أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 6

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 336

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء السادس

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 5

دعاء وثناء

انهالت علينا مجموعة من رسائل الأصدقاء الأعلام وفيها عواطف صورت عن طريق النقد والتقريظ ، آثرنا إرجاء نشرها. واعتزازاً بواحدة من هذه الرسائل هي ما تفضل به سيدي الوالد قدس سره فكتب دعاء ضمنه الثناء ، وإني اعتبرها ذكرى له بها تذكرة وإليكم النص :

ولدي السيد جواد :

أملي من الأولاد ، وذخري من أفلاذ الأكباد ، مفخرة الأعواد ، ولدي الجواد ، دام مثالاً للصلاح والسداد ، ومحفوظاً برب العباد.

ها هي هديتك الثمينة ، عليها الإهداء بيدك الأمينة ، وهو الجزء الرابع من موسوعة ( أدب الطف أو شعراء الحسين ) وها أنا أقرأه بإمعان وأقف عند مدلوله ومنقوله ، وأتمشى مع أبوابه وفصوله ، فجزاك اللّه خير جزاء المحسنين ، على ما أسديت من خدمة لسادتنا الميامين الهداة المهديين ، وفي طليعتها بل على جبهتها تلمع الأشعة من أنوار الحسين أبي الأئمة التسعة.

يسرني أن أراك أرتقيت مرتقي يصعب على غيرك ارتقاؤه ، وتسنمت منبراً لا يليق لغيرك اعتلاؤه ، إذ أن هذا المجهود لا ينال بغير السهر والتعب ، والإحاطة ، بدواوين العرب ، فمرحى لك مرحى لقد استخرجت منها اللباب ، وأتيتنا بما لد وطاب ، فطب نفساً ، وقر عيناً ، فعملك مذكور مشكور ، وباق مع الدهور.

وكل ما أتمناه لموسوعتك ، وأوصيك بمتابعته ومواصلته ، هو التصميم على إكمالها دون ملل وضجر ، إذ قل ما يحرم الصبور الظفر.

« وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون ».

3 شهر رجب 1393

والدكم

علي شبر الحسيني

ص: 6

تقديم

ما أكثر ما تقع عليه العين من الشعر في الدواوين المنتشرة وفي الكتب النادرة من المطبوعة والمخطوطة ، ولما كان هدفنا وموضوعنا من موسوعتنا هذه هو الشعر المقول في أهل البيت علیهم السلام وبالأخص الإمام الحسين علیه السلام إذ تعني بشعراء الحسين خاصة الذين تحسسوا بنهضة وأشادوا بثورته وما أكثر هؤلاء وقد قيل - والحق فيما قيل - إنه رثي بكل لسان في كل جيل وفي كل عصر بمختلف اللغات وعلى جميع الألسن فإن يوم الحسين الخالد استخدم المشاعر وشحذ الأذهان واستهوى القلوب.

أما العقبة التي تواجه موسوعتنا ( أدب الطف ) فهي الكثرة من هؤلاء الشعراء فليس من السهل الوقوف على تراجمهم ومعرفة أسمائهم أو العصور التي عاشوا فيها ، سيما وهم ليسوا من قطر واحد أو من دين واحد فقد نظم في يوم الحسين المسلم وغير المسلم واحتفل بيومه كل إنسان وكل من يحب الخير للانسان ذلك لأن هدف الحسين لم يك هدفاً خاصاً يقتصر على طائفة دون طائفة أو على أمة دون أمة بل الحسين للجميع ولكل من يتحسس بالإباء والكرامة والنخوة والشهامة ولكل من يكره الجور والطغيان والظلم والعدوان. يقول الأديب المسيحي بولس سلامة في ملحمته ( عيد الغدير ) :

ص: 7

سيكون الدم الزكي لواءاً *** لشعوب تحاول استقلالا

وهذا هو الجزء السادس من ( أدب الطف ) يتضمن القسم الأول من شعراء القرن الثالث عشر وتتلوه أجزاء نستمد العون من اللّه وحده لإنجازها ، وإن اللّه مع من أحسن عملا.

المؤلف

ص: 8

السيد احمد علي خان

المتوفي قبل سنة 1168

هي الطفوف فطف سبعاً بمغناها *** فما لبكة معنى دون معناها

أرض ولكنما السبع الشداد لها *** دانت وطأطأ أعلاها لأدناها

هي المباركة الميمون جانبها *** ما طور سيناء إلا طور سيناها

وصفوة الأرض أصفى الخلق حل بها *** صفاه ذو العرش إكراماً وصفاها

منزه في المزايا عن مشابهة *** ونزهت عن شبيه في مزاياها

وكيف لا وهي أرض ضمنت جثثاً *** ما كان ذا الكون - لا واللّه - لولاها

فيها الحسين وفتيان له بذلوا *** في اللّه أي نفوس كان زكاها

إذ القنا بينهم كالرسل بينهم *** والبيض تمضي مواضيها قضاياها

أنسى الحسين وسمر الخط تشجره *** إذاً فما انتفعت نفسي بذكراها

أنساه يخطب أحزاب الضلال وقد *** أصمها الشرك والشيطان أعماها

فحين أعذر أعطى البيض حاجتها *** والسمر في دم أهل الغي رواها

إن كر فرت كأسراب القطا هرباً *** حتى تعثر أولاها بأخراها

فلت حدود سيوف الهند ما صنعت *** كأنه ما قراها يوم هيجاها

ولم تكن كفه هزت مواضيها *** ولم يكن كلما استسقته أسقاها

لو عاينت يومه عينا أبي حسن *** قضى مآرب حق قد تمناها

أو كان يشهده في كربلا حسن *** رأت أمية منه سوء عقباها

ص: 9

يا باذل النفس في اللّه العظيم ولولا *** اللّه بارؤها ما كان أغلاها

الأرض بعدك نظت ثوب زينتها *** وجداً وشوه بعد الحسن مرآها

والشمس لولا قضاء اللّه ما طلعت *** حزناً عليك ولا كنا رأيناها

تبكي عليك بقان في مدامعها *** وما بكت غير أن اللّه أبكاها

واهتزت السبع والعرش العظيم ولولا *** اللّه أصبحت العلياء سفلاها

الإنس تبكي رزاياك التي عظمت *** والجن تحت طباق الأرض تنعاها

رزية حل في الإسلام موقعها *** تنسى الرزايا ولكن ليس تنساها

وكيف تنسى مصاباً قد أصيب به *** الطهر الوصى وقلب المصطفى طاها

خطب دهى البضعة الزهراء حين دهى *** رزء جرت بنجيع منه عيناها

فأي قلب لهذا غير منفطر *** وجداً فذلك أشجاها وأقساها

آل النبي على الأقتاب عارية *** كيما يسر يزيد عند رؤياها

ورأس أكرم خلق اللّه يرفعه *** على السنان سنان وهو أشقاها

فياله من مصاب عم فادحه *** كل البرية أقصاها وأدناها

تبكي له أنبياء اللّه موجعة *** وما بكت لعظيم من رزاياها

وتستهيج له الأملاك باكية *** وما البكاء لشيء من سجاياها

فأي عذر لعين لم تجد بدم *** لو جف من جريان الدمع جفناها

تاللّه تبكي رزايا الطف ما خطرت *** وكلما يقرع الأسماع ذكراها

تبكي مصارع آل اللّه لا برحت *** عليهم من صلاة اللّه أزكاها

حتى يقوم بأمر اللّه قائمنا *** فنشحذن سيوفاً قد غمدناها

بقية اللّه من بالسيف يملؤها *** عدلا كما ملئت جوراً ثناياها

إليك يا ابن رسول اللّه سائرة *** من القوافي ترجي منك قرباها

بايعت مجدك فيها وهي واثقة *** أن لا ترد إذا مدت بيمناها

وأشهد اللّه أني سلم من سلمت *** لكم مودته حرب لمن تاها

برئت من معشر عمي بصائرها *** والت أناساً إله العرش عاداها

ولا تزال على الأيام باقية *** عليكم من صلاة اللّه أسناها

ص: 10

جاء في الذريعة - قسم الديوان - :

السيد أحمد بن السيد مطلب بن عليخان بن خلف بن عبدالمطلب المشعشي الحويزي.

كان معاصراً للسيد عبد اللّه بن نور الدين بن نعمة اللّه الجزائري. وكان عالماً ورعاً أديباً لم يتداخل في شيء من أمر أخوته ولاة الحويزة. وفي جواب مسائله كتب السيد عبد اللّه ( الذخيرة الأبدية ) كما كتب السيد عبد اللّه ( كاشفة الحال في علم القبلة والزوال ) باسم أخيه السيد علي خان الصغير ابن مطلب بن عليخان بن خلف. وترجمه السيد عبد اللّه في أجازته الكبيرة التي كتبها سنة 1168 ويظهر منها وفاته قبل التاريخ.

وقال السيد الأمين في الأعيان : السيد أحمد بن خلف بن المطلب بن حيدر الموسوي المشعشي ، أخو السيد علي خان حاكم الحويزة.

عالم ورع كامل أديب زاهد ، لم يدخل في شيء من أمر أخوته وعصبته ولاة الحويزة بل كان يمتنع من أخذ جوائزهم ويكتفي بغلة زرعه ، جاور أئمة العراق علیهم السلام إلى أن مات في المشاهد المشرفة ، له مسائل أجاب عنها السيد عبد اللّه بن نور الدين الجزائري. وله ديوان شعر.

ص: 11

الشيخ يوسف البحراني

المتوفي سنة 1186 ه-

برق تألق بالحمى لحماتها *** أم لامع الأنوار في وجناتها (1)

وعبير ند عطر الأكوان أم *** ذا عنبر أهدته من نفحاتها

أكريمة الحسين هل من زورة *** تشفي المعنى من عنا حسراتها

شاب العذار ولم تشوبوا هجركم *** منها بشيء لا ولا بعداتها

جودوا ولو بالطيف إن خيالكم *** يطفي من الاحشا لظى لهباتها

قم يا خليل فخل عن تذكارهم *** واحبس سخين الدمع من عبراتها

ياهل رأيت متيماً تمت له *** في هذه الدنيا سوى نكباتها

وأعد علي حديث وقعة نينوى *** ولواعج الأشجان في ساحاتها

لله أية وقعة لمحمد *** في كربلا أربت على وقعاتها

ضربت عران الذل في أنف الهدى *** فغداً يقاد به بنو قاداتها

لله من يوم به قد نكست *** تلك الكماة الصيد عن صهواتها

ص: 12


1- عن أنيس المسافر ج 2 ص 51 للشيخ يوسف البحراني.

لله أنصار هناك وفتية *** سادت بما حفظته في سادتها

فوق الخيول تخالها كأهلة *** وبدور حسن لجن في هالاتها

وإذا سطت تخشى الأسود لكرها *** في الحرب من وثباتها وثباتها

شربت بكأس الحتف حين بدا لها *** في نصر خيرتها سنا خيراتها

الجسم منها بالعراء وروحها *** في سندس الفردوس من جناتها

نفسي لآل محمد في كربلا *** محروقة الأحشاء من كرباتها

ترنو الفرات بغلة لا تنطفي *** عطشاً وما ذاقت لطعم فراتها

أطفالها غرثى أضر بها الطوى *** وهداتها صرعى على وهداتها

يا حسرة لا تنقضي ومصيبة *** تترقص الأحشاء من زفراتها

دار النبي بلاقع من أهلها *** للبوم نوح في فنا عرصاتها

تبكي معالمها لفقد علومها *** أسفاً وحسن صلاتها وصلاتها

وديار حرب بالملاهي والغنا *** قد شيدت وبها شدا قيناتها

معمورة بخمورها وفجورها *** وبغاتها نشوى على نغماتها

وحريم آل محمد مسبية *** بين العدى تقتاد في فلواتها

نفسي لزينب والسبايا حسرا *** تبكي ومنظرها إلى أخواتها

تستعطف القوم اللئام فلا ترى *** إلا وجيع الضرب من شفراتها

فلذاك خاطبت الزمان وأهله *** بشكاية الشعراء في ابياتها

قد قلت للزمن المضر باهله *** ومغير السادات عن عاداتها

إن كان عندك يا زمان بقية *** مما تهين بها الكرام فهاتها

يا للرجال لوقعة ما مثلها *** أذكت بقلب المصطفى جذواتها

يا للرجال لعصبة علوية *** تبعت أمية بعد فقد حماتها

من مخبر الزهراء أن حسينها *** طعم الردى والعز من سادتها

ص: 13

أترى درت أن الحسين على الثرى *** بين الورى عار على تلعاتها

ورؤوس أبناها على سمر القنا *** وبناتها تهدى إلى شاماتها

يا فاطم الزهراء قومي واندبي *** أسراك في أشراك ذل عداتها

يا عين جودي بالبكاء وساعدي *** ست النساء على مصاب بناتها

نفس تذوب وحسرة لا تنقضي *** وجوى عراها مد في سنواتها

هذي المصائب لا يداوى جرحها *** إلا بسكب الدمع من عبراتها

إني إذا هل الحرم هاج لي *** حزناً يذيق النفس طعم مماتها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة *** تتفتت الأكباد من صدماتها

يا أمة ضاعت حقوق نببها *** وبنيه بين طغاتها وبغاتها

في أي دين يا أمية حللت *** لكم دماء من ذوى قرباتها

زعمت بأن الدين حلل قتلها *** أو ليس هذا الدين من أبياتها

ضربت بسيف محمد أبناءه *** ورأت له الأغماد من هاماتها

فمتى إمام العصر يظهر في الورى *** يحيي الشريعة بعد طول مماتها

ومتى نرى الرايات تشرق نورها *** وكتائب الأملاك في خدماتها

يا سعد حظي في الورى إن ساعد *** التوفيق في نصري لدين هداتها

لأري العدى طعم الردى بصوارم *** ولأروين الأرض من هاماتها

يا رب عجل نصره وانصربه *** أشياعه اللّهفا وخذ ثاراتبا

يا سادة قرنت سجايا جهودها *** لوجودها فالنجح من عاداتها

واليتكم وبرئت من أعدائكم *** أبغي بذاك الفوز في درجاتها

ما لابن أحمد يوسف لذنوبه *** إلا كم يرجوه في شداتها

وإليكم أهدي عروساً غادة *** في الحسن قد فاقت على غاداتها

قد زفها والمهر حسن قبولكم *** يا سادتي والعفو عن زلاتها

وعلى النبي وآله صلواته *** ما غرد القمري في باناتها

ص: 14

الشيخ يوسف البحراني

الفقيه الكبير والمحدث الشهير ، ناشر راية العلم ذو اليراع الجوال في مختلف العلوم.

هو يوسف بن أحمد بن ابراهيم بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور الدرازي البحراني ، صاحب الحدائق. توفي بكربلاء ظهر يوم السبت 4 ربيع الأول سنة 1186 - من أفاضل علمائنا المتأخرين ، جيد الذهن ، معتدل السليقة ، بارع في الفقه والحديث ، قال في حقه أبو علي صاحب الرجال : عالم فاضل متبحر ماهر محدث ورع عابد صدوق دين من أجله مشايخنا المعاصرين وأفاضل علمائنا المتبحرين.

كان أبوه الشيخ أحمد من أجلة تلامذة شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي وكان عالماً فاضلاً محققاً مدققا مجتهداً صرفا كثير التشنيع على الإخباريين كما صرح به ولده شيخنا المذكور في إجازته الكبيرة ، وكان هو قدس سره أولاً إخبارياً صرفا ثم رجع إلى الطريقة الوسطى وكان يقول إنها طريقة العلامة المجلسي صاحب البحار انتهى.

وترجم له السيد الخوانساري في روضات الجنات فأثنى عليه ثناءاً عاطراً وقال في ترجمة نفسه في اجازته الكبيرة أنه ولد في السنة السابعة بعد المائة والألف في قرية الماحوز بالبحرين ، واشتغل وهو صبي على والده طاب ثراه ثم على العالم العلامة الشيخ حسن الماحوزي ، واشتغل أيضاً على الشيخ أحمد بن عبد اللّه البلادي وغيرهما. ودفن في الرواق عند رجلي سيد الشهداء مما يقرب من الشباك المبوب المقابل لقبور الشهداء.

له مؤلفات نافعة نذكر في مقدمتها موسوعة ( الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ) طبع أخيراً بمطابع النجف.

ص: 15

2 - الدرر النجفية.

3 - سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد رد به على شرح النهج.

4 - الشهاب الثاقب في معنى الناصب.

5 - جليس الحاضر وأنيس المسافر المعروف ب- ( الكشكول ).

6 - الأربعون حديثاً في مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام ، استخرجها من كتب أبناء السنة والجماعة.

7 - لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العينين ، وهي إجازة كبيرة مبسوطة كتبها لابني أخويه الشيخ حسين ابن الشيخ محمد والشيخ خلف ابن الشيخ عبد علي وكتب العلامة المعاصر السيد عبدالعزيز الحيدري له ترجمة ضافية أثبتها في مقدمة ( الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ) المطبوع جديداً بمطابع النجف وعدد له 45 مؤلفاً. وفي الكشكول كثير من الروائع والأدب والمنثور والمنظوم وله مراسلات أدبية مع أحبائه وإخوانه منها قصيدتان بعثهما إلى اخوته يشكو إليهم ما ألم به من حوادث وكوارث ، وله تخميس لقصيدة مطولة بعث بها إليه أحد إخوانه. وقصيدة يمدح بها الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام حين جاء للعراق زائراً عام 1156. ودع الحياة عن عمر ناهز الثمانين كرسه لخدمة العلم والدين وفي تدوين الفقه وتبويبه وفروعه وأصوله وقضاه في جمع شتات أحاديث أئمة بيت الوحي صلوات اللّه وسلامه عليهم

لبى نداء ربه بعد زعامة دينية امتدت زهاء عشرين سنة وهرعت كربلاء لتشييعه ودفن بالحائر الشريف في الرواق الحسيني الأطهر عند رجلي الشهداء وأقيمت له الفواتح في كربلاء المشرفة وسائر البلاد الشيعية ، وأول من أقام له الفاتحة تلميذه الأكبر آية اللّه السيد محمد مهدي بحر العلوم.

ص: 16

ممن رثاه السيد محمد الشهير بالزيني مؤرخاً عام وفاته في قصيدة مطلعها :

ما عذر عين بالدما لا تذرف *** وحشاشة بلظى الأسى لا تتلف

واليوم قد أودى الإمام العالم *** العلم التقي أبو المفاخر يوسف

درست مدارس فضله ولكم بها *** كانت معارف دين أحمد تعرف

ما أنت إلا بحر علم طافح *** قد كانت العلماء منه تغرف

وفيها يقول :

يا قبر يوسف كيف أوعيت العلى *** وكنفت في جنبيك ما لا يكنف

قامت عليه نوائح من كتبه *** تشكو الظليمة بعده وتأسف

كحدائق العلم التي من زهرها *** كانت أنامل ذي البصائر تقطف

قد غبت عن عين الانام فكلنا *** يعقوب حزن غاب عنه يوسف

فقضيت واحد ذا الزمان فأرخوا *** قد حن قلب الدين بعدك يوسف

ص: 17

علي بن ماجد الجد حفصي

المتوفى 1208

ما للعيون جفت لذيذ رقادها *** عبراء إلف بكائها وسهادها

تذري دموعاً في الخدود كأنما *** مدت مياه البحر من امدادها

ويقول فيها :

لي مهجة كالنار إلا أنها *** بمدامعي تزداد في إيقادها

صيرت مني الدمع أعذب مائها *** ولواعج الأشجان أطيب زادها

أسفا على فتيان حق جرعت *** بالطف كأس الحتف من اضدادها

أفديهم من فتية علوية *** قد جاهدت في اللّه حق جهادها

شغفت بذكر اللّه حتى أنها *** لم تخل يوم الحرب من أورادها

المجد من أقرانها والفخر من *** أخدانها والسحب من وفادها

والخير مابين الورى من جودها *** ومحمد المختار من أجدادها

لهفي لهم والبيض تورد منهم *** فتعود حمراً من دما أجسادها

قد أشرقت بهم الطفوف كأنما *** خرت نجوم الأرض بين وهادها

يا للرجال لعصبة أموية *** أطفت بأيديها سراج رشادها

لله كم أجرت لأحمد عبرة *** قد أخمدت منها لظى أحقادها

ص: 18

تباً لها تركت حبيب محمد *** فوق الصعيد يجود تحت جيادها

صدته عن ورد الفرات وقلبه *** صاد وكل الوحش من ورادها

قد أغضبت فيه الإله ورجحت *** إرضاء نفس يزيدها وزيادها

تاللّه لو علمت ظبا الأعدا به *** منعتهم التجريد من أغمادها

والضمر لو علمت رأت إصدارها *** عنه ولو غصبت على إيرادها

وبكت له العليا أسى وتعوضت *** أجفانها عن غمضها بسهادها

نفسي فداه وما فداي بنافع *** من أدركت منه العداة مرادها

ملقى على حر الصعيد ورأسه *** قد صعدته القوم فوق صعادها

يسرى به ظلماً أمام نسائه *** ونساؤه حسرى بذل قيادها

أين البتولة فاطم الزهراء ترى *** مافي الزمان جرى على أولادها

أترى درت أن العدى من بعدها *** أصمت بأسهمها صميم فؤادها

ذكره الشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة - قسم الديوان - فقال :

ديوان السيد علي بن ماجد الجد حفصي ، المتوفي 1208 ه- الموجودة مراثية في مجموعة دونها الشيخ لطف اللّه بن علي الجد حفصي في سنة 1201 أقول وفي المجموعة كثير من شعره ومنه قصيدته التي تحتوي على 67 بيتاً وأولها :

تجف جفون السحب والدمع جائد *** ويخمد وقد النار والقلب واقد

وأخرى تتكون من 58 بيتاً وأولها :

ألا من لصب قلبه منه واجب *** مباح لديه الوجد والندب واجب

ص: 19

علي بن حبيب الخطي

أنفحة مسك أذفر شيب بالند *** تنشقت أم ريح الطفوف على البعد

فيانسمة أهدت إلينا تضوعاً *** ورائحة تزرى برائحة الورد

رويداً رعاك اللّه حركت ساكناً *** بقلبي وأورتني بقلبي لظى وجدي

فما حال سبط المصطفى وحبيبه *** وقرة عين المرتضى الجوهر الفرد

أجاب لسان الحال ما حال سيد *** رعيته خانته في العهد والوعد

سأقضي حياتي زفرة بعد زفرة *** عليه ولكن التزفر لا يجدي

بنفسي نفس البضعة الطهر فاطم *** على الأرض مرضوض الأضالع بالجرد

فقل لابن سعد بعد تسعين تشتري العمى

بالهدى يا ويك والنحس بالسعد (1)

أتطفي سنا الاسلام ما أنت في الورى *** فتى سادس الإسلام بل شر مرتد

وفي آخرها :

فتى ابن حبيب قاصر عن مديحكم *** ولكن من وجدي بذلت لكم وجدي (2)

ص: 20


1- يظن البعض أن عمر بن سعد بن أبي وقاص كان متقدماً في السن وأنه عاش وعمر كما في هذا البيت ( فقل لابن سعد بعد تسعين تشتري ) والحقيقة أنه قتل وهو في سن الثلاثين أو الأربعين لأنه ولد يوم موت عمر بن الخطاب ولذا سموه بعمر إذن يكون عمره يوم تولى قيادة الجيش لحرب الحسين (عليه السلام) ستة وثلاثين سنة فقط.
2- عن مخطوط الشيخ لطف اللّه الجد حفصي.

والقصيدة تزيد على الستين بيتاً. وله قصيدة أيضاً في مجموعة الشيخ لطف اللّه ، وأولها :

إنهض إلى أم القرى ومناتها *** وبطيبة طف بي على عرصاتها

وهي أكثر من سبعين بيتاً.

وله أيضاً :

أسير الهوى ما بال ثغرك مفترا *** أراك بما أولاك مولاك مغتراً

وتختال في ثوب الشبيبة مائساً *** وتطرب في تذكار غادتك الغرا

فدع ذكر من تهوى ولا تطع الهوى *** أما سمعت أذناك بالوقعة الكبرى

أيصبح منك السن ياويك باسماً *** سروراً وتبكي عين فاطمة الزهراء

ألا اطلق عنان العيس واعنف بسيرها *** وإن جئت وادي الطف قف نبك من ذكرى

هناك ترى من نور العرش باسمه *** له كبد حرى وفي بردة حمرا

تحتوي على 56 بيتاً نقلنا منها هذا المقطع.

ص: 21

السيد علي السيد احمد

بكى بقاني دمه والمدمع *** صب لذكر دمنة ومريع

لم يبق فيها من يجيب داعياً *** ولا يلبي ناشداً ولا يعي

غير اثاف جثم ودونها *** نوء وأشلا وتد ومخدع

فما البكا وما العنا وما الشجى *** وما الضنا على الذي لم ينفع

هلم هات كلما ادخرته *** من مدمع ومن دم وابك معي

على الحسين المستضام والإمام *** بن الإمام الألمعي اللوذعي

السيد السميدع ابن السيد *** السميدع ابن السيد السميدع

الأروع المبجل المعظم المكرم *** الممجد ابن الأروع

واذكر عظيم رزئه فإنه *** بمثله كل الورى لم تسمع

قضى ظماً مع صحبه بكربلا *** ودون السلسبيل المترع

وفي آخرها :

آل النبي حبكم قد انحنت *** عليه - مذ كونت - عوج أضلعي

إذ حبكم وبغضكم بين الورى *** علامة للنصب والتشيع

وأنتم يوم الحساب عدتي *** لشدتي ومأمني لمفزعي

وهاكم عذراء من نجلكم *** بغير وشي الحب لم تلفع

تحجبت من البها ببرقع *** وهي لقلب الخصم قلب البرقع

ص: 22

ولي وآبائي وللرحم اشفعوا *** إذ غيركم يوم القضا لم يشفع

عليكم الرحمن صل ما اكتسى *** روض الربيع نسج أيدي الهمع (1)

وفي مجموعة حسينية في مكتبة الامام الصادق العامة في حسينية آل الحيدري بمدينة الكاظمية على مشرفها أفضل التحية ، والمجموعة في قسم المخطوطات - رقم 75 تحتوي على جملة قصائد لشعراء قدماء كلهم من القرن الثاني عشر الهجري ، أو قبل ذلك. وقد جاء في آخرها :

وقد فرغت من تحرير هذه المجموعة في مراثي سيدنا ومولانا وإمامنا أبي عبداللّه الحسين علیه السلام . في يوم السابع من شهر جمادي الثانية من شهور سنة 1242. وأنا العبد الجاني محمد شفيع بن محمد بن مير بن عبدالجميل الحسيني غفر اللّه لهم.

ص: 23


1- عن مجموعة المراثي الحسينية بخط محمد شفيع بن محمد بن مير الحسيني سنة 1242 مخطوطة مكتبة الامام الصادق العامة بالكاظمية حسينية آل الحيدري رقم « 7 ».

السيد محمد الشاخوري

أهاجك ربع دارس وطلول *** ترحل منها للفراق خليل (1)

فبت كئيباً ساهر الطرف باكياً *** ودمعك بعد الظاغنين هطول

إذا مر ذكر البان ظلت لبينه *** دموعك في صحن الخدود تسيل

وتشتاق آرام النقا ولطالما *** عراك لذكراها أسى ونحول

أما قد بدا شيب العذار وإنه *** لعمري على قرب الرحيل دليل

أتخدعك الدنيا بريب غرورها *** وأنت لثقل الحادثات حمول

وتستعب اللذات فيها وصفوها *** قليل وأما خطبها فجليل

فإياك والدنيا الغرور فكم بها *** لعمري عزيز صار وهو ذليل

أتاحت لآل المصطفى جمرة الردى *** وليس لهم في العالمين مثيل

فهم بين مسجون قضى في حديده *** وآخر مسموم وذاك قتيل

وأعظم شيء أورث القلب حسرة *** ووجداً مدى الأيام ليس يزول

مصاب بأرض الطف قد جل خطبه *** فكم قمر فيه عراه أفول

ص: 24


1- عن مجموعة الشيخ لطف اللّه.

غداة قضت من آل احمد عصبة *** لدى الطف شبان لهم وكهول

أناخت بأرض الغاضريات بدنهم *** لهم في ثراها مضجع ومقيل

قضوا ظمأ ما بردوا غلة الظما *** وللوحش من ماء الفرات نهول

ومن بينهم ريحانة الطهر أحمد *** عفير على حر التراب جديل

له جسد أودت به شفر الضبا *** لقى ودم الأوداج منه يسيل

كست جسمه يوم الطفوف سنابك *** بعثيرها في البيد وهي تجول

وحاكت له ريح الصبا بهبوبها *** قميص رغام بالدماء غسيل

على لذة الأيام من بعده العفا *** فما بعده الصبر الجميل جميل

لحى اللّه عينا تذخر الدمع بعده *** ونفساً إلى قرب السلو تميل

فيا قلب ذب من شدة الوجد والأسى *** ويا عين سحي فالمصاب جليل

بنات رسول اللّه تسبى حواسراً *** لهن على فقد الحسين عويل

وتبرز من تلك الخدود لواغبا *** وليس لها بعد الحسين كفيل

سوافر لا ستر يغطي رؤوسها *** تنوح ودمع المقلتين همول

نوادب من وجد يكاد لنوحها *** تذوب الرواسي حرقة وتزول

يسير بها في أعنف السير سائق *** ويزجرها حاد هناك عجول

ينادين يا جداه بعدك أظهرت *** علينا حقود جمة وذهول

وصالت علينا عصبة أموية *** نغول نمتها بالسفاح نغول

أيا جد أضحى السبط ملقى على الثرى *** تجر عليه للرياح ذيول

قضى ظمأ والماء جار ودونه *** حدود سيوف لمع ونصول

وساقوا إمام العصر يا جد بينهم *** أسيراً يقاسي الضر وهو عليل

أضر به السير الشديد وسورة *** الحديد وقيد في اليدين ثقيل

* * *

أولي الوحي يا من حبهم لوليهم *** أمان ، وعن حر الجحيم مقيل

فإن لم تقيلوا نجلكم من ذنوبه *** فليس اليه في النجاة سبيل

أيشقي ويبقى أحمد في ذنوبه *** وأنتم ظلال للأنام ظليل

ص: 25

الملا كاظم الأزري

اشارة

المتوفى 1211

من روائعه في الإمام الحسين (عليه السلام) :

إن كنت في سنة من غارة الزمن *** فانظر لنفسك واستيقظ من الوسن

ليس الزمان بمأمون على أحد *** هيهات أن تسكن الدنيا إلى سكن

لا تنفق النفس إلا في بلوغ مني *** فبائع النفس فيها غير ذي غبن

ودع مصابحة الدنيا فليس بها *** إلا مفارقة السكان للسكن

وكيف يحمد للدنيا صنيع يد *** وغاية البشر فيها غاية الحزن

هي الليالي تراها غير خائنة *** الا بكل كريم الطبع لم يخن

الا تذكرت اياما بها ظعنت *** للفاطميين اظعان عن الوطن

ايام طل من المختار اي دم *** وادميت اي عين من أبي حسن

أعزز بناصر دين اللّه منفردا *** في مجمع من بني عبادة الوثن

يوصي الأحبة ان لا تقبضوا أبدا *** إلا على الدين في سر وفي علن

وان جرى أحد الأقدار فاصطبروا *** فالصبر في القدر الجاري من الفطن

ثم انثنى للأعادي لا يرى حكما *** إلا الذي لم يدع رأسا على بدن

سقيا لهمته ما كان أكرمها *** في سقي ماضي المواضي من دم هتن

وللظبى نغمات في رؤوسهم *** كأنها الطير قد غنت على فنن

ص: 26

يا جيرة الغي ان انكرتم شرفي *** فإن واعية الهيجاء تعرفني

لا تفخروا بجنود لا عداد لها *** ان الفخار بغير السيف لم يكن

ومذرقى نبر الهيجاء اسمعها *** مواعظا من فروض الطعن والسنن

لله موعظة الخطي كم وقعت *** من آل سفيان في قلب وفي اذن

كأن أسيافه اذ تستهل دماً *** صفائح البرق حلت عقدة المزن

لله حملته لو صادفت فلكا *** لخر هيكله الأعلى على الذقن

يفري الجيوش بسيف غير ذي ثقة *** على النفوس ورمح غير مؤتمن

وعزمة في عرى الأقدار نافذة *** لو لاقت الموت قادته بلا رسن

حق إذا لم تصب منه العدى غرضا *** رموه بالنبل عن موتورة الضغن

فانقض عن مهره كالشمس عن فلك *** فغاب صبح الهدى في الفاحم الدجن

قل للمقادير قد ابدعت حادثة *** غريبة الشكل ما كانت ولم تكن

امثل شمر اذل اللّه جبهته *** يلقى حسيناً بذاك الملتقى الخشن

واحسرة الدين والدنيا على قمر *** يشكوا الخسوف من العسالة اللدن

يا سيدا كان بدء المكرمات به *** والشمس تبدأ بالأعلى من القنن

من يكنز اليوم من علم ومن كرم *** كنزا سواك عليه غير مؤتمن

هيهات إن الندى والعلم قد دفنا *** ولا مزية بعد الروح للبدن

لقد هوت من نزار كل راسية *** كانت لابنية الأمجاد كالركن

لله صخرة وادي الطف ما صدعت *** إلا جواهر كانت حلية الزمن

خطب ترى العالم العلوي لان له *** ما العذر للعالم السفلي لم يلن

من المعزي حمى الإسلام في ملك *** من بعده حرم الإسلام لم يصن

يهينك يا كربلا وشي ظفرت به *** من صنعة لامن لايمن صنعة اليمن

لله فخرك ما في جيدة عطل *** ولا بمرآته الأدنى من الدرن

كم خر في تربك النوري بدر تقى *** لولاه عاطلة الإسلام لم تزن

حي من الشوس معتاد وليدهم *** على رضاع دم الأبطال لا اللبن

يجول في مشرق الدنيا ومغربها *** نداهم جولان القرط في الأذن

ص: 27

من مبلغ سوق ذاك اليوم ان به *** جواهر القدس قد بيعت بلا ثمن

قل للمكارم موتي موت ذي ظمأ *** فقد تبدل ذاك العذب بالأجن

لقد اطلت على الإسلام نائبة *** كقتل هابيل كانت فتنة الفتن

أقول والنفس مرخاة ازمتها *** يقودها الوجد من سهل إلى حزن

مهلا فقد قربت أوقاف منتظر *** من عهد آدم منصور على الزمن

كشاف مظلمة خواض ملحمة *** فياض مكرمة فكاك مرتهن

قرم يقلد حتى الوحش منته *** وابن النجابة مطبوع على المنن

صباح مشرقها مصباح مغربها *** مزيل محنتها من كل ممتحن

أغر لا يتجلى نور سؤدده *** ألا بروض من الدين الحنيف جني

تسعى إلى المرتقى الأعلى به همم *** لا تحتذي منه إلا قنة القنن

يسطو بسيفين من بأس ومن كرم *** يستأصلان عروق البخل والجبن

يا من نجاة بني الدنيا بحبهم *** كأنها البحر لم يركب بلا سفن

طوبى لحظ محبيكم لقد حصلوا *** على نصيب بقرن الشمس مقترن

هل تزدري بي آثامي ولي وله *** بكم إلى درجات العرش يرفعني

أرجوكم ورجاء الأكرمين عني *** حياً وبعد اندراج الجسم في الكفن

يا من بقدرهم الاعلى علت مدحي *** والدر يحسن منظوماً على الحسن

فها كم من شجي البال مغرمة *** عذراء ترفل في ثوب من الشجن

جاءت تهادى من الأزري حالية *** من اجتلى حسنها الفنان يفتتن

ثم الصلاة عليكم ما بدا قمر *** فانجاب عنه حجاب الغارب الدجن

ص: 28

الملا كاظم الازري

والمشهور ب- ملا كاظم بن محمد بن مهدي الأزري البغدادي يسكن بغداد ومدرسة النجف ، صريحاً في الرأي قوي الحجة مهيباً في المطلع ، وكان يتمتع بمكانة سامية في كافه الأوساط الأدبية ، ولدى جميع الطبقات الشعبية ، لم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي وعاصر من العلماء الأعاظم : السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي الكبير ، واتصل بالبيوت الشريفة ونادمهم وتروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى.

الندوات الأدبية : بلغني عنك انك مجنون ، فأجابه الأزري : وبلغني عنك انك مأفون ، فان صدق الراوي ففي وفيك ، وإن كذب الراوي فلعنة اللّه على الراوي. ومنها انه قدم النجف الأشرف فاجتمع عليه الأدباء والعلماء ومنهم السيد صادق الفحام واستنشدوه فأنشد من شعره فلم يوفه السيد جعفر حقه بالإستحسان والاجادة ، وما زاد على كلمة : موزون - فأنشأ الأزري :

عرضت در نظامي عند من جهلوا *** فضيعوا في ضلام الجهل موقعة

فلم أزل لائماً نفسي أعاتبها *** من باع دراً على الفحام ضيعه

جاء لقب الأزري من جدهم وهو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبدالصمد بن علي التميمي البغدادي المتوفى في سنة 1162 وهو الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزر المنسوجة من القطن والصوف.

ص: 29

وقد نبغ من هذه الأسرة في العلم والأدب عدد ليس بالقليل ، وأول لامع منهم هو الشيخ كاظم ، فالشيخ محمد رضا ، فالشيخ يوسف الأول ، فالشيخ مسعود ، فالشيخ مهدي ، فالمترجم له.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 43 ص 101 : بيت الأزري بيت أدب وعلم وثراء. ويظهر من ورقة الوقف المشهور الآن بوقف بيت الأزري وبعض الحجج الشرعية القديمة أن أسرة هذا البيت كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون ، اما ما قبل ذلك فلا يعلم عنها شيء. وقد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم والشيخ محمد رضا.

( نشأة المترجم وحياته )

ولد الشيخ كاظم الازري في بغداد سنة 1143 على الأصح ولم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة ( رأس القرية ) من بغداد وهي من جملة أوقاف والده التي وقفها عليه وعلى إخوته سنة 1159. وبقي في طفولته مقعداً سبع سنوات ثم مشى.

درس العلوم العربية ومقداراً غير قليل من الفقه والأصول على فضلاء عصره ولكنه ولع بالأدب وانقطع عن متابعة الدرس. وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ العشرين عاماً. كان سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن قوي الذاكرة كما كان محترم الجانب لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره حتى ان السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولاطلاعه الواسع على التاريخ والسير ، وكان قصير القامة مع سمنة فيه ، لا يفارقه السلاح ليلاً ونهاراً خشية على نفسه من اعدائه. وفي

ص: 30

سنة الف وماية ونيف وستين من الهجرة حج بيت اللّه الحرام. وله في حجه قصيدة مطلعها :

انخ المطي فقد وفدت على الحمى *** والثم ثراه محييا ومسلما

ثم عظم بعدئذ اتصاله بالحاج سليمان بك الشاوي الحميري الذي كانت له الرئاسة المطلقة والكلمة النافذة في بغداد.

وكان الحاج سليمان بك يقدر فضله ويأنس بأدبه الجم ولم يزل يحمي جانبه ويدافع عنه إلى أن توفاه اللّه. وكانت وفاته حسب المشهور في سنة 1212 ودفن في مقبرة أسرته في الكاظمية غير أن الحجر الذي وجد في داخل السرداب يدل على أن تاريخ وفاته سنة 1201 واللّه أعلم (1).

( ادبه وشعره )

استقبل الناس شعر الشيخ كاظم الأزري كفصل الربيع من السنة نسيمه المنعش وأزهاره العبقة. جاء بعد شتاء مجهد طويل لأنه جمع بين جزالة اللفظ وجمال الأسلوب ورصانة التركيب وحسن الديباجة. وفيه جاذبية ، فالذي يقرأ قصيدة من شعره لا يتركها حتى ينتهي منها وفيه نشوة كالراح تدفع شاربها إلى المزيد منها ليزداد نشوة وسروراً. وأكثر الخبراء بالأدب يعدون الشيخ كاظم الأزري في طليعة شعراء العراق وذلك في بعض مناحيه الشعرية ، ومن فحولهم

ص: 31


1- قال الشيخ الطهراني في ( الذريعة ) قسم الديوان : كانت وفاة الشيخ كاظم الأزري 1 ج 1 سنة 1211 - والمدفون بالكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة الى الشريف المرتضى ، كما وجد بها على لوحة قبره.

البارزين في المناحي الآخرى. ويصعب التمييز بين قصائده من ناحية السلاسة والطلاوة والرقة والانسجام وهو صاحب الهائية التي تنوف على أكثر من خمسمائة بيت ويعرفها الناس بقرآن الشعر وبالملحمة الكبرى وهذه القصيدة الفذة في بابها هي صدى نفسه الكبيرة الخصب الممرع طبعت على حدة مع تخميسها للشيخ جابر الكاظمي (1). أما ديوانه فقد عني السيد رشيد السعدي بطبعة سنة 1320. وتلاقفته الأيدي بوقته ولا زال الناس يتطلبونه ويستنسخونه. على أن الديوان لم يستوعب شعره كله بل لايزال عند بعض الحريصين على الأدب قسم منه غير مطبوع. وفي تتمة أمل الآمل : كان فاضلاً متكلماً حكيماً أديباً شاعراً مفلقاً تقدم على جميع شعراء عصره وقال في « التتمة » عن القصيدة الهائية : كانت تزيد على ألف بيت أكلت الأرضة جملة منها كانت النسخة موضوعة في دولاب خوفاً عليها ولما أخرجوها وجدوا جملة منها قد تلف فقدموها إلى السيد صدر الدين العاملي فأخرج منها هذا الموجود اليوم الذي خمسه الشيخ جابر.

وإليك نبذة صغيرة من شعره الذي أصبح يدور على الألسن كالأمثال السائرة : منها قوله :

وما أسفي على الدنيا ولكن *** على ابل حداها غير حاد

وقوله :

وقد تأتي الخديعة من صديق *** كما تأتي النصيحة من معاد

ص: 32


1- قال الشيخ محمد محرز الدين في ( معارف الرجال ) جاء في هدية الأحباب ، عن شيخ الفقهاء صاحب كتاب ( جواهر الكلام ) انه كان يتمنى أن تكون القصيدة الأزرية في صحيفة أعماله ، وكتاب الجواهر في صحيفة أعمال الأزري.

وقوله :

إن من كان همه في المعالي *** هجر الظل واستظل الهجيرا

وقوله :

لا تعجبا لفساد كل صحيحة *** فالناس في زمن كجلد الأجرب

وقوله :

لا تنوحي إلا علي لديهم *** ما على كل من يموت يناح

وقوله :

ولسوف يدرك كل باغ بغيه *** المرء ينسى والزمان يؤرخ

وقوله :

ذريتي أذق حر الزمان وبرده *** فلا خير فيمن عاقة الحر والبرد

وقوله :

فتيقظ إذا رأيت عيون *** الحظ يقظى ونم إذا الحظ ناما

وقوله :

ولو كان في الجبن استراحة أهله *** لما سهرت عين القطا وغفى الرند

أما ملحمته الشهيرة التي استهلها بقوله :

لمن الشمس في قباب قباها *** شف جسم الدجى بروح ضياها

فقد تضمنت كثيراً من الأمثال والروائع وهي من أروع ما قيل في مدح الرسول الأعظم وعترته الطيبين وهي على جانب كبير من الجزالة والبلاغة وقوة

ص: 33

الاحتجاج وقد طبعت غير مرة مع تخميسها ، بالحروف الحجرية أولاً ثم أعيدت مرة بعد مرة.

أقول وان والديوان المشار إليه فيه اغلاط كثيرة وجملة من الأشعار منسوبة له ولم تصح هذه النسبة كالبيتين الواردتين في ديوانه - حرف الراء ص 125.

قالوا حبيبك ملسوع فقلت لهم *** من عقرب الصدغ أم من حية الشعر

قالوا بلى من أفاعي الأرض قلت لهم *** فكيف ترقى أفاعي الأرض للقمر

وقد أثبتهما الحافظ الدميري في ( حياة الحيوان ) قبل أن يولد الأزري بقرون وذلك في مادة ( العقرب ) ولا يخفى ان وفاة الدميري كانت لسنة 808 ولم يذكر الدميري صاحبهما بل جاء بهما على سبيل الاستشهاد فقال :

وإليك جملة من روائع الأزري في الإمام الحسين (عليه السلام) :

هي المعالم ابلتها يد الغير *** وصارم الدهر لا ينفك ذا أثر

يا سعد دع عنك دعوى الحب ناحية *** وخلني وسؤال الارسم الدثر

أين الأولى كان اشراق الزمان بهم *** اشراق ناحية الآكام بالزهر

جار الزمان عليهم غير مكترث *** وأي حر عليه الدهر لم يجر

وكم تلاعب بالأمجاد حادثة *** كما تلاعبت الغلمان بالأكر

لا حبذا فلك دارت دوائره *** على الكرام فلم تترك ولم تذر

وان ينل منك مقدار فلا عجب *** هل ابن آدم الا عرضة الخطر

وكيف تأمن من مكر الزمان يدا *** خانت بآل علي خيرة الخير

أفدي القروم الأولى سارت ركائبهم *** والموت خلفهم يسري على الأثر

ما أبرقت في الوغى يوماً سيوفهم *** إلا وفاض سحاب الهام بالمطر

يسطو بكل هلال كل بدر دجى *** بجنح ليل من الهيجاء معتكر

هم الاسود ولكن الوغى اجم *** ولا مخالب غير البيض والسمر

ص: 34

ثاروا ولولا قضاء اللّه يمسكهم *** لم يتركوا لبني سفيان من أثر

أبدوا وقائع تنسي ذكر غيرهم *** والوخز بالسمر ينسي الوخز بالأبر

غر المفارق والأخلاق قد رفلوا *** من المحامد في أسنى من الحبر

لله من في فيافي كربلاء ثووا *** وعندهم علم ما يجري من القدر

سل كربلا كم حوت منهم بدور دجى *** كأنها فلك للأنجم الزهر

لم أنس حامية الاسلام منفردا *** صفر الأنامل من حام ومنتصر

رأى قنا الدين من بعد استقامتها *** مغموزة وعليها صدع منكسر

فقام يجمع شملا غير مجتمع *** منها ويجبر كسراً غير منجبر

لم انسه وهو خواض عجاجتها *** يشق بالسيف منها سورة السور

كم طعنة تتلظى من أنامله *** كالبرق يقدح من عود الحيا النضر

وضربة تتجلى من بوارقه *** كالشمس طالعة من جانبي نهر

وواحد الدهر قد نابته واحدة *** من النوائب كانت عبرة العبر

من آل أحمد لم تترك سوابقه *** في كل آونة فخراً لمفتخر

اذا نضى بردة التشكيل عنه تجد *** لاهوت قدس تردى هيكل البشر

ما مسه الخطب الا مس مختبر *** فما رأى منه إلا اشرف الخبر

فأقبل النصر يسعى نحوه عجلا *** مسعى غلام إلى مولاه مبتدر

فأصدر النصر لم يطمع بمورده *** فعاد حيران بين الورد والصدر

يا من تساق المنايا طوع راحته *** موقوفة بين قوليه خذي وذري

لله رمحك اذ ناجى نفوسهم *** بصادق الطعن دون الكاذب الأشر

يا ابن النبيين ما للعلم من وطن *** الا لديك وما للحلم من وطر

يا نيرا راق مرآه ومخبره *** فكان للدهر ملء السمع والبصر

لاقاك منفرداً أقصى جموعهم *** فكنت أقدر من ليث على حمر

صالوا وصلت ولكن أين منك هم *** ألنقش في الرمل غير النقش في الحجر

لم تدع آجالهم إلا وكان لهم *** جواب مصغ لأمر السيف مؤتمر

حتى دعتك من الأقدار أشرفها *** إلى جوار عزيز الملك مقتدر

ص: 35

فكنت أسرع من لبى لدعوته *** حاشاك من فشل فيها ومن خور

إن يقتلوك فلا عن فقد معرفة *** الشمس معروفة بالعين والأثر

لم يطلبوك بثار أنت صاحبه *** ثار لعمرك لو لا اللّه لم يثر

أي المحاجر لا تبكي عليك دما *** ابكيت واللّه حتى محجر الحجر

لهفي لرأسك والخطار يرفعه *** قسرا فيطرق رأس المجد والخطر

قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها *** كالحمد لم تغن عنها سائر السور

ما انصفتك الظبى يا شمس دارتها *** إذ قابلتك بوجه غير مستتر

ولا رعتك القنا يا ليث غابتها *** إذ لم تذب لحياء منك أو حذر

كم خضت فيها بيوم الروع معمعة *** ينبو بها غرب حد الصارم الذكر

فعاد خصمك والخذلان يتبعه *** وعدت ترفل في برد من الظفر

اين الظبي والقنا مما خصصت به *** لولا سهام اراشتها يد القدر

أما درى الدهر مذوافاك مقتنصاً *** بأن طائره لولاك لم يطر

يا صفقة (1) الدين لم تنفق بضاعتها (2) *** في كربلاء ولم تربح سوى الضرر

وموسما للوغى في كربلاء جرى *** ببيعة فاز فيها كل متجر

أنظر إلى الدهر قد شلت أنامله *** والعلم ذو مقلة مكفوفة البصر

وأصبحت عرصات العلم دارسة *** كأنها الشجر الخالي من الثمر

يادهر حسبك ما أبديت من غير (3) *** أين الأسود أسود اللّه من مضر

أمسى الهدى والندى يستصر خان لهم (4) *** والقوم لم يصبحوا إلا على سفر

يا دهر مالك ترمي كل ذي خطر *** عن المناكب بعد العز في الحفر

جررت آل علي في القيود فهل *** للقوم عندك ذنب غير مغتفر

تركت كل كمي من ليوثهم *** فرائساً (5) بين ناب الكلب والظفر

ص: 36


1- 1 - واصفقة خ ل
2- بضاعته خ ل.
3- عبر خ ل.
4- بهم خ ل.
5- فريسة خ ل.

أما ترى علم الاسلام بعدهم *** والكفر ما بين مطوي ومنتشر

من ذاكر لبنات المصطفى مقلا *** قد ولكتها يد الضراء بالسهر

وكيف أسلو لآل اللّه أفئدة *** يعار منها جناح الطائر الذعر

هذى نجائب للهادي تقلقلها *** ايدي النجائب من بدو ومن حضر

وهذه حرمات اللّه تهتكها *** خزر الحواجب هتك النوب والخزر

لم انس من عترة الهادي جحاجحة *** يسقون من كدر يكسون من عفر

قد غير الطعن منهم كل جارحة *** الا المكارم في أمن من الغير

هم الأشاوس تمضي كل آونة *** وذكرهم غرة في جبهة السير

من المعزي نبي اللّه في ملأ *** كانوا بمنزلة الأرواح للصور

أن يتركوا زينة الدنيا فانهم *** من حضرة الملك الأعلى على سرر

وان أبوا لذة الأولى مكدرة *** فقد صفت لهم الأخرى من الكدر

انى تصيب الليالي بعدهم غرضاً *** والقوس خالية من ذلك الوتر

بني أمية لا تسري الظنون بكم *** فان للثأر ليثا من بني مضر

سيفا من اللّه لم تفلل مضاربه *** يبري الذي هو من دين الإله بري

كم حرمة هتكت فيكم لفاطمة *** وكم دم عندكم للمصطفى هدر

أين المفر بني سفيان من أسد *** لو صاح بالفلك الدوار لم يدر

مؤيد العز يستسقى الرشاد به *** انواء عز بلطف اللّه منهمر

وينزل الملأ الأعلى لخدمته *** موصولة زمر الأملاك بالزمر

يا غاية الدين والدنيا وبدءهما *** وعصمة النفر العاصين من سقر

ليست مصيبتكم هذي التي وردت *** كدراء أول مشروب لكم كدر

لقد صبرتم على أمثالها كرماً *** واللّه غير مضيع أجر مصطبر

فهاكم يا غياث اللّه مرثية *** من عبد عبدكم المعروف بالأزري

يرجو الاغاثة منكم يوم محشره *** وأنتم خير مدخور لمدخر

سمي كاظمكم اهدى لكم مدحاً *** اصفى من الدر بل أنقى من الدرر

حييتم بصلاة اللّه ما حييت *** يذكركم صفحات الصحف والزبر

ص: 37

السيد سليمان الكبير

اشارة

سرت تطوي الوهاد إلى الروابي *** ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي

نفور من بنات العيس تفري *** مهامه دونها شيب الغراب

تعير الريح اخفاقاً خفاقاً *** وتغني بالسراب عن الشراب

تريك الجيد قائمة فتلقى *** على خمس تسير من الهباب

تلوح على الربي نسراً وتهوي *** هوي المصلتات إلى الرقاب

تمر على الحزون كومض برق *** تألق بين مركوم السحاب

تخال ذميلها في السهل سرباً *** من الكدري فر من العقاب

وإن وخدت بجرعاء وتلع *** تلوت بينها مثل الحباب

تسيح على الفيافي القفر تطوي *** مفاوز عاريات من ذئاب

تراها إن حدوت لها ظليماً *** تذعر بين هاتيك الشعاب

تعير الريم لفتتها وتضوي *** بأعضاد من التبر المذاب

فإن تشنق لها خرمت أو أن *** لها أسلست تهوى في العذاب

فدعها والمسير فحيث تهوى *** طلاب دونه أعلى الطلاب

إلى ظل الإله وسر قدس *** تلألأ من ذرى أعلى الحجاب

إلى البطل الكمي وبحر جود *** سواحله الندى دون العباب

إلى علم الهدى ومنار فضل *** إلى بحر الندى فصل الخطاب

ص: 38

إلى نور العلي ومن لديه *** علي وهو في أم الكتاب

صراط مسقيم بل حكيم *** بأمر اللّه في يوم الحساب

قسيم النار والجنات بين *** الخلائق كلها يوم المئاب

إلى من قال فيه اللّه بلغ *** لأحمد بعد تعظيم العتاب

وإلا لم تكن بلغت عني *** ولم تك سامعاً فيه جوابي

فقام له بها بغدير خم *** خطيباً معلناً صوت الخطاب

ألا من كنت مولاه فهذا *** له مولى ينوب بكم منابي

فوالي من يواليه وعادي *** معاديه ومن لعداه صابي

بأمر اللّه قوموا بايعوه *** على نهج الهداية والصواب

فبايعه الجميع وما تأنى *** شريف أو دني أو صحابي

فمنهم مؤمن سراً وجهراً *** ومنهم من ينافق في ارتياب

ومنهم من أبى ويقول جهراً *** نبيكم بها أضحى يحابي

فلما كذبوا المختار فيها *** هوى النجمان يا لك من عجاب

فبرهانان ذانك من إلهي *** لحيدرة فأيهما المحابي

أمن في داره أمسى منيراً *** أم الهاوي لتعجيل العذاب

ومن أفق السما قد خر نجم *** على الشيطان يهوي كالشهاب

لذلك أنزل الرحمن فيه *** لسورة سائل سوء العذاب

له الآيات في الآيات تتلى *** بمحكمها وتأويل الصواب

كيوم أكمل الإسلام فيه *** ونعمته تتم بلا ذهاب

معاجز حارت الأوهام فيها *** فلا تحصى بعد أو حساب

وأن المصطفى للعلم دار *** وحيدر سورها بل خير باب

وكلهم أحمداً جمل وضب *** وخاطب حيدراً خرس الذياب

وثعباناً وليثاً ثم موتى *** رماماً قد بلوا تحت التراب

وشق البدر للهادي وردت *** ذكاء للوصي المستطاب

ص: 39

حسام اللّه خافض كل رفع *** من الاشراك من بعد انتصاب

صفاتك معجزات معجزات *** ذوي الألباب توقع في ارتياب

متى راموا حقايقها يضلوا *** عن التوحيد في تيه التصابي

وان يجهلها أبداً ضلالاً *** عن الاسلام بل أي انقلاب

ألا يامحنة الألباب أنى *** بحدك ذو ذكاء فيك صابي

فيالك محنة للخلق عظمى *** ورحمتها ويالك من عذاب

وصاعقة على الأبطال تهوي *** من الآفاق طوراً كالعقاب

وطوراً تحصب الفرسان حصباً *** مبيراً في الذهاب وفي الإياب

بذلت لأحمد نفساً تسامت *** وحزت ببذلها كل الثواب

جزاك اللّه عنه كل خير *** أبا الحسنين من حصن مهاب

أبا الحسنين يانعم المنادى *** إذا دهم المصاب على المصاب

يعز عليك لو تلقى حسيناً *** رميلاً فوقه يجثو الضبابي

قتيلاً ظامياً والماء أضحى *** مباحاً للذئاب وللكلاب

غسيلاً بالدماء لقاً جريحاً *** على الرمضاء ووايلاه كابي

ولو شاهدت يا مولاي لما *** دهى نسوانه هول المصاب

برزن من الخيام مهتكات *** نوادب بعد صون واحتجاب

تخال نساءه لما تبدت *** شموساً قد برزن من الحجاب

وكل نادب واعظم كربي *** وواذلاه واطول اكتئابي

ثواكل لا تجف لها دموع *** محسرة على حسر الركاب

فذي تنعى عليه بلا قناع *** وذي تبكي عليه بلا نقاب

وهذي نادب واطول حزني *** ووجدي باحتراق وانتحاب

سبايا بين شر الناس تسري *** على قتب مسلبة الثياب

بنات محمد أضحت أسارى *** حيارى بعد سبي واستلاب

ص: 40

ورأس رئيسها في الرمح يتلو *** أمام الركب آيات الكتاب

فوا لهفاً لذاك الشيب أضحى *** يعوض بالدماء عن الخضاب

ألا أين الرسول يرى يزيداً *** ينادي الخمر يقرع خير ناب

تمثل نادباً أرجاس حرب *** طروباً في مجاوبة الغراب

ألا يا ليت أشياخي ببدر *** لذي الثارات قد شهدوا طلابي

فيارب من اللعنات ضاعف *** عليه ما على أهل الدباب

ومن آذى الرسول وسن ظلماً *** على القربى وعظم للعذاب

وأول ظالم فابدأ بلعن *** وآخر تابع من كل باب

فمنكم سادتي وبكم إليكم *** ثوابي واحتجابي وانتسابي

عددت ولاءكم ذخري لحشري *** وحسبي فيه في يوم الحساب

إليكم من سليمان عروساً *** برأي الشيب في سن الشباب

فيامن حبهم فخري وذخري *** ولاؤهم ومدحهم اكتسابي

عليكم سلم الباري وصلى *** بعد الرمل مع قطر السحاب (1)

ص: 41


1- عن الرائق ج 2 ص 412.

السيد سليمان الكبير

السيد سليمان الكبير المزيدي توفي ليلة الأحد 24 جمادى الثانية 1211 أبو داود ويكنى بأبي عبداللّه أيضاً - سليمان بن داود بن حيدر بن أحمد بن محمود بن شهاب وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان جده الأعلى أحمد يعرف بالمزيدي لأنه يسكن قرية الميزيدة المنسوبة لآل مزيد - أمراء الحلة وتوفي ودفن فيها وقبره معروف يزار ، وأما ولده حيدر بن أحمد - جد صاحب الترجمة - فكان مرجعاً لسكانها ومن جاورها من تلك الأطراف والنواحي ويلقب ب- ( الشرع ) وهو لقب تطلقه العامة على من يتصدى لاستماع المرافعات بين الخصوم ونشر الأحكام الدينية ، وله في المزيدية مسجد وآثار لا تزال تنسب إليه ، ولذريته فيها اقطاع وضياع تعرف باسم آل شهاب - الجد الخامس للمترجم - وكان السيد المترجم يعرف بالمزيدي إيضاً ، ولاشتهاره بإتقان علم الطب وتأليفه فيه لقب بالحكيم أيضاً ونبغ من هذه الأسرة عدد ليس بالقليل في الفضل والأدب ومن مشاهيرهم ولده الحسين وحفيده السيد مهدي والسيد سليمان وولده السليمان حيدر الشهير وغيرهم.

وقد ألف نجل المترجم السيد داود كتاباً في سيرة والده قال فيه :

ولد السيد سليمان في النجف الأشرف عام 1141 ونشأ فيها وأخذ العلم عن علمائها حتى اشتهر بعلمي الأديان والأبدان ثم انتقل إلى الحلة سنة 1175.

قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : وقد عثرت على قصائد في مدح آل

ص: 42

البيت للسيد المترجم لم يثبت منها ولده في ترجمة أبيه بيتاً واحداً وهي مثبتة في كتاب ( الرائق ) بخط معاصره العالم الأديب السيد أحمد العطار المتوفى سنة 1215 ه- تحت عنوان : - مما قاله السيد سليمان ابن السيد داود أيده اللّه تعالى - الأولى في رثاء الحسين مطلعها :

سرت تطوي الوهاد إلى الروابي *** ولا تهوى الهشيم ولا الجوابي

وهي 80 بيتاً.

والثانية في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام وهي 72 بيتاً ، ومطلعها :

حارت بكنه صفاتك الأفهام *** وتعذر الإدرا والإلهام

والثالثة في مدحه علیه السلام وهي 56 بيتاً وإليك المختار منها :

ظهور المعالي في ظهور النجائب *** ونيل الأماني بعد طي السباسب

فدع دار ضيم دب فيك اهتضامها *** كما دب في الملسوع سم العقارب

ولا تأس بعد الخسف يوم فراقها *** ( على مثلها من أربع وملاعب ) (1)

متى تملك السلوان بين ظبائها *** إذا نظرت عيناك بيض الترائب

وليس أسود الغاب عند افتراسها *** لشلوك يوماً مثل سود الذوائب

إذا ظعنت تلك الظعائن خلتها *** بدورا تجلى فوق تلك الركائب

وتهزأ بالغصن الرتيب إذا انثنت *** وإن سفرت أزرت بنور الكواكب

أحادي السرى رفقاً بمهجة واله *** تناهبها في السير أيدي النجائب

فما لي إلا عظم شوقي مطية *** ولازاد لي غير الدموع السواكب

وعج بي على أطلال دار عهدتها *** معاهد جود يوم بخل السحائب

ديار بها كم شيد للمجد ركنه *** بسمر القنا والماضيات القواضب

ربوع يحير الوافدين ربيعها *** سحائب جود عند بذل الرغائب

مهابط وحي أقفرت وتنكرت *** معالمها من فادحات المصائب

* * *

ص: 43


1- مطلع قصيدة لأبي تمام.

لقد أوجبت آي الكتاب ودادهم *** وود سواهم لوزكا غير واجب

بهم من علي آية اللّه آية *** فحازوا به في الفحر أعلى المراتب

هو الآية الكبرى إمام ذوي النهى *** هو العروة الوثقى رقى أي غارب

فلو لم يكن خير الورى وإمامها *** لما جاز أن يرقى خيار المناكب

ولو لم يكن مولى الورى مثل حيدر *** ( فما هو إلا حجة للنواصب ) (1)

فإن قلت نفس المصطفى كنت صادقا *** ولو قلت عين اللّه لست بكاذب

ولم ير في يوم الوغى غير ضاحك *** ولم يقف يوم الروع آثار هارب

فيا خيرة اللّه العلي ومن له *** مناسم مجد فوق أعلى الكواكب

ويا من كتاب اللّه جاء مؤكداً *** مودته في حفظ ود الأقارب

وفي ( هل أتى ) ( النجم ) جاء مديحه *** وفي ( العاديات ) الغر بين الكتائب

ويا خير يدعى لدفع ملمة *** ويا خير من يدعى لدفع النوائب

أياجد من أرجو ومثلك موئلي *** ولست لأهوال الزمان بهائب

تدارك أبا السبطين نجلك انه *** يناجيك فيها يا سليل الأطائب

فخذها أبا الأطهار نفثة مغرم *** قليل اصطبار عند وقع المصائب

فواعجباً هل كيف ترضى بأنني *** أضام وأنتم عدتي لمآربي

شكوت وما حالي عليك بغامض *** ولا أنافي الجلى سواك بنادب

وحاشاك أن تبقي عليك لمادح *** حقوقاً وقد سدت علي مذاهبي

وله قصيدة في مدحه علیه السلام التزم فيها أن تكون جميع حروفها مهملة.

هو المسك أو رسم الإمام له عطر *** هو السر سر اللّه ولعالم الصدر

إمام همام ساد حلماً على الورى *** وصهر رسول اللّه مولى له الأمر

ص: 44


1- عجر بيت للمتنبي.

وقد طارح جماعة من شعراء عصره كالنحويين والشيخ أحمد بن حمد اللّه والشيخ درويش التميمي - والد الشاعر الشهير الشيخ صالح التميمي وابن الخلفة والفحام والسيد شريف بن فلاح الكاظمي صاحب القصيدة الكرارية.

فمن قصيدة لمحمد بن الخلفة يمدحه فيها :

يا سائلا عن سيد فاق الورى *** بفواضل الحسنات والاحسان

هذا سليمان بن داود الذي *** كم فيه للمجد الأثيل معاني

يرجى ويحذر في القراع وفي القرى *** في يوم مسغبة ويوم طعان

آثاره :

قال ولده داود : - أتقن العلوم وبرع في الطب والأدب وصنف بكل علم وفن كتاباً. قلت : ولم يذكر اسم كتاب منها بيد أني عثرت على رسالة له صغيرة الحجيم كبيرة الفائدة سماها « خلاصة الإعراب » رتبها على مقدمة وفصول أربعة وخاتمة من أحسن ما كتب في العربية على أوجز طرز وأسهل أسلوب مدرسي ، رأيتها بخطه الجميل ويظهر أنه كتبها لجماعة من تلاميذه وكنى نفسه في أولها بأبي عبداللّه سليمان بن داود الحسيني ونسبها شيخنا في الجزء 7 من الذريعة إلى حفيده سليمان الصغير الذي شارك جده المترجم في الاسم دون الكنية ولعل بقية آثاره تلفت في حوادث الحلة الأخيرة :

وفاته :

توفاه اللّه إليه ليلة الأحد ال- 24 من جمادى الثانية سنة 1211 بالسكتة القلبية وحمل جثمانه إلى النجف في موكب مهيب مشى فيه مئات الرجال من أشراف الحلة وصلى عليه إمام الطائفة يومئذ السيد محمد مهدي بحر العلوم ودفن عند إيوان العلماء مقابل مسجد عمران وكان لنعيه صدى في الأوساط العلمية

ص: 45

والأدبية ورثاه عامة الأدبا البلدين النجف والحلة فمنهم العلامة الشهير الشيخ محمد علي الأعسم بقصيدتين مطلع الأولى :

خطوب دهتني أضرمت نار أشجاني *** وأغرت بإرسال المدامع أجفاني

ويقول في آخرها مؤرخاً عام وفاته :

وإذ عطلت منه المدارس أرخوا *** تعطل درس العلم بعد سليمان

ومطلع الثانية :

لقد تضعضع ركن المجد وانهدما *** واليوم ثلم من الاسلام قد ثلما

ومنهم الشيخ يونس بن الشيخ خضر - وهو ممن قرأ عليه - فقد رثاه بقصيدة مطلعها :

ألا ما لشمل المجد أضحى مبددا *** فأورثنا حزناً طويلاً مدى المدى

ومنهم العالم الفاضل الشيخ حسن نصار بقصيدة مطلعها :

لم تبك عيني مدى الأيام مفقودا *** إلا التقي سليمان بن داودا

ومنهم محمد بن اسماعيل بن الخلفة بقصيدة مطلعها :

بمن سرى الركب يفري مهمة البيد *** وخداً ومخترق صم الجلاميد

ومنهم العالم الجليل الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني بقصيدة مطلعها :

الدهر لا يبرح خوانا *** ياطالما فرق إخوانا

ومنهم الملا حسين جاوش ومطلع قصيدته :

ألا خلياني يا خليلي من نجد *** وتذكار سعدي في حمى بانة السعد

ص: 46

وابلغ من رثاه العالم الأديب الشيخ محمد رضا النحوي بقصيدة بليغة قال فيها :

ألما على دار النبوة وانشدا *** بها من قضى لما قضى الدين والهدى

ألما معي نخلع رداء الحيا أسىً *** على فقد من بالمكرمات قد ارتدى

( سليمان ) هذا العصر ( آصف ) عرشه *** و ( لقمانه ) إن جار دهر أو اعتدى

صحبت له والعيش شهب سنونه *** خلائق تحكي الروض باكرة الندى

فكان إذا صال الردى لي جنة *** يرد الردى عني وعضباً مجرداً

وكان سميري في الدجى كلما زقا *** صدى ونميري كلما كضني صدى

فلو كان يفدى بالنفس فديته *** ولكن صرف الدهر لا يقبل الفدا

تباين دمعي في رثاه ومقولي *** وإن كان كل عن جوى قد تصعدا

فهذا جرى مثل الجمان منظما *** وذاك وهي مثل العتيق مبددا

فكنا لعمري ( مالكاً ) (1) و ( متمما ) *** وأصبحت ( شماخا ) (2) وكان ( مزردا ) (3)

ص: 47


1- مالك بن نويرة التميمي فارس شاعر صحابي. وفي أمثالهم : فتی ولا كمالك - قتله خالد بن الوليد سنة 12 ه و متمم أخوة شاعر فحل و أشهر شعره رثاؤه لأخيه مالك.
2- لقب معقل بن ضرار المازني الذبياني : شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والاسلام وهو من طبقة لبيد والنابغة ، وكان أرجز الناس على البديهة ، شهد القادسيه : وتوفي في ( موقان ) سنة 22 ه.
3- والمزرد : لقب أبيه ضرار.

السيد مهدي بحر العلوم

المتوفى 1212

سعد الفائزون بالنصر يوماً *** عز فيه النصير لابن البتول

أحسنوا صحبة الحسين وفازوا *** أحسن الفوز بالحباء الجزيل

صبروا للنزال ضحوة يوم *** ثم باتوا بمنزل مأهول

وأصيبوا بقرب ورد ظماء *** فأصابوا الورود في سلسبيل

أبدلوا عن حرور يوم تقضى *** جنة الخلد تحت ظل ظليل

سبقوا في المجال سبقاً بعيداً *** وبقينا نجول في التأميل

ضيعوا عترة النبي وأمسوا *** وهم بين قاتل وخذول (1)

وقال :

الدين من بعدهم أقوت مرابعه *** والشرع من بعدهم غارت شرايعه

ص: 48


1- عن الديوان المخطوط بخط السيد محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الامام الحكيم العامة النجف رقم 388.

قد اشتفى الكفر بالإسلام مذ رحلوا *** والبغي بالحق لما راح صادعه

ودائع المصطفى أوصى بحفظهم *** فضيعوها فلم تحفظ ودائعه

صنائع اللّه بدأ والأنام لهم *** صنايع شد ما لاقت صنايعه

أزال أول أهل الغي أولهم *** عن موضع فيه رب العرش واضعه

وزاد ما ضعضع الاسلام وانصدعت *** منه دعائم دين اللّه تابعه

كمين جيش بدا يوم الطفوف ومن *** يوم السقيفة قد لاحت طلايعه

يا رمية قد أصابت وهي مخطية *** من بعد خمسين قد شطت مرابعه

وفجعة ما لها في الدهر ثانية *** هانت لديها وإن جلت فجائعه

كل الرزايا وإن جلت وقائعها *** تنسى سوى الطف لا تنسى وقائعه

وقال :

هذا مصاب الذي جبريل خادمه *** ناغاه في المهد إذ نيطت تمائمه

هذا مصاب الشهيد المستضام ومن *** فوق السموات قد قامت مآتمه

سبط النبي أبي الأطهار والده *** الكرار مولى أقام الدين صارمه

صنو الزكي جنى قلب البتول له *** أقسومة ليس فيها من يقاسمه

مطهر ليس يغشى الريب ساحته *** وكيف يغشى من الرحمن عاصمه

لله طهر تولى اللّه عصمته *** أراده رجس عظيمات جرائمه

لله مجد سما الأفلاك رفعته *** ماد العلا عندما مادت دعائمه

ضيف ألم بأرض وردها شرع *** قضى بها وهو ظامي القلب حائمه

لهفي على ماجد أربت أنامله *** على السحاب غدا سقياه خاتمه

ص: 49

وقال :

لله مرتضع لم يرتضع أبداً *** من ثدي أنثى ومن طاها مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة *** لسانه فاستوت منه طبايعه

سر به خصه باريه إذ جمعت *** وأودعت فيه عن أمر ودايعه

غرس سقاه رسول اللّه من يده *** وطاب من بعد طيب الأصل فارعه

ذوت بواسقه إذ أظمأوه فلم *** يقطف من الثمر المطلول يانعه

عدت عليه يد الجانين فانقطعت *** عن مجتنى نبعه الزاكي منافعه

قضى على ظمأ والماء قد منعت *** بمشرعات القنا عنه مشارعه

هموا بإطفاء نور اللّه واجتهدوا *** في وضع قدر من الرحمن رافعه

لم أنسه إذ ينادي بالطغاة وقد *** تجمعوا حوله والكل سامعه

ترجون جدي شفيعاً وهو خصمكم *** ويل لمن خصمه في الحشر شافعه

ص: 50

السيد مهدي أو محمد مهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد الحسيني البروجردي المعروف ببحر العلوم الطباطبائي من نسل ابراهيم طباطبا من ذرية الحسن المثنى ابن الامام الحسن الزكي ابن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام .

ولد بكربلا ليلة الجمعة في شوال سنة 1155 وتوفي بالنجف سنة 1212 ودفن قريباً من قبر الشيخ الطوسي وقبره مزور مشهور.

رئيس الإمامية وشيخ مشايخهم في عصره والملقب ببحر العلوم عن جداره واستحقاق لم تسمح بمثله الأيام ، له الكرامات والمكاشفات وشهرته بالزهد والتقوى والإخلاص والعبادة لا تحتاج إلى بيان وأساريره وأنواره غنية عن البرهان ، ترجم له جملة من الباحثين وذكروا كثيراً من أخلاقه وصفاته وعددوا مصنفاته ومؤلفاته منها :

1 - كتاب المصابيح في العبادات والمعاملات ينقل عنه الفقهاء.

2 - الدرة النجفية ، منظومة في بابي الطهارة والصلاة من الفقه يتجاوز عدد أبياتها الألفين ، وقد أطبق العلماء والأدباء على أنها لا يوجد لها نظير ، الشروع في نظمها سنة 1205 كما أرخها هو بقوله :

غراء قد وسمتها بالدرة *** تاريخها عام الشروع ( غرة )

3 - تحفة الكرام في تاريخ مكة والبيت الحرام.

ص: 51

4 - الفوائد الرجالية المسمى ب- رجال السيد بحر العلوم طبع بمطابع النجف سنة 1385 ه- ويقع في أربعة أجزاء ويحتوي على كثير من الفوائد والتحقيقات الرجالية وعلى تراجم عدد كبير من رجال الحديث والرواية.

إلى غير ذلك من الرسائل والنوادر. أما آثاره ومآثره فمنها تعيين وتثبيت مشاعر الحج ومواقيت الإحرام على الوجهة الشرعية الصحيحة ، وكانت قبل ذلك مقفلة مهملة فبقي قدس سره ما يقرب من ثلاث سنوات في مكة في هذا السبيل ولا يزال عمل الشيعة - اليوم - على نموذج تعيينه للمشاعر والمواقيت. أضف إلى ذلك آثاره في مسجد الكوفة ومسجد السهلة كما هي اليوم.

ولآية اللّه بحر العلوم مقبرة خاصة بجوار قبر الشيخ الطوسي بالنجف الأشرف. عليها قبة كبيرة كقباب الأئمة وهي من الكاشي الأزرق ، رثاه ردم كبير من الشعراء المشهورين والفطاحل المرموقين كما مدحوهن في حياته ، ونذكر من الذين رثوه الشيخ ابراهيم يحيى العاملي ، والسيد أحمد العطار ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء والسيد جواد العاملي.

وقصيدة السيد بحر العلوم اللامية يرد على قصيدة مروان بن أبي حفص في ( تحفة العالم ) للسيد جعفر بحر العلوم ج 1 ص 247.

قال الشيخ الطهراني في الذريعة - قسم الديوان - ديوان السيد محمد مهدي نسخة خطية توجد عند أحفاده ، وله الدرة المذكورة في ج 8 ص 109 وله القصيدة في حساب عقود الأنامل.

من شعره قوله في رثاء مسلم بن عقيل :

عين جودي لمسلم بن عقيل *** لرسول الحسين سبط الرسول

ص: 52

لشهيد بين الأعادي وحيد *** وقتيل لنصر خير قتيل

جاد بالنفس للحسين فجودي *** لجواد بنفسه مقتول

فقليل من مسلم طل دمع *** لدم بعد مسلم مطلول

أخبر الطهر انه لقتيل *** في وداد الحسين خير سليل

وعليه العيون تنهال دمعاً *** هو للمؤمنين قصد السبيل

وبكاه النبي شجواً بفيض *** من جوى صدره عليه هطول

قائلاً : إنني إلى اللّه أشكو *** ما ترى عترتي عقيب رحيلي

فابك من قد بكاه أحمد شجوا *** قبل ميلاده بعهد طويل

وبكاه الحسين والآل لما *** جاءهم نعيه بدمع همول

كان يوماً على الحسين عظيماً *** وعلى الآل أي يوم مهول

منذراً باذي يحل بيوم *** بعده في الطفوف قبل الحلول

ويح ناعيه قد أتى حيث يرجى *** أن يجيء البشير بالمأمول

أبدل الدهر بالبشير نعياً *** هكذا الدهر آفة من خليل

فاحثوا الركاب للثأر لكن *** ثأروه بكل ثأر قتيل

فيهم ولده وولد أبيه *** كم لهم في الطفوف من مقتول

خصه المصطفى بحبين حب *** من أبيه له وحب أصيل

قال فيه الحسين أي مقال *** كشف الستر عن مقام جليل

ابن عمي أخي ومن أهل بيتي *** ثقتي قد أتاكم ورسولي

فأتاهم وقد أتى أهل غدر *** بايعوه وأسرعوا في النكول

تركوه لدى الهياج وحيداً *** لعدو مطالب بذحول

ص: 53

لست أنساه إذ تسارع قوم *** نحوه من طغاة كل قبيل

وأحاطوا به فكان نذيراً *** باقتحام الرجال وقع الخيول

صال كالليث ضارباً كل جمع *** بشبا حد سيفه المسلول

وإذا اشتد جمعهم شد فيهم *** بحسام بقرعهم مفلول

فرأى القوم منه كر علي *** عمه في النزال عند النزول

ص: 54

الشيخ ابراهيم يحيى الطيبي

المتوفي 1214

أيها العاشق ما هذا القلى *** أنت في الشام وهم في كربلا

تدعي الحب وتختار النوى *** ما كذا تفعل أصحاب الولا

قعد الجسم برغمي عنهم *** والحشا يجتاب أجواز الفلا

حبذا الحي التهامي الذي *** نزل اليوم على حكم البلا

ملأ الأحشاء حزناً إذ هوى *** بدره المقتول ظلماً في الملا

أي غيث من بني فاطمة *** فقدت منه الصوادي منهلا

أي ليث من بني فاطمة *** صادفت منه العوالي مقتلاً

أي مولى من بني فاطمة *** قتل الإسلام لما قتلا

أي بدر ملأ الدنيا سناً *** وجلا كل ظلام وانجلى

أي عذر لعيون فقدت *** منه نور النور أن لا تهملا

كيف لا تجري دموعي للذي *** رزؤه أبكى النبي المرسلا

أين أنت اليوم يا حامي الحمى *** ومزيل الخطب لما نزلا

رب ذي عيش مرير طعمه *** عذب الموت لديه وحلا

إن حزني كلما بردته *** بشآبيب الدموع اشتعلا

أبعد اللّه نوى القلب الذي *** كلما طال به العهد سلا

ص: 55

أترى أي أناس غيركم *** ودهم أجر كتاب فصلاً

أترى أي أناس غيركم *** برز الهادي بهم مبتهلا

أبقوم غيركم قد أنزلت *** آية التطهير فيما أنزلا

أبقوم غيركم يا هل ترى *** كمل الدين الذي قد كملا

ليت شعري أعلى المرتضى *** أم سواه منكب الهادي علا

أترى من نصر اللّه به *** حين فر الجمع طه المرسلا

أترى من كان صنو المصطفى *** حيدر أم غيره فيما خلا

من عنى القائل جهراً لا فتى *** غير مولانا علي ذي العلا

يا قتيل الغاضريات الذي *** قتل الدين له إذ قتلا

وجد المحتاج بحراً طامياً *** يقذف الدر فعاف الوشلا

وقال :

بنفسي أقمار تهاوت بكربلا *** وليس لها إلا القلوب لحود

بنفسي سليل المصطفى وابن صنوه *** يذود عن الاطفال وهو فريد

أذاب فؤادي رزؤهم ومصابهم *** وعهدي به في النائبات جليد

فقل لابن سعد أتعس اللّه جده *** أحظك من بعد الحسين يزيد

نسجت سرابيل الضلال بقتله *** ومزقت ثوب الدين وهو جديد

* * *

وقال :

لله أي مصاب هد أركاني *** وحادث عن جميل الصبر ينهاني

عز العزاء فلا صبر ولا جلد *** فكيف تطمع من مثلي بسلوان

وما بكيت لأن الحي من يمن *** سار الغداة بخلاني وخلاني

ولا تلهفت لما بان مرتحلا *** من حاجر بغصون الرند والبان

ص: 56

ولا نزعت إلى سلمى بذي سلم *** ولا عشوت إلى نمى بنعمان

لكن تذكرت يوم الطف فانهملت *** دموع عيني وشبت نار أحزاني

هو الحسين الذي لولاه ما وضحت *** معالم الدين للقاصي وللداني

نفسي الفداء لمولى سار مرتحلا *** من الحجاز إلى أكناف كوفان

طارت له من بني كوفان مسرعة *** صحائف الغدر من مثنى ووحدان

فسار يطوي الفلا حتى أناخ بهم *** بفتية كنجوم الليل غران

وقام فيهم خطيباً منذراً لهم *** وهو الملي بإيضاح وتبيان

حفت به خير أنصار له بذلت *** منها الفداء بأرواح وأبدان

حتى قضوا بالمواضي دونه عطشا *** وكل حي وان طال المدى فإني

طوبى لهم فلقد نالوا بصبرهم *** خيراً وراحوا إلى روح وريحان

وما نسيبت فلا أنساه منفرداً *** بين العدى دون أنصار وأعوان

يسطو على جمعهم بالسيف منصلتا *** كالليث شد على سرب من الضان

ضرب يذكرنا ضرب الوصي وعن *** منابت الأصل ينبي نبت أغصان

مصيبة أبلت الدنيا وساكنها *** وهي الجديدة ما كر الجديدان

وكيف ينسى امرؤ رزءاً به فجعت *** كريمة المصطفى من آل عدنان

انفقت فيك لجين الدمع فانبجست *** عيني عليك بياقوت ومرجان

أمسي وأصبح والأحزان تنضحني *** من عبرتي بدموع ذات ألوان

حتى أرى منكم البدر المطل على *** أهل البسيطة من قاص ومن داني

منى من المنعم المنان أرقبها *** والمن مرتقب من عند منان

وكم له من يد عندي نصرت بها *** على الزمان وقد نادى بحرماني

أحببتكم حب سلمان ولي أمل *** أن تجعلوني لديكم مثل سلمان

صلى الإله على أرواحكم وحدا *** إليكم كل احسان ورضوان

ص: 57

الشيخ ابراهيم بن الشيخ يحي بن الشيخ محمد بن العاملي الطيبي.

قال السيد الأمين في الأعيان : ولد سنة 1154 بقرية الطيبة من جبل عامل - لبنان - وتوفي سنة (1214) بدمشق عن 60 عاماً ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي المشهد المنسوب إلى السيدة سكينة وكان له قبر مبني وعليه لوح فيه تاريخ وفاته رأيته وقرأته فهدم في زماننا.

كان عالما فاضلاً أديباً شاعراً مطبوعاً ، نظم فأكثر حتى اشتهر بالشعر (1).

وكانت له اليد الطولى في التخميس فقد ولع به فخمس جملة من القصائد المشهورة كالبردة ، ورائية أبي فراس الحمداني في الفخر وميميته في مدح أهل البيت ولا ميته المرفوعة التي قالهافي الأسر ، وعينية ابن زريق البغدادي ، وكافية السيد الرضى المكسورة وزاد عليها مخمساً وجعلها في مدح النبي ، ورائية ابن منيرالمعروفة بالتترية ، بل قيل انه اكثر المشهور من غرر الشريف الرضي ، وإنه خمس ديوان الأمير أبي فراس برمته.

سافر إلى العراق فأقام به مدة ، قرأ في أثنائها على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء ، ثم سافر لزيارة الرضا علیه السلام ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات.

له أرجوزة في التوحيد وجدتها بخطه وجمعت شعره في ديوان كبير يقارب سبعة آلاف وخمسمائة بيت بعد تفتيش وتنقيب كثير ورتبته على حروف المعجم انتهى. أقول : ونشر كثيراً منه في الأعيان من مدائحه في الرسول الأعظم والامام

ص: 58


1- وورث ذلك منه أولاده واحفاده ، فكلهم شعراء وأدباء كولديه للشيخ نصر اللّه والشيخ صادق وحفيديه الشيخ ابراهيم بن نصر اللّه والشيخ ابراهيم بن صادق وولده وغيرهم.

أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت علیهم السلام . وترجم له صاحب ( الحصون ) ج 9 ص 181 والشيخ السماوي في ( الطليعة ) والأستاذ علي الخاقاني في ( شعراء الغرى ) ج 1 ص 1.

وقال أيضاً :

أرابها نفثة من صدر مصدور *** وهجرة للجفا من غير مهجور

أوفت علي وقالت وهي مجهشة *** ما بال صفوك ممزوجاً بتكدير

لا تضجرن لآمال أوابدها *** ندت فما زلن في قيد المقادير

فقلت هيهات مثلي غير منتجع *** برق المنى وهو مزرور على الزور

خطب أحم لو التاث النهار به *** لم ينفجر فجره إلا بديجور

حوادث ينزوي قلب الحزين بها *** إلى وطيس بنار الوجد مسجور

قتلاً واسراً وتشريداً كأنهم *** عشيرة المصطفى في يوم عاشور

غداة جب سنام المجد من مضر *** وهاشم بالعوالي والمباتير

هو الحسين الذي لولاه ما نظرت *** عين إلى علم للمجد منشور

غضنفر سن للحامين حوزتهم *** بذل النفوس وإلغاء المحاذير

سيم الهوان فطاب الموت في فمه *** وتلك شنشنة الأسد المغاوير

وحوله من بني الزهراء كل فتى *** يغشى الوغى بجنان غير مذعور

بيض الوجوه إذا ما أسفروا خلعوا *** على الظلام جلابيباً من النور

وبينهم خير أصحاب لهم حسب *** زاك وممدود فضل غير مقصور

وقد أظلهم جيش يسير به *** باغ يرى العدل ذنباً غير مغفور

يمضون أمر ابن هند في ابن فاطمة *** تبت يدا آمر منهم ومأمور

فصادفوا منه في غاب القنا أسدا *** يسري ومن حوله الأشبال كالسور

من كل معتصم بالحق ملتزم *** بالصدق متسم بخير مذكور

ما أنس لا أنس مسراهم غداة غدوا *** إلى الكريهة في جد وتشمير

ص: 59

ثاروا وقد ثوب الداعي كما حملت *** أسد العرين على سرب اليعافير

فلا تعاين منهم غير مندفع *** كالسيل يخبط مثبوراً بمثبور

كل يرى العز كل العز مصرعه *** بالسيف كي لا يعاني ذل مأسور

وحين جاء الردى يبغي القرى سقطوا *** على الثرى بين مذبوح ومنحور

طوبى لهم فلقد نالوا بصبرهم *** أجراً وأي صبور غير مأجور

كريهة شكر الباري مساعيهم *** فيها ويا رب سعي غير مشكور

مبرئين من الآثام طهرهم *** دم الشهادة منها أي تطهير

ولو شهدت غداة الطف مشهدهم *** بذلت نفسي وهذا جل مقدوري

ولست أدري أسوء الحظ أقعدني *** عن ذلك اليوم أم عجزي وتقصيري

وينثني عن حياض الموت نحو خباً *** على بنات رسول اللّه مزرور

ولم يزل باذلا في اللّه مهجته *** يجر نحو المنايا ذيل محبور

حتى تجلى عليه الحق من كثب *** فخر كالنجم يحكي صاحب الطور

قضى فللدين شمل غير مجتمع *** وللمكارم ربع غير معمور

فأبعد اللّه عيناً غير باكية *** لرزئه وفؤاداً غير مفطور

يا للرجال لجرح غير مندمل *** عمر الزمان وكسر غير مجبور

فهل تطيب حياة وابن فاطمة *** فوق التراب طريحاً غير مقبور

وفي الشآم يزيد في بلهنية *** مرفه بين مزمار وطنبور

وما نسيت فلا أنساه منجدلا *** ترضه القوم بالجرد المحاضير

والفاطميات فوضى يرتمين على *** أشلائه بعد تضميخ وتعفير

يلهجن بالمرتضى يا خير من رقصت *** به النجائب تحت السرج والكور

عطفاً على حرم التقوى فقد فجعت *** بصارم من سيوف اللّه مشهور

جدعت أنف قريش بالحسام ومذ *** مضيب دبت الينا بالفواقير

يا للكريم الذي أمست كرائمه *** مسبية بعد احصان وتخدير

فخيم الضيم فينا حين فارقنا *** وأدرك الوتر منا كل موتور

يا ليت عين رسول اللّه ناظرة *** ايتامه بين مقهور ومنهور

ص: 60

لا كان يومك يا ابن المرتضى فلقد *** قضى علينا برق بعد تحرير

إذا تذكرته خر الحشى صعقا *** كأنما كان يوم النفخ في الصور

وهاكم يا بني الزهراء مرثية *** كالروض يبكي بإحداق الأزاهير

وكيف أشقى وأهل الكهف كلبهم *** تاج ولست لديكم دون قطمير

عليكم صلوات اللّه ما لعبت *** أيدي السرى بقداح الخيل والعير

وقال يمدح الامام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة ، وقد التزم الشاعر فيها الجناس بين كل بيتين في القافية.

يا نزولا بين جمع والمصلى *** قتل مثلي في هواكم كيف حلا

عقد الصب بكم آماله *** ليت شعري من لذاك العقد حلا

قال لي العاذل أضناك الهوى *** فانتجع غير هوهم قلت كلا

فانثنى عني وما زال المنى *** من فتى أمسى على الأحباب كلا

أيها البارق سلهم عن دمي *** إن توسطت حماهم كيف طلا

واسق جيران اللوى والمنحنى *** وابلا تحيا به الأرض وطلا

لا ترم مني سلواً بعدهم *** نأيهم والهجر سل الصبر سلا

ما على طيفهم لو زارني *** وأماط الحزن عن قلبي وسلى

لي قلب سبق الناس إلى *** حبهم واعتاقه السقم فصلى

عجباً كيف استباحوا مهجتي *** وهي مغنى خير من صام وصلى

حسن الأخلاق سبط المصطفى *** مفزع الناس إذا ما الخطب جلا

طالما أذهب عن ذي فاقة *** بنداه ظلمة الفقر وجلى

ماجد تسري المعالي إن سرى *** وتنادي بحلول حيث حلا

رفع اللّه به قدر العلى *** وبه جيد الهدى والدين حلى

أي راع لا يراعي أحداً *** غير من يرعى لدين اللّه الا

حجة اللّه الامام المجتبى *** ذو الأيادي خير خلق اللّه إلا

ص: 61

خير حبل مده اللّه لمن *** صده الشيطان عنه وأزلا

نشر العدل فكم من ظبية *** تمتطي في مهمه ذئبا أزلا

ذو بنان كشآبيب الحيا *** أنهل الحران منهن وعلا

خفض البخل ومن دان به *** وبناء الجود والإحسان على

رفعته قدرة اللّه الى *** ما تمنى فدنا ثم تدلى

دوحة العلم الإلهي التي *** فرعها في جنة الخلد تدلى

سيدي يا حجة اللّه الذي *** لأمور الإنس والجن تولى

فاز واللّه وما خاب فتى *** بكم يا خيرة اللّه تولى

حبكم شغل فؤادي في الملا *** ونجي القلب مني ان تخلى

مفزعي أنتم إذا ما مفزعي *** صد عني يوم حشري وتخلى

ألحق اللّه بكم أشياعكم *** وأعاديكم جحيم النار صلى

وسقى صوب الحيا أجداثكم *** وعليكم سلم اللّه وصلى

وزار مشهد السيدة زينب الكبرى بدمشق الشام - قرية راوية - فكتب على حائط المشهد.

مقام لعمر اللّه ضم كريمة *** زكا الفرع منها في البرية والاصل

لها المصطفى جد وحيدرة أب *** وفاطمة أم وفاروقهم بعل

وقال يمدحها ويتخلص لمدح السيدين : السيد حسين والسيد علي من آل المرتضى.

يا دوحة بسقت في المنبت الزاكي *** حيا الحيا ربعك السامي وحياك

حاكيت شمس الضحى والبدر مكتملا *** أباً وأماً وكان الفضل للحاكي

أبوك حيدرة والأم فاطمة *** والجد أحمد والسبطان صنواك

فخر لعمر العلى ما ناله أحد *** إلاك يا بضعة الزهراء إلاك

ص: 62

لك المقام الذي ما زال مشتملا *** على ملائكة غر واملاك

يقبلون ضريحاً ضم ناسكة *** ترعرعت بين زهاد ونساك

يبكون من خيفة والثغر مبتسم *** من المسرة يا للضاحك الباكي

ويصدرون وفي أيديهم سبب *** من المحامد موصول بذكراك

أولاك مولاك مجداً لا يرام فما *** أحراك بالغاية القصوى وأولاك

لجيد مجدك أطواق الثنا خلقت *** جل الذي بجلى الفضل حلاك

طوبى لمن شم يوماً من حماك شذا *** لأن من جنة الفردوس رياك

اني لاغبط مخدومين قد خدما *** مثواك يا قدس الرحمن مثواك

هما لعمر العلى بدران تمهما *** وحسن حالهما من بعض حسناك

من كالحسين وقد أمسيت عمته *** فلو دعوت أمس الناس لباك

ومن يداني عليا وهو منتسب *** للمرتضى وهو مولاه ومولاك

تقاسما خطط العلياء وارتضعا *** ثدي العلى حافلا في ظل مغناك

غيثان لا يعدم المضطر غوثهما *** لأن جودهما من فيض جدواك

وحسب هذين فخراً أن ذكرهما *** يا درة التاج مقرون بذكراك

اليك يا مفزع الراجي مددت يدي *** وأنت أدرى بما يرجوه مولاك

وكيف لا يطلب الدنيا وضرتها *** مولاكم وهما أدنى عطاياك

ص: 63

السيد احمد العطار

المتوفى 1215

أي طرف منا يبيت قريراً *** لم تفجر أنهاره تفجيراً

أي قلب يستر من بعد من كان *** لقلب الهادي النبي سرورا

آه واحسرتا عليه وقد أخرج *** عن دار جده مقهوراً

كاتبوه فجاءهم يقطع البيداء *** يطوي سهولها والوعورا

أخلفوه ما عاهدوا اللّه من قبل *** وجاءوا إذ ذاك ظلماً وزورا

أخلفوا الوعد أبدلوا الود خانوا *** العهد جاروا عتوا عتوا كبيرا

فأتاهم محذرا ونذيرا *** فأبى الظالمون إلا كفورا

وأصروا واستكبروا ونسوا *** يوماً عبوساً على الورى قمطريرا

لست أنسى إذ قام في صحبه *** ينثر من فيه لؤلؤاً منثورا

قائلا ليس للعدى بغية *** غيري ولا بد أن أردى عفيرا

اذهبوا فالدجى ستير وما الوقت *** هجيراً ولا السبيل خطيرا

فأجابوه حاش لله بل نفديك *** والموت فيك ليس كثيرا

ص: 64

لا سلمنا إذن إذا نحن أسلم- *** -ناك وتراً بين العدى موتورا

أنخليك في العدو وحيداً *** ونولى الأدبار عنك نفورا

لا أرانا الإله ذلك واختا *** روا بدار البقاء ملكاً كبيراً

بذلوا الجهد في جهاد الأعادي *** وغدا بعضهم لبعض ظهيرا

ورموا حزب آل حرب بحرب *** مأزق كان شره مستطيرا

كم أراقوا منهم دماً وكأي *** من كحي قد دمروا تدميرا

فدعاهم داعي المنون فسروا *** فكأن المنون جاءت بشيرا

فأجابوه مسرعين إلى القتل *** وقد كان حظهم موفورا

فلئن عانقوا السيوف ففي مق- *** -عد صدق يعانقون الحورا

ولئن غودروا على الترب صرعى *** فسيجزون جنة وحريرا

وغداً يسربون كأساً دهاقاً *** ويلقون نظرة وسروراً

كان هذا لهم جزاء من *** اللّه وقد كان سعيهم مشكورا

فغدا السبط بعدهم في عراص *** الطف يبغي من العدو نصيرا

كان غوثاً للعالمين فأمسى *** مستغيثاً يا للورى مستجيرا

فأتاه سهم مشوم به *** انقض جديلا على الصعيد عفيرا

فأصاب الفؤاد منه لقد *** أخطأ من قد رماه خطأ كبيرا

فأتاه شمر وشمر عن سا *** عد أحقاد صدره تشميرا

وارتقى صدره اجتراء على *** اللّه وكان الخب اللئيم جسورا

وحسين يقول إن كنت من يجهل *** قدري فاسأل بذاك خبيرا

فبرى رأسه الشريف وعلاه *** على الرمح وهو يشرق نورا

ذبح العلم والتقى إذ براه *** وغدا الحق بعده مقهورا

عجباً كيف تلفح الشمس شمساً *** ليس ينفك ضوءها مستنيرا

ص: 65

عجباً للسماء كيف استقرت *** ولبدر السماء يبدو منيرا

كيف من بعده يضي أليس *** البدر من نور وجهه مستعيرا

غادروه على الثرى وهو ظل اللّه *** في أرضه يقاسي الحرورا

ثم رضوا بالعاديات صدوراً *** لأناس في الناس كان صدورا

قرعوا ويلهم ثغور رجال *** بهم ذو الجلال يحمي الثغورا

هجروا في الهجير أشلاء قوم *** أصبح الذكر بعدهم مهجورا

أظلم الكون بعدهم حيث قد *** كانوا مصابيح للورى وبدورا

استباحوا ذاك الجناب الذي قد *** كان حصناً للمستجير وسورا

أضرموا في الخيام ناراً تلظى *** فسيصلون في الجحيم سعيرا

بعد أن أبرزوا النساء سبايا *** نادبات ولا يجدن مجيرا

مبديات الأسى على من بسيف الظ- *** -لم قد بات نحره منحورا

من يصلى عن المصلين من *** يدفن تحت التراب تلك البدورا

من يقيم العزاء حزناً على من *** رزؤهم احزن البشير النذيرا

من لأسد قد جزروا كالأضاحي *** يشتكون الظما وكانوا بحورا

من لزين العباد إذ صفدوه *** بقيود وأوثقوه أسيرا

عجباً تجتري العبيد على من *** كان للناس سيداً وأميرا

من لطود هوى وكان عظيما *** من لغصن ذوى وكان نضيرا

من لبدر أضحى له اللحد برجاً *** من لشمس قد كورت تكويرا

من لجسم في الترب بات تريبا *** من لرأس فوق السنان أديرا

وجباه ما عفرت لسوى الل- *** -ه على الترب عفرت تعفيرا

وخدود شريفة لم تصعر *** قط للناس وسدوها الصخورا

ووجوه مصونة هتكوها *** وأباحوا حجابها المستورا

ص: 66

وبيوت برفعها أذن اللّه *** غدت بعد ساكنيها دثورا

يا له فادحاً تضعضع ركن الد *** ين من عظمه ورزءاً خطيرا

ومصاباً ساء النبي ومولا *** نا علياً وشبرا وشبيرا

وخطوبا يطوى الجديد ولا *** يفتاً في الناس حزنها منشورا

أو يقوم المهدي حامي حمى الإسلام *** ساقي الأعداء كأساً مريرا

رب بلغه ما يؤمله وافتح *** له من لدنك فتحاً يسيرا

ليت شعري متى نرى داعي اللّه *** إلى الحق والسراج المنيرا

أو ما آن أن يرى ظاهراً في *** يده سيف جده مشهورا

أو ما آن أن يرى ولواء *** النصر من فوق رأسه منشورا

أو ما آن أن يحور فيستأصل *** من كان ظن أن لا يحورا

أو ما آن أن نروح ونغدو *** في ابتهاج والعيش يغدو قريرا

أو ما آن أن ينادي مناديه *** عن اللّه في الأنام بشيرا

ذاك يوم للمؤمنين سرور *** وعلى الكافرين كان عسيرا

يا بني الوحي والألى فيهم قد *** أنزل اللّه هل أتى والطورا

دونكم من سليلكم أحمد *** دراً نظيماً ولؤلؤاً منثورا

يبتغي منكم به جنة لم *** ير فيها شمساً ولا زمهريرا

خسر المادحون غيركم *** والمدح فيكم تجارة لن تبورا

وعليكم من ربكم صلوات *** عطر الكون نشرها تعطيرا

ص: 67

وله أيضاً :

ما هاج حزني بعد الدار والوطن *** ولا الوقوف على الآثار والدمن

ولا تذكر جيران بذي سلم *** ولا سرى طيف من أهوى فأرقني

ولم أرق في الهوى دمعاً على طلل *** بال ولا مربع خال ولا سكن

نعم بكائي لمن أبكى السماء فلا *** تزال تنهل منها أدمع المزن

كأنني بحسين يستغيث فلا *** يغاث إلا بوقع البيض واللدن

وذمة لرعاة الحق ما رعيت *** وحرمة لرسول اللّه لم تصن

أعظم بها محنة جلت رزيتها *** يرى لديها حقيراً أعظم المحن

يا باب حطة يا سفن النجاة ويا *** كنز العفاة ويا كهفي ومرتكني

يا عصمة الجار يا من ليس لي أمل *** إلا ولاء إذا أدرجت في كفني

هل نظرة منك عين اللّه تلحظني *** بها وهل عطفة لي منك تدركني

إن لم تكن آخذاً من ورطتي بيدي *** ومنجدي في غدي يا سيدي فمن

وكيف تبرأ مني في المعادوقد *** محضت ودك في سري وفي علني

أم كيف يعرض يوم العرض عني من *** بغير دبن هواه القلب لم يدن

وهل يضام معاذ اللّه أحمدكم *** ما هكذا الظن فيكم يا ذوي المنن

إليكم سادتي حسناء فائقة *** في حسن بهجتها من سيد حسني

عليكم صلوات اللّه ما ضحكت *** حديقة لبكاء العارض الهتن

ص: 68

السيد أحمد بن محمد بن علي بن سيف الدين الحسني البغدادي الشهير بالسيد أحمد العطار

وأسرته تعرف ب- ( الحيدرية ) توفي سنة 1215 في النجف الأشرف ودفن في الإيوان الكبير قرب مقبرة العلامة الحلي أعلى اللّه مقامه.

فيكون عمره قد تجاوز السبعين وأرخ وفاته الحاج محمد رضا الأزري.

كان فاضلاً فقيهاً أصولياً رجالياً محدثاً زاهداً ناسكا صاحب كرامات أديباً شاعراً علماً من أعلام عصره هاجر من وطن أبيه بغداد إلى النجف الأشرف وعمره عشر سنوات فقرأ العلوم العربية وغيرها حتى برع فيها ثم قرأ في الأصول والفقه على مشاهير ذلك العصر وكانت له خزائن كتب نفيسة تلمذ على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، له مؤلفات في الفقه والأدب والعبادة وديوان شعر يزيد على خمسة آلاف بيت ومن مؤلفاته :

1 - كتاب سماه التحقيق في الفقه وجد منه كتاب الطهارة بخطه في أربع مجلدات.

2 - كتاب في أصول الفقه في مجلدين.

3 - رياض الجنان في أعمال شهر رمضان ( مطبوع ).

4 - منظومة في الرجال ( مطبوعة ).

5 - الرائق في الشعر والأدب استفدنا منه كثيراً وروينا عنه في هذه

ص: 69

الموسوعة (1).

رثاه جملة من شعراء عصره منهم السيد ابراهيم ومنهم الشيخ محمد رضا الأزري. وفاته في السابع من شهر شعبان سنة 1216 ه. قال الشيخ الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) رأيت بخط حفيدة العلامة السيد راضي بن الحسين بن أحمد ، على كتاب ( رياض الجنان ) للمترجم المطبوع ، أنه ولد في النجف ربيع الأول 1128 ورأيت أرجوزته الرجالية الموجودة في النجف عند السيد محمد البغدادي ، وكانت له اليد الطولى في الأدب بل كان من شيوخ الأدب في عصره وله ديوان شعر كبير جمعه بنفسه حوى مختلف الأنواع وضم جملة من مدائح أقطاب العلم ومراثيهم انتهى. أقول ورأيت ديوان السيد أحمد العطار في مكتبة كاشف الغطاء العامة - قسم المخطوطات.

ص: 70


1- وقد سجل في الراثق مجموعة كبيرة من شعره ، وإليك مطلع بعض القصائد : 1 - مرثية لأهل البيت أولها : لا تأمن الدهر إن الغدر شيمته *** وخفض قدر أولي العلياء همته 2 - في مدح الامامين العسكريين أولها : هي سامراء قد فاح شذاها *** وتراءى نور أعلام هداها 3 - في ص 346 من الجزء الثاني تعجيز قصيدة وتثليثها في قبة الامام أميرالمؤمنين علي عليه السلام : والتي أولها أنظر إليها تلوح كالقبس

جاء في كتاب ( دار السلام فيما يتعلق بالرؤيا ) والمنام للميرزا النوري قال :

رأيت في بعض الدواوين أن رجلا من الصلحاء رأى في منامه سيدتنا فاطمة الزهراء علیهاالسلام ، فأمرته أن يأمر أحد الشعراء من مواليها السعداء بنظم قصيدة في رثاء سيد الشهداء علیه السلام يكون أولها « من غير جرم الحسين يقتل » فامتثل اللبيب اللوذعي السيد نصر اللّه الحسني على منوال ما أمرت ، ولما وقف السيد أحمد بن السيد محمد (1) على قصيدة السيد المذكور صدرها وعجزها رجاء أن ينتظم في سلك من امتثل أمر سيدة النساء علیهاالسلام فما كان من الأبيات عليها علامة فهو للسيد نصر اللّه وما لم يكن كذلك فهو للسيد أحمد بن السيد محمد وهي هذه :

« من غير جرم الحسين يقتل » *** وجده الهادي النبي المرسل

ويقطع الشمر جهاراً رأسه *** « وبالدماء جسمه يغسل »

« وينسج الأكفان من عفر الثرى » *** لجسمه العاري السليب القسطل

أفدي سليباً نسجت ملابساً *** « له جنوب وصباً وشمال »

« وقطنه شيبته ونعشه » *** اللدن وغسله الدموع الهمل

ورأسه يشهره بين الملا *** « رمح له الرجس سنان يحمل »

« ويوطئون صدره بخيلهم » *** تصعد طوراً فوقه وتنزل

أعظم به صدراً يداس قسوة *** « والعلم فيه والكتاب المنزل »

« ويشتكي حر الظما والسيف من » *** فيض نجيع نحره يبلل

يدعو ألا هل شربة والترب من *** « أوداجه يروى دماً وينهل »

ص: 71


1- أقول هو السيد أحمد بن السيد محمد العطار وهو صاحب ( الرائق ) المخطوط.

« والمرتضى الساقي على الحوض غدا » *** والده وهو الإمام الأفضل

وكيف يقضي عطشاً من مثل ذا؟ *** « أبوه والجد النبي المرسل »

« وأمه الطهر الفرات مهرها » *** وهو لدى الجود سحاب هطل »

فيا له بحراً قضى من ظمأ؟ *** « وكفه كم فاض منها جدول »

« والمسلمون لا يبالون بما » *** كان كأن لم يسمعوا أو يعقلوا

هذا ودمع المصطفى جرى لما *** « وجرى وقد خرت لذاك الأجبل »

« وهد ركن العرش مما ناله » *** حزناً وعين الشمس أضحت تهمل

وهدمت لذاك أركان الهدى *** « والأرضون أصبحت تزلزل »

« وقد بكى جفن السموات دماً » *** فلم يزل دمع السحاب يهطل

وأنجم السماء قد تكدرت *** « وأمست الأفلاك فيها تعول »

« والمرتضى وفاطم والحسن » *** الزكي قد ناحوا أسى وأعولوا

والمرسلون والنبيون على السبط *** « بكوا مما دهى وولولوا »

« أفديه فرداً ما له من ناصر » *** غير ضجيج نسوة تولول

يدعو ولا غوث له بين الورى *** « سوى أسى وعبرة تسلسل »

« قد حرموا الماء عليه قسوة » *** هذا وكم قد حللوا ما حللوا؟!

يرنو إليه السبط حيران الحشا *** « وهو لذؤبان الفلا يحلل »

« وصرعوا أصحابه من حوله » *** وذبحوا رجاله وقتلوا

وجدلوا فوق الثرى أسرته *** « فيا لشهب في التراب تأفل »

« ويالآساد عليها قد سطت » *** كلاب حرب ودهتها الغيل

سقتهم كأس الردى على الظما *** « بنو كلاب لاسقاها منهل »

« واركبوا نسوانه عارية » *** شعثاً وقد أودى بهن الثكل

ص: 72

يحملن بعد العز في مذلة *** « على مطايا ليس فيها ذلل »

« ونسوه الطاغي يزيد في حمى » *** عز وقد تم لهن الجذل

يسحبن أذيال الهنا وهن في *** « أمن عليهن السجوف تسبل »

« وأرضعوا ثدي المنايا طفلة » *** لادر درهم بما قد فعلوا

وصيروا نسج السوافي قمطه *** « ومهده صخورها والجندل »

« وأطلقوا دمعاً على ابن له » *** إذ أسروه مدنفا وكبلوا

فلم يزل يرسف في قيد الضنا *** « وكيف لا وهم له قد غللوا؟! »

« فيا لهيف القلب لا تطف ولو » *** أمست بك الاحشاء وجداً تشعل

ولا تملي الدمع يا عيني ولو *** « أهمى من الدمع سحاب هطل »

« ويا لساني جد بأنواع الرثا » *** إن الرثاء في الحسين يجمل

« وواس بنت المصطفى في نوحها » *** « على إمام قد بكتة الرسل »

« وساعد الزهراء إن نوحها » *** على قتيل الطف لا يحتمل

وكيف يقوى قلبها على اسى!؟ *** « عليه منه يذبل يقلقل »

« كيف بها إذا أتت وشعرها » *** من دم مولانا خضيب خضل

« وفي يديها ثوبه مضمخ » *** دماً طريا والدموع همل

فعندما يؤتى به مخضبا *** « بالدم والأعداء طراً ذهل »

« وهو بلا رأس فتبدي صرخة » *** وتصرخ الأملاك حين يمثل

ثم تضج ضجة عالية *** « منها جميع العالمين تذهل »

« فيأمر الجبار نارا اسمها » *** « هبهب قد أظلم منها المدخل »

فحبسهم سجناً بما قد فعلوا *** هبهب قد أظلم منها المدخل

« فتلقط الأرجاس عن آخرهم » *** بما جنوه بعد أن يقتلوا

وتستغيث النار من عذابهم *** « فيصهلون وسطها وتصهل »

ص: 73

« يا آل طه أنتم ذخيرتي » *** ومن عليهم أبداً أعول

لا أبتغي كلا بكم من بدل *** « وليس لي سوى ولاكم موئل »

« فاتحفوني في غد بشربة » *** من سلسل قد طاب منه المنهل

فحزنكم أذكى فؤادي فعسى *** « تطفى بها نار بقلبي تشعل »

« صلى عليكم ربنا ما ارقلت » *** قصداً إلى البيت الحرام مرقل

وما حدى الحادون أو ما وجدت *** « شوقاً إلى قصد حماكم مرقل »

ص: 74

السيد محمد زيني

اشارة

المتوفى سنة 1216

سرين بنا يتركن بحر الفلا رهوا *** لها الوخد مرعى لاغثاء ولا أحوى (1)

وجدت بقطع الدو حتى حسبتها *** ستقطع في إرقالها الأفق والجوا

حداها من الأشواق حاد فأصبحت *** تهاوى بأيديها إلى ربع من تهوى

وما شاقها وادي العقيق ولا اللوى *** ولا رامة رامت ولا يممت حزوى

ولكنها وافت بنا أرض كربلا *** أجل أنها وافت بنا الغاية القصوى

إلى حضرة القدس التي لثم تربها *** لنا شرف نسعى إليه ولو حبوا

نزلنا بها والركب شتى شؤونهم *** فمن سائل عفواً ومن آمل جدوى

دخلنا حماها آمنين وحسبنا *** دخول ديار عندها جنة المأوى

حمى ابن نجيب اللّه من ولد آدم *** حسين الذي لولاه ما ولدت حوّا

امام حباه اللّه حكمة حكمه *** وان له الإثبات في الأمر والمحوا

وجيه فإن نسأل به اللّه منة *** ينزل علينا أفضل المن والسلوى

أحاديث علم اللّه من بيته تروى *** وإن ضماء العلم من بحره تروى

أتيتك يا ابن المصطفى بادي الشكوى *** لما نابني من فادح الضر والبلوى

ص: 75


1- عن ديوانه المخطوط في مكتبتنا ( المكتبة الشبرية ).

فقد صال هذا الدهر صولة ثائر *** وشن علينا صرفه غارة شعوا

أتيتك ضيفاً ابتغي عندك القرى *** ومجتدياً لم أرج من غيرك الجدوى

علمت يقيناً إذ طويت لك الفلا *** بأن كتابي يوم انشر لي يطوى

أناجيك ملهوفاً وأعلم انني *** أناجي بسري عالم السر والنجوى

عمدت إليكم ساهياً عن جنايتي *** ويا لك عمداً قد محا العمد والسهوا

كتمت ولائي فيك خيفة مبغض *** وقد يظهر السر الخفي من الفحوى

إذا ما لوى عني الزمان عنانه *** فإن عناني عن ودادك لا يلوى

فاياك استجدي فمن رفدك الجدوى *** وإياك استعدي فمن عندك العدوى

وله أيضاً :

هل المحرم فاستهلت أدمعي *** وتسعرت نار الأسى في أضلعي

كيف السبيل إلى العزا وهلاله *** مفتاح باب توجع وتفجع

يا شهر عاشورا خلقت كآبة *** منها فؤادي لا يفيق ولا يعي

يا شهر عاشورا أصبت حشاشة *** دفت الزلال لها بسم منقع

ص: 76

السيد محمد زيني البغدادي :

السيد محمد زيني البغدادي (1) :

المتولد سنة 1148 والمتوفى سنة 1216.

محمد بن أحمد زين الدين ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام الحسن السبط. شاعر شهير وعالم جليل. ولد في النجف الأشرف بتاريخ 8 جمادى الأول سنة 1148 ونشأ بها على والده والذي هاجر من بغداد إلى النجف من أجل الانتهال من نمير علمها الصافي وهكذا برع ولده على يد السيد المغفور له السيد مهدي بحر العلوم وقد أجاد الفارسية ونظم بها كثيراً. عثرت على ديوانه واستملكته أقول ورثاه ولده السيد جواد المعروف : ( بسياه بوش ).

قال السيد الأمين في الأعيان ج 43 ص 467. كان من مشاهير علماء النجف الأشرف وأدبائها وشعرائها في القرن الثاني عشر من معاصري بحر العلوم الطباطبائي وأحد أصحاب وقعة الخميس وكان متزوجاً بنت السيد حسين ابن أبي الحسن العاملي. له ديوان شعر رأيته في بغداد في مكتبة الشيخ محمد رضا الشبيبي وكان له اليد الطولى في نقل الشعر من الفارسيه إلى العربية بدون أن يتغير منه شيء غالباً وهو جد السادة المعروفين في النجف اليوم بآل زيني. حكى الشيخ ميرزا حسين النوري في كتابه دار السلام عن الشيخ جواد نجف عن والده الشيخ حسين نجف قال : كان السيد محمد زيني أحد العلماء المبرزين والفقهاء المكرمين إلى آخر ما ذكره ، ثم قال وكان قد توسل السيد محمد زيني في حال رمده بأبيات أنشأها وهي قوله :

ص: 77


1- أقول وأسرة آل زيني من الأسر العلوية المعروفة بحسن السمعة ولا تزال تسكن النجف وكربلاء.

ربي بجاه المصطفى وآله *** خير الورى من غائب وشاهد

أعد بعيني الضياء عاجلا *** يا خير عواذ بخير عائد

أربعة وعشرة جعلتهم *** وسائلا إليك في الشدائد

يكفي جميع الناس جاه واحد *** فعافني بجاه كل واحد

ومن شعره :

أبا حسن يا عصمة الجار دعوة *** على أثرها حث الرجاء ركابه

شكوتك صرف الدهر قدما وانك ال- *** -مذل من أرجاء الخطوب صعابه

فما باله قد فوق الدهر سهمه *** وصب على قلب الحزين عذابه

أبا حسن والمرء يا ربما دعا *** كريماً فلباه وزاد ثوابه

فإن كنت ترعاه لسوء فعاله *** فبرك يرعى فيك منك انتسابه

وله مخمسا بيتي الصاحب بن عباد في بعض الشعراء وجعلها لهم علیهم السلام :

ولما زهت للناظرين قبوركم *** وأشرق منها للسماوات نوركم

ومن زاركم أولاه فضلا مزوركم *** أتيناكم من بعد دار نزوركم

وكم منزل بكر لنا وعوان

ولا يهتدى إلا بنهج سبيلكم *** ولا يجتدى إلا نوال منيلكم

فكيف وقد نلنا المنى من جميلكم *** نسائلكم هل من قرى لنزيلكم

بملء جفون لا بملء جفان

ص: 78

وقال مشطراً :

جعلت ولائي آل أحمد قربة *** إلى اللّه حتى صرت لا اختشي ذنبا

ولي من عداهم ما حييت براءة *** على رغم أهل البعد يورثني القربى

وما سال المختار أجراً على الهدى *** سوى حبهم طوبى لمن محض الحبا

ولا رام في يوم الغدير من الورى *** بتبليغه إلا المودة في القربى (1)

وله في مدح الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام :

علام وما كنت الخؤون بصاحب *** تحاول بت الوصل مني حبائبي

وفيم وقلبي خير مأوى لقاطن *** تجشم تلك العيس طي السباسب

تسير قلوب شرد البين رشدها *** وقلبي لها حاد بإثر الركائب

قفوا عللوا الربع المحيل لبينهم *** فإن به ما بي لبين الربائب

سقتنا النوى سما فأضحت طلوله *** وجسمي مما نابه خط كاتب

ابشر قلبي كل يوم بوصلهم *** وما وصلهم إلا رجوع الشبائب

هم واصلوا بين الغضا وحشاشتي *** كما فرقوا بين الليان وجانبي

مراد الفتى صعب المنال وإنما *** أعلل نفسي بالأماني الكواذب

إلى مَ أقاسي كربة بعد كربة *** وحتى َم أخشى نائباً بعد نائب

وأبعث آمالي واعلم أنها *** ستصدر نحوي خائباً أثر خائب

إذا كان طرف الدهر يرقب حازما *** فأبعد شيء منه نيل المطالب

ونفس تظن الموت المام ساحة *** وأخفض ما ترنوه ظهر الكواكب

دعتني إلى نيل المعالي ودونها *** سمام الأفاعي بعد لسع العقارب (2)

ص: 79


1- عن الديوان المخطوط.
2- وأخيراً قد كتب أسرة آل زيني وهو السيد رضا زيني ، ترجمة للسيد محمد زيني في مجلة صوت الاسلام عدد 8 - 12 السنة الأولی.

سأبعثها وهي البروق إذا سرت *** أتتني بوبل من بلوغ الرغائب

تؤم بنا أصل الكرام ومن سما *** به كل فرع من لوي بن غالب

علياً أميرالمؤمنين وسيد الو *** صيين خير الخلق نسل الأطائب

وحتى رسول اللّه والنص واضح *** وإن عميت عنه قلوب الكواذب

فتى لم ينل ما ناله من فضائل *** عجائب كانت في عيون العجائب

كريم إذا انهلت سحائب جوده *** أراك قليل الصوب صوب السحائب

إذا عد جود فهو أكرم واهب *** وان عد بأس فهو حتف المحارب

معرف فرسان الوغى ان حتفها *** بملقاه من دون القنا والقواضب

إذا اسود ليل النقع منه ومكنت *** قنا الخط من طعن الذرى والغوارب

يجر خميساً من ثواقب رأيه *** عزائمه فيها جياد السلاهب

فسل خيبراً من كان أورد مرحبا *** حياض المنايا من بديع المضارب

فلا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى *** سواه إذا صالت قروم الكتائب

ولولا غلو في هواه وصفته *** بوصف غنى في الوجود وواجب

عجبت لمن ظن المناصب فخره *** وموطى خفيه سنام المناصب

يصدك ضوء الشمس عن درك ذاتها *** وهيبته تغنيه عن كل جانب

هو العروة الوثقى لمستمسك به *** هو الغاية القصوى لرغبة راغب

تنال جميل الصفح منه مغاضباً *** كنيلك منه النجح غير مغاضب

يزيد عطاء حين يرتاح للندى *** فتحسب ان البذل دعوة طالب

نوافيه للجدوى خفافاً عيابنا *** ونصدر من مغناه بجر الحقائب

ولو لم يكن للمصطفى غير حيدر *** غرايب أغنى عن ظهور الغرائب

نعم ملة الإسلام منجى وإنما *** ولايته العظمى محك التجارب

وماذا عسى أن يبلغ الوصف في فتى *** بدا ممكنا للناس في زي واجب

فيا آية اللّه التي ردت الهدى *** نهاراً وليل الكفر مرخى الذوائب

نصرت رسول اللّه في كل موطن *** دعاك به القهار رب العجائب

ص: 80

أقمت قناة الدين عن كل غامز *** وصنت ردا الإسلام من كل جاذب

إذا المرء يستهدي الكواكب رأيه *** فرأيك يستهديه اهدى الكواكب

فما تم دين أنت عنه بمعزل *** ولا نيل رشد لست فيه بصاحب

ولو لم يكن للكون شخصك علة *** لما صار شرق الشمس بعض المغارب

كفاك كتاب اللّه عن كل مدحة *** وإن جل ما وطدته من مناقب

أقول لأصحابي هو النعمة التي *** بها شرح اللّه التباس المذاهب

أبا حسن زمت إليك ركائبي *** وجوز حماك اليوم حطت رغائبي

أتيتك صفر الكف من كل مطلب *** ونبئت في ملقاك نجح المطالب

كسوت رجائي منك حلة آمل *** وحاشاك أن تكسوه حلة خائب

إليك ملاذ الخائفين شكايتي *** زماناً وما في اليوم شطر النوائب

وشرد عني ما ادخرت لصرفه *** ولج بأن أغدو وللذل جانبي

مضى زمن يرجو إلا باعد صحبتي *** وأصبحت يجفوني حميمي وصاحبي

إذا كنت لي ظهراً وكفاً وساعداً *** فلا غرو إن أضحى الزمان محاربي

يقولون في الأسفار قد تدرك المنى *** وأنى وقد أعيت علي مذاهبي

فأدرك أميرالمؤمنين عزيمه *** غريماً بأرض الهند أضحى مطالبي

فإن تكفنيه عاجلاً وهي منيتي *** وإلا فقد شالت إليها مراكبي

وإن كنت ترعاني بما كسبت يدي *** فبرك يرعى في منك مناسبي

عليك سلام اللّه يا خير من سرت *** إليه ركاب الوفد من كل جانب

وقال مستنجداً بالإمام أميرالمؤمنين علیه السلام في أيام الطاعون :

أبا حسن يا حامي الجار دعوة *** يرجى لهاذا اليوم منك قبول (1)

ص: 81


1- عن الديوان المخطوط.

أبا حسن يا كاشف الكرب دعوة *** لنا أمل أن لا ترد طويل

وصي رسول اللّه دعوة خامس *** بغيرك منه لا يبل غليل

أيرضيك هذا اليوم يا حامي الحمى *** خطوب علينا للمنون تصول

أيرضيك هذا اليوم ما قد أصابنا *** ونحن عيال في حماك نزول

فياليت شعري هل تخيب سائلا *** محبا أتي يرجوك وهو ذليل

فأين غياثي أين حرزي وموئلي *** وعزي الذي أسمو به وأطول

وأين سناني أين درعي وجنتي *** وعضبي الذي أسطو به وأصول

اليك ملاذ الخائفين شكاية *** تقلقل أملاك السما وتهول

ومثلك من يدعى إذ اناب حادث *** وضلت لنا دون النجاة عقول

وحاشاك من رد المؤمل خائباً *** وأنت رحيم بالمحب وصول

بجاهك عند اللّه فهو معظم *** وعند رسول اللّه فهو جليل

اغثنا أجرنا نجّنا واستجب لنا *** فما نابنا لولاك ليس يزول

وأنى لصرف الدهر إن رام ضيمنا *** وأنت لنا حصن بذاك كفيل

أفي الحق أن نغدو بأعظم حيرة *** وأنت لنا دون الانام دليل

أفي الحق أن نبغي سبيل نجاتنا *** وأنت إلى اللّه الجليل سبيل

أفي الحق أن نمسي شماتة مبغض *** يعيرنا بين الورى ويقول

إذا كان في الدنيا جفاكم إمامكم *** فكيف لكم يوم الحساب يقيل

ولسنا لكشف الكرب أول من دعوا *** علاك فأعطوا سؤلهم وأنيلوا

ألم تنج نوحاً إذ طغى الماءو التقى *** وقد رابه خطب هناك مهول

ألم تنج إبراهيم من حر ناره *** ولولاك لم ينج الخليل خليل

ألم تنج أيوباً وقد مس ضره *** وما كان ذاك الضر عنه يزول

ولولاك لم ينبذ من الحوت يونس *** وكان له للبعث فيه مقيل

وما قومه المنجون إذ جاء بأسهم *** ولم ينج منه قبل ذلك جيل

بأكرم عند اللّه من خير أمة *** لها أحمد خير الأنام رسول

ص: 82

ألم تكشف الشدات عن وجه أحمد *** بحيث العدى كانت عليه تصول

وهب أننا جئنا بكل عظيمة *** تكاد لها شم الجبال تزول

أليس بعفو اللّه جل رجاؤنا *** وأن يغفر الذنب الجليل جليل

ألسنابكم مستمسكين وحبكم *** لنا في نجاة النشأتين كفيل

فأدرك محبيك الذين تشتتوا *** وخيل الردى تجري بهم وتجول

مجال يذوب الصخر منها إذا علا *** لهم كل يوم رنة وعويل

وضاقت بلاد اللّه فيهم فأقبلوا *** إليك وكل في حماك دخيل

وقالوا به كل النجاة وانه *** حمى قط فيه لا يضام نزيل

ولما علمنا إذ لحامي الحمى حمى *** منيع يرد الخطب وهو جليل

نزلنا به والعرب تحمي نزيلها *** إذا ما عرا للنائبات نزول

إذا فر مهزوم فأنت مأله *** فأين إذا ما فر عنك يؤول

وهب انني حاولت عنك هزيمة *** فماذا عسى عند السؤال أقول

أسائلهم أين الفرار فكلهم *** يشير إلى مغناك وهو يقول

بقبرك لذنا والقبور كثيرة *** ولكن من يحمي النزيل قليل

عليك سلام اللّه ما فات خائف *** بذاك الحمى أو نيل عندك سول

ص: 83

حسين افندي العشاري

قال في مدح ريحانة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الحسين وأخيه العباس حين زارهما في سنة 1181.

طويل غرامي في هواك قصير *** نعم وكثير الشوق فيك حقير

سموتم فكل الكائنات لفضلكم *** مدى الدهر في كل الجهات تشير

وأنتم شموس العالمين بأسرهم *** وفي ظلمة الليل البهيم بدور

أنارت بكم كل الجهات لأنكم *** لكل الورى يا آل أحمد نور

ولما ورت نار الغرام وحركت *** قلوباً من الشوق القديم تفور

سرينا على الغبراء حتى كأننا *** على قبة السبع العوال نسير

تسير بنا شهب المطايا كأنها *** طيور إلى وكر هناك تطير

سوابح يزجيها الغرام على الوحا *** قشاعم حنت للسرى وصقور

تحركها الأشواق طبعاً وكم غدا *** لإخفافها عند المسير صرير

علونا عليها والجوانح لم تزل *** يشب بها عند الرحيل سعير

عيون وأجفان تسيل ومهجة *** تذوب وشوق في القلوب كثير

قصدنا كم نرجو النوال لأنكم *** غيوث لمن يبغي الندى وبحور

أتيناكم غبر الوجوه وتربكم *** غسول وماء للقلوب طهور

وزرناكم يا خيرة اللّه في الورى *** وقد طاب منا زائر ومزور

ص: 84

وجئنا علي القدر والدمع سافح *** له فوق أطراف الخدود غدير

لثمنا ثرى ذاك المقام لأنه *** زلال إذا اشتد الظما ونمير

ولما انطفت تلك الجمار لوصله *** وتمت لنا غب الوصال أجور

أتينا الشهيد السبط درة حيدر *** وليس لها بين العباد نظير

وريحانة المختار مذ فاح عرفها *** تعبق منها مندل وعبير

وكم ضمها للصدر منه إشارة *** إلى أنهم للعالمين صدور

وقبل ثغراً منه والوجه مشرق *** له فرحة من أجلها وسرور

أصيب به حياً وأخبر أهله *** بما ناله لا شك وهو خبير

أما كان حين النقع نار وأقبلت *** خيول العدا في كربلاء تثور

خيول عمت لما تعامت سراتها *** عليها سفيه ناكث وعقور

فجالت على آل النبي فيالها *** مصائب سود في الكرام تدور

أما كان فيهم من تذكر أحمداً *** ومدمعه للظاعنين غزير

أما كان فيهم من تذكر بنته *** وبضعتها في كربلاء عفير

أما كان فيهم من تذكر حيدراً *** فتى الحرب مقدام الجيوش أمير

أما كان فيهم من يرق لصبية *** لهم جنة في كربلا وزفير

أتمنع أطفال النبي على الظما *** من الماء والماء الفرات كثير

صغار من الرمضاء أمسوا ذوابلا *** وليس لهم يوم الهجير مجير

فديت بأولادي الصغار صغارهم *** فحظهم بين العباد كبير

سقاك إله العرش يافاتكابهم *** شراباً به منك الدماغ يفور

طغيت وأحزنت الرسول بقبره *** وأطفأت نوراً في الوجود ينور

شقيت ودار الأشقياء جهنم *** لها زفرة من حرها وسعير

حسين حسين من يدانيك في العلا *** وفضلك يا سبط النبي شهير

فدتك أبا الأشراف روحي ومهجتي *** وما ذاك إلا في علاك حقير

ولست عن العباس سال فإنه *** كريم بأنواع الثناء جدير

ص: 85

رفيع تدلى من ذوابة حيدر *** أبي وذو قدر هناك خطير

له منصب فوق المناصب كلها *** ومحفل فضل في العلا وسرير

كرام العبا قلبي إلى حبكم صبا *** له حرقة يوم النوى وزفير

لجدكم فضل علي ومنة *** وجود وإنعام علي غزير

هداني وآواني ولم أعرف الهدى *** فصرت على نهج الرشاد أسير

أأنسى نداكم يا سلالة هاشم *** وأنكره إني إذاً لكفور

على جدكم أزكى صلاة يحفها *** سلام وتشريف لديه كثير (1)

ص: 86


1- 1 - عن ديوانه المخطوط بخط المرحوم البحاثة الشيخ علي كاشف الغطاء صاحب ( الحصون المنيعة ) في مكتبة كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف - قسم المخطوطات تسلسل 923

حسين بن علي بن حسن بن فارس العشاري البغدادي الشافعي أبو عبداللّه نجم الدين الشيخ الإمام العالم الأديب الأريب الفطن النظام ، صاحب الكمالات الشايعة والنوادر الذائعة.

ولد سنة خمسين ومائة وألف وهو من بلدة تسمى بالعشارة تقع على الخابور الذي ينصب إلى الفرات ، وقرأ القرآن واشتغل بالتحصيل والأخذ ، فقرأ ببغداد وأخذ العلم عن مشايخ متعددين منهم أبو الخير عبدالرحمن السويدي وتفوق بنظم الشعر ودون له ديواناً أكثره في المدائح النبوية ومدح الصحابة وآل البيت والأولياء والعلماء والملوك والأمراء وكان عالماً فاضلاً شاعراً أديباً حسن الخط كتب كتباً متعددة تنوف على العد والحد ، وله تأليفات منها حاشية على شرح الحضرمية لابن حجر وحواشي متفرقات على سائر العلوم تدل على نباهة شأنة وعلو مكانه ، ولما ولي نيابة بغداد والبصرة سليمان بن عبداللّه الوزير سنة أربع وتسعين ومائة وألف ولاه تدريس البصرة وأرسله إليها ولم تطل مدته ، وكان رحمه اللّه له تضلع في سائر العلوم معقولها ومنقولها وخمس قصيدة البردة وبعض القصائد الفارضية ، وكان مشهوراً بحسن الإملاء والإنشاء والنظم البليغ.

أقول وديوانه الذي يجمع أشعاره مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة بالنجف الأشرف بخط العلامة البحاثة الشيخ علي كاشف الغطاء صاحب ( الحصون المنيعة في شعراء الشيعة ) تسلسل 923 - قسم المخطوطات (1).

ص: 87


1- عن سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر لمفتي الشام العلامة المرادي.

وقال مصدراً معجزاً للقصيدة التي نظمها الأديب البليغ سليمان بك ابن عبداللّه بن الشاوي زاده في الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام حين زاره.

طوى لتلك المطايا يوم يسراها *** فالنصر قارنها والسعد وافاها

بشرى لها من مطايا قد سرت وجرت *** الشوق سائقها والسعد وافاها

تطوي السباسب والاطام تقطعها *** كأنها فوق هام المجد ممشاها

دعها فإن عظيم الشوق أنحلها *** والوزر أثقلها والوجد أعياها

لا تستقل ولا تلقى السهاد إلى *** أن ترتوي من حياض الطف أحشاها

ولا تميل إلى دار المقام إلى *** أن تلقي الرحل باب النيل سؤلاها

سر الرسالة بيت العلم من فخرت *** يفخرهم هامة العليا وعيناها

أئمة رفعت أقدارهم فعلت *** بهم قريش وسارت فوق علياها

مبرؤن عن الأدناس ساحتهم *** محروسة وإله العرش زكاها

طابت عناصر هم جلت مفاخرهم *** من التقى والندى حازت معلاها

إن أمهم وفد طلاب لهم رفدوا *** وأكرموا بالعطاء الجم مثواها

حازوا بفضلهم السامي ومحتدهم *** منازل العز أسماها وأغلاها

بكم نجوت بني الزهراء لأنكم *** أنتم سفينة نوح يوم مجراها

بالجد والجد سدتم كل ذي شرف *** فمن كجدكم خير الورى طاها

فأنتم غرر الدنيا وأنجمها *** وذروة المجد أدناها وأقصاها

ومن يباريكم يآل حيدرة *** وحيدر قد غدا في خم مولاها

ضاق الخناق فلا ذخر ولا سند *** وكم علي ذنوب صرت أخشاها

والقلب إلا بكم لم يلق مستنداً *** والنفس إلا بكم لم تلق منحاها

ص: 88

ابن الخلفة

اشارة

قال يرثي الامام الحسين (عليه السلام)

لمن الركائب بالعشية ثوروا *** عنفاً تزج وبالأسنة تزجر

إني أرى بسما الحدوج أهله *** تخفى وطوراً تستهل فتزهر

وكواكباً أبراجها قتب المطى *** حسرى وفي بوغاء نقع تستر

أحداثهم رفقا فان حشاشتي *** تحدي على إثر الظعون فتعثر

فاستوقفوها واحبسوا مقناصها *** لوث الازار وان سئلتم خبروا

ما هذه العير التي حفت بها *** من كل ناحية عتاق ضمر

وأرى حصاناً بالسياط تقنعت *** بيد الطغاة وهن ثكلى حسر

هل هن من حرم النجاشي غودرت *** أيدي سبا لما سباها قيصر

قالوا استفق واذر الدموع فان ذي *** حرم النبي بكل قفر تشهر

وكرائم المولى الحسين بنت بها *** أطلالها فغدت تذل وتقهر

غدرت به أرجاس حرب غيلة *** وبنو الفواجر شأنهم أن يغدروا

لو شمته في الغاضرية ظامياً *** لانساب وجداً من جفونك جعفر (1)

ص: 89


1- عن شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 182.

وارت به من كل فج عصبة *** يحصى الحصى وعديدها لا يحصر

فأذاقهم ضرباً بأبيض فاتك *** في الروع يصحبه كعوب أسمر

رقما قضاء الحتف فوق جباههم *** فالرمح ينقط والمهذب يسطر

في كفه اختلفا فهذا ناظم *** حب القلوب وذا رؤوساً ينثر

وذويه قد جعلت لها أجم القنا *** خبأ وهم فيه ليوث تزار

وصوارم الأنصار يخطب برقها *** الأبصار وهي دماً نجيعاً يهمر

فيها تطول على الكماة ولم تجد *** رهباً من الحرب العوان وتقصر

وتذود عن آل النبي وهكذا *** شأن الموالي للموالي تنصر

حتى دنا الأجل المتاح فغودروا *** صرعى كما جزر الاضاحي جزروا

كل بسافي العاصفات مرمل *** ومخلق بدمائه ومعفر

وهم الأكارم للصلاة تصوروا *** بل في محاريب الصلاة تسوروا

قتلوا لعمرك والذوابل شرع *** والجو مسود الجوانب مكدر

وبقى الامام تؤمه خيل العدى *** والشوس خيفة بأسه تتقهقر

فكأنه وكأنهم يوم اللقا *** حمر النياق من العفرنى تنفر

وكأنهم ليل بهيم حالك *** وجبينه الوضاح صبح مسفر

أو كالسحاب الجون جادوا سيبه *** فوق ابن فاطمة سهاماً يمطر

وكأنما نهرانه في إثرها *** رعد يقعقع تارة ويزمجر

فسطا على فرسانها فتقاعست *** رعباً وكل قال : هذا حيدر

فاغتاله سهم المنية فانثنى *** عن سرجه لما أصيب المنحر

قسما برب السمهرية والظبي *** والسابغات إذا علاها المغفر

والراقصات إلى المحصب من منى *** تطوي الربى وعن السرى لا تفتر

ص: 90

لو لا قضاء اللّه ما ظفرت به *** كف البغاث ضحى بصقر يظفر

ذا ما سألت وذي حرائره بها الأ *** نضاء تنجد في القفار وتغور

فغدوت أهتف هتف ورق ثاكل *** وجداً تردد نوحها وتكرر

أبتي أبي جل المصاب وآن أن *** أذري المدامع فاعذلوا أو فاعذروا

أيبيت مولاي الحسين بكربلا *** صاد ودمعي بالمحاجر يحجر

لو كان من يرضى بدمعي منهلا *** ها من عيوني أعين تتفجر

لكنها سالت نجيعا قانياً *** والماء ينهل حين لا يتغير

عجباً له يرد المنية ظامياً *** وله الشفاعة في غد والكوثر

عجباً لسيف الحق ينبو حده *** بغياً وكسر الدين فيه يجبر

عجباً لآل محمد بيد العدى *** تسبى وعين اللّه فيهم تنظر

عجباً لمن تحمى الثغور بثغره *** خد له للصاعرين يصعر

عجباً لبدر التم لم يخسف لفقد *** شقيقه وذكاء لا تتكور

عجباً لهذي الأرض لم لا زلزلت *** وكذا السماء عليه لا تتفطر

اللّه أكبر كيف يقطع كفه *** وبكل عضو منه عضب مشهر

صدر المعالي كيف غودر صدره *** تغدو عليه العاديات وتصدر

عقرت أما علمت لأي معظم *** وطأت فوا عجباه لم لا تعقر

وكريمه من فوق خرصان القنا *** كالبدر وهو من الثنا لا يفتر

يا يوم عاشوراء كم لك في الحشا *** نار متى أخمدتها تتسعر

لا حرها يطفى وليس مدى المدى *** تنسى فلا جاءت بمثلك أشهر

إني أقول ولست أول قائل *** قولا ثوابت صدقه لا تنكر

ص: 91

تاللّه ما قتل الحسين سوى الألى *** قدما على الهادي عتوا واستكبروا

هم أسسوا فبنت بنو حرب وقد *** هدموا الرشاد وللضلالة عمروا

سفهت حلومهم وظلوا والذي *** ضاعت بصيرة قلبه لا يبصر

فلسوف يجزون الذي قد قدموا *** بحياتهم يوم المعاد وأخروا

يوم به الأفواه تختم لم تفه *** واللسن تطوى والصحائف تنشر

فمتى أرى شمس الشريعة أشرقت *** وضياؤها بشعاب مكة يظهر

وأرى المنابر قد زهت أعوادها *** ومؤذن الدين الحنيف يكبر

واشاهد الرايات يخفق عدلها *** في الخافقين يحف فيها عسكر

والقائم المهدي قائده وفي *** الأحكام ينهى من يشاء ويأمر

ويمكن الصمصام من أعدائه *** والوحي يعلن بالنداء ويجهر

ظهر الامام اليوم ، أرض اللّه من *** أعدائه بشبا الحسام تطهر

ويعود دين محمد بمحمد *** يبدي التبهرج وهو غض مزهر

يا من بهم بطحاء مكة شرفت *** والمروتان وزمزم والمشعر

والركن والبيت المعظم والصفا *** ومنى وطيبة والنقتى ومحسر

يا من إذا ما عد فخر في الورى *** لذوي النهى فالفخر فيهم يفخر

كل الرزايا أن تعاظم خطبها *** لجليل رزئكم تذل وتصغر

رزء أشب بمهجتي نار الأسى *** برداً وسحب مدامعي تتوجر

لا الوجد باخ ولا المدامع أقلعت *** حزناً وجرح حشاشتي لا يسبر

يا سادتي جرعت من أعدائكم *** بولاكم صبراًً إلى كم أصبر

ما لي سوى اللعن المضاعف للأولى *** نقضوا الكتاب وحرفوه وغيروا

ص: 92

فمبدحكم والرجم في أعدائكم *** مهما أفوه فانني لمقصر

ان فاتني في الطف نصر مهند *** فبمذود عنكم أذود وأنصر

فخذوا من الجاني « محمد » مدحة *** تعنو لها ( عبس ) وتخضع ( حمير )

بدوية الألفاظ بكراً يممت *** لكم بأثواب الفصاحة تخطر

( حلية ) راقت ورق نظامها *** وزكت وفيكم طاب منها العنصر

فكأنها أخبار نجد في الورى *** تزداد حسنا كلما تتكرر

صلى الإله عليكم ما أسبغ الل- *** -يل البهيم ولاح صبح مسفر

ص: 93

الشيخ محمد بن الخلفة - المتوفى 1227 ه-

هو الشيخ محمد بن اسماعيل البغدادي الحلي الشهير بابن الخلفة. شاعر أديب وناثر مبدع (1).

ولد ببغداد وهاجر أبوه منها وهو طفل إلى الحلة وكان يحترف فن البناء وقد مهر فيه فتوطن بها وقد شب وليده في الفيحاء يقلد والده في صناعته ويتبعه في عمله غير أن مواهبه الأدبية أبت عليه إلا أن يكون في مصاف الخالدين والشعراء المطبوعين فكان وهو يساند والده اسماعيل ويساعده يتطلع إلى المليح من القول الرقيق من الشعر وبذلك نمت روحه الوثابة إلى كسب الأدب عن طريق الميل الفطري حتى إذا صار يفاجئ السامعين بنوادر له وملح كانت تلتقطها الآذان بشوق وقوة وذاع صيته الذي وصل إلى الأمراء والولاة ، أخذ يواصل نثره ونظمه باللغتين الفصيح والدارج فيبدع ويسحر ، وهو الى كل ذلك لم يحضر على أستاذ ولم يتعلم عند معلم سوى ما كان يتلقفه من النوادي والمجالس من سماع المحاضرات والمساجلات التي تدور في دار السيد سليمان الكبير وأولاده ولإبداعه وتقدمه في الإنتاج اتصل بأعلام كان منهم الشيخ أحمد النحوي وولده محمد الرضا والشيخ شريف بن فلاح فقد شاركهم في كثير من المناسبات وفاز وعرف من بينهم كعضو له قيمته ووزنه ، ورمقه الكثير من أدباء عصره

ص: 94


1- عن شعراء الحلة للخاقاني.

فكانوا يحترمون جانبه وينزلونه المكان السامي وكان لرعاية الوالي داود باشا أبلغ الأثر في إبداعه والإكثار من النظم والتنوع فيه. وعلى أثر ذلك قدم له روضته العامية في الموال التي استوفت حروف المعجم وقد خللها بمدحه وإكباره والذي جاء مطلعها :

الخمسة حواسي مع جيدي وآرائي *** أمسى يجلب لهن فكري وآرائي

أكبل بها شوك ودع الخلك وارائي *** إلك من حيث مثلك ما جدن مرءا

إي والجعل لي كلوب أو دادنه مرءا *** أحجيلك الصدك جم بجماك من مرءا

أمشيت عفه ما كولل زيغ وارائي

وكذلك واصل مدحه لداود باشا عن طريق اللغة الدارجة فقال فيه بعض القصيد من نوع الركباني ، وفي هذا الفن الذي اختص بعرب البادية كان ابن الخلفة مجيداً فيه وقد أثبت منه قسماً السيد الأمين في كتابه ( معادن الجواهر ) ج 3.

وابن الخلفة في شعره يبدو كشاعر ملهم تأثر ببيئته وامتزج بروح أبناء عصره لم يقرأ كتاباً ولم يطلع على قواعد العربية من نحو وصرف بل كان يستمد ذلك من ذوق خاص به. ذكره فريق من المترجمين منهم صاحب الحصون في ج 9 ص 335 فقال : كان اديباً شاعراً ، يعرب الكلام على السليقة ، ولم يحصل على العربية ليعرف المجاز من الحقيقة ، وكان يتحرف بالبناء على أنه ذو إعراب ، ويطارح الشعراء في غير كتاب ، وله شعر في الأئمة الأطهار وفي مدح العلماء

ص: 95

والأشراف ، وكانت له اليد الطولى في فن البند ، توفي في أول الطاعون الكبير عام 1247 ه- في الحلة ونقل إلى النجف فدفن فيها ، ومن شعره الذي يصف فيه ارتكاب ( السكولات ) للفظائع التي أوقعوها في الحلة على عهد حاكمها محمود أغا السفاك سنة 1211 ه.

عليك أبا السبطين لا يمكن العتب *** إلى ومتى ذا الجور يحمله القلب

أفي كل يوم في ربي الهم والعنا *** يروح بنا ركب ويغدو بنا ركب

وأظلمت الفيحاء من بعد بهجة *** وكدر من آفاقها الشرق والغرب

بلينا ضحى في عامل فيراعه *** له عامل لا القعضبية والقضب

وذكره السماوي في الطليعة فقال : كان أديباً وشاعراً يعرب الكلام على السليقة ، ويتجنب مجاز النحو فيصيب الحقيقة ، وكان يتحرف بالبناء على أنه ذو إعراب ، وله شعر كثير في الأئمة الأنجاب.

والحق أن ابن الخلفة كان من بارزي الأدباء في عصره وقد تمشى في العمر طويلاً وعاصر طبقات منهم ولعله في غنى عن الإطراء بعد أن ذكره شيخ شعراء عصره السيد مهدي السيد داود في مقامته التي بعث بها إلى الشاعر السيد راضي القزويني البغدادي والتي ستأتي مثبتة في ترجمته فقد عبر عنها بقوله : فابتدرهم من شعراء الحلة الفيحاء ذو الشرف والعفة ( محمد بن اسماعيل الخلفة ) والأبيات مثبته في النماذج. وقد أثبت هذه المقامة السيد مهدي في كتابه ( مصباح الأدب

ص: 96

الزاهر ) ونقلها عنه ابن أخيه السيد حيدر فدونها في ج 1 ص 107 في ( العقد المفصل ).

نموذج من بنوده :

ذكرت غير مرة نموذجاً من البنود ، كما ذكرت أن هذا الفن له استقلاله وتأريخه ، وقد اعتنقه فريق من الأدباء ونظموا فيه وقد أجاد الكثير منهم ولكن أظهر من ظهر من أعلامه هو شاعرنا ابن الخلفة الحلي فقد نظم مجموعة من البنود ومع الأسف لم يصلنا منها سوى هذا البند غير أن بعض إخواني أخبرني عن وجود بند له قاله في تعظيم اللّه تعالى فأرجو منه أن يوقفنا عليه ، وإليك البند والمشهور الذي تذوقه أرباب الفن أكثر من غيره قوله يمدح الإمامين الجوادين موسى الكاظم ومحمد الجواد (عليه السلام) : ألا يا أيها اللائم في الحب ، دع اللوم عن الصب ، فلو كنت ترى الحاجبي الزج ، فويق الأعين الدعج ، أو الخد الشقيقي ، أو الريق الرحيقي ، أو القد الرشيقي ، الذي قد شابه الغصن اعتدالاً وانعطافاً ، مذ غدا يورق لي آس عذار أخضر دب عليه عقرب الصدع وثغر أشنب قد نظمت فيه لئال لثناياهن في سلك دمقس أحمر جل عن الصبغ وعرنين حكى عقد جمان يقق قدره القادر حقاً ببنان الخود ما زاد على العقد ، وجيد فضح الجؤذر مذروعه القانص فانصاع دوين الورد ، يزجي حذر السهم طلا عن متنه في غاية البعد ، ولو تلمس من شوقك ذاك العضد المبرم ، وللساعد والمعصم ، والكف الذي قد شاكلت أنمله أقلام ياقوت ، فكم أصبح ذو اللب من الحب بها حيران مبهوت ، ولو شاهدت في لبته يا سعد مرآة الأعاجيب ، عليها ركبا حقان من عاج هما قد حشيا من رائق الطيب ، أو الكشح الذي أصبح مهضوماً نحيلاً مذ غدا يحمل رضوى كفلا بات من الرص ، كموار من الدعص ومرتجي ردفين ، عليها ركبا من ناصع البلور ساقين ، وكعبين أديمين ، صيغ فيهن من الفضة أقدام لما لمت محباً في ربي البيد من

ص: 97

الوجد بها هام ، أهل تعلم أم لا أنت للحب لذاذات ، وقد يعذر لا يعذل من فيه غراماً وجوى مات ، فذا مذهب أرباب الكمالات ، فدع عنك من اللوم زخاريف المقالات ، فكم قد هذب الحب بليداً فغدا في مسلك الآداب والفضل رشيداً

صه : فما بالك أصبحت غليظ الطبع لا تعرف شوقاً ، لا ولا تظهر توقا ، لا ولا شمت بلحظيك سنا البرق اللموعي إذا أومض من جانب أطلال خليط منك قد بان ، وقد عرس في سفح ربى البان ، ولا استنشقت من صوب حماة نفحة الريح ، ولا هاجك يوم للقاه من جوى وجد وتبريح. لك العذر على انك لم تحظ من الخل بلثم وعناق ، وبضم التصاق ، لم تكن مثلي قضيت ليال سمح الدهر بها مذبات سكرى قرقف الريق بتحقيق ، فما هو ابريق ، ومشمومى ورداً لاح في وجنة خد فاح لي عرف شذاه ، وإذا ما جن ليل الشعر من طرته أوضح من غرته صبح سناه ، لو ترانا كل من يبدي لدى صاحبه العتب ، ويبدي فرط وجد مؤلم أضمره القلب سحيراً ، والتقى قمصنا ثوب عفاف قط ما دنس بالإثم سوى اللثم لأصبحت من الغيرة في الحيرة ، حتى جئتني من خجل تبدي اعتذارا ، ولا علنت بذكر الشادن الأهيف سراً وجهاراً ، مثل أعلاني بمدحي للامامين الهمامين التقيين النقيين ، الوفيين الصفيين ، من اختارهما اللّه على الخلق ، وسنا منهج الحق ومن شأنهما الصدق بل الرفق ، هما السر الحقيقي ، هما المعنى الدقيقي هما شمس فخار خلقا في ذروة المجد هما عيبة علم ما له حد ، فاسماؤهما قد كتبا في جبهة العرش بلا ريب ، هما قد طهرا بالذكر من رجس ومن عيب ، هما قد أودعا سراً من الغيب ، هما قد أحرزا يوم رهان وسط مضمار المعالي قصب السبق حكى جودهما الودق ، إذا حاد على الروضة تحدوه النعامى ، رفع اللّه على هام الثريا لهما قدراً وفخراً ومقاماً ، ليت شعري هل يضاهي فضل موسى كاظم الغيظ ، بعلم أو بحلم أو بجود أو بمجد ونداه قد حكى البحر طمى في لجة الغيض ، هو العالم والحاكم والفاصل والفاضل والقائم والقاعد والراكع والساجد والضارع خداً خشية اللّه ، فمن أوضح للدين الحنيفي لدى العالم إلاه ، يرى البشر لدى الحشر ، إمام طافت الأملاك في

ص: 98

مرقده إذ هو كالحج ، وللتقوى هو النهج ، وللجدوى هو الموج ، في طلعته البدر إذا تم ، ومن راحته اليم ، كذا المولى الجواد البطل الليث الكمي اللوذعي الزاهد الشخص السماوي ومشكاة سنا النور الإلهي ، عماد الدين موفي الدين وهاب الجياد القب والجرد لدى الوفد ، ببذل زائد الحد ، فتى جل عن الند شذاه ، وعلى البدر سناه ، فهما عقد ولائي ومنائي وغنائي وسنائي. بهما يكشف كربي ، وبدنياي هما عزى وفخري بل وذخري حين لا يقبل عذري بهما صدق اعتقادي بودادي ، إذ في غد أعطى مرادي حين أسقى من رحيق السلسل السائغ كأساً من يدي جدهما الطهر ، ومن كف الذي يدعى له بالأخ وابن العم ، والصاحب والصهر ، لمدحي لهما قد أصبح المسك ختاماً ، وبحبي لهما أرجو لي القدح المعلى وأنل فيه من الغبطة قصداً ومراماً ، حاشا لله غداً أن يرضيا لي لولائي لهما غير جنان الخلد داراً ومقاما.

وقال يمدح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام :

امرنة سجعت على الأغصان *** فترنحت مرحا غصون البان

في روضة غناء في أفنانها *** غنى الهزار بأطرب الألحان

روض كسته الغاديات مطارفا *** من أبيض يقق وأحمر قان

زهر كوشي الغانيات على الربى *** متبهرجا بغرائب الألوان

أما الأقاح فباسم عن ثغره *** مستهزئ بالآس والريحان

وكذلك الورد الجني بدا لنا *** فوق الغصون كأنجم السرطان

وبدا لنا النسرين يحكي في الدجى *** النسرين غب كواكب الميزان

ويبيت نرجسه لمنهل الحيا *** يرنو بفاتر طرفه الوسنان

والماء سل حسامه متعمداً *** قد شق قلب شقائق النعمان

والجلنار كأنه جمر بدا *** ليلا يلوح على ذرى الأغصان

فيه الظبا ترد الأسود لحاظها *** والفتك فتك صوارم الأجفان

ص: 99

هب الصبا سحراً فأذكرني الصبا *** عصراً به كان الزمان زماني

مع جيرة بالمأزمين ترحلوا *** وهم بقلبي في أجل مكان

جردت سيف الصبر كي أفني الهوى *** فنبا فعدت به قطعت بناني

ويلاه مالي والغرام لو انه *** شخص قطفت فؤاده بسناني

لكنه نار تؤجج في الحشا *** فيجود دمع العين بالهملان

يا سائق الركب الطلاح عشية *** والشوق مني آخذ بعناني

قف بي رعاك اللّه قبل ترحل *** الا نضاء كي أشفي فؤاد العاني

قف بي رويداً كي أبث العتب مع *** عتب فحمل صبابتي أعياني

يا عتب هل من عودة يحيا بها *** قلبي وهل بعد البعاد تداني

وتعود من سفح العقيق إلى منى *** تختال بين مرابع الغزلان

كم لا مني يا عتب لاح في الهوى *** لا كان لاح في هواك لحاني

يا عاذلي في حب ساكنة الحمى *** هيهات ما قطع المودة شاني

إن كان جاد علي سلطان الهوى *** وبأسهم البين المشت رماني

مالي سوى أني أزج مطية *** الشكوى وأبدي ما أجن جناني

للمرتضى الكرار صنو محمد *** المختار مما نابني ودهاني

فهو المعد لكل خطب فادح *** وهو الرجا لمخافتي وأماني

مولى له ردت ذكاء بطيبة *** وببابل أيضاً رجوع ثان

مولى رقى كتف النبي مشمراً *** لتكسر الأصنام والأوثان

مولى كسا الأبطال قاني حلة *** منسوجة بعواطل الاشطان

ص: 100

مولى يتوق إلى الوعيظ وغيره *** لسماع غانية وضرب قيان

قرن الإله ولاءه بنبوة *** الهادي النبي المصطفى العدناني

هو خير خلق اللّه بعد نبيه *** من ذا يقارب فضله ويداني

يكفيه مدح اللّه جاء منزلاً *** ومفصلاً في محكم القرآن

سل سورة ( الأحزاب ) لما فرق *** الأحزاب حين تراءت الجمعان

ولعمرها لما علي قده *** بمهند صافي الحديد يماني

جبريل أعلن في السماوات العلى *** طوعا لأمر مكون الأكوان

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى *** إلا علي فارس الفرسان

لو صاح في الأفلاك وهي دوائر *** يوماً لعطلها عن الدوران

في الحرب بسام وفي محرابه *** يبكي رجاً من خشية الرحمن

يا منكراً فضل الوصي جهالة *** سل « هل أتى حين على الإنسان »

فيها هو الممدوح والمعني بلا *** شك وذا قد نص في القرآن

وبمكة « إنا فتحنا » أنزلت *** بمديحه في أوضح التبيان

سل عنه في « صفين » ما فعلت *** يد الكرار حين تلاقت الفئتان

و ( النهروان ) وقد تخلق ماؤه *** بنجيع كل معاند خوان

يرجى ويحذر في القراع وفي القرى *** في يوم مسغبة ويوم طعان

إن أقلع الورق الملث فكفه *** هطل كصوب العارض الهتان

أمخاطب الآساد في غاباتها *** ومكلم الاموات في الأكفان

لو كان رب للبرية ثانيا *** غاليت فيك وقلت رب ثاني

أعلي يا طود المفاخر والعلى *** يا من بحبك ذو الجلال حباني

ص: 101

إني بمدحك مغرم ومتيم *** ما دمت في سري وفي إعلاني

وبمدح عترتك الكرام وآلك *** الغر العظام غداً رجوت أماني

هم فلك نوح فاز راكبها ومن *** عنها تخلف خاض في الميزان

إني بحبل ولائهم متمسك *** حسبي به عن غيره وكفاني

صدق اعتقادي سوف أبديه ولم *** أحفل بكل مكذب شيطان

إن النجاة بأحمد وبحيدر *** وابنيه ثم بواحد وثمان

وبفاطم الزهراء بضعة أحمد *** المختار صفوة ربنا الديان

فبهم إله العرش يغفر زلتي *** وبهم يتوب اللّه عن عصياني

خذها أميرالمؤمنين قلائداً *** نظمت وفيها من علاك معاني

منظومة في سلك فكر « محمد » *** تزري بنظم الدر والمرجان

إن صادفت حسن القبول فحبذا *** فهو المراد وكل شيء فاني

لا زلت أحكم في مديحك سيدي *** إحكام منظمي وسحر بياني

حاشا يحيط بجود مجدك مادح *** لكن على قدري أباح لساني

وعليكم صلى المهيمن ما شدت *** ورق وما سجعت على الأغصان

وقال في اعتداء الوهابيين على حرم الحسين (عليه السلام) سنة 1216. (1)

أبيت وطرفي ساهر ليس يهجع *** وقلبي لفرط الوجد مضنى وموجع

وجذوة حزني لا يبوخ ضرامها *** وعارض دمعي يستهل ويدمع

إذا ما خبث تاللّه في فلذة الحشا *** يهيج لها ريح من الهم زعزع

فيا قاتل اللّه الليالي فكم لها *** خطوب تنوب الخلق والجو أسفع

ص: 102


1- عن شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 192.

دهتنا ولم نعلم بأعظم فادح *** يكاد له صم للصفا يتصدع

رمتنا بقوس الغدر سهم رزية *** سقى نصله سم من الحتف منقع

غداة بنو صخر بن حرب تألبوا *** على قتل سبط المصطفى وتجمعوا

وقد حللوا في عشر شهر محرم *** دماه وعهد اللّه خانوا وضيعو

له يممت زحفاً بوادر خيلها *** كتيار بحر موجه يتدفع

فجادلها والنقع جون سحائب *** وفيه بروق للصوارم لمع

إذا زمجرت للشوس فيه زماجر *** تصوب سهاماً ودقها ليس يقلع

فجدل منها كل أرعن حازم *** ببيض المواضي والقنا الخط شرع

إلى أن دنا الحتف الذي قط ماله *** عن الخلق في الدنيا إياب ومرجع

رموه على الرمضاء عار وفي غد *** بسندس جنات النعيم يلفع

فيا كربلا كم فيك كر من البلا *** فما أنت إلا للحوادث مهيع

وما أنت إلا بقعة جاد رسمها *** غمائم غم بالنوائب تهمع

فكم في رباك روعت لابن فاطم *** حصان وبالصمصام جدل أورع

وأطفالها من قبل حين فصالها *** عراها فطام وهي في الحين رضع

وكم فيك أكباد تلظت من الظما *** وكأس المنايا من حشا السيف تكرع

لربعك قدماً قد قذفنا بفادح *** له زج خطب من ذوي الضعن أشنع

وفي منتهى ألف وميتين حجة *** وسبع تليها خمسة ثم أربع

بك الدهر أيم اللّه جدد وقعه *** أجل من الأولى وأدهى وأفظع

أئن قتلت في تلك سبعون نسمة *** فستة آلاف بذي الموت جرعوا

وأضحت أضاحي شهرذي الحج في منى *** لها اليوم في واديك مغنى ومربع

ص: 103

وهل جاز نحر البهم من آل هاشم *** لأهل الردى والبهم في البيد رتع

فسحقاً لهذا الدين بل ريب أهله *** وتعساً لمن سنوا الضلال وأبدعوا

مسيلمة أوصى ابن سعد لنحسه *** بإمضائه إذ سره فيه مودع

غشى_ نينوى_ والصبح جرد صارماً *** بغربيه زنجي الظلام يجدع

بعيس كأمثال النعام إذا سرت *** حثيثاً لحصباء البسيطة تقلع

تقل على الأكوار شعثاً كأنهم *** جنادب نجد في المشارع وقع

ينادون بالإعلان يا أهل كربلا *** أتيناكم عودوا عن الشرك وارجعوا

فكم في نداهم سب لله حرمة *** وكم في مداهم جز للآل منزع

فطلوا دماء واستحلوا حرائراً *** وغودر مال اللّه فيهم يوزع

فذي ثاكل خمصاء بطن من الطوى *** ومن شلو هاتيك الجوارح شبع

وتلك لفرط الحزن تذري مدامعاً *** وصيبها في واسع القفر ضيع

وقد شتتوا في الأرض شرقاً ومغرباً *** فرادى ولم يجمع لهم قط مجمع

وأخرى تنادي لم يجبها سوى الصدى *** كما رن فوق الأيك ورق مرجع

وكم كاعب بالكف تستر أبلجاً *** أبا اللّه في غير الحيا لا يقنع

وفي حضرة القدس التي جل قدرها *** بها الملأ الأعلى سجود وركع

تذبح خدام لها في عراصها *** ويأمن فيها الخائف المتروع

أسف ولم أأسف على من تقوضت *** بهم يعملات البين تخدي وتسرع

لئن حرموا الدنيا بأخراهم حظوا *** وبالحور والولدان في الخلد متعوا

ص: 104

ولكن شجى الأحشاء هدر دمائهم *** ولامستثير دابر القوم يقطع

سوى فرقة مثلي على الضيم سنها *** بأنملها من لا عج الوجد تقرع

وأسيافها تشكوا الصدى وعتاقها *** سوابق إلا أنها اليوم ضلع

فيا غيرة اللّه استفزي بما لقت *** ثمود من التدمير منك وتبع

أتهدم للنور الإلهي قبة *** على الفلك الدوار تسمو وترفع

ويقلع باب اللّه عن مستقره *** وعن كل داع لا يرد ويردع

وتهتك حجب اللّه عن أوجه التقى *** عتاة بغير الشرك لا تتبرقع

وتنهب من بغي خزائن من له *** من العبد خزان النعيمة أطوع

وتطفى قناديل كشهب منيرة *** تطوف قناديل بها وهي خضع

ويحطم شباك النبوة بالظبا *** جذاذاً وصندوق الامامة يقلع

كساه إله العرش أنوار قدسه *** عجيب يماط السر عنه وينزع

ويحمل سيف اللّه عاتق مارق *** ومن طبع ذاك السيف للشرك يطبع

ويؤخذ أعلام لاعلام دينه *** ضحى ولها النصر الإلهي يتبع

وينبش قبراً لو تكون السما ثرى *** لحط له في قنة العرش موضع

أيا بن الذي أنوار شرعته بدت *** ولاح لنا لألاؤها يتشعشع

أيفعل ذا الباغي ولا منك دعوة *** أبى اللّه عنها ما لها الحجب تمنع

تبيد بها نجد ولم حلقت بها *** قوادم فتخاء إلى الجو تقلع

لناديك من صنعاء أمت ركابها *** وفيه ترى ما يستباح ويصنع

وتوسعها حلماً وأنت ابن ضيغم *** بغيطانها من سيفه الجن تفزع

أتعجز لا واللّه تطبق السما *** عليهم فركن الشم بالغي ضعضعوا

وشقوا عصى الإسلام بالبيض والقنا *** وبالسب والتثليب والقذف شنعوا

ص: 105

إلى م وهذا الصبر ان كنت صابراً *** فلسنا بهذ الضيم ترضى وتقنع

بنا شمت الأعدا وقالوا إمامكم *** كما قد علمنا لا يضر وينفع

فماذا جواب الكاشحين أبن لنا *** لنبسط عذراً أن يصيخوا ويسمعوا

فإن قلت عفواً فليكن عفو قدرة *** وإن قلت حلماً فهو من ذاك أوسع

أمولاي صفحاً فهت من نار حرقتي *** بما فهته إذ أنت للمصفح منبع

خدعتك في ذا العتب كي تهلك العدى *** بما فعلوا والندب بالعتب يخدع

متى يا إمام العصر تقدم ثائراً *** تقوم بأمر اللّه بالحق تصدع

وتردي بمسنون الفرار عصائباً *** مدى الدهر قد سنوا الضلال وأبدعوا

وتنظر أشياعاً عفاة جسومها *** لفرط الأسى والقلب منها مشيع

فصلها وعجل حيث لم تر راحماً *** وأرحامها بالمشرفية قطعوا

وفي كربلا عرج يريك مؤرخاً *** الوفك يا لله بالترب صرعوا

عليك عزيز أن ترى ما أصابهم *** ولكنما حكم القضا ليس يدفع

أيا ابن رسول اللّه وابن وصيه *** إليك بجرمي في القيامة أفزع

فرد عبدك ( الحلي ) مولاي شربة *** لأن لكم في الحشر حوض مدعدع

( محمد ) لا تحرمه من شفاعة *** سواك فمن ذا للبرية يشفع

فخذها الفرط الحز خنساء ثا كلا *** إذا انشدت يوماً بها الصخر يصدع

عليك سلام ما مغناك لعلعت *** حداة ركاب ما زرود ولعلع

ص: 106

وله يرثي أبا الفضل العباس بن علي (عليه السلام) ويؤرخ عام نظمها وذلك في الخامس من المحرم 1215 ه- قوله : (1)

احبس ركابك لي فهذا الأبرق *** إني لغير رباه لا أتشوق

لي فيه سحب مدامع مرفضة *** وبروق نار صبابة تتألق

شوقاً لما قضيت بين ظبائه *** عصراً به غصن الشبيبة مورق

يا سعد دع لومي فأيام الصبا *** بيض بها لذوي المحبة رونق

أيام لاغطني بمنعرج اللوى *** حرج ولا عيشي لعمرك ضيق

ولت فبت أعض أنمل راحتي *** وكصفقه المغبون وجداً أصفق

وهتفت هتف مرنة رأد الضحى *** أسفاً وجيدي بالهموم مطوق

وحشاشتي كمداً تقيد مثلما *** حزنا على ( العباس ) دمعي مطلق

الفارس البطل الذي يردي العدى *** من كفه ماضي الغرار مذلق

فهو الذي بالمكرمات متوج *** فخراً وبالمجد الأثيل ممنطق

صمصام حق ليس ينبو حده *** وجواد سبق في الندى لا يلحق

لم أنس من خذل الأنام شقيقه *** مذ شاهدوا ريب المنون وحققوا

في نفسه واسى الحسين فيالها *** نفس على مرضاة رب تنفق

لما رأى في الغاضرية نسله *** يبس الثغور من الظما لا تنطق

فاعتد شوقاً للمنايا وامتطى *** طرفاً لأرياح العواصف يسبق

ومضى لشاطي العلقمي بقربة *** كيما لها عذباً فراتاً يغبق

ص: 107


1- عن شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 196.

لما رأته علوج حرب مقبلا *** لا طائشاً عقلا ولا هو مرهق

زحفت عليه كتائب ومواكب *** كعباب بحر خيلها تتدفق

ملتفة الأطراف إلا شوسها *** بظباه أي ممزق قد مزقوا

فكأن أسهمها له قد سددت *** ورق الجنادب بالمشارع حدق

فسطا عليها ثم صاح فكادت *** الأملاك من تلك الزماجر تصعق

شكت عوامله صدور صدورها *** ورؤوسها بشبا الحسام تحلق

هذا عليه الزاغبية اخلفت *** ضرباً وهذا بالنجيع مخلق

فاغتاله علج بحاسمة برت *** منه اليمين وطار منها المرفق

فانصاع يحمل شنه بشماله *** حذراً وخوفاً ماؤه لا يهرق

فبرى لها بري اليراع كأختها *** في غرب منصلة وعدو مخنق

فغدا يكابد بالثنايا حمله *** وله العدى بشبا الضغائن خرقوا

وأصاب مفرق رأسه *** بعموده الشامي نسل العاهرات الأزرق

فهوى كبدر في المحاق ولم أخل *** أن البدور بليل نقع تمحق

وغدا ينادي للحسين برنة *** ثبت الجنان يكاد منها يقلق

فأتى لمصرعه كرجع الطرف لا *** يثنيه جيش للطغاة وفيلق

فرآه ملقى فوق بوغاء الثرى *** وعليه غربان المنية تنعق

فبكى وناجاه بأعظم حسرة *** صبراً أخي فإنني بك ملحق

لله در من وفي ناصح *** بالذب والأقوال عني تصدق

جاهدت دوني المارقين بعزمة *** من وقعها صم الصلاد يفلق

أردوك ظام لأسقوا قطر الندى *** في النشأتين ولا سحاب مغدق

اللّه أكبر من رزايا عمت *** الدنيا فزلزل غربها والمشرق

ص: 108

اللّه اكبر يا له خطب له *** ليس الجيوب بل القلوب تشقق

واكسرة في الدين ليس يقيمها *** جبر وفتق في الهدى لا يرتق

أتجذ قبل القتل ايمان الندى *** منا وفينا كل جيد يعتق

وتسد في الدنيا مذاهبنا *** وأبواب السما بوجوهنا لا تغلق

وتبيت أبنائي فلا يحنو لها *** من مشفق هيهات قل المشفق

أكبادهم حرى وآل أمية *** ريانة ولها المدام يروق

ويزيد ترفع للسماك قبابه *** فخراً وفسطاط النبوة يحرق

لفوا جميعاً حيث ما ثبتت لهم *** فينا عهود للنبي وموثق

قد صاحبوا الدنيا الدنية حسين *** للأخرى ثلاثاً بالغواية طلقوا

لا إن يقتلوا ابن أبي وأقتل بعده *** وبأسرتي أسرى تسير الأنيق

فلسوف يدرك نارنا المهدي من *** ولدي وداعي الحتف فيهم يزعق

ويبيدهم بحسامه ولو انهم *** للجو مع عنقاء غرب حلقوا

يا ابن السوابق والسوابغ والظبا *** اللائي لنصر الدين حقاً تمشق

خذها أبا الفضل العميم خريدة *** لسوى مديحك والثنا لا تعشق

حسناً خدلجة كعوب غادة *** بكر تشنف بالولا وتقرطق

( حلية ) الأعراق إلا أنها *** بخلال زوراء العراق تمنطق

يرجو بها الجاني ( محمد ) منك *** عرف الفوز في جنات عدن تنشق

صلى عليك اللّه ما أن ازخوا *** ( نجم أنير ولاح بدر يشرق )

قوله يرثي الإمام الحسين (عليه السلام) :

عج بي برسم الدار من عرصاتها *** ودع الجفون تجود في عبراتها

دار بشرقي الأثيل عهدتها *** لا البان أين البان من أثلاتها

ص: 109

دار بها أودى بقلبي لوعة *** تترقص الأحشاء من زفراتها

واحبس بمعهدها الركائب علما *** نروي بعهد الدمع رمث نباتها

واسأل لعمرو أبي معالمها متى *** ظعن الأحبة بان عن باناتها

يا صاح وقفة مغزل مذعورة *** أو كارتداد الطرف في هضباتها

كيما أروح خاطري بشعابها *** وفؤادي الملتاع في قلعاتها

أنى ومنعطف الحني على المطى *** فهي الخدور تضيء في رباتها

ما إن ذكرت معالماً إلا وقد *** كادت تذوب النفس من حسراتها

لتذكري داراً بعرصة كربلا *** درست معالمها لفقد ماتها

دارت رحاة الحرب فيها فاغتدت *** آل النبي تدور في لهواتها

جاءت تؤمل ارثها لكنها *** تتقاعس الآمال عن غاياتها

فتكت به من آل حرب عصبة *** غدرت وكان الغدر من حالاتها

هزت قناة محمد ظلماً وقد *** طعنت بنيه الغر في لباتها

قد عاهدت فيه النبي وما وفت *** فلبئسما ذخرت ليوم وفاتها

سيما ابن منجبة سليل محمد *** أبدت به المخفي من ضغناتها

بعثت بزور الكتب سر واقدم إلى *** نحو العراق بمكرها ودهاتها

هذي الخلافة لا ولي لها ولا *** كفؤ وإنك من خيار كفاتها

فأتى يزج اليعملات بمعشر *** كالأسد والأشطان من غاياتها

وحصان ذيل كالأهلة أوجهاً *** بسنائها وبهائها وصفاتها

ما زال يخترق الفلا حتى أتى *** أرض الطفوف وحل في عرصاتها

وإذا به وقف الجواد فقال يا *** قوم أخبروني عن صدوق رواتها

ما الأرض؟ قالوا : ذي معالم كربلا *** ما بال طرفك حاد عن طرقاتها

ص: 110

قال انزلوا : فالحكم في أجداثنا *** أن لا تشق سوى على جنباتها

حط الرحال وقام يصلح عضبه *** الماضي لقطع البيض في قماتها

بينا بجيل الطرف إذ دارت به *** زمر يلوح الغدر من راياتها

ما خلت أن بدور تم بالعرا *** تمسي بنو الزرقاء من هالاتها

قال الحسين : لصحبه مذ قوضت *** أنوار شمس الكون عن ربواتها

قوموا بحفظ اللّه سيروا واغنموا *** ليلاً نجاة النفس قبل فواتها

فالقوم لم يبغوا سواي فأسرعوا *** ما دامت الأعداء في غفلاتها

قالوا عهدنا اللّه حاشا نتبع *** أمارة بالسوء في شهواتها

نمضي وأنت تبيت ما بين العدى *** فرداً وتطلب أنفس لنجاتها

تبغي حراكاً عنك وهي عليمة *** أبداً عذاب النفس من حركاتها

ما العذر عند محمد وعلي *** والزهراء في أبنائها وبناتها

لا بد أن نرد العدى بصوارم *** بيض يدب الموت في شفراتها

ونذود عن آل النبي وهكذا *** شأن العبيد تذود عن ساداتها

فتبادرت للحرب والتقت العدى *** كالأسد في وثباتها وثباتها

جعلت صقيلات الترائب جنة *** كيما تنال الفوز في جناتها

كم حلقت بالسيف صدر كتيبة *** وشفت عليل الصدر في طعناتها

فتواتر النقط المضاعف خلته *** حلق الدلاص به على صفحاتها

فتساقطت صرعى ببوغاء الثرى *** كالشهب قد أفلت برحب فلاتها

ما خلت سرب قطا بقفر بلقع *** إن التراث تكون من لقطاتها

رحلت إلى جنات عدن زخرفت *** سكنت جوار اللّه في غرفاتها

وبقى الامام فريد يهتف في بني *** حرب وقد خفتت ذرى أصواتها

ويل لكم هل تعرفوني من أنا *** هل تنكر الأقمار عند وفاتها

ص: 111

انا نجل مكة والمشاعر والصفا *** وبمن منى والخيف من عرفاتها

أنا نجل من فيه البراق سرى إلى *** رب الطباق السبع وابن سراتها

قالوا بلى أنت أبن هادي الخلق *** للنجل القويم وأنت نجل هداتها

لكن أبوك قضى على أشياخنا *** واليوم نطلب منك في ثاراتها

وأتته أسهمها كما رسل القضا *** بغيا فيا شلت أكف رماتها

أصمت فؤاد الدين ثم واطفأت *** أنوار علم اللّه في مشكاتها

فسطا عليهم سطوة علوية *** تتزلزل الأطواد من عزماتها

أبكى بعادلة سوابغها دما *** مذ أضحك الصمصام من هاماتها

فكأن صارمه خطيب مصقع *** وسنام منبره ذرى قاماتها

وكأنما سم الوشيج بكفه *** أيم النقى والحتف في نفثاتها

كم فيلق أضحى مخافة بأسه *** كالشاة مذ فجعت بفقد رعاتها

والخيل تعثر بالشكيم عوارايا *** ممن تثير النقع في صهواتها

فكأنه يوم الطفوف أبوه في *** ليل الهرير يبيد جمع عداتها

ما زال يقتحم العجاج ويصطلي *** نار الوغى ويخوض في غمراتها

حتى أتاه الصك أن أنجز بوعدك *** حيث نفسك حان حين مماتها

فهناك أحلم غب مقدرة فأردوه *** على ظمأ بشط فراتها

تاللّه ما قضت العدى منه منى *** لولا القضا لقضت دوين مناتها

فهوى فضعضعت السماوات العلى *** وتعطل الأفلاك عن حركاتها

وهمت لمصرعه دماً والعالم العلوي *** أبدى النوح في طبقاتها

والجن في غيطانها رنت أسى *** وبكت عليه الطير في وكناتها

وعدا الجواد إلى معرس نسوة *** نادى منادي جمعها بشتاتها

ص: 112

فخرجن من خلل الستور صوارخا *** كل تسح الدمع في وجناتها

فرأينه قاني الوريد وجسمه *** عار ومنه الرأس فوق قناتها

وقبابها تعدو النهيب قبابها *** اللّه كيف تقال من عثراتها

وسروابهن على المطي وقد علا *** لتواتر المسرى رنين حداتها

يا للحمية من ذوابة هاشم *** بل ياليوث اللّه في غاباتها

أتطل ما بين الطلول لكم دما *** أموية والجبن من عاداتها

آل النبي تئن في أصفادها *** كمداً ومال اللّه من صفداتها

قد أنزلتها عن مراتب جدها *** ورقت طرائدها على مرقاتها

محرابها ينعى لفقد صلاتها *** ووفودها تبكي لفقد صلاتها

حملت بأطراف الأسنة والقنا *** من تعجب الأملاك من حملاتها

وبنات فاطمة البتولة حسراً *** وبنات رملة في ذرى حجراتها

قد ألبست نقط الحجاز جسومها *** وغرائب التيجان في جبهاتها

والعود يضرب في أكف قيانها *** وتقهقه الراووق في كاساتها

لعنت على مر الدهور لأنها *** باعت هداية رشدها بعماتها

فالى م يابن العسكري فطالت *** الأيام وانفصمت عرى أوقاتها

فانهض لها مولاي نهضة ثائر *** واشف غليل النفس من كرباتها

واقدم بشيعتك الكرام ومكن *** العضب المهند من رقاب بغاتها

يا سادة جلت مزايا فضلهم *** إن تدرك الأوهام كنه صفاتها

لي فيكم مدحاً أرق من الصبا *** تهدي عبير الفوز من نفحاتها

فتقبلوا حسناء ترفل بالثنا *** ( حسان ) مفتقراً إلى فقراتها

( حلية ) حكت النضار نضارة *** وحلت وقد فاقت على أخواتها

ص: 113

يرجو بها الجاني ( محمد ) سادتي *** منكم نجاة النفس غب وفاتها

إن قدم الأقوام براً وافراً *** نفسي ولاكم قدمت لحياتها

صلى الإله عليكم ما أرخوا *** ( حفت حمام الأيك في وكناتها )

وله يرثي الإمام الحسين (عليه السلام) قوله :

ناهيك من ركب تقوض منهم *** وحدا به الحادي دجى بترنم

أبدى الرنين فجاوبته حمامة *** تنعى على طلل ودارس معلم

هتفت مرجعة لفقد قرينها *** فاهتز في الأكوار كل متيم

ذكر المعاهد بين منعرج اللوى *** سحراً وسالت عهدها المتقدم

فهمت لواحظه عهاد مدامع *** مهراقة تحكي عصارة عندم

ناديته والوجد ملء فؤاده *** وعن المحبة والهوى لم يسلم

مه صاحب الشوق المبرح ليس ذا *** شأن المحب ولا سجية مغرم

لا تسكب الدمع الهتون ولا تبح *** بالسر إن بان إلا حبة واكتم

واحبس ولا تدع المطايا في السرى *** تخدي عقيب الظاعنين فترتمي

باتت كمنعطف الحني لطول ما *** بخفافها تطوى الوهاد ومنسم

خفض عليك فلست تلقى بعض ما *** ألقاه من برح وطول تتيم

قد كنت قبلك يا هذيم إذا دعا *** داعي المحبة للصبابة أنتمي

حتى رميت بفادح فأساءني *** عض البنان وصفقة المتندم

فلذا لما لاقيت من فرط الأسى *** والوجد والبلوى ووشك تألم

ص: 114

لم يشجني ذكر العذيب وبارق *** وغزيتين وسفح أم الغيلم

هل كيف تطربني ربوع قد مضى *** عنها الخليط ولي لعمرك فاعلم

كل المنازل من همومي كربلا *** وجميع أيامي كيوم محرم

يوم به كسفت ذكاء فأصبح *** الثقلان في ليل بهيم مظلم

يوم به قمر الدجنة غاله *** خسف عقيب نقيصة لم تتمم

يوم به حبس السحاب عن الحيا *** ومن السماء نجيع دمع قد همي

يوم به الأملاك عن حركاتها *** قد عطلت والكون لم يتقوم

يوم به جبريل أعلن في السما *** قتل ابن مكة والحطيم وزمزم

يوم به الأملاك كل منهم *** بدلاً عن التسبيح قام بمأتم

يوم به الأرضون والأطواد ذي *** مادت وتلك لهوله لم تشمم

يوم به غاض البحار فبت في *** عجب لزاخر موجها لم يلطم

يوم به قد بات آدم باكيا *** كأبي العزيز غروب طرف قد عمي

يوم به نوح همت أجفانه *** دمعاً يسيل كسيل دار مفعم

فكأنما لما طغت أمواجه *** طوفانه بعباب طوفان طمي

يوم بقلب أبي الذبيح بدت لظى *** بسوى يد النكباء لم تتضرم

إن كان قدما حرها برداً له *** أضحى فمن ذي قلبه لم يسلم

يوم به شق الكليم لجيبه *** وبغير عرصة كربلا لم يلحم

يوم به أمسى المسيح بمهده *** بسوى فصيح النوح لم يتكلم

يوم به هجر الجنان محمد *** وبغير عرصة كربلا لم يلحم

ينعى لهتف الجن في غيطانها *** وهديل طير في الوقيعة حوم

يوم به الكرار ينفث نفثة *** المصدور كالليث الكمي الضيغم

ص: 115

يوم به الزهراء خضب شعرها *** بدم وتشكو ربها بتظلم

يوم به قد أصبح الحسن الرضا *** يبدي الكآبة عن حشاشة معدم

يوم بركن الدين أوقع ثلمة *** أبداً على طول المدى لم تلحم

يوم به للمؤمنين رزية *** وبه كعيد للطغاة وموسم

يوم أتى فيه الحسين لكربلا *** كالبدر وأبناء الكرام كأنجم

يوم عليه تألبت عصب الخنا *** من كل عبد أكوع ومزنم

لم أنس وهو يخوض أمواج الوغى *** كالليث ممتطياً جزارة أدهم

فإذا خبت للشوس نار كريهة *** بسوى الوشيج بكفه لم تضرم

كم فارس ألقاه يفحص في الثرى *** وبفيه غير هضابها لم يكدم

ما زال يفني المارقين بمارق الحرب *** العوان بغرب عضب مخذم

حتى دنا المقدور والأجل الذي *** يأتي الفتى من حيث ما لم يعلم

زحفت عليه كتائب ومواكب *** ورمته من قوس الفناء باسهم

شلت أناملها ، رمته ولم تخل *** قلب الهدى من قبل أن يرمي رمي

أصمت فؤاد الدين واعجباه من *** ركن التقى لمصابه لم يهدم

فهوى كطود هد فارعه على *** وجه الثرى من فوق ظهر مطهم

قسما ببيض ظباً رتعن بجسمه *** مع كل مطرد الكعوب مقوم

لولا القضاء به لما ظفرت وهل *** ظفر البغاث بصيد نسر قشعم

ساموه بعد العز خسفاً وامتطوا *** لقتال خير الخلق كل مسوم

الفوه ظامي القلب يجرع علقما *** والماء يلمع طامياً في العلقم

ص: 116

حطمته خيل الظالمين وما سوى *** صدر المعالي خيلها لم تحطم

عقرت بحد المشرفي فهل درت *** وطأت سنابكها لأي معظم

وبقى الإمام على الصعيد مجدلا *** عار ومنه الشيب خضب بالدم

ما أن بقي ملقى ثلاثاً في الثرى *** لا ناقصاً قدراً ولا بمذمم

لكن ملائكة السماء عليه من *** قبل الثلاث صلاتها لم تتمم

وعدا الجواد إلى معرس نسوة *** ينعي الجواد برنة وتحمحم

فخرجن ربات البدور نوادبا *** كل تشير بكفها والمعصم

ويقلن للمهر الكميت وسرجه *** قد مال وهو لمعرك لم يلجم

يا مهر أين سليل من فوق البراق *** رقى الطباق السبع ليس بسلم

يا مهر أين ابن الذي بصلاته *** يعطي الصلات بعفة وتكرم

يا مهر أين ابن المبيد كماتها *** يوم الهرير بصارم لم يثلم

يا مهر أين ابن الذي مهر أمه *** ماء الفرات وقلبه منه ظمي

فبكى لندب الطاهرات على الفتى *** الندب الكمي دماً وإن لم يفهم

ولهن دل على القتيل إشارة *** وهو الصموت دلالة المتكلم

فرأينه في الترب يكرع بالقنا *** بيد المنية مر كأس العلقم

وعليه للخرصان نسج سوابغ *** حلق لها طول المدى لم تفصم

اللّه أكبر يا له من فادح *** جلل عمر أبي وخطب مدهم

ماء الفرات على الحسين محرم *** وعلى بني الطلقاء غير محرم

وابن الدعية في البلاد محكم *** وابن النبي الطهر غير محكم

وبنات رملة في القصور وعترة *** المختار لم تحجب بسجف مخيم

لعنت عتاة أمية لعناً على *** مر الجديد لأنها لم تحلم

ص: 117

قسما بمن لبى الحجيج ببيته *** من كل ساع في الطواف ومحرم

ما سن قتل الآل يوم الطف في *** سيف الضلال بكف علج مجرم

إلا الألى نقضوا الكتاب وأخروا *** فصل الخطاب وغيرهم لم يقدم

هم أسسوا وبنت أمية بعدهم *** ويل لهم من حر نار جهنم

فمتى أرى المهدي يظهر معلناً *** للحق يوضح بالحسام وبالفم

ويسير في أم القرى في فيلق *** لجب وجيش كالأسود عرمرم

ومواكب ترد المجرة خيلها *** وسوى فواقع زهرها لم تطعم

يحملن آساداً كأن سيوفها *** برق تلألأ في سحاب مظلم

ويطهر الآفاق من عقب غدا *** الإيمان عندهم يباع بدرهم

يا سادة في الذكر جبريل لهم *** من عالم الشهداء جاء بمحكم

فيكم « محمد » قد أجاد فرائداً *** فلغير جيد مديحكم لم تنظم

قد ذاب أقصى القلب منه حين في *** تأريخها « طير شدا بترنم »

ص: 118

الشيخ حسين العصفوري

المتوفي 1216

هو ابن محمد بن أحمد بن ابراهيم البحراني المتوفي بشاخور 21 شوال 1216.

قال في أنوار البدرين : له ديوان في تسعة آلاف بيت كلها في مراثي الحسين وترجم له تلميذه الشويكي في الدرر البهية فقال : هذا الشيخ أجل من أن يذكر. انتهت اليه رئاسة الامامية حيث لم تسمع الآذان ولم تبصر الأعيان مماثلا له في عصره ، بل عده البعض من المجددين للمذهب على رأس الألف والمائتين. وترجم له الشيخ الأميني في ( شهداء الفضيلة ) وهو ابن أخ الشيخ يوسف صاحب ( الحدائق ). ومن جملة الذين رثاهم الشيخ جعفر الخطي وأرخ بعضهم وفاته بقوله : قد كانت الجنة مثواه.

وبعضهم بقوله : شمس علم وجلال كسفت. وترجم له شيخنا البحاثة الشيخ آغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة وعدد مؤلفاته الكثيرة فقال : العلامة الأكبر الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن أحمد بن ابراهيم المتوفى سنة 1125 - بن الحاج أحمد المتوفى سنة 1075 - بن صالح بن أحمد بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شيبة.

ص: 119

في أنوار البدرين : هو من العلماء الربانيين والفضلاء المتتبعين والحفاظ الماهرين ، بل عده بعض العلماء الكبار من المجددين للمذهب على رأس ألف ومائتين ، كان يضرب به المثل في قوة الحافظة ملازماً للتدريس والتصنيف والمطالعة والتأليف.

وفيه قال الشيخ محمد الشويكي الخطي من قصيدة :

حبذا نفحة قدس لا تضاهى *** في صلاة أرضت الرب إلاها

بنت يومين ويوم برزت *** في صدور الطرس تهدي من تلاها

تطرب الرائي والراوي ولا *** عجب ممن رآها ورواها

يشير بهذه الأبيات إلى قوة حافظة الشيخ المترجم له حيث أنه أملى في ثلاثة أيام كتاب ( النفحة القدسية في الصلاة اليومية ) على تلامذته.

وبالجملة فهو من أكابر علماء عصره واساطين فضلاء دهره ، علما وعملا وتقوى ونبلا ، ونادي بحثه مملو من العلماء الكبار من البحرين والقطيف والاحساء وأطراف تلك الديار وفتاواه وأقواله منقولة ومشهورة ، وله تصانيف كثيرة ، ذكر هو بعضها في اجازته للشيخ مرزوق بن محمد الشويكي.

ثم قال : وهو يروي عن أبيه الشيخ محمد ، وعميه الشيخ يوسف ، والشيخ عبدالعلي ، ويروي عنه جماعة : منهم الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي.

توفي ليله الاحد الحادية والعشرين من شهر شوال سنة 1216 في بعض الوقائع الواقعة في البحرين وسمعت أنه ضربه ملعون من أعداء الدين بحربة في ظهر قدمه فمات شهيداً منها ، وتاريخ شهادته ( طود الشريعة قد وهى وتهدما ) وقبره في قرية سكناه ( الشاخورة ) له مزار معروف ، وقد رثاه الأديب الشاعر المبدع الحاج هاشم بن حردان الكعبي بقصيدتين طويلتين مطبوعتين في آخر الكشكول لصاحب الحدائق انتهى.

ص: 120

وترجم له الشيخ آغا بزرك في ( الكرام البررة ) ج 1 ص 427 فقال :

كان من كبار علماء عصره ومشاهيرهم ، زعيم الفرقة وشيخها المتقدم وعلامتها الجليل. ولد عام 1147 وتخرج على عمه الشيخ يوسف صاحب الحدائق ، وكان قرة عينه ، وكتب له اجازتين : صغيرة وكبيرة مبسوطة وهي ( لؤلؤة البحرين في الاجازة لقرتي العينين ) وأوصى إليه بكتبه ، ولذلك تصدى لتتميم الحدائق وسماه ( عيون الحقائق الناظرة في تتميم الحدائق الناضرة ) وقد طبع في النجف عام 1342 ه.

وله زهاء ثلاثين مؤلفاً ، عدها له مترجموه منها : النفحة القدسية ، ومفاتيح الغيب والتبيان في تفسير القرآن ، والأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع. وله ديوان في رثاء الحسين علیه السلام يزيد على سبعة آلاف بيت كما ذكر ذلك في أنوار البدرين عندما عد مؤلفاته.

ص: 121

الشريف ابن فلاح الكاظمي

اشارة

المتوفي 1220

قف بالطفوف وجد بفيض الادمع *** ان كنت ذا حزن وقلب موجع

أيبيت جسم ابن النبي على الثرى *** ويبيت من فوق الحشايا مضجعي

تباً لقلب لا يقطع بعده *** أسفاً بسيف الحزن أي تقطع

وعمى لعين لا تسح لفقده *** حمر الدما عوض الدموع الهمع

وأذاب جسمي السقم إن هو لم يذب *** حزناً لجسم بالسيوف مبضع

سبيت حريمي إن نسيت حريمه *** في كربلاء تسبي بأيدي الزيلع

وثكلت ولدي إن سلوت رضيعه *** أودى به سهم اللئام الوضع

صرخت علي النائحات وأعولت *** إن لم أنح للصارخات الجزع

رضت جياد الخيل صدري إن سلا *** بالطف قلبي رض تلك الأضلع

لم أنس لا واللّه زينب إذ مشت *** وهي الوقور اليه مشي المسرع (1)

ص: 122


1- عن سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ج 3 ص 202.

تدعوه والاخوان ملء فؤادها *** والطرف يسرع بالدموع الهمع

أأخي مالك عن بناتك معرضاً *** والكل منك بمنظر وبمسمع

أأخي ما عودتني منك الجفا *** فعلام تجفوني وتجفو من معي

أأخي أين أبي علي المرتضى *** ليرى انكساري للعدى وتخضعي

أعزيز أحمد كيف أصبح أحمد *** لما نعيت فليت لا كان النعي

أحسين هل سمعت بنعيك أمك *** الزهراء حيث نعيت أم لم تسمع

أحسين هل سمع الزكي أخي بما *** صنع ابن سعد بالصغار الرضع

ص: 123

الشيخ محمد شريف الكاظمي :

الشيخ محمد شريف بن فلاح الكاظمي نزيل الغري ، ولد في الكاظمية ونشأ فيها ثم هاجر إلى النجف وقرأ العلوم فيها في الربع الأخير من القرن الثاني عشر للهجرة ، وكان من المشاهير في العلم والأدب واللامعين من بين أقرانه ، له اطلاع بجملة من العلوم ومن أهل الكرامات الباهرة ، معاصراً للشيخ مهدي الفتوني العاملي النجفي المتوفى سنة 1183 ه- وللسيد محمد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم وللشيخ الأكبر الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وللشيخ أحمد النحوي ، وكان على جانب عظيم من التقى والورع والصلاح ، تنسب اليه كرامات الصلحاء الأبرار.

جاء في نشوة السلافة أن له فهماً وذكاء فهو ريحانة الأدباء ، تجنح اليه الطباع وتطرب من حديثه الاسماع ، قضى من الأدب نفله وفرضه وشام من ريانة بارقه وومضه ، له شعر يضاحك الأقحوان ابتساماً وينوف عقد الدرر انتظاماً.

وله القصيدة الدالية في مدح أمير المؤمنين علیه السلام وانه القاها في الحرم أمام القبر الشريف ، وسقط عليه القنديل الذهبي المعلق ، فأخذ من يده وعلق فوقع عليه مرة ثانية فأخذه ، والقصيدة أولها :

أبا حسن ومثلك من ينادى *** لكشف الضر والهول الشديد

ص: 124

وستمر عليك في جملة شعره (1) وفي مخطوط الشيخ محمد السماوي في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الاشرف قصائد الشيخ شريف بن فلاح الكاظمي ومنها الكرارية وهي تزيد على 300 بيتاً عدد فيها فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومناقبه وقد قرضها 19 شاعراً من فحول الشعراء المعاصرين له.

ورأيت في المجموع ( الرائق ) مخطوط السيد أحمد العطار مراثي الشريف الكاظمي للامام الحسين (عليه السلام) ومنها قصيدة التي أولها.

ذكر الطفوف ويوم عاشورا *** منعا جفوني لذة الاغفاء

وفي ص 358 قصيدة نبوية تحتوي على 150 بيتاً ، أولها

أشجاك برق لاح بالجرعاء *** فأثار منك لواعج البرحاء

ومن روائعه ما كتبه في مقام مشهد الشمس بالحلة

أقول وقد دخلت مقام مولى *** أنخت ركاب آمالي لديه

الا لا تعجبوا للشمس ردت *** به دون الورى جهراً عليه

فوجه المرتضى لا شك شمس *** وشبه الشيء منجذب اليه

وترجم له صاحب كتاب ( معارف الرجال ) فقال :

ص: 125


1- وتنسب هذه القصيدة للشيخ حسين العذاري. هكذا رأيت في مجموعة الشيخ حسن سبتي رحمه اللّه . والشيخ حسين العذاري رجل أفنى عمره في مدح أهل البيت فضاق به الدهر يوماً فقصد الروضة العلوية وأنشد هذه القصيدة وعند فراغه من انشادها أتاه أت فرمى اليه صرة فكانت هي سبب ثروته أقول لعله أنشدها ولم ينشئها.

الشيخ محمد بن شريف بن فلاح الكاظمي صاحب القصيدة الكرارية في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام نظمها سنة 1166 وقرضها ثمانية عشر شاعراً من أدباء عصره.

قال السيد الأمين في الأعيان : السيد شريف بن فلاح الحسيني الكاظمي توفي سنة 1220 ه- كان فاضلاً عالماً مشاركاً في الفنون أديباً شاعراً. أقول : وفي آخر الترجمة أسماه : محمد شريف بن فلاح الكاظمي ، وان الشيخ النوري رحمه اللّه لما ذكر بعض أبيات القصيدة الكرارية في كتابه ( نفس الرحمن ) أسماه بالسيد الشريف بن فلاح الكاظمي ، والقصيدة في مخطوط ( المجموع الرائق ) للمرحوم السيد أحمد العطار البغدادي ج 2 ص 362 قال : للشيخ الشريف السيد شريف ابن فلاح الكاظمي يمدح أمير المؤمنين علیه السلام .

السيد شريف بن فلاح الكاظمي :

السيد شريف بن فلاح الكاظمي (1) :

ألا ما لأيام اللباب تولت *** وصبح مشيبي لاح في ليل لمتي

وما بال أوقات الوصال تصرمت *** وطير المنايا ناح من فوق دوحتي

وعمري تقضى بين لهو وغفلة *** وقال وقيل واكتساب جريرة

وها أنا في مهد الجهالة راقد *** ولم ارتدع عن قبح فعل وزلة

فما عذر مثلي حين أدعى بموقف *** وقد ملئت من سيآتي صحيفتي

فحتام يا من عاش في لجة الهوى *** تبارز ربا عالما بالسريرة

تبارزه سراً وجهراً وتغتدي *** كأن لم تبارزه بكل عظيمة

ص: 126


1- 1 - قال السيد الأمين في الأعيان : وجدنا في بعض المجاميع العاملية هذه القصيدة في رثاء الحسين علیه السلام وفي أولها : مما قال السيد شريف يسر اللّه أموره ، ورواها السيد العطار في المجموع الرائق للشيخ شريف بن فلاح الكاظمي

تيقظ هداك اللّه من رقدة الهوى *** فانك منقول إلى ضيق حفرة

فويك اجترحت السيئات جميعها *** ومالك في الطاعات مثقال ذرة

تمسكت بالدنيا غروراً كمثلما *** تمسك ظام من سراب بقيعة

أليست هي الدار التي طال همها *** فكم اضحكت قدماً اناساً وأبكت

وكم قد اذلت من عزيز بغدرها *** وكم فجعت من فتية علوية

هم عترة المختار أكرم شافع *** وأكرم مبعوث إلى خير أمة

بنفسي بدوراً منهم قد تغيت *** محاسنها في كربلا أي غيبة

رماها يزيد بالخسوف وطالما *** بأنوارها جلت دجى كل ريبة

بنفسي وأهلي والتليد وطارفي *** وكل الورى أفدي قتيل أمية

فنادى ألا هل من مجير يجيرنا *** وهل ناصر يرجو الإله بنصرتي

ويرنو إلى ماء الفرات ودونه *** جيوش بني سفيان حلت وحطت

ولم أنسه يوم الطفوف وقد غدا *** يكر عليهم كرة بعد كرة

إذا كرّ فروا خيفة من حسامه *** فكانوا كشاء من لقا الليث فرت

إلى أن هوى فوق الصعيد مجدلا *** فاظلمت الدنيا له واقشعرت

وما انس لا أنس النساء بكربلا *** حيارى عليهن المصائب صبت

ولما رأين المهر وافى وسرجه *** خلياً توافت بالنحيب ورنت

ولا أنس اخت السبط زينب اذ رنت *** اليه ونادت بالعويل وحنت

تقول ودمع العين يسبق نطقها *** وفي قلبها نار المصائب شبت

أخي يا هلالا غاب بعد كماله *** فاضحى نهاري بعده مثل ليلتي

ص: 127

أخي أى رزء اشتكي ومصيبة *** فراقك أم هتكي وذلي وغربتي

أم الجسم مرضوضاً أم الشيب قانياً *** أم الرأس مرفوعاً كبدر الدجنة

أم العابد السجاد أضحى مغللاً *** عليلا يقاسي في السرى كل كربة

أم النسوة اللاتي برزن حواسرا *** كمثل الإما يشهرن في كل بلدة

فلما رأته لا يجيب نداءها *** بكت ورنت بالطرف نحو المدينة

ونادت بصوت يصدع الصخر جدها *** وفي قلبها نار المصائب صبت

أيا جد لو يفدى من الموت ميت *** فديت حسيناً من سهام المنية

أيا جد من لي بعد فقد مؤملي *** ومن ارتجيه ان جفتني احبتي

أيا جد ما حزني عليه بزائل *** ولا دمعي المنهل يبرئ غلتي

أيا جد عنا الصون هتك ستره *** وأوجهنا بعد الخدور تبدت

وسار ابن سعد بالنساء حواسرا *** وخلف جثمان الحسين بقفرة

وأصحابه في الترب صرعى كأنهم *** نجوم سما حفت ببدر دجنة

ويحضرها في مجلس اللّهو شامتاً *** يزيد تغشاه الإله بلعنة

ويحضر رأس ابن النبي أمامه *** وينكت منه الثغر بالخيزرانة

وينشد أشعار الشماتة قائلاً *** نفلق هاماً من رجال أعزة

فيا حسرة في القلب طالت ومحنة *** إلى أن ترى الرايات من أرض مكة

أمولاي يا ابن العسكري إلى متى *** تروح وتغدو بين هم وشدة

أيا سادتي يا آل أحمد أنتم *** ملاذي إذا جلت وجمت خطيئتي

خذوا بيدي في يوم لامال نافع *** ولا ولد جاز ولا ذو حمية

ص: 128

سوى حبكم يا عترة الطهر أحمد *** وبغض أعاديكم وتلك عقيدتي

اليكم بني الزهراء بكراً يتيمةً *** قبولكم من خير مهر اليتيمة

فريدة حسن من شريف أتتكم *** تنوح عليكم نوح ثكلى حزينة

عليكم سلام اللّه ما هبت الصبا *** وما ناح قمري على غصن ايكة

قال السيد الأمين :

وفي الطليعة ، هكذا وجدنا اسمه ونسبه وتاريخ وفاته في مسودة الكتاب ولا نعلم الآن من اين نقلناه والظاهر أنه من الطليعة.

كان فاضلاً عالماً مشار كافي الفنون أديباً شاعراً وله قصة مشهورة وهي أنه احتاج وهو في النجف فقصد الروضة المقدسة وأنشد قوله :

أبا حسن ومثلك من ينادى *** لكشف الضر والهول الشديد

أتصرع في الوغي عمرو بن ود *** وتردي مرحبا بطل اليهود

وتسقي أهل بدر كأس حتف *** مصبرة كعتبة والوليد

وتجري النهروان دماً عبيطاً *** بقتل المارقين ذوي الجحود

وتأبى أن تكف جيوش عسري *** وتنصرنى على الدهر العنود

وها هو قد أراني الشهب ظهرا *** وأحرم ناظري طيب الهجود

فاطلع في سما الاقبال بدري *** وبدل نحس حظي بالسعود

وأوردني حياض نداك اني *** لمحتاج إلى ذاك الورود

أترضى أن يكدر صفو عيشي *** وتصبح أنت في عيش رغيد

أتنعم في الجنان خلي بال *** ومني القلب في جهد جهيد

ص: 129

أما قد كنت تؤثر قبل هذا *** ببذل القوت في القحط الشديد

فكيف أخيب منك وأنت مثر *** غديم المثل في هذا الوجود

أما لاحت لمرقدك المعلى *** جواهر كدرت عيش الحسود

فمن در وياقوت مشع *** ومن ماس تلوح على عقود

ومن قنديل تبرٍ بات يجلو *** سناه الهم عن قلب الوفود

فجد لي يا علي ببعض هذا *** فان التبر عندك كالصعيد

ولي يا ابن الكرام عليك حق *** رثاء سليلك الظامي الشهيد

فكم أجريت من دمع عليه *** وكم فطرت قلبا كالجليد

فكن في هذه الدنيا معيني *** وكن لي شافعاً يوم الورود

قال فسقط عليه قنديل ذهب فأخذ وعلق فوقع عليه ثانية فأخذه

ص: 130

امين بن محمود الكاظمي

اشارة

هو الشيخ أمين بن الشيخ محمد الكاظمي. ذكره السيد الأمين في أعيان الشيعة ج 13 ص 52 فقال : (1)

لا نعرف من أحواله شيئاً ، سوى أننا وجدنا له هذه الأبيات يرثي بها الإمام الحسين (عليه السلام).

قف بالطفوف وسلها عن أهاليها *** وطف بأرجائها والثم نواحيها

واستنشق الترب منها إن تربتها *** فيها الشفاء وللأسقام تبريها

واسكب دموعاً على تلك الربوع عسى *** وكف الدموع لنار القلب يطفيها

وقف عليها وسلها أين عنك مضوا *** أهل القباب ومن قسد حل ناديها

أين البدور التي حلت بساحتها *** أين الأسود التي حلت بواديها

تاللّه لم يهنني من بعدهم وطر *** مذ قيل دارت عليهم كأس ساقيها

ص: 131


1- عن شعراء بغداد تأليف علي الخاقاني الجزء الثاني ص 189.

الشيخ امين الكاظمي : وفاته قبل سنة 1222

قال الشيخ الطهراني في ( طبقات أعلام الشيعة ) ج 2 ص 157 :

هو الشيخ أمين ابن الشيخ محمود الكاظمي الأسدي ، عالم جليل وفقيه بارع مروج. ذكره السيد الصدر في التكملة ، فنقل عن العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي : إنه من العلماء المروجين للدين في الفترة بعد طاعون 1186 حيث ما بقي أحد من العلماء وتوسع الناس في الفجور فقام المترجم بتعليم الصلاة ونشر الأحكام بتقريبات وأساليب تميل إليها النفوس وبنى مدرسته التي حكم بوقفيتها الشيخ ابراهيم الجزائري وسهر على احياء الدارس من معالم الدين حتى عادت بلدة الكاظمين علیهماالسلام من بركاته دار الهجرة لطلب العلم ، وتوفي قبل 1222 انتهى ملخصاً. وقد صرح السيد الصدر في ( التكملة ) وغيره في غيرها أنه أسدي ينتهي نسبه إلى حبيب بن مظاهر شهيد الطف إلا أن السيد جعفر الأعرجي أنهى نسبه إلى الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري قال في ( نفحة بغداد ) : خال والدي الشيخ أمين ابن الشيخ العالم الكبير محمود بن كلب علي الكاشاني بن غلام علي بن عبد علي بن القاضي محمد بن حبيب بن ابراهيم بن بديع الزمان بن جمال الدين بن احمد بن نظام الدين بن جلال الدين بن رفيع الدين بن علي بن ضياء الدين بن يحيى بن فتح اللّه بن يحيى بن الحسن بن فخر الدين بن اميدواد بن فضل اللّه بن اسحاق بن فضل اللّه بن محمد بن أبي المكارم بن أحمد ابن علي بن أبي المعالم بن أحمد بن أبي الغنائم محمود بن أحمد بن أبي الفضل

ص: 132

ابن محمد بن أحمد بن أبي الفضل بن هاشم بن فاضل بن يحيى بن عقيل بن يحيى ابن ذر بن أبي ذرّ جنادة بن قيس. هكذا ذكره الأعرجي واللّه العالم بالصحيح منهما. ويأتي ذكر الشيخ كاظم شقيق المترجم مع أولاده الشيخ محمد علي والشيخ محمد يونس والشيخ محمد جواد كما يأتي ذكر ابن عم المترجم الشيخ حسن بن هادي المنصوب لتوليته المدرسة المذكورة وابنه الشيخ طالب بن الحسن وولديه الشيخ باقر والشيخ حسن ابني طالب ، ويأتي أيضاً ذكر الشيخ محمد ابن المترجم والكل علماء فضلاء انتهى.

ص: 133

الشيخ حميد نصار

اشارة

المتوفى 1225

ما انتضار الدمع أن لا يستهلا *** أو ما تنظر عاشوراء هلا

هل عاشور فقم جدد به *** مأتم الحزن ودع شربا وأكلا

كيف لا تحزن في شهر به *** أصبحت آل رسول اللّه قتلى

كيف لا تحزن في شهر به *** غودرت فاطمة الزهراء ثكلى

كيف لا تحزن في شهر به *** رأس خير الخلق في رمح يعلى

وإذا عاينت أهليه ترى *** نوباً فيها رزايا الخلق تسلى

من عليل وسدته البزل حلسا *** وقتيل وسدته البيد رملا

ص: 134

الشيخ حميد نصار الشيباني اللملومي النجفي

الشيخ حميد(1) نصار الشيباني اللملومي النجفي

قال السيد الأمين في الأعيان ج 28 ص 106 : أنه توفي سنة 1225 في النجف الأشرف ودفن بها.

في الطليعة كان فاضلاً مشاركاً في العلوم أديباً في المنثور والمنظوم مكثراً في مدائح الأئمة علیهم السلام ومراثيهم. وهو عم الشيخ محمد نصار الشاعر المشهور باللغتين الفصحى والدارجة.

وله صحبة تامة ومودة أكيدة مع حمد آل حمود زعيم الخزاعل المشهور المتوفى سنة 1214 وله فيه مدائح كثيرة وله بنود في مدحه منها البند المشهور :

أيها الراكب يفري شقق البيد على أمثلة السيد وأشباح القنا الميد من النجب المناجيد لك اللّه وحياك وأرشدت بمسراك ، إذا شمت من البرق غماما مسبل الودق وعاينت من البحر خضما مزبد الزخر ويممت من الروض ربيعاً ومن الغيث مربعاً ومن الليث منيعاً (2) إلى آخر ما قال :

ص: 135


1- بضم الحاء و تشديد الياء المكسورة ، تصغير حمد.
2- ذكره السيد الأمين في معادن الجواهر ج 3 ص 585.

ومن شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) :

يوم ابن حيدر والأبطال عابسة *** والشمس في عنبر الهيجاء تنتقب

والسمر من طرب تهتز مائسة *** والبيض في قمم الأقران تختضب

رامت أمية أن تقتاد ذا لبد *** منه وتحجب بدراً ليس يحتجب

فانصاع كالضيغم الكرار منتدراً *** بصولة ريع منها الجحفل اللجب

يلقى الكماة بثغر باسم فرحاً *** كأنهم لندى كفيه قد طلبوا

حتى إذا لم يدع للشرك من سكن *** إلا وقامت به من بأسه الندب

وافته داعية الرحمن مسرعة *** فخر وهو يطيل الشكر محتسب

نفسي الفداء له والسمر واردة *** من نحره والمواضي البيض تختضب

مضرج الجسم ما بلت له غلل *** حتى قضى وهو ظمآن الحشا سغب

دامي الجبين تريب الخد منعفر *** على الثرى ودم الأوداج ينسكب

مغسل بنجيع الطعن كفنه *** سافي الرياح ووارته القنا السلب

قضى كريماً نقي الثوب من دنس *** يزينه كلما يأتي ويجتنب

يا قائداً جمح الأعداء طوع يد *** كيف استقادتك منها جامح ذرب

لئن رمتك سهام الدهر عن إحن *** وقارعتك مواضيه فلا عجب

كنت المجير لمن عادى فحق له *** أن يطلب الثأر لما أمكن الطلب

يا مخرس الموت إن سامتك نائبة *** من النوائب كيف اغتالك الشجب

يا صار مافل ضرب الهام مضربه *** ولا تعاب إذا ما فلت القضب

لو تعلم البيض من أردت مضاربها *** نبت وفل شباها الروع والرهب

ولو درت عاديات الخيل من وطأت *** أشلاءه لاعتراها العقر والنقب

إن كورت منك كف الشرك شمس ضحى *** فما على الشمس نقص حين تحتجب

ص: 136

ما كنت أحسب والأقدار غالبة *** بأن شمل الهدى الملتام ينشعب

فكم عفيفة ذيل للبتول سرت *** على أضالع لم يشدد لها قتب

تطوي على جمرات الوجد أضلعها *** وقد أضر بها الإغماء والسغب

وله في رثاء الحسين (عليه السلام) :

يا ناعي ابن رسول اللّه هجت لنا *** حزناً ودمعاً على الخدين مدرارا

نعيت لو تدري من تنعاه ما ضحكت *** أسنان فيك ولا سامرت سمارا

يا وقعة الطف كم عين بك انذرفت *** وللهداية كم ركن بك انهارا

افيك يقضون آل المصطفى عطشاً *** والماء طام فليت الماء قد غارا

ص: 137

الشيخ محمد رضا النحوي

اشارة

هذه القصيدة صدورها للشيخ أحمد النحوي ، وأوائل الإعجاز لولده الشيخ محمد هادي ، وثوانيها للشيخ أحمد الحلي ، وثوالثها لولده الشيخ محمد رضا النحوي.

عج بالمطى قليلاً أيها الحادي *** وسائل الركب عن سكان أجياد

على أشم عراراً في ربى الوادي *** ما سرت إلا بأحشاء وأكباد

رفقاً بهن فقد قاسين طول سرى *** وما يعانين من وخد واسآد

كآنها من جفاها بعض أعواد *** وضرها فرط أغوار وأنجاد

أما تراها براها الشوق مذ زمن *** ومسها حز أقتاب وأقتاد

قد آذنت فيه أحبابي بابعاد *** إلى كرام بهم رشدي وإرشادي

تصبو لنجد وما نجد وساكنه *** إلا شفاء غليل الظامئ الصادي

كلا وليس لنجد بل إبراد *** وأين نجد لا نجاد وإسعاد

لها فؤاد معنى في معاهدها *** لا يستقر إذا ما رجع الحادي

سقى المعاهد سحاً صوب مرتاد *** ما حال في عهده عن خير عهاد

ترتاح إن لاح في الآفاق ضوء سناً *** نور الثنية من غربي بغداد

صبح به يهتدى حيث الدجى بادي *** برق تألق وهنأ والدجى هادي

تصد عن وردها إن فاح ريح صباً *** وتترك الروض غفلا غير مرتاد

بما تضمن من أخلاق أمجاد *** من العواصم من أكناف بغداد

فاستبق فيها بقايا كي ننيخ بها *** على مهابط وحي نورهم باد

على مزار شهيد نجل أمجاد *** على مصارع أمجاد وأنجاد

ص: 138

على محل به الأملاك عاكفة *** عوجا قليلا كذا عن أيمن الوادي

على تلاوة آيات وأوراد *** والخلق فيه سواء عاكف بادي

على حمى كربلا شوقا لساكنها *** عج بالحمى يا رعاه اللّه من وادي

أفديه في طارفي مني واتلادي *** هادي البرية واشوقاه للهادي

إن جئتها فأطل منك الوقوف بها *** غذيت در التصابي قبل ميلادي

وسح دمعا بإصدار وإيراد *** فاخلع نعالك فيها إنها الوادي

نبكي على أسد قد خر منجدلا *** زواره الوحش من سيد وآساد

كسته بيض المواضي حمر أبراد *** ياليت أني له دون الورى فادي

لهفي له جسداً قد ضمخوه دماً *** ثاو على الترب ملقى بين أجساد

على الثرى بين أهضام وأنجاد *** كأن أثوابه مجت بفرصاد

لهفي له وهو فرد قد أحاط به *** بنو أمية لا تحصى بتعداد

جيش لآل زياد نسل أوغاد *** جيش كهام كصوب العارض الغادي

يا عصبة ما رعت حق البتول ولا *** راعت ذمام النبي المصطفى الهادي

حق الوصي وأبدت غل أحقاد *** عادت على بادئ بالبر عواد

لهفي له والعدى تنتابه زمراً *** بكل لدن أصم الكعب مياد

والراس منه مشال فوق أعواد *** لم أحص عدتهم إلا بعداد

لهفي لبدر بدا منه السرار على *** أيدي العدى طول أزمان وآباد

حكم الإله وفيه كل اسعاد *** أرض الطفوف بأرماس وأنجاد

لهفي لشمس ضحى بالنور مشرقة *** قد أخمد النور منها أي إخماد

تغنى بأنوارها عن كل وقاد *** لهفي على كوكب بالسعد وقاد

أبدى الحمام عليهم شجوه وله *** طوق الكآبة أضحى قيد أجياد

عليه فرط بكاء بعد تعداد *** تبكي السماء بدمع رائح غادي

ص: 139

على البها من أبناء أحمد لا *** على البها ليل من أبناء عباد

لهفي عليهم وقد سارت ظعائنهم *** والموت خلفهم يسري بميعاد

بأمرة ابن زياد أصل إلحاد *** كأنها إبل يحدو بها الحادي

لهفي على طود مجد هد شامخه *** مجدلا بين أجبال وأطواد

بوقعه قد شفى أضغان حساد *** وركن مجد بأرض الطف منئاد

لهفي على بحر جود غاض مورد *** وكان يشرع منه كل وراد

فجرع النبت منه غلة الصادي *** وكان رياً لوراد ورواد

لهفي على خاشع لله مبتهل *** في أسر قوم لدين الكفر عباد

وخير عبادها نسكاً وزهاد *** لهفي على راكع لله سجاد

لهفى على نجله السجاد حلف ظناً *** مكبل بين أغلال وأقياد

مغللا بين أغلال وأصفاد *** أخفاه طول الضنا من غير عواد

يرى العدى وأهاليه بأسرهم *** أسرى وليس لهم في القوم من فادي

غدوا حيارى بأطفال وأولاد *** والسقم ينفض فيهم صبغة الجادي

من كل ذات شجى ترثي لحال شج *** تطوي الضلوع على جمر وإيقاد

حزينة لم تزل في أسر أنكاد *** وذي قيود غدا يرثي لمنقاد

مقروحة القلب من سقم وطول ضناً *** قرحى الجفون بتسكاب وتسهاد

قد شفها فقد آباء وأجداد *** قد دب منها بأعضاء وأعضاد

تشكو الظما وهجير الصيف متقد *** غرثى ولم تلق غير الدمع من زاد

ياليت أبحرها ترمي بأنفاد *** والماء طام لرواد ووراد

ماذا يقول بنو حرب إذا عرضوا *** والكل عات على أهل الهدى عاد

وقد أتوا بين مغلول ومنقاد *** والخلق طراً وقوف بين أشهاد

وقام ثم علي والبتول معاً *** في موقف العرض كل شجوه باد

ص: 140

والكل يهتف هذا يوم ميعاد *** والنار ما بين إلهاب وإيقاد

وكان فيها شفيع الخلق خصمهم *** واللّه مطلع منهم بمرصاد

ومنهم أظهر الشكوى بترداد *** والحاكم اللّه في ذيالك النادي

يا عثرة ما يقال الدهر عاثرها *** كبابها الدهر يابن المصطفى الهادي

عند الوفود غداً في شر وفاد *** والشر أخبث ما أوعيت من زاد

مولاي يا ابن أجل المرسلين علا *** وأكرم الناس من قار ومن باد

* * *

يا من إليه لقد ألقيت أقيادي *** ومن هم لمعادي خير إعدادي

إليك من أحمد عذراء فائقة *** أضحت إجازتها من نجله هادي

مدوا بها أحمداً من خير إمداد *** ومن رضا در إنشاء وإنشاد

يعيي السلامي أن يأتي بمشبهه *** نظما ويعجز عنها نجل عباد

والخالدي وبشر وابن خلاد *** أين الخليعي منها وابن حماد (1)

ص: 141


1- 1 - عن الرائق مخطوط المرحوم السيد أحمد العطار

الشيخ محمد رضا النحوي

توفي 1226

ابن الشيخ أحمد بن الحسن الملقب بالشاعر - الحلي النجفي مولده بالحلة في أواسط القرن الثاني عشر وقضى الشطر الأول من حياته فيها والثاني في النجف على عهد آية اللّه السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، جمع إلى الفقه والحديث آداب اللغة العربية واحتل مكانة سامية في الأوساط العلمية والادبية ، وهو أحد الفطاحل الخمسة الذين كان يعرض السيد الطباطبائي عليهم منظومته الفقهية الشهيرة الموسومة ب- « الدرة » إبان نظمها فصلاً بعد فصل لإبداء ملاحظاتهم ومناقشاتهم العلمية حولها وهو من أبطال « وقعة الخميس » التي هي عبارة عن مساجلة أدبية اتفقت في عهد السيد بحر العلوم ونظم فيها شعراء ذلك العصر كالسيد محمد بن زين الدين والشيخ محمد بن الشيخ يوسف من آل محي الدين والسيد صادق الفحام وبحر العلوم وكاشف الغطاء وصاحب الترجمة وسميت باسم وقعة الخميس التي جرت بصفين زيادة في المطايبة والظرف وهي مدونة في عدة من المجاميع العراقية المخطوطة.

كان النحوي أكبر شعراء عصره بلا مراء وأطولهم باعا في النظم وأنقاهم ديباجة لا يجاريه أحد منهم في حلبة ، وشعره رصين البناء متين الأسلوب وألفاظه محكمة الوضع لا تكاد تعثر على كلمة مقتضبة في شعره وقد جمع فيه بين الإكثار والإجادة وقلما اتفق ذلك لغيره.

ص: 142

درس المبادئ من النحو والصرف والمعاني والبيان ونظائرها على والده الشيخ أحمد - المتقدم ذكره - والفقه والأصول على العلامة بحر العلوم ومن بعده على الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد ذكره صاحب روضات الجنات في آخر ترجمة بحر العلوم وعبر عنه بالشيخ محمد رضا « النجفي » ويحتمل أن أصل الكلمة « النحوي » وصحفت بالنجفي وأشار إلى مرثيته السيد ولم يذكر منها سوى مادة التاريخ وهو شطر واحد « قد غاب مهديها جداً وهاديها - 1212 ونقل ذلك عن السيد صدر الدين العاملي.

وكان ابوه يمرنه على النظم - كما مرن البازي كف الملاعب - ويقحمه في تلك المضامير الرهيبة منذ عهد الصغر وفي السفر والحضر ويشجعه على مجاراته والاشتراك معه في مرتجلاته واليك هذه القطعة التي شارك في نظمها اباه وهو يافع حين قدما من الحلة الى النجف لزيارة المشهد العلوي ولاحت لهما القبة الذهبية من بعيد وذالك من بعد تذهيبها ببضعة اعوام فقال الوالد لولده : ( انظر اليها تلوح كالقبس ) فقال الولد : أو برق غيث همى بمنبجس ثم شرع كل منهما باجازة بيت بيت وقد علمنا ما هو للشيخ احمد بقوسين وما هو غفل منها - فهو لولده الرضا :

( أنظر إليها تلوح كالقبس ) *** أو برق غيث همى بمنبجس

( أو غرة السيد الإمام أبي *** الأطهار من قد خلا من الدنس )

يا حبذا بقعة مباركة *** فاقت بتقديسها على قدس

( شاهدت فيها بدر التمام بدا *** فقلت نور الإله فاقتبس )

يهدي البرايا ونور حكمته *** يجلو سناه غياهب الغلس

( إن فاه نطقي بغير مدحته *** أبدلني اللّه عنه بالخرس )

من قام للضد فيه مأتمه *** وأصبح الطير منه في عرس

ص: 143

( سل عنه بدراً فكم بحملته *** من طائح رائح ومرتكس )

هذا عن السرج خر منجدلا *** وذا قضى نحبه على الفرس

( وأصبح البر وهو بحر دم *** فما جرى سابح على يبس )

يفترس الأسد وهي شيمته *** كم فارس وهو غير مفترس

( جدد رسم الهدى وقد طمست *** أعلامه فهو غير منطمس )

يكفيك فخراً ما جاء في خبر *** الطائر صدق الحديث عن أنس

( اليك وجهت همتي فعسى *** أبدل حظاً بحظي التعس )

واجتاز اعلى غلام عامل يصنع سفينة فاشتركا في نظم هذه القطعة والصدور منها إلى الوالد والإعجاز لولده المترجم :

ورب ظبي مروع *** يروع في الهجر روعي

ذلت له الخشب طوعا *** كذلتي وخشوعي

فقلت يا ريم ماذا *** تبغي بهذا الصنيع

فقال أبغي سفينا *** لرحلتي ورجوعي

فقلت دونك فاصنع *** سفينة من ضلوعي

شراعها من فؤادي *** وبحرها من دموعي

وبعد وفاة والده انقطع إلى ملازمة السيد صادق الفحام فكان له أبا ثانياً - ومربياً حانياً وله معه مساجلات مثبتة في ديوانيهما ورأيت السيد في ديوانه المخطوط يعبر عنه غالباً ب- « الولد الأكرم » وطوراً ينعته ب- « الأديب العارف الكامل » وقد حفظ النحوي لسيده الصادق تلك

ص: 144

اليد وما زال يتذكرها فيشكرها له في حياته وبعد وفاته وإليك قسماً كبيراً من قصيدته التي رثاه فيها وهي تنيف على (70) بيتاً لتشاهد اللوعة والحزن العميق في رثائه ( الصادق ) :

خليلي عوجا بالديار وسلما *** وحوما معي طيرا على ذلك الحمى

ألما معي نقضي حقوقاً تقدمت *** فما نصف أن تسلماني وتسلما

فحلا عزالي الدمع فيها وأرخيا *** وإن كان ما بي من جوى ليس فيكما

خليلي ثوبا عن دموعي بسقيها *** فعيني إذا استقطرتها قطرت دما

سلاها دنو الدار ممن نأت بهم *** « عسى وطن يدنو بهم ولعلما »

لعل الليالي أن تعود كما بدت *** « وأن تعتب الأيام فيهم وربما » (1)

سلاها سقاها اللّه ما بال أفقها *** وقد أزهر الأكوان أصبح مظلما

وغاضت بحار العلم فيها وقد طمت *** عبابا وقد سامت بأمواجها السما

هوى قمر الأقمار من آل هاشم *** فأظلم ذاك الحي فيهم وأعتما

أصم به الناعي ذوي السمع لانعى *** وأخرس فيه الناطقين وأبكما

فيا نائياً لم ينأ عنا وإن رمت *** به مزعجات البين أبعد مرتمى

برحت وما بارحت خطرة خاطر *** وبنت وما باينت من ذكره فما

شطرت عليك العمر شطرين عبرة *** تجيش بجاريها ووجداً تضرما

سأستغرق الأحوال فيك ولم أقل *** « إلى الحول ثم اسم السلام عليكما »

ويا والداً ربيت دهراً ببره *** ومن بعدما ربى وأحسن أيتما

لساني عصاني في رثائك محجما *** وعهدي به إن أحجم القرن مقدما

وكان إذا جالت قداح مياسر *** على خطباء القوم فيك المتمما

ص: 145


1- 1 - هذا العجز وما قبله مطلع قصيدة لأبي تمام الطائي

فأنت الذي فللت حد غراره *** وكان جرازاً يأكل الغمد مخذما

ولولا الذي بي منك شعشعت أفقها *** شموساً وصيرت القوافي أنجما

وها أنا ذا قدمت ما ليس ينبغي *** لمثلك عذر إليك تقدما

لئن كان عن فكر عليل معبراً *** فقد جاء عن ود صحيح مترجما

سقى عهدك المعهود بالصدق والوفا *** سماء (1) من الرضوان ما دامت السما

ولا برحت تعتاد مثواك بالثنا *** ملائكة الرحمن فذا وتوأما

ولا زايلت تلك الرياض مودعا *** من الودق نضاخ الحيا ومسلما

فيالك رزء جب من آل غالب *** سناما لآفاق البلاد تسنما

لوى من لوي حيث كانت لواءها *** وهد ذرى عليا قريش وهدما

ومنها يعزي السيد بحر العلوم ويمدحه :

فتى قرن الباري سلامة خلقه *** وصحتهم في أن يصح ويسلما

هو الخلف المهدي بورك هادياً *** وبورك مهديا إذا النهج أبهما

تكفل بالأيتام فهو لهم أب *** وحامى عن الإسلام فهو له حمى

فتى كلما أبدى الجميل أعاده *** وإن صنع المعروف زاد وتمّما

عزاء وإن عز العزاء وسلوة *** عليه وإن خلت السلو محرما

فما العمر ما عاش الفتى غير طائف *** أطاف كرجع الطرف ثم تصرما

وما هذه الأيام إلا بوارق *** ألقن غروراً أو هي الركب هوّما

وما كان هذا العيش إلا صبابة *** تمر لماضا أو خيالاً مسلما

وعزاك من عزاك عنه مؤرخا *** على الصادق الود السما أمطرت دما

ص: 146


1- السماء من أسماء المطر.

وحسبك شاهداً على سمو منزلة المترجم ما كتب به إليه شيخ الفقهاء في الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره ضمن رسالة :

يكلفني صحبي القريض وإنما *** تجنبت عنه لا لعجز بدا مني

ألم يعلموا أن الكمال بأسره *** غدا داخلاً في حوزتي صادراً عني

ألم تر مولانا الرضا نجل أحمد *** إذا قال شعراً لم يحكم سوى ذهني

على أنه للفضل قطب وللنهى *** مدار وفي الآداب فاق ذوي الفن

غدا في الورى رباً لكل فضيلة *** وحاز جميل الذكر في صغر السن

فأجابه النحوي على الروي والقافية :

ألا أيها المولى الذي سار ذكره *** مسير الصبا قد عبقت سائر المدن

ومن كلما اعتاصت وندت عويصة *** وأعيت على الأفهام كان لها مدني

إذا نحن أثنينا عليك فإنما *** يعود علينا ما عليك به نثني

ونعنيك بالذكر الجميل فينتهي *** إلينا كأنا فيه أنفسنا نعني

أتاني نظام منك ضمن ألوكة *** يفوق نظام الدر في النظم والحسن

نظمت النجوم الزاهرات قلائداً *** وقلدتنيها منك منا بلا من

ألذ على الأسماع من مطرب الغنا *** وأحلى على ذي الخوف من وارد الأمن

فكان سروري عند كل مساءة *** أسري به همي وأجلو به حزني

وكان دليلي حيث ضلت مسالكي *** علي ومصباحي بكل جدى دجن

فخذها كما تهوى نسيجة وحدها *** مقدرة في السرد محكمة الوضن (1)

على انها لم تحك دراً نظمته *** وإن شاكلته في الروي وفي الوزن

ص: 147


1- السرد : الذرع. والوضن : النسج ومنه قوله تعالى : على سرر موضونة.

وفي المترجم يقول العلامة الأديب الشيخ محمد علي الأعسم من قصيدة :

وقف على الشيخ نجل الشيخ ثم وقل *** يا نبعة نبعت من ( أحمد ) الزاكي

ويا ذبالته من نوره اتقدت *** ونفحة نفحت من عرفه الذاكي

ملكتم النظم والنثر البديع وكم *** سما لدعواه قوم غير ملاك

وكم لكم آية غراء بان بها *** نهج الهدى لم تدع شكا لشكاك

والأبيات من قصيدة نظمها الأعسم في محاورة أدبية جرت في مجلس الميرزا أحمد النواب في كربلاء حول قصيدة السيد نصر اللّه الحائري اشترك فيها النحوي وجماعة من معاصريه وحكموا فيها السيد بحر العلوم وهي غير « معركة الخميس » وقد أثبتها سيدنا الأمين في ال- ج 11 من الأعيان ، وهنأه صديقه ومعاصره السيد أبراهيم العطار والد السيد حيدر - جد الأسرة الحيدرية في بغداد والكاظمية - بقصيدة عند قدومه من زيارة خراسان - منها - :

قد جد في مسيرة حتى هوت *** شوقا إلى طوس به مطيه

وزار فيها قبر قدس قد ثوى *** فيه ابن موسى المجتبى « عليه »

نال من اللّه الرضا زائره *** لا سيما الشيخ « الرضا » سميه

( كميت ) هذا العصر ( بحترية ) *** ( طائيه ) ( كنديه ) ( رضيه )

فلو أتى سحبان في زمانه *** لبان ما بين الأنام عيه

أنى يبارى وأبوه « أحمد » *** الفضل إمام الشعر بل نبيه

الطاهر الأخلاق والذات الذي *** من باهر الفضل له جليه

أعاد ميت الفضل حياً بعدها *** طبق أقطار الفلا نعيه

ص: 148

وإليك من شعر النحوي في الغزل والنسيب قوله :

ذكرت ليالياً سلفت بجمع *** فبت لذكرها شرقاً بدمعي

وأذكر من نسيم رياض نجد *** معاهد جيرة نزلوا بسلع

وأومض بارق في الجزع وهناً *** يترجم عن قلوب ذات صدع

وغرد طائر يملي حديثاً *** فعذب خاطري وأراح سمعي

بجمع لو تعطفتم قلوب *** تبدد شملها من بعد « جمع »

فمنوا واصلين عقيب هجر *** وجودوا منعمين عقيب منع

وقال :

آه من محنتي ومن طول كربي *** وعنائي إذا تذكرت صحبي

كلما استوقد الغرام بلبي *** صحت في لوعتي وحرقة قلبي

الحريق الحريق حقاً وربي

ذبت حتى رثى لي العذال *** مذ رأوني أضر بي الاشتعال

حاولوا برأه وذاك محال *** فاتوا بالمياه نحوي وقالوا

اين هذا الحريق قلت بقلبي

وله :

صحا من خمار الشوق من ليس وجده *** كوجدي وقلبي من جوى البين ما صحا

وعاد غرامي فيكم مثلما بدا *** وأمسى هيامي مثلما كان أصبحا

أطعت غراماً في هواكم ولوعة *** وخالفت عذالاً عليكم ونصحا

ص: 149

ألا فليلم في الحب من لام والهوى *** أبيّاً على اللوام وليلح من لحا

وكم قد سترت الحب والدمع فاضحي *** وما جرت العينان إلا لتفضحا

وكنيت عنكم إن خطرتم بغيركم *** وغالبني الشوق الملح مصرحا

وصرت بنوحي للحمام مجاوبا *** إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى

فتدعو هديلا حين أهتف باسمكم *** كلانا به الوجد المبرحّ برحا

وما وجدت وجدي فتغتبق الجوى *** وتصطبح الأشجان ممسى ومصبحا

ولو صدقت بالنوح ما خضبت يداً *** ولا اتخذت في الروض مسرى ومسرحا

ولي دونها إلف متى عن ذكره *** نحاني لذكراه من الوجد مانحا

إذا ما تجاهشنا البكا خيفة النوى *** وجدنا بدمع كنت أسخى وأسمحا

فيا غائبا ما غاب عني وناز *** على بعده ما كان عني لينزحا

تقربك الذكرى على القرب والنوى *** وبرح جوى ما كان عني ليبرحا

فأنت معي سراً وإن لم تكن معي *** جهاراً فما أدناك مني وانزحا

وكتب إلى صديق له :

سلام عليكم والمفاوز بيننا *** وبالرغم مني من بعيد مُسلّم

فإن لم يجّنئي بالسلام كتابكم *** فإني راضٍ بالسلام عليكم

أأحبابنا والمرء يا ربما ارعوى *** وأغمض والأحوال عنه تترجم

ص: 150

ألفناكم والشوق يلعب بالحشا *** ويبدي الذمي يخفي الضمير ويكتم

وعشنا بكم والعيش غض نباته *** رقيق الحواشي ناعم البرد معلم

إذ الظل دان والأحبة حيرة *** ودهري سلم والحوادث نوم

( ولما أنسنا منكم بخلائق ) *** هي الروض غب القطر ساعه ينجم

وفزنا بأفعال كما رويت لنا *** ( تصدق ما تروي الخلائق عنكم )

( تباعدتم لا أبعد اللّه داركم ) *** وقوضتم والذكر منكم مخيم

وفارقتم لا قدر اللّه فرقة *** ( وأوحشتم لا أوحش اللّه منكم )

وله :

أقول وللهوى ولع بروح *** أبت إلا التردد في التراقي

بنفسي الجيرة الغادين عني *** ووجدهم كوجدي واشتياقي

ألا يا يوم فرقتنا رويداً *** فلست إلى تلاقينا بباقي

ووقفنا موقف التوديع سكرى *** ولا كأس تدار بكف ساقي

أحب نوى يكون به وداع *** وإن كان النوى مر المذاق

نودعكم أحبتنا فإنا *** نرى أن لا سبيل إلى التلاقي

وكتب إلى أخيه الشيخ هادي من النجف إلى الحلة :

أسكان فيحاء العواق ترفقوا *** بمهجة صب بالغرام مشوق

ولا تقطعوا كتب الموده والرضا *** فقد خانني في الحب كل صديق

وكتب إليه السيد صادق الفحام يعاتبه على قطع المراسلة :

عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع *** وشكوى لهاصم الصخور تصدع

وما كان هذا العتب إلا تعللاً *** فلم يبق في قوس الأماني منزع

هو الدهر عرنين المخازي بنحسه *** أشم وعرنين المكارم أجدع

ص: 151

فلاذو المساعي ب- ( الرضا ) منه فائز *** ولا ذو الحجا بالعيش منه ممتع

أفي الحق - لويرعون للحق ذمة - *** أبيت ولي حق لديكم مضيع

أأمنع شرب الماء والبحر زاخر *** وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع

أعز كتاب أم تبرم كاتب *** وأعوز قرطاس أم أعتل مهيع

على أنني لا أدعي نقص خلة *** ولكنه حظ به النقص مولع

فعمد النحوي إلى أبيات السيد وحذف صدورها وعمل لأعجازها صدوراً من نظمه وأجاب بها السيد :

أتاني من المولى كتاب بطيه *** عتاب به سمع الصفا الصلد يقرع

فها أنا ذو بث يلين له الحصى *** وشكوى لها صم الصخور تصدع

وكنت أمني النفس بالصفح والرضا *** فلم يبق في قوس الأماني منزع

هو الشهم أنف اللؤم لولا آباؤه *** أشم وعرنين المكارم أجدع

عتاب فلا ذو اللب يملك لبه *** ولا ذو الحجا بالعيش منه ممتع

فتى لم يضع حقاً فحقاً مقاله *** أبيت ولي حق لديكم مضيع

أخاف إذا لم يعف أظمأ في الروا *** وأحمى ارتياد النبت والروض ممرع

ولا عذر لي إن قلت قد عز كاتب *** وأعوز قرطاس أم اعتل مهيع

وما كان تركي الكتب تركا لوده *** ولكنه حظ به النقص مولع

وقال يخاطب أستاذه السيد بحر العلوم وقد أبل من مرض :

لقد مرضت فأضحى الناس كلهم *** مرضى ولولاك ما اعتلوا ولا مرضوا

ومذ برئت من الأسقام قد برئوا *** فمنك في حالتيك البر والمرض

وله في مرض السيد بحر العلوم :

ولما اعتللت غدا العالمون *** وكل عليل جفاه الوساد

فلا غرو إن لم يعودوك إذ *** مرضت فمن حقهم أن يعادوا

ص: 152

وقال أيضاً :

لقد مرض الناس لما مرضت *** وما ذاك بدعاً نراه جليلا

حللت من العالمين القلوب *** فلا شخص إلا وأمسى عليلا

ورأيت في الجزء الرابع من ( سمير الحاضر ) مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء قال : وللشيخ محمد رضا النحوي مؤرخاً عام تزويح الشيخ موسى كاشف الغطاء.

ومذ جاء فرداً قلت فيه مؤرخاً *** بحسبك أن أوتيت سؤلك يا موسى

وله :

فاسعد بعرس لك الإقبال ارخه *** زوجت بدر الحجى بالشمس يا موسى

وله وقد دخل على السيد بحر العلوم وقد أخذته الحمى والقشعريرة :

وقالوا أصابته وحاشا علاءه *** قشعريرة من ذلك الألم الطاري

وما علموا أن تلك من قبل عادة *** تعودها - مذ كان - من خشية الباري

وقال مخمساً بيتي غانم بن الوليد الآشوني : (1)

أقاموا فأضحى القلب وقفاً عليهم *** وشطوا فأمسى وهو رهن لديهم

فما برحوا في القلب في حاليتهم *** ومن عجب اني أحن إليهم

وأسأل عن أخبارهم وهم معي

عجبت لنفسي بعدهم واتحادها *** بهم تشتكي منهم أليم بعادها

ص: 153


1- 1 - نسبة إلى ( آشونة ) من حصون الأندلس

تتوق لهم روحي وهم في فؤادي *** وتطلبهم عيني وهم في سوادها

ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

وقال مشطراً لنفس البيتين :

( ومن عجب أني أحن اليهم ) *** وهم حيث كانوا من حشاي بموضع

واستنطق الأطلال أين ترحلوا *** ( وأسأل عن أخبارهم وهم معي )

( وتطلبهم عيني وهم في سوادها ) *** ويهفو لهم سمعي وهم ملء مسمعي

وتصبو لهم نفسي وفي نفسي هم *** ( ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي )

وقال في بنت له صغيرة مرضت واسمها رحمة وفيها الاقتباس :

قد مرضت ( رحمة ) فكل *** عج إلى اللّه والأئمة

فعافها ربنا سريعاً *** « وهب لنا من لدنك رحمة »

وللنحوي يد طولى في نظم التواريخ في الحروف الأبجدية وليس الغرض المقصود من التاريخ ضبط عدد السنين من الحروف فقط وانما الغرض ايداع النكتة فيه أو التورية التي تدل على الموضوع وتواريخ النحوي كلها لا تخلو من هذه المحسنات التي المعنا اليها فمنها ما قال في ختان العلامة الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء واتفق ان الخاتن له يدعى « عبدالرحمن »

تطهر موسى بالختان وإنه *** فتى طاهر من طاهر متطهر

وما كان محتاجاً لذاك وانما *** جرت سنة الهادى النبي المطهر

هنالك قد أنشدت فيه مؤرخا *** لقد طهر ( الرحمن ) ( موسى بن جعفر )

ص: 154

وقال مؤرخاً ولادة الشيخ حسن صاحب ( انوار الفقاهة ) أصغر انجال الشيخ الأكبر كاشف الغطاء من أبيات :

أهلاً بمولود له التاريخ - قد *** أنبته اللّه نباتاً ( حسناً )

1201ه-

وله يؤرخ ولادة العلامة السيد رضا سليل آية اللّه بحر العلوم :

بشرى فان الرضا بن المرتضى ولدا *** وانجز اللّه للاسلام ما وعدا

حبا به اللّه مهدي الزمان فيا *** له هدى متبعاً من ربه بهدى

قد طاب أصلا وميلاداً وتربية *** لذاك أرخت ( قد طاب الرضا ولدا )

1189 ه-

وقوله في آخر قصيدته التي رثى فيه السيد سليمان الكبير يؤرخ عام وفاته

وتسعة آل اللّه وافوا وأرخوا *** سليمان أمسى في الجنان مخلداً

1211 ه-

ولا يخفى حسن التورية فيه فان مادة التاريخ تنقص في العدد ( تسعة ) فاكملها بتلك الجملة الظريفة مشيراً إلى عدد أسماء الأئمة من ذرية الحسين (عليه السلام) الذين ذكرهم ابن العرندس بقوله :

وذرية درية منه تسعة *** أئمة حق لا ثمان ولا عشر

وله يهني استاذه الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء في قدومه من الحج ويؤرخ ذلك العام 1199

ص: 155

قد الحجيج فمرحباً بقدومه *** لقدوم من شرع الهدى بعلومه

هو جعفر من كان أحيا مذ نشا *** من دين جعفر عافيات رسومه

حث الرواسم للحجاز ولم تزل *** مشتاقة لوجيفه ورسيمه

كالغيث كل تنوفة ظمآنة *** لغزير وابل ودقة عميمه

وسعى لحج البيت وهو الحج في *** تحليله المعهود أو تحريمه

وبمروتيه وركنه ومقامه *** بحجره وحجونه وحطيمه

رفعت قواعد حجر اسماعيله *** فيه وقام مقام ابراهيمه

وبه الصفا لقي الصفا فتأرجت *** ارجاء مكة من أريج نسيمه

وغدت ينابع زمزم وكأنما *** مزجت لطيب الطعم من تسنيمه

اهدى السلام إلى النبي وما درى *** ان النبي بداه في تسليمه

طبعت خلائقه على محمودها *** والطبع ليس حميده كذميمه

فليقتنع ذو اللب في تبجيله *** بمديح خالقه وفي تعظيمه

ليس المديح يشيد في تشريفه *** شرفاً وليس يزيد في تكريمه

وان أدعى أحد بلوغ ثنائه *** بنثير در صاغه ونظيمه

فأنا الذي سلمت أني عاجز *** ونجاة نفس المرء في تسليمه

لكن عام قدومه أرخته *** قدم السخا والمجد عند قدومه

وكان مولعاً في التخميس والتشطير مبدعاً في كل النوعين غاية الابداع وقد ذكر تخاميسه شيخنا الجليل في ال- ج 4 من الذريعة كتخميس العرفانية الميمية لعمر بن الفارض في بيان راح العشق وخمر المحبة وهو مطبوع مع تخميس البردة و ( بانت سعاد ) في - الاستانة - وقد نقلت تخميس البردة مع مقدمة المخمس قبل نيف وثلاثين سنة عن مجموعة معاصره السيد جواد بن السيد محمد زيني

ص: 156

الحائري وقد فرغ النحوي من نظمه في ال- 24 من رجب سنة 1200 واليك شاهداً منه :

مالي أراك حليف الوجد والألم *** أودي بجسمك ما أودي من السقم

ذا مدمع كالدم المنهل منسجم *** أمن تذكر جيران بذي سلم

مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

أصبحت ذا حسرة في القلب دائمة *** ومهجة أثرهم في البيد هائمة

شجاك في الدوح تغريد لحائمة *** أم هبت الريح من تلقاء كاظمة

وأومض البرق في الظلماء من أضم

وقد قرض تخميسه هذا جماعة من العلماء والأدباء منهم استاذه السيد صادق الفحام بقصيدة يقول فيها :

قرنت إلى عذراء بوصير كفوها *** فكان كما شاءت قران سعود

و لما أتت تشكو العطول رددتها *** بأحسن حلي زان أحسن جيد

وقرضه بأخرى ويقول فيها :

رويدك هل أبقيت قولاً لقائل *** وحسبك هل غادرت سحراً ( لبابل )

وجاريت في تسميط أفضل مدحة *** لأفضل ممدوح لأفضل قائل

فوارس راموا أن ينالوا فقصروا *** ( وأين الثريا من يد المتناول )

وممن قرضه السيد ابراهيم العطار بقصيدة مطلعها :

فرائد در ليس تحصى عجائبه *** وقد بهرت عنا العقول غرائبه

ص: 157

وقرضه الشيخ علي بن زين الدين بقصيدة منها :

نسجت للبردة الغراء بردة تمسيط *** غدا وشيهاً وشي الطواويس

فكنت آصف ذاك الصرح حيث حكى *** منه لنا كل بيت عرش بلقيس

وقرضه الشيخ محمد علي الأعسم مشيراً إلى أن التخميس كان بإيعاز من السيد بحر العلوم بقصيدة منها :

فرائد للأديب ابن الأديب *** نجوم ما جنحن إلى الغروب

ووشى البردة الممدوح فيها *** رسول اللّه بالوشي العجيب

بتسميط يزيد الأصل حسنا *** على حسن طيبا فوق طيب

وكم ملأ المسامع من معان *** لها وقع غريب في القلوب

رعاك لمثلها ( المهدي ) إذ لم *** يجد في الكون غيرك من مجيب

ففاض عليك حين دعاك نور *** هديت به إلى مدح الحبيب

وقرضه أخوه الهادي النحوي بقصيدة سنذكرها في ترجمته ، وخمس أيضاً « الدريدية » ذات الشروح الكثيرة المشتملة على الحكم والآداب وتبلغ 229 بيتاً لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الازدي البصري المتوفى سنة 321 خمسها النحوي وجعل لها مقدمة بدأ فيها بترجمة أبي دريد وذكر تخميس المقصورة لموفق الدين عبداللّه بن عمر الأنصاري في رثاء الحسين (عليه السلام) ذكره النحوي واثنى عليه ولكن النحوي حولها في تخميسه إلى مدح استاذه السيد بحر العلوم وفرغ من تخميسها في 12 ربيع الأول سنة 1212 وتوفي استاذه الممدوح في رجب من تلك السنة. قلت وقد طبع الأصل مع التخميس في بغداد سنة 1344 واليك بعض الشواهد منها :

ص: 158

يقضي الفتى نحبا ويأوى لحده *** ويذكر الناس جميعاً عهده

ينشر كل ذمه أو حمده *** وانما المرء حديث بعده

فكن حديثاً حسناً لمن وعى

فليصرف المرء نفيس عمره *** فيما به يبقى بقاء ذكره

ولا يجاوز حده في أمره *** من لم يقف عند انتهاء قدره

تقاصرت عنه فسيحات الخطى

عليك بالعقل فكن مكملاً *** له بهدي للنجاة موصلا

سلامة العقل الهدى لو عقلا *** وآفة العقل الهوى فمن علا

على هواه عقله فقد نجا

ومنها في المديح :

أعاشني ربي مذ اعاشني *** بهديه القامع ما أطاشني

فلم أقل - وابن النبي راشني *** ان ابن ميكال الأمير انتاشني

من بعد ما قد كنت كالشيء اللقى

من زين الوجود في وجوده *** وشعت السعود في سعوده

يصعد حتى قيل في صعوده *** لو كان يرقى أحد بجوده

ومجده إلى السماء لارتقى

ووجدت قصيدة ميمية غراء الشيخ أحمد بن محمد أحد تلامذة العالم السيد شبر الموسوي الحويزي يمدح فيها أستاذه المذكور - ضمن كتاب ألفه في سيرته - وعلى هامشها تقريظ بقلم النحوي المترجم من الوزن والروي ومن خطه نقلت ما نصه - قال العبد الحقير محمد رضا ابن الشيخ أحمد النحوي مقرضاً على هذه القصيدة المباركة.

ص: 159

أكرم بنظم يروق الناظرين سنا *** كأن عقد الثريا فيه منتظم

( أضحى لأحمد ) في ذا العصر معجزة *** على نبوة شعر كله حكم

حوى مديح بني الزهراء فاطمة *** ومن هم في جميع المكرمات هم

فما ( كشبرهم ) فيما ترى أحد *** ولا يقاس بمن تلقى شبيرهم

فكم ينازعهم في بيت مجدهم *** من لا خلاف له والبيت بيتهم

وما عسى أن يقول المادحون بمن *** قد جاء في محكم القرآن مدحهم

وله من قصيدة طويلة غراء يهنئ فيها أستاذه السيد بحر العلوم ويؤرخ عام قدومه من مكة.

أعيد من الحمد المضاعف ما أبدي *** وأهدي إلى المهدي من ذاك ما أهدي

ولو أنني أهديت ما ينبغي له *** لسقت له ما في المثاني من الحمد

له حسب في آل أحمد معرق *** كمنظوم عقد الدر ناهيك من عقد

أساريره تبدو سرائر قدسهم *** عليها وللآباء سر على الولد

به الغيبة الكبرى تجلى ظلامها *** وأشرق في آفاقها قمر السعد

ولولا سمات عندنا قد تميزت *** بمعرفة المهدي قلنا هو المهدي

عطاء بلا من خلوص بلا رياً *** سحاب بلا رعد سخاء بلا وعد

تعالى به جدي وطالت به يدي *** وقام به حظي ودام به سعدي

وإني قد سيرت فيه شوارداً *** تجاوزن من قبلي وأتعبن من بعدي

سعى ليحج البيت والحج بيته *** فكم عاكف فيه معيد الثنا مبدي

وكر من الركن اليماني راجعاً *** إلى جده أكرم بأحمد من جد

وقد بان في أرض الغري ظهوره *** لذلك قد أرخته ( ظهر المهدي )

1195

وكانت وفاته في النجف سنة 1226 ه- قبل وفاة كاشف الغطاء بعامين وقد ناهز الثمانين سنة من العمر.

ص: 160

ومن مساجلاته مع أستاذه السيد صادق الفحام وهو في قرية ( الحصين ) قوله (1) :

يا أديباً على الفرزدق قد *** ساد بأحكام نظمه وجرير

وبسر الحديث آثره اللّه *** فأوفى علا على ابن الأثير

وبعلم اللغات فاق كثيراً *** من ذويها فضلا عن ابن كثير

بك روض الآداب عاد أريضاً *** ذا غدير يروي الظما نمير

ورقيق القريض أضحى رقيقا *** لك لا ينتهي إلى تحرير

وإذا ما حررت طرزت بترداً *** ظل عنه المطرزي والحريري

حجج قصر ابن حجة عنها *** ودجا ليلها على ابن منير

لك نثر سما الدراري ونظم *** فاق در المنظوم والمنثور

حلم قيس واحنف نجل قيس *** طلت فيه العلى ورأي قصير

خلق كالرياض دبجها الطل *** بند فعبرت عن عبير

وعلوم لو قيست الأبحر *** السبعة فيها ازرت بفيض البحور

ومزايا لو رمت إحصاء ما أو *** ليت منها لم أحص عشر العشير

فقليلي ولو حرصت سواء *** حين أسمو لعدها وكثيري

فتجشمت خطة لو سما *** الطرف إليها لرد أي حسير

عالماً أنني وإن طال مدحي *** وثنائي عليك ذو تقصير

غير أني أقول لا يسقط *** الميسور فيما يراد بالمعسور

فخذ العفو وأعف عوفيت عنى *** لقليل أنهيته من كثير

ص: 161


1- شعراء الحلة للخاقاني ج 5 ص 32.

فكتب له الجواب على الروي والقافية :

أيها الناقد البصير ولا فخر *** وما كل ناقد ببصير

والمجلي لدى السباق إذا صالت *** جياد المنظوم والمنثور

والذي قد طوى بنشر بديع *** النظم ذكر الطائي دهر الدهور

وبه باقلا غدا مثل سحبان *** وأمثال جرول وجرير

وبه ابن العميد بات عميداً *** ذا غناء كالعاشق المهجور

وبه أصبح ابن عباد في الآداب *** عبداً لم يسم للتحرير

وابن هاني لم يهنه العيش واسود *** منير الرجا من ابن منير

وغدا ابن النبيه غير نبيه *** وتحامى البوصيرة البوصيري

والتهامي راح يتهم الفس *** بدعوى التبرير في التحبير

والسلامي لم يعد بسلام *** بعد تعريفه من التنكير

والرضي الشريف لم يرض في *** ملحمة النظم غيره من أمير

والصفي الحلي لم ير عيشا *** مذ نشا صافياً من التكدير

وابن حجر الكندي ألقم فيه *** حجراً بعد سبقه المشهور

ومعيد الذماء (1) من بارع الآداب *** بعد انطماسه والدثور

وربيب المجد الذي دان *** في الفضل له كل فاضل نحرير

ومجلي غياهب الشك واللبس *** بنود البيان والتحرير

وجواداً للسبق جلى أخيراً *** فشأى كل أول وأخير

قد أتانا منكم فريد نظام *** تتحلى به نحور الحور

كيف قلدتم به جيد من لم *** يك في العير لا ولا في النفير

ذاك فضل منكم وإن كثيراً *** ما بعثتم إلى الأقل الحقير

ص: 162


1- الذماء : بقية الروح.

وقال مراسلا (1) :

كتبت وكم تحدر من دموعي *** على وجنات قرطاسي سطور

إلى عين الحياة حياة نفسي *** ومن هو في سواد العين نور

عتبت عليك يا أملي وإني *** عليك بما عتبت به جدير

جفوت وكنت لا تجفو ولكن *** هي الأيام دولتها تدور

وغيرك الزمان وجل من لا *** تغيره الحوادث والدهور

وغرك ما ازدهاك وكنت نعم *** الخليل المصطفى لولا الغرور

سأصبر ما أطاق الصبر قلبي *** فإن الحر في البلوى صبور

فلا تغتر فليس الدهر يبقى *** على حال سيعدل أو يجور

فإن الليل يظلم حين يبدو *** ويسفر بعده صبح منير

وإن الماء يكدر ثم يصفو *** ويخبو ثم يلتهب السعير

وإن الغصن يذبل ثم يزهو *** وتنكسف البدور وتستنير

وإن الهم يقتل حين يبقى *** ويعقبه فيقتله السرور

ومقصوص الجناح يمر يوم *** عليه من الزمان به يطير

وقال :

قفوا قبل لوشك البين يبعدكم عنا *** نودعكم والقلب من أجلكم مضنى

قفوا نسكب الدمع الهتون صبابة *** على صبوة نلنا بها الأرب ألاهنا

ص: 163


1- شعراء الحلة ، للخاقاني ج 5 ص 34.

هلموا إلى العهد الذي كان بيننا *** قديماً فإن حلتم فواللّه ما حلنا

رحلتم فجسمي مبعد معذب *** عقيبكم والقلب عندكم رهنا

بعدتم فلا ندري أبالوصل نحتضي *** أم الفصل محتوم فياليت ما كنا

فجودوا وعودوا وارحموا اليوم حالنا *** فما عنكم مغنا ولا شاقنا مغنى

ساذكركم حتى أموت وإنني *** أحن إذا ما الليل بي سحراً جناً

أيا سائق الأضعان مزقت خاطراً *** رويداً لعلي باللقا ساعة أهنا

فيامهجتي ذوبي أسى لفراقهم *** ويا مقلتي سحي الدماء لهم حزنا

رحلتم أحبائي وكنت بإنسكم *** أنيساً وإني الآن خلفكم مضنى

فلو تعلمون اليوم حالي رحمتم *** نحيلاً أقاسي الموت ياليتني أفنى

فما الليل إلا من غمومي سواده *** وذا الغيم من دمعي غدا يسكب المزنا

وما الفجر إلا من بياض مفارقي *** وما الورق إلا من حنيني قد حنا

وقد سائني لما وقفت بداركم *** أظنكم فيها فأخلفتم الظنا

فعاينتها قفرا أضر بها النوى *** فقمت بها أبكيكم بدم أقنا

فياطول حزني بعدكم وصبابتي *** فما عبرتي ترقى ولا مقلتي وسنا

كفى حزناً ان الشرايع عطلت *** وأن عداة الشرع أفنوكم ضغنا

بني الوحي عودوا للمساجد والدعا *** وقوموا بها بالذكر في الليلة الدجنا

بني الوحي عودوا للمدارس أصبحت *** دوارس فيها اليوم بعدكم سكنا

بني الوحي عودوا اللمنابر وانظروا *** عليها العدا تهديكم السب واللعنا

بني الوحي جرعنا بفاضل صابكم *** ونلنا العنا لما بكم سادتي لذنا

فنستر ما قلتم ونبدي خلافه *** كأن إله العالمين له سنا

سأندبكم حتى تقوم قيامتي *** وأعدل من عذل العذول إذا شنا

ص: 164

وقال يمدح الامام المهدي علیه السلام وقد أنشأها في سر من رأى :

أريحا فقد أودى بها السير والوخد *** وقولا لحادي العيس إيهاً فكم تحدو

طواها الطوى في كل فيفاء ماؤها *** سراب وبرد العيش في ظلها وقد

تحن إلى نجد وأعلام رامة *** وما رامة فيها مرام ولا نجد

وتلوي على بان الغدير ورنده *** ولا البان يلوي البين عنها ولا الرند

وتصبو إلى هند ودعد على النوى *** وما هند تشفي ما أجنت ولا دعد

( هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى ) *** وما قصدها حيث اختلفنا هو القصد

هم آل ياسين الذين ضفا لهم *** من المجد يرد ليس يسمو له برد

ربينا بنعماهم وقلنا بظلهم *** وعشنا بهم والعيش في ظلهم رغد

إليكم بني الزهراء أمت مغذة *** عراب المهارى والمسومة الجرد

قطعن بها غور الفلاة ونجدها *** فيخفضنا غور ويرفعنا نجد

فقبلن أرضا دون مبلغها السما *** وسفن ترابا دون معبقه الند

فيا بن النبي المصطفى وسميه *** ومن بيديه الحل في الكون والعقد

ومن عنده علم الذي كان والذي *** يكون من الإثبات المحو من بعد

اليك حثثناها خفافاً عيابها *** على ثقة أن سوف يوقرها الرفد

فألوت على دار أناخ بها الندى *** وألقى عليها فضل كلكله الجد

إلى خلق كالروض وشحه الحيا *** يغار إذا استنشقته الغار والرند

فعوجا فهذا السر من سر من رأى *** يلوح فقدتم الرجا وانتهى القصد

وهاتيك ما بين السراب قبابهم *** فآونة تخفى وآونة تبدو

فعرج عليها حيث لا روض فضلها *** هشيم ولا ماء الندى عندها ثمد

ص: 165

ورد دارها المخضلة الربع بالندى *** ترد جنة للوفد طاب بها الخلد

وطف حيث ما غير الملائك طائف *** لديها وجبريل بأفنائها عبد

وسل ما تشامن سيب نائلهم فما *** لسائلهم إلا بنيل المنا رد

هم القوم آثار المعارف منهم *** على جبهات الدهر ما برحت تبدو

هم علة الإيجاد بدءاً ومنتهى *** وما قبلهم قبل وما بعدهم بعد

تباعدت عنكم لا ملالا ولا قلى *** ولكن برغمي عنكم ذلك البعد

وجئتكم والدهر عضت نيوبه *** علي وعهدي وهي عني بكم درد

فكن لي يا اسكندر العصر معقلا *** وكهفا يكن بيني وبين الردى سد

إلى كم نعادي من وددناه رقبة *** وخوفا ونصفي الود من لا له ود

( ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ) *** صديقا يعاديه لخوف عدى تعدو

وانكد من ذا أن يبيت مصادقا *** ( عدواً له ما من صداقته بد ) (1)

وفي النفس حاجات وعدتم بنجحها *** وقد آن يا مولاي أن ينجز الوعد

فدونكما فضفاضة البرد ما سما *** بنعتك ( بشار ) إليها ولا ( برد )

على أنها لم تقض حقاً وعذرها *** بأن المزايا الغر ليس لها حد (2)

ص: 166


1- البيت من أمثال المتنبي.
2- عن الجزء الخامس من شعراء الحله أو البابليات للخاقاني ص 29 كما رواها السيد الأمين في الأعيان ، أما الشيخ اليعقوبي في ( البابليات ) فقد نسبها للشيخ أحمد النحوي.

وقال مخمساً قصيدة السيد نصر اللّه الحائري التي قالها في بناء قبة أميرالمؤمنين علیه السلام :

إلى كم تصول الرزايا جهارا *** و توسعنا في الزمان انكسارا

فيا من على الدهر يبغى انتصارا *** إذا ضامك الدهر يوما وجارا

فلذ بحمى امنع الخلق جارا

تمسك بحب الصراط السوي *** أخي الفضل رب الفخار الجلي

إمام الهدى ذو البهاء البهي *** علي العلي وصنو النبي

وغيث الولي وغوث الحيارى

جمال الجمال جلال الجلال *** جميل الخصال حميد الخلال

بعيد المنال عديم المثال *** هزبر النزال وبحر النوال

وشمس الكمال التي لا توارى

فياقبة زانها مشهد *** لمن فضله الدهر لا يجحد

سنا نورها في الورى يوقد *** هي الشمس لكنها مرقد

لظل المهيمين عز اقتدارا

هي الشمس من غير حر يذيب *** ولا ضير للمنتأي والقريب

لقد طالعتنا بأمر عجيب *** هي الشمس لكنها لا تغيب

ولا يحسد الليل فيها النهارا

هي الشمس جلت ظلام العنا *** وبشرنا سعدها بالمنى

فلا الليل يسترها إن دنا *** ولا الكسف يحجب منها السنا

ولم تتخذ برج نحس مدارا

ص: 167

هي الشمس تبهر في حسنها *** وتهدي لذي اليمن في يمنها

وتمحو دجى الخوف من أمنها *** هي الشمس والشهب في ضمنها

قناديلها ليس تخشى استتارا

بدت وهي تزهو بتبرية *** منمقة أرجوانية

شقيقة حسن شقيقة *** عروس تحلت بوردية

ولم ترض غير الدراري نثاراً

هوت نحوها الشهب غب ارتفاع *** لتعلو بتقبيل تلك البقاع

ولم ترعن ذا الجناب اندفاع *** فها هي في قربها والشعاع

جلاها لعينيك در صفارا

عروس سبت حسن بلقيسها *** وعم الورى ضوء مرموسها

زهت فزها حسن ملبوسها *** بدت تحت أحمر فانوسها

لنا شمعة نورها لا يوارى

هي الشمع ضاء بأبهى نمط *** وقد قميص الدياجي وقط

كفانا سنا النور منها نقط *** هي الشمع ما احتاج للقط قط

ولا النفخ اطفأه مذ أنارا

جلا للمحب جلا كربه *** وأهدى الضياء إلى قلبه

ترفرف شوقا إلى قربه *** ملائكة اللّه حفت به

فراشاً ولم تبغ عنه مطارا

فيا قبة شاد منها المحل *** بعزفق للأعادي أذل

ولا عجب حيث فيها استقل *** هي الترس ذهب ثم استظل

به فارس ليس يخشى النفارا

ص: 168

غمامة تبر جلت غمة *** اطلت وكم قد هدت امة

ومرجانة بهرت قيمة *** وياقوته خلطت خيمة

على ملك فساق كسرى ودارا

عقيق يفوق الحلى في حلاه *** غداة تسامى بأعلى علاه

الى حيدر ليس تبغي سواه *** ولم يتخذ غير عرش الآله

له معدناً وكفاه فخاراً

فكم قد عرتنا بها زهوة *** لدى سكرة مالها صحوة

فقلت ولي نحوها صبوة *** حميا الجنان لها نشوة

تسر النفوس وتنفي الخمارا

فيالك صهباء في ذا الوجود *** تجلت أشعتها في السعود

ترى عندها الناس يقظى رقود *** إذا رشفتها عيون الوفود

تراهم سكارى وما هم سكارى

هي الطود طالت بأعلى العلا *** ولم ترض غير السهى منزلا

غدت لعلي العلى موئلاً *** عجبت لها إذ حوت يذبلا

وبحراً بيوم الندى لا يبارى

فيا أيها التبر لما استتم *** فخارا وركن العلى فاستلم

فما زلت أطلب برهان لم *** وكنت أفكر في التبر لم

غلا قيمة وتسامى فخارا

وكيف غدا وهو مستطرف *** وبين السلاطين مستظرف

مطل على هامهم مشرف *** إلى أن بدا خوفها يخطف

النواظر مهما بدا واستنارا

فثم تسامى إلى نسبة *** تسامى ونال علا رتبة

ص: 169

ولم يخش في الدهر من سبة *** وما يبلغ الدهر من قبة

بها علم الملك زاد افتخارا

فيا قبة نلت عزاً وجاه *** وعين النضار بك اليوم تاه

ومع حسنها فهي عين الحياه *** ومذ كان صاحبها للأله

يدان يدا نعمة واقتدارا

يرى الركب ان ضل حاديهم *** يداً في علاها تناديهم

لها آية الفتح تهديهم *** يد اللّه من فوق أيديهم

بدت فوق سر طوقها لا تبارى

يد ربح البذل في سوقها *** ترى البذل أحسن معشوقها

تسامت إلى أوج عيوقها *** وقد رفعت فوق سرطوقها

تشير إلى وافديها جهارا

ص: 170

السيد جواد العاملي

وافى المشيب مهجهجاً ومخبراً *** اني بلغت من الطريق الأكثرا

فلئن صبوت لاصبون تكلفاً *** ولئن جذلت لأجذلن مكدراً

وخدور مثلك يا أميم هجرتها *** وصحوت من سكر الهوى متبصرا

قد غرني دهري فنلت جرائماً *** والدهر من عاداته أن يغدرا

أبكي وما في العمر ما يسع البكا *** فالحزن أن أبكي الحسين لتغفرا

هذا الحسين ابن النبي وسبطه *** أمسى طريحاً في الطفوف معفرا

هذي بنات محمد ووصيه *** أمست سبايا ضائعات حسرا

أبكي على الأيتام عز كفيلها *** مرعوبة يا للورى مما ترى

لهفي لزين العابدين مصفداً *** يرنو النساء ولا يطيق المنظرا

لو أن فاطمة تشاهد ما جرى *** أجرت من الآماق دمعاً أحمرا

فلتلبس الدنيا ثياب حدادها *** فالنور نور اللّه غيب في الثرى

ص: 171

السيد محمد جواد العاملي النجفي المتوفى 1226.

هو السيد محمد جواد ابن السيد محمد بن محمد العاملي الشقرائي النجفي من كبار علماء الأمامية وفطاحل فقهائهم في هذا القرن.

ولد في شقراء من قرى جبل عامل في حدود 1160 ونشأ هنالك فقرأ بعض مقدمات العلوم ثم هاجر إلى العراق ولما ورد كربلاء على عهد الوحيد البهبهاني حضر على السيد الطباطبائي صاحب ( الرياض ) ثم حضر على الأستاذ الوحيد البهبهاني لازم بحثهما مدة حتى حصل قسطاً وافراً من العلم وعرف بالفضل وأجيز من البهبهاني فجاء إلى النجف وحضر على السيد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر كاشف الغطاء والشيخ حسين نجف بقى ملازماً لأبحاثهم زمناً طويلاً ، وكتب له المحقق القمي صاحب « القوانين » إجازة من قم بتاريخ (1206) والمعروف عنه إنه كان كثير الإنكباب على الاشتغال ، ولا يقدم على ذلك عملاً من الأعمال ولم تشغله حتى الحوادث. فقد صرح في آخر بعض مؤلفاته أنه فرغ والوهابي محاصر للنجف وأهلها مشغولون مع سائر العلماء بالدفاع وكانت له يد معهم في مباشرة الأمور وتهيئة اللوازم حتى انه كتب رسالة في ذلك. أخذ اسم المترجم يشتهر يوماً فيوماً حتى أصبح من مراجع عصره واستقل بالتدريس فتخرج عليه جم غفير من الأعلام الأجلاء كالشيخ جواد ملا كتاب والشيخ محمد حسن صاحب « الجواهر » والشيخ محسن الأعسم والشيخ الأغا محمد علي الهزار جريبي والسيد صدر الدين العاملي والشيخ مهدي ملا كتاب والسيد علي الأمين من بني عمه وولده السيد محمد وسبطه الشيخ رضا بن زين العابدين الأسدي الحلي والميرزا عبدالوهاب المجاز منه باجازة تاريخها (1225) وغيرهم ممن لا يحصى ، قضى عمره الشريف بالتصنيف والتأليف والدرس والبحث وخدمة الدين إلى أن توفي

ص: 172

في (1226) في النجف ودفن في الحجرة الثالثة من حجر الصحن الشريف من الجهة القبلية بين بابي الفرج والقبلة وترك آثاراً جليلة تدل على تحقيقه وتدقيقه وتبحره في الفقه والأصول وتتبعاته لأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين وما امتاز به من ضبط واتقان مع جودة الخط وأهم آثاره وأشهرها ( مفتاح الكرامة ) في شرح ( قواعد العلامة ) من خيرة أسفار المتأخرين جمع أكثر أبواب الفقه بأسلوب جيد وهو في اثنين وثلاثين مجلداً ألفه بأمر أستاذه كاشف الغطاء أيام اشتغاله عليه كما صرح به في أوله قال : امتثلت فيه أمر أستاذي الإمام العلامة الحبر الأعظم الشيخ جعفر جعلني اللّه فداه إلخ طبع أكثر هذا الكتاب في ثمان مجلدات ضخام ، سبع منها في مصر وطبع الثامن في دمشق بسعي العلامة السيد محسن بن عبدالكريم الأمين العاملي من أقارب المترجم في « 1333 » وترجمة مفصلاً في آخر مجلد المتاجر وسرد نسبه إلى عيسى بن يحيى المحدث بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام وله أيضاً شرح كتاب الطهارة من « الوافي » ألفه من تقريرات درس أستاذه الطباطبائي ، وألف من تقريره أيضاً حاشيته على كتاب التجارة من ( القواعد ) وجاشية كتاب الطهارة من المدراك وهي تقرير درس الشيخ حسين نجف وحاشية الدين والرهن من القواعد من تقرير أستاذه كاشف الغطاء وله حاشية أول ( تهذيب الأصول ) رأيت هذه الخمسة الأخيرة في مجموعة عند حفيده السيد عبدالحسين بن محمد ابن الحسن بن محمد ابن المؤلف وله رسالة في حكم العصيرين العنبي والتمري ألفهما بأمر أستاذه كاشف الغطاء وقرضها أستاذه الشيخ حسين نجف و ( الرحمة الواسعة ) في المضايقة والمواسعة ألفه بأمر أستاذه صاحب ( الرياض ) وحاشية على الروضة على كتاب المضاربة والوديعة والعارية والمزارعة والمساقاة والوصايا والنكاح والطلاق وهي على بعض ما مر غير تامة ورسالة في جواز العدول عن العمرة إلى الأفراد عند الضيق وشرح ( الوافية ) في الأصول مجلدان ورسالة في الشك في الشرطية والجزئية وأخرى في مناظرة شيخه كاشف الغطاء مع المحقق السيد محسن الأعرجي ومكاتباتهما في المسائل العلمية وتعليقه على مقدمة

ص: 173

الواجب من ( المعالم ) ورسالة في التجويد وأخرى في رد الإخباريين وثالثة في وجوب الذب عن النجف لأنها بيضة الإسلام وأخرى في حكم المقيم الخارج عن الترخص و ( أهل البراءة ) رأيته في ( مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء ) كما فصلته في ( الذريعة ) ج 2 ص 113 إلى غير ذلك وكان شاعراً له مدائح لأساتذته وأراجيز ثلاث في الخمس والزكاة والرضاع ذكرناها في الجزء الأول من ( الذريعة ) وذكر مشايخه في الرواية في إجازته للأغا محمد علي الهزار جريبي ورأيت إجازته للشيخ حسن بن محمد علي العبودي بخطه أشركه فيها مع ولده الشيخ محمد طاهر بن الحسن وتاريخها (1225) وخلفه من ولده العلامة السيد محمد المذكور فقد خلف (1) السيد عباس الذي لم يعقب و (2) السيد حسين و (3) السيد حسن والد السيد جواد المعاصر الذي حدثني بذلك.

شعره في الرثاء :

تساور رزء فادح الخطب فاقم *** فخرت من الدين القويم القوائم

سلوا يوم حفت بالحسين خيامهم *** وليس لها إلا الرماح دعائم

فتى الحرب يغنيه عن الجيش بأسه *** ويكفيه عن نصر النصير العزائم

يخرون لا لله إن كر سجداً *** ولكن لماضيه تخر الجماجم

لك اللّه تستبقي وتردي جحافلاً *** كأنك في الأعمار قاض وحاكم

لك اللّه مكثوراً أضر به الظما *** ولا ورد إلا المرهفات الصوارم

فللسمر في الجنبين منه مشارع *** وللنبل في الجنبين منه مطاعم

وفي الجسم منه للنصول مدارع *** وفي الهام منه للمواضي عمائم

فخر على عفر الثرى عن جواده *** وقامت عليه في السماء مآتم

وقد طبق الافلاك رزءاً مصابه *** فما أحد منهم - خلا اللّه - سالم

وجل جلال اللّه ما ينبغي له *** ولكن قلباً قد حوى اللّه واجم

فمن مبلغ الزهراء أن بناتها *** أسارى حيارى ما لها اليوم راحم

أفاطم قومي يا بنة الطهر واندبي *** يتاماك أو قتلاك فالخطب فاقم

ص: 174

ولسيدنا قصائد في الكتب المتضمنة لمرائي أهل البيت ، منها في الحسين قصيدته التي أولها :

زموا الركائب للرحيل وأزمعوا *** فذرى الدموع مودع ومودع

وأخرى أولها :

عواد على الإسلام صال بها الكفر *** فحتى م حتى م التجلد والصبر

وثالثة كان مطلعها :

صال الزمان بماضي الغرب مطرور *** فأوسع المجد جرحاً غير مسبور

ص: 175

السيد محسن الاعرجي

اشارة

المتوفي سنة 1227

دموع بدا فوق الخدود خدودها *** ونار غدا بين الضلوع وقودها

أتملك سادات الأنام عبيدها *** وتخضع في أسر الكلاب أسودها

وتبتز أولاد النبي حقوقها *** جهاراً وتدمي بعد ذاك خدودها

ويمسي حسين شاحط الدار دامياً *** يعفره في كربلاء صعيدها

وأسرته صرعى على الترب حوله *** يطوف بها نسر الفلاة وسيدها

قضوا عطشاً يا للرجال ودونهم *** شرائع لكن ما أبيح ورودها

غدوا نحوهم من كل فج يقودهم *** على حنق جبارها وعنيدها

يعز على المختار أحمد أن يرى *** عداها عن الورد المباح تذودها

تموت ظماً شبانها وكهولها *** ويفحص من حر الاوام وليدها

تمزق ضرباً بالسيوف جسومها *** وتسلب عنها بعد ذاك برودها

وتترك في الحر الشديد على الثرى *** ثلاث ليال لا تشق لحودها

وتهدى إلى نحو الشئام رؤوسها *** وينكتها بالخيزران يزيدها

أتضربها شلت يمينك إنها *** وجوه لوجه اللّه طال سجودها

ويسرى بزين العابدين مكبلا *** تجاذبه السير العنيف قيودها

بنفسي أغصاناً ذوت بعد بهجة *** واقمار تم قد تولت سعودها

وفتيان صدق لا يضام نزيلها *** وأسياف هند لا تفل حدودها

حدا بهم الحادي فتلك ديارهم *** طوامس ما بين الديار عهودها

ص: 176

كأن لم يكن فيها أنيس ولم تكن *** تروح لها من كل أوب وفودها

أبا حسن يا خير من وطئ الثرى *** وسارت به قب المهاوي وقودها

أتصبح يا مولى الورى عن مناصب *** الخلافة مدفوعاً وأنت عميدها

واين بنو سفيان من ملك أحمد *** وقد تعست في الغابرين جدودها

أتملك أمر المسلمين وقد بدا *** بكل زمان كفرها وجحودها

ألا يا أبن هند لا سقى اللّه تربة *** ثويت بمثواها ولا أخضر عودها

أتسلب أثواب الخلافة هاشماً *** وتطردها عنها وأنت طريدها

وتقضي بها ويل لأملك قسوة *** إلى فاجر قامت عليه شهودها

فواعجباً حتى يزيد ينالها *** وهل دابه إلا المدام وعودها

وواحزناً مما جرى لمحمد *** وعترته من كل أمر يكيدها

يسودها الرحمن جل جلاله *** وتأبى شرار الخلق ثم تسودها

فما عرفت تاللّه يوماً حقوقها *** ولا رعيت في الناس يوماً عهودها

وما قتل السبط الشهيد ابن فاطم *** لعمرك إلا يوم ردت شهودها

يميناً برب النهي والأمر ما أتت *** بما قد أتوه عادها وثمودها

وما أن أرى يطفي الجوى غير دولة *** تدين لها في الشرق والغرب صيدها

تعيد علينا شرعة الحق غضة *** وتزهر بها الدنيا وتعلو سعودها

أما والذي لا يعلم الغيب غيره *** لئن ذهبت يوماً فسوف يعيدها

وتقدم من أرض الحجاز جنودها *** وتخفق في أرض العراق بنودها

فعجل رعاك اللّه ان قلوبنا *** يزيد على مر الليالي وقودها

وتلك حدود اللّه في كل وجهة *** معطلة ما أن تقام حدودها

عليك سلام اللّه ما انسكب الحيا *** وأبقلت الأرضون واخضر عودها

ص: 177

السيد محسن الاعرجي

السيد محسن بن الحسن بن مرتضى الأعرجي الكاظمي المعروف بالمحقق الكاظمي والمحقق البغدادي صاحب المحصول والوسائل ، توفي سنة 1227 وقد ناف على التسعين وقيل في تاريخ وفاته : بموتك محسن مات الصلاح. ودفن في الكاظمية وقبره مزور وعليه قبة.

عالم فقيه محقق مدقق مؤلفاته مشهورة زاهد عابد تقي ورع جليل القدر وهو صاحب كتاب ( المحصول في الأصول ) و ( الوافي في شرح وافية ملا عبداللّه التوني ) و ( شرح مقدمات الحدائق ) وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال :

السيد محسن بن السيد حسن بن مرتضى بن شرف الدين بن نصر اللّه بن زرزور ابن ناصر بن منصور بن أبي الفضل النقيب عماد الدين موسى بن علي بن أبي الحسن محمد بن عماد بن الفضل بن محمد بن أحمد البن بن محمد الأشتر (1) الحسيني الأعرجي الكاظمي. ولد ببغداد سنة 1130 ه- وكان من العلماء المحققين والفقهاء المقدسين الزاهدين العابدين. أخفى علمه الجم وجود أقطاب العلماء الأعلام ومراجع التقليد العظام ، وكان أديباً شاعراً له نظم كثير مثبت في المجاميع المخطوطة ومن شعراء العلماء الثمانية عشر الذين قرضوا القصيدة الكرارية لابن فلاح الكاظمي في مدح أميرالمؤمنين ، حج بيت اللّه الحرام سنة 1199 ه- وكان سفره مع العلماء الذين ساروا بركب الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ومن العلماء السيد

ص: 178


1- ابن عبيداللّه بن علي الصالح بن عبيد اللّه الأعرج بن الحسين الأصغر ابن الامام زين العابدين علي ابن الحسين.

محمد جواد صاحب مفتاح الكرامة والشيخ محمد علي الأعسم ونظرائهم.

أساتيذه :

تتلمذ على الأغا محمد باقر البهبهاني المتوفى سنة 1205 ه- وعلى السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي واجازه. وتتلمذ عليه جمهرة من العلماء منهم الشيخ عبدالحسين الأعسم المتوفى سنة 1246 ه- والشيخ إبراهيم الكلباسي المتوفى سنة 1261 ه.

مؤلفاته :

ألف كتاب الرسائل في الفقه في عدة مجلدات وهو كتاب متين وكانت أساتذتنا تقول : هو أحسن ما كتب وكتاب المحصول وكتاب الوافي وشرح مقدمات الحدائق والعدة في الرجال لم يتم ، خرج منه الفوائد الرجالية.

توفي في الكاظمية ودفن بها في داره سنة 1227 ه.

وفي الذريعة - قسم الديوان : ديوان السيد محسن بن الحسن الشهير بالمقدس الأعرجي الكاظمي صاحب المحصول والعدة في الرجال وغيرهما من التصانيف ترجمة سيدنا الحسن الصدر في ( ذكرة المحسنين ) وقال : إن في ديوانه أشعار رائقة في المراثي وغيرها ، كما كتب السيد الخوانساري عنه في ( روضات الجنات ) وكتب عنه البحاثة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سلمه اللّه في مجلة البلاغ الكاظمية عدد 7 من السنة الرابعة وذكر له 20 مؤلفاً.

وجاء في بعض المجاميع المخطوطة قصيدته الميمية مقرضاً بها الكرارية مطلعها :

فضل تكل بحصره الأقلام *** وتهيم في بيدائه الأوهام

ومناقب شهد العدو بفضلها *** فضل الامام فما عليك ملام

قد حزت آيات السباق بأسرها *** طفلا وما أعيى عليك مرام

وشأوت أرباب القريض جميعهم *** فغدوا وليس لهم سواك إمام

ص: 179

وسلكت فجاً ليس يسلك مثله *** ولطالما زلت به الأقدام

يهدي العقول عقول أرباب النهى *** نثر نثرت عليهم ونظام

وقصائد لله كم نفدت لها *** بقلوب أرباب النفاق سهام

لا سيما المثل الذي سارت به *** الركبان وازدانت به الأيام

مدح الامام المرتضى علم الهدى *** مولى اليه النقض والابرام

نفثات سحر ما بها آثام *** وعقود در مازها النظام

هذا هو السحر الحلال وغيره *** من نظم أرباب القريض حرام

ومدامة حليت ببابل فانتشت *** مصر لها وتهامة والشام

كم ليلة بتنا سكارى ولها *** طرباً بها والحادثات نيام

ما الروضة الغناء باكرها الحيا *** فتعطرت من طيبها الآكام

ما الغادة الحسناء حار بخدها *** ماء الشباب وفي القلوب أوام

خطرت تميس بعطفها فغدا لها *** في كل قلب حسرة وغرام

الخ ....

وقال في رثاء الحسين علیه السلام :

فؤاد لا يزال به اكتئاب *** ودمع لا يزال له انصباب

على من أورث المختار حزناً *** تذوب لوقعة الصم الصلاب

ومات لموته الاسلام شجواً *** وذلت يوم مصرعه الرقاب

وأرجفت البلاد ومن عليها *** وأوشك أن يحل بها العذاب

يقبل نحره المختار شوقاً *** وتدميه الأسنة والحراب

فيا لله من رزء جليل *** وهت منه الشوامخ والهضاب

ديار لم تزل مأوى اليتامى *** سوام كيف صاح بها الغراب

وكيف تعطلت رتب المعالي *** بهن وقوضت تلك القباب

كأن لم تلف أمناً من مخوف *** ولم تحلل بساحتها الركاب

فيا غوث الانام وصبح داجي *** الظلام ومن به عرف الصواب

ص: 180

اتهمل ثارها البيض المواضي *** وتمنع فيئها الاسد الغضاب

اقول ولهذه القصيدة بقية. وقال يرثى الفقيه السيد محمد العطار الحسني البغدادي قدس سره المتوفى سنة 1171 واولها

خطب تظل به النفوس تصعد *** والناس من حرق تقوم وتقعد

وقال رحمه اللّه في الوعظ والمناجاة

ايا ربي ومعتمدي *** ويا سندي ويا ذخري

عساك اذ تناهت بي *** اموري وانقضى عمري

واسلمني احبائي *** ومن يعنيهم امري

الى قفراء موحشة *** تهيج بلابل الصدري

وحيدا ثاويا في الترب *** للخدين والنحر

واوحش بين اصحابي *** مقامي وانمحى ذكري

وقمت اليك من جدثي *** على وجل بلا ستر

ذليلا حاملا ثقلي *** واوزاري على ظهري

افكر ما عسى تجري *** علي بها ولا ادري

ترى متجاوزاً عما *** جنيت وراحما ضري

وتلطف بي لقىً قد *** عيل من ألم الجوى صبري

ومغسولاً على حدباء *** بلكافور والسيدر

ومحمولاً على الاعواد *** يسعى بي الى القبر

وتؤنس وحشتي اذ لا *** انيس سواك في قبري

وتنجيني من الأهوال *** يوم الحشر والنشر

وتحميني من النيران *** ذات الوقد والسجر

وتلحقني من أهوى *** بأل المصطفى الغر

بساداتي ومن أعددتهم *** للبؤس والضر

ملوك الحشر والنشر *** وأهل النهي والأمر

ص: 181

وتسقيني بكأسهم *** زلالا مثلجا صدري

وتأمر بي إلى الجنات *** بالنعماء والبشر

إلى حور وولدان *** وانهار بها تجري

ولست ارى يقوم بحمل *** ما استحقبت من وزري

سوى لقياك في صف *** نعت ذويه في الذكر

فيسرني لذلك يا *** رجاي ومالكا امري

وخذ في ثأر من اضحى *** قتيل عصابة الكفر

حسين سبط احمد وابن *** حيدرة الرضا الطهر

بجيش القائم المهدى *** ذي الإقبال والنصر

وبحر العلم والجدوى *** وفخر المجد والفخر

وظل اللّه منبسطاً *** بلا قبض مدى الدهر

على اصناف خلق اللّه *** في بحر وفي بر

وعين اللّه ترعى الناس *** في سر وفي جهر

وترقبهم بما يأتون من *** خير ومن شر

وأيدني ومن علي *** في السراء بالشكر

وفي الضراء بالايمان *** والتسليم والصبر

ولا تقطع رجائي منك *** في عسر وفي يسر

وجملني بسترك إن *** أخذت أميط من ستري

وجللني بعافية *** تصاحبني مدى الدهر

وله في مدح جده أميرالمؤمنين علیه السلام :

هل الفضل إلا ما حوته مناقبه *** أو الفخر إلا ما رقته مراتبه

أو الجود إلا ما أفادت يمينه *** أو المجد إلا ما استفادت مكاسبه

شهاب هدى جلى دجى الغي نوره *** وقد طبقت كل الفجاج غياهبه

وبحر ندى عذب الموارد زاخر *** سوى انه لا يرهب الموت راكبه

ص: 182

وفرع طويل من لؤي بن غالب *** وسيف صقيل لا تفل مضاربه

وربع خصيب بالمسرة آنس *** وطود منيع قط ما ذل جانبه

وأنى له فيها مثيل وانما *** ضربنا مثالا قد تمحل ضاربه

علي أميرالمؤمنين وسيد *** الوصيين بل نفس النبي ونائبه

ومنها :

وسل أحداً لما توازرت العدا *** وضاقت على الجيش اللّهام مهاربه

ترى أيهم واسى النبي بنفسه *** وقد أسلمته للاعادي كتائبه

ويوم حنين إذ أباد جموعهم *** وبدرا وما لاقى هناك محاربه

وخيبر لما أن تزلزل حصنها *** ومرحب إذ وافته منه معاطبه

وقد نكصا خوفاً براية أحمد *** دعاها فان الموت وعر مساربه

وتلك التي شدت عليه يحفها *** الطغام ويحدوها من الغي ناعبه

وصفين إذ مدت به الحرب باعها *** طويلا وما عانى ابن هندو صاحبه

وما لقيت أجنادهم من رماحه *** وما فعلت ليل الهرير قواضبه

فمن ذا الذي لم يأل في النصح جهده *** لأحمد فيها أو تقوم نوادبه

ص: 183

الشيخ نصر اللّه يحيى

اشارة

المتوفى 1230

لله أية مقلة جفت الكرى *** واستبدلت عن نومها بسهادها

هيهات لا كرب كوقعة كربلا *** كلا ولا جهد كيوم جهادها

إذ طاف يوم الطف آل أمية *** بالسبط في الأرجاس من أوغادها

دفعته عن دفع الفرات بمهجة *** حرى ووحش البر من ورادها

بكت السماء دماً وأملاك السما *** تبكي له من فوق سبع شدادها

وأغبرت الآفاق من حزن له *** والأرض قد لبست ثياب حدادها

رزء يقل من العيون له البكا *** بدمائها وبياضها وسوادها

من مبلغ المختار أن سليله *** أمسى لقى بين الربى ووهادها

ومنابر الهادي تظل أمية *** تنزو كلابهم على أعوادها

ابني النبي مصابكم لا تنقضي *** حسراته أبداً مدى آبادها

وعليكم يا سادتي قد عولت *** نفسي إذا حضرت إلى ميعادها

ألقن ( نصر اللّه ) يرجو نصركم *** في معشره والفوز في اشهادها

لا اختشي نار الجحيم وحبكم *** لي عدة أعددت في اخمادها

صلى الإله عليكم يا خير من *** ترجوهم نفسي لنيل مرادها

ص: 184

الشيخ نصر اللّه بن ابراهيم بن يحيى العامل الطيبي :

ولد في جمادى الثانية سنة 1183 وتوفي في قرية عيثرون = قضاء بنت جبيل في حدود سنة 1230 ذكر السيد الأمين في الأعيان جملة من أشعاره. كان عالماً فاضلاً أديبا شاعراً جيد الخط. له شعر في الامام الحسين (عليه السلام) ومنه القصيدة التي أولها :

ذرني وشاني فلا أصغي إلى شاني *** أذري الدموع على الخدين من شاني

وقال متوسلا بأهل البيت علیهم السلام :

إلهي بحق المصطفى ووصيه *** علي وبالزهراء والحسنين

وبالتسعة الغر الذين ولاهم *** وطاعتهم فرض على الثقلين

أنلني بهم قبل المماة وعنده *** ومن بعده يا رب قرة عين

ص: 185

السيد ابراهيم العطار

اشارة

المتوفى سنة 1230

لم أبك ذكر معالم وديار *** قد أصبحت ممحوة الآثار

واستوحشت بعد الأنيس فما ترى *** فيهن غير الوحش من ديار

كلا ولا وصل العذارى شاقني *** فخلعت في حبي لهن عذاري

كلا ولا برق تألق من ربى *** نجد فهيج مذ سرى تذكاري

لكن بكيت وحق أن أبكي دماً *** لمصاب آل المصطفى الأطهار

وإذا تمثلت الحسين بكربلا *** أصبحت ذا قلق ودمع جار

لم أنسه فرداً يجول بحومة الهيجاء *** كالأسد الهزبر الضاري

لاغرو إن أضحى يكر على العدى *** فهو ابن حيدرة الفتى الكرار

حتى أحيط به وغودر مفرداً *** خلواًَ من الأعوان والأنصار

يا للحماة لمصعب تقتاده *** أيدي الردى بأزمة الأقدار

يا للملا لدم يطل محللا *** بمحرم لمحمد المختار

وبنوه صرعى كالأضاحي حوله *** ما بين بدر دجى وشمس نهار

ص: 186

أين الخضارمة القماقم من بني *** مضر وأين ليوث آل نزار

كم من مخدرة لآل محمد *** قد أبرزت حسرى من الأستار

نحر له الهادى النبي مقبل *** أضحت تقبله شفاه شفار

صدر يرضض بالخيول وإنه *** كنز العلوم وعيبة الأسرار

يا جد هل خبرت أن حماتنا *** قد أصبحوا خبراً من الأخبار

يا مدرك الأوتار أدركنا فقد *** عظم البلا يا مدرك الأوتار

فاليك ياغوث العباد المشتكى *** مما ألم بنا من الأشرار

والمؤمنون على شفا جرف الردى *** فبدار يا ابن الأكرمين بدار

يا سيداً بكت الوحوش عليه في *** الخلوات والأطيار في الأشجار

يا منية الكرار بل يا مهجة المختار *** بل يا صفوة الجبار

أتزل بي قدم ومثلك آخذ *** بيدي وأنت غداً مقيل عثاري

ويذوق حر النار من ينمى *** إلى الكرار وهو غداً قسيم النار

أو يختشي منها ونار سمية (1) *** بكم خبت في سالف الأعصار

ولقد بذلت الجهد في مدحي لكم *** طمعاً بأن تمحى بكم أوزاري

صلى الإله عليكم وأحلكم *** دار السلام فنعم عقبى الدار

وقال :

لهفي لتلك الرؤوس يرفعها *** على رؤوس الرماح أوضعها

لهفي لتلك الجسوم عارية *** وذاريات الصبى تلفعها

لهفي لتلك الصدور توطأ *** بالخيل ومنها العلوم أجمعها

ص: 187


1- يشير إلى عمار بن ياسر رضوان اللّه عليه لما جعلت كفار قريش تعذبه وأمه سمية وأباه ياسر بالنار والنبي صلی اللّه علیه و آله يمر عليهم فيقول : صبراً آل ياسر ، يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على ابراهيم.

لهفي لتلك الأسود قد ظفرت *** بها كلاب الشقا وأضبعها

لهفي لتلك الأوصال تنهبها *** السمر وبيض الظبا تقطعها

لهفي لتلك البدور تأفل في الترب *** وأوج الجمال مطلعها

لهفي لتلك البحور قد نضبت *** وكم طما دافقاً تدفعها

لهفي لتلك الجبال تنسفها *** من عاصفات الضلال زعزعها

لهفي لتلك الغصون ذاوية *** ومن أصول التقى تفرعها

لهفي لتلك الديار موحشة *** تبكي لفقد الأنيس أربعها

ص: 188

السيد ابراهيم العطار

المتوفى سنة 1230

هو السيد ابراهيم بن محمد بن علي بن سيف الدين بن رضاء الدين بن سيف الدين ابن رميئة بن رضا الدين بن محمد علي بن عطيفة بن رضاء الدين بن علاء الدين بن مرتضى بن محمد بن حميضة بن أبي نمي محمد نجم الدين الشريف من أمراء مكة ، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن من جهة الأب ومن الأم إلى الإمام الحسين (عليه السلام). من مشاهير الشعراء العلماء.

ولد ببغداد ونشأ بها على والده الذي كان من الأعلام ، فعني بتربيته وغذاه بسيرته وبقي ملازماً له حتى توفي عام 1171 ه- ، هاجر إلى النجف مقتفياً أثر سيرة آبائه وإخوانه فحضر على أعلام عصره وأختلف على حلقة السيد محمد مهدي بحر العلوم ، واتصل بفريق مشاهير الشعراء أمال النحوي ، والزيني ، والفحام ، والشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ، والشيخ محمد بن يوسف الجامعي ، وبذلك بزغ نجمه بينهم ، واحتل مكانة في صفوفهم ، ورمقه الأخدان ، واحترمه الأقران.

كف بصره في أواخر حياته ، إذ أعرب عن ذلك في قصيدة له استنجد بها الأئمة (عليهم السلام) وأظهر شكواه من مرض عينيه بقوله :

أيبريني السقام وحسن ظني *** ببرئي فيكم لابل يقيني

وأخشى أن أضام وفي يقيني *** وعلمي أن حبكم يقيني

ص: 189

ومنها :

على م صددتم عني وأنتم *** على الإحسان قد عودتموني

لقد عجزت أطبائي ومالي *** سواكم منقذ فاستنقذوني

ومنها :

أبيت وللأسى نار بقلبي *** فهل من قائل يا نار كوني

متى يجلى قذى عيني وتحظى *** عقيب الفحص بالفتح المبين

فدونكم بني الزهراء نظماً *** يفوق قلائد الدر الثمين

أروم به جلاء العين منكم *** بعين عناية اللّه المعين

عليكم أشرف الصلوات ما أن *** شدت ورق على ورق الغصون

وما سارت مهجنة إليكم *** وسار بذكر كم حادي الظعون

ذكره فريق من الأعلام منهم الشيخ النقدي في الروض النضير ص 346 فقال : كان من ذوي الفضيلة والكمال ، أديباً جيد الشعر ، حي الشعور له مطارحات كثيرة مع أهل عصره ، وشعره الغالب عليه الحسن والرقة.

وذكره السيد الأمين في الأعيان ج 5 ص 437 وساق نسبه الكامل وقال توفي عام 1215 ه- وهو غير صحيح.

والمترجم له والد السيد باقر العطار وابن السيد محمد الذي كان أحد أعلام العراق في وقته ، اشتهر بين فطاحل العلماء ، ومشاهير الشعراء ، وكان مهيباً عند آل عثمان.

وذكره السماوي في الطليعة فقال : كان فاضلاً فقيهاً مشاركاً ، وتقياً زاهداً

ص: 190

ناسكاً ، وله شعر إلى أدب ومعرفة باللغة ، ومحاضرات لأدباء وقته كالسيد محمد زيني توفي عام 1240 ه.

توفي في شهر شعبان من عام 1230 ه.

خلف من الآثار الأدبية ديوان شعره الذي جمعه بعده ولده السيد حيدر الكاظمي جد الأسرة المعروفة ، وفيه ما يقارب الأربعة آلاف بيت وهو اليوم موجود بمكتبة السيد هادي الحيدري.

نماذج من شعره :

والسيد العطار شاعر مجيد معروف ، تجول في مختلف أغراض الشعر وأصاب منها الحظ الأوفر ، وشعره يوقفك على علاقاته مع العلماء والأسر ، ويطلعك على كثير من الصور التي قد لا تجدها عند غيره ، وإليك نماذج متنوعة من شعره ، منها ما قرظ وأرخ به عام تخميس الشاعر المعروف الشيخ محمد رضا النحوي لبردة البوصيري فقال :

فرائد در ليس تحصى عجائبه *** وقد بهرت منا العقول غرائبه

وآيات نظم يهتدي المهتدي بها *** كما يهتدي بالنجم في الليل ساربه

ويهتز من إنشادها كل ساطع *** سروراً كما يهتز للخمر شاربه

ترى كل قطر من شذا طيب نشرها *** معطرة أرجاؤه وجوانبه

عرائس أفكار برزن مرقة *** عليهن أثواب البها وجلابيه

شوارق مذ ذرت على الدهر أشرقت *** مشارقه من نورها ومغاربه

فلو أن ياقوتاً يشاهد درها النظيم *** لأضحى وهو بالتبر كاتبه

مزايا أبي تمام يقصر دونها *** وتغدو مزاياه وهن مثالبه

وما السحر لو فكرت في كنه وصفها *** يشاكل معنى لفظها ويقاربه

ص: 191

أزاهير لفظ زدتهن نضارة *** فأضحت كروض باكرته سحائبه

وألبستها برداً من الفضل فاخراً *** به يمتطي هام المجرة ساحبه

وقلدتها أسنى فرائد لو بها *** يقاس نفيس الدر بانت معايبه

ووفيتها - لله درك - حقها *** وذلك حق قد تأكد واجبه

بذلت لها لمجهود للأجر طالباً *** فأدركت منه فوق ما أنت طالبه

ومن لرسول اللّه كان مديحه *** فآثاره محمودة وعواقبه

ليسم بما أثنى محمد الرضا *** محلاً تسامى النيرات مراتبه

ويعجز عمن قد أتاه مفاخراً *** به وليغالب من أتاه يغالبه

ويحمد إله العرش جل فإنها *** مواهب من ذى العز جلت مواهبه

جواد رهان ليس يدرك شأوه *** وصارم عزم لا تفل مضاربه

وبدرد جي لو هدى حالك الدجى *** بأنواره كانت نهاراً غياهبه

تعود كسب الفضل مذ كان يافعاً *** ألا هكذا فليطلب الفضل كاسبه

وجلى بمضمار السباق مبرزاً *** فقصر عن إدراكه من يغالبه

وأقسم لو لا منشئآت كماله *** لقامت على أهل الكمال نوادبه

فيا واحد الآحاد يا من بذكره *** الجميل حدا الحادي وسارت ركائبه

ومن كرمت أخلافه وفعاله *** وجلت مزاياه وجلت مناقبه

رويدك هل أبقيت في الفضل مطلباً *** ينال به أقصى المطالب طالبه

أجدك هل ألقى النظام قياده *** بكفك فانقادت إليك مصاحبه

فحسب ولاة الفضل أنك منهم *** فخاراً وحسب الفضل أنك صاحبه

لأنت بمضمار السباق كميته *** وقد أحجمت فرسانه وسلاهبه

نظمت عقوداً أنت ثاقب درها *** وما كل من قد نظم الدر ثاقبه

ص: 192

وكم ظهرت في الشعر منك معاجز *** بها منهج الآداب أوضح لاحبه

فإن يك بحر الفضل ساغ مشارباً *** ففيك لعمر اللّه ساغت مشاربه

كذا فليكن نظم القريض قلائداً *** كذا فليزن أفق الكمال كواكبه

ولله تخميس به نلت رتبة *** كما نالها بالأصل من قبل صاحبه

تحلى به جيد الزمان فأرخوا *** ( فرائد در ليس تحصى عجائبه )

أقول : ديوان المترجم له مخطوط بخط صديقنا الوجيه السيد عبدالعزيز ابن السيد عباس ابن السيد ابراهيم ابن السيد حيدر ابن الناظم ، ومن جملة مراثيه التي رثى بها الإمام الحسين قوله في مطلع قصيدة :

بكت عيني وقل لها بكاها *** ولو مزجت بأدمعها دماها

وقال في مطلع قصيدة أخرى :

هي كربلاء فقف بأربعها معي *** نبك الشهيد بأعين لم تهجع

ص: 193

الشيخ محمد علي الاعسم

اشارة

المتوفى 1233

ديار تذكرت نزالها *** فرويت بالدمع أطلالها

وكانت رجاء لمن أمها *** بها تبلغ الوفد آمالها

وكم منزل قد سمى بالنزيل *** ولو طاولته السما طالها

بنفسي كراماً سخت بالنفوس *** بيوم سمت فيه أمثالها

وصالوا كصولة أسد العرين *** رأت في يد القوم أشبالها

ترى أن في الموت طول الحياة *** فكادت تسابق آجالها

إلى أن أبيدوا بسيف العدى *** ونال السعادة من نالها

ولم يبق للسبط من ناصر *** يلاقي من الحرب أهوالها

بنفسي فريداً أحاطت به *** عداه فجاهد أبطالها

ويرعى الوغى وخيام النسا *** فعين لهن وأخرى لها

إلى أن هوى فوق وجه الثرى *** وزلزلت الأرض زلزالها

وشيلت رؤوسهم في الرماح *** فشلت يدا كل من شالها

ص: 194

وما أنس لا أنس زين العباد *** عليلا يكابد أغلالها

وما للنساء ولي سواه *** يليها ويكفل أطفالها

ونادى منادي اللئام الرحيل *** يريدون للشام إرسالها

بكين وأعولن كل العويل *** فلم يرحم القوم إعوالها

قد استأصلوا عترة المصطفى *** ولم يخلق الكون إلا لها

وكم آية أنزلت في الولاء *** لهم شاهد القوم إنزالها

ولو أهمل الأمة المصطفى *** لكان قد اختار إضلالها

إليكم بني أحمد غادة *** أتت من ولي لكم قالها

رجا في القيامة أن تؤمنوه *** إذا خافت النفس أهوالها

وقال :

ذكر الطفوف ويوم عاشوراء *** منعا جفوني لذة الإغفاء

لم أنسه لما سرى من يثرب *** بعصابة من رهطه النجباء

حتى أتوا أرض الطفوف بنينوى *** أرض الكروب أرض كل بلاء

حطوا الرحال فذا محط خيامنا *** وهنا تكون مصارع الشهداء

وبهذه يغدو جوادي صاهلا *** مرخي العنان يجول في البيداء

وبهذه أغدو لطفلي حاملاً *** في الكف أطلب جرعة من ماء

أمجدل الأبطال في يوم الوغى *** ومنكس الرايات في الهيجاء

هذا حبيبك بالطفوف مجدل *** عار تكفنه يد النكباء

ص: 195

الشيخ محمد علي الاعسم

الشيخ محمد علي الأعسم المتولد في النجف عام 1154 ه- تقريباً وهو ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد الزبيدي النجفي.

توفي سنة 1233 في النجف الأشرف ودفن في المقبرة التي تنسب إليهم في الصحن الشريف المرتضوي.

وآل الأعسم أسره نجفية كبيرة عريقة في العلم والفضل والأدب ، أصلها من الحجاز من نواحي المدينة المنورة وجاء جدهم الأعلى إلى النجف الأشرف وتوطنها ، وقيل له الأعسم لكونه من العسمان فخذ من حرب إحدى قبائل الحجاز المعروفة.

كان صاحب الترجمة عالماً فاضلاً فقيهاً ناسكاً أديباً شاعراً له ديوان شعر وله مراث كثيرة في الحسين علیه السلام ومدائح في أهل البيت وبعضه في أستاذه بحر العلوم. له منظومة في الرضاع وأخرى في المواريث وثالثة في العدد ورابعة في تقدير دية القتل وخامسة في آداب الطعام والشراب المستفادة من الأخبار ، وقد شرح المنظومات الثلاث الأولى ولده الشيخ عبدالحسين وله ينظم حديث : إذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فقولوا نعم الملوك ونعم العلماء ، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا بئس العلماء وبئس الملوك.

ملك يعاتب عالماً في تركه *** لزيارة فأجابت العرفاء

يخشى مقال الناس حين يرونه *** بئس الملوك وبئست العلماء

ص: 196

جاء في معارف الرجال أنه تتلمذ على الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء النجفي وكان من أخلص أصحابه ومدح الشيخ أستاذه بعدة قصائد ومدح أنجاله الأعلام أيضاً ، حج مكة المكرمة سنة 1199 ه- مع أستاذه كاشف الغطاء بركابه مع العلماء الأعلام ، وحضر الفقه على السيد مهدي بحر العلوم النجفي كما أجازه أن يروي. وقد عرضت على المترجم له منظومة بحر العلوم المسماة ب- ( الدرة ) وقد قرضها بقوله :

درة علم هي ما بين الدرر *** فاتحة الكتاب ما بين السور

ترى على أبياتها طلاوة *** كأنما استقت من التلاوة

لذاك فاقت كل نظم جيد *** وسيد الأقوال قول السيد

وقال في الطليعة : أخبرني السيد محسن الكاظمي الصائغ عن أبيه السيد هاشم الحسيني رحمه اللّه قال : نظم المرحوم الشيخ محمد علي الأعسم قصيدته في الحسين (عليه السلام) التي مطلعها :

قد أوهنت جلدي الديار الخالية *** من أهلها ما للديار وما ليه

ثم عرضها على ولده الشيخ عبدالحسين فقال : أنظرها فنظرها ثم قال : هذه قافيه قاسية فتركها ناظمها تحت مصلاه فما كان إلا أن طرق الباب سحراً وإذا بالخطيب الشيخ محمد علي القاري الشهير (1) وكان ممتازاً بإنشاد الشعر الحسيني في محافل الحسين علیه السلام قال : إني رأيت البارحة كأني دخلت الروضة الحيدرية فرأيت أمير المؤمنين جالساً فسلمت عليه فأعطاني ورقة فيها قصيدة وقال : أقرأ لي هذه القصيدة في رثاء ولدي الحسين ، فقرأتها وهو يبكي ،

ص: 197


1- وهو من الجوابر وأسرته في النجف يعرفون بآل الجابري وأكثرهم من خدام المنبر الحسيني.

فانتبهت وأنا أحفظ منها :

قست القلوب فلم تلن لهداية *** تباً لهاتيك القلوب القاسية

فبهت الشيخ وأخرج له الورقة التي تحت مصلاه فدهش الشيخ محمد علي القاري وقال : واللّه إنها نفس الورقة بل هي هي التي أعطانيها أمير المؤمنين انتهى أقول والمشهور أن هذه القصيدة لولده.

وللشيخ محمد علي الأعسم يد طولى في الرجز فقد نظم عدة منظومات في مختلف العلوم ، فواحدة في الفقه والأصول وطبع قسم منها مشروحاً في مطابع النجف الأشرف سنة 1349 ثم سبق وأن نظم في المواريث منظومة أولها :

نحمدك اللّهم يا من شرعا *** ديناً به النبي طاها صدعا

أما منظومته في المطاعم والمشارب فهي خير ما قيل وقد ضمنها نصوص الأخبار والأحاديث الواردة عن أهل البيت علیهم السلام ، وإليك بعض فصولها :

الحمد لله وصلى الباري *** على النبي أحمد المختار

وآله الأطهار أرباب الكرم *** ومن بهم تمت على الخلق النعم

وبعد فالعبد الفقير المحتمي *** بظل آل المصطفى ابن الأعسم

قال نظرت في كتاب الأطعمة *** من الدروس ما اقتضى أن أنظمه

مما به روي من الآداب *** عند حضور الأكل والشراب

مكتفياً بذاك أو أذكر ما *** رواه في ذلك بعض العلما

مقتصراً فيه على متن الخبر *** أو نص من لم يفت إلا عن أثر

ص: 198

فضل الخبز وآدابه

الفضل للخبز الذي لولاه *** ما كان يوماً يعبد الإله

أفضله الخبز من الشعير *** فهو طعام القانع الفقير

ما حل جوفا قط إلا أخليا *** من كل داء وهو قوت الأنبياء

له على الحنطة فضل سامي *** كفضل أهل البيت في الأنام

ما من نبي لا عتناء فيه *** إلا وقد دعى لآكليه

فأكرم الخبز ومن إكرامه *** ترك انتظار الغير من أدامه

والحفر للرغيف والابانه *** بمدية فهي له إهانة

وصغر الرغفان دع أن تتركه *** فإن في كل رغيف بركه

- آداب الأكل -

إبدأ بأكل الملح قبل المائدة *** وأختم به فكم به من فائدة

فإنه شفاء كل داء *** يدفع سبعين من البلاء

سم على المأكول في ابتداء *** وفي الأخير أحمد وفي الاثناء

ويستحب الغسل لليدين *** قبلا وبعداً تغسل الثنتين

فإن فيه مع دفع الغمر *** زيادة العمر ونفي الفقر

وامسح أخيراً بنداوة اليد *** عينيك والوجه لدفع الرمد

والجلب للرزق وإذهاب الكلف *** وامسح بمنديل إذا لم يك جف

فإن هذا بخلاف الاول *** أتى به النهي عن التمندل

والأكل والشراب باليسار *** يكره إلا عند الاضطرار

واستثني الرمان منها والعنب *** فالأكل باليدين فيهما أحب

ص: 199

ويكره الاكل على الشبع إذا *** لم يؤذ والمحظور ما فيه الأذى

والأكل مشياً ومعارض نقل *** على البيان للجواز قد حمل

فعل النبي مرة في الزمن *** في كسرة مغموسة باللبن

والأتكاء حالة الأكل اترك *** ما أكل النبي وهو متكي

وأبن اليسار وهو بعض العمد *** روى جواز الاتكا على اليد

وبعده استلق على قفاكا *** ضع رجلك اليمنى على يسراكا

والأكل مما لا يليك اجتنب *** فيما عدا الثمار مثل الرطب

والترك للعشاء يفسد البدن *** لا سيما لو كان شيخاً قد أسن

وليلة السبت وليلة الأحد *** إذا تتابعا فمن ضر الجسد

يذهب بالقوة كلها ولا *** تعود أربعين يوماً كملا

وليترك النفخ ولا ينظر إلى *** أكل ( رقيق ) معه قد أكلا

ولا يقرب رأسه إليه *** وليتجنب نفضه يديه

دع السكوت فهي سيرة العجم *** وجود المضغ وصغر اللقم

لا تحتمي في صحة بلا غرض *** فهو كترك الاحتما حال المرض

- خواص بعض المأكولات من الفاكهة -

الاكل للبطيخ فيه أجر *** لمن نواه وخصال عشر

أكل شراب يغسل المثانة *** فاكهة باهية ريحانة

مدر بول وأدام حلوى *** إن يأكل العطشان منه يروى

وقد أتانا في علاج العلل *** ما استشفت الناس بمثل العسل

وسيد الفواكه الرمان *** يأكله الجائع والشبعان

ص: 200

منور قلوب أهل الدين *** ومذهب وسوسة اللعين

فكله كيما أن تصح بعده *** بشحمه فهو دباغ المعده

لا يشرك الإنسان في الرمان *** لحبة فيه من الجنان

وتؤكل الأعناب مثنى مثنى *** وورد الأفراد فيه أهنى

والرازقي منه صنف يحمد *** ويذهب الغموم منه الأسود

والتين مما جاء فيه أنه *** أشبه شيء بنبات الجنة

ينفي البواسير وكل الداء *** ومعه لم تحتج إلى دواء

وفي السفرجل الحديث قد ورد *** تأكله الحبلى فيحسن الولد

وقد أتانا عن ولاة الامر *** وعن أبيهم حبهم للتمر

فأصبحت شيعتهم كذلك *** تحبه في سائر الممالك

وجاء في الحديث أن البرني *** يشبع من يأكله ويهني

وأنه يذهب للعياء *** وهو دواء سالم من داء

وجاء عنهم في حديث قد ورد *** كثرة أكل البيض تكثر الولد

وينفع التفاح في الرعاف *** مبرد حرارة الأجواف

وفيه نفع للسقام العارض *** ويورث النسيان أكل الحامض

- فصل في اللحوم -

قد ورد المدح للحم الضان *** لكن أتى النهي عن الإدمان

وهو يزيد في السماع والبصر *** لأكله بالبيض في الباه أثر

أطيبه لحم الذراع والقبج *** والفرخ أن ينهض أو كان درج

شكا نبي قلة الجماع *** والضعف عند الملك المطاع

ص: 201

أمره بالأكل للهريسة *** وفيه ايضاً خلة نفيسة

تنشيطها الأنسان للعبادة *** شهراً عليه عشرة زيادة

والسمك اتركه لما قد وردا *** من ان اكله يذيب الجسدا

ما بات في جوف امرئ الا اضطرب *** عليه عرق فالج فيجتنب

لكن من يأكل تمراً او عسل *** عليه عند ذلك الفالج زل

والنهك للعظام مكروه فلا *** تفعله فالناهك عظماً يبتلى

تأخذ منه الجن فوق ما اخذ *** فهو طعام الجن (1) حين ينتبذ

- الادام والبقول -

نعم الادام الخل ما فيه ضرر *** وكل بيت حل فيه ما افتقر

يزيد في العقل ، ودود البطن *** يهلكه ، محدد للذهن

وينبت اللحم الشراب للبن *** كذا يشد العضد الذي وهن

والقرع وهو ما يسمى بالدبا *** قد كان يعجب النبي المجتبى

فانه قد جاء في المنقول *** يزيد في الدماغ والعقول

وجاء عمن كلما قالوه حق *** أن طبيخ الماش يذهب البهق

وعن أمير المؤمنين في العدس *** بين وصفاكاد فيه أن يحس

في سرعة الدمعة في البكاء *** ورقة في القلب والأحشاء

مما يزيد في الجماع البصل *** وفيه نفع غير هذا نقلوا

ص: 202


1- ربما يراد بها القطط والكلاب التي تنتظر فضلة المائدة.

من دفعه الحمى وشده العصب *** والطرد للوبا وإذهاب النصب

ويذهب البلغم ، والزوجين *** يزيد حضوتيهما في البين

ومن يكن في جمعة أو قد دخل *** في مسجد فليجتنب أكل البصل

كذاك أكل الثوم والكراث *** دعه ونحو هذه الثلاث

وجاء في رواية أن الجزر *** يزيد في الباه مقيما للذكر

مسخن للكليتين ينجي *** من البواسير ومن قولنج

والأكل للكرفس ممدوح بنص *** ينفي الجذام والجنون البرص

طعام الياس نبي اللّه مع *** وصي موسى يوشع من اليسع

وجاء في الكراث فيما قد ورد *** قطع البواسير وللريح طرد

يؤكل للطحال في أيام *** ثلاثة والأمن من جذام

والسلق جاء فيه نعم البقلة *** وفيه نفع قد أردنا نقلة

تأثيره التغليظ للعظام *** والدفع للجذام والبرسام

في شاطئ الفردوس منه وجدا *** فيه شفاء نافع لكل دا

والأكل للخس مصف للدم *** ويذهب الجذام أكل الشلجم

والأكل من سواقط الخوان *** يغدو مهور الخرد الحسان

فيه شفاء كل داء قد ورد *** مع صحة العيش وصحة الولد

إلا إذا ما كان في الصحراء *** فأبقه فالفضل في الابقاء

وهو دواء للذي له أكل *** من مرض وللعموم يحتمل

- التخليل -

وجاء في تخلل الأسنان *** نهي عن الريحان والرمان

ص: 203

والخوص والآس وعود القصب *** ولا تدعه فهو شرعاً مستحب

ما أخرج اللسان فابتلعه *** وبالخلال أقذف ولا تدعه

تربة الحسين (عليه السلام)

وللحسين تربة فيها الشفا *** تشفي الذي على الحمام أشرفا

لها دعاءان فيدعو الداعي *** في وقتي الأخذ والابتلاع

حد لها الشارع حداً خصصه *** تحريم ما قد زاد فوق الحمصه

القول في الماء وآدابه

سيد كل المائعات الماء *** ما عنه في جميعها غناء

أما ترى الوحي إلى النبي *** منه جعلنا كل شيء حي

ويكره الاكثار منه للنص *** وعبه - أي شربه - بلا مص

يروى به التوريث للكباد *** بالضم أعني وجع الأكباد

ومن ينحيه ويشتهيه *** ويحمد اللّه ثلاثاً فيه

ثلاث مرات فيروى أنه *** يوجب للمرء دخول الجنه

وفي ابتداء هذه المرات *** جميعها بسمل لنص آت

وان شربت الماء فاشرب بنفس *** ان كان ساقي الماء حراً يلتمس

أو كان عبداً ثلث الأنفاسا *** كذاك ان أنت أخذت الكاسا

والماء أن تفرغ من الشراب له *** صل على الحسين والعن قاتله

تؤجر بالآف عدادها مئة *** من عتق مملوك وحط سيئة

ودرج وحسنات ترفع *** فهي اذن مئات الف أربع

وليجتنب موضع كسر الآنية *** وموضع العروة للكراهية

تشربه في الليل قاعداً لما *** رووه واشرب في النهار قائماً

ص: 204

والفضل للفرات ( ميزابان ) *** فيه من الجنة يجريان

حنك به الطفل ففي الرواية *** يحبب المولود للولاية

ونيل مصر ليس بالمحبوب *** فانه المميت للقلوب

والغسل للرأس بطين النيل *** والأكل في فخاره المعمول

يذهب كل منهما بالغيرة *** ويورث الدياثة المشهورة

في ماء زمزم حديث وردا *** أمن من الخوف شفاء كل دا

ويندب الشرب لسؤر المؤمن *** وان ادير يبتدا بالأيمن

لا تعرضن شربه على أحد *** لكن متى يعرض عليك لا يرد

في زاد السفر وآدابه

من شرف الانسان في الأسفار *** تطييبه الزاد مع الاكثار

وليحسن الانسان في حال السفر *** أخلاقه زيادة على الحضر

وليدع عند الوضع للخوان *** من كان حاضراً من الاخوان

وليكثر المزح مع الصحب إذا *** لم يسخط اللّه ولم يجلب أذى

من جاء بلدة فذا ضيف على *** إخوانه فيها إلى أن يرحلا

يبر ليلتين ثم يأكل *** من أكل أهل البيت في المستقبل

والضيف يأتي معه برزقه *** فلا يقصر أحد في حقه

يلقاه بالبشر وبالطلاقه *** ويحسن القرى بما أطاقه

يدنى اليه كل شيء يجده *** ولا يرم ما لا تناله يده

وليكن الضيف بذاك راضي *** ولا يكلفه بالاستقراض

وأكرم الضيف ولا تستخدم *** وما اشتهاه من طعم قدم

وبالذي عندك للأخ اكتف *** لكن إذا دعوته تكلف

ص: 205

فان تنوقت له فلا يضر *** فخيره ما طاب منه وكثر

ويندب الأكل مع الضيف ولا *** يرفع قبله يداً لو أكلا

وان يعين ضيفه إذ ينزل *** ولا يعينه إذا ما يرحل

وينبغي تشييعه للباب *** وفي الركوب الأخذ للركاب

وصاحب الطعام يغسل اليدا *** بعد الضيوف عكس غسل الا تبدا

ثم بمن على يمين الباب *** كما هو المشهور في الأصحاب

أو أفضل القوم رفيع الشأن *** كما قد استحبه ( الكاشاني )

يجمع ماء الكل طشت واحد *** لأجل جمع الشمل فهو الوارد

هذا وصلى اللّه ذو الجلال *** على النبي المصطفى والآل

ومن شعره يرثي الامام الحسن السبط علیه السلام

ما كان أعظم لوعة الزهراء *** فيما به فجعت من الارزاء

كم جرعت بعد النبي بولدها *** غصصاً لما نالوا من الأعداء

ما بين مقتول بأسياف العدا *** دامي الوريد مرضض الأعضاء

ظمآن ما بل الغليل وشارب *** سماً يقطع منه في الأمعاء

بأبي الذي أمسى يكابد علة *** ما أن يعالج داءها بدواء

ما ان ذكرت مصابه إلا جرت *** عيني وشب النار في أحشائي

ولأن بكت عيني ببيض مدامع *** فيحق أن تبكي بحمر دماء

لم أنسه في النعش محمولاً وقد *** بدت الشماتة من بني الطلقاء

وأتوابه كيما يجدد عهده *** بأبيه أحمد أشرف الآباء

ولرب قائلة الا نحو ابنكم *** لا تدخلوا بيتي بغير رضائي

شكوا بأسهم حقدهم أكفانه *** وأبوه أن يدنى أشد إباء

ص: 206

أو كان يرضى المصطفى أن ابنه *** يقصى وأن يدنى البعيد النائي

لهفي على الحسن الزكي المجتبى *** سبط النبي سلالة النجباء

قاسى شدائد لا أراها دون ما *** قاسى أخوه سيد الشهداء

ما بين أعداء يرون قتاله *** وبشيعة ليسوا بأهل وفاء

خذلوه وقت الاحتياج اليهم *** وقد التقى الفئتان في الهيجاء

صاروا عليه بعد ما كانوا له *** ولقوه بعد الرد بالبغضاء

حتى أصيب بخنجر في فخذه *** وجراحة بلغت إلى الأحشاء

فشكا لعائشة بضمن الوكة *** أحواله فبكت أشد بكاء

حال تكدر قلب عائشة فما *** حال الشفيقة أمه الزهراء

لا نجدة يلقى العدو بها ولا *** منجى يقيه من أذى الأعداء

ضاقت بها رحب البلاد فاصبحوا *** نائين في الدنيا بغير غناء

يتباعدون عن القريب كأنهم *** لم يعرفوه خيفة الرقباء

أوصى النبي بودهم فكأنه *** أوصى لهم باهانة وجفاء

تبعت أمية في القلا رؤساءها *** فالويل للأتباع الرؤساء

جعلوا النبي خصيمهم تعساً لمن *** جعل النبي له من الخصماء

فتكوا بسادتهم وهم أبناؤها *** لم ترع فيهم حرمة الآباء

فمتى تعود لآل أحمد دولة *** تشفى القلوب بها من الأدواء

بظهور مهدي يقر عيوننا *** بظهور تلك الطلعة الغراء

صلى الإله عليهم ما اشرقت *** شمس النهار واعقبت بمساء

وقال يمدح الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ويهنئه بداره الكبيرة عام 1225 في عهد أبيه. منها

ص: 207

يا أيها الساعي لكل حميدة *** تلك المكارم جئتها من بابها

ما وفق اللّه امرءاً لفضيلة *** إلا وكنت الأصل في أسبابها

بوركت في العلياء يا من بوركت *** هي فيه فافتخرت على أترابها

فلبستها تحت الثياب تواضعاً *** وتفاخراً لبستك فوق ثيابها

ولكم أناس غير اكفاء لها *** خطبت فردتها على أعقابها

فرأوه مهراً غالياً فتأخروا *** والعيب كان بخاطبيها لا بها

وأتته خاطبة اليه بنفسها *** من بعد ما امتنعت على خطابها

موسى بن جعفر الذي لجنابه *** صلحت كما هو صالح لجنابها

ومنها يقول :

دار يفوح اريجها فيشمه ال- *** -نائي ويغمر من يمر ببابها

يلج الملوك الرعب إذ يلجونها *** فتحلها والرعب ملء اهابها

حتى ترى من أهلها لو سلمت *** حسن ابتسام عند رد جوابها

دار العبادة لم يطق متعبد *** ترجيح محراب على محرابها

هم أهل مكتها التي إن يسألوا *** عنها فهم أدرى الورى بشعابها

خطباء أعواد أئمة جمعة *** أمرا كلام يوم فصل خطابها

وبراعة فعلت باسماع الألى *** يصفون فعل الخمر في البابها

ان أوجزت يعجبك حسن وجيزها *** أو أسهبت فالفضل في اسهابها

ومنها يقول :

يا ابن الذي يقضي الحقوق جلالة *** لله لاطمعا بنيل ثوابها

طلبوا الثواب بها ومطلبه الرضا *** شتان بين طلابه وطلابها

ص: 208

ألقيت نفسك في الحفاظ من العدا *** وقصدت وجه اللّه في اتعابها

علمت أرباب الجهات طرايقاً *** للدفع عن اعراضها ورقابها

لولاك ما اعتدوا ولم يك عندهم *** لاولئك الاعداء غير سبابها

رابطت اعداءاً ملأت قلوبهم *** رهباً جزيت الخير عن إرهابها

وقصيدة زانت بصدق ثنائها *** وجزالة الألفاظ باستعذابها

جاءتك تعرب عن صفاء ودادها *** ولديك ما يغنيك عن إعرابها

جاءت مهنية بدار سعادة *** تتزاحم التيجان في ابوابها

بلغت بأقصى المجد تاريخاً ( الا *** دار مباركة على اربابها )

ص: 209

مسلم بن عقيل الجصاني

اشارة

لو ان للدهر في حالاته ورعا *** حمى حقيقة نجل المصطفى ورعى

درى الردى من بسهم النائبات رمى *** فاصبح الدين في مرماه متصدعا

رمى إمام تقى تهدى الانام به *** نور النبوة من لألائه لمعا

رمى فتى كان موصولا برحمته *** الاسلام والدين منه البر منتجعا

رمى حسيناً اخا الاحسان خير فتى *** قد كان في الناس للمعروف مصطنعاً

لئن يعض بنان الحزن من اسف *** ندمت ام لافان الأمر قد وقعا

ايبست من دوحة العلياء غصن علا *** قد كان من شجر الأيمان مفترعاً

لهفى لمستشهد في الطف مات وما *** غليله بل من ماء وما نقعا

ص: 210

الشيخ مسلم الجصاني

المتوفي 1235 هجري

هو الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني الأصل ، النجفي المسكن ، عالم أديب وشاعر لبيب.

ولد في جصان وهاجر إلى النجف كما يظهر من آثاره في دور الشباب واتصل بالسيد محمد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر الجناجي فنال المكان اللائق به عندهما وشارك في معركة الخميس مشاركة فعلية ، وقد مر ذكره غير مرة في مختلف تراجم أصدقائه أمثال النحوي والزيني والجامعي والفحام واصحابهم من ابطال المعركة.

ذكره صاحب الحصون في ج 9 ص 319 فقال : كان فاضلاً اديباً شاعراً بارعاً تقياً نقياً معاصراً لبحر العلوم والشيخ جعفر وله مطارحات مع ادباء عصره وقد رثى السيد صادق الفحام وعثرت له على مرثية للسيد سليمان الحلي ومطارحات مع الشيخ علي بن محمد بن زين الدين التميمي الكاظمي وغيره كما له مراثي كثيرة للامام الحسين (عليه السلام) توفي في حدود 1235 في النجف ودفن بها : ومن شعره مخمساً والأصل للصاحب بن عباد في مدح الامام اميرالمؤمنين (عليه السلام) :

ألم تر ان الشهب دون حصى الغري *** فعجها الى وادي الغري المطهر

سألتك بالحي المميت المصور *** إذا مت فادفني مجاور حيدر

ابا شبر اعني به وشبر

إمام لأهل الجود اعلى مناره *** يزيد ندى لا يصطلي الحب ناره

ص: 211

ولما استجار الدين يوماً اجاره *** فتى لا يذوق النار من كان جاره

ولا يختشي من منكر ونكير

فيا مخمداً حر الوطيس إذا حمى *** ومفترساً بالكرليثاً وضيغماً

اتسلم عبداً للولاء قد انتمى *** وعار على حامي الحمى وهو بالحمى

إذا ضل في البيدا عقال بعير

وترجم له السيد الامين في الأعيان فقال : الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني ابن يحيى بن عبد ان بن سليمان الوائلي الكناني. توفي سنة 1230.

ص: 212

الحاج هاشم الكعبي

اشارة

لو كان في الربع المحيل *** برء العليل من الغليل

ربع الشباب ومنزل *** الأحباب والظل الظليل

لعب الشمال به كما *** لعبت شمول بالعقول

طلل يضيف النازلين *** شجاؤه قبل النزول

مستأنساً بالوحش بعد *** أوانس الحي الحلول

مستبدلا ربما بريم *** آخذ غيلا بغيل

لا يقتضي عذرا ولا *** يرتاع من عذل العذول

ومريعة باللوم تلحوني *** وما تدري ذهولي

خلي أميمة عن ملامك *** ما المعزي كالثكول

ما الراقد الوسنان مثل *** معذب القلب العليل

سهران من ألم وهذا *** نائم الليل الطويل

ذوقي أميمة ما أذوق *** وبعده ما شئت قولي

أو من علمت الماجدين *** غداة جدوا بالرحيل

آل الرسول ونعم أكفاء *** العلى آل الرسول

خير الفروع فروعهم *** وأصولهم خير الأصول

ومهابط الأملاك تترى *** بالبكور وبالأصيل

ص: 213

ذللا على الأبواب لا *** يعدون إذنا للدخول

أبداً بسر الوحي *** تهتف بالصعود وبالنزول

عرف الذبيح بهم وما *** عرفت قريش بالفضول

من مالك خير البطون *** وصنوه خير القبيل

من هاشم البطحاء لا *** سلفي نمير أو سلول

من راكبي ظهر البراق *** وممتطي قب الخيول

من خارقي السبع الطباق *** ومخرسي العشر العقول

من آل أحمد رحمه *** الأدنى ومغرسه الأصيل

ركبوا إلى العز المنون *** وجانبوا عيش الذليل

وردوا الوغى فقضوا وليس *** تعاب شمس بالأفول

هيهات ما الصبر الجميل *** هناك بالصبر الجميل

او ما سمعت ابن الببتولة *** لو دريت ابن البتول

إذ قادها شعث *** الننواصي عاقدات للذيول

طلق الأعنة عاطفات *** بالرسيم على الذميل

يطوي بها متن الوعور *** معارضا طي السهول

متنكب الورد الذميم *** مجانب المرعى الوبيل

طلاب مجد بالحسام *** العضب والرمح الطويل

متطلباً أقصى المطالب *** خاطب الخطب الجليل

يحدو مأثر قاصراً *** عن منتهاها كل طول

شرف تورث عن وصي *** أو أخي وحي رسول

ضلت أمية ما تريد *** غداة مقترع النصول

رامت تسوق المصعب الهدار *** مستاق الذلول

ص: 214

ويروح طوع يمينها *** قود الجنيب أبو الشبول

وغوى بها جهل بها *** وألغي من خلق الجهول

لف الرجال بمثلها *** وثنى الخيول على الخيول

وأباحها عضب الشبا *** لا بالكهام ولا ألكليل

خلط البراعة بالشجاعة *** فالصليل عن الدليل

للسانه وسنانه *** صدقان من طعن وقيل

قل الصحابة غتير أن *** قليلهم غير القليل

من كل أبيض واضح الحسبين *** معدوم المثيل

من معشر ضربوا الخبا *** في مفرق المجد الأثيل

وعصابة عقدت عصابة *** عزهم كف الجليل

كبني علي والحسين *** وجعفر وبني عقيل

وحبيب الليث الهزبر *** ومسلم الأسد المديل

آحاد قوم يحطمون *** الجمع في اليوم المهول

ومعارضي أسل الرماح *** بعارض الخد الأسيل

يمشون في ظلل القنا *** ميل المعاطف غير ميل

وردوا على الظماء الردى *** ورد الزلال السلسبيل

وثووا على الرمضاء من *** كاب ومنعفر جديل

وسطا العفرنى حين أفرد *** شيمة الليث الصؤول

ذات الفقار بكفه *** وبكتفه ذات الفضول

وابو المنية سيفه *** وكذا السحاب أبو السيول

غرثان أورث حده *** ضرب الطلى فرط النحول

صاح نحيل المضربين *** فديت للصاحي النحيل

ص: 215

غيران ينتقد الكمي *** فليس يقنع بالبديل

يا ابن الذين توارثوا *** العليا قبيلا عن قبيل

والسابقين بمجدهم *** في كل جيل كل جيل

والطاعني ثغر العدى *** والمانعي ضيم النزيل

إن تمس منكسر اللوى *** ملقى على وجه الرمول

فلقد قتلت مهذبا *** من كل عيب في القتيل

جم المناقب لم تكن *** تعطي العدى كف الذليل

كلا ولا أقررت إقرار *** العبيد على الخمول

يهدى لك الذكر الجميل *** على الزمان المستطيل

ما كنت إلا السيف أبلته *** الضرائب بالفلول

والليث أقلع بعد ما *** دق الرعيل على الرعيل

والطود قد جاز العلو *** فلم يكن غير النزول

والطرف كفكف بعدما *** غلب الجياد على الوصول

والشمس غابت بعدما *** هدت الأنام إلى السبيل

والماجد الكشاف *** للكربات في الخطب الثقيل

حاوي الثناء المستطاب *** وكاسب الحمد الجزيل

بابي وأمي أنتم *** من بعدكم للمستنيل

لادر بعدكم الغمام *** ولا سقى ربع المحيل

من للهدى من للندى *** من للمسائل والسؤول

رجعت بها آمالها *** عن لا نوال ولا منيل

فغدت وعبرتها تسح *** وقلبها حلف الغليل

ثكلى لها الويل الطويل *** شجى وإفراط العويل

ص: 216

يا طف طاف على مقامك *** كل هتان هطول

وأناخ فيك من السحاب *** الغر مثقلة الحمول

وحباك من مر النسيم *** بكل خفاق عليل

أرج يضوع كأنه *** قد بل بالمسك البليل

حتى ترى خضر *** المرابع والمراتع والفصول

كاسي الروابي والبطاح *** مطارفا هدل الذيول

قسما بتربة ساكنيك *** وما بضمنك من قتيل

أنا ذلك الظامي وصاحب *** ذلك الدمع الهطول

لا بعد ينسيني ولا *** قرب يبرد لي غليلي

يا خير من لاذ القربض *** بظل فخرهم الظليل

وأجل مسؤول أتاه *** فنال عاف خير سول

لكم المساعي الغر *** والعلياء لامعة الحجول

والمكرمات وما أشاد *** الدهر من ذكر جميل

وجميع ما قال الأنام *** وما تسامى من مقول

والمدح في أم الكتاب *** وما أتى عن جبرئيل

وثناي أقصر قاصر *** وأقل شيء من قليل

والعجز ذنبي لا عدو *** لي عن أخ البر الوصول

وأنا المقصر كيف كنت *** فهل لعذر من قبول

وأرى الكمال بكم فمدح *** الفاضلين من الفضول

صلى الإله عليكم *** ما جد ركب في رحيل

ص: 217

الحاج هاشم الكعبي

الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي الدورقى. ولد ونشأ في ( الدورق ) مسكن عشائر كعب بن الأهواز ثم سكن كربلاء والنجف ، توفى سنة 1231.

والكعبي نسبة إلى قبيلة كعب العربية التي تسكن الأهواز ونواحيها ، من فحول الشعراء وفي طليعتهم ونظم في رثاء أهل البيت علیهم السلام فأكثر وأبدع وأجاد ، واحتج وبرهن وأحسن وأتقن ، وكل شعره من الطبقة الممتازة.

تحفظ الخطباء شعره وترويه في مجالس العزاء وتشنف به الأسماع. له ديوان أكثره في الأئمة علیهم السلام . ومن شعره المقصورة وكأنه عارض بها مقصورة ابن دريد التي تنيف على مائتين وخمسين بيتاً يذكر في أولها حكماً وأمثالا وفي وسطها حماسة وفي آخرها مديح أهل البيت علیهم السلام واحداً بعد واحد أولها :

يا بارقا لاح على أعلى الحمى *** أأنت أم أنفاس محروق الحشا

قال الشيخ أغا بزرك الطهراني : الحاج هاشم بن حردان بن اسماعيل الكعبي الدورقي من العلماء الفضلاء والشعراء والمشاهير ، هاجر من الدورق إلى كربلاء فحضر على علمائها عدة سنين وصار من أهل والفضل والعلم البارزين وبرع في الشعر وفنون الأدب حتى عد في مصاف شيوخه والمشاهير من أعلامه وله ديوان كبير ومعظم شعره في رثاء أهل البيت علیهم السلام ، ولا سيما مراثي سيد الشهداء علیه السلام وشعره رقيق منسجم ، ولم أقف على مشايخه

ص: 218

ويحتمل أن يكون من تلاميذ الشيخ حسين العصفوري. رأيت بخطه ( هداية الأبرار ) للشيخ حسين بن شهاب الدين الأخباري كتبه لنفسه ودعا لها بالتوفيق وتاريخ فراغه منه سنة 1207 توفى سنة 1231. انتهى عن ( الكرام البررة ).

لقد مضى على وفاة الشاعر الكبير أكثر من مائة وستين عاماً وشعره يعاد ويكرر في محافل سيدالشهداء ويحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني وهو مقبول مستملح بل نجد الكثير يطلب تلاوته وتكراره وكأن عليه مسحة قبول وهذا ديوانه الذي يضم بين دفتيه عشرين قصيدة حسينية أو أكثر لقد طبع وأعيدت طبعاته والطلب يتزايد عليه ، فهذه رائعته التي عدد فيها مواقف الإمام أمير المؤمنين البطولية تهتز لها القلوب وتدفع بالجبناء ليكونوا شجعاناً وتنهض بهممهم ليصبحوا فرساناً وهي تزيد على 150 بيتاً ففي مطلعها يقول :

أرأيت يوم تحملتك القودا *** من كان منا المثقل المجهودا

إلى أن يصف مفاداة الإمام علیه السلام للرسول صلی اللّه علیه و آله ومبيته على فراشه ليلة الهجرة فيقول :

ومواقف لك دون أحمد جاوزت *** بمقامك التعريف والتحديدا

فعلى الفراش مبيت ليلك والعدى *** تهدي إليك بوارقا ورعودا

فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما *** يهدي القراع لسمعك التغريدا

فكفيت ليلته وقمت مفادياً *** بالنفس لا فشلا ولا رعديدا

واستصبحوا فرأوا دوين مرادهم *** جبلاً أشم وفارساً صنديداً

رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى *** أو مادروا كنز الهدى مرصودا

ص: 219

وقال :

وغداة بدر وهي أم وقائع *** كبرت وما زالت لهن ولودا

فالتاح عتبة ثاوياً بيمين من *** يمناه أردت شيبة ووليدا

فشددت كالليث الهزبر فلم تدع *** ركناً لجيش ضلالة مشدوداً

ولخيبر خبر يصم حديثه *** سمع العدى ويفجر الجملودا

يوم به كنت الفتى الفتاك *** والكرار والمحبو والصنديدا

من بعد ما ولى الجبان *** براية الإيمان تلتحف الهوان برودا

ورأتك فابتشرت بقربك بهجة *** فعل الودود يعاين المدودا

فغدوت ترقل والقلوب خوافق *** والنصر يرمي نحوك الأقليدا

وتبعتها فحللت عقدة تاجها *** بيد سمت ورتاجها الموصودا

وجعلته جسراً فقصر فاغتدت *** طولى يمينك جسرها الممدودا

وأبحت حصنهم المشيد ولم يكن *** حصن لهم من بعد ذاك مشيدا

وفي آخرها يتخلص لبطولة الإمام الحسين يوم كربلاء إلى أن يقول :

لله مطروح حوت منه الثرى *** نفس العلى والسؤدد المفقودا

ومجرح ما غيرت منه القنا *** حسناً ولا أخلقن منه جديدا

قد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى *** مذ ألبسته يد الدماء لبودا

يا بن النبي الية من مدنف *** بعلاك لا كذباً ولا تفنيدا

ما زال سهدي مثل حزني ثابتاً *** والغمض مثل الصبر عنك طريدا

تأبى الجمود دموع عينى مثلما *** يأبى حريق القلب فيك خمودا

ص: 220

ويقول في مرثية ثانية :

يا سائق الحرة الوجناء أنحلها *** طي السرى وطواها الإين والنصب

وجناء ما ألفت يوماً مباركها *** ولا انثنت عند تعريس لها ركب

عج بي إذا جئت غربي الحمى وبدت *** منه لمقلتك الإعلام والقبب

وحي عني الأولى أقمارهم طلعت *** من طيبة ولدى كرب البلاغربوا

وأين تلك البدور التم لا غربوا *** وأين تلك البحور الفعم لا نضبوا

قوم كأولهم في الفضل آخرهم *** والفضل أن يتساوى البدء والعقب

من كل أبيض وضاح الجبين له *** نوران في جانبيه الفضل والنسب

يستنجعون الردى شوقاً لغايته *** كأنما الضرب في أفواهها الظرب

حتى إذا سئموا دار البلى وبدت *** لهم عيانا هناك الخرد العرب

فغودورا بالعرى مصرعي تلفهم *** مطارف من أنابيب القناقشب

وفيها يصف مصرع الحسين علیه السلام بقوله :

إن يصبح الكون داجي اللون بعدك *** والأيام سوداً وحسن الدهر مستلب

فأنت كالشمس ما للعالمين غنى *** عنها ولم تجزهم من دونها الشهب

تاللّه ما سيف شمرنال منك ولا *** يد اسنان وإن جل الذي ارتكبوا

لولا الأولى أغضبوا رب العلى وأبوا *** نص الولاء وحق المرتضى غصبوا

أصابك النفر الماضى بما ابتدعوا *** وما المسبب لو لم ينجح السبب

ص: 221

ولا تزال خيول الحقد كامنة *** حتى إذا أبصروها فرصة وثبوا

كف بها أمك الزهراء قد ضربوا *** هي التي أختك الحورا بها سلبوا

وإن ناروغى صاليت جمرتها *** كانت لها كف ذاك البغي تحتطب

* * *

يفنى الزمان وفيك الحزن متصل *** باق إلى سرمد الإيام ينتسب

كأن حزنك في الأحشاء مجدك *** في الأحياء لم تبله الأعوام والحقب

ويقول من أخرى :

وأقبل ليث الغاب يهتف مطرقا *** على الجمع يطفو بالألوف ويرسب

إلى أن أتاه السهم من كف كفر *** ألا خاب باريها وخاب المصوب

فخر على وجه التراب لوجهه *** كما حر من رأس الشناخيب أخشب

ولم أنس مهما أنس إذ داك زينبا *** عشية جاءت والقواطم زينب

تحن فيجري دمعها فتجيبها *** ثواكل في أحشائها النار تلهب

نوائح يعجمن الشجى غير أنها *** تبين عن الشجو الخفي وتعرب

نوائح ينسين الحمام هديلها *** إذا ما حدى الحادي وثاب المثوب

وما أم عشر أهلك البين جمعها *** عداداً يقفي البعض بعضا ويعقب

بأوهى قوى منهن ساعة فارقت *** حسينا ونادى سائق الركب ركبوا

* * *

إلى اللّه أشكو لوعة عند ذكرهم *** تسح لها العينان والخد يشرب

أما فيكم يا أمة السوء شيمة *** إذا لم يكن دين ولم يك مذهب

بنات رسول اللّه تسبى حواسراً *** ونسوتكم بالصون تخبى وتحجب

ص: 222

وقال :

أما طلل يا سعد هذا فتسأل *** نزال فهذي الدار ان كنت تنزل

هي الدار لا شوقي إليها وإن خلت *** يحل ولاعن ساكنيها يحول

قفوا بي على أطلالها علنا نرى *** سميعا فنشكو أو مجيباً فنسأل

لي اللّه كم تلحوا اللواحي وتعذل *** وكم ابتدى عذراً وكم اتنصل

يريدون بي مستبدلا عن أحبتي *** أحالوا لعمري في الهوى وتمحلوا

أبعد نوى الهادين من آل هاشم *** يروقك غزلان وتصبيك غزل

بها ليل أمثال البدور زواهر *** وليل الوغى مستحلك اللون اليل

ولا يومهم وابن النبي بكربلا *** وللنقع في جو السماكين قسطل

يكر فتنحو نحوه هاشمية *** فوارس أمثال الضراغم ترقل

فوارس من عليا قريش وهاشم *** لهم سالف في المجديروى وينقل

فوارس إذ نادى الصريخ ترى لهم *** مكانا بمستن الوغى ليس يجهل

إلى أن ثووا تحت العجاج تلفهم *** ثياب علا منها رماح وانصل

فظل وحيدا واحد العصر في الوغى *** نصيراه فيها سمهرى ومنصل

وشد على قلب الكتيبة مهره *** فراحت ثباً مثل المهى تتجفل

فديتك كم من مشكل لك في الوغى *** الاكل معنى من معانيك مشكل

فتلك منايا أم أمان تنالها *** وذاك حريق أم رحيق معسل

إلى أن أتاه في الحشى سهم مارق *** فخر فقل في يذبل قل يذبل

وزلزلت الارضون وارتجت السما *** وكادت له افلاكها تتعطل

وأقبل نحو المحصنات حصائه *** يحن ومن عظم المصيبة يعول

فاقبلن ربات الحجال وللاسى *** تفاصيل لا يحصي لهن مفصل

فواحدة تحنو عليه تضمه *** وأخرى عليه بالرداء تضلل

ص: 223

وأخرى بفيض النجر تصبغ شعرها *** وأخرى لما قد نالها ليس تعقل

وأخرى على خوف تلوذ بجنبه *** وأخرى تفديه وأخرى تقبل

وجاءت لشمر زينب ابنة فاطم *** تعنفه عن أمره وتعذل

أيا شمر هذا حجة اللّه في الورى *** أعد نظراً يا شمر إن كنت تعقل

أعد نظراً ويل لامك إنها *** إذ الويل لا يجدي ولا العذر يقبل

أيا شمر لا تعجل على ابن محمد *** فذو ترة في مثله ليس يعجل

ومر يحز النحر غير مراقب *** من اللّه لا يخشي ولا يتوجل

وراحت له الأيام سودا كانما *** تجلببها قطع من الليل أليل

واضحى كتاب اللّه من أجل فقده *** يحن له فرقانه والمفصل

ولم انس لا واللّه زينب اذ دعت *** بواحدها والدمع كالمزن مسبل

وراحت تنادي جدها حين لم تجد *** كفيلا فيحمى أو حميا فيكفل

أيا جدنا هذا الحبيب على الثرى *** طريحاً يخلى عارياً لا يغسل

يخلى بارض الطف شلوا ورأسه *** إلى الشام فوق الرمح يهدى ويحمل

لتبك المعالي يومها بعد يومه *** إذا ما بغى باغ وأعضل معضل

وبيض الظبى والسمر تدمى صدورها *** وخيل الوغى تحفى وبالهام تنعل

ومنقبة تقلى وذكر يرتل *** ومكرمة تبنى ومجد يؤثل

وليلة مسكين تحمل قوته *** اليه سراراً والظلام مجلل

بكاء العذارى الفاقدات كفيلها *** عشية جد الخطب والخطب مهول

متى نبصر النصر الآلهى مشرقاً *** بانواره تكسى الربى وتجلل

يروم سلوى فارغ القلب مثله *** وذلك خطب دونه الصعب يسهل

حرام على قلبي العزا بعد فقدكم *** وفرط الجوى فيه المباح المحلل

ولولا الذي أرجوه من أخذ ثاركم *** فاعلق آمالي به وأعلل

ص: 224

لمت على ما كان من فوت نصركم *** أسى وجوى والموت في ذاك امثل

ولي سيئات قد عرفت مكانها *** فظهري منها أحدب الظهر مثقل

ومالي فيها من يد غير أنني *** عليكم بها بعد الآله أعول

فسمعا بني المختار نظم بديعة *** يذل لها بشر ويخضع جرول

تجاري كميتا كالكميت ولم يكن *** بها أخطل اذ ليس في الشعر أخطل

فان تمنحوا حسن القبول فانكم *** وما عنكم أن تطردوا متحول

عليكم سلام اللّه ما لاح بارق *** وما ناح قمري وما هب شمأل

وقال :

ان تكن كربلا فحيوا رباها *** واطمئنوا بنا نشم ثراها

الثموا جوها الانيق على ما *** كان في القلب من حريق جواها

واغمروها باحمر الدمع سقيا *** فكرام الورى سقتها دماها

وبنفسي مودعون وفي العي- *** -ن بكاها وفي القلوب لظاها

من بحور تضمنتها قبور *** وبدور قد غيبتها رباها

ركبهم والقضا بأظعانهم *** يسري وهادي الورى أمام سراها

وتبدت شوارع الخيل والسم- *** -ر وفرسانها يرف لواها

فدعا صحبه هلموا فقد اس- *** -مع داعي المنون نفسي رداها

فأجاب الجميع عن صدق نفس *** اجمعت امرها وحازت هداها

لا ومعنى به تقدست ذاتا *** وجلالا به تعاليت جاها

لا نخليك أو نخلي الأعادي *** تتخلى رؤوسها عن طلاها

واستبانت على الوفا وتواصت- *** -ه واضحى كما تواصت وفاها

تتهادى إلى الطعان اشتياقا *** ليت شعري هل في فناها بقاها

ذاك حتى ثوت موزعة الأش- *** -لاء صرعى سافي الرمال كساها

وامتطى الندب مهره لا يبالي *** أشأته منونه أم شآها

ص: 225

يتلقى القنا بباسم ثغر *** متلقى العفاة حين يراها

مقريا وأفديه نسرا وذئبا *** لحم أسد لحم الأسود قراها

وانبرت نبلة فشلت يدا رج- *** -س رماها وكف علج براها

وهوى الأخشب الأشم فماجت *** نقطة الكون أرضها وسماها

وانثنى المهر بالظليمة عاري *** السرج ناع للمكرمات فتاها

يا لقومي لعصبة عصت الل- *** -ه واضحى لها هواها إلاها

اسخطت أحمدا ليرضى يزيد *** ويلها ما أضلها عن هداها

يا ابن من شرف البراق وفاق *** الكل والسبعة الطباق طواها

ان تمنى العدى لك النقص بالقت- *** -ل فقد كان فيه عكس مناها

اين من مجدك المنيع الأعادي *** وبك اللّه في العناية باهى

وعليك اعتماد نفسي فيما *** املته وما جنته يداها

وذنوبي وان عظمن فاني *** بك يا ابن الكرام لا أخشاها

وبميسور ما استطعت ثنائي *** والهدايا بقدر من أهداها

وقال :

اهاج حشاك للشادي الطروب *** قرير العين في الغصن الرطيب

فكم للقلب من وجد وحزن *** وكم للطرف من دمع سكوب

ونفس حشو احشاها هموم *** يشيب لها الفتى قبل المشيب

تريد من الليالي طيب عيش *** وهل بعد الطفوف رجاء طيب

سقى اللّه الطفوف وان تناءت *** سجال السحب مترعة الذنوب

فكم لي عندها فرط ووجد *** وحر جوى لاحشائي مذيب

أسلوان لقلبي وابن طه *** على الرمضاء ذو خد تريب

عديم النصر الا من قليل *** من الأنصار والرحم القريب

تفانوا دونه والرمح عاط *** لناظره إلى ثمر القلوب

ص: 226

يرون الموت أحلى من حبيب *** أباح الوصل خلواً من رقيب

فتلك جسومهم في الترب صرعى *** عليها الطير تهتف بالنعيب

تكفنها الرماح السمر حتى *** كأن سليبها غير السليب

تخوفه المنون جنود حرب *** وهل يخشى المنون ابن الحروب

أبي الضيم حامل كل ثقل *** عن العلياء كشاف الكروب

ابو الأشبال في يوم التعادي *** أبو الأيتام في يوم السغوب

يدافع عن مكارمه ويحمي *** بصارمه عن الحسب الحسيب

خطيب بالأسنة والمواضي *** وقرت ثم شقشقة الخطيب

فأحمد حين تلقاه خطيباً *** وحيدرة تراه لدى الخطوب

وظل مجاهدا بالنفس حتى *** أتى فعل ابن منجبة النجيب

وولى مهره ينعاه حزناً *** بمقلة ثاكل وحشى كئيب

ونادت زينب منها بصوت *** يصدع جانب الطود الصليب

أخي يا ساحباً فوق الثريا *** ذيول علا نقيات الجيوب

ويا متجمعاً لنعوت فضل *** سليم النقص معدوم العيوب

وياسر المهيمن في البرايا *** وشاهده على غيب الغيوب

ويا شمسا بها تجلى الدياجى *** رماها الدهر عنا بالمغيب

ويا قمرا أحال على غروب *** وعاقبة البدور إلى الغروب

فمن نرجو لصعب الخطب يوماً *** ومن ندعوه لليوم العصيب

فيا ابن القوم حبهم نجاة *** لمعتصم وحطة كل حوب

مدحتك راجياً غفران ذنبي *** ومدحك فيه غفران الذنوب

وقال :

سفه وقوفك في عراص الدار *** من بعد رحلة زينب ونوار

ص: 227

ما أنت واللفتات في أكنافها *** ظن الفريق وخف عنك الساري

لا عيب من محن الزمان فانما *** خلق الزمان عداوة الأحرار

أو ما كفاك من الزمان فعاله *** ببني النبي وآله الأطهار

ولعت بفارع قدرهم اخطاره *** ما أولع الأخطار بالأقدار

بيض يريك جمالهم وجلالهم *** تم البدور عشية الإسرار

يكسو ظلام الليل نور وجوههم *** لون الشموس وزينة الأقمار

شرعوا بصافية الفخار وخلفوا *** للواردين تكفف الاسآر

يلقى العفاة بغير من منهم *** كالصبح مبتسما بوجه الساري

خطباء ان شهدوا الندي ترى لهم *** فيه شقاشق فحله الهدار

فاذا هم شهدوا الكريهة أبرزوا *** غلبا تجعجع بالفريق ضواري

فان احتبى بهم الظلام رأيت *** في المحراب سجع نوائح الأسحار

هادون في طول القيام كأنهم *** بين السواري الجامدات سواري

ويبيت ضيفهم بأنعم ليلة *** لم يحص عدتها من الأعمار

للكون من أنفاسهم طيب الشذى *** أرجا كجيب الغادة المعطار

ما شئت من نسب وعظم جلالة *** فانسب وقل تصدق بغير عثار

وحياة نفس فضلهم لو لم تكن *** تدلى مصائبهم لها ببوار

وكفاك لو لم تدر الا كربلا *** يوم ابن حيدر والسيوف عواري

أيام قاد الخيل توسع شأوها *** من تحت كل شمردل مغوار

يمشون في ظل السيوف تبخترا *** مشي النزيف معاقراً لعقار

وتناهبت أجسادهم بيض الظبى *** فمسربل بدم الوتين وعارى

ص: 228

وانصاع نحو الجيش شبل الضيغم *** الكرار شبه الضيغم الكرار

يوفي على الغمرات لا يلوي به *** فقد الظهير وقلة الأنصار

يلقى الألوف بمثلها من نفسه *** فكلاهما في فيلق جرار

غيران يبتدر الصفوف كأنه *** يجري واياها إلى مضمار

أمضى من الليث الهزبر وقد نبا *** رمح الكمي وصارم المغوار

متمكن في السرج غرب لسانه *** في الجمع مثل حسامه البتار

حتى أتته من العناد مراشة *** شلت يد الرامي لها والباري

وهوى فقل في الطود خر فاصبح *** الرجفان عم قواعد الأقطار

بأبي وأمي عافرون على الثرى *** اكفانهم نسج الرياح الذاري

تصدى نحورهم فينبعث الشذى *** فكأنما تصدى بمسك داري

ومطرحون يكاد من أنوارهم *** يبدو لعينك باطن الأسرار

نفست بهم أرض الطفوف فاصبحت *** تدعى بهم بمشارق الأنوار

بالبيت أقسم والركاب تحجه *** قصدا لأدكن قالص الأستار

لولا الأولى من قبل ذاك تبرموا *** نقضاً لحكم الواحد القهار

لم يلف سبط محمد في كربلا *** يوماً بهاجرة الظهيرة عار

تطأ الخيول جبينه وضلوعه *** بسنابك الايراد والاصدار

كلا ولا راحت بنات محمد *** يشهرن في الفلوات والأمصار

حسرى تقاذفها السهول إلى الربى *** وتلفها الأنجاد بالأغوار

ما بعد هتكك يا بنات محمد *** في الدهر هتك مصونة من عار

قدر أصارك للخطوب درية *** هو في البرية واحد الأقدار

يا طالبا بالثار وقيت الردى *** طال المقام على طلاب الثار

ص: 229

يا مدرك الأوتار قد طال المدى *** طال المدى يا مدرك الأوتار

يا ابن النبي وخير من علقت به *** كف الولي ووالد الأبرار

أنا عبدكم ولكم ولاي وفيكم *** أملي ونحو نداكم استنظاري

وقال من قصيدة :

أهاب به الداعي فلباه اذ دعا *** وكان عصي الدمع فانصاع طيعا

عصى دمعه حادي المطايا فمذ رأى *** بعينيه ظعن الحي أسرع ، اسرعا

فبادر لا يلوي به عذل عاذل *** إذا قيل مهلا بعض هذا تدفعا

ظعائن تسري والقلوب بأسرها *** على أثرها يجرين حسرى وطلعا

وبالنفس أفدي ظاعنين تجلدي *** لبينهم قبل التودع ودعا

مضوا والمعالي الغر حول قبابهم *** تطوف الجهات الست مثنى ومربعا

سروا وسواد الليل داج وشعشعت *** على لونه أنوارهم فتشعشعا

يحل الهدى أنى يحلون والندى *** فان اقلعوا لا قدر اللّه أقلعا

مصاليت يوم الحرب رهبان ليلهم *** بوارع في هذا وفي ذاك خشعا

ترى الفرد منهم يجمع الكل وصفه *** كمالا كأن الكل فيه تجمعا

رمت بهم نحو العلا المحض عزمه *** لو الطود وافاها وهي وتصدعا

عشية أمسى الدين دين أمية *** وأمسى يزيد للبرية مرجعا

وهل خبرت فيما تروم أمية *** بأن العلا لم تلف للضيم مدفعا

وقد علمت أن المعالي زعيمها *** حسين إذا ما عن ضيم فافزعا

رأى الدين مغلوباً فمد لنصره *** يمين هدى من عرصة الدين أوسعا

ص: 230

فأوغل يطوي الكون ليس بشاغل *** على ما به من كف علياه اصبعا

تجر من الرمح الطويل مزعزعاً *** ويمضي من السيف الصقيل مشعشعا

مطلا على الأقدار لو شاء كفها *** فجاءته تترى حسبما شاء طيعا

فالقى ببيداء الطفوف مشمراً *** إلى الموت لن يخشى ولن يتروعا

وقامت رجال للمنايا فارخصوا *** نفوسا زكت في المجد غرسا ومنبعا

تفرع من عليا قريش فان سطت *** رأيت أخا ابن الغاب عنها تفرعا

بدور زهت أفعالهم كوجوههم *** فسرتك مرأى اذ تراها ومسمعا

أبوا جانب الورد الذميم واشرعوا *** مناهل اضحى الموت فيهن مشرعا

فاكسبها المجد المؤثل ابلج *** غشى نوره جنح الدجى فتقشعا

فتنثر أوصال الكمي سيوفها *** وتنظم بالرمح الويل المدرعا

إلى أن ثووا صرعى الغداة كأنهم *** ندامى سقوا كأساً من الراح مترعاً

واقبل ليث الغاب يحمي عرينه *** ببأس من العضب اليماني اقطعا

يكر فتلقى الخيل حين يروعها *** مضامين سرب خلفها الصقر زعزعا

يصرف آحاد الكتيبة رأيه *** فلا ينتقى إلا الكمي المقنعا

بطعن يعيد الزوج بالضم واحداً *** وضرب يعيد الفرد بالقطع أربعا

ولما رمت كف المقادير رميها *** وحان لشمل الدين أن يتصدعا

بدى عن سراة السرج يهوي كأنما *** جبال شرورى من علاها هوت معا

وراح بأعلى الرمح يزهو كريمه *** كبدر الدجى اذ تم عشراً وأربعا

ص: 231

وعاثت خيول الظالمين فأبرزت *** كرائم أعلى أن تهان وارفعا

ثواكل لم يبق الزمان لها حمى *** يكن ولم يترك لها الدهر مفزعا

تكاد إذا ما اسبلت عبراتها *** تعيد الثرى من وابل الدمع مربعا

وكادت إذا ما أشعلت زفراتها *** بأنفاسها يغدو لها الروض بلقعا

فما الفاقدات الألف شتت جمعها *** غداة النوى أيدي العداة ووزعا

بأوهى قوى منها وأشجى مناحة *** وأضرم احشاءاً واضيع أدمعا

نوائح من فوق الركاب كأنها *** حمام نأى عنه الأليف فرجعا

سبايا يلاحظن الكفيل مصفداً *** وأطفالها في الأسر غرثى وجوعا

وأسرتها الحاملون للبيض مطعما *** وأموالها في النهب للقوم مطمعا

إلى اللّه أشكو معشراً ضل سعيها *** فجاؤوا بها شنعاء تحمل اشنعا

جزى اللّه قوماً قبلها مهدوا لهم *** عن المصطفى شر الجزاء وافظعا

فاقسم لولا السابقون وما أتوا *** به قبل هذا ما ادعاها من ادعى

ولا راح يدعى في الانام خليفة *** يزيد فيعطي من يشاء ويمنعا

ولا راح يوم الطف سبط محمد *** لدى القوم مطلول الدماء مضيعا

وكانت بنو حرب أذل وجمعها *** أقل وما شمت به العز أجدعا

فقامت على رغم المعالي أمية *** بنقض الذي قد أبرم الدين ولعا

خليلى قولا وانصفا واسألا الذي *** تبرعها عن أي وجه تبرعا

بأي بلاء كان منه أغصه *** بمر المنايا مقدما فتجرعا

فباتت له ترعى الغوائل لا ترى *** له مضجعاً إلا تمنته مصرعا

وما ضربت في الفضل أيام شركها *** بسهم ولا قامت مع القوم مجمعا

ص: 232

بني المصطفى يا خير من وطئ الحصى *** وأكرم من لبى وطاف ومن سعى

ويا خير من أم المروعات ركنه *** فآمنها منا وراع المروعا

ويا خير من امته غرثى سواغباً *** فاطعمها عذب النوال فاشبعا

ويا خير من جاءته ظمئ نواهلا *** فاصدرها ريا القلوب فانقعا

ويا خير من يرجو المسيؤون عفوه *** فأولى به الصفح الجميل وأوسعا

سما رزؤكم كل الرزايا كما سما *** على كل مجد مجدكم وترفعا

فاحرزتم الغايات في كل حلبة *** فقصر عن مسعاكم كل من سعى

سوابق في الهيجا سوابق في الندى *** سوابق ان صد الخصام المشيعا

مصابكم أضنى الفؤاد من الأسى *** وازعج عيني ان تنام فتهجعا

ص: 233

الشيخ هادي النحوي

اشارة

المتوفى 1235

هذي الطفوف فسلها عن أهاليها *** وسح دمعك في أعلى رواسيها

ومدها بدم الأجفان إن نفدت *** دموع عينيك أو جفت مآقيها

وقف على جدث السبط الشهيد وقل *** سقاك رائحها من بعد غاديها

فديت بالروح مني أعظما سكنت *** ذيالك الرمس في نائي مواميها

لهفي لناء عن الأوطان منتزح *** عليه سدت من الدنيا نواحيها

لهفي لثاو رمت أيدي الخطوب به *** بأرض كرب البلا أقصى مراميها

ثوي قتيلاً بشط الغاضرية ظمآن *** الفؤاد فلا ساغت مجاريها

خلواً عن النصر يدعو لا مجيب له *** سوى حدود شفار من مواضيها

من بعد ما تركت بالرغم نجدته *** كأنها في رباها من أضاحيها

طوبى لها بذلت للقتل مهجتها *** وعندها إن ذاك القتل يحييها

وآذنت للفنا في ذات سيدها *** واستبدلت بجوار عند باريها

ص: 234

ما ضرها بز أثواب وأردية *** واللّه من حلل الرضوان كاسيها

آه لما حل ذاك اليوم من نوب *** ومن خطوب بنو الهادي تعانيها

هاتيك أبدانهم صرعى مطرحة *** تضيء من نورها السامي دياجيها

أفدي جسوما على الرمضاء قد كسيت *** أكفان ترب أكف الريح تسديها

أفدي رؤوساً على الخرصان قد رفعت *** لم يثنها القتل إن تتلو مثانيها

فيالها وقعة بألطف ما ذكرت *** إلا وقد بلغت روحى تراقيها

ويالها قرحة لم تندمل أبداً *** بل كل يوم يد التذكار تدميها

لله أنجم سعد خر طالعها *** لله أقمار تم غاب هاديها

لله أطواد حلم هد شامخها *** لله أبحر علم غار جاريها

لله أي شموس غاب شارقها *** فأظلمت بعدها الدنيا وما فيها

لهفي على فتيات الطهر فاطمة *** يهتفن بالسبط والأصدا تحاكيها

مسلبات على الأنضاء تندبه *** ما أن عليها سوى نور يواريها

تقول يا كافل الأيتام بعدك من *** أراء كافل أيتام وكافيها

يا أعبداً فتكت جهراً بسادتها *** بئس العبيد الألى خانت مواليها

تلك الدماء الزواكي الطاهرات لقد *** بددتم بربى الآكام جاريها

أقعدتم المجد في إزهاق أنفسها *** وقد أقمتم ليوم الحشر ناعيها

أوسعتم كبد المختار جرح أسى *** وقرحة بحشاه عز آسيها

سجرتم مهجة الكرار حيدرة *** بقادح من زناد الوجد واريها

أودعتم قلب بنت المصطفى حزناً *** مشبوبة لا يبوخ الدهر حاميها

أورثتم الحسن الزكي لهيب لظى *** بين الجوانح كف البين تذكيها

حملتم كاهل الإسلام عبء جوى *** تنهد من حمل أدناه رواسيها

فقبة المجد زعزعتم جوانبها *** وقمة الفخر صوبتم أعاليها

ص: 235

تباً لرأي بني حرب لقد تعست *** منها الجدود وقد ضلت مساعيها

أما رعت ذمم المختار جدهم *** ألم يكن لطريق الرشد هاديها

لهفي لمولى قضى في سيف جورهم *** ظامي الحشاشة أفدي قلب ظاميها

لم حللوا قتله ظمآن ما علموا *** بأن والده في الحشر ساقيها

أن المنابر لولا سيف والده *** لم ترق يوماً ولا شيدت مراقيها

اليوم دين الهدى خرت دعائمه *** وملة الحق جدت في تداعيها

اليوم ضل طريق العرف طالبه *** وسد باب الرجافي وجه راجيها

اليوم عادت بنو الآمال متربة *** اليوم بان العفا في وجه عافيها

اليوم شق عليه المجد حلته *** اليوم جزت له العليا نواصيها

اليوم عقد المعالي أرفض جوهره *** اليوم قد أصبحت عطلا معاليها

اليوم أظلم نادي العز من مضر *** اليوم صرف الردى أرسى بواديها

اليوم قامت به الزهراء نادبة *** اليوم آسية وافت تواسيها

اليوم عادت لدين الكفر دولته *** اليوم نالت بنو هند أمانيها

ما عذر أرجاس هند يوم موقفها *** والمصطفى خصمها واللّه قاضيها

ما عذرها ودماء أبناءه جعلت *** خضاب أعيادها في راح أيديها

يا آل أحمد يا من محض ودهم *** فرض على الخلق دانيها وقاصيها

يا سادتي أنتم سفن النجا وبكم *** قد أنزل اللّه ( باسم اللّه مجريها )

خذوا إليكم أيا أزكى الورى نسباً *** عذراء تمرح دلا في قوافيها

أمت إلى ربعكم تسعى على عجل *** قد جاء طائعها يقتاد عاصيها

هادي بن احمد قد أهدى لكم مدحا *** إن الهدايا على مقدار مهديها (1)

ص: 236


1- عن البابليات.

الشيخ هادي النحوي

هو ثاني أنجال الشيخ أحمد المتقدم ذكره في الجزء السابق ، كان يقيم في الحلة مع أبيه وأخيه الشيخ محمد رضا النحوي الشاعر المبدع ، وبعد وفاة والدهما استوطنا النجف الأشرف على عهد آية اللّه السيد بحر العلوم وله مطارحات مرتجلة مع أبيه وأخيه أثبتها العالم الأديب السيد أحمد العطار البغدادي المتوفى سنة 1215 ه- في كتابه المخطوط « الرائق » وكان من الفضلاء المبرزين والشعراء المجيدين طويل النفس للغاية وشعره حلو الانسجام بديع النظام وبعد وفاة السيد بحر العلوم رجع إلى الحلة حتى توفي فيها عن شيخوخة صالحة ونقل إلى النجف على أثر مرض عضال ألزمه الفراش مدة طويلة وعاقة عن قرض الشعر عدا مقاطيع قالها في أهل البيت (عليهم السلام) يتضجر فيها مما يعانيه من الأوصاب والأسقام ويتوسل فيهم إلى اللّه تعالى بطلب الشفاء منها قوله في خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام).

مولاي يا سر الحقائق *** كم كشفت غطاءها

مولاي يا شمس المعارف *** كم أنرت سناءها

مولاي يا باب العلوم *** وأرضها وسماءها

يا قطب دائرة الوجود *** فكم أدرت رحاءها

وبيوم خبير قد حملت *** من الإله لواءها

فكشفت عن وجه النبي *** محمد غماءها

ص: 237

ولكم جلوت من الخطوب *** - وقد دجت - ظلماءها

للعبد عندك حاجة *** يرجو لديك قضاءها

أودت بجسمي علة *** جهل الإساءة دواءها

والنفس قد تلفت أسى *** وأتتك تشكو داءها

وافتك راجية فحقق *** يا رجاي رجاءها

وله مخاطباً الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) ومتوسلاً به :

أمولاي يا موسى بن جعفر ذا التقى *** ومن بابه للناس باب الحوائج

أتيتك أشكو ضر دهر أصابني *** وكدر من عيشي وسد مناهجي

وأخرجني عن عقر داري وجيرتي *** وما كنت لولا الضيق عنهم بخارج

وقد طفت في كل البلاد فلم أجد *** سواك لدائي من طبيب معالج

عسى عطفة فيها يروج لعبدكم *** من الأمر ما قد كان ليس برائج

وكان متضلعاً في علمي الرواية والدراية والحديث حافظاً للسير والآثار حتى لقب ب- « المحدث » : رأيت له كلمة نثرية وقطعة شعرية يقرض فيها رسالة « تحريم التمتع بالفاطميات » للعالم الكبير السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي - أحد أعلام القرن الثاني عشر - وعليها تقاريض جماعة آخرين من العلماء منهم والد المترجم الشيخ أحمد والشيخ خضر بن يحيى المالكي والشيخ علي بزي العاملي والسيد عبدالعزيز النجفي ، أما أبيات المترجم التي يقرض فيها الرسالة فهي قوله بعد النثر :

هيهات أن يبلغ المثني عليه ولو *** أضحى له الخلق في نشر الثنا مددا

فياله عالماً بالشرع ذا ورع *** للشرع والعلم أضحى ساعدا ويدا

ص: 238

أن صار قرة عين العلم لا عجب *** من سيد قد غدا للمرتضى ولدا

لولاه أصبح هذا الحكم مطرحا *** وجل أحكامنا لولاه صرن سدى

إن شمت أخلاقه الحسنى علمت بها *** هو الإمام ولكن للإله ( بدا )

وقد كتب تحتها بقلمه ما صورته - وكتب أقل الطلبه محمد هادي المحدث ولد الشيخ أحمد النحوي.

وهناك قصيدة على قافية الراء نظمها الشاعر في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) واشترك معه في النظم أبوه المرحوم الشيخ أحمد النحوي ومطلع هذه المرثية :

قفوا بالمطايا ساعة أيها السفر *** عسى النجح يدنينا ويسعفنا النصر

وقال في آخرها :

فيا ابن رسول اللّه وابن وصيه *** ومن نزلت في مدحه ( الحج ) و ( الحجر )

أتتك عروس الشعر تبكي حزينة *** وليس لها إلا قبولكم مهر

بها الفوز يرجو يا ابن أحمد ( أحمد ) *** وأنت ( لهاد ) نجل أحمدكم ذخر

ووجدت من نظمه في أهل البيت (عليهم السلام) قصيدتين لم أجدهما في كتب المراثي المطبوعة ولا في أكثر المجاميع المخطوطة وإنما نقلناها من « مجموعة المراثي الحسينية » بقلم - الوالد - ره - التي فرغ من نسخها عام 1302 وأثبتنا ما اخترناه منهما في كتابنا هذا حذراً عليهما من التلف والضياع

ص: 239

وإليك الاول منها في رثاء سيد الشهداء أبي عبداللّه الحسين علیه السلام انتهى عن البابليات.

وقال مقرضاً تخميس أخيه الأكبر الشيخ محمد رضا على البردة البوصيرية سنة 1200 وقد تقدم ذكره في ترجمته.

ذي زبدة الشعر بل ذي نخبة الأدب *** أستغفر اللّه من زور ومن كذب

تقاصر الشعران يجري لغايتها *** وهل يجاري جياد الخيل ذو خبب

قد أصبحت خير مدح في الزمان كما *** قد كان ممدوحها في الكون خير نبى

بدت وتيجانها مدح الحبيب كما *** بدت لنا ألراح في تاج من الحبب

غادرت ( قساً ) غبياً في بلاغته *** وذاك أمر على الأفهام غير غبى

فيالراح سكرنا من شميم شذى *** عبيرها وهي في الأستار والحجب

قد سمطوا وأجادوا حسب ما بلغوا *** لكن في الخمر معنى ليس في العنب

فالبعض كاد يوشى ثوب « بردتها » *** والبعض جاءوا عليه بالدم الكذب

ما أنشدت قط في سمع وفي ملأ *** إلا وقامت مقام الذكر والخطب

ولا تجلت لذى شك وذي ريب *** إلا وجلت ظلام الشك والريب

ولا بدت في دجى الأنفاس ساطعة *** إلا وخلنا هبوط البدر والشهب

ولا شدا قط في ناد أخو طرب *** إلا وقلنا بها يشدو أخو الطرب

لله معجزة حار الأنام بها *** كأنها حين تتلى واحد الكتب

أنى أكاد أقول الوحي أنزلها *** لو كان يبعث من بعد النبي نبي

تبارك اللّه ما فضل بمنتحل *** تبارك اللّه ما وحي بمكتسب

ص: 240

قد شعشعت سائر الأكوان مذ جليت *** فقلت ينبوع نور فار باللّهب

السمع في طرب والذوق في ضرب *** والجو في لهب والقوم في عجب

آيات نظمك قد سيرتها مثلا *** كالشمس تطلع في ناء ومقترب

أبعدت شوطك في مضمار سبقهم *** ولم تدع للمجاري فيه من قصب

فصرت تمشي الهوينا إذ بلغت مدى *** قد أمعنوا فيه بالتقريب والخبب

فلتسم قدراً وتزدد رتبة وعلا *** مع مالها من رفيع القدر والرتب

وكتب عنه الأستاذ الخاقاني في ( شعراء الحلة ) وذكره صاحب ( الحصون ) ج 9 ص 157 فقال : كان فاضلاً أديباً ، بارعاً وشاعراً ، حسن الشعر مقله حلو الانسجام بديع النظام ، سكن النجف مدة ثم عاد إلى الحلة حيث أقام أبوه وأخوه ، وبعد وفاة أبيه استوطن النجف هو وأخوه.

أقول إلى هذا الشاعر خاصة - دون غيره من آل النحوي - تنتمي الأسرة المعروفة في النجف الأشرف ب- ( آل الشاعر ). كانت وفاة الهادي النحوي سنة 1235 - على الأشهر.

ص: 241

الشيخ حمزة النحوي

اشارة

القرن الثالث عشر

قفوا بديار فاح من عرفها ند *** ديار سعود ما لا ربابها ند

وإن أصحت قفراء من بعد أهلها *** سلوا ربعها عن ريعها أيها الوفد

وخصوا سلام الصب عرب عريبها *** سلام سليم لا يفارقه الود

محارب أعداهم وسلم محبهم *** وباغض شانيهم وحر لهم عبد

لنحوكم النحوي ( حمزة ) قاصد *** فحاشا لديكم أن يخيب له قصد

جفاني الكرى حتى أضر بي الجوى *** وقرح أجفاني لبعدكم السهد

فمن وجدهم فان وجودي وقد غدا *** ودادي لهم باق له خلدي خلد

فطوبى لحزوى والعقيق ورامة *** ونجد لعمري للعليل بها نجد

إذا فاح طيب من أطائب طيبة *** تأرج منه المندل الرطب والرند

هم شفعائي والذين أدخرتهم *** ليوم به لا ينفع المال والولد

هم الذاكرون اللّه آناء ليلهم *** نهارهم صوم وليلهم سهد

هم العالمون العالمون بهم هدوا *** بواطنهم علم ظواهرهم رشد

ص: 242

منار هدى أبياتهم كعبة الورى *** ركوع سجود دون اعتابها الوفد

إلى أن عفت من بعدهم عرصاتها *** وأمست خلاء لا سعاد ولا هند

سطت حادثات الدهر في كل نكبة *** على أهلها خير العباد إذ عدوا

أآل منى نال المنى بولائكم *** عبيدكم لا بل لعبدكم عبد

ويصف شجاعة الحسين علیه السلام بقوله :

لقد شهدت أفعاله الطف والعدا *** كما شهدت أفعال والده أحد

بكرب البلا في كربلا يشتكي الظما *** وليس له إلا دما نحره ورد

فيالك مقتولاً أجل الورى أباً *** ويالك مظلوماً ، له المصطفى جد

ص: 243

الشيخ حمزة النحوي

شاعر أديب وفاضل أريب ، والظاهر أنه من بيت النحوي الحليين المشهورين وفيهم شعراء أدباء كثيرون ذكروا في مطاوي هذا الكتاب ، له القصيدة الدالية في مدح الأئمة علیهم السلام نحو 120 بيتاً لم يتيسر لنا الإطلاع على أولها :

قفوا بديار فاح من عرفها ند *** ديار سعود مالاربابها ند

قال الشيخ اليعقوبي في البابليات : لم نقرأ من شعره في المجاميع سوى هذه القصيدة الدالية وهي طويلة وجدتها في مجموعة من مخطوطات أوائل القرن الثالث عشر فيها بعض القصائد والمقاطيع لكبير هذه الأسرة الشيخ أحمد النحوي ، ولا أعلم ماذا يكون المترجم منه ، وهل هو من أولاده أو أحفاده.

وجاء في شعراء الحلة للبحاثة الخاقاني :

الشيخ حمزة النحوي هو أحد أولئك الشعراء الذين شاءت الحوادث أن ينسى فقد جهلت كتب التراجم ذكره ولو لا العقيدة التي بعثت بكثير من المسجلين أن يدونوا ما قيل من الشعر في الإمام الحسين (عليه السلام) وآل البيت للدوافع القدسية التي فرضت عليهم أن يتبعوا ما قاله الشعراء لفاتنا أن نعرف اسمه أيضاً كما فاتنا أن نعرف من هو وما هي علاقته بآل النحوي فقد وجدت في أكثر من مجموع يرجع عهده إلى أكثر من قرن ونصف ذكر قصيدة له إلى جنب ما ذكر من شعراء الحلة ومن بينهم الشيخ أحمد وأبناءه محمد رضا وهادي وبمثل هذه القرائن وبما احتفظ به من لقب يجمعه بهم يتولد لدينا أنه من هذه الأسرة التي خدمت الأدب العربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة ولو لا هذه القصيدة لبقي الشيخ حمزة نسياً منسياً ، انتهى.

ص: 244

السيد باقر العطار

اشارة

المتوفى 1235

إلى اللّه أشكو وقع دهياء معضل *** يشب لظى نيرانها بالضمائر

يعز على الإسلام أن حماته *** تئن لهم حزناً قلوب المنابر

يعز على الدين الحنيفي أن غدت *** معارفه مطموسة بالمناكر

يعز على الأشراف أن عميدها *** يغيب بعين اللّه عن كل ناظر

يعز على المختار أن أمية *** رمت ولده ظلماً بأدهى الفواقر

يعز على الكرار أن رجاله *** أبيدوا بأطراف القنا والبواتر

عجبت لشمس كورت من بروجها *** وبدر علا قد غاب بين الحفائر

عجبت لذي الأفلاك لم لا تعطلت *** وغيب من آفاقها كل زاهر

ومن عجب أن يمنع السبط ورده *** وفيض يديه كالبحور الزواخر

ص: 245

السيد باقر بن ابراهيم بن محمد الحسني البغدادي

توفي سنة 1235 ودفن في النجف الأشرف. في الطليعة ، كان فاضلا أديباً مشاركاً وكان ناثراً شاعراً ، قدم النجف لطلب العلم وبقي بها مدة مدح علماءها كالشيخ موسى والشيخ علي ابني الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. وروى له جملة من الشعر. وذكره صاحب ( الروض النضير ) فقال : كان من أهل العلم والأدب والفضل والتقوى ، وكانت وفاته حدود 1240 وله شعر في أنواع شتى.

أما الصحيح في تاريخ وفاته فهو ما ذكره ولد الشاعر السيد حسن من أنه توفى سنة 1218 والناس أعرف بآبائهم من غيرهم. وترجم له البحاثة الخاقاني في ( شعراء الغري ) وذكر جملة من مراسلاته ومدائحه لعلماء عصره.

أقول ديوان المرحوم العلامة السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد الحسني الشهير بالعطار مخطوط بخط ولده السيد حسن المعروف بالأصم وقال في أوله :

ولد الوالد صاحب هذا الديوان السيد باقر يوم الأربعاء قبيل الظهر ثالث أو رابع شهر رمضان المبارك سنة 1177 وتوفي في يوم الخامس عشر من صفر سنة 1218.

وجاء في مقدمة الديوان : وبعد فيقول الفقير إلى اللّه الغني حسن بن باقر

ص: 246

ابن ابراهيم الحسني ، أني جامع في هذه الأوراق ما رق من شعر الوالد المرحوم وراق ، ليضوع ولا يضيع وينشر طيب رياه ويشيع ، وأرجو من اللّه التوفيق فهو حسبي ونعم الرفيق.

فمن شعره يستنهض الإمام المهدي علیه السلام :

طلاب المعالي بالرقاق البواتر *** ونيل الأماني بالعتاق الضوامر

وبالسابغيات المضاعف نسجها *** وبالسمهريات اللدان الشواجر

تلوى بأيدى الشوس ليناً كأنها *** صلال الأفاعي من خلال المغافر

وبالغارة الشعواء في ليل عثير *** ترى القوم فيها دارعاً مثل حاسر

وبالعزمة الغراء لمع وميضها *** تبسم عن ماض الغرارين باتر

وبالفتحة العضباء عن حد نجدة *** تجد بها الأعناق دون المناخر

ورب جهول قد تعرض للعلى *** ولم يحض منها بالخيال المزاور

فقلت له خفض عليك فإنها *** مطامح لم تدرك سناء لناظر

فما كل من جاب القفار بجائب *** وما كل من خاض الغمار بظافر

ولا كل خفاق البروق بماطر *** ولا كل زهر في الرياض بعاطر

ولم يبلغ العلياء إلا أخو نهى *** توطأ هامات الرجال البحاتر

وليس يليق التاج إلا لأصيد *** تلفع في بردي علا ومفاخر

ولا يرتقي الأعواد أعواد منبر *** سوى صادح بالحق ناه وآمر

وتلك العلى وقف على كل ما جد *** تربى وليداً في حجور المفاخر

فطوبى لنفس تشهد الملك في يدي *** مليك وسيف اللّه في كف شاهر

وتبصر مولى المؤمنين مؤيداً *** بجند من الرحمن للدين ناصر

وتنظره في الدست من حول صحبه *** كبدر سماء في نجوم زواهر

ص: 247

يقيم قناة الدين بعد التوائها *** باسمر خطار وأبيض باتر

ويملك تصريف المقادير كيفما *** يشاء ويجري حكمه في المقادر

يشمر أذيال الخلافة ساحباً *** على هامة الجوزاء ذيل التفاخر

فقل بفتى جبريل خادم جده *** وخادمه والخضر خير موازر

هو الخلف المنصور والحجة التي *** بها يهتدي من ضل سبل البصائر

حسام إذا ما اهتز يوم كريهة *** تدين له طوعاً رقاب الجبابر

إمام إليه الدهر فوض أمره *** بأمر إله خصه بالأوامر

همام إذا ما جال في حومة الوغى *** فلم تلق إلا ضامراً فوق ضامر

جواد إذا ما انهل وابل كفه *** به غني العافون عن كل ماطر

وجوهو قدس لا يقاس بمثله *** وشتان ما بين الحصى والجواهر

له المعجزات الغر يبهرن للحجى *** فاكرم بها من معجزات بواهر

مكارم فضل لا تحد لواصف *** وآيات صدق لا تعد لحاصر

من البيض يحمى البيض بالبيض والقنا *** ويرمي العدا قسراً بإحدى الفواقر

إذا انقض في قلب الخميس تنافرت *** جموعهم مثل النعام النوافر

وإن حل في أرض تضوع نشرها *** وأخصب من أطلالها كل دائر

ويحي به اللّه العباد جميعها *** فمن رابح فيه هناك وخاسر

ويأذن في نبش القبور ويصلح *** الأمور ويعلو ذكرهن في المنابر

بكل عفيف الذيل من دنس الخنا *** وأبلج ميمون النقيبة طاهر

وأصيد لا يعطى الوغى فضل مقود *** ولو ملئت بيداؤها بالحوافر

وأمجد من عليا معد نجاره *** إذا عدت الأنساب يوم التفاخر

يذبون عن غر كرام أطائب *** غطارفة شوس كماة مغاور

هناك ترى نور النبوة ساطعاً *** منوطاً بنور للامامة زاهر

هناك ترى التوفيق بالبشر صادحاً *** وتقدمه أم العلى بالتباشر

ص: 248

هناك نرى ربع المسرة ممرعاً *** وروض الأماني بين زاه وزاهر

هناك نروى القلب من كل غاشم *** ونأخذ ثار السبط من كل غادر

فسارع لها يا ابن النبي بوثبة *** فما طالب ذحلاً سواك بثائر

هلم بنا واجبر قلوباً كسيرة *** فليس لها إلاك يا خير جابر

أيا ابن الميامين اللذين وجوههم *** توقد عن نور من اللّه زاهر

فخذ من بنات الفكر مني غادة *** تفوق جمالاً كل عذراء باكر

بها ( باقر ) يبدى اعتذار مقصر *** بمدحكم يرجو قبول المعاذر

ومن يكن القرآن جلا بمدحه *** فأنى يوفي مدحه وصف شاعر

عليكم سلام اللّه ما لاح بارق *** وجادت مرابيع السحاب المواطر (1)

وقال يرثي الحسين (عليه السلام) :

يا عين لا لا دكار البان والعلم *** ولا على ذكر جيران بذى سلم (2)

وقل من دمع عيني أن يفيض أسى *** أجل ولا كان ممزوجاً بصوب دم

على أجل قتيل من بني مضر *** زاكي الأرومة والأخلاق والشيم

كيف السلو وروح الطهر فاطمة *** ملقى ثلاثة أيام على الاكم

واحسرتا أيموت السبط من ظمأ *** وجده خير رسل اللّه كلهم

وأمه البضعة الزهراء ووالده *** خير القبائل من عرب ومن عجم

ص: 249


1- عن الديوان المخطوط بخط ولد الناظم وهو السيد حسن المعروف بالأصم - الموجود في مكتبة السيد عبدالعزيز الحيدري.
2- هذه القصيدة وما بعدها عن ( الرائق ).

لم أنسه في عراص الطف منفرداً *** يقول يا قوم هل راعيتم ذممي؟

هل منكم ناصر يرجو الشفاعة في *** يوم المعاد غداً من شافع الأمم؟

لم أنسه وهو يسطو شبه قسورة *** والقوم منهزم في إثر منهزم

فخر عن مهره للأرض تحسب أن *** هوى غدات هوى عال من الأطم

ومر نحو الخيام المهر يندبه *** والدمع يهمل من عينيه كالديم

فمذ رأته النسا أقبلن في دهش *** كل تنوح ومنها القلب في ألم

هاتيك حاسرة بين الطغاة وذي *** تقول أين كفيلي أين معتصمي

تقول يا قوم ما أقسى قلوبكم *** ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

غادرتم أسرة الكرار حيدرة *** منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

لهفي له وهو في الرمضاء منجدل *** والخيل توطئه قسراً بجريهم

ورأسه فوق رأس الرمح مرتفع *** يضيء تحسبه نوراً على علم

أين النبي وأين الطهر فاطمة *** وأين أين علي القدر والهمم

وأين أين أسود الغاب من مضر *** ومن سمو كل ذى مجد بمجدهم

اليوم خابت ظنوني واعتدى زمني *** فواعنائي وواذلي وواندمي

ثم أنثنت تندب الهادي النبي وفي *** أحشائها ضرم ناهيك من ضرم

يا جد إن ابنك السجاد مضطهد *** بين الطغاة يعاني كربة السقم

وقيدوه بأصفاد الهوان ولم *** يراقبوا فيه من إل ولا ذمم

أعظم بها نكبة دهياء قد عظمت *** على النبي ورب البيت والحرم

متى يقوم ولي الأمر من مضر *** فينجلي بمحياه دجى الغمم

الحجة الخلف المهدي من ختم *** اللّه الإمامة فيه خير مختتم

هو الإمام الذي ترجى حميته *** بكل هول من الأهوال مقتحم

ملك له عزمة في الروع ثابتة *** تغنيه عن كل مصقول الشبا خذم

مولى سرى عدله في كل ناحية *** كما سرى البرق في داج من الظلم

متى نراه وقد حفت به زمر *** الأنصار من كل مغوارو كل كمي

ص: 250

ويملأ الأرض عدلاً مثلما ملئت *** جوراً وذئب الفلا يرعى مع الغنم

ويغتدي كل من والاه مبتهجاً *** في خفض عيش رغيد دائم النعم

يا ابن النبي ومن قد راق مدحهم *** ورق حتى حلا تكراره بفم

ومن أتى مدحهم في هل أتى وسبا *** وجاء فضلهم في نون والقلم

إليك من لج بحر الفكر جوهرة *** فريدة الحسن قد جلت عن القيم

يرجو بها باقر أن يضام غداً *** وهل يضام؟ ومن والاك لم يضم

وكيف أخشى معاذ اللّه يوم غد *** سوء العذاب وجدي شافع الأمم

أقل عثاري وخذ يا سيدي بيدى *** عند الصراط إذا زلت به قدمي

قد أفلح المومنون المادحون لكم *** واستوثقوا بوثاق غير منفصم

صلى الإله عليكم ما سرت سحب *** وأومض البرق في الظلماء من إضم

وقال يرثي الحسين علیه السلام :

أطيلي النوح معولة اطيلي *** على رزء القتيل ابن القتيل

وسحى الدمع باكية عليه *** ولا تصغى إلى عذل العذول

ونادي يا رسول اللّه يا من *** حباه اللّه بالفضل الجزيل

أتعلم أن رأس السبط يهدى *** إلى الأوغاد في رمح طويل

ويضحى جسمه بالطف ملقى *** تكفنه الصبا نسج الرمول

ويقرع ثغره الطاغي يزيد *** ولا يخشى من الملك الجليل

وزين العابدين يقاد فيهم *** برغم منه في قيد ثقيل

لعمري لا يحق النوح إلا *** لمقتول الأسنة والنصول

بنفسي ضامياً والماء طام *** وليس له إليه من سبيل

ينادي وهو في الهيجاء فرداً *** ألا هل ناصر لبني الرسول

أأقتل فيكم ظلماً وجدي *** شفيع الخلق في اليوم المهول

أأقتل ضامياً وأبي علي *** بيوم الحشر ساقي السلسبيل

ص: 251

فلما أن راى الأعداء كل *** كليم القلب يطلب بالذحول

تصدى للقتال ومر يسطو *** على الأبطال كالليث الصؤول

فيا لله كم قد فل جمعاً *** بحد حسامه العضب الصقيل

إلى أن جاءه الأجل المسمى *** فخر مجدلاً تحت الخيول

فأقبلن الكرائم حاسرات *** نوادب للمحامي والكفيل

وزينب بينهن عليه تذرى *** عقيق الدمع في الخد الأسيل

وتدعو أمها الزهراء شجواً *** ومنها القلب في داء دخيل

ألا يا بضعة المختار طه *** من الأجداث قومي واندبي لي

ونوحي للغريب المستظ- *** -ام البعيد النازح الدار القتيل

يعز عليك يا أماه ما قد *** تطوقنا من الخطب الجليل

ألا يا أم كلثوم هلمي *** لقد نادى المنادي بالرحيل

وجاءت فاطم الصغرى تنادي *** أباها وهي تعلن بالعويل

أبي عز الكفيل فهل ترى لي *** فديتك يا بن فاطم من كفيل

أبي أحرقتني بجفاك فامنن *** علي بنظرة تطفي غليلي

أبي إن ابنك السجاد أضحى *** عليلاً لهف نفسي للعليل

أيسلمني الزمان وأنت كهفي *** وتألمني الخطوب وأنت سولي

مصابك يابن فاطمة كساني *** ثياب الهم والحزن الطويل

وخبطك هد أركان المعالي *** وثل قواعد المجد الأثيل

واذكى جمرة في قلب طه *** ومهجة حيدر وحشا البتول

ألا يابن الأطائب من قريش *** وخير الخلق من بعد الرسول

ويا ابن الأكرمين ومن بكته *** السموات العلى بدم همول

إليك خريدة حسناء رقت *** وراقت بهجة لذوي العقول

تؤم حماك قاصدة ومنها *** دموع العين كالغيث الهطول

بها يرجو غدات الحشر منكم *** سليلك باقر خير القبول

وتنقذه من النيران فيها *** وتنقله إلى ظل ظليل

ص: 252

وخذ بيديه يوم الحشر وامنن *** عليه بشربة من سلسبيل

فليس له سواكم من معين *** إذا ما جاء في حوب ثقيل

فلا زالت صلوة اللّه تترى *** عليكم بالغدات وبالأصيل

وقال متوسلاً إلى اللّه بالنبي والأئمة الطاهرين :

يا رب بالهادي النبي المصطفى *** ووصيه المولى علي المرتضى

وبفاطم ست النساء ونجلها *** الحسن الزكي وبالحسين المجتبى

وسليله زين العباد وباقر *** وبجعفر والطهر موسى والرضا

ومحمد وعلي نجل محمد *** والعسكري وبالإمام المرتجى

الطف بعبدك وابن عبدك باقر *** وأنله في يوم الجزا خير الجزا

ص: 253

الملا حسين جاويش

اشارة

المتوفى 1237

ما للديار تنكرت أعلامها *** وعفت مرابعها وأمحل عامها

صاح الغراب بشمل ساكنها ضحى *** فلذا تبدد شملها ولمامها

سرعان ما ألقى بكلكله الردى *** عمداً عليها فانقضت أيامها

عصفت أعاصير الرياح بربعها *** فعفا وصوح شيحها وخزامها

ظعنوا برغم المكرمات عشية *** والنفس إثر الركب زاد هيامها

كم لي وقد زموا الركائب خلفهم *** عبرات وجد لا تجف سجامها

فذكرت مذ بانوا ركائب فتية *** ضربت على شاطى الفرات خيامها

زحفت عليها للطغات كتائب *** أموية ملأ الفضا إرزامها

فتكت بها أرجاس حرب فانثنى *** بيد الذئاب فريسة ضرغامها

قتلت على ظمأ وكوثر جدها *** منه الأنام غداً يبل أوامها

لله أدمية بشهر محرم *** لرضى ابن هند يستحل حرامها

فرؤوسها من فوق خرصان القنا *** وعلى الصعيد رمية أجسامها

من مبلغن سراة هاشم إنه *** قد جذ غاربها وجب سنامها

وأفاه منهم سهم بغي صائب *** إن المنايا لا تطيش سهامها

فهوى الجواد عن الجواد كأنما *** من قنة العلياء خر دعامها

كالطود يعلوه الرغام ولم أخل *** يعلو على الشم الرعان رغامها

يا ذروة الشرف انهضوا فسراتكم *** ذبحت بسيف الظالمين كرامها

ص: 254

خضب الدماء جباها ولطالما *** لله طال سجودها وقيامها

يايوم عاشوراء كم لك في الحشا *** قبسات وجد لا يبوخ ضرامها

كم فيك من ابناء احمد فتية *** شم الانوف كبابها اقدامها

ياصاحبي قف بالطفوف مخاطبا *** اين الالى بانو واين مقامها

اللّه اكبر اي غاشية بها *** دار النبوة دكدكت اعلامها

اللّه اكبر اي جلى فتتت *** احشاء خير الرسل وهو ختامها

عجباً لهذ الخلق لا يبكي دماً *** عوض المدامع كلها وغلامها

لفتى بكاه محمد ووصيه *** الهادي أمير المؤمنين امامها

كل الرزايا دون وقعة كربلا *** تنسى وان عظمت تهون عظامها

نكثت عهود المصطفى حسداً لمن *** ضلت عن النهج القويم طغامها

واللّه ما قتل الحسين سوى الألى *** سجدت مخافة بأسه أصنامها

قد أججوها في ( ... ) فتنة *** في الال يوم الطف شب ضرامها

كتبوا صحيفتهم والوا أنها *** حتى القيامة لا يفض ختامها

فتداولتها بعدهم أبناؤها *** فتضاعفت لما جنت اثامها

قدمت على حرب الحسين ببغيها *** وتسابقت لقتاله أقدامها

نقضت عهود نبيها في اله *** فلبئس ما قد أخلفته لئامها

يا سادة جلت مناقب فضلها *** من أن تحيط بوصفها أوهامها

أتهاب نفس حسين أو تخشى غداً *** ظيما وأنتم في المعاد عصامها

يمضي الزمان وحزنها بمصابكم *** باق الى أن تنقضي أيامها

واليكموها غادة حليةُ *** قد طاب فيكم بدؤها وختامها

ص: 255

الملا حسين جاويش

الحسين بن ابراهيم بن داود. من أسرة تعرف قديماً بآل « جاوش » وقد وجدت شهادات موقعة بخطوط جماعة منهم في وثيقة رسمية مصدقة من نائب الحلة « القاضي » سنة 1101 ه- « إحدى ومائة وألف » وهي تخص بعض أوقاف السادة الأقدمين من « آل كمال الدين » ومن الشهود فيها عثمان بن مصطفى جاوش - جد المترجم - ويوجد حتى اليوم شارع قديم في إحدى محلات الحلة الشمالية يدعى ب- « الجاووشية » بالقرب من مرقد أبي الفضائل بن طاوس نسبة إلى الأسرة المذكورة التي نبغ منها شاعرنا المترجم ويعرف في المجاميع القديمة بالملا حسين جاوش. مولده ونشأته ومسكنه ووفاته في الحلة ولم يتحقق لدينا تاريخ ولادته لنعرف مدة عمره سوى أن وفاته كانت سنة 1237 ه- ولم يكن ممن يجتدي بأشعاره أو يساوم ببنات أفكاره وإنما كان يمتهن بعض الحرف التي يعتاش منها وهو معدود في شعراء أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر تبودلت بينه وبين أدباء عصره مراسلات ومساجلات ونظم كثيراً من القصائد في جملة من الحوادث التي وقعت بين أهل الحلة والعشائر والحكومة يومئذ كما جاء في تاريخ الحلة بهذا القرن وشعره جزل الألفاظ عذب الأسلوب مكثر فيه من رثاء آل الرسول « ص » رأيت له قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) في كتاب ( المجالس والمراثي ) للفاضل الأديب الشيخ أحمد بن الحسن قفطان النجفي سنة 1285 ومن خطه نقلتها من الفصل الثالث من الكتاب المذكور :

وله من قصيدة في الرثاء :

هاج أحزان مهجتي وشجاها *** خطب من جل في الآنام عزاها

* * *

ص: 256

هل يولي أمر الخلافة إلا *** من بنى أصلها وشاد علاها

سيد الأوصياء في كل عصر *** تاجها عقدها منار هداها

من رقى منكب النبي وصلى *** معه في السماء يوم رقاها

ذاك مولى بسيفه وهداه *** آية الشرل والضلال محاها

وله في رثاء السيد سليمان الكبير المتقدم ذكره والمتوفى سنة 1211 ه.

الا خلياني يا خليلي من نجد *** وتذكار سعدى في حمى بانة السعد

فما هاج وجدي ذكر حزوى وحاجر *** ولا رامة فيها مرامي ولا قصدي

ولا تعذلاني إن قضيت من الأسى *** وخدد دمع العين في سكبه خدي

فما أنا من يصغي إلى العذل سمعه *** واني في شغل عن العذل بالوجد

سلا ظاهر الأنفاس عن باطن الأسى *** فإن الذي أخفيه أضعاف ما أبدي (1)

أفي كل يوم لي حبيب مفارق *** إلى القبر أضعان المنايا به تخدي

لقد ذهب العيش الرغيد بذاهب *** هوى في الثرى لما رقى ذروة المجد

وعطل أحكام ( الشرايع ) فقد من *** هو المقتدى في الحل منها وفي العقد

ومن سبل ( الارشاد ) ضاقت ( مسالك ) *** الرشاد وكانت قبل واضحة النجد (2)

فلهفي عليه ثم لهفي لو أنه *** يفيد الفتى طول التلهف أو يجدي

ولو رد ميت بالبكاء لرده *** بكائي وأنى يسمح البين بالرد

أصاب الردى عمداً ( سليمان ) عصرنا *** أخا النسب الوضاح والحسب العد (3)

على الحلة الفيحاء من بعده العفا *** فقد غاب عن آفاقها قمر السعد

وكان لها كفاً تكف به الأذى *** وقد جذه صرف الحمام من الزند

يحامي عن الدين القويم بمرهف *** اللسان كما تحمى العرينة بالأسد

ص: 257


1- البيت مطلع قصيدة للشريف الرضي وأخذه المترجم بتصرف.
2- النجد : الطريق المرتفع ومنه قوله تعالى ( وهديناه النجدين ).
3- العد بالكسر : القديم.

فيا بدر تم غاله الخسف بعدما *** هدى في الدجى المسترشدين إلى الرشد

وشمساً تغشاها الكسوف وطالما *** جلت ظلمات الشك في القرب والبعد

بكيتك للود القديم وكم بكى *** عليك من الناس امرؤ غير ذي ود

وقد حال مني كل شيء عهدته *** فلم يبق محفوظاً عليك سوى عهدي

فهذي جفوني من دموعي في حياً *** وقلبي من -ر الكآبة في وقد

وهي طويلة. وفي آخرها يؤرخ عام وفاته بقوله :

وصدر جنان الخلد وافى مؤرخاً *** سليمان طب نفساً فمأواك بالخلد

وفي قوله وصدر جنان الخلد إشارة إلى « الجيم » لأن عجز البيت وفيه مادة التاريخ ينقص ثلاثة وفي الجيم يتم العدد « 1211 » وكان سريع البداهة حاضر النكتة. نزل هو والشيخ صالح التميمي الشهير ضيفين على رجل من بني « لام » بين واسط والبصرة فلم يكرم مثواهما وزاحمهما من شدة جشعه على الزاد الذي قدمه إليهما في صحن صغير فنظما هذه القطعة المشتركة والصدور منها للتميمي والاعجاز لصاحب الترجمة.

رأينا من عجيب الدهر صحناً *** صغير الحجم بين يدي لئيم

كأن حنو صاحبه عليه *** ( حنو المرضعات على الفطيم ) (1)

تدافع دونه كلتا يديه *** مدافعة الغيور عن الحريم

يود بأن عيناً لا تراه *** فيحجبه بكهف أو رقيم

فلو بالخلد قابله اكيل *** لفر به إلى أصل الجحيم

ذميم الخلق والأخلاق أمسى *** يزاحمنا على العيش الذميم

لعكس الحظ عاشرنا أناساً *** بطرق اللؤم اهدى من تميم

ص: 258


1- هو لأبي نصر أحمد السليكي المنازي من أبيات مشهورة وقد تضمن شاعرنا عجز البيت.

فغضب التميمي من تعريضه في البيت الأخير وأمسك عن النظم فاعتذر المترجم بأن القافية عرضت له في الطريق.

« ايضاح » أن المترجم له غير ملا حسين - بالتصغير والتشديد - الحلي الذي كان شعره مقصوراً على اللغة العامية صاحب القصائد الزجلية من « الميمر » وغيره في مدح وادي بن شفلح « رئيس زبيد » المتوفى سنة 1271 وبينه وبين الشيخ عبدالحسين محي الدين صاحب ( ذرب بن مغامس ) رئيس خزاعة مطارحات في اللغة نفسها وله نوادر وحكايات مضحكة مع العلامة السيد مهدي القزويني المتوفي سنة 1300 ومع الشيخ جعفر الصغير حفيد كاشف الغطاء المتوفى سنة 1290 كما في « العبقات العنبرية » وكل هؤلاء متأخرون عن عصر شاعرنا ( ابن جاوش ) ولكن سيدنا الأمين - في ال- ج 26 من الاعيان ذكر أن وفاة الملا حسين الشاعر العامي سنة 1212 وهذا التاريخ أيضاً متقدم على عصر هؤلاء بكثير والصواب أن وفاته في اخريات القرن الثالث عشر ويحتمل أن ولادته كانت في التاريخ الذي ذكر في الأعيان. انتهى عن ( البابليات ).

ص: 259

الشيخ محمد رضا الازري

اشارة

المتوفى 1240

خذ بالبكاء فما دمع بمذخور *** من بعد نازلة في عشر عاشور

يوم تنقبت الدنيا بغاشية *** من المصاب لفقد العالم النوري

واردف الملأ الأعلى براجفة *** أللعوالم آنت نفخة الصور

يوم سرى ابن رسول اللّه يجلبها *** قب البطون تهادى في المضامير

ترغو عليها فحول من بني مضر *** معودون على حز المناحير

من كل مزدلف للروع يصحبه *** أنف حمى وجاش غير مذعور

حيث السلاهب تنزو في شكائمها *** نزو الثعابن في مشبوبة القور

واصيد مطمئن الجأش لو جأشت *** في الروع وعوعة الأسد المغاوير

وللجبال الرواسي في دكادكها *** مور بدكدكة الجرد المحاضير

فلو تراها وقد شالت نعامتها *** والقوم ما بين مطعون ومنحور

لما رأيت سوى معزى يبددها *** زئير ذي لبدة دامي الأظافير

حتى إذ حم أمر اللّه وانتزعت *** مراشة سددت من كف مقدور

وافاة شمر فألفاه على رمق *** فكان ما كان من إنفاذ مسطور

وشال رأس رئيس المسلمين على *** أصم مطرد الكعبين مطرور

ص: 260

من مبلغ الرسل أن رأس ابن سيدها *** في مجلس الراح بين اليم والزير (1)

وهل درت هاشم أن ابن بجدتها *** لقى تزمله هوج الاعاصير

ومن معزي الهدى في شمس دارته *** إذ سامها القدر الجاري بتكوير

وهل درى البيت بيت اللّه أن هدمت *** منه عتاة قريش كل معمور

وفتية من رجال اللّه قد صبروا *** على الجلاد وعانوا كل محذور

حتى تراءت لهم عدن بزينتها *** مآ تماكن عرس الخرد الحور

وان رزءاً بكت عين النبي له *** لذاك في الدين كسر غير مجبور

ورب ذات حداد من كرائمه *** تخاطب القوم في وعظ وتذكير

تدعو وتعلم ما في الناس مستمع *** لكنها نفثة من قلب مصدور

اللّه في رحم للمصطفى قطعت *** من بعده وذمام منه مخفور

ما ظنكم لو رأى المختار أسرته *** بالطف ما بين مقتول ومأسور

من عاطش شرقت صم الرماح به *** وذى براثن في الاصفاد مشهور

وثاكل من وراء السجف قائلة *** يا جدغوثا فرزئي فوق مقدوري

أمثل شمر لحاه اللّه يحملنا *** شعث النواصي على الاقتاب والكور

ويولغ السيف في نحر ابن فاطمة *** لله ما صنعت أيدي المقادير

بنات آكلة الاكباد في كلل *** والفاطميات تصلى في الهياجير

وذات شجو لها في الصدر ثائرة *** تشب في كل ترويح وتبكير

تقول والنفس قد جاشت غواربها *** والدمع ما بين تهليل وتحدير

يا والدي من يسوس المسلمين ومن *** يقوم بالامر في حزم وتدبير

ومن تركت على الإسلام يكلؤه *** من كل مبتدع بالكفر مغمور

وهل جعلت على التنزيل مؤتمناً *** يقيه من رب تحريف وتغيير

إليه بالعتاق القب ضابحة *** بكل اشوس فلال المباتير

ص: 261


1- البم : العود والوتر. والزير : مخالطة النساء.

والباترات تجلت عن مشارقها *** ولا مغارب إلا في المناحير

والزاغبية تحت النقع لامعة *** لمع الثواقب في آناء ديجور

لولا انتظار ليوم لا خلاف به *** لشطر الوجد قلبي أي تشطير

يوم أرى الملة البيضاء مسفرة *** عن كل أبيض ذي جدٍ وتشمير

وموكب تحمل الأملاك رايته *** أمام ملك على الازمان منصور

ملك إذا ركب الذيال تحسبه *** نوراً تجلى لموسى من ذرى الطور

فتى يروقك منه حين تنظره *** لألاء فرق بنور اللّه محبور

وكم اجال العقول العشر خابطة *** في كنهه بين تعريف وتنكير

وان من يقتدي عيسى المسيح به *** لذاك يكبر عن تحديد تفكير

كأنني بجنود اللّه محدقة *** من حوله بين تهليل وتكبير

والجن والإنس والاملاك خاضعة *** له فاكبر بتصريف وتسخير

والمسلمون أعز اللّه جانبهم *** في ظله بين مغبوط ومسرور

ص: 262

الشيخ محمد رضا الازري

ولد سنة 1162 وتوفي 1240 في بغداد ، درس العلوم العربية على أخيه الشيخ يوسف الازري وعلى غيره من فضلاء عصره وولع بحفظ القصائد الطوال من شعر العرب فقد رووا عنه انه كان يحفظ المعلقات السبع وقسماً كبيراً من أشعار الجاهلية والإسلام مضافاً إلى الخطب والاحاديث المروية عن العرب. وكان نشيطاً مفتول الساعدين قوي البنية معدوداً من أبطال الفتوة بين اقرانه وهو أصغر أخوته.

أهم شعره في رثاء أهل البيت ، وقد حدثت في زمانه واقعة الوهابيين المعروفة في التاريخ حينما احتلو كربلاء ونهبوها وقتلوا من أهلها ما يزيد على خمسة آلاف نسمة وذلك سنة 1216 فنظم على أثرها ثلاث قصائد تشتمل على مائتين وستين بيتا ذكر بها الواقعة المذكورة وختم كلاً منها بتأريخ وإذا لاحظنا تواريخ قصائده رأينا اكثرها نظمت بعد وفاة أخيه الشيخ كاظم الأزري.

ورأيت له قصيدة يرثي بها السيد جواد العاملي صاحب كتاب مفتاح الكرامة في الفقه ومؤرخاً في كل شطر منها عام وفاته ، والقصيدة أولها :

أنخها على الاعلام واعقل ونادها *** وسل آية جاست ركاب جوادها

رواها الشيخ علي كاشف الغطاء في سمير الحاظر.

وللشيخ محمد رضا الأزري يصف بطولة العباس بن أمير المؤمنين يوم كربلاء :

أو ما أتاك حديث وقعة كربلاء *** أنى وقد بلغ السماء قتامها

يوم أبو الفضل استجاربه الهدى *** والشمس من كدر العجاج لثامها (1)

ص: 263


1- رواها الشيخ علي كاشف الغطاء في سمير الحاظو ج 2 ص 100.

والبيض فوق البيض تحسب وقعها *** زجل الرعود إذا اكفهر غمامها

فحمى عرينته ودمدم دونها *** ويذب من دون الشرى ضرغامها

من باسل يلقى الكتيبة باسماً *** والشوس يرشح بالمنية هامها

وأشم لا يحتل دار هضيمة *** أو يستقل على النجوم رغامها

أو لم تكن تدري قريش أنه *** طلاع كل ثنية مقدامها

بطل أطل على العراق مجلياً *** فاعصوصبت فرقاً تمور شآمها

وشأى الكرام فلا ترى من أمة *** للفخر إلا ابن الوصي إمامها

هو ذاك موئلها يرى وزعيمها *** لو جل حادثها ولد خصامها

وأشدها بأساً وأرجحها حجى *** لو ناص موكبها وزاغ قوامها

من مقدم ضرب الجبال بمثلها *** من عزمه فتزلزلت أعلامها

ولكم له من غضبة مضرية *** قد كاد يلحق بالسحاب ضرامها

أغرى به عصب ابن حرب فانثنت *** كلح الجباه مطاشة أحلامها

ثم انبرى نحو الفرات ودونه *** حلبات عادية يصل لجامها

فكأنة صقر بأعلى جوها *** جلى فحلق ما هناك حمامها

أو ضيغم شئن البرائن ملبد *** قد شد فانتشرت ثبى أنعامها

فهنا لكم ملك الشريعة واتكى *** من فوق قائم سيفه قمقامها

فأبت نقيبته الزكية ريها *** وحشى ابن فاطمة يشب ضرامها

وكذلكم ملأ المزاد وزمها *** وانصاع يرفل بالحديد همامها

حتى إذا وافى المخيم جلجلت *** سوداء قد ملأ الفضا إرزامها

فجلا تلاتلها بجاش ثابت *** فتقاعست منكوسة أعلامها

ومذ استطال اليهم متطلعاً *** كالأيم يقذف بالشواظ سمامها

حسمت يديه يد القضاء بمبرم *** ويد القضا لم ينتقض إبرامها

واعتقاه شرك الردى دون الشرى *** ان المنايا لا تطيش سهامها

اللّه اكبر أي بدر خر من *** أفق الهداية فاستشاط ظلامها

فمن المعزي السبط سبط محمد *** بفتى له الاشراف طأطأ هامها

ص: 264

وأخ كريم لم يخنه بمشهد *** حيث السراة كبا بها أقدامها

تاللّه لا أنسى ابن فاطم إذ جلا *** عنه العجاجة يكفهر قتامها

من بعد أن حطم الوشيج وثلمت *** بيض الصفاح ونكست أعلامها

حتى إذا حم البلاء وانما *** أيدي القضاء جرت به أقلامها

وافى به نحو المخيم حاملاً *** من شاهقي علياء عز مرامها

وهوى عليه ما هنالك قائلاً *** اليوم بان عن اليمين حسامها

اليوم سار عن الكتائب كبشها *** اليوم غاب عن الصلاة إمامها

اليوم آل إلى التفرق جمعنا *** اليوم حل من البنود نظامها

اليوم خر من الهداية بدرها *** اليوم غب عن البلاد غمامها

اليوم نامت أعين بك لم تنم *** وتسهدت أخرى فعز منامها

أشقيق روحي هل تراك علمت إذ *** غودرت وانثالت عليك لئامها

إن خلت أطبقت السماء على الثرى *** أو دكدكت فوق الربى أعلامها

لكن أهان الخطب عندي أنني *** بك لاحق أمراً قضى علامها

من مبلغ أشياخ مكة إنه *** قد غاض زاخرها وزال شمامها

من مبلغ أشياخ مكة انه *** قد شل ساعدها وفل حسامها

من مبلغ أشياخ مكة إنه *** قد دق مارنها وجب سنامها

اللّه أكبر أي غاشية علت *** بيت الرسالة واستمر قتامها

اللّه أكبر ما أجل رزية *** مضت الدهو وما مضت أيامها

يوم به وتر النبي وحيدر *** وبنو العواتك شيخها وغلامها

وقلوب صبيتهم بقلبها الظما *** والماء عائثة به أنعامها

وبنوهم أسرى يعض متونهم *** غل السلاسل تارة وسقامها

ورؤوسهم فوق الرماح شوارع *** وعلى البطاح خواشع أجسامها

هذي المصائب لا مصائب اليعقوب *** وإن صدع الهدى إلمامها

هذا جزاء محمد من قومه *** فلبئس ما قد أخلفته طغامها

سمعا أبا الفضل الشهيد قصيدة *** أزرية مسكاً يفوح ختامها

ص: 265

ومن شعره في أهل البيت علیهم السلام :

ومن يبصر الدنيا بعين بصيرة *** يرى الدهر يوماً سوف ينجاب عن غد

ولست أرى عز العزيز بمانع *** ولست أرى ذل الذليل بمخلد

لمن يرفع المرء العماد مشيدا *** وها هادم اللذات منه بمرصد

وهل دارع الا كآخر حاسر *** إذا ما رمى المقدور سهم مسدد

فصاحب لمن تهوى اصطحاب مفارق *** وفي الكل رجع نظرة المتزود

إذا لم يكن عقل الفتى مرشد الفتى *** فليس إلى حسن الثناء بمرشد

واني أرى الايام شتى صروفها *** وأعظمها تحكيم عبد بسيد

ويا رب وتر عند باغ لذى تقى *** ولكن لا وتر كوتر محمد

رموا بيته بالمرجفات وهدموا *** قواعده بعد البناء الموطد

فسل كربلا ماذا جرى يوم كربلا *** مصاب متى الأفلاك تذكره ترعد

وانى وتلكم حمرة في جبينها *** إلى الآن من ذاك الجوي المتوقد

وما ظهرت من قبل ذلك في الاولى *** لراء ولم تعرف قديماً وتعهد

ولو جل رزء في النبيين مثله *** لبانت وفي هذا بلاغ لمهتدي

وهاتيكم اللاتي تسير على المطا *** حقائقه يشهرن في كل مشهد

وتلك النفوس السائلات على القنا *** تقاطر منه من أكف وأكبد

وأسرته في حالة لو يراهم *** بها هرقل لاستقرع الناب باليد

فمن بين مقطوع الوتين وفاحص *** بكفيه عن نزع وبين مصفد

وكم ذي حشى حرانة لو تمكنت *** لعطت حواياها وطارت لمورد

ومرضعة مذهولة عن رضيعها *** مخافة سلب يكشف الستر عن يد

فمن يبلغن الرسل ان زعيمها *** لذو عبرة جياشية عن توقد

ص: 266

الشيخ احمد زين الدين الاحسائي

اشارة

المتوفي 1241

أنزهو وقد ترنو بياض المفارق *** وقد مر مسود الشباب المفارق

أجدك في اللّهو الذي أنت خائض *** وداعي الفنا يدعوك في كل شارق

تضاحكك الأيام في نيلك المنى *** كفعل نصوح للدعابة وامق

وما بسطت آمالها لك عن رضى *** ولا ضحكت سنا إلى كل عاشق

ولكن لكي تصطاد من أم قصدها *** بما نصبته من شراك البوائق

فلا تثقن من وعدها إن وعدها *** كما قد جرت عاداتها غير صادق

كأن المنايا ملكتها صروفها *** فتطرق من شاءت بشر الطوارق

لذاك أحلت بالحسين مصائبا *** بها تضرب الأمثال في كل خارق

غداة أناخت بالطفوف ركابه *** بكل فتى للحتف في اللّه تائق

سلامي على أرواحهم ، ودماؤهم *** تضوع بطيب في ثرى الأرض عابق

خليلى زرهم وانتشق لقبورهم *** تجد تربها كالمسك من غير فارق

ويصف فيها شجاعة الحسين علیه السلام :

فكم فلقت ضرباته من جماجم *** وكم فرقت صولاته من فيالق

فأقرب ما قد كان لله اذ هوى *** صريعا بلا جرم وعطشان ما سقي

وطفل رضيع بالسهام فطامه *** وذبح غلام بالحسام مراهق

ص: 267

الشيخ احمد زين الدين الاحسائي

ولد بالمطير من الإحساء في شهر رجب سنة 1166 ه- كان من العلماء الراسخين في العلم ، والفلاسفة الحكماء العارفين المتأهلين المطلعين وقد ترك 140 كتاباً ورسالة ، وأجوبة بلغت 550 تقريباً. ومؤلفاته تربو على المائة مؤلف في مختلف العلوم الاسلامية نشرت أسماءها مكتبة العلامة الحائري العامة بكربلاء بكراسة خاصة ، كما نشرت له رسائل في كيفية السلوك إلى اللّه تعالى.

هاجر إلى كربلاء - العراق وهو ابن عشرين سنة وحضر بحث الوحيد البهبهاني الاغا باقر والسيد الميرزا مهدي الشهرستاني والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض ، وفي النجف على الشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره ، ثم حدث طاعون جارف ألجأ الناس إلى مغادرة الاوطان فعاد المترجم إلى بلاده وتزوج بها وبعد زمن انتقل بأهله إلى البحرين وسكنها أربع سنين ، وفي سنة 1212 عاد إلى العتبات المقدسة بالعراق وبعد الزيارة رجع فسكن البصرة في محلة ( جسر العبيد ) ثم تنقل إلى عدة أماكن وذهب إلى ايران ثم عزم على الحج وتوفي بالحجاز قبل وصوله مدينة الرسول ( بثلاث مراحل وذلك في يوم الأحد ثاني ذي القعدة حرام 1241 فنقل للمدينة ودفن بالبقيع مقابل بيت الأحزان.

وجاء في أنوار البدرين : العلامة الفاضل الفهامة الوحيد في علم التوحيد وأصول الدين الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي المطيرفي (1) وهو صاحب

ص: 268


1- قرية من قرى الاحساء كثيرة المياه.

جوامع الكلم مجلدان كبيران مشتملان على جملة من الرسائل وكثير من التحقيقات وله شرح الزيارة الجامعة الكبرى وله شرح العرشية والمشاعر لملا صدر الدين الشيرازي ( ره ) تعرض فيما عليه وعلى تلميذه الملا محسن الكاشاني ( ره ) وله جملة من المصنفات وحاله أشهر من أن يذكر وقد ذكر أحواله بالبسط والبيان السيد المعاصر السيد محمد باقر الأصفهاني في كتابه ( روضات الجنات ). توفي ( قده ) مهاجراً لزيارة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأئمة البقيع علیهم السلام سنة اثنين وأربعين ومائتين والف من الهجرة وله الاجازة من جملة من المشائخ العظام واساطين الاسلام منهم السيد السند بحر العلوم ومجدد آثار الايمان والرسوم السيد محمد مهدي الطباطبائي والسيد الأجل السري السيد مير علي الطباطبائي صاحب الرياض والشيخ الافخر الشيخ جعفر كاشف الغطاء وابنه الأجل الانور الشيخ موسى والعلامة المشهور الشيخ حسين آل عصفور وأخيه الأسعد الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد آل عصفور والسيد الأجل الأمجد السيد محمد الشهرستاني والفاضل الأمجد الشيخ أحمد ابن العالم الرباني الشيخ حسن الدمستاني وغيرهم وقد وقفت على أكثر اجازاتهم له وفيها تفخيم له عظيم ويروي عنه جماعه من فحول العلماء منهم المحقق الشيخ محمد حسن ( صاحب الجواهر ) والسيد كاظم الرشتي والمحقق الحاج ابراهيم الكرباسي صاحب الاشارات وغيرهم قدس اللّه أرواحهم.

اقول وللشيخ الاحسائي قدس اللّه نفسه قصائد في الامام الشهيد الحسين سماها ب- ( الأثني عشرية ) وقد طبعت مع ترجمتها للغة الفارسية.

ص: 269

السيد حسن الاصم - العطار

اشارة

قال مشطراً بيتي السيد عمر رمضان

لفظت الخيزرانة من يميني *** وإن كانت مهفهفة القوام

فأبغض أن الامسها بكفي *** وأكره أن أشاهدها أمامي

ولست بممسك ما عشت عوداً *** ولو أني عجزت عن القيام

أأمسك عود سوء في يميني *** بها نكثت ثنايا ابن الامام (1)

ص: 270


1- عن سمير الحاظر ومتاع المسافر مخطوط المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء ج 1 ص 561.

السيد حسن العطار البغدادي

المتوفي 1241

هو السيد حسن ابن السيد باقر ابن السيد ابراهيم ابن السيد محمد العطار الحسني البغدادي عالم أديب وشاعر مجيد. وآل العطار بيت علم وفقه وأدب وشعر نبغ فيه غير واحد من اجلاء العلماء وعباقرة الشعراء ، وشهرة رجالهم بالأدب والشعر أكثر منها في الفقه ، مع أن فيهم بعض الفقهاء المتبحرين الذين لا يستهان بهم ، ولقب العطار لحق جدهم السيد محمد لسكناه في سوق العطارين ببغداد.

والمترجم له كان عالماً فاضلاً أديباً وشاعراً مجيداً له ديوان شعر مرصوف وكان يعرف بالاصم ، ذكره عصام الدين عثمان الموصلي العمري في ( الروض النضر ) في تراجم أدباء العصر المخطوط الموجود في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد ، وذكره الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) فاطراه وذكر بعض شعره توفي سنة 1241 ويوجد بخطه ديوان العلامة السيد حسين بن مير رشيد الهندي تلميذ السيد نصر اللّه الحائري ، فرغ من كتابته في 1224 واستنسخ عنه العلامة السماوي.

فمن شعره :

من لصب أغرق الطرف بكاء *** وعراه من هواكم ما عراه

مسه الضر وأمسى شجا *** ما له ظل إذ الشوق براه

ص: 271

قوض السفر وما نال من ال- *** -نفر الماضين في جمع مناه

يا أهيل الحي هل من نظرة *** ينجلي فيها من الطرف قذاه

فعدوني بوصال منكم *** فعسى يشفي من القلب ضناه

وارحموا حال معنى مغرم *** مستهام شمتت فيه عداه

يا رعى اللّه زماناً معكم *** فيه قد البسنا آلاس رداه

نجتني من قربكم عند اللقا *** ثمر الوصل وقد طاب جناه

قد تقضى وانقضت أيامه *** ومحيا الوصل قد زال بهاه

شابهت ضيفاً بطيف زارنا *** ثم ولى حيث لم نخش قراه

ص: 272

الشيخ علي الاعسم

اشارة

كان حياً 1244

قال يخاطب أبا الفضل العباس - وقد ألم مرض نال الزائرين

أبا الفضل ليس الهم سقمي وعلتي *** ولكن همي أن يلم بكم عار

أخاف مقال الجاهلين لجهلهم *** لقد عطب القوم الذين لهم زاروا

وأعلم حقاً أن ذاك بشارة *** لزائركم أن لا تمر به النار

ص: 273

الشيخ علي الاعسم

هو الشيخ علي ابن الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ محمد علي الشهير بالاعسم النجفي مولداً ومسكناً ومدفناً ذكره صاحب الحصون في ج 2 ص 466 فقال : كان شاعراً بليغاً وله إلمام في الجملة بنكت ودقايق الشعر الفارسي وكان ينظم بعض معانيه أحياناً بتكلف وكان شعره دون شعر أبيه ومن في طبقته ومن شعره قوله :

وغادة هويت ابراز طلعتها *** لناظري فنهاها الخوف واللمم

فأسفرت قبل المرآة فانطبعت *** تلك المحاسن فيها وهي تبتسم

قوله :

تواضع قوم فظن الجهول *** برتبتهم أنهم وضع

وقوم تساموا على غيرهم *** بغير اتصاف بما يرفع

فهم كالغصون إذا ما خلت *** تسامت وان أثمرت تخضع

وله في واقعة اتفقت لبعضهم في بغداد :

وساترة الخدين عنا بأنمل *** تفوق على عقد الجمان عقودها

لقد بخلت لكن أرتنا أناملا *** وذلك يكفينا فللبخل جودها

وله أبيات في الرد على بعض العلماء في مقالته أن مرض زوار عرفة علامة عدم قبول زيارتهم وذلك سنة 1244 ه. الأبيات التي تقدمت وقوله :

قد كنت أرجو أن أنال بودهم *** ما يرتجيه من الفتى خلطاؤه

ص: 274

فبدت لي السحناء حتى قيل لي *** ( ويل لمن شفعاؤه خصماؤه )

ولم أقف على سنة وفاته سوى أنه كان في أواسط القرن الثالث عشر. وذكره المحقق الطهراني في الكرام البررة ص 197 فقال : ومن تصانيفه مناهل الأصول في عدة مجلدات شرح على تهذيب الوصول للعلامة مجلده الثالث من العام والخاص إلى آخر الظاهر والمأول فرغ منه في عام 1239 وهو موجود عند الشيخ محمد جواد الأعسم وهو والد الشيخ محمد حسين بن الأعسم الشهيد في الدغارة عام 1288 ه. ورأيت بخطه المجلد الاول من شرح اللمعتين تأليف الشيخ جواد ملا كتاب في عام 1232 ه.

ص: 275

الشيخ علي نقي الاحسائي

المتوفي 1246

قال في مطلع قصيدة في الامام الحسين *** هل للطول الخاليات بلعلع

بعد التفرق والنوى من مرجع *** لم تبتسم بعهاد وكاف الحيا

كلا ولا طربت لورق سجع *** لا ينفعن الدار بعد قطينها

وكف السحاب وسقي فيض المدمع *** وابك الأولى نزحوا بعاطلة الضبا

إن كنت مكتئباً بقلب موجع

وقال في أخرى

يا سعد لا رقصت في ربعك الابل *** ولا انثنى مدلجاً ركب به عجل

ولا سرى موهناً برق وغادية *** ولا سقاك ملثاً واكف هطل

لم يشجنى ربعك العافي الذي درست *** مر الرياح وفيه يضرب المثل

ولا تذكر سكان العقيق ولا *** ماء العذيب وروض ناعم خضل

بلى رماني البلا منه بقارعة *** فمهجتي بلظى الأحزان تشتعل

ومقلتي لم تزل تذري الدموع على *** ربع الذين بأرض الطف قد قتلوا

ما إن جرى ذكر رزء السبط في خلدي *** إلا وشب بقلبي النار والشعل

بقي ثلاثة أيام على عفر *** بالطف لا كفن لهفي ولا غسل

مزملا بدماه ليت عينك يا *** جداه تنظره في الترب منجدل

ص: 276

هو ابن الشيخ الاوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي. ولد في الاحساء وتتلمذ على أبيه ونال حظاً كبيراً من العلوم العقلية والنقلية ، وكان يقول :

إني أحفظ أثني عشر ألّف حديث بأسانيدها ، وألف في مختلف العلوم منها :

1 - نهج المحجة في اثبات إمامة الأئمة الاثني عشر علیهم السلام في مجلدين ، طبع الأول بمطابع النجف سنة 1370 ه- ، وطبع الثاني في تبريز سنة 1373 ه.

2 - منهاج السالكين في السلوك والأخلاق ، طبع في تبريز سنة 1374 ه.

3 - مشرق الأنوار في الحكمة.

4 - رسالة في تفسير قاب قوسين.

5 - كشكول في مجلدين.

6 - ديوان شعر جمعه في حياته يتضمن مختلف النواحي الشعرية من غزل ونسيب ومدح ورثاء وأمثال وحكم وفخر وحماسه ، وهو عالم أكثر منه شاعر واليك روائع من شعره قاله في مناسبات

إني عجبت وكم في الدهر من عجب *** وكم رماني من الأيام بالعطب

أجلت طرفي فلا خلأ أواصله *** ولا صديقا اليه منتهى حربي

والدهر شتت آمالي وفرقها *** فصرت والدهر والأخوان في لعب

كأنما كانت الأخوان نائية *** من الزمان رماها الدهر بالنوب

تباعدوا ولكم أبدوا وكم ستروا *** حقداً وكم صرموا حبلي بلا سبب

توفي صبح الأحد 23 ذي الحجة الحرام سنة 1246 في كرمنشاه ودفن في خارج البلدة في طريق الزائرين الذين يقصدون كربلاء ، وكان ذلك بوصية منه. عاش بعد والده خمس سنوات وأحد عشر يوماً.

ص: 277

السيد سليمان داود الحلي

اشارة

المتوفي سنة 1247

أرى العمر في صرف الزمان يبيد *** ويذهب لكن ما نراه يعود

فكن رجلا إن تنض أثواب عيشه *** رثاثا فثوب الفخر منه جديد

وإياك أن تشري الحياة بذلة *** هي الموت والموت المريح وجود

وغير فقيد من يموت بعزة *** وكل فتى بالذل عاش فقيد

لذاك نضا ثوب الحياة ابن فاطم *** وخاض عباب الموت وهو فريد

ولاقى خميسا يملأ الأرض زحفه *** بعزم له السبع الطباق تميد

وليس له من ناصر غير نيف *** وسبعين ليثا ما هناك مزيد

سطت وأنابيب الرماح كأنها *** أجام وهم تحت الرماح أسود

ترى لهم عند القراع تباشراً *** كأن لهم يوم الكريهة عيد

وما برحوا يوماً عن الدين والهدى *** إلى أن تفانى جمعهم وأبيدوا

ويسطو العفرني حين أفرد صولة *** أبيد بها للظالمين عديد

وقد كاد يفنيهم ولكنما القضا *** على عكس ما يهوى الهدى ويريد

فأصمى فواد الدين سهم منية *** فهد بناء الدين وهو مشيد

بنفسي تريب الخد ملتهب الحشى *** عليه المواضى ركع وسجود

بنفسي قتيل الطف من دم نحره *** غدا لعطاشى الماضيات ورود

ص: 278

بنفسي راس الدين ترفع رأسه *** رفيع العوالي السمهرية ميد

تخاطبه مقروحة القلب زينب *** فتشكو له أحوالها وتعيد

أخي كيف ترضى أن نساق حواسراً *** ويطمع فينا شامت وحسود

أخي إن قلبي بات للوجد عنده *** مواثيق لم تنقض لهن عهود

إذا رمت إخفاء الدموع ففي الجوى *** مع الدمع مني سائق وشهيد

أيصبح ثغري بعد يومك باسماً *** وينكت ثغر الفخر منك يزيد

وتؤنسني تربي وأنت بمهمه *** أنيسك عسلان الفلاة وسيد

فلا در بعد السبط در غمامة *** ولا لنبات الأرض شب وليد (1)

ص: 279


1- 1 - لواعج الأشجان للسيد الأمين

السيد سليمان داود الحلي

السيد سليمان بن داود بن سليمان بن داوود بن حيدر حيدر بن أحمد بن محمود الحسيني الحلي والد السيد حيدر الحلي الشاعر المشهور ولد سنة 1222 توفي سنة 1247 بالحلة ودفن بالنجف الأشرف.

كان أديباً شاعراً شريف النفس عالي الهمة وقورا له إلمام ببعض العلوم وله أرجوزة في النحو. وله شعر في الحسين علیه السلام (1) نظم الشعر وهو ابن اثنتي عشرة سنة (2).

في البابليات : أبو حيدر سليمان بن داود بن سليمان بن داود الحسيني ذكرنا جماعة من أسرته فيما مضى وسنذكر الباقين فيما يأتي ممن نظم في الحسين (عليه السلام) كان يلقب بالصغير وجده يلقب بسليمان الكبير دفعا لما يوشك أن يقع من الإيهام والإلتباس عند ذكرهما وكان مولده 1222 ه- وابتدأ يقول الشعر وهو ابن 12 سنة كما في مجموعة الشيخ محمد بن نظر علي وهو من مجاوري السيد ومعاصريه ،

ص: 280


1- أقول وفي ج 35 من أعيان الشيعة ص 314 ترجمة لجد المترجم له. أي للسيد سليمان ابن داوود بن حيدر المتوفى سنة 1211 بالحلة.
2- توفى بالوباء الذي هم العراق وفتك بالناس فتكا عظيما وذلك سنة 1247 ه- وقد جاء تاريخ الوباء ( مرغز ) وكذلك لما عاد أرخوه مرغزان 1298.وفي المرة الثالثة أرخوه ( عاد ) مرغز 1322.

أعقب أبوه داود بن سليمان الكبير ثلائة أنجال محمد وسليمان هذا والمهدي ، توفي الأولان في أسبوع واحد في الوباء الذي فتك بالعراق وعم أكثر مدنه وقراه سنة 1247 ه- فاستقل أخوهما السيد مهدي بزعامة الأسرة من بعدهما ورثاهما معاً بقصيدة مؤثرة مثبتة في ديوانه المخطوط منها :

بان الرقاد عن المحاجر *** والقلب بالأحزان ساعر

مالي وللدهر الخؤون *** علي بالحدثان جائر

فلقد طوى من مقلتي *** ضياهما بثرى المقابر

بأبي سحاب المكرمات *** وبدر خضراء المفاخر

شمس لعمري قد تورارت *** بالحجاب عن النواظر

وخضم علم قد طغى *** لججاً فأضحى وهو غائر

يا كوكبا بسما المعالي *** قد أفلت وأنت زاهر

إن غبت في كثب القبور *** ففي الفؤاد أراك حاضر

أعزز عليّ بأن أرى *** مغناكم عاف وداثر

أتذوق عيناي الكرى *** وشقيق روحي في المقابر

إنسان عين ذوي العلاء *** وشبل آساد خوادر

هذا سليمان الذي *** فاق الأوائل والأواخر

لا زال فوق ضريحه *** شؤبوب عفو اللّه ماطر

كان سليمان على صغر سنه كبير الأسرة وعميدها المبجل ونابغة البلد في الفضل والأدب واسع الاطلاع طويل الباع وكانت دراسته على والده داود بن سليمان الكبير وعمه الحسين بن سليمان ومن آثاره أرجوزة في العربية سماها

ص: 281

« نظم الجمل » في جمل الإعراب علق عليها شروحاً وجيزة مفيدة فرغ من بياضها سنة 1239 ه- وحاشية على الفلكي سماها « الدرر الجلية في إيضاح غوامض العربية » بخطه أيضاً في التأريخ المذكور رأيتهما معاً عند أحد أحفاد أخيه المهدي في الحلة ويتضح لك مما تقدم من تأريخ ولادته أنه كتبها وعمره 17 سنة وله أرجوزة في النحو ذكرها شيخنا في ال- ج 1 من الذريعة وإليه أشار ولده حيدر في كتاب أرسله إلى الاستانة لصبحي بك ( أحد ولاة بغداد ) حيث قال : وكان أبي سليمان عصره يأتيه بعرش بلقيس المعاني آصف فكره فيراه مستقراً لديه قبل ارتداد طرفه إليه ، أما شعره فإنه أرق ألفاظاً وأجزل أسلوباً من شعر أخيه السيد مهدي وقد جمع منه ديوان صغير الحجم ولكنه تلف مع ما تلف من آثار هذه الأسرة ولم يبق منه سوى ما دون في المجاميع من مراثي أهل البيت (عليهم السلام) ومن ذلك قصيدته الدالية التي يستهلها بقوله : أرى العمر في صرف الزمان يبيد

وله قصيدةأخرى منها :

أمهابط التنزيل أين ذوو الهدى *** وبأي يوم كان عنك زوالها

أين الألى شرعوا الشريعة والألى *** بهم استبان حرامها وحلالها

قوم بيومي وعدها ووعيدها *** قد صدقت أقوالها أفعالها

يوم به رهط النبي محمد *** بالمشرفية قطعت أوصالها

يوم به سفكت دماء رجالها *** وغدت بأسر الظالمين عيالها

قد أوجب اللّه العظيم ودادها *** فبأي شرع يستباح قتالها

وهي طويلة. وله من قصيدة أخرى تناهز 50 بيتا منها :

هذي الطفوف وذي رسوم عهادها *** فاملأ بفيض الدمع رحب وهادها

ص: 282

يا مهبط التنزيل أين مضى الألى *** بهم استبان الناس نهج رشادها

أين البدور الزاهرات وكيف قد *** سميت خسوفاً في ظبا أوغادها

أين البحور الزاخرات وكيف قد *** غيضت مناهلهن عن ورادها

قوم إذا حمي الوطيس رأيتهم *** يتفيأون ظلال سمر صعادها

يتسابقون إلى الطعان كأنما *** يوم الكريهة كان من أعيادها

هم أضرموا ناراً بمعضل رزئهم *** في القلب لا يطفى لظى إيقادها

وهم الآلى تركوا النواظر بعدهم *** عبرى جفت جزعاً لذيذ رقادها

اللّه اكبر يا لها من وقعة *** أخلت بلاد اللّه من أوتادها

عجباً غدا لحم النبي ضريبة *** لظبا بوارقها وسمر صعادها

من ذا يعزي المصطفى في نسله *** والبضعة الزهراء في أولادها

تلك الجسوم تغسلت بدمائها *** وتكفنت بالترب فوق وهادها

ليت المنابر هدمت من بعدهم *** من ذا الذي يرقى على أعوادها

وله يرثي عمه الحسين بن سليمان الملقب بالحكيم المتوفى ثاني عيد الأضحى من سنة 1236 ه- فيكون عمر المترجم يومئذ « 14 » سنة

أي القلوب عليك لا يتصدع *** أي النفوس عليك لا تتقطع

اللّه اكبر يا له من فادح *** قلل الجبال لهوله تتزعزع

يا حادثا لما دهانا كادت *** الأرواح من أجسادها تستنزع

والأرض كادت أن تمور بأهلها *** لو لم يكن فيها لقبرك موضع

يا ليتها الأعياد بعدك لم تعد *** أبداً ولا لطلوعها نتوقع

فالناس إن شرعت بآلة عيدها *** طرباً ففيه بالمآتم نشرع

والحزن لم تقلع سحائب غمه *** عنا ولو هبت عليها زعزع

ص: 283

أن النجوم قضى مبين حكمها *** يا ليتها من بعده لا تطلع

والطب أمسى لا يرى لسقامه *** طباً به عنه يزاح ويدفع

والشعر لم يشعر بعظم مصابه *** ينعى عليه وبالرثاء يرجع

ما كنت أحسب أن آساد الشرى *** بعد العرينة في المقابر تضجع

يا بدرنا ما كنت أحسب أن أرى *** يغشاك من ترب الصفايح برقع

ما خلت أن الحادثات تروع من *** رعباً بسطوته الحوادث تفزع

وله من قصيدة حسينية :

بوجودنا يتزين الدهر *** وبفخرنا يتنافس الفخر

ولنا هضاب علا قد انخفضت *** عن شاؤها العيوق والنسر

ولنا على كل الورى نسب *** سام فمن زيد ومن عمرو

آباؤنا شرعوا الهدى فلذا *** عن مدحهم قد أعرب الذكر

نزل الكتاب بفرض طاعتهم *** أمراً ولكن خولف الأمر

وله أخرى مطلعها :

مهابط وحي اللّه شعث طلولها *** على فتية فيهم يعز نزيلها

وله مستنجداً بالإمام المهدي (عليه السلام) :

زعم الزمان علي *** أبواب الشدائد منه ترتج

كذب الزمان بزعمه *** من غمه لم ألق مخرج

فا لقائم المهدي عني *** كل ضيق فيه يفرج

يا بن النبي ومن به *** صبح الهداية قد تبلج

فلأنت تعلم أنني *** لك من جميع الناس أحوج

ص: 284

ولدي ما باتت ضلوعي *** منه فوق الجمر تشرج

وتناهبت قلبي ضباه *** فعاد في دمه مضرج

وعلي إن تعطف فكيف *** الكرب عني لا يفرج

وله :

لم أبك دارسة الربوع *** إذ صوحت بعد الربيع

كلا ولا هاج الصبابة *** وامض البرق اللموع

ما الجزع أضرم لوعتي *** فغدوت ذا قلب جزوع

ما للغضى باتت على *** جمر الغضا تطوي ضلوعي

لكن لرزء بني النبوة *** جل من رزء شنيع

يا كربلا حيتك قبل *** الغيث غادية الدموع

كم فيك بدر لم يعد *** بعد الغروب إلى الطلوع

ورفيع مجد رأسه *** من فوق مياد رفيع

وسهام غل غودرت *** تروى من الطفل الرضيع

ولقد تروع فيك من *** هو لم يزل أمن المروع

سبط النبي ابن الوصي *** وحجة اللّه السميع

خواض ملحمة الردى *** والبيض تكرع بالنجيع

وربيع أبناء الزمان *** إذا شكوا محل الربيع

كم جال كالليث المريع *** وجاد كالغيث المريع

ورد الطفوف بأسرة *** لبسوا القلوب على الدروع

كالضيغم الفتاك عباس *** أخي الشرف الرفيع

وحبيب ذي العزم المهاب *** ومسلم وابن المطيع

ما راعهم داعي الردى *** والجيش مزدحم الجموع

وردوا الطفوف فغودروا *** ما بين عان أو صريع

غاضت مياه العلقمي *** وفاض في لجج الدموع

ص: 285

فحشا ابن فاطمة به *** طويت على عطش وجوع

فقضى هناك ولم يجد *** نحو الشرايع من شروع

لهفي لزينب إذ غدت *** ترثيه كالورق السجوع

من للندى من للهدى *** من للتهجد والركوع

من للتجمل والتنفل *** والتبتل والخشوع

من للنساء الضائعات *** بلا محام أو منيع

وعليلك السجاد قاسى *** مؤلم الضرب الوجيع

يرعى النساء وتارة *** يرنو إلى الرأس القطيع

ص: 286

الشيخ عبد الحسين الاعسم

سقى جدثا تحنو عليك صفائحه *** غوادي الحيا مشمولة وروائحه

مررت به مستنشقاً طيبه الذي *** تضوع من فياح طيبك فائحه

أقمت عليه شاكياً بتوجعي *** تباريح حزن في الحشى لا تبارحه

بكيتكم بالطف حتى تبللت *** مصارعه من أدمعي ومطارحه

تروى ثراها من دماكم فكيف لا *** ترويه من منهل دمعي سوافحه

حقيق علينا أن ننوح بمأتم *** بنات علي والبتول نوائحه

مصاب تذيب الصخر فجعة ذكره *** فكيف بأهل البيت حلت فوادحه

واضحوا أحاديثاً لباك وشامت *** يماسي الورى تذكارها ويصابحه

مصائب عمتكم وخصت قلوبنا *** بحزن على ما نالكم لا نبارحه

تداركتم بالأنفس الدين لم يقم *** لواه بكم إلا وأنتم ذبائحه

غداة تشفى الكفر منكم بموقف *** اذلت رقاب المسلمين فضائحه

جزرتم به جزر الأضاحي وأنتم *** عطاشى ترون الماء يلمع طافحه

اقمتم ثلاثا بالعراء وأردفت *** عليكم برمضاء الهجير لوافحه

بنفسي أبي الضيم فرداً تزاحمت *** جموع أعاديه عليه تكافحه

تمنع عزا ان يصافح ضارعا *** يزيد ولو أن السيوف تصافحه

فجاهدهم في اللّه حتى تضايقت *** بقتلاهم هضب الفلا وصحاصحه

يصول ويروي سيفه من دمائهم *** ولم ترو من حر الظماء جوانحه

ص: 287

إلى ان هوى روحي فداه على الثرى *** لقى مثخنات بالجراح جوارحه

ولما أتى فسطاطه المهر ناعياً *** له استقبلته بالعويل صوائحه

وجئن له بين العدى ينتدبنه *** بدمع جرى من ذائب القلب سافحه

ويعذلن شمرا وهو يفري بسيفه *** وريديه لو أصغى إى من يناصحه

عزيز على الكرار أن ينظر ابنه *** ذبيحاً وشمر ابن الضبابي ذابحه

وعترته بالطف صرعى تزورهم *** وحوش الفلاحتي احتوتهم ضرائحه

أيهدى إلى الشامات رأس ابن فاطم *** ويقرعه بالخيزرانة كاشحه

وتسبى كريمات النبي حواسرا *** تغادي الجوى من ثكلها وتراوحه

يلوح لها رأس الحسين على القنا *** فتبكي وينهاها عن الصبر لائحه

وشيبته مخضوبة بدمائه *** يلاعبها غادي النسيم ورائحه

فياوقعة لم يوقع الدهر مثلها *** وفادحة تنسى لديها فوادحه

متى ذكرت أذكت حشى كل مؤمن *** بزند جوى أوراه للحشر قادحه

نواسيكم فيها بتشييد مأتم *** يرن إلى يوم القيمة نائحه

عليكم صلاة اللّه ما دام فضلكم *** على الناس أجلى من ضيا الشمس واضحه

ص: 288

الشيخ عبدالحسين الأعسم ابن الشيخ محمد علي بن الحسين بن محمد الأعسم الزبيدي النجفي

ولد في حدود سنة 1177 وتوفي سنة 1247 ه- بالطاعون العام في النجف الأشرف عن عمر يناهز السبعين ، ودفن مع أبيه في مقبرة آل الأعسم.

كان عالماً فقيهاً ، محققاً مدققاً ، مؤلفاً أديباً شاعراً. معاصراً للشيخ محمد رضا وأبيه الشيخ أحمد النحويين وآل الفحام ، وله مراث في سيدالشهداء أبي عبداللّه الحسين علیه السلام مشهورة متداولة ، ومنها قصائده التي على ترتيب حروف المعجم ذكره صاحب الحصون ج 9 ص 321 وأطراه ثم كرر الثناء عليه وجاء بنماذج من شعره في مختلف المقاصد ، وذكره الشيخ عبدالحسين الحلي في مقدمته لشرح منظومة والدة في الإرث ، المطبوع بالنجف سنة 1349 ه- وقال : رأيت له من الآثار العلمية الخالدة عند بعض آل الأعسم كتاب ( ذرايع الافهام في شرح شرايع الإسلام ) في ثلاثة أجزاء تدل على سعة إحاطته ودقة نظره ، وهذا الشرح الوجيز لتلك الأراجيز شاهد صدق على ذلك لمن أعطاه حق النظر وذكره صاحب ( الطليعة ) فقال كان فاضلاً كأبيه وأمتن شعراً منه ، له في الحسين ( روضة ) تشتمل على الحروف مشهورة وشرح ارجوزة لأبيه في المواريث ومدائح ومراث كثيرة.

قال ينتدب الحجة المهدي ويرثي الحسين (عليه السلام) :

نرى يدك ابتلت بقائمة العضب *** فحتام حتام انتظارك بالضرب

اطلت النوى فاستأمنت مكرك العدى *** وطالت علينا فيك السنة النصب

ص: 289

إلام لنا في كل يوم شكاية *** تعج بها الاصوات بحاً من الندب

هلم فقد ضاقت بنا سعة الفضا *** من الضيم والأعداء آمنة السرب

ونيت وعهدي أن عزمك لايني *** ولكنما قد يربض الليث للوثب

أحاشيك من غض الجفون على القذى *** وأن تملأ العينين نوماً على الغلب

متى ينجلي ليل النوى عن صبيحة *** نرى الشمس فيها طالعتنا من الغرب

فديناك أدركنا فإن قلوبنا *** تلظى إلى سلسال منهلك العذب

قد العزم واستنفذ تراتك من عدى *** تباغت عليكم بالتمادي على الغصب

خلافة حق خصكم بسريرها *** نبي الهدى عن جبرئيل عن الرب

أديلت أليكم قائماً بعد قائم *** وندبا له تلقى المقاليد عن ندب

وما أمرت أفلاكها باستدارة *** على الأفق إلا درن منكم على قطب

متى تشتفى منك القلوب بسطوة *** تدير على أعداك أرحية الحرب

واظمت على الماء الحسين وأوردت *** دماء وريديه سيوف بني حرب

غداة تشفى الكفر منكم بموقف *** جزرتم به جزر الأضاحي على الكثب

وغصت إلى قرب النواويس كربلا *** بأشلاء قتلاكم موسدة الترب

بأية عين ينظرون محمدا *** وقدقتلوا صبراً بنيه بلا ذنب

وجاءوا بها شوهاء خرقاء اركسوا *** بها سبة شنعاء ملء الفضا الرحب

شقوا وسعدتم وابتلوا واسترحتم *** وخابت مساعيهم وفزتم لدى الرب

ص: 290

عمى لعيون الشامتين بعظم ما *** تجرعتموه من بلاء ومن كرب

ألا في سبيل اللّه سفك دمائكم *** جهاراً باسياف الضغائن والنصب

ألا في سبيل اللّه سلب نسائكم *** مقانعها بعد التخدر والحجب

ألا في سبيل اللّه حمل رؤوسكم *** إلى الشام فوق السمر كالأنجم الشهب

ألا في سبيل اللّه رض خيولهم *** جسومكم الجرحى من الطعن والضرب

فيا لرزاياكم فرين مرارتي *** بجوفي وصيرن البكا والجوى دأبي

وفت لكم عيني بأدمعها فإن *** ونت لم يخنكم في كآبته قلبي

أأنسى هجوم الخيل ضابحة على *** خيام نساكم بالعواسل والقضب

عشية حنت جزعا خفراتكم *** بأوجهها ندبا لحامي الحمى الندب

صرخن بلا لب وما زال صوتها *** يغض ولكن صحن من دهشة اللب

فأبرزن من حجب الخدور تود لو *** قضت نحبها قبل الخروج من الحجب

وسيقت سبايا فوق أحلاس هزل *** إلى الشام تطوي البيد سهبا على سهب

يسار بها عنفا بلا رفق محرم *** بها غير مغلول يحن على صعب

ويحضرها الطاغي بناديه شامتا *** بما نال أهل البيت من فادح الخطب

ويوضع رأس السبط بين يديه كي *** تدار عليه الراح في مجلس الشرب

ويسمع آل اللّه شتم خطيبه *** أبا الحسن الممدوح في محكم الكتب

يصلي عليه اللّه جل وتجتري *** على سبه من خصها اللّه بالسب

وكم خلدت في السجن منكم أعزة *** إلى أن قضت نحبا بطامورة الجب

ص: 291

ولم ينس قتل السبط حتى تألبت *** لأبنائه الغر الثمانية النجب

إلى أن قضوا لاغلة أبردت لهم *** ولم يشف صدر من عناء ومن كرب

وقال :

قد أوهنت جلدي الديار الخالية *** من أهلها ما للديار وماليه

ومتى سألت الدار عن أربابها *** يعد الصدى منها سؤالي ثانيه

كانت غياثا للمنوب فأصبحت *** لجميع أنواع النوائب حاويه

ومعالم أضحت مآتم لا ترى *** فيها سوى ناع يجاوب ناعيه

ورد الحسين إلى العراق وظنهم *** تركوا النفاق إذ العراق كما هيه

ولقد دعوه للعنا فأجابهم *** ودعاهم لهدى فردوا داعيه

قست القلوب فلم تمل لهداية *** تباً لهاتيك القلوب القاسية

ما ذاق طعم فراتهم حتى قضى *** عطشاً فغسل بالدماء القانيه

يا ابن النبي المصطفى ووصيه *** وأخا الزكي ابن البتول الزاكيه

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة *** لكنما عيني لأجلك باكيه

تبتل منكم كربلا بدم ولا *** تبتل مني بالدموع الجاريه

أنست رزيتكم رزايانا التي *** سلفت وهونت الرزايا الآتيه

وفجائع الأيام تبقى مدة *** وتزول وهي إلى القيامة باقيه

لهفي لركب صرعوا في كربلا *** كانت بها آجالهم متدانيه

تعدو على الأعداء ظامية الحشى *** وسيوفهم لدم الأعادي ظاميه

نصروا ابن بنت نبيهم طوبى لهم *** نالوا بنصرته مراتب ساميه

قد جاوروه ها هنا بقبورهم *** وقصورهم يوم الجزا متحاذيه

ولقد يعز على رسول اللّه ان *** تسبى نساه إلى يزيد الطاغيه

ويرى حسيناً وهو قرة عينه *** ورجاله لم تبق منهم باقيه

وجسومهم تحت السنابك بالعرى *** ورؤوسهم فوق الرماح العاليه

ويرى ديار أمية معمورة *** وديار أهل البيت منهم خاليه

ص: 292

ويزيد يقرع ثغره بقضيبه *** مترنماً منه الشماتة باديه

ابنى أمية هل دريت بقبح ما *** دبرت ام تدرين غير مباليه

أو ما كفاك قتال أحمد سابقاً *** حتى عدوت على بنيه ثانيه

أين المفر ولا مفر لكم غدا *** فالخصم أحمد والمصير الهاويه

تاللّه انك يا يزيد قتلته *** سراً بقتلك للحسين علانيه

ترقى منابر قومت أعوادها *** بظبى أبيه لا أبيك معاويه

وإذا أتت بنت النبي لربها *** تشكو ولا تخفى عليه خافيه

رب انتقم ممن أبادوا عترتي *** وسبوا على عجف النياق بناتيه

واللّه يغضب للبتول بدون أن *** تشكو فكيف إذا أتته شاكيه

فهنالك الجبار يأمر هبهبا *** ان لاتبقي من عداها باقيه

يا ابن النبي ومن بنوه تسعة *** لا عشرة تدعى ولا بثمانيه

أنا عبدك الراجي شفاعتكم غدا *** والعبد يتبع في الرجاء مواليه

فاشفع له ولوالديه وسامعي *** انشاده فيكم واسعد قاريه

وقال :

معاذا لأرباب الحفيظة تغتدى *** صروف الرزايا فيهم تتصرف

وحاشا لعضب ارهف اللّه حده *** لاعدائه يفرى وريديه مرهف

وظلت وجوه المسلمين كواسفا *** لرزء له شمس الظهيرة تكسف

احين ترجيناك تستأصل العدى *** يفاجئنا الناعي بقتلك يهتف

وحين تهيأنا لتهنئة العلى *** بنصرك تأتينا مراثيك تعصف

حرام على أجفاننا بعد الكرى *** مدى العمر ليت العمر بعدك يحتف

بمن بعدك العليا ترنح عطفها *** وتختال في جلبابها تتغطرف

بمن بعدك الملهوف يدرك غوثه *** وتجلى عن العاني الغموم وتصرف

ومن ليتامى الناس بعدك يغتدى *** أباً راحماً يحنو عليهم ويعطف

تجاوبت الدنيا عليك مآتماً *** نواعيك فيها للقيمة عكف

ص: 293

فلم أر رزء مثل رزئك فجعة *** تكاد له عوج الضلوع تثقف

مصاب له السبع السموات اسبلت *** دموع دم والجن بالنوح تهتف

وهل كيف لا يشجي السموات رزء من *** بخدمته أملاكها تتشرف

وقطع أحشائي انقطاع كرائم *** لأحمد يستعطفن من ليس يعطف

وجفت من العين الدموع فإن بكت *** فما هي إلا من دم القلب ترعف

ومخلسة من دهشة الخطب لم تطق *** نشيجاً سوى أن المدامع تذرف

برغم العلى تسبى بنات محمد *** على هزل يطوي بها البيد معنف

تلاحظ فوق السمر رأسا قلوبها *** تحوم على أكنافه وترفرف

بنفسي من استجلى له الرمح طلعة *** لبدر الدجى بالأفق أبهى وأشرف

أحامل ذاك الرأس قل لي برأس من *** تمايل هذا السمهري المثقف

ألم تعه يتلو الكتاب ونوره *** يشق ظلام الليل ، والليل مسدف

أيهدى إلى الشامات رأس ابن فاطم *** ليشفي منه ضغنه المتحيف

وتقرع منه الخيزرانة مبسماً *** له لم يزل خير الورى يترشف

وقيد له السجاد بالقيد أحدقت *** به صبية مثل الأهلة تخسف

وسيقت اليه الفاطميات فاغتدى *** يقرعها عما جرى ويعنف

فواها لأرزاء سلبن عيوننا *** كراهاً وأسراب المدامع وكف

ص: 294

محمد بن ادريس مطر الحلي

اشارة

المتوفي 1247

هي كربلا تنقضي حسراتها *** حتى تبين من النفوس حياتها

يا كربلا ما أنت إلا كربة *** عظمت على أهل الهدى كرباتها

أضرمت نار مصائب في مهجتي *** لم تطفها من مقلتي عبراتها

شمل النبوة كان جامع أهله *** فجمعت جمعاً كان فيه شتاتها

ملأ البسيطة كل جيش ضلالة *** فيه تضيق من الفضا فلواتها

يوم به للكفر أعظم صولة *** وقواعد الاسلام عز حماتها

قل النصير به لآل محمد *** فكأن أبناء الزمان عداتها

غدرت به من بايعت وتتابعت *** منها رسائلها وجد سعاتها

فحمى حمى الإسلام لما أن رآى *** عصب الضلال تظاهرت شبهاتها

في فتية شم الأنوف فوارس *** إذ أحجمت يوم النزال كماتها

ترتاح للحرب الزبون نفوسهم *** وقراع فرسان الوغى لذاتها

لهم من البيض الرقاق صوارم *** أغمادهن من العدى هاماتها

خاضوا بحار الحرب غلباً كلما *** طفحت بأمواج الردى غمراتها

ص: 295

هو الشيخ محمد بن مطر الحلي شاعر يعرف بابن مطر وعالم مرموق في عصره ورد ذكره في كثير من المجاميع المخطوطة وذكره صاحب الحصون في ج 9 ص 338 فقال : كان كاتباً أديباً وشاعراً مجيداً أكثر من النظم في الوقائع التي جرت في الحلة ونواحيها وكان أكثر شعره في الامام الحسين (عليه السلام) وأولاده الأطهار ، وقد فقد أكثر شعره على أثر الطواعين والحروب التي وقعت في النصف الأخير في القرن الثالث عشر ، رثا جماعة من الرجال منهم السيد سليمان الحلي الكبير بقصيدته الطويلة.

توفي في الحلة بالطاعون الكبير عام 1247 ه- ونقل إلى النجف فدفن فيها وذكره النقدي في كتابه ( الروض النضير ) ص 22 فقال :

محمد بن ادريس بن الحاج مطر الحلي أحد شعراء زمانه - من الموالين لأهل البيت علیهم السلام وشعره من الطبقة الوسطى ومراثيه مدرجة في المجاميع ، فمات بالطاعون الكبير ، ذكره الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة - قسم الديوان ، وقال اليعقوبي في البابليات : هو الشيخ محمد بن ادريس ابن الحاج مطر ، مولده بالحلة في أواسط القرن الثاني عشر ونشأ وتأدب فيها وهو معدود في الطبقة الوسطى من شعراء الشطر الأول من القرن الثالث عشر. فمن شعره في الرثاء.

آهاً لوقعة عاشوراء إن لها *** نيران حزن بها الأحشاء تشتعل

أيقتل السبط مظلوماً على ظمأ *** والماء للوحش منه العل والنهل

ورأس سيد خلق اللّه يقرعه *** بالخيزرانة رجس كافر رذل

والسيد العابد السجاد يجهده *** ثقل الحديد وقد أودت به العلل

وتستحث بنات المصطفى ذللا *** بالأسر تسري بهن الانيق الذلل

ص: 296

إلى الشآم سرت تهدى على عجل *** يحدو بها العيس عنفاً سائق عجل

نوادباً فقدت في السير كافلها *** وفارقت خدرها الأستار والكلل

عقائل البضعة الزهراء حاسرة *** وآل هند عليها الحلي والحلل

ديار صخر بن حرب ازهرت فرحاً *** لها سرور بقتل السبط مكتمل

ودار آل رسول اللّه موحشة *** خلو تغير منها الرسم والطلل

لهفي لزينب تدعو وهي صارخة *** والقلب منها مروع خائف وجل

ترنو كريم أخيها وهو مرتفع *** كالبدر تحمله العسالة الذبل

يا جد نال بنو الزرقاء وترهم *** يوم الطفوف ونالوا فوق ما أملوا

رزية بكت السبع الشداد لها *** والأرض زلزل منها السهل والجبل

صلى عليكم آله العرش ما ذكرت *** ارزاؤكم واسالت دمعها المقل

وله مرثية مطلعها :

يا مقلة الصب من فيض الدما جودي *** بهاطل من دم الأكباد ممدود

أثبتناها في مخطوطنا ( سوانح الأفكار في منتخب الأشعار ) ج 2 ص 320 وأخرى أثبتها السيد الأمين في ( الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد ) أولها :

هذي الطفوف فقف وعينك باكية *** تجري الدما بدل الدموع الجارية

ص: 297

السيد محمد الادهمي

المتوفي 1249

قال صاحب الروض الأزهر (1) ص 12 : ورأيت له بيتين هما في الحسن كفرقدين في رثاء ريحانة سيد الكونين الإمام الشهيد الحسين وهما :

عجباً لقوم يدعون ولاءه *** عاشوا وفي الأيام عاشوراء

من لم يمت بعد الحسين تأسفاً *** عندي وأعداء الحسين سواء

انتهي

وخمسهما الخطيب الشيخ كاظم سبتي المتوفى سنة 1342.

أودى الحسين وقد أراق دماءه *** شمر فاشجى رزؤه أعداءه

فدعى الغريب وقد أطال بكاؤه *** عجباً لقوم يدعون ولاءه

عاشوا وفي الأيام عاشوراء

فاسكب دموعك لابن بنت المصطفى *** إن كنت ويحك للبتولة مسعفاً

بل مت عليه تأسفاً وتلهفاً *** من لم يمت بعد الحسين تأسفاً

عندي وأعداء الحسين سواء

ص: 298


1- مؤلفه مصطفى نور الدين الواعظ.

السيد محمد الادهمي المولود سنة 1170 والمتوفى 1249.

قال في الروض الأزهر : مولانا الجد العلامة والماجد الفهامة ، الأخذ من الفضل زمامه ، ذي النسب الذي لا يبارى فيضاهى ، والحسب الذي لا يجارى فيباهى ، السيد محمد أفندي نجل السيد جعفر الحسيني الحسنى نسباً ، والحنفي مذهباً ، والأدهمي لقباً ، والأعظمي مولداً ، والبغدادي مسكناً ووطناً ومحتداً. ينتهي نسبه إلى الحمزة ابن الإمام الكاظم علیه السلام ، ولد في أواخر القرن الثاني عشر صبيحة يوم الإثنين من شهر رجب الأصب سنة 1180.

وفي آخر عمره تولى القضاء في مدينة الحلة الفيحاء حتى مات بها شهيداً بأمر من الحاكم في الحلة. وجاءت ترجمته في ( المسك الأذفر ) تأليف محمود شكري الألوسي - الجزء الأول قال : وله نثر لطيف وشعر ظريف ، توفي في الحلة قاضياً وشهيداً.

ص: 299

عمر الهيتي

اشارة

المتوفي 1250

بأية آية يأتي يزيد *** غداة صحائف الأعمال تتلى

وقام رسول رب العرش يتلو *** وقد صمت جميع الخلق ( قل لا ) (1)

أي بماذا يعتذر يزيد بن معاوية يوم يقف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المحشر يتلو هذه الآية : قل لا أسئلكم عليه اجراً إلا المودة في القربى.

ص: 300


1- رواهما الألوسي في تفسيره ( روح المعاني ) ج 5 ص 3 وانهما السيد عمر الهيتي وقال : ولله در السيد عمر الهيتي أحد الأقارب المعاصرين حيث يقول.

الشيخ عمر رمضان الهيتي الاصل البغدادي المسكن

جاء في المسك الأذفر :

كان في معرفة اللغة العربية لا يطاول وفي معرفة وقائع العرب لا يساجل قرأ سائر العلوم وبرع في المنقول والمفهوم ولا سيما فن الأدب ومعرفة كلام العرب لقد كان يشار اليه فيهما بالبنان ، ولا يختصم في ذلك اثنان ، وكان في الخط ابن مقلة ، وبذلك اعترف كبار زمانه وأقروا له ، وقد كتب كثيراً من الكتب الفريدة وجمع بخطه اللطيف عدة مجامع مفيدة وكان له شعر فصيح ، وقعت بينه وبين الشاعر الشهير السيد عبدالغفار منافرات ومشاجرات ، أفضت بهما إلى المهاجات ، فهجا كل منهما صاحبه وعدد عليه عيوبه ومثالبه ، وهذه شنشنة من مضى من الآباء وسبق ، كما وقع مثل ذلك بين جرير والفرزدق ، ولو لا خوف الأطناب لأثبتنا ذلك في هذا الكتاب ، ولما انتقل المترجم إلى رحمة اللّه أسف عليه السيد عبدالغفار غاية الأسف ورثاه بهذه القصيدة

رمينا بأدهى المعضلات النوائب *** وفقد الذي نرجو أجل المصائب

إلى أن قال :

فمن لفؤاد راعه فقد إلفه *** فاصبح من أشجانه نهب ناهب

وجفن يهل الدمع من عبراته *** على طيب الأعراق وابن الاطايب

على عمر الرمضان ذي الفضل والنهى *** أحاطت بي الأحزان من كل جانب

ص: 301

أذابت عليه يوم مات حشاشتي *** وأمسيت في قلب من الحزن ذائب

بكيت وما يجدي الحزين بكاؤه *** وضاقت علي الأرض ذات المناكب

فتى كان فينا حاضراً كل نكبة *** فغاب ولكن ذكره غير غائب

وقد كان مثل الشهد يحلو وتارة *** لكالصل نفاثاً سموم العقارب

وكم أخبر التجريب عن كنه حاله *** ويظهر كنه المرء عند التجارب

لسان كحد السيف ماض غراره *** وأمضى كلاحاً من شفار القواضب

وكم صاغ من تبر القريض جمانة *** وأفرغ معناه بأحسن قالب

وزانت قوافيه من الفضل أفقه *** فكانت كأمثال النجوم الثواقب

وادرك فضل الأولين بما اتى *** فقصر عن إدراكه كل طالب

معان بنظم الشعر كان يرومها *** أدق إذا فكرت من خصر كاعب

فتى كان يصميني الردى في حياته *** ولما توفي كان أدهى مصائبي

فتى ظلت أبكي منه حياً وميتاً *** أصبت على الحالين منه بصائب

رعيت له من صحبة كل واجب *** ولو كان حياً ما رعى بعض واجبي

سقى اللّه قبراً ضمه مزنة الحيا *** وبلغ في الجنات أعلى المراتب

ولا زال ذاك القبر ما ذر شارق *** تجود عليه ذاريات السحائب

توفي رحمه اللّه تعالى في نيف وخمسين بعد المائتين والألف.

وجاء في سمير الحاظر وأنيس المسافر للشيخ علي كاشف الغطاء ص 310 قال :

مما كتبه المرحوم عمي الشيخ حسن إلى السيد عمر رمضان ولم تقف على أبيات نفس الأسم وهي على سبيل المداعبة.

سلام من محب ليس يسلو *** هواك وان تقادمت الليالي

ص: 302

يحن الى لقاك حنين صادِ *** قضى ظمأ الى الماء الزلال

دعاه منه داعي الشوق لما *** نوى ضعنا وهم على ارتحال

فكتب السيد عمر في جوابه

شبيه أبيه في عمل وعلم *** ويا من لم يزل حسن الفعال

يعز علي والرحمن أني *** أرى منك الديار غدت خوالي

خلت منك الديار وان قلبي *** وحقك من ودادك غير خالي

سألبس بعد بعدك ثوب حزن *** جديد ليس تبليه الليالي

نعم أو أن تهيء لي خيالا *** لطيفك لست أقنع بالخيال

ص: 303

علي بن حبيب التاروتي

احبس ركابك ساعة يا حادي *** ذي كربلا فانشق عبير الوادي

لله أشكو زفرة لم يطفها *** دمع بصوب كمستهل غوادي

ما لي أراك ودمع عينك جامد *** أو ما سمعت بمحنة السجاد

قلبوه عن نطع مسجى فوقه *** فبكت له أملاك سبع شداد

وفي آخرها

ابلغ علوج أمية وسمية *** أهل الفساد وعصبة الالحاد

وقل اعملوا ما شئتم وأردتم *** إن الإله لكم لبا لمرصاد

جاء في أنوار البدرين : هو الشيخ علي بن محمد بن حبيب التاروتي القطيفي كان من شعرائها المجيدين والفصحاء المادحين الراثين وهو أيضاً من العلماء الفاضلين إلا أني لم اطلع على حقيقة أحواله ، وذكر له الشيخ يوسف البحراني في ( الكشكول ) قصيدة مطولة عدد فيها مواقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، وترجم له العلامة المعاصر الشيخ علي المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) وقال : توفي سنة 1250 أقول ولا بد أن تكون وفاته قبل هذا التاريخ لأنه قال في ترجمته ما نصه : ذكره الشيخ يوسف البحراني في كشكوله فاطرة ، وإذا علمنا أن الشيخ يوسف كانت وفاته 1186 أي قبل المترجم ب- 64 سنة ثبت لنا كونه حياً قبل هذا التاريخ.

ص: 304

الشيخ صادق العاملي

المتوفي 1250

عرج على شاطي الفرات ميمماً *** قبر الأغر أبي الميامين الغرر

قبر ثوى فيه الحسين وحوله *** أصحابه كالشهب حفت بالقمر

مولى دعوه للهوان فهاجه *** والليث ان أحرجته يوماً زأر

فانساب يختطف الكماة ببارق *** كالبرق يخطف بالقلوب وبالبصر

صلى الإله على ثراك ولم يزل *** روض حللت حماه مطلول الزهر

لم نعثر له على ترجمة وافية سوى أنه توفي بقرية الطيبة من جنوب لبنان وانه عالم فاضل ، أديب شاعر ومعروف بالشيخ صادق بن ابراهيم بن يحيى العاملي

ص: 305

حبيب بن طالب البغدادي

خل النسيب فلست بالمرتاد *** لهو الحديث بزينب وسعاد

مالي وكاعبة تكلفني الهوى *** شتان بين مرادها ومرادي

واذكر مصاب الطف فهي رزية *** فصم الضلال بها عرى الارشاد

يوم أصاب الشرك فيه حشى الهدى *** بمسدد الأضغان والأحقاد

يوم غدا فيه على رغم العلا *** رأس الحسين هدية ابن زياد

اللّه اكبر ياليوم في الورى *** لبست به الأيام ثوب حداد

يوم به عجت بنات محمد *** من مبلغ عنا النبي الهادي

أما الحسين ففي الوهاد وإننا *** في الإسر والسجاد في الأصفاد

أهون بكل رزية إلا التي *** صدعت بعاشوراء كل فؤاد

لك في جوانحنا زعازع لم تزل *** منها تصب من الجفون غوادي

مولاي يا من حبه وولاؤه *** حرزي ومدخري ليوم معادى

أينال مني ما علمت شفاءه *** ويريد لي سوءاً وأنت عمادي

وعليكم صلى المهيمن ما سرت *** نيب الفلا وحدا بهن الحادي

ص: 306

حبيب بن طالب البغدادي

الشيخ حبيب ابن الشيخ طالب بن علي بن احمد بن جواد البغدادي الكاظمي مسكنا الشيبي المكي أصلا نزيل جبل عاملة كان حياً سنة 1249 شاعر مجيد متفنن خفيف الروح يجمع شعره الرقة والانسجام وأنواع الطرائف. أصله من الكاظمية سكن جبل عاملة ثم عاد إلى الكاظمية وتوفى هناك له شعر كثير ومن شعره قصائد في مدح أهل البيت علیهم السلام .

قال الشيخ الطهران في طبقات أعلام الشيعة : هاجر إلى جبل عامل فسكنها وصحب أمراء البلاد ومدحهم بقصائد جيدة ثم عاد إلى العراق في سنة 1243 من ( تبنين ) فنظم أرجوزة طويلة ضمنها ما لاقاه في طريقه وجعلها بمثابة الرحلة أرخ فيها ابتداء سفرته من دمشق وسامراء والكاظميين وكربلاء والنجف وغيرها. رأيناها ضمن مجموعة شعرية. فوفاة المترجم بعد التاريخ ورأيت من شعره ما يدل على حنينه إلى بلده كقوله في آخر قصيدة :

وطني يعز علي إلا أنه *** ألف السهام البعد من جور القسي

إن جئتم دار السلام فبلغوا *** عني السلام أولى المحل الأقدس

واشرح لهم متن الصحيفة قائلا *** إني حملت صحيفة المتلمس

ص: 307

وقال في أهل البيت علیهم السلام : (1)

بني النبي لكم في القلب منزلة *** بها لغير ولا كم قط ما جنحا

يلومني الناس في تركي مديحكم *** وكم زجرت بكم من لامني ولحا

عذراً بني المصطفى إن عنكم جمحت *** قريحتي وهي مثل الزند مقتدحا

فلا أرى الوهم والأفهام مدركة *** ما عنون الذكر من أسراركم مدحا

سبقتم الناس في علم ومعرفة *** والأمر تم بكم ختماً ومفتتحا

وأنتم كلمات اللّه إذ رفعت *** وآدم مذ تلقى عهدها نجحا

بها عني الذكر في لو كان ما نفدت *** فكيف تنفذها أبيات من مدحا

وعندكم علم ما في اللوح مرتسخ *** وما جرى قلم الباري به ومحا

لكنما الناس في عشواء خابطة *** ليلاً وآثاركم في المعجزات ضحى

إن شاهدوا الحق فيما لا تحيط به *** عقولهم جعلوا للحق منتزحا

تجارة اللّه لم تبذل نفائسها *** إلا لمن كان عن غش الهوى نزحا

وربما خاضت الألباب إذ شعرت *** ومضاً من النور دون السترقد لمحا

شاموا ظواهر آيات لها وقفت *** ألبابهم غير أن الوهم قد شرحا

وهم على خوض ما ألفوه من أثر *** كمثل أعمش من بعد رأى شبحا

فليس يدري لتشعيب الظنون به *** أسانحاً ما رأى أم بارحاً سرحا

وكلما شيم من آثار معجزة *** فإنها رشح ما عن فيضكم طفحا

فالحجب عن سعة الآثار ما بخلت *** والحكم في صفة الأسرار ما سمحا

أدنى المديح لكم أن قيل خادمكم *** جبريل والملأ الأعلى بكم صلحا

نجا بأسمائكم نوح فقيل لكم *** سفن النجاة وأمر اللّه ما برحا

ورب مدح لقوم عنكم جنحوا *** أنشدته حيث عذري كان متضحا

نأتي من الوصف ما لا يدر كون له *** معنى ولا شربوا من كاسه قدحا

ولو أتيناهم في حق وصفهم *** لأوهم الناس أن الروم قد فتحا

فأين هم عن مدى القوم الذين لهم *** صنع المهيمن ممن خف أو رجحا

ص: 308


1- 1 - عن أعيان الشيعة

وقال لما زار بسامراء مرقد الإمامين العسكريين سلام اللّه عليهما :

لله تريك سامراء فاح به *** ريح النبوة إشماما وتعبيقا

هنئت يا طرف فيما متعتك به *** يد المواهب تأييداً وتوفيقا

لم يطرق العقل باباً من سرائرهم *** إلا وكان عن الأفهام مغلوقا

وفي المعاجز والآثار تبصرة *** لرائم غرر الإيضاح تحقيقا

هذا الكتاب فسله عنهم فبه *** صراحة المدح مفهوماً ومنطوقا

أبصر بعينيك واسمع واعتبر وزن *** المعقول واختبر المنقول توثيقا

وجل بطرفك أيماناً وميسرة *** وطف بسعيك تغريباً وتشريقا

فهل ترى العروة الوثقى بغيرهم *** حيث الولاء إذا بالغت تدقيقا

وهل ترى نار موسى غير نورهم *** وهل ترى نعتهم في اللوح مسبوقا

وهل ترى صفوة الآيات معلنة *** لغيرهم ما يؤود الفكر تشقيقا

قوم إذا مدحوا في كل مكرمة *** قال الكتاب نعم أو زاد تصديقا

أضحى الثناء لهم كالشمس رأد ضحى *** وبات في غيرهم كذباً وتلفيقاً

إني وإن قل عن أوصافهم خطري *** وهل ترى زمناً ينتاش عيوقا

تعساً لقوم تعامت عن سنا شهب *** إيضاحها طبق الأكوان تطبيقا

إن الإمامة والتوحيد في قرن *** فكيف يؤمن من يختار تفريقا

يا من إليهم حملت الشوق ممتطيا *** أقتاب دجلة لا خيلا ولا نوقا

الماء يحملني والنار أحملها *** من لاعج الوجد تبريحاً وتشويقا

أنتم رجائي وشوقي كل آونة *** وأنتم فرجي مهما أجد ضيقا

في يوم لا والد يغني ولا ولد *** ولا يفرج وفر المال تضييقا

ص: 309

الشيخ حسن التاروتي

اشارة

المتوفي سنة 1250

اللراعبية بالأجرع *** صبابة وجد فلم تهجع

أم استوجدت وأتت مورداً *** تمضمض منه ولم تكرع

أجارتنا ليس دعوى الأسى *** بأن تخضبي الكف أو تسجعي

إلي حمامة جرع الحمى *** فليس الشجي كمن يدعى

فأما استطعت حنيناً له *** يلف الحنايا والإدعى

ودمع إذا فار تنوره *** دماً لم أقل يا جفوني أقلعي

عذيري من فادح كلما *** صغى مسمعي شب في أضلعي

وقائلة وزعيم الأسى *** يسدد عن قولها مسمعي

أتعنف عينيك في أربع *** فقلت وعن عنفي أربعي

سلي أن جهلت ولما تعي *** بأن ابن فاطمة قد نعي

غداة رأى الدين في خامل *** يجر قناه ولم يرفع

وداع دعاه ائتنا للهدى *** ولم يك هيابة إذ دعي

ومن حوله تبع إن دعا *** فما حمير من دعا تبع

ص: 310

كان النجوم بهم تهتدي *** إذا حلها البدر في مطلع

فحل بوادي الندى لم يجد *** أخا ثقة فيه لم يخدع

فما اسطاع من بينهم مرجعاً *** وما كان في الأمر بالمرجع

فقالوا أطعنا يزيداً فكن *** له طائعاً وامض في مهيع

فقال أطعتم ولما أطع *** له وسمعتم ولم أسمع

أبى اللّه يخضع جيدي له *** وسيفي بكفي وجدي معي

فبات وباتوا ومن بينهم *** مواعدة القرع بالأقرع

فوطا قلوب ذويه على *** لقا أروع في تقى أورع

فمذ دعت الحرب أقرانها *** وقارنت العضب بالأخدع

رأيت أولئك من دارع *** يؤم الهياج ومن أدرع

دعوا للرماح الا فاشرعي *** وبيض الصفاح ألا فاقطعي

يا خيلنا قد أعدت الدجى *** فغيبي به تارة واطلعي

فوفى الذمام وأعلى الوفا *** نفوس أسيلت على اللمع

وظل فتى لم تهله الألوف *** ولا بالفروقة في المجمع

يرد الكماة كذي لبدة *** أغار بسائمه رتع

فليت وما ليت من عله *** ولا غالك السهم بالمنقع

ولا شمر الشمر من جهله *** لذبحك عن ساعد أكوع

ولا كرت الخيل إصدارها *** بمقدس صدرك والأضلع

وياليت فارع رمح بدا *** ينؤ برأسك لم يرفع

فقل للسماء وداراتها *** وقد وقع القطب منها قعي

وللشهب إن فاخرتك التلاع *** فردي النقاب على البرقع

إذا كان نورك من نور من *** تلألأ فيها فلا تلمع

متى أشرق البدر في تلعة *** وقد كان في الفلك الأرفع

وصارخة إن أراد الحيا *** لها الخفض قال أساها أرفع

أتت نحوه وبأحشائها *** جوى يوقد النار بالمدمع

ص: 311

تقول أخي يا حمي الثغور *** غريب بعفرك والأربع

أراك جديلا ويوم الجلاد *** بغير قراعك لم يقنع

تغيم فتمطر هام الكماة *** وترعد في بارق اللمع

أبيح حماك فلا تمتطي *** وبح المنادي فلم تسمع

علام ترشفت من شفرة *** مذاقة كاس طلا مترع

لعلك حين هجرت الديار *** وآنست فدفدة البلقع

وكلت بأهليك قلب العطوف *** واسكنتهم بحمى الأمنع

فخل السرى يا ركاب الوفود *** فخبر من السير أن ترجع

فما في القرى لك من مطعم *** وما في الثرى لك من مطمع

كان لم يشرع باب الندى *** بهن أو الدين لم يشرع

* * *

فيا راكباً ظهر مجدولة *** شأت أربع الريح في أربع

تجافى الأباطح حزم الحزوم *** وجرعها حزم الأجرع

إذا لمعت نار طور الغري *** فأنت بوادي طوى فاخلع

وصل وسلم وصل واستلم *** لقدس أبي الحسن الأنزع

وناد وقل يا زعيم الصفوف *** ويا قطب دائرة الأجمع

قعدت وفي الطف أم الخطوب *** تقعقع في ضنك الموقع

جثت فجثا بازاها بنوك *** على ركب قط لم ترفع

فلما تضايق مد السيوف *** كمشتبك الأصبع الأصبع

أبيدوا فغصت بهم بقعة *** بها غص منهم فم الأبقع

أثر نقعها فحسين قصي *** لها رغبة العين والمسمع

فقم فانتظارك ممدودة *** وغلة أحشاه لم تقنع

وقد وترته أكف الترات *** فأغرقت الرمي بالمنزع

إذا قعد الشمر في صدره *** فما لقعودك من موضع

إلام وأهلوك في مهلك *** وشمل بناتك لم يجمع

ص: 312

أقام القطيع على رأسها *** مقام الملائة والملفع

واقمار أوجههن الذراع *** منازلها عوض البرقع

إذا ما اشتكين الظما والطوى *** وعز الغياث على المفزع

تنوح الجياع على الساغبات *** وتبكي السواغب للجوع

كشكوى الفصال من المرضعات *** ونوح الفصيل على الرضع

ألا وأباها واين الغيور *** يراهن في السبي كالزيلع

ينازع أجيادها ما جمعن *** وجامعة الأسر لم تنزع

تأن من الاين والاغتراب *** ينوء بها غارب الأضلع

ص: 313

الشيخ حسن التاروتي

الشيخ حسن التاروتي من نوابغ الشعراء ، اشتهر بجودة الشعر ، وهو حسن ابن محمد بن مرهون التاروتي ، جزل اللفظ جيد السبك ، ولعلك تعجب إذا علمت بأنه كان يصيد السمك ويمتهن ذلك ويقوت من الزراعة والسقاية ويتحدث الناس عنه بأنه كان مضيافاً سخي النفس كما كان جميل الوجه حسن الصورة توفى في أواسط القرن الثالث عشر.

فمن شعره في الرثاء :

لمن الشموس الطالعات على قبا *** كالشهب إلا أنها فوق الربى

تصبو لها ألبابنا فكأنها *** هي معصرات الصفو من عصر الصبا

من لي وقلبي ضاع يوم سويقة *** ما بين أفراس الهوادج والخبا

من مبلغ عني الشباب بأنني *** من بعده ما عدت إلا شيبا

ضيعت فيه فما بصحف صحيفتي *** للحافظين علي إلا مذنبا

أضنتني الأعباء إلا أنني *** متمسك بولاء أصحاب العبا

قوم جعلت ولائهم ومديحهم *** هذاك معتصماً وهذا مكسبا

أنوار قدس حيث لا فلك يدور *** ولا صبح يعاقب غيهبا

ومهللين مكبرين وآدم *** من مائه والطين لن يتركبا

نزل الكتاب عليهم فقضوا به *** وأبان فضلهم العظيم وأعربا

سلوا له سيفاً وقادوا مقنباً *** فعلوا بما فعلوا ونافوا مقنبا

ص: 314

حازوا العلى فاقوا الملا شرعوا الهدى *** بلو الصدى نصبو الحبا لزموا الإبا

ما للثناء عليهم وبمدحهم *** طه تنوه والمثاني والنبا

سل عنهم الأعراف والأحقاف *** والأنفال واسأل هل أتى واسأل سبا

يغنيك قول اللّه عن ذي مقول *** ومديحه عمن أطال وأطنبا

هذا هو الشرف الذي أسرى لهم *** من عبد شمس كل عضو كوكبا

حسدوهم نيل المعالي إذ غدوا *** أعلى الورى نسباً وأعلى منصبا

ما ذنب أحمد إذ أتى بشريعة *** هلا أتوا أصفى للشرايع مشربا

ورضوا بما قد قال في خم وقد *** نصب الحدائج ثم قام ليخطبا

فدعا علياً قائلاً من كنت *** مولاه فذا مولاه طوعاً أو إبا

ما زال حتى بان من أبطيهما *** بلج أراه الجاحد المتريبا

ولووا ببيعته على أعناقهم *** حبلاً بآفة نقضهم لن يقظبا

واللّه لو أوفوا بها لتدفقت *** بركاتها غيثا عليهم صيبا

لو لم يحلوا عهدها حل العهاد *** بها وما اعتاضوا جهاماً خلبا

من عاذري منهم وقد حسدوا بها *** أولى البرية بالنبي وأقربا

الحاكم العدل الرضي المرتضى *** العالما لعلم الوصي المجتبى

أسماهم مجداً وأزكى محتداً *** وأعفهم أماً وأكرمهم أبا

وأبرهم كفا وأنداهم يداً *** واسدهم راياً وأصدقهم نبا

وتقدموه بها ولم يتقدموا *** لما رئوا عمر بن ود ومرحبا

في يوم جدل ذا وذاك بضربة *** لا خائفاً منها ولا مترقبا

عدلت ثواب العالمين وبوئت *** جمع الضلالة خاسراً ما ثوبا

وأبيه لولا بسطة من كفه *** دخلوا بها ما أخرجوه ملببا

وتهضموه كاظما حتي قضي *** في فرضه بمهند ماضي الشبا

ودعوا إلى حرب الحسين مضلة *** الأهواء فاتبعوا السواد الأغلبا

فأتوه لم يرض الهوادة صاحباً *** فيهم ولا أعطى المقادة مصحبا

في قتية شرعوا الذوابل والقنا *** وتدرعوا وعلوا جياداً شزبا

ص: 315

من كل مخترق العجاج تخاله *** فيما أثار من العجاجة كوكبا

ليث قد اتخذ القنا غيلاً كما *** كانت له بيض الصوارم مخلبا

ورئوا طوال السمر حين تبوئت *** عطفا فظنوها الحسان إلا كعبا

عشقوا القصار البيض لما شاهدوا *** بدم الفوارس خدهن مخضبا

حفظوا ذمام محمد إذ لم يروا *** عن آله يوم الحفيظة مذهبا

بأبي بأفلاك الطفوف أهله *** كانت لها تلع البسيطة مغربا

وبقى الحسين الطهر في جيش العدا *** كالبدر في جنح اظلام تحجبا

يسطو بعضب كالشهاب فتنثني *** من باسه كالضان وافت أشهبا

عذراً إذا نكصوا فراراً من فتى *** قد كان حيدرة الكمي له أبا

هذاك أطعمهم ببدر ممقراً *** وبكربلا هذا أغص المشربا

يا من أباح حمى الطفوف بعزمة *** ما كان في خلد اللقا أن تغلبا

وأعاد أعطاف السيوف كسيرة *** يوم الضراب وفل منها المضربا

كيف افترشت عرى البسيطة هل ترى *** أن الحضيض علا فنال الأخشبا

أو زلزلت لما قتلت وأرسيت *** بك إذ يخاف على الورى أن يقلا

لم لا وقاك الدهر مولاك الذي *** ما فيه من سبب فمنك تسببا

هلا ترى الدنيا بأنك عينها *** لم لا وقت عنها لئلا تذهبا

ما للردى لم لا تخطاك الردى *** والخطب هلا عن علاك تنكبا

أترى درى صرف الزمان وريبه *** ما ذاك حجبه المنون وغيبا

أترى له ترة عليك وللردى *** وتراً فراقبه وذاك تطلبا

قل للمثقفة الجياد تحطمي *** وتبوئي بالكسر يا بيض الضبا

والجاريات تجر فضل لجامها *** قد آن بعد صهيلها أن تنحبا

من ذا يوم هياجها ، من ذا يثير *** عجاجها ، من ذا يقود المقنبا

لا يطلب الوفد الثرى وعلى الثرى *** مثواك قد ملأ التراب المتربا

يا محكمات البينات تشاكلي *** قد أمسك الداري الخبير عن النبا

ص: 316

قد أظلم النادي وضل عن الهدى *** سارنحى منهاجه وتشعبا

من أين للساري النجا ودليله *** في الهالكين ونجمه الهادي خبا

رزء متى استنهضت سلواني له *** والصبر ذاك أبا ، وهذا أنبا

وحصان خدر ما تعودت الأسى *** من قبل أن يلج الحصان المضربا

قامت تردد رنة لو أنها *** في القاسيات الصم كانت كالهبا

منهلة العبرات لو لا أنها *** جمر لقام بها الكلا واخصوصبا

تدعو وقد طافت بمصرع ماجد *** أبت المعالي أن تراه متربا

ص: 317

ابراهيم بن نشرة البحراني

بعد سنة 1250

هلا وفيت بأن قضيت كما وفى *** صحب ابن فاطمة بشهر محرم

قوم ترى لسيوفهم وأكفهم *** في الخصم والعافين واضح ميسم

من كل وضاح الفخار لهاشم *** يعزى علا ولآل غالب ينتمي

تخذ المواضي حلية وثباته *** ثقة له عن صارم أو لهذم

وإذا هم سمعوا الصريخ تواثبوا *** ما بين سابق مهره أو ملجم

نفر قضوا عطشاً ومن أيمانهم *** ري العطاش يجنب نهر العلقمي

أسفي على تلك الجسوم تقسمت *** بيد الظبا وغدت سهام الأسهم

قد جل بأس ابن النبي لدى الوغى *** عن أن يحيط به فم المتكلم

إذ هد ركنهم بكل مهند *** وأقام مائلهم بكل مقوم

ينحو العدى فتفر عنه كأنهم *** حمر تنافر عن زئير الضيغم

ويسل أبيض في الهياج كأنه *** صل تلوى في يمين غشمشم

قد كاد يفني جمعهم لولا الذي *** قد خط في لوح القضاء المحكم

حتى إذا ضاق الفضاء بعزمه *** ألوى به للحشر غير مذمم

سهم رمى أحشاك يابن المصطفى *** سهم كبد الهداية قد رمى

يا ثم زولي يا صفاح تثلمي *** يا فعم غوري يا رماح تحطم

يا نفس ذوبي يا جفون تقرحي *** يا عين جودي يا مدامعنا اسجم

ص: 318

لم أنس زينب وهي تدعو بينهم *** يا قوم ما في جمعكم من مسلم

إنا بنات المصطفى ووصيه *** ومخدرات بني الحطيم وزمزم

ما دار في خلدي مجاذبة العدى *** مني رداي ولا جرى بتو همي

قد أزعجوا أيتامنا قد أججوا *** بخيامنا لهب السعير المضرم

الشيخ ابراهيم بن محمد بن حسين آل نشرة الماحوزي البحراني أصلاً النجفي مسكناً ومدفناً كتب عنه في ( شعراء الغري ) فقال : ذكره حفيده الشيخ محمد علي التاجر البحراني في كتابه ( منتظم الدرين في تراجم أعيان القطيف والاحساء والبحرين ) فقال : كان عالماً فاضلاً وأديباً كاملاً وشاعراً قديراً ، ورعاً صالحاً وجل شعره في أهل البيت علیهم السلام ، ولم أعثر له على ذكر في الكتب إلا ما يوجد من شعره في بعض المجاميع الخطية المحتكرة لدى مالكيها ، وقد وقفت له على قصيدتين واحدة في الإمام أمير المؤمنين علیه السلام والثانية في سيد الشهداء أبي عبداللّه علیه السلام انتهى.

ص: 319

الشيخ حسين نجف

اشارة

المتوفى 1251

هذه كربلاء ذات الكروب *** فاسعداني على البكا والنحيب

ههنا نسكب الدموع دماء *** ونشق القلوب قبل الجيوب

ههنا مصرع الكرام من الآل *** ومثوى الشهيد مثوى الغريب

الحسين الإمام وابن علي *** والبتول الزهراء وسبط الحبيب

لهف نفسي عليه حين ينادي *** مستغيثا ولا يرى من مجيب

ظاميا يشتكي غليل أوام *** فسقوه حد القنا المذروب

بأبي من ظفرن فيه ذئاب *** ذاك وهو الهزبر ليث الحروب

بأبي من بكت عليه السماوات *** بدمع من الدما مسكوب

بأبي آله على الترب صرعى *** قد كستهم ريح الصبا والجنوب

يا لها فجعة لرزء عظيم *** أذكت النار في الحشى والقلوب

ليس يشفى غليل وجدي إلا *** عند فوزي بنصرة المحجوب

ص: 320

الشيخ حسين بن الحاج نجف

ولد سنة 1159 وكتب حفيده الحجة الشيخ محمد طه نجف رسالة مستقلة في أحواله ، جاء في كتاب دار السلام : الحبر الجليل والراسخ في علمي الحديث والتنزيل الذي لم ير لعبادته وزهده نظير ولا بديل ، المولى الصفي الوفي. وفي الطليعة : كان فاضلاً أديباً مشاركاً بالعلوم فقيهاً ناسكاً وكان من أصحاب السيد بحر العلوم ذا كرامات باهرة.

له شعر كثير وكلمة في أئمة أهل البيت علیهم السلام وليس له في غيرهم مدحاً ولا رثاءاً ، من آثاره : الدرة النجفية في الرد على الأشاعرة في الحسن والقبح العقليين وقد شرحها بعض معاصريه ونقلها تلميذه السيد صاحب ( مفتاح الكرامة ) في كتاب له في الأصول.

توفى ليلة الجمعة ثاني محرم الحرام 1251 رثته الشعراء من العلماء منهم الأديب العلامة الشيخ عبدالحسين محي الدين بقصيدة عامرة الأبيات.

ونورد للقارئ نماذج من شعر المترجم له فمن روائعه قصيدته الشهيرة في مدح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام التي يقول في مطلعها :

أيا علة الإيجاد حار بك الفكر *** وفي فهم معنى ذاتك التبس الأمر

وقد قال قوم فيك والستر دونهم *** بأنك رب كيف لو كشف الستر

حباك إله العرش شطر صفاته *** رآك لها أهلا وهذا هو الفخر

ص: 321

وهي تزيد على 400 بيتاً. وله أخرى مطلعها :

لعلي مناقب لا تضاهى *** لا نبي ولا وصي حواها

من ترى في الورى يضاهي علياً *** أيضاهي فتى به اللّه باها

فضله الشمس للأنام تجلت *** كل راء بناضريه يراها

وهو نور الإله يهدي إليه *** فاسأل المهتدين عمن هداها

وإذا قست في المعالي عليا *** بسواه رأيته في سماها

خير من كان نفسه ولهذا *** خصه دون غيره بإخاها

وقال من قصيدة في الإمامين العسكريين علیهماالسلام :

بك العيس قد سارت إلى من له تهوى *** فأضحى بساط الأرض في سبرها يطوى

وتجري الرياح العاصفات وراءها *** تروم لحوق الخطو منها ولا تقوى

تروم حمى فيه منازل قد سمت *** علواً وتشريفاً إلى جنة المأوى

إذا هاج فيها كامن الشوق هزها *** فتحسبها من هز أعطافها نشوى

إلى بقع فيها الذين اصطفاهم *** على الناس طراً عالم السر والنجوى

إلى قبة فيها قبور أئمة *** بهم وبها يستدفع الضر والبلوى

إلى بقعة كانت كمكة مقصداً *** وأمناً ومثوى حبذا ذلك المثوى

على حافتيها أينعت دوحة التقى *** فما برحت أغصانها تثمر التقوى

ومن قصيدة في الإمام الحسين يقول :

خطب تذل له الخطوب وتخضع *** وأسى تذوب له القلوب وتجزع

اللّه أكبر يا له من فادح *** منه الجبال الراسيات منه تضعضع

فوق الأسنة راس من في وجهه *** نور النبوة والإمامة يسطع

ثغر يقبله النبي وفاطم *** وأبوه حيدرة البطين الأنزع

ص: 322

أضحى يقلبه يزيد شماتة *** ويعود في عود عليه يقرع

صدر حوى علم النبي محمد *** والوحي والتنزيل فيه مودع

تطاً الجوانح في سنابك خيلهم *** وترض منه المغار الأضلع

* * *

ماذا تقول أمية لنبيها *** يوماً به خصماؤها تتجمع

وغداً إليه إيابها وحسابها *** وله يكون مصير بها والمرجع

فإذا دعاهم للخصومة في غد *** ياليت شعري ما الجواب إذا دعوا

وهم الذين استأصلوا أبناءه *** ذبحاً كما خانوا العهود وضيعوا

ص: 323

محمد بن سلطان

اشارة

المتوفي سنة 1251

سرى البارق المفتض ختم المحاجر *** على حاجر ، وآها لأوطار حاجر (1)

فيا رب مخمور الجنان وما به *** جنون ولكن رب داء مخامر

وأين علو الجاه مني ولم أكن *** لغير أميرالمؤمنين بشاعر

فحسبي أبو السبطين حسبي فإنما *** هو الغابة القصوى لباد وحاظر

وإن امرءاً باهى به اللّه قدسه *** ليخسأ عن علياه كل مفاخر

إمام به آخا الإله نبيه *** على رغم أنصاريها والمهاجر

إذا لم تكن شرط الامامة عصمة *** فما الفرق فيما بين بر فاجر

وان زعم الأقوام ناموس مثله *** فأين هم عن مرحب وابن عامر

فلا سيف إلا ذوالفقار ولا فتى *** كحيدرة الكرار مردي القساور

فيا ليته لا غاب عن يوم كربلا *** فتلك لعمرو اللّه أم الكبائر

ومما شجاني يا لقومي حرائر *** هتكن ، فيا لله هتك الحرائر

أيجمل ياللّه ابراز أهله *** حواسر والهفا لها من حواسر

وجوه كما الروض النضير وإنها *** ليغضي حياءاً دونها كل ناظر

ولكنها الأقمار غبن شموسها *** فاشرقن من أرزائها في دياجر

ص: 324


1- عن رياض المدح والرثاء. وقد اسماه عبداللّه بن سلطان سهواً.

محمد بن سلطان

جاء في أنوار البدرين : ومن شعراء القطيف الشاعر الكبير اللبيب وهو من العجيب محمد بن سلطان القطيفي كان أمياً ، له القصيدة الرائية العجيبة ، مدح بها أمير المؤمنين علياً علیه السلام مدحاً حسناً بليغاً ثم تخلص للرثاء على الحسين علیه السلام ، وأولها :

سرى البارق المفتض ختم المحاجر *** على حاجر ، واهاً لا وطار حاجر

وقصيدة رائية أيضاً في رثاء الحسين علیه السلام ، أولها :

آليت أخلع للزمان عذاري.

وأخرى أيضاً في رثاء الحسين (عليه السلام) أولها :

مرابعنا نعم تلك المرابع

وله قصيدة ميمية في مدح رحمة بن جابر. وأشعار أخرى.

وقال الشيخ علي مرهون في ( شعراء القطيف ) : له شعر كثير أشهره رائيته العصماء ، وابن سلطان رجل لا يقرأ ولا يكتب ، عبقري فذ ، وشاعر مفلق وهو أحد أعلام القرن الثالث عشر توفى سنة 1251.

ص: 325

الشيخ علي كاشف الغطاء

المتوفي 1253

سهام المنايا للأنام قواصد *** وليس لها إلا النفوس مصائد

أنأمل أن يصفو لنا العيش والردى *** له سائق لم يلو عنا وقائد

ألم تر أنا كل يوم إلى الثرى *** نشيع مولوداً مضى عنه والد

وحسبك بالأشراف من آل هاشم *** فقد أقفرت أبياتهم والمعاهد

وقفت بها مستنشقاً لعبيرها *** ودمعي مسكوب وقلبي واجد

مهابط وحي طامسات رسومها *** معاهد ذكر اوحشت ومساجد

وعهدي بها للوفد كعبة قاصد *** فذا صادر عنها وذلك وارد

وأين الأولي لا يستضام نزيلهم *** إليهم وإلا ليس تلقى المقالد

ذوي الجبهات المستنيرات في العلى *** تقاصر عنها المشتري وعطارد

سما بهم في العز جد ووالد *** ومجد طريف في الأنام وتالد

وما قصبات السبق إلا لماجد *** نمته إلى العليا كرام أماجد

وأعظم أحداث الزمان بلية *** بكتها الصخور الصم وهي جلامد

وفي القلب أشجان وفي الصدر غلة *** إذا رمت إبراداً لها تتزايد

أيمسي حسين في الطفوف مؤرقا *** وطرفي ريان من النوم راقد

ويمسي صريعاً بالعراء على الثرى *** وتوضع لي فوق الحشايا الوسائد

ص: 326

فلا عذب الماء المعين لشارب *** وقد منعت ظلماً عليه الموارد

ولم ير مكثور أبيدت حماته *** وعز مواسيه وقل المساعد

بأربط جأشا منه في حومة الوغى *** وقد أسلمته للمنون الشدائد

همام يرد الجيش وهو كتائب *** بسطوته يوم الوغى وهو واحد

إذا ركع الهندى يوماً بكفه *** لدى الحرب فالهامات منه سواجد

يلوح الردى في شفرتيه كأنه *** شهاب هوى لما تطرق ما رد

وإن ظمأ الخطي بل أوامه *** لدى الروع من دم الطلا فهو وارد

إلى أن يقول :

ولم أر يوماً سيم خسفاً به الهدى *** وهدت به أركانه والقواعد

كيوم حسين والسبايا حواسر *** تشاهد من أسر العدى ما تشاهد

تسير إلى نحو الشئام شواخصاً *** على قتب تطوى بهن الفدافد

وتضرب قسراً بالسياط متونها *** وتنزع أقراط لها وقلائد

* * *

فدونكموها من عتيق ولائكم *** قواف على جيد الزمان فرائد

جواهر لم تعلق بها كف ناظم *** ولا لامستهن الحسان الخرائد

ولولاكم ما فاه بالشعر مقولي *** ولا شاع لي بين الأنام قصائد

عليكم سلام اللّه ما اهتزت الربى *** وسحت عليها البارقات الرواعد

ص: 327

الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ابن الشيخ خضر المالكي النسب الجناجي المحتد النجفي المولد والمنشأ والمسكن.

توفى في كربلاء فجأة في رجب سنة 1253 وحمل إلى النجف الأشرف فدفن في مقبرتهم. المالكي نسبة إلى آل مالك من قبائل عرب العراق. ذكره سبط أخيه الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى أخي المترجم في كتابه ( طبقات الشيعة ) فقال : كان عالماً فاضلاً ورعاً زاهداً عابداً فقيهاً أصولياً مجتهداً محققاً مدققاً وله صدارة التدريس بعد أخيه الشيخ موسى ومجلس الإفتاء.

تخرج على يده من مشاهير الفقهاء : الشيخ مشكور الحولاوي والشيخ مرتضى الأنصاري والشيخ جعفر التستري. وكتب عنه الكثير وعددوا زعامته الدينية والزمنية ونضدوا مآثرة وفواضله وإليك ما جاء في كتاب ماضي النجف :

الشيخ علي ابن الشيخ الكبير أحد أنجال الشيخ الأربعة الأعلام الذين نهضوا بأعباء الزعامة ، كان عالماً فاضلاً تقياً ورعاً زاهداً مجتهداً ثقة عدلاً جليل القدر عظيم المنزلة إليه انتهت الرياسة العلمية ورجعت إليه الفتيا والقضاء بعد أبيه وأخيه الشيخ موسى من كافة الأقطار الشيعية لا تأخذه في اللّه لومة لائم كثير الذكر دائم العبادة.

كان والده الشيخ الكبير يعظمه كثيراً ويفديه بنفسه كما تشعر بذلك

ص: 328

رسالته الحق المبين في رد الاخباريين التي كتبها في أصفهان باستدعاء ولده هذا وكان يصحبه معه في أسفاره.

قال في التكملة : كان شيخ الشيعة ومحي الشريعة أستاد الشيوخ الفحول الذين منهم العلامة الشيخ الانصاري فإنه كان عمدة مشايخه في الفقه وكان محققاً متبحراً دقيق النظر جمع بين التحقيق وطول الباع ، إليه انتهت رياحة الامامية في عصره بعد موت أخيه الشيخ موسى وكان يحضر درسهما يزيد على الألف من فضلاء العرب والعجم ، منهم المير فتاح الذي جمع تقريرات شيخه المذكور في الدرس وسماها العناوين وهي مشحونة بالتحقيق والتدقيق كما لا يخفى وقل نظيره في تربية العلماء وتخريج الأفاضل ، وقال في الطليعة : كان بحر علم زاخراً رجراجاً ومصباح فضل وهاجاً إذا ارتقى منابر العلوم أحدقت به الفضلاء إحداق النجوم ببدرها وإذا أفاد تاناثر اللؤلؤ المنظوم من فيه وكان شاعراً ماهراً - إلى آخر ما قال - ولما توفى أخوه الشيخ موسى إلتبس الأمر واشكل الحال فيمن يرجع إليه في الفتيا ( التقليد ) فاجتمع النابهون من أهل العلم والمبرزون من أهل الفضل ممن لهم لياقة وأهلية الاختيار على تعيين المرجع فاختاروا المترجم له وقلدوه الزعامة وأكثر الشعراء في هذه الحادثة ونظموا فيها الأشعار.

مدحه جماعة من شعراء عصره كالشيخ ابراهيم قفطان والسيد حسن الأصم والشيخ صالح التميمي ، وكتب له عبد الباقي أفندي العمري يطلب منه ديوان السيد صادق الفحام فقال :

يا من تفرد في دواوين العلا *** لا زلت بيت قصيد كل نظام

يرجوك تتحف عبدك العمري في *** ديوان حضرة صادق الفحام

فأجابه الشيخ علي :

يا ايها العلم الذي قد أذعنت *** لسنا فضايله أولو الأعلام

ص: 329

إني عجبت لجوهري رام أن *** ينشو بنشوة صادق الفحام

( تخرجه ) :

تفقه على أبيه العلامة الكبير وكان ملازماً لدرس أخيه الشيخ موسى تخرج عليه كثير من العلماء المشاهير الذين حازوا الرياسة الدينية والزعامة العلمية منهم المير فتاح ( صاحب العناوين ) ومنهم شريف العلماء والسيد صاحب الضوابط والشيخ الانصاري والسيد مهدي القزويني والشيخ مشكور الحولاوي والآخوند زين العابدين الكلبا يكاني وله منه إجازة والشيخ جعفر التستري والشيخ أحمد الدجيلي والشيخ حسين نصار والشيخ طالب البلاغي والفقيه الشيخ راضي والسيد علي الطباطبائي والسيد حسين الترك والحاج ملا علي الخليلي وأخوه الحاج ميراز حسين.

له كتاب في الخيارات طبع في طهران ورسالة في حجية الظن مفصلة والقطع والبراءة والاحتياط على الطريقة التي تابعه عليها تلميذه العلامة الأنصارى وله رسائل كثيرة متفرقة وله تعليقة على رسالة والده بغية الطالب لعمل المقلدين.

ومن آثاره الخالدة مسجدهم المعروف المتصل بمقبرتهم ومدرستهم فإن أخاه الشيخ موسى أقام أساسه ومات فأكمله هو رحمه اللّه ، كان عفيفاً أبيا مترفعاً عن الحقوق ولا يتناول منها درهماً واحداً. كما أخبر بذلك وكيله الحاج ابراهيم شريف وعيشته ونفقة عياله مما يرد عليه من الأنعام والهدايا وما تدره عليه بعض الأراضي الزراعية التي هي من عطايا الولاة لهم ولم يزل بعضها باقياً حتى اليوم.

وله شعر كثير وهو من جيد الشعر ونفيسه وقد نظم في أغلب أنواع الشعر من الغزل والنسيب والمدح والرثاء والتهاني ، وله مراسلات ومكاتبات مع

ص: 330

الادباء نظماً ونثراً.

توفى في كربلاء فجأة ، خرج من داره قاصداً الحرم الحسيني فلما دخل الصحن الشريف سقط ميتاً وذلك سنة 1253 فحمل على الأعناق إلى النجف الأشرف ودفن مع آبائه في مقبرتهم وأعقب خمسة أولاد وهم الشيخ مهدي والشيخ محمد والشيخ جعفر والشيخ حبيب والشيخ عباس. ورثته الشعراء بمراث كثيرة.

وله قصائد عامرة في الامام الحسين علیه السلام منها قصيدته التي أولها :

مررت بكربلاء فهاج وجدي *** مصارع فتية غر كرام

والتي أولها :

رحل الخليط جزعت أم لم تجزع *** وحبست أم أطلقت حمر الأدمع

وثالثة مطلعها :

إلى كم يروع القلب منك صدوده *** وسالف عيش كل يوم تعيده

ص: 331

الشيخ محمد الشويكي

المتوفي 1254

ذكره البحاثة الشيخ علي الشيخ منصور المرهون في كتابه ( شعراء القطيف ) فقال : علامة شهير وأديب فذ ، معروف بالتقى والروع والصلاح ، وهو أحد علمائنا الأعلام في القرن الثالث عشر.

والشويكي نسبة إلى بلده ومحل توطنه ( الشويكة ) مدخل مدينة القطيف من الجهة الجنوبية معاصر للمشهدي - الآتي ذكره - ومجارياً له في أدبه.

أثبت قصيدته التي أولها :

مررت على تلك الديار البلاقع *** فناديت هل لي من مجيب وسامع

ورأيت في بعض المخطوطات له قصائد منها التي أولها :

يا عين فابكي مدى الأيام والزمن *** على الحسين غريب الدار والوطن

وهي تزيد على الخمسين بيتاً. وأخرى رائية مطولة يقول كاتبها إنها للشيخ محمد ابن الشيخ عبداللّه الشويكي.

ص: 332

المستدركات

اشارة

المقنع من بني ضرار بن غوث بن مالك بن سلامان بن سعد هذيم.

ذكره العسقلاني في ( الإصابة في تمييز الصحابة ) ج 6 ص 135 وقال : ذكره ابن الكلبي في ترجمة ولده طارق بن المقنع أنه رثى الحسين بن علي لما قتل ، قال : وقد شهد بعض آبائه مع النبي صلی اللّه علیه و آله مشاهده وعداده في الأنصار.

محمد بن الفضل الهمداني

ألا يا قبور الطف من بطن كربلا *** عليكن من بين القبور سلام

ولا برحت تسقي عراصك ديمة *** يجود بها سحّا عليك غمام

ففيكنّ لي حزن وفيكنّ لي جويً *** وفيكنّ لي بين الضلوع ضرام

اصاب المنايا سادتي فتخرّموا *** وللدهر احداث لهنّ عرام

دهي ذكرهم قلبي فبت مسهدا *** ولم يده اولاد الحرام فناموا (1)

ص: 333


1- حماسة الظرفاء من اشعار المحدثين والقدماء لابي محمد عبداللّه بن محمد العبد لكاني الزوزني المتوفي سنة 431.

فهرس

الصفحة / الوفاة / بقيه شعراء القرن الثاني عشر

9 1168 أحمد بن مطلب بن علي خان

12 1186 الشيخ يوسف البحراني مكانته العلمية ، مؤلفاته وتلاميذه

18 1208 السيد علي بن ماجد الجد حفصي

20 القرن الثاني عشر علي بن حبيب الخطي

22 القرن الثاني عشر السيد علي السيد أحمد

24 القرن الثاني عشر السيد محمد الشاخوري

القرن الثالث عشر

26 1211 الملا كاظم الأزري نسبته ونشأته وشاعريته

38 1211 السيد سليمان الكبير حياته وجملة من شعره

48 1212 السيد محمد مهدي بحر العلوم ، مكانته العلمية

55 1214 الشيخ ابراهيم يحى الطيبي ، مراثيه في الامامين الحسن والحسين وفي زينب

64 1215 السيد أحمد العطار

75 1216 السيد محمد زيني شعره في اهل البيت

84 القرن الثاني عشر حسين أفندي العشاري

89 1227 محمد بن الخلفة وقصائده الطوال في الامام الحسين

119 1216 الشيخ حسين العصفوري ، مكانته العلمية

ص: 334

الصفحة / الوفاة

122 1220 الشريف ابن فلاح الكاظمي ، الاشارة الي قصيدته الكرارية

131 1222 الشيخ أمين محمود الكاظمي

134 1225 الشيخ حميد نصار

138 1226 الشيخ محمد رضا النحوي ، شاعريته ، جملة من مساجلاته

171 1226 السيد جواد العاملي ، حياته ومؤلفاته

176 1227 السيد محسن الأعرجي نشأته وزهده

184 1230 الشيخ نصر اللّه يحيى

186 1230 السيد ابراهيم العطار

194 1233 الشيخ محمد علي الأعسم ، حياته منظومته في المطاعم والمشارب

210 1235 الشيخ مسلم بن عقيل الجصاني

213 1231 الحاج هاشم الكعبي روائعه في الامام الحسين

234 1235 الشيخ هادي النحوي

242 القرن الثالث عشر الشيخ حمزة النحوي

245 1235 السيد باقر العطار

254 1237 الملا حسين جاويش

260 1240 الشيخ محمد رضا الأزري

267 1241 الشيخ أحمد الأحسائي

270 1241 السيد حسن الأصم العطار

273 1244 الشيخ علي الأعسم

276 1246 الشيخ علي نقي الأحسائي

278 1247 السيد سليمان داود الحلي

287 1247 الشيخ عبدالحسين الأعسم

ص: 335

الصفحة / الوفاة

295 1247 محمد بن ادريس مطر الحلي

298 1249 السيد محمد الأدهمي

300 1250 عمر الهيتي

304 1250 الشيخ علي بن حبيب التاروتي

305 1250 الشيخ صادق العاملي

306 1250 الشيخ حبيب بن طالب البغدادي

310 1250 الشيخ حسن التاروتي

318 1250 ابراهيم بن نشرة البحراني

320 1251 الشيخ حسين نجف

324 1251 محمد بن سلطان

326 1253 الشيخ علي كاشف الغطاء

332 1254 الشيخ محمد الشويكي

المستدركات

333 المقنع من بني ضرار

محمد بن الفضل الهمداني

ص: 336

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.