطفل شاهده لشابا

به وقف الحسين ربيط جأش *** وشوس الحرب تضطرب اضطرابا

يصول بأسمر لدن سناه *** كومض البرق يلتهب التهابا

وبارقه يلوح الموت منها *** إذا ما هزها مطرت عذابا

ص: 61

السيد جواد مرتضى ، ينتهي نسبه الشريف إلى الشهيد زين بن علي بن الحسين (عليه السلام) . ولد في قرية عيتا من أعمال صور - لبنان سنة 1266 ه. ودرس مبادئ العلوم على علماء لبنان وارتحل إلى النجف الأشرف لطلب العلوم الدينية والمعارف الربانية فاقام بها ثمانية عشرة سنة كلها بين مفيد ومستفيد ، درس الفقه والاصول على أساطين العلماء كالشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف ، وكان يقضي جلّ أوقاته في الدرس والتدريس ثم سار إلى دمشق - الشام لما تكاملت فيه الكفاءة ولحاجة الناس إلى أمثاله ومنها توجه إلى مسقط رأسه ( عيتا ) فكانت عنده حوزة تدريس حتى تخرّج الكثير من علماء جبل عامل على يده ، ولما رأى حاجة أهالي بعلبك إلى أمثاله سار بطلب منهم حتى أقام فيهم مدرساً ومصلحاً ومرشداً وألّف كتاب ( مفتاح الجنات ) وبمساعيه أسس الجامع الكبير المعروف ب جامع النهر ومدرسة بالقرب منه ثم رجع إلى عيتا.

توفي ضحوة يوم الخميس ثاني جمادى الأول سنة 1341 ه. ودفن هناك إلى جنب أخيه المرحوم العلامة السيد حيدر مرتضى المتوفى سنة 1336 ه. كان لوفاته رنة أسى وحزن عميق وقد اقيمت له مجالس التعزية وذكريات التأبين ورثاء جمع من شعراء عصره.

وقد جمع الاستاذ العلامة السيد عبد المطلب مرتضى جميع ما أُلقي من الشعر في تأبينه وما قاله المؤبنون في مجالس ذكراه وأسماه ب ( شجى العباد في رثاء الجواد ) وطبع في مطبعة العرفان - صيدا سنة 1341 ه.

ص: 62

قال يمدح السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي علیه السلام في دمشق سنة 1330 ه.

حرم لزينب مشرق الاعلام *** سام حباه اللّه بالإعظام

حرم عليه من الجلال مهابة *** تدع الرؤوس مواضع الاقدام

في طيه سر الاله محجب *** عن كل رائدة من الأوهام

بادي السنا كالبدر في افق السما *** متجلياً يزهو بأرض الشام

فإذا حللت بذلك النادي فقم *** لله مبتهلاً بخير مقام

في روضة ضربت عليها قبة *** كبرت عن التشبيه بالاعلام

يحوي من الدر الثمين جمانة *** لمّاعة تعزى لخير إمام

صنو النبي المصطفى ووصيه *** وأبو الهداة القادة الأعلام

أسنى السلام عليه ما هبّت صبا *** وشدا على الأغصان ورق حمام

وعلى بنيه الغر أعلام الهدى *** ما أنهل قطر من متون غمام

ص: 63

الحاج مجيد العطار

اشارة

المتوفى 1342

شهر المحرم فاتك العذر *** أوجعت قلب الدين يا شهر

فكأن شيمتك الخلاف على *** آل النبي وشانك الغدر

يا شهر هل لك عندهم ترة *** أنى وعندك كم لهم وتر

لا ايبضّ يومك بعد نازلة *** منها يكاد الدمع يحمرّ

غشيت هلالك منه غاشية *** بالطف يكسف عندها البدر

سلب الأهلة بشرها فغدا *** أيامها الأعياد والبشر

أيطيب عيش وابن فاطمة *** نهبت حشاه البيض والسمر

تاللّه لا أنساه مضطهداً *** حتى يضم عظامي القبر

ومشرداً ضاق الفضاء به *** فكأن لا بلد ولا مصر

منع المناسك أن يوديها *** بمنى فكان قضاءها النحر

أفديه مستلماً بجبهته *** حجراً إذا هو فاته الحجر

أو فاته رمي الجمار فقد *** أذكى لهيب فؤاده الجمر

يسعى لاخوان الصفا وهم *** فوق الصعيد نسائك جزر

ويطوف حول جسومهم وبه *** انتظم المصاب ودمعه نثر

حتى إذا فقد النصير وقد *** نزل البلاء وأُبرم الأمر

سئم الدنية أن يقيم بها *** لوث الإزار وعيشها نكر

ص: 64

وعظ الكتائب بالكتاب وفي *** آذانهم من وعظه وقر

فانصاع يسمعهم مهنده *** آيات فصل دونها العذر

فأبوا سوى ما سنّه لهم *** الأحزاب يوم تتابع الكفر

حتى جرى قلم القضاء بما *** بلغ المرام بفتكه شمر

اللّه أكبر أي حادثة *** عظمى تحير عندها الفكر

يا فهر حيّ على الردى فلقد *** ذهب الردى بعلاك يا فهر

هذا حسين بالطفوف لقى *** بلغت به آمالها صخر

حفّت به أجساد فتيته *** كالبدر حين تحفها الزهر

أمن المروءة أن أُسرتَكم *** دمهم لآل امية هدر

أمن المروءة أن أرؤسهم *** مثل البدور تقلّها السمر

أين الأباء وذي حرائركم *** بالطف لا سجف ولا خدر

أسرى على الأكوار حاسرة *** بعد الحجال يروعها الأسر (1)

هو الحاج عبد المجيد بن محمد بن ملا أمين البغدادي الحلي الشهير بالعطار ، ولد ببغداد في شهر ذي القعدة عام 1282 ه. في محلة صبابيغ الآل ، وهاجر به وبأبيه جده ملا أمين وهو طفل صغير ، فنشأ في الحلة.

وبعد وفاة والده ، وبلوغه سن الرشد فتح حانوتاً في سوق العطارين في الحلة ، وصار يمتهن بيع العقاقير اليونانية حتى غلب عليه لقب ( العطار ) وقد اتصل بأهل العلم والأدب وأكثر من مطالعة دواوين الشعر وكتب الأدب ، حتى استقامت سليقته وتقوّمت ملكته الأدبية ، وكانت الحلة آنذاك سوق عكاظ كبير ، ومجمع الادباء والشعراء في تلك الحقبة الزاهية من تاريخها ، يختلف اليها النابهون والمتأدبون.

ص: 65


1- سوانح الافكار ج 3 / 196.

قال اليعقوبي : « سألته يوماً وقلت له : عن أي شيخ أخذت ، وعلى أي استاذ تخرجت. فقال : على اللّه » (1).

ولكن ابنه المرحوم الحاج عبد الحسين أخبرني يوماً ، قال : « ان أباه كان قد درس في المدارس الحكومية أيام الحكم العثماني ، وانه تخرج فيها ، كما أنه كان قد أتقن اللغة التركية والفارسية وتأدب بهما ، كما أتقن الفرنسية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية ، وكان أن عُرضت عليه وظيفة حكومية بدرجة عالية ، إبان الحكم العثماني بناءً على ثقافته ودراسته ، إلا أنه امتنع عن اشغالها لاعتقاده بعدم جواز التعاون مع حكومة لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح ، وان ما سيتسلمه من مرتب هو غير حلال ».

وقد كان المترجم له « فائق الذكاء ، سريع الخاطر ، متوقد الذهن ، حاضر البديهة ، أجاد في النظم ، وأتقن الفارسية والتركية ، وترجم عنهما كثيراً (2) كما ترجم كثيراً من مفردات ومثنيات الشعر الفارسي والتركي ، إلى العربية شعراً.

وقد امتاز ( رحمه اللّه ) بسمو أخلاقه وعفه نفسه ، ووفائه لأصدقائه ، لذا كان حانوته ندوة أدب ، ومنتدى فكر ، ومدرسة شعر ، يختلف اليه الادباء والعلماء ، كما يؤمّه الشعراء والمتأدبون ...

ولما ثار الحليون على السلطة التركية 1334 ه. وسادت الفوضى فيها خشي المترجم له سوء العاقبة ، وخشي هجوم الأتراك لارجاع سلطتهم ثانية ، وفتكهم فيها ( كما وقع فعلاً بعد ذلك في واقعة عاكف ) انتقل بأهله الي الكوفة التي كان قد « بنى فيها داراً وعقاراً قبل هذه الحوادث » (3) وأقام فيها حتى

ص: 66


1- البابليات ج 3 / القسم الثاني / ص 69.
2- طبقات اعلام الشيعة : اغا بزرك الطهراني. وهو « للكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج 1 / ق 3 / 1226.
3- البابليات ج 3 / القسم الثاني / ص 69.

توفي فيها في السادس عشر من ذي القعدة سنة 1342 ه. ودفن في النجف الأشرف.

كان ( رحمه اللّه ) قد تضلع في فن التاريخ ، وأتقن منه ألواناً ، كان ينظمه ارتجالاً ، مما كان يثير استغراب أهل الفن.

قال اليعقوبي : « ولم اشاهد أبرع من المترجم له ولا أبدع منه في هذا الفن ، فقد كان ينظم التاريخ الذي يقترح عليه مع ما يناسبه من الأبيات قبله دون اشغال فكرة ، أو إعمال روية ، كأنه من كلامه المألوف وقوله المتعارف ، وله فيه اختراعات لم يسبقه اليها أحد » (1) ، « وقد برع في نظم التواريخ الشعرية وتفوّق في هذا الفن على معاصريه » (2).

وأكثر شعره ( رحمه اللّه ) في رثاء آل البيت ومدحهم علیهم السلام مما كان يتناقله الخطباء والقراء والذاكرون ، لجزالته وسلاسته ، وقليل ما يتجاوز ذلك في مناسبات خاصة في تهنئة أو مديح بعض الفضلاء من العلماء ، أو ممن تربطه بهم وشائج الاخوة والوفاء.

أما تواريخه الشعرية ، فانها لو جمعت كلها لكانت ديواناً مستقلاً ، وسجلاً تاريخياً تؤرخ تلك الحقبة من ذلك الزمن.

فمن ذلك البيتان اللذان ضمنهما (28) تاريخاً في الحساب الأبجدي يؤرخ فيها عمارة تجديد مقام الإمام علي (عليه السلام) في الحلة سنة 1316 ه :

بباب مقام الصهر مرتقبا نحا *** أخو طلب بالبر من علمٍ برا

مقام برب البيت في منبر الدعا *** أبو قاسم جرّ الثنا عمها أجرا

وله مثلهما أيضاً في تاريخ زفاف المرحوم السيد أحمد إبن السيد ميرزا صالح القزويني وفيهما (28) تاريخاً وذلك سنة 1318 ه :

ص: 67


1- البابليات ج 3 - ق 2 - ص 70.
2- طبقات اعلام الشيعة : « الكرام البررة في القرن الرابع بعد العشرة » ج 1 / ق 3 / 1226.

أكرم بخزّان علم أمّ وارده *** منكم لزاخر بحر مد آمله

زفت إلى القمر الأسنى بداركم *** شمس لوار وزان البشر حامله (1)

« وعلى أثر هذه التواريخ سماه العلامه السيد محمد القزويني ب ( ناسخ التواريخ ) » وقد سماه الآخرون ( شيخ المؤرخين ).

قال اليعقوبي في البابليات : وله مثلهما في السنة نفسها يؤرخ عمارة مقام المهدي في الحلة المعروف بالغيبة ، وفيهما (28) تاريخاً :

توقع جميل الأجر في حرم البنا *** بفتحك بالنصر العزيز رواقا

بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا *** نجد اقترابا ما أجار وراقا

وقال يؤرخ الشباك الفضي الذي عمل بنفقة المرحوم الشيخ خزعل أمير المحمّرة على قبر القاسم ابن الإمام موسى الكاظم علیهماالسلام :

للامام القاسم الطهر *** الذي قدس روحا

خزعل خير أمير *** أرخوا شاد ضريحا

وله مؤرخاً وفاة العالم الزاهد السيد ياسين ابن السيد طه سنة 1341 ه :

يا لسان الذكر ردد أسفا *** وأبك عن دمع من القلب مذاب

وانع ياسين وارخ من له *** فقدت ياسينها ام الكتاب

ص: 68


1- 1 - البيتان على النمط التالي : صدر الأول . عجزه . صدر الثاني . عجزه . مهمل البيت الاول . معجمة . مهمل صدر الأول مع معجم عجزه . معجم صدر الأول مع مهمل عجزه . مهمل البيت الثاني . معجمه . مهمل صدره مع معجم عجزه . معجم صدره . مع مهمل عجزه . مهمل الصدرين . معجم الصدرين . مهمل صدر الأول . مع معجم صدر الثاني. مهمل العجزين . مهمل عجز الأول مع معجم عجز الثاني . معجم عجز الأول مع مهمل عجز الثاني . معجم صدر الأول مع معجم عجز الثاني . مهمل صدر الأول مع معجم عجز الثاني . معجم صدر الأول مع مهمل عجز الثاني . مهمل عجز الأول مع مهمل صدر الثاني . معجم عجز الأول مع معجم صدر الثاني . مهمل عجز الأول مع مهمل صدر الثاني .

وقال يؤرخ موت بعض المعاندين بقوله :

وناع تحمّل إثما كبيرا *** غداة نعى آثما أو كفورا

وقد أحكم اللّه تاريخه *** ليصلى سعيرا ويدعو ثبورا

وله في عصا من عوسج اهديت للسيد الجليل السيد محمد القزويني :

وإن عصا من عوسج تورق الندى *** وتثمر معروفاً بيمنى محمد

لتلك التي يوم القيامة جده *** يذود بها عن حوضه كل ملحد

ومن روائعه ما قاله في احدى زياراته للإمام الحسين (عليه السلام) عندما تعلق بضريحه الشريف :

يدي وجناحا فطرس قد تعلقا *** بجاه ذبيح اللّه وابن ذبيحه

فلا عجب أن يكشف اللّه ما بنا *** لأنا عتيقاً مهده وضريحه

وقال مخاطباً للإمام علیه السلام :

لمهدك آيات ظهرن لفطرس *** وآية عيسى أن تكلّم في المهدِ

لئن ساد في أُمٍّ فأنت ابن فاطم *** وان ساد في مهد فأنت أبو المهدي

وفطرس اسم ملك من ملائكة اللّه قيل قد جاء به جبرائيل إلى النبي محمد صلی اللّه علیه و آله عندما بعثه اللّه لتهنئة النبي بالحسين ليلة ولادته ، فتبرك الملك بمهد الحسين علیه السلام ومضى يفتخر بأنه عتيق الحسين كما ورد في الدعاء يوم الولادة : وعاذ فطرس بمهده ونحن عائذون بقبره.

وقوله ( وإن ساد في مهدٍ فأنت أبو المهدي ) لئن كان عيسى قد تكلم في المهد صبياً فالحسين أبو أئمة تسع آخرهم المهدي حجة آل محمد والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

وقد ضاع أكثر شعره ، حيث أنه كان ممن لا يعنون بجمع أشعاره أو تدوينها ، مما نُسيَ أكثره ولم يبق منه غير ما حفظته الصدور ، ومما سُجّل

ص: 69

له في بعض المجاميع الشعرية الخاصة ممن كانوا يعنون بجمع أدب تلك الفترة مما هو مبعثر الآن في النجف والحلة والهندية وبغداد وكربلاء.

وقد ترجم للحاج مجيد رحمه اللّه في الآثار المطبوعة كثيرون ، أشهرهم : الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) في ج 3 / القسم الثاني / ص 69 - 82. والشيخ علي الخاقاني في ( شعراء الحلة ) في ج 4 / ص 283 - 299 ، والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) في ج 1 / ق 3 / ص 1226 ، وقد دوّن هؤلاء نماذج لا بأس بها من شعره يمكن مراجعتها والاغتراف منها. توفي رحمه اللّه في 17 ذي القعدة سنة 1342 في النجف الأشرف ودفن بها.

ويقول الخاقاني في ( شعراء الحلة ) كان رحمه اللّه معتدل القامة عريض المنكبين أبيض الوجه مستطيله ، اختلط سواد لحيته بالبياض ، شعار رأسه ( الكشيدة ) مهيب الطلعة وقوراً له شخصية محبوبة لدى الرأي العام يحب الخير ويبتعد عن الشر يتردد إلى مجالس العلماء ويألف أهل التقوى ويستعمل صدقة السر.

وروى له جملة من تواريخه البديعة وأشعاره الرقيقة منها قصيدته في الإمام موسى الكاظم علیه السلام وأولها :

سل عن الحي ربعه المأنوسا *** هل عليه أبقى الزمان أنيسا

واخرى يرثي بها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويصف مصرعه بسيف ابن ملجم ليلة 19 من شهر رمضان وأولها :

شهر الصيام به الإسلام قد فجعا *** وفي رزيته قلب الهدى انصدعا

وثالثة في الإمام الحسين علیه السلام وأولها :

هلّ المحرم والشجا بهلاله *** قد أرقّ الهادي بغصة آله

ومن نوادره قوله :

عليٌ من الهادي كشقي يراعة *** هما واحد لا ينبغي عدّه اثنين

فما كان من غطش على الخط لايح *** فمن شعرات قد توسطن في البين

ص: 70

وقال مخمساً والأصل للخليعي - وقد مرت ترجمته :

اراك بحيرة ملأتك رينا *** وشتتك الهوى بيناً فبينا

فلا تحزن وقر باللّه عينا *** إذا شئت النجاة فزر حسينا

لكي تلقى الاله قرير عين

إذا علم الملائك منك عزما *** تروم مزاره كتبوك رسما

وحرمت الجحيم عليك حتما *** لأن النار ليس تمسّ جسما

عليه غبار زوار الحسين

وله في استجارته بحامي الجار قسيم الجنة والنار حيدر الكرار :

من حمى المرتضى التجأت لحصنٍ *** قد حمى منه جانب العز ليث

فحيانا أمناً وجاد بمنٍّ *** فهو في الحالتين غوث وغيث

مما لم ينشر من شعر العطار :

ومن تواريخه التي لم تُنشر ما قاله مؤرخاً ولادة السيد محمد طه ابن العلامة السيد حسين السيد راضي القزويني :

يُهني الحسين فتىً زكى ميلادُه *** مَن قد أنابَ لدى الثناء وأخلصا

عمّ الوجود ببشرهِ في ساعةٍ *** ارختُ « بالتنزيل - طه - خُصّصا »

وقوله في الجوادين علیهماالسلام ، ( وقد التزم الجناس في القافية ) :

لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجواد ) غنىً *** إن أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس

الذاكرين جميل الصُنع إن وعدا *** والناسُ للوعد ما فيهم سوى الناسي

وقد شطّرهما العلامة أبو المعز السيد محمد القزويني ارتجالاً بقوله :

( لي بالإمامين ( موسى ) و ( الجود ) غنىً ) *** إن لم يجد لي زماني عند افلاسي

وفيهما تكمل الحاجات من كثبٍ *** ( ان أعوزَ الناس حاجاتٍ إلى الناس )

( الذاكرين جميل الصنع إن وعدا ) *** والنافيين جميع الذل واليأسِ

والمنجزين مواعيداً لفضلهم *** ( والناس للوعد ما فيهم سوى الناسي )

ص: 71

ومن تواريخه أيضاً قوله مقرضاً ومؤرخاً « بغية المستفيد في علم التجويد » لأبي المعز السيد محمد القزويني وذلك سنة 1327 ه. ( وقد أحسن وأجاد ) :

فضّ نجلُ المُعزّ لا فضّ فوهُ *** عن رحيق مِن لفظه المختومِ

( عاصمُ ) الذهن في مراعاته مِن *** خطأ الفكر ، ( نافعُ ) التعليمِ

( مدّ ) كفاً مِن لينها في الندى ( تش *** بعُ ) ( بالوصل ) ( لازم ) ( التفخيمِ )

فصلت للتنزيل أبهى برودٍ *** من معاني الترتيل لا من أديمِ

قُلتُ مُذ أرخوا « مقاصدَ كلمٍ *** فُصّلت من لدن حكيمٍ عليمِ » (1)

وله مُؤرخاً ولادة المحروس ( هادي ) ابن السيد ( حمد ) آل كمال الدين الحلي سنة ( 1326 ه ) :

( حمد ) بن ( فاضل ) أنتَ أعظم عالمٍ *** فيه المكارم قد أنارَ سبيلُها

غذتك مِن درّ المعارف فطنةٌ *** وعليك من غرر العُلى اكليلها

هي ليلة فيها أتتك بشارةٌ *** بولادة ( الهادي ) فعزّ مثيلُها

قد عمّت البشرى بها كل الورى *** فلذاك يُحسن أرخوا « تفضيلها »

ص: 72


1- نقلاً عن كتاب « الرجال » - المجلد الرابع - مخطوط للسيد جودت القزويني.

الشيخ كاظم سبتي

المتوفى 1342

برغم المجد من مضر سراةُ *** سرت تحدو بعيسهم الحداةُ

سرت تطوي الفلا بجبال حلم *** تخفّ لها الجبال الراسيات

كرام قوضت فلها ربوع *** خلت فغدت تنوح المكرمات

وبانت فالمنازل يوم بانت *** طوامس والمدارس دارسات

تحنّ لها وفي الأحشاء نار *** تأجج والمدامع واكفات

أطيبة بعدها لا طبت عيشاً *** وكنت حمى الورى وهي الحماة

وكنت سما العلى وبنو علي *** بدور هدى بافقك ساطعات

أُباة سامها الحدثان ضيماً *** ولم تهدأ على الضيم الأباة

أتهجر دار هجرتها فتقوى *** وتأنس بالطفوف لهم فلاة

بدت فتأججت حرباً لحرب *** ضغائن في الضمائر كامنات

يخوض بها ابن فاطمة غماراً *** تظل بها تعوم السابحات

أُصيب وما مضى للحتف حتى *** تثلمت الصفاح الماضيات

وقد ألوى عن الدنيا فظلت *** تنوح بها عليه النائحات

تعجّ الكائنات عليه حزناً *** وحق بأن تعج الكائنات

ص: 73

إلى جنب الفرات بنو علي *** قضت عطشا ألا غاض الفرات

تسيل دماؤها هدراً وتمسي *** تغسّلها الدماء السائلات

وتنبذ في هجير الصيف ، عنها *** سل الرمضاء وهي بها عراة

* * *

أهاشم طاولتك اميّ حتى *** تسل عليك منها المرهفات

فأنتم للمخوف حمى ومنكم *** تروع في الخدور مخدرات

أحقاً أن بين القوم جهراً *** كريمات النبي مهتكات

بلوعة ذات خدر لو وعتها *** لصدعت الجبال الشامخات

الشيخ كاظم سبتي هو أول شاعر ادركته ولا أقول عاصرته فاني لا أتصوره ولم أرَ شخصه لكني أتصور جيداً أني مضيت بصحبة أبي - وكنت في العقد الأول من عمري - إلى مأتم حسيني عقد في دار الخطيب السيد سعيد الفحام بمناسبة تجديد داره الواقعة في محلة المشراق في النجف الأشرف وكان الوقت عصراً ، ولما دخلنا الدار وجدناها تغصّ بالوافدين فقال لي أبي : إصعد أنت إلى الطابق العلوي ، فكنت في مكان لا يمكنني من الاطلالة على الطابق الأرضي المنعقد فيه المحفل فسمعت خطيباً ابتدأ يهدر بصوته الجهوري ونبراته المتزنة قائلاً : ومن خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام : دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة ، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نُزّالها ، أحوال مختلفة وثارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم ... إلى آخر الخطبة. ثم حانت مني التفاتة وإذا بصاحب الدار الخطيب الفحام جالس معنا مذهولاً يضرب على فخذه ويردد : ما هذا الافتتاح يا شيخ كاظم ، ما هذا الفأل يا شيخ كاظم ، وإلى جنبه أحد أقاربه يُهدّء عليه. ولما أتمّ الشيخ خطابه لاموه على هذا الافتتاح والتشاؤم وفعلاً هو معيب ، فاعتذر قائلاً : شيء جرى على لساني وكأن كل شيء غاب عني إلا هذه الخطبة فافتتحت بها. وكأن تفؤّله وتشؤمه

ص: 74

حقاً فلقد أُصيب الخطيب الفحام بمرض عضّال عجز عنه الأطباء حتى قضى عليه وعمت النكبة جميع من في الدار وأصبحوا كأمس الدابر ، ويظهر لي أن الخطيب سبتي كان مؤمناً تتمثل فيه صفات المؤمن الكامل الايمان إذ اني لا أكاد استشهد منبرياً بشيء من شعره إلا ويترحم عليه السامعون ، هذا ما حدث أكثر من مرة ليس في محافل النجف خاصة بل في سائر البلدان ، وهذا ما يجعلني أعتقد أن له مع اللّه سريرة صالحة ونية خالصة كما يظهر أن الرجل كان واسع الاطلاع فكثيراً ما كنت أجلس مع ولده الخطيب الأديب الشيخ حسن سبتي واسأله عن مصدر لبعض الأحاديث والروايات فكان أول ما يجبيني به قوله : كان أبي يروي هذا منبرياً. وحفظت له شعراً ورددته مراراً فمنه قوله في التمسك بأهل البيت والحسين خاصة :

يا غافلاً عما يراد به غداً *** ويؤول مقترف الذنوب اليه

خذ بالبكاء على الحسين ففي غد *** تلقى ثوابك بالبكاء عليه

ترجم له ولده الشيخ حسن في صدر الديوان الموسوم ب ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ) كما ترجم له الشيخ المصلح كاشف الغطاء وغيرهما وهذا ما جاء في سيرته على قلم مترجميه :

الخطيب الأديب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري. توفي عنه والده وهو صغير فأودعته امه عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليحترف الصياغة ولكنه رغب عن صياغة الذهب والفضة إلى صياغة الكلام ومجلوّ النظام وسرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينتهل منه برغبة وشوق فدرس المقدمات وساعدته لباقته وحسن نبراته على تعاهد الخطابة وارتقاء الأعواد ، وكان المنبري ذلك اليوم لا يتعدى غير رواية قصة الحسين علیه السلام ومقتله يوم عاشوراء ، وإذا بهذا المتكلم يروي خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ظهر غيب فعجب الناس واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة ثم قام يروي السيرة النبوية وسير أهل البيت وربما روى

ص: 75

سيرة الأنبياء السابقين وقصصهم فكان بهذه الخطوة يراه الناس مجدداً حيث حفظ وقرأ وهكذا من يحفظ ويقرأ يرونه مجدداً لأنهم كانوا لا يحسنون اكثر من قراءة المقاتل في ذلك الحين سمّي كل من يقوم بقراءة كتاب ( روضة الشهداء ) للشيخ الكاشفي ( روضة خون ) ان يقرأ الروضة ، ويمتاز الخطيب المترجم له انه لا يروي إلا الصحيح فلا يروي الأخبار غير المسندة او الضعيفة السند.

وكان المنبريون قبله لا يحسنون اكثر من أن يتناول الواحد منهم كتاب ( روضة الشهداء ) ويقرأه نصاً ثم تطوّرت إلى حفظ ذلك الكتاب ورواية ما فيه فقط كالسيد حسين آل طعمة المتوفى سنة 1270 ه. وهو ممن ولد ونشأ ومات بكربلاء المقدسة ، وسلسلة نسبه رحمه اللّه هكذا : حسين بن درويش ابن احمد بن يحيى بن خليفة نقيب الاشراف ، ويتصل نسبه بالسيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى بن جعفر. وهكذا كان من معاصريه وهو السيد هاشم الفائزي المتوفي سنة 1270 ه. ايضا ولد ونشأ وتوفي بكربلاء وهو ابن السيد سلمان ابن السيد درويش ابن السيد احمد ابن السيد يحيى آل طعمة ، وكان في اسلوبه لا يخرج عن قصة الحسين علیه السلام ومصرعه ومصارع اهل بيته. فجاء خطيبنا الشيخ كاظم وقد تطور منبره إلى رواية سيرة النبي والأئمة وحفظ خطب الإمام فكان انفتاحاً جديداً في المنبر الحسيني.

ولهذه الشهرة التي حازها ، طلبه جماعة من وجهاء بغداد وأكابرهم ليسكن هناك ، فهاجر اليها سنة 1308 ه. وبقي سبع سنين يرقى الأعواد في المحافل الحسينية ويومئذ كانت المحافل تغص بالسامعين فلا اذاعة تشغلهم ولا تلفزيون يلهيهم ، وفي سنة 1315 ه. ألزمه جماعة من علماء النجف بالعودة للنجف فكان خطيب العلماء وعالم الخطباء يلتذ السامعون بحديثه ويقبلون عليه بلهفةوتشوق ولهم كلمات بحقه تدل على فضله ونبله. ترجم له معاصروه فقالوا : كان مولده في النجف عام 1258 ه. والمصادف 1842 م. وشبّ ، وهوايته العلم فدرس على الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ملا لطف اللّه المازندراني وأمثالهما.

ص: 76

قال صاحب الحصون : فاضل معاصر وأديب محاضر ، وشاعر ذاكر ، تزهو بوعظه المنابر ، إن صعد المنبر خطيباً ضمخ منه طيباً (1) حسن المحاورة ، وله ديوان كبير في مراثي الأئمة وفي غير ذلك كثير.

وقال السيد صالح الحلي خطيب الأعواد - وهو المعاصر للمترجم له : الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول ويفهم ما يقول.

ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة وذكر طائفة من أشعاره ومنها قوله :

أما والحمى يا ساكني حوزة الحمى *** وحاميه إن أخنى الزمان وإن جارا

فان أمير المؤمنين مجيركم *** وان كنتم حمّلتم النفس أوزارا

ومن يك أدنى الناس يحمي جواره *** فكيف لحامي الجار أن يسلم الجارا

وقوله مشطراً البيتين المشهورين :

بزوار الحسين خلطت نفسي *** ليشفع لي غداً يوم المعاد

وصرتُ بركبهم أطوى الفيافي *** لتحسب منهم عند العداد

فان عدّت فقد سعدت وإلا *** فقد أدّت حقوقاً للوداد

وإن ذا لم يعدّ لها ثوابا *** فقد فازت بتكثير السواد

وقال مخمساً :

زكا بالمصطفى والآل غرسي *** وحبّهم غدا دأبي وانسي

لحشري قد ذخرتهم ورمسي *** بزوار الحسين خلطت نفسي

لتحسب منهم عند العداد *** نظرت إلى القوافل حيث تتلى

حثثتُ مطيتي والقلب سلا *** تبعتُ الركب شوقاً حيث حلا

فان عدت فقد سعدت والا *** فقد فازت بتكثير السواد

ص: 77


1- اشار الشيخ الى قول محمد بن نصر المعروف بابن القيسراني المتوفى 548 ه. يمدح خطيباً : فتح المنبر صدراً *** لتلقيك رحيبا أترى ضم خطيبا *** منك ام ضمخ طيبا

وقوله في كرامة للامام موسى الكاظم سنة 1325 ه. وقد سقط عامل كان ينقش في أعلى الصحن بقبة الإمام الكاظم علیه السلام ، وقد شاهدها الشيخ بعينيه :

إلهي بحب الكاظمين حبوتني *** فقويت نفسي وهي واهية القوى

بجودك فاحلل من لساني عقدة *** لأنشر من مدح الإمامين ما انطوى

هوى إذ أضاء النور من طوره امرء *** كما أن موسى من ذرى الطور قد هوى

ولكن هوى موسى فخرّ إلى الثرى *** ولما هوى هذا تعلّق بالهوى

أقول : كنتُ في سنة 1377 ه. قد دعيت للخطابة في بغداد بالكرادة الشرقية في حسينية الحاج عبد الرسول علي ، وفي ليلة خصصتها للامام الكاظم فتحدثت منبرياً بهذه الكرامة وإذا بأحد المستمعين يبادرني فيقول : انها حدثت معي هذه الكرامة فقلت له : أرجو أن ترويها لي كما جرت ، قال : كنت في سنّ العشرين وأنا شغيل واسمي داود النقاش فكنت مع استاذي في أعلى مكان من الصحن الكاظمي ننقش بقبة الامام الكاظم والبرد قارس وقد وقفت على خشبة شُدّ طرفاها بحبلين فمالت بي فهويت فتعلق طرف قبائي بمسمار فانقلع وفقدت احساسي فما أفقتُ إلا والصحن على سعته مملوء بالناس والتصفيق والهتاف يشق الفضاء وخَدَمَة الروضة يحامون عني ويدفعون الناس لئلا تمزق ثيابي وقمت فلم أجد أي ألم وضرر ، أقول ونظمها الشيخ السماوي في أرجوزته ( صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد ) وآخرها قوله :

قالوا وقد زيّنت البلادُ *** من فرح وابتدأت بغدادُ

طبع ديوانه في النجف عام 1372 ه. وعليه تقاريض لجماعة من الفضلاء ، كما طبع له ديوان آخر باللغة الدارجة وكله في أهل البيت علیهم السلام ولا زال يحفظ ويردد على ألسنة ذاكري الحسين وتعرض نسخة في أسواق الكتب باسم ( الروضة الكاظمية ) أما ديوانه المتقدم ذكره فهو ( منتقى الدرر في النبي وآله الغرر ). أجاب داعي ربه يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة 1342 ه. ودفن في الصحن الحيدري قرب ايوان العلامة الشيخ الشريعة.

ص: 78

الشيخ حمزة قفطان

المتوفى 1342

هواك أثار العيس تقتادها نجد *** ويحدو بها من ثائر الشوق ما يحدو

تجافى عن الورد الذميم صدورها *** لها السير مرعىً واللغام لها ورد

تمرّ على البطحاء وهي نطاقها *** وتعلو على جيد الربى وهي العقد

عليها من الركب اليمانيّ فتية *** ينكّر منها الليل ما عرف الودّ

أعدّوا إلى داعي المسير ركابهم *** وأعجلهم داعي الغرام فما اعتدوا

تقرّب منهم كل بعد شملّة *** عليها فتىً لم يثن من عزمه البعد

وما المرء بالانساب إلا ابن عزمه *** إذا جدّ أنسى ذكر آبائه الجد

يردّ الخصوم اللد حتى زمانه *** على أن هذا الدهر ليس له ردّ

ويغدو فاما ان يروح مع العلى *** عزيز حياة أو إلى موته يغدو

ويغضى ولا يرضى القذى بل عن الكرى *** جفوناً عن التهويم أشغلها السهد

الى قوله :

وهل قصرت كف تطول إلى العلى *** لها ساعد من شيبة الحمد يمتدّ (1)

ص: 79


1- عن شعراء الغري يرويها عن الخطيب الشيخ سلمان الانباري قال : وهي في الامام الحسين (عليه السلام) .

الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي الشهير بقفطان شاعر مطبوع وشخصية مرموقة ، ولد بحي واسط سنة 1307 ه. ونشأ بها ودرس المقدمات على أخيه الشيخ محمد صالح الذي كفله منذ الصغر ولما وجد في نفسه القابلية هاجر إلى النجف وأكبّ على دراسة العلوم الإسلامية ولازم العلامة الشيخ عبد الحسين الحياوي ينتهل من علومه حتى فرغ من دراسة كفاية الاصول وكتب الفقه الاستدلالي ، وفي أثناء تلقي العلوم كان يتعاهد ملكته الشعرية كما درس علمي الحكمة والكلام على السيد عدنان الغريفي فبرع فيهما وساجل جماعة من العلماء الفضلاء أمثال الشيخ جعفر النقدي والشيخ عيسى البصري والسيد عدنان الغريفي فكان لديهم موضع التقدير والاجلال أما الذي استفاد منه فهو الخطيب الشيخ سلمان الأنباري وهو الذي يروي عنه المقطع الأول من القصيدة الحسينية التي هي في صدر الترجمة ، وقد جمع له أخوه الشيخ محمد صالح ديواناً حافلاً بروائع الشعر الذي كان قد نشر قسماً منه في الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها مجلة اليقين البغدادية فقد نشرت له عدة قصائد في سنتها الاولى بتاريخ 1341 ه. ومنها قصيدة عنوانها : العلم والحجاب ، وله اخرى عنوانها راية العز قال فيها :

راية العز شأنها الارتفاع *** تتسامى منصورة إذ تُطاع

راية يقرأ المفكر فيها *** ما روى مجدنا القديم المضاع

حيّ أعلامنا وحيّ قناها *** يوم كانت تندك منها القلاع

يوم كانت بنو معدّ بن *** عدنان مهيباً جهادها والدفاع

يوم كان العقاب يخفق في *** الجوّ ومنه نسر الأعادي يراع

يوم أردى كسرى وقيصر منه *** زجلٌ لا تطيقه الاسماع

ما اكتسى لون خضرة النصر إلا *** بعدما احمرّ بالدماء اليفاع

ذاك عصرٌ بنوره ملأ الأرض *** التي ضاء في دجاها الشعاع

ذاك عصر النبي والامناء الغرّ *** إذ أمرهم مهيب مطاع

ص: 80

ثم عمّ السلام والعدل ظلٌ *** لم يكدّر به الصفاء نزاع

ثم وافى عصر العلوم بفضل *** أشرقت من سناه تلك البقاع

فاستطاعوا بسيرهم للمعالي *** في المساعي ونعم ذاك الزماع

واستطاعوا بوحدة العزم والآراء *** من حفظ مجدهم ما استطاعوا

أبّهذا المذكري مجد قومي *** حين فاض الونى وجفّ اليراع

تلك أعلامهم بألوانها الأربع *** مرفوعة وهذي الرباع

أين لا أين هم ، وأين علاهم *** أسلامٌ ذكراهم أم وداع

فبرغمى أن الديار طلول *** حين راحوا ومنتدى الحيّ قاع

طمعت فيهم الأعادي لوهنٍ *** فأذاعوا ما بينهم ما أذاعوا

رقدوا والمخاتلون قيام *** وتوانوا والحادثات سراع

رُب ظلم بالحزم أشبه حقاً *** وحقوقاً أضاعها الانخداع

* * *

أيها الغرب هل تصورت يوماً *** كيف تعلو على الهضاب التلاع

سترى الضغط كيف يضرم ناراً *** يصطلى حرّها الكمّي الشجاع

لم تزل تظهر التلطف حتى *** شفّ عن سوء ما نويت القناع

قف معي ننظر الحياة بعين *** لا تغشى جفونها الأطماع

لنرى ما الذي ملكت به الشرق *** فأضحى يشرى لكم ويباع

أنت والشرق في الوجود سواء *** لم يميزك دونه الابداع

لكما في الحياة حرية العيش *** سواء لكم بها الانتفاع

فلماذا تمتاز بالحكم فيه *** وعليه لأمرك الاستماع

الفضل أضحت تدار لديه *** بيديك الشؤون والأوضاع

كل ما تدعيه أنك أقوى *** وبذا تدعي الوحوش السباع

ما لهذي النفوس تضرى مع القسوة *** في ظلمها وتجفوا الطباع

فيخال القويّ أن له الحق *** ومن واجباته الاخضاع

ص: 81

الشيخ جعفر العوامي

المتوفى 1342

أفدي الحسين سري لعرصة كربلا *** في اسرة شادوا العلاء وقوموا

ان جردت بيض الصفاح أكفهم *** تلقى بها هام العدو يحطم

وعدوا على الأعداء اسداً مالهم *** من منجد إلا الصقيل المخذم

فكأنهم تحت العجاج لدى الوغى *** شمس طوالع والرماح الأنجم

بذلوا نفوسهم لسبط محمد *** فسموا غداة على المنية أقدموا

ومنها في مصرع الحسين علیه السلام :

من مبلغنّ بني لوى أنه *** في كربلا جسم الحسين مهشم

من مبلغن بني نزار وهاشماً *** جذّت أكفهم وشلّ المعصم

أعلمتم أن الحسين على الثرى *** للبيض والسمر الخوارق مطعم

أعلمتم أن الحسين بكربلا *** أكفانه البوغاء والغسل الدم

والرأس في رأس السنان كأنه *** بدر تجلّى عنه أفق مظلم

ونساؤه أسرى يشفهم الطوى *** فوق الهزال تساق أم لم تعلموا

هبوا من الأجداث إن بناتكم *** بين الأعادي تستهان وتشتم

الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد ( أبي المكارم ) العوامي. ترجم له حفيده البحاثة الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه ( أعلام العوامية في

ص: 82

القطيف ) ونعته بوحيد العصر وعلامة الزمن ، ولد سنة 1281 ه. 15 جمادي الاولى في العوامية. وتوفي عشية ليلة الاثنين 13 محرم 1342 ه. في البحرين ودفن مع الشيخ ميثم البحراني في صحن مسجده. نشأ في ظل أبيه أبي المكارم وورث منه السماحة والفصاحة والكمال والجلال وهاجر إلى النجف ودرس على أساتذة ، وهجرته كانت في سن مبكر وبقي في النجف 18 عاماً وعندما عاد كان ابن 32 سنة فاعتزت به القطيف وافتخرت وأقبلت عليه تغترف من علومه وتنهل من فيوضاته ، وعدّد صاحب الاعلام العوامية مؤلفاته في مختلف العلوم فذكر من مؤلفاته في الفقه 19 كتاباً وأربعة كتب في الاصول وثلاثة في البيان وأربعة في الاستدلال وكتابين في المنطق وسبعة كتب في أهل البيت علیهم السلام ودواوين شعره التي أسماها ب ( جرائد الأفكار ) وآخر باسم ( نهاية الادراك ) على حسب حروف الهجاء إلى غير ذلك من مناظراته ومحاججاته عن المبدأ والمذهب وخطبه ومواقفه الاصلاحية.

أقول وأورد نماذج من مناظراته وأتى على أقوال معاصريه في حق هذا العالم الجليل من شعر ونثر كما ذكر منظومة له في العقائد وجملة من القصائد جزاء اللّه خير جزاء العاملين ، وترجم له صديقنا المعاصر الشيخ علي المرهون في شعراء القطيف وذكر ما اختاره من شعره في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) .

ص: 83

سليمان آل نشرة

المتوفى 1342

الشيخ سليمان ابن الحاج أحمد بن عباس آل نشرة البحراني المتوفى 1342 ه.

مشوا وفؤادي إثر ظعنهم مشى *** فلم يصح قلب بالغرام قد انتشى

ومازلت أخفى الشوق والوجد والجوى *** ولكن سقمي بالهوى والجوى فشى

واكتم شيباً في فؤادي شعلته *** عن الناس لكن شيب فودي به وشى

وظلت اميم تستطيب ملامتي *** واكره منها لومها والتحرشا

فقلت دعي عني الملام فأنني *** على غير حب الآل جسمي ما نشى

فقالت على من سال دمعك في الثرى *** فقلت على من في ثرى الطف عرشا

فقالت وماذا بعد ذلك قد جرى *** عليه فلا تكتم وقل فيه ما تشا

فقلت لها أخشى عليك من الأسى *** فقالت لي أفصح ان قلبي تشوشا

فقلت سأتلو منه أفجع حادث *** عليك فشقي الجيب أو مزقي الحشا

أتاها وفيها حرب قد حشدت له *** من الجيش ما سد الفلا والفضا حشا

وسامته إما أن يبايع ضارعاً *** أو الموت فاختار الردى دون ما تشا

وشد عليهم بعد صحب تصرعت *** له كهزبر شد في غنم وشا

وصال مكراً طعنه ورد مهلك *** سقى فيه بالقاني من السمر عطشا

وأوردهم مكراً صولة حيدرية *** غشتهم بها في الصبح قارعة العشا

ولا غرو ان فل الجموع ولفها *** بأمثالها أو طال فيها وابطشا

ففي كل عضو منه جيش عرمرم *** من البأس يقفو إثره حيث ما مشى

ص: 84

وما زال يحمي خدر بنت محمد *** الى ان وهت منه القوى واشتكى العشا

فكيف ولا يشكو العشاء بعينه *** ومن ظمأ منه الفؤاد تحمشا

ورام بأن يرتاح في أخذ فاقة *** له وأبى فيه القضا غير ما يشا

فسددت الأعدا بحبة قلبه *** فلا سددت سهماً مشوماً مريشا

فخر به يهوى إلى الأرض ساجداً *** كبدر كسا قاني الدما وجهه غشا

عجبت لشمر كيف شمر ساعداً *** لذبح الحسين السبط واللّه ما اختشى

فان ضحكت سن اليه فأنما *** لتبكي له عين الجوائز والرشا

وان سلبت منه الثياب امية *** فقد البست ثوباً من العار مدهشا

وان فتشت ما في خباه فأنما *** به كل وغد عن مساويه فتشا

وان قتلته وهو لم يطف غلة *** بماء فمن قال لها الأرض رششا

وان نصبت فوق السنان كريمه *** لخفض فان اللّه يرفع من يشا

فيا بأبي أفدي على الأرض جسمه *** ورأساً برمح بالبها العقل ادهشا

ويا بأبي أفدي نساء ثواكلاً *** على فقده في الدمع أرسلت الحشا

كأن يدها إذ كفكفت دمع عينها *** دلاء وأهداب الجفون لها رشا

كأن سياط المارقين وقد مشت *** على متنها كانت أفاعيَ رقشا

مشين بها للشام عجف وفي البكا *** عليها لما قد نالها الركب أجهشا

فزعن لضوء الصبح وارتحن من حياً *** إلى ساتر يحمى إذا الليل أغطشا

فأخرجن من خدر وداخلن مجلساً *** به الفسق والفحشاء باضا وعشعشا

وظل يزيد يقرع الرأس شامتاً *** بها بقضيب فيه للنفس أنعشا

وإن زجرته بالمواعظ غاضها *** وكيف يرى في الشمس من كان أعمشا

ص: 85

أسماء القزويني

المتوفاة 1342

العلوية اسماء بنت العلامة السيد الميرزا صالح ابن العلامة الفقيه الحجة السيد مهدي القزويني ، قالت في رثاء جدها الحسين علیه السلام من قصيدة :

وإن قتيلا قد قضى حق دينه *** وزاحم في شماء همته نسرا

فذاك لعمري لا توفّيه أعيني *** وإن أصبحت للرزء باكية عبرى

اسمها الذي اشتهرت به ( سومة ) للتحبب ، وكان عمها أبو المعز السيد محمد المتوفى سنة 1335 ه. يخاطبها ب ( اسماء ) وعرفت بعدئذٍ بالحبابة تكريماً لمقامها.

ولدت في الحلة الفيحاء حدود سنة 1283 ه. ونشأت في كنف والدها ، وكان للبيئة في نفسها أثر في بلوره ذهنيتها ، فالأجواء العلمية التي كانت تعيشها والمجالس الأدبية التي تعقد في مناسبات كانت تؤثر أثرها وتدفع بهذه الحرة للشعر والأدب فلا تفوتها النادرة الأدبية أو الشاردة المستملحة فهي تكتب هذه وتحفظ تلك وتتحدث بالكثير منها.

وقد اقترنت بابن عمها الميرزا موسى ابن الميرزا جعفر القزويني وأنجبت منه. وابنتها ( ملوك (1) ) وهي لم تزل في قيد الحياة ولا زالت تتحدث عن

ص: 86


1- والعلوية ملوك اقترنت بابن خالها السيد باقر السيد هادي القزويني المتوفى سنة 1333 ه. وهي أديبة فاضلة ، ووجه اجتماعي محبب لا زال مجلسها العامر في الحلة موئلاً للقاصدين على أنّ السن قد تقدم بها حفظها اللّه.

امها وكيف كانت واسطة لحل النزاعات العائلية ، فكثيراً ما قصدت العوائل المتنافرة ولطّفت الجو وأماتت النزاع والخصام حتى ساد الوئام ، وتتحدث عن امها وملكتها الأدبية وتروى شعرها باللغتين : الفصحى والدارجة.

واشتهر عن اسماء أنها تميزت بشخصية قوية وباسلوب جميل في الحديث وكان مجلسها في الحلة عامراً بالمتأدبات وذوات المعرفة. أُصيبت بمرض لازمها شهوراً متعددة وتوفيت بعده سنة 1342 ه. ونقلت بموكب كبير إلى النجف الأشرف لمقرها الأخير واقيمت الفاتحة على روحها الطاهرة صباح مساء وسارع الشعراء إلى رثائها وللتدليل على ما روينا نثبت نموذجاً من رسائلها الأدبية وهي كثيرة. كتبت على صديقة لها تعزيها بوفاة والدتها :

صبراً على نوب الزمان وإنما *** شيم الكرام الصبر عند المعضل

لا تجزعي مما رزيت بفادح *** فاللّه عوّدك الجميل فأجملي

خطب نازل ومصاب هائل ورزية ترعد منها المفاصل وتذرف منها الدموع الهوامل ، وينفطر منها الصخر ولا يحمد عندها الصبر ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، ويشيب منها الوليد ولا يفتدى فيها بالطارف والتليد وعمّت كل قريب وبعيد ، غير ان الذي أطفى لهيبها وسكن وجيبها التسليم للقدر والقضاء ، وأنك الخلف عمن مضى ، فلم تفتقد مَن انت البقية ولم تذهب مَن فيك شمائلها والسجية ، فذكراها بك لم تزل مذكورة وكأنها حيةٌ غير مقبورة ، فلا طرقت بيتك الطوارق ولا حلت بساحة ربعك البوائق ، ودُمتِ برغم أنف كل حقود لا نرى فيك إلا ما يغيظ الحسود.

1 رجب المرجب 1322 هجرية

الداعية العلوية

اسماء

ص: 87

الرسالة الثانية كتبتها إلى شقيقها السيد هادي لنجاته من حادثة رعناء سنة 1328 ه. وكانت يومئذ في الحلة وهو في ( الهندية ) :

أ ( هادي ) دجى الظلما بنور جبينه *** وأحسا به يجلوه ان أظلم الخطب

لقد أضرم الأعداء نار حقودهم *** وما علموا في رشح جودك قد يخبو

غمام جود الواقدين إذا أمحل النادي وشمس صباح السارين وبدرها ( الهادي ) حفظك الرحمن من طوارق الأسواء بمحمد صلی اللّه علیه و آله النجباء.

أما بعد فنحن بحمد اللّه المتعال وما زلنا في السرور ولا نزال ، سيما بورود حديث فرح من ذوي شرف قديم وخصوص مسرود من ذوي فضل عميم يشعر أن اللّه قد حياك بنعمته الوافية وخصّك بسلامته الكافية ونجاك من هذه الرائعة فيا لها من قارعة ، فحمدنا اللّه على ذلك وشكرناه على ما هنالك ، وإلا لتركت مقلة المجد عبرى ومهجة الفخر حَرّا ، وأحنيت على وجد منا الضلوع ومنعت من عيوننا طيب الهجود والهجوع فتمثلنا بقول من قال :

فُديت با ( لمحصول ) كي يغتدي *** أصلك محفوظاً لآل الرسول

اقول وسبب كتابة هذه الرسالة كما روى الخطيب السيد محمد رضا في مؤلفه ( الخبر والعيان في أحوال الأفاضل والأعيان ) ص 64 في ترجمة السيد باقر ابن السيد هادي المذكور ما نصه :

ان السيد هادي دعاه بعض رؤساء العشائر إلى وليمة ليلاً ، فخرج على فرسه تحدق به جريدة من الخيل منهم ولده الباقر وجماعة من خاصته وخدمه وأخوه المرحوم السيد الحسن وكان الوقت صيفاً فانعقد المجلس في الفضاء بجنب ( مضيف ) من قصب فبينا الناس قد شغلوا بنصب الموائد واذا بصوت الرصاص يلعلع من فئة لها تراث مع صاحب المضيف ، ففزع القوم واضطربوا ، وكان

ص: 88

على رأس السيد الهادي خادم واقف يقال له ( محصول ) فأصابته رصاصة سقط على أثرها جديلاً كما قتل ساقي الماء وأُصيب آخرون ثم ثار الحي ومَن كان مدعواً للوليمة فانهزم الغزاة راجعين ، أما السيد الهادي فقد ثبت بمكانه لم يتحرك ولم ينذعر ، وعندما رجع السيد إلى البلد سجد ولده الباقر شكراً لله على سلامة والده وكتب من فوره إلى عمَ أبيه في الفيحاء أبي المعز السيد محمد هذين البيتين :

بشراك في فاجعة أخطأت *** وما سوى جدك خطّاها

فدت مقادير إله الورى *** أبي ، ومحصول تلقّاها

فأجابه السيد يخاطب السيد الهادي :

فُديت بالمحصول كي يغتدي *** اصلك محفوظاً لآل الرسول

والمثل السائر بين الورى *** خير من المحصول حفظ الاصول

ص: 89

الشيخ محمد حسن سميسم

المتوفي 1343

يرثي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة المرادي المذحجي رحمة اللّه عليهما :

لو كان غيرك يا بن عروة مسلما *** في مصر كوفان لاوي مسلما

اويته وحميته وفديته *** في مهجة ابت الحياة تكرما

ان لم تكن من ال عدنان فقد *** ادركت فخر الخافقين وان سما

قد فقدت من يحمي الضعائن شيمة *** حتي ربيعة بل اباه مكدما

ما بال بارقة العراق تقاعست *** عن نصر من نال الفخار الاعظما

لم لا تسربلت الدماء كأميرها *** كاميرها لم لا تسربلت الدما

بايعت مسلم بيعة علويه *** ابدا فلم تنكث ولن تنندما

فلذا عيون بني النبي تفجرت *** لما اتي الناعي اليه عليكما

بشراكم طلب ابن فاطم ثاركم *** طلب ابن فاطم ثاركم بشراكما

خرج الحسين من الحجاز بعزة *** رغم العدا لا خائفا متكتما

ونحا العراق بفتية مضرية *** كل تراه باسمه مترنما

قوم اكفهم لمن فوق الثري *** كرما تكلفت الروى والمطعما

قوم بيوم نزولهم ونزالهم *** لم يكسبوا غير المكارم مغنما

رام ابن هند ان يسود معاشرا *** ضربوا علي هام السماك مخيما

هبت هناك بنو علي وامتطت *** من كل مفتول الذراع مطهما

ص: 90

وتضرمت أسيافها بأكفهم *** فكأنها نار القرى حول الحمى

حتى إذا اصطدم الكماة وحجّبت *** شمس الضحى والافق أضحى مظلما

عبست وجوه الصيد مهما أبصروا *** العباس أقبل ضاحكاً متبسما

متقدماً بالطف يحكي حيدراً *** في ملتقى صفين حين تقدّما

وكأنه بين الكتائب عمه الطي *** ار قد هزّ اللواء الأعظما

وتقاعست عنه الفوارس نكصاً *** فغدا مؤخرها هناك مقدما

بكت الصبايا وهي تطلب شربة *** تروي بها والفاطميات الظما

منعوه نهر العلقمى وورده *** فسقاهم ورد المنية علقما

حتى إذا حسمت يداه بصارم *** وأخاه أسمعه الوداع مسلّما

فانقضّ سبط المصطفى لوداعه *** كالصقر إذ ينقضّ من افق السما

أهوى عليه ليلثم الجسد الذي *** لم تبقَ منه السمهرية ملثما

ناداه يا عضدي ويا درعي الذي *** قد كنت فيه في الملاحم معلما

فلأبكينك بالصوارم والقنا *** حتى تبيد تثلّما تحطّما

اسرة آل سميسم ، اشتهرت بهذا اللقب لان جدها سميسم بن خميس بن نصار بن حافظ لهم الزعامة في بني لام بن براك بن مفرج بن سلطان بن نصير أمير بني لام حيث نزح من الشام حدودسنة 902 ه. وأسس مشيخة بني لام في لواء العمارة - ميسان فأعقب حافظ وهو أعقب ولدين : نصار ونصر وفيهما زعامة بني لام.

وفي اسرة آل سميسم - اليوم - علماء وادباء وحقوقيين. وكان المترجم له علم الاسرة وعنوانها لما يتحلى به من فضل وأدب وسخاء مضافا إلى ديانته وزهادته وطيب سريرته وحسن سيرته يتحلى بإباء وشمم ويعتزّ بقوميته

ص: 91

وعروبته لا عن عصبية فقد قال الامام زين العابدين علي بن الحسين السجاد علیه السلام : ليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه ولكن العصبية أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، واليك قطعة من اعتزازه بنفسه وتمدحه بأهله وقومه :

قسماً بغارب سابحي وهو الذي *** في العدو لم يطأ الثرى بمناسم

جمحت فخفت الافق يصدع هامها *** فمسكت فاضل عزمها بعزائمي

لا ابتغي خلعاً بشعري لا ولا *** صفراً دنانيراً وبيض دراهم

كلا ولا أخشى تهكّم جاهل *** أبداً ولا أرجو وكالة عالم

عيشي بحمد اللّه طاب ولم يكن *** عيشي بتدليس وردّ مظالم

ومن شعره معرضاً بمن عرفوا بالمنسوبية والمحسوبية :

قالوا الأديب يمدّ الكف قلت لهم *** أنا الأديب ولكن لا أمدّ يدا

كي لا أُصعّر خدي بعد عزته *** إلى اناس يسمون الإله ( خدا )

وقال :

أترك سبيل الشعر في نيل الغنى *** فالشعر في هذا الزمان هوان

علماؤنا فرس وتلك ملوكنا *** ترك وجلّ سراتنا معدان

وديوانه المخطوط الذي رأيته عند ولده فضيلة الشيخ عمار ابن الشيخ محمد حسن ابن الشيخ هادي يجمع مختلف ألوان الشعر وأكثره في أهل البيت صلوات اللّه عليهم.

ولنستمع إلى لون من غزله :

منى النفس ما بين العذيب وحاجر *** بحيث تهاب الأسد بطش الجأدر

أرى الشمس لا يمتاز ساطع نورها *** إذا سفرت ما بين غيد سوافر

فمسن غصوناً وابتسمن كواكبا *** وأشرقن أقماراً بليل غدائر

ص: 92

مررت على الوادي فلما رأينني *** نفرن كأمثال الظباء النوافر

وفيها التي أرجو طروق خيالها *** كما يرتجي التأمين قلب المخاطر

حمت خدرها لا بالمواضي البواتر *** ولكن حمته بالجفون الفواتر

تقسمت من شوقي لها في رياضها *** لعلّي الاقيها بسيماء زائر

فبالمنحني جسمي وبالجزع مهجتي *** وفي ذا الغضا قلبي وبالغور ناظري

وأقذف نفسي طالباً رسم دارها *** وبي للنوى ما بالرسوم الدواثر

على ظهر مفتول الذراعين أتلع *** حبيك القرى قبّ الأضالع ضامر

وغرته في وجهه وهو أدهم *** مقالة حق في عقيدة كافر

إذا ما عدا ليلا يصك بأنفه *** نجوم الثريا والثرى بالحوافر

أطأطئ رأسي حين اركب سرجه *** مخافة تعليق السهى بمغافري

فلا أطرق الحيين حيّي وحيّها *** فيعلم تغليس لها في الدياجر

وان هوّمت جاراتها رحت غائراً *** ونجم الدياجي بين باد وغائر

أُسيب انسياب الصل بين خيامها *** واسري مسير النوم بين المحاجر

ولما أحسّت بي اريعت وحوّلت *** بناظرها نحو الاسود الخوادر

وقالت أما هبت الاسود التي غدت *** مخالبها بيض السيوف البواتر

فقلت لها لا تذعري إنني امرؤ *** قصارى مناي اللثم ، لستُ بفاجر

فما جمحت إلا وأمسكت شعرها *** كذاك شكيم الخدر فضل الغدائر

فلما اطمأنت لي شكوت لها الهوى *** وفي بعض شكوى الحب نفثة ساحر

دنت وتدلّت من فمي وتبسمت *** وقالت فخذ مني قُبيلةَ زائر

رشفت ثناياها فقالت بعينها *** ( هنيئاً مريئاً غير داء مخامر )

فضاجعتها والسيف بيني وبينها *** وسامرتها والرمح كان مسامري

ص: 93

ترجم له الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) والشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) فقال : فاضلاً كاملاً لبيباً أديباً شاعراً ، له نوادر أدبية وشعرية جيدة ومراث في سيد الشهداء رثى بعض معاصريه وهنأهم ، ولد سنة 1279 ه. كما ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر جملة من نثره ونظمه. وافاه الأجل في 25 جمادى الاولى سنة 1343 ه. وكان لنعيه رنة أسف على عارفيه وأبّنه جماعة من الشعراء منهم الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة عامرة كان مطلعها :

أيعرب قد فقدتِ أبا الجواد *** فلا للجود انتِ ولا الجياد

وللمترجم له قصيدة في الزهراء فاطمة بنت النبي صلى اللّه عليهما وسلّم جاء في اولها :

مَن مبلغ عني الزمان عتابا *** ومقرّعٌ مني له أبوابا

لا زلت أُرددها في المحافل الفاطمية. تغمده اللّه برحماته واسكنه فسيح جناته.

ص: 94

السيد مهدي الطالقاني

المتوفى 1343

عجّ بي على تلك الربوع *** ننشق بها نشر الربيع

قف بي ولو لوث الأزا *** ر ، بذلك الكهف المنيع

بتلاعها لي أتلعُ *** لم تروه إلا دموعي

يرعى ، ولا يرعى الذما *** مَ ، بشيح قلبي والضلوع

متنفراً كالنوم أو *** كالأمن في قلب المروع

كم قد نصبت له الجفو *** ن ، حبائلاً عند الهجوع

فنجا وما زُوّدتُ منه *** سوى التزفّر والصدوع

وبقيتُ من أسفي أعضّ *** بنانَ إبهامٍ قطيع

مَن لي بذاك الثغر وال *** خصر المخصّر من شفيع؟

ما بتّ إلا بات من *** ه خيال شخص لي ضجيع

يعتادني ليلاً فاغ *** دو منه في ليل اللسيع

نشر الربيعُ على الربوع *** نشراً له تطوى ضلوعي

ومن البلية في الحمى *** داري وفي نجدٍ ولوعي

يا سعد قد حدثتني *** عن ذلك الحسن البديع

فصغى لما حدّثته *** لك مسمعي ، لا بل جميعي

زدني فقد زادت جنو *** ني من حديثك عن ربوعي

يا حسرتي وتزفري *** وخفوق قلبٍ لي وجيع

ص: 95

أمسي وأصبح لم أجد *** هماً سوى فيض الدموع

إن جفّ دمعي بعدهم *** رعفت جفوني بالنجيع

همّ الفؤاد بأن يطي *** ر اليهم لو لا ضلوعي

لهفي وما لهفي لغي *** ر السبط ما بين الجموع

أمسى مروعاً بالطفو *** ف وكان أمناً للمروع

يسطو بأبيض صارمٍ *** كالشمس والبرق اللموع

أبداً تراه فاريَ الأو *** داج صادٍ للنجيع

وبأسمرٍ كالصلّ يل *** وي نافث السمّ النقيع

ريّان من مهج العدا *** ينهلّ كالغيث المريع

فيخيط أسمره وأب *** يضه يفصّل في الدروع

خاض الحِمام بفتيةٍ *** كالأسد في سغب وجوع

أن يدعهم لمسلمةٍ *** لبسوا القلوب على الدروع

طلعوا ثنيات الحت *** وف وهم بدور في الطلوع

خير الأصول أصولهم *** وفروعهم خير الفروع

حتى إذا ما صرّعوا *** أرخى المدامع بالدموع

ضاق الفضاء بصدره *** والرحب لم يك بالوسيع

فمشى إلى الموت الزؤا *** م مشَمراً مشي السريع

فأتاه سهمٌ في الحشا *** أحناه إحناء الركوع

فكبا على وجه الثرى *** أفديه من كاب صريع

دامي الوريد معفر ال *** خدين خُضّب بالنجيع

ملقىً على وجهِ البسي *** طة وهو ذو المجد الرفيع

اللّه أكبر يا له *** من حادث جلل فضيع

يلقى الحسينَ الشمرُ في *** ذيالك الملقى الشنيع

ويحزّ منه الرأس ين *** صبه على رمح رفيع

كالبدر في الظلماء أو *** كالشمس في وقت الطلوع

ص: 96

رضّت أضالعه الخيو *** ل فليتها رضّت ضلوعي

وسرت نساه حُسّراً *** تهدى إلى رجسٍ وضيع

من فوق جائلة النُسو *** عِ شملةً هوجا شموع

أين النسوع وأين رب *** ات الخدور من النسوع؟؟

تسري الغداة بهن وه *** ي ودائع الهادي الشفيع

هجموا عليهن الخبا *** ء وكان كالحرم المنيع

تُحمى ببيض صوارم *** وبسمر خطّى شروع

السيد مهدي ابن السيد رضا ابن السيد أحمد الطالقاني النجفي ولد سنة 1265 ه. وتوفي سنة 1343 ه. بالنجف الأشرف ودفن بها. أديب مرموق وشاعر متفوق ، ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة فقال : رأيته وسمعت أوصافه فكنت أرى منه الرجل الظريف العفيف فمن شعره قوله :

يميناً قدّن الرمح الرديني *** ولحظك حد ماضي الشفرتينِ

هما جرحا حشاي بغير ذنب *** وكان كلاهما لي قاتلينِ

نايت فلم تنم عيناي ليلاً *** كأنك كنت نوم المقلتين

فرفقا بي والا صحت اني *** قتلت وأنت مخضوب اليدين

وهبتك مهجتي حتى إذا ما *** ملكت مطلتي وعدي وديني

فحسبك أدمعي ونحول جسمي *** فقد كانا بذلك شاهدين

فصلني قبل بينك أو فعد *** فقد حان السلام عليك حيني

وله رثائه علیه السلام :

قف بي ونح كيما نطا *** رح بالنياح حمائمه

واستوقف الحادي به *** ننعى الطلول الطاسمه

نندب فتىً سفك الطغا *** ة بيوم عاشورا دمه

وسبت حلائله على *** رغم العلى ومحارمه

أصمت سهام ضلالها *** علمَ الزمان وعالمه

ص: 97

ذاك الذي أحيا الرشا *** د وشاد منه دعائمه

سبط النبي المصطفى *** وابن الزكية فاطمه

ربّ المعالي الغرّ من *** جبريل أضحى خادمه

فأقام أملاك السما *** فوق السماء مآتمه

تلك المآتم لم تزل *** حتى القيامة قائمه

وأظلّت السبع الطبا *** ق شجونه المتراكمه

أضحت رزيّته لأر *** كان المكارم هادمه

أوردت خوافي الروح في *** نيرانها وقوادمه

يا ويح دهرٍ سلّ في *** أبناء فاطم صارمه

كم فلّ منهم صارماً *** فلّ الإله صوارمه

وكم اجترى يوم الطفو *** ف فما أجلّ جرائمه

حسمت يداه يد العلى *** حسمت يداه الحاسمه

جزرت جحاجحه الورى *** جزر المواشي السائمه

لهفي لفتيان قضت *** حول الشرائع حائمه

وسبت عقائل خير مَن *** وطأ الثرى وكرائمه

فغدت بنات المصطفى ال *** هادي النبي غنائمه

وله في رثائه أيضاً :

كم على سبط النبي المصطفى *** جلبت ظلماً يدا عدوانها

نصرته عصبة نالت به *** شرف العزّ على أقرانها

يوم أضحت لا ترى عوناً سوى ال *** مرهفات البيض في أيمانها

وإذا ما زحفت يوم الوغى *** كأسود الغاب في ميدانها

فترى الهامات من أسيافها *** سجداً خرّت على أذقانها

بذلت أنفسها في نصره *** فلها الحسن على إحسانها

وارتقت أطواد مجدٍ وحجىً *** وسمت فخراً على كيوانها

ليتني واسيتهم في الطف إذ *** أزمع الناس على خذلانها

ص: 98

صرعتهم عصبة الغيّ فلم *** تغض عن شيب ولا شبانها

وبقت أجسادهم تصهرها ال *** -شمس لا تدرج في أكفانها

فإذا مرّت بهم ريح الصبا *** حملت طيب شذا أبدانها

هل درت ، يوم حسين ، هاشم *** أيّ ركن هدّ من أركانها

وبه أسرى غدت نسوتها *** وأُبيدَ الشُم من غرّانها

وعلاها الضيم حتى عاد ، لا *** ينجلي عنها مدى أزمانها

أيُعلّى رأس سبط المصطفى *** يا له خطباً ، على خرصانها؟

منعوه الماء ظلماً فقضى *** ظمأ لهفي على ظمآنها

بكت السبع السموات له *** ليتها أروتها من هتّانها

وبنفسي نفس قمقام عدت *** خيل أعداها على جثمانها

من يُعزّي بضعة الهادي فقد *** أصبحت ثكلى على فتيانها

وغدا مفخرها السامي عُلىً *** جدلاً ملقىً على كثبانها

ويسيل الدم من أعضائه *** في الثرى كالسيل من بطنانها

قتلوه وهو يستسقيهم *** فسقوه الطَنّ من مُرّانها

لست أنسى زينباً بين العدى *** تندب الأطهار من عدنانها

وكريمات النبي المصطفى *** تشتكي الأعداء من طغيانها

كم دهتها نوبٌ من بعدما *** شُرّدت بالرغم عن أوطانها

لهف نفسي لوجوهٍ برزت *** لا يواريها سوى أردانها

أركبوهن على عجف المطا *** وأداروهنّ في بلدانها

سبيت سبي الأما من بعدما *** أُثكلت بالشوس من فرسانها

كم رزايا أخلقت جِدتها *** ورزايا الطف في ريعانها

وانطوت في الطف منها حرقة *** ذابت الأحشاء من وقدانها

من يرم عنها لنفسي سلوةً *** زادها شجواً على أشجانها

يا حماة الدين كم حاربكم *** آل حرب وبنو مروانها؟

فمتى ينتقم اللّه لكم *** بالفتى القمقام من عدنانها؟

ص: 99

السيد مهدي الغريفي

المتوفى 1343

قال من قصيدة يرثي بها علي الأكبر ابن الامام الحسين (عليه السلام) :

بُنيّ اقتطعتك من مهجتي *** علامَ قطعتَ جميل الوصالِ

بُنيّ عراك خسوف الردى *** وشأن الخسوف قبيل الكمالِ

بُنيّ حرامٌ عليّ الرقاد *** وأنت عفير بحرّ الرمالِ

بُنيّ بكتك عيون الرجال *** ليوم النزيل ويوم النزالِ

السيد مهدي ابن السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد اسماعيل ابن السيد محمد الغياث ابن السيد علي المشعل ابن السيد أحمد المقدس (1) ابن السيد هاشم البحراني ابن السيد علوي عتيق الحسين (عليه السلام) ابن السيد حسين الغريفي البحراني النجفي. صاحب الغنية وينتهي نسبه الى السيد ابراهيم المجاب بن محمد العابد ابن موسى الكاظم علیه السلام ، شاعر وعالم وتقي يشهد الجميع بتقواه.

ص: 100


1- هو السيد احمد الغريفي الموسوي المعروف ب ( الحمزة الشرقي ) ترجم له السيد الامين في الاعيان والشيخ الاميني في شهداء الفضيلة وكتبت عنه فصلاً مسهباً في ( الضرائح والمزارات ) بعد ما قصدت مزاره ورأيت قبته الشاهقة من القاشاني الازرق وقد ملأ الرواق والحرم والصحن بالزائرين مع سعة ذلك الصحن ، ان هذا السيد الجليل والعالم النبيل والذي ختم اللّه له بالشهادة وهو متوجه الى زيارة مشاهد أجداده الطاهرين بالعراق فقتله اللصوص هو وزوجته وولده في مكان قبره اليوم - شرقي الديوانية في أراضي لملوم - مساكن قبيلتي جبور والأقرع وكان ذلك في المائة الثانية عشرة وقد جدد بعض أهل الخير بناء ضريحه سنة 1355 ه.

ولد في النجف الأشرف سنة (1301) ه. وتوفي فيه في شهر ذي الحجة الحرام سنة 1343 ه. وخلف مؤلفات متنوعة لا زالت مخطوطة. وقد ترجم في كثير من المعاجم. وله ديوان شعر رائق يقع في جزئين : الأول يتضمن مدح ورثاء أهل البيت. والثاني في المديح والتهاني والغزل والنسيب.

فمن شعره قصيدة طويلة استنهض فيها بني هاشم ورثى بها جده سيد الشهداء (عليه السلام) مطلعها :

الحرب هذي وهذي السمر والخذم *** والخيل تلك عليها اللحم والحزم

ويقول فيها :

قرّت على الضيم يا ويلي لها عدد *** لم يغن يوماً فكم منها أريق دم

ضاقت بها الأرض عن إدراك ما وعدت *** به وكانت بعين اللّه تلتطم

يا عصبة ما أهاجتها ، على دمها *** يوماً سهام كلام لا ولا كلم

كم أدعو بالويل فيكم يا لفهر دمي *** هدر ورحلي منكم راح يغتنم

فالويل لي ولكم إن لم نقم زمراً *** نشنّ غاراتها فيهم وننتقم

فالكل منا وإن كنا نغضّ على ال *** بيض الجفون غداة الروع معتصم

فيها نلبي نساءً قد سبين على *** عجف المطا حيث نادت والدموع دم

ويقول فيها أيضاً مخاطباً للامام المنتظر عجل اللّه فرجه.

بقية اللّه إني لا أبثكها *** عطفاً عليك وأن تنتاشك الغمم

المجد يأبى وغن سيقت له حرم *** حسرى على هزل أن تذكر الحرم

وله قصيدة اخرى يقول فيها :

يقولون لي والنفس تكتم ما بها *** لقد خف منك الطبع من فوق اسحم

تلبي دماء رحن هدرا ونسوة *** على هزل اسرى طوت كل منسم

ترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : مات أبوه وعمر المترجم له سنتان فكفله أخوه النسابة السيد رضا المعروف بالصائغ وكان منذ الصغر يتسم بالذكاء

ص: 101

فقد فرغ من العلوم العقلية والنقلية وهو في الثلاثين من عمره وكانت دراسته على أعلام منهم السيد محمد بحر العلوم صاحب البلغة والسيد علي الداماد والسيد محمد كاظم اليزدي وفي الاصول على الشيخ ملا كاظم الخراساني والشيخ أحمد كاشف الغطاء والشيخ مهدي المازندراني والشيخ حسن صاحب الجواهر ، وتخرج على يده جماعة من العلماء. ولما توفي ابن عمه السيد عدنان - عالم البصرة - جاء وفد مؤلف من وجهاء البصرة وأشرافها يطلبونه للقيام بمقام السيد عدنان فلبّى الطلب وأقام بالبصرة إلى أن حل به المرض فانتقل إلى النجف الأشرف وتوفي فيه في يوم 16 ذي الحجة سنة 1343 ه. ودفن في حُجرةٍ بالصحن الشريف بجنب مرقد السيد عدنان الغريفي والملاصقة لباب الفرج الغربية وكانت هذه الغرفة تُعرف ب مقبرة آل شبر حيث دفن عدد منهم وكانت فاتحة المترجم له تغصّ برجال العلم والأدب والشعر حيث رثاه فريق من الشعراء بقصائد منهم الشيخ محمد رضا فرج اللّه والخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة مطلعها :

أتدري لادرت نوب الزمان *** مضت بسنان هاشم واللسان

فمن يوم الخصام يذود عنها *** ويدرأ عنهم يوم الطعان

لقد ذهبت بفرد العصر فضلاً *** وهل في العصر للمهدي ثان

مضت بأجل أهل العصر شأنا *** وشأن العلم أكبر كل شأن

ومنها :

بني الهادي وأنتم أهل بيت *** أتت بمديحه السبع المثاني

تهون النائبات إذا علمنا *** بأن جميع من في الأرض فاني

وله ديوان مخطوط يقع في جزئين عند ولده السيد عبد المطلب ، يختص الجزء الأول بأهل البيت مدحاً ورثاء في 240 صفحة بخط الشيخ حسن الشيخ علي الحمود الحلي فرغ من نسخة عام 1322 ه. والجزء الثاني بخط الناظم في 250 صفحة يتضمن المديح والرثاء والتهاني والغزل والنسيب والوصف ، وآثاره العلمية ومؤلفاته المخطوطة كثيرة جداً ومنها ما أذكره هنا :

ص: 102

1 - هداية المضل في الامامة.

2 - الأشهر الحرم فيما وقع على سادات الحرم.

3 - عين الفطرة في الرد على من غالى في العترة.

4 - زينة الاذان والاقامة في ذكر علي بالولاية والامامة.

5 - أرجوزة في الكبائر من الذنوب.

6 - التحفة في المبدأ والمعاد أرجوزة ، فرغ منها سنة 1343 ه. طبعت بالنجف.

7 - منظومة سمّاها ب ( الدرة النجفية ) ، في الرد على القائلين بالتثليث.

8 - كتاب ( الانصاف ) في علم الحديث.

9 - كتاب ( الرشحات ) في التوحيد والنبوة والامامة ، فرغ منه 1329 ه.

10 - رسالة في أحوال الصحابة.

11 - رسالة في التراجم ، ورسالة في الاجازات.

12 - كتاب ( الولاية الكبرى ).

13 - كتاب ( انساب الهاشميين ) ... مع كتب ورسائل كثيرة متنوعة مطبوعة وغير مطبوعة.

ص: 103

محمد حسن أبو المحاسن

المتوفى 1344

قال سنة 1325 ه :

دع المنى فحديث النفس مختلق *** واعزم فإن العلى بالعزم تستبقُ

ولا يؤرقك إلا همّ مكرمة *** إن المكارم فيها يجمد الأرق

والسيف أَصدق مصحوب وثقت به *** ان لم تجد صاحباً في ودّه تثق

وأَمنعُ العزّ ما أرست قواعده *** سمر الأسنة والمسنونة الذلق

وإنما ثمر العلياء في شجر *** لها الرماح غصون والضبا ورق

وليس يجمع شمل الفخر جامعه *** إلا بحيث ترى الأرواح تفترق

وللردى شرك بثّت حبائله *** على الأنام وكل فيه معتلق

فما يجير الردى من صرف حادثه *** كهف ولا سلّم ينجى ولا نفق

إذا دجى ليل خطب أو بنا زمن *** فاستشعر الصبر حتى ينجلي الغسق

فكل شدة خطب بعدها فرج *** وكل ظلمة ليل بعدها فلق

فلا يغرنك عيش طاب مورده *** فرب عذب أتى من دونه الشرق

دنياً رغائبها في أهلها دول *** وما استجدت لهم من نعمة خلق

وليس في عيشها روح ولا دعة *** وان بدا لك منها المنظر الانق

ص: 104

دنياً لآل رسول اللّه ما اتسقت *** انى تؤملها تصفو وتتسق

تلك الرزية جلت أن يغالبها *** صبر به الواجد المحزون يعتلق

فكل جفن بماء الدمع منغمر *** وكل قلب بنار الحزن محترق

بها اصابت حشا الإسلام نافذة *** سهام قوم عن الإسلام قد مرقوا

واستخلصت لسليل الوحي خالصة *** من الورى طاب منها الأصل والورق

أَصفاهم اللّه اكراماً بنصرته *** فاستيقنوها وفي نهج الهدى استبقوا

من يخلق اللّه للدنيا فأنهم *** لنصرة العترة الهادين قد خلقوا

كأنهم يوم طافوا محدقين بهم *** محاجر وهم ما بينهم حدق

رجال صدق قضوا في اللّه نحبهم *** دون الحسين وفيما عاهدوا صدقوا

وقام يومهم بالطف إذ وقفوا *** بيوم بدر وان كانوا بها سبقوا

وفي اولئك في بدر نبيهم *** وهؤلاء بهم آل النبي وُقوا

من كل بدر دجى يجرى به مرحاً *** إلى الكفاح كميت سابق أفق (1)

ينهل في السلم والهيجاء من يده *** وسيفه الواكفان الجود والعلق

تقلدوا مرهفات العزم وادرعوا *** سوابغ الصبر لا يلوي بهم فرق

والصبر اثبت في يوم الوغى حلقاً *** إذا تطاير من وقع الضبا الحلق

رسوا كأنهم هضبٌ بمعترك *** ضنك عواصفه بالموت تختفق

ولابسين ثياب النقع ضافية *** كأن نقع المذاكي الوشي والسرق (2)

مستنشقين من الهيجاء طيب شذا *** كأن ارض الوغى بالمسك تنفتق

عشق الحسين دعاهم فاغتدى لهم *** مر المنية حلواً دون من عشقوا

جاءوا الشهادة في ميقات ربهم *** حتى إذا ما تجلى نوره صعقوا

وما سقوا جرعة حتى قضوا ظمأ *** نعم بحدّ المواضي المرهفات سقوا

ص: 105


1- الكميت والافق بضمتين صفة للفرس للذكر والانثى.
2- السرق محركة : شقق الحرير.

عارين قد نسجت مور الرياح لهم *** ملابساً قد تولى صبغها العلق

حاشا اباءهم أن يؤثروا جزعاً *** على المنية ورداً صفوة رنق

مضوا كرام المساعي فائزين بها *** مكارماً من شذاها المسك ينتشق

واغبرّ من بعدهم وجه الثرى وزها *** ببشرهم في جنان الخلد مرتفق

هنالك اقتحم الحرب ابن بجدتها *** يطوى الصفوف بماضيه ويخترق

يطاعن الخيل شزراً والقنا قصدٌ *** ويفلق الهام ضربا والضبا فلق

طمآن تنهل بيض الهند من دمه *** فيستهل لها بشراً ويعتنق

دريئة لسهام القوم مهجته *** كأنه غرض يرمى ويرتشق

لو ان بالصخر ما قاساه من عطش *** كادت له الصخرة الصماء تنفلق

نفسي الفداء لشاك حرّ غلته *** والماء يلمع منه البارد الغدق

موزع الجسم روح القدس يندبه *** شجواً وناظره بالدمع مندفق

والشمس طالعة تبكي وغائبة *** دماً به شهد الاشراق والشفق

تجري على صدره عدواً خيولهم *** كأن صدر الهدى للخيل مستبق

تبدو له طلعة غراء مشرقة *** على السنان وشيب بالدما شرق

فما رأى ناظر من قبل طلعته *** بدراً له من أنابيب القنا افق

وفي السباء بنات الوحي سائرة *** بها المطي وأدنى سيرها العنق

يستشرف البلد الداني مطالعها *** ويحشد البلد النائي فيلتحق

تزيد نار الجوى في قلبها حرقاً *** بماء دمع من الآماق يندفق

فلا تجف بحر الوجد عبرتها *** ولا تبوخ بفيض الأدمع الحرق

وسيد الخلق يشكو ثقل جامعة *** تنوء دامية من حملها العنق

تهفو قلوب العدى من عظم هيبته *** لكنهم برواسي حلمه وثقوا

ما غض من بأسه سقم ولا جدة *** ان الشجاعة في اسد الشرى خُلُق

ص: 106

الشيخ محمد حسن إبن الشيخ حمادي بن محسن بن سلطان آل قاطع الجناجي الحائري ولد في مدينة كربلاء سنة 1293 ه. وبها نشأ وترعرع ودرس الأدب والفقه على جماعة من ادبائها وعلمائها ، ويمتاز بالذكاء المفرط وسرعة البديهة كما كان بهي الطلعة جميل المحيا نقي المظهر متسماً بالوقار جميل المعاشرة غير متصنع في بشاشته وهو أحد ابطال الثورة العراقية الكبرى عام 1919 م.

وبعد تأسيس الحكم الوطني في العراق عيّن المترجم له وزيراً للمعارف في وزارة جعفر العسكري.

أجاب داعي ربه بالسكتة القلبية صبيحة الخميس 13 من ذي الحجة الحرام في قضاء الهندية عام 1344 ه. وحمل نعشه إلى النجف الأشرف بطريق النهر ودفن في الصحن الحيدري بين ايوان ميزاب الذهب ومقبرة العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي ترجم له السماوي في الطليعة قال : هو اديب شاعر وكاتب ناثر حسن البديهة سيال القريحة ، جلس معي في الصحن العلوي وجلس الينا غلام وسيم فسألني : ما النرجس فداعبته وقلت له : جفنك ، فخجل وقال : وما الاقاح ، فقلت : ثغرك ، فنظم المترجم له ذلك على البديهة فقال :

وشادن يسال ما النرجس *** قلت له اجفانك النعّس

فقال لي والاقحوان الجنى *** فقلت هذا ثغرك الألعس

ومن شعره قوله :

كم لعيني ليل النوى من جميل *** وافر ضاق دونه باع شكري

مذ رأتني انفقت كنز اصطباري *** ملأت من لئالئي الدمع حجري

وقال يرثي سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) وذلك في سنة 1333 ه.

أيرجع عهد بالشقيقة سالف *** سقى العهد منهل من الغيث واكف

خليلي هذا موقف الوحد والأسا *** وخير الخليلين المعين المساعف

فعوجا عليه بالدموع فانما *** تحيته منا الدموع الذوارف

ص: 107

منازل كانت للنعيم معرّسا *** وكانت بها للعاشقين مواقف

ترف الأقاحي وهي فيها مباسم *** وتثنى بها الأغصان وهي معاطف

فلا تنكرا بالدار فرط صبابتي *** فما كل قلب بالصبابة عارف

فلا ذعرت يا دار آرامك التي *** بها للظباء الآنسات معارف

ألِفنَ الحسان الغانيات فأكرمت *** وتكرم من أجلِ الأليف الآلائف

لئن جرعتني الحزن اطلال دارهم *** فكم ارشفتني الراح فيها المراشف

وان تعف بعد الظاعنين ربوعهم *** فقلبي منها آهل الربع آلف

وقفت به والدمع يجري كأنني *** وان جل رزء الطف بالطف واقف

على مربع روت دماء بني الهدى *** ثراه ولم تروِ القلوب اللواهف

فكم غيبت فيه نجوماً وحجّبت *** بدو رُعُلا فيها المنايا الخواسف

إلى الطف من أرض الحجاز تطلعت *** ثنايا المنايا ما ثنتها المخاوف

ترحل أمن الخائفين عن الحمى *** مخافة ان لا يأمن البيت خائف

وقد كان شمساً والحجاز بنوره *** مضئ فأمسى بعده وهو كاسف

وصوّح بعد الغيث نبتُ رياضه *** وقلّص ظلٌ بالمكارم وارف

قد استصرخته بالعراق عصابة *** تحكم فيها جائر الحكم عاسف

فانجدهم غوث اللّهيف وشيمة *** الكريم إذا داع دعاه يساعف

سرى والمنايا تستحثّ ركابه *** إلى موقف تنسى لديه المواقف

تحف به الخيل الكرام وفوقها *** من الهاشمين الكرام الغطارف

بنو مطعمي طير السماء سيوفهم *** لهن مقاري في الوغى ومضائف

إذا اعتقلوا سمر الرماح تضيّفت *** يعاسيبها العقبان فهي عواكف

بهم عرف المعروف واليأس والندى *** وفاضت على المسترفدين العوارف

وقد نازلوا الكرب الشديد بكربلا *** وكل بحدّ السيف للكرب كاشف

فدارت بأبناء النبي محمد *** عصائب أبناء الطليق الزعانف

ص: 108

وما اجتمعت إلا لتطفئ عنوة *** مصابيح نور اللّه تلك الطوائف

وما كان كتب القوم إلا كتائباً *** تمج دماً فيها القنيّ الرواعف

وقد أخذ الميثاق منهم فما وفى *** اخو موثق منهم ولا برّ حالف

أبى اللّه والنفس الأبية ضيمه *** فمات كريماً وهو للضيم عائف

ونفس علي بين جنبي سليله *** فللّه هاتيك النفوس الشرائف

وراموا على حكم الدّعي نزوله *** فقال على حكم النزال التناصف

نفوس أبت إلا نفائس مفخر *** اليها انتهى مجد تليد وطارف

بنفسي من أحيى شريعة جده *** على حين قد كادت تموت العواطف

أبوه الذي قد شيّد الدين سيفه *** وهذا ابنه والشبل لليث واصف

أمير المنايا ذو الفقار بكفه *** إذا ما قضى أمراً فليست تخالف

ويجري به بحر وفي الكف جدول *** تمر على من ذاق منه المراشف

طوى بصفيح الهند نشر جموعهم *** كما طويت بالراحتين الصحائف

وفلّ البغاة الماردين كأنه *** سليمان لكن المهند آصف

يكر على جمع العدى وهو بينهم *** فريد فترفضّ الجموع الزواحف

جناحهم من خيفة الصقر خافق *** وقلبهم من سطوة الليث راجف

يفلّ قراع الدارعين حسامه *** فيحمل فيهم وهو بالعزم سائف

وقائمه ما بارح الكف في الوغى *** إلى أن خبا برق من السيف خاطف

صريعاً يفدى بالنفوس وسيفه *** كسير تفدّيه السيوف الرهائف

قضى عطشاً دون الفرات فلا جرى *** بورد ولا بلّ الجوى منه راشف

وظمأن لكل من نجيع فؤاده *** تروى المواضي والرماح الدوالف

ومرتضع بالسهم أضحى فطامه *** فذاق حمام الموت والقلب لاهف

اتى ابن رسول اللّه مستسقياً له *** فما عطفت يوماً عليه العواطف

فأهوت على الجيد المخضب امه *** تقبّله والطرف بالدمع واكف

ص: 109

جعلتك لي يا منية النفس زهرة *** ولم أدر أنّ السهم للزهر قاطف

فللّه مقدام على الهول ما له *** سوى المرهف الماضي عضيد محالف

إذا اشتد ركب زاد بشراً وبهجة *** كأن المنايا بالأماني تساعف

وفي الأرض صرعى من بنيه ورهطه *** وفي الخدر منه المحصنات العفائف

فلا هو من خطب يلاقيه ناكِل *** ولا هو فيما قد مضى منه آسف

واعظم ما قاسى خدور عقائل *** بها لم يطف غير الملائك طائف

وعز عليه ان تهاجمها العدى *** وهن بحامي خدرهنّ هواتف

ينوء ليحمي الفاطميات جهده *** فيكبو به ضعف القوى المتضاعف

لأن عاد مسلوب الثياب مجرداً *** فللحمد ابراد له ومطارف

فلم يرَ أحلى من سليب قد اكتسى *** من الطعن ما تكسو الجروح النواطف

وفي السبي من آل النبي كرائم *** نمتها إلى المجد الأثيل الخلائف

يسار بها من منهل بعد منهل *** وتطوي على الأكوار فيها التنائف

وليس لها من رهطها وحماتها *** لدى السير الا ناحل الجسم ناحف

تمثلها العين المنيرة للعدى *** ويسترها جفن من الليل واطف

وهن بشجو للدموع نواثر *** وهنّ بندب للفريد رواصف

هواتف يبكين الحسين إذا بكت *** هديلا حمامات الغصون هواتف

وفوق القنا تزهو الرؤوس كأنها *** أزاهير لكن الرماح القواطف

وما حملت فوق الرماح رؤوسهم *** ولكنما فوق الرماح المصاحف

وله :

أدار الحي باكرك الغمام *** وان أقوى محلك والمقام

ولو لم تنزف الأشجان دمعي *** لقلت سقتك أدمعي السجام

مررت بدارهم فاستوقفتني *** على الدار الصبابة والغرام

ص: 110

فيا عهد الأنيس عليك مني *** وان حلت التحية والسلام

أُسائلها ولي قلب كليم *** وهل تدري المنازل ما الكلام

أعائدة لنا أيام وصل *** فينعم بالوصال المستهام

بزهر كواكب وشموس حسن *** وأقمار مطالعها الخيام

متى يسلو صبابته كئيب *** بليّته اللواحظ والقوام

إذا ملك الهوى قلب المعنى *** فأيسر ما يعانيه الملام

يهيج لي الغرام شذى نسيم *** يشم وومض بارقة تشام

ويشجين الحمام إذا تغنى *** وكل شجٍّ يهيجه الحمام

ويقدح لي الأسى يوم اصيبت *** به أبناء فاطمة الكرام

وخطب قادح في كل قلب *** بقادحة الجوى فيه ضرام

فيابن الضاربين رواق فخر *** سمت فوق الضراح له دعام

أيخضب بالسهام وبالمواضي *** محياً دونه البدر التمام

فليت البيض قد فلت شباها *** وطاشت عن مراميها السهام

كأنك منهل والبيض ظمأى *** لها في ورد مهجتك ازدحام

وقال أبو المحاسن أيضا :

نعلل النفس بالوعد الذي وعدوا *** أنى وقد طال في انجازه الأمد

ان كان غيّر بعد العهد ودهم *** فودّنا لهم باق كما عهدوا

وان يكن لهم في هجرنا جلد *** فأن أبعد شيء فاتنا الجلد

أما وطيب ليالينا التي سلفت *** والعيش غض كما شاء الهوى رغد

ان العيون التي كانت بقربهم *** قريرة جار فيها الدمع والسهد

ما انصفونا سهرنا ليلنا لهم *** صبابة وهم عن ليلنا رقدوا

تبكيهم مقلتي العبرى ولو سعدت *** بكت مصاب الاولى في كربلا فقدوا

مصالت كسيوف الهند مرهفة *** فرندها كرم الاحساب والصيد

المرتقين من العلياء منزلة *** شماء لا يرتقيها بالمنى أحد

الطاعنين إذا أبطالها انكشفت *** والمطعمين إذا ما اجدب البلد

ص: 111

من معشر ضربت فوق السماء لهم *** أبيات فخر لها من مجدهم عمد

سادوا قريشاً ولولاهم لما افترعت *** طود الفخار ولولا الروح ما الجسد

تخال تحت عجاج الخيل أوجههم *** كواكباً في دجى الظلماء تتقد

يمشون خطراً ولا يثنيهم خطر *** عن قصدهم وأنابيب القنا قصد

وافى بها الأسد الغضبان يقدمها *** اسداً فرائسها يوم الوغى اسد

كأن مرهفه والضرب يوقده *** شمس الهجير وأرواح العدى برد

كأنما رقمت آي السجود به *** فكلما استله من غمده سجدوا

فحاولت عبد شمس أن يدين لها *** قوم لها ابن رسول اللّه منتقد

حتى إذا جالت الخيلان صاح بهم *** ضرب يطيش به المقدامة النجد

فأحجموا حيث لا ورد ولا صدر *** والسمهرية في أحشائهم ترد

يا عين لا تعطشي خدي فأنهم *** قضوا عطاشا وماء النهر مطرد

وقال أيضاً :

أقّلا عليّ اللوم فيما جنى الحبّ *** فان عذاب المستهام به عذب

وصلت غرامي بالدموع وعاقدت *** جفوني على هجر الكرى الانجم الشهب

تقاسمن مني ناظراً ضمنت له *** دواعى الهوى ان لا يجفّ له غرب (1)

فليت هواهم حمّل القلب وسعه *** فيقوى له أو ليت ما كان لي قلب

فابعد بطيب العيش عني فليس لي *** به طائل ان لم يكن بيننا قرب

الا في ذمام اللّه عيس تحملت *** بسرب مهاً للدمع في أثرها سرب

وكنا وردنا العيش صفوا فأقبلت *** حوادث أيام بها كدر الشرب

عدمناك من دهر خؤون لأهله *** إذا ما انقضى خطب له راعناً خطب

على أن رزء الناس يخلق حقبة *** ورزء بني طه تجدده الحقب

حدا لهم ركب الفناء آبائهم *** وسار بمغبوط الثناء لهم ركب

لحى اللّه يا أهل العراق صنيعكم *** فقد طأطأت هاماتها بكم العرب

ص: 112


1- الغرب : مسيل الدمع والغروب الدموع.

دعوتم حسيناً للعراق ولم تزل *** تسير اليه منكم الرسل والكتب

ان اقدم الينا يا بن بنت محمد *** فانك ان وافيت يلتئم الشعب

فلما أتاكم واثقاً بعهودكم *** اليه إذا مرعى وفائكم جدب

فلم يحظَ إلا بالقنا من قراكم *** وضاق عليه فيكم المنزل الرحب

فلم أر أشقى منكم إذ غدرتم *** بآل علي كي تسود بكم حرب

فللّه أجسام من النور كونت *** تحكم في أعضائها الطعن والضرب

فيا يوم عاشوراء أوقدت في الحشا *** من الحزن نيراناً مدى الدهر لا تخبو

وقد كنت عيداً قبل يجنى بك الهنا *** فعدت قذى الأجفان يجنى بك الكرب

قضى ابن رسول اللّه فيك على الظما *** وقد نهلت منه المهندة القضب

وحفت به سمر القنا فكأنه *** لدى الحرب عين والرماح لها هدب

فكم قد أُريقت فيك من آل أحمد *** دماء سادات وكم هتكت حجب

وعبرى أذاب الشجو جامد دمعها *** تنوح وللأشجان في قلبها ندب

إذا عطلت أجيادها من حلّيها *** تحلت بدمع سقطه اللؤلؤ الرطب

تعاتب صرعى لو يساعدها القضا *** إذاً وثبوا غضبى وعنها العدى ذبوا

وله :

أرى امية بعد المصطفى طلبت *** أخاه بالثار مذ هبّت بصفين

ثم انثنت للزكي المجتبى حسن *** فجرعته ذعاف الذل والهون

أوتار بدر بيوم الطف قد أخذت *** وباء في آل حرب آل ياسين

من النبي قضوا ديناً كما زعموا *** ولا ديون لهم إلا على الدين

راس ابن فاطمة خير الورى نسباً *** يا للعجائب يهدى لابن ميسون

ص: 113

السيد علي العلاق

المتوفى 1344

أقوت فهنّ من الأنيس خلاء *** دمن محت آثارها الأنواء

درست فغيّرها البلا فكأنما *** طارت بشمل أنيسها عنقاء

يا دار مقرية الضيوف بشاشة *** وقراي منك الوجد والبرحاء

عبقت بتربك نفحة مسكية *** وسقت ثراك الديمة الوطفاء

عهدي بربعك آنسا بك آهلا *** يعلوه منك البشر والسراء

وثرى ربوعك للنواظر اثمداً *** وكعقد حلي ظبائك الحصباء

أخنى عليه دهره والدهر لا *** يرجى له بذوي الوفاء وفاء

أين الذين ببشرهم وبنشرهم *** يحيا الرجاء وتأرج الارجاء

ضربوا بعرصة كربلاء خيامهم *** فأطلّ كرب فوقها وبلاء

لله أيّ رزيةٍ في كربلا *** عظمت فهانت دونها الارزاء

يوم به سل ابن أحمد مرهفاً *** لفرنده بدجى الوغى لألاء

وفدى شريعة جده بعصابة *** تفدى وقلّ من الوجوه فداء

صيدٌ إذا ارتعد الكميّ مهابة *** ومشت إلى أكفائها الاكفاء

وعلا الغبار فأظلمت لو لا سنا *** جبهاتها وسيوفها الهيجاء

عشت العيون فليس إلا الطعنة الن *** جلا وإلا الحقلة الخوصاء

عبست وجوه عداهم فتبسموا *** فرحاً وأظلمت الوغى فأضاؤا

ولها قراع السمهريّ تسامر *** وصليل وقع المرهفات غناء

ص: 114

يقتادهم للحرب أروع ماجد *** صعب القياد على العدى أبّاء

صحبته من عزماته هندية *** بيضاء أو يزتيّة سمراء

تجري المنايا السود طوع يمينه *** وتصرّف الاقدار حيث يشاء

ذلت لعزمته القروم بموقف *** عقّت به آباءها الأبناء

كره الكماة لقاءه في معرك *** حسدت به أمواتها الأحياء

بأبي أبي الضيم سيم هوانه *** فلواه عن ورد الهوان اباء

يا واحدا للشهب من عزماته *** تسري لديه كتيبة شهباء

تشع السيوف رقابهم ضرباً وبالأ *** جسام منهم ضاقت البيداء

ما زال يفنيهم الى أن كاد أن *** يأتي على الايجاد منه فناء

لكنما طلب الإله لقاءه *** وجرى بما قد شاء فيه قضاء

فهوى على غبرائها فتضعضعت *** لهويه الغبراء والخضراء

وعلا السنان برأسه فالصعدة *** السمراء فيها الطلعة الغراء

ومكفن وثيابه قصد القنا *** ومغسل وله المياه دماء

ان تمس مغبر الجبين معفراً *** فعليك من نور النبي بهاء

يا ليت لا عذب الفرات لواردٍ *** وقلوب أبناء النبي ظماء

لله يوم فيه قد أمسيتم *** اسراء قوم هم لكم طلقاء

حملوا لكم في السبي كل مصونة *** وسروا بها في الأسر أنى شاؤا

آل النبي لئن تعاظم رزؤكم *** وتصاغرت في وقعه الارزاء

فلأنتم يا أيها الشفعاء في *** يوم الجزا لجناته الخصماء (1)

ومقيد قام الحديد بمتنه *** غلاً وأقعد جسمه الأعياء

وهن الضنى قعدت به اسقامه *** وسرت به المهزولة العجفاء

وغدت ترق على بليته العدى *** ما حال من رقت له الأعداء

لله سرّ اللّه وهو محجب *** وضمير غيب اللّه وهو خفاء

أنى اغتدى للكافرين غنيمة *** في حكمها ينقاد حيث تشاء

ص: 115


1- الروض الخميل مخطوط السيد جودت القزويني ، أقول ورأيت في ( الطليعة ) تتمة غراء لهذه القصيدة مع نقل كرامة تدل على قبولها عند أهل البيت صلوات اللّه عليهم.

وله في الإمام الحسين (عليه السلام) :

يا دار أين ترحل الركب *** ولأي أرض يمم الصحب

أبحاجر فمحاجري لهم *** من فيضهن سحائب سكب

أم بالغضا فبمهجتي اتقدت *** نيرانه شعلا فلم تخب

وإلى العقيق تيامنوا فهمت *** عيني به وجرى لها غرب

وبأيمن العلمين قد نزلوا *** منه بحيث المربع الخصب

وعلت بداجي الليل نارهم *** فذكا الكبا والمندل الرطب

لا يبعدن النازلون به *** ان ضاق منه المنزل الرحب

فمن الأضالع منزل لهم *** ومن المدامع مورد عذب

ساروا وحفت في هوادجهم *** منهم أسود ملاحم غلب

حملتهم النجب العتاق ويا *** لله من حملتهم النجب

من كل وضاح الجبين به *** يسقى الثرى ان عمه الجدب

عقاد ألوية الحروب إذا *** عضت على أنيابها الحرب

ان قال فالخطي مقوله *** أو صال فهو الصارم العضب

وسروا لنيل المجد تحملهم *** نجب عليها منهم نجب

وبكربلا ضربوا خيامهم *** حيث البلايا السود والكرب

ودعاهم للموت سيدهم *** والموت جدٌ ما به لعب

فتسابقوا كل لدعوته *** فرحاً يسابق جسمه القلب

حشدوا عليه وهو بينهم *** كالبدر قد حفت به الشهب

تنبوا الجماجم من مهنده *** وحسامه بيديه لا ينبو

وتطايرت من سيفه فِرقا *** فَرقا يضيق بها الفضا الرحب

وغدا أبو السجاد منفردا *** مذبان عنه الأهل والصحب

وعليه قد حشدت خيولهم *** وبه أحاط الطعن والضرب

فثوى على وجه الصعيد لقى *** عار تكفن جسمه الترب

ومصونة في خدرها رفعت *** عن صونها الأستار والحجب

فهبّ الرجال بما جنوا قتلوا *** هل للرضيع بما جنى ذنب

ص: 116

السيد علي ابن السيد ياسين ابن السيد مطر الحسني العلاق النجفي. ولد سنة 1297 ه. وتوفي في ذي الحجة سنة 1344 ه. ودفن بالنجف الأشرف. شاعر أديب تقرأ في محياه آثار السيادة والنجابة ، تأدب وتفقه في النجف وحاز على شهرة علمية إلى تُقى وورع ، حسني النسب له شعر يروى ومطارحات يتناقلها الادباء ، ورأيت في مصدر آخر أن ولادته سنة 1293 ه. ووفاته بالنجف الأشرف غرة رمضان ذكره صاحب الحصون فقال : السيد علي العلاقي الأصل ، النجفي المولد والمسكن. فاضل ملأ ظرافة ولطفاً وشريف يفوق على الشرف ، مشتغل في النجف بتحصيل العلوم وحضر على علمائها ، ذو قريحة وقادة وفكرة نقادة سخياً كريماً مع حسن أخلاق وطيب أعراق وصفاء سريرة وحسن سيرة. ذكر البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري لوائح من أشعاره ورسالة له أجاب بها جملة من أقرانه واخدانه وهم : الشيخ عباس ابن الشيخ علي كاشف الغطاء ، والسيد محمد القزويني ، والسيد حسين القزويني ، وقد صدرها بمقطوعة شعرية منها :

وافتك من أقصى مغانيها *** مذ بلغت فيك أمانيها

فهنّها بالبشر وأهنأ به *** وقرّط السمع بما فيها

عذراء زارتك على غفلة *** محجوبة من خوف واشيها

تطوي اليك البيد منشورة *** غرّ اللآلي بمطاويها

يأرج بالمسك شذا لفظها *** وتنثر الدر معانيها

سرح بها اللحظ تجد روضة *** غناء قد رقت حواشيها

لقد تمنت عاطلات المها *** أن تتحلى بدراريها

نرجسها زاه بنوارها *** والنور زاه بأقاحيها

ودّت نجوم الأفق لو أنها *** تقلدت غرّ لآليها

يعيد ميت الشوق من رمسه *** منتشراً نظم قوافيها

ما روضة باكرها عارض *** أو ديمه تهمي عزاليها

ورنحتها نسمات الصبا *** فماس دانيها بعاليها

ص: 117

وصفقت بالبشر أزهارها *** لما غدا الرعد يغنيها

والغيث إن مرّ بها راقصاً *** يضحكها من حيث يبكيها

ومذ همى دراً على تبرها *** سال لجيناً في سواقيها

وللندامى حولها اكؤس *** لذّ لهم فيها تعاطيها

تسعى بها نحوهم غادة *** يقيمها الدل ويثنيها

إذا تهاوت بكؤس الطلا *** ضلوا حيارى من تهاديها

تديرها ممزوجة قد غدا *** مزاجها القرقف من فيها

يوماً بأبهى نفحة من شذا *** مألكة أصبحت منشيها

رسالة كم معجز قد حوت *** مذ رتّل الآيات تاليها

أحيت بقايا كبد فيكم *** يميتها الشوق ويحييها

أهديتماها والهدايا كما *** قالوا على مقدار مهديها

وترجم له الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : فاضل ملأ من الفضل إهابه ومن الأدب وطابه ، وشريف يبدو على سمته أثر النجابة ، مشارك في الفنون محاظر بالمحاسن والعيون ، حاضرته فرايت منه فضلاً وعلماً وكرماً جمّاً وتقى إلى ظرف وديانة إلى لطف وصفاء قلب ونزاهة برد وغضّ طرف عن أدنى وصف وله شعر حسن ومطارحات جيدة وقريض تغلب عليه الجزالة فمنه قوله.

أورى الهوى بحشاي جمرا *** وجرت دموع العين حمرا

ليل الهموم دجى فمن *** لي أن أُطالع منك بدرا

لك مغرم هتك اشتياقك *** ستره فأذاع سرّا

يا من لصب سوف يقتله *** نوى الأحباب صبرا

لله وصلك ما احيلاه *** وهجرك ما أمرا

يقول الشيخ السماوي في ( الطليعة من شعراء الشيعة ) : أخبرني عبد الحسين ابن القاسم الحلي - تقدمت ترجمته - قال رأيت ليلة في منامي كأني في مجلس يناح فيه على الحسين ، فقرأ محمد بن شريف النائح النجفي قصيدة همزية مضمومة حتى إذا وصل منها إلى قوله :

ص: 118

والهف قلبي يا بن بنت محمد *** لك والعدا بك أدركوا ما شاؤا

كثر البكاء واصطفقت الأيدي وتكررت الاستعادات استحساناً لهذا البيت فانتبهت وأنا أبكي وأُردد البيت ، فما مرّ عليّ شهر إلا وسمعت النائح المذكور يقرأ هذه القصيدة في بيت المترجم له فسالته عنها فقال هي له سلمه اللّه تعالى - ومنها :

فلخيلها أجسامكم ولنبلها *** أكبادكم ولقضبها الأعضاء

وعلى رؤس السمر منكم أرؤس *** شمس الضحى لوجوهها حرباء

يا بن النبي أقول فيك معزياً *** نفسي وعزّ على الثكول عزاء

ما غضّ من علياك سوء صنيعهم *** شرفاً وإن عظم الذي قد جاؤا

إن تمس مغبر الجبين معفراً *** فعليك من نور النبي بهاء

أوَ تبق فوق الأرض غير مغسّل *** فلك البسيطان الثرى والماء

أو تغتدي عارٍ فقد صنعت لكم *** برد العلاء الخط لا صنعاء

أو تقض ظمآن الفؤاد فمن دما *** أعداك سيفك والرماح رواء

فلو أن أحمد قد رآك على الثرى *** لفرشن منه لجسمك الأحشاء

أو بالطفوف رأت ظماك سقتك من *** ماء المدامع أمك الزهراء

يا ليت لا عذب الفرات لواردٍ *** وقلوب أبناء النبي ظماء

كم حرة نهب العدى أبياتها *** وتقاسمت أحشاءها الارزاء

تعدو وتدعو بالحماة ولم يكن *** بسوى السياط لها يجاب دعاء

هتفت تثير كفيلها وكفيلها *** قد أرمضته في الثرى الرمضاء

يا كعبة البيت الحرام ومن سمت *** بهم على هام السما البطحاء

لله يوم فيه قد أمسيتم *** أسراء قوم هم لكم طلقاء

حملوا لكم في السبي كل مصونة *** وسروا بها في الأسر ان شاؤا

تنعى ليوث البأس من فتيانها *** وغيوثها إن عمّت البأساء

تبكيهم بدم مَقل بالمهجة الحرّا *** تسيل العبرة الحمراء

حنّت ولكن الحنين بكاً وقد *** ناحت ولكن نوحها إيماء

ص: 119

الشيخ عبد الحسين الحيّاوي

المتوفى 1345

يا كالئي الدين الحنيف *** والامن من خطر الظروف

ومجلياً داجي الضلال *** بنور رشد منه موفي

شرف الابا ورثته أُسرتكم *** ، شريفاً عن شريف

أترى تقرّ على الهوان *** وأنت من شمّ الأنوف

وترى حقوقك في يدي *** قوم على وثن عكوف

والدين كوكب رشده *** الدريّ آذن بالخسوف

فأنر بطلعتك المنيرة *** للورى ظلم السدوف

واملأ بصاعقة الضبا *** وجه البسيطة بالرجيف

واترك خيول اللّه تعطف *** بالذميل على الوجيف

عربية تستن في العدوات *** كالريح العصوف

بجحاجح تزن الجبال *** الشمّ في اليوم المخوف

وألحِظ بنيك بعطفة *** أو لست خير أبٍ عطوف

وارأف بهم عجلاً فقد *** وصفوك بالبرّ الرؤوف

فإلامَ أكباد الورى *** لنواك دامية القروف

حنّت اليك حنين ذي *** إلف على فقد الأليف

أوَ ما علمت - وأنت أعلم *** ما جرى يوم الطفوف

حيث الحسين درية *** للسمهرية والسيوف

ص: 120

حشدت عليه جحافل *** عضت بهن لُهى الشنوف

فسطا عليهم زاحفاً *** في كل مقدام زحوف

ومدربين لدى الكفاح *** على مصادمة الألوف

يمشي بمعترك النزال *** إلى الردى مشي النزيف

ويخال مهزوز القنا *** يوم الوغى أعطاف هيف

وقفوا بها فاستوقفوا *** الأفلاك في ذاك الوقوف

خفوا وهم هضب الجبال *** لنيل دانية القطوف

فتلفعوا بنجيعهم *** مثل البدور لدى الكسوف

وانصاع فرداً لم يجد *** عضداً سوى العضب الرهيف

فهناك صال على الكتائب *** صولة الليث المخيف

فثنى مكردسها وثنّى *** فعله يوم الخسيف

حتى جرى القدر المحتم *** فاغتدى غرض الحتوف

لهفي عليه وطفله *** بيديه ما بين الصفوف

قد أرشفته دماؤه *** بسهامها بدل الرشيف

لهفي عليه مجدلا *** لو كان يجديني لهيفي

من بعد خفرانه *** أسرى على عجف الحروف

وإذا اشتكت عنف المسير *** تجاب بالضرب العنيف

ربات خدر ما عرفن *** سوى المقاصر والسجوف

تدعو وتهتف بالحماة *** الصيد كالورق الهتوف

وتكاد منهن القلوب *** تطير من فرط الرفيف

الشيخ عبد الحسين بن قاعد الواسطي الحياوي ، نسبة إلى حي واسط ، ولد في قضاء الحي سنة 1295 ه. وتوفي فيها في 24 رجب سنة 1345 ه. ونقل إلى النجف ودفن في جوار المشهد الشريف.

ص: 121

نشأ في النجف وطلب العلم بها ونظم الشعر فأجاد وله مؤلفات في العلم والتاريخ وديوان شعر ، فاضل أديب شاعر حسن الحديث مشهور بالتقوى والايمان. ترجم له الشيخ محمد حرز الدين في معارفه فقال : حضر الفقه والاصول على مدرسي النجف حتى نال رتبة عالية من العلم ولا زالت النوادي العلمية تجمعنا واياه في النجف وكان شاعراً بليغاً جيد النظم وقد رثا الحسين علیه السلام بقصائد عديدة وحضر عليه في الفقه والاصول والأدب جماعة منهم الشيخ حمزة ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ أحمد قفطان النجفي المتوفى سنة 1342 ، وترجم له صاحب الحصون فقال : عالم فاضل سمت همته إلى كسب الفضائل فهاجر إلى النجف وعكف على الاشتغال بتحصيل الفقه والاصول وله إلمام بباقي العلوم ، وأديب أريب وشاعر بارع حسن المحاضرة حلو المذاكرة حسن السيرة صافي السريرة وله فينا بعض المدائح ، وترجم له الشيخ النقدي في الروض النضير.

ومن شعره الذي يرويه خطباء المنبر الحسيني قصيدته في الإمام موسى الكاظم علیه السلام .

جانب الكرخ شأن أرضك شيّد *** قبر موسى بن جعفر بن محمد

بثرى طاول الثريا مقاماً *** دون أعتابه الملائك سجد

ضمّ منه الضريح لاهوت قدس *** ليديه تلقى المقادير مقود

من عليه تاج الزعامة في الدين *** امتناناً به من اللّه يعقد

قد تجلّى للخلق في هيكل النا *** سِ لكنه بقدس مجرد

هو معنى وراء كل المعاني *** صوّب الفكر في علاه وصعّد

سابع الصفوة التي اختارها *** اللّه على الخلق أوصياء لأحمد

هو غيث إن أقلعت سحب الغيث *** ، وغوث إن عزّ كهف ومقصد

كان للمؤمنين حصناً منيعاً *** وعلى الكافرين سيفاً مجرّد

أخرجوه من المدينة قسراً *** كاظماً مطلق الدموع مقيد

ص: 122

حر قلبي عليه يقضي سنينا *** وهو في السجن لا يزار ويقصد

مثل موسى يُرمى على الجسر ميتاً *** لم يشيعه للقبور موحّد

حملوه وللحديد برجليه *** دويٌ له الاهاضب تنهد

وقال في رثاء الحسين علیه السلام :

خليلي هل بعد الحمى مربع نظر *** يذاع بناديه لأهل الهوى سر

وهل بعد معناه تروق لناظري *** خمائل يذكوا من لطائمها عطر

قد ابتزه صرف الردى أي بهجة *** فأمسى وناديه لطير البلى وكر

رعى اللّه عهداً نوره متبسم *** وحجب الحيا تبكي وأدمعها القطر

وقفنا به مثل القنى أسى وقد *** تساهمن زاهي ربعه الحجج الغبر

حلبنا به ضرع المدامع لو صفا *** لأخصب من أكنافه الماحل القفر

ونندب أكباداً لنا بربوعه *** أطيحت غداة البين واغتالها الدهر

تشاطرها ربع المحصب والحمى *** ففي ربع ذا شطر وفي سفح ذا شطر

فيا سعد دع ذكر الديار وانني *** لعهد الرسوم الدثر لم يشجني الذكر

ولا هاج وجدي ذكر حزوى وبارق *** ولا أنهل مني باللوى مدمع غمر

ولكن شجاني ذكر رزؤ ابن فاطم *** غداة شفى فيه ضغائنه الكفر

بأحقاد بدر قد عدا من بني الشقا *** إلى حربه في الطف ذو لجب محر

ضغائن أخفتها بطي بنودها *** فأظهر ما يخفيه في طيها النشر

أتته عهود منهم ومواثق *** وقد غدرت فيه وشيمتها الغدر

أرادت به ضرّاً وتعلم أنه *** بطلعته الغراء يستدفع الضر

وسامته ذلاً وهو نسل ضراغم *** لها الصدر في نادي الفخار والقبر

فقال لها يا نفس قري على الردى *** فما عز إلا معشر للردى قروا

لنصر الهدى كأس الحمام له حلى *** على أن كأس الموت مطعمه مر

فقام بفتيان كأن وجوههم *** بدور دجى لكن هالاتها الفخر

مساعير حرب تمطر الهام صيباً *** إذا برقت منها المهندة البتر

على سابحات في بحار مهالك *** لها البيض أمواج وفيض الطلا غمر

ص: 123

محجلة غر على جبهاتها *** بأقلام خرصان القنا كتب النصر

تجول بحلي اللجم تيهاً كأنها *** ذئاب غضى يمرحن أو ربرب عفر

غرابية مبيضة جبهاتها *** سوى أنها يوم الكريهة تحمر

وهم فوقها مثل الجبال رواسخ *** بيوم به الأبطال همتها الفر

إذا ما بكت بيض الضبا بدم الطلا *** ترى الكل منهم باسم الثغر يفتر

تهادى بمستن النزال كأنها *** نشاوى طلا أضحى يرنحها السكر

تفر كأسراب القطا منهم العدى *** كأن الفتى منهم بيوم الوغى صقر

لنيل المعالي في الجنان تؤازروا *** فراحوا ولم يعلق بأبرادهم وزر

فماتوا كراماً بعد ما أحيوا الهدى *** ولم يدم في يوم الجلاد لهم ظهر

فجرد فرد الدهر أبيض صارماً *** به أوجه الأقران بالرعب تصفر

فيا ليمين قد أقلت يمانيا *** إذا قد وتراً عاد شفعاً به الوتر

وظمآن لم يمنح من الماء غلة *** وقد نهلت في كفه البيض والسمر

جرى عضبه حتفاً كأن يمينه *** بها الموت بحر والحسام له نهر

تروح ثبات في القفار إذا دنا *** له نحو أجياد العدى نظر شزر

يكر عليهم كرة الليث طاوياً *** على سغب والليث شيمته الكر

لأكبادها نظم بسلك قناته *** وللهام في بتار صارمه نثر

إذا ما دجا ليل العجاج بنير *** تبلج من لئلاء طلعته فجر

عجبت له تظمى حشاشته ومن *** نجيع الطلا في صدر صعدته بحر

ولو لم يكن حكم المقادير نافذاً *** لعفت ديار الشرك قتلته البكر

إلى أن هوى ملقى على حر وجهه *** بمقفرة في حرها ينضج الصخر

هوى علة الايجاد من فوق مهره *** فأدبر ينعاه بعولته المهر

هوى وهو غيث المعتفين فعاذر *** إذا عرضت يأساً عن السفر السفر

فلا الصبر محمود بقتل ابن فاطم *** وليس لمن لم يجر مدمعه عذر

بنفسي سخياً خادعته يد القضا *** فجاد بنفس عن علاها كبا الفكر

يعز على الطهر البتول بأن ترى *** عزيزاً لها ملقى واكفانه العفر

ص: 124

يعز عليها أن تراه محرماً *** عليه فرات الماء وهو لها مهر

يعز على المختار أن سليله *** يرض بعدو العاديات له صدر

فيا ناصر الدين الحنيف علمت إذ *** لجدك جد الخطب واعصوصب الأمر

لقد كسرت بالطف حرب قناتكم *** فهلا نرى منها القنا وبها كسر

فمالي أراك اليوم عن طلب العدى *** صبرت وللموتور لا يحمد الصبر

أتقعد يا عين الوجود توانياً *** وقد نشبت للبغي في مجدكم ظفر

أتنسى يتامى بالهجير تراكضت *** وصالية الرمضاء يغلى لها قدر

وربات خدر بعد ما انتهبوا الخبا *** برزن ولا خدر يوارى ولا ستر

وعيبة علم قيدوه بحلمه *** بأمر طليق دأبه اللّهو والخمر

سرت تتهاداها الطغام أذلة *** فيجذبها مصر ويقذفها مصر

تجوب الموامي فوق عجف أيانق *** ويزجرها بالسوط إما ونت زجر

تحن فتشجى الصخر رجع حنينها *** وملأ حشاها من لواعجها جمر

يعز على الشهم الغيور بأنها *** تغير منها في السبا أوجه غر

يعز على الهادي الرسول بأنها *** قد استلبت منها المقانع والأزر

ومستصرخات بالحماة فلم تجد *** لها مصرخاً إلا فتى شفه الأسر

نحيفاً يقاسي ضر قيد وغلة *** ينادي بني فهر وأين له فهر

فيا غيرة الإسلام هبي لمعضل *** به الملة البيضاء أدمعها حمر

أتغدوا مقاصير النبي حواسراً *** وآكلة الأكباد يحجبها قصر

وله في رثاء مسلم بن عقيل علیه السلام :

لو لم يكن لك من ضباك قوادم *** ما حلقت للعز فيك عزائم

العز عذب مطعماً لكنه *** حفت جناه لها ذم وصوارم

يبني الفتى بالذل دار معيشة *** والذل للمجد المؤثل هادم

من لم يعود بالحفاظ وبالأبا *** لسعت حجاه من الصغار أراقم

ان شئت عزاً خذ بمنهج مسلم *** من قد نمته للمكارم هاشم

شهم ابى إلا الحفائظ شيمة *** فنحى العلا والمكرمات سلالم

ص: 125

أو هل يطيق الذل من وشجت علا *** منه بأعياص الفخار جراثم

فمضى بماضي عزمه مستقبلاً *** أمراً به ينبو الحسام الصارم

بطل تورث من بني عمرو العلا *** حزماً يذل له الكمى الحازم

للدين أرخص أي نفس مالها *** في سوق سامية المفاخر سائم

لقد اصطفاه السبط عنه نائباً *** وحسام حق للشقا هو حاسم

مذ قال لما أرسلت جند الشقا *** كتباً لها قلم الضلالة راقم

أرسلت أكبر أهل بيتي فيكم *** حكماً وفي فصل القضا وهو حاكم

فاتى ليثبت سنة الهادي على *** علن وتمحي في هداه مظالم

أبدت له عصب الضلالة حبها *** والكل للشحنا عليه كاتم

قد بايعته ومذ أتى شيطانها *** خفت اليه وجمعها متزاحم

فانصاع مسلم في الأزقة مفرداً *** متلدداً لم يتبعه مسالم

قد بات ليلته باشراك الردى *** وعليه حام من المنية حائم

وتنظمت بنظام حقد كامن *** للقاه ينظمها الشقا المتقادم

فأطل معتصماً بأبيض صارم *** من فتكه لعداه عز العاصم

قد خاض بحر الموت في حملاته *** وعبابه بصفاحهم متلاطم

فتخال مرهفة شهاباً ثاقباً *** للماردين أنقض منه راجم

وركام يمناه يصبب حاصباً *** ان كر منها جيشها المتراكم

ان أوسع الأعداء ضرباً حزمه *** ضاقت بخيل الدارعين حيازم

وتراه أطلاع الثنايا في الوغى *** تبكي العدى والثغر منه باسم

غيران للدين الحنيف مجاهداً *** زمراً بها أفق الهداية قائم

من عصبة لهم الحتوف مغانم *** بالعز والعيش الذميم مغارم

قد آمنته ولا أمان لغدرها *** فبدت له مما تجن علائم

سلبته لامة حربه ثم اغتدى *** متأمراً فيه ظلوم غاشم

أسرته ملتهب الفؤاد من الظما *** وله على الوجنات دمع ساجم

لم يبك من خوف على نفس له *** لكنه أبكاه ركب قادم

ص: 126

يبكي حسيناً ان يلاقى ما لقى *** من غدرهم فتباح منه محارم

فبعين باري الخلق يوقف ضارعاً *** وله ابن مبتدع المآثم شاتم

وينال من عليا قريش سادة *** البطحاء وهو لها طليق خادم

ويدير عينيه فلم ير مسعفاً *** يلقي اليه بسره ويكاتم

فرمته مكتوفاً من القصر الذي *** قامت على الطغيان منه قوائم

والهفتاه لمسلم يرمى من *** القصر المشوم وليس يحنو راحم

ويجر في الأسواق جهراً جسم من *** تنميه للشرف الصراح ضراغم

قد مثلت فيه وتعلم أنه *** بعلي أبيه للمماثل قائم

أوهى قوى سبط النبي مصابه *** وبه تقوت للضلال دعائم

شمخت انوف بني الطغام بقتله *** كبراً وأنف بني الهداية راغم

ظفر الردى نشبت بليث ملاحم *** لله ما أسدى القضاء الحاتم

فلتبكين عليه ظامية الضبا *** إذ كان ينهلها غداة يقاوم

يا نفس ذوبي من أسى لملمة *** غالت بها ليث العرين بهائم

قد هدّ مقتله الحسين فأسبل *** العبرات وهو لدى الملمة كاظم

ص: 127

السيد علي آل سُليمان

المتوفى 1345

أبكيت جبريل عشياً فناح *** بالملأ الأعلى فعجّوا صياح

يا واحداً ليس له ناصر *** غير نساء ما عليها جناح

ينشد في القوم ألا مسلم *** فلم يجبه غير طعن الرماح

فيا لها من نكبة أعقبت *** في كبد المختار منها جراح

ووقعة دهياء قد طوحت *** عماد علياء قريش فطاح

واستأصلت أبناء عمرو العلا *** شيباً وشباناً بحد الصفاح

اللّه كم لله من حرمة *** بالطف قسراً أصبحت تستباح

وكم حريم لنبي الهدى *** أصبح في أمر ابن سعد مباح

وكم له من نسوة قد غدت *** للشام تسبى فوق عجف رزاح

لها على السبط علت صرخة *** أضحت بها شجواً تغصّ البطاح

قد خلفته في الثرى عارياً *** يستره في الترب سافي الرياح

يشرق في فيص دماه وما *** بلّت حشاه بالزلال القراح

وحوله من آله فتية *** قد عانقوا البيض بليل الكفاح

كلُ شبيه البدر في وجهه *** يجلى سنا البدر إذا البدر لاح

السيد علي آل السيد سليمان هو ابن السيد داود ابن السيد مهدي ابن السيد داود ابن السيد سليمان الكبير. وهو أصغر من اخيه السيد عبد المطلب المترجم له في الجزء السابق من هذه الموسوعة.

كانت وفاته بعد أخيه عبد المطلب حوالي سنة 1345 ه. ولم يكن مكثراً من النظم بل كان الشعر يجري عفواً على لسانه كذا قال الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ).

ص: 128

الشيخ جعفر الهر

المتوفى 1347

قال يرثي علي بن الحسين الأكبر شهيد الطف :

بقلبي أوقدت ذات الوقود *** رزايا الطف لا ذات النهود

شبابٌ بالطفوف قضى شهيداً *** يشيب لرزئه رأس الوليد

شبيه محمد خَلقاً وخُلقاً *** وفي نطق وفي لفتات جيد

وفي وجه يفوق البدر نوراً *** وفي سيمائه أثر السجود

ومنها :

شباب ما رأى عرساً ولكن *** تخضب كفه بدم الوريد

ولم أنسَ النساء غداة فرّت *** إلى نعش الشهيد ابن الشهيد

فقل ببنات نعش قد أقامت *** مناح جوى على بدر السعود

تقبّل هذه وتشم هذي *** خضيب الكف أو ورد الخدود

وزينب قابلت ليلى وقالت *** أعيدي يا ليلى أعيدي

فهنّ على البكا متساعدات *** ألا فاعجب لذي ثكل سعيد

الشيخ جعفر ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهر ، أحد أعلام كربلاء وأفاضلها. ولد سنة 1267 وتوفي سنة 1347 بكربلاء ودفن بها

ص: 129

في الرواق الشريف الحسيني قريباً من قبر صاحب الرياض وعمره ثمانون سنة ، درس على الشيخ زين العابدين المازندراني ولما نال الحظوة الكافية من العلم انفرد بالتدريس وتخرج على يده جماعة. قال صاحب ( الطليعة ) كان فاضلاً مشاركاً في العلوم أديباً شاعراً هو اليوم مدرس بكربلاء وإمام جماعة تقام به الصلاة في حرم العباس علیه السلام ومن شعره :

زارني والليل قد أرخى الستارا *** بدر تمٍّ غادر الليل نهارا

فارسي ليس يدري ذمماً *** لا ولا يرعى عهوداً وذمارا

فإذا حاولت منه قبلة *** هزّ لي الجيد دلالاً ونفارا

وإذا ما قلت صلني قال لي *** قد عددنا صلة الاعراب عارا

يوسفيُّ الحسن لما أن بدا *** قطع الأيدي يميناً ويسارا

وقوله مشطراً البيتين المنسوبين إلى قيس العامري :

أمرّ على الديار ديار ليلى *** ونار الشوق تستعر استعارا

أشمّ ترابها طوراً وطوراً *** اقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي *** ولا أضرمن في جنبيّ نارا

ولا ربع الغوير وساكنيه *** ولكن حب من سكن الديارا

وجاء في ( مجالي اللطف بأرض الطف ) للشيخ السماوي عندما ذكر الشيخ كاظم الهر ثم عطف على أخيه الشيخ جعفر قائلاً :

وكأخيه جعفر بدر التقى *** وهضبة العلم التي لا ترتقى

عاش حميداً ومضى سعيدا *** وازداد فضلاً إذ رثى الشهيدا

فاخر في رثا الشهيد فخرا *** فأرخوا جعفر أعلى فخرا

وديوانه المخطوط طافح بألوان من الشعر.

ص: 130

الشيخ محمد النمر العوامي

المتوفى 1348

هاشم يوم الطف ثارٌ مضيّع *** وفي أرضه للمجد جسم موزع

هجعتِ فلا ثار طلبتيه هاشم *** ونمتِ فلا مجد لكِ اليوم يرفع

حتى يقول في وصف سبايا الحسين علیه السلام :

وعاطشة ودّت بأن دموعها *** تبلّ بها حرّ الغليل وتنقع

ومدهشة بالخطب حتى عن البكا *** أذيب به منها فؤاد موزع

ومزعجة من هجمة الخيل خدرها *** تضمّ الحشا بالراحتين وتجمع

وباكية تخفي المخافة صوتها *** ويظهره منه الشجاء فتفزع

وموحشة باتت على فقد قومها *** تنوح كما ناح الحمام وتسجع

وعاتبة لم تستجب بسوى الصدى *** يعيد لها منه الجواب ويرجع

تصبّ الحشا في العتب ناراً تحوّلت *** من الغيض لفظاً في المسامع يقرع

أيرضيكم أنّا نُساق حواسراً *** ولا علم منكم يرفّ ويرفع

الشيخ محمد بن ناصر بن علي ، علامة في علمي الفقه والاصول مضافاً إلى تبحّره في الطب والحكمة الالهية ، ولد سنة 1277 ه. وتوفي في 9 شوال سنة 1348 ه. تلقى دروسه النحوية والصرفية والمنطقية والبيانية على الحجة الشيخ

ص: 131

ابن الشيخ صالح آل طعان القطيفي البحراني ، وعلى العلامة الشيخ علي مؤلف ( أنوار البدرين ) ثم هاجر إلى النجف فحضر دروس العلماء الاعلام أمثال الشيخ محمود ذهب والملا هادي الطهراني فأكمل دراسة الاصول والكلام والعلوم الرياضية كما درس علم الطب عند الميرزا باقر ابن الميرزا خليل وقرأ الهندسة على الشيخ اغا رضا الأصفهاني وعند عودته لوطنه فتح مدرسة دينية تخرّج منها العشرات من أرباب الفضل ونظم الكثير من أبواب الفقه والعقائد بأراجيز لم تزل تحفظ كمنظومته في علم التصريف وفي الرضاع والدر النظيم في معرفة الحادث والقديم وله تعليقة على الاشارات لابن سينا والتعليقات الكافية على القوانين والكفاية لذلك كان صدى نعيه له رنة أسى وأسف وأبّنه الكثير بالمنثور والمنظوم ولم يزل قبره مزاراً في مقبرة العوامية. كتب له ترجمة مفصلة صديقنا الشيخ سعيد آل أبي المكارم في ( اعلام العوامية في القطيف ) وذكر عدة قصائد من مراثيه للامام الحسين علیه السلام ومنها قصيدته الشهيرة وأولها :

قوّموا السمر هاشم والكعابا *** وامتطوا للنزال جرداً صعابا

ص: 132

الشيخ حسن آل عيثان

المتوفى 1348

تذكرت المعاهد والربوعا *** ففارقت المسرة والهجوعا

منازل أقفرت من ساكنيها *** فيما ترجو لساكنها رجوعا

وقفتُ بها فما وقفت دموعي *** أُسائلها كأن بها سميعا

وماذا تنكر العرصات مني *** وقد أرويتُ ساحتها دموعا

سقى اللّه الديار مُلثّ وبلٍ *** سحابا مغدقاً خضلا هموعا

وما برحت بروق المزن تهدي *** إلى الأطلال بارقة لموعا

وركب من سرات بني علي *** عن الأوطان قد رحلوا جميعاً

يؤمهم فتى العليا حسينٌ *** قد اتخذ الحسامَ له ضجيعا

وأسمر ناصر مهج الأعادي *** بعين تنفث السمّ النقيعا

بدورٌ أشرقت والنقع ليل *** وقد جعلوا القلوب لهم دروعا

تخالهم على الجرد العوادي *** كواكب حلّت الفلك الرفيعا

متى انقضّت لرجم بني زياد *** تكاد تطيرُ أنفسهم نزوعا

ومما أثكل الدنيا وأجرى *** مدامعها دماً قانٍ نجيعا

تساهمهم سجال الحرب حتى *** تهاووا في ثرى الرمضا وقوعا

هوى بهويّه عمدُ المعالي *** وحبلُ الدين قد أمسى قطيعا

دعاهُ مليكه الجوار قدس *** وجنات فلبّاه مطيعا

ولما أنشبت فيه المنايا *** مخالبها وقد ساءت صنيعا

أراشَ له القضا سهاماً فأدمى *** فؤاد الدين بل حطم الضلوعا

ص: 133

وربّ مروعة برزت ولما *** تجد غير السياط لها منيعا

وتهتف بالسرات بني نزار *** فما وجدت لدعوتها سميعا

عناها ما تُعاين من أيامى *** وأيتام كسرب قطاً أريعا

الشيخ حسن ابن الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ علي بن أحمد آل عيثان الاحسائي القاري ، هو شقيق آية اللّه المقدس الشيخ محمد آل عيثان. ترجم له الشاب المعاصر السيد هاشم الشخص في مخطوطه ( نفائس الأثر في تراجم علماء وأدباء هجر ) قال : أديب بارع وخطيب من خطباء المنبر الحسيني ، ولد في قرية ( القارة ) من الإحساء عام 1276 ه. ونشأ بها وزاول طلب العلم الديني ودرس على ابن عمه الحجة الكبير الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ علي آل عيثان المتوفى حدود 1340 ه. فقد كانت أكثر دراسته عليه حتى اشتهر بالفضل كما اشتهر بالخطابة الحسينية وتشهد له منابر الاحساء والبحرين وغيرها. توفي قدس سره في الاحساء عام 1348 ه. وقد بلغ من العمر 72 عاماً ، هكذا ذكر ولده الخطيب الحاج ملا عبد الحسين آل عيثان ويقال له شعر كثير وتخميس ومن شعره القصيدة الحسينية المذكورة في صدر الترجمة ..

ص: 134

الشيخ مرتضى كاشف الغطاء

المتوفى 1349

قال من قصيدة حسينية :

سل الدار عن سكانها أين حلت *** وأين بها أيدي المطايا استقلت

نزحت ركي العين في عرصاتها *** فعزّ اصطباري والمدامع ذلّت

وقفت بها أستنقذ الركب مهجة *** تولّت مع الاضعان يوم تولّت

ومنها :

بيوم به البيض البوارق والقنا *** تثلّم في الهامات حتى اضمحلت

تجاول فيه الخيل حتى لو أنها *** مفاصلها كانت حديداً لكلّت

اسرة آل كاشف الغطاء تفيض علماً وأدباً وتزخر فضلاً وكمالاً والعالم الكبير الشيخ مرتضى ابن الشيخ عباس ابن الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء هو أحد أعلامها المبرزين. ولد عام 1281 ه. في النجف الأشرف ونشأ بها ومنذ نعومة أظفاره تعشق العلم والكمال ودرس على أساتذة عصره وأخذ الحكمة والفلسفة عن الشيخ أحمد الشيرازي المدرّس في مدرسة ( القوام ) وحضر في الفقه والاصول على الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني والسيد كاظم اليزدي ثم استقل بالتدريس وصلاة الجماعة. من

ص: 135

مؤلفاته ( فوز العباد في المبدأ والمعاد ) طالعته واستفدت منه ، وله منظومة في أحكام الزكاة نشرت في آخر العروة الوثقى طبع بغداد ، ورسالة في ردّ الوهبانية وغيرها من الكتب النافعة. ترجم له الشيخ الطهراني في ( نقباء البشر ) وأطراه بما هو أهله وعدد مؤلفاته وأذكر أني طالعت في فترات رسالته المطبوعة التي يرجع اليها بعض مقلديه ولكنه كان في عصر اشتهر الكثير من اسرته بالمرجعية للأمة أمثال الشيخ أحمد والشيخ محمد حسين والشيخ هادي والشيخ عباس وهم من الأساطين. أما شعره فهو من النمط العالي ولكنه كان يكتمه لأن الشعر بالعلماء يزري ، قال في قصيدة أرسلها إلى ابن عمه الشيخ هادي آل كاشف الغطاء من قضاء الهندية سنة 1310 ه. يوم 28 ربيع الثاني :

سفرت فقلت الشمس في وجناتها *** ورنت فقلت السهم في لحظاتها

هيفاء ان خطرت بلدن قوامها *** واخجلة الأغصان من قاماتها

عطفت وما علم العذول بأنها *** غصن وان العطف من عاداتها

قد قلت للورق على بان النقا *** إذ رددت بغنائها نغماتها

غني بمن طرق الهداية إن عفت *** أضحى لها الهادي إلى طرقاتها

عالم له شهد العدو بأنه *** لو يملك الدنيا استغلّ هباتها

الطارد الليث الصؤول بطرفه *** والناهب الأشبال من لبواتها

وله منظومة جارى بها ملحمة الشيخ كاظم الأزري وكلها في مدح أهل البيت علیهم السلام وله في الإمام الحسين رائعة مطلعها :

خلّ ناراً نشب بين ضلوعي *** تطفها مقلتي بفيض دموعي

ص: 136

الشيخ ناجي خميِّس

المتوفى 1349

أبى العزم أن يلوى على اللوم حازم *** فحسبك وهناً أن يصدك لائم

إذا النفس لم تأخذ من العقل زينة *** حكتها بشوهاء الخصال البهائم

ومن لم يحارب نفسه طال حربه *** وليس له بين الأنام مسالم

وان هو لم يكظم على النفس غيظها *** شفت غيضها منه العدوى وهو كاظم

ومن لم يدار الناس كبراً فإنه *** يداريهم من خيفة وهو راغم

أبى اللّه أن ترسو قواعد دينه *** إذا لم يقم من آل أحمد قائم

فيا بن الألى لولا بروق سيوفهم *** لما ضاء من ليل الضلالة فاحم

ولو لم تقوّم للنزال صعادها *** لما قام للدين الحنيف قوائم

أصبراً وقد مدت على الدين ضلة *** فلا أفق إلا وهو في الظلم قاتم

أصبراً ودين اللّه ثلت عروشه *** وهدّت على الأرزاء منه الدعائم

لقد جنّ هذا الدهر ليلاً فحقّ أن *** تشق عمود الصبح منه الصوارم

يباح من الإسلام كل محرم *** وتهتك قسراً من بنيه المحارم

متى تطلع الأيام منك ابن نجدةٍ *** تعاف له أغيالهن الضراغم

وتبرز من أقمار هاشم طلعة *** تطير شعاعاً في سناها الغمائم

حنانيك يا بن المصطفى أي بقعة *** تبيتُ بها خلواً وعيشك ناعم

ص: 137

وهل بقعة ما أسهرتكم طغاتها *** فأنت بها يا غيرة اللّه نائم

فيوم حسين ليس يحصيه ناثر *** ولم يستطع تعداد بلواه ناظم

يلاقي العدا ثلج الفؤاد وللوغى *** على الشوس نار أوقدتها الصوارم

يذب بسيف اللّه عن دين جده *** وعن عزّ خدر فيه تحيي الفواطم

تجاذبك الأسياف نفساً كريمة *** وتسمعك الشكوى نساء كرائم

فللّه يوم قمت فيه مصابراً *** لما جزعت في اللّه منه العوالم

بحيث القنا باتت عليك حوانيا *** وتبكيك لكن من دماك الصوارم

إلى أن قضيت النحب صبراً وما انقضت *** من الملأ الأعلى عليك المآتم

توزع منك البيض جسم محمد *** وتجري دم الكرار منك اللّهاذم

وتمسى لدى الهيجا توسدك الثرى *** رغاماً به أنف الحمية راغم

وترفع منك السمر رأسك وللظبا *** عليك كما شاء الاباء علائم

وأعظم شيء مضّ في الدين وقعه *** وما دهيت في مثله قط هاشم

صفايا رسول اللّه بين امية *** برغم الهدى اصبحن وهي غنائم

سوافر بعد الخدر اضحت ثواكلا *** لها فوق اكوار البياق مآتم

فواقد عزٍّ بالمعاصم تتقي *** عن الضرب إذ لم يبق في القوم عاصم

هواتف من شمّ الانوف بعصبة *** ثوت حيث أولتها الهتاف الملاحم

إذا نظرت منهم على الرغم أرؤساً *** تميس بهن الذابلات اللّهاذم

تطير قلوباً نحوهن كأنها *** حمام على ميد الغصون حوائم

فتوسعهم عتباً وتندبهم شجى *** تضيق به أضلاعهم والحيازم

أيرضى لكم عز الكرام بأن يرى *** على ذلل الأجمال منكم كرائم

يعزّ على الزهراء فاطم أن ترى *** تهان بمرأى الناظرين الفواطم

ص: 138

الشيخ ناجي بن حمادي بن خميّس ( بالتصغير والتشديد ) الحلي من ادباء عصره. ولد في الحلة عم 1311 ه. ونشأ بها منفرداً عن اسرته التي تمتهن المهن الحرة ، ففي أول شبابه لازم الخطيب الشيخ محمد شهيب الحلي في التدرج على منابر الخطابة وحصل له من يعتني بتربيته فدرس النحو والصرف وعلمي المنطق والبلاغة ، وعندما تجاوز العشرين هاجر إلى النجف للتحصيل فدرس الفقه والاصول والكلام على المرحوم الشيخ كاظم الشيرازي واختلف على حلقتي الميرزا حسين النائيني والسيد أبو الحسن الأصفهاني زمناً طويلاً أنتج خلاله تقريراتهما وتدوين آرائهما في الفقه والاصول باسلوب محكم رصين فكان مرموقاً بين أقرانه. يقول الباحث المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري : حضرت عنده كتاب ( معالم الاصول ) مع جماعة من المتعلمين فكان مثال المعلم اليقظ وكان رقيق الروح مرح النفس حلو الحديث دمث الأخلاق وديع الشخصية ولكنه خشن تجاه كرامته وعقيدته لا تأخذه في اللّه لومة لائم كانت وفاته بالحلة 15 ذي القعدة عام 1349 ه. وحمل جثمانه إلى النجف فدفن في الصحن الحيدري الى جنب مرقد السيد عدنان الغريفي في الحجرة التي تلاصق باب الفرج من أبواب الصحن الشريف ولا يفوتنا ان شطراً من توجيه هذا الأديب كان بسبب أخيه العلامة الشيخ عبد المجيد الحلي ، ترجم له الشيخ اليعقوبي في البابليات والخاقاني في شعراء الحلة وذكرا نماذج من نظمه وادبه.

ص: 139

شوقي امير الشعراء

المتوفى 1351

وأنتَ إذا ما ذكرت الحسين *** تصاممتُ لا جاهلا موضعه

أحبّ الحسين ولكنني *** لساني عليه وقلبي معه

حبست لساني عن مدحه *** حذار أمية أن تقطعه

أمير الشعراء وشاعر الامراء أحمد شوقي بن علي بن أحمد شوقي ، مولده ووفاته بالقاهرة نشأ في ظل البيت المالك بمصر ودرس في بعض المدارس الحكومية وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق ، وأرسله الخديوي توفيق سنة 1887 م. إلى فرنسا فتابع دراسة الحقوق واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891 م. فعيّن رئيساً للقلم الافرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896 م. لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجنيف ولما نشبت الحرب العالمية الاولى ، ونُحي عباس حلمي عن ( خديوية ) مصر أوعز إلى صاحب الترجمة باختيار مقام غير مصر ، فسافر إلى إسبانيا سنة 1915 م. وعاد بعد الحرب فجعل من أعضاء مجلس الشيوخ إلى أن توفي عالج أكثر فنون الشعر : مديحاً وغزلاً ورثاءً ووصفاً ثم عالج الأحداث السياسية والاجتماعية في مصر والشرق والعالم الإسلامي فجرى شعره مجرى المثل. كتب عن شعره وشخصيته كثير من أرباب القلم منهم أمير البيان شكيب أرسلان والعقاد والمازني والنشاشيبي وعمر فروخ وغيرهم كثير وكثير. وهذه

ص: 140

( الشوقيات ) تعطينا أوضح الصور عن شاعريته فهو صاحب نهج البردة التي مطلعها :

ريم على القاع بين البان والعلم *** أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

وصاحب الهمزية النبوية التي مطلعها :

ولد الهدي فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء

وصاحب ذكري المولد التي مطلعها :

سلوا قلبي غداة سلا وتابا *** لعل على الجمال له عتابا

وهو الذي يقول في مطلع احدى روائعه :

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تهفو إلى مشتاق

وله :

حفّ كأسها الحبب *** فهي فضة ذهب

وهو القائل في مطلع قصيدة تكريم :

قم للمعلم وفّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا

فنراه محلّقاً بكل ألوان الشعر وضروبه وهو مسلم مقتنع بالإسلام ومتأثر به تأثراً كلياً هتف بأعلى صوته وردد أنغامه وحرك الأحاسيس وأثار الشعور وملك العواطف وهاك قطع ينقد بها المجتمع :

رأيت قومي يذم بعض *** بعضاً إذا غابت الوجوه

وان تلاقوا ففي تصاف *** كأن هذا لذا أخوه

كريمهم لا يسدّ سمعاً *** ووغدهم لا يسدّ فوه

وكلهم عاقل حكيم *** وغيره الجاهل السفيه

وذا ابن من مات عن كثير *** وذا ابن مَن قد سما أبوه

وذا بإسلامه مدلٌ *** وذا بعصيانه يتيه

ص: 141

وكلهم قائم بمبدأ *** ومبدأ الكل ضيّعوه

فمذ بدا لي أن قد تساوى *** في ذلك الغرّ والنبيه

وليس من بينهم نزبه *** ولا أنا الواحد النزيه

جعلت هذا مرآة هذا *** أنظر فيه ولا أفوه

وشوقي - كما قال مترجموه - عاش في نعمة وترف وسعة في الحال والمال لما كان يغدق عليه الامراء والأثريا فجاء شاعر من شعراء لبنان وهو الشيخ نجيب مروة يقول :

ولو أني جلست مكان شوقي *** لفاض الشعر من تحتي وفوقي

وهي أُمنية شاعر والتمني رأس مال المفلس.

وشوقي يجلّ أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأي مسلم لا يحبهم وهل تقبل الأعمال بغير حبهم ومودتهم التي هي فريضة من اللّه ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) فتراه في ثنايا أشعاره يتفجع لما أصابهم ويتفجر ألماً لرزاياهم فتراه في منظومته الرائعة ( دول العرب وعظماء الإسلام ) يقول :

هذا الحسين دمه بكربلا *** روّى الثرى لما جرى على ظما

واستشهد الأقمار أهل بيته *** يهوون في الترب فرادى وثُنا

ابن زياد ويزيدُ بغيا *** واللّه والأيام حربُ مَن بغى

لولا يزيد بادئاً ما شربت *** مروانُ بالكاس التي بها سقى

ويقول في رواية ( مجنون ليلى ) : كان الحسين بن علي كعبة القلوب والأبصار في جزيرة العرب بعد أن قتل أبوه علي ومات أخوه الحسن. وكذلك ظل الحسين قائماً في نفوس الناس هناك صورة مقدسة لبداوة الإسلام تستمد أنضر ألوانها من صلته القريبة بجده رسول اللّه وبنوّته لرجل كان أشدّ الناس زهداً واستصغاراً لدنياه ، وكذلك ظهرت بلاد العرب وقلبها يخفق بإسم الحسين.

ص: 142

ويقول أيضاً في مسرحيته ( مجنون ليلى ) :

حنانيك قيسُ إلى مَ الذهول *** أفق ساعة من غواشي الخبَل

صهيلُ البغال وصوتُ الحداء *** ورنة ركب وراء الجبل

وحاد يسوق ركاب الحسين *** يهزّ الجبال إذا ما ارتجل

فقم قيسُ واضرع مع الضارعين *** وأنزل بجنب الحسين الأمل

ويطيب له أن يربط الحوادث بيوم الحسين الذي لا يغيب عن خاطره فتراه في رثاء الزعيم مصطفى كامل باشا مؤسس الحزب الوطني والمتوفى سنة 1908 م. يقول :

المشرقان عليك ينتحبان *** قاصيهما في مأتم والداني

ومنها :

يُزجون نعشك في السناء وفي السنا *** فكأنما في نعشك القمران

وكأنه نعش الحسين بكربلا *** يختال بين بكىً وبين حنان

ويقول في اخرى عنوانها ( الحرية الحمراء ) :

في مهرجان الحق أو يوم الدم *** مهج من الشهداء لم تتكلم

يبدو عليها نور نور دماتها *** كدم الحسين على هلال محرم

يوم الجهاد بها كصدر نهاره *** متمايلُ الأعطاف مبتسمُ الفم

وهناك عبارات لا يطلقها إلا المتشيع لأهل البيت تجري على لسانه وقلمه كقوله : رضيع الحسين علیه السلام ، فان كلمة علیه السلام من متداولات شيعة أهل البيت وقوله :

ما الذي نفرّ عني الضبيات العامرية *** ألأني أنا شيعيٌ وليلى أموية

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيّه

وعندما يخاطب الرسول الأعظم يطيب له أن يقول :

ابا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

وعندما يمرّ بالخلفاء الراشدين ويأتي الدور للامام علي يقول :

العمران يرويان عنه *** والحسنان نسختان منه

ص: 143

الشيخ محمد حسين الحُلّي

المتوفى 1352

خليلي هل من وقفة لكما معي *** على جدث أسقيه صيّب أدمعي

ليروى الثرى منه بفيض مدامعي *** لأن الحيا الوكاف لم يك مقنعي

لأن الحيا يهمي ويقلع تارة *** وإني لعظم الخطب ما جفّ مدمعي

خليليّ هبّا فالرقاد محرم *** على كل ذي قلب من الوجد موجع

هلُما معي نعقر هناك قلوبنا *** إذا الحزن أبقاها ولم تتقطع

هلما نقم بالغاضرية مأتما *** لخير كريم بالسيوف موزع

فتىً أدركت فيه علوج امية *** مراماً فألقته ببيداء بلقع

وكيف يسام الضيم مَن جده ارتقى *** إلى العرش حتى حل أشرف موضع

فتى حلّقت فيه قوادم عزه *** لاعلى ذرى المجد الأثيل وأرفع

ولما دعته للكفاح أجابها *** بأبيض مشحوذ وأسمر مشرع

وآساد حرب غابها أجم القنا *** وكل كميٍ رابط الجأش أروع

يصول بماضي الحدّ غير مكهّمٍ *** وفي غير درع الصبر لم يتدرع

إذا ألقح الهيجاء حتفاً برمحه *** فماضي الشبا منه يقول لها ضعي

وإن أبطأت عنه النفوس إجابة *** فحدّ سنان الرمح قال لها اسرعي

إلى أن دعاهم ربهم للقائه *** فكانوا إلى لقياه أسرعَ مَن دُعي

وخروا لوجه اللّه تلقا وجوههم *** فمن سجّد فوق الصعيد وركع

وكم ذات خدر سجفتها حماتها *** بسمر قنا خطية وبلمّع

ص: 144

أماطت يد الأعداء عنها سجافها *** فاضحت بلا سجف لديها ممنّع

لقد نهبت كفّ المصاب فؤادها *** وأيدي عداها كل برد وبرقع

فلم تستطع عن ناظريها تستراً *** بغير أكفٍّ قاصرات وأذرع

وقد فزعت مذ راعها الخطب دهشة *** وأوهى القوى منها إلى خير مفزع

فلما رأته بالعراء مجدلاً *** عفيراً على البوغاء غير مشيّع

دنت منه والأحزان تمضغ قلبها *** وحتّت حنين الواله المتفجع

عليّ عزيز أن تموت على ظمأ *** وتشرب في كأس من الحتف مترع

تلاكُ بأشداق الرماح وتغتدي *** لواردة الأسياف أعذب مكرع

وفي آخرها :

بني غالب هبّوا لأخذ تراثكم *** فلم يُجدكم قرع لناب بأصبع

امثل حسين حجة اللّه في الورى *** ثلاث ليال بالعرا لم يشيّع

ومثل بنات الوحي تسرى بها العدى *** إلى الشام من دعي إلى دعي

الشيخ محمد حسين ابن الشيخ حمد الحلي وربما يعرف ب ( الجباوي ) احدى محلات الحلة ، عالم معروف يشهد عارفوه له بالفضل والتضلّع. ولد في الحلة سنة 1285 ه ودرس على جملة من أفاضلها منهم الشيخ محمدبن نظر علي وفي سنة 1303 غادر الحلة مهاجراً إلى النجف لاكمال الدراسة وأقام فيها أكثر من ثلاثين سنة فحضر عند الشيخ آية اللّه الشيخ حسن المامقاني والفاضل الشربياني ثم لازم العالم الشهير الشيخ علي رفيش فكان من أول أنصاره والملازمين له أثناء مرجعيته ثم بعد انكفاف بصره ، وفي خلال ذلك تخرّج على يده جملة من الطلاب الروحيين إلى أن كانت سنة 1337 ه. عاد إلى مسقط رأسه الحلة بطلب من وجهائها وأقام فيها مرجعاً دينياً محترم الجانب تستفيد الناس من

ص: 145

معارفه وكمالاته وفي آخر أيامه مرض ولازم الفراش حتى الوفاة ، ذكره الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) فقال : عالم مشهور في الفضل والكمال والمعرفة وله اليد الطولى في صناعتي النظم والنثر والنصيب الوافر في علمي الفصاحة والبلاغة. توفي في الحلة عام 1352 ه. ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في الصحن الشريف ورثاه جمع من العشراء منهم الشيخ ناجي خميّس.

كتب وألّف في الفقه والأصول وكتب رحلته إلى الحج ورسالة في التجويد والقراءات وجملة من تقريرات أستاذته العلماء الأعلام ولم ينشر له سوى ( الرحلة الحسينية ) وهي التي روى فيها رحلته مع جماعة من الفضلاء إلى زيارة الإمام الحسين علیه السلام سنة 1321 ه. ومنها يظهر ذوقه الأدبي ورقة طبعه وأريحيته ، طبعت هذه الرحلة بمطبعة ( الحبل المتين ) بالنجف سنة 1329 ه. وختمها بالقصيدة التي هي في صدر الترجمة.

ص: 146

الشيخ جواد البلاغي

المتوفى 1352

شعبان كم نعمت عين الهدى فيه *** لولا المحرم يأتي في دواهيه

وأشرق الدين من أنوار ثالثه *** لولا تغشاه عاشور بداجيه

وارتاح بالسبط قلب المصطفى فرحاً *** لو لم يرعه بذكر الطف ناعيه

رآه خير وليد يستجار به *** وخير مستشهد في الدين يحميه

قرت به عين خير الرسل ثم بكت *** فهل نهنيه فيه أو نعزيه

ان تبتهج فاطم في يوم مولده *** فليلة الطف أمست من بواكيه

أو ينتعش قلبها من نور طلعته *** فقد اديل بقاني الدمع جاريه

فقلبها لم تطل فيه مسرّته *** حتى تنازع تبريح الجوى فيه

بشرىً أبا حسن في يوم مولده *** ويوم أرعب قلب الموت ماضيه

ويوم دارت على حرب دوائره *** لولا القضاء وما أوحاه داعيه

ويوم أضرم جو الطف نار وغىً *** لو لم يخر صريعاً في محانيه

يا شمس أوج العلى ما خلت عن كثب *** تمسى وأنت عفير الجسم ثاويه

فيا لجسم على صدر النبي ربي *** توزعته المواضي من أعاديه

ويا لرأس جلال اللّه توجّه *** به ينوء من المياد عاليه

وصدر قدس حوى أسرار بارئه *** يكون للرجس شمرمن مراقيه

ص: 147

ومنحر كان للهادي مقبله *** أضحى يقبله شمر بماضيه

يا ثائراً للهدى والدين منتصراً *** هذي أُمية نالت ثارها فيه

أنى وشيخك ساقي الحوض حيدرة *** تقضي وأنت لهيف القلب ضاميه

ويا إماماً له الدين الحنيف لجا *** لوذاً فقمت فدتك النفس تفديه

أعظم بيومك هذا في مسرته *** ويوم عاشور فيما نالكم فيه

يا من به تفخر السبع العلى وله *** إمامة الحق من إحدى معاليه

أعظم بمثواك في وادي الطفوف علاً *** يا حبذا ذلك المثوى وواديه

له حنيني ومنه لوعتي وإلى *** مغناه شوقي واعلاق الهوى فيه

الشيخ جواد أو الشيخ محمد جواد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ طالب البلاغي النجفي ينتهي نسبه إلى ربيعة. مولده ووفاته في النجف ولد سنة 1285 ه. وتوفي سنة 1352 ه. ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شعبان في النجف الأشرف ودفن فيها في المقبرة المقابلة لباب المراد.

وآل البلاغي بيت علم وفضل وأدب ، كان المترجم له نابغة من نوابغ العصور وجهاده بقلمه ولسانه يذكر فيشكر ، له عشرات المؤلفات وكلها قيّمة ذات فائدة لا زالت تتلاقفها الأيدي ويعتز بها أهل العلم اذكره يحضر مجالس العلم فاذا اشتد الجدال حول مسألة من مسائل العلم كان يقول : عندي بيان أرجو أن تسمحوا لي باستماعه فإني مريض وإذا رفعت صوتي أخاف أن أقذف من صدري دماً.

كانت تأتيه المسائل من بلاد الغرب فيجيب عنها. وبين أيدينا من مؤلفاته : الرحلة المدرسية ، الهدى إلى دين المصطفى جزآن ، تفسير القرآن ، أنوار الهدى ، رسالة التوحيد والتثليث ، البلاغ المبين رسالة في الرد على الوهابية.

تعلم العبرية وأتقنها خطاً وقراءة ونطقاً حتى تمكن من المقارنة بين اصولها وبين المترجم إلى اللغة العربية فأظهر كثيراً من مواقع الاختلاف في الترجمة

ص: 148

التي قصد بها التضليل. كانت ترد عليه الرسائل والأسئلة باللغة الانجليزية فشرع يتعلمها لولا أن يفاجأه الأجل المحتوم. كان تحصيله ودراسته على أعلام عصره أمثال الملا كاظم الخراساني والشيخ اغا رضا الهمداني ومن تراثه الأدبي قصيدته التي عارض بها الرئيس ابن سينا في النفس.

نعُمت بأن جاءت بخلق المبدع *** ثم السعادة أن يقول لها ارجعي

خلقت لأنفع غاية يا ليتها *** تبعت سبيل الرشد نحو الأنفع

اللّه ( سواها وألهمها ) فهل *** تنحو السبيل إلى المحلّ الأرفع

ورائعته التي شارك بها في الحلبة الأدبية عن الحجة المهدي صاحب العصر والزمان التي أثبتها في كتابه الفقهي (1) وأثبتها السيد الأمين في ترجمته في الأعيان. ترجم له صاحب الحصون المنيعة والشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر ) والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وله مراسلات شعرية مع الشيخ توفيق البلاغي رحمه اللّه ورثاء للسيد محمد سعيد الحبوبي والكثير من شعره يخص أهل البيت ومنه نوحيته الشهيرة التي يرددها الخطباء في شهر المحرم ومطلعها :

يا تريب الخد في رمضا الطفوف *** ليتني دونك نهباً للسيوف

وله من الشعر في ميلاد الحجة المهدي المولود ليلة النصف من شعبان سنة 1256 ه. وأولها :

حي شعبان فهو شهر سعودي *** وعد وصلي فيه وليلة عيدي

ترجم له الزركلي في ( الاعلام ) وعدد بعض مؤلفاته وقال : وله مشاركة في حركة العراق الاستقلالية وثورة عام 1920 م ، انتهى. أقول وآل البلاغي من أقدم بيوت النجف وأعرقها في العلم والفضل والأدب ، أنجبت هذه الأسرة عدة من رجال العلم والدين وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة للشيخ محمد علي البلاغي المتوفى سنة 1000 ه. ويقول الشيخ اغا بزرك الطهراني في نقباء البشر أن المترجم له ولد سنة 1282 كما أخبره صاحب الترجمة نفسه بمولده

ص: 149


1- وهو تعليقة على مباحث البيع من مكاسب الشيخ الانصاري.

وحيث أن الشيخ الطهراني من أخدانه واخوانه وكانت تجمعهما وحدة البلد في سامراء أولاً عند استاذهما المغفور له الميرزا محمد تقي الشيرازي ثم النجف ثانياً فقد ألّم بترجمته إلمامة كافية وافية كما كتب عنه الكثير من الباحثين ونشرت المجلات والصحف عن جهاده ومؤلفاته وأكبروا منتوجه العلمي ودفاعه عن الإسلام ومواقفه الصلبة بوجه المادية ودعاتها والطبيعيين وآرائهم.

وشيخنا البلاغي كان على جانب من عظيم من الخلق الاسلامي الصحيح فهو لا يماري ولا يداهن ولا تلين له قناة في سبيل الحق ، وكان مع علوّ نفسه متواضعاً يكره السمعة ويشنأ الرفعة ، وفي أغلب مؤلفاته يغفل اسمه الصريح فكانت الرسائل تأتيه باسم ( كاتب الهدى النجفي ) ومن العجيب أنه نشر جملة من الرسائل والمقالات باسم غيره ، ومؤلفاته تزيد على الثلاثين ، ترجم بعضها إلى الفارسية والانجليزية ، وقد ذكر الشيخ اغا بزرك في ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) أكثر هذه الكتب.

ولا زالت أندية النجف تتحدث عن قوة إيمانه وصلابة دينه وشدة ورعه ومنها موقفه في مجلس عقد في النجف ويقتصر على القادة أمثال الشيخ محمد جواد الجواهري والشيخ عبد الكريم الجزائري وفي مقدمتهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس سره كما حضر المرحوم السيد محمد علي بحر العلوم والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي قدس اللّه أرواحهم وذلك حول الدخول في وظائف الدولة ونظام المدارس الرسمية فكان صوته المجلّي ينبعث عن قلب مكلوم مطالباً باصلاح المدارس والاشراف عليها والتركيز على الأخلاق قبل العلم. انطفأ ذلك المصباح ليلة الاثنين 22 شعبان سنة 1352 ه. وكان لنعيه أثر عظيم في العالم الإسلامي وعقدت له مجالس التأبين في البلاد الاسلامية وفي النجف خاصة في جامع الهندي وأنشدت القصائد الرنانة وقد دفن في احدى غرف الصحن الحيدري من الجهة الجنوبية وفي مقدمة القصائد قصيدة المرحوم السيد رضا الهندي وأولها :

إن تمس في ظلم اللحود موسدا *** فلقد أضأت بهن ( أنوار الهدى )

ص: 150

السيد حسن بحر العلوم

المتوفى 1355

شطر بيتين في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فقال :

( قل لمن والى علي المرتضى ) *** نلت في الخلد رفيع الدرجات

أيها المذنب إن لذت به *** ( لا تخافنّ عظيم السيئات )

( حبه الاكسير لو ذرّ على ) *** رمم حلّت بها روح الحياة

وإذا ما شملت ألطافه *** ( سيئات الخلق صارت حسنات )

ثم ذيلها برثاء الحسين علیه السلام ومدح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

حبّه فرض على كل الورى *** وهو في الحشر أمان ونجاة

كل من والاه ينجو في غد *** من لظى النار وهول العقبات

فهو الغيث عطاءً وهبات *** وهو الليث وثوباً وثبات

وهو نور الشمس في رأد الضحى *** وهو نبراس الهدى في الظلمات

كم بوحي الذكر في تفضيله *** صدعت آيات فضل بيّنات

آية التصديق من آياته *** حين أعطى في الركوع الصدقات

فهو بالنص وصي المصطفى *** وأبو الغر الميامين الهداة

ثم يذكر مصاب الحسين (عليه السلام) بقوله :

لهف نفسي حينما استسقاهم *** جرعوه من أنابيب القناة

خرّ للموت على وجه الثرى *** عينه ترعى النساء الخفرات

ص: 151

ثم رضّوا حنقاً صدر الذي *** فيه أسرار الهدى منطويات

بأبي ملقى ثلاثاً بالعرى *** عارياً تسقي عليه الذاريات

ورضيع يتلظى عطشا *** قد رَمى منحره أشقى الرماة

لهف نفسي لربيبات الابا *** أصبحت بعد حماها ثاكلات

هجم القوم عليهن الخبا *** فغدت بين الأعادي حاسرات

السيد حسن ابن السيد ابراهيم بن الحسين بن الرضا ابن السيد مهدي الشهير ببحر العلوم أديب معروف وعالم جليل ولد في النجف عام 1282 ونشأ على والده المشهور بأدبه وفضله وعلمه وكماله ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، لقد ورت أكثر سجايا أبيه من عزة وإباء وعفة وورع حضر على علماء النجف أمثال شيخ الشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ذلك إلى جنب براعته الأدبية وديوانه يعطينا صورة عن نبله وفضله وبراعته في التاريخ مشهود بها. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري وذكر ألواناً من شعره من مديح ورثاء وتهان وتواريخ. توفي بالنجف 19 جمادى الاولى سنة 1355 ه. ودفن بمقبرة الاسرة وهو والد العلامة التقي الورع السيد محمد تقي بحر العلوم والعلامة الجليل البحاثة السيد محمد صادق بحر العلوم.

ص: 152

الحاج محمد الخليلي

المتوفى 1355

يا رب عوّضتَ الحسين *** بكربلا عما أصابه

إن الذي من تحت قبته *** دعاك له استجابه

يممت مرقده لما *** أيقنت باب اللّه بابه

صُبّت على قلبي الهموم *** وناظري أبدى انسكابه

وتمثّلت لي كربلا *** وحسين ما بين الصحابه

مثل الأضاحي في الثرى *** سلب العدى حتى ثيابه

مالي دعوتُ بها فلم *** أرَ منك يا رب الإجابه

والقلب مني لاهب *** هلا تسكّن لي التهابه

الحاج محمد ابن الحاج ميرزا حسين الخليلي ، عالم ورع وأديب شاعر ولد في النجف ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات على اساتذة مشهورين فنال حظوة كبيرة من العلم واتصل بحلقة الامام الخراساني مضافاً إلى دراسته عند والده العالم الجليل حتى حصل على إجازة اجتهاد من جملة من اعلام عصره واشتهر بالزهد والورع حتى خلف أباه في إمامة الصلاة بالناس واءتمّ به الأتقياء والأولياء والصلحاء ثم انصرف عن ذلك لأنه خاف الرياء والزهو وعكف على الطاعة في زوايا المساجد وحرم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وحفظ القرآن من كثرة

ص: 153

تلاوته له ، وإلى جنب ذلك فهو مرح إلى أبعد حدود المرح ولا يكاد جليسه يملّ مجلسه ألّف في الفقه كتاب الطهارة ، والخمس ، وغريب القرآن رتّبه على حروف المعجم وبناه على ثلاثة أعمدة : الأول اسماء السور ، الثاني الكلمات العربية ، الثالث التفسير المستقى من أشهر التفاسير.

نظم الشعر في صباه وتطرق إلى فنونه وأغراضه وأكثر من النظم في أهل البيت علیهم السلام فمن قوله في الإمام الحسين علیه السلام :

هل بعد ما طرد المشيب شبابي *** أصبو لذكر كواعب أتراب

وأروح مرتاحاً بأندية الهوى *** ثملاً كأبناء الهوى متصابي

وتئنّ نفسي للربوع وقد غدا *** بيت النبوة مقفر الأطناب

بيت لآل محمد في كربلا *** قد قام بين أباطح وروابي

وقال متوسلاً بالعباس بن علي علیهماالسلام :

أبا الفضل هل للفضل غيرك يرتجى *** وهل لذوي الحاجات غيرك ملتجى

قصدتك من أهلي وأهلي لك الفدا *** وهل يقصد المحتاج إلا ذوي الحجى

وقال يعاتب بعض أصدقائه في رسالة أرسلها إلى النجف :

لي بالغري أحبّةٌ *** ما أنصفوني بالمحبه

أخذوا الفؤاد وخلّفوا *** جثمانه في دار غربه

يا دهر ما أنصفتني *** كلفتني الأهوال صعبه

حملتني بُعد الديار *** وبُعد من أشتاق قربه

قسماً بأيام مضت *** في وصل مَن أهواه عذبه

لم يحلُ لي غير الغري *** وغير أندية الاحبه

أوّاه هل لي للحمى *** من بعد بُعد الدار أويه

لأقبّل الأعتاب من *** مولى الورى وأشمّ تربه

ص: 154

حرمٌ ملائكة السما *** لطوافها اتخذته كعبه

وبه نشاوى العارفون *** قد احتسوا كأس المحبه

وله مستنهضاً أبناء يعرب :

بني يعرب أنتم أقمتم بعزكم *** قواعد دين المصطفى أول الأمر

وشيدتم منه مبانيه بالضبا *** وسجفتموه بالمثقفة السمر

يهون عليكم ما اشدتم بناءه *** تهدده بالهدم رغما يد الكفر

وله راثيا ولده :

فمن مخبري عن نبعة قد غرستها *** بقلبي حتي اينعت جذها القضا

ومن مخبري عن فلذة من حشاشتي *** برغمي قد حزت وما لي سوي الرضا

اريحانه الروح التي ان شممتها *** وبي نزل الهم المبرح قوضا

ومصباح انسي ان علي تراكمت *** حطوب بعيني سودت سعة الفضا

رحلت وقد خلفت بين جوانحي *** لهيب جوي من دونه لهب الغضا

ورحت ولي قلب يقطعه الاسي *** وطرف علي اقذي من الشوك غمضا

تمثلك الذكرى كأنك حاظرٌ *** فانظر بدراً في الدياجر قد أضا

وقال من قصيدة :

شاقها الراح فجدّت في سراها *** أملا تبلغ بالسير مناها

قرّبت كل بعيد شاسع *** مذ غدت تذرع في البيد خطاها

قطعت قلب الفلا مذ واصلت *** بالسرى سهل الفيافي برباها

يعملات ما جرت في حلبة *** والصبا إلا الصبا ظلّ وراها

يا رعاها اللّه من سارية *** كم رعت في سيرها من قد علاها

ص: 155

ويتخلص إلى ركب الإمام الحسين علیه السلام :

سادة كادت مصابيح الدجى *** يهتدي فيها الذي في الغيّ تاها

وولاة الأمر في الخلق ومن *** فرض اللّه على الخلق ولاها

غدرت فيهم بنو حرب وهم *** أقرب الناس إلى المختار طاها

أخرجتهم عن مباني عزّهم *** وبيوت طهّر اللّه فِناها

بالفيافي شتت شملهم *** وعليهم ضيقت رحب فضاها

أنزلوهم كربلا حتى إذا *** نزلوها منعوهم عذب ماها

بينهم والماء حالت ظلمة *** من جموع عدّها لا يتناهى

توفي بالنجف ليلة الخميس 13 ذي الحجة سنة 1355 ه. ودفن بمقبرة والده رحمهما اللّه.

ص: 156

ملا علي الزاهر العوّامي

المتوفى 1355

قال يصف حالة الإمام الحسين (عليه السلام) عند فجيعته بأخيه العباس يوم عاشوراء :

أنست رزيتك الأطفال لهفتها *** بعد الرجاء بأن تأتي وترويها

أراك يا بن أبي في الترب مُنجدلاً *** عليك عين العلى تهمي أماقيها

هذا حسامك يشكو فقد حامله *** إذ كنت فيه الردى للقوم تسقيها

وذا جوادك ينعى في الخيام وقد *** أبكى بنات الهدى مَن ذا يسليها

شلّت يمين برت يمناك يا عضدي *** وذي يسارك شل اللّه باريها

نامت عيون بني سفيان وافتقدت *** طيب الكرى اعين كانت تراعيها (1)

الخطيب علي بن حسن بن محمد بن أحمد بن محسن الزاهر المتولد سنة 1298 ه. والمتوفى سنة 1355 ه. نائحة أهل البيت وداعيتهم وجاذب القلوب نحو واعيتهم فقد اشاد مؤسسة باسم ( الحسينية ) ولم تزل تعرف باسمه في ( العوامية ) نظم باللغتين : الفصحى والدارجة ومن قصائد قوله في مطلع حسينية نظمها من قلب قريح :

يا ليوث الحروب من آل طاها *** أسرجوا الخيل يا ليوث وغاها

وديوانه المخطوط يضم جملة من أشعاره ..

ص: 157


1- اعلام العوامية في القطيف.

الشيخ موسى العِصامي

اشارة

المتوفى 1355

قال في قصيدة حسينية :

أحاطت به وبست الجهات *** أحاط بها الخطر المرعبُ

فخيرها قبل حكم الضيا *** ونقط الاسنة ما استصوبوا

فإما يعود إلى يثرب *** ومن حيث جاء لها يطلب

واما الجبال وشعب الرمال *** وظهر الفيافي لها يركب

واما يسير لبعض الثغور *** يقيم بها مع من يصحب

فما رغبت منه في واحد *** ولو أنصفت لم تكن ترغب

رأت منه قلّة أنصاره *** فظنت بكثرتها ترعب

وسامته يخضع وهو الأبي *** وأنى يقاد لها المصعب

فناجزها الحرب في فتية *** لهم باللقا شهدت يعرب

بها ليل تحسب ان الردى *** إذا جدّ ما بينها ملعب

لها الموت يحلو خلال الصفوف *** وما مرّ من طعمه يعذب

سواء عليها الفنا والحياة *** إذا استرجع التاج والمنصب

لهم دون مركزهم موقف *** إلى الحشر ناديه يندب

أشادوا الهدى فوق تاج الأثير *** ومبنى الضلال به خرّبوا

ص: 158

فما حزب طالوت ذو البيعتين *** ولا أهل بدر وإن أنجبوا

ولا يوم احزابها يومهم *** واحدٍ وما بعدها يعقب

ولا الجاهلية ذات الحروب *** بحربهم حربها يحسب

بسبعين ألفاً خلال الوغى *** تجول وأمدادها تلعب

رسوا كالجبال وهم واحد *** وستين لكنهم ذرّب

أجالوا الوغى جولان الرحى *** وللحشر نيرانها تلهب

سل الشام عنها وأهل العراق *** فهل سلمت منه إذ تهرب

الشيخ موسى بن محسن بن علي بن حسين بن محمد بن علي بن حماد الشهير بالعصامي نسبة إلى بني عصام بطن من هوازن ، لامعاً في عصره خطيب وشاعر ، ولد في النجف الأشرف سنة 1305 ه. ونشأ بها يتعاهد تربيته أعمامه فدرس العربية والمنطق على أساتذة معروفين منهم السيد جواد القزويني كما درس البلاغة على العالم الجليل الشيخ يوسف الفقيه والشيخ عبد الرسول الحلبي والسيد حسين ابن السيد راضي القزويني.

ودرس الفقه والاصول على الشيخ عبد الكريم شرارة والشيخ صادق الحاج مسعود والشيخ المصلح الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ، وحضر عند الشيخ حسين الدشتي فأخذ عنه علم الحساب والهندسة والكلام والحكمة واشتهر بين أخدانه بالفضل وعرفه جمهور الناس من مواقفه الخطابية إذ كان خطيباً جماهيرياً ومرشداً مصلحاً يخطب ويكتب ويعظ ويرشد أينما حل ، ولكن مجتمعه مصاب بداء الأنانية وأمة كما قيل فيها : لا تعمل ولا تحب أن يعمل أحد ، لذاك ناوأه الكثير ووقفوا في طريق اصلاحه حتى ودع الحياة بكربلاء في آخر يوم من شهر رمضان عام 1355 ه. ونقل جثمانه للنجف حيث دفن رحمه اللّه.

ص: 159

آثاره العلمية :

1 - منظومة في الإمامة تناهز الثمانمائة بيتاً.

2 - البراءة والولاية ، بحث دقيق.

3 - تاريخ الثورة العراقية.

4 - الدعوة الحسينية وأثرها.

5 - الضالة المنشودة في الحياة.

6 - الهدى والاتحاد ، أهداه إلى أبطال الدستور في الاستانة بتوسط الصدر الأعظم طلعت باشا.

7 - الدراية في تصحيح الرواية.

8 - بحث في الحجاب ، وغيرها مما يزيد على العشرين مؤلفاً ، وديوانه الحافل بمختلف المواضيع وطرق سائر الأبواب ومن مراسلاته قصيدته التي أرسلها للشيخ خزعل خان أمير المحمرة ومطلعها :

لك الهنا ولي الأفراح والطرب *** مذ ساعفتني بك الأيام والأرب

فقل لساقي الطلى نحيّ الكؤوس وإن *** انيط عني في راحاتها التعب

هذا لماك وهذا ثغرك الشنب *** فما الحميا وما الأقداح والحبب

أعطاف قدك تصمي لا القنا السلب *** وسهم عينيك لا نبعٌ ولا غرب

ووجهك الصبح لكن فاته وضحاً *** وثغرك البرق لكن فاته الشنب

ويلاي لا منك يا ريم العذيب فمن *** عينيّ جاء لقلبي في الهوى العطب

وكلها بهذه القوة والمتانة والرقة والسلاسة ، ومن مشهور غرامياته قوله :

طاف بكاس المدام أغيد *** من فضة والسلاف عسجد

وزفّها في الدجى عروساً *** توجّها اللؤلؤ المنضد

تلهبت في يديه لكن *** بوجنتيه السنا توقد

ص: 160

صاليت نار الخليل فيه *** لكن على ريقه المبرّد

بدرٌ واقراطه الثريا *** والراح في راحتيه فرقد

شقّ لها في الدجى عموداً *** من وجنتيه استنار وامتد

فأسفر المشرقان افقاً *** بالنيرين : السلاف والخد

وانصدع الغيهبان جنح *** الظلام أو شعره المجعد

وهزّ من معطفيه لدنا *** صوّب حتفي به وصعّد

يانع غصن وقد تثنّى *** طائر قلبي عليه غرّد

مذ ريّش الهدب قلت قلبي *** دونك يا سهمه المسدد

أدمى فؤادي سلوه عما *** في راحتيه الخضاب يشهد

كيف تصبّرتَ يا فؤادي *** عن عذب ريق له تشهد

أمرد في تيهه يرينا *** بلقيس في صرحها الممرد

قال له الحُسن مذ تناهى *** أنت بجمع الملاح مفرد

ص: 161

السيد محمد حسين الكيشوان

المتوفى 1356

لأصبر أو تجري على عاداتها *** خيل تشنّ على العدى غاراتها

وتقودها شعث الرؤوس شوائلا *** قبّ البطون تضج في صهلاتها

وتثيرها شهباء تملأ جوّها *** نقعاً يحط الطير عن وكناتها

فإلامَ يقتدح العدو بزنده *** نار الهوان فتصطلى جذواتها

أو ما دريتِ بأن آل أمية *** ثارت لتدرك منكم ثاراتها

واتت كتائبها يضيق بها الفضا *** حشداً تسدّ الأفق في راياتها

جاءت ودون مرامها شوك القنا *** كيما تسود بجهلها ساداتها

عثرت بمدرجة الهوان فأقلعت *** نهضاً بعبء الحقد من عثراتها

فهناك أقبل والحفاظ بفتية *** ما خطّ وخط الشيب في وفراتها

بمدربين على الحروب إذا خبت *** للحرب نار أوقدوا جمراتها

وثبت بمزدلف الهياج كأنها *** الآساد في وثباتها وثباتها

هيجت بمخمصة الطوى ولطالما *** اتخذت أنابيب القنا أُجماتها

يوم به الأبطال تعثر بالقنا *** والموت منتصب بست جهاتها

برقت به بيض السيوف مواطراً *** بدم الكماة يفيض من هاماتها

فكأن فيه العاديات جآذر *** تختال من مرح على تلعاتها

وكأن فيه البارقات كواكب *** للرجم تهوي في دجى ظلماتها

وكأن فيه الذابلات أراقمٌ *** تنساب من ظمأ على هضباتها

وكأن فيه السابغات جداول *** أضحى يخوض الموت في غمراتها

ص: 162

غنّت لهم سود المنايا في الوغى *** وصليل بيض الهند من نغماتها

فتدافعت مشي النزيف إلى الردى *** حتى كأن الموت من نشواتها

وتطلعت بدجى القتام أهلّة *** لكن ظهور الخيل من هالاتها

تجري الطلاقة في بهاء وجوهها *** إن قطّبت فرقاً وجوه كماتها

نزلت بقارعة المنون بموقف *** يستوقف الأفلاك عن حركاتها

غرست به شجر الرماح وإنما *** قطفت نفوس الشوس من ثمراتها

حتى إذا نفذ القضاء وأقبلت *** زمر العدى تستنّ في عدواتها

نشرت ذوائب عزّها وتخايلت *** تطوي على حرّ الظما مهجاتها

وتفيأت ظلل القنا فكأنما *** شجر الأراك تفيأت عذباتها

وتعانقت هي والسيوف وبعدذا *** ملكت عناق الحور في جناتها

وتناهبت أشلاءها قِصد القنا *** ورؤوسها رفعت على أسلاتها

وانصاع حامية الشريعة ظامياً *** ما بلّ غلته بعذب فراتها

أضحى وقد جعلته آل أمية *** شبح السهام رميّةً لرماتها

حتى قضى عطشاً بمعترك الوغى *** والسمر تصدر منه في نهلاتها

وجرت خيول الشرك فوق ضلوعه *** عدواً تجول عليه في حلباتها

* * *

ومخدرات من عقائل أحمد *** هجمت عليها الخيل في أبياتها

من ثاكل حرّى الفؤاد مروعة *** أضحت تجاذبها العدى جبراتها

ويتيمةٍ فزعت لجسم كفيلها *** حسرى القناع تعجّ في أصواتها

أهوت على جسم الحسين وقلبها *** المصدوع كاد يذوب من حسراتها

وقعت عليه تشمّ موضع نحره *** وعيونها تنهلّ في عبراتها

ترتاع من ضرب السياط فتنثني *** تدعو سرايا قومها وحماتها

أين الحفاظ وفي الطفوف دماؤكم *** سفكت بسيف أمية وقناتها

أين الحفاظ وهذه أشلاؤكم *** بقيت ثلاثاً في هجير فلاتها

ص: 163

أين الحفاظ وهذه فتياتكم *** حملت على الأكوار بين عداتها

حملت برغم الدين وهي ثواكل *** حسرى تردد بالشجى عبراتها

فمن المعزي بعد أحمد فاطماً *** في قتل أبناها وسبي بناتها

السيد محمد حسين ابن السيد كاظم ابن السيد علي بن أحمد الموسوي القزويني الشهير بالكيشوان النجفي. ولد في النجف عام 1295 ه. مشهور بعلمه وتحقيقه ، ذو نظر صائب وفكر وقاد ، أديب له الصدارة في المجالس والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم له فكرة تخرق الحجب وهمة دونها الشهب ، وشعر يسيل رقة وخط يشبه العذار دقة ، إلى حسن أخلاق وطيب اعراق وحلو محاضرة مع الرفاق ، ونسك وتقى بعيد عن الرياء والنفاق ، وله شعر كثير بديع التركيب.

لا زلت أتمثله سيداً وقوراً مربوع القامة حسن الهندام بهي المنظر والعمة السوداء متناسبة مع وجهه ومنسجمة معه كل الانسجام رأيته عشرات المرات في عشرات من المجالس الحسينية وقد طلب منه أبي مقابلة نسخة ( مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار ) للجد الأكبر السيد عبداللّه شُبّر على نسخة المؤلف وبخطه ، فأجاب في حين لم تكن بينه وبين أبي صلة قوية أو لأبي عليه دالة تستوجب الاجابة لكنه لخلقه العالي وسجاحة أخلاقه تنازل لرغبته فكان يحضر كل يوم عصراً إلى دارنا وتكون بيده نسخة الأصل ومع الوالد نسخة أخرى فيقرأ أحدهما مرة ومرة فلم أسمع صوته ولا أقدر أن أُميّز نبراته ولكني أتصور كلامه ، لقد كان هادئ الطبع وديع النفس إلى أبعد ما تتصور. وقال لي أحد الأذكياء يوماً ونحن في محفل غاص بالمعممين في دار المرحوم الشيخ مرتضى الخوجه ، والسيد المترجم له في صدر المجلس : هل رأيت ذلك السيد ( وأشار عليه ) زجّ نفسه في كلام أو خاض في مسألة دون

ص: 164

أن يُسأل فيجيب بالرغم من أنه أعلم الموجودين والكل يعلم بذلك ، يقول البحاثة المعاصر علي الخاقاني عنه : لقد أفنى زمناً طويلاً في إحياء كثير من الكتب النادرة بخط جميل وضبط قوي وأتذكر أنه كتب تحرير المجسطي بدوائره وأشكاله فكانت مخطوطته من أروع المخطوطات ، وكتب الأصول الأربعمائة وكثيراً من مؤلفات الشيخ المفيد والصدوق وألّف وصنّف كثيراً منها : تحفة الخليل في العروض والقوافي ورسالة في علم الجبر ، منهج الراغبين في شرح تبصرة المتعلمين في جزئين ، منظومة في علم الحساب تقع في 221 بيتاً وغيرهما مما دوّنها مترجموه ، نشأت وأنا أسمع أساتذة المنبر الحسيني يروون شعره ويعطرون به المحافل ويرون شعره من الطراز العالي ورثاءه من النوع الممتاز على كثرة الراثين للحسين علیه السلام ، وحذراً من أن يقال أن الشاعر لا يحسن إلا الرثاء فاني أروي مقطوعة واحدة من غزله من ديوانه المخطوط الحافل بما لذّ وطاب من مسامرة الأحباب ، قال :

وغادة نادمتها *** في غلس الليل الدجى

غازلت منها مقلة *** ترنو بعيني أدعج

أحنى عليه الحسن *** خط حاجب مزجج

لم أدرِ إذ تكسر خف *** نيها لكسر المهج

أمن حياء أم نعا *** س فيهما أم غنج

لهوت فيها أجتلي *** روض محياً بهج

دبجه البهاء مث *** ل السندس المدبج

أرخت عليها صدغها *** منعطفاً ذا عوج

كأنه ورد علي *** ه قطعة من سبج

والحسن أذكى خدّها *** بجمره المؤجج

وعنبر الخال به *** يذكو بطيب الأرج

داعبتها وما على *** أهل الهوى من حرج

حتى اختلست رشفة *** من ريقها المثلّج

ص: 165

ثم عضضت خدّها *** عضة حران شجي

فماج حسناً فوق ما *** فيه من التموّج

ولاح مثل الذهب الم *** نقوش بالفيروزج

أو ثمر التفاح بي *** ن طاقتي بنفسج

وبعد ذا حنوت فو *** ق ردفها المندمج

أضمّه يرتجّ مث *** ل الزيبق المرجرج

حضنته وهو من الل *** ين يروح ويجي

عبلٌ به ضاق مجال *** حضني المنفرج

بلغت فيه لذة *** أربت على ما أرتجي

أما رسائله وأدبه النثري ونوادره وملحه فمنها يتألف مؤلف قائم بنفسه. توفي ليلة الأحد 28 ذي القعدة الحرام سنة 1356 ه. ودفن في الصحن العلوي في الجهة الغربية الشمالية رحمه اللّه رحمة واسعة وبقيت روائعه ترددها ألسنة الخطباء ومنها ما يعتز به مخطوطنا ( سوانح الأفكار في منتخب الاشعار ) الجزء الأول منه :

1 - رائعته الحسينية التي تتكون من 72 بيتاً وأولها :

هي الدار لاوردي بها ريّقٌ غمرُ *** ولا روض آمالي بها مورق نضرُ

2 - قصيدته في رثاء شهداء كربلاء وتتكون من 42 بيتاً وأولها :

لعلّ الحيا حيّا ببرقة ثهمد *** معاهد رسم المنزل المتأبد

3 - الثالثة في الزهراء علیهاالسلام وهي 57 بيتاً وأولها :

مالك لا العين تصوب أدمعا *** منك ولا القلب يذوب جزعا

وقال مشطراً أبيات عبد الباقي العمري لما جاء لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) :

وليلة حاولنا زيارة حيدر *** وقد رجّع الحادي بترديد أشعاري

ص: 166

وسامرت نجم الافق في غلس الدجى *** وبدر سماها مختف تحت أستار

بأدلاجنا ضلّ الطريق دليلنا *** وقد هوّمت للنوم أجفان سماري

تحريتُ أستهدي بأنوار فكرتي *** ومن ضلّ يستهدي بشعلة أنوار

ولما تجلّت قبة المرتضى لنا *** بأبهى سناً من قبّة الفلك الساري

قصدنا السنا منها ومذ لاح ضوؤها *** وجدنا الهدى منها على النور لا النار

4 - الرابعة في السبط الأكبر الإمام الحسن بن علي علیهماالسلام وتتكون من 58 بيتاً ، ويقول فيها :

أترى يسوغ على الظما لي مشرع *** وارى أنابيب القنا لا تشرع

ما آن أن تقتادها عربية *** لا يستميل بها الروى والمرتع

تعلو عليها فتية من هاشم *** بالصبر لا بالسابغات تدرّعوا

فلقد رمتنا النائبات فلم تدع *** قلباً تقيه أدرع أو أذرع

فإلى مَ لا الهندي مُنصلتٌ ولا *** الخطي في رهج العجاج مزعزع

ومتى نرى لك نُهضة من دونها *** الهامات تسجد للمنون وتركع

يا ابن الألى وشجت برايته العلى *** كرماً عروق أصولهم فتفرّعوا

جحدت وجودك عصبة فتتابعت *** فرقاً بها شمل الضلال مجمّع

جهلتكَ فانبعثت ورائد جهلها *** أضحى على سَفهٍ يبوع ويذرع

تاهت عن النهج القويم فظالع *** لا يستقيم وعاثر لا يُقلع

فأنِر بطلعتك الوجود فقد دجى *** والبدر عادته يغيب ويطلع

متطلّباً أوتاركم من أمة *** خفّوا لداعيةِ النفاق وأسرعوا

خانوا بعترة أحمد من بعده *** ظلماً وما حفظوهم ما استودعوا

فكأنما أوصى النبي بثقله *** أن لا يُصان فما رعوه وضيّعوا

جحدوا ولاء المرتضى ولكم وعى *** منهم له قلب وأصغى مسمعُ

وبما جرى من حقدهم ونفاقهم *** في بيته كُسرت لفاطم أضلع

وغدوا على الحسن الزكي بسالف *** الأحقاد حين تالبوا وتجمعوا

ص: 167

وتنكبوا سنن الطريق وإنما *** هاموا بغاشية العمى وتولعوا

نبذوا كتاب اللّه خلف ظهورهم *** وسعوا لداعية الشقا لما دعوا

عجباً لحلم اللّه كيف تأمروا *** جنفاً وأبناء النبوّة تُخلع

وتحكموا في المسلمين وطالما *** مرقوا عن الدين الحنيف وأبدعوا

أضحى يؤلب لابن هندٍ حزبه *** بغياً وشرب ابن النبي مذعذع

غدروا به بعد العهود فغودرت *** أثقاله بين اللئام توزع

اللّه أي فتىً يكابد محنة *** يشجى لها الصخر الأصم ويجزع

ورزيّة جرّت لقلب محمد *** حزناً تكاد له السما تتزعزع

كيف ابن وحي اللّه وهو به الهدى *** أرسى فقام له العماد الأرفع

أضحى يسالم عصبة أموية *** من دونها كفراً ثمود وتُبّع

ساموه قهراً أن يضام وما لوى *** لولا القضا به حنان طيّع

أمسى مضاماً يستباح حريمه *** هتكاً وجانبه الأعز الأمنع

ويرى بني حرب على أعوادها *** جهراً تنال من الوصي ويسمع

ما زال مضطهداً يقاسي منهم *** غصصاً بها كأس الردى يتجرّع

حتى إذا نفذ القضاء محتّماً *** أضحى يُدس اليه سُمّ منقع

وغدا برغم الدين وهو مكابد *** بالصبر غلّة مكمّد لا تنقع

وتفتت بالسُمّ من أحشائه *** كبد لها حتى الصفا يتصدّع

وقضى بعين اللّه يقذف قلبه *** قطعاً غدت مما بها تتقطّع

وسرى به نعش تودّ بناته *** لو يرتقي للفرقدين ويرفع

نعش له الروح الأمين مشيّع *** وله الكتاب المستبين مودّع

نعش أعز اللّه جانب قدسه *** فغدت له زمر الملائك يخضع

نعش به قلب البتول ومهجة *** الهادي الرسول وثقله المستودع

نثلوا له حقد الصدور فما يُرى *** منها لقوسٍ بالكنانة منزع

ورموا جنازته فعاد وجسمه *** غرض لرامية السهام وموقع

ص: 168

شكوه حتى أصبحت من نعشه *** تستل غاشية النبال وتنزع

لم ترم نعشك إذ رمتك عصابة *** نهضت بها أضغانها تتسرّع

لكنها علمت بأنك مهجة *** الزهراء فابتدرت لحربك تهرع

ورمتك كي تصمى حشاشة فاطم *** حتى تبيت وقلبها متوجع

ما أنت إلا هيكل القدس الذي *** بضمره سرّ النبوة مودع

جلبت عليه بنوا الدعي حقودها *** وأتته تمرح بالضلال وتتلع

منعته عن حرم النبي ضلالة *** وهو ابنه فلأي أمرٍ يمنع

فكأنه روح النبي وقد رأت *** بالبعد بينهما العلائق تقطع

فلا قضت أن لا يخطّ لجسمه *** بالقرب من حرم النبوة مضجع

لله أي رزية كادت لها *** أركان شامخة الهدى يتضعضع

رزء بكت عين الحسين له ومن *** ذوب الحشا عبراته تتدفع

يوم انثنى يدعو ولكن قلبه *** وآمروا مقلته تفيض وتدمع

أترى يطيف بي السلو وناظري *** من بعد فقدك بالكرى لا يهجع

أُخي لا عيشي يجوس خلاله *** رغد ولا يصفو لوردي مشرع

خلفتني مرمى النوائب ليس لي *** عضد أرد به الخطوب وأدفع

وتركتني أسفاً أردد بالشجى *** نفساً تصعّده الدموع والهمّع

أبكيك يا ريّ القلوب لو أنه *** يجدي البكاء لظامئٍ أو ينفع

الأسر القزوينية المعروفة بالعلم في العراق ثلاث : 1 - الاسرة النجفية ، وقد اقام قسم من رجالها في بغداد. 2 - الحِلية ، التي ذكرنا منها جملة من الاعلام ومنها السيد مهدي وأنجاله الأربعة وأولادهم ، وهاتان الاسرتان ينتمون للامام الحسين علیه السلام وهما فرع واحد تلتقيان في بعض الأجداد. 3 - الكاظمية ، وهي موسوية النسب منها العلامة السيد مهدي نزيل البصرة بعصره وأخوه السيد جواد نزيل الكويت في عصره ولقب بعض رجالها بالكيشوان ومنهم المترجم له.

ص: 169

الحاج مهدي الفلّوجي

المتوفى 1357

إلى م وقلبي من جفوني يسكب *** ونار الأسى ما بين جنبي تلهبُ

أبيتُ وليلي شطّ عنه صباحه *** كأن لم يكن لليل صبح فيرقب

أُحارب فيه النجم والنجم ثائرٌ *** متى غاب منه كوكب بان كوكب

وعلمت بالنوح الحمام فأصبحت *** على ترح في الدوح تشدو وتندب

فما هي إلا زفرة لو بثثتها *** على البحر من وجد يجف وينضب

تجهّم هذا الدهر واغبرّ وجهه *** بدهماء لا يجلى لها قط غيهب

لقتلى الألى بالطف لما دعاهم *** إلى الحرب سبط المصطفى فتأبهوا

ومذ سمعوا الداعي أتوا حومة الوغى *** تعلم أيديها الضبا كيف تضرب

فإن وعظت عن ألسن البيض وعظها *** وإن خطبت عن ألسن السمر تخطب

كرام تميت المحل غمرة وفرهم *** فتحيا بها الأرض الموات وتعشب

على كثرة الأعداء قلّ عديدهم *** وكم فئة قلّت وفي اللّه تغلب

مواكب أعداهم تعدّ بواحد *** وواحدهم يوم الكريهة موكب

مضوا يستلذون الردى فكأنه *** رحيق مدام بالقوارير يسكب

كأن المنايا الخرّد العين بينهم *** فجدّوا مزاحاً دونها وهي تلعب

ومن بعدهم قام ابن حيدر والعدى *** جموع بها غصّ الفضا وهو أرحب

ص: 170

فألبس هذا الأفق ثوب عجاجة *** به عاد وجه الشمس وهو منقب

وكيف يحلّ الذل جانب عزه *** وفي كفه سيف المنية يصحب

وكيف حسين يلبس الضيم نفسه *** ونفس علي بين جنبيه تلهب

إلى أن أراد اللّه بابن نبيّه *** يبيت بفيض النحر وهو مخضب

فأصبح طعماً للضبا وهو ساغبٌ *** وأصبح ريّاً للقنا وهو معطب

بنفسي اماماً غسله فيض نحره *** وفي أرجل الخيل العتاق يقلب

بنفسي رأساً فوق شاهقة القنا *** تمرّ به الأرياح نشراً فتعذب

كأن القنا الخطار أعواد منبر *** ورأس حسين فوقها قام يخطب

فوا أسفي تلك الكماة على الثرى *** ونسوة آل الوحي تسبى وتسلب

وراحت بعين اللّه أسرى وحواسراً *** تساق وأستار النبوة تنهب

دعت قومها لكنها لم تجدهم *** على عهدها فاسترجعت وهي تندب

أيا منعة اللاجين والخطب واقع *** ويا أنجم السارين والليل غيهب

أليست حروف العز في جبهاتكم *** تحررها أيدي الجلال فتكتب

فأين حماة الجار هاشم كي ترى *** نساها على عجف الأضالع تجلب

وفي الأسر ترنو حجة اللّه بينها *** عليلاً إلى الشامات في الغل يسحب

سرت حسراً لكن تحجب وجهها *** عن العين أنوار الإله فتحجب

إلى أن أتت في مجلس الرجس أبصرت *** ثنايا حسين وهي بالعود تضرب

الحاج مهدي الفلوجي ابن الحاج عمران ابن الحاج سعيد من الطبقة العالية في الشعر وممن تفتخر به الفيحاء وتعتز بأدبه ، حسن الأخلاق طاهر الضمير عف اللسان تخرّج في الأدب على الشيخ حمادى نوح المتقدمة ترجمته. حفظ الكثير من شعر العرب القدامى ، ترجم له اليعقوبي في ( البابليات ) وقال :

ص: 171

مولده في الحلة سنة 1282 ه. وكان يتعاطى التجارة ويحترف بيع البز ويرتدي برأسه العمة السورية ويعدّ من ذوي الثروة والمكانة المرموقة في البلد. يحتوي ديوانه المخطوط على ضروب الشعر من الاجتماع والسياسة والوصف والغزل والنسيب ولا عجب فعصره يموج بالادباء والشعراء وتلك النوادي العلمية الأدبية تصقل المواهب ، قال يرثي استاذه الشيخ حمادى نوح بقصيدة - مطلعها :

حق يا قبر أن تباهي النجوما *** فيك قد ضمنوا البليغ الحكيما

دفنوا المرتضى الرضي لعمري *** هو في جنبك اتخذه نديما

فيك قد غيضوا البحار فأمست *** في قوانينها تريك العلوما

ذاك غواصها الذي كان فينا *** يجتني درّها النضيد النظيما

ترجم له الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) كما ترجم له الخاقاني في ( شعراء الحلة ) وروى له نماذج من الشعر والتواريخ ، ولتعلقه بآل البيت (عليهم السلام) كان اكثر ما نظم فيهم فمنها قصيدته التي يعدد فيها فجائع يوم كربلاء ويخص أبا الفضل العباس علیه السلام بقسم وافر منها وأولها :

هي دنياً وللفنا منتهاها *** لعب جدّها وواهٍ قواها

وهي تناهز الستين بيتاً وقال عندما لاح هلال محرم الحرام قصيدة مطلعها :

كم فيك من حرم أُبيح ومن دم *** من آل أحمد يا هلال محرم

وقال وقد زار الإمام الحسين علیه السلام ليلة النصف من شعبان :

لقد أيقنت أن اللّه لطفا *** محا عني الصغائر والكبائر

لأني جئت في شعبان أسعى *** لمرقد سيد الشهداء زائر

وقال في جواب مَن سأل عن مدفن رأس الحسين علیه السلام :

لا تطلبوا رأس الحسين فإنه *** لا في حمى ثاوٍ ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلّكم *** في أنه المقبور وسط فؤادي

ص: 172

وقد تقدم في الجزء السابق تحقيق عن موضع رأس الإمام الحسين (عليه السلام) .

كانت وفاته بمدينة الكاظمية يوم الثلاثاء خامس جمادى الثانية سنة 1357 ه. المصادف 3 آب سنة 1938 م. ونقل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل ثم شيّع لمرقده الأخير في النجف الأشرف ودفن في الايوان الذهبي أمام الحرم الحيدري وتهافتت الوفود لتعزّي الأسرة وتعاقب الشعراء على منصة المحفل لتأبينه أمثال الشيخ قاسم الملا والشيخ عبد الرزاق السعيد والشيخ باقر سماكه ومحمد علي الفلوجي وغيرهم رحمه اللّه عدد حسناته.

ص: 173

الشاعر اقبال

المتوفى 1357

في الكعبة العليا وقصتها *** نبأ يفيض دماً على الحجر

بدأت باسماعيل عبرتها *** ودم الحسين نهاية العبر

وللدكتور محمد اقبال :

ارفعوا الورد والشقائق إكليل *** ثناءً على ضريح الشهيد

ذاك لون الدم الذي أنبت *** المجد وروّى به حياة الخلود

« محمد اقبال فيلسوف باكستاني ، ولد في مدينة سيالكوت سنة 1873 م. وتوفي سنة 1938 م. سافر إلى عدة بلدان طلباً للعلم ثم عاد إلى وطنه سنة 1908 م. حيث عمل بالمحاماة وقرض الشعر. وقد ذاع صيته في الهند وكثر عشاق أدبه ومريدو فلسفته. وقد دعا في شعره إلى نبذ التصوف العجمي الذي يؤدي إلى إماتة الأمة وبشّر بالتصوف العملي الذي يدعو إلى العمل والجهاد. وتدل أشعاره وقصائده على تمجيد الشخصيات الإسلامية كلها.

وتقوم فلسفة إقبال على ( الذات ) التي هي عنده حق لا باطل وهدف الانسان الديني والاخلاقي اثبات ذاته لا نفيها ، وعلى قدر تحقيق ذاته أو

ص: 174

واحديته يقرب من هذا الهدف ، وتنقص فردية الانسان على قدر بعده عن الخالق ، والانسان الكامل هو الأقرب إلى اللّه وليس معنى ذلك أن يفنى وجوده في اللّه كما ذهبت إليه فلسفة الاشراق ووحدة الوجود عند ابن العربي واسبينوزا ، بل هو عكس هذا يمثل الخالق في نفسه والحياة عنده رقي مستمر وهي تسخر كل الصعاب التي تعترض طريقها وقد خلقت من أجل اتساعها وترقيها آلات كالحواس الخمس والقوة والمدركة لتقهر بها العقبات. وإذا قهرت الذات كل الصعاب التي في طريقها بلغت منزلة الاختيار فالذات في نفسها فيها اختيار وجبر.

وحسبنا أن نقول أن اقبال يدعو إلى ادراك الذات وتقويتها وإلى العمل الدائب والجهاد الذي لا يفتر ، ويرى أن الحياة في العمل والجهاد والموت في الاستكانة والسكون » (1).

ومما جاء من شعر اقبال في السيدة فاطمة الزهراء علیهاالسلام كما رواه الكاتب المصري توفيق أبو علم في كتابه ( أهل البيت ) قول :

نسب المسيح بنى لمريم سيرة *** بقيت على طول المدى ذكراها

والمجد يشرق من ثلاث مطالع *** في مهد فاطمة فما أعلاها

هي بنتُ مَن ، هي زوج مَن ، هي أمّ مَن *** مَن ذا يداني في الفخار أباها

هي ومضة من نور عين المصطفى *** هادي الشعوب إذا تروم هداها

هو رحمة للعالمين وكعبة الآمال *** في الدنيا وفي أخراها

مَن أيقظ الفطر النيام بروحه *** وكأنه بعد البلى أحياها

وأعاد تاريخ الحياة جديدة *** مثل العرائسى في جديد حلاها

ولزوج فاطمة بسورة هل أتى *** تاج يفوق الشمس عند ضحاها (2)

ص: 175


1- مجلة العربي الكويتية عدد 115 / 142.
2- كتاب اهل البيت لتوفيق ابو علم.

وحدثني الشاب المهذب الشيخ شريف نجل العلامة المصلح المغفور له الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء أنه عندما دعي أبوه لحضور المؤتمر الاسلامي في الباكستان ، ذهب إلى هناك وزار قبر الشاعر الفيلسوف اقبال وذلك في 26 جمادى الاولى عام 1371 ه. وارتجل أبيات منها :

يا عارفاً جلّ قدراً في معارفه *** حياك مني إكبار وإجلال

إن كان جسمك في هذا الضريح ثوى *** فالروح منك لها في الخلد إقبال

تحية لك من خِلٍّ أتاك على *** بعد المزار بقول مثل ما قالوا

لا خيل عند تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

ولد محمد اقبال في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1289 ه. أدخله أبوه إلى مكتب ليتعلم القرآن ففاق أترابه لذكائه ونال جوائز كثيرة ثم انتقل إلى مدارس عالية وكليات شهيرة فانتدب لتدريس التاريخ والفلسفة في الكلية الشرقية في لاهور ثم اختير لتدريس الفلسفة واللغة الانكليزية بكلية الحكومة التي تخرّج فيها. ونال اعجاب تلاميذه وزملائه بسعة علمه وحسن خلقه وسداد رأيه ، واتجهت الأبصار اليه وذاع ذكره حتى صار من أساتذة لاهور النابهين. ولبث فيها عشر سنوات ثم سافر إلى أوربا بعد ما دوّى صوت إقبال في محافل الأدب ينشد قصائده وقد حرصت الصحف على نشر شعره ، وايقن الشعراء والعلماء أن لهذا الشاب شأنا ، وأول قصائده الرنانة التي أُلقيت في جمع حاشد قصيدته التي أنشدها في الحفل السنوي لجماعة حماية الإسلام في لاهور ( أنجمن حماية إسلام ) سنة 1899 م. وعنوانها أنين يتيم.

سافر إلى انكلترا والتحق بجامعة كمبردج لدرس الفلسفة ونال من هذه الجامعة درجة في فلسفة الأخلاق ثم سافر إلى ألمانيا فتعلم الألمانية في زمن قليل والتحق بجامعة مونخ وكتب رسالته ( تطور ما وراء الطبيعة في فارس ) ثم عاد اقبال إلى لندن فدرس القانون وحاز امتحان المحاماة والتحق كذلك

ص: 176

بمدرسة العلوم السياسية زمناً ورجع إلى بلاده ومكث ولبث سنين عميداً لكلية الدراسات الشرقية ورئيساً لقسم الدراسات الفلسفية ، وفي سنة 1933 دعي هو والشيخ سليمان الندوي والسير راس مسعود إلى كابل للنظر في التعليم عامة ، وفي نظام جامعة كابل خاصة. وعملت حكومة الأفغان بأكثر ما أوصى به ، وكان دائم الاتصال بمعاهد العلم في لاهور وغيرها ، وكانت الجامعات تدعوه إلى زيارتها والمحاضرة فيها. دعي إلى مدارس سنة 1928 م. فألقى محاضرات هناك فجمعت وسميت ( اصلاح الأفكار الدينية في الإسلام ) وهي أعظم ما كتب اقبال في الفلسفة.

كانت حياة اقبال حافلة بالصالحات وودّع الحياة بقوله :

آية المؤمن أن يلقى الردى *** باسم الثغر سروراً ورضا

وكان عمره سبعاً وستين سنة وشهراً وستة وعشرين يوماً وستبقى الأجيال تقرأه من وراء فلسفته وآرائه ونبوغه. كتب الدكتور عبد الوهاب عزام سفير مصر في باكستان ( محمد اقبال ، سيرته وفلسفته وشعره ) وألمّ بحياته إلمامة وافية كافية وعرض نماذج من حياته وسيرته وفلسفته وألوان من شعره ، كما ترجم الدكتور عبد الوهاب عزام إلى العربية رسالة المشرق من شعر محمد اقبال وهي جواب لديوان ( كوته ) الشاعر الالماني.

محمد اقبال شاعر نابغة وفيلسوف مبدع وتحتفي الباكستان بذكراه كل عام لأنه فيلسوف وشاعر ومؤمن ، قال الدكتور عبد الوهاب عزام : في اليوم الحادي والعشرين من شهر نيسان سنة 1938 م. والساعة خمس من الصباح ، في مدينة لاهور ، مات رجل كان على هذه الأرض عالماً وروحياً يحاول أن ينشيء الناس نشأة اخرى ، ويسنّ لهم في الحياة سنّة جديدة. مات محمد اقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله وقلبه للمسلمين وللبشر أجمعين ..

ص: 177

وقد نشرت جريدة الجمهورية البغدادية بعددها 3067 الصادر بتاريخ 20 ايلول سنة 1977 م. والمصادف 7 شوال سنة 1397 ه. تحت عنوان : ذكرى الشاعر اقبال ، ما نصه : تحتفل الباكستان خلال شهر كانون الأول المقبل بالذكرى المئوية لميلاد شاعرها القومي محمد اقبال ، وقد وجهت الدعوة إلى أكثر من 200 عالم وشاعر من جيمع أنحاء العالم للمشاركة في مؤتمر دولي يستمر أسبوعاً لاحياء ذكرى الشاعر الذي ألّف حول حياته أكثر من ثلاثين كتاباً. ومن جميل الوقائع أن تكون كتابة هذه الترجمة في 9 نوفمبر ( كانون الأول ) عام 1978 م. حيث تصادف الذكرى المئوية لميلاد هذا الفيلسوف العظيم ، فقد احتفلت الباكستان وأكثر الدول بذكرى مولد الدكتور محمد اقبال.

إذ هو شاعر وفيلسوف وممّن شغفوا بحبّ الإسلام فهو خالد بعقيدته وأعماله الجبّارة وخدماته لشعبه خاصة ، وللمسلمين عامة. رحمه اللّه وأثابه على ذلك.

ص: 178

السيد خضر القزويني

المتوفى 1357

ما بال هاشم لا تثير عرابها *** نسيت رزية كربلا ومصابها

أو لم تسق أبناء حرب زينباً *** حسرى وقد هتكت بذاك حجابها

حسرى بلا حام لنغل سمية *** والوجد أنحل جسمها وأذابها

أين الحمية من نزار وبيضها *** كانت ولم تزل الرقاب قرابها

أفهل بها قعدت حميتها وكم *** هذا القعود وقد أذلّ رقابها

وإلى مَ تغضي والعدو بجنبها *** يمسي قريراً وهي تقرع نابها

وهل الحفاظ بها يثور وعزمها *** يحيي فتدرك بالطفوف طلابها

اللّه أكبر كيف تقعد هاشم *** والقوم بالطف استباحت غابها

نسيت وهل تنسى غداة تجمعت *** وعلى ابن طاها حزبت أحزابها

حتى أحاطت بالحسين ولم تكن *** حفظت بذاك نبيها وكتابها

وعدت عليه فغادرته وآله *** وذويه صرعى كهلها وشبابها

فتخالها الأقمار وهي على الثرى *** صرعى وقد أضحى النجيع خضابها

والطهر زينب مذ رأتهم صُرّعاً *** حنّت وقارضت الحسين عتابها

أأخي ترضى أن تجاذب زينباً *** أيدي بني حرب الطغاة نقابها

السيد خضرالقزويني هو ابن السيد علي بن محمدبن جواد بن رضا أبو الأسرة القزوينية الحسينية النجفية. ولد المترجم له 1323 ه. في النجف. خطيب أديب ولوذعيّ لبيب وغرّيد فريد نظم فأجاد ، له ديوان اسمه ( الثمار ) يشتمل على أبواب : الحماسيات ، الاجتماعيات ، الرثاء ، الغزل ، النسيب. مجموع

ص: 179

صفحاته 124 صفحة ، نبغ كثير من هذه الأسرة في العلم والأدب منهم الشاعر الشهير السيد صالح القزويني الشهير بالبغدادي وولده السيد راضي وهم غير الاسرة القزوينية في الحلة الفيحاء والنجف والهندية ، والخطيب أبا الياس كان غريد المحافل سيما في الأعراس وفي عصره يعدّ من المجددين ولا زلت أتذكره وأحادثه فكان أدبه أكثر من خطابته إذ كان في مواسم الخطابة يكتفي بالرساتيق والقرى ومثل هذه الزوايا لا تشحذ الذهن ولا تربي الملكة الخطابية بل تجعله راض بما عنده إذا كان مجتمعه راض عنه. إن الخطيب الجوّال في الأقطار والأمصار يضطر لتقديم النافع من الكلام إذ يحسّ بما يحتاجه المجتمع من معالجة أمراضه والخطيب كالطبيب فالسيد خضر تعلّق بالمشخاب وهو قطر منزوي لا ثقافة عنده ولا تحسس سوى الزرع والسقي وما دام هذا الخطيب تطربهم نغماته وتؤثر في أحاسيسهم نبراته فهو المرغوب فيه وهو المطلوب عندهم. وكانت أريحيته تسحرهم وهو ممن تسحرهم مناظر الفرات والريف الضاحك ، قال في شاب اسمه حسن ويتصف بالوطنية.

كيف لا يصبح قلبي وطناً *** لك والقلب لمن يهوى وطن

فجدير بك لو تدعى بنا *** وطنياً مثلما تدعى ( حسن )

ومن روائعه قصيدته في رثاء صديقه الشاعر الشيخ جواد السوداني وأولها :

كيف يقوى على رثاك لساني *** والأسى كفّ منطقي وبياني

ليت شعري وكيف يسلوك خلّ *** ولقد كنت سلوة الخلان

ومن غزله قصيدته التي عنوانها بنت كسرى :

من عذيري من غادة كسرويه *** فتنت بالجمال كل البريه

يا بنفسي فديتها من فتاة *** لم ترَ العين مثلها أريحيه

فجدير بالعاشقين إذا ما *** سجدت بكرة لها وعشيه

توفي السيد خضر القزويني سنة 1357 ه. ودفن في ايوان الذهب من الصحن الحيدري الشريف.

ص: 180

السيد جواد القزويني

المتوفى 1358

هلا تعود بوادي لعلع وقبا *** مرابع ذكرها في القلب قد وقبا

أيام لهو مضت فيمن أحب وقد *** أبقت معنى إلى تلك العهود صبا

تعذبت مهجتي يوم الرحيل بهم *** كأن طعم عذابي عندهم عذبا

لا تحسبوا أعيني تجري مدامعها *** عليك بل لآل المصطفى النجبا

أبكيهم يوم حلّوا بالطفوف ضحى *** وشيدوا في محافي كربلا الطنبا

وأقبلت آل حرب في كتائبها *** تجرّ حرباً لرحب السبط واخربا

ساموه إما كؤوس الحتف يجرعها *** أو أن يذل ولكن الاباء أبى

نفسي الفداء لظامي القلب منفرداً *** وغير صارمة في الحرب ما صحبا

لهفي له مذ أحاطت فيه محدقة *** أهل الضلال وفيه نالت الإربا

رموه في سهم حقد من عداوتهم *** مثلثاً في شظايا قلبه نشبا

من بعده هجمت خيل الضلال على *** خدر النبوة باللّه فانتهبا

أبدوا عقائل آل الوحي حاسرة *** لم يتركوا فوقها ستراً ولا حجبا

اللّه كم قطعت لابن النبي حشى *** في كربلاء وكم رحل بها نهبا

وكم دم قد أراقوا فوق تربتها *** وكم يتيم بكعب الرمح قد ضربا

سروا بهن على الأقتاب حاسرة *** إلى ابن هند تقاسي الوخد والنصبا

* * *

ص: 181

الجواد بن الهادي ابن السيد ميرزا صالح ابن الحجة الكبير السيد مهدي القزويني :

هداة اباة في سما المجد أشرقت *** وحسبك من هادٍ بشير إلى هادي

ولد سنة 1297 ه. في قضاء الهندية قبل وفاة جده الكبير بثلاث سنوات نشأ على حب العلم والكمال ودرس مبادئ العلوم على عمه السيد أحمد ثم أرسله أبوه إلى النجف وألحقه بأخويه : السيد محيي والسيد باقر وهما أصغر منه سناً فنالوا قسطاً كبيراً من الفقه على جملة من اعلام النجف كالحاج ميرزا حسين الحاج خليل والشيخ مهدي المازندراني وآية اللّه الخراساني والملا كاظم إلى أن حدثت الحرب العالمية الاولى سنة 1332 ه. عاد المترجم له إلى الهندية مزوّداً بجملة من شهادات مشايخه الاعلام التي تخوله نشر الأحكام. وكانت أيام العطل الصيفية هي مواسم المطارحات الأدبية والمبارات الشعرية مضافاً إلى ولعه الشديد بمطالعة كتب الأدب والشعر والأخبار وسيرة أهل البيت حتى ألّف من ذلك مجاميع تضم النوادر والفوائد والشواهد. رأيت بخط الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام جملة من الرسائل الأدبية والمقاطيع الشعرية والذوق الأدبي ، أبرق للسيد محمد علي القزويني بمناسبة تعيينه عضواً في مجلس الأعيان :

تفرست الملوك بك المعالي *** وقد أحرزتها بعلوّ شان

فلا عجب إذا أصبحت ( عينا ) *** لأنك عين انسان الزمان

وله مفردات ومقاطيع قالها في مناسبات شتى وقصائد رثى بها سيد الشهداء أبا عبد اللّه الحسين علیه السلام منها قصيدة التي مطلعها :

هلا دروا بمحبٍّ عندما ذهبوا *** تجري مدامعه دمعاً وتنسكب

ص: 182

واخرى أولها :

أحباي لا أصغي للومة لائم *** ولا انثني عن ودكم باللوائم

وقوله :

ما للأحبة لا يأوون خلانا *** هلا دروا أننا حانت منايانا

وديوانه المخطوط معظمه في الإمام الشهيد كما كتبَ وخلّف من الآثار كتاب ( لواعج الزفرة لمصائب العترة ) يقع في ثلثمائة صفحة استعاره بعض المتأدبين ولم يُرجعه ، وكتاب « الفوادح الملمة في مصائب الأئمة » حققه حفيده السيد جودت القزويني ، توفي السيد جواد أوائل شعبان سنة 1358 ه. في الهندية وحمل نعشه على الأعناق مسافة أميال ثم حمل إلى النجف حيث دفن في مقبرة آبائه الخاصة بالاسرة ورثاه فريق من الشعراء كالشيخ قاسم الملا والسيد محمد رضا الخطيب والشيخ عبد الحسين الحويزي وغيرهم.

ص: 183

الشيخ عبد الغنى الحر

المتوفى 1358

أنختُ بباب باب اللّه رحلي *** محط رحال كل رجا وسؤلِ

وقد يممت بحر ندى وجود *** ومعروفاً بمعروف وفضل

ولذت بظل كهف حمى حسين *** لجى اللاجين في حرم وحِلّ

بنائله الظما يروى وروداً *** وغيث نداه منهل كوبل

وفدت عليك يحدوني اشتياقي *** وأحشائي بنار جواي تغلي

رجاءً أن تحط الثقل عني *** فأنت القصد في تخفيف ثقلي

وغوثك فيه يكشف كل خطب *** وغيثك فيه يخصب كل محل

وغفران الذنوب وكل وزر *** بدا مني بقولٍ أو بفعلِ

ونصري يا ملاذ على الأعادي *** وإعزازي على ما رام ذلّي (1)

الشيخ عبد الغني الحر المتوفى سنة 1358 ه. ترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر فقال : هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي.

عالم فاضل وأديب شاعر. كان في النجف الأشرف من أهل العلم والفضلاء

ص: 184


1- عن مجموع خطي يحتوي على اربعين قصيدة كلها في رثاء الامام الحسين وأخيه العباس ابن علي علیهم السلام وهي بخط الناظم.

الأجلاء وكان على طريقة الاخيارية ، وهو شاعر مكثر لا سيما في مدح أهل البيت ورثائهم وهو سريع البديهة جداً وشعره متوسط ، طبع له ( منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر ) طبع بالمطبع الحيدرية بالنجف سنة 1339 ه. يحتوي على 72 صفحة. توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة 1358 ه. ودفن في الايوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف. وله شعر كثير وله تخميس التائية الشهيرة لدعبل بن علي الخزاعي والتي أولها :

تجاوبن بالأرنان والزفرات *** نوائح عجم اللفظ والنطقات

وله تخميس قصيدة السيد جعفر كمال الدين الحلي والتي أولها :

يا قمر التمّ إلى مَ السرار *** ذاب محبّوك من الانتظار

ومن ذكرياتي عن المترجم له أني كنت أجتمع بجملة من اللبنانيين الأفاضل ورجال العلم في الاسبوع مرة في دار العلامة المرحوم الشيخ عبد الكريم الحر وهو صهر الشيخ المترجم له فكنا نقضي ساعات من الليل في الاستماع إلى شعره الذي كان يحفظه ويردده بانشودته ونبراته ولا أنسى أن كل ما ينظم ويقرأ هو في مدح حجة آل محمد صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن سلام اللّه عليهما. أمّا ما رواه لي ولده العلامة الشيخ محمد الحر سلمه اللّه عن سيرة والده رحمه اللّه قال : كان لا يمرّ يوم من الأيام إلا ونظم من الشعر عشرات الأبيات وقد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة وملكته الشعرية وحافظته القوية وسرعة البديهة مضرب المثل ، يقول ما كنت أسمع بديوان شعر إلا واقتنيته وحفظت أكثره عنه أخدانه ومعاصروه كنا نقرأ عليه القصيدة الكاملة مرة واحدة فيحفظها ويقول ولده سلمه اللّه : أما الذي أدركته منه في أواخر عمره فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً وهو يرغب أن يحفظها قال : إقرأ عليّ منها ثلاثين بيتاً فقط ، فقرأتُ فأعادها عليّ حفظاً ، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليّ حفظاً ، ويقول ولده ان مجموع ما نظمه لا يقل عن أربعة آلاف قصيدة وأكثرها في صاحب الأمر حجة آل

ص: 185

محمد وحدّث العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل اللّه أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازي رحمه اللّه كان يتحدث عن المترجم له ويقول : إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر وحبّه لآل محمد لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار.

وحدّث أحد تلاميذه عن سرعة البديهة وقوة الحافظة عند الشيخ الغني فقال : كان يدرّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر غيب وحفظ العبارة بنصّها ، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة ويستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني. وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها ، واذكر صوته الجهوري مضافاً إلى بسطته في العلم والجسم ونقل لي ولده بعض الاكتشافات والتجليات والكرامات التي تدل على روحانيته وشدة ولائه وعقيدته ومنها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة والمبدأ.

ص: 186

السيد ناصر الاحسائي

المتوفى 1358

هذي مضاجع فهر أم مغانيها *** أم السماء تجلت في معانيها

فحط رحل السرى فيها وحي بما *** يجري من العين دانيها وقاصيها

ودع قلوصك فيها غير موثقة *** وخلّ عنها عساها أن تحييها

ولا تلمها إذا ألوت معاطفها *** يوماً لتقبيل باديها وخافيها

فما دهاك دهاها من أسى وجوى *** وما دعاك لسكب الدمع داعيها

كلا كما ذو فؤاد بالهوى كلف *** وأنتما شركا في ودّ مَن فيها

قوم على هامة العلياء قد بنيت *** لهم بيوت تعالى اللّه بانيها

ومعشر للمعاني الغر قد شرعوا *** طرقاً بأخلاقهم ما ضلّ ساريها

وأسره قد سمت كل الورى شرفاً *** فلم يكن أحد فيه يدانيها

لووا عن العيش أعطافاً أبين لهم *** مسّ الدنية تكريماً وتنزيها

فقاربت بين آجال لهم شيم *** إذ المنايا طلاب العز يدنيها

رأوا حياتهم في بذل أنفسهم *** في موقف فيه حفظ العز يحييها

ولا يعاب امرؤ يحمي مكارمه *** بنفسه فهو حر حيث يحميها

في الهام أمست تغني بيضهم طرباً *** وسمرهم تتثنى في الحشا تيها

والخيل من تحتهم فلك جرى بهم *** في موج بحر دم واللّه مجريها

والنقع قام سماءً فوق أرؤسهم *** آفاقها أظلمت منه نواحيها

لكن أجرامهم قامت بها شهباً *** لولا ضياء شباها ضل ساريها

ص: 187

ترمي العدى بشواظ من صواعقها *** فلا ترى مهرباً منه أعاديها

رووا بماء الطلا بيض الظبى ولهم *** أحشاء ما ذاق طعم الماء ظاميها

حتى إذا ما أقام الدين واتضحت *** آياته وسمت فيهم معانيها

وشيدوا للهدى ركناً به أمنت *** أهل الرشاد فلا لافى مساعيها

وشاء أن يجزي الباري فعالهم *** من الجزاء بأوفى ما يجازيها

دعاهم فاستجابوا إذ قضوا ظمأ *** بأنفس لم تفارق أمر باريها

فصرعوا في الوغى يتلو مآثرهم *** في كل آن مدى الأيام تاليها (1)

حجة الإسلام السيد ناصر الاحسائي ، مولده في الاحساء سنة 1291 ه. ووفاته سنة 1358 ه. نشأ نشأة صالحة وتربى على يد أبيه الفقيه الكبير ، وبعد وفاة أبيه هاجر إلى النجف الأشرف موطن العلم والعلماء وأكبر جامعة في الفقه فدرس على المرحوم الشيخ محمد طه نجف والشيخ محمود ذهب والشيخ هادي الطهراني ثم عاد إلى الاحساء مرشداً عالماً تقياً ورعاً ثم عاد إلى النجف مرة ثانية فدرس على الشيخ ملا كاظم الأخوند وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد أبو تراب ولما كثر الطلب عليه من أهالي الاحساء لحاجتهم اليه وجعلوا مراجع الطائفة وسائط له عاد ومكث بينهم يفيض من معارفه ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم حتى وافاه الأجل ليلة الاربعاء ثالث شهر شوال سنة 1358 ه.

تشرفت برؤية محياه الأنور واستمعت إلى حديثه الشهي وتزودت من نصائحه ومعارفه ، صباحته ونور أساريره يشهدان له بأنه من ذرية الرسول ومن حَمَلة علومهم ، مثالاً للورع والتقى والعبادة والزهادة كنتُ كلما ارتقيت الأعواد أصغى إلى بكله ويستجيد ويستحسن فضائل أهل البيت ومآثرهم ويرتاح لسماع مناقبهم ، يعظم الكبير والصغير ولا يستخف بأحد وأذكر أني فرغتُ

ص: 188


1- عن الذكرى التي قام بتأليفها الخطيب السيد محمد حسن الشخص.

من خطابي مرةً فجلست - وكان حديثي عن سيرة الإمام الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام . فقال السيد رحمه اللّه ما نصه :

ومن أقوال الإمام الصادق علیه السلام : العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة : العالم والسلطان والإخوان فمن استخف بالعالم أفسد دينه ، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه ، ومن استخف بالإخوان أفسد مروأته. وكان موضع تجلّة واحترام من جميع الطبقات وكان لوفاته رنة حزن وأسف وقد أبّنته بقصيدة نشرت في ( الذكرى ) التي قام بطبعها وتحقيقها الخطيب الجرئ السيد محمد حسن الشخص سلمه اللّه وكان مطلع قصيدتي في رثائه :

نعى البرق رمز التقى والهدى *** فقلنا لقد طاح ركن الهدى

ومن رثائه للامام الحسين (عليه السلام) :

كم قد تؤمل نفسي نيل منيتها *** من المعالي وما ترجو من الاربِ

كما تؤمل أن تحظى برؤية من *** يزيح عنها عظيم الضر والكرب

ويملأ الأرض عدلاً مثل ما ملئت *** بالظلم والجور والابداع والكذب

يا غائباً لم تغب عنا عنايته *** كالشمس يسترها داج من السحب

حتى مَ تقعد والإسلام قد نقضت *** عهوده بسيوف الشرك والنصب

ويرتجيك القنا العسال تورده *** من العداء دماءً فهو ذو سغب

والبيض تغمدها أعناق طائفة *** منهم مواليك نالوا أعظم العطب

وتوعد الخيل يوماً فيه عثيرها *** سحائب برقها من بارق القضب

تهمى بماء الطلا من كل ناحية *** حتى تروي منه عاطش الثوب

فانهض فديتك ما في الصبر من ظفر *** فقد يفوت به المطلوب ذا الطلب

أما أتاك حديث الطف إن به *** آباءك الغر قاسوا أعظم النوب

غداة رامت أمي أن يروح لها *** طوع اليمين أبيٌ واضح الحسب

ويركب الضيم مطبوع على همم *** أمضى من السيف مطبوعاً من اللّهب

ص: 189

فأقبلت بجنود لا عداد لها *** تترى كسيل جرى من شامخ الهضب

من كل وغدٍ لئيم الأصل قد حملت *** به العواهر لا ينمى إلى نسب

وكل رجس خبيث قد نماه إلى *** شر الخلائق والأنساب شرأب

حتى تضايق منها الطف وامتلأت *** رحابه بجيوش الشرك والنصب

فشمرت للوغى إذ ذاك طائفة *** لم تدر غير المواضي والقنا الرطب

قوم هم القوم لم تفلل عزائمهم *** في موقف فل فيه عزم كل أبي

من كل قرم كأن الشمس غرته *** لو لم يحل بها خسف ولم تغب

وكل طود إذا ما هاج يوم وغى *** فالوحش في فرح والموت في نصب

وكل ليث شرى لم ينج منه إذا *** ما صال قرم باقدام ولا هرب

مشوا إلى الحرب من شوق لغايتها *** مشي الظماة لورد البارد العذب

فأضرموها على الأعداء نار وغى *** تأتي على كل من تلقاه بالعطب

وأرسلوها بميدان الوغى عرباً *** كالبرق تختطف الأرواح بالرهب

وجردوها من الأغماد بيض ضباً *** تطوي الجموع كطي السجل للكتب

وأشرعوها رماحاً ليس مركزها *** سوى الصدور من الأعداء واللبب

صالوا فرادى على جمع العدى فغدت *** صحاحه ذات كسر غير منأرب

وعاد ليلهم يمحونه بضبى *** لا يتقى حدها بالبيض واليلب

حتى إذا ما قضوا حق العلا ووفوا *** عهد الولى وحموا عن دين خير نبي

وجاهدوا في رضى الباري بأنفسهم *** جهاد ملتمس للأجر محتسب

دعاهم القدر الجاري لما لهم *** أعد من منزل في أشرف الرتب

فغودروا في الوغى ما بين منعفر *** دامى ومنجدل بالبيض منتهب

ظامين من دمهم بيض الضبى نهلت *** من بعد ما أنهلوها من دم النصب

لهفي لهم بالعرى أضحى يكفنهم *** غادى الرياح بما يسفى من الترب

وفوق أطراف منصوب القنا لهم *** مرفوعة أرؤس تعلو على الشهب

ونسوة المصطفى مذ عدن بعدهم *** بين الملا قد بدت أسرى من الحجب

وسيّرت ثكلا أسرى تقاذفها *** الأمصار تهدى على المهزول والنقب

ص: 190

ان تبكي اخوتها فالسوط واعظها *** وفي كعوب القنا إن تدعهم تجب

وبينها السيد السجاد قد وثقت *** رجلاه بالقيد يشكو نهشة القتب

يبكي على ما بها قد حلّ من نوب *** وتبكي مما عليه حلّ من كرب

واحر قلباه أن تدعُ عشيرتها *** غوث الصريخ وكهف الخائف السغب

تدع الأولى لم يحلّ الضيم ساحتهم *** من لم يضع بينهم ندب لمنتدب

تدعوهم بفؤاد صيرته لظى الأحزان *** ناراً فأذكى شعلة العتب

تقول ما لكم نمتم وقد شهرت *** نساؤكم حسراً تدعو بخير أب

حتى متى في عناق الضيم همتكم *** وللمواضي عناق الماجد الحسب

ونومكم في ظلال العز عن دمكم *** والنوم تحت القنا أولى بكل أبي

ما أنتم أنتم إن لم يضق بكم *** رحب الفضاء على المهرية العرب

وتوقدوها على الأعداء لاهبة *** حتى يكون بها من أضعف الحطب

فكم لكم في قفار الأرض من فئة *** صرعى ومن نسوة أسرى على القتب (1)

ص: 191


1- عن ذكرى السيد الاحسائي.

السيد مهدي الأعرجي

المتوفى 1359

سقت ربعاً بسلع فالغميم *** غوادي الدمع لا الغيث العميم

وقفتُ به أُجيل الطرف فيه *** على تلك المعالم والرسوم

أُكلّمه وليس يردّ قولاً *** فأصدر عنه في قلب كليم

فكم لي فيه من زمن تقضّى *** بشرب سلافة وعناق ريم

بحيث العيش للأحباب رغدٌ *** ووجه الأرض مخضرّ الأديم

وشمس الراح في يمنى هلال *** يطوف بها على مثل النجوم

رشاً رقّت محاسنه فأضحى *** يؤلم خدّه مرّ النسيم

فكم من ليلة مرّت علينا *** إلى الاصباح وهو بها نديمي

أريه الدمع منثوراً إذا ما *** أراني درّ مبسمه النظيم

أرخّم دمع عيني إذ أراه *** كحيل الطرف كالظبي الرخيم

فياربع الأحبة طبت ربعاً *** وطاب ثراكِ يا دار النعيم

محاك الدهر يا ربع التصابي *** وخانك حادث الزمن المشوم

وفيك الدهر لم يحفظ ذمامي *** لحاه اللّه من دهر ذميم

كما لم يرع للهادي ذماماً *** بأهليه ذوي الشرف القديم

رماهم بالخطوب فمن شريد *** نأى عمّن يحب ومن سميم

ومقتول بجنب النهر ظام *** سليب الثوب مسبيّ الحريم

ص: 192

تساق نساه أسرى من ظلوم *** على عجف النياق إلى ظلوم

تحفّ بها العداة فمن لئيم *** يعنّفها وأفّاكٍ أثيم

وإن يبكي اليتيم أباه شجواً *** مسحن سياطهم رأس اليتيم

وليس لها حميّ يوم سارت *** يلاحظها سوى مضنى سقيم

براه السقم حتى صار مما *** به سقماً يميل مع النسيم

ورأس ابن النبي على قناةٍ *** يرتّلُ آي أصحاب الرقيم

وينذر في النهار القوم وعظاً *** ويهدي الركب في الليل البهيم

فلم أرَ قبله بدراً تجلّى *** له برج من الرمح القويم

وأعظم ما تسحّ له المآقي *** بدمع دونه وكف الغيوم

وقوف بنات خير الخلق طراً *** أمام طليقها الرجس الزنيم

السيد مهدي الأعرجي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد علي الحسيني الأعرجي البغدادي. ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة 1322 ه. درس فن الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلي زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة. وأول قصيدة نظمها هي قصيدته في رثاء الإمام الحسن السبط (عليه السلام) .

قضى الزكي فنوحوا يا محبيه *** وابكوا عليه فذى الأملاك تبكيه

درس العربية والعروض على العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي رحمه اللّه . توفي السيد مهدي سنة 1359 ه. غريقاً بشطّ الفرات في الحلة يوم الخامس من شهر رجب. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب وتزيد صفحاته على الثلثمائة وله مخطوطات كتبها بيده وخطه الجميل في المراسلات والتواريخ وغيرها وأرجوزة في تواريخ المعصومين أكبر من أرجوزة الشيخ الحر العاملي ، أصيب بانحلال في الأعصاب تعتريه غفوات مع سكتة لكنه يقظ

ص: 193

حي الشعور ، فطن يقوم بواجبه أحسن قيام متدين ورع لم يعبأ بالعسر الذي لازمه وألح عليه ومن شعره في ذلك :

وكأن دهري سيبويه فكم له *** بالعالمين تحرك وسكون

وكأنني إسم مضاف دائماً *** ودراهمي بين الورى تنوين

أتصوره جيداً وأتمثله نصب عيني ، طيب القلب إلى أبعد حدود الطيب ولم يك في البشر ممن رآه ولم يهواه ويحبه لصفائه إذ هو لا يستخف بأحد ولا يحقد على مخلوق مازحته مرة وأكثرت فتألم وتبرّم وفي لقاء آخر إعتذرت اليه فأجابني : أنا راضي بن راضي. لأن أباه هو السيد راضي الأعرجي ، وداعبه الشيخ ضياء الدخيلي فاستاء منه وارتجل :

طبعي يقول بأني *** أمجّ كل ثقيل

وقد يهون ثقيل *** إلا ضياء الدخيل

كانت محافل الأدب مستمرة في النجف فلا يكاد يقترن أحد الادباء إلا وتقام له المحافل الشعرية كل يوم عصراً لمدة ربما استمرت شهراً واحداً أو أكثر لذا تجد الكثير من الأدباء يحتفظ بمجموع أدبي شعري وكان الأعرجي خصب القريحة يشارك في أكثر الحلبات مجلٍّ في مواقفه ومن مميزاته سرعة البديهة والقدرة على نظم الشعر بسرعة فإذا طالبته بنظم قصيدة إعتزل ساعة ثم أخذ يطبق جفنيه ويفتحهما ويكتب ، وكثيراً ما يسبق شعوره قلمه. لقد رويت للأخ الخاقاني مرة عن نبوغ هذا الشاعر وسجّل ما رويت له في شعراء الغري.

ذلك أن جلس مرة في الصحن العلوي وجلس إليه الشاعر محمود الحبوبي وجواد قسّام ومَن لا يحضرني اسمه وذلك في فصل الربيع ففاجأتنا غمامة بعزاليها فالتجأنا إلى إحدى غرف الصحن فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع بنظم قطعة بوصف الغيث وقال : هطل السحاب على الربى ملثانا

فأجازه السيد الأعرجي بقوله : فغدت حبال المحل منه رثاثا

ص: 194

وقال أحدهم : أنظر إلى لطف الكريم ومنّه

فقال : يوليك غيثاها جلاً وغياثا

وقالوا : الأرض تبسم والزهو تضاحكت

فقال : فكأن ذي عطشى وتلك غراثا

وهكذا استمرّ حتى تضاحكوا وشهدوا له بالتفوق. وحضرت معه في مجلس وكان يقرأ احد الحاضرين موضوعاً للمنفلوطي مصطفى في كتابه ( النظرات ) وعنوان المقال ( الغد ) وعندما فرغ أخذ السيد الأعرجي مضمون المقال وحوّله إلى شعر فقال :

يا ناسج الرداء أنت آمنٌ *** من أن يكون كفناً لك الردا

ولابس الثوب لتختال به *** قل لي متى أمنتَ نزعه غدا

...

يا صاح إن المرء لا يعلم ما *** يجيء فيه غده كأمسه

من داره يخرج لا يدرى إلى *** العتبة أم إلى شفير رمسه (1)

ويغرس البستان لا علم له *** أن لا يكون آكلاً من غرسه

ويجمع المال ولكن كله *** يكون بعده لزوج عرسه

...

كانني بالغد وهو رابضٌ *** ينظر بالهزء إلى آمالنا

يرى على الدنيا تكالباً لنا *** فينثني يضحك من أحوالنا

ثم يرانا لم نزل في غفلة *** ليس نفيق قط من إغفالنا

فينثني يصفق راح كفه *** تعجباً للسوء من أفعالنا

ص: 195


1- إذ أن من قول المنفلوطي : لقد غمض الغد عن العقول حتى لو أن انساناً رفع قدمه ليضعها في خروجه من باب قصره لا يدري أيضعها على عتبة القصر أم على حافة القبر.

كم مُمتلٍ من الغنى في يومه *** أصبح في غد فقيرا مملقا

وكم وضيع لم يكد يعرف في *** الناس إلى أوج الثريا حلّقا

وكم أناس جمع اليوم لهم *** شملاً فأضحى في غد مفترقا

هذا هو الدهر تراه تارةً *** مغرّباً وتارةً مشرقا

وفي حفلة أدبية بمناسبة قران أحد الأدباء تقدم الاستاذ ابراهيم الوائلي في داره الواقعة في النجف محلة الحويش ينشدنا عصراً قصيدته التي يتحامل بها على القديم وتقاليد الآباء ويسخر من اللحية فيقول :

قالوا اللحى قلت احلقوها إنها *** هي للمدلّس صرام وسنانُ

وفي اليوم الثاني يطلع السيد الأعرجي بقصيدته التي أولها :

كم بالتمدن تملأ الأشداق *** ولدى الحقيقة ما له مصداق

قد أجحفوا بحقوق شعبهم كما *** بلحاهُم قد أجحف الحلاق

ويشفعها برائعته المطربة وينشدها الخطيب خضر القزويني وأولها :

في ذمة التمدن الكاذب *** حلقك للحية والشارب

وللسيد الأعرجي ظرف وخفة روح بالرغم من الجهمة التي لا تفارق محياه فلا تكاد تفوته النادرة والنكتة ، فقد دار الحديث مرة عن البلهاء والمغفلين فروى لنا أن أحدهم كان يدير بمسبحته ويذكر اللّه ويريد أن يقول في الجزء الأول اللّه أكبر ، وفي الجزء الثاني : سبحان اللّه ، وفي الجزء الثالث : الحمد لله ولكنه غفل في الجزء الثاني وضلّ يردد سبحان اللّه ثم انتبه فأراد أن يسترجع الزائد فجعل يقول : لا سبحان اللّه ، لا سبحان اللّه ولنستمع إلى ترانيمه المطربة وغزله الرقيق من قصيدة :

بات على غنا الهزار في السحر *** يصفق النهر ويرقص الشجر

وبات ثغر الاقحوان باسماً *** والنرجس الغض يحدّه النظر

والليل بحر والهلال زورق *** والنجم قد طفى عليه كالدرر

أو أنه ملك من الزنج أتى *** وعرشه الجوّ وتاجه القمر

ص: 196

وقال يداعب الخطيب خضر القزويني :

يا خضر أنت خليلي في الأنام كما *** أنت المؤمل للمعروف من بعدي

تُرى معي كل آن في ملازمة *** والخضر ليس يرى إلا مع المهدي

وكتب للحجة الكبير الشيخ هادي ابن الشيخ عباس كاشف الغطاء يطلب منه ( سبيلا ) وهو ما يشرب به التبغ :

يا بن عباس همومي كثرت *** في الحشى حتى غدا القلب عليلا

فأنا التائه في سبل الهوى *** فاهدني - يا هادي الناس - سبيلا

وكتب للأديب العلامة السيد أحمد السيد رضا الهندي :

أأحمد يا ابن خير الخلق طراً *** ومن كان الحريّ بكل مجد

لئن لُقّبتَ بالهندي فينا *** فإن السيف يقطع وهو هندي

فأجابه :

أَمهديَّ الورى أطريت وصفي *** فكنتَ به جدير الذكر عندي

لئن ضلّ الورى سنن المعالي *** فإنك يا ابن خير الخلق مهدي

وقال في وردة بيد صديق :

وزهرة طيبها من طيب صاحبها *** تفوح كالعنبر المسحوق بالطيب

من طبعه اكتسبت نشراً لصحبته *** والطبع مكتسب من كل مصحوب

ولأن الأعرجي لا يرتضي من الشعر إلا ما كان منبعثاً عن الشعور ، فيندفع قائلاً :

ما الشعر إلا شعور *** تجيش فيه العواطف

وخيره ما تراه *** عن الحقيقة كاشف

ومن ألطف ما أروي له تاريخ وفاة الخطيب المحبوب الشيخ محمد حسين الفيخراني وقد توفاه اللّه ببغداد على أثر عملية جراحية.

ص: 197

مات في الكرخ حسين *** نائي الدار كئيب

فابكه واندب وأرخ *** واحسين واغريب

وأرخ عام سحب الماء للنجف على نفقة معين التجار وصديقه رئيس التجار سنة 1343 ه.

أجرى المعين من الرئيس عليهما *** كل الثنا ماء الفرات إلى الغري

فأقام طير البشر فيه مؤرخاً *** ان المعين له معين الكوثرِ

وإلى جنب إعجابي به فإن لي عليه مؤاخذات لا أودّ ذكرها ومن تلك المؤاخذات قوله كما رواه الخاقاني في شعراء الغري :

زار يختال كغصن *** في الصَبا إذ يتحرك

فافتضحنا بسناه *** يا جميل الستر سترك

والمعنى للشيخ البهائي كما روى الشيخ علي كاشف الغطاء في الجزء الرابع من مخطوطه ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ص 308 :

زارني ليلاً فبتنا *** في ظلام ليس يدرك

وأدرنا الكاس حتى *** كادت الحشمة تترك

فأتى الواشي فقلنا *** يا جميل الستر سترك

أما ولاؤه لأهل البيت وتفانيه في حبّهم فهو من ألمع ميزاته ولا زلت أتمثله في المآتم الحسينية يجهش بالبكاء وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني وهذه روائعه ومراثيه تذيب الصخر إذ أنها تنصبّ من منبع الألم والثكل وقلب مكلوم.

ومقتول بجنب النهر ظام *** سليب الثوب مسبيّ الحريم

تساق نساه أسرى من ظلوم *** على عجف النياق إلى ظلوم

وإن يبكي اليتيم أباه شجواً *** مسحن سياطهم رأس اليتيم

ص: 198

وإلى جانب هذه الموهبة بالفصحى فهو ذا ملكة قوية بالنظم باللغة الدارجة متفنن فيها ففي الموال والأبوذية والشعر الدارج لا يُجارى وهناك ميزة يتفرّد بها وهي قدرته على نظم الهزل فكان في شهر ربيع الأول يوم الرابع عشر منه وهو يوم هلاك يزيد بن معاوية يسمعنا من نظمه ما يضحك الثكلى فهناك اصطلاحات تختص بها الأقطار والأمصار والبلدان وترى البعض ينتقد البعض ويضحك منها فهو ينظمها ثم ينوّع القصيدة فبيت بالفارسية وآخر بالتركية وثالث بالكردية ورابع بالهندية ومصطلحات الشرقي والغربي وهكذا ، وهذا مما يكاد ينفرد به :

ومن حسينياته :

ما بال فهر أغفلت أوتارها *** هلا تثير وغى فتدرك ثارها

أغفت على الضيم الجفون وضيعت *** يا للحمية عزها وفخارها

عجباً لها هدأت وتلك أمية *** قتلت سراة قبيلها وخيارها

عجباً لها هدأت وتلك نساؤها *** بالطف قد هتك العدى أستارها

من كل ثاكلة تناهب قلبها *** كف الأسى ويد العدو خمارها

لهفي لها بعد التحجب أصبحت *** حسرى تقاسي ذلها وصغارها

تدعو أمير المؤمنين بمهجة *** فيها الرزية أنشبت أظفارها

أبتاه يا مردي الفوارس في الوغى *** ومبيد جحفلها ومخمد نارها

قم وانظر ابنك في العراء وجسمه *** جعلته خيل أمية مضمارها

ثار تغسله الدماء بفيضها *** عار تكفنه الرياح غبارها

وخيول حرب منه رضت أضلعاً *** فيها النبوة أودعت أسرارها

وبيوت قدس من جلالة قدرها *** كانت ملائكة السما زوّارها

يقف الأمين ببابها مستأذناً *** ومقبلاً أعتابها وجدارها

أضحت عليها آل حرب عنوة *** في يوم عاشورا تشن مغارها

ص: 199

كم طفلة ذعرت وكم محجوبة *** برزت وقد سلب العدو أزارها

ويتيمة صاغ القطيع لها سواراً *** عندما بز العدو سوارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلي *** عنها فترخص دونها أعمارها

أين الكماة الصيد من عمرو العلي *** لتثير للحرب العوان غبارها

وله من التخاميس والتشاطير شيء كثير وقد أثبتّ في مؤلفي ( سوانح الأفكار ) جملة من ذلك ، حتى أنه خمّس بعض القصائد بكاملها ومنها قصيدة السيد جعفر الحلي الحسينية وأولها :

وجه الصباح عليّ ليلٌ مظلم *** وربيع أيامي عليّ محرم

وهي 75 بيتاً. كما روي لي من نظمه تخميس ميمية السيد حيدر الحلي التي أولها :

إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم *** فلا مشت بي في طرق العلا قدم

وروي لي من نظمه تخميسه بيتين للسيد رضا الهندي في وداع زينب الكبرى لجثة أخيها الحسين (عليه السلام) :

مرّت بهم زينب لما نووا سفرا *** بها العدى فأطالت منهم نظرا

ومذ رأت صنوها في الترب منعفرا *** همّت لتقضيَ من توديعه وطرا

وقد أبى سوط شمر أن تودعه

إذا دنت منه سوط الشمر أرجعها *** ورمح زجر متى تبكيه قنّعها

فلم تودّع محاميها ومفزعها *** ففارقته ولكن رأسه معها

وغاب عنها ولكن قلبها معه

ومن روائعه في الولاء قوله في الشهيد مسلم بن عقيل :

يكفيك يا ابن عقيل فخراً في الورى *** فيه سموت إلى السماك الأعزل

إذ في رسالته الحسين لك ارتضى *** حيث الرسول يكون عقل المرسل

ص: 200

وقال :

أزائر أكتاف الحمى إبدء بمسلم *** وعج لعليِ غوث كل دخيل

فإن علي المرتضى باب أحمد *** وباب عليٍ مسلمُ بن عقيل

ويقصد الإمامين الكاظمين ويقف على المرقد ويقول :

لموسى والجواد أتيت أسعى *** لأشكو ما بقلبي من لواعج

فذا باب المراد لمن أتاه *** وهذا للورى باب الحوائج

ومن قصائده الشهيرة قصيدته في الشهيد مسلم بن عقيل وأولها :

هذي مرابعهم فحيّ وسلّم *** واعقل وقف فيها وقوف متيم

وأخرى في زيد الشهيد إبن الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأولها :

خليليّ عوجا بي على ذلك الربع *** لأسقيه إن شحّ الحيا هاطل الدمع

وثالثة يذكر فيها أبا الفضل العباس حامل لواء الحسين (عليه السلام) يوم كربلاء ، أولها :

كم ذا على الأطلال دمعك يسجم *** وإلى مَ بالتذكار قلبك مغرم

ورابعة في الصديقة الزهراء (عليهاالسلام) بنت الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أولها :

يا أيها الربع الذي قد درسا *** باكرك الغيث صباحاً ومسا

وخامسة في الامام موسى الكاظم علیه السلام ، أولها :

رحلوا وما رحلوا أهيل ودادي *** إلا بحسن تصبري وفؤادي

ولنقتطف من ديوانه بعض الروائع ، قال مخمساً :

شبّ الهوى في الفؤاد نارا *** وهيّم القلب فاستطارا

لشادن يشبه العذارى *** وأهيف من بني النصارى

بسهم ألحاظه رميتُ

ص: 201

له يدٌ تبهج النفوسا *** بيضاء قد فاقت الشموسا

فهو وإن كان مثل موسى *** خالف في المعجزات عيسى

فذاك يحيي وذا يميتُ

ومن مراسلاته الأدبية رسالة للمرجع الديني السيد أبو الحسن الاصفهاني قوله فيها :

جاء الشتا وليس لي من عدة *** أعتدّ فيها من طوارق الزمن

وها أنا أريد لي عباءة *** وإن من أهل العبا أبو الحسن

ومن روائعه قصيدته في الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء عند رجوعه من المؤتمر الإسلامي بفلسطين وأولها :

طلعت علينا طلوع القمر *** فأهلاً بهذا المحيّا الأغر

فهذي نوادي العلا أشرقت *** وأفق الكمال ازدهى وازدهر

ولقد تحدثتُ منبرياً عن حياة زيد الشهيد إبن علي السجاد إبن الإمام الحسين علیه السلام وكان حاظراً فارتجل قائلاً :

أبا يحيى ويا مَن فاق قدراً *** على هام السهى والفرقدين

لموقفك الذي استشهدت فيه *** كموقف جد السبط الحسين

وقال مقرضاً كتاب ( ثمرات الأعواد ) للخطيب السيد علي الهاشمي :

ولقد بكيت على الحسين بناظر *** أدمت مآقي جفنه عبراته

حتى سقيت بأدمعي شجر الأسى *** فنما وطال وهذه ثمراته

وقال في مريض لاذ بحرم أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي علیه السلام :

لقد كنتُ بالسلّ المبرح داؤه *** فشافاني العباس من مرض السل

ففضّلت بين الناس قدراً وإنما *** لي الفضل إذ أني عتيق ( أبي الفضل )

وقال في رثاء الحسين علیه السلام ، وأولها :

ما بكائي لرسم ربع بالي *** قد محاه مرّ السنين الخوالي

ص: 202

وقال في مطلع قصيدة عند مطلع شهر المحرم :

ليت الهلال هلال شهر محرم *** عجل الخسوف له ولم يتمم

وسجّلتُ في مؤلفي ( سوانح الأفكار ) قصيدته في شباب كربلاء يوم الحسين (عليه السلام) ، وأولها :

لا تركنن إلى الحياة *** إن المصير إلى الممات

وقال في مطلع مرثية للإمام الحسين (عليه السلام) :

هذي الطفوف فقف بها واستوقف *** واسقي ثراها بالدموع الذرف

وقال في الحسين علیه السلام وأولها :

حتى متى أجفاننا عبرى *** وإلى متى أكبادنا حرّى

كتب عن الشاعر وترجم له جملة من الباحثين وقالوا : كانت سنة وفاته هي الثامنة والخمسين بعد الثلثمائة والألف ، والصحيح هي التاسعة والخمسين بعد الثلثمائة والألف وكان تاريخ وفاته ( مهدي غرق ) كما نظم الخطيب الشيخ حسن الشيخ كاظم سبتي في تاريخ وفاته :

قد هجر الدنيا أبو صالح *** مهاجراً لله أوّابا

أعماله صالحة لا يرى *** قط بدين اللّه مرتابا

أفديه ليثاً غاب عن أهله *** واتخذ القبرَ له غابا

عوّذ بالخمسة مذ أرخوا *** مهديّ آل المصطفى غابا

وسلسلة نسب الشاعر كما في الديوان : السيد مهدي بن راضي بن حسين بن علي بن محمد بن جعفر بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر اللّه بن زروز بن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن أحمد البن إبن الأمير محمد الأشتر نقيب الكوفة والحائر الحسيني إبن عبيد اللّه بن علي الصالح بن عبيد اللّه الأعرج بن الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين الشهيد (عليه السلام) .

ص: 203

السيد صالح الحلّي

المتوفى 1359

يرثي علي بن الحسين الأكبر شهيد الطف :

يا نيراً فيه تجلى ظلمة الغسق *** قد غاله الخسف حتى انقضّ من أفق

ونبعة للمعالي طاب مغرسها *** رقت وراقت بضافي العز لا الورق

حرّ الظبا والظما والشمس أظمأها *** وجادها النبل دون الوابل الغدق

يا ابن الحسين الذي ترجى شفاعته *** وشبه أحمد في خلق وفي خُلُق

أشبهتَ فاطمة عمراً وحيدرة *** شجاعة ورسول اللّه في نطق

يا خائضاً غمرات الموت حين طمى *** فيض النجيع بموج منه مندفق

لهفي عليه وحيداً أحدقت زمر *** الأعدا به كبياض العين بالحدق

نادى عليك سلام اللّه يا أبتا *** فجاء يعدو فألفاه على رمق

نادى بنيّ على الدنيا العفا وغدا *** مكفكفاً دمعه الممزوج بالعلق

قد استرحت من الدنيا وكربتها *** وبين أهل الشقا فرداً أبوك بقي

أبو المهدي السيد صالح ابن السيد حسين ابن السيد محمد حسيني النسب حليّ المحتد والمولد وتناديه عامة الناس أبو مهيدي خطيب أو أشهر خطباء المنبر الحسيني إذ أن شهرته الخطابية لم يحصل على مثلها خطيب حتى اليوم يتحلى بجرأه قوية وبسطة في العلم والجسم. ولد سنة 1289 ه. في الحلة وهاجر منها إلى النجف 1308 ه. وهو في التاسعة عشرة من عمره وأكمل دروسه في

ص: 204

العربية والمعاني والبيان عند الشيخ سعيد الحلي والشيخ عبد الحسين الجواهري ودرس كتابي المعالم والقوانين في الأصول على العلامة الشهير السيد عدنان ابن السيد شبر الغريفي الموسوي ، وكتابي الرسائل والمكاسب عند الشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري وعلى الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وهو في كل ذلك يتعاهد ملكته الأدبية ولم تكن له يومئذٍ صلة بالخطابة وفي سنة 1318 ه. أحسّ من نفسه القدرة على الخطابة وقوة البيان وطلاقة اللسان فتوجّه أول ما توجه إلى حفظ الكثير من ( نهج البلاغة ) من خطب الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ولم يك في عصره من الخطباء المجددين في الفن إلا المرحوم الشيخ كاظم سبتي فهو أظهر الخطباء وأبرزهم فنبغ السيد صالح وأخذ يجاريه ويزاحمه ومن حسن الصدف أن يولي العالم الكبير والمؤرخ الخبير السيد باقر الهندي عنايته خطيبنا الصالح فيسهر على توجيهه وإرشاده ، وهناك لمع نجمه واشتهر اسمه فقد كان من المتعارف أن يجتمع خطيبان في محفل واحد بالتعاقب وصادف أن دُعي الخطيبان : سبتي والحلي ولحداثة سنّ السيد صالح والأصول المتبادلة في إحترام الخطباء للأكبر سناً فقد رضي السيد صالح أن يكون هو الأول كمقدمة للشيخ كاظم. أما المعروف بين الناس أن الخطيب الثاني إنما تظهر براعته إذا تناول نفس الموضوع الذي طرقه الخطيب الأول بإضافة شيء جديد وتتمة للموضوع الأول. فكان حديث السيد صالح عن سيرة أبي الفضل العباس وهكذا تقدم الشيخ كاظم وتكلم فأجاد ولم يك بحسبان شيخنا الخطيب أن السيد صالح قد أعدّ نفسه وهيأ من المادة الكافية للتحدث عن أبي الفضل العباس في الليالي العشر كلها وهذه براعة منبرية وقدرة تؤهله للتقدم والبروز وهكذا استمر في أدوار حياته بطلاً منبرياً وخاض غمرات سياسية وإصلاحية فكان المنتصر في أكثرها وفي الثورة العراقية عام 1920 م. في الفرات الأوسط ومطالبة الشعب بالحكم الوطني كان صوت السيد صالح أعلى الأصوات واستمر يحرض القبائل حتى قبض عليه الإنكليز في بعقوبة وأبعدوه إلى البصرة ثم إلى المحمرة فآواه أميرها الشيخ خزعل خان وأحسن وِفادته

ص: 205

واستمر في صراعه مع اللادينيين الذين يتسترون بإسم التهذيب والتنظيم ومن المؤسف أن تنجح مؤامرة اولئك الذين يظهرون خلاف ما يبطنون فيروّجون إشاعة سبه للعلماء وتنقسم كلمة رجال الدين فمن مناصر له ومن محارب وتنتعش تلك الطغمة التي لا يطيب لها العيش إلا في الأوحال والقيل والقال. لقد ضعفت قوته وضعف عزمه ولبث ملازماً بيته إلى أن توفاه اللّه ليلة السبت 29 شوال 1359 ه. في الكوفة فحُمل على الرؤوس تعظيماً له حتى دفن بوادي السلام في مقام المهدي ونعاه المنبر وبكته الخطابة ورثاه العلامة الجليل الشيخ عبد المهدي مطر بقصيدة فاخرة منها :

نعتك الخطابة والمنبر *** وناح لك الطرس والمزبر

وفيك انطوت صفحة للبيان *** بعير لسانك لا تنشر

إهتم الخطيب الأديب السيد محمد حسن الشخص سلمه اللّه بجمع ديوانه وسجّل له كل شاردة وواردة ، وهذه رائعة من روائعه في أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) :

من هاشم سلبت أمية تاجها *** وفرت بسيف ضلالها أوداجها

تخلو عرينة هاشم من أُسدها *** وتكون ذئبان الفلا ولاجّها

قوم إذا الهيجا تلاطم موجها *** خاضوا بشزّب خيلهم أمواجها

ما بالها أغضت وعهدي أنها *** كانت لكل ملمة فرّاجها

ومنها :

للشوس عباس يريهم وجهه *** والوفد ينظر باسماً محتاجها

باب الحوائج ما دعته مروعة *** في حاجة إلا ويقضي حاجها

بأبي أبي الفضل الذي من فضله *** السامي تعلّمت الورى منهاجها

قطعوا يديه وطالما من كفّه *** ديم الدما قد أمطرت ثجاجها

أعمود أخبيتي وحامي حوزتي *** وسراج ليلي إن فقدت سراجها

أعزز عليك بأن تراني مفرداً *** فاجأت من جيش العدى أفواجها

أفدي محيّاً بالتراب قد اكتست *** من نوره شمس الضحى أبهاجها

ص: 206

الشيخ عبد اللّه الخضري

المتوفى 1359

يستنهض في أولها حجة آل محمد ويتخلص برثاء الحسين علیه السلام :

أبا صالح حتى متى أنت غائب *** وليس لهذا الدين غيرك صاحب

لقد خفضتنا نصب عينك عصبة *** البغاة وثُلّت من حماكم جوانب

يريدون منا أن نفضّل عصبة *** لها الكفر دين والمعاصي مذاهب

على مَن أقام الدين في سيفه الذي *** له قد أطاعت من قريش كتائب

أباد قريشاً يوم بدر بسيفه *** ويوم حنين ليس إلاه ضارب

فكم كفّ عن وجه النبي جيوشهم *** وكم ظهرت منه بأحد عجائب

ويوم تبوك حين ناداه أحمد *** وقد هربوا منه هُم والأقارب

أغثني فأنت اليوم كهفي وناصري *** فلبّاه لا وانٍ ولا هو راهب

فداؤك نفسي ها أنا اليوم قادم *** وكان كما ينحط للرجم ثاقب

فأرداهم صرعى وفلّق هامهم *** همام بماضيه تفلّ القواضب

ولما أراد اللّه لقيا رسوله *** فأوحى له بلّغ فإنك غالب

فقام رسول اللّه يخطب فيهم *** ألا بلغوا يا قوم من هو غائب

بأن علياً وارثي وخليفتي *** على الناس بعدي وهو للأمر صاحب

ص: 207

ومنها :

دعوه أن اقدم إننا لك شيعة *** نجاهد أفواج العدى ونضارب

فأقبل والأنصار كالأسد خلفه *** تقلّهم للطّف جردٌ سلاهب

ومذ خيّموا بالطف دارت عليهم *** كتائب تقفو إثرهن كتائب

فصالوا عليهم كالليوث وجرّدوا *** سيوفاً بها للظلم هدّت جوانب

هم الأسد لكن الرماح أجامها *** وليس سوى عوج السيوف مخالب

ومذ خطبوا العليا ولما يكن لها *** سوى النفس مهر والمهند خاطب

أبى عزّهم إلا الردى حيث أنه *** تنال به عند الإله المراتب

وما مات منهم واحد غير أنه *** تموت بكفّيه القنا والقواضب

ومذ عانقوا بيض الصفاح وبعد ذا *** تعانقهم في الخلد حور كواعب

الشيخ عبد اللّه هو ابن الشاعر الفحل الشيخ محسن ابن الشيخ محمد الخضري كان من العلماء والفضلاء ولد في النجف سنة 1297 ه. ونشأ بها بكفالة جدّه لأمه الشيخ إسماعيل فهو الذي وجّهه نحو العلم ، وتدرّج على أندية آل كاشف الغطاء وهم أعمامه الأدنون منه فبرع في الفقه والأصول مضافاً إلى تقوى وورع ودين وكان يذهب إلى العشائر الفراتية فيعظ ويرشد ويذكرهم بالآخرة حتى أثر أكبر الأثر على نفوسهم واتجهوا لطاعة اللّه واجتناب المعاصي والتورع عن الحرام وسبق له أن حمل سلاحه وجاهد دفاعاً عن إستقلال العراق وطرد الكافر عن بلاد الإسلام. توفي فجأة عام 1359 ه. ببغداد ونقل للنجف فدفن في الإيوان الذهبي من صحن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وخلّف أربعة ذكور الأستاذ عبد الصاحب ، والاستاذ نصر ، والعلامة الشيخ كاظم ، والاستاذ عبد المنعم. وهم يحتفظون بمجموعة من قصائده فمنه قوله متغزّلاً :

ص: 208

وبدر السعادة لما استهل *** ونحس النجوم وشيكاً أفل

وزالت عن القلب أسقامه *** بوصل الحبيب عقيب الملل

وزار الحبيب برغم الرقيب *** وكان الطبيب لتلك العلل

رشاً قد سبى الغصن في قدّه *** وقد علّم البان ذاك الميل

فوجنته الشمس لما بدت *** وطلعته البدر لما اكتمل

ومبسمه الدر لما ابتسم *** وما الشهد من ريقه والعسل

يزجّ الاسود برمح القوام *** ويصمي القلوب بسيف المقل

فحاجبه قوسه ، والحمل *** سهام له والقوام الأسل

فيا عاذلي كفّ عنك الملام *** فقد ضلّ قلبك مَن قد عذل

ص: 209

الشيخ مهدي الظالمي

المتوفى 1359

كانت الهيئة الروحية تقيم مأتم العزاء لذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في مسجد آل الجواهري بالنجف الأشرف في المحرم فكانت هذه القصيدة الحسينية قد خصصت لها ليلة من الليالي :

متى مُضر الحمراء تطلب ثارها *** فتسمع آذان الزمان شعارها

وحتى مَ تستقصي البلاد بجولة *** على الأرض تهدي للسماء غبارها

إلى مَ بدار الذل تبقى وما لها *** على الضيم دهراً لا تملّ قرارها

أتحسب أن غضت عن الحرب طرفها *** بغير وصال الموت تقطع عارها

فلا عذر حتى تورد القوم بالظبا *** حياض المنايا أو تخوض غمارها

فيا من بها يستدفع الضر والعدى *** حذاراً من البلوى تعزز جارها

دعي البيض في ليل القتام سوافراً *** إذا حجبت خيل الكماة نهارها

وزفّي لنيل المجد نفساً أبية *** ولا تجعلي إلا الرؤوس نثارها

أديري رحى الهيجاء يوماً لعلّها *** عليكِ بوادي الطف تنسى مدارها

غداة حسين خرّ للأرض فانثنت *** عليه تشنّ العاديات مغارها

فجرّت اليه المحصنات ذيولها *** وقدسلبت أيدي العدو ستارها

فطافت به لما سعت بين قومها *** تفاديه والأحشاء ترمي جمارها

وأهوت عليه تلثم النحر والعدى *** تجاذبها بين الجموع أزارها

أتستر بالأيدي الوجوه وقومها *** أعدّت لدفع الضيم عنها شفارها

فليت أبيّ الضيم ساعة أبرزت *** من الخدر حسرى تستقيل عثارها

يرى زينباً بين الأجانب بعدما *** أماطت يد الأعداء عنها خمارها

ص: 210

ويا ليتَ مَن في الليل كان يصونها *** من الوهم مهما كلفته مزارها

يقوم من الأجداث حيّاً وعينه *** ترى بين أيدي الظالمين فرارها

تمنّيتُهُ لما استجارت بقومها *** ليسمع منها كيف تدعو نزارها

تقول لهم والخيل من كل جانب *** أحاطت بها لما استباحت ديارها

أيا إخوتي كيف التصبر والعدا *** أعارت خدور المحصنات صغارها

فإن لم تقوموا للكفاح عوابساً *** فمَن بعدكم في الروع يحمي ذمارها

فكم طفلة لما أُقيمت بخدرها *** عليها العدى قامت تأجج نارها

فيا لخدور قد أُبيحت ونسوة *** أُريعت وعين السبط ترعى انذعارها

فأمست بلا حام عقائل حيدر *** أزالت ضروب الهائلات قرارها

وأضحت تحيل الطرف بعد حماتها *** فلم ترَ إلا مَن يريد احتقارها

وراحت على عجف النياق أسيرة *** تجوب الفيافي ليلها ونهارها

الشيخ مهدي الظالمي هو أحد الفضلاء المشهورين بالجدّ والفضل والعلم والأدب نظم باللغتين : الفصحى والدارجة وكتبتُ ديوانه يوم كانت كل محفوظاتي هي الشعر والشعر فقط ولا أُدوّن إلا الشعر عثرت على ديوانه فكتبته ولم يزل في مخطوطاتي ولا زلت أتصوّرُه جيداً طويل القامة حسن الهندام هادئ الطبع يزدحم الشباب على حلقة درسه ويشار اليه بالبنان. ترجم له الخاقاني في شعراء الغري فهو المهدي بن الهادي بن جعفر بن راضي بن حمود بن اسماعيل ابن درويش بن حسين بن خضر بن عباس السلامي ، من أسرة علمية نجفية وسبق وأن مرّت ترجمة الشيخ حمود الظالمي ، ولد في النجف سنة 1310 ه. ونشأ ذواقة للعلم والأدب والدرس والبحث ولم يعمّر كثيراً فقد وافاه الأجل عصر الخميس الثاني من ربيع الثاني عام 1359 ه. ودفن في الصحن الحيدري الشريف في الإيوان الذهبي ورثاه فريق من تلامذته وعارفي فضله وأبّنوه شعراً ونثرً وخلّف ولداً أديباً لا زالت قريحته تفيض بالأدب الحي.

ص: 211

الحاج حسين الحرباوي

منتصف القرن الرابع عشر

لنا جيرةٌ بالأبرقين نزول *** سقى ربعهم غيثٌ أجشّ هطول

تواعدني الأيام بالقرب منهم *** فتلك ديون والزمان مطول

أجيراننا ما القلب من بعد بينكم *** بسالٍ ولا الصبر الجميل جميل

أجيراننا بالخيف ما زال بعدكم *** لنا الدمع جارٍ والعزيز ذليل

فهيهات صفو العيش منا وللهدى *** تبدّد شمل واستقلّ قبيل

تحمّل أضعان الطفوف عشية *** وأقفرن منهم أربع وطلول

ألا قاصداً نحو المدينة غدوة *** يبلّغ عني مسمعاً ويقول

أيا فتية بان السّلو بينهم *** وجاور قلبي لوعة وعويل

رأيت نساء تسأل الركب عنكم *** تلوح عليها ذلة وخمول

تطلّع من بعد إلى نحو داركم *** بطرف يصوب الدمع وهو كليل

نوادب اقذين الجفون من البكا *** وأعشبن مغنى الطف وهو محيل

نوادب أمثال الحمام سواجعاً *** لها فوق كثبان الطفوف هديل

حملن على عجف النياق حواسراً *** لها كل يوم رحلة ونزول

تجاذبها السير العنيف عصابة *** لها الشرك حاد والنفاق دليل

تشيم رؤوساً كالبدور على القنا *** لهن طلوع فوقها وأفول

وتبصر مغلول اليدين مصفّداً *** يراه من السير العنيف نحول

ص: 212

وتنظر ذياك العزيز على الثرى *** له الليل سترٌ والهجير مقيل

فتدعو حماة الجار من آل هاشم *** بصوت له شمّ الجبال تزول

أهاشم هبّي وامتطي الصعب انه *** لك السير إن رمت العراق ذلول

أهاشم قومي وانتضي البيض للوغى *** فوِترك وترٌ والذحول ذحول

أصبراً وأنجاد العشيرة بالعرا *** على الترب صرعى فتية وكهول

أصبراً ورحل السبط تنهبه العدا *** فموتك ما بين السيوف قليل

أصبراً وآجام الأسود بكربلا *** بها النار شبّت والهزبر قتيل

وتلك على عجف النياق نساؤكم *** لها اللّه تسبى والكفيل عليل

عهدتكم تأبى الصغار أنوفكم *** وأسيافكم للراسيات تزيل

فما بالكم لم تنض للثار قضبكم *** فتحمّر من بيض الصفاح نصول

كأن لم يكن للجار فيكم حمية *** ولا كان منكم جعفر وعقيل

ألم يأتكم أن الحسين رمية *** على الترب ثاوٍ والدماء تسيل

وكم لكم في السبي حرّى من الجوى *** ثكول وفي أسر العدو عليل

وكم لكم في الترب طفل معفر *** صريع وفي فيض الدماء رميل

وكم طفلة لليتم أمست رهينة *** وليس لها يوم الرحيل كفيل

وحسرى تدير الطرف نحو حميّها *** فتبصره في الأرض وهو جديل

فتذهل حتى عن تباريح وجدها *** وتنحاز للدمع المصوب تذيل

وأبرح ما قد نالكم أن زينباً *** لها بين هاتيك الشعاب عويل

شكت وانثنت تدعو الحسين بعبرة *** تصدع مها شارف وفصيل

تنادي بصوت صدع الصخر شجوة *** وكادت له السبع الطباق تزول

أخيّ عيون الشرك أمست قريرة *** بقتلك قرّت والمصاب جليل

أراك بعيني دامي النحر عافراً *** عليك خيول الظالمين تجول

نعم أيقنت بالسبي حتى كأنها *** لما نابها وهي الوقور ذهول

ص: 213

الحاج حسين الحرباوي ، هو شاعر بغدادي رأيت له عدة قصائد يمدح بها أمير المحمرة الشيخ خزعل خان المتوفى سنة 1355 ه. فلا بد وأن يكون من معاصريه ، ولقد أثبتها الشيخ جواد الشبيبي في مؤلفه المخطوط عن أمير المحمرة. وذكره الباحث علي الخاقاني في شعراء الحلة وهو ليس بحلّي حيث أنه وجد له شعراً مع شعراء الحلة وذكر له مقطوعة في الغزل أولها :

تشعشعت فتولّت عندها الظلم *** شمس براحة بدر جاء يبتسم

أهلاً به مقبلاً كالبدر حين غدا *** بين السحائب يبدو ثم ينكتم

ص: 214

درويش الصحّاف

منتصف القرن الرابع عشر

عن ناظري بان الكرى ورقادي *** وتسعّرت نار الأسى بفؤادي

وتمكنت كل الهموم بمهجتي *** والجسم أنحله السقام البادي

لما ذكرت شباب عصر قد مضى *** في غفلة ونفى المشيب سوادي

أيقنت بالترحال عن دار بها *** أنفقت فيها العمر في الأعياد

ومنها في الإمام الحسين علیه السلام :

قالت له الأصحاب يا مولى الورى *** نفديك بالأرواح والأولاد

فجزاهم خيراً وأقبل للعدى *** والسيف مسلول من الأغماد

وبقي يصول عليهم في عزمة *** فكأنه ليث هزبر عاد

ضاها أباه المرتضى ليث الشرى *** لم يختشِ أحداً من الأضداد

مذ كرّ فرّوا خشية من بأسه *** كالحمر إذ فرّت من الآساد

ومنها :

يا آل بيت محمد المختار يا *** ذخري ومَن فيهم صفا ميلادي

أنتم ملاذ المذنبين من الورى *** وبكم أصول على الزمان العادي

أنا عبدكم ( درويش بن محمد ) *** أرجو السلامة في غد بمعادي

ص: 215

والسامعين قصيدتي يا سادتي *** والكاتبين لطرسها بمداد

صلى عليكم ربكم يا سادتي *** ما غرّد القمري في الأعواد

والقصيدة طويلة وهذا جيّدها :

درويش الصحّاف ابن الحاج محمد الصحاف البغدادي ، شاعر أديب له مجموعة مخطوطة جمع فيها بعض القصائد في رثاء الإمام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) . ووالده أديب شاعر.

والذي يظهر أن المجموعة كتبت حدود سنة 1350 ه. قال الباحث السيد جودت القزويني : إستعرت هذه المجموعة من الخطيب السيد أحمد المؤمن البصير وفيها شيء من نظمه.

ص: 216

الشيخ محمد حسين الأصفهاني

المتوفى 1361

قال في أرجوزته الغرّاء المسماة ب ( الأنوار القدسية ) المطبوعة بمطابع النجف ، في فصل تحت عنوان مولد السبط الشهيد :

أسفر صبح اليُمن والسعادة *** عن وجه سرّ الغيب والشهادة

أسفر عن مرآة غيب الذات *** ونسخة الأسماء والصفات

تعرب عن غيب الغيوب ذاته *** تفصح عن أسمائه صفاته

يُنبئ عن حقيقة الحقائق *** بالحق والصدق بوجه لائق

لقد تجلّى أعظم المجالي *** في الذات والصفات والأفعالِ

روح الحقيقة المحمديه *** عقل العقول الكمّل العليّه

فيض مقدّس عن الشوائب *** مفيض كل شاهدٍ وغائب

تنفّس الصبح بنور لم يزل *** بل هو عند أهله صبح الأزل

وكيف وهو النفس الرحماني *** في نفس كل عارف رباني

به قوام الكلمات المحكمة *** به نظام الصحف المكرّمه

تنفّس الصبح بالاسم الأعظم *** محى عن الوجود رسم العدم

بل فالق الإصباح قد تجلّى *** فلا ترى بعد النهار ليلا

فأصبح العلم ملاء النور *** وأي فوز فوق نور الطور

ونار موسى قبس من نوره *** بل كل ما في الكون من ظهوره

أشرق بدر من سماء المعرفة *** به استبان كل إسم وصفه

ص: 217

به استنار عالم الإبداع *** والكل تحت ذلك الشعاع

به استنار ما يرى ولا يُرى *** من ذورة العرش إلى تحت الثرى

فهو بوجهه الرضي المرضي *** نور السماوات ونور الأرض

فلا توازي نوره الأنوار *** بل جلّ أن تدركه الأبصار

غرّته بارقة الفتوّة *** قرة عين خاتم النبوّة

تبدو على غرّته الغراء *** شارقة الشهامة البيضاء

بادية من آية الشهامة *** دلائل الإعجاز والكرامة

من فوق هامة السماء همته *** تكاد تسبق الفضاء مشيته

ما هامة السماء من مداها *** إن إلى ربك منتهاها

أم الكتاب في علوّ المنزله *** وفي الإبا نقطة باء البسمله

تمّت به دائرة الشهاده *** وفي محيطها له السياده

لو كشف الغطاء عنك لا ترى *** سواه مركزاً لها ومحورا

وهل ترى لملتقى القوسين *** أثبت نقطة من الحسين

فلا وربّ هذه الدوائر *** جلّ عن الأشباه والنظائر

* * *

بشراك يا فاتحة الكتاب *** بالمعجز الباقي مدى الأحقاب

وآية التوحيد والرسالة *** وسرّ معى لفظة الجلاله

بل هو قرآن وفرقان معا *** فما أجلّ شأنه وأرفعا

هو الكتاب الناطق الإلهي *** وهو مثال ذاته كما هي

ونشأة الأسماء والشؤون *** كل نقوش لوحه المكنون

لا حكم للقضاء إلا ما حكم *** كأنه طوع بنانه القلم

رابطة المراد بالإرادة *** كأنه واسطة القلادة

ناطقة الوجود عين المعرفة *** ونسخة اللاهوت ذاتاً وصفة

في يده أزمّة الأيادي *** بالقبض والبسط على العباد

ص: 218

بل يده العليا يد الافاضة *** في الأمر والخلق ولا غضاضة

وفيه سرّ الكل في الكل بدا *** روحان في روح الكمال اتحدا

لك العروج في السماوات العلى *** له العروج في سماوات العلا

مخايل النبوة في الحسين

أنت من الوجود عين العين *** فكن قرير العين بالحسين

شبلك في القوة والشجاعة *** نفسك في العزة والمناعة

منطقك البليغ في البيان *** لسانك البديع في المعاني

طلعتك الغرّاء بالإشراق *** كالبدر في الأنفس والآفاق

صفاتك الغرّ له ميراث *** والمجد ما بين الورى تراث

لك الهنا يا غاية الإيجاد *** بمدّه الخيرات والأيادي

وهو سفينة النجاة في اللجج *** وبابها السامي ومَن لجّ ولج

سلطان إقليم الحفاظ والإبا *** مليك عرش الفخر اماً وأبا

رافع راية الهدى بمهجته *** كاشف ظلمة العمى ببهحته

به استقامت هذه الشريعة *** به علت أركانها الرفيعة

بنى المعالي بمعالي هممه *** ما اخضرّ عود الدين إلا بدمه

بنفسه اشترى حياة الدين *** فيا لها من ثمن ثمين

أحيى معالم الهدى بروحه *** داوى جروح الدين من جروحه

حفّت رياض العلم بالسموم *** لو لم يروّها دم المظلوم

فأصبحت مورقة الأشجار *** يانعة زاكية الثمار

أقعد كل قائم بنهضته *** حتى أقام الدين بعد كبوته

قامت به قواعد التوحيد *** مذ لجأت بركنها الشديد

وأصبحت قومية البنيان *** وعزمه عزائم القرآن

غدت به سامية القباب *** معاهد السنّة والكتاب

ص: 219

أفاض كالحيا على الوراد *** ماء الحياة وهو ظام صادي

وكضّه الظما وفي طيّ الحشا *** ريّ الورى واللّه يقضي ما يشا

والتهبت أحشاؤه من الظما *** فأمطرت سحائب القدس دما

وقد بكته والدموع حمر *** بيض السيوف والرماح السمر

تفطّر القلب من الظما وما *** تفترّ العزم ولا تثلّما

ومن يدكّ نوره الطور فلا *** يندكّ طود عزمه من البلا

تعجب من ثباته الأملاك *** ومن تجولاته الأفلاك

لا غرو إنه ابن بجدة اللقا *** قد ارتقى في المجد خير مرتقى

شبل علي وهو ليث غابه *** نعم وكان الغاب في إهابه

كرّاته في ذلك المضمار *** تكوّر الليل على النهار

سطا بسيفه فغاضت الربى *** بالدم حتى بلغ السيل الزبى

قام بحق السيف بل أعطاه *** ما ليس يعطي مثله سواه

كأن منتضاه محتوم القضا *** بل القضا في حدّ ذاك المنتهى

كأنه طير الفنا رهيفه *** يقضي على صفوفهم رفيقه

أو صرصر في يوم نحس مستمر *** كأنهم أعجاز نخل منقعر

الرأس الكريم

وفي المعالي حقها لما علا *** على العوالي كالخطيب في الملا

يتلو كتاب اللّه والحقائق *** تشهد أنه الكتاب الناطق

قد ورث العروج في الكمال *** من جدّه لكن على العوالي

هو الذبيح في منى الطفوف *** لكنه ضريبة السيوف

هو الخليل المبتلى بالنار *** والفرق كالنار على المنار

تاللّه ما ابتلى نبيّ أو وليّ *** في سالف الدهر بمثل ما ابتلي

له مصائب تكل الألسن *** عنها فكيف شاهدتها الأعين

ص: 220

أعظمها رزء على الإسلام *** سبي ذراري سيّد الأنام

ضلالة لا مثلها ضلاله *** سبي بنات الوحي والرساله

وسوقها من بلد إلى بلد *** بين الملا أشنع ظلم وأشد

وأفظع الخطوب والدواهي *** دخولها في مجلس الملاهي

ويسلب اللب حديث السلب *** يا ساعد اللّه بنات الحجب

تحمّلت أمية أوزارها *** وعارها مذ سلبت أزارها

وأدركت من النبي ثارها *** وفي ذراريه قضت أوتارها

واعجبا يدرك ثار الكفرة *** من أهل بدر بالبدور النيّرة

فيا لثارات النبي الهادي *** بما جنت به يد الأعادي

الشيخ محمد حسين الاصفهاني نابغة دهره وفيلسوف عصره وفقيه الامة ، اتجهت الأنظار اليه وتخرّج على يده جملة من العلماء الأعلام ومن الكمال والأدب بمكان منشأ بليغاً باللغتين العربية والفارسية وخطه من أجمل الخطوط وهذه جملة من مؤلفاته :

1 - كتاب في الفقه والأصول بأجمل اسلوب.

2 - حاشية على كفاية الاصول أسماها ( نهاية الدراية ) طبع الجزء الأول منها في طهران.

3 - رسالة في الصحيح والأعم.

4 - رسالتان في المشتق.

5 - رسالة في الطلب والإرادة.

6 - رسالة في علائم الحقيقة والمجاز.

7 - رسالة في الحقيقة الشرعية.

8 - رسالة في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي.

ص: 221

9 - عدة رسائل في مختلف أبواب الفقه تزيد على الثلاثين ، وديوان شعر فارسي في مدائح ومراثي آل بيت الوحي وكل شعره مشحون بالفلسفة والعرفان كما له ديوان ثاني في العرفانيات والحكميات وله أرجوزة بالعربية وهي التي أسماها ب ( الأنوار القدسية ) فيها أربع وعشرون قصيدة في تاريخ حياة النبي صلی اللّه علیه و آله والأئمة الإثنى عشر وأولادهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.

كان بعد الفراغ من دروسه في الحكمة والفقه والأصول يتلو قطعة من نظمه فتلتذ العقول وترتاح النفوس وتعدّ تلامذته وجود هذه الذات من أعظم الرحمات مضافاً إلى سيرته التي هي مثال عملي عن خلقه وأدبه.

وانطفأ هذا المشعل النيّر ليلة الخامس من شهر ذي الحجة الحرام سنة 1361 ه. عن عمر يناهز الستة والستين عاماً إذا كانت ولادته سنة 1296 ه.

ص: 222

الشيخ هادي كاشف الغطاء

المتوفى 1361

ربع محى الحدثان رسمه *** أجرى عليه الدهر حكمه

كم رمت كتمان الغرام *** به ويأبى الوجد كتمه

أوحشت يا ربع الهدى *** ولبست بعد النور ظلمه

ولقد أشابت لمّتي *** نوب تشيّب كل لمّه

بملمة طرقت فأنست *** كل طارقة ملمة

يوم أبيّ الضيم فيه *** أبى المذلّة والمذمّه

وسقى الثرى بدم العدوّ *** وأطعم العقبان لحمه

وافى لعرصة كربلا *** من هاشم في خير غلمه

أقمار تمٍّ أسفرت *** بدجى الخطوب المدلهمه

وليوث حرب صيّرت *** سمر العوالي اللدن أجمه

من كل فارس بهمة *** ما همّه إلا المهمة

حتى إذا نزل القضا *** ء وأنقذ المقدور حتمه

نهبتهم بيض الضبا *** وتقاسمتهم أي قسمه

يا صدمة الدين التي *** ما مثلها للدين صدمه

هدّمت أركان الهدى *** وثلمت في الإسلام ثلمه

قتل الإمام إبن الإمام *** أخو الإمام أبو الأئمة

ما ذاق طعم الماء حتى *** صار للأسياف طعمه

ملقى على وجه الصعيد *** تدوس جرد الخيل جسمه

ص: 223

لا يرحم اللّه الأولى *** قطعوا من المختار رحمه

لم يرقبوا لنبيهم *** في آله إلا وذمّه

خسرت تجارة من يكون *** شفيعه في الحشر خصمه

أبَني أمية أنتم *** في الناس كنتم شرّ أمّة

الشيخ الهادي ابن الشيخ عباس بن علي بن جعفر صاحب كشف الغطاء قدس سره . ولد بالنجف سنة 1289 ه. منشأه بيت العلم والكمال والهيبة والجلال فالدر من موطنه والذهب من معدنه ، كنت إذا نظرت إلى وجهه المبارك رأيت في أساريره النور وروعة العلم وهيبة العلماء وملامح النسك والعبادة ، نظم الشعر في حداثة سنّه مع أخدانه أبطال اشعر ونوابغ الفن أمثال الشيخ جواد الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصفهاني والسيد جعفر الحلي وأضرابهم وتتلمذ على الملا كاظم الآخوند كثيراً والشريعة الأصفهاني والسيد محمد كاظم اليزدي ويروي إجازةً عن السيد حسن الصدر والشيخ آغا رضا الهمداني ونال من الحظوة العلمية مرتبة الإجتهاد وأصبحت قلوب الناس متعلقة به منجذبة اليه لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة ، ما جلس اليه أحد إلا وانجذب اليه لروحانيته وأفاض عليه من نميره العذب. كنا نجلس في طرف المجلس احتراماً له وهو يدنينا اليه ويحدثنا بما يخص المنبر الحسيني وعن أثر وقعة الطف ويستشهد بشيء من منظومته المسماة ب ( المقبولة الحسينية ) وهو صاحب مستدرك نهج البلاغة وكتاب ( مصادر نهج البلاغة ومداركه ) ، وشرح شرائع الإسلام ، وشرح تبصرة العلامة الحلي ، ورسالة تضم فتاواه وآراءه الفقهية أسماها ( هدى المتقين ) طبعت سنة 1342 ه. وله منظومة في النحو وأخرى في الإمامة ، أما المنظومة المسماة بالمقبولة فلا زال خطباء المنبر الحسيني يجعلونه موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية ومما قال في مدح النجف من قصيدة :

ص: 224

قف بالنياق فهذه النجف *** أرض لها التقديس والشرف

ربع ترجلت الملوك به *** وبفضل عزّ جلاله اعترفوا

حرم تطوف به ملائكة الربّ *** الجليل وفيه تعتكف

وله أرجوزة في سيرة الزهراء سلام اللّه عليها ، ومنها :

ومَن بهم بأهل سيد الورى *** ( وقل تعالوا ) أمرها لن ينكرا

وهل أتى في حقها وكم أتى *** من آية ومن حديث ثبتا

لما رووه في الصحيح المعتبر *** من أنها بضعة سيد البشر

وبضعة المعصوم كالمعصوم *** في الحكم بالخصوص والعموم

لانها من نفسه مقتطعه *** فحقها في حكمه أن تتبعه

إلا الذي أخرجه الدليل *** فإننا بذاك لا نقول

ولم يرد في غيرها ما وردا *** في شأنها فالحكم لن يطردا

وآية التطهير قد دلّت على *** عصمتها من الذنوب كملا

توفي رحمه اللّه ليلة الاربعاء في 9 محرم الحرام سنة 1361 ه. وكان يوما مشهوداً واشترك سائر الطبقات بمواكب العزاء حتى أودع في مقبرتهم مع والده وجدّه رحمهم اللّه جميعاً وتعاقبت الشعراء على منصة الخطابة ترثيه بما هو له أهل وتندبه وكما أقيم له حفل أربعيني إشترك فيه كبار الكتّاب والخطباء والشعراء.

ومن نتفه وملحه قوله :

قول إن الذي يموت يراني *** حار همدان - عن علي رواه

فتمنيت أن أموت مراراً *** كل يوم وليلة لأراه

يشير إلى حديثنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للحارث الهمداني إذ يقول : وأُبشرك يا حارث ليعرفني وليّ وعدوّي في مواطن شتى ، يعرفني عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة قال : وما المقاسمة يا سيدي قال : مقاسمة

ص: 225

الجنة والنار أقسمهما قسما صحاحا ، أقول هذا وليّ وهذا عدوّي ، ونظم السيد الحميري في ذلك فقال :

قول علي لحارث عجب *** كم ثَمّ أعجوبة له حملا

يا حار همدان مَن يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه *** بنعته وإسمه وما فعلا

وأنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة ولا زللا

أقول للنار حين تعرض للعرض *** ذرية لا تقبلي الرجلا

ذريه لا تقبليه إن له *** حبلاً بحبل الوصي متصلا

وتوهم إبن أبي الحديد حيث نسب هذا الشعر للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أقول قد نطقت صحاح الأخبار بأن الإمام علي علیه السلام يشاهده شيعته في خمسة مواطن : عند خروج الروح ، ,عند سؤال القبر ، وعند الحوض ، وعند الحساب ، وعند الصراط.

وقد روى الهيتمي في معجمه وأبو نعيم في حلية الأولياء والخطيب البغدادي والمحب الطبري في الرياض النظرة والمتقي الهندي في كنز العمال وإبن حجر في الصواعق والمناوي في كنوز الحقائق وغيرهم علماء السنّة أن الإمام علیه السلام يُرى عند الحوض وعند الحساب وعند الصراط فيكون الاتفاق حاصلاً من الفريقين على هذه الرؤى الثلاث ، وأما ما يخص الرؤية عند خروج الروح وعند سؤال القبر فقد حصل فيها بعض الأخذ والرد من علماء الفريقين.

ص: 226

الشيخ عبد الحسين صادق

المتوفى 1361

قال يرثي علي بن الحسين شهيد كربلاء علیه السلام :

عهدي بربعهم أغنّ المعهَد *** وندّيه يفتر بالروض الندي

ما باله درس الجديدُ جديدَه *** ومحا محاسن خدّه المتورد

أفلّت أهلّته وغابت شهبه *** في رائح للنائبات ومُغتدي

زمّت ركاب قطينه أيدي سَبا *** تفلي الفلاة بمتهِم وبمنجد

* * *

ولقد وقفت به ومعتلج الجوى *** بجوانحي عن حبس دمعي مقعدي

فتخالني لضناي بعض رسومه *** ولحرّ أحشائي أثافي مَوقَد

أرنوا اليه وناظري مُتقسّم *** بطلوله لمصوب ومُصعّد

ما أن أرى إلا الحمائم هُتّفاً *** ما بين غِرّيد وصيداح شَدي

ناحت ونحت وأين مني نوحُها *** شتان نَوح شجٍ وسجع مُغرّد

لي لا لها العين المرقرق دمعها *** والمهجة الحراء والقلب الصَدي

حجر على عيني يمر بها الكرى *** من بعد نازلة بعترة ( أحمد )

أقمار تمٍّ غالها خسف الردى *** واغتالها بصروفه الزمن الردي

شتى مصائبهم فبين مكابدٍ *** سُمّا ومنحور وبين مُصفّد

سل كربلا كم مُهجَة ( لمحمدٍ ) *** نُهبت بها وكم إستجذت من يد

ص: 227

ولكم دم زاكٍ أُريق بها وكم *** جثمان قُدسٍ بالسيوف مُبدّد

وبها على صبر الحسين ترقرقت *** عبراته حُزناً لأكرم سيّد

* * *

وعلّي قدر من ذوابة هاشم *** عبقت شمائله بطيب المحتد

أفديه من ريحانة رَيّانة *** جفّت بحر ظَما وحرّ مُهند

بكر الذبول على نَضارة غُصنه *** إن الذبول لآفة الغصن الندي

ماء الصبا ودم الوريد تجاريا *** فيه ولاهب قلبه لم يخمد

* * *

لم أنسه متعمّما بثبا الضيا *** بين الكماة وبالأسنّة مرتدي

يَلقى ذوابلها بذابل معطفٍ *** ويشيم أنصلها بجيد أجيَد

خضبت ولكن من دم وفراته *** فاحمرّ ريحان العِذار الأسود

جمع الصفات الغُرو هي تراثه *** من كل غطريف وشهم أصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر *** بإبا الحسين وفي مهابة ( أحمد )

وتراه في خلق وطيب خلائق *** وبليغ نطق كالنبي ( محمد )

يرمي الكتائب والفلا غصّت بها *** في مثلها من عزمه المتوقد

فيردّها قَسرا على أعقابها *** في بأسٍ عِرّيس العرينة مُلبد

ويؤب للتوديع وهو مجاهدٌ *** لظما الفؤاد وللحديد المجهد

* * *

صادي الحشى وحسامه ريّان من *** ماء الطلا وغراره لم يبرد

يشكو لخير أب ظمآه وما اشتكى *** ظماء الحشى إلا إلى الضامي الصدي

فانصاع يُؤثره عليه بريقه *** لو كان ثَمّة ريقة لم تجمد

كل حشاشة كصالية الغضا *** ولسانه ظماء كشقة مبرد

ص: 228

ومذ انثنى يلقى الكريهة باسما *** والموت منه بمسمَع وبمشهد

لفّ الوغى وأجالها جول الرحا *** بمثقّفٍ من بأسه ومُهنّد

عثر الزمان به فغادر جسمه *** نهب القواضب والقنا المتقصد

ومحى الردى يا بئس ما غال الردى *** منه هِلال دُجاً وغرة فرقد

يا نجعة الحيين هاشم والعُلى *** وحِمى الذمارين العُلى والسودد

كيف ارتقت هم الردى لك صعدة *** مطرورة الكعبين لم تتأود

فلتذهب الدنيا على الدنيا العفا *** ما بعد يومك من زمانٍ أرغد

الشيخ عبد الحسين إبن الشيخ إبراهيم إبن الشيخ صادق العاملي والمتقدم ذكر جملة من اسرته. ولد في النجف الأشرف في حدود سنة 1282 ه. وفيها نشأ ثم خرج إلى جبل عامل وعاد إلى النجف الأشرف بعد وفاة أبيه فأخذ عن علمائها مثل الشيخ ميرزا حسين إبن ميرزا خليل ، وهو في الطبقة الأولى من الشعراء. قال السماوي في الطليعة : رأيته يتفجر فضلاً ويتوقد ذكاء إلى أخلاق كريمة. توفي في أوائل ذي الحجة سنة 1361 ه. في النبطية ودفن فيها.

قال ولده الشيخ حسن رأى أبي ليلة أحد الصادقين علیهماالسلام - الشك منه - فقال لأبي أجز هذا البيت :

لا عذر للعين إن لم تنفجر علقا *** وللحشاشة إن لم تنفطر حرقا

فنظم القصيدة الحسينية الآتية في الترجمة وشهرته العلمية وملكته الأدبية مما لا ينازع فيه وشهد العالمان الكبيران الملا كاظم الآخوند صاحب الكفاية والحاج ميرزا حسين ميرزا خليل له بالاجتهاد ، وأدبه عريق أخذه عن أب عن جد وهذه دواوينه المطبوعة بلبنان وهي ( سقط المتاع ) ( عرف الولاء ) ( عقر الظباء ) وكلها من الشعر العالي وولاؤه أهل البيت (عليهم السلام) يذكر فيشكر ونجد بلدة النبطية - اليوم - ونواحيها كالنجف الأشرف في شعائر أهل

ص: 229

البيت (عليهم السلام) ، فالمأتم والمواكب التي تقيمها مؤسسته التي تسمى ب ( الحسينية ) هي ركن من أركان التشيع ولا عجب فهو من اسرة شعارها الولاء وأنجبت الشعراء والعلماء وهذه باقة فواحة من شعره في الإمام الحسين أما باقي ألوان شعره فحسبك أن ترجع إلى دواوينه التي ذكرت أسماءها وترى خياله الواسع وأفقه النيّر أمثال قصيدته التي يصف بها الباخرة وأولها :

روت الفلك في متون البحار *** نبأ البرق عن صحيح البخار ( ي )

وأخرى في وصف ( التلغراف ) وثالثة في صفة ( القطار ) ورابعة في وصف ( السيارة ) أو تقرأ له ( البدويات والأعاريب ) وملحمته الكبرى ( الشمس وبنو عبد شمس ) ففيها الوصف الكامل للشمس وخواصها وآثارها في الكون ثم يأتي على ذكر بني عبد شمس وأتباعهم في الجاهلية والإسلام وما جروه على الإسلام والأمة الاسلامية من المنكرات والفظايع ، ومن غرر أشعاره مدائحه النبوية ومطارحاته ورثاؤه لجملة من أعلام معاصريه.

توفي بالنبطية في 12 ذي الحجة الحرام عام 1361 ه. ودفن هناك ورثاه الشعراء بقصائد كثيرة تعرب عن مقامه الرفيع وأبّنته الصحافة العربية ومن مخلفاته العلمية كتاب ( سيماء الصالحين ) وهو على صغر حجمه موفق في اسلوبه كل التوفيق.

ومن روائعه التي سارت مسير الأمثال قصيدته التي عنوانها ( عمّ الفساد ) :

بدعٌ تشب فتلهبُ المحنُ *** وهوىً يهب فتُطفأ السُنن

وثلاثةٌ غمر البسيطُ بها *** فتنٌ وفتّانٌ ومُفتَتن

ومنها :

القومُ سرّهم معاويةٌ *** وقميص عثمان لهم عَلَن

ويظهر أن نظم الشعر لدى المترجم له أسهل عليه من النثر فإنه لما أسّس الحسينية بالنبطية سنة 1329 ه. وأراد إجراء صيغة الوقف قال :

ص: 230

أنا عبد الحسين والصادق الودّ لآل النبي ثبت الولاء

أمروا بالعزا لهم فبذلت الجهد حتى أقمت بيت العزاء

فهو وقفٌ مؤبد أنا واليه وبعدي ذوالفضل من أبنائي

ولدى الانقراض منا يناط الأمر فيه لأورع العلماء

وقال في رثاء الحسين علیه السلام :

سل كربلا والوغى والبيضَ والأسلا *** مستحفياً عن أبيّ الضيم ما فعلا

أحلّقت نفسه الكبرى بقادمتي *** إبائه أم على حكم العدا نزلا

غفرانك اللّه هل يرضى الدنية مَن *** لقاب قوسين أو أدنا رقى نزلا

يأبى له الشرف المعقود غاربه *** بذروة العرش عن كرسيه حولا

ساموه إما هواناً أو ورود ردىً *** فساغ في فمه صاب الردى وحلا

خطا لمزدحم الهيجاء خطوته ال *** فسحاء لا وانياً عزما ولا كسلا

يختال من جده طه ببرد بهاً *** ومن أبيه عليٍّ في بجاد علا

فالكاتبان له في لوح حومتها *** ذا ناظم مهجاً ذا ناثر قللا

يمحو بهذين من ألواحها صوراً *** أجل ويثبت في قرطاسها الأجلا

يحيكُ فيها على نولي بسالته *** من الحمام إلى أعدائه حللا

ما عَضبه غير فصّال يداً وطلا *** ولدنه غير خياط حشاً وكلا

هما معاً نشرا من أرجوانها *** ما جلل الأرحبين السهل والجبلا

تقلّ يمناه مشحوذ الغرار مضاً *** مواجه علقاً وهاجة شعلا

ما بين مضطرب منه ومضطرم *** نار تلظّى وماء للمنون غلى

طوراً يقدّ وأحياناً يقط وفي *** حاليهما يقسم الأجسام معتدلا

فهو المقيم صلاة الحرب جامعة *** لم يبق مفترضاً منها ومنتفلا

تأتمّ فيه صفوف من عزائمه *** تستغرق الكون ما استعلا وما سفلا

بالنحر كبّر ماضيه وعامله *** بالصدر فاتحة الطعن الدراك تلا

ص: 231

فالسيف يركع والهامات تسجد والخطي *** في كل قلب أخلص العملا

أقام سوق وغى راجت بضائعها *** فابتاع لله منها ما علا وغلا

تعطيه صفقتها بيض الصفاح وسمر *** الخط تربح منه العلّ والنهلا

والنبل تنقده ما في كنانتها *** والقوس تسلفه عن نفسه بدلا

والبيعان جلاد صادق وردى *** فذاك أنشأ إيجاباً وذا قبلا

قضى منيع القفا من طعن لائمة *** مذ للقنا والمواضي وجهه بذلا

قضى تريب المحيا وهو شمس هدى *** من نوره كم تجلّى الكون بابن جلا

قضى ذبول الحشا يبس اللّهى ظمأ *** من بعد ما أنهل العسالة الذبلا

قضى ولو شاء أن تمحى العدا محيت *** أو يخليَ اللّه منها كونه لخلا

لكن ولله في أحكامه حكم *** كبابه القدر الجاري فخرّ إلى

لله ما انفصلت أوصاله قطعاً *** لله ما انتهبت أحشاؤه غللا

لله ما حملت حوباؤه محناً *** بثقلها تنهض النسرين والحملا

أفديه من مصحر للحرب منشئة *** عليه عوج المواضي والقنا طللا

والصافنات المذاكي فوقه ضربت *** سرادقا ضافي السجفين منسدلا

بيتاً من النقع علوياً به شرف *** وكل بيت حواه فهو بيت علا

ضافته بيض الظبا والسمر ساغبة *** عطشى فألفته بذال القرى جذلا

لله ماشرب الخطي من دمه *** لله ما لحمه الهندي ما أكلا

أحيا ابن فاطمة في قتله أُمماً *** لولا شهادته كانت رميم بلا

تنبهت من سبات الجهل عالمة *** ضلال كل امرء عن نهجه عدلا

لولم تكن لم تقم للدين قائمة *** ولا اهتدى للهدى من أخطأ السبلا

ولا استبان ضلال الناكثين عن المث- *** -لى ولا ضربوا في غيهم مثلا

ولا تجسم نصب العين جعلهم *** خلافة المصطفى ما بينهم دولا

ولا درى خلفٌ ماذا جنى سلفٌ *** في رفضه أولاً ساداته الأولا

ص: 232

ولا تحرر من رق الجهالة وثا *** با إلى العلم يأبى خطة الجهلا

سن الأبا لإباة الضيم منتحراً *** وتلك شنشنة للسادة الفضلا

لله وقفته في كربلا وسطا *** بين الوغى والخبا يحمي به الثقلا

يعطي النسا والعدا من وفر نجدته *** حظيهما الأوفرين الأمن والوجلا

عبّ الأمرّين فقدان الأعزة وا *** لصبر الجميل ومج الوهن والقشلا

ورب ظام رضيع ذابل شفة *** وفاغر لهوات غائر مقلا

أدناه من صدره رفقاً ومرحمة *** لحاله وهي حال تدهش العقلا

فاستغرق النزع رامي الطفل فانبجست *** أوداجه مذ له السهم المراش غلا

فاضت دماً فتلقاه براحته *** وللسماء رمى فيه فما نزلا

وهوّن الخطب إن اللّه ينظره *** وفي سبيل رضاه خفّ ما ثقلا

ونسوة بعده جلت مصيبتها *** وإن يكن كل خطب بعده جللا

على النبي عزيز سبيها علناً *** وسلبها الزينتين الحلي والحللا

تدافع القوم عنها وهي حاسرة *** مصفرّة وجلا محمرّة خجلا

ما حال دافعة مبتزها بيد *** تود مفصلها من قبل ذا فصلا

رأت فصيلتها صرعى وصبيتها *** من الظما بين من أشفى ومن قتلا

رأت نجوم سما عمرو العلى غربت *** عنها وبدر سماء المصطفى أفلا

وقال يرثي قمر الهاشميين أبا الفضل العباس شهيد كربلا :

بكر الردى فاجتاح في نكبائه *** نور الهدى ومحا سَنا سيمائه

ودهى الرشاد بناسفٍ لأشمّه *** وبخاسفٍ لأتمّ بدر سمائه

ورمى فأصمى الدين في نفاذة *** وارحمتاه لمنتهى أحشائه

يوماً به قمر الغطارف هاشم *** صكّت يد الجُلّى جبين بهائه

سيم الهوان بكربلاء فطار للعز *** الرفيع به جناح إبائه

أنّى يلين إلى الدنية مَلمَسا *** أو تنحت الأقدار من ملسائه

هو ذلك البسّام في الهيجاء وا *** لعباس نازله على أعدائه

ص: 233

هو بضعة من حيدر وصفيحة *** من عزمه مشحوذة بمضائه

وأسى أخاه بموقف العزّ الذي *** وقفت سواري الشهب دون علائه

ملك الفرات على ظماه وأسوة *** بأخيه مات ولم يذق من مائه

لم أنسهُ مذ كرّ منعطفاً وقد *** عطف الوكاء على مَعين سقائه

ولوى عنان جواده سرعان نحو *** أخيه كي يُطفي أوار ظمائه

فاعتاقه السَدّان من بيض ومن *** سُمر وكل سدّ رَحب فضائه

فانصاع يخترق الصوارم والقنا *** لا يَرعوي كالسهم في غلوائه

يفري الطلا ويخيط أفلاذ الكِلا *** بشباة أبيضه وفي سمرائه

* * *

ويجول جولة حيدرٍ بكتائب *** خضراؤها كالليل في ظلمائه

حتى إذا ما حان حين شهادة *** رُقمت له في لوح فصل قضائه

حسم الحسام مُقلة لسقائه *** في ضربة ومُجيلة للوائه

آمن العدى فتكاته فدنا له *** مَن كان هيّاباً مهيب لقائه

وعلاه في عَمد فخرّ لوجهه *** ويمينه ويساره بإزائه

نادى أخاه فكان عند لقائه *** كالكوكب المنقض من جوزائه

وافى اليه مُفرّقاً عنه العدى *** ومجمّعاً ما انبتّ من أعضائه

وهوى يُقبّله وما من موضع *** للثم إلا غارق بدمائه

* * *

يا مبكياً عين الإمام عليك *** فلتبك الأنام تأسّياً لبكائه

ومقوّساً منه القوام وحانيا *** منه الضلوع على جوى بُرحائه

فلتنحني حزناً عليك تأسيا *** بالسبط في تقويسه وحنائه

أنت الحري بأن تقيم بنو الورى *** طُراً ليوم الحشر سوق عَزائه

ص: 234

ومن حسينياته :

أذا غرب سيف أم هلال المحرم *** تضرج منه الشرق في علق الدم

أهذي السما أم كربلا وبروجها *** القباب وبرج الليث ظهر المطهم

أشهبٌ بها تنقض أم آل ( أحمد ) *** تهادت تباعاً عن مِطا كل شيضَم

أأقمار تم غالها الخسف أم هي ا *** لمصابيح سادات الحطيم وزمزم

أبدر الدياجى أم محيّا ابن فاطم *** تبلج في ديجور جيش عرمرم

أجل هو سبط المصطفى شبل حيدر *** وناهيك منه ضيغم شبل ضيغم

فما نابه إلا مثقّف صعدة *** ولا ظفره إلا محدّب مخذم

له لُبَدٌ من نجدة وبسالة *** تخرّ له الأبطال للأنف والفم

* * *

هو السيف مطبوع الشَبا من صرامة *** الوصي ومن صبر النبي المعظم

تثلم من قرع الكتائب حدّه *** وما آفة الأسياف غير التثلم

تزوّد مملوء المزاد حفيظة *** وحزماً سما فيه سموّ يلملم

وهبّ إلى عزّ الممات محلّقاً *** بخافقتيه من إباً وتكرّم

تعانق منه السمر أعدل قامة *** وتثلم منه البيض أشنب مبسم

وتشبك أوتار القسي نبالها *** مُروقاً به شبك المسدّى بملحم

تقلبه صدراً ونحراً وجبهة *** وما موضع التقبيل غير المقدم

سقته الظبا نهلاً وعلا نطافها *** على ظماء أفديه من ناهلٍ ظمي

مجفّفة ماء الحياة بجسمه *** ومجرية فيه جداول من دم

* * *

أباذلها لله نفساً أبيّة *** تصعّر خداً عن مذلّة مُرغم

ترى الخدرِ خدر الفاطميات عرضة *** لمقتلعيه محرق ومهدِم

ترى الخفرات الهاشميات غودرت *** مقانعها نهباً وسلباً لمجرم

ص: 235

السيد مير علي أبو طبيخ

المتوفى 1361

أهاشم إن لم تمتطي الخيل ضمرا *** فكل حديث في معاليك مفترى

وإن لم تفه بالطعن ألسنة القنا *** فلا فرعت منك الخطابة منبرا

وإن لم تخض منك الضبا بدم الطلا *** فيا لا طمى وادي نداك ولا جرى

لئن قعدت سود الليالي بمرصد *** فهذي الليالي البيض أحمد للسرى

فصولي بمصقول الشبا حيثما هوى *** يفلّق مصقول الجوانب مرمرا

إذا لعلعت في القاصفات بروقه *** فصيد الأعادي الصيد وهو لها قرى

أو انتثرت منه الجماجم خلتها *** كُرىً يلطم اللاهي بها أوجه الثرى

لجوجٌ فلولا الغمد يمسك بأسه *** لسالت به شتى المدائن والقرى

أخو نجدة يبدو بهيئة راكع *** فإن هو أهوى للضريبة كبّرا

يتيه به زهو الملوك إذا انثنى *** يمجّ بفياض النجيع مظفرا

عسى تدركي الثار الذي ملؤه دم *** متى عصفت فيه المنايا تفجرا

وتستأصلي من عبد شمس طغاتها *** بذي لجب لم يبق ظفراً ومنسرا

تمرّ كأمثال البروق جياده *** يلوح على أعرافها الموت أحمرا

مؤللة الأطراف ناحلة الشوى *** موقرة الأرداف محبوكة القرا

إذا اقتعدت حمس الوغى صهواتها *** أرتك الكميّ الليث والصهوة الشرى

تمثل صولان ابن حيدر مذ غدوا *** يظنون في صدر الكتائب حيدرا

ص: 236

جرى والقضاء الحتم دون يمينه *** يفصل أبراد المنايا إذا جرى

على سابح راقته في السلم ميعة *** فلاح بها يوم الوغى متبخترا

يعوم بهاد أماء ماء لعابه *** إذا ما طغى غير الأسنة معبرا

فطافت به أمواجه وهي أنصلٌ *** ترامت فألقته بضاحية العرى

ولم أدري ما خرّت صحيفة بجدل *** أكان وريد المجد أم كان خنصرا

رأى الليث أشلاء فهان ابتزازه *** وهل يسلب الضرغام إلا معفرا

وبالصفا يا هاشم مذ تناوبت *** عليها الرزايا وهي تندب حسّرى

بضرب تروع الجامدات سياطه *** وسير على الأقتاب تُبرى به البُرا

ولولا جلال اللّه لم يبق حاجب *** به يرتدين الصون عن أعين الورى

بنفسي مرهوب الحمى شبه أحمد *** سطا ضيغماً والحرب مشبوبة الذرى

يُروي شبا ماضيه لكن قلبه *** من الطعن أوراه الظما فتسعّرا

ولم أنس مذ أرداه سهم منية *** هوى وهو باب اللّه منفصم العُرى

هو البدر قد أخني عليه محاقه *** وإقبال دهر ناضوه فأدبر

وغرة شمس غيبتها دجى الوغى *** وآية قدس أغفلت عين مَن قرا (1)

السيد مير علي ابن السيد عباس ابن السيد راضي بن الحسن بن مهدي بن عبد اللّه بن محمد إبن العلامة السيد هاشم ، يرجع نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیهماالسلام . وهو من اسرة البوطبيخ المعروفة بمحتدها ومكانتها في الشرف. ولد في النجف في غضون العشرة الاولى من القرن الرابع عشر الهجري ، وتوفي في شهر شوال من سنة 1361 ه. وهو لم يتجاوز الخمسين إلا قليلاً. تدرجت على المنبر والخطابة وأنا ابن اثنتي عشرة سنة فكنت أرى السيد المترجم له ملازماً لدارنا فلا يمر يوم إلا وهو عندنا يتذاكر مع والدي

ص: 237


1- عن سوانح الأفكار للمؤلف وهي من الشعر الذي لم ينشر في الديوان.

وتجمعهما وحدة الدرس وربما جاءنا صبحاً وعصراً ، وأذكر أن تقريرات المجتهد الكبير السيد محمد تقي البغدادي قد كتبها والدي بخطه فاستعارها السيد مير علي وكتبها أيضاً وبحكم هذه الصلة فقد كنت أعيد عليه ما أحفظه من شعر في الإمام الحسين وأستوضح منه معناه وأطلب منه تشكيل القصيدة فلقد كانت ملكته الأدبية أقوى منها عند أبي ، وكان رحمه اللّه على جانب عظيم من الورع والتقى وعفة اللسان فما سمعته ذكر مخلوقاً بسوء ويحفظ للمجلس وللجليس كرامته فقد كان يقول : إني لأعجب ممن يجالس الناس وهو حاسر الراس وكنت أشاهده لا ينطق إلا إذا سُئل فإذا أجاب عن المسألة يكون جوابه قدر الحاجة خالياً من الفضول ، ولا زلت أتصوره جيداً عندما يترنم بالشعر على الطريقة المعروفة ب ( المثكل ) وهي من الشجاء بمكان وكثيراً ما سأل المغنون والملحنون عنها إذ أنها لم تنتزع من الأطوار المعروفة عند الملحنين وكان يجيدها فكنت أصغي اليه بكلّي ، أما نظمه للشعر فلم يزاوله إلا عندما أصبح مقعداً في بيته بمرض ( الروماتيزم ) فكان يتسلى به ولم أكن أسمع له من الشعر قبل ذلك إلا نادراً فقد عزم والدي على طبع مؤلف جدنا الأكبر السيد عبداللّه شبّر في العقائد وهو كتاب ( حق اليقين في معرفة أصول الدين ) فنظم السيد بيتين فكانا على صدر الكتاب الذي طبع بلبنان بمطبعة العرفان ، صيدا سنة 1356 ه. وهما :

إذا ما خفت تسقط في عثار *** بمزلق هوّة وضلال دين

وجدتَ به الدلائل واضحات *** إذا شاهدته حق اليقين

وإني أحتفظ برسالتين قيمتين كتبهما لوالدي عندما سافر إلى ( حيدر آباد دكن ) وفي الرسالتين من النظم الرائق والنثر الفائق ما يعجب وقد نشر شيء من إحداهما في الديوان أما الثانية فقد صدّرها بقطعة من روائعه جاء فيها :

إلى الهند أصبو كلما طلع النجم *** لعلّ له فيما ألمّ بكم علم

نحيلا تحداني السقام فراعني *** فلا كيف يضوبني ولم يحوني كمّ

ص: 238

نزحت فشاقتني اليك نوازعي *** وقد بنتَ فاستولى على كبدي الهمّ

تضاءل مني كل معنى لبينكم *** فلم يبق لي في صفحة الكون إلا اسم

يردد ذكراكم لساني فينتشي *** فؤادي ولا خمرٌ لديّ ولا كرم

ويكحل عيني منك نور ألوكة *** تنمّقها منك البراعة والفهم

وهذا ديوانه الأنواء الذي أصدرته مطبعة الراعي في النجف بعد وفاته بعام واحد ، وقد قدّم له الاستاذ الكبير جعفر الخليلي ، ورتبه إلى ثلاثة أبواب وهي :

1 - خواطر وأحلام ضمّت جميع شعره الإجتماعي ورأيه الأدبي.

2 - عواطف وأنغام متضمنة تقاريضه وتهانيه وعواطفه الأخوية.

3 - شجون وآلام وقدضمت مراثيه ومنظوم دموعه الحارة.

أما ما احتفظ به بخطه الجميل فهي القطعة التي يرثي بها نفسه وهي أيضاً مما لم ينشر :

أهوت به علّته فانتدب الحيلة *** يثنيها فأعياه السبب

قالوا النطاسي فألقى فخّه *** مقتنصاً جاء ليصطاد النشب

حتى إذا استفرغ ما ظنّ به *** من فضة يكنزها ومن ذهب

تعاظم الداء عليه فالتوى *** واستعضل النازل فيه فانسحب

وللرفاق حوله ولولة *** وللبنين والبنات مصطخب

يلطم هذا وجهه توجّعاً *** وذاك حانٍ فوق جسمه حدب

فلا حميم لحماه يلتجي *** ولا ابن أمٍ نافع ولا ابن أب

وهو على بصيرة من أمره *** منتبهاً يرنو لسوء المنقلب

ينظر فيما ذهبت أيامه *** وما اكتسى من عمل وما اكتسب

طغت عليه لجج الموت فما *** أقام في تيارها حتى رسب

فاستكّ منه سمعه وأخرست *** شقشقة تزري بفصحاء العرب

وأغمضت أجفانه لا عن كرىً *** وأسبل الأيدي من غير وصب

ص: 239

وسيقت النفس على علاتها *** إلى الجنان أو إلى النار حطب

إني أعوذ بولاء حيدر *** وصفوة الطف البهاليل النجب

من فزع الموت وشرّ ما اعتقب *** وشرّ كل غاسق إذا وقب

هم الرعاة لا عدمت فيئهم *** وهم سفائن النجاة في العبب

هم عرفات الحج هم شعاره *** هم كعبة البيت وهم أسنى القرب

يا بأبي السبط غداة وزّعت *** أشلاؤه ما بين أشفار القضب

وقد تضمن ديوانه جملة من الرثاء للإمام الحسين علیه السلام منها قصيدته التي ختمها بقوله :

يا بن النبي وخير مَن *** أهدى وحلّ مني وخيّف

وابن الحطيم وزمزم *** وابن المشاعر والمعرّف

لا قلت رأسك في القنا *** بدر فرأسك منه أشرف

كلا ولا هو في الضحى *** شمس فعين الشمس تكسف

بل أنت وجه اللّه في *** أفق الوجود غداة توصف

أضحوا لفقدك آسفين بما *** جنوه ولات مأسف

ولا زلت أتذكر أني يوم فقدته رأيت نفسي كأني فقدت أباً عطوفاً وعبّرتُ عن ألمي بقصيدة نشرتها جريدة الهاتف النجفية في سنتها الثامنة عدد 318 ومطلعها :

فمي وطرفي على تأبينك استبقا *** بالنثر والنظم كلٌ منهما اندفقا

ما هذه قطع شعرية سبكت *** هذي شظايا فؤادي قطّعت حرقا

طوارق الدهر أظنتني وأعظمها *** هذي التي علمتني بالرثا طرقا

هل نافعي فرط وجدي أو جوى كبدي *** هيهات فيك قضاء اللّه قد سبقا

وهي تزيد على العشرين بيتاً. تغمده اللّه برحماته وأسكنه فسيح جناته.

ص: 240

السيد رضا الهندي

اشارة

المتوفى 1362

قال مؤنباً سفير الحسين مسلم بن عقيل أول الشهداء :

لو أن دموعي استهلت دما *** لما أنصفت بالبكا مسلما

قتيلٌ أذاب الصفا رزؤه *** وأحزن تذكاره زمزما

وأورى الحجون بنار الشجون *** وأشجى المقام وأبكى الحِما

أتى أرض كوفان في دعوةٍ *** لها الأرض خاضعة والسما

فلبّوا دعاه وأمّوا هداه *** لينقذهم من غشاءِ العمى

وأعطوه من عهدهم ما يكا *** د إلى السهل يستدرج الأعصما

وما كان يحسب وهو الوفي *** أن ينقضوا عهده المبرما

فديتك من مفرد أسلموه *** لحكم الدعي فما استسلما

وألجأه عذرهم أن يحل *** في دار طوعة مستكتما

ومذ قحموا منه في دارها *** عريناً أبا الليث أن يقحما

إبان لهم كيف يضرى الشجاع *** ويشتد بأساً إذا أسلما

وكيف تهب اسود الشرى *** إذا رأت الوحش حول الحِما

وكيف تفرق شهد الزات *** بغاتاً تطيف بها حوّما

ولما رأوا بأسه لا يطاق *** وماضيه لا يرتوي بالدما

أطلّوا على شرفات السطوح *** يرمونه القصب المضرما

ولولا خديعتهم بالأمان *** لما أوثقوا ذلك الضيغما

ص: 241

وكيف يحس بمكر الأثيم *** من ليس يقترف المأثما

لأن ينسني الدهر كل الخطوب *** لم ينسني يومك الأيوما

أتوقف بين يدي فاجرٍ *** دعيٍّ إلى شرها منتما

ويشتم أسرتك الطاهرين *** وهو أحقّ بأن يُشتما

وتقتل صبراً ولا طالبٌ *** بثارك يسقيهم العلقما

وترمى إلى الأرض من شاهق *** ولم ترمِ أعداك شهب السما

فإن يحطموا منك ركن الحطيم *** وهدوا من البيت ما استحكما

فلستَ سوى المسك يذكو شذاه *** ويزداد طيباً إذا حطّما

لإن تخلو كوفان من نادبٍ *** عليك يقيم لك المأتما

فإنّ ضبا الطالبين قد *** غدت لك بالطف تبكي دما

ذها منهم النقع في أنجم *** أحالوا صباح العدى مظلما

السيد رضا الهندي شيخ الأدب في العراق والعالم الجليل المؤرخ والبحاثة الشهير وهو ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الموسوي الهندي (1) ، ولد قدس سره في الثامن من شهر ذي القعدة سنة 1290 ه. وهاجر إلى سامراء بهجرة أبيه سنة 1298 ه. حين اجتاح النجف وباء الطاعون ، وكان خامس اخوته الستة ومكث يواصل دروسه في سامراء وكان موضع عناية من آية اللّه المجدد الشيرازي لذكائه وسرعة البديهة وسعة الاطلاع ، وفي النجف واصل جهوده العلمية على أساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد وعندما انتدبه المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني للارشاد وذلك بعد أن شهد سابقاً له مراجع الطائفة كالشيخ محمد حسن آل صاحب الجواهر والشيخ الشربياني والملا محمد كاظم الخراساني ويروي إجازة عن أبيه وعن الشيخ أسد اللّه الزنجاني والسيد حسن الصدر والسيد أبو الحسن والشيخ آغا بزرك الطهراني.

ص: 242


1- ينتهي نسب الاسرة الى الامام العاشر من أثمة أهل البيت علي الهادي علیه السلام .

مؤلفاته :

1 - الميزان العادل بين الحق والباطل في الرد على الكتابيين - مطبوع.

2 - بلغة الراحل في الأخلاق والمعتقدات.

3 - الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي.

4 - سبيكة العسجد في التاريخ بأبجد ، ( وقد فُقِدَ ).

5 - شرح غاية الايجاز في الفقه.

ترجم له في الحصون المنيعة فقال : فاضل معاصر وشاعر بارع وناثر ماهر له إلمام بجملة من العلوم ، ولسانه فاتح كل رمز مكتوم ومعرفته بالفقه والاصول لا تنكر وفضائله لا تكاد تحصر ، رقيق الشعر بديعه ، سهله ممتنعه خفيف الروح حسن الأخلاق طيب الأعراق ، طريف المعاشرة لطيف المحاورة ، جيد الكتابة وأفكاره لا تخطئ الاصابة.

وترجم له السيد الأمين في الأعيان والشيخ الطهراني في نقباء البشر والسماوي في الطليعة والخليلي في ( هكذا عرفتهم ) والخاقاني في شعراء الغري وغيرهم من الباحثين. وكان يدعوني للخطابة في داره بالمشخاب وأقضي ساعات بالمحادثة معه فكان حديثه دروساً جامعة مملوءة بالفوائد وكنت في منابري أتلو شعره الذي قاله في أهل البيت عامة وفي الحسين خاصة ومما حدثني به أن داراً للشيخ مولى اغتصبها الشيخ حرج فأعلن المرجع غصبيتها وعدم جواز الدخول اليها فتحاماها الناس فرجع الغاصب عن رأيه وردّ الدار إلى صاحبها فنظم السيد :

صبرت يا مولى فنلت المنى *** والصبر مفتاح لباب الفرج

فالحمد لله الذي لم يكن *** يدخلني الدار وفيها ( حرج )

كما روى لي قوله :

غزا مهجتي بصفاح اللحاظ *** ولوع بظلمي لا يصفح

ولم أرى من قبل أجفانه *** جنوداً إذا انكسرت تفتح

ص: 243

ومن روائعه التي اشتهرت وحفظها القاصي والداني قصيدته ( الكوثرية ) والمقطع الأول منها في الغزل وباقيها في مدح الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

أمفلّج ثغرك أم جوهر *** ورحيق رضابك أم سكر

قد قال لثغرك صانعه *** انا اعطيناك الكوثر

والخال بخدك أم مسك *** نقطّتَ به الورد الأحمر

أم ذاك الخال بذاك الخدّ *** فتيت الندّ على مجمر

عجبا من جمرته تذكو *** وبها لا يحترق العنبر

وقال من قصيدة رقيقة :

الخال في وجنتيك قد لثمك *** والشعر أهوى مقبلاً قدمك

ولم تنلني الذي أنلتهما *** فليتني قد لثمت مَن لثمك

نحلت مثل السواك فيك فما *** ضرك لو أنني رشفت فمك

يا كشحة طال عدل قامته *** فأشك اليه من الذي هضمك

يا جفنه اعتاد بالضنى جسدي *** فليحتمل فوق سقمه سقمك

يا غصن طاولت قدّه فلئن *** يقصفك ريح الصبا فما ظلمك

ويا عنيقيد قست وفرته *** فيك ، فان استطع شربت دمك

يا كعبة الحسن ليس يحسن أن *** تريع بالصد من أتى حرمك

يا أسعد الخال فوق وجنته *** لقد قضى حجه من استلمك

يا آس فوق الشقيق مَن رقمك *** يا در بين العقيق من نظمك

من ملأ الريق بالرحيق ومن *** بمسك خال عليه قد ختمك

من فيك أجرى نواظري سحباً *** لما رأت كالوميض مبتسمك

بميسم الشوق قد كوى كبدي *** مَن بسمات الجمال قد وسمك

أنشاك لي نشوة ومنتزهاً *** من أودع الراح والأقاح فمك

مولاي هل أنت راحم كلفا *** لو كنت يوماً مكانه رحمك

ص: 244

وقال من قصيدة :

الدهر أبدع فيك فعله *** حتى حباك الحسن كله

ولقد ملكت نصابه *** أفلا تزكّيه بقبله

انا توجهنا اليك *** وأنت للعشاق قبله

عجباً لدين هواك شا *** ع نظامه في كل ملّه

ولهّتَ قلبي في الهوى *** عطفاً على قلبي المولّه

ارحم عزيزاً لم يكن *** لولاك يرضى بالمذله

دنفاً إذا نام الورى *** سهر الدجى إلا أقلّه

وتحدثتُ يوماً في موقف من مواقف الخطابة عن ميلاد أمير المؤمنين علیه السلام فروى لي من شعره قوله :

لما دعاك قدماً لأن *** تولد في البيت فلبيته

جزيته بين قريش بأن *** طهّرت من أصنامهم بيته

ومن محاسن التواريخ قوله مؤرخاً وفاة الزعيم السيد نور السيد عزيز الياسري :

هذا ضريح فيه نور الهدى *** وهو بنور اللّه مغمور

وكيف يخشى ظلمات الثرى *** أرخ ضريح ملؤه نور

وكتب على الصورة :

انظر إلى هذا المثال فكل ذي *** بصر يراه يقول هذا نورُ

ومن نوادره قوله لما كتب السيد محسن الأمين ( التنزيه لأعمال الشبيه ) وهي مجموعة ظنون نقلت اليه فبنى عليها واعتقد بصحتها فاندفع يكتب قال السيد رضا :

ذرية الزهراء ان عددت *** يوماً ليطري الناس فيها الثنا

فلا تعدّوا محسناً منهم *** لأنها قد أسقطت محسنا

ص: 245

وأرخ عام مقتل الإمام الحسين علیه السلام :

صرخ النادبون باسم ابن طاها *** وعليه لم تحبس الدمعُ عينُ

لم يصيبوا الحسين إلا فقيداً *** حينما أرخوه ( أين الحسين )

وقال مؤرخاً تجديد باب الإمامين العسكريين في سامراء سنة 1345 ه.

قل لمن يمموا النقى وأمّوا *** من حمى العسكري أفضل خطه

جئتم سر من رأى فاقيموا *** أبد الدهر في سرور وغبطه

زرتم لجتي عطاء وفضل *** يغتدي في يديهما البحر نقطه

خيرة الناس هم ومَن ذا يساوي *** في المزايا آل النبي ورهطه

قيل أرخ باب التقي فأرخّت *** ببيت في قلبي الوحي خطه

( ادخلوا الباب سجداً إن باب *** العسكريين دونه باب حطه )

وذكر الشيخ السماوي في ( الطليعة ) نماذج من أدبه الحي وألوان من غزله الرقيق ما تطرب له القلوب وتهفو له الأسماع وتسيل له القرائح ولولا الإطالة لنقلت كل ما ذكره الشيخ في مخطوطته ولكني أروي ما علق بالذاكرة من تلك الدرر ، قال لي مرة : كتبت رسالة إلى ولدي السيد أحمد - وكان مصطافاً في صيدا - لبنان - وفيها :

وكنا إن أردنا منك وصلا *** أصبناه ولو نمشي رويدا

قصرنا نستعين على التلاقي *** باشراك الكرى لنصيد ( صيدا )

الحلبة الأدبية التي اشترك بها السيد ورائعته المملوءة بالاحتجاج في أيام السلطان عبد الحميد وردت من بغداد قصيدة لعدد من علماء النجف والقصيدة تتضمن الانكار على وجود صاحب الأمر حجة آل محمد وأولها :

أيا علماء العصر يا من له خبر *** بكل دقيق حار في مثله الفكر

لقد حار مني الفكر في القائم الذي *** تنازع فيه الناس والتبس الأمر

فمن قائل في القشر لبّ وجوده *** ومن قائل قذ ذب عن لبّه القشر

وأول هذين الذين تقررا *** به العقل يقضي والعيان ولا نكر

ص: 246

وكيف وهذا الوقت داع لمثله *** ففيه توالى الظلم وانتشر الشر

وما هو إلا ناشر العدل والهدى *** فلو كان موجوداً لما وجد الجور

وإن قيل من خوف الطغات قد اختفى *** فذاك لعمري لا يجوّزه الحجر

إلى أن يقول :

وإن قيل إن الاختفاء بأمر مَن *** له الأمر في الأكوان والحمد والشكر

فذلك أدهى الداهيات ولم يقل *** به أحدٌ إلا أخو السفه الغمر

أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه *** على غيرهم حاشا فهذا هو الكفر

فحتام هذا الاختفاء وقد مضى *** من الدهر آلاف وذاك له ذكر

وما أسعد السرداب في سر من رأى *** له الفضل عن أمّ القرى وله الفخر

فيا للأعاجيب التي من عجيبها *** ان اتخذ السرداب برجاً له البدر

فيا علماء المسلمين فجاوبوا *** بحق ومن رب الورى لكم الأجر

وغوصوا لنيل الدر أبحر علمكم *** فمنها لنا لا زال يستخرج الدر

فانبرى للجواب جماعة من فطاحل الأدب وفرسان الشعر ولغة العرب :

1 - الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بقصيدة تربو على 300 بيتاً ، على الوزن والقافية نظمها سنة 1317 ه. وهي السنة التي وردت بها القصيدة ، والقصيدة مثبتة في مخطوطنا ( سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ) ج 4 / 230.

2 - السيد محسن الأمين العاملي بقصيدة على القافية والروي ب 309 بيتاً وشرحها شرحاً مبسوطاً وأسماها ( البرهان على وجود صاحب الزمان ) طبعت بالمطبعة الوطنية بالشام عام 1333 ه.

3 - قصيدة الشيخ محمد جواد البلاغي المتوفى 1352 ه. أيضاً على الوزن والقافية طبعت في آخر كتابه ( حاشية البيع ) كما أثبتها السيد الأمين في ترجمته في أعيان الشيعة.

ص: 247

4 - كتاب كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار للعالم الكبير الحاج ميرزا حسين النوري ، طبع سنة 1318 ه.

5 - قصيدة الشيخ رشيد الزبديني العاملي المتوفى بالنجف سنة 1317 ه.

6 - قصيدة الشيخ عبد الهادي شليلة ابن الحاج جواد البغدادي المعروف بالهمداني والمتوفى سنة 1333 ه.

7 - ارجوزة للسيد علي محمود الأمين العاملي المتوفى سنة 1328 ه. في ماية وتسعة عشر بيتاً ذكره السيد الحجة السيد حسن الصدر في ( التكملة ).

8 - قصيدة الشيخ محمد باقر الهمداني البهاري.

9 - قصيدة السيد رضا الهندي المترجم له وهذه قصيدته :

يمثلك الشوق المبرح والفكر *** فلا حجبٌ تخفيك عني ولا ستر

ولو غبتَ عني ألف عام فإن لي *** رجاء وصال ليس يقطعه الدهر

تراك بكل الناس عيني فلم يكن *** ليخلوَ ربعٌ منك أو مهمه قفر

وما أنت إلا الشمس ينأى محلّها *** ويشرق من أنوارها البر والبحر

تمادى زمان البعد وامتدّ ليله *** وما أبصرت عيني محياك يا بدر

ولو لم تعللني بوعدك لم يكن *** ليألف قلبي من تباعدك الصبر

ولكن عقبى كل ضيق وشدة *** رخاءٌ وإن العسر من بعده يسر

وان زمان الظلم ان طال ليله *** فعن كثب يبدو بظلمائه الفجر

ويُطوى بساط الجوز في عدل سيدٍ *** لألوية الدين الحنيف به نشر

هو القائم المهدي ذو الوطأة التي *** بها يذر الأطواد يرجحها الذر

هو الغائب المأمول يوم ظهوره *** يلبيه بيت اللّه والركن والحجر

هو ابن الإمام العسكري محمد *** بذا كله قد أنبأ المصطفى الطهر

كذا ما روى عنه الفريقان مجملا *** بتفصيله تفنى الدفاتر والحبر

فأخبارهم عنه بذاك كثيرة *** وأخبارنا قلّت لها الأنجم الزهر

ومولده ( نور ) به يشرق الهدى *** وقيل لظامي العدل مولده ( نهر )

ص: 248

فيا سائلي عن شأنه اسمع مقالة *** هي الدر والفكر المحيط لها بحر

ألم تدر أن اللّه كوّن خلقه *** ليمتثلوه كي ينالهم الأجر

وما ذاك إلا رحمة بعباده *** وإلا فما فيه إلى خلقهم فقر

ويعلم أن الفكر غاية وسعهم *** وهذا مقام دونه يقف الفكر

فأكرمهم بالمرسلين أدلة *** لما فيه يرجى النفع أو يختشى الضر

ولم يؤمن التبليغ منهم من الخطا *** إذا كان يعروهم من السهو ما يعرو

ولو أنهم يعصونه لاقتدى الورى *** بعصيانهم فيهم وقام لهم عذر

فنزهم عن وصمة السهو والخطا *** كما لم يدنس ثوب عصمتهم وزر

وأيّدهم بالمعجزات خوارقا *** لعاداتنا كي لا يقال لها سحر

ولم أدرِ لم دلّت على صدق قولهم *** إذا لم يكن للعقل نهيٌ ولا أمر

ومن قال للناس انظرو في ادعائهم *** فإن صح فليتبعهم العبد والحر

ولو أنهم فيما لهم من معاجز *** على خصمهم طول المدى لهم النصر

لغالى بهم كل الأنام وأيقنوا *** بأنهم الأرباب والتبس الأمر

لذلك طوراً ظافرين تراهُم *** وآخر فيهم ينشب الناب والظفر

كذلك تجري حكمة اللّه في الورى *** وقدرته في كل شيء له قدر

وكان خلاف اللطف واللطف واجب *** إذا من نبيٍّ أو وصيٍّ خلا عصر

وجوب عصمة الأنبياء :

أينشيء للانسان خمس جوارح *** تحسّ وفيها يدرك العين والأثر

وقلباً لها مثل الأمير يردها *** إذا أخطأت في الحسّ واشتبه الأمر

ويترك هذا الخلق في ليل ضلّةِ *** بظلمائه لا تهتدي الأنجم الزهر

( فذلك أدهى الداهيات ولم يقل *** به أحدٌ إلا أخو السفه الغمر )

فأنتج هذا القول إن كنت مصغياً *** وجوب إمام عادل أمره الأمر

ص: 249

الإستدلال بكتبهم :

وإمكان أن يقوى وإن كان غائباً *** على رفع ضرّ الناس إن نالها الضر

وإن رمت نجح السؤل فأطلب ( مطالب *** السؤال ) فمن يسلكه يسهل له الوعر

ففيه أقرّ الشافعي ابن طلحة *** برأي عليه كل أصحابنا قرّوا

وجادل من قالوا خلاف مقاله *** فكان عليهم في الجدال له النصر

وكم للجوينيّ انتضمن فرائد *** من الدر لم يسعد بمكنونها البحر

فرائد سمطين المعالي بدرّها *** تحلّت لأن الحلي أبهجه الدر

فوكّل بها عينيك فهي كواكب *** لدرّيها أعياني العدّ والحصر

* * *

ورد من ينابيع المودة مورداً *** به يشتفي من قبل أن تصدر الصدر

وفتّش على كنز الفرائد واستعن *** به فهو نعم الذخر إن أعوز الذخر

ولاحظ به ما قد رواه الكراجكيّ *** من خبر الجارود إن أغنت النذر

وقد قيل قدماً في ابن خولة إنه *** له غيبة والقائلون بها كثر

وفي غيره قد قال ذلك غيرهم *** وما هم قليل في العداد ولا نزر

وما ذاك إلا لليقين بقائم *** يغيب وفي تعيينه التمس الأمر

وكم جدّ في التفتيش طاغي زمانه *** ليفشىَ سرّ اللّه فانكتم السر

وحاول أن يسعى بإطفاء نوره *** وما ربحه إلا الندامة والخسر

وما ذاك إلا أنه كان عنده *** من العترة الهادين في شأنه خبر

* * *

وحسبك عن هذا حديث مسلسل *** لعائشة ينهيه أبناؤها الغر

بأن النبي المصطفى كان عندها *** وجبريل إذ جاء الحسين ولم يدروا

فأخبر جبريل النبي بأنه *** سيقتل عدوانا وقاتله شمر

وأن بنيه تسعة ثم عدّهم *** بأسمائهم والتاسع القائم الطهر

وأن سيطيل اللّه غيبة شخصه *** ويشقى به من بعد غيبته الكفر

ص: 250

وما قال في أمر الإمامة أحمد *** وأن سيليها اثنان بعدهما عشر

فقد كاد أن يرويه كل محدث *** وما كاد يخلو من تواتره سفر

وفي جلّها أن المطيع لأمرهم *** سينجو إذا ما حاق في غيره المكر

ففي أهل بيتي فلك نوح دلالة *** على من عناهم بالإمامة يا حبر

فمن شاء توفيق النصوص وجمعها *** أصاب وبالتوفيق شُدّ له أزر

وأصبح ذا جزم بنصب ولاتنا *** لرفع العمى عنا بهم يجبر الكسر

وآخرهم هذا الذي قلت أنه *** ( تنازع فيه الناس والتبس الأمر )

وقولك ان الوقت داع لمثله *** إذا صحّ لم لا ذبّ عن لبّه القشر

وقولك ان الإختفاء مخافة *** من القتل شيء لا يجوّزه الحجر

فقل لي لماذا غاب في الغار أحمد *** وصاحبه الصديق إذ حسُن الحذر

ولِم أُمرت امّ الكليم بقذفه *** إلى نيل مصر حين ضاقت بها مصر

وكم من رسول خاف اعداه فاختفى *** وكم انبياء من اعاديهم فرّوا

( أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه *** على غيرهم كلا فهذا هو الكفر )

وهل شاركوه في الذي قلت انه *** يؤول الى جبن الإمام وينجرّ

فقل فيه ما قد قلت فيهم فكلهم *** على ما أراد اللّه أهؤاؤهم قصر

وإظهار أمر اللّه من قبل وقته *** المؤجل لم يوعد على مثله النصر

وإن تسترب فيه لطول بقائه *** أجابك إدريس والياس والخضر

ومكث نبي اللّه نوح بقومه *** كذا نوم أهل الكهف نصّ به الذكر

وإني لأرجو أن يحين ظهوره *** لينتشر المعروف في الناس والبر

ويحيى به قطر الحيا ميّت الثرى *** فتضحك من بشر إذا ما بكا القطر

فتخضرّ من وكّاف نائل كفه *** ويمطرها فيض النجيع فتحمرّ

ويطهر وجه الأرض من كل مأتم *** ورجس فلا يبقى عليها دم هدر

وتشقى به أعناق قوم تطاولت *** فتأخذ منها حظها البيض والسمر

ص: 251

وخذه جواباً شافياً لك كافياً *** معانيه آيات وألفاظه سحر

وماهو إن انصفته قول شاعر *** ولكنه عقد تحلّى به الشعر

ولو شئت إحصاء الأدلة كلها *** عليك لكل النظم عن ذاك والنثر

وفي بعض ما أسمعته لك مقنع *** إذا لم يكن في اذن سامعه وقر

وان عاد إشكال فعد قائلاً لنا *** ( أيا علماء العصر يا من لهم خبر )

ومن اشعاره حيث يطلب الرحمة من اللّه يوم النشور فيقول :

إلهي إذا أحضرتني ونشرت لي *** صحائف لاتبقى علي ولا تذر

فقل لا تعدّوه وان كان حاضراً *** فقد كان عبدي لا يعد إذا حضر

ومن اشعاره :

أرى الكون أضحى نوره يتوقد *** لأمر به نيران فارس تخمد

وإيوان كسرى انشق أعلاه مؤذناً *** بأن بناء الدين عاد يشيد

أرى امّ الشرك أضحت عقيمةً *** فهل حان من خير النبيين مولد

نعم كاد يستولي الضلال على الورى *** فأقبل يهدي العالمين ( محمد )

نبي براه اللّه نوراً بعرشه *** وما كان شيء في الخليقة يوجد

وأودعه من بعد في صلب آدم *** ليسترشد الضلال فيه ويهتدوا

ولو لم يكن في صلب آدم مودعاً *** لما قال قدماً للملائكة اسجدوا

له الصدر بين الأنبياء وقبلهم *** على رأسه تاج النبوة يعقد

لأن سبقوه بالمجئ فأنما *** أتوا ليبثوا أمره ويمهدوا

رسول له قد سخّر الكون ربه *** وأيده فهو الرسول المؤيد

ووحده بالعز بين عباده *** ليجروا على منهاجه ويوحّدوا

وقارن ما بين اسمه واسم أحمد *** فجاحده لاشك لله يجحد

ومن كان بالتوحيد لله شاهداً *** فذاك ( لطه ) بالرسالة يشهد

ولولاه ما قلنا ولاقال قائل *** لما لك يوم الدين أياك نعبد

ص: 252

ولا أصبحت أوثانهم وهي التي *** لها سجدوا تهوي خشوعاً وتسجد

لآمنة البشرى مدى الدهر إذ غدت *** وفي حجرها خير النبيين يولد

به بشر الانجيل والصحف قبله *** وان حاول الاخفاء للحق ملحد

بسينا دعا موسى وساعير مبعث *** لعيسى ومن فاران جاء محمد

فمن أرض قيذار تجلّى وبعدها *** لسكان سلع عاد والعود أحمد

فسل سفر شعيا ماهتافهم الذي *** به أمروا أن يهتفوا ويمجّدوا

ومن وعد الرحمن موسى ببعثه *** وهيهات للرحمن يخلف موعد

وسل من عنى عيسى المسيح بقوله *** سأنزله نحو الورى حين أصعد

لعمرك أن الحق أبيض ناصع *** ولكنما حظ ( المعاند ) أسود

أيخلد نحو الأرض متّبع الهوى *** وعما قليل في جهنم يخلد

ولولا الهوى المغوي لما مال عاقل *** عن الحق يوماُ كيف والعقل مرشد

ولا كان أصناف النصارى تنصروا *** حديثاً ولا كان اليهود تهودوا

أبا القاسم أصدع بالرسالة منذراً *** فسيفك عن هام العدى ليس يغمد

ولاتخشى من كيد الأعادي وبأسهم *** فإنّ ( علياً ) بالحسام مقلد

أيحذر من كيد المضلّين من له *** ( أبو طالب ) حام وحيدر مسعد

علي يد الهادي يصول بها وكم *** لوالده الزاكي على أحمد يد

وهاجر بالزهراء عن أرض مكة *** وخلّ ( علياً ) في فراشك يرقد

عليك سلام اللّه يا خير مرسل *** اليه حديث العز والمجد يسند

حباك إله العرش منه بمعجز *** تبيد الليالي وهو باق مؤبّد

دعوت قريشاً أن يجيئوا بمثله *** فما نطقوا والصمت بالعيّ يشهد

وكم قد وعاه منهم ذو بلاغة *** فأصبح مبهوتاً يقوم ويقعد

وجئت إلى أهل الحجى بشريعة *** صفا لهم من مائها العذب مورد

شريعة حق ان تقادم عهدها *** فما زال معنى حسنها يتجدد

عليك سلام اللّه ما قام عابد *** بجنح الدجى يدعو وما دام معبد

ص: 253

أما قصائده الحسينية التي تتكرر في المحافل والتي تتردد على كل لسان من خطباء وغيرهم فهذه مطالعها :

1 - كيف يصحو لما تقول اللواحي *** مَن سقته الهموم أنكد راح

2 - أيّان تنجز لي يا دهر ما تعد *** قد عشّرت فيك آمالي ولا تلد

3 - أو بعدما ابيضّ القذال وشابا *** أصبو لوصل الغيد أو أتصابى

4 - إن كان عندك عبرة تجريها *** فأنزل بأرض الطف كي نسقيها

5 - يا دمع سح بوبلك الهتن *** لتحول بين الجفن والوسن

أما الرائعة التي ختم بها حياته وطلب أن تكون معه في قبره فهي هذه القطعة الوعظية :

أرى عمري مؤذناً بالذهاب *** تمرّ لياليه مرّ السحاب

وتفجأني بيض أيامه *** فتسلخ مني سواد الشباب

فمن لي إذا حان مني الحمام *** ولم أستطع منه دفعاً لما بي

ومن لي إذا قلبتني الأكف *** وجردني غاسلي من ثيابي

ومن لي إذا سرت فوق السرير *** وشيل سريري فوق الرقاب

ومن لي إذا ما هجرت الديار *** وعوضت عنها بدار الخراب

ومن لي إذا آب أهل الودا *** دعني وقد يئسوا من ايابي

ومن لي إذا منكر جد في *** سؤالي فأذهلني عن جوابي

ومن لي إذا درست رمتي *** وأبلى عظامي عفر التراب

ومن لي إذا قام يوم النشور *** وقمت بلا حجة للحساب

ومن لي إذا ناولوني الكتاب *** ولم أدرِ ماذا أرى في كتابي

ومن لي إذا امتازت الفرقتان *** أهل النعيم وأهل العذاب

وكيف يعاملني ذو الجلال *** فأعرف كيف يكون انقلابي

أباللطف وهو الغفور الرحيم *** أم العدل وهو شديد العقاب

ص: 254

ويا ليت شعري إذا سامني *** بذنبي وواخذني باكتسابي

فهل تحرق النار عيناً بكت *** لرزء القتيل بسيف الضبابي

وهل تحرق النار رجلاً مشت *** إلى حرم منه سامى القباب

وهل تحرق النار قلباً أُذيب *** بلوعة نيران ذاك المصاب

كانت وفاته بالمشخاب فجأة بالسكتة القلبية وذلك بعد ظهر يوم الاربعاء 22 جمادى الأولى سنة 1362 ه. المصادف 26 مارس سنة 1943 م. وحمل جثمانه على الأعناق إلى قضاء أبي صخير فالنجف في صبيحة اليوم الثاني وكان يوماً مشهوداً حتى دفن بمقبرة الاسرة الخاصة ، وأقام زعيم الحوزة الدينية السيد أبو الحسن الفاتحة على روحه في مسجد الشيخ الانصاري بالقرب من دار الفقيد وكنت أقوم بتأبينه في الأيام الثلاثة التي عقدت بها على روحه الفاتحة.

وللسيد رضا الهندي نتف نوادر تكتب بمداد من نور ، فمنها هذان البيتان وقد كتبهما بمداد أحمر في صدر كتاب :

إذا جرى أحمراً حبري فليس لما *** أني حبست سواد العين عن قلمي

لكن لأخبر كم أن الفراق نضا *** عليّ أسيافه حتى أراق دمي

وقال متضمناً :

غير موصوف لكم ما نالنا *** فصفوا لي بعدنا ما نالكم

وأرعووا العهد الذي ما بيننا *** واذكرونا مثل ذكرانا لكم

وكتب إلى أحد الأفاضل وكان قد وعده بزجاجة عطر :

أبا الفضل يا من غدت في الورى *** نوافح أخلاقه نافحه

وعدت بشيشة عطر ولا *** أشمّ لوعدك من رائحه

وقال :

غزا مهجتي بصفاح اللحاظ *** ولوعٌ بظلمي لا يصفحُ

ولم أر من قبل أجفانه *** جنوداً إذا انكسرت تفتح

ص: 255

ومن براعته الشعرية النادرة الأدبية وذلك أن بعض الادباء كتب اليه :

لأن فارقتكم جسماً فاني *** تركت لديكم قلبي رهينا

سلوت حشاشتي أن أسلُ منكم *** شموس هدايتي دنيا ودينا

فقال السيد ملحقاً متضمناً كل شطر منهما بكلمات في أول البيت وآخره بحيث يكون بيتاً من بحر الكامل وهو مما لم يعهد لغيره مثل ذلك :

قسماً بمجدك ( لأن فارقتكم *** جسماً فإني ) لا أزال متيما

ولأن بقيت ( فلقد تركت لديكم *** قلبي رهينا ) للصبابة مغرما

هيهات أسلوكم ( سلوت حشاشتي *** إن أسلُ منكم ) عهدنا المتقدما

كم حين غبتم يا ( شموس هدايتي *** دنياً وديناً ) بتّ أرعى الأنجما

وقال ملغزاً في القلم :

ما رهيف إذا أسروا اليه *** بعض أمر لم يستطع كتمانه

قد جزاهم عن الاساءة لما *** قطعوا رأسه وشقّوا لسانه

وقال في الدواة :

ما أداة عجماء لكن روت لي *** من حديث القرون ما قد تقادم

راضع من لُبانها فارسيٌ *** آدم اللون ليس ينميه آدم

مستمدّ من درّها كلما قال *** ( بده ) قلب درّها قال ( دادم ) (1)

لم يزل ساعياً على الراس يمشي *** إن سعى بان فيه شجٌ بلا دم

وقال ملغزاً في ابريق الشاي والمسمى ب ( قوري ) :

ما آلة ان تشك نفسي علّةً *** أو غلة يوماً ففيها طبّها

في قلبها ما يشتهيه من المنى *** قلبي فليس ( يروق ) إلا قلبها

فإذا عكسنا الأحرف من ( يروق ) تكون ( قوري )

ص: 256


1- بده : أي أعطني. دادم : أي أعطيتك باللغة الفارسية.

ورأيت في الجزء الرابع من ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) مخطوط العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء - ص 242 قال : حلّ عندنا في ( البصيرة ) جناب السيد رضا الموسوي الهندي فقال :

نزلنا في البصيرة عند مولى *** سما الجوزاء بالفخر الجليّ

فقل للدهر كفّ أذاك عني *** فإني قد نزلت حمي عليّ

ومن رقيق غزله قوله وذلك عام 1344 ه.

يا نديمي وللشراب حقوقٌ *** عاجز عن أدائها المتواني

اترع الكأس خمرة واسقنيها *** وابتدر للصبوح قبل الأذانِ

عاطنيها حتى تثقّل بالسكر *** لساني فلا أقول : كفاني

فالصبا هبّ والقماريّ غنّت *** بفنون الغنا على الأفنان

وحبانا بوصله قمر يصبو *** إلى حسن وجهه القمران

يوسفيٌ له بديع معان *** ضاق عن وصفها نطاق البيان

وقال :

مدّ الربيع مطارف الزهر *** وكسى الصعيد بسندس خضر

فترى السحاب يطيل عبرته *** وترى الأقاحي باسم الثغر

وحدّث ولده الأديب الشاعر السيد أحمد قال : اقترح أحد الادباء تشطير بيتين لأبي نؤاس فشطرهما جماعة من الشعراء ومرّ السيد الوالد فطللب منه النظر في هذه المسابقة فجلس عند أقرب مكان واقف إلى جنبه ونظر فيها فلم تعجبه ثم ارتجل مشطراً وذلك في سنة 1344 ه.

( ورايته في الطرس يكتب مرة ) *** فيكاد يزهو الطرس من إعجابه

وتباهت الكلمات حيث يخطّها *** ( غلطاً فيمحو خطّه برضابه )

( فوددت لو أني أكون صحيفة ) *** ليعيد لي رمقي بشمّ خضابه

ووددت أني أحرف قدخطّها *** ( ووددت أن لا يهتدي لصوابه )

ص: 257

ومن نوادره أيضاً قوله :

بما حوَت أعينُكَ السودُ *** أيقنتُ أن اللّه موجودُ

يا مُتقنَ الصنعة ما لي سوى *** مُتقنِ هذا الصنع معبودُ

دخلتُ في حبك طوعاً ، فهل *** من رجعةٍ ، والبابُ مسدودُ

ردّ فؤاداً عبتَه بالجفا *** والهجر ، ( والمعيوب مردودُ )!

دخل رحمه اللّه إلى مقبرة السيد نور الياسري رحمه اللّه وبعد قراءة الفاتحة رأى صورة الفقيد على الجدار فارتجل :

النور لا يخفى وإن طمع العدى *** جهلاً بأن ترخي عليه ستور

انظر إلى هذا المثال فكل ذي *** بصرٍ يراه يقول هذا ( نور )

ومن تواريخه قوله في المرحوم السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1325 ه. والتاريخ من قصيدة :

عذرتك إذ ينهل دمعك جاريا *** لمثل حسين فأبك إن كنت باكيا

سأبكي حسيناً ثاوياً في ثرى الحمى *** بكائي حسيناً في ثرى الطف ثاويا

وأبكي حسيناً في قميصيه مدرجا *** بكائي حسيناً من قميصيه عاريا

ويا قلمي أمسك فقد أبرم القضا *** وأرخ عظيم بالحسين مصابيا

ص: 258

أغا رضا الأصفهاني

المتوفى 1362 (1)

في الدار بين الغميم والسند *** أيام وصل مضت ولم تعد

ضاع بها القلب وهي آهلة *** وضاع مذ أقفرت بها جلدي

جرى علينا جور الزمان كما *** من قبلها قد جرى على لُبد

طال عنائي بين الرسوم وهل *** للحرّ غير العناء والنكد

ألا ترى ابن النبي مضطهداً *** في الطف أضحى لشر مضطهد

يوم بقي ابن النبي منفرداً *** وهو من العزم غير منفرد

بماضي سيفه ومقوله *** فرق بين الضلال والرشد

لما قعدتم عن نصر دينكم *** وآل شمل الهدى إلى البدد

بقائم السيف قمت أنصره *** مقوماً ما دهاه من أود

ولست أعطي مقادة بيدي *** وقائم السيف ثابت بيدي

واليوم وصل الحبيب موعده *** فكيف أرضى تأخيره لغد

واصنع اليوم في الطفوف كما *** صنعت في خيبر وفي أحد

أفديه من وارد حياض ردى *** على ظمأ للفرات لم يرد

فيا مطايا الآمال واخدة *** قفي وبعد الحسين لا تخدي

ويا جفون العدى الا اغتمضي *** فطالما قد كحلت بالسهد

ص: 259


1- الحصون المنيعة ج 1 / 489 مكتبة كاشف الغطاء - قسم المخطوطات.

الشيخ أبو المجد الآقا رضا ابن الشيخ محمد حسين ابن الشيخ محمد باقر ابن الشيخ محمد تقي صاحب حاشية المعالم الأصفهاني النجفي. ولد في النجف في 20 محرم الحرام سنة 1287 ه. وتوفي بأصفهان سنة 1362 ه. وأقام له مجلس الفاتحة السيد أبو الحسن الأصفهاني في النجف ، درس على السيد كاظم اليزدي والشيخ ملا كاظم الخراساني ودرس العلوم الرياضية بأجمعها على الميرزا حبيب اللّه العراقي ، وكانت له صداقة مع الشاعر السيد جعفر الحلي وله مساجلات ومطارحات مع شعراء عصره كالسيد ابراهيم الطباطبائي والشيخ جواد الشبيبي.

ومن مؤلفاته نقض فلسفة داروين في مجلدين مطبوع وملفاته تزيد على 16 مؤلفاً ، ترجم له صاحب ( الحصون ) وقال في بعض ما قال : فهو سلمه اللّه عالم فاضل فقيه اصولي رياضي فلسفي شاعر ناثر وهو حي موجود ، وفي هذه السنة وهي سنة 1333 ه. رجع قافلاً إلى أصفهان بسبب اغتشاش العراق ، وهو أحد أقاربنا من قبل جدنا الشيخ جعفر وهو من ذريته من طرف البنات وكم له فينا من مدائح وتهاني متعنا اللّه والمسلمين بطول بقائه ، وترجم له الشيخ السماوي فقال : الرضا بن محمد الحسين بن محمد باقر الأصفهاني النجفي أبو المجد فاضل تلقى الفضل عن أبٍ فجد ونشأ بحجر العلم ولم يكفه ذلك حتى سعى في تحصيله فجد ، إلى ذكاء ثاقب ونظر صائب وروح خفيفة ، أتى النجف فارتقى معارج الكمال حتى بلغ الآمال فمن نظمه :

سلطان حسن طرفه عامل *** بالكسر في قلبي فكيف الحذار

أدرك في عامل أجفانه *** ضعفاً فقوّاه بلام العذار

وله في الساعة :

وذات لهو رغناء معاً *** وما درت للقصف أوضاعه

لها فؤاد خافق دائماً *** ولم تكن بالبين مرتاعه

ص: 260

تحمل بالرغم على وجهها *** عقاربا ليست بلساعه

جاهلة بالوقت كم عرّفت *** أثلاثه الوقت وأرباعه

وان تكن تحملها ساعة *** يسألك الناس عن الساعه

وله مساجلات شعرية ومراسلات أدبية مع الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي والشيخ جواد الشبيبي والسيد ابراهيم الطباطبائي والشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهم ومن روائعه وبدائع غزله قوله :

قلبي بشرع الهوى تنصر *** شوقاً إلى خصره المزنر

كنيسة تلك أم كناس *** وغلمة أم قطيع جؤدر

وكم بهم من مليك حسن *** جار على الناس إذ تأمر

له بأجفانه جنود *** تظفر بالفتح حين تكسر

ورب وعد بلثم خد *** جاد به بعدما تعذر

سقاه ماء الشباب حتى *** أينع نبت العذار وأخضر

عرّفه لام عارضيه *** عليّ لم بعدها تنكّر

هويت أحوى اللثاث ألمي *** أهيف ساجي الجفون أحور

كالليث والظبي حين يسطو *** وحين يعطو وحين ينظر

عناي منه ومن عذولٍ *** يهجر هذا وذاك يهجر

هل ريقه الشهد قلت أحلى *** أو وجهه البدر قلت أنور

صغّره عاذلي ولما *** شاهد ذاك الجمال كبّر

والقصيدة كلها على هذا الروي والرقة. وقال في فتاة اسمها ( شريعة ).

هذي شريعة في تدللها *** ظنّت على العشاق في قُبله

يا ليت شعري أين قولهم *** إن الشريعة سمحة سهله

وله مداعباً بعض الشيوخ :

تزوج الشيخ على سنّة *** جاريةً عذراء تحكي الهلال

قلت له دعني افتضّها *** ما يفتح الباب سوى ابن الحلال

ص: 261

وقال ملغزاً باسم أمين :

وبمهجتي من قد تسلّم مهجتي *** نقداً وألوى بالوصال ديوني

عجباً لقلبي كيف ضاع وإنني *** أودعته في الحب عند ( أمين )

ومن نوادره :

تولّى أصفهان أمير جور *** ولم يعزله إكثار الشكاية

فأظهر في الولاية كل جور *** إلهي لا تمته على الولايه

وله غير هذا كثير وقد كتب بقلمه ترجمته بطلب من العلامة الشيخ محمد علي الأورد بادي وفصّل فيها مراحل حياته بصورة مقتضبة وذكر فيها أنه سيفرد كتاب عن حياته وذكرياته بعنوان : أنا والأيام.

ص: 262

الشيخ عبد اللّه معتوق

المتوفى 1362

غليل فؤادي لا يبردُ *** ونار الجوى منه لا تخمدُ

وقلبي من الوجد لا يستريح *** وعيشي ما عشت لا يرغد

لذكرى مصاب رمى العالمين *** بحزن مدى الدهر لا ينفد

مصاب الحسين ابن بنت النبي *** ومن هو في العالم المرشد

مصاب اصيبت به المكرمات *** أصيب به المجد والسؤدد

أصيب به الدين دين الاله *** اصيب به المصطفى أحمد

اصيب به المرتضى حيدر *** وفاطم والحسن والامجد

اصيب به الأنبياء الكرام *** قديماً فحزنهم سرمد

فمن سائل دمعه بغتة *** ومن واجدٍ قلبه مكمد

الشيخ عبداللّه بن معتوق القطيفي ، هو العلامة الحجة المتولد في بلاد آبائه وأجداده ( تاروت ) حدود سنة 1274 ه. من قرى القطيف. تتلمذ على والده ثم هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1295 ه. فدرس على فطاحل العلم حتى حصل على اجازة اجتهاد من الحجة السيد الكبير السيد أبو تراب وهناك اجازات من علماء آخرين.

كانت بلاد القطيف طوال رحلته إلى النجف تنتظره بفارغ الصبر ليكون المرشد والموجّه فطلع عليها كطلعة الهلال فساسها بخلقه وسماحة نفسه وأصبح

ص: 263

الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل وعلى يده تنتهي المنازعات ثم هو القدوة لهم في الأخلاق والآداب والكمالات وعلى درجة عالية من العبادة والتقوى. ترجم له في شعراء القطيف وذكر نماذج من أشعاره.

آثاره العلمية ، كتب في الفقه حاشية على العروة الوثقى ، ورسالة في علم الهيئة. كانت وفاته غرة جمادى الاولى ليلة الخميس سنة الثانية والستين بعد الثلثمائة والألف من الهجرة عن عمر قارب التسعين عاماً. اقيمت له الفواتح وأبّنه الشعراء والخطباء.

جاء في أنوار البدرين : ومن شعراء القطيف العالم الفاضل التقي الصدوق الأواه الشيخ عبداللّه ابن المرحوم معتوق التاروتي ، من الأتقياء الورعين الأزكياء ، زاهداً عابداً تقياً ذكياً ، قرأ رحمه اللّه في القطيف عند الفقير لله صاحب الكتاب علمي النحو والصرف ، كما قرأ عند شيخنا العلامة ثم سافر إلى النجف الأشرف للاشتغال في العلوم وبقي فيها مدة من الزمان ثم انتقل إلى كربلاء واستقل بها وهو من العلوم ملآن إلى هذا الآن ، له بعض التصانيف ، على ما سمعت - ومن جملتها رسالة في الشك اسمها ( سفينة المساكين ) وهو كثير المكاتبة والمراسلة لنا كل آن ، وقد اجازه كثير من علماء النجف الأشرف وغيرها من العرب والعجم ، أدام اللّه توفيقه وسلامته وأفاض عليه أمداده ورعايته ، ومن شعره في الرثاء :

لا مرحباً بك يا محرم مقبلا *** بك يا محرم مقبلا لا مرحبا

فلقد فجعت المصطفى وأسأت *** قلب المرتضى والمجتبى بالمجتبى

وتركت في قلب الزكية فاطم *** ناراً تزيد مدى الزمان تلهبا

لله يومك يا محرم أنه *** أبكى الملائك في السماء وأرعبا

وأماط أثواب الهنا من آدم *** فغدا بابراد الأسى متجلببا

حيث الحسين به استقل بكربلا *** فرداً تناهبه الأسنة والظبا

من عصبة قدماً دعته لنصره *** فعدت عليه عداوة وتعصبا

فهناك جاد بفتية جادت بأ *** نفسها وجالدت العدى لن تذهبا

ص: 264

فترى إذا حمى الوطيس قلوبها *** أقسى من الصخر الأصم وأصلبا

فالوعد أعرب عن طراد عرابها *** والبرق عن لمع البوارق أعربا

وغدت تنثر من امية أرؤساً *** ولها السما رعباً تنثر أشهبا

وتعانق البيض الصفاح ولم ترد *** منها سوى ورد المنية مطلبا

حتى إذا حان القضاء وغودرت *** صرعى على تلك المفاوز والربى

أمسى الحسين بلا نصير بعدها *** والقوم قد سدوا عليه المذهبا

ساموه ان يرد المنية او بأن *** يعطي الدنية والابي بذا ابى

فغدا يريهم في النزال مواقفاً *** من حيدر بمهند ماضي الشبا

لله صارمه لعمرك أنه *** ما كل يوماً في الكفاح ولا نبا

من ضربه عجبت ملائكة السماء *** من فوقه ويحق أن تتعجبا

باللّه لو بالشم همّ تهايلت *** دكاً وصيرها بهمته هبا (1)

ومن شعره في الرثاء :

يا ذوي العزم والحمية حزما *** لخطوب دهاكم أدهاها

فلقد أصبحت أميمة سوء *** ثوبها البغي والرداء رداها

جدعت منكم الانوف جهاراً *** فاشتفت إذ بذاك كان شفاها

فانهضوا من ثراكم واملأوا الأر *** ض جياد العتاق تطوي فلاها

وأبعثوا السابحات تسحب ذيلا *** من دلاصٍ لكم برحب فضاها

وامتطوا قُبّها ليوم نزال *** وانتضوا من سيوفكم أمضاها

لستُ أدري لمَ القعود وبالطف *** حسينٌ أقام في مثواها

ألجبنِ عراكم أم لذلٍ *** أم لخوفٍ من الحروب لقاها

لا وحاشاكم وأنتم إذا ما *** ازدحمت في النزال قطب رحاها

إن زجرتم بأرضها العرب غضباً *** أعربت عن زجير رعد سماها

أو تشاؤن خسفها لجعلتم *** بالمواضي علوّها أدناها

ص: 265


1- عن الديوان المطبوع في النجف الأشرف.

أفيهنا الرقاد يوماً اليكم *** وامي أتت بظلم تناها

فلعمر الورى لقد جرّعتكم *** كربلا كأس كربها وبلاها

يوم أمسى زعيمكم مستضاماً *** يصفق الكف حائراً بفلاها

حوله فتية تخال المنايا *** دونه كالرحيق أُذبلّ فاها

وترى الحرب حين تدعى عروساً *** خطبتها الصفاح ممن دعاها

ولها الروس إذ تناثر مهر *** وخضاب الأكف سيل دماها

ما ثنت عطفها مخافة موت *** لا ولا استسلمت إلى أعداها

لم تزل هكذا إلى أن دعتها *** حكمة شاء ربّها أمضاها

فثوت كالبدور يتبع بعضاً *** بعضها أُفلا فغاب ضياها

وبقي مفرداً يكابد ضرباً *** بعدها من أمية شبل طاها

بأبي علة الوجود وحيداً *** يصطلي في الحروب نار لظاها

إن غدا في العدا يكر تخال *** الموت يسعى أمامه ووراها

حالف المشرفيّ أن لا يراه *** في سوى الروس مغمداً إذ يراها

وحمى دينه فلما أتته *** دعوة الحق طائعاً لبّاها

فرماه الضلال سهماً ولكن *** حل في أعين الهدى فعماها

فهوت مذ هوى سماء المعالي *** وجبال المهاد هدّ ذراها

أد لهمّ النهار وانخسف البدر *** ونال الكسوف شمس ضحاها

بأبي ثاويا على الأرض قد ظلّ *** لهيب الفؤاد في رمضاها

ما له ساتر سوى الريح منها *** قد كساه دبورها وصباها

وبنفسي حرائراً ادهشت من *** هجمة الخيل بعد فقد حماها

برزت والفؤاد يخفق شجواً *** حسرها بعد خدرها وخباها

بيدٍ وجهها تغطيّه صوناً *** وبأخرى تروم دفع عداها (1)

ص: 266


1- رياض المدح والرثاء.

الشيخ جواد الشبيبي

المتوفى 1363

قال يرثي الإمام الحسين علیه السلام ، وأوائل الأبيات على حروف الهجاء :

أما آن أن تجري الجياد السوابق *** فتندك منها الراسيات الشواهق

بعيدات مهوى اللجم يحملن فتية *** عليهم لواء النصر بالفتح خافق

تطلّع فيها قائم بشروطها *** إذا عارضتها بالوشيج الفيالق

ثوابت يجريها شوارق بالدما *** وكيف تسير الثابتات الشوارق

جرى الأمر أن تبقى لأمر حبائساً *** إلى أمدٍ إن يقض فهي طلائق

حرام عليها السبق إن هي أزمنت *** رباطاً وصدر الدهر بالجور ضائق

خفاءً وليّ الأمر ما إن موقف *** تسلّ به منك السيوف البوارق

دع البيض تُنشي الموت اسود في الوغى *** بها من دم القتلى المراق طرائق

ذوابح إلا أنهن أهلّة *** صوائح إلا أنهن صواعق

رقاق تعلّقن الطلى فكأنما *** لها عند أعناق الكماة علائق

زهت ظلمات الحرب منها بأنجم *** يشق بها فجر من الضرب صادق

سقت شفق الهيجاء أحمر أمرعت *** به من رؤوس الناكثين شقائق

ص: 267

شقائقها في منبر الهام أفصحت *** وما أفصحت عند الهدير الشقاشق

صِل النصل بالنصل المذرب مدركاً *** تراثٍ لها بيضاً تعود المفارق

ضحى وقعة بالطف جلّت ودكدكت *** مغاربها من هولها والمشارق

طوائحها قد طوّحت بملمةٍ *** على مثلها تقذى العيون الروامق

ظلام مثار النقع فيها سحابة *** دجت وحراب السمهريات بارق

عفت صاحب الخطب الطروق منازلاً *** لآل عليٍّ لم تطأها الطوارق

غدت ابن حرب شبّ حرباً تسجّرت *** به حرمات الوحي وهي حدائق

فجاء بها تستمطر الصخر عبرة *** ومن وقعها يلوي الشباب الغرانق

قضى ظمأ فيها الحسين وسيفه *** بدا بارق منه وأرسل وادق

كفى الطير أن ترتاد طعماً وكفّها *** بأسرابها أنى استدار خوافق

له الصعدة السمرا فقل قلم القض *** جرى بالمنايا والصدور المهارق

مضى ومضى أصحابه عاطري الثنا *** ومصرعهم بالحمد لا الندّ عابق

نحو وجهة الموت الزؤام بأوجه *** وضاحٍ لها تصبو النبال الرواشق

هموا مذ قضوا عادت بنات محمد *** قلائدها مبتزّةً والمناطق

ينُحنَ ولا حامٍ ويعطفن هتّفاً *** بكل محام فيه تحمى الحقائق

الشيخ جواد الشبيبي شيخ الأدب ومفخرة العرب الشاعر الخالد وجامع الشوارد ، الشيخ جواد ابن الشيخ محمد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر البطايحي الشهير بالشبيبي الكبير من أفذاذ الزمان في أدبه وكماله وظرفه وأريحيته.

ولد ببغداد في شهر شعبان عام 1284 ه- (1) وتوفي أبوه وعمره اسبوع وكان والده من الشخصيات المرموقة ببغداد ، فانتقلت امه بمولودها إلى النجف بجنب الاسرة وهي بنت الشيخ صادق أطيمش وهو من المشهورين بالفضل والعلم وله ضياع في قضاء الشطرة ويقضي أكثر أيامه هناك فكان ينتقل بسبطه

ص: 268


1- ويقول الشيخ السماوي في الطليعة انه ولد سنة 1280 ه. كما أخبره المترجم له نفسه.

إلى هناك في كل سفراته ويحدب عليه ويغذيه ، وساعدته مواهبه الفياظة فبرع بالشعر والأدب ومختلف العلوم العربية والإسلامية إلى أن توفي جده عام 1296 ه. وقد قارب المائة عام في العمر فعاد المترجم له إلى النجف وواصل دراسته وتميز بالإنشاء والكتابة حتى عدّه البعض بأنه أكتب عصره قال عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : قبلة الأدب التي تحج وريحانته التي تشم ولا تزج ، وجواده السابق في مضماري النثر والنظم ، عاشرته فوجدته حسن العِشرة مليح النادرة صافي النية حلو الفكاهة قوي العارضة مع تمسك بالدين والتزام بالشرع ، وذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : عالم فاضل وأديب كامل ، شاعر ماهر فصيح بليغ لغوي مؤرخ حسن المحاورة جيد المحاظرة ، فطن ذكي ذو ذهن وقاد وفكر نقاد ، وألّف كتاباً في المراسلات بينه وبين أحبابه سماه ( اللؤلؤ المنثور ) وديوان شعره ، وهو مكثر من الشعر والنثر سريع البديهة في كليهما وترجم له كل من كتب عن الشعر والأدب في العراق إذ أن الكثير من المتأدبين تخرجوا على مدرسته وما زالت النوادي تتندّر علمه وأدبه وقد عمّر طويلاً فأدرك الدورين : التركي والوطني وشعره مقبول في الدورين وكأنه يتجدد مع الزمن ففي رسائله ومقاماته يجاري مقامات الهمداني والخوارزمي وبشعره السياسي ونقده اللاذع كشاب يحس بمتطلبات البلاد واستقلالها والعجيب أنه مكثر في الشعر ومجيد في كل ما يقول ، وقد داعب جماعة من أعضاء ندوته منهم الشيخ ابراهيم أطيمش لما تزوج زوجة بالإضافة إلى زوجاته السالفات وكان في السبعين من عمره ، بعث الشيخ له قصيدة أولها :

صواهل ما بلغن مدى الرهان *** فدى لك أولٌ منها وثان

وتلاه الحجة الكبرى السيد أبو الحسن الأصفهاني الموسوي حيث قد تزوج وهو ابن السبعين وتلاهما زعيم النجف الديني الشيخ جواد الجواهري ثم الشيخ جواد عليوي وكلهم قد تجاوزوا السبعين في أعمارهم فكتب المترجم له إلى الأخير منهم وقال :

ص: 269

( جوادك ) من بعد الثمانين صاهل *** فمن ذا يجاريه ومن ذا يطاول

وسائلة ماذا تحاول نفسه *** فقلتُ لها فتح الحصون تحاول

فقالت أبا السيف الذي هو حامل *** وما سيفه في الروع إلا حمائل

ثقيل حديد العضب تبكى لضعفه *** حراب العوالي والحداد المناصل

ومن عجب أن الصياقل لم تكن *** تعالجه بل عالجته الصيادل

وعند اقتران الثاني من هؤلاء الاعلام كتب لسماحة الشيخ عبد الرضا آل راضي :

أتاك الصاهل الثاني *** يباري الصاهل الأول

كلا الطِرفين لم يعثر *** وإن خبّ على الجندل

ولكن طرفنا استعصى *** على السائس فاسترسل

أردنا منه إمهالاً *** عن الوثبة فاستعجل

وقال يداعب الآخر منهم :

أُهنّي الشرع والشارع *** بهذا الصاهل الرابع

ثلاثون لتسعين *** فأين القدر الجامع

ومن مداعباته لأحد زملائه وكان في رأسه قرع وهو الشيخ عبد الحسين الجواهري والد محمد مهدي الجواهري قال :

لك رأس مرضع ومدبّج *** دوحة الجسم أنبتت فيه بستج

روضة تنبت الشقائق فيها *** جلناراً وسوسناً وبنفسج

قد قرأنا حديثه من قديم *** فوجدناه عن جعود مخرّج

خطّ ياقوت فيه جدول تبر *** نقطوه من قيحه بزبردج

فوق كافوره من الشعر مسك *** كل من شمّ نشره يتبنّج

فيه بحر للقار من ظلمات *** ضرب الشف يمّة فتموج

أرضه عسجد وحصباه درٌ *** لو أُزيلت أصدافه لتدحرج

ص: 270

كم بموسى الحجام عاد كليما *** صعقاً خرّ بالدماء مضرج

لو على ابن الهموم ضاق خناق *** وكشفنا عنه لقلنا تفرج

عمموه بلؤلؤ وعقيق *** فهو ملك معمم ومتوّج

وهو وادي العقيق كم جمرات *** عنه ترمى معصومة ساعة الحج

موقد شعلة كعلوة عمرو *** من سناها نار البروق تأجج

ذو بيان لو خاصم الجمر فيه *** لانطفا حرّه وباخ وأثلج

وأديب لا بابلي ولكن *** فمه في فم المقبّل قد مج

أنا ضام ولم أرد نهر فيه *** حيث فيه من العوارض كوسج

وسمعت الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء يتحدث عن شاعرية الشبيبي الكبير ويقول كنا بصحبة والدي الهادي في شريعة الكوفة واتخذنا المسجد مقراً لنا فزارنا الشيخ الجواد وكان نازلاً على النهر فشكونا عدم وجود حليب البقر ، والطبيب يوصي باستعماله فقال الشيخ : إنه متوفر بالقرب منا وأخذ يرسل لنا كل يوم زجاجة مملوءة وكان يختم رأسها ببطاقة فيها قصيدة من نظمه.

وكتب للعالم الجليل الشيخ أحمد كاشف الغطاء على سبيل المداعبة :

يمن لذاتك بيت من علاً سمكا *** صيّر غداي غداة الاربعا سمكا

وخصّني فيه فرداً لا يشاركني *** سواك ، فالنفس تأبى الشرك والشُركا

أما اعتبرتَ بهم يوم الهريسة مذ *** ألقوا أناملهم من فوقها شَبَكا

قالوا لنا سرر البُنيّ نقسمها *** ما بيننا والبقايا والجلود لكا

وسمك ( البُنيّ ) هو المفضّل من الأسماك في شط الفرات وموضع السُرّة منه أطيب المواضع.

وفي مجلس ضمّ نخبة من الادباء العلماء وهم الشيخ الشبيبي والشيخ آغا رضا الأصبهاني والشيخ هادي آل كاشف الغطاء والسيد جعفر الحلي صاحب ديوان ( سحر بابل ) وفي يد أحدهم كتاب ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه إذ مرّت

ص: 271

فقرة من كلام العرب وهي : نظرت بعيني شادنٍ ظمأن. فاقترح أحدهم أن يشترك الجميع في جعل هذه الفقرة مطلع قصيدة ، فاستهلها لسماحة الشيخ الهادي بقوله :

نظرت بعيني شادن ظمأن *** ظمياء بالتلعات من نعمان

فقال سماحة الشيخ الشبيبي :

وتمايلت أعطافها كغصونها *** ما أشبه الأعطاف بالأغصان

وقال السيد جعفر الحلي :

وشدا بذاك الربع جرس حلّيها *** فتمايلت طرباً غصون البان

وتبعهم سماحة الشيخ الأصفهاني بقوله :

هيفاء غانية لها من طرفها *** أسياف غنج فقن كل يمان

وإذا هي قصيدة عامرة في 56 بيتاً مثبتة بكاملها في ديوان سحر بابل.

وقال :

لا أكثر اللّه من قومي ولا عددي *** إن لم يكونوا لدى دفع الخطوب يدي

لي قاتلٌ فوق خدّيه دمي وله *** حُكمٌ يُخوّله أنّ القتيل يدي

وخادعٍ جاء فتّاناً بنغمته *** حتى استقرّ فكانت زأرةُ الأسد

مُصفدي بقيود لا فكاكَ لها *** واضيعةَ النفس بين القيد والصَفد

حسا البحارَ وفي أحشائه طمعٌ *** إلى امتصاص بقايا النزرِ والثمد

واستوعبَ الماء لا من غُلةٍ وظماً *** وصاحب الماء ظمآن الفؤاد صدي

* * *

البس لخصمك - إن لاقاك مفترساً - *** مطروقةَ الصبر لا منسوجةَ الزرد

فها هي النثرةُ الحصداء تخرقها *** يد القوي التي تعي عن الجلد

وقل لشعبك يجمع شمله لعلاً *** فلا تُنال العلا في شمله البدد

ص: 272

ولينتفض من غبار الموت متحداً *** فالموتُ أولى بشعب غير متحد

سرّ التقدم أن القومَ سعيهم *** لغاية وحدوها سعيَ منفرد

إجعل لنفسك من معقولها عُدداً *** فعُدة العقل كم تأتي على العدد

قد ضعّف الحق مَن تُطوى طويته *** على البغيضين ، سوء الخُلق والحسد

ركّن مقرّك تأمن كل قارعة *** إن العواصفَ لا تقوى على أحد

وذُمّ كل فرار من مبارزةٍ *** إلا فرارك من غيٍّ إلى رشد

لا تقرب الحشد مرفوعاً به زجلٌ *** إن لم يكن لصلاح الشعب والبلد

أحلى الحديث حديثٌ قال سامعُه *** لمجتليه اسقني مشمولَه وزِد

شتان بين خطيبي أمةٍ خَطبا *** سارٍ على القصد أو ناءٍ على الصدد

هذا يجيء بزُبد القولِ ممتخضاً *** وذاك يجمعُه من ذاهب الزَبَد

* * *

يا من يسودُ قبيلا وهو سؤدده *** أسدد طريقَ العلا من هظمه وسُد

واختر رجال المساعي الغر مدخراً *** منهم بيومك هذا معقِلا لغد

وارصُد بهم من كنوز السر أثمنها *** فقد تباح إذا أمست بلا رصد

إن الرجال دنانيرٌ وأخلصها *** من كذّب السبكُ فيه قول منتقد

ولا يغرنّك من تحت الردا جسدٌ *** فالمرء قيمتُه بالروح لا الجسد

لا يكسب الطوق حسناً جيد لابسه *** وإنما حسنه الذاتيّ بالجيد

والناس كالنبتِ منه عرفجٌ وكباً *** والشعر كالناس منه جيّدٌ وردي

والشعر كالسحر في مهد الخيال معاً *** تجاذباً حلمةً واستمسكا بثدي

لكنما السحر مطبوعٌ على عُقَد *** والشعر مطبوعه الخالي عن العُقَد

* * *

كان الضعيف إذا مدّ القوي يداً *** لظِلمه ردّها مدفوعةً بيد

واليوم ظلّ ضعيف القوم مضطهداً *** وارحمتاه لمظلومٍ ومضطهد

كم شجّة أوضحته وهو معتدلٌ *** كما تعاقبَ طُرّاق على وَتد

ببيت مضطرباً في موطن قلق *** كأنه زئبقٌ في كفّ مرتعد

ص: 273

وقال أيضاً :

بكّر على صيدك فالوقت فرص *** ولا تجئ في أُخريات مَن قنص

وابتدع الآثار يُقفى نهجها *** فخير آثار الفتى ما يُستقص

واجعل لهذي النفس منك قوةً *** يمكنها الصبر على صاب الغصص

ولا تقل كان أبي فإنما *** حديثه الماضي أساطير قصص

إعمل فما بعد الصبا من عمل *** والبدر إما بلغ التمّ نقص

إذا تكاسلت فما تربح سوى *** ما تترك الموسى بعارض الأحص

وطامع لم تكفه جفنته *** وكم ذبيح في حواشيها فحص

تطاحنت محالك الدنيا له *** وقسّمت من أجله تلك الحصص

فهل تراه قانعاً أم أنه *** يثرد قرص الشمس مع تلك القرص

فلا يلومنّ سوى لهاته *** من جاوز المقدار في المضغ فغص

ما أجهل الإنسان اما تستوي *** بلاجة الوجه لديه والبرص

* * *

مَن لي من الفتيان بابن حرةٍ *** ما نكّس البند ولا يوماً نكص

يفتح للقتام عينَ أجدل *** كأنما العثير كحل للرمص

إن تدعه لبّاك منه ناشيء *** قد نشر الوفرة بعد ما عقص

يقطع بالرأي وريد خصمه *** وقوله في موقف الأحكام نص

يا ربة الفسطاط :

تسافل الصدق بأرقى العصور *** واحتجب الحق بعهد السفور

وانتشر الرعب بهذا الفضا *** فكل يوم هو يوم النشور

واشتمل الدهر حداد الأسى *** مذ عوفي الحزن ومات السرور

فوادح عمّت فأضحت لها *** جداول تعمى وعين تغور

وصوّحت أرياف هذي الدنا *** فأين - لا أين - رياض الزهور

وانتبه الفاجرُ من نومه *** إلى الدعارات ونام الغيور

ص: 274

وباغت الخلق انعكاس ولا *** يعتدل العيش بعكس الامور

صدور قوم أصبحت في القفا *** وأظهر حلّت محلّ الصدور

لا يفخر الداني إذا ما علا *** إن اللباب المحض تحت القشور

* * *

آلفة القبة أين الخبا ، *** وربة الفسطاط أين الخدور

طبعك طبع الريم لو أنه *** دام على عادته في النفور

لكنما نسمةُ هذا الهوى *** ما قويت إلا لرفع الستور

لا ترفعي الرُقع في موكب *** وجهك فيه يا ابنة العرب ( نور )

ولا تزوري في الدجى جارة *** ففي غواشي الليل إفك وزور

بلادك :

بلادك إنها خير البقاع *** فقم ثبّت بها قدم الدفاع

بلادك أرضعتك العز فاحفظ *** لها حق الامومة والرضاع

بلادك أصبحت لحماً غريضاً *** تمطق فيه أشداق السباع

فقل للضاريات ألا اقذفيه *** ففي أوصاله سمّ الأفاعي

أرى ضرماً وليس له لهيب *** وهل نار تكون بلا شعاع

وأنسمة يسبل السمنُ منها *** توزع بين أفواه جياع

وقطعانا تلاوذ وهي سغب *** وتمنع عن مداناة المراعي

فما زالت على فزع ورعب *** تفرّ من الذئاب إلى الضباع

نظرنا في السياسة فاجتهدنا *** وخضنا في القياس وفي السماع

فألفينا بحيرتها سَراباً *** يحوم الوهم منه على التماع

إذا كالت فقيراط بصاع *** أو اكتالت فقنطار بصاع

ص: 275

ومن روائعه قوله :

يا ما طل الوعد ما هذي الأساطيرُ *** زادت على السمع هاتيك المعاذير

العدل منك سمعناه ولم نره *** والجور منك أمام العين منظور

إن قلت عصري عصر النور مفتخراً *** فظلمة الظلم ما في فجرها نور

وهل يفيد جمال الوجه ناظره *** والبرقع الدكن فيه الحسن مستور

أفراد قومك عاشوا عيشة رغداً *** وما دروا أنها ماتت جماهير

بيوتهم من بيوت الشعب مدخلها *** ومن عمايره تلك المقاصير

تمسي سواءً لو أن الحال أنصفها *** لكنما هي مهدوم ومعمور

أقول للغرف اللاتي ستائرها *** لها بمسح جبين الشمس تأثير

تواضعي واعرفي قدر البُناة فمن *** صنايع الشعب رصتك المقادير

فأين ما ثبت البانون من أُطم *** وأين ما شاده كسرى وسابور

هذا الخورنق مطموس بلا أثر *** وذي المدائن لا بهوٌ ولا سور

يا حارث الأرض والساقي وباذرها *** قتّر إذا نفع المحروم تقتير

إذا أتاك رجال الخرص فألقهم *** بطلعة برقت منها الأسارير

إن باغتوك بنار شبّها غضب *** وسعّرتها من العسف الأعاصير

فأحفظ بقايا حبوب منهم سقطت *** فللبقايا ببغداد مناقير

طارت من الغرب والأطماع أجنحة *** والغاية الشرق واللقط الدنانير

ألا نكيرَ على أعلام حاضرة *** قضت بتعريفهم تلك المناكير

كالعبد صبغته السوداء ثابتةٌ *** على المسمى بها والاسم كافور

تقدموا فانتظر يوماً تأخرهم *** والدهر يومان تقديم وتأخير

لا تعجبن إذا راجت لهم صور *** فالعصر رائجة فيه التصاوير

ولا تخل أنهم حرّاس مملكة *** فطالما تسرق الكرم النواطير

من الغرائب أن الهرّ في وطني *** ليثٌ يدلُّ وان الليث سنّور

ص: 276

جرياً على العكس كم وجه يكون قفاً *** وكم قفاً وله وجهٌ وتصدير

يا لانقلابٍ به العصفور صقر ربى *** والصقر ذو المخلب المعوج عصفور

تبدل الناس والأرض الفضاء على *** أديمها لاح تبديل وتغيير

يا من رأى الدير والخابور من قدم *** لا الدير ديرٌ ولا الخابور خابور

خوفي على الوطن المحبوب ألجمني *** فلم يذع لي منظومٌ ومنثور

كأنني مذ غدا حتماً على شفتي *** ليث يكظ على أشداقه الزير (1)

أفحص فؤادي يا دهر تجد حجراً *** صلداً ولكنه بالخطب منقور

يُرمى البرئ نزيه النفس طاهرها *** بالموبقات وذنب اللص مغفور

مثل البغية يطوي العهر رايتها *** وبندُها فوق ذات الخدر منشور

فيا سيوفاً قيون الغدر تشهرها *** ما هكذا تفعل البيض المشاهير

نحرتم وطعنتم قلبَ موطنكم *** حتى يقال مطاعين مناحير

لا تستهينوا بضعف في جوارحنا *** فكم دم قد أسالته الأظافير

كبرتم الأنفس اللاتي مشاعرها *** لها وان طال فيها العمر تقصير

زجاجة الخط ان أمست تكبّرها *** فالذرّ ليس له في العين تكبير

مطاول الفلك الأعلى قصرت يداً *** فالآن أيسر ما حاولت ميسور

ما في يديك خسوف البدر مكتملاً *** وليس فيها لقرص الشمس تكوير

انظر إلى القبة الزرقاء عالية *** وسقفها بنجوم الزهر مسمور

واستغرق الفكر في مجرى مجرّتها *** فذاك بحرٌ يفيض اللطف مسجور

موج من النور عال لا يسكّنه *** إلا الذي من سناه ذلك النور

كأنه والنجوم الزهر طالعة *** سجنجل نبتت فيها الأزاهير

يا طائرين على بيض مجنحة *** حطوا على الوكنات الجوّ أو طيروا

ص: 277


1- الزير : الدن.

ما هذه الأرض تبقى وكر طيركم *** ولا الوقوف لها في الجور مقدور

لقد أمنتم على خفّاقها خطراً *** وكم تجيءُ من الأمن المخاطير

هوى من الجهة العليا لهوتها *** والصور منحطمٌ والظهر مكسور

رحى تدور لهذا القطر طاحنة *** ومن مطاعمها الديار والدور

الشرق يبكي وسنّ الغرب ضاحكة *** لصوتها أهو رعد أم مزامير

يا ربة الخدر عن نظارك احتجبي *** إن الحجاب لمنصوصٌ ومأثور

وطهّر النفس بالأخلاق فاضلة *** فانها لك تنزيه وتطهير

شُذّي أزارك ممدوداً فكم نظري *** على الخيانة أضحى وهو مقصور

ومن شعره أيضاً :

هذه خيلنا الجياد الصفوافن *** أنفت أن تقاد في يد راسن

لا تسسها فكم بها ذات متن *** يدرك الحس من يمينك ماين

نفرت عن منابت الهون مرعىً *** ويداها ما خاضتا الماء آجن

أن تفض في الرمال فهي سيول *** أو تخض في الدماء فهي سفائن

تطحن الشوس في رحاها دقيقاً *** والدم الماء والنسور العواجن

لست أدري مطاعم من كرام *** الطير للوحش في الوغى أم مطاعن

كيف تظمى والبيض مثل السواقي *** مائجات يفعمن غدر الجواشن

عبرت لجة المنايا وجازت *** ساحليها مياسراً وميامن

ورأت من صنايع البيض فيها *** بأكف الجرحى الرماح محاجن

يا له موقف اختلاط فسهم *** في قراب وانصل في كنائن

ومخاليب أجدل في سييبٍ *** ونواصي طمرةٍ في براثن

أين لا أينها أخافت فأمسى *** سبّها في الوكون ليس بآمن

باعدت مشرع الفراتين طوعاً *** وعلى الكره تحتسي النزر آسن

ما ظننا أن السوابق منها *** ملحقات بما اقتناه المراهن

ما أراها هانت فذلّت ولكن *** درست حال شعبها المتهاون

ص: 278

فبكته الآمال دوح خلاف *** لم يقم تحت ظله متضامن

أي دوح في أصله عذل لاحٍ *** وعلى فرعه ترنّم لاحن

ضعفت أنفسٌ ترى في دواها *** وهو الداء حفظها بمعاون

وإذا صارع المريض المنايتا *** والطبيب العدو فالموت حاين

كيف يرجى إشفاق أعدى طبيب *** حرّك الداء طبعه وهو ساكن

يصف الهدم للجسوم علاجاً *** فكأن البناء نقض المساكن

ناعم البال ليس تزهو بشيء *** نعمة لا يذبّ عنها مخاشن

إن من بات فوق لين الحشايا *** غير موف عهداً عليه لخاين

قد يعين العِدا عليه برأي *** وبسيف مصالح ومهادن

ظهرت للعيان منك خفايا *** ومن الستر إن يكنّ كوامن

قلت اني للمحسنين مساو *** والمساوي تقول أنت مباين

يا دريس الآثار جدد حديثاً *** مرسلاً عنك لا حديث العناعن

أحزم الناس ناهض بعظام *** من مساعيه لا عظام الدفائن

كم ركبنا ليستظل ابن فجّ *** من هجير الضحى ويعصم راكن

كم صروح تبلّطت برخام *** طحنتها رحى الخطوب الطواحن

قل لأهل السواد لا جاورتهم *** في البوادي شقايق وسواسن

ضربتكم أيديكم فافترقتم *** وخلا معبد وفارق سادن

وضيع قضي عليها ضياع *** وكنوز تحوّلت لخزائن

فلقتكم فواحصٌ مذ رأتكم *** هضباً قد ركدن فوق معادن

وبي ألمٌ :

طبيبي ما عرفتَ عياء دائي *** وأنت معالج الداء العياء

أنا أدري بدائي فهو ضعف *** السواعد عن صراع الأقوياء

وبي ألمٌ يؤرقني فتعي *** يميني فيه عن جذب الرداء

وحمّى خالطت عرقاً بجسمي *** فباتا مزمعين على اصطلائي

ص: 279

وكنتُ خلقتُ من ماء وطين *** فها أنا صرتُ من نارٍ وماء

مللت العائدين وقد أمالوا *** إليّ رقابَ إخوان الصفاء

وقالوا : إن صحته ترقّت *** فقلت : أرى انحطاطي بارتقائي

وقالوا : قد شفيت فقلت كفوا *** فمن عللي تعاليل الشفاء

أرى شبحاً يسير أمامَ عيني *** لغايته فأحسبه ورائي

وآخر عن مظالمه تنحّى *** وأكره في مغادرة الشقاء

تبكّيه المواعظ لا اختياراً *** فأين الضحك في زمن العناء

مشى في غير عادته الهوينى *** ولكن لا يسابق بالرياء

وقد ألف السكينة لا صلاحاً *** كلصٍ تاب أيام الوباء

فيا كبراء هذا العصر كونوا *** يداً تطوي لباس الكبرياء

وسيروا في تواضعكم بشعب *** تواضعكم له درج ارتقاء

وأنقى ربوة في الأرض قلب *** أعدّ لغرس فسلان الأخاء

ولا مثل القناعة كنز عزٍ *** يدوم وكل كنز للفناء

ويا عصر الحديد أوثق وصفّد *** وكهرب يا زمان الكهرباء

ويا مطر القذائف كم شواظٍ *** لو دقك في نفوس الأبرياء

وأذيال المعاسير الحيارى *** بها كم لاذ أرباب الثراء

وعقبى الظلم ان حانت نزولاً *** جرى منها العقاب على السواء

فلا الكاسي تحصّنه دروعٌ *** ولا العاري يلاحظ للعراء

حياة المرء أطيبها حياء *** فلا تطب الحياة بلا حياء

وأنفس ما يخلّف معجزات *** يرتل آيها دانٍ ونائي

ومَن غالى وأغرق في مديح *** وفرط حين أفرط في الثناء

كمدخرٍ جواهره الغوالي *** لشدته فبيعت في الرخاء

وربّ ممدّح إفكاً وزوراً *** أتاه المدح من باب الهجاء

وما بنت القوافي بيت مجد *** لمن قد بات منقضّ البناء

وما أثر الفتى بالشعر يبقى *** ولكن بالعفاف وبالاباء

ص: 280

ومصطنع الرجال بما توالت *** عليهم راحتاه من العطاء

إذا دهمته نازلة فدوه *** فسابقهم إلى شرف الفداء

كذا الانسان مهما شاء يعلو *** وإلا فهو من إبل وشاء

ألا قتل الانسان ..

تباعدت عن ريحان ريفك والعصف *** وأعرضت يا لمياء عن نفحة العرف

توسطتِ أزهار الربيع جديبة *** وكيف يكون الجدب في الكلأ الوحف

خيال الكرى ما مرّ منك بمقلة *** فرحت من الأشجان مطروفة الطرف

سهرت وغلمان الحدائق نوّمٌ *** أهم حرس الأزهار أم فتية الكهف

وجاورت هاتيك القصور شواهقاً *** بدار بلا بهو وبيت بلا سقف

طوى السائح المقتص صفحة ذكرها *** وأصبح مكسوراً لها قلم الصحفي

ومرّ عليها الشاعر الفحل مطرقاً *** كأن لم يكن في شعره بارع الوصف

أجارة هذا القصر نوحك مزعجٌ *** لآنسةٍ فيه أكبّت على العزف

أدرتِ الرحى في الليل يقلق صوتها *** وجارتك الحسناء تنقر بالدفّ

تطوف عليها بالكؤوس نواصعاً *** كواعب أتراب طبعن على اللطف

يُرشّفنها ما ساغ بالكأس شربه *** وشربك من ضحٍّ وكأسك من كف

لو اسطاع هذا الصرح شحّ بظله *** على بيتك العاري عن الستر والسجف

إلى أين يعلو في قرون حديده *** أهل يأت في أمن من الهدّ والنسف

يحاول نطح الكبش وهو ببرجه *** ويذهل عما راع قارون بالخسف

ألا قتل الإنسان ماذا يريده *** وقد جاز حدّ المسرفين أما يكفي

أبى أن يساوي نوعه في شؤونه *** فجار على صنفٍ ورقّ على صنف

وعالج لاعن حكمة ضعف نفسه *** متى عولج الضعف المبرّح بالضعف

فيا بنتَ حيّي الركائب والدجى *** على صهوات الحي منسدل السدف

ومَن نبّة الجزار من سنة الكرى *** لينحرها غير المسنات والعجف

سمعت الأغاني فاستمالك لحنها *** وملت - وحاشا - للخلاعة والقصف

ص: 281

نشدتك ما أحلى وأحسن موقعاً *** أنغمة هذا اللحن أم نغمة الخشف

لك اللّه ما أحلاك من غير حلية *** فجيدٌ بلا طوق واذنٌ بلا شنف

إذا طرق الجاني عريشك لابساً *** فضاضة وجه قُدّ من جلدة العسف

أيرجع في خُفّى حنين كما أتى *** بغير حنان أم تراجع في خف

ترومين منه العطف أنى ولم نكن *** سمعنا لصماء الحجارة من عطف

تنسمت نشر الورد وهو لأهله *** وما لك منه غير شمك بالأنف

ولو علموا أن النسيم يسوقه *** لساقوكم يا أبرياء إلى « العرفي »

حتى نبلغ الغايات سعياً بأرجل *** تعامت خطاها عن مقاومة الرسف

إذا ما قطعنا للأمام فراسخاً *** نردّ مسافات من الخلف للخلف

وقفنا نرى ما لا يصح ارتكابه *** وليس لنا أمر فنثبت أو ننفي

ترى يا مريض القلب منك ابن علة *** يعالجها جهلاً بمشمولة صرف

وتختار موبوء المواطن للشفا *** ومن ذا الذي من موطن الداء يستشفي

ومن فرّ في لذاته عن بلاده *** كمن فرّ عن طيب الحياة إلى الحتف

سواء فرار المرء في شهواته *** إلى حيث يردى أو فرارٌ من الزحف

فمن لك يا هذي البلاد بمصلح *** يقول لأيدي العابثين ألا كُفي

ويجعلهم صفاً لرأي وراية *** فإن خالفوه يضرب الصف بالصف

تنهدات ..

عبر الزمان استجلبت عبراتي *** والانت الأيام صدر قناتي

انى أعان على الجهاد بواحد *** وخطوبها يملأن ستّ جهاتي

انى التفتُ رأيت خطباً هائلاً *** فكأنما الأهوال في لفتاتي

وإذا أردت صراعها في نهضة *** عاقتني الأيام عن نهضاتي

نفسي لماء الرافدين يسيلها *** نفس يصعّده جوى الزفرات

يحيا به خصمي فأشرق بالردى *** وأذاد عنه وفيه ماء حياتي

لا دجلتي أمّ السيول بدجلتي *** كلا ولا هذا الفرات فراتي

ص: 282

لي من جناي - وما اقترفت جناية - *** أشواكه والقطف عند جناتي

واضيمة الأكفاء بعد مناصب *** حفظت مقاعدَها لغير كُفاة

ولوا الامور ولو أطاعوا رشدهم *** لسعوا وراء الحق سعيَ ولاة

من كل كأس يستجد لنفسه *** حللاً ولكن من جلود عراة

الناهبي رمق الضعيف وقوته *** والقاتلي الأوقات بالشهوات

قطعوا البلاد ومنهم أوصالها *** والقطع يؤلم من أكف جُفاة

سكروا بخمر غرورهم والعامل - *** المجهود بين الموت والسكرات

غزوا المصايف والهوى يقتادهم *** لمسارح الفتيان والفتيات

هم أغنموا مغذّوهم وتراجعوا *** أفهذه العقبى من الغذوات

مال تكلفت الجباة بعسفهم *** إحضاره لخزائن اللذات

نهبٌ من الحجرات صيح به وفى *** عزف القيان يردّ للحجرات

طارت شعاعاً فيه أيد لم تزل *** مخضوبة بالراح في الحانات

أدريت « عالية » المصايف إنه *** مالٌ تحدّر من عيون بُكاة

سهرت عيون العاملين لحفظه *** فأضاعه الأقوام في السهرات

بذل القناطير الكرام وما دروا *** أو ساقها يُجمعنَ من ذرّات

فهم كمن يهب المواشي لم يكن *** فيها له من ناقة أو شاة

يا مفقر العمال إن يك غيرهم *** سبباً لاثراء البلاد فهات

هم عدة السلطان في الأزمات *** هم حاملوا الأعباء في الحملات

هم ماله المخزون والحرس الذي *** يفديه يوم الروع في الهجمات

انظر لحالتهم تجد أحياءَهم *** صوراً مشين بأرجل الأموات

باتوا وسقفهم السماء وأصبحت *** خيل الجباة تغيرُ في الأبيات

وتستروا بين الكهوف فأين ما *** رفعوه من طرف ومن صهوات

غرقى وأمواج الهموم تقاذفت *** بهم لشاطي الظلم والظلمات

ص: 283

هذي الضرائب لا تزال سياطها *** تستوقف الزعماء للضربات

لو يدرك الوطن الذي ضيموا به *** ماذا لقوا لأنهال بالحسرات

ما هذه الأصوات ضعضعت الربى *** واستبكت الآساد في الأجمات

أصدى الحجيج وقد أناب لربه *** طلباً لعفو اللّه في عرفات

أم هذه الاسر الكريمة أوقفت *** من هذه الأبواب بالعتبات

أصوات مهتضمين في أوطانهم *** وارحمتاه لهذه الأصوات

وعت الملائك في السماء صراخهم *** ومن انتجوا في الأرض غير وعاة

عقدات رمل الرافدين تضاعفي *** بعواصف الأرزاء والنكبات

قلّ اصطبار النازليك وغلّهم *** يزداد بالابرام والعقدات

أرثي لحاضرهم فأحمل بؤسه *** والهم أحمله لجيل آت

قهرتهم أُم السفور وذللت *** للناشئات مصاعب العادات

أصبحن يقعدن الحصيف عن الحجى *** ويقفن أغصاناً على الطرقات

ما هذه الوقفات وهي خلاعة *** تفضي بهن لموقف الشبهات

ما ان مشين وراء سلطان الهوى *** إلا سقطن بهوّة العثرات

منع السفور كتابنا ونبيّنا *** فاستنطقي الآثار والآيات

تلك الوجوه هي الرياض بها ازدهت *** للناظرين شقائق الوجنات

كانت تكتّم في البراقع خيفة *** من أن تمس حصانة الخفرات

واليوم فتّحها الصبا فتساقطت *** بقواطف الألحاظ والقبلات

صوني جمالك بالبراقع إنها *** ستر الحسان ومظهر الحسنات

وإذا يلاحقك الحديث ولو أب *** فتراجعي عن غنّة النبرات

خير الحديث إذ جرى مصبوبه *** للسامعين بقالب الاخفات

اياك والجهر الذي حصياته *** يقذفن حول مسامع الجارات

فالجهر للرجل المحاجج خصمه *** أو للخطيب يقوم في الحفلات

ص: 284

فضل الفتى إخوانه بعفافه *** وفضلتِ أنت عفائف الأخوات

وضعي الصدار على الترائب انه *** حق عليك فحق نهدك ناتي

وتماثلي في البيت صورة دمية *** مكنونة الأعضاء في الحبرات

قد تعشق الحسناء لم ينظر لها *** إلا المثال بصفحة المرآة

والعشق أطهر ما يكون لسامع *** الأخلاق لا بتبادل النظرات

والوجه مثل الورد لم يك عرضة *** للشم أصبح ذابل الزهرات

وبروق ثغرك للمغازل أسقطت *** درر الحيا بتألق البسمات

أحدائق الزوراء لاطفك الهوى *** بعبائر الأرواح والنسمات

قصدوك يقتنصون سربك سانحاً *** فأزور وجهك مشرق القسمات

حتى إذا نصبوا الحبال تواثبوا *** ووقعت يا زوراء في الشبكات

لعبت مقابيس الطِلابك دورها *** فأذابت الجمرات في الكاسات

ورأيتها عجباً فقلت لصاحبي *** ما هذه النيران في الجنات

كان المؤمّل أنها نارُ القرى *** يا عرب أو هي جذوةُ العزمات

فإذا هي النار التي سطع السنا *** منها على الأقداح والجامات

أتخوضها ذمر الشباب بدافع *** من جهلهم لنتائج النشوات

هبهم أضاعوا المال في لذاتهم *** أيضاع مثل العقل في الشهوات

ما كان أضعفها نفوساً أذعنت *** للجائرين الوقت والقوات

عجز الدليل بأن يقرّ سفينها *** يوماً بساحل راحة ونجاة

وإذا النفوس تلبست في جهلها *** لا تطمئن لحكمة وعظات

قالوا : التمدن ساح واختبر الثرى *** فرأى « العراق » سريعة الأنبات

غرس الخلاف بأرضها فتهدلت *** منها قطوف الويل والهلكات

سالت بها عين الحياة بزعمهم *** وهل الحياة تجئ من حيات

يا ظالمين أما لكم من نزعة *** عن هذه الأطوار والنزعات

ص: 285

سممتم الأفكار وهي صحيحة *** وخنقتم الأقطار بالغازات

يا حقب أيام « الرشيد » ذواهباً *** بمحاسن الآصال والبكرات

يهنيك انك قد ذهبت ولم ترى *** نوباً جرين بهذه السنوات

حق يضاع وأمة نكصت على *** الأعقاب بعد بلوغها الغايات

ولقد سألت مواطني بمدامعي *** عن هذه الحركات والسكنات

هل حرمة بك للعلوم وأهلها *** أنّى ودهرك هاتك الحرمات

فمدارس الأسلاف لا لفوائد *** ومساجد الاسلام لا لصلاة

فاستعبرت بدم الفؤاد وقد رمت *** بالجمر تخرجه مع الكلمات

فصمت عرى الرحم القريبة عصبتي *** واستمسكت إيمانها بعداتي

فبأي سابغة ارد سهامهم *** و النبلُ نبلي والرماةُ رماتي

زعموا حمايتنا بهم وتوهموا *** ان تستظل حماتنا بحماة

ماذا السكوت هو الخضوع وإنه *** لو يعلمون تربص الوثبات

أعدوة الانصاف اذنك مالها *** رتقت عن الاصغاء والانصات

كم قد نفيت المدعين بحقهم *** والنفي آيتهم على الاثبات

ومن القضاء على البلاد خصومها *** لو رافعوها منهم لقضاة

بليت بآفات البحار بلادنا *** وشبابها من أكبر الآفات

رقطا حوينَ المال في وجه الثرى *** فمتى يتاح لقبضها بحواة

لم نام ثائركم وواتركم مشت *** خيلاؤه منكم على الهامات

أنسيتم الآراء أجمع أمرها *** أن لا يظلكم سوى الرايات

ارفعتم عقبانهم وجعلتم *** الأوكان منها في جسوم عتاة

وأطار أسراباً عليكم حوّماً *** شبه البزاة ولم تكن ببزاة

بيضاً تناذرها النسور بجوّها *** وتخافها الآساد في الأجمات

فصعدتم والموت منها نازل *** ووقفتم في أرفع الدرجات

ص: 286

بيّتموهم فاستفذّهم الردى *** وتنقلوا من ظلمة لسبات

وضربتم شرك الحصار عليهم *** فارتدّ هاربهم عن الافلات

واستقتم مثل الربائق منهم *** اسرى يدار بهم على الجبهات

حتى أتوا لحمى الوصي فرنجة (1) *** سحبتهم الأغلال للذكوات

شادت بعاصمة العراق سيوفكم *** عرشاً قواعده من الهمات

بلطتموه فاستقرّ قراره *** واعدتموه أبلج الجنبات

توجع وحنين ..

كتم الهوى والدمع أعلن *** صبٌ بأهل الريف يفتن

عانى الصبابة من صبا *** ه وداؤها في القلب أزمن

تبكي الحمامة إن بكى *** وتئن فوق الغصن إن أن

ذكر الذين تريفوا *** والسحب حول الحي هتّن

والعيس أطربها الحدا *** ء وخيلهم للسبق تعتن

والروض ألبسه الحيا *** حللاً من الورد الملوّن

وسري هذا الحي سيطره *** الإبا فيهم وهيمن

هزّ النَديّ حديثُه *** عن محتد العرب المعنعن

يكفي من التاريخ ما *** ملأ القلوب به ودوّن

داعي الصلاة بجنبه *** داعي صلات الوفد أذن

يترسل البطل الفصيح *** وصوته في الجوّ قد رَن

بنصائح لبلاغها *** قلبُ العلند الصلب أذعن

ورق الأراك غطاؤهم *** ومهادُهم شيحٌ وسَوسَن

الطاعنون وما يهم *** لأسنة الوصمات مطعن

والجاعلون بيوتهم *** للخائف المطرود مأمن

لا يتبعون عطاءهم *** وصنايع المعروف في من

ص: 287


1- يشير إلى وصول قسم من اسرى الانكليز الى النجف بعد ثورة سنة 1920 م.

غالوا بقيمة جارهم *** والجار عقد لا يُثمّن

لو أعطى الدنيا لما *** جذبته زينتها فيظعن

من أين أقبل ما وعت *** أذن له ، أو قول ممن

كم أحسنوا وسكوتهم *** عن ذكريات المنّ أحسن

والمرء يرجح فضله *** ما دام بالحسنات يوزن

أنفق حطامك ما استطععت *** تجده في الآثار يُخزن

ربح الصفا متريف *** لا مَن تمصر أو تمدين

إن المدائن أصبحت *** لنتائج الآمال مدفن

ومن الغرائب سائحٌ *** وصف العراق الرحب بالظن

هَنّا البلادَ برغدها *** ولو اهتدى للحق أبّن

هل ترغد الامم التي *** بديارها الأخطار تستن

ما للسياسة ما لها *** لمراسم الأوهام تركن

تبنى على متن الهبا *** في سحرها الصرح المحصن

وعلى الخُداع تمرنت *** حقباً ففاتت من تمرن

فسحت ميادين الرهان *** وعندها القصبات ترهن

وبرأيها الفرس الكريم *** به هجين الأصل يقرن

اللّه بالوطن الذي *** فيه الذياب علا وطنطن

يا ما ضغين خراجه *** من مغرسي زاكٍ ومعدن

أتلفتموه وقلتم *** منا الدمار وأنت تضمن

فسلوا البواخر هل غدت *** من غير هذا النهب تُشحن

وسلوا القوافل ما على *** تلك الظهور وما تبطن

وسلوا المناصب هل بها *** من أهلها أحد تعنون

وسلوا المراسيم التي *** أقلامها للحق تطعن

يا ذا الأجم انكص فقد *** لاقاك كبش النطح أقرن

أو فاتخذ لك في دما *** غك من نسيج الصبر جوشن

ص: 288

لا تركدن كهضبة *** فالماء إن لم يجر يأسن

حاجج مجاورك الذي *** خلط الجدال المحض بالفن

ماذا انتفاعك بالدخيل *** إذا تقحطن أو تعدنن

متصاغراً حتى إذا *** ثنيت وسادته تفرعن

كم فتنة حمراء في *** إيقاد شعلتها تفنن

فانشر له النسب الصريح *** وقل لأ لكنه : ترطّن

ما خانك النائي الغريب *** أتاك مهزولاً ليسمن

لكنما الأدنى القريب *** لحقك المنصوص أخون

وللشيخ الشبيبي ديوان ضخم عدا ما ضاع من شعره ، أما شعره في أهل البيت علیهم السلام فكثير ، وبعد بحث وتنقيب عثرت له على ثلاث قصائد في الإمام الحسين (عليه السلام) يبتدء بحرف من حروف الهجاء في أوائل أبيات القصائد الثلاث : فواحدة منهن جعلناها في صدر الترجمة ، والقصيدتان نذكر المطلع منهما فقط ، قال يخاطب حجة آل محمد صاحب الزمان علیه السلام :

أما هاجتك للوتر الطفوف *** فيدمي الأرض منصلك الرعوف

والثانية أولها :

أمقيم قاعدة الهدى والدين *** حان انهزاع قواعد التكوين

وله تخميس وتشطير لأبيات السيد حسين القزويني في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. كما له تخميس لقصيدة السيد المذكور في مدح الإمامين الكاظمين علیهماالسلام ، ذكر التخميس الشيخ السماوي في ترجمته في كتابه ( الطليعة من شعراء الشيعة ) ج 1 / 75.

ومن روائعه رثاؤه للسيد محمد سعيد الحبوبي بطل العلم والأدب والجهاد ، ومطلع القصيدة :

ص: 289

لواء الدين لفّ فلا جهادُ *** وباب العلم سُدّ فلا اجتهادُ

تخارست المقاول والمواضي *** فليس لها جدال أو جلاد

بكيت معسكر الإسلام لما *** أُتيح عميدها وهوى العماد

ورائعته التي عنوانها ( قمرية الدوح ) وقد نظمها بمناسبة وصول ام كلثوم إلى العراق وعلى أثر الاحتفال الذي أقيم لها في بغداد ، وأولها :

قمرية الدوح يا ذات الترانيم *** مع النسور على ورد الندى حومي

توفى رحمه اللّه في بغداد عام 1363 ه. ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في مقبرة بجنب داره ، وأُقيمت له ذكرى أربعينية في مدرسة الصدر من أضخم الذكريات تبارى فيها فحول الشعراء.

ص: 290

السيد مضر الحلي

المتوفى 1363

قال في قصيدة حسينية :

إلى مَ أغض الطرف والهم لازم *** ولي عزم صدق عنه تنبو الصوارم

إذا لم أقدها ضابحات بقفرها *** عليها من الفتيان غلب عواصم

فلا عرّفت بي من لوي عصابة *** ولا كان لي من غالب الغلب هاشم

إلى أن يقول :

ألا أيها الساري بحرف لدى السرى *** تزف زفيفاً لم تخنها القوائم

إذا أنت أبصرت الغري فعج به *** ونادع عليا والدموع سواجم

أبا حسن إني تركت بكربلا *** حسيناً صريعاً وزعته الصوارم

قضى ضامياً دامي الوريد وبعدذا *** عقائلكم سارت بهن الرواسم

الخطيب الأديب السيد مضر ابن السيد مرزة - المتقدمة ترجمته في الجزء الثامن من هذه الموسوعة - ابن السيد عباس بن علي المعروف بالسيد علاوي ابن الحسين بن سليمان الكبير من اسرة الشعر والأدب والاباء والشمم تمثل السيادة حق تمثيلها وتطفح على شمائلها الشمائل العلوية تعرف هذه النفسية من شعرهم وقد قيل : الشعر شعور.

ولد شاعرنا في قرية ( الحصين ) قرب الحلة 22 شعبان من سنة 1319 ه. وأرخ أبوه عام ولادته بأبيات والتاريخ منها جملة :

ص: 291

أعوامه أرخت ( غرٌ حسان ). ونشأ مطبوعاً بطابع الاسرة الشريفة ، وكما رباه أبوه ( ومن يشابه أبه فما ظلم ) وشعره يعطيك صورة عن نفسه وما جبل عليه من فخر وكرم وإباء وشمم وذلك ما حبب هذه الاسرة في الأوساط فكان ناديهم في ( الحصين ) محط الادباء والمتأدبين ، ومن شعره قصيدته التي عارض بها قصيدة البارودي التي أولها :

سواي بتحنان الأغاريد يطرب *** وغيري باللذات يلهو ويلعب

فقال :

إلى مَ التمني والأمانيّ خلّب *** فليس بغير العضب ما أنت تطلب

من العار تغضي راغماً غير راكبٍ *** من العزم طرقاً للمهمات يركب

عجبت لعمرو المجد ترضخ للتي *** تشين وترك الخصم جذلان أعجب

ألست الذي لم يكترث لملمة *** وأنت لدى الجُلّى عذيق مُرجّب (1)

سواء لديه ان رنا طرف عينه *** إلى غاية شرق البلاد ومغرب

حرام إلى غير المعالي محاجري *** تصدّ ولا في غيرها لي مأرب

ولولا العلى لم أرتض العيش والبقا *** ولكن سبيل المجد ما أنا أدأب

ولست بمن إن حيل دون مرامه *** يصعّد لا يدري الهدى ويصوّب

فان أنا لم أبلغ بجدى مساعيا *** لنا سنّها قدماً نزار ويعرب

فلا ضمنى من هاشم بيت سؤدد *** سما شرفاً فوق الضراح مطنب

ولا وخدت بي للوغى بنت أعوج *** ولا اهتزّ في كفي الحسام المشطب

فما أنا ممن همه صر خدية *** وعود إذا ما ينتشي فيه يضرب

وخود تغنّيه وتسقيه نشوة *** ويصبح لا يدري إلى أين يذهب

ولكنني ممن تقرّ له العدا *** لدى الهول لا ألوي ولا أتنصّب

وما الفخر في لهو وعودٍ وقينة *** وكاس بها يطفو الحباب ويرسب

ص: 292


1- العذيق مصغر عذق. والمرجب : المحفوف بالشوك.

بل الفخر في ضرب وطعن ونائل *** وحلم رزين لا يطيش ويشعب

ولي شيمة تأبى الدنايا وعزمة (1) *** وقلب بأفواج الآباء محجب

وقول كوخز السمهري مسدد *** وقلب جرئ ثابت ليس يرهب

قبيح لعمري ان أكون مخاتلا *** وأقبح من ذا أن يقال مذبذب

فخاطر بنفس إنما أنت واحدٌ *** فاما حياة أو حمام محبب

فلم أرَ خلاً في المودة صادقاً *** إذا قلب هذا كاذب ذاك أكذب

وقال من قصيدة يرثي بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

أبا حسن في فقدك اليوم أصبحت *** ربوع الهدى والدين قفر الجوانب

وجار على أطرافه كل ظالم *** وغار على أبياته كل ناهب

فما زلت ترعاه بعين بصيرة *** كما كنت تحميه بماضي المضارب

لتبك اليتامى والأرامل مطعماً *** لها والندى والدين أصدق صاحب

وتبك معدٌ ليثها وعمادها *** وتبك نزار غوثها في النوائب

وتبك الجياد القبّ أعظم فارس *** يقحمها في الروع من آل غالب

وتبك غمار الحرب خواض بحرها *** وتبك الضبا والسمر مردي الكتائب

فقد قوّض المعروف وانطمس التقى *** ولم يبق بحر للندى غير ناضب

وبالافق نادى جبرئيل تهدمت *** قواعد أركان الهدى والمناقب

فيا نفس مهلاً ان للثار قائماً *** عن الدين يجلو داجيات الغياهب

فيدرك ثار المرتضى ووصيه *** الزكي وثار الماجدين الأطائب

لقد منعوا يوم الطفوف مضارباً *** لهم بحدود الماضيات القواضب

وأجروا بحاراً من دماء تلاطمت *** سفائنهم فيها ظهور الشوازب

وهي طويلة تقع في مائة بيت.

ص: 293


1- صدور البيت لشاعر مصر الكبير محمود سامي البارودي التي كانت هذه القصيدة جواباً لتلك.

كانت وفاته في القرية التي ولد فيها بالسكتة القلبية ، ليلة الأحد سابع جمادى الاولى من سنة 1363 ه. المصادف 30/4/1944 م. وحمل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل ومن ثم شيع إلى النجف تشييعاً يليق وكرامته ورثاه جمع من أصدقائه ومواطنيه باللغتين : الفصحى والدارجة (1) ومنهم أخوه السيد سليمان بقصيدة مطولة جاء فيها :

أبا شاكر لا راق لي بعدك الدهر *** ولا لذّ لي عيش وقد ضمك القبر

أُقلّبُ طرفي في دجى الليل ساهراً *** ويقلقني في كل آن لك الفكر

ذكرتك لما غصّ بالقوم مجلسي *** وكنت تُرى فيه لك النهي والأمر

أقول : وعند الرجوع إلى صحف بغداد ونشراتها نجد للمترجم له بعض النوادر الأدبية والمراسلات الودية أمثال رسالته لصديقه المرحوم ابراهيم صالح شكر - الأديب الشهير بقوله من قصيدة :

ما سليمى وما هناك سعاد *** فعليك السلام يا بغداد

من محب ناءٍ به شطت البين *** فأدنى دياره الابعاد

ساهر الليل لم ترَ النوم عيناه *** نديماه يقظة وسهاد

وقال يشكر هاني بن عروة - زعيم مذحج - على موقفه المشرّف دون سفير الحسين بن علي بن أبي طالب وهو مسلم بن عقيل بن أبي طالب :

جزى اللّه خيراً هانياً في صنيعه *** مع ابن عقيل نعم شيخ المكارم

غداة دعوه أن يسلّم مسلما *** فقال بعيد منك نيل ابن هاشم

اسلّم ضيفي وابن عم محمد *** ولم ترتوي مني حدود الصوارم

سأدفع عنه ما حييت بمرهف *** وقومي لدى الهيجا طوال المعاصم

ص: 294


1- نشرت نبأ وفاته صحف بغداد وأبنته وكتبت عنه جريدة الأهالي كلمة مؤثرة.

كلمة في هاني بن عروة :

كان هاني بن عروة بن نمراذ المذحجي الغطيفي صحابيا كأبيه عروة وكان معمّراً ، وهو وأبوه من وجوه الشيعة ، وحضر مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حروبه الثلاث وهو القائل يوم وقعة الجمل :

يا لكِ حرباً حثّها جمالها *** يقودها لنقصها ضلالها

هذا عليٌ حوله أقيالُها

قال ابن سعد في الطبقات كان عمره يوم قتل بضعا وتسعين سنة وكان يتوكأ على عصى بها زجّ وهي التي ضربه ابن زياد بها ، وهو شيخ مراد وزعيمها يركب في أربعة آلاف دارع ، فإذا تلاها أحلافها من كنده ركب في ثلاثين ألفاً. ولسيدنا بحر العلوم الطباطبائي كلام ضاف في ترجمته في ( رجاله ) وقد أغرق نزعاً في اثبات جلالته والدفاع عنه والجواب عما قيل فيه وتابعه على رأيه السديد السيد المحقق الأعرجي في ( عدة الرجال ) وبالغ شيخنا الحجة المامقاني في ( تنقيح المقال ) بترجمته في مدحه والثناء عليه.

قال أهل السير لما دخل ابن زياد الكوفة وتفرق الناس عن مسلم بن عقيل بعدما بايعوه خرج مسلم من دار المختار التي كان قد نزلها إلى دار هاني بن عروة وفهم ابن زياد بذلك أرسل محمد بن الأشعث وأسما بن خارجة وقال لهما : ائتياني بهاني آمناً ، فقالا وهل أحدث حدثاً حتى تقول آمناً قال لا ، فأتياه به فلما رآه ابن زياد قال : أتتك بخائن رجلاه تسعى. قال هاني وما ذاك أيها الأمير ، قال يا هاني أما تعلم ان أبي قتل هذه الشيعة غير أبيك وأحسن صحبته فكان جزائي منك أن خبأت رجلاً في بيتك ليقتلني - وطال الكلام بينهما إلى أن أخذ المعكزة من يد هاني وضرب بها وجه هاني حتى ندر الزج واتزّ بالجدار ثم ضرب وجهه حتى هشم أنفه وجبينه وسمع الناس الهيعة فأطافت مذحج بالقصر ، فخرج اليهم شريح القاضي فقال لهم إن أميركم حي وقد حبسه الأمير ، فقالوا لا بأس بحبس الأمير وتفرقوا.

ص: 295

قال أهل السير ولما قتل مسلم بن عقيل ورمي من أعلا القصر أمر ابن زياد باخراج هاني وقتله ، فأخرج إلى السوق التي يباع فيها الغنم مكتوفاً فجعل يقول : وامذحجاه وأين مني مذحج ، فلما رأى أن لا أحداً ينصره نزع يده من الكتاف وقال أما من عصى أو سكين يدافع به رجل عن نفسه ، فتواثبوا عليه وشدوه كتافاً ثم قيل له : مدّ عنقك ، فقال : ما انابها بسخي فضربه رشيد التركي على رأسه فلم تعمل به شيئاً ، فقال هاني : إلى اللّه المعاد اللّهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه ثانياً فقتله ، فقام أهل الكوفة وربطوا الحبال في رجلي مسلم وهاني وجعلوا يسحبونهما في الأسواق. وفي ذلك يقول عبداللّه ابن الزبَير الأسدي كما روى ابن الأثير في الكامل :

فان كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هاني في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف أنفه *** وآخر يهوي من طمار قتيل

ص: 296

السيد عباس آل سليمان

المتوفى 1363

بوادر دمع لا يجف انسكابها *** ونيران حزن ليس يطفى التهابها

خليلي ما هاجت على الشوق لوعتي *** ولا اسهرت مني العيون كعابها

ولكن عرتني من جوى الطف لوعة *** يشبّ بأحناء الضلوع التهابها

غداة انتضت أبناء حرب مواضباً *** أراق دم الإسلام هدراً ضرابها

وقد أودعت في مهجة الدين حرقة *** فلم يلتئم طول الزمان انشعابها

لقد غصبت آل الرسالة حقها *** بكفٍ مدى الدهر استمرّ اغتصابها

تجاذب أيديها إلى صفقة بها *** يعزّ على الهادي الرسول انجذابها

فقل للعدى امناً قضى الضيغم الذي *** يردّ الكماة الغلب تُدمى رقابها

وأصبح ذاك الليث بين امية *** تناهشه ذؤبانها وكلابها

أصبراً وآل اللّه تمسى على الظما *** ذعاف المنايا في الطفوف شرابها

أصبراً وأمن الخائفين بكربلا *** يروّع حتى فيه ضاقت رحابها

إمام الهدى نهضا فإن دماءكم *** على الأرض هدرا يستباح انصبابها

أصبراً وفي الطف الحسين تناهبت *** قواضبها اشلاءه وحرابها

أصبراً وتلك الفاطميات أصبحت *** يباح جهاراً سبيها وانتهابها

كما شاءت الأعداء تسبى حواسراً *** تطوف بها البيداء وخداً ركابها

ص: 297

فمن مبلغ المختار عني ألوكة *** على نشر رزء الطف يطوى كتابها

شفت حقد بدر في بنيك بوقعة *** أصاب جميع المسلمين مصابها

السيد عباس ابن السيد حسين ابن الشاعر الذائع الصيت السيد حيدر الحلي المشهور بآل السيد سليمان. ولد في الحلة حوالي سنة 1299 ه. وكان عمره يوم وفاة جده خمس سنوات ، أوفده أبوه إلى النجف وهو دون العشرين فمكث أربع سنين مكباً على الدراسة والتحصيل ولما توفي أبوه سنة 1339 ه. قام مقامه في مهماته الزراعية يقول الشيخ اليعقوبي : وكانت ترى آثار النجابة على أسارير وجهه مزيجة بالأريحية والنبل وكرم الطباع وخفة الروح ، وله شغف شديد وولع عظيم بمطالعة الكتب الأدبية ودواوين الشعراء ، ولقد ساهم في نشر ( العقد المفصل ) أحد آثار جده السيد حيدر حين طبع ببغداد سنة 1331 ه. ومن روائعه العصماء قصيدته في تأبين العلامة السيد حسين القزويني المتوفى سنة 1325 ه.

قم ما على مضض المصاب مقام *** قد حان من يوم القيام قيام

وانظم سويداء الفؤاد مراثياً *** فالدين منه اليوم حلّ نظام

علم الهدى الراسي تدكدك بعدما *** منه توقّر في الندي شمام

سار تخف به الرجال وقبله *** ما خلت أن تتدكدك الأعلام

بحر الندى الزخار غاض عبابه *** فلتغتدِ الآمال وهي حيام

أدرى ( المفيد ) فلا مفيد ( مرتضى ) *** بنداه ( لابن نما ) الرجاء قوام

ذهب الحمام ( بعدّة الداعي ) التي *** هي كالصوارم للعدو حمام

يا مبرماً تقضى الحلوم بفقد مَن *** قد كان منه النقض والابرام

في ليلة صبغت بحالك لونها *** وجه النهار فعاد وهو ظلام

ولدت فلا لقحت بها الأعوام *** رزءً يشيب الدهر وهو غلام

قد أنكرت سود الليالي وقعه *** وتبرأت عن مثله الأيام

رزء له جبريل أصبح نادياً *** بمآثم فوق السماء تقام

ص: 298

بجوى كمنقدح الشواظ زفيره *** قد كاد يورى الشمس منه ضرام

لا غرو إن بكت الملائك شجوها *** في أدمع تنهلّ وهي سجام

فالميّت الإسلام والمفجوع فيه *** الدين والثكلى هي الإحكام

والنادب التوحيد والناعي الهدى *** وبه الفضائل كلها أيتام

أأبا محمد العليّ فخاره *** لا راع قلبك حادث مقدام

من حط ذاك الطود وهو ممنعٌ *** وأباد ذاك العضب وهو حسام

أبذلك العاديّ طحن طوائح *** وبنا بذاك المشرفيّ كهام

أم حلّت الأقدار حبوة ماجد *** في بردتيه الطود والصمصام

كم أنفس غاليت في إعزازها *** أضحت رخاصاً في الهوان تسام

وأخا وما ضمنت برودك من حجى *** خفّت لوزن ثقيله الاعلام

ما زالت الأحلام فيك رواجحاً *** حتى حملت فطاشت الأحلام

حملوا سريرك والملائك خشّعٌ *** فبهم تساوت تحته الأقدام

يتمسكون بفضل بردك وقّعاً *** فلهم قعود حوله وقيام

حتى أتوا جدثاً تقدّس تربة *** فيها توارى منك أمس إمام

جدث يموج البحر تحت صفيحه *** ويصوب فيه الغيث وهو ركام

والقصيدة كلها بهذه المتانة والروعة واكتفينا ببعضها.

وله في مدح والده السيد حسين ابن السيد حيدر قصيدة في مطلعها :

بادر بنا نتعاطى أكؤوس الطرب *** عن ثغر أغيد معسول اللمى شنب

واخرى في مدح والده اولها :

محياك ام بدر على الافق اشرقا *** ورياك ام نشر من المسك عبقا

وله في الإمام الحسين مرثية جاء فيها :

غداة استهاج الرجس جيش ضلالة *** على ابن هداها بالطفوف تهاجمه

اراع قلوب المسلمين بمدهش *** تجدد حزناً كل آن مآثمه

أصبراً وقد آلت امية لا ترى *** لآل الهدى عزاً تشاد دعائمه

ص: 299

فيا مقلة الإسلام دونك والبكا *** بدمع من الأحشاء ينهل ساجمه

فان ابن بنت الوحي بين امية *** بحدّ المواضي تستحل محارمه

له اللّه دام بالطفوف مجرداً *** كسته بابراد الثناء مكارم

وقال اخرى في رثاء الحسين (عليه السلام) :

طرقت تزلزل أرضها وسماءها *** نكباء تقدح بالحشا إيراءها

اللّه أكبر يا لها من نكبة *** أسدت على افق الهدى ظلماءها

عمّت جميع المسلمين بقرحة *** للحشر لا زالت تعالج داءها

وبها اقتدى التوحيد يشكو لوعة *** طول الليالي لا يرى إبراءها

سامته إما ان يسالم في يد *** ما سالمت في ذلة أعداءها

أو أن يموت على ظماً في كربلا *** تروي الضبا من نحره إظماءها

وقال يفتخر بنسبه ويمدح أهل البيت :

خليليّ ما هاج اشتياقي صبا نجد *** ولا طربت نفسي لشيء سوى المجد

وإني فتى بي يشهد الفضل والعلى *** بأني فريد بالمفاخر والحمد

وإني فتى ليست تلين جوانبي *** لداهية دهماء توهي قوى الصلد

ولي عزماتٌ يحجم الليث دونها *** تورثتها عن حيدر الأسد الوردي

فتى يقطر الموت الزوام حسامه *** إذا استلّه يوم الكفاح من الغمد

هو البطل الفتاك عزمة بأسه *** تغل بيوم الحرب حد ضبا الهندي

حمى حوزة الإسلام خائض دونها *** كفاحاً بنار الحرب تلفح بالوقد

وله في الحسين من قصيدة اخرى :

ما لفهر هجرت ماضي ضباها *** فلتصل بالموت أرواح عداها

أتناست فعل حرب أم على *** حسك الضيم أقرّت مقلتاها

وفاته بالحلة الفيحاء سنة 1363 ه. ونقل إلى النجف ودفن بها ورثاه أخوه السيد محمد وارخ عام وفاته.

ص: 300

الشيخ علي العوّامي

المتوفى 1364

لا تخسر الحرة الحسناء ميزانا *** فالشيب بان ومنك العمر قد بانا

يفتتح هذه القصيدة بالموعظة الحسنة ويتخلص لمدح الحسين بن علي شهيد الإباء بقوله :

أفدي نفوساً تسامت في العلى رخصت *** فسامها الكفر يوم الروع نقصانا

تجلببت برداء الصبر واستبقت *** لنصرة المصطفى شيباً وشبّانا

حتى تهاووا وكلٌ نفسه شربت *** من نقطة الفيض بالتقديس قد حانا

وخلفوا واحد الهيجاء منفرداً *** يذري الدموع حريق القلب لهفانا

يرى الصحاب على البوغاء جلببها *** فيض المناحر أبراداً وقمصانا

ومنها :

أيقتل السبط عطشاناً بلا ترة *** والماء طام فليت الماء لا كانا

أروح طاها بلا دفن ترضضه *** الأعداء حتى غدا للخيل ميدانا

الشيخ علي ابن الشيخ جعفر آل أبي المكارم العوامي. ترجم له الباحث الأديب الشيخ سعيد الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه ( أعلام العوامية في القطيف ) وقال في حقه : عظيم من عظماء الانسانية وبحر من بحور السماحة والفضل وإمام من أئمة الجماعات والجمعات ، أخلص للإسلام وأبنائه. وُلد في غرة شهر رمضان المبارك سنة 1313 ه. وارخ مولده أبوه الشيخ جعفر المترجم له سابقاً ، فقال :

ص: 301

يا خليلي غنني *** فلقد زال الألم

وأدر كأس الهنا *** وأزح عنا السقم

فعليٌ قد أتى *** وبه الشمل انتظم

شمس مجد أرخت *** نورها يجلو الظلم

تلقى على أبيه ومربيه في العلوم الأولية كالنحو والصرف والمنطق والبيان وقرأ الفقه والاصول ثم قصد النجف الأشرف فحضر هناك عند ثلة من العلماء الاعلام وحجج الإسلام العظام كالعلامة السيد مهدي الغريفي النجفي والحجة الشيخ عبداللّه المعتوق القطيفي المتوفى سنة 1362 ه. والحجة الكبير والمرجع الديني الشهير الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء ، فأتم قراءة الفقه والاصول وقرأ الحكمة الإلهية والكلام وتملك زمام سائر العلوم الرياضية وغيرها كالهيئة والحساب والجغرافية والهندسة حتى نال درجة الاجتهاد بشهادة أساتذته الذين درس عليهم. وهكذا قضى عمره في درس وتدريس وجدّ واجتهاد حتى توفاه اللّه يوم الخميس 6/5/1364 ه. ودفن في ( سيهات ) من مدن القطيف ، واقيمت له الفواتح في القطيف والبحرين وغيرهما وأبّنه الكثير من الادباء والشعراء وخلف من الآثار العلمية تبلغ 13 مؤلفاً منها :

1 - اللؤلؤ المنظوم في تاريخ الحسين (عليه السلام) جزءان.

2 - الجامع الكبير في الفقه الاستدلالي.

3 - أوضح دليل فيما جاء في علي وآله من التنزيل.

4 - الوجيزة في الصلاة اليومية.

5 - المستدرك على الفوائد في شرح الصمدية.

6 - علية الوعظ وهي مجموعة خطبة التي أنشأها في الجمع والأعياد التي تحث المسلمين على الالفة وتوحيد الكلمة.

7 - ديوان شعره إلى غيرها من التعليقات والمراسلات وأجوبة السائلين عن مهمات امور الدين. أورد له صاحب ( الاعلام ) عدة قصائد وعظية ورثاء للإمام الحسين علیه السلام وفي أغراض أُخر.

ص: 302

الشيخ محمد حرز الدين

المتوفى 1365

رسوماً عفتها الذاهبات العوائد *** بها اندرست فاستوطنتها الأوابد

فسل دمنة قد خفّ عنها قطينها *** وأبيات عزٍّ بالحريق مواقد

ستنبيك عن تلك الديار طلولها *** وأعلام صم في الديار خوالد

ولم يبق حول الدار إلا ثمامها *** ونؤياً بها قد غيّرته الرواعد

وقفت بها والدمع أدمى محاجري *** اناشد رسماً عزّ فيه المناشد

واسألها عن ساكنيها وإنها *** وان جاوبت لم تشف ما أنت واجد

كأني بفتيان تداعب إلى الردى *** ورحب الفلا بالخيل والجند حاشد

عوابس تعدو للحفاظ كأنها *** لدى الروع في الهيجا ليوثٌ لوابد

أقامت بجنب النهر صرعى جسومهم *** عليها من النقع المطل مجاسد

وأقبل كالليث العبوس بمرهف *** همام على ظهر المطهم ماجد

به أحدقت من آل حرب كتائب *** يضيق الفضا عنها وقلّ المساعد

فلهفي له يلقى الكتائب ظامياً *** إلى ان قضى والماء جار وراكد

الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ عبد اللّه ابن الشيخ حمد اللّه ابن الشيخ محمود حرز الدين النجفي من مشاهير علماء عصره ، وآل حرز من البيوت العلمية في النجف ، فان والد المترجم له وجده من العلماء المشهورين وكذلك

ص: 303

أعمامه واخوته وأكثرهم مترجمون في مؤلفه الموسوم ب ( معارف الرجال ) ولكنه هو واسطة عقد القلادة له شهرته العلمية والأدبية والتاريخية وكذلك اولاده وأحفاده. ولد في النجف الأشرف سنة 1273 ه. ودرس مبادئ العلوم في سنّ مبكرة ، وقد منحه اللّه موهبة الذكاء والفطنة فقرأ الكتب الأربعة المشهورة : الشرائع واللمعتين والمسالك والمدارك كما قال هو رحمه اللّه : قرأنا الكتب الأربعة على عدة من فضلاء العصر وجهابزة الفقه ، وكان الفقه في عصرنا مديد الباع طويل الذراع ، وكان أكثر تحصيله على المجتهد الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ، وعلى العالم الاصولي البارع الشيخ المامقاني قدس سره وغيرهم ممن ذكرهم هو أثناء ترجمته لهم ، وعكف على الدرس والتدريس حتى جاوز التسعين عاماً ودوّن في مختلف العلوم أكثر من سبعين مؤلفاً ، قام حفيده العلامة الشيخ محمد حسين بنشر بعضها منها ( معارف الرجال ) بثلاثة أجزاء ومنها مراقد المعارف في جزئين ، وعدّد حفيده أسماء مؤلفاته وذكر منها 44 مؤلفاً. كنت أُشاهده في مجالس سيد الشهداء وأين ما حلّ فله صدر النادي ، وأبرز مميزاته تقشفه وزهده في الدنيا ورضي بالقليل من شظف العيش. ذكره السيد الحجة السيد حسن الصدر في ( التكملة ) فقال : عالم فاضل كامل أديب متبحر في جميع العلوم العقلية والنقلية والرياضية ، حسن المحاظرة حلو المفاكهة والمناظرة ، متضلع في السير والتواريخ وأيام العرب ووقائعها وحافظ لأخبار العلماء وقصصهم له اليد الطولى في العلوم الغريبة ، وذكره المحقق الطهراني في نقباء البشر بنحو ذلك.

توفي بالنجف الأشرف عند الزوال من يوم الخميس غرة جمادى الاولى من سنة 1365 ه. ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لداره ومسجده ، وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وذكر جملة من أشعاره. وهناك ملاحظات على كتاب ( معارف الرجال ) بالرغم من أني لم استقصه مطالعة ولكني أرجع إليه في بعض كتاباتي :

ص: 304

1 - ذكر في الجزء الأول منه في صفحة 327 ترجمة للشيخ زين العابدين العاملي المتوفى سنة 1175 ه. ونسب له القصيدة الشهيرة التي يرثي بها الحسين بقوله :

يا أيها الغادون مني لكم *** شوق أذاب الجسم مني أرقا

والصحيح ان هذه القصيدة للسيد الشريف الميرزا جعفر القزويني المتوفى سنة 1298 ه. كما في ( الجعفريات وغيرها ) وأولها :

سل عن اهيل الحي من وادي النقا *** مغرّباً قد يمموا أم مشرقا

2 - وفي صفحة 358 من الجزء الأول ترجم للسيد شبر الموسوي الحويزي رحمه اللّه وعلّق حفيده سلمه اللّه فقال : وهو غير السيد شبر الذي ينتسب اليه السيد محمد رضا وابنه السيد عبداللّه شبر القاطنين في الكاظمية.

أقول وليس من أجدادنا من يسمى بالسيد شبر ، إنما هو لقب من جدنا الأعلى السيد حسن الملقب بشُبّر وقد عاش في القرن الثامن الهجري.

3 - جاء في الجزء الثاني من معارف الرجال صفحة 314 قصيدة السيد شريف بن فلاح الكاظمي المتوفى سنة 1220 ه. والمؤلف نسبها للشيخ محمد علي كمونة المتوفى سنة 1282 ه. والقصيدة أولها :

قف بالطفوف وجد بفيض الأدمع *** ان كنت ذا حزن وقلب موجع

وأظن ان الذي أوقعه بهذا الاشتباه هو المرحوم السيد الأمين فقد ذكر القصيدة مرتين في ( الأعيان ) ففي جزء 36 من أعيان الشيعة صفحة 74 جعلها من نظم السيد شريف بن فلاح الكاظمي وهو الصحيح ثم في جزء 46 صفحة 110 نسبها لابن كمونة وهو غير صحيح.

4 - ترجم للشاعر السيد مهدي الأعرجي المتوفى سنة 1358 ه. فقال : انه دفن في الصحن العلوي والحقيقة انه دفن بوادي السلام.

5 - رجائي من المحقق الحفيد أن لا تفوته بعض الأخطاء اللغوية ففي الجزء الثاني صفحة 277 عند ترجمة الشيخ محمد رضا النحوي قال : فأوعده السيد بحر العلوم. والصحيح وعده لأن ( أوعد ) للتهديد.

ص: 305

محمد امين شمس الدين

المتوفى 1366

يمثل روح الحب مني محمد *** وابنته وابناه والصهر حيدرُ

هم عدتي حتى نهاية مدتي *** بهم لست أخشى هولها حين انشر

علي تعالى من كبير على الملا *** وفي السبعة الافلاك أعلى وأكبر

فعن سيفه سل يوم أحد وخندقا *** وبدراً وسل ما البئر عنه وخيبر

حقائق يكبو دونها طرف واصل *** وفيها بأهل الغور طال التفكر

يقال على عثمان ضنّت صلاته *** وسلمان منها حظه متوفر

فلا زلت في أمريهما فاقد الهدى *** وليس لهذا اللبس كشف محرر

وسائلتي مالي أخالك مكثراً *** فقلت وهل في حيدر قال مكثر

ألا فدعي عنكِ مقالة ملحد *** لقد قالها من قبل قوم فكُفّروا

ألم تعلمي أن العلي قسيمها *** ومنه لنا القدح المعلى الموفر

علي حباه اللّه أمر معاده *** نقيباً على مثقال ذرة يحضر

فقالت يرى في القبر قلت لها أجل *** على حكمه يأتي نكير ومنكر

فقالت ومن ذا يوم لا ذو شفاعة *** فقلت لها ان الشفيعين حضّر

فقالت يرى يوم الظما قلت كفكفي *** فعن كفه الحوض النمير والكوثر

فقالت إذا ما قيل غُلّوه ما ترى *** فقلت يولى حلّ غليّ حيدر

ص: 306

فقالت أبا لا كسير شبهت حبهم *** فقلت نعم ذرية في النار تنفر

فقالت ( وآتوني ) فقلت فلم يكن *** سوى قولهم ان النبي ليهجر

فقالت وهل من سبة سن مثلها *** فقلت لها لا فهي للحشر تشهر

فقالت أعجزاً حينما قيد عنوة *** فقلت لها لا ذاك شيء مقدر

فقالت وما شأن البتول وضلعها *** فقلت غداً في موقف اللّه تظهر

فقالت وما السبط الزكي وقبره *** فقلت دعي قلباً لها يتفطر

فقالت وما السبط الشهيد بكربلا *** وما حاله وهو الصريع المعفّر

فقلت بكته الشمس والافق والسما *** دماً فهو في خدّ السما يتحدر

فيا لدماء قد أُريق بها الهدى *** وضلت لها في الدين عمياء تعثر

على رغم أنف الدين سارت حواسراً *** سبايا على عجف المطايا تسير

على الهون لم تلغى لها من يجيرها *** وحرب على أعوادها تتأمر

لها اللّه حسرى لم تجد من يصونها *** وهند بأذيال الخلاعة تحظر

لها اللّه حسرى لم تجد من يصونها *** سوى انها في صونها تتستر

فيا لمصاب هدد الذكر وقعه *** لديه عظيمات المصائب تصغر

ويا حب أهل البيت بتّ معانقي *** فدم فعليك اللّه يجزي ويشكر

كتاب الضمير البارد يبحث في العقائد واصولها تصنيف العلامة الجليل الشيخ محمد أمين شمس الدين العاملي طبع سنة 1353 ه.

وقد نقلت عنه هذه القصيدة.

وجاء في الذريعة ج 15 صفحة 118 :

كتاب الضمير البارد نثر ونظم للشيخ محمد أمين آل شمس الدين الشهيد الأول العاملي المعاصر المتوفى بلا عقب سنة 1366 ه. في بلدة عرب صاليم

ص: 307

من قرى جبل عامل في ثلاثة أجزاء ، طبع منه جزءان في سنة 1353 ه. في بيروت ، وفي أول الكتاب تصويره ، وفي آخره نسبه هكذا :

محمد أمين بن مهدي بن الحسين بن علي بن أحمد بن حيدر الجوني ابن شمس الدين بن محمد بن ضياء الدين محمد المهاجر بن جزّين بن علي السبط بن الشهيد محمد بن مكي المنتهى إلى سعد بن معاذ أباً ، وإلى الشريف المطلب أُماً.

ص: 308

الشيخ محمد تقي المازندراني

المتوفى 1366

بن الشيخ محمد حسن ابن الحاج علي الطبري المازندراني الحائري ، أديب شاعر ، ولد بكربلاء يوم 24 شوال سنة 1289 ه. ونشأ نشأة دينية ودرس الفقه والاصول على العالم الجليل الشيخ غلام حسين المرندي واتصل بادباء عصره وحضر مجالس الأدب كآل الوهاب والسيد الحجة الطباطبائي ونظم وساجل وشارك في حلبات أدبية حتى جمع ديوان شعر ضخم رأيت نسخة منه في مكتبة الأديب الشاعر السيد سلمان السيد هادي الطعمة يحتوي على ألوان من الشعر وفيه الكثير في أهل البيت وفي الإمام الحسين خاصة فمنها قصيدة أولها :

أحاميَ دين البشير النذير *** ومحيي منهاجه المستنير

واخرى في أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علیه السلام أولها :

أبى أبو الفضل إلا الفضل والكرما *** وجاد بالنفس يوم الحرب مبتسما

توفي بكربلاء سنة 1366 ه.

ص: 309

السيد مهدي القزويني

المتوفى 1366

هبّ الصبا وفؤاد المستهام صَبا *** إلى الحمى فأزال الغمّ والوصبا

مرابع قد مضى شرخ الشباب بها *** طلق العنان سوى الأفراح ما صحبا

أخنى الزمان عليها فهي موحشة *** من بعدما أنست في أهلها حقبا

أمست خلاءً بها الأرواح خافقة *** وفي ثراها غراب البين قد نعبا

ولّى الشباب وأيام الصبا درست *** وشعلة الشيب منها مفرقي التهبا

والدهر شنّ عليّ اليوم غارته *** كأنما ترة عندي له طلبا

وصيرتني يد الغمّى لها هدفاً *** وريّشت لي سهماً في الحشى نشبا

ولا ملاذ ولا ملجا ألوذ به *** من الزمان إذا طرف الزمان كبا

سوى إمام الهدى المهدي معتصمي *** وجنّة أتقي عني بها النوبا

من يملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت *** جوراً ، ويوردنا تياره العذبا

متى نراه وقد حفت به زمر *** من آل هاشم والأملاك والنقبا

من كل أشوس غطريف كذي لبد *** يوم الطعان يعدّ الراحة التعبا

من فوق كل سبوح في بحار وغى *** يوم الرهان يلاقي رأسها الذنبا

حتى مَ تصبر يا غوث الأنام وقد *** أبصرت فيئك في أيدي العدى نهبا

يا ثائراً غضّ جفنيه على مضض *** هلا أتاك بأخبار الطفوف نبا

غداة حلّ أبو السجاد ساحتها *** وأسد هاشم للهيجا قد انتدبا

ص: 310

وشمّر ابن علي للوغى طرباً *** يخال ضرب المواضي عنده الضَربا

تصيخ كل نفوس القوم مذعنةً *** له إذا ما عليها سيفه خطبا

يميل بشراً غداة الروع مبتسما *** لم يرهب الموت بل منه الردى ارتهبا

يأبى الدنية سبط المصطفى فلذا *** عن ذلة العيش في عزّ الوغى رغبا

وبعدما لفّ أولاهم بآخرهم *** وسامهم فسقاهم أكؤساً عطبا

أصابه حجر قد شج جبهته *** وشيبه من محياه قد اختضبا

وكم رضيع فرى منه الظما كبداً *** قضى وغير لبان النحر ما شربا

السيد مهدي ابن السيد هادي ابن الميرزا صالح ابن العلامة الكبير السيد مهدي الحسيني القزويني الحلي. علم من الاعلام وفذٌ من أفذاذ الاسرة القزوينية ويطلق عليه لقب الصغير تمييزاً له عن جده الأعلى. ولد في بلدة طويريج ( الهندية ) عام 1307 ه. ونشأ فيها منشأ العز والفخار متفيأ ظل والده الهادي عليه الرحمة وبعد ذلك أخذ يتملى من دروس اخوته الاعلام فحضر عند أخويه : الباقر والجواد واستفاد منهما كثيراً وهاجر إلى بلد جده أمير المؤمنين فأتمّ علومه اللسانية والبيانية كما حضر على السيد كاظم اليزدي في الفقه والاصول كما حضر عند الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهما من الأساطين ثم هاجر إلى مسقط رأسه ليسدّ الثغرة ويرشد الضال ويهدي المجتمع ، وكان على جانب من دماثة الخلق والتواضع رحب الصدر يودّ جليسه أن يطيل معه الجلوس وان لا ينتهي المجلس مهما امتدت ساعاته الطوال حيث كان لطيف المعشر خصب المعلومات ، والحديث عنه وعن أدبه من أرق الأحاديث. حضر الهندية عمّ والده وهو العلامة الكبير السيد محمد أبو المعز المتوفى سنة 1335 ه. واستنشده فقرأ له من شعره ألواناً - وكانت في لسانه تمتمة حلوة تزيد منطقه حسناً وحلاوة فنظم أبو المعز بيتين خاطبه بهما ملمحاً بحبسة لسانه ومشيراً إلى طريقة سالفة للشيخ صالح الكواز رحمه اللّه وقوله :

ص: 311

أخسرت أخرس بغداد وناطقها *** وما تركت لباقي الشعر من باقي

أقول : ضمن شطر هذا البيت في بيتيه فقال :

قولوا لأخرس قزوين إذا تليت *** فرائد فكره قد صاغ رائقها

لم تبق ناطق شعر في الورى ولقد *** ( أخرست أخرس بغداد وناطقها )

هذا وكانت وفاة المترجم له عشية الاربعاء 13 ربيع الأول من سنة 1366 ه. وقد شيع إلى مرقده الأخير في مقبرة الاسرة بالنجف الأشرف ، ولم يعقب من الذكور ذرية.

ومن فرائد شعره قوله راثياً جده أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة طويلة :

يا لائميّ تجنّبا التفنيدا *** فلقد تجنبت الحسان الخودا

و صحوت من سكر الشباب ولهوه *** لما رأيت صفاءه تنكيدا

ما شفّ قلبي حب هيفاء الدمى *** شغفاً ولا رمت الملاح الغيدا

أبداً ولا أوقفت صحبي باكياً *** من رسم ربع بالياً وجديدا

كلا ولا اصغيت سمعي مطرباً *** لحنين قمريّ شدا تغريدا

لكنني أصبحت مشغوف الحشا *** في حب آل محمد معمودا

المانعين لما وراء ظهورهم *** والطيبين سلالة وجدودا

قوم أتى نص الكتاب بحبهم *** فولاهم قد قارن التوحيدا

فلقد عقدت ولايَ فيهم معلناً *** بولاء حيدرة فكنت سعيدا

صنو النبي وصهره ووصيه *** نصاً بفرض ولائه مشهودا

هو علّة الإيجاد لولا شخصه *** وعلاه ما كان الوجود وجودا

هو ذلك الشبح الذي في جبهة *** العرش استبان لآدم مرصودا

هو جوهر النور الذي قد شاقه *** موسى بسينا فانثنى رعديدا

يا جامع الأضداد في أوصافه *** جلّت صفاتك مبدءاً ومعيدا

ص: 312

لم يفرض اللّه الحجيج لبيته *** لو لم تكن في بيته مولودا

للأنبياء في السر كنت معاضداً *** ومع النبي محمد مشهودا

ولكم نصرت محمداً بمواطن *** فيها يعاف الوالد المولودا

مَن أبهر الأملاك في حملاته *** ولمن تمدّح جبرئيل نشيدا

( لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى *** إلا علي ) حيث صاد الصيدا

ومن اغتدى في فتح خيبر مقدماً *** وسواه كان الناكص الرعديدا

ولكم كفى اللّه القتال بسيفه *** الإسلام يوم الخندق المشهودا

أردى بها عمرو بن ودّ بضربة *** قد شيدت دين الهدى تشييدا

أسنى من القمرين كان وإنما *** عميت عيون معانديه جحودا

والقصيدة طويلة يذكر فيها مصرع الإمام أمير المؤمنين. ذكرها الباحث السيد جودت القزويني في كتاب ( مقتل أمير المؤمنين ) للمرحوم السيد ميرزا صالح القزويني.

ص: 313

الشيخ حسن الدجيلي

المتوفى 1366

هل الدار من بعد سكانها *** تريك الخليطَ بعنوانها

فرحت تقبل منها الطلول *** وتعتنق الغصن من بانها

وتذرف في ربعها مدمعاً *** وتستاف ملعب غزلانها

هو الدهر أخنى على ربعها *** فحطم شامخَ بنيانها

وقفت به ومذاب الفؤاد *** من العين يهمي بهتانها

ذكرتُ به ربع آل الرسول *** فسالت عيوني بأجفانها

لقد كان مهبط وحي الإله *** ومصدر آيات قرآنها

ومنبع أحكام دين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** ومعدن حكمة ديّانها

ومطلع شمس هدى العالمين *** بها أبصرت نهج إيمانها

* * *

أطاحت امية منه العماد *** وباحت بمضمر كفرانها

وقادت جيوشاً لحرب الهدى *** وجاءت تهادى بطغيانها

تحاول اطفاء نور الإله *** ونشر عبادة أوثانها

ص: 314

وحامي الشريعة هاجت به *** عليها حمية غضبانها

فهبت لينقذ دين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** من تحت أنياب ثعبانها

سرى بالبهاليل من هاشم *** يؤمُ العراق بأضعانها

اسودُ وغىً فوق جردٍ عتاق *** صوافن أمثال عقبانها

ضوامرُ ان حفزت للوثوب *** بجمع تصرّ بآذانها

عليها ليوثُ بني غالب *** يضوع الفخار بأردانها

وشيدت خيامهم في الطفوف *** ونجم السما دون أشكانها

أحاطت بهم فرق الظالمين *** احاطة عينٍ بإنسانها

* * *

تحاول اذعانها لابن هند *** وقطعُ الطُلى دون اذعانها

تموتُ كراماً ولا تلتوي *** لبّو الصغار برثمانها

هل الموت إلا إذا جردت *** رقاف المواض بأيمانها

إذا غنت البيض فوق الرؤوس *** تميل نشاوى بألحانها

وتحسب فوق الظبا في الجباه *** لدى الروع معقد تيجانها

إذا الجحفل المجر ستر الفجاج *** عليها وضاقت بشجعانها

أمالته نثراً ببيض الصفاح *** ونظماً بأطراف خرصانها

أراقمُ مندلعات اللسان *** تلوكُ المنايا بأسنانها

فوالهفتاه لها إذ غدت *** معفرةً فوق كثبانها

ولم تلوها غير كف القضا *** إذ القوم ليسوا بأقرانها

* * *

ولم يبقَ غير امام الهدى *** وحيداً بحومة ميدانها

يعاني الظما وعجيج النساء *** يذيب الصفا وقع أرنانها

يعاني على الأرض أنصاره *** وعفرُ الثرى نسجُ أكفانها

يعاني العدى مثل سيل البطاح *** وفقد النصير للقيانها

ص: 315

يعاني على يده طفله *** ذبيحاً بأسهم وغدانها

فلله نفسك يا علة الوجود *** ويا قطب أكوانها

وتلك الفطائم لم تثنها *** عن الفكر في أمر رحمانها

تدرع بالصبر في موقف *** يزلزل موقف تهلانها

وشدّ على جمعهم مفرداً *** كما شدّ ليثٌ على ضانها

فأروى الظبا من دماء الكماة *** ولفّ الرجال بفرسانها

وأطعمها مهج الدار عين *** فخرّت سجوداً لأذقانها

فلم ترَ في الأرض غير الجسوم *** وخيل تجرّ بأرسانها

يحي الضبا والقنا والسهام *** طروباً بمهجة ظمآنها

* * *

أصابوا الشريعةً لمّا اصيبَ *** وهُدّت قواعد أركانها

وطاح فأظلمت النيرات *** والأرض مادت بسكانها

وكم طفلة بهجوم العدى *** وطفل يراع بحرانها

فررن النساء كرب اهيج *** مروعاً بعدوة ذؤبانها

حيارى تعجّ بأكبادها *** اذيبت بالهب نيرانها

تقوم فتكبو لما نالها *** وتعثر في ذيل أحزانها

وتهتف باسم أبيها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** وطوراً بأسمتاء فتيانها

وسيقت برغم اللّه حسراً

تلفُ النجودَ بغيطانها (1)

الشيخ حسن ابن الشيخ محسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد اللّه الدجيلي النجفي ، عالم مرموق مشهور بالتحصيل ومن المعدودين من الفقهاء ، ولد في النجف الأشرف عام 1309 ه. نشأ على الدرس والتدريس وحلقات

ص: 316


1- أنشدت في مأتم الحسين (عليه السلام) المقام من قبل الهيئة العلمية بالنجف الأشرف في 23 محرم الحرام سنة 1359 ه.

الفقهاء مضافاً إلى شهرة والده العالم الشهير على تدريسه والاعتناء به ، كنت كثيراً ما اشاهده مسرعاً قاصداً جامع الهندي - وهو أكبر مسجد في النجف وكان المرحوم الميرزا حسين النائيني يلقي دروسه على تلامذته هناك ومنهم المترجم له ، وكان إذا حضر في المحافل تكون له صدارة المجلس وتطرح المسألة العلمية ويشتدّ النقاش حوله فكان من المجلّين في تحقيقه وخبرته وممن يؤخذ برأيه ويحترم قوله ، طلب مني أن أسهر على ولده الشيخ صالح ليكون منبرياً مرموقاً بين الخطباء فلازمني هذا الولد حرسه اللّه ملازمة الظل مدة لا تقل عن عشر سنوات فكان كما أراد أبوه فهو اليوم من خطباء النجف اللامعين وبحكم هذه الصلة فقد كانت المودة أكيدة مع الوالد والثقة أصيلة فعرفت منه طيب القلب وسلامة الذات وحسن المعاشرة والنصح لكل أحد من قريب وبعيد ويحب الخير لكل مخلوق مع رجاحة عقل واتزان كامل وربما تذاكرنا ما بيننا بمسألة نحوية وهو يصغي فيفيض علينا من معارفه وكأنه قد راجعها وأتقنها في تلك الآونة ، كان يخرج في السنة مرة واحدة إلى الريف حول النجف والمسماة بمنطقة ( المشخاب ) بطلب من أهالي تلك المنطقة لأجل التعليم الديني والارشاد والوعظ وصادف مرة ان كنتُ هناك فرأيت من تواضعه ولطف أخلاقه ما جذبني إليه وجعلني أثق به كل الوثوق سيما وقد دار البحث بيني وبينه حول معنى بيت من الشعر للسيد مير علي أبو طبيخ قاله في رثاء المرحوم الشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي من قصيدة وهو :

ولم لا تعذب الأخلاق منه *** وكان ابن العراق هوىً وماءا

وهل ان الضمير يعود على الممدوح بنصب ( ابن ) أو أنها جملة مستأنفة فتكون ( ابن ) مرفوعة لأنها اسم لكان. وقد كرر الذهاب إلى تلك المنطقة حتى توفي بها فجأة سنة 1366 ه. ونقل إلى النجف فدفن بها فرثاه جمع من الشعراء لا زلت أتذكر مطلع قصيدة أكبر أولاده وهو العلامة الشيخ أحمد سلمه اللّه قال :

ص: 317

أبي لست أدري كيف أرثيك في نظمي *** وقد سامني من بعدك الدهر باليتم

وأعلم أن الموت لفّك بغتة *** وغيّض ينبوع الفضيلة والعلم

آثاره : 1 - حاشية على ( كفاية الأصول ).

2 - منظومة في المنطق.

3 - ديوان شعره مضافاً إلى رسائله من منثور ومنظوم.

أصارحة الغصنِ الأخضر ..

أنشأها على ضفة دجلة في حديقة غناء ذات أشجار يانعة وأطيار صارحة في ( قلعة سكر ) على شط الفرات ، وفيها يمدح الغري ( النجف ) ومرقد الإمام علي علیه السلام :

أصارحةَ الغصنِ الأخضر *** هناك نعيمك فاستبشري

تسيرين سابحةً في الفضاء *** ووكرك في الشجر المثمر

فإن شئت تقتطفين الورود *** وان شئت سنبلة البيدر

ملكت الهواء ملكت الفضاء *** ملكت الجنان مع الأنهر

وليس لذي سلطة امرة *** عليك ولا نهيُ مستهتر

ولم تسمعي أنةً من ضعيف *** يضام ولا صوت مستنصر

وقلبك من قبح هذا الزمان *** وأهليه في مهمهٍ مقفر

فما للمحاسنِ من آمرٍ *** ولا للقبائح من منكر

تبيتين رافلةً في النعيم *** وقلبي يبيت على مجمر

أحاطت به حالكات الهموم *** فكان لها نقطة المحور

بضفة دجلة جسمي مقيم *** وقلبي يرفرف فوق الغري

محل سما ذروة الفرقدين *** علاً وسما ذروة المشتري

تضمن مرقد سرّ الإله *** ومطلع شمس الهدى حيدر

وباب مدينة علم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) *** وساقي العطاشا في الكوثر

وحامل رايته في غدٍ *** إذا سيقت الناس للمحشر

ص: 318

وقد شيّد الدين في سيفه *** فتمّ ولولاه لم يذكر

ومن حارب الجن يوم القليب *** ومن قلع الباب في خيبر

ومن ناطح الشرك حتى انجلى *** الضلال بنور الهدى المسفر

ومن لم ترد الشمس إلا اليه *** ويوشع في سالف الأعصر

ومن طهّر البيت لما ارتقى *** على كتف المصطفى الأطهر

* * *

امام يقول لنار الجحيم *** خذي ذا اليك وهذا ذري

ولم أخشَ بعدَ ولائي له *** سؤال نكيرٍ ولا منكر

به أكمل الدين ( يوم الغدير ) *** وأعلن طه على المنبر

وقال فمن كنت مولىً له *** فمولاه بعدي أبو شبّر

وقدك كان ذلك في مسمعٍ *** من الحاضرين وفي منظر

فتباً لهم خالفوا المصطفى *** وجثمانه بعدُ لم يقبر

وقد عدلوا بعد عرفانهم *** من مورد العلم والمصدر

لبيعة تيم ومن بعده *** اديلت ضلالاً الى حبتر

* * *

وله أيضاً في رثاء سيد الشهداء وقد اشتملت على مدح العترة الهداة علیهم السلام ، وقد تليت في محفل الملائية الذي اقيم لعزاء الحسين علیه السلام في العشرة الثالثة من المحرم سنة 1360 ه. وكان انشاد القصيدة يوم 26 محرم من السنة المذكورة :

هي النفسُ رصنها بالقناعة والزهد *** وقصّر خطاها بالوعيد وبالوعد

وجانب بها المرعى الوبيل ترفقاً *** عن الذل واحملها على منهج الرشد

فما هي إلا آية فيك اودعت *** لترقى بها أعلى ذرى الحمدِ والمجد

وما علمت إلا يدُ اللّه كنهها *** وان وصفت بالقول بالجوهر الفرد

ففجّر ينابيع العلوم وغذّها *** من المهدِ بالعلم الصحيح إلى اللحد

ص: 319

وحبّ الهداة الغرّ من آل أحمدٍ *** هم الأمن في الاخرى من الفزع المردي

هم عصمة اللاجي وهم باب حطةٍ *** وهم أبحر الجدوى لمستمطر الرفد

هم سفراء اللّه بين عباده *** ولاؤهم فرضٌ على الحرّ والعبد

فأولهم شمسُ الحقيقةِ حيدر *** وآخرهم بدر الهدى القائم المهدي

* * *

فلا تقبل الأعمال إلى بحبهم *** وبغض معاديهم على القرب والبعد

وليس لهذا الخلق عن حبهم غنىً *** كما لا غنىً في الفرض عن سورة الحمدِ

عمىً لعيون لا ترى شمس فضلهم *** فضلت بليل الجهل عن سنن القصد

تعيب لهم فضلاً هو الشمس في الضحى *** وكيف تعاب الشمس بالمشعل الرمد

ويكفي من التنزيل آية ( إنما ) *** و ( قل لا ) لاثبات الولاية والودّ

وذا خبر الثقلين يكفيك شاهداً *** وبرهان حق قامعاً شبهة الجحد

رمتهم يد الدهر الخؤون بحادثٍ *** جسيم ألا شلت يد الزمن النكد

وقامت عليهم بعدما غاب أحمد *** عصائب غي أظهرت كامن الحقد

وقد نقضت عهد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بآله *** الهداة وقلّ التائبون على العهد

* * *

وأعظم خطب زلزل العرشَ وقعه *** وأذهل لبّ المرضعات عن الوُلد

غداة ابن هندٍ أظهر الكفر طالباً *** بثارات قتلاه ببدرٍ وفي أُحد

ورام بأن يقضي على دين أحمدٍ *** ويرجع دين الجاهلية والوأد

فقام الهدى يستنجد السبط فاغتدى *** يلبّيه في عزم له ماضي الحدّ

وهبّ رحيب الصدر في خير فتيةٍ *** لها النسب الوضاح من شيبة الحمدِ

يشب على حبّ الكفاح وليدهم *** ولم يبد ريحانُ العذار على الخد

ولو يرتقي المجدُ السماكين لارتقوا *** اليه بأطراف المثقفة الخُلدِ

* * *

إذا شبّت الحرب العوان تباشروا *** وصالوا على أعدائهم صولة الأسد

اسودُ وغىً فيض النجيع خضابهم *** وطيبهم نقع الوغى لا شذا النَدّ

رجال يرون الموتَ تحت شبا الظبا *** ودون ابن بنت الوحي أحلى من الشهد

ص: 320

فراحوا يحيونَ المواضي بأنفسٍ *** صفت فسمت مجداً على كل ذي مجد

وقد أفرغوا فوق الجسوم قلوبهم *** دروعاً بيومٍ للقيامة محتدّ

ولما قضوا حق المكارم والعلى *** ببيض المواضي والمطهمة الجردِ

وخطّوا لهم في جبهة الدهر غُرةً *** من الفخر في يوم من النفع مسودِ

تهاووا على وجه الصعيد كواكباً *** وقد أكلتهم في الوغى قضب الهُندِ

ضحىً قبّلتهم في النحور وقبّلوا *** عشياً نحور الحور في جنة الخلد

* * *

ولم يبق إلا قطب دائره العُلى *** يدير رحى الهيجاء كالأسد الورد

وحيداً أحاطت فيه من كل جانب *** جحافل لا تحصى بحصرٍ ولا عدّ

فدىً لك فرداً لم يكن لك ناصرٌ *** سوى العزم والبتار والسلهب النهد

وقفت لنصر الدين في الطف موقفاً *** يشيب له الطفل الذي هو في المهدِ

وأرخصت نفساً لا توازن قيمة *** بجملة هذا الكون للواحدِ الفردِ

ترد سيول الجحفل المجر والحشى *** لقرط الظما والحرّ والحرب في وقد

بعضب الشبا ماضٍ كأنّ فرنده *** سَنا البرق في قط الكتائب والغدِ

وتحسب في الهامات وقع صليله *** بكل كميّ دارعٍ زجل الرعد

فيكسو جسومَ الدارعين مطارفاً *** من الضرب حمزاً ان تعرّى من الغمد

ولما دنا منه القضا شام سيفَه *** وليس لما قد خطه اللّه من ردّ

هوى للثرى نهبَ الأسنة والظبا *** بغلة قلب لم تذق بارد الورد

هوى فهوى ركن الهداية للثرى *** وأمسى عماد المجد منفطم العقد

وقام عليه الدين يندب صارخاً *** ويلطم في كلتا يديه على الخدّ

* * *

تحامته ان تدنو عليه عداته *** صريعاً فعادوا عنه مرتعش الأيدي

فيا غيرة الإسلام أين حماته *** وذي خفراتُ الوحي مسلوبة البرد

تجول بوادي الطف لم تلف مفزعاً *** تلوذ به من شدة الضرب والطرد

وتستعطف الأنذال في عبراتها *** فتجبهُ يا لله بالسبّ والردّ

برغم العُلى والدين تُهدى أذلةً *** فمن ظالمٍ وغدٍ إلى ظالمٍ وغدِ

ص: 321

السيد حسن البغدادي

المتوفى 1367

يا قلب زينب ما لاقيت من محن *** فيك الرزايا وكل الصبر قد جُمعا

لو أنّ ما فيك من حزن ومن كمد *** في قلب أقوى جبال الأرض لأنصدعا

يكفيك فخراً قلوب الناس كلهم *** تقطعت للذي لاقيته جزعا

وكل رضيع يغتذي درّ أمه *** ويرضع من ألبانها ثم يُفطَم

سوى أن عبد اللّه كان رضاعه *** دماه وغذّته عن الدرّ أسهم

تبسّم لما جاءه سهم حتفه *** وكل رضيع للحلوبة يبسم

تخيّله ماء ليروي غليله *** ففاض عليه الغمر لكنه دم

السيد حسن ابن السيد عباس ابن السيد علي بن حسين بن درويش بن أحمد ابن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد بن نصر اللّه بن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي ابن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه ببني الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ويُكنى بأبي عبد بن محمد الحائري ( وقبره في واسط وهو المعروف بالعكار ابن الإمام محمد الباقر إبن الإمام زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

ص: 322

نظم والده السيد عباس المتوفى سنة 1331 ه. هذا النسب في ارجوزة له وهي مذكورة في ترجمته. ولد المترجم له سنة 1298 ه. ونشأ في ظل والده حيث وجهه للخطابة والخدمة الروحية من طريق المنبر الحسيني ، وكان كريم الطلعة بهي المنظر تنمّ عليه السيادة وتزدهيه الشمائل العلوية قد أوتي بسطة في العلم والجسم واسع الاطلاع ملماً بالتاريخ العربي والإسلامي بل والتاريخ الاممي وعقيدتي انه بزّ اقرانه فكان منبره من أغزر المنابر مادةً ، استمعتُ اليه اكثر من مرة فرأيته متثبتاً كل التثبّت فيما يقول وكلامه كاللؤلؤ المنظوم فإنه يذكر الآية الشريفة ثم يأتي بما يناسبها من الأحاديث النبوية والأقوال الحكمية والشواهد الشعرية ، وكان يحفظ الكثير من شعر العرب اما ديوان المهيار الديلمي فيكاد ان يستظهره حفظاً وقال لي مرة ان هذا الديوان الذي طبعته دار الكتب بمصر وزعمت انها شرحته وحققته ودققته فإني سجّلت أغلاطها والمؤاخذات عليها ولعله في كل صفحة من الصفحات عشر مؤاخذات ، واستمعتُ اليه يتكلم منبرياً في موضوع الإمامة وإذا ممن اشبع الموضوع بحثاً ، وصادف مرة أن قصد زيارة الإمامين العسكريين بسامراء وكان هناك المرجع الديني الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني وأكثر الحوزة العلمية بخدمته ، فجاء خطيبنا للسلام عليه فطلب منه التحدث منبرياً فاستجاب وتحدث أكثر من ساعة بما لذّ وطاب عن الآل الأطياب وسلالة داحي الباب وشنف الأسماع والألباب وهكذا استمر كل يوم صباحاً يحضر ويرقى المنبر حتى أكمل شهراً كاملاً كله حول أهل بيت الرحمة السادة الأئمة وفي كل يوم يزداد السيد ابو الحسن اعجاباً به أكثر من سابقه.

مؤلفاته :

1 - الدر المنظوم في الحسين المظلوم وهو مقتل الحسين وما يدور حول فاجعة الطف والشعر الذي قيل فيها ب 1500 صفحة رويتُ عنه في الجزء السابق من هذه الموسوعة ، فرغ من تأليفه 15 جمادى الأولى سنة 1339 ه.

ص: 323

2 - المطالب النفيسة. اخبرني هو عنها وقال تجمع تراجم عظماء الإسلام.

3 - سفينة النجاة في الأئمة الهداة ، ابتدأ بجمعه في 15 شهر رمضان 1325 ه. وانتهى منه في 5 ذي القعدة سنة 1334 ه.

4 - الدر النضيد في رثاء الشهيد يشتمل على مجموعة كبيرة من القصائد في الإمام الحسين (عليه السلام) .

5 - كنانة العلم اشبه بالكشكول يضم النوادر الأدبية والتاريخية بدأ به بتاريخ 11 صفر 1346 ه. وانتهى منه 26 رمضان سنة 1351 ه.

6 - مجموع كبير يجمع الشعر والنثر وفيه ( انجيل برنابا ) المطبوع والممنوع قد كتبه بخطه بالرغم من ان ايطاليا قد جمعت هذا الانجيل ومنعت نشره.

وله مخطوطات تقارب 12 مخطوط كلها علم وادب وشعر ونثر محفوظة عند ولده السيد شمس الدين الخطيب.

توفي ببغداد يوم الجمعة 19 صفر سنة 1367 ه. على أثر انفجار في الدماغ وكان موته في مستشفى المجيدية ونقل إلى كربلاء وذلك ليلة زيارة الأربعين وكانت هناك مواكب الزائرين من جميع العراق فاشتركت جميع المواكب بتشييعه وشيّعه ما لا يقل عن ربع مليون نسمة ، وقد أظهر البصريون في تلك الليلة حبهم وولاءهم له فكانوا في طليعة المشيعين لانه كان خطيبهم في محرم الحرام لمدة 36 عاماً ثم نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن عند رأس الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت الساباط من جهة يمين الداخل إلى المسجد هناك بقرب قبر الشاعر السيد حيدر الحلي رحمهما اللّه. كتب عنه البحاثة السيد الشريف المعاصر السيد جودت القزويني وجمع أكثر شعره ونثره قال : وله في وصف ( نهج البلاغة ) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

نهجٌ له كل الأنام قد غدت *** خرساً وأهدى للطريق الأعدل

فلم نجد أفصح منه منطقاً *** سوى لئالى المصحف الغض الجلي

فذا كلام قاله المولى العلي *** وذا كلام قاله المولى علي

ص: 324

ومن رثائه للإمام الحسين علیه السلام :

تبسم باللوى ثغر الأقاح *** ومنه الأرض ضاحكة النواحي

وقد نسج الربيع له رداءً *** تفوّق وشيه أيدي الرياح

قد اعتنق البشام به الخزامى *** معانقة المتيم للملاح

إلى أن يقول :

لعمرو أبيك ما جزعي لركب *** أغذّ على ذرى النيب الطلاح

ولكن للاولى جزروا عطاشا *** بعرصة كربلا جزر الاضاحي

بيوم ليس استأ منه يوم *** علا فيه الفساد على الصلاح

لقد صبروا بذاك اليوم صبراً *** به ظفروا بجامحة النجاح

تأسوا في أبيّ الضيم مَن قد *** أقام الدين حيّ على الفلاح

ولما أن دنا المقدار منهم *** هووا ما بين مشتبك الرماح

وعاد ابن النبي هناك فرداً *** يعالجها ابن معتلج البطاح

جلا ليل القتام بحرّ وجه *** كأن جبينه فلق الصباح

ومذ نور الإله له تجلّى *** وناداه فلبّى بالرواح

بوادي الطف آنس نار قدس *** فخرّ مكلّماً دامي الجراح

وبات معانقاً سمر العوالي *** وبيض الهند في ليل الكفاح

وقال مذيلاً أبيات ابنة حجر بن عدي الكندي في رثاء أبيها والتي رواها المسعودي :

تُرفّع ايها القمر المنير *** لعلك أن ترى حجراً يسير

يسير إلى معاوية بن حرب *** ليقتله كما زعم الأمير

ترفّعت الجبابر بعد حجر *** وطاب لها الخورنق والسدير

وأصبحت البلاد له محلاً *** كأن لم يغنها مزنٌ مطير

ألا يا حجر حجر بني عديٍّ *** تلقتك السلامة والسرور

فان تهلك فكل زعيم قوم *** عن الدنيا إلى هلك يصير

ألا يا ليت حجراً مات موتاً *** ولم يُنحر كما نحر البعير

ص: 325

فقال :

وذبح السبط شابه ذبح حجر *** وكلٌ ذبحه إثمٌ كبير

ولكن اين حجرٌ من حسين *** وهل رضت لمن معه صدور

وهل سلبوا إلى حجر نساءً *** وهل هتكت لنسوته خدور

وهل ذبحوا له طفلاً صغيراً *** ألا بأبي وبي الطفل الصغير

وهل تركوه في الرمضا ثلاثاً *** تريب الجسم يصهره الهجير

وهل حملوا له رأساً قطيعاً *** كأن جبينه القمر المنير

وهل قادوا له مضنى عليلاً *** على الأقتاب في غلٍّ يسير

وهل نكثوا له بالعود ثغراً *** وهل سكبت بجانبه الخمور

حجر بن عدي الكندي رحمة اللّه عليه من فضلاء الصحابة ويُعدّ من الأبدال وكان صاحب راية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو رئيس زاهد محب وإخلاصه لأمير المؤمنين أكثر مما يذكر ، وله مواقف مشرفة في مغازي المسلمين وقائد مظفر في الفتح الإسلامي ومن أكبر قواد المسلمين يوم حرب المسلمين مع الروم وهو الذي فتح مرج عذراء (1) جعله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يوم صفين على كندة وفي يوم النهروان على ميسرة الأجمع. وقد قُتل حجر وأصحابه بمرج عذراء صبراً بأمر من معاوية بن أبي سفيان حيث لم يتبرأوا من علي بن أبي طالب علیه السلام ودفنوا هناك. وقد أوثر عنه في ساعة شهادته قوله : أما واللّه لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها.

ص: 326


1- عذراء بفتح المهملة وسكون المعجة. قرية بغوطة الشام.

الشيخ محمد حسن دِكسن

المتوفى 1368

حتامَ يا دنيا التصبر للكرب *** وانت على البغضا أقمت على حربي

كأنك من أعدى العدى لابن حرة *** فكيف تواخيني وما أنت من صحبي

طبعت على البلوى إلى أن ألفتها *** وقلت لصحبي لا يهولنكم كربي

تجرعتُ للدنيا مرارة كأسها *** إلى أن حلى عندي ولذّ به شربي

فقابلتُ في صبري جهات ثلاثة *** رغبن باتلافي تشاركن في سلبي

ففرقة أوطان وفقد أحبة *** وجور زمان حار منه ذوو اللب

فطرتُ على الضراء ما ريع لي حشى *** ولكن يوم الطف روّع لي قلبي

فلله يوم طبق الدهر شجوه *** وأجرى دماً فيه له أعين السحب

فذلك يوم قام فيه ابن أحمد *** خطيباً بدرع الصبر واللدن القضب

أبوه علي لا يقاس بغيره *** بحرب وهذا الندب من ذلك الندب

فلولاه قضاء اللّه يمسكه قضى *** بحرب على كوفانها وبني حرب

فلم تره إلا على ظهر سابح *** يشق غبار الحرب في صدره الرحب

إلى أن اتاه السهم من كف كافر *** فخرّ به من صهوة المهر للترب

فكوّر نور الشمس حزناً لفقده *** وأعولت الأملاك ندباً على ندب

ص: 327

وقل ليتامى المسلمين ألا اعولي *** عطوفاً عليك حلؤه عن الشرب

ويا زعماء الدين لا تتفيئوا *** ظِلالاً وفي الشمس الحسين بلا ثوب

الخطيب الأديب الورع التقي الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال اللّه بن طاهر بن أحمد بن محسن بن حبيب بن ياسين الأسدي البصري نال شهرة واسعة في الخطابة. ولد في النجف سنة 1296 ه. ونشأ بها على أبيه ودرس المقدمات وأخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف ب ( ابن عياش ) فكان من ألمع أقرانه وتوالى عليه الطلب من البصرة والمحمرة للخطابة هناك وإحياء مآتم سيد الشهداء وعلى منبره مسحة من قبول فلا يكاد يخطب ويتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته ، وألّف مجالس العلماء هناك كالسيد ناصر ابن السيد عبد الصمد البحراني ومن بعده السيد عدنان الغريفي ولمع نجم الشيخ دكسن وطلبه أمير المحمرة وحاكمها المرحوم الشيخ خزعل الكعبي فكانت له المنزلة السامية عنده وفي أيام التحصيل يكون النجف الأشرف مقره مهاجراً اليها بعياله وينكب على الدراسة إلى جنب الخطابة وكنت استمع اليه يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسين علیه السلام واكثر ما يقرأ من المراثي للحاج هاشم الكعبي فكان يحتفظ بديوانه المخطوط الذي يحتوي على المراثي والغزل والمديح والتهاني ، أما أساتذته في الدراسة فهم كما يلي :

1 - العلامة السيد مهدي البحراني في النحو والمنطق.

2 - العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه.

3 - العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء معالم الاصول.

4 - العلامة الشيخ نعمة اللّه الدامغاني الأسفار والحكمة.

مضافاً إلى انضمامه في حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري. وله آثار مخطوطة منه : شرح الصحيفة السجادية ، مخطوط جمع فيه النوادر والأدب والعلم والذي طبع له ( الروضة الدكسنية ) وهو ديوانه

ص: 328

باللغة الدارجة وكله في مراثي أهل البيت من أرقّ الشعر وأعذبه نستشهد به في مجالسنا الحسينية فيهزّ العواطف ويثير الدمعة ، وله ديوان باللغة للفصحى ومنه قوله في النبي الأعظم صلی اللّه علیه و آله :

عج بالنياق ليثرب يا حادي *** نبك الاولى من أهل ذاك النادي

وأذرى الدموع وخلّني ولواعج *** وحشاشتي وزفيرها الوقاد

ما لي أرى الدار التي قد أشرقت *** بالبشر دهراً جلببت بسواد

فأجاب بالدمع الهطول لحادث *** أهل الحمى وبنفثة الأكباد

فاليك عني لا تسل عما جرى *** فالأمر صعب والخطوب عوادي

وأمضّ ما لاقى الحمى يومٌ به *** طرقته طارقة النوى بالهادي

ما مرّ يوم مثل يوم محمد *** أشجى الأنام اسى إلى الميعاد

يوم به جبريل أعلن قائلاً *** اللّه أكبر أكبر والدموع بوادي

ويح الزمان ويا له من غادر *** أبكى الأمين وفتّ بالأعضاد

وأمض شيء في الحشي صدع الحشا *** صوت البتولة من حشي وقاد

ابتاه من لي بعد فقدك سلوة *** فلأبكينك يقظتي ورقادي

كيف اصطباري أن أراك مفارقي *** فالعين عبرى والأسى بفؤادي

لله صبر المرتضى مما رأى *** فقد النبي وفرحة الحساد

لم أدري أي رزية أبكي لها *** ألغصب حقي أم لفقد الهادي

اللّه أكبر يا لها من فجعة *** قامت نوادبها بسبع شداد

وبقبره قد أُلحدت أكبادنا *** وتراجعت ثكلى بلا أكباد

توفاه اللّه يوم الأحد في قرية الدعيجي من لواء البصرة سنة 1368 ه. ونقل جثمانه إلى النجف وارخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي بقوله :

ومنبر السبط بكى تاريخه *** لما توفي الخطيب الحسن

وسبب تلقيبه با ( الدكسن ) يقول هو رحمه اللّه عندما سئل عن ذلك قال : لما كنتُ قصير القامة جهوري الصوت شبهني الناس بالبندقية المعروفة ب ( الدكسن ) لامتيازها بالقصر وقوة الصوت.

ص: 329

السيد حسن قشاقش

المتوفى 1368

قال يصف شهداء الطف :

وردوا على الهيجا ورود الهيم *** ورأوا عظيم الخطب غير عظيم

وتنازعوا كأس المنية بينهم *** في غير ما لغوٍ ولا تأثيم

يتسابقون إلى الهجوم وكأنهم *** خلقوا ليوم تسابق وهجوم

وكأنهم والحرب تزفر نارها *** من انسهم في جنة ونعيم

و كأنما بيض الظبا بيض الدمى *** لاقتهم برحيقها المختوم

تروي حديث الموت عن عزماتهم *** بيض الصفاح على القضا المحتوم

من كل أصيد قد نماه أصيد *** وكريم قوم ينتمي لكريم

يستعجلون البذل قبل أوانه *** ويسارعون لدعوة المظلوم

نثروا كما نظموا الجماجم والطلى *** فتشابه المنثور بالمنظوم

وجدوا الحياة مع الهوان ذميمة *** والموت في العلياء غير ذميم

وتقدموا للموت قبل إمامهم *** ولقد يجوز تقدّم المأموم

السيد حسن بن محمود بن علي بن محمد الأمين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن إبراهيم بن أحمد الحسيني الشقرائي العاملي المعروف ب ( قشاقش ) والشهير بالأمين وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي بن

ص: 330

الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام عالم جليل وشاعر مطبوع. ولد عام 1299 ه. في قرية عثرون التي انتقل اليها أبوه من شقراء ، قرأ على أخيه السيد علي وفي مدرسته ست سنوات ، قال السيد الأمين في الأعيان : هاجر إلى العراق عام 1316 ه. فقرأ فيها عليّ علمي الأصول والفقه إلى أن خرجت من النجف عام 1319 ه. وكان يسكن معي في دار واحدة نحواً من ثلاث سنوات كان فيها مكباً على التحصيل والدرس والتدريس ، وقرأ على الشيخ أحمد كاشف الغطاء ، وعلى الشيخ علي ابن الشيخ باقر آل الجواهر ثم سافرت إلى الشام وبقي هو في النجف نحواً من عشر سنين يحظر دروس الخارج ويقرأ عليه الطلاب ، وعاد إلى جبل عامل عام 1330 ه. وأراد السكنى في مسقط رأسه عثرون فذهب اليها فلم تستقر به الدار فخرج منها إلى شقراء وبقي فيها عدة سنين استفاد منه جماعة وانتهلوا من علومه منهم الشيخ محمد جواد الشري قبل ذهابه للعراق ثم انتقل إلى خربة سلم بطلب من أهلها فاكرموا وفادته وقاموا بما يجب حياً وميتاً. وكان عالماً فاضلاً فقيهاً بارعاً محققاً مدققاً حاد الفهم وأديباً شاعراً متميزاً في حسن نظمه ورصانة شعره ، وترجم له صاحب الحصون المنيعة ، وخلّف من الآثار العلمية رسالة في الرد على الوهابية ، مجلد في الطهارة ، منظومة في الرضاع أسماها ( فصيلة اليراع في مسائل الرضاع ) ، منظومة في الاجتهاد والتقليد ، فمن شعره وهو يتشوق إلى الوطن عندما توجه العراق سنة 1316 ه.

لئن كنت مأسور الفؤاد بنأيكم *** فطرفي في قاني المدامع مطلق

ومن عجب قلبي وجسمي تباعدا *** فهذا شئاميٌ وذلك معرق

أنام إذا ما هزني الشوق حيلة *** لعلّ خيالاً منكم اليوم يطرق

وكنا جميعاً فرّق الدهر بيننا *** وما خلتُ يوماً أننا نتفرق

فيا دارنا بالشام هل لك رجعة *** لصبٍ يصب الدمع طوراً ويغدق

سقاك الحيا اما تذكرت جيرة *** بك استوطنوا أو شكت بالريق أشرق

ص: 331

وبين ضلوعي نار وجد تسعّرت *** ولولا دموعي كدت بالوجد أحرق

لحقت بقومي في المكارم والعلى *** وما كل من رام المكارم يلحق

وأصبحت لا أبغي سوى العز متجراً *** وكل امرء لا يبتغي العزّ أحمق

أراب وقلبي قد تعلّق في ولا *** أبي حسن الكرار والقلب يعلق

وصرت له جاراً ومن كان جاره *** عليٌ أبو السبطين ذاك الموفق

ترجم له علي الخاقاني فذكر مراسلاته ومجموعة من أشعاره وقال : توفي بمدينة بيروت جمادى الآخرة عام 1368 ه. ودفن في ( خربة سلّم ) بموكب مهيب مشى فيه أكثر من مائة سيارة اشترك فيه جميع الأعيان والوجوه ورثاه جمع من الشعراء في اليوم السابع وهو يوم اسبوعه ، وعدّدوا مزاياه ومميزاته وعدد الشعراء والخطباء 26.

وترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من أشعاره فمنها قوله :

لي جسم أضناه ذكر المغاني *** وفؤاد أصماه حب الغواني

وضلوع من الغرام تثقّفن *** فها هنّ كالقسي حواني

ص: 332

الشيخ محسن ابو الحب

المتوفى 1369

سبط النبي أبو الأئمة *** من للخلائق جاء رحمه

هذا الحسين ومن بساق *** العرش خطّ اللّه إسمه

وبقلب كل موحد *** قد صوّر الرحمن رسمه

هذا سليل محمد *** لبني الولا كهفٌ وعصمه

هذا ابن بنت المصطفى *** مولى له شأن وحرمه

من أهل بيت زانهم *** كرم ومعروف وحشمه

في شهر شعبان علينا *** الخيرَ خالقنا أتمّه

ولد الحسين ونوره *** مذ شعّ أذهب كل ظلمه

جبريل هنّأ جدّه *** وأباه والزهراء أمه

كان النبي إذا رآه *** اليه أدناه وضمّه

غذّاه من إبهامه *** لبناً وقبّله وشمّه

فيه تبرّك فطرس *** وبه محى الرحمن جرمه

وكذاك دردائيل اعتقه *** وأذهب عنه إثمه

وله أجلّ مناقب *** وفضائل في الدهر جمّه

كم قد أفاض على الورى *** من جوده فضلاً ونعمه

وإذا أتاه لاجيء *** يوماً كفاه ما أهمّه

ص: 333

وله ضريح طالما *** تتعاهد الزوار لثمه

قد شعّ نوره جبينه *** فجلى الليالي المدلهمه

رام العدى إطفاءه *** واللّه شاء بأن يُتمّه

بشراكم بولادة السبط *** الحسين أبي الأئمه

لهفي عليه لقد غدى *** جثمانه للبيض طعمه

ما راقبوا لمحمد *** في آله إلا وذمه

الخطيب الشهير الشيخ محسن ابن الشيخ محمد حسن ابن الشاعر الشهير الشيخ محسن أبو الحب صاحب القصائد الحسينية المعروفة والذي سبق وأن ترجمنا له. واسرة آل أبي الحب من الاسر العربية التي تنتسب إلى خثعم وكان مبدأ هجرتها من الحويزة إلى كربلاء بقصد طلب العلم الديني. ولد المترجم له في سنة 1305 ه. وهي السنة التي مات فيها جده ونشأ بتوجيه والده ودرس المقدمات وتخصص بالخطابة حتى نال شهرة واسعة واحتضنته كربلاء واعتبرته خطيبها الأول وشارك في الحفل الحسيني الكبير الذي عقدته الشبيبة الكربلائية يوم 13 من محرم الحرام سنة 1367 ه. أي 1947 م. لذكرى استشهاد الإمام الحسين علیه السلام في الروضة الحسينية المقدسة وقد ألقى قصيدته ويوم أنشد شاعر العرب محمد مهدي الجواهري رائعته الخالدة ، وللمترجم له مواقف أدبية وسياسية وطبع له ديوان بعد وفاته والديوان يضم طائفة كبيرة من النتف والقصائد في أغراض شتى قد قالها بمناسبات مختلفة. وكان نشر الديوان بسعي وتحقيق الأديب الاستاذ السيد سليمان هادي الطعمة وبالمناسبة أقول ان هذا السيد الطاهر خدم بلاده بكل ما يقدر وسخّر قلمه ومواهبه لخدمتها كثّر اللّه من أمثاله الغيارى وكان طبع الديوان بمطبعة الآداب بالنجف الأشرف سنة 1385 ه. 1966 م.

وتوفي المترجم له في كربلاء فجأة صباح اليوم الخامس من ربيع الأول سنة 1369 ه. ودفن في مقبرة خاصة له في روضة أبي الفضل العباس علیه السلام واقيم له حفل تأبيني رائع في الصحن الشريف يوم اربعينيه ساهم فيه ثُلّة من الادباء ، ورجال الفكر.

ص: 334

المستدركات

اشارة

ص: 335

ص: 336

عبد المحسن الصوري

المتوفى 419

حيّ ولا تسأم التحيات *** وناج ما اسطعت من مناجاتِ

حيّ دياراً أصخت معالمها *** بالطف معلومة العلامات

وقل لها يا ديار آل رسول *** اللّه يا معدن الرسالات

وقل عليك السلام ما انبرتِ *** الشمس أو البدر للبريات

نِعم مناخ الهدى ومنتجع *** الوحي ومستوطن الهدايات

نِعم مصلى الأرض المضمّن مَن *** صلى عليهم رب السماوات

إن يتل تالِ الكتاب فضلهم *** يتل صنوفاً من التلاوات

خصوا بتلك الآيات تكرمة *** أكرم بتلك الآيات آيات

هم خير ماش مشى على قدم *** وخير من يمتطي المطيات

قد علّموا العالمين أن عبدوا *** اللّه وألغوا عبادة اللات

عجتُ بأبياتهم اسائلها *** فعجتُ منهم بخير أبيات

على قبور زكيةٍ ضمنت *** لحودُها أعظما زكيات

أزكى نسيماً لمن تنسمّها *** من زاهرات الربى الذكيات

وآصلها الغيث بالغدوّ ولا *** صارمها الغيث بالعشيات

الشافعون المشفعون إذا *** ما لم يُشفع ذوو الشفاعات

ص: 337

من حين ماتوا أُحبوا وليس كمن *** أحباؤهم في عداد أموات

جلّت رزاياهم فلست أرى *** بعد رزياتهم رزيات

نوحاً على سيدي الحسين نعم *** نوحا على سيدي ابن سادات

نوحا تنوحا منه على شرف *** مجدّل بين مشرفيات

ذيدَ حسين على الفرات فيا *** بليّة أحدثت بليات

ما لك ما غرت يا فرات ولم *** تسق الخبيثين والخبيثات

كم فاطميين منك قد فطموا *** من غير جرم وفاطميات

ويل يزيد غداة يقرع با *** لقضيب من سيدي الثنيات

الجن والانس والملائكة *** الكرام تبكى بلا محاشاة

على خضيب الأطراف من دمه *** يا هول أطرافه الخضيبات

في لمّة من بني أبيه حوت *** طيب الأبوات والبنوات

من يسلُ وقتاً فان ذكرهم *** مجدد لي في كل أوقاتي

بهم أُجازي يوم الحساب إذا *** ما حوسب الخلق للمجازات

تجارتي حبهم وحبّهم *** ما زال من أربح التجارات (1)

عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون أبو محمد الصوري شاعر بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام مشهور بالاجادة بين شعراء أهل الشام ، من حسنات القرن الرابع الهجري جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى ، وله ديوان شعر يحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً وهو خير شاهد على ما نقول رأيته بمكتبة دار الآثار - بغداد قسم المخطوطات (2) برقم 14622 وهو من أقوى النصوص على تشيعه وعدّه ابن شهر آشوب من شعراء أهل البيت المجاهدين ، ذكره في اليتيمة وذكر من محاسنه قوله :

ص: 338


1- الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ محمد السماوي.
2- وتوجد نسخة من الديوان بخط الشيخ جواد الشبيبي استنسخها عن نسخة كتبت في القرن السادس كانت بمكتبة السيد عيسى العطار ببغداد.

عندي حدائق شكر غرس جودكم *** قد مسّها عطش فليسق من غرسا

تداركوها وفي أغصانها رمق *** فلن يعود اخضرار العود إن يبسا

ومن شعره قوله :

يا غزالاً صاد قلبي *** بلحاظ فاصابا

بالذي ألهمَ تعذيبي *** ثناياك العِذابا

والذي صيّر حظي *** منك هجراً واجتنابا

والذي ألبس خديك *** من الورد نقابا

ما الذي قالته عيناك *** لقلبي فأجابا

ومن تلويحاته اللطيفة قوله في صبي اسمه عمر.

نادمني مَن وجهه روضة *** مشرقة يمرح فيه النظر

فانظر معي تنظر إلى معجز *** سيف علي بين جفني عمر

وعقد ابن خلكان له ترجمة ضافية أطراه ووصف شعره كما ترجم له ابن كثير في تاريخه ، ومن شعره :

سفرن بدوراً وانتقبن أهلّةً *** ومسن غصوناً والتفتن جآذرا

وأبدين أطراف الشعور تستراً *** فاغدرت الدنيا علينا غدائرا

وربّتما أطلعن والليل مقبلٌ *** شموس وجوه توقف الليل حائرا

فهنّ إذا ما شئن أمسين أو إذا *** تعرضن أن يسبحن كنّ قوادرا

وقال يرثي الشيخ المفيد محمد بن محمد بن نعمان المتوفى 413 :

تبارك مَن عمّ الأنام بفضله *** وبالموت بين الخلق ساوى بعدله

مضى مستقلاً بالعلوم محمد *** وهيهات يأتينا الزمان بمثله

وقال في صبي اسمه مقاتل وله فيه شعر كثير :

احفظ فؤادي فأنت تملكه *** واستر ضميري فأنت تهتكه

هجرك سهل عليك أصعبه *** وهو شديد عليّ مسلكه

ص: 339

بسيف عينيك يا مقاتل كم *** قتلت قبلي ممن كنت تملكه

أمّا عزائي فلستُ آمله *** فيك وصبري ما لست أدركه

وقال تمدح بها علي بن الحسين المغربي والد أبي القاسم الوزير :

أترى بثار أم بدينِ *** علقت محاسنها بعيني

في لحظها وقوامها *** ما في المهند والرديني

وبوجهها ماء الشبا *** ب خليط نار الوجنتين

بكرت عليّ وقالت اختر *** خصلة من خصلتين

إما الصدود أو الفراق *** فليس عندي غير ذين

فأجبتها ومدامعي *** تنهلّ مثل المازمين

لا تفعلي إن حان صدك *** أو فراقك حان حيني

فكأنما قلت انهضي *** فمضت مسارعة لبيني

ثم استقلّت أين حلّت *** عيسها ورمت بأين

ونوائب أظهرن أيامي *** إلي بصورتين

سوّدنها وأطلنها *** فرأيت يوماً ليلتين

ومنها :

هل بعد ذلك مَن يعرّفني *** النضار من اللجين

فلقد جهلتهما لبعد *** العهد بينهما وبيني

متكسّباً بالشعر يا *** بئس الصناعة في اليدين

كانت كذلك قبل أن *** يأتي علي بن الحسين

فاليوم حال الشعر *** حالية كحال الشعرتين

ومن شعره الذي رأيته في ديوانه المخطوط قوله :

وأخ مسّه نزولي بقرح *** مثلما مسني من الجوع قرح

بتّ ضيفاً له كما حكم الدهر *** وفي حكمه على الحرّ قبح

ص: 340

فابتدائي يقول وهو من السكرة بالهمّ طافح ليس يصحو

لم تغرّبتَ قلت قال رسول اللّه والقول منه نصح ونجح

سافروا تغنموا فقال وقد قال تمام الحديث صوموا تصحوا (1)

ونسبها السيد الأمين في الأعيان ج 53/80 لأبي الفرج ابن القاضي أبي الحصين علي بن عبد الملك الرقي ، نقلاً عن الثعالبي في تتمة اليتيمة ما نصه : أبو الفرج ابن أبي الحصين الحلبي من أظرف الناس وأحلاهم أدباً ، وابوه الذي كاتبه ابو فراس وساجله ومدحه السري وأخذ جائزته ولم أسمع لأبي الفرج أصلح من قوله فيمن أبى أن يضيفه ( الأبيات ) ، ومن شعره :

آل النبي هم النبي وإنما *** بالوحي فرّق بينهم فتفرقوا

أبت الإمامة ان تليق بغيرهم *** ان الإمامة بالرسالة أليق

وله من قصيدة في أهل البيت علیهم السلام :

هي دار الغرور قصّر باللوام *** فيها تطاول العشاق

وأراها لا تستقيم لذي الزهد *** إذا المال مال بالاعناق

فلهذا أبناء أحمد أبناء *** علي طرايد الآفاق

فقراء الحجاز بعد الغنى الأكبر *** أسرى الشئام قتلى العراق

جانبتهم جوانب الأرض حتى *** خلت ان السماء ذات انطباق

إن اقصّر بآل أحمد أو اغرق *** كان التقصير كالاغراق

لست في وصفكم بهذا وهذا *** لاحقاً غير أن تروا إلحاقي

ان أهل السما فيكم وأهل *** الأرض ما دامتا لأهل افتراق

عرفت فضلكم ملائكة اللّه *** فدانت وقومكم في شقاق

ص: 341


1- ويرويها العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي للشاعر عبد المحسن الصوري وانه عملها في اخيه عبد الصمد ، كذا في مقال كتبه في مجلة العرفان م 32/20.

يستحقون حقكم زعموا ذلك *** - سحقاً - لهم من استحقاق

وأرى بعضهم يبايع بعضاً *** بانتظام من ظلمكم واتساق

واستثارو السيوف فيكم فقمنا *** نستثير الأقلام في الأوراق

أي عين لولا القيامة والمرجوّ *** فيها من قدرة الخلاق

فكأني بهم يودون لو أن *** الخوالي من الليالي البواقي

ليتوبوا إذا يُذادون عن أكرم *** حوض عليه اكرم ساق

وإذا ما التقوا تقاسمت النار *** علياً بالعدل يوم التلاق

قيل هذا بما كفرتم فذوقوا *** ما كسبتم يا بؤس ذاك المذاق

توفي يوم الأحد تاسع شوال سنة 419 عن ثمانين من العمر ، وترجم له في أمل الآمل مفصلاً.

ص: 342

فارس بن محمد بن عنان

المتوفى 437

بمحمد وبحب آل محمد *** علقت وسائل فارس بن محمد

يا آل احمد يا مصابيح الدجى *** ومنار منهاج السبيل الأقصد

لكم الحطيم وزمزم ولكم منى *** وبكم إلى سبل الهداية نهتدي

يا زائراً ارض الغري مسدداً *** سلّم سلمتَ على الإمام السيد

بلّغ أمير المؤمنين تحيتي *** واذكر له حُبّي وصدق توددي

وزر الحسين بكربلاء وقل له *** يا بن الوصي ويا سلالة أحمد

قتلوك وانتهكوا حريمك عنوة *** ورموك بالأمر الفظيع الأنكد

لو أنني شاهدت نصرك اولاً *** روّيتُ منهم ذابلي ومهندي

مني السلام عليك يا بن المصطفى *** أبداً يروح مع الزمان ويغتدي

وعلى أبيك وجدّك المختار والثاوين *** منكم في بقيع الغرقد

وبأرض بغداد على موسى وفي *** طوس على ذاك الرضاء المفرد

وبسرّ من را والسلام على الهدى *** وعلى التقى وعلى العلى والسؤدد

بالعسكريين اعتصامي من لظى *** وبقائم من آل أحمد في غد

إن ابن عنان بكم كبت العدى *** وعلا بحبكم رقاب الحسّدِ

فلان تأخر جسمه لضرورة *** فالقلب منه مخيّم بالمشهد

إني سعدتُ بحبكم أبداً ومن *** يحببكم يا آل أحمد يسعد (1)

ص: 343


1- عن الطليعة من شعراء الشيعة مخطوط الشيخ محمد السماوي ج 2/50.

الأمير حسام الدولة أبو الشوك فارس بن محمد بن عنان توفي سنة 437 ه. بقلعة السيروان ذكره في الكامل ، وفي تاريخ آل سلجوق توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة ، وذكره ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين. قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) مالك الجبل من الدينور وقرميسين وغيرهما. كان أميراً فارساً أديباً شاعراً مادحاً للأئمة علیهم السلام ممدحاً لمن سواهم من الانام. وفي تاريخ ابن الأثير : في سنة 342 ه. أرسل الخليفة المطيع رسلاً إلى خراسان للاصلاح بين نوح بن أحمد الساماني صاحب خراسان وركن الدولة بن بويه فلما وصلوا حلوان خرج عليهم ابن أبي الشوك الكردي وقومه فنهبوهم وقافلتهم وأسروهم ثم أطلقوهم فارسل معز الدولة عسكراً إلى حلوان فأوقع بالأكراد. انتهى.

ص: 344

الشيخ صالح الحريري

المتوفى 1305

قال من قصيدة حسينية :

ألا إن رزء أودع القلب غلة *** مدى الدهر في إيقادها ليس تنقع

وأضحت به جمّ الخطوب كأنها *** ليال بها وجه البسيطة أسفع

غداة بها آل النبي بكربلا *** تجاذبها أيدي المنون وتسرع

بيوم غدا زند الأسنة وارياً *** ضراماً به يصلى الكميّ السميدع

إذ البيض في ليل القتام كواكب *** تغيب بهامات الرجال وتطلع

تقيم فروض الحرب في سبط أحمد *** فتسجد فيه البيض والسمر تركع

إلى أن هوى فوق الصعيد مزملاً *** تروح عليه العاديات وترجع

صالح بن محمد الجواد الحريري البغدادي الشهير بالشيخ صالح الحريري ، كان أديباً ملماً ببعض العلوم الآلية ، يتحرف بصناعة الأدب وكان شاعراً متوسط الطبقة ينزل بغداد والكاظميين فمن شعره قوله :

قد جلونا من الكؤوس عروسا *** فتجلّت على الأكف شموسا

واستحالت بأن تراها عيون *** بعيان لو لم تحلّ الكؤوسا

فاذا ذاق عاشق من طلاها *** تركته لم يدرك المحسوسا

ص: 345

وقوله :

كل يوم لك رزق *** أي فرخ لا يزق

فلكم من قبل عاشت *** أمم شتى وخلق

مرّت الدنيا عليهم *** مثلما قد مرّ برق

فوّض الأمر إلى من *** هو بالأمر أحق

ان تكن للصبر رقّاً *** فبه للرقّ عتق

أي يوم قد تقضى *** ليس فيه لك رزق

فأرض فيما أنت فيه *** انت مملوك ورق

ولقد يكفيك مما *** ملكت يمناك مذق

فدع الحرص فإن *** الحرص عصيان وفسق

سوف تاتيتك المنايا *** بغتة فالموت حق

أيها المغرور رفقاً *** ليس بعد اليوم رفق

إنما الشوكة تُدميك *** كما يؤذيك بق

لك في أنفك يوماً *** من تراب الأرض نشق

هذه الدنيا لعمري *** للورى فتق ورتق

إن صفا للعيش كأس *** فصفاء الكأس رنق

إنما الدنيا كبابٍ *** فيه للافات طرق

فدع الباطل فيها *** كم به قد دق عنق

واجتنب صحبة من في *** طبعه للغدر عرق

واغتنم فرصة يوم *** رب يوم فيه رهق

كل آن في البرايا *** لسهام الموت رشق

ان خير الناس فضلاً *** مَن له في الخير سبق

كن بدنياك صموتاً *** آفة الانسان نطق

حلية الانسان فيها *** عفة منه وصدق

وقصارى الخلق يوماً *** لهم لحد يشق

ص: 346

ومن شعره قوله :

ولايتي لأمير النحل تكفيني *** عند الممات وتغسيلي وتكفيني

وطينتي عجنت من قبل تكويني *** بحبّ حيدر كيف النار تكويني

توفي سنة الف وثلثمائة وخمس ببغداد ونقل إلى النجف فدفن بها ورثاه بعض الشعراء رحمه اللّه وكان مولده سنة 1265 ه. ولم تزل اسرته معروفة ببغداد تتعاطى التجارة وتعرف ب ( آل الحريري ) ، وقد ترجمه العلامة السماوي في ( الطليعة ).

ص: 347

لطف اللّه العاملي

المتوفى 1035

أهلال شهر العشر مالك كاسفاً *** حتى كأنك قد كسبت حدادا

أفهل علمت بقتل سبط محمد *** فلبست من حزن عليه سوادا

وأنا الغريب ببلدة قد صيرت *** أيام حزن المصطفى أعيادا

فليبلغ الأعداء عني حالة *** ترضي العداة وتشمت الحسادا

أألمّ شمل الصبر بعد عصابة *** راحوا فرحن المكرمات بدادا

سبقوا الانام فضائلاً وفواضلا *** ومآثراً ومفاخراً وسدادا

من كل وتر إن يسل حسامه *** راحت جموع عداته آحادا

وأخي ندى إن سال فيض بنانه *** غمر الزمان مفاوزاً ونجادا

فهم الأكاثر في المعالي عدة *** بين الورى وهم الأقل عدادا

لطف اللّه بن عبد الكريم بن ابراهيم بن علي بن عبد العالي العاملي الميسي الأصفهاني. قال السماوي في ( الطليعة ) : كان فاضلاً جامعاً ومصنفاً أديباً بارعاً وكان معتمداً عند الشيخ بهاء الدين العاملي رحمه اللّه في الفتوى ، وكان حسن التصنيف وحسن الشعر ، وله في الأئمة شعر عثرت له على عدة قصائد في الأئمة علیهم السلام في مجاميع وفي كنز الأديب فمن شعره قوله في حسينية :

أهلال شهر العشر مالك كاسفاً *** حتى كأنك قد كسبت حدادا

ص: 348

وهذه الأبيات قالها في سفر له إلى بعض الجهات.

توفى رحمه اللّه سنة الف وخمس وثلاثين كما ذكره في ( الروضات ) على ما استظهره من تاريخ فارسي ذكره صاحب مجالس المؤمنين ، ودفن في أصفهان رحمه اللّه تعالى ورضي عنه. انتهى.

أقول : راجعت موسوعة ( اعيان الشيعة ) للمرحوم السيد محسن الأمين عسى أن أجد ترجمة للشاعر فرأيت أن المرحوم الأمين لما سار بموسوعته على حسب الحروف نسي ( حرف اللام ) برمّته ولم يترجم لكل مبدئ باللام وانما ذكر حرف الكاف وعبر إلى الميم.

وترجم له الخونساري في ( الروضات ) فقال : كان عالماً فاضلاً فقيهاً متبحراً عظيم الشان جليل القدر أديباً شاعراً معاصراً لشيخنا البهائي يعترف له بالفضل والعلم والفقه ويأمر بالرجوع اليه ، كذا في أمل الآمل ، وقال المحدث النيسابوري بعد الترجمة : ومسجده معروف بميدان الشاه باصبهان ، وفاته بعد وفاة الشيخ البهائي المعاصر له بخمس سنين.

يقول صاحب روضات الجنات عند ترجمة والده عبد الكريم : ثم ان لهذا الشيخ ولدين عالمين فاضلين صالحين مذكورين في أمل الآمل وغيره ، احدهما الحسن والآخر عبد الكريم وهو والد الشيخ لطف اللّه. قال وقد رأيت للشيخ عبد الكريم هذا إجازة أبيه الشيخ ابراهيم وكان هو ايضاً حسن الخط ، رأيت بخطه كتاب تفسير جوامع الجامع للطبرسي في مجلد صغير. وهو ابو الشيخ لطف اللّه بن عبد الكريم العاملي المنتقل في اوائل عمره من ( ميس ) ضيعة في جنوب لبنان. إلى المشهد الرضوي المقدس والمشتغل هناك بالتحصيل عند مولانا عبد اللّه التستري وغيره إلى أن انتظم في سلك مدرّسي تلك الحضرة المقدسة والموظفين بوظائف التدريس ، بل الناظرية لخدام تلك الروضة المنورة من قبل سلطان الوقت ، ثم انتقل إلى دار السلطنة قزوين برهنة من الزمن ثم المتوطن بعد ذلك في دار السلطنة اصفهان بأمر ذلك السلطان وهو الذي ذكر

ص: 349

في امل الامل بعد وصف علمه وصلاحه وتبحره وتحقيقه وجلالة قدره ، ان شيخنا البهائي كان يعترف له بالفضل والعلم ويأمر بالرجوع اليه. وذكر صاحب رياض العلماء انه كان فاضلاً ورعاً تقياً عابداً زاهداً مقبولاً قوله وفتواه في عصره ، وقد بنى له السلطان شاه عباس الصفوي المسجد والمدرسة المنتسبين اليه باصفهان في مقابلة عمارة علي قابو في ميدان نقش جهان ، وكان هو وابنه الشيخ جعفر ووالده وجده الأدنى وجده الأعلى أعني الشيخ ميس من مشاهير فقهاء الإمامية إلى أن قال : وبالجملة هذا الشيخ يعني به الشيخ لطف اللّه ممن فاز بعلوّ الشأن في الدنيا وفي الآخرة وكان معظماً مبجلاً جداً عند السلطان المذكور ، ممن يعتقد وجوب صلاة الجمعة عيناً في زمن الغيبة ، وكان يقيمها في مسجده المذكور ويواظب عليها وكان رحمه اللّه في جوار ذلك المسجد ، وله رسائل كثيرة في مسائل عديدة ، ويظهر ان وفاته كانت باصبهان في اوائل سنة اثنين وثلاثين والف قبل وفاة ذلك السلطان بخمس سنوات تقريباً وقبل فتحه لبغداد بقليل.

ص: 350

الشيخ عبد اللّه آل نصراللّه

المتوفى 1341

قال متوسلاً إلى اللّه بمحمد وآله بدفع البلاء والوباء ويتخلّص إلى رثاء سيد الشهداء :

صاح ان الصبر مفتاح الفرج *** فلكم بالصبر تنحلّ الرتج

ما على الصابر طوعاً من حرج *** فاشكر اللّه على ما وعدا

من عطاياه لدى الصبر الجميل

وتوسل ان عرتك الحادثات *** ودهتك الفادحات المعضلات

باناس حبهم ينجي العصاة *** من لظى النار ومن كل ردى

يوم لا يشفع خلٌ لخليل

وعند رثاء الإمام يقول :

فَنِساهُ أبرزوها حاسرات *** من خباها حائرات عاثرات

فَسعت نحو حماها نادبات *** من لها كان الحمى والعضدا

بل عمادٌ وسنادٌ ودليل

أبعدوها عنه بالعنف الشديد *** ضربوها بسياط كي تحيد

وهي تأبى نادبات واشهيد *** كنت بالأمس لدينا عمدا

فبقينا اليوم من غير كفيل

اركبوهن جمالاً هازلات *** لم تزل نحو حماها ناظرات

بحنين وأنين باكيات *** قائلات كيف نسري والعدا

قيّدوا السجاد بالقيد الثقيل

ص: 351

لهف نفسي لعليل أسرا *** فوق قتب النيب يشكو الضررا

جسمه أنحله طول السرى *** داعياً قوماً سقوا كأس الردى

فلذا من بعدهم أمسى ذليل

العلامة الورع الزاهد العابد الشيخ عبداللّه ابن الشيخ ناصر بن احمد بن نصراللّه آل أبي السعود ، ترجم له الشيخ المعاصر الشيخ فرج آل عمران في ( الأزهار الارجية ) وقال : هو أول عالم اتصلت به وتلقيت منه التوجيه نحو العلم والدراسة وكان مطبوعاً على حب الخير والارشاد فقد أرشدني إلى الفقه والعلوم الإسلامية ويحثني على التقوى ويستشهد بقول القائل :

لا يجتلي الحسناء من خدرها *** إلا امرء ميزانه راجح

فأسمو بعينيك إلى نسوة *** صورهن العمل الصالح

وهو موضع ثقة عند جميع الطبقات وعلى يديه تجري العقود والايقاعات وسائر المعاملات وعنده تحسم الخصومات والمنازعات ، وقد زوّده مراجع الطائفة بشهادات ووكالات محترمة أمثال آية اللّه الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف ، وكان يجلس في داره لقضاء حوائج الناس فيحضر عنده مختلف الطبقات وتحرر في مجلسه المسائل الدينية وكان يهيئ السحور طيلة شهر رمضان لمن يحضر ويقرأ معه دعاء السحر ، ويتعاطى الخطابة في المآتم الحسينية وقراءته مشجية محزنة وله شعر كثير وقد رثى استاذه الشيخ احمد ابن الشيخ صالح آل طعّان البحراني المتوفى صبيحة عيد الفطر سنة 1315 ه. بقصيدة. وترجم له صاحب انوار البدرين باختصار عندما ترجم اباه وقال : إن له منظومة في اصول الدين ومنظومة في الحجة المهدي سلام اللّه عليه.

توفي رحمه اللّه يوم الثلاثاء 16 جمادى الاول سنة 1341 ه. وشيع جثمانه إلى مقبرة الحباكة الشرقية بتشييع باهر ..

ص: 352

تقدير وتقريظ

السيد المجاهد الجواد آل شبر المحترم

السلام عيك بقدر شوقي اليك. وبعده فقد تسلمت بيد الشكر الجزء الثامن من موسوعتك الخالدة ( أدب الطف ) وقد قضيت معه ساعات متصلة درّت عليّ ملامح تاريخية صافية ، وصفاء قرائح متقدة بلهب الموالاة الحقة لأئمة أهل البيت الأطهار - سلام اللّه عليهم - واني إذ اهنئك بهذا الجهد الجهيد الذي تحملته ، ووصلتَ من أجله ليلتك بنهارها أرفع كفَ المُناجاةِ متضرّعاً اليه جلّ اسمه أن يزيدَ مننَه عليكَ لاتمام بقية الأجزاء الآتية ليتم المخطط ، ويُحفظ شعراء الحسين في سجل الباقيات الصالحات. وكان عليّ - أيها السيد المفضال - أن اطيلَ في تقريض الكتاب ؛ بيدَ أني لست بحاجة إلى التعريف به بعد ما نطق هو عن ذاته وأشار إلى مكنونات صفاته ولا عجب فان سطوره تنمّ عن ذوقٍ ، وترتيبَه يفصح عن مجهود ، وجمعه يَدلّ على خبرة وممارسة في الغناء بحب الحسين علیه السلام وأهل بيته الطاهرين وخدمتهم طوال سنين عدة وأعوام طوال. وإني لما عدلت عما سلف لجأت إلى بيان بعض الموارد التي استوقفتني على صفحات الكتاب أحببت أن اسطرها خدمة للحقيقة ، وبياناً لما يترتب عليها من أمرٍ وهي بطبيعتها لا تؤثر على عمل كبير مثل هذا ولا تنال من أهميته شيئاً!!

1 - ذكرتم أسماء الشعراء الذين رثوا الشاعر الخالد الذكر السيد حيدر الحلي ، واحب ان اضيف إلى أن حلبة رثاء السيد الشيف المذكور وقفت

ص: 353

عليها كاملة ضمن مجاميعنا المخطوطة وهي ملحقة بمراثي جدنا العلامة السيد الميرزا صالح القزويني المتوفى في السنة التي توفى بها السيد الحلي وكلها تنتهي بتعزية عمنا العلامة أبي المعز السيد محمد القزويني المتوفى سنة ( 1335 ه. ( وأخيه العلامة الحسين المتوفى ( 1325 ه. ( وفيها من المقدمات النثرية ما لم يشر اليها أحد. كما لا يفوتني ان الشاعر الأديب السيد عبد المطلب الحلي رحمه اللّه ذكر قسماً منها في مقدمة ديوان السيد حيدر المطبوع طباعة حجرية في مستهل هذا القرن.

2 - ذكرتم في ترجمة الميرزا صالح القزويني الحلي المتوفى ( 1304 ه. ( قصيدةً له مطلعها :

طريق المعالي في شدوق الأراقم *** ونيل الأماني في بروق الصوارم

والصواب أنها للسيد صالح القزويني البغدادي المتوفى سنة ( 1306 ه. ( وقد اشتبه الخاقاني أيضاً كما في شعراء الحلة ، كما اشتبه في قصائد اخر نبهتُ عليها في مقدمة مقتل أمير المؤمنين علیه السلام الذي طبع بتحقيقنا سنة ( 1394 ه. ).

3 - ذكرتم في ترجمة ( آغا أحمد النواب ) انه توفي سنة ( 1311 ه. ) والصواب انه وفاته كانت في الثلاثينات على ما ظهر لنا ، وقد حقق نسبه الصديق عبد الستار الحسني كما رأيته بخطه.

4 - أوردتم في ترجمة اسطا علي البنّاء المتوفى سنة ( 1336 ه. ( قول الآلوسي ؛ السيد علي علاء الدين رحمه اللّه فيه كما في ( الدر المنتثر ) : بأنه كان اعجوبة بغداد ؛ ينظمُ الشعر مع كونه امّياً لا يقرأ ولا يكتب!!

ثم ذكرتم أنه جاء في هامش ( الدر المنتثر ) صحيفة (166) ما يلي. « جاء في هامش صفحة (57) من مخطوطة الأصل ما نصّه : انّ هذا الشاعر اوسطا

ص: 354

علي المذكور كان لا يُجيد النظم ؛ إنما كان هناك شخص اسمه الشيخ جاسم ابن المُلا محمد البصير الذي كان ينظم له » انتهى.

والذي يتبادر من هذا القول انه للسيد علي الآلوسي نفسه ، ولكنّ الصواب انه للاستاذ يوسف عز الدين - الدكتور - وقد سجّل اسمه مع تاريخ كتابته لهذه الأسطر في سنة ( 1953 م. ). ولم يُشر محققاً « الدر المنتثر » الاستاذان جمال الدين الآلوسي وعبداللّه الجبوري إلى ذلك رغم اعتمادهما على هذه النسخة ، ونقلهما كلام عز الدين عنها!!

واحبّ أن اشيرَ إلى أنّ النسختين اللتين اعتمد عليها محققاً الدر لا تخلوان من اشتباهات تختلفُ عن الأصل المكتوب بخط الآلوسي وفيهما زيادات لا تمتُّ إلى أصل الكتاب بشيء!

وقد أوردتُ على الكتاب « المُنتثر » مستدركاً لم يُنشر من قبل جمعته عن مجموعة الآلوسي المخطوطة ، وذكرتُ ما سلفَ كله في النقد الموسّع للدر المنتثر الذي لم يزل في عداد المخطوطات!!

بقي شيءٌ متعلقٌ بشاعرية البنّاء ؛ حيث أنه كان يستعين بالشاعر الأديب ، الخطيب المفوّه ، فارس حلبات البلاغة والبيان ؛ الشيخ جاسم المُلا الحلي - نظماً بعض الأحيان في مراسلات الشخصيات ، وليس ذلك على الدوام. فله نفسه الشعري المتميز ، واسلوبه السافر ، ويظهر ذلك جلياً في شعره المحفوظ في مجموعة مراثي السيد عباس الخطيب البغدادي المتوفى سنة ( 1333 ه- ) المخطوطة المحفوظة في مكتبتي ، ففيها من الشعر الذي لا يمكن أن يُنسب إلا اليه ، وقد أطراه السيد حسن الخطيب نجل السيد عباس السالف ذكره فيما أنشأه من مقدماتٍ لمراثي والده ومدائحه. وقد سجّلتُ ذلك في كتابي « الرجال » المخطوط في ترجمة البنّاء.

ص: 355

5 - كان بودّي لو قمتم بدراسةٍ تحليليةٍ عن عصور أدب الطف ، واستجلاء الصور المتباينة في التعبير ، ومقارنتها بكل عصرٍ من العصور. ولا شك أنّ هذه الدراسة ستكشف عن امورٍ بعيدة الغور في جانبي السياسة والاجتماع مع لحاظ التطور « الأدائي » و « الفني » لشعراء الحسين (عليه السلام) .

هذا ما أردتُ بيانه بهذه العجالة ، تاركاً بقية الملاحظات لضيق الوقت.

وبالختام أتمنى للسيد « الجواد » مزيداً من « العطاء » ، ويا دام في مضمار البحث مظفراً.

بغداد

غرّة ذي القعدة 1397 ه.

جودت القزويني

ص: 356

وتفضل الاستاذ الاديب الشيخ عبد الامير الحسيناوي بتاريخ الجزء السادس من هذه الموسوعة بقوله :

فاق الجواد - الكلّ في سفره *** فحاز سبقا وخطى بالرهان

ذا - أدب الطف - شهيدٌ له *** فقد سما فيه بسحر البيان

في طيّه ترجم مَن ناصروا *** بشعرهم مذ فات نصر السنان

إن فات نصر السبط تأريخهم *** فان هذا نصرهم باللسان

ص: 357

المصادر المخطوطة

الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ محمد السماوي

سمير الحاظر ومتاع المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء

الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن البغدادي

كتاب الرجال للسيد جودت القزويني

سوانح الافكار للسيد جودت شبر

الضرائح والمزارات للسيد جودت شبر

مجموع الشيخ هادي كاشف الغطاء

مجموع للسيد احمد المؤمن

ديوان الشيخ محمد حسن سميسم الشيخ عماد سميسم

ديوان السيد مهدي الاعرجي السيد حبيب الاعرجي

مخطوط للسيد محي الدين الغريفي

ص: 358

المصادر المطبوعة

الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آغا بزرك الطهراني

نقباء البشر للشيخ آغا بزرك الطهراني

الكنى والالقاب للشيخ عباس القمي

سفينة البحار للشيخ عباس القمي

لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني

اعيان الشيعة للسيد محسن الامين

منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان للشيخ جعفر النقدي

الاعلام لخير الدين الزركلي

البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي

رياض المدح والرثاء للشيخ علي البلادي

الروضة الندية في المراثي الحسينية للشيخ فرج آل عمران

شعراء الحلة للشيخ علي الخاقاني

شعراء الغري للشيخ علي الخاقاني

شعراء القطيف للشيخ علي منصور

تحفة اهل الايمان في تراجم آل عمران للشيخ فجر القطيفي

معارف الرجال للشيخ محمد حرز الدين

شعراء من كربلاء للسيد سلمان هادي الطعمة

ذكرى السيد ناصر الاحسائي للسيد محمد حسن الشخص

ص: 359

ذكرى الشيخ صالح باش اعيان لحسون كاظم البصري

الاعلام العوامية للشيخ سعيد ابي المكارم

الشوقيات لأحمد شوقي

محمد اقبال للاستاذ عدنان مردم بك

ديوان اقبال للاستاذ عدنان مردم بك

الانوار القدسية للشيخ محمد حسين الاصفهاني

سقط المتاع للشيخ عبد الحسين صادق

عفر الظباء للشيخ عبد الحسين صادق

عرف الولاء للشيخ عبد الحسين صادق

ديوان السيد ابو بكر بن شهاب

ديوان الشيخ كاظم سبتي

ديوان الشيخ محمد حسن ابي المحاسن

الانواء ديوان السيد مير علي ابو طبيخ

ديوان ابن معتوق

ص: 360

الفهرس

سنة الوفاة / الصفحة

المقدمة 5

تقريض السيد حسين الصدر 6

1331 العلوية غزوة القزويني 9

1332 السيد عيسى الاعرجي ، حياته ، لون من غزله ، طائفة من اشعاره 11

1334 حسين عوني الشمّري الحنفي 13

1336 الشيخ عبد الحسين بن محمد التقي بن الحسن بن اسد اللّه 14

1336 السيد مصطفى الكاشاني ، منزلته العلمية شعره باللغتين 18

1340 السيد عدنان الغريفي نسبه وترجمته ، جملة من اشعاره ، ذكاؤه وقوة الحافظة ، نوادره 21

1340 الشيخ علي البلادي ، علمه وأدبه ، اجازته للجد السيد محمد شبر 28

1340 الشيخ عبداللّه باش اعيان البصرة ، شخصيته وعلمه 39

1340 الملا علي الخيري أديب الفيحاء : علمه ، نوادره ودراسته 43

1340 الملا حبيب الكاشاني ترجمته وجملة احواله 46

1341 السيد أبو بكر بن شهاب ، ديوانه واشعاره 48

1341 السيد هاشم كمال الدين ، أدبه وألوان من شعره ، بعض نوادره 57

ص: 361

سنة الوفاة / الصفحة

1341 السيد جواد مرتضى ، صلاحه واصلاحه ، أدبه وعلمه 60

1342 الحاج مجيد العطار ، نبوغه وسمو أدبه ، تواريخه العجيبة ، مميزاته 64

1342 الشيخ كاظم سبتي ، خطابته ومنبره ، ديوانه ونماذج من شعره 73

1342 الشيخ حمزة قفطان ، تاريخ حياته وبعض اشعاره 79

1342 الشيخ جعفر العوامي ، حياته وسيرته ، أشعاره 82

1342 سليمان الحاج احمد آل نشره ، نموذج من شعره 84

1342 العلوية أسماء القزويني ، اديبه شاعره 86

1343 الشيخ محمد حسن سميسم ، نسبه واسرته ، ادبه والوان من شعره 90

1343 السيد مهدي الطالقاني ، حياته ، اشعاره ونوادره 95

1343 السيد مهدي الغريفي ملكاته الادبيه ، مجموعه من اشعاره 100

1344 الشيخ محمد حسن أبو المحاسن ، الوزير الاديب ، ديوانه ، اشعاره 104

1344 السيد علي العلاق رائعته في الامامة الحسين وفيها كرامة 114

1345 الشيخ عبد الحسين الحياوي علامة ورع وشاعر مجيد 120

1345 السيد علي آل سليمان الحلي ، شعره ونبذة من احواله 128

1347 الشيخ جعفر الهر ، اديب كربلاء وشاعر شهير ، ألوان من شعره 129

1348 الشيخ محمد النمر العوامي ، فقهه واصوله وحكمته مع بعض من شعره 131

ص: 362

سنة الوفاة / الصفحة

1348 الشيخ حسن آل عيثان ، أديب بارع وزاهد صالح 133

1349 الشيخ مرتضى كاشف الغطاء ، عالم فقيه ومؤرخ ضليع 135

1349 الشيخ ناجي خميّس ، اديب من الفيحاء ، ظرفه وادبه ، نوادره وفكاهته 137

1351 أمير الشعراء أحمد شوقي ، شاعريته وامارة الشعر ، تعلقه باهل البيت 140

1352 الشيخ محمد حسين الحلي الجباوي ، دراسته وادبه ، رحلته الادبية 144

1352 الشيخ محمد جواد البلاغي ، علمه وورعه جهاده ومؤلفاته القيمة ، جمله واحواله 147

1355 السيد حسن بحر العلوم ، لمحة من حياته وشعره 151

1355 الحاج محمد الخليلي حياته وعلمه وبعض شعره 153

1355 ملا علي الزاهر العوامي ، خطيب والشاعر الحسيني 157

1355 الشيخ موسي العصامي ، خطيب مصلح ، وعالم اديب وشاعر شهير 158

1356 السيد محمد حسين الكيشوان ، علمه واخلاقه ، تواضعه ودراساته العالية 162

1357 الحاج مهدي الفلوجي شاعر قوي الشاعريه وأديب كبير من ادبا الحلة 170

1357 الشاعر محمد إقبال ، شعره وفلسفته ، ديوانه 174

1357 السيد خضر القزويني ، ظريف أديب ، حياته 179

1358 السيد جواد القزويني ، حياته ومقتطفات من شعره 181

ص: 363

سنة الوفاة / الصفحة

1358 الشيخ عبد الغني الحر ، عالم فاضل شديد الحب والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) 184

1358 السيد ناصر الاحسائي ، اخلاقه وورعه ، علمه واصلاحه وجاهته الاجتماعية 187

1359 السيد مهدي الأعرجي ، نسبه وأدبه ، ذكاؤه وروائعه ، خطابته 192

1359 السيد صالح الحلي ، خطيب شهير ، مواقفه السياسية والاصلاحية ، أدبه 204

1359 الشيخ عبد اللّه الخضري ، شاعر فحل ، نشاطة الديني وارشاداته 207

1359 الشيخ مهدي الظالمي ، علامة مشهور واديب باللغتين الفصحي والدراجة 210

منتصف القرن الحاج حسين الحرباوي ، شاعر بغدادي في منتصف القرن الرابع عشر 212

منتصف القرن درويش الصحاف ، شاعر منسي 215

1361 الحجة الفيلسوف آية اللّه الشيخ محمد حسين الأصفهاني ، نابغة عصره 217

1361 الشيخ الحجة الهادي من آل كاشف الغطاء وزعامته الروحية وثروته العلمية 223

1361 الشيخ عبد الحسين صادق ، شاعر ضخم مبدع وعالم كبير محلق ، اثاره ودواوينه 227

1361 السيد مير علي أبو طبيخ ، عالم فاضل وأديب كبير ، ديوانه وأشعاره 236

ص: 364

سنة الوفاة / الصفحة

1362 السيد رضا الهندي شيخ الأدب ، شاعر ثائر ، نوادره ، روائعه 241

1362 الشيخ آغا رضا الاصفهاني ، علمه ومعارفه ، مساجلاته ونوادره ، شعره وأدبه 259

1362 الشيخ عبد اللّه معتوق القطيفي ، مصلح ، مرشد ومؤلف شاعر 263

1363 الشيخ جواد الشبيبي ، شيخ الادب ومفخرة العرب 267

1363 السيد مضر السيد ميرزا الحلي ، علوي ذو شمم ، شعره في الاباء 291

1363 السيد عباس آل السيد سليمان ، حفيد السيد حيدر الحلي الشاعر 297

1364 الشيخ علي العوامي ، شعره ومراثيه للامام الحسين 301

1365 الشيخ محمد حرز الدين ، معارفه وزهده ، علمه ومؤلفاته ملاحظاتنا عليه 303

1366 محمد امين شمس الدين العاملي ، حياته وأشعاره 306

1366 الشيخ محمد تقي المازندراني ، كلمة مختصرة عن حياته وأشعاره 309

1366 السيد مهدي القزويني ، حياته ، دراسته وأشعاره 310

1366 الشيخ حسن الدجيلي ، حياته ، أشعاره وبعض مؤلفاته 314

1367 السيد حسن البغدادي ، نسبه الطويل وشعره الغزير 322

1368 الشيخ محمد حسن دكسن ، حياته الدراسية والشعريه 327

1368 السيد حسن الأمين المعروف ب ( قشاقش ) مؤلفاته وعلومه 330

ص: 365

سنة الوفاة / الصفحة

1369 الشيخ محسن ابو الحب الصغير ، حياته وبعض أشعاره 333

المستدركات 335

419 عبد المحسن الصوري شاعر قوي الشاعرية 337

437 فارس بن محمد بن عنان ، شاعر امير في الدولة السلجوقية 343

1305 الشيخ صالح الحريري ، عالم شاعر ، ألوان من شعره 345

1035 لطف اللّه العاملي صاحب الجامع في اصفهان 348

1341 الشيخ عبد اللّه آل نصر اللّه 351

تقدير وتقريض ، للسيد جودت القزويني 353

تاريخ الجزء السادس من موسوعة ( أدب الطف ) للأديب الشيخ عبد الأمير الحسيناوي 357

المصادر المخطوطة 358

المصادر المطبوعة 359

ص: 366

الصورة

ص: 367

الصورة

ص: 368

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.