أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 8

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 351

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الثامن

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

منذ سنوات عشر كنت كلما واتتني الفرصة ووجدت متسعاً من الوقت طرت الى بيروت وعكفت في احدى المطابع وواصلت السهر على إخراج جزء من أجزاء هذه الموسوعة ( أدب الطف ) فلا يمرّ شهر واحد حتى يكون الكتاب قد نجز ، وبيروت يومئذ قائمة على قدم وساق تصل الليل بالنهار بمواصلة العمل ، أما اليوم وقد هبطت اليها لنفس الغرض وبتاريخ 27 / 5 / 1977 والمصادف 8 جمادي الثانية من سنة 1397 ه وإذا هي موحشة الجوانب خاوية على عروشها فذكرت قوله تعالى ( أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها ).

ايه يا عروس الشرق كيف ابيح حماك وصار عرضة للسلب والنهب.

هل تؤمنين بأن الأرض تشقى وتسعد ، وهل تؤمنين أن المعاصي تزيل النعم ( وضرب اللّه مثلاً قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً فكفرت بأنعم اللّه فاذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ).

استغرقت في تفكيري ورددت ما خطر ببالي من الوقوف على الاطلال ومخاطبة الديار. ثم هيأ اللّه بعد اللتيا والتي من يستجيب لتحقيق أمنيتي ، فنجز الجزء السابع واتبعته بالجزء الثامن والحمد لله. وهذا الجزء يتضمن البقية من شعراء القرن الثالث عشر وقسماً من الرابع عشر.

المؤلف

ص: 5

السيد حيدر الحلي

اشارة

المتوفى 1304

أهاشم لا يوم لك ابيضَّ أو ترى *** جيادك تزجي عارض النقع أغبرا

طوالع في ليل القتام تخالها *** وقد سدّت الافق السحاب المسخرا

بني الغالبيين الألى لست عالماً *** أأسمح في طعن اكفك أم قرى

إلى الآن لم تجمع بك الخيل وثقة *** كأنك ما تدرين بالطف ما جرى

هلمي بها شعث النواصي كأنها *** ذئاب غضاً يمرحن بالقاع ضمرا

وإن سئلتك الخيل اين مغارها *** فقولي ارفعي كل البسيطة عثيرا

فان دماكم طحن في كل معشر *** ولا ثار حتى ليس تبقين معشرا

ولا كدم في كربلا طاح منكم *** فذاك لأجفان الحمية أسهرا

غداة أبو السجاد جاء يقودها *** أجادل للهيجاء لحملن أنسرا

عليها من الفتيان كل ابن نثرة *** يعدّ قتير الدرع وشياً محبرا

أشمّ إذا ما افتض للحرب عذرة *** تنشقّ من أعطافها النقع عنبرا

من الطاعني صدر الكتيبة في الوغى *** إذا الصف منها من حديد توقرا

هم القوم اما اجروا الخيل لم تطأ *** سنابكها إلا دلاصاً ومغفرا

إذا ازدحموا حشداً على نقع فيلق *** رأيت على الليل النهار تكورا

كماة تعد الحيّ منها إذا انبرت *** عن الطعن من كان الصريع المقطرا

ص: 6

ومَن يخترم حيت الرماح تظافرت *** فذلك تدعوه الكريم المظفرا

فما عبروا إلا على ظهر سابح *** إلى الموت لما ماجت البيض ابحرا

مضوا بالوجوه الزهر بيضاً كريمة *** عليها لثام النقع لاثوه اكدرا

فقل لنزار ما حنينك نافع *** ولومتّ وجداً بعدهم وتزفرا

حرام عليك الماء ما دام مورداً *** لأبناء حرب أو ترى الموت مصدرا

وحجر على أجفانك النوم عن دم *** شبا السيف يأبى أن يطل ويهدرا

أللهاشمي الماء يحلو ودونه *** ثوت آله حرى القلوب على الثرى

وتهدأ عين الطالبي وحولها *** جفون بني مروان ريّا من الكرى

كأنك يا أسياف غلمان هاشم *** نسيت غداة الطف ذاك المعفرا

هبي لبسوا في قتله العار أسوداً *** أيشفي إذا لم تلبسوا الموت أحمرا

ألا بكر الناعي ولكن بهاشم *** جميعاً وكانت بالمنية أجدرا

فما للمواضي طائل في حياتها *** إذا باعها عجزاً عن الضرب قصرا

ثوى اليوم أحماها عن الضيم جانباً *** وأصدقها عند الحفيظة مخبرا

وأطعمها للوحش من جثث العدى *** وأخضبها للطير ظفرا ومنسرا

قضى بعد ما ردّ السيف على القنا *** ومرهفه فيها وفي الموت أثرا

ومات قريب العهد عند شبا القنا *** يواريه منها ما عليه تكسرا

فإن يمس مغبّر الجبين فطالما *** ضحى الحرب في وجه الكتيبة غبرا

وإن يقض ظمآناً تفطر قلبه *** فقد راع قلب الموت حتى تفطرا

وألقحها شعواء تشقى بها العدى *** ولود المنايا ترضع الحتف ممقرا

فظاهر فيها بين درعين نثرة *** وصبر ودرع الصبر أقواهما عرى

سطا وهو أحمى من يصون كريمة *** وأشجع من يقتاد للحرب عسكرا

فرافده في حومة الضب مرهف *** على قلّة الأنصار فيه تكثرا

تعثّر حتى مات في الهام حده *** وقائمه في كفه ما تعثرا

ص: 7

كأن اخاه السيف أُعطي صبره *** فلم يبرح الهيجاء حتى تكسرا

له اللّه مفطور من الصبر قلبه *** ولوكان من صم الصفا لتفطرا

ومنعطفاً اهوى لتقبيل طفله *** فقبل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى *** ومن قبله في نحره السهم كبرا

وفي السبي مما يصطفي الخدر نسوة *** يعز على فتيانها أن تسيرا

حمت خدرها يقضى وودت بنومها *** ترد عليه جفنها لاعلى الكرى

مشى الدهر يوم الطف أعمى فلم يدع *** عماداً لها إلا وفيه تعثرا

وجشمها المسرى ببيداء قفرة *** ولم تدر قبل الطف ما البيد والسرى

ولم تر حتى عينها ظل شخصها *** إلى أن بدت في الغاضرية حسرى

فاضحت ولا من قومها ذو حفيظة *** يقوم وراء الخدر عنها مشمرا

* * *

ولد السيد حيدر في الحلة وينتهي نسبه الى الامام أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام - كان مولده (15) شعبان سنة 1246 ه الموافق سنة ( 1830 م ) وقبل أن يكمل عامه الثاني من عمره فقد والده فعاش يتيماً وتولى تربيته عمه السيد مهدي وكانت وفاته بالحلة يوم التاسع من ربيع الثاني وحمل إلى النجف فدفن في الصحن الشريف امام الرأس الشريف. كان شاعراً مجيداً من أشهر شعراء العراق أديباً ناثراً جيد الخط نظم فأكثر ولا سيما في رثاء الحسين علیه السلام فقد حلّق ، بالرغم من أن معاصريه من فحول الشعراء وأكابر الادباء فقد فاقهم حتى اعترفوا له بالفضل. قال السيد في الاعيان : وكان لغوياً عارفاً بالعربية شهماً أديباً ، وقوراً تقياً عليه سمات العلماء الأبرار كثير العبادة والنوافل كريم الطبع. في الطليعة اخبرني السيد حيدر الحلي قال رأيت في المنام فاطمة الزهراء علیهاالسلام فأتيت اليها مسلماً عليها مقبّلا يديها فالتفتت إلي وقالت :

أناعيَ قتلى الطف لا زلتَ ناعيا *** تهيج على طول الليالي البواكيا

ص: 8

فجعلت أبكي وانتبهت وأنا اردد هذا البيت وجعلت أتمشى وأنا أبكي ففتح اللّه علي أن قلت :

أعد ذكرهم في كربلاء إن ذكرهم *** طوى جزعاً طيّ السجل فؤاديا

ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها *** بعد رزايا تترك الدمع داميا

ستنسى الكرى عيني كأن جفونها *** حلفن بمن تنعاه ان لا تلاقيا

وتعطي الدموع المستهلات حقها *** محاجر تبكي بالغوادي غواديا

واعضاء مجد ما توزعت الضبا *** بتوزيعها إلا الندى والمعاليا

لئن فرقتها آل حرب فلم تكن *** لتجمع حتى الحشر إلا المخازيا

ومما يزيل القلب عن مستقره *** ويترك زند الغيظ في الصدر واريا

وقوف بنات الوحي عند طليقها *** بحال بها يشجين حتى الأعاديا

لقد الزمت كف البتول فؤادها *** خطوب يطيح القلب منهن واهيا

وغودر منها ذلك الضلع لوعة *** على الجمر من هذي الرزية حانيا

أبا حسن حرب تقاضتك دينها *** إلى أن أسائت في بنيك التقاضيا

مضوا عطري الأبراد يأرج ذكرهم *** عبيراً تهاداه الليالي غواليا

غداة ابن ام الموت اجرى فرنده *** بعزمهم ثم انتضاهم مواضيا

واسرى بهم نحو العراق مباهياً *** بأوجههم تحت الظلام الدراريا

تناذرت الأعداء منه ابن غابة *** على نشرات الغيل اصحر طاويا

تساوره افعى من الهم لم يجد *** لسورتها شيئاً سوى السيف راقيا

واظمأه شوق إلى العز لم يزل *** لورد حياض الموت بالصيد حاديا

فصمم لا مستعدياً غير همة *** تفل له العضب الجراز اليمانيا

واقدم لا مستسقياً غير عزمة *** تعيد غرار السيف بالدم راويا

بيوم صبغن البيض ثوب نهاره *** على لابسي هيجاء أحمر قانيا

ترقت به عن خطة الضيم هاشم *** وقد بلغت نفس الجبان التراقيا

ص: 9

لقد وقفوا في ذلك اليوم موقفاً *** إلى الحشر لا يزداد إلا معاليا

هم الراضعون الحرب اول -ا *** ولا حلم يرضعن إلا العواليا

بكل ابن هيجاء تربى بحجرها *** عليه ابوه السيف لا زال حانيا

طويل نجاد السيف فالدرع لم يكن *** ليلبسه إلا من الصبر ضافيا

يرى السمر يحملن المنايا شوارعاً *** إلى صدره ان قد حملن الأمانيا

هم القوم اقمار الندي وجوههم *** يُضئن من الآفاق ما كان داجيا

مناجيد طلاعين كل ثنية *** يبيت عليها مُلبد الحتف جاثيا

ولم تدر ان شدوا الحبا احباهم *** ضمّن رجالاً أم جبالاً رواسيا

قال : ثم أوصى أن تكتب وتوضع معه في كفنه ترجم له الكثير وقرضوا شعره إذ هو الشاعر الذي لم يزل يحتفظ بمكانته السامية في نفوس الشعراء والعلماء والادباء ولم تضعضع الأيام ولا مرّ السنين من رفعته وجلالته وتقديره ، وما رأيت شاعراً من شعراء الحسين علیه السلام تتذوقه النفوس وتهوى تكرار قصائده كالسيد حيدر في جميع الأقطار الشيعية فهو مضرب المثل في هذه الصناعة. قال الزركلي في ( الاعلام ) : السيد حيدر شاعر أهل البيت في العراق أديب إمامي شعره حسن ، وكان مترفعاً عن المدح والاستجداء موصوفاً بالسخاء له ديوان شعر سماه ( الدر اليتيم ) وأشهر شعره حولياته في رثاء الحسين علیه السلام وترجم له الخطيب الأديب الشيخ اليعقوبي في البابليات فقال : ولد رحمه اللّه في الحلة ليلة النصف من شعبان سنة 1246 ه ومات أبوه سنة 1247 فاقترن السيد مهدي - عم المترجم له - بزوجة اخيه السيد سليمان وعمر ولدها حيدر أقل من عامين فنشأ في حجر عمه وربيب نعمته وخريج مدرسته ، قال : وقد وقفت يوم كنت في الحلة على نسخ كثيرة من قصائد عمه ورسائله النثرية التي كان يبعث بها لآل كبة وغيرهم وهي بخطة المترجم له وفي آخرها يقول : وحضر كاتب الحروف ولدنا حيدر يهديكم عاطر التحيات.

ص: 10

وطفق من أول نشأته يحفظ الشعر ويعالج النظم كأنه مطبوع عليه حتى أحرزت قصائده استحساناً عظيماً في أندية الأدب ، وتفاءل قراء شعره بنبوغه في الفن ، كما أنه في نثره لا يقل عن نظمه فصاحة وبلاغة حتى قال فيه شيخ ادباء بغداد عبد الباقي العمري :

لقد أبدع السيد المرتقى *** بتسميطه ذروة الابلق

وفاه بما فيه - لافظ فوه - *** لبيد الفصاحة لم ينطق

وبرّز في حلبة غيره *** اليها وإن طار لم يسبق

وقد كان أبيّ النفس ، واسع الجاه عظيم القدر يتمتع بمكانة سامية في الأوساط العلمية والأدبية بحيث يحتفى به حجة الاسلام الشيرازي إذا استزاره إلى سامراء ذكر الشيخ الأميني في ( الغدير ) ان السيد حيدر قصد سامراء لزيارة الإمامين العسكريين علیهماالسلام وبعد أداء الزيارة قصد السيد المجدد الشيرازي ، فعزم السيد المجدد على ردّ الزيارة له وحمل معه مائة ليرة ذهبية ودفعها له بكل إجلال وتقدير ، ثم قبّل يد السيد حيدر حيث أنه شاعر أهل البيت علیهم السلام ، وهذا منتهى التقدير.

وكان من أوعى رجال الأدب صدراً لمادته لغة وعلوم عربية ومن اكثرهم حفظاً للفوائد واستظهاراً للشوارد وأشدهم مزاولة لأشعار العرب وخطبهم ، جزل الألفاظ رقيق المعاني حسن الروية جيد الطبع فجاء شعره في الغالب متين التأليف عربياً فصيح المفردات والتراكيب ، وحسبك منه ( حولياته ) التي لم يقصر فيها عن شأو زهير في البلاغة وصحة اللفظ والمعنى وهي مرثياته للسبط الشهيد أبي عبد اللّه الحسين؟ التي خلدته خلوداً يبقى مع الزمن ، فلا شك أنه شقّ فيها غبار الشريفين الرضى والمرتضى ومهيار وكشاجم وكل من تعاطى رثاء الامام الشهيد علیه السلام من فحول شعراء الشيعة المتقدمين والمتأخرين وجاء باللون الجديد في الرثاء وتفنن فيه ما شاء له أدبه ومقدرته في الألفاظ والمعاني والأساليب ما هزّ المشاعر واستمطر الدموع.

ص: 11

قال الشيخ اليعقوبي : وحدثني المغفور له السيد هادي القزويني أن عمه السيد ميرزا جعفر كان يقترح على خطيب الذكرى الحسينية في المحفل الذي يعقده بداره في الحلة طيلة العشرة الاولى في المحرم أن لا ينشده غير المراثي الحيدرية ، ومجموع قصائد السيد حيدر الحسينية (23) عدا المقاطيع وكلها من الشعر المختار ، وقد جمعت وطبعت مستقلة عن ديوانه غير مرة في الهند والنجف وقد أحجم عن مجاراته فيها كثير من الشعراء المعاصرين له والمتأخرين عنه.

وأنبأني الأديب الحاج عبد المجيد الشهير ب ( العطار ) قال : دخلت على السيد يوماً وطلبتُ منه قصيدته النونية التي مطلعها :

إن ضاع وترك يابن حامي الدين *** لا قال سيفك للمنايا كوني

فاستدعى بمحفظة خشبية أخرج منها أكثر من ثمان نسخ من القصيدة نفسها ، وكل واحدة تختلف عن سابقتها في التقديم والتأخير والتنسيق حتى دفع إلي آخر نسخة كان قد أعاد النظر في تهذيبها وهي التي ارتضاها بعد إجهاد الفكر ، والى مراثيه هذه أشار المجاهد السيد السعيد الحبوبي بقوله في قصيدته التي رثاه فيها وهي أبلغ قصيدة رثي بها المترجم له :

أجوهرة الدنيا التي قد تزينت *** به واكتست من بشره اللمعانا

فمن للقوافي الغر بعدك حيدرٌ *** يساجل فيها دائنا ومدانا

فكم لك إذ تدعو ابن أحمد ندبة *** تزلزل رضوى أو تزيل أبانا

أطلتَ ولم تملل بكاك عليهم *** فطال ولم نملل عليك بكانا

ولا تظن أن إبداعه يقتصر على مراثي أهل البيت علیهم السلام فإن شعره في شتى النواحي مزدان بالإبداع مرصوص الجوانب كالسلاسل الذهبية فاستمع إلى قطعة من قصيدته التي قالها في رثاء الميرزا جعفر القزويني والتي مطلعها :

قد خططنا للمعالي مضجعا *** ودفنّا الدين والدنيا معا

عقدنا للمساعي مأتما *** ونعينا الفخر فيه أجمعا

ص: 12

صاحب النعش الذي قد رفعت *** بركات الأرض لما رفعا

وقوله من قصيدة يرثي بها علامة عصره الشيخ مهدي حفيد الشيخ الأكبر كاشف الغطاء :

يا من أضاء بنوره أفق الهدى *** أعلمتَ بعدك كل افق أظلما

أبكيك للاحسان غاض نميره *** قسراً وللآمال بعدك حوّما

رفعوك والبركات عن ظهر الثرى *** وطووك واللمعات عن وجه السما

دفنوك وانصرفوا بأعظم حيرة *** فكأنما دفنوا الكتاب المحكما

ولشاعرنا السيد حيدر آثار أدبية :

1 - كتاب دمية القصر في شعراء العصر ، جمع فيه ما قاله شعراء عصره في المرحوم الحاج محمد صالح كبة وأولاده وأحفاده وهو يقع في 556 صفحة ، لا توجد غير نسخة الاصل وهي في مكتبة الشيخ محمد مهدي كبة.

2 - العقد المفصل يجمع المحسنات البديعة والطرف الأدبية والنوادي والفكاهات واللغة والأدب ، طبع ببغداد في جزئين كبيرين سنة 1332.

3 - الاشجان في خير انسان يتكون من 95 صفحة جمع فيه ما قيل في رثاء السيد ميرزا جعفر القزويني وعدد الشعراء الذين ترجم لهم 23 شاعراً.

4 - ديوان شعره ، ولم يكن مجموعاً في حياة الناظم وإنما جمعه ابن اخيه السيد عبد المطلب باقتراح من الحجة السيد حسن الصدر قدس سره . وقد طبع في الهند سنة 1312 ه ثم أُعيد طبعه مرة ثانية بنفس الطباعة الحجرية فكانت كالاولى بكثرة اغلاطها النحوية والاملائية ، وفي سنة 1368 ه قامت مطبعة ( الزهراء ) بالنجف الأشرف بطبع الجزء الأول من ثلاثة أجزاء بتحقيق الاستاذ اللامع صالح الجعفري مدرّس الأدب العربي في ثانوية النجف بعدما قابله بعدة نسخ مخطوطة وأجودها نسخة الشيخ السماوي المخطوطة بقلم الشيخ حسن مصبح سنة 1306 ه كما قام

ص: 13

الاستاذ البحاثة على الخاقاني بتحقيق ونشر الديوان على نسخ مضبوطة محققة وأخرجه بأجمل اخراج في مطابع النجف أقول وقد ترجم له الشيخ عبد الرزاق البيطار في مؤلفه ( حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ) جزء 1 صفحة 566 وأسماه ب السيد حيدر الحلبي تصحيف ( حلي ) مع أن الكتاب طبع بمطبعة الترقي بدمشق بتحقيق الاستاذ محمد بهجة البيطار عضو مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1380 ه 1961 م.

كما جاء في كتاب ( نفس المهموم ) للمحدث الشيخ عباس القمي رحمه اللّه قصيدة تزيد على 20 بيتاً أولها :

أتربة وادي الطف حياك ذو العرش *** وروّت رباك المزن رشاً على رشّ

ونسبها للسيد حيدر الحلي ، والصحيح انها للشيخ حسن مصبح.

وجاء في ( اعيان الشيعة ) للسيد الأمين ج 29 عند ترجمة السيد حيدر ، هذه المقطوعة الغرامية التي مطلعها :

إلى م تسرّ وجدك وهو باد *** وتلهج بالسلوّ وانت صبّ

والصحيح انها للشيخ عباس بن الملا علي النجفي ، وهي مثبتة في ديوانه.

توفي السيد حيدر في مسقط رأسه - الحلة - عشية الاربعاء في الليلة التاسعة من ربيع الثاني وعمره 59 سنة ودفن في النجف الاشرف في الجهة الشمالية من الصحن الحيدري أول الساباط بين مرقدي السيد ميرزا جعفر القزويني والشيخ جعفر الشوشتري ، ورثاه فريق من الشعراء كالسيد الحبوبي والسيد ابراهيم الطباطبائي ، والشيخ حمادي نوح ، والحاج حسن القيم ، والشيخ حسون العبداللّه والشيخ محمد الملا ، وولده السيد حسين وابن اخيه السيد عبد المطلب ، وعقد له العلامتان السيد محمد القزويني وأخوه السيد حسين مأتم العزاء بدارهما في النجف ، ولذلك تخلص الحبوبي إلى مدحهما في آخر قصيدته التي مطلعها :

أبن لي نجوى إن أطقتَ بيانا *** ألست لعدنان فماً ولسانا

ص: 14

عندما ندرس السيد حيدر الحلي قدس سره نجد له صلة اكيدة بعبقرية الشاعرين الشريف الرضي والمهيار الديلمي وان لهما تأثيراً قوياً على شاعريته وذلك لأنه درس شعر الرضي دراسة تحليلية ودوّن معظم قصائده والمختار من ديوانه في مجاميعه الأدبية ونسخ ديوان مهيار بكامله في أربعة أجزاء بالقطع الكبير. كتبه وهو ابن 25 سنة وكتب في آخره :

تمّ الجزء الرابع من ديوان مهيار الديلمي على يد المحتاج إلى ربه الغني حيدر بن سليمان الحسيني يوم الاثنين وهو اليوم السابع عشر من شوال 1271 ه.

ومن ثمة تجده قد ألمّ بكثير من معاني الشريف ومهيار وأودعها في قصائده بقوالب من الألفاظ ربما تكون أحيانا أقوى وأجزل من الأصل ، وها نحن نثبت أمثله منها : (1)

قال الشريف الرضي :

ودعي الأعنة من أكفك إنها *** فقدت مصرفها ليوم مغار

وقال السيد حيدر :

لتلق الجياد السابقات عنانها *** فليس لها بعد الحسين مصرّف

وقال الشريف الرضي :

إلى جده تنمى شمائل مجده *** وهل ترجع الأشبال إلا إلى الأسد

وقال السيد حيدر :

كفى خلفاً عنه بأشبال مجده *** وهل تخلف الاساد إلا شبولها

وقال الشريف الرضي :

كالغيث يخلفه الربيع وبعضهم *** كالنار يخلفها الرماد المظلم

وقال السيد حيدر :

وبعضهم كالنار لا يخلفها *** منها سوى ما كان من رمادها

ص: 15


1- عن البابليات للشيخ اليعقوبي في ترجمة سيد حيدر الحلي.

وقال الشريف الرضي :

وهل ينفع المكلوم عضّ بنانه *** ولو مات من غيض الأسد الوردي

وقال السيد حيدر :

فعضضت البنان غيظاً ولكن *** لا يفيد المكلوم عضّ البنان

وقال الشريف الرضي :

إنما قصّر من آجالنا *** أننا نأنف من موت الهرم

وقال السيد حيدر :

عهدي بهم قصر الأعمار شأنهم *** لا يهرمون وللهيّابة الهرم

وقال الشريف الرضي :

وترى خفافا في الورى فاذا انتدوا *** وتلاغط النادي رأيت ثقالا

وقال السيد حيدر :

ان دعوا خفّوا إلى داعي الوغى *** وإذا النادي احتبى كانوا الثقالا

وقال الشريف الرضي :

متأوهاً تحت الخطوب *** تأوّه الجمل العقير

وقال السيد حيدر :

عججنا اليك من الظالمين *** عجيج الجمال من الناحر

وقال الشريف الرضي :

إن الجياد على المرابط *** تشتكي طول المقام

وقال السيد حيدر :

الخيل عندك ملّتها مرابطها *** والبيض منها عرا أغمادها السأمُ

وقال الشريف الرضي :

بضوامر مثل النسور *** وغلمة مثل الصقور

وقال السيد حيدر :

غداة ابو السجاد جاء يقودها *** أجادل للهيجاء يحملن أنسرا

ص: 16

وقال أبو الطيب المتنبي في أبي العشائر :

افرسُ مَن تسبح الجياد به *** وليس إلا الحديد امواه

وقال السيد حيدر :

فما عبروا إلا على ظهر سابح *** إلى الموت لما ماجت البيض أبحرا

وقال المهيار الديلمي :

إذا راق صبح فالحصان مصاحب *** وإن جنّ ليل فالحسام ضجيع

وقد أحسن السيد حيدر في أخذه حيث قال :

وله الطرف حيث سار أنيس *** وله السيف حيث بات ضجيع

وقال المهيار :

نعم هذه يا دهر أّمّ المصائب *** فلا توعدّني بعدها بالنوائب

وقال السيد حيدر :

يا دهر ما شئت فاصنع هان عظما *** هذا الذي للرزايا لم يدع ألما

وقال ابن هاني الاندلسي :

لا يأكل السرحان شلوطعينهم *** مما عليه من القنا المتكسّر

وقال السيد حيدر :

ومات كريم العهد عند شبا القنا *** يواريه منها ما عليه تكسرا

وقال الحاج هاشم الكعبي المتوفى سنة 1231 يصف سبايا أهل البيت :

عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن *** زفراتها تدع الرياض همودا

وقال السيد حيدر :

فدمعها لو لم يكن محرقاً *** عاد به وجه الثرى معشبا

أقول ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) ترجمة السيد مهدي السيد داود الحلي - عم السيد حيدر الحلي - تربية هذا الشاعر لابن أخيه السيد حيدر وكفالته له وتهذيبه إياه وتثقيفه ثم قال :

ص: 17

فمن ثمة تجد السيد حيدر قد اقتبس كثيراً من معاني عمه وأودعها في قوالب من الألفاظ تفوق فيها على عمه في قوة التراكيب وجمال الأساليب واليك قسماً مما سجلناه من ذلك أثناء مطالعاتنا لديوانيهما.

1 - قال السيد مهدي :

يلقى الكتائب مفرداً بهياجها *** فكأنما هو في الهياج كتائب

وقال ابن أخيه :

فتلقى الجموع فرداً ولكن *** كل عضو في الروع منه جموع

2 - وقال السيد مهدي :

لقد وقفوا موقفاً لو به *** نصبن الجبال لأضحت هباءا

وقال ابن اخيه :

وقفوا والموت في قارعةٍ *** لو بها أرسي ثهلان لزالا

3 - وقال السيد مهدي :

بالقضب زوجت النفوس وطلّقت *** في اللّه دون إمامها أزواجها

وقال ابن أخيه :

ووفت بما عقدت فزوجت الطلى *** بالمرهفات وطلقت حوباءها

4 - وقال السيد مهدي :

وإذا شدوا حباهم لست تدري *** أرجال أم جبال في حباها

وقال ابن اخيه :

ولم تدر إن شدوا الحبا أحباهم *** ضممن رجالا أم جبالا رواسيا

5 - وقال السيد مهدي :

من تحتهم لو تزول الأرض لانتصبوا *** على الهوا هضبا أرسى من الهضب

وقال ابن اخيه :

دكوا رباها ثم قالوا لها *** وقد جثوا نحن مكان الربى

ص: 18

6 - وقال السيد مهدي :

وان غيّر الخطب ألوانها *** ترى وجهه في الخطوب طليقا

وقال ابن أخيه :

تزيد الطلاقة في وجهه *** إذا غيّر الخوف ألوانها

7 - وقال السيد مهدي :

فتوردها في طلاهم ظماءاً *** وتصدرها من دماهم رواءاً

وقال ابن اخيه :

فيصدرها ريانة من دمائهم *** ويوردها ظمأنة تتلهف

8 - وقال السيد مهدي :

وعليه عجّ كبارهم *** عجّة البازل من مُدية نحره

وقال ابن اخيه :

عججنا اليك من الظالمين *** عجيج الجمال من الناحر

9 - وقال السيد مهدي :

دفنوا كتب النبيين به *** أم به قد دفنوا علم الإمامه

وقال ابن اخيه :

دفنوا النبوة وحيها وكتابها *** بك والامامة حكمها وقضاءها

وبالرغم من اعترافنا للسيد حيدر الحلي بأنه مجدد في الشعر ، وأنه المجلّي بين أقرانه فان لنا عليه مؤخذات منها قوله في قصيدته التي مطلعها :

ان لم أقف حيث جيش الموت يزدحم *** فلا مشت بي في طرق العلى قدم

عندي من العزم سرٌ لا أبوح به *** حتى تبوح به الهندية الخذم

وهذا المعنى أخذه من الشاعر أبي فراس الحمداني إذ يقول في قصيدته الشهيرة :

يصان مهري لأمر لا أبوح به *** والدرع والرمح والصمصامة الخذم

ص: 19

ويقول السيد حيدر في قصيدته التي مطلعها :

تركت حشاك وسلوانها *** فخلٌ حشاي وأحزانها

إلى أن يقول في مصرع الحسين بن علي علیه السلام :

عفيراً متى عاينته الكماة *** يختطف الرعب ألوانها

وقد أخذ هذا المعنى من السيد الرضي في مرثيته للحسين علیه السلام :

تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه *** وقد أقام ثلاثاً غير مقبور

وجاء في ( المنتخب ) للشيخ فخر الدين الطريحي المتوفي 1085 وهو من رجال القرن الحادي عشر الهجري قوله في الحسين :

ألاعج يوم الطف لا زلتَ واربا *** وللقلب لم تبرح على الصعب لاويا

كم انصدعت أمعاء مهجة أنفس *** فليس لها من جرحك الدهرآسيا

وما زال زند الغيظ للوجد مضرماً *** وضلعي على جمر الغضامنه حانيا

بك انطمست آثار دين محمد *** وأصبح فيك الكون بالحزن داجيا

وهدّ من المجد الأثيل قوامه *** فقوّض للعليا قباباً رواسيا

وفاضت عيون المكرمات كآبة *** وجفن العلا ما أنفك بالدمع جاريا

وقامت لحشر الأنبياء قيامة *** ترى الكل فيها للجريمة جاثيا

بها صورً صَعق الخلق حرّك للفنا *** فأصبح فيها حجة اللّه ثاويا

ألا أيها اليوم المشوم على الورى *** تركت جفون المكرمات دواميا

ضربت بسيف الجور كيوان عزها *** فغودر فيها العدل أجرد ضاحيا

سرت منك في جنح الظلام قوائم *** فكورن في ضوء النهار الدراريا

وسعّرن نيران الحروب فزعزعت *** قوى العرش حتى قد برحن الثوانيا

قضت فيك جوراً آل حرب ذحولها *** وساءت بآل الاكرمين التقاضيا

وشقّت على آل النبي ستورها *** وثجّت لها بحراً من الدم ساجيا

لقد أثكل الدنيا لواعجك التي *** صببن على كل الانام الدواهيا

ص: 20

وقدّ لها طود الهداية قلبه *** وأصبح من ثكل لرزئك واهيا

غداة قضى سبط النبي محمد *** على سغب طاوي الحشاشة ضاميا

حمى حوزة المجد المؤثل وانثنى *** يجلّي عنا لدين الحنيف الغواشيا

وقد جاراه السيد حيدر بقصيدته التي مرّت وذلك بعد وفاة الشيخ فخر الدين الطريحي بأكثر من مأتي عام فقال :

أناعيَ قتلى الطف لا زلت ناعيا *** تهيج على طول الليالي البواكيا

أعد ذكرهمه في كربلا ، إن ذكرهم *** طوى جزعاً طي السجل فؤاديا

ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها *** بعدّ رزايا تترك الدمع داميا

وقال الشيخ عبد الحسين الاعسم المتوفى سنة 1247 ه سن قصيدة حسينية :

صرخن بلا لبٍّ وما زال صوتها *** يغضّ ولكن صحن من دهشة الرعب

وجاء السيد حيدر بعد 58 عاماً يقول في الموضوع نفسه وإن يكن البس المعنى ثوباً أجمل :

وقد كان من فرط الخفارة صوتها *** يُغضّ فغض اليوم من شدة الضعف

كما قال الشيخ الاعسم في القصيدة نفسها يصف سبايا آل الرسالة يوم عاشوراء :

فأبرزنَ من حجب الخدور تودّ لو *** قضت نحبها قبل الخروج من الحجب

فقال السيد حيدر في نفس القصيدة الحسينية :

ويا لوعه لو ضمني اللحد قبلها *** ولم أبد بين القوم خاشعة الطرف

ونظم الشيخ ابراهيم صادق العاملي المتوفي سنة 1284 ه أي قبل وفاة السيد حيدر بعشرين سنة فقال من قصيدة حسينية :

وأجلّ يوم راح مفخر هاشم *** فيه أجب الظهر والعرنين

يوم به تلك الفواطم سُيّرت *** أسرى تلفّ أباطحا بحزون

فأخذ هذا المعنى السيد حيدر فقال من قصيدة حسينية أيضاً :

وأجلّ يوم بعد يومك حلّ *** في الاسلام منه يشيب كل جنين

ص: 21

يوم سرت اسرى كما شاء العدى *** فيه الفواطم من بني ياسين

ويقول الشيخ سالم الطريحي المتوفى سنة 1295 في قصيدته التي قالها :

امية قد جاوزت حدها *** فقم فالظبا سئمت غمدها

وفي آخرها :

لان ضاع وتربني هاشم *** إذاً عدمت هاشم مجدها

ويقول السيد حيدر الحلي المتوفي 1304 ( اي بعد الشيخ سالم ب 13 سنة :

إن ضاع وترك يابن حامي الدين *** لا قال سيفك للمنايا كوني

وذكر الشيخ السماوي في ( الكواكب السماوية ) ان السيد حيدر دخل على العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني فقال له : قد قارب شهر المحرم فهل نظمت في الامام الحسين (عليه السلام) على عادتك ، قال نعم ثم أنشده :

قد عهدنا الربوع وهي ربيع *** أين لا أين انسها المجموع

حتى إذا بلغ الى قوله منها :

سبق الدمع حين قلت سقاها *** فتركت الحيا وقلت الدموع

قال له السيد : كلا ، انك من معشر لا يتركون الحيا فاستحيا ، السيد حيدر ثم أبدل لفظة ( الحيا ) بالسما وجعل البيت هكذا :

سبق الدمع حين قلت سقتها *** فتركت السما وقلت الدموع

* * *

نموذج من مراثي السيد حيدر للامام الحسين :

سجّلت حوليات الشاعر وهي كما قلت سابقاً 23 رائعة كلها من الشعر العالي الرصين القائم بنفسه ووددت أن اذكرها بهذه الموسوعة ، لكن ذلك خلاف ما صممنا عليه من الاختصار فاكتفينا بهذه القصائد الآتية :

قد عهدنا الربوعَ وهي ربيعُ *** أين لا أين أُنسها المجموع

درج الحيّ أم تتّبع عنها *** نجع الغيث أم بدهياءَ ريعوا

ص: 22

لا تقل : شملها النوى صدعته *** إنما شمل صبري المصدوع

كيف أعدت بلسعة الهمّ قلبي *** يا ثراها (1) وفيك يُرقى اللسيع

سبق الدمع حين قلت سقتها *** فتركت السما وقلت الدموع

فكأني في صحنها وهو قعبٌ *** أَحلِبُ المزن والجفون ضُروع

بت ليلَ التمام أنشد فيها *** هَل لماضٍ من الزمان رجوع

وادّعت حولي الشجا ذات طوقٍ *** مات منها على النياح الهجوع

وصفت لي بجمرتي مُقلتيها *** ما عليه انحنين مني الضلوع

شاطرتني بزعمها الداءَ حزناً *** حين أنّت وقلبي الموجوع

يا طروبَ العشيّ خلفك عني *** ما حنيني صَبابةٌ وولوع

لم يَرُعني نؤي الخليط ولكن *** من جوى الطف راعني ما يروع

قد عذلت الجزوعَ وهو صبور *** وعذرت الصبورَ وهو جزوع

عجباً للعيون لم تغد بيضاً *** لمصابٍ تحمرّ فيه الدموع

وأساً شابت الليالي عليه *** وهو للحشرفي القلوب رضيع

أيّ يوم بشفرة البغي فيه *** عاد أنف الاسلام وهو جديع

يوم أرسى ثقلُ النبي على الحتف *** وخفّت بالراسيات صدوع

يوم صكّت بالطف هاشم وجه *** الموت فالموت من لقاها مروع

بسيوفٍ في الحرب صلّت فللشو *** س سجود من حَولها وركوع

وقفت موقفاً تضيّفت الطير *** قِراه فحوّمٌ ووقوع

موقف لا البصير فيه بصير *** لاندهاشٍ ولا السميع سميع

جلّل الأفق منه عارض نقع *** من سنا البيض فيه برق لموع

فلشمس النهار فيه مَغيبٌ *** ولشمس الحديد فيه طلوع

أينما طارت النفوس شعاعاً *** فلطير الردى عليها وقوع

ص: 23


1- وفي نسخة : يا تراها.

قد تواصت بالصبرفيه رجالٌ *** في حشى الموت من لِقاها صدوع

سكنت منهم النفوس جسوماً *** هي بأساً حفائظ ودروع

سدّ فيهم ثغر المنيّة شهم *** لثنايا الثغر المخوف طَلوع

وله الطِرفُ حيث سار أنيسٌ *** وله السيف حيث بات ضجيع

لم يقف موقفاً من الحزم إلا *** وبه سنّ غيره المقروع

طمعت أن تسومه القوم ضيماً *** وأبى اللّه والحسام الصنيع

كيف يلوي على الدنيّة جيداً *** لسوى اللّه ما لواه الخضوع

ولديه جأشٌ أردّ من الدرع *** لضمأى القنا وهنّ شروع

وبه يرجعً الحفاظ لصدرٍ *** ضاقت الأرضُ وهي فيه تضيع

فأبى أن يعيشَ إلا عزيزاً *** أو تجلّى الكفاح وهو صريع

فتلقّى الجموعَ فرداً ولكن *** كلّ عضو في الروع منه جموع

رمحه من بَنانه وكأن مِن *** عزمه حدّ سيفه مطبوع

زوّج السيف بالنفوس ولكن *** مهرُها الموت والخضابُ النجيع

بأبي كالئاًعلى الطف خدراً *** هو في شفرة الحسام منيع

قطعوا بعده عُراه ويا حب *** لَ وريدِ الاسلام أنت القطيع

وسروا في كرائم الوحي أسرى *** وعداكَ ابنَ امها التقريع

لو تراها والعيسُ جشّمها الحا *** دي من السير فوق ما تستطيع

ووارها العَفافُ يدعو ومنه *** بدم القلبِ دَمعُه مَشفوع

يا ترى فوقه بقية وجدٍ *** ملء أحشائها جوى وصدوع

فترفق بها فما هي إلا *** ناضرٌ دامعٌ وقلبٌ مروع

لا تسمها جذب البرى أو تدري *** ربّة الخدر ما البرى والنسوع (1)

قوّضي يا خيامَ عليا نزارٍ *** فلقد قوّض العماد الرفيع

ص: 24


1- البرى : حلقات توضع في انف الناقة. النسوع : حبال طوال تشد بها الرحال.

واملأي العينَ يا أمية نوماً *** فحسينٌ على الصعيد صريع

ودعي صكّة الجباهِ لويٌ *** ليس يجديك صكّها والدموع

أفلطماً بالراحتين فهلا *** بسيوف لا تتقيها الدروع

وبكاءً بالدمع حزناً فهلا *** بدم الطعن والرماح شروع

قلّ ألا قراع ملمومة الحت- *** -ف فواهاً يافِهرُ أين القريع

وقال :

إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم *** فلا مشت بي في طرق العلا قدم

لا بدّ أن أتداوى بالقنا فلقد *** صبرتُ حتى فؤادي كله ألم

عندي من العزم سرٌ لا أبوحُ به *** حتى تبوحَ به الهندية الخذم

لا أرضعت لي العلى ابناً صفو درّتها *** إن هكذا ظلّ رمحي وهو منفطمُ

إليّةً بضبا قومي التي حَمَدت *** قدماً مواقعها الهيجاءُ لا القمم

لأحلِبنّ ثديّ الحرب وهي قناً *** لِبانها من صدور الشوسِ وهو دم

مالي أُسالم قوماً عندهم ترتي *** لا سالمتني يدُ الأيام إن سلِموا

من حاملٌ لوليّ الأمرِ مألكة *** تطوى على نفثات كلها ضرم

يابن الأولى يُقعدون الموت ان نهضت *** بهم لدى الروع في وجه الضبا الهمم

الخيلُ عندك ملّتها مرابطها *** والبيضُ منها عَرى أغمادَها السأم

هذي الخدور الأعدّاء (1) هاتكة *** وذي الجباه ألا مشحوذة تسم

لا تطهر الأرض من رجس العدى أبداً *** ما لم يَسِل فوقها سيل الدم العرم

بحيث موضع كلٍّ منهم لك في *** دماه تغسله الصمصامة الخذم

اعيذ سيفك أن تصدى حديدته *** ولم تكن فيه تجلى هذه الغِمم

قد آن أن يمطرَ الدنيا وساكنها *** دماً أغرّ عليه النقع مرتكم

حرّان تدمغ هامَ القوم صاعقةٌ *** من كفّه وهي السيف الذي علموا

نهضاً فمن بظباكم هامة فلقت *** ضرباً على الدين فيه اليومَ يحتكم

ص: 25


1- العداء : شديد العدو.

وتلك أنفالكم في الغاصبين لكم *** مقسومة وبعين اللّه تُقتسم

جرائم آذنتهم أن تعاجلهم *** بالانتقام فهلا أنت منتقم

وان أعجب شيء أن أبثكّها *** كأن قلبك خالٍ وهو محتدم

ما خلت تقعد حتى تستثارَ لهم *** وأنتَ أنتَ وهم فيما جنوهُ هم

لم تبقِ أسيافهم منكم على ابن تقىً *** فكيف تبقى عليهم لا أباً لهم

فلا وصفحك إنّ القوم ما صفحوا *** ولا وحلمكَ إن القومَ ما حلموا

فحمل امك قدما أسقطوا حنقاً *** وطفل جدك في سهم الردى فطموا

لا صبرَ أو تضع الهيجاء ما حملت *** بطلقةٍ معها ماءُ المخاض دمُ

هذا المحرّم قد وافتك صارخة *** مما استحلوا به أيامه الحرم

يملأن سمعكَ من أصوات ناعية *** في مسمع الدهر من إعوالها صمم

تنعي اليك دماءَ غاب ناصرها *** حتى اريقت ولم يخفق لكم علم

مسفوحة لم تجب عند استغاثتها *** إلا بأدمع ثكلى شفّها الألم

حنّت وبين يديها فتيةٌ شربت *** من نحرها نصب عينيها ، الضبا الخذم

موسدين على الرمضاءِ تنظرهم *** حرى القلوب على ورد الردى ازدحموا

سقياً لثاوين لم تبلل مضاجعهم *** إلا الدماء وإلا الأدمع السجم

أفناهم صبرهم تحت الضبا كرماً *** حتى قضوا ورداهم ملؤه كرم

وخائضين غمار الموت طافحة *** أمواجها البيض بالهامات تلتطم

مشوا الى الحرب مشي الضاريات لها *** فصارعوا الموت فيها والقنا أجم

ولا غضاضة يوم الطف أن قتلوا *** صبراً بهيجاء لم تثبت لها قدم

فالحرب تعلم إن ماتوا بها فلقد *** ماتت بها منهم الأسياف لا الهمم

أبكيهم لعوادي الخيل إن ركبت *** رؤوسها لم تكفكف عزمها اللجم

وللسيوف إذا الموت الزؤام غدا *** في حدّها هو والأرواح يختصم

وحائرات أطار القوم أعينها *** رعباً غداء عليها خدرها هجموا

ص: 26

كانت بحيت عليها قومها ضربت *** سرادقا أرضه من عزهم حرم

يكاد من هيبةٍ أن لا يطوفَ به *** حتى الملائك لولا أنهم خدم

فغودرت بين أيدي القوم حاسرةً *** تُسبى وليس لها مَن فيه تَعتصم

نعم لوت جيدَها بالعتب هاتفةً *** بقومها وحشاها ملؤه ضَرمُ

عجّت بهم مذ على أبرادها اختلفت *** أيدي العدوّ ولكن مَن لها بهم

نادت ويا بُعدهم عنها معاتبةً *** لهم ، ويا ليتهم من عتبها أمم

قومي الأولى عُقدت قدماً مآزرهم *** على الحميّة ما ضيموا ولا اهتضموا

عهدي بهم قصر الأعمار شأنهم *** لا يهرمون وللهيّابة الهرم

ما بالُهم لا عَفت منهم رسومهم *** قروا وقد حملتنا الأنيقُ الرسم

يا غادياً بمطايا العزم حمّلها *** همّاً تضيق به الأضلاع والحزم

عرّج على الحي من عمرو العلى وأرح *** منهم بحيث اطمأن البأس والكرم

وحي منهم حماة ليس بابنهم *** مَن لا يرفّ عليه في الوغى العلم

المشبعين قِرىً طيرَ السما ولهم *** بمنعة الجار فيهم يشهدُ الحرم

والهاشمينَ وكلّ الناس قد علموا *** بأن للضيف أو للسيف ما هشموا

كماة حربٍ ترى في كل باديةٍ *** قتلى بأسيافهم لم تحوها الرجم

كأن كل فلا دار لهم وبها *** عيالها الوحش أو أضيافها الرخم

قف منهم موقفاً تغلي القلوب به *** من فورة العتب واسأل ما الذي بهم

جفّت عزائم فهرٍ أم ترى بردت *** منها الحمية ام قد ماتت الشيم

ام لم تجد لذع عتبي في حُشاشتها *** فقد تَساقط جمراً من فمي الكلم

أين الشهامة أم أين الحفاظ أما *** يأبى لها شرفُ الأحساب والكرم

تسبى حرائرها بالطف حاسرةً *** ولم تكن بغُبار الموت تلتئم

لمن أُعدت عتاق الخيل إن قعدت *** عن موقف هُتكت منها به الحرم

فما اعتذراك يا فهرٌ ولم تثبي *** بالبيض تثلم أو بالسمر تنحطم

ص: 27

أجل نساؤك قد هزتك عاتبةً *** وأنت من رقدة تحت الثرى رهم

فلتلفت الجيد عنك اليوم خائبة *** فما غناؤك حالت دونك الرجم

وقال في اخرى مطلعها :

تركتُ حَشاك وسلوانها *** فخلّ حشايَ وأحزانها

ومنها :

كفاني ضناً أن تُرى في الحسين *** شفت آلُ مروان أضغانها

فأغضبت اللّه في قتله *** وأرضت بذلك شيطانها

عشيّة أنهضها بغيُها *** فجاءته تركبُ طغيانها

بجمع من الأرض سدّ العروج *** وغطّى النجود وغيطانها

وطا الوحشَ إذ لم يجد مهرباً *** ولازمت الطير أوكانها

وحفت بمن حيث يلقى الجموع *** يثني بماضيه وحدانها

وسامته يركبُ إحدى اثنتين *** وقد صرّت الحرب أسنانها

فإمّا يُرى مذعناً أو تموت *** نفسٌ أبى العزّ إذعانها

فقال لها اعتصمي بالإباءِ *** فنفسُ الأبيّ وما زانها

إذا لم تجد غير لبس الهوان *** فبالموت تنزعُ جُثمانها

رأى القتل صبراً شعار الكرام *** وفخراً يُزينُ لها شانها

فشمّر للحرب في معركٍ *** به عرك الموتُ فرسانها

وأضرمها لعنان السماء *** حمراء تلفح أعنانها

ركينٌ وللأرض تحت الكماة *** رجيفٌ يزلزل ثهلانها

أقرّ على الأرض من ظهرها *** إذا مَلمل الرعب أقرانها

تزيد الطلاقة في وجهه *** إذا غيّر الخوفُ ألوانها

ولما قضى للعُلى حقّها *** وشيّد بالسيف بُنيانها

ترجّل للموت عن سابقٍ *** له أخلت الخيل ميدانها

ص: 28

ثوى زائد البشر في صرعة *** له حبّب العزّ لقيانها

كأنّ المنية كانت لديه *** فتاة تواصل خلصانها

جلتها له البيض في موقف *** به أثكلَ السمرَ خرسانها

فبات بها تحت ليل الكفاح *** طروب النقيبة جذلانها

وأصبح مشتجراً للرماح *** تحلّي الدما منه مُرّانها

عفيراً متى عاينته الكماة *** يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثله *** صريعاً يجبّن شجعانها

تريبَ المحيا تظنّ السماء *** بأنّ على الأرض كيوانها

غريباً أرى يا غريب الطفوف *** توسدَ خدك كثبانها

وقتلك صبراً بأيد أبوك *** ثناها وكسّر أوثانها

أتقضي فداك حشا العالمين *** خميصَ الحشاشة ضمآنها

ألستَ زعيمَ بني غالبٍ *** ومطعامَ فهرٍ ومطعانها

فلِم أغفلت بك أوتارها *** وليست تعاجل امكانها

وهذي الأسنّة والبارقات *** أطالت يد المطل هجرانها

وتلك المطهّمة المقرباتُ *** تجر على الأرض أرسانها

أجُبناً عن الحرب يا من غدوا *** على أول الدهر أخدانها

أترضى اراقمكم أن تُعدّ *** بنو الوزغ اليوم أقرانها

وتنصِب أعناقها مثلها *** بحيث تطاول ثعبانها

يميناً لئن سوّفت قطعَها *** فلا وصل السيف أيمانها

وإن هي نامت على وترها *** فلا خالط النوم أجفانها

تنام وبالطف علياؤها *** أمية تنقضُ أركانها

وتلك على الأرض من أُخدمت *** ورب السماوات سكانها

ثلاثاً قد انتبذت بالعراء *** لها تنسج الريح أكفانها

ص: 29

مصابٌ أطاش عقول الأنام *** جميعاً وحير أذهانها

عليكم بني الوحي صلى الإله *** ما هزّت الريح أفنانها

وقال يرثي الامام الحسين علیه السلام ويهجو قاتليه :

أميّة غوري في الخمول وانجدي *** فما لك في العلياء فوزة مَشهدِ

هبوطاً إلى أحسابكم وانخفاظها *** فلا نسبٌ زاك ولا طيب مولدِ

تطاولتموا لا عن عُلاً فتراجعوا *** إلى حيث أنتم واقعدوا شرّ مقعدِ

قديمكم ما قد علمتم ومثله *** حديثكم في خزيه المتجددِ

فماذا الذي أحسابكم شَرفت به *** فأصعدكم في الملك أشرف مصعد

صلابة أعلاكِ الذي بللُ الحيا *** به جفّ ، أم في لين أسفلك الندي

بني عبد شمسٍ لا سقى اللّه حفرةً *** تضمّك والفحشاء في شر مَلحدِ

ألمّا تكوني من فجورك دائماً *** بمشغلةٍ عن غصب أبناء أحمدٍ

وراءكَ عنها لا أباً لك إنما *** تقدّمتِها لا عن تقدم سؤدد

عجبت لمن في ذِلّة النعل رأسُه *** به يَترآى عاقداً تاج سيدِ

دعوا هاشماً والفخر يعقد تاجه *** على الجبهات المستينرات في الندي

ودونكموا والعار ضُمّوا غشاءَه *** إليكم إلى وجه من العار أسود

يرشّحُ لكن لا لشيء سوى الخنا *** وليد كم فيما يروحُ ويغتدي

وتترف لكن للبغاء نساؤكم *** فيدنس منها في الدجى كل مرقدِ

ويسقى بماءٍ حرثكم غيرُ واحدٍ *** فكيف لكم تُرجى طهارةُ مولدِ

ذهبتم بها شنعاءَ تبقى وصومها *** لأحسابكم خزياً لدى كل مشهد

فسل عبد شمس هل يرى جرم هاشم *** اليه سوى ما كان أسداه من يدِ

وقل لأبي سفيان ما أنت ناقم *** أأمنكَ يوم الفتح ذنبُ محمدِ

فكيف جزيتم أحمداً عن صنيعه *** بسفكِ دم الأطهار من آل أحمد

ص: 30

غداة ثنايا الغدر منها اليهم *** تطالعتموا من أشئم إثر أنكدِ

بعثتم عليهم كلّ سوداء تحتها *** دفعتم اليهم كلّ فقماء مؤيد (1)

ولا مثل يوم الطف لوعةُ واجدٍ *** وحرقة حران وحسرة مُكمدِ

تباريحُ أعطينَ القلوب وجيبَها *** وقلن لها قومي من الوجد واقعدي

غداة ابنُ بنتِ الوحي خرّ لوجهه *** صريعاً على حرالثرى المتوقّد

درت آل حرب أنها يوم قتله *** أراقت دم الإسلام في سيف مُلحد

لعمري لئن لم يَقضِ فوق وساده *** فموتُ أخي الهيجاء غيرموسّدِ

وإن أكلت هندية البيض شلوَه *** فلحم كريم القوم طعم المهنّدِ

وإن لم يشاهد قتله غير سيفه *** فذاك أخوه الصدق في كلّ مشهد

لقد مات لكن ميتةً هاشميةً *** لهم عُرفت تحت القنا المتقصّد

كريم أبى شمّ الدنيّة أنفه *** فأشمَمه شوك الوشيج المسدّد

وقال قفي يا نفسُ وقفةَ واردٍ *** حياض الردى لا وقفة المتردّدِ

أرى أن ظهر الذلّ أخشنُ مركباً *** من الموت حيث الموت منه بمرصد

فآثر أن يسعى على جمرة الوغى *** برجلٍ ولا يُعطي المقادة عن (2) يدٍ

قضى ابنُ عليّ والحفاظ كلاهما *** فلست ترى ما عشتَ نهضة سيدِ

ولا هاشميّاً هاشماً أنف واترِ *** لدى يوم روع بالحسام المهنّدِ

لقد وضعت أوزارها حربُ هاشم *** وقالت قيامَ القائم الطهر موعدي

إمام الهدى سمعاً وأنت بمسمع *** عتابَ مثير لا عتاب مُفندِ

فداؤك نفسي ليس للصبر موضعٌ *** فتُغضي ولامن مسكةٍ للتجلّدِ

أتنسى وهل ينسى فعال أميّةٍ *** أخو ناظر من فعلها جدّ أرمدِ

ص: 31


1- المؤيد : الامر العظيم.
2- وفي نسخة : من.

وتقعد عن حرب وأيّ حشاً لكم *** عليهم بنار الغيظ لم تتوقدِ

فقم وعليهم جرّد السيف وانتصف *** لنفسك بالعضب الجراز المجرّد

وقم أرهم شهبَ الأسنّة طلّعاً *** بغاشيةٍ من ليل هيجاء أربدِ

فكم ولجوا منكم مَغارة أرقِم *** وكم لكم داسوا عرينة مُلبدِ

وكم هتكوا منكم خباءً لحرةٍ *** عناداً ودقوا منكم عنقَ أصيدِ

فلا نصف حتى تنضحوا من (1) سيوفكم *** على كل مرعىً من دماهم وموردِ

ولا نصفَ حتى توطؤا الخيل هامهم *** كما أوطؤها منكم خير سيّدِ

ولا نصف إلا أن تقيموا نساءهم *** سبايا لكم في محشدٍ بعد محشدِ

وأخرى إذا لم تفعلوها فلم تزل *** حزازات قلب الموجع المتوجد

تبيدونهم عطشى كما قتلوكم *** ضماءَ قلوب حرّها لم يُبرّد

اما باقي حسينياته فاليك مطالعها :

1 - كم ذا تطارح في منى ورقاءها *** خفض عليك فليس داؤك داءها

2 - أهاشم تيمٌ جلّ منك ارتكابها *** حرام بغير المرهفات عتابها

3 - يا آل فهر أين ذاك الشبا *** ليست ضباك اليوم تلك الضبا

4 - كم توعد الخيل في الهيجاء أن تلجا *** ما آن في جريها أن تلبس الرهجا

5 - يا دار جائلة الوشاح *** حيتك نافحة الرياح

6 - نعى الروح جبريل بأن ذوي الغدر *** أراقوا دم الموفين لله بالنذر

7 - لا تحذرنّ فما يقيك حذار *** ان كان حتفك ساقه المقدار

8 - اللّه يا حامي الشريعه *** أتقر وهي كذا مروعه

9 - على كل واد دمع عينيك ينطف *** وما كل واد جزت فيه المعرّف

ص: 32


1- وفي نسخة : في.

10 - لتلوي لوي الجيد ناكسة الطرف *** فهاشمها بالطف مهشومة الأنف

11 - تروم مقام العزّ والذل نازل *** ولم يك في الغبراء منك زلازل

12 - عثر الدهر ويرجو أن يقالا *** تربت كفك من راجٍ محالا

13 - حلولك في محل الضيم داما *** وحدّ السيف يأبى أن يضاما

14 - إن ضاع وترك يابن حامي الدين *** لا قال سيفك للمنايا كوني

15 - أقائم بيت الهدى الطاهر *** كم الصبر فتّ حشا الصابر

16 - أنى يخالط نفسك الانس *** سفها ودهرك سعده نحس

* * *

ص: 33

السيد ميرزا صالح القزويني

المتوفى 1304

أيقعدني عن خطة المجد لائم *** قصير الخطى مَن أقعدته اللوائم

سأركبها مرهوبة سطواتها *** تطير خوافيها بها والقوادم

عليّ لربع المجد وقفة ماجد *** تناشده مني السيوف الصوارم

وأمطر من سحب البوارق هاطلا *** من الدم لا ما أمطرته الغمائم

وأبسم مهما أبرقت باكامه *** ولا برق حزوى إن سرى وهو باسم

وارتاح ان هبّت به ريح زعزع *** من الموت لا ماروّحته النسائم

فيا خاطب العلياء والموت دونها *** رويدك قد قاومت ما لا يقاوم

بخلت عليها بالحياة وإنها *** لأكرم مَن تُهدى اليها الكرائم

إذا علقت نفس امرء بوصالها *** ورام مراما دونه حام حائم

فخاطبها الهنديّ والموت عاقدٌ *** وعمرك مهرٌ والنثار الجماجم

لذاك سمت نحو المعالي نفوسنا *** وهانت عليها القارعات العظائم

فأي قبيل ما أُقيمت بربعه *** فأما عليه أو علينا المآتم

سل الطف عن أهلي وإن كنت عالماً *** فكم سائل عن أمره وهو عالم

غداة ابن حرب سامها الضيم فارتقت *** بها للمعالي الغرّ أيد عواصم

وقاد لها الجيش اللّهام ضلالة *** متى روعت اسد العرين البهائم

ص: 34

فشمّر للحرب العوان شمردلٌ *** نديماه يوم الروع رمح وصارم

رماها بأساد الكريهة فتية *** نماها إلى المجد المؤثل هاشم

مساعير حرب فوق كل مضمر *** مديد عنان لم تخنه الشكائم

مناجيد لا مستدفع الضيم خائب *** لديهم ولا مسترفد الرفد نادم

فما العيش إلا ما تنيل أكفهم *** وما الموت إلا ما تنال الصوارم

سرت كالنجوم الزهر حفّت بمشرق *** هو البدر لا ما حجبته الغمائم

وزارت عراص الغاضرية ضحوة *** ( وموج المنايا حولها متلاطم )

بيوم كظل الرمح ما فيه للفتى *** سوى السيف والرمح الرديني عاصم

تراكم داجي النقع فيه فأشرقت *** وجوه وأحساب لهم وصوارم

أبا حسن يهنيك ما أصبحوا به *** وان كان للقتلى تقام المآتم

لأورثتهم مجداً وان كان حبوةً *** ولكن نصفاً في بنيك المكارم

مشوا في ظلال السمر مشيتك التي *** لها خضعت أُسد العرين الضراغم

فلاشك من نالته أطراف سمرهم *** بأنك قد أرديته وهو آثم

وما برحوا حتى تفانوا ، ومن يقف *** كموقفهم لا تتبعنه اللوائم

وراحوا وما حلّت حُبا عزّهم يد *** وما وهنت في الروع منها العزائم

عطاشى على البوغا تمجّ دماءها *** فتنهل منها الماضيات الصوارم

رعوا ذمة المجد الرفيع عماده *** وما رعيت للمجد فيهم ذمائم

تُشال بأطراف الرماح رؤسها *** كزهر الدراري أبرزتها الغمائم

وتبقى ثلاثاً بالصعيد جسومها *** فتعدوا عليها العاديات الصلادم

تجرّ عليها العاصفات ذيولها *** وتنتابها وحش الفلا والقشاعم

وتستاق أهلوها سبايا أذلّة *** فتسري وأنف العز إذ ذاك راغم

أسارى على عجف النياق نوائحا *** كما ناح من فقد الأليف الحمائم

تداولها أيدي العلوج فشامتٌ *** بما نالها منهم وآخر شاتم

ص: 35

وتُهدى لمذموم العشيات أهوج *** دعيّ طليق لم تلده الكرائم

على حين لا من هاشم ذو حفيظة *** وهل بقيت بعد ابن أحمد هاشم

وقصيدته التي يرويها خطباء المنابر الحسينية والتي اولها :

طريق المعالي في شدوق الأراقم *** ونيل الأماني في بروق الصوارم

أمط عنك أبراد الكرى وامتط السرى *** فما في اغتنام المجد حظ لنائم

من الضيم أن يغضي على الضيم سيد *** نمته أباة الضيم من آل هاشم

هم شرعوا نظم الفوارس بالقنا *** كما شرعوا بالبيض نثر الجماجم

إذا نازلوا احمرّ الثرى من نزالهم *** وإن نزلوا اخضرّ الثرى بالمكارم

فلهفي عليهم ما قضى حتف أنفه *** كريم لهم إلا بسمّ وصارم

وهي 48 بيتاً.

السيد ميرزا صالح القزويني مثال العلم والأدب وقرة عين العجم والعرب ثاني أنجال العلامة معز الدين السيد المهدي وأحد أركان النهضة العلمية والحركة الادبية في الشطر الأخير من القرن الثالث عشر في الحلة وفي النجف ، ترجم له كثير من الباحثين والمترجمين وذكروا روائع من فضائله وفواضله وكرم أخلاقه وخلائقه ، قال العلامة البحاثة الشيخ علي آل كاشف الغطاء في موسوعة ( الحصون المنيعة ) إنه كان مجازاً من والده ومن غيره من علماء عصره ، واستقل بالزعامة بعد أبيه وأخيه ، وكان عالي الهمة كريم الطبع والأخلاق ، وسكن قضاء ( طويريج ) برهة من الزمن في حياتهما. كانت دراسته في الفقه واصوله على شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الانصاري ثم استفاد كثيراً من دروس خاله العلامة الشيخ مهدي آل كاشف الغطاء كما وقد أجازه بالاجتهاد العالم الرباني ملا علي الخليلي المتوفى 1297 ه ولما وردت اليه الاجازة من شيخه المذكور أنشأ الاديب الشيخ علي عوض الحلي أبياتاً يهني بها السيد المترجم له ويمدحه ، ومنها :

ص: 36

وافت اليك من الغري إجازة *** أفضت اليك بأصدق الأنباء

والاجتهاد اليك ألقى أمره *** يا منتهى الأحكام والافتاء

مذ آنست منك الشريعة رشدها *** جاءتك خاطبة على استحياء

أنعم بها عيشاً برغم معاطس *** وجدتهم ليسوا من الأكفاء

تصدى للبحث والتدريس بعد والده المهدي فكان يحضر درسه الأفاضل من طلاب العلم ويزداد العدد يوماً بعد يوم ، وقد بذل عنايته لاتمام ما كان ناقصاً من مؤلفات والده ولكن القضاء لم يمهله وكتب رسالة عملية كبيرة في العبادات بطلب جماعة رجعوا اليه بالتقليد بعد وفاة والده لا تزال مخطوطة عند أحفاده ، وله كتاب ( مقتل أمير المؤمنين ) ألّفه ليقرأ خاصة بالمأتم الذي يعقد في دارهم ليلة 21 من رمضان بمناسبة وفاة الإمام علیه السلام وقد تصدى أخيراً الشاب المثقف السيد جودت السيد كاظم القزويني لتحقيقه ونشره جزاه اللّه خير الجزاء ووفقه لإحياء مأثر السلف. والسيد المترجم له كان خصب القريحة طول النفس رصين اللغة والاسلوب ولولا اشتغاله بالعلوم الدينية لكان أشعر الاسرة القزوينية ، وله في أخيه السيد ميرزا جعفر عدة مراث كلها نفثات وحسرات وشجون وعبرات وله مطارحات شعرية ونثرية ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) بعضها. وله في الإمام الحسين علیهم السلام ما تقرأه خطباء المنابر الحسينية ، منها قصيدته التي أولها :

وقائلة ماذا القعود وفي الحشا *** تلهب ناراً جمرها قد تسعرا

فقم أنت واضرب بالحسام وبالقنا *** وقدها اسوداً واملأ الأرضين عثيرا

38 بيتاً.

كان مولده في الحلة أوائل سنة 1257 ه وتوفي في النجف سنة 1304 ه وعمره 48 سنة كما ضبطه معاصره المؤرخ الشهير السيد البراقي في كتابه ( اليتيمة الغروية ) أو ( تاريخ النجف ) في جملة ما ضبطه من تاريخ وفيات علماء عصره

ص: 37

حيث قال : ومنهم السيد الأروع الحبر الضرغام مصباح الظلام السيد ميرزا صالح القزويني فانه توفي ليلة الثلاثاء في العشرين من المحرم من سنة اربع وثلثمائة والف في النجف ودفن مع أبيه. وقد رثاه شعراء عصره وفي طليعتهم السيد حيدر فقد بكاه بقصيدتين عامرتين هما في طليعة الشعر العربي. مطلع الاولى :

ومجدك ما خلت الردى منك يقرب *** لأنك في صدر الردى منه أهيب

ومطلع الثانية :

أفعى الأسى طرقت وغاب الراقي *** فأنا اللديغ وأدمعي درياقي

ورثاه العلامة الحبوبي بقصيدتين رائعتين ، مطلع الاولى :

نحى اليوم غاضت بالندى نجعة النادي *** لفقد الهدى لا بل لفقد أبي الهادي

ومطلع الثانية :

تضعضع جانب الحرم انصداعا *** أحقاً ركن كعبته تداعى

ورثاه الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي بقوله :

فلّ الزمان لهاشم صمصاما *** بل جبّ منها غارباً وسناما

ورثاه السيد ابراهيم الطباطبائي بقصيدة مثبتة في ديوانه ، كما رثاه الشيخ حسين الدجيلي.

* * *

ص: 38

الشيخ عباس زغَيب

المتوفى 1304

نسيم الصبا خلّ الفؤاد المعذّبا *** ودع مهجتي ترتاح من لوعة الصبا

فلا أم لي ان لم أثرها عجاجة *** تحجب وجه النيرين ولا أبا

وأوردها دون المحامد علقما *** رأته بعقباها من الشهد أطيبا

وابني بها بيتاً من المجد لا يرى *** لدى غيره الداعون اهلاً ومرحبا

رفيعاً عليه العز أرخى سدوله *** وخيّم في الأكناف منه وطنبا

ولا مجد حتى تأنف النفس ذلّها *** وتختار دون الضيم للحتف مشربا

كما شنّها يوم الطفوف ابن حيدر *** فأروى صدور السمر والبيض خضبا

وحين رحى الحرب استدارت بقطبها *** مشى للمنايا مشية الليث مغضبا

كريم أبت أن تحمل الضيم نفسه *** وأن يسلك النهج الذليل المؤنبا

أتنبو به عما يروم امية *** وفي كفه ماضي الغرارين ما نبا

وناضل عنه كل أروع لو سطا *** على الدهر يوم الروع للدهر أرعبا

تقول وقد عام الهياج رماحهم *** لاسيافهم لا كان برقك خلّبا

فلله كم سنوا من الحق واضحاً *** وشقوا بها من ظلمة الغي غيهبا

الشيخ عباس زغيب ابن الشيخ محمد بن عباس ، ولد في يونين من أعمال بعلبك وتوفي فيها سنة 1304 ه وله من العمر حوالي الثلاثين عاماً ، وكان في أول عمره سافر إلى النجف للدراسة ولضعفه ومرضه عاد راجعاً إلى لبنان. وله شعر رائع ومعاني بديعة.

ص: 39

الشيخ موسى شرارة

المتوفى 1304

دهى هاشماً ناع نعى في محرم *** بيوم على الإسلام اسود مظلم

بيوم جليل رزوه جلل السما *** وشمس الضحى فيه بأغبر أقتم

بيوم أحال الدهر ليلاً مصابه *** وأجج أحشاء العباد بمضرم

مصاب على آل النبي محمد *** عظيم مدى الأيام لم يتصرم

وخطب كسا الدنيا ثياباً من الأسى *** وطبق آفاق البلاد بمأتم

عشية جادت عصبة هاشمية *** بأنفسهم عن خير مولى مقدم

إلى أن قضوا والماء طام ضواميا *** يرون المنايا دونه خير مطعم

وأضحى فريداً سبط أحمد لا يرى *** نصيراً سوى عضب ولدن مقوّم

وصال بوجه مشرق وبعزمة *** تفلل ملتف الخميس العرمرم

إلى أن دعاه اللّه جلّ جلاله *** فألوى عنان العزم غير مذمم

قضوا دون حجب الطاهرات فأصبحت *** حواسر تسبى بين طاغ ومجرم

وكانت بخدر سجفه البيض والقنا *** محاط بجرد فوقها كل ضيغم

وكم ليث غاب دونها خاض غمرة *** إلى الموت حتى غادروها بلا حمي

فتلك رزايا تصدع الصم والصفا *** ويهمى لها رجع العيون من الدم

* * *

الشيخ موسى ابن الشيخ أمين العاملي الشهير بشرارة عالم كبير وشاعر

ص: 40

شهير ، ولد عام 1267 في جبل عامل ونشأ هناك وقرأ القرآن وهو ابن خمس سنين بخمسة أشهر ثم درس النحو والصرف فكان موضع اعجاب وتفوق حيث كان حاد الذهن وقاد الفكر وهاجر إلى النجف وهو ابن اثنتي عشرة سنة فدرس على أساطين عصره وحضر درس الشيخ الأخوند والسيد كاظم اليزدي وتلمذ عليه جملة من الفضلاء ذلك مما دعى السيد محمد سعيد الحبوبي أن يخصه بموشحة من موشحاته التي يقول فيها :

قل لمن جاراه يبغى القصبا *** حازها موسى فلا تستبق

فإذا ما البزل وافت خببا *** قصّرت عن شأوهنّ الحقق

وإذا البرذون جارى سلهبا *** ردّ مجراه حضيض زلق

وكان جبل عامل يتطلع اليه وينتظر قدومه اليه فتوجه واستقبله الوجوه والأعيان فكان قرة عين الجميع ذكره البحاثة الطهراني في ( نقباء البشر ) فقال :

العلامة الفقيه الجامع للفنون الإسلامية ، أصله من ( بنت جبيل ) ، أطرى في الثناء عليه سيدنا الصدر في التكملة فقال : انه كتب رسالة في اصول الدين من دون مراجعة كتاب ، وكان لا ينسى ما حفظه ، كثير الاستحضار للتواريخ وأيام العرب ، قرأ على الملا كاظم الخراساني ونظم مطالب الشيخ نظماً جيداً لطيفاً ، وكان يحضر بحث الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف حتى فاق أقرانه وعند رجوعه الى لبنان اشتغل بترويج الدين وتعليم المسلمين ، وله منظومة في المواريث بديعة في فنها تقع في 248 بيتاً ، ورسالة في تهذيب النفس ، كتب عنه وعن حياته العلمية الكاتب كامل شعيب في مجلة العرفان م 11 صفحة 45. كانت وفاته في بنت جبيل ليلة الخميس 11 شعبان عام 1304 ه عن عمر 37 سنة ودفن هناك ورثاه جمع من الشعراء منهم السيد نجيب فضل اللّه بقصيدة أولها :

هل يعلم الدهر مَن أودت فوادحه *** أو يعلم الرمس من وارت صفائحه

ص: 41

ترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) فأورد جملة من مساجلاته ومراسلاته ومراثيه لاخوانه فمن شعره يعاتب بعض أصدقائه :

كم ذا يقاطعني من لا اقاطعه *** وتشرب اللوم جهلاً بي مسامعه

ان مال عني لأوهام ووادعني *** فانني وذمامي لا اوادعه

ليس التلوّن من خيمي ومن شيمي *** إذا تلون من ساءت صنايعه

ولا اصانع اخوانا صحبتهم *** فما خليلك يوماً من تصانعه

ومن مرثية يرثي بها أخاه الشيخ محمد عندما وصل اليه نبأ وفاته في النصف من شعبان سنة 1303 :

ما لنفسي ذابت وطارت شعاعا *** ولقلبي أثر الضعائن ضاعا

ذهب الصبر والأسى يوم بانوا *** وتنادوا فيه الوداع الوداعا

وجاء في ترجمته ان السيد محمد سعيد الحبوبي كتب رسالة للمترجم له وكان من جملة عبارات الاطراء : قطب دائرة الفضل المستديرة الأفلاك ، وسر الحقيقة المتعالية عن حضيض الادراك ، قدوة الفضلاء الذي على أمثلته يحتذون ، والاستاذ الذي ترجع اليه المهرة في سائر الفنون ... وكان في آخر الرسالة قطعة شعرية :

كم يحتذيني الغيث غيث الأدمع *** وتشبّ نار البين بين الأضلع

كيف المنام ودون من أنا صبّه *** خرط القتاد وشوقه في مضجعي

وأروح يوحشني الأنيس كأنني *** وحدي وإن مارست حاشد مجمعي

يا نازحاً عني ومنزله الحشى *** القلب معك ونار لاعجه معي

والصبر بعدك شرعة منسوخة *** والوجد بعدك شرعة المتشرع

إلى قوله :

لو كنت بعد البين شاهد موقفي *** ( موسى ) لما شاهدت إلا مصرعي

ص: 42

وتأتي ترجمة الشيخ علي شرارة المتوفى 1335 وهو من الاسرة نفسها ، ولا يفوتنا أن نذكر مؤلفات المترجم له وتراثه العلمي :

1 - منظومة في الاصول واسمها ( الدرة المنظمة ) الحاوية لقوانين الاصول المحكمة وقد شرحها ولده الشيخ عبد الكريم.

2 - منظومة في المواريث تقع في 248 بيتاً.

3 - رسالة في تهذيب النفس.

4 - ديوانه المخطوط يضم العشرات من القصائد الحكيمة والفلسفية.

وهناك رسائل فقهية وعقائدية لم تتم.

* * *

ص: 43

الشيخ حسّون العبد اللّه

اشارة

المتوفى 1305

في رثاء الحسين :

علمتم بمسراكم أرعتم فؤاديا *** وأجريتم دمعي فضاهى الغواديا

ألا يا أحبائي أخذتم حشاشتي *** وخلّفتم جسمي من الشوق باليا

فيا ليتني قدمت قبل فراقكم *** وذاك لأني خفت أن لا تلاقيا

إذا ما الهوى العذري من نحو ارضكم *** سرى فغدا للقلب ريّاً وشافيا

ظللت أبثّ الوجدَ حتى كأنني *** لشجوي علّمتُ الحمام بكائيا

تناسيتم عصر الشباب بذي الغضا *** وكم قد سررنا بالوصال لياليا

فدع عنك يا سعد الديار وخلّني *** أُكابد وجداً في الأضالع ثاويا

لخطب عرا يوم الطفوف وفادح *** أمادَ السما شجواً ودك الرواسيا

غداة قضى سبط النبي بكربلا *** خميص الحشا دامى الوريدين صاديا

وقته لدى الحرب الزبون عصابة *** تخالهم في الحرب اسداً ضواريا

كماة إذا ما الشوس في الحرب شمّرت *** أباحوا القنا أحشائهم والتراقيا

اسود إذا ما جرّدوا البيض في الوغى *** غدت من دم الأبطال حمراً قوانيا

وقد قارعوا دون ابن بنت نبيهم *** إلى أن ثووا في الترب صرعى ظواميا

وعاد ابن خير الخلق بالطف مفرداً *** يكابد أهوالاً تشيب النواصيا

يرى آله حرّى القلوب من الظما *** وأسرته فوق الرغام دواميا

ص: 44

فيدعو ألا ، هل من نصير فلم يجد *** له ناصراً إلا حساماً يمانيا

هناك انثنى نحو الكفاح بمرهف *** أقام على الأعداء فيه النواعيا

وأُقسمُ لولا ما الذي خطّه القضا *** لغادر ربع الشرك إذ ذاك عافيا

إلى أن رمي في القلب سهم منيّةٍ *** فهدّم أركان الهدى والمعاليا

بنفسي بدراً منه قدغاب نوره *** وفرعا ًمن التوحيد أصبح ذاويا

أأنسى حسيناً بالطفوف مجدلاً *** على ظمأ والماء يلمع طاميا

وواللّه لا أنسى بنات محمد *** بقين حيارى قد فقدن المحاميا

إذا نظرت فوق الصعيد حماتها *** وأرؤسها فوق الرماح دواميا

هناك انثنت تدعو ومن حرق الجوى *** ضرام غدا بين الجوانح واريا

انادى ولا منكم أرى من مجاوب *** فما بالكم لا ترحمون صراخيا

ولم أنسَ حول السبط زينب إذ غدت *** تنادي بصوت صدع الكون عاليا

أخي لم تذق من بارد الماء شربة *** وأشرب ماء المزن بعدك صافيا

أخي لو ترى السجاد أضحى مقيداً *** أسيراً يقاسي موجع الضرب عانيا

أخي صرت مرمىً للحوادث والأسى *** فليتك حياً تنظر اليوم حاليا

عليّ عزيز أن أراك معفراً *** عليك عزيز أن ترى اليوم مابيا

أحاشيك أن ترضى نروح حواسراً *** سباياً بنا الأعداء تطوي الفيافيا

بلا كافل بين الأنام نوادباً *** خواضع ما بين الطغام بواكيا

عليّ عزيز أن أروح وتغتدي *** لقىً فوق رمضاء البسيطة عاريا

أيسترُ قلبي أم تجفّ مدامعي *** وانظر ربع المجد بعدك خاليا

فهيهات عيني بعدكم تطعم الكرى *** وأن يألف الأفراح يوماً فؤاديا

هو الشيخ حسون ( حسين ) بن عبد اللّه بن الحاج مهدي الحلي من مشاهير الخطباء في عصره. أديب شاعر معروف.

ولد في الحلة عام 1250 ه ونشأ بها وعرف بالخطابة فكان من أشهر

ص: 45

مشاهيرها وذاع صيته في الشعر فكان من أعلام الشعراء فيها وكان مرموق الشخصية نابه الذكر حميد الخصال يحترمه الكبير والصغير ويعظمه العالم والجاهل ويهواه الأعيان والوجوه مستقيم السيرة طيب السريرة كريم الطبع طاهر القلب مرح الروح من اعلام النساك وبارزي الثقاة ولقد اعرب عن منزلته الشاعر الخالد السيد حيدر الحلي عند تقدمته لتقرضيه كتابه ( العقد المفصل ) فقال : هو الذي تقتبس أشعة الفضل من نار قريحته وترتوي حائمة؟ والعقل من ري رويته.

وذكره أيضاً في كتابه ( الاشجان ) عند تقديمه مرثيته للسيد ميرزا جعفر فقال : حسنة العصر وانسان الدهر الكامل الألمعي الشيخ حسين بن عبداللّه الحلي.

وذكره الشيخ النقدي في الروض النضير صفحة 246 فقال : كان ( ره ) أديباً شاعراً فاضلاً خطيباً له شهرة واسعة بين الذاكرين وسيرة محمودة بين العلماء والمتعلمين لم يتكسب بشعره ولم يتاجر ببنات فكره ، أكثر نظمه في آل البيت وقد رأيت له قصائد طوالاً في رثاء الامام الحسين وأولاده المعصومين « ع » اتصل بالسادة الكرام آل المعز فكان في مقدمة أحبائهم وأودائهم.

وذكره الحجة الأميني في الجزء 13 من كتابه « الغدير » المخطوط فقال : كان خطيب الفيحاء الفذ على كثرة ما بها من الخطباء جهوري الصوت حلو النبرات وكان يسحر بمنطقة وعذوبة كلمه ، ولد عام 1250 ه وتوفي عام 1305 ه في الحلة ونقل الى النجف فدفن فيها ورثته عامة الشعراء. والشيخ حسون إذا ما قرأناه من شعره فإنه يبدو انساناً حرّ الضمير قوي القلب ذو مبدء واضح وشخصية قوية يعرب لك من خلاله أنه معتمد على نفسه غني عما في أيدي الناس ولعل ما ستقرؤه من شعره كاف لأن يوصلك إلى هذا الرأي فهو ان تحمس أفهمك أنه العربي الذي امتد نجاره الى أبعد حدود العروبة وأن تغزل فهو من اولئك العرب الذين كانت تستعبدهم العيون السود وأن لرقة طبعه أثر بارز في رقة ألفاظه وانسجام اسلوبه.

ص: 46

توفي رحمه اللّه بالحلة في العشر الأواخر من شهر رمضان عام 1305 ه ونقل جثمانه الى النجف ودفن بها وخلف ولداً اسمه الشيخ علي توفي بعده بثلاثين عاماً. ورثاه فريق من شعراء عصره بقصائد مؤثرة دلّت على سمو مكانته في نفوسهم ، منهم الشيخ حسن مصبح والسيد عبد المطلب الحلي والشيخ علي عوض والحاج حسن القيم. وربما رثاه بعضهم بقصيدتين أو ثلاث ، ولقد وقفت على مجموع عند أحد أحفاد أخيه اقتطفت منه ما سيجي من شعره وقد عرفني به صديقنا الشاعر عبود بن الحاج مهدي الفلوجي انتهى. أقول وممن تخرّج على يده الخطيب الكبير الشيخ جاسم الملا ابن الشيخ محمد الملا وكلاهما شاعران ناثران ، والمترجم له أروي له عدة قصائد في الامام الحسين علیه السلام منها قصيدته العامرة المشتملة على الوعظ والتحذير وأولها :

أشاقك من آرام يبرين ربرب *** فأصبحت صبّاً في هواه تعذبُ

والمرثية الثانية التي مطلعها :

نشدتك ان جئت خبت النقا *** فعرّج به واحبس الاينقا

مضافاً إلى انه طرق جميع أبواب الشعر ، واليكم نموذجاً من شعره في الإمام الحسين.

إلى مَ فؤادي كل يوم مروعُ *** وفي كل آن لي حبيبٌ مودع

وحتام طرفي يرقب النجم ساهراً *** حليف بكاء والخليون هجّع

أزيد التياعا كلما هبّت الصبا *** أو البرق من سفح الحمى لاح يلمع

وأطوي ظلوعي فوق نار من الجوى *** إذا ما سحيراً راحت الورق تسجع

أكاد لما بي أن أذوب صبابة *** متى هي باتت للحنين ترجّع

تنوح ولم تفقد أليفاً وبين مَن *** أودّ وبيني مهمه حال هجرع (1)

ص: 47


1- هو الطويل.

فلهفي وهل يجدي الشجي تلهف *** لعيش تقضّى بالحمى وهو مسرع

فيا قلب دع عهد الشباب وشرخه *** فليس لأيام نأت عنك مرجع

ومن يك مثلي لم تشقه كواعب *** ولم يصبه طرف كحيل وأربع

لئن راح غيري بالعذارى مولعاً *** فها انا في كسب العلاء مولع

وان يك غيري فخره جمع وفره *** فإني لما يبقى لي الفخر أجمع

سموت بفضلي هامة النسر راقياً *** سرادق عزّهنّ أعلى وأمنع

ولم أرض بالجوزاء داراً وان سمت *** لأن مقامي في الحقيقة أرفع

وكم لائمٍ جهلاً أطال ملامتي *** غداة رآني مدنفاً أتفجع

يظن حنيني للعذيب ولعلع *** وهيهات يشجيني العذيب ولعلع

فقلت له والوجد يلهب في الحشا *** وللهم أفعى في الجوانح تلسع

كأنك ما تدري لدى الطف ما جرى *** ومن بثراها - لا أباً لكَ صرعوا

غداة بنو حرب لحرب ابن أحمد *** أتت من أقاصي الأرض تترى وتهرع

بكثرتها ضاق الفضاء فلا يرى *** سوى صارم ينضى وأسمر يشرع

هنالك ثارت للكفاح ضراغم *** لها منذ كانت لم تزل تتسرع

تزيد ابتهاجاً كلما الحرب قطّبت *** وذلك طبع فيهم لا تطبّع

تعد الفنا في العزّ خير من البقا *** وما ضرّها في حومة الحرب ينفع

سطت لا تهاب الموت دون عميدها *** ولا من قراع في الكريهة تجزع

تعرّض للسمر اللدان صدورها *** وهاماتها شوقاً الى البيض تتلع

إذا ما بنو الهيجاء فيها تسربلت *** حديداً تقي الأبدان فيه وتدفع

تراهم اليها حاسرين تواثبوا *** عزائمها الأسياف والصبر أدرع

فكم روعوا في حومة الحرب أروعا *** وكم فرقاً للأرض يهوى سميدع

وراح الفتى المقدام يطلب مهربا *** ولا مهرب يغني هناك ويدفع

مناجيد في الجلّى عجالا الى الندى *** ثقالا لدى النادي خفافا إذا دعوا

ص: 48

إذا هتف المظلوم يا آل غالب *** ولا منجد يلفى لديه ومفزع

أجابوه من بعدٍ بلبّيك وارتقوا *** جياداً تجاري الريح بل هي أسرع

ولم يسألوه إذ دعاهم تكرما *** إلى أين بل قالوا أمنت وأسرعوا

فما بالهم قرّوا وتلك نساؤهم *** لصرختها صمّ الصفا يتصدع

عطاشى قضت بالعلقمي ولم تكن *** لغلتها في بارد الماء تنقع

وأبقت لها الذكر الجميل متى جرى *** بشرقٍ فمنه غربها يتضوع

يحامون عن خدر لهيبة مَن به *** - ولا عجب غرّ الملائك تخضع

فأصبح شمر فيه يسلب زينباً *** ولم ترَ من عنها يذبّ ويدفع

تدير بعينيها فلم ترَ كافلا *** سوى خفرات بالسياط تقنع

فكم ذات صون مارأت ظلّ شخصها *** ولا صوتها كانت من الغض تسمع

محجبة بين الصوارم والقنا *** عليها من النور الإلهي برقع

فأضحت وعنها قد أماطوا خمارها *** وبالقسر عنها بردها راح ينزع

واعظم خطب لو على الشم بعضه *** يحط لراحت كالهبا تتصدع

غداة تنادوا للرحيل وأحضرت *** نياق لهاتيك العقائل ضلّع

ومرت على مثوى الحماة إذا بهم *** ضحايا فمرضوض قرىً ومبضع

فكم من جبين بالرغام مرمل *** ومن نوره بدر السما كان يسطع

وكم من أكفٍّ قطعت بشبا الضبا *** وكانت على الوفاد بالتبر تهمع

وكم من رؤوس رامت القوم حفظها *** فراحت على السمر العواسل ترفع

فحنّت وألقت نفسها فوق صدره *** وأحنت عليه والنواظر همّع

تناديه من قلب خفوق ومهجة *** لعظم شجاها أوشكت تتقطع

أخي كيف أمشي في السباء مضامة *** وأنت بأسياف الأعادي موزع

وكيف اصطباري ان عدانا ترحلت *** وجسمك في قفر من الأرض مودع

وحولك صرعى من ذويك أكارمٌ *** شباب تسامت للمعالي ورضّع

ص: 49

لها نسجت أيدي الرياح مطارفا *** من الترب فانصاعت بها تتلفع

لمن منكم أنعى وكل أعزةً *** عليَّ ومن عند الرحيل اودّع

أجيل بطرفي لم أجد مَن يجيرني *** تحيّرت ما أدري أخي كيف أصنع

أترضى بأني اليوم أهدى ذليلة *** ووجهي بادٍ لا يواريه برقع

وحولي صفايا لم تكن تعرف السبا *** ولا عرفت يوماً تذل وتضرع

وقال يرثي العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) :

لو كنت تعلم ما في القلب من شجن *** ما ذاق طرفك يوماً طيّب الوسنِ

ولو رأيت غداة البين وقفتنا *** أذلتَ قلبكَ دمعاً كالحيا الهتن

ناديت مذ طوّح الحادي بظعنهم *** وراح يطوي فيافي الأرض بالبدن

يا راحلين بصبري والفؤاد معاً *** رفقاً بقلب محبٍّ ناحل البدن

كم ليلة بتّ مسروراً بكم طرباً *** طرفي قرير وعيشي بالوصال هني

أخفي محبتكم كيلا ينمّ بنا *** واشٍ ولكنّ دمع العين يفضحني

ظللت في ربعكم أبكي لبعدكم *** كما بكين حماماتٌ على فنن

طوراً أشمّ الثرى شوقاً وآونة *** أدعو ولا أحد بالردّ يسعفني

دع عنك يا سعد ذكر الغانيات ودع *** عنك البكاء على الاطلال والدمن

واسمع بخطب جرى في كربلاء على *** آل النبي ونح في السر والعلن

لم أنسَ سبط رسول اللّه منفرداً *** وفيه أحدق أهل الحقد والاحن

يرنو إلى الصحب فوق الترب تحسبها *** بدور تمّ بدت في الحالك الدجن

لهفي له إذ رأى العباس منجدلا *** فوق الصعيد سليبا عافر البدن

نادى بصوت يذيب الصخر يا عضدي *** ويا معيني ويا كهفي ومؤتمني

عباس قد كنتَ لي عضباً أصول به *** وكنتَ لي جنّة من أعظم الجنن

عباس هذي جيوش الكفر قد زحفت *** نحوي بثارات يوم الدار تطلبني

ص: 50

ومخمد النار إن شبّت لواهبها *** ومن بصارمه جيش الضلال فني

بقيت بعدك بين القوم منفرداً *** أُقلّب الطرف لا حام فيسعدني

نصبت نفسك دوني للقنا غرضا *** حتى مضيتَ نقيّ الثوب من درن

كسرتَ ظهري وقلّت حيلتي وبما *** قاسيتُ سرت ذوو الأحقاد والظغن

تموت ظامي الحشا لم ترو غلّتها *** في الحرب ريّاً فليت الكون لم يكن

* * *

ص: 51

الميرزا اسماعيل الشيرازي

المتوفى 1305

قال في جده الحسين (عليه السلام) :

نبا نزار من ضباك الشبا *** أم سمرك اليوم غدت أكعبا

أم عقرت خيلك أم جززت *** منها نواصيها فلن تركبا

ما كان عهدي بك أن تحملي *** الضيم وفي يمناك سيف الإبا

فهذه حرب وقد أنشبت *** فيك على رغم العلى المخلبا

فأين عنكم يا ليوث الوغى *** مخالب السمر وبيض الظبا

وفي الوغى لم تنشري راية *** ولم تجيلي خيلك الشزّبا

فحربك اليوم خبت نارها *** ونار حرب لهبت في الخبا

أتدخل الخيل خباء الأولى *** خباؤها فوق السما طنبا

نساؤها تسبى جهاراً ولا *** من سيفها البتار يدمى شبا

لهفي لآل اللّه إذ أبرزت *** من الخبا ولم تجد مهربا

تؤم هذي ولّها مشرق الشمس *** وهذي تقصد المغربا

وزينب تهتف بالمصطفى *** والمرتضى والحسن المجتبى

يا غائباً لا يرتجى عوده *** ولن تراه أبداً آئبا

ترضى بأن أسلب بين العدى *** حاشاك أن ترضى بأن أسلبا

فأيها الموت أرحني فما *** أهنأك اليوم وما أطيبا

* * *

ص: 52

السيد الميرزا أبو الحسين اسماعيل بن السيد رضا الحسيني الشيرازي : نزيل سامراء ابن عم الميرزا المجدد السيد محمد حسن الشيرازي المشهور وخال أولاده. توفي في 11 شعبان سنة 1305 في الكاظمية وكان قد جاء اليها من سامراء قبل شهرين وحمل الى النجف الأشرف فدفن هناك. كان عالماً فاضلاً جليلاً شاعراً ، قرأ على ابن عمه الميرزا الشيرازي في سامراء وكان من أفضل تلامذته وله اشعار في مدح أمير المؤمنين ورثاء الحسين علیهماالسلام .

أقول وهذه القصيدة مقتبسة من بائية السيد حيدر الحلي :

يا آل فهر اين ذاك الشبا *** ليست ضباك اليوم تلك الظبا

وجاء في ترجمته أن الشيخ حمادي نوح الحلي رثاه بقصيدة أثبتها السيد الأمين في الاعيان ، ولا بأس بالاشارة الى قصيدته في مولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فمنها.

هذه فاطمة بنت اسد *** أقبلت تحمل لاهوت الأبد

فاسجدوا طراً له فيمن سجد *** فله الأملاك خرّت سجدا

مذ تجلّى نوره في آدم

إن تكن تجعل لله البنون *** - تعالى اللّه عما يصفون -

فوليد البيت أحرى أن يكون *** لوليّ البيت طراً ولدا

لا عزير ، لا ولا ابن مريم

حبذا آناء أنس أقبلت *** أدركت نفسي بها ما أملّت

ولدت أمّ العلى ما حملت *** طاب أصلاً وتعالى محتدا

حاملاً ثقل ولاء الامم

ص: 53

الشيخ محسن أبو الحب

المتوفى 1305

قال في الحسين :

فار تنور مقلتيَّ فسالا *** فغطى السهل موجه والجبالا

وطفت فوقه سفينة وجدي *** تحمل الهمّ والأسى أشكالا

عصفت في شراعها وهو نار *** عاصفات الضنا صباً وشمالا

فهي تجري بمزبد غير ساج *** ترسل الحزن والأسى ارسالاً

فسمعت الضوضاء في كل فج *** كل لحن يهيج الاعوالا

قلت ماذا عرى - اميم - فقالت *** جاء عاشور واستهل الهلالا

قلت ماذا عليَّ فيه فقالت *** ويك جدد لحزنه سربالا

لا أرى كربلا يسكنها اليوم *** سوى من يرى السرور محالا

سميت كربلاء كي لا يروم *** الكرب منها إلى سواها ارتحالا

فاتخذها للحزن داراً وإلا *** فارتحل لا كفيت داء عضالا

من عذيري من معشر تخذوا *** اللّهو شعاراً ولقبوه كمالا

سمعوا ناعي الحسين فقاموا *** مثل من للصلوة قاموا كسالا

أيها الحزن لا عدمتك زدني *** حرقة في مصابه واشتعالا

لست ممن تراه يوماً جزوعاً *** تشتكي عينه البكاء ملالا

أنا واللّه لو طحنتُ عظامي *** واتخذت العمى لعيني اكتحالا

ص: 54

ما كفاني وليس إلا شفائي *** هزة تجفل العدى اجفالا

فتكة الدهر بالحسين الى الحشر *** علينا شرارها يتوالا

لك يا دهر مثلها لاوربي *** انها العثرة التي لن تقالا

سيم فيها عقد الكمال انفصاماً *** ذي لئاليه في الثرى تتلالا

سيم فيها دم النبي انسفاكاً *** ليت شعري من ذا رآه حلالا

نفر من بنيه أكرم من تحت *** السما رفعة وأعلا جلالا

ضاق منها رحب الفضاء ولما *** لم تجد للكمال فيه مجالا

ركبت أظهر الحمام وآلت *** لا تعد الحيوة إلا وبالا

ما اكتفت بالنفوس بذلاً إلى أن *** اتبعتها النساء والأطفالا

ملكوا الماء حين لم يك إلا *** من نجوم السماء أقصى منالا

ثم لم يطعموه علماً بأن اللّه *** يسقيهم الرحيق الزلالا

ليتهم بعدما الوغى أكلتهم *** أرسلوا نظرة وقاموا عجالا

ليروا بعدهم كرائم عز *** زلزل الدهر عزها زلزالا

أصبحت والعدو أصبح يدعو *** اسحبي اليوم للسبا أذيالا

ذهب المانعون عنك فقومي *** والبسي بعد عزك الاذلالا

كم ترجّين وثبة من رجال *** لك كانوا لا يرهبون الرجالا

أنت مهتوكة على كل حال *** فانزعي العز والبسي الاغلالا

لك بيت عالي البناء هدمناه *** وحُزنا خفافه والثقالا

أين من أنزلوك باحة عز *** لا ترا كالعيون إلا خيالا

صوّتي باسم من أردتِ فإنا *** قد أبدناهم جميعاً قتالا

وكسوناهم الرمال ثياباً *** وسقيناهم المنون سجالا

وهي لا تستطيع مما عراها *** من دهى الخطب أن ترد مقالا

غير تردادها الحنين وإلا *** زفرة تنسف الرواسي الثقالا

ص: 55

وقال في قصيدة متضمناً للرواية التي تقول أن سبايا الحسين علیه السلام لما قاربوا دخول الشام دنت أمّ كلثوم بنت علي علیه السلام من شمر بن ذي الجوشن وقالت : يا بن ذي الجوشن لي اليك حاجة ، قال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في طريق قليل نظاره وتقدم إلى حاملي الرؤوس أن يخرجوها من بين المحامل فقد خزينا من كثرة النظر الينا ، فأمر بعكس سؤالها بأن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل ويُسلك بهم بين النظارة :

وأعظم شيء أن ربة خدرها *** تمدّ إلى أعدائها كفّ سائل

تقول لشمر والرؤس أمامها *** وقد أحدقت بالسبي أهل المنازل

فلو شئت تأخير الرؤوس عن النسا *** وإخراجها من بين تلك المحامل

ليشتغل النظّار عنا فإننا *** خزينا من النظار بين القبائل

ويقول في مفاداة أبي الفضل العباس لأخيه الحسين (عليه السلام) وكأن الحسين يخاطبه :

أبوك كان لجدي مثل كونك لي *** كلاهما قصب العلياء حاويها

أبوك ساقي الورى في الحشر كوثره *** وأنت أطفالنا بالطف ساقيها

الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الافاق خصب الخيال ، ولد سنة 1235 ه ونشأ بعناية أبيه وتربيته وتحدر من اسرة عربية تعرف بآل أبي الحب ، وتمتُّ بنسبها إلى قبيلة خثعم ، وتدرج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيما ومجالس أبي الشهداء مدارس سيارة وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين علیه السلام من الشعر والخطب ما يتعذر على الأدباء والمعنين بالأدب جمعه أو الاحاطة به ، وشاعرنا الشيخ محسن نظم فاجاد وأكثر من النوح والبكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) وصوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً لا زالت الادباء ومجالس العلماء تترشفه وتستعيده وتتذوقه.

وفي أيام حداثتي وأول تدرجي على الخطابة استعرتُ ديوان الشاعر المترجم

ص: 56

له من حفيده وسميّه الخطيب الشيخ محسن وانتخبت منه عدة قصائد وهي مدونة في الجزء الثاني من مخطوطي ( سوانح الأفكار ) وكتب عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام إذا ارتقى الأعواد تنقّل في المناسبات ، إلى أن يقول : وله ديوان كبير مخطوط كله في الأئمة. توفي بكربلاء سنة 1305 ودفن بها ، وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال في بعض ما قال :

كان فاضلاً أديباً بحاثة ثقة جليلاً ومن عيون الحفاظ المشهورين والخطباء البارعين ، له القوة الواسعة في الرثاء والوعظ والتاريخ وكان راثياً لآل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وشاعراً مجيداً ، حضرتُ مجلس قراءته فلم أر أفصح منه لساناً ولا أبلغ منه أدباً وشعراً. وكتب عنه صديقنا الأديب السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وجاء بنماذج من نظمه وقال : توفي ليلة الاثنين 20 ذي القعدة عام 1305 ه ودفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد ابراهيم المجاب.

أقول ويسألني الكثير عن إبراهيم المجاب ، فهو إبراهيم بن محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم علیه السلام ، وإنما سمي بالمجاب لأنه سلّم على جدّه الإمام فخرج رد الجواب من داخل القبر ، وأبوه محمد العابد مدفون في ( شيراز ) وسمي بالعابد لتقواه وعبادته ، وهكذا كل أولاد الإمام علیه السلام .

ص: 57

فرهاد ميرزا القاجاري

المتوفى 1305 ه

من شعره في الحسين :

قلب يذوب اسى ووجدٌ مُعنف *** وجوانح تذكى وعينٌ تذرفُ (1)

ماكنتُ أحسب قبل طرفك سافحا *** حمر الدما أن النواظر ترعف

فكأنما بمذاب قلبك قد جرت *** تلك الدموع فبلّ منك الموقف

أفهل ترى أصما فؤادك أهيفٌ *** حاشاك أن يصمي فؤادك أهيف

بل قد دهاك مصاب آل محمد *** فعلتك منها زفرة وتلهّف

تاللّه لا أنسى الحسين بكربلا *** وعليه أجناد العراق تعطّفوا

يدعو وليس يرى له من ناصر *** إلا المثقف والحسام المرهف

والصائبات من السهام كأنها *** الاقدار لا تنبو ولا تتخلّف

لهفي على آل الرسول وحرمةٍ *** هتكت ورأس قد علاه مثقّف

وعلى الشفاه الذابلات وأضلع *** عجف يطير لهنّ نصلُ أعجف

لهفي على جثث تركن تزورها *** وحش الفلا وتحوزهنّ الصفصف

تاللّه لا أنسى الحسين وقد دنا *** بين الجحافل راكباً يستعرف

قال انسبوني في أبي ومحمد *** جدي وفاطمة البتول وانصِفوا

وكأن معجزة الكليم بكفه *** ما تلتقي من قوم موسى تلقف

ص: 58


1- اخذناها عن كتاب القمقام لمؤلفه المرحوم فرهاد ميرزا.

لما تنزّل نصر رب محمد *** صمّت حيارى والملائك وقّف

لم يرضه إلا الوفاء بعهده *** ولقاء مَن هو وعده لا يخلف

لهفي لزينب إذ رأته مرملا *** وبه جنود الأدعياء تكنّفوا

نادت بأعلى صوتها أمحمدٌ *** هذا حسينك بالعراء مدفف

عجباً لهذي الشمس لما أشرقت *** تلك الشموس حواسراً لا تكسف

* * *

يا أهل ذي البيت المقدس إنكم *** نور العوالم والسنام الأشرف

( فرهاد ) آنس حبكم فبحبكم *** لا زال يذكر فضلكم ويؤلف

كم كان عظّم من شعائر فيكم *** بمناقب ومأثر لا توصف

وبنى لموسى والجواد شعائراً *** تبنى بتلك له القصور ورفرف

اليوم الّف ذا الكتاب بحبكم *** يرجو غداً بيمينه يتخطّف

خضعت جبابرة الملوك لأمره *** لكنه بولائكم يتشرف

تنسوه أو تردوه أو تقصوه أو *** تحموه فهو بحبكم يتعرف

صلى الاله عليكم ما ناحت *** الورقاء أو نعب الغراب الأسدف

* * *

معتمد الدولة فرهاد ميرزا ابن ولي العهد عباس ميرزا ابن فتحعلي شاه القاجاري ، توفي سنة 1305 ه في ايران وحمل إلى الكاظمية ودفن فيها عالم فاضل له كتاب ( زنبيل ) في فوائد متفرقة بالعربية والفارسية جمعه الميرزا محمد حسين المنشي العلي آبادي المازندراني من خطوط المذكور أيام ولايته على فارس سنة 1293 « مطبوع » وله ( القمقام الزخار ) و ( الصمصام البتار ) في مقتل الحسين (عليه السلام) وأحواله ، فارسي في مجلدين « مطبوع » وله ( جام جم ) في الجغرافيا مترجم عن الانكليزية مع زيارات فارسي « مطبوع ».

وفي الكنى والالقاب : الحاج فرهاد ميرزا بن نائب السلطنة عباس بن فتح

ص: 59

علي شاه القاجار ، كان فاضلاً كاملاً أديباً مؤرخاً جامعاً للفنون له مصنفات كثيرة شهيرة منها ( القمقام ) و ( جام جم ) و ( هداية السبيل ) وغير ذلك. ذكره صاحب الذريعة وقال : من آثاره الخيرية تعمير صحن الكاظمين علیهماالسلام وتذهيب مناراته في سنة 1298 وتوفي سنة 1305 وبعد سنة حمل إلى مقبرته المشهورة بالمقبرة الفرهادية في سنة 1306 أقول : مقبرته في الباب الشرقي من أبواب صحن الكاظمين (علیهماالسلام) مدفون بجنب الباب المعروف باسمه في حجرة عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف.

ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة فقال : جام جم في الجغرافية لتمام الكرة الأرضية وتواريخها في ماية واربعين بابا. والقمقام الزخار فارسي في سيرة الإمام الحسين علیه السلام وشهادته وفرهنك جغرافياي ايران.

* * *

ص: 60

الشيخ احمد الخطّي

اشارة

المتوفى 1306

هو الشيخ أحمد بن مهدي بن أحمد بن نصر اللّه آل السعود الخطي البحراني القطيفي عالم أديب. عقد الشيخ علي آل حاجي البحراني في كتابه ( أنوار البدرين ) فصلاً خاصاً لذكره ، وترجمه ترجمة مفصلة قال فيها : هو أحد أركان الدهر ونبلاء العصر وفصحاء المصر ، أفضل ما يكون في الأدب وأبصر ما يكون بسياسة الملك ، كان لأهل بلاده سيفاً وسناناً وظهراً ولساناً من أحسن حسنات زمانه وأفخر أبناء عصره وأوانه له ( السبع العلويات ) التي جارى بها ابن أبي الحديد ففاقه ، وله السبع التي جارى بها ( المعلقات السبع ) وله مائة قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام ، وله مدائح كثيرة في آل اللّه ومثالب أعداء اللّه ، وديوان شعره يقع في أربعة أجزاء. توفي في ربيع الأول سنة 1306 ه ودفن بالحباكة وهي مقبرة معروفة بالقطب انتهى ملخصاً عن ( التكملة ).

وقال صاحب أنوار البدرين عند ذكره لعلماء الخط والقطيف ما يلي مختصراً : ومن ادبائها الفخام وبلغائها العظام ورؤسائها الحكام الشيخ أحمد بن الشيخ مهدي بن أحمد بن نصر اللّه أبو السعود الخطي ، له من الشعر والأدب الحظ الوافر عاصرناه مدة من الزمان فلم نرَ مثله في الرؤساء والأعيان ، إن جلس مع العلماء فهو كأحدهم في اللّهجة واللسان أو مع الشعراء المجيدين والادباء الكاملين كانت له التقدمة عليهم ، أو مع الرؤساء والحكام فهر المشار اليه بالبنان ، قد سلّم اللّه بسببه كثيراً من المؤمنين من القتل. وإلى الآن لم نقف

ص: 61

لأحد من الشعراء والأدباء مع كثرة تتبعنا واطلاعنا بمثل ما وقفنا له من كثرة الأدب والشعر البليغ المتين ولا سيما في المدائح والمرائي لمحمد وآله الطاهرين ، بالرغم من كثرة النكبات التي لاقاها بعد وفاة والده من حكام الوهابية حتى نهبت أمواله وأملاكه حتى نفي عن البلاد فهاجر للبحرين عن طريق قطر ثم إلى ( أبو شهر ) ثم اتصل بالدولة العثمانية وحرّضها على طرد الوهابية وهكذا كان ثم رجع إلى بلاده بالعز والهيبة والعظمة والسطوة إلى أن أجاب داعي ربه.

وهذه إشارة الى علوياته التي ذكرها صاحب أنوار البدرين. قال من قصيدة طويلة عدّد فيها فضائل الإمام أمير المؤمنين وتخلّص إلى رثاء الإمام الحسين علیه السلام :

فلله ظام حيل والماء دونه *** وسيق له بالزاخرات الشوادر

قضى ضامئاً ما بلّ بالماء ريقه *** ولا علّ إلا بالرماح القواطر

فقل للمعالى أسلسي وتنكبي *** هل انكفأت إلا بصفقة خاسر

وللعربيات الجياد تنبّدي *** ظلال العوالي واقتحام المغاور

فما للمعالي في علاهنّ باذخ *** ولا للعوادي قائد للمضامر

فهذي انوف المجد جذعاً وهذه *** أكفّ المعالي داميات الخناصر

تنوء العوالي منهم بأهلّة *** من الهام والأجساد رهن المعافر

وتجري عليهم كل جرداء هل درت *** بأن وطأت في جريها جسم طاهر

وفي آخرها :

اليك أمير المؤمنين مدائحي *** وفيك وإن لجّ اللواحي بضائري

وأنت معاذي في المعاد وإنما *** اليك مصير الأمر يوم المصائر

هل المدح إلا في معاليك رائق *** وهل راق بالأشعار مثل المأثر

وقال في مطلع قصيدة :

في كل يوم للحشاشة مصدع *** أرقٌ يلم وظا عن لا يرجع

ص: 62

وإلى أمير المؤمنين تجملّي *** وإلى علاه معاذنا والمفزع

ملك تصور كيف شاء إلى الورى *** يعطي به هذا وهذا يمنع

وتحلّقت عذباته بمعاقد *** يهوي لاخمصها المحل الأرفع

كم تستمد السحب منه سماحة *** فتلثّ منها ديمة ما تقشع

ولكم يمرّ به الغمام فينثني *** وطفا يسحّ ركامه يتدفع

سل عند يوم الخندقين ومصرع *** العمرين ذا عانٍ وذاك مصرّع

والقصيدة تربو على المائة بيتاً.

له ما يقرب من مائة قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) وله شعر في أغراض أُخر وله ديوان يقع في مجلدين كبيرين كله في المدائح والمراثي ذكر جملة من شعره في أعيان الشيعة. توفي رحمه اللّه في شهر ربيع الأول سنة 1306 ه وصلّينا عليه مع شيخنا الوالد الروحاني ، وجاء في جملة أحواله أنه كان ينظم في عشر محرم الحرام كل ليلة قصيدة ويعطيها فتنشد في المأتم.

* * *

ص: 63

السيد صالح القزويني النجفي

المتوفى 1306

قال من قصيدة مطوّلة في رثاء الحسين (عليه السلام) :

لله آل اللّه تسرع بالسرى *** وإلى الجنان بها المنايا تسرع

منعوا الفرات وقد طما متدفعا *** يا ليت غاض عبابه المتدفع

أترى يسوغ به الورود ودونه *** آل الهدى كاس المنون يجرعوا

أم كيف تنقع غلة بنميره *** والسبط غلته به لا تنقع

ترحا لنهر العلقمي فانه *** نهر بأمواج النوائب مترع

وردوا على الظماء الفرات ودونه *** البيض القواطع والرماح الشرع

أسد تدافع عن حقايق أحمد *** والحرب من لجج الدما تتدفع

حفظوا وصية أحمد في آله *** طوبى لهم حفظوا به ما استودعوا

واستقبلوا بيض الصفاح وعانقوا *** سمر الرماح وبالقلوب تدرعوا

فكأنما لهم الرماح عرائس *** تجلى وهم فيها هيام ولع

يمشون في ظلل القنا لم تثنهم *** وقع القنا والبيض حتى صرعوا

تنقض من أُفق القتام كأنها *** فوق الرغام نجوم افق وقع

أجسادهم للسمهرية منهل *** ونحورهم للمشرفية مرتع

وجسومهم بالغاضرية جثم *** ورؤسهم فوق الأسنّة ترفع

لله سبط محمد ظامى الحشا *** فرداً يحوم على الفرات ويمنع

ص: 64

ما انقض كوكب سيفه إلا انطوى *** للنقع ثوب بالسيوف مجزع

يرتاح ان ثار القتام وللقنا *** مرح وورقاء الحمام ترجع

ما أحدث الحدثان خطبا فاضعا *** إلا وخطب السبط منه أفضع

دمه يباح ورأسه فوق الرماح *** وشلوه بشبا الصفاح موزع

بالمائدات مرضض بالمائسا *** ت مظلل بنجيعه متلفع

يا كوكب العرش الذي من نوره *** الكرسي والسبع العلى تتشعشع

كيف اتخذت الغاضرية مضجعا *** والعرش ودّ بأنه لك مضجع

لهفي لآلك كلما دمعت لها *** عين بأطراف الأسنة تقرع

تدمى جوانبها وتضرم فوقها *** أبياتها ويماط عنها البرقع

وإلى يزيد حواسراً تهدى على *** الأقتاب تحملها النياق الضلع

* * *

السيد صالح القزويني النجفي البغدادي ولد في النجف الأشرف 17 رجب سنة 1208 ه وتوفي 5 ربيع الأول سنة 1306 ه وبها نشأ وترعرع ودرس العلوم الدينية على جماعة من العلماء أكبرهم وأعمقهم أثراً في نفسه استاذه الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام. وشاعرنا من أعلام العلماء والشعراء نشأ على حبّ العلم إلا أنه اشتهر بمقارضة الشعر ، وكان وقوراً جميل الهيئة قوي العارضة حسن المعاشرة لطيف المحاظرة ولاجتماع الفضائل فيه صاهره مرجع الشيعة واستاذه صاحب جواهر الكلام وانتقل إلى بغداد سنة 1259 وتوفي بها ونقل جثمانه للنجف الأشرف فدفن في المقبرة المعدة لهم في وادي السلام وأعقب خمسة بنين وست بنات اشتهر من أولاده بالشعر اثنان : السيد راضي والسيد حسين المشهور بالسيد حسون ، كما اشتهر بالفضل والعلم ولده السيد مهدي. ولشاعرنا ديوان مخطوط في شتى المقاصد من مدح ورثاء وتهنئة ووصف وله كتاب ( تاريخ أحوال سيد الوصيين ). وهذه الاسرة عريقة في العراق نبغ فيها العلماء الأعلام والشعراء العظام واليكم سلسلة النسب : السيد صالح بن المهدي

ص: 65

ابن الرضا بن مير محمد علي بن أبي القاسم محمد بن محمد علي بن مير قبا بن أبي القاسم محمد بن عبد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسن بن ابي الحسن علي بن أبي الحسين بن علي بن زيد بن أبي الحسن علي الغراب بن يحيى المدعو عنبر بن أبي القاسم علي بن ابي البركات محمد بن أبي جعفر احمد بن محمد صاحب دار الصخرة في الكوفة بن زيد بن علي الحماني الشاعر بن محمد الخطيب بن جعفر الملقب بالشاعر ابن محمد بن زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وشاعرنا المترجم له هو ناظم ( الدرر الغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية ) تحتوي على أربعة عشر قصيدة مطولة في المعصومين الأربعة عشر ، أما ديوانه الكبير فقد جمعه العالم الشاعر الشيخ ابراهيم صادق العاملي وكتبه بخطه وترجم للشاعر ترجمة مُفصلة ، وهذه النسخة اشتراها الأب انستاس الكرملي ثم انتقلت بعد موته إلى مكتبة دار الاثار العامة ببغداد مع الف وخمسمائة ونيف من مخطوطات كتب انستاس ، رأيته في مكتبة دار الاثار برقم 1220 لعله يحتوي على عشرة آلاف بيت ، هذا وقد جمع ديوانه البحاثة الشيخ محمد السماوي أيضاً ، كما جمع ديوان السيد راضي ابن السيد صالح المتوفى في حياة أبيه سنة 1281 في جملة ما جمع من عشرات الدواوين.

وأخيراً طبعت خمس قصائد من شعره وهي التي تخص الخمسة أهل الكساء صلوات اللّه عليهم.

ص: 66

السيد حسين بحر العلوم

المتوفى 1306

قال في الحسين :

حيّ أطلالا بنعمان رماما *** واستلم فيه مقاما فمقاما

وإلى سلع ، سقى سلع الحيا *** عج وبلّغ لأحبائي السلاما

عرب من يعرب لكنها *** لشجاها كاد لم تعرب كلاما

هل درت تلك الدرارى أنني *** أجرع الصاب لها جاما فجاما

وغدت بعد نواهم أدمعي *** كغوادي المزن تنهلّ سجاما

ساهر الأجفان من شجو فما *** ذاق عيني ، لا وعينيها المناما

دام وجدي أمد العمر لها *** وإذا ما جلّ وجد المرء داما

كيف أردتهم يد الدهر وقد *** ملكت أيديهم منه الزماما

هل همت عبرتها من نوب *** نابت الغرّ الميامين الكراما

يوم أضحى سبطها بين العدى *** مفرداً لم يلف حام عنه حامى

ما عدى آحاد قوم ان عدت *** هدمت في بأسها الجيش اللّهاما

بذلت أنفسها حتى لقت *** دون حامي حومة الدين الحماما

من كرام لم تلد امّ العلا *** مثلها في سرمد الدهر كراما

كم بذاك اليوم من أعدائها *** جدّلت بالرغم أقواما طغاما

وشفت أحشاءها حتى قضت *** في سبيل اللّه يا لهفي هياما

فثوت في الأرض صرعى بعدما *** وزعتها أسهم البغي سهاما

ص: 67

كم عليها الدهر قد جار فلم *** يبق منها الدهر شيخا وغلاما

وغدا السبط فريداً بعدها *** بأبي ذاك الفريد المستظاما

فأجال الطرف في أطرافها *** فرآها ملئت جيشا ركاما

فأبت منعته الضيم ومن *** كان للكرار شبلا لن يضاما

ودعاه بأرئى الخلق إلى *** جنبه الأسنى محلا ومقاما

خرّ للموت وترعى عينه *** خفرات عينها تهمى انسجاما

عجبا يقضي سليلُ المرتضى *** وهو من حر الظما يشكو الأواما

أجرو الخيل على جثمانه *** ويح خيل رضضت منه العظاما

رجّت الأرض له بل ملئت *** بعد ذاك الظلم أرجاها ظلاما

واكتست امّ العلى ثوب الأسى *** وغدت أبناؤها الغر يتامى

فلعمرُ اللّه لولا شبله *** علة الكون لما الكون استقاما

لست أنسى خفرات المصطفى *** تشتكي في الطف أقواما لئاما

ساكبات الدمع ثكلى اتخذت *** دمعها الجاري شرابا وطعاما

* * *

السيد حسين بحر العلوم هو ابن السيد رضا ابن آية اللّه بحر العلوم. ولد في النجف سنة 1221 ه ونشأ فيها وكان آية في العلم وروعة في الأدب ومثالاً في الزهد والتقوى. قال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء رحمه اللّه في ( الحصون المنيعة ) : كان علامة زمانه وفهّامة أوانه ، محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً لغوياً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً حسن النظم والنثر.

وقال السيد الصدر في ( تكملة أمل الأمل ) : كان من أكبر فقهاء عصره وأعلمهم ، وأحد أركان الطائفة تفقه على صاحب الجواهر وصار من صدور تلامذته مرشحاً للتدريس العام ، وترجم له كثير من الباحثين وذكروا تلامذته من فطاحل العلماء.

ص: 68

وفي مقدمة الجزء الأول من ( رجال السيد بحر العلوم ) قال : وقد أصيب بعد وفاة استاذه - صاحب الجواهر - بوجع في عينيه أدى بهما الى ( الكفاف ) فأيس من معالجة أطباء العراق وذكر له أطباء ايران فسافر الى طهران سنة 1284 ه وآيسه أيضاً أطباء طهران فعرّج إلى خراسان للاستشفاء ببركة الإمام الرضا (عليه السلام) ، فمنذ أن وصل إلى خراسان انطلق بدوره إلى الحرم الشريف ووقف قبالة القبر المطهر وأنشأ قصيدته المشهورة - وهو في حالة حزن وانكسار - وهي طويلة مثبتة في ديوانه المخطوط ، ومطلعها :

كم أنحلتك - على رغم - يد الغير *** فلم تدع لك من رسم ولا أثر

إلى قوله :

يا نيّراً فاق كل النيرات سنى *** فمن سناه ضياء الشمس والقمر

قصدت قبرك من أقصى البلاد ولا *** يخيب - تاللّه - راجي قبرك العطر

رجوتُ منك شفا عيني وصحتها *** فأمنن عليّ بها واكشف قذى بصري

حتى م أشكو - سليل الأكرمين - أذىً *** أذاب جسمي وأوهى ركن مصطبري

صلى الاله عليك الدهر متصلا *** ما إن يسح سحاب المزن بالمطر

وما ان أنهى انشاء القصيدة حتى انجلى بصره وأخذ بالشفاء قليلاً قليلاً فخرج من الحرم الشريف إلى بيت اعدّ لاستقراره وصار يبصر الأشياء الدقيقة بشكل يستعصي على كثير من المبصرين وذلك ببركة ثامن الأئمة الإمام الرضا علیه السلام . وبقي مدة في خراسان ثم قفل راجعاً إلى العراق - مسقط رأسه وجعل طريقه على بلاد ( بروجرد ) وبقي هناك ينتهل أرباب العلم من فيوضاته مدة لا تقل عن السنتين وخرج منها الى العراق فوصل النجف الاشرف سنة 1287 ه وظل مواظبا على التدريس وإقامة الجماعة حتى ودّع الحياة يوم الجمعة 25 ذي الحجة الحرام 1306 ودفن بمقبرة جده السيد بحر العلوم. له من المؤلفات رسائل في الفقه والاصول ، وشرح منظومة جده بحر العلوم وديوان

ص: 69

شعر كبير أكثره في مدح ورثاء أهل البيت (1).

مدحه شعراء عصره كعبد الباقي العمري ، والشيخ عباس الملا علي ، والشيخ موسى شريف آل محي الدين ، والسيد صالح القزويني البغدادي ، والشيخ حسن قفطان ، والشيخ أحمد قفطان وغيرهم. كما رثاه جملة من الشعراء كالشيخ كاظم الهر ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، ورثاه ولده السيد ابراهيم الطباطبائي وحفيده السيد حسن بحر العلوم.

ترجم له البحاثة علي الخاقاني في شعراء الغرى وذكر جملة من أشعاره.

* * *

ص: 70


1- رأيت ديوانه بمكتبة الإمام أمير المؤمنين في النجف الأشرف - قسم المخطوطات تسلسل 1088 خزانة 4 وقد كتب بأجمل خط على أحسن ورق.

الأمير حامد حسين الهندي

المتوفى 1306 ه

السيد الأمير حامد حسين ابن الأمير المفتي السيد محمد قلي بن محمد حسين ابن حامد بن زين العابدين الموسوي النيسابوري الكنتوري الهندي اللكهنوئي. توفي في 18 صفر 1306 في لكهنوء من بلاد الهند ودفن بها في حسينية غفران مآب. قال السيد الأمين في الاعيان. كان من أكابر المتكلمين الباحثين عن أسرار الديانة والذابين عن بيضة الشريعة وحوزة الدين الحنيف علامة نحريراً ماهراً بصناعة الكلام والجدل محيطاً بالأخبار والآثار واسع الاطلاع كثير التتبع دائم المطالعة لم يرَ مثله في صناعة الكلام والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره بل وقبل عصره بزمان طويل وبعد عصره حتى اليوم ، ولو قلنا أنه لم ينبغ مثله في ذلك بين الإمامية بعد عصر المفيد والمرتضى لم نكن مبالغين يعلم ذلك من مطالعة كتابه العبقات ، وساعده على ذلك ما في بلاده من حرية الفكر والقول والتأليف والنشر وقد طار صيته في الشرق والغرب وأذعن لفضله عظماء العلماء ، وكان جامعاً لكثير من فنون العلم متكلماً محدثاً رجالياً أديباً قضى عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة ، ومكتبته في لكهنؤ وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب ولا سيما كتب غير الشيعة ، وكل من طالع كتابه عبقات الأنوار يعلم أنه لم يكتب مثله في الإمامة ، انتهى.

أقول وكتاب العبقات في إمامة الأئمة الأطهار بالفارسية في الرد على باب الإمامة من التحفة الاثنى عشرية للشاه عبد العزيز الدهلوي ، أثبت من طريق

ص: 71

أبناء السنة والجماعة إمامة أمير المؤمنين على ترتيب القرون والطبقات فكان المجلد الأول في حديث الطائر ومجلدان في الغدير ومجلد في الولاية ومجلد في مدينة العلم ومجلد في حديث التشبيه - حديث المنزلة - ومجلد في حديث الثقلين ومجلدات أُخر ، طبعت كلها ببلاد الهند.

وله موسوعة ( استقصاء الافحام واستيفاء الانتقام ) عشر مجلدات بالفارسية استقصى للبحث عن تحريف الكتاب وفي اثبات وجود المهدي علیه السلام .

وله شمع المجالس ، قصائد عربية وفارسية في مراثي الحسين علیه السلام من إنشائه مطبوع ، أما خزائن كتبه فهي من المكتبات المعدودة في الشرق مخطوطة ومطبوعة تحتوي على النفائس القديمة ولم تزل اليوم بيد أولاده.

* * *

ص: 72

السيد مير محمّد

المتوفى 1306

قال يرثي الحسين :

أتى شهر تسكاب الدموع محرم *** وان لذيذ العيش فيه محرم

تنعّم فيه آل مروان فرحة *** وآل رسول اللّه لم يتنعموا

لآل أبي سفيان دور مسرّة *** وفي بيت أهل البيت قد قام مأتم

وسبط نبيّ اللّه يُنكت ثغره *** وأولاد حرب ثغرها يتبسم

وكان له آيات فضل وسؤدد *** رأوها عيانا ثم من بعدها عموا

* * *

هذه الأبيات من قصيدة في الإمام الحسين علیه السلام ، تشتمل على 110 بيتاً من نظم السيد المفتى المير محمد عباس التستري الكهنوئي المتوفى 1306 ه له ديوان مطبوع بالهند بمطبعة الجعفري مرتباً على الحروف الهجائية يشتمل على النصائح والمواعظ ومدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه المعصومين وفيه كثير من مدح العلماء والصلحاء يحتوي 430 صفحة وقد أسماه ( رطب العرب ) يشتمل على ثلاثة أبواب أطلق على كل مجموعة من الشعر اسم ( نخلة ) فكانت النخلة الثالثة ارجوزة في الإمام الحسين يعدد فيها مناقبه ومقتله وسماها ب ( شمع المجالس ) والشاعر يسكن ( كلكته ).

ص: 73

الشيخ محمد شرع الاسلام

اشارة

المتوفى حدود 1307

يرثى الحسين :

أما ومَن نوّر الأكوان في الظلم *** وأخرج الزهر من سفح ومن أكم

إني وان بكيت عيني بعبرتها *** دمعاً جرى شبه سيل سال من عرم

أو سال منحدراً في الخد يجرحه *** حتى غدى لونه المبيض لون دم

فلم أكن لحسين قد وفيت ولم *** أكن كمن بايعوه عند مصطدم

لحرب أهل عنادٍ كان شأنهم *** بغض الذي كان أوفى الخلق بالذمم

ولست أنسى حسينا حين راسله *** أهل النفاق وأهل الغدر والنمم

ان سر الينا وعجّل يابن بجدتها *** ويا بن حيدرة المخصوص بالعصم

فسوف تلحض منا حال متبع *** وسوف تنظرنا من أطوع الخدم

نوالي كل فتى والي وليّكم *** ومن أبى حبكم أو كان عنه عمي

نريد بالبيض ضربا ليس يحسبه *** إلا زلازل قد صيغت من النقم

واستمر ينظم الوقعة كما جاءت بها كتب المقاتل وفي آخرها قال :

ومنشيِ الشعر راثيكم له أمل *** بأن تزيدوه من علم ومن حكم

هو الملقب بالإسلام عبدكم *** ( محمد ) فهبوه أرفع الهمم

ص: 74

فإن قبلتم فيا طوبى لمنشئها *** وإن رددتم فقل يا زلة القدم (1)

قال الشيخ محمد حرز الدين في كتابه ( معارف الرجال ) : الشيخ محمد ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محسن الحلفي الحويزي النجفي المعاصر ، ولد ونشأ في النجف وكان من العلماء والفقهاء الأجلاء ، اشتهر بالأدب الواسع والظرافة وحسن الأخلاق والسيرة الجميلة بين الاخوان ، وكان شاعراً فقد رثى العلماء والوجوه وهنأهم ، وأرخ كثيراً من الحوادث والوقائع بشعره ، ويروى أنه أرخ باب الصحن الغروي - المعروف بباب الفرج - باسم السلطان ناصر الدين شاه بقوله :

قد فتح السلطان من يمنه *** لدى البرايا باب حصن أمين

باب حمى حامي الجوار الذي *** من حلّه كان من الآمنين

أن تدخلوها فادخلوا سجداً *** فتلك باب حطة المذنبين

أكمل نظمي الفرد تاريخها *** ذا باب سلطان الورى أجمعين

اساتذته ، مؤلفاته :

تتلمذ على علماء منهم اليشخ مهدي ابن الشيخ علي نجل كاشف الغطاء كما حضر على صاحب التأليف والتصنيف السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1300 ألّف في الفقه والأصول كتباً ، وله الرحلة المحمدية والنقلة الإسلامية ابتدأ بها عام 1275 وفرغ منها 14 محرم الحرام 1276 ، ومن مؤلفاته مجموع أدبي علمي يشبه الكشكول بجزئين حدود 800 صفحة وقد اشتمل على نظمه وحكاياته في الحويزة والنجف في التهاني والمديح والرثاء والتواريخ والطرائف. هذه

ص: 75


1- عن الرحلة من مخطوطات الشاعر نفسه توجد بمكتبة كاشف الغطاء العامة رقم 875 قسم المخطوطات.

الرحلة أهدها للسلطان ناصر الدين شاه القاجاري.

وفاته : توفي في النجف حدود عام 1307 وأعقب الشيخ عبد الحسين يقيم في بلد ( قم ) المشرفة.

ترجم له في ( شعراء الغري ) فقال : وآل شرع الإسلام اسرة كريمة لها شهرة في العلم والأدب وقد لحق اللقب جدها الأعلى وهو الشيخ جعفر وكان من مشاهير الفقهاء ومن كتبه شرح شرايع الإسلام في عشرة مجلدات ولمقامه العلمي سافر إلى ايران واتصل بالسلطان القاجاري وتحدث معه فلقبه ب ( شرع الإسلام ).

كما ترجم له السيد الأمين في ( الأعيان ) وذكره الشيخ الجليل الشيخ هادي كاشف الغطاء في كشكوله قال : رأيناه آخر عمره وكان من أهل الكمال والضرف ومن شعره في المدفئة التي يصنعها الايرانيون المسماة ب ( الكرسي ) و ( البخاري ) :

صح عندي يا بن ودي *** باختيار واختبار

آية الكرسي خير *** من أحاديث ( البخارى )

* * *

ص: 76

شعراء القرن الرابع عشر

اشارة

ص: 77

ص: 78

الميرزا أبو الحسن الرضوي

المتوفى 1311

وديار آل محمد من أهلها *** بين الديار كما تراها بلقع

وبنات سيدة النساء ثواكل *** أسرى حيارى في البرية ضيّع

ماذا تقول اميّة لنبيها *** يوماً به خصمأوه تستجمع

* * *

الميرزا السيد أبو الحسن ابن الميرزا محمد ابن الميرزا حسين الملقب بالقدسي. كتب له السيد الأمين في الأعيان ترجمة وافية وقال : كان في الاصول والفقه والوثاقة والزهد والورع وطيب الأخلاق ما لا يمكن الإحاطة به ، درس في النجف على الشيخ مهدي ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء وعلى الشيخ مرتضى الانصاري وأجازه الشيخ مهدي ، وكان شغوفاً بمطالعة الكتب وعلّق حواشي على كتب كثيرة جيد الخط شاعراً أديباً ، عارض قصيدة ابن سينا التي أولها :

هبطت اليك من المحل الأرفع *** ورقاء ذات تعزز وتمنّع

بقصيدة نحو مائة بيت ، وفي آخر أمره اشتغل بعلم الصنعة والجفر ، توفي بمشهد الإمام الرضا علیه السلام سنة 1311 ه ودفن في دار الضيافة.

ص: 79

الشيخ عبد اللّه القاري

المتوفي 1312

خلّها تقطع البسيط وخيدا *** وتجوب القفار بيداً فبيدا

فهي حرف متى سرت لا تبالي *** أحزونا تجوبها أو نجودا

ما تراها لدى السرى تترامى *** طرباً كالنزيف تشأو وخيدا

ولعت بالسرى وبالسير حتى *** أمنت أن ترى اليها نديدا

بل ولولا الزمام يمسكها لم *** يعيها مفرق السماك صعودا

شفّها كثرة الوجيف فعادت *** مثل سنّ المزاد مرّاً زهيدا

وعلى رامة وأكناف حزوى *** لا تعرّج بها وجانب زرودا

وإلى كربلا فأمَ بها إذ *** ما سواها غدى لها المقصودا

وأنخها بها فثمّ مقام *** يحتذي النيرات فخراً مشيدا

وابتدر تربها بلثمك وأخضع *** وعلى عفره فعفّر خدودا

واسع رسلاً به لدارة قدس *** قد حوت نيّر الوجود الشهيدا

الحسين القتيل نجل عليٍّ *** خير من ساد سيداً ومسودا

واستلم قبره الشريف وسلّم *** وأبك شجوا حتى تروّي الصعيدا

يوم جاشت عليه فيها جيوش *** تخجل الرمل والعداد عديدا

حيث أن تسخط الاله وترضي *** ابن زياد بقتله ويزيدا

فانتضى همة لاحمد تُنمى *** وانتضى للوصي بأساً شديدا

غير ما أنه يزور صحابا *** أحرزوا المجد طارفا وتليدا

ص: 80

عاهدوه على الوفاء وعافوا *** دونه الأهل والداً ووليدا

وانثنوا للوغى سواغب اسد *** قد تراءت من النعام برودا

والتقى جيشهم بقوة بأس *** ثابت يرهق الجبال الميدا

مستميتين يلتقون المنايا *** مثل لقياهم الحسان الغيدا

لا ترى منهم سوى كل ندب *** أريحيٍّ يرى الملاحم عيدا

وتقيٍ سميدع لوذعيٍ *** فاضل يخجل السحائب جودا

لست أنساهم ونار الوغى لم *** تفتَ تذكو على الكماة وقودا

كلهم يصطلى لظاها إلى أن *** غادرتهم على الصعيد خمودا

لهف نفسي لقطب دائرة الأكوان *** إذ صار للطغاة فريدا

حرّ قلبي لصحبه مذ رأهم *** كالأضاحي على التراب رقودا

فاتكى بينهم على قائم *** السيف وناداهم وليس مفيدا

أأحباي ما لكم قد هجرتم *** لي وواصلتم ثرى وصعيدا

لمَ صيرتم التراب وساداً *** وافترشتم صحاصحا وكديدا

هل سئمتم لصحبتي أم سقاكم *** طارق الحتف من رداء ورودا

ومضى للوغى يدير رحاها *** بيد لم تزل تدير الوجودا

يلتقيها بهمة لو أرادت *** طوت الدهر غيبة وشهودا

مستطيلاً عليهم والعفرنى *** ليس يخشى وقد أهاج القرودا

لم يزل بالسنان يفري كبودا *** وبماضي الشبا يقدّ قدودا

وإذا بالنداء من حضرة القدس *** - الينا تجد مقاما حميدا

فرماه الدعيّ شلّت يداه *** عيطلا للهدى أصاب وريدا

فهوى للصعيد ملقى ولكن *** نال في المجد في الهويّ صعودا

يا مليك الأقدار والسيد المسدي *** إلى الخلق والعباد الجودا

عجباً للمهاد والشهب والسبع *** السماوات مذ غدوت فقيدا

ص: 81

كيف قرّت بأهلها واستنارت *** واستقامت وقد فقدن العميدا

لست أنسى العليل في الأرض ملقى *** ناحل الجسم لا يطيق القعود

بأبي بل وبي اقيه البلايا *** ضارعاً مبتلى يعاني القيودا

كم أراد العدا به الحتف لكن *** حفظ اللّه في بقاه الوجودا

حيث لولا بقاه في الأرض عادت *** نقطة الكائنات بالعدم عودا

حوله من نسائه ثاكلات *** بمقام تسيء فيه الحسودا

يتجاوبن بالمناح كأن قد *** علّم الورق نوحها التغريدا

من ثكول تبثّ شكوى لثكلى *** وولود تنوح حزناً وليدا

بينها زينب الفجائع ولهى *** غادرالحزن قلبها مقدودا

تكتم الحزن من حياء فتبديه *** دموع تخدّ منها الخدودا

تنظر السبط بالعرا ونساها *** في السبا لم تجد ولياً ودودا

وعليلا بأسره ، وخباها *** صار نهباً وللحريق وقودا

واليتامى بربقة الأسر غرثى *** قد أذاب الضماء منها الكبودا

أيها الراكب المجد بحرف *** ما لوت عن بلوغها القصد جيدا

قف لك الخير ساعة وتحمّل *** لي شكوى وسر بها لي بريدا

وامض حثاً إلى الغرى ففيه *** أصيد صاد بالفخار الصيدا

وإذا مان حللت ناديه سلّم *** وبه ناد لا تخف تفنيدا

يا عليّ الفخار والفارس *** المغوار لا هائباً ولا رعديدا

عظّم اللّه في الحسين لك الأجر *** فقد مات مستظاما شهيدا

أدركت منه وترها آل حرب *** حيث أشفت أظغانها والحقودا

قتلوه بغيّهم واستحلوا *** فيه لله حرمة وحدودا

قطعوا رأسه الشريف وعلّوه *** سنانا مثقفا أملودا

حوله من رؤوس أبنائك الغر *** نجوما تعلو العوالي الميدا

ص: 82

يتهادى أمامها مثل بدر *** التمّ يتلو بها الكتابَ المجيدا

والعوادي بجسمه تتعادى *** فوجت منه صدره المحمودا

يا لها العقر ما درت أيّ جسم *** تركته بوطئها مهدودا

ومعرّىً على الثرى ألبسته *** شفر البيض والرياح برودا

ونساه على النجائب مهما *** تُطوَ بيدٌ بها تقابل بيدا

معجلات بهن لابن زياد *** ويزيد أسرى تحاكى العبيدا

يا لها نكبة إلى الحشر لم يبلَ *** الجديدان من جواها جديدا (1)

* * *

هو عبد اللّه بن علي من شعراء القرن الرابع عشر. ترجم له صاحب أنوار البدرين في شعراء الاحساء فقال : هو من ادبائها الكاملين الخيرين الشيخ عبد اللّه بن علي الاحسائي رحمه اللّه ، كان من الأخيار الأتقياء الأبرار ومن شعراء أهل البيت الأطهار علیهم السلام ، له ديوان شعر في مجلدين أو أكثر ، وله قصيدة هائية جارى بها ملحمة الملا كاظم الأزري تبلغ ثلاثة آلاف بيت عدّد فيها مواقف أهل البيت في المغازي وذكر فضائلهم ، وأكثر أشعاره في مراثي الحسين علیه السلام وأنصاره. كان من المعاصرين ، توفي رحمه اللّه في سيهات ( قرية من قرى القطيف ) وصلى عليه شيخنا العلامة. ومن شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) :

الا بأبي أفدي الغريب الذي قضى *** وما بلّ منه بالورود أوامُ

غداة عليه جاش في طف كربلا *** لهم جيش بغيٍ كالخضم لهام

ص: 83


1- هذه القصيدة واخرى مطلعها : برغم العلى يا بن النبيين تغتدي *** ثلاث ليال لا تُوارى بساتر رواهما الشيخ حسين الشيخ علي البلادي البحراني في ( رياض المدح والرثاء ) وقال : للتقي الأواه الشيخ عبداللّه القاري الاحسائي.

وذادوه عن ورد الفرات وما دروا *** بأن نداه للوجود قوام

وراموه قسراً أن يضام بسلمه *** يزيد وهل رب الأباء يضام

فهبّ للقياهم وجرّد عزمة *** لها الحتف عبدٌ والقضاء غلام

وقابلهم من نفسه بكتائب *** عليهم بها كادت تقوم قيام

وثارت لديه غلمة مضرية *** لها بقراع الدارعين غرام

اسود لها البيض المواضي براثنٌ *** كما أن لها السمر اللدان أُجام

تهش إلى الحرب العوان كأنها *** به البيض بيض والدماء مدام

وسمر العوالي إذ تاوّد عطفها *** قيان ونقع الصافنات خيام

لهم لفنا الهيجا ابتدار كأنهم *** خماص حداها للورود هيام

يخوضون تيار الحمام ضواميا *** وقد شبّ للحرب العوان ضرام

حماة أياديها شواظ لمعتد *** ولكنها للسائلين غمام

تفرّ الأعادي خيفة من لقائهم *** كما فرّ من خوف البزاة حمام

إذا ركعت في الدارعين سيوفهم *** سجدن لها الهامات وهي قيام

إلى أن اريقت في الصعاد دماؤهم *** وفاجأهم بالمرهفات حمام

وخروا على عفر التراب كأنهم *** بدور هوت في الترب وهي تمام

وآب فتى العلياء وابن زعيمها *** له عن حماه في الطعان صدام

فريد ونبل القوم من كل وجهة *** اليه فرادى رشقها وتُوام

إلى أن يقول :

فيا عجباً للدهر يسقيك حتفه *** ولولاك منه ما استقام نظام

ولم لا هوت فوق البسيط سماؤها *** وأنت لها يا بن الوصي دعام

وللأرض لم قرّت وأنت اشمتها *** وقد هدّ منه بالعراء شمام

وتقضي بجنب النهر ظام ولم تزل *** بجدواك تستجدي الفيوض أنام

ص: 84

فيا فلك العلياء كيف تحملت *** قواك وهادٌ للثرى واكام

برغم المعالي أن تظل على الثرى *** تريب المحيا قد كساك رغام

وتترك في حرّ الظهيرة ثاويا *** يسومك من لفح الهجير سوام

وفي الحصون المنيعة للشيخ علي كاشف الغطاء رحمة اللّه عليه في الجزء الثاني منه صفحة 168 ذكر مرثية أخرى رثى بها الإمام الحسين (عليه السلام) وأولها :

حتى مَ قلبكِ لا يرقّ لشاك *** ويعود ممنوحاً بوصل لقاك

* * *

ص: 85

الشيخ جابر الكاظمي

المتوفى 1312

قال يرثي الحسين (عليه السلام) :

عفت فهي من أهلها بلقع *** ولم يبق لي عندها مطمع

لقد قلّص الظل عن روضها *** وقوّض عن أرضها المجمع

تخاطب أطلالها ضلّة *** وليس لها اذن تسمع

أتطمع من مربع أن يجيب *** سؤالاً وهل جاوب المربع

وأين لذي خرس منطق *** وأين لذي صمم مسمع

وليس بها غير رجع الصدا *** يردّ لك القول أو يرجع

وتأمل منها شفاء الغليل *** ولم تشف غلّتها الادمع

أما علم المصطفى بعده *** بنو الكفرما بهم أوقعوا

تضيع ودائعه بينهم *** وطيب شذاه بهم مودع

واسرته في أكفّ العدا *** اسارى لأهل الخنا تضرع

تراهم لهم رنة في الدجى *** تكاد الرواسي لها تصدع

ونوح يذيب الصفا شجوه *** كنوح الحمائم إذ تسجع

ألا يا مذيق الحمام الهوان *** ويا أيها البطل الأنزع

أتسبى نساؤكم جهرة *** ومنها براقعها تنزع

وتهشم أضلاعها بالسياط *** وهاماتها بالقنا تقرع

ص: 86

ولا تدفع الضيم عنها ولا *** تكف يد الظلم أو تمنع

فأجسادهم ملعب للجياد *** وأكبادهم للضبامرتع

فيا سروات بني غالب *** وعدنان شكوى شجىً فاسمعوا

فلا حملتكم متون الجياد *** ولا ضمّ جمعكم مجمع

ألا فانهضوا بعد هذا الثوى *** وثوروا بثاركم واسرعوا

أيقتل سبط الهدى ضاميا *** ومن كفه عيلمٌ مترع

ويمسى محيطاً به ضرّه *** وفي ذكره الضرّ يستدفع

مصابٌ له الشمس إذ كوّرت *** تداعى له الفلك الأرفع

مصاب له الأرض إذ زلزلت *** يضعضع أركانها الأربع

فيا لمصاب يراع الندا *** له وفؤاد الهدى يصدع

يشلّ بها ساعد المكرمات *** وأنف المعالي به يجدع

الأقل لرواد روض الندا *** رويداً ذوى غصنه فارجعوا

* * *

الشيخ جابر الكاظمي ، ولد بالكاظمية سنة 1222 ونشأ بها وتولع بدراسة الأدب ولازم مجالس الشعراء ومساجلتهم ، وكان من طفولته مليح النكتة حاضر البديهة سريع الجواب حتى لقب في أواسط عمره ب ( أبي النوادر ) حفظ أكثر شعر العرب وكان ينشده ويجيد انشاده ، ويعتز بنسبه ويتغنى بمجد آبائه ، وسلسلة نسبه يذكرها الأعرجي في ( مناهل الضرب في انساب العرب ) ومن شعره قوله :

وإني من ربيعة غير أني *** ربيعهم إذا ذهب الربيع

وزاده شرفاً وافتخاراً أن والدته من سلالة علوية واسمها ( هاشمية ) وكانت جليلة القدر محترمة في الأوساط الدينية ، ذكر السيد البحاثة السيد حسن الصدر في ( التكملة ) قال : حدثني بعض الأجلة من العلماء أن صاحب كتاب الفصول والشيخ صاحب الجواهر كانا إذا جاءا لزيارة الإمامين الجوادين عليهما

ص: 87

السلام يقصدان دارها ويزورانها لجلالتها. وهي كريمة السيد جواد بن الرضا ابن المهدي البغدادي.

والشيخ جابر من فطاحل الادباء ، ملأ الاسماع بشعره متضلعاً في الكلام والتفسير والحديث والتاريخ مع ورع وتعفف وتقوى ونسك لم يرَ في الشعراء بورعه وتقواه ، وولاؤه لأهل البيت علیهم السلام مضرب المثل حلو الكلام عذب الألفاظ موزون النبرات.

ذكره صاحب الحصون فقال : كان فاضلاً كاملاً شاعراً ماهراً بالعربية والفارسية اديباً لغوياً عالماً بالعلوم العربية والأدبية وقد خمّس قصيدة الأزرية المشهورة فأحسن بتخميسه وأجاد. إلى آخر ما قال :

سافر إلى إيران مرتين وكان موضع حفاوة وتقدير من قبل الملوك والامراء وكان له ولد واحد وهو الشيخ طاهر عرف بالفضل والعلم والأدب وقد مات يوم كان أبوه في ايران في السفرة الثانية وبموت هذا الولد انقطع نسل الشيخ جابر من الذكور.

توفي بالكاظمية في صفر سنة 1312 ه 1895 م ودفن في الصحن الكاظمي في الغرفة الثالثة عن يمين الداخل من باب فرهاد ميرزا ، وطبع ديوانه في مطابع بغداد سنة 1384 ه بتحقيق البحاثة الشيخ محمد حسن آل ياسين سلمه اللّه وفي مقدمة الديوان ترجمة وافية لصاحب الديوان بقلم محقق الديوان قال فيها : ولد الشاعر في الكاظمية سنة 1222 ه وكان أبوه الشيخ عبد الحسين قد هاجر اليها من ( بلد ) لطلب العلم أيام الفقيه السيد محسن الأعرجي ، أي في اخريات القرن الثاني عشر الهجري.

ص: 88

سليمان الصولة

اشارة

المتوفى 1312

الشاعر المسيحي السوري سليمان بن ابراهيم الصوله ، جاء في ديوانه المطبوع في مصر صفحة 230 قال : دخلت مدينة صور - لبنان يوم عاشوراء والشيخ علي عز الدين - أحد أفاضل الشيعة - في مأتم الامام الحسين (عليه السلام) فلم يستطع أن يقابلني ، فبعثت له بهذه الأبيات والثلاثة وهي :

لا فارق الكرب المؤبد والبلا *** مَن لا ينوح على الشهيد بكربلا

إن لم تسل منا العيون ففي الحشا *** مهج يفتت نوحهنّ الجندلا

فعلى الشهيد وآله آل الرضا *** مني السلام متمماً ومكملا

فأسرع حفظه اللّه لزيارتي وبعث بالأبيات لحضرة والده بقية الأفاضل. وكوكب المحافل. العلامة الورع الإمام محمد عز الدين. بمقاطعة ( تبنين ) وإذ قد وردت من حضرته رسالة هذه صورتها.

من أطراف الهبات. وأظرف الصلات. ان تلا عليّ ولدي حسين ثلاثة أبيات ارسلت لأبيه الشيخ علي يوم عاشوراء فقلت لمن هم. فقال لأبي الطيبات. المتصف بأفضل الصفات. صاحب الغيرة والصوله. المعلم سليمان الصولة. فقلت هدهد الشعراء الآتي بالنبا. وآصفهم المتناول عرش بلقيس من سبا. بل سليمانهم الملبس امرئ القيس على بساطه بجاد العبا. ثم تناولتها فأعجبتني جداً. وأكثرتني شكراً وحمداً. وأذكرتني برقتها المرحوم والده المجيد. المعلم

ص: 89

ابراهيم الصولة الفريد. ولاعجابي بها وشغفي بما حوت من الإيجاز. والبلاغة والإعجاز. شطرتها وخمستها ، وذيلتُ التخميس. بخطاب نفيس. لحضرة ناظمها الأجل الأمثل. والجهبذ الأفضل الأكمل. راجياً أن يلحظني بعين الرضا. الكليلة عن العيب. وأجره على عالم الغيب.

( وهذا التشطير أثابه اللّه ونوّله مناه )

لا فارق الكرب المؤبد والبلا *** قلبا سليل المصطفى الهادي سلا

وبهبهبٍ يوم المعاد قد اصطلى *** من لا ينوح على الشهيد بكربلا

إن لم تنح منا العيون ففي الحشا *** نزّاعة لشوى الشؤون مع الكلا

الوجد أحرق مدمعي فتناوحت *** مهج يفتت نوحهنّ الجندلا

فعلى الشهيد وآله آل الرضى *** بكت الملائك لا الغرانيق العلى

وانا الذي اهدي لمن يهواهم *** مني السلام متمماً ومكملا

ثم تبادلت بيننا الزيارات مراراً. وبلغ جناب مخدومة الشيخ علي ما لأبنتي ليلى من الذكاء المفرط وحفظها الشعر من مرة واحدة وافراط شوقي اليها فقال :

لئن كنت قد فارقت ليلى بجلقٍ *** وأنت على بعدٍ لها غير صابر

فسلّم إلى الرحمن تسلم من الاذى *** ويقّن بأن ينجيك من شرّ غادر

ولا تجزعن مما لقيت فانه *** قضاء قضى من قبل ناهٍ وامرِ

وذلك لأني كنت ممنوعاً من الخروج من صور بأمر والي سوريا عزت باشا لأني أخبرت باستيلاء روسيا على أسكلة باطوم قبل أن تعلم بذلك عامة الناس فلم يمض على ذلك عشرون يوماً حتى صدر الأمر الكريم السلطاني باطلاقي وعودتي لمأموريتي ، فقال يمدحني حفظه اللّه ويعتذر من تأخير زيارته وهذه هي أبياته المذكورة :

قد جُمّعت فيك الفصاحة والعلى *** يا من به دست الفضائل قد علا

لا فضّ فوك ولا عدمتك فاضلا *** قد قلت خير القول في خير الملا

ص: 90

فشغفت من طربي وقلت لصاحبي *** إن لم يكن شعر الرجال كذا فلا

أنت المصلي في العلوم جميعها *** عند الحسود وإن سبقت الأولا

ما عاقني عن أن أراك منادمي *** إلا عزائي للشهيد بكربلا

ذاك الذي جبريل خادم جده *** والمدح فيه كالحصاة من الفلا

وفي أعيان الشيعة ج 42 ترجمة للشيخ علي عز الدين ابن الشيخ محمد عز الدين المتوفى 1304 الذي كان يقطن في صور - لبنان قال :

وكان رجل من المسيحيين اسمه ابراهيم الصولي شاعراً أديباً ، قد أرسلته الدولة العثمانية الى صور موظفاً في بعض الدوائر ، فكانت بينه وبين الشيخ علاقة أدب وشعر فما كاد يمر يوم حتى يجتمعان. وفي يوم العاشر من المحرم انقطع الشيخ للعزاء والمأتم فأرسل له الصولي الأبيات ( لا فارق الكرب المؤبد والبلا ) فأجابه الشيخ على البديهة ( قد جمعت فيك البلاغة والعلى ) الأبيات وقال : والشيخ علي عز الدين كان ذكياً حاذقاً نسابة عارفاً بأشعار العرب حافظاً للتواريخ ترجم له في ( منية الراغبين في طبقات النسابين ).

* * *

ص: 91

الشيخ عباس الأعسَم

اشارة

المتوفى 1313

ألا أن خطبا هائلا جلّ وقعه *** له تنثنى الأيام وهي غياهب

بافلاذ قلب المصطفى قد تنشبَت *** مخالبه والمدميات المخالب

وقارع سبط المصطفى في صروفه *** وأقراع خطيّ الخطوب غوالب

عشية جاءته يغصّ بها الفضا *** عصائب شرك تقتفيها عصائب

فشمّر للحرب الزبون طليقة *** نواجذه كالليث والليث غاضب

تحوط به فتيان صدق تشوقهم *** حسان المعالي لا الحسان الكواعب

تعوم بهم في موج مشتجر القنا *** عراب من الخيل العتاق سلاهب

إذا رفعت للنقع ظلمة غيهب *** فأسيافهم في جانبيها الكواكب

تتابع في الضرب الطعان فلا ترى *** سوى طاعن يقفوه في الطعن ضارب

تهاووا على الرمضاء صرعى تلفّهم *** عن العين من نسج السوافي جلابب

إلى أن قضوا حقّ المعالي وشيدت *** لهم في ذرى سامي الثناء مضارب

فقام باعباء الحروب مشمراً *** أخو همة تنحط عنها الثواقب

يخوض غمار الموت وهي زواخرٌ *** وتلك التي عن وردها الليث ناكب

بعزم يذيب الصم وهي صياخد *** وما كل عزم واري الزند ثاقب

ولولا قضاء اللّه لم يبق واحدٌ *** على الأرض ممن قارعوه وحاربوا

ولكنما أيدي المقادير سددت *** إلى قلبه سهم الردى وهو صائب

ص: 92

قضى فالمعالي الغرّ تنعى ثواكلا *** عليه وغرّ المكرمات نوادب

قضى فاستشاط الدين حزناً وأقذيت *** له مقل أجفانهنّ سواكب

قضى وهو مطوي الضلوع على ظما *** له شعلٌ في حرّها القلب لاهب

فليت عباب الماء غاض ولم تكن *** تدرّ بمنهل القطار السحائب

وإن أنسَ لا أنسى عقائل أحمد *** وقد نهبت أحشاءهن النوائب

تقاد برغم المجد أسرى حواسراً *** وتطوى بها أدم الفلاة النجائب

يجاذبها في مشرق الشمس جانب *** ويقذفها من مغرب الشمس جانب

تحنّ حنين النيب وهي ثواكل *** تنازع منهن القلوب المصائب

وما بينها مقروحة القلب زينب *** تنادى وما غير السياط مجاوب

وتدعو فتشجي الصم زينب حسرة *** بسافح دمع عنه تروى السحائب

أيا ثاوياً لم ترو غلّة صدره *** وقد نهلت منه القنا والقواضب

أبعدك أجفاني يمرّ بها الكرى *** ويهنأ لي عيش وتصفو مشارب (1)

وقال متوسلاً بالامام الحسين علیه السلام :

اليك ابن طه لا إلى غيرك انتحت *** ركائب قصدي والرجاء يسوقها

أتتك تؤم البيد تستعجل السرى *** وما عاقها عن قصدها ما يعوقها

عليك لها حق الضيافة والقرى *** وأي ضيوف لا توفى حقوقها

* * *

الشيخ عباس الأعسم بن عبد السادة النجفي الحيري ولد في النجف الأشرف عم 1253 ه وهاجر منها إلى الحيرة حوالي سنة 1290 ولما كانت سنة 1298 بلغه وهو في الحيرة وفاة طفلين له في النجف اصيبا بالطاعون الذي عم العراق تلك السنة. عاد الى وطنه النجف سنة 1307 وبقي فيها إلى أن توفي في شهر

ص: 93


1- الدر المنظوم في الحسين المظلوم مخطوط الخطيب السيد حسن البغدادي.

ذي القعدة من سنة 1313 وعمره ستون كانت له قريحة وقّادة وبديهة سريعة في النظم فعكف على العلم والأدب ولازم الحوزات العلمية والأوساط الأدبية ويقضي ايام الراحة والاستجمام في الحيرة عند السادة آل زوين.

قال السيد الأمين في الأعيان : رأينا له في النجف ديوان شعر مجموع بخطه. أقول ونسخة من ديوانه بمكتبة الشيخ السماوي واخرى عند ولده الشيخ محمد الذي كان قاضي الجعفرية في النجف والمتوفى 1366 أما نسخة خط الناظم عند ولده الآخر الشيخ عبد الحسين تقرب من ثلاثة آلاف بيت وقد رتّبه بنفسه على الحروف ، وسلسلة نسبه : فهو ابن الحاج عبد السادة ابن الحاج عبد ابن الحاج مرتضى بن الحاج قاسم بن ابراهيم بن موسى بن الحاج محمد الذي هاجر من ( خليص ) احدى ضواحي المدينة إلى النجف الأشرف.

فمن قوله في الغزل :

بكّر إلى الروض بصرف الطلا *** وامزج بها رضاب ريق الملاح

واجل دياجي الهم في ضوئها *** تقشع الليل بضوء الصباح

لا سيما من كف مجدولة *** مالئة الحجلين غرثى الوشاح

تفتك بالأكباد أجفانها *** كأنها تستلّ بيض الصفاح

فكل قلب من سهاماتها *** مسهّم أو مثخن بالجراج

يا بأبي المسكر من ريقها *** عند اغتباقي منه والاصطباح

وله :

ولما تجلّت بيننا كسروية *** من الحبب الدري تعقد تاجها

حكت أدمعي في لونها فكأنها *** عصارة خدي مَن أدار مزاجها

من الزنجبيل العذب كان مزاجها *** ويا ما أحيلاها وأحلى مزاجها (1)

ص: 94


1- عن مجلة الغرى السنة السادسة العدد 2.

وللشيخ عباس الأعسم مشطرا والاصل للقطامي :

يقتلننا بحديث ليس يعلمه *** من هنّ عنه بواد وهو في واد

وما الهوى غير سر ليس يفهمه *** من يتقين ولا مكنونه باد

فهن ينبذن من قول يصبن به *** قلب الشجي بتبريح وإيقاد

وهن يسخرن في قول يقعن به *** مواقع الماء من ذي الغلّة الصادي

وله أيضاً مخمساً والاصل للشيخ كاظم الازري :

أما والبيت والسبع المثاني *** لقد حكم الغرام على جناني

وفي برج الجمال من الحسان *** لنا قمرٌ سماوي المعاني

تشكل للعيون بشكل ريم

تملّك بالجمال على البرايا *** وأصبحت القلوب له رعايا

به اختلفت عناوين القضايا *** على عينيه عنوان المنايا

وفي خديه ترجمة النعيم

* * *

ص: 95

الباقر الخونساري

المتوفى 1313

من أكابر الفقهاء والمجتهدين. ولد سنة 1226 في قصبة خونسار ونشأ نشأة علمية روحية درس ودرّس وكتب وألّف فمن مؤلفاته كتابه الجليل المسمى ب ( روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ) موسوعة قيّمة نافعة وغيره مما يقارب العشرين مؤلفاً في مختلف العلوم والفنون.

توفي رحمه اللّه ببلدة اصفهان سنة 1313 كذا ذكر الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) وله ديوان شعر ذكره عندما ترجم نفسه وقال يشتمل على قصائد في مدائح المعصومين ، سمى كل قصيدة باسم خاص ( التحفة المحمودية ) عنبة عسكرية ( شعشة قمرية ) هدية فيروزجية ) وهكذا ، وكتب له مقدمة خالية من الحروف المعجمة أولها : الحمد لله الملك المالك المحمود والواحد الصمد ... يوجد عند حفيديه السيد محمد علي الروضاتي والسيد أحمد باصفهان ، وقد طبع لصاحب الروضات منظومة ( قرة العين في اصول الدين ) باصفهان وذلك سنة 1320 ه. انتهى عن ( الذريعة ج 9 قسم الديوان صفحة 575 ).

* * *

ص: 96

آغا أحمد النوّاب

اشارة

المتوفى 1311

جاء في مجموع الخطيب السيد عباس الموسوي قصيدة للسيد أحمد النواب قد نظمها في شهر المحرم سنة 1311 ه.

الدمع لا يرقى مدى الازمان *** لرزية المذبوح والعطشان

هذي المدامع سيلها متواصل *** من كل قاص في الأنام ودان

لهفي على العباس وهو مجدلٌ *** والسبط يدعو في رحى الميدان

ظهري انحنى من عظم ما قد حلّ بي *** يا أوصل الأصحاب والاخوان

ثم انثنى نحو الخيام منادياً *** هذا الوداع ولا وداع ثاني

نادته زينب والجوى بفؤادها *** روحي الفدا يا سيد الأكوان

أأخي كيف أراك في حرّ الثرى *** دامي الوريد مضرج الجثمان

يا ويلتا ، يا حسرتا ، يا لهفتا *** تبدو السبايا من بني عدنان

جئنا من الحرم المنيع بعزّة *** وحماية الفرسان والشجعان

ثم انثنينا راجعين بلا حمى *** غير اليتاما والأسير العاني

والسبط مطروح ثلاثا بالعرى *** ملقى بلا غسل ولا أكفان

* * *

السيد أحمد النواب ، ينتهي نسبه إلى ادريس بن جعفر التواب بن الإمام علي الهادي علیه السلام ، وكانت هذه الاسرة قبل هذا تتصل بزيد النار ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). وآل النواب اسرة كبيرة ، وهم طائفتان : إحداهما علوية ومنها المترجم له والاخرى هندية ، وبين الاسرتين مصاهرة قديمة

ص: 97

ومن الصعب التمييز بين المنتمين اليهما.

والمترجم لم نعثر له على ترجمة سوى أن الخطيب السيد عباس البغدادي ، خطيب بغداد ذكر له في مجموعة قصيدتين في رثاء الإمام الحسين علیه السلام نقلهما من مجموع للشاعر المترجم له ، وقد كتب السيد عباس فوق القصيدتين ما نصه : مما قاله حضرة النواب الأكرم السيد أحمد اغا النواب أدام اللّه وجوده ، وذلك في أيام عاشوراء سنة 1312 ه.

أقول وذكر الشاب المعاصر السيد جودت السيد كاظم القزويني في مخطوطاته ان بين السيد أحمد النواب وبين السيد عباس صاحب المخطوطة نسبة قرابة من جهة النساء حتى أن في ديوان السيد عباس المخطوط قصيدة في تهنئة النواب المذكور بقران أحد أولاده. ويظهر من مجموعة الخطيب أن النواب كان حياً سنة 1312 ه كما هو مؤرخ في تاريخ نظم القصيدتين.

ومما قاله السيد احمد النواب :

تحية تغتدى من ربنا الداني *** على الحسين عظيم القدر والشأن

هو ابن مَن مِن رسول اللّه مكانته *** مكان هارون من موسى بن عمران

هو الذي فيه بل في والديه غدا *** مباهلاً جده أحبار نجران

هو ابن حيدرة الكرار يوم وغى *** مبيد شرك وفرسان وشجعان

هو ابن من نزلت في حقه سور *** الذكر المبين بايضاح وتبيان

هو ابن مَن أنزل الباري ولايته *** يوم الغدير بتبليغ وبرهان

أوحى الاله لخير الرسل قاطبة *** إن لم تبلّغ فما بلّغت قرآني

هو الأمير الذي كانت ولايته *** من الاله بأفضال وإحسان

خير الورى بعد خير الأنبياء عُلاً *** وسيد الخلق من إنس ومن جان

مهما نسيت فلا أنسى مواقفه *** ما بين شرّ الورى من آل كوفان

هو الذي قال فيه المصطفى شرفاً *** مني حسين ومن آذاه آذاني

ص: 98

السيد جعفر الحلّي

اشارة

المتوفى 1315

سادة نحن والأنام عبيد *** ولنا طارف العلى والتليد

فبايماننا اهتدى الناس طراً *** وبايماننا استقام الوجود

وأبونا محمد سيد الكل *** وأجدر بولده أن يسودوا

ماعشقنا غير الوغى وهي تدري *** انها سلوة لنا لا الخود

تتفانى شبابنا بلقاها *** وعليها يشب منا الوليد

لو ترانا بالحرب نلتف بالسمر *** عناقاً كأنهن قدود

ونحيي البيض الصقال بلثم *** فكأن الحدود فيها خدود

وإذا قرّت الملاحم قلنا *** يا منى القلب طال منك الصدود

نحشر الخيل كالوحوش ولكن *** خلفها الطير سائق وشهيد

كيف لم تقفها الطيور وفيها *** كل يوم لهن نحر وعيد

كل ملمومة إذا ما ارجحنت *** جللتها بوارق ورعود

غررٌ في خيولنا واضحات *** كنجوم يلوح فيها السعود

ولنا في الطفوف أعظم يوم *** هو للحشر ذكره مشهود

يوم وافى الحسين يرشد قوماً *** من بني حرب ليس فيهم رشيد

خاف أن ينقضوا بناء رسول *** اللّه في الدين وهو غض جديد

وأبى اللّه أن يحكّم في الدين *** طليق مستعبد وطريد

ص: 99

كيف يرضى بأن يرى العدل *** النقص والجائر المضل يزيد

فغدا السبط يوقظ الناس للرشد *** وهم في كرى الضلال رقود

ولقد كذبته أبناء حرب *** مثل ما كذب المسيح اليهود

فدعا آله الكرام إلى الحر *** ب فهبوا كما تهب الاسود

علويون والشجاعة فيهم *** ورثتها آباؤهم والجدود

لم يهابوا جمع العدى يوم صالوا *** وان أستنزروا وقل العديد

أفرغوهن كالسبائك بيضاً *** ضافيات ضيقن منها الزرود

ملأتها الأعطاف طولاً وعرضاً *** فكان صاغها لهم داوود

وأقاموا قيامة الحرب حتى *** حسب الحاضرون جاء الوعيد

يشرعون الرماح وهي ظوام *** ما لها في سوى الصدور ورود

وضباهم بيض الخدود ولكن *** زانها من دم الطلا توريد

ما نضوها بيض المضارب إلا *** صبغوها بما حباها الوريد

كم ينابيع من دم فجّروها *** فارتوى عاطش وأورق عود

قضب فلت الحدود وعادت *** جدداً ما فللن منها الحدود

لست أدري من أين صيغ شباها *** أكذا يقطع الحديد حديد

موقف منه رجت الأرض رجا *** والجبال اضطربن فهي تميد

وسكنّ الرياح خوفاً ولولا *** نفس الخيل ما خفقن البنود

فركود الأحلام فيهن طيش *** وعروق الحياة فيها ركود

لا خبت مرهفات آل علي *** فهي النار والأعادي وقود

عقدوا بينها وبين المنايا *** ودعوا ها هنا توفّى العقود

ملؤا بالعدى جهنم حتى *** قنعت ما تقول هل لي مزيد

ومذ اللّه جل نادى هلموا *** وهم المسرعون مهما نودوا

نزلوا عن خيولهم للمنايا *** وقصارى هذا النزول صعود

ص: 100

فقضوا والصدور منهم تلظى *** بضرام وما ابيح الورود

سلبوهم برودهم وعليهم *** يوم ماتوا من الحفاظ برود

تركوهم على الصعيد ثلاثاً *** يا بنفسي ماذا يقل الصعيد

فوقه لو درى هيا كل قدس *** هو للحشر فيهم محسود

تربة تعكف الملائك فيها *** فركوع لهم بها وسجود

وعلى العيس من بنات علي *** نوّح كل لفظها تعديد

سلبتها أيدي الجفات حلاها *** فخلا معصم وعطل جيد

وعليها السياط لما تلوّت *** خلفتها أساور وعقود

ووراها كم غرد الركب حدواً *** لثرى فوك أيها الغريد

أتجد السرى وهنّ نساء *** ليس يدرين ما السرى والبيد

أسعدتها النيب الفواقد لما *** نحن وجداً وللثرى ترديد

عجباً لم تلن قلوب الأعادي *** لحنين يلين منه الحديد

وقسوا حيث لم يعضّوا بناناً *** لعليل عضت عليه القيود

وله حنت الفصيل ولكن *** هيمته امية لا ثمود

ينظر الروس حوله زاهرات *** تتثنى بها العوالي الميد

* * *

السيد جعفر كمال الدين الحلي النجفي. عرفت هذه الاسرة بالانتماء الى الجد السادس لصاحب هذه الترجمة ، وهو السيد كمال الدين بن منصور فهو جد الاسرة الكمالية المنتشرة في الحلة وضواحيها والنجف والكوفة وقد كتب عنها مفصلاً الخطيب اليعقوبي في ( البابليات ) كما أقام الشواهد على شاعريته وسرعة البديهة عنده وديوانه أصدق شاهد على سموّ شعوره وكان من حقه أن يطلق اسم ( سحر بابل وسجع البلابل ) على ديوانه قبل أن يجمع والذي جمعه أخوه السيد هاشم بعد وفاة الشاعر. توفي فجأة في شعبان لسبع بقين من سنة 1315 ه-

ص: 101

ودفن في وادي السلام بالنجف الأشرف عند قبر والده على مقربة من مقام المهدي ورثاه جماعة من ذوي العلم والأدب منهم العلامة الشيخ عبد الحسين صادق العاملي والشيخ محمد حسن سميسم والأديبان الشيخ محمد الملا وولده الشيخ قاسم وأخوه السيد هاشم بقصيدتين واقتطفنا من ترجمته ما جاء في مقدمة ديوانه المطبوع في صيدا وهي بقلم المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ومنها : الشريف أبو يحيى جعفر بن الشريف حمد الحلي منشئاً ، النجفي مسكناً ومدفنا الشاعر المفوه الأديب يتصل نسبه بيحيى بن الحسين بن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين ، ولد رحمه اللّه يوم النصف من شهر شعبان المعظم من السنة السابعة والسبعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية في احدى القرى اللصيقة بالحلة الفيحاء على شاطيء الفرات وتسمى بقرية السادة من رساتيقها الجنوبية التي تعرف بالعذار وأبوه السيد حمد سيدها في الفضل والصلاح وأحد المتخرجين على العلامة السيد مهدي القزويني طاب ثراه وكان له عدة أولاد أكبر من السيد جعفر كلهم أهل فضل وعلم وتقى ولما ترعرع السيد جعفر وبلغ أو كاد اقتفى أثر اخوته الكرام فهاجر إلى النجف من العذار قبل أن ينبت بعارضه العذار وكانت قد ساءت الحال على أهل تلك النواحي وذهبت مادة حياتهم وانقطعت أسباب رفاهيتهم بانقطاع ماء الفرات الذي عادت مجاري سيوله الذهبية سيل رمال وسلسلة تلال ومساحب أذيال مما ألجأ الحكومة العثمانية حينئذ للاهتمام بانفاق مبالغ من الأموال في عشرات من السنين حتى أعادت الماء إلى مجراه بواسطة هذا السدّ العظيم المهم في الفرات ويُدعى اليوم بسدة الهندية ، طفق ذلك السيد الحدث يطلب العلم في النجف وهو يستظل سماء القناعة ويلتحف أبراد الفقر والفاقة وما أحرّها من أبراد ولكن بين جنبيه تلك النفس الشريفة والروح اللطيفة والجذوة الوقادة والشيم الهاشمية والشمائل العربية فجعل يختلف إلى مجالس العلم ويحضر أندية الفضل ويتردد إلى محافل الأدب وناهيك بالنجف يوم ذاك وما ادراك ما النجف - البلدة تتجلى

ص: 102

لك بها الفضيلة بأتم مجاليها بل بتمام حقائقها ومعانيها هي تلك الدائرة التي جعلت مركزها باب مدينة العلم فاستقت من ينبوعه واستمدت من روحانيته وحلّقت في سماء المعارف الدينية والأخلاق الأدبية حتى بلغت ما شاءت هي وشاءت لها العناية.

نشأ السيد جعفر فاستطرف قدر حاجته من المباديء النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان ، وصار يختلف إلى مدارس العلماء وحوزاتها الحافلة بالفقه وهو في كل ذلك حلو المحاضرة سريع البداهة حسن الجواب نبيه الخاطر متوقد القريحة جريّ اللسان فهو يسير إلى النباهة والاشتهار بسرعة ويتقدم إلى النبوغ والظهور بقوة وبينا هو في خلال اشتغاله بطلب العلم كان يسنح على خاطره فيجري دفعاً على لسانه من دون أعمال فكر ومراجعة روية البيتان والثلاث والنتف والمقاطيع حسب ما يقتضيه المقام ويناسبه الوضع فيتلوها على الحضور أياًما كانوا قلة أو كثرة ضعة أو رفعة غير هيّاب ولا نكل فتستحسن منه وتستجاد وتستزاد وتستعاد ولكن نحو ما قال أحد الشعراء :

كلما قلت قال أحسنتَ زدني *** وبأحسنتَ لا يباع الدقيق

برع في نظم الشعر وهو دون الثلاثين وأصبح من الشعراء المعدودين الذين تلهج الألسن بذكرهم وتتغنى بشعرهم ، واقترن بأحد كرائم قومه وعاد ذا عيلة فاشتدت وطأة الدهر عليه وصارت تعتصره كل يوم عصّارة الحدثان وتكتظه صبّارة الصرفان وهو يتلوّم تارة ويتبرّم واخرى يصبر أو يتصبر وطوراً يضج في أشعاره ويتضجر وأعظم ما هنالك رزية أنه يجتلب مسكة رمقه ودرّة عيشه من ضرع قلمه وشق قصبته. وإذا كان الشعر مرآة الشعور ومظهر حقيقة قائلة وتمثال شمائله ومخائله فاقرأ ما شئت من ألوان شعره لتراه محلّقاً في جميع ضروب الشعر وآفاقه سباقاً إلى اختراق معانيه ومثالا لمصداقه سيما في الرثاء فقد قال من قصيدة عصماء يرثي المرحوم الميرزا حسن الشيرازي :

ص: 103

يا شعلة الطور قد طار الحِمام بها *** وآية النور عفّى رسمها الزمنُ

اليوم نمك طوى الإسلام قبلته *** فاللّه يحفظ من أن يعبد الوثن

تحركوا بك إرقالا ولو علموا *** أن السكينة في تابوتهم سكنوا

والقصيدة كلها بهذا اللون وهذه القوة ، وهكذا كان السيد جعفر من قوة العاطفة وصدق الاحساس وشدة الانفعال ، كما أنه على جانب كبير أيضاً من سعة الخيال وعمق التفكير وجودة التصوير وبلاغة التعبير ويرى البعض أنه يزاحم السيد حيدر في شهرته وشاعريته وكثيراً ما اشترك في حلبات شعرية فحاز قصب السبق.

ذكر الشيخ محمد السماوي في كتابه ( ظرافة الأحلام ) قال : أخبرني السيد الشريف العلامة السيد حسين بن معز الدين السيد مهدي القزويني رحمه اللّه قال : رأيت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في المنام ذات ليلة مباركة من ليالي رجب سنة 1312 جالساً في مقبرة والدي بالنجف على كرسي ، ووالدي بين يديه متأدب أمامه ، وكأن المقبرة روضة متسعة فسلّمت وأردت تقبيل يد الإمام فقال أبي امدحه أولاً ثم قبّل يده فأنشدته :

أبا حسن أنت عين الاله *** فهل عنك تعزب من خافية

وأنت مدير رحى الكائنات *** وإن شئت تسفع بالناصيه

وأنت الذي امم الأنبياء *** لديك إذا حشرت جاثية

فمن بك قد تمّ ايمانه *** يساق جنة عاليه

وأما الذين تولوا سواك *** يساقون دعّاً إلى الهاويه

قال فتبسم علیه السلام وقال لي أبي أحسنتَ ، فدنوت منه وقبّلت يديه ، وانتبهت وأنا أحفظ الأبيات ولما أصبحت حضر المجلس على العادة جماعة من فضلاء الادباء فذكرت ما رأيت وقلت :

من كان يهوى قلبه *** ثاني أصحاب الكسا

فلينتدب لمدحه *** مشطراً مخمسا

ص: 104

فانتدب جماعة للتشطير والتخميس ، فممن شطر الشيخ جواد الشبيبي والسيد عدنان ابن السيد شبر الحسيني الغريفي البحراني البصري المتوفى 1336 ومنهم السيد علي ابن السيد محمود الأمين العاملي الحسيني المتوفى 1328 في جبل عامل وقد نقل المدح إلى رثاء الحسين علیه السلام إذ وافق تخميسه أيام المحرم ، وممن شطر فقط العلامة السيد محسن الأمين كما نظم الشيخ محمد السماوي تشطيراً للابيات أقول والذي حلّق في هذه الحلبة هو الشاعر السيد جعفر السيد حمد الحلي فقال في التشطير - وهذا مما لم ينشر في ديوانه :

أبا حسن أنت عين الاله *** على الخلق والاذن الواعيه

تراهم وتسمع نجواهم *** فهل عنك تعزب من خافيه

وأنت مدير رحى الكائنات *** وقطبٌ لأفلاكها الجاريه

فإن شئت تشفع يوم الحساب *** وإن شئت تسفع بالناصيه

وأنت الذي امم الأنبياء *** تولتك في الأعصر الخاليه

وكل الخلائق يوم النشور *** لديك إذا حشرت جاثيه

فمن بك قد تمّ إيمانه *** فبشراه في عيشة راضيه

بحوضك يسقى ومن بعد ذا *** يساق إلى جنة عاليه

وأما الذين تولّوا سواك *** فما هم من الفرقة الناجية

يجيئون للحشر سود الوجوه *** يساقون دعّاً إلى الهاويه

ثم خمس الاصل والتشطير فقال : وهذا مما لم ينشر في ديوانه ايضا

براك المهيمن إذ لا سواه *** وبيّن باسمك معنى علاه

فكنت ترى الغيب لا بإشتباه *** أبا حسن أنت عين الاله

على الخلق والاذن الواعية

ترى الناس طراً وترعاهم *** وأقصى الورى منك أدناهم

ومهما أسروا خفاياهم *** تراهم وتسمع نجواهم

فهل عنك تعزب من خافيه

ص: 105

أقلّ معاجزك الخارقات *** حضورك للشخص حين الوفاة

فأنت المحيط بستّ الجهات *** وأنت مدير رحى الكائنات

وقطبٌ لأفلاكها الجاريه

لك الناس تحشر يوم المأب *** مطأطأة الروس خوف العذاب

فمنك الثواب ومنك العقاب *** فإن شئت تشفع يوم الحساب

وإن شئت تسفع بالناصيه

بك الحشر مهّد للاستواء *** وباسمك قامت طباق السماء

فأنت المحكّم يوم الجزاء *** وأنت الذي امم الأنبياء

تولتك في الأعصر الخالية

إذا بعث اللّه مَن في القبور *** ومن سفر الموت أضحوا حضور

فأنت الأمير بكل الامور *** وكل الخلائق يوم النشور

لديك إذا حشرت جاثيه

محبك تثقل ميزانه *** ويعلو بيوم الجزا شأنه

وهب فرضه بان نقصانه *** فمن بك قد تمّ إيمانه

فبشراه في عيشة راضيه

ينال الكرامة غبّ الأذى *** وعن ناظريه يماط القذى

فما بعد يشكو ظماه إذا *** بحوضك يسقى ومن بعد ذا

يساق إلى جنة عاليه

أبا حسن بك أنجو هناك *** وأرجو رضا خالقي في رضاك

فلم يُنج في الحشر إلا ولاك *** وأما الذين تولوا سواك

فما هم من الفرقة الناجيه

سيأتي الشقي ومن تابعوه *** بجمع عن الحوض قد حُلّؤه

جفاةٌ لحقك قد ضيّعوه *** يجيئون للحشر سود الوجوه

يساقون دعّاً إلى الهاويه

ص: 106

فإذا ضممت إلى ذلك أن السيد جعفر ما كان يملك كتاباً من الأدب ولا كان يحفظ ولا مقدار مائة بيت ولو متفرقة من شعر العرب أو من بعدهم الى عصره قلتَ هذا أعجب وأغرب ، ولسهولة قول الشعر عليه على ما عرفت من شدة محنه وابتلائه كان مكثراً منه فكان لا يجلس ولا يقوم على الأكثر إلا وقد قال الأبيات أو البيتين فما فوقها حسبما سنح في تلك المحاضرة والمحادثة من الدواعي وكان ربما طلب ماءً أو قهوة أو دخاناً أو داعب جليساً أو غير ذلك فيورد غرضه ببيتين من الشعر هما أجلا في أداء مراده من الكلام المألوف والقول المتعارف ، وربما كان يأتي إلى بيت من يريد فلا يجد ربّه فيكتب على الجدار حاجته أو سلامه ويذهب وهذا كثير له فمن ذلك بيتان كتبهما في دار السيد السند ثقة الإسلام وقدوة الاعلام السيد حسن الصدر يشفّعه عند استاده حجة الإسلام الشيرازي طاب ثراه وهما :

لقد بقيت بسامراء منفرداً *** مثل انفراد سهيل كوكب اليمن

والدهر لما رماني في فوادحه *** آليتُ لا أشتكي إلا إلى الحسن

وحدثني سماحة المغفور له الشيخ هادي نجل الشيخ عباس كاشف الغطاء أن السيد جعفر طلب منه الخروج إلى النزهة خارج النجف في أيام الربيع وهناك تكثر أغادير الماء ، فاعتذر إليه الشيخ فكتب له :

عذيري منك أن تأبى اتباعي *** على حقٍ ومَن لي بالعذير

ومن عجب وانك جعفري *** وترغب عن أحاديث الغدير

فالتورية ب ( جعفري ) انه جعفري المذهب وينتسب للشيخ جعفر الكبير جدّ الاسرة ، وفي كلمة الغدير تورية بيوم غدير خم الذي عقدت فيه البيعة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، وقال مداعباً أستاذه الشيخ الشربياني.

أشيخ الكل قد أكثرت بحثاً *** بأصل براءة وباحتياط

ص: 107

وهذا وقت زوار و ( نوطٍ ) *** فباحثنا بتنقيح المناط

ومن نوادره قوله :

تسمّى بالقريض اليوم *** مَن ليس له أهلا

أتونا بالمقاطيع *** وكلٌ يدّعى وصلا

وقال يداعب الشربياني :

للشربيانيّ أصحاب وتلمذةٌ *** تجمّعوا فرقاً من هاهنا وهنا

ما فيهم مَن له بالعلم معرفة *** يكفيك أفضل كل الحاضرين أنا

وقال ممازحاً الخطيب الاديب ... لما تزوّج بامرأة ثيبة بعد ان تزوّج بامرأتين قبلها :

بشراك في لؤلؤة قد ثقبت *** أنفع من لؤلؤة لم تثقب

ومهرة وطّأ شخص ظهرها *** أحسن من جامحة لم تركب

ومنهج قد سلكت فيه الخطا *** أحسن من نهجٍ جديد متعب

وقد وجدنا في الكتاب آية *** قدّم فيها اللّه ذكر الثيّب

اسم العجوز في المقال طيب *** لأنه وصف لبنت العنب

مرت عليها أربعون حجة *** فهي إذاً كالصارم المجرب

عرّفها الدهر تقلباته *** فساتصفها عارفة التقلب

ومَن يسبّ الثيبات سائني *** لأنه قد سبّ ظلماً مذهبي

خديجة بنت خويلد على *** ما نقلوا أعزّ أزواج النبي (1)

بك الاثافي كملت ثلاثة *** ففز بها كالمرجل المنصّب

ص: 108


1- لا شك أن خديجة بنت خويلد هي أفضل زوجات النبي وام المؤمنين حقاً. إذ هي أول امرأة آمنت برسول اللّه وبيتها أول بيت بني في الاسلام وكان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كلما ذكرها بكى فقالت له السيدة عائشة : ما لك يا رسول اللّه وقد أبدلك اللّه بخير منها ، قال : واللّه ما أبدلني بخير منها ، آوتني إذ طردني الناس وصدقتني إذ كذبني الناس ورزقني منها الولد إذ حرمني من غيرها. وعلى ما يقول النسابة الشهير ابن أعثم الكوفي أن خديجة لم تتزوج بغير رسول اللّه ، وهي سيدة نساء قريش ولمكانتها في نفس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه لم يتزوج بغيرها ما دامت هي في قيد الحياة ، ولما ماتت خديجة وأبو طالب في عام واحد حزن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسمى ذلك العام ب عام الحزن.

أضف إلى ذلك رقة غزله وخفة روحه فحينما تدرس غزله وتشبيبه تراه يسيل رقة وعاطفة ويبدع ما شاء له الابداع في الخيال والتصوير فاستمع اليه في حائيته الرائعة والتي تناهز التسعين بيتاً - وهذا مقطع منها :

هزوا معاطفهم وهنّ رماح *** ونضوا لواحظهم وهنّ صفاح

شاكين ما حملوا السلاح وإنما *** منهم عليهم أهبة وسلاح

ونشرن ألوية الشعور عليهم *** سوداً وكل طرفه السفاح

وتعمّدونا باللحاظ فلا ترى *** من عاشق ما أثخنته جراح

آرام وجرة لا يدون قتيلهم *** وأسيرهم لم يرج فيه سراح

فتح الجمال لهم وفي وجناتهم *** كتب ابن مقلتها هو الفتاح

بشراك يا من ذاق برد ثغورهم *** أعرفت ماروح الهوى والراح

ونعمت يامن شمّ طيب خدودهم *** أرأيت كيف الورد والتفاح

لا تحسبن لئالئاً في خده *** لكنه عرق الحيا الرشاح

قدحت خدودك في فؤادي جذوة *** والورد خير صنوفه القداح

وأضيق ذرعاً من خلاخلك التي *** ضاقت على ساقيك وهي فساح

وحشاء أخفق من جناحي طائر *** إن يخفقا لك قرطق ووشاح

ماذا يعيب بك النصوح ثكلته *** حاشاك بل غشتني النصاح

الطرف ساج ، والسوالف صلتة *** والجيد أتلع والجفون ملاح

يا يوسف الحسن البديع جماله *** لي مثل يعقوب عليك نياح

إن أوعدت بالصدّ فهي جهينة *** أو واعدت بالوصل فهي سجاح

وقال :

أخذ الريم منك سحر العيون *** وروت عنك مائسات الغصون

واستفاد الهلال منك ضياءاً *** حين قابلته بشمس الجبين

ص: 109

وسرت من لماك نفحة سكر *** أخذت بعضها ابنة الزرجون

ومن اللؤلؤ الذي بثناياك *** صفاء باللؤلؤ المكنون

أجل ، وإن شعره رحمه اللّه يبلغ - ولا شك - أضعاف ما نشر في ديوانه المطبوع وذلك لأن مثل تلك المقاطيع والنتف التي تتفق عرضاً وتجري سنوحاً مما لا يمكن تقييد شواردها ورهن أوابدها ، واهتم بجمع ديوانه شيخنا المصلح الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وأخذه بنفسه في سنة 1331 ه حين سافر إلى لبنان والديار المصرية ووقف على طبعه في صيدا بمطبعة العرفان وصدره بمقدمة نفيسة وعلّق على الديوان حواشي هامة تتضمن بالإيجاز تراجم مَن جاءت أسماؤهم في الديوان مع تهذيب الديوان وتنقيحه.

وبعد أن يكن السيد جعفر أبدع في نواحي كثيرة من شعره فإن روائعه في شهداء الطف تمتاز على باقي أدبه ، فكأن ذكرى أولئك الشهداء الذين كرهوا الذل وأنفوا من الضيم وجادوا بنفوسهم الزكية ودمائهم الطاهرة في سبيل الحق والكرامة توقظ بين جوانحه شعلة الثورة الهاشمية وهل تدري أن إحدى هذه القصائد الحسينية بل أجودها وأشهرها نظمها بساعتين ، وهي رائعته التي مطلعها :

وجه الصباح عليّ ليل مظلم *** وربيع أيامي عليّ محرم

وكان ذلك في شهر المحرم فلا تسمع إلا ناع وناعية ونادب لسيد الشهداء ونادبة ، فمرّ الشاعر في هذا الجوّ وتمشى في الصحن العلوي واسترسل بنظم هذه القصيدة التي تزيد على السبعين بيتاً وكلها من الشعر المنسجم أمثال قوله في أصحاب الحسين :

متقلدين صوارما هندية *** من عزمهم طبعت فليس تكهم

إن أبرقت رعدت فرائص كل ذي *** بأس وأمطر من جوانبها الدم

ويصف بطولة أبي الفضل العباس حامل راية الحسين والأخ المواسي بأسمى ما تكون من أنواع المواساة ، ففي زيارته : أشهد أنك نعم الأخ المواسي لأخيه :

ص: 110

عبست وجوه القوم خوف الموت و *** العباس فيهم ضاحك يتبسم

قلب اليمين على الشمال وغاص في *** الأوساط يحصد بالرؤوس ويحطم

وثنى أبو الفضل الفوارس نكّصاً *** فرأوا أشدّ ثباتهم أن يهزموا

ماكرّ ذو بأس له متقدماً *** إلا وفرّ رأسه المتقدم

ثم يشير إلى فارس العرب ربيعة بن مكدم المعروف بحامي الضعينة فيقول :

حامي الضعينة أين منه ربيعة *** أم أين من عليا أبيه مكدّم

قسماً بصارمه الصقيل، وإنني *** في غير صاعقة السما لا أقسم

لولا القضا لمحا الوجود بسيفه *** واللّه يقضي ما يشاء ويحكم

ثم ينحدر إلى شجاء مصرع هذا البطل وفجيعة الحسين بهذا الأخ المحامي فيقول عن لسان الحسين :

أأخي يهنيك النعيم ولم أخل *** ترضى بأن أُرزى وأنت منعّم

أأخي من يحمي بنات محمد *** إن صرن يسترحمن مَن لا يرحم

لسواك يلطم بالأكف وهذه *** بيض الضبا لك في جبيني تلطم

ما بين مصرعك الفظيع ومصرعي *** إلا كما أدعوك قبل فتنعم

هذا حسامك من يذلّ به العدا *** ولواك هذا من به يتقدم

هوّنتَ يابن أبي مصارع فتيتي *** والجرح يسكنه الذي هو أألم

يا مالكاً صدر الشريعة إنني *** لقليل عمري في بكاك متمم

مشيراً إلى مالك بن نويره وحزن أخيه متمم عليه ورثائه له.

وهذه احدى روائعه في سيد الشهداء :

أدرك تراتك أيها الموتور *** فلكم بكل يد دم مهدور

عذبت دماؤكم لشارب علّها *** وصفت فلا رنق ولا تكدير

ولسانها بك يا ابن أحمد هاتف *** أفهكذا تغضي وأنت غيور

ص: 111

ما صارم إلا وفي شفراته *** نحر لآل محمد منحور

أنت الولي لمن بظلم قتّلوا *** وعلى العدى سلطانك المنصور

ولو أنك استأصلت كل قبيلة *** قتلا فلا سرف ولا تبذير

خذهم فسنة جدكم ما بينهم *** منسية وكتابكم مهجور

ان تحتقر قدر العدى فلربما *** قد قارف الذنب الجليل حقير

أو انهم صغروا بجنبك همة *** فالقوم جرمهم عليك كبير

غصبوا الخلافة من أبيك وأعلنوا *** ان النبوة سحرها مأثور

والبضعة الزهراء امك قد قضت *** قرحى الفؤاد وضلعها مكسور

وأبوا على الحسن الزكي بأن يرى *** مثواه حيث محمد مقبور

واسأل بيوم الطف سيفك إنه *** قد كلم الأبطال فهو خبير

يوم أبوك السبط شمّر غيرة *** للدين لما أن عناه دثور

وقد استغاثت فيه ملة جده *** لما تداعى بيتها المعمور

وبغير أمر اللّه قام محكّماً *** بالمسلمين يزيد وهو أمير

نفسي الفداء لثائر في حقه *** كالليث ذي الوثبات حين يثور

أضحى يقي العدل وهو مهدم *** ويجبّر الاسلام وهو كسير

ويذكر الأعداء بطشة ربهم *** لو كان ثمة ينفع التذكير

وعلى قلوبهم قد انطبع الشقا *** لا الوعظ يبلغها ولا التحذير

فنضى ابن حيدر صارماً ما سله *** إلا وسلن من الدماء بحور

فكأن عزرائيل خط فرنده *** وبه أحاديث الحمام سطور

دارت حماليق الكماه لخوفه *** فيدور شخص الموت حيث يدور

واستيقن القوم البوار كأن *** أسرأفيل جاء وفي يديه الصور

فهوى عليهم مثل صاعقة السما *** فالروس تسقط والنفوس تطير

شاكي السلاح لدى ابن حيدر أعزل *** واللابس الدرع الدلاص حسير

ص: 112

غيران ينفض لبدتيه كأنه *** اسدُ بآجام الرماح هصور

ولصوته زجل الرعود تطير بالأ *** لباب دمدمة له وهدير

قد طار قلب الجيش خيفة بأسه *** وانهاض منه جناحه المكسور

بأبي أبي الضيم صال وماله *** إلا المثقف والحسام نصير

وبقلبه الهم الذي لو بعضه *** بثبير لم يثبت عليه ثبير

حزن على الدين الحنيف وعربة *** وظماً وفقد أحبة وهجير

حتى إذا نفذ القضاء وقدّرا *** لمحتوم فيه وحتم المقدور

زجت له الأقدار سهم منية *** فهوى لقى فاندك منه الطور

وتعطل الفلك المدار كأنما *** هو قطبه وعليه كان يدور

وهوين ألوية الشريعة نكصاً *** وتعطل التهليل والتكبير

والشمس ناشرة الذوائب ثاكل *** والأرض ترجف والسماء تمور

بأبي القتيل وغسله علق الدما *** وعليه من أرج الثنا كافور

ظمآن يعتلج الغليل بصدره *** وتبلّ للخطيّ منه صدور

وتحكمت بيض السيوف بجسمه *** ويح السيوف فحكمهن يجور

وغدت تدوس الخيل منه أضالعا *** سر النبي بطيها مستور

في فتية قد أرخصوا لفدائه *** أرواح قدس سومهن خطير

ثاوين قد زهت الربى بدمائهم *** فكأنها نوارها الممطور

هم فتية خطبوا العلا بسيوفهم *** ولها النفوس الغاليات مهور

فرحوا وقد نعيت نفوسهم لهم *** فكان لهم ناعي النفوس بشير

فاستنشقوا النقع المثار كأنه *** ندّ المجامر منه فاح عبير

واستيقنوا بالموت نيل مرامهم *** فالكل منهم ضاحك مسرور

فكأنما بيض الحدود بواسماً *** بيض الخدود لها ابتسمن ثغور

وكأنما سمر الرماح موائلا *** سمر الملاح يزينهن سفور

ص: 113

كسروا جفون سيوفهم وتقحموا *** بالخيل حيث تراكم الجمهور

من كل شهم ليس يحذر قتله *** إن لم يكن بنجاته المحذور

عاثوا بآل امية فكأنهم *** سرب البغاث يعثن فيه صقور

حتى إذا شاء المهيمن قربهم *** لجواره وجرى القضا المسطور

ركضوا بأرجلهم إلى شرك الردى *** وسعوا وكل سعيه مشكور

فزهت بهم تلك العراص كأنما *** فيها ركدن أهلة وبدور

عارين طرزت الدماء عليهم *** حمر البرود كأنهن حرير

وثواكل يشجي الغيور حنينها *** لو كان ما بين العداة غيور

حرم لأحمد قد هتكن ستورها *** فهتكن من حرم الاله ستور

كم حرة لما أحاط بها العدى *** هربت تخف العد ووهي وقور

والشمس توقد بالهواجر نارها *** والأرض يغلي رملها ويفور

هتفت غداة الروع باسم كفيلها *** وكفيلها بثرى الطفوف عفير

كانت بحيث سجافها يُبنى على *** نهر المجرة ما لهن عبور

يحمين بالبيض البواتر والقنا *** السمر الشواجر والحماة حضور

ما لاحظت عين الهلال خيالها *** والشهب تخطف دونها وتغور

حتى النسيم إذا تخطى نحوها *** ألقاه في ظل الرماح عثور

فبدا بيوم الغاظرية وجهها *** كالشمس يسترها السنا والنور

فيعود عنها الوهم وهو مقيدٌ *** ويردّ عنها الطرف وهو حسير

فغدت تود لو انّها نعيت ولم *** ينظر اليها شامت وكفور

أما قصائده الخاصة بسيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) والتي يتعذر ذكرها كاملة فنكتفي بالاشارة اليها ، وأوائلها :

1 - ألا لا سقت كفى عطاشا العواسل *** إذا أنا لم أنهض بثار الأوائل

ص: 114

2 - في طلب العز يهون الفنا *** ولا يروم العزّ إلا أنا

3 - يا قمر التم إلى م السرار *** ذاب محبوك من الانتظار

4 - يغرّ الفتى بالدهر والدهر خائن *** ويصبح في أمن وما هو آمن

5 - ذكر المنازل وإلا حبه *** صبٌ أذاب الوجد قلبه

6 - اللّه أي دم في كربلا سفكا *** لم يجر في الأرض حتى أوقف الفلكا

7 - ما بال عينك لا تملّ هيامها *** وعصت بمبرح وجدها لوّامها

8 - أتغضي فداك الخلق عن أعين عبرا *** تودّ بأن تحضى بطلعتك الغرّا

* * *

ص: 115

الشيخ عباس كاشف الغطاء

المتوفى 1315

قال في الحسين مرثية ، مطلعها :

إذا لم أنل وترى با - المناصل *** فلا سار مهري تحت ظل العواسل (1)

هو الشيخ عباس كاشف الغطاء ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي المولد والمنشأ والمسكن والمدفن ، ذكره صاحب الحصون فقال : كان عالماً فاضلاً مجتهداً فقيهاً ، أصولياً محققاً مدققاً أديباً لبيباً بليغاً شاعراً ماهراً وجيهاً رئيساً عظيماً جليل القدر عظيم المنزلة مهيب المنظر حسن المخبر ، طلق اللسان فصيح البيان. إلى آخر ما قال. له مؤلفات : منها موارد الأنام شرح مبسوط على شرايع الإسلام ، رسالة في الشروط ، رسائل متفرقة في الاصول ، رسالة عملية في الطهارة والصلاة. توفي أول الغروب عندما قام لاداء الصلاة في طريقه الى كربلاء بقصد الزيارة للامام الشهيد الحسين سلام اللّه عليه وذلك على نهر الفرات ليلة الاثنين ثاني ربيع الأول عام 1315 ونقلت جنازته الى النجف في زورق مائي ودفن بمقبرة الاسرة ، ولم يخلف سوى ولده الهادي. رثاه فريق من الشعراء منهم : السيد رضا الهندي والشيخ عبد الحسين صادق ، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، والسيد جعفر الحلي ، والشيخ جواد الشبيبي بقصيدتين. وذكره الحجة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في هامشه على ( سحر بابل ) فقال : هو أحد الأساطين الأعاظم والععد والدعائم ، من الطائفة الجعفرية الذين نهضوا باعباء الزعامة والتحفوا بأبراد المجد والكرامة. ويسترسل شيخنا بالاطراء والثناء بما هو حق وصدق.

ص: 116


1- عن شعراء الغري.

الملا عباس الزيوري

المتوفى 1315

قال في الحسين (عليه السلام) :

إلى كم مداراة العدى من مذاهبي *** وحتى م سلطان الهموم مصاحبي

أما آن للوقت الذي توعدوننا *** به أن نرى فيه علوّ المراتب

ويظهر أمر اللّه ما بين أهله *** وتخفى أمور سنّها كل ناصب

نرى الشموس في شرق البلاد وغربها *** تجوب الفيافي في ظهور النجائب

يحفّ بهم من آل أحمد أصيدٌ *** تحفّ به الأملاك من كل جانب

إذا ما سطا خلت البسيطة والسما *** طواها وعبّا شرقها بالمغارب

يطالب في ثار الحسين وفتية *** قضت عطشا بالطف من آل غالب

وقد خلّفت في الغاضرية نسوة *** خماص الحشى وآهاً لها من سواغب

إذا رفعت رأساً إلى اللّه أبصرت *** رؤساً تعلّى كالنجوم الثواقب

وإن طأطأت راساً إلى الأرض أبصرت *** جسوماً كساها البين ثوب المصائب

أو التفتت من شجوها عن يمينها *** ويسرتها أو بعض تلك الجوانب

رأت صبية للمرتضى فوق هزّل *** من العيس تسبى مع نساء نوادب

فيا راكباً كوراً معوّدة على *** اقتطاع الفيافي في القفار السباسب

إذا أدلجت في السير تحسب نبلة *** قد انتزعت في القوس عن قوس حاجب

إذا لاحت الأعلام من سرّ من رأى *** فنادِ بأعلى الصوت يا آل غالب

ألا أين قوم لو تلاقت جموعهم *** لما رجعت إلا بجزر الكتائب

ص: 117

حسينكم أمسى وحيداً وحوله *** بنو هاشم والصحب كلٌ بجانب

ينادى ألا هل من نصير فلا يرى *** له ناصراً دون السيوف القواضب

ويدعوهم حاموا بنات محمد *** فليس يرى غير القنا من مجاوب

فقوموا غضابا وأدفعوا عن نسائكم *** فقد أصبحت اسرى بأيدي الأجانب

متى تملأون الأرض قسطا بعدلكم *** كما ملئت من جور ظلم النواصب (1)

* * *

الملا عباس الصفار الزيوري ابن القاسم بن ابراهيم بن زكريا بن حسين بن كريم بن علي بن كريم بن علي ابن الشيخ عُقلَه الزَيوري البغدادي المنشأ ، الحلي المسكن المتوفى سنة 1316 مولده بغداد مات أبوه وهو طفل صغير وكانت أُمّه حلية الأصل فانتقلت بولدها هذا إلى الحلة ونشأ في حجور أخواله وتعلّم الشعر عندهم ويزعم بعض أقاربه في بغداد وسوق الشيوخ أن أصلهم يرجع إلى المقداد بن الأسود الكندي الصحابي المشهور ، وفي أواخر العقد التاسع من القرن الثالث عشر استوطن كربلاء على عهد السيد أحمد بن السيد كاظم الرشتي المقتول سنة 1294 وله فيه مدائح وتهاني كثيرة ، وحج المترجم له مكة المكرمة مع السيد المذكور سنة 1290 وقام بنفقاته ذهاباً وإياباً ولما عرج السيد بعد حجه نحو الاستانة كان المترجم له في صحبته ثم جاب البلاد اليمانية للسياحة وفي ( عدن ) شرع بتخميس علويات ابن أبي الحديد. قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : وسمعت من جماعة ممن عاصره من البغداديين والحليين أنه كان من الذاكرين الخطباء ولكن شهرته الأدبية تغلبت على شهرته المنبرية. وإن له تخميساً لقصيدة العلامة الفقيه الشيخ حسين نجف التي جارى فيها الهائية الأزرية الشهيرة في مدح أمير المؤمنين علیه السلام . وله تخميس لقصائد الكميت - الهاشميات - وسافر في آخر أيام حياته إلى ايران لزيارة المشهد الرضوي ولطبع منظوماته المذكورة هناك ففاجأه الأجل في طهران ودفن في بلدة ( قم )

ص: 118


1- عن الدر المنظوم في الحسين المظلوم مخطوط الخطيب السيد حسن الموسوي البغدادي.

عند الشاه عبد العظيم ، وقيل في خراسان وذهبت قصائده بذهابه وقد تجاوز عمره الستين عاماً ، ومن شعره قوله :

سمتك أُمك ( نجما ) *** لأن خدك ثاقب

فأكفف سهامك عني *** وارع الاله وراقب

وذكره الشيخ النوري في ( جنة المأوى ) وعبّر عنه بالفاضل اللبيب مادح أهل البيت وأثبت له أبياتاً من قصيدة طويلة يمدح بها الإمام المهدي ويذكر كرامة له اتفقت في 10 جمادى الاخرة سنة 1299 مع أخرس من أهالي ( برمة ) اسمه اغا محمد مهدي اطلق لسانه في ( مقام الغيبة ) بسامراء واحتفل في الصحن الشريف بأمر الإمام السيد ميرزا حسن الشيرازي بمناسبة ظهور تلك الكرامة ، وكان الزيوري مع الأخرس في الباخرة حين توجه من بغداد إلى سامراء وأشار إلى ذلك من الأبيات :

وفي عامها جئتُ والزائرين *** إلى بلدة سرّ مَن قد رأها

رأيت من الصين فيها فتى *** وكان سميّ إمام هداها

وقد قيّد السقم منه الكلام *** وأطلق من مقلتيه دماها

وفي هذه الكرامة نظم السيد حيدر الحلي قصيدته العامرة التي مطلعها :

كذا يظهر المعجز الباهر *** ويشهده البرّ والفاجر

وشاعرنا المترجم له ذكره الشيخ النوري في أول كتابه ( دار السلام ) وأثبت له أبياتاً يقرّض فيها ويؤرخ كتابه المذكور فيها :

الجهبذ النوري حسين ومَن *** شرّفه اللّه ببيت الحرام

أشرق نور العلم عن فكره *** فجاء في تصنيف دار السلام

خير كتاب جامع كاشف *** فيه عن الرؤيا حجاب الظلام

يعبّر الرؤيا وينبيك عن *** رؤيا نبيٍ صادق أو إمام

تاللّه لو أن ابن سيرين قد *** طالعه رأى له الاحترام

ص: 119

وكان عنه آخذاً ما به *** قد عبّر الرؤيا لكل الأنام

وخاطب النوري تاريخه *** إرقَ لقد فزتَ بدار السلام

ومن شعره تقريظه لكتاب ( العقد المفصل ) للسيد حيدر الحلي ، أثبته السيد حيدر في آخر الكتاب نظماً ونثراً :

كتابك تحت كتاب الاله *** وفوق كتابة كل الورى

أقول وعيناي ترنو اليه *** لقد جمع الصيد جوف الفرا

وأهتف إن قيس فيه سواه *** أين الثرَيّا وأين الثري

وقال أيضاً تقريض للكتاب المذكور :

وافى مذ وافاني غده *** ووفى لي فيما أقصده

رشاً بسيوف لواحظه *** شمل العشاق يبدده

يشدو فيرق لنغمته *** اسحاق اللحن ومعبده

يا ليلاً بتّ اسامره *** ما أسرع ما وافى غده

تركيٌ ناشٍ في عجم *** وصفاء اللون يبغدده

بتنا بقميصي عفّتنا *** والحيّ تولّت حسّده

ولهيب فؤاد أضرمه *** بزلال الريق أبرده

ويميت القلب وينشره *** سيف عيناه تجرده

زمن تجب النعماء له *** جحد الباري من يجحده

عجباً للخدّ بنار الورد *** جلا الأبصار توقده

أيعود زمان الفوز به *** ويشاهدني وأُشاهده

كمشاهدتي لكتابة من *** هو فرد الدهر وسيده

هو حيدر أهل العلم له *** ملك بالنظم يسدده

وله من خالقه نظرٌ *** ما بين الخلق يؤيده

ص: 120

مولى للنظم يكمّله *** فيقيم الملك ويقعده

نفحات الطي بعنصره *** تبدو ، والطيّب مولده

صلحت لله سريرته *** فالصالح ما كتبت يده

يا ثالث بدري عالمنا *** بل أنت لفضلك مفرده

مَن قاسك في أحد فأنا *** في وصف علاك افنّده

مولى يحلولي المدح به *** فلهذا رصت أُردده

ترجم له صاحب الذريعة وصاحب الحصون المنيعة وقال : كانت لي معه صحبة وصداقة وسافر إلى عدن ونال منها ثروة عظيمة ، وكان عالماً بالايقاع مشهوراً بصناعة الموسيقي وقد تخرج عليه جماعة ، وكان له ديوان شعر قد جمعه في حياته وله شعر كثير في مدح الأئمة علیهم السلام وله اليد الطولى في التشطير والتخميس أقول : ذكر أكثره الخاقاني في ( شعراء الحلة ) واليعقوبي في ( البابليات ) ، وقال يرثي أمير المؤمنين علیه السلام :

أيا عين جودي في دم الدمع واجمدِ *** ويا نار قلبي كيف لم تتوقّد

وهذا أمير المؤمنين أصابه ابن *** ملجم في محرابه بمهند

فيا شمس غيبي يا نجوم تساقطي *** فسرّ هداك مات في سيف ملحد

فمن لليتامى والأيامى ومَن به *** بنو مضر تعلو بمجدٍ وسؤدد

وصيّك يا خير النبيين رأسه *** لقد شجّ في المحراب في سيف معتدي

تهدم من ذاك الحمى اليوم سوره *** فقم وانشر الرايات في كل مشهد

ونادي بأعلى الصوت يا آل غالب *** غدا الدهر في قطع من الليل أسود

أيضرب بالمحراب رأس عميدكم *** ويلتذّ منكم هاشميٌ بمرقد

سيوفكم فلّت أم الخيل عطّلت *** أُم السمر أمست بينكم في تأوّد

فواللّه لا أنسى عليا وشيبه *** يخضب من قانى الدم المتورد

وحفّ به أبناؤه وتصارخت *** عليه اليتامى من ذرارى محمد

ص: 121

وأعول جبريل الأمين تهدمت *** من الدين أركان بها الدين يهتدى

الا إن أشقى الأشقياء بسيفه *** تعمّد أتقى الأتقيا صهر أحمد

وكبّرت الأملاك في أفق السما *** وكلٌ ينادي مات واللّه سيدي (1)

وقال مخاطباً أبا الفضل العباس ابن أمير المؤمنين علیهماالسلام :

أبا الفضل يا من به يُرتجى *** محط الخطايا من المذنبين

فحقّق رجائي بما رمته *** فأنت المشفع في العالمين

وأنت ابن قطب رحى الكائنات *** وصي النبي الكتاب المبين

فلا تتركني في حيرة *** فغيركم ليس لي من معين

وترجم له الشيخ محمد حرز الدين في ( معارف الرجال ) وأتى على طائفة من شعره وقال : توفي في طهران سنة (1320) واقبر هناك بمقبرة الشاه عبد العظيم الحسني.

ص: 122


1- عن مخطوط الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن الموسوي الخطيب.

السيد ميرزا الطالقاني

المتوفى 1315

من شعره في رثاء الحسين :

طربت وما شوقي لباسمة الثغر *** وهمتُ وما وجدي لساكنة الخدر

ولست بصب هاجه رسم منزل *** ورجعُ حمامات ترجّع في الوكر

وليس حنيني للركائب قوّضت *** فقوّض يوم البين من قبلها صبري

وليس بكائي للغوير وبارق *** ولكن لآل المصطفى السادة الغر

فكم لهم يوم الطفوف نوائب *** بكتها السما والأرض بالأدمع الحمر

غداة تداعت للحسين عصابة *** مدرعة بالشرك والغيّ والغدر

وجاءت لأخذ الثار طالبة بما *** سقاها علي في حنين وفي بدر

فثارت حماة الدين من آل غالب *** يهزهم شوق إلى البيض والسمر

فكم ثلموا البيض الصفاح وحطّموا *** الرماح وقاموا للكفاح على جمر

برغم العلى خروا على الأرض سجّداً *** وظل وحيداً بعدهم واحد الدهر

ومنها :

وراح إلى الفسطاط ينعى جواده *** ففرّت بنات الوحي شابكه العشر

فهذي تنادي يا حماي وهذه *** رجايَ وهذي لا تبوح من الذعر

( فواحدة تحنو عليه تضمه ) *** واخرى تنادي والدموع دما تجري

ألا في أمان اللّه يا مودع الحشا *** لهيباً به ذاب الأصم من الصخر

عزيز على الكرار أن ينظر ابنه *** يُخلّى ثلاثاً في الطفوف بلا قبر

ص: 123

السيد ميرزا ابن السيد عبد اللّه بن أحمد بن حسين بن حسن الشهير بمير حكيم الحسيني الطالقاني النجفي ، علامة كبير وأديب شهير وشاعر مقبول. ولد بالنجف عام 1246 ونشأ بها ونال حظا وافراً من الأدب وقرض الشعر ، لازم الزعيم الديني الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ميرزا حبيب اللّه الرشتي وتخصص بالفقه ونال درجة الاجتهاد فرجع اليه بالرأي كثير من البلدان. وبالاضافة الى علمه الواسع كان مثالاً للخلق العالي فقد كان يساند الشيخ محمد طه نجف ويحضر بحثه تقوية لجانب الزعامة الروحية ، ذكره الشيخ علي كاشف الغطاء في الحصون والسيد حسن الصدر في التكملة والطهراني في نقباء البشر.

توفي بالنجف الأشرف يوم الخميس 13 رجب عام 1315 ودفن بمقبرة جده السيد مير حكيم في الصحن الحيدري ورثاه فريق من أصدقائه واقيمت له الفواتح في العراق وايران والهند من قبل مقلديه. وهذه احدى روائعه التي قالها في مدح جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام :

بحبك أيها الظبي الغرير *** فؤاد الصب مسجون أسير

تحيد مراوغاً عني نفوراً *** كذاك الظبي عادته النفور

ليالٍ أكؤوس الصهباء فيها *** علينا في مسرتها تدور

ونحن بها بلا كدرٍ وريب *** وحسن الحب أن عفّ الضمير

على وادٍ حصاه يشع نوراً *** ومن فيّاحه فاح العبير

يموج غديره بتولى عليٍ *** وصفو السلسبيل هو الغدير

وراءك يا حسود فمت بغيظ *** فإن أبا تراب هو السفير

* * *

شربت ولاءه بغدير خم *** زلالاً إنه العذب النمير

كفته خلافة من بعد طه *** بها للمؤمنين هو الأمير

ص: 124

تولاه الاله وقال بلّغ *** به وأبن ، فقد حان الظهور

فقام مبلّغاً يدعو بأمر *** وعاه ذلك الجمّ الغفير

أضاء الدين والإسلام فيه *** فحيدر كله ضوء ونور

وقد ظهرت مناقبه وبانت *** كما ظهرت شموس أو بدور

* * *

أبا حسن بصون المجد خذها *** مزايا في صفاتك تستنير

بتاج اللّه قد توجت قدراً *** وزيّن في خلافتك السرير

يحار العقل في معناك وصفاً *** ولا بدع إذا حار البصير

فضائلك النجوم وليس تحصى *** يقلّ بجنبها العدد الكثير

وسل أحداً وخيبر أو حنيناً *** بها هل غيرك الأسد الهصور

أجلّك - والورى لعلاك دنوا *** خضوعاً - أن يكون لك النضير

صفاتك كالجواهر ما استعيرت *** ومن عَرض سواك المستعير

ص: 125

الشيخ أحمد آل طعّان

المتوفى 1315

من قصيدة في الحسين :

على الطف عرّج ولا تعجلا *** ففيه التعجّل لن يجملا

وحُلّ وكا المدمع المستفيض *** وأجر المسلسل والمرسلا

ووشى بها عرصات الطفوف *** لتكسي بها خير وشيٍ حلا

على أن أفضل برّ الرسول *** بكاؤك قتلى ربى كربلا

ملوك الكمال الكماة الاولى *** بنوا إذ بنوا منزلاً أطولا

فمن باسل باسم ثغره *** إذا سهل الخطب أو أعضلا

* * *

العالم العامل الشيخ أحمد ابن الزاهد العابد الشيخ صالح بن طعان بن ناصر ابن علي الستري البحراني ، ولد سنة 1251 ه وكان جامعاً لأنواع الكمالات ومحاسن الصفات محبوباً لدى الخاص والعام وهو من الذين عاصرهم صاحب ( نور البدرين ) فقال : لم أرَ في العلماء ممن رأيناهم على كثرتهم مثله. كان من أهل ( سترة ) - جزيرة في البحرين - ثم انتقل مع والده إلى ( منامه ) وقرأ على السيد علي بن السيد اسحاق أكثر العلوم من نحو وصرف ومعاني وبيان وتجويد ومنطق وغير ذلك حتى أقر اقرانه له بالفضيلة واشتغل بالتصنيف والتأليف وأجوبة المسائل التي ترد عليه حتى منّ اللّه عليه بالتشرف بزيارة العتبات المقدسة فحضر ابحاث العلماء بالنجف الأشرف كالشيخ الانصاري والملا علي ابن الميرزا خليل ولما توفي الشيخ الانصاري رثاه بقصيدتين

ص: 126

ورجع إلى بلاده وتردد على القطيف مبلّغاً مرشداً إلى أن توفاه اللّه ليلة الاربعاء يوم عيد الفطر سنة 1315 ، وقبره المقدس في الحجرة التي فيها العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني المتصلة بالمسجد بقرية ( هلتا ) من الماحوز من البحرين.

أقول وعدد صاحب أنوار البدرين جملة مؤلفاته الكثيرة وقال : وله ديوان شعر في مدح النبي والأئمة علیهم السلام ومراثيهم ، جمعه بعض الاخوان وطبعه بعد وفاته وسماه ب ( الديوان الأحمدي ) ولم يستوف جميع أشعاره ، وله في رثاء المرحوم الشيخ مرتضى الانصاري المتوفى 1281 ه.

ومن شعره في الحث على الانفاق :

يا فاعل الخير والاحسان مجتهداً *** أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقتارا

فاللّه يجزيك أضعافاً مضاعفة *** والرزق يأتيك آصالاً وأبكارا

وله قصيدة جارى بها الشيخ البهائي والشيخ جعفر الخطي في الإمام المنتظر مطلعها :

سقى عارض الانوا بوطفاء مدرار *** معاهد يهدي من شذا طيبها الساري

ولا برحت أيدي اللواقح غضة *** توشّي بروداً من رباها بأزهار

وفي الذريعة : الشيخ أحمد بن صالح بن طعان بن ناصر الستري البحراني المولود سنة 1251 والمتوفى 1315 صاحب التحفة الأحمدية طبع ديوانه الكبير وترجم له السيد الأمين في الأعيان فقال : كان عالماً علامة فقيهاً اصولياً متبحراً في الحديث والرجال من علماء آل محمد علماً ونسكاً وعبادة جليل القدر كثير التصنيف ، رأس في القطيف والبحرين ، وهو عالم القطيف والمرجع للدنيا والدين بتلك البلاد قصده الطلاب من كل فج ، وله منظومة في التوحيد ، قال ابن اخته في ( أنوار البدرين ) انها لم تتم (1) وترجم له الباحث المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغرى ) ونقل عن أنوار البدرين جملة مؤلفاته وعدد منها 30 مؤلفاً وطائفة من أشعاره.

ص: 127


1- عن الذريعة 8 ج 23 صفحة 99.

أبو الفضل الطهراني

اشارة

المتوفى 1316

قال من قصيدة توجد بكاملها في ديوانه المطبوع :

هناء بميلاد فرخ البتول *** وسبط الرسول وريحانته

ومَن لاذ فطرس في مهده *** فعاد لما كان من عزته

ومَن عوّض اللّه عن قتله *** بأن الأئمة من عترته

وأن يستجاب دعاء الصريخ *** إذا ما دعا اللّه في قبته

وأن جعل اللّه من فضله *** شفاء البرية في تربته

فيا طيبها تربة أخجلت *** نوافج مسك على نفحته

فتى سنّ بين الكرام الاباء *** فسار الاباة على سنّته

فآثر سلّة بيض السيوف *** وورد الحتوف على ذلته

فصال كوالده صولة *** غدت ترجف الأرض في خيفته

* * *

الميرزا أبو الفضل الطهراني هو العالم الأديب الأريب يقول الشيخ القمي في ( الكنى ) : هو خاتم رقيمة الأدب والفضل الحاج ميرزا أبو الفضل صاحب كتاب شفاء الصدور في شرح زيارة عاشور ، قال من قصيدة يرثي أباه صاحب التقريرات في الاصول وهو أبو القاسم كلانتر :

دع العيش والامال واطوِ الأمانيا *** فما أنت طول الدهر واللّه باقيا

رمى الدهر من سهم النوائب ماجداً *** أغر كريماً طاهر الأصل زاكيا

وعلامة الدنيا وواحد أهلها *** ومَن كان عن سرب العلوم محاميا

ص: 128

الى أن قال :

وقد نلت من عبد العظيم جواره

جوارٌ له طول المدى كنت راجيا (1)

ويقول الشيخ القمي : والميرزا أبو الفضل عالماً فاضلاً فقيهاً اصولياً متكلماً عارفاً بالحكمة والرياضة مطلعاً على السير والتواريخ ، أديباً شاعراً حسن المحاضرة ينظم الشعر الجيد ، له ديوان شعر بالعربية ، ومن شعره في الحجة ابن الحسن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه :

يا رحمة اللّه الذي *** عمّ الأنام تطوّلا

وابن الذي في فضله *** نزل الكتاب مرتلا

لذنا ببيتك طائفين *** تخضعاً وتذللا

فعسى نفوز برحمة *** من ربنا رب العلى

وله أيضاً :

مولاي يا باب الحوائج إنني *** بك لائذ وإلى جنابك أرتجي

لا أرتجي أحداً سواك لحاجتي *** أحداً سواك لحاجتي لا أرتجي

توفي في طهران 1316 ونقل إلى النجف الأشرف ودفن في وادي السلام ، وديوانه يضم الكثير من مراثي أهل البيت علیهم السلام ومدائحهم وقسم كبير في النصائح والمواعظ كما له طائفة كبيرة من الشعر في مدح السيد المجدد السيد حسن الشيرازي. يشتمل ديوانه على 407 صفحات طبع في طهران سنة 1370 رأيته بمكتبة أمير المؤمنين العامة بالنجف برقم 554 / 40 وفيه قصيدة يجاري بها تائية دعبل بن علي الخزاعي ، وأولها :

شجاني نياح الورق في الشجرات *** فهاجت إلى عهد الحمى صبواتي

ولا يغيب عنا بأن المجارين لقصيدة دعبل بن علي الخزاعي هم عشرات من الشعراء وشرحت عدة شروح طبعت مستقلة.

ص: 129


1- لأنه دفن في جوار عبد العظيم الحسني بالري قرب طهران وفي صحن حمزة ابن الإمام موسى الكاظم علیه السلام في مقبرة أبي الفتوح الرازي. أقول : وعبد العظيم الحسني جليل القدر عظيم الشأن وعلى جانب عظيم من التقوى والعبادة ، أشاد إمامنا محمد الجواد بشأنه وجلالته وقد ترجمنا له ترجمة مفصلة في كتابنا ( الضرائح والمزارات ).

الشيخ حسن مصبّح

المتوفى 1317

من شعره في الحسين :

حيّ دار الأحباب بالدهناء *** كم بها طاب مربعي وثوائي

تلك دار عرفت فيها التصابي *** بعد ما قوّض الصبا عن فنائي

لست أنسى مهما نسيتُ ظباءً *** في حماها أخجلن ريم الظباءِ

بلحاظ ترمي سهاماً ولكن *** لم تصب غير فلذة الأحشاءِ

وثغور تضم لعسة ريق *** هي أحلى من راحة الصهباء

تلك تفترّ عن جمان أنيق *** إن بدا شقّ مهجة الظلماء

وخدود كأرجوانٍ عليها *** طاف ماء الشباب في لئلاء

وقدود تميس كالبان ليناً *** هي ريّانة بماء الصباء

وخصور تكاد تنقدّ مهما *** هبّ ريح الصبا بلين الهواء

يا خليليّ كم ليالٍ تقضّت *** مزهرات بروضة غناءِ

نادمتني الحسان فيها ونامت *** أعين العاذلين والرقباءِ

ليت شعري هل يسمح الدهر فيها *** بعدما أذعنت لجدّ انقضاء

لكن الدهر شأنه الغدر لا *** تلقاء إلا معانداً للوفاءِ

بل له الغدر بالأماجد حتى *** أشرقتهم صروفه بالعناء

ودهتهم بكل لأواء جلّت *** أن يرى مثلها بنو حواءِ

ص: 130

أي عذر له وآل رسول اللّه *** شتى مخافة الطلقاءِ

ملكت إمرة عليها ضلالا *** حسد الفضل والنهى والعلاء

وسقتها باكؤس الجور حتفاً *** فيه غصت شجى لهى العلياءِ

ضاق رحب الفلى بها حيث حلّت *** وترامت بها أكفّ البلاء

يوم جاء الحسين في خير صحب *** وكرام من آله النجباء

حلّقت فيهم عن الضيم عزاً *** أنفسٌ دونها ذرى الجوزاء

اسدُ غاب إن صرّت الحرب نابا *** أجمها في الهياج بيض الضُباءِ

تخذتها أبناء في يوم بؤس *** فرأتها من أكرم الأبناء

أضرموها وغىً بأمضى شفار *** أنحلتها غمداً طلى الأعداءِ

هي غرثى الشبا وقد أوردوها *** من رقاب الكماة بحر دماء

وثووا في الصعيد صرعى ولكن *** لم يبلّو الحشى بقطرة ماء

وغدا السبط مفرداً بين قوم *** كفروا بالكتاب والأنبياء

تارة للنساء يرنو وطوراً *** ينظر الماجدين رهن الثواء

* * *

الحسن بن محسن الملقب بمصبح (1) الحلي. كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً ، أخذ صبغة الشعر عن الكوازين الشيخ صالح والشيخ حمادي وعن الشيخ حمادي نوح وأقام بالنجف يطلب العلم عشرين سنة. له ديوان شعر في ستمائة صفحة جمعه بنفسه ونسخه بخطه ، ولد في الحلة حوالي سنة 1247 ودرس مبادئ النحو والصرف والمعاني والبيان على أبيه وغيره من مشايخ الفيحاء ثم بعث به والده إلى النجف وعمره لم يبلغ العشرين سنة للدراسة ولم يزل مقيماً بها حتى توفي أبوه فعاد إلى الحلة وأقام بها إلى أن توفي سنة 1317 وكان على محجة أسلافه من

ص: 131


1- نسبه إلى جده الأعلى الشيخ مصبح - بتشديد الباء الموحدة - يرجع أصله إلى قبيلة آل يسار التي يقطن معظمها بين سدة الهندية والحلة.

النسك والصلاح فقد حج مكة المكرمة 25 مرة متطوعاً تارة ونائباً ومعلماً اخرى حتى توفاه اللّه فنقل الى النجف ودفن فيها وكان على جانب عظيم من عزة النفس وعلو الهمة ، تعرف على امراء آل رشيد ومدحهم ولم يقبل عطاياهم لطيف المحاضرة حسن المحاورة ، كثير النظم شاعراً مبدعاً. قال الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وللمترجم له ثلاث روضات - والروضة هي أن يلتزم الشاعر يجعل أول كل بيت من القصيدة وآخره على حرف واحد من الألف إلى الياء فيكون مجموعها (28) قصيدة ، وفي ذلك من التكلف والتعسف ما لا يخفى على أرباب هذه الصناعة.

أما روضات المترجم له فالاولى في الغزل ، والثانية في مدح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، والثالثة في رثاء الحسين علیه السلام واليك نماذج من روضته الحسينية قال في حرف الباء :

بان العزاء وواصل الكربُ *** بالطف يوم تفانت الصحبُ

بلّغ بني فهر وقل لهم *** أودى بشامخ عزكم خطب

بعد ابن فاطمة يسوغ لكم *** من سلسبيل فراتها شرب

بدر إذا ما شعّ في غسق *** منه يضييء الشرق والغرب

بدرت اليه ضلالة ورمت *** تلك الأشعة بالخفا حرب

بأبي القتيل وحوله فئة *** أخنى عليها الطعن والضرب

بلغوا بموقفهم ذرى شرف *** من دونه العيوق والقطب

بك يا محانى كربلا غربت *** أقمار مجد ضمها الترب

بكت السماء دما وحقّ لها *** من جوّها تتساقط الشهب

بدرت تطارح نوح نسوتها *** ورق الحمى وأنينها ندب

بأبي عقائلهم وقد برزت *** حرى الفؤاد ورحلها نهب

بكرت تجاذبها براقعها *** حرب ولا من هاشم ندب

ص: 132

ومن روضته الحسينية في حرف التاء :

تجاذنبي فؤادي النائبات *** وتمضغه أسى منها لهاةُ

تعمدني من الأرزاء سهم *** به ثكلت حشاشتها الهداة

تحييها الملائك كل يوم *** وتغلبها على الأمر الطغاة

تمدّ لها الأكف بنو الأماني *** وتقطع كفها ظلماَ شباة

تبارك مبدع الألطاف فيها *** ومن وصف الاله بها صفات

تضييء بكربلا منهم بدورٌ *** برغم الدين تمحقها ظُباة

توفّوا بالفرات ولم يبلّوا *** أُواماً ليته غاض الفرات

تقلّبهم على الرمضاء عدواً *** بأرجلها الخيول الصافنات

ومن روضته الحسينية في حرف الثاء :

ثلّة قلّ عدّها وهي عزماً *** في الوغى لا تروعها الأحداثُ

ثكلت منهم الشريعة غلباً *** لهم وحيها القديم تراث

ثم جلّى الوحيد عزماً وحزماً *** فهو الصقر والكماة بغاث

ثغرة الدين سدّها وعليه *** فخر هذا الزمان طراً يُلاث

ثلج القلب في الكريهة لا *** يرهب قرناً ولا لديه اكتراث

ثلّث النيرين منه محيّاً *** فسنا الضوء بينها أثلاث

ثلّه صارم القضا ولعمري *** كان قدماً به القضاء يُغاث

ثغر دين الاله قطب فهذي *** محصنات النبي أسرى غراث

ثكلت صيدها فعادت نهابا *** للأعادي برودها والرعاث

ثوب هذا المصاب عمر الليالي *** ليس يبلى والحادثات رثاث

ومن روضته الحسينية في حرف السين :

سلّ الجوى قلبي ولا من آسِ *** والجسم أحرقه لظى أنفاسي

ص: 133

سارت ركائب آل بيت محمد *** تجتاز بين دكادك ورواسي

سل عنهم وادي الطفوف فقد زها *** خصباً بغيث نوالها الرجاس

سقت الروابي العاطشات من الدما *** وعلى الظما سبط النبي تواسي

سيان يوم الروع غرب سيوفها *** الموت كل مخمد الأنفاس

سئمت لقاءهم الكماة فأحجمت *** رعباً ولم تظفر بغير اليأس

سمحت بأنفسها انتصاراً للهدى *** والدين طعناً للقنا المياس

ومن روضته في حرف القاف :

قل للمقادير كفاك سبّة *** إذ خنتِ من آل النبي الموثقا

قد عفّر الصعيد منهم أوجهاً *** من نورها الليل البهيم أشرقا

قد غسّلتها جاريات دمها *** وكفنتها الريح برداً عبقا

قلب الهدى والدين والمجد معاً *** ذكا بواري حزنها واحترقا

قم يا أمين اللّه يا حيدرة الطه *** ر ويا حتف العدا في الملتقى

قد حلّ في الطف بنوك وبها *** ظِفر الردى انشبه كفّ الشقا

قام على ساق لها الحرب وقد *** جثت غضاباً ما تولّت فرقا

قوّمت السمر بكف عزمة *** قد أرعفتها بالطعان علقا

ومن روضته في حرف الكاف ويخص فيها العباس بن علي :

كيف أقوى على الأسى وحماكا *** يا إمام الورى أُبيح انتهاكا

كنت كالنيرين تهدى إلى الرشد *** بدين له الاله ارتضاكا

كلما أسدل الضلال ظلاما *** بعمود فلقته من هداكا

كفرت بالاله قوم أضاعت *** حرمات الهدى بسفك دماكا

كرّ شبل الوصي فيها أبو الفضل *** فطاشت لا تستطيع حراكا

كالئاً صفوة الاله أخاه *** من شأى في علائه الأفلاكا

ص: 134

ومن روضته في حرف اللام :

لا أراني سلوت رزءك كلا *** يا قتيلاً بفقده العيش ولّى

لمن العين تذخر الدمع بخلا *** بعد يوم أبكى منى والمصلّى

ليت شعري غداة خرّ صريعا *** سبط طه كيف النهار تجلى

لم أخل يصرع القضا مَن اليه *** كان حكم القضاء عدلاً وفصلا

لكن اللّه شاء أن يصطفيه *** شافعاً للورى فعزّ وجلا

لستَ أنت القتيل يا خير هاد *** بل قلوب الورى لرزئك قتلى

لست أنت العفير في الترب وجهاً *** بل محيّا الهدى تعفّر ذلا

لارقا للعيون دمع ، ودمع الدين *** من فوق وجينته استهلا

لست أنسى بنات أحمد لما *** فقدت عزّها فلم تر ظلا

لفّها الوجد بعد سلب رداها *** وكساها من البراقع ثكلا

ليت حامي الحمى يصوّب طرفا *** فيرى عزّها تحوّل ذلا

ومن الروضة الحسينية في حرف الصاد :

صدع الفؤاد بحادث غراصِ *** خطب به الداني انطوى والقاصي

صغرت به الارزاء بل شابت به *** ممن أضلّته السماء نواصي

صادٍ قضى ابن محمد في كربلا *** في ما حضيه مودة الاخلاص

صافته نصرتها بيوم مكدر *** والموت فيه جائل القنّاص

صدّت عن الخدر الطغام وأفرغت *** صبراً ودرع الصبر خير دلاص

صدعت صفاة الشرك ضامية الحشا *** وغدت تطالب خصمها بقصاص

صالت وقد لبس القتام ضحى الوغى *** تدعو النجاء - ولات حين مناص

صكت جموعهم بأية غارة *** شعواء تختطف الهزبر العاصي

صبرت كما صبر الكرام وطيبها *** فعلا تضوّع من شذا الاعياص

ص: 135

صرم القضاء بسيفه أرواحها *** ورمى بها جنح الهدى بحصاص

صمدت اليها القوم تبرد غلّها *** ضرباً يزيل كلا كلا ونواصي

صرعى بحرّ الشمس في صيخودةٍ *** رمضاؤها مشبوبة الأعراص

صدع المصاب بهم حشا ابن محمد *** لا غرو ، كل درة الغواص

صابته رامية المنايا غرة *** بسهام مَن لله فيها عاصي

صهلت عواديها وجالت فوقه *** من كل ممدود القرى رقاص

صكت خيام المحصنات بغارة *** حيث العدو بسلبها متواصي

صارت توزع رحلها وتسومها *** خسفاً ولم تظفر لها بخلاص

صعداء أزهر فوقها رأس الذي *** من فتية بيض الوجوه خماص

صانت امية في الخدور نساءها *** وبنات أحمد في متون قلاص

صفدت لشقوتها إمام زمانها *** زين العباد منزّه الأعياص

ومن روضته في حرف الغين :

غارت بحار الدين والشرك طغى *** لما على الحق الضلال نبغا

غماء أودت بحشاشات الهدى *** حزناً لارزاء الهداة البلغا

غير عجيب منك يا دهر الجفا *** تطرد آساداً وتأوي الوزغا

غادرت آساد الشرى فريسة *** للذئب حتى في دماها ولغا

غداة حفّت بالحسين عصب *** شيطانها للشرك فيها نزغا

غالبت الدين اجتهاداً للشقا *** هيهات ما في نفسها لن تبلغا

غنّى لها الشرك غروراً فصبت *** وارتاح مها القلب والسمع صغى

غدا اليها السبط في أراقم *** تنفث سماً في حشى مَن قد بغى

غارت ولولا ما قضى اللّه لها *** في الفوز بالحتف أبادت من طغى

غول المنايا غالها فانتثرت *** صرعى وحزناً بازل الدين رغى

ص: 136

غفت برغم المجد منها أعين *** كم سهرت ترتاح حباً للوغى

غمار هيجاها فريداً خاضها *** السبطُ وفيها زاخر الحتف طغى

غادٍ بها ورائح يختطف الارواح *** حتى لم يزل مبلّغا

غرائب الطعن أراها بغتة *** ونال بالصارم منها المبتغى

غارت مياه الأرض فالسبط قضى *** ظماً ومنها جرعةً ما بلغا

غلالة الذلّ لقد لبستها *** يا حرب ، والعار لها قد صغا

ومن الروضة الحسينية في حرف الهاء :

هان صعب الخطوب حيث تناهى *** لرزايا الهداة من آل طه

هم هداة الأنام علماً ونسكا *** وبها باريء النسائم باها

هدّ ركن الهدى غداة ألمّت *** بهم الحادثات من مبتداها

هدمت عزها أباطيل قوم *** كان في الغيّ والضلال اقتداها

هدرت للوغى فحول لويٍّ *** فأطارت من الكماة حشاها

هتفت باسمها المنايا بيوم *** فيه لم تبلغ النفوس مناها

هال أقدامها الكماة فطاشت *** لاندهاش بها فسيح خطاها

هي في حزمها أشدّ نفوذاً *** في حشا الخصم من نصول قناها

هجرت طيب عيشها واستطارت *** لوصال الحمام حين دعاها

هل أتى مثلها سمعت كرام *** قد سعت للردى بها قدماها

هاك مني جوى يزيل الرواسي *** وببرحائه يضيق فضاها

هبّ حامي الذمار للحرب فرداً *** صكّ داني الجموع في أقصاها

ومن رثائه في الإمام الحسين (عليه السلام) :

لتذكار يوم الطف عيشي منغصُ *** وطرف الهدى من صيّب الدمع أحوصُ

يمثّله قلبي لعيني فتنثني *** كأن لها داء العمى يتربص

ص: 137

فيا ليت شعري هل أُصيب حشى الهدى *** بقارعة منها الهدى يتقلّص

كنازلة في يوم حلّ ابن فاطم *** ثرى كربلا فيه الرواحل ترقص

باصحاب صدق ناهضين إلى العلا *** بأحساب مجد في علاها تقعصوا

تعالى بها فخراً سما المجد مذ غدت *** لنصر الهدى بالسيف والرمح تقعص

مساعير حرب فيهم تهتدى الوغى *** بكل محياً ما عن البدر ينقص

اسودٌ تحاماها الاسود بسالة *** بيوم لها داعي الردى يتربص

قساور في الهيجاء منها أراقمٌ *** لها نفثة الدرع المجهم تخلص

إلى أن جرى حكم الاله فغودرت *** ضحايا على وجه البسيطة تفحص

أُفدّيهم صرعى تضوّع نشرهم *** بأنوار قدس نحوها الشمس تشخص

فعاد فتى الهيجاء فرداً بعزمةٍ *** طموح الردى يعطو بها ويقلّص

يراودها ثبت الجنان فلم تخل *** سوى أنه باز المنايا مغرّص

أما ومساعيه الحسان تحفّها *** مزايا لها طرف الكواكب أحرص

فلو شاء أن يمحو بكف اقتداره *** سواد الورى فهو الحريّ المرخّص

ولكنه اختار المقامة راغباً *** بمقعد صدق بالنعيم يقمص

بسهم القضا قلب أُصيب فغاله *** على عجل من أسهم الشرك مشقص

بضاحية هيجاء يذكو شياحها *** وعين ذكاً من نور معناه ترمص

وأعظم ما لاقى الحشا بعد قتله *** جوىً فيه يغلو الصبر والدمع يرخص

دخولهم بالصافنات وبالقنا *** خدوراً تحاماها الاسود فتنكص

وقد كنّ قبل الطف غابات ملبد *** ببيض المواضي والقنا الخط تحرص

يطوف على أبوابها ملك السما *** خصوصاً ومن نور الإمامة يقبص

فأضحت تقاضاها الطغاة ديونها *** بنهب وإحراق ورحل يقلص

اسارى على عجف من النيب هزل *** صعاب إذا ما أمعن السير ترهص

فايّاً تقاسى من جوى ، أخدورها *** هتكن ولا حام يذب ويحرص

ص: 138

أم السبط والأطياب صرعى على الثرى *** لها نسجت من بارع الريح أقمص

أم الناهك السجاد والقيد عضّه *** وأغلاله جيد الإمامة تقرص

أألله حامي الدين كوكب عزه *** به لبني الزرقاء أعداه تشخص

تجرّعه صابا وإن هو يشتكي *** لغوباً اليه السوط بالقسر يخلص

إلى اللّه أشكو لوعه : ترقص الحشا *** جوىً ولديها أدمع العين ترخص

وقال في الامام الحسين علیه السلام :

القلب أزمع عن هواه وأعرضا *** لما نأى عنه الشباب مقوّضا

فالشيب داعية المنون وواعظ *** بمثاب حجة فاحص لن يدحضا

أو بعد ما ذهب الصبا أيدي سبا *** ترجو البقاء أسالمتك يد القضا

هيهات فاتك ما تروم فإنه *** وطرٌ تقضّى من زمانك وانقضى

وأقم لنفسك مأتماً حيث الذي *** أضحى يؤمّك عنك أمسى معرضا

فالجسم أنحله الفتور وعاث في *** أحشاك عضب النائبات المنتضى

روّح فؤادك بالتقى وأرح به *** نفساً بيوم معادها تلقى الرضا

وأندب أئمتك الكرام فقد قضى *** هذا الزمان عليهم ما قد قضى

ما بين من لعب السمام بقلبه *** فوهى وكان لشانئيه ممرضا

ومن اغتدى طعم السيوف بمعركٍ *** لقنا نفوس الدارعين تمخضا

حذر الدنية باذلاً حوباءه *** ومَن ارتدى بالعزّ لا يخشى القضا

فمتى اُباء الضيم حلّ بساحها *** ذلٌ وترضى طرفها أن يغمضا

فانظر بعين القلب قتلى كربلا *** حيث العدو بجمعه سدّ الفضا

لم تلو جيداً للدنية واصطلت *** هيجاء غرب لسانها قد نضنضا

بأبي الذين تسرعوا لحمامهم *** دون الحسين فاحرزوا عين الرضا

رووا صدى البيض الحداد وفي الحشا *** شعل الظما تشتد لا شعل الغضا

كم أنعش العافين فضل نوالهم *** واخصوصب الوادي بذاك وروّضا

ص: 139

وارتاح بالعز المؤيد جارهم *** ونزيلهم نال الكرامة والرضى

ما شاقهم زهر الجنان إلى الردى *** وحرير سندسها وعيش يرتضى

لكنما غضباً لدين آلهها *** قامت لنصر المجتبى ابن المرتضى

فقضوا كما شاؤا فتلك جسومهم *** فوق الصعيد بنورها الهادي أضا

وقال أيضاً في رثاء الامام علیه السلام :

يا دهر حسبك جائرا تسطو *** فاقصر أمالك بالوفا ربطُ

كم شامخ بالعز ملتمع *** بملاط فخر زانه ملط

بيدي صروفك لا بهدم يد *** سامي ذرى علياه ينحطّ

ومهذب فيه العلى شمخت *** سبط اليدين لسانه سلط

إن عطّ ملبسه لحادثة *** فقلوب أهل الفضل تنعط

وإذا العلى برزت بجليتها *** فعلاؤها لعقودها سمط

خبطت به الدنيا وكم بوغىً *** لحسامه إن زارها خبط

اللّه كيف جمعتَ غاشية *** يا دهر لما تجتمع قط

في كربلا من حيث جاش بها *** من حزب آل امية رهط

يوم به جمع ابن فاطمة *** عزماً له الأفلاك تنحط

بأماجد من دونه احتقبت *** أذراع حزم نسجها سبط

قامت على ساق عزائمها *** فجثت وبرق سيوفها يخطو

وعلى الظما شربت دماءهم *** بيض الضبا والذبّل الرقط

لم تنتهل من بارد عذب *** أحشاؤها وغليلها يعطو

حتى قضت والفخر يغبطها *** وإلى القيامة ذلك الغبط

فغدا ابن فاطمة ولا عضد *** إلا العليل وصارم سلط

بأبي الوحيد وطوع راحته *** يوم الهياج القبض والبسط

ص: 140

يسطو فتصعق من بوارقه *** وبعزمه كف الردى يسطو

يا روضة الدنيا وبهجتها *** ودليلها إن راعها خبط

تقضي ظماً والماء تشربه *** عصب الشقا والوحش والرط

اللّه أكبر أيّ نازلة *** بالدين قام بعبئها السبط

سلبت من الدنيا أشعتها *** وبها السماء اغتالها الشط

يقضي ابن فاطمة ولا رفعت *** سوداء ملؤ إهابها سخط

وهذا نموذج من شعره في الغزل - وهذه القطعة من الروضة :

سل عن جوى كبدي لظى أنفاسي *** تخبرك عنه وما له من آس

سفك الغرام دمي ولا من ثائر *** كمهلهل فيه على جساس

سيان حدّ السيف والمقل التي *** بسوادها يبيض شعر الراس

سرّ الهوى أودعت قلبا واثقاً *** لولا الدموع وحرقة الأنفاس

سأقول إن عدنا وعاد حديثنا *** واها لقلبك من حديد قاسي

ومن غزله قوله :

أهلاً بها بعد الصدود *** هيفاء واضحة الخدود

بكر كغصن البان *** باكره الصبا بربى زرود

تختال في برد الصبا *** أحبب بهاتيك البرود

فسكرتُ في نغماته *** وطربت فيه بغير عود

حتى إذا صال الصبا *** ح على الدجنّة في عمود

ألوى فقمتُ معانقا *** شغفا به جيداً بجيد

مضنى الحشاشة قائلاً *** حذر القطيعة والصدود

عُدلي بوصلك وادّكر *** يا ظبي ( أوفوا بالعقود )

حتى تريح من الجوى *** قلباً به ذات الوقود

فرنا إليّ بمقلة *** تصطاد هاصرة الاسود

ص: 141

متلفتاً كالريم حلأ *** ه الرماة عن الورود

حذر الوشاة فليتهم *** فزعوا لقاطعة الوريد

وتذكر العهد القديم *** فجاد بالوصل الجديد

ترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة ضافية وقال : جمع ديوانه بنفسه وبخطه الجيد ويبلغ خمسة عشر الف بيت كله من الرصين المحكم وأكثره في مدايح ومراثي أهل البيت علیهم السلام كما ضمّنه مفاكهات ومراسلات مع العلماء من أحبابه والادباء والاشراف من أترابه ، أقول وكان الشيخ السماوي يحتفظ بنسخة من الديوان ويقول البعض أنها مستنسخة من نسخة المرحوم الحاج مهدي الفلوجي الحلي ، وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر ) وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة.

جاء في ( طبقات أعلام الشيعة ) ج 2 صفحة 430 : الشيخ حسين الحلي ، هو الشيخ حسين بن مصبح الحلي النجفي فاضل جليل. كان من فضلاء عصره في النجف ، ويظهر من بعض الخصوصيات أنه كان من الأجلاء. استعار بعض الكتب العلمية في حدود (1240) كما على ظهر ( إثبات الهداة ) في النصوص والمعجزات في مكتبة السيد اغا التستري في النجف ، فالظاهر أن وفاته بعد التاريخ ، وهو جد الشاعر الشهير الشيخ حسن مصبح الحلي ابن حسين ابن المترجم ، المولود في حدود (1246) المتوفى في 1317 ه كما ترجمناه في ( نقباء البشر ) م 1 صفحة 429.

ص: 142

الشيخ محمد نظر علي

المتوفى 1317

قال من قصيدة يرثي بها الحسين (عليه السلام) :

لهفي لزينب بعد الصون حاسرة *** بين اللئام ومنها الخدر مبتذل

تقول وآضيعتا بعد الحسين أخي *** من لي وقد خاب مني الظن والأمل

وأخرجوا السيد السجاد بينهم *** يساق قسراً وبالاغلال يعتقل

إذا وَنى قنّعوه بالسياط وإن *** مشى أضرّ به من قيده ثقل

وقد سروا ببنات المصطفى ذللا *** تسرى بها في الفيافي الأنيق البزل

ما بين باكية للخدّ لاطمة *** وبين ثاكلة أودى بها الثكل

وبين قائلة يا جدنا فعلوا *** بنا علوج بني مروان ما فعلوا

وقال :

يا قلب ذب كمداً لما *** قد ناب أبناء النبيّ

أيلومني الخالي بهم *** أين الخليّ من الشجيّ

قد جرعتني علقما *** أرزاء نهر العلقميّ

أجسامهم فوق الثرى *** ورؤوسهم فوق القنيّ

وعقائل المختار تسبى *** بعدهم لابن الدعيّ

وحملن من بعد الخدور *** سوافراً فوق المطيّ

* * *

هو ابن الشيخ جعفر بن نظر علي ، وبجده هذا يعرف بين الحليين فيعبرون عنه ب ( الشيخ محمد بن نظر علي ) ويلقبونه بالمحدث أيضاً لطول باعة وسعة

ص: 143

أطلاعه في علم الحديث ، فقد كان ذا إحاطة واسعة بأحاديث النبي وأهل بيته الأطهار خصوصاً ما ورد منها في صحاح الإمامية وما ألف بعدها من الكتب المعتبرة وقد استفاد كثيراً في هجرته من الحلة إلى النجف من منبر العلامة المتأله الشيخ جعفر التستري ومن ثمة اشتهر أمره بالصلاح والورع وحسن الأساليب في مواعظه وخطابته المنبرية ، ودرس عنده جماعة منهم الشيخ محمد حسين بن حمد الحلي ، وقد ترك جملة من الاثار والمجاميع المخطوطة كان قد دوّن فيها ما وعاه من مشايخه وما انتخبه من أُمهات الكثب في سيرة أهل البيت وآثارهم وقد تلف قسم منها وبقي بعضها عند صهريه على كريمتيه ، الأول منهما خطيب الفيحاء الشيخ محمد آل الشيخ شهيب ( والد الدكتور محمد مهدي البصير ) والثاني السيد جعفر ابن السيد محمد حسن آل السيد ربيع - من أطباء العيون في النجف - وكان المترجم له رحمه اللّه يحب العزلة ولا يغشى أندية الفيحاء على كثرتها يوم ذاك عدا نادي آل السيد سلمان في عهد المرحوم السيد حيدر وعمه السيد مهدي بن السيد داود لقرب بيته من بيوتهم. وما زال منقطعاً إلى التهجد والاذكار في مسجدهم الواقع تجاه داره وهو المعروف بمسجد ( أبو حواض ). كانت ولادة المترجم له في الحلة سنة 1259 على التقريب ونشأ وتأدب فيها وكان يقضي شهري المحرم وصفر في البصرة للوعظ والارشاد في المحافل الحسينية كغيره من الخطباء فعاد في آخر سنيّ حياته منها وقد أُصيب فيها بمرض الحمى النافضة ( الملاريا ) فلم تمهله إلا أياماً حتى أجاب داعي ربه سنة 1317 ه أو قبلها بسنة ، ورثاه جماعة من شعراء الفيحاء الذين كانوا معجبين بفضله ونسكه منهم الأديب الحاج عبد المجيد الشهير بالعطار والشاعر الفحل الحاج حسن القيم - فمن قصيدة القيم قوله :

بادرا في بردة النسك أدرجاه *** واعقدا اليوم على التقوى رداه

لي بقايا كبد بينكما *** بالبكا يا ناظريّ اقتسماه

وهذا الشيخ وان كان ذا موهبة شعرية ولكنه لا ينظم إلا في اهل البيت علیهم السلام . ( انتهى عن البلابليات )

ص: 144

الشيخ محمد العوّامي

اشارة

المتوفى 1318

مصائب عاشورا تهيج تضرمي *** فلله من يوم بشهر محرم

بها المجد ينعى مصدر الفيض إذ غدا *** بلا قيّم يأوى إليه وينتمى

ومن قصيدة أخرى :

فيا مضر الحمرا ويا أُسد الشرى *** ويا غوث مَن يبغي الندا ويريد

وأمنع مَن في الأرض جاراً وجانبا *** وأمنتح مَن أمّت اليه وفود

فيا مطعمي الأضياف يوم مجاعة *** ويا خير مَن يبنى العلا ويشيد

ويا مخمدي نار الوغى إن تضرّمت *** وشبّ إلى الحرب العوان وقيد

وبدر واحد يشهدان لهاشم *** ورب السما من فوق ذاك شهيد

ولما بدت من آل حرب ضغائن *** لثارات بدر أظهرت وحقود

وأخرجت المولى الحسين مروّعاً *** وقد سبقت منكم اليه عهود

فلهفي عليه من وحيد مضيّع *** على الماء يقضي وهو عنه بعيد

بني مضر ماذا القعود عن العدا *** وفي كربلا مولى الوجود فريد

وكيف بقى ملقى ثلاثاً على الثرى *** تواريه من نسج الرياح برود

* * *

ص: 145

الشيخ محمد بن عز الدين الشيخ عبد اللّه العوامي القطيفي. اشتهر بأبي المكارم لمكارم أخلاقه ، ولد رحمه اللّه سنة 1255 ه ثالث شهر شعبان وبدت طلائع النبوغ على أساريره ونمت مداركه ومعارفه فأصبح منهلاً ينتهل منه وبحراً يغترف السائلون من عبابه ، حج سنة 1317 ه فأبهر الحاج بعلمه وكرمه وسخائه وعطائه ، وعندما تشرف بزيارة الرسول صلی اللّه علیه و آله واستقرّ بالمدينة المنورة فاجأه السقام فمكث أياماً والمرض يلازمه حتى قبضه اللّه اليه في عصر يوم السابع والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 1318 وعمره ثلاث وستون سنة فدفع بالبقيع ، وأولاده أربعة كلهم من أهل الفضل ، أما آثاره العلمية فهي :

1 - أجوبة المسائل النحوية ، كتاب مختصر.

2 - المناظرات في مسائل متفرقة.

3 - المسائل الفقهية.

4 - ديوان شعره يحتوي على : منظومة في عقائد الاصول ، من توحيد وعدل ونبوة وإمامة ومعاد.

شكوى وعتاب :

ترجمت في هذه الموسوعة بأجزائها الثمانية لمجموعة كبيرة من ادباء البحرين والاحساء والقطيف ممن كانوا في زوايا النسيان ذلك لأن بلاد البحرين من أقدم بلاد اللّه في العلم والأدب والتشيع لأهل البيت وعريقة في الشعر. وأمامنا ردم من القصائد لم نقف بعد على ترجمة أربابها وكم كتبنا واستنجدنا بعلمائها وادبائها ليزودونا بمعلومات عن تراثهم وحياة أسلافهم ، ولكن لا حياة لمن تنادي.

ص: 146

الشيخ حسن القيِّم

اشارة

المتوفى 1318

قال يرثي الامام الحسين (عليه السلام) :

إن تكن جازعاً لها أو صبورا *** فلياليك حكمها أن تجورا

تصحبنك الضدين ما دمت حياً *** نوبا تارة وطوراً سرورا

ربما استكثر القليل فقير *** وغنيٌ بها استقل الكثيرا

فكأن الفقير كان غنياً *** وكأن الغني كان فقيرا

فحذاراً من مكرها في مقام *** ليس فيه تحاذر المحذورا

نذرت أن تسيء فعلاً فأمست *** في بني المصطفى تقضّي النذورا

يوم عاشور الذي قد أرانا *** كل يوم مصابه عاشورا

يوم حفت بابن النبي رجال *** يملؤن الدروع بأساً وخيرا

عمروها في اللّه أبيات قدس *** جاورت فيه بيته المعمورا

ما تعرّت بالطف حتى كساها *** اللّه في الخلد سندساً وحريرا

لم تعثّر أقدامها يوم أمسى *** قدم الموت بالنفوس عثورا

بقلوب كأنما البأس يدعو *** هالقرع الخطوب كوني صخورا

رفعت جرد خيلهم سقف نقع *** ألف الطير في ذراه الوكورا

حاليات يرشحن بالدم مرجاناً *** ويعرقن لؤلؤاً منثورا

عشقوا الغادة التي أنشقتهم *** من شذاها النقع المثار عبيرا

فتلقوا سهامها بصدور *** تركوهن للسهام جفيرا

ص: 147

لازموا الوقفة التي قطّرتهم *** تحت ظل القنا عفيراً عفيرا

فخبوا أنجماً وغابوا بدوراً *** وهووا أجبلا وغاضوا بحورا

من صريع مرمل غسّلته *** من دماء السيوف ماء طمورا

ومعرى على الثرى كفنته *** أُمّه الحرب نقعها المستثيرا

عفّر الترب منهم كل وجه *** علّم البدر في الدجا أن ينيرا

ونساء كادت بأجنحة الرعب *** شظايا قلوبها أن تطيرا

قد أداروا بسوطهم فلك الضرب *** عليهنّ فاغتدى مستديرا

صرن في حيث لو طلبن مجيراً *** بسوى السوط لم يجدن مجيرا

لو يروم القطا المثار جناحاً *** لأعارته قلبها المذعورا

يا لحسرى القناع لم تلف إلا *** آثماً من أمية أو كفورا

أوقفوها على الجسوم اللواتي *** صرن للبيض روضة وغديرا

فغمرن النحور دمعاً ولو لم *** يك قانٍ غسلن تلك النحورا

علّ مستطرقاً يرى الليل درعاً *** وعلى نسجه النجوم قتيرا

يبلغن المهديّ عني شكوى *** قلّ في أنها تضيق الصدورا

قل له إن شممت تربة أرض *** وطأت نعله ثراها العطيرا

وتزودت نظرة من محيّا *** تكتسي من بهائه الشمس نورا

قم فأنذر عداك وهو الخطاب *** الفصل أن تجعل الحسام نذيرا

كائناً للمنون هارون في البعث *** لموسى عوناً له ووزيرا

قد دجا في صدورهم ليل غي *** فيه يهوى نجم القنا أن يغورا

أو ما هزّ طود حلمك يوم *** كان للحشر شره مستطيرا

يوم أمسى الحسين منعفر الخد *** ين فيه ونحره منحورا

أفتديه مخدّراً صار يحمي *** بشبا السيف عن نساء الخدورا

ليس تدري محبوكة الدرع ضمّت *** شخصه في ثباته أم ثبيرا

ص: 148

أعدت السيف كفه في قراها *** فغدا في الوغى يضيف النسورا

صار موسى وآل فرعون حرباً *** والعصى السيف والجواد الطورا

وأصريعاً بثوب هيجاء مدرو *** جاً وفي درع صبره مقسورا

كيف قرت في فقد مسكنها الأر *** ض وقد آذنت له أن تمورا

وقضى في الهجير ظام ولكن *** بحشى حرها يذيب الهجيرا

صار سدراً لجسمه ورق البيض *** ونقع الهيجا له كافورا

أحسين تقضي بغير نصير *** مستظاماً فلا عدمت النصيرا

بأبي رأسك المشهرّ أمسى *** يحمل الرمح منه بدراً منيرا

* * *

الشيخ حسن ابن الملا محمد القيّم الحلي أحد نوابغ عصره. كان شاعراً بارعاً من اسرة كانوا قوّاماً في بعض المشاهد فلذلك لقّب بالقيّم ، في شعره يحذو حذو المهيار ويعارض قصائده. كان أبوه أيضاً شاعراً خفيف الروح. والشيخ حسن القيم عارض قصيدة المهيار التي أولها :

لمن الطلول كأنهنّ رقوم *** تصحو لعينك تارة وتغيم

بقصيدة شهيرة يرويها أكثر خطباء المنبر الحسيني وأولها :

عطن بذات الرمل وهو قديم *** حنّت بواديه الخماص الهيم

ولد سنة 1278 ه فاحتضنه أبوه ، وهو يومئذ استاذ الخطابة في بغداد والحلة ، حتى إذا نشأ وترعرع كان السيد حيدر الحلي ، والشيخ حمادي نوح من أوائل مَن تلقفوه وتعاهدوا ملكاته الأدبية. ثم كان له من حانوته الضيق الذي إذا أراد أن يدخله ينحني مع شدة قصره وضآلة جسمه ما يغنيه عن أن يمدّ يد الارتزاق لأحد ، حيث احترف فيه حياكة المناطق الحريرية المعروفة ب ( الحُيُص ) ولعلّ هذه المهنة المتواضعة هي الباعث على الاعتقاد بأنه أُميّ لا يقرأ ولا يكتب رغم أن الشيخ محمد علي اليعقوبي يعلق على هذا الزعم بقوله :

ص: 149

وقد رأينا كثيراً من مسودات قصائده بخط يده عند ولده المرحوم عبد الكريم ولقد توفق الاستاذ الخطيب الشيخ اليعقوبي لجمع وتحقيق ديوان الشاعر القيم ونشره في مطابع النجف الأشرف سنة 1385 ه وعثرت أخيراً على مخطوطة للخطيب السيد عباس البغدادي وفيه مرثية نظمها شاعرنا في رثاء سيدة من آل القزويني في سنة 1317 ويعزي العلامة الكبير السيد محمد القزويني قال :

هي نفس تقدست فحباها *** محض تقديسها عُلا لا يُضاهى

كيف منها الردى استطاع دنواً *** وبأسد الشرى يُحاط خباها

يا لنفس لها نفائس أوصاف *** بها اللّه للملائك باهى

سكنت خدرها المنيع إلى أن *** سكنت خير مرقد واراها

فهب اللحد في ثراه طواها *** أفهل يستطيع طيّ علاها

شكرت أجرها صحيفتها الملآى *** بما قدمت فيا بشراها

فمضت والعفاف يتبعها بالنوح *** والنسك ثاكلا ينعاها

يا خطوب الزمان إن خلت أن لا *** عاصم اليوم للعلى من أساها

فقد استعصمت ببأس ( أبي *** القاسم ) من كل معضل يغشاها

بدر علم وطودُ حلم ولجيّ *** صفات جلّت فلا تتناهى

نير المحتد الذي تتجلى الشمس *** فيه فيستشف ضياها

طاهر البرد معدن الرشد سامي *** المجد غوث الأنام في بأساها

فالقوافي بنعته انشقتنا *** نفحات يحيى النفوس شذاها

جمع اللّه فيه شمل المعالي *** وأعزّ الاله فيه حماها

سادة العالمين آل معز الدين *** فيكم سمت شريعة طه

فبكم تكشف الحوادث عنا *** وتنال النفوس أقصى مُناها

ولنا تُرسل السحائب من أنملكم *** حفّلا يفيض نداها

والينا شوارق العلم منكم *** تتجلّى فنهتدي بهداها

ص: 150

وجميل اصطباركم بشّر اللّه *** به الصابرين في أُخراها

قدس اللّه تربة عطّرتها *** بنت خير الورى بنشر تقاها

لا عداها صوب الغوادي لأني *** قلت أرخ ( صوب الغوادي سقاها )

وفي المخطوطة قصيدة اخرى يرثي بها السيد علي الموسوي ويعزي ولده السيد عباس الخطيب سنة 1316 وأولها :

تخطّى الردى في فيلق منه جرار *** اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري

كتب عنه الدكتور البصير في مؤلفه ( نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ) فقال : أخبرني شاهد عيان ثقة أن حانوته الصغير كان ندوة أدب خطيرة الشأن - ذلك لأنه كان يطلع تلاميذه من صغار الحاكة على خير ما يقرأ وخير ما ينظم ويرشدهم الى ما في هذا كله من سحر وجمال وفن وصناعة. وكان عارفو فضله من أهل العلم والأدب يختلفون إلى حانوته دائماً يستمتعون بحديثه العذب وأدبه الغض.

توفي رحمه اللّه سنة 1319 ولم يتجاوز الخامسة والأربعين. أما صفاته فقد كان أبيّاً وفياً ذكيّ القلب خفيف الروح بارع النكتة شديد التأمل في شعره كثير التنقيح له ، قرض الشعر وهو عامل بسيط فلم تحدثه نفسه في يوم من الأيام أن يتخذه وسيلة لجرّ المغانم وكسب الجوائز ولو أراد هذا لكان ميسوراً سهلاً ، ولكنه أبى إلا أن يصطنع الأدب للأدب وأن يقرض الشعر للشعر. ولذلك كان شعره رثاءً لأهل البيت أو غزلاً أو تهنئة لصديق أو مديحاً أو رثاء له ، أو نكتة تستدعيها مناسبة طريفة ، وللتدليل على ذلك نذكر إحدى طرفه وذلك أنه عاده في مرضه جمع من الأصدقاء وجاء أحد الثقلاء يهمّه أن يتكلم ولا يهمه أن يكون كلامه مفيداً ام غير مفيد مقبولاً أم غير مقبول ، فأكثر من الهذيان إلى أن قال : أكثر ما يؤذيك شدّة الحر - وكان الفصل صيفاً - فأجابه شاعرنا قائلاً : وكثرة الهذيان.

ص: 151

ومن درره هذه المرثية الحسينية التي أشرنا اليها :

عطن بذات الرمل وهو قديم *** حنت بواديه الخماص الهيم

وتذكرت بالأنعمين مرابعاً *** خضر الأديم ونبتهن عميم

أيام مرتبع الركائب باللوى *** خضل وماء الواديين جميم

ومن العذيب تخب في غلس الدجى *** بالمدلجات مسومات كوم

والركب يتبع ومضة من حاجر *** فكأنه بزمامها مخطوم

سل أبرق الحنّاء عن أحبابنا *** هل حيهم بالأبرقين مقيم

والثم ثرى الدار التي بجفونها *** يوم الوداع ترابها ملثوم

واحلب جفونك ان طفل نباتها *** عن ضرع غادية الحيا مفطوم

عجباً لدار الحي تنتجع الحيا *** وأخو الغوادي جفني المسجوم

ومولّع باللوم ما عرف الجوى *** سفهاً يعنف واجداً ويلوم

فأجبته والنار بين جوانحي *** دعني فرزئي بالحسين عظيم

أنعاه مفطور الفؤاد من الظما *** وبنحره شجر القنا محطوم

جمّ المناقب منه يضرب للعلا *** عرق بأعياص الفخار كريم

فلقد تعاطى والدماء مدامة *** ولقد تنادم والحسام نديم

في حيث أودية النجيع يمدّها *** بطل بخيل الدارعين يعوم

يغشى الطريد شبا الحسام ورأسه *** قبل الفرار أمامه مهزوم

لبّاس محكمة القتير مفاضة *** يندق فيها الرمح وهو قويم

يعدو وحبات القلوب كأنها *** عقد بسلك قناته منظوم

ومضى يريد الحرب حتى أنه *** تحت اللواء يموت وهو كريم

واختار أن يقضي وعمّته الضبا *** فيها وظِلته القنا المحطوم

وقضى بيوم حيث في سمر القنا *** قِصدٌ وفي بيض الضبا تثليم

ثاوٍ بظل السمر يشكر فعله *** في الحرب مصرعه بها المعلوم

ص: 152

فدماؤه مسفوكة وحريمه *** مهتوكة وتراثه مقسوم

عجباً رأى النيران بابن قسيمها *** برداً خليل اللّه ابراهيم

وابن النبي قضي بجمرة غلة *** منها يذيب الجامدات سموم

وكريمة الحسبين بابن زعيمها *** هتفت عشية لا يجيب زعيم

هتكوا الحريم وأنت أمنع جانباً *** بحميةٍ فيها تصان حريم

ترتاع من فزع العدو يتيمة *** ويأن من ألم السياط يتيم

تطوي الضلوع على لوافح زفرة *** خرساء تقعد بالحشا وتقوم

في حيث قدر الوجد يوقد نارها *** ملؤ الجوانح زفرة وهموم

فتعج بالحادي ومن أحشائها *** جمعت شظايا ملؤهن كلوم

إما مررت على جسوم بني أبي *** دعني ولولوث الأزار أقيم

وأرواح ألثم كل نحرٍ منهم *** قبلي بأفواه الضبا ملثوم

وأشمّ من تلك النحور لطائماً *** فيهن خفاق النسيم نموم

وبرغمهم أسري وأترك عندهم *** كبداً ترف عليهم وتحوم

أنعى بدوراً تحت داجية الوغى *** يطلعن فيها للرماح نجوم

أكل الحديد جسومهم ومن القنا *** صارت لأرؤوسهم تنوب جسوم

ماتوا ضرباً والسيوف بوقفة *** فيها لأظفار القنا تقليم

ومشوا لها قدماً وحائمة الردى *** لهم بأجنحة السيوف تحوم

وقضوا حقوق المجددون مواقف *** رعفت بهنّ أسنة وكلوم

* * *

ص: 153

وله في الامام الحسين علیه السلام :

بأيّ حمى قلب الخليط مولع *** وفي أي واد كاد صبرك ينزع

وقفن بها لكنها أيّ وقفة *** وجدن قلوباً قد جرت وهي ادمع

ترجّع ورقاء الصدى في عراصها *** فتنسيك مَن في الأيك باتت ترجّع

مضت ومضى قلب المشوق يؤمها *** فلا نأيها يدنو ولا القلب يرجع

فأسرعت دمعي فيهم حيث أسرعوا *** وودعت قلبي فيهم حيث ودعوا

كأن حنيني وانصباب مدامعي *** زلازل إرعاد به الغيث يهمع

جزعت ولكن لا لمن كان ركبهم *** ولولاك يوم الطف ما كنت أجزع

قضت فيك عطشى من بني الوحي فتية *** سقتها العدى كأس الردى وهو مترع

بيوم أهاجوا للهياج عجاجة *** تضيّع وجه الشمس من حيث تطلع

بفيض نجيع الطعن والسمر شرّع *** ويسود ليل النقع والبيض لمّع

بخيل سوى فرسانها ليس تبتغي *** وقوم سوى الهيجاء لا تتوقع

تجرد فوق الجرد في كل غارة *** حداد سيوف بينها الموت مودع

عليها من الفتيان كل ابن بجدة *** يردّ مريع الموت وهو مروع

أحب اليها في الوغى ما يضرها *** إذا كان من مال المفاخر ينفع

وما خسرت تلك النفوس بموقف *** يحافظ فيها المجد وهي تضيع

تُدفّع من تحت السوابق للقنا *** نفوساً بغير الطعن لا تتدفع

كأن رماح الخط بين أكفهم *** أراقم في أنيابها السمّ منقع

ولما أبت إلا المعالي بمعرك *** به البيض لا تحمي ولا الدرع تمنع

هوت في ثرى الغبرا ولكن سما لها *** على ذروة العلياء عزٌ مرفّع

فبين جريح فهو للبيض أكلة *** وبين طعين وهو للسمر مرتع

ثوت حيث لا يدري بيوم ثوائها *** اصيبت اسود ام بنو الوحي صرّع

فمنعفر خداً وصدر مرضض *** ومختضبٌ نحراً وجسم مبضع

ص: 154

كأني بها في كربلا وهي كعبة *** سجود عليها البيض والسمر ركع

فيا لوجوه في ثرى الطف غيبت *** ومن نورها ما في الأهلة يسطع

ولما تعرّت بالعراء جسومها *** كساها ثياباً مجدها ليس ينزع

وظمآنة كادت تروي غليلها *** بأدمعها لو كان يروي وينقع

فذا جفنها قد سال دمعاً وقلبها *** بكف الرزايا بات وهو موزع

هوت فوق أجساد رأت في هوّيها *** حشاشتها من قلبها فهي وقّع

تبيت رزايا الطف تأسر قلبها *** وتطلقه أجفانها وهي أدمع

فيا منجد الاسلام إن عز منجد *** ويا مفزع الداعي إذا عزّ مفزع

حسامك من ضرب الرقاب مثلّمٌ *** ورمحك من طعن الصدور مصدّع

فما خضت بحر الحتف إلا وقد طغى *** بهام الأعادي موجه المتدفع

إذا حسرت سود المنايا لثامها *** وللشمس وجه للغبار مقنع

ولم أدر يوم الطعن في كل موقف *** قناتك ام طير القرى فيه اطمع

فجمعت شمل الدين وهو مفرق *** وفرقت شمل الشرك وهو مجمع

إذا لم تفدهم خطبة سيفك اغتدى *** خطيباً على هاماتهم وهو مصقع

له شعلة لو يطلب الأفق ضوءها *** لأبصرت شمساً لم تغب حين تطلع

ولو كان سمعٌ للصوارم لاغتدى *** مجيباً إلى داعي الوغى وهو مسرع

وقفتَ وقد حمّلتَ ما لو حملنَه *** الجبال الرواسي أوشكت تتصدع

ورحّبتَ صدراً في امور لو أنها *** سرت بين رحب ضاق وهو موسّع

بحيث الرماح السمهريات تلتوي *** عليك وبيض المشرفيات تلمع

فلا عجب من هاشم حيث لم تكن *** تذب بيوم الطف عنك وتدفع

إذا ضيعوا حتى الوصي ولم تقم *** بنصرته فاليوم حقك أضيع

تشيّع ذكر الطف وقعتك التي *** بقيت لديها عافراً لا تشيّع

لقد طحنت أضلاعك الخيل والقنا *** بجنبك يوم الطعن فيهن ضلّع

ص: 155

فنحرك منحور وصدرك موطأ *** ورأسك مشهور وجسمك مودع

إذا لم تضيّع حق عهد جفوننا *** عليك فعهد الصبر منا مضيع

وإن جف صوب الدمع باتت قلوبنا *** لهن عيون في مصابك تدمع

وإن أدركت بالطف وترك هاشم *** فلا المجد منحط ولا الأنف أجدع

تروّي القنا الخطار وهي عواطش *** وتشبع ذؤبان الفلا وهي جوّع

تدافع عن خدر التي قد تقنعت *** بسوط العدى اذلا حماة تقنّع

أموقع يوم الطف أبقيت حرقة *** لها كل آن بين جنبيّ موضع

سأبكيك دهري ما حييت وإن أمت *** فلي مقلة عبرى وقلب مفجّع

بنفسي أوصال المكارم واصلت *** سيوف العدى حتى انحنت تتقطع

مصارعها في كربلا غير أنها *** لها كل آنٍ نصب عينيّ مصرع

* * *

ص: 156

الشيخ محمد سعيد السكافي

اشارة

المتوفى 1319

يقلّ لدمعي دماً أن يصوبا *** وللقلب مني أسىً أن يذوبا

لما قد ألمّ بآل النبي *** فأجرى الدموع وأورى القلوبا

ولا مثل يومهم في الطفوف *** فقد كان في الدهر يوماً عصيبا

غداة حسين وخيل العدى *** تسدّ عليه الفضاء الرحيبا

دعته لينقاد سلس القياد *** وتأبى حميته أن يجيبا

فهبّ لحربهم ثائراً *** بفتيان حرب تشبّ الحروبا

فمن كل ليث وغىً تتقي *** له في الوغى الاسد بأساً مهيبا

وأروع يغشى الوغى باسما *** ووجه المنية يبدي قطوبا

فكم ثلمت للمواضي شبا *** وكم حطمت للعوالي كعوبا

إلى أن ثوت في الثرى جثّما *** تضوّع من نشرها الترب طيبا

وأضحى فريداً غريب الديار *** بنفسي أفدي الفريد الغريبا

فراح يخوض غمار الحتوف *** ونار حشاه تشبّ لهيبا

وأضحى بجنب العرى عاريا *** كسته الأعاصير برداً قشيبا

وسيقت حرائره كالإماء *** تجوب حزونا وتطوي سهوبا

ويا رب نادبة والحشى *** يكاد بنار الجوى أن يذوبا

أريحانة المصطفى هل ترى *** درى المصطفى بك شلواً سليبا

يعز على المصطفى أن يرى *** على الترب خدك أمسى تريبا

ص: 157

يعزّ على المصطفى أن يرى *** بقاني الدما لك شيباً خضيبا

يعزّ على المصطفى أن يرى *** بأيدي العدى لك رحلاً نهيبا

ألانت قناتي يد الحادثا *** ت وقد كان عود قناتي صليبا

فهل لليالي بهم أوبة *** وهيهات ما قد مضى أن يؤوبا

* * *

الشيخ محمد سعيد الاسكافي ابن الشيخ محمود بن سعيد النجفي الشهير بالاسكافي شاعر مبدع وأديب له شهرته في عصره ، ولد في النجف الأشرف 14 رجب 1250 ه ترجم له صاحب الحصون المنيعة نقلاً عن ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) تأليف الشيخ أحمد بن الحاج درويش علي الحائري البغدادي المتوفى 1322 فقال : الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمود الشاعر ، الجامع لاشتات المفاخر ، كانت لابائه نيابة التولية والنظارة في الحضرة المنورة الحيدرية حينما كان الخازن لها هو المتولي للحكومة السنية في النجف برهة من الزمن وهو الملا يوسف ، ثم تغيرت الأحوال بعد وفاة أبيه وابن عم أبيه فصرفت عنهم هذه التولية. توفي والده الشيخ محمود بعد ولادة المترجم له بسنتين وشبّ الصبي وترعرع وتدرج على الأدب والعلم باللغتين الفارسية والعربية ومن أوائل نظمه قوله :

وأخ وفيٌ لا أُطيق فراقه *** حكم الزمان بأن أراه مفارقي

بان الأسى مذبان وابيضت أسى *** لنواه سود نواظري ومفارقي

ومما يجدر ذكره أنه من اسرة تعرف ب ( آل الحاج علي هادي ) ولم يكن من آل السكافي ( البيت النجفي المعروف ) وإنما يتصل بالقوم من طريق الخؤلة ، ومما يتحدث به المعمرون من أسرته التي أشرنا اليها أن أصلهم يرجع إلى الملوك البويهيين الذين ملكوا العراق في غرة القرن الرابع وأنشأوا العمارات الضخمة في النجف وغيرها من العتبات المقدسة ، وإذا صحّ ذلك فهم من أقدم البيوت

ص: 158

التي تقطن النجف زهاء الف عام ، وتوجد عند بقيتهم صكوك رسمية ( فرامين ) يتوارثونها خلفاً عن سلف قد صودق عليها من قبل الشاهات الصفويين والسلاطين العثمانيين تدل على قدمهم في النجف ورسوخ قدمهم في خدمة الروضة العلوية.

وشاعرنا المترجم له نال هذه الملكة الأدبية بحكما لتربية وأثرها من خاله الذي نشأ في حجره وهو الشاعر المعروف الشيخ عباس بن الملا علي المتوفى سنة 1276 ومن ثمة تجد شاعرنا هذا يسلك في شعره طريقة خاله في الرقة والجزالة وحسن السبك وسرعة البديهة ومن غزله قوله متغزلاً ومتحمساً وقد كتبه بخطه الجيد فانه خطاط مليح الخط قال :

تذكرت عهداً بالحمى راق لي دهرا *** فهاجت تباريح الغرام لي الذكرى

وأومض من وادي الغضا لمع بارق *** فأذكى لنيران الغضا في الحشا جمرا

فيا حبذا تلك المغاني وإن نأت *** وياما أُحيلى العيش فيها وإن مرّا

فيا طالما بالانس كانت أواهلا *** وان هي أمست بعد موحشة قفرا

عشية عاطاني المدامة شادن *** أغنّ غضيض الطرف ذو غرة غرا

حكى الغصن قداً والجأذر لفتة *** وعين ألمها عيناً وبيض الضبا نحرا

فبتنا وقد مدّ الظلام رواقه *** علينا وأرخى من جلابيبه سترا

وقد هدأت عنا العيون وهوّمت *** سوى أن عين النجم ترمقنا شزرا

من العدل يا ظبي الصريمة أن ترى *** وصالي حراماً في الهوى ودمي هدرا

لقد هنت قدراً في هواك وإنني *** لأعلى الورى كعباً وأرفعهم قدرا

ويا رب لاح قط ما خامر الهوى *** حشاه ولا فاضت له مقلة عبرى

يلوم فلم أرع المسامع عذله *** كأن باذني عند تعنيفه وقرا

وهيهات يصغى للملامة وامق *** معنّى الحشى مضنى أخو كبد حرى

وقائلة مالي أراك مشمراً *** لجوب القفار البيد توسعها مسر

تجوب الفلا أو تركب البحر جاهداً *** فلم تتئد أن تقطع البر والبحرا

ص: 159

فقلت لها كفيّ الملامة إنما *** هلال الدجى لولا السرى لم يكن بدرا

سأفرى نحور البيد شرقاً ومغربا *** وأقطع من أجوازها السهل والوعرا

لأمنية أحظى بها أو منية *** فان لم تك الاولى فيا حبذا الاخرى

وللشاعر ديوان جمعه في حياته وروى لنا الأخ الخاقاني في ( شعراء الغرى ) طائفة من روائعه ، أقول واختار شاعرنا لنفسه أن يسكن في إحدى المدارس الدينية ويعيش عيشة طلاب العلم الروحيين فقضى شطراً من حياته في مدرسة ( البقعة ) بكربلاء المقدسة حتى استأثرت بروحه الرحمة الالهية وحيداً لا عقب له ودون أن يتزوج وذلك ليلة الاربعاء سلخ ربيع الأول سنة 1319 ه ودفن في صحن الإمام الحسين (عليه السلام) وكان عمره 69 عاماً.

ومن رثائه للحسين (عليه السلام) :

معاهدهم بالسفح من أيمن الحمى *** سقاهن وجافّ الغمام إذا همى

وقفت بها كيما أبثّ صبابتي *** فكان لسان الدمع عنها مترجما

دهتها صروف الحادثات فلم تدعد *** بها أثراً إلا طلولاً وأرسما

بلى إنها الأيام شتى صروفها *** إذا ما رمت أصمت ولم تخط مرتمى

وليس كيوم الطف يوم فإنه *** أسال من العين المدامع عندما

غداة استفزت آل حرب جموعها *** لحرب ابن من قد جاء بالوحي معلما

فلست ترى إلا أصمّ مثقفاً *** وأبيض إصليتا وأجرد أدهما

أضلّت عداها الرشد والهدي والحجى *** وباعت هداها يوم باعته بالعمى

أتحسب أن يستسلم السبط ملقياً *** اليها مقاليد الامور مسلّما

ليوث وغىً لم تتخذ يوم معرك *** بها أجماً إلا الوشيج المقوّما

ولم ترض غير الهام غمداً إذا انتضت *** لدى الروع مشحوذ الغرارين مخذما

ومذ عاد فرد الدهر فرداً ولم يجد *** له منجداً إلا الحسام المصمما

رمى الجيش ثبت الجأش منه بفيلق *** يردّ لُهام الجيش أغبر أقتما

ص: 160

وكرّ ففرّت منه عدواً جموعهم *** فرار بغاث الطير أبصرن قشعما

تقاسم منه الطرف والقلب فاغتدى *** يكافح أعداءاً ويرعى مخيّما

تناهب مبيض الضبا فكأنما *** غدا لحدود البيض فيئاً مقسّما

ولما جرى أمر القضاء بما جرى *** وقد كان أمر اللّه قدراً محتما

هوى فهوى الطود الأشم فزلزلت *** له الأرضون السبع واغبرت السما

وأعولت الأملاك نادبة وقد *** أقامت له فوق السماوات مأتما

فأضحى لقى في عرصة الطف شلوه *** ترضّ العوادي منه صدراً معظما

ويهدى على عالي السنان برأسه *** لأنذل رجس في امية منتما

وينكته بالخيزران شماتة *** يزيد ويغدو ناشداً مترنما

( نفلّق هاماً من رجال أعزةٍ *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما )

فشلّت يداه حين ينكت مرشفاً *** لمرشف خير الرسل قد كان ملثما

ولهفي لآل اللّه بعد حماتها *** وقد أصبحت بين المضلين مغنما

إذا استنجدت فتيانها الصيد لم تجد *** برغم العلى غير العليل لها حمى

تجوم بها أجواز كل تنوفةٍ *** وتسبى على عجف المصاعب كالإما

حواسر من بعد التخدّر لا ترى *** لها ساتراً إلا ذراعاً ومعصما

وزينب تدعو والشجا يستفزها *** أخاها ودمع العين ينهلّ عندما

أخي يا حمى عزي إذا الدهر سامني *** هواناً ولم يترك لي الدهر من حمى

لقد كان دهري فيك بالأمس مشرقا *** فهاهو أمسى اليوم بعدك مظلما

وقد كنت لي طوداً ألوذ بظله *** وكهفاً متى خطب ألمّ فألما

أدير بطرفي لا أرى غير أيّمٍ *** تجاوب ثكلى في النياحة أيّما

رحلت وقد خلفتني بين صبية *** خماص الحشى حرّى القلوب من الظما

عدمت حياتي بعد فقدك إنني *** أرى بعدك العيش الرغيد مذمما

أرى كل رزء دون رزئك في الورى *** فلله رزء ما أجلّ واعظما

ص: 161

السيد ابراهيم الطباطبائي

اشارة

المتوفى 1319

في رثاء الحسين :

قطعتُ سهول يثرب والهضابا *** على شدنيّة تطوي الشعابا

سرت تطوي الفدافد والروابي *** وتجتاز المفاوز والرحابا

إذا انبعثتَ يثور لها قتام *** لوجه الشمس تنسجه نقابا

يجشمها المهالك مشمعلٌ *** يخوض من الردى بحراً عبابا

هزبر من بنى الكرار أضحى *** يؤلّب للوغى أُسداً غضابا

غداة تألبت أرجاس حرب *** لتدرك بالطفوف لها طلابا

فكّر عليهم بليوث غاب *** لها اتخذت قنا الخطي غابا

إذا انتدبت وجردت المواضي *** تضيّق في بني حرب الرحابا

وهبّ بها لحرب بني زياد *** لدى الهيجا قساورة صلابا

فبين مشمرٍ للموت يصبو *** صبوّ متيم ولها تصابى

وآخر في العدى يعدو فيغدو *** يكسّر في صدورهم الحرابا

إلى أن غودرت منهم جسوم *** ترى قاني الدماء لها خضابا

وضلّ يدير فرد الدهر طرفا *** ينادي بالنصير فلن يجابا

يصول بأسمر طوراً وطورا *** بأبيض صارم يفري الرقابا

وأروع لم تُروّعه المنايا *** إذا ازدلفت تجاذبه جذابا

يهزّ مثقفاً ويسلّ عضبا *** كومضِ البرق يلتهب التهابا

ص: 162

نضا للضرب قرضابا صنيعا *** أبى إلا الرقاب له قرابا

رمى ورموا سهام الحتف حتى *** إذا ما أخطأوا مرمىً أصابا

إلى أن خرّ منعفراً كسته *** سوافي الريح غادية ثيابا

فوافته الفواطم معولات *** بندب منه صمّ الصخر ذابا

وزينب ثاكل تدعو بقلب *** مصابٍ يملأ الدنيا مصابا

أيا غيث الورى إن عمّ جدب *** وغوثهم إذا ما الدهر نابا

لقد سلب العدى بالرغم منا *** رداء الصون قسراً والحجابا

على رغم العلى والدين أضحت *** بنو حرب تجاذبها النقابا

بفرط حنينها والدمع أمست *** تباري الرعد والغيث انسكابا

* * *

السيد ابراهيم ابن السيد حسين بن الرضا ابن السيد بحر العلوم. ولد قدس سره في النجف الأشرف سنة 1248 وتلمذ على أبيه في عامة العلوم الإسلامية من التفسير والفقه والأصول والكلام كما أخذ الأدب والشعر عن أبيه أيضاً وحتى إذا اشتد شبابه وقارب أو تجاوز العشرين من سنّيه برع في العلوم الأدبية وتضلع بها وتعمق في اللغة والمعاني والبيان والشعر ، ذكره صاحب الحصون المنيعة في الجزء السابع وقال في جملة ما قال : وكان يحذو في شعره حذو السيد الرضي ، والأبيوردي. وفي كتاب ( حلى الزمن العاطل ) : هو من أشهر شعراء هذا العصر بل من أفراد الدهر ، وهو على ما خوّله اللّه من شرف الحسب والنسب الركن العراقي لكعبة الفضل والأدب ، وأبيات قصائده مقام ابراهيم الذي ينسلون إليه من كل حدب ، كان قويّ الحافظة جزل الاداء يرتجل الشعر وربما دعي لمناسبة مفاجأة فيقول القصيدة بطولها ويمليها بعد حين على كاتبه الخاص باسترسال ، ورد مدحه على ألسنة الشعراء المعاصرين له كالسيد جعفر ابن السيد أحمد الخرسان النجفي ، والشيخ محمد السماوي ، والشيخ ابراهيم

ص: 163

صادق العاملي ، والشيخ عبد الحسين الحويزي ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، والسيد جعفر الحلي ، والسيد موسى الطالقاني ، والشيخ محسن الخضري وغيرهم وديوانه المطبوع بمطبعة صيدا - لبنان يحتوي على مختلف فنون الشعر ، وعدة مراثي لشهداء كربلاء. توفي رحمه اللّه في النجف الأشرف يوم الثلاثاء 6 محرم الحرام سنة 1319 ه.

فمن شعره قوله في العباس بن أمير المؤمنين علیهماالسلام :

قف بالطفوف وسل بها أفواجها *** وأثر أبا الفضل المثير عجاجها

إن أُرتجت باب تلاحك (1) بالقنا *** بالسيف دون أخيه فكّ رتاجها

جلّى لها قمراً لهاشم سافراً *** رد الكتائب كاشفاً إرهاجها

ومشى لهامشي السبنتى (2) مخدراً *** قد هاج من بعد الطوى فأهاجها

أو أظلمت بالنقع ضاحية الوغى *** بالبارقات البيض شبّ سراجها

فاستامها ضرباً يكيل طفيفها *** ولاجّ كل مضيقة فرّاجها

يلقى الوجوه الكالحات فينثني *** يفري بحدّ صفيحة أوداجها

كم سوّرت علقاً أساريب الدما *** فرقى بها علماً وخاض عجاجها

أسد يعدّ عداه ثلّة ربقة *** فغدا ببرثنه يشلّ نعاجها

ومطحطح (3) بالخيل في ملمومة *** حرجت فوسّع بالحسام حراجها

ما زلت تلقح عقم كل كتيبة *** حتى إذا نتجت أريت نتاجها

ولكم طغت غياً ولجّ بغيّها *** فقطعت بالعضب الجراز لجاجها

ضجت من الضرب الدراك فألحقت *** بعنان آفاق السماء ضجاجها

فإذا التوت عوجاً أنابيب القنا *** بالطعن قام مقوّما إعواجها

ركب الجياد إذا الصريخ دعابه *** معرية لم ينتظر إسراجها

ص: 164


1- لا حك الشيء بالشيء الزقه.
2- السبنتي : النمر.
3- طحطح القوم : بددهم وأهلكهم.

الباسم العباس ما من خطة *** إلا وكان نميرها واجاجها

ورد الفرات أخو الفرات بمهجة *** رشفت بمعبوط الدما زجاجها

قد همّ منه بنهلة حتى إذا *** ذكر الحسين رمى بها ثجّاجها

مزجت أحبته له بنفوسها *** نفساً من الصهباء خلت مزاجها

ما ضرّ يا عباس جلواء السما *** لو وشحت بك شهبها أبراجها

أبكيك منجدلاً بأرض قفرة *** بك قد رفعت على السماء فجاجها

أبكيك مبكى الفاقدات جنينها *** ذكرت فهاج رنينها من هاجها

أبكيك مقطوع اليدين بعلقم *** أجرت يداك بعذبه أمواجها

وبرغم أنف الدين منك بموكب *** تقضي سيوف بني امية حاجها

قد كنت درتها على إكليلها *** قد زينت بك في المفارق تاجها

ولحاجتي يا أنس ناظرة العلى *** لو قد جعلتك للعيون حجاجها

ومن شعره في رثاء جده الحسين :

أشجاك رسم الدار مالك مولع *** أم هل شجاك بسفح رامة مربع

وأراك مهما جزت وادي المنحني *** لك مقلة عبرى وقلب موجع

لا بل شجاك بيوم وقعة كربلا *** رزء له السبع الشداد تزعزع

يوم به كرّ ابن حيدر في العدى *** والبيض بالبيض القواضب تقرع

يعدو على الجيش اللّهام بفتية *** بالحزم للحرب العوان تدرعوا

يقتادهم عند الكريهة أغلب *** ثبت الحشا من آل غالب أروع

من كل مرهوب اللقاء إذا انبرى *** نحو الكتائب والذوابل شرع

يعدو فيغدو الرمح يرعف عندما *** والسيف في علق الجماجم يكرع

حتى هووا صرعى ترضّ لهم قرى *** بسنابك الجرد العتاق واضلع

وغدى ابن أمّ الموت فرداً لا يرى *** عوناً يحامي عن حماه ويمنع

فغدا يصول بعزمة من بأسه *** كادت له الشم الجبال تصدع

ص: 165

تلقاه إن حمي الوغى متهللا *** يلقى الوغى بأغرّ وجه يسطع

يسطو فيختطف النفوس بصارم *** كالبرق يقدح بالشرار فيلمع

وهوى برغم المكرمات فقل هوى *** من شامخ العلياء طود أمنع

شلواً تناهبه الصوارم والقنا *** والرأس منه على قناة يرفع

وابتزّ ضوء الشمس حزناً بعده *** فالافق مغبرّ الجوانب أسفع

لهفي لزينب وهي تندب ندبها *** وجفونها تهمي المدامع همع

تدعو من القلب الشجى بلهفة *** شجواً سكاد لها الصفا يتصدع

تدعو أُخيّ حسين يا غوث الورى *** في النائبات ومن اليه المفزع

أحسين من يحمي الفواطم حسراً *** أمست ومَن للشمل بعدك يجمع

أسرى تقنّع بالسياط متونها *** لهفي لآل اللّه حين تقنّع

سلبت براقعها العداة فعاذر *** لو أصبحت بأكفها تتبرقع

وقال أيضاً رحمه اللّه في رثاء حبيب بن مظاهر ( رض ) :

أحبيبُ أنت إلى الحسين حبيبُ *** ان لم ينط نسب فأنت نسيب

يا مرحباً بابن المظاهر بالولا *** لو كان ينهض بالولا الترحيب

شأن يشق على الضراح مرامه *** بعداً وقبرك والضريح قريب

قد أخلصت طرفي عُلاك نجيبة *** من قومها وأبٌ أغرّ نجيب

بأبي المفدّي نفسه عن رغبة *** لم يدعه الترهيب والترغيب

ما زاغ قلباً من صفوف امية *** يوم استطارت للرجال قلوب

يا حاملاً ذاك اللواء مرفرفا *** كيف التوى ذاك اللوى المضروب

لله من علم هوى وبكفه *** علم الحسين الخافق المنصوب

أبني المواطر بالأسنة رعّفا *** في حيث لا برق السيوف خلوب

غالبتم نفرا بضفة نينوى *** فغلبتم والغالب المغلوب

كنتم قواعد للهدى ما هدّها *** ليل الضلال الحالك الغريب

ص: 166

شاب وأشيب يستهل بوجهه *** قمر السما والكوكب المشبوب

فزهيرها طلق الجبين ويعده *** وهبٌ ولكن للحياة وهوب

وهلالها في الروع وابن شبيبها *** وبريرها المتنمر المذروب

والليث مسلمها ابن عوسجة الذي *** سلم الحتوف وللحروب حريب

آساد ملحمة وسمّ أساود *** وشواظ برق صوارم ولهيب

الراكبين الهول لم ينكب بهم *** وهنٌ ولا سأم ولا تنكيب

والمالكين على المكاشح نفسه *** والعاتقين النفس حين تؤوب

قوم إذا سمعوا الصريخ تدفقوا *** جرياً كما يتدفق الشؤبوب

وفوارس حشو الدروع كأنهم *** تحت الجواشن يذبل وعسيب

أو أنهم في السابقات أراقم ال- *** -وادي يباكرها الندى فتسيب

ساموا العدى ضرباً وطعناً فيهما *** غنّى الحسام وهلهل الانبوب

من كل وضاح الجبين مغامر *** ضرباً وللبيض الرقاق ضريب

إن ضاق وافي الدرع منه بمنكب *** ضخم فصدر العزم منه رحيب

مالان مغمز عوده ولربما *** يتقصّف الخطيّ وهو صليب

ومعمم بالسيف معتصب به *** واليوم يوم بالطفوف عصيب

ما زال منصلتا يذب بسيفه *** نمراً وأين من الأزلّ الذيب (1)

تلقاه في أولى الجياد مغامراً *** وسواه في اخرى الجياد هيوب

يلقى الكتيبة وهو طلق المجتلي *** جذلان يبسم والحمام قطوب

طرب المسامع في الوغى لكنه *** بصليل قرع المشرفيّ طروب

واهاً بني الكرم الاولى كم فيكم *** ندب هوى وبصفحتيه ندوب

أبكيكم ولكم بقلبي قرحة *** أبداً وجرح في الفؤاد رغيب

ومدامع فوق الخدود تذبذبت *** أقراطها وحشاً تكاد تذوب

ص: 167


1- الأزل : الذي يتولد بين الضبع والذئب.

حنّ الفؤاد اليكم فتعلمت *** منه الحنين الرازحات النيب

تهفو القلوب صوادياً لقبوركم *** فكأن هاتيك القبور قليب

قربت ضرائحكم على زوارها *** ومزورها للزائرين مجيب

وزكت نفوسكم فطاب أريجها *** في حيث نشر المسك فيه يطيب

جرّت عليكم عبرتي هدّابها *** فجرى عليكم دمعيَ المسكوب

بكرت اليكم نفحة غروية *** وسرت عليكم شمال وجنوب

حبيب بن مظاهر الأسدي زعيم بني أسد وصاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهد معه حروبه وهو موضع أسراره قد أطلعه على علم كثير. وهو قائد ميسرة الحسين (عليه السلام) وأجل أصحابه من حيث العلم والعبادة وكفى في جلالته قول الحسين : رحمك اللّه يا حبيب كنت تختم القرآن في ليلة ، ولجلالته أفرد له الإمام السجاد قبراً مما يلي رأس الحسين علیه السلام .

تلك الصفوة من أصحاب الحسين أصبحوا مضرب المثل في الاخلاص والتفادي وفضّلوا على جميع من تقدمهم لأن غيرهم باشر الحرب وهو يأمل الحياة وهؤلاء كانوا آيسين من الحياة مصممين على الموت ، وكفى بجلالتهم قول الحسين : اللّهم إني لا أجد أصحاباً أوفى من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ وأتقى من أهل بيتي. ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال : قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ، ويحكم أقتلتم ذرية نبيكم ، قال : عضضتَ بالجندل ، أما إنك لو شهدتَ ما شهدنا لفعلتَ ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها تحطم الفرسان يميناً وشمالاً ، لا ترغب بالمال ولا تقبل بالأمان ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا صانعين لا أُمّ لك.

عدد الشاعر من أصحاب الحسين علیه السلام ستة وهم : زهير ، وهب ، هلال ، عابس بن شبيب ، برير ، مسلم بن عوسجة وها نحن نورد تراجمهم باختصار :

ص: 168

1 - زهير بن القين البجلي من بجيلة ، شريفاً شجاعاً فاتكاً ، له في المغازي والحروب مواقف مشهورة مشهودة حدث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين عند رجوعه من الحج في السنة التي أقبل فيها الحسين إلى العراق فكنا نساير الحسين ، فلم يك شيء أبغض على زهير من أن ينزل مع الحسين في مكان واحد أو يسايره في طريق واحد - لأن زهير كان أولاً عثمانياً - فكان إذا نزل الحسين سار زهير ، وإذا سار نزل زهير ، فنزلنا في مكان لم يك لنا بدٌ من النزول به ، فكنا في جانب والحسين في جانب فبينا نحن نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين ، فقال يا زهير إن الحسين يدعوك ، فطرح كل إنسان منا ما في يده كراهة أن يذهب زهير إلى الحسين ، فقالت زوجة زهير وهي ديلم بنت عمرو : يا سبحان اللّه أيبعث اليك الحسين بن فاطمة ثم لا تأتيه ، ما ضرك لو أتيته فسمعت كلامه ورجعت ، فذهب زهير على كره ، فما لبث أن عاد مستبشراً ضاحكاً سنّه ، فالتفت إلى أصحابه فقال : مَن شاء منكم أن يصحبني وإلا فهذا آخر العهد فإني قد عزمت على نصرة الحسين وأن أقيه بنفسي ، وقال لزوجته : الحقي بأهلك فإني لا احب أن يصيبك بسببي إلا خير. قالت خار اللّه لك اذكرني عند جدّ الحسين يوم القيامة. والتفت إلى أصحابه فقال احدثكم : إنا غزونا بلنجر (1) - وهي بلدة بالخزر - ففتح اللّه علينا وأصبنا غنائم كثيرة فقال لنا سلمان الفارسي : أفرحتم بما أصبتم فقلنا نعم ، قال إذا أدركتم شباب آل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم بين يديه.

ولازم نصرة الحسين ، ولشجاعته جعله الحسين على ميمنة أصحابه ولاخلاصه وإيمانه بالفكرة قوله للحسين لما أمر أصحابه بالتفرق عنه قال : واللّه يا أبا عبد اللّه لو علمتُ أني أقتل ثم أُحرق ثم أذر ، يُفعل بي هكذا سبعون مرة ما فارقتك ، وكيف لا أفعل وإنما هي قتلة واحدة ثم الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً. فجزاه الحسين خيراً ولما برز إلى القوم جعل يرتجز ويقول :

ص: 169


1- تقع في منطقة أردبيل ، والوقعة سنة 32 من الهجرة في زمن عثمان.

أنا زهير وأنا ابن القين *** أذودكم بالسيف عن حسين

إن حسينا أحد السبطين *** من عترة البرّ التقيّ الزين

2 - وهب بن عبد اللّه الكلبي ، ويقال أنه كان نصرانياً فأسلم على يد الحسين برز للقتال وهو يرتجز :

إني زعيم لك امّ وهب *** حسبي بيتي من عليم حسبي

وكانت زوجته تقول : لا تفجعني بنفسك يا وهب ، وامّه تقول : يا بني دع كلامها وانصر ابن بنت نبيك ، فقاتل حتى قطعت يده فقال : أرضيتِ يا اماه ، قالت لا واللّه حتى أراك مخضباً بدمك بين يدي الحسين ، فعاد إلى القتال وإذا بزوجته خلفه تنادي : قاتل يا وهب دون الطيبين آل رسول اللّه ، قال : الآن كنتِ تنهيني عن القتال ، قالت لا تلمني يا وهب ان واعية آل رسول اللّه صدعت كبدي وكسرت قلبي ، رأيت الحسين ينادي هل من ناصر. ولما قتل جاءت اليه زوجته في المعركة وجلست عنده تمسح الدم والتراب عن وجهه وتشكره ، فأمر الشمر بن ذي الجوشن غلامه قال له : ألحقها بزوجها فضربها بعمود على رأسها فماتت عند زوجها.

3 - هلال بن نافع البجلي أو الجملي ، والمراد به نافع بن هلال ذكره الجزري في أسد الغابة قال : كان سيداً شريفاً سريّاً شجاعاً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين وحضر معه في حروبه الثلاث في العراق ، ولما خطب الحسين أصحابه في ذي حسم وثب اليه نافع بن هلال الجملي فقال : يابن رسول اللّه واللّه ما كرهنا لقاء ربنا فإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك فسر بنا راشداً معافاً شرقاً إن شئت وإن شئت غرباً ، وفي يوم العاشر جعل يقاتل ويرتجز :

إن تنكروني فأنا ابن الجملي *** ديني على دين حسين وعلي

4 - عابس بن شبيب الشاكري بطل المغازي والحروب ، نشرت صحيفة من صحف العراق أن مندوبها سأل الوزير صادق البصام؟ لو كنت حاضراً

ص: 170

يوم كربلاء مع الحسين ما كنت تتمنى أن تصنع ، قال : أتمنى أن أكون مثل عابس بن شبيب الشاكري. قال عز الدين الجزري : هو عابس بن شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب. وبنو شاكر بطن من همدان.

في الحدائق : كان عابس من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً خطيباً ناكساً متهجداً ، وكانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أهل البيت. وفيهم قال أمير المؤمنين يوم صفين - على ما ذكره نصر بن مزاحم المنقري في كتابه - لو تمّت عدتهم ألفا لعبد اللّه حق عبادته - كانوا من شجعان العرب وحماتهم حتى لقبوا ب ( فتيان الصباح ) ويتجلى لك اخلاص هذا البطل وصراحته في المبدأ والعقيدة أن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة وأقبلت عليه الشيعة وهو يقرء كتاب الحسين وهم يبكون ثم جعلوا يبايعونه عندها قام عابس خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإني لا اخبرك عن الناس ولا أعلم ما في نفوسهم وما أغرك منهم ولكني واللّه اخبرك بما أنا موطن نفسي عليه ، واللّه لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولاقاتلن معكم عدوكم ولأضربنّ بسيفي هذا دونكم حتى ألقى اللّه ولا اريد بذلك إلا ما عند اللّه ، ثم قام حبيب بن مظاهر وتكلم بنحو ذلك.

قال أرباب المقاتل : وتقدم عابس بن شبيب للقتال بين يدي الحسين وقال لمولاه شوذب (1) ما في نفسك أن تصنع اليوم ، قال اقاتل حتى أقتل ، قال ذلك الظن بك فتقدم بين يدي الحسين حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ثم سلم على الحسين وقال : يا أبا عبد اللّه أما واللّه ما مشى على وجه الأرض قريب ولا

ص: 171


1- يظن البعض أن شوذب مولى لعابس والحال أن مقامه أجل من عابس من حيث العلم والتقوى ، وكان شوذب صحابياً - كما يقو المامقاني في ( تنقيح المقال ) وحضر مع أمير المؤمنين في حروبه الثلاث وكان شجاعاً عابداً من اكابر الشيعة وحافظاً للحديث ، وأخذ أهل الكوفة العلم والحديث منه ، قال صاحب الحدائق الوردية : وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث ، وكان وجهاً فيهم ، قال أبو مخنف : صحب شوذب عابساً مولاه في الكوفة إلى مكة بعد قدوم مسلم الكوفة وبعد بيعة الناس له.

بعيد أعزّ علي ولأ احبّ إلي منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبد اللّه أشهد أني على هداك وهدى أبيك.

ثم مضى بالسيف مصلتاً نحو القوم - وبه ضربة على جبينه من يوم صفين - فطلب البراز ، قال ربيع بن تميم لما رأيته مقبلاً عرفته - وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب - فقلت أيها الناس هذا أسد الاسود ، هذا ابن شبيب لا يخرجنّ اليه أحد منكم فأخذ عابس ينادي : ألا رجل. فلم يتقدم اليه أحد ، فنادى عمر بن سعد : ويلكم ارضخوه بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره فنودي : أجننت يا عابس. قال حب الحسين أجنني :

يلقى الرماح الشاجرات بنحره *** ويقيم هامته مقام المغفر

ما إن يريد إذا الرماح شجرنه *** درعاً سوى سربال طيب العنصر

ثم شدّ على الناس فو اللّه لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من عسكر ابن سعد ، ثم أنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتلوه واحتزوا رأسه ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد ، فقال لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد ، كلكم قتلتموه. ففرق بينهم بهذا القول.

5 - برير بن خضير الهمداني ، شجاعاً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراء من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وكان من أشراف الكوفة ، قال للحسين : يابن رسول اللّه لقد منّ اللّه بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة. دخل الحسين خيمته ليطلّي ليلة العاشر من المحرم ، فوقف برير بن خضير وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري على باب الفسطاط تختلف مناكبهما ، أيهما يطلّي على أثر الحسين تبركاً به ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : واللّه

ص: 172

ما هذه بساعة باطل ، فقال له برير : واللّه لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ولكن واللّه إني لمستبشر بما نحن لاقون ، واللّه ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء علينا بأسيفاهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم الساعة.

6 - مسلم بن عوسجة الاسدي ، قال ابن سعد في ( الطبقات ) كان صحابياً ممن رأى النبي ، وهو رجل شريف عابد ناسك قال أهل السير : حملت ميمنة ابن سعد على ميسرة الحسين ، وكان في الميسرة مسلم بن عوسجة وكانت حملتهم من نحو الفرات فقاتل قتالاً شديداً لم يسمع بمثله ، فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه ويقول :

إن تسألوا عني فاني ذو لبد *** وإن بيتي في ذرى بني أسد

ووقعت لشدة الجلاد غبرة شديدة فلما انجلت الغبرة وإذا بمسلم بن عوسجة صريع فتباشر أصحاب ابن سعد فمشى اليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر وإذا به رمق ، فقال الحسين : رحمك اللّه يا مسلم ، وتلى قوله تعالى « فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ». ودنا منه حبيب فقال : إبشر بالجنة قال بشرك اللّه بخير ثم قال : لو لم أعلم أني بالأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك ، قال : أوصيك بهذا ، وأشار إلى الحسين :

نصروه أحياءً وعند مماتهم *** يوصي بنصرته الشفيق شفيقا

أوصى ابن عوسجة حبيباً قال *** قاتل دونه حتى الحِمام نذوقا

ص: 173

الشيخ محمّد الملا

اشارة

المتوفى 1322

يرثي الحسين :

ومروعة تدعو ولا حام لها *** والقلب محتدم وأدمعها دم

يا فارياً كبد الفلاة بهوجل *** هيماء من طول السرى لا تسأم

قل عن لساني للنبي مبلّغاً *** خبراً به أحشاؤه تتضرم

يا جد أسواط العدى قد ألّمت *** متنى وشتمهم لحيدر أعظم

يا جد ما حال النسا لما دعى *** الرجس ابن سعد على مخيمها اهجموا

يا جدنا قد أضرموا بخيامنا *** ناراً ، وفي الأحشاء ناراً اضرموا

يا جدّ ما من مقلة دمعت لنا *** إلا تقنعنا السياط ونُشتم

يا جدّ ذاب حشا الرضيع من الظما *** وسقته عن ماء دماه الأسهم

يا جدّ حُرّمت المياه على أخي *** وأُبيح قسراً للظبا منه الدم

يا جدّ خلّفنا حبيبك عارياً *** والصدر منه مرضض ومهشم

يا جدّ غيرت الشموس وجوهنا *** في السبي والأعداء ليست ترحم

يا جدنا طافوا بنا الأمصار *** والأسواق فوق العيس فينا ترزم

يا جد إن يزيد يشتم والدي *** يا جدنا هذا المصاب الأعظم

يا جد ينكث ثغر سبطك بالعصا *** ثملاً يزيد شامت يترنم

او تصبرن وذي بنوك لحومها *** للسمر والبيض القواضب مطعم (1)

ص: 174


1- شعراء الحلة أو البابليات.

الشيخ محمد الملا ابن الشيخ حمزة بن حسين التستري الأهوازي الحلي المعروف بالملا ، ولد سنة 1243 وتوفي سنة 1322 وحمل إلى النجف الأشرف ودفن هناك. أخذ عن السيد مهدي ابن السيد داود والشيخ حمزة البصير والسيد حيدر والشيخ حمادي نوح وأكثر ما أخذ عن الشيخ الحمادي. كان وراقاً مليح الخط لبق اللسان كفّ بصره في أواخر أيامه ، وهو مكثر مجيد ، وجد من شعره خمس مجلدات بالحلة أكثرها بخطه وأكثر شعره في أهل البيت علیهم السلام .

قال الشيخ اغا بزرك في الذريعة ج 9 قسم الديوان : هو الشيخ محمد بن حمزة بن الحسين بن نور علي التستري الأصل والحلي المولد والمسكن ولد بها سنة (1245) وتوفي في جمادى الثانية سنة 1322 ترجمه السماوي في الطليعة مفصلاً وذكر أن قصائده طويلة بين ثلثمائة بيتاً إلى المائة والسبعين ، وفي جملة منها ، الصدر تاريخ والعجز تاريخ ، وقد نظم ما يزيد على خمسين ألف بيتاً واستقصى حروف الهجاء مرتين أو ثلاثاً في رثاء الحسين. انتهى

وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة وقال عنه : أديب كبير وخطيب مفوه ، طرق كافة النواحي بمحاضراته ومساجلاته ، وحصل على شهرة واسعة في الأوساط الأدبية عندما نظم رائعته في مدح الرسول الاعظم صلی اللّه علیه و آله وقد أجاد بها إذ جارى بها بديعية الصفى الحلي والسيد علي خان الشيرازي ، ونوادره وملحة مشهورة مذكورة ، وكان الشيخ على المعروف بأبي شعابذ يثور غضباً إذا قيل له ( مرحبا ) فنظم شاعرنا :

قال قوم لعليٍّ مرحبا *** فغدا يعرض عنهم مغضبا

قلت لما عجبوا لا تعجبوا *** فمتى حبّ ( عليٌ ) ( مرحبا )

ومن نتفه قوله :

مشوقك يخفيك أشواقه *** ويعلمهن اللطيف الخبير

فأجمل تفصيلهن اللسان *** وفصّل إجمالهنّ الضمير

ص: 175

وقال :

إني لأعجب أن تسييء *** وأنت بالاحسان أحرى

أحيا بقربك تارة *** وأموت بالهجران اخرى

وقال في الوعظ :

يا من غدا الشيب له زاجراً *** يذكره والجهل ينسيه

تطمع من عمرك في رجعة *** وقد مضى أمس بما فيه

وله :

أخفيت هواك وعلمني *** أن المخفيّ سيتضح

وأفاضت عيني أدمعها *** ويفيض إذا امتلأ القدح

وقال يصف داره الواقعة بشارع المفتي بجوار مرقد ابن عرندس الشاعر :

قد حوى منزلي خصالاً ثلاثاً *** حسنها فيه تعجب الأفكار

إنه ضيّق الفِناء ولكن *** في الشتا بارد وفي الصيف حار

وله من قصيدة في معارضة ( يا ليل الصب متى غده ) لأبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري الضرير ، وقد نشرت في مجلة الحريه البغدادية سنة 1344.

الحب عظيم مقصده *** مرٌ لا يحلو مورده

إني قد همت بحب رشاً *** البدر النيّر يحسده

من بات الصبر يحاربه *** أرأيت العاذل ينجده

قل لي حتى مَ تعذبه *** وبنار الهجر تخلّده

قد صحّ حديث غرامي إذ *** عن عدل قوامك أسنده

أنواع الحسن بك اجتمعت *** ومحبك حزناً مفرده

أمن الانصاف يهيم هوى *** ويموت ولا تتفقّده

ومن قوله :

لو لاح لي شخص الزمان جهرة *** رويتُ منه ذابلي والمنصلا

لأنه يعطي العنان كل مَن *** لم يدرِ أيّ طرفيه أطولا

ص: 176

وقال :

فتنت بها من عالم الذرّ فتنة *** فأسكرني من قبل خلقي جامها

أشبهها بدراً وإني مخطيء *** فمن أين للبدر المنير ابتسامها

فلا الورد ورداً إن تراءت خدودها *** ولا الغصن غصناً إن تثنى قوامها

ولاغرو إما كنت مشتهراً بها *** وعاث بقلبي حبها وغرامها

فمن أين لي صبر وصبري أسيرها *** ومن أين لي عقل وعقلي غلامها

وذكره صاحب الحصون المنيعة وأطراه هذا الذي مرّ مقتطف منه. توفي بالحلة صباح يوم الخميس 13 جمادى الآخرة عام 1322 ونقلت جنازته إلى الغري ودفن في وادي السلام ورثاه جماعة من الشعراء فأبدعوا وأجادوا منهم الشيخ حمادي نوح بقصيدة مطلعها :

اليوم مجد شموس العترة انهدما *** فليستفض وكف دمع المشرقين دما

ومنها :

يا عترة المصطفى لم تبق جوهرة *** محمد لم يصغها فيكم كلما

وديوانه كان يحتفظ به ولده الخطيب الشهير والشاعر البليغ الشيخ قاسم الملا ، ومن شعر الشيخ محمد قال يرثي الإمام موسى الكاظم علیه السلام :

من ربع عزة قد نشقت شميما *** فأعادني حياً وكنت رميما

وعلى فؤادي صبّ أي صبابة *** هي صيرتني في الزمان عليما

ومرابع كانت مراتع للمها *** راقت ورقّت في العيون أديما

أعلمن يوم رحيلهنّ عن اللوا *** أن الهوى بالقلب بات مقيما

أسهرن طرفي بالجوى من بعدما *** أرقدنه في وصلهن قديما

كم ليلة حتى الصباح قضيتها *** معهن لا لغواً ولا تأثيما

فكأنني من وصلهنّ بجنة *** فيها مقامي كان ثمّ كريما

ماذا لقيتُ من الغرام وإنما *** فيه ارتكبت من الذنوب عظيما

ص: 177

خسرت لعمرك صفقه الدهر الذي *** فيه السفيه غدا يُعدّ حليما

أتروم بدر نسيمه وابى على *** الأحرار إلا أن يهبّ سموما

قد سلّ صارمه بأوجه هاشم *** فانصاع فيه أنفها مهشوما

فمن الذي يهدي المضلّ إلى الهدى *** من بعدهم أو ينصف المظلوما

وبسيبه يغنى الورى وبسيفه *** يجلو عن الدين الحنيف هموما

هذا قضى قتلاً وذاك مغيباً *** خوف الطغاة وذا قضى مسموما

من مبلغ الاسلام أنّ زعيمه *** قد مات في سجن الرشيد سميما

فالغيّ بات بموته طرب الحشا *** وغدا لمأتمه الرشاد مقيما

ملقى على جسر الرصافة نعشه *** فيه الملائك أحدقوا تعظيما

فعليه روح اللّه أزهق روحه *** وحشا كليم اللّه بات كليما

لا تألفي لمسرة فهرٌ فقد *** أضحى سرورك هالكاً معدوما

منح القلوب مصابه سقماً كما *** منع النواظر في الدجى التهويما

وقال في الحسين (عليه السلام) ولاول مرة تنشر هذه القصيدة :

كم ذا تحنّ لذلك السرب *** في الحالتين البعد والقرب

والنفس إن علق الغرام بها *** لا تنثني باللوم والعتب

أحسبت تنجو والهلاك بما *** ألقتك فيه بوادر الحب

شرقت جفونك في مدامعها *** وشرقت حين ظمأت بالعذب

فأنظر لنفسك نظرة ابن نهىً *** ظهرت له من باطن الحجب

فالمرء مرتهن بما ربحت *** حوباه في الدنيا من الكسب

واجزع لما نال ابن فاطمة *** في كربلا من فادح الخطب

نكثت بنو الزرقاء بيعته *** بعد العهود اليه والكتب

ولحربه زحفت فأرهبها *** ما طار أعينها من الرعب

بفوارس أسيافهم جعلت *** وحش الفلا والطير في خصب

ص: 178

ثبتوا ثبات عميدهم بوغىً *** طحنت رحاها أرؤس الغلب

ووفت وفاءهم رماحهم *** وسيوفهم بالطعن والضرب

بيض الوجوه تسل بيض ظباً *** جليت بهنّ حوالك الكرب

شهدت لهن بوقعهن على *** هامات حرب حومةُ الحرب

وتراكم النقع المثار وقد *** لمعت بأفق سماه كالشهب

حتى إذا سئمت معيشتها *** ما بين أهل الشرك والنصب

رامت لأنفسها بميتتها *** عزّاً به تحيى مدى الحقب

فاستسلمت لقضاء خالقها *** فهوت معفّرة على الترب

وسطا أبو الأشبال حين غدا *** في الجمع فرداً فاقد الصحب

ذُعر الجحافل منه ليث شرى *** يختال بين السمر والقضب

ذو عزمة إن ثار ثائرها *** في الشرق دكّ الشرق بالغرب

عدم المغيث فلم يغثه سوى *** أخوين : لدن الرمح والعضب

ملأى من القتلى الفضا ، فبهم *** قد ضاق منها واسع الرحب

فأتاه أمر اللّه حين أتى *** أدّيتَ ما حمّلت من صعب

فأجاب دعوة ربه فثوى *** نحو الشريعة ظامي القلب

وغدت على جثمانه حنقا *** تعدو بنو مروان بالقبّ

بسيوفهم أعضاؤه انتهبت *** وبرحله عاثت يد النهب

يعزز عليه أن نسوته *** تسري بها عَنقا بنو حرب

لا تنقع العبرات غلّتها *** وإن استهلّ بها حيا السحب

فتجيبها الست الجهات إذا *** ما أعولت بالنوح والندب

من خوفها تصفرّ أوجهها *** ومتونها تسودّ بالضرب

إن حاولت كتمان ما لقيت *** فالدمع عنه معلناً يُنبي

فالوجد منها قدّ أفئدة *** بثت شكاية ظمّأ سغب

ص: 179

فنوائب الدنيا على مضر *** دور الرحى دارت على القطب

عجباً لها بصفيحها احتجت *** ونساؤها مهتوكة الحجب

صبرت ، ولا صبر على الجلل *** جعل الأنام مطاشة اللب

وهذه الأخرى مما لم يسبق نشرها :

حتام قلبي يلقى في الهوى نصبا *** ولم ينل بلقى أحبابه إربا

ظنوا فيا ليت لا ظنوا بقربهم *** لما سرت - لا سرى أجمالها خببا

لم تنبعث سحب عيني في مدامعها *** إلا وقلبي في نار الأسى التهبا

قد كان غصن شبابي يانعاً فذوى *** والانس بعد شروق بدره غربا

ياجيرة الحيّ حيا الغيث معهدكم *** فليس ينفك فيه وأكفا سربا

إن تسألوا الحب لا تلفوه منتسبا *** إلا إليّ ، إذا حققتم النسبا

قلبتموني على جمر العباد وما *** رأيت قلبي إلى السلوان منقلبا

في كل آنٍ إليّ الدهر مقتحما *** من الخطوب يقود الجحفل اللجبا

فكيف اوليه حمداً في إسائته *** لأحمد وبنيه السادة النجبا

رماهم بسهام الحتف عن حنق *** وكلهن بقلب الدين قد نشبا

قاسى محمد من أعدائه كربا *** معشارهن شجاه ينسف الهضبا

فبالوصية للكرار بلّغ في *** خمٍّ وأسمع كل الناس مذ خطبا

فارتاب فيه الذي في قلبه مرض *** وفيه آمن مَن لا يعرف الريبا

حتى إذا صادف الهادي منيّته *** ونحو أكرم دار مسرعاً ذهبا

صدّت بنو قيلة عن نهجه حسداً *** والكل منهم لغصب الآل قد وثبا

أضحت تقود عليا وهو سيدها *** كرهاً لبيعة من غير الضلال أبى

ماذا الذي استسهلوا مما جنوه على *** مَن بالمناقب ساد العجم والعربا

إسقاطهم لجنين الطهر فاطمة *** أم وضعهم حول باب المنزل الحطبا

أم ضرب رأس علي بالحسام ومن *** دمائه شيبه قد راح مختضبا

ص: 180

أم شربة السم إذ دسّت إلى حسن *** منها ومن شربها كأس الردى شربا

قد جلّ رزء الزكي المجتبى حسن *** لكن رزء حسين قد سمى رتبا

إن قطّع السم منه في حرارته *** أحشاه والقلب منه كابد الوصبا

فإن حرّ الظما من صنوه قطع *** الأحشاء من حيث قد أذكى بها لهبا

وإن اصيب له في خنجر فخذ *** فالسبط بالباترات البيض قد ضُربا

أو صيّرت نعشه حرب لأسهمها *** مرمىً ولم يرعووا أو يرعوا النسبا

فإن جسم حسين يوم مصرعه *** درية لسهام القوم قد نُصبا

أو أنهم سلبوا منه عمامته *** فبعد قتل حسين جسمه سلبا

وإن قضى حسن تلقاء اسرته *** فالسبط بات بأرض الطف مغتربا

ومذ قضى حسن ألفت جنازته *** التشييع والندبَ حتى أودع التربا

والسبط لما قضى لم يلف من أحد *** سوى نساه تصوب الدمع منسكبا

أو دفنه القوم تلقا جدّه منعوا *** وغيره جاور المختار مغتصبا

فالسبط عن دفنه أعداءه منعوا *** حتى أقام ثلاثاً بالعرى تربا

وإن رآه حسين في الفراش لقىً *** وحوله معشر من قومه نجبا

فقد رأى السبط زين العابدين لقى *** وآله حوله صرعى بحرّ ربى

وله ثالثة مطلعها :

نقيبة رب المجد للذلّ تسأم *** وعيش الفتى بالذلّ عيشٌ مذمم

ص: 181

السيد عبد الوهّاب الوهّاب

اشارة

السيد عبد الوهّاب الوهّاب (1)

المتوفى 1322

قال يرثي الحسين :

خلت أربع ممن تحبّ وأرسمُ *** وأنتَ بها صبٌ مشوق متيّم

أمهما جرى ذكر العذيب وحاجر *** بهتّ فلا سمع لديك ولا فم

سقى الوابل الوكاف أكناف حاجر *** وأومض ثغر البرق فيهن يبسم

وما كنت أستجدي السحاب لربعها *** وسقياه لولا الدمع من أعيني دم

أرقت ولم ترق الدموع ولا خبت *** بجنبي نارٌ للجوى تتضرم

ذكرت السيوف الغر من آل هاشم *** غدت بسيوف الهند وهي تثلّم

ولم يبق إلا السبط في الجمع مفردا *** ولا ناصر إلا حسامٌ ولهذم

لئن عاد فرداً بين جيش عرمرم *** ففي كل عضو منه جيشٌ عرمرم

وخيّر بين الموت غير مذمم *** عزيزاً وبين العيش وهو مذمم

رمى جمرات الحرب منهم بفتية *** ليوث يراع الموت في الحرب منهموا

فصال وصالوا معلمين كأنهم *** وهم في ظلام النقع بدرٌ وأنجم

فما يذبلٌ إن هدّ من فوق شاهق *** بأدهى على الأعداء منهم وأعظم

فلم يرَ إلا السيف ينثر أرؤساً *** على الأرض والرمح الردينيّ ينظم

إلي أن ثووا صرعى على الأرض لم تجد *** سبيلاً عليهم للملامة لوّم

ص: 182


1- السبب في تسمية هذه الاسرة ب ( آل الوهاب ) تيمناً بذكرى شهدائها في الحادثة الوهابية المفجعة ، وهي غير آل الوهاب من آل طعمة : الفائزيين.

تساقوا كؤس الموت حتى انثنوا وهم *** نشاوى على وجه البسيطة نوّم

قضوا فقضوا حق المعالي أماجداً *** بيوم به الاسد الضراغم تحجم

ويصف بسالة الامام الحسين (عليه السلام) بقوله :

كأن لديه الحرب إذ شبّ نارها *** حدائق جنات وأنهارها دم

كأن المواضي بالدماء خواضبا *** لديه أقاح بالشقيق مكمم

كأن لديه السمهريات في الوغى *** نشاوى غصون هزهنّ التنسم

مُحّلاً سعى للحرب غير مقصّرٍ *** ولكنه عن بارد الماء محرم

بذي شفرة تبكي النحور له دماً *** إذا ما تبدى ثغره المتبسم

كأن الحسام المشرفيّ بكفه *** عذاب من الجبار يصلاه مجرم

كأن الرماح الخط أقلام كاتب *** يخط بها والموت يقضي ويحكم

إلى أن هوى فوق الصعيد فمذ هوى *** هوى عمد الدين الحنيف المقوم

هوى ضامياً لم يروَ منه غليله *** ومن نحره يروى الحسام المصمم

فراح به ظفر الغواية ضافراً *** وعاد به صبح الهدى وهو مظلم

أيدري قسيم النار أن سليله *** قضى وهو للارزاء فييء مقسّم

فلهفي لحذر المصطفى بعد نهبه *** وسلب أهاليه به النار تضرم

ولهفي لربات الخدور وقد غدت *** على خدرها الأعداء بالخيل تهجم

ولهفي لآل اللّه تسبى حواسراً *** ولا ساتر إلا لها الصون يعصم

تكفّ عيون الناظرين أكفّها *** ويعصمهم عن أعين الناس معصم

تشاهد رأس السبط فوق مثقف *** فينهل منها الدمع كالغيث يسجم

* * *

السيد عبد الوهاب بن علي بن سليمان بن عبد الوهاب من سلالة آل السيد يوسف الموسويين من آل زحيك الحائري الذين هم من سلالة الإمام الكاظم (عليه السلام)

ص: 183

ولد في كربلاء سنة 1291 وتوفي في رمضان سنة 1322 بالوباء في ضياع لهم خارج كربلاء ودفن هناك ثم نقل إلى كربلاء ودفن في الرواق الشريف بالقرب من مرقد صاحب ( الرياض ).

ذكره في الطليعة وقال : كان أبوه من خدمة الروضة الحسينية أباً عن جد فطلب هو العلم والفضل والأدب فناله بمدة قليلة ونال ملكة في أغلب العلوم مع تقى ونسك وعبادة ومن شعره ما أنشد نيه من لفظه :

وأغنّ يمنعه الحياء كلامه *** فتخاله لا يحسن التكليما

أعطى القلوب بوصله وبصدّه *** في حالتيها جنة ونعيما

وقوله مراسلا :

أحباي ما حيلتي فيكم *** ولستُ على هجركم صابرا

فكيف السبيل لسلوانكم *** وقد عاد لي عاذلي عاذرا

وقوله من ابيات :

أقل من اللوم أو فازدد *** فما موردي أمس بالمورد

وما ابيض مفرقه بالمشيب *** إلا بيوم النوى الاسود

فلا عذر وابيض منه العذار *** إن هام بالرشأ الأغيد

وأذهله عن سؤال الطلول *** سؤال المؤمل والمجتدي

أأقنع بالخفض فعل الذليل *** وأقعد عن نهضة السيد

لئن أنا لم تعل بي همة *** فترقى على هامة الفرقد

لرحت إذاً ورداء العقوق *** من امّ المعالي به أرتدي

ولست بواف ذمام العلى *** إذا خان قولي فعل اليد

ابا حوا حمى اللّه في ارضه *** وردوا الضلال كما قد بُدي

فمن غادر بعد يوم الغدير *** وما غاب عن ذلك المشهد

ومن ملحد خان عهد النبي *** والمصطفى بعد لم يُلحد

ترجم له السيد الأمين في الأعيان وذكر طائفة من شعره ، وكتب عنه صديقنا سلمان هادي الطعمة في مجلة ( العرفان ) فقال : كان قوي الحجة اشتهر بدراسته لعلم الكواكب وعلم الجفر مضافاً لدراسة الفقه والاصول.

ص: 184

ابن رمضان الاحسائي

المتوفى 1323

الحاج علي بن موسى بن رمضان القارئ الاحسائي

قال في الحسين (عليه السلام) :

باب الهدى الهادي عليٌ ذو التقى *** مجري القضا مهما تحدّر وارتقى

من نوره اقتبست مصابيح السما *** لما أضا والبدر منه أشرقا

وبدا لموسى منه نور ساطع *** بلغ السما لما على الجبل ارتقى

فدعاه وهو مترجم عن ربه *** إني أنا الباري فكن بي موثقا

وبسرّه نار الخليل قد انطفت *** من بعد ما كانت حريقاً محرقا

منها :

يا قبلة المتهجدين وكعبة *** المسترفدين ، ومَن تورّع واتقى

فلك العزا والأجر في السبط الذي *** لمصابه انصدع الهدى وتفرقا

يا ليت عينك شاهدته بكربلا *** عار بلاغسل على البوغا لقى

وبقية الأطهار من أهل العبا *** أضحى بجامعة الحديد مطوقا

منها :

يا صفوة الباري الذين ذواتهم *** قد وحّدته وآدم لن يخلقا

إن فاتني ادراك نصركم ولن *** أحضى به في كربلا وأوفقا

فلأنصرنكم بنشر قصائد *** هجرية ما دمت في رسم البقا

أرجو به مع والديّ واسرتي *** والمؤمنين الفوز يوم الملتقى

عن مخطوط العلامة الشيخ حسين الشيخ علي القديحي المسمى ب ( نجوم السماء في تراجم علماء وادباء الاحساء ) نقلاً عن مخطوطة لجده راضي بن محمد بن علي ، وللشاعر فيها قصائد غير هذه وفي ( الروضة الندية في المراثي الحسينية ) للشيخ فرج آل عمران مرثية اخرى للشاعر نفسه.

ص: 185

السيد علي الترك

المتوفى 1324

نهضاً فقد نسيت لُويّ شعارها *** فأزل بسيفك عن لويٍّ عارها

هدأت على حسك الردى موتورة *** فانهض فديتك طالباً أوتارها

فمتى تقرّ العين طلعتك التي *** حسدت مصابيح الدجى أنوارها

ومتى تشنّ على الأعادي غارة *** شعواء ترفع للسماء غبارها

ومتى أراك على الجواد مشمراً *** تحتَ العجاجة صارماً أعمارها

ومتى تصولُ على الطغاة مطهراً *** منها البسيطة ماحياً آثارها

وتحيل ليلَ النقع بالبيض الظبا *** صبحاً وليلاً بالقتام نهارها

لا صبرَ يابن العسكري فشرعة ال *** هادي النبي استنصرت أنصارها

هُدمت قواعدها وطاح منارها *** فأقم بسيفك ذي الفقار منارها

حتى مَ تصبر والعبيد طغت على *** السادات حتى استعبدت أحرارها

وإلى مَ تغضي والطغاة تحكّمت *** في المسلمين وحكّمت أشرارها

وبنت على ما أسست آباؤها *** من قبل حين تتبعت أخبارها

وبنت على ذاك الأساس امية *** غصب الإله ووازرت خمارها

وتواترت بالطف تطلب وترها *** عصب الضلال فأدركت أوتارها

ثارت على أبناء آل محمد *** في كربلا حتى أصابت ثارها

سلوا سيوف الشرك حتى جدّلوا *** فوق الصعيد صغارها وكبارها

ص: 186

نفسي الفداء لاسرة قد أرخصت *** دون ابن بنت نبيها أعمارها

ولفتية مضرية حمت العلى *** فقضت وما صبغ المشيب عذارها

صامت بيوم الطف لكن صيّرت *** عصب الضلالة بالدما إفطارها

ما جاءها الموت الزؤام مقطباً *** إلا رثى بوجوهها استبشارها

صيدٌ إذا اشتبكت أنابيب القنا *** وأطارت البيض الرقاق شرارها

والخيل تعثر بالجماجم والشوى *** والصيد رعباً أشخصت أبصارها

هزوا الردينيات حتى حطّموا *** بحشى الكماة طوالها وقصارها

حيث الظبا ترمي العدا جمراً كما *** بمنى رمت زمر الحجيج جمارها

خطبوا لبيضهم النفوس وصيّروا *** الاعمار مهراً والرؤس نثارها

غرسوا الصوارم بالطلى لكنما *** في جنة المأوى جنت أثمارها

ودعاهم داعي القضا لمراتب *** قد شاءها الباري لهم واختارها

ركبوا مناياهم ففازوا بالمنى *** أبداً وحازوا عزها وفخارها

وهووا على وجه الثرى ونفوسهم *** عرجت إذ الباري أحبّ جوارها

ثاوين تحسب أنهم صرعى وهم *** بجنان عدن عانقوا أبكارها

وغدا فريد المجد ما بين العدى *** فرداً يوبّخ ناصحاً أشرارها

فهناك هزّ من الوشيج مثقفاً *** واستلّ من البيض الظبا بتارها

ماضي المضارب ما اكفهرت غارة *** إلا تألق ومضه فأنارها

ضاق الفضا حتى انتضى ابن المرتضى *** عضباً به لولا القضا لأبارها

وسطا فقل بالليث أصحَر طاوياً *** والصقر شدّ على القطا فأطارها

يطفو ويرسب بالالوف بسيفه *** ويخوض من لجج الحتوف غمارها

غيران ثقّف بالمثقف أضلعاً *** منها وقدّ بذي الفقار فقارها

إن كرّ فرّت منه خيفة بأسه *** والخوف يمزج بالعثار فرارها

فكأنه تخذ الكريهة روضة *** تزهو ونقع الصافنات غرارها

ص: 187

أو خال مستنّ النزال حديقة *** من جلنار والدما أنهارها

ويرى صليل المرهفات غوانيا *** أمست تحرك للغنا أوتارها

وكأنما السمر الكعاب كواعبٌ *** رقصت لديه ورددت أشعارها

أو أنها أغصان بانٍ هزّها *** مرّ النسيم فأطربت أطيارها

لو شاء ما أبقى من الأعداء ديا *** راً وعَفى الحسام ديارها

لكن تجلت هيبة الباري له *** فهوى كليماً حين آنس نارها

ورأى المنية مذ أتته هي المنى *** كالصب شام من الدُما معطارها

فهوى على حرّ الظهيرة بالعرا *** واري الحشا وظماه زاد أوارها

لم تروَ غلّة صدره لكنما الا *** سياف روت من دماه شفارها

اللّه أكبر يا لها من نكبة *** فقماءَ لم تنسَ الورى تذكارها

اللّه أكبر يا لها من وقعة *** قدحت بأحناء الضلوع شرارها

أيبيت سرّ الكون عارٍ والعدى *** في كربلا أجرت عليه مهارها

رضّت صدور بني النبي وصيّرت *** ظلماً على صدر الحسين مغارها

صدرٌ به علم الامامة مودع *** وبه النبوة أودعت أسرارها

صدر تربّى فوق صدر محمد *** تخذته خيل امية مضمارها

وودايع الرحمن صيح برحلها *** نهباً ولم ترع الطغاة ذمارها

فتناهبت نوب الدهور فؤادها *** وأكفّ شاربة الخمور خمارها

برزت بعين اللّه تندب ندبها *** بمدامع يحكي الحيا مدرارها

وغدت تشوط لهولها مذعورة *** مثل الحمائم ضيعت أوكارها

ودنت إلى نحو الغري ونادت ال *** كرار فارس هاشم مغوارها

حامي الحمى طلاع كل ثنية *** مقدام كل كريهة مسعارها

هذا حبيبك بالتراب معفر *** فيه المنية أنشبت أظفارها

وكرائم التنزيل أضحت كالإما *** حسرى تطوف بها العدا أمصارها

ص: 188

سلب العدو سوارها وبسوطه *** قد صاغ - يا شلّت يداه - سوارها

تدعو بهاشمها ولم ترَ منعماً *** منهم وتندب فهرها ونزارها

وترى الرؤوس على الرماح وقد علا *** رأس الحسين من القنا خطّارها

بأبي رؤوساً طبقت أنوارها *** الدنيا وفاقت بالسنا أقمارها

بابي جسوماً وزعت أشلاءها *** عصب الضلال مطيعة أمارها

لم ترع فيهم ذمة الهادي ولا *** الشهر المحرم إذ قضت أوطارها

ولقد أحلت فيه سفك دمائها *** وهو الحرام وحرّمت إقبارها

يا أقبراً شيدت بعرصة كربلا *** أضحت ملائكة السما زوارها

حياك خفاق النسيم مواضباً *** وحدا اليك من السحاب عشارها

يا عترة الهادي النبي ومن بكم *** قبل الاله من الورى استغفارها

أنتم نجاة الخلق إن هي أقبلت *** للحشر تحمل للجزا أوزارها

نطق الكتاب بفضلكم وبمدحكم *** أهل الفصاحة وشحّت أشعارها

زهت المنابر والمنائر باسمكم *** وبمدحكم حدت الحداة قطارها

ولكم مزايا لو أخذت بوصفها *** حتى القيامة لم أصف معشارها

فعليكم صلى المهيمن كلما *** هزّ النسيم على الثرى أشجارها

وعليكم صلى المهيمن كلما *** روة الرواة بفضلكم أخبارها

* * *

ص: 189

السيد علي الترك هو ابن أبي القاسم بن فرج اللّه الموسوي الشهير ب ( الترك ) خطيب شهير وأديب بارع ، ولد في النجف الأشرف عام 1285 ونشأ بها بعناية والده العالم الكبير وبعد أن درس المقدمات اختار لنفسه أن يدرس فنّ الخطابة فتدرب على المنبري المعروف الشيخ محمد علي الجابري فعنى بتربيته لما يرى من لياقته ونباهته وحدة ذكائه ونبرات صوته وجلب انتناه الرأي العام اليه بإلمامه بعدة من اللغات كالفارسية والتركية بالاضافة الى العربية. سافر إلى إيران فأقام في طهران في عهد الشاه مظفر الدين القاجاري فحظى عنده وقدمه على مجموعة من الخطباء ومكث هناك اكثر من عامين كان فيها موضع احترام كافة الطبقات ثم قفل راجعاً إلى النجف ، وفي عام 1324 سافر إلى حج بيت اللّه الحرام وبعد اداء المناسك وتوجهه من منى إلى مكة في الرابع من عيد الأضحى توفي على اثر انتشار داء الهيضة الذي تفشّى في ذلك العام ، قال الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) جمع المترجم له مجموعة من الشعر الحسيني لمختلف الشعراء تقع في ثلاثة اجزاء ضخمة ، اقول : وخير المخلفات المؤلفات.

* * *

ص: 190

الشيخ علي عَوَض

اشارة

المتوفى 1325

علاقة حبّ لا يخف ضرامها *** ودمعة صبٍّ لا يجفّ انسجامها

ومهجة عان لا تزال مشوقة *** يزيد على نزر الوصال غرامها

بنفسي الخليط المدلجون لرامة *** وما رامة لولاهم ومرامها

فما كنت أدري قبل شدّ حدوجهم *** بأن الحشا بين الحدوج مقامها

فمن لي بقلبي أن يقرّ قراره *** ومَن لي بعيني أن يعود منامها

فلا عيش في الدنيا يروق صفاؤه *** ولم يك عذباً شربها وطعامها

فلو أنها تصفو صفت لابن احمد *** وما ناضلته في المنايا سهامها

أتته بنو حرب تجرّ جموعها *** مثال الدبى سدّ الفضاء جهامها

فثار لها ابن المرتضى بصفيحة *** ذعاف المنايا حدها وسمامها

وأثكل أمّ الحرب أبناءها ضحى *** فضجت عراقاها وريعت شئامها

على سابح قد كاد يسبق ظله *** ولما تحسّ الوطء منه رغامها

رماها أبو السجاد منه بعزمة *** يجبنّ آساد العرين اصطدامها

فأورد أولاها بكاس أخيرها *** وخرّت سجوداً طوع ماضيه هامها

هو ابن الذي أودى بمرحب سيفه *** وعاث بعمرو مذرءاه حمامها

فكيف يهاب الموت وهو حمامه *** ويخشى لظى الهيجاء وهو ضرامها

نعم قد رأى أن الحياة مذلة *** وعزته في القتل يسمو مقامها

ص: 191

هناك قضى نفسى الفداء لمن قضى *** وغلّته لم يطف منها أُوامها

بكته السما والأرض والجن كلها *** وناحت له وحش الفلا وحمامها

وكادت له تهوي السماء ومن بها *** وتندك غبراها ويهوي شمامها

فيا ثلمة في الدين أعوز سدّها *** ويا خطة شان الوجود اجترامها

كرائم بيت الوحي أضحت مهانة *** ترامى بها عرض الفلاة لئامها

يسار بها عنفاً على سوء حالة *** بها خفرت للمسلمين ذمامها

عفاء على الدنيا غداة أُسرتُم *** بني خير مبعوث وانتم كرامها

فلو كان لي صبرٌ لقلتُ عدمته *** بلى وقوى عادت هباء رمامها

ولما يفت ثار به اللّه طالب *** ولم تهن الدعوى وانتم خصامها

كأني بداعي الحق حان قيامه *** وقد حان منه للطغاة اخترامها

على حين لا وتر يضيع لواتر *** وفي كفّ مهديّ الزمان حسامها

فثمّ ترى نهج الشريعة واضحاً *** تقشع عنها ريبها وظلامها

فيا خير مَن يرجى لكل عظيمة *** إذا خيّب الراجي هناك عظامها

دعوناك في الدنيا لترأب صدعنا *** وفي عقبات لا يطاق اقتحامها

بيوم به كل رهين بذنبه *** سواء به اذنابها وكرامها

فأنت لنا في هذه الدار منعة *** وللنفس في يوم الحساب اعتصامها

* * *

ابو الأمين علي بن حسين بن علي العوضي نسبة إلى آل عوض من اقدم الاسر العربية الحلية ، ويصرح المترجم له في شعره ان نسبه يمت بامراء آل مزيد الاسديين - مؤسسي الحلة وامرائها في اخريات القرن الخامس إلى اواخر القرن السادس للهجرة ، قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) : علي بن الحسين من آل عوض الأسدي الحلي كان اديباً شاعراً ظريفاً حلو الحديث الى تقى ونسك وديانة قوية ، حاضرته فرأيت منه رجلاً صافي السريرة نقي القلب طاهر

ص: 192

الثوب وراسلني بشعر في المدح وأجبته بمثله ثم ذكر قطعة شعرية من غزله ، قال السماوي : وتوفي سنة 1325 ه في الحلة ودفن بالنجف ، وترجم له الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) وقال : يمتاز شعره بالرقة والعذوبة فمن غزله :

من لي بوصل مهفهف *** ينأى على قرب المزار

ذات الوقود بخده *** وبجفنه ذات الفقار

قال : وقد وقفت على ديوان شعره الذي جمعه ولده الأكبر الشيخ محمد أمين بعد وفاة والده ، وكان يحتفظ به ويبقية آثاره المخطوطة والمطبوعة ولكنها بعد وفاة ولده المذكور بيعت ، وللمترجم له رسالة صغيرة بخطه أودعها مقاطيع من شعره وبعض نوادر ( الكوازين ) وغيرهما كتبها باقتراح من العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في إحدى زياراته الحلة ولا تزال في مكتبته بالنجف ولعلها هي التي أشار اليها شيخنا في ( الذريعة ) ج 4 / 62 بقوله : تراجم المعاصرين من علماء الحلة للشيخ علي عوض. وذكر في آخرها أن ولادته كانت في الحلة سنة 1253 وتوفي كما أخبرني ولده الأمين في ثاني جمادى الثانية سنة 1325 ونقل إلى النجف ، وهذه قطعة من شعره في الرثاء قالها يرثي بها العلامة الحجة السيد مهدي القزويني :

منك الفراق ومني الوجد والحرق *** وشأن شأني عليك الدمع والأرقُ

يا أمن كل حشا كانت مروعة *** عليك كل حشا أودى بها الفرق

لأنت واحد هذا العصر إذ عجزت *** عن نعتك البلغاء القالة النطق

علامة إن عرت شوهاء مشكلة *** كشفتها فكأن الصبح منفلق

كالبدر والبحر في يومي هدى وندى *** من كفك السيل أم من وجهك الشفق

يشع من غرة المهدي نور هدى *** للمدلجين إذا ما ضمها الغسق

قد كان للركب زاداً حينما نزلوا *** ومعقلاً إن تناهى الخوف والرهق

هذي فواضل لا تخفى صنايعها *** وذي فضائل لا تغشى وتنمحق

ص: 193

أأستقى لثراك الغيث مجتدياً *** وفيه قد حلّ منك الوابل الغدق

بلى سرت من نسيم الخلد نفحتها *** فعطّرت منك رمساً كله عبق

ومن نوادره ان جلس يوماً مع الشاعر الذائع الصيت الشيخ صالح الكواز. فعصفت ريح هوجاء أظلمت منها مدينة الحلة ، فقال الشيخ صالح مرتجلاً :

قد قلت للفيحاء مذ عصفت *** فيها الرياح وبات الناس في رعف

ما فيكِ مَن يدفع اللّه البلاء به *** إن شئتِ فانخسفي أو شئتِ فانقلبي

فقال له شاعرنا العوضي : أيها الشيخ إني نظمت هذين البيتين قبل مدة في مثل هذه العاصفة على غير هذه القافية وأنشد :

قد قلت للفيحاء مذ عصفت *** فيها الرياح وبات الناس في رعب

ما فيكِ مَن يدفع اللّه البلاء به *** إن شئت فانخسفي أو شئت فانقلبي

فقال له الكواز : أنت واللّه قلبتها هذه الساعة.

وله مهنياً العلامة السيد مهدي القزويني بقدوم السيد محمد حسين ابن السيد ربيع من مشهد الامام الرضا علیه السلام من قصيدة مطلعها :

هم بالعذيب فثمّ أعذب مورد *** وأشرب على ذكر الحبيب وغرّد

ومنها :

هيفاء قد لعب الدلال بقدّها *** لعب الشمول بقدّها المتأود

نظرت اليك بمقلة ريم الحمى *** وجلت لعينك غرة كالفرقد

أملت عليّ حديثها فحسبته *** سلكا وهي من لؤلؤ متنضد

ولقد أغار لنقطة من عنبر *** قد حكّمت في خدها المتورد

ولقد تشير بأنمل من فضة *** مصبوغة عند الوداع بعسجد

حتى فرغت إلى السلوّ فخانني *** فيه الضمير وعزّ ثمّة مسعدي

هل تلكم العتمات ثمّ رواجع *** فأنال منها بلغة المتزود

ص: 194

أيام لا صبغ الشبيبة ناصل *** منى ولا وصل الحسان بمنفد

فلتلح لوّامي وتكثر حسّدي *** وتشي وشاتي ، وليجدّ مفندي

أنا ذلك الصب الذي ألف الهوى *** قلبي وأعطيت الصبابة مقودي

لا أنثني أو أبلغ السبب الذي *** حاولته ولو أنه في الفرقد

وكذا محمد الحسين سرى به *** عزم لطوس وهو أكرم مقصد

فيها بأكرم مرقد بلغ الرضا *** بلغ الرضا فيها بأكرم مرقد

وغدا يطوف على ضريح كم به *** طاف الملائك ركعاً في سجّد

تعنو له صيد الملوك جلالة *** ومتى تعد نظراً اليه تسجد

هو ذاك غوث الناس وابن ربيعها *** وخضم جود قال للدنيا : رِدي

ساد الأنام بفضله وشآهم *** في حلمه ، وكذاك شأن السيد

ولكم أجار من الليالي خائفاً *** ما زال يرصده الزمان بمرصد

ولكم أسال على الوفود نواله *** كمسيل وادٍ بالمواهب مزبد

الطاهر الأعراق مَن شهدت له *** أفعاله الحسنى بطيب المولد

من مبلغ عني بشارة رجعة *** لجناب ( مهدي ) الزمان محمد

علامة العلماء شمس الملّة ال- *** -غراء غوث الدهرغيث المجتدي

الموقد النار التي بوقودها *** قد راح ساري الليل فيها يهتدي

هو ذاك بدر سماء العلاء وإنه *** لأبو أماجد كلهم كالفرقد

قلّدته ديني ، وقلّد أنعماً *** جيدي ، فراح مقلِدي ومقلّدي

وقال في قدوم السيد محمد القزويني من الحج سنة 1296 :

أضاءت ثنيات الغرى إلى نجد *** بأبيض طلاع الثنايا إلى المجد

فللذكوات البيض عندي صنيعة *** بتجديدها مافات من سالف العهد

أتت بابن ودٍّ لا عدمت وفاءه *** سواء على قرب من الدار أو بعد

كريم متى استجديته فاض جوده *** عليّ كفيض البحر مداً على مدّ

ص: 195

طليق المحيّا لم تصافح يمينه *** يمينك إلا باليسار وبالرفد

له شغف بالمكرمات ، وغيره *** له شغف لكن بملياء أو دعد

ترقّى لما لم يبلغ الفكر كنهه *** ولم تقف الأوهام منه على حد

أتى عرفات بعد ما عرفت له *** شميم فخار دونه فائح الند

ونالت مِني فيه المُنى بعدما رمى *** جمار الجوى في مهجة الخصم عن قصد

فيا كعبة أضحى يطوف بكعبة *** ولا عجب أن يقرن السعد بالسعد

أتتك فريدَ المكرمات فريدة *** تهادى بنظم راق من شاعر فرد

أتت والمعاني الغر تبهج لفظها *** كما تبهج الأيام في طلعة المهدي

غدت أربع الفيحاء من نشر علمه *** كاخلاقه فيحاء بالندّ والورد

فيا عالماً أعيت مذاهب فكرتي *** معانيه حتى لا أعيد ولا أُبدي

فدتك اناس أخطأ الرشد رأيهم *** وقد علموا معنى الاصابة والرشد

وإن علاً أمسيت بدر سمائها *** لتزهر فيها منكم أنجم السعد

نظمت بنيك لغر عقداً لجيدها *** وأنت برغم الخصم واسعة العقد

ص: 196

الشيخ حمّادي نوح

اشارة

المتوفى 1325

قال في احدى روائعه في الحسين :

أهاتفة البان بالأجرع *** مليّاً بفرع الاراك اسجعي

وأمنا فما ريع سرب القطا *** بنافحة الروض من لعلع

يقرّ المقيل لذات الهديل *** بدور البليل على المرتع

جزعنا التياعاً ليوم الحسين *** فإن كنت والهة فاجزعي

ليوم به انكسف المشرقان *** بغاشية الغسق الأسفع

وغودر في الطف سبط الرسول *** صريع الظما بالقنا الشرّع

سقى حفراً بثرى كربلا *** نمير الحيا غدق المربع

توارت بها أنجم المكرمات *** بأدراع غلب هوت صرع

بمصرعها يصدع الحامدون *** ثوت والمكارم في مصرع

تعفرها سافيات الرياح *** عصفن بآفاقها الأربع

تحف بعاقد أعلامها *** وملحقها بالذرى الأرفع

قضى عطشا ولديه الزلال *** تدفق عن طافح مترع

فيا ظامياً شكرت فيضه *** ظوامي ثرى الخصب الممرع

أيا غادياً بذرى جسرة *** متى اتقدت هضب تقطع

أمون تجانب لمع السراب *** إذا عبث اللمع بالألمعي

إذا جزت متقّد الحرتين *** وشمت سَنا يثرب فاخشع

ص: 197

وقبّل ثرى روضة المصطفى *** وصلّ وسلّم ولج واصدع

سقتك العدى يا نبيّ الهدى *** بكأس الردى رنق المنقع

أتاحت لأبناك ضنك الفناء *** وأفناهم ضنك الموقع

وصمّاء جعجع فيها بنوك *** نفوساً على أقتم جعجع

جلتها جسومهم النيرات *** ممزقة بالظبا اللمع

هوت وقّعاً من ذرى الصافنات *** كأقمار تمٍّ هوت وقّع

تمزّقها شفرات الضبا *** بكف ابن رافثة ألكع

وجوه كشارقة الزبرقان *** لها السمر منزلة المطلع

تناديك تحت مهاوي السيوف *** بآخر صوت فلم تسمع

أُريقت دماك فلم تنتقم *** وسيقت نساك فلم تهلع

مروّعة بصدى هجمة *** أطارت لها أعين الروع

فأبرزن من خيم أضرمت *** بذاكية اللّهب المسفع

تشدّ براقعها خيفة *** فتغلب قهراً على البرقع

وخائفة فزعت رهبة *** فاهوت على جسد المفزع

تلوذ به فتنحي بها *** بعنف يدا لُكع أكوع

ومرضعة نحرت طفلها *** من القوس نافذة المنزع

تلاقى السما بدما نحره *** أفي اللّه هان دم الرضّع

* * *

وثاكلة صرخت حوله *** تناديك عن كبد موجع

أيا جدّ صلّى عليك المجيد *** ونلت ثنا الافوه المصقع

حبيبك بين ذويك الكرام *** أضاحي منى بتن في موضع

تقلّبها حلبات الخيول *** سليبة ضافية المدرع

ومضنى يئنّ بثقل القيود *** مشالاً على جمل أضلع

ص: 198

يرى حرم الوحي إن أرسلت *** مدامعها بالقنا تُقرَع

أُسارى يكلفهنّ الحداة *** رسيما على هزلٍّ ضُلّع

تجشمّها ربوات الفلى *** وتحضرها مجلس ابن الدعي

ويُدنى القضيب لثغر الحبيب *** فان ضاء مبسمه يقرع

تسرّع فيك ابن مرجانة *** فنال المنى أمل المسرع

وساق عيالك سوق الإما *** تجوب فلى مربع مربع

أألله يا غضب الأنبياء *** لهتك الهدى بضبا الوضّع

* * *

فيا صفوة اللّه من خلقه *** ومن لشفاعتهم مرجعي

أُجلكم أن أزور القبور *** وحمل ذنوبي غدا مضلعي

أبى اللّه يخزي وليّ الكرام *** ويدعو بها يا كرام اشفعي (1)

أقول وكأن الشاعر كان متأثراً بقصيدة الشيخ حسن التاروتي القطيفي المتوفى سنة 1250 ه - والذي كان يعيش من صيد السمك - وأولها :

أللراعبية بالاجرع *** صبابة وجد فلم تهجع

فجاراه بها وزناً وقافية ، ذكرناها في ترجمته صفحة 310 من الجزء السادس من هذه الموسوعة. وستأتي - بعون اللّه في جزء آتٍ - رائعة محمد مهدي الجواهري - شاعر العرب اليوم - فهي على هذا الوزن والقافية والتي استوحاها من ضريح الإمام الحسين علیه السلام ومطلعها :

فداءً لمثواك من مضجع *** تبلّج بالأبلج الأروع

وهي من غرر أشعاره.

ص: 199


1- عن ديوانه المخطوط - مكتبة آل القزويني ، ولأول مرة تنشر هذه القصيدة بكاملها.

الشيخ حمادي نوح هو أبو هبة اللّه محمد بن سلمان بن نوح الغريبي الكعبي الأهوازي الأصل الحلي المعروف بالشيخ حمادي نوح والصحيح اسمه ( محمد ) كما كان يوقع. ولد سنة 1240 وتوفي في صفر 23 منه سنة 1325 بالحلة وحمل إلى النجف الأشرف فدفن فيها فيكون عمره خمسة وثمانين سنة.

والكعبي نسبة إلى قبيلة كعب التي تقطن في الأهواز ، أخذ عن السيد مهدي ابن السيد داود الحلي والشيخ حسن الفلوجي - الأديب الحلي - وخرج إلى الأهواز والجزائر مدة ومنها أصله. وكان يتنسك وأنشأ أوراداً وأذكاراً من الشعر لتعقيبه في الصلاة. وهو شاعر مفلق مكثر طويل النفس وكان أهله بزازين في الحلة وكان هو صاحب حانوت فيها يبيع البزّ ويجتمع اليه الادباء والشعراء يتناشدون أشعارهم وقد أخذ عن المترجم له جماعة، منهم الشيخ محمد الملا ، والحاج حسن القيم وابن أخيه الشيخ سلمان نوح ، والحاج مهدي الفلوجي. وكان كثير الاعجاب بشعره وإذا أنشده أحد شعراً لغيره نادى : كرب. كرب. أي هذا يشبه كرب النخل ، وجلّ ادباء الحلة يرون له فضل السبق والتقدم في صناعة القريض شغوفاً بغريب اللغة وشواردها ، مفضلاً لأساليب الطبقة الاولى على الأساليب الحديثة بعيداً عن استخدام البديع والصناعات اللفظية لذلك ترى الغموض غالباً على شعره ، ولا يعجبه من الشعراء الأقدمين أحد غير المتنبي ويفضله على شعراء العرب ويتأثر به.

لقد دوّن شعره في حياته وسماه ( اختبار العارف ونهل الغارف ) فجاء في مجلد ضخم يربو على 550 صفحة على ورق جيد بخط أحسن الخطاطين في الحلة آنذاك ، رتّبه على سبعة فصول : الفصل الأول في الالهيات والعرفانيات ، والفصل الثاني الحسينيات وهو ما قاله في أهل البيت عامة ، والحسين خاصة مدحاً ورثاءاً ويبلغ 31 قصيدة من غرر الشعر ، قال الخطيب الأديب الشيخ يعقوب في تقريضه قصيدة منها :

مدحت بني النبوة في قواف *** ترددهن ألسنة الرواة

ص: 200

فإن يكن ابن نوح قد تولى *** غريقاً في القرون الماضيات

فلا يخش ابن نوح العصر هولاً *** فقد آوى إلى سفن النجاة

وممن تأثر بالشاعر الشيخ حمادي هو الشاعر الفحل الحاج حسن القيم فقد لازمه ملازمة الظل وكان يعتز بهذا الاتصال وهذه التلمذة فقال يمدحه من قصيدة.

فلو كان ينمى جيد الشعر لانتمى *** إلى شاعر من آل نوح مهذب

ولو كان ينمى جيد الشعر لانتمى *** إلى مبدع في كل فنّ ومغرب

إذا دام لا تهوى من الناس صاحباً *** ففي الشمس ما يغنيك عن ضوء كوكب

ويقول شيخه المذكور في قصيدته التي أبّن فيها هذا التلميذ البار بعد وفاته :

فيا نجم العشيرة لحتَ بدراً *** فغيّبك الافول عن النجوم

سقيتك سلسل الكلم المصفّى *** تجنّبه قذى الهذر الذميم

إلى أن ظن ماهر كل علم *** بأنك حائز شتت العلوم

أبوك على المنابر بدر تمٍ *** وأنت اتمّ من قمري تميم (1)

فمن قصائده الحسينية قوله :

ومعرّض لشبا الأسنّة مهجة *** للوحي بين صدوعها إلهام

صدع الوغى متهللاً وكأنه *** صدع الوغى وله الهلال لثام

الراكب الخطرات وهي أسنة *** والخائض الغمرات وهي حمام

والمخصب الشتوات عارية الربى *** والفارج الكربات وهي عظام

ركب الوغى ولظى الهجير يشبّها *** من حرّ مهجته عليه ضرام

أمعطّر النكباء نفحة عافر *** ومردّع البوغاء وهي رغام (2)

ومجدّلاً نسفت لمصرعه العلا *** ومن الهداية دكدكت آكام

ص: 201


1- يشير إلى شاعري تميم الشهيرين : الفرزدق وجرير.
2- الردع : الزعفران.

سقطت لمصرعه النجوم كأنها *** من صدره عدداً سقطن سهام

ومجرداً نسج الاباء لشلوه *** جدداً برود الحمد وهي قتام

عجباً لجسمك كيف تأكله الظبا *** وبكل عضو فيه منك حسام

أكل الحديد أمضّ منه مضارباً *** عرفته من تحت التريك الهام (1)

طحنت بأضلعه الخيول ودائعاً *** يهدي الورى بعلومها العلام

تعدو على جسد يُغاث بنسكه *** محل الزمان إذا استسرّ غمام

ترباً تغيّره العواصف وانتهت *** أن لا تغيّر نشره الأيام

متميزاً قمراً بشاهقة القنا *** كسف الزمان ولم يفته تمام

صدعاً بواضحة الكتاب مبلّغاً *** فصل الخطاب إذا ألدّ خصام

ومرتّل الكلم المبين كأنه *** جبريل يصدع والأنام سوام

أعلى العواسل رأس سبط محمد *** جلبته من خطط العراق شئام

يتأوّد اليزنيّ في قمر الهدى *** والمسلمون لدى سناه قيام

وبحضرة الاسلام ينكت ثغره *** سوط ابن هند ولا يكاد يلام

ومنها في الشهداء من أهل بيته صحبه :

المنتضين سيوفهم ووجوههم *** وكلاهما شهب الظلام وسام

تتزلزل الأطواد من سطواتهم *** وتخف إن ذكرت لهم أحلام

وردت حياض الموت طافحة الردى *** وعن الزلال تموت وهي صيام

فأعارت الأرماح ضوء رؤوسها *** وأنارت البوغا لهم أجسام

وثوت بحر هجيرة لو يلتظي *** بذرى شمام ذاب منه شمام

صرعى تزمّلها الدماء ملابساً *** حمراً وتسلبها اللباس طغام

فكأن فيض نحورهم لقلوبهم *** برد بحفظ ذمارهم وسلام

ص: 202


1- التريك : جمع تريكة وهي بيضة الحديد.

وقال : وهو يذكر الحسين أثناء أداء مناسك حج بيت اللّه الحرام.

يا دهر شأنك والخلاف فما الحجى *** متوفرٌ والبغيُ فيك موفر

مُنع ابن فاطمة مناسك حجه *** ويزيد يؤمنه الشراب المسكر

لو أنصفت عرفات دكدك فرعها *** فقدانه منها وزال المشعر

يا حجر إسماعيل جاوزك الهدى *** مذبان عن غدك الحسين الأطهر

يفدي ذبيحك كبشه وعلى الظما *** حنقاً صفّى اللّه جهراً ينحر

أصفاء زمزم لا صفوت لشارب *** وحشا الهدى بلظى الظما تتفطر

يروي زلالك وارداً وذوو النهى *** بالطف يرويها النجيع الأحمر

اثلاثة التشريق من وادي منى *** لا تمّ في واديك حجٌ أكبر

هذي جسوم معاهديك بكربلا *** بقيت ثلاثاً بالعرا لا تقبر

يتشرف البيت الحرام بنسكهم *** وعميدهم مثل النسيكة ينحر

ما يشهد الحجر الشريف بفقدهم *** وبنسكهم في كل عام يزهر

فجسومهم تحت السنابك موطئ *** ورؤوسهم فوق الأسنة تشهر

عقدت بأطراف الرماح رؤوسهم *** ونساؤهم بظهور عجف تؤسرُ

وله من قصيدة تبلغ ثلثمائة وتسعة ابيات في الامام الحسين :

وجمت بناعية الحسين على الونى *** للبغي واضحة الحديث المرسل

وتصرفت فرطا برغم أمينه *** بشروطها يدُ ذي تمائم محول

برز ابن أحمد للزمان يقيله *** عثرات معلن غدره المتنصل

ومسوماً في الركب كلّ طمرةٍ *** غير المكارم فوقها لم تحمل

فتلت بأكعبها سواعد فتية *** أدنت مآربها بباع أفتل

من كل من تثنى الخناصر نحوه *** يرنو الزمان له بعين الأحول

يغشى النواظر في حياء عقيلة *** ومضاء ذي شطب وسبطة أنمل

ص: 203

مأمومة بأغرّ ينصدع الدجى *** بسناه ملء قرى أغر محجل

قد أشخصته عن المواطن بيعة *** من عنق صافقها يداً لم تحلل

فأبرّ داعية الشريعة موضحاً *** في المسلمين إمامة النص الجلي

يمضي ولا الأرماح نافذ حكمه *** ويرى ولا المصباح منه بأمثل

متوسماً إنقاذ داعية الهدى *** حير الضلالة وهي عنه بمعزل

حذقاً بمضمر كيدها يعتادها *** عن قلّبٍ وافي السريرة حوّل

يجري على سرّ المشيئة واطئاً *** ظهر الثنية وطأة المتمهل

الراكب الأخطار وهي منيعة *** وأمين ضيم الجار ساعة معقل

وممنع الأبرار بزّة نسكها *** ومجرّع الجبار رنقة حنظل

أذكت كريهته فقال لها انزلي *** ووفت حميته فقال لها اصطلي

وأبت سلامته فسلّ حفيظة *** فياضة كرم الاباء الأجمل

ومضت تناجز عن رواق فنائه *** أسد العرينة أردفت بالأشبل

نزعت لدفع عدوها آجامها *** وتفيأت أُجم القنيّ الذبل

قلّوا ولكن كل فرد منهم *** يغشى الكريهة مفرداً في جحفل

هي ساعة أنست مواقف مأزق *** أنفقن من جساس عمر مهلهل

وبضيقها لطم الصفيح وجوههم *** فهوت ولا غور النجوم الافل

وتجرّد الوافي بشافية الأذى *** من نجدة الكافي يصول بأعزل

تلقى الكماة أمامه ووراءه *** رهن الفلاة بغرب حدّ المنصل

يعدو على قلب الخميس فلا يرى *** قلب الخميس سوى الرعيل الأول

يلجي تفرده القبائل نحوه *** فتؤمّه خجلاً ولما تخجل

فيفلّ غاشية الكماة بعزمة *** يوم النزال كريهة لم تفلل

جذلان يأنس عن لهيب فؤاده *** متروّحاً بسنا الحديد المشعل

فكأن شارقة السيوف بوجهه *** الشمس شارقة بفعمة جدول

ص: 204

ينقضّ في رهج الظهيرة وارياً *** ماوى السريرة قطرة لم ينهل

يروي غرار السيف منهمر الدما *** ولسانه من ريقه لم يبلل

كرمت حفيظته على مضض الظما *** ريانة نيل الشفاء الأعجل

لو تبرز الدنيا بصورة واترٍ *** دامي الوريد بسيفه لم تقبل

فجعته في فئة بها انفجع الهدى *** ووثيقة أمل اللّهيف المرمل

وأعزّة سقيت أنابيب القنا *** أن لا يذوق الدين كاس مذلل

أجرام روحانية تنقضّ من *** ملكوت قدس في دلاص شمردل

نهضت بتكليف الإمامة إذ بها *** قمر الإمامة سار غير مخذّل

فلذاك أورد صدره سمر القنا *** واعار جبهته شفار الأنصل

وهوى بمنعقد القساطل ليتني *** من دونه الثاوي بظل القسطل

غيران يلتمس الظلامة فانثنى *** وهو الظلامة في التماس مؤجل

ثاوٍ تمنّعه الحمية تارة *** وهو الكريم شبا الحسام المصقل

عار تكفّنه محامد هاتف *** في الكائنات متى يعنّف يعول

أودى الحسين فيا سماء تكوري *** جزعاً عليه ويا جبال تهيلي

هد العماد فما لسمكك رافع *** ودهى النفاد فما لفرعك معتلي

فثقي بعترته البقية تأمني *** بقرار مسموك ومنع تزلزل

وتبرقعي بدجى الكآبة إنما *** غشيتك خطة ظلمة لا تنجلي

هذا ابن هند والحنيفة غضة *** ومقالة التوحيد لم تتبدل

قد سل شفرة مرهف في كربلا *** ماضٍ لفاطمة الصفية مثكل

وضع الظبا برقاب عترة أحمد *** هي تلك بين معفر ومجدل

نحرت على ظمأ بضفة نينوى *** حرى القلوب على شفير المنهل

لولا شهادتها بجنب زعيمها *** لغدت هناك موائداً للعُسّل

تأبى الوحوش دنوها وينوشها *** من خيل أعداها نعال الأرجل

ص: 205

عقرت فما وطئت بشدة جريها *** إلا لأسرار الكتاب المنزل

خلت الحمية يا امية فاخلعي *** حلل الحيا وبثوب بغيك فارفلي

سوّدتِ وجه حفائظ العرب التي *** كرمت إذا ظفرت برحل مفضّل

فهبي طويت قديم حقدك كامناً *** وضممته في طيّ لوعة نعثل

وهبي الوسيلة بحت في إظهارها *** بالطف في رهط النبي المرسل

وقطعت فرع أراكة نبوية *** بسيوف هند في يدي مستأصل

تلك الفلا غصت بآل محمد *** صرعى معفرة برمل الجندل

أكل الحديد جسومهم فكأنهم *** للدين قد جاؤا ببدع مشكل

يا خزية العرب انتهت ارب الشقا *** من وجد حقدك في بلوغ محصل

أو ما بطرت بنكبة شابت لها *** لُحم الأجنة في بطون الحمّل

حتى استبحت الدين إذ قهر السبا *** حرم النبي على ظهور الهزّل

فكأنما ظفرت يداك مضيفة *** للدين مكرمة بنسوة هرقل

أثكلت نسوة أحمد لينالها *** قهر العدو حياطة المتكفل

أبرزتها حسرى كما شاء المنى *** من غير مهجة راصد متحمل

تتصفح البلدان صورة سبيها *** أشكال بارزة بذلّ المثّل

هي في عيونك حسّرٌ وتبرقعت *** بحجاب قدس بالجلال مكلل

تسود من ضرب السياط جسومها *** ووجوهها بلظى الهواجر تصطلي

من كل زاكية تقنّع بالقنا *** وأمين وحي بالحديد مكبل

مضنى وجامعة القيود يشبّها *** لهب الهجير لظى بعنق مغلل

وأمضَ مما جرعته يد العدى *** غصصاً من الخطب الفظيع المهول

شتم الخطيب على المنابر جده *** أخطيبها فدحتك حزّة مفصل

أبسيفكم زهت المنابر أم بكم *** جبريل نادى في الزمان الأول

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى *** للمسلمين مجالد إلا علي

ص: 206

تتمهّد الأعواد غبّ فتوحه *** وبسبه الأوغاد لم تتعذل

لا بوركت قوم ترفّع شأنها *** بحسامه ، وبشانه لم تحفل

وله في رثائه (عليه السلام) وقد نظمها سنة 1265 كما في ديوانه ولعلها أول مراثيه الحسينية :

أحمى بابل سُقيت الغماما *** وتضوّعت في نسيم الخُزاما

كم لنا في عراص ربعك صيدٌ *** شيدوا فيك معهداً ومقاما

إن دعاهم داعي المنى والمنايا *** أكرموا وافداً وروّوا حساما

عمرك اللّه كم حويت بدوراً *** نورها يخجل البدور التماما

ولكم حلّ في طلوعك غيد *** أودعت في الحشا ضنى وسقاما

خُرّدٌ تفضح الغزالة وجهاً *** يوم تنضي براقعاً ولثاما

رب يوم به العواذل أضحت *** لا يملّون في ملامي الملاما

يا أخلاي لست فيما زعمتم *** زادني الشوق لوعة وغراما

لا ربوع ب ( الجامعين ) محيلات *** شجتني ولا طلول أماما

بل شجاني سليل أحمد لما *** أججت في وغاهُ حربٌ ضراما

يوم جاءت يقودها ابن أبي *** وقاص ظلماً يقفو اللّهام اللّهاما

قابلتها فتيان صدق لترعى *** لأبن بنت النبي فخراً ذماما

شمّرت للوغى ودون حسين *** حسبت أكؤوس المنايا مداما

هم أسود وما رأيت اسوداً *** تخذت غابة الرماح أجاما

فادلهمت تلك الكريهة التي *** قنّعوا الشمس عثيراً وقتاما

لم تزل تخطف النفوس ويلقى *** صدرها في اللقا قناً وسهاما

فدعتها حضيرة القدس لما *** شيد فيها لهم مقامٌ تسامى

بأبي أنجم سقطن انتثاراً *** صيّر الطعن برجهن الرغاما

ص: 207

يا لك اللّه أيّ خطب جسيم *** جللٌ هوّن الخطوب الجساما

يوم أذكت عصائب الشرك بغياً *** بحشا صفوة الجليل أواما

هو فردٌ لكن تراه الأعادي *** حين يسطو بهم خميساً لُهاما

سامياً صهوة الطمّر كأن الطر *** ف قد قل من هضاب شماما

ترجف الأرض خيفة حين يسطو *** مثل فلك في لجة البحر عاما

وتمور السما إذا شاهدته *** سلّ من بأسه الشديد حساما

لفّ أجنادها وكّهم منها *** البيض قسراً ونكّس الأعلاما

أسد اللّه ما رأى الأسد في *** الهيجاء إلا أعادها أنعاما

بطل أيسر العزائم منه *** إن عدا ساطياً يروع الحماما

فدعاه المولى إلى الملأ الأ *** على فلبّى طوعاً وكف احتجاما

ولذاك اختار الشهادة حتى *** نال فيها ما حيّر الأوهاما

فرمته العدا بأسهم حقد *** ليت قلبي عنه تلقّى السهاما

فهوى منه في سماء لويٍ *** بدر مجد يجلو سناه الظلاما

ونعاه الروح الأمين ونادى *** قتل اليوم مَن به الدين قاما

أي خطب قد هدّ من كعبة *** الاسلام في عرصة الطفوف دعاما

ورمى آل هاشم برزايا *** نكست من وقوعهن الهاما

يوم سارت من العراق عداهم *** بنساهم أسرى تؤم الشئاما

ثاكلات يندبن حزناً ويذرفن *** دموعاً تحكي السحاب انسجاما

وتجيل الألحاظ رعباً فلم تلق *** سوى كافل يقاسي السقاما

يا لقومي لفادح أورث القلب *** غليلاً وفيه أذكى ضراما

يوم ثارت حربٌ على آل طه *** فأبادتهم إماما إماما

أيّ يوم هالت عصائب هند *** عروة الدين بالقراع انفصاما

أي يوم جبّت لآل نزار *** بشبا البيض غارباً وسناما

ص: 208

أي يوم لخاتم الرسل فلّت *** مخذماً فيه شيّد الاسلاما

وأراقت دماء كل أبيٍّ *** جلّ يوم الهوان من أن يضاما

يابن بنت النبي إن فاتني نصر *** ك بالكف لم يفتني كلاما

لي فيه على عداكم حسام *** شفرتاه تحكي الحمام الزؤاما

مع أني لأخذ ثارك شوقاً *** أرقب المجتبى الامامَ الهماما

سوف أطفي الغليل من كاشحيكم *** في كفاح تزلزل الأعلاما

ولدى قائم الشريعة سيفي *** في اللقا يرشح الدما والحماما

وليوث خلفي لآل ( غريب ) *** منهم تغتدي الليوث سواما

تنشئ الموت في ظباها إذا ما *** أبصرتني للحرب أبدي ابتساما

يا بن طه اليك لؤلؤ نظم *** فاق في سمطه اللآلي نظاما

فاقبلن من ( محمد ) ما غدا في *** فم قاليك علقماً وسماما

وبثغر المحب نحلة شهد *** يفضح الشهد طعمها والمداما

وعليكم من ربكم صلوات *** وسلام يغشى علاكم دواما

وله :

عذرتك أن تعنفني نصوحا *** وقلبك لم يبت بأسى جريحا

تفاقم فانطوت جمل الرزايا *** يوازنه فيعدلها رجيحا

هو الخبر الذي اتقدت لظاه *** بجانحة الهدى لهباً صريحا

إذا ذبح ابن فاطمة عناداً *** فإن الدين قد أمسى ذبيحا

وميز رأسه بشبا العوالي *** قطيعاً يعرب الكلم الفصيحا

يرتل في السنان لكل واعٍ *** كتاب اللّه ترتيلاً صحيحا

تمرّ به الرياح وقد مراها *** بأطيب من أريج المسك ريحا

وجرده إباه الضيم نفساً *** إذا ذكر الهوان نأت نزوحا

لدى أبناء معركة وقته *** بمهجتها الذوابل والصفيحا

ص: 209

عشية لاذ عز الفخر فيه *** ومدّ له الهدى طرفاً طموحا

ثوى بثرى الطفوف تعلّ منه *** مهندة السيوف دماً سفوحا

فأوسع بيضة الدين انصداعا *** وعطل في القصاص لها جروحا

تكفنه العواصف بين قوم *** ثلاثاً لا تشق له ضريحا

وفاح شذى الامامة من محيّاً *** عليه دم الشهادة قد أفيحا

بيوم جرعته دماء حرب *** على ظمأ وحُرّم ما أبيحا

وزلزلها موطدة رعانا *** يميل بها له قدر أتيحا

أجلّك أيها البطل المسجّى *** ثلاثاً أن تبيت لقى جريحا

مسجّى بالثرى وعداك قسراً *** بصدرك أجرت الفرسَ الجموحا

عدىً أفنت ضلوعك بالعوادي *** لقد أفنت من التنزيل روحا

تمنّت أنها أفنتك ظلماً *** على حنق بها جسداً وروحا

وروح اللّه حين بكاك عيسى *** تشرّف فيك عند اللّه روحا

وله :

أيوم الطف طرت بها شعاعا *** نفوساً سلّها الجزع التياعا

وجزت ببكر خطبك كل خطب *** يسوم الطود أيسره انصداعا

سليباً تستمد الشمس منه *** إذا بزغت بضاحية شعاعا

صريعاً تشكر الهيجاء منه *** إذا التفت به البطل الشجاعا

فأصبح في جنادلها عفيرا *** يشرّف فضل مصرعه البقاعا

وأبنية يمنّع في حماها *** طريد بني الجرائم أن يراعا

فأمست والتهاب النار فيها *** يحط قواعداً علت ارتفاعا

أيدري الدهر أي دم أضاعا *** وأي حمى لآل اللّه راعا

وقال :

خولف المختار في عترته *** أهل بيت الوحي براً وولاءا

ص: 210

وأقام الدين فيهم فابى *** قومه في آله إلا الجفاءا

أوردوهم كدر العيش إلى *** أن أعدّوهم دم النحر ظماءا

وأجالوا الخيل حتى طحنت *** خامس الغر الالى حلّوا الكساءا

طحنت صدر ابن بنت المصطفى *** يوم في غرّ الهدى سنّ الأباءا

بأبي الثاوين لا يندبهم *** غير برح الحرب صبراً وبلاءا

وثوت والدين يدعو حولها *** هكذا من لبس الفخر رداءا

تلك أعلام الهدى سحب الندى *** وليوث الحرب عزماً ولقاءا

ومغاوير الحفيظات إذا *** قذفوا الرعب المغاوير وراءا

عانقت من دونه بيض الظبى *** لم يعانق رغدها البيض الظباءا

ووقته الطعن حتى قطّرت *** والقنا فيها اعتدالاً وانحناءا

في مراضي أغلب أوردها *** مورد العزة بدءاً وانتهاءا

بأبي الفادي سنا حوبائه *** دون ايضاح الهدى حتى أضاءا

واقرّوه على الرمضا لقى *** يتردى من ثرى الطف كساءا

نسج الريح عليه كفناً *** فاكتسى الرمل بمثواه بهاءا

ونواع حوله تدعو أسىً *** بقتيل لم يجب منها الدعاءا

وله :

يا راقداً عن بعثه بطراً *** أرأيت بعث معاشر رقدوا

بولاء آل محمد علقت *** لك يا رهين الموبقات يد

بالطيبين ولم يطب أبداً *** من في سواهم قط يعتقد

تأمين أقصى الصبر يوردهم *** محناً يزول لبعضها أحد

ما بين منفطر الحشا حرقاً *** أودى فغيّب جسمه الكمد

ودفينة سراً أبت سحراً *** من أن يشيّع نعشها أحد

دفنت وغصتها بمهجتها *** تغلي الفؤاد فينضج الكبد

ص: 211

وصريع محراب يعممه *** سيف ابن ملجم بالردى يفد

وبسمّ جعدة قطعت كبد *** يرنو اليها الواحد الصمد

وبكربلا نُحرت على ظمأ *** فئة عليها الماء قد رصدوا

من كل بدر تقى إذا انتصبت *** خيم الهدى فبه لها عمد

وركين معركة إذا رجفت *** فكأنه في قلبها وتد

ولجَ القتام كأنه قمر *** ونحا الصدام كأنه أسد

يرد الردى من دون سيده *** فكأنه صافي الروى يرد

صبروا نفوس أكارم سلبت *** تحت العجاجة والقنا قصدوا

بفناء منقطع القرين ثووا *** وبحفظ عزة مجده انفردوا

وبجنب مصرع قدسه نحروا *** فلذاك في درجاته صعدوا

حشدت عليه ألوفهم فأتى *** يفني القبائل وهو منفرد

في جحفل من نفسه شرق *** بالسيف لا يحصى له عدد

من معشر لم يخلفوا أبداً *** لله ما عهدوا وما وعدوا

أودى ولا في سيفه كلل *** وهوى ولا بقوامه أوَد

وقال :

وأقمار رشد لوعدا البغي تمّها *** لما عولجت في كربلا بخسوف

سليبة أبراد الشهادة في ثرى *** يمور عليها في هجير صيوف

يرمّلها فيض الدماء فتكتسي *** بسورة نكباء الرياح عصوف

لدى جسد صكّ الصناديد فانثنت *** ألوف توقّى بأسه بألوف

ألا قد قضى ابن المصطفى متلافياً *** بقايا الهدى صبراً بشمّ انوف

وسلّ سيوف الرشد ساخطة على *** بغاة على الشرك القديم عكوف

وينظر صرعى يعلم المجد أنهم *** معاقله من تالد وطريف

صريعاً تواريه الأسنة لمّعاً *** بأطراف مرّان عليه قصيف

ص: 212

وله :

قد خفروا من محمد ذمماً *** ما خفروها لغير محمود

وجرعوا آله ببيض ظبى *** كأس الردى في المواقف السود

كأن جاري دما نحورهم *** فيض نداهم بموطن الجود

من كل ذي غرة له جلبت *** كل المعالي بحشد محشود

بادي المحيا إذا الوغى التهبت *** خاض لظاها ببأس صنديد

يستعرض البيض في سنا قمر *** من وجه باديه غير رعديد

قد قلّد الدين من صنائعه *** يوم الوغى أشرف المقاليد

* * *

ص: 213

السيد علي الأمين

المتوفى 1328

قال مخمساً أبيات السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1325 وأصل الأبيات في مدح أمير المؤمنين علي :

بنفسي الحسين سقته عداه *** كؤوس المنون وساقت نساه

فقل للوصي وحامي حماه *** أبا حسن أنت عين الاله

فهل عنك تعزب من خافيه

أما هتفت بك بين الطغاة *** نساك وأنت حمى الضائعات

وأنت المرجّى لدى النائبات *** وأنت مدير رحى الكائنات

وإن شئت تسفع بالناصيه

أتقعد يا سيد الأوصياء *** ووترك بين بني الأدعياء

وتجثو وذا الكرب يقفو البلاء *** وأنت الذي امم الأنبياء

لديك إذا حشرت جاثية (1)

السيد علي السيد محمود الأمين كان عالماً محققاً مدققاً فقيهاً اصولياً قوي الحجة. ترجم له السيد الأمين في الأعيان فقال : كان ورعاً شاعراً أديباً نقاداً للشعر مهيباً مطاعاً نافذ الكلمة محمود النقيبة اتفقت على حبه وتعظيمه

ص: 214


1- ظرافة الأحلام في النظام المتلو في المنام ، للشيخ محمد السماوي ، مرّ في صفحة 104 قصة هذه الابيات والحلبة الشعرية حولها ومنهم السيد المترجم له.

جيمع الناس من جميع المذاهب. ولد في شقرا من قرى جبل عامل - لبنان في حدود سنة 1276 وتوفي ليلة السبت 11 شوال 1328 ه فيكون عمره نحواً من اثنين وخمسين سنة قضاها في خدمة العلم إفادة واستفادة وتأييد الدين وقضاء حوائج المؤمنين. وبعدما حفظ القرآن في مدة يسيرة ولما يبلغ السبع تفرغ لطلب العلم وتوجه للنجف في حدود سنة 1290 وعمره نحو 14 سنة وكان يقول : بلغت الحلم في النجف فقرأ علوم العربية والاصول على الشيخ احمد ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر - الذي كان وحيداً في توقد الذهن وطيب الأخلاق ، كما قرأ على الشيخ محمود ذهب ، هذا في السطوح وأما درس الخارج فقرأ في الفقه والاصول على الفقيه الشيخ اغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه وغيره من المصنفات وعلى الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب هداية الأنام في شرح شرائع الاسلام ، وفي الاصول على الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وغيرها ، وتخرج على يده في العراق ولبنان عدد كثير من العلماء والفضلاء وكان يقول : باحثتُ المطول للتفتا زاني أربع عشرة مرة ، وبقي في النجف الأشرف في خدمة العلم نحواً من إحدى وعشرين سنة ، وهذه ألوان من شعره ، قال مخمساً بيتين لبعض المتقدمين في مشهد الحوراء زينب بنت امير المؤمنين (عليه السلام) بقرية راوية من دمشق الشام :

لبنت خير الورى طراً وبضعته *** قبرٌ ملوك الورى تعنو لهيبته

فقلت مذ فزت في تقبيل تربته *** مَن سره أن يرى قبرا برؤيته

يفرج اللّه عمن زاده كربه

فذا إذا الطرف من بُعد تبيّنه *** رأى من العالم العلوي أحسنه

ومن يرم إن دهاه الخوف مأمنه *** فليأت ذا القبر إن اللّه أسكنه

سلالة من رسول اللّه منتجبه

روى السيد الأمين في الأعيان جملة من مراسلاته وما قيل في رثائه من النظم تغمده اللّه برحماته.

ص: 215

الشيخ عبّود الطريحي

المتوفى 1328

الشيخ عبود الحاج سالم الطريحي شاعراً أديباً ظريفاً حاضر النكتة فكه الحديث ، ولد بالنجف عام 1285 وشبّ ونمى بين أديب وعالم ومؤرخ وتدرج على الخطابة مضافاً إلى الكسب ويلازم ديوان أبيه الشاعر الكبير الحاج سالم وهو حافل كل ليلة بالادباء والعلماء فمن حيث يريد ولا يريد نظم الشعر وبرع فيه ، فمن مرتجلاته في شهر رمضان :

أقبل شهر اللّه قم واستعد *** لصومه مع التقى والصلاح

شهر به الرحمة قد أنزلت *** فأطلب به الرحمة وأرج السماح

دع الملاهي عنك وادعو به *** دعا لنهار ، ودعا الافتتاح

ومرّ يحمل كمية من ( الخيار ) وذلك في تموز فجاء به لأهله وارتجل :

قد ذاب قلبي من هوى تموز *** من حرّه قد جفّ ماء الكوز

في السوق ( رقيٌ ) وإني مفلس *** بردته بخيارة العطروز

نظم في الغزل قصيدة مطلعها :

رق ماء الحسن في الخدّ الأسيل *** من غزال ناعس الطرف كحيل

ترجم له عبد المولى الطريحي في ( الاسرة الطريحية ) والخاقاني في شعراء الغري وذكر له مقطوعة شعرية في الإمام الحسين (عليه السلام) أولها :

إذا شئت النجاة من العقاب *** ومن هول القيامة والحساب

فبادر للحسين وقف وسلّم *** عليه بانكسار وانتحاب

ص: 216

الشيخ حسين الكربلائي

المتوفى 1328

قال من قصيدة في رثاء الامام الحسين علیه السلام مطلعها :

ألا مَن مجيري من عيون فواتر *** لعبن بألباب الكماة القساور

إلى أن يتخلص لفاجعة كربلاء فيقول : *** قضى ضامياً في الطف سبط محمد

خميص الحشا تحت القنا المتشاجر *** بأهلي ونفسي صادي القلب طاوياً

ومن دمه تروى شفار البواتر *** رمته بنو حرب بأسهم بغيها

وليس لديه من محام وناصر *** نسوا جده الهادي النبي وضيعوا

- بقتلهم السبط - قربى الأواصر *** بعتبة جاؤا يطلبون بثأرهم

من اللّه لا من حيدر يوم عاشر

* * *

ترجم له صديقنا الأديب سلمان هادي الطعمة وذكر له جملة من النوادر وشيئاً من الشعر في الغزل ويكفينا أن أشرنا اليها ، كما ترجم له الشاب الاستاذ موسى الكرباسي في مؤلفه : البيوتات الأدبية في كربلاء ، ويؤسفنا أن هذا الكتاب لا تكاد تخلو صفحة من صفحاته من أغلاط مطبعية أما الشعر فيكاد أن يكون ممسوخاً. أملنا العناية بالكتاب في الطبعة الثانية بعون اللّه.

ص: 217

السيد مهدي البغدادي

اشارة

المتوفى 1329

شاهد هلال المحرم فقال :

تنهلّ أدمع مقلتي *** إن قيل لي هلّ المحرم

ما إن ذكرت مصيبة *** لكنما ذكراه مأتم

وشاهد مأتما لعزاء الإمام الحسين قد أقامه أحد العلويين وضرب خيمة على المأتم فقال :

ضرب الرواق يقيم مأتم جده *** وهو الحقيق بأن يقيم المأتما

متصدراً في دسته فكأنه *** شخص النبي مخاطباً ومكلما

* * *

السيد مهدي البغدادي النجفي الشهير بأبي الطابو ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام). ولد ببغداد عام 1277 ه وهاجر أبوه إلى النجف فحمله معه ونشأ بها فدرس المقدمات من نحو وصرف ومنطق وبلاغة ، ذكره جمع من الاعلام منهم ( صاحب الحصون ) ومال إلى قرض الشعر ، وكان رحمه اللّه رقيق الروح خفيف الطبع ، ولع آخر حياته بالزراعة ، ومن آثاره الأدبية منظومة في المعاني والبيان أسماها ( اللؤلؤ والمرجان ) ومن ملحه ونوادره أن الخطيب الشيخ كاظم سبتي لما هاجر من النجف إلى بغداد حصلت منافسة بينه وبين خطيب بغداد السيد عباس الموسوي وانقسم البغداديون شطرين بين هذين الخطيبين واحتكموا إلى المترجم له فقال :

ص: 218

أترجوا الخير من همج رعاع *** قد ابتدلوا بعباس ( ابن سبتي )

فكانوا يسجدون إذا رأوه *** ولا عجب فهم أبناء سبت

ومن مرتجلاته أن السلطان ناصر الدين شاه لما زار النجف أهدى ( عصى ) إلى بعض العلماء فقال السيد مهدي :

عصاً كعصى موسى ولكن تقلها *** يدٌ طالما أحيت مكارمها الخضرا

وقد قال قوم إنها سحر ساحر *** فقلت اخسؤا هذي التي تلقف السحرا

ترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري فذكر جملة من بنوده ورسائله ومحاسن تواريخه التي نظمها في مناسبات تاريخية وحوادث ذات شأن وألواناً من شعره في الغزل والفخر والحماسة فهو يتحمس في قصيدة جاء في أولها :

بماضي رهيف العزم أقتحم الصعبا *** وبالهمة القعساء أقتلع الهضبا

عليّ أثام العرب إن ضلّ صارمي *** ولم يحتلب غلب الرقاب له شربا

وله الكثير من أدب المراسلات وأكثرها مع المرحوم السيد حسين القزويني ، فقد قال في مراسلة عام 1320 هذا أولها :

صنت سمعي عن عاذل فيك لاحي *** ظن بالعذل يستلين جماحي

تربت كفه فقد رام أمراً *** دونه وقع داميات الصفاح

أين حال الخليّ من ذي صبا *** بات برت جسمه كبري القداح

قد رمته يد الغرام سهاماً *** بات منها على أمضّ جراح

لا تلمني فلست أول صبٍّ *** دنف القلب وهو في جسم صاح

إن صبا فهو لا إلى المقل النجل *** وإن هام لا بذات الوشاح

عمرك اللّه هل تعود ليال *** هي أصفى من الزلال القراح

وأما والهوى وخمر ثناياك *** ولالاء جيدك الوضاح

ص: 219

ما بأرض الغري بعدك يحلو *** في عبوقي ولا يلذّ اصطباحي

أرقب الثاقبات والليل داج *** لم أخله ينشق عن إصباح

وإذا ناحت الحمامات في فرع *** أراك شاطرتها بالنياح

أترى أجلب الليالي صفاءاً *** ومن الهم أترعت أقداحي

ذهبت بهجة الزمان وولّت *** جدّة العمر وانطفى مصباحي

أيها الممتطي جسوراً من النيب *** تلفّ الحزون لفّ البطاح

لا يشق النسيم منها غباراً *** بغدوٍّ إن أدلجت ورواح

خض بها غامض السرى واقتعدها *** وأقمها بالمندل النفاح

بربوع شقيقهن خدود *** بغوان يبسمن لا عن أُقاح

جدّ قلب المشوق فيها ولوعاً *** بنفور لا بالحسان الملاح

علم الصبر أنني فيه حرٌ *** لم أدع ما عليه ضمت جناحي

ولو أني جزعت ما غلبتني *** ببكاء حمامة أو نياح

إن قلبي من الزمان جريح *** وجريح الزمان صعب الجراح

سل ربوع الغري هل لاح فيها *** بعد فقد الحبيب ضوء الصباح

أين شملي أم أين مجمع أُنسي *** فكأني قد كنت في ضحضاح

تعليق :

أقول والضحضاح هو القليل من الماء الذي لا يغمر القدم ، فلا تطلق العرب كلمة : ضحضاح إلا على الماء القليل ، ولكن المغيرة بن شعبة وهو المعروف ببغضه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، اختلق حديثاً كاذباً فزعم أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال : إن عمي أبا طالب في ضحضاح من نار. أبو طالب هو المحامي الأول عن بيضة الاسلام وهو الكافل للنبي والمدافع عنه بالنفس والمال والأهل والعشيرة وهو القائل كما رواه الالوسي في شرح القصيدة المطولة :

كذبتم وبيت اللّه نخلي محمداً *** ولما نطاعن دونه ونناضل

ص: 220

لعمري لقد كلّفتُ وجداً بأحمد *** وأحببته حب الحبيب المواصل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة وفواضل

ويقول :

إصدع بأمرك ما عليك غضاضة *** وافرح وقرّ بذاك منك عيونا

واللّه لن يصلوا اليك بجمعهم *** حتى أُوسدّ في التراب دفينا

ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا

ودعوتني ، وعلمت أنك صادق *** فيما تقول ، وكنتَ ثمّ أمينا

ويقول - كما رواه البخاري في تاريخه الصغير :

لقد أكرم اللّه النبي محمداً *** فاكرم خلق اللّه في الناس احمد

وشقّ له من اسمه ليجلّه *** فذو العرش محمود وهذا محمد

ثم يخاطب أخاه الحمزة بن عبد المطلب ويقول :

صبوراً أبا يعلى على دين احمد *** وكن مظهراً للدين وفّقتَ صابرا

فقد سرني إذ قيل أنك مؤمن *** فكن لرسول اللّه في اللّه ناصرا

ثم يخاطب ولديه ، علي وجعفر :

إن عليا وجعفراً ثقتي *** عند ملمّ الخطوب والنوب

واللّه لا أخذل النبي ولا *** يخذله من بنيّ ذو حسبِ

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما *** أخي لامي من بينهم وأبي

تتمة ترجمة الشاعر :

الظاهر من شعره - والشعر مرآة قاله - انه كان قوي الشخصية صارم الارادة يقول الخاقاني في شعراء الغري : وله قصص تعرب عن ذلك ، ومن العجيب صلته بالعلامة السيد حسين ابن السيد مهدي القزويني فان أكثر بنوده

ص: 221

ورسائله وشعره ومراسلاته هي في السيد حسين ولكن يخفف العجب أن هذه الاسرة الكريمة أعني آل القزويني تتحلى بالظرف والأدب وسماحة النفس وطيب السريرة وحسن السيرة. مضافاً إلى أن المترجم له كان تلميذاً للسيد العلامة السيد حسين فهو يحفظ له هذا الحق وهو حق التلمذة. ذكر الخاقاني للمترجم له ثمانية بنود وجملة من الرسائل وعشرات من التواريخ والمراسلات ولنستمع اليه يؤرخ حبيبه وأليفه العلامة السيد حسين القزويني بقوله :

مررت على قبر الحسين وإنني *** لفي عجب كيف التراب يواريه

ومَن وسع الدنيا علوما ونائلا *** فكيف استطاعت هذه الأرض تحويه

تضمن هذا القبر بحرين : من ندى *** وعلم وكل منهما مدّه فيه

فما إن تغشاه التراب وإنما *** بأنواره باريه أرخ ( يغشيه )

وأورد نماذج من رجزه ومنظومته في ( الشطرنج ) ومدح ورثاء وغزل يتكون منها ديوان قائم بنفسه ، ومن ثنائياته قوله في مقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمسجد الكوفة ، وهو المكان الذي استشهد فيه علیه السلام :

وعجبت من قوم قد ادعت الولا *** للمرتضى صنو النبي محمد

أن لا تسيل نفوسهم في موضع *** سالت عليه دماء أكرم سيد

أو لم تكن تدري بأن إمامها *** لاقى الحمام هنا بسيف الملحد

ص: 222

السيد باقر الهندي

اشارة

المتوفى 1329

قال يرثي مسلم بن عقيل بن أبي طالب :

بكتك دماً يابن عمّ الحسين *** مدامع شيعتك السفاحه

ولا برحت هاطلات العيون *** تحييك غادية رائحه

لأنك لم ترو من شربة *** ثناياك فيها غدت طائحة

رموك من القصر إذ أوثقوك *** فهل سلمت فيك من جارحه

وسحبا تجرّ بأسواقهم *** ألستَ أميرهم البارحه

قُتلتَ ولم تبكك الباكيات *** أمالك في المصر من نائحه

قُتلتَ ولم تدرِ كم في زرود *** عليك العشية من صائحه

وصدرها الخطيب الأديب الشيخ قاسم ابن الشيخ محمد الملا ب 14 بيتاً ، وذيّلها ب 4 أبيات ، وأتمها الشاعر الشيخ محمد رضا الخزاعي ب 9 أبيات على الوزن وهذا تصدير الشيخ قاسم :

لحيّكم مهجتي جانحه *** ونحوكم مقلتي طامحه

واستنشق الريح إن نسّمت *** فبالأنف من نشركم فائحه

وكم لي على حيكم وقفة *** وعينيَ في دمعها سابحه

تعاين أشباح تلك الوجوه *** فلا برحت نحوكم شابحه

وكم ضبيات بها قد رعت *** بقيصوم قلبي غدت سارحه

ص: 223

وكم ليلة بسمار الحبيب *** شؤون الغرام لها شارحه

تقضّت ومن لي بها لو تعود *** فكيف وقد ذهبت رائحه

وعدت غريباً بتلك الديار *** أرى صفقتي لم تكن رابحه

كما عاد مسلم بين العدا *** غريباً وكابدها جائحه

رسول حسين ونعم الرسول *** اليهم من العترة الصالحه

لقد بايعوا رغبة منهم *** فيا بؤس للبيعة الكاشحه

وقد خذلوه وقد أسلموه *** وغدرتهم لم تزل واضحه

فيا بن عقيل فدتك النفوس *** لعظم رزيتك الفادحه

لنبك لها بمذاب القلوب *** فما قدر أدمعنا المالحه

والتذييل :

وكم طفلة لك قد أعولت *** وجمرتها في الحشى قادحه

يعززها السبط في حجره *** لتغدو في قربه فارحه

فأوجعها قلبها لوعة *** وحست بنكبتها القارحه

تقول مضى عمّ مني أبي *** فمن ليتيمته النائحه

* * *

السيد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي الموسوي النقوي الرضوي النجفي ، عالم فاضل وأديب شاعر ظريف لطيف حسن الأخلاق حلو المعاشرة ذكي لامع نظم فأبدع وسابق فحلّق وله مراثي كثيرة في أهل البيت لا زالت تقرأ وتعاد في مجالس العزاء ويحفظها الجمّ الكثير من رواد المجالس حتى العوام ، سمعت من علماء النجف أنه كان إذا حدّث لا يملّ حديثه وينظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ، فمن شعره قوله :

بزغت فلاح البشر من طلعاتها *** والسعد مكتوب على جبهاتها

بيض كواعب في شتيت ثغورها *** قد كان للعشاق جمع شتاتها

ص: 224

وافت كأمثال الظباء وبينها *** ذات الدلال دلالها من ذاتها

نجدية بدوية أجفانها *** سرقت من ألارام لحظ مهاتها

نشرت على أكتافها وفراتها *** شمسِ سمات الحس دون سماتها

كالبيض في سطواتها والسحر في *** وخزاتها والريم في لفتاتها

سلّت صحيفة مقلة وسنانة *** حتى رأينا الحتف في صفحاتها

وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : هو أبو صادق ينتهي نسبه إلى الإمام علي الهادي علیه السلام ، شاعر شهير وأديب كبير وعالم مرموق. ولد في النجف الأشرف 1284 ونشأ بها على أبيه وفي عام 1298 سافر بصحبة والده إلى سامراء لتلقى العلم من الإمام الشيرازي ثم رجع مع أبيه سنة 1311 وعندما حلّ في سامراء أخذ الفقه والاصول من بعض الأساتذة.

ذكره فريق من الباحثين منهم صاحب الحصون المنيعة ونعته بالعالم الفاضل الأديب الكامل ، المنشيء الشاعر وذكر جملة من أساتذته ، أقول وأعطاني المرحوم السيد حسين ولد المترجم له ورقة فيها ترجمة شاعرنا وقال لي : إني كتبتها بخطي وحسب ما أعرف عن المترجم له وفيها : العلامة الفقيه الحكيم المتكلم السيد باقر نجل آية اللّه السيد محمد الهندي. ولد في غرة شعبان 1284 ونشأ منشأ طيباً في زمن صالح وتعلّم القرآن والكتابة في مدة يسيرة وكان مولعاً بالامور الاصلاحية وله في ذلك مواقف مشهودة وله مؤلفات لم تزل مخطوطة نحتفظ بها ، منها رسالة في ( حوادث المشروطة ) فيها ما يهم رجال الاصلاح والدعاة المصلحين كما كتب في الأخلاق. وكان شديد الولاء لأهل البيت علیهم السلام عظيم التعلّق بمودتهم ، وفي الليلة الثالثة من جمادى الثانية في سني إقامتنا بسر من رأي ، رأى في المنام كأنه جالس بحضرة وليّ الأمر وصاحب العصر وهو في قصر مشيد فجعل يخاطبه قائلاً : سيدي هل يغيب عنك ما حلّ باسرتك الطاهرة ولو لم يكن إلا ما جرى على امك الزهراء ، فحنّ الإمام علیه السلام والتفت اليه قائلاً :

ص: 225

لا تراني اتخذتُ لا وعلاها *** بعد بيت الأحزان بيت سرور

ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم بصوت بكائه ونبهناه فقص علينا الرؤيا فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية ( يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية ) لذا نظم على وزن هذا البيت قصيدته الشهيرة والتي أولها :

كل غدر وقول إفك وزور *** هو فرع عن جحد نص الغدير

واشار الى ذلك بقوله :

أفصبراً يا صاحب الأمر والخطب *** جليل يذيب قلب الصبور

كيف من بعد حمرة العين منها *** يا بن طه تهنأ بطرف قرير

فكأني به يقول ويبكي *** بسلوٍّ نزر ودمع غزير

لا تراني اتخذت لا وعلاها *** بعد بيت الاحزان بيت سرور

واليك المقطع الأول من القصيدة :

كل غدر ، وقول إفك وزور *** هو فرع عن جحد نصّ الغدير

فتبصّر تُبصر هداك إلى الحق *** فليس الأعمى به كالبصير

ليس تعمى العيون لكنما تعمى *** القلوب التي انطوت في الصدور

يوم أوحى الجليل يأمر طه *** وهو سار أن مُر بترك المسير

حطّ رحل السرى على غير ماء *** وكلا في الفلى بحرّ الهجير

ثم بلّغهم وإلا فما بلّغتَ *** وحياً عن اللطيف الخبير

أقم المرتضى إماماً على الخلق *** ونوراً يجلو دجى الديجور

فرقى آخذاً بكفّ علي *** منبراً كان من حدوج وكور

ودعا والملا حضور جميعاً *** غيّب اللّه رشدهم من حضور

إن هذا أميركم ووليّ الأ *** مر بعدي ووارثي ووزيري

هو مولىً لكل مَن كنت مولاه *** من اللّه في جميع الامور

ص: 226

فأجابوا بألسن تظهر الطاعة *** والغدر مضمر في الصدور

بايعوه وبعدها طلبوا البيعة *** منه ، لله ريب الدهور

وقوله في مدح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام من رائعة تتكون من 90 بيتاً وهذا المقطع الأول :

ليس يدري بكنه ذاتك ما هو *** يا بن عمّ النبي إلا اللّه

ممكن واجب حديث قديم *** عنك تنفى الأنداد والأشباه

لك معنى أجلى من الشمس لكن *** خبط العارفون فيه فتاهوا

أنت في منتهى الظهور خفيّ *** جلّ معنى علاك ما أخفاه

قلت للقائلين في أنك اللّه *** أفيقوا فاللّه قد سوّاه

هو مشكاة نوره والتجلّي *** سرّ قدس جهلتم معناه

قد براه من نوره قبل خلق *** الخلق طراً وباسمه سماه

وحباه بكل فضل عظيم *** وبمقدار ما حباه ابتلاه

أظهر اللّه دينه بعلي *** أين لا أين دينه لولاه

كانت الناس قبله تعبد الطاغوت *** رباً ، والجبتُ فيهم اله

ونبيّ الهدى إلى اللّه يدعو *** هم ولا يسمعون منه دعاه

سله لما هاجت طغاة قريش *** مَن وقاه بنفسه وفداه

مَن جلا كربه ومَن ردّ عنه *** يوم فرّ الأصحاب عنه عَداه

مَن سواه لكل وجه شديد *** عنه مَن ردّ ناكلا أعداه

لو رأى مثله النبي لما *** وآخاه حياً وبعده وصّاه

قام يوم الغدير يدعو ، ألا من *** كنت مولى له فذا مولاه

ما ارتضاه النبي من قِبلِ النفس *** ولكنما الاله ارتضاه

غير أن النفوس مرضى ويأبى *** ذو السقام الدوا وفيه شفاه

ص: 227

وقوله مفتخراً من قصيدة ضاع أكثرها وهذا مطلعها :

لو لم تكن جُمّعت كل العلى فينا *** لكان ما كان يوم الطف يكفينا

يوم نهضنا كأمثال الأسود به *** وأقبلت كالدبى زحفاً أعادينا

جاؤا بسبعين ألف سل بقيتهم *** هل قاومونا وقد جئنا بسبعينا

وقال في إحدى روائعه رائياً آية اللّه العظمى الميرزا حسن الشيرازي وأولها :

خلا العصر ممن كان يصدع بالأمر *** فدونك دين اللّه يا صاحب العصر

أيحسن أن يبقى كذا شرع أحمد *** بلا نهي ذي نهيٍ مطاع ولا أمر

عَفاً لكِ سامراء كم فيك غيبة *** تغضّ جفون الدين منها على جمر

ففي الغيبة الاولى ذعرنا ولم نقم *** وفي الغيبة الاخرى أقمنا على الذعر

مرض في أواخر شهر ذي الحجة الحرام من سنة ثمان وعشرون بعد الثلثمائة والألف من الهجرة وانتقل إلى جوار ربه أول يوم من المحرم من السنة التاسعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف ودفن بجوار والده في دارنا التي نحن فيها الآن (1) وإلى ذلك أشرتُ بقولي في رثائه :

نفسي فداؤك من قريب نازح *** أوحشتني إذ صرتَ من جيراني

أعقب من الأولاد : العلامة السيد صادق والعلامة السيد حسين وهذان السيدان عاصرتهما وزاملتهما وهما من أطيب الناس سيرة وأسلمهم سريرة سألتهما عن عمر أبيهما فقالا : قضى وعمره 45 عاماً ورثاه الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة أولها :

أتى الافق مبرياً فقيل هلاله *** ولو قيل قوس صدّقته نباله

ورثاه شقيقه العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي بقصيدة أولها :

ما كا ضرّ طوارق الحدثان *** لو كان قبلك سهمهن رماني

يا ليت أخطاك الردى أو أنه *** لما أصابك لم يكن أخطاني

ص: 228


1- أقول وتقع بمحلة الحويش إحدى محالّ النجف الأشرف.

ومنها :

يا أولاً في المكرمات فما له *** فيها وعنها في البرية ثاني

يا واحداً فيه اتفقن مكارم *** لم يختلف في نقلهن اثنان

يا لهجة المداح بل يا بهجة *** الارواح بل يا مهجة الايمان

بمَ يشمت الأعداء بعدك لا غفوا *** إلا على حسك من السعدان

ببقاء ذكرك في الزمان مخلّداً *** أم بالفناء ، وكل حيٍ فان

فليشمتوا فمصاب آل محمد *** مما يسرّ به بنو مروان

فارقتنا في شهر عاشوراء *** فاتصلت به الأحزان بالأحزان

نبكي المغسّل بالقراح وتارة *** نبكي المغسلَ بالنجيع القاني

وننوح للمطويّ في أكفانه *** أو للطريح لقىً بلا أكفان

ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة قال : كان فاضلاً في جملة من العلوم حسن المعاشرة مع طبقات الناس فمن قوله :

أُحدّث نفسي إنني إن لقيته *** أبثّ اليه ما أُلاقي من الضرّ

فلما تلاقينا دهشت فلم أجد *** عتاباً فأبدلت المعاتيب بالعذر

وأرخ وفاة والده الحجة السيد محمد بقوله :

يا زائراً خير مرقد *** له الكواكب حُسّد

سلم وصلّ وأرخ *** وزر ضريح محمد 1323

ص: 229

الشيخ يعقوب النجفي

المتوفى 1329

من شعره في الحسين :

لقد ضربت فوق السماء قبابها *** بنو مَن سما فخراً لقوسين قابها

فكانت لعلياها الثريا هي الثرى *** غداة أناخت بالطفوف ركابها

وثارت لنيل العز والمجد وامتطت *** من العاديات الضابحات عرابها

لقد أفرغت فوق الجسوم دلاصها *** كأن المنايا ألبستها إهابها

وقد جردت بيض الصفاح أكفها *** وهزت من السمر الصعاد كعابها

أعدت صدور الشوس مركز سمرها *** طعاناً وأجفان السيوف رقابها

سطت وبها ارتجت بأطباقها الثرى *** وكادت رواسي الأرض تبدي انقلابها

ولما طمت في الحرب للموت أبحرٌ *** غدت خيلها منها تخوض عبابها

وحين عدت منقضة في عداتها *** تولّت كطير حين لاقى عُقابها

فكم أطعمت أرماحها مهج العدا *** فما كان أقرى طعنها وضرابها

إلى أن بقرع الهام فلّت شبا الظبا *** ودقت من الأرماح طعناً حرابها

هوت وبرغم الدين راحت نحورها *** تعدّ الأسياف الظلال قرابها

قضت عطشاً ما بلّ حرّ غليلها *** شراب وفيض النحر كان شرابها

ألا يا برغم الدين تنشب ظفرها *** أمية في أحشاء طه ونابها

فما عذرها عند النبي وآله *** وقد صرعتهم شيبها وشبابها

فيا بأبي أشلاء آل محمد *** عوار نسجن الذاريات ثيابها

ص: 230

فتلك بأرض الطف صرعى جسومها *** وارؤسها بالميد تتلو كتابها

ورأس ابن بنت الوحي سار أمامها *** وشيبته صار النجيع خضابها

يميل به المياد يمنى ويسرة *** فقل للويّ فيه تلوي رقابها

وأعظم خطب للعيون أسالها *** كما سال يمٌ ، والقلوب أذابها

ركوب النساء الفاطميات حسراً *** على النيب إذ ركبن منها صعابها

إذا هتفت تدعو بفتيان قومها *** فبالضرب زجر بالسياط أجابها

تعاتبهم والعين تهمي دموعها *** فيا ليت كانوا يسمعون عتابها

بني غالب هلا ترون نساءكم *** وقد هتكت آل الدعي حجابها

فيا ليتكم كنتم ترون خدورها *** غداة أباح الظالمون انتهابها

أترضون بعد الخدر تسبى كأنكم *** بتلك المواضي لم تحوطوا قبابها

وهاتيكم من آل أحمد صبية *** رأت من عداها بعدكم ما أشابها

مصائبكم جذت سواعد هاشم *** وقد دكدكت لما أطلّت هضابها

فهل يصبرن قلب على حمل بعضها *** ولو أنه مسّ الصفا لأذابها

بني أحمد يا من بهم شرعة الهدى *** أقيمت وأوتوا فصلها وخطابها

وما الناس يوم الحشر إلا بأمركم *** تنال ثواباً أو تنال عقابها

ألا فأغيثوني هناك فانكم *** غياث البرايا كلما الدهر نابها

* * *

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر ابن الشيخ حسين ابن الحاج ابراهيم النجفي الأصل والمولد والنشأة. ولد في النجف سنة 1270 ه وكان سادس اخوته وأصغرهم سناً وأقربهم إلى أبيه مكانة ، توسم أبوه فيه الذكاء والرغبة بطلب العلم فسهر على تربيته ، ويرجع الفضل للعلامة الحجة السيد مهدي القزويني في تنمية ملكاته العلمية والأدبية ثم لازم حضور منبر الواعظ الشهير والعلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري فقد كان من النفر الذين دونوا الكثير من إملاته

ص: 231

وارشاداته ومن المنتفعين بفوائده وفرائده وهو الذي شجعه على تعاطي الخطابة وممارسة الوعظ لما لمسه فيه من تضلعه في علمي الحديث والفقه وأخبار أهل البيت. ترجم له ولده الخطيب الأديب الشيخ محمد علي في مؤلفه ( البابليات ) وذكر مراحل حياته كما ترجم له صاحب الحصون وقال : هو من خيار الوعاظ في العراق ومن شيوخ قرائها وادبائها ، نجفي المولد والنشأة والمدفن. كان شاعراً بليغاً وأديباً لبيباً ، تخرج في الوعظ على يد العلامة الشهير الشيخ جعفر الشوشتري ، وفي الأخلاق على الملا حسين قلي الهمداني. وترجم له العلامة السماوي في ( الطليعة ) وقال فيما قال : رأيته واجتمعت به وطارحته ، ونظم في الإمام الحسين علیه السلام ( روضة ) مرتبة على الحروف تناهز كل قصيدة منها مائتي بيتاً وتنيف. وفي ( البابليات ) أن للمترجم له ثلاث روضات الاولى في اللغة الفصحى وهي التي أشار اليها السماوي والثانية باللغة الدارجة والثالثة في النوحيات وهي أيضا باللغة الدارجة ، وقد عنيت بنشرهما مطابع النجف ، وأشار شاعرنا للروضة الاولى بقوله من أبيات :

إن تسمو بالمال رجال فقد *** سمت لأوج الفخر بي همتي

نشأت في حجر المعالي إلى *** أن لاح وخط الشيب في لمتي

حسبي نظمي فهو لي شاهد *** عدلٌ وقد قامت به حجتي

إني تنبأت بشعري فما *** من شاعر لم يك من امتي

فليغرفوا من أبحري كلهم *** وليقطفوا الأزهار من ( روضتي )

قام بجمع ديوانه ولده الخطيب الشهير الشيخ محمد علي ورتبه على الحروف حتى إذا ما وقف على حرف الدال حدثت وقعة عاكف وذلك في الحلة أوائل محرم من سنة 1335 فتلف ما جمع وما لم يجمع. توفي المترجم له بالنجف الأشرف عشية الأربعاء ليلة الخميس رابع عشر ربيع الثاني من سنة 1329 ودفن في وادي السلام ، وهذه طائفة من أشعاره. قال في الموعظة وذم الدنيا.

ص: 232

من بات في غفلة والموت طالبه *** فهل يفوت وينجو منه هاربه

جانب هواك لتحضى بالنعيم فهل *** يصلى الجحيم سوى مَن لا يجانبه

إن رمتَ مَنّاً فإن اللّه منزله *** أو رمت صفحاً جميلاً فهو واهبه

أو شئت تأمن من يوم المعاد فبت *** والجفن كالغيث إذ ينهل ساكبه

ففي غد ليس ينجو غير من صحب *** التقوى ومن غدت التقوى تصاحبه

فكيف يلهو امرءٌ عما يراد به *** وللمنية قد سارت ركائبه

هل يؤمن الدهر من مكر ومن خدع *** وتلك طبقت الدنيا مصائبه

وليس يصرفه عما يحاوله *** عذل ويثنيه عنه من يعاتبه

فكن من اللّه في خوف وفي حذر *** إذ لم ينل عفوه إلا مراقبه

وأرخ جملة من الحوادث المهمة فأجاد وأُبدع منها تاريخه لانتصار الجيوش العثمانية على ليونان بقيادة المشير أدهم باشا في عهد السلطان عبد الحميد سنة 1314 ، قال :

سلطاننا عبد الحميد الذي *** صان حمى الاسلام والمسلمين

أعزّ دين اللّه في موقف *** أذل فيه الشرك والمشركين

حرب بها اليونان قد شاهدت *** عاقبة الطغيان عين اليقين

فيها أعان اللّه أجناده *** على العدا واللّه نعم المعين

أوحى له الذكر بتاريخها *** لقد فتحنا لك فتحاً مبين

وقال في صورة للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وجدت في متحف من متاحف اليونان ، أهديت للعلامة السيد محمد القزويني :

ملأ العوالم منه حيدر هيبة *** وبوصفه حارت عقول الناس

عجباً لمن ملأ البسيطة نوره *** وتراه في التصوير في قرطاس (1)

ص: 233


1- لقد نظم جماعة من الشعراء في هذه الصورة تجدون بعضها في ترجمة السيد باقر القزويني المتوفى 1333 في ترجمته الآتية في هذا الكتاب.

وقال مؤرخاً وفاة استاذ العلامة الكبير الشيخ جعفر الشوشتري سنة 1303 :

قضى جعفر فالعلم يبكيه والتقى *** ويرثيه محراب ويندب منبر

بكت رزءه شهب السما فتناثرت *** وحق على أمثاله الشهب تنثر

إلى الواحد الفرد التجأنا فجعفرٌ *** قضى شرعه أرخت مذ راح جعفر (1)

وله :

تجود عيوني بالدموع فتغرقُ *** ونار جوى قلبي تشب فتحرقُ

لركب سروا والقلب قد سار إثرهم *** فيا ركبهم مهلاً عسى القلب يلحق

وظل فؤادي من نواهم كأنه *** جناح حمام إذ يرفّ ويخفق

وقد راح يهفو حيث يستاقه الهوى *** اليهم وشوقاً كادت النفس تزهق

وسيان وجدي في الأحبة إن مضوا *** بهم شحطت عين الديار وإن بقوا

لئن عاد شمل الهمّ مجتمعاً بهم *** فقد راح شمل الصبر وهو مفرق

فبتّ ولي قلبٌ يقطّع بالنوى *** وطرف على الأحباب دام مؤرق

ص: 234


1- الشيخ جعفر الشوشتري عالم كبير وواعظ شهير ، طبق العلم على العمل وهو أول من لقب ب ( العالم الرباني ) كان يعظ في صحن الامام أمير المؤمنين علیه السلام فتحضر لاستماع مواعظه مختلف الطبقات حتى الحكام والولاة والقضاء في العهد العثماني وما زال العلماء والوعاظ والخطباء يستشهدون بأقواله ، وله جملة من المؤلفات أشهرها ( الخصائص الحسينية ) يذكر فيه مميزات الامام الحسين وأثر نهضته وفيه من الفلسفة حول ذلك ما لا يوجد في غيره من الكتب التي أُلّفت في الحسين. ولقد تخرج على منبره جماعات من فطاحل العلماء وأكابر الوعاظ وكتبوا مؤلفات واسعة عن منابره وتأثيرها على المجتمع ولا عجب فما خرج من القلب دخل في القلب وما خرج من اللسان لم يتجاوز الأذان ، وقد قيل : ما أحسن الدر ولكن على نحو للفتاة أحسن وما أحسن الموعظة ولكن من المتعظ أحسن وفي الآية الشريفة ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ) وفي الآية الاخرى (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)

وطلّق جفني النوم من غير رجعة *** فبان ولو عادوا يعود المطلق

ووارق عودي يوم فرقتنا ذوى *** فما هو من بعد التفرق مورق

ومدّ دموعي عن دم ذوب مهجتي *** وكيف يمدّ العين ما هو يحرق

لذا احمرّ مني الدمع وابيض مفرقي *** أسى وبعيني اسودّ غربٌ ومشرق

أحنّ وإن بانوا وأحنوا وإن جفوا *** وأبكي وإن ناموا وللصب أرقوا

وأهوى الحمى إذ كان معهدهم به *** وأقلوا النقا إذا منه ساروا وأعنقوا

فإن أشأموا وخداً فاني مشئم *** وإن أعرقوا شوقاً بهم أنا معرق

فلا الماء يحلو بعدهم ويلذّ لي *** ولا العيش مهما عشت وهو منمق

أقول لدهري يوم فرّق بيننا *** أيا دهر للاحباب أنت المفرق

فهل لخليط أسهر الجفن إذ نأى *** إياب وهل للنوم في العين مخفق

فقال ألا للناس طول زمانهم *** لكل اجتماع بعد حين تفرق

فقلت لعينيّ اسكبا أدمعاً دماً *** على جيرة مني صفا العيش رنقوا

ومَن لي بصحب كم هنا لي سائغاً *** بهم مصبح قبل الثنائي ومغبق

فيا عاذلي فيهم ألم تدرِ أنني *** بهم واليهم مستهام وشيق

* * *

ص: 235

الشيخ احمد درويش

المتوفى 1329

الشيخ أحمد درويش علي. برع في مختلف الفنون الأدبية وألّف وصنّف وأصبح أحد أقطاب الأدب في الأوساط العلمية ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب سلمان هادي الطعمة قال عنه أنه بغدادي الأصل وكان أديباً فاضلاً له كتاب ( كنز الأديب في كل فن عجيب ) (1) وله ارشاد الطالبين في معرفة النبي والأئمة الطاهرين ، وأثنى عليه الشيخ اغا بزرك الطهراني فقال : هو الشيخ أحمد بن الشيخ درويش علي بن الحسين بن علي بن محمد البغدادي الحائري ، عالم متبحر وخبير ضليع ، ولد في كربلاء عصر عاشوراء 1262 كما رأيته بخطه نقلاً عن خط والده. نشأ محبا للعلم والأدب فجدّ في طلبهما حتى حصل على الشيء الكثير وكان الغالب عليه حبّ العزلة والانزواء وأصبح على أثرهما مصنفاً مكثراً في أبواب المنقول من السير والتواريخ والأحاديث والمواعظ مما يبهج النفوس ويبهر العقول فمن تصانيفه كتابه الكبير ( كنز الأديب في كل فنٍّ عجيب ) سبع مجلدات ضخام ذكر أنه ألّفه في مدة ثلاثين سنة رأيته بخطه الجيد عند ابن اخته وله الدرة البهية في هداية البرية جزئين أحدهما في المواعظ والثاني في الأخلاق وهما بخطه أيضاً عند ابن اخته أيضاً. وكتب عنه البحاثة خير الدين الزركلي في الاعلام. وجاء له من الشعر سواء في رثاء أهل البيت أو في أغراض أُخر أعرضنا عن ذكره أما قصيدته في الإمام الحسين (عليه السلام) التي رواها الكثير فنكتفي بذكر مطلعها وهي تزيد على الثلاثين بيتاً :

عجباً لعين فيكم لا تدمع *** عجباً لقلب كيف لا يتصدع

ص: 236


1- أقول ورأيت من هذا الكتاب في مكتبة الآثار ببغداد عدة مجلدات ضخام ، وفي الجزء الأول منه - ترجمة لجدنا الأكبر السيد عبد اللّه شبر صاحب المؤلفات الكثيرة.

الشيخ كاظم الهر

المتوفى 1330

لكن يوم الطف أشجى فادح *** وأمضّ يوم بالأسى مشحون

لم أنسَ في أرض الطفوف مصائبا *** بقيت وأفنت سالفات قرون

تفنى الليالي وهي باق ذكرها *** في كل وقت لا تزال وحين

يوم به سبط النبي محمد *** تبكي له حزناً عيون الدين

يوم به نادى الحسين ولم يجد *** بين العدا من ناصر ومعين

يوم به شمر الخنا يرقى على *** صدر إلى علم النبي مكين

يوم به قد زلزلت زلزالها *** سبق الطباق ودك كل رصين

لا غرو إن مطرت سحائب مقلتي *** بدم كمنهل السحاب هتون

وبقية اللّه الذي ينمى الى *** جدٍّ لأسرار الكتاب مبين

يبقى ثلاثاً بالتراب معفراً *** دام بحدّ حسامها المسنون

ملقى ولكن نسج أنفاس الصبا *** أضحى له بدلاً من التكفين

آل الهر اسرة ادبية علمية لها شهرتها ومكانتها (1) ولعل أشهرهم هو الشيخ كاظم المولود في كربلاء عام 1257 ه شب وترعرع على حب العلم والكمال فقد درس المقدمات وسهر على علمي الفقه والاصول بالدراسة على أفذاذ عصره فكان مثالاً صالحاً ومفخرة تعتز به كربلاء ، يقول الشيخ السماوي في إرجوزته :

ص: 237


1- تنحدر من اسرة عربية عريقة بعروبتها تعرف ب ( آل عيسى ).

وكالأديب الكاظم بن الصادق *** ظريف آل الهر في الحقائق

فشعره كان لأهل البيت *** مشتهر كغرّة الكميت

كان عالماً فقيهاً وكانت له حوزة للتدريس في مدرسة حسن خان ، وله ديوان شعر جلّه في مدح آل البيت صلوات اللّه عليهم ، لم يزل مخطوطاً ، كتب عنه الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) والسيد الأمين في ( الأعيان ) وترجم له أخيراً الأديب سلمان هادي الطعمة في مؤلفه ( شعراء من كربلاء ) واستشهد بشيء من غزله ورثائه ومراسلاته وقال : توفي سنة 1330 عن عمر يقدّر بالستين ودفن بكربلاء.

أقول رأيت له قصائد مطولة ومنها مرثية في الإمام الحسن السبط ، وثانية في الامام السجاد علي بن الحسين ، وثالثة في رثاء الامام جعفر بن محمد الصادق ، ورابعة في الامام باب الحوائج موسى بن جعفر ، وخامسة في الامام محمد الجواد علیه السلام مما جعلني أعتقد أنه رثى جميع أئمة أهل البيت صلوات اللّه عليهم. وهذه قطعة غزلية من شعره :

وسيتك من خود الغواني غادة *** فيها دماء العاشقين تباح

تختال من مرح الدلال بقدّها *** ويروق في ذات الدلال وشاح

نشوانة الأعطاف من خمر الصبا *** رجراجة الأرداف فهي رداح

للكاعب النهدين شوقي وافر *** ومديد طرفي نحوها طماح

ريحان الصب المشوق وروحه *** سيان عذب رضابها والراح

رقّت شمايلها وراقت منظراً *** وزها بروض خدودها التفاح

مالت كغصن البان رنحه الصبا *** قلبي عليه طائر صداح

نشرت ذوائب جعدها وكأنما *** نشر العبير بنشرها فياح

ص: 238

الشيخ محمد رضا الخزاعي

المتوفى 1331

يا منزل الأحباب والمعهدا *** حيّاك وكافّ الحيا مرعدا

وانهلّ منك الروض عن ناظر *** إن ظلّ يبكي يُضحك المعهدا

وافترّ ثغر الروض واسترجعت *** فيك ليالي الملتقى عوّدا

أنى وسلمى قرّبت للنوى *** عيساً وللتوديع مدّت يدا

ما بالها لا رُوّعت روعت *** قلبي لدى المسرى برجع الحدا

بانت فما ألفيت في عهدها *** إلا فتيت المسك والمرودا

هلا رعت عهد الصبا وارعوت *** كيلا تجوب البيد والفد فدا

صدّت وظني أنها أنكرت *** منى بياض الشيب لما بدا

لم تدر أن الشيب في مفرقي *** قد بان مذ بانت بنو أحمدا

بانوا ولي قلب أقام الجوى *** فيه وجنبي جانب المرقدا

كم أعقبوا لي يوم ترحالهم *** وجداً بأكناف الحشا موقدا

إن لم أمت حزناً فلي مدمع *** يحي الثرى لو لم أكن مكمدا

يهمي رباباً في ربا زينب *** يروي شعاب الطف أو يجمدا

كم صبية حامت بها لا ترى *** إلا مقاماة الظما موردا

يا قلب هلا ذبت في لوعة *** قد كابدوها تقرح الأكبدا

فاجزع لما لاقت بنو أحمد *** بالطف إن الصبر لن يحمدا

ص: 239

حيث ابن هند أمّ أن تنثني *** للموت أو تلقي له مقودا

فاستأثرت بالعز في نخوة *** كم أوقدت نار الوغى والندا

قامت لدفع الضيم في موقف *** كادت له الأبطال أن تقعدا

شبوا لظى الهيجاء في قضبهم *** لما تداعوا أصيداً أصيدا

يمشون في ظل القنا للوغى *** تيهاً متى طير الفنا غرد

من كل غطريف له نجدة *** يدعو بمن يلقاه لا منجدا

يختال نشواناً كأن القنا *** هيف تعاطيه الدما صرخدا

سلوا الضبا بيضاً وقد راودوا *** فيها المنايا السود لا الخرّدا

حتى قضوا نهب القنا والضبا *** ما بين كهل أو فتى امردا

أفدي جسوماً بالفلا وزعت *** تحكي نجوماً في الثرى ركّدا

أفديهم صرعى وأشلاؤهم *** للسمر والبيض غدت مسجدا

هذي عليها تنحني ركعاً *** وتلك تهوى فوقها سجدا

وانصاع فرد الدين من بعدهم *** يسطو على جمع العدى مفردا

يستقبل الأقران في مرهف *** ماض بغير الهام لن يغمدا

أضحت رجال الحرب من بعده *** تروي حديثاً في الطلا مسندا

ما كلّ من ضرب ولا سيفه *** ينبو ولو كان اللقا سرمدا

يهنيك ياغوث الورى أروع *** غيران يوم الروع فيك اقتدى

لا يرهب الأبطال في موقف *** كلا ولا يعبأ بصرف الردى

ما بارح الهيجاء حتى قضى *** فيها نقيّ الثوب غمر الردى

ولو تراه حاملاً طفله *** رأيت بدراً يحمل الفرقدا

مخضباً من فيض أوداجه *** ألبسه سهم الردى مجسدا

تحسب أن السهم في نحره *** طوق يحلّي جيده عسجدا

ومذ رنت ليلى اليه غدت *** تدعو بصوت يصدع الجلمدا

ص: 240

تقول عبد اللّه ما ذنبه *** منفطماً آب بسهم الردى

لم يمنحوه الورد إذ صيروا *** فيض وريديه له موردا

أفديه من مرتضع ظامياً *** بمهجتي لو أنه يفتدى

فطر من فرط الصدا قلبه *** يا ليت قد فطر قلبي الصدا

الشيخ محمد رضا بن ادريس بن محمد بن جنقال بن عبد المنعم بن سعدون ابن حمد بن حمود الخزاعي النجفي ، ولد بالنجف عام 1298 ونشأ بها وتوفي سنة 1331 عن عمر يناهز الثلاثين سنة. وجده حمد هذا هو شيخ خزاعة المشهور المعروف ب ( حمد ال حمود ) ترجم له صاحب ( الحصون المنيعة ) وجاء في الطليعة : كان فاضلاً مكباً على الاشتغال في النجف لتحصيل العلم ملتزماً بالتقى وكان أديباً مقلّ الشعر في جميع أحواله فمن شعره :

سقتني الأماني الهنا والسرورا *** فكان شرابي شراباً طهورا

وأزهر كوكب روض الفخار *** وغصن العلى عاد غضّاً نضيرا

والقصيدة محبوكة القوافي على هذا النفس العالي رواها الخاقاني في شعراء الغري وروى له غيرها في التشبيب والغزل والفخر والحماسة والمراسلات ، ويقول إن والد المترجم له كان من ذوي الفضل وترجم له السيد الأمين في ( أعيان الشيعة ) ج 44 / 343 وذكر من مراثيه للحسين قصيدته التي أولها :

مشين يلئن الأزر فوق قنا الخط *** ويسحبن في وجه الثرى فاضل المرط

ص: 241

السيد عباس البغدادي

المتوفى 1331

يرثي الحسين (عليه السلام) عام 1297 :

دهى الدين خطب فادح هدّ ركنه *** ودكّ من الشم الرعان ثقالها

غداة بأرض الطف حرب تجمعت *** وحثّت على الحرب العوان رجالها

لتنحر أبناء النبي محمد *** بأسيافها ما للنبي وما لها

أما كان يوم الفتح آمنها وقد *** أعزّ ببيض المرهفات حجالها

فكيف جزته في بنيه بغدرها *** عشية جاءتهم تقود ضلالها

كأني باسد الغاب من آل غالب *** وقد تخذت مر المنون زلالها

فياما أُحيلاهم غداة تقلدوا *** من البيض بيض المرهفات صقالها

فايمانهم تحكي ندىً سحب السما *** وأوجههم في الحرب تحكي هلالها

فثاروا وأيم اللّه لولا قضاؤه *** لما نالت الأعداء منهم منالها

فسل كربلا تنبيك عما جرى بها *** فحين التقى الجمعان كانوا جبالها

نعم ثبتوا فيها إلى أن ثووا بها *** فعطّر نشر الأكرمين رمالها

وعاد فريد الدهر فرداً يرى العدى *** تجول وقد سلّت عليه نصالها

فصال بسيف ثاقب مثل عزمه *** ورمح ردينيٍّ يشبّ نزالها

فتعدوا فراراً حين يعدو وراءها *** وتنثال حيث السيف منه أمالها

وقد ملأ الغبرا دما من جسومهم *** وضيّق بالكفر الطغام مجالها

فوافاه منهم في الحشى سهم كافر *** فليت بقلبي يال قومي نبالها

ص: 242

ألا منجد ينحو البقيع بمقلة *** تهل كغيث المزن منها إنهلالها

فيحثو الثرى مستنهضاً أسد الثرى *** من اتخذت نقع الجياد اكتحالها

ومَن ضربت فوق الضراح قبابها *** فمرّت على شهب السماء ظلالها

بني مضر الغرّ التي سادت الورى *** وقد ملأت ستّ الجهات نوالها

ألستم بها ليل الوغى يوم معرك *** وفرسانها عند اللقا ورجالها

فكيف قعدتم والفواطم حسراً *** وأنتم إذا جار العدو حمىًٍ لها

فواللّه لا أنسى المصونة زينباً *** غداة استباح الظالمون رحالها

لها اللّه من ولهانة بين نسوة *** ركبن من النيب العجاف هزالها

تجوب بها شرق البلاد وغربها *** وتنحو بها سهل الفلا وجبالها

تحنّ فيجري من دم القلب دمعها *** حنين نياق قد فقدن فصالها

وأعظم رزء صدّع الصخر رزؤه *** وأخمد من شمس الوجود اشتعالها

وقوف بنات الوحي حسرى بمجلس *** به سمعت آل الطليق مقالها

السيد عباس الموسوي البغدادي ، ابن علي بن حسين بن درويش بن أحمد بن قاسم بن محمد بن كاسب بن قاسم بن فاتك بن أحمد نصر اللّه بن ربيع ابن محمود بن علي بن يحيى بن فضل بن محمد بن ناصر بن يوسف بن علي بن يوسف بن علي بن محمد بن جعفر ( الذي يقال له الطويل وبه عرف بنوه بنو الطويل ) ابن علي بن الحسين شيتي ( ويكنى بأبي عبد اللّه ) ابن محمد الحائري وقبره في واسط وهو المعروف ب ( العكار ) ابن ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم بن الامام جعفر الصادق بن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين علیهم السلام .

كان من خطباء بغداد البارزين بل خطيبها الأول ، اشتهر بالفضل والصلاح. ولد سنة احدى وسبعين ومائتين بعد الألف هجرية 1271 بمدينة بغداد ونشأ

ص: 243

فيها. درس النحو والمنطق وقد سجل المترجم له مبدأ تدرجه على الخطابة في كتابه ( المآتم المشجية لمن رام التعزية ) فقال :

كنت في عنفوان الشباب شديد الاشتياق إلى استماع المراثي الحسينية وأتطلب المجالس التي تعقد لمصابه فتبيّن أبي مني ذلك فقال : أتحب أن تكون ذاكراً لمصاب سيد الشهداء فأطرقت براسي حياءً منه ، وعرف مني الرغبة فجعلني عند سلطان الذاكرين وعز المحدثين الملّه محمد بن ملّه يوسف الحلي الشهير بآل القيم وذلك سنة 1284 ه فبذل إلى الجد والجهد والقصائد الغرر وأفاض من بحر تلك الدرر ، وكان عندنا يومئذ ببغداد فبقيت ملازماً له حتى بلغت من العمر سبعة عشر سنة فزوجني أبي من ابنة معلمي المزبور وذلك سنة الف ومائتين وسبع وثمانين 1287 ه ( (1) وبقيت معه التقط من نائله ست سنوات ، ثم مضى بعدها للحلة الفيحاء وفيها قومه وعشيرته ، وهم يعدون من اشرافها فمكث فيها ستة أشهر وتوفي فيها سنة الف ومائتين وثلاث وتسعين 1293 ه تغمده اللّه برحمته. أقول كتب الشاب المهذب السيد جودت السيد كاظم القزويني ترجمة وافية للسيد عباس الخطيب وعدد فيها مآثره وذلك في مخطوطه ( الروض الخميل ) وأن وفاته عصر السبت 14 شعبان سنة 1331.

ص: 244


1- وهي شقيقة الشاعر الشيخ حسن القيّم ، فكان القيّم يعتزّ بهذه المصاهرة فلما توفي السيد علي والد السيد عباس نظم في رثائه وذلك سنة 1316 فقال : تخطّى الردى في فيلق منه جرار *** اليه فأخلى أُجمة الأسد الضاري وفلّ شبا عضب يصمم في العدا *** بأقطع من ماضي الغرارين بتار أبا أحمد جاورت في ذلك الحمى *** أخا المصطفى غوث الندا حامي الجار لقد حملوا بالأمس نعشك والتقى *** فيا لك نعشاً والتقى معه ساري ووسدت فيها حفرة جاء نشرها *** بمسكيّة من نافح الطيب معطار أبا حسن صبراً وإن مضّ داؤها *** رزايا سقاكم صرفها رنق أكدار فكم حازم في الخطب يبدي تجلّداً *** وزند الجوى من نار مهجته واري تسيء الليالي للكرام كأنما *** تطالبهم في النائبات بأوتار بقيت برغم الحاسدين بنعمة *** يوفرها عمر الزمان لك الباري فكم أفوه أخرسن منك لسانه *** شقاشق فحل بالفصاحة هدار دعوه وغايات الفخار فإنه *** جرى سابقاً كم يكبُ قط بمضمار تطيب بك الأفواه ذكراً كأنما *** بكل فم أودعت جونة عطار فلا زال نوء اللطف يسقي ضريحه *** بمنسكب من هاطل العفو مدرار

ورثاه جمع من الادباء منهم السيد حسون ابن السيد صالح القزويني البغدادي بقصيدة مطلعها :

مصاب عرا قد أرعب الكون هائله *** به المجد عمداً قد أُصيبت مقاتلة

ورثاه الشيخ قاسم الحلي نجل المرحوم الشيخ محمد الملا بقصيدة عامرة في 35 بيتاً ، مطلعها :

عصفت على الدنيا بأشأم أنكد *** صرّ بها نسفت جبال تجلدي

ورثاه ولده السيد حسن بقوله :

تزلزلت الدنيا وساخت هضابها *** غداة انطوى تحت التراب كتابها

وهذه المراثي موجودة في ديوانه المخطوط الذي جمعه ولده السيد حسن وفرغ منه في آخر صفر سنة 1345 ه ومعها قصائد في مدائحه وخاصة ما قيل فيه عند رجوعه من حج بيت اللّه مع والده السيد علي.

مؤلفاته :

ترك المترجم له من الاثار : 1 - المجالس المنظمة في مقاتل العترة المحترمة.

ص: 245

2 - ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين 3 - معاجز الائمة 4 - مقتل الحسين علیه السلام 5 - سلسلة الأنوار في النبي المختار 6 - الرحلة الرضية - منظومة تبلغ الألف بيتاً نظمها عند زيارته للامام الرضا (عليه السلام) سنة 1300 ه.

أقول وله قصيدة تنشد في المجالس الحسينية ومنها :

فيا راكباً مهرية شأت الصبا *** كأن لها خيط الخيال زمام

كنت أرويها كثيراً وأنشدها.

وهو أبو الأشبال الأربعة : 1 - السيد حسين ، 2 - السيد حسن ، 3 - السيد صالح ، 4 - السيد هاشم ، رأيتهم واستمعت إلى خطبهم وأحاديثهم. وبعد لقد قضى السيد عباس عمراً في خدمة المنبر الحسيني واعظاً ومرشداً ومحدثاً وناصحاً ، ومنابر بغداد تشهد له ومحافلها تذكره بكل إعزاز وفخر.

ص: 246

الشيخ علي الجاسم

المتوفى 1332

إن جزتَ نعمان الاراك فيمم *** حيي به الحيّ النزيل وسلّم

فالروض في مغناه يضحك نوره *** ببكاء غادية السحاب المرزم

قد رصعته بقطرها فكأنما *** نثرت عليه لآلئاً لم تنظم

واسأل بجرعاء اللوى عن جيرة *** رحلوا ولم يروا ذمام متيم

بانوا فأبقوا لوعة من بينهم *** قد أرقصت قلب المشوق المغرم

وارحمتاه لتائق كتم الهوى *** فأذاعه رجاف دمع مسجم

تتصاعد الزفرات من أنفاسه *** عن حرّ نار في الفؤاد مكتّم

نضح الحشى من ناضريه أدمعا *** يوم النوى لكنما هي من دم

يا بعد دارهم على ابن صبابة *** قد زودته أمضّ داء مسقم

فكأنهم مذ شطّ عنه مزارهم *** تركوا حشاه بين نابي أرقم

لم ينسه عهد الديار وأهلها *** إلا مصاب بني النبي الأكرم

بالطف كم معها أريق دم وكم *** منها استحلّ محرّم بمحرم

يوم أتت حرب لحرب بني الهدى *** في فيلق جمّ العديد عرمرم

فاستقبلته فتية من هاشم *** من كل ليث للقراع مصمم

منه يراع الموت بابن حفيظة *** حامي الحقيقة باللواء معمم

قوم إذا سلّوا السيوف مواضياً *** صقلوا شباها بالقضاء المبرم

ص: 247

لو قارعت يوماً بقارعة الوغى *** صعب القياد ربيعة بن مكدم (1)

لتقاصرت منه خطاه رهبة *** وانصاع منقاداً بأنف مرغم

لم تدرّع ما كان أحكم نسجها *** داود من حلق الدلاص المحكم

لكنها أدرعت بملحمة الوغى *** حلق الحفاظ بموقف لم يذمم

في موقف ضنكٍ يكاد لهوله *** ينهدّ ركنا يذبل ويلملم

يمشون تحت ظلال أطراف القنا *** نحو الردى مشي العطاش الهوّم

يتسارعون إلى الحتوف ودونه *** جعلوا القلوب دريّة للاسهم

وهووا على حرّ الصعيد بكربلا *** صرعى مضرجة الجوارح بالدم

فكأنما نجم السماء بها هوى *** وكأنها كانت بروج الأنجم

وبقي ابن امّ الموت فرداً لم يجد *** في الروع غير مهند ومطهم

فنضا حساماً أومضت شفراته *** ومضَ البروق بعارض متجهم

وتكشفت ظلمات غاشية الوغى *** عن وجه أبلج بالهلال ملثم

وسقى العدى من حرّ طعنة كفه *** كأساً من السم المداف بعلقم

وعن الدنية أقعدته حمية *** نهضت به من عزة وتكرم

شكرت له الهيجاء نجدته التي *** تردي من الأقران كل غشمشم

حمدت مواقفه الكريمة مذ بها *** لفّ الصفوف مؤخراً بمقدم

ومعرّض للطعن ثغرة نحره *** ليس الكريم على القنا بمحرم

فهوى صريعاً والهدى في مصرع *** أبكى به عين السماء بعندم

منه ارتوت عطشى السيوف وقلبه *** من لفح نيران الظما بتضرم

وعليه كالأضلاع بين ضلوعه *** مما انحنين من القنا المتحطم

وأمض خطب قد تحكمت العدى *** بكرائم التنزيل أي تحكم

من كل محصنة قعيدة خدرها *** لا تستبين لناظر متوسم

ص: 248


1- ربيعة بن مكدّم يضرب به المثل في الجاهلية في حمايته للظعن بعد مقلته.

قد أصبحت بعد الخفارة تتقي *** ضرب السياط بكفها والمعصم

ومروعة جمعت على حرق الأسى *** منها شظايا قلبها المتألم

تدعو ودفاع الحريق بقلبها *** من حرّ ساعرة الجوى المتضرم

وتقول للحادي رويدك فاتئد *** هذي معاهد كربلاء فيمم

قف بي أُقيم على مصارع إخوتي *** نوحاً كنوح الثاكلات بمأتم

أنعاهم فرسان صدق لم تكن *** هيابة عند اللقا في المقدم

وتعج تنفث عن حشى حرانةٍ *** عتباً نوافذة كوخز الأسهم

هتفت بعليا هاشم من قومها *** شمّ الانوف لها المكارم تنتمي

لا عذر أو تزجي الجياد إلى الوغى *** من كل أشقر سابح أو أدهم

حتى تجول بها على هام العدى *** وتعوم من دمها ببحر مفعم

أتسومها ضيماً امية بعدما *** كانت لها قدماً مواطئ منسم

أكلت ضباها البيض شلو زعيمها *** ما آن تهتف هاشم بالصيلم (1)

قوموا فكم ولجت ذئاب امية *** لكم غداة الطف أُجمة ضيغم

كم حرمة بالطف قد هتكت لكم *** من سلب أبراد وحرق مخيم

كم منكم من ثاكل عبرى ولا *** من ثاكل منهم ولا من أيّم

ومخدرات الوحي بين امية *** تسبى برغمكم كسبي الديلم

* * *

الشيخ علي بن قاسم الأسدي ولد سنة 1240 بالحلة وامتد عمره إلى 93 سنة وكان في ريعان شبابه وعنفوان كهولته معدوداً في جملة قراء الحلة وذاكريها في المحافل الحسينية وله في انشاد الشعر من الرثاء وغيره تلحين خاص وطريقة معروفة امتاز برقة نغمتها على غيره ، وتعرف حتى اليوم ب ( الطريقة القاسمية )

ص: 249


1- 1 - الصيلم هو الهقاف بحلف الفضول أشرف حلف أُسس في الجاهلية لنصرة المظلوم وردع الظالم ، ولما جاء الاسلام أيّده وأقرّه ، وسمي بالفضول لفضله أو لأن الذين قاموا به أسماؤهم فضل وفضيل وفاضل وكان الذي دعى لتأسيسه الزبير بن عبد المطلب لقصة حدثت في مكة

وكان هو المنشد الوحيد يومئذ لأكثر قصائد معاصريه في الحلة والنجف وبصورة خاصة لشعر السيد حيدر الحلي (1).

لم يكن مكثراً من نظم الشعر وتوجد من شعره في الغزل والمدح والنسيب والرثاء جملة في مجموعة عند ابن اخت له في الحلة يعرف بالشيخ أحمد الراضي ، لأن المترجم له لم تك له ذرية حيث لم يتزوج قط وتوفي في جمادى الأولى سنة 1332 ونقل إلى النجف ودفن في وادي السلام ، نقل الشيخ اليعقوبي عن مجموعته طائفة من غزله ومديحه ورثائه واليكم هذه القطعة في الغزل وهي من قصيدة :

لله من رشأ قد زارنا سحراً *** كأنما فرعه من جنحه الداجي

إذا رنا ينفث السحر الحلال فلم *** يترك لهاروت سحراً طرفه الساجي

فيا له قمراً تسبيك طلعته *** يغشى العيون بنور منه وهاج

فهزّ أعطافه دلاً على نغم *** واختال يخطر من زهو بديباج

وطاف في أُخت خديه موردة *** ممزوجة بملّث القطر ثجاج

ما راق للعين شيء مثل منظره *** في الحسن إي وسماء ذات أبراج

لو أن إكليله المعقوص من شعر *** يراه كسرى قد تاه في التاج

وللشاعر عدة قصائد في رثاء أهل البيت علیهم السلام رأيتها في مخطوطة الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي والتي هي اليوم في حيازة ولده الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي واليك مطالعها :

1 - يا غادياً يطوي *** بمسراه السهولة والوعورة

2 - أيها الممتطي الشملة يطوي *** في سراه أديم تلك النواحي

3 - أبا الفضل يا ليث الكريهة إن سطا *** يُراع الردى منه بضنك الملاحم

4 - أقم المطي بساحة البطحاء *** في خير حيٍّ من بني العلياء

5 - ما بال هاشم عن بني الطلقاء *** قعدت ولم توقد لظى الهيجاء

6 - انتثري يا شهب أبراج السما *** لقد أطلّ فادح قد عظما

ص: 250


1- البابليات للشيخ اليعقوبي.

السيد ناصر البحراني البصري

المتوفى 1332

لم لا نجيب وقد وافى لنا الطلب *** وكم نولّي ومنا الأمر مقترب

ماذا الذي عن طلاب العز يقعدنا *** والخيل فينا وفينا السمر واليلب

تأبى عن الذل أعراق لنا طهرت *** فلا تلمّ على ساحاتها الريب

هي المعالي فمن لم يرق غاربها *** لم يجده النسب الوضاح والحسب

أكرم ببطن الثرى عن وجهه بدلاً *** إن لم تنل رتبة من دونها الرتب

كفاك في ترك عيش الذل موعظة *** يوم الطفوف ففي أبنائه العجب

قطب الحروب أتى يطوي السابسب من *** فوق النجائب أدنى سيرها الخبب

يحمي حمى الدين لا يلوي عزيمته *** فقد النصير ولا تعتاقه النوب

وكيف تثني صروف الدهر عزمته *** وهي التي من سناها تكشف الكرب

أخلق بمن تشرق الدنيا بطلعته *** ومن لعلياه دان العجم والعرب

ركن العبادة فيها قام يبعثه *** داعي المحبة لا خوف ولا رغب

قد ذاق كاس حميا الحبّ مترعة *** وعنه زال الغطا وانزاحت الحجب

لم أنسه لمحاني الطف مرتحلاً *** تسري به القود والمهرية النجب

حتى أناخ عليها في جحاجحة *** تهون عندهم الجلّى إذا غضبوا

أسود غاب يروع الموت بأسهم *** ولا تقوم لهم اسد الوغى الغلب

الضارب الهام لا يأدي قتيلهم *** والسالب الشوس لا يرتدّ ما سلبوا

ص: 251

أيمانهم في الوغى ترمي بصاعقة *** وفي الندى من حياها تخجل السحب

واسوا حسيناً وباعوا فيه أنفسهم *** ووازروه وأدّوا فيه ما يجب

حتى تولوا وولّى الدهر خلفهم *** وما بقي للعلى حبل ولا سبب

وظل سبط رسول اللّه منفرداً *** لا إخوة دونه تحمي ولا صحب

يا سيداً سمت الأرض السماء به *** وأصبحت تغبط الحصبا بها الشهب

إن تبق ملقى على البوغاء منجدلاً *** مبضع الجسم تسفي فوقك الترب

فربّ جلاء قد جلّيت كربتها *** ورب هيجا خبا منها بك اللّهب

فيك المدايح طابت مثلما حسنت *** فيك المراثي وفاهت باسمك الندب

أرى المعالي بعد السبط شاحبة *** منها الوجوه ومنها الحسن مستلب

وكيف لا تنزع العلياء جدّتها *** ومفخر الدين قد أودى به العطب

السيد ناصر السيد أحمد ابن السد عبد الصمد البحراني البصري. يتصل نسبه بالسادة آل شبانه وينتهون بنسبهم غلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام . كان من العلماء الأعلام هاجر إلى النجف وحضر بحث الشيخ مرتضى الانصاري رحمه اللّه فاعجب الشيخ به وطلب من أبيه إبقاءه في النجف الأشرف للاشتغال ولو مقدار سنتين ثم سافر للبصرة وكان الطلب من أهلها بالبقاء عندهم إذ كانت مؤهلات رجل الاصلاح متوفرة فيه وهكذا أصبحت شخصيته الوحيدة في البصرة ونال بها زعامة الدين والدنيا وخضع له الامراء والوزراء وهابه الملوك والسلاطين وامتثل أمره القاصي والداني ، وكان قاعدة رصينة للفضيلة وتحقيق الحق وان صدى احاديثه وسيرته حديث الأندية وسيبقى لأنه مثال من أمثلة الاستقامة والعدالة.

قال صاحب أنوار البدرين : للسيد من المصنفات كتاب في التوحيد على قواعد الحكماء والمتكلمين ، استعرته منه وطالعته في بعض أسفاري ولا أنسى

ص: 252

أني قرضته بخطي ، وله منظومة في الإمامة ولا سيما في يوم الغدير ، قرأ عليّ سلمه اللّه جملة منها وله قصائد جيدة في رثاء الحسين علیه السلام بليغة. انتهى

ولد بالبحرين سنة 1260 ه. وتوفي يوم الجمعة 22 رجب سنة 1331 في البصرة وعمره أكثر من سبعين سنة ونقل إلى النجف الأشرف في الفرات (1) وقال فيه السيد جعفر الحلي عدة قصائد مثبتة مشهورة. ومن شعره ما أجاب به السيد جعفر معتذراً عن تأخير رسالة :

يا جيرة الحي وأهل الصفا *** قد برح الوجد بنا والخفا

قد لاح لي من أرضكم بارق *** ذكرني رسماً لسلمى عفا

فقلت أهلاً بأهيل النقا *** وإن بدا منهم أشدّ الجفا

هيهات أجفوهم وقلبي لهم *** لم ير عنهم أبداً مصرفا

جاء كتاب منك تشكو به *** جفاه خلٍّ عنك لم يصدفا

لكنما جشمتني خطة *** كلفتني فيها خلاف الوفا

فحيث أدليت بعذر لنا *** قلنا عفا الرحمن عمن عفا

جرحت جرحاً ثم آسيته *** فأنت منك الدا ، وأنت الشفا

وقال أحد مترجميه : عالم البصرة والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها ، حكي عنه أن كل آبائه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام علماء فضلاء ادباء. وقد تخرج في النجف على الشيخ مهدي الجعفري والشيخ راضي النجفي ثم انتقل إلى البصرة وأقام فيها علماً ومرجعاً ، وكان آية في الذكاء وقوة الحافظة والملح والنوادر مع الجلالة والعظمة والوقار والهيبة وحسن المعاشرة لا يمل جليسه ، محمود السيرة محسناً إلى الفقراء والغرباء والمترددين شاعراً أديباً لم يعقب. وكان مولده رحمه اللّه بالبحرين ومن أجمل ما أروي له من الشعر قوله :

ص: 253


1- دفن في أحدى غرف الساباط في الصحن الحيدري الشريف ، وهي حجرة السيد محمد خليفة.

مني تعلمت السحائب وكفها *** وبي اقتدت في نوحها الورقاء

أنّى لها ببلوغ شأوي في الهوى *** وأنا الفصيح وها هي العجماء

رأيتها في كتاب ( أحسن الوديعة ) ويتناقل الناس باعجاب عظمته وحسن سيرته وخشونته بذات اللّه وكيف كان لا تأخذه في اللّه لومة لائم حتى نقل لي بعض المؤمنين أن فلاحاً فقيراً ضربه أكبر اقطاعي بالبصرة وصدفة جاء هذا الثري لزيارة السيد فانتفض السيد غاضباً واقتص منه لذلك الفقير ، فما كان من هذا الثري المختال إلا أن يعتذر ويقبل يد السيد.

وعندما نقرأ ما دار من المراسلة بينه وبين الشيخ محمد جواد الشبيبي نعرف عظمة هذه الشخصية ونفوذها الاجتماعي. ذكره الشيخ النقدي في الروض النضير فقال : عالم علامة في علوم شتى من الرياضية والطبيعية والأدبية والدينية وكانت له حافظة غريبة قلّ ما توجد في مثله من أهل هذا العصر ، وكان على جلالته يباحث حتى المبتدئين من طلاب العلم ، ملك أزمّة قلوب الشرق عموماً حتى الملوك والحكام ، وكانت الدولة التركية تحترمه غاية الاحترام ، وكان لكلامه نفوذ تام لديهم ، وكان له توفيق غريب في الزعامة مع ديانة وأمانة ورصانة وعبادة وتقوى لإظهار أبهة العلم ، حسن الملبس والمأكل والمشرب ، يكره التقشف وأهله. وذكره السيد الصدر في ( التكملة ) فقال : حكي عن السيد ناصر أن كل آبائه إلى الامام موسى بن جعفر علیه السلام علماء فضلاء ادباء. وذكره المصلح الكبير الشيخ كاشف الغطاء في هامش ديوان ( سحر بابل ) فاطراه بما هو أهله.

وذكره صاحب الدرر البهية فقال : نزيل البصرة وعالمها والرئيس المطاع فيها وفي نواحيها ، وهو من آل شبانة - بيت كبير من بيوت الشرف والعلم والرياسة قديم في البحرين ذكر صاحب ( السلافة ) جماعة منهم.

وله خزانة كتب كبيرة ولكن لم يبق لها أثر حيت كان عقيما ومات ولم يعقب. توفي في رجب بالبصرة. أرخ وفاته السيد حسن بحر العلوم بقوله :

ص: 254

اليوم ناصر آل بيت محمد *** أرخ بجنات النعيم مخلد

وقال الشاعر الكبير مفخرة الحلة الفيحاء الشيخ حمادي نوح يمدح السيد بهذه القصيدة الغراء وقد أهداها له ، وهذا ما وجدناه منها :

أيسحرني عن غاية الشرف الهوى *** ويقمرني عن مركز الفخر قامر

عليّ لنعت الدار فياضة العلا *** فرائد ذكر دونهن الجواهر

إذا غاب عن آفاق بابل ناصري *** فلي من أعالي البصرة اليوم ( ناصر )

له سطعت أفعال أروع ماجد *** إذا غيبت شهب المنى فهو حاضر

وأرقلت الركبان في أمر رشده *** إذا عاج منها وارد هاج صادر

وإن جاهدتني في القريض عصابة *** تبادرني في جهدها وأُبادر

تصوّر أتقاني فردّ مقالها *** حميداً بذكري وهو جذلان شاكر

كأن معاليه على الدهر أنجم *** بسود الأماني ناصعات زواهر

وذكر اليعقوبي في البابليات أن مقطعاً من هذه القصيدة يخصّ الإمام الحسين (عليه السلام) ومنه :

ليومك يابن المصطفى انصدع الهدى *** فما لصدوع الفخر بعدك جابر

ومَن لسماء العلياء يرفع سمكها *** ودارت بقطب الكائنات الدوائر

عفاءً على الدنيا إذا ماد عرشها *** وقد ثلّه سيف من البغي باتر

تراق دماء الأصفياء عداوة *** ودينهم عن كل فحشاء زاجر

وتُنحر قسراً في الطفوف كأنها *** أضاع عراها في منى النسك جازر

وتهدى بأطراف الرماح رؤوسها *** ليمرح مأفون ويفرح فاجر

ويقدمها رأس ابن بنت محمد *** به تتجلّى للسراة دياجر

منيراً يراعي نسوة بعد قتله *** به لذن حسرى ما لهنّ معاجر

محجبة قبل الزوال بسيفه *** فما زال إلا والصفايا حواسر

ص: 255

عبد المهدي الحافظ

المتوفى 1332

هي صعدة سمراء أم قد *** هي وردة حمراء أم خد

وافى بهنّ غزيّل *** غنج خفيف الطبع أغيد

متقلّد من لحظه *** سيفاً يفوق على المهند

كالبدر إلا أنه *** أبهى وأسنى بل وأسعد

شفتاه قالت للعذار *** فما العقيق وما الزبرجد

وافترّ مبسمه فلاح *** خلاله الدرّ المنضد

فضح الضباء بأتلع *** من جيده ، والغصن بالقد

ما مرّ إلا والجمال *** يصيح : صلوا على محمد

عاتبته يوماً وقلت *** إلى متى التعذيب والصد

أيحلّ قتلُ متيم *** غادرته قلقاً مسهد

أدنى هواك له السقام *** ومنه صفو العيش نكّد

فأجاب هل لك شاهد *** في ذاك قلت الحال يشهد

فأزور من قولي واعرض *** مغضباً عني وعربد

فزجرت قلبي قائلاً *** أرأيت كيف أساء بالرد

ما آن أن تثني عنان *** الغيّ عنه عساك ترشد

فاعدل بنا نحو الغري *** وعُد بنا فالعود أحمد

ص: 256

وامدح به سرّ الآءله *** وبابه والعين واليد

مَن مهّد الايمان صارمه *** وللاسلام شيّد

لولا صليل حسامه *** لرأيت لات القوم يعبد

من خاض غمرتها *** غداة حنين والهامات تحصد

إلا أبو حسنٍ أمير النحل *** والتنزيل يشهد

أم مَن تصدّى لابن ودّ *** ومَن لشمل القوم بدد

ومنها :

وأهتف بخير الخلق *** بعد المصطفى المولى المؤيد

وأطلق له العتب الممض *** وقل له أعلمتَ ما قد

فعلت بنو الطلقاء في *** أبناء فاطمة وأحمد

قد جمّعوا لقتالهم *** من كل أشئم إثر أنكد

جيشاً تغضّ به البسيطة *** مستحيل الحصر والعد

وقفت لدفعهم كماةٌ *** - لا تهاب الموت - كالسد

من كل قرم لا يرى *** للسيف إلا الهام مغمد

فيهم أبو السجاد يقدمهم *** على طِرفٍ معوّد

إن عارض الأبطال قطّ *** وإن علاهم سيفه قد

فرماه أشقى الأشقياء *** هناك بالسهم المحدد

فاغبرّت الأكوان منه *** وعاد طرف الشمس أرمد

وتجاوبت بالنوح أملاك *** السماء على ابن أحمد

وغدت بنات الوحي *** حسرى فوق مصرعه تردد

عبراتها تنهلّ والأحشاء *** من حزن توقّد

تتصفح القتلى وتدعو *** حرّة الأكباد يا جد

ص: 257

هذا حسينك في عراص *** الطف مقتول مجرد

أنصاره مثل الأضاحي *** أصيد في جنب أصيد (1)

الحاج عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري المتوفى بكربلاء سنة 1334 ودفن بها ، كان أديباً من أعيان تجار كربلاء وملاكهم يعرف التركية والفارسية والفرنسية ، انتخب مبعوثاً في زمن الدولة التركية كما انتخب رئيساً لبلدية كربلاء ، ترجم له السيد الأمين في الأعيان والأديب المعاصر سلمان هادي الطعمة وقال : إنه من ألمع شخصيات الأدب والسياسة في مطلع قرن العشرين ، ولد بكربلاء ونشأ في اسرة عربية تعرف ب آل الحافظ تنتسب إلى قبيلة خفاجة ، هاجر جدها الأعلى - حافظ - من قضاء الشطرة واستوطن كربلاء في مطلع القرن الثالث عشر الهجري ولمع منها في الأوساط التجارية والأدبية رجال عديدون منهم شاعرنا المترجم له.

درس شاعرنا في معاهد كربلاء العلمية وتلمذ في العروض على الشاعر الشيخ كاظم الهر وساعده ذكاؤه وفطنته فحفظ عيون الشعر وكان مجلسه المطل على الروضة الحسينية المقدسة محط أنظار رجالات البلد وملتقى أهل الأدب ، وشعره يمتاز بالرقة ودقة الفكر فمن ذلك قوله :

إلى اللّه أشكو ما أُقاسي من الجوى *** غداة استقلّت بالحبيب ركائبه

وأقفر ربع طالما كان خالياً *** به فخلت اكنافه وملاعبه

فبتّ أُقاسي ليلة مكفهرة *** وليس سوى الشعرى بها مَن اخاطبه

اكفكف فيها الدمع والدمع مرسل *** كغيث همى لما ارجحنّت كتائبه

وأذكر داراً طالما بتّ آنساً *** بها بأغنٍّ ما طل الوعد كاذبه

غريراً إذا ما قصّر الليل وصله *** أمدّت ليالينا القصار ذوائبه

أهمّ بلثم الغصن من ورد خده *** فيمنعني من عقرب الصدغ لاسبه

ص: 258


1- سوانح الأفكار في منتخب الاشعار ج 2 / 193.

وهناك مراسلات أدبية من شعر ونثر مع الأديب الكبير الحاج محمد حسن أبو المحاسن فقد كتب للمترجم له يستدعيه لحضور مجلس انس يضم نخبة من الادباء فقال :

من مبلغ عني أبا صالح *** قول محب صادق الودّ

ما بال مشتاق إلى وصله *** معذّب بالهجر والصد

لا يهتدي الانس إلى مجلس *** تغيب عنه طلعة ( المهدي )

ونحن كالعقد إنتظمنا فهل *** يزينه واسطة العقد

كتب عنه الخاقاني في شعراء الغري وذكر مراسلة الشيخ محمد جواد الشبيبي له.

ص: 259

الشيخ مهدي الخاموش

المتوفى 1332

الشيخ مهدي ابن الشيخ عبود الحائري الشهير ب الخاموش وهي كلمة فارسية تعني خفوت الصوت فيقال : خاموش شد (1).

ولد بكربلاء حدود سنة 1260 وتوفي بها سنة 1332 وتدرج على مجالس العلم وأندية الأدب فبرع في الخطابة بحسن التعبير وجميل الاسلوب ونظم في كثير من المناسبات من مدح ورثاء وتهان وأعظم حسنة له أن تخرّج على يده السيد جواد الهندي خطيب كربلاء ، وعمّر المترجم له حتى تجاوز السبعين من العمر ومن قصائده المشهورة قصيدته في الإمام الحسين علیه السلام - وأكثر شعره في أهل البيت :

أما والهوى والغانيات الكواعب *** بغير ذوات الدل لستُ براغب

وفي آخرها يصف ندبة عيال الحسين على مصارع القتلى :

تناديه مذ ألفته في الطف عارياً *** بأهلي مرضوض القرى والجوانب

فمن لليتامى يابن امّ وللنسا *** إذا طوّحت فيها حداة الركائب

ص: 260


1- يقال أنه عرضت له بحّة في صوته فصار إذا تحدث للناس لا يسمع صوته كاملاً ، فكان بعض الايرانيين يقول عنه : خاموش شد - أي خفي صوته ، وسلاح الخطيب نبرات الصوت ، ولذا نجد الناجح من الخطباء هو ذو الصوت الجهوري. يقول ايليا أبو ماضي : الصوت من نعم الآءله ولم تكن *** ترضى السما إلا عن الصداح

السيد جواد الهندي

اشارة

المتوفى 1333

رحلتم وما بيننا موعد *** وإثركم قلبيَ المكمد

وبتّ بداري غريب الديار *** فلا مونس لي ولا مسعد

وفارق طرفيَ طيب الرقاد *** وفي سهده يشهد المرقد

أُعللّه نظرة في النجوم *** وشهب النجوم له تشهد

أقوم اشتياقاً لكم تارة *** واخرى على بعدكم أقعد

بكفي اكفكف دمعي الغزير *** فيرسله طرفي الأرمد

يطارح بالنوح ورق الحمام *** بتذكاركم قلبي المنشد

وما كان ينشد من قبلكم *** فقيداً فلا والذي يعبد

سوى من بقلبي له مضجع *** ومن بالطفوف له مشهد

ومن رزؤه ملأ الخافقين *** وان نفد الدهر لا ينفد

فمن يسأل الطف عن حاله *** يقصّ عليه ولا يجحد

بأن الحسين وفتيانه *** ظمايا بأكنافه استشهدوا

أبا حسن يا قوام الوجود *** ويا من به الرسل قد سددوا

دريت وأنت نزيل الغري *** وفوق السما قطبها الأمجد

بأن بنيك برغم العلى *** على خطة الخسف قد بددوا

مضوا بشبا ماضيات السيوف *** وما مُدّ للذلّ منهم يد

ص: 261

السيد جواد بن السيد محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري الشهير بالهندي الخطيب. ولد سنة 1270. وتوفي بعد مجيئه من الحج في كربلاء سنة 1333 ودفن فيها كان فاضلاً تلمذ على الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري في الفقه وكان من مشاهير الخطباء طلق اللسان أديباً شاعراً. نقرأ شعره فنحسّ منه بموالاة لأهل البيت وتفجّع ينبع من قلب جريح ينبض بالألم لما أصاب أجداده وأسياده ، حدثني الخطيب المرحوم الشيخ محمد علي قسام - وهو استاذ الفن (1) - قال : كانت له القدرة التامة على جلب القلوب وإثارة العواطف وانتباه السامعين سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء فلا يكاد يملك السامع دمعته ، ونقل لي شواهد على ذلك وكيف كان يصوّر الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها رأي العين ، والخطيب قسام كان متأثراً به كل التأثر ويتعجب أن يكون مثل هذا من خطيب لم تزل اللكنة ظاهرة على لسانه.

رأيت له عدة مراثي لأهل البيت فاخترتُ منها ما وقع نظري عليه يقول الأخ السيد سلمان هادي الطعمة في ( شعراء من كربلاء ) كان مولد المترجم له في كربلاء في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ، ونشأ وترعرع في ظل اسرة علوية تنتسب للامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام ، بدأ تحصيله العلمي بدراسة الفقه على العالم الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري وغيره من علماء عصره ، وحين ما وجد في نفسه الكفاءة والقدرة على الخطابة تخصص بها وأعانه صوته الجهوري مضافاً إلى معلوماته التاريخية وجودة الالقاء فدعته بيوت العلماء للخطابة فيها واعتزّت به وأكرمته ، قال الشيخ السماوي في إرجوزته المسماة ( مجالي اللطف بأرض الطف ) :

وكالخطيب السيد الجواد *** والصارم الهندي في النجاد

فكم له شعر رثى الحسينا *** أورى الحشى فيه وأبكى العينا

بكى وأبكى وحوى الصفات *** فأرخوه ( أكمل الخيرات )

ص: 262


1- خطيب شهير خدم المنبر الإسلامي ردحاً من الزمن كما خدم المبدأ وهو من شعراء الحسين علیه السلام .

وذكره السيد الأمين في الأعيان ، قال : رايته في كربلاء وحضرت مجالسه ، وجاء إلى دمشق ونحن فيها في طريقه إلى الحجاز لاداء فريضة الحج ومن شعره قوله :

الا هل ليلة فيها اجتمعنا *** وما إن جاءنا فيها ثقالُ

ثقال حيثما جلسوا تراهم *** جبالا ، بل ودونهم الجبال

ترجم له الخطيب اليعقوبي في حاشية ديوان أبي المحاسن وقال في بعض ما قال : وما رأيتُ ولا سمعت أحداً من الخطباء أملك منه لعنان الفنون المنبرية على كثرة ما رأيت منهم وسمعت ، فقد حاز قصب السبق بطول الباع وسعة الاطلاع في التفسير والحديث والأدب واللغة والأخلاق والتاريخ إلى غير ذلك ، توفي ليلة الأحد عاشر ربيع الأول 1333 وعمره يربو على الستين ، له ديوان شعر حاوياً لجميع أنواع الشعر وخير ما فيه رثاؤه لأهل البيت فاستمع إلى قوله في سيد الشهداء ابي عبد اللّه من قصيدة مطوّلة :

غريب بأرض الطف لاقى حمامه *** فواصله بين الرماح الشوارع

أُفدّيه خواض المنايا غمارها *** بكل فتى نحو المنون مسارع

كماة مشوا حرّى القلوب إلى الردى *** فلم يردوا غير الردى من مشارع

فمن كل طلاع الثنايا شمردل *** طلوب المنايا في الثنايا الطوالع

ومن كل قرم خائض الموت حاسراً *** ومن كل ليث بالحفيظة دارع

تفانوا ولما يبق منهم أخو وغىً *** على حومة الهيجا لحفظ الودائع

فلم أنس لما أُبرزت من خدورها *** حرائر بيت الوحى حسرى المقانع

سوافر ما أبقوا لهن سواتراً *** تسترّ بالأردان دون البراقع

وسيقت إلى الشامات نحو طليقها *** نكابد أقتاب النياق الظوالع

وكافلها السجاد بين عداته *** يصفّد في أغلالهم والجوامع

تلوح له فوق العواسل أرؤسٌ *** تعير ضياها للنجوم الطوالع

ص: 263

وله جملة من المراثي يجمعها ديوانه المخطوط ، وحين وافاه الأجل رثاه جملة من شعراء عصره منهم الشاعر الكبير محمد حسن أبو المحاسن ومطلع قصيدته :

ليومك في الأحشاء وجدٌ مبرّح *** برحت ولكن الأسى ليس يبرح

سبب اشتهاره بالهندي لسمرة في لونه أو لأنه ينحدر من سلالة كانت تسكن الهند واللّه أعلم ، وكان يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية ، وأعقب ولداً وهو السيد كاظم المتوفى 1349 ه وهو أيضاً من خطباء المنبر الحسيني وقد شاهدته بكربلاء.

وللسيد جواد الهندي في الحسين :

اقاسي من الدهر الخؤن الدواهيا *** ولم ترني يوماً من الدهر شاكيا

لمن أظهر الشكوى ولم أرَ في الورى *** صديقاً يواسي أو حميماً محاميا

وإني لأن أُغضي الجفون على القذى *** وأمسي وجيش الهم يغزو فؤاديا

لأجدر من أن أشتكى الدهر ضارعاً *** لقوم بهم يشتد في القلب دائيا

ويا ليت شعري أيّ يوميه اشتكى *** أيوماً مضى أم ما يكون أماميا

تغالبني أيامه بصروفها *** وسوف أرى أيامه واللياليا

إباءً به أسمو على كل شاهق *** وعزماً يدك الشامخات الرواسيا

وإني من الأمجاد أبناء غالب *** سلالة فهر قد ورثت إبائيا

أباة أبوا للضيم تُلوى رقابهم *** وقد صافحوا بيض الضبا والعواليا

غداة حسين حاربته عبيده *** ورب عبيد قد أعقت مواليا

لقد سيرتها آل حرب كتائباً *** بقسطلها تحكي الليالي الدياجيا

فناجزها حلف المنايا بفتيةٍ *** كرام يعدون المنايا أمانيا

فثاروا لهم شمّ الأنوف تخالهم *** غداة جثوا للموت شماً رواسيا

ولفّوا صفوفاً للعدو بمثلها *** بحدّ ظبى تثني الخيول العواديا

ص: 264

بحيث غدت بيض الظبا في أكفهم *** بقاني دم الأبطال حمراً قوانيا

واعطوا رماح الخط ما تستحقها *** فتشكر حتى الشحر منهم مساعيا

إلى أن ثووا صرعى ملبين داعياً *** من اللّه في حرّ الهجير أضاحيا

وعافوا ضحى دون الحسين نفوسهم *** ألا أفتدي تلك النفوس الزواكيا

وماتوا كراماً بالطفوف وخلّفوا *** مكارم ترويها الورى ومعاليا

وراح أخو الهيجا وقطب رجائها *** بأبيض ماضي الحد يلقى الأعاديا

وصال عليهم ثابت الجأش ظامياً *** كما صال ليثٌ في البهائم ضاريا

فردت على أعقابها منه خيفة *** وقد بلغت منها النفوس التراقيا

وأورد في ماء الطلى حدّ سيفه *** وأحشاه من حرّ الظماء كما هيا

إلى أن رُمي سهماً فأصمى فؤادَه *** ويا ليت ذاك السهم أصمى فؤاديا

فخرّ على وجه الصعيد لوجهه *** تريب المحيا للاله مناجيا

وكادت له الأفلاك تهوي على الثرى *** بأملاكها إذ خرّ في الأرض هاويا

تنازع فيه السمر هندية الظبا *** ومن حوله تجري الخيول الأعاديا

وما زال يستسقي ويشكو غليله *** إلى أن قضى في جانب النهر ضامياً

قضى وانثنى جبريل ينعاه معولاً *** ألا قد قضى من كان للدين حاميا

فلهفي عليه دامي النحر قد ثوى *** ثلاث ليال في البسيطة عاريا

وقد عاد منه الرأس في ذروة القنا *** منيراً كبد التمّ يجلو الدياجيا

وللسيد جواد الحائري مرثية مطولة اخترنا منها :

أيّ طرف يلذّ طيب الرقاد *** في مصاب أقرّ طرف الأعادي

ما أرى للكرام أذكى لهيب *** في الحشا من شماتة الحساد

ولذا منهم النفوس الزاكي *** طربت للجلاد يوم الجلاد

سيما المصطفين فتيان فهر *** سادة الخلق حاظراً بعد بادي

ص: 265

الملاقون بابتسام وبشر *** وابتهاج ركائب الوفاد

وأولوا العزم والبسالة والحزم ، *** وحلم أرسى من الأطواد

إن ريب المنون شتتهم في الأرض *** بين الأغوار والأنجاد

من طريح على المصلى شهيد *** قد بكته أملاك سبع شداد

يا بن عمّ النبي يا واحد الدهر *** وكهف الورى ويا خير هادي

أنت كفؤ البتول بين البرايا *** يا عديم الأشباه والأنداد

عجباً للسماء كيف استقرت *** ولها قد أُميل أقوى عماد

والثرى كيف ما تصدّع شجواً *** وبه خرّ أعظم الأطواد

وقلوب الأنام لم لا أُذيبت *** حين جبريل قام فيهم ينادي

هدّ ركن الهدى وأعلام دين *** اللّه قد نكست بسيف المرادي

واصيب الإسلام والعروة الوثقى *** وروح التقى وزين العباد

إن أتقى الأنام أرداه أشقى الخلق *** ثاني أخي ( ثمودَ وعاد )

فلتبكّيه عين كل يتيم *** وعيون الأضياف والوفاد

يا لرزء قد هدّ ركن المعالي *** حيث سرّ العداة في كل نادي

عدّه الشامتون في الشام عيداً *** أموياً من أعظم الأعياد

ومصاب أبكى الأنام حقيق *** فيه شق الأكباد لا الأبراد

وقتيل بالسيف ملقى ثلاثاً *** عافر الجسم في الربى والوهاد

لستُ أنساه إذ أتته جنود *** قد دعاها لحربه ابن زياد

فغدا يحصد الرؤوس ويؤتي *** سيفه حقه بيوم حصاد

كاد أن يهلك البرية لولا *** أن دعاه الآءله في خير نادي

بأبي ثاويا طريحاً جريحاً *** فوق أشلائه تجول العوادي

وبأهليَ من قد غدا رأسه للشام *** يهدى على رؤوس الصعاد

ونساء تطارح الورق نوحاً *** فوق عجف النياق حسرى بوادي

ص: 266

السيد باقر القزويني

اشارة

المتوفى 1333

أفدي قتيلاً بالعرى *** مُلقى على وجه الثرى

يا أكرم الناس أباً *** وواحد الدهر إبا

رزؤك يا بن النُجبا *** أوهى من الدين عُرى

أوهى عُرى الدين وقد *** هزّ من العرش العَمد

لم يجدني فيه الجَلد *** فكيف والدمع جرى

وأعظم الرزء كمد *** نساء خير الخلق جد

تُسبى لذي كلّ أحد *** تُهدى إلى شرّ الورى

لا كافلٌ ، ولا ولي *** قد سلبوهنّ الحلي

تندبُ نوحاً يا ( علي ) *** هذا حسينٌ بالعرى

هاتيك يا رب الابا *** عترة أصحاب العَبا

أفناهم حزّ الضبا *** يا ليت عينيك ترى

لهنّ ما بني العدى *** نَوحٌ يُذيبُ الجلمدا

تدعو إذا الصبح بَدا *** يا صبح لا عُدتَ تُرى

وله هذا البند في الإمام الحسين (عليه السلام) وقد قرئ في دارهم بالحلة والهندية في العشرة الاولى من المحرم في مجلس عامر بمختلف الطبقات.

ص: 267

ألا يا أيها الراكب يفري كبد البيد ، بتصويب وتصعيد ، على متن جواد أتلع الجيد ، نجيب تخجل الريح بل البرق لدى الجري ، إلى الحلبة في السبق ذراعاه مغاراً ، عج على جيرة أرض الطف ، وأسكب مزن الطرف ، سيولاً تبهر السحب لدى الوكف ، وعفر في ثراها المندل الرطب بل العنبر خديك ، ولجها بخضوع وخشوع بادي الحزن قد ابيضت من الأدمع عيناك ، فلو شاهدت من حلّ بها يا سعد منحوراً شهيداً لتلظيت أُوارا ، فهل تعلم أم لا يا بن خير الخلق سبط المصطفى الطهر ، عليه ضاق برّ الأرض والبحر ، أتى كوفان يحدو نحوها النجب ، وقد كانوا اليه كتبوا الكتب ، وقد أمّهم يرجو بمسراه إلى نحوهم الأمن ، فخفّت أهلها بابن زياد وحداها سالف الضغن ، وأمّت خيرة الناس ضحى بالضرب والطعن ، هناك ابتدرت للحرب أمجاد بهاليل ، تخال البيض في أيديهم طيراً ابابيل ، فدارت بهم دائرة الحرب وبانت لهم فيها أفاعيل ، وقد أقبلت الأبطال من آل علي لعناق الطعن والضرب ، ونالت آل حرب بهم الشؤم بل الحرب ، كما قد غبروا في أوجه القوم وغصت منهم بالسمر والبيض رحى الحرب ، كرام نقباء نجباء نبلاء فضلاء حلماء حكماء علماء ، وليوث غالبية ، وحماة هاشمية ، بل شموس فاطمية وبدور طالبية ، فلقد حاموا خدورا ، ولقد أشفوا صدورا ، ولقد طابوا نجاراً أسد مذ دافعوا عن حرم الرحمن أرجاس ، فما تسمع إلا رنة السيف على الطاس ، من الداعين للدين هداة الخلق لا بل سادة الناس ، ولو تبصر شيئاً لرأيت البيض قد غاصت على الرأس ، ففرت فرق الشرك ثباً من شدة البأس ، ولا تعرف ملجى لا ولا تعقل منجى ، لا ولا تدري إلى أين تولي وجهها منهم فرارا ولم يرتفع العثير إلا وهم صرعى مطاعين ، على الرمضاء ثاوين ، بلا دفن وتكفين تدوس الخيل منهم عقرت أفئدة المجد ، ومجّت منهم البوغا دماً عزّ على المختار أحمد ، ففازوا بعناق الحور إذ حازوا علاءً وفخارا ، ولم يبق سوى السبط وحيداً بين

ص: 268

أعداه ، فريداً يا بنفسي ما من يتفداه ، وإذ قد علم السبط بأن لا ينفع الأقوام إنذار ، ولا وعظ وتحذير وإزجار ، تلقاهم بقلب ثابت لا يعرف الرعب وسيف طالما عن وجه خير الخلق طراً كشف الكرب ، وناداهم إلى أين عبيد الامة اليوم تولون ، وقد أفنيتم صحبي وأهلي فإلى أين تفرون.

وقد ذكرهم فعل علي يوم صفين ، وفي جمعهم قد نعبت أغربة البين ، وما تنظر أن صال على الجمع سوى كف كميٍّ نادر أو رأس ليث طائر في حومة البيد ، ترى أفئدة الفرسان والشجعان والأقران من صولته في قلب رعديد ولما خطّ في اللوح يراع القدر المحتوم أن السبط منحور ، هوى قطب رحى العالم للارض كما قد خرّ موسى من ذرى الطور ، صريعاً ضامياً والعجب الأعجب أن يظمى وقد سال حشاه بالدم المهراق حتى بلغ السيل زبى الطف ، لقىً ينظر طوراً عسكر الشرك وطوراً لبنات المصطفى يرمق بالطرف ، هناك الشمر قد أقبل ينحو موضع اللثم لخير الخلق يا شلت يدا شمر ، فكان القدر المقدور واصطك جبين المجد إذ شال على الرمح محيّا الشمس والبدر ، وداست خيلهم يا عرقبت من معدن العلم فقار الظهر والصدر ، طريحاً بربى الطف ثلاثاً يا بنفسي لن يوارى ، وأدهى كل دهماء بقلب المصطفى الطاهر توري شرر الوجد ، هجوم الخيل والجند ، على هتك خدور الفاطميات وإضرام لهيب النار في الرحل بلا منع ولا صدّ ، وقد نادى المنادى يا لحاه اللّه بالنهب ، وقد جاذبت الأعداء أبراد بنات الوحي بالسلب ، فيا لله للمعشر من هاشم كيف استوطنوا الترب ، وقرّت فوق ظهر الذل والهون وقد أبدت نساهم حاسرات بربى البيد بنو حرب ، على عجف المطايا بهم تهتف بالعتب ، أفتيان لوي كيف نسري معهم ليس لنا ستر ، ومنا تصهر الشمس وجوها بكم لم تبرح الخدر ، ألا أين الحفاظ اليوم والغيرة والباس ، ألا أين أخو النخوة والغيرة عباس ، أتسبى لكم مثل سبايا الترك والديلم ربات خدور ما عهدنا لكم عن مثله صبر ،

ص: 269

ونستاق أُسارى حسراً بين عداكم ليزيد شارب الخمر ، لقد خابت فغضّت بصراً عن عتبهم إذ حال ما بينهم الموت ، ونادت بعلي هتفاً مبحوحة الصوت ، على مثل بني المختار يا عين فجودي واسكبي أدمعك اليوم غزارا ، ويا قلب لآل المرتضى ويحك فاسعدني أوارا ، فعليهم عدد الرمل سلام ليس يحصى وثناء لا يُجارى.

* * *

هو السيد باقر ابن السيد هادي ابن السيد ميرزا صالح ابن السيد مهدي القزويني. ودوحة آل القزويني كل أغصانها شعراء وعلماء وادباء فكلهم أهل فضل وأدب وكرم. أرسله والده مع اخوته في عنفوان صباه إلى النجف لتحصيل العلم وما كانوا يفارقونها إلا في شهور التعطيل ، وقد برع المترجم له فأتقن العلوم العربية بمدة وجيزة على جماعة من الأساتذة وكان آية في الذكاء مؤهلاً لنيل المقامات العالية التي بلغها أسلافه الكرام ، وجلّ ما حصل عليه من الأدب هو من عمه السيد أحمد وعم أبيه السيد محمد ، ولما اقترن بإحدى كرائم خاله السيد موسى بن جعفر عقدت له مهرجانات أدبية ألقيت فيها القصائد والتهاني.

ولد في ربيع الاول سنة 1304 وتوفي في جمادى الثانية سنة 1333. قال عنه أخوه العلامة السيد مهدي القزويني في مقدمة ديوانه المخطوط الذي سماه ب اللؤلؤ النظيم والدر اليتيم - كان عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، حديد الذهن جيد الفهم ، حلو التعبير وسل مَن به خبير : له منظومة في الصرف محلاة بأحلى بيان ، ومتن مختصر في المعاني والبيان ومنظومة في نسبه الشريف. قال الشاب البحاثة السيد جودت القزويني : وقفت على نسخة بالية طمست أكثر أوراقها من منظومته في الصرف وهي تنيف على 500 بيتِ ، أولها :

قال فقير الزاد للمعاد *** محمد الباقر نجل الهادي

ص: 270

ومن مؤلفاته مجموع في ( الأدعية والاحراز ) جمع فيه ما رواه عن مشايخه في الحديث والاجازة وعلى رأسهم عمّ والده أبو المعز السعيد محمد القزويني وجدّه الميرزا صالح القزويني ، ويروي عنه بواسطة :

أوله : قد جمعت في هذه الأوراق صور أدعية واحراز وبعض الأخبار المروية جميعاً عن أهل بيت العصمة الواصلة إليّ إجازة روايتها وقراءتها حذراً على شموسها من الافول وإشفاقاً على أوراقها من الذبول.

أخبرني السيد جودت القزويني أن نسخة الأصل عند السيد عبد الحميد القزويني التي أضاف اليها ما استجدّ له من الاحراز ، قال رأيته في مكتبته في قضاء ( طويريج ) وله أرجوزة في المنطق لم يعثر عليها ، أما ديوانه الذي ينيف على الألف وخمسمائة بيت في أغراض مختلفة فتوجد نسخة منه أو أكثر في مكتبات آل القزويني ، فمن نتفه ونوادره قوله في العتاب متضمناً قاعدة منطقية :

أمن المروءة أن تبيح لعاذل *** وصلا وتهجر مدنفاً مشتاقا

خلفتني بجفاك ( مفهوم ) الضنى *** وغدا فؤادي للجوى ( مصداقا )

وقال متضمناً قاعدة اصولية :

وآعد بالوصل إذ تحقق *** أني بطول الهوى مطوق

فقمتُ بالانتظار حولا *** لعلّ باب الوفاء يطرق

تعبداً بالدليل ( صرفا ) *** لأن لفظ الدليل ( مطلق )

وله في الجناس :

وشادن قلت له *** صلني ، فلما وصلا

لم يُبق ، لي لا والهوى *** بالوصل صومٌ ( وصلا )

ومن ثنائياته قوله :

السيف قد ينبو - أخا المجد - وال- *** جواد قد يكبو ، وقد يعثر

والماجد الحبر إذا زلّت ال- *** أقدام في صاحبه يعذر

ص: 271

وله :

لما رأى نار وجدي *** قد أضرمتها شجوني

أباح رشف لماه *** وقال ( يا نار كوني )

ومن طرائفه قوله مشطرا :

( يقول أنا الكبير فوقروني ) *** وأكبر منه جثمان البعير

أكلّ كبير جسم عظموه *** ( ألا ثكلتك أمك من كبير )

( إذا لم تأت يوم الروع نفعاً ) *** ولا في السلم تسمح باليسير

ولا تسمو بعلم أو بخلق *** ( فما فضل الكبير على الصغير )

وقال مخمساً ، والاصل لبعض الادباء :

عاشرت أبناء الورى فهجرتهم *** وبلوت جلّ قبيلتي فعرفتهم

فغدوت منفرداً وقد ناديتهم *** يا إخوة جرّبتهم فوجدتهم

من إخوة الأيام لا من إخوتي

فاخترت من حسن التجنب عنهم *** ما لو سئلت لكنت أجهل مَن هم

هيهات أطمع بعد ذلك فيهم *** فلأنفضنّ يديّ يأساً منهم

نفض الأنامل من تراب الميت

ومن نوادره ما رسمه بخطه قائلاً : تطرق ديارنا تصوير سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وسيد الوصيين معكوساً عما وجد في خزائن اليونان ، مصوراً بالقلم في ماضي الأزمان ، فأمر عمي السيد محمد (1) سلمه اللّه جمعاً من الادباء بأن ينظم كل بيتين. وبعد أن نظم هو حرسه اللّه ، أمرني وأمر ابن عمي السيد محسن بأن ينظم كلانا ، فخدمنا تلك الحضرة إذ امتثلنا أمره ، والذي يحضرني منها بيتاه - حفظه اللّه وهي هذه :

ص: 272


1- هو أبو المعز السيد محمد القزويني المتوفى 1335 ه.

هو تمثال حيدر الطهر فأعجب *** ليدٍ صوّرت له تمثالا

زره وألثمه واستلمه وعظّم *** شكل تمثاله تنل آمالا

وبيتاي هما :

قيل لي في مثال حيدر شرّف *** نور عينيك إنه نبراس

قلتُ عن ضمّه العوالم ضاقت *** عجباً كيف ضمه القرطاس

وتقدم في هذا الكتاب بيتان للشيخ يعقوب النجفي المتوفى 1329 حول هذا التصوير المقدس.

ومن شعره في الغزل :

كم تمنيت والمحال قريني *** أن يكون الحبيب طوع يميني

كم تحدثت باسم ليلى شجوناً *** وهو القصد في حديث شجوني

ما تخيلت أن فيه شبابي *** ينقضي بين زفرة وأنين

فلي اللّه من قتيل لحاظ *** من عيون فديتها بعيونِ

وله :

ضاقت عليَّ مساكن البلد *** مذ بان عني منية الكبد

أحبيب بعدك لم أجل أبداً *** عينيّ من وجد على أحد

ما كنت أعلم قبل بينكم *** أن النوى يوهي قوى جلدي

هل لي بأوباتٍ أفوز بها *** منكم وابذل جلّ ما بيدي

وأرسل كتاباً إلى والده الهادي من النجف عن لسانه ولسان إخوته يستعطفونه فيه بزيادة رواتبهم التي خصصها لهم في كل شهر ، أثناء دراستهم وذلك سنة 1325 نثبت قدر الحاجة منه : أدام اللّه مولانا وحرسه وحفظ ذلك الغصن الذي أثمر العز مذ غرسه وجعله مفتاحاً لكل فضل ارتجت أبوابه ومصباحاً تستضيء به أرباب العلم وطلابه ، أي ومننك السابقة وأياديك اللاحقة لأنت الذي لبست للندى غلالته واللّه أعلم حيث يجعل رسالته ، نعوذ

ص: 273

بك من إفلاس صال علينا بجنوده ، وفاجأنا بعدته وعديده ، يبتغي قتل كل معسر ويرتّل ربي يسر ولا تعسر ، فتحصّن منه مَن تحصن وما لنا حصن سواك ، وتطامن للذل من تطامن وكيف يتطامن مَن يؤمل جدواك :

وأنت لنا درع حصين وصارم *** بهن على الدهر الشديد نصول

ونلقى جيوش العدم فيك فتنثني *** رماح لها مفلولة ونصول

فيا بقيت يا جمّ المناقب وزعيم العز من آل غالب منهلاً للوارد ومنتجعاً للوافد ، ترشد بهداك الساري وتكسو بفيض أناملك العاري ، فوفر أرزاقنا بما أنت أهله فإنك فرع الكرم وأصله ، فإنا لا نرجو بعد اللّه سواك ولا نقبل إكرام كل مكرم إلاك ، ولك الفضل أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً :

وارع لغرس أنت أنهضته *** لولاك ما قارب أن ينهضا

وقد صدر هذه الرسالة بقصيدة طويلة مدرجة في ديوانه المخطوط. وهذه قطعة من شعره الذي أبّن فيه عمّ والده وهو السيد حسين ابن السيد مهدي قدس سره :

اعاتب دهراً ليس يصغي لعاتب *** بجيش المنايا لا يزال محاربي

اعاتب دهراً جبّ غارب هاشم *** وغالب غلباً من نزار وغالب

ولفّ لواء من لويٍّ ونال من *** قصيّ العلا أقصى المنى والمآرب

وغار على بيت المكارم والهدى *** فأرداه ما بين النوى والنوائب

وأفجع في فقد الحسين محمداً *** وآل أبيه خير ماش وراكب

مصائبنا لم تحص عداً وهونت *** مصيبتك الدهماء كل المصائب

نعتك السما يا بدرها نعي ثاكل *** إلى البلد القاصي بدمع السحائب (1)

فقدناك عيشاً إن تتابع جد بها *** فقدناك غوثاً للامور الصعائب

ص: 274


1- يشير إلى هطول الأمطار يوم وفاته.

الشيخ باقر حيدر

المتوفى 1333

قال في مطلع قصيدة في الامام الحسين 7 وهي من القصائد المطولة :

إن لم أكن باكياً يوم الحسين دما *** لا والهوى لم أكن أرعى له ذمما

لا أشكر العين إلا إن بكت بدم *** أولا فياليتها تشكو قذى وعمى

وأنت يا قلب إن لم تنتثر قطعاً *** في أدمعي لم تكن في الحب منتظما

إن كنت مرتضعاً من حبّ فاطمة *** لا تترك الدمع من أحشاك منفطما

فقد جرت لحسين دمعها بدم *** فجارها في البكا وابك الحسين دما

ونكبة زلزلت في الارض ساكنها *** وأوقفت في السما أفلاكها عظما

تنسي الحوادث في الدنيا إذا قَدُمت *** وحادث الطف لا يُنسى وإن قدما

يا بن النبي الذي في نور طلعته *** زان الهدى وأزال الظلم والظلما

أصات ناعيك في الدنيا فأوقرها *** مسامعاً واشتكت أسماعها صمما

قد جلّ رزؤك حتى ليس يعظم لي *** في الدهر من بعد رزءٌ وإن عظما

لك الفرات أباح اللّه مورده *** ففيم تصدر عنه ظامياً ولما

إن كال قيل - ولا ذنب أتيت به - *** فما لطفلك منه لم يبلّ ظما

* * *

الشيخ باقر حيدر هو ابن الشيخ علي بن حيدر ولد في النجف ونشأ على الفضيلة واشتغل بطلب العلم الديني ورحل إلى سوق الشيوخ وهذه المنطقة تدين

ص: 275

بالولاء لهذا البيت ، فكان المترجم له موضع تقدير واحترام من كافة الطبقات. ترجم له صاحب الحصون ، وفي الطليعة : كان فاضلاً مشاركاً مصنفاً هاجر من بلده سوق الشيوخ إلى النجف فحضر على علمائها ثم هاجر إلى سامراء فحضر على السيد ميرزا حسن الشيرازي ثم عاد إلى النجف بعد وفاة السيد الشيرازي ثم عاد إلى محله واستقلّ بالزعامة وكان أديباً له مطارحات مع بعض الشعراء وله مراث للائمة الأطهار ، ومن آثاره حاشية على القوانين في مجلدين ، وتقريرات استاذه الشيرازي ومنظومة في الأصول. توفي في سوق الشيوخ سنة 1333 ونقل نعشه إلى النجف الأشرف وأعقب ثلاثة أولادهم ، الشيخ جعفر ، والشيخ محمد حسن والشيخ صادق ، وللمترجم له ديوان شعر يحوي فنون النظم وهذا نموذج من نظمه. مرثية للشهيد الحسين 7 وهذا المقطع الأول منها.

سرى البرق يحدو المثقلات من الوطف *** فأقلت عزاليها وخفّت على الطف

ولو أن ماء العين يشفي ربوعها *** بكيت دماً لكنّ دمعي لا يشفي

فلله ما ضمته أكناف كربلا *** من الجود والمجد المؤثل والعرف

لقد حسد المسك الفتيت ترابها *** فما مثله الداري من المسك في العرف

فلهفي لقوم صرعوا في عراصها *** عطاشى على الشاطي وقلّ لهم لهفي

بها أرخصوا الأرواح وهي عزيزة *** فدىً لهم روحي وما ملكت كفي

فما تضرب الهامات إلا تنصّفت *** وخير الظبا ما يقسم الهام بالنصف

بأيمانهم يستأنس السيف في اللقا *** كما في التلاقي يأنس الالف بالالف

ص: 276

الشيخ طاهر السوداني

المتوفى 1333

هلّ المحرم فاستهل بكائي *** فيه لمصرع سيد الشهداء

ماعدت يا عاشور الا عاد لي *** كمدي وهجتَ لواعج البرحاء

لهفي على تلك الجسوم على الثرى *** تصلى بحرّ حرارة الرمضاء

أسفاً على تلك الوجوه كأنها *** الأقمار قد تُربِّن في البوغاء

من كل وضاح الجبين لهاشم *** يُنمى لرأس الفخر والعلياء

الشيخ طاهر ابن الشيخ حسن أديب معروف وعالم فاضل ، ولد في النجف 1260 ونشأ بها ودرس عند الشيخ حسن المامقاني وكانت عشيرة السودان في لواء ميسان تعتز به وتفتخر بعلمه وأدبه ، وكان ولده الشاعر الشهير الشيخ كاظم يتحدث عن شعر أبيه وعن ديوانه الذي يضم أكثر من ستة آلاف بيت غير أنه فقد في بعض أسفاره ولم يبق لديه إلا سبع قصائد في رثاء الإمام الحسين 7 ، وللمترجم له شهرة أدبية. توفي في ميسان سنة 1333 ه ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في وادي السلام ، ذكره الشيخ النقدي في ( الروض النضير ) فقال : كان من أهل الفضل والأدب ، جميل اللفظ حسن المحاورة بديهي النظم وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وروى جملة من أشعاره من رثاء وغزل ومراسلات.

أقول ورأيت في مخطوطة بمكتبة ( حسينية الشوشترية ) رقم 132 خزانة 131 جملة من المراثي الحسينية من نظم الشاعر المترجم له وهذه أوائل القصائد :

1 - أمن دمنتي نجران عيناك تهمل *** لك الخير لا يذهب بحلمك منزل

2 - فيا ثاوياً والذل لم يلو جيده *** وردت الردى كالشهد عذب الموارد

3 - لا غمضت هاشم أجفانها *** إن لم تسل بالطعن إنسانها

4 - اليك الوغى يابن الوغى تعلن الندبا *** فلبّ الندا منها فيا خير مَن لبّى

ص: 277

الشيخ جواد الحلي

المتوفى 1334

من شامخات المجد دك رعانها *** خطب أطاش من الورى أذهانها

ومنها :

ما آمنت باللّه لمحة ناظر *** مذ خالفته وحالفت أوثانها

ودعت لبيعتها ابن مَن بحسامه *** لله أذعنت الورى إذعانها

من معشر لهم العلى ووليدهم *** يسقى غداة رضاعه ألبانها

لهم الفواضل والفضائل ناطق *** فيها الكتاب مفصّل تبيانها

في هل أتى جاءت نصوص مديحهم *** ما كان أوضح للمريب بيانها

وبآية التطهير محكم ذكرها *** قد خصها شرفاً وأعلى شانها

يا ما أجلّ مكانها بذرى العلى *** بذرى العلى يا ما أجلّ مكانها

فسرى لحربهم بأكرم فتية *** يذكي لهيب سيوفهم نيرانها

مرهوبة السطوات إن هي جردت *** بيض السيوف وكسّرت أجفانها

كرهوا الحياة على الهوان وإنما *** يتصعب الشهم الأبيّ هوانها

فجلوا دجى الهيجاء بالغرر التي *** قد علّمت شمس الضحى لمعانها

بأبي الاولى قد عانقوا أسل القنا *** والبيض حتى وزعت جثمانها

وثوت كما يهوى الحفاظ لأنفس *** دون الهدى قد فارقت أبدانها

نهبت جسومهم الصفاح ومنهم *** تخذت رؤوسهم القنا تيجانها

ص: 278

وفي آخرها :

ما بال اسد نزار وهي إذا سطت *** تخشى الأسود ضرابها وطعانها

رقدت وما ثارت إلى ثاراتها *** بالخيل تحمل للوغي فرسانها

لا أدركت بشبا القواضب مطلباً *** في المجد إن هي حاولت سلوانها

لم يغنها عن قرع واتر مجدها *** بالبيض قرع بنانها أسنانها

ألويّ دونك فالبسي حلل الجوى *** وبفيض دمعك فاصبغي أردانها

هذا أبو السجاد غير مشيع *** بثرى الطفوف مصافحاً كثبانها

الشيخ جواد ابن الشيخ عبد علي ترجم له اليعقوبي في ( البابليات ) فقال : سمعت من جماعة من شيوخ الحلة ان هذا الشاعر انحدر من اصل فارسي وإنما استوطن أجداده الحلة قبل قرنين أو أكثر وكانت ولادة المترجم له ونشأته في الحلة ، وحين رأى أبوه استعداده ورغبته بالعلم والأدب أرسله إلى النجف وهو ابن خمس عشرة سنة من اجل طلب العلم الديني فسكن مدرسة ( المهدية ) قرب مسجد الطوسي ومكث فيها مدة حياته الدراسية فحظي بقسط وافر من الفضل والأدب ثم هو يتردد على مسقط رأسه الحلة حتى إذا كانت سنة 1334 قدم الفيحاء جرياً على عادته وعداته فمرض ولازم الفراش وتوفي آخر ذي الحجة من السنة المذكورة وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف ، وعمره يوم وفاته يقارب الخمسين سنة.

كان المترجم له ناظما مكثراً جمع ديوان شعره في حياته وصار الديوان في حيازة أخيه الشيخ كاظم ، وله قطعة يهنيء بها العلامة الحجة الشيخ هادي كاشف الغطاء بزفاف ولده الشيخ محمد رضا ، وقصيدة يتوسل فيها بالنبي وآله أولها :

أبيتُ ونار الوجد ملء الحيازم *** أكفكف من فيض الدموع السواجم

تساورني أفعى الهموم بناقع *** من السم تخشى منه رقش الأراقم

ص: 279

وله اخرى لامية في التهنئة أيضاً رواها الخاقاني في ( شعراء الحلة ).

وترجم له هناك فقال : كانت له صحبة وعلاقة مع الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسام وبينهما مساجلات شعرية ، والمترجم له كان لبقاً سريع الجواب قوي البديهة قال الخطيب قسام : كنت احتفظ له بمجموعة من الشعر أكثرها في مراثي الامام الحسين ، وكان قصير القامة نحيف البدن خفيف العارضين.

ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) في كتابه ( سمير الحاضر ) وروى له طائفة من أشعاره في مختلف المناسبات ، وهذه إحدى روائعه :

كم تغاضيك على الجور احتمالا *** ولقد هدّ تغاضيك الجبالا

أيها الغائب كم تشكو الورى *** لك من طول تخفّيك اعتلالا

قطعت أكبادها الشكوى أما *** آن أن تمنحها منك وصالا

أترى الأرض عليك اتسعت *** وعليها ضاقت الدنيا مجالا

أين عنها لك قد طاب الثوى *** ولماذا دونك المقدار حالا

كل يوم لك منها ألسنٌ *** بفنون العتب ينشرن المقالا

كلما زادتك عتباً في النوى *** زدتها في وَعدِ لقياك مطالا

هل للقياك لها من منهج *** كيف علّمها للقياك احتيالا

أو ما ترنو إلى صبح الهدى *** فوقه امتدّ دجى الغيّ وطالا

لك كم ضجّ الهدى يا غوثه *** وشكا الدين الحنيفيّ انتحالا

يستغيثان إلى عدلك من *** أهل جور فيهما ساؤوا فعالا

يستثيرانك في ثارهما *** ومن الضرّ يبثانك حالا

صرخا عن لوعة واستنهضا *** خير ندب ثبتا فيه اعتدالا

أو ما ينهضك العزم الذي *** ناره أذكى من الجمر اشتعالا

هل أبى سيفُك في يوم الوغى *** والقنا الخطيّ سلّا واعتقالا

ص: 280

كيف تغضي وعداك انتهرت *** محكم الدين وساموه زوالا

أخرّت أكرم مقدامٍ به *** يوم ( خم ) بلغ الدين الكمالا

أمنت سطوة مرهوب اللقا *** فاستقادته على الأمن اتكالا

ولتيمٍ وعدّيٍ أمره *** آل يوم اغتصبوا لله آلا

وبه من عبد شمس لعبت *** فتية منها شكا الداء العضالا

أترى حقك ما بين العدا *** تتهاداه يميناً وشمالا

وشبا عضبك مغمود ولا *** ينتضي عن غضب اللّه انسلالا

يا لموتورٍ على أوتاره *** يتردى بردة الصبر اشتمالا

غرّ إمهالك جبّار الورى *** وبه الغيّ على الرشد استطالا

ناكلاً عن مدرج الحق ولم *** ير من بطشك بأساً ونكالا

أعلى ثارك في طيب الكرى *** تمنح الجفن وحاشاك اكتحالا

والظبا ما ألفت أجفانها *** طمعاً في طلب الثار نصالا

والمذاكي يتصاهلن وكم *** لك من طول الثوا تشكو ملالا

زعجت في صوتها بيض الظبا *** وعليه هزّت السمر الطوالا

فأثرها للوغي ضابحة *** في ذراها هبة الاسد صيالا

بالمواضي والقنا السمر التي *** نفثة الموت يعلّمن الصلالا

ينثني القرم عن الطعن بها *** خوف لقياه من الروح انفصالا

والمنايا تسبق الطعن إلى *** نفسه من قبل أن يلقى القتالا

والملأ البيداء عدلاً بعدما *** ملئت ظلماً وجوراً وضلالا

واحتكم بالسيف فيمن بشبا *** ظلمها جرح الهدى عزّ إندمالا

وانتقم من فتية أفناكم *** ظلمها في الحكم سمّاً وقتالا

كم لكم في الأرض مطلول دم *** طبق الآفاق نوحاً يوم سالا

والذي قد طلّ بالطف له *** مادت الخضرا وركن العز مالا

ص: 281

أو ما وافاك ما في كربلا *** من حديث ينسف الشمّ الثقالا

نزل الكرب بها إذ دعيت *** آلك الأطهار للحرب نزالا

يوم حرب ملأت صدر الفضا *** عصباً يقتادها الغيّ عجالا

سادها نشوان في أدنى الورى *** رأسه لو قيس ما ساوى النعالا

فرأى من بأس خواض الوغى *** شدة قد فنيت فيها انذهالا

لم يكن إلا على شوك القنا *** ماشياً في منهج العز اختيالا

حاملاً ألوية العزّ إلى *** موقف فيه يراهنّ ظِلالا

لذرى العزّ به همّته *** قوضت عن مهبط الضيم ارتحالا

بقروم شحذت في عزمها *** قضب الهنشد وسنّوها صقالا

أنهلوها يوم سلّوها دماً *** فيه قد درّت طلى الشوس سجالا

فهم الآساد في الحرب وقد *** كان يوم السلم يدعوها رجالا

وهم غاية طلاب الندى *** ولهم راجية قد شدّ الرحالا

ما دعاها لنزال أو ندى *** هاتفٌ إلا أجابته عجالا

فهي للداعي وللراجي لها *** تمنح القصد نزالاً ونوالا

أرضعت طفلهم الحرب سوى *** أنه يأبى عن الدرّ فصالا

عوذت بالبيض من شبّ لها *** أمّه الهيجاء أن يلقى اكتهالا

يعقد العز لناشيها على *** راية قد زانها الفخر جمالا

ما تثنت في اللقشا إلا رأى *** غادة قد هزّت العطف دلالا

زفّها المجد لكفؤ إن سرى *** يقدم الجمع بها جلّ فعالا

وجلاها لكريم نفسه *** كرمت في ملتقى الموت خصالا

خضبت من بعد ما زفّت له *** بدم الأبطال طعناً ونصالا

ولها طاب اعتناقاً في دجا *** معرك فيه منى حوباه نالا

وجثت في موقف دقّت به *** أنف مَن بالسوء يبغيها اغتيالا

ص: 282

موقف قد حلقت رهبته *** بحشا الأسد وأنستها المصالا

ليس تشكو سأم الحرب وإن *** شكت البيض من الضرب الكلالا

لم تزد إلا نشاطاً في وغى *** جدها ألفى ضواريها كسالى

عزةً حنّت إلى ورد الردى *** دون أن تسقى على الهون الزلالا

فأشادوها معالٍ لم يصب *** طائر الوهم لأدناها منالا

وبها قد هتف اللطف الى *** حضرة القدس فلبّته امتثالا

فتداعوا وهم هضب حجىً *** وتهاووا قمراً يتلو هلالا

لم تجد حرّى على لفح الظما *** وهجير الشمس ريّاً وظلالا

كم صريع عثرت فيه الظبا *** عثرةً عزّ عليها أن تقالا

والعوالي وسدته بعدما *** قطرته عن ذرى الخيل الرمالا

ومعرّى لم يجد برداً سوى *** صنعة الريح جنوباً وشمالا

يا قتيلاً ثكلت منه وقد *** عقمت عن مثله الحرب ثمالا

وجديلاً شرقت بيض الظبا *** بدماه والقنا السمر انتهالا

وقفت بعد أفلاك الوغى *** في ملمٍ قطبُها الثابت غالا

فهوى والكون قد كاد له *** جزعاً يفنى بمن فيه اختلالا

ثاوياً نحت القنا في صرعة *** قصرت عن شكرها الحرب مقالا

يتشكى صدره من غلّةٍ *** لو تلاقي زاخراً جفّ وزالا

جرت الخيل عليه بعدما *** قُظُباً لاقى وسمراً ونبالا

فهو طوراً للعوالي مركز *** وهو طوراً صار للخيل مجالا

بأبي من بكت الخضرا له *** بدم عن لونه الافق استحالا

وعليه الملأ الأعلى بها *** حرقاً لازمه الحزن انفصالا

فغدى النوح له شأناً وقد *** كان تقديساً وحمداً وابتهالا

وعليه قمراها لبسا *** ثوب خسف أفزع الكون وهالا

وبكته الأرض بالمحل وما *** كاد يجري فوقها الغيث انهلالا

يا مريد الرفد لا تعقل فمن *** تبرك النجب بمغناه عقالا

ص: 283

قد مضى من لم يزل يوقرها *** يوم تأتي تحمل الآمال مالا

إن ترد تثقلها آمالها *** فبوفر الجود يصدرن ثقالا

فلتقطّع فيه أحشاها جوىً *** مَن على نائله كانت عيالا

وذوى روض الأماني بعدما *** كان يخضلّ بجدواه اخضلالا

وجهه ينهلّ بالبشر كما *** يده بالجود تنهلّ انهلالا

يلثم الوافد منه أيدياً *** سحباً تسبق بالوكف السؤالا

يا لخطب نسف البيداء مذ *** زلزل الأجبال منها والتلالا

كم قتيل من بني الهادي به *** عند حرب دمُه طلّ حلالا

واسير عضّه قيد العدى *** ويتيم في السبى يشكو الحبالا

ونساء سجَفَ اللّه لها *** حرم المنعة عزاً وجلالا

قد أحاطت هيبة اللّه به *** فهو بالطرف منيع أن ينالا

بل لو ان الوهم في إدراكه *** جدّ لم يدرك لمعناه مثالا

حجبت فيه التي ما شامها *** أبداً إلاه شخصاً أو خيالا

طاشت الأوهام فيه فرأت *** كونها في عالم الدنيا محالا

أصبحت بارزة منه على *** رغم عليا مضر حسرى وِجالا

ذعرتها هجمة الخيل على *** خدرها أمّته امّاً ورعالا

فانجلت عنه وقد سُد الفضا *** دونها تطلب كهفاً ومآلا

وبعين اللّه أضحت في السبى *** تمتطي قسراً عن الخدر الجمالا

نصلت وخداً ومن طول السرى *** عنقاً كادت بأن تفني هزالا

كلما قد هتفت في قومها *** إذ حدا الحادي بها والركب شالا

زجرت بالشتم من آسرها *** وعليها السوط بالضرب توالى

غادرتهن الرزايا وُلّها *** إذ ترادفن عليهن انثيالا

يا لها نادبة تدعو ولم *** تلف للمنعة من فهر رجالا

قد مضى عنها المحامون الأولى *** دونها يوم الوغى ماتوا قتالا

كلما حنّت لقتلاها شجى *** أنست النيب من الثكل الفصالا

ص: 284

الشيخ حسن البدر

اشارة

المتوفى 1334

ومن ينظر الدنيا بعين بصيرة *** يجدها أغاليطا وأضغاث حالم

ويوقظه نسيان ما قبل يومه *** على أنها مهما تكن طيف نائم

ولا فرق في التحقيق بين مريرها *** وما يُدّعى حلواً سوى وهم واهم

فكيف بنعماها يُغرّ أخو حجى *** فيقرع إذ عنه انزوت سنّ نادم

وهل ينبغي للعارفين ندامة *** على فائتٍ غير اكتساب المكارم

وما هذه الدنيا بدار استراحة *** ولا دار لذّاتٍ لغير البهائم

ألم تر آل اللّه كيف تراكمت *** عليهم صروف الدهر أيّ تراكم

أما شرقت بنت النبي بريقها *** وجرعها الأعداء طعم العلاقم

أما قتل الكرار بغياً بسيف مَن *** بغى وطغى فيما أتى من مآثم

عدوّ إله العالمين ابن ملجم *** واشقى جميع الناس من دور آدم

وإن أنس لا أنس الحسين وقد غدا *** على رغم أنف الدين نهب الصوارم

قضى بعدما ضاقت به سعة الفضا *** فضاق له شجواً فضاء العوالم

فما لنزار لا تقوم بثأرها *** فترضع حرباً من ضروع اللّهاذم

فهل رضيت عن سفك آل أمية *** دماها بإجراء الدموع السواجم

هبوا القتل فيكم سيرة مستمرة *** فهل عرفت كيف السبى ابنة فاطم

أهان عليكم هجمة الخيل جدرها *** كأن لم يكن ذاك الخبا خدر هاشم

ص: 285

لها اللّه من مذعورة حين اضرموا *** خباها ففرت كالحمام الحوائم

فما بال قومي لا عدمت انعطافهم *** وكانوا أباة الضيم شحذ العزائم

أعاروني الصما فلم يسمعوا الندا *** ألم يعلموا أني بقيت بلاحمي

أعيذكم أن تستباح حريمكم *** وتسبى نساكم فوق عجف الرواسم

أيرضى إباكم أن تساق حواسراً *** كما شاءت الأعدا إلى شرّ غاشم

جاء في شعراء القطيف : هو العلامة الحجة الشيخ عبد اللّه بن محمد بن علي ابن عيسى بن بدر القطيفي كان مولده سنة 1278 في النجف الأشرف ونشأ بها وترعرع وتفيأ ظل والده المغفور له فقد كان من مشاهير عصره علماً وفقهاً وتحقيقاً ومن هذا النمير الصافي نهل مترجمنا ثم فوجيء بفقده في أيام صباه وسافر إلى وطنه القطيف وتلمذ على يد أعلامها كالشيخ علي القديحي وأمثاله ولم يزل حتى بلغ الغاية القصوى وإذا هو ذلك المجتهد الكبير والمصلح العام ثم كرّ راجعاً إلى النجف الأشرف وبقي مدة مواصلاً للطلب بين درس وتدريس وتأليف حتى طلبه عمّه إلى القطيف وبعد أن تزوج بأحد أكفائه توجه إلى مكة لاداء فريضة الحج وبعده أبحر من مكة المكرمة إلى النجف الأشرف من طريق جدّه ولا زال موئلاً لرواد العلم والحقائق مستقلاً بحوزة علمية لما عليه من النضوج العلمي والورع والتقى والصلاح وقد ارتوى من نمير علمه الصافي كثيرون من رواد العلم والحقائق كوالدنا المرحوم والشيخ حسين القديحي وأمثالهما.

توفي رحمه اللّه بالكاظمية سنة 1334 ودفن في جوار الكاظميين علیهماالسلام وكان رحمه اللّه يقول الشعر بالمناسبات وأكثره في أهل البيت ومنه هذه المرثية :

متى فقدت أبنا لوي بن غالب *** إباها فلم ينهض بها عتب عاتب

ص: 286

أما قرعت أسماعها حنّة النسا *** اليها بما يرمى الغيور بثاقب

فكم نظمت جمر العتاب قلائداً *** على السمع من قلب من الوجد ذائب

وكم نثرت كالجمر في صحن خدها *** مذاب حشا من زفرة الغيظ لاهب

وضجت اليها بالشكاية ضجة *** تميل بأرجاء الجبال الأهاضب

أيا إخوتي هل يرتضي لكم الإبا *** بأن تعرضوا عتى بأيدي الأجانب

أيا إخوتي لانت قناتي على العدى *** فلم يخش بطش الانتقام محاربي

أيا إخوتي هل هنت قدراً عليكم *** فهانت عليكم - لا حييت - مصائبي

أيا إخوتي تدرون قد هجم العدى *** علي خبائي واستباحوا مضاربي

أيا إخوتي تدرون أني غنيمة *** غدوت ورحلي راح نهبة ناهب

أهان على أبناء فهر مسيرنا *** إلى الشام حسرى فوق خوص الركائب

أهان عليكم أن نكون حواسراً *** كما شاءت الأعدا بأيدي الأجانب

أهان على أبناء فهر دخولنا *** على مجلس الطاغي بغير جلابب

أتغضي على هضمي ، ألست الذي حمى *** بسمر القنا خدري وبيض القواضب

اتغضي على سبي وسلبي وهتكهم *** حماي كأني ليس حامي الحمى أبي

أأسبى ولا سمر الرماح شوارع *** أمامي ولا البيض الرقاق بجانبي

أأسبى ولا فتيان قومي عوابس *** يرف لواها في متون السلاهب

بها من بني عدنان كل ابن غابة *** يرى الصارم الهندي أصدق صاحب

كميٌ يردّ الموت من شزر لحظه *** مروع حشى من شدة الخوف ذائب

همام إذا ما همّ بالكر في الوغى *** تدكدكت الأبطال تحت الشوازب

فتأتي بها شعث النواصي ضوابحاً *** تقلّ بها مثل الجبال الأهاضب

يجيؤون كي يستنقذوني وصبيتي *** من الأسر أو واذل أبناء غالب

ص: 287

( وله في رثاء أبي الفضل العباس عن لسان الحسين علیهماالسلام ) :

طويت على مثل وخز الرماح *** ضلوعي أو مثل حزّ الصفاح

ورحت كما بي تمنّى الحسود *** وقد لان للدهر مني الجماح

وبتّ على مثل شوك القتاد *** أردد أنفاس دامي الجراح

تغيبت فاظلمّ وجه النهار *** بعيني واسود وجه الصباح

فقدتك درعاً به أتقي *** من الدهر طعن القنا والرماح

أبا الفضل رحت فروح التقى *** عقيبك قد آذنت بالرواح

عجيب مقيلك فوق الثرى *** أليس مقيلك فوق الضراح

من العدل تمسي ببطن اللحود *** وانشق بعدك عذب الرياح

من العدل يألف جفني الكرى *** وبالترب إنسان عينيّ طاح

من العدل يألف قلبي السلو *** وأنت الفقيد وأنت المناح

ترانيَ إن أقض وجدا عليك *** عليّ بذا حرج أو جناح

تراني إن أحترق بالزفير *** عليك ألامُ وتلحو اللواح

أأصغي وقد شل عضب الخطوب *** كلا ساعديّ ، إلى قول لاح

أأصغي وقد فلّ مني الزمان *** صفيحة عزم تفلّ الصفاح

خلعت سلويّ لما سطا *** على صبري الدهر شاكي السلاح

سأسكب ماء عيوني عليك *** لميت صبري ماءً قراح

ص: 288

السيد محمد القزويني

اشارة

المتوفى 1335

أحلما وكادت تموت السنن *** لطول انتظارك يابن الحسن

وأوشك دين أبيك النبي *** يمحى ويرجع دين الوثن

وهذي رعاياك تشكو اليك *** ما نالها من عظيم المحن

تناديك معلنة بالنحيب *** اليك ومبدية للشجن

وتذري لما نالها أدمعاً *** جرين فلم تحكهنّ المزن

ولم ترم طرفك في رأفةٍ *** اليها ولم تصغِ منك الاذن

لقد غرّ إمهالك المستطيل *** عداك فباتوا على مطمئن

توانيت فاغتنموا فرصة *** وأبدوا من الضغن ما قد كمن

وعادوا على فيئكم غائرين *** وأظهرت اليوم منها إلاحن

فطبّق ظلمهم الخافقين *** وعمّ على سهلها والحزَن

ولم يغتدوا منك في رهبة *** كأنك يا ابن الهدى لم تكن

فمذ عمّنا الجور واستحكموا *** بأموالنا واستباحوا الوطن

شخصنا اليك بأبصارنا *** شخوص الغريق لمرّ السفن

وفيك استغثنا فإن لم تكن *** مغيثاً مجيراً وإلا فمن

إلى مَ تغضّ على ما دهاك *** جفنا وتنظر وقع الفتن

أتغضي الجفون وعهدي بها *** على الضيم لا يعتريها الوسن

ثناك القضا أو لست الذي *** يكون لك الشيء إن قلت كن

أم الوهن أخرّ عنك النهوض *** أحاشيك أن يعتريك الوهن

ص: 289

أم الجبن كهم ماضيك مذ *** تراخيت حاشا علاك الجبن

أتنسى مصائب آبائك *** التي هدّ مما دهاها الركن

مصاب النبي وغصب الوصي *** وذبح الحسين وسمّ الحسن

ولكنّ لا مثل يوم الطفوف *** في يوم نائبة في الزمن

غداة قضى السبط في فتية *** مصابيح نور إذا الليل جن

تغسّل أجسامهم بالنجيع *** وتسدي لها الذاريات الكفن

تفانوا عطاشا فليت الفرات *** لما نالهم ماؤه قد أجن

وأعظم ما نالكم حادث *** له الدمع ينهلّ غيثاً هتن

هجوم العدو على رحلكم *** وسلب العقايل أبرادهن

فغودرن ما بينهم في الهجير *** وركبنّ من فوق عجف البدن

تدافع بالساعدين السياط *** وتستر وجهاً بفضل الردن

ولم ترَ دافع ضيم ولا *** مغيثاً لها غير مضنى يحن

فتذري الدموع لما ناله *** ويذري الدموع لما نالهن

السيد محمد القزويني نجل الحجة الكبير السيد مهدي القزويني ، ينتهي نسبه الشريف إلى محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، وأمه كريمة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير. كان رحمه اللّه موسوعة علم وأدب فإذا تحدث فحديثه كمحاضرة وافية تجمع الفقه والتفسير والأدب واللغة والنقد والتاريخ مضافاً إلى الفصاحة واللباقة وعذوبة الحديث وقوة الذاكرة ، تزينه سمات العبادة والورع فمن مميزاته أن يأمر بتقسيم الحقوق وهي عند أهلها دون أن يتسلّمها بيده ، يحرص كل الحرص على مصلحة الامة والرأفة بالضعيف فلا تأخذه في اللّه لومة لائم. كتب عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي في ( البابليات ) وباعتباره تتلمذ عليه ولازمه مدة لا تقل عن عشر سنوات فقد أعطى صورة صادقة عنه وهو متأثر به كل التأثر فذكر أنه ولد في الحلة سنة 1262 وفيها نشأ وحين راهق البلوغ

ص: 290

هاجر للنجف الأشرف مع أخويه الكبيرين السيد ميرزا جعفر والسيد ميرزا صالح فدرس المعاني والبيان والمنطق على الكبير منهما وشطراً من الاصول عى الفاضلين الشيخ محمد والشيخ حسن الكاظميين والشيخ علي حيدر ثم رجع للحلة واشتغل بالتدريس فهذّب جملة من شباب الفيحاء وأعاد الكرّة للنجف لاستكمال الفضيلة مع أخويه المذكورين فاغترف من منهل الشريعة ما به ارتوى حتى أصبح معقد الأمل ونال رتبة الاجتهاد بشهادة المجتهدين وزعماء الدين وبعد وفاة والده السيد المهدي قدس اللّه نفسه وأخويه الكبيرين قام باعباء الزعامة الدينية في الحلة الفيحاء فكان المرجع في الأحكام الشرعية وموئلاً للمرافعات وفصل الخصومات وصلاة الجماعة في المسجد العام مواضباً على التدريس في الفقه والاصول وتربية النشء التربية الصالحة وقام باصلاحات عامة من تشييد مراقد علماء الحلة التي كادت أن تنطمس معالمها كمراقد آل طاووس في داخل البلد وخارجه ومرقد الشيخ المحقق أبي القاسم الهذلي ، وابن ادريس صاحب السرائر وابن فهد والشيخ ورام المالكي النجفي ، وآل نما ومقام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في آخر بساتين ( الجامعين ) على طريق ( الكفل ) وتاريخ الفراغ منه جملة ( ظهر المقام ) سنة 1317 وبالقرب منه مرقد السيد عبد الكريم ابن طاووس صاحب ( فرحة الغري ) ، ومنها تجديد عمارة مشهد الشمس وكان السيد المترجم له يقيم فيه الجماعة منتصف شوال من كل عام وتعطل الأسواق والأعمال بأمره للحضور والصلاة هناك إحتفاء بذكري ذلك اليوم الذي ردّت الشمس فيه للامام 7 ، وخلّف كثيراً من الآثار العلمية منها منظومة في المواريث ، ورسالة في علم التجويد والقراءات ، ورسالة في مناسك الحج وغيرها وفي الترجمة ألوان من أدبه نثراً ونظماً تدلّنا على مواهبه ، اختاره اللّه ودعاه اليه فلبّى النداء فجر يوم الخميس خامس محرم الحرام أول سنة 1335 ه في مسقط رأسه - الحلة - ونار الحرب العالمية الاولى مستعرة في وادي الرافدين بين الانكليز والأتراك - حُمل إلى النجف ودفن مع اسرته في مقبرتهم الواقعة في محلة العمارة. وترجم له صاحب الحصون المنيعة ترجمة وافية

ص: 291

استقى منها كل من تأخر عنه ، وكتب البحاثة علي الخاقاني في شعراء الحلة ملماً بالشارد والوارد عن حياته ومما قال : وكتب المترجم له إلى أخيه الميرزا صالح يطلب منه ( راوية ماء ) على أثر انقطاع الماء عن النجف وقد وعده أن يبعثها مع غلام اسمه ( منصور ) ليحمل بها الماء من شريعة الكوفة فقال :

فديناك إن البركة اليوم ماؤها *** لقد غاض حتى مسّ من أجله الضرّ

وليس سوى البحر الذي تعهدونه *** على أنه واللّه لا يشرب البحر

فان لم تغثنا من نداك عجالة *** براوية ملأى ويحملها المهر

بحيث بها منصور نحوي يستقي *** من الجسر ماءً ، ليت لا بَعُد الجسر

وإلا فإني قد هلكت من الظما *** ( وإن متّ عطشانا فلا نزل القطر )

واستمع إلى رقة عاطفته حيث يرثي أخاه الميرزا جعفر - وهو ممن يستحق الرثاء - إنه كتب بهذه القطعة إلى أخيه الآخر وهو الميرزا صالح ، واليك بعضها : *** ومن عجب أني أبيتُ ببلدة

بها لشقيق الروح قد خط مضجع (1) *** أحاول أن أستاف تربته التي

هي المسك ، لا واللّه بل هي أضوع *** وينهض لي وجدي لمرقده الذي

به ضمّ بدر التم ، بل هو أرفع *** لكيما أُطيل العتب لو كان مصغياً

وأشكو له بلواي لو كان يسمع *** فلما نشقت الطيب من أيمن الحمى

كبوت فلا أدنو ولا أنا أرجع *** يخيّل لي كل ( الغري ) له ثرى

وفي كل نادٍ منه للعين موضع

وقال في جده الحسين (عليه السلام) :

بنفسي بنات المصطفى بعد منعة *** غدت في أعاديها تهان وتضرب

وتسلب حتى بالأنامل يغتدي *** لها عن عيون الناظرين التنقّب

ومذ أبصرت فوق الثرى لحماتها *** جسوماً بأطراف الأسنة تنهب

فعارٍ عليه الخيل تعدو وعافر *** على الأرض من فيض النجيع مخضب

ص: 292


1- يقصد بلد النجف الأشرف حيث دفن أخوه فيه.

غدت تمزج الشكوى اليهم بعتبها *** عليهم وتنعى ما عراها وتندب

( أحباي لو غير الحمام أصابكم *** عتبتُ ولكن ما على الموت معتب )

وحضر السيد أبو المعز المترجم له في مجلس السيد عبد الرحمن النقيب ببغداد عام 1322 ه فجرى حديث ردّ الشمس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 فأورد النقيب شكوكه حول صحة الحديث ، وأبو المعز يدلي بالبراهين الجلية والأخبار المتواترة من طرق الفريقين ، وعلى الأثر قال السيد أبو المعز :

قد قلتُ للعلوي المحض كيف ترى *** حديث ردّ ذكاءٍ للامام علي

فقال في النفس شيء منه قلت له *** الأمر في ذاك ما بين الرواة جلي

فقال قد قلت تقليداً فقلت له *** أنت المقلّد في علم وفي عمل

وقل له يا عديم المثل مجتهداً *** فيوشع قبله في الأعصر الأول

وكلما صحّ أن تلقاه مكرمة *** للانبياء عدا اكرومة لولي

ومشهد الشمس في الفيحاء إن تره *** كأنه في العلى نار على جبل

وما رواه الطحاوي (1) وابن مندة من

حديث ( أسما ) شِفاً فيه من العلل

وعند وصول هذه الأبيات أجابه النقيب برسالة يقول فيها :

قسماً بشرفك يا شمس المعارف والعلوم التي أنارت بنورها الفجاج واهتدى بها السالكون في كل منهاج ، لقد أعجبني بل أطربني وأنعشني بل أهزني ما أحكمه فكرك من الآيات البينات والأبيات الأبيّات ، التي تعجز الفصحاء عن مباراتها والبلغاء عن الاتيان بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، ولله درك لقد أقمت على المدعى عليه برهاناً حتى صار لدى الداعي عياناً ، لا شك فيه واطمأنت له النفس بلا ريب يعتريه ولا بدع ، فحضرة مولانا أمير المؤمنين

ص: 293


1- الطحاوي هو الفقيه الحنفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي. وطحا قرية بصعيد مصر. وابن مندة أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد ولد باصبهان سنة 434 وتوفي سنة 513 وهو محدث إلى خمسة آباء كلهم علماء.

باب مدينة علم الرسول واسد اللّه الغالب في ميدان تحجم من الدخول فيه الأبطال الفحول ، فمن أجل ذلك لا يستبعد ردّ ذكاء له بعد الافول ولا سيما وهو في طاعة مولاها ومَن كان في طاعة مولاه لا بدّ أن يخصه ويتولاه. والسلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته (1) ومن روائعه قوله ناظماً حديث الكساء وهو من الأحاديث الشريفة المروية في كتب الفريقين والصحاح المعتبرة ، وأوله :

روت لنا فاطمة خير النسا *** حديث أهل الفضل أصحاب الكسا

تقول إن سيد الأنام *** قد جائني يوماً من الأيام

فقال لي إني أرى في بدني *** ضعفا أراه اليوم قد أنحلني

قومي ، علي بالكسا اليماني *** وفيه غطيني بلا تواني

قالت فجئته وقد لبّيته *** مسرعة وبالكسا غطيته

ص: 294


1- وحديث ردّ الشمس من المتواتر ، ذكره الفريقان في كتبهم ونظمه الشعراء في قصائدهم يقول عبد الحميد بن أبي الحديد في إحدى علوياته الشهيرة : يا من له ردّت ذكاء ولم يفز *** بنضيرها من قبل إلا يوشع ويقول عبد الباقي العمري : وتضيق الأرقام عن خارقات *** لك يا من ردّت اليه الذكاء ويقول الشيخ ابن نما في اطعام أهل البيت لليتيم والمسكين والأسير ومنهم علي عليهم السلام : جاد بالقرص والطوى ملأ جنبيه *** وعاف الطعام وهو سغوبُ فاعاد القرص المنيرَ عليه القرص *** ، والمقرض الكرام كسوب وقال بعض شعرائهم : بحب علي غلا معشر *** وقالوا مقالاً به لا يلي فحاميم في مدحه أُنزلت *** وردت له الشمس في ( بابل ) وقال حسان بن ثابت : يا قوم مَن مثل علي وقد *** ردّت عليه الشمس من غائب أخو رسول اللّه بل صهره *** والأخ لا يعدل بالصاحب

وكنت أرنو وجهه كالبدر *** في أربع بعده ليال عشر

فما مضى الا يسير من زمن *** حتى أتى أبو محمد الحسن

فقال يا أُماه إني أجدُ *** رائحة طيبة أعتقدُ

بأنها رائحة النبي *** أخي الوصي المرتضى علي

قلت نعم ها هو ذا تحت الكسا *** مدثّر به تغطى واكتسى

فجاء نحوه ابنه مسلّماً *** مستأذناً قال له ادخل مكرما

فما مضى إلا القليل إلا *** جاء الحسين السبط مستقلا

فقال يا ام أشمّ عندك *** رائحة كأنها المسك الذكي

وحق من أولاك منه شرفاً *** أظنها ريح النبي المصطفى

قلت نعم تحت الكسا هذا *** بجنبه أخوك فيه لاذا

فأقبل السبط له مستأذناً *** مسلّماً قال له ادخل معنا

وما مضى من ساعة إلا وقد *** جاء أبوهما الغضنفر الأسد

أبو الأئمة الهداة النجبا *** المرتضى رابع أصحاب العبا

فقال يا سيدة النساء *** ومَن بها زوجتُ في السماء

إني أشمّ في حماك رائحه *** كأنها الورد النديّ فايحه

يحكي شذاها عرف سيد البشر *** وخير من لبّى وطاف واعتمر

قلت نعم تحت الكساء التحفا *** وضمّ شبليك وفيه اكتنفا

فجاء يستأذن منه سائلاً *** منه الدخول قال فادخل عاجلا

قالت فجئت نحوهم مسلّمه *** قال ادخلي محبوّة مكرّمه

فعندما بهم أضاء الموضع *** وكلهم تحت الكساء اجتمعوا

نادى اله الخق جلّ وعلا *** يُسمع أملاك السموات العلى

أقسم بالعزة والجلال *** وبارتفاعي فوق كل عالي

ما من سما رفعتها مبنيّه *** وليس أرض في الثرى مدحيّه

ولا خلقتُ قمراً منيراً *** كلا ولا شمساً أضاءت نورا

وليس بحر في المياه يجري *** كلا ولا فلك البحار تسري

ص: 295

إلا لأجل من هم تحت الكسا *** من لم يكن أمرهم ملتبسا

قال الأمين قلت يا رب ومن *** تحت الكسا بحقهم لنا أبن

فقال لي هم معدن الرساله *** ومهبط التنزيل والجلاله

وقال هم فاطمة وبعلها *** والمصطفى والحسنان نسلها

فقلت يا رباه هل تأذن لي *** أن أهبط الأرض لذاك المنزل

فأغتدي تحت الكساء سادسا *** كما جُعلت خادماً وحارسا

قال نعم فجاءهم مسلّماً *** مسلّماً يتلو عليهم ( إنما ) (1)

يقول إن اللّه خصكم بها *** معجزة لمن غدا منتبها

أقرأكم رب العلا سلامه *** وخصكم بغاية الكرامه

وهو يقول معلناً ومفهما *** أملاكه الغر بما تقدما

قال عليٌ قلت يا حبيبي *** ما لجلوسنا من النصيب

قال النبي والذي اصطفاني *** وخصني بالوحي واجتباني

ما إن جرى ذكر لهذا الخبر *** في محفل الإشياع خير معشر

إلا وأنزل الاله الرحمه *** وفيهم حفت جنود جمّه

من الملائك الذين صدقوا *** تحرسهم في الدهر ما تفرقوا

كلا وليس فيهم مهموم *** إلا وعنه كشفت همومُ

كلا ولا طالب جاجة يرى *** قضاءها عليه قد تعسرا

إلى قضى اللّه الكريم حاجته *** وأنزل الرضوان فضلاً ساحته

قال عليٌ نحن والأحباب *** أشياعنا الذين قدماً طابوا

فزنا بما نلنا ورب الكعبه *** فليشكرنّ كل فرد ربّه

* * *

يا عجباً يستأذن الأمين *** عليهم ويهجم الخؤن

قال سليم قلت يا سلمان *** هل دخلوا ولم يك استأذانُ

فقال إي وعزّة الجبار *** ..........

ص: 296


1- آية « إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ».

الشيخ عبد الحسين الجواهر

المتوفى 1335

حقّ أن تسكبي الدموع دماء *** يا جفوني وأن تسيلي بكاء

زاد كرب البلا بهم فكأن *** القلب فيهم مشاهد كربلاء

شدّ ما قد لقي بها آل طه *** من رزايا تهوّن الأرزاء

مزقتهم بها الحوادث حتى *** عاد أبناء أحمد أنباء

جمعت شملهم ضحى فعدا الخطب *** عليهم ففرقتهم مساء

وأبوا لذّة الحياة بذلٍّ *** ورأوا عزة الفناء بقاء

يتهادون تحت ظل العوالي *** كالنشاوى قد عاقروا الصهباء

أوجب المصطفى عليهم حقوقاً *** أحسنوها دون الحسين أداء

وقضوا تشرب القنا السمر والبيض *** دماهم حول الفرات ظِماء

يا بنفسي لهم وجوها يودّ *** البدر منها لو استمد السناء

الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عبد علي ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ولد في النجف سنة 1282 وتوفي فيها سنة 1335 ودفن بمقبرة آبائه. وكان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً مشاركاً في الفنون له شهرته العلمية والأدبية متبحراً في الفقه والاصول قوي الذهن حادّ الفكر حلو اللفظ ، حضر على الحاج ميرزا حسين الخليلي وعلى الملا كاظم صاحب الكفاية وكان أخص أصحابه به. أعقب أربعة أولاد أشهرهم الشاعر الكبير - اليوم - محمد مهدي الجواهري أما الثلاثة فهم : عبد العزيز ، هادي ، جعفر.

ص: 297

وهذه قطعة من شعره هنأ بها الشيخ عباس بن الشيخ حسن بزفاف ولده الشيخ مرتضى :

غناً عن الراح لي في ريقك الخصر *** وفي محياك عن شمس وعن قمر

وفي خدودك ما ماج الجمال بها *** للطرف أبهج روض يانع نضر

يانبعة البان لا تجنى نضارتها *** للعاشقين سوى الأشجان من ثمر

لي منك لفتة ريم عن هلال دجى *** بغيهب من فروع الجعد مستتر

يهتزّ غصن نقاً يعطو بجيد رشاً *** يرنو بذي حَوَر يفترّ عن درر

توقّدت كفؤاد الصب وجنته *** فماج ماء الصبا منها بمستعر

وأطلع السعد بدراً من محاسنه *** بجنح ليل جعود منه معتكر

ما أسفر الصبح من لألاء غرته *** إلا وهمّ هزيع الليل بالسفر

أو سلّ صارم غنج من لواحظه *** إلا احتقرت مضاء الصارم الذكر

والقصيدة مطولة ، وقال في المناسبات كثيرة من الشعر والنثر ما تحتفظ به مجاميع الادباء وخمس قصيدة السيد حسين القزويني في مدح الامامين الكاظمين علیهماالسلام . وآل الجواهري من مشاهير الاسر العلمية في النجف واشتهرت بهذا اللقب بموسوعة ضخمة من أضخم الموسوعات الفقهية سميت ب ( جواهر الكلام ) الفقيه الكبير الشيخ محمد حسن ، اجتمعت فيه زعامة روحية وزمنية (1) ونبغ علماء وشعراء فطاحل بهذه الاسرة وما زالت تحتفظ بمجدها وتراثها العلمي وشخصياتٍ هي قدوة في الورع والتقوى والسلوك الطيب.

ص: 298


1- هو ابن الشيخ باقر ابن الشيخ عبد الرحيم ابن العالم العامل الاغا محمد الصغير ابن الاغا عبد الرحيم المعروف بالشريف الكبير ، ولما شرع بتأليف ( جواهر الكلام ) كان عمره 25 سنة. طبعت هذه الموسوعة عدة طبعات ، كان مولد المؤلف سنة 1202 تقريباً ووفاته غرة شعبان 1266 ه ورثاه كثير من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي وعمه السيد مهدي والشيخ صالح الكواز والشيخ ابراهيم صادق اوالشيخ عباس الملا علي والسيد حسين الطباطبائي وغيرهم من شعراء العراق ودفن بمقبرته الخاصة المجاورة لمسجده المعروف وذكر تفصيل ترجمته الشيخ اغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة.

قال السيد الأمين في الأعيان وكتب المترجم له إلى صاحب سمير الحاظر وأنيس المسافر (1) :

أوضحت لي بهواك عذرا *** لو استطيع عليه صبرا

وشرعت لي نهجاً سلكت *** من الصبابة فيه وعرا

وأذاقني طعم الهيام *** هواك فاستحليت مرا

وجلوت لي كأس الغرام *** فلن أفيق الدهر سُكرا

كم عبرة أطلقتها فغدت *** بأسر الشوق أسرى

ميل النزيف أميل من *** شغفي وما عاقرت خمرا

تذكي لواعج صبوتي ذكرى *** الحمى والشوق ذكرا

وزمان أنس مرّ ما أمرى *** زمان فيه مَرّا

ولياليا شقّ السرور على *** الندامى منك فجرا

مع كل منكسر الجنون اليه *** أهدى الغنج كسرا

قد أطلعت شمس الطلا *** منه بليل الجعد بدرا

ص: 299


1- هو العلامة البحاثة الشيخ علي الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء وكتابه ( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ست مجلدات ضخمة بالقطع الكبير مخطوط بخطه ، فيه من كل ما لذّ وطاب ، طالعته ورويت عنه ، فيه من التفسير والحديث والمسائل الفقهية والمنطقية والكلامية والنوادر الأدبية والقصائد الشعرية وقد ملأ بالعلم والأدب.

الشيخ محمد حسن الجواهر

المتوفى 1335

وأكبداً كظها حرّ الظما فغدت *** تغلي بقفر بحرّ الشمس مستعر

ما مسّها بارد ساغت موارده *** للجن والانس بين الورد والصدر

كم حرة لك يابن المصطفى هتكت *** بين المضلين من بدو ومن حضر

مذهولة من عظيم الخطب حائرة *** لم تبق كفّ الجوى منها ولم تذر

وكم رؤوس لكم فوق القنا رفعت *** مثل الأهلة تتلو محكم السور

وكم رضيع لكم يا ليت تنظره *** يُغني محياه عن شمس وعن قمر

بالسهم منفطم بالخيل منحطم *** بالسمر منتظم بالبيض منتثر

الشيخ محمد حسن ابن الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، ولد في حدود 1293 وتوفي سنة 1335 في النجف الأشرف ودفن إلى جنب جده الشيخ محمد حسن في مقبرتهم. كان عالماً فاضلاً تقياً ورعاً شديد الذكاء سريع الفطنة بهي الصورة رائق الحديث له خط رائق وشعر رصين في شتى المناسبات خصوصاً في مراثي الأئمة الأطهار وله ارجوزتان الاولى في الكلام سماها ( جواهر الكلام ) والثانية في اصول الفقه. تتلمذ على الشيخ اغا رضا الهمداني والملا كاظم الخراساني قدس اللّه روحيهما ومنح اجارات عديدة تنص باجتهاده وأهليته لمجلس الفتوى من أساتذته وغيرهم بالرغم من عمره القصير فقد ودع الحياة في العقد الرابع من عمره ، نظم فأبدع في النظم. قال في مطلع إحدى قصائده :

ص: 300

لي بين تلك الضعون أغيد *** مهفهف القدّ ناعم الخد

غصن نقاً فوق دعص رمل *** على رهيف يكاد ينقد

وله في اهل البيت علیهم السلام وما نالهم من حيف :

أبا صالح كلّت الألسنُ *** وقد شخصت نحوك الأعين

نعجّ اليك وأنت العليم *** فيما نُسرّ وما نُعلن

أتغضي وقد عزّ أنف الضلال *** وأنف الرشاد له مذعن

ويملك أمر الهدى كافر *** فيغدو وفي حكمه المؤمن

وأهل التقى لم تجد مأمناً *** وأهل الشقا ضمها المأمن

فهذي البقية من معشر *** قديماً لكم بغيهم أكمنوا

هم القوم قد غصبوا فيئكم *** وغيركم منه قد أمكنوا

أزاحوكم عن مقام به *** برغم الهدى شرهم اسكنوا

أفي اللّه يظعن عنه الوصي *** وشرّ دعيٍّ به يقطن

تداعوا لنقض عهود الألى *** أسروا النفاق ولم يؤمنوا

فأين إلى أين نصّ الغدير *** ألم يغنهم ذلك الموطن

فيا بئسما خلفوا أحمداً *** بعترته وهو المحسن

لقد كتموه شقاق النفوس *** فلما قضى نحبه أعلنوا

كأن لم يكونوا أجابوا دعاه *** ولم يرعوا الحق إذ يذعنوا

وأعظم خطب يطيش الحلوم *** وكل شجى دونه هيّن

وقوف ابنة المصطفى بينهم *** وفي القلب نار الأسى تكمن

وقد أنكروا ما ادعت غاصبين *** وكل بما تدعي موقن

وتقضي فداها نفوس الورى *** وتدفن في الليل إذ تدفن (1)

ص: 301


1- سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ج 3 / 173.

الشيخ علي شرارة

اشارة

المتوفى 1335

قال يرثي علي الاكبر ابن الحسين وقد استشهد مع أبيه بكربلاء

إذا ما صفاك الدهر عيشاً مروّ- قا *** أصابك سهم الدهر سهماً مفوّقا

فلا تأمن الدهر الخؤون صروفه *** حذاراً وان يصفو لك الدهر رونقا

وجار على سبط النبي بنكبة *** فأردى له ذاك الشباب المؤنقا

على الدين والدنيا العفا بعد سيدٍ *** شبيه رسول اللّه خَلقا ومنطقا

وخُلقاً كأن اللّه أودع حسنه *** اليه انتهى وصلا وفيه تعرّقا

حوى نعته والمكرمات بأسرها *** فحاز فخاراً والمكارم والتقى

تخطى ذرى العلياء مذ طال في الخطى *** فحاز سما العلياء سمتاً ومرتقى

ومن دوحة منها النبوة أورقت *** فطاها لها أصل وذامنه أورقا

فمن ذا يدانيه إذا انتسب الورى *** له المجد ذلاً لاوي الجيد مطرقا

ولم أنس شبل السبط حين أجالها *** فقرّب آجالاً وفرّق فيلقا

يصول عليهم مثلما صال حيدر *** فكم لهم بالسيف قد شجّ مفرقا

كأن قضاء اللّه يجري بكفه *** ومن سيفه يجري النجيع تدفقا

ولما دعاه اللّه لبّاه مسرعاً *** فسارع فيما قد دعاه تشوقا

فخرّ على وجه الصعيد كأنه *** هلال أضاء الافق غرباً ومشرقا

فنادى أباه رافع الصوت معلناً *** أرى جدّي الطهرَ الرسولَ المصدّقا

ص: 302

سقاني بكأس لست أظمأ بعدها *** سقاني زلالاً كوثرياً معبّقا

فجاء اليه السبط وهو برجوة *** يرى إبنه ذاك الشباب المؤنقا

رآه ضريباً للسيوف ورأسه *** كرأس عليٍّ شقّه السيف مفرقا

فخرّ عليه مثلما انقضّ أجدلٌ *** وأجرى عليه دمعه مترقرقا

فقال على الدنيا العفا بتلهف *** لمن بعدك اخترتُ الرحيلَ على البقا

أرى الدهر أضحى بعدك اليوم مظلما *** وقد كان دهري فيك أزهر مشرقا

فأبعدت عن عيني الكرى وتركتني *** فريداً وجفن العين مني مؤرقا

وأودعتني ناراً تؤجج في الحشا *** لها شعلٌ بين الشغاف تعلّقا

مضيت إلى الفردوس حُزتَ نعيمها *** وملكاً رقيت اليوم أعظمُ مرتقى

الشيخ علي شرارة ابن الشيخ حسن كان عالماً فاضلاً ملمّاً بكثير من العلوم ، ومن اسرة علمية دينية أصلها من جنوب لبنان - بنت جبيل - ولهم هناك أثر كبير على توجيه الناس نحو الخير ، والمترجم له أحد أعلام هذه الاسرة وصفة أحد المعاصرين فقال : أدركت أواخر أيامه وهو شيخ كبير معتدل القامة ، يقيم في إحدى حجرات الصحن العلوي الشريف وفي الزاوية الشرقية من جهة باب القبلة ويجتمع عنده العلماء والادباء كالسيد الحبوبي والشيخ محمد جواد الشبيبي وأمثالهما وكانت حجرته ندوة العلم والأدب وهو من الشعراء المكثرين طرق أبواب الشعر ونظم في الأئمة علیهم السلام ورثى أعلام عصره. قال الشيخ الطهراني في نقباء البشر : رأيت بخطه شرحاَ على اللمعة. وترجم له صاحب ( ماضي النجف وحاضرها ) وذكر جملة من شعره وقال : توفي حدود سنة 1330 في النجف وترجم له المعاصر علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر مرثيته المرحوم المجدد الميرزا حسن الشيرازي واخرى في مراسلاته مع السيد المجدد وجملة من رثائه لأهل البيت علیهم السلام .

ص: 303

الحاج محمد حسن كبّة

المتوفى 1336

عجباً وتلك من العجائب *** والدهر شيمته الغرائب

ويل الزمان وقلّما *** يصفو الزمان من الشوائب

ما أنت إلا آبقٌ *** يا ذا الزمان فمن أُعاتب

فلكم وكم من غدرة *** أوليتها الشمّ الأطائب

أفهل تراتك عند حا *** مية الذمار بها تطالب

إن الشهيد غداة يوم *** الطف أنسانا المصائب

لم أنس ساعة أفردوه *** يصول كالليث المحارب

قرم رأى مرّ المنون *** لدى الوغى حلو المشارب

فبرى الرؤوس بسيفه *** بريَ اليراع لخطّ كاتب

فالأرض من وثباته *** مادت بهم من كل جانب

حيث التلاع البيض *** من فيض الدما حمرٌ خواضب

فردٌ يروع الجمع ليس له *** سوى الصمصام صاحب

منها :

مَن للرعيل إذا تزاحمت *** الكتائب بالكتائب

مَن ذا يردّ إلى الحمى *** تلك المصونات الغرائب

من يطلق العاني الأسير *** مكبلاً فوق النجائب

أين الغطارفة الجحاجح *** والخضارمة الهواضب

ص: 304

أين الالى بوجوهها *** وسيوفها انجلت الغياهب

أم أين لا أين السراة *** المنتمون علاً لغالب

منها :

سرت الركائب حيث لا *** تدري بمن سرت الركائب

تسري بهنّ اليعملات *** حواسراً والصون حاجب

وغرائب بين العدى *** بشجونهن بدت غرائب

هتفت بخير قبيلة *** من تحت أخمصها الكواكب

قوموا عجالا فالحسين *** ورهطه صرعى ضرائب

قطعوا له كفاً على *** العافين تمطر بالرغائب

منعوه من ماء الفرات *** وقد أُبيح لكل شارب

لا أضحك اللّه الزمان *** ووجه دين اللّه قاطب

* * *

الحاج محمد حسن بن الحاج محمد صالح كبة البغدادي. ولد في شهر رمضان سنة 1269 في الكاظمية هو ابن القصر والثروة والنعمة فأصبح ابن العلم والشعر والأدب والثقافة. كان مثالاً للبر والاحسان والعطف والحنان وهو تلميذ الميرزا حسن الشيرازي (1) ثم الميرزا محمد تقي الشيرازي ، له أكثر من عشرة آلاف بيت شعر وقد نشر أكثره في ( العقد المفصل ) تأليف السيد حيدر الحلي وفي ديوان السيد محمد سعيد الحبوبي وفي ديوان السيد حيدر الحي.

ص: 305


1- السيد ميرزا حسن الشيرازي مرجع الطائفة الامامية في عصره ، أذعنت له الملوك هيبة وإجلالا ، مولده 1230 ه بشيراز وهاجر إلى النجف عام 1259 ه ودرس على الشيخ مرتضى الأنصاري فكان اللامع من تلامذته على كثرتهم وعند وفاة الشيخ رشح للرياسة. وانتقل إلى سامراء حيث اتخذها مقراً فازدهت به ازدهاء لم يسبق لها أن شاهدت مثله. وانتقل إلى جوار ربه سنة 1312 وكان يومه يوماً مشهوداً ارتجت له أرجاء العالم الاسلامي وحمل نعشه على الأكتاف من سامراء إلى النجف يتسلّمه فريق بعد آخر من عشائر العراق وبلدانه ودفن بجوار مشهد الامام أمير المؤمنين في مدرسته الواقعة في الجهة الشمالية وقبره لا يزال يزار.

توفي سنة 1336 ، كان مجلس آل كبة ندوة العلم والأدب وملتقى الأشراف وأرباب الفكر مضافاً إلى أنه مجتمع التجار فكان الحاج مصطفى ممن تدور عليه رحى التجارة في بغداد ورئاسة الجاه والمال وهو أخو المترجم له.

كتب رسالة للسيد ميرزا جعفر القزويني جمع فيها بين المنظوم والمنثور ، يتشوق بها اليه ويتقاضاه وعداً سبق منه في زيارته لبغداد ، واليك قسم المنظوم منها :

لوعة الوجد أحرقت أحشائي *** وفؤادي في الحلة الفيحاء

خامرتني الأشواق في مجلس الذ *** كر فكان السهاد من ندمائي

أنا لم يصفُ لي الهنا بهواء *** مذ تناءيتم ولا عذب ماء

ومحال صفاء دجلة مالم *** يجرِ ماء الفرات في الزوراء

فعليك السلام ما سجع الورق *** سحيراً في بانة الجرعاء

من مشوق إلى علا علوىٍّ *** جاز هام السماك والجوزاء

وفي نفس تلك الرسالة قوله :

فسل دراري الافق عن محاجري *** هل غير بُعد نورها أرقها

وسل مغاني الكرخ عن مدامعي *** هل غير قاني مزنها أغرقها

تلك مغاني لم تزل مزهرة *** لو لم يكن حرّ الجوى أحرقها

وسل حمامات تئن لوعةً *** في الدوح بالهديل من أنطقها

ومن غداة راعني يوم النوى *** بذائب من الحشا طوّقها

فأجابه السيد علي روي مقطوعتيه وقافيتيهما ضمن رسالة تركنا نشر المنثور منها ، جاء في الاولى قوله :

أرجٌ من معاهد الزوراء *** نشره فاح في حمى الفيحاء

أم عروس زفّت من الكرخ تمشي *** لي على الدل لا على استحياء

ص: 306

ونجوم من الرصافة أُلبسن *** حمى بابل برود ضياء

أم سطور بها حباني حبيب *** هو من مهجتي قريب نائي

أسكرتني ألفاظها ومعا *** نيها فقل في الكؤوس والصهباء

وسبتني صدورها وقوا *** فيها فقل في المشوق والحسناء

هيجت لي شوقاً بها كان قدماً *** كامناً في ضمائر الأحشاء

لفتىً ينتمي إذا انتسب النا *** س فخاراً لأكرم الآباء

وفي الثانية :

فكم أهاجت في الأسى لي مهجة *** إلى حمى الزوراء ما أشوقها

وكم أذالت في الهوى لي مقلة *** إلى مغاني الكرخ ما أرمقها

وكم روت لي عنك في أسنادها *** مودّةً في الدهر ما اصدقها

وكم دعت بالفضل من ذي لهجة *** عليك بالثناء ما أنطقها

استوطنت هذه الاسرة مدينة بغداد منذ العهد العباسي ، وتنسب اسرتهم إلى قبيلة ( ربيعة ) قال الشيخ حمادي نوح فيهم :

مسحت ربيعة في خصال زعيمها *** في الافق ناصية السماك الأعزل

ويقول الشيخ يعقوب من قصيدة فيهم :

اشارة

من القوم قد نالت ربيعة فيهم *** علا نحوها طرف الكواكب يطمح

ولهم يد بيضاء في تشجيع الحركة العلمية والأدبية ، وكانت مواسم أفراحها وأتراحهم مضامير تتبارى بها شعراء العراق ، ومن مشاهيرهم في القرن الثالث عشر الحاج مصطفى الكبير المتوفى سنة 1232 ه واشتهر بعده ولده الحاج محمد صالح المولود سنة 1201 ه وكان على جانب عظيم من الورع والنسك ، له حظ وافر من العلوم العربية وقسط من علوم الدين غير أن مزاولته للتجارة صرفه عن مواصلة الدراسة ، وكان محباً للعلم والأدب والعلماء والشعراء لهم

ص: 307

عليه عِدات يتقاضونها شهرياً وسنوياً ، ومن أعماله الخالدة الحصون والمعاقل والملاجئ التي بناها للزائرين وقوافل المسافرين بين بغداد وكربلاء ، وبين كربلاء والنجف ، وبين بغداد والحلة ، وبين بغداد وسامراء ، وكانت وفاته سنة 1287 ه وحمل باحتفال عظيم إلى النجف ودفن مع ابيه المصطفى في مقبرة لهم قرب باب الطوسي ، وهذه دواوين معاصري آل كبة تطفح بمديحهم والثناء عليهم ، كديوان السيد حيدر والشيخ صالح الكواز والشيخ حمادي نوح والسيد مهدي السيد داود والملا محمد القيم والشيخ عباس الملا علي النجفي وأمثالهم ، فهذا الشيخ صالح الكواز يهنيء الحاج محمد صالح كبة بقدوم ولديه : الحاج محمد رضا والحاج مصطفى من الحج سنة 1286 بقوله من قصيدة :

طربت فعمّ الكرام الطرب *** وضوء ذكاء يمدّ الشهب

كأن سرورك في العالمين *** يجاري نوالك أنّى ذهب

إلى قول قائلهم صادقاً *** كأنا رياض ومنك السحب

فمن كان ذا شأنه في الزمان *** كان حقيقاً على أن يحب

ومَن شاطر الناس أمواله *** فقد شاطرته الرضا والغضب

ليهنِ ابا المصطفى والرضا *** رضا اللّه والمصطفين النجب

وقد شكر اللّه سعييهما *** وأعطاهما منه نيل الارب

وقد ألّف السيد حيدر الحلي كتاباً جمع فيه ما قيل في هذه الاسرة لحدّ سنة 1275 ه وسماه ( دمية القصر ) وهذا الشيخ حمادي نوح يقول من قصيدة وهي في ختان العلامة الحاج محمد حسن كبة :

فتورة اللحظ تتلو آية الوسن *** إن الظبا أنحلتها سورة الفتن

وقرطك انتثرت دلاً سلاسله *** أم اتخذت الثريا حلية الاذن

يبين فيه صفاء الخد منطبعاً *** ومن سنا الخد إن عاينته يبن

ص: 308

بالصالح العمل ابيضّ الدجى ورعاً *** وفيه أشرقت الأيام بالمنن

وفيه أشرقت الدار التي لبست *** صنيع أخلاقه لا صنعة اليمن

أبا الرضا ونفيس الذكر ينحته *** من الحشا لك حباً جهد مفتتن

واحرّ قلباه كم أحني على كمدٍ *** هذي الضلوع وأطويها على شجن

يدي من المال صفر لم تنل إرباً *** وهذه فضلاء العصر تحسدني

ومن شعر السيد حيدر يخاطب المترجم له الحاج محمد حسن كبة :

ودار علاً لم يكن غيرها *** لدائرة الفخر من مركز

بها قد تضمّن صدر النديّ *** فتى ليديه الندى يعتزي

صليب الصفاة صليب القناة *** عود معاليه لم يُغمز

أرى المدح يقصر عن شأوه *** فاطنب إذا شئت أو أوجز

فلست تحيط بوصف امرء *** نشا هو والمجد في حيّز

ربيب المكارم ترب السماح *** قرى المعتفي ثروة المعوز

تراه خبيراً بلحن المقال *** بصيراً بتعمية المُلغز

نسجن المكارم أبراده *** وقلنا لأيدي الثنا : طرزي

وقال يخاطبه في اخرى ، مطلعها :

قل لأم العلى ولدت كريما *** رقّ خُلقا وراقَ خلقا وسيما

بدر مجد مدحته فكأني *** من مساعيه قد نظمت النجوما

وقال فيه :

كم مقامات نُهى حررها *** ليس فيها للحريريّ مقامه

وأنيقات بهى لو شاهها *** جوهريّ الشعر ما سام نظامه

ص: 309

وقال في مدحه :

باتت تعاطيني حُمياها *** بيضاء كالبدر محياها

جاءت من الفردوس تهدي لنا *** نفحة كافور بمسراها

لو لم تكن من حورها لم يكن *** رحيقها بين ثناياها

بتّ كما شئت بها ناعما *** معانقاً مرتشفاَ فاها

في روضة تَروي صباها الشذا *** عن ( حسن ) لا عن خزاماها

من لم يدع الفخر من غاية *** إلا وقد أحرز أقصاها

تنميه من حيّ العلا اسرة *** أحلى من الشهد سجاياها

هم أنجم الأرض بأنوارهم *** أضاء أقصاها وأدناها

وخمس قصيدة الحاج محمد حسن التي اولها :

ناديتُ مَن سلب الكرى عن ناظري *** وتجلدي بقطيعة وفراق

من أخجل الغزلان في لفتاته *** والشمس من خدّيه بالاشراق

وللسيد حيدر في المترجم له مدائح على عدد حروف الهجاء 28 قصيدة عدا ما قاله في أفراد آل كبة من القصائد المطولة فانه لصلته الوثيقة بهم وبالحاج محمد حسن خاصة فقدم قدّم له من شعره بكل مناسبة تكون.

والحاج محمد حسن ابن الحاج محمد صالح عالم كبير ومجتهد يؤخذ عنه الرأي الفقهي هذا بالاضافة إلى النماذج الأدبية التي قدمناها ، نشأ ببغداد ورباه والده تربية عالية ولما هاجر إلى النجف انكبّ على التحصيل واتصل بالشيخ اغا رضا الهمداني والشيخ عباس الجصاني وأخذ عنهما ثم هاجر إلى سامراء يحضر حوزة السيد المجدد الشيرازي وبعد وفاة السيد لازم أبحاث الشيخ ميرزا محمد تقي الشيرازي وهو مثال عالٍ في التقى والورع والتضلع في الفقه والاصول وعلى جانب كبير من رياضة النفس حتى قال معاصروه ومعاشروه أنه لم يكلّف

ص: 310

كل أحد بأي أمر حتى الزوجة والخادم وكان يتولى اموره بنفسه ، ففي كل ليلة يستمر في مراجعة دروسه إلى منتصف الليل فكانت عجوز إيرانية تقصد وجه اللّه في خدمته فاذا رأته قام ليحضر طعام العشاء قالت : اجلس فأنا آتيك بطعامك ، فيجلس. وبعد فهو صاحب الثورة العراقية التي أكسبت العراق إستقلاله ، وبفتواه المباركة نهض العراق واستبسلت العشائر حتى أرغموا الانكليز على إعطاء العراق استقلاله ، لقد كان تلميذه ومرافقه الحاج محمد حسن كبة يتلقى منه دروساً عملية تزيد وتنمو معه كلما ازداد تعلقاً باستاذه هذا وأخذ منه سيرة صالحة وسريرة طيبة وقد أجاز بالفتوى ورواية الحديث. له مؤلفات تبلغ الستين.

فقد كتب رسالة في الطهارة وفي الصلاة والصوم وشرح كتاب الحج من دروسه التي تلقاها وله حاشية على المكاسب وحاشية على المعالم والفوائد الرجالية والرحلة المكية أُرجوزة نظمها لما سافر للحج سنة 1292.

وفاته بالنجف الأشرف في أواخر شعبان ومدفنه بمقبرتهم الشهيرة بباب الطوسي. خلف أولاداً ثلاثة : محمد صالح ، رشيد ، معالي محمد مهدي كبة ، وأربعة عشر بنتاً.

* * *

ص: 311

الحاج حَبيب شعبان

اشارة

المتوفى 1336

أتقعد موتوراً برأيك حازم *** وفي يدك العليا من السيف قائم

متى تملأ الدنيا بهاءً وبهجة *** وعدلاً ولا يبقى على الأرض ظالم

فلله يوم الطف لا غرو بعده *** مدى الدهر حزناً أن تقام المآتم

غداة أبيّ الضيم جهّز للوغى *** كراماً اليها الدهر تنمى المكارم

بدور هدى قد لاح في صفحاتها *** من النور وسم للهدى وعلائم

وخرّوا على وجه الثرى سغب الحشا *** وأجسادهم للمرهفات مطاعم

عطاشا يبلّ الأرض فيض دمائهم *** وقد يبست أكبادها والغلاصم

وأضحى فريداً في الجموع شمردل *** بصارمه الوهاج تطفى الملاحم

وروى الضبا من جسمه وهو عاطش *** وأطعمها من لحمه وهو صائم

شديد القوى ما روعت عزمه العدا *** وقد وهنت منه القوى والعزائم

آل شعبان من البيوت القديمة في النجف ، ومن الاسر التي كانت لها نيابة سدانة الروضة الحيدرية في عهد ( آل الملا ) أما اليوم فلهم الحق في خدمة الحرم الحيدري فقط وفي أيديهم صكوك ووثائق رسمية ( فرامين عثمانية ) هي التي تخولهم الحق في تلك الخدمة.

أما المترجم له فقد كان أبوه بزازاً فمالت نفسه هو إلى طلب العلم فاشتغل

ص: 312

به ودرس وتأدب في النجف وكان فاضلاً كاملاً شاعراً أديباً وانتقل إلى كربلاء فقرأ على السيد محمد باقر الطباطبائي في الفقه مدة ، وكان من أخص ملازميه ثم سافر إلى الهند وذلك حوالي سنة 1325 وانقطعت أخباره إلى سنة 1336 فوردت كتب من رامبور تنبيء بوفاته هناك وكانت له هناك منزلة سامية عند أهلها.

أما ولادته كانت في حدود 1290 بالنجف. ترجم له صاحب الحصون فقال : فاضل ذكي وشاعر معاصر ، وأديب حسن المعاشرة ظريف المحاورة ، وترجم له السيد الأمين في الأعيان والشيخ السماوي في ( الطليعة ) وبعد الثناء عليه قال : وهو اليوم في الهند وقد انقطع عني خبره وكان أليفاً لي في النجف وشريكاً في بعض الدروس وله شعر في الطبقة الوسطى ولا يمدح غير أهل البيت علیهم السلام .

فمن شعره قوله يعدد فضائل الصديقة فاطمة الزهراء :

هي الغيد تسقي من لواحظها خمرا *** لذلك لا تنفك عشاقها سكرى

ضعايف لا تقوى قلوب ذوي الهوى *** على هجرها حتى تموت به صبرا

وما أنا ممن يستلين فؤاده *** وينفثن بالألحاظ في عقله سحرا

ولا بالذي يشجيه دارس مربع *** فيسقيه من أجفانه أدمعا حمرا

أأبكي لرسم دارس حكم البلى *** عليه ودار بعد سكانها قفرا

وأصفي ودادي للديار وأهلها *** فيسلو فؤادي ودّ فاطمة الزهرا

وقد فرض الرحمن في الذكر ودّها *** وللمصطفى كانت مودتها أجرا

وزوّجها فوق السما من أمينه *** علي فزادت فوق مفخرها فخرا

وكان شهود العقد سكان عرشه *** وكانت جنان الخلد منه لها مهرا

فلم ترضَ إلا أن يشفّعها بمن *** تحبّ فاعطاها الشفاعة في الاخرى

ص: 313

حبيبة خير الرسل ما بين أهله *** يقبّلها شوقا ويوسعها بشرا

ومهما لريح الجنة اشتاق شمّها *** فينشق منها ذلك العطر والنشرا

إذا هي في المحراب قامت فنورها *** بزهرته يحكي لأهل السما الزهرا

وإنسية حوراء فالحور كلّها *** وصائفها يعددن خدمتها فخرا

وإن نساء العالمين إماؤها *** بها شرّفت منهن مَن شرفت قدرا

فلم يك لولاها نصيب من العلى *** لأنثى ولا كانت خديجة الكبرى

لقد خصّها الباري بغرّ مناقب *** تجلّت وجلّت أن نطيق لها حصرا

وكيف تحيط اللسن وصفاً بكنه مَن *** أحاطت بما يأتي وما قد مضى خبرا

وما خفيت فضلاً على كل مسلم *** فيا ليت شعري كيف قد خفيت قبرا

وما شيّع الأصحاب سامي نعشها *** وما ضرّهم أن يغنموا الفضل والأجرا

بلى جحد القوم النبي وأضمروا *** له حين يقضي في بقيته المكرا

لقد دحرجوا مذ كان حياً دبابهم *** وقد نسبوا عند الوفاة له الهجرا

فلما قضى ارتدوا وصدّوا عن الهدى *** وهدّوا - على علم - شريعته الغرا

وحادوا عن النهج القويم ضلالة *** وقادوا عليا في حمايله قهرا

وطأطأ لا جبناً ولو شاء لانتضى *** الحسام الذي من قبل فيه محا الكفرا

ولكنّ حكم اللّه جارٍ وإنه *** لأصبر مَن في اللّه يستعذب الصبرا

ومن قوله :

يا أمّة نبذت وراء ظهورها *** بعد النبي إمامها وكتابها

ماذا نقمتِ من الوصي ألم يكن *** لمدينة العلم الحصينة بابها

أم هل سواه أخ لأحمد مرتضى *** من دونه قاسى الكروب صعابها (1)

ص: 314


1- عن أعيان الشيعة ج 20 صفحة 83.

ومن روائعه قصيدته الشهيرة التي لا زالت تتلى في المحافل الفاطمية والمقطع الأول منها :

سقاك الحيا الهطال يا معهد الإلف *** ويا جنة الفردوس دانية القطف

فكم مرّ لي عيش حلا فيك طعمه *** ليالي أصفى الودّ فيها لمن يصفى

بسطنا أحاديث الهوى وانطوت لنا *** قلوب على صافي المودة والعطف

فشتتنا صرف الزمان وإنه *** لمنتقد شمل الأحبّة بالصرف

كأن لم تدر ما بيننا أكؤوس الهوى *** ونحن نشاوى لا نملّ من الرشف

ولم نقض أيام الصبا وبها الصبا *** تمرّ علينا وهي طيبة العرف

أيا منزل الأحباب مالك موحشاً *** بزهرتك الأرياح أودت بما تسفي

تعفيت يا ربع الأحبة بعدهم *** فذكرتني قبر البتولة إذ عُفيّ

رمتها سهام الدهر وهي صوائب *** بشجو إلى أن جُرّعت غصص الحتف

* * *

ص: 315

أسطا علي البنّاء

المتوفى 1336

قف على تلك المغاني والربا *** واسك الأدمع غيثاً صيبا

واسأل الربع الذي كنّا به *** نسحب الأذيال فيه طربا

واعقل الوجناء في أكفانه *** وانتشق من تربه طيب الكبا

لا عدا مرتبعاً في رامة *** بالحيا الوسميّ أمسى معشبا

مربع اللذات قد عنّ لنا *** في حماه ذكر أيام الصبا

وبنفسي ظبيات سنحت *** تخذت بين ضلوعي ملعبا

آه من برق على ذي رامة *** هبّ في جرعائه ثم خبا

ذهبوا والصبر عن ذي لوعة *** يا أعاد اللّه لي مَن ذهبا

أيها المغرم في ذكر الحمى *** ومغانيه وهاتيك الظبا

دع مناح الورق والغصن وخذ *** بالبكا في رزء أصحاب العبا

واندب الفرسان من عمرو العلى *** وابلغ الشكوى لهم عن زينبا

تلك أشياخكم في كربلا *** أجروا الخيل عليها شزّبا

ونساكم بعد ذياك الحما *** سبيت لم تلق خدراً وخبا

نكست راياتكم في موقف *** جدّلت فيه الكرام النجبا

ثم تدعو قومها من غالب *** جردوا للثار مصقول الشبا

حرّة الأحشاء لكن دمعها *** ساكب يحكي الغمام الصيّبا

أيها الراكب هيما في للسري *** تقطع الآكام حثّاً والربى

نادهم إن جئتَ من وادي قبا *** يا أُباة الضيم يا أهل الإبا

حلّ فيكم حادث في كربلا *** طبّق الشرق أسى والمغربا

* * *

اوسطا على البناء الشاعر الأمي البغدادي. جاء في الدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر للحاج علي علاء الدين الألوسي إن هذا الشاعر

ص: 316

كان اعجوبة بغداد في هذا العصر فإنه ينظم الشعر مع كونه أُمياً لا يقرأ ولا يكتب ومشغول بصنعة البناء بعمله وهو من أبناء الشيعة ، ومن شعره قوله في الحسين :

لمن الجنود تقودها امراؤها *** لقتال مَن يوم اللقا خصماؤها

قد غصت البيدا ببعض خيولهم *** وببعض أجمعهم يضيق فضاؤها

وبنو لويٍّ للكريهة شمّرت *** عن ساعد قد قرّ فيه لواؤها

سقت المواضي من دماء أمية *** وكبودها ظمأى يفيض ظماؤها

من بعد ما أردوا قساورة الوغى *** سقطوا تلفّ جسومهم بوغاؤها

وبقي حمى الإسلام بين الكفر إذ *** همّازها في رمحه مشاؤها

وحمى شريعة جده في مرهف *** منه تشيّد في شباه بناؤها

وأورد له جملة من الشعر وقال : كانت ولادته في سنة 1265 ه وتوفي اوسطا على الشاعر المذكور يوم الاربعاء الثاني عشر من شهر رجب الفرد سنة 1336 ه.

ثم قال في الهامش صفحة 166 من الدر المنتثر ما يلي : جاء في هامش صفحة 57 من مخطوطة الأصل ما نصه : إن هذا الشاعر أوسطا علي المذكور كان لا يجيد النظم إنما كان هناك شخص اسمه الشيخ جاسم بن الملا محمد البصير الذي كان ينظم له ، وهو في الحلة ، انتهى. أقول وروى لي الخطيب المعاصر السيد حبيب الأعرجي أنه سمع من خاله الشيخ جاسم الملة بأنه كان ينظم القصائد وينسبها للمترجم له - الاوسطا على البناء - ولكني وجدتُ جملة من القصائد الرائعة في رثاء الحسين 7 تنسب لهذا الرجل وكلها في مخطوط المرحوم السيد عباس الموسوي الخطيب المسمى ب ( الدر المنظوم في الحسين المظلوم ) والمنقول لي أيضاً أن المرحوم السيد حسن - خطيب بغداد - ابن السيد عباس كان يقول : كنا ننظم شعراً في رثاء أهل البيت علیهم السلام وننسبه إلى اوسطا علي البناء ، وكان يبذل المال في سبيل ذلك. وللشاعر المترجم له ديوان شعر يملكه عبد الوهاب ابن الشيخ جاسم الملة خطيب الحلة - اليوم.

ص: 317

محمود سبتي

اشارة

المتوفى 1336

قال مخمساً ، والاصل للشيخ محسن أبو الحب :

خيّب الدهر فيكم لي ظنّا *** يوم ناديتكم وعنكم ظعنّا

صاح شمر وقد شفى القلب منا *** صوّتي باسم من أردتِ فإنّا

قد أبدناهم جميعاً قتالا

قد تركنا الجسوم فوق رمال *** ورفعنا الرؤوس فوق عوالي

فاعولي بعد منعة وجلال *** أنت مسبية على كل حال

فاخلعي العز والبسي الإذلالا

وقال مخمساً ، والاصل لعبد الباقي العمري :

يا من إذا ذكرت لديه كربلا *** لطم الخدود ودمعه قد أسبلا

مهما تمرّ على الفرات فقل ألا *** بعداً لشطك يا فرات فمرّ لا

تحلو فإنك لا هنيٌ ولا مري

أيذاد نسل الطاهرين أباً وجد *** عن ورد ماء قد ابيح لمن ورد

لو كنتَ يا ماء الفرات من الشهد *** أيسوغ لي منك الورود وعنك قد

صدر الإمام سليل ساقي الكوثر

وقال مخمساً :

بوجد فقد أضحى فؤادي مضرما *** لمن أصبحت بعد التخدّر مغنما

فنادت وقد فاضت مدامعها دما *** أقلّب طرفي لا حمىٌ ولا حمى

سوى هفوات السوط من فوق عاتقي

ص: 318

لقد سيّرت تطوي الضلوع على لظى *** وقد تركت جسم الحسين مرضضا

فنادت ولكن لا تطيق تلفظا *** أأسبى ولا ذاك الحسام بمنتضى

أمامي ولا ذاك اللواء بخافق

الشاب النابغ محمود ابن الخطيب الشهير الشيخ كاظم سبتي ، ولد بالنجف الأشرف سنة 1311 وقد أرخ أبوه عام ولادته بقوله :

أتاني غلام وضييء أغر *** أضاء لعيني ضياء القمر

حمدتُ الاله وسميته *** بمحمود أشكر فيمن شكر

منير به ظلمات الهموم *** تجلّت فأرخ ( بدر ظهر )

كان ذكياً فطناً حسن الخلق جميل الصورة بهيّ المنظر ، معتدل القد صبيح الوجه ، حلو الكلام لطيف الشمائل خفيف الروح ، أقبلت عليه القلوب وأحبته النفوس لما جبل عليه من لطف المعاشرة وطيب المفاكهة ، وحسن الشكل ، توسم فيه أبوه حدة الفهم والنبوغ وبرع بنظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ودرس المباديء من النحو والصرف وحفظ الشعر الرصين ولمع بين الذاكرين فكانت محافل خطابته تغصّ بالسامعين لجودة إلقائه وعذوبة حديثه فكان محط آمال أبيه ولكن المنية عاجلته وهو في ريعان الشباب وغضارة العمر فقد توفي ليلة الجمعة 26 جمادى الثانية 1336 وكانت النجف محاصرة بن قبل الانكليز ففتحت الأبواب ودفن في الصحن الحيدري بالقرب من إيوان السيد كاظم اليزدي. ترجم له في ديوان والده المطبوع بالنجف.

ص: 319

الشيخ حسن الحمود

اشارة

المتوفى 1337

أقيما بي ولو حَلّ العقال *** على ربع بذي سلم وضال

قفا بي ساعة في صحن ربعٍ *** محت آثاره نوبُ الليالي

وشدّا عقل نضوكما وحلا *** وكاء العين بالدمع المذال

هو الربع الذي لم يبق منه *** سوى رمم وأطلالٍ بوال

مضى زمن عليه وهو حال *** بأهليه فأضحى وهو خالي

لو أنك قد شهدت به مقامي *** إذاً لبكيت من جزع لحالي

وقفتُ به ودمعي كالعزالي *** يصوبُ دماً وقد عزّ العزا لي

أُسرّح في معاهده لحاظي *** وقلبي في لظى الأحزان صلي

اسائله وأعلم ليس إلا *** صدى صوتي مجيباً عن سؤالي

ذكرت به بيوت الوحي أضحت *** بطيبة من بني الهادي خوالي

غدت للوحش معتكفاً وكانت *** قديماً كعبة لبني السؤالِ

نأى عنها الحسين فهدّ منها *** بناء البيت ذي العمد الطوالِ

سرى ينحو العراق بأسدِ غابٍ *** تعدّ الموت عيداً في النزالِ

تعادى للكفاح على جياد *** ضوامر أنعلتها بالهلال

عجبت لضمّرٍ تعدو سراعاً *** وفوق متونها شمّ الجبال

نعم لولا عزائم مَن عليها *** رماها العجز في ضنك المجال

تسابق ظلّها فتثير نقعاً *** به سلك القطا سبل الضلال

ص: 320

عليها غلمة من آل فهر *** شمائلها أرقّ من الشمال

تمدّ إلى الطعان طوال أيد *** إذا قصرت عن الطعن العوالي

تسابق للمنية كالعطاشى *** قد استبقت إلى الورد الزلال

وما برحت تحيي البيض حتى *** هوت مثلَ البدور على الرمال

تساقط عن متون الخيل صرعى *** كما سقطت من السلك اللئالي

غدت أشلاؤهم قطعاً وأضحت *** صدورهم جفيراً للنبال

وأصبح مفرداً فرد المعالي *** يُثني عضبه جمع الضلال

عدا فأطار قلب الجيش رعباً *** ثنى قلب اليمين على الشمال

يكاد الرمح يورق في يديه *** لما في راحتيه من النوال

فما بأس ابن غيلٍ وهو طاوٍ *** رأى شبليه في أيدي الرجال

بأشجع من حسين حين أضحى *** بلا صحب يدير رحى القتال

سطا فاقتضّها بالرمح بكراً *** والقحها عوانا عن حيال

ولما اشتاق للاخرى ووفى *** بحدّ حسامه حق المعالي

هوى للترب ظامي القلب نهباً *** لبيض القضب والأسل الطوال

وثاوٍ في هجير الشمس عارٍ *** تظلله أنابيب العوالي

أبى إلا الإبا فقضى عزيزاً *** كريم العهد محمود الفعال

قضى عطر الثياب يفوح منها *** أريج العزّ لا أرج الغوالي

وأرخص في فداء الدين نفساً *** يفدّيها القضاء بكل غالي

وما سلبت عداه منه إلا *** رِداً أبلته غاشية النبال

وسيفاً فلّ مضربه قراع *** الطلى ومحزّق الدرع المذال

لهيف القلب تُروى من دماه *** - برغم الدين - صادية النصال

تفطر قلبه وعداه ظلماً *** تحلئه عن الماء الحلال

صريعاً والعتاق الجرد تقفو *** الرعال بجسمه إثر الرعال

ص: 321

وثاكلة تناديه بصوت *** يزلزل شجوه شمّ الجبال

عزيز يا بن امّ عليّ تبقى *** ثلاثاً في هجير الشمس صال

أخي انظر نساءك حاسرات *** تستّر باليمين وبالشمال

سرت أسرى كما اشتهت الأعادي *** حواسر فوق أقتاب الجمال

* * *

الشيخ حسن الحمود أديب موهوب يتحدر نسبه من اسرة عربية تنتمي إلى قبيلة ( طفيل ) ووالده العالم الجليل والفقيه الكبير الشيخ علي هاجر من الحلة إلى النجف وهو علي بن الحسين بن حمود توجه وهو في سنّ الكهولة وأكبّ على طلب العلم حتى نال درجة الاجتهاد مضافاً الى تقاه وورعه وموضع ثقة المجتمع على اختلاف طبقاته فكان يقيم الصلاة وتأتم به في الصحن العلوي الشريف مختلف الطبقات إلى أن توفي 7 شوال 1344 بعد مرض ألزمه الفراش أعواماً ولقد رزقه اللّه ولدين فاضلين هما الحسن والحسين أما الثاني وهو الأصغر فكان من المجتهدين العظام وممن يشار اليهم بالبنان وقد توفي قريباً وهو من المعمرين ، وأما الأول وهو المترجم له فقد كان من نوابغ عصره ومولده كان حوالي سنة 1305 في النجف ونشأ بها في كنف والده ، ومن أشهر أساتذته الذين اتصل بهم واستفاد منهم في العربية وآدابها هو الشيخ محمد رضا الخزاعي والشيخ عبد الحسين بن ملا قاسم الحلي والسيد مهدي الغريفي البحراني ثم هو من خلال ذلك شديد الملازمة لحضور نادي العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي وقد كتب بخطه الجميل ديوان الشيخ محمد رضا الخزاعي وهناك مخطوطات أدبية كتبها بخطه ، توفاه اللّه يوم الثلاثاء 11 ربيع الثاني سنة 1337 الموافق 1 كانون الثاني 1919 ودفن في الصحن الحيدري أمام الإيوان الذهبي وجزع عليه أبوه جزعاً شديداً بان عليه أثره كما أسف عليه عارفوه وأقام له مجلس العزاء الفاضل الأديب السيد علي سليل العلامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي ورثاه بقصيدة مطلعها :

أو بعد ظعنك تستطاب الدار *** فيقرّ فيها للنزيل قرار

ص: 322

وظهرت شجاعته الأدبية يوم دعي إلى بغداد لأداء الامتحان في عهد الدولة العثمانية بدل من أن يساق لخدمة الدفاع المصطلح عليها ب ( القرعة ) وكان رئيس اللجنة السيد شكري الألوسي وعندما استجوب بمسائل دينية وعربية نحوية وصرفية أكبره الرئيس الالوسي فمنحه ساعة ذهبية فارتجل المترجم له قصيدة أولها.

يا فكر دونك فانظمها لنا دررا *** من المدائح تتلوها لنا سورا

ويا لساني فصّلها عيون ثنى *** تزان فيه عيون الشعر والشعرا

ويا قريحة جودي في مديح فتى *** تجاوز النيرين الشمس والقمرا

خلف آثاراً منها رسالة في علم الصرف وهي اليوم عند ولده الشيخ أحمد وديوان شعره الذي جمعه ولده المشار اليه يقارب 1500 بيتاً وهو مرتب على حروف الهجاء ومن أشهر قصائد رائعته التي نظمها في الصديقة الطاهرة فاطمة بنت النبي محمد صلی اللّه علیه و آله ، وملاؤها شجاء وأولها :

سل أربعا فطمت أكنافها السحب *** عن ساكنيها متى عن افقها غربوا

وهي مشهورة محفوظة وقد ترجم له الكاتب المعاصر علي الخاقاني في شعراء الحلة ترجمة ضافية وذكر طائفة من أشعاره ونوادره وغزلياته ومراسلاته أما قصائده الحسينية فاليك مطالعها :

1 - هنّ المنازل غيّرت آياتها *** أيدي البلى وطوت حسان صفاتها

69 بيتاً

2 - لست ممن قضى بحبّ الملاح *** لا ولا هائماً بذات الوشاح

54 بيتاً

3 - ما شجاني هوى الحسان الغيد *** لا ولا همتُ في غزال زرود

58 بيتاً

4 - من هاشم العلياء جبّ سنامها *** خطب أحلّ من الوجود نظامها

42 بيتاً

ص: 323

5 - ألا دع عيوني لهتانها *** وخلّ حشاي لنيرانها

50 بيتاً

وله من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) :

خلت أربع اللذات واللّهو والانس *** ولم يبق منها غير أطلالها الدرسِ

وقفت بها والوجد ثقّف أضلعي *** ومن حرقي كادت تفيض بها نفسي

اسائلها اين الذين عهدتهم *** تضيئين فيهم كنت يا دار بالأمس

فلم تطق التعبير عمّا سألتها *** لتخبرني آثار أطلالها الخرس

فأجريتُ دمعي في ثراها تذكراً *** لأربع طه سيد الجنّ والانس

لقد أقفرت مذ غاب عنها ابن فاطم *** وأضحت مزار الوحش خاوية الاسّ

سرى نحو أرجاء العراق تحوطه *** أسودٌ لورد الموت أظما من الخمس

أفاعي قناهم تنفث الموت في العدا *** إذا اعتقلوها وهي ليّنة اللمس

وبيض ضباهم يدهش الحتف ومضها *** ويترك أسد الغاب خافتة الحسّ

تهادى كأمثال النشاوى إلى الردى *** إذا غنّت البيض الرقاق على الترس

أباحوا جسوم القوم بيض سيوفهم *** فلم تر غير الكف في الأرض والرأس

ولما دعاهم ربهم للقائه *** هلموا أحبائي إلى حضرة القدس

هووا للثرى نهب الصفاح جسومهم *** عراة على البوغاء تصهر بالشمس

تجول عليها العاديات نهارها *** وتأتي عليها الوحش تنحب إذ تمسي

كرام تفانوا دون نصر ابن أحمد *** وأقصى سخاء المرء أن يسخ بالنفس

وله في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومصرعه قصيدة مطلعها :

عج بسفح اللوى وحيّ الربوعا *** وأذل قلبك المعنّى دموعا

واخرى في الصديقة فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) أولها :

لا رعى اللّه قيلة وعراها *** سخط موسى وحلّ منها عراها

ص: 324

وله من قصيدة في مدح السيد محمد القزويني وهذا غزلها :

أتى زائراً والليل شابت ذوائبه *** يرنحه غصن الصبا ويلاعبه

تزرّ على البدر المنير جيوبه *** وتضفو على الغصن النضير جلاببه

يقابل ليلاً صدره افق السما *** فترسم فيه كالعقود كواكبه

على وجنتيه أنبت الحسن روضة *** حمتها أفاعي فرعه وعقاربه

وفي فمه ماء الحياة الذي به *** يعيش - إلى أن ينقضي الدهر - شاربه

( ولعت به غضّ الشبيبة ناشئاً ) *** جرى الماء في خديه واخضرّ شاربه

فغادرني ( قوساً ) مثقّف قدّه *** وصيّرني رهن الكآبة ( حاجبه )

وقلت له زر. قال يفضحني السنا *** فقلت له ذا ليل شعرك حاجبه

فقال ظلام الليل لم يخف طلعتي *** فقلت له أردى الكرى مَن تراقبه

فجاء وقد مدّ الظلام رواقه *** تمانعه أردافه وتجاذبه

فبتنا وأثواب العفاف تلفّنا *** وسادته زندي وطوقي ذوائبه

ونروي أحاديث الصبابة بيننا *** فيعذلني طوراً وطوراً اعاتبه

إلى أن أغار الصبح في نوره على *** دجى الليل وانجابت برغمي غياهبه

فودعني والدمع يغلب نطقه *** وقد غمر الأرض البسيطة ساربه

وفارقته لكن قلي من جوى *** جرى أدمعاً من غرب عيني ذائبه

بديع جمال عن معانيه قاصر *** بياني وقد ضاقت عليّ مذاهبه

غدائره سودٌ وحمر خدوده *** وصفر تراقيه وبيض ترائبه

وخطّ يراع الحسن لاماً بخده *** فسبحان باريه ويا عزّ كاتبه

رقيق أديم الوجه يجرح خده *** إذا ما النسيم الغضّ هبّت جنائبه

إذا مرّ في وادي الأراك تغارُ من *** محاسنه أغصانه ورباربه

ص: 325

الحاج مصطفى ميرزا

اشارة

المتوفى 1338

يا راكب القود تجوب الفلا *** وتقطع الأغوار والأنجدا

عرّج على الطف وعرّس بها *** عني وقف في أرضها مكمدا

وانشد بها من كل ترب العلا *** من هاشم مَن شئت أن تنشدا

فكم ثوت فيها بدور الدجى *** وكم هوت فيها نجوم الهدى

وكم بها للمجد من صارم *** عضبٍ على رغم العلى أغمدا

كل فتى يعطي الردى نفسه *** ولم يكن يعطي لضيم يدا

يخوض ليل النقع يوم الوغى *** تحسبه في جنحه فرقدا

يصدع قلب الجيش إما سطا *** ويصدع الظلماء إما بدا

تلقاء مثل الليث يوم الوغى *** بأساً ومثل الغيث يوم الندى

إن ركع الصارم في كفه *** خرّت له هام العدى سجّدا

لم يعترض يوم الوغى جحفلاً *** إلا وثنّى جمعه مفردا

سامهم الذل بها معشر *** والموت أحلى لهم موردا

ومذ رأوا عيشهم ذلة *** والموت بالعز غدا أرغدا

خاضوا لظى الهيجاء مشبوبة *** واقتحموا بحر الردى مزبدا

وقبّلوا خدّ الظبا أحمراً *** وعانقوا قدّ القنا أغيدا

وجرّدوا من عزمهم مرهفاً *** أمضى من السيف إذا جرّدا

يفدون سبط المصطفى أنفساً *** قلّ بأهل الأرض أن تفتدى

ص: 326

عجبت من قوم دعوه إلى *** جند عليه بذله جنّدا

وواعدوه النصر حتى إذا *** وافى اليهم أخلفوا الموعدا

وأوقدوا النار على خيمة *** وتّدها بالشهب مَن وتّدا

يا بأبي ظمآن مستسقياً *** وما سقوه غير كأس الردى

ويا بروحي جسمه ما الذي *** جرى عليه من خيول العدا

وذات خدر برزت بعده *** في زفرات تصدع الأكبدا

وقومها منها بمرأىً فما *** أقربهم منها وما أبعدا

فلتبك عين الدين من وقعة *** أبكت دماً في وقعها الجلمدا

وقال من قصيدة في الامام الحسين (عليه السلام) :

وقائلة لي عزّ قلبك بعدهم *** فقلت أصبت القول لو كان لي قلبُ

فقد أرخصت مني الدموع ولم أزل *** اغالي بدمعي كلما استامه خطب

رزية قوم يمموا أرض كربلا *** فعاد عبيراً منهم ذلك الترب

أكارم يروي الغيث والليث عنهم *** إذا وهبوا ملأ الحقائب أوهبّوا

إذا نازلوا الأعداء أقفر ربعها *** وإن نزلوا في بلدة عمّها الخصب

تخفّ بهم يوم اللقاء خيولهم *** فتحسبها ريحاً على متنها الهضب

إذا انتدبوا يوم الكريهة أقبلوا *** يسابق ندباً منهم ما جد ندب

يكلفهم أبناء هند مذلة *** وتوصيهم بالعزّ هندية قضب

فيا لهفة الاسلام من آل هاشم *** ووا حرباً للدين مما جنت حرب

فأضحى إمام المسلمين مجرداً *** وحيداً فلا آل لديه ولا صحب

وظلّ وليل النقع داجٍ تحفه *** نصول القنا كالبدر حفّت به الشهب

وقد ولي الهنديّ تفريق جمعهم *** فصحّ ( لتقسيم ) الجسوم به الضرب

إلى أن قضى ظمآن والماء دونه *** ( مباح على الرواد منهله العذب )

بنفسي يا مولاي خدك عافر *** وجسمك مطروح أضرّ به السلب

* * *

ص: 327

الشيخ اغا مصطفى ابن الاغا حسن ابن الميرزا جواد ابن الميرزا أحمد التبريزي من اسرة مجتهد الشهيرة بتبريز ، ولد سنة 1295 وتوفي فيها في أواسط شهر رمضان 1337 وجاءت جنازته إلى النجف الاشرف سنة 1338 درس بالنجف مدة حتى نال حظاً وافراً من العلم ورجع لمسقط رأسه.

كان كما يقول الشيخ الأميني في ( شهداء الفضيلة ) أحد أفذاذ الامة وعباقرة العصر الحاظر. ولد بتبريز سنة 1297 وتخرّج على الخراساني وشيخ الشريعة الأصبهاني وآية اللّه الطباطبائي اليزدي. له حاشية على الكفاية في الاصول لم تتم. رسالة في اللباس المشكوك ، أرجوزة في علمي العروض والقافية ، رسائل مختلفة في الفلكيات والرياضيات ، اما في الأدب فكان فارس ميدانه ، ولقد قال فيه الحجة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :

تركت سيوف الهند دونك في الفتك *** على العرب العربا وأنت من الترك

تبرّزت من تبريز رب فصاحة *** بها مدنياً قد حسبناك أو مكي

فكم لك من نثر ونظم تزيّنت *** بنفسهما المسكيّ كافورة المسك

سبكتَ مياه الحسن في حسن سبكها *** فيها لأبيك الخير من حسن السبك

لو الملك الضليل يهدى لمثلها *** لظلّ يفاديها وإن عزّ بالمسك

وتسليه عن ( ذكرى حبيب ومنزل ) *** ويضحك إعجاباً بها من ( قفا نبك )

إذا رحت تتلوها غداً وهو قائل *** فديتك واللسن الأعاريب يا تركي

لباب معان يسحر اللب لفظها *** فيحسبه نظم اللئالي بلا سلك

ولكن آي المصطفى آية العلى *** أثارت فآثرت اليقين على الشك

فتى زاد أيام الصبا سمك رفعة *** تقاصر شأو الشيب عن ذلك السمك

وتلقاه قبل الاختبار مهذباً *** مخائله تغني اللبيب عن المسك

وللعلامة الشيخ محمد رضا الأصبهاني هذه الأبيات كتبها اليه :

علوت في الفضل السهى والسماك *** فأنت بدر والمعالي سماك

لاغرو إن فقت الثريا علاً *** فأنت في ذلك تقفو أباك

ومذ حللت القلب أكرمته *** وكيف لا يكرم مثلي حماك

ص: 328

وله من الشعر معارضاً قصيدة الشيخ محمد السماوي التي أولها :

وجهك في حسنه تفنن *** أنبت حول الشقق سوسن

قال في أولها :

سبحان من صاغه وكوّن *** في غصنٍ وردةً وسوسن

أحنّ من ثغره ومَن ذا *** رأيته لليتيم ما حن

شطّر بالوجد بيت قلبي *** وفيه كل الغرام ضمّن

اللّه كم من دقيق معنى *** للحسن ذاك الوشاح بيّن

ضمّن قلبي الأسى وعهدي *** بمتلف الحب لا يضمّن

لولا ثناياه ما حسبنا *** أن صغار الجمان أثمن

وكانت بينه وبين الشيخ اغا رضا الأصبهاني والشيخ جواد الشبيبي مراسلات ومما أرسل اليهما قصيدة أولها :

شهدت ليس الشهد غير ريقها *** ما ذاقها سواك يا سواكها

وغير أخلاق الرضا فهي التي *** ما أدركت أو لو النهى إدراكها

المرتدي ببردة العلم التي *** سدى التقى لحمتها وحاكها

تعوّدت أنمله البسط فلو *** همّ ببخل لم يطق إمساكها

يابن الاولى قد وطأت أقدامهم *** هام السما فشرّفوا أملاكها

وترجم له في ( الحصون المنيعة ) فقال : كان شاباً ظريفاً حسن الأخلاق طيب الاعراق ، جميل المعاشرة ، عالماً فاضلاً مهذباً كاملاً ، أديباً لبيباً ، شاعراً ماهراً ، وله شعر جيد السبك رائق اللفظ وله مطارحات ومراجعات مع شعراء عصره من شعراء النجف وغيرهم ، وكان من أصدقاء الشيخ اغا رضا الأصفهاني فكم دارت بينهما من مطارحات ومراسلات شعرية وأدبية. انتهى

ص: 329

السيد عبد المطلب الحي

اشارة

المتوفى 1339

قم بنا ننشد العيس الطلاحا *** عن بلاد الذلّ نأياً وانتزاحا

الى ان يتخلص لموقف الحسين وبطولته فيقول :

بأبي الثابت في الحرب على *** قدم ما هزّها الخوف براحا

كلما خفّت بأطواد الحجا *** زاد حلماً خفّ بالطود ارتجاحا

مسعر إن تخبو نيران الوغى *** جرّد العزم وأوراها اقتداحا

لم يزل يرسي به الحلم على *** جمرها صبراً وقد شبّت رماحا

كلما جدّت به الحرب رأى *** جدّها في ملتقى الموت مزاحا

إن يخنه السيف والدرع لدى *** ملتقى الخيل إتقاءً وكفاحا

لم يخنه الصبر والعزم إذا *** صرّت الحرب إدّراعاً واتشاحا

رب شهباء رداح فلّها *** حين لاقت منه شهباء رداحا

كلما ضاق به صدر الفضا *** صدره زاد اتساعاً وانشراحا

فمشى قدماً لها في فتية *** كأسود الغاب يغشون الكفاحا

يسيقون الجرد في الهيجا إذا *** صائح الحي بهم في الروع صاحا

ويمدّون ولكن أيدياً *** للعدى تسبق بالطعن الرماحا

أيدياً في حالة تنشي الردى *** وبأخرى تمطر الجود سماحا

فهي طوراً بالندى تحيي الورى *** وهي طوراً أجلٌ كان متاحا

بأبي أفدي وجوهاً منهم *** صافحوا في كربلا فيها الصفاحا

ص: 330

أوجهاً يشرقن بشراً كلما *** كلح العام ويقطرن سماحا

تتجلى تحت ظلماء الوغى *** كالمصابيح التماعاً والتماحا

أرخصوا دون ابن بنت المصطفى *** أنفساً تاقت إلى اللّه رواحا

فقضوا صبراً ومن أعطافهم *** أرج العز بثوب الدهر فاحا

لم تذق ماءً سوى منبعثٍ *** من دم القلب به غصت جراحا

أنهلت من دمها لو أنه *** كان من ظامي الحشا يطفي التياحا

أعريت فهي على أن ترتدي *** بنسيج الترب تمتاح الرياحا

وتبقّوا أجدلاً من عزّه *** لسوى الرحمن لم يخفض جناحا

يتلقى مرسل النبل بصد *** رٍ وسع الخطب وقد سدّ البطاحا

فقضى لكن عزيزاً بعدما *** حطم السمر كما فلّ الصفاحا

ثاوياً ما نقمت منه العدى *** صرعة قد أفنت الشعر امتداحا

ونواعيها مدى الدهر شجى *** يتجاوبن مساءً وصباحا

وآ صريعاً نهبت منه الضبا *** مهجة ذابت من الوجد التياحا

يتلظى عطشاً فوق الثرى *** والروى من حوله ساغ قراحا

هدموا في قتله ركن الهدى *** واستطاحوا عمد الدين فطاحا

بكت البيض عليه شجوها *** والمذاكي يتصاهلن نياحا

أيّ يوم ملأ الدنيا أسىً *** طبّق الكون عجيجاً وصياحا

يوم أضحى حرم اللّه به *** للمغاوير على الطف مباحا

أبرزت منه بنات المصطفى *** حائرات يتقارضن المناحا

أيها المدلج في زيافة *** تنشر الأكم كما تطوي البطاحا

فإذا جئت الغريين أرح *** فلقد نلتَ بمسراك النجاحا

صل ضريح المرتضى عني وخذ *** غرب عتب يملأ القلب جراحا

قل له يا أسد اللّه استمع *** نفثةً ضاق بها الصدر فباحا

ص: 331

كم رضيع لك بالطفى قضى *** عاطشاً يقبض بالراحة راحا

أرضعته حُلُم النبل دماً *** من نجيع الدم لا الدرّ القراحا

ولكم ربة خدر ما رأى *** شخصها الوهم ولا بالظن لاحا

أصبحت ربّة كور وبها *** ترقل العيس غدواً ورواحا

سلبت أبرادها فالتحفت *** بوقار صانها عن أن تباحا

واكتست برداً من الهيبة قد *** ردّ عنها نظر العين التماحا

لو تراها يوم أضحت بالعرى *** جزعاً تندب رحلاً مستباحا

حيث لا من هاشم ذو نخوة *** دونها في كربلا يدمي السلاحا

* * *

السيد عبد المطلب الحسيني ، ابن السيد داود بن المهدي بن داود بن سليمان الكبير. علم من أعلام الأدب ، كريم الحسب والنسب ، فجدّه لأبيه السيد مهدي بن داود وقد مرت ترجمته وعمّه السيد حيدر بن سليمان الذائع الصيت ، تجد مسحة حيدرية على شعره اكتسبها منه ، يقول الشيخ اليعقوبي في ترجمته : كان فصيح البيان جري اللسان كثير الحفظ ذكي الخاطر خصب القريحة مرهف الحس ، كان يعرض شعره على عمّه في حياته ورثاه بعد وفاته بثلاث قصائد ، وقد أطراه الشيخ محمد الجواد الشبيبي - شيخ الأدب في العراق - واليك نص ما قاله :

وقد أغرب مذ أعرب سيد بطحائها ( عبد المطلب ) عن رثاء لو وعته الخنساء لأذهلها عن صخر. ولد المترجم في الحلة حوالي سنة 1280 ونشأ فيها وكان جلّ تحصيله الادبي من عمه السيد حيدر وخاض المعارك السياسية وكان صوته يجلجل بشعره وخطبه داعياً لجمع الكلمة والوحدة الإسلامية وأثار حماسة العشائر الفراتية بنظمه باللغتين الفصحى والدارجة حتى احرقت داره بعد ما نهبت ، وهذه قصائد الوطنية المنشورة يومذاك في صحف بغداد تشهد بذلك.

ص: 332

آثاره الادبية :

1 - جمع ديوان عمه السيد حيدر ووضع له مقدمة ضافية طبعت مع الديوان سنة 1313.

2 - جمع ديوان جده السيد مهدي في جزئين كبيرين.

3 - ديوانه الذي يجمع مجموعة أشعاره.

4 - شرح ديوان المهيار الديلمي بثلاثة أجزاء ، وهو من أسمى شروح ديوان المهيار.

اليك نبذة من روائعه فهذه قصيدته التي أنشأها سنة 1331 في الحرب الايطالية :

أيها الغرب منك ماذا لقينا *** كل يوم تثير حرباً طحونا

تظهر السلم للأنام وتخفي *** تحت طيّ الضلوع داء دفينا

أجهلتم بأننا مذ خلقنا *** عرب ليس ينزل الضيم فينا

ولنا نبعة من العزّ يأبى *** عودها أن يلين للغامزينا

قد قفونا آباءنا للمعالي *** واليها أبناؤنا تقتفينا

علّمونا ضرب الرقاب دراكا *** وعلى الطعن في الكلى درّبونا

نحن قوم إذا الوغى ضرستنا *** لم نبدّل بشدة البأس لينا

وإذا ما رحى الحروب استدارت *** نحن كنا أقطابها الثابتينا

ما شربنا على القذا مذ وردنا *** وسوى الصفو لم نكن واردينا

لاندي الوتر للعدا إن وترنا *** وعلى الوتر لا نغضّ الجفونا

وإذا ما نسبتنا يوم روع *** لوغىً فهي أمّنا وأبونا

شمل الجور شعبنا فائتلفنا *** لدفاع العدو متحدينا

قل لايطاليا التي جهلتنا *** بثبات الاقدام هل عرفونا

كيف ترجو كلاب ( رومة ) منا *** أن ترانا لحكمها خاضعينا

دون أن تفلق الجماجم والهام *** بضرب يأتي على الدارعينا

ص: 333

نبحونا مهوّلين فلما *** ان زأرنا عاد النباح أنينا

حيث لم تجدها المناطيد نفعاً *** كلما حلّقوا بها معتدينا

سائلوها بنا غداة التقينا *** والمنايا يخطرن فيهم وفينا

كيف رعناهم الغداة بضرب *** جعل الشك في المنايا يقينا

زاحفونا بجيشهم فزحفنا *** وقلبنا على الشمال اليمينا

كشلما صلّت القواضب خروا *** للضبا لا لربهم ساجدينا

ملأوا البرّ بالجيوش كما قد *** شحنوا مثلها البحور سفينا

كلما صاحت المدافع ثُبنا *** بصليل الضبا لها مسكتينا

ونقضنا صفوفهم بطعان *** لم يدع للطليان صفاً مكينا

أنكرونا أنا بنو تلكم الأسد *** فلما ثرنا لها عرفونا

سل ( طرابلسا ) التي نزلوها *** كيف ذاقوا بها العذاب المهينا

كلما بالفرار جدّوا ترانا *** بالضبا في رؤوسهم لاعبينا

يا رسولي للمسلمين تحمّل *** صرخة تملأ الوجود رنينا

وتعمّد بطحاء مكة واهتف *** ببني فاطم ركينا ركينا

وعلى الحي من نزار وقحطان *** فعج وامزج الهتاف حنينا

الحراك الحراك يا فئة اللّه *** إلى الحرب لا السكون السكونا

أبلغا عني الخليفة قولاً *** غثّه في المقال كان سمينا

أبجدٍّ بالصلح نرضى فنمسي *** نقرع السن بعده نادمينا

كيف ترضى على ( الهلال ) نراهم *** وهُم في صليبهم باذخونا

فارفض الصلح يابن مَن دوخوها *** بشبا المرهفات روماً و ( صينا )

يا بن ودي عرّج بإيران فينا *** إنها اليوم نهزة الطمعينا

قف لنبكي استقلالها بعيون *** ننزف الدمع في الخدود سخينا

وعلى مشهد الرضا عج ففيه *** فَعلَ الروس ما أشاب الجنينا

تركوا المسلمين فيه حصيداً *** واستباحوا منه الرواق المصونا

لا تحدّث بما جرى فيه إعلا *** ناً فإن الحديث كان شجونا

ص: 334

وشعره بهذا المستوى العالي سواءاً نظم في السياسة أو في الغزل أو المدح والرثاء ، ودّع الحياة بضواحي الحلة يوم 13 ربيع الأول سنة 1339 وعمره قد قارب الستين ونيران الثورة العراقية لم تخبو بعد في الفرات الأوسط. وحمل نعشه إلى النجف ودفن بوادي السلام ، كتب عنه السيد محمد علي كمال الدين في كتابه ( الثورة العراقية الكبرى ) وذكر قصيدة عبد الكريم العلاف في رثائه وهنا نورد رائعة اخرى من روائعه في رثاء جده الإمام الحسين (عليه السلام) :

أيقظته نخوة العزّ فثارا *** يملأ الكون طعاناً ومغارا

مستميتاً للوغى يمشي على *** قدم لم تشك في الحرب عثارا

يسبق الطعنة بالموت الى *** أنفس الأبطال في الروع ابتدارا

ساهراً يرعى ثنايا غزّه *** بعيون تحتسي النوم غرارا

مفرداً يحمي ذمار المصطفى *** وأبيّ الضيم من يحمي الذمارا

منتضٍ عزماً إذا السيف نبا *** كان أمضى من شبا السيف عرار

ثابت إن هزت الأرض به *** قال قِريّ تحت نعليّ قرارا

طمعت أبناء حرب أن ترى *** فيه للضيم انعطافاً وانكسارا

حاولت تصطاد منه أجدلاً *** نفض الذل على الوكر وطارا

ورجت للخسف أن تجذبه *** أرقماً قد ألف العزّ وِجارا

كيف يعطي بيد الهون إلى *** طاعة الرجس عن الموت حذارا

فأبى إلا التي إن ذكرت *** هزّت الكون اندهاشاً وانذعارا

تخلق الأيام في جدّتها *** وهي تزداد علاءً وفخارا

فأتى من بأسه في جحفل *** زحفه سدّ على الباغي القفارا

وليوث من بني عمرو العلى *** لبسوا الصبرَ لدى الطعن دثارا

كل مطعام إذا سيل القرى *** يوم محل نَحرَ الكوم العشارا

وطليق الوجه يندى مشرقاً *** كلما وجه السما جفّ اغبرارا

هو ترب الغيث إن عامٌ جفا *** وأخو الليث إذا ما النقع ثارا

أشعروا ضرباً بهيجاء غدا *** لهم في ضنكها الموت شعارا

ص: 335

غامروا في العز حتى عبروا *** للعلى من لجج الموت غمارا

وعلى الأحساب غاروا فقضوا *** بالضبا صبراً لدى الهيجا غيارى

فقضوا حق المعالي ومضوا *** طاهري الأعراض لم يدنسن عارا

قصرت أعمارهم حين غدا *** لهم القتل على العزّ قصارا

عقدوا الاخرى عليهم ولها *** فارقوا الدنيا طلاقاً وظهارا

جعلوا أنفسهم مهراً لها *** والرؤوس الغالبيات نثارا

والمصابيح التي تجلى بها *** صيروهنّ رماحاً وشفارا

يا له عقداً جرى في كربلا *** بجزيل الأجر لم يعقب خسارا

أقدموا في حيث آساد الشرى *** نكصت عن موكب الضرب فرارا

وتدانوا والقنا مُشرعة *** يتلمظنّ إلى الطعن انتظارا

بذلوها أنفساً غالية *** كبرت بالعز أن ترضى الصغارا

أنفساً قد كضّها حرّ الظما *** فاسالوها عن الطعن حرارا

تاجروا لله بها في ساعة *** لم تدع فيه لذي بيع خيارا

أيها المرقل فيها جسرة *** كهبوب الريح تجتاب القفارا

صل إلى طيبة وأعقلها لدى *** أمنع الخلق حريماً وجوارا

وأنخها عنده موقرةً *** بالشجا قد خلعت عنها الوقارا

وله لا تعلن الشكوى وإن *** كبر الفادح أن يغدو سرارا

حذراً من شامت يسمعها *** كان بالرغم لخير الرسل جارا

فلقد أضرم قدماً فتنة *** كربلا منها غدت تصلى شرارا

قل له عن ذي حشاً قد نفذت *** أدمعاً سال بها الوجد انهمارا

يا رسول اللّه ما أفضعها *** نكبةً لم تبق للشهم اعتذارا

كم لكم حرّ دم في كربلا *** ذهبت فيه المباتير جُبارا

يوم ثار اللّه في الأرض به *** آلُ حربٍ أدركت بالطف ثارا

والذي أعقب كسراً في الهدى *** ليس يلقى أبد الدهر انجبارا

حرم التنزيل والنور الذي *** بسناه غاسق الشرك استنارا

ص: 336

وصفاياك اللواتي دونها *** ضرب اللّه من الحجب ستارا

أبرزت حاسرةً لكن على *** حالةٍ لم تبق للجلد اصطبارا

لا خمارٌ يستر الوجهَ وهل *** لكريمات الهدى أبقوا خمارا

لا ومن ألبسها من نوره *** أُزراً مذ سلبوا عنها الأزارا

لم تدع أيدي بني حرب لها *** من حجاب فيه عنهم تتوارى

لو تراها يوم فرّت وعلى *** خدرها في خيله الرجس أغارا

يتسابقن إلى الحامي وهل *** يملك الثاوي على الترب انتصارا

تربط الأيدي من الرعب على *** مهجٍ طارت من الرعب انذعارا

تتوارى بثرى الرمضا أسىً *** لقتيل بالعرا ليس يوارى

وهو ملقى بثرى هاجرة *** يصطلى من وهج الرمضا أوارا

كلما صعّدت الوجدَ أبى *** دمعها من لوعةٍ إلا انحدارا

لم تجد من كافل إلا فتى *** مضّه السقم وأطفالا صغارا

بالظما أعينها غارت وما *** ذاقت الماء فليت الماء غارا

تحرق البوغاء منهم أرجلاً *** أنعلتها أرؤوس النجم فخارا

أفزعتها هجمة الخيل فرا *** حت تتعادى بثرى الرمضا فرارا

كل مذعور كبا رعباً على *** حرّ وجهٍ كسنا البدر أنارا

كلما كضّ الظما أحشاءها *** ألصقت بالترب أكباداً حراراً

كلما يلذعها حرّ الثرى *** راوحت فيها يميناً ويسارا

يا لها فاقرة قد قصمت *** من نبيّ اللّه ظهراً وفقارا

بكر خطبٍ كل آنٍ ذكرها *** للورى يبتكر الحزن ابتكارا

وله مرثية من غرر الشعر جاء في أولها :

لتبق الضبا مغمودة آل هاشم *** فما هي بعد الطف منها لقائم

وتلقي القنا منزوعة النصل عن يد *** ستقرع منها حسرة سنّ نادم

ومجموعها 77 بيتاً.

ص: 337

السيد ميرزا آل سليمان

المتوفى 1339

حتى مَ هاشم لا يرف لواها *** فالسيل قدبلغ الزبى وعلاها

والخيل من طوال الوقوف قد اشتكت *** فبأي يوم هاشم ترقاها

سل اسرة الهيجاء من عمرو العلى *** مَن يوقد الحرب العوان سواها

ما نومها عن كربلا وعميدها *** نهبته بيض امية وقناها

في يوم حرب فيه حرب ألّبت *** أو غادها واستنهضت حلفاها

واستنفرت جيش الضلال وقصدها *** يوم النفير تذكرت آباها

وسرت به للطف حتى قابلت *** فيه الحسين وضاق فيه فضاها

وعلى الشريعة خيّمت بجموعها *** كي لا تذيق بني النبي رواها

ظنت بعدة جيشها وعديدها *** والماء في يدها بلوغ مناها

يلوي الحسين على الدنية جيده *** لطليقها خوف الردى ولقاها

فأبى أبيّ الضيم أن يعطي يداً *** للذل أو يهوي صريع ثراها

وسطا بعزم ما السيوف كحدّه *** يوم اللقا هو في الطلى أمضاها

وترى الكماة تساقطت من سيفه *** فوق البسيطةقبل أن يغشاها

وأمات شمس نهارها بقتامها *** وبسيفه ليل القتام ضحاها

وثنى الخيول على الرجال ولفّها *** ورجالها فوق الخيول رماها

يسطو ونيران الظما في قلبه *** ما بين جنبيه تشبّ لظاها

حتى دعاه اللّه أن يغدو له *** ويجيب داعيه لأمر قضاها

فهوى على وجه الثرى لرماحها *** وسهامها نهباً وطعم ظباها

ومضى الجواد إلى المخيم ناعياً *** لبنات فاطم كهفها وحماها

ص: 338

فبكت بنات المصطفى مذ جاءها *** وبكت ملائكة السما لبكاها

وفررن للسجاد من خوف العدى *** تشكو فصدّعت الصفا شكواها

( دع عنك نهباً صيح في أبياتها ) *** والنارلما أضرمت بخباها

لكن لزينب والنساء تلهفي *** من خدرها من ذا الذي أبداها

أُبرزن من حجب النبوة حاسراً *** ( وتناهبت أيدي العدو رداها )

لهفي لربة خدرها مذعورة *** أنى تفرّ إذ العدى تلقاها

إن تبكي أطفال لها أو تشتكي *** بالسوط زجر في المتون علاها

مَن مخبر عني بني عمرو العلى *** أين الشهامة يا ليوث وغاها

نهضاً فآل الوحي بين عداكم *** لا كافل من قومها يرعاها

تحدو حداة اليعملات بثقلكم *** للشامتين بها وهم طلقاها

وإلى أبن هند للشئام سروا بها *** أفهل علمتم كيف كان سراها

ويزيد يهتف تارة في أهله *** ويسب اخرى قومها وأباها

* * *

السيد مرزه ابن السيد عباس مشهور بشرف النسب والحسب ، ولد حوالي سنة 1265 بالحلة وتدرج على الكمال والأدب ، واسرة آل سليمان الكبير يتوارثون الشعر والنبوغ. كان ابوه العباس من وجوه هذه الاسرة وأعيان ساداتها ، وأبو السيد عباس هو السيد علاوي - جدّ المترجم له - زعيم مطاع في الحلة وأطرافها ، ترأس فيها بعد عمه وأبيه السيدين : علي والحسين ولدي السيد سليمان الكبير. وله مكانة سامية عند حكام الحلة وولاة بغداد وخاصة في عهد الوزير داود باشا ، وشاعرنا الذي نتحدث عنه نبعة من تلك الدوحة فهو أبو مضر مثال الاباء والسيادة حيث أنه من تلك القادة ، محترم الجانب له مكانة عالية في الأوساط ، يسحرك بحديثه ويعجبك بطلعته وهندامه ، شديد المحافظة على تقاليده ومعتقداته ، ساهم مساهمة كبرى في الثورة العراقية وجاهد الانكليز بيده ولسانه ، في طليعة الثوار المحاربين ، وعندما تدرس الثورة العراقية تعرف الموقف البطولي للسيد ميرزا حتى احرقت داره ونهب

ص: 339

ما فيها وهو يواصل الهتاف بخطابه وبشعره باللغتين الفصحى والدارجة فقد كان فيهما وفي الخطابة المنبرية له القدح المعلّى ، يقول الشيخ اليعقوبي : وله باللغة العامية مطولات في أهل البيت بأوزان شتى من البحور الدارحة التي لا يكاد يجاريه فيها احد من معاصريه فقد كان يجيد فيها إجادة ابن عمه السيد حيدر الحلي في الفصحى. مدحه الحاج عبد المجيد المشهور بالعطار بأبيات يهنيه فيها بولادة ولده الأصغر محمد سنة 1329 ويؤرخ ذلك العام ، قال :

أبا مضر لا يلحق اللوم من دعا *** أبا مضر عند الحفيظة والندا

لأنت وإن طالت قصار معاصم *** لأطولها باعاً وأبسطها يدا

وأمنعها جاراً وأبذلها ندى *** واقربها رحماً وأبعدها مدى

من الآل آل المصطفى خير معشر *** جلت ظلمات الغي بالبأس والهدى

تهنّ به شبلاً نمته ضراغم *** تخرّ له الاساد في الحرب سجدا

وفرحاً أصاب المجد أيمن طائر *** بميلاده مذ جاور النسر مصعدا

سلالة فخر الكائنات محمد *** وأكرم مَن في الكون يدعى محمدا

فما جهلت أعوامه حين أَرخوا *** وليلة ميلاد الرسول تولدا

تغيب المترجم له عن وطنه وكان أكثر سكناه في ( الحصين ) قرب الحلة ولما عاد وذلك سنة 1339 علم بوفاة ابني عمّيه : السيد عبد المطلب الحلي الحسيني والسيد حسين ابن السيد حيدر جزع لفقدهما فاختار اللّه له اللحاق بهما فودّع الحياة وعمره 74 سنة على التقريب. وتأتي في جزء آتٍ من هذه الموسوعة ترجمة ولده السيد مضر ، وكل آتٍ قريب.

ص: 340

الشيخ عبّاس قفطان

المتوفى 1339

قال من قصيدة :

وأصبح قطب دائرة المعالي *** عليه محيط هيجاها استدارا

إذا رعدت همت هام الأعادي *** فتحسبها إذا انهلّت قطارا

ولما للقضا داع دعاه *** هوى صعقاً ولبّاه ابتدارا

ثلاثاً بالعرى عار عفيراً *** فديتك من عفير لا يُوارى

واعظم ما دهى علياء فهر *** رزايا زدن أحشاها استعارا

عقائلها الحرائر حين فرّت *** من الأطناب ذاهلة حيارى

قد استلبوا ملاحفها ولكن *** كساها نور هيبتها أزارا

* * *

الشيخ عباس ابن الشيخ عبود الشهير ب ( قفطان ) أديب خطيب هاجر من النجف في شبابه وسكن الحيرة وكانت الحيرة يومئذ ولم تزل تعتز بخطباء المنبر الحسيني فامتزج الشيخ عباس بأبناء المنطقة وصار ينظم ويخطب بأكثر المناسبات وجمع ديوانه ومحاضراته الدينية في مجموع بخطه. كتب عنه البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري. توفي سنة 1339 تقريباً ودفن بالنجف ونعاه عارفوه.

ص: 341

ضاق نطاق الكتاب عن استيعاب المواد التي أعددناها له فاكتفينا بالاشارة والاختصار فذلك اولى من الاهمال ثم الاعتذار وموعدنا مع القراء الجزء التاسع ، وسيمتاز عن الاجزاء السابقة بتصاوير الشعراء الذين يضمهم الكتاب :

الشيخ محمد الزهيري : المتوفى سنة 1329 من شعراء القطيف ، ترجم له صديقنا الشيخ علي المرهون فقال : الفاضل الشيخ محمد بن عبد اللّه بن حسن بن عبد اللّه بن عبد الحسين آل زهير. وآل زهير اسرة كريمة من قطان سيهات من قرى القطيف ، وطائفة منهم تسكن قرية الملاحة وبها تولد الشاعر الزهيري ، ونشأ ميالاً لحب العلم ومجالسة العلماء والادباء وسكن البصرة مدة من الزمن ثم انتقل إلى الكاظمية إلى أن توفي بها في شهر جمادى الاولى سنة 1329 وخلف ولده الشهم الحاج عبد الجليل وهو شخصية لامعة محترمة. له ديوان شعر في أهل البيت يوجد عند بعض الادباء. وللشاعر المترجم له قصيدتان في الرثاء في كتاب ( شعراء القطيف ) اقتطفنا منهما البعض فمن الاولى قوله :

غداة أبيّ الضيم ألوى على الردى *** ونادت حواديه بحيّى على الوخد

ظهيرة قالوا تحت مشتبك القنا *** تباركت من حتف وبوركت من ورد

وقام أبو السجاد يجلو بسيفه *** ظلام ظلال كان في الأرض ممتد

فأحجمت الصيد الصناديد خيفة *** المنية حتى جاء جبريل بالعهد

ويقول في اخرى :

يا عين جودي بانسكاب *** لمصاب آل أبي تراب

وحشاي ذوبي حرقة *** لقتيل سيف ابن الضبابي

وعجبت ممن حاولت *** صبري على عظم المصاب

أو بعد وقعة كربلا *** يصبو المحب إلى التصابي

الشيخ محمد صالح آل طعان : الشيخ محمد صالح ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طعان القديحي. توفي سنة 1333 ه وكان رحمه اللّه علامة ثقة عند جميع الطبقات وهو كأبيه علماً وعملاً واخلاقاً وأدباً ، وأول تلمذته على يده وكانت ولادته 1281 قال صاحب شعراء القطيف : وله آثار ومآثر علمية

ص: 342

وأدبية فمنها ديوانه الذي جاء أكثره تخاميس في اهل البيت ، وذكر تخميسه لقصيدة السيد حيدر الحلي. وسبق أن ترجمنا في الجزء السابق من هذه الموسوعة لجده الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري المتوفى بالطاعون في مكة المكرمة 1281. كما ترجمنا بهذا الجزء لوالده الشيخ أحمد بن صالح المتوفى سنة 1315 ه وهذه ترجمة مختصرة للحفيد الشيخ محمد صالح الشيخ أحمد الشيخ صالح تغمدهم اللّه جميعاً برحماته الواسعة.

الحاج محمد البراهيم : هو الوجيه الحاج محمد بن أحمد البراهيم - قبيلة من القبائل العربية المعروفة بالخير والصلاح ، اشتهرت بالتجارة مضافاً إلى الكمال والأدب والأعمال الخيرية ، يسكن الكثير منهم بلاد صفوي ، والكويكب ، والمسعودية ، يقول صاحب شعراء القطيف وكلهم من الأخيار وأماثل الرجال ، وجدهم المغفور له الحاج محمد كان على جانب عظيم من حبّه للخير ، وما في الاباء ترثه الأبناء ، توفي رحمه اللّه سنة 1335 وخلّف مدائحه لأهل البيت ، وذكر الشيخ جملة من رثائه للامام الحسين (عليه السلام).

الشيخ محسن بن خميس : هو الشيخ محسن بن علي بن سلمان بن رضا بن خميس. المتوفى سنة 1335 وآل خميس قبيلة عربية تتحلى بسمعة طيبة في الأوساط التجارية والأدبية يسكنون قلعة القطيف - البلدة القديمة العهد البعيدة الأثر ، فقد دلّت الاثار والوثائق التاريخية على تأريخ تأسيس سورها وأنه كان في سنة 216 ه ومن آل خميس في عصرنا رجال أخيار يتحلّون بالدين والأدب ورثوا الخصال الطيبة عن سلفهم كابراً عن كابر ، وجدهم الشاعر المشار اليه مشهور بالتفى والفضل والأدب وخلف من تراثه الروحي روائع في أهل البيت علیهم السلام منها قصيدة يرثي بها علي الأكبر ابن الحسين (عليه السلام) ويذكر جهاده بين يدي أبيه يوم كربلاء.

الشيخ عبد علي الماحوزي : هو ابن محمد بن علي بن محمد بن عبد علي ابن حسين بن جعفر الماحوزي ، المتوفى سنة 1337 ه أحد أعلام القرن

ص: 343

الرابع عشر الذين خدموا خدمة روحية وأدّوا رسالتهم كما يجب ، تحدّر من اسرة شريفة عريفة في النسب ، وآل الماحوزي قبيلة نزحت من البحرين قبل قرنين تقريباً إلى القطيف ، ونبغ منهم علماء وادباء وشعراء وحتى اليوم تتمتع هذه الاسرة بالسمعة الطيبة ويسكنون قرية الدبابية والكويكب. والمترجم له نظم في أهل البيت فأجاد ، وذكر المعاصر الشيخ علي المرهون له أرجوزة في حديث الكساء غير أنه فقد أكثرها ولم يعثر إلى على 33 بيتاً فقط ، أقول وسبق أن ذكرنا منظومة جليلة في حديث الكساء من نظم المرحوم العلامة الجليل السيد محمد القزويني وسنذكر بعون اللّه في الجزء الآتي أرجوزة في هذا الحديث الشريف من نظم العلامة التقي السيد عدنان البصري ، واليكم مقتطفات من نظم الماحوزي أسكنه اللّه جنته :

أفتتح الكلام باسم الخالق *** مصلّياً على النبي الصادق

وآله الأطهار سادات الورى *** ما حلّ في السماء نجم وسرى

* * *

روى الثقاة من رواة الخبر *** خير حديث مسند معتبر

عن أفضل النساء ذات المحن *** فاطمة الزهراء أمّ الحسن

قالت عليها أفضل السلام *** بينا أنا يوماً من الأيام

في منزلي إذ النبي قد دخل *** فأشرق البيت بخاتم الرسل

* * *

فقال يا فاطم يا ستّ النسا *** مسرعة قومي وهاتي لي الكسا

بلا توانٍ وبه غطيني *** ثم اسالي اللّه بأن يشفيني

فقالت الزهراء ثم جئته *** بما اراد وبه غطّيته

وصرت نحوه اكرر النظر *** ووجهه كالبدر في رابع عشر

ومن أجمل الصدف أن يختتم الكتاب بحديث الكسا ، الحديث الذي يشتمل على آية كريمة يرتلها المسلمون آناء الليل وأطراف « إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً » هذه الآية نزلت في النبي وعلي وفاطمة

ص: 344

والحسنين علیهم السلام خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم. روتها كتب السنة بطرق كثيرة عن ام سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد وواثلة بن الأسقع وابي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي وعبد اللّه بن جعفر وعلي والحسن بن علي في قريب من أربعين طريقاً.

إن كثيراً من هذه الروايات - وخاصة ما رويت عن ام سلمة - وفي بيتها نزلت الآية تصرح باختصاصها بهم. في ( الدر المنثور ) قال : أخرج الطبراني عن أم سلمة أن رسول اللّه قال لفاطمة ائتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فألقى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليهم كساء فدكّيا ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللّهم إن هؤلاء أهل محمد - وفي لفظ ، آل محمد - فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل ابراهيم إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير.

وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال لما دخل علي بفاطمة جاء النبي أربعين صباحاً إلى بابها يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته. الصلاة رحمكم اللّه إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم.

وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال شهدنا رسول اللّه تسعة اشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت ( إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.

والروايات في ذلك كثيرة من طرق أهل السنة ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع غاية المرام للبحراني.

ص: 345

فهرس

الصفحة / سنة الوفاة

6 1304 السيد حيدر الحلي حياته ، تفوقه في الرثاء ، مؤلفاته ، المعاني التي امتاز بها ، مؤاخذاتنا عليه ، نموذج من رثائه للحسين.

34 1304 السيد ميرزا صالح القزويني وشرف بيته ، لون من شعره.

39 1304 الشيخ عباس زغيب نبذة من حياته.

40 1304 الشيخ موسى شرارة العاملي حياته العلمية ، نموذج من شعره.

44 1305 الشيخ حسون العبد اللّه ، شاعريته وحياته الأدبية نماذج من أشعاره.

52 1305 الميرزا اسماعيل ابن السيد رضا الحسيني الشيرازي جملة أحواله.

54 1305 الشيخ محسن أبو الحب شاعريته ، ديوانه وأدبه مقتطفات من مراثيه.

58 1305 معتمد الدولة فرهاد ميرزا القاجاري مؤلفاته بالعربية والفارسيه.

61 1306 الشيخ أحمد الخطي البحراني القطيفي ال أبي السعود - شهرته وزعامته.

64 1306 السيد صالح القزويني النجفي قصائده المطولة في رثاء أهل البيت.

67 1306 السيد حسين بحر العلوم ، حياته واثاره العلمية.

71 1306 السيد الأمير حامد حسين الهندي وجهاده ، موسوعة العبقات.

73 1306 السيد مير محمد نبذة عن حياته وديوانه.

74 1307 الشيخ محمد شرع الاسلام وأدبه ، الرحلة.

79 1311 الميرزا أبو الحسن الرضوي شهرته العلمية ولمحة من شعره.

80 1312 الشيخ عبد اللّه الحسائي القاري ، ديوانه واثاره.

86 1312 الشيخ جابر الكاظمي ظرفه وأدبه ، تخميسه للأزريه ، نموذج من رثائه.

89 1312 سليمان الصولة ابن ابراهيم الصولة شاعر سوري مسيحي أبياته في الحسين.

92 1313 الشيخ عباس الأعسم ، حياته أشعاره ذريته واسرته.

96 1313 الميرزا باقر الخونساري صاحب روضات الجنات ، حياته.

97 بعد 1311 أحمد النواب أغا. نموذج من شعره ، اسرة ال النواب.

ص: 346

الصفحة / سنة الوفاة

99 1315 السيد جعفر كمال الدين المعروف بالحلي الشاعر الشهير ، أدبه العالي وذوقه الشعري نوادره ومراسلاته ، نموذج من رثائه للحسين.

116 1315 الشيخ عباس كاشف الغطاء زعيم ديني ، مؤهلاته وعلومه.

117 1315 الملا عباس الزيوري أديب لامع ، ألوان من شعره.

123 1315 السيد ميرزا الطالقاني مكانته العلمية والادبية ، شاعر بالفصحي والدراجة.

126 1315 الشيخ أحمد بن صالح بن طعان فقيه متبحر ، درجته في العلوم.

128 1316 ميرزا أبو الفضل الطهراني ديوان شعره ، درجته العلمية ، الاشارة الي والده.

130 1317 الشيخ حسن مصبح شاعر فحل متفنن في النظم ، روضته في الحسين ، روضته في الغزل ، أشعاره في أغراض اخر.

143 1317 الشيخ محمد نظر علي عالم عامل ، محدث متبحر ، منبره ومواعظه.

145 1318 الشيخ محمد العوامي المشهور بأبي المكارم ، مناظراته العلمية.

147 1318 الملا حسن القيم مفخرة الفيحاء ، شاعر طائر الصيت من رثائه للحسين.

157 1319 الشيخ محمد سعيد السكافي حياته الأدبية مميزاته ، ألوان من شعره.

162 1319 السيد ابراهيم الطباطبائي ، أدبه وحسبه ، منزلته العلمية وتضلعه في اللغة ، قصائده الحسينية ، ترجمته لأصحاب الحسين ، حبيب بن مظاهر ، زهير بن القين ، وهب بن عبداللّه الكلبي ، نافع بن هلال البجلي ، عابس بن شبيب الشاكري ، شوذب مولي عابس ، برير بن خضير الهمداني ، مسلم بن عوسجة الاسدي.

174 1322 الشيخ محمد الملا شاعر محلق ، نوادره وملحة ، حياته وأثر منابره ، رثاؤه للامام.

182 1322 السيد عبد الوهاب آل الوهاب ، حياته وشعره ، تخصصه ببعض العلوم.

185 1323 الحاج علي بن موسى بن رمضان المعروف بالقاري الاحسائي.

ص: 347

الصفحة / سنة الوفاة

186 1324 السيد علي الترك خطيب أديب ، رائعته في يوم الحسين.

191 1325 الشيخ علي عوض أديب واسع الشهرة بين أدباء الفيحاء.

197 1325 الشيخ حمادي نوح دعامة من دعائم الشعر ، جوانب من أدبه الحي ، رائعه الحسينية.

214 1328 السيد علي الأمين عالم واسع الادراك.

216 1328 الشيخ عبود الشيخ سالم الطريحي أديب وشاعر المناسبات.

217 1328 الشيخ حسين الكربلائي من أدباء كربلا.

218 1329 السيد مهدي البغدادي ، اثاره ، نوادره ، ملحة ومراسلاته دفاع عن أبي طالب عمّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم).

223 1329 السيد باقر الهندي عبقريته وشاعريته ، اراؤه ومواقفه الاصلاحية.

230 1329 الشيخ يعقوب الحلي النجفي ، حياته وأشعاره روضته الحسينية ، ديوانه باللغة الدراجة ، ارشادته المنبرية.

236 1329 الشيخ أحمد درويش علي عالم ومؤرخ بحاثة ومؤلف.

237 1330 الشيخ كاظم الهر دراسته وأدبه ، أقوال المترجمين له.

239 1331 الشيخ محمد رضا الخزاعي علمه وأدبه ، رائعته في الحسين.

242 1331 السيد عباس البغدادي خطيب وأديب ، نسبه وشهرته.

247 1332 الشيخ علي الجاسم رائعته في الحسين ، حياته ، لون من غزله.

251 1332 السيد ناصر البحراني البصري ، شهرته العلمية حياته الاصلاحية.

256 1332 عبد المهدي الحافظ أديب لبيب ، اتقانه لعدة لغات.

260 1332 الشيخ مهدي الخاموش أديب من كربلاء.

261 1333 السيد جواد الهندي خطيب شهير ، منبري ممتاز ، أشعاره.

267 1333 السيد باقر القزويني شاعر ناثر ، طريف ظريف.

275 1333 الشيخ باقر حيدر دراسته واثاره العلمية قصائده في الحسين (عليه السلام).

277 1333 الشيخ طاهر السوداني وحياته الأدبية.

ص: 348

الصفحة / سنة الوفاة

278 1334 الشيخ جواد الحلي أديب شاعر ، روائعه في الحسين.

285 1334 الشيخ حسن علي البدر ، نماذج من شعره ونبذة عن حياته.

289 1335 أبو المعز السيد محمد القزويني ، مكانته العلمية أدبه الحي ، زعامته الروحيه.

297 1335 الشيخ عبد الحسين الجواهر ، عالم متبحر ، اثاره وروائعه.

300 1335 الشيخ محمد حسن الجواهر ، أرجوزته في الكلام ، منظومته في الفقه.

302 1335 الشيخ علي شرارة حياته ودراسته ، نموذج من شعره.

304 1336 الحاج محمد حسن كبه بيته وشرفه دراسته وعلومه ما قيل فيه وفي اسرته.

312 1336 الحاج حبيب شعبان ولاؤه لأهل البيت قصائده فيهم.

316 1336 أسطا علي البنا الشاعر الأميّ شعره وديوانه.

318 1336 محمود سبتي الشاب الأديب والمنبري الظريف.

320 1337 الشيخ حسن الحمود شاعر ذائع الصيت ، ديوانه المخطوط ، شعره.

326 1338 الحاج ميرزا مصطفى التبريزي وشهرته العلمية ، ديوانه.

330 1339 السيد عبد المطلب الحلي ، نابغة عصره ، قصائده الوطنية ومواقفه الاصلاحية ، روائع من شعره في الحسين.

338 1339 السيد مرزة آل السيد سليمان ، شرفه وحسبه ، جهاده وبطولته أشعاره بالفصحي والدراجة.

341 1339 الشيخ عباس قفطان نبذة عن حياته.

342 1329 الشيخ محمد الزهيري ترجمته ونبذة من حياته.

342 1333 الشيخ محمد صالح آل طعان ، حياته.

343 1335 حاج محمد البراهيم ، مختصر سيرته.

343 1335 الشيخ محسن بن خميس الاشارة اليه.

343 1337 الشيخ عبد علي الماحوزي ، نتف من ترجمته.

ص: 349

المصادر المخطوطة

الحصون المنيعة في شعراء الشيعة للشيخ علي كاشف الغطاء

سمير الحاظر وأنيس المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء

الكشكول للشيخ هادي كاشف الغطاء

المجالس الحيدرية في النهضة الحسينية للسيد حيدر العطار

المآتم المشجية لمن أراد التعزية للسيد عباس البغدادي

ترجمة السيد عبد اللّه شبّر للسيد محمد معصوم

الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن البغدادي

معجم شعراء الطالبيين للسيد مهدي الخرسان

ترجمة السيد مهدي القزويني للسيد حسين القزويني

الروض الخميل للسيد جودت القزويني

الخبر والعيان للسيد رضا الخطيب

الرائق للشيخ مهدي اليعقوبي

الرحلة للشيخ محمد شرع الاسلام

مخطوطة للسيد عبد الرحمن الالوسي

الاسرة الطريحية للشيخ عبد المولى الطريحي

مجموع للشيخ جواد الشرقي

مجموع للشيخ صافي الطريحي

مجموع للسيد هادي طعمة

مجموع الشيخ كاظم سبتي محمد زكي سبتي

ديوان الشيخ حمادي نوح

ديوان الشيخ محسن أبو الحب

ديوان السيد حسين الطباطبائي

ديوان اللؤلؤ النظيم والدر اليتيم للسيد باقر القزويني

ص: 350

نجوم السماء في تراجم علماء وادباء الاحساء للشيخ حسين علي القديحي

سوانح الأفكار في منتخب الأشعار للمؤلف

الضرائح والمزارات للمؤلف

شواهد الأديب للمؤلف

المقتطفات أو المختارات للمؤلف

المصادر المطبوعة

الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي

الغدير في الكتاب والسنة والأدب للشيخ عبد الحسين الاميني

شهداء الفضيلة للشيخ عبد الحسين الاميني

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد

ظرافة الأحلام في النظام المتلو في المنام للشيخ محمد السماوي

مجالي اللطف بأدب الطف للشيخ محمد السماوي

اليتيمة الغروية أو تاريخ النجف للسيد حسون البراقي

المنتحب للشيخ فخر الدين الطريحي

القمقام الزخار فرهاد ميرزا ابن نائب السلطنة

الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد للسيد محسن الأمين

جلاء العيون للسيد عبد اللّه شبّر

الحسين عيرة المؤمنين جواد شبر

أحسن الوديعة للشيخ الكاظمي

مجلة البلاغ للشيخ محمد حسن آل ياسين

مجلة العرفان احمد عارف الزين

مجلة الاعتدال محمد علي البلاغي

مجلة العدل الاسلامي محمد رضا الكتبي

ص: 351

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.