أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 7

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 328

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء السابع

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

اجتازت الموسوعة بهذا الجزء - السابع - أشواطها السبعة وعبرت ثلاثة عشر قرنا بعد ما خبرت هذه القرون وسبرتها وسجلت بغيتها منها ، وكل شاردة وواردة عنها ، وكان ذلك بعد عناء مرير وصعوبات في أثناء المسير ، ولكني ما دمت لا أطلب الا وجه اللّه وخدمة الحق واعلاء كلمته فكل ما عانيته فهو هين ، وقد قيل : لا يتعب من يعمل بقلب راض ، وكان نصب عيني قول القائل :

ان ختم اللّه بغفرانه *** فكل ما لاقيته سهل

يتضمن هذا الجزء شعراء القسم الثاني من القرن الثالث عشر الهجري وسنلتقي بعون اللّه - في الجزء الآتي - مع شعراء القرن الحالي وهو الرابع عشر وسيكون حديثنا عنهم أو عن أكثرهم دراية لا رواية وسنصور انطباعاتنا عنهم ونسجل آراءنا فيهم واللّه من وراء القصد.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

قال رزق اللّه بن عبد الوهاب بن عبد العزيز الحنبلي :

اجتمعت بملحدة المعرة - يعني أبا العلاء المعري - فقال لي : سمعت في مراثي الحسين بن علي رضي اللّه عنهما مرثية تكتب ، فقلت : قد قال بعض فلاحي بلادنا أبياتا تعجز عنها شيوخ تنوخ ، فقال : ما هي قلت قوله :

رأس ابن بنت محمد ووصيه *** للمسلمين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع *** لا جازع منهم ولا متفجع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى *** وأنمت عينا لم تكن بك تهجع

كحلت بمصرعك العيون عماية *** وأصم نعيك كل أذن تسمع

ما روضة الا تمنت أنها *** لك مضجع ولخط قبرك موضع

فقال المعري : ما سمعت أرق من هذه (1)

ص: 7


1- تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ص 208 ورواها ابن الاثير في الكامل وقد تقدمت هذه الابيات في الجزء الاول / 305 وأنها من شعر دعبل الخزاعي كما رواها الحموي في معجم الادباء.

أورد ابن عساكر في تاريخ دمشق (1) لبعض الشعراء قوله في الحسين علیه السلام :

لقد هد جسمي رزء آل محمد *** وتلك الرزايا والخطوب عظام

وأبكت جفوني بالفرات مصارع *** لآل النبي المصطفى وعظام

عظام بأكناف الفرات زكية *** لهن علينا حرمة وذمام

فكم حرة مسبية فاطمية *** وكم من كريم قد علاه حسام

لآل رسول اللّه صلت عليهم *** ملائكة بيض الوجوه كرام

أفاطم أشجاني قتيل ذوي العلا *** فشبت واني صادق لغلام

وأصبحت لا ألتذ طيب معيشة *** كأن علي الطيبات حرام

يقولون لي صبرا جميلا وسلوة *** وما لي الى الصبر الجميل مرام

فكيف اصطباري بعد آل محمد *** وفي القلب منهم لوعة وسقام

ص: 8


1- ابن عساكر هو علي بن الحسن بن هبة اللّه الدمشقي الشافعي المحدث الحافظ المشهور صاحب كتاب تاريخ دمشق ، توفي سنة 571 ه- بدمشق وحضر جنازته بالميدان للصلاة عليه الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن ايوب ودفن بمقبرة باب الصغير.

عثمان الهيتي

تركت الخيزرانة من يميني *** وأكره أن أشاهدها أمامي

أأحمل عودة من خيزران *** بها نكتت ثنايا ابن الامام

من نظم عثمان الهيتي كاتب الوالي في بغداد داوود باشا في حوالي سنة 1240.

جاء في كتاب ( شعراء بغداد وكتابها في أيام وزارة داود باشا والي بغداد ) ذلك في حدود سنة 1200 الى سنة 1246 للهجرة ، والكتاب تأليف عبدالقادر أفندي الخطيب الشهراباني. ان عثمان بيك كان والدا لوالي الموصل وهو محمد أمين باشا وان عثمان بيك كان عمره ثمانين عاما. وفي بعض الكتب ينسب هذا الشعر للشاعر عمر رمضان واللّه أعلم.

ص: 9

علي السيد سلمان

كان حيا 1233

أرى همما مكنونة لا يقلها *** فضا هذه الاولى اتساعا ولا الاخرا

تقطع أمعاء الزمان بحملها *** اذا ذكرت عندي خطوب بني الزهرا

بها طالبا وترا من الدهر لا أرى *** شفاء له ما لا أزيل له الدهرا

أدك بها شم الجبال الى الثرى *** وأبني لنا فيها على زحل قصرا

ستدري الليالي من أنا ولطالما *** تجاهلن بي علما وأنكرنني خبرا

بها لست أرضى أن قيصر خادم *** لدي ولا أرضى بذلك من كسرى

بسطوة من جبريل تحت لوائه *** وقد جل ذا قدرا وما زاده قدرا

وصاحب موسى والمسيح وحوله *** ملائكة الافلاك تنتظر الامرا

اذا ما رنا نحو السماء بطرفه *** تمور بمن فيها السماء له ذعرا

ولو شاء نسفا للجبال لاصبحت *** ولا شيء منها حيث شاء ولا قدرا

امام تولى كل آية مرسل *** من اللّه منا فهو آيته الكبرى

امام يعيد اللّه شرعة جده *** به غضة ايام دولته الغرا

كأن عليه التاج رصع وشيه *** بضوء سنى المريخ نورا وبالشعرى

اذا ما رأى الرائي به الهدي والهدى *** رأى من عظيم الامر ما يدهش الفكرا

ص: 10

به الدهر مبيض هدى واستنارة *** على أهله والارض مشحونة ذكرا

متى يطرب الاسماع صوت بشيره *** وأنى لسمعي قوله لكم البشرى

متى تقبل الرايات من أرض مكة *** أمامهم نور يحيل الدجى فجرا

وأهتف ما بين الكتائب معلنا *** بيال أبي آباؤكم قتلوا صبرا

دماؤكم طلت لديهم كدينكم *** وفيئكم نهب ونسوتكم أسرى

وآلكم من عهد احمد بينهم *** قلوبهم قرحى وأعينهم عبرى

وهم تركونا مطعما لسيوفهم *** وهم غصبونا فيء آبائنا قهرا

الى م التمادي يا بن أكرم مرسل *** وحتام فيها أنت متخذ سترا

ألم تر أن الظلم أسدل ليله *** على الافق والاقطار قد ملئت كفرا

فما الصبر والبلوى تفاقم أمرها *** فمن مقلة عبرا ومن كبد حرا

أما كان فعل القوم منك بكربلا *** بمرئ أما كنت المحيط بها خبرا

أفي كل يوم فجعة بعد فجعة *** لدى كربلا تذكارها يصدع الصخرا

الى كم لنا بألطف شنعاء ما رقت *** لها عبرة الا ألمت بنا أخرى

وما فجعة بألطف الا تفاقمت *** علينا ولم تبقي لسابقة ذكرى

فها كربلا هذا ذبيح كما ترى *** وهذي وقاك اللّه مسلوبة خدرا

اذا لم يغث في سوحكم مستجيرها *** فأين سواها المستجار ومن أحرى

يطل لديها من دماء ولاتكم *** ألوف وما عدى وأنت بها أدرى

وكم من مصونات عفات تروعت *** وكم من دم يجرى وكم حرة حسرى

وانت خبير بالرزايا وما جرى *** من القوم مما لم يدع بعده صبرا

أجل ربما في الشرق والغرب من عما *** عواديه لا تخشى أثاما ولا وزرا

مصائب أنستها بكر طرادها - *** علينا وأن لا مستجار لنا - شمرا

ألم ترنا كشاف كل ملمة *** نعاني الرزايا من غوائلهم غدرا

ص: 11

أحاطوا بنا من كل فج وأرهبوا *** فما أضيق الغبرا وما أبعد الخضرا

يظهر من مجرى هذه الابيات ان القصيدة نظمت على اثر غارة الوهابيين سنة 1216 على كربلاء وانتهاكهم لقدسية حرم سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام وسفك دماء الابرياء من رجال ونساء فثارت حمية هذا العلوي الغيور فاندفع مستجيرا بصاحب العصر الامام الغائب حجة آل محمد صلوات اللّه عليه.

السيد علي آل السيد سلمان النجفي كان حيا سنة 1233. كذا ذكره صاحب الحصون ج 2 ص 453 فقال : كان فاضلا كاملا شاعرا بليغا أديبا معاصرا للشيخ محمد حسين ابن الشيح محمد علي الاعسم ، وكانا خليطين وبينهما مراسلات ومكاتبات ومن شعره يشكو دهره قوله :

وقائلة خفظ عليك فما الهوى *** عقار ولكن قد تخيل شاربه

وما الدهر الا منجنونا بأهله *** يرى فيه أنواع التقلب صاحبه

وما من فتى في الدهر الا وقد غدا *** يسالمه طورا وطورا يحاربه

فكن رجلا ما خانه الصبر في الردى *** كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

وان كنت منه طالبا صفو مشرب *** سفهت فأي الناس تصفو مشاربه

ديار بها لا انس لي غير أنني *** يجاوبني فيها الصدى وأجاوبه

هجرت الحمى لا عن ملال وانما *** يجاذبني عنه العنا وأجاذبه (1)

ص: 12


1- عن مجموعة للسيد مهدي الخراسان.

الشيخ احمد الدورقي

توفي سنة 1247

تلك الدماء أراقتها أمية بعد العلم *** فاستوجبوا التخليد في النار

سيعرضون بيوم لا خلاق لهم *** فيه وحاكمه الهادي عن الباري (1)

احمد بن محمد بن محسن بن علي بن محمد بن احمد الربعي المحسني الاحسائي الدورقي الفلاحي. قال الشيخ محمد حرز في ( معارف الرجال ) :

هو علامة زمانه ، محقق ورع ، زاهد عابد ، قال في وصفه سبطه الشيخ موسى : العالم العابد جامع شتاب المفاخر والمحامد ، الى آخر ما قال. وقال صاحب أنوار البدرين : وقفت له على رسالة حسنة في الجهر والاخفات بالبسملة والتسبيح في الاخيرتين وثالثة المغرب ورسالة في حجية ظواهر الكتاب الكريم وحواشي على تهذيب الاحكام وبعض الفوائد والنوادر ، ومن جملة تلك

ص: 13


1- أنوار البدرين.

الفوائد بخط سبطه الشيخ موسى فائدة تحريم الدم مما علم بالضرورة من الدين ولكن حيث قد شربه الحجام متبركا بدم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يكن عالما بالتحريم على هذا الوجه لم يخطاه النبي صلی اللّه علیه و آله بل جعل ذلك سببا لنجاته من النار ففيه دلالة على ما أشرنا اليه في بعض كتبنا ، ان الجاهل معذور وانما تكون المعصية معصية اذا قصد المخالفة.

توفي قدس سره سنة 1247 ه- سبع وأربعين ومائتين وألف هجرية وكان المترجم له من قبيلة آل محسن وهم بطن من ربيعة ابن نزار كان مسكنهم في المدينة المنورة الى سنة 1210 ولما وقعت حادثة عبدالعزيز وولده سعود وجار فيها على علماء الشيعة ومنهم الشيخ احمد هاجر الى الاحساء وأقام فيها ثلاث سنين تقريبا ، ثم توطن الدورق في أواخر عمره سنة 1214 وتوفي فيها سنة 1247 ، وترجم له السيد الامين في ( الاعيان ) وفي بعض ما قال : ولما كان شيخنا ومولانا المهذب العالم العامل الخبير بالبراهين والدلائل المتتبع العارف بالادلة والاقوال والرجال الشيخ احمد نجل الشيخ محسن الى آخر ما قال.

مؤلفاته : وقاية المكلف من سوء الموقف في الصلاة والعقائد الخمس. وكتاب منهل الصفا في الفقه استدلالي لم يتم ، وشرح النافع لم يتم ، ورسالة فيما يغفر من الذنوب وما لم يغفر الى غيرها.

وترجم له الشيخ محسن الطهراني في ( الذريعة ) ج 3 / 13 وج 16 / 90.

ص: 14

الشيخ صافي الطريحي

توفي حدود 1255

الاكل رزء في الانام له حد *** ورزء بني الهادي الى الحشر يمتد

فلا زالت الارزاء تأتي وتنتهي *** ورزؤهم غض متى ذكره يبدو

وكيف مصاب السبط يسلوه مؤمن *** موال له في القلب قد أخلص الود

أأنساه اذ وافته بالزور كتبها *** رسائل غدر ليس يحصرها عد

ان اقدم الينا فالجميع مساعد *** وكل فتى منا لنصرك معتد

فلما أتاهم ضيعوا الحق بينهم *** كأن لم يكن منهم له سبق الوعد

تجنب عنهم اذ بدا الغدر منهم *** يسير بجد حين لا ينفع الجد

الى أن أتى أرض الطفوف فلم يسر *** به فرس ما كان أتعبه جهد (1)

* * *

الشيخ صافي ابن الشيخ كاظم الطريحي من رجال العلم والفضل موسوم بالتقوى والصلاح ، كان معاصرا للشيخ جعفر الكبير ومن علماء ذلك العصر ، ذكره السيد في التكملة وقال :

ص: 15


1- عن مجموع الشيخ صافي بن سيف الدين الطريحي ، كان يسكن العتائق.

رأيت شهادته بوقفية بستان في سنة 1216 ونعته غيره بقوله : كان رحمه اللّه قوام الاسرة الطريحية ورئيسها وعيلمها ومن الاتقياء الافاضل والفقهاء الاماثل. وقال في ( الكرام البررة ) : والظاهر أنه من تلامذة السيد مهدي ابن السيد مير علي صاحب الرياض وكتب بخطه رسالة السيد مهدي في اصالة البراءة في الشك في الجزئية والشرطية ثم كتب تلميذه وهو الحاج مولى محمود التفريشي في سنة 1250 نسخة الرسالة عن خط الشيخ صافي مصرحا بأنه بعض مشائخه.

كان من العلماء الشعراء والفضلاء الادباء ، وقفت له على بعض المقاطيع والابيات في المواعظ في مجموع عيسى بن حسين كبة - مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء رقم 79 قسم الادب. فمن شعره :

يا من يروم لنفسه أعلى الرتب *** فاغنم علوما زانها حسن الادب

ودع المطامع كلها فلكم غدت *** تزري بصاحبها وتدنيه العطب

توفي في حدود سنة 1250 ه- وأعقب ولدا واحدا وهو الشيخ حسين. أما هذا الولد فقد أعقب أربعة أولاد وهم : الشيخ جعفر وهو أكبرهم ، والشيخ علي الذي توفي في ( الشنافية ) - ناحية في الفرات الاوسط ، والشيخ صافي ، وكل من هؤلاء الثلاثة له أولاد. والرابع عباس قتل في كربلاء قبل أن يتزوج.

ص: 16

عبدالمحسن الملهوف

المتوفى 1260

جاء في شعراء القطيف : الاديب الفاضل عبد المحسن الملهوف من أفراد قبيلة في القطيف تعرف بهذا اللقب ، أديب شاعر وعبقري فذ ولو لم يكن مما يدل على ذلك الا هذه القصيدة العصماء لكفى بها فهو أحد الشعراء المجيدين والادباء الورعين في القرن الثالث عشر المزدهر بالعلم والادب. تغمده اللّه برحمته ترجم له صاحب انوار البدرين من شعره هذه الرائعة في الحسين علیه السلام .

دعها تجدد عهدها بالوادي *** وتمزق البيداء بالآساد

بل تذرع الفلوات تحسب أنها *** قد وكلت بالذرع والتعداد

زيافة تهوى الذميل وشأنها *** قطع المفاوز من ربى ووهاد

لا تستطيب الظل الا انها *** تهوى شموس هجيرها الوقاد

لا تهتوي المرعى الخصيب ولا الى *** الماء البرود تهش في الوراد

ما وكلت بالنجم الا واغتدت *** تعطي المفاوز من وراها الحادي

ما أنكرت قفرا أتته ولا ادعت *** عسرا ولا آلت من التبعادي

ولعت بقطع البيد حتى أنها *** أمنت بمسراها على الاجياد

ص: 17

دعها العراق تؤم لا تشأم بها *** وتجاف للاغوار والانجاد

فهناك مأوى الآملين بمربع *** هي كعبة العافين والوفاد

ربع به جدث الحسين ونفس أحمد *** والزكية والوصي الهادي

من حوله فئة تقاسمت الردى *** من كل قرم أشوس ذواد

من كل من رضعت له العليا فمن *** فياض مكرمة وغوث مناد

أو كل عالي همة لو شاء أن *** يرقى رقى من فوق سبع شداد

أسد ضراغمة متى ما استصرخوا *** لجلاء نازلة عدوا بعوادي

خطبوا الوغى مهر النفوس وزوجوا *** البتار يوم الروع بالمياد

قوم متى وجدوا فخارا في الردى *** ركضوا بأكباد اليه صوادي

في الجو كالانوا وكالاطواد في *** البلوى وفي الاقدام كالآساد

حدث ولا حرج عليك فانما *** تروى لنا متواتر الاسناد

فوبيعة وفوا لها وبنعمة *** فازوا بها من واهب جواد

لو أنهم شاءوا البقاء بهذه *** لم يتركوا وغدا من الاوغاد

ولو أنهم شاؤا القضا مدوا له *** نظرا ورد بدهشة الارعاد

لكن تجردت النفوس وعافت *** الاكدار وارتاحت الى الانداد

أفما علمت استشهدوا وتغابطوا *** متقدما وأخيرهم للبادي

هذا بقرب العهد للمولى وذا *** بالسبق للجنات والاخلاد

كانوا فرادى في الملا فاستشهدوا *** طرأ كأنهم على ميعاد

فبكتهم العليا بدمع ثاكل *** أنى وهم من أنجب الاولاد

وبقى الصبور على البلا وحمول *** كل الابتلا لاسنة وحداد

بالنبل يرمي والرماح وبالظبا *** بأحر أفئدة من الحقاد

وانصاع يخطب في الوغى بمحجة *** بيضا على هام من الاشهاد

ص: 18

ورداه مسرود الحديد بكفه *** لدن ومنبره سنام جواد

ما زجه في الجيش الا واغتدى *** كالسيل صادفه غشاء الوادي

ومهند أدنى مواهبه الردى *** في حالة الاصدار والايراد

ومثقف لدن وليس مقره *** الا بساحة مهجة وفؤاد

يتدفع الجيش اللّهام كأنه *** يم خضم مد بالازبادي

فكأنه موسى ومخذمه العصى *** بل أين موسى منه يوم جلاد

بطل تولع في النزال بنهبه *** هام الكماة وخلسة الاكباد

يمحو لدائرة الصفوف بسيفه *** محو المهندس فاسد الاعداد

حتى غدوا كالعصف تنسفه الصبا *** فوق التلال وفي خفيض وهاد

ما زال هذا دأبه حتى انقضت *** منه الحياة وآذنت بنفاد

فانهار كالطود الاشم على الثرى *** جلت معانيه عن الاطواد

عدم النظير فما يمثل حاله *** اذ مال عن ظهر الجواد العادي

ان قلت موسى حين خر سماله *** أو قلت يحيى فاقه بجهاد

هذا استكن بدوحة حذرا وذا *** لما أفاق بليت ظل يناد

لكنه متبتل لما قضى *** فرضا هوى شكرا بغير تمادي

يوم ثوى فيه الحسين ويوم *** عزرائيل يقبض طينة الاجساد

فدعوت مورى يا جبال تصدعي *** وبحار غوري وأذني بنفاد

يا شمس فانخفضي ويا شهب اقلعي *** وعليه يا بدر ادرع بحداد

وعليه يا سبع الشداد تهيلي *** هد العماد وعلة الايجاد

لولا بقيته وخازن علمه السجاد *** لا انبعثت صواعق عاد

واسمع بشاوية الضلوع مصيبة *** الخفرات بعد كفيلهن بواد

أضحت كمرتاع القطا من بعدما *** وقعت بوسط حبالة الصياد

ص: 19

قد المصاب قلوبها أو ما ترى *** تهمي الدموع دما كسيل غوادي

فقدت أعزتها وجل مراتها *** وملاذ هيبتها وخير سناد

لبست من الارزاء أبهى حلة *** لكنها من صفرة وسواد

بأبي وبي أم الرزايا زينبا *** مسجورة الاحشاء بالايقاد

تطوي الضلوع على لظى حراتها *** مهما دعت نفثت كسقط زناد

تدعو الحسين وما لها من منعم *** يا كافلي قدح المصاب فؤادي

أوهى قوى جلدي فبان تجلدي *** أين التجلد والفقيد عمادي

سفن اصطباري قد غرقن بزاخر *** من يم أحزاني وريح نكاد

وتعج تهتف في الذميل بعولة *** عظمى تمزق قلب كل جماد

أمؤمل الجدوى بساحة ربعهم *** خف القطين وجف زرع الوادي

يا ضيف بيت الجود أقفر ربعه *** فاشدد رحالك واحتفظ بالزاد

قد كان كعبة أنعم واليوم لا *** من عاكف فيها ولا من بادي

وترقرق الدمع الهتون تصونه *** خجلا وخوف شماتة الحساد

فكأنها نظرت وراء زجاجة *** كي تبصر القتلى على الابعاد

وتخط في وجه الفلا ببنانها *** صونا لرفع الصوت بالانشاد

يا راكبا كوما تهش الى السرى *** عزت عن الاشباه والاضداد

عرج لطيبة قاصدا جدثا به *** سرالوجود ومظهر الارشاد

وقل السلام عليك من مزمل *** مدثر بردى الفخار البادي

يا مظهر الاسلام جئتك مخبرا *** ان الحسين رمي بسهم عناد

خلفته غرضا هناك ومركزا *** وضريبة بل حلبة لطراد

والطيبات اللائي كنت تحوطها *** أمست غنيمة غادر ومعادي

غرثى وعطشى غير أن شرابها *** من دمعها والوجد أطيب زاد

ص: 20

الشيخ صالح التميمي

المتوفي 1261

وقد اقترح عليه نظم هذه القصيدة الوزير علي رضا باشا على أن تتضمن قصة مقتل الحسين علیه السلام (1).

أما ان تركى موبقات الجرائم *** وتنزيه نفسي عن غوي وآثم

وأجعل لله العظيم وسيلة *** بها لي خلاص من ذنوب عظائم

وأختم أيامي بتوبة تائب *** يذود بها عقبى ندامة نادم

ومن لم يلم يوما على السوء نفسه *** فلم تغنه يوما ملامة لائم

على أنني مستمطر غزر صيب *** من العفو يهمي عن غزير المكارم

فكم بين منقاد الى شر ظالم *** منيبا ومنقاد الى خير راحم

وان كنت ممن لا يفيء لتوبة *** ولا لطريق الرشد يوما بشائم

سأمحو بدمعي في قتيل محرم *** صحائف قد سودتها بالمحارم

قتيل تعفى كل رزء ورزؤه *** جديد على الايام سامي المعالم

قتيل بكاه المصطفى وابن عمه *** ( علي ) واجرى من دم دمع ( فاطم )

وقل بقتيل قد بكته السما دما *** عبيطا فما قدر الدموع السواجم

ص: 21


1- ديوان التميمي.

وناحت عليه الجن حتى بدا لها *** حنين تحاكيه رعود الغمائم

اذا ما سقى اللّه البلاد فلا سقى *** معاهد كوفان بنوء المرازم

أتت كتبهم في طيهن كتائب *** وما رقمت الا بسم الاراقم

لخير امام قام في الامر فانبرت *** له نكبات أقعدت كل قائم

اذا ذكرت للطفل حل برأسه *** بياض مشيب قبل شد التمائم

أن أقدم الينا يا بن أكرم من مشى *** على قدم نم عربها والاعاجم

فكم لك أنصار لدينا وشيعة *** رجالا كراما فوق خيل كرائم

فودع مأمون الرسالة وامتطي *** متون المراسيل الهجان الرواسم

وجشمها ( نجد ) العراق تحفه *** مصاليت حرب من ذوابة ( هاشم )

قساورة يوم القراع رماحهم *** تكفلن أرزاق النسور القشاعم

مقلدة عن عزمها بصوارم *** لدى الروع أمضى من حدود الصوارم

أشد نزالا من ليوث ضراغم *** وأجرى نوالا من بحور خضارم

وأزهي وجوها من بدور كوامل *** وأوفى ذماما من وفي الذمائم

يلبون من للحرب غير محارب *** كما انه للسلم غير مسالم

كمي ينحيه عن الضيم معطس *** عليه اباء الضيم ضربة لازم

ومد أخذت في ( نينوى ) منهم النوى *** ولاحت بها للغدر بعض الملائم

غدا ضاحكا هذا وذا متبسما *** سرورا وما ثغر المنون بباسم

وما سمعت أذني من الناس ذاهبا *** الى الموت تعلوه مسرة قادم

كأنهم يوم ( الطفوف ) وللضبا *** هنالك شغل شاغل بالجماجم

أجادل عاثت بالبغاث وانها *** أشد انقضاضا من نجوم رواجم

ص: 22

لقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا *** على رغبة منهم حقوق المكارم

الى أن غدت أشلاؤهم في عراصها *** كأشلاء قيس بين تبنا وجاسم (1)

فلهفي لمولاي الحسين وقد غدا *** فريدا وحيدا في وطيس الملاحم

يرى قومه صرعى وينظر نسوة *** تجلببن جلباب البكا والمآتم

هناك انتضى عضبا من الحزم قاطعا *** وتلك خطوب لم تدع حزم حازم

أبوه علي أثبت الناس في اللقا *** وأشجع ممن جاء من صلب آدم

يكر عليهم مثلما كر حيدر *** على أهل بدر والنفير المزاحم

ولما أراد اللّه انفاذ أمره *** بأطوع منقاد الى حكم حاكم

أتيح له سهم تبوأ نحره *** تبوأ نحري ليته وغلاصمي

فهدت عروش الدين وانطمس الهدى *** وأصبح ركن الحق واهي الدعائم

وأعظم خطب لا تقوم بحمله *** متون الجبال الراسيات العظائم

عويل بنات المصطفى مذ أتى لها *** جواد قتيل الطف دامي القوائم

فوا حر قلبي للنساء بحرقة *** يحمن عليه في قلوب حوائم

ص: 23


1- ذكر الحموي في معجم البلدان : تبنى بالضم ثم السكون وفتح النون ، بلدة بحوران من أعمال دمشق قال النابغة : فلا زال قبر بين تبنى وجاسم *** عليه من الوسمي جود ووابل

ينحن كما ناح الحمام وبالبكا *** لا غزر شجوا من نواح الحمائم

فيا وقعة كم كدرت من مشارب *** لنا مثل ما قد رنقت من مطاعم

بني المصطفى ما عشت أو دمت سالما *** فصبري على ما نابكم غير سالم

لكي لا تزول الارض عن مستقرها *** والا فأنتم فوق هام النعائم

فلو أن لي حظ عظيم تقدمت *** حياتي بعصر سالف متقادم

وصلت على أعدائكم بفوارس *** أشداء في الهيجاء من آل ( دارم )

وان فات نصر السيف سوف أعينكم *** بنظم كبا من دونه نظم ناظم

وما صالح ان لم تعينوه صالح *** وما عد الا من بغاة المظالم

عليكم سلام اللّه ما هبت الصبا *** وما حرك الاغصان مر النسائم

وللشيخ صالح التميمي :

ما بال جفني مغرم بسهاده *** وغزير دمعي لم أفز بنفاده

لا في سعاد صبا فؤادي في الصبا *** فأقول قلبي قد لها بسعاده

كلا ولا أطلال برقة منشد *** برقت مدى الايام في انشاده

لكن مصارع فتية في كربلا *** سلبت بسيف الحزن طيب رقاده

قتلى وفيهم من دؤابة ( هاشم ) *** أسد سعى للموت في آساده

يا للرجال لطود ( أحمد ) مذ ثوى *** قدما وريع الدين في أطواده

يا للرجال لنكبة ( الزهراء ) في *** أبنائها والطهر في أولاده

أبكي القتيل أم النساء حواسرا *** يندبنه ويلذن في ( سجاده )

أم أندب ( العباس ) لما أن مضى *** والبر قد غص الفضا بصعاده

يبغي الوصول الى الفرات ودونها *** بيض كساها فيلق بسواده

فأتى دوين الماء فاعتاق الردى *** همم سمت للمجد فوق مراده

أبكي لمقطوع اليدين وقد قضى *** ضمأ ونار الوجد ملء فؤاده

ص: 24

ألذاك أبكي أم ( سكينة ) اذ دعت *** يا عمتا كهفي هوى بعماده

هذا أبي ملقى وأذيال الصبا *** عزمت له ما سل من أبراده

يا آل بيت محمد حزني لكم *** متحكم والهم من أوتاده

أنا ( صالح ) ان أنتم أنعمتم *** بقبول ما قصرت في انشاده

وله أيضا :

ألا من مبلغ الشهداء أني *** نهضت لشكر هم بعد القعود

رجال طلقوا الدنيا ومن ذا *** صبا لطلاق كاعبة النهود

رأوا خمر الفناء الذ طعما *** غداة الطف من طعم الخلود

دعاهم نجل فاطمة بيوم *** يشيب لذكره رأس الوليد

دعاهم دعوة والحرب شبت *** لظى من دونها ذات الوقود

فقل من سيد نادى عبيدا *** عراة الذات من شيم العبيد

أسود بالهياج اذا المنايا *** رمت ظفرا ونابا بالاسود

كأن رماحهم تتلو اليهم *** لصدق الطعن أوفوا بالعقود

اذا ما هز عسال تصابوا *** كما يصبى الى هز القدود

بنفسي والورى أفدي كراما *** تجنب حزمهم نقض العهود

بنفسي والورى أفدي جسوما *** مجزرة على حر الصعيد

بنفسي والورى أفدي رؤوسا *** تشال على الرماح الى ( يزيد )

كأني يابن ( عوسجة ) ينادي *** وريح الموت يلعب بالبنود

هلموا عانقوا بيض المواضي *** ولا كعناقكم بيض الخدود

فليس يصافح الحوراء الا *** فتى يهوى مصافحة الحديد

رأوا في كربلا يوما مشوما *** ففازوا منه في يوم سعيد

وكدر عيشهم حرب فجادت *** لهم عقباه في عيش رغيد

ص: 25

ألا يا سادتي حزني عليكم *** نفي عن ناظري طيب الهجود

أحاذر أن يقال هل امتلأتي *** فكان جوابها هل من مزيد

أعيذوا ( صالحا ) منها وكونوا *** له شفعاء في يوم الخلود

منعتم من ورد الماء قسرا *** وفزتم بالهنا وقت الورود

* * *

ابو سعيد الشيخ صالح بن درويش بن علي بن محمد حسين ابن زين العابدين الكاظمي النجفي الحلي البغدادي المعروف بالشيخ صالح التميمي الشاعر المشهور.

ولد في الكاظمية سنة 1218 وتوفي ببغداد لاربع عشرة ليلة بقيت من شعبان بعد الظهر سنة 1261 ودفن في الكاظمية ، كان من بيت علم وأدب ربي في حجر جده الشيخ علي الزيني الشهير في مطارحاته مع السيد بحر العلوم وغيره في النجف ، انتقل مع جده من الكاظمية الى النجف فأقام برهة ثم سكن الحلة وبقي بها مدة حتى استقدمه والي بغداد داود باشا. أقول : هو في عصره كأبي تمام في عصره. وقد تولى رئاسة ديوان الانشاء في بغداد سنة 1235 ، وله شعر كثير مدح به الامراء والاعيان والزعماء وله مؤلفات ذكرت بأسمائها وفي ديوانه المطبوع عدة مراسلات ومساجلات ، ورثاه العالم الشيخ ابراهيم صادق العاملي والشيخ عبد الحسين محي الدين وعبد الباقي العمري وأعقب ولدين : محمد سعيد ومحمد كاظم. وكتب عنه الدكتور محمد مهدي البصير في ( نهضة العراق الادبية في القرن التاسع عشر ) وجمع له مساجلاته ونوادره.

ص: 26

وقال عنه : أما صفاته فانها من أجمل وأفضل ما يتحلى به انسان - كان رحمه اللّه خفيف الطبع عذب الروح حلو المعاشرة حاضر النكتة غزير الحفظ واسع الرواية قيل له : كم تحفظ من بدائع الشعر وروائعه فأجاب : لو لا أن شيخي أبا تمام جمع محاسن الجاهليين والاسلاميين في حماسته المشهورة لجمعت أنا لكم من حفظي هذه الحماسة. وكان يجل أبا تمام كثيرا ويعجب به اعجابا شديدا ويعده اماما له ، والغريب انه رثاه على بعد ما بينهما من الزمن بقصيدة بليغة يقول فيها :

يا راكبا وجناء عيدية (1) *** لم يترك الوخد لها من سنام

ان جئت للحدباء قف لي بها *** وأبلغ أبا تمام عني السلام

وقل له بشراك يا خير من *** سام القوافي الغر من نسل سام

فضلك أحياك كأن لم تبت *** بالخلد هاتيك العظام العظام

ومن غرر الشعر قصيدته في الامام أمير المؤمنين علي علیه السلام وهذا المقطع الاول منها :

غاية المدح في علاك ابتداء *** ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عم *** وأمير ان عدت الامراء

ما نرى ما استطال الا تناهى *** ومعاليك ما لهن انتهاء

فلك دائر اذا غاب جزء *** من نواحيه أشرقت أجزاء

أو كبدر ما يعتريه خفاء *** من غمام الا عراه انجلاء

يحذر البحر صولة الجزر لكن *** غارة المد غارة شعواء

ص: 27


1- عيدية نسبة الى فحل شهير من فحول الابل.

ربما عالج من الرمل يحصى *** لم يضق في رماله الاحصاء

يا صراطا الى الهدى مستقيما *** وبه جاء للصدور الشفاء

بني الدين فاستقام ولولا *** ضرب ماضيك ما استقام البناء

أنت للحق سلم ما لراق *** يتأتى بغيره الارتقاء

معدن الناس كلها الارض لكن *** أنت من جوهر وهم حصباء

شبه الشكل ليس يقضي التساوي *** انما في الحقائق الاستواء

شرف اللّه فيك صلبا فصلبا *** أزكياء نمتهم أزكياء

فكأن الاصلاب كانت بروجا *** ومن الشمس عمهن البهاء

لم تلد هاشمية هاشميا *** كعلي وكلهم نجباء

وضعته ببطن أول بيت *** ذاك بيت بفخره الاكتفاء

أمر الناس بالمودة لكن *** منهم أحسنوا ومنهم أساؤا

يا ابن عم النبي ليس ودادي *** بوداد يكون فيه الرياء

فالورى فيك بين غال وقال *** وموال وذو الصواب الولاء

وولائي ان بحت فيه بشيء *** فبنفسي تخلفت أشياء

أتقي ملحدا وأخشى عدوا *** يتمارى ومذهبي الاتقاء

وفرارا من نسبة لغلو *** انما الكفر والغلو سواء

* * *

ذا مبيت الفراش يوم قريش *** كفراش وانت فيه ضياء

فكأني أرى الصناديد منهم *** وبايديهم سيوف ظماء

صاديات الى دم هو للما *** ء طهور لو غيرته الدماء

دم من ساد في الانام جميعا *** ولديه احرارها ادعياء

قصرت مذرأوك منهم خطاهم *** ولديهم قد استبان الخطاء

شكر اللّه منك سعيا عظيما *** قصرت عن بلوغه الاتقياء

ص: 28

عميت أعين عن الرشد منهم *** وبذات الفقار زال العماء

يستغيثون في يغوث الى ان *** منك قد حل في يغوث القضاء

لك طول على قريش بيوم *** فيه طول وريحه نكباء

كم رجال اطلقتهم بعد أسر *** أشنع الاسر أنهم طلقاء

يردع الخصم شاهدان حنين *** بعد بدر لوقال هذا ادعاء

ان يوم النفير والعير يوم *** هو في الدهر راية ولواء

سل وليدا وعتبة ما دعاهم *** لفناء عدا عليه الفناء

ص: 29

السيد صدر الدين العاملي

المتوفي 1263

قال بمناسبة مولد الامام الحسين علیه السلام في الثالث من شهر شعبان :

فدت شهر شعبانها الاشهر *** فمن بينها يمنه الاشهر

لثالثه في رقاب الانام *** أياد لعمرك لا تنكر

وباب النجاة الامام الذي *** ذنوب العباد به تغفر

وغصن الامامة فيه سما *** جني هدايتها يثمر

وروض النبوة من نوره *** سني ومن نوره مزهر

لتهن بميلاده شيعة *** لهم طاب في حبه عنصر

غذاه النبي بابهامه *** فما زال عن ريها يصدر

به اللّه رد على ( فطرس ) *** مقاما به في السما يذكر

أكان من النصف مثل الحسين *** شفيع الخلايق اذ تحشر

ومن هو ريحان قلب النبي *** ثلاثا على الترب لا يقبر

تعادى عليه جموع ابن هند *** بأسيافهم جهرة ينحر

بميلاده بشر المصطفى *** وفي قتله حرب تستبشر

وما زال يؤلمه ان بكى *** وكان بتسكيته يأمر

فكيف اذا ما رآه لقى *** وفي الترب خديه قد عفروا

بنفسي الذي يستغيث العداة *** ويدعو النصير فلا ينصر

ص: 30

السيد محمد ابن السيد صالح بن ابراهيم بن زين العابدين الموسوي ، المعروف بصدر الدين العاملي والمشتهر بهذا اللقب. عالم كبير وشاعر أديب. ولد في قرية جبشيت 21 ذي القعدة الحرام 1193 وجاء مع ابيه للعراق عام 1197 فعنى بتربيته ، والذكاء طافح عليه فقد كتب حاشية القطر وعمره سبع سنوات كذا ذكر البحاثة الطهراني في ( الكرام البررة ). وذكره صاحب الحصون ج 9 ص 336 فقال :

كان فاضلا عالما فقيها اصوليا محدثا متكلما ، له اليد الطولى في العلوم العقلية والنقلية حسن التقرير والتعبير ، اديبا شاعرا ، هاجر مع ابيه من جبل عامل في واقعة احمد باشا الجزار الى العراق وسكن النجف وتلمذ وتخرج على يد الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وصار صهره على ابنته ، ثم هاجر بعد موت استاذه الى أصفهان ومكث فيها برهة من الزمان ثم رجع الى النجف. وتوفي بالنجف ليلة الجمعة رابع عشر شهر المحرم سنة 1263 ودفن في حجرة من حجر الصحن الشريف مما يلي الرأس يمين القبلة وخلف ثلاثة أولاد وعدة بنات وله جملة من المؤلفات منها كتاب كبير في الفقه ، وكتاب القسطاس المستقيم في الاصول ، وكتاب المستطرفات ، ومنظومة له في الرضاع ، وكتاب في النحو ورسالة في حجية الظن ورسالة في مسألة ذي الرأسين ، ورسالة في شرح مقبولة عمر بن حنظلة وله شعر كثير في العرفانيات ومدائح اهل البيت صلوات اللّه عليهم ومراثيهم فمن ذلك قوله في الامام امير المؤمنين :

ص: 31

علي بشطر صفات الاله *** حبيت وفيك يدور الفلك

فلولا الغلو لكنت اقول *** جميع صفات المهيمن لك

ولما أراد الآله المثال *** لنفي المثيل له مثلك

فمن عالم الذر قبل الوجود *** لقول بلى اللّه قد أهلك

وقد كنت علة خلق الورى *** من الجن والانس حتى الملك

وعلمت جبريل رد الجواب *** ولولاك في بحر قهر هلك

وذكره النقدي في ( الروض النضير ) فقال : كان من أعاظم علماء اواسط القرن الثالث عشر ، وكانت له الجامعية في علوم شتى والنصيب الوافر في الادب وله شعر لطيف ، وذكره الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة ) نقلا عن ( التكملة ) للسيد الصدر فقال : كان من اعيان الفقهاء والمجتهدين تلميذ الشيخ الاكبر وصهره ، ووالده السيد صالح كان صهر الشيخ علي ابن الشيخ محي الدين بن علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ، رزقه اللّه من بنت الشيخ علي ، صاحب الترجمة واخيه السيد محمد علي. وذكره الحجة كاشف الغطاء محمد الحسين فقال : كان السيد الصدر جامعا لجميع الكمالات خصوصا كمال الادب الذي هو من اللازمات ، وقد كانت له فيها القدم الراسخة والنخوة الشامخة والسليقة العربية والنكات العجمية ، ويدلك على حسن مشربه ولطيف مسلكه مستهل قصيدته.

يعارضني في الشعر من لا أعارضه *** وما انا الا البحر فاضت فوائضه

ترجم له صاحب شعراء الغري وقال : له شعر كثير ولكنه تلف

ص: 32

واليك قوله من قصيدته يمدح بها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب

جاءت تجوب البيد سيارة *** تهوي هوي المرمل الصارخ

الى علي وزعيم العلى *** يوم الوغى والعلم الشامخ

الى السراة الانجبين الاولى *** أحصوا فنون الشرف الباذخ

أولى المزايا الغر أعباؤها *** ينوء فيها قلم الناسخ

قد أيقنوا منه بجزل الخطى *** ان عليا ليس بالراضخ

ص: 33

السيد حيدر العطار

المتوفى 1265

أميم ذريني والبكاء فانني *** عن العيد واللبس الجديد بمعزل

أميم أقلي عن ملامك واتركي *** مقالة لا تهلك أسى وتجمل

لان سرك العيد الذي فيه زينة *** لبعض اناس من ثياب ومن حلي

فقد عاد لي العيد الحداد بعودة *** ألا فاعذريني يا أميم أو اعذلي

يذكرني فعل ابن هند وحزبه *** يزيد وقد أنسى الورى فعل هر قل

فكم قد أطلوا من دم بمحرم *** وكم حللوا ما لم يكن بمحلل

ولم يقنعوا حتى أصابوا ابن فاطم *** بسهم أصاب الدين فانقض من عل

وخر على حر الثرى متبتلا *** الى ربه أفديه من متبتل

ومذ كان للايجاد في الخلق علة *** بكته البرايا آخرا بعد أول

وخضبت السبع السموات وجهها *** بقاني دم من نحره المتسلسل

وذا العالم العلوي زلزل اذا قضى *** كما العالم السفلي أي تزلزل

بنفسي وبي ملقى ثلاثا على الثرى *** تهب عليه من جنوب وشمال

أبى رأسه الا العلى فسما على *** ذرى ذابل يسمو على هام يذبل

بنفسي أباة الضيم من آل هاشم *** تؤم الوغى ما بين لدن وفيصل

ص: 34

أداروا على قطب الفناء رحى القضا *** فخاضوا المنايا أمثلا اثر أمثل

فبين طريح في الصعيد مجدل *** وبين ذبيح بالدماء مزمل

ونادبة تدعو أبا الفضل تارة *** وأخرى حسينا ندب ولهاء معول

أخي يا حسينا كنت غوثا وعصمة *** كما كنت غيثا ثر في كل ممحل

أخي كنت للرواد أخصب مربع *** كما كنت للوراد أعذب منهل

خليلي بيت الوحي شط حبيبه *** قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وما قد جرى في كربلاء قضية *** وليس لها الا أبو حسن علي

* * *

السيد حيدر ابن السيد ابراهيم العطار الحسني آية من آيات الدهر ومفخرة من مفاخر العصر ، عالم محقق ، وفقيه بارع ، لسان الحكماء والمتكلمين وصفوة الفقهاء والاصوليين ، وهو على جانب عظيم من الورع والتقوى والزهد والعبادة ورسوخ الايمان وطهارة القلب.

خلف آثارا قيمة وكتب عنه الكثير وأثنى عليه العلماء أحسن الثناء ، وممن ذكره شيخنا المحقق الطهراني في كتابه ( سعداء النفوس ) فقال : كان سيدا عالما فقيها جليلا مرجعا للخاص والعام ، غيورا في ذات اللّه مناظرا مع المبدعين والمخالفين.

وهو أعلى اللّه مقامه جد الاسرة الحيدرية واليه تنتسب هذه السلالة العلوية ، ولد رحمه اللّه سنة 1205 ه- وأقام في الكاظمية ردحا من الزمن ، ثم هاجر الى عاصمة العلم - النجف الاشرف -

ص: 35

وتتلمذ على أعلام زمانه وجهابذة عصره حتى حصل على رتبة عالية ودرجة رفيعة في العلم والاجتهاد كما استفاد منه جملة من أعلام الفضل ، أما مؤلفاته فهي آية في التحقيق والتدقيق وكلها تنطق بعلمه وكماله نذكر منها ما يلي :

1 - البارقة الحيدرية في نقض ما أبرمته الكشفية.

2 - العقائد الحيدرية في الحكمة النبوية.

3 - المجالس الحيدرية في النهضة الحسينية كتبه بخطه سنة 1260 هجرية (1).

4 - الصحيفة الحيدرية في الادعية والاسرار ، صنفها بطلب من محمد علي شاه القاجاري سلطان ايران.

5 - النفخ القدسية في بعض المسائل الكلامية ، صنفها تلبية لطلب ( هولاكوا ميرزا ) حفيد فتح علي شاه القاجاري.

6 - النفخة القدسية الثانية وهي في مباحث كلامية.

7 - مجموعة في الحكم والنوادر.

8 - رسالة في أصول الفقه.

9 - كتاب في المنطق.

10 - حاشية على كتاب التحقيق في الفقه والاصول لعمه آية اللّه الكبرى السيد أحمد البغدادي الشهير بالعطار.

ص: 36


1- مخطوط في حيازة الدكتور حسين محفوظ نسخة منه.

11 - تعليقه على منظومة في الرجال لعمه أيضا. وكل هذه المؤلفات مخطوطة وتوجد متفرقة عند ذريته.

12 - عمدة الزائر في الادعية والزيارات ، وقد طبع مرتين في النجف الاشف.

توفي أعلى اللّه مقامه سنة 1265 ه- وقيل أنه أخبر بأجله قبل حلوله. ودفن في رواق الحرم الكاظمي الشريف وأعقب سبعة من الاولاد كلهم علماء صلحاء أبرار أتقياء. ومن شعره في الامام الحسين :

محرم لا أهلا بوجهك من شهر *** ولا بوركت أيام عشرك في الدهر

لانت المشوم المستطير على الورى *** خطوبا وراميهم بقاصمة الظهر

ولا سيما عاشور من عشرك الذي *** به غرق الاسلام في لجة الكفر

غداة رجال اللّه آل محمد *** تذوق الردى ظلما بحرب بني صخر

فان أنسى لا أنسى الحسين بكربلا *** وحيدا وقد دارت به عصبة الغدر

فما شد نحو القوم ألا تطايروا *** تطاير أفراخ البغاث من الصقر

فوافاه سهم خارق في فؤاده *** فخر صريعا لليدين وللنحر

ولا عجب من مثل شمر اذا اجترى *** على اللّه واستهزا بشأن أولي الامر

وميز رأسا ساد للعرب مفخرا *** ولا سيما كعب بن مرة والنضر

وشال به فوق السنان مكبرا *** وقد قتل التكبير من حيث لا يدري

عذيري من صخر بن حرب وحربهم *** بني أحمد ما ذنب أحمد من صخر

ص: 37

جزوه على اطلاقهم يوم فتحه *** لمكة في أهليه بالقتل والاسر

عن السبي للنسوان يبكين حسرا *** سوافر من فوق الجمال بلا ستر

ينادين يا جداه يا خير مرسل *** أأنت عليم اننا اليوم في الاسر

لقد تركوا سبط النبي على الثرى *** تريبا خضيبا شيبه بدم النحر

فذا رأسه فوق السنان كأنه *** سنا البدر أو أبهى سناء من البدر

ص: 38

السيد جعفر القزويني

المتوفى 1265

قال يرثي الامام الحسين علیه السلام ويفتتحها بالنسيب :

ألما وان أصغى الغمام وألما *** على طلل أقوى ونؤي تهدما

وعوجا على الرسم المحيل وأعربا *** سؤالكما فيه وان كان أعجما

* * *

السيد جعفر بن الباقر بن احمد بن محمد الحسيني القزويني من مشاهير شعراء وأدباء عصره. ولد في النجف الاشرف ونشأ بها نشأة عالية وأخذ معلوماته عن مشاهير عصره وما اجتاز العقد الثاني حتى أصبح علما يشار اليه بالبنان ، ذكر صاحب الحصون ج 2 / 557 فقال : كان فاضلا كاملا أديبا لبيبا بليغا شاعرا ماهرا جوادا سخيا ذا همة عالية تخصص للنظم والمسلاجلات الادبية الى أن نبا به الدهر الخؤون وتراكمت عليه الديون فلم يسعه المكث في النجف - مسقط رأسه - فارتحل الى ( مسقط ) عاصمة عمان وكان معه عبده المسمى ( نصيب ) فأدركته منيته هناك فمات فيها سنة 1265 ه- فحملت جنازته الى النجف مع

ص: 39

عبده نصيب فدفن مع آبائه في مقبرتهم مقابل مقبرة آل الجواهر فرثاه فريق من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي بقصيدة مطلعها :

كذا يلج الموت غاب الاسود *** وتدفن رضوى ببطن اللحود

وممن رثاه وأرخ وفاته الشيخ ابراهيم قفطان.

قال السيد الامين في الاعيان (1) رأينا في مجلة الحضارة نقلا عن بعض مجاميع الفاضل الشبيبي انه كان أديبا نابها من أدباء العراق رحل الى مسقط وتوفي هناك بعيدا عن وطنه ، ولرحلته قصة مثيرة وقد استوحاها كل من رثاه ثم ذكر أن من مراثيه قصيدة من بحر يسمى المحدث وانها رويت في بعض مجاميع النجف للشيخ ابراهيم قفطان وفي بعضها للشيخ محسن آل الشيخ خضر ، وهذا ما وجد منها :

صوبت وصعدت النظرا *** في الدار فلم أعرف أثرا

ولمية أطلال درست *** أمست عبرا لمن اعتبرا

أبكي وأناشدها عمن *** نالوا دهرا منها وطرا

يا دار قطينك أين سرى *** فتجيب قطينك أين سرى

خشعت للبين فلست ترى *** الا الارزاء بها زمرا

فعلمت بأن مؤملها *** ألوى وتحققت الخبرا

يا مرتحلا عني ولكم *** وهيت قوى وفصمت عرى

ومدير الطرف الى أهليه *** وليس يرى منهم أثرا

يا مسعر دائي من داوى *** داء في أحشاك استعرا

ص: 40


1- ج 18 / 443.

أجل ناداك لمسقطه *** ولو اثاقلت لما ظفرا

لم لا واسيتك مضطهدا *** لم لا سليتك مفتكرا

لم لا جاورت أنينك *** منصدعا للغربة منكسرا

لم لا عالجتك معتلا *** لم لا شاهدتك محتضرا

واماما فاق بلاغته *** وحساما في الهيجا ذكرا

لك عهد في عنقي ما عشت *** يبث مراثيك الغررا

وثراك ترصعه عيناي *** عقيقا أحمر أو دررا

ولم يعقب سوى ولده السيد علي وابنته زوجة الميرزا جعفر القزويني وذكر صاحب الحصون جملة من شعره كما ذكره الشيخ المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في ( العبقات العنبرية في شعراء الجعفرية ).

فمن شعره يخاطب سلطان مسقط :

لما رماني الدهر بالنوب *** الشدائد والهزاهز

وألان صعدتي التي *** يعطي الجواهر بالجوائز

ودعاني الزمن الخؤن *** صلبت وما لانت لغامز

قالت لي الآراء والفكر *** بأهله ( هل من مبارز )

شرق وسل عن ماجد *** الثواقب في الغرائز

فاذا بلغت الى ( سعيد ) *** في ( عمان ) فلا تجاوز

واعلم بأن أبا هلال *** عن مرادك غير عاجز

يوليك ما ترجو ولا *** يثنيه عنه غمز غامز

فتعود مقضي الديون *** الى العراق وأنت فائز

ص: 41

ويجيز ما ترجو ببذل *** صادق الدفعات ناجز

وهكذا انتهت حياة هذا الشريف.

وما عتبي على الدنيا ولكن *** على ابل حداها غير حادي

ويحق أن أستشهد بالشعر المنسوب للامام زين العابدين علي ابن الحسين ابن علي بن أبي طالب علیهم السلام حيث يقول :

عتبت على الدنيا فقلت الى متى *** أكابد هما بؤسه ليس ينجلي

أكل شريف من علي نجاره *** يكون عليه الرزق غير محلل

فقالت نعم يا بن الحسين رميتكم *** بسهم عناد يوم طلقني علي

وبالوقت الذي أعتب على الزمن يحق أن أبعث بقول السيد الشريف الرضي الى سلطان مسقط حيث يقول :

أخطأت في طلبي وأخطأ في *** ردي ، ورد يدي بغير يد

فلا جعلن عقوبتي أبدا *** أن لا أمد يدي الى أحد

فتكون أول زلة سبقت *** مني وآخرها الى الابد

ص: 42

محمد الصحاف

كان حيا سنة 1270

بمدحكم الاقلام تفرح والحبر *** وطرس به من حسن أوصافكم سطر

يفوز سواكم بالقوافي وانها *** تفوز بكم اذ كان منكم لها فخر

فليلة قدر ليلتي بمديحكم *** لاني اذا أحييتها يرفع القدر

أقول والقصيدة طويلة وكلها في رثاء سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين وقد جارى بها رائية الشيخ صالح العرندس التي تقدمت في جزء سابق مع ترجمته ، والقصيدة التي نظمها شاعرنا الصحاف ذكرها الاخ البحاثة علي الخاقاني في الجزء العاشر من ( شعرا الغري ) وفي أخرها :

أنا ألقن آل الرسول محمد *** سليل حسين زانه منكم النجر

عليكم صلاة اللّه ما نار نير *** بدا في رياض زاد نوارها القطر

* * *

السيد محمد بن علي المعروف بالصحاف. ذكره المحقق الطهراني في ( الكرام البررة ) فقال : نزيل سوق الشيوخ ، كان أديبا فاضلا شاعرا ، رأيت تقريضه اللطيف البليغ نظما ونثرا على ارجوزة ( تحفة النساك ) من نظم الشيخ طاهر الحجامي المتوفى بسوق الشيوخ سنة 1279 ه- وأولاده الى اليوم في سوق الشيوخ.

ص: 43

عبد العزيز الجشي

وفاته 1270

ألا هل لاجفان سهرن هجود *** وهل للدموع الجاريات جمود

وهل راحل شطت به غربة النوى *** فأوحشني بعد الفراق يعود

أأسهر ليلي أرقب النجم فيكم *** عشاء وأنتم بالهناء رقود

وذكرني يوم انفرادي بينهم *** مقاما به سبط النبي فريد

ألا بأبي أفديه فردا وقل ما *** فديت ولو بالعالمين أجود

فوالهف نفسي للقتيل على ظما *** وللسمر منه صادر وورود

فيا عرصات الطف أي أماجد *** سموت بهم فليهنكن سعود

لئن شرفت أم القرى بالتي حوت *** فأنتن فيكن الحسين شهيد

وان طاولتكن المدينة مفخرا *** ففيكن أبناء وتلك جدود

فيا راكبا عيدية شأت الصبا *** تساوى قريب عندها وبعيد

عداك البلا ، عج هكذا متنكبا *** زرودا وان ألوت هناك زرود

بني هاشم يا للحفيظة نكست *** على الرغم رايات لكم وبنود

رمتكم كما شاء القضاء أمية *** ففر طليق بعدها وطريد

وثارت عليكم بعد أن طال مكثها *** من الرعب أوغاد لها وحقود

ودع عنك نجوى أهل مكة وارتحل *** فقد عز موجود وعز وجود

ووجه لتلقاء المدينة وجهها *** مشيحا ففيها عدة وعديد

ولذ بضريح المصطفى قائلا له *** حسين عن الورد المباح مذود

ص: 44

ألا يا رسول اللّه ما لك راقدا *** وآلك في أرض الطفوف رقود

فخذها كما شاء الحزين شكاية *** تكاد لها شم الرعان تميد

عشية ساقوهن أسرى وقيدوا *** العليل فأودى بالعليل قيود

وقبل ثرى أعواد أحمد وارتحل *** فأعواده حيث التنشق عود

ودعها على علاتها مستطيرة *** لذا سيرها الوجاف فهي صمود

لعلي أراها بالغري مناخة *** على جدث فيه الوصي وصيد

أبا حسن أنت المثير عجاجها *** اذا اقترعت تحت العجاجة صيد

أغارت بقايا عبد شمس ونوفل *** على الدين حتى بات وهو عميد

فيا هل تراها ان سيفك فللت *** ضواربه يوم القراع جنود

وان الفتى القراض حطم صدره *** ببدر وأحد عتبة ووليد

فلو كنت حيا يوم وقعة كربلا *** رأت كيف تبدي حكمها وتعيد

عشية باتت من بنيك عصابة *** وسايدها صلد بها وصعيد

لقى كأضاحي العيد لا عاد بعدهم *** علي بلذات التنعم عيد

أترضى وانت الثاقب العزم غيرة *** يلاحظها حسرى القناع يزيد

أمية كم هذا الغرور فما أتى *** بمعشار عشر الفعل منك ثمود

وراءكم يوم يشيب لهوله *** الرضيع فايعاد به ووعيد

قال صاحب أنوار البدرين : الشيخ عبد العزيز الجشي من شعراء القطيف الاديب الشاعر الشيخ عبد العزيز بن الحاج مهدي بن حسن بن يوسف بن محمد الجشي قدس سره البحراني القطيفي. كان له رحمه اللّه تعالى من الادب الحظ الوافر ومن الشعر والمعرفة النصيب الكامل له قصائد جيدة منها في رثاء الحسين (عليه السلام) تقرأ في المجالس الحسينية وله منظومة في الرد على النصارى ذكر فيها ما ذكره الشيخ سليمان آل عبد

ص: 45

الجبار ومتضمنة للادلة التي ذكرها في الرد على النصارى جيدة حسنة وقد اشتغل في العلوم الا ان الشعر والتجارة غلبا عليه فكان بهما موسوما ولم أعلم بتاريخ وفاته ضاعف اللّه حسناته. انتهى. ويقول الشيخ علي منصور في شعراء القطيف : كانت وفاته سنة 1270.

أقول وترجم له الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) وسماه ب- ( السيد عبدالعزيز ) وهو خطأ مطبعي.

ص: 46

السيد محمد ابو الفلفل

1271

وذوو المروة والوفا أنصاره *** لهم على الجيش اللّهام زئير

طهرت نفوسهم لطيب أصولها *** فعناصر طابت لهم وحجور

عشقوا العنا للدفع لا عشقوا الغنا *** للنفع لكن أمضي المقدور

فتمثلت لهم القصور وما بهم - *** لو لا تمثلت القصور - قصور

ما شاقهم للموت الا دعوة ال- *** رحمن لا ولدانها والحور

بذلوا النفوس لنصره حتى قضوا *** والخيل تردى والعجاج يثور

فغدا ربيب المكرمات يشق تيا *** ر الحروب وعزمه مسجور

يدعو ألا أين النصير وما له *** غير الارامل والعليل نصير

والكل يدعو يا حسين فصبية *** وعقائل ومقاتل وعفير (1)

قال البحاثة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) السيد محمد الفلفل المتوفى سنة 1261 تقريبا.

هو السيد الشريف السيد محمد بن السيد مال اللّه ابن السيد

ص: 47


1- عن ( أنوار البدرين ).

محمد المعروف ب- ( الفلفل ) أحد أهالي قرية ( التوبي ) من القطيف ، نزيل كربلاء من المعاصرين للسيد كاظم الرشتي ومن المقربين اليه ، ذكره صاحب الدمعة الساكبة وأثبت له القصيدة الهائية التي أولها ( خلها تدمي من السير يداها ).

وآل الفلفل موجودون من خيار السادة يفتخرون بشاعرهم هذا ، أقول وروى له أبياته الشهيرة التي أولها :

وذوو المروة والوفا أنصاره *** لهم على الجيش اللّهام زئير

وقال : كان رحمه اللّه من الشعراء المجيدين المكثرين في مراثي الحسين علیه السلام وقال صاحب أنوار البدرين : لقد غلب شعره على منزلته العلمية فاشتهر بالادب. انتقل من القطيف للعراق فجاور جده الحسين « ع » حتى توافه اللّه ، وكان شديد الرقة واراقة الدموع على مصاب جده الشهيد. نقل الشيخ علي الحمامي نائحة أهل البيت المشهور بزهده وولائه لهم قال حدثني العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري ، قال حدثني السيد محمد أبو الفلفل القطيفي قال : رأيت في المنام ليلة من الليالي كأن امرأة عليها آثار الهيبة والوقار قد جلست على غدير ماء وهي تئن وتبكي وبيدها قميص مضمخ بالدم تغسله وهي تردد هذا البيت ببكاء وزفير :

وكيف يطوف القلب مني بهجة *** ومهجة قلبي بالطفوف غريب

قال السيد محمد فدنوت منها وسلمت عليها وسألتها فقالت : أما تعرفني أنا جدتك فاطمة الزهراء وهذا قميص ولدي الحسين

ص: 48

لا أفارقه أبدا. فانتبه السيد ونظم قصيدة وضمنها هذا البيت. فكان أول القصيدة ( أراك متى هبت صبا وجنوب ). وكان أبوه السيد مال اللّه من أهل العلم والفضل. انتهى.

أقول ربما حصل التباس بين سيدنا المترجم له وبين سميه ومعاصره السيد محمد بن مال اللّه بن معصوم لاتحاد الاسمين واسم الابوين والمسكن اذ هما في كربلاء يسكنان حتى ربما نسب البعض شعر هذا لهذا. أرجو الانتباه.

فمن شعر السيد محمد بن مال اللّه الملقب بالفلفل المتوفى 1261 ويقول صاحب الذريعة ان وفاته سنة 1277.

يا نفس عن فعل الخطايا فاقلعي *** ذهب الشباب وأنت لم تتورع

لا تخدعنك زينة الدنيا فقد *** غرت سواك بخدعة وتصنع

أو ما سمعت بذكر كسرى في الورى *** وبذكر قيصر ذي الجنود وتبع

أين القرون وعادها وثمودها *** قذفتهم الدنيا بقبح الموضع

أين الذين تمتعوا بنعيمها *** وتمنعوا في كل حصن أمنع

أين الطواغيت الذين تنكبوا *** بالظلم عن نهج الرشاد الاوسع

كم ظالم تحت التراب وهالك *** لم يستطع رد الجواب ولا يعي

يا نفس ان شئت السلامة في غد *** فعن القبايح والخطايا فاقلعي

وتوسلي عند الاله باحمد *** وبآله فهم الرجا في المفزع

يا نفس من هذا الرقاد تنبهي *** ان الحسين سليل فاطمة نعي

فتولعي وجدا له وتوجعي *** وتلهفي وتأسفي وتفجعي

آه لها من وقعة قد أوقعت *** في الدين أكبر فتة لم تنزع

آه لها من نكبة قد أردفت *** بمصائب تبقى ليوم المجمع

ص: 49

قتل الحسين فيا سما ابكي دما *** حزنا عليه ويا جبال تصدع

منعوه شرب الماء لا شربوا غدا *** من كف والده البطين الانزع

مذ جائها يبدي الصهيل جواده *** يشكو الظليمة ساكبا للادمع

يا أيها المهر المخضب بالدما *** لا تقصدن خيم النساء الضيع

يا مهره قف لا تحم حول الخبا *** رفقا بنسوته الكرام الهلع

اني أخاف بأن تروع قلوبها *** وهي التي ما عودت بتروع

لهفي لتلك الناظرات حماتها *** فوق الجنادل كالنجوم الطلع

والريح سافية على أبدانهم *** فمقطع ثاو بجنب مبضع

ولزينب نوحا لفقد شقيقها *** وتقول يا ابن الزاكيات الركع

اليوم أصبغ في عزاك ملابسي *** سودا وأسكب هاطلات الادمع

اليوم شبوا نارهم في منزلي *** وتناهبوا ما فيه حتى مقنعى

اليوم ساقوني بقيدي يا أخي *** والضرب آلمني وأطفالي معي

لا راحم أشكو اليه أذيتي *** لم ألف الا ظالما لم يخشع

حال الردى بيني وبينك يا أخي *** لو كنت في الأحياء هالك موضعي

مسلوبة مضروبة مسحوبة *** منهوبة حتى الخمار وبرقعي

وهلم خطب يوم قوض ضعنها *** من كربلا في نسوة تبدي النعي

مروا بها لترى أعزة قومها *** صرعى تكفنهم رياح الزوبع

فرأت أخاها جثة من غير ما *** رأس فألقت نفسها بتلوع

فوق الحسين السبط حاضنة له *** فنعته نعي الفاقدات الضيع

وتقول حان فراق شخصك يا أخي *** من ذا لثاكلة وطفل مرضع

يا كافلي هل نظرة أشفي بها *** قلبي وتطفي لوعة في أضلعي

أتبيت في الرمضا بلا كفن ولا *** غسل ويهنى بعد فقدك مضجعي

حاشا وكلا يا كفيل أراملي *** وذخيرتي في النايبات ومفزعي

ص: 50

يا واحدي عزموا على أن يرحلوا *** بي عنك يا غوثي وغوث المربع

ودعتك الرحمن يا من فقده *** أجرا دموعي مثل سحب الهمع

لا عن ملال ان رحلت ولا قلا *** وعليك تسليمي ليوم المرجع

باللّه يا حادي الضعون معجلا *** قف بالطفوف ولو كنعسة هجع

لأبث أحزاني وأكتم ما جرى *** أسفا بقان من غزير الادمع

يا سائرا يطوي القفار ميمما *** قف ساعة ان كنت ذا اذن تعي

وأحمل رسالة من أضر به الجوى *** لجناب أحمد ذي المقام الارفع

قل يا رسول اللّه آلك قد نأت *** بهم الديار بكل واد أشنع

مذ غبت والحق الذي أظهرته *** وأبنته للناس فيهم ما رعي

وحبيبك السبط الحسين ونسله *** مع صحبه قد ذبحوا في موضع

قد صيروهم للسهام رمية *** وضريبة للمرهفات اللمعي

وبنات بنتك في القيود أذلة *** مسبية تسبى كسبي الزيلع

واعمد الى قبر البتول ونادها *** يا فاطم بمصاب نسلك فاسمعي

قومي انزلي أرض الطفوف وشاهدي *** قتلاك بين مبضع ومقطع

ثاوين حول حبيب قلبك بالعزى *** ورؤوسهم تهدى لرجس ألكع

ونساءك الحور الحسان تغيرت *** منها الوجوه من النكال المفضع

أطواقها قيد العدى وشرابها *** من دمعها والاكل ترداد النعي

واقصد أخاه في البقيع وقل له *** ذبح الحسين أخاك يا ابن الاروع

وبنيك والاخوان جمعا صرعوا *** من حوله بالذابلات الشرع

واذا قضيت رسالتي من يثرب *** فاقصد بسيرك للغري واسرع

وأطل وقوفك عند قبر المرتضى *** والثم ثراه على وقار واخضع

قل يا أمير المؤمنين شكاية *** فاسمع لها يا شافعي ومشفعي

هذا الحسين لقى بعرصة نينوى *** أكفانه مور الرياح الاربع

ص: 51

من غير دفن والخيول تدوسه *** بنعالها في صدره والاضلع

والريح قد لعبت بشيبته وقد *** صبغت بقان فوق رمح أرفع

ونساءه مقرونة بقيودها *** محمولة فوق الجمال الظلع

وأذية الاطفال أعظم محنة *** من جوعها ومن السرى لم تهجع

ان حن طفل ساعدته ثواكل *** لم تلف غير مروعة ومروع

والعابد السجاد في أقياده *** لهفي له من ناحل متوجع

يا وقعة راعت قلوب اولي النهى *** جلت ونحن بمثلها لم نسمع

قد جاءكم ذو المخزيات محمد *** لم يلف غيركم له من مفزع

فتعطفوا وترفقوا وتلطفوا *** بمحبكم عند الحساب اذا دعي

وعليكم صلى وسلم ربكم *** ما ناح ذو وجد بقلب موجع

ومن شعره قصيدته التي أولها :

تعزي فلا شيء من العيش راجع *** وهل في صروف الدهر ينفع نافع

86 بيتا.

ص: 52

السيد محمد معصوم

المتوفى 1271

السيد محمد بن مال اللّه بن معصوم القطيفي النجفي المتوفى بالحائر الحسيني سنة 1271.

شطر مقصورة ابن دريد وجعلها في رثاء الحسين علیه السلام بما يقرب من أربعمائة وخمسين بيتا مدرجة في ديوانه وأولها :

يا ظبية أشبه شيء بالمها *** ما لك لا تبكين سبط المصطفى

تمضين بعد ما دعاك ضاميا *** رايقة بين الغوير واللوى

أما ترى رأسي حاكى لونه *** بيض مواضينا بحومات الوغى

تلوح في ليل الوغى كأنها *** طرة صبح تحت أذيال الدجى (1)

* * *

ص: 53


1- عن الذريعة ج 4 ص 191.

هو السيد محمد ابن السيد مال اللّه آل السيد معصوم القطيفي النجفي الحائري ، خطيب معروف ، وشاعر رقيق.

يظهر من سيرته أنه ولد بالقطيف وهاجر منها وهو يافع والتحق بالنجف فاتصل بأعلامه من زعماء الدين وبعد أخذه المقدمات انصرف الى سرد قصة الامام الحسين (عليه السلام). ذكره الشيخ النوري فقال : كان جليل القدر ، عظيم الشأن ، وكان شيخنا الاستاذ العلامة الشيخ عبدالحسين الطهراني كثيرا ما يذكره بخير ويثني عليه ثناء بليغا ، وقال : كان تقيا صالحا ، شاعرا مجيدا ، وأديبا قاريا غريقا في بحار محبة آل البيت (عليهم السلام) وكان أكثر ذكره وفكره فيهم ، حتى انه كان كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف فنسأله عن مسألة أدبية فيجيبنا عنها ويستشهد في كلامه ببيت أنشأه هو أو غيره في المراثي فينقلب حاله ويشرع في ذكر مصيبتهم على أحسن ما ينبغي فيتحول المجلس الى مجلس آخر وله حكايتان طريفتان ذكرهما النوري في كتابه دار السلام.

وذكره الشيخ ابراهيم صادق العاملي في مجموعته معربا عن اعجابه بتقريظه لموشح السيد صالح القزويني البغدادي فقال : وممن لمح ذلك الموشح بطرف غير كليل ، وسبح في تيار لجته فاستخرج منها دررا هي لتاج الادب اكليل وأي اكليل ، الراغم بفضله وأدبه عرين الملك الضليل والشامخ بحسبه ونسبه على كل ذي حسب زكي ونسب جليل ، قرة عين الفضائل والعلوم ، جناب السيد السند السيد محمد نجل المرحوم السيد معصوم فقرظ عليه بهذا الموشح المحلى بفرائد الدر المنظوم ، المطوق بأسنى قلائد تزري محاسنها بدراري النجوم.

ص: 54

وذكره صاحب الحصون في ج 5 ص 582 فقال : كان مجاورا في الحائر الحسيني ، وكان تقيا صالحا ، وشاعرا مجيدا ، وأديبا وقارئا ذاكرا لعزاء الحسين ، جليل القدر عظيم الشأن ، غريقا في بحار محبة آل البيت وأكثر ذكره وفكره فيهم وكان اذا هل ربيع الاول ينشر قصائد في مدح الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المجالس ويصفق بيده أثناء الانشاد ، توفي في حدود 1269 ه.

وذكره النقدي في الروض النضير ص 366 فقال : من فضلاء القرن الماضي ، وكان له في التقوى والصلاح أسمى مكان ، وكان من المعمرين.

وذكره المحقق الطهراني في كتابه الكرام البررة ص 368 فقال القطيفي الحائري المتوفى 1271 ه- كان تلميذ السيد عبداللّه شبر وكتب في ترجمة أستاذه هذا رسالة مستقلة (1).

وذكره السيد حسن الصدر في التكملة فقال : له رسالة أسماها نوافح المسك لم أقف عليها ، وله ديوان كبير عند الشيخ محمد السماوي فيه رثاء الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي والشيخ موسى بن جعفر كاشف الغطاء والشيخ محسن خنفر الذي توفي 1270 ه- وهذا آخر زمن رثى به.

توفي المترجم له في حدود 1271 ه- وله شعر كثير أشهره اللامية المكسورة من حروف الرجز المسماة بزهر الربيع. وديوان شعره

ص: 55


1- أقول نشرت رسالة في مقدمة كتاب « الاخلاق » لجدنا السيد عبداللّه شبر.

مخطوط اشتمل على جميع الحروف. وله روضة في رثاء الحسين. انتهى

وفي الذريعة - قسم الديوان قال : ديوان السيد محمد بن مال اللّه ابن معصوم الموسوي القطيفي الخطي الحائري المتوفى 1271 هو من تلاميذ السيد عبداللّه شبر وكتب رسالة في ترجمة أستاذه. رأيت ديوانه في مكتبة السماوي كل ما فيه قصائده في المراثي ، مرتبة على الحروف ، وكتب له بعض أصحابه مقدمة ، أوله :

كربلا فقت السماوات العلى *** وسمى فخرك ما فوق الثرى

وفيه تلميع الرائية للشريف الرضي ، وتخميس النونية لابن زيدون ، وتشطير المقصورة لابن دريد. وجعل جميعها في رثاء الحسين علیه السلام ، وفيه قصيدة طويلة في رثائه علیه السلام تتضمن أسماء جميع سور القرآن ، أولها :

أشجان فاتحة الاحداث أشجاني *** وقوعها فجرت للعين عينان

أذكت حشى البهم من وحش ومن بقر *** فكيف آل النهى من آل عمران

وقال السيد الامين في الاعيان ج 16 ص 69 ان الشاعر السيد محمد القطيفي المقيم في الحائر أطرى شعره وفضله على شعر غيره خصوصا مراثيه في الامام الحسين وكان في دار آل الشيخ

ص: 56

جعفر آل الشيخ خضر الجناجي النجفي واستدل على مدعاه بقوله في الامام علیه السلام :

بكتك الضيوف وبيض السيوف *** وسود الحتوف أسى والقطار

وخاب الملمون والوافدون *** وضاع المشيرون والمستشار

فقال له الشيخ جعفر وهو يومئذ حدث السنان المشير والمستشار واحد واعترضه في غير هذا البيت أيضا بأن فيه من الزحاف الكف وهو حذاف السابع الساكن من مفاعيل وهو قبيح في بحر الطويل كما ان القبض في مفاعيل في عروض الطويل واجب ، وقد أتى القطيفي به في قصيدته غير مقبوض فانتقده بمثل هذه القواعد العروضية حتى أفحمه ، فقال له القطيفي :

كأنك يا ولدي عروضي ، قال نعم. قال فقطع لنا هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم *** يا بني حمالة الحطب

وكأنه ظن أن لا خبرة له بقصة الاعرابي مع المرأة التميمية ، حيث ان بني تميم يكسرون أول المضارع فقال لها : أتكتنون فأجابته فأخجلها فقالت له : أتحسن العروض ، قال نعم قالت : قطع هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم ( البيت ) فقطعه وأخجلته.

وكان الشيخ جعفر يعرف القصة فارتجل على الفور بيتا

ص: 57

وقال للقطيفي :

ان قطعت البيت الذي قبله قطعته لك ، قال ما هو قال :

كل من تجلى طبيعته *** ذاك مرؤ من ذوي الحسب

فقطعه : كل من تج ، فاعلات. لا طبي ، فاعل. فأخجله.

ونشر البحاثة الشيخ محمد السماوي في مجلة الغري النجفية السنة السابعة تحت عنوان ( ندوة بلاغة بلاغية ) قال : للعالم الفاضل الاديب السيد محمد بن السيد مال اللّه السيد معصوم القطيفي النجفي الحائري ديوان شعر كبير مشتمل على الحروف ، ولقد كان معمرا ومن المكثرين والمجيدين في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) وكانت وفاته سنة 1269 ه- وله كذلك روضة عامرة في رثاء الامام الحسين (عليه السلام).

وله يمدح الامامين الجوادين علیهماالسلام وهي من أواسط شعره :

خلها تدمي من السير يداها *** لا تعقها فلقد شق مداها

ما هوت في الدو الا وانثنت *** تلتقي الحصبا كما تفلي فلاها

هزها الشوق فأبراها الضنا *** فانبرت تحمد بالشوق ضناها

رضيت حر الهوى ماءا كما *** رضيت متلفة السير غذاها

عميت عن كل ما يشغلها *** عن هداها وهداها في عماها

عكرت رحب الفضا مما أثا *** رته فالتف دجاها بضحاها

قصدها الكاظم موسى والذي *** غمر الناس يدا بعض نداها

قف فدتك النفس واغنم أجرها *** حيث تحبيها سلاما من فناها

ص: 58

مبلغا جل سلامي لهما *** طالبا للنفس ما فيه هداها

قل لمن كلم موسى باسمه *** ولمن من جوده نال عصاها

أشهيدي جانب الزوراء هل *** زورة تطغي عن النفس لظاها

أم لعيني نظرة ممن رأى *** جدثي قدسكما تجلو جلاها

لم ير اللّه أناسا غيركم *** للشهادات فأنتم شهداها

بل ولا نال اغترابا غيركم *** مثل ما نلتم فأنتم غرباها

جدكم أعظم قدرا وأذى *** فحسوتم بعده كأسا حساها

وسقاكم ثدي أخلاق بها *** عطر القرآن من عطر شذاها

يا ذواتا أكملت علة ايجاد *** ذي العرش الورى والبدء طاها

ما رجا راج بكم الا نجا *** كيف والراجي الميامين فتاها

ثم عج يا مرشد النفس الى *** أرض ( سامراء ) ننشق من ثراها

واعطها مقودها حتى ترى *** قبة فيها رجاها ومناها

فعلى نوري علا حلا بها *** من صلوة اللّه والخلق رضاها

والق عنها حلس وعثاء السرى *** وقل البشرى فقد زال عناها

واطلب الحاجات تحظى بالا *** جابة في حال بقاها وفناها

ثم انهضني فلا قوة لي *** من هموم أبهضتني من عداها

نحو سرداب حوى خوف العدى *** عصمة العالم والمعطي رجاها

وامش بي رسلا فما تدري عسى *** اللّه لبى دعوة في مشتكاها

وادخلن بي خاضعا مستشفعا *** لي بأن اسعد يوما بلقاها

نقرأ التسليم منا عد ما *** خلق اللّه الى يوم جزاها

يا ولي اللّه والمعطي مدى *** أمد الايام اقليد عطاها

والنضير الشاهد الحاكم في ال- *** -خلق والموصي له من نظراها

قم على اسم اللّه أثبت ما بقي *** من رسوم فالعدى راموا محاها

ص: 59

طهر الارض بأجناد أبت *** أن يرى مبدؤها أو منتهاها

وابسط العدل بعيسى الروح و *** الخضر محفوفا بأملاك سماها

ان دوحات الرجا قد أذنت *** بانحسار فمتى خضرا نراها

جرد السيف لثارات بني *** امك الزهراء واجهد في رضاها

تلتقي جيش العدى ضاحكة *** والمواضي من دم طال بكاها

ابلغوا للدفع عن حامية ال- *** -دين يوصي الكل كلا بحماها

لم يزالوا في الوغى حتى جرى *** من يد الاقدار ما حم قصاها

وله يرثي السيد عبد اللّه شبر الكاظمي المتوفى 1242 ه- ويعزى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر بفقده :

أروح وفي القلب مني شجن *** وأغدو وفي القلب مني احن

ولم يشجني فقد عيش الشباب *** وليل الصبا ولذيذ الوسن

ولا هاجني منزل بالحمى *** ولا ذكر غانية أو أغن

ولكن شجتني صروف الزمان *** بأهل الرشاد ولاة الزمن

بموسى الكليم بدت بالردى *** وكم فيه رد الردى والمحن

وثنت بمن لم يكن غيره *** اماما لدينا يقيم السنن

فأخنى الزمان بنجل الرضا *** وألبسني منه ثوب الحزن

وناعيه لما نعاه الي *** أذاب الفؤاد وأفنى البدن

نعى العالم الهاشمي التقي *** نعى من له الفضل في كل فن

فلا غرو أن بكت المكرمات *** بدمع جرى فيضه للقنن

على من سرى ذكره في البلاد *** وشاع بذكر جميل حسن

فيا طود فضل هوى في الثرى *** وغيب في بطنه أو بطن

ويا راحلا عن ديار الغرور *** فذكر جميلك فينا قطن

ص: 60

قضيت الذي كان منك يراد *** لتجزى بذلك من ذي المنن

نصبت الهدى ونشرت العلوم *** وغيب لفقدك كل حزن

ولا سيما الندب فرد الزمان *** خدين المعالي بهذا الزمن

وحيد الفضائل في عصره *** ورب التقى والحجى والفطن

حميد الفعال كريم الطباع *** له الفضل في سر أو في علن

وعلامة الدهر هادي الانام *** لسبل الرشاد محمد حسن

أقام عزاء سليل النبي *** وأفضل من من من غير من

لفاتحة في عزاء تفوق *** كما فاق فينا على كل فن

وان أبا حسن قد مضى *** لخلد الجنان وفيها سكن

فصبرا بنيه وأرحامه *** فصبر الفتى ما له من ثمن

ولا زال يغشى ضريحا حواه *** سلام من اللّه ما الليل جن

وللسيد محمد معصوم القطيفي النجفي يرثي الامام الحسين (عليه السلام) :

أسفي لربات الحجا *** ل برزن لا يأوين كنا

تبكي أخا كرم شمردل *** طالما أغنى وأقنى

شيخ العشيرة ذا حمى *** ما مس منه الضيم ركنا

والمستغاث اذا الخطوب *** تراكمت كالليل دجنا

أو لم تكن أنت الذي *** بأمورنا في الدهر تعنى

أو لم ترانا بعد حفظك *** في يد الاسواء ضعنا

وتعج تهتف والشجى *** يبدي خفايا ما استكنا

أمجشما فج الفلا *** ما لا يعد الحزن حزنا

عرج بطيبة مبلغا *** بعض الذي بألطف نلنا

ص: 61

مأوى الشجاعة والسماح *** وكل معروف وحسنى

قوم اذا حمي الطعان *** فهم أحر القوم طعنا

وللسيد محمد ابن السيد معصوم من روضته قصائد هذه اوائلها :

1 - أرزء مثل رزء السبط مشج *** له الارضون رجت أي رج

22 بيتا

2 - ألا يا ليل هل لك من صباح *** وهل لاسير حزنك من براح

28 بيتا

3 - حزني على سبط النبي محمد *** بين الفؤاد الى القيامة راسخ

13 بيتا

4 - يا فؤادي ويا لهيب فؤادي *** كل يوم من الاسى بازدياد

40 بيتا

5 - روحي الفداء لمن هانت حياتهم *** لديهم وعن الدنيا لقد رغبوا

30 بيتا

ومن روضته :

6 - يابن النبي محمد ووصيه *** وابن البتول البضعة الزهراء

وفي مجموع مخطوط قصيدة أولها :

قف بالمعالم بعد ما أن قوضوا *** أفبعدهم عين المكارم تغمض

ص: 62

الشيخ حسن الصفواني

توفي سنة 1271 تقريبا

جاء في شعراء القطيف : هو الاديب الاريب الشيخ حسن بن صالح الصفواني القطيفي من شعراء القرن الثالث عشر. ولم أتحصل على من يتعرف على هذا الشاعر فيمدني بمعلومات حياته غير اني تتبعت كثيرا من ديوانه قراءة فلمست منه انه ذلك التقي الورع الصالح في الرعيل الاول من رجالات الدين وشعراء أهل البيت (عليهم السلام) وان ديوانه المرتب على حروف المعجم ليعطينا صورة عن كثير من حياته الفذة. توفي رحمه اللّه تعالى في التاريخ المذكور على حد التقريب. ومبلغ العلم انه موجود سنة 1244 معاصر للفاضل الجشي الذي سبق ذكره.

نقتطف من ديوان المترجم هذه القصيد العامرة نظرا لاشتمالها على اسمه الكامل وهي التي دلتنا عليه ، لذا رجحنا ذكرها على غيرها من خرائده تغمده اللّه برحمته.

ص: 63

قوله في رثاء الحسين علیه السلام :

لما على الدوح صاحت ذات افنان *** غدوت أنشد أشعاري بأفنان

واستأصل الحزن قلبي وانطويت على *** أن لا أفارق أشجاني وأحزاني

وبت مثل سليم مضه ألم *** لم تألف الغمض طول الليل أجفاني

حليف وجد نحيل مدنف قلق *** فقل بصبر عليل مؤسر عاني

وذاك لا لضعون زم سائقها *** يوم الرحيل ولا قاص ولا داني

ولا لفقد أنيس قد أنست به *** ولا لتذكار اخوان وخلان

ولا لتذكار وادي الحرتين ولا *** دار خلت من أخلائي وجيراني

ولا لدار خلت من أهلها وغدت *** سكنى الفراعل من سيد وسرحان

ولا فراق نديم كان مصطحبي *** في العل والنهل عند الشرب ندماني

ولا لمائسة الاعطاف كاملة الا *** وصاف ان خطرت تزري على البان

لكن أسفت على من جل مصرعه *** وأفجع الخلق من انس ومن جان

أعني الحسين أبا الاسباط أكرم من *** ناجى المهيمن في سر واعلان

سبط النبي وفرخ الطهر فاطمة *** نجل الوصي حسين الفرقد الثاني

لهفي له حين وافى كربلا وبها *** حط المضارب من صحب واخوان

مستنشقا لثراها خاطبا بهم *** وهو البليغ بايضاح وتبيان

هذي دياري وفيها مدفني وبها *** محط قبري ، بهذا الجد أنباني

فما ابن صالح يرجو غير فضلكم *** وانه حسن يدعى بصفوان

والوالدين ومن يقرأ لمرثيتي *** والسامعين ومن يبكي بأحزان

ثم السلام عليكم ما هما مطر *** يوما وما صدحت ورق بأغصان

ص: 64

الحاج سليمان العاملي

المتوفى 1272

هل المحرم فاستهل مكدرا *** قد أوجع القلب الحزين وحيرا

وذكرت فيه مصاب آل محمد *** في كربلا فسلبت من عيني الكرى

يوم مباني الدين فيه تزلزلت *** وانهد من أركانها عالي الذرى

وارتجت الارضون من جزع وقد *** لبست ثياب حدادها أم القرى

خطب له تبكي ملائكة السما *** والشمس والقمر المنير تكورا

من مبلغ المختار أن سليله *** أضحى بأرض ألطف شلوا بالعرى

* * *

الحاج سليمان بن الشيخ علي بن الحاج زين العاملي والد الشيخ محمد والشيخ أبو خليل الزين ولد سنة 1227 وتوفي سنة 1272 ه. قال السيد الامين في الاعيان : كان من أهل الخير والصلاح والمبرات الكثيرة وكان يقوم بنفقات أكثر الطلاب في مدرسة الشيخ عبداللّه نعمة في ( جبع ) وله شعر لا بأس به وجدناه بخطه في بعض المجاميع.

وروى له رحمه اللّه شعرا وقال : انه قاله سنة 1276 و 1277 أي بعد وفاته بخمس سنين. وقد جاء ذلك سهوا.

ص: 65

الشيخ حسن الدورقي

المتوفى 1272

قال يخاطب الامام الحسين (عليه السلام) في حرب دامية وقعت بكربلا من قبل الوالي داود باشا العثماني سنة 1243 ه.

أسليل المصطفى حتى متى *** نحمل المكروه في حب جوارك

طبت نفسا عن مواليك لما *** أسلفوا أم لم تطق منعة جارك

أم تعرضت اختبارا صبرنا *** أنت تدري ما لنا عشر اصطبارك

أكرم الضيف وان جاء بما *** لست ترضاه اذا حل بدارك

انت تدري ما لنا من مطلب *** غير أن نأوي الى مأوى قرارك

قم أخا الغيرة واكشف ما بنا *** ضاقت الافكار عن وجه الاعتذارك

الذنب فهو من عاداتنا *** وتعودت تكافى باغتفارك

أم بنا ضاقت فسيحات الرجا *** دون من يأوي الى كهف اقتدارك

أم بتعجيل العقوبات لنا *** مفخر حاشا مقامات افتخارك

ثم ان كان ولا بد فدع *** هذه واحكم بما شئت بجارك

* * *

الشيخ حسن ابن العلامة جمال الدين الشيخ احمد ابن المحقق الشيخ محمد ابن الشيخ محسن ابن الشيخ علي من آل محسن

ص: 66

بطن من ربيعة.

ولد الشيخ حسن سنة 1213 ه- يقول الشيخ محمد حرز الدين في الجزء الاول من معارفه : كان بحر علم تلاطمت أمواجه وبدر أشرقت به مرابع العلوم وعمت تحقيقاته فهدى وأفاد ، جرى تيار معارفه ففاض فعلا الروابي والهضاب ، وله تقوى قصرت عن قطع مداها كثير من العباد ، وعجزت عن نيل أقل رتبتها الزهاد.

تتلمذ في النجف على يد الشيخ صاحب الجواهر والشيخ محسن الاعسم والشيخ خضر شلال.

مؤلفاته : رسالة في الخمس ، ورسالة في المسائل الجبارية في فنون شتى ، ورسالة في أجوبة الشيخ محمد الصحاف ، ومنظومة في الاصول وكتاب الدرر في الحكمة ، ورسالة في حل أخبار الطينة ، وحواشي على المدارك والمسالك ، وتعليقه على الجواهر والكفاية والمفاتيح والهداية والحدائق ومنسك الحج.

حج بيت اللّه مرتين ، وكان حاملا لواء النظم والنثر فكم له من نظم في أئمة الهدى ومدح العلماء ومراثيهم. توفي يوم الاحد من شهر محرم سنة 1272.

ص: 67

السيد أحمد الفحام

1274

قوله في الحسين (عليه السلام) :

ما بال عيني أسبلت عبراتها *** قاني الدموع وحاربت غفواتها

الذكر دار شطر جرعاء الحمى *** أمست خلاء من مهى خفراتها

أم فتية شط فغادرت الحشى *** تطوي على الصعداء من زفراتها

لا بل تذكرت الطفوف وماجرى *** يوم الطفوف فأسبلت عبراتها

يوما به أضحت سيوف أمية *** بالضرب تقطر من دماء هداتها

يوما به أضحت أسنتها تسيل *** نفوسها زهقا على صعداتها

سقيت أنابيب الوشيج على الصدى *** فقضت على ظمأ دوين فراتها

وعقائل الهادي تقاد ذليلة *** أسرى بني الزرقاء في فلواتها

في أي جد تستغيث فلا ترى *** الا التقنع في سياط طغاتها

أترى درى خير البرية شمله *** عصفت به بألطف ريح شتاتها

أترى درى المختار أن أمية *** قد أدركت في آله ثاراتها

تلك البدور تجللت خسفا وقد *** سقطت بكف يزيد من هالاتها

أبدت غروبا في الطفوف يديرها *** فلك المعالي في أكف بغاتها

تلك الستور تهتكت قسرا وما *** رعيت حمايتها بقتل حماتها

نسل العبيد بآل أحمد أدركت *** ثاراتها أشفت به أحناتها

ص: 68

ويل لها أرضت يزيد وأغضبت *** خير الورى في قتلها ساداتها

لهفي لزينب وهي ما بين العدى *** مرعوبة تبكي لفقد كفاتها

بعدا ليومك يابن أمي انه *** أنضى النفوس وزاد في حسراتها

يا جد ان أمية قد غادرت *** بالطف شمل بنيك رهن شتاتها

هذا الحسين بكربلا متوسدا *** وعر الصخور لقى على عرصاتها

تحت السنابك جسمه وكريمه *** بيد الهوان يدار فوق قناتها

اللّه أكبر انها لمصيبة *** تتقطع الاكباد في خطراتها

أبناء حرب في القصور على أرا *** ئكها وآل اللّه في فلواتها

يمسون قتلى كربلا وأمية *** تمشي نشاوى سكبها راحاتها

يا سادتي يا من بحبهم النفو *** س تقال يوم الحشر من عثراتها

ماذا أقول بمدحكم وبمدحكم *** وافى جميل الذكر من آياتها

صلى الاله عليكم ما ان بدت *** وضح الصباح وقد جلت ظلماتها

* * *

جاء في شعراء الغري : السيد أحمد ابن السيد صادق الفحام الاعرجي ذكره السيد الامين في الاعيان فقال : كان أديبا فاضلا وليس لدينا علم بشيء من أحواله كما ذكره صاحب ( الحصون ) وأثبت له من الشعر قوله :

سأقضي بقرب الدار نحبي على أسى *** اليك وحاجاتي اليك كما هيا

أرى حارما مالي وما ملكت يدي *** وجمعته من طارفي وتلاديا

ص: 69

لقا بأعالي الرمل من حصن سامة *** مسجى على يأس الرجا من حياتيا

تقلبني أيدي العوائد رأفة *** بحالي وتبكي رحمة لشبابيا

وشف الهوى جسمي فلا قمت واقفا *** على مدرج الريح استقرت مكانيا

وما أم رسلان ببطن مفازة *** نأى السرب عنها ساعة الركب ماضيا

ولما تناءى الركب عنها انثنت له *** فألفته محصوص الجناحين طاويا

بأوجد مني يوم أصبحت صارما *** حبالي وقد كنت الخليط المصافيا

وقوله :

ثلاثة أشياء : فروح مضاعة *** ورابعها ايضا تضمن في الكتب

فدين بلا عقل ، ومال بلا ندى *** وعشق بلا وصل ، وبعد بلا قرب

ص: 70

صالح حجي الكبير

1275

قال يرثي أبا الفضل العباس شهيد الطف :

هلّ لا هل بالهنا عاشور *** فعلى ناظري الكرى محظور

ذاك شهر به تزلزل عرش *** اللّه واندك بيته المعمور

ذاك شهر به تفلل من آل *** علي حسامها المشهور

ذاك شهر به انطوى من بني عبد *** مناف لواؤها المنشور

يوم فيه قد غال بدر المعالي *** الخسف والشمس سامها التكوير

يوم أخنى على أبي الفضل فيه *** قدر قبل آدم مقدور

وغدا بعده فريد بني الفضل *** فريدا بناظريه يدير

قائلا أين من لصوني معد *** ولنصري من والدي مذخور

أين حامي الحقيقة المتحامي *** أين كبش الكتيبة المنصور

أين عني خواض بحر المنايا *** وهو بالبيض والقنا مسجور

وأتاني بالماء رغما على الاعداء *** والماء بالردى مغمور

وأبت نفسه الورود ونفسي *** من أوام يشب فيها السعير

يا حميا غداة قل المحامي *** ونصيرا غداة عز النصير

من لهذي الاطفال بعدك حام *** ولهذي العيال بعدك سور

ص: 71

فبحر بي تظاهرت آل حرب *** يوم ظهري خلا وأودى الظهير

بأبي من بكى الحسين عليه *** ونعاه التهليل والتكبير

لست أنساه في الوغى يتهادى *** باسم الثغر والعجاج يثور

قد تجلى على العراق مطلا *** بسرايا منها الشئام تمور

كر في الحرب والجسوم تهاوى *** بظبا الشوس والرؤوس تطير

يتلقى الجم الغفير بعزم *** ما لديه الجم الغفير غفير

لم يزل يحصد الاسود الى أن *** خر من بينها الهزبر الهصور

ذاك طور الهدى تجلى له النو *** ر فلا غرو أن يدك الطور

وبشاطي الفرات يقضي أبو الفضل *** أو اما ليت الفرات يغور

يصدر المرهف المهند عنه *** ناهلا والمثقف المطرور

دمه غسله ونسج الصبا أكفا *** نه والثرى له كافور

يا لها وقعة بها ناظر الدين *** الى الحشر بالدما ممطور

لا يجلى ديجورها غير بدر *** ينجلي في شروقه الديجور

رحمة اللّه والذي يكشف الغماء *** عنا به وتشفى الصدور

علة الكائنات قطب مدار ال- *** -حق مشكاة نوره والنور

* * *

صالح بن قاسم بن محمد بن احمد بن حجي الطائي الحويزي الزابي النجفي. شاعر معروف وأديب فاضل. ذكره صاحب الحصون المنيعة ج 1 ص 411 فقال : وآل حجي أسرة نجفية معروفة تنحدر من عشيرة الزابية وهي فخذ من قبيلة طي كان مسكنهم على شط الفرات ، وأول من رحل منهم الى النجف لتحصيل العلم الشيخ قاسم والد المترجم له فحضر على علماء عصره وانكب على التحصيل والتفوق في دراسة الفقه والاصول

ص: 72

حتى حاز على مرتبة المجتهدين العظام ، ثم بعد رحل الى بلاد فارس ووصل الى خراسان فخلف هذا المترجم له ، ولم يكن في أول أمره مشغولا بالادب والشعر لكن عندما كف بصره جعل الشعر سلوة له فأكثر في النظم.

أقول وجاء ذكره في الحصون اكثر من مرة وفي عدة أجزاء منها. وجاء في ( الطليعة ) انه من العلماء الصلحاء والاجلاء الاتقياء ، له شعر كثير ومطارحات مع شعراء عصره وعلماء زمانه.

وترجم له في ( طبقات أعلام الشيعة ) فقال : هو الشيخ صالح ابن الشيخ قاسم ابن الحاج محمد الطرفي الحويزي النجفي ، من أعلام الادب في عصره ومن حفاظ القرآن. ( آل حاجي ) من بيوت النجف المعروفة بالفضل والادب ، قطنت النجف في القرن الثاني عشر ، وهم من قبيلة ( بني طرف ) الحويزيين ، وأول من هاجر منهم الى النجف الشيخ قاسم والد المترجم له وسكن محلة ( الحويش ) ، ولحق جدهم محمدا لقب ( الحاج ) وبقي ملازما لاولاده وأحفاده.

وقال صاحب طبقات الشيعة : وقد ضاع معظم شعر المترجم له وتلف مع سائر آثار أسرته من جراء حوادث الطاعون الذي قضى عليهم وطمس آثارهم الا ما حفظته المجاميع النجفية المخطوطة ، وقد رأيت من شعره قصيدة في رثاء الشيخ محمد حسن صاحب ( الجواهر ) وأخرى في رثاء الشيخ محمد بن علي ابن جعفر كاشف الغطاء ، وثالثة في رثاء السيد شريف زوين أخ

ص: 73

السيد صالح القزويني لأمه ، ورابعة في رثاء الشيخ حسن بن جعفر كاشف الغطاء ، وخامسة في رثاء السيد حسن بن علي الخرسان وقد أثبتها السيد جعفر الخرسان في مجموعته ، وقد خلف ولدين : الشيخ جواد والشيخ مهدي وكلاهما من أهل الفضل والادب.

من شعره قصيدته التي قرض بها موشحة السيد صالح القزويني البغدادي التي مدح بها الشيخ طالب البلاغي :

صاغ من جوهر النظام عقودا *** راق كالدر سمطها منضودا

شهدت بالعلى له وأقامت *** لعلاها منه عليها شهودا

واستعارت منها الغواني ثنايا *** ها الغوالي فنظمتها عقودا

وغدا ابن الاثير وهو أثير *** بعلاه كأبن العميد عميدا

وجميلا أرتك غير جميل *** واسترقت كأبن الوليد الوليدا

صرعت قبله صريع الغواني *** بعد ما صيرت لبيدا لبيدا

كبرت آية لصالح لو شا *** هدها قومه لخروا سجودا

فصلتها يدا حميد فأضحى *** ذكرها مثل ذكره محمودا

ملك من بني النبي وجدنا *** ما بآبائه به موجودا

حدد المكرمات كما وكيفا *** بيد جودها تعدى الحدودا

مكرمات زواهر تقتفيها *** عزمات تصدع الجلمودا

فهو أعلى من أن يقال مجيد *** أو هل غيره يعد مجيدا

ولعمري لهو المعد ليوم *** لم يكن غيره له معدودا

بحر علم طمى فلم تلف بحرا *** طاميا لم يكن به ممدودا

وجواد لم يكب جريا كلالا *** وحسام لم ينب ضربا حدودا

يا سحابا بفيض جدواه فضلا *** طوق العالمين جيدا فجيدا

لم نزل والورى جميعا نوافي *** كل يوم من الهنا بك عيدا

ص: 74

الشيخ قاسم الهر

المتوفى 1276

لله درهم كم عانقوا طربا *** لدن الرماح عناق الخرد الحور

وصافحوا المشرفيات الصفاح لدى *** الحرب العوان بقلب غير مذعور

وكم أشم مجد العصب يختلس الا *** رواح والحرب منه ذات تسعير

يلقى المواضي وسمر الخط متشحا *** بحادثات المنايا والمقادير

تثنى لسطوتهم شم الجبال اذا *** سطو على الهضب والآكام والقور

ما سالموا للعدى حتى اذا انتشروا *** كالشهب ما بين مطعون ومنحور

من للهدى والندى بعد الالى كتبت *** أسماؤهم فوق عرش اللّه بالنور

اللّه أكبر يا لله من نوب *** جرت لآل علي بالمصادير

فكم بدور هدى في كربلا محقت *** وغير النور منها أي تغيير

وكم نجوم لارباب العلى حجبت *** تحت الثرى بعدما غيلت بتكدير

أقول وأول هذه القصيدة الحسينية :

فلّت مواضي الهدى في يوم عاشور *** وبيضة الدين قد شيبت بتكدير

يوم بنو الوحي والتنزيل فيه غدوا *** طعم العواسل والبيض المباتير

* * *

ص: 75

الشيخ قاسم بن محمد علي بن احمد الحائري الشهير بالهر والبصير أخيرا ، ولد سنة 1216 والمصادف 1801 م وتوفي سنة 1276 والمصادف 1859 م وأضر في آخر عمره ، وفي الطليعة : كان أديبا شاعرا عابدا ناسكا ، فقد بصره وهو في ميعة شبابه وشرخ صباه ، وتلقى العلم في المعاهد الدينية بكربلاء المقدسة أورد بعض شعره في المجموع الرائق ، وأخيرا كتب عنه صديقنا الاستاذ السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وذكر من كتب عن حياة هذا الشاعر كالسيد الامين في الاعيان والشيخ آغا بزرك الطهراني وغيرهما. توفي المترجم له بكربلاء المقدسه ودفن في الصحن الحسيني المقدس مما يلي باب السدرة ومن أشهر شعره قوله في الامام الحسين علیه السلام :

يومان لم أر في الايام مثلهما *** قد سرني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به *** يوم شمر على صدر الحسين رقا

وقوله في رثاه (عليه السلام) :

ما أنت يا قلب وبيض الملاح *** ووصف كاسات وساق وراح

هلم يا صاح معي نستمع *** حديث من في رزئه الجن ناح

لقد قضى ريحانة المصطفى *** بين ظبا البيض وسمر الرماح

لهفي عليه مذ هوى ظاميا *** موزع الجسم ببيض الصفاح

ثوى أبي الضيم في كربلا *** ورحله فيها غدا مستباح

هبوا بني عمرو العلى للوغى *** بكل مقدام بيوم الكفاح

نساؤكم بالطف بين العدى *** كأنها بالنوح ذات الجناح

وهناك جملة من القصائد الحسينية في المخطوطات النادرة رأيناها في تجوالنا عن أدب الطف.

ص: 76

الشيخ عباس الملا

المتوفى 1276

وقد ارتجلها في الحائر الحسيني بكربلاء :

يا سيد الشهداء جئت من الحمى *** لك قاصدا يا سيد الشهداء

متوسلا بك في قضاء حوائجي *** فأذن اذا لحوائجي بقضاء (1)

* * *

الشيخ عباس بن الملا علي بن ياسين البغدادي النجفي من أسرة آل السكافي ، أسرة معروفة في النجف تتعاطى التجارة ، وأبوه الملا علي من ذوي النسك والصلاح يتعاطى بيع ( البز ) في بغداد ، وفي سنة 1247 هاجر الملا علي الى النجف رغبة منه في مجاورة مشهد الامام أمير المؤمنين ولولده المترجم له يومئذ من العمر ثلاث سنين ، اذ أن مولده كان سنة 1244 ففتح عينيه على الجو الادبي الذي يمتاز به هذا البلد واتصل بأدبائه وعلمائه فأين ما اتجه رأى عالما أو محادثا أو مؤلفا وكان له الميل الكامل

ص: 77


1- عن ديوانه المطبوع بالمطبعة العلمية - النجف الاشرف جمع وتحقيق الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي.

لذلك الجو العلمي فبرع في العلم والادب ونظم القريض ونبغ فيه قبل بلوغ سن الرشد فأصبح من ذوي المكانة بين أدباء القرن الثالث عشر الهجري ولا أدل على ذلك من قوله :

أحطت من العلوم بكل فن *** بديع والعلوم على فنون

فها أنا محرز قصب المعالي *** وما جاوزت شطر الاربعين

وقوله :

كفاني أنني لعلاي دانت *** بنو العلياء من قاص ودان

وحسبي أنني من حيث أبدو *** أشار الناس نحوي بالبنان

صرح البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة بأنه تفقه على العلامة الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، وله مساجلات ومطارحات مع أدباء عصره وفي مقدمتهم الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي فقد كان من المعجبين به فقد راسله ومدحه بطائفة من القصائد والمفردات منها قوله في قصيدته يمدحه فيها تناهز ال- 50 بيتا مثبتة بديوانه المطبوع واليك شاهدا منها :

له اللّه من ذي منطق أعجز الورى *** وألسنة الافصاح عنه غدت لكنا

ترعرع في حجر النجابة وانثنى *** من المجد قبل المهد متخذا حضنا

حبيب اذا أنشأ ، صريع اذا انتشى *** بديع اذا وشى ، غريض اذا غنى (1)

ص: 78


1- أشار بالبيت الى أبي تمام حبيب بن أوس ، وصريع الغواني مسلم بن الوليد ، وبديع الزمان الهمداني ، وغريض الاندلسي المغني المعروف.

ومفتقر ( مغنى اللبيب ) للفظه *** يعلم في اعرابه معبد اللحنا

تسامى على الاقران فهو أجلهم *** وأكبرهم عقلا وأصغرهم سنا

وأكثرهم فضلا وأفضلهم ذكا *** وأنفذهم فكرا وأشحذهم ذهنا

ومنها :

مراث بنعت الال آل محمد *** له الدهر يعطي حين ينشدها الاذنا

ويستوقف الافلاك شجو نشيده *** ويستصرخ الاملاك والانس والجنا

فيبكي الحيا والجو يندب والسما *** تمور ووجه الارض يملؤه حزنا (1)

وذكره العلامة السماوي في ( الطليعة ) وأورد شواهد من شعره ثم نشر بقلمه في مجلة ( الغري ) السنة 7 الصادر سنة 1365 وخلاصة ما قال : العباس بن علي بن ياسين أبو الامين كان فاضلا أديبا جميل الشكل حسن الصوت لطيف المعاشرة ، وكان أبوه تقيا هاجر من

ص: 79


1- قال المرحوم الشيخ اليعقوبي معلقا على هذا البيت : سألت الشيخ محمد السماوي فقلت له : لم يكن للشيخ عباس رثاء مشهور في أهل البيت ، فما هو قصد العمري في هذه الابيات. فاجاب قائلا : روى لي بعض معاصريه انه كان يستدر الدموع بصوته الرخيم وانشاده الرقيق لما يحفظه من المراثي الحسينينة في بعض الندوات الخاصة التي يعقدها اصحابه ببغداد في أيام عاشوراء كما حدث بذلك المرحوم الحاج حسين الشهربانلي من شيوخ بغداد المعمرين وانه كان ممن شهد تلك الاندية.

بغداد الى النجف وابنه رضيع وكان وقاد الذهن حاد الفهم وسيما ذا عارضة شديدة وهمة عالية مشاركا في العلوم على صغر سنه ، وصاهره الحسين بن الرضا الطباطبائي على شقيقته فهنأ السيد وهنأ نفسه بمصاهرة آل الرسول ، وعرف بالتقوى وامتاز بالورع فهو كما كان من مشاهير الشعراء كان كذلك من مشاهير الاتقياء. توفي في أواسط شهر رمضان سنة 1276 وعمره 32 سنة ودفن بالصحن الحيدري تجاه باب الرواق الكبير ، ويقال في سبب موته انه هوى ابنة أحد الاشراف وأخفى هواه حتى أنحله الى أن قضى نحبه. رثاه العلامة السيد حسين الطباطبائي آل بحر العلوم بقصيدة تفيض بالحسرات والآلام وهذا أكثرها.

رزء كسا العلياء ثوب حداد *** وأماد للاسلام أي عماد

أصمت فوادحه الرشاد فبددت *** أركانه بالرغم أي بداد

هل ذاك نفخ الصور قد صرت بنا *** زعقاته أم ذاك صرصر عاد

جلل عرا فرمت سهام خطوبه *** دين النبي ومعشر الامجاد

هاتيك غر الاكرمين لوجدها *** تذري المدامع من دم الاكباد

ثكلى ومن فرط الجوى أحشاؤها *** أبدا ليوم الحشر في ايقاد

قف بالديار الدراسات طلولها *** وانشد رباها عن أهيل ودادي

بالبنين ان سلبوا القلوب فانهم *** خلعوا على الاجساد ثوب سواد

تقفوا النجائب من جوى وجفونها *** تهمي متى يحدو بهن الحادي

لله رزء أججت نيرانه *** قلب الورى من حاضر أو باد

رزء الفتى السامي أبي الفضل الذي *** حاز الفضائل من لدى الميلاد

من فاق أرباب العلى بمفاخر *** علم وأخلاق وبسط أيادي

ص: 80

ذات سمت فحوت مناقب جمة *** أعيت عن الاحصاء والتعداد

قس البلاغة في الورى بل لم يقس *** كلا بسحبان وقس أياد

ومهذب مزج القلوب بوده *** مزج الاله الروح بالاجساد

ذاك الذي شرك الانام بماله *** لكن تفرد في هدى ورشاد

فقضى وأنفس زاده التقوى وهل *** للمتقين سوى التقى من زاد

لو يفتدى لفديته طوعا بما *** ملكت يدي من طارف وتلاد

لكن اذا نفذ القضا فلا ترى *** تجدي هنالك فدية من فاد

خنت الذمام وحدت عن نهج الوفا *** ان ذقت بعد نواه طعم رقاد

وسلوت مجدي ان سلوت مصابه *** حتى ألاقيه بيوم معادي

هل كيف تسكن لوعتي فيه وقد *** أمسى رهين جنادل الالحاد

لي كانت الايام أعيادا به *** واليوم عاد مراثيا انشادي

أصفيته دون الانام الود اذ *** كان الحري ومجده بودادي

لمحته عيني فابتلت كبدي به *** ان العيون بلية الاكباد

وعرفت قدر علاه من حساده *** اذ تعرف الاشياء بالاضداد

ذخرى ومن حذري عليه كنزته *** تحت الثرى عن أعين الاشهاد

أتبعته عند الرحيل مدامعا *** تحكي الغوادي أو سيول الوادي

فقضى برغمي قبل أن اقضي به *** وطري وأبلغ من علاه مرادي

يرتاح في روض الجنان فؤاده *** ومعذب بلظى الجحيم فؤادي

يا ليتما لاقيت حيني قبل ما *** ألقاه محمولا على الاعواد

فدى بقية عمره نفسي التي *** هي نفسه ففدى المفدى الفادي

من بعد فقدك لا أرى في الدهر لي *** عونا على صرف الزمان العادي

لله نعشك مذ سرى ووراءه *** أم المعالي بالثبور تنادي

لله قبرك كيف وارى لحده *** طودا يفوق علا على الاطواد

ص: 81

لله رمسك كيف غشى طلعة *** سطعت سنا كالكوكب الوقاد

ولقد صفا بك عيشنا زمنا فهل *** ذاك الزمان الغض لي بمعاد

كم ذا أقاسي فيك من وجد ومن *** نوب تهد الراسيات شداد

أتقلب الليل الطويل كأنني *** متوسد وعلاك شوك قتاد

أبكيك يا جم المكارم ما شدت *** ورقاء فوق المايس المياد

أبكي ولم أعبأ بلومة عاذل *** ( اني بواد والعذول بواد )

أفهل ترى لي سلوة في فقد من *** هو فاقد الامثال والانداد

هيهات لا أسلو وان طال المدى *** من كان في الكرب الشداد عتادي

يا منهل الوراد بل يا روضة *** الرواد بل يا كعبة الوفاد

بك كان نادينا يضيء وقد محت *** أيدي الزمان ضياء ذاك النادي

كم ذا دهتني الحادثات بفادح *** لكن ذا أدهى شجى لفؤادي

وحشدت يا دهر الضغائن لي فما *** لك كم تجور على بني الامجاد

أوريت نيران الآسي في مهجة *** الصادي أجل فاللّه بالمرصاد

وسقى ضريحا ضم خير معظم *** أبدا مدى الازمان صوب عهاد

ذكر الشيخ آغا بزرك ان الشيخ اليعقوبي الخطيب كان قد ظفر بديوان المترجم له وقد استنسخ منه نسخة كاملة ب- 330 صفحة وان النسخة فقدت في جملة ما فقد في سنة 1335.

وهكذا انطوت حياة هذا العبقري ولا تزال قصة غرامه أحدوثه السمر في أندية الادب.

ومن شعره يمدح الامام أمير المؤمنين عليا علیه السلام ويستجير به من الوباء :

أيها الخائف المروع قلبا *** من وباء أولى فؤادك رعبا

ص: 82

لذ بأمن المخوف صنو رسول *** اللّه خير الانام عجما وعربا

واحبس الركب في حمى خير حام *** حبست عنده بنو الدهر ركبا

وتمسك بقبره والثم الترب *** خضوعا له فبورك تربا

واذا ما خشيت يوما مضيقا *** فامتحن حبه تشاهده رحبا

واستثره على الزمان تجده *** لك سلما من بعد ما كان حربا

فهو كهف اللاجي ومنتجع الآ *** مل والملتجي لمن خاف خطبا

من به تخصب البلاد اذا ما *** أمحل العام واشتكى الناس جدبا

وبه تفرج الكروب وهل من *** أحد غيره يفرج كربا

يا غياثا لكل داع وغوثا *** ما دعاه الصريخ الا ولبى

وغماما سحت غوادي أياد *** يه فأزرت بواكف الغيث سكبا

وأبيا يأبى لشيعته الضيم *** وأنى والليث للضيم يأبى

كيف تغضي وذي مواليك أضحت *** للردى مغنما وللموت نهبا

أو ترضى مولاي حاشاك ترضى *** أن يروع الردى لحزبك سربا

أو ينال الزمان بالسوء قوما *** أخلصتك الولا وأصفتك حبا

حاش لله أن ترى الخطب يفني *** - يا أمانا من الردى - لك حزبا

ثم تغضي ولا تجير أناسا *** عودتهم كفاك في الجدب خصبا

لست أنحو سواه لا وعلاه *** ولو أني قطعت اربا فاربا

في حماه أنخت رحلي علما *** أن من حل جنبه عز جنبا

لا ولا أختشي هوانا وضيما *** وبه قد وثقت بعدا وقربا

وبه أنتضي على الدهر عضبا *** ان سطا صرفه وجرد عضبا

وبه أرتجي النجاة من الذنب *** وان كنت أعظم الناس ذنبا

وهو حسبي من كل سوء وحسبي *** أن أراه ان مسني الدهر حسبا

لست أعبا بالحادثات ومن لا *** ذ بآل العبا غدا ليس يعبا

ص: 83

وله البيتان المكتوبان في الايوان الذهبي الكاظمي يمدح الامامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد علیهماالسلام :

لذ ان دهتك الرزايا *** والدهر عيشك نكد

بكاظم الغيظ موسى *** وبالجواد محمد

وقال موريا في مدح استاذه السيد حسين بحر العلوم :

نفسي فداء سيد وده *** أعددته ذخري لدى النشأتين

لا غرو ان كنت فداء له *** فانني ( العباس ) وهو ( الحسين )

وقال وهو من أروع ما قال في الغزل :

عديني وامطلي وعدي عديني *** وديني بالصبابة فهي ديني

ومني قبل بينك بالأماني *** فان منيتي في أن تبيني

سلي شهب الكواكب عن سهادي *** وعن عد الكواكب فاسأليني

صلي دنفا بحبك أوقفته *** نواك على شفا جرف المنون

أما وهوى ملكت به قيادي *** وليس وراء ذلك من يمين

لأنت أعز من نفسي عليها *** ولست أرى لنفسي من قرين

أما لنواكم أمد فيقضى *** اذا لم تقض عندكم ديوني

وكنت أظن أن لكم وفاء *** لقد خابت لعمر أبي ظنوني

هبوني أن لي ذنبا وما لي *** سوى كلفي بكم ذنب هبوني

ألست بكم أكابد كل هول *** وأحمل في هواكم كل هون

أصون هواكم والدمع يهمي *** دما فيبوح بالسر المصون

وتعذلني العواذل اذ تراني *** أكفكف عارض الدمع الهتون

يمينا لا سلوتهم يمينا *** وشلت ان سلوتهم يميني

ص: 84

جفوني بعد وصلهم وبانوا *** فسحي الدمع ويحك يا جفوني

لقد ظعنوا بقلبي يوم راحوا *** فها هو بين هاتيك الظعون

فمن لمتيم أصمت حشاه *** سهام حواجب وعيون عين

اذا ما عن ذكركم عليه *** يكاد يغص بالماء المعين

رهين في يد الاشواق عان *** فياللّه للعاني الرهين

اذا ما الليل جن بكيت شجوا *** وطارحت الحمائم في الغصون

ولو أبقت لي الزفرات صوتا *** لأسكت السواجع في الحنين

بنفسي من وفيت لها وخانت *** وأين أخو الوفاء من الخؤون

أضن على النسيم يهب وهنا *** برياها وما أنا بالضنين

فان أك دونها شرفا فاني *** لأحسب هامة العيوق دوني

ومن مثلي بيوم وغى وجود *** وأي فتى له حسبي وديني

ومن ذا بالمكارم لي يداني *** وهل لي في الاكارم من قرين

وكم لي من مآثر كالدراري *** وكم فضل - خصصت به - مبين

فمن عزم غداة الروع ماض *** كحد السيف تحمله يميني

وحلم لا توازنه الرواسي *** اذا ما خف ذو الحلم الرزين

وبأس عند معترك المنايا *** تقاعس دونه أسد العرين

وجود تخصب الايام منه *** اذا ما أمحلت شهب السنين

وعز شامخ الهضبات سام *** له الاعيان شاخصة العيون

ولي أدب به الركبان سارت *** تزمزم بين زمزم والحجون

أحطت من العلوم بكل فن *** بديع والعلوم على فنون

وكم قوم تعاطوها فكانوا *** على ظن وكنت على يقين

فها أنا محرز قصب المعالي *** وما جاوزت شطر الاربعين

وقال في الغرام :

حبذا العيش بجرعاء الحمى *** فلقد كان بها العيش رغيدا

ص: 85

لا عدا الغيث رباها فلكم *** أنجز الدهر لنا فيها وعودا

ولكم فيها قضينا وطرا *** وسحبنا للهوى فيها برودا

يا رعى اللّه الدمى كم غادرت *** من عميد واله القلب عميدا

ولكم قاد هواها سيدا *** فغدا يسعى على الرغم مسودا

وبنفسي غادة مهما رنت *** أخجلت عين المها عينا وجيدا

ليس بدعا ان أكن عبدا لها *** فلها الاحرار تنصاع عهيدا

جرحت ألحاظها الاحشاء مذ *** جرحت ألحاظنا منها الخدودا

رصدت كنز لئالي ثغرها *** بأفاع أرسلتهن جعودا

وحمت ورد لماها بظبى *** من لحاظ تورد الحتف الاسودا

يا مهاة بين سلع والنقى *** سلبت رشدي وقد كنت رشيدا

ولقتلي عقدت تيها على *** قدها اللدن من الشعر بنودا

ما طبتني البيض لولاها وان *** كن عينا قاصرات الطرف غيدا (1)

يا رعاها اللّه من غادرة *** جحدت ودي ولم ترع العهودا

منعت طرفي الكرى من بعد ما *** كان من وجنتها يجني الورودا

لو ترى يوم تناءت أدمعي *** لرأيت الدر في الخد نضيدا

ما الذي ضرك لو عدت فتى *** عد أيام اللقا يا مي عيدا

وتعطفت على ذي أرق *** لم تذق بعدك عيناه الهجودا

كم حسود فيك قد أرغمته *** فلماذا في أشمت الحسودا

نظمت ما نثرته أدمعي *** من لئال كثناياها عقودا

جدت بالنفس وضنت باللقا *** فبفيض الدمع يا عيني جودا

يا نزولا بزرود وهم *** بحمى القلب وان حلوا زرودا

قد مضت بيضا ليالينا بكم *** فغدت بعدكم الايام سودا

ص: 86


1- أطباه بالتشديد حرفه ودعاه.

كنت قبل البين أشكو صدكم *** ثم بنتم فتمنيت الصدودا

هل لايام النوى أن تنقضي *** ولايام تقضت أن تعودا

أوقد البين بقلبي جذوة *** كلما هبت صبا زادت وقودا

عللونا بلقاكم فالحشا *** أوشكت بعد نواكم أن تبيدا

واذا عن لقلبي ذكركم *** خدد الدمع بخدي خدودا

ناشدوا ريح الصبا عن كلفي *** انها كانت لاشواقي بريدا

شد ما كابدت من يوم النوى *** انه كان على القلب شديدا

أنا ذاك الصب والعاني الذي *** بهواكم لم يزل صبا عميدا

حدت عن نهج الوفا يا مي ان *** أنا حاولت عن الحب محيدا

واذا ما أخلق النأي الهوى *** فغرامي ليس ينفك جديدا

لم يدع بينكم لي جلدا *** ولقد كنت على الدهر جليدا

من عذيري من هوى طل دمي *** وصدود جرع القلب صديدا

بي من الاشجان ما لو أنه *** بالجبال الشم كادت أن تميدا

لو طلبتم لي مزيدا في الهوى *** ما وجدتم فوق ما في مزيدا

ومن غرامياته قوله :

الى م تسر وجدك وهو باد *** وتلهج بالسلو وأنت صب

وتخفي فرط حبك خوف واش *** وهل يخفى لاهل الحب حب

ولولا الحب لم تك مستهاما *** على خديك للعبرات سكب

وان ناحت على الاغصان ورق *** يحن الى الرصافة منك قلب

تحن لها وان لحت اللواحي *** وتذكرها وان غضبوا فتصبو

وتصبو للغوير وشعب نجد *** وغير الصب لا يصبيه شعب

نعم شب الهوى بحشاك نارا *** وكم للشوق من نار تشب

تشب ومنزل الاحباب دادن *** فهل هي بعد بعد الدار تخبو

أجل بان التجلد يوم بانوا *** وأظلم بعدهم شرق وغرب

ص: 87

كبا دون السلو جواد عزمي *** وعهدي فيه لم يك قط يكبو

فلي من لاعج الزفرات زاد *** ولي من ساكب العبرات شرب

وبين القلب والاشجان سلم *** وبين النوم والاجفان حرب

وليس هوى المها الا عذاب *** ولكن العذاب بهن عذب

لحى اللّه الحوادث كم رمتني *** بقاصمة لها ظهري أجب

كذاك الدهر بالاحرار مزر *** كأن للحر عند الدهر ذنب

ولو يجدي العتاب لطال عتبي *** ولكن ما على الايام عتب

ص: 88

محمد بن عبد اللّه حرز

اشارة

المتوفى 1277

عج بالطفوف وقل يا ليث غابتها *** واذر الدموع وناجي الرسم والتزم

وانح الفرات وسل عن فتية نزلوا *** يوم الطفوف على الرمضاء والضرم

ونسوة بعد فقد الصون بارزة *** بين الطفوف بفرط الحزن لم تنم

ما بين باكية عبرى ونادبة *** تدعو أباها ربيب البيت والحرم

تحنو على السبط شوقا كي تقبله *** فلم تجد ملثما فيه لملتثم

والقصيدة تحتوي على 65 بيتا ومطلعها :

قف بالديار وسل عن جيرة الحرم *** أهل أقاموا برضوى أم بذي سلم

أم يمموا الصعب قودوا نحو قارعة *** ومحنة رسمت في اللوح والقلم

أم قد غدى في لظى الرمضاء ركبهم *** نحو الردى والهدى لله من حكم

* * *

جاء في معارف الرجال : الشيخ أبو المكارم محمد بن الشيخ عبداللّه بن الشيخ حمد اللّه بن الشيخ محمود حرز الدين المسلمى النجفي ولد في النجف حدود سنة 1193 ه- ونشأ وقرأ

ص: 89

مقدمات العلوم فيها. هو عالم علامة محقق له المآثر الجليلة والخصال الحميدة وكان فقيها أصوليا منطقيا أديبا شاعرا ، ومن مهرة العلماء في العربية والعروض ، حدثنا الفقيه الشيخ ابراهيم الغراوي المتوفى سنة 1306 ان المترجم له من أصحاب الفقيه الاجل الشيخ محمد الزريجاوي النجفي والسيد أسد اللّه الاصفهاني ، سافر الشيخ الى ايران لزيارة الامام الرضا (عليه السلام) وفي رجوعه صير طريقه على اصفهان لملاقاة صديقه العالم السيد أسد اللّه الاصفهاني صاحب الكري في النجف المتوفي سنة 1290 وحل ضيفا على السيد فأفضل في اكرامه وتبجيله ونوه باسمه واظهار فضيلته علانية في محافل أصفهان والتمس منه الاقامة في اصفهان على أن يكون مدرسا فلم يؤثر على النجف شيئا وأراه الجامع الذي أحدثه السيد والده بعد قدومه من الحج سنة 1230 ه.

تتلمذ في الفقه على الشيخ علي صاحب الخيارات المتوفى سنة 1253 والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر الفقه والاصول. والسيد مهدي القزويني المتوفى سنة 1300 وحضر يسيرا درس الشيخ محمد حسين الكاظمي.

مؤلفاته :

كتاب الحج فقه استدلالي مبسوط جدا يوجد في مكتبتنا بخطه ، وكتاب الحاشية في المنطق على شرح الشمسية بخطه ، والمصباح وهو كتاب جامع في أعمال المساجد الاربعة المعظمة والاوراد والادعية المأثورة وكتاب في الحديث ومقتل يتضمن

ص: 90

شهادة الامام الحسين (عليه السلام) وأصحابه في واقعة الطف وفيه بعض مرثياته ، ومجموع يشتمل على جملة من مراثيه ومراثي بعض معاصريه كالشيخ عبدالحسين محي الدين والشيخ عبد الحسين الاعسم وفيه عدة قصائد في الغزل والنسيب وكتاب شرح الحديث - هو شرح لكتاب أستاذه السيد القزويني شارحا ما نظمه خاله العلامة السيد بحر العلوم من مضمون الحديث - قال في المقدمة الحمد لله الذي هدانا الى السبيل بمعرفة البرهان الدليل .. أما بعد فيقول العبد الجاني طالب العفو من الكريم الودود محمد ابن عبداللّه بن حمد اللّه بن محمود حرز الدين المسلمى ، قال في نظم الحديث :

ومشي خير الخلق بابن طاب *** يفتح منه أكثر الابواب

وذكر الشيخ في شرحه أربعين بابه بخطه ، وتتلمذ عليه جماعة منهم الشيخ ابراهيم السوداني كما حدثنا عنه السوداني.

توفي في النجف سنة 1277 ه- بداره بمحلة المسيل قرب مقبرة الصفا غربي البلد ودفن في وادي السلام بمقبرة آل حرز الدين ولم يخلف سوى بنتين.

وله في رثاء مسلم بن عقيل (عليه السلام) :

اللدار أبكي اذ تحمل أهلها *** أم السيد السجاد أم أبكي مسلما

همام عليه الكون ألوى عنانه *** وخانت به الاقدار لما تقدما

تجمعت الاحزاب تطلب ذحلها *** عليه وفيها العلج عدوا تحكما

كأنى به بين الجماهير مفردا *** يحطم في الحامين لدنا ولهذما

وقال في تخميس أبيات الجزيني الكناني في مدح زيد بن علي (عليه السلام) :

ص: 91

أبي يرى ان المصاليت والقنا *** لديها المعالي في الكريهة تجتنى

تولت حيارى القوم تطلب مأمنا *** ولما تردى بالحمائل وانثنى

يصول بأطراف القنا والذوابل

فتى كان لا يهفو حذارا جنانه *** وقوع العوالي في الكريهة شانه

ولما انثنى للشوس يعدو حصانه *** تبينت الاعداء ان سنانه

يطيل حنين الامهات الثواكل

همام اذا ما القعضبية في اللقا *** تحوم تراه في الكتيبة فيلقا

ولما علا ظهر المطهم وارتقى *** تبين منه مبسم العز والتقى

وليدا يفدى بين أيدي القوابل

وقال يرثي ولده جعفر وكان شابا بعدة قصائد منها :

علي الدهر بالنكبات صالا *** وفاجئني بنكبته اغتيالا

وأوهى جانبي فصار جسمي *** لما ألقاه من زمني خلالا

وألم ما لقيت من الرزايا *** فراق أحبة خفوا ارتحالا

ومن شأن القروح لها اندمال *** وقرحة جعفر تأبى اندمالا

أروم سلوه فتقول نفسي *** رويدك لا تسل مني محالا

أراني كلما أبصرت شيئا *** تخيل مقلتي منه خيالا

وقد أثبتنا له عدة قصائد في الجزء الثاني من النوادر. انتهى أقول وأورد صاحب ( شعراء الغري ) ترجمته وذكر مراثيه لولده ، أما تتمة هذه القصيدة :

أري أقرانه فتجود عيني *** فازجرها فتزداد انهمالا

لو أن الدهر يقنع في فداء *** لكان فداؤه نفسا ومالا

فلا واللّه لا أنساك حتي *** أوسد نحو مضجعك الرمالا

ص: 92

درويش علي البغدادي

المتوفى 1277

عين سحي دما على الاطلال *** بربوع عفت لصرف الليالي

قد تولى سعود أنسي بنحس *** بعد خسف البدور بعد الكمال

ما لهذا الزمان يطلب بالثارات *** ما للزمان عندي ومالي

أين أهل التقى مهابط وحي اللّه *** أين الهداة أهل المعالي

آل بيت الاله خير البرايا *** خيرة العالمين هم خير آل

جرعوا من كؤوس حتف المنايا *** ورد بيض الضبا وسمر العوالي

ليت شعري وما أرى الدهر يوفي *** بذمام لسادة وموالي

غير مجد في ملتي نوح باك *** لطلول بمدمع ذي انهمال

بل شجاني ناع أصاب فؤادي *** بابن بنت النبي شمس المعالي

كوكب النيرين ريحانة الهادي *** النبي الرسول فرع الكمال

بأبي سبط خاتم الرسل اذ صار *** يقاسي عظائم الاهوال

لست أنساه وهو فرد ينادي *** هل نصير لنا وهل من موالي

لم تجبه عصابة الكفر الا *** بقنا الخط أو برشق النبال

وغدى يظهر الدلائل حتى *** لم يدع حجة لقيل وقال

وأتته تشن غارة غدر *** فسقاها من المواضي الصقال

وهو فرد وهم الوف ولكن *** آية السيف يوم وقع النزال

ص: 93

بطل يرهب الاسود اذا ما *** حكم البيض من رقاب الرجال

وقضى بالطفوف غوث البرايا *** فبكائي لفقد غيث النوال

فالسماوات أعولت بنحيب *** فهي تبكي بمدمع هطال

وبكى البدر في السماء وحق *** أن يرى باكيا لبدر الكمال

فعزيز على البتولة تلقى الراس *** منه يسري على العسال

وبنات النبي تهدى الى الشام *** أسارى من فوق عجف الجمال

* * *

الشيخ درويش بن علي البغدادي المولود سنة 1220 والمتوفى 1277 هو الاديب الماهر درويش علي بن حسين بن علي بن احمد البغدادي الحائري كان عالما فاضلا أديبا مطبوعا أحد شعراء القرن الثالث عشر المتفوقين بسائر العلوم الغريبة وكانت له اليد الطولى في تتبع اللغة والتفسير وعلوم الادب والدين وصنف كتبا كثيرة. ذكره جمع من المؤرخين وأرباب السير والتراجم منهم العلامة شيخنا آغا بزرك الطهراني حيث قال : ولد في بغداد حدود سنة 1220 ونشأ وترعرع بها وأخذ عن علمائها حتى توفي أبوه وأمه وسائر حماته في الطاعون سنة 1246 فسافر الى كربلاء وجالس بها وأخذ عن علمائها حتى صارت الافاضل تشير اليه بالانامل وبرزت له تصانيف مفيدة ... الخ وظهر خلاف واضح في تاريخ مولده وتاريخ نزوحه اذ ذكر صاحب معارف الرجال : انه ولد في الزوراء سنة 1230 ه- ونشأ فيها وحضر مقدمات العلوم ومبادئ الفقه فيها وجد في تحصيله حتى صار يحضر عند المدرسين المقدمين وحصل الادب والعلم والكمال وملكة الشعر في الزوراء وفي سنة 1248 الذي وقع الطاعون فيها وعم

ص: 94

أغلب مدن العراق فقد المترجم أهله كلهم فيه على المعروف بين المعاصرين ثم بعد ذلك هاجر الى كربلاء وأقام فيها وهو ضابط لمقدماته العلمية باتقان فحضر على علمائها الاعلام الفقه والاصول والكلام حتى صار عالما فقيها محققا بارعا. اما البحاثة عباس العزاوي فيؤيد المحقق الشيخ آغا بزرك في تاريخ مولد الشاعر اذ قال : هو ابن حسين البغدادي كان عالما أديبا شاعرا وله : ( غنية الاديب في شرح مغني اللبيب ) لابن هشام في ثلاث مجلدات ولد ببغداد سنة 1220 ه- - 1815 م وتوفي في كربلاء سنة 1277 ه- - 1860 م. ورثاه ابنه الشيخ احمد بقصيدتين نشرهما في كتابه كنز الاديب وقد ورد له ذكر في ( شهداء الفضيلة ) وهذا نصه :

كان عالما فقيها متكلما شاعرا طويل الباع في التفسير واللغة وعلوم الادب ولد في حدود 1220 وتوفي حدود 1277 وله تأليف ممتعة وشعره حسن.

توفي الشاعر بكربلاء عام 1277 ه- وقيل سنة 1287 ه- ودفن بباب الزينبية عند مشهد الامام الحسين (عليه السلام).

وأعقب ولدا فاضلا شاعرا هو الشيخ احمد بن درويش ترك آثارا قيمة أشهرها : الشهاب الثاقب والجوهر الثمين ، وغنية الاديب الذي يقع في ثلاثة أجزاء وقبسات الاشجان في مقتل الحسين (عليه السلام) يقع في جزئين مخطوط بمكتبة الامام أمير المؤمنين بالنجف تسلسل 376 / 2 ومعين الواعظين وبعض الرسائل وأخيرا كتاب ( المزار ) الذي ختمه ببيت شعر قال فيه :

ص: 95

سيبقى الخط مني في الكتاب *** ويبلى الكف مني في التراب

واضافة الى ما تقدم فان له مجموعة شعرية حوت عدة قصائد قيلت في شتى فنون الشعر وأغراضه.

قال مخمسا قصيدة الفرزدق الميمية في مدح الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وأولها :

هذا الذي طيب الباري أرومته *** فخرا وأعلا على الجوزاء رتبته

هذا الذي تلت الآيات مدحته *** هذا الذي تعرف البطحاء وطاته

والبيت يعرفه والحل والحرم *** هذا ابن من تعرف التقوى بقربهم

والعلم والدين مقرون بعلمهم *** وما السعادة الا قيل حسبهم

هذا ابن خير عباد اللّه كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم

وله راثيا العلامة المولى محمد تقي البرغاني القزويني المعروف بالشهيد الثالث المتوفى سنة 1264 ه- :

فلا غرو في قتل التقي اذا قضى *** قضى وهو محمود النقيبة والاصل

له اسوة بالطهر ( حيدرة ) الرضا *** وقاتله ضاهى ابن ملجم بالفعل

وقال راثيا الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر المتوفى غرة شعبان سنة 1266 ه- بقصيدة مطلعها :

هوت من قبات الفخر أعمدة المجد *** فأضحت يمين المكرمات بلا زند

ص: 96

وغارت بحيرات العلوم وغيبت *** شموس النهى والبدر والكوكب السعد

فلا غرو أن تبكي جواهر شخصه *** فقد ضيعت في الترب واسطة العقد

ويتضح من المعلومات التي نقبنا عنها ان الشاعر كان مقلا في نظمه وأغراض شعره لا تتعدى الاغراض المألوفة.

وللشيخ درويش علي من قصيدة :

عج بالطفوف وقبل تربة الحرم *** ودع تذكر جيران بذي سلم

يا عج وعجل الى أرض الطفوف فقد *** أرست على بقع في السهل والأكم

راقت وجاوزت الجوزاء منزلة *** كما بمدح حسين راق منتظمي

اخلاقه وعطاياه وطلعته *** قد استنارت كضوء النار في الظلم

يكفي حسينا مديح اللّه حيث أتى *** في هل أتى وسبا والنون والقلم

كان الزمان به غضا شبيبته *** فعاد ينذرنا من بعد بالهرم

ورأيت في كتابه ( قبسات الاشجان ) كثيرا من شعره في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) فمن قصيدة يقول في أولها :

هل المحرم لا طالت لياليه *** طول المدى حيث قد قامت نواعيه

ما للسرور قد انسدت مذاهبه *** وأظلم الكون واسودت نواحيه

فمطلق الدمع لا ينفك مطلقه *** جار يروي ثرى البوغاء جاريه

يعزز عليك رسول اللّه مصرع من *** جبريل في المهد قد أضحى يناغيه

وله من قصيدة حسينية :

صروف الدهر شبت في غليلي *** وجسمي ذاب من فرط النحول

ص: 97

عبد اللّه الذهبة

المتوفى 1277

أين الابا هاشم أين الابا *** ما للعلى لم تلف منكم نبا

هذا لوى العليا بلا حامل *** أكلكم عن حمله قد أبى

بعد مقام في ذرى يذبل *** كيف رضيتم بمقام الربى

ولم تزل ترفع فيكم الى *** أن جازت الجوزا بكم منصبا

فما جنت اذ هجرت فيكم *** حاشا على العلياء أن تذنبا

قد أصبحت غضبى لما نابكم *** وحق يا هاشم ان تغضبا

فالجد الجد لمرضاتها *** فكم أنال الطلب المطلبا

القتل القتل فان العلى *** لم ترض أو ترضى القنا والضبا

وأضرموا نار وغى لم تقل *** لمبعث الناس لظاها خبا

وواصلوا حتى تبيدوا العدى *** منكم بأثر المقنب المقنبا

اللّه يا هاشم في مجدكم *** لا يغتدي بين البرايا هبا

اللّه يا هاشم في شملكم *** فقد غدا في الناس ايدي سبا

اين الفخار المشمخر الذي *** ناطح منه الاخمص الكوكبا

أين الاغارات التي أرغمت *** شانئكم شرق أو غربا

اين غمام لم يكن قلبا *** قبل وبرق لم يكن خلبا

كيف وهت عزائم منكم *** كادت على الافلاك أن تركبا

وكم غدت أسادكم هاشم *** تعدو عليها في شراها الظبا

ص: 98

أما أتاكم ما على كربلا *** من نبأ منه شباكم نبا

ما جاءكم ان العظيم الذي *** على الثريا مجدكم طنبا

وكاشف الارزاء عنكم اذا *** دهر بأجناد البلا اجلبا

وذي الايادي الهامرات التي *** أضحى بها مجدكم مخصبا

أضحى فريدا في خميس ملا *** رحب البسيط الشرق والمغربا

لم يلف منكم من ظهير له *** اذ جاوز الخطب بلاغ الزبا

يخوض تيار الوغى ذا حشى *** فيه الظما ساعره الهبا

مجاهدا عن شرعة اللّه من *** الى الغوى عن نهجها نكبا

حتى قضى لم يلف من ناصر *** بعد لمن عن نصره قد أبى

مقطرا تعدو بأشلائه *** برغمكم خيل العدى شزبا

ما أعجب الاقدار فيما أتت *** لصفوة الرحمن ما أعجبا

كيف قضت لغالب الموت من *** عن نابه كشر أن يغلبا

فما بقى الاكوان والموت في *** روح البرايا أنشب المخلبا

مضى الى الرحمن في عصبة *** لنصره الرحمن قبل اجتبى

قضوا كراما بعد ما ان قضوا *** ما اللّه لابن المصطفى أوجبا

على العرى عارين قد شاركت *** في سترها هامي النحور الظبا

وخلفوا عزائز اللّه من *** دون محام للعدى منهبا

غرائبا في هتك أستارها *** وخفضها صرف القضى أعربا

تذري على فقدان ساداتها *** دمعا كوكاف الحيا صيبا

تحملها العيس على وخدها *** تطوي بأثر السبسب السبسبا

تقرعهن الاصبحيات ان *** نضو من الاعيا بها قد كبا

يا غضبة الاقدار هبي فقد *** أن الى الاقدار أن تغضبا

ان التي يسدف أستارها *** جبريل حسرى في وثاق السبا

ص: 99

ومن على أعتابها تخضع الا *** ملاك يقفو الموكب الموكبا

خواضع بين العدى لم تجد *** من ذلة الاسر لها مهربا

عز على الاملاك والرسل ان *** تمسي لابناء الخنا منهبا

تود لو أن الدجى سرمدا *** لما عن الرائي لها غيبا

وان بدا الصبح دعت من أسى *** يا صبح لا أهلا ولا مرحبا

أبديت يا صبح لنا أوجها *** لها جلال اللّه قد حجبا

تراك قد هانت عليك التي *** عن شأنها القرآن قد أعربا

فما جنى يا شمس جان كما *** جنيت في حرات آل العبا

الليل يكسوها حذارا على *** أوجهها من دجنة الغيهبا

وأن- تبديها لنظارها *** فمن جنى مثلك أو أذنبا

لم لا تواريت بحجب الخفا *** للبعث لما آن أن تسلبا

يا هاشم العليا ولا هاشما *** الخطب قد أعضل واعصوصبا

ما آن لا بعدا لاسيافكم *** من هامر الاوداج ان تشربا

لا عذر أو تجتاح أعداءكم *** أراقم المران أو تعطبا

أو تنعل الافراس من هم من *** رام على علياك أن يشغبا

جافي عن الاسياف اغمادها *** وواصلي بين الطلا والشبا

حتى تبيدي أو تبيدي العدى *** اللّه في ثارك أن يذهبا

ولا تملي من قراع الردى *** أو يجمع الشمل الذي شعبا

ما صد أسماعكم عن ندى *** زينب والهفا على زينبا

وقد درت أن لا ملب لها *** لكن حداها الثكل أن تندبا

تندب واقوماه من هاشم *** لنسوة لها السبا اذهبا

هذي بنات الوحي لم تلف من *** كل الورى ملجا ولا مهربا

ص: 100

قال صاحب أنوار البدرين : ومن الشعراء البحرين الشاعر المطبوع الحاج عبد اللّه ابن المرحوم الحاج احمد الذهبة البحراني ، هو من أهل قرية ( جد حفص ) سكن مسقط ثم لنجة وهناك انتقل الى رحمة اللّه ورضوانه.

كان شاعرا ماهرا من شعراء أهل البيت علیهم السلام ، راثيا ومادحا بارع في الشعر ، اجتمعت به في دارنا بالقطيف وكان قد جاء زائرا للمرحوم شيخنا الشيخ احمد ابن الشيخ صالح. له ديوان شعر رأينا منه مجلدين ضخمين ومن قصائده الغراء رائعته التي يقول في أولها :

أبى الدهر أن يصفو لحر مشاربه

ويقول في آخرها :

ولهفي ولا يشفى الذي في ضمائري *** بلهفي ولا يخبو من الوجد لاهبه

لربات خدر لم تر الشمس وجهها *** لها دان أعجام الورى وأعاربه

وترجم له شيخنا المعاصر الشيخ علي الشيخ منصور المرهون في شعراء القطيف وذكر قصيدته التي مطلعها :

أين الابا هاشم أين الابا *** ما للعلى لم تلف منكم نبا

أقول ولشاعرنا المترجم له شعر كثير في أهل البيت علیهم السلام ومنه قصيدته التي مطلعها :

ص: 101

هل تركت لك الطفوف أدمعا *** تبكي بها بعد حمى وأربعا

رأيت ديوانه في مكتبة المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني - قسم المخطوطات - الخزانة العاشرة وقد كتب على الغلاف ( في رثاء الحسين ).

وذكره البحاثة الطهراني في ( الكرام البررة ) فقال : كان من مشاهير مداح أهل البيت علیهم السلام ، وقد أكثر من البكاء والنوح عليهم ، وكان في غاية الورع والتقوى نظيرا للسيد حيدر الحلي في العراق ، سكن مسقط ثم بندر لنجة وديوانه كبير في مجلدات. أدركه صاحب ( أنوار البدرين ) وذكره فيه. وهو من أهل أواخر المائة الثالثة عشرة.

ص: 102

الشيخ حسن قفطان

المتوفى 1277

لمن الخبا المضروب في ذاك العرى *** من كربلاء جرى عليه ما جرا

ما خلت الا أنه غاب به *** آساد غيل دونها أسد الشرى

فتيان صدق من ذوابة هاشم *** نسبا من الشمس المنيرة أنورا

شبوا وشب بسيفهم وأكفهم *** ناران : نار وغى ، ونار للقرى

يتذاكرون اذا خلوا بسميرهم *** طربا سوابق ضمرا أو أسمرا

تقتادهم للعز عزمة أصيد *** يجد المنية فيه طعما مسكرا

يلقى الكتائب بأسما ويشم من *** نقع العوادي في الطراد العنبرا

ملك ممالكه العوالم كلها *** طوع المشيئة قبلما أن يأمرا

أعظم به سلطان عز شامخ *** لا جرهما ، لا تبعا ، لا حميرا

شرف تفرع عن نبي أو وصي *** أو بتول لا حديث يفترا

بعثت اليه زخارفا بصحائف *** زمر ترى المعروف شيئا منكرا

فأقام فيهم منذرا ومبشرا *** ومحذرا في اللّه حتى أعذرا

حتى اذا ازدلفوا اليه رأوا به *** أسدا يحامي عن شاره غضنفرا

بدرا تحف به كواكب كلما *** عاينتها صبحا مسفرا

وغدت تواسيه المنون عصابة *** طابت عاينت مآثرها وطابت عنصرا

تكسوهم الحرب العوان ملابسا *** مستشعرين بها النجيع الاحمرا

يتسلقون مطهما يستصحبون *** مثقفا يتقلدون مذكرا

ص: 103

يتظللون أرائكا مضروبة *** بيد العواسل أو غماما عثيرا

نسجت عواملهم مثال دروعهم *** زردا بأجساد العدى متصورا

نصروا ابن بنت نبيهم فتسنموا *** عزا لهم في النشأتين ومفخرا

بذلوا نفوسهم ظماءا لا ترى *** ماء يباح ولا سحابا ممطرا

حتى أبيدوا والرياح تكفلت *** بجهازهم كفنا حنوطا أقبرا

متلفعين دم الشهادة سندسا *** يوم التغابن أو حريرا أخضرا

لله يوم ابن البتول فانه *** أشجى البتولة والنبي وحيدرا

يوم ابن حيدر والخيول محيطة *** بخباه يدعو بالنصير فلا يرى

الا أعاد في عواد في عوار *** في عوال في نبال تبترا

فهناك دمدم طامنا في جأشه *** بمهند يسم العديد الاكثرا

متصرفا في جمعهم بعوامل *** عادت بجمعهم الصحيح مكسرا

بأس وسيف أخرسا ضوضاءهم *** لكن أمر اللّه كان مقدرا

فهوى على وجه الثرى روحي الفدا *** لك أيها الثاوي على وجه الثرى

أحسين هل وافاك جدك زائرا *** فرآاك مقطوع الوتين معفرا

أم هل درى بك حيدر في كربلا *** فردا غريبا ظاميا أم ما درى

من مبلغ الزهراء أن سليلها *** عار ثلاثا بالعرا لن يقبرا

وفراسنان نحره بسنانه *** شلت يداه أكان يعلم ما فرا

وبناتها يوم الطفوف سليبة *** تسبى على عجف المطايا حسرا

فكأنا من قيصر ولربما *** صانوا عن السب المعنف قيصرا

لم أنس زينب وهي تندب ندبها *** يا كافل الايتام يا غوث الورى

سهدت عيني ليتها عميت اذا *** مرت على أجفانها سنة الكرى

أثكلتني اسلمتني اذللتني *** يا طود عز كان لي سامي الذرى

ورواق أمن كنت في الدنيا لها *** أمسى بأرض الطف محلول العرا

ص: 104

هل أستطيع تصبرا وأراك في *** رمضائها لا أستطيع تصبرا

ما كنت أعرف قبل رأسك واعظا *** بالذكر قد جعل العوالي منبرا

نصبوه خفظا وهو رفع وانثنوا *** بثنائه فمهللا ومكبرا

ويزيد ينكته بمخصرة له *** مترنما متشمتا متجبرا

لم أدر من أنعاه يومك يا حمى *** حرمي ويا كهفي اذا خطب عرا

الأخوة أنعى أم أبني عمك *** الطيار أم أنعى علي الاكبرا

أم مسلما وبني عقيل أم بني *** الحسن الزكي أم الرضيع الاصغرا

أم لابنك السجاد وهو معالج *** سقما وأقتادا وقيدا والسرى

أم للنساء الخائفات يلذن بي *** ويرين في الخيم الحريق المسعرا

منع الوعيد نعيها وبكاءها *** الا تردد زفرة وتحسرا

يوم قليل فيه ان بكت السما *** بدم وكادت فيه أن تتفطرا

حتى نرى المهدي يأخذ ثاره *** ونرى له في الغاضرية عسكرا

يا كربلا طلت السماء مراتبا *** شرفا تمنت بعضه أم القرى

أرج تضوع في ثراك تعطرت *** منه جنان الحور مسكا أذفرا

يابن النبي ذخرت فيك شفاعة *** لي في المعاد ولم يخب من أذخرا

انظر الي برحمة فيه اذا *** وافاك ظهري بالخطايا موقرا

والوالدي ومن أصاخ بسمعه *** لرثاي فيك ومن رواه ومن قرا

صلى عليك اللّه ما صلى له *** أحد وسبح أو دعى أو كبرا

* * *

الشيخ حسن بن علي بن عبد الحسين بن نجم السعدي الرباحي (1) الدجيلي الاصل اللملومي المحتد ، النجفي المولد

ص: 105


1- نسبة الى آل رباح فخذ من بني سعد العرب المعروفين بالعراق ، قال السيد مهدي القزويني في ( أنساب القبائل العراقية ) بنو سعد بطن من العرب منهم في الدجيل ومنهم في كربلاء.

والمسكن والمدفن الشهير بقفطان ولد في النجف الاشرف سنة 1199 وتوفي بالنجف سنة 1279 عن عمر يناهز الثمانين كما في الطليعة ودفن في الصحن الشريف العلوي عند الايوان الكبير المتصل بمسجد عمران كان فاضلا ناسكا تقيا محبا للأئمة الطاهرين وأكثر شعره فيهم درس الفقه على الشيخ علي ابن الشيخ الاكبر الشيخ جعفر حتى نبغ فيه وعد من الاعلام الافاضل ، واختص أخيرا بصاحب الجواهر وكان يعد من أجل تلامذته وأفاضلهم ، اتخذ الوراقة مهنة له وورث ذلك عنه أبناؤه وأحفاده الا انه كان يمتاز عنهم باتقان الفقه واللغة والبراعة فيهما ، وهذا ما حدا باستاذه أن يحيل اليه والى ولده الشيخ ابراهيم تصحيح الجواهر ومراقبته حتى قيل انه لولاهما لما خرجت الجواهر ، لان خط المؤلف كان رديا وقد كتب النسخة الاولى عن خط المؤلف ثم صارا يحترفان بكتابتها وبيعها على العلماء وطلاب العلم وأكثر النسخ المخطوطة بخطهما ، وهذا دليل على أن المترجم كان يعرف ما يكتب ، وكان جيد الخط والضبط ، ويظهر من ترجمة سيدنا الصدر له انه كان جامعا مشاركا في العلوم بأكثر من ذلك فقد قال في ( التكملة ) : كان في مقدمي فقهاء الطائفة مشاركا في العلوم فقيها اصوليا حكيما الهيا وكذلك له التقدم والبروز في الادب وسبك القريض وله شعر من الطبقة العليا. انتهى.

توفي سنة 1275 كما في التكملة أو 77 كما في ( الطليعة ) وقال : ودفن في الصحن العلوي الشريف عند الايوان الكبير المتصل بمسجد عمران ، وترك آثارا هامة منها ( أمثال القاموس )

ص: 106

و ( الاضداد ) و ( طب القاموس ) ورسالة في الافعال اللازمة المتعدية في الواحد. وخلف من الذكور : الشيخ ابراهيم والشيخ احمد والشيخ حسين والشيخ محمد والشيخ علي والشيخ مهدي وفي ( الكرام البررة ) ان الشيخ حسين توفي في حياة أبيه حدود سنة 1255.

ومن شعره في الحسين علیه السلام :

نفسي الفداء لسيد *** خانت مواثقه الرعيه

رامت أميه ذله *** بالسلم لا عزت أميه

حاشاه من خوف المنية *** والركون الى الدنيه

فأبى اباء الاسد *** مختارا على الذل المنيه

وحموه أن يرد الشري- *** -عة بالعوالي السمهريه

فهناك صالت دونه *** آساد غيل هاشميه

يا ابن النبي ابن الوصي *** أخا الزكي ابن الزكيه

لله كم في كربلا *** لك شنشنات حيدريه

بأس يسر محمدا *** ومواقف سرت وصيه

يوم ابن حيدر والموا *** ضي عن مغامدها عريه

يطفو ويرسب في الالو *** ف بمهجة حرى ظميه

ويرى أخاه وابن وا *** لده على الرمضا رميه

ملك الشريعة سيفه *** والماء تحت القعضبيه

وشئا السراة بعزمة *** لم يثنها غير المشيه

سلبت محاسنه القنا *** الا مكارمه السنيه

ص: 107

يا سادة ملكوا الشفا *** عة والمعالي السرمديه

حسن وليكم ومن *** في الحشر لم يصحب وليه

ان الخطايا أو بقته *** وحبكم يمحو الخطيه

وعليكم ما دام فضل- *** -كم على الناس التحية

وله في مدح أمير المؤمنين ورثاء ولده الحسين علیهماالسلام :

لم تدع مدحة الاله تعالى *** في علي للمادحين مقالا

هل أتى لغير ثناه *** فاسألنها عنه تجبك السؤالا

والحظن الاعراف والحج والاح- *** -زاب هودا والكهف والانفالا

وطواسين والحواميم بل طا *** ها ويسين عم والزلزالا

والمثاني فيها علي حكيم *** وامام يفصل الاجمالا

كل ما في الوجود أحصي فيه *** وبه اللّه يضرب الامثالا

هو أمر اللّه الذي نزلت في- *** -ه أتى لا تستعجلوا استعجالا

هو أمر اللّه الذي صدرت كن *** عنه في كل حادث لن يخالا

وهو اللوح والذي خط في اللو *** ح بلاء العباد والآجالا

مظهر الكائنات في مبتداها *** ومبين الاشياء حالا فحالا

وقديم آثاره كل موجو *** د حديث ولا تقولن غالى

علم الروح جبرئيل علوما *** حين لا صورة ولا تمثالا

وهو ميزانه الذي قدر الل- *** -ه به يوم وزنه الاعمالا

وقسيم للنار من كان عادا *** ه ومولي الجنان من كان والى

ولواء الحمد العظيم بكفي- *** -ه وساقي أهل الولا السلسالا

واياب الخلق المعاد اليه *** وعليه حسابهم لن يدالا

ص: 108

مبدأ الامر منتهى الامر يوم ال- *** -عرض سبحان من له الامر والى

وهو نفس النبي لما أتاه *** وفد نجران طالبين ابتهالا

فدعاه وبنته أم سبطي- *** -ه وسبطيه لا يرى ابدالا

فاستهل القسيس والاسقف الوا *** فد رعبا اذ استبانا الوبالا

واستمالا رضاه بالجزية العظ *** -مى عليهم مضروبة اذلالا

أنزل اللّه ذا اعتمادا اليه *** آية تزعج الوغى أهوالا

ما استطاعت جموعهم يوم عرض *** لكفاح الا عليها استطالا

وطواهم طي السجل وطورا *** لفهم فيه يمنة وشمالا

يغمد السيف في الرقاب وأخرى *** يتحرى تقليدها الاغلالا

صالح الجيش أن تكون له الار *** واح والناس تغنم الاموالا

قاتل الناكثين والقاسطين ال- *** -بهم والمارقين عنه اعتزالا

كرع السيف في دماهم بما حا *** دوا عن الدين نزغة وانتحالا

من برى مرحبا بكف اقتدار *** أطعمته من ذي الفقار الزيالا

يوم سام الجبان من حيث ولى *** راية الدين ذلة وانخذالا

قلع الباب بعدما هي أعيت *** عند تحريكها اليسير الرجالا

ثم مد الرتاج جسرا فما تم *** ولكن بيمن يمناه طالا

وله في الاحزاب فتح عظيم *** اذ كفى المؤمنين فيه القتالا

حين سالت سيل الرمال باعلا *** م من الشرك خافقات ضلالا

فلوى خافقاتها بيمين *** ولواه الخفاق يذري الرمالا

ودعا للبراز عمرو بن ود *** يوم في خندق المدينة جالا

فمشى يرقل اشتياقا علي *** للقاه بسيفه ارقالا

وجثى بعد أن برى ساق عمرو *** فوق عمرو تضر ما واغتيالا

ص: 109

ثم ثنى برأس عمرو فأثنى *** جبرئيل مهللا اجلالا

فانثنى بالفخار من نصرة الدي- *** -ن على الشرك باسمه مختالا

وبأحد اذ أسلم المسلمون ال- *** -مصطفى فيه غدرة وانخزالا

فأحاطت به أعاديه وانثا *** لت عليه من الجهات أنثيالا

عجب من عصابة أخرته *** بسواه لغيها استبدالا

أخرته عن منصب أكمل الل- *** -ه به الدين يومه اكمالا

ضرب اللّه فوق قبر علي *** عن جميل الرواق منه جمالا

قبة صاغها القدير لافلا *** ك السموات شاهدا ومثالا

أرخت الشمس فوقها حلية النو *** ر بهاء وهيبة وجلالا

شعب من شعاعها ارتسمت في *** فلك النيرات نورا تلالى

وضريح به تنال الاماني *** وبه تدرك العفاة النوالا

يا أخا المصطفى الذي قال فيه *** يوم خم بمشهد ما قالا

لو بعينيك تنظر السبط يوم الط *** -ف فردا والجيش يدعو النزالا

حاربوه بعدة وعديد *** ضاق فيه رحب الفضاء مجالا

حلوه عن المباح ورودا *** وسقوه أسنة ونبالا

فتحامت له حمية دين *** فتية سامروا القنا العسالا

ثبتوا للوغى فلله أقوا *** م تراهم عند الكفاح جبالا

وأضافوا على الدروع قلوبا *** من حديد كانت لهم سربالا

ليس فيهم الا أبي كمي *** يرهب الجيش سطوه حيث صالا

عانقوا الحور في القصور جزاء *** لنحور عانقن بيضا صقالا

وغدا واحد الزمان وحيدا *** في عدى كالكثيب حيث انهالا

مفردا يلحظ الاعادي بعين *** وبعين يرنو الخبا والعيالا

ص: 110

شد فيهم وهم ثلاثون ألفا *** في صفوف كالسيل لما سالا

ناصراه مثقف وحسام *** ملك الموت حده الآجالا

ضاربا مهره أرائك نقع *** فوقه مثل ما ضربن وصالا

وهوى الأخشب الاشم فمال *** العرش والارض زلزلت زلزالا

ورأت زينب الجواد خليا *** ذا عنان مرخى وسرج مالا

معلنا بالصهيل ينعى ويشكو *** أمة بالطفوف ساءت فعالا

فأماطت خمارها من جوى الثكل *** ونادت وآسيدا وآثمالا

يا جواد الحسين أين حسين *** أين من كان لي عمادا ظلالا

أين حامي حماي عقد جماني *** من تسنمت في ذراه الدلالا

أين للدين من يقيم قناه *** حيث مالت وينجح الآمالا

واستغاثت بربها ثم جرت *** نحو أشلاء ندبها أذيالا

ثم أومت لجدها والرزايا *** أسدلت دون نطقها اسدالا

جد يا جد لو رأيت حسينا *** أي هيجاء من أمية صالى

مستغيثا هل راحم أو مجير *** يستقي لابنه الرضيع زلالا

فسقاه ابن كاهل وهو في حض- *** -ن أبيه عن الزلال نصالا

لو ترى السبط في البسيطة دامي *** النحر شلوا مبددا أوصالا

عاريا بالعرى ثلاثا وتأبى ال- *** وحش من هيبة له أن تنالا

حنطته وكفنته السوافي *** غسلته دماؤه اغسالا

ورؤوسا على الرماح أمالت- *** -ها رياح السما جنوبا شمالا

أضرموا النار في خبانا فتهنا *** معولات بين العدى أعوالا

ما لهذا الحادي المعنف بالاد *** لاج لا ضجرة ولا امهالا

فتشاكين حسرة والتياعا *** وتباكين بالزفير وجالا

ص: 111

ومن قصائده في الامام الحسين علیه السلام قصيدته التي مطلعها :

يا كربلاء فهل دريت بمن على *** أكناف أرض الغاضرية خيما

من كل أروع تنتمي أحسابه *** لوسيم مجد في مراتبه سما

وله يذكر أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين علیه السلام :

هيهات أن تجفو السهاد جفوني *** أو أن داعية الاسى تجفوني

وأرى الخوامس في الهواجر كلما *** حنت لورد فهو دون حنيني

كلا ولا الورقاء ريع فراخها *** عن وكرهن أنينها كأنيني

أنى ويوم الطف أضرم في الحشا *** جذوات وجد من لظى سجين

يوم أبو الفضل استفزت بأسه *** فتيات فاطم من بني ياسين

في خير انصار براهم ربهم *** للدين أول عالم التكوين

فرقى على نهد الجزارة هيكل *** أنجبن فيه نتائج الميمون

متقلدا عضبا كأن فرنده *** نقش الاراقم في خطوط بطون

وأغاث صبيته الظما بمزادة *** من ماء مرصود الوشيج معين

ما ذاقه وأخوه صاد باذلا *** نفسا بها لاخيه غير ضنين

حتى اذا قطعوا عليه طريقه *** بسداد جيش بارز وكمين

وكتائب مشحونة مشحوذة *** من يوم بدر أشحنت بضغون

فثنى مكردسها نواكص وانثنى *** بنفوسها سلبا قرير عيون

أقرى السباع لحومها وعظامها *** في مقفر بنجيعها مشحون

ودعته أسرار القضا لشهادة *** رسمت له في لوحها المكنون

حسموا يديه وهامه ضربوه في *** عمد الحديد فخر خير طعين

ص: 112

ومشى اليه السبط ينعاه كسرت *** الان ظهري يا أخي ومعيني

عباس كبش كتيبتي وكنانتي *** وسري قومي بل أعز حصوني

يا ساعدى في كل معترك به *** أسطو وسيف حمايتي بيميني

لمن اللوى اعطى ومن هو جامع *** شملي وفي ضنك الزحام يقيني

أمنازل الاقران حامل رايتي *** ورواق أخبيتي وباب شؤوني

لك موقف بالطف أنسى أهله *** حرب العراق بملتقى صفين

فرس كشفت بها الشريعة انها *** عادت الي بصفقة المغبون

فمضيت محمود النقيبة فائزا *** بحرير سندسها وحور عين

وتركتني بين العدى لا ناصر *** يحمي حماي ولا يحامي دوني

رهن المنية بين آل أمية *** ما حال مفقود العزيز رهين

عباس تسمع زينبا تدعوك من *** لي يا حماي اذا العدى سلبوني

أولست تسمع ما تقول سكينة *** عماه يوم الاسر من يحميني

كان الرجا بك أن تحل وثاقهم *** لي بالحبال المؤلمات متوني

وتجيرني في اليتم من ضيم العدى *** اليوم خابت في رجاك ظنوني

عماه ان أدنو لجسمك ابتغي *** تقبيله بسياطهم ضربوني

عماه ما صبري وأنت مجدل *** عار بلا غسل ولا تكفين

من مبلغ أم البنين رسالة *** عن واله بشجائه مرهون

لا تسأل الركبان عن أبنائها *** في كربلاء وهم أعز بنين

تأتي لارض الطف تنظر ولدها *** كابين بين مبضع وطعين

ص: 113

الشيخ الفتوني

وفاته 1278

قال في منظومته عن الحسين (عليه السلام) :

وقام بالأمر أخوه الاصغر *** وهو الحسين السيد المطهر

وهو يكنى بأبي عبداللّه *** لقب بالشهيد في علم اللّه

ميلاده الخميس في الازمان *** لخمسة خلون من شعبان

قد حملته بضعة الرسول *** ستة أشهر على المنقول

في طيبة ولادة الزاكي النفس *** تاريخه المولود من غير دنس

وولده علي الشهيد *** بالطف وهو الاكبر العميد

ثم علي الامام المعتمد *** وشهر بانويه أم ذا الولد

ثم علي الاصغر ابن ليلى *** وهو الشهيد مع أبيه طفلا

وجعفر وأمه قضاعيه *** كذاك عبداللّه نجل الناعيه

سكينة بنت الرباب زينب *** فاطمة من البنات تحسب

أزواجه خمس عدا السراري *** وبابه الرشيد ذو المقدار

وفاته من طف كربلاء *** بسيف شمر المظهر البغضاء

وذاك في السبت أو الاثنين *** وجمعة ، خذ وسط القولين (1)

ص: 114


1- 1 - أقول مما توصلنا اليه في بحثنا ودراستنا ان اليوم الذي قتل فيه الحسين علیه السلام هو يوم الجمعة عاشر محرم الحرام ولنا على ذلك أكثر من دليل :

1 - ان الحسين علیه السلام نزل كربلاء يوم الثاني من المحرم - وكان يوم الخميس - كما نص عليه جل المؤرخين بل كلهم ، وقتل يوم العاشر فيكون يوم الجمعةهو يوم مقتله.

2 - صرح المؤرخون ان الحسين قد خرج من مكة يوم الثلاثاء يوم الثامن من ذي الحجة ، فيكون يوم الثلاثين هو يوم الاربعاء وهو اول يوم من المحرم لان شهر ذي الحجة كان ناقصا.

3 - روى المفيد في الارشاد وسائر ارباب المقاتل ان عمر بن سعد نهض لحرب الحسين عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم ونادى يا خيل اللّه اركبي وبالجنة ابشري ، والحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه ، فسمعت اخته الضجة فدنت من أخيها فقالت : يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت الى ان طلب الحسين منهم تأجيله ليلة واحدة وهي ليلة الجمعة فيكون صباح الجمعة هو يوم الواقعة.

4 - ذكر أرباب المقاتل ان ابن سعد كتب الى ابن زياد يوم الثامن من المحرم وهو يوم الاربعاء ، فعلى هذا يكون مقتله يوم الجمعة.

5 - جاء في كثير من أخبار أهل البيت في ظهور مهدي آل محمد ( انه يظهر يوم الجمعة يوم مقتل الحسين ).

6 - ذكر الخوارزمي في ( مقتل الحسين ) ج 2 ص 47 قال : وذكر السيد الامام أبو طالب ان الصحيح في يوم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين وأصحابه رضي اللّه عنهم انه كان يوم الجمعة سنة احدى وستين ، وقال السيد الامين في ( لواعج الاشجان ) : وأصبح ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت فعبأ اصحابه. وقال الشيخ عباس القمي في ( نفس المهموم ) : قتل الحسين يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه ، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة ، وقيل ان مقتله كان يوم السبت وقيل يوم الاثنين والاول أصح ، قال أبو الفرج : وأما ما تقوله العامة انه قتل يوم الاثنين فباطل ، هو شيء قالوه بلا رواية ، وكان اول المحرم الذي قتل فيه هو يوم الاربعاء ، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر المزيجات واذا كان كذلك فليس يجوز ان يكون اليوم العاشر من المحرم يوم الاثنين وهذا دليل صحيح واضح تنضاف اليه الرواية - الى اخر ما قال.

ص: 115

في يوم عاشورا مضى محزونا *** وعمره الثمان والخمسونا

قتل الشهيد السبط جسمي أنهكا *** قد جاء في تاريخه حد البكا

مرقده الطف مع الانصار *** والراس عند المرتضى الكرار (1)

* * *

أقول الظاهر من قوله : والرأس عند المرتضى الكرار. انه يختار رواية دفن الراس الشريف عند أبيه أميرالمؤمنين علیه السلام مع ان الروايات في الرأس مختلفة وأكثرها معتبرة ، فقال جماعة انه في النجف عند أبيه أميرالمؤمنين ، ذهب اليه بعض علماء الشيعة استنادا الى أخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الائمة علیهم السلام وفي بعضها ان الامام الصادق (عليه السلام) قال لولده اسماعيل : انه لما حمل الى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أميرالمؤمنين ، وهذا القول مختص بالشيعة ، وعقد له في « الوسائل » بابا مستقلا عنوانه : باب استحباب زيارة رأس الحسين عند قبر أمير المؤمنين واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كل منهما. وفي الكافي عن ابان بن تغلب قالت كنت مع أبي عبداللّه (عليه السلام) فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ، ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال هذا موضع قبر أميرالمؤمنين ، قلت جعلت فداك والموضعين الذين صليت فيهما ، فقال موضع رأس الحسين وموضع

ص: 116


1- أخذنا هذه القطعة من كتاب ( سمير الحاضر وأنيس المسافر ). مخطوط العلامة الجليل الشيخ علي كاشف الغطاء ، الجزء الرابع منه. والمنظومة تستوعب أحوال المعصومين بأجمعهم صلوات اللّه عليهم.

منزل القائم المائل. قال : ولعل موضع القائم المائل مسجد الحنانة قرب النجف.

وعن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث انه ركب وركبت معه حتى نزل الذكوات الحمر وتوضأ ثم دنى الى أكمة فصلى عندها وبكى ثم مال الى أكمة دونها ففعل مثل ذلك ثم قال : الموضع الذي صليت عنده أولا موضع أميرالمؤمنين والاخر موضع رأس الحسين (عليه السلام).

القول الثاني ان الرأس الشريف دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة علیهاالسلام وأن يزيد أرسله الى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء ، حكاه سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص عن طبقات ابن سعد.

القول الثالث ان الرأس الشريف بالشام حكاه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات انه بدمشق ، حكى ابن أبي الدنيا قال وجد رأس الحسين علیه السلام في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس (1) عند البرج الثالث مما يلي المشرق ، وكأنه هو المعروف الان بمشهد رأس الحسين علیه السلام بجانب المسجد الاموي وهو مشهد مشيد معظم.

القول الرابع ان الرأس الشريف بمصر نقله الخلفاء

ص: 117


1- الفراديس بلغة الروم البساتين.

الفاطميون من باب الفراديس الى عقلان (1) ثم نقلوه الى القاهرة وله فيها مشهد معظم يزار والى جانبه مسجد عظيم والمصريون يتوافدون الى زيارته أفواجا رجالا ونساء ويدعون ويتضرعون عنده.

القول الخامس انه أعيد الى الجسد الشريف بكربلاء ، قال السيد ابن طاوس في الملهوف على قتلى الطفوف : وكان عمل الطائفة على هذا المعنى ، قال الشيخ المجلسي : المشهور بين علمائنا الامامية انه أعيد الى الجسد وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد الى بدنه بكربلاء من الشام. وقال الطوسي : ومنه زيارة الاربعين. وهذا القول ذكره العامة والخاصة.

أقول وقد كتب في هذا الموضوع سيدنا البحاثة المعاصر السيد محمد علي القاضي سلمه اللّه وأشبع البحث دراسة وتحقيقا بكتاب ضخم طبع مستقلا.

وجاء في كتاب ( الحسين ) لمؤلفه على جلال الحسيني ما نصه : وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه فهو ساكن في القلوب والضمائر قاطن في الاسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا :

لا تطلبوا المولى الحسين *** بشرق أرض أو بغرب

ودعوا الجميع وعرجوا *** نحوي فمشهده بقلبي

ص: 118


1- عقلان : مدينة كانت بين مصر والشام ، والان هي خراب.

قال السيد المقرم من معاصرينا في كتابه ( مقتل الحسين ) : البيتان لابي بكر الالوسي وقد سئل عن موضع رأس الحسين فأجاب بهما.

أقول وللحاج مهدي الفلوجي بهذا المعنى.

لا تطلبوا رأس الحسين فانه *** لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدلكم *** في أنه المقبور وسط فؤادي

ويطيب لي أن أذكر بيتين قيلتا في رأس نصب على رأس رمح وهما :

هامة في الحياة طاولت الشهب وما نالها هبوب الرياح

أنفت بعد موتها الترب ، فاختارت لها مسكنا رؤوس الرماح

* * *

ص: 119

الشيخ حسين الفتوني هو العالم الاديب الشاعر حسين بن علي بن محمد بن علي بن محمد التقي بن بهاء الدين العاملي الحائري.

كان أحد الاعلام المبرزين بمعرفة الادب والنحو وكان شاعرا مجيدا جليل القدر كثير الاطلاع ، ذكره أصحاب السير والتراجم منهم شيخنا العلامة صاحب الذريعة أعلى اللّه مقامه بقوله : ولد في كربلاء ونشأ بها وله آثار منها ( الدوحة المهدية ) في تواريخ الأئمة المعصومين علیهم السلام وهي ارجوزة عدتها تاريخ نظمها وهي (1287) بيتا نظمها بنفس السنة رأيتها في مكتبة الشيخ محمد السماوي في النجف كما ذكرناه في الذريعة ج 8 ص 274 - 275 والمظنون ان جده التقي بن بهاء الدين شقيق الشيخ مهدي بن بهاء الدين الفتوني شيخ السيد مهدي بحر العلوم وظاهر أن وفاة المترجم بعد هذا التاريخ.

وذكره صاحب كتاب ( ماضي النجف وحاضرها ) قال :

كان حائري الولادة والمسكن وهو من الادباء الفضلاء ومن أشهر رجال هذه الاسرة وهو صاحب المنظومة المشهورة في تواريخ الأئمة وولاداتهم ووفياتهم وتعداد أزواجهم وأولادهم رتبها على مقدمة وأربعة عشر بابا وخاتمة تشتمل على ألف ومائتين وثمانية وسبعين بيتا قال في أولها :

الحمد لله العليم الاحد *** القادر الحي القديم الابدي

العلم والقدرة عين ذاته *** والصدق والادراك من صفاته

ص: 120

وقال في آخرها :

أبياتها ألف ومائتان *** من بعد سبعين مع الثمان

فرغ منها يوم الجمعة في الثاني والعشرين من المحرم سنة 1279 ه- وله بند مشهور في مدح امامنا الهادي وبنيه وآبائه علیهم السلام يقول في أوله :

أيها المدلج يطوي مهمه البيد على متن نجيب أحدب الظهر متى جئت ربوع المجد والفخر وشاهدت بيوت العز والنصر فنادي داعيا بالحمد والشكر ، وبالتقديس والتهليل والتسبيح والذكر ، مرارا خاضعا مستوهبا الاذن من الحجاب ان رمت مزارا فاذا فزت باذن من عطاياهم فقد نلت من السعد وسامرت بني المجد فلجها بخضوع وخشوع صافي القصد تجد لاهوت قدس قد تردى بردة المجد وأثواب عفاف قد غشاها العلم بالزهد أنيطت بلحام الحلم والرشد وخيطت بخيوط الفضل فضلا وقارا بل تجد حبرا تقيا وشهاما هاشميا ورؤوفا فاطميا طاب فرعا ونجارا حاكم الشرع كريم الخلق والطبع حميد الاصل والفرع فذاك الكوكب الهادي الى الحاضر والبادي هو العالم والعامل والعادل والشاكر والحامد والخاضع والطالع سرا وجهارا والد البر الامين العسكري الحسن الدر الثمين ... الخ.

ولا تزال أسرة آل الفتوني تقطن كربلاء ومنها اليوم الحاج سلمان بن الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ حسين الفتوني من خدمة المخيم. وان كانت الفيحاء قد خلفت عبر تاريخها الادبي بند ابن الخلفة فان بند ابن الفتوني لا يقل عنه جمالا وروعة.

ص: 121

الشيخ ابراهيم قفطان

1279

سفه وقوفك بين تلك الارسم *** وسؤال رسم دارس مستعجم

يا ربع مالك موحشا من بعد ما *** قد كنت للوفاد محشد موسم

أفكلما بالغت في كتم الهوى *** غلبتك زفرة حسرة لم تكتم

هلا وفيت بأن قضيت كما وفى *** صحب ابن فاطمة بشهر محرم

من كل وضاح الفخار لهاشم *** يعزى علا ولآل غالب ينتمي

واذا هم سمعوا الصريخ تواثبوا *** ( ما بين سافع مهره أو ملجم )

نفر قضوا عطشا ومن ايمانهم *** ري العطاش بجنب نهر العلقمي

أسفي على تلك الجسوم تقسمت *** بيد الضبا وغدت سهام الاسهم

قد جل بأس ابن النبي لدى الوغى *** عن أن يحيط به فم المتكلم

اذ هد ركنهم بكل مهند *** وأقام مائلهم بكل مقوم

يغشى الوطيس بباس أروع باسل *** متهلل عند اللقا متبسم

ينحو العدى فتفر عنه كأنهم *** حمر تنافر من زئير الضيغم

ويسل أبيض في الهياج تخاله *** صبحا تبلج تحت ليل مظلم

واذا العداة تنظمت فرسانها *** في كل سطر بالأسنة معجم

وافاهم فمحا صحائف خطهم *** مسحا بكل مقوم ومصمم

قد كاد يفني جمعهم لولا الذي *** قد خط في لوح القضا المحكم

سهم رمى أحشاك يا ابن المصطفى *** سهم به كبد الهداية قد رمي

ص: 122

لم أنس زينب وهي تدعو بينهم *** يا قوم ما في جمعكم من مسلم

انا بنات المصطفى ووصيه *** ومخدرات بني الحطيم وزمزم

ما دار في خلدي مجاذبة العدى *** مني رداي ولا جرى بتوهمي

* * *

الشيخ ابراهيم بن الشيخ حسن الرباحي من آل رباح والمشهور بقفطان ولد في النجف سنة 1199 وتوفي سنة 1279 بالنجف عن ثمانين سنة ودفن في الصحن الشريف عند باب الطوسي مع أبيه وأخيه. وآل قفطان من بيوت العلم والفضل القديمة في النجف والمترجم له نشأ في النجف الاشرف وقرأ فيها وهو عالم عامل فاضل كامل أديب شاعر من مشاهير شعراء عصره ومن تلامذة الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء. وله مراجعات ومطارحات مع شعراء عصره كعبد الباقي العمري وغيره ، ومن آثاره ( أقل الواجبات ) في حج التمتع ذكر فيه انه اختصره من مناسك شيخه المؤتمن الشيخ محمد حسن يعني مؤلف ( الجواهر ) ثم عرضه على شيخه الانصاري فكتب على هامشه ما هو طبق فتاواه وجعل رمزه ( تضى ) ، ومن تصانيفه أيضا رسالة توجد بخطه عند الخطيب الشيخ طاهر السماوي ألفها في اثبات حلية المتعة جوابا عن سؤالات بعض العامة ودفعا لشبهاته كتبها بأمر شيخه مؤلف ( الجواهر ) وفرغ منها في 15 صفر 1264.

قال الشيخ آغا بزرك الطهراني في الجزء الثاني من ( طبقات أعلام الشيعة ) ويأتي ذكر أبيه الشيخ حسن واخوته : الشيخ

ص: 123

احمد والشيخ محمد والشيخ علي والشيخ مهدي والشيخ حسين. أقول وللشيخ ابراهيم قصائد في رثاء الحسين علیه السلام مثبتة في المخطوط الذي كتبته بخطي والمسمى ب- ( سوانح الافكار في منتخب الاشعار ) منها قصيدة أولها :

أنيخت لهم عند الطفوف ركاب *** وناداهم داعي القضا فأجابوا

وأخرى مطلعها :

هي كربلا فاسفح دموعك فيها *** ان لم يكن ودق الحيا يسقيها

ص: 124

عبد الباقي العمري

وفاته 1279

ومما قاله عبد الباقي العمري الموصلي البغدادي من ملحمته الشهيرة :

طه أبو الغر الميامين الذي *** كني فيهم وبهم تلقبا

علة ايجاد السموات ومن *** فيهن والارض ومن فيها ربى

على البراق لا نجى مثله *** ولا نبي مرسل قد ركبا

سرى بجسمه مع الروح الى *** أقصى معارج المعالي رتبا

أدناه منه ربه حتى غدا *** من قاب قوسين اليه أقربا

قرب بعيد الفوز لم يدركه من *** أنجد أو أتهم عنه معربا

الا الذي لو كشف الغطاء لم *** يزدد يقينا عنده منه نبا

وباب هاتيك المدينة التي *** بها كتاب النشأتين بوبا

أبوالحواميم ومن في هل أتى *** آثر في طعامه من سغبا

أبى اله الخلق أن يكون من *** سواه للغر الميامين أبا

جعلت حبي وموالاتي لهم *** وعرض مدحي لنجاتي سببا

سفن النجا معاقل للالتجا *** تلوح شرعا وتبدو هضبا

جربتهم لقمع كل معضل *** من سقم قد أعجز المطببا

ص: 125

( فقل لمن أعيا الطبيب داؤه *** خل الطيب واسأل المجربا

عترة أشرف النبيين الاولى *** طابوا نجارا وتزكوا حسبا

فكانت الزهرا كما كان لها *** كفوا كريما ونجيا منجبا

زوجها فوق السموات به *** من جل عن صاحبة أن يصحبا

سيدة النسا لها الكسا مع *** النبي والوصي وابنيها حبا

أم الحسين السبط من بجده *** مثل أبيه خطة الضيم أبى

الی أن يقول:

حتى جرى بكربلاء ما جرى *** وسال حتى بلغ السيل الزبى

ومادت الارض ومادت السما *** وانهالت الاطواد فيه كثبا

يوم به الزهراء قد تصعدت *** أنفاسها ودمعها تصوبا

صدوه عن ماء الفرات صاديا *** فاختار من حوض أبيه مشربا

ماذا يقولون غدا لجده *** عذرا اذا عاتبهم وانبا

كان أبوه سيدا كجده *** للانبيا والاوصيا قد نصبا

ذبح عظيم أبعد الرحمن عن *** رحمته الذي به تقربا

ثغر شريف طالما قبله *** أبو الميامين النبي المجتبى

سل الدعي ابن زياد الذي *** الى أبي أبي يزيد نسبا

والمصطفى وابنته وصهره *** لمن غدوا جدا وأما وأبا

واحربا يا آل حرب منكم *** يا آل حرب منكم واحربا

لا عبد شمسكم يساوي هاشما *** كلا ولا أمية المطلبا

لكم ومنكم وعليكم وبكم *** ما لو شرحناه فضحنا الكتبا

يزيد غيظي كلما ذكرتهم *** فألعن الذي لها قد شعبا

الى يزيد دون ابليس اذا *** ما ذكر اللعن انتمى وانتسبا

ص: 126

نقطع في تكفيره اذ صح ما *** قد قال للغراب لما نعبا

خلافة قد أرجعوها بعده *** ملكا عضوضا فلهذا استكلبا

وقتل عمار بصفين لنا *** أبان من بغى ومن قد غصبا

وأغروا الغر أبا موسى على *** خلع علي القدر لما خطبا

خلع به لبس وفي جلبابه *** قد فاز في دنياه من تجلببا

وليلة الهرير قد تكشفت *** عن سوأة ابن العاص لما غلبا

فحاد عنه مغضبا حيدرة *** وعف والعفو شعار النجبا

ولو يشا ركب فيه زجه *** تركيب مزجي كمعدي كربا

* * *

عبد الباقي الفاروقي العمري

هو ابن سليمان بن احمد العمري الفاروقي الموصلي المتوفى 1279 شاعر مؤرخ ولد بالموصل سنة 1204 ه- 1790 م وولي على الموصل ثم ولي ببغداد أعمالا حكومية ، وتوفي ببغداد سنة 1279 ه- 1862 م له ديوان شعر يسمى ب- ( الترياق الفاروقي ) ونزهة الدهر في تراجم فضلاء العصر ، ونزهة الدنيا ، مخطوط ترجم فيه بعض رجال الموصل من معاصريه و ( الباقيات الصالحات ) قصائد في مدح أهل البيت و ( أهله الافكار في مغاني الابتكار ) من شعره ، وعنى بشرح جملة من قصائده جماعة من العلماء والادباء منهم العلامة أبو الثناء الالوسي وطبعت مستقلة عن الديوان في ايران والهند والعراق ، وللعمري مكانة مرموقة في الاوساط العراقية أدبية وسياسية واجتماعية ، وفي منن الرحمن لمؤلقه الشيخ جعفر النقدي ان عبد الباقي ينتهي نسبه بستة

ص: 127

وثلاثين واسطة الى عمر بن الخطاب وكان من أفاضل أدباء بغداد في عصره ، ولد سنة 1204 وتوفي 1278 ه- وقد أرخوا وفاته بهذا البيت :

بلسان يوحد اللّه أرخ *** ذاق كاس المنون عبد الباقي

انتهى.

وله القصيدة العينية في مدح أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام التي يقول في أولها :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا *** ببطن مكة وسط البيت اذ وضعا

وانت حيدرة الغاب الذي أسد *** البرج السماوي عنه خاسئا رجعا

وأنت باب تعالى شأن حارسه *** بغير راحة روح القدس ما قرعا

شرحها العلامة الالوسي ، وذكر الشيخ محمود شكري الالوسي في كتابه ( المسك الاذفر ) انه توفي ليلة الاثنين سلخ جمادى الاولى 1278 ه- وقد سقط قبل موته بليلة في الساعة السادسة من ليلة الاحد من ( طارمة ) حرمه وكان قد خرج للتوضؤ لصلاة العشاء. ودفن بباب ( الازج ) ببغداد قرب قبة الجيلي. وكانت ولادته سنة 1203 ه.

كتب عنه الدكتور محمد مهدي البصير في كتابه ( نهضة العراق الادبية في القرن التاسع عشر ) وجاء بكثير من نوادره وروائعه.

ص: 128

فمن شعره كما في ديوانه :

قضى نحبه في يوم عاشور من غدت *** عليه العقول العشر تلطم بالعشر

قضى نحبه في نينوى وبها ثوى *** فعطر منها الكائنات ثرى القبر

قضى نحبه في الطف من فوقه طفا *** نجيع كسا الآفاق بالحلل الحمر

قضى نحبه من راح للحرب خائضا *** ببحر دم فانصب بحر على بحر

قضى نحبه والبيض تكتب أحرفا *** بها نطقت في الطعن ألسنة السحر

قضى نحبه والشمس فوق جبينه *** تحرر بالانوار سورة والفجر

قضى نحبه والكون يدمي بنانه *** ويخدش منه الوجه بالسن والظفر

قضى نحبه والحور محدقه به *** كما أحدقت في بدرها هالة البدر

قضى نحبه والدين أصبح بعده *** الى اللّه يشكو ما عراه من الضر

قضى نحبه طود به طار نعشه *** الى الملأ الاعلى بأجنحة النسر

قضى نحبه من للقوارير قد وقى *** وما قد وقتها آل صخر من الكسر

قضى نحبه من يتبع الظيم بالظما *** ويجرع في الهيجاء مرا على مر

قضى نحبه روح الوجود وسره *** ومرقده في كربلا موضع السر

قضى نحبه والامر لله وحده *** بما تقتضيه الحكم من عالم الامر

قضى نحبه ريحانة المصطفى التي *** تفوح ليوم النشر طيبة النشر

قضى نحبه ابن الانزع البطل الذي *** أذاق الردى عمرا وأعرض عن عمر (1)

ص: 129


1- أراد بعمرو الاولى عمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق ، وأراد بالثانية عمرو بن العاص الذي كشف عن سوئته يوم صفين حذرا من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لما أراد قتله.

قضى نحبه ابن الطهر سيدة النسا *** سليلة فخر الكائنات أبي الغر

قضى نحبه الوتر الحسين فمن قضى *** بمأتمه نحبا قضى واجب الوتر

قضى نحبه الفرد الذي هو خامس *** لاهل كسامنه اكتسى الفخربالفخر

قضى نحبه والثغر يفتر باسما *** بوجه المنايا وهي فاغرة الثغر

قضى نحبه ابن الصنو حيدر من غدا *** أبوه حريا في أخى اشدد به أزرى

قضى نحبه في جنة الخلد ثاويا *** ومتكأ فيها على رفرف خضر

قضى نحبه أزكى السلام عليه ما *** تكرر في أنداء مأتمه شعرى

ويقول عبد الباقي في مدح الرسول الاعظم صلی اللّه علیه و آله :

تخيرك اللّه من آدم *** ولولاك آدم لم يخلق

بجبهته كنت نورا تضيء *** كما ضاء تاج على مفرق

لذلك ابليس لما أبى *** سجودا له بعد طرد شقى

ومع نوح اذ كنت في فلكه *** نجا وبمن فيه لم يغرق

وخلل نورك صلب الخليل *** فبات وبالنار لم يحرق

ومنك التقلب في الساجدين *** به الذكر أفصح بالمنطق

بمثلك أرحامها الطاهرات *** من النطف الغر لم تعلق

سواك مع الرسل في ايلياء *** مع الروح والجسم لم يلتقى

فجئت من اللّه في أخذه *** لك العهد منهم على موثق

وفي الحشر للحمد ذاك اللواء *** على غير رأسك لم يخفق

وعن غرض القرب منك السهام *** لدى قاب قوسين لم تمرق

لقد رمقت بك عين العماء *** وفي غير نورك لم ترمق

ص: 130

فكنت لمرآتها زئبقا *** وصفو المرايا من الزئبق

فلولاك لا نظم هذا الوجود *** من العدم المحض في مطبق

ولا شم رائحة للوجود *** وجود بعرنين مستنشق

ولولاك طفل مواليده *** بحجر العناصر لم يعبق

ولولاك رتق السموات والارا *** ضي لك اللّه لم يفتق

ولولاك ما رفعت فوقنا *** يد اللّه فسطاط استبرق

ولا نثرت كف ذات البروج *** دنانير في لوحها الازرق

ولا طاف من فوق موج السماء *** هلال تقوس كالزورق

ولولاك ما كللت وجنة البسيطة *** أيدي الحيا المغدق

ولا كست السحب طفل النبات *** من اللؤلؤ الرطب في بخنق

ولا أختال نبت ربي في قبا *** ولا راح يرفل في قرطق

ولولاك غصن نقا المكرمات *** وحق أياديك لم يورق

ولولاك سوق عكاظ الحفاظ *** على حوزة الدين لم تنفق

وسبع السماوات أجرامها *** لغير عروجك لم تخرق

ولولاك مثعنجر بالعصا *** لموسى بن عمران لم يفلق

وأسرى بك اللّه حتى طرقت *** طرائق بالوهم لم تطرق

ورقاك مولاك بعد النزول *** على رفرف حف بالنمرق

فيا لاحقا قط لم يسبق *** ويا سابقا قط لم يلحق

تصوبت من صاعد هابطا *** الى صلب كل تقي نقي

فكان هبوطك عين الصعود *** فلا زلت منحدرا ترتقي

ومن شعر عبدالباقي العمري :

ان الاثير على تقادم عهده *** بغدوة ورواحه المتعدد

ما كرر الاعوام في دورانه *** وبدوره الايام لم تتجدد

ص: 131

الا ليشهد عشر كل محرم *** بالطف مأتم آل بيت محمد

وقال أيضا في شهر المحرم مخمسا لهذه الابيات :

قد سل نصل محرم من غمده *** يفري قلوب الطاهرات بحده

كيف التجلد والعزا من بعده *** ان الاثير على تقادم عهده

بغدوه ورواحه المتعدد

لما رأى بالعين من حدثانه *** رأس الحسين بدا برأس سنانه

والشلو منه مقطعا بطعانه *** ما كرر الاعوام في دورانه

وبدوره الايام لم تتجدد

ودموعه من عينه لم تسجم *** وبكاؤه من رعده لم يصرم

ولهيبه من برقه لم يضرم *** الا ليشهد عشر كل محرم

بالطف مأتم آل بيت محمد

وقال عبدالباقي العمري - رواها الالوسي في شرح القصيدة العينية :

يا عاذل الصب في بكاه *** باللّه ساعفه في بكائك

فانه ما بكى وحيدا *** على بني المصطفى أولئك

بل انما قد بكت عليهم *** الجن والانس والملائك

وقال :

لا تلمني ان قلت للعين سحى *** بدموع على الحسين وجودي

كل من في الوجود يبكي على من *** جده كان علة للوجود

ص: 132

وقال :

لي كل يوم عويل *** على الحسين ومأتم

عليه حزني طويل *** أتم عمري وما تم

وقال :

نحن أناس اذا ما *** قد حل شهر المحرم

فكل شيء علينا *** سوى البكاء محرم

وقال في هلال المحرم متذكرا ما حل فيه من قتل أهل بيت النبي (عليهم السلام) :

هل المحر فاستهل بعبرة *** طرفى على فقدان أشرف عترة

فتيقظت مني لواعج حسرة *** وتنبهت ذات الجناح بسحرة

في الواديين فنبهت أشواقي

أخذت تردد بالغناء على فنن *** وأخذت أنشدها رثاء ذوي المحن

فبكت معي فقد الحسين أخي الحسن *** ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن

يعقوب والالحان عن اسحاق

هي لم تكن ببني النبي مصابة *** مثلي لتندب بالطفوف عصابة

اني اتخذت رثا الحسين مثابة *** أنى تباريني جوى وصبابة

وكأبة وأسى وفيض مآق

وعلى شهيد الطف حشو ضمائري *** كمد أحاط بباطني وبظاهري

أو تدرك الورقاء كنه سرائري *** وانا الذي أملي الهوى من خاطري

وهي التي تملي من الاوراق

ص: 133

وقال وقد وقف على شاطيء الفرات متذكرا ما جرى على أبناء الرسول :

بعدا لشطك يا فرات فمر لا *** تحلو فانك لا هني ولا مري

أيسوغ لي منك الورود وعنك قد *** صدر الامام سليل ساقي الكوثر

وقال عند أول وقفة وقفها على أعتاب باب حضرة أبي تراب :

يا أبا الاوصياء أنت لطاها *** صهره وابن عمه وأخوه

ان لله في معانيك سرا *** أكثر العالمين ما علموه

أنت ثاني الآباء في منتهى الدور *** وآباؤه تعد بنوه

خلق اللّه آدما من تراب *** فهو ابن له وأنت أبوه

وقال في مدح الامام النازلة في رفعة قدره آية ويطعمون الطعام :

وسائل هل أتى نص بحق علي *** أجبته هل أتى نص بحق علي

فظنني اذ غدا مني الجواب له *** عين السؤال صدى من صفحة الجبل

وما درى لادرى جدا ولا هزلا *** اني بذاك أردت الجد بالهزل

وقال عندما جرت به السفينة في الفرات بقصد زيارة قبر أمير المؤمنين ويعسوب الدين في النجف الاشرف :

بنا من بنات الماء للكوفة الغرا *** سبوح سرت ليلا فسبحان من أسرى

تمد جناحا من قوادمه الصبا *** تروم بأكناف الغري لها وكرا

جرت فجرى كل الى خير موقف *** يقول لعينيه قفا نبك من ذكرى

ص: 134

وكم غمرة خضنا اليه وانما *** يخوض عباب البحر من يطلب الدرا

تؤم ضريحا ما الضراح وان علا *** بأرفع منه لا وساكنه قدرا

حوى المرتضى سيف القضا أسد الشرى *** علي الذرا بل زوج فاطمة الزهرا

مقام علي كرم اللّه وجهه *** مقام علي رد عين العلا حسرا

وقال وهو سائر ليلا من كربلاء المقدسة للنجف الاشرف :

وليلة حاولنا زيارة حيدر *** وبدر دجاها مختف تحت أستار

بأدلاجنا ضل الطريق دليلنا *** ومن ضل يستهدي بشعلة أنوار

فلما تجلت قبة المرتضى لنا *** وجدنا الهدى منها على النور لا النار

وقال يصف الصندوق العلوي والقفص الذي يمثل ضريح الامام علیه السلام :

الا ان صندوقا أحاط بحيدر *** وذي العرش قد أربى الى حضرة القدس

فان لم يكن لله كرسي عرشه *** فان الذي في ضمنه آية الكرسي

ومن قوله في أهل البيت علیهم السلام :

أهل العبا كم لهم أياد *** فاضت على الكون من يديهم

فما احتوينا وما اقتنينا *** وما لدينا فمن لديهم

وحق من قال ( ربنا ابعث *** فيهم رسولا يتلو عليهم )

اني اليهم أحن شوقا *** أحن شوقا اني اليهم

ص: 135

وقال :

يا آل من ملأ الجهات مفاخرا *** وأتى بكم للكائنات مظاهرا

وهم الذي لكم يعد نظائرا *** ان الوجود وان تعدد ظاهرا

وحياتكم ما فيه الا انتموا

أو ما درى اذ راح يعلن بالندا *** ان الذي هو غيركم رجع الصدا

فوجدكم سر الخليقة أحمدا *** أنتم حقيقة كل موجود بدا

وجميع ما في الكائنات توهم

وقال متضمنا آية ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) :

على جميع البرايا *** أهل العبا قل تعالوا

وخصصوا بمزايا *** من بعضها ( قل تعالوا )

وقال :

وجدكم يا آل احمد انني *** أعد لكم حمدي ومدحي من الجد

ومثلي يراعي منه اذ شاب مفرق *** بحمدكم سميته شيبة الحمد

وقال :

لا تعجبوا ان نثرت من كلمي *** في نعت أبناء حيدر دررا

لأنني يوم زرت حضرته *** ومنه قبلت بالشفاه ثرى

حشا فمي جوهرا ففهت به *** منتظما تارة ومنتثرا

وقال :

أنا في نعت سيد الرسل طاها *** وعلي القدر الرفيع العماد

ص: 136

والحسين الشهيد بعد أخيه *** الحسن السبط والفتى السجاد

وابنه باقر العلوم مع الصادق *** والكاظم العميم الايادي

وعلي الرضا وقدوة أهل الارض *** بحر العطا الامام الجواد

وعلي النقي والعسكري المنتقى *** والمهدي غوث العباد

يسكت الدهر ان نطقت ويصغي *** ملقيا سمعه الى انشادي

وقال - وقد وقف بحضرة الامام موسى الكاظم علیه السلام :

أيا بن النبي المصطفى وابن صنوه *** علي ويابن الطهر سيدة النسا

لئن كان موسى قد تقدس في طوى *** فأنت الذي واديه فيه تقدسا

وقال مرتجلا وقد وقف تجاه المرقد عائذا بأبي الرضا لائذا بجد الجواد :

نحن اذا ما عم خطب أو دجا *** كرب وخفنا نكبة من حاسد

لذنا بموسى الكاظم بن جعفر *** الصادق بن الباقر بن الساجد

ابن الحسين بن علي بن أبي *** طالب بن شيبة المحامد

ص: 137

الشيخ حسين قفطان

المتوفى بعد سنة 1280

الشيخ حسين ابن الشيخ علي بن نجم الملقب ب- قفطان السعدي القفطاني توفي بعد سنة 1280 بالنجف ودفن في الصحن الشريف في جهة باب الطوسي وقد تجاوز التسعين. كان شاعرا وله قصائد في رثاء الحسين علیه السلام . انتهى عن الاعيان للسيد الامين.

أقول والاسرة مشهورة بالعلم والادب والشعر وجودة الخط يتوارثونه خلفا عن سلف ولا عجب اذا برع في الشعر فالبيئة تحتم عليه ذلك أما شيخنا الشيخ آغا بزرك الطهراني فقد ذكر في ( الكرام البررة ) ان الشيخ حسين توفي في حياة والده الشيخ علي وذلك في حدود 1255 ه.

وقال : توجد بعض أشعاره في مجموعة السيد يوسف بن محمد العلوي الحسيني المكتوبة 1302 رايتها في مكتبة الملك بطهران.

مرت بهذا الجزء ترجمة أخيه الشيخ حسن وابن أخيه الشيخ ابراهيم وطائفة من أشعارهم.

ص: 138

الشيخ موسى محي الدين

المتوفى 1281

وقف على قبر الحسين علیه السلام وقال :

أسبط المصطفى المختار يا من *** به في كل ما أرجو نجاحي

وحقك لم يكن بحماك مثلي *** فتى والاك مقصوص الجناح

أرشني يا بن فاطمة فاني *** هزارك في النواحي بالنواح

* * *

الشيخ موسى ابن الشيخ شريف يوسف بن محمد بن يوسف آل محي الدين الحارثي الهمداني العاملي ، وتعرف أسرتهم قديما بآل أبي جامع ، وهو جدهم. لقب بذلك لانه بنى جامعا في ( جبع ) من لبنان في القرن العاشر واستوطنوا النجف منذ ثلاثة قرون أو أكثر ، ونبغ منهم عشرات الرجال من العلماء والادباء ومن مشاهيرهم في القرن الماضي الشيخ موسى المذكور وكان يختص بالشاعر عبدالباقي العمري وقد تكرر ذكره في ديوانه المطبوع كما كان يختص بالشاعر الشيخ عباس الملا علي وكانت وفاة الشيخ موسى سنة 1281 ه- وله ديوان شعر جمعه البحاثة الشيخ محمد السماوي بخطه وأضاف اليه ديوان ابن عمه الشيخ عبد الحسين محي الدين وجعلهما في مجلد واحد وشاعرنا المترجم له

ص: 139

من شيوخ الادب في عصره وفرسان حلبات الادب. وساق السيد الامين في الاعيان نسبه الى أبي جامع الحارثي الهمداني فقال : الشيخ موسى ابن الشيخ شريف بن محمد بن يوسف بن جعفر بن علي بن حسن بن محي الدين بن عبد اللطيف بن علي بن احمد ابن أبي جامع الحارثي الهمداني العاملي النجفي. من أهل القرن الثالث عشر الهجري ذكره الشيخ جواد آل محي الدين العاملي النجفي في ملحق أمل الامل فقال : كان فاضلا كاملا أديبا شاعرا كاتبا ماهرا له ديوان شعر وقد خمس القصيدة المشهورة المقصورة لابن دريد وحولها الى مدح الحسنين وأبيهما أميرالمؤمنين علیهم السلام . ذكرها السيد الامين وذكر جملة من شعره في مدح الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.

وجاء في ( الحصون المنيعة ) ج 2 ص 565 : كان فاضلا كاملا ، أديبا شاعرا كاتبا ماهرا له ديوان شعر. وقد خمس القصيدة الدريدية ، ومدحه الشيخ عباس الملا علي البغدادي بقصيدة عند قدومه من سفر ، مطلعها :

تجلى فصير ليلي نهارا *** هلال على غصن بان أنارا

كما راسله عبد الباقي العمري بقوله :

قف بالمطي اذا جئت العشي الى *** أرض الغري على باب الوصي علي

وزر وصل وسلم وابك وادع وسل *** به لك الخير يا موسى الكليم ولي

وذكره السماوي في ( الطليعة ) بما يقارب هذا ، كما ذكره

ص: 140

الشيخ الطهراني في ( الكرام البررة ). وله قصيدة تعرف ب- ( الخالية ) تتكون من 32 بيتا آخر كل بيت منها كلمة ( خال ) وتعطي معنى غير الاخر ، وقد عارض بها قصيدة بطرس كرامة وقد تخلص في القصيدة لمدح العلامة الشيخ حسن آل كاشف الغطاء وأولها :

سقى الخال من نجد وسكانه الخال *** وأزهر في أكنافه الرند والخال

كما خمس القصيدة الخالية وبعث التخميس الى الآستانة الى ناظمها ، فلما وقف عليه قرضه فقال :

يا بن الشريف الذي أضحت فضائله *** كالشمس تشرق بين البدو والحضر

خمست بالنظم ذات الخال مكرمة *** مطوقا جيدها عقدا من الدرر

من البديع ومن سحر البيان لقد *** أوتيت سؤلك يا موسى على قدر

وللحاج جواد بدكت الحائري - تخميس الشيخ للقصيدة الدريدية :

ان آيا أبديتها في القوافي *** قد هوت سجدا لها الشعراء

ان هوت سجدا فغير عجيب *** أنت موسى وهي اليد البيضاء

وللشيخ جابر الكاظمي :

ألقت لموسى الشعراء العصا *** كما لموسى ألقت الساحرون

في شعره للشعرا معجز *** مثل العصا تلقف ما يأفكون

ص: 141

ذكر الدكتور عبدالرزاق محي الدين في مؤلفه ( الحالي والعاطل ) المترجم له في معارضة قصيدة بطرس كرامة ( الخالية ) أما تخميسه للقصيدة الدريدية المذكورة في ( الحالي والعاطل ) والتي نظمها ابن دريد في مدح ابني مكيال - كما هو معروف فقد حولها شاعرنا المترجم له الى مدح الامامين الحسن والحسين علیهماالسلام بتخميسه للقصيدة وها نحن نروي جملة من هذا التخميس :

هما سليلا احمد خير الملا *** الحسنين الاحسنين عملا

هما اللذان انقعالي غللا *** هما اللذان أثبتا لي أملا

قد وقف اليأس به على شفا

هما اللذان أورداني موردا *** عاد به روض المنى موردا

وأنشئاني بعد ما كنت سدى *** وأجريا ماء الحيا لي رغدا

فاهتز غصني بعد ما كان ذوى

كم ردني بعد الرجاء خائبا *** من خلته ألا يرد طالبا

وحين أصبحت له مجانبا *** هما اللذان عمرا لي جانبا

من الرجاء كان قدما قد عفا

وأولياني ما به النفس اقتنت *** عزاً به عن درن الدنيا اعتنت

وعوداني عادة ما امتهنت *** وقلداني منة لو قرنت

بشكر أهل الارض طراً ما وفى

أحمد ربي اللّه ما أعاشني *** اذ في ولاء المرتضى قد راشني

فلم أقل وهو بخير ناشني *** ان ابن مكيال الامير انتاشني

من بعد ما قد كنت كالشيء اللقى (1)

ص: 142


1- اللقى : الشيء المطروح.

ومذ وفى لي بالذي له ضمن *** وخصني بما به قلبي أمن

قلت أبو السبطين بالوفا قمن *** ومد ضبعي أبوالعباس من

بعد انقباض الذرع والباع الوزي (1)

ذاك علي المرتضى عقد الولا *** وصنو طه المرتضى خير الملا

ذاك الذي رام المعالي فعلا *** ذاك الذي لا زال يسمو للعلا

بفعله حتى علا فوق العلا

ومذ علا بالرغم من حسوده *** لو كان يرقى أحد بجوده

قلت وحق القول من ودوده *** بجوده الموفى على وفوده

ومجده الى السماء لارتقى

فعد الى مدح الحسين والحسن *** تأمن في مدحهما من الزمن

وقل اذا ما فزت منهما بمن *** نفسي الفداء لأميري ومن

تحت السماء لأميري الفدا

وقال يمدح الامام (عليه السلام) :

أقول لمقتعد اليعملات *** يلف الوعوث على السجسج

أنخها على ذكوات الغري *** وفي باب حيدرة عرج

على أسد الغاب بحر الرغاب *** مغيث السغاب سرور الشجى

وصي الرسول وزوج البتول *** ومعطي السؤل الى المرتجي

أبي الحسنين وطلق اليدين *** اذا العام ضاق ولم يفرج

وقل يا يد اللّه في الكائنات *** ويا وجهه في الظلال الدجي

سلام عليك بصوت رقيق *** من الخطب والكرب لم يفرج

أتيتك ملتجأ منهما *** لأنك أنت حمى الملتجي

وجئت وايقنت أن يصدرا *** طريدين عني مهما أجي

فمثلك من كف عني الهموم *** وألحب في أعيني منهجي (2)

ص: 143


1- الوزى بالفتح : القصير.
2- عن الحالي والعاطل.

الحاج جواد بدقت

المتوفى 1281

الحاج جواد بدكت قال في الحسين (عليه السلام) :

بواعث اني للغرام مؤازر *** رسوم بأعلا الرقمتين دوائر

يعاقب فيها للجديدين وارد *** اذا انفك عنها للجديدين صادر

ذكرت بها الشوق القديم بخاطر *** به كل آن طارق الشوق خاطر

وان لم تراع للوداد أوائلا *** فما لك في دعوى الوداد أواخر

وتلك التي لو لم تهم بمهجتي *** لما أنبأت أن اللحاظ سواحر

لحاظ كألحاظ المهى أن أتيتها *** فواتك الا أن تلك فواتر

وجيد يريك الظبي عند التفاتها *** هي الظبي ما بين الكثيبين نافر

تحملت حتى ضاق ذرعا تحملي *** ومل اصطباري عظم ما أناصابر

عدمتك فاقلع عن ملائمة الهوى *** ألم يعتبر بالأولين الاواخر

أهل جاء أن ذو صبوة نال طائلا *** وان جاء فاعلم ان تلك نوادر

فان شئت ان توري بقلبك جذوة *** يصاعدها ما بين جنبيك ساجر

فبادر على رغم المسرة فادحا *** عظيما له قلب الوجودين ذاعر

غداة أبو السجاد والموت باسط *** موارد لا تلفى لهن مصادر

أطل على وجه العراق بفتية *** تناهت بهم للفرقدين الاواصر

فطاف بهم والجيش تأكله القنا *** وتعبث فيه الماضيات البواتر

على معرك قد زلزل الكون هوله *** وأحجمن عنه الضاريات الخوادر

ص: 144

يزلزلن أعلام المنايا بمثلها *** فتقضي بهول الاولين الاواخر

وينقض أركان المقادير بالقنا *** امام على نقض المقادير قادر

أمستنزل الاقدار من ملكوتها *** فكيف جرت فيما لقيت المقادر

وان اضطرابي كيف يصرعك القضا *** وان القضا انفاذ ما أنت آمر

أطل على وجه المعالم موهن *** وبادر أرجاء العوالم بادر

بأن ابن بنت الوحي قد أجهزت به *** معاشر تنميها الاماء العواهر

فما كان يرسو الدهر في خلدي بأن *** تدور على قطب النظام الدوائر

وتلك الرفيعات الحجاب عواثر *** بأذيالها بل انما الدهر عاثر

تجلى بها نور الجلال الى الورى *** على هيئة لا أنهن حواسر

يطوف على وجه البراقع نورها *** فيحسب راء أنهن سوافر

وهب انها مزوية عن حجابها *** وقاهرها عن لطمة الخدر قاهر

فماذا يهيهن البدر وهو بأفقه *** بأن الورى كل الى البدر ناظر

ولكن عناها حين وافت حميها *** رأته صريعا فوقه النقع ثائر

فطورا تواريه العوادي وتارة *** تشاكل فيه الماضيات البواتر

فيا محكم الكونين أو هي احتكامها *** بأنك ما بين الفريقين عافر

وانك للجرد الضوامير حلبة *** الا عقرت من دون ذاك الضوامر

ألست الذي أوردتها مورد الردى *** فيا ليتها ضاقت عليها المصادر

فيا ليت صدري دون صدرك موطأ *** ويا ليت خدي دون خدك عافر

* * *

ص: 145

هو الحاج جواد ابن الحاج محمد حسين الاسدي الحائري - الشهير ب- ( بذقت ) أو بذكت (1). ولد بكربلاء عام 1210 ه- وتوفي سنة 1281 بكربلاء ودفن فيها.

كان فاضلا أديبا مشهور المحبة لاهل البيت علیهم السلام من مشاهير شعراء القرن الثالث عشر وديوانه لا يزال مخطوطا وفيه قصائد عامرة ، وقد ساجل جملة من شعراء عصره نخص بالذكر منهم الشيخ صالح الكواز فلقد ذكر الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) ان الكواز زار شاعرنا المترجم له فرأى عنده عبدا له اسمه ( ياقوت ) وهو يضجر من رمد في عينيه فقال الكواز :

ألا ان ياقوتا يصوت معلنا *** غداة غدت عيناه ياقوته حمرا

فأجابه الحاج جواد مرتجلا :

وقد صير الرحمن عينيه هكذا *** لأني اذا أدعوه ينظرني شزرا

نظم الحاج جواد في مختلف أبواب الشعر فأجاد وأبدع فمن روائعه قوله مخمسا :

قلت لصحبي حين زاد الظما *** واشتد بي الشوق لورد اللمى

متى أرى المغنى وتلك الدمى *** قالوا غدا تأتي ديار الحمى

وينزل الركب بمغناهم

هم سادة قد أجزلوا بذلهم *** لمن أتاهم راجيا فضلهم

فمن عصاهم لم ينل وصلهم *** وكل من كان مطيعا لهم

أصبح مسرورا بلقياهم

ص: 146


1- وبذقت لقب جدهم الحاج مهدي ، أراد أن يقول عن الشمس بزغت فقال لتمتمة فيه : بذقت.

قد لامني صحبي على غفلتي *** اذ نظرت غيرهم مقلتي

فما أطالوا اللوم في زلتي *** قلت فلي ذنب فما حيلتي

بأي وجه أتلقاهم

يا قوم اني عبد احسانهم *** ولم أزل أدعى بسلمانهم

فاليوم هل أحظى بغفرانهم *** قالوا أليس العفو من شانهم

لا سيما عمن تولاهم

جعلت زادي في السرى ودهم *** وموردي في نيتي وردهم

وقلت هم لم يخجلوا عبدهم *** فحين ألقيت العصا عندهم

واكتحل الطرف بمرءآهم

لم أر فيهم ما تحذرته *** بل لاح بشر كنت بشرته

كأنما فيما تفكرته *** كل قبيح كنت أحرزته

حسنه حسن سجايايهم

ومن شعره قوله مقرضا تخميس الشيخ موسى ابن الشيخ شريف محي الدين لمقصورة ابن دريد :

أي آي أبديتها في القوافي *** قد هوت سجدا لها الشعراء

ان هوت سجدا فغير غريب *** أنت موسى وهي اليد البيضاء

وله ايضا في تقريضه :

لقد كفرت بالشعر قوم وقد قضى *** علينا الردى حزنا عليه وتبئيسا

فأحييتنا فيما نظمت فآمنوا *** فكنت لنا عيسى وكنت لهم موسى

وللشاعر ملحمة كبيرة يمدح بها الامام أمير المؤمنين عليا علیه السلام نظمها فصولا على عدد حروف الهجاء رأيت أكثرها في مخطوط العلامة المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء المسمى ب-

ص: 147

( سمير الحاظر وأنيس المسافر ) ج 3 ص 325 قال : وقد نقلتها من نسخة بخطه وهي مسودة ومبيضة لا ثاني لها. أقول ورأيت هذه الروضة في مجموعة بمكتبة كاشف الغطاء العامة قسم المخطوطات - رقم 872 وهي التي أشار اليها الشيخ.

وكتب عنه صديقنا السيد سليمان هادي الطعمة فقال : ان الديوان يشتمل على جوانب انسانية ووطنية وله ملحمة رائعة يمتدح بها أهل البيت علیهم السلام جارى بها ملحمة الشيخ كاظم الازري المسماة ب- ( الازرية ) عدد أبياتها 1265 بيتا. أقول ويحتفظ بنسخة منها آل الرشتي بكربلاء ومطلعها :

أهي الشمس في سماء علاها *** أخذت كل وجهة بسناها

طرق أبواب الشعر فأسمع كل حي وفتح له الشعر أبوابه وأحسن به ترحابه فها هو يصف جلسة اختلسها من الزمان بين أحباب واخوان ولعلها بمناسبة زفاف السيد أحمد الرشتي عام 1279 :

هي والراح أسفرا اسفارا *** فأعاد ليل الندامى نهارا

أشرقا حين لاصحاب فيحمي *** عن تعاطى اجتلاهما الابصارا

هي عاطتهم لماها ولما *** أسكرتهم به سقتهم عقارا

تتهاوى فيهم فتحسبهم منها *** سكارى وما هم بسكارى

كلما رنحت لهم عطفها هاجوا *** ارتياحا وأزعجوا الاوتارا

بينهم من بني النصارى طروب *** ضل فيها احكام دين النصارى

سلبت رشده وقد كسر الناقوس *** هجرا وقطع الزنارا

ص: 148

ومن شعره في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) :

شجتك الضعائن لا الاربع *** وسال فؤادك لا الادمع

ولو لم يذب قلبك الاشتياق *** فمن أين يسترسل المدمع

توسمتها دمنة بلقعا *** فما أنت والدمنة البلقع

تعاتبها وهي لا ترعوي *** وتسألها وهي لا تسمع

فعدت تروم سبيل السلو *** وسهمك طاش به المنزع

خذوه بألسنة العاذلين *** فقد عاد في سلوة يطمع

تجاهلت حين طلب السلو *** علام قد انضمت الاضلع

هل ارتعت من وقفة الاجرعين *** فأمسيت من صابها تجرع

فأينك من موقف بالطفوف *** يحط له الفلك الارفع

بملمومة حار فيها القضاء *** وطاش بها البطل الانزع

فما اقلعت دون قتل الحسين *** فيا ليتها الدهر لا تقلع

اذا ميز الشمر رأس الحسين *** أيجمعها للعلا مجمع

فيا ابن الذي شرع المكرمات *** والا فليس لها مشرع

بكم أنزل اللّه ام الكتاب *** وفي نشر آلائكم يصدع

أوجهك يخضبه المشرفي *** وصدرك فيه القنا تشرع

وتعدو على صدرك الصافنات *** وعلم الاله به مودع

وينقع منك غليل السيوف *** وان غليلك لا ينقع

ويقضي عليك الردى مصرعا *** وكيف القضا بالردى يصرع

بنفسي ويا ليتها قدمت *** وأحرزها دونك المصرع

ويا ليته استبدل الخافقين *** وأيسر ما كان لو يقنع

لقد أوقعوا بك يابن النبي *** عزيز على الدين ما أوقعوا

وخوص متى نسفت مربعا *** تلقفها بعده مربع

لقد أوقروها بنات النبي *** فهل بعدها جلل أسفع

ص: 149

خريم يغار عليها الاله *** بمن أرقلوا وبمن جعجعوا

أتدري حدات مطياتها *** وأملاكه عندها تخضع

يلاحظها في السبا أغلف *** ويحدو بها في السرى أكوع

يطارحن بالنوح ورق الحمام *** فهذي تنوح وذي تسجع

لسهم الزفير بأكبادها *** الى أن تكاد به تنزع

تسير وتخفي لفرط الحيا *** جواها ويعربه المدمع

وللحاج جواد بذكت :

فوق الحمولة لؤلؤ مكنون *** زعم العواذل انهن ضعون

لم لقبوها بالظعون وانها *** غرف الجنان بهن حور عين

يا ايها الرشأ الذي سميته *** قمر السماء وانه لقمين

اني بمن أهواه مفتون وذاك *** بأن يؤنب بالهوى مفتون

مهما نظرت وانت مرآة الهوى *** بك بان لي ما لا يكاد يبين

لم تجر ذكرى نير وصفاته *** الا ذكرتك والحديث شجون

ومنها :

يا قلب ما هذي شعار متيم *** ولعل حال بني الغرام فنون

خفض فخطبك غير طارقة الهوى *** ان الهوى عما لقيت يهون

ما برحت بك غير ذكرى كربلا *** فاذا قضيت بها فذاك يقين

ورد ابن فاطمة المنون على ظما *** ان كنت تأسف فلتردك منون

ودع الحنين فانها العظمى فلا *** تأتي عليها حسرة وحنين

ظهرت لها في كل شيء آية *** كبرى فكاد بها الفناء يحين

بكت السماء دما ولم تبرد به *** كبد ولو ان النجوم عيون

ندبت لها الرسل الكرام وندبها *** عن ذي المعارج فيهم مسنون

فبعين نوح سال ما اربى على *** ماسار فيه فلكه المشحون

ص: 150

وبقلب ابراهيم ما بردت له - *** ما سجر النمرود وهو كمين

ولقد هوى صعقا لذكر حديثها *** موسى وهون ما لقى هارون

واختار يحيى ان يطاف برأسه *** وله التأسي بالحسين يكون

وأشد مما ناب كل مكون *** من قال قلب محمد محزون

فحراك تيم بالضلالة بعده *** للحشر لا يأتي عليه سكون

عقدت بيثرب بيعة قضيت بها *** للشرك منه بعد ذاك ديون

برقي منبره رقي في كربلا *** صدر وضرج بالدماء جبين

لولا سقوط جنين فاطمة لما *** أودى لها في كربلاء جنين

وبكسر ذاك الضلع رضت أضلع *** في طيها سر الاله مصون

وكذا على قوده بنجاده *** فله علي بالوثاق قرين

وكما لفاطم رنة من خلفه *** لبناتها خلف العليل رنين

وبزجرها بسياط قنفذ وشحت *** بالطف من زجر لهن متون

وبقطعهم تلك الاراكة دونها *** قطعت يد في كربلا ووتين

لكنما حمل الرؤوس على القنا *** أدهى وان سبقت به صفين

كل كتاب اللّه لكن صامت *** هذا وهذا ناطق ومبين (1)

ص: 151


1- عن ( رياض المدح والرثاء ) للشيخ حسين آل سليمان البلادي البحراني من منشورات المكتبة العربية ومطبعتها مطبعة الاداب - النجف الاشرف.

الشيخ صالح بن طعان

المتوفى 1281

فآه واندمى من فوت نصرته *** وغير مجد على مافات ، واندمي

والظاهرات من الاستار حين وعت *** صوت الجواد أتاها قاصد الخيم

توجهت نحوه تلقاء سيدها *** اذا به من على ظهر الجواد رمي

فصرن كالمتمنى اذ يرى فلقا *** من الصباح فلما ان رآه عمي

لهفي لهن من الاستار بارزة *** ما بين رجس وأفاك ومغتشم

عواثرا في ذيول ما تطرقها *** ريب ولا سحبت في مسحب أثم

تخال في صفحات الخد أدمعها *** كالدر ما بين منثور ومنتظم

كل تلوذ بأخرى خوف آسرها *** لوذ القطا خوف بأس الباشق الضخم

حتى اذا صرن في أسر العداة وقد *** ركبن فوق ظهور الانيق الرسم

مروا بهن على القتلى مطرحة *** ما بين منعفر في جنب مصطلم

فمذ رأت زينب جسم الحسين على *** البوغا خضيبا بدم النحر واللمم

عار اللباس قطيع الراس منخمد *** الانفاس في جندل كالجمر مضطرم

ألقت ردى الصبر وانهارت هناك على *** جسم الشهيد كطود خر منهدم

وقد لوت فوقه احدى اليدين على *** الاخرى وتدعوه يا سؤلي ومعتصمي

ص: 152

أخي فقدتك فقدان الربيع فلا *** يسلوك قلبي ولا يقلو نعاك فمي

هل كيف يجمل لي صبري ويهتف بي *** بشر وانت رهين الترب والرجم

وتارة تستغيث المصطفى ولها *** قلب خفوق ودمع في الخدود ودهمي

يا جد هذا أخي ما بين طائفة *** قد استحلوا دماه واحتووا حرمي

يا جد أصبحت نهبا للنوائب ما *** بين العدى من ظلوم لي ومهتضم

لا والد لي ولا عم ألوذ به *** ولا أخ لي بقى أرجوه ذو رحم

أخي ذبيح ورحلي قد أبيح وبي *** ضاق الفسيح وأطفالي بغير حمي

وابن الحسين كساه البين ثوب أسى *** والسقم أبراه بري السيف للقلم

باللّه يا راكب الوجنا يخد بها *** بيد الفلا مدلجا بالسير لم ينم

ان جزت بالنجف الاعلا فقف كرما *** بقرب قبر علي سيد الحرم

وابد الخضوع ولذ بالقبر ملتزما *** واقرى السلام لخير الخلق واحترم

وانع الحسين له واقصص مصيبته *** وقل له يا امام العرب والعجم

هل أنت تعلم ما نال الحسين وما *** نالت ذراريك أهل المجد والكرم

أما الحسين فقد ذاق الردى وقضى *** بجانب النهر لهفان الفؤاد ظمي

وصحبه أصبحوا صرعى ونسوته *** أمسوا سبايا كسبي الترك والخدم

* * *

الشيخ صالح بن طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني البركوياني المتوفى بالطاعون في مكة سنة 1281 له ديوان في المراثي لأهل البيت مطبوع في بمبي. كذا ذكر البحاثة الطهراني في الذريعة وقال :

ص: 153

رأيت رثاءه للشيخ سليمان بن أحمد بن عبد الجبار المتوفى سنة 1262 بخط صاحب أنوار البدرين وولده الشيخ احمد بن صالح المولود سنة 1251 وله ايضا ديوان مطبوع بمبي ، وتوفي سنة 1315 ذكره لنا ولده الشيخ محمد صالح بن احمد بن صالح ابن طعان المذكور قبل وفاته 1333.

وجاء في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) للشيخ الطهراني :

الشيخ صالح بن طعان عالم فاضل وفقيه بارع ، وقال : أثنى صاحب ( انوار البدرين في أحوال علماء الاحساء والقطيف والبحرين ) على علمه وصلاحه ، وكان من العلماء العاملين الورعين ، وله آثار كثيرة منها ( تسلية الحزين ) وله ( ديوان المراثي ) طبع.

ص: 154

الشيخ محمد علي كمونة

المتوفى 1282

الشيخ محمد علي كمونة مفخرة الامجاد وسلالة الاسخياء الاجواد نشأ في بيت الزعامة والرئاسة والوجاهة كان ولم يزل هذا البيت محط رحال الوفاد ومنتدى العلم والادب وله الشرف والرفعة والمكانة السامية لدى أهالي كربلاء وكانت بيدهم سدانة الحرم المطهر الحسيني من ذي قبل. نشأ شاعرنا نشأة علمية دينية أدبية ، نظم فأجاد وبرع حتى فاق أقرانه ولانه يتحدر من الاسرة العربية الشهيرة وهم بنو أسد الذين نالوا الشرف بمواراة جسد الحسين علیه السلام فهو لازال يفتخر بهم ولأن عددا غير قليل منهم نالوا السعادة وحصلوا الشهادة يوم عاشوراء بين يدي أبي عبداللّه الحسين سيد شباب أهل الجنة فهو يتمنى أن يكون معهم ويغبطهم على هذه المنزلة فيقول :

فواحزني ان لم أكن يوم كربلا *** قتيلا ولم أبلغ هناك مأربي (1)

ص: 155


1- والقصيدة تناهز الستين بيتا وأولها : أعدها أخا المسرى لقطع السباسب *** مهجنة من يعملات نجائب

فان غبت عن يوم الحسين فلم تغب *** بنو أسد أسد الهياج أقاربي

وقد جمع بعض أحفاده شعره في مجموعة سماها ( اللئالئ المكنونة في منظومات ابن كمونة ) ويقع في خمسة آلاف بيت.

جاء في ( الحصون المنيعة ) للشيخ علي كاشف الغطاء ما نصه : الحاج محمد علي الشهير بكمونة كان شاعرا بليغا أديبا لبيبا فصيحا آنست الناس أشعاره الرائقة وأسكرتهم بمعانيها ومبانيها الفائقة ، درة صدف الادب والمعالي والعاقمة عن مثله أمهات الليالي ، قد شاهدته أيام صباي في كربلاء زمن توقفي فيها واجتمعت معه كثيرا واقتطفت من ثمار افاداته يسيرا وقد ناهز عمره الثمانين من السنين ، وعرضت أول نظمي عليه ، وكان رجلا طوالا ذا شيبة بيضاء مهيبا شهما غيورا وكان قليل النظم وأكثر شعره في مدح الامام أمير المؤمنين علیه السلام ، وكان معاونا لأخويه الحاج مهدي والشيخ محمد حسن في تولية خدمة مرقد أبي عبداللّه الحسين وسدانة هذه العتبة المقدسة.

توفي في شهر جمادي الاخرة ليلة الاحد سنة 1282 بمرض الوباء في كربلاء ودفن مع أخيه الحاج مهدي في مقبرتهم المعدة لهم في الحائر الحسيني تجاه قبور الشهداء. أقول وفي سنة 1367 ه- 1948 م قام الاديب المعاصر محمد كاظم الطريحي بجمع ديوانه والتعليق عليه ونشره بمطبعة دار النشر والتأليف بالنجف الاشرف.

ص: 156

جاء في احدى قصائده الحسينية :

متى فلك الحادثات استدارا *** فغادر كل حشى مستطارا

كيوم الحسين ونار الوغى *** تصعد للفرقدين الشرارا

فلم تر الا شهابا ورى *** وشهما بفيض النجيع توارى

فعاد ابن أزكى الورى محتدا *** وأمنع كل البرايا جوارا

تجول على جسمه الصافنات *** وتكسوه من نقعها ما استثارا

وقال رحمه اللّه في رأس الامام الحسين يوم طيف به على رمح :

رأس وقد بان عن جسم وطاف على *** رمح وترتيله القرآن ما بانا

رأس ترى طلعة الهادي البشير به *** كأنما رفعوه عنه عنوانا

تنبي البرية سيماه وبهجته *** بأن خير البرايا هكذا كانا

يسري ومن خلفه الاقتاب موقرة *** أسرى يجاب بها سهلا وأحزانا

وله رائعة غراء في سيدنا أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أولها :

نبت بالذي رام المعالي صوارمه *** اذا ما حكتها بالفضاء عزائمه

وله القصيدة الشهيرة التي يصف فيها بطولة شهداء كربلاء ومنها :

أراه وأمواج الهياج تلاطمت *** يعوم بها مستأنسا باسما ثغرا

ولو لم يكفكفه عن الفتك حلمه *** لعفى ديار الشرك واستأصل الكفرا

ص: 157

ولما تجلى اللّه جل جلاله *** له خر تعظيما له ساجدا شكرا

هوى وهو طود والمواضي كأنها *** نسور أبت الا مناكبه وكرا

هوى هيكل التوحيد فالشرك بعده *** طغى غمره والناس في غمرة سكرى

وأعظم بخطب زعزع العرش وانحنى *** له الفلك الدوار محدودبا ظهرا

غداة أراق الشمر من نحره دما *** له انبجست عين السما أدمعا جمرا

وان أنس لا أنسى العوادي عواديا *** ترض القرى من مصدر العلم والصدرا

ولم أنس فتيانا تنادوا لنصره *** وللذب عنه عانقوا البيض والسمرا

رجال تواصوا حيث طابت أصولهم *** وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا

وما كنت أدري قبل حمل رؤوسهم *** بأن العوالي تحمل الانجم الزهرا

حماة حموا خدرا أبى اللّه هتكه *** فعظمه شأنا وشرفه قدرا

فأصبح نهبا للمغاوير بعدهم *** ومنه بنات المصطفى أبرزت حسرا

يقنعها بالسوط شمر فان شكت *** يؤنبها زجر ويوسعها زجرا

نوائح الا أنهن ثواكل *** عواطش الا أن أعينها عبرى

يصون بيمناها الحيا ماء وجهها *** ويسترها ان أعوز الستر باليسرى

وله من القصائد الحسينية المنشورة في ديوانه ما هذه أوائلها :

1 - ما بال عينك بعد كشف غطائها *** قذف الاسى انسانها في مائها

44 بيتا

2 - باتت تلوم على الهوى وتؤنب *** وحمى شجوني بالغرام محجب

29 بيتا

ص: 158

3 - أعدها أخا المسرى لقطع السباسب *** مهجنة من يعملات نجائب

57 بيتا.

4 - أصبحت آل علي في السبا *** أين عنها اليوم ارباب الابا

31 بيتا.

5 - ماذا على النوائب *** لو جانبت جوانبي

50 بيتا.

6 - نوى ظعنا يبغي منى فالمحصبا *** فأدنى اليه اليعملات وقربا

88 بيتا.

7 - دع المطايا تجوب البيد في السحر *** وعج بربع أبي الضيم من مضر

48 بيتا.

8 - من ذا دهى مضر الحمرا وعدنانا *** وسام أقمارها خسفا ونقصانا

23 بيتا.

والشاعر كمونة لم تقتصر براعته وشاعريته على الرثاء فقط وانما طرق أبواب الشعر من غزل ونسيب وفخر وحماسة فكم له من روائع عرفانية ووجدانية تنم عن ملكة أدبية ونوادر شعرية فمن ظرفه قوله في قصيدة :

نسيم الصبا هيجت لاعج أشواقي *** وألحقت بالماضي من الرمق الباقي

فيا صاحبي نجواي عوجا على الحمى *** لعل به رقيا لما أعجز الراقي

فكم لي عهدا بالحمى متقادما *** ذوى غصن جسمي هو ينمو بايراق

ص: 159

ويا عاذلي في حب ليلى وما عسى *** تروم وميثاقي على الحب ميثاقي

وله بمدح الامام أبي السبطين الحسن والحسين :

ألام على من خصه اللّه في العلى *** وصيره في شرب كوثره الساقي

وزين فيه العرش فانتقش اسمه *** على جبهة العرش المعظم والساق

وأودع من عاداه نار جهنم *** فخلد في كفار قوم وفساق

لهم من ضريع مطعم وموارد *** اذا وردوها من حميم وغساق

أما انني أكثرت ذنبا وانه *** سيبدل أحمالي بعفو وأوساق

غداة أرى صحفي بكفيه في الولا *** ينسق منها زلتي أي نساق

وأنظر لوامي تدع الى لظى *** فيسقط منساق على اثر منساق

تقصدت لفظ الساق في ذكر نعته *** لأنجو اذا ما التفت الساق بالساق

ومن نوادره قوله :

عصيت هوى نفسي صغير افعند ما *** دهتني الليالي بالمشيب وبالكبر

أطعت الهوى عكس القضية ليتني *** خلقت كبيرا ثم عدت الى الصغر

وقال في التوكل :

الهي ما ادخرت غني لنفسي *** وولدي من حطام الدهر مالا

لعلمي أنك الكافي وأني *** وكلت على خزائنك العيالا

ص: 160

الشيخ حمادي الكواز

المتوفى 1283

أدهاك ما بي عندما رحلوا *** فأزال رسمك أيها الطلل

أم أنت يوم عواذلي جهلوا *** شوقي علمت فراعك العذل

لا بل أراك دهتك عاصفة *** أبلت قشيبك بعدما احتملوا

لو كنت تنطق أيها الطلل *** ربما اشتفى بك واله يسل

وكأنما ورباك ناحلة *** مني نحول الجسم تنتحل

فتعير قلبي منك نار جوى *** أنبته كيف النار تشتعل

ومن العجائب أن لي ديما *** تروي صداك وعندي الغلل

علمت أجفاني البكاء فعلم- *** -ن السحائب كيف تنهمل

ساق الهوى وحنيني الزجل *** مطرا اليك سحابه المقل

ومن الأحبة أن تكن عطلا *** ما أنت من عشافهم عطل

ومؤنب ظن الغرام به *** لعبا فجد وجده هزل

وأتى يروم بي العزاء وقد *** رحل العزا عني مذ ارتحلوا

ومن الجوى لم تبق باقية *** في الخطوب لمعشر عذلوا

مهلا هذيم فليس لي أبدا *** صبر يصاحبني ولا مهل

قتل الاسى صبري بمعضلة *** أبناء فاطمة بها قتلوا

بأماثل القوم الذين بهم *** بين البرية يضرب المثل

ومهذبين فما بجودهم *** نكد ولا بسيوفهم كلل

من كل مشتمل بعزمته *** وبحزمه في الحرب معتقل

ص: 161

يمضي اذا ازدحم الكماة وقد *** كهم الضبا وتقصف الأسل

ويخوض نار الحرب مضرمة *** فكأنما هي بارد علل

وشمر دل وصل الثناء به *** غاياته ولأحمد يصل

بسحاب صعدته وراحته *** غيثان منبعث ومنهمل

وبيوم معركة ومكرمة *** أسد هزبر وعارض هطل

وسرت تحوط فتى عشيرتها *** من آل أحمد فتية نبل

وتحف من أشرافها بطلا *** شهد الحسام بأنه بطل

وأشم خلق للعلاء به *** نسب بحبل العرش متصل

ذوالمجد ليس يحل ساحته *** وجل وقلب عدوه وجل

وأخو المكارم لا بواردها *** ظمأ ولا لغزيرها وشل

أبدا فلا اللاجي به وجل *** كلا ولا الراجي له خجل

والمستقاد له جبابرة الاشر *** راك وهي لعزه ذلل

ومقوضين تحملوا وعلى *** مسراهم المعروف مرتحل

ركبوا الى العز الردى وحدا *** للموت فيهم سايق عجل

وبهم ترامت للعلى شرفا *** ابل المنايا السود لا الابل

حتى اذا بل المسير بهم *** أقصى المطالب وانتهى الامل

نزلوا بأكناف الطفوف ضحى *** والى الجنان عشية رحلوا

بأماجد من دونهم وقفوا *** وبحبهم أرواحهم بذلوا

وعلى الظما وردوا بأفئدة *** حرى كأن لها الضبا نهل

في موكب تكبوا الاسود به *** ويزل من زلزاله الجبل

فاض النجيع وخيلهم سفن *** وحمى الوطيس وسمرهم ظلل

وعجاجة كالليل يصدعها *** من قضبهم ووجوههم شعل

حتى اذا رامت بقاءهم ال- *** -دنيا ورام نداهم الاجل

بخلوا على الدنيا بأنفسهم *** وعلى الردى جادوا بما بخلوا

وعن ابن فاطم للعدى كرما *** أجسامهم شبح القنا جعلوا

ص: 162

ولآل حرب ثار بعدهم *** من آل طه الفارس البطل

جاءت وقائدها العمى والى *** قتل الحسين يسوقها الجهل

بجحافل بالطف أولها *** وأخيرها بالشام متصل

ملؤ القفار على ابن فاطمة *** جند وملؤ صدورهم ذحل

طم الفلا فالخيل تحتهم *** أرض وفوقهم السما ذبل

وأتت تحاوله الهوان وهل *** للشهم عن حالاته حول

فسطا وكاد الكون حين سطا *** يقضي عليه ذهابه الزجل

والارض لما هز أسمره *** بين الكتائب هزها وهل

فاعجب لتأخير العذاب وامها *** ل الاله لهم بما عملوا

مالوا الى الشرك القديم وعن *** دين النبي لغيهم عدلوا

نصروا يزيد وأحمدا خذلوا *** اللّه من نصروا ومن خذلوا

حتى اغتدى بالترب بينهم *** نهب الصوارم وهو منجدل

تروي الأسنة من دماه وما *** لأوام غلة صدره بلل

عجبا لهم أمنوا العذاب وقد *** علموا هناك عظيم ما عملوا

أيموت سر الكون بينهم *** والكون ليس يحله الاجل

وشوامخ العلياء من مضر *** أودى بهن الفادح الجلل

فهوت لهن على الثرى هضب *** وسمت لهن على القنا قلل

والارض راكدة الجوانب لا *** يندك منها السهل والجبل

ورؤوس أوتاد البلاد ضحى *** ناءت بها العسالة الذبل

لا كالأهلة بل شموس علا *** بسماء مجد افقها الاسل

والى ابن آكلة الكبود سرت *** ببنات فاطم أنيق بزل

أسرى على تلك الجمال وقد *** عز الحما ودموعها بلل

وعلى يزيد ضحى بمجلسه *** قد أوقفتها المعشر السفل

لا من بني عدنان يلحظها *** ندب ولا من هاشم بطل

الا فتى نهبت حشاشته *** كف المصاب وجسمه العلل

ص: 163

وشفاه رأس المجد ينكتها *** بالخيزرانة أكوع رذل

فاعجب لآخر أمة ركبت *** في الغي ما لم تركب الاول

هذي فعالهم وما فعلت *** أرجاس عاد بعض ما فعلوا

أبني النبي ومن بحبهم *** يعطي المراد ويبلغ الامل

يا من اذا لم يسألوا وهبوا *** أضعاف ما وهبوا اذا سئلوا

والعاملون بكل ما علموا *** والعالمون بكل ما عملوا

* * *

جاء في البابليات : اذا قرأت ترجمة الشاعر الغامر « الخبز أرزي » وقرأت خبر « الخباز البلدي » فانك واجد فيها الموهبة الشعرية بارزة متجلية : والعبقرية لامعة واضحة تعرف كل ذلك اذا علمت انهما كانا ( أميين ) لم يعرفا من التهجي حرفا ولا من الكتابة شكلا ومع ذلك فقد كانا ينظمان من الشعر ما رق وراق وملأ الصحف والاوراق سيما وان الاول منهما كان يبيع خبز الارز في دكان له في البصرة ينتابه أهل الادب لاستماع شعره وطرائف نوادره. كما يروي لنا ابن خلكان وغيره ، واذا نظرنا بعين الحقيقة فلا نرى محلا للتعجب ولا مجالا للاستغراب فان هذا وأشباهه انما نشأوا وعاشوا في عصر هو أزهي العصور وأقربها عهدا للعربية « القرن الثالث للهجرة » عصر العلم والآداب والعروض والاعراب ، عصر الشعر والخطابة والانشاء والكتابة ، عصر الاندية والمجالس والمعاهد والمدارس ، عصر الاحتفاء بالعلماء والاحتفال بالشعراء نعم العجب كل العجب ممن نبغ بعد أولئك بألف عام في عصر اندمجت فيه لغة القرآن باللغات الاجنبية التي تسيطر أهلها لا بالعراق وحده بل على جميع

ص: 164

الشعوب العربية الاسلامية فطورا تحت سلطة التاتار والمغول وتارة تحت رحمة الاتراك والاعاجم فهل تأمل بعد هذا كله أن تسمع للعربية حسا أو لآدابها صوتا أو ترى في أحلامك لخيالها شبحا ماثلا : كلا : ثم كلا ، أليس من الغريب المدهش أن ينجم في أمثال هذه العصور القاتمة شعراء فحول يضاهون من تقدمهم من شعراء تلك العصور الزاهية ان لم نقل يزيدون عليهم وفي طليعة هؤلاء الذين نشير اليهم هو المرحوم الشيخ حمادي الكواز فاني لا أحسبك تصدقني من الدهشة والحيرة اذا قلت لك ان شاعرنا هذا الذي نريد أن نسرد عليك وجيزا من حياته ونثبت لك بعضا من مقاطيعه وأبياته كان أميا لم يقرأ ولم يكتب كما تسالم أهل بلاده على نقله وكان لا يعرف نحوا ولا صرفا ولا لغة ولا عروضا بل ينظم نحتا من قلبه جريا على الذوق والسليقة واستنادا على ما توحيه اليه القريحة من دون تغاير في الاساليب أو اختلاف في التراكيب فاذا اعترض عليه أحد بزلة لحن في العربية يقول « راجعوا قواعدكم فالقول قولي » فيجدون الامر كما قال « بعد المراجعة » أليس هذا من الغرابة بمكان فاذا ضممت الى ذلك انه رحمه اللّه نشأ وعاش في الحلة كوازا حتى لقب هو وأخوه بذلك وانه لم يمتهن سوى بيع الكيزان والاواني الخزفية في حانوت له ينتابه الادباء والاشراف لاستماع شعره وهو مع ذلك يتضجر من الحياة وآلامها ويضج من نكد الدنيا وجور ايامها وقد أعرب عن نفسه بقوله :

أمسي وأصبح والايام جالبة *** الي أحداثها بالشر والشرر

تأتي فتمضي الى غيري منافعها *** ولست اعرف غير الضر والضرر

ص: 165

وفي الشبيبة قد قاسيت كل عنا *** اذا فماذا أرى في أرذل العمر

ان كان آخر أيامي كأولها *** أعوذ باللّه من أيامي الأخر

فهل يسعك بعد وقوفك على هذه الغرائب الا أن تؤمن به وتعتقد انه معجزة الدهر لا نابغة العصر الذي هو فيه فقد كان رحمه اللّه سريع البديهة حسن الروية كثير الارتجال فقد قرأت في احدى مجاميع البحاثة الاديب علي بن الحسين العوضي الحلي وهو من معاصري الكواز ما هذا نصه وقد نقلت ذلك من خطه قال : تذاكرت يوما أنا والكواز المذكور فيما كان يرتجله الشعراء الاقدمون من الاراجيز والقصائد فقال لي لا تعجب واكتب ما أملي عليك اذا شئت ثم ارتجل مقطوعة رقيقة لم يحضرني منها سوى قوله :

أخوي هذي أكؤس ا *** لشوق المبرح فأشربا

واذا انتحبت صبابة *** مما دهاني فانحبا

لا تعجبا من صبوتي *** ومن الملام تعجبا

ما كنت بدعا في الغرا *** م ولست أول من صبا

وقال العوضي أيضا : كان هو وأخوه الشيخ صالح يمشيان معي فتذاكرنا من أنواع البديع تشبيه الشيء بشيئين فقلت في ذلك :

عاطيته صرفا كأن شعاعها *** شفق المغيب ووجنة المحبوب

فأجاز أخوه مرتجلا :

فغدت وقد مزجت بعذب رضابه *** شهدا يضوع عليه نشر الطيب

ص: 166

وأجاز هو رحمه اللّه فقال :

وشربت صاف من لماه كأنه *** ماء الحيا أو دمعي المسكوب

وكان يوما في احدى أندية بغداد فسأله الحاضرون وفيهم العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني والشاعر الشهير عبدالباقي الفاروقي العمري وأمين أفندي آل الواعظ وطلبوا منه تخميس البيتين المنسوبين لابن الفارض فقال على البديهة :

زعم اللائم المطيل بعذلي *** مثله يستزل باللوم مثلي

يا نديمي على الغرام وخلي *** غن لي باسم من أحب وخلي

كل من في الوجود يرمي بسهمه

أين حبي اذا أطعت الاعادي *** بحبيب هواه اقصى مرادي

فوحق الوداد يا بن ودادي *** لا أبالي ولو أصاب فؤادي

انه لا يضر شيء مع اسمه

ومات له ولد صغير ودفن في المقبرة المشهورة حول « مشهد الشمس » في الحلة فقال وأبدع في رثائه :

ليهن محاني مشهد الشمس انه *** ثوى بدر انسي عندها بثرى القبر

وكان قديما مشهد الشمس وحدها *** فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

أقول وقد نسب الدكتور مهدي البصير هذين البيتين للشيخ صالح الكواز وهو الاخ الاكبر للشاعر المترجم له.

مولده : اختلف في سنة وفاته وعمره والاصح ما أخبرني به المرحوم الشيخ علي بن قاسم الحلي أحد شيوخ الادب المعمرين في الحلة والمعاصرين لصاحب الترجمة انه توفي في مرض السل سنة 1283 ه- أو قبلها بسنة وعمره فيما يعتقد لم يتجاوز 38 سنة

ص: 167

فيكون مولده والحالة هذه سنة 1245 ونقل نعشه الى النجف ودفن في وادي السلام واتفقت بعد وفاته بقليل وفاة خاله الشيخ علي العذاري فقال أخوه الشيخ صالح يرثي أخاه المذكور وخاله معا من قصيدة مطلعها :

وقع السيف فوق جرح السنان *** خبر اني لاي جرح أعاني

ولقد تخرج المترجم له على أخيه الشيخ صالح واستفاد من ملازمته ومن الشاعر الكبير السيد مهدي بن السيد داود وجمع أخوه في حياته ديوان أخيه الى ديوانه وسماهما « الفرقدان » وقد بذلت قصارى الجهد في الحصول على نسخة ذلك المجموع من مظانه في الحلة أيام اقامتي فيها فلم أتوفق وحالت دون ذلك عوائق لم أجد لبيانها سبيلا ، واليك بعض ما وقفت عليه من رقيق شعره وكله يكاد يقطر رقة وسلاسة :

يا مالكي لي في الحشى *** من نور وجهك نار مالك

عطفا على دنف أضر *** بحاله تصحيف حالك

وله :

شاب رأسي والهم فيكم وليد *** وبلى الجسم والغرام جديد

قتل الصبر كالحسين شهيدا *** لا لذنب والهجر منكم يزيد

وله :

يا صاحب العين الكحيلة تحتها *** الخد الاسيل وقاتلي في ذا وذي

ومعذبي بجحيم نيران الهوى *** لم لم تكن من نار حبك منقذي

وتقول لي أهلكت نفسك في الهوى *** شغفا ولو أنصفتني ( انت الذي )

ص: 168

وله :

كلفت بمياس القوام مهفهف *** ترى منه لين الغصن والغصن مائل

فما الصبح الا خده وهو نير *** وما الليل الا فرعه وهو حائل

فيا معرضا عني وحبك مقبل *** ويا هاجري والهجر للصب قاتل

سأجعل من حبي اليك وسيلة *** اذا هي اعيتني اليك الوسائل

وأرسل أشواقي اليك مع الصبا *** اذا انقطعت مني اليك الرسائل

وله يهجو بخيلا :

ومتيم بالبخل مثل هوى *** الاليف بحب الفه

وتراه يحمل عيبه *** بين البرية فوق كتفه

لو قيل كفك بالعطاء *** همت لهم بقطع كفه

وله من قصيدة :

أمعودي حال الضنى حتى لقد *** أخفى الضنى جسدي على عواده

عطفا فقد ذهبت بمهجتي النوى *** وشكا اليك الجفن طول سهاده

خذ جسمي البالي اليك ترحه من *** بلواه أو فاسمح برد فؤاده

وربما يشتبه غالبا في كثير من مجاميع المراثي الحسينية فينسب بعض قصائد المترجم لسميه ومعاصره الشيخ حمادي نوح أو لأخيه الشيخ صالح الكواز - وبالعكس - وها نحن نثبت مطالع قصائده في أهل البيت خاصة تمييزا لها عن سواها من مراثي غيره فمنها النونية التي مطلعها :

حتى م تألف بيضكم أجفانها *** والى م تنتظر الرماح طعانها

والحائية التي يستهلها بقوله :

حسبتك من بعد الجماح *** أمسيت طوع يد اللواحي

ص: 169

والعينية التي أولها :

أما الأحبة ما لهم رجع *** ألفوا النوى وتأبد الربع

ومن نفائسها قوله :

أوصى النبي بوصل عترته *** فكأن ما أوصى به القطع

هذي رجالهم يغسلها *** فيض الدما ويلفها النقع

والماء يشربه الورى دفعا *** ولآله عن ورده دفع

وأبت هناك ( الخفض ) أرؤوسها *** فغدا لهن على القنا ( رفع )

واللامية في رثاء أبي الفضل العباس بن علي (عليه السلام) :

أرأيت يوم دعوا رحيلا *** من حملوا العبء الثقيلا

أقول ورأيت ديوان الشاعر عند السادة آل القزويني في قضاء الهندية وقد كتب بخط جيد وفيه كل شعره ونقلت منه بعض القصائد ومنها هذه الرائعة الرقيقة في الامام الحسين (عليه السلام) :

ألا ما لقلبي مما به *** يكلف جفني بتسكابه

أهل راعه فقد عصر الشباب *** أم هاجه ذكر أحبابه

نعم كان يصبو زمان الصبا *** لعهد العذيب وأترابه

يعير مسامعه للغنا *** ويشنى الغداف لتنعابه (1)

فأصبح لا الشوق من شأنه *** ولا حب مية من دابه

ولكن شجاه بأرض الطفوف *** مصاب الحسين وأصحابه

عشية بالطف حزب الاله *** رماها الضلال بأحزابه

أراد ابن هند رؤوس الفخار *** تنقاد طوعا لأذنابه

ص: 170


1- الغداف : رغاب القيظ.

ورام من العز دفع الأبي *** ومن يدفع الليث عن غابه

فنبه للحرب من لا ينام *** الا على نيل أرابه

أخا الشرف الباذخ المستطيل *** على الكون طراً باحسابه

وملتجأ الخائف المستجير *** اذا عضه الدهر في نابه

رأى الصعب في طلب العز في *** المنية سهلا لطلابه

فقارع أخبث كل الانام *** بأزكى الانام وأطيابه

ومذ فقدوا استقبل القوم فر *** دا فرد الخميس لاعقابه

ولو شاء يذهب من في الوجود *** لكان القدير بأذهابه

ولكن دعته لورد الردى *** سجية ذي الشرف النابه

فجانب للعز ورد الحياة *** وجرعه الحتف من صابه

فلو كان حيا نبي الهدى *** ( محمد ) كان المعزى به

ولو كنت فاطمة تنظرين *** سلب العدو لاثوابه

خلعت فؤادك للحزن أو *** كساك المصاب بجلبابه

فما خلت من قد براه الاله *** في الدهر غوثا لمنتابه

به الخطب ينشب أظفاره *** ويمضي به حد أنيابه

وبيت سما رفعة فاغتدى *** وشهب السما دون أطنابه

تخر الملوك له سجدا *** وتهوي الملائك في بابه

تطيل الوقوف بأبوابه *** وتستاف تربة أعتابه

تضيع فيه حقوق الاله *** ولم ترع حرمة أربابه

وتدرك ثارات أوثانها *** أمية في قتل أوابه

وتهتك منه الحجاب الذي *** ملائكه بعض حجابه

وتسبى كرائمه جهرة *** الى أشر الغي كذابه

فليت الوصي يراهن في *** يد الشرك أسرى لمرتابه

تجوب بها البر عجف النياق *** فيقذفهن لأسهابه

وكافلها ناحل يشتكي *** مع الاسر من ضر أوصابه

ص: 171

يصابرها محنا لم تدع *** من الحلم شيئا لأربابه

يشاهد أرؤوس سمر العدا *** تميس بأرؤس أحبابه

وفي الترب أجسامهم صرعا *** بقضب الضلال وأحزابه

ويرعى نساه ويرعينه *** بمنسجم الدمع منسابه

يراهن أسرى وينظرنه *** بأسر الضلال ونصابه

فينحب شجوا على ما بها *** وتنحب شجوا على ما به

الى أن تحل بأرض الشئام *** عداها الغمام بتسكابه

ص: 172

الشيخ ابراهيم صادق العاملي

المتوفى 1284

قال في رثاء الحسين (عليه السلام) :

هل في الوقوف على ربى يبرين *** برء لداء في الفؤاد دفين

وهل الوقوف على الاماكن منقع *** غللا وقد بقيت بغير مكين

حتام تتبع لحظ طرفك مجري ال- *** -عبرات اثر ركائب وظعون

والام تنفث مؤصدا الزفرات عن *** جمر بأخبية الحشى مكمون

تخفي الأسى وغريب شأنك في الأسى *** باد يفسره غروب شئون

ولقد بلوت الحادثات وكان لي *** في الخطب صبر لا يزال قريني

وتجلدي ما في كعوب قناته *** لردى يريد الغمز ملمس لين

ورزين حلمي لا يطيش لمحنة *** جلت وان قطع الزمان وتيني

وغزير دمعي لا يزال مصونه *** الا لذل شامل في الدين

وخطوب آل محمد ضعّفن من *** أركان دين اللّه كل حصين

هم خيرة الباري ومهبط وحيه *** حقا ، وعيبة علمه المخزون

هم نور حكمته وباب نجاته *** أبدا وموضع سره المكنون

أمناؤه في أرضه خلفاؤه *** في خلقه أبناء خير أمين

وهم الألى عين اليقين ولا هم *** من كل هول في المعاد يقيني

ما لي من الاعمال الا حبهم *** في النشأتين وحبهم يكفيني

ص: 173

مهما أسأت وقد نسأت رثاءهم *** بدر الولا لرثائهم يدعوني

واذا تقاعد منطقي عن مدحهم *** نهضت جميع جوارحي تهجوني

أو ما درت تلك الجوارح شفها *** رزء الاطائب من بني ياسين

وحديث فاجعة الطفوف أذالها *** دمعا به انبجست عيون عيوني

اني متى مثلتها سعر الجوى *** مني بأذكى من لظى سجين

ومتى أطف بالطف من ذاك العرى *** جعلت أراجيف الاسى تعروني

وذكرت ما لم أنسه من حادث *** ما زال يغري بالشمال يميني

حيث ابن فاطمة هناك تحوطه *** زمر الضلالة وهو كالمسجون

وهم الألى قد عاهدوه وأوثقوا *** عقدا لبيعته بكل يمين

حتى أناخ بهم بما يحويه من *** آل وأموال وخير بنين

غدروا به والغدر ديدن كل ذي *** احن بكل دنية مفتون

ورموه - لا عرفوا السداد - بأسهم *** من كف كفر عن قسي ضغون

ولديه من آساد غالب أشبل *** يخشى سطاها ليث كل عرين

وأماثل شربوا بأقداح الولا *** صافي المودة من عيون يقين

سبقوا بجدهم الوجود وآدم *** ما بين ماء في الوجود وطين

وهم الألى ذخر الاله لنصره *** في كربلا من مبدأ التكوين

لا عيب فيهم غير أنهم لدى ال- *** -هيجاء لا يخشون ريب منون

وعديدهم نزر القليل وفي الوغى *** كل يعد اذا عدا بمئين

والكل ان حمي الوطيس يرى به *** قبض اللوا فرضا على التعيين

ما رنة الاوتار في نغماتها *** أشهى لديهم من صليل ظبين

كلا ولا ألحان معبد عندهم *** في الروع أطرب من صهيل صفون

ثاروا كما شاء الهدى وتسنموا *** صهوات قب أياطل وبطون

وعدوا لقصدلو جرت ريح الصبا *** معهم به وقفت وقوف حرون

واذا الهجان جرت لقصد أدركت *** قصبا يقصر عنه جري هجين

ص: 174

حتى اذا ما غادروا مهج العدى *** نهبا لكل مهند مسنون

وفد الردى يبغي قراه وكلهم *** حب القرى بالنفس غير ضنين

فلذاك قد سقطوا على وجه الثرى *** ما بين مذبوح وبين طعين

وشروا مفاخرهم بأنفس أنفس *** ينحط عنها قدر كل ثمين

طوبى لهم ربحوا وقد خسر الألى *** رجعوا هناك بصفقة المغبون

وغدا عميد المكرمات عميدهم *** من بعدهم كالوا له المحزون

ظامي الفؤاد ولا معين له على *** قوم حموا عنه ورود معين

يرنو ثغور البيد وهي فسيحة *** شحنت مراصدها بكل كمين

ويرى كراديس الضلال تراكمت *** وكأنها قطع الجبال الجون

ويكر في تلك الصفوف مجاهدا *** كر الوصي أبيه في صفين

ويعود نحو سرادق ضربت على *** أزكى بنات للهدى وبنين

وكرائم عبث الأسى بقلوبها *** فغدت فواقد هدأة وسكون

يسدي لها الوعظ الجميل وذاك لا *** يجدي ذوات لواعج وشجون

ونوائب عن حمل أيسر نكبة *** منها تسيخ مناكب الراهون

ثم انثنى يلقى الصوارم والقنا *** بأغر وجه مشرق وجبين

قسما بثابت عزمه - واليتي *** بثبات عزمته أبر يمين

لو شاء اقراء الردى مهج العدى *** طرأ لأضحت ثم طعم منون

أو شاء افناء العوالم كلها *** قسرا لأوميء للمنايا كوني

أنى ومحتوم المنايا كامن *** ما بين كاف خطابه والنون

لكن لسر في الغيوب وحكمة *** سبقت بغامض علمه المخزون

وخبا ضياء المسلمين ومحم الذ *** كر المبين غدا بغير مبين

وبنات خير المرسلين برزن من *** دهش المصاب بعولة ورنين

من كل زاكية حصان الذيل ما *** ألف سوى التخدير والتحصين

ولصونها أيدي النبوة شيدت *** من هيبة الباري منيع حصون

وأجل يوم راح مفخر هاشم *** فيه أجب الظهر والعرنين

ص: 175

يوم به تلك الفواطم سيرت *** أسرى تلف أباطحا بحزون

من فوق غارب كل أعجف عاثر *** في السير صعب القود غير أمون

وتقول للحامي الحمى ومقالها *** كدموعها من لؤلؤ مكنون

عطا علي ولا أخالك ان أقل *** عطفا علي تغض طرفك دوني

أو لست تنظرني وقد هتك العدى *** خدري وهدمت الطغاء حصوني

من بعد أن تركوا بنيك على الثرى *** ما بين مذبوح وبين طعين

عارين منبوذين في كنف العرا *** من غير تغسيل ولا تكفين

تلك الرزايا قد أشبن مدامعي *** بدم الفؤاد كما أشبن قروني

أيمس عيني الكرى وعلى الثرى *** جسم الحسين أراه نصب عيوني

من غير دفن وهو أفضل ميت *** في قلب كل موحد مدفون

* * *

الشيخ ابراهيم بن صادق بن ابراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي الطيبي. ولد في قرية الطيبة من قرى جبل عامل سنة 1221 وتوفي بها سنة 1284.

كان من العلماء الافاضل ، خفيف الروح درس في النجف الاشرف وكان سفره اليها سنة 1252 - أقام بالنجف سبعا وعشرين سنة وبضعة أشهر قرأ على الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء وأخيه الشيخ مهدي وعلي الشيخ مرتضى الانصاري ويروي عنهم بالاجازة - له منظومة في الفقه تزيد على الف وخمسمائة بيت وله قصائد عامرة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد كتب بعضها في الحرم العلوي المطهر وكان شاعرا وناثرا. ومما روى عنه قوله :

وقلت أمدح سيدي ومولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه

ص: 176

وعلى أبنائه الائمة الميامين ، وقد كتبت جملة من هذه القصيدة على دور ضريحه المقدس من الجوانب الاربع في 20 رجب سنة 1271 ، ذكره سيدنا الحسن الصدر في ( التكملة ) فوصفه بالعالم الفاضل المحقق والاديب الشاعر المفلق.

وكتب الاديب المعاصر السيد حسن الامين عن شاعرية الشيخ ابراهيم صادق تحت عنوان ( علائق شعرية عراقية عاملية ) في مجلة البلاغ الكاظمية العدد السادس السنة الثانية وترجم له شيخنا الطهراني في ( الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة ) قال : وآل صادق من أشرف بيوت العلم في جبل عامل وأعرقها في الفضل والادب نبغ فيهم أعلام في الفقه والشعر لم تزل آثارهم غرة ناصعة في جبين الدهر ولا سيما شعراؤهم الافذاذ الذين طار صيتهم في الآفاق ، وكانوا يعرفون قبل الشيخ صادق بآل يحيى نسبة الى جدهم الذي كان من صدور علماء عصره وأدبائه. أقول وسبق أن ترجمنا في هذه الموسوعة لجده الكبير الشيخ ابراهيم بن يحيى.

قال مستجيرا بالامام الحسين (عليه السلام) :

يا سيد الشهداء يا من حبه *** فرض وطاعته اطاعة جده

وابن الامام المرتضى علم الهدى *** سر الاله مبين منهج حمده

وابن المطهرة البتول ومن عنت *** غر الوجوه لنور باذخ مجده

واخا الزكي المجتبى الحسن الذي *** نور الهدى من نور غرة سعده

وأبا علي خير أرباب العلى *** وامام كل موحد من بعده

وافاك عبدك راجيا ومؤملا *** منك الحبا ورضاك غاية قصده

فاعطف عليه بنظرة توري بها *** - يا خير مقصود - شرارة زنده

ص: 177

وأنله منك شفاعة يمسي بها *** من لطف باريه بجنة خلده

وأقله سطوة حادث الزمن الذي *** أخنى عليه بجده وبجهده

فلأنت أكرم من همت أنواؤه *** يوم العطاء لوفده من رفده

وله يمدح الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي تزيد على 150 بيتا :

هذا ثرى حط الاثير لقدره *** ولعزه هام الثريا يخضع

وضريح قدس دون غاية مجده *** وجلاله خفض الضراح الارفع

أنى يقاس به الضراح علا وفي *** مكنونه سر المهيمن مودع

جدث عليه من الاله سرادق *** ومن الرضا واللطف نور يسطع

ودت دراري الكواكب أنها *** بالدر من حصبائه تترصع

والسبعة الافلاك ود عليها *** لو أنه لثرى علي مضجع

عجبا تمنى كل ربع أنه *** للمرتضى مولى البرية مربع

ووجوده وسع الوجود وهل خلا *** في عالم الامكان منه موضع

كشاف داجية القضاء عن الورى *** بعزائم منها القضا يروع

هزام أحزاب الضلال بصارم *** من عزمه صبح المنايا يطلع

سباق غايات الفخار بحلبة *** فيها السواري وهي شهب تطلع

عم الوجود بسابغ الجود الذي *** ضاقت بأيده الجهات الاربع

أنى تساجله الغيوث ندى ومن *** جدوى نداه كل غيث يهمع

أم هل تقاس به البحار وانما *** هي من ندى أمداده تتدفع

فافزع اليه من الخطوب فان من *** ألقى العصا بفنائه لا يفزع

واذا حللت بطور سينا مجده *** وشهدت أنوار التجلي تلمع

فأخلع اذا نعليك انك في طوى *** لجلال هيبته فؤادك يخلع

وقل السلام عليك يا من فضله *** عمن تمسك بالولا لا يمنع

مولاي جد بجميلك الاوفى على *** عبد له بجميل عفوك مطمع

يرجوك احسانا ويأملك الرضا *** فضلا فأنت لكل فضل منبع

ص: 178

هيهات ان يخشى وليك من لظى *** ويهوله يوم القيامة مطلع

ويهوله ذنب وأنت له غدا *** من كل ذنب لا محالة تشفع

ويخاف من ظمأ وحوضك في غد *** لذوي الولا من سلسبيل مترع

يا من اليه الامر يرجع في غد *** ولديه اعمال الخلايق ترفع

وله مآل ثوابها وعقابها *** يعطي العطاء لمن يشاء ويمنع

أعيت فضائلك العقول فما عسى *** يثني بمدحتك البليغ المصقع

وأرى الألى لصفات ذاتك حدودا *** قد أخطأوا معنى علاك وضيعوا

ولآي مجدك يا عظيم المجد لم *** يتدبروا وحديث قدسك لم يعوا

عجبي ولا عجب يلين لك الصفا *** والماء من صم الصفا لك ينبع

ولك الفلا يطوى ويعفور الفلا *** لدعاك من أقصى السباسب يسرع

ولك الرمام تهب من أجداثها *** والشمس بعد مغيبها لك ترجع

والشمس بعد مغيبها ان ردها *** بالسر منك وصي موسى يوشع

فهي التي بك كل يوم لم تزل *** من بدء فطرتها تغيب وتطلع

ولك المناقب كالكواكب لم تكن *** تحصى وهل تحصى النجوم الطلع

فالدهر عبد طايع لك لم يزل *** وكذا القضا لك من يمينك أطوع

ولئن أطاع البحر موسى بالعصا *** ضربا فموسى والعصا لك أطوع

ولئن نجت بالرسل قبلك أمه *** فلقد نجت بك رسل ربك أجمع

وصفاتك الحسنى يقصر عن مدى *** أدنى علاها كل مدح يصنع

وله ايضا في مدحه علیه السلام :

أشاقك من ربي نجد هواها *** ومن نسمات كاظمة شذاها

ونبه وجدك المكنون برق *** تألق في العشية من رباها

نعم وألم بي سحرا نسيم *** يحدث عن شذا وادي قراها

فألمني وذكرني عهودا *** بعامل لا عدا السقيا ثراها

بلاد لي بساحتها أناس *** ولي صحب كرام في حماها

ص: 179

أحن لجانب الشرقي منها *** حنين مروعة ثكلت فتاها

وتلعب بي لذكراها شجون *** كما لعبت براياها صباها

واشتاق ( الخيام ) وثم صحبا *** عليه راح مزرورا خباها

نعمت بقربها زمنا ونفسي *** برغم الحلم تمرح في غواها

فكم من كاعب ألفت فبانت *** تمج الكاس عذبا من لماها

وكم هرعت لتلك وكم أقامت *** بسوق اللّهو طارحة عصاها

وكم قطعت هنالك من ثمار *** لعمر العز عذب مجتناها

بحيث العيش صفو والليالي *** غوافل راح مأمونا قضايا

ولما أن رأيت الجهل عارا *** وان العمر أجمله تناهى

وان النفس لا تنفك تسعى *** الى الشهوات فاغرة لهاها

رددت جماحها فارتد قسرا *** وألوت عن كثير من شقاها

وحركني الى الترحال عنها *** عزائم قد أبت الا قلاها

فهبت بي لما أبغي عصوب *** تلف الارض لفا في سراها

معودة على أن لا تبالي *** بفري مفاوز ناء مداها

كستها عزمة الرائي شحوبا *** وتدآب السرى عنقا براها

اذا ما هجهج الحادي وأضحت *** تثير النقع من طرب يداها

وأمست بعد ارقال وخب *** تغافل وهي نافحة براها

يخيل لي بأن البر بحر *** يسارع في المسيل الى وراها

الى أن مست الاعتاب أبدت *** رغاها تشتكي نصبا عراها

وقد لاحت لعينيها قباب *** يرد الطرف عن بادي سناها

هنالك قرت الوجناء عينا *** ونالت بالسرى أقصى مناها

وأنحت جانب الغروي شوقا *** يجاذبها لما تبغي هواها

فوافت بعد جد خير أرض *** يضاهي النيرين سنا حصاها

فألقت في مفاوزها عصاها *** وأرست في ذرى حامي حماها

أبي الحسنين خير الخلق طرا *** وأكرم من وطاها بعد طاها

ص: 180

وأعظم من نحته النيب قدرا *** وأشرف من به الرحمن باهى

وأطيب من بني الدنيا نجارا *** وأقدم مفخرا وأتم جاها

وأصبرها على مضض الليالي *** وأبصرها اذا عميت هداها

وأحلمها اذا دهمت خطوب *** تطيش لها حلوم ذوي نهاها

وأنهضها بأعباء المعالي *** اذا عن نيلها قصرت خطاها

وأشجعها اذا ما ناب أمر *** يرد الدارعين الى وراها

وان هم أوقدوا للحرب نارا *** أحال الى لظاها من وراها

وان طرقت حماها مشكلات *** وارزم في مرابعها رجاها

جلاها من لعمري كل فضل *** الى قدسي حضرته تناهى

أمام هدى حباه اللّه مجدا *** وأولاه علاء لن يضاهى

وبحر ندى سما الافلاك قدرا *** فدون مقامه دارت رحاها

وبدر علا لابناء الليالي *** سناه كل داجية محاها

متى ودقت مرابعها غيوث *** فمن تيار راحته سخاها

أو اجتازت مسامعها علوم *** فزاخر فيض لجته غثاها

وان نهجت سبيل الرشد يوما *** فمن أنوار غرته اهتداها

وثم مناقب لعلاه أمست *** يد الاحصاء تقصر عن مداها

وانى لي بحصر صفات مولى *** له الاشياء خالقها براها

وما مدحي وآيات المثاني *** على علياه مقصور ثناها

أخا المختار خذ بيدي فاني *** غريق جرائم داج قذاها

وعدل في غد أودي لأني *** وقفت من الجحيم على شفاها

وكف بفضلك الاسواء عني *** فقد أخنى على جلدي أذاها

وباعد بين ما أبغي ودهر *** أبت أحداثه الا سفاها

فأنت أجل من يدعى اذا ما *** تفاقمت الحوادث لانجلاها

فزعت الى حماك ونار شوقي *** للثم ثراك مسعور لظاها

وبت لديك والآمال تجري *** على خلدي وظلك منتهاها

ص: 181

السيد عبد الرحمن الالوسي

1284

في مخطوطة بمكتبة الاوقاف العامة ببغداد ، عدد 25327 ما يلي : هذه الابيات قالها الفقير الى اللّه السيد عبد الرحمن الالوسي رثاء في حق جده سيد الشهداء وذلك في عاشر محرم 1280 ه- :

هو الطف فاجعل فضة الدمع عسجدا *** وضع لك فولاذ الغرام مهندا

ورد منهل الاحزان صرفا وكررن *** حديثا لجيران الطفوف مجددا

وما القلب الا مضغة جد بقطعها *** ودعها فداء السبط ، روحي له الفدا

أترضى حياة بعد ما مات سيد *** غدا جده المختار للناس سيدا

أترضى اكتحال الجفن بعد مصابه *** وجفن التقى والدين قد بات أرمدا

خذ النوح في ذاك المصاب عزيمة *** الى الفوز واجعل صهوة الحزن مقعدا

بكت رزءه الاملاك والافق شاهد *** ألم تره من دمعه قد توردا

ص: 182

فيا فرقدا ضاء الوجوه بنوره *** فما بعده نلقى ضياءا وفرقدا

وريحانة طاب الوجود بنشرها *** بها عبثت أيدي الطغاء تعمدا

ودرة علم قد أضاءت فأصبحت *** تمانعها الاوغاد منعا مجردا

بروحي منها منظرا بات في الثرى *** ويا طال ما قد بات في حجر أحمدا

وثغرا فم المختار مص رضابه *** وهذا يزيد بالقضيب له غدا

ورأسا يد الزهراء كانت وسادة *** له فغدا في الترب ظلما موسدا

لئن أفسدوا دنياك يا بن محمد *** سيعلم أهل الظلم منزلهم غدا

لئام أتوا بالظلم طبعا وانما *** لكل امرء من نفسه ما تعودا

وحقك ما هذا المصاب بضائر *** لأن الورى والخلق لم يخلقوا سدى

فألبسك الرحمن ثوب شهادة *** وألبسهم خزيا يدوم مدى المدا

لبستم كساء المجد وهو اشارة *** بأن لكم مجدا طويلا مخلدا

وطهركم رب العلى في كتابه *** وقرر كل المسلمين وأشهدا

أتنكر هذا يا يزيد وليس ذا *** بأول قبح منك يا غادر بدا

بني المصطفى عبد لكم وده صفا *** فأضحى غذاء للقلوب وموردا

غريب عن الاوطان ناء فؤاده *** تضرم من نار الاسى وتوقدا

ألم به خطب من الدهر مظلم *** تحمل من أكداره وتقلدا

نضى سيفه في وجهه متعمدا *** وجرده عن حقه فتجردا

بباكم ألقى العصا وحريمكم *** أمان اذا دهر طغى وتمردا

أتاكم صريخا من ذنوب تواترت *** على ظهره في اليوم مثنى ومفردا

أتاكم ليستجدي النوال لأنكم *** كرام نداكم يسبق الغيث والندا

أتاكم ليحمي من أذى الدهر نفسه *** وأنتم حماة الجار ان طارق بدا

أتاكم أتاكم يا سلالة حيدر *** كسيرا يناديكم وقد أعلن الندا

حسين أقلني من زمان شرابه *** حميم وغسلين اذا ما صفا صدا

على جدك المختار صلى الهنا *** وسلم ما حاد الى أرضه حدا

ص: 183

السيد عبد الرحمن الالوسي مفخرة من مفاخر العلم والادب وواعظ شهير قضى أكثر عمره في التدريس ، والارشاد وكان درسه ووعظه في جامع الشيخ صندل بالكرخ ببغداد ، ملم بالتفسير والفقه والحديث. أخذ العلم عن شقيقه الاكبر العلامة النحرير أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الالوسي ويتحلى بأخلاق فاضلة ونفس طاهرة ، محترما لدى الوزراء موقرا عند الامراء ولا سيما عند صاحب الدولة نامق باشا حين كان واليا ومشيرا على العراق حيث كان المترجم له حلو المفاكهة لطيف المسامرة ، ترجم له السيد محمود شكري الالوسي في الجزء الاول من ( المسك الاذفر ) المطبوع بمطبعة الآداب ببغداد سنة 1348.

توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الثاني من شهور السنة الرابعة والثمان بعد المائتين والالف من الهجرة ودفن قرب مرقد أخيه العلامة الشهير وعمره يقارب الستين عاما ورثاه جملة من الادباء منهم محمد سعيد النجفي فقد أنشد قصيدة غراء في مجلس العزاء وأولها :

من لوى من بني لويً - لواها *** وطوى طود عزها وعلاها

الى أن يقول :

ان أم العلوم تنعى ولكن *** باسم عبد الرحمن كان نعاها

علم من بني لوي لوته *** حادثات الردى فشلت يداها

كان للناس مقتدى واماما *** من ترى بعد فقده مقتداها

ندبته مدارس العلم شجوا *** حيث مات الندب الذي أحياها

ص: 184

الشيخ عبد الحسين شكر

المتوفى 1285

يرثي الحسين علیه السلام :

تربة الطف لاعدتك السجال *** بل سقاك الرذاذ والهطال (1)

وتمشى النسيم في روضتيك *** الصبح والعصر جائلا يختال

طاولي السبعة الشداد ببوغا *** ء على سبط أحمد تنهال

انما أنت مطلع لهلال *** من سنا ضوئه استمد الهلال

مهبط الوحي عنده في هبوط *** وعروج جبريلها ميكال

انما أنت مجمع الرسل لكن *** لهم عنك بالأسى اشغال

فيك قد حل سيد الرسل طه *** وعلي وفاطم والآل

وسرايا بني نزار ولكن *** فيك جذت يمينها والشمال

يوم في عثير الضلال أمي *** عثرت أي عثرة لاتقال

واستفزت لحرب آل علي *** عصبا قادها العمى والضلال

وعليهم قد حرمت يالقومي *** ورد ماء الفرات وهو الحلال

فاستثارت لنصرة الدين أسد *** ترجف الارض منهم والجبال

وأقاموا مربا مست النجم *** علوا لكنها قسطال (2)

حيث سمر الرماح عمتها الها *** م وللشزب الجسوم نعال

ص: 185


1- الرذاذ المطر الصغار القطر.
2- القسطال والقسطل بالفتح الغبار.

فامتطت للغوى العتاق رجل *** كنجوم السما زهير هلال

افرغوا السابغات وهي دلاص *** شحذوا المرهفات وهي صقال

بأكف ما استنجدت غير نصل *** ولأيديهم خلقن النصال

طعنوا بالقنا الخفاف فعادت *** وهي من حملها القلوب ثقال

صافحتهم أيدي الصفاح المواضي *** ودعاهم داعي القضا فانثالوا

فانثنى ليث أجمة المجد فردا *** ناصراه الهندي والعسال

فسصا من الباس عضبا *** كتبت في فرنده الآجال

فرأت منه آل سفيان يوما *** فيه للحشر تضرب الامثال

وأبيه لولا القضا والمقاد *** يرمحتهم دون اليمين الشمال

لكن اللّه شاء أن يتناهبن *** حشاه سمر القنا والنبال

حين شام الحسام وامتثل الا *** مر امام من شأنه الامتثال (1)

وهوى ساجدا على الترب ذاك *** الطود لله كيف تهوي الجبال

كادت الارض والسما أن تزولا *** وعلى مثله يحق الزوال

يالقومي لمعشر بينهم لم *** ترع يوما لاحمد أثقال

لم توقر شيوخه لمشيب *** وليتم لم ترحم الاطفال

ورضيع يال البرية لم يبلغ *** فصالا له السهام فصال

ونساء عن سلبها وسباها *** لم تصنها خدورها والحجال

ابرزوها حسرى ولكن عليها *** اسدل النور حجبه والجلال

فتعادين والقلوب حرار *** وتداعين والدموع تذال

أيها الراكب المجد اذا ما *** نفحت فيك للسرى مرقال

عج على طيبة ففيها قبور *** من شذاها طابت صبا وشمال

ان في طيها اسودا اليها *** تنتمي البيض والقنا والنزال

فاذا استقبلتك تسأل عنا *** من لوي نساؤها والرجال

ص: 186


1- شام السيف بمعنى غمده وشامه سله من غمده وهو من الاضداد.

فاشرح الحال بالمقال وما *** ظني تخفى على نزار الحال

ناد ما بينها : بني الموت هبوا *** قد تناهبنكم حداد صقال

تلك أشياخك على الارض صرعى *** لم يبل الشفاه منها الزلال

غسلتها دماؤها قلبتها *** ارجل الخيل كفنتها الرمال

ونساء عودتموها المقاصير *** ركبن النياق وهي هزال

هذه زينب ومن قبل كانت *** بفنا دارها تحط الرحال

والتي لم تزل على بابها الشا *** هق تلقي عصيها السؤال

أمست اليوم واليتامى عليها *** يال قومي تصدق الانذال

ما بقي من رجالها الغلب الا *** من على جوده الوجود عيال

وهو يا للرجال قد شفه السقم *** وسير الهزال والاغلال

آل سفيان لا سقى لك ربعا *** مغدق الودق والحيا الهطال

أي جرم لاحمد كان حتى *** قطعت من أبنائه الاوصال

فالحذار الحذار من وثبة الا *** سد فلليث في الشرى اشبال

انما يعجل الذي يختشى الفو *** ت ومن لم يكن اليه المئال

* * *

الشيخ عبد الحسين بن الشيخ احمد بن شكر النجفي بن الشيخ أحمد بن الحسن بن محمد بن شكر الجباوي النجفي. توفي بطهران سنة 1285 وكان والده الشيخ احمد من العلماء المصنفين.

رثى أهل البيت علیهم السلام بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين منها روضة مرتبة على الحروف ، وشعره يرويه رجال المنبرالحسيني في المحافل الحسينية ، وقد تصدى الخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيت

ص: 187

علیهم السلام من القصائد والمقاطيع من مديح ورثاء فنشره في كراسة تناهز المائة صفحة طبعت على نفقة الوجيه الحاج عبد اللّه شكر الصراف بالمطبعة العلمية بالنجف الاشرف عام 1374 ه- ولأجله. وممن ترجم للشاعر المذكور شيخنا البحاثة الشيخ السماوي في ( الطليعة ) والعلامة الجليل الشيخ علي آل كاشف الغطاء في ( الحصون المنيعة ).

وآل شكر أسرة قديمة من الاسر العربية الشهيرة بالنجف عرفت باسم ( شكر ) أحد أجدادها الاقدمين وأصلهم من عرب الحجاز.

واليكم بعض قصائده الحسينية :

هبوا بني مضر الحمرا على النجب *** قد جذ - عرنينكم في صارم الغلب

سلت أمي - حدادا من مغامدها *** قادت بها الصعب منكم بل وكل أبي

ومعرك غادر ابن المصطفى غرضا *** لأسهم غير قلب الدين لم يصب

لله أعباء صبر قد تحملها *** لم يحتملها نبي أو وصي نبي

فان تكن آل اسرائيل قد حملت *** كريم يحيى على طشت من الذهب

فآل سفيان يوم الطف قد حملت *** رأس ابن فاطمة فوق القنا السلب

وهل حملن ليحيى في السبا حرم *** كزينب ويتاماها على القتب

هل سيروا الرأس فوق الرمح هل شربوا *** عليه هل قرعوه الثغر بالقضب

هل قنعت آله الاسواط هل سلبوا *** منها المقانع بعد الخدر والحجب

كل تنادي ولا غوث يجيب ندا *** أين السرايا سرايا اخوتي وأبي

وان يكن يونس آساه مذ نبذت *** جثمانه الحوت في قفر الفضا الرحب

ص: 188

فابن النبي عن اليقطين ظلله *** نبت الأسنة في جثمانه الترب

وان يكن يفد بالكبش الذبيح فقد *** أبى ابن أحمد الا أشرف الرتب

حتى فدى الخلق حرصا في نجاتهم *** بالنفس والاهل والابناء والصحب

ونار نمرود ان كانت حرارتها *** على الخليل سلاما من أذى اللّهب

ففي الطفوف رأى ابن المرتضى حرقا *** ان تلق كل الرواسي بعضها تذب

حر الحديد هجير الشمس حر ظمأ *** أودى بأحشاه حر السمر والقضب

وأعظم الكل وقدا حال صبيته *** ما بين ظام ومطوي الحشا سغب

ونصب عينيه من أبنائه جثث *** كأنها هضب سألت على الهضب

يا نفس ذوبي أسى يا قلب مت كمدا *** يا عين سحي دما يا أدمع انسكبي

هذي المصائب لا ما كان في قدم *** لآل يعقوب من حزن ومن كرب

أنى يضاهي ابن طه أو يماثله *** في الحزن يعقوب في بدء وفي عقب

ان حدبت ظهره الاحزان أو ذهبت *** عيناه في مدمع والرأس ان يشب

فان يوسف في الاحياء كان سوى *** أن الفراق دهى أحشاه بالعطب

هذا ويحضره من ولده فئة *** وانه لنبي كان وابن نبي

فكيف حال ابن بنت الوحي حين رأى *** شبيه أحمد في خلق وفي خطب

مقطعا جسمه بالبيض منفلقا *** بضربة رأسه ملقى على الكثب

هناك نادى على الدنيا العفا وغدا *** يكفكف الدمع اذ ينهل كالسحب

ص: 189

وله أيضا :

لم لا تثير نزار الحرب والرهجا *** وعضب حرب فرى اكبادها ووجا (1)

هلا امتطت من بنات البرق شزبها *** وأفرغت مالها داود قد نسجا

واعتمت البيض سودا من عمائمها *** واستلت البيض كيما تدرك الفلجا (2)

هل بعدما نهبت بالطف مهجتها *** ترجو حياة وتستبقي لها مهجا

عهدي بها وهي دون الظيم ما برحت *** خواضة من دما أعدائها لججا

فما لها اليوم في الغابات رابضة *** ومن حسين فرت أعداؤها ودجا

تستمرئ الماء من بعد الحسين ومن *** حر الظما قلبه في كربلا نضجا

وتستظل وحاشا فهر أخبية *** والشمس قد ضوعت من جسمه الأرجا

فلتنض اكفانها ان ابن فاطمة *** مر الشمال له الاكفان قد نسجا

ولتبد في برد الهيجا كواكبها *** فشمسها اتخذت وجه الثرى برجا

ورأسه فوق مياد أقيم ومن *** ثقل الامامة أبصرنا به عوجا

بدر ولكن ببرج الذابح انخسفت *** انواره فكست حمر الدماسبجا (3)

ترى النصارى المسيح اليوم مرتفعا *** والمسلمون تخال المصطفى عرجا

وانما هم لسان اللّه قد رفعوا *** فلم يزل ناطقا في وحيه لهجا

لله من قمر حفت به شهب *** والكل منها لعمر اللّه بدر دجى

ص: 190


1- الرهج الغبار ووجا بمعنى انتزع.
2- الظفر والفوز.
3- السواد.

ما للنهار تجلى بعد أوجهها *** والليل من بعد هاتيك الجعود سجا

لكن أشجى مصاب شج من مضر *** هاماتها وملا صدر الفضاء شجى

ولا أرى بعده لا والأباء على *** الاجداث ان لفظت أجسادها حرجا

سبي الفواطم يال اللّه حاسرة *** مذاب أكبادها في دمعها امتزجا

أتلك زينب لم تهطل مدامعها *** الافرى رمح زجر قلبها ووجا

بحران في مقلتيها غير ان لظى *** احشائها بين بحري دمعها مزجا

أولئك الخزر أم آل النبي على *** هزل عوار سرى الحادي بها دلجا (1)

ضاقت بها الارض أنى وجهت نظرا *** رأت بها الرحب أمسى ضيقا حرجا

لم ينجح أشياخها سن ولا حجب *** نساءها لا ولا الطفل الرضيع نجا

أمسى بها قلب طه لاعجا وغدا *** قلب ابن هند بما قد نالها ثلجا

وله أيضا :

دهى الكون خطب فسد الفسيحا *** وغادر جفن المعالي قريحا

ورزء عرا المجد والمكرمات *** فأزهق منهن روحا فروحا

أطلت على الرسل أشجانه *** فأشجى الكليم وأبكى المسيحا

وأوقد بالحزن نار الخليل *** وجلبب بالثكل والنوح نوحا

وغير عجيب اذا زلزلت *** فوادحه عرشها والصفيحا

حقيق قوائمه أن تميد *** ففي الطف أضحى حسين طريحا

وان لا نرى الشمس بعد الطفوف *** وقد غيرت منه وجها صبيحا

أتصهره الشمس وهو ابن من *** بمرأى من الناس كم رد يوحا (2)

ص: 191


1- الدلج والادلاج السير أول الليل.
2- يوح ويوحى بضمها. من أسماء الشمس.

ذبيح فياليتما الكائنات *** فدته اذ الكبش يفدي الذبيحا

عقرن جياد بها قد غدا *** من العدو جسم ابن طه جريحا

فقد سودت أوجه العاديات *** وكسرن للدين جسما صحيحا

برغم بني هاشم هشمت *** جوارحه فاستحالت جروحا

تهشم أنوار قدس هوت *** وفي غرة العرش كانت شبوحا (1)

تروح وتغدو على ماجد *** لأحمد قد كان روحا وروحا

برغم نزار غدا رقهم *** لسبي حرائرهم مستبيحا

فواقد ثكلى تروم المناح *** فتمنع بالضرب من أن تنوحا

وزينب تدعو وفي قلبها *** أسى ترك الجفن منها قريحا

أغثني أبي يا غياث الصريخ *** ومن في الحروب أبان الفتوحا

وقم يا هزبر الوغى منقذا *** حرائر طه وشق الضريحا

تكتم من خيفة شجوها *** فتستمطر العين دمعا سفوحا

صبرت وكيف على فادح *** برى الاصطبار وسد الفسيحا

ألم تدر حاشا وأنت العليم *** الى قلبك الوحي لا زال يوحى

بأن سنانا براس السنان *** من السبط علا محيا صبيحا

على منبر السمر يتلو الكتاب *** فيخرس فيه الخطيب الفصيحا

وان ابن سعد عليه اجال *** من السابحات سبوحا سبوحا

فيا لرزايا لقد طبقت *** غياهبها أرضها والصفيحا

أبت تنجلي بسوى صارم *** بنصر من اللّه يبدي الفتوحا

بكف امام اذا ما بدا *** ترى الخضر حاجبه والمسيحا

يثير لتدمير آل الضلال *** كصرصر عاد من الحتف ريحا

ص: 192


1- تسبوح وأشباح جمع شبح وهو الشخص.

وله في رثاء الحسين علیه السلام وهي من أشهر قصائده :

البدار البدار آل نزار *** قد فنيتم ما بين بيض الشفار (1)

قوموا السمر كسروا كل غمد *** نقبوا بالقتام وجه النهار

سوموا الخيل أطلقوها عرابا *** واتركوها تشق بيد القفار

طرزوا البيض من دماء الاعادي *** فلقوا الهام بالضبا البتار

افرغوا السابغات وهي دلاص *** ذاهب برقهن بالابصار (2)

واسطحوا من دم على الارض أرضا *** وارفعوا للسما سماء غبار

خالفوا السمر بين بيض المواضي *** وامتطوا للنزال قب المهار

وابعثوها ضوابحا فأمي *** وسمت أنف مجدكم بالصغار (3)

سلبتكم بالرغم أي نفوس *** ألبستكم ذلا مدى الاعمار

يوم جذت بالطف كل يمين *** من بني غالب وكل يسار

لا تلد هاشمية علويا *** ان تركتم أمية بقرار

ما لأسد الشرى وغمض جفون *** تركتها العدى بلا أشفار (4)

طاطؤ الروس ان رأس حسين *** رفعوه فوق القنا الخطار

لا تذوقوا المعين واقضوا ظمايا *** بعد ظام قضى بحد الغرار

لا تمدوا لكم عن الشمس ظلا *** ان في الشمس مهجة المختار

أنزار نضوا برود التهاني *** فحسين على البسيطة عار (5)

ص: 193


1- جمع شفرة حد السيف والسكين وما عرض من الحديد.
2- جمع سابغة وهي الدرع الطويلة والدلاص الملساء اللينة.
3- الصغار الذل.
4- جمع شفر بالفتح والضم أصل منبت الشعر في الجفن.
5- نض بالضاد المعجمة أي خلع ومنه قول امرئ القيس ( فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ).

حق أن لا تكفنوا هاشميا *** بعدما كفن الحسين الذاري

لا تشقوا لآل فهر قبورا *** فابن طه ملقى بلا اقبار

هتكوا عن نسائكم كل خدر *** هذه زينب على الاكوار

هل خبا بعد محصنات حسين *** ساتر دون محصنات نزار

باكيات لولا لهيب جواها *** كدن يغرقن بالدموع الجواري

شأنها النوح ليس تهدأ آنا *** عن بكا بالعشي والابكار

نادبات فلو وعتها لوي *** قصمت من لوي كل فقار

أين من أهلها بنو شيبة الحم- *** -د ليوث الوغى حماة الذمار

أين هم عن عقائل ما عرفن *** السير كلا ولا الهزال العواري

أين هم عن حرائر بأنين *** يتشاكين عن قلوب حرار

فليسدوا رحب الفضا بالعوادي *** وليهبوا طرا لاخذ الثار

وليقلوا الاعلام تخفق سودا *** بأيادي في الطعن غير قصار

وليؤموا الى زعيم لوي *** أسد اللّه حيدر الكرار

وليضجوا بعولة وانتحاب *** ولينادوا بذلة وانكسار

عظم اللّه في بنيك لك الاجر *** فهم في الطفوف نهب الغرار

قم أثر نقعها فان حسينا *** قد غدا مرتعا لبيض الشفار

حاش لله أن تغض جفونا *** وبأحشاك أي جذوة نار

لا ولكنما رزايا حسين *** حدبت من قراك أي فقار (1)

ص: 194


1- القرى بالفتح : الظهر ، والفقار : جمع فقارة ما انتضد من عظام الصلب.

السيد راضي القزويني

المتوفى 1285

قال في أبي الفضل العباس علیه السلام :

أبا الفضل يا من أسس الفضل والابا *** أبى الفضل الا أن تكون له أبا

تطلبت أسباب العلى فبلغتها *** وما كل ساع بالغ ما تطلبا

ودون احتمال الضيم عز ومنعة *** تخيرت أطراف الأسنة مركبا

وفيت بعهد المشرفية في الوغى *** ضرابا وما أبقيت للسيف مضربا

لقد خضت تيار المنايا بموقف *** تخال به برق الأسنة خلبا

اذا لفظت حرفا سيوفك مهملا *** تترجمه سمر العوامل معربا

ولما أبت أن يشرب الماء طيبا *** أمية لا ذاقت من الماء طيبا

جلا ابن جلا ليل القتام كأنه *** صباح هدى جلى من الشرك غيهبا

وليث وغي يأبى سوى شجر القنا *** لدى الروع غابا والمهند مخلبا

يذكرهم بأس الوصي فكلما *** رمى موكبا بالعزم صادم موكبا

وتحسب في أفق القتام حسامه *** لرجم شياطين الفوارس كوكبا

وقفت بمستن النزال ولم تجد *** سوى الموت في الهيجا من الضيم مهربا

الى أن وردت الموت والموت عادة *** لكم عرفت تحت الأسنة والضبا

ولا عيب في الحر الكريم اذا قضى *** بحر الضبا حرا كريما مهذبا

ص: 195

رعى اللّه جسما بالسيوف موزعا *** وقلبا على حر الظما متقلبا

ورأس فخار سيم خفضا فما ارتضى *** سوى الرفع فوق السمهرية منصبا

بنفسي الذي واسى أخاه بنفسه *** وقام بما سن الأخاء وأوجبا

رنا ظاميا والماء يلمع طاميا *** وصعد أنفاسا بها الدمع صوبا

وما همه الا تعطش صبية *** الى الماء أوراها الاوام تلهبا

على قربه منه تنائى وصوله *** وأبعد ما ترجو الذي كان أقربا

ولم أنسه والماء ملء مزاده *** وأعداه ملء الارض شرقا ومغربا

وما ذاق طعم الماء وهو بقربه *** ولكن رأى طعم المنية أعذبا

تصافحه البيض الصفاح دواميا *** وتعدو على جثمانه الخيل شزبا

مضت بالهدى في يوم عاشور نكبة *** لديها العقول العشر تقضي تعجبا

فليت علي المرتضى يوم كربلا *** يرى زينبا والقوم تسلب زينبا

وللخفرات الفاطميات عولة *** وقد شرق الحادي بهن وغربا

حواسر بعد السلب تسبى وحسبها *** مصابا بأن تسبي عيانا وتسلبا

لها اللّه اذ تدعوا أباها وجدها *** فلم تر لا جدا لديها ولا أبا

* * *

السيد راضي بن السيد صالح بن السيد مهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي شاعر موهوب. ولد في النجف الاشرف عام 1235 ونشأ بها ودرس على والده مبادئ العلوم والاصول والادب واستمد من مجالس النجف ومن أعلام الادب روحا أدبية عالية ، ساجل فحول الشعراء وباراهم ، ولما انتقل أبوه الى بغداد انتقل معه عام 1259 وسافر الى ايران أكثر من مرة واتصل بالشاه ناصر الدين القاجاري وكانت له منزلة في

ص: 196

نفس الشاه ومكانة سامية ، كما كانت له صلات مع أمراء العراق في عهد الدولة العثمانية وتجد في ديوانه كثيرا من التقاريظ والموشحات لشعر عبد الباقي العمري والسيد حيدر الحلي وغيرهما توفي بتبريز في شهر المحرم عام 1285 ه- والمصادف 1868 م ونقل جثمانه الى النجف فدفن تحت الميزاب الذهبي في الصحن الحيدري وخلف ولدين هما : الشاعر السيد احمد والسيد محمود ، ورثاه فريق من الشعراء منهم أبوه السيد صالح الشاعر الشهير والآتية ترجمته.

جمع ديوانه أخوه السيد حسون بن السيد صالح وفرغ من جمعه له في 15 شعبان 1341 ه- ، وقد ترجم له البحاثة علي الخاقاني في شعراء الغري وقال : ذكره صاحب الحصون المنيعة في ج 9 ص 206 وقال عنه : كان أديبا وشاعرا بارعا مفلقا ، جيد النظم رقيق الغزل حسن الانسجام ماهرا في التشطير والتخميس لا يكاد يعثر على مقطوعة أو ( دو بيت ) وقد استحسنهما الا خمسهما.

وتوفي بعده والده المعمر عالم بغداد الجليل في وقته والمعاصر للعلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين في سنة 1305 ه.

فمن قوله في تخميس أبيات أبي نؤاس :

ليت شعري كم خضت للشعر بحرا *** منه توجت مفرق الدهر درا

وبشعري لما اكتسى الكون فخرا *** قيل لي أنت أشعر الناس طرا

في المعاني وفي الكلام البديه *** مثل ما رق في الزجاج مدام

رق معنى له وراق انتظام *** وكما ضاحك الرياض غمام

لك من جيد القريض نظام *** يثمر الدر في يدي مجتنيه

كم معان أبرزتهن شموسا *** بمبان زينت فيها الطروسا

ص: 197

كنت حقا لدرها قاموسا *** فلماذا تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

خل ما قلت من بديع نظام *** ودواعي تشوق وغرام

واصنع المدح في امام همام *** قلت لا أستطيع مدح امام

كان جبريل خادما لأبيه

ومن شعره قوله في الغزل :

خل عنك الهوى ودعوى التصابي *** بعد عصر الصبا وشرخ الشباب

ان توديعك الشباب وداع *** لوصال الكواعب الاتراب

طالما أجج الهوى لك نارا *** في الحشى من صبابة وتصابي

ذهبت بالمنى الشبيبة عني *** مثل أمس فما لها من اياب

يا خليلي هل تعود ليال *** سلفت في سوالف الاحقاب

حيث شرخ الشباب غض قشيب *** يا رعى اللّه عهد شرخ الشباب

يا حمام الاراك دعني وشجوي *** ما باحشاك من جوى مثل ما بي

هل لاحبابنا غداة استقلوا *** من دنو بعد النوى واقتراب

كدرى ما صفا بهم فعسى أن *** تصفوه لهم فيصفوا شرابي

وبروحي من الظبا شمس خدر *** قد توارت من النوى في حجاب

حي بدرا حيا بشمس المحيا *** وحباها بالمزج شهب الحباب

لك أشكو من سقم عينيك سقما *** وعذابا من الثنايا العذاب

فتكت بالحشى لواحظ ريم *** تتقي فتكها أسود الغاب

بت أجني من وجنتيه ورودي *** وورودي من سلسبيل الرضاب

وخلعت العذار في خلوات *** بين شكوى الهوى ونشر عتاب

ورثى رحمة لقلب مذاب *** وبكى رقة لصب مصاب

واعتنقنا حتى الصباح بليل *** فيه زرت على العفاف ثيابي

من معيد ما مر من عهد وصل *** فيه عيشي حلا وساغ شرابي

في رياض مثل النضار صفاء *** وحياض مثل اللجين المذاب

ص: 198

محمد عبد الصمد الاصفهاني

المتوفى 1287

ذكره صاحب روضات الجنات من جملة أساتيده الذين تلقى عنهم العلم فقال : ومنهم السيد السند ، النبيل المعتمد والفقيه الاوحد الامير سيد محمد بن السيد عبد الصمد وهو السيد النسيب الحسيني الاصبهاني المنتهى اليه رياسة التدريس والفتوى في هذا الزمان بأصبهان ، لم نر أحدا يدانيه في وصف الاشتغال بأمر العلم والتعليم ، كان معظم تلمذه وقرائته على المرحوم الحاج محمد ابراهيم ، وعلى الفاضل العلاني الكربلائي سيد محمد بن الامير سيد علي الطباطبائي.

وكتب سلمه اللّه في الفقه والاصول كثيرا منها شرحه الشريف الموسوم ب- ( أنوار الرياض ) على الشرح الكبير المسمى ب- ( رياض المسائل ) ومنها كتاب سماه ( العروة الوثقى ) في الفقه وآخر سماه ( الغاية القصوى ) في الاصول. ومنها منظومته الفقهية التي لم يكتب مثلها في الاستدلال المنظوم. ونظمه رائق فائق جدا لفظا ومعنى ، وأنشد كثيرا بالعربية في مراثي أبي عبداللّه الحسين (عليه السلام). وهو الان متجاوز ببناء عمره السعيد حدود السبعين. انتهى (1) توفي بأصفهان سنة 1287.

ص: 199


1- روضات الجنان الطبعة الثانية ج 2 ص 106.

علي آل عبد الجبار

المتوفى 1287

ذكره في أنوار البدرين في شعراء القطيف فقال : العالم العامل الشيخ علي بن الشيخ احمد بن الشيخ حسين آل عبد الجبار ، كان حكيما فيلسوفا أديبا محققا له ديوان شعر كبير في مراثي الحسين علیه السلام ومدائح آل محمد (عليهم السلام) من الشعر الجيد وله منظومة في اصول الدين وأخرى في التوحيد ورسالة في التجويد ورسائل آخر بخطه وحواشي كثيرة على الكتب الفقهية. بل قل ما رأيت كتابا من كتبه أو رسالة من الرسائل مما دخل في ملكه الا وله عليه حواشي وتحقيقات. فمن شعره في القناعة قوله :

لقد طالبتني النفس من سوء حرصها *** برزق غد والموت منها بمرصد

فقلت لها هاتي كفيلا بأنني *** اذا ما ملكت الرزق أبقى الى غد

توفي رحمه اللّه وقد نيف على الثمانين سنة 1287 ، ورثاه شيخنا الصالح العلامة الامجد الشيخ صالح بمرثية وأرخ وفاته بقوله في آخر المرثية :

( غاب بدر المجد ) ذا تاريخه *** يا ليوم فيه بدر المجد غاب

ص: 200

السيد مهدي داود الحلي

المتوفى 1289

قال في الحسين علیه السلام :

بين البين لوعتي وسهادي *** وجرت مقلتي كصوب العهاد

أيها المدلجون باله ريضوا *** عن سراكم سويعة لفؤادي

أنقضتم عهود ودي كما قد *** نقضوا للحسين حق الوداد

مفردا لم يجد له من نصير *** غير صحب بسيرة الاعداد

هم أسود العرين في الحرب لكن *** نابهم في الهياج سمر الصعاد

قد ثنوا خيلهم شوازب تعدو *** تسبق الريح في مجاري الطراد

وعلا في هياجهم ليل نقع *** لا يرى فيه غير ومض الحداد

فدنا منهم القضا فتهاووا *** جثما عن متون تلك الجياد

وبقى ثابت الجلاد وحيدا *** بين أهل الضلال والالحاد

مستغيثا ولم يجد من مغيث *** غير رمح وصارم وجواد

جزر الكفر حطم السمر فل *** البيض لف الاجناد بالاجناد

يا لقومي لفادح ألبس الدين *** ثياب الاسى ليوم المعاد

كم نفوس أبية رأت الموت *** لديها كموسم الاعياد

هي عزت عن أن تسام بضيم *** فأسيلت على الظبا والصعاد

وصدور حوت علوم رسول اللّه *** أضحت مغارة للجياد

* * *

ص: 201

أبو داود العالم الاديب السيد مهدي بن داود بن سليمان الكبير ، ميلاده في الحلة سنة 1222 ونشأ بها نشأة صالحة على أخيه السيد سليمان الصغير وجد واجتهد ودرس اللغة وآدابها واستقصى دواوين العرب وتواريخهم وأيامهم حتى أصبح مرجعا ومنهلا يستقي منه رواد الادب ، ونهض بأعباء الزعامة الدينية والادبية التي كان يقوم بها أعلام أسرته من قبله ، ودرس الفقه على العلامة صاحب ( أنوار الفقاهة ) ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء - يوم كان مقيما بالحلة - ثم هاجر الى النجف فحضر في الدروس الفقهية على الشيخ صاحب ( الجواهر ) وقد رثى أستاذيه المذكورين بقصيدتين كلتاهما في ديوانه المخطوط.

جاء في ( البابليات ) عند ترجمته ما يلي :

كان من النسك والورع والتقى على جانب عظيم بحيث يأتم بصلاته كثير من الصلحاء في مسجد خاص ملاصق لداره في الحلة يعرف بمسجد « أبو حواض » لوجود حوض ماء كبير فيه وكان هذا المسجد كمدرسة أدبية لتلاميذه الذين يستفيدون منه وهم جماعة من مشاهير أدباء الفيحاء وهم بين من عاصرناهم أو قاربنا عصرهم كالشيخ حسن مصبح والشيخ حمادي الكواز والشيخ حسون بن عبداللّه والشيخ علي عوض والشيخ محمد الملا والشيخ علي بن قاسم والشيخ حمادي نوح الذي طالما عبر عنه في ديوانه المخطوط بقوله : - سيدنا الاستاذ الاعظم - وقد وجه المترجم أكبر عنايته في التهذيب دون هؤلاء لابن أخيه وربيب حجره الشاعر المفلق السيد حيدر فانه مات أبوه وهو طفل صغير فكفله هذا العم العطوف فكان له أبا ومهذبا كما صرح بذلك في قصيدته التي رثاه فيها وقلما يوجد مثلها في مراثيه ومطلعها :

ص: 202

أظبى الردى انصلتي وهاك وريدي *** ذهب الزمان بعدتي وعديدي

ومنها :

وأنا الفداء لمن نشأت بظله *** والدهر يرمقني بعين حسود

ما زلت وهو علي أحنى من أبي *** بألذ عيش في حماه رغيد

ما لي وللايام قوض صرفها *** عني عماد رواقي الممدود

وقال في كلمات نثرية صدر فيها تخميسه لقصيدة عمه الدالية في ( العقد المفصل ) ولا غرو ان حذوت مثاله وشابهت أقوالي أقواله فان من حياضه مشربي ومن أدبه كان ادبي فترانا حر يين بقول المؤمل بن أميل الكوفي :

وجئت وراءه تجري حثيثا *** وما بك حيث تجري من فتور

وان بلغ الصغير مدى كبير *** فقد خلق الصغير من الكبير

له مصنفات في الادب واللغة والتاريخ أحسنها على ما قيل « مصباح الادب الزاهر » وهو الذي يروي عنه ابن أخيه السيد حيدر في كتاب ( العقد المفصل ) - ولا وجود له اليوم - وله مختارات من شعر شعراء العرب في جزئين ضخمين سلك فيهما طريقة أبي تمام في ديوان الحماسة وقد استفدنا منهما كثيرا يوم كنا في الحلة وكتاب في أنواع البديع وكتاب في تراجم الشعراء المتقدمين ونوادرهم وكأنه لخص فيه تراجم جماعة من شعراء اليتيمة ووفيات ابن خلكان وغيرهما ، رأيت قطعة كبيرة منه بخط الخطيب الاديب القاسم بن محمد الملا نقلها عن نسخة الاصل وديوان شعره الذي لم يكن مجموعا في حياته بل كان في أوراق متفرقة أكثرها بقلم ابن أخيه حيدر وقد جمعها حفيد المترجم

ص: 203

السيد عبد المطلب بن داود بن المهدي وكلف بنسخها الشيخ مهدي اليعقوبي وجعله في جزئين مرتبين على الحروف ، الاول في مديح ورثاء جماعة من علماء عصره في النجف والحلة ، كآل بحر العلوم وآل كاشف الغطاء وآل القزويني وآل كبه في بغداد ، وقد أورد ابن أخيه كثيرا منه في العقد المفصل و « دمية القصر - -خ - » والثاني في مدح ورثاء أجداده الطاهرين (عليهم السلام)ويقع في « 128 » صفحة وقد نظم هذا القسم في أيام كبره وأتلف ما قاله من الشعر في أواسط حياته في بعض الناس وقد رأيت له مقطوعة يتأسف فيها على ما فرط به من مديح ورثاء لغير آل الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ممن لا يضاهيه في السؤدد ولا يساويه في شرف المحتد ، منها قوله :

فوا خجلتي منكم أفي الشيب مذودي *** لغيركم جيد المدايح لافت

أأمدح من دوني ومجدي مجده *** من الارض حيث الفرقدين التفاوت

وفرعي من أعلى أرومة هاشم *** على شرف المجد المؤثل نابت

والى ما قاله في أهل البيت (عليهم السلام) أشار ابن أخيه في العقد المفصل حيث قال عن عمه المذكور ما لفظه : أوصى الي في بعض قصائد كان نظمها في مدح جده وعترته أن أجعلها معه في كفنه ا ه- وألمح الى ذلك في مرثيته لعمه بقوله :

وأرى القريض وان ملكت زمامه *** وجريت في أمد اليه بعيد

لم ترض منه غير ما ألزمته *** من مدح جدك طائرا في الجيد

وفيه تلميح الى قوله تعالى : « وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه » وقد أثبت بعض مراثيه الحسينية سيدنا العلامة الامين في

ص: 204

( الدر النضيد ).

وهذه نماذج من شعره :

قال من قصيدة في مدح المرحوم الحاج محمد صالح كبه :

نسيم الصبا استنشقت منك شذا الند *** فهل سرت مجتازا على دمنتي هند

فذكرتني نجدا وما كنت ناسيا *** ليال سرقناها من الدهر في جعد

ليال قصيرات ويا ليت عمرها *** يمد بعمري فهو غاية ما عندي

بها طلعت شمس النهار فلفها *** ظلامان من ليل ومن فاحم بعد

قد اختلست منها عيوني نظرة *** أرتني لهيب النار في جنة الخلد

وفي وجنتيها حمرة شك ناظري *** أمن دم قلبي لونها أم من الورد

وفي نحرها عقد توهمت ثغرها *** لآلأه نظمن من ذلك العقد

وما كنت أدري ما المدام وانما *** عرفت مذاق الراح من ريقها الشهد

وقبل اهتزاز القد ما هزة القنا *** وقبل حسام اللحظ ما الصارم الهندي

ومن قربها مالت برأسي نشوة *** صحوت بها يا مي من سكرة البعد

وان زال سكر البعد من سكر قربها *** فلا طب حتى يدفع الضد بالضد

تعشقتها طفلا وكهلا وأشيبا *** وهما عرته رعشة الرأس والقد

ولم تدر ليلى أنني كلف بها *** وقلبي من نار الصبابة في وقد

وما علمت من كتم حبي لمن بكت *** جفوني ولا قلبي لمن ذاب في الوجد

فأذكر سعدى والغرام بزينب *** وأدفع في هند ومية عن دعد

وان قلت شوقي باللوى فبحاجر *** أو المنحنى فاعلم حننت على نجد

وما ولعت نفسي بشيء من الذي *** ذكرت ولكن تعلما لنفس ما قصدي

وليس الفتى ذوالحزم من راح سره *** تناقله الافواه للحر والعبد

ص: 205

وله يهنيء الحاج محمد صالح كبة في عرس ولده المصطفى :

أتتك ومنها الشمس في الوجه تشرق *** ونشر الخزامي في الغلائل يعبق

رشيقة قد في سهام لحاظها *** حشا صبها عن قوس حاجب ترشق

ولم تشبه الاغصان قامة قدها *** وأنى ومنها قد مية أرشق

وليس التي بالماء يورق غصنها *** كمن هو من ماء الشبيبة مورق

لقد فضحت في عينها جؤذر النقا *** وان هي في عينيه تدنو وترمق

تميس وقرطاها قليقان والحشا *** على وفق قرطيها من الشوق يخفق

وله :

وكم ذي معال بات يخفض نفسه *** فأضحى وعن عليائه النسر يقصر

تصاغر حتى عاد يكبر قدره *** ويكبر قدر المرء من حيث يصغر

وله :

اقطع هديت علائق النفس *** أتعيش في أمل الى الرمس

تمسي وتأمل في الصباح ترى *** خيرا فتصبح مثلما تمسي

وله :

كم تقي للخلق يظهر نسكا *** ولباري النفوس في السر عاص

فهو في نسكه تظن أبا ذر *** وعند التحقيق فابن العاصى

أجاب المترجم له داعي ربه في الرابع من محرم الحرام أول سنة 1289 ه- في الحلة ونقل الى النجف الاشرف كما أرخ ذلك تلميذه الشيخ محمد الملا في آخر مرثية له بقوله :

وحين مضى جاء تاريخه *** مضى عجلا لجنان النعيم

ومن هنا يتحقق ان ما نشرناه في « العرفان » وما نقله عنه

ص: 206

الزركلي في « الاعلام » من ان وفاته سنة 1287 كان سهوا. والى وفاته في المحرم يشير ابن أخيه السيد حيدر في مرثيته له :

فكأنما أضلاع هاشم لم يكن *** أبدا لها عهد بقلب جليد

لم تقض ثكل عميدها بمحرم *** الا وأردفها بثكل عميد

يبكي عليه الدين بالعين التي *** بكت الحسين أباه خير شهيد

ان يختلط رزءاهما فكلاهما *** قصما قرى الايمان والتوحيد

أبه نعى الناعي لها عمرو العلى *** أم شيبة الحمد انطوى بصعيد

ورثاه عامة شعراء الحلة الذين شهدوا يومه بعدة قصائد أشهرها قصيدة الشاعر المجيد المتوفى بعده بعام واحد الشيخ صالح الكواز حيث يقول :

تعاليت قدرا أن تكون لك الفدا *** نفوس الورى طرا مسودا وسيدا

وكيف تفدى في زمان ولم يكن *** لدينا به الذبح العظيم فتفتدى

فقل لقريش تخلع الصبر دهشة *** وتلبس ثوبا للمصيبة أسودا

وتصفق جذا الراحتين بمثلها *** وتغضي على الاقذاء طرفا مسهدا

لقد عمها الرزء الذي جدد الاسى *** عليها بما خص النبي محمدا

فان أبا داود عاجله الردى *** وكان الذي ينتاشنا من يد الردى

حذا حذو آباه الألى أسسوا العلى *** فوطد من فوق الاساس وشيدا

اذا لبس الدنيا الرجال فانه *** لعمري منها شذ ما قد تجردا

فواللّه ما ضلت عليه طريقها *** ولو شاء من أي النواحي لها اهتدى

فما مالت الايام فيه بشهوة *** وما ملكت منه الدنية مقودا

اذا ما توسمت الرجال رأيته *** أقلهم مالا وأكثرهم ندى

فلله ذاك الطود ماذا أزاله *** ولله ذاك النور من كان أخمدا

ص: 207

وجاء في شعراء الحلة للخاقاني السيد مهدي بن السيد داود بن السيد سلمان الكبير الحلي. أشهر مشاهير شعراء عصره ، نشأ على أخيه السيد سلمان الصغير المتوفى 1247.

له آثار قيمة توجد في الحلة عند حفيده السيد هادي بن السيد حمزة ومن بينها ديوانه ويقع في جزئين ، ونسخة أخرى من ديوانه عند الخطيب الشيخ مهدي الشيخ يعقوب جمعة سنة 1329 رأيته بخطه ، وقد جاء في أول الجزء الاول قوله في رثاء كريمة الحاج محمد صالح كبه :

من بكى الخدر والتقى والحياء *** هل قضت معدن التقى حواء

وعلى ذي الاعواد آسية تحمل *** أم تلك مريم العذراء

وجاء في أول الثاني قوله في رثاء سيد الشهداء الحسين بن علي (عليه السلام) :

سقت من رقاب لوى دماءا *** أمية في قضبها كربلاءا

وفي أرضها نثرت منهم *** نجوما ففاقت بهن السماءا

وفي الطف في بيضها جدلت *** أماجد من حزبهم نجباءا

وترجم له السيد الامين في أعيان الشيعة وسماه ب- ( السيد داود الحسيني الحلي ) ، وقال في جزء 30 من الاعيان : هو من الطائفة التي منها السيد حيدر الحلي الشاعر المشهور ، ولم يمكننا الان تحقيق ذلك ولا معرفة شيء من أحواله سوى أنه أديب شاعر ، وعثرنا من شعره على قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام من جملتها :

ما ان أثار لحربه *** في كربلا ظلما قتامه

ص: 208

ثم استدرك في جزء 31 فقال : وعلمنا بعد ذلك انه عم السيد حيدر الحلي ، فاذا هو السيد داود بن سليمان بن داود بن حيدر.

أقول والصحيح كما ذكرنا سابقا فهو السيد مهدي بن السيد داود بن سليمان الكبير. وديوانه يضم مختلف ألوان الشعر وعدة قصائد في الامام الحسين (عليه السلام) فمنها ما وسعنا تدوينها :

قف بين أجراع الطفوف *** وانحب أسى بدم ذروف

في عرصة فيها ابن فا *** طمة غدا نهب الحتوف

في ثلة من آل عدنان *** ذوي الشرف المنيف

الضاربين على الطريق *** قبابهم لقرى الضيوف

والمانعين ذمارهم *** بالقضب في اليوم المخوف

وبدور مجد نور فخ- *** -رهم على القمرين موفي

بيض الوجوه وفي الوغى *** حمر الأسنة والسيوف

من دأبهم يوم اللقا *** جزر الكتائب والصفوف

بأبي كراما من ذؤا *** بة هاشم شم الانوف

عكفوا بقضبهم على *** قوم على العزى عكوف

وحموا ببيض ظبا الموا *** ضي بيضة الدين الحنيف

شربوا على ظمأ دوين *** السبط كاسات الحتوف

وبقى حليف المجد غي- *** -ر العضب لم ير من حليف

يلقى الصفوف كملتقا *** ه باسما زمر الضيوف

فترى السيوف به تطير *** مع السواعد والكفوف

حتى اذا حم القضا *** فهوى وغودر بالخسوف

وغدت هنالك زينب *** تدعوه عن كبد لهيف

ص: 209

ومن مراثيه :

بأبي من بكت عليه السماء *** ونعته الاملاك والانبياء

واستثارت في الكون حين هوى *** في الترب ريح لاجله سوداء

يا لحى اللّه عصبة قد أريقت *** بظباها من آل طه دماء

ما وفت عهد خاتم الرسل فيهم *** كيف يرجى من اللئام الوفاء

هي من يوم حرب بدر وأحد *** زرعت في قلوبها الشحناء

فقضى ظاميا لدى الماء حتى *** ود من أجله يغور الماء

حوله من بني أبيه ومن أص- *** -حابه الغر معشر نجباء

بذلوا دونه نفوسا عزيزات *** بيوم قد عز فيه الفداء

بأبي أنفسا على السمر سالت *** حذرا أن يسؤهن قماء

ووجوها تعفرت بثرى الغب- *** -را وكانت تجلى بها الغماء

وأكفا تقطعت وهي يوم ال- *** -محل للخلق ديمة وطفاء

وصدورا عدت عليها العوادي *** وهي للعلم عيبة ووعاء

يا لها وقعة لها رجت الغب- *** -را ومالت من عظمها الخضراء

ليس تسلى بيدى الزمان كأن في *** كل يوم يمر عاشوراء

يا بن بنت النبي أنتم رجائي *** يوم نشر الورى ونعم الرجاء

فاشفعوا لي اني مسيء وأنتم *** لمواليكم غدا شفعاء

وعليكم من الاله صلاة *** وسلام ما حنت الورقاء

ونكتفي عن ذكر البقية من قصائده الحسينية بذكر مطالعها :

1 - خطب دهى مضر الحمرا وهاشمها *** وفل في مرهفات الموت صارمها

2 - سلب الردى من رأس فهر تاجها *** قسرا وأطفأ في الطفوف سراجها

25 بيتا.

ص: 210

3 - بنو العواتك قاست أعظم النوب *** بكربلا من بني حمالة الحطب

47 بيتا.

4 - أحادي طلاح النازحين الى متى *** يجوب الفيافي خلف ظعنكم القلب

19 بيتا.

5 - أفلت لهاشم بالطفوف كواكب *** وتحطمت منها قنا وقواضب

30 بيتا

6 - ان كنت لا تبكين حزنا *** كفي الملام عن المعنى

53 بيتا

7 - أصبو الى آرام رامه *** وأؤم مشتاقا أمامه

99 بيتا.

ص: 211

عباس القصاب

كان حيا عام 1289

ترجم له الاديب المعاصر السيد سلمان هادي الطعمة في شعراء كربلاء ، قال : وكان يعمل قصابا ومن انتباهه تاريخ نظمه في خزان ماء الروضة الحسينية بأمر من والدة السلطان عبدالمجيد خان العثماني عام 1282 ه- ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الحسيني الشريف. قال :

سلسبيل قد أتى تاريخه *** اشرب الماء ولا تنس الحسين

أقول : سبق وأن ترجمنا في هذه الموسوعة لأبي الحسين الجزار المتوفى 672 ه- وهذا هو الجزار الثاني الذي فجر قريحته بالشعر حب الامام الحسين علیه السلام ولا عجب فالحسين بنهضته المباركة ألهب العواطف وشحذ القرائح فأنارت بالشعر والادب.

ص: 212

الشيخ صالح الكواز

اشارة

المتوفى 1290

باسم الحسين دعا نعاء نعاء *** فنعى الحياة لسائر الاحياء

وقضى الهلاك على النفوس وانما *** بقيت ليبقى الحزن في الاحشاء

يوم به الاحزان مازجت الحشا *** مثل امتزاج الماء بالصهباء

لم أنس اذ ترك المدينة واردا *** لا ماء مدين بل نجيع دماء

قد كان موسى والمنية اذ دنت *** جاءته ماشية على استحياء

وله تجلى اللّه جل جلاله *** في طور وادي الطف لا سيناء

وهناك خر وكل عضو قد غدا *** منه الكليم مكلم الاحشاء

يا أيها النبأ العظيم اليك في *** ابناك منى أعظم الانباء

ان اللذين تسرعا يقيانك *** الارماح في صفين بالهيجاء

فأخذت في عضديهما تثنيهما *** عما أمامك من عظيم بلاء

ذا قاذف كبدأ له قطعا وذا *** في كربلاء مقطع الاعضاء

ملقى على وجه الصعيد مجردا *** في فتية بيض الوجوه وضاء

تلك الوجوه المشرقات كأنها *** الاقمار تسبح في غدير دماء

رقدوا وما مرت بهم سنة الكرى *** وغفت جفونهم بلا اغفاء

متوسدين من الصعيد صخوره *** متمهدين حرارة الرمضاء

مدثرين بكربلا سلب القنا *** مزملين على الربا بدماء

خضبوا وماشابوا وكان خضابهم *** بدم من الاوداج لا الحنا

اطفالهم بلغوا الحلوم بقربهم *** شوقا الى الهيجاء لا الحسناء

ص: 213

ومغسلين ولا مياه لهم سوى *** عبرات ثكلى حرة الاحشاء

أصواتها بحت وهن نوائح *** يندبن قتلاهن بالأيماء

أنى التفتن رأين ما يدمي الحشا *** من نهب أبيات وسلب رداء

تشكو الهوان لندبها وكأنه *** مغض وما فيه من الاغضاء

وتقول عاتبة عليه وما عسى *** يجدي عتاب موزع الاشلاء

قد كنت للبعداء أقرب منجد *** واليوم أبعدهم عن القرباء

أدعوك من كثب فلم أجد الدعا *** الا كما ناديت للمتنائي

قد كنت في الحرم المنيع خبيئة *** فاليوم نقع اليعملات خبائي

أسبى ومثلك من يحوط سرادقي *** هذا لعمري أعظم البرحاء

ماذا أقول اذا التقيت بشامت *** اني سبيت واخوتي بأزائي

حكم المنون عليكم أن تعرضوا *** عني وان طرق الهوان فنائي

هذي يتاماكم تلوذ ببعضها *** ولكم نساء تلتجي بنساء

ما كنت أحسب ان يهون عليكم *** ذلي وتسييري الى الاعداء

عجبا لقلبي وهو يألف حبكم *** لم لا يذوب بحرقة الارزاء

وعجبت من عيني وقد نظرت الى *** ماء الفرات ولم تسل في الماء

وألوم نفسي في امتداد بقائها *** اذ ليس تفنى قبل يوم فنائي

ما عذر من ذكر الطفوف فلم يمت *** حزنا بذكر الطاء قبل الفناء

* * *

الشيخ صالح الكواز هو أبو المهدي بن الحاج حمزة عربي المحتد يرجع في الاصل الى قبيلة ( الخضيرات ) احدى عشائر شمر المعروفة في نجد والعراق ، ولد سنة 1233 وتوفي في شوال سنة 1290 فيكون عمره 57 سنة ودفن في النجف الاشرف. كان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في علمي النحو والادب بخلاف أخيه الاصغر الشيخ حمادي الكواز الذي كان أميا والذي كان

ص: 214

ينظم على الذوق والسليقة ، اما الشيخ صالح فمن عدة نواحي كان يمتاز على أقرانه وأدباء عصره ، كان خفيف شعر العارضين أسمر اللون ، يتعاطى مهنة أبيه وهي بيع ( الكيزان ) والجرار والاواني الخزفية ولذلك اشتهر بالكواز ، ومع رقة حاله وضعف ذات يده يترفع عن التكسب بشعره ، روى الخطيب اليعقوبي رحمه اللّه قال : طلب أحد ذوي الجاه من الشيخ صالح الكواز أن ينظم له أبياتا في رثاء أبيه ويؤرخ فيها عام وفاته لتنقش على صخرة في مقبرة ( مشهد الشمس ) وبذل له على ذلك بتوسط أحد أصدقائه ما يقارب الاربعين ليرة عثمانية فامتنع لعزة نفسه.

وكان يجمع بين الرقة والظرافة والنسك والورع والتقى والصلاح ويأتم به الناس في الصلاة في أحد مساجد الجباويين بالقرب من مرقد أبي الفضائل ابن طاوس وللناس أتم وثوق في الائتمام به ، والشيخ صالح هو الشاعر الوحيد الذي يكثر من التصريح والتلميح الى الحوادث التاريخية في شعره حيث كان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في التاريخ والادب ، وقد درس النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان على خاله الشيخ علي العذاري والشيخ حسن الفلوجي والسيد مهدي السيد داود ، وقد تخرج في الفقه وعلوم الدين على العلامة السيد مهدي القزويني. لذا نجد في ثنايا أشعاره ما يستدل على فضله كقوله على اصطلاح أهل المنطق :

شاركنها بعموم الجنس وانفردت *** عنهن فيما يخص النوع من نسب

رثاه جملة من فطاحل الشعر والادب وفي مقدمتهم الشاعر الشهير السيد حيدر الحلي بقصيدة مثبتة في ديوانه المطبوع وأولها :

كل يوم يسومني الدهر ثكلا *** ويريني الخطوب شكلا فشكلا

ص: 215

ويقول فيها :

ثكل أم القريض فيك عظيم *** ولأم الصلاح أعظم ثكلا

قد لعمري أفنيت عمرك نسكا *** وسلخت الزمان فرضا ونفلا

وطويت الايام صبرا عليها *** فتساوت عليك حزنا وسهلا

طالما وجهك الكريم على اللّه *** به قوبل الحيا فاستهلا

ورثاه الخطيب الاديب الشيخ محمد المعروف ب- ( الملا ) بقصيدة أولها :

قالوا تعز فقلت أين عزائي *** والبين أصمى سهمه أحشائي

وفيها يقول :

ذهب الردى منه بنفس مكرم *** ومنزه عن ريبة ورياء

يبكيك مسجدك الذي هو لم يزل *** لك في صلاة مزهرا ودعاء

أعقب المترجم له ثلاثة أولاد : هم الشيخ مهدي والشيخ عبد اللّه وعبد الحسين وان الولد الثالث أصغر اخوته وقد وكل أبوه أمر تربيته وتهذيبه وتعليمه القرآن للمرحوم الشيخ محمد الملا الذي كانت تلاميذه تجتمع اليه في جامع ملاصق لداره ، وصادف أن تأخر ابن الكواز عن الحضور لمرض طرأ عليه ، فكتب أبوه الكواز للمؤدب رقعة وأرسلها مع الولد وهذا نصها :

كان عبدك مريضا وليس على المريض حرج ، وهذا تكليف رفعه اللّه عنه فارفع تكليفك عنه ، وضع العفو مكان العصا. فأجابه الشيخ الملا وذلك سنة 1285 :

أصالح انا قد أردنا صلاح من *** أراد بطول البعد عنا تخلصا

فان العصا كانت دواه واننا *** رفعنا العصا عنه وان كان قد عصى

ص: 216

شاعرية الكواز :

سئل الحاج جواد بذقت - أبرع شعراء كربلاء المشهورين في عصر الكواز - عن أشعر من رثى الامام الحسين علیه السلام ، فقال أشعرهم من شبه الحسين بنبيين من أولى العزم في بيت واحد وهو الشيخ صالح الكواز بقوله :

كأن جسمك موسى مذ هوى صعقا *** وأن رأسك روح اللّه مذ رفعا

ان المحافل الحسينية ترتاح وتطرب لشعر الكواز وله المكانة المرموقة في الاوساط الادبية والدينية لما أودع فيه من الفن والصناعة والوقائع التاريخية الذي قل من جاراه فيها من أدباء عصره مضافا الى ما فيه من رصانة التركيب والنظم العجيب والرقة والسلاسة والدقة في المعاني والابداع في التصوير واليك بعض الشواهد على ذلك من قصائده المتفرقة :

لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب *** لصرع نصب عيني لا الدم الكذب

وتحتوي هذه القصيدة على 40 بيتا ولم يخل بيت واحد منها من اشارة الى قصة تاريخية أو نكتة بديعية أو صناعة بيانية أو أدبية. ويقول في أخرى :

وهل تؤمن الدنيا التي هي أنزلت *** سليمان من فوق البناء المحلق

ولا سد فيها السد عمن أقامه *** طريق الردى يوما ولا رد ما لقى

مضى من ( قصي ) من غدت لمضيه *** كوجه ( قصير ) شانه جذع منشق

ومن أخرى في شهداء كربلاء :

تأسى بهم آل الزبير فذللت *** لمصعب في الهيجا ظهور المصاعب

ولولاهم آل المهلب لم تمت *** لدى واسط موت الابي المحارب

وزيد وقد كان الاباء سجية *** لآبائه الغر الكرام الاطائب

ص: 217

كأن عليه ألقي الشبح الذي *** تشكل فيه شبه عيسى لصالب

وقوله في قصيدة ثالثة :

ولو لم تنم أجفان عمرو بن كاهل *** لما نالت النمران منه منالها

وقوله من مرثية في أهل البيت علیهم السلام :

وقفوا معي حتى اذا ما استيأسوا *** ( خلصوا نجيا ) بعد ما تركوني

فكأن يوسف في الديار محكم *** وكأنني بصراعه اتهموني

وفيها يقول :

نبذتهم الهيجاء فوق تلاعها *** كالنون ينبذ في العرا ( ذاالنون )

فتخال كلا ثم يونس فوقه *** شجر القنا بدلا عن اليقطين

ومن حكمياته :

ولربما فرح الفتى في نيله *** أربا خلعن عليه ثوب حزين

واذا أذل اللّه قوما أبصروا *** طرق الهداية ضلة في الدين

وحين نظم هذه العصماء في أهل البيت علیهم السلام ومطلعها :

هل بعد موقفنا على يبرين *** أحيا بطرف بالدموع ضنين

جاراه جماعة من فحول عصره وزنا وقافية منهم الشيخ محسن أبو الحب بقصيدة أولها :

ان كنت مشفقة علي دعيني *** ما زال لومك بالهوى يغريني

ومنهم الشيخ سالم الطريحي بقصيدته التي يرثي بها الحسين علیه السلام وأولها :

أبدار وجرة أم على جيرون *** عقلوا خفاف ركائب وضعون

وقالوا ان الكواز دون شعره وشعر أخيه الشيخ حمادي في

ص: 218

مجلد واحد وأسماه ( الفرقدان ) وأخيرا جمع الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي أكثر شعره وحققه ونشره وذلك في سنة 1384 ه.

ومن ملحه ونوادره هذه الابيات التي أنشدها للمرحوم السيد ميرزا جعفر القزويني :

بأبي الذي مهما شكوت وداده *** طلب الشهود وذاك منه مليح

قلت الدموع فقال لي مقذوفة *** قلت الفؤاد فقال لي ( مجروح )

قلت اللسان فقال لي متلجلج *** والجسم قلت ، فقال ليس صحيح

فقال له السيد : احسنت ولكن يجب أن تكون القافية ( صحيح ) منصوبة لانها خبر ليس ، والجسم المتقدم اسمها فقال الكواز قد قلت قبل مولاي ( ليس صحيح ) ثم غيرها حالا فقال ( والجسم قلت فقال ذاك صحيح ).

وله :

وربة ضبية من آل موسى *** أرتنى باللحاظ عصى أبيها

وغرتها تفوق سنى الدراري *** كأن يمينه البيضاء فيها

وله :

الطرف يزعم لولا القلب ما رمقا *** والقلب يزعم لولا الطرف ما عشقا

هذا يطالب في لب له احترقا *** وذا بطالب في دمع له اندفقا

ما بين هذا وهذا قد وهي جلدي *** من أدعي وهما بالقول ما اتفقا

وقال في صدر قصيدة :

حباني بأزاع الشراب تكرما *** فواللّه ما آثرت خمرا على اللمى

وما الخمر الا مقلتاه وريقه *** أعند وجود الماء أبغي التيمما

ص: 219

وقوله مهنئا العلامة الكبير السيد مهدي القزويني طاب ثراه بابلاله من مرض :

سر يوما شانيك واغتم دهرا *** رب حلو لطاعم عاد مرا

كاش سر لعقة الكلب أنفا *** ثم في غمه القديم استمرا

ضحك الدهر منه اذ طال تيها *** بسرور كصحوة الموت عمرا

وقوله في الشيب :

قلبي خزانة كل علم كان في عصر الشباب فأتى المشيب فكدت أنسى فيه فاتحة الكتاب ويخاطب المجتهد الكبير الشيخ مرتضى الانصاري :

فيا راضيا دهره باليسير *** ولا شيء فيه عليه عسير

أراك سليمان في ملكه *** وسلمان اذ لا تعاف الحصير

وقال مفتخرا في مساجلة شعرية :

ولو كان لبسى قدر نفسي لأصبحت *** تحاك ثيابي من جناح الملائك

ولو كان فيما استحق مجالسي *** نصبن على هام السماء أرائكي

واليكم هذه الروائع من شعر الكواز وهي في رثاء أهل البيت وتخص الامام الحسين (عليه السلام) وهناك ما يوازنها متانة ولطافة.

من رثائه للامام الحسين (عليه السلام) ويذكر في آخرها الشهيد زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام :

أغابات أسد أم بروج كواكب *** أم الطف فيه استشهدت آل غالب

ونشر الخزامى سار تحمله الصبا *** أم الطيب من مثوى الكرام الاطائب

ص: 220

وقفت بها رهن الحوادث أنحني *** من الوجد حتى خلتني قوس حاجب

تمثلت في أكنافها ركب هاشم *** تهاوت اليه فيه خوص الركائب

أتوها وكل الارض ثغر فلم يكن *** لهم ملجأ الا حدود القواضب

وسمرا اذا ما زعزعوها حسبتها *** من اللين أعطاف الحسان الكواعب

وان أرسلوها في الدروع رأيتها *** أشد نفوذا من أخي الرمل واقب

هم القوم تؤم للعلاء وليدهم *** وناشئهم في المجد أصدق صاحب

اذا هو غنته المراضع بالثنا *** صغى آنسا بالمدح لا بالمحالب

ومن قبل تلقين الاذان يهزه *** نداء صريخ أو صهيل سلاهب

بنفسي هم من مستميتين كسروا *** جفون المواضي في وجوه الكتائب

وصالوا على الاعداء أسد أضواريا *** بعوج المواضي لا بعوج المخالب

اذا نكرتهم في الغبار عجاجة *** فقد عرفتهم قضبهم في المضارب

بها ليل لم يبعث لها العتب باعث *** اذا قرط الكسلان قول المعاتب

فما بالهم صرعى ومن فتياتهم *** بهم قد أحاط العتب من كل جانب

تعاتبهم وهي العلمية انهم *** بريئون مما يقتضي قول عاتب

ومذهولة في الخطب حتى عن البكا *** فتدعو بطرف جامد الدمع ناضب

تلبي بنو عبس بن غطفان فتية *** لهم قتلت صبرا بأيدي الاجانب (1)

وصبيتكم قتلى وأسرى دعت بكم *** فما وجدت منكم لها من مجاوب

وما ذاك مما يرتضيه حفاظكم *** قديما ولم يعهد لكم في التجارب

عذرتكم لم تهمكم بجفوة *** ولا ساورتكم غفلة في النوائب

ص: 221


1- يشير الى تلبية ( عبس ) حين ثاروا لصبيتهم الثمانية الذين قتلهم بنو ذبيان ، وكانوا رهائن عند مالك بن شميع ، وذلك في الحرب التي دارت بين ابني بغيض ( ذبيان وعبس ) 40 سنة بسبب تسابق ( قيس وحمل ) على رهان مائة ناقة. والتفصيل في مغازي العرب.

وباكية حرى الفؤاد دموعها *** تصعد عن قلب من الوجد ذائب

تصك يديها في الترائب لوعة *** فتلهب نارا من وراء الترائب

شكت وأرعوت اذلم تجد من يجيبها *** وما في الحشا ما في الحشا غير ذاهب

ومدت الى نحو الغريين طرفها *** ونادت أباها خير ماش وراكب

أبا حسن ان الذين نماهم *** أبو طالب بالطف ثار لطالب

تعاوت عليهم من بني صخر عصبة *** لثارات يوم الفتح حرى الجوانب

فساموهم اما الحياة بذلة *** أو الموت فاختاروا أعز المراتب

فهاهم على الغبراء مالت رقابهم *** ولما تمل من ذلة في الشواغب

سجود على وجه الصعيد كأنما *** لها في محاني الطف بعض المحارب

معارضها مخضوبة فكأنها *** ملاغم أسد بالدماء خواضب

تفجر من أجسامها السمر أعينا *** وتشتق منها أنهر بالقواضب

ومما عليك اليوم هون ما جرى *** ثووا لا كمثوى خائف الموت ناكب

أصيبوا ولكن مقبلين دماؤهم *** تسيل على الاقدام دون العراقب

ممزقة الادراع تلقا صدورها *** ومحفوظة ما كان بين المناكب

تأسى بهم آل الزبير فذللت *** لمصعب في الهيجا ظهور المصاعب (1)

ولو لاهم آل المهلب لم تمت *** لدى واسط موت الأبي المحارب (2)

ص: 222


1- يعدد المشاهير من أباة الضيم الذين رسم لهم الحسين (عليه السلام) خطة الاباء فهو يشير الى مصعب بن الزبير المقتول سنة 71 ه- وكان الساعد القوي لاخيه عبد اللّه يوم ثار بالحجاز ، قتل على نهر ( الدجيل ) بالقرب من مسكن سنة 71 ه.
2- أشار الى يزيد بن المهلب بن ابي صفرة الازدي ، تنقل في عدة ولايات في العهد الاموي وحبس مرارا نازع بني أمية الخلافة فقاتله مسلمة بن عبد الملك وقتل بين واسط وبغداد سنة 102 ه.

وزيد وقد كان الاباء سجية *** لأبائه الغر الكرام الاطائب (1)

كأن عليه ألقي الشبح الذي *** تشكل فيه شبه عيسى لصالب

فقل للذي أخفى عن العين قبره *** متى خفيت شمس الضحى بالغياهب

وهل يختفي قبر امرئ مكرماته *** بزغن نجوما كالنجوم الثواقب

ولو لم تنم - القوم فيه الى العدى *** لنمت عليه واضحات المناقب

كأن السما والارض فيه تنافسا *** فنال الفضا عفوا سني الرغائب

لئن ضاق بطن الارض فيه فانه *** لمن ضاق في آلائه كل راحب

عجبت وما احدى العجائب فاجأت *** بمقتل زيد بل جميع العجائب

أتطرد قربى أحمد عن مكانه *** بنو الوزع المطرود طرد الغرائب (2)

وتحكم في الدين الحنيف وانها *** لأنصب للاسلام من كل ناصب

ومن مراثيه :

لي حزن يعقوب لا ينفك ذا لهب *** لصرع نصب عيني لا الدم الكذب

ص: 223


1- زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، بطل من أبطال أهل البيت ويسمى ب- ( حليف القرآن ) نهض بالكوفة سنة 120 ه- بوجه المروانيين فجهز اليه هشام بن عبد الملك جيشا فقامت الحرب وقاتل زيد حتى استشهد ، وأخرجه بنو مروان بعد دفنه وصلبوه منكوسا في كناسة الكوفة اربع سنين ، ثم أحرقوه بعد ذلك بالنار ، وعمره يوم قتل 42 سنة.
2- الوزع هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس طريد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كان يؤذي النبي ويستهزئ به في مشيته ويسمع ما يسره الى أصحابه فيفشيه في كفار العرب ، فطرده عن المدينة فخرج هو وذريته الى الطائف ، ولما توفي النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبى الخليفة الاول أن يرجعهم وهكذا الخليفة الثاني. يتعجب الشاعر كيف يكون طريد رسول اللّه و هو مروان بن الحكم علی منبر رسول اللّه.

وغلمة من بني عدنان أرسلها *** للجد والدها في الحرب لا اللعب

ومعشر روادتهم عن نفوسهم *** بيض الضبا غير بيض الخرد العرب

فأنعموا بنفوس لا عديل لها *** حتى أسيلت على الخرصان والقضب

فانظر لاجسادهم قد قدّ - من قبل *** اعضاؤها لا الى القمصان والأهب

كل رأى ضر أيوب فما ركضت *** رجل له غير حوض الكوثر العذب

قامت لهم رحمة الباري تمرضهم *** جرحى فلم تدعهم للحلف والغضب

وآنسين من الهيجاء نار وغى *** في جانب الطف ترمي الشهب بالشهب

فيمموها وفي الايمان بيض ضبا *** وما لهم غير نصر اللّه من ارب

تهش فيها على آساد معركة *** هش الكليم على الاغنام للعشب

اذا انتضوها بجمع من عدوهم *** فالهام ساجدة منها على الترب

ومولجين نهار المشرفية في *** ليل العجاجة يوم الروع والرهب

ورازقي الطير ماشاءت قواضبهم *** من كل شلو من الاعداء مقتضب

ومبتلين بنهر ما لطاعمه *** من الشهادة غير البعد والحجب

فلن تبل - ولا في غرفة أبدا *** منه غليل فؤاد بالظما عطب

حتى قضوا فغدا كل بمصرعه *** سكينة وسط تابوت من الكثب

فاليبك طالوت حزنا للبقية من *** قد نال داود فيه أعظم الغلب

أضحى وكانت له الاملاك حاملة *** مقيدا فوق مهزول بلا قتب

يرنو الى الناشرات الدمع طاوية *** اضلاعهن على جمر من النوب

والعاديات من الفسطاط ضابحة *** والموريات زناد الحزن في لهب

والمرسلات من الاجفان عبرتها *** والنازعات برودا في يد السلب

والذاريات ترابا فوق أرؤوسها *** حزنا لكل صريع بالعرى ترب

ورب من ضعة منهن قد نظرت *** رضيعها فاحص الرجلين في الترب

تشوط عنه وتأتيه مكابدة *** من حاله وظماها أعظم الكرب

فقل بهاجر اسماعيل احزنها *** متى تشط عنه من بحر الظما تؤب

وما حكتها ولا أم الكليم أسى *** غداة في اليم القته من الطلب

ص: 224

هذي اليها ابنها قد عاد مرتضعا *** وهذه قد سقي بالبارد العذب

فأين هاتان ممن قد قضى عطشا *** رضيعها ونأى عنها ولم يؤب

شاركنها في عموم الجنس وانفردت *** عنهن فيما يخص النوع من نسب

بل آب مذاب مقتولا ومنتهلا *** من نحره بدم كالغيث منسكب

كانت ترجي عزاء فيه بعد أب *** له فلم تحظ بابن لا ولا بأب

فأصبحت بنهار لا ذكاء له *** وأمست الليل في جو بلا شهب

وصبية من بني الزهرا مربقة *** بالحبل بين بني حمالة الحطب

كأن كل فؤاد من عدوهم *** صخر بن حرب غدا يفريه بالحرب

ليت الألى أطعمو المسكين قوتهم *** وتالييه وهم في غاية السغب

حتى أتى هل أتى في مدح فضلهم *** من الاله لهم في أشرف الكتب

يرون بالطف ايتاما لهم اسرت *** يستصرخون من الآباء كل أبي

وأرؤس سائرات بالرماح رمى *** مسيرها علماء النجم بالعطب

ترى نجوما لدى الآفاق سائرة *** غير التي عهدت بالسبعة الشهب

لم تدر والسمر مذ ناءت بها اضطربت *** من شدة الخوف أم من شدة الطرب

كواكب في سما الهيجاء ثابتة *** سارت ولكن بأطراف القنا السلب

وله :

ما ضاق دهرك الا صدرك اتسعا *** فهل طربت لوقع الخطب مذوقعا

تزداد بشرا اذا زادت نوائبه *** كالبدر ان غشيته ظلمة سطعا

وكلما عثرت رجل الزمان عمى *** أخذت في يده رفقا وقلت لعا

وكم رحمت الليالي وهي ظالمة *** وما شكوت لها فعلا وان فضعا

وكيف تعظم في الاقدار حادثة *** على فتى ببني المختار قد فجعا

ايام اصبح شمل الشرك مجتمعا *** بعد الشتات وشمل الدين منصدعا

ساقت عدي بني تيم لظلمهم *** أمامها وثنت حربا لهم تبعا

ص: 225

ما كان أوعر من يوم الحسين لهم *** لو لا ... لنهج الغصب قد شرعا

سلا ضبا الظلم من أغماد حقدهما *** وناولاها يزيدا بئسما صنعا

وقام ممتثلا بالطف أمرهما *** ببيض قضب هما قدما لها طبعا

يا ثابتا في مقام لو حوادثه *** عصفن في يذبل لانهار مقتلعا

لله أنت فكم وتر طلبت به *** للجاهلية في أحشائها زرعا

قد كان غرسا خفيا في صدورهم *** حتى اذا أمنوا نار الوغى فرعا

واطلعت بعد طول الخوف أرؤوسها *** مثل السلاحف فيما اضمرت طمعا

واستأصلت ثأر بدر في بواطنها *** وأظهرت ثار من في الدار قد صرعا

وتلكم شبهة قامت بها عصب *** على قلوبهم الشيطان قد طبعا

ومذ أجالوا بأرض الطف خيلهم *** والنقع أظلم والهندي قد لمعا

لم يطلب الموت روحا من جسومهم *** الا وصارمك الماضي له شفعا

حتى اذا ما بهم ضاق الفضا جعلت *** أسيافكم لهم في الموت متسعا

وغص فيهم فم الغبرا فكان لهم *** فم الردى بعد مضغ الحرب مبتلعا

ضربت بالسيف ضربا لو تساعده *** يد القضا لا زال الشرك وانقشعا

بل لو يشاء القضا أن لا يكون كما *** قد كان غير الذي تهواه ما صنعا

لكنكم شئتم ما شاء بارئكم *** فحكمه ورضاكم يجريان معا

وما قهرتم بشيء غير ما رضيت *** له نفوسكم شوقا لما فضعا

لا تشمتن - رزاياكم عدوكم *** فما أمات لكم وحيا ولا قطعا

تتبعوكم وراموا محو فضلكم *** فخيب اللّه من في ذلكم طمعا

أنى وفي الصلوات الخمس ذكركم *** لدى التشهد للتوحيد قد شفعا

فما أعابك قتل كنت ترقبه *** به لك اللّه جم الفضل قد جمعا

وما عليك هوان أن يشال على *** المياد منك محيا للدجى صدعا

كأن جسمك موسى مذ هوى صعقا *** وأن رأسك روح اللّه مذ رفعا

كفى بيومك حزنا أنه بكيت *** له النبيون قدما قبل أن يقعا

بكاك آدم حزنا يوم توبته *** وكنت نورا بساق العرش قد سطعا

ص: 226

ونوح أبكيته شجوا وقل - بأن *** يبكي بدمع حكى طوفانه دفعا

ونار فقدك في قلب الخليل بها *** نيران نمرود عنه اللّه قد دفعا

كلمت قلب كليم اللّه فانبحست *** عيناه دمعا دما كالغيث منهمعا

ولو رآك بأرض الطف منفردا *** عيسى لما اختار أن ينجو ويرتفعا

ولا أحب حياة بعد فقدكم *** ولا أراد بغير الطف مضطجعا

يا راكبا شذ قميا في قوائمه *** يطوي أديم الفيافي كلما ذرعا

يجتاز متقد الرمضاء مستعرا *** لو جازه الطير في رمضائه وقعا

فردا يكذب عينيه اذا نظرت *** في القفر شخصا وأذنيه اذا سمعا

عج بالمدينة واصرخ في شوارعها *** بصرخة تملأ الدنيا بها جزعا

ناد الذين اذا نادى الصريخ بهم *** لبوه قبل صدى من صوته رجعا

يكاد ينفد قبل القصد فعلهم *** بنصر من لهم مستنجدا فزعا

من كل آخر للهيجاء أهبتها *** تلقاه معتقلا بالرمح مدرعا

لا خيله عرفت يوما مرابطها *** ولا على الارض يوما جنبه وضعا

يصغي الى كل صوت عل مصطرخا *** للأخذ في حقه من ظالميه دعا

قل يا بني شيبة الحمد الذين بهم *** قامت دعائم دين اللّه وارتفعا

قوموا فقد عصفت بالطف عاصفة *** مالت بأرجاء طود العز فانصدعا

ان لم تسدو الفضا نقعا فلم تجدوا *** الى العلا لكم من منهج شرعا

لا أنتم أنتم ان لم تقم لكم *** شعواء مرهوبة مرأى ومستمعا

نهارها أسود بالنقع مرتكم *** وليلها أبيض بالقضب قد نصعا

فلتلطم الخيل خد الارض عادية *** فخد عليا نزار للثرى ضرعا

ولتملأ الارض نعيا من صوارمكم *** فان ناعي حسين في السماء نعى

ولتذهل اليوم منكم كل مرضعة *** فطفله من دما أوادجه رضعا

لئن ثوى جسمه في كربلاء لقى *** فرأسه لنساه في السباء رعى

نسيتم أم تناسيتم كرائمكم *** بعد الكرام عليها الذل قد وقعا

اتهجعون وهم أسرى وجدهم *** لعمه ليل بدر قط ما هجعا

ص: 227

فليت شعري من العباس أرقه *** أنينه كيف لو أصواتهم سمعا

وهادر الدم من هبار ساعة اذ *** بالرمح هودج من تنمى له قرعا (1)

ما كان يفعل مذ شيلت هوادجها *** قسرا على كل صعب في السرى ضلعا

بني علي وانتم للنجا سببي *** في يوم لا سبب الا وقد قطعا

ويوم لا نسب يبقى سوى نسب *** لجدكم وأبيكم راح مرتجعا

لوما أنهنه وجدي في محبتكم *** قذفت قلبي لما قد نالني قطعا

فانها النعمة العظمى التي رجحت *** وزنا فلو وزنت بالدهر لارتفعا

من حاز من نعم الباري ولا يتكم *** فلا يبالي بشيء ضر أو نفعا

من لي بنفس على التقوى موطنة *** لا تحفلن بدهر ضاق أو وسعا

وقال :

أما في بياض الشيب حلم لأحمق *** به يتلافى من لياليه ما بقي

وما بالأولى بانوا نذير لسامع *** فان مناديهم ينادي الحق الحق

وان امرءا سرن الليالي بظعنه *** لاسرع ممن سار من فوق أينق

وسيان عند الموت من كان مصحرا *** ومن كان من خلف الخباء المسردق

وهل تؤمن الدنيا التي هي أنزلت *** سليمان من فوق البناء المحلق

ولا سد فيها ( السد ) عمن أقامه *** طريق الردى يوما ولا رد مالقي

ص: 228


1- هبار بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى من قريش كان شاعرا هجا النبي قبل اسلامه وأباح النبي دمه يوم فتح مكة لانه روع زينب بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوجة أبي العاص بن الربيع حين حملها حموها الى المدينة ليلحقها بأبيها بعد وقعة بدر فتبعهما هبار وقرع هودجها بالرمح وكانت حاملا فأسقطت ما في بطنها ، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ان وجدتموه فاقتلوه ، وجاء في ( الجعرانة ) قرب مكة فأسلم فقال صلی اللّه علیه و آله : الاسلام يجب ما قبله.

واعظم ما يلقى من الدهر فادح *** رمى شمل آل المصطفى بالتفرق

فمن بين مسموم وبين مشرد *** وبين قتيل بالدماء مخلق

غداة بني عبد المناف انوفهم *** أبت أن يساف الضيم منها بمنشق

سرت لم تنكب عن طريق لغيره *** حذار العدى بل بالطريق المطرق

الى أن اتت أرض الطفوف فخيمت *** باعلا سنام للعلاء ومفرق

وأخلفها من قد دعاهم فلم تجد *** سوى السيف مهما يعطها الوعد يصدق

فمالت الى ارماحها وسيوفها *** وأكرم بها انصار صدق وأخلق

تعاطت على الجرد العتاق دم الطلا *** ولا كمعاطاة المدام المعتق

فما برحت تلقى الحديد بمثله *** قلوبا فتثني فيلقا فوق فيلق

الى أن تكسرن العواسل والظبا *** ومزقت الادراع كل ممزق

لو ان رسول اللّه يبعث نظرة *** لردت الى انسان عين مؤرق

وهان عليه يوم حمزة عمه *** بيوم حسين وهو أعظم ما لقي (1)

ونال شجى من زينب لم ينله من *** صفية اذ جائت بدمع مرقرق

فكم بين من للخدر عادت مصونة *** ومن سيروها في السبايا لجلق

وليت الذي أحنى على ولد جعفر *** برقة أحشاء ودمع مدفق (2)

يرى بين أيدي القوم أبناء سبطه *** سبايا تهادى من شقي الي شقي

وريانة الاجفان حرانة الحشى *** ففي محرق قامت تنوح ومغرق

فقل للنجوم المشرقات ألا اغربي *** ولا ترغبي بعد الحسين بمشرق

ص: 229


1- يشير الى مصرع سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب يوم أحد وموقف أخته صفية على جسده ورأته وقد مثلت به هند بنت عتبة وشقت بطنه وأكلت كبده فحولها اللّه في فمها حجرا.
2- يشير الى عطف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أولاد جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين خضراوين ، وذلك لما قتل في ( مؤتة ) سنة 8 من الهجرة.

وقل للبحار الزاخرات ألا انضبي *** مضى من نداه مدها بالتدفق

وقال : وهي من روائعه ، وأولها :

هل بعد موقفنا على يبرين *** أحيا بطرف بالدموع ضنين

ومنها :

قال الحداة وقد حبست مطيهم *** من بعد ما أطلقت ماء شئوني

ماذا وقوفك في ملاعب خرد *** جد العفا بربعها المسكون

وقفوا معي حتى اذا ما استيأسوا *** خلصوا نجيا بعد ما تركوني

فكأن يوسف في الديار محكم *** وكأنني بصواعه اتهموني

الى أن يقول :

قلبي يقل من الهموم جبالها *** وتسيخ عن حمل الرداء متوني

وأنا الذي لم أجزعن لرزية *** لو لا رزاياكم بني ياسين

تلك الرزايا الباعثات لمهجتي *** ما ليس يبعثه لظى سجين

كيف العزاء لها وكل عشية *** دمكم بحمرتها السماء تريني

والبرق يذكرني وميض صوارم *** أردتكم في كف كل لعين

والرعد يعرب عن حنين نسائكم *** في كل لحن للشجون مبين

يندبن قوما ما هتفن بذكرهم *** الا تضعضع كل ليث عرين

السالبين النفس أول ضربة *** والملبسين الموت كل طعين

لا عيب فيهم غير قبضهم اللوى *** عند اشتباك السمر قبض ضنين

سلكوا بحارا من دماء أمية *** بظهور خيل لا بطون سفين

لو كل طعنة فارس بأكفهم *** لم يخلق المسبار للمطعون

حتى اذا التقمتهم حوت القضا *** وهي الاماني دون كل أمين

نبذتهم الهيجاء فوق تلاعها *** كالنون ينبذ بالعرى ذا النون

فتخال كلا ثم يونس فوقه *** شجر القنا بدلا عن اليقطين

ص: 230

خذ في ثنائهم الجميل مقرضا *** فالقوم قد جلوا عن التأبين

هم أفضل الشهداء والقتلى الاولى *** مدحوا بوحي في الكتاب مبين

ليت المواكب والوصي زعيمها *** وقفوا كموقفهم على صفين

بالطف كي يروا الاولى فوق القنا *** رفعت مصاحفها اتقاء منون

جعلت رؤوس بني النبى مكانها *** وشفت قديم لواعج وضغون

وتتبعت أشقى ثمود وتبع *** وبنت على تأسيس كل لعين

الواثبين لظلم آل محمد *** ومحمد ملقى بلا تكفين

والقائلين لفاطم آذيتنا *** في طول نوح دائم وحنين

والقاطعين أراكة كيما تقيل *** بظل أوراق لها وغصون

ومجمعي حطب على البيت الذي *** لم يجتمع لولاه شمل الدين

والداخلين على البتولة بيتها *** .......................

والقائدين امامهم بنجاده *** والطهر تدعو خلفهم برنين

خلوا ابن عمي أولا كشف للدعا *** رأسي وأشكو للاله شجوني

ما كان ناقة صالح وفصيلها *** بالفضل عند اللّه الا دوني

ورنت الى القبر الشريف بمقلة *** عبرى وقلب مكمد محزون

قالت وأظفار المصاب بقلبها *** أبتاه قل على العداة معيني

أبتاه هذا ......................... *** تبعا ومال الناس عن هرون

أي الرزايا أتقى بتجلد *** هو في النوائب ما حييت قريني

فقدى أبي أم غصب بعلي حقه *** ..................

أم أخذهم ارثي وفاضل نحلتي *** أم جهلهم قدري وقد عرفوني

قهروا يتيميك الحسين وصنوه *** وسئلتهم حقي وقد نهروني

باعوا بضائع مكرهم وبزعمهم *** ربحوا وما بالقوم غير غبين

واذا أضل - اللّه قوما أبصروا *** طرق الهداية ضلة في الدين

ص: 231

الشيخ محمد نصار

المتوفى 1292

فأتته زينب بالجواد تقوده *** والدمع من ذكر الفراق يسيل

وتقول قد قطعت قلبي يا أخي *** حزنا فيا ليت الجبال تزول

فلمن تنادي والحماة على الثرى *** صرعى ومنهم لا يبل غليل

ما في الخيام وقد تفانا أهلها *** الا نساء ولّه وعليل

أرأيت أختا قدمت لشقيقها *** فرس المنون ولا حمى وكفيل

فتبادرت منه الدموع وقال يا *** أختاه صبرا فالمصاب جليل

فبكت وقالت يا ابن أمي ليس لي *** وعليك ما الصبر الجميل جميل

يا نور عيني يا حشاشة مهجتي *** من للنساء الضائعات دليل

ورنت الى نحو الخيام بعولة *** عظمى تصب الدمع وهي تقول

قوموا الى التوديع ان أخي دعا *** بجواده ان الفراق طويل

فخرجن ربات الخدور عواثرا *** وغدا لها حول الحسين عويل

اللّه ما حال العليل وقد رأى *** تلك المدامع للوداع تسيل

فيقوم طورا ثم يكبو تارة *** وعراه من ذكر الوداع نحول

فغدا ينادي والدموع بوادر *** هل للوصول الى الحسين سبيل

هذا أبي الضيم ينعي نفسه *** يا ليتني دون الابي قتيل

أبتاه اني بعد فقدك هالك *** حزنا واني بعدكم لذليل

* * *

ص: 232

الشيخ محمد بن الشيخ علي بن ابراهيم آل نصار الشيباني أو الشبامي اللملومي (1) النجفي المعروف بالشيخ محمد بن نصار.

توفي في جمادى الاولى سنة 1292 في النجف الاشرف ودفن في الصحن الشريف عند الرأس وهو من أسرة أدب وعلم ، أصلهم من لملوم سكنوا النجف لطلب العلم وتوفي منهم في طاعون سنة 1247 ما يقرب من أربعين رجلا طالبا للعلم وهم غير أسرة آل نصار المعروفين في النجف الذين منهم الشيخ راضي رحمه اللّه يسكنون محلة العمارة.

والمترجم له فاضل أديب له شعر باللغتين الفصحى والدارجة وقل ما ينعقد مجلس عزاء للحسين علیه السلام فلا يقرأ شعره الدارج. ولعل السر أن الناظم كان من أهل التقوى ، ولشدة حبه لاهل البيت سمى كل أولاده باسم علي وجعل التمييز بينهم في الكنية فواحد يكنى بأبي الحسن والثاني بأبي الحسين وهكذا.

أقول وأطلعني السيد ضاحي آل سيد هادي السيد موسى على مخطوطة بخطه ومن تأليفه المسمى ( لملوم قديما وحديثا ) ان الشيخ علي والد الشيخ محمد نصار قد أقام في ناحية الشنافية

ص: 233


1- لملوم قرية كانت على شاطيء الفرات ، اندرست في حدود 1220 ه- وتفرق أهلها في البلاد لذهاب الماء عنهم بانتقال مجرى الفرات عنها ، سكن معظم أهاليها قرية الشنافية ، وكان والد المترجم له قد سكنها الى أن مات فيها ، كذا ذكر صاحب الحصون المنيعة.

منذ هجرته اليها من ( لملوم ) وكان عالما فاضلا ، عاش حوالي ثمانين عاما الى أن توفي سنة 1300 ه.

وجاء في شعراء الغري : الشيخ محمد نصار بن الشيخ علي ابن ابراهيم بن محمد الشيباني اللملومي الشهير ب- ( ابن نصار ) شاعر معروف وأديب شهير ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : كان فاضلا كاملا ، أديبا لبيبا ، شاعرا ماهرا ، حسن المعاشرة صافي الطوية صادق النية ، وكان أكثر نظمه على طريقة نظم البادية حتى نظم واقعة الطف من أولها الى آخرها على لغتهم يقرؤها ذاكروا مصاب الحسين (عليه السلام) في مجالس العزاء وله في هذا النظم القدح المعلى ، وكان رحمه اللّه من أخص أحبابي حين مهاجرتي من كربلاء ، أيام والدي وبقائي في النجف لتحصيل العلم ، وقد كان يتلو لي أغلب ما كان ينظمه في القريض ولكني كنت في شغل عن كتبه وثبته في الدفاتر ، ولم أقف على شيء منه حين كتابتي لهذه الترجمة سوى هذه الابيات في وصف ( سماور ) الجاي :

وأعجم غناني بصوت مركب *** من النار والماء النمير المصفق

حشاشته جمر الغضا وزفيره *** يطير شواظا عن لهيب محرق

وقد فك شدقيه فعض حمامة *** تزق بنيها بالمدام المروق

ومن نظمه في الغزل كما في مجلة العدل الاسلامي :

أمرقص القرطين في لفتاته *** رقص الحشى بضرام هجرك صالي

قسما بجيدك يا غزال وعرفه *** لقد أزدريت بجيد كل غزال

وأبيلجين تسايلا عن مرقص *** الاصداغ سيل الصبح تحت ليال

ص: 234

خوف الصدود كتمت عنك صبابتي *** وعن المخالط خيفة العذال

فأعر لساني السمع بثة وامق *** يشكو ضناه عسى ترق لحالي

شهد الوشاح عليك مذ أنطقته *** حقا بأنك مخرس الخلخال

وبقوس حاجبك النبال بريتها *** من نرجس وأرشتها لقتالي

ومن شعره في الغزل كما في شعراء الغري :

خلت من ظباء الابرقين ربوعها *** فهيهات يا عين المعنى هجوعها

أتألف رسل الابرقين مهابة ال- *** نفور وأيدي القانعين تروعها

وقفنا وللاحشاء رقص على الغضا *** وقد رقصت فوق النطاق فروعها

اودعها فوق الكثيب ومهجتي *** تودعها فوق الكثيب ضلوعها

أسائلها والعين عبرى متى اللقا *** فتعرب عن بعد التلاقي دموعها

عقارب صدغ لا يفيق لديغها *** ورقش جعود ليس يرقى لسيعها

ونبعة قد - لا يقوم طعينها *** وأسياف لحظ لا يداوي صريعها

وخد أسيل روق الصون ماءه *** نزت كبدي منه فهاج ولوعها

ولما استقل الركب فاضت مدامعي *** وحلق من عين المعنى هجوعها

وقوله :

ومذ استقلوا ظاعنين وأيقن ال- *** -فئتان أن هيهات يلتقيان

من كل أبلج لا تلين قناته *** عزت مدامعه لدى الحدثان

يستوقف العيس المثارة بعدما *** غنت حداة الركب بالاظعان

أمقوضين قفوا لصب ريثما *** يقضي لبانة قلبه الولهان

فاذا خدت أيدي المطي وكنتم *** ممن يقول بذمة الخلان

مروا برمل البان يوما علما *** عثر الزمان بنا برمل البان

استاف نفخة رمله العبق التي *** علقت بواديه من الاردان

واذا سجا الليل البهيم فانني *** اشتاقكم فقفوا على الكثبان

ص: 235

توفي رحمه اللّه في جمادي الاولى من عام 1292 وقد ناهز عمرة الستين ودفن في رأس الساباط من الصحن الشريف بين قبر المرحومين : ميرزا جعفر القزويني وقبر السيد حيدر الشاعر ، وخلف ولدين : الاكبر الشيخ جعفر (1) كان في سلك أهل العلم ، والاصغر من الكسبة.

وذكره صاحب التكملة فقال : عاشرته ورافقته مدة فحمدت صفاته خفيف الروح رقيق الحاشية ، كثير الدعابة الى تقى وديانة وتمسك بالشرع جدا.

ومن طريف ما حدث به انه قال : قصدت قبر الامام علي بن موسى الرضا علیه السلام بخراسان في سنة 1285 ه- فامتدحته بقصيدة - وأنا في الطريق - على عادة الشعراء في قصدهم الملوك ، وأكملتها قبل دخولي المشهد الشريف بيوم واحد ، وكان مطلعها :

يا خليلي غلسا لا تريحا *** أوشكت قبة الرضا أن تلوحا

ومنها قوله :

ان قبرا لا طفت فيه ثراه *** منع المسك طيبه أن يفوحا

قال رحمه اللّه : فلما دخلت المشهد الشريف وزرته ونمت

ص: 236


1- توفي بالمشخاب يوم السبت 29 من جمادي الاولى سنة 1356 ه- ونقل الى النجف ودفن في الصحن الشريف بالقرب من والده.

تلك الليلة ، رأيت في منامي الامام الرضا علیه السلام جالسا على كرسي في روضته الشريفة فسلمت عليه وقبلت يديه فرحب بي وأدناني ، وأعطاني صرة ، وقال افتحها ففيها مسك أذفر ففتحتها فوجدت فيها فتاتا لا رائحة له ، فقلت لا رائحة له ، فتبسم الرضا (عليه السلام) وقال : ألست القائل :

ان قبر لا طفت فيه ثراه *** منع المسك طيبه أن يفوحا

فهذا مسك أذفر منع طيب ثرى قبري رائحته. فانتبهت وأنا فرح بما شاهدت.

ومن قوله في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) :

يا مدلجا في حندس الظلماء بكرا مقحما *** ان شمت لمعة قبة المولى فعرج عندما

واخضع فثمة بقعة *** خضعت لادناها السما

واحث التراب على الخدود وقل أيا حامي الحمى *** يا مخمدا يوم الوغى لهب الوطيس اذا حمى

ومفلقا هام العدى *** ان سل أبيض مخذما

ومنظما صيد الورى *** ان هز أسمر لهذما

قم فالحسين بكربلاء *** طريدة لبني الاما

قد أمه جيش به *** رحب البسيطة أظلما

مقتادة شعث النواصي *** كل أجرد أدهما

فتقاسمتها السمهرية *** والمواضي مغنما

وغدا ابن احمد لا يرى *** الا القنا والمخذما

فهنالكم أم العدى *** بطل البسالة معلما (1)

ص: 237


1- عن مجلة ( العدل الاسلامي ) السنة 2 العدد 6.

وقال في العقيلة زينب الكبرى :

هاج وجدي لزينب اذ عراها *** فادح في الطفوف هد قواها

يوم أضحت رجالها غرضا للنب- *** -ل والسمر فيه هاج وغاها

ونعت بين نسوة ثاكلات *** تصدع الهضب في حنين بكاها

آه والهفتاه ماذا تقاسي *** من خطوب تربو على ما سواها

ولمن تسكب المدامع من عين *** جفا جفنها لذيذ كراها

ألنهب الخيام أم لعليل *** ناحل الجسم أم على قتلاها

أم لاجسامهم على كثب الغب- *** -راء مخضوبة بفيض دماها

أم لرفع الرؤوس فوق عوالي ال- *** -سمر أم رض صدر حامي حماها

أم لاطفالها تقاسى سياق ال- *** -موت أم عظم سيرها وسراها

أم لسير النساء بين الاعادي *** ثاكلات يندبن يا آل طاها

وهي ما بينهن تندب من قد *** ندبته الاملاك فوق سماها

ووجدت في بعض المخطوطات الحسينية ملحمة كبيرة للشيخ محمد نصار في الامام الحسين علیه السلام ، على وزن ملحمة الدمستاني ، وأولها :

شيعة المختار نوحوا واندبوا فخر الفخار *** بدموع جاريات من أماقيها غزار

ص: 238

أحمد قفطان

المتوفى 1293

قال من قصيدة في الحسين (عليه السلام) :

لم يشجنى طلل الديار الأبكم *** كلا ولا رسما بها أتوسم

أنى يجاذبني هوى آرامها *** وانا الجموح لهن لا أستسلم

لو لا المحرم ما سفكت مدامعا *** لسوى المحرم سفكهن محرم

يوم الحسين بكربلاء وصحبه *** ضربوا القباب على البلاء وخيموا

فتقلدوا بيض السيوف وأفرغوا *** حلق الدروع على القلوب وأقدموا

من كل خواض المنايا عابس *** أو قطبت صيد الوغى يتبسم

حفظوا وصية احمد في سبطه *** ووقاه بالارواح كل منهم

* * *

الشيخ احمد بن الشيخ حسن قفطان السعدي الرباحي النجفي ، ولد سنة 1235 وكان من النحاة والملمين باللغة والتاريخ والفقه والاصول ، ونثره خير من شعره ، صحب شبلي باشا مدة اقامته في الحلة في ولاية نامق باشا وكان دائما يراسله ويكاتبه وكذا مع سائر ولاة العثمانيين. قال السماوي في الطليعة بعد ما وصفه بالعلم والكمال : كان غاية في الذكاء

ص: 239

والحفظ وجودة الخط ، خفيف الروح سريع البديهة ، درس على الشيخ صاحب الجواهر والشيخ الانصاري ، له القوافي الشبلية والصنايع البابلية وله المجالس والمراثي ، توفي سنة 1293 ودفن بوادي السلام.

له شعر كثير في مدح الأئمة من أهل البيت ورثائهم ، وله في معاصريه من الاعلام والاعيان مدح ورثاء كآل بحر العلوم وآل القزويني وآل كاشف الغطاء والشيخ الانصاري وغيرهم وشعره تغلب على أكثره الجودة ، ذكره السيد الامين في ( الاعيان ) فقال : والمترجم قرأ في النجف وعانى صناعة الادب حتى أصبح من مشاهير أدبائها ، وله شعر ونثر كثير مبثوث في المجاميع لو جمع لكان ديوانا كبيرا. والشيخ الطهراني يقول في ( الكرام البررة ) : انه ولد في النجف سنة 1217 وانه كان ماهرا في النحو والعروض واللغة والتاريخ والفقه والاصول ، خفيف الروح سريع البديهة له نوادر وحكايات ، وكان أصم يخاطب بالكتابة والاشارة لكنه شديد الذكاء يفهم المرء لاول وهلة حتى أنه يسبق المنشد الى القافية ، ومن طرائفه انه قيل له وقد مر به أكبر أولاده : هذا يخلفك وهو لسانك فقال : هذا هو سمعي. يشير الى ما أصيب من الصمم ، وكما برع في النظم بالفصحى فقد برع بالنظم باللغة الدارجة وكان حسن الخط شأن أسرته التي امتازت بجودة الكتابة وقد عدد الشيخ الطهراني جملة من المخطوطات بخط يده ، وترجم له صاحب ( الحصون ).

وذكر الشيخ السماوي في ( الطليعة ) من نوادره قال أخبرني

ص: 240

السيد ابراهيم الطباطبائي ان الشاعر مدح أبي السيد حسين الطباطبائي ببيتين وكتبهما في ورقة وأعطاها اياه ، وهما :

يا بن الرضا بن محمد المهدي يا *** من عم أقطار البرية بالندى

ناداك احمد صارخا من دهره *** فأجب فديتك ياضيا النادي الندا

فلما قرأها السيد كتب فيها لوكيله : اعط الشيخ احمد بكل سطر دينارا ، وسلم الورقة بيد الشيخ فنظرها وأعادها عليه قائلا : يا مولانا أعجم شين شطر لئلا يشتبه عليه فيقرأها سطر ، فضحك السيد لنادرته وأعجمها.

ص: 241

الشيخ سالم الطريحي

المتوفى 1293

أمية قد جاوزت حدها *** فقم فالضبا سئمت غمدها

الى م النوى وعلينا العدى *** تجور ولم نستطع ردها

تحملنا ما لو أن الجبال *** تحمل أيسره هدها

تباغت علينا وقد أدركت *** على رغم آنافنا قصدها

رمتنا بفادحة لم نزل *** نكابد طول المدى وجدها

فما أوقع الدهر من قبلها *** ولا موقع مثلها بعدها

غداة ظوامي الضبا في الطفوف *** سقت من دمائكم حدها

وجدك ما بينها والخيول *** على صدره جعلت وردها

وأسرته حوله بالعرى *** ينسج ريح الصبا بردها

ثوت كالاضاحي بحر الهجير *** لها اللّه ما ضمنت لحدها

وفوق المهازل تطوي القفار *** نساؤكم غورها نجدها

أسارى تبث الجوى تارة *** أباها وآونة جدها

فما بين لا دمة صدرها *** تنوح ولاطمة خدها

يذيب الجوى قلبها والسياط *** يؤلم قارعة زندها

وزينب تدعو أسى والخطوب *** باحشائها قدحت زندها

بني غالب سوموا الصافنات *** وانتدبوا للوغى أسدها

بهن مواجيف طلق العنان *** تقفوا سلاهبها جردها

قعدتم وأعداؤكم في الطفوف *** شفت من أعزتكم حقدها

ص: 242

فلا عذر حتى نرى بيضكم *** رقاب أعاديكم غمدها

لان ضاع وتر بني هاشم *** اذا عدمت هاشم مجدها

* * *

الحاج سالم بن محمد علي الطريحي النجفي الرماحي توفي في النجف في حدود سنة 1293 كان فاضلا شاعرا يعاني حرفة التجارة ، قاسم ماله بعض اخوانه لوجهه تعالى ، وقد ترجم له الكثير من الباحثين منهم العلامة الكبير الشيخ علي كاشف الغطاء في ( الحصون ) والشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) وآل طريح من أقدم الاسر العربية التي استوطنت النجف الاشرف منذ أكثر من أربعة قرون ، ومن مشاهيرهم في القرن الحادي عشر الشيخ فخر الدين بن الشيخ محمد علي وهو الجد الخامس لشاعرنا المترجم له ابي محمد الحاج سالم بن محمد علي بن سعد الدين ابن جلال الدين بن شمس الدين بن الشيخ الاجل فخر الدين.

ولد في النجف سنة 1224 ه- ونشأ وشب على حب الكسب وتعاطي التجارة حتى أصبح في أواساط حياته من ذوي الثروة والجاه وسعة الحال وهو الى جنب ذلك يحمل ثروة أدبية لا تقل عن ثروته المادية. وفي سنة 1275 ه- وفقه اللّه لحج بيت اللّه الحرام فنظم ارجوزة ذكر فيها ما اتفق له في طريق الحج وما شاهده في الحجاز ونجد ، توجد نسخة منها عند أحد المشايخ من أبناء عمه ، ووالده شاعرا وقارئا ذاكرا تخرج عليه جماعة من الخطباءمنهم الخطيب الشيخ كاظم سبتى.

ص: 243

وهذه روائع من قصائده الحسينية :

عرجا بي على عراص الطفوف *** أبك فيها أسى بدمع ذروف

يا عراص الطفوف كم فيك بدر *** غاله حادث الردى بخسوف

وهزبر قضى طليق محيا *** بين سمر القنا وبيض السيوف

يوم هاجت عصائب الشرك للهي- *** -جاء تقفوا الصفوف اثر الصفوف

حاولت أن يضام وهو الأبي الض- *** -يم كهف الطريد مأوى الخوف

شد فيها وكم لطير المنايا *** من خفوق على العدى ورفيف

يحسب البيض في الكريهة بيضا *** ووشيج القنا معاطف هيف

من لؤي بيض الوجوه أباة الض- *** -يم أسد العرين شم الانوف

عانقوا المرهفات حتى تهاووا *** صرعا في الثرى بحر الصيوف

وبقى ابن النبي لم يرعونا *** في الوغى غير ذابل ورهيف

فانثنى للنزال يكتال آجا *** لا فوفى بالسيف كل طفيف

كم جيوش يفلها عن جيوش *** وزحوف يلفها بزحوف

كلما هم أن يصول عليهم *** همت الارض خيفة برجيف

لم يزل يورد المواضي نجيعا *** من رقاب العدى بقلب لهوف

فدعاه داعي القضاء فألوى *** عن هوان لدار عز وريف

وهوى ثاويا على الترب ما ب- *** -ين الاعادي ضريبة للسيوف

فبكته السماء وارتجت الار *** ضون والشمس آذنت بكسوف

يا قتيلا تقل سمر العوالي *** منه رأسا على سنا الشمس موف

وتسوق العدى نساه أسارى *** فوق عجف المطى بسير عنيف

أعلى النيب تنتحي البيد أين الن- *** يب والبيد من بنات السجوف

تلك تدعو بمهجة شفها الوج- *** -د احتراقا وذي بدمع ذروف

اين اسد العرين شم العراني- *** -ن حماة الورى أمان المخوف

سوموها يا آل غالب جردا *** تخبط الارض منكم بوجيف

ص: 244

وأبعثوها صواهلا عابسات *** يملأ الجو نقعها بسدوف

لتروا نسوة لكم حاسرات *** جشمتها الاعداء كل تنوف

ولكم أوقفوا بدار ابن هند *** من ترى الموت دون ذل الوقوف

وقال من قصيدة :

أيا مدلجا بالذميل العنيف *** خفافا شأت بالمسير الرياحا

تجوف الفلا سبسبا سبسبا *** وتقطعهن بطاحا بطاحا

أنخها مريحا بوادي الغري *** مثيرا لديه بكا ونواحا

وقل يا مبدد شمل الصفوف *** اذا ازدحمت يوم حرب كفاحا

لعلك لم تدر يوم الطفوف *** غداة غدى دمكم مستباحا

وأعظم ما يقرح المقلتين *** ويدمي الفؤاد شجى وانقراحا

مجال الخيول على ابن النبي *** ترض قراه غدوا رواحا

وعترته حوله كالنجوم *** ينبعث الليل منها صباحا

وقته الردى فتية في النزال *** تصافح دون الحسين الصفاحا

ترى البيض بيضا وسمر الصعاد *** قدودا وكأس المنية راحا

وراحت تخوض غمار الردى *** وتحسب جد المنايا مزاحا

تلقى السهام ببيض الوجوه *** بيوم به صائح الموت صاحا (1)

وقال :

أبدار وجرة أم على جيرون *** عقلوا خفاف ركائب وضعون

ومنها :

ولرب قائلة ومن عبراتها *** ثقلت جوى قطع السحاب الجون

الجيرة تبدي الجوى أم أربع *** ورمت بأكناف اللوى وحجون

ص: 245


1- عن مخطوط الشيخ عبد المولى الطريحي.

وآها عليك فما ربحت وانما *** ذهبت بحلمك صفقة المغبون

فاليك عنها معرضا وعليك في *** يوم على الاسلام يوم شجون

يوم ابن فاطم والرماح شوارع *** والبيض يرشح حدها بمنون

والخيل عابسة الوجوه بمعرك *** غص الفضاء بجيشه المشحون

يثني مكردسها بأروع لم ترم *** يمناه غير السيف والميمون

ضنت بصارمه يداه وانه *** بالنفس يوم الموت غير ضنين

وأشم عبل الساعدين شمردل *** ضخم الدسيعة شامخ العرنين

في معشر بيض الوجوه سوابغ *** الايدي مناجيب القرون قرين

تغشى الصفوف بملتقى من هوله *** ذكرت أمية ملتقى صفين

حتى دعوا لحضيرة القدس التي *** فيها يرون العين رأي يقين

فتناثروا مثل النجوم على الثرى *** ما بين منحور الى مطعون

وبقى ابن أم الموت ثمة موقدا *** نار الوغى فردا بغير معين

يسطو فتنثال الجيوش كأنما *** شاء تنافر من ليوث عرين

ظام يروي من دماء رقابها *** في الحرب حد الصارم المسنون

حتى اذا سئم الحياة ونابه *** فقدان أكرم معشر وبنين

وافاه سهم كان مرماه الحشا *** فأصاب قبل حشاه قلب الدين

فهوى فضجت في ملائكها السما *** حزنا عليه برنة وحنين

وثوى على الرمضاء لا بمشيع *** يوما لحفرته ولا مدفون

اللّه أكبر كيف يبقى في الثرى *** ملقى بلا غسل ولا تكفين

ويروح للاعداء تورد صدره *** من كل نافذة المغار صفون

ما راقبت غضب الاله لجنبه *** السامي وموضع سره المكنون

رضت خزائن وحيه بخيولها *** بغيا وعيبة علمه المخزون

وأمض داء في الحشا لو لامس *** الراهون ضعضع جانب الراهون

سبي الفواطم حسرا ووقوفها *** في دار أخبث عنصر ملعون

وقفت بمر أى من يزيد ومسمع *** ولهانة تدعو بصوت حزين

ص: 246

أحسين يا غوث الصريخ وملجأ *** العافي وكنز البائس المسكين

أحسين يا عزي يعز عليك أن *** تسود من ضرب السياط متوني (1)

وقال :

أهاجتك من ذي النخيل الديار *** فهمت وشبت باحشاك نار

أم البرق أومض من بارق *** فبادرن منك الدموع الغزار

أراك وقد غالبتك الدموع *** لها من مذاب حشك انهمار

لعلك ممن شجته الديار *** عداك الحجا ان شجتك الديار

فدعها ولا تك ذا مهجة *** أهاجت جواها الرسوم الدثار

وقم باكيا من بكته السماء *** وأظلم حزنا عليه النهار

غداة غدى ثاويا بالعرى *** يكفنه العثير المستثار

أيا ثاويا وزعت شلوه *** عوادي المهار عقرن المهار

لها الويل هل علمت في المغار *** على صدره أي صدر يغار

فوالهفة الدين حتى الخيول *** لها يا بن طه عليك مغار

حقيق على العين أن تستهل *** دما مثلما يستهل القطار

أترضى وجسمك فوق الصعيد *** ورأسك فوق الصعاد يدار

وتبقى على الترب لا حفرة *** تشق ولا نعش فيه يسار

وأعظم مفجعة في الطفوف *** لها في حنايا ضلوعي أوار

ركوب بناتك فوق الصعاب *** أسرى تقاذف فيها القفار

حواسر ليس عن الناضرين *** لهن بغير الاكف استتار

وله أيضا :

خطب أماد من المعالي جانبا *** ودهى فجب من الهداية غاربا

ص: 247


1- عن مخطوط الشيخ عبد المولى الطريحي.

خطب أطل على الانام بفادح *** أشجى الانام مشارقا ومغاربا

وأصاب من عليا نزار أسدها *** بأسا فصب على نزار مصائبا

يوم به جائت يغص بها الفضا *** عصب تؤلب للكفاح كتائبا

يقتادها عمر بن سعد مجلبا *** للحرب فيها شزبا وسلاهبا

حسب الابي يروح منها ضارعا *** فأبى الابي فأب منها خائبا

وغدا أبي الضيم يبعث للوغى *** أسدا تصول على العداء غواضبا

حسبت حمام الموت سجع حمائم *** فيها ومطرد الكعوب كواعبا

وغدت تحطم في الصدور عواسلا *** منها وتثلم في النحور قواضبا

حيت بها بيض الظبا فكأنما *** حيت من البيض الظباء ترائبا

حتى هوت صرعى فتحسب أنها *** أقمار تم في الطفوف غواربا

وبقي ابن أم الموت لم ير صاحبا *** بين العدى الا المهند صاحبا

فغدا يمزق سحبها عدوا كما *** مزقن أنفاس الشمال سحائبا

ما زال يخطف بالحسام نفوسها *** حتى أراها في النزال عجائبا

فهناك حم به القضاء مفوقا *** سهما بأوتار المنية صائبا

فهوى فدكدكت الجبال وكورت *** شمس الضحى وغدا النهار غياهبا

من مبلغن بني نزار وغالبا *** وترت بنو حرب نزار وغالبا

من مبلغن نزار أن زعيمها *** نسجت عليه الذاريات جلاببا

من مبلغن نزار أن نساءها *** ركبن اسرى هزلا ومصاعبا

ص: 248

السيد أحمد الرشتي

المتوفى 1295

رزء له الاسلام ضجا *** والدين والايمان رجا

رزء له الاملاك تنزل *** للعزا فوجا ففوجا

رزء له البيت الحرام بكا *** ومن لبا وحجا

رزء له رأس الفخار *** بسيف أهل البغي شجا

يا يوم عاشوراء يوم *** فيه عرش اللّه عجا

يوم به سبط النبي *** على الثرى ملقا مسجا

لهفي لزينب اذ دعت *** يا كافلي أنت المرجا

أدعوك ما لك لا تجيب *** وليس لي الاك ملجا

طيب الرقاد هجرته *** اذ عذب عيشي صار مجا

أبكت رزيتك الكرام *** وأضحكت كلبا وعلجا

قد كنت شمس هداية *** فأخترت فوق الرمح برجا

سفن اصطباري قد غرقن *** وماج بحر الهم موجا

ضاقت علي فدافد *** الدنيا فلم أر قط نهجا

يا راكبا كور النياق *** يسج في الادلاج سجا

عرج الى أرض الغري *** وعرضن فجا ففجا

والثم ثرى أعتاب حيدر *** من به للناس منحا

قل يا علي حسين في أرض *** الطفوف بقى مسجا

ص: 249

طافت به في كربلاء *** عصائب فوجا ففوجا

يدعو الاهل راحم *** يرجو بيوم الحشر منجا

* * *

السيد أحمد الحسيني الرشتى المقتول سنة 1295 ، نشأ في بيئة أدبية علمية وتلقى الشعر والادب على أبيه السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتى ، وكانت الزعامة الدينية بهذا البيت وورثها السيد احمد عن أبيه وأصبح ديوانه حافلا بالادباء والشعراء. جاء في ( الكرام البررة ) ما نصه : السيد احمد بن السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي الحائري عالم أديب ، كان والده أرشد تلامذة الشيخ احمد الاحسائي قام بعده برئاسة الفرقة الشيخية الى أن توفي بكربلاء عام 1259 فقام مقامه ولده المترجم له تلميذ أبيه وانتهت اليه مرجعية قومه الى أن قتل غيلة ليلة الاثنين 17 جمادى الاولى 1295 وقام مقامه ولده قاسم سمي جده.

للشاعر قصائد متفرقة قالها في أغراض شتى وقد تناول في شعره مدح ورثاء أهل البيت صلوات اللّه عليهم كما رثى الامراء والعلماء ، ولشعره أثر كبير في الغزو الوهابي فقد عبر عن هذا الحادث المروع بحسرة ولوعة اذ أهينت حرمة كربلاء وانتهكت قدسيتها سنة 1216 وقتل عشرات الالوف من الابرياء. لذا اندفع السيد احمد يهنئ مدحت باشا قائد الجيش العثماني والذي فتح نجد فقال :

ص: 250

بدا نور ظل اللّه يشرق كالصبح *** فطبق وجه الارض بالعدل والنجح

مليك على العرش استوى ولعزه *** جميع ملوك الارض تعلن بالمدح

ارادته العظمى بنافذ أمره *** لقد صدرت كي يبدل الغي بالصلح

الى مدحة المولى الوزير الذي غدا *** لسيده ما اختار شيئا سوى النصح

من افتض بكر الفكر في طلب العلى *** فجاءته سعيا غير طاوية الكشح

وزير على متن الوزارة قد رقى *** أحاط بها خيرا فما احتاج للشرح

قد اقتطفت أهل القطيف ثمارها *** تأمله في دوحة العدل والصفح

ومذ فتحت نجد دعا السعد ارخوا *** لقد جاء نصر اللّه يزهر بالفتح

ومن شعره قوله أثناء رحيله الى الحج :

اسائل أهل الحي والدمع سائل *** أهل في حماكم للوصول وسائل

منازل كانت بالطفوف عهدتها *** تقاصر عنها في السماك منازل

أصعد أنفاسا لذكر أحبتي *** وأنى ودوني أبحر وجنادل

فقلبي كالرابور والطرف ماؤه *** فواعجبا للماء فيه مشاعل

فكم بابلي اللحظ تاه بحسنه *** وهاروت نادى سحري اليوم باطل

أنا البحر فوق البحر والغيث فوقنا *** ثلاث بحور ما لهن سواحل

جليسي كتاب والاكارم حولنا *** أجالسهم طورا وطورا أساجل

ومن روض أزهار الاحاديث أجتني *** ورودا بأكمام يحييه وابل

وفخر بني فهر بنا وبجدنا *** فان كنت في شك تجبك القبائل

فما وصف الطائي بعد ظهورنا *** ولا ذكرت بكر ولا قيل وائل

فقل للذي رام النجوم بشأونا *** تعبت فان البدر لا يتنازل

فان عيرتنا في علانا عصابة *** فعير قسا بالفهاهة باقل

( وقال الدجى للشمس أنت خفية *** وقال السهى للصبح لونك حائل )

ص: 251

وكم بللت من فيض بحر أكفنا *** تفيض عليها أبحر وجداول

يراعي أراع الناس طرا وانني *** أراعي حقوقا للعلى وأواصل

( واني وان كنت الاخير زمانه *** لآت بما لم تستطعه الاوائل )

فكم قد أقيمت في ثبوت مأثري *** شواهد فيما أدعي ودلائل

شموس سعودي أشرقت من بروجها *** وكوكب أعدائي بنوري آفل

ص: 252

الشيخ حمزة البصير

المتوفى 1297

الشيخ حمزة بن ناصر الحلي الشهير بالبصير ، شاعر مقبول وأديب نابه ، ذكره الشيخ النقدي في الروض النضير فقال : كان شاعرا أديبا أخذ عنه العلم جماعة من شعراء الحلة وتأدب عليه قسم كبير منهم ، وقد ذهب بصره على الكبر ، يقضي أكثر أوقاته في قرى العذار ، وله شعر في مدح أهل البيت علیهم السلام ورثائهم جاء في مجموعة صديقه الشيخ محمد الملا الحلي بعض أشعاره ، منه في رثاء الصديقة فاطمة الزهراء علیهاالسلام وله بمدح أهل البيت من قصيدة قالها عام 1279 :

هم حجج الرحمن آل محمد *** مناقبهم لن يحصهن معدد

صنايع باريهم وكل الورى لهم *** صنايع والرحمن للكل موجد (1)

بهم نزلت والمرسلات وهل أتى *** وطه وذوالقربى واياك نعبد

ولو يهتدي كل الورى بهداهم *** ورشدهم لم يلف في الارض ملحد

سيسأل من عاداهم وأحبهم *** بيوم به تشقى الانام وتسعد

وله مراث لاهل البيت بأوزان مختلفة يلحنها النواحون. أما قصيدته في الزهراء فاطمة فقد ذكر الشيخ اليعقوبي قسما منها كما ذكر الخاقاني في كتابه ( شعراء الحلة ) هذا القسم.

ص: 253


1- يشير الى قول الامام علیه السلام : نحن صنايع ربنا والناس بعد صنائع لنا. أي نحن الذين أدبنا اللّه تعالى وأفاض علينا من كمالاته ، ونحن تولينا تهذيب الناس وتعليمهم وتأديبهم وفي الحديث الشريف : أدبني ربي

الشيخ مهدي حجي

المتوفى 1298

لا تلمني على البكا والعويل *** لمصاب بكته عين الرسول

لست أنسى ركائبا لنزار *** صاح فيها حادي القضا بالرحيل

فامتطت للوغى متون عراب *** أرسلتها ضوابحا في الخيول

وانتضت للكفاح بيض صفاح *** صاقلات تفل حد الصقيل

وغدت تحصد الرؤوس لوي *** من بني حرب في القراع المهول

ودعاها القضا فلبت وخرت *** سجدا كالنجوم فوق الرمول

لهف نفسي لهم على الترب صرعى *** من شيوخ لهاشم وكهول

وقتيل لآل فهر خضيب *** بدماه نفسي الفدا للقتيل

* * *

الشيخ مهدي بن الشيخ صالح بن الشيخ قاسم بن الحاج محمد ابن أحمد الشهير بحجي الطائي الحويزي الزابي النجفي. شاعر فاضل وأديب كامل. وآل حجي أسرة علمية أدبية ، وقد سبقت ترجمة والده الشيخ صالح الكبير ، كتب عنه البحاثة علي الخاقاني في ( شعراء الغري ) ونقل عن الشيخ محمد رضا الغراوي انه كتب ديوانه الذي جمعه ولده الشيخ صالح وهو يقرب من خمسة آلاف بيتا. ولكنه فقد ولم يبق له أثر ، وروى له كثيرا من أدبه الفصيح ولونا من أدبه الشعبي من ( الموال ) و ( القصيد ) و ( البوذية ).

ص: 254

السيد موسى الطالقاني

المتوفى 1298

مهج بنيران الفراق تذاب *** فيجود فيها للجفون سحاب

ومنها :

أنخ الركاب فانما هي بقعة *** فيها لأحمد قد أنبخ ركاب

واعقل قلوصك انما هو مربع *** ضربت لآل اللّه فيه قباب

يا نازلين بكربلا كم مهجة *** فيكم بفادحة الكروب تصاب

ما فيكم الا عميد سرية *** في الروع لا نكل ولا هياب

ومعانق سمر الرماح كأنها *** تحت العجاج كواعب أتراب

بطل ينكره الغبار وعابد *** ما أنكرته الحرب والمحراب

شهب بضيء بها المحارب في الدجى *** وهموا لابطال الحروب شهاب

كم موقف لهم به خرس الردى *** رعبا وضاقت بالكماة رحاب

وجثوا لشارعة الرماح بمعرك *** كادت تزول به ربى وهضاب

عثرت بأشراك المنية منهم *** شيب يزينها النهى وشباب

وثووا ثلاثا لا ضريح موسد *** لهم يشق ولا يهال تراب

وسطا الهزبر ففر جند ضلالها *** من بأسه وتفرق الاحزاب

أسد يفر الموت خيفة بطشه *** وله الأسنة في الكريهة غاب

ريان أفئدة الصوارم قد قضى *** ظمآن يرنو الماء وهو عباب

شاء الاله بآن يراه مجدلا *** وعليه من فيض الدما جلباب

ص: 255

ثاو على الرمضاء غير موسد *** تحنو عليه قواضب وحراب

وبنات وحي اللّه ما بين العدى *** تطوى بهن فدافد وشعاب

أسرى تساق على النياق حواسرا *** ولهن من حلل العفاف حجاب

نهب قفار البيد ناحل جسمها *** بالسير واستلب القلوب مصاب

ومروعة تدعو الكفيل وما لها *** الا بقارعة السياط جواب (1)

* * *

هو السيد موسى بن السيد جعفر بن السيد علي بن السيد حسين الطالقاني النجفي. ولد في النجف سنة 1250 ه- وكانت وفاته سنة 1298 ودفن بالنجف.

معروف بالفضل والادب وله ديوان يحتوي على شعره بمختلف المناسبات. ومن شعره قصيدة رائية يمدح بها الميرزا باقر بن الميرزا خليل الرازي النجفي ويهنئه بزفاف ولديه الشيخ صادق والميرزا كاظم ومن شعره أيضا قوله :

أحباي قد ضاق رحب الفضا *** علي وأظلم غرب وشرق

ومذ راعني هول ليل النوى *** تيقنت أن القيامة حق

فكم ليلة بتها ساهرا *** وللريح حولي رفيف وخفق

وقد جال في الجو جيش الغمام *** وطبل الرعيد بعنف يدق

فيخفق قلبي لخفق الرياح *** ويسكب جفني اذا لاح برق

سهرت وقد نام جفن الخليل *** ونحت وغنت على الدوح ورق

وحق لها دون قلبي العنا *** واني بالنوح منها أحق

فما غاب عن عينها الفها *** ولا هاجهن الى الكوخ شأوق

وطبع أخيرا ديوانه بمطابع النجف ، وأعقب الشاعر الاديب السيد محمد تقي المتوفى سنة 1354 وتأتي بعون اللّه في الجزء الآتي تراجم لأسرة آل الطالقاني.

ص: 256


1- عن الديوان.

السيد ميرزا جعفر القزويني

اشارة

المتوفى 1298

سأمضي لنيل المعالي بدارا *** وأطلب فوق السماكين دارا

يطالبني حسبي بالنهوض *** وأن لا أقر بدار قرارا

تقول لي النفس شمر وسر *** مسير همام عن الضيم سارا

فما أنت باغ بهذا القعود *** تظمى مرارا وتروى مرارا

فقلت سأخلع توب الهوان *** وأدمي الاكف دماء غزارا

وأجلبها كل طلق اليدين *** يؤجج في دارة الحرب نارا

وأنصب نفسي مرمى الحتوف *** اذا ما تنادى الرجال الفرارا

كيوم ابن أحمد والعاديات *** تثير بأرجلهن الغبارا

غدات حسين بأرض الطفوف *** وبحر المنايا عليه استدارا

أتت نحوه مثل مجرى السيول *** حرب بخيل ملأن القفارا

تحاوله الضيم في حكمها *** ويأبى له السيف الا الفخارا

فأقسم اما لقاء الحمام *** أولا يرى للأعادي ديارا

بآساد ملحمة لا تكاد *** تعرف يوم الهياج الحذارا

وغلب اذا ما انتفضوا للوغى *** أباحوا رقاب الاعادي الشفارا

بكل كمي تسير النفوس *** على صفحتي سيفه حيث سارا

وذي عزمات يخال الردى *** اذا سعر الحرب كاسا عقارا

فدى لسراة بني غالب *** حمام العدو اذا النقع ثارا

حماة النزيل كرام القبيل *** اذا صوح العام أرضا بوارا

ص: 257

تداعوا صباحا لورد المنون *** فانتثروا في الصعيد انتثارا

بنفسي بحور ندى غيضت *** وكان يمد نداها البحارا

بنفسي بدور هدى غيبت *** ومنها هلال السماء استنارا

بنفسي جسوما بحر الهجير *** ثلاث ليال غدت لا توارى

بنفسي رؤوسا بسمر القنا *** يطاف بهن يمينا يسارا

وطفلا يكابد حر الأوام *** وآخر يلقى المواضي حرارا

وحسرى تصعد أنفاسها *** فتعرب عما أسرت جهارا

ترى قومها جثما في العراء *** فينهمر الدمع منها انهمارا

فيا راكبا ظهر غيداقة *** طوت قطع البيد دارا فدارا

بأخفافها تترامى الحصى *** فتقدح كالزند منها شرارا

أنخها صباحا بجنب البقيع *** وناد حماة المعالي نزارا

بأن دماء بني الوحي قد *** أطلت لدى آل حرب جبارا (1)

وان ابن أحمد منه العدى *** تبل سنانا وتروي غرارا

ونسوته فوق عجف النياق *** تحملهن الاعادي أسارى

يطفن بها فدفدا فدفدا *** ويقطعن فيها ديارا ديارا

تقول وقد خلفت في الثرى *** جسوما لاكفائها لا توارى

ألا أين هاشم أحمى الورى *** ذمارا وأزكى البرايا نجارا

لتنظر ما نال منا العدى *** فتعدو على آل حرب غيارى

وتروي صدى بيضها من دما *** عداها وتطلب بالثار ثارا

ألا يا بني الطهر يا من بهم *** يغاث الانام اذا الدهر جارا

اليكم بني الوحي من ( جعفر ) *** بديعة فكر بكم لا تجارى

تباري النجوم بألفاظها *** وان هي قد أصبحت لا تبارى

وصلى عليكم اله السماء *** ما فلك الكائنات استدارا

ص: 258


1- جبار بالضم الهدر والباطل.

جاء في ( البابليات ) هو أبو موسى جعفر بن معز الدين المهدي ابن الحسن بن أحمد الحسيني القزويني ، الحلي مولدا ومنشأ ومسكنا. قال عنه معاصره شيخنا الاجل العلامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء « ره » في « الحصون » : ( كان عالما فقيها أصوليا منشئا بليغا رئيسا جليلا مهابا مطاعا لدى أهالي الحلة مسموع الكلمة عند حكامها وأمرائها. ولما هاجر أبوه الى النجف في أواخر حياته استقل هو بأعباء الرئاسة في الحلة وأطرافها ، فكان فيها مرجع الفقراء وموئل الضعفاء تأوي الى داره الالوف من الضيوف من أهل الحضارة والبادية التي مرجعها لواء الحلة لاجل حوائجهم وهو يقضيها لدى الحكام وولاة بغداد غير باخل بجاهه ، وكان ثبت الجنان طلق اللسان يتكلم باللغات الثلاث : العربية والتركية والفارسية ودرس العلوم اللسانية في الحلة وحضر مدة مكثه في النجف على خاله الشيخ مهدي بن الشيخ علي في بحوثه الفقهية وفي الاصول على الشيخ مرتضى الانصاري والملا محمد الايرواني وبعد رجوعه الى الحلة حضر عند والده كما حضر عنده جماعة من فضلاء الحلة. وله من المؤلفات « التلويحات الغروية » في الاصول و « الاشراقات » في المنطق وغيرهما وكان أغلب اشتغاله في حسم الخصومات وقضاء حوائج الناس مما ترك ألسن الخاصة والعامة تلهج بالثناء عليه الى اليوم وكانت الدنيا زاهرة في أيامه وعيون أحبابه قريرة في حياته ) اه.

وقد ذكره خاتمة المحدثين الشيخ النوري في « دار السلام » بعبارات تدل على علو مقامه. وأنبأنا سيدنا الاستاذ الاعظم شقيقه السيد محمد عن عمر أخيه المترجم له يوم وفاته كان خمسا وأربعين سنة فيكون مولده سنة 1253 وهي السنة التي

ص: 259

توفي فيها جده لأمه الشيخ علي بن الشيخ جعفر ومن هنا يظهر لك السهو الذي ورد في ترجمته في « أعيان الشيعة » من كونه « تخرج بخاله الشيخ علي » لان الشيخ علي جد المترجم لا خاله. وولادته سنة وفاة جده ، فكيف يكون تخرج عليه ، والصحيح انه تخرج بخاله الشيخ مهدي بن الشيخ علي كما ذكرنا آنفا ، ومما يؤكد لدينا أن مولده كان في الحلة قوله في فقرات نثرية من رسالة طويلة بعث بها الى خاله وأستاذه المهدي يخبره بوصوله الى الحلة عائدا اليها من زيارة النجف ويصف استقبال الحليين له : « وطلعت علينا هوادي الخيل وجرت الينا أبناء الفيحاء مثل مجرى السيل فأمطنا بتلك الارض نقاب التعب وشققنا بها قميص النصب ثم دخلنا بابل وحللنا تلك المنازل :

بلاد بها حل الشباب تمائمي *** وأول أرض مس جلدي ترابها

أجاب داعي ربه أول المحرم سنة 1298 في الحلة وحمل نعشه على الرؤوس والاعناق الى النجف وما مروا فيه بمكان الا واستقبل مشيعا بالبكاء والعويل ودفن في رأس الساباط مما يلي « التكية » من الصحن الحيدري. وقد حدثنا الوالد رحمه اللّه عما شاهده في النجف يوم ورود جثمانه اليها مما لم يتفق مثله لعظيم مات قبله وخرج الناس لتغسيله في بحيرة النجف في الموضع المعروف ب- ( البركة ) ولما رجعوا به للصلاة عليه في الصحن الحيدري تقدم والده المهدي وأم الناس للصلاة فانصدعت الجماهير أيما انصداع وارتفعت الاصوات بالنحيب من كل جانب فعندها تقدم العالم الرباني الشيخ جعفر الشوشتري وأم الجماعة ليسكن هيجان الناس وصلى أبوه عليه مأموما بصلاة الشيخ والى ذلك أشار الشيخ حمادي نوح في مرثيته له :

ص: 260

لو لا الامام صدوق النسك يقدمنا *** سوى أبيك اماما قط ما اعتبروا

في ( جعفر ) الصادق الهادي اقتدت أمم *** صلت عليك وأملاك السما أمروا

ورغب الشيخ المذكور أن يكون قبره قريبا منه فعمر له قبرا من حجرات الصحن مقابلا له وبينهما الطريق ودفن السيد حيدر الحلي بينهما بعد ست سنوات. وأقيمت له المآتم في كل مكان ورثته شعراء النجف والحلة وغيرهما حتى أن السيد حيدر جمع مراثيه ورتبها وجعل لها مقدمة شجية سماها : « الاحزان في خير انسان » تقع في 95 صحيفة واليك أسماء الشعراء الذين أبدعوا في تأبينه ورثائه « 1 » أخوه السيد ميرزا صالح « 2 » أخوه السيد محمد « 3 » أخوه السيد حسين « 4 » السيد حيدر الحلي « 5 » السيد محمد سعيد الحبوبي « 6 » السيد ابراهيم الطباطبائي « 7 » الشيح حمادي نوح « 8 » الشيخ محسن الخضري « 9 » السيد جعفر الحلي « 10 » الحاج حسن القيم « 11 » السيد عبد المطلب الحلي « 12 » الحسين ابن السيد حيدر « 13 » الشيخ عباس الاعسم « 14 » السيد جعفر زوين « 15 » الشيخ حسين الدجيلي « 16 » الشيخ علي عوض « 17 » الشيخ حسون الحلي « 18 » الشيخ محمد التبريزي « 19 » الشيخ حسن مصبح « 20 » الشيخ درويش الحلي « 21 » الشيخ عباس العذاري « 22 » الشيخ محمد الملا. وربما رثاه بعضهم بقصيدتين أو ثلاث.

حياته العلمية والادبية :

أما حظه من العلم والعرفان فهو البحر الذي لا ينزف وقد

ص: 261

أجيز بالاجتهاد والفتوى من والده ومشاهير علماء عصره وقد اجتمعت في ذاته الكريمة المتناقضات فانه جمع الى عظيم الهيبة والعزة ونظافة البزة وترف العيش ، تواضع جده النبي وزهد والده الوصي وكان مع شغله الدائم بادراة شؤون الاسرة والبلد واهتمامه بكل صغير وكبير من أمور الناس وابتلائه بمخالطة الحكام وأولي الامر وما أودع اللّه له من المحبة في قلوبهم والهيبة في عيونهم لا يفوته ورد من أوراده ولا ذكر من أذكاره ولا نافلة من صلاته وما ظنك بمن أصبح موضع الثقة عند والده بحيث ينوب عنه في صلاته وفي كل ما يتعلق به من مهماته. وأما طول باعه في النظم والنثر فحدث ولا حرج. ولولا خوف الاطالة وخشية الملل لذكرنا نماذج من رسائله التي كاتب بها جماعة من العلماء والادباء كخاليه الشيخ مهدي والشيخ عباس والسيد جعفر الخرسان والسيد نعمان الالوسي وآل جميل وغيرهم وكلها تدل على تضلعه في الحكمة والفلسفة والادب والتاريخ واللغة. وقد أثبت سيدنا الامين في « الاعيان » كثيرا من رسائله وقليلا من مراثيه الحسينية ومقاطيعه الشعرية ، وكتب في صدر رسالة الى خاله العباس بن علي بن جعفر كاشف الغطاء :

الى الخال الذي في وجنة الدهر غدا خال

ومن فاق على الآل بأقوال وأفعال

وبالسيف وعند الصيف صوام وصوال

ويوم المحل للوافد بالعسجد هطال

هو ( العباس ) والبسام ان جاد وان جال

فلا زال وحيدا بين أهل الفضل لا زال

وكتب اليه أخوه العلامة السيد حسين من النجف الى الحلة وقد

ص: 262

بلغه عنه أنه كان مريضا :

بنفسي وقل بها أفتديك *** ( لو أن مولى بعبد فدي )

ويفديك ما منك قد نلته *** جميعا وما ملكته يدي

وجودك علة هذا الوجود *** وجودك بلغة من يجتدي

وشخصك انسان عين الزمان *** ولولاك ضل فلم يهتد

على مضض كم طويت الضلوع *** بليلة ذي العائر الارمد

وما بين جنبي ذات الوقود *** يشب سناها الى الفرقد

فلو أنها أضرمت للخليل *** ونودي - يا نار - لم تبرد

فأجابه سيدنا المترجم :

أبا المرتضى قد غبت عني بساعة *** بها الموت أدنى من جبيني الى نحري

فكم ليلة قد بتها متيقنا *** بأني ألاقي في صبيحتها قبري

أكابد من طول الليالي شدائدا *** كأن الليالي قد خلقن بلا فجر

على حالة لم أدر من كان عائدي *** هناك ولم أشعر بزيد ولا عمرو

وما طلبت نفسي سوى أن أراكم *** وليس سوى ذكراكم مر في فكري

وله :

الطرف بعدك لا ينفك في سهر *** والقلب بعدك لا ينفك في شغل

يعقوب حزنك أبلاه الضنى فعسى *** من رد يوسف لطفا أن يردك لي

وكتب الى أخويه العلامتين محمد والحسين بعد شفائه من مرضه :

أيا أخوي الذين هما *** أعز على النفس من ناظري

عذرتكما حيث لم تحضرا *** ولم يك من غاب كالحاضر

لقد بطشت بي كف السقام *** على غفلة بطشة القادر

ص: 263

فغودرت في لهوان المنون *** ولست بناه ولا آمر

فكم ليلة بتها والضنا *** ضجيعي كليلة ذي العائر (1)

على أن نفسي تشتاقكم *** كشوق الربى للحيا الماطر

تداركني اللّه من لطفه *** فأصبحت في فضله الوافر

وكان - ره - على سرعة خاطره في النظم غير مكثر منه لانه يعد الشعر دون مقامه وليس له من القصائد المطولة سوى ما قاله في أجداده الطاهرين (عليهم السلام). وقد حدثنا جماعة من معاصريه أنه كان يستقبل هلال المحرم من كل عام بقصيدة يؤبن فيها جده الحسين (عليه السلام) وتنشد في المأتم الذي ينعقد في دارهم العامرة طلبا للأجر ومساهمة في تلك الخدمه الكبرى.

أقول وقد جمع الشيخ اليعقوبي رحمه اللّه هذه القصائد في كراسه ونشرها وأسماها ب- ( الجعفريات ) طبعت بمطابع النجف الاشرف سنة 1369 ه- واليك واحدة منها :

سل عن أهيل الحي من وادي النقا *** أمغربا قد يمموا أم مشرقا

يقدح زند الشوق في قلبي اذا *** ذكرت في زرود ما قد سبقا

وفي لهيب لوعتي وعبرتي *** أكاد أن أغرق أو أحترقا

ما أومض البرق بأكناف الحمى *** من أرضهم الا وقلبي خفقا

ولا انبرت ريح الصبا من نحوهم *** الا شممت من شذاها عبقا

من ناشد لي بالركاب مهجة *** قد تبعت يوم الرحيل الانيقا

عهدتها أسيرة بحبهم *** فمن لها يوم المسير أطلقا

يا أيها الغادون مني لكم *** شوق أذاب الجسم مني أرقا

ص: 264


1- العائر : الذي في عينه قذى.

أبقيتم مضنى لكم لا يرتجى *** له الشفا ولا تسليه الرقى (1)

لو يحمد الدمع على غير بني أحمد *** منه الدمع حزنا لا رقا (2)

القاتلين المحل ان تتابعت *** شهب السنين جمعا وفرقا

والقائدين الجيش يملأ الفضا *** رعبا وسكان البسيط رهقا

والباذلين في الاله أنفسا *** لاجلها ما في الوجود خلقا

انسان عيني في بحار أدمعي *** لما جرى يوم الطفوف غرقا

وبحر أحزاني مديد وافر *** لو مد منه البحر ما تدفقا

اذا ذكرت كرب يوم كربلا *** تكاد نفسي حزنا أن تزهقا

جل فهان كل رزء بعده *** يأتي وأنسى كل رزء سبقا

وعصبة من شيبة الحمد لها *** حرب رمت حربا يشيب المفرقا

قادت لها الجيش اللّهام عندما *** جاش قديم كفرها واتفقا

وقامت الحرب تحييها على *** ساق لما منها رأت في الملتقى

فاستقبلت فرسانها باسمة *** الثغر بعزم ثابت عند اللقا

واستنهضت قواطعا كم قطعت *** رأس رئيس وأبانت مرفقا

ما أغسقت ظلمة ليل نقعها *** الا جلا فجر سناها الغسقا (3)

فأحرقت شهب ظباها كل شيطا *** ن وغى للسمع منها استرقا

كم مفرد لا ينثني حتى يرى *** صحيح جمع القوم قد تفرقا

لله يومهم وقد أبكى السما *** له دما طرز فيه الافقا

ما سئموا ورد الردى ولا اتقوا *** بأس العدا ولا تولوا فرقا (4)

حتى تفانوا والأسى في مصرع *** فيه التقى الدين الحنيف والتقى (5)

ص: 265


1- الرقى : جمع رقية العوذة.
2- رقأ الدمع جف. وسكن.
3- الغسق : ظلمة أول الليل.
4- فرق : الفزع والخوف.
5- الاسى جمع أسوة القدوة وتأسوا آسى بعضهم بعضا.

غص بهم فم الردى من بعد ما *** كان بهم وجه الزمان مشرقا

فكم خليل من بني أحمد ألقاه *** بنار الحرب نمرود الشقا

وكم ذبيح من بني فاطمة *** يرى الفنا في ربه عين البقا

وكم كليم قد تجلت للورى *** أنواره مذ خر يهوى صعقا

يا خائضا أمواج تيار الفلا *** كأنه البرق اذا تألقا

من فوق مفتول الذراع سابح *** قد عز شان شأوه أن يلحقا

يكاد أن يخرج من اهابه *** اذا تولى مغربا أو مشرقا

لوكان لا يهوى الانيس في السرى *** رأيته لظله قد سبقا

وطائر الخيال لو رام بأن *** يجري على منواله لحلقا

عج بالبقيع ناعيا لأهله *** مهابط الوحي وأعلام التقى

قل يا بني فهر الألى سيوفهم *** أوهت قوى الضلال حين استوسقا

والمرغمين يوم بدر بالظبى *** معاطس الشرك وآناف الشقا

والفاتحين يوم فتح مكة *** بقضبهم للدين بابا مغلقا

حي على الحرب فقد القحها *** بالطف أبناء العتاة الطلقا (1)

عادت بها هدرا دماؤكم لدى *** رجس عن الدين القويم مرقا

ورأس سبط أحمد يهدى لمن *** يوما بشرع أحمد ما صدقا

والطاهرات من بنات فاطم *** لم تبق منها النائبات رمقا

لا عذب الماء الفرات لامرئ *** على ولا آل النبي خلقا

ولا سقى الرحمن صوب عفوه *** من منه أبناء النبي ما سقى

وآعجبا يقضي الحسين ظاميا *** وماؤه القراح ما ترنقا

ص: 266


1- يشير الى قول النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم الفتح لاهل مكة اذهبوا فأنتم الطلقاء وكان منهم أبو سفيان وابنه معاوية.

وللسماء كيف لم تهو على الغبر *** ا وقد هوى الحسين صعقا

والارض ما ساخت بأهليها وقد *** ثوى عليها عاري الجسم لقى

يا لك من رزء به قلب الهدى *** شجوا بنيران الهموم احترقا

وفادح أبكى السموات العلى *** دما به جيد الاثير طوقا

عسى يديل اللّه من أمية *** يوما لقاؤه يشيب المفرقا

بحيث لم تلف لها من ملجأ *** ينجي ولا في الارض تلقى نفقا

ص: 267

الشيخ صادق أطيمش

المتوفى 1298

قال يرثي الحسين (عليه السلام) :

أرق بالطف وكف الدمع سكبا *** فقد أمسى به الاسلام نهبا

غداة أقامت الهيجاء حرب *** وآل أمية بالطف حربا

رمت حزب الاله به وقادت *** عليهم من بني الطلقاء حزبا

سطت فسطا أبو الاشبال فردا *** وأوسعهم بها طعنا وضربا

الى أن خر في البيدا صريعا *** وأظلم يومه شرقا وغربا

ألا أبلغ سراة المجد كعبا *** وعدنان الاولى ولوي عتبا

أتعلم بابن فاطمة ذبيحا *** سقته من نجيع النحر شربا

وهل تدري كرائمه أسارى *** تجوب بهن صعب العيس سهبا

وأن ستورها عنها أميطت *** وقد هتك العداة لهن حجبا

* * *

الشيخ صادق بن الشيخ احمد أحد أعلام الفضل ورجال الادب ، وهو أشهر رجال هذه الاسرة وأول من اشتهر منها بالعلم هاجر الى النجف على عهد والده فاشتغل بطلب العلم ودرس على علماء عصره فأصبح أحد أعلام النجف علما وفضلا وأدبا ثم كر راجعا الى بلاده بعد أن حاز رتبة الاجتهاد ونزل في الارض العائدة الى جده فأخذ بمجامع القلوب وأقبلت عليه الوجوه

ص: 268

والاعيان من تلك الانحاء فصار من المراجع في القضاء والفتيا وكان شهما هماما سخيا كريما مرجعا لامراء المنتفك يرجعون اليه ويأخذون برأيه ، جلب قلوب الناس بتقواه وسماحته وكرم أخلاقه ولما امتاز به من أمهات الغرائز علا شأنه وارتفع ذكره فقصده أهل الفضل من ذوي الحاجات والمعوزين قال معالي الشبيبي عنه : كان فقيها كبيرا وأديبا ضليعا وصارت اليه الرئاسة والامامة في تلك الديار ( ديار المنتفك ) وله بها ضياع ومزارع معروفة الى اليوم وهو جد الشبيبي الكبير لأمه وهو الذي قام بتربيته وكان كثير الرعاية له والعناية به حريصا على تربيته وتهذيبه.

وكان شاعرا مجيدا شعره سلس اللفظ فخم المعنى خفيف على السمع.

توفي سنة 1299 في الغراف ونقل الى النجف ودفن فيها وخلف عدة أولاد أكبرهم وأشهرهم الشيخ باقر وهو ممن هاجر الى النجف واشتغل بتحصيل العلم حتى صار من أهل الفضل وكان والد المترجم له الشيخ احمد هو أول من هاجر الى النجف وغرس بذرة العلم في هذه الاسرة على عهد الشيخ الكبير صاحب كشف الغطاء وكان من أهل العلم.

أقول ومقبرته المدفون بها تقع في محلة البراق احدى محال النجف ، ورأيت في كتب النسب سلسلة نسبه فهو صادق بن محمد ابن احمد بن اطيمش الربعي نسبة الى ربيعة القبيلة العربية الشهيرة في التاريخ ورأيت في بعض المخطوطات مراسلات ومكاتبات كثيرة وله مراث في الائمة الطاهرين علیهم السلام كما روى السماوي في ( الطليعة ) ذلك.

ص: 269

ناصر بن نصر اللّه

المتوفى 1299

أرقنى رزء لآل المصطفى *** حتى لذيذ الغمض مقلتى جفا

رزء الحسين السبط سبط احمد *** خير بني حوا علا وشرفا

له أنسه يجوب كل فدفد *** يشق منه صفصفا فصفصفا

وأبأبي معفرا على الثرى *** ورأسه في الرمح يتلو المصحفا

أفلاكها تعطلت لفقده *** أملاكها تبكي عليه أسفا

أندية العلم ألا فاندرسي *** عميدها مربعة لقد عفا

العالم الشيخ ناصر بن احمد بن نصر اللّه أبو السعود القطيفي ، له شعر كثير في مراثي الامام الحسين (عليه السلام) وله منظومة في الاصول الخمسة. وآل نصر اللّه وآل أبي السعود قبيلتان عريقتان في النسب لهم الزعامة ولمع منهم أدباء وشعراء وصلحاء ومنهم المترجم له ، قال في ( أنوار البدرين ) : هو من المعاصرين وقد قرأ علي كثيرا من شعره توفي سنة 1299 وتاريخ وفاته ( تبكي المدارس فقد ناصرها ).

وللمترجم له ولد اسمه الشيخ عبداللّه بن الشيخ ناصر ، ذكره صاحب انوار البدرين بعد ترجمة أبيه فقال : وله ولد صالح فاضل عالم اسمه الشيخ عبد اللّه سلمه اللّه له شعر كثير في الرثاء على سيد الشهداء وله منظومة في صاحب العصر والزمان وله قصيدتان في رثاء شيخنا العلامة الصالح الرباني وكان ممن قرأ عليه وحضر لديه. انتهى.

ص: 270

السيد مهدي القزويني

اشارة

المتوفى 1300

حرام لعيني أن يجف لها قطر *** وان طالت الايام واتصل العمر

وما لعيون لا تجود دموعها *** همولا وقلب لا يذوب جوى عذر

على أن طول الوجد لم يبق عبرة *** وان مدها من كل جارحة بحر

كذا فليجل الخطب وليفدح الاسى *** ويصبح كالخنساء من قلبه صخر

لفقد امام طبق الكون رزؤه *** وناحت عليه الشمس والانجم الزهر

وماجت له السبع الطباق ودكدكت *** له الشامخات الشم وانخسف البدر

ورجت له الارضون حزنا وزلزلت *** وضجت على الافلاك املاكها الغر

وقد لبست أكناف مكة والصفا *** عليه ثياب الحزن وانهتك الستر

يصول عليهم صولة حيدرية *** متى كر في أوساط دارتهم فروا

بغلب رقاب من لوي تدفعوا *** الى الموت لا يلوي لديهم اذا كروا

أطل عليهم والمنايا شواخص *** وعين الردى فيها نواظرها شزر

وما الموت الا طوع كف يمينه *** له وعليه ان سطا النهي والامر

الى أن ثوى تحت العجاج تلفه *** برود تقي من تحتها الحمد والشكر

فتى كان للاجي مغيثا ومنعة *** وغيثا لراجيه اذا مسه الضر

فتى رضت الجرد المضامير صدره *** فأكرم به صدرا له في العلى الصدر

* * *

ص: 271

أبو جعفر معز الدين محمد بن الحسن المدعو بالسيد مهدي الحسيني الشهر بالقزويني من أشهر مراجع الامامية وزعمائها العظام الذين نهضوا بزعامة التقليد والمرجعية العامة في أواخر القرن الثالث عشر بعد وفاة شيخ الطائفة الشيخ مرتضى الانصاري - ره -. وانما قدمنا ذكر ولده السيد ميرزا جعفر على ذكره لانه سبق أباه في الوفاة بعامين.

جاء في ( البابليات ) : ولد المترجم - ره - سنة 1222 ه- في النجف الاشرف وبها حصل ما حصل من العلوم العقلية والنقلية وقد أخذ عن فطاحل أساتذة عصره فمنهم العلامة الفقيه الشيخ موسى وأخوه الشيخ علي والشيخ حسن أنجال الاستاذ الاكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وعمه السيد باقر والسيد علي والسيد تقي آل القزويني ، ونال مرتبة الاجتهاد بشهادات واجازات ممن ذكرناهم وهو ابن 18 سنة.

وقال سيدنا الحجة المؤتمن أبو محمد الحسن بن الهادي آل صدر الدين الكاظمي في تكملة أمل الامل - فلما بلغ المترجم تسع عشرة سنة أجازه العلامة السيد محمد تقي القزويني تلميذ السيد محمد المجاهد الطباطبائي وكتب له اجازة مبسوطة رأيتها مجلدة تاريخها 18 محرم سنة 1241 وقد أثنى عليه ثناء حسنا. 1 ه.

وابتدأ من ذلك العهد بالتصنيف ولم يزل حتى بعد كبر سنه وشيخوخته مكبا على البحث والتدريس والمذاكرة والتأليف وهو مع ذلك في جميع حالاته محافظ على أوراده وعباداته في لياليه وخلواته مدئبا نفسه في مرضاة ربه وما يقر به الى الفوز بجواره

ص: 272

وقربه لا يفتر عن اجابة المؤمنين في دعواتهم وقضاء حقوقهم وحاجاتهم وفصل خصوماتهم في منازعاتهم حتى انه في حال اشتغاله في التأليف ليوفي الجليس حقه والسائل مسألته والطالب دعوته ويسمع من المتخاصمين ويقضي بينهم بعد الوقوف على كلام الطرفين فما أولاه بما قال فيه الكواز الكبير من قصيدة :

يحدث أصحابا ويقضي خصومة

ويرسم منثور العلوم الغرائب (1)

وهاجر الى الحلة حوالي سنة 1253 وقد تجاوز عمره الثلاثين وبقي الى أواخر العقد التاسع من القرن المذكور فأخذت قوافل الزائرين من مقلديه من ايران وغيرها تتردد الى الحلة لزيارته - بعد اداء مراسيم زيارة العتبات المقدسة - حتى تغص فيهم الدور والمساكن ، الامر الذي اضطره الى القفول الى النجف والاقامة فيها وأولاده في خدمته عدا السيد ميرزا جعفر فانه بقي في الحلة ليقوم مقام ابيه في المهمات والمراجعات حتى توفي بها في حياة والده.

وقد تعرض لذكر سيدنا المترجم العلامة الجليل الشيخ ميرزا حسين النوري في « دار السلام » و « جنة المأوى » و « النجم الثاقب » و « الكلمة الطيبة » و « المستدرك ». ونقل نص ما قاله عنه صاحب كتاب « المآثر والآثار » - بالفارسية - بعنوان « الحاج سيد محمد مهدي القزويني الاصل الحلي المسكن ». نقل المحدث القمي الشيخ عباس في « الكنى والالقاب » عن شيخه النوري ما نصه :

ص: 273


1- عن رسالة السيد حسين القزويني في أحوال السيد المترجم له.

السيد الاجل السيد مهدي القزويني الحلي ذكره شيخنا صاحب المستدرك في مشايخ اجازته بالتعظيم والتجليل بعبارات رائقة ثم قال : وهو من العصابة الذين فازوا بلقاء من الى لقائه تمد الاعناق صلوات اللّه عليه ، ثلاث مرات وشاهد الآيات البينات والمعجزات الباهرات ثم ذكر انه ورث العلم والعمل عن عمه الاجل الاكمل السيد باقر صاحب سر خاله بحر العلوم وكان عمه أدبه ورباه وأطلعه على أسراره وذكر انه لما هاجر الى الحلة صار ببركة دعوته من داخل الحلة وأطرافها من طوائف الاعراب قريبا من مائة الف نفس اماميا مواليا لاوليا اللّه ثم ذكر كمالاته النفسية ومجاهداته وتصانيفه في الدين وغير ذلك قال : وكنت معه في طريق الحج ذهابا وايابا وصلينا معه في مسجد « الغدير » و « الجحفة » وتوفي - ره - في 12 ع 1 سنة 1300 قبل الوصول الى السماوة بخمسة فراسخ تقريبا وظهر منه حينئذ كرامة باهرة بمحضر جماعة من الموافق والمخالف. انتهى ملخصا. وقال المؤرخ السيد حسون البراقي في آخر كتاب « الدرة الغروية » عند ذكر وفيات جماعة من علماء عصره : ومنهم السيد الهمام والحبر القمقام صاحب العلوم العجيبة والتصانيف الغريبة السيد مهدي القزويني فانه توفي عند رجوعه من بيت اللّه الحرام على بعد فرسخين من السماوة في طريق « السلمان » وجاءوا به عصر يوم الاحد ال- 25 من ربيع الاول وكانت وفاته عصر الثلاثاء ال- 13 من الشهر المذكور من سنة 1300 ودفن قرب عمه السيد باقر القزويني.

رثاه السيد حيدر الحلي بقصيدته الرنانة التي استهلها بقوله :

أرى الارض قد مارت لامر يهولها *** فهل طرق الدنيا فناء يزيلها

ص: 274

ومنهم العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي بقصيدته العصماء التي مطلعها :

سرى وحداء الركب حمد أياديه *** وآب ولا حاد لهم غير ناعيه

آثاره ومؤلفاته :

المترجم له تصانيف جمة في الفقه وأصوله والرياضيات والطبيعيات والتفسير وغير ذلك ما بين كتب ورسائل ، فمنها في الفقه ، بصائر المجتهدين في شرح تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي وهو كتاب شافي وافي مبسوط في الاستدلال كثير الفروع غزير الاحاطة لا سيما في المعاملات استوفى فيه تمام الفقه في ضمن خمسة عشر مجلدا من أول الطهارة الى آخر الديات عدا الحج. ومختصر هذا الكتاب : وقد اختصره في ضمن ثلاث مجلدات وهو على اختصاره كثير النفع لا يكاد يشذ عنه فرع مع الاشارة الى الدليل ، مواهب الافهام في شرح شرايع الاسلام : في سبع مجلدات وهو كتاب في الاستدلال مبسوط لا يكاد يشذ عنه فرع مع الاشارة الى الدليل ، مواهب الافهام في شرح شرايع الاسلام : في سبع مجلدات وهو كتاب في الاستدلال مبسوط لا يكاد يوجد في كتب المتأخرين أبسط منه جمع فيه بين طريقة الاستدلال والتفريع وما يقتضي له التعرض من أحوال رجال الحديث. نفائس الاحكام برز منه أكثر العبادات والمعاملات وهو حسن التأليف واسع الدائرة لا ينفك عن الاشارة الى أدلة الاحكام مع ما اشتملت عليه مقدمته من المسائل الاصولية ، واليه يشير السيد حيدر الحلي في احدى قصائده :

له « نفائس » علم كلها درر *** والبحر يبرز عنه أنفس الدرر

لو أصبحت علماء الارض واردة *** منه لما رغبت عنه الى الصدر

القواعد الكلية الفقهية : حسن الترتيب جاعلا للقواعد كلا

ص: 275

في بابه للسهولة على طلابه ، فلك النجاة في أحكام الهداة : وافية بتمام العبادات ، وسيلة المقلدين الى احكام الدين برز منها كتاب الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف حسنة الاختصار ، رسالة في المواريث بتمام أحكامه جيدة التفريع ، رسالة في الرضاع وتسمى اللمعات البغدادية في الاحكام الرضاعية ، رسالة تشتمل على بيان أحوال الانسان في عوالمه وما يكون فيه سببا في تكليف غيره من الاحكام الشرعية الفقهية وهي آخر تأليفاته وتصنيفاته وعليها جف قلمه الشريف كتبها في مكة المشرفة ، منسك في أحكام الحج كبير ، منظومة في الفقه برز منها تمام العبادات ، شرح اللمعة الدمشقية برز منه أكثر العبادات على اختصار ولم يتمه.

وأما كتبه الاصولية فمنها : الفرائد : برز منه من أول الاصول الى آخر النواهي خمس مجلدات ضخام مبسوطة جدا على طريقة المتأخرين ، الودائع : واف بتمام المسائل الاصولية سلك فيها مسلك القدماء في التأليف ، المهذب : جمع في كلمات التوحيد الآغا البهبهاني مرتبا لها من أول علم الاصول الى آخر التعادل والتراجيح مع تهذيب منه وتنقيح واختيارات وزيادات ، الموارد : هو متن حسن الاختصار تام ، شرح قوانين الميرزا القمي برز منه جملة من الادلة العقلية وبعض التعريف واشتمل على فوائد جليلة ، رسالة في حجية خبر الواحد ، منظومة وافية بتمام علم الاصول حسنة السبك جيدة النظم سماها السبائك المذهبة ، رسالة في آيات الاصول مبتكرة في بابها فيها كل آيه يمكن ان يستدل بها على مطلب أصولي من أول المبادئ اللغوية الى آخر التعادل والتراجيح والكثير منها لم يذكره الاصوليون بكتبهم ، رسالة في شرح الحديث المشهور بحديث ابن طاب المروي

ص: 276

عن الامام الصادق (عليه السلام) وقد أشار الى هذا الحديث السيد بحر العلوم في منظومته حيث يقول :

ومشي خير الخلق بابن طاب *** يفتح منه أكثر الابواب

وحيث أن الكثرة في لسان الشرع تحمل على الثمانين استنبط منه - ره - ثمانين بابا أربعين في الاصول وأربعين في الفقه.

وله كتب ورسائل في علوم متفرقة منها : مضامير الامتحان في علم الكلام والميزان برز منه علم الميزان وتمام الامور العامة وأكثر الجواهر والاعراض ، آيات المتوسمين في أصول الدين في ضمن مجلدين ، قلائد الخرائد في أصول العقائد (1) ، القلائد الحلية في العقائد الدينية ، رسالة في أبطال الكلام النفسي.

وله في التفسير : رسالة في تفسير الفاتحة ، تفسير سورة القدر ، تفسير سورة الاخلاص ، رسالة في شرح الحديث المشهور : حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ، رسالة في شرح كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) من خطبة من نهج البلاغة وهو قوله (عليه السلام) : لم تحط بها الاوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع عنها واليها حاكمها (2) ، مشارق الانوار في حل مشكلات الاخبار ، شرح جملة من الاحاديث المشكلة كحديث : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، وغيره وليته أتمه ، الصوارم الماضية في تحقيق الفرقة الناجية واليه يشير السيد حيدر الحلي في قصيدة يمدحه فيها :

فاستلها صوارما فواعلا *** فعل السيوف ثكلت أغمادها

رسالة في أجوبة المسائل البحرانية ، رسالة في أسماء قبائل

ص: 277


1- أقول طبع أخيرا في مطابع بغداد بتحقيق السيد جودت القزويني.
2- طبعت بعنوان « النور المتجلي في شرح كلام أمير المؤمنين علي » بتحقيق السيد جودت القزويني.

العرب مرتبة على الحروف الهجائية ، كتاب الاقفال وهو متن في علم النحو في غاية الاختصار. قال ولده العلامة السيد حسين فيما كتبه عنه من ترجمة حياته وبيان مؤلفاته : - هذا ما وقفنا عليه من تصانيفه الموجودة المحفوظة واما ما لم نقف عليه مما عرض له التلف لكونه تداولته أيدي المشتغلين للمطالعة والمراجعة فمن ذلك الفوائد الغروية في المسائل الاصولية. وكتاب معارج النفس الى محل القدس في الاخلاق والطريقة. ومنظومة تسمى مسارب الارواح في علم الحكمة ، وكتاب معارج الصعود في علم الطريقة والسلوك ، وكتاب مختصر للامور العامة والجواهر والاعراض في علم الكلام. وشرح منظومة تجريد العقائد. وكتاب قوانين الحساب ، في علم الحساب. ومنها شرح ألفية ابن مالك في النحو. ومنها كتاب المفاتيح في شرح الاقفال في النحو ايضا وحاشية على المطول للتفتازاني. وحاشية على شرح التفتازاني في الصرف وجميعها لم تقف منها على رسم ولا سمعنا منها سوى الاسم تلف جلها بسبب تفرق أوراقها عند المشتغلين واضمحلالهم في الطاعون. 1 ه.

وقد كتب العلامة الحجة السيد حسين القزويني المتوفى 1325 ترجمة لوالده سيدنا المترجم له في رسالة خاصة تتضمن مراحل حياته أطلعني عليها الشاب البحاثة السيد جودت السيد كاظم القزويني. وقد رأيت له جملة قصائد في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) منها قصيدة مطلعها :

أهاشم لا للبيض أنت ولا السمر *** ولا أنت للقود الهجان ولا المهر

وأخرى أولها :

مصاب يعيد الحزن غضا كما بدا *** قضى أن يكون النوح للناس سرمدا

وما أنتجت أم الرزايا بفادح *** بمثل الذي في كربلا قد تولدا

ص: 278

الشيخ لطف اللّه الحكيم

اشارة

المتوفى 1300

لطف اللّه بن يحيى بن عبداللّه بن راشد بن علي بن عبد علي ابن محمد الحكيم الخطي. كان فاضلا تقيا ورعا له أياد بيضاء أوجبت محبته في القلوب ، له مراث كثيرة في أهل البيت ، فمن شعره هذه المرثية :

ألغير كاظمة يروق تغزلي *** حيا الحيا ساحاته من منزل

واذا كلفت به وغصن شبيبتي *** غض وصبغة صبوتي لم تنصل

وظباه كن أوانسا لي تبتغي *** وصلا فتعمل حيلة المتوصل

حتى انجلى ليل الشباب وبان ص- *** -بح الشيب فوق مفارقي كالمشعل

فنسيت بعدهم العقيق ولعلعا *** والمنحنى وربيع دارة جلجل

وجذبت من يد صاحبي كفي على *** ( سقط اللوى بين الذحول فحومل )

وطلبت من كرم الكريم وسيلة *** لرضاه في حالي وفي مستقبلي

حتى اهتديت لخير كل وسيلة *** باب النجاة ونجحة المتوسل

المصطفى والمرتضى وبنوهما *** الابرار خير مكبر ومهلل

أهل النبوة والامامة والكرامة *** والشهادة والمقام الاكمل

وسمعت واعية الطفوف وما جرى *** فيها من الرزء العظيم المهول

أبكي الحسين وآله في كربلا *** قتلوا على ظمأ دوين المنهل

ماتو وما بلوا حرارات الحشا *** الا بطعنة ذابل أو منصل

يا كربلا ما أنت الا كربة *** ذكراك أحزنني وساق الكرب لي

ص: 279

مذ أقبل الجيش اللّهام كأنه *** قطع الغمام وجنح ليل أليل

بأبي وبي أنصاره من حوله *** كالشهب تزهو في ظلام القسطل

أفديه وهو مخاطب أنصاره *** يدعوهم بلطيف ذاك المقول

يا قوم من يرد السلامة فليجد *** السير قبل الصبح وليترحل

فالكل قال له على الدنيا العفا *** والعيش بعدك يا ربيع الممحل

أنفر عنك مخافة الموت الذي *** لا بد منه لمسرع أو ممهل

واللّه طعم الموت دونك عندنا *** حلو كطعم السلسبيل السلسل

فجزاهم خيرا وقال ألا انهضوا *** هيا سراعا للرحيل الاول

فتوطئوا الجرد العتاق وجردوا *** البيض الرقاق بسمر خط ذبل

من كل صوام النهار وقائم *** جنح الظلام يزينه النسب العلى

من فوق كل أمون عثرات الخطى *** صافي الطلاء مطهم ومحجل

ما زال صدر الدست صدر الر *** تبة العليا صدر الجيش صدر المحفل

يتطاولون كأنهم أسد على *** حمر فتنفر كالنعام الجفل

ومضوا على اسم اللّه بين مكبر *** ومسبح ومقدس ومهلل

يتسابقون الى المنون تسابق اله- *** -يم العطاش الى ورود المنهل

حتى قضوا فرض الجهاد وصرعوا *** فوق الوهاد كشهب أفق أفل

صلى الاله عليهم وسلامه *** وسقى ثراهم صوب كل مجلجل

ايضاح

سبق وان ترجمنا في الجزء الخامس للشيخ لطف اللّه بن محمد بن عبد المهدي بن لطف اللّه بن علي البحراني الجد حفصي ونسبنا القصيدة المذكورة له ، ثم ترجمنا في الجزء الخامس ايضا لحفيده : الشيخ لطف اللّه بن علي بن لطف اللّه ، والان يأتي دور سميهما والمتأخر عنهما في الزمن.

ص: 280

الشيخ علي الناصر

المتوفى 1300

هو الشيخ علي بن ناصر بن حسن بن صالح بن فليح بن حسن بن الحاج كنيهر السلومي المتولد في كربلاء سنة 1250 ه- والمتوفى بها سنة 1300 ه- درس مبادئ العلوم العربية وولع بالشعر ، ترجم له صاحب الاعيان وذكره العلامة السماوي في منظومته المسماة ب- ( مجالي اللطف بأرض الطف ) فقال :

وكالفتى علي بن الناصر *** والشاعر الساكن أرض الحائر

فكم له في السبط من قصيدة *** منوطة بفضله فريده

وذكره البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) بقوله : وديوان الاعور الحائري هو الشيخ علي بن ناصر الشهير بالاعور المتوفى حدود 1300 يقرب من ألفي بيت في مواضيع شتى ، مدح السيد احمد الرشتى ورثاه بجملة قصائد أشار الى بعضها صديقنا الاديب سلمان الطعمة ، وذكر له قصيدة عن شهداء كربلاء وموقفهم يوم العاشر من المحرم أولها :

وكم من أبي من سراة محمد *** أسيرا سرى من فوق أعجف عاريا

ص: 281

الشيخ محسن الخضري

المتوفى 1302

من شعره في الحسين (عليه السلام) :

ملكتم بني سفيان في الارض أشهرا *** فأبكيتم عين الفواطم أعصرا

أفخرا على قوم أبوه استرقكم *** لدى الروع اذ كنتم اذل وأحقرا

فأطلق عفوا والطليق أبوكم *** فأهون به اذ ذاك عبدا تحررا

تعدون أقصى الفخر فخر أبيكم *** فهلا عددتم يوم صفين مفخرا

وهلا استطالت يوم بدر رماحكم *** قصرن ويوم الفتح قد كن أقصرا

فيا لشهيد مثلت فيه هندكم *** فجاءت بمالا تعرف الناس منكرا

بغيض رسول اللّه اذ هي نظمت *** قلادتها أنفا وشنفا وبنصرا (1)

وما مر في الايام أغيظ موقف *** كموقفه اذ ساءه ذاك منظرا

سننتم بني صخر بن حرب قطيعة *** لها كاد صم الصخر أن يتفطرا

فما كان منكم عتبة ووليده *** كحمزتهم لا في قراع ولا قرى

لان شمخت بالطف عوج انوفكم *** فبا لجدع قد كانت أحق وأجدرا

فقل لابن هند حين ثوب شامتا *** بأهليه ان كانوا أعق وأكفرا

أفخرا بيوم الطف اذ هم عصابة *** حشدتم عليها ما خلا الجن عسكرا

ص: 282


1- الشنف : ما يعلق في الاذن. والبنصر ، بكسر الباء والصاد : الاصبع بين الوسطى والخنصر. يشير الى تمثيل هند بنت عتبة بجسد الحمزة عم النبي

سلوا ذلك الجيش اللّهام تشله *** ميامين يتلونا الكتاب المطهرا (1)

يشلونه ضربا وطعنا وصرخة *** تذكرهم في يوم صفين حيدرا

فما نازلوهم في الكفاح وانما *** يسيلون جري السيل عدوا اذا جرى

فمنها الذي جلى على ( ابن حوية ) *** بزبرته عن ساعديه مشمرا (2)

فما كلت الهيجاء الا أعادها *** أغر اذا ما استقبل الجيش غبرا

اذا اقتحم الصف المقدم لفه *** بآخر من خلف الصفوف تأخرا

ويطعن وخزا في الصدور بأسمر *** من الخط يمحو للكتيبة أسطرا

وصاح بهم والموت أهون صيحة *** فخيل مليك الرعد في الجوز مجرا

وخاض غمار العلقمي جواده *** يهلل تصهالا وجبريل كبرا

فروى وما أروى غليل فؤاده *** فهل كان طعم الماء في فيه ممقرا

وجاء بها مملوءة يستلذها *** ويطوي حشى من مائها لن تقطرا

* * *

أبا الفضل قبل الفضل أنت وبعده *** اليك تسامى الفضل عزا ومفخرا

فواسيت طعانا أباك وصابرا *** أخاك ومقطوع الذراعين جعفرا

وزدت عليه اليوم فرقا يشقه *** عمود حديد ظل يرديك للثرى

فلا قام للهيجاء سوق حفيظة *** تباع بها نفس الكريم وتشترى

* * *

الشيخ محسن الخضري هو ابن الشيخ محمد الخضري المولود سنة 1245 والمتوفى سنة 1302 ه- ينتهي نسبه الى مالك الاشتر والجناجي الاصل ، النجفي المولد والمنشأ والمسكن والمدفن. عالما فاضلا كاملا أديبا لبيبا سريع البديهة في نظم الشعر ، درس

ص: 283


1- تشله : تطرده.
2- ابن حوية أحد القواد عند ابن زياد والموكل اليه أمر شريعة الماء.

على الشيخ مهدي كاشف الغطاء وعلى الشيخ مرتضى الانصاري والسيد الشيرازي والسيد ميرزا محمد حسن. كتب عنه الدكتور مهدي البصير وانه نظم الشعر وهو ابن اثني عشر عاما ، ومن هنا يتبين انه رجل كلام وفقه علاوة على انه رجل أدب ، وهذا ديوانه المطبوع بجهود ابن أخيه الاستاذ الشيخ عبد الغني الخضري يجمع الغزل والوصف والرثاء والمديح وغيرها وفيه قصائد عامرة في أهل البيت علیهم السلام ، وخصوصا في يوم الحسين سبط رسول اللّه وجهاده بكربلاء ، فواحدة يقول في أولها :

على المازمين حبست الركابا *** مذيلا من العين قلبا مذابا

وما أنا ممن شجته الديار *** اذا الذاريات كستها الثيابا

بلى ذللت أدمعي نكبة *** بها اشتعل الرأس شيبا فشابا

غداة طغى في عراص الطفوف *** دم أوجس الكون منه انقلابا

دم حرمت سفكه الصابئون *** ولكن أباحته حرب الحرابا

بيوم تألبت الصافنات *** تقل الى الروع أسدا غضابا

اذا انبعثت يسبكر القتام *** فتنسج للشمس منها نقابا (1)

وفي أخرى أولها :

آلت تهامة أن تجوس خلالها *** فحمت عليك سهولها وجبالها

ويأتي الى شهداء الطف فيقول :

متربصين تلاع كل ثنية *** كالأسد ترصد في الشرى أشبالها

متسربلين على الحديد بأنفس *** أوحى لها الرحمن ما أوحى لها

زهر كأمثال الكواكب في الوغى *** مستنهضين زهيرها وهلالها

ص: 284


1- يسبكر : يطول ويمتد.

الشيخ علي سبيتي

المتوفى 1303

قال يذكر أبا الفضل العباس بن علي علیهماالسلام :

ضمائر فيها البين والهم نافث *** تهيجها للحادثات حوادث

وقائع في أثنا وقائع لا يعي *** لها غابر حتى يوافيه حادث

وأعظمها وقعا لذي اللب في الحشى *** اذا ضاع موروث وأعوز وارث

سأرمي بها دوا يضح فجاجه *** ولم يمش فيه للسحاب نوافث

اليك أبا الفضل الرضا زمت العلا *** حدائجها والامر للامر كارث

أأنساك يوم الطف والخيل تدعي *** فينحط عريد ويرعد لاهث

صليت لظاها دونك الشوس تدعي *** بأيامها والخطب للخطب عائث

ويوم دعتك الهاشميات والحشى *** تلاعب فيه نافخ الحر عابث

ونادى مناديها هل اليوم فارس *** عصته العوالي والسيوف النوافث

وكل جسور يولد الموت صوته *** اذا صاح لبته المنايا الغوارث

فأخمدت من هيجائها كل مرجل *** يقر لك الجمعان انك حارث

ورثت من القوم الذين وصاتهم *** اذا أمحل العامان غوث وغائث

ترى حلمهم تحت الظبا غير طائش *** وخطوهم بين القنا متماكث

* * *

الشيخ علي السبيتي هو ابن الشيخ محمد بن احمد بن ابراهيم ابن علي بن يوسف العاملي الكفراوي. والكفراوي نسبة الى كفري بفتح الكاف وسكون الفاء بعدها راء مهملة مقصورة - من قرى جبل عامل وعمل صور.

ص: 285

ولد في كفرى في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 1236 وتوفي بها ليلة الجمعة مستهل رجب سنة 1303 ، عالم فاضل ثقة ثبت صالح زاهد ، نحوي بياني لغوي ، شاعر كاتب مؤرخ ، مصارح بالحق غير مداهن. قال السيد الامين في الاعيان ج 42 / 19 رأيناه فشاهدنا فيه الزهد والتقوى والصلاح والمجاهرة بالحق وكان حسن النادرة ظريف المعاشرة ، قرأ على علماء جبل عامل وكان مشهورا بعلم اللغة والبيان والنحو والتاريخ. ذكره صاحب جواهر الحكم فقال :

كان شيخا ورعا تقيا بارا صدوقا يحب الخير ويفعله الى آخر ما قال. له من المؤلفات ( الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الاسعد ). يحتوي على كثير من تاريخ جبل عامل وترجمة جملة من علمائه المتأخرين ، سمعنا به ولم نره ، وكتاب شرح ميمية أبي فراس ، ورسالة في رد فتوى الشيخ نوح الذي حلل فيها دماء الشيعة وأموالهم ، وكتاب الكنوز في النحو لم يتم واليواقيت في البيان ، وكتاب الرد على البطريرك مكسيموس ، ورسالة في الرد على رسالة أبي حيان التوحيدي رواها أبو حامد أحمد بن بشر المروزي عنه كما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج فرغ منها سنة 1273 بقرية كفرى ، ورسالة في فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) الى غير ذلك من الرسائل ، قال صاحب جواهر الحكم : والجميع نسجت العناكب عليها

أقول وروى السيد له جملة من شعره في الفخر والحماسة وفي مناسبات كانت في زمانه ، وقال من قصيدة :

رعى اللّه أيامنا بالنقى *** وليلتنا يوم ذات الاثل

ليالي تحمد ظلماؤها *** ويشكر فيها المساء الاصل

ليالي بيض بوصل الحسان *** ويومي رطيب بظل أظل

ص: 286

السيد الكاظم الأمين

المتوفى 1303

السيد كاظم الامين بن السيد احمد بن السيد محمد الامين ابن السيد أبي الحسن موسى ولد سنة 1231 وتوفي في بغداد في 27 ربيع الثاني سنة 1303 ونقل الى النجف الاشرف ودفن في حجرة آل كبة في الصحن الشريف قرب باب الطوسي ، كان عالما فاضلا حافظا متقنا مؤرخا واحد زمانه في الاحاطة والضبط وحفظ التواريخ والآثار ودقائق العربية وكان شاعرا مطبوعا منشأ بليغا وواعظا زاهدا عابدا ، هاجر من جبل عامل الى النجف الاشرف لطلب العلم في حياة والده السيد احمد وكان عمره قريب خمس عشرة سنة مع ابن عمه السيد محسن بن السيد علي بن السيد محمد أمين. وقرأ على الفقيه الشيخ مشكور الحولاوي وتزوج ابنته وبقي مكبا على طلب العلم حتى فاق أقرانه بعلوم كثيرة منها اللغة والتاريخ ، وترك بخطه من فرائد التفسير واللغة والتأريخ ودقائقها شيئا كثيرا وجل شعره في المواعظ والنصائح والآداب والحكم والمراسلات ، ذكر أكثر شعره صاحب الاعيان. ومن شعره - وهو يشكو من الزمان ويذكر مصائب أهل البيت علیهم السلام - ومصيبة الحسين خاصة وقد أرسلها الى ابن عمه السيد محمد الامين :

لعمرك ما للدهر عهد ولا أمن *** ولا ذو حجى حر به عيشه يهنو

ص: 287

وهل من أمان للزمان ووده *** وأحداثه في كل يوم لها لون

وكيف يطيب العيش فيها الذي نهى *** ترحل عنه الاب والأم والابن

وان امرءا أصلاه ماتا ، وفرعه *** لميت وان لم يعله الترب واللبن

وهل بعد عد المرء خمسين حجة *** من العمر في الدنيا يروق له حسن

وبعد اشتعال الرأس بالشيب ينبغي *** بلوغ المنى والعظم قد نابه وهن

فهب انك ناهزت الثمانين سالما *** فهل انت الا في تضاعيفها شن

وان نازعتك النفس يوما لشهوة *** فقل وهت الاحشاء واستوهن المتن

أتأمل في الدنيا القرار سفاهة *** وقد أزف الترحال واقترب الظعن

وأنا بني حواء أغصان روضة *** اذا ما ذوى غصن ذوى بعده غصن

وهل نحن الا كالاضاحي تتابعت *** أو البدن ما تدري متى يومها البدن

نراع اذا ما طالعتنا جنازة *** ونلهو اذا ولت وما جاءنا أمن

كثلة ضأن راعها الذئب رتعا *** فلما مضى عادت لمرتعها الضأن

نروح ونغدو في شعوب من المنى *** وعين شعوب نحونا أبدا ترنو(1)

نحوم على الدنيا ونبصر بطشها *** ونعشو عن الاخرى وهذا هو الغبن

وأعجب شيء وهي ألئم جارة *** غدا كل حر وهو عبد لها قن

ولو أننا نخشى المعاد حقيقة *** لما اعتادنا غمض ولا ضمنا ركن

ولكننا عن مطلب الخير في عمى *** تحول بنا عن نيله ظلل دجن

لنا الوهن والاغفال في طلب التقى *** وفي طلب الدنيا لنا الحزم والذهن

وتخدعنا الدنيا ونعلم أنها *** بغي لها في كل آونة خدن

ونهوى بها طول المقام جهالة *** على أنها في عين أهل النهى سجن

وانا بها كالضعن عرس ليلة *** بقفر فلما أسفرت سافر الظعن

وهيهات لا يبقى جواد مؤمل *** ولا بطل يخشى بوادره قرن

ولا سوقه من سائق الموت هارب *** ولا ملك يوقيه جيش ولا خزن

ص: 288


1- شعوب : ضروب والثانية اسم للموت.

فأين أنو شروان كسرى وقيصر *** ومن طوف الدنيا وقامت به المدن

تبين بذي القرنين كم قبله انطوت *** قرون وكم من بعده قد مضى قرن

وأين الذين استخلفوا من أمية *** ودوخت الدنيا جيوشهم الرعن

وأين بنو العباس تلك ديارهم *** بلاقع بالزوراء أرسى بها الدمن

وفي التاج منها عبرة وعجيبة *** غداة اليه قوض الابيض الجون

فأحكم أس التاج من شرفاته *** وأعلاه من أدناه فأعجب لصما افتنوا

عفا وكأن لم يصطبح فيه مترف *** يرنحه من صوت عذب اللمى لحن

وهارون من قصر السلام رمى به ا *** لحمام الى أقصى خراسان والبين

وتلك بسامرا مواطنهم غدت *** يبابا مغانيها لوحش الفلا وطن

فآكامها للعفر والعصم موئل *** وللبوم والغربان آطامها وكن

تخطى اليهم في معاقل عزهم *** رسول بأشخاص النفوس له الاذن

فذا هادم اللذات لا تنس ذكره *** والا تكن من لا يقام له وزن

منغص شهوات الانام فكم به *** قد انطرفت عين وسكت به اذن

فلا يأمن الدنيا امروء فهي أيم *** وفي البيض من أنيابها السم مكتن

وما هي الا لجة فلتكن بها *** لك الباقيات الصالحات هي السفن

فقصر فما طول الدعاء بنافع *** معاشر لا تصغي لداع ولا تدنو

تعودت السوءى وما المرء تاركا *** عوائده حتى يواريه الدفن

فكم عظة مرت ولم ننتفع بها *** وفي وعظ من لا يرعوي تخرس اللسن

ومن لم يرعه لبه وحياؤه *** فليس بموروع وان علت السن

ولله في بعض العباد عناية *** فجانبه هين لصاحبه لين

صروف الليالي لا تكدر وده *** ولا وجوده يوما يكدره من

حميد السجايا لا يشاكس قومه *** ولا هو للساعي اليه بهم اذن

اخو كرم يولي الجميل صديقه *** وفي نفسه ان الصديق له المن

ص: 289

لعمر أبي والناس شتى طباعهم *** فمنهن زين والكثير لهم شين

ومن عجب فرخا نقاب الى أب *** وأم وفي الاخلاق بينهما بون

وكم من بعيد وده لك صادق *** قريب ودان وده شاحط مين

ورب أخ أولاك دهرا صفاءه *** فطابت به نفس وقرت به عين

جرى طلقا حتى اذا قيل سابق *** تداركه عرق وليس به اين (1)

فبات على رغم المكارم والعلى *** يغض على الاقذاء من عينه جفن

ويزعم ان السيل قد بلغ الزبى *** لذاك وان قد ثل من عرشه ركن

فيا نائيا والرحل منه قريبة *** وذا شرف في القوم أخلاقه خشن

أمثل شقيق المرء يسلى اخاؤه *** لك الخير لولا رغبة النفس والضن

ومثل عميد القوم ينسى ظهيره *** على المجد وهو الناقد الجهبذ القرن

ويجهل مسعى من أغذ مهاجرا *** الى بلد في جوه العلم واليمن

وأشرف دار جنة الخلد صحنها ال- *** -مقدس والفردوس ما ضمه الصحن

ضريح ثوى فيه الوصي ، وآدم *** ضجيع له والشيخ نوح له ضمن (2)

وثم ضريح للشهيد بكربلا *** ثراه شفاء للورى ولهم أمن

ومشهد موسى والجواد محمد *** تنال به الحاجات والنائل الهتن

وللسادة الهادين في سر من رأى *** معاهد يستسقى بمن حلها المزن

حضائر قدس جارها في كرامة *** من اللّه ترعاه العناية والصون

أقام بها والصبر ملء اهابه *** يقدمه فن ويعلو به فن

ألست ترى يا ابن الاكارم انما *** يزينك بين القوم فهو لنا زين

ص: 290


1- اعياء وتعب.
2- في التأريخ ان الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين دفن بالنجف الى جنب النبي آدم والنبي نوح ، وفي الزيارة : السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح وعلى جاريك هود وصالح.

وقد كان لي لو شئت أفسح منزل *** بلبنان يثرى بالعقار وما أقنو

لدى معشر تعزى المرؤة والندى *** اليهم فمن كعب بن مامة أو معن

وان ضام عاد جارهم غضبوا له *** حفاظا وهبوا للنضال ولم يثنوا

من القوم اخدان الوفا لذوي الولا *** وحتف العدى ان قيل يوم الوغى ادنوا

يخوضون تتيار المنايا بأنفس *** لديها مثار النقع ان غضبت هين

فان ضربوا قدوا وان طعنوا أتوا *** بفوها فيها يذهب الزيت والقطن

ولكنني وجهت وجهي الى التي *** يشد الى أمثالها الماجد الفطن

ولم أختش الاعسار واللّه واسع *** غناه ولا الحرمان واللّه لي عون

فيا علما يرجى لكل كريمة *** وذا عزمة والوهم يثنيه والظن

نشدتك انظر سفح لبنان راجيا *** عطاء مليك كل يوم له شأن

فكم من بيوت للعلى رفعت به *** على العلم والاقوام كالعلم لم يجنوا

له مورد عذب المذاقة سائغ *** فمشربه للناس مزدحم لزن

وبيتك بيت المجدو العلم والتقى *** أحل به منك التهاون والوهن

اما انبعثت من قلبك الشهم نخوة *** اليه أما تهفو عليه اما تحنو

على أهل ذاك البيت فليفدح الأسى *** وتنهل من عين العلى أدمع هتن

كرام الى غير المكارم ما ثنوا *** يدا والى غير الفضائل ما حنوا

سقى اللّه أرواحا لهم زانها التقى *** فراحت وفي أعلى الجنان لهم عدن

وياواحد السادات مجدا وفرع من *** له العلم يعزى والرياسة واللسن

وخير ابن عم لا فقدت اعتناءه *** كما أنني معنى به واثق طمن

شهدت لان وافاك نعي مهذب *** صحيح الهوى ما في دخيلته ضغن

حريص على عز العشيرة كاره *** لها الذل أو يودي به الضرب والطعن

ص: 291

قرعت عليه السن منك ندامة *** أجل وعلى أمثاله يقرع السن

واشهد ربي ان قولي نصيحة *** وما فيه من شيء سوى النصح يعتن

وذلك حق في أخ أو قرابة *** علي اذا الوى به خلق خشن

وقد علم الاقوام أني لشانئ *** لمن شأنه الازراء في الناس والطعن

على أنني واللّه لست مبرئا *** لامارة بالسوء لي كسبها غبن

لقد وقفت بي من ذنوبي على شفا *** فعيني على ما نابني دمعها سخن

فغفرانك اللّهم ذنب مقصر *** بخدمه من غر الجباه له تعنو

فأسألك الرضوان ربي ونظرة *** لرضوان فيها يذهب الغم والحزن

بأسمائك الحسنى أجب وعصابة *** بهم قامت الاشياء وانتظم الكون

نبي الهدى والغر من أهل بيته *** حمى المتوالي في الاراجيف والحصن

وأعلام حق لو تنور ضوءها *** جميع الورى ما ضلت الانس والجن

ولو بذراها لاذت الشمس لم تشن *** بخسف ولاوارى سناها ضحى مزن

فأين رسول اللّه عن أهل بيته *** يهجنهم بين الملا معشر هجن

ويعدو عليهم من أمية جحفل *** به غص من ذاك الفضا السهل والحزن

وتغدو بأرض الطف ثكلى نساؤهم *** وقد هتكت عنها البراقع والسدن

فمن حرة عبرى تلوذ بمثلها *** وحسرى تقي عن وجهها اليد والردن

قضوا عطشا بالطف والماء حولهم *** الى ورده اكباد صبيتهم ترنو

حمتها العدى ورد الشريعة ويلهم *** اما فيهم من بالشريعة مستن

يسومونهم قتلا وأسرا كأنما *** لهم بات ثار عند أحمد أو دين

تداعوا لهم في كربلاء وجعجعوا *** بهم في العرا بغيا ليملكهم قين

هنالك ألفوا ليث غاب تحوطه *** ليوث شرى غاباتها الاسل اللدن

ص: 292

تشد فينثالون عنها طريدة *** وأسد الشرى تشقى بشداتها الاتن

فشبت لهم بالطف نار لدى الضحى *** يجلل وجه الافق من نقعها دجن

على حين ما للمرء مرأى ومسمع *** من النقع الا البيض تلمع والردن

وحيث فراخ الهام طارت بها الظبا *** وظلت سواني نينوى من دم تسنو

وراحت حماة الدين تصطلم العدى *** ولم يبرحوا حتى قضى اللّه أن يفنوا

ولم يبق الا السبط في حومة الوغى *** ولا عون الا السيف والذابل اللدن

وأضرمها بالسيف نارا وقودها *** جسوم الاعادي والقتام لها عثن (1)

اذا كر فروا مجفلين كأنهم *** قطأ راعها باز شديد القوى شثن

فكم بطل منهم براه بضربة *** على النحر أو حيث الحيازم والحضن

وكم أورد الخطي فيهم فعله *** بجائفة (2) حيث الجناجن والضبن

قضى وطرا منهم ومذا برم القضا *** مضى لم يشن علياه وهن ولا جبن

أرد يدا مني اذا ما ذكرتهم *** على كبد حرى وقلب به شجن

اطائب يستسقى الحيا لوجوههم *** لعمري وتنهل العيون اذا عنوا

عليهم سلام ما مر ذكرهم *** وأحسن في اطرائهم بارع لسن

ص: 293


1- هو الدخان.
2- الطعنة الواصلة الى الجوف.

الحاج يوشع البحارنة

المتوفى 1303

الحاج يوشع بن حسين البحارنة كان من الاتقياء والاخيار والتجار المرموقين والمشهورين بالورع. وآل البحارنة أسرة كريمة عريقة في الحسب ويوجد اليوم منهم في القطيف والبحرين أفراد لهم مكانتهم المحترمة ، والمترجم له هو عقد القلادة ، ترجم له الشيخ علي المرهون في ( شعراء القطيف ) وقال : كانت وفاته سنة 1303 ه- وذكر له قصيدة مطولة في رثاء سيد الشهداء أبي عبد اللّه الحسين سلام اللّه عليه ومطلعها :

زارت بليل على جنح من السحر *** فأرج الربع منها نفحة العطر

وبعد التغزل على عادة الشعراء يتخلص للحسين (عليه السلام) فيقول :

يوم الحسين الذي أبكى السماء دما *** والارض حزنا وعين الشمس والقمر

ويختمها بقوله :

سمعا ليوشع مولاكم مهذبة *** يحلو على جيدها عقد من الدرر

ألبستها حلة من مدحكم فغدت *** تختال حسنا ، وقد جاءت على قدر

سميتها الحرة العذرا وقلت لها *** ألا اكمدي أنفس الحساد وافتخري

صلى الاله عليكم ما سرى فلك *** أو سارت العيس في الابكار والسحر

أو عاقب الليل صبح يستضاء به *** وما تغرد قمري على شجر

ص: 294

الشيخ عبد الرضا الخطي

الشيخ عبدالرضا ابن الشيخ حسن الخطى

من شعراء القرن الثالث عشر

أمنزل الشوق جادت ربعك السحب *** وحل رسمك طل ساقط صبب

وناشر فيك للازهار أردية *** تهدى السرور وللاحزان تستلب

وزار تربك معتل النسيم سرى *** للمسك والعنبر الفياح يصطحب

ما عن ذكرك الا حن لي كبد *** مروع ونبار الوجد ملتهب

ولا مررت بقلبي خاطرا أبدا *** الا انثنى دمع عيني وهو منسكب

يا منزلا لم أزل أشتاق أربعه *** وما له الشوق لو لا الخرد العرب

لولا ظباك لما أصبحت ذا شغف *** متيم القلب مضنى شفه الوصب

ضعائن ان سرت حاطت هوادجها *** من المغاوير أساد اذا وثبوا

القاطنون بقلبي أينما قطنوا *** والذاهبون بصبري أين ما ذهبوا

ما أنصفوا الكمد المضنى ببينهم *** ولا رعوا من ذمام الصب ما يجب

أغروا به نائبات الدهر وارتحلوا *** وجرعوه ذعاف الهجر واغتربوا

حسب النوائب مني أنني دنف *** ضئيل جسم عن الابصار محتجب

أعاتب الدهر لو رقت جوانبه *** لعاتب قد براه الوجد والنصب

أين الزمان واسعاف المحب بما *** يهوى وكيف ترجى عنده الارب

والدهر حرب لأهل الفضل ما برحت *** صروفه تنتحيهم أين ما ذهبوا

أخنى على عترة الهادي ففرقهم *** فأصبح الدين يبكيهم وينتحب

آل النبي هداة الخلق من ضربوا *** في مفرق المجد بيتا دونه الشهب

ص: 295

جنب الاله وباب اللّه والحجج *** الهادون أشرف من سارت بها النجب

سحب الندا وربوع الجود ممحلة *** أسد الشرى ولظى الهيجاء تلتهب

الوافدون لبيت اللّه من وفدوا *** والضاربون بسيف اللّه من ضربوا

ما فارقوا الحق في حال وان غضبوا *** كأنما مرة في فيهم الضرب

يرون من قربوا مثل الاولى بعدوا *** عنهم ومن بعدوا مثل الاولى قربوا

لا ينزل الضيم أرضا ينزلون بها *** ولا تمر بها الادناس والريب

يأبى لهم عن ورود الذل ان ظمئوا *** أنف حمي وبأس شأنه الغلب

سفن النجا وبحور الغي مترعة *** نور الهدى وظلام الجهل منتصب

متوجون بتاج العز ان ذكروا *** سمت باسماهم الاعواد والخطب

جلوا فجل مصاب حل ساحتهم *** تأتي الكرام على مقدارها النوب

أغرى الضلال بهم أبناه فانتهبوا *** جسومهم بحدود البيض واستلبوا

غالوا الوصي وسموا المجتبى حسنا *** وأدركوا من حسين ثار ما طلبوا

يوم ابن حيدر والابطال عابسة *** والشمس من عثير الهيجاء تنتقب

والسمر من طرب تهتز مائسة *** والبيض من قمم الاقران تختضب

رامت امية ان تقتاد ذا لبد *** منه وتحجب بدرا ليس يحتجب

فانصاع كالضيغم الكرار مبتدرا *** بصولة ريع منها الجحفل اللجب

أغر مكتسب للحمد ذو شيم *** بالمجد متزر بالفخر محتقب

يلقي الكماة بثغر باسم فرحا *** كأنهم لندى كفيه قد طلبوا

يقري الصوارم أشلاء العدى ويرى *** سقي الرماح دماها بعض ما يجب

وافته داعية الرحمن مسرعة *** فخر وهو يطيل الشكر محتسب

نفسي الفداء له والسمر واردة *** من صدره والمواضي منه تختضب

مضرج الجسم ما بلت له غلل *** حتى قضى وهو ظمآن الحشى سغب

دامي الجبين تريب الخد منعفر *** على الثرى ودم الاوداج ينسكب

مغسل بنجيع الطعن كفنه *** ذاري الرياح ووارته القنا السلب

قضى كريما نقي الثوب من دنس *** يزينه كل ما يأتي ويجتنب

ص: 296

يا قائدا جمع الاقدار طوع يد *** كيف استقادك منها جامع درب

لئن رمتك صروف الدهر عن احن *** وقارعتك مواضيه فلا عجب

كنت المجير لمن عادى فحق له *** ان يطلب الثار لما أمكن الطلب

يا مخرس الموت ان سمتك نادبة *** من النوادب كيف اغتالك الشجب

ياصارما فل ضرب الهمام مضربه *** ولا تعاب اذا ما ثلت القضب

ان كورت منك كف الشرك شمس ضحى *** فما على الشمس نقص حين تحتجب

لو تعلم البيض من أردت مضاربها *** نبت وفل شباها الروع والرهب

ولو درت عاديات الخيل من وطأت *** أشلاءه لاعتراها العقر والنقب

ما كنت أحسب والاقدار غالبة *** بأن شمل الهدى الملتام ينشعب

ولا عهدت الثرى تطوي بحور ندى *** ما حل ساحتها غور ولا نضب

بنو امية لا نامت عيونكم *** ولا تجنبها الاقذاء والصبب

أبكيتموا جفن خير المرسلين دما *** لكي يطيب لكلب منكم الطرب

لم يكفكم قتلكم سبط النبي ظما *** عن سبي نسوته كالزنج تجتلب

راموا بمقتله قتل الهدى فجنوا *** عارا تجدده الاعوام والحقب

لله أي دم للمصطفى سفكوا *** وأي نفس زكت للمرتضى اغتصبوا

وكم عفيفة ذيل للبتول سرت *** بها أضالع لم يشدد لها قتب

تطوي على جمرات الوجد أضلعها *** وقد أضر بها الاظماء والسغب

حسرى مسلبة الاستار تسترها *** من العفاف برود حين تستلب

لئن تشفى بنو حرب بما صنعوا *** وأدركوا ما تمنوا بالذي ارتكبوا

فسوف يصلون نارا كلما نضجت *** منها جلودهم عادت لهم اهب

يا أقمرا بعراص الطف آفلة *** أضحت برغم العلى قد ضمها الترب

سقاك من صلوات اللّه منسجم *** يروى صداك مدى الازمان منسكب

ص: 297

لا زال لي كبد تطوى على كمد *** حزنا عليك ودمع سائل سرب

ومقول بنظيم الدر منتثر *** مزر بما ابتكر المداح واجتلبوا

يقول شعري لمن يبغي مطاولتي *** لقد حكيت ولكن فاتك الشنب

صلى الاله عليكم حيث ذكركم *** باق تزان به الآيات والكتب

قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) : رأيت للشيخ عبدالرضا الخطى في بعض المجاميع عدة قصائد في رثاء الحسين وأهل بيته ، أقول ورأيت له قصيدة في الحسين علیه السلام بمكتبة دار الآثار ببغداد في مخطوط رقم 9109 وأول القصيدة :

سقى أربعاً أقفرن من جيرة بانوا *** أجش هطول الودق أو طف هتان

تحتوي على 60 بيتا.

ص: 298

الشيخ راضي الظالمي

القرن الثالث عشر

هو ابن الشيخ حمود من أفاضل أهل العلم يسكن في قرية الديوانية القديمة ، وأبوه الشيخ حمود من رجال العلم والدين سكن النجف ، وهو ابن الشيخ اسماعيل بن درويش ينتمي ل- ( بني سلامة ) القبيلة العربية المشهورة في العراق ، وانما لقب بالظالمي لخؤله ومصاهرة بين أسرته واسرة آل الظالمي الذين هم من عشيرة الظوالم.

وللشيخ راضي شعر في بعض المناسبات منه قصيدة في الحسين (عليه السلام) أولها :

وما شفنى الا تشفى أمية *** بقتل ابن بنت المصطفى وصفاياه

وفي النجف اليوم عدد من عقب الشيخ راضي ، أما أبوه الشيخ حمود السلامي الظالمي النجفي المتوفى بعد 1228 ه- فقد ترجم له بعض الباحثين منهم الشيخ الطهراني في طبقات أعلام الشيعة وقال : رأيت من شعره في بعض المجاميع النجفية قصيدة في رثاء الوحيد البهبهاني المتوفى 1205 وذكر له الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره في ( العبقات العنبرية ) قصيدة في رثاء الشيخ الكبير جعفر بن خضر الجناجي المتوفى 1228 ه.

ص: 299

الشيخ عبد اللّه المشهدي

القرن الثالث عشر

قال في مطلع قصيدة في الامام الشهيد علیه السلام :

دعني فما لاح السرور بخاطري *** كلا ولا ألف السهاد بناظري

كيف التصبر والحسين بكربلا *** فتكت به عصب الدعي الكافر

وهو الامام أبو الأئمة أشرف *** الثقلين سبط للنبي الطاهر

بحر الندى علم الهدى مردي العدى *** بالسمهرية والحسام الباتر

وقال في أخرى في الامام علیه السلام :

دع العيد واذكر ما جرى بمحرم *** فما أسفي من بعده بمحرم

غداة حسين الطهر أضحى بكربلا *** وعترته من كل شهم وضيغم

ألا بأبي ذاك الطريد عن الحمى *** بأسرته في السهل والحزن يرتمي

الشيخ عبداللّه بن علي بن حسين بن علي بن مشهد بن محمد ابن مكتوم المعروف بالمشهدي. وآل مشهد قبيلة من القبائل العريقة في عروبتها ومنهم اليوم في القطيف رجال لهم المكانة ومسقط رأسهم قرية ( عنك ) المشهورة بتاريخها القديم ، وشاعرنا هو أحد أعلام هذه القرية وله ديوان مخطوط. قال توفي الشيخ عبد اللّه على التقريب في أوائل القرن الثالث عشر ، وديوانه كله في المراثي.

ص: 300

الشيخ موسى الكاظمي الأسدي

القرن الثالث عشر

الشيخ موسى بن جعفر بن محمود الكاظمي الاسدي من شعراء أهل البيت علیهم السلام وشعره ذكره ولده الشيخ محمد علي في كتابه ( حزن المؤمنين في مصائب آل ياسين ) طبع بمبى ، ألفه للسلطان أمجد علي شاه ، وفرغ من تأليفه سنة 1255 ه- ومما أورده من شعر أبيه قصيدة أولها :

مصابي بآل اللّه باق الى الحشر *** وحزني عليهم مستمر مدى العمر

وتزداد أشجاني بهم متذكرا *** مصاب فتى أودت به أسهم الكفر

لقد جرعته بالطفوف أمية *** كؤس المنايا من صوارمها البتر

ولم ترع ياللّه حرمة احمد *** ولا حرمة الكرار والبضعة الطهر

ومنها :

وزينب تبكي ثم تندب جدها *** وأدمعها كالسيل من عينها تجري

أيقتل ظلما غوثنا وملاذنا *** ويترك شلوا بالعراء بلا قبر

وقال في مطلع قصيدة أخرى في رثاء أبي الفضل العباس حامل راية الحسين (عليه السلام) :

على العباس يا عين اسعديني *** عزيز السبط مقطوع اليمين

ص: 301

السيد حسين بن الشمس

القرن الثالث عشر

السيد حسين بن الشمس الحسيني :

عالم فاضل وصفه الميرزا حسين النوري صاحب مستدركات الوسائل فيما علقه بخطه على هامش رجال أبي علي : بالسيد الحسيب النسيب ذي المجدين وقال : ان له ارجوزة في سني وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والائمة علیهم السلام وتاريخ ولادتهم وبيان موضع قبورهم أولها :

قال أبو هاشم في بيانه *** ولفظه يخبر عن جنانه

الحمد لله على الايمان *** بالمصطفى والآل والقرآن

لقد حداني من له أطيع *** لنظم تاريخ له أذيع

فهاك تاريخ النبي المصطفى *** وآله المطهرين الخلفا

فمولد النبي عام الفيل *** بمكة والحرم الجليل

ومولد الوصي أيضا في الحرم *** بكعبة اللّه العلي ذي الكرم (1)

ص: 302


1- أعيان الشيعة للسيد محسن الامين.

عبد اللّه القطيفي

القرن الثالث عشر

العالم الكامل الشيخ عبداللّه بن احمد بن عبداللّه بن عمران قال الشيخ فرج القطيفي في كتابه ( تحفة أهل الايمان في تراجم آل عمران ) : كان من شعراء أهل البيت علیهم السلام وقفت له على قصيدة مقصورة في رثاء الحسين علیه السلام ، ذهب أكثرها ولا بأس بذكر الموجود منها ، قال قدس سره :

بين روض مونق أنفاسه *** يشبه المسك أريجا وشذى

كم سحبت الذيل فيها مارحا *** راتعا بين غزال ومهى

لم أخف واش ولا هجرا ولا *** أرقب البدر ولا نجم السهى

لا ولا أجزع للركب اذا *** قوض الرحل ولا خل ناي

غير أني بت كالملسوع من *** وقعة الطف وما فيها جرى

وأذبت القلب هما وأسى *** وأسلت الدمع حزنا عندما

لا نسيت السبط اذ حفت به *** زمر الاعدا وأولاد الخنا

بعد أن قد كانبوه ونحا *** نحوهم يوضح طرقا للهدى

أقول وذكره البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ( الكرام البررة ) في القرن الثالث بعد العشرة.

ص: 303

الشيخ حسين القطيفي

القرن الثالث عشر

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي ذكره البلادي البحراني في ( أنوار البدرين ) فقال : العالم الكامل الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي كان من الفضلاء وله حواش كثيرة على جملة من الكتب ولم أقف له على مصنف.

وكان من شعراء أهل البيت علیهم السلام ، وجدت بخطه له قصائد في رثاء الحسين علیه السلام ، وكان خطه في غاية الجودة والملاحة ، ولا أدري عمن يروي من المشايح واللّه العالم. انتهى

أقول هناك عشرات من الشعراء أشتهروا بالنظم وخصوصا في الامام الحسين علیه السلام ولكني لم أعتر على شعرهم بعد ، كما أن لدي وفي مخطوطاتي نضائد من الشعر في الموضوع نفسه لم أعثر على قائليه أو تاريخ حياتهم وعصورهم وما زلت في جد وبحث.

وقل من جد في أمر يحاوله *** - واستعمل الصبر - الا فاز بالظفر

ص: 304

المستدركات

اشارة

ص: 305

ص: 306

ابو طالب الجعفري

القرن الثالث الهجري

لي نفس تحب في اللّه واللّه حسينا ولا تحب يزيدا

يابن أكالة الكبود لقد أنضجت من لابسي الكساء الكبودا

أي هول ركبت عذبك الرحمن في ناره عذابا شديدا

لهف نفسي على يزيد وأتباع يزيد ضلوا ضلالا بعيدا

يا أبا عبد اللّه يا بن رسول اللّه يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي منك في كربلا قتيلا شهيدا (1)

* * *

أبو طالب الجعفري محمد بن عبداللّه بن الحسين بن عبداللّه ابن اسماعيل بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب. قال المرزباني في معجم الشعراء ص 382 : شاعر مقل ، سكن الكوفة فلما جرى بين الطالبيين والعباسيين بالكوفة ما جرى وطلب الطالبيون قال أبو طالب :

بني عمنا لا تذمرونا سفاهة *** فينهض في عصيانكم من تأخرا

وان ترفعوا عنايد الظلم تجتنوا *** لطاعتكم منا نصيبا موقرا

وان تركبونا بالمذلة تبعثوا *** ليوثا ترى ورد المنية أعذرا

وله :

قد ساسنا الاهل عسفا *** وسامنا الدهر خسفا

ص: 307


1- الاقتباس من القرآن الكريم لابي منصور الثعالبي ص 85 و ( امالي ابن الشجري ) ص 186.

وصار عدل أناس *** جورا علينا وحيفا

واللّه لولا انتظاري *** برءا لدائي أشفى

ورقبتى وعد وقت *** تكون بالنجح أوفى

لسقت جيشا اليهم *** ألفا وألفا وألفا

حتى تدور عليهم *** رحى البلية عطفا

ورأيت في معجم شعراء الطالبيين مخطوط العلامة المعاصر السيد مهدي الخرسان : أبو طالب الجعفري : جده الحسين أخذه بكار الزبيري بالمدينة ايام ولايته عليها فضربه بالسوط ضربا مبرحا فمات. وأبوه عبداللّه امتنع من لبس السواد وخرقه لما طولب بلبسه فحبس بسر من رأى حتى مات في الحبس ، وذلك في ايام المعتصم. وكان شاعرا ويلقب هو أبوه الحسين ب- كلب الجنة كما كان حفيده أبو العوام أحمد يلقب بذلك. وكان أخو المترجم له اسماعيل بن عبداللّه ممن قتل بطبرستان فيمن قتل من وجوه الطالبيين.

أقول ومما رأيته في كتاب الاقتباس هذه الابيات في رثاء الامام الحسين (عليه السلام) بقوله ، وقال بعضهم :

أيا قتيلا عليك *** كان النبي المعزى

قد أقرح الحزن قلبي *** كأن في القلب وخزا

اذا ذكرت حسينا *** ورأسه يوم حزا

الى اللعين يزيد *** سارت به البرد جمزا (1)

فظل ينكث منه *** ثغرا وينهز نهزا

فسوف يصلى سعيرا *** به يدور ويخزى

ص: 308


1- البرد : جمع بريد وسمي البغل يريدا والرسول الذي يركبه بريدا والجمز : ضرب من السير أشد من العنق.

ابن المستوفي الأربلي

المتوفى 637

المبارك بن احمد مستوفى اربل قال من جملة قصيدة يرثي بها الامام الحسين بن علي علیهماالسلام ، كما في ( تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون ) للصفدي :

أتجحد قتله وتراه اثما *** وقد أقبلته بالطف شمرا

وتقرع بالقضيب ثنيتيه *** أراك أتيتها نكراء بكرا

* * *

شرف الدين بن المستوفي. أبو البركات المبارك بن أبي الفتح احمد بن المبارك بن موهوب بن غنيمة بن غالب اللخمي ، الملقب شرف الدين ، المعروف بابن المستوفي الاربلي.

قال ابن خلكان في ( الوفيات ) كان رئيسا جليل القدر كثير التواضع واسع الكرم ، لم يصل الى اربل أحد من الفضلاء الا وبادر الى زيارته وحمل اليه ما يليق بحاله ، وخصوصا أرباب الادب وكان جم الفضائل عارفا بعدة فنون ، منها الحديث وعلومه وأسماء رجاله وجميع ما يتعلق به ، كان اماما فيه. وكان ماهرا في فنون الادب من النحو واللغة والعروض والقوافي وعلم البيان وأشعار العرب وأخبارها وأيامها ووقائعها وأمثالها. وكان بارعا في علم الديوان وحسابه وضبط قوانينه على الاوضاع

ص: 309

المعتبرة عندهم.

وجمع لاربل تاريخا في أربع مجلدات ، وله كتاب ( النظام في شرح شعر المتنبي وأبي تمام ) في عشر مجلدات ، وله كتاب ( سر الصنعة ) وغير ذلك.

وله ديوان شعر أجاد فيه ، فمن شعره :

رعى اللّه ليلات تقضت بقربكم *** قصارا وحياها الحيا وسقاها

فما قلت ايه بعدها لمسامر *** من الناس الا قال قلبي آها

قال ابن خلكان في الوفيات : وكنت خرجت من اربل في سنة ست وعشرين وستمائة وشرف الدين مستوفي الديوان ، والاستيفاء في تلك البلاد منزلة عليه ، وهو تلو الوزارة ، ثم بعد ذلك تولى الوزارة في سنة تسع وعشرين وستمائة ، وشكرت سيرته فيها ولم يزل عليها الى أن مات مظفر الدين في التاريخ المذكور في ترجمته.

واخذ الامام المستنصر اربل في منتصف شوال من السنة المذكورة فبطل شرف الدين وقعد في بيته ، والناس يلازمون خدمته على ما بلغني ، ومكث كذلك الى أن أخذ التتر مدينة اربل في سابع عشر شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة وجرى عليها وعلى أهلها ما قد اشتهر فكان شرف الدين في جملة من اعتصم بالقلعة وسلم منهم ، ولما انتزح التتر عن القلعة انتقل الى الموصل وأقام بها في حرمة وافرة وله راتب يصل اليه وكان عنده من الكتب النفيسة شيء كثير. ولم يزل على ذلك حتى توفي بالموصل يوم الاحد لخمس خلون من المحرم سنة سبع وثلاثين وستمائة ودفن بالمقبرة السابلة خارج باب الجصاصة. ومولده في النصف

ص: 310

من شوال سنة اربع وستين وخمسمائة بقلعة اربل. وهو من بيت كبير كان فيه جماعة من الرؤساء الادباء ، ولما مات شرف الدين رثاه صاحبنا يوسف بن النفيس الاربلي :

أبا البركات لو درت المنايا *** بأنك فرد عصرك لم تصبكا

كفى الاسلام رزأ فقد شخص *** عليه بأعين الثقلين يبكى

انتهى باختصار ، وترجم له السيوطي في ( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ) والزركلي في الاعلام.

ص: 311

الشيخ حسن النح

اشارة

الشيخ حسن النح ، شاعر قطيفي من علماء القرن الثامن الهجري

ويعرف بابن النح رأيت له شعرا كثيرا في رثاء الامام الحسين علیه السلام كما رأيت له في المخطوطات القديمة شعرا جيدا في مدح النبي الاعظم صلی اللّه علیه و آله . وهذه احدى قصائده انتسختها من مخطوطة قديمة قال كاتبها : ومما قاله الاديب العالم الشيخ حسن بن علي النح عليه الرحمة :

أوميض برق في الدجا يتوقد *** أم ضوء فرقك قد بدا أم فرقد

وضبا تجرد من جفونك أم ضبا *** يرمقن أم بيض حسان خرد

ومعاطف عطفت دلالا أم قنا *** تهتز عجبا أم غصون تأود

يا من به يحيى غرامي خالد *** وعليه جعفر مدمعي لا يحمد

نعمان خدك مالك لقلوبنا *** فعساك تصبح شافعي يا احمد

لي في هواك حديث وجد لم يزل *** متواتر لقديم وجدك مسند

ومن العجائب أن دمعي لم يزل *** يجري وقلبي ناره لا تخمد

عجبي لفاتر طرفه في فتكه *** يستل أبيض وهو لحظ أسود

لا شيء أمضى من مضاربه سوى *** سيف الوصي الطهر حين يجرد

الفارس البطل الهمام الاروع *** المقدام ولليث الهزبر الامجد

الحاكم العدل الرضي العالم *** العلم الولي الزاهد المتعبد

الماجد الندب الشجاع المجتبى *** الصادق المتصدق المتهجد

ص: 312

خلق أرق من النسيم وعزمة *** عند اللقا منها يذوب الجلمد

هو أشرف الثقلين في حسب وفي *** الهيجاء منصور اللواء مؤيد

بمهند ماض الغرار كغزمه *** في غير هامات العدى لا يغمد

حتى غدا نون الوقاية ساقطا *** عنهم بفعل من علاه يؤكد

يا من له الشرف الذي لا ينتهي *** معناه والفخر الذي لا ينفد

حسدوك لما أن علوت عليهم *** قدرا ومن رام المعالي يحسد

مولاي لو شهادت ما فعل العدا *** يوم الطفوف وأي ظلم جددوا

فعلوا بمولاي الحسين ورهطه *** فعلا تكاد لها الجبال تأود

والارض تخسف خشية مما جرى *** منهم وتضطرب السماء وترعد

والقصيدة تتكون من 103 بيت قال في آخر بيت منها :

مولاي نجل النح يرجو منكم *** حسن الجزاء وغيركم لا يقصد

وللشيخ حسن النح في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله :

بمنعرج الجرعاء عن أيمن الهضب *** مطالع أقمار بزغن على قضب

بها السفح من وادي العقيق جأذر *** نثرن دموع العين كاللؤلؤ الرطب

وبين ثغور المنحنى دون بارق *** بروق ثغور حسنها للورى يسبى

أسرن فؤادي حين أطلقن أدمعي *** فقلبي ودمعي بين صب ومنصب

ربارب لكن الاسود عرينها *** وغاباتها سود المحاجر والهدب

أرقن دمي عمدا وأنكرن ماجرى *** وأصدق شيء في الهوى شاهد الحب

بحك قف ان شمت عن أيمن الحمى *** سنا بارق قد لاح من ذلك الشعب

وسلعا اذا ما جئت سل عن حبائبي *** وان ملت من عجبي الى نحوهم عج بي

لعل اذا مر معتل نشرها *** يصح به جسمي وحيى به قلبي

منازل عرب خيموا حين يمموا *** بقلبي لا بين الاكلة والحجب

هم الطيبون الطاهرون ومن هم *** اذا جار صرف الدهر دون الورى حسبي

ص: 313

هم الحامدون الشاكرون لذي العلى *** هم الصادقون الصابرون لدى الكرب

محمد المختار من سائر الورى *** أبوهم وحسن الفرع عن أصله ينبي

نبي سمى كل النبيين رفعة *** وقد سار حتى صار في حضرة الرب

دنى فتدلى قاب قوسين عندما *** رقى وحباه اللّه بالانس والقرب

وخاطبه الرحمن من فوق عرشه *** خطاب محب هام وجدا الى حب

تقدم كل الانبياء بأسرها *** وصلى اماما بالملائكة النجب

فيا رتبة لو رام أن يلمس السها *** بها لم يكن ما رام بالموقف الصعب

من العرب كل أعجموا عند وصفه *** لذلك يدعى سيد العجم والعرب

كريم يد لو قيس بالبحر جوده *** لزاد على جدواه بالمورد العذب

ولو يحكه قطر الغمام لما غدت *** فجاج الثرى تبغي الامان من الجدب

محا رسم أهل الشرك قاطع عضبه *** بحد الى ايجابه نسبة السلب

ص: 314

ناصر بن أحمد المتوج

القرن التاسع الهجري

لقد مرت ترجمة والده الشيخ احمد في الجزء الرابع من هذه الموسوعة وفاتنا أن نتبعها بترجمة الولد وهو الشيخ ناصر فهو الجدير بأن يذكر ، يقول صاحب أنوار البدرين : كان نادرة عصره ونسيج وحده وقبره بجنب قبر أبيه وقد زرتهما مرارا ومشهدهما من المشاهد المتبرك به ، انتهى كلام شيخنا الرباني الشيخ سليمان الماحوزي البحراني.

وقد ذكر هذا الشيخ الجليل كل من تأخر عنه كالمحدثين البحرانيين والحر في الامل وخريت هذه الصناعة الملا عبداللّه أفندي في ( رياض العلماء ) والسيد المعاصر في ( روضاته ) والفاضل المعاصر في آخر المستدرك وأثنوا عليه بكل جميل ، وذكره تلميذه الفاضل السبعي الاحسائي شارح قواعد العلامة بما لا مزيد عليه وذكر ان له شروحا على مشكلات القواعد وله ايضا من المصنفات تفسير الكتاب المجيد وله رسالة الناسخ والمنسوخ وله أشعار كثيرة منها نظم مقتل الحسين (عليه السلام) رأيناه ومراثي كثيرة وله مدح حسن في أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام .

ومن تلامذته الشيخان الجليلان : الشيخ احمد بن فهد الحلي والشيخ احمد بن فهد المضري الاحسائي ولكل منها شرح على الارشاد فهو من غرائب الاتفاقات.

ص: 315

الشيخ ابراهيم الجيلاني

توفي سنة 1119

الشيخ ابراهيم بن عبداللّه الزاهدي الجيلاني :

بلاهيجان. ذكره ابن أخيه الشيخ محمد علي الحزين ابن الشيخ أبي طالب بن عبداللّه في تذكرته فقال ما تعريبه : المحقق الحقاني الشيخ ابراهيم بن الشيخ عبداللّه الزاهدي الجيلاني عم هذا الفقير مظهر شوارق الانوار والمؤيد بتأييدات الملك الجبار ، جامع العلوم الدينية والمعارف اليقينية وحاوى الكمالات الصورية والمعنوية ، قرأ على والده متوطن بلدة لاهيجان ومرجع أفاضل كيلان ، وصل صيت فضائله ومناقبه بالاعالي والاداني ، حسن التقرير والتحرير وفي الشعر والانشاء وكشف اللغز والمعنى بغير نظير ، يكتب انواع الخطوط الجيدة ، له مصنفات :

1 - حاشية على المختلف اسمها رافعة الخلاف.

2 - حاشية على الكشاف اسمها كاشفة الغواشي ، وصل في الى سورة الاحقاف.

3 - رسالة في توضيح كتاب اقليدس.

4 - القصائد الغراء في مدح أهل العباء.

ولما وصل خبر وفاته الى أصفهان رثاه ابن أخيه المذكور بأبيات فارسية. انتهى عن أعيان الشيعة ج 5 / 324.

ص: 316

ابن كنبار

المتوفى 1131

محمد بن يوسف بن علي بن كنبار البلادي البحراني : هو تلميذ الشيخ سليمان بن عبداللّه الماحوزي كذا ذكره صاحب ( الذريعة ) ج 9 / 990 وفي ص 28 ما نصه : الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الصيمري النعيمي البلادي الشهيد بيد الخوارج سنة 1131 ه- كما في ( الفيض القدسي ) أو سنة 1130 كما في اللؤلؤة ، وهو من تلاميذ الشيخ محمد بن ماجد البحراني والسيد المحدث الجزائري ، ويروي عنه الشيخ عبداللّه السماهيجي كما في اجازته. له ديوان شعر في المراثي كما ذكره في أنوار البدرين وغيره ، وله مقتل الحسين وشعر بليغ نفيس. توفي في بلدة ( القطيف ) فانه بعد أن كان فيها مضى الى البحرين وهي في أيدي الخوارج فاتفق وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم ، وقتل جميع العجم وجرح هذا الشيخ جروحا خطيرة ونقل الى القطيف فبقي أياما قليلة وتوفي ودفن في مقبرة ( الحباكة ) (1).

ص: 317


1- ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) للشيخ الطهراني.

السيد هاشم الصياح الستري

قم جدد الحزن في العشرين من صفر *** ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

يا زائري بقعة أطفالهم ذبحت *** فيها خذوا تربها كحلا الى البصر

والهفتا لبنات الطهر يوم رنت *** الى مصارع قتلاهن والحفر

رمين بالنفس من فوق النياق على *** تلك القبور بصوت هائل ذعر

فتلك تدعو حسينا وهي لاطمة *** منها الخدود ودمع العين كالمطر

وتلك تصرخ واجداه وا أبتا *** وتلك تصرخ وايتماه في الصغر

يا راجعين السبايا قاصدين الى *** أرض المدينة ذاك المربع الخضر

خذوا لكم من دم الاحباب تحفتكم *** وخاطبوا الجد هذي تحفة السفر

جاء في أنوار البدرين : من علماء البحرين السيد النجيب الاديب السيد هاشم المعروف ب- ( الصياح ) الستري البحراني ، كان رحمه اللّه شاعرا له يد طولى في علم التجويد ولهذا يلقب بالقاري ، سمعت من شيخنا الثقة العلامة المرحوم الشيخ احمد ابن المقدس الشيخ صالح أن له كتابا في القراءة سماه ( هداية القاري الى كلام الباري ).

وله القصيدة الغراء التي أولها :

قم جدد الحزن في العشرين من صفر *** ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

وهي مشهورة ، وعندنا كتاب ( مقنعة الشيخ المفيد ) رحمه اللّه نسخة قديمة جدا عليها تملكه ، وأنهى نسبه فيها للامام موسى بن جعفر (عليه السلام) ولم أقف له على ترجمة تغمده اللّه بالرضوان والرحمة.

ص: 318

تصويب

جاء في ص 167 عند ترجمة الشيخ حمادي الكواز بيتان هما :

ليهن محاني مشهد الشمس انه *** ثوى بدر أنسي عندها بثرى القبر

وكان قديما مشهد الشمس وحدها *** فعاد حديثا مشهد الشمس والبدر

نسبناهما له سهوا والصحيح أنهما لأخيه الشيخ صالح الكواز المترجم ص 213 قالهما في رثاء ولد له صغير دفن في مقبرة ( مشهد الشمس ) بالحلة.

ص: 319

الى الادباء والباحثين

ضاق نطاق هذا الكتاب عن استيعاب شعراء المائة الثالثة بعد الالف فانتقلنا بالبقية الباقية الى الجزء الثامن ، وودعنا القرن الثالث عشر على كره منا ، فالنفس غير راضية بهذا الانتقال ولا مطمئنة لهذا الانفصال ، اذ هي ما زالت تتحسس أو تكاد تلمس أشباحا ممن تبتغي العثور عليهم وحتى نالها التعب في التقصي على آثارهم ، وعدت عليها بالتسلية فان المفقود متى عثر عليه يرجع به الى عصره ومصره. وان الانسان يجب أن يعمل مدى الحياة ما دامت الحياة وقد قيل : فتش تجد.

ص: 320

اعتذار من سهو

وصلتني رسالة من العلامة صاحب التوقيع ونصها :

الاستاذ الحبيب المجاهد الجواد من آل شبر دام مؤيدا سلام عليكم ورحمة اللّه. وبعد. تصفحت كتابكم الثمين وذخركم القيم ( أدب الطف ) فراقني ما فيه من ترتيب وجهد بالغين. وكم كانت هذه الفكرة تراودني من زمن بعيد حتى سمعت بذكر كتابكم فسارعت لاقتنائه ، فالحمد لله الذي جعل هذا العمل الجبار على يديكم وهل لهذا الميدان فارس غيركم. سدد اللّه خطاكم وبارك في جهودكم.

وهناك ملاحظات على الجزء الخامس :

أولا : نسبتم في ص 209 قصيدة مطلعها :

نظرت عيني فلم أدر ضباءا *** أو غصونا مائسات أم نساءا

نسبتموها للشيخ فرج بن محمد الخطى المعروف بالمادح المتوفى 1135 ه- والصحيح أنها للشيخ فرج بن حسن من آل عمران المعاصر صاحب ( الروضة الندية ).

ثانيا : جاء في ص 348 عبداللّه العوي الخطي والصحيح ( العوى ) بالالف المقصورة.

ثالثا : جاء في ص 383 الشيخ عبداللّه العوامي ، والصحيح الشيخ عبداللّه العوى.

ختاما تقبلوا فائق احتراماتي *** سعيد السيد أحمد الشريف

الخباز القطيفي

نشكر السيد الباحث على هذه الملاحظات ، انما الذي جرنا الى هذا السهو هو اتحاد الاسمين والبلدين للشاعرين.

المؤلف

ص: 321

عواطف أديب

سبق وأن تفضل الاستاذ الكبير ، الكاتب الشهير جعفر الخليلي فشمل موسوعة ( أدب الطف ) بمطالعتها والكتابة عنها في الصحف العراقية ، وهذه رسالة ضمنها عواطفه وانطباعاته عن الجزء السادس ، حررها بتاريخ 13 / 3 / 1976.

سيدي الخطيب اللامع والصديق الوفي الاستاذ السيد جواد شبر

أشكرك على كتابك النفيس ( أدب الطف ) الذي تلقيته قبل ايام وجدد لي ذكرى محبتك وعزيمتك وملكاتك الادبية التي كان من نتائجها اخراج هذه السلسلة التي بلغت بها الجزء السادس بدون كلل ولا ملل وليس الفضل فضلك منحصرا في قوة الاستمرار والدأب على هذا العمل وانما في هذا العرض الذي لم يسبقك اليه سابق ، وفي هذه التفلية في بطون الكتب والوثائق المخطوطة وبذلك كنت أول من يضع هذه اللبنة في هذا الصرح ، وكم كنت أود لو كانت هناك صحيفة تهضم مثل هذه المواضيع لاعتضت بها عن الكتابة لك برأي هذا في كتابك ، لذلك أكتفي بأن أذكر لك بأنني أعجبت بهذا الجزء كما أعجبت بالاجزاء الخمسة المتقدمة وأبديت اعجابي ونشرته ، وانا أبتهل الى اللّه أن يمنحك التوفيق لتمشي بهذه السلسلة الى النهاية ، وبذلك تسد فراغا كبيرا في هذا اللون من الادب ، والتراجم التي أغفلها مؤرخوا الادب من قبل.

فجزاك اللّه خير الجزاء. تقبل عاطر تحياتي ودم لمن يخلص لك ويعجب بك.

جعفر الخليلي

ص: 322

المصادر

تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون للصفدي

الاقتباس من القرآن الكريم للثعالبي

معجم الشعراء للمرزباني

الكامل لابن الاثير

تاريخ دمشق لابن عساكر

اعيان الشيعة للسيد محسن الامين

الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة للشيخ محسن الطهراني

نقباء البشر في القرن الرابع عشر للشيخ محسن الطهراني

الذريعة الى تصانيف الشيعة للشيخ محسن الطهراني

روضات الجنات للخونساري

القمقام فرهاد ميرزا القاجاري

معارف الرجال الشيخ محمد حرز الدين

نهضة العراق الادبية في القرن التاسع عشر الدكتور محمد مهدي البصير

الحالي والعاطل الدكتور عبدالرزاق محيي الدين

البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي

الجعفريات للشيخ محمد علي اليعقوبي

شعراء من كربلاء السيد سلمان هادي الطعمة

شعراء الحلة علي الخاقاني

شعراء الغري علي الخاقاني

رياض المدح والرثاء للشيخ حسين علي البلادي

الروضة الندية في المراثي الحسينية للشيخ فرج آل عمران

شعراء بغداد عبد القادر الشهراباني

المسك الاذفر للآلوسي

انوار البدرين للشيخ علي البلادي

ص: 323

قلائد الخرائد في اصول العقائد للسيد مهدي القزويني

حزن المؤمنين في مصائب آل ياسين للشيخ محمدعلي الكاظمي

الحصون المنيعة في تراجم شعراء الشيعة للشيخ علي كاشف الغطاء

سمير الحاظر وانيس المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء

الكشكول للشيخ هادي كاشف الغطاء

المجالس الحيدرية في النهضة الحسينية للسيد حيدر العطار

ترجمة السيد عبد اللّه شبر للسيد محمد معصوم

معجم شعراء الطالبيين للسيد مهدي الخراسان

الدر المنظوم في الحسين المظلوم للسيد حسن البغدادي

رسالة في ترجمة السيد مهدي القزويني للسيد حسين القزويني

شعراء القطيف للشيخ علي منصور

البيوتات الادبية في كربلاء موسى الكرباسي

ديوان السيد حيدر الحلي

ديوان الشيخ صالح الكواز

ديوان الملا حسن القيم

ديوان الشيخ محسن الخضري

ديوان الشيخ صالح التميمي

ديوان الباقيات الصالحات عبد الباقي العمري

ديوان الحاج جواد بذكت

ديوان السيد جعفر الحلي

ديوان الشيخ محمد علي كمونة

ديوان السيد ابراهيم الطباطبائي

ديوان السيد ميرزا الطالقاني

ديوان الدررالغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية للسيد صالح القزويني النجفي

ديوان الشيخ جابر الكاظمي

ديوان السيد موسى الطالقاني

ديوان ميرزا ابو الفضل الطهراني

ديوان الشيخ عباس الملا علي

ديوان الشيخ عبد الحسين شكر

ديوان رطب العرب المير محمد عباس

ص: 324

الفهرس

شاعر يرثي الحسين في القرن الرابع الهجري ... 7

آخر يقول الشعر في الحسين في القرن الخامس الهجري... 8

عثمان الهيتي يذكر الحسين... 9

السيد علي السيد سلمان ينظم في غارة الوهابيين على كربلاء... 10

الشيخ احمد الدورقي الاحسائي علمه واثاره ، مكانته العلمية... 13

الشيخ صافي الطريحي حياته اثاره العلمية... 15

عبد المحسن الملهوف رائعته في الامام الحسين... 17

الشيخ صالح التميمي ، حياته وألوان من شعره ، ديوانه وروائعه... 21

السيد صدر الدين العاملي مكانته العلمية أقوال الباحثين عنه... 30

السيد حيدر العطار معارفه وكمالاته ، زهده وورعه ، اثاره العلمية... 34

السيد جعفر القزويني حياته ، موت الغربة... 39

السيد محمد بن علي الصحاف نبذة عن حياته ... 43

الشيخ عبد العزيز الجشي رثاؤه للحسين... 44

السيد محمد ابو الفلفل ولاؤه للحسين وأشعاره فيه... 47

السيد محمد السيد معصوم حياته ومؤلفاته ، ديوانه في المراثي... 53

الشيخ حسن الصفواني نبذة عن حياته ، شعره في الرثاء... 63

الحاج سليمان العاملي اشارة الي أشعاره... 65

الشيخ حسن الدورقي ، حياته العلمية اثاره ومؤلفاته... 66

ص: 325

السيد احمد الفحام ترجمته بعض اشعاره... 68

حاج صالح حجي الكبير حياته وأقوال العلماء ، ألوان من شعره... 71

الشيخ قاسم الهر ترجمته وشعره... 75

الشيخ عباس الملا علي أدبه العالي رقة غزله ، ألوان من شعره ، غرامياته... 77

الشيخ محمد بن عبد اللّه حرز حياته ومؤلفاته وبعض اشعاره... 89

الشيخ درويش علي البغدادي معارفه وكمالاته ، أقوال العلماء فيه... 93

الشيخ عبد اللّه الذهبة شاعريته ديوانه مؤلفاته... 98

الشيخ حسن قفطان قوة الشاعرية مكانته العلمية... 103

الشيخ الفتوني وعلومه ، تحقيق عن اليوم الذي استشهد فيه الحسين بحث وتحقيق عن رأس الحسين 114

الشيخ ابراهيم قفطان شاعريته ودراسته ومخطوطاته... 122

عبد الباقي العمري مكانته في الاوساط الادبية ، مجموعة من اشعاره في اهل البيت... 125

الشيخ حسين الشيخ علي قفطان نبذة عن حياته... 138

الشيخ موسى محي الدين أدبه وعلمه براعة الشاعرية ، مساجلاته... 139

الحاج جواد بدقت روائعه في الحسين ، مكانته الادبية ، جزالة الشعر... 144

الشيخ صالح بن طعان ، ديوانه في المراثي ، اثاره العلمية... 152

الشيخ محمد علي كمونة ، شهرته ومكانته ، جلالة قدره ، ديوانه الشعري... 155

الشيخ حمادي الكواز الشاعر الامي مفخرة الشعر العربي ، حياته ونوادره ومسجلاته 161

الشيخ ابراهيم صادق العاملي ، العالم الشاعر ، مدائحه للامام أميرالمؤمنين (عليه السلام)... 173

السيد عبد الرحمن الالوسي قصيدته في الامام الحسين وبعض شعره... 182

الشيخ عبد الحسين شكر حياته وديوانه ، مراثيه... 185

السيد راضي القزويني حياته بعض مراثيه... 195

السيد محمد بن عبد الصمد الاصفهاني مكانته العلمية ونبذة من حياته... 199

ص: 326

الشيخ علي آل عبد الجبار ، ترجمته شيء من شعره... 200

السيد مهدي السيد داوود الحلي العالم الشاعر ، تقواه وصلاحه ، رثاؤه للحسين... 201

عباس القصاب يذكر الحسين... 212

الشيخ صالح الكواز عملاق الشعر ونابغة العصر ، ديوانه مميزاته... 213

الشيخ محمد نصار اللملومي شاعر بالفصحي والدراجة ، غزله ، نوادره... 232

الشيخ احمد قفطان حياته وطائفة من أشعاره... 239

الشيخ سالم الطريحي الشاعر الجزل ، جملة من مراثيه للحسين... 242

السيد احمد الرشتي ، ألوان من شعره حياته العلمية والادبية... 249

الشيخ حمزة البصير حياته وشعره... 253

الشيخ مهدي حجي تلميح لحياته وشعره... 254

السيد موسى الطالقاني علمه وأدبه ، ديوانه والوان من شعره... 255

السيد ميرزا جعفر القزويني نبوغه وعلمه ، سخاؤه وفضله والجعفريات... 257

الشيخ صادق اطيمش ترجمته وأدبه... 268

الشيخ ناصر بن نصراللّه وولده الشيخ عبد اللّه مقتطفات من أشعاره... 270

العلامة الحجة السيد مهدي القزويني صاحب المصنفات ، حياته وكانته في المجتمع... 271

الشيخ لطف اللّه الحكيم حياته ونموذج من منظوماته... 279

الشيخ علي الناصر قطعة من شعره وجملة حياته... 281

الشيخ محسن الخضري ، أدبه ، تضلعه باللغة ، ديوانه ، مراسلاته... 282

الشيخ علي سبيتي نبذة عن حياته وفضله... 285

السيد كاظم الامين علمه ، ملحمته في الوعظ والتذكير... 287

الحاج يوشع البحارنة ، سيرته وشعره... 294

الشيخ عبد الرضا الشيخ حسن الخطى ، مرثيته للحسين (عليه السلام)... 295

الشيخ راضي الظالمي ، أسرته ، أبوه ومنزلته العلمية... 299

الشيخ عبد اللّه المشهدي القطيفي ترجمته ونبذة من شعره... 300

ص: 327

الشيخ موسى بن جعفر الكاظمي الاسدي ابيات من شعره... 301

السيد حسين بن الشمس الحسيني ، ارجوزته في المعصومين... 302

الشيخ عبد اللّه بن احمد القطيفي... 303

الشيخ حسين بن محمد بن يحيى بن عمران القطيفي... 304

المستدركات

ابو طالب الجعفري ، شعره ، ترجمته وحياته... 307

ابن المستوفي حياته ، منزلته العلمية ، مؤلفاته ، شعره... 309

الشيخ حسن النح رثاؤه للحسين وفي اخري يمدح النبي صلی اللّه علیه و آله ... 312

ابن المتوج أقوال الباحثين في حياته وعلمه... 315

الشيخ ابراهيم الجيلاني... 316

ابن كنبار محمد بن يوسف بن علي بن كنبار البلادي البحراني... 317

السيد هاشم الصياح الستري مرثيته الرقيقة... 318

ص: 328

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.