أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 347

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الرابع

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وهذا هو الجزء الرابع يتضمن أدباء القرن السابع والثامن والتاسع من شعراء الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهناك طائفة منهم بعد لم يتسن لنا الوقوف على شعرهم حيث غطت على آثارهم يد العصبية المقيتة وأخفتها النفوس المريضة.

لقد كان من الأولى أن اسجل في هذه الموسوعة كل من نظم وقال الشعر في يوم الحسين ، سواءً وجدت أشعاره أم فقدت ، لكني قد نويت يوم شرعت بتأليف هذا الكتاب أن أجمع الرائق من الشعر الذي جاء في سيد الشهداء لذا أطلقت عليها اسم ( أدب الطف ). وإليك انموذجاً من الشعراء الذين عدوا من هذه الحلبة وإن لم يكتب لهم الجري في الميدان.

1 - ابراهيم بن هرمة من أهل المائة الثانية ، كان حياً سنة 146 ه.

قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : هو شاعر مفلق ، فصيح مسهب ، مجيد محسن القول ، سائر الشعر.

ادرك الدولتين : الاموية والعباسية ، وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين.

ص: 5

قال السيد الامين في الجزء 5 من اعيانه : ويكفي دليلاً واضحاً على تشيعه أن يكون مشهوراً بالانقطاع إلى الطالبيين في العصر الاموي والعباسي عصر الملك العضوض واكثاره من مدائح الطالبيين ورثائهم منها قصائد كثيرة في عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وزيد بن الحسن بن علي ، ومراث في الحسين علیه السلام . وله قصائد تعرف بالهاشميات يرويها الرواة.

ومن شعره ما رواه ابن عساكر في تاريخه.

مومهما الام على حبهم *** فإني أحبُّ بني فاطمه

بني بنت من جاء بالمحكمات *** وبالدين والسنن القائمة

ولست أبالي بحبي لهم *** سواهم من النعم السائمة

2 - محمد بن وهيب الحميري البصري البغدادي ، من شعراء القرن الثالث. قال الصفدي في الوافي بالوفيات ج 5 ص 179 : وكان يتشيع وله مراث في آل البيت ولد بالبصرة ، وتوفي سنة مائتين ونيف وعشرين ببغداد.

قال أبو الفرج في الاغاني : حدثني علي بن الحسين الوراق حدثنا ابو هفان قال : كان محمد بن وهيب يتردد إلى مجلس يزيد بن هارون فلزمه عدة مجالس يملي فيها فضائل الخلفاء الثلاثة ، ولم يذكر شيئاً من فضائل علي علیه السلام فقال فيه ابن وهيب.

آتي يزيد بن هارون أدالجه *** في كل يوم ومالي وابن هرون

فليت لي بيزيد حين أشهده *** راحاً وقصفاً وندماناً يسليني

أغدو إلى عصبة صمت مسامعهم *** عن الهدى بين زنديق ومأفون

لا يذكرون علياً في مشاهدهم *** ولا بنيه بني البيض الميامين

إني لأعلم اني لا احبهم *** كما هموا بيقين لا يحبوني

لو يستطيعون من ذكرى أبا حسن *** وفضله ، قطعوني بالسكاكين

ص: 6

وفيه : اخبرني محمد بن خلف بن المرزبان حدثني اسحق بن محمد بن القاسم ابو يوسف قال : كان محمد بن وهيب يأتي أبي ، فقال له أبي يوماً انك تأتينا وقد عرفت مذاهبنا فنحب أن تعرفنا مذهبك فنوافقك أو نخالفك ، فقال له في غد أبين لك أمري ، فلما كان من غد كتب إليه.

أيها السائل قد بينت *** إن كنت ذكيا

أحمد اللّه كثيراً *** بأياديه عليا

شاهد أن لا إلهاً *** غيره ما دمت حيا

وعلى أحمد بالصد *** ق رسولاً ونبيا

ومنحت الود قربا *** ه وواليت الوصيا

3 - شاعر يحدثنا عنه الثعالبي وقد نظم في أهل البيت علیهم السلام خمسين قصيدة ، ولم نعثر على واحدة من الخمسين ، وإليك القصة كما رواها في ( اليتيمة ) ج 1 ص 422.

في ترجمة أبي القاسم علي بن بشر الكاتب قال.. قال لي الزاهر : أخبرني ابن بشر أنه كان له جد لأم يعرف بكولان ، وكان هو من أهل الأدب والكتابة ، وحسن الشعر والخطابة ، قال لي : حججت سنة من السنين ، وجاورت بمكة حرسها اللّه فاعتللت علة تطاولت بي وضاق معها خلقي ثم صلحت منها بعض الصلاح ففكرت في أنني عملت في أهل البيت تسعاً وأربعين قصيدة مدحاً فقلت : أكملها خمسين ثم ابتدأت فقلت :

بني أحمد يا بني أحمد

ثم أرتج على ، فلم أقدر على زيادة فعظم ذلك علي واجتهدت في أن أكمل البيت فلم أقدر فحدث لي من الغم بهذة الحالة ما زاد على همي بإضاقتي وعلتي

ص: 7

فنمت اهتماماً بالحال فرأيت النبي صلی اللّه علیه و آله فجئت إليه فشكوت إليه ما أنا فيه من الأضافة وما أجده من العلة وأخرى من القلة فقال لي : تصدق يوسع عليك وصم يصح جسمك فقلت له : يا رسول اللّه وأعظم ما شكوته إليك أنني رجل شاعر أتشيع وأخص بالمحبة ولدك الحسين وتداخلني له رحمة لما جرى عليه من القتل وكنت قد عملت في أهل بيتك تسعاً وأربعين قصيدة فلما خلوت بنفسي في هذا الموضع حاولت أن أكملها خمسين فبدأت قصيدة قلت فيها مصراعاً وارتج على إجازته ونفر عني كل ما كنت أعرفه فما أقدر على قول حرف قال : فقال لي قولاً نحا فيه إلى أنه ليس هذا إلي ؛ لقول اللّه تعالى : ( وما عملناه الشعر وما ينبغي له ) ثم قال لي : اذهب إلى صاحبك وأومأ بيده الشريفة إلى ناحية من نواحي المسجد وأمر رسولاً أن يمضي بي إلى حيث أومأ فمضى بي الرسول على ناس معهم علي بن أبي طالب رضی اللّه عنه فقال له الرسول : أخوك وجه اليك بهذا الرجل ، فاسمع ما يقوله قال : فسلمت عليه : وقصصت عليه قصتي كما قصصت على النبي صلی اللّه علیه و آله فقال لي : فما المصراع؟ قلت :

بني احمد يا بني احمد

فقال للوقت : قل :

بني أحمد يا بني أحمد *** بكت لكم عمد المسجد

بيثرب واهتز قبر النبي *** أبي القاسم السيد الأصيد

وأظلمت الأفق أفق البلاد *** وذرَّ على الأرض كالأثمد

ومكة مادت ببطحائها *** لإعظام فعل بني الاعبد

ومل الحطيم بأركانه *** وما بالبنية من جلمد

وكان وليكم خاذلا *** ولو شاء كان طويل اليد

ص: 8

قال : ورددها علي ثلاث مرات ، فانتبهت وقد حفظتها.

* * *

أما مازال به القلم ، والإنسان معرض للخطأ والنسيان. فهو ما يلي :

1 - جاء في الجزء الأول من أدب الطف في ترجمة مصعب بن الزبير هذا البيت :

وإن الأولى بالطف من آل هاشم *** تأسوا فسنوا للكرام التأسيا

وقد تحقق لدينا أنه لسليمان بن قتة كما ذكره أبو الفرج في الأغاني وليس لمصعب كما روى ذلك الطبرسي في مجمع البيان ج 1 ص 507 طبع صيدالبنان.

2 - وجاء في الجزء الأول أيضاً عند ذكر النجاشي وأبياته في الحسين وأخيراً وقفت على تاريخ ابن كثير ج 8 ص 44 والمسعودي في مروج الذهب ج 2 ص 427 ان الأبيات في الإمام الحسن السبط علیه السلام وهي أنسب بالمقام لأن النجاشي مات قبل مقتل الحسين على الأكثر ولم يدرك وقعة الطف ولا يوم الحسين (عليه السلام) ولا أدري كيف رواها مصعب الزبيري في الحسين وهو مؤرخ قديم توفي سنة 236 ه.

على أن الدكتور عمر فروخ في تاريخ الأدب العربي ج 1 ص 313 يقول أنه أدرك مقتل الحسين.

3 - ذكرنا في الجزء الثالث لشعراء القرن السادس الشاعر ( صردر ) المتوفي سنة 465 كما ذكر ابن خلكان فكان من الواجب عده في شعراء القرن الخامس ، وقد أوقعنا في ذلك السيد الأمين رحمه لله إذ عده من شعراء القرن السادس حيث ذكر وفاته سنة 565.

4 - ترجمنا في الجزء الثالث للشاعر صفوان المرسي ، وليس لدينا من

ص: 9

شعره غير قصيدة واحدة ، أما وقد عثرنا على محاضرة الأديب المغربي عبد اللطيف السعداني من مدينة ( فاس ) وقد نشرها في مجلة العرفان م 59 فكان في ثنايا محاضرته القيمة قصيدة لشاعرنا المرسي ، وقد اقتطفنا جزءً من المحاضرة مع القصيدة.

وكان عنوان المحاضرة : حركات التشيع في المغرب ومظاهره.

وبعد أن أتى على ما يقوم به المغربيون من مظاهر شعائر الحسين علیه السلام في شهر المحرم والرواسب القديمة منذ العصور المتقدمة قال :

ان أحد أعلام الفكر والمفكرين في القرن الثامن الهجري هو لسان الدين ابن الخطيب أتحفنا باشارة ذات أهمية كبرى. والفضل في ذلك يعود إلى إحدى النسخ الخطية الفريدة من مؤلفه التأريخي ( إعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام ).

التي حفظتها لنا خزانة ( جامعة القرويين ) بمدينة فاس من عاديات الزمن (1) وبهذه الإشارة تنحل العقدة المستعصية وينكشف لنا ما كان غامضاً من قبل مما أغفل الحديث عنه المؤرخون مما كان يجري في الأندلس من أثر التشيع. ذلك ان ابن الخطيب عند حديثه عن دولة يزيد بن معاوية انتقل به الحديث إلى ذكر عادات الأندلسيين وأهل المغرب خاصة في ذكرى مقتل سيدنا الحسين من التمثيل بإقامة الجنائز وانشاد المراثي.

وقد أفادنا عظيم الفائدة حيث وصف إحدى هذه المواسيم وانشاد المراثي وصفاً حياً شيقاً حتى ليخيل اننا نرى أحياء هذه الذكرى في بلد شيعي. وذكر

ص: 10


1- يعود الفضل في اكتشاف هذه النسخة من هذا الكتاب واطلاعنا عليه الی العلامة السيد العابد الفاسي مدير خزانة جامعة القرويين.

أن هذه المراثي كانت تسمى الحسينية وإن المحافظة عليها بقيت مما قبل تاريخ عهد ابن الخطيب إلى أيامه. ونبادر الآن إلى نقل هذا الوصف على لسان صاحبه :

« ولم يزل الحزن متصلا على الحسين والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس ويختلفون لذلك ليلة يوم قتل منه بعد الأمان من نكير دول قتلته ولا سيما بشرق الأندلس فكانوا على ما حدثنا به شيوخنا من أهل المشرق ( يعني مشرق الأندلس ) يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب يستخبى خلف سترة في بعض البيت وتحتفل الأطعمة والشموع ويجلب القراء المحسنون ويوقد البخور ويتغنى بالمراثي الحسنة ».

وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن ايضا فانه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلا وبيانا عن الحسينية وطقوسها فقال :

« والحسينية التي يستعطها الي اليوم المستمعون فيلوون لها العمائم الملونه ويبدلون الاثواب في الرقص كانهم يشقون الاعلي عن الاسفل بقية من هذا لم تنقطع بعد وان ضعفت ومهما قيل الحسينية او الصفة لم يدر اليوم اصلها. وفي المغرب اليوم ما يزال اولئك المسمعون الذين اشار اليهم ابن الخطيب يعرفون بهذا الاسم وينشدون وكثرت في انشادهم على الاخص الامداح النبوية. كما ان الموسيقي الاندلسيه الشائعه اليوم في بلاد المغرب تشتمل في اكثرها علي الامداح النبوية ايضا.

كما أفادنا ابن الخطيب بنقله نموذجاً لهذه المراثي مدى عناية الشعراء بهذا الموضوع وعرفنا باحد شعراء الشيعة في الأندلس الذي اشتهر برثاء سيدنا الحسين وهو أبو البحر صفوان بن ادريس التجيبي المرسي ( 561 - 598 ). وهذه القصيدة كانت مشهورة ينشدها المسمعون وهي كما يلي :

ص: 11

سلام كأزهار الربى يتنسم *** على منزل منه الهدى يتعلم

على مصرع للفاطميين غيبت *** لأوجههم فيه بدور وأنجم

على مشهد لو كنت حاضر أهله *** لعاينت أعضاء النبي تقسم

على كربلا لا أخلف الغيث كربلا *** وإلا فان الدمع أندى وأكرم

مصارع ضجت يثرب لمصابها *** وناح عليهن الحطيم وزمزم

ومكة والاستار والركن والصفا *** وموقف جمع والمقام المعظّم

وبالحجر الملثوم عنوان حسرة *** ألست تراه وهو أسود أسحم

وروضة مولانا النبي محمد *** تبدّى عليه الشكل يوم تخرّم

ومنبره العلوي للجذع أعولا *** عليهم عويلا بالضمائر يفهم

ولو قدّرت تلك الجمادات قدرهم *** لدكَّ حراء واستطير يلملم

وما قدر ما تبكي البلاد وأهلها *** لآل رسول اللّه والرزؤ أعظم

لو أن رسول اللّه يحيى بعيدهم *** رأى ابن زياد أمّه كيف تعقم

وأقبلت الزهراء قدّس تربها *** تنادي أباها والمدامع تسجم

تقول أبي هم غادروا ابني نهبه *** كما صاغه قيس وما مجَّ أرقم

سقوا حسناً للسم كأساً رويّة *** ولم يقرعوا سنّاً ولم يتندموا

وهم قطعوا رأس الحسين بكربلا *** كأنهم قد أحسنوا حين أجرموا

فخذ منهم ثاري وسكّن جوانحاً *** وأجفان عين تستطير وتسجم

أبي وانتصر للسبط وأذكر مصابه *** وغلّته والنهر ريان مفعم

وأسر بنيه بعده واحتمالهم *** كأنهم من نسل كسرى تغنّموا

ونقر يزيد في الثنايا التي اغتدت *** ثناياك فيها أيها النور تلثم

إذا صدق الصديق حملة مقدم *** وما فارق الفاروق ماض ولهذم

وعاث بهم عثمان عيث ابن مرة *** وأعلى عليٌ كعب من كان يهضم

وجبَّ لهم جبريل أتعك غارب *** من الغي لا يعلى ولا يتسنم

ص: 12

ولكنها أقدار رب بها قضى *** فلا يتخطى النقض ما هو يبرم

قضى اللّه أن يقضى عليهم عبيدهم *** لتشقى بهم تلك العبيد وتنقم

هم القوم اما سعيهم فمخيب *** مضاع وأما دارهم فجهنم

فيا أيها المغرور واللّه غاضب *** لبنت رسول اللّه ابن تيمم

ألا طرب يقلى ألا حزن يصطفى *** ألا أدمع تجري ألا قلب يضرم

قفوا ساعدونا بالدموع فإنها *** لتصغر في حق الحسين ويعظم

ومهما سمعتم في الحسين مراثياً *** تعبر عن محض الأسى وتترجم

فمدوا أكفاً مسعدين بدعوة *** وصلوا على جد الحسين وسلموا (1)

ص: 13


1- أعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام ، ابن الخطيب نسخة خطية ص 38 - 37.

ص: 14

شعراء القرن السابع

اشارة

سنة الوفاة

ابن سناء الملك القاضي السعيد هبة اللّه بن جعفر 608

الشيخ ابراهيم بن نصر 610

أبو الحسن المنصور باللّه عبداللّه بن حمزة بن سليمان 614

علي بن المقرب الاحسائي 629

عبد الرحمن الكتاني 635

كمال الدين الشافعي محمد بن طلحة 652

عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي 655

محمد بن عبد اللّه القضاعي الشهير بابن الابار 658

احمد بن صالح السنبلي 664

أبو الحسين الجزار يحى بن عبد العظيم 672

شمس الدين محمد بن عبيد اللّه الكوفي الواعظ 675

عبد اللّه بن عمر بن نصر الوزان 677

نجم الدين الربعي جعفر بن نجيب الدين محمد 680

علي بن عيسى الاربلي 693

البوصيري محمد بن سعيد الصنهاجي 694

سراج الدين الوراق 695

ص: 15

ص: 16

ابن سناء الملك

قال ابن سناء الملك المتوفي 608 من قصيدة :

ونظمتُها في يوم عا *** شوراءَ من همّي وحزني

يومٌ يناسب غَبن مَن *** قتلوه ظلماً مثل غبني

يوم يساءُ به وفي- *** -ه كلُ شيعيّ وسُنّي

إن لم أعزِّ المسلمي- *** -ن به فإني لا أهنّى

أو كنتُ ممن لا ينو *** ح به فأني لا أغني

قُتِلَ الحسين بكل ضر *** بٍ للبغاة وكلّ طعن

شَنّوا عليه وما سقو *** ه قطرةً من ماءِ شَنّ

أنتَ الوليُّ له تصرّ *** حُ بالولاء ولستَ تكنى

ولأنتَ أولى مَن يبا *** كر قاتليه بكل لعن

وهو الشفيعُ لحاجتي *** ليزيدني مَن لم يُردنى

وقصيدتي أطلقتها *** بالبثّ من صدرِ كسجن

ص: 17

القاضي السعيد هبة اللّه بن جعفر بن المعتمد سناء الملك محمد السعدي المعروف بابن سناء الملك ، ولد سنة 550 ه- كثير النعم وافر الثروة اشتهر بالنظم والنثر الجيّدين وسنّه دون العشرين ، جرت بينه وبين القاضي الفاضل مراسلات كثيرة.

من آثاره : روح الحيوان ، فُصوص الفصول ، ديوان رسائل ، ديوان شعره المطبوع بالقاهرة سنة 1388 ه.

وكان ملماً ببعض اللغات الاجنبية ، فهو يجيد الفارسية ويتقنها ويشير الى ذلك في احدى قصائده التي وجهها إلى القاضي الفاضل :

وعزّ على العرب اني حفظ- *** -ت برغمى بعضِ لغات العجم

قال ابن سعيد في كتابه ( الاغتباط في حلي مدينة الفسطاط ) ج 2 ص 293 انه كان مغالياً في التشيع ، أما شارح الديوان فينفي عنه ذلك ، ومن قوله في مدح القاضي الفاضل :

أصبحت في مدح الاجل موحّداً *** ولكم أتتني من أياديه ثنى

وغدوتُ من حُبّي له متشيّعاً *** يا من رأى متشيعاً متسنناً

أبوه القاضي الرشيد كان يشغل منصباً هاماً ويعتني بتربية ولده هذا.

كانت وفاة الشاعر في العشر الأول من شهر رمضان سنة 608 ه.

ودفن بالقاهرة كما ذكر ابن خلكان في الوفيات.

ولما كان قد حرم عطف أبويه بوفاتهما وهو في ريعان الشباب أكثر من رئائهما فيقول في رثاء امه.

ص: 18

ما لي أُنهنه عنك آمالي *** وأصدّ عنك كأنني قالي

ويرثي أباه في لهفة عارمة كما رثى أمه.

أيا دار في جنات عدن له دار *** ويا جار إن اللّه فيها له جار

وهي قصيدة بلغ فيها الذروة لأنها عصارة نفس.

سأبكي أبي بل ألبس الدمع بعده *** وإني لذيل الدمع فيه لجرّار

وإن فنيت من ناظري فيه أدمع *** لما فنيت من مقولي فيه أشعار

لعلي بعد الموت ألقاه شافعاً *** اذا أثقلتني في القيامة أوزار

وقد بلغت هذه القصيدة تسعة وستين بيتاً وكثير من أبياتها فرائد نفيسة ، وقال في رثاء امه في قصيدته التي مطلعها :

صح من دهرنا وفاة الحياء *** فليطل منكما بكاء الوفاء

والقصيدة طويلة تبلغ تسعة وستين بيتاً ، وفي هذه القصيدة يضيق صدره ولا ينطلق لسانه فيقول :

أنتِ عندي أجل من كل تأبين *** ولو صغت بالثريا رثائى

في ضميري ما ليس يبرز شعري *** لا ولو كنت أشعر الشعراء

ثم يخاطب القبر ويناجيه فيقول :

وإذا ما دعوتُ قبركِ شوقاً *** فبحقى ألا تجيبي ندائي

هل درى القبر ما حواه وما أخ- *** -فاه من ذلك السنى والسناء

فلكم شفّ باهر النور منه *** فرأيت الإغضاء في إغضائي

ص: 19

فاحتفظ أيها الضريح ببدر *** صرت من أجله كمثل السماء

وترفّق به فإنك تسدي *** منّة جمّة إلى العلياء

أنت عندي لما حويت من الط- *** -هر يُحاكيك مسجدٌ بقُباء

لك حجّي وهجرتي ولمن في- *** -ك ثنائي ومدحتي ودعائي

الجنة تحت أقدام الامهات :

اذكريني يوم القيامة يا أمّ *** لئلا أعدُّ في الأشقياء

واشفعى لي فجنّتي تحت أقدا *** مك من غير شبهة وامتراء

فقريب لا شك يأتيك عنى *** بقدومى عليك وفد الهناء

عجّل اللّه راحتي من حياتي *** إنها في الزمان أعظم دائي

وإذا ما الحياة كانت كمثل الدا *** كان الممات مثل الدواء

وقوله في الفخر :

سوايَ يهاب الموت أو يرهبُ الردى *** وغيري يَهوى أن يعيش مخلّدا

ولكنني لا أرهبُ الدهر إن سطا *** ولا أحذر الموت الزؤام إذا عدا

ولو مدّ نحوي حادثُ الدهر كفّه *** لحدثتُ نفسي أن أمُدّ له يدا

توقُّد عزمى يترك الماءَ جمرةً *** وحيلةُ حِلمي تترك السيفَ مُبردا

وأظمأ إن أبدى لي الماء مِنّةً *** ولو كان لي نهرُ المجرّة مَوردا (1)

ولو كان إدراك الهدى بتذللٍ *** رأيتُ الهدى ألا أميل الى الهُدى

وإنك عبدي يا زمانُ وانني *** على الرغم مني أن أُرى لك سيّدا

وما أنا راضٍ أنني واطئ الثرى *** ولي همّة لا ترتضي الأفق مَقعدا

ص: 20


1- المجرة : قطعة من السماء واسعة تشبه المكان المتسع من النهر.

ولي قلمٌ في أنملي إن هززته *** فما ضرّني ألا أهزّ المهندا

إذا صال فوق الطرس وقعُ صريره *** فإن صليل المشرفيّ له صدى

وقال في رثاء صديق له :

بكيتُ فما أجدى حزنتُ فما أغنى *** ولا بد لي أن أجهد الدمع والحُزنا

قبيحٌ قبيحٌ أن أرى الدمع لا يفى *** وأقبح منه أن أرى القلب لا يَغنى

مضى الجوهر الأعلى وأي مروءة *** إذا ما أدخرنا بعده العَرَضَ الأدنى

ثكِلتُ خليلاً صرتُ من بعد ثُكله *** فُرادى وجاء الهمّ من بعده مثنى

وقد كان مثوى القلب معنى سروره *** فقد خَرِب المثوى وقد أقفز المغنى (1)

وقال يرثي امرأة كان يحبّها ويعشقها :

بكيتكِ بالعين التي انتِ أختُها *** وشمس الضحى تبكيك إذ انتِ بنتُها

وتضحك غزلان الفلاة لأنني *** بعينيك لما أن نظرتُ فضَحتُها

ويا منية يا ليتني لم أفز بها *** وأمنيةً يا ليتني ما بلغتُها

شهدتُ بأنّي فيك ألأمُ ثاكل *** لليلة بينٍ متِّ فيها وعشتها

أفاديتي يا ليت أني فديتها *** وسابقتي يا ليت أنّي سبقتها

وقد كنتِ عندي نعمةً وكأنني *** وقد عشت يوماً بعدها قد كفرتها

وما بال نفسي فيك ما كان بختُها *** مماتي لمّا لم يَعش منك بختُها

نعم كبدي لا وجنتي قد لطمتها *** عليك وعيشي لا ثيابي شققتها

أيا دهر قد أوجدتني مذ وجدتها *** فما لك لا أعدمتني إذ عدمتها

تطلبتها من ناظري بعد فقدها *** فضاعت ولكن في فؤادي وجدتها

ص: 21


1- عن الديوان.

ثكلتك بدراً في فؤادي شروقه *** وفاكهة في جنّة الخلد نبتها

على رغمها خانت عهودي وإنه *** جزاء ٌلأني كم وفت لي وخنتها

وأنفقتُ من تبر المدامع للأسى *** كنوزاً لهذا اليوم كنتُ ذخرتها

وسالت على خَديّ من لوعة الجوى *** سيول دموع خضتها ثم عُمتُها

لآلئ دمعي من لآلئ ثغرها *** ففي وقت لثمي كنتُ منه سرقتها

قد اعتذرت نفسي بأن بقاءها *** لتندبَها لكنني ما عذرتها

وجُهدي إما زفرة قد حبستها *** عليها وإما دمعة قد سكبتها

أصارت حصاة القلب مني حقيقة *** حصاةٍ لأنّي بعدها قد نَبذتها

ومعشوقة لي لست أعشق بعدها *** نعم لي أخرى بعدها قد عشقتها

عشقتُ على رغم الحياة منيّتي *** تراني لما أن عشقت أغرتها

أزور فؤادي كلما اشتقت قبرها *** غراماً لأني في فؤادي دفنتها

وأشرق بالماء الذي قد شربته *** وما شرقي إلا لأني ذكرتها

وأمنحها نفسي وروحي وأدمعي *** ولو طلبت مني الزيادة زدتها

محاسنها تحت الثري ما تغيّبت *** كذا بجناني لا بعقلي خِلتها

ولو بليت تلك الحُلى وتنكرت *** وأبصرتها بعد البلى لعرفتها

يُريني خيالي شخصَها وبهاءَها *** ونضرَتها حتى كأنّي نظرتها

غدت في ثراها عاطلاً ويجيدها *** عقود لآلٍ من دموعي نظمتها

فيا لحدها يا ليت أني سكنته *** وأكفانَها يا ليت أني لبستها

فلا تجحدي إن قلتُ قبرُك جنّةٌ *** فرائحة الفردوس منه شممتها (1)

ص: 22


1- عن الديوان.

قاضي السلامية

الشيخ ابراهيم بن نصر قاضي السلامية بالموصل وفاته سنة 610 ه-

يا شهر عاشوراء أذكرتني *** مصارع الاشراف من هاشمِ

أبكي ولا لوم على مَن بكى *** وإنما اللوم على اللائم

ما من بكى فيك أشدّ البكا *** وناحَ بالعاصي ولا الآثم

رزية ما قام في مثلها *** نائحة تندب في مأتم

آل رسول اللّه خير الورى *** وصفوة اللّه على العالم

مثل مصابيح الدجى عفرّت *** وجوههم في الرهج القاتم

رؤوسهم تحمل فوق القنا *** مظلومة شُلّت يد الظالم

ساروا بها يا قبحها فعلة *** مثل مسير الظافر الغانم

كنما الزهراء ليست لهم *** أمّاً ولا الجد أبو القاسم

قل لابن مرجانة لا بد أن *** تَعَضّ كفّ الخاسر النادم

محمد خير بني آدم *** خصمك يا شر بني آدمِ

يطلب منك الثأر في موقف *** ما فيه للظالم من عاصم

وفيه يقتصّ من المعتدي *** بالنار لا بالسيف والصارم (1)

ص: 23


1- عن مجلة البلاغ الكاظمية السنة الأولی العدد الثاني ص 7 بقلم الدكتور مصطفی جواد.

الشيخ إبراهيم بن نصر قاضي السلامية بالموصل تلقى دراسته في المدرسة النظامية ببغداد وسمع بها الحديث على الوزير عون الدين يحيى بن محمد الحنبلي. وكانت وفاته في السنة العاشرة بعد الستمائة للهجرة. وقد جاء ذكره في كتاب ( الطبقات ) للشافعي وكتاب ( وفيات الأعيان ) لابن خلكان ج 1 ص 8 ما نصه : أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر الملقب ظهير الدين قاضي السلامية ، الفقيه الشافعي الموصلي.

ذكره ابن الدبيثي في تاريخه فقال : أبو إسحق من أهل الموصل تفقه على القاضي أبي عبد اللّه الحسين بن نصر بن خميس الموصلي بالموصل وسمع منه ، قدم بغداد وسمع بها من جماعة وعاد الى بلده وتولى قضاء السلامية - إحدى قرى الموصل - وروى باربل عن أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الانباري النحوي شيئاً من مصنفاته سمع منه ببغداد وسمع منه جماعة من أهلها انتهى كلامه. وكان فقيهاَ فاضلاً أصله من العراق من السندية تفقه بالمدرسة النظامية ببغداد وسمع الحديث ورواه وتولى القضاء بالسلامية وهي بلدة بأعمال الموصل مدّته بها وغلب عليه النظم ونظمه رائق فمن شعره :

لا تنسبوني يا ثقاتي إلى *** غدر فليس الغدر من شيمتي

أقسمت بالذاهب من عيشنا *** وبالمسرات التي ولّت

إني على عهدكم لم أحل *** وعقدة الميثاق ما حلّت

ومن شعره أيضا :

جود الكريم إذا ما كان عن عدة *** وقد تأخّر لم يسلم من الكدر

ان السحائب لا تجدي بوارقها *** نفعاً إذا هي لم تمطر على الأثر

ص: 24

وما طل الوعد مذموم وان سمحت *** يداه من بعد طول المطل بالبُدر

يا دوحة الجود لا عتب على رجل *** يهزها وهو محتاج الى الثمر

وكان بالبوازيج وهي بليدة بالقرب من السلامية زاوية لجماعة من الفقراء إسم شيخهم مكي فعمل فيهم :

الا قل لمكي قول النصوح *** فحق النصيحة أن تستمع

متى سمع الناس في دينهم *** بأن الغِنا سُنّةٌ تتبع

وأن يأكل المرء أكل البعير *** ويرقص في الجمع حتى يقع

ولو كان طاوي الحشا جائعاً *** لما دار من طرب واستمع

وقالوا سكرنا بحب الاله *** وما أسكر القوم إلا القصع

كذاك الحمير إذا أخصبت *** ينقزّها ريّها والشبع

ذكره ابو البركات بن المستوفى في تاريخ إربل وأثنى عليه وأورد له مقاطيع عديدة ماتبات جرت بينهما وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال شابٌ فاضل ومن شعره قوله :

أقول له صلني فيصرف وجهه *** كأني أدعوه لفعل محرّم

فان كان خوف الأثم يكره وصلتي *** فمن أعظم الآثام قتلة مسلم

توفي يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر سنة عشر وستمائة بالسلامية رحمه اللّه تعالى ، وكان له ولد اجتمعتُ به في حلب وأنشدني من شعره وشعر أبيه كثيراً وكان شعره جيّداً ويقع له المعاني الحسنة ، والسلامية بفتح السين المهملة وتشديد اللام وبعد الميم ياء مثناة من تحتها ثم هاء وهي بليدة على شط الموصل من الجانب الشرقي أسف الموصل بينهما مسافة يوم فالموصل في الجانب الغربي وقد خربت السلامية القديمة التي كان الظهير قاضيها وأنشئت بالقرب منها بليدة أخرى وسموها السلامية أيضا.

ص: 25

أبو الحسن المنصور باللّه

المتوفي سنة 614

بني عمّنا إن يوم الغدير *** يشهد للفارس المعلم

أبونا عليّ وصيّ الرسول *** ومن خصّه باللوا الأعظم

لكم حرمة بانتساب إليه *** وها نحن من لحمه والدم

لإن كان يجمعنا هاشم *** فأين السنام من المنسم؟

وإن كنتم كنجوم السماء *** فنحن الأهلّة الأنجم

ونحن بنو بنته دونم *** ونحن بنو عمّه المسلم

حماه أبونا أبو طالب *** وأسلم والناس لم تسلم

وقد كان يكتم إيمانه *** فأما الولاء فلا يكتم

واي الفضايل لم نحوها *** ببذل النوال وضرب الكمى؟

قَفونا محمد في فعله *** وأنتم قفوتم أبا مجرم (1)

هدى لكم الملك هدي العروس *** فكافيتموه بسفك الدم

ورثنا الكتاب وأحكامه *** على مفصح الناس والأعجم

فإن تفزعوا نحو أوتاركم *** فزعنا إلى آية المحكم

أشرب الخمور وفعل الفجور *** من شيم النفر الأكرم (2)

ص: 26


1- يعني أبا مسلم الخراساني عبد الرحمن القائم بالدعوة العباسية سنة 129.
2- عن الحدائق الوردية.

قتلتم هداة الورى الطاهرين *** كفعل يزيد الشقيّ العمى

فخرتم بملك لكم زايلٍ *** يقصّر عن ملكنا الأدوم

ولا بدّ للملك من رجعةٍ *** إلى مسلك المنهج الأقوم

إلى النفر الشم أهل الكسا *** ومن طلب الحق لم يظلم

هذه الأبيات نظمها المترجم له في جمادي الاولى سنة 602 يعارض بها قصيدة ابن المعتز الميميّة التي أوّلها : (1)

بني عمّنا! ارجعوا ودّنا *** وسيروا على السنن الأقوم

لنا مفخر ولكم مفخر *** ومن يؤثر الحق لم يندم

فأنتم بنوا بنته دوننا *** ونحن بنوا عمّه المسلم

وقوله :

عجبت فهل عجبت لفيض دمع *** لموحشة على طلل ورسم

وما يغنيك من طلل محيلٍ *** لهندٍ أو لجمل أو لنعم

فعدن عن المنازل والتّصابي *** وهات لنا حديث غدير خم

فيا لك موقفاً ما كان أسنى *** ولكن مرّ في آذان صمّ

لقد مال الكنام معاً علينا *** كأنّ خروجنا من خلف ردم

هدينا الناس كلّهم جميعاً *** وكم بين المبيّن والمعمّى؟

فكان جزاؤنا منهم قراعاً *** ببيض الهند في الرهج الأجمّ

ثم قتلوا أبا حسن عليّاً *** وغالوا سبطه حسناً بسمّ

وهم حَضروا الفرات على حسين *** وما صابوه من نصل وسهم

ص: 27


1- في الحدائق الوردية.

أبو الحسن المنصور باللّه ولد سنة 561 وتوفي سنة 614.

هو الامام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة ابن هاشم بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن ابى محمد عبد اللّه بن الحسين بن ترجمان الدين القاسم بن اسماعيل بن ابراهيم طباطبا بن الحسن بن الحسن بن الامام علي بن ابي طالب علیه السلام .

أحد أئمة الزيدية في ديار اليمن ، ألّف كتباً ممتعة في شتى المواضيع من الفقه وأصوله والكلام والحديث والمذهب والادب. ذكر الشيخ الاميني جملة منها وقال : انه قرن بين شرف النسب والمجد المكتسب وضمّ الى شرفه الوضاح علما جماً والى نسبه العلوي الشريف فضائل كثيرة جمع بين السيف والقلم فرفّ عليه العلم والعَلم ، فأصبح إمام اليمن في المذهب ، وفي الجبهة والسنام من فقهائنا ، كما أنه عدّ من أفذاذ مؤلفيها وأشعر الدعاة من أئمتها بل أشعر أئمة الزيدية على الاطلاق كما قال صاحب الحدائق ونسمة السحر.

وكان آية في الحفظ. قرأ في الأصولين على حسام الدين أبي محمد الحسن بن محمد الرصاص وألّف كتباً ممتعة في شتى المواضيع من الفقه واصوله والكلام والحديث والمذهب والادب منها :

1 - صفوة الاختيار في اصول الفقه.

2 - الشافي في اصول الدين. اربعة اجزاء.

3 - الاجوبة الكافية بالادلة الوافية.

ص: 28

4 - الاختيارات المنصورية في المسائل الفقهية.

5 - كتاب الفتاوي ، مرتب على كتب الفقه.

6 - الرسالة الحاكمة بالادلة العالمة.

7 - العقيدة النبوية في الاصول الدينية.

8 - الرسالة النافعة بالادلة القاطعة.

9 - الرسالة الناصحة بالادلة الواضحة ، في جزئين ، الاول في اصول الدين والثاني في فضائل العترة الطاهرة.

10 - حديقة الحكم النبوية شرح الاربعين السلفية.

11 - الرسالة الفارقة بين الزيدية والمارقة.

12 - الرسالة الكافية الى أهل العقول الوافية.

13 - الرسالة القاهرة بالادلة الباهرة في الفقه.

14 - الجوهرة الشفافة في جواب الرسالة الطوافة (1).

وغير ذلك من المؤلفات التي جاء ذكرها في كتب السيرة.

كان المترجم يجاهد ويجادل دون دعايته في الامامة ، وله في ذلك مواقف ومجاهدات ، وكان بدء دعوته سنة 593 في شهر ذي القعدة ، وبايعه الناس في ربيع الأول سنة 594 وأرسل دعاته الى خوارزم شاه المتوفي 622 وتلقاهم السلطان بالقبول والاكرام ، واشغل ردحا من الزمن منصة الزعامة في الديار

ص: 29


1- والطوافة رسالة أنشأها رجل متفلسف أشعري مصري تحتوي على نيف وأربعين مسألة في أصول الدين.

اليمنيّة الى أن توفي سنة 614 وكانت ولادته سنة 561 ومن مختار ما رثي به قصيدة ولده الناصر لدين اللّه أبي القاسم محمد بن عبد اللّه.

وفي الحدائق الوردية ترجمة ضافية للمترجم له في ستين صحيفة تحتوي على جملة من كتاباته وخطاباته في دعاياته وجهاده وشطراً وافياً من شعره في مواضيع متنوعة.

ص: 30

علي بن المقرب

المولود سنة 572 والمتوفي 629

قال يرثي الحسين

يا واقفا بدمنة ومربع *** إبكِ على آل النبي أودع

يكفيك ما عانيتَ من مصابهم *** من أن تُبكّى طللاً بلعلع

تُحبّهم قلتَ وتبكي غيرَهم *** إنك فيما قُلتَه لمدّع

أما علمت أن إفراط الأسى *** عليهم علامة التشيع

أقوت مغانيهم فهنّ بالبُكا *** أحقّ من وادي الغضا والأجرع

يا ليت شعري من أنوح منهم *** ومَن له يَنهل فيضُ أدمعي

أللوصي حينَ في محرابه *** عُمّمَ بالسيف ولمّا يَركع (1)

أم للبتول فاطمٍ إذ مُنعت *** عن إرثها الحق بأمرٍ فجُمع

وقولُ مَن قال لها يا هذه *** لقد طلبتِ باطلا فارتدعي

أبوكِ قد قال بأعلى صوته *** مصرّحاً في مجمع فمجمع

ص: 31


1- عن ديوانه المطبوع بمصر سنة 1383 ه- 1963 م.

نحن جميع الأنبياء لا نرى *** أبناءنا لإرثنا من موضع

وما تركناه يكون مغنماً *** فارضي بما قال أبوك واسمع

قالت فهاتوا نحلتي من والدي *** خيرِ الانام الشافع المشفّع

قالوا فهل عندك من بيّنةٍ *** نسمع معناها جميعاً ونعي

فقالت إبنايَ وبعلي حيدر *** أبوهما أبصر به وأسمِع

فأبطلوا إشهادهم ولم يكن *** نص الكتاب عندهم بمقنع

ولم تزل مهضومة مظلومة *** بردِ دعواها ورضّ الاضلع

وأُلحِدت في ليلها لغيضها *** عليهم سرّاً بأخفى موضع (1)

ومنها :

أم للذي أودت به جُعدتهم *** يومئذٍ بكأسٍ سُمٍّ منقع

وإنّ حُزني لقتيل كربلا *** ليس على طول البلى بمقلع

اذا ذكرتُ يومه تحدّرت *** مدامعي لأربع في أربع

يا راكباً نحو العراق جرشعاً *** يُنمى لعبديّ النجار جرشع (2)

إذا بلغتَ نينوى فقف بها *** وقوفَ محزون الفؤاد موجع

والبس إذا اسطعتَ بها ثوب الأسى *** وكلّ ثوبٍ للعزاء المُفجع

فإن فيها للهدى مصارعاً *** رائعةً بمثلها لم يُسمع

فاسفح بها دمعك لا مستبقياً *** في غربه وبح غراماً واجزع

فكلّ دمعٍ ضائع منك على *** غيرِ غريب المصطفى المضيّع

ص: 32


1- هذه القطعة من القصيدة التي تخص الزهراء فاطمة علیهاالسلام رواها صاحب كتاب ( إثباة الهداة ).
2- الجرشع : العظيم من الابل والخيل.

لله يوماً بالطفوف لم يدع *** لمسلم في العيش من مستمتع

يومٌ به اعتلت مصابيح الدجى *** بِعارضٍ من الضلال مُفزع

يومٌ به لم يبق من دعامةٍ *** تشدّ ركن الدين لم تُضعضع

يومٌ به لم يبق من داعية *** تدعو إلى الشيطان لم تُبتدع

يومٌ به لم يبق من غمامة *** تحيى ثرى الاسلام لم تُشيّع

يومٌ به لم تبق قطٌ رايةً *** تهدي إلى ضلالةٍ لم تُرفع

يوم به لم يبق قطّ مارنٌ (1) *** ومعطسٌ للحق لم يَنجدع

يوم به لم تبق من وسيلة *** حقاً لآل المصطفى لم تُقطع

يوم به الكلب الدريع يَعتدي *** على هزبر الغابة المُدرّع

يوم به غودرَ سبطُ المصطفى *** للعاسلات والسباع الخُمّع

لهفى له يدعو الطعان مُعلناً *** دعاءَ مأمون الفرار أروع

يقول يا شر الأنام أنتم *** أكفر من عاد وقوم تُُبّع

كاتبتموني بالمسير نحوكم *** وقلتم خُذ في المسير أودع

فنحن طوعٌ لك لم ننس الذي *** لكم من العهد ولم نُضيّع

حتى إذا جئت لما يُصلحكم *** من إرث جدي وذراريه معي

لقيتموني بسيوفٍ في الوغى *** منتضياتٍ ورماحٍ شُرّع

هل كان هذا في سجلاتكم *** يا شر مرأى للورى ومسمع

هل لكم في أن تفوا ببيعتي *** أن تسمحوا لي عنكم بمرجع

قالوا له هيهات ذاك إنه *** مالك في سلامةٍ من مطمع

بايع يزيداً أو ترى سيوفنا *** هامكم يقعنَ كل موقع

فعندها جرّد سيفاً لم يضع *** نجاده منه بأيّ موضع

ص: 33


1- المارن : الانف أو طرفه أو ما لان منه. والمعطس : الانف أيضاً ، وجدع الانف قطعه وهو كناية عن القهر والارغام.

وعاث في أبطالهم حتى اتّقى *** من بأسه الحاسر بالمقنّع

وحوله من صحبه كل فتى *** حامي الذمار بطلٍ سَميدع

كم غادرٍ غادره مجدّلاً *** والخيل تردى والكماة تَدّعي

حتى رماه الرجس شُلت يدُه *** عن بارع الرمية صُلبِ المنزع

فخرّ والهفا له كأنما *** عليه ردع أو خَلوقٌ أودع (1)

من بعد أن لم يبق من أنصاره *** غيرُ طعام أنسُرٍ وأضبعِ

ثَمَتّ مالوا للخيام مَيلةً *** قالت لركن الدين إيهاً فقع

ضرباً ونهباً وانتهاك حرمةٍ *** وذبحُ أطفالٍ وسلب أذرعِ

لقد رأوا في الفكر تعساً لهم *** راي قُدارٍ (2) رأيهم فيصدع

وأين عَقر ناقة مما جَنوا *** يا للرجال للفعال الأشنع

ما مثلها في الدهر من عظيمة *** لقد تعدّت كل أمر مفظع

تسبى ذراري المصطفى محمد *** رضاً لشانيه الزنيم الأوكع

يا لهف نفسي للحسين بالعرا *** وقد أقيم أهله بجعجع

لهفي لمولاي الشهيد ظامئاً *** يذاد عن ماء الفرات المترع

لم تسمح القوم له بشربةٍ *** حتى قضى بغلّةٍ لم تنقع

لهفي له والشمر فوق صدره *** لحَيَنِ أوداج وهشم أضلع

لهفي له ورأسه في ذابل *** كالبدر يَزهى في أتمّ مطلع

لهفي لثغر السبط إذ يقرعه *** مَن سيودُ أنه لم يَقرع

يا لهف نفسي لبنات أحمدٍ *** بين عطاش في الفلا وجُوّع

يُسقن في ذل السبا حواسراً *** إلى الشام فوق حسرى ضُلّع

ص: 34


1- الردع : الزعفران أو لطخ من الدم. والخلوق ضرب من الطيب.
2- قدار اسم امرأة سعت في عقر ناقة النبي صالح.

يقدمهنّ الرأس في قناته *** هديّةً إلى الدعي ابن الدعي

يندبن يا جداه لو رأيتنا *** نُسلَبُ كل مِعجرٍ وبُرقع

نُهدى الى الطاغي يزيدَ لُعَناً *** شعثاً بأسوا حالةٍ وأبدع

يَحدي بنا حادٍ عنيفٌ سيره *** لو قيل إربع ساعةً لم يَربع

يتعبنا السير فيستحثّنا *** إذا تخلّفنا بضربٍ موجع

ولو ترى السجاد في كبوله *** يضرب ضرب النعم المسلّع

يعزز عليك جدّنا مقامنا *** ومصرعٌ في الطف أيُ مصرع

استأصلوا رجالنا وما اكتفوا *** بسبي نسوانٍ وذبحُ رضع

ثم يَصحن يا حسيناه أما *** بعد فراق اليوم من تجمّع

خلفتنا بعدك وقفاً مُحجَراً *** على الحنين والنوى والجزع

واعجباً للأرض كيف لم تسخ *** وللسماء كيف لم تُزعزع

فلعنة الرحمن تغشى عصبةً *** غزتهم وعصبة لم تَدفع

يا آل طه أنتم وسيلتي *** عند الإله وإليكم مفزعي

واليتكم كيما أكون عندكم *** تحت لواء الأمن يوم الفزع

وإن منعتم مَن يوالي غيركم *** إن يرد الحوض غداً لم أُمنَع

إليكم نفثة مصدور أتت *** من مصقعٍ ندب وأيّ مصقع

مقربيّ عربيٌ طبعه *** ونجره ، وليس بالمدرّع

يُنمى الى البيت العيونيّ إلى *** أجل بيتٍ في العلى وأرفع

عليكم صلى الإله وسقى *** أجداثكم بكل غيث مُمرع

أقول وهذه القصيدة ذكر قسماً من أبياتها السيد الامين في الجزء 41 من أعيان الشيعة ورواها عن كتاب ( مطلع البدور ومجمع البحور ) لصفي الدين احمد بن صالح بن أبي الرجال.

ص: 35

علي بن المقرب الاحسائي

توفي سنة 629 وله ديوان شعر مطبوع. ذكره صاحب أنوار البدرين قال : ومن أدبائها البلغاء وامرائها النبلاء الامير علي بن مقرب الاحسائي ينتهي نسبه الى عبد اللّه بن علي بن ابراهيم العيوني الذي ازال دولة القرامطة لذلك قال في بعض قصائده

سل القرامط من شطى جماجمهم *** طراً وغادرهم بعد العلا خدما

وما بنوا مسجداً لله نعلمه *** بل كلما وجدوه قائما هدما

له شعر كثير في أهل البيت علیهم السلام وفي الحسين علیه السلام خاصة منها المرثية في نظم مقتل الحسين (عليه السلام) ومنها القصيدة المشهورة التي أولها

من أي خطب فادح نتألم *** ولأيّ مرزية ننوح ونلطم

وقال الحر العاملي في ( أمل الامل ) : الامير الكبير علي بن مقرب ، عالم فاضل جليل القدر شاعر أديب ، له ديوان شعر كبير حسن ، فمن شعره قوله يا واقفا بدمنة ومربع. القصيدة

اقول : ذكره السيد الأمين في الأعيان في ثلاثة مواضع

ص: 36

1 - الجزء 41 ص 327 وقال : هو من آل عيون أمراء الاحساء ، توفي في حدود سنة 651 ومن شعره قوله

خذوا عن يمين المنحنى أيها الركبُ *** لنسأل ذاك الحي ما فعل السرب

2 - الجزء 42 ص 164 وقال : كان المترجم أديبا فاضلا ذكيّا أبيّاً شاعراً مصقعاً من شعراء أهل البيت ومادحيهم المتجاهرين ، اذا النفس الأبيّة والأخلاق المرضية والشيم الرضية ، وقد كشف جامع ديوانه وشارحه كثيراً من أحواله بتفصيله وإجماله ثم ذكر أبياتاً من قصيدته التي أولها

من أيّ خطب فادح نتألّم *** ولأي مرزية ننوح ونلطم

وفي نظمه الحماسة والأمثال الجيدة مع البلاغة المستحسنة ، وقد أصابته من بني عمه نكبات أوجبت له تجشم الغربات.

3 - الجزء 56 ص 3 وقال : نشرتُ له ترجمة موجزة في الجزء الواحد والاربعين ثم نشرت له ترجمة أكثر تفصيلا في الجزء الثاني والاربعين ولكن وقع خطأ في تاريخ وفاته ، ونضيف هنا الى ما في الجزء الثاني والاربعين ما جاء في كتاب : ( ساحل الذهب الاسود ) وقد جعل تاريخ وفاته سنة 629 نظم الشعر في سنّ مبكرة وهو لا يتجاوز العاشرة من العمر وقضى أيام شبابه بالاحساء ، وكان طموحاً للملك وقد شاهد بأم عينه مدى التناحر والانشقاق في الأسرة العيونية وطمع كل امير في الاستئثار بالملك حتى تجزأت بلاد البحرين الى امارات بين أسرته وظلّ كل امير يثب على ابن عمه او اخيه فيقاتله او يقتله. وقد اصاب الشاعر شيء من هذه المحنة فصادر ابو المنصور املاكه وسجنه ، ولما اطلق سراحه غادر الاحساء الى بغداد ، وحين تولّى محمد بن ماجد عاد الى مسقط رأسه فمدحه أملاً منه في استرجاع أملاكه فماطل في وعده ووشى به بعض الحساد من جلساء الأمير فخاف الشاعر على نفسه

ص: 37

فغادرها الى القطيف ولبث فيها فترة مدح اميرها الفضل بن محمد دون جدوى ، ثم عاد اخيراً الى الاحساء أملاً منه في اصلاح الوضع فلما يئس غادرها الى الموصل حيث مدح اميرها بدر الدين بقصائد كما هجاه اخيراً إذ لم يصل منه الى غاياته - وكان هذا الأمير مملوكا أرمنيّا ، فمما قال فيه

تسلّط بالحدباء عبد للؤمه *** اذا ايقظته لفظة عربيّة بصير

إذا ايقظته لفظة عربيّة *** الى المجد قالت ارمنيّته نَم

أقول وكتب عنه الدكتور مصطفى جواد في مجلة البلاغ الكاظمية العدد الثاني من السنة الاولى ص 15 تحت عنوان : شعراء منسيون من محبي آل البيت علیهم السلام فقال :

كمال الدين علي بن مقرب العيوني من قرية العيون بالبحرين وبها ولد سنة 572 ولكنه طوّف في بلاد العرب ووزع شعره بينها ومدح الخلفاء والملوك والامراء والكبراء والعلماء بشعره العربي الناصع العروبة البدوي اللّهجة المفعم كياسة وحماسة.

قدم ابن المقرب بغداد وأقام بها سنة 610 وسنة 614 وسمع الرواة والادباء عليه شعره أو كثيراً منه ، وكانت ولادته بالاحساء من البحرين وتوفي بالبحرين في المحرم سنة 631 وكان لبداوته يعقد القاف كافا فيقول ( الكلب ) بدلا من القلب

أقول وذكر قسما من قصيدته التي أولها

يا باكيا لدمنة في مربع *** ابكِ على آل النبي أودع

واللّه ما تكذيبهم لفاطم *** والحسنين والإمام الانزع

بل للنبي والكتاب والذي *** أنزله لوحيه الممتنع

ص: 38

وقال ، وهي مما قاله بالاحساء.

إلى مَ انتضاري أنجمَ النحس والسعد *** وحتى م صمتي لا أُعيد ولا أُبدي

لقد ملّ جنبي مضجعي من إقامتي *** وملّ حسامي من مجهاورة الغمد

ولَجّ نجيبي في الحسين تشوّقاً *** إلى الرحل والأنساع والبيد والوخد

واقبل بالتصهال مهري يقول لي *** أأبقى كذا لا في طراد ولا طرد

لقد طال إغضائي جفوني على القذى *** وطال امترائي الدر من بُحُر جُدّ

عذوليّ جوزا بي فليس عليكما *** غواي الذي أغوى ولا لكما رشدي

أجدّكما لا أبرح الدهر تابعاً *** وعندي من الغرم الهماميّ ما عندي

أمثلي مَن يعطى مقاليد أمره *** ويرضى بأن يُجدى عليه ولا يُجدي

إذا لم تلدني حاصنٌ وائليّة *** مقابلة الآباء منجبة الولد

خئولتها للحوفزان وتنتمي *** إلى الملك الوهّاب مسلمة الجعد

يظن نحولي ذو السفاهة والغبا *** غراماً بهندٍ واشتياقاً الى دعد

ص: 39

ولم يدر أني ماجدٌ شفّ جسمه *** لقاءُ همومٍ خيلها أبداً تردي

قليل الكرى ماض على الهول مقدم *** على الليل والبيداء والحرّ والبردِ

عدمتُ فؤاداً لا يبيتُ وهمّه *** كرام المساعي وارتقاءٌ الى المجد

لعمري ما دعدٌ بهمى وإن دنت *** ولا لي بهندٍ من غرام ولا وجد

ولكنّ وجدي بالعلا وصبابتي *** لعارفةٍ اسدى ومكرمةٍ أجدي

إلى كم تقاضاني العلا ما وعدتها *** وغير رضاً إنجازك الوعد بالوعد

وكم أندب الموتى واسترشح الصفا *** وأستنهض الزمنى وأعتان بالرمد

وأمنح سعي والمودة معشراً *** أحقّ بمقتٍ من سواعٍ ومن وَدّ (1)

الى اللّه أشكو عثرةً لو تدوركت *** بتمزيق جلدي ما أسفت على جلدي

مديحى رجالاً بعضهم أتقى به *** أذاه وبعضاً للمراعاة والودّ

فلا الودّ كافي ذا ولا ذا كفى الاذى *** ولا نظروا في باب ذم ولا حمد

ص: 40


1- اسمان لصنمين من اصنام الجاهلية.

فكيف بهم لو جئتهم متشكياً *** خصاصة أيامي وسمتهُم رفدي

فكنت وإهدائي المديح إليهم *** كغابط أذناب المهلّبة العقد

وقائله هوّن عليك فإنها *** متاع قليل والسلامة في الزهد

فإن علت الروس الذنابى لسكرةٍ *** من الدهر فاصبر فهو سكرٌ الى حدّ

فقد تملك الانثى وقد يلثم الحصى *** ويتّبع الاغوى ويُسجد للقرد

ويعلو على البحر الغثاء ويلتقى *** على الدر أمواج تزيد على العد

وكم سيدٍ أمسى يُكفّر طاعةً *** لأسود لا يزجى لشكمٍ ولا شكد

ولا بد هذا الدهر من صحو ساعةٍ *** يبين لنا فيها الضلال من القصد

فقلت لها : عني إليك فقلّما *** يعيش الفتى حتى يوسدّ في اللحد

أبى اللّه لي والسوددان بأن أرى *** بأرضٍ بها تعدو الكلاب على الاسد

ألم تعلمى أن العتوّ نباهةٌ *** وأن الرضا بالذل من شيمة الوغد

وأن مداراة العدو مهانة *** إذا لم يكن من سكرة الموت من بُد

أأرضى بما يرضى الدنيّ وصارمى *** حسامٌ وعزمي عزم ذي لُبدة ورد

سأمضي : على الأيام عزم ابن حرةٍ *** يُفدّى بآباء الرجال ولا يُفدى

فإن أدرك الامر الذي أنا طالب *** فياجد مستجدٍ ويا سعد مستعد

وإن اخترم من دون ما أنا آمل *** فيا خيبة الراجي ويا ضيعة الوفد

ص: 41

وإني من قوم يبين بطفلهم *** لذى الحدس عنوان السيادة في المهد

فإن لم يكن لي ناصر من بني أبي *** فحزمى وعزمى يغنيان عن الحشد

وإن يدرك العليا همامٌ بقومه *** فنفسي تناجيني بادراكها وحدي

وإني لبدر ريع بالنقص فاستوى *** كمالاً وبحر يعقب الجزر بالمد

إذا رجفت دار العدو مخافتي *** فلا تسألاني عن سعيدٍ ولا سعد

فآه لقومي يوم أصبح ثاوياً *** على ماجد يحيى مكارمهم بعدي

وإني في قومي كعمرو بن عامر *** ليالي يعصى في قبائله الازد

أراهم أمارات الخراب وما بدا *** من الجرذِ العيّاث في صخرها الصلد

فلم يرعووا مع ما لقوا فتمزقوا *** أيادي سبا في الغور منها وفي النجد

وكم جرذٍ في أرضنا تقلع الصفا *** وتقذف بالشم الرعان على الصمد

خليليّ ما دار المذلة فاعلما *** بداري ولا من ماء أعدادها وردي

ولا لي في أن أصحب النذل حاجة *** لصحة علمي أنه جربٌ يعدي

أيذهب عمري ضلّة في معاشر *** مشائيم لا تُهدى لخير ولا تَهدي

سهادهم فيما يسوء صديقهم *** وأنوَمَ عن غمّ العدو من الفهد

اذا وعدوا الأعداء خيراً وفوا به *** وفاء طغام الهند بالنذر للبد

وشرهم حق الصديق فإن هذوا *** بخير له فلينتظر فتحة السد

ستعلم هند أنني خير قومها *** وأني الفتى المرجو للحل والعقد

وأني إذا ما جلّ خطب وردته *** بعزمة ذي جد وإقدام ذي جد

وأن أيادي القوم أبسطها يدي *** وإن زناد الحي أثقبها زندي

ص: 42

وأني متى يدعى إلى البأس والندى *** فأحضرها نصري وأجزلها وردي

وأن كرام القوم لا نُهز العدى *** ليوجعها عتبى ويؤلمها فقدي (1)

وقال :

غداً نغتدي للبين أو نتروّح *** وعند النوى يبدو الغرامُ المبرّح

غداً تقفز الأطلل ممن نودّه *** ويمسي غراب البين فيها ويصبح

غداً تذهب الأظعان يمنى ويسرةً *** ويحدو تواليها نجاح ومنجح

فيا باكياً قبل النوى خشية النوى *** رويداً بعين خفنها سوف يقرح

ولا تعجلن واستبق دمعك إنني *** رأيت السحاب الجون بالقطر ينزح

إذا كنت تبكي والأحبة لم يرد *** ببينهم إلا حديثٌ مطوّح

فكيف إذا ما أصبحت عين مالك *** وحبل الغضا من دونهم والم سيّح

فكف شئون الدمع حتى تحثّها *** غداً ثم تهمي كيف شاءت وتسفح

خليليّ هُبّا من كرى النوم وانظرا *** مخائل هذا البرق من حيث يلمح

لقد كدتُ مما كاد أن يستفزني *** أبوح بسري في الهوى وأصرّح

ذكرت به ثغر الحبيب وحسنه *** إذا ما تجلى ضاحكاً وهو يمرح

ويا حبذا ذاك الجبين الذي غدا *** يلوح عليه الزعفران المذرّح

[ فكم ليلةٍ قد كاد يخطف ناظري *** ونحن بميدان الدعابة نمرح (2)

ص: 43


1- عن الديوان المطبوع.
2- عن الديوان ص 130.

عبد الرحمن الكتاني

وفاته 635

بدر الدين عبد الرحمن الكتاني العسقلاني كان في بغداد فجاء مطر كثير يوم عاشوراء - وكان فصل الصيف فقال :

مطرت بعاشورا وتلك فضيلة *** ظهرت فما للناصبي المعتدي

واللّه ما جاد الغمام وإنما *** بكت السماء لرزء آل محمد (1)

ص: 44


1- رواها ابن شاكر في فوات الوفيات وفريد وجدي في دائرة معارف قرن العشرين.

عبد الرحمن بن ابي القاسم بن غنائم بن يوسف ، الاديب ، بدر الدين الكتاني العقلاني ، بن المسجف ، الشاعر.

قال ابن شاكر في فوات الوفيات ج 1 ص 537.

ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة خمس وثلاثين وستمائة. وكان اديباً ظريفاً خليعاً ، وتوفي فجأة وكان بدر الدين يتجر ، وله رسوم على الملوك واكثر شعره في الهجو فمن شعره قوله :

يا رب كيف بلوتني بعصابة *** ما فيهم فضل ولا إفضال

تمنافري الاوصاف يصدق فيهم *** الهاجي وتكذب فيهم الآمال

غطّى الثراء على عيوبهم وكم *** من سوء غطّى عليها المال

جُبَنا اذا استنجدتهم لملمّة *** لؤما اذا استرفدتهم بُخّال

فوجوههم غرف على أموالهم *** وأكفّهم من دونها أقفال

هم في الرخاء اذا ظفرت بنعمة *** آل وهم عند الشدائد آل (1)

وفي دائرة معارف فريد وجدي مادة ( سجف ) هو عبد الرحمن بن القاسم ابن غنائم بن يوسف قال : القوصى في معجمه :

كان الشريف شهاب الدين بن الشريف فخر الدولة ابن ابي الحسن الحسيني رحمه اللّه تعالى لما ولاه السلطان الناصر الكتابة على الطالبيين من الأشراف

ص: 45


1- آل الأول أصله اهل ، وآل الثاني هو السراب الذي تراه وسط النهار فتحسبه ماء وليس بماء.

اجتمع في داره ليهنئه جماعة الولاة والقضاة والصدور وسألني الجماعة إنشاء خطبة تقرأ أمام قراءة المنشور فذكرت خطبة على البديهة جمعت فيها بين أهل البيت علیهم السلام وبين شكر السلطان على توليته وما أولاه من الاحسان ، فحضر بدر الدين بن المسجف رحمه اللّه تعالى المجلس وأنشد هذه الأبيات لنفسه :

دار النقيب حوت بمن قد حلّها *** شرفاً يقصّر عن مداه المطنب

أضحت كسوق عكاض في تفضيلها *** وبها شهاب الدين قسّ يخطب

الفاضل القوصي أفصح مَن غدا *** عن فضله في العصر يعرب معرب

ومن شعره يمدح ابا الوفاء راجح الاسدي :

يقولون لي ما بال حظك ناقصاً *** ردى راجح رب الشهامة والفضل

فقلت لهم إني سمي ابن ملجم *** وذلك اسم لا يقوله به ( حِلي ) (1)

وقال يمدح الكمال القانوني :

لو كنتَ عاينتَ السرور وجسّه *** أوتار قانون له في المجلس

لرأيت مفتاح السرور بكفّه *** اليسرى وفي اليمنى حياة الانفس

وقال :

ولد مدحتهم على جهل بهم *** وظننت فيهم للصنيعة موضعا

ورجعت بعد الاختبار أذمّهم *** فأضعتُ في الحالين عمري أجمعا

ص: 46


1- نسبة الى الحلة السيفيّة وهو يشير الى أن أهل الحلة شيعة فهم لا يسمون عبد الرحمن.

وذكر له جملة من الأهاجي أعرضنا عنها.

تعليق على البيتين الاولين في بكاء السماء.

تواتر النقل ببكاء المخلوقات لمقتل الحسين بن علي علیه السلام قال ابن عساكر في تاريخه : لم تبك السماء على احد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي ، وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة كثيرا في هذا الباب ، منها ما رواه باسناده عن امير المؤمنين علي علیه السلام وقد مرّ بكربلا. فقال : ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.

واخرج الحافظ ابو نعيم في كتابه ( دلائل النبوة ) وأورده ابن حجر في صواعقه باسناده ، قالت نصرة الازدية لما قتل الحسين ابن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملؤة دما.

وقال ابن حجر في الصواعق : ومما ظهر يوم قتله من الآيات أيضاً أن السماء اسودت اسوداداً عظيما حتى رؤيت النجوم نهاراً.

قال ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وعن الثعلبي ان السماء بكت وبكاؤها حمرتها. وعن ابن سعد ان هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله. والى ذلك يشير ابو العلاء المعري بقوله

وعلى الدهر من دماء الشهيدين *** علي ونجله شاهدانِ

ثبتا في قميصه ليجيء الشر *** مستعدياً الى الرحمن

فهما في أواخر الليل فجران *** وفي أوليائه شفقان

وقال عبد الباقي العمري في ملحمته

ص: 47

قضى الحسين نحبه وما سوى اللّه *** عليه قد بكى وانتحبا

وقال الحاج جواد بدكت من قصيدة

بكت السماء دماً ولم تبرد به *** كبدٌ ولو أن النجوم عيون

وذكر الشيخ يوسف البحراني في الكشكول عن كتاب ( زهر الربيع ) قال : ذكر بهاء الملة والدين نوّر اللّه مرقده ان أباه الحسين بن عبد الصمد رحمه اللّه وجد في مسجد الكوفة فص عقيق مكتوب عليه

انا درٌ من السما نثروني *** يوم تزويج والد السبطين

كنت أصفى من اللجين بياضا *** صبغتني دماء نحر الحسين

ووجد حجر آخر مكتوب فيه

حمرتي ذي من دماء قد *** أُريقت نصب عين

انا من أحجار أرضٍ *** ذبحوا فيها الحسين

قال علي أحمد الشهيدي في كتابه ( أبو الدنيا )

ان السماء مطرت دماً أحمراً أدهش سكانها إدهاشا عظيماً بل ادهش ( ايطاليا ) باسرها عندما شاع الخبر بأن السماء أمطرتهم مياهاً دموية وذلك في بلدة ايطاليا اسمها ( سينيادي ) بتاريخ 15 مايو سنة 1900.

اقول وعند رجوعي الى كتاب التوفيقات الالهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الافرنكيّة والقبطية لمؤلفة اللواء المصري محمد مختار باشا مأمور الخاصة الخديوية الجليلة ، والمطبوع بالمطبعة الميرية ببولاق مصر سنة 1311 هجرية.

اقول عند رجوعي للكتاب المذكور وجدت ان هذه السنة التي مطرت

ص: 48

المساء فيها دماً تتفق في محرم الحرام الذي استشهد فيه سيد الشهداء أبو عبد اللّه الحسين بن علي علیه السلام .

وفي كتاب ( أبو الدنيا ) : ان الاستاذ ( بالاتسو ) العالم الايطالي الشهير اهتم كثيراً بفحص ذلك المطر فحصاً كيمياوياً فاتضح له ان الدم الذي سقط مع المطر هو من دماء الطيور ، ناسباً حصول ذلك لاحتمال وجود أسراب كثيرة من الطيوركانت محلّقة في الجو فصدمتها بعض الزوابع الشديدة فهصرت بعضها حتى تقطر دمها فسقط مع المطر على الأرض فأوجد ما أوجده من ذلك الاندهاش.

أقول : هذا تعليل بارد لا يؤيده العلم ولا يقبله الذوق ولم يرو التأريخ ما يشابهه وانما الصحيح أنها آية سماوية تنبئ بعظم الفاجعة الكبرى التي حلّت بعترة الرسول والحادثة الدامية التي قلّ ما شهد التاريخ لها نظيراً في فظايعها وفجايعها.

فحقيق بأن يظهر اللّه تعالى من المخاوف والقوارع ما فيه عظة وعبرة للخلق ليعتبر بها المعتبرون يقول السيد الشريف الرضي في مقصورته

كيف لا يستعجل اللّه لهم *** بانقلاب الارض أو رجم السما

لو بسبطى قيصر أو هرقل *** فعلوا فعلَ يزيد ما عدا

ص: 49

محمد بن طلحة الشافعي

المتوفي 652

الا أيها العادون إن أمامكم *** مقام سؤال والرسول سؤلُ

وموقف حكم والخصوم محمد *** وفاطمة الزهراء وهي ثكول

وإن علياً في الخصام مؤيّدٌ *** له الحق فيما يدّعي ويقول

فماذا تردّون الجواب عليهم *** وليس إلى ترك الجواب سبيل

وقد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم *** ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

ولا يرتجي في ذلك اليوم شافع *** سوى خصمكم والشرح فيه يطول

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه *** فإن له نار الجحيم مقيل

وكان عليكم واجباً في اعتمادكم *** رعايتهم أن تحسنوا وتنيلوا

فإنهم آل النبي وأهله *** ونهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرةٌ *** لها غرر مجلوّةٌ وحُجول

مناقب جلّت أن تحاط بحصرها *** فمنها فروع قد زكت وأصول

مناقب من خلق النبي وخُلقا *** ظهرن فما يغتالهنّ أفول

ص: 50

كمال الدين الشافعي المتوفي سنة 652

ابو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبيني الشافعي المفتي الرحّال ، كان اماماً في الفقه الشافعي بارعاً في الحديث والاصول ، مقدماً في القضاء والخطابة ، له تاليف منها كتاب ( مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ) قال الشيخ الأميني في الجزء الخامس من الغدير : ولد المترجم سنة 582 كما في طبقات السبكي وشذرات الذهب وتوفي بحلب في 17 رجب سنة 652.

سمع الحديث بنيسابور عن ابي الحسن المؤيد بن علي الطوسي ، وحدّث بحلب ودمشق وبلاد كثيرة ، وروى عنه الحافظ الدمياطي ، ومجد الدين بن العديم قاضي القضاة ، وفقيه الحرمين الكنجي.

أقام بدمشق في المدرسة الامينية ، وفي سنة 648 كتب الملك الناصر المتوفي 655 صاحب دمشق تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصلّ فلم يقبل منه ، فتولاها بدمشق يومين كما في طبقات السبكي ، وتركها وانسلّ خفية وترك الأموال الموجودة وخرج عما يملك من ملبوس ومملوك وغيره ، ولبس ثوباً قطنيّاً وذهب فلم يُعرف موضعه.

وتولّى في ابتداء أمره القضاء بنصيبين ، ثم قضاء مدينة حلب ، ثم ولي خطابة دمشق ، ثم لما زهد حجّ فلما رجع أقام بدمشق قليلاً ثم سار الى حلب فتوفى بها.

بعض تآليفه :

ص: 51

1 - الدر المنظم في اسم اللّه الاعظم.

2 - مفتاح الفلاح في اعتقاد أهل الصلاح.

3 - كتاب دائرة الحروف.

4 - مطالب السؤل في مناقب آل الرسول ، طبع اكثر من مرّة ، قال معاصره الاربلي في كشف الغمة ص 17 : مطالب السؤل في مناقب آل الرسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة وكان شيخاً مشهوراً وفاضلاً مذكوراً ، أظنه مات سنة أربع وخمسين وستمائة ، وحاله في ترفعه وزهده وتركه وزارة الشام وانقطاعه ورفضه الدنيا حال معلومة قرب العهد بها ، وفي انقطاعه عمل هذا الكتاب وكتاب الدائرة ، وكان شافعي المذهب من اعيانهم ورؤسائهم.

وفي كتاب ( أعلام العرب ) : هو أحد الصدور الرؤساء والعلماء الأدباء ولد سنة 582 ه- بالعمرية من قرى نصيبين وطلب العلم ورحل من أجله وبلغ نيسابور وتفقه فبرع في علم الفقه والاصول والخلاف فكان إماماً في القضاء والخطابة متضلعاً في الأدب والكتابة اقول وذكره الصفدي في الوافي بالوفيات وعدد سجاياه وحسن سيرته.

ومن شعره في الامام امير المؤمنين كما جاء في مؤلفه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول.

أصخ واستمع آيات وحيٍ تنزّلت *** بمدح إمام بالهدى خصّه اللّه

ففي آل عمران المباهلة التي *** بانزالها أولاه بعض مزاياه

وأحزاب حاميم وتحريم هل أتى *** شهود بها أثنى عليه فزكّاه

وإحسانه لما تصدّق راكعاً *** بخاتمه يكفيه في نيل حسناه

ص: 52

وفي آية النجوى التي لم يفز بها *** سواه سنا رشد به تَمّ معناه

وأزلفه حتى تبوأ منزلاً *** من الشرف الأعلى وآتاه تقواه

وأكنفه لطفاً به من رسوله *** بوارق أشفاق عليه فربّاه

وأرضعه اخلاف اخلاقة التي *** هداه بها نهج الهدى فتوخّاه

وانكحه الطهر البتول وزاده *** بأنك منّي يا عليّ وآخاه

وشرّفه يوم « الغدير » فخصه *** بأنك مولى كل مَن كنتُ مولاه

ولو لم يكن إلا قضية خيبر *** كفت شرفاً في ما ثرات سجاياه

ومن شعره الذي ذكره في مطالب السؤل قوله :

رويدك إن أحببت نيل المطالب *** فلا تعدُ عن ترتيل أي المناقب

مناقب آل المصطفى المهتدى بهم *** إلى نعم التقوى ورُغى الرغائب

مناقب آل المصطفى قدوة الورى *** بهم يبتغي مطلوبه كل طالب

مناقب تجلى سافرات وجوهها *** ويجلو سناها مدلهمّ الغياهب

عليك بها سراً وجهراً فإنها *** يحلّك عند اللّه أعلى المراتب

وخذ عند ما يتلو لسانك آيها *** بدعوة قلبٍ حاضرٍ غير غائب

لمن قام في تأليفها واعتنى به *** ليقضي من مفروضها كل واجب

عسى دعوة يزكو بها حسناته *** فيحظى من الحسنى بأسنى المواهب

فَمن سأل اللّه الكريم أجابه *** وجاوره الإقبال من كل جانبِ

وقوله :

هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحيِ وإنزال

مناقب في الشورى وسورة هل اتى *** وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

ص: 53

وهم اهل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروض بحكم وإسجال

فضايلهم تعلو طريقة متنها *** رواةٌ عَلوا فيها بشدِّ وترحال

ومن شعره في العترة الطاهرة قوله :

يا رب بالخمسة أهل العبا *** ذوي الهدى والعمل الصالح

ومَن هم سفن نجاة ومَن *** واليهم ذو متجرٍ رابح

ومَن لهم مقعد صدقٍ إذا *** قام الورى في الموقف الفاضح

لا تخزني واغفر ذنوبي عسى *** اسلم من حرّ لظى اللافح

فانني ارجو بحبي لهم *** تجاوزاً عن ذنبي الفادح

فهم لمن والاهم جُنّة *** تنجيه من طائره البارح

وقد توسّلت بهم راجيا *** نُجح سؤال المذنب الطالح

لعله يحظى بتوفيقه *** فيهتدي بالمنهج الواضح

ص: 54

ابن ابي الحديد المعتزلي

المتوفي 655

ولقد بكيتُ لقتل آل محمد *** بالطف حتى كل عضو مدمع

عقرت بنات الأعوجية هل درت *** ما يستباح به وماذا يصنع

وحريم آل محمد بين العدى *** نهبٌ تقاسمه اللئام الوضّع

تلك الظعائن كالإماء متى تسق *** يعنف بهنّ وبالسياط تقنّع

فمصفّد في قيده لا يفتدى *** وكريمة تسبى وقرط يُنزع

تاللّه لا أنسى الحسين وشلوه *** تحت السنابك بالعراء موزّع

متلفعا حمر الثياب وفي غد *** بالخضر من فردوسه يتلفّع

تطأ السنابك جوفه وجبينه *** والأرض ترجف خيفة وتضعضع

والشمس ناشرة ذوائب ثاكل *** والدهر مشقوق الرداء مقنّع

لهفي على تلك الدماء تراق في *** أيدي طغاة أمية وتضيّع

ص: 55

وفي روضات الجنات للسيد الخونساري

الشيخ الكامل الاديب المؤرخ عز الدين عبد الحميد بن أبي الحسين محمد بن محمد ابن الحسين بن ابي الحديد المدايني الحكيم الاصولي المعتزلي المعروف بابن ابي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة المشهور ، وهو من أكابر الفضلاء المتتبعين وأعاظم النبلاء المتبحرين مواليا لأهل بيت العصمة والطهارة وإن كان في زي أهل السنة والجماعة ، منصفا غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين ومعترفاً في ذلك المصاف بأن الحق يدور مع والد الحسنين ، وهو بين علماء العامة بمنزلة عمر بن عبد العزيز الأموي بين خلفائهم فكما ورد في حديث الشيعة انه يحشر يوم القيمة أمة واحدة فكذلك يبعث هذا الرجل انشاء اللّه بهيئته على حده ، وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين وعلوّه في ولاية أمير المؤمنين شرحه الشريف الجامع لكل نفسية وغريب والحاوي لكل نافحة ذات طيب ، من الأحاديث النادرة والاقاصيص الفاخرة والمعارف الحقانية والعوارف الايمانية وكذلك الكلمات الالف التي جمعها من أحاديث أمير المؤمنين (عليه السلام) وألحقها بشرحه المذكور المتين والقصائد السبع التي أنشدها في فضائله ومدائحه وأشير فيما سبق الى ذكر بعض من شرحها من العلماء الاعلام وذكر بعض متأخري علمائنا الاماجد أن شرح ابن أبي الحديد على مذاق المتكلمين مع ضغث من التصوف وضغث من الحكمة ، وشرح الميثم على مذاق الحكماء وأهل العرفان ، وشرح الميرزا علاء الدين الحسيني الاصفهاني الملقب بكلستانة على مذاق الاخباريين ، وقال أيضا أن ابن ابي الحديد متكلم كتب على طرز الكلام وابن ميثم حكيم كتب على قانون الحكمة وكثير ما يسلط يد التأويل

ص: 56

على الظواهر حتى فيما لا مجال للتأويل فيه وابن أبي الحديد مع تسننه قد يتوهم من شرحه تشيعه وابن ميثم ، بالعكس انتهى ، وظاهر كثير من أهل السنة أيضاً انكار تسنن الرجل رأساً بعد تشبث الشيعة في اسكاتهم والالزام عليهم بكلماته المقيدة واضافاته المجيدة واعترافاته المكررة الحميدة ، هذا وقد ذكره الشيخ ابو الفضل عبد الرزاق بن احمد ابن محمد بن ابي المعالي الشيباني الغوطي الاديب المؤرخ المشهور بنسبه الذي تصدر به العنوان الى قولنا الاصولي ثم قال بعد ذلك : كان من اعيان العلماء الافاضل وأكابر الصدور والاماثل حكيماً فاضلاً وكاتباً كاملاً عارفاً باصول الكلام يذهب مذهب المعتزلة وخدم في الولايات الديوانية والخدم السلطانية وكان مولده في غرة ذي الحجة سنة ست وثمانين وخسمائة واشتغل وحصّل وصنف والف فمن تصانيفه شرح نهج البلاغة عشرين مجلداً وقد احتوى هذا الشرح على ما لم يحتوِ عليه كتاب من جنسه ، صنفه لخزانه كتب الوزير مؤيد الدين بن محمد بن العلقمي رضی اللّه عنه ولما فرغ من تصنيفه انفذه على يد اخيه موفق الدين ابي المعالي فبعث له بمائة الف دينار وحلعة سنيّة وفرش ، فكتب الى الوزير هذه الابيات :

ايا رب العباد رفعتَ ضبغى *** وطلت بمنكبي وبللتَ ريقي

وزيغ الاشعري كشفتَ عني *** فلم اسلك بمعوج الطريق

أُحبّ الاعتزال وناصريه *** ذوي الالباب والنظر الدقيق

واهل العدل والتوحيد اهلي *** نعم وفريقهم ابداً فريقي

وشرح النهج لم ادركه إلا *** بعونك بعد مجهدة وضيق

تمثل ان بدأت به لعيني *** أشمّ كذروة الطود السحيق

فثم تحسّ عينك وهو أنأى *** من العيّوق أو بيض الغسوق

بآل العلقمي وردت زنادي *** وقامت بين أهل الفضل سوقي

ص: 57

فكم ثوب انيق نلت منهم *** ونلت بهم وكم طرف عتيق

أدام اللّه دولتهم وأنحى *** على أعدائهم بالحنقنيق

ومن تصانيفه ايضاً كتاب العبقري الحسان وهو كتاب غريب الوضع وقد اختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والاشعار وأودعه شيئاً من انشائه وترسلاته ومنظوماته ، ومن تصانيفه كتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في اصول الشريعة للسيد المرتضى قدس اللّه روحه وهو ثلاث مجلدات ، منها كتاب الفلك الدائر على المثل السائر لابن الاثير الجرزي ومنها كتاب شرح المحصّل للامام فخر الدين الرازي وهو يجري مجرى النقض له ، ومنها كتاب نقض المحصول في علم الاصول له أيضاً ، ومنها شرح مشكلات الغرر لأبي الحسن البصري في اصول الكلام ، ومنها شرح الياقوت لابن نوبخت وغير ذلك انتهى. وقال صاحب مجمع البحرين : وابن ابي الحديد في الاصل معتزلي يستند الى المعتزلة مدعيا انهم يستندون الى شيخهم امير المؤمنين (عليه السلام) في العدل والتوحيد ، ومن كلامه في اول الشرح للنهج : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الافضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، قال بعض الافاضل كان ذلك قبل رجوعه الى الحق لأنا نشهد من كلامه الاقرار له (عليه السلام) والتبري من غيره ممن تقدم عليه وذلك قرينة واضحة على ما قلناه انتهى. وقال بعض آخر وهذا الذي ذكره الرجل وجماعة من المعتزلة كلام غير مقبول ووجهه انه يقبح من اللطيف الخبير ان يقدم المفضول المحتاج الى التكميل على الكامل الفاضل عقلا ونقلا سواء جعلناه منوطا باختيار اللّه تعالى او باختيار الامة لأنه يقبح في العقول تقديم المفضول على الفاضل كما اشرنا إليه في النبوة ولكن الرجل إنما اراد الاول لأنه نسب هذا التقديم الى اللّه عز وجل وهذا القول في غاية ما يكون من السخف لأنه نسب ما هو قبيح عقلا الى اللّه عز وجل

ص: 58

مع انه عدلي المذهب فقد خالف مذهبه فلهذا حمل الشكايات الواردة عن علي (عليه السلام) من الصحابة والتظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية على ذلك.

في فوات الوفيات ج 1 ص 519 : عبد الحميد بن هبة اللّه بن محمد بن محمد بن أبي الحديد ، عز الدين المدائني المعتزلي ، الفقيه الشاعر ، أخو موفق الدين.

ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة ، وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة وهو معدود في أعيان الشعراء ، وله ديوان شعر مشهور ، روى عنه الدمياطي ومن تصانيفه « الفلك الدائر ، على المثل السائر » صنفه في ثلاثة عشر يوماً ، وكتب إليه أخوه موفق الدين.

المثل السائر يا سيدي *** صنّفت فيه الفلك الدائرا

لكنّ هذا فلك دائر *** أصبحت فيه المثل السائرا

ونَظَم فصيح ثعلب في يوم وليلة ، وشرح نهج البلاغة في عشرين مجلداً وله تعليقات على كتاب المحصل والمحصول للامام فخر الدين :

ومن شعره :

وحقك لو أدخلتني النار قلتُ *** للذين بها قد كنتُ ممن يحبّه

وأفنيت عمري في دقيق علومه *** وما بغيتي إلا رضاه وقربه

هبوني مسيئاً أوضع العلم جهله *** وأوبقه (1) دون البرية ذنبه

أما يقتضي شرع التكرّم عفوه *** أيحسن أن ينسى هواه وحبه

ص: 59


1- اوبقه : اهلكه.

أما ردّ زيغ ابن الخطيب وشكه *** وتمويهه في الدين إذ عزّ خطبه

أما كان ينوي الحق فيما يقوله *** ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه

وغاية صدق الصب أن يعذبُ الأسى *** إذا كان من يهوى عليه يصبّه

فرد عليه الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه اللّه تعالى بقوله :

علمنا بهذا القول أنك آخذ *** بقول اعتزال جلّ في الدين خطبه

فتزعم أن اللّه في الحشر ما يرى *** وذاك اعتقاد سوف يرديك غبّه

وتنفي صفات اللّه وهي قديمة *** وقد أثبتتها عن إلاهك كتبه

وتعتقد القرآن خلقاً ومحدثاً *** وذلك داء عزّ في الناس طبّه

وتثبت للعبد الضعيف مشيئة *** يكون بها ما لم يُقدّره ربّه

واشياء من هذه الفضائح جمّة *** فأيكما داعي الضلال وحزبُه

ومَن ذا الذي أضحى قريباً إلى الهدى *** وجاء عن الدين الحنيفي ذبّه

وما ضرّ فخر الدين قول نظمته *** وفيه شناعٌ مفرط إذ تسبّه

وقد كان ذا نور يقود إلى الهدى *** إذا طلعت في حندس الشك شُهبه

ولو كنت تعطي قدر نفسك حقه *** لاخمدت جمراً بالمحال تَشُبّه

وما أنت من اقرانه يوم معرك *** ولا لك يوماً بالإمام تَشَبّه

ومن شعره أيضا رحمه اللّه تعالى :

لولا ثلاث لم أخف صرعتي *** ليست كما قال فتى العبد

أن أبصر التوحيد والعدل في *** كل مكان باذلاً جهدي

وأن اناجي اللّه مستمتعاً *** بخلوةٍ احلى من الشهد

ص: 60

وأن اتيه الدهر كبراً على *** كل لئيم اصعر الخدّ

كذاك لا اهوى فتاة ولا *** خمراً ولا ذا ميعة نهد

قوله « كما قال فتى العبد » هو طرفة بن العبد حيث يقول وقد سئل عن لذات الدنيا ، فقال : مركب وطىّ ، وثوب بهىّ ، ومطعم شهّى ، وسئل امرؤ القيس فقال : بيضاء رعبوبة ، بالشحم مكروبة ، بالمسك مشبوبة ، وسئل الأعشى فقال : صهباء صافية ، تمزجها ساقية ، من صَوب غادية قال العَكوك : فحدثت بذلك أبا دلف فقال :

أطيب الطيبات قتل الأعادي *** واختيال على متون الجياد

ورسول يأتي بوعد حبيب *** وحبيب يأتي بلا ميعاد

وحُدّث بذلك حميد الطوسي فقال :

ولولا ثلاثٌ هنّ من لذّة الفتى *** وحقك لم أحفل متى قام عُوّدي

فمنهن سقى الغانيات بشربة *** كُميَتٍ متى ما تُعلَ بالماء تزبد (1)

وكرّى إذا نادى المضاف محنّبا *** كسيد الغضا نبّهته المتورد

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب *** ببهكنَةٍ تحت الخباء المعمّد

رجعنا إلى ابن ابي الحديد.

وقال :

عن ريقها يتحدّث المسواك *** أرجاً فهل شجر الأراك اراك

ص: 61


1- في معلقة طرفة.

ولطرفها خُنِث الجبان فان رئت *** باللحظ فهو الضيغم الفتاك

شرك القلوب ولم أُخل من قبلها *** ان القلوب تصيدها الاشراك

يا وجهها المصقول ماء شبابه *** ما الحتف لولا طرفك الفتاك

أم هل أتاك حديث وقفتنا ضحىً *** وقلوبنا بشبا الفراق تشاك

لا شيء أفظع من نوى الاحباب أو *** سيف الوصيّ كلاهما سفاك

وقال الصفدي يعارض ابن أبي الحديد :

لولا ثلاث هنّ أقصى المنى *** لم أهب الموت الذي يُردي

تكميل ذاتي بالعلوم التي *** تنفعني إن صرت في لحدي

والسعي في رد الحقوق التي *** لصاحب نلتُ به قصدي

وأن أرى الأعداء في صرعة *** لقيتها من جمعهم وحدي

فبعدها اليوم الذي حُمّ لي *** قد استوت في القرب والبعد

وجاء في الكنى والالقاب للشيخ القمي :

عز الدين عبد الحميد بن محمد بن الحسين بن ابي الحديد المدائني الفاضل الأديب المؤرخ الحكيم الشاعر شارح نهج البلاغة وصاحب القصائد السبع المشهورة ، كان مذهبه الاعتزال كما شهد لنفسه في إحدى قصائده في مدح امير المؤمنين (عليه السلام) بقوله :

ورأيت دين الاعتزال وإنني *** اهوى لأجلك كل من يتشيع

كان مولده غرة ذي الحجة سنة 586 وتوفي ببغداد سنة 655 يروي آية اللّه العلامة الحلي عن أبيه عنه. والمدائني نسبة الى المدائن.

وقال جرجى زيدان في آداب اللغة العربية : ابن ابي الحديد توفي سنة

ص: 62

655 ه. هو عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني الفقيه الشاعر الملقب عز الدين. ولد في المدائن قرب بغداد توفي ببغداد ، واشتهر باللغة والنحو والشعر واشهر مؤلفاته.

1 - شرح نهج البلاغة ، وفي هذا الشرح فوائد تاريخية ودينية وشرعية كثيرة.

2 - الفلك الدائر على المثل السائر.

3 - العلويات السبع.

واليك قصيدته العينية التي عدد فيها مزايا امير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام وتخلّص الى مصيبة الحسين (عليه السلام) وقد كتبت هذه القصيدة على قبة الإمام ثم كتبت بالميناء على ضريح الإمام.

والقصيدة احدى علوياته السبع

يارسم لارسمتك ريحٌ زعزعُ *** وسرت بليل في عراصك خروعُ

لم الف صدري من فؤادي بلقعا *** الا وأنت من الأحبّة بلقع

جارى الغمام مدامعي بك فانثنت *** جون السحائب وهي حسرى ضلّع

لا يمحك الهتن الملثّ فقذ محا *** صبري دثورك مذمحتك الأدمع

لله درك والضلال يقودني *** بيد الهوى وانا الحرون فأتبع

يقتادني سكر الصبابة والصبا *** ويصيح بي داعي الغرام فاسمع

دهر تقوض راحلاً ما عيب مَن *** عقباه الا أنه لا يرجع

يا ايها الوادي أُجلّكُ وادياً *** وأعزّ إلا في حماك فاخضع

ص: 63

وأسوف تربك صاغراً وأذل في *** تلك الربى وانا الجليد فأخنع

اسفي على مغناك اذ هو غابة *** وعلى سبيلك وهو لحب مهيع

والبيض تورد في الوريد فترتوي *** والسمر تشرع في الوتين فتشرع

والسابقات اللاحقات كأنها ال- *** -عقبان تردى في الشكيم وتمرع

والربع أنور بالنسيم مضمخٌ *** والجوّ أزهر بالعبير مروع

ذاك الزمان هو الزمان كأنما *** قيض الخطوب به ربيع ممرع

وكأنما هو روضة ممطورة *** أو مزنة في عارض لا تقلع

قد قلت للبرق الذي شق الدجى *** فكأن زنجيّاً هناك يجُدّع

يا برق إن جئتَ الغريّ فقل له *** أتراك تعلم مَن بأرضك مودع

فيك ابن عمران الكليم وبعده *** عيسى يقفيّه وأحمد يتبع

بل فيك جبريل وميكال واس- *** -رافيل والملأ المقدّس أجمع

بل فيك نور اللّه جل جلاله *** لذوي البصائر يستشف ويلمع

فيك الإمام المرتضى فيك الوصي *** المجتبى فيك البطين الانزع

الضارب الهام المقنّع في الوغى *** بالخوف للبهم الكماة يقنِع

والسمهرية تستقيم وتنحني *** فكأنها بين الأضالع أضلع

والمترع الحوض المدعدع حيث لا *** واد يفيض ولا قليب يترع

ومبدد الأبطال حيث تألّبوا *** ومفرّق الأحزاب حيث تجمعوا

والحَبر يصدع بالمواعظ خاشعاً *** حتى تكاد له القلوب تصدّع

حتى اذا استعهر الوغى متلظياً *** شرب الدماء بغلّة لا تنقع

متجلبباً ثوباً من الدم قانيا *** يعلوه من نقع الملاحم برقع

زهد المسيح وفتكة الدهر التي *** أودى بها كسرى وفوّز تبع

هذا ضمير العالم الموجود عن *** عدم وسرّ وجوده المستودع

هذي الأمانة لا يقوم بحملها *** خلقاء هابطة وأطلس ارفع

هذا هو النور الذي عذباته *** كانت بجبهة آدم تتطلع

ص: 64

وشهاب موسى حيث أظلم ليله *** رفعت له لألاؤه تتشعشع

يا من له ردّت ذكاء ولم يفز *** بنظيرها من قبل إلا يوشع

يا هازم الاحزاب لا يثنيه عن *** خوض الحمام مدجج ومدرع

يا قالع الباب الذي عن هزه *** عجزت اكفٌ اربعون واربع

لولا حدوثك قلت انك جاعل الأ *** رواح في الأشباح والمستنزع

لولا مماتك قلت انك باسط الأ *** رزاق تقدر في العطاء وتوسع

ما العالم العلوي إلا تربة *** فيه لجثتك الشريفة مضجع

ما الدهر إلا عبدك القنّ الذي *** بنفوذ أمرك في البرية مولع

انا في مديحك ألكنٌ لا أهتدي *** وأنا الخطيب الهزبري المصقع

أأقول فيك سميدع كلا ولا *** حاشا لمثلك ان يقال سميدع

بل انت في يوم القيامة حاكم *** في العالمين وشافع ومشفع

ولقد جهلتُ وكنتُ احذق عالمٍ *** أغرار عزمك ام حسامك أقطع

وفقدت معرفتي فلستُ بعارف *** هل فضل علمك ام جنابك أوسع

لي فيك معتقد سأكشف سره *** فليصغ أرباب النهى وليسمعوا

هي نفثة المصدور يطفئ بردها *** حر الصبابة فاعذلوني اودعوا

واللّه لولا حيدرٌ ما كانت الدنيا *** ولا جمع البرية مجمع

من اجله خلق الزمان وضوئت *** شهب كنسنَ وجنّ ليلٌ أدرع

علم الغيوب لديه غير مدافع *** والصبح أبيض مسفر لا يدفع

وإليه في يوم المعاد حسابنا *** وهو الملاذ لنا غداً والمفزع

هذا اعتقادي قد كشفت غطاءه *** سيضرّ معتقداً له أو ينفع

يا من له في أرض قلبي منزل *** نعم المراد الرحب والمستربع

اهواك حتى في حشاشة مهجتي *** نار تشبّ على هواك وتلذع

وتكاد نفسي ان تذوب صبابة *** خلقا وطبعاً لا كمن يتطبع

ص: 65

ورأيت دين الاعتزال وانني *** اهوى لأجلك كل من يتشيع

ولقد علمت بأنه لا بد من *** مهديكم وليومه اتوقع

تحميه من جند الاله كتائب *** كاليمّ أقبل زاخراً يتدفع

فيهالآل أبي الحديد صوارمٌ *** مشهورة ورماح خط شرّع

ورجال موت مقدمون كأنهم *** اسد العرين الربد لا تتكعكع

تلك المنى اما أغب عنها فلي *** نفس تنازعني وشوق ينزع

تم تخلّص الى مصيبة الحسين علیه السلام بالابيات التي هي في صدر الترجمة.

وقال في احدى علوياته الشهيرة بعد أن عدد مناقب الامام امير المؤمنين علیه السلام ذكر الحسين (عليه السلام) :

لقد فاز عبد للوليّ ولاؤه *** وإن شابَهُ بالموبقات الكبائر

وخاب معاديه ولو حلّقت به *** قوادم فتخاء الجناحين كاسر

هو النبأ المكنون والجوهر الذي *** تجسد من نور من القدس زاهر

ووارث علم المصطفى وشقيقه *** أخاً ونظيراً في العلى والأواصر

تعاليت عن مدح فابلغ خاطب *** بمدحك بين الناس أقصر قاصر

فليت ترابا حال دونك لم يحل *** وساتر وجه منك ليس بساتر

لتنظر ما لاقى الحسين وما جنت *** عليه العدى من مفظعات الجرائر

فيالك مقتولاً تهدمت العلى *** وثُلّت به أركان عرش المفاخر

ويا حسرتى إذ لم أكن في اوائل *** من الناس يتلى فضلهم في الأواخر

فانصر قواماً إن يكن فات نصرهم *** لدى الروع خطارى فمامات خاطري

عجبت لاطواد الاخاشب لم تمد *** ولا أصبحت غوراً مياه الكوافر (1)

ص: 66


1- جمع كافر : هو البحر أو النهر العظيم.

وللشمس لم تكسف وللبدر لم يحل *** وللشهب لم تقذف بأشأم طائر

أما كان في رزء ابن فاطم مقتضٍ *** هبوط رؤس أو كسوف زواهر

ولكنما قدر النفوس سجية *** لها وعزيز صاحب غير غادر

بنى الوحى هل ابقى الكتاب لناظم *** مقالة مدح فيكم أو لناشر

اذا كان مولى الشاعرين وربهم *** لكم بانياً مجداً فما قدر شاعر

فاقسم لولا أنكم سبل الهدى *** لضلّ الورى عن لا حب النهج ظاهر

ولو لم تكونوا في البسيطة زلزلت *** وأخرب من أرجائها كل عامر

سأمنحكم مني مودة وامق *** يغض قِلاً عن غيركم طرف هاجر

ومن احدى علوياته :

حنانيك فاز العرب منك بسؤدد *** تقاصر عنه الفرس والروم والنوب

فما ماس موسى في رداء من العلى *** ولا آب ذكراً بعد ذكرك ايوب

أرى لك مجداً ليس يجلب حمده *** بمدح وكل الحمد بالمدح مجلوب

وفضلاً جليلاً إن وفى فضل فاضل *** تعاقب إدلاج عليه وتأويب

لذاتك تقديس لرمسك طهرة *** لوجهك تعظيم لمجدك ترحيب

وقد قيل في عيسى نظيرك مثله *** فخسرٌ لمن عادى علاك وتتبيب

عليك سلام اللّه يا خير من مشى *** به بازل عبر المهامة خرعوب

وقوله يمدحه في ذكر فتح مكة :

طلعت على البيت العتيق بعارض *** يمجّ نجيعا من ظبى الهند أحمرا

فألقى اليك السلم من بعد ما عصى *** جُلندى (1) وأعيا تُبّعاً ثم قيصرا

ص: 67


1- جُلندى بضم الجيم مقصورا اسم ملك لعمان ، وتبع واحد التابعة وهم ملوك اليمن.

واظهرت نور اللّه بين قبائل *** من الناس لم يبرح بها الشرك نيرا

وكسرت اصناما طعنت حماتها *** بسمر الوشيج اللدن حتى تكسرا

رقيتَ بأسمى غاربٍ أحدقت به *** ملائكُ يتلون الكتاب المسطرا

يغارب خير المرسلين وأشرف ال- *** -أنام وأزكى ناعل وطأ الثرى

فسبّح جبريل وقدّس هيبة *** وهلل إسرافيل رعباً وكبّرا

فيا رتبة لو شئت أن تلمس السها *** بها لم يكن ما رمته متعذرا

ويا قدميه أي قدس وطأتما *** وايّ مقامٍ قمتما فيه أنورا

بحيث أفاءت سدرةُ العرش ظلها *** بضوجيه (1) فاعتدّت بذلك مفخرا

وحيث الوميض الشعشعاني فايض *** من المصدر الاعلى تبارك مصدرا

فليس سواع بعدها بمعظم *** ولا اللات مسجوداً لها ومعفّرا

ص: 68


1- الضوج : الجانب.

ابن الابّار

القضاعي المتوفي 658

أتنتهب الايام أفلاذ أحمد *** وأفلاذ من عاداهم تتودد

ويضحى ويضما أحمد وبناته *** وبنت زياد وردها لا يصرّد

أفي دينه في امنه في بلاده *** تضيق عليهم فسحة تتورد

وما الدين إلا دين جدهم الذي *** به أصدروا في العالمين وأوردوا

رواها صاحب كتاب ( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ) في الجزء الثاني ص 604 وقال :

انتهى ما سنح لي ذكره من ( درر السمط ) وهو كتاب غاية في بابه ، ولم أورد منه غير ما ذكرته لان في الباقي ما تشم منه رائحة التشيع ، واللّه سبحانه يسامحه بمنه وكرمه ولطفه.

ص: 69

جاء في محاضرة للدكتور عبد اللطيف السعداني من اهل المغرب ( فاس ) وعنوان المحاضرة : حركات التشيع في المغرب ومظاهره.

وبعد أن استطرد في بيانه روى لنا قصيدة صفوان بن ادريس التجيبي من شعراء القرن السادس الهجري والتي رددها ابناء المغرب في شهر المحرم قال :

ونتلمس هذه الحركة فيما بعد عصر مبدع هذه القصيدة الحسينية فنعثر على اثر آخر للفكر الشيعي حيث نلتقي بأحد أدباء الاندلس في النصف الاول من القرن السابع الهجري هو القاضي ابو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه القضاعي البلنسي ( المقتول في 20 محرم سنة 658 ه- ) ونقف على اسم كتابين من مؤلفاته العديدة موضوعهما هو رثاء سيدنا الحسين. اولهما : ( اللجين في رثاء الحسين ) ولا يعرف اليوم اثر لهذا الكتاب غير اسمه وثانيهما : « درر السمط في اخبار الطيب من غصن الاندلس الرطيب. وقد اعترف المقري بأنه اغفل نقل بعض الفقرات من الكتاب مما « يشمّ منه رائحة التشيع » ثم انه اكتفى بنقل جزء من الباقي فقط. ونضيف هذا القول الواضح والشهادة الصريحة الى ما اشرنا اليه سابقا عن علّة سكوت كتب التاريخ وغيرهما من الاشارة الى آثار التشيع في المغرب والاندلس. ولم يحل عم المقري مع ذلك من اعطائه حكما موضوعيا عن هذا الكتاب فقط : « وهو كتاب غاية في بابه » وقد اكتشف هذا الكتاب برمته واستطعنا ان ندرك عن كثب اهميته البالغة في هذا الباب.

ومهما اطلنا في التنويه بهذا الكتاب واسلوبه الجميل وبيانه الرائع وتأثيره البالغ في سامعيه بوصفه لتلك الحوادث المؤلمة في تاريخ الاسلام فانه لا يكفي

ص: 70

لبيان منزلته في الادب الشيعي وهو على كل حال يقدم لنا الدليل القاطع على رواج حركة التشيع في الاندلس في هذا العصر. ولكي نأخذ فكرة واضحة عن ذلك انقل بعض الفقرات من هذا الكتاب مما لا يبقى معه شك بتشيع صاحبه. بدأ بتحية آل البيت والشهادة بحبهم :

« اولئك السادة احيى وافدّي والشهادة بحبهم أوفّي وأؤدّي ومن يكتمها فانه آثم قلبه. ثم خاطبهم وذكر نقاء حقيقتهم النبوية وعاقبة أمرهم :

« يا لك أنجم هداية لا تصلح الشمس عن آية ، كفلتم في حجرها النبوة فلله تلك النبوة ذرية بعضها من بعض. سرعان ما بلي منهم الجديد وغري بهم الحديد نسفت أجبلهم الشامخة وشدخت غررهم الشادخة ، فطارت بطررهم الارواح وراحت عن جسومهم الأرواح ، بعد ان فعلوا الافاعيل وعيل صبر اقتالهم وصبرهم ما عيل ».

ويتحسر عليهم ويعرض باعدائهم فيقول :

« اشكو الى اللّه ضعف الامين وخيانة القوى قعد بالحسين حقه وقام بيزيد باطله واخلاقه حضر موقد القضاء الخصمان وعنت الوجوه للرحمن جاء الحق وزهق الباطل ان الامامة لم تكن للئيم ما تحت العمامة من سبط هند وابنها دون البتول ولا كرامة ، يسر ابن فاطمة للدين بتسمّيه وابن ميسون للدنيا تستهويه اعملوا فكل ميسّر لما خلق له ، فأما هذا فتحرّج وتأثم واما ذاك فتلجلج وتلعثم ، مشى الواحد الى نور يسعى بين يديه وعشى الثاني الى ضوء نار لا يغرو ما لديه ، يا ويح من وازى الكتاب فقال والدنيا أمامه : كانت بنو حرب فراعنة فذهب ابن بنت رسول اللّه ليخرجهم من العراق فانعكس الروم وحورب ولا فارس والروم. وعندما يصف الحادث المفجع لقتل سبط الرسول نحُسّ ان قلبه يكاد ينفطر من الأسى فيقول :

ص: 71

« عاشر محرم ابيحت الحرمات وافيضت على النور الظلمات ، فتفاقم الحادث وحمل على الطيبين الاخابث وضرب السبط على عاتقه ويسراه وما أجرأ من أسال دمه وأجراه ، ثم قتل بعقب كلكم ذبحا وغودر حتى العاديات ضبحا » ويضيف مشيرا في الاخير الى ان هذه الداهية كانت السبب في ادبار عز المسلمين « أيّة فتنة عمياء وداهية دهياء لا تقوم بها النوادب ولا تبلغ معشارها النوائب ، طاشت لها النهى وطارت واقبلت شهب الدجى وغارت ، لولاها ما دخل ذل على العرب ولا الف صيد الصقر بالحزب نسف النبع بالغرب فانظر الى ذوي الاستبصار خضع الرقاب نواكس الابصار.

وإن قتيل الطف من آل هاشم *** أذلّ رقاب المسلمين فذلّتِ »

وفي الأخير يعود الى تأكيد الايمان بهم والتعلق بحبهم وتفضيلهم على أعدائهم يقول :

ما عذر لأمية وأبنائها في قتل العلوية وإفنائها أهم يقسمون رحمة ربك؟ كم دليل في غاية الوضوح على انهم كسفينة نوح من ركب فيها نجى ومن تخلّف عنها غرق ، ثم يحسبهم آل الطليق ويطاردهم آل الطريق. وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد. نساؤهم أيا من امية وسماؤهم أرض بني سمية.

من عصبة ضاعت دماء محمد وبنيه بين يزيدها وزيادها كان الحسين يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا ويزيد يتلف العمر تبريحا وعدوانا عمرك اللّه كيف يلتقيان (1).

وقد بقي لهذا الكتاب ونزعته الشيعية صدى انتقل الى المغرب وظل بها

ص: 72


1- اعتمدنا فيما نقلناه مخطوطة كتاب ( درر السمط في أخبار السبط ) التي تهيأ للطبع بتحقيق الدكتور عبد السلام البهراس والاستاذ سعيد اعراب.

زمنا طويلا فبعد ثلاثة قرون من تأليفه نعثر على شرح له لأحد المغاربة هو الفقيه الأديب سعيد الماغومي الملقب بوجمعة المولود سنة 950 ه- ويعتبر هذا الشرح اليوم من المفقودات. غير أن ابن القاضي يخبرنا في كتابه درة الحجال انه كان موجوداً في خزانة المنصور السعدي بمدينة مراكش. وتظهر عناية ملوك المغرب بمثل هذه التآليف فيما قيل من أن شارح هذا الكتاب أخذ مكافأة على تأليفه وزنه ذهبا.

جاء في فوات الوفيات في ترجمة ابن الابار ما يلي :

محمد بن عبد اللّه القضاعي البلنسي الكاتب الاديب المعروف بابن الادبار ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة عني الحديث وجال في الاندلس وكتب العالي والنازل وكان بصيرا بالرجال عالما بالتاريخ إما ما في العربية فقيها مفننا أخبارياً فصيحا له يد في البلاغة والانشاء كامل الرياسة اذا رياسة وافية وأبهة وتجمل وافر.

وله من المصنفات « تكملة الصلة » لابن بشكوال كتاب « تحفة القادم » وكتاب « ايماض البرق ».

قتل مظلوما بتونس على يد صاحبها لأنه تخيل منه الخروج وشق العصا وقيل : ان بعض اعدائه ذكره عند صاحب تونس انه الف تاريخا وأنه تكلم فيه في جماعة فلما طلب وأحس بالهلاك قال لغلامه : خذ البغلة وامض بها حيث شئت فهي لك وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة.

ومن شعره :

منظوم الخدّ مورده *** يكسوني السقم مجرده

شفاف الدر له جسد *** يأبى ما اودع مجسده

ص: 73

في وجنته من نعمته *** جمر بفؤادي موقده

ريم يرمى عن اكحله *** زرقا تُصمى من يصمده

متداني الخطوة من ترف *** اترى الأحجال تقعده

ولاه الحسن وامره *** وأتاه السحر يؤيده

وقال ايضاً رحمه اللّه تعالى :

ونهر كما ذابت سبائك فضة *** حكى بمحانيه انعطاف الاراقم

إذا الشفق استولى عليه احمراره *** تراءى قضيباً مثل دامي الصوارم

وقال ايضا رحمه اللّه تعالى :

لم تدر ما خلّدت عيناك في خلدي *** من الغرام ولا ما كابدت كبدي

افديك من رائد رام الدنو فلم *** يسطعه من فرق في القلب متقد

خاف العيون فوافاني على عجل *** معطلا جيده إلا من الجيد

عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها *** من ذلك الشنب المعسول والبرد

حتى إذا غازلت اجفانه سِنَة *** وصيّرته يد الصهباء طوع يدي

اردت توسيده خدي وقلت له *** فقال كفك عندي أفضل الوسد

فبات في حرم لا غدر يذعره *** وبتّ ظمآن لم اصدر ولم أرد

بدر ألمّ وبدر الأفق ممتحق *** والجو مُحلو لك الأرجاء من جسدي

تحيّر الليل فيه أين مطلعه *** أما درى الليل أن البدر طوع يدي

وترجم له الصفدي في الوافي بالوفيات فذكر جملة من مؤلفاته وروائع من اشعاره. كما ترجم له السيد الأمين في الأعيان.

ص: 74

احمد بن صالح السنبلي

المتوفي 664

قال في فوات الوفيات : فمن قوله - وقد وقع مطر كثير يوم عاشوراء :

يوم عاشوراء جادت بالحيا *** سُحُبٌ تهطل بالدمع الهمول

عجباً حتى السماوات بكت *** رُزء مولاي الحسين ابن البتول (1)

اقول وبهذه المناسبة ذكر العماد الاصفهاني الكاتب في ( خريدة القصر ) (2) قول المهذب بن الزبير يرثي أحد الكبراء ، وقد نزل المطر عقب موته.

بنفسي مَن أبكى السماوات فقده *** بغيث ظنناه نوال يمينه

فما استعبرت إلا أسى وتأسفاً *** وإلا فماذا القطر في غير حينِه

ص: 75


1- فوات الوفيات ج 1 ص 83.
2- خريدة القصر ص 222.

احمد بن صالح السنبلي

قال ابن شاكر في فوات الوفيات ص 83 من شعره في مكاري

هويتُه مكارياً *** شرّد عن عيني الكرى

كأنه البدر ، فما *** يَمّلُ من طول اسرى

وله في سيف الدين عامِل الجامع :

ربعُ المصالح دارس *** لم يبق منه طائل

هيهات تعمر بقعة *** والسيف فيها عامل

وله في زهر اللوز :

للوز زهر حسنه *** يُصبى الى زمن التصابي

شكت الغصون من الشتا *** فأعارها بيضَ الثياب

وكأنه عشق الربيع *** فشاب من قبل الشباب

وشعره جيد وان كان من المقطعات ويدل مع قلّته على ذوق أصيل.

ص: 76

ابو الحسين الجزار

المتوفي 672

ويعود عاشورا ، يذكرني *** رزء الحسين فليت لم يعُد

يا لبت عيناً فيه قد كحلت *** بمسرّة لم تخل عن رمد

ويداً به لشماتة خضبت *** مقطوعة من زندها بيدي

يوم سبيلي حين اذكره *** ان لا يدور الصبر في خلدي

أما وقد قتل الحسين به *** فابوا الحسين أحقّ بالكمد (1)

ص: 77


1- عن نسمة السحر فيمن تشيع وشعر - مخطوط مكتبة كاشف الغطاء العامة.

جمال الدين ابو الحسين يحى بن عبد العظيم الجزار المصري.

ولد سنة 601 وتوفي سنة 672 وفي شذرات الذهب توفي في شوال سنة 679 وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة.

وفي شذارت الذهب : الاديب الفاضل كان جزاراً ثم استرزق بالمدح وشاع شعره في البلاد وتناقلته الرواة.

جمع له الشيخ المعاصر الشيخ محمد السماوي رحمه اللّه من الشعر ديواناً يربو على الف ومائتين وخمسين بيتاً ، وله ارجوزة في ذكر من تولى مصر من الملوك والخلفاء وعما لها ذكرها له صاحب نسمة السحر.

قال ابن حجة في خزانة الادب : تعاهد هو والسراج الورّاق والحمامي وتطارحوا كثيراً وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية حتى انه قيل للسراج الوراق : لولا لقبك وصناعتك لذهب نصف شعرك.

قال صاحب نسمة السحر : وكان من اهل مصر وله الشعر الجيد والنكت الدالة على خفة روحه ، وله مع سراج الدين عمر الوراق لطايف شعرية وكانا كنفس واحدة وشعرهما متشابه الا انه محكم.

قال السيد الأمين في الأعيان هذه قصيدة وجدها صاحب الطليعة في مجموعة حليّة.

حكم العيون على القلوب يجوز *** ودواؤها من دائهن عزيز

كم نظرة نالت بطرف فاتر *** ما لم ينَله الذابل المحزوز

ص: 78

فحذار من تلك اللواحظ غرّة *** فالسحر بين جفونها مركوز

يا ليت شعري والأماني ضلّة *** والدهر يدرك طرفه ويجوز

هل لي روض تصرّم عمره *** سبب فيرجع ما مضى فأفوز

وأزور من ألِفَ البعاد وحبّه *** بين الجوانح والحشا مرزوز

ظبيٌ تناسب في الملاحة شخصه *** فالوصف حين يطول فيه وجيز

والبدر والشمس المنيرة دونه *** في الوصف حين يحرّر لتمييز

لولا تثنى خصره في ردفه *** ما خلت إلا أنّه مغروز

تجفو غلالته عليه لطافة *** فبحسنها من جسمه تطريز

مَن لي بدهرٍ كان لي بوصاله *** سمحاً ووعدي عنده منجوز

والعيش مخضّر الجناب أنيقه *** ولأوجه اللذات فيه بروز

والروض في حلل النبات كأنه *** فرشت عليه دبابج وخزوز

والماء يبدو في الخليج كأنه *** ظل لسرعة سيره محفوز

والزهر يوهم ناظريه إنما *** ظهرت به فوق الرياض كنوز

فأقاحه ورق ومنثور الندى *** درّ ونور بهاره ابريز

والغصن فيه تغازل وتمايل *** وتشاغل وتراسل ورموز

وكأنما القمري ينشد مصرعاً *** من كل بيت والحمام يجيز

وكأنما الدولاب زمر كلّما *** غنّت وأصواب الدوالب شيز

وكأنما الماء المصفّق ضاحك *** مستبشر ممّا أتى فيروز

يهنيك يا صهر النبي محمّد *** يوم به للطيبين هزيز

أنت المقدّم في الخلافة مالها *** عن نحو ما بك في الورى تبريز

صبّ الغدير على الألى جحدوا لظى *** يوعى لها قبل القيام أزيز

إن يهمزوا في قول أحمد أنت مو *** لى للورى؟ فالهامز المهموز

لم يخش مولاك الجحيم فانّها *** عنه إلى غير الوليّ تجوز

ص: 79

أترى تمرّ به وحبّك دونه *** عوذٌ ممانعة له وحروز

أنت القسيم غداً فلهذا يلتظي *** فيها وهذا في الجنان يفوز

وذكر له ابن حجة قوله مؤرياً في صناعته :

الا قل للذي يسأ *** ل عن قومي وعن أهلي

لقد تسأل عن قومٍ *** كرام الفرع والأصل

تُرجّيهم بنو كلبٍ *** وتخشاهم بنو عجل

ومثله قوله :

إني لمن معشر سفك الدماء لهم *** داب وسل عنهم ان رمت تصديقي

تضيء بالدم إشراقاً عراصهم *** فكلّ أيامهم أيام تشريق

ومثله قوله :

أصبحت لحاماً وفي البيت لا *** اعرف ما رائحة اللحم

واعتضت من فقري ومن فاقتي *** عن التذاذ الطعمِ بالشم

جهلته فقراً فكنتُ الذي *** اضلّه اللّه على علم

وظريف قوله :

كيف لا اشكر الجزارة ما عش- *** -تُ حفاظاً وارفض الآدابا

وبها صارت الكلاب ترجيّ- *** -ني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ومثله قوله :

معشر ما جاءهم مسترفدُ *** راح إلا وهو منهم معسر

أنا جزّار وهم من بقرٍ *** ما رأوني قط إلا نفروا

ص: 80

كتب إليه الشيخ نصير الدين الحمامي مورياً عن صنعته :

ومذ لزمته الحمام صرت بها *** خلا يداري مَن لا يداريه

أعرف حرّ الاشيا وباردها *** وآخذ الماء من مجاريه

فأجابه أبو الحسين الجزّار بقوله :

حسن التأني مما يعين على *** رزق الفنى والحظوظ تختلف

والعبد مذ صار في جزارته *** يعرف من أين تؤكل الكتف

وله في التورية قوله :

أنت طوقتني صنيعاً واسمع- *** -تك شكراً كلاهما ما يضيع

فإذا ما شجاك سجعي فإني *** أنا ذاك المطوّق المسموع

ومن طائفة ما كتب به إلى بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلى بيته

أمولاي ما من طباعي الخروج *** ولكن تعلّمته من خمول

أتيت لبابك أرجو الغنى *** فأخرجني الضرب عند الدخول

ومن مجونه في التورية قوله عند زواج والده :

تزوّج الشيخ أبي ، شيخة *** ليس لها عقلٌ ولا ذهن

لو برزت صورتها في الدجا *** ما جسرت تبصرها الجنّ

كأنها في فرشها رمّة *** وشعرها من حولها قطن

وقائل لي قال : ما سنّها *** فقلتُ : ما في فمها سنّ

وله قوله في داره :

ودار خراب بها قد نزل- *** -ت ولكن نزلت إلى السابعه

ص: 81

طريق من الطرق مسلوكة *** محجتها للورى شاسعه

فلا فرق ما بين أني اكون *** بها أو أكون على القارعة

تساورها هفوات النسيم *** فتصغي بلا أُذن سامعه

وأخشى بها أن أُقيم الصلاة *** فتسجد حيطانها الراكعة

إذا ما قرأت إذا زلزلت *** خشيتُ بأن تقرأ الواقعه

وله في بعض ادباء مصر وكان شيخاً كبيراً ظهر عليه جرب فالتطخ بالكبريت ، قوله ذكره له ابن خلكان في تاريخه 1 ص 67 :

أيها السيد الأديب دعاءاً *** من محبّ خال من التنكيت

أنت شيخ وقد قربتَ من النار *** فكيف أدهنت بالكبريت

وله قوله :

مَن منصفي من معشر *** كثروا عليّ وأكثروا

صادقتهم وأرى الخرو *** ج من الصداقة يعسر

كالخط يسهل في الطرو *** س ومحوه يتعذّر

وإذا أردت كشطته *** لكنّ ذاك يؤثّر

ومن قوله في الغزل :

بذاك الفتور وهذا الهيف *** يهون على عاشقيك التلف

أطرت القلوب بهذا الجمال *** واوقعتها في الأسى والأسف

تكلّف بدر الدجى إذ حكى *** محياك لو لم يشنه الكلف

وقام بعذري فيك العذار *** واجرى دموعيَ لمّا وقف

وكم عاذل أنكر الوجد فيك *** عليّ فلما رءاك اعترف

ص: 82

وقالوا : به صلف زائدٌ *** فقلت : رضيت بذاك الصلَف

لئن ضاع عمري في مَن سواك *** غراماً فإن عليك الخلف

فهاك يدي إنني تائب *** فقل لي : عفى اللّه عما سلف

بجوهر ثغرك ماء الحياة *** فماذا يضرّك لو يُرتشف

ولم أرَ من قبله جوهراً *** من البهرمان (1) عليه صدف

أكاتم وجديَ حتى أراك *** فيعرف بالحال لا مَن عرف

وهيهات يخفى غرامي عليك *** بطرف همى وبقلب رجف

ومن قوله :

حمت خدّها والثغر عن حائم شجٍ *** له أمل في مورد ومورّد

وكم هام قلبي لارتشاف رضابها *** فأعرف عن تفصيل نحو المبرّد

ومن بديع غزله قوله :

وما بي سوى عين نظرت لحسنها *** وذاك لجهلي بالعيون وغرتي

وقالوا : به في الحب عين ونظرة *** لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي

وله قوله يرثي حماره :

ما كل حين تنجح الأسفار *** نَفقَ الحمار وبارت الأشعار

خرجي على كتفي وها أنا دائر *** بين البيوت كأنني عطّار

ماذا عليّ جرى لاجل فراقه *** وجرت دموع العين وهي غزار

ص: 83


1- البهرمان : الياقوت الاحمر.

لم أنس حدة نفسه وكأنه *** من ان تسابقه الرياح يغار

وتخاله في القفر جِنّاً طائراً *** ما كل جنّ مثله طيار

وإذا أتى للحوض لم يخلع له *** في الماء من قبل الورود عذار

وتراه يحرس رجله من زلّة *** برشاشها يتنجّس الحضار

ويلين في وقت المضيق فيلتوي *** فكأنما بيديك منه سوار

ويشير في وقت الزحام برأسه *** حتى يحيد أمامه النظار

لم أدر عيباً فيه إلا انه *** مع ذا الذكاء يقال عنه حمار

ولقد تحامته الكلاب وأحجمت *** عنه وفيه كل ما تختار

راعت لصاحبه عهوداً قد مضت *** لما علمن بأنه جزّار

وقال في موت حمار صديق له :

مات حمار الاديب قلت لهم *** مضى وقد فات منه ما فاتا

مَن مات في عزه استراح ومَن *** خلّف مثل الأديب ما ماتا

وله قوله :

لا تعبني بصنعة القصّاب *** فهي أذكى من عنبر الآداب

كان فضلي على الكلاب فمذ صر *** ت أديباً رجوتُ فضل الكلاب

ومن ظريف التضمين قوله على روي قصيدة امرئ القيس.

قفا نبك من ذكرى قميص وسروال *** ودراعة لي قد عفا رسمها البالي

وما انا مَن يبكي لاسماء إن نأت *** ولكنني أبكي على فقد اسمالي

ص: 84

لو انّ امرء القيس ابن حجر رأى الذي *** أكابده من فرط همّ وبلبال

لما مال نحو الخدر خدر عنيزة *** ولا بات الا وهو عن حبّها سالي

ولا سيما والبرد وافي بريده *** وحالي بما اغتدت من عسره حالي (1)

ومن شعره كما في شذرات الذهب.

عاقبتني بالصد من غير جرم *** ومحا هجرها بقية رسمي

وشكوت الجوى الى ريقها العذب *** فجارت ظلماً بمنع الظلم

انا حكّمتها فجارت وشرع الحب *** يقضي أني احكّم خصمي

وله :

أكلّف نفسي كل يوم وليلة *** هموماً على مَن لا افوز بخيره

كما سوّد القصار في الشمس وجهه *** حريصاً على تبييض أثواب غيره

وكانت بينه وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فاهدى الجزار له تفاحاً وكمثرى وكتب مع ذلك.

أكافيك عن بعض الذي قد فعلته *** لأنّ لمولانا عليّ حقوقا

بعثت خدوداً مع نهود وأعينا *** ولا غرو ان يجزي الصديق صديقا

وان حال منك البعض عما عهدته *** فما حال يوم عن ولاك وثوقا

ص: 85


1- عن المجموعة الادبية المخطوطة للشيخ كاشف الغطاء في المكتبة العامة برقم 872.

بنفسج تلك العين صار شقائقاً *** ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا

وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما *** قطعت على اللذات منه طريقا

فلا عدمتك العاشقون فطالما *** اقمت لأوقات المسرّة سوقا

وله :

يمضي الزمان وأنت هاجر *** أفما لهذا الهجر آخر

يا من تحكّم في القلوب *** بحاجبٍ منه وناظر

مولاي لا تنس المحبّ *** فانه لهواك ذاكر

واذا رقدت منعماً *** فاذكر شقياً فيك ساهر

شتان ما بيني وبينك *** في الهوى ان كنت عاذر

النار في كبدي وظلمك *** باردٌ والجفن فاتر

ومن أخباره مع السراج الوراق أنهما اتفقا ببعض ديارات النصارى وفيه راهب مليح وجاء زامر مليح أيضا ثم اتفق مجيء بعض مشايخ الرهبان فضرب الراهب وهرب الزامر فقال أبو الحسين :

في فخّنا لم يقع الطائر. فقال السراج : لا راهب الدير ولا الزامر.

فقال أبو الحسين : فسعدنا ليس له أول. فقال السراج :

ونحسنا ليس له آخر.

وذكر الصفدي أن أبا الحسين الجزار جاء الى باب الصاحب زين الدين ابن الزبير فأذن لجماعة كانوا معه وتأخر اذنه ، فكتب إلى الصاحب

الناس قد دخلوا كالاير كلهم *** والعبد مثل الخصى ملقى على الباب

ص: 86

فلما قرأها قال لبعض الغلمان مر فنادي ادخل يا خصى فدخل الجزار وهو يقول : هذا دليل على السعة

وقال يتهكم بالمتنبي ويعارضه :

فإن يكن أحمد الكندي متهما *** بالعجز يوماً فاني لست أتهم

فاللحم والعظم والسكين تعرفني *** والخلع والقطع والساطور والوضم

قال صاحب نسمة السحر : ومن المنسوب لابي الحسين ويشبهه في الظرف

أترى القاضي أعمى *** أم تراه يتعامى

سرق العيد كأن العيد *** اموال اليتامى

ص: 87

شمس الدين الكوفي

المتوفي 675

قال شمس الدين محمد بن عبيد اللّه الكوفي الواعظ يرثي النقيب محي الدين محمد بن حيدر وقد غرق في الدجلة

يا ماء ما أنصفت آل محمد *** وعلى كمال الدين كنت المجتري

في الطف لم تسعد أباه بقطرة *** واليوم قد أغرقته في أبحر (1)

ص: 88


1- الحوادث الجامعة لابن الفوطي.

جاء في الحوادث الجامعة لابن الغوطي ص 386

سقط ركن الدين النقيب محي الدين محمد بن حيدر نقيب الموصل بفرسه الى دجلة ، وكان مجتازا على الجسر. فاصعد الى مشهد علي علیه السلام فدفن هناك. وكان شابا حسن الخلقة ، عمره سبع عشرة سنة ، فرثاه شمس الدين محمد بن عبيد اللّه الكوفي الواعظ.

وفي ص 390 قال : سنة 675 ه- فيها توفي شمس الدين محمد ابن عبيد اللّه الهاشمي الكوفي الواعظ ببغداد. وكان أديباً فاضلاً ، عالماً شاعراً ، ولي التدريس بالمدرسة التتشيه ، وخطب في جامع السلطان ، ووعظ بباب بدر. وكان عمره اثنين وخمسين سنة. وكان له شعر حسن ، ومما قاله في رثاء النقيب محي الدين حيدر نقيب الموصل بقصيدة طويلة قرأت في العزاء وذكر منها في صحيفة 386

ألقاه في الماء الجواد كأنه *** بدر هوى في جندل متموّر

أمواج دجلة أغرقته إذ طغت *** وكذا الطغاة على الأكارم تحتري

ولقد تكدّر صفوها من بعده *** ومتى صفت لهم ولم تتكدّر

باللّه هل أغرقته شغفاً به *** يا ماء أو حسد لماء الكوثر

هلا رحمت شبابه وتركته *** من أجل ولهى فيه ذات تحيّر

أو ما علمت بأنه رحب الفِنا *** والصدر عذب اللفظ حلو المنظر

ومنها

غاصوا عليه واخرجوه معظماً *** ومكرماً وكذا نفيس الجوهر

ص: 89

واللّه ما نزعت ملابس جسمه *** حتى تبختر في الحرير الأخضر

فالشوق يظمئني اليه وكلما *** حاولتُ شرب الماء زاد تكدري

يا نفس ذوبي حسرة وكآبة *** وتأسّفي وتلهّفي وتحسّري

ماذا يكون أغير ما هو كائن *** نزل القضاء صبرتِ أو لم تصبر

جاء في الوافي بالوفيات للصفدي ج 2 ص 97

شمس الدين الكوفي الواعظ محمد بن أحمد ابن أبي علي عبيد اللّه بن داود الزاهد بن محمد بن علي الابزاري شمس الدين الكوفي الواعظ الهاشمي خطيب جامع السلطان ببغداد ، توفي في الكهولة سنة ست وسبعين وست مائة ، وشعره متوسط وله موشحات نازلة ، ومن شعره

حنّت النفس إلى أوطانها *** وإلى مَن بان من خُلانها

بديار حيّها من منزل *** سلم اللّه على سُكّانها

تلك دار كان فيها منشأي *** من غَريّيها الى كوفانها

وبها نوقُ الصبى أرسلتُها *** هَمَلا تمرح في أرسانها

فلكم حاورتُ فيها أحوراً *** ولكم غازلتُ من غزلانها

لا يُلام الصبّ في ذكر رُباً *** بان من غير رضيً عن بانها

ولكم قضّيتُ فيها أرباً *** آه واشواقا إلى كثبانها

ليس بي شوقاً إلى أطلالها *** انما شوقي الى جيرانها

كلما رمتُ سلّواً عنهم *** لا تديمُ النفس عن أشجانها

شقيت نفسي بالحزن فمن *** يُسعد النفس على أحزانها

أقول ثم ذكر له موشحاً من شعره

ص: 90

وجاء ذكره في موارد الاتحاف في نقباء الأشراف ج- 2 ص 183 وذكر حفيده ركن الدين الحسن بن محي الدين أبى طاهر محمد بن كمال الدين حيدرة بن أبى منصور محمد الحسينى الموصل وانه مات في المحرم سنة 670 ه- فرثاه بهاء الدين على الأربينى بقوله

لله ما فعل المحرم بالحسين وبالحسن *** ذهبا فما صبري لذلك بالجميل وبالحسن

ص: 91

عبد اللّه بن نصر الوزان

قال عبد اللّه بن عمر بن نصر الوزان مخمساً مقصورة ابن دريد المتوفي 677

لما ابيح للحسين صونه *** وخانه يوم الطعان عونه

نادى بصوت قد تلاشى كونه *** أما ترى رأسي حاكى لونه

طرّة صبحٍ تحت أذيال الدجى؟

معفراً على الثرى بخدّه *** لم ترع فيه حرمة لجدّه!

والسيف من مفرقه في غمده *** واشتعل المبيّض في مسودّه

مثل اشتعال النار في جمر الغضا

هتك وفتك وأسارٌ وجلا *** ونسوة تسبى على رأس الملا

لو انني في الجاهلين الاولا *** ما خلت ان الدهر يثنيني على

ضراء ، لا يرضى بها ضبّ الكدى

انا الذي قارعت القوارع *** وشيبت عذاره الوقائع

فلم يرعني بعد ذاك رائع *** لا تحسبن يا دهر اني ضارع

لنكبة تعرقني عرق المدى (1)

ص: 92


1- عن كتاب ( اعلام العرب ).

قال الاديب المعاصر عبد الصاحب الدجيلي في كتابه ( اعلام العرب ).

ممن خمس مقصورة ابن دريد : ابو محمد موفق الدين عبد اللّه ابن عمر بن نصر اللّه الانصاري ، المعروف بالوزان ، ورثى بها الامام السبط أبا عبد اللّه - الحسين بن علي علیه السلام لرؤيا رآها.. وكان موفق الدين فاضلاً حكيماً وعالماً اديباً شاعراً شارك في علوم كثيرة منها الطب والكحل والفقه والنحو والادب.. اقام بالديار المصرية ثم بالشام مدة اكثرها ببعلبك ثم عاد الى مصر ، وبها ادركته منيته فتوفي ليلة الجمعة مستهل صفر بالقاهرة سنة 677 ه- عرض له ما يسمى ب- ( القولنج ) فقضى عليه. وله ترجمة في ذيل مرآة الزمان 3 / 321 وفوات الوفيات 1 / 481 والنجوم الزاهرة 7 / 282 وشذرات الذهب 5 / 358. اما تخميس المقصورة فمنه نسخة بالفوتوستات في معهد دار الكتب ( فهرست المخطوطات ق 1 ص 145 ) وقد اثبت التخميس اليونيني قطب الدين موسى بن محمد المتوفي 726 في ذيل مرآة الزمان 3 / 341 - 483.

قال : رأى صاحب الترجمة الحسين بن علي علیهماالسلام في المنام يقول له :

مد المقصورة فوقع في خاطره انه يشير الى مقصورة ابن دريد ، فخمّسها ورثى بها الحسين فبلغت مائتين وثلاثين دوراً.

وفي فوات الوفيات ج 1 ص 481 : عبد اللّه بن عمر بن نصر اللّه الفاضل الحكيم موفق الدين الانصاري المعروف بالوزان كان قادراً على النظم ، وله مشاركة في الطب والوعظ والفقه ، وكان حلو النادرة ، لا تمل مجالسته اقام

ص: 93

ببعلبك مدة ، وخمّس مقصورة ابن دريد ومرثية في الحسين بن علي علیه السلام ، وتوفي سنة سبع وسبعين وستمائة.

ومن شعره رحمه اللّه تعالى :

انا أهوى حلو الشمائل ألمى *** مشهد الحسن جامع الأهواء

آية النمل قد بدت فوق خدّيه *** فهيموا يا معشر الشعراء

وكتب أيضا الى بعض الكتاب :

أنا ابن السابقين الى المعالي *** وما في مدحه قال وقيل

لقد وصل انقطاعي منك وعَدٌ *** فمن قطع الطريق على الوصول (1)

وقال أيضا رحمه اللّه تعالى :

من لي بأسمر في سواد جفونه *** بيض وحمر للمنايا تُنتضى

كيف التخلّص من لواحظه التي *** بسهامها في القلب قد نفذ القضا

أو كيف أجحد صبوة عذريّة *** ثبتت بشاهد قدّه العدل الرضا

وقال :

تجور بجفن ثم تشكو انكساره *** فواعجباً تَعدو عليّ وتستعدي

أحمل أنفاس القبول سلامها *** وحسبي قبولاً حين تسعف بالرد

تثنّت فمال الغصن شوقاً مقبلاً *** من الترب ما جرت به فاضل البرد

وقال :

يا سعد إن لاحت هضاب المنحنى *** ربدت أثيلات هناك تبين

ص: 94


1- في البيتين اقواء.

عرّج على الوادي فإن ظباءه *** للحسن في حركاتهن سكون

وقال ايضاً :

لله أيامنا والشمل منتظم *** نظم به خاطر التفريق ما شعرا

والهفَ نفسي على عيش ظفرت به *** قطعت مجموعه المختار مختصرا

وقال :

أرى غدير الروض يهوى الصبا *** وقد أبت منه سكوناً يدوم

فؤاده مرتجف للنوى *** وطرفه مختلج للقدوم

وقال :

حار في لطفه النسيم فأضحى *** رائحاً نحوه اشتياقاً وغادي

من رأى الظبي منه طرفاً وجيداً *** هام وجداً عليه في كل وادي

وقال :

يذكرني نشر الحمى بهبوبه *** زماناً عرفنا كل طيب بطيبه

ليال سرقناها من الدهر خلسة *** وقد أمنت عيناي عين رقيبه

فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى *** وسكن قلبي ساعة من وجيبه

الا إن لي شوقاً إلى ساكن الغضا *** أعيذ الغضا من حرّه ولهيبه

أحن إلى ذاك الجناب ومن به *** ويسكرني ذاك الشذا من جنوبه

أخا الوجد إن جاوزت رملَ محجر *** وجزتَ بمأهول الجناب رحيبه

دع العيس تقضي وقفة بربا الحمى *** ودع محرما ً يجري بسفح كتيبه

وقل لغريب الحسن ما فيك رحمة *** لمفرد وجد في هواك غريبه

ص: 95

متى غرّد الحادي سحيراً على النقا *** أمال الهوى العذرى عطف طروبه

وإن ذكرت للصب أيام حاجر *** هناك يُقضّى نحبه بنحيبه

وقال :

رقّ النسيم لطافة فكأنما *** في طيّه للعاشقين عتاب

وسرى يفوحُ تعطراً وأظنه *** لرسائل الأحباب فهو جواب

وقال :

يا ليالي الحمى بعهد الكثيب *** إن تناءيت فارجعي من قريب

أي عيش يكن أطيب من عي- *** -ش محبّ يخلو بوجه الحبيب

يقطع العمر بالوصال سروراً *** في أمان من حاسد ورقيب

يتجلّى الساقي عليه بكأس *** هو منها ما بين نور وطيب

كلما أشرقت ولاح سناها *** آذنت من عقولنا بغروب

خلت ساقي المدام يوشَعَ لما *** ردّ شمساً بالكأس بعد المغيب

نغمات الراووق يفقهها الكأ *** س ويوحي بسرّها للقلوب

فلهذا يميل من نشوة الكأ *** س طروباً من لم يكن بطروب

يا نديمى أشمأل أم شمول *** رقّ منها وراق لي مشروبي

أم قدود السقاة مالت فملنا *** طرباً بين واجد وسليب

أم نسيم من حاجرٍ هب وهناً *** فسكرنا بطيب ذاك الهبوب

أم سرى في الأرجاء من عنبر الج- *** -و أريج بالبارق المشبوب

ما ترى الركب قد تمايل سكراً *** وأمالوا مناكباً لجنوب

لست أبكي على فوات نصيب *** من عطايا دهري وأنت نصيبي

وصديقي إن عاد فيك عدوّى *** لا أبالي ما دمت لي يا حبيبي

ص: 96

وقال :

لا غرو إن سُلبت بك الألباب *** وبديع حسنك ما عليه حجاب

يا من يلذّ على هواه تهتكي *** شغفاً ويعذب لي عليه عذاب

حسبي افتخاراً في هواك بأنّ لي *** نسباً له تسمو به الأنساب

أحبابنا وكفى عبيد هواكم *** شرفاً بانكم له أحباب

يا سعد مل بالعيس حلّة منزل *** أضحى لعزة ساكنيه يهاب

ربع تودّ به الخدود إذا مشت *** فيه سليمى أنها أعتاب

كم في الخيام أهلة هالاتها *** تبدو لعينك برقع ونقاب

وشموس حسن أشرقت أنوارها *** افلاكهنّ مضارب وقباب

شنّوا على العشّاق غارات الهوى *** فإذا القلوب لديهم أسلاب

من كل هيفاء القوام إذا أنثنت *** هزّ الغصون بقدّها الإعجاب

تَهب الغرام لمهجتي في أسرها *** فجمالها الوهاب والنهاب

وغدت تجرّ على الكثيب برودها *** فإذا العبير لدى ثراه تراب

وقال :

طرفي على سِنة الكرى لا يطرف *** وبخيلة بخيالها لا تُسعف

وأضالعي ما تنطفي زفراتها *** إلا وتذكيها الدموع الذرّف

شَمِتَ الحسود لأن ضَنيتُ ، ومادرى *** أني بأثواب الضنى أتشرّف

يا غائبين وما ألذ نداهم *** وحياتكم قسمى وعز المصحف

إن بشر الحادي بيوم قدومكم *** ووهبته روحي فما أنا منصف

قد ضاع في الآفاق نشر خيامكم *** وأرى النسيم بعرفها يتعرّف

ص: 97

ابن نما الربعي

وفاته سنة 680 تقريباً

أضحت منازل آل السبط مقوية *** من الأنيس فما فيهن سكانُ

باؤا بمقتله ظلما فقد هدمت *** لفقده من ذرى الاسلام أركان

رزية عمّت الدنيا وساكنَها *** فالدمع من أعين الباكين هتّان

لم يبق من مرسل فيها ولا ملك *** إلا عرته رزيات وأشجان

واسخطوا المصطفى الهادي بمقتله *** فقلبه من رسيس الوجد ملآن

وله

وقفت على دار النبي محمد *** فالفيتها قد أقفرت عرصاتها

وأمست خلاء من تلاوة قارئ *** وعطل فيها صومها وصلاتها

فأقوت من السادات من آل هاشم *** ولم يجتمع بعد الحسين شتاتها

فعيني لقتل السبط عبرى ولوعتى *** على فقدهم ما تنقضى زفراتها

وقوله :

يصلي الاله على المرسل *** وينعت في المحكم المنزل

ويغزى الحسين وأبناؤه *** وهم منه بالمنزل الأفضل

ألم يك هذا إذا ما نظرت *** اليه من المعجب المعضل

ص: 98

نجم الدين بن نما الربعي

هو الشيخ الفقيه نجم الملة والدين جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما الحلي الربعي.

كان من أعاظم الفقهاء أحد مشايخ آية اللّه العلامة الحلي وهو صاحب مقتل الحسين الموسوم ب- ( مثير الأحزان ) وكتاب ( أخذ الثار ) في أحوال المختار.

وكان أبوه وجده وجد جده جميعاً من العلماء العظام كانت وفاته رحمه اللّه سنة ستمائة وثمانين تقريباً ، وفي الحلة قبر مشهور يعرف بقبر بن نما على مقربة من مرقد أبي الفضائل بن طاووس في الشارع الذي يبتدأ من المهدية وينتهى بباب كربلاء المعروف بباب الحسين : قال الشيخ اليعقوبي في كتابه « البابليات » ولا أعلم هل هو قبر المترجم خاصة أم هو مدفن أفراد هذه الأسرة الطيبة. وقد أثبت شيئا كثيراً من شواهد اشعاره في كتابه ( مثير الأحزان ).

وقد أورد الشيخ السماوي في كتابه ( الكواكب السماوية ) بيتين في التجنيس من قول الشيخ ابن نما في مدح أمير المؤمنين علیه السلام وهما :

جاد بالقرص والطوى ملا جنبيه *** وعاف الطعام وهو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه القرص *** والمقرض الكرام كسوب

ومن شعره قوله

إن كنت في آل الرسول مشككا *** فاقرأ هداك اللّه في القرآن

فهو الدليل على علوّ محلّهم *** وعظيم فضلهم وعظم الشأن

وهم الودائع للرسول محمد *** بوصية نزلت من الرحمن

ص: 99

وقوله في أصحاب الحسين عليه وعليهم السلام

إذا اعتقلوا سمر الرماح ويمموا *** أسود الشرى فرّت من الخوف والذعر

كماة رحى الحرب العوان فان سطوا *** فاقرانهم يوم الكريهة في خسر

وان أثبتوا في مأزق الحرب أرجلاً *** فوعدهم منه الى ملتقى الحشر

قلوبهم فوق الدروع وهمهم *** ذهاب النفوس السائلات على البتر

وعن إجازات البحار عن خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي قال كتب ابن نما الحلي الى بعض الحاسدين له

انا ابن نما إما نطقتُ فمنطقي *** فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما

وإن قبضت كف امرئ عن فضيلة *** بسطت لها كفاً طويلاً ومعصما

بنى والدي نهجاً الى ذلك العلى *** وأفعاله كانت الى المجد سُلّما

كبنيان جدي جعفر خير ماجدٍ *** وقد كان بالاحسان والفضل مغرما

وجدّ أبي الحَبر الفقيه أبي البقا *** فما زال في نقل العلوم مقدّما

يودّ أُناس هدم ما شيّد العلى *** وهيهات للمعروف أن يتهدما

يروم حسودي نيل شأوي سفاهة *** وهل يقدر الانسان يرقى الى السما

منالي بعيد ويح نفسك فاتئد *** فمن أين في الاحداد مثل التقى نما

أقول وترجمه الشيخ القمي في الكنى فقال : هو الشيخ الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة بن نما الحلي ، كان رحمه اللّه من الفضلاء الأجلّة ومن كبراء الدين والملة عظيم الشان جليل القدر أحد مشايخ آية اللّه العلامة وصاحب المقتل الموسوم بمثير الأحزان.

يظهر أن أباه وجده وجد جدّه جميعاً كانوا من العلماء رضوان اللّه عليهم أجمعين.

ص: 100

أقول ووالد المترجم له هو : نجيب الدين ابو ابراهيم محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة اللّه ابن نما بن علي بن حمدون الحلي ، شيخ الفقهاء في عصره ، احد مشايخ المحقق الحلي ، والشيخ سديد الدين والد العلامة ، والسيد احمد ورضي الدين ابني طاووس ، قال المحقق الكركي رحمه اللّه وأعلم مشايخه بفقه أهل البيت الشيخ الفقية السعيد الأوحد محمد بن نما الحلي وأجل أشياخه الإمام المحقق قدوة المتأخرين فخر الدين محمد بن ادريس الحلي العجلي برّد اللّه مضجعه انتهى يروي عن الشيخ محمد بن المشهدي وعن والده جعفر بن نما عن ابن ادريس وعن أبيه هبة الدين بن نما وغير ذلك. توفي بالنجف الأشرف سنة 645.

وقد يطلق ابن نما على ابنه الشيخ الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما الحلي.

ص: 101

علي بن عيسى الأربلي

المتوفي 693

يا بن بنت النبي دعوة عبد *** مخلص في ولائه لا يحول

لكم محض ودّه وعلى اعدا *** كم سيف نطقه مسلول

انتم عونه وعروته الوثقى *** اذا أنكر الخليل الخليل

واليكم ينضي ركاب الاماني *** فلها موخدُ لكم وذميل

كرمت منكم وطابت فروع *** وزكت منكم وطابت أصول

فليوث إذا دعوا لنزال *** وغيوث إذا أتاهم نزيل

المجيرون من صروف الليالي *** والمنيلون حين عزّ المنيل

شرف شايع وفضل شهير *** وعلاء سام ومجد اثيل

وحلوم عن الجناة وعفو *** وندى فائض ورأي أصيل

لي فيكم عقيدة وولاء *** لاح لي فيهما وقام الدليل

لم اقلد فيكم فكيف وقد شا *** ركني في ولائكم جبرئيل

جزتم رتبة المديح ارتفاعاً *** وكفاكم عن مدحي التنزيل

غير انا نقول وداً وحبّاً *** لا على قدركم فذاك جليل

ص: 102

للامام الحسين أهديت مدحاً *** زان حتى كأنه سلسبيل

وبودي لو كنت بين يديه *** باذلاً مهجتي وذاك قليل

ضاربا دونه مجيبا دعاه *** مستميتاً على عداه أصول

قاضياً حق جدّه وأبيه *** فهما غاية المُنى والسؤل

ص: 103

علي بن عيسى الاربلي صاحب كشف الغمة :

قال الحر العاملي في ( أمل الآمل ) : الشيخ بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتح الاربلي (1).

كان عالماً فاضلاً محدثاً ثقة شاعراً أديباً منشئاً جامعاً للفضائل والمحاسن له كتب منها : كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة جامع حسن فرغ من تأليفه سنة 687 وله رسالة الطيف ، وديوان شعر ، وعدة رسائل.

وله شعر كثير في مدائح الأئمة علیهم السلام ، ذكر جملة منها في كشف الغمة منها قوله من قصيدة :

وإلى امير المؤمنين بعثتها *** مثل السفاين عمن في تيّار

تحكي السهام إذا قطعن مفازة *** وكأنها في دقة الأوتار

تنحو بمقصدها أغر شأى الورى *** بزكاء أعراق وطيب نجار

حمّال اثقال ومسعف طالب *** وملاذ ملهوف وموئل جار

شرف أقرّ به الحسود وسؤدد *** شاد العلاء ليعرب ونزار

ومآثر شهد العدو بفضلها *** والحق أبلج والسيوف عواري

يا راكباً يفلي الفلاة بجسرة *** زيّافة كالكوكب السيار

عرّج على أرض الغري وقف به *** والثم ثراه وزره خير مزار

وقل السلام عليك يا مولى الورى *** وأبا الهداة السادة الأبرار

ص: 104


1- نسبة الى اربل : بلد بقرب الموصل.

وقوله في أخرى :

سل عن علي مقامات عرفن به *** شدّت عرى الدين في حلّ ومرتحل

مآثر صافحت شهب النجوم علاً *** مشيدة قد سمت قدراً على زحل

كم من يد لك فينا يا أبا الحسن *** يفوق نائلها صوب الحيا الهطل

وقوله من قصيدة في مدح الحسن علیه السلام :

إلى الحسن بن فاطمة أثيرت *** بحق أنيق المدح الجيادِ

أقرّ الحاسدون له بفضل *** عوارفه قلائد في الهواد

وقوله من قصيدة في مدح علي بن الحسين علیه السلام :

مديح علي بن الحسين فريضة *** عليّ لأني من أخص عبيده

إمام هدىً فاق البرية كلها *** بآبائه خير الورى وجدوده

وقوله من قصيدة في مدح الباقر علیه السلام :

كم لي مديح فيهم شائع *** وهذه تختصّ بالباقر

امام حقّ فاق في فضله *** العالم من باد ومن حاضر

وقوله من قصيدة في مدح الصادق علیه السلام :

مناقب الصادق مشهورة *** ينقلها عن صادق صادقُ

جرى إلى المجد كآبائه *** كما جرى في الحلبة السابق

وقوله من قصيدة في مدح الكاظم علیه السلام :

ص: 105

مدائحي وقف على الكاظم *** فما على العاذل واللائم

ومن كموسى أو كآبائه *** أو كعلي وإلى القائم

وقوله من قصيدة في مدح الرضا علیه السلام :

والثم الأرض إن مررت على *** مشهد خير الورى علي بن موسى

وأبلغنه تحية وسلاماً *** كشذى المسك من علي بن عيسى

وقوله من قصيدة في مدح الجواد علیه السلام :

حماد حماد للمثني حمّاد *** على آلاء مولانا الجواد

إمام هدىً له شرف ومجد *** أقرّ به الموالي والمعادي

وقوله من قصيدة في مدح الهادي علیه السلام :

يا أيهذا الرائح الغادي *** عرّج على سيدنا الهادي

وقل سلام اللّه وقفٌ على *** مستخرج من صلب أجواد

وقوله من قصيدة في مدح العسكري علیه السلام :

عرّج بسامراء والثم ثرى *** أرض الإمام الحسن العسكري

على وليّ اللّه في عصره *** وابن خيار اللّه في الأعصر

وقوله من قصيدة في مدح المهدي علیه السلام :

عداني عن التشبيب بالرشأ الأحوى *** وعن بانتي سلعٍ وعن عَلَمي حزوى

غرامي بناء عن عناني وفكرتي *** تمثله للقلب في السر والنجوى

ص: 106

من النفر الغرّ الذين تملّكوا *** من الشرف العاديّ غايته القصوى

هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً *** تمسّك في أخراه بالسبب الأقوى

هم القوم فاقوا العالمين مآثراً *** محاسنها تجلى وآياتها تروى

قال الشيخ القمي في الكنى والالقاب : بهاء الدين ابو الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتح الاربلي من كبار العلماء الامامية ، العالم الفاضل الشاعر الاديب المنشئ النحرير والمحدث الخبير ، الثقة الجليل ، ابو الفضائل والمحاسن الجمة صاحب كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة ، فرغ من تصنيفه سنة 687 وله ديوان شعر وعدة رسائل.

ملاحظة :

لا يخفى انه غير الوزير الكبير أبي الحسن علي بن عيسى بن داود البغدادي الكاتب وزير المقتدر والقاهر ، قال في ضافي ترجمته كان غنياً شاكراً صدوقاً ديناً خيراً صالحاً عالماً من خيار الوزراء وهو كثير البرّ والمعروف والصلاة والصيام ومجالس العلماء توفي سنة 334.

وقال الشيخ الاميني : بهاء الدين ابو الحسن علي بن فخر الدين عيسى بن ابي الفتح الاربلي نزيل بغداد ودفينها. فذّ من أفذاذ الأمّة ، وأوحدي من نياقد علمائها بعلمه الناجع وأدبه الناصع يتبلج القرن السابع ، وهو في أعاظم العلماء قبلة في أئمة الأدب ، وان كان به ينضّد جمان الكتابة ، وتنظّم عقود القريض ، وبعد ذلك كلّه هو أحد ساسة عصره الزاهي ، ترنحت به اعطاف الوزارة وأضاء دستها ، كما ابتسم به ثغر الفقه والحديث ، وحميت به ثغور المذهب ،

ص: 107

وسفره القيّم - كشف الغمّة - خير كتاب اخرج للناس في تاريخ أئمة الدين ، وسرد فضايلهم ، والدفاع عنهم ، والدعوة اليهم. وهو حجّةٌ قاطعة على علمه الغزير ، وتضلعه في الحديث ، وثباته في المذهب ونبوغه في الأدب ، وتبريزه في الشعر ، حشره اللّه مع العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم ، قال الشيخ جمال الدين احمد بن منيع الحلّي مقرّظاً الكتاب :

ألا قل لجامع هذا الكتاب *** يميناً لقد نلتَ اقصى المراد

وأظهرت من فضل آل الرسول *** بتأليفه ما يسوء الأعادي

مشايخ روايته والرواة عنه :

يروي بهاء الدين عن جمع من أعلام الفريقين منهم :

1 - سيدنا رضيّ الدين جمال الملة السيد علي بن طاوس المتوفي 664.

2 - سيدنا جلال الدين علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي أجاز له سنة 676.

3 - الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان الشهير بابن الساعي البغدادي السلامي المتوفي 674. يروي عنه كتاب - معالم العترة النبويّة العليّة - تأليف الحافظ أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي المتوفي 611 كما في كشف الغمّة ص 135.

4 - الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 ، قرأ عليه كتابيه : كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب والبيان في أخبار صاحب الزمان. وذلك باربل سنة 648 وله منه إجازة

ص: 108

بخطّه وينقل عن كتابه « الكفاية » كثيراً في كشف الغمّة.

5 - كمال الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وضاح نزيل بغداد الفقيه الحنبلي المتوفي 672 ، يروي عنه بالإجازة وممّا يروي عنه كتاب - الذريّة الطاهرة تأليف ابي بشر محمد بن أحمد الأنصاري الدولابي المتوفي سنة 320 ، وكان مخطوطاً بخطّ شيخه إبن وضاح المذكور ، كشف الغمّة 109.

6 - الشيخ رشيد الدين أبو عبد اللّه محمد بن أبي القاسم بن عمر بن أبي القاسم قرأ كتاب - المستغيثين - « في كشف الظنون المستعين باللّه » تأليف أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الأنصاري القرطبي المتوفي 578 ، والشيخ رشيد الدين قرأ - المستغيثين - على محيي الدين أبي محمد يوسف بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي وهو يرويه عن مؤلفه إجازة قال المترجم له في « كشف الغمّة » ص 224 : كانت قراءتي عليه في شعبان من سنة ست وثمانين وستمائة بداري المطلة على دجلة ببغداد.

وينتقل كثيراً عن عدّة من تآليف معاصره منها : تفسير الحافظ أبي محمد عبد الرزاق عز الدين الرسعني الحنبلي المتوفي 661 ، كانت بينه وبين المترجم له صداقة وصلة ، راجع الجزء الأول من كتابنا هذا ص 220.

ومنها : مطالب السؤول تأليف أبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي كما أسلفناه في ترجمته ص 415 من هذا الجزء.

ومنها تآليف شيخنا الأوحد قطب الدين الراوندي ويروي عنه جمعٌ من أعلام الفريقين منهم :

1 - جمال الدين العلامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر كما في إجازة شيخنا الحر العاملي صاحب « الوسائل ».

ص: 109

2 - الشيخ رضي الدين علي بن المطهّر كما في إجازة السيد محمد بن القاسم ابن معيّة الحسيني للسيد شمس الدين.

3 - السيد شمس الدين محمد بن فضل العلوي الحسني.

4 - ولده الشيخ تاج الدين محمد بن علي.

5 - الشيخ تقي الدين بن إبراهيم بن محمد بن سالم.

6 - الشيخ محمود بن علي بن أبي القاسم.

7 - حفيده الشيخ شرف الدين أحمد بن الصدر تاج الدين محمد بن علي.

8 - حفيده الآخر الشيخ عيسى بن محمد بن علي أخو الشرف المذكور.

9 - الشيخ شرف الدين أحمد بن عثمان النصيبي الفقيه المدرّس المالكي.

10 - مجد الدين أبو الفضل يحي بن علي بن المظفر الطيبي الكاتب بواسط العراق قرأ على المترجم شطراً من كتابه « كشف الغمّة » وأجاز له ولجمع من الأعلام المذكورين سنة 691.

وممن قرأ عليه.

11 - عماد الدين عبد اللّه بن محمد بن مكي.

12 - الصدر الكبير عز الدين أبو علي الحسن بن ابي الهيجا الاربلي.

13 - تاج الدين أبو الفتح بن الحسين بن أبي بكر الاربلي.

ص: 110

14 - المولى امين الدين عبد الرحمن بن علي بن ابي الحسن الجزري الموصلي.

15 - الشيخ حسن بن إسحق بن ابراهيم بن عباس الموصلي.

له ذكره الجميل في أمل الآمل. ورياض العلماء. ورياض الجنة في الروضة الرابعة. وروضات الجنات. والأعلام للزركلي. وتتميم الأمل لابن ابي شبانة. والكنى والألقاب. والطليعة في شعراء الشيعة.

قال إبن الفوطي في « الحوادث الجامعة » ص 341 : وفي سنة 657 وصل بهاء الدين علي بن الفخر عيسى الاربلي الى بغداد ، ورتب كاتب الإنشاء بالديوان وأقام بها الى ان مات وقال في ص 480 : انه توفي ببغداد سنة 693. وقال في ص 278 : انه تولى تعمير مسجد معروف سنة 678. وذكر له ص 38 من قصيدته التي يرثي بها معلم الأمة شيخنا خواجه نصير الدين الطوسي والملك عز الدين عبد العزيز :

ولما قضى عبد العزيز بن جعفر *** وأردفه رزء النصير محمد

جزعت لفقدان الأخلاء وانبرت *** شؤوني كمرفض الجمان المبدّد

وجاشت اليّ النفس حزناً ولوعةً *** فقلت : تعزّي واصبري فكأن قدِ

وقال في صحيفة 366 : وفي خامس عشر من جمادى الآخرة ركب علاء الدين صاحب الديوان لصلاة الجمعة فلما وصل المسجد الذي عند عقد مشرعة الأبريين ، نهض عليه رجلٌ وضربه بسكين عدّة ضربات فانهزم كل من كان بين يديه من السرهنكيّة وهرب الرجل أيضاً فعرض له رجل حمال كان قاعداً بباب غلة ابن تومة وألقى عليه كساءه ولحقه السرهنكيّة فضربوه بالدبابيس وقبضوه ، واما الصاحب فأنه ادخل دار بهاء الدين - المترجم له - ابن الفخر

ص: 111

عيسى وكان يومئذ يسكن في الدار المعروفة بديوان الشرابي لما عرف بذلك خرج حافياً وتلقاه ودخل بين يديه وأحضر الطبيب فسبر الجرح ومصّه فوجده سليماً من السم.

وذكر في ص 369 من إنشاءه كتاب صداق كتبه في تزويج الخواجة شرف الدين هارون بن شمس الدين الجويني بابنة أبي العباس أحمد بن الخليفة المستعصم في جمادي الآخرة سنة 670.

وترجمه الكتبي في - فوات الوفيات - 2 ص 83 وقال : له شعرٌ وترسل وكان رئيسا كتب لمتولّي أربل من صلايا ؛ ثم خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيام علاء الدين صاحب الديوان ؛ ثم إنّه فتر سوقه في دولة اليهود ، ثم تراجع بعدهم وسلم ولم ينكب إلى أن مات سنة 692 ، وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق وفيه تشيّع ، وكان أبوه والياً باربل ، ولبهاء الدين مصنّفات أدبيّة مثل : المقالات الأربع. ورسالة الطيف : المشهورة وغير ذلك ، وخلف لمّا مات تركةً عظيمةً ألفي ألف درهم تسلّمها ابنه أبو الفتح ومحقها ومات صعلوكاً ومن شعر بهاء الدين رحمه اللّه

أي عذر وقد تبدّى العذار *** إن ثناني تجلّدٌ واصطبار

فأقلا إن شئتما أو فزيدا *** ليس لي عن هوى الملاح قرارُ

هل مجيرٌ من الغرام؟ وهيها *** ت أسير الغرام ليس يجارُ

يا بديع الجمال قد كثرت فيك *** اللواحي وقلّت الأنصار

وترجمه صاحب « شذرات الذهب » ج 5 : 383 بعنوان بهاء الدين ابن الفخر عيسى الأربلي وعدّه من المتوفّين في سنة 683 وأحسبه تصحيف 693. وجعلوه في فهرست الكتاب : عيسى بن الفخر الأربلي. زعماً منهم بأن عيسى

ص: 112

في كلام المصنّف بدل من قوله بهاء الدين.

وذكره سيدنا صاحب « رياض الجنّة » وقال : إنه كان وزيراً لبعض الملوك وكان ذا ثروة وشوكة عظيمة فترك الوزارة واشتغل بالتأليف والتصنيف والعبادة والرياضة في آخر أمره ، وقد نظم بسبب تركه المولى عبد الرحمن الجامي في بعض قصائده بقوله. ثم ذكر خمسة عشر بيتاً باللغة الفارسية ضربنا عنها صفحاً. والقصيدة على انّها خاليةٌ من اسم المترجم ومن الايعاز إليه بشيء يعرفه تعرب عن أن الممدوح بها غادر بيئة وزارته إلى الحرم الأقدس وأقام هناك إلى أن مات. ومرّ عن ابن الفوطي : أن المترجم كان كاتباً إلى أن مات ، وكون وفاته في بغداد ودفنه بداره المطلّة على دجلة في قرب الجسر الحديث من المتسالم عليه ولم يختلف فيه اثنان ، وكان قبره معروفاً يزار إلى أن ملك تلك الدار في هذه الآونة الأخيرة من قطع سبيل الوصول إليه وإلى زيارته ، والناس مجزيّون بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شرّاً فشر (1). توجد جملةٌ كبيرةٌ من شعره في العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم في كتابه « كشف الغمّة » منها في ص 79 من قصيدة مدح بها أمير المؤمنين علیه السلام وأنشدها في حضرته قوله :

سل عن عليّ مقامات عرفن به *** شدّت عرى الدين في حلّ ومرتحل

بدراً واحداً وسل عنه هوازن في *** أوطاس واسئل به في وقعة الجمل

واسئل به إذ أتى الأحزاب يقدمهم *** عمرو وصفّين سل إن كنت لم تسل

ص: 113


1- اقول كنا عندما نذهب الى بغداد وننزل في الدار التي يشير اليها الشيخ وهي اليوم فندق للمسافرين : يسمى ب- ( فندق الوحيد ) نقرأ الفاتحة للوزير الاربلي إذ أن قبره يقع في غرفة من غرف الفندق وعلامته قطعة من الكاشي الابيض يتميّز عن كاشي الغرفة.

مآثر صافحت شهب النجوم علاً *** مشيدة قد سمت قدراً على زحل

وسنّة شرعت سبل الهدى وندى *** أقام للطالب الجدوى على السبل

كم من يد لك فينا أبا حسن! *** يفوق نائلها صوب الحيا الهطل؟

وكم كشفت عن الاسلام فادحة *** أبدت لتغرس عن أنيابها العضل؟

وكم نصرتَ رسول اللّه منصلتاً *** كالسيف عُرّي متناه من الخلل

ورُبّ يوم كظل الرمح ما سكنت *** نفس الشجاع به من شدة الوهل

ومأزق الحرب ضنكٌ لا مجال به *** ومنهل الموت لا يُغني عن النهل

والنقع قد ملأ الأرجاء عثيره *** فصار كالجبل الموفي على الجبل

جلوته بشبا البيض القواضب و *** الجرد السلاهب والعسالة الذبل

بذلت نفسك في نصر النبي ولم *** تبخل وما كنت في حال أخا بخل

وقمت منفرداً كالرمح منتصباً *** لنصره غير هيّاب ولا وكل

تروي الجيوش بعزم لو صدمت به *** صمّ الصفا لهوى من شامخ القلل

يا أشرف الناس من عرب ومن عجم *** وأفضل الناس في قول وفي عمل

يا مَن به! عرف الناس الهدى وبه *** ترجى السلامة عند الحادث الجلل

يا فارس الخيل! والأبطال خاضعة *** يا من! له كلُ خلق اللّه كالخول

يا سيد الناس! يا من لا مثيل له! *** يا من! مناقبه تسري سُرى المثل

خذ من مديحي ما أسطيعه كرماً *** فإن عجزت فإن العجز من قبلي

وسوف أهدي لكم مدحاً أُحبّره *** إن كنت ذا قدرةٍ أو مدّ في أجلي

وقال في الأئمة المعصومين علیهم السلام أجمعين :

أيها السادة الأئمة أنتم *** خيرة اللّه اولا وأخيرا

قد سموتم الى العلى فافترعتم *** بمزاياكم المحل الخطيرا

ص: 114

أنزل اللّه فيكم هل أتى نصّا *** جليا في فضلكم مسطورا

مَن يجاربكم وقد طهر اللّه تعا *** لى أخلاقكم تطهيرا

لكم سؤدد يقرره القرآن *** في نفس سامع تقريرا

ان جرى البرق في مداكم كبا من *** دون غاياتكم كليلا حسيرا

واذا أزمة عرت واستمرت *** فترى للعضاة فيها صريرا

بسطوا للندى أكفّا سباطا *** ووجوها تحكي الصباح المنيرا

وأفاضوا على البرايا عطايا *** خلفت فيهم السحاب المطيرا

فتراهم عند الأعادي ليوثا *** وتراهم عند العفاة بحورا

يمنحون الولي جنة عدن *** والعدوّ الشقي يصلى سعيرا

يطعمون الطعام في العسر واليسر *** يتيما وبائسا وفقيرا

لا يريدون بالعطاء جزاءا *** محبطا أجر برّهم أو شكورا

فكفاهم يوما عبوسا واعطا *** هم على البر نضرة وسرورا

وجزاهم بصبرهم وهو أولى *** من جزى الخير جنة وحريرا

واذا ما ابتدوا لفصل خطاب *** شرفوا منبرا وزانوا سريرا

بخلوا الغيث نائلا وعطاءا *** واستخفوا يلملما وثبيرا

يخلفون الشموس نورا واشرا *** قا وفي الليل يخجلون البدورا

أنا عبد لكم أدين بحبي *** لكم اللّه ذا الجلال الكبيرا

عالم انني اصبت وان اللّه *** يولي لطفا وطرفا قريرا

مال قلبي اليكم في الصبى الغض *** واحببتكم وكنت صغيرا

وتوليتكم وما كان في اهلي *** وليٌ مثلي فجئت شهيرا

أظهر اللّه نوركم فاضاء الأفق *** لما بدا وكنت بصيرا

فهداني اليكم اللّه لطفا *** بي وما زال لي وليا نصيرا

ص: 115

كم أياد أولي وكم نعمة أسدى *** فلي أن أكون عبدا شكورا

امطرتني منه سحائب جود *** عاد عودي بهن غصنا نضيرا

وحماني من حادثات الليالي *** فعدتني مؤيدا منصورا

لو قطعت الزمان في شكر أدنى *** ما حباني به لكنت جديرا

فله الحمد دائما مستمرا *** وله الشكر أولا وأخيرا

وعليكم أعلى الصلاة وأغلى *** المدح فيكم ولم أجده كثيرا

ومن شعره كما في مخطوط سمير الحاظر ومتاع المسافر للمرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء.

كيف خلاصي من هوى شادن *** حكّمه الحسن على مهجتي

بعاده ناري التي تتقى *** وقربه لو زارني جنتي

ما اتسعت طرق الهوى فيه لي *** إلا وضاقت في الجفا حيلتي

وله :

وجهه والقوام والشعر *** الأسود في بهجة الجبين النضير

بدرتم على قضيب عليه *** ليل دجن من فوق صبح منير

وله :

تهددني الدهر الخؤن بما دهى *** وينقض من بعد الوثوق عهودي

إذا رمتُ من يَشفي الفؤاد بطبّه *** فيوميّ سبتٌ ، والطبيب يهودي (1)

ص: 116


1- الجزء الأول ص 90.

ومن شعره

غزال النقا لولا ثناياك واللمى *** لما بتُّ صبّاً مستهاماً متيّما

ولولا معان فيك أو جبن صبوتي *** لما كنتُ من بعد الثمانين مغرما

أيا جنّة الحسن الذي غادر الحشا *** بفرط التجافي والصدود جهنما

جريت على رسم من الجور واضح *** أما آن يوما أن ترقّ وترحما

أمالك رقى كيف حللتَ جفوتي *** وعدت لقتلي بالبعاد متمما

وحرمت من حلو الوصال محللا *** وحللت من مر الجفاء محرّما

بحسن التثني رقّ لي من صبابة *** اسلتَ بها دمعي على وجنتي دما

ورفقا بمن غادرته غرض الردى *** إذا زار عن شحط بلادك سلما

كلفت بساجي الطرف أحوى مهفهف *** يميس فينسيك القضيب المنعما

يفوق الظبا والغصن حسنا وقامة *** وبدر الدجى والبرق وجما ومبسما

فناظره في قصتي ليس ناظراً *** وحاجبه في قتلتي قد تحكما

ومشرف صدغ ظل في الحكم جائراً *** وعامل قدٍّ بان أعدى وأظلما

وعارضه لم يرثِ لي من شكاية *** فنمّت دموعي حين لاح منمنما (1)

وقال يرثيه علیه السلام .

إن في الرزء بالحسين الشهيد *** لعناءٌ يودي بقلب الجليد

إن رزء الحسين أضرم ناراً *** لا تني في القلوب ذات وقود

إن رزء الحسين نجل عليّ *** هدّ ركنا ما كان بالمهدود

ص: 117


1- عن الوافي بالوفيات ج 2 ص 137.

حادث احزن الولي وأضناه *** وخطب اقرّ عين الحسود

يا لها نكبة اباحت حمى الصبر *** وأجرت مدامعا في الخدود

ومصابا عمّ البريّة بالحزن *** واغرى العيون بالتسهيد

يا قتيلاً ثوى بقتلته الدين *** وأمسى الاسلام واهى العمود

ووحيداً في معشر من عدوٍّ *** لهف نفسي على الفريد الوحيد

ونزيفاً يسقى المنية صرفاً *** ظامياً يرتوي بماء الوريد

وصريعا تبكي السماء عليه *** فتروي بالدمع ظامى الصعيد

وغريباً بين الاعادي يعاني *** منهم ما يشيب راس الوليد

قتلوه مع علمهم انه خير *** البرايا من سيد ومسود

واستباحوا دم النبي رسول *** اللّه اذ اظهروا قديم الحقود

واضاعوا حق الرسول التزاما *** بطليق ورغبة بطريد

واتوها صماء شوهاء شنعاء *** اكانت قلوبهم من حديد

وجروا في العمى الى غاية القصوى *** اما كان فيهم من رشيد

اسخطوا اللّه في رضي ابن زياد *** وعصوه اطاعة ليزيد

وارى الحر كان حراً ولكن *** ابن سعد في الخزي كابن سعيد (1)

وقال يذكر الحسين بن علي علیهماالسلام .

الا ايها العادون ان امامكم *** مقام سؤال والرسول سؤول

وموقف حكم والخصوم محمد *** وفاطمة الزهراء وهي ثكول

وان عليا في الخصام مؤيد *** له الحق فيما يدعي ويقول

فماذا تردّون الجواب عليهم *** وليس الى ترك الجواب سبيل

ص: 118


1- عن كشف الغمة في معرفة الائمة لعلي بن عيسى الاربلي.

وقد سؤتموهم في بنيهم تقلهم *** ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

ولا يرتجى في ذلك اليوم شافع *** سوى خصمكم والشرح فيه يطول

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه *** فان له نار الجحيم مقيل

وكان عليكم واجبا في اعتقادكم *** رعايتهم ان تحسنوا وتنيلوا

فانهم آل النبي وأهله *** ونهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرة *** لها غرر مجلوّة وحجول

مناقب جلت ان يحاط بحصرها *** نمتها فروعٌ قد زكت واصول

مناقب وحي اللّه اثبتها لهم *** بما قام منهم شاهد ودليل

مناقب من خلق النبي وخلقه *** ظهرن فما يغتالهن أفول

وقال يرثيه علیه السلام من بعد مدح ابيه علیه السلام .

واذا ما الشباب ولّى فما أنت *** على فعل اهله معذور

فاتباع الهوى وقد وخط الشيب *** وأودى غضّ الشباب غرور

فاله عن حاجرَ وسلع ودع وصل *** الغواني فوصلهنّ قصير

وتعرض الى ولاء اناسٍ *** حبل معروفهم قوي مرير

خيرة اللّه في الانام ومَن وجه *** مواليهم بهيّ منير

امناء اللّه الكرام وارباب *** المعالي ففضلهم مشهور

المفيدون حين يخفق سعي *** والمجيرون إذ يعز المجير

كرموا مولدا وطابوا اصولا *** فبطون زكيةٌ وظهور

عترة المصطفى وحسبك فخرا *** ايها السائلى البشير النذير

بعلي شيدت معالم دين اللّه *** والارض بالعناد تمور

ص: 119

وبه ايّد الاله رسول اللّه *** اذ ليس في الانام نصير

وباسيافه اقيمت خدود *** صعرت برهة وجزت نحور

وباولاده الهداة الى الحق *** اضاء المستبهم الديجور

سل حنينا عنه وبدرا فما *** يخبر عما سالت الا الخبير

اذ جلا هبوة الخطوب وللحر *** ب زناد يشب منها سعير

اسد ما له اذا استفحل البا *** س سوى رنة السلاح زئير

ثابت الجاش لا يروعه الخطب *** ولا يعتريه فيه فتور

أعرب السيف منه اذ اعجم الرمح *** لان العدى اليه سطور

عزمات امضى من القدر المحتوم *** يجري بحكمه المقدور

ومزايا مفاخر عطّر الافق *** شذاها وقيل فيها عبير

واحاديث سؤدد هي في الدنيا *** على رغم حاسديه تسير

وتَرَ المشركين يبغي رضي اللّه *** تعالى وانه موتور

حسدوه على مآثر شتى *** وكفاهم حقداً عليه الغدير

كتموا داء دخلهم وطووا كشحا *** وقالوا صرف الليالي يدور

ورموا نجله الحسين باحقاد *** تبوخ النيران وهي تفور

لهف نفسي طول الزمان وينمى *** الحزن عندي اذا أتى عاشور

لهف نفسي عليه لهف حزين *** ظل صرف الردى عليه يجور

اسفا غير بالغ كنه ما القى *** وحزنا تضيق منه الصدور

يا لها وقعة قد شمل الاسلام *** منها رزؤ جليل خطير

ليث غاب تعيث فيه كلاب *** وعظيم سطا عليه حقير

يا بني احمد نداء وليٍّ *** مخلص جهره لكم والضمير

لكم صدق ودّه وعلى أعدا *** كم سيف نطقه مشهور

ص: 120

وهواكم طوق له وسواء *** وعليه من المخاوف سور

انتم ذخره اذا اخفق السعي *** واضحى في فعله تقصير

انتم عونه اذا دهمته *** حادثات وفاجئته امور

انتم غوثه وعروته الوثقى *** اذا ما تضمنته القبور

واليكم يهدى المديح اعتقاداً *** وبكم في معاده يستجير

بعلي يرجو عليّ امانا *** من سعير شرارها مستطير

ص: 121

البوصيري

المتوفي 694

البوصيري صاحب البردة من جملة قصيدته الهمزية في مدح خير البرية

يا أبا القاسم الذي ضمن أقسا *** مي عليه مدحٌ له وثناءُ

بالعلوم التي لديك من الل- *** -ه بلا كاتب لها إملاء

وبريحانتين طيّبها من- *** -ك الذي أودعتهما الزهراء

كنت تؤويهما اليك كما آ *** وت من الخط نقطتيها الياء

من شهيدين ليس تنسيني الطف *** مصابيهما ولا كربلاء

ما رعى فيهما ذمامَك مرؤو *** سٌ وقد خان عهدك الرؤساء

أبدلوا الودّ والحفيظة في القر *** بى وأبدت ضبابها النافقاء

وقست منهم قلوبٌ على مَن *** بكت الأرض فقدهم والسماء

فابكهم ما استطعت إنّ قليلا *** في عظيم من المصاب البكاء

كل يوم وكل أرض لكربي *** فيهمُ كربلا وعاشوراء

آل بيت النبي إن فؤادي *** ليس يسليه عنكم التأساء

آل بيت النبي طبتم فطاب ال- *** -مدح لي فيكم وطاب الرثاء

انا حسان مدحكم فإذا نُح- *** -تُ عليكم فانني الخنساء

سدتم الناس بالتقى وسواكم *** سوّدته الصفراء والبيضاء

ص: 122

أبو عبد اللّه محمد بن سعيد الصنهاجي البوصيري ، ولد سنة 608 وكان من أعلام الأدب وفحول الشعراء ، ذا حظوة عند حكام مصر. عين رئيسا على مباشري الجبايات بالشرقية ، ولكنه رأى في الوظيفة والموظفين ما لا يتفق مع عفته وأمانته فاستعفى ورحل الى الاسكندرية وبها نهج في شعره نهجا عرفانياً. أشهر قصائده في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله قصيدته المسماة بالبردة التي مطلعها.

أمن تذكّر جيران بذي سَلَمِ *** مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم

وهي 162 بيتا : عشرة منها في المطلع و 16 في النفس وهواها و 30 في مدح النبي و 19 في مولده و 10 في دعائه و 10 في مدح القرآن ، وشرحها كثيرون

وقال الشيخ القمي في الكنى والالقاب

البوصيري شرف الدين أبو عبد اللّه محمد بن سعيد صاحب القصيدة الموسومة بالكواكب الدرية في مدح خير البرية وسميت بالبردة لما حكي انه نظمها في مرض اعتراه تبركا ، فرأى النبي صلی اللّه علیه و آله قد حضر وغطاه ببردته فشفى. فمنها

محمد سيد الكونين والثقلين *** من عرب ومن عجم

فاق النبيين في خلق وفي خُلق *** ولم يدانوه في علم ولا كرم

وكلّهم من رسول اللّه ملتمس *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم

فهو الذي تمّ معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم

منزّه عن شريك في محاسنه *** فجوهر الحسن فيه غير منقسم

ص: 123

فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ *** وأنه خير خلق اللّه كلهم

يا أكرم الخلق مالي مَن ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث العمم

فإن من جودك الدنيا وضرّتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم

يا نفس لا تقنطي من زلّة عظمت *** إن الكبائر في الغفران كاللمم

ومنها قوله عن معراج الرسول صلی اللّه علیه و آله

سريتَ من حرم ليلا إلى حرم *** كما سرى البرق في داج من الظلم

فظلت ترقى إلى أن نلتَ مرتبة *** من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم

وقدمتك جميع الأنبياء بها *** والرسل تقديم مخدوم على خدم

وأنت تخترق السبع الطباق بهم *** في موكب كنتَ فيه صاحب العلم

حتى اذا لم تدع شأواً لمستبق *** من الدنو ولا مرقى لمستنم

خفضت كل مقام بالإضافة إذ *** نوديت بالرفع مثل المفرد العلم

قال صاحب فوات الوفيات : وله تلك القصيدة المشهورة التي نظمها في مُباشري الشرقية التي أولها :

نقدتُ طوائف المستخدمينا *** فلم أر فيهم رجلا أمينا

فقد عاشرتهم ولبثت فيهم *** مع التجريب من عمر سنينا

فكتّاب الشمال هم جميعاً *** فلا صحبت شمالهم اليمينا

فكم سرقوا الغلال وما عرفنا *** بهم فكأنما سرقوا العيونا

ولولا ذاك ما لبسوا حريراً *** ولا شربوا خمور الاندرينا (1)

ص: 124


1- اخذ هذا من قول عمرو بن كلثوم في معلقته : ألا هبي بصحنك فاصبحينا *** ولا تبقى خمور الاندرينا

ولا رَبّوا من المردات مُرداً *** كأغصان يملن وينحنينا

وقد طلعت لبعضهم ذقون *** ولكن بعد ما حلقوا الذقونا

وأقلام الجماعة جائلات *** كأسيافٍ بأيدي لاعبينا

الى ان يقول

تفقّهت القضاة فخان كلٌ *** أمانته وسمّوه الامينا

قال : وهي طويلة الى الغاية ، وقد اختصرت من أبياتها كثيراً ، وله فيهم غير ذلك ، وشعره في غاية الحسن واللطافة ، عذب الالفاظ منسجم التركيب ، وقال من قصيدة أولها :

أهوىً والمشيب قد حال دونه *** والتصابي بعد المشيب رعونه

أبت النفس أن تطيع وقالت *** إن حُبّي لا يدخل القنينة (1)

كيف أعصى الهوى وطينة قلبي *** بالهوى قبل آدم معجونه

سلبته الرقاد بيضةُ خدرٍ *** ذات حسن كالدرة المكنونه

سمتها قبله تسر بها النفس *** فقالت كذا أكون حزينه

قلت لا بد أن تسيري إلى الدا *** ر فقالت عسى أنا مجنونه

قلت سيري فإنني لك خير *** من أب راحم وأمّ حنونه

أنا نعم القرين إن كنت *** تبغين حلالا وأنت نعم القرينه

قالت اضرب عن وصل مثلي صفحا *** واضرب الخل أو تصير طحينه

لا أرى أن تمسني يد شيخٍ *** كيف أرضى به لطشتي مشينه

قلت ان كثير مال فقالت *** هبك أنت المبارز القارونه

ص: 125


1- القنينة : الزجاجة.

سيدي لا تخف عليّ خروجاً *** في عروضي ففطنتي موزونه

كل بحر إن شئت فيه اختبرني *** لا تكذب فإنني يقطينه

قال الشيخ تقي الدين بن سيد الناس : كانت له حمارة استعارها منه ناظر الشرقية ، فأعجبته ، فأخذها وجهز له ثمنها مائتي درهم ، فكتب على لسانها الى الناظر ، المملوكة حمارة البوصيري :

يا أيها السيد الذي شهدت *** أخلاقُه لي بأنه فاضل

ما كان ظني يبيعُني أحد *** قطّ ولكنّ صاحبي جاهل

لو جرسوه عليّ من سفه *** لقلت غيظاً عليه يستاهل

أقصى مرادي لو كنت في بلدي *** أرعى بها في جوانب الساحل

وبعد هذا فما يحل لكم *** أخذي لأني من سيدي حامل

فردها الناظر إليه ، ولم يأخذ الدراهم منه.

قال البوصيري : كنت قد نظمت قصائدا في مدح رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله منها : ما كان اقترحه على الصاحب زين الدين يعقوب بن الزبير ثم اتفق بعد ذلك أن أصابني فالج أبطل نصفي ، ففكرت في عمل قصيدتي هذه البردة ، فعملتها واستشفعت به إلى اللّه تعالى في أن يعافيني ، وكررت إنشادها ، وبكيت ، ودعوت ، وتوسلت ، ونمت فرأيت النبي صلی اللّه علیه و آله ، فمسح على وجهي بيده المباركة ، وألقى على بُردة ، فانتبهت ووجدت فيّ نهضةً ، فقمت وخرجت من بيتي ، ولم أكن أعلمت بذلك أحداً فلقيني بعض الفقراء ، فقال لي : أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقلت : أيها؟ فقال : التي أنشأتها في مرضك ، وذكر اولها ، وقال : لقد سمعتها البارحة. وهي

ص: 126

تنشد بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فرأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يتمايل ، وأعجبته ، وألقى على مَن أنشدها بردةً ، فأعطيته إياها ، وذكر الفقير ذلك ، وشاع المنام إلى أن اتصل بالصاحب بهاء الدين بن حنا فبعث إليّ وأخذها ، وحلف أن لا يسمعها إلا قائماً حافياً مكشوف الرأس ، وكان يحب سماعها هو وأهل بيته ، ثم إنه بعد ذلك أدرك سعد الدين الفارقي الموقّع رمدٌ أشرف منه على العمى ، فرأى في المنام قائلا يقول له : إذهب إلى الصاحب وخذ البردة واجعلها على عينيك فتعافى بإذن اللّه عز وجل ، فأتى إلى الصاحب وذكر منامه ، فقال : ما أعرف عندي من أثر النبي صلی اللّه علیه و آله بردة ، ثم فكّر ساعة وقال : لعل المراد قصيدة البردة التي للبوصيري يا ياقوت إفتح الصندوق الذي فيه الآثار وأخرج القصيدة للبوصيري وأت بها ، فأتى بها ، فأخذها سعد الدين ووضعها على عينيه ، فعوفى ومن ثم سميت البردة ، واللّه أعلم.

ومن أشهر مدائح لأهل البيت علیهم السلام قصيدته التي يقول فيها :

فقل لبني الزهراء والقول قربة *** بكل لسان فيهم أو حصائد

أحبّكم قلبي فأصبح منطقي *** يجادل عنكم حسبةً ويجالد

وهل حبكم للناس إلا عقيدة *** على اسّهافي اللّه تبنى القواعد

وان اعتقاداً خالياً من محبّة *** وودّ لكم آل النبي لفاسد

توفي بالاسكندرية سنة 694 وقيل 695 ه- من آثاره ديوان شعره المطبوع بمصر سنة 1955 م.

كان أحد أبويه من بوصير والآخر من دلاص.

ص: 127

ومن مدائحه في النبي صلی اللّه علیه و آله قصيدته الشهيرة التي أولها :

كيف ترقى رقيّك الأنبياء *** يا سماءً ما طاولتها سماءُ

وقصيدة على وزن ( بانت سعاد ) وأولها :

الى متى أنت باللذات مشغول *** وأنت عن كل ما قدمت مسؤل

ص: 128

سراج الدين الوراق

المتوفى سنة 695

قال فية نسمة السحر : وللسراج مراث في الحسين علیه السلام منها تعجيز مرثية أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي لما قتله بابك الخرمي في ايام المعتصم فنقلها السراج بشعاع قريحته الى رثاء الإمام وأجاد ، وله غير ذلك.

اقول مقتل بابك سنة 214.

ص: 129

قال الصفدي في فوات الوفيات.

عمر بن محمد بن حسن سراج الدين الوراق الشاعر المشهور والأديب المذكور ملكت ديوان شعره وهو في سبعة أجزاء كبار صخمة إلى الغاية وهذا الذي اختاره لنفسه وأثبته فلعل الأصل كان من حساب خمسة عشر مجلداً وكل مجلد يكون مجلدين فهذا الرجل أقل ما يكون ديوانه لو ترك جيده ورديّه في ثلاثين مجلداً ، وخطه في غاية الحسن والقوة والاصالة وكان حسن التخيل جيد المقاصد صحيح المعاني عذب التركيب قاعد التورية والاستخدام عارفاً بالبديع وأنواعه وكان أشقر أزرق وفي ذلك يقول :

ومن رآني والحمار مركبي *** وزرقتي للروم عرقٌ قد ضرَب

قال وقد أبصر وجهي مقبلاً : *** لا فارس الخيل ولا وجه العرب

وكان يكتب الدرج للامير يوسف سيف الدين أبي بكر بن أسبا سلار والى مصر وتوفي في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة رحمه اللّه تعالى : وقد قارب التسعين أو جاوزها بقليل ، وأكثر شعره في اسمه فمن ذلك :

وكنت حبيباً إلى الغانيات *** فألبسني الشيب بغض الحبيب

وكنت سراجاً بليل الشباب *** فأطفأ نورى نهار المشيب

وقال أيضا :

بُني اقتدي بالكتاب العزيز *** وراح لِبرّى سعياً وراجا

فما قال لي أف مذ كان لي *** لكوني أباً ولكوني سراجا

ص: 130

وقال أيضا :

وقالت : يا سراج علاك شيب *** فدع لجديده خلع العذار

فقلت لها : نهار بعد ليل *** فما يدعوك أنت إلى النفار

فقالت : قد صدقت وما علمنا *** بأضيع من سراج في نهار

وقال أيضاً :

إلهي قد جاوزت ستين حجة *** فشكراً لنعماك التي ليس تكفر

وعُمّرت في الاسلام فازددتُ بهجة *** ونوراً كذا يبدو السراج المعمر

وعمّم نور الشيب رأسي فسرني *** وما ساءني إن السراج منور

وقال أيضا :

طوت الزيادة إذ رأت *** عصر المشيب طوى الزياره

ثم انثنت لما انثنت *** بعد الصلابة كالحجارة

وبقيت أهرب وهي تسأل *** جارة من بعد جاره

وتقول : يا ست استرحنا *** لا سراج ولا مناره

وقال أيضا :

كم قطّع الجود من لسان *** قلد من نظمه النحورا

فها أنا شاعر سراج *** فاقطع لساني أزدك نورا

وقال أيضا :

أثنى عليّ الأنام إني *** لم أهج خلقاً ولو هجاني

ص: 131

فقلت لا خير في سراج *** إن لم يكن دافى اللسان

وقال أيضا وقد داعب بهما انا الحسين الجزار :

ربّ سامح ابا الحسين وسامحني *** فشأني وشأنه الإسلام

فذنوب الوراق كل جريح *** وذنوب الجزار كل عظام

وقال أيضا :

واخجلتي وصحائفي قد سوّدت *** وصحائف الأبرار في إشراق

وفضيحتي لمعنّف لي قائل : *** أكذا تكون صحائف الوراق

وقال أيضا :

وباخل يشنأ الأضياف حلّ به *** ضيف من الصبغ نزّال على القمم

سألته ما الذي يشكو فأنشدني *** ضيفٌ ألمّ برأسي غير محتشم )

وقال أيضا :

وضاع خصر لها ما زلت أنشده *** إذ رقّ لي ورثى للسقم من بدني

وقال لي بلسان من مناطقه : *** ( لولا مخاطبتي إياك لم ترني )

وقال أيضا :

دع الهوينا وانتصب للتقى *** واكدح فنفس المرء كدّاحه

وكن عن الراحة في معزل *** فالصفع موجود مع الراحه

وقال أيضا :

ص: 132

سألتهم وقد حثّوا المطايا *** قفوا نفساً فداروا حيث شاؤوا

وما عطفوا عليّ وهم غصونٌ *** وما التفتوا إلي وهم ظباء

وقال أيضا :

شمتُ برقاً من ثغرها الوضح *** والدجى سيره مَهيضُ الجناح

فتبارى شكّي به ويقيني *** هل تجلّى الصباح قبل الصباح

فأجابت متى تبسّم صبح *** عن حباب أو لؤلؤ أو أقاح

ومتى كان للصباح شميم المسك *** أو نكهة كصرف الراح

سل رحيقي المسكوب تسأل خبيراً *** باغتباق من خمرة واصطباح

قلت مالي وللسكارى فقالت *** أنت أيضاً من الهوى غير صاح

حجة من مليحة قطعتني *** هكذا كل حجة للملاح

لا ولحظ كفترة النرجس الغض *** وخّد كحمرة التفاح

ما تيقنت بل ظننت وما في الظن *** يا هذه كبير جناح

وكثيراً شبهت بالبدر والشمس *** وسامحت فارجعي للسماح

وافعلي ذامن ذاك واطّرحي القول *** اطراحي عليك قول اللاحي

وقال أيضا :

أحسن ما تنظر في صفحة *** عذار من أهوى على خدّه

يا قلم الريحان سبحان من *** خطك بالآس على ورده

وقال أيضا :

جاء عذار الذي أهيم به *** فجرد الوجد اي تجريد

وظنه آخر الغرام به *** مقيد جاهل بمقصودي

ص: 133

وما درى أن لام عارضه *** لام ابتداء ولام توكيد

وقال ايضا :

يا نازح الطيف من نومي يعاودني *** لقد بكيت لفقد النازحين دما

أوجبتَ غسلاً على عيني بأدمعها *** فكيف وهي التي لم تبلغ الحلما

وقال ايضا :

أقول وكفّيَ في خصرها *** يدور وقد كان يخفى على

أخذت عليك عهود الهوى *** وما في يدي منك يا خصرُشى

وفي نسمة السحر قوله ، وهو صادق :

وكان الناس أن مُدحوا أثابوا *** وللكرماء بالمدح افتخار

وكان العذر في وقت ووقت *** فصرنا لاعطاء ولا اعتذار

وترجم له ابن تغري في النجوم الزاهرة فقال : الامام الأديب البارع سراج الدين عمر بن محمد بن الحسين المصري المعروف بالسراج الوراق الشاعر المشهور مولده في العشر الأخير من شوال سنة خمس عشرة وستمائة ، ومات في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة ودفن بالقرافة وكان إماماً فاضلاً أديباً مكثراً متصرفاً في فنون البلاغة ومن شعره :

في خدّه ضلّ علم الناس واختلفوا *** أللشقائق أم للورد نسبته

فذاك بالخال يقضي للشقيق وذا *** دليله أنّ ماء الورد ريقته

وقال سراج الدين عمر بن محمد الوراق في الوحدة :

ص: 134

أفردتني الأيام عن كل خدن *** وأنيسٍ وصاحب وصديق

فلو أني مشيت في شهر آب *** لأبى الظل أن يكون رفيقي

إنما خصص آب من بين الشهور الرومية لأنه يكون قصير الظل في وسط النهار بخلاف الخريف وأوائل الشتاء فإنه يمتد الى أقدام كثيرة وقت الزوال أو لأنه يكون شامساً ضاحياً في غير الهند واليمن وبلاد السودان لعلّة ذكرت في علم الجغرافيا (1).

قصيدة أبي تمام المشهورة يرثي بها محمد بن حميد الطوسي لما قتل في حرب بينه وبين بابك الخرمي الخارج بخراسان أيام المعتصم باللّه محمد بن هارون الرشيد. ومطلع قصيدة أبي تمام :

كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر *** فليس لعين لم تفض ماءها عذر

ص: 135


1- عن نسمة السحر المخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة.

ص: 136

شعراء القرن الثامن

اشارة

الوفاة

علاء الدين علي بن مظفر الكندي الاسكندراني 716

علاء الدين الشفهيني تقريباً 730

ابن الوردي صاحب التاريخ 749

أبو الحسن علي بن عبد العزيز الخلعي حدود 750

السيد علي بن عبد الحميد بن فخار المعروف بالمرتضى 760

حسن المخزومي كان حياً 772

ص: 137

ص: 138

علاء الدين الوداعي

قال علاء الدين علي بن المظفر الكندي الاسكندراني المعروف بالوداعي المتوفي سنة 716.

عجباً لمن قتل الحسين وأهله *** حرّى الجوانح يوم عاشوراء

أعطاهم الدنيا أبوه وجده *** وعليه قد بخلوا بشربة ماء

وقال :

سمعت بأن الكحل للعين قوّة *** فكحلت في عاشور مقلة ناظري

لتقوى على سحّ الدموع على الذي *** أذاقوه دون الماء حرّ البواتر (1)

ص: 139


1- ذيل تاريخ ابن خلكان للصفدي رواها صاحب روضات الجنات.

قال السيد الأمين في الأعيان ج 42 ص 160.

علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمرو بن زيد الكندي :

كاتب ابن وداعة المعروف بالوادعي صاحب التذكرة الكندية في خمسين مجلداً. ولد بحلب سنة 640 وسافر الى دمشق فتوفي سنة 716.

كان فاضلاً أديباً شاعراً حاملاً لواء البديع في التورية وغيرها وكان ابن نباته عيالاً عليه وسارقاً منه وعقد ابن حجة له في الخزانة فصلاً لسرقاته منه وكان قد درس بالشام وشاركه الذهبي في السماع ، وكتب بديوان الانشاء. ومن شعره :

ترى يا جيرة الرمل *** يعود بقربكم شملي

وهل تقتص أيدينا *** من الهجران للوصل

وهل ينسخ لقياكم *** حديث الكتب والرسل

بروحي ليلة مرّت *** لنا معكم بذي الأثل

وساقينا وما يَملي *** وشادينا وما يُملي

وظبي من بني الأتراك *** حلو التيه والدل

له قدّ كغصن البان *** ميّال الى العدل

وطرف ضيق ويلاه *** من طعناته النُجل

أقول لعاذ لي فيه *** رويدك يا أبا جهل

فقلبي من بني تيم *** وعقلي من بني ذهل

ص: 140

وقوله :

سمعت بان الكحل للعين قوة

وقوله :

يا مالكاً صدق مواعيده *** خلى لنا في جوده مطمعا

لم نعد في السبت فما بالنا *** لم تأتنا حيتاننا شُرّعا

وقال على لسان صديق يهوى مليحا في أذنه لؤلؤة.

قد قلت لما مر بي *** مقرطقٌ يحكي القمر

هذا أبو لؤلؤة *** منه خذوا ثار عمر

وفي الدرر الكامنة : هو منسوب الى ابن وداعة عز الدين عبد العزيز بن منصور ابن وداعة الحلبي كان الناصر بن العزيز ولاه شد الدواوين بدمشق ثم ولاه الظاهر بيبرس وزارة الشام فكان علاء الدين الوداعي كاتبه فاشتهر بالنسبة اليه لطول ملازمته له. تلا السبع على علم الدين اللورقي وابن ابي الفتح وطلب الحديث من مَن سمع من ابن ابي طالب ابن السروي ومن عبداللّه بن الخشوعي وعبد العزيز الكفر طابي والصدر البكري وعثمن بن خطيب القرافة وابراهيم ابن الخليل قرأ عليه بنفسه المعجم الصغير للطبراني وابن عبد الدائم ومن بعدهم ، قال البرزالي جمعت شيوخه بالسماع من سنة اربعين فما بعدها فبلغوا نحو المائتين واشتغل في الآداب فمهر في العربية وقال الشعر فأجاد وكتب الدرج بالحصون مدة ثم دخل ديوان الانشاء في آخر عمره بعد سعي شديد وكان لسانه هجاء فكان الناس ينفرون عنه لذلك كان شديداً في مذهب

ص: 141

التشيع من غير سب ولا رفض ، وزعموا انه كان يخل بالصلاة وولي الشهادة بديوان الجامع ومشيخة الحديث النفيسية وجمع تذكرة في عدة مجلدات تقرب من الخمسين وقفها بالسميساطيه وهي كثيرة الفوائد. قال الذهبي لم يكن عنده ضوء في دينه وكان يخل بالصلاة ويرمى بعظائم وكانت الحماسة من محفوظاته ، حملني الشره على السماع من مثله ، قال ابن رافع سمع منه الحافظ المزي وغيره وكان قد سمع الكثير وقرأ بنفسه وحصل الاصول ومهر في الادب وكتب الخط المنسوب ، سألت الكمال الزملكاني عنه فقال اشتغل في شبيبته كثيراً بانواع من العلوم وقرأ بالسبع وقرأ الحديث وسمعه وحصل طرفاً من اللغة وكان له شعر في غاية الجودة فيه المعاني المستكثرة الحسان التي لم يسبق الى مثلها وكان يكتب للوزير ابن وداعه ويلازمه ثم نقصت حاله بعده ولم يحصل له انصاف من جهة الوصلة ولم يزل يباشر في الديوان السلطاني ، وقال البرزالي باشر مشيخة دار الحيث النفيسية عشرين سنة الى ان مات ( قال المؤلف ) نسبته الى الاخلال بالصلاة ناشئ عن عدم صَلاته أحياناً خلف مَن لا يعتقد عدالته فيظنون به ذلك والذهبي لم ير عليه ضوءاً في دينه لانه شيعي وكذلك الخفاش لا يرى الضوء ورميه بعظائم ليس إلا للتشيع. وكانت له ذؤابة بيضاء الى أن مات وفيها يقول :

يا عائبا مني بقاء ذؤابتي *** مهلا فقد أفرطتُ في تعييبها

قد واصلتني في زمان شبيبتي *** فعلام أقطعها أوان مشيبها

ومن لطائفه قوله :

ويوم لنا بالنيريين رقيقة *** حواشيه خال من رقيب يشينه

وقفنا فسلّمنا على الدوح غدوة *** فردّت علينا بالرؤوس غصونه

ص: 142

وله :

ولا تسألوني عن ليال سهرتها *** أراعي نجوم الأفق فيها الى الفجر

حديثي عال في السماء لأنني *** أخذت الأحاديث الطوال عن الزهر

وله وكتبهما عنه الرشيد الفارقي وكان يستجيدهما :

ولو كنت أنسى ذكره لنسيته *** وقد نشأت بين المحصب والحمى

سحابة لوم أرعدت ثم أبرقت *** بسمرٍ وبيض أمطرت عنهما دما

وله :

فتنت بمن محاسنه *** الى عرب النقى تنمي

عذار من بني لام *** وطرف من بني سهمِ

وعذالي بنو ذهل *** وحسّادي بنو فهمِ

وله :

خليلي لا تسقني *** سوى الصرف فهو الهني

ودع كأسها اطلسا *** ولا تسقني مع دني

وله :

قسماً بمرآك الجميل فانه *** عربيُّ حسنٍ من بني زهران

لا حلت عنك ولو رأيتك من بني *** لحيان لابل من بني شيبان

أخبرني أبو الحسن ابن أبي المجد بقراءتي أنشدنا الوداعي لنفسه اجازة وهو آخر من حدث عنه :

ص: 143

قال لي العاذل المفند فيها *** حين وافت وسلّمت مختاله

قم بنا ندعي النبوة في العش- *** -ق فقد سلّمت علينا الغزاله

وله :

إذا رأيت عارضا مسلسلاً *** في وجنة كجنة يا عاذلي

فاعلم يقينا أنني من أُمّة *** تقاد للجنة بالسلاسل

ونص على تشيعه في نسمة السحر وفوات الوفيات وتذكرة الحفاظ للذهبي ، والصفدي في تاريخه. له التذكرة الكندية ، قال ابن كثير الشامي في تاريخه إنه جمع كتاباً في خمسين مجلّداً فيه علوم جمّة أكثرها أدبيات سماه التذكرة الكندية وقفها بالسميساطية ( ا ه- ) ذكرها في كشف الظنون بثلاثة عناوين : تذكرة الوداعي والتذكرة العلائية والتذكرة الكندية.

وفي روضات الجنات نقلاً عن ذيل تاريخ ابن خلكان لصلاح الدين الصفدي قال : كان هذا الرجل شيعيّاً ودخل ديوان الانشاء بدمشق سنة إحدى عشر : وسبعمائة تقريباً أقول واستطرد في ترجمته وذكر له من الشعر قوله :

ذكرتُ شوقاً وعندي ما يصدقه *** قلب تقلّبه الذكرى وتقلقه

هذا على قرب دارينا ولا عجب *** فالطرف للطرف جارٌ ليس ترمقه

وفي النجوم الزاهرة قال : مات ببستانه في دمشق 17 رجب ودفن بالمزّة ( مزّة كلب ) قرية كبيرة غناء في وسط بساتين دمشق بينها وبين دمشق نصف فرسخ.

وفي الدرر الكامنة ، عرف بالوداعى لاختصاصه بابن وداعة وهو عز الدين عبد العزيز بن منصور ابن وداعة الحلبي ، كان الناصر بن عبد العزيز ولاه شد الدواوين ثم ولاه بيبرس وزارة الشام.

ص: 144

علاء الدين الشفهيني

قال من قصيدة :

وعليك خزي يا أميّة دائماً *** يبقى كما في النار دام بقاكِ

هلا صفحت عن الحسين ورهطه *** صفح الوصيّ أبيه عن آباك

وعففت يوم الطف عفّة جدّه المبعوث *** يوم الفتح عن طلقاك

أفهل يدٌ سلبت إماءَك مثلما *** سلبت كريماتِ الحسين يداك

أم هل برزن بفتح مكة حسراً *** كنسائه يوم الطفوف نساك

ص: 145

ابو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلي الشفهيني. عالم فاضل وأديب كامل وهو من المعاصرين للشهيد الأول المقتول سنة 786.

جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ ونظر صائب ونبوغ ظاهر وفضل باهر. قال في الطليعة هو من شعراء أهل البيت علیهم السلام وقصائده الرنانة السائرة بمعانيها العالية وحلّتها الفضفاضة. ترجمه كثير من العلماء الأعلام.

وقصائده السبع الطوال التي رآها صاحب رياض العلماء بخط العلامة الشيخ محمد بن علي بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفي سنة 841.

وقال المرحوم الخطيب الشيخ اليعقوبي في الجزء الأول من ( البابليات ) : أبو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين المعروف ب- الشفهيني. المتوفي في حدود الربع الاول من القرن الثامن والمدفون في الحلة حيث يعرف قبره الآن في محلة ( المهدية ) (1).

وكم تحرّيت قبره منقباً في الزوايا التي تحت قبّته لعلي أجد صخرة أو لوحة عليها تاريخ وفاته فلم أجد شيئا.

تحقيق نسبته :

يوجد في كثير من النسخ المخطوط منها والمطبوع اختلاف كثير في نسبته

ص: 146


1- وهو في الشارع العام الذي ينتهي قديماً الى باب كربلاء ( الحسين ) عن يسار الخارج من البلد تجاه مسجد صغير يحتمل أن يكون مسجده في القديم أو داره.

هذه ففي ال- ج 1 من كشكول الشيخ يوسف البحراني عند ذكر قصيدته الكافية « يا عين ما سفحت غروب دماك » بعنوان « الشهفيني » وكذلك في ( ج 2 ) منه عند ذكر قصيدته الرائية « أبرقٌ تراءى عن يمين ثغورها » بتقديم الهاء على الفاء وقرأت في آخر مجموعة للكفعمي بخطه ذكر فيها فهرس مصادر مجموعته ومنها « ديوان ابي الحسن الشهفيني » بتقديم الهاء على الفاء أيضا وذكره القاضي المرعشي في مجالس المؤمنين وأثنى عليه كثيراً وأثبت قسماً من قصيدته اللامية « نمّ العذار بعارضيه وسلسلا » بعنوان علي بن الحسين ( الشهيفيه ) وفي الرياض : وقيل في نسبته ابن الشفهينه وهو اسم امه وزعم بعضهم انه منسوب الى شفهين « قرية في جبل عامل أو البحرين » وليس في كلا القطرين قرية تعرف بهذا الاسم.

وذكره الشيخ داود الانطاكي صاحب التذكرة « من رجال القرن العاشر » في كتاب « تزيين الاسواق » ص 186 وقال عنه : - الأديب الحاذق علاء الدين ( الشاهيني ) وأثبت له بضعة أبيات من لاميته - نم العذار بعارضيه وسلسلا - أوردها شاهداً لما فيها من محاسن التشبيه.

وفي الذريعة في مادة ( ش ر ح ) شرح قصيدة الشيخ علي بن الحسين الشفهيني وفي بعض النسخ الشهفيني العاملي وهي مندرجة في ديوانه الكبير للشيخ السعيد الشهير أبي عبد اللّه محمد بن مكي الشهير سنة ست وثمانين وسبعمائة ذكره في الرياض بوصف الشفهيني وأشهر قصائده في مدح الأمير (عليه السلام) الكافية التي مطلعها :

ياعين ما سفحت غروب دماك *** إلا بما ألهمتُ حبّ دُماك

والثانية اللامية التي مطلعها : « نم العذار بعارضيه وسلسلا ».

ص: 147

قال شيخنا في الذريعة : واظن الشرح للثانية اللامية فانها أجمع من الأولى في فضائل الامام علیه السلام وحروبه ومواقفه.

قلت : - ليس الشرح للامية وإنما هو للدالية ما سيأتي.

وفي روضات الجنات في ترجمة الشهيد الأول محمد بن مكي عند ذكر مؤلفاته ومصنفاته قال ومنها شرحه على قصيدة الشيخ ابي الحسن علي بن الحسين المشتهر بالشهفيني « بتقديم الهاء على الفاء » العاملي في مدح سيدنا امير المؤمنين (عليه السلام) ، « المجنسة » وهي من جملة ديوانه الكبير ثم قال والعجب ان صاحب أمل الآمل مع حرصه على جمع فضلاء جبل عامل كيف غفل عن ذكر هذا الرجل الجليل الفاضل الكامل ثم كيف جهل بحال هذا الشرح حيث لم يذكره في جملة مؤلفات الشهيد. قلت : والعجب من صاحب الروضات كيف غفل عما ورد في القسم الثاني من أمل الآمل ففيه يقول الشيخ علي الشفهيني الحلي فاضل شاعر أديب له مدائح كثيرة في أمير المؤمنين وسائر الأئمة (عليهم السلام) فمنها قوله :

يا روح انس من اللّه البدئ بدا *** وروح قدس على العرش العليّ بدا

يا علة الخلق يا من لا يقارب خير *** المرسلين سواه مشبهٌ أبدا

يا من به كمل الدين الحنيف وللايمان *** من بعد وهنٍ ميله عضدا

يا صاحب النص في خمّ ومَن رفع *** النبي منه على رغم العدى عضدا

أنت الذي اختارك الهادي البشير أخاً *** وما سواك ارتضى من بينهم أحدا

أنت الذي عجبت منك الملائك في *** بدر ومن بعدها قد شاهدوا أحدا

مولاي دونكها بكرا منقحة *** ما جاورت غير مغنى ( حلّة ) بلدا

رقّت فراقت لذي علم وينكرُ *** معناها البليد ولا عتبٌ على البُلدا

أقول هذه القصيدة هي التي شرحها الشهيد بشرح دقيق اشتمل على فوائد

ص: 148

كثيرة ولما وقف المترجم على الشرح مدح الشارح بقطعة شعرية وإنما سميت ب- « المجنّسة » لماورد من الجناس اللفظي في كل مزدوج من أبياتها. وفي كتاب المزار من ( فلك النجاة ) للعلامة الشهير السيد مهدي القزويني الحلي في بيان قبور علماء الحلة كالمحقق والشيخ ورام وآل نما وآل طاووس وعدّ منها قبر « الشافيني » من غير هاء - ومن هنا يغلب على ظني بل يترجح لديّ أنه منسوب الى ( شيفيا ) أو ( شافيا ) وهي قرية على سبعة فراسخ من واسط ذكرها ياقوت في معجمه وذكر أسماء جماعة من أهلها والنسبة اليها « الشيفياني » أو الشافياني وانما حرفت من الرواة والنساخ الى شافيني وشفهيني وما شاكل ذلك. فلا يبعد أن يكون أصل المترجم منها.

وبعد ابتداء الخراب في واسط وما جاورها من القرى والضواحي على أثر سقوط الدولة العباسية وغارات التتار على البلاد هاجر المترجم الى الحلة لكونها في ذلك العهد دار الهجرة ومحط رِحال العلماء والأدباء :

حنينه الى وطنه :

ويؤكد ما رجحناه من عدم كونه ( حليا ) بالاصل حنينه في شعره الى بلد كان قد نشأ فيه واستوطنه قبل الحلة فتراه دائماً يتذمر من غربته في قصائده التي قالها في الحلة ويبكي لنأي أحبابه ويندب فيها عصر شبابه ومن ذلك قوله :

أبكي اشتياقاً كلما ذُكروا *** وأخو الغرام يهيجه الذكر

ورجوتهم في منتهى أجلي *** خلفاً فاخلف ظني الدهر

وأنا الغريب الدار في وطني *** وعلى اغترابي ينقضي العمر

وقوله أيضا من قصيدة ( حسينية )

وقد كنتُ أبكي والديار أنيسةٌ *** وما ظعنت للظاعنين قفولُ

ص: 149

فكيف وقد شطّ المزار وروّعت *** فريق التداني فرقة ورحيل

إذا غبتم عن ربع حلّة بابل *** فلا سحبت للسحب فيه ذيول

وما النفع فيها وهى غير أو اهل *** ومعهدها ممن عهدت محيل

تنكر منها عرفها فاهيلها *** غريب وفيها الأجنبي أهيل

وقوله في أخرى :

أقسمت يا وطني لم يهننى وطري *** مذ بان عني فيك البان والأثل

لي بالربوع فؤاد منك مرتبع *** وفي الرواحل جسمٌ عنك مرتحل

لا كنت إن قادني عن قاطنيك هوى *** أو مال بي مللٌ أو حال بي حول

نظرة في شعره ونماذج منه :

اتفق المترجمون له على أنه كان عالماً أديباً وشاعراً طويل النفس للغاية

يغلب على شعره الجناس والطباق وغيرهما من المحسنات البديعية وقد نشأ في العصر الذي فسدت فيه معاني الشعر العربي والفاظه ، أما المعاني فتكاد تكون مقصورة على المدح والرثاء والاستجداء وتأليه الكبراء من ذوي المال والسلطان وفي ذلك ما فيه من الكذب والافراط في الغلو. وأما الالفاظ وقد أصبحت وكأن الغاية منها التنميق والمجانسات البديعية وتنسيق الكلمات المعجمة والمهملة وكيف يقابل الشاعر بعضها ببعض في الصدور والاعجاز بعيداً عن أساليب العربية. ولغتها الفصحى كما تجد ذلك في شعر ابن نباتة وابن حجة والصفي والصفدي وأضرابهم من شعراء ذلك العصر بيد ان شيخنا علاء الدين تتجلى لك براعته وعبقريته في امتياز شعره الذي قاله في اهل البيت (عليهم السلام) - وليس بين ايدينا غيره - بقوّة المعاني وسلاسة المباني ومتانة الاسلوب مع ما فيه من المحسنات البديعية التي كأنها تأتيه عفواً بلا تكلّف وتطاوعه من

ص: 150

غير قصد. وله ديوان شعر كبير اكثره في مدح اهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم ، لا تكاد تخلو معظم المجاميع المخطوطة عن شيء منه واشهر قصائده السبع الطوال التي رآها صاحب « رياض العلماء » بخط العلامة محمد بن علي الجبعي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفي سنة 841 وهي عندي ايضاً بخط جميل على ورق صقيل ضمن مجموعة كبيرة كتبها الأديب الشيخ لطف اللّه الجد حفصي البحراني سنة 1201 ولو تصدى ( مؤرخ أديب ) لشرحها وسرد ما تضمنته من القضايا التأريخية والفضائل العلوية والمواقف الحيدرية لكانت خيرة كتب الأدب والتاريخ.

اقول وهذه السبع الطوال نذكرها بالتسلسل.

القصيدة الاولى.

يا عين ما سفحت غروب دماكِ *** إلا بما أُلهمت حُبّ دماك

ولطول إلفك بالطلول أراك *** أقماراً بزغنَ على غصون أراكِ

ما ريق دمعك حين راق لك الهوى *** إلا لأمر في عناك عناكِ

لك ناظرٌ في كل عضو ناضرٍ *** منّاك تسويفاً بلوغ مناك

كم نظرة أسلفت نحو سوالف *** سامت أساك بها علاج أساك

فجنيتِ دون الورد ورداً متلفاً *** وانهار دون شفاك فيه شفاك

يا بانة السعدي ما سَلت ظُباك *** عليّ الا من جفون ظِباك

شعبت فؤادي في شعابك ظبية *** تصمي القلوب بناظر فتاك

تبدو هلال دجى وتلحظ جؤذراً *** وتميس دلاً في منيع حماك

شمس تبوّءت القلوب منازلاً *** مأنوسة عوضاً عن الأفلاك

سكنت بها فسكونها متحرك *** وجسومها ضعفت بغير حراكِ

أسديّة الآباء الا أن منتسب *** الخؤولة من بني الاتراك

ص: 151

أشقيقه الحسبين هل من زورة *** فيها يُبلّ من الضنا مضناكِ؟

ماذا يضرّك يا ظبيّه بابل *** لو أنّ حسنك مثله حسناكِ؟

أنكرت قتل متيم شهدت له *** خدّاك ما صنعت به عيناك؟

وخضبت من دمه بناتك عنوة *** وكفاك ما شهدت به كفاكِ؟

حجبتك عن أسد اسود عرينها *** وحماك لحظك عن اسود حماكِ

حجبوك عن نظري فيا لله ما *** أدناك من قلبي وما أقصاك

ضنّ الكرى با لطيف منك فلم يكن *** إسراك بل هجر الكرى أُسراكِ

ليت الخيال يجود منك بنظرة *** ان كان عزّ على المحب لقاكِ

فأرقت أرض الجامعين فلا الصبا *** عذب ولا طرف السحائب باكي

كلا ولا برد الكلابيد الحيا *** فيها يحاك ولا الحمام يحاكي

ودّعت راحلة فكم من فاقد *** باكٍ وكم من مسعف متباكي

أبكى فراقكم الفريق فأعين *** المشكوّ تبكي رحمة للشاكي

كنّا وكنت عن الفراق بمعزل *** حتّى رمانا عامداً ورماكِ

وكذا الأولى من قبلنا بزمانهم *** وثقوا فصيّرهم حكاية حاكي

يا نفس لو أدركتِ حظا وافراً *** لنهاكِ عن فعل القبيح نهاك

وعرفت من أنشاكِ من عدم إلى *** هذا الوجود وصانعاً سوّاك

وشكرتِ منّته عليك وحسن ما *** أولاك من نعمائه مولاك

أولاك حبّ محمد ووصيّه *** خير الأنام فنعم ما أولاكِ

فهما لعمرك علّماك الدين في *** الأولى وفي الأخرى هما عَلماك

وهما أمانك يوم بعثك في غدٍ *** وهما إذا انقطع الرجاء رجاك

وإذا وقفتِ على الصراط تبادرا *** فتقدّماك فلم تزل قدماك

وإذا انتهيت إلى الجنان تلقّيا *** ك وبشّراكِ بها فيا بشراك

ص: 152

هذا رسول اللّه حسبك في غدٍ *** يوم الحساب إذا الخليل جفاك

ووصيّه الهادي أبو حسنٍ إذا *** أقبلت ظامية إليه سقاك

فهو المشفّع في المعاد وخير من *** عاقت به بعد النبي يداك

وهو الذي للدين بعد خموله *** حقاً أراك فهذّبت آراكِ

لولاه ما عرف الهدى ونجوتِ من *** متضايق الأشراك والإشراك

هو فلك نوح بين ممتسك به *** ناجٍ ، ومطّرح مع الهُلاكِ

كم مارقٍ من مازقٍ قد غادرت *** مزقاً حدود حسامه الفتاك

سل عنه بدراً حين بادر قاصم *** الأملاك قائد موكب الأملاك

مَن صبّ صوب دم الوليد ومن ترى *** أخلا من الدهم الحماة حماك؟

واسئل فوارسها بأحد مَن ترى *** ألقاك وجه الحتف عند لقاكِ؟

وأطاح طلحة عند مشتبك القنا *** ولواك قسرا عند نكسِ لواك؟

واسئل بخيبر خابريها مَن ترى *** عفّي فناك ومن أباح فناك؟

وأذاق مرحبك الردى وأحلّه *** ضيق الشباك وفل حد شباكِ؟

واستخبري الأحزاب لماجرّدت *** بيض المذاكي فوق جرد مذاكي

واستشعرت فرقاً جموعك إذ غدت *** فرقاً وأدبر إذ قفاك قفاك

قد قلتُ حين تقدّمته عصابة *** جهلوا حقوق حقيقة الادراك

لا تفرحي فبكثر ما ستعذبتِ في *** أولاك قد عذّبت في أخراك

يا أمّة نقضت عهود نبيّها *** أفمن إلى نقض العهود دعاك

وصاك خيراً بالوصي كأنّما *** متعمداً في بغضه وصّاك

أو لم يقل فيه النبي مبلّغاً *** هذا عليّك في العلى أعلاك

وأمين وحي اللّه بعدي وهو في *** إدراك كل قضية أدراكِ

والمؤثر المتصدق الوهاب إذ *** الهاك في دنياك جمع لهاك

إياك ان تتقدّميه فإنه *** في حكم كلّ قضيّة أقضاك

ص: 153

فأطعت لكن باللسان مخافةً *** من بأسه والغدر حشو حشاكِ

حتى إذا قبض النبي ولم يطل *** يوماً مداك له سننت مداكِ

وعدلت عنه إلى سواه ضلالةً *** ومددت جهلاً في خطاك خطاك

وزويت بضعة أحمد عن إرثها *** ولبعلها إذ ذاك طال أذاك

يا بضعة الهادي النبي وحق من *** أسماك حين تقدّست أسماك

لا فاز من نار الجحيم معاندٌ *** عن إرث والدك النبي زواك

يا يتم لا تمت عليك سعادة *** وعداك متمسكا بحبل عداك

لولاك ما ظفرت علوج أُمية *** لكن دعاك الي الشقاء شقاذ

تاللّه ما نلت السعادة إنما *** أهواكِ في نار الجحيم هواك

أنّى استقلت وقد عقدت لآخر *** حُكماً فكيف صدقت في دعواك

ولأنت اكبر يا عديّ عداوة *** واللّه ما عضد النفاق سواك

لا كان يوم كنت فيه وساعة *** فض النفيل بها ختام صهاك

وعليك خزي يا امية دائما *** يبقى كما في النار دام بقاك

هلا صفحت عن الحسين ورهطه *** صفح الوصي أبيه عن آباك؟

وعففت يوم الطف عفّة جدّه *** المبعوث يوم الفتح عن طلقاك؟

أفهل يدٌ سلبت إماءك مثل ما *** سلبت كريمات الحسين يداك؟

أم هل برزن بفتح مكّة حسّرا *** كنسائه يوم الطفوف نساك؟

يا أمة باءت بقتل هداتها *** أفمن إلى قتل الهداة هداك؟

أم اي شيطان رماك بغيّه؟ *** حتى عراك وحلّ عقد عُراك

بئس الجزاء لأحمد في آله *** وبنيه يوم الطف كان جزاك

فلئن سررت بخدعة أسررت في *** قتل الحسين فقد دهاك دُهاكِ

ما كان في سلب ابن فاطم ملكه *** ما عنه يوماً لو كفاك كفاك

ص: 154

لهفي على الجسد المغادر بالعرا *** شلواً تقلبّه حدود ظُباك

لهفي على الخد التريب تخدّه *** سفهاً بأطراف القنا سُفهاك

لهفي لآلك يا رسول اللّه في *** أيدي الطغاة نوائحاً وبواكي

ما بين نادبة وبين مروعة *** في أسر كل معاندٍ أفّاك

تاللّه لا أنساك زينب والعدا *** قسراً تجاذب عنكِ فضل رداك

لم أنس لا واللّه وجهك إذ هوت *** بالردن ساترةً له يمناك

حتى إذا همّوا بسلبك صحت باسم *** أبيك واستصرخت ثمّ أخاك

لهفي لندبك باسم ندبك وهو *** مجروح الجوارح بالسياق يراك

تستصرخيه أسى وعز عليه أن *** تستصرخيه ولا يُجيب نداك

واللّه لو أن النبي وصنوه *** يوماً بعرصة كربلا شهداك

لم يمس منهتكا حماكِ ولم تمط *** يوماً اميّة عنك سجف خباك

يا عين إن سفحت دموعك فليكن *** أسفاً على سبط الرسول بكاكِ

وابكي القتيل المستضام ومَن بكت *** لمصابه الأملاك في الأفلاك

اقسمت يا نفس الحسين أليّة *** بجميل حسن بلاكِ عند بلاك

لو ان جدك في الطفوف مشاهد *** وعلى التراب تريبة خدّاك

ما كان يؤثر أن يرى حر الصفا *** يوماً وطاك ولا الخيول تطاك

أو أن والدك الوصيّ بكربلا *** يوماً على تلك الرمول يراك

لفداك مجتهداً وودّ بأنّه *** بالنفس من ضيق الشراك شراك

قد كنت شمساً يستضاء بنورها *** يعلو على هام السماك سماك

وحمىً يلوذ به المخوف ومنهلاً *** عذباً يصوب نداك قبل نداك

ما ضرّ جسمك حرّ جندلها وقد *** أضحى سحيق المسك ترب ثراك

فلئن حرمت من الفرات وورده *** فمن الرحيق العذب ريّ صداك

ولئن حرمت نعيمها الفاني؟ فمن *** دار البقاء تضاعفت نعماك

ص: 155

ولئن بكتك الطاهرات لوحشة *** فالجور تبسم فرحةً بلقاك

ما بتّ في حمر الملابس غدوةً *** إلا انثنت خضراً قبيل مساك

اني ليقلقني التلهف والأسى *** إذ لم أكن بالطف من شهداك

لأقيك من حر السيوف بمهجتي *** وأكون إذ عز الفداء فداك

ولئن تطاول بعد حينك بيننا *** حينٌ ولم أك مسعداً سعداك؟

فلا بكينك ما استطعت بخاطرٍ *** تحكي غرائبه غروب مداك

وبمقول ذرب اللسان أشد من *** جند مجنّدة على أعداك

ولقد علمت حقيقة وتوكلاً *** أنّي سأسعد في غدٍ بولاك

وولاء جدّك والبتول وحيدرٍ *** والتسعة النجباء من أبناكِ

قوم عليهم في المعاد توكّلي *** وبهم من الأسر الوثيق فكاكي

فليهن عبدكم « عليّاً » فوزه *** بجنان خلد في حنان علاك

صلّى عليك اللّه ما أملاكه *** طافت مقدّسة بقدس حماك

القصيدة الثانية :

أبرق تراءى عن يمين ثغورها *** أم ابتسمت عن لؤلؤ من ثغورها

ومرّت بليل في بَليل عراصها *** بنا نسمةٌ أم نفحة من عبيرها

وطلعة بدرٍ أم تراءت عن اللوى *** لعينيك ليلى من خلال ستورها

نعم هذه ليلى وهاتيك دارها *** بسقط اللوى يغشاك لئلاء نورها

سلام على الدار التي طالما غدت *** جلاءاً لعيني درّة من درورها

وما عطفت بالصب ميلاً إلى الصبا *** بها شغفاً إلا بدور بدورها

قضيت بها عصر الشباب بريئة *** من الريب ذاتى مع ذوات خدورها

أتم جمالاً من جميل وسودداً *** وأكثر كسباً للعلى من كثيرها

ص: 156

وبتُّ بريئاً من دنوّ دناءة *** أعاتب من محظورها وخطيرها

لعلمي بأنّي في المعاد مناقش *** حساباً على قطميرها ونقيرها

وما كنت من يسخو بنفس نفيسة *** فأرخص بذلاً سعرها بسعيرها

وأجمل ما يعزى الى المجد عزوة *** غداً سفراً بالبشر وجه بشيرها

أعذرٌ لمبيض العذار إذا صبا؟ *** وأكبر مقتاً صبوة من كبيرها

كفى بنذير الشيب نهياً لذي النهى *** وتبصرةً فيها هدى لبصيرها

وما شبت إلا من وقوع شوائب *** لأصغرها يبيض رأس صغيرها

ولولا مصاب السبط بالطف ما بدا *** بليل عذاري السبط وخط قتيرها

رمته بحرب آل حرب وأقبلت *** إليه نفورا في عداد نفورها

تقود اليه القود في كل جحفل *** إلى غارة معتدَّة من مغيرها

وما عدلت في الحكم بل عدلت به *** وقايع صفين وليل هريرها

وعاضدها في غيّها شرّ أمّة *** على الكفر لم تسعد برأي مشيرها

خلاف سطور في طروس تطلّعت *** طلايع غدرٍ في خلال سطورها

فحين أتاها واثق القلب أصبحت *** نواظرها مزوِّرة غبّ زورها

فما أوسعت في الدين خرقاً ولا سعت *** إلى جورها إلا لترك ُأجورها

بنفسي إذ وافى عصاة عصابة *** غرار الضبا مشحوذة من غرورها

قؤولاً لأنصارٍ لديه وأسرةٍ *** لذي العرش سِرّ مودع في صدورها

أعيذكم أن تطعموا الموت فاذهبوا *** بمغفرةٍ مرضيّة من غفورها

فاجمل في رد الندا كلّ ذي ندى *** ينافس عن نفس بما في ضميرها

أعن فرق نبغي الفراق وتصطلي *** وحيداً بلا عون شرار شرورها؟

وما العذر في اليوم العصيب لعصبة *** وقد خفرت يوماً ذمام خفيرها؟

وهل سكنت روح الى روح جنّة *** وقد خالفت في الدين أمر أميرها؟

أبى اللّه إلا أن تراق دماؤنا *** وتصبح نهباً في أكف نسورها

ص: 157

وثابوا الى كسب الثواب كأنهم *** أسود الشَّرى في كرّها ورئيرها

تهشّ إلى الاقدام علماً بأنها *** تحلُّ محلَّ القدس عند مصيرها

قضت فقضت في جنة الخلد سؤلها *** وسادت على أحبارها بحبورها

وهان عليها الصعب حين تأملت *** إلى قاصرات الطرف بين قصورها

وما أنس لا أنسى ( الحسين ) مجاهداً *** بنفسٍ خلت من خلّها وعشيرها

يصول إذا زرق النصول تأوّهت *** لنزع قني أعجمت من صريرها

ترى الخيل في أقدامها منه ما ترى *** محاذرة إن أمّها من هصورها

فتصرف عن بأس مخافة بأسه *** كما جفلت كدر القطا من صقورها

يفلّق هاماة الكماة حسامه *** له بدلاً من جفنها وجفيرها

فلا فرقه إلا وأوسع سيفه *** بها فرقاً أو فرقة من نفورها

أجدّك هل سمر العواسل تجتنى *** لكم عسلاً مستعذباً من مريرها؟

أم استنكرت انس الحياة نفاسة *** نفوسكُم فاستبدلت أنس حورها؟

بنفسي مجروح الجوارح آيساً *** من النصر خلواً ظهره من ظهيرها

بنفسي محزوز الوريد معفّراً *** على ظمأ من فوق حرّ صخورها

يتوق إلى ماء الفرات ودونه *** حدود شفار أحدقت بشفيرها

قضى ظامياً والماء يلمع طامياً *** وغودر مقتولاً دوين غديرها

هلال دُجاً أمسى بحدّ غروبها *** غروباً على قيعانها ووعورها

فيا لك مقتولاً علت بهجة العلى *** به ظلمة من بعد ضوء سفورها

وقارن قرن الشمس كسف ولم تعد *** نظارتها حزناً لفقد نظيرها

وأعلنت الأملاك نوحاً وأعولت *** له الجنّ في غيطانها وحفيرها

وكادت تمور الأرض من فرط حسرة *** على السبط لولا رحمة من مُميرها

ومرت عليهم زعزع لتذيقهم *** مرير عذاب مهلك بمريرها

أسفت وقد آبو نجيّاً ولم ترح *** لهم دابر مقطوعة بدبورها

ص: 158

واعجب إذ شالت كريم كريمها *** لتكبيرها في قتلها لكبيرها

فيا لك عيناً لا تجفُّ دموعها *** وناراً يذيب القلب حرُّ زفيرها

على مثل هذا الرزؤ يستحسن البكا *** وتقلع منَّا أنفس عن سرورها

أيقتل خير الخلق أمّاً ووالداً *** وأكرم خلق اللّه وابن نذيرها؟

ويمنع من ماء الفرات وتغتدي *** وحوش الفلا ريّانةً من نميرها؟

أجلّ ( حسيناً ) أن يمثل شخصه *** بمثلة قتل كان غير جديرها

يدير على رأس السنان برأسه *** سنان ألا شلّت يمين مديرها

ويؤتى بزين العابدين مكبلاً *** أسيراً ألا روحي الفدا لأسيرها

يقاد ذليلاً في القيود ممثّلا *** لأكفر خلق اللّه وابن كفورها

ويمسى يزيد رافلاً في حريره *** ويمسي حسينُ عارياً في حرورها

ودار بنى صخر بن حرب أنيسة *** بنشد أغانيها وسكب خمورها

تظلُّ على صوت البغايا بغاتها *** بها زمر تلهو بلحن زمورها

ودار عليّ والبتول واحمد *** وشبّرها مولى الورى وشبيرها

معالمها تبكي على علمائها *** وزائرها يبكي لفقد مزورها

منازل وحي أقفرت فصدورها *** بوحشتها تبكي لفقد صدورها

تظل صياماً أهلها ففطورها *** التلاوة والتسبيح فضل سحورها

إذا جنّ ليل زان فيه صلاتهم *** صلات فلا يحصى عداد يسيرها

وطول على طول الصلاة ومن غدا *** مقيماً على تقصيره في قصيرها

قفا نسأل الدار التي درس البلى *** معالمها من بعد درس زبورها

متى أفلت عنها شموس نهارها *** وأظلم ظلماً أفقها من بدورها

بدور بأرض الطف طاف بها الردى *** فأهبطها من جوّها في قبورها

كواسر عقبان عليها تعاقبت *** بغاث بغات إذ نأت عن وكورها

قضت عطشاً والماء طام فلم تجد *** لها منهلاً إلا دماء نحورها

ص: 159

عراة عراها وحشة فأذاقها *** وقد رميت بالهجر حرّ هجيرها

ينوح عليها الوحش من طول وحشة *** وتندبها الأصداء عند بكورها

سيسأل تيم عنهُم وعدّيها *** أوائلها ما أكَّدت لأخيرها

ويسأل عن ظلم الوصي وآله *** مشير غواة القوم من مستشيرها

وما جرَّ يوم الطف جور أمية *** على السبط إلا جرأة ابن أجيرها

تقمصها ظلماً فأعقب ظلمه *** تعقب ظلم في قلوب حميرها

فيا يوم عاشوراء حسبك إنك *** المشوم وإن طال المدى من دهورها

لأنت وإن عظمت أعظم فجعة *** وأشهر عندي بدعة من شهورها

فما محن الدنيا وإن جلَّ خطبها *** تشاكل من بلواك عشر عشيرها

بني الوحي هل من بعد خبرة ذي العلى *** بمدحكم من مدحةٍ لخبيرها

كفى ما أتى في ( هل أتى ) من مديحكم *** وأعرافها للعارفين وطورها )

إذا رمت أن أجلو جمال جميلكم *** وهل حصر ينهى صفات حصورها

تضيق بكم ذرعاً بحور عروضها *** ويحسدكم شحّاً عريض بحورها

منحتكم شكراً وليس بضايع *** بضائع مدحٍ منحة من شكورها

أقيلوا عثاري يوم لا فيه عثرة *** تقال إذا لم تشفعوا لعثورها

فلي سيئات بتُّ من خوف نشرها *** على وجل أخشى عقاب نشورها

فما مالك يوم المعاد بمالكي *** إذا كنتم لي جنّة من سعيرها

وإني لمشتاق إلى نور بهجة *** سنا فجرها يجلو ظلام فجورها

ظهور أخي عدل له الشمس آية *** من الغرب تبدو معجزاً في ظهورها

متى يجمع اللّه الشتات وتجبر *** القلوب التي لا جابر لكسيرها؟

متى يظهر المهديُّ من آل هاشم *** على سيرة لم يبق غير يسيرها؟

متى تقدم الرايات من أرض مكّة *** ويضحكني بشراً قدوم بشيرها؟

وتنظر عيني بهجةً علوية *** ويسعد يوماً ناظري من نضيرها

ص: 160

وتهبط أملاك السماء كتائباً *** لنصرته عن قدرة من قديرها

وفتيان صدقٍ من لوي بن غالب *** تسير المنايا رهبة لمسيرها

تخا لهم فوق الخيول أهلّةً *** ظهرن من الأفلاك أعلا ظهورها

هنالك تعلو همّة طال همها *** لإدراك ثارٍ سالفٍ من مثيرها

وإن حان حيني قبل ذاك ولم يكن *** لنفس ( عليّ ) نصرة من نصيرها

قضى صابراً حتّى انقضاء مراده *** وليس يضيع اللّه أجر صورها

القصيدة الثالثة

ذهب الصبا وتصرّم العمرُ *** ودنا الرحيل وقوّض السفرُ

ووهت قواعد قوّتي وذوى *** غصن الشبيبة وانحنى الظهرُ

وبكت حمايم دوحتي أسفاً *** لمّا ذوت عذباتها الخضرُ

وخلت من الينع الجنيّ فلا *** قطف بها يجنى ولا زهرُ

وتبدَّلت لذهاب سندسها *** ذهبيّة أوراقها الصفرُ

وتغيبت شمس الضحى فخلى *** للبيض عن أوطاني النفرُ

وجفونني بعد الوصال فلا *** هدي يقرّبني ولا نحرُ

وهجرن بيتي أن يطفن به *** ولهنّ في هجرانه عذرُ

ذهبت نضارة منظري وبدا *** في جنح ليل عذاري الفجرُ

وإذا الفتى ذهبت شبيبته *** فيما يضرَّ فربحه خسرُ

وعليه ما اكتسبت يداه إذا *** سكن الضريح وضمَّه القبرُ

وإذا انقضى عمر الفتى فرطاً *** في كسب معصية فلا عمرُ

ما العمر إلا ما به كثرت *** حسناته وتضاعف الأجرُ

ولقد وقفت على منازل من *** أهوى وفيض مدامعى غمرُ

ص: 161

وسألتها لو أنها نطقت *** أم كيف ينطق منزل قفرُ

يا دار هل لك بالأولى لحلوا *** خَبر؟ وهل لمعالم خُبرُ؟

أين البدور بدور سعدك يا *** مغنى؟ وأين الأنجم الزهرُ؟

أين الكفاة ومن أكفّهم *** في النايبات لمعسر يسرُ؟

أين الربوع المخصبات إذا *** عفت السنون وأعوز البشرُ

أين الغيوث الهاطلات إذا *** بخل السّحاب وأنجم القطرُ؟

ذهبوا فما وابيك بعدهُمُ *** للنّاس نيسان ولا غمرُ

تلك المحاسن في القبور على *** مر الدهور هوامدٌ دثرُ

أبكي اشتياقاً كلما ذكروا *** وآخو الغرام يهيجه الذكرُ

ورجوتهم في منتهى أجلي *** خلفاً فاخلف ظنّي الدهرُ

فأنا الغريب الدار في وطني *** وعلى اغترابي ينقضي العمرُ

يا واقفاً في الدار مفتكراً *** مهلاً فقد أدوى بك الفكرُ

إن تمس مكتئباً لبينهمُ *** فعقيب كلِّ كآبة وزرُ

هلا صبرت على المصاب بهم *** وعلى المصيبة يحمد الصبرُ

وجعلت رزءك في الحسين ففي *** رزء ابن فاطمة لك الأجر

مكروا به أهل النفاق وهل *** لمنافق يستبعد المكرُ؟

بصحايف كوجوههم وردت *** سوداً وفحو كلامهم هجرُ

حتّى أناخ بعقر ساحتهم *** ثقةً تأكّد منهم الغدرُ

وتسارعوا لقتاله زمراً *** ما لا يحيط بعدّه حصرُ

طافوا بأروع في عرينته *** يحمى النزيل ويأمن الثغرُ

جيش لهام يوم معركة *** وليوم سلمٍ واحد وترُ

فكأنَّهم سرب قد اجتمعت *** إلفاً فبدّد شملها صقرُ

أو حاذر ذو لبدة وجمت *** لهجومه في مرتع عفرُ

ص: 162

يا قلبه وعداه من فرق *** فرق وملؤ قلوبهم ذعرُ

أمن الصّلاب الصّلب أم زبر *** طبعت وصبَّ خلالها قطرُ

وكأنه فوق الجواد وفي متن *** الحسام دماؤهم هدرُ

أسد على فلكٍ وفي يده *** المرّيخ قاني اللون محمرُ

حتى إذا قرب المدى وبه *** طاف العدى وتقاصر العمرُ

أردوه منعفراً تمجُّ دماً *** منه الظبى والذبّل السمرُ

تطأ الخيول إهابه وعلى ال- *** -خدّ التريب لوطيها أثرُ

ظامٍ يبلّ أوام غلًته *** ريّاً يفيضُ نجيعه النحرُ

تأباه إجلالا فتزجرها *** فئة يقود عصاتها شمرُ

فتجول في صدر أحاط على *** علم النبوّة ذلك الصدرُ

بأبي القتيل ومن بمصرعه *** ضعف الهدى وتضاعف الكفرُ

بأبي الذي أكفانه نُسجت *** من عثيرٍ وحنوطه عفرُ

ومغسّلاً بدم الوريد فلا *** ماءُ أُعدّ له ولا سدرُ

بدر هوى من سعده فبكا *** لخمود نور ضيائه البدرُ

هوت النسور عليه عاكفةً *** وبكاه عند طلوعه النسرُ

سلبت يد الطلقاء مغفره *** فبكى لسلب المغفر الغفرُ

وبكت ملائكة السّماء له *** حزناً ووجه الأرض مغبرُّ

والدَّهر مشقوق الرداء ولا *** عجبٌ يشق رداءه الدهرُ

والشمس ناشرة ذوائبها *** وعليه لا يستقبح النشرُ

برزت له في زيّ ثاكلة *** أثيابها دمويَّة حمرُ

وبكت عليه المعصرات دماً *** فأديم خد الأرض محمرُ

لا عذر عندي للسّماء وقد *** بخلت وليس لباخل عذرُ

وكريمة المقتول يوجد من *** دمه على أثوابها أثرُ

ص: 163

بأبي كريمات « الحسين » وما *** من دونهن لناظر سترُ

لا ظلُّ سجف يكتنفن به *** عن كلِّ أفّاك ولا خدرُ

ما بين حاسرة وناشرة *** برزت يواري شعرها العشرُ

يندبن أكرم سيّد ظفرت *** لأقلِّ أعبده به ظفرُ

ويقلن جهراً للجواد وقد *** أمّ الخيام : عُقرت يا مهرُ

ما بال سرجك يا جواد من الن- *** -دب الجواد أخي العلا صفرُ؟

آهاً لها نار تأجج في *** صدري فلا يطفى لها حرُّ

أيموت ظمآنا « حسين » وفي *** كلتا يديه من الندى بحرُ؟

وبنوه في ضيق القيود ومن *** ثقل الحديد عليهم وقرُ

حملوا على الأقتاب عارية *** شعثاً وليس لكسرهم جبرُ

تسري بهم خوص الركاب *** وللطلقاء في أعقابها زجرُ

لا راحم لهم يرقُّ ولا *** فيما أصابهمُ له نكرُ

ويزيد في أعلا القصور له *** تشدو القيان وتسكب الخمرُ

ويقول جهلاً والقضيب به *** تدمي شفاة ( حسين ) والثغرُ

يا ليت أشياخي الأولى شهدوا *** لسراة هاشم فيهم بدرُ

شهدوا الحسين وشطر أسرته *** أسرى ومنهم هالك شطرُ

إذ لا ستهلوا فيهم فرحاً *** كأبي غداة غزاهم بسرُ (1)

ويقول وزراً إذ بطشت بهم *** لا خفّ عنه ذلك الوزرُ

زعموا بأن سنعود ثانية *** وأبيك لا بعث ولا نشرُ

ص: 164


1- اشارة ليوم صفين وما فعله بسر بن ارطاة من القسوة وسفك الدماء وإخافة الأبرياء.

يا بن الهداة الأكرمين ومن *** شرف الفخار بهم ولا فخرُ

قسماً بمثواك الشريف وما *** ضمت منى والركن والحجرُ

فهم سواء في الجلالة إذ *** بهم التمام يحلّ والقصرُ

تعنو له الألباب تلبية *** ويطوف ظاهر حجره الحجرُ

ما طائر فقد الفراخ فلا *** يؤويه بعد فراخه وكرُ

بأشدّ من حزني عليك ولا *** الخنساء جدّد حزنها صخرُ

ولقد وددت بأن أراك وقد *** قلّ النصير وفاتك النصرُ

حتّى أكون لك الفداء كما *** كرماً فداك بنفسه الحرُ

ولئن تفاوت بيننا زمن *** عن نصركم وتقادم العصرُ

فلا بكيّنك ما حييت أسى *** حتّى يواري أعظمي القبرُ

ولا منحنّك كل نادبةٍ *** يعنو لنظم قريضها الشعرُ

أبكار فكري في محاسنها *** نظم وفيض مدامعي نثرُ

ومصاب يومك يابن فاطمة *** ميعادنا وسلوّنا الحشرُ

أو فرحة بظهور قائمكم *** فيها لنا الإقبال والبشرُ

يوماً تردّ الشمس ضاحيةً *** في الغرب ليس لعرفها نكرُ

وتكبّر الأملاك مسمعة *** إلا لمن في أذنه وقرُ

ظهر الإمام العالم العلم *** البر التقي الطاهر الطهرُ

من ركن بيت اللّه حاجبه *** عيسى المسيح وأحمد الخضرُ

في جحفل لجبٍ يكاد بهم *** من كثرة يتضايق القطرُ

فهم النجوم الزاهرات بدا *** في تمّهِ من بينها البدرُ

عجّل قدومك يابن فاطمة *** قد مسّ شيعة جدك الضرُ

علماؤهم تحت الخمول فلا *** نفع لأنفسهم ولا ضرُ

يتظاهرون بغير ما اعتقدوا *** لا قوة لهم ولا ظهرُ

ص: 165

استعذبوا مرّ الأذى فحلا *** لهم ويحلو فيكم المرّ

فهم الأقل الاكثرون ومن *** رب العباد نصيبهم وفر

أعلام دين رسّخ لهم *** في نشر كل فضيلة صدر

فكفاهم فخراً إذا افتخروا *** ما دام حياً فيهم الفخر

وصلوا نهارهم بليلهم *** نظراً ومالو صالهم هجر

وطووا على مضض سرائرهم *** صبراً وليس لطيّها نشر

حتّى يفض ختامها وبكم *** يطفى بُعيد شرارها الشر

يا غائبين متى بقربكم *** من بعدوهنٍ يجبر الكسر

ألفيء مقتسم لغيركم *** وأكفّكم من فيئكم صفر

والمال حلّ للعصاة ويحر *** مه الكرام السادة الغرّ

فنصيبم منه الأعمّ على *** عصيانهم ونصيبكم نزر

يمسون في أمنٍ وليس لهم *** من طارق يغتالهم حذر

ويكاد من خوف ومن جزع *** بكم يضيق البر والبحر

ومنها :

وإذا ذكرتم في محافلهم *** فوجوههم مربدّة صفر

يتميزون لذكركم حنقاً *** وعيونهم مزورّة خزر

وعلى المنابر في بيوتكم *** لاولي الضلالة العمى ذكر

حالٌ يسوء ذوي النهي وبه *** يستبشر المتجاهل الغمر

ويصفقون على أكفّهم *** فرحاً إذا ما أقبل العشر

جعلوه من أهنى مواسمهم *** لا مرحباً بك أيها الشهر

تلك الأنامل من دمائكم *** يوم الطفوف خضيبة حمر

فتوارث الهمج الخضاب فمن *** كفر تولّد ذلك الكفر

نبكي فيضحكهم مصابكم *** وسرورهم بمصابكم نكر

تاللّه ما سرّوا النبي ولا *** لوصيّه بسرورهم سرّوا

ص: 166

فإلى مَ هذا الانتظار وفي *** لهواتنا من صبرنا صبر

لكنّه لا بدّ من فرج *** والأمر يحدث بعده الأمر

أبني المفاخر والذين علا *** لهم على هام السها قدر

أسماؤكم في الذكر معلنة *** يجلو محاسنها لنا الذكر

شهدت بها الأعراف معرفة *** والنحل والأنفال والحجر

وبراءة شهدت بفضلكم *** والنور والفرقان والحشر

وتعظم التوراة قدركم *** فإذا انتهى سفر حكى سفر

ولكم مناقب قد أحاط بها ال- *** -انجيل حار لوصفها الفكر

ولكم علوم الغايبات فمن- *** -ها الجامع المخزون والجفر

هذا ولو شجر البسيطة أقلا *** م وسبعة أبحر حبر

وفسيح هذي الأرض مجملة *** طرس فمنها السهل والوعر

والإنس والأملاك كاتبة *** والجن حتّى ينقضي العمر

ليعدّدوا ما فيه خصّكم *** ذو العرش حتّى ينفذ الدهر

لم يذكروا عشر العشير وهل *** يحصى الحصا أو يحصر الدرّ

فأنا المقصّر في مديحكم *** حصراً فما لمقصّر عذر

ولقد بلوت من الزمان ولي *** في كل تجربة بهم خبر

فوجدت ربّ الفقر محتقراً *** وأخو الغنى يزهو به الكبر

فقطعت عمّا خوّلوا أملي *** ولذي الجلال الحمد والشكر

وثنيت نحوكم الركاب فلا *** زيد نؤمله ولا عمرو

حتّى إذا أمت جنابكم *** ومن القريض حمولها دُرّ

آيت من الحسنات مثقلةً *** فأنا الغني بكم ولا فقر

سمعاً بني الزهراء سائغةً *** ألفاظها من رقّة سحر

عبقت مناقبكم بها فذكى *** في كل ناحية لها عطر

ص: 167

يرجو « عليّ » بها النجاة أذا *** مدّ الصراط وأعوز العبر

أعددتها يوم القيامة لي *** ذخراً ونعم لديكم الذخر

فتقبلوها من وليّكم *** بكراً فنعم الغادة البكر

فقبولكم نعم القرين لها *** وهي العروس فبورك الصهر

لكم عليّ كمال زينتها *** وليّ الجنان عليكم مهر

أنا عبدكم والمستجير بكم *** وعليّ من مرح الصبا أصر

فتعطّفوا كرماً عليّ وقد *** يتفضّل المتعطف البر

وتفقدوني في الحساب كما *** فقد العبيد المالك الحر

صلّى الإله عليكم أبدا *** ما جنّ ليل أو بدا فجر

وعليكم مني التحية ما *** سحّ الحيا وتبسّم الزهر

القصيدة الرابعة

نمّ العذار بعارضيه وسلسلا *** وتضمنت تلك المراشف سلسلا

قمر أباح دمي الحرام محلّلا *** إذا مرّ يخطر في قباه محلّلا

رشأ تردّى بالجمال فلم يدع *** لأخي الصبابة في هواء تجمّلا

كتب الجمال على صحيفة خدّه *** بيراع معناه البهيج ومثّلا

فبدا بنوني حاجبيه معرّقاً *** من فوق صادي مقلتيه وأقفلا

ثمّ استمدّ فمدّ أسفل صدغه *** ألفاً ألفت به العذاب الأطولا

فاعجب له إذ همّ ينقط نقطةً *** من فوق حاجبه فجاءت أسفلا

فتحقّقت في حاء حمرة خدّه *** خالاً فعمّ هواه قلبي المبتلى

ولقد أرى قمر السماء إذا بدا *** في عقرب المرّيخ حلّ مؤمّلا

وإذا بدا قمري وقارن عقربي *** صدغيه حلّ به السعود فأكملا

ص: 168

أنابين طُرّته وسحر جفونه *** رهن المنيّة إذ عليه توكلا

دبت لتحرس نور وجنة خدّه *** عيني فقابلت العيون الغزلا

جاءت لتلقف سحرها فتلقفت *** منّا القلوب وسحرها لن يبطلا

فاعجب لمشتركين في دم عاشق *** حرم المنى ومحرّم ما حلّلا

جاءت وحين سعت لقلبي أو سعت *** لسعاً وتلك نضت لقتلي منصلا

قابلته شاكي السلاح قد امتطى *** في غرّة الأضحى أغرّ محجّلا

متردّياً خضر الملابس إذلها *** باللؤلؤ الرطب المنضّد مجتلى

فنظرت بدراً فوق غصنٍ مائسٍ *** خضر تعاوده الحيا فتكلّلا

وكأنّ صلت جبينه في شعره *** كلئالي صفّت على بند الكلا

صبح على الجوزاء لاح لناظر *** متبلّج فأزاح ليلاً أليلا

حتى إذا قصد الرميّة وانثنى *** بسهامه خاطبته متمثّلا

لك ما ينوب عن السلاح بمثلها *** يا من أصاب من المحب المقتلا

يكفيك طرقك نابلاً ، والقدّ *** خطّاراً ، وحاجبك المعرّق عيطلا

عاتبته فشكوت مجمل صدّه *** لفظاً أتى لطفاً فكان مفصّلا

وأبان تبيان الوسيلة مدمعي *** فأعجب لذي نطقٍ تحمّل مهملا

فتضرّجت وجناته مستعذباً *** عتبي ويعذب للمعاتب ما حلا

وافترّ عن ورد وأصبح عن ضحى *** من لي بلثم المجتنى والمجتلى؟

مَن لي بغصن نقاً تبدّى فوقه *** قمرٌ تغشى جنح ليل فانجلى؟

حلو الشمائل لا يزيد على الرضا *** إلا عليّ قساوة وتدلّلا

بخلت به صيد الملوك فأصبحت *** شرفاً له هام المجرّة منزلا

فالحكم منسوب إلى آبائه *** عدلاً وبي في حكمه لن يعدلا

أدنو فيصرف معرضاً متدلّلاً *** عني فاخضع طائعاً متذلّلاً

أبكي فيبسم ضاحكاً ويقول لي : *** لا غرو إن شاهدت وجهي مقبلا

ص: 169

أنا روضةٌ والروض يبسم نوره *** بشرا إذا دمع السحاب تهلّلا

وكذاك لا عجب خضوعك طالما *** أسد العرين تقاد في أسر الطلا (1)

قسماً بفاء فتور جيم جفونه *** لا خالفن على هواه العذّلا

ولأوقفن على الهوى نفساً علت *** فغلت ويرخص في المحبة ما غلا

ولأحسنن وإن أسا ، وألين طو *** عاً إن قسا ، وأزيد حباً إن قلا

لا نلت ممّا أرتجيه مآربي *** إن كان قلبي من محبّته سلا

إن كنت أهواه لفاحشة فلا *** بوّءت في دار المقامة منزلا

يا حبّذا متحاببين تواصلا *** دهراً وما اعتلقا بفحش أذيلا

لا شيء أجمل من عفاف زانه *** ورع ، ومن لبس العفاف تجمّلا

طبعت سرائرنا على التقوى ومن *** طبعت سريرته على التقوى علا

أهواه لا لخيانة حاشى لمن *** أنهى الكتاب تلاوة أن يجهلا

لي فيه مزدجر بما أخلصته *** في المصطفى وأخيه من عقد الولا

فهما لعمرك علّة الأشياء في *** العلل الحقيقة إن عرفت الأمثلا

ألأوّلان الآخران الباطنان *** الظاهر ان الشاكران لذي العلا

الزاهدان العابدان الراكعان *** الساجدان الشاهدان على الملا

خلقاً وما خلق الوجود كلاهما *** نوران من نور العليّ تفصلا

في علمه المخزون مجتمعان لن *** يتفرّقا أبداً ولن يتحوّلا

فاسأل عن النور الذي تجدّنه *** في النور مسطوراً وسائل من تلا

واسأل عن الكلمات لمّا أنها *** حقاً تلقى آدم فتقبلا

ثمّ اجتباه فأودعا في صلبه *** شرفاً له وتكرّماً وتبجّلا

وتقلّباً في الساجدين وأودعا *** في أطهر الأرحام ثم تنقلا

ص: 170


1- الطلا ولد الظبي.

حتى استقرّ النور نوراً واحدا *** في شيبة الحمد بن هاشم يُجتلى

قسماً لحكم إرتضاه فكان ذا *** نعم الوصي وذاك أشرف مرسلا

فعليّ نفس محمد ووصيّه *** وأمينه وسواه مأمون فلا

وشقيق نبعته وخير من اقتفى *** منهاجه وبه اقتدى وله تلا

مولى به قبل المهيمن آدماً *** لمّا دعا وبه توسّل أوّلا

وبه استقرّ الفلك في طوفانه *** لمّا دعا نوح به وتوسلا

وبه خبت نار الخليل وأصبحت *** برداً وقد أذكت حريقاً مشعلا

وبه دعا يعقوب حين أصابه *** من فقد يوسف ما شجاه وأثقلا

وبه دعا الصديق يوسف إذ هوى *** في جُبّه وأقام أسفل أسفلا

وبه أماط اللّه ضرّ نبيّه *** أيّوب وهو المستكين المبتلا

وبه دعا عيسى فاحيى ميّتاً *** من قبره وأهال عنه الجندلا

وبه دعا موسى فأوضحت العصا *** طرقاً ولجّة بحرها طام ملا

وبه دعا داود حين غشاهم *** جالوت مقتحماً يقود الجحفلا

ألقاه دامغه فأردى شلوه *** ملقى وولّى جمعه متجفّلا

وبه دعا لمّا عليه تسوّر *** الخصمان محراب الصلاة وأدخلا

فقضى على إحديهما بالظلم في *** حكم النعاج وكان حكماً فيصلا

فتجاوز الرحمن عنه تكرّماً *** وبه ألان له الحديد وسهّلا

وبه سليمان دعا فتسخرت *** ريح الرخاء لأجله ولها علا

وله استقرّ الملك حين دعا به *** عمر الحياة فعاش فيه مخوّلا

وبه توسّل آصف لمّا دعا *** بسرير بلقيس فجاء معجّلا

ألعالم العلم الرضي المرتضى *** نور الهدى سيف العلاء أخ العلا

مَن عنده علم الكتاب وحكمه *** وله تأوّل متقناً ومحصّلا

وإذا علت شرفاً ومجداً هاشم *** كان الوصي بها المعّم المخولا

ص: 171

لا جده يتم بن مرة لا ولا *** أبواه من نسل النفيل تنقّلا

ومكسّر الأصنام لم يسجد لها *** متعفراً فوق الثرى متذلّلا

لكن له سجدت مخافة بأسه *** لمّا على كتف النبي عُلاً على

تلك الفضيلة لم يفز شرفاً بها *** إلا الخليل أبوه في عصر خلا

إذ كسّر الأصنام حين خلا بها *** سراً وولى خائفاً مستعجلا

فتميّز الفعلين بينهما وقس *** تجد الوصيّ بها الشجاع الأفضلا

وانظر ترى أزكى البريّة مولداً *** في الفعل متبعاً أباه الأوّلا

وهو القؤل وقوله الصدق الذي *** لا ريب فيه لمن دعى وتأملا

واللّه لو أن الوسادة ثنّيت *** لي في الذي حظر العليّ وحلّلا

لحكمت في قوم الكليم بمقتضى *** توراتهم حكماً بليغاً فيصلا

وحكمت في قوم المسيح بمقتضى *** إنجيلهم وأقمت منه الأميلا

وحكمت بين المسلمين بمقتضى *** فرقانهم حكماً بليغاً فيصلا

حتى تقر الكتب ناطقةً لقد *** صدق الأمين ( عليّ ) فيما علّلا

فاستخبروني عن قرون قد خلت *** من قبل آدم في زمان قد خلا

فلقد أحطت بعلمها الماضي وما *** منها تأخّر آتياً مستقبلا

وانظر الى نهج البلاغة هل ترى *** لأولي البلاغة منه أبلغ مقولا

حِكمٌ تأخرت الأواخر دونها *** خرساً وأفحمت البليغ المقولا

خسأت ذوو الآراء عنه فلن ترى *** من فوقه إلا الكتاب المنزلا

وله القضايا والحكومات التي *** وضحت لديه فحلّ منها المشكلا

وبيوم بعث الطائر المشويّ إذ *** وافى النبي فكان أطيب مأكلا

إذ قال أحمد : آتني بأحبّ مَن *** تهوى ومَن أهواه يا رب العلى

هذا روى أنس بن مالك لم يكن *** ما قد رواه مصحفّاً ومبدّلا

وشهادة الخصم الألدّ فضيلة *** للخصم فاتبع الطريق الأسهلا

ص: 172

وكسدّ أبواب الصحابة غيره *** لمميّز عرف الهدى متوصّلا

إذ قال قائلهم : نبيّكم غوى *** في زوج ابنته ويعذر أن غلا

تاللّه ما أوحى إليه وإنما *** شرفاً حباه على الانام وفضّلا

حتّى هوى النجم المبين مكذّباً *** من كان في حق النبي تقولا

أبداره حتى الصباح أقام؟ أم *** في دار حيدرة هوى وتنزلا؟

هذي المناقب ما أحاط بمثلها *** أحد سواه فترتضيه مفضّلا

يا ليت شعري ما فضيلة مدّع *** حكم الخلافة ما تقدم أولا

أبعزله عند الصلاة مؤخّرا؟ *** ولو ارتضاه نبيّه لن يعزلا

أم ردّه في يوم بعث براءةٍ *** من بعد قطع مسافة متعجّلا؟

إن كان أوحى اللّه جلّ جلاله *** لنبيه وحياً أتاه منزّلا

أن لا يؤدّيها سواك فترتضي *** رجلاً كريماً منك خيراً مفضلا

أفهل مضى قصداً بهامتوجّهاً *** إلا عليّ؟ يا خليلي اسألا

أم يوم خيبر إذ براية أحمد *** ولّى لعمرك خائفاً متوجّلا؟

ومضى بها الثاني فآب يجرّها *** حذر المنية هارباً ومهرولا

من كان أوردها الحتوف سوى أبي *** حسن وقام بها المقام المهولا؟

وأباد مرحبهم ومدّ يمينه *** قلع الرتاج وحصن خيبر زلزلا

يا علّة الأشياء والسبب الذي *** معنى دقيق صفاته لم يعقلا

إلا لمن كشف الغطاء له ومن *** شق الحجاب مجرّداً وتوصلا

يكفيك فخراً أن دين محمد *** لولا كمالك نقصه لن يكملا

وفرايض الصلوات لولا أنّها *** قرنت بذكرك فرضها لن يقبلا

يا من إذا عدّت مناقب غيره *** رجحت مناقبه وكان الأفضلا

إني لأعذر حاسديك على الذي *** أولاك ربّك ذو الجلال وفضّلا

ص: 173

إن يحدوك على علاك فإنما *** متسافل الدرجات يحسد من علا

إحياؤك الموتى ونطقك مخبراً *** بالغائبات عذرتُ فيك لمن غلا

وبردّك الشمس المنيرة بعدما *** أفلت وقد شهدت برجعتها الملا

ونفوذ أمرك في الفرات وقد طما *** مدّاً فأصبح ماؤه متسلسلا

وبليلة نحو المداين قاصداً *** فيها لسلمان بعثت مغسّلا

وقضيّة الثعبان حين أتاك في *** ايضاح كشف قضيّة لمن تعقلا

فحللت مشكلها فآب لعلمه *** فرحاً وقد فصّلت فيها المجملا

والليث يوم أتاك حين دعوتَ في *** عسر المخاض لعرسه فتسهلا

وعلوت من فوق البساط مخاطباً *** أهل الرقيم فخاطبوك معجّلا

أمخاطب الأذياب في فلواتها *** ومكلم الأموات في رمس البلى

ياليت في الأحياء شخصك حاضرٌ *** وحسين مطروح بعرصة كربلا

عريان يكسوه الصعيد ملابساً *** أفديه مسلوب اللباس مسربلا

متوسداً حر الصخور معفّراً *** بدمائه ترب الجبين مرمّلا

ظمآن مجروح الجوارح لم يجد *** مما سوى دمه المبدّد منهلا

ولصدره تطأ الخيول وطالما *** بسريره جبريل كان موكّلا

عقرت أما علمت لأيّ معظّم *** وطأت وصدرٍ غادرته مفصّلا؟

ولثغره يعلو القضيب وطالما *** شرفاً له كان النبي مقبّلا

وبنوه في أسر الطغاة صوارخ *** ولهاء معولة تجاوب معولا

ونساؤه من حوله يندبنه *** بأبي النساء النادبات الثكّلا

يندبن أكرم سيد من سادة *** هجروا القصور وآنسوا وحش الفلا

بأبي بدوراً في المدينة طلّعاً *** أمست بأرض الغاضرية افّلا

آساد حرب لا يمسّ عفاتها *** ضُرّ الطوى ونزيلها لن يخذلا

من تلق منهم تلق غيثاً مسبلاً *** كرماً وأن قابلت ليثاً مشبلا

ص: 174

نزحت بهم عن عقرهم أيدي العدا *** بأبي الغريق الظاعن المترحّلا

ساروا حثيثاً والمنايا حولهم *** تسري فلن يجدون عنها معزلا

ضاقت بهم أوطانهم فتبيّنوا *** شاطي الفرات عن المواطن مُوئلا

ظفرت بهم أيدي البغاة فلم أخل *** وأبيك تقتنص البغاث الأجدلا

منعوهم ماء الفرات ودونه *** بسيوفهم دمهم يراق مُحلّلا

هجرت روسهم الجسوم فواصلت *** زرق الأسنة والوشيج الذبّلا

يبكي أسيرهم لفقد قتيلهم *** أسفاً وكل في الحقيقة مبتلى

هذا يميل على اليمين معفّراً *** بدم الوريد وذا يساق مغللا

ومن العجائب أن تقاد اسودها *** أسراً وتفترس الكلاب الأشبلا

لهفي لزين العابدين يقاد في *** ثقل الحديد مقيّداً ومكبّلا

متقلقلاً في قيده متثقّلا *** متوجعاً لمصابه متوجّلا

أفدي الأسر وليت خدي موطناً *** كانت له بين المحامل محملا

أقسمت بالرحمن حلفة صادق *** لولا الفراعنة الطواغيت الاولى

ما بات قلب محمد في سبطه *** قلقاً ولا قلب الوصي مقلقلا

خانوا مواثيق النبي وأجبّجوا *** نيران حرب حرّها لن يصطلى

يا صاحبا لأعراف يعرض كل مخ- *** -لوق عليه محقّقاً أو مبطلا

يا صاحب الحوض المباح لحزبه *** حلّ ويمنعه العصاة الضلّلا

يا خير منلبّى وطاف ومن سعى *** ودعا وصلّى راكعاً وتنفّلا

ظفرت يدي منكم بقسمٍ وافرٍ *** سبحان من وهب العطاء وأجزلا

شغلت بنو الدنيا بمدح ملوكهم *** وأنا الذي بسواكم لن اشغلا

وتردّدوا لوفادة لكنهم *** ردّوا وقد كسبوا على القيل القلا

ومنحتكم مدحي فرحب خزانتي *** بنفايس الحسنات مفعمة ملا

وأنا الغني بكم ولا فقر ومن *** ملك الغنا لسواكم لي يسألا

ص: 175

مولاي دونك من « علي » مدحة *** عربية الألفاظ صادقة الولا

ليس النضار نظيرها لكنّها *** درّ تكامل نظمه فتفصّلا

فاستجلها منّي عروساً غادةً *** بكراً لغيرك حسنها لن يجتلى

فصداقها منك القبول فكن لها *** يا بن المكارم سامعاً متقبّلاً

وعليكم مني التحيّة ما دعا *** داعي الفلاح إلى الصلاة مهلّلا

صلى عليك اللّه ماسحّ الحيا *** وتبسّمت لبكائه ثغر الكلا

القصيدة الخامسة

عسى موعدٌ ان صحّ منك قبول *** تؤديه ان عزّ الرسول قبول

فربّ صباً تهدي اليّ رسالةً *** لها منك إن عزّ الوصول وَصول

تطاول عمر العتب يا عتب بيننا *** وليس إلى ما نرتجيه سبيل

أفي كل يوم للعتاب رسائل *** مجدّدةٌ ما بيننا ورسول

رسائل عتب لا يُردّ جوابها *** ونفث صدور في السطور يطول

يدلّ عليها من وسائل سائل *** خضوعٌ ومن شكوى الفصال فصول

عسى مسمع يصغي الى قول مسمع *** فيعطف قاس أو يرقّ ملول

وأعجب شيء أن أراك غريّةً *** بهجري وللواشي عليّ قبول

سجيّة نفسي بالوعود مع القلا *** وكل سخيٍّ بالوعود بخيل

عذرتك إن ميّلت أو ملت أنني *** أخالك غصنا والغصون تميل

وما لظباء السرب خلقك إنّما *** لخلقك منها في العدول عدول

وقد كنت أبكي والديار أنيسة *** وما ظعنت للظاعنين قفول

فكيف وقد شطّ المزار وروّعت *** فريق التداني فرقة ورحيل

إذا غبتم عن ربع حلّة بابل *** فلا سحبت للحسب فيه ذيول

ص: 176

ولا ابتسمت للثغر فيه مباسمٌ *** ولا ابتهجت للطل فيه طلول

ولا هبّ معتلّ النسيم ولا سرت *** بليلٍ على تلك الربوع بليل

ولا صدرت عنها السوام ولا غدا *** بها راتعاً بين الفصول فصيل

ولا برزت في حُلّة سندسيّة *** لذات هدير في الغصون هديل

وما النفع فيها وهي غير أواهلٍ *** ومعهدها ممن عهدت مَحيل

تنّكر منها عرفا فأهيلها *** غريب وفيها الأجنبيّ أهيل

رعى اللّه أياماً بظلّ جنابها *** ونحن بشرقيّ الأثيل نزول

ليالي لا عود الربيع يجفّه *** ذبول ولا عود الربوع هزيل

بها كنت أصبو والصبا لي مسعدٌ *** وصعب الهوى سهلٌ لديّ ذلول

وإذ نحن لا طَرف الوعود عن اللقا *** بطيّ ولا طرف السعود كليل

نبيتُ ولا غير العفاف شعارنا *** وللأمن من واش عليّ شمول

كروحين في جسم أقاما على الوفا *** عفافاً وأبناء العفاف قليل

إلى أن تداعى بالفراق فريقكم *** ولمّ بكم حادٍ وأمّ دليل

تقاضى الهوى منيّ فما لضلالة *** مَقيلٌ ولا ممّا جناه مقيل

فحسبي إذا شطّت بكم غربة النوى *** علاج نحولٍ لا يكاد يحول

أروم بمعتلّ الصبا برء علّتي *** وأعجب ما يشفي العليل عليل

لعلّ الصبا إن شطت الدار أودنا *** مثالكم أو عزّ منك مَثيل

أحيّ الحيا إن شطّ من صوب أرضكم *** بناديه من لمع البروق زميل

تمرّ بنا بالليل وهناً بريّها *** يُبلّ غليل أو يَبلّ عليل

سرى وبريق الثغر وهناً كأنّها *** لديّ بريق الثغر منك بديل

وأنشأ شمال الغور لي منك نشوةً *** عساه لمعتلّ الشمال شَمول

أمّتهم قلبي من البين سلوةً *** ومتهمة في الركب ليس تؤل

أغرك إني ساتر عنك لوعةً *** لها ألم بين الضلوع دخيل

ص: 177

فلا تحسبي إنّي تناسيت عهدكم *** ولكنّ صيري يا أميم جميل

ثقي بخليلٍ لا يغادر خله *** بغدر ولا يثنيه عنك عذول

جميل خلالٍ لا يراع خليله *** إذا ربع في جنب الخليل خليل

خليق بأفعال الجميل خلاقه *** وكلّ خليق بالجميل جميل

يزين مقال الصدق منه فعاله *** وما كل قوّالٍ لديك فعول

غضيض إذا البيض الحسان تأوّدت *** لهنّ قدود في الغلائل ميل

ففي الطرف دون القاصرات تقاصر *** وفي الكفّ من طول المكارم طول

أما وعفاف لا يدنّشه الخنا *** وسرّ عتاب لم يزله مزيل

لأنت لقلبي حيث كنت مسرّة *** وأكرم مسؤول لديّ وسؤل

يقصر آمالي صدودك والقلى *** وينشرها منك الرجا فتطول

وتعلق آمالي غروراً بقربكم *** كما غرّ يوماً بالطفوف قتيل

قتيلٌ بكتك حزناً عليه سماؤها *** وصبّ لها دمع عليه همول

وزلزلت الأرض البسيط لفقده *** وريع له حزن بها وسهول

أأنسى حسيناً للسهام رميّةً *** وخيل العدى بغياً عليه تجول؟

أأنساه إذ ضاقت به الأرض مذهباً؟ *** يشير إلى أنصاره ويقول

أعيذكم باللّه أن تردوا الردى *** ويطمع في نفس العزيز ذليل

ألا فأذهبوا فالليل قد مدّ سجفه *** وقد وضحت للسالكين سبيل

فثاب إليه قائلاً كل أقيلٍ *** نمته إلى أزكى الفروع أصول

يقولون والسمر اللدان شوارع *** وللبيض من وقع الصفاح صليل

أنُسلم مولانا وحيداً إلى العدى *** وتسلم فتيان لنا وكهول؟

ونعدل خوف الموت عن منهج الهدى *** وأين عن العدل الكريم عدول؟

نودّ بأن نبلى وننشر للبلى *** مراراً ولسنا عن علاك نحول

وثاروا لأخذ الثأر قدماً كأنهم *** أسود لها بين العرين شبول

ص: 178

مغوير عرس عرسها يوم غارة *** لها الخطّ في يوم الكريهة غيل

حماة إذا ما خيف للثغر جانب *** كماة على قبّ الفحول فحول

ليوث لها في الدار عين وقايع *** غيوث لها للسائلين سيول

أدلّتها في الليل أضواء نورها *** وفي النقع أضواء السيوف دليل

يؤمّ بها قصد المغالب أغلب *** فروسٌ لأشلاء الكماة أكول؟

له الخط كوب والجماجم أكؤس *** لديه وآذيّ الدماء شمول

يرى الموت لا يخشاه والنبل واقع *** ولا يختشي وقع النبال نبيل

صؤول إذا كرّ الكميّ مناجز *** بليغ إذا فاه البليغ قؤول

له من عليّ في الخطوب شجاعة *** ومن أحمد عند الخطابة قيل

إذا شمخت في ذروة المجد هاشم *** فعمّاه منها جعفر وعقيل

كفاه علوّاً في البرية أنّه *** لأحمد والطهر البتول سليل

فما كل جدّ في الرجال محمد *** ولا كل أمّ في النساء بتول

حسينٌ أخو المجد المنيف ومَن له *** فخارُ إذا عد الفخار أثيل

أرى الموت عذباً في لهاك وصابه *** لغيرك مكروه المذاق وبيل

فما مرّ ذو باس إلى مرّ باسه *** على مهل إلا وأنت عجول

كأن الأعادي حين صلت مبارزاً *** كثيب ذرته الريح وهو مهيل

وما نهل الخطيّ منك ولا الظبا *** ولا علّ إلا وهو منك عليل

بنفسي وأهلي عافر الخط حوله *** لدى الطف من آل الرسول قبيل

كأنّ حسيناً فيهم بدر هالة *** كواكبها حول السماك حلول

قضى ظامياً والماء طامٍ تصدّه *** شرار الورى عن ورده ونغول

وحزّ وريد السبط دون وروده *** وغالته من أيدي الحوادث غول

وآب جواد السبط يهتف ناعياً *** وقد ملأ البيداء منه صهيل

فلما سمعن الطاهرات نعيّه *** لراكبه والسرج منه يميل

ص: 179

برزن سليبات الحليّ نوادياً *** لهنّ على الندب الكريم عويل

بنفسي أخت السبط تعلن ندبها *** على ندبها محزونةً وتقول

أخي يا هلالاً غاب بعد طلوعه *** وحاق به عند الكمال أفول

أخي كنت شمساً يكسف الشمس نورها *** ويخسأ عنها الطرف وهو كليل

وغصناً يروق الناظرين نضارةً *** تغشّاه بعد الإخضرار ذبول

وربعاً يمير الوافدين ربيعه *** تعاهده غبّ العهاد محول

وغصناً رماه الدهر في دار غربة *** وفي غربه للمرهفات فلول

وضرغام غيلِ غيل من دون عرسه *** ومخلبه ماضي الغرار صقيل

فلم أردون الخدر قبلك خادراً *** له بين أشراك الضباع حصول

أصبت فلا ثوب المآثر صيّب *** ولا فيظلال المكرمات مقيل

ولا الجود موجود ولا ذو حميّة *** سواك فيحمي في حماه نزيل

ولا صافحت منك الصفاح محاسناً *** ولا كاد حسن الحال منك يحول

ولا تربت منك الترائب في البلا *** ولا غالها في القبر منك مغيل

لتنظرنا من بعد عزٍ ومنعة *** تلوح علينا ذلّة وخمول

تعالج سلب الحلي عنّا علوجها *** وتحكم فينا أعبدٌ ونغول

وتبتزّ أهل اللبس عنّا لباسنا *** وتنزع أقراط لنا وحجول

ترى أوجهاً قد غاب عنها وجيهها *** وأعوزها بعد الكفاة كفيل

سوافر بين السفر في مهمه الفلا *** لنا كل يوم رحةٌ ونزول

تزيد خفوفاً يا بن امّ قلوبنا *** إذا خفقت للظالمين طبول

فيا لك عيناً لا تجفّ دموعها *** وناراً لها بين الضلوع دخيل

أيقتل ظمآنا حسين وجدّه *** إلى الناس من رب العباد رسول

ويمنع شرب الماء والسرب آمن *** على الشرب منها صادر ونهول

ص: 180

وآل رسول اللّه في دار غربة *** واّل زياد في القصور نزول

وآل عليّ في القيود شواحب *** إذا أنّ مأسور بكته ثكول

وآل أبي سفيان في عزّ دولة *** تسير بهم تحت البنود خيول

مصاب أصيب الدين منه بفادح *** تكاد له شمّ الجبال تزول

عليك ابن خير المرسلين تأسفى *** وحزني وإن طال الزمان طويل

جللت فجلّ الرزؤ فيك على الورى *** كذا كلّ رزء للجليل جليل

فليس بمجد فيك وجدي ولا البكا *** مفيد ولا الصبر الجميل جميل

إذا خفّ حزن الثاكلات لسلوةٍ *** فحزني على مرّ الدهور ثقيل

وان سأم الباكون فيك بكاءهم *** ملالاً فإنّى للبكاء مّطيل

فما خفّ من حزني عليك تأسفى *** ولا جفّ من دمعي عليك مسيل

وينكر دمعي فيك من بات قلبه *** خلياً وما دمع الخليّ هطول

وما هي إلا فيك نفس نفيسة *** يحللها حرّ الأسى فتسيل

تباين فيك القائلون فمعجب *** كثيرٌ وذو حزن عليك قليل

فأجرُ بني الدنيا عليك لشأنهم *** دنيّ وأجر المخلصين جزيل

فإن فاتني إدراك يومك سيدي *** وأخرني عن نصر جيلك جيل

فلي فيك أبكار لوفق جناسها *** أصول بها للشامتين نصول

لها رقّة المحزون فيك وخطبها *** جسيم على أهل النفاق مهول

يهيم بها سر الوليّ مسرّة *** وينصب منها ناصبٌ وجهول

لها في قلوب الملحدين عواسل *** ووقع نصول ما لهنّ نصول

بها من « عليّ » في علاك مناقبٌ *** يقوم عليها في الكتاب دليل

ينمّ عن الأعراف طيّب عرفها *** فتعلقها للعاقلين عقول

ص: 181

إذا نطقت آي الكتاب بفضلكم *** فماذا عسى فيما أقول أقول؟

لساني على التقصير في شرح وصفكم *** قصير وشرح الإعتذار طويل

عليكم سلام اللّه ما اتّضح الضحى *** وما عاقبت شمس الأصيل أفول

القصيدة السادسة

حلّت عليك عقود المزن يا حلل *** وصافحتك أكفّ الطل يا طلل

وحاكت الورق في أعلا غصونك إذ *** حاكت بك الودق جلباباً له مثل

يزهو على الربع من أنواره لمعٌ *** ويشمل الربع من نوّاره حلل

وافترّ في ثغرك المأنوس مبتسماً *** ثغر الأقاح وحيّاك الحيا الهطل

ولا انثنت فيك بانات اللوى طرباً *** إلا وللورق في أوراقها زَجَل

وقارن السعد يا سعدى وما حجبت *** عن الجآ ذر فيك الحجب والكلل

يروق طرفي بروق منك لامعة *** تحت السحاب وجنح الليل منسدل

يذكى من الشوق في قلبي لهيب جوىً *** كأنما لمعها في ناظري شعل

فإن تضوّع من أعلى رباك لنا *** ريّاك والروض مطلول به خضل

فهو الدواء لا دواء مبرّحة *** نعلّ منها إذا أودت بنا العلل

أقسمت يا وطني لم يهنني وطري *** مذ بان عنّي منك البان والأثل

لي بالربوع فؤاد منك مرتبع *** وفي الرواحل جسمٌ عنك مرتحل

لا تحسبنّ الليالي حدّثت خلدي *** بحادث فهو عن ذكراك متشغل

لا كنت إن قادني عن قاطنيك هوى *** أو مال بي كلل أو حال بي حول

أني ولي فيك بين السرب جارية *** مقيدي في هواها الشكل والشكل

غراء ساحرة الألحاظ مانعة *** الألفاظ مائسة في مشيها مَيَل

ص: 182

في قدّها هيفٌ في خصرها نحف *** في خدها صلف في ردفها ثقل

يرنّح الدل عطفيها إذا خطرت *** كما ترنّح سكراً شاربٌ ثَمل

تريك حول بياض حمرةً ذهبت *** بنضرتي في الهوى خدّ لها صقل

ما خلت من قبل فتك من لواحظها *** أن تقتل الأسد في غاباتها المقل

عهدي بها حين ريعان الشبيبة لم *** يرعه شيب وعيشي ناعم خضل

وليل فودي ما لاح الصباح به *** والدار جامعة والشمل مشتمل

وربع لهوي مأنوس جوانبه *** تروق فيه لي الغزلان والغزل

حتى إذا خالط السليل الصباح و *** أضحى الرأس وهو بشهب الشيب مشتعل

وخطّ وخطُ مشيبي في صحيفته *** لي أحرفاً ليس معنى شكلها شكل

مالت الى الهجر من بعد الوصال و *** عهد الغانيات كفيء الظل منتقل

من معشرٍ عدلوا عن عهد حيدرة *** وقابلوه بعدوانٍ وما قبلوا

وبدّلوا قولهم يوم « الغدير » له *** غدراً وما عدلوا في الحب بل عدلوا

حتّى إذا فيهم الهادي البشير قضى *** وما تهيّا له لحدُ ولا غسل

مالوا إليه سراعاً والوصيّ برزء *** المصطفى عنهم لاهٍ ومشتغل

وقلّدوها عتيقاً لا أباً لهم *** أنّى تسود أسود الغابة الهمل

وخاطبوه أمير المؤمنين وقد *** تيقّنوا أنّه في ذاك منتحل

وأجمعوا الأمر فيما بينهم وغوت *** لهم أمانيهم والجهل والأمل

أن يحرقوا منزل الزهراء فاطمة *** فيا له حادث مستصعب جلل

بيت به خمسةٌ جبريل سادسهم *** من غير ما سبب بالنار يُشتعل

واخرج المرتضى من عقر منزله *** بين الأراذل محتفّ بهم وكل

يا للرجال لدين قلّ ناصره *** ودولة ملكت أملاكها السفل

أضحى أجير ابن جدعان له خلفا *** برتبة الوحي مقرون ومتّصل

ص: 183

فأين أخلاف تيم والخلافة والحكم *** الربوبي لولا معشر جهلوا؟

ولا فخار ولا زهد ولا روع *** ولا وقار ولا علم ولا عمل

وقال : منها أقيلوني فلست إذاً *** بخيركم وهو مسرور بها جذل

وفضّها وهو منها المستقيل على *** الثاني ففي أي قول يصدق الرجل؟

ثمّ اقتفتها عديّ من عداوتها *** وافتضّ من فضلها العدوان والجدل

أضحى يسير بها عن قصد سيرتها *** فلم يسدّ لها من حادث خلل

وأجمع الشور في الشورى فقلّدها *** أمية وكذا الأحقاد تنتقل

تداولوها على ظلم وأرّثها *** بعضٌ لبعض فبئس الحكم والدول

وصاحب الأمر والمنصوص فيه بإذ *** ن اللّه عن حكمه ناءٍ ومعتزل

أخو الرسول وخير الأوصياء ومن *** بزهده في البرايا يضرب المثل

وأقدم القوم في الإسلام سابقةً *** والناس باللات والعزى لهم شغل

ورافع الحق بعد الخفض حين قنا *** ة الدين واهية في نصبها مَيل

ألأروع الماجد المقدام إذ نكصوا *** والليث ليث الشرى والفارس البطل

مَن لم يعش في غواة الجاهلين ذوي *** غيّ ولا مقتدى آرائه هَبل

عافوه وهو أعف الناس دونهم *** طفلاً وأعلى محلاً وهو مكتهل

وإنه لم يزل حلماً ومكرمةً *** يقابل الذنب بالحسنى ويحتمل

حتّى قضى وهو مظلوم وقد ظلم *** الحسين من بعده والظلم متصل

من بعد ما وعدوه النصر واختلفت *** إليه بالكتب تسعى منهم الرسل

فليته كفّ كفّاً عن رعايتهم *** يوماً ولا قرّبته منهم الابل

قوم بهم نافقٌ سوق النفاق ومن *** طباعهم يستمد الغدر والدخل

تاللّه ما وصلوا يوماً قرابته *** لكن إليه بما قد ساءه وصلوا

وحرّموا دونه ماء الفرات ولل- *** -كلاب من سعةٍ في وردها علل

وبيتوه وقد ضاق الفسيح به *** منهم على موعد من دونه العطل

ص: 184

حتى إذا الحرب فيهم من غد كشفت *** عن ساقها وذكى من وقدها شعل

تبادرت فتية من دونه غرر *** شمّ العرانين ما مالوا ولا نكلوا

كأنّما يجتنى حلواً لأنفسهم *** دون المنون من العسّالة العسل

تسربلوا في متون السابقات دلا *** ص السابغات وللخطيّة اعتقلوا

وطلّقوا دونه الدنيا الدنيّة و *** ارتاحوا الى جنة الفردوس وارتحلوا

تراءت الحور في اعلا الجنان لهم *** كشفاً فهان عليهم فيه ما بذلوا

سالت على البيض منهم أنفس طهرت *** نفيسة فعلوا قدراً بما فعلوا

إن يقتلوا طالما في كلّ معركة *** قد قاتلوا ولكم من مارق قتلوا؟

لهفي لسبط رسول اللّه منفرداً *** بين الطغاة وقد ضاقت به السبل

يلقى العداة بقلب لا يخامره *** رهب ولا راعه جبن ولا فشل

كأنه كلما مرّ الجواد به *** سيل تمكّن في أمواجه جبل

ألقى الحسام عليهم راكعاً فهوت *** بالترب ساجدةً من وقعه التلل

قدّت نعالاته هاماتهم فبها *** أخدى الجواد فأمسى وهو منتعل

وقد رواه حميد نجل مسلم ذو *** القول الصدوق وصدق القول ممتثل

إذ قال : لم أر مكثوراً عشيرته *** صرعى فمنعفرٌ منهم ومنجدل

يوماً بأربط جاشاً من حسين وقد *** حفت به البيض واحتاطت به الاسل

كأنما قسورٌ ألقى على حُمرٍ *** عطفاً فخامرها من بأسه ذَهل

أو أجدل مرّ في سرب فغادره *** شطراً خموداً وشطرٌ خيفة وجل

حتّى إذا آن ما إن لا مردّ له *** وحان عند انقضاء المدّة الأجل

أردوه كالطود عن ظهر الجواد *** حميد الذكر ما راعه ذلّ ولا فشل

لهفي وقد راح ينعاه الجواد إلى *** خبائه وبه من أسهم قَزل (1)

ص: 185


1- هو العَرج.

لهفي لزينب تسعى نحوه ولها *** قلب تزايد فيه الوجد والوجل

فمذ رأته سليباً للشمال على *** معنى شمائله من نسجها سمل

هوت مقبّلة منه المحاسن وال- *** -حسين عنها بكرب الموت مشتغل

تدافع الشمر عنه باليمين وبا *** لشمال تستر وجهاً شأنه الخجل

تقول : يا شمر لا تعجل عليه ففي *** قتل ابن فاطمة لا يُحمد العجل

أليس ذا ابن عليّ والبتول ومَن *** بجدّه ختمت في الأمّة الرسل؟

هذا الامام الذي ينمى إلى شرف *** ذريّة لا يُداني مجدها زحل

إيّاك من زلّة تصلى بها أبدا *** نار الجحيم وقد يردي الفتى الزلل

أبى الشقيّ لها إلا الخلاف وهل *** يجدي عتاب لأهل الكفر إن عُذلوا؟

ومرّ يحتز رأساً طال لرسول *** اللّه مرتشفاً في ثغره قبل

حتى إذا عاينت منه الكريم على *** لدن يميل به طوراً ويعتدل

ألقت لفرط الأسى منها البنانَ على *** قلب تقلّب فيه الحزن والثكل

تقول : يا واحداً كنّا نؤمّله *** دهراً فخاب رجانا فيه والأمل

ويا هلالاً علا في سعده شرفاً *** وغاب في الترب عنّا وهو مكتمل

أخي لقد كنت شمساً يستضاء بها *** فحلّ في وجهها من دوننا الطفل

وركن مجد تداعى من قواعده *** والمجد منهدم البنيان منتقل

وطرف سبق يفوت الطرف سرعته *** مذ أدرك المجد أمسى وهو معتقل

ما خلت من قبل ما أمسيت مرتهناً *** بينُ اللئام وسدّت دونك السبل

ص: 186

أن يوغل البوم في البازي أن ظفرت *** ظفراً ولا أسداً يغتاله حمل

كلا ولا خلت بحراً مات من ظمأ *** ومنه ريّ إلى العافين متمتّصل

فليت عينك بعد الحجب تنظرنا *** أسرى تجاذبنا الأشرار والسفل

يسيّرونا على الأقتاب عاريةً *** وزاجر العيس لا رفق ولا مَهل

فليت لم تر كوفاناً ولا وخدت *** بنا إلى ابن زياد الأنيق الذلل

إيهاً على حسرة في كلّ جانحة *** ما عشت جايحة تعلولها شعل

أيقتل السبط ظمآناً ومن دمه *** تروى الصوارم والخطيّه الذبل

ويسكن الترب لا غسل ولا كفنٌ *** لكن له من نجيع النحر مغتسل

وتستباح بأرض الطف نسوته *** ودون نسوة حرب تُضرب الكلل

باللّه أقسم والهادي البشير وبيت *** اللّه طاف به حافٍ ومنتعل

لولا الأولى نقضوا عهد الوصيّ وما *** جاءت به قدماً في ظلمها الأول

لم يُغلِ قوماً على أبناء حيدرة *** من الموارد ما تروى به الغلل

يا صاح طف بي إذا جئت الطفوف على *** تلك المعالم والآثار يا رجل

وابك البدور التي في الترب آفلة *** بعد الكمال تغشّى نورها الظلل

يا آل أحمد يا سفن النجاة ومن *** عليهم بعد رب العرش أتكل

وحقكم ما بدا شهر المحرم لي *** إلا ولي ناظر بالسهد مكتحل

ولا استهلّ بنا إلا استهل من *** الأجفان لي مدمع في الخدّ منهمل

حزناً لكم ومواساة وليس لمملو *** ك بدمع على ملاكة بُخل

فإن يكن فاتكم نصري فلي مدح *** بمجدكم أبداً ما عشت تتّصل

ص: 187

عرائس حدت الحادون من طرب *** بها تُعرس أحياناً وترتحل

فدونكم من ( عليّ ) عبد عبدكم *** فريدة طاب منها المدح والغزل

رقّت فراقت معانيها الحسان فلا *** يماثل الطول منها السبعة الطول

أعددتها جُنّة من حر نار لظى *** أرجو بها جنة أنهارها عسل

صلى الإله عليكم ما شدت طرباً *** ورقٌ على ورقٍ والليل منسدل

القصيدة السابعة :

اجآ ذرُ منعت عيونك ترقد *** بعراص بابل أم حسان خرّدُ؟

ومعاطف عطفت فؤادك أم غصون *** نقى على هضباتها تتأوّد؟

وبروق غادية شجاك وميضها *** أم تلك درّ في الثغور تنضّد؟

وعيون غزلان الصريم بسحرها *** فتنتك أم بيض عليك تجرّد؟

يا ساهر الليل الطويل بمدّه *** عوناً على طول السهاد الفرقد

ومُهاجراً طيب الرقاد وقلبه *** أسفاً على جمر الغضا يتوقّد

ألا كففت الطرف إذ سفرت بدور *** السعد بالسعدى عليك وتسعد

أسلمت نفسك للهوى متعرّضا *** وكذا الهوى فيه الهوان السرمد

وبعثتَ طرفك رائداً ولرُبّما *** صَرع الفتى دون الورود المورد

فغدوت في شرك الظباء مقيّداً *** وكذا الظباء يصدن من يتصيّد

فلعبن أحياناً بلّبك لاهياً *** بجمالهنّ فكاد منك الحسّد

حتّى إذا علقت بهن بعدت مَن *** كثبٍ فهل لك بعد نجد منجد؟

رحلوا فما أبقوا لجسمك بعدهم *** رمقاً ولا جلداً به تتجلّد

واهاً لنفسك حيثُ جسمك بالحمى *** يبلى وقلبك بالركائب منجد

ألفت عيادتك الصبابه والأسى *** وجفاك من طول السقام العوّد

وتظنّ أن البعد يعقب سلوة *** وكذا السلوّ مع التباعد يبعد

ص: 188

يا نائماً عن ليل صبّ جفنه *** أرقٌ إذا غفت العيون الهجّد

ليس المنام لراقدٍ جهل الهوى *** عجباً بلى عجبٌ لمن لا يرقد

نام الخليّ من الغرام وطرف من *** ألف الصبابة والهيام مسهّد

أترى تقرّ عيون صب قلبه *** في أسر مائسة القوام مقيّد؟

شمس على غصن يكاد مهابةً *** لجمالها تعنو البدور وتسجد

تفترّ عن شنب كأنّ جمانه *** بردُ به عذب الزلال مبرّد

ويصدّني عن لثمه نار غدت *** زفرات أنفاسي بها تتصعّد

من لي بقرب غزالة في وجهها *** صبحٌ تجلّى عنه ليل أسود؟

أعنو لها ذلاً فتعرض في الهوى *** دَلاً وأمنحها الدنو وتبعد

تحمي بناظرها مخافة ناظرٍ *** خدّاً لها حسن الصقال مورّد

يا خال وجنتها المخلّد في لظى *** ما خلت قبلك في الجحيم يخلّد

إلا الذي جحد الوصيّ وما حكى *** في فضله يوم « الغدير » محمّد

إذ قام يصدع خاطباً ويمينه *** بيمينه فوق الحدائج تعقد

ويقول والأملاك محدقة به *** واللّه مطّلع بذلك يشهد

من كنت مولاه فهذا حيدرٌ *** مولاه من دون الأنام وسيّد

يا ربّ وال وليّه وأكبت معا *** ديه وعاند مَن لحيدر يعندُ

واللّه ما يهواه إلا مؤمن *** برّ ولا يقلوه إلا ملحد

كونوا له عوناً ولا تتخاذلوا *** عن نصره واسترشدوه تُرشدوا

قالوا : سمعنا ما تقول ما أتى *** الروح الأمين به عليك يؤكّد

هذا « عليّ » إمامنا ووليّنا *** وبه إلى نهج الهدى مسترشد

حتى إذا قبض النبي ولم يكن *** في لحده من بعد غسلٍ يلحد

خانوا مواثيق النبي وخالفوا *** ما قاله خير البريّة أحمد

واستبدلوا بالرشد غيّاً بعدما *** عرفوا الصواب وفي الضلال تردّدوا

ص: 189

وغدا سليل أبي قحافة سيداً *** لهم ولم يك قبل ذلك سيّد

يا للرجال لأمّةٍ مفتونة *** سادت على السادات فيها الأعبد

أضحى بها الأقصى البعيد مقرّباً *** والأقرب الأدنى يذاد ويُبعد

هلا تقدّمه غداة براءة *** إذ ردّ وهو بفرط غيظ مكمد؟

ويقول معتذراً : أقيلوني وفي *** إدراكها قد كان قدماً يجهد

أيكون منها المستقيل وقد غدا *** في آخر يوصي بها ويؤكّد؟

ثمّ اقتفى :

فقضى بها خشناء يغلظ كلمها *** ذلّ الوليّ بها وعز المفسد

واشار بالشورى فقرّب نعثلاً *** منها فبئس......................

فغدا لمال اللّه في قربائه *** عمداً يفرّق جمعه ويبدّد

ونفى أباذرّ وقرّب فاسقاً *** كان النبي له يصدّ ويطرد

لعبوا بها حيناص وكل منهم *** متحيّر في حكمها متردّد

ولو اقتدوا بامامهم ووليّهم *** سعدوا به وهو الوليّ الأوكد

لكن شقوا بخلافه أبداً وما *** سعدوا به وهو الوصيّ الأسعد

صنو النبيّ ونفسه وأمينه *** ووليّه المتعطّف المتودّد

كُتباعلى العرش المجيد ولم يكن *** في سالف الأيّام آدم يوجد

نوران قدسيّان ضمّ علاهما *** من شيبة الحمد ابن هاشم محتد

مَن لم يقم وجهاً إلى صنم ولا *** للّات والعزى قديماً يسجد

والدين والإشراك لولا سيفه *** ما قام ذا شرفاً وهذا يقعد

سَل عنه بدراً حين وافى شيبةً *** شلواً عليه النائحات تعدّد

وثوى الوليد بسيفه متعفّراً *** وعليه ثوب بالدماء مجسّد

وبيوم أحد والرماح شوارع *** والبيض تصدر في النحور وتورد

مَن كان قاتل طلحة لما أتى *** كالليث يرعد للقتال ويزبد

ص: 190

وأباد أصحاب اللواء وأصبحوا *** مثلاً بهم يروى الحديث ويُسند

هذا يجرّ وذاك يرفع رأسه *** في رأس منتصب وذاك مقيّد

وبيوم خيبر إذ براية « أحمد » *** ولّى عتيق والبريّة تشهد

ومضى بها الثاني فآب يجرّها *** ذلاً يوبّخ نفسه ويفنّد

حتى إذا رجعا تميز « أحمد » *** حرداً وحقّ له بذلك يحرد

وغدا يحدّث مُسمعاً مَن حوله *** والقول منه موفّق ومؤيّد

إني لاعطي رايتي رجلاً وفي *** بطل بمختلس النفوس معوّد

رجل يحب اللّه ثم رسوله *** ويحبّه اللّه العليّ واحمدُ

حتّى إذا جنح الظلام مضى على *** عجل وأسفر عن صبيحته غد

قال : إئت يا سلمان لي بأخي فقا *** ل الطهر سلمانٌ : علي أرمد

ومضى وعاد به يُقاد ألا لقد *** شرف المقود عُلا وعز القيّد

فجلا قذاهُ بتفلة وكساه سا *** بغةً بها الزرد الحديد منضّد

فيد تناوله اللواء وكفه *** الاخرى تُزرّد درعه وتُبنّد

ومضى بها قدماً وآب مظفّرا *** مستبشراً بالنصر وهو مؤيّد

وهوى بحدّ السيف هامة مرحب *** فبراه وهو الكافر المتمرّد

ودنا من الحصن الحصين وبابه *** مستغلق حذر المنية موصد

فدحاه مقتلعاً له فغدا له *** حسّان ثابت (1) في المحافل ينشد

إن امرءاً حمل الرتاج بخيبر *** يوم اليهود لقدره لمؤبّد

حمل الرتاج وماج باب قموصها *** والمسلمون وأهل خيبر تشهد

وأسأل حنيناً حين بادر جرول *** شاكي السلاح لفرصة يترصّد

حتّى إذا ما أمكنته غشاهم *** في فيلق يحكيه بحرٌ مزبد

ص: 191


1- حسان بن ثابت شاعر النبي نظم في هذه المأثرة الكريمة شعراً ترويه كتب السيرة.

وثوى قتيلاً أيمن (1) وتبادرت *** عصب الضلال لحتف أحمد تقصد

وتفرّقت أنصاره من حوله *** جزعاً كأنّهمه النعام الشرّد

ها ذاك منحدر إلى وهدٍ وذا *** حذر المنيّة فوق تلع يصعد

هلا سألت غداة ولّى جمعهم *** خوف الردى إن كنت مَن يسترشد؟

مَن كان قاتل جرول ومذلّ جيش *** هوازن إلا الولي المرشد؟

كلّ له فقد النبي سوى أبي *** حسن عليّ حاضر لا يفقد

ومبيته فوق الفراش مجاهداً *** بمهاد خير المرسلين يُمهّد

وسواه محزون خلال الغار من *** حذر المنيّة نفسه تتصعّد

وتعدّ منقبة لديه وإنها *** إحدى الكبائر عند من يتفقّد

ومسيره فوق البساط مخاطباً *** أهل الرقيم فضيلةٌ لا تجحد

وعليه ثانية بساحة بابل *** رجعت كذا ورد الحديث المسند

ووليّ عهد محمّد أفهل ترى *** أحداً إليه سواه أحمد يعهد؟

إذ قال : إنك وارثي وخليفتي *** ومغسّل لي دونهم وملحّد

أم هل ترى في العالمين بأسرهم *** بشراً سواه يبيت مكّة يولد؟

في ليلة جبريل جاء بها مع *** الملأ المقدّس حوله يتعبّد

فلقد سما مجداً « عليّ » كما علا *** شرفاً به دون البقاع المسجد

أم هل سواه فتى تصدق راكعاً *** لمّا أتاه السائل المسترفد؟

ألمؤثر المتصدق المتفضل *** المتمسّك المتنسّك المتزهّد

ألشّاكر المتطوّع المتضرّع *** المتخضّع المتخشّع المتهجّد

ص: 192


1- ايمن بن أم ايمن بن عبيد. من المستشهدين في غزوة حنين.

ألصابر المتوكل المتوسّل *** المتذلل المتململ المتعبّد

رجل يتيه به الفخار مفاخراً *** ويسود إذ يُعزى إليه السودد

إن يحسدوه على عُلاه فانما *** أعلا البريّة رتبةً من يُحسد

وتتّبعت أبناؤهم أبناؤه *** كلّ لكلٍّ بالأذى يتقصّد

حسدوه إذ لا رتبة وفضيلة *** إلا بما هو دونهم متفرّد

باللّه أقسم والنبي وآله *** قسماً يفوز به الوليّ ويسعد

لولا الأولى نقضوا عهود محمّد *** من بعده وعلى الوصيّ تمرّدوا

لم تستطع مدّاً لآل أُميّةٍ *** يوم الطفوف على ابن فاطمة يدُ

بأبي القتيل المستضام ومَن له *** نار بقلبي حرّها لا يبرد

بأبي غريب الدار منتهك الخبا *** عن عُقر منزله بعيدٌ مفرد

بأبي الذي كادت لفرط مصابه *** شمّ الرواسي حسرةً تتبدّد

كتبت إليه على غرور أُميّة *** سفهاً وليس لهم كريمٌ يحمد

بصحائف كوجوهم مسودّة *** جاءت بها ركبانهم تتردّد

حتّى توجّه واثقاً بعهودهم *** وله عيونهم انتظاراً ترصد

أضحى الذين أعدّهم لعدوّهم *** إلباً جنودهم عليه تجنّد

وتبادروا يتسارعون لحربه *** جيشاً يُقاد له وآخر يُحشد

حتّى تراءى منهم الجمعان في *** خرق وضمّهم هنالك فدفد

ألفوه لا وَكلاً ولا مستشعراً *** ذلاً ولا في عزمه يتردّد

ماض على عزم يفلّ بحدّه *** الماضي حدود البيض حين تجرّد

مستبشراً بالحرب علماً أنّه *** يتبوّأ الفردوس إذ يستشهد

في أُسرة من هاشم علويّةٍ *** عزّت أرومتها وطاب المولد

وسُراة أنصارٍ ضراغمة لهم *** أهوال أيّام الوقايع تشهد

يتسارعون إلى القتال ، يسابق *** الكهل المسنّ على القتال الأمرد

ص: 193

فكأنّما تلك القلوب تقلّبت *** زيراً عليهنّ الصفيح يضمّد

وتخال في إقدامهم أقدامهم *** عُمداً على صمّ الجلامد توقد

جادوا بأنفسهم أمام إمامهم *** والجود بالنفس النفيسة أجود

نصحوا غنوا غرسوا جنوا شادوا بنوا *** قربوا دنوا سكنوا النعيم فخلّدوا

حتّى إذا انتهبت نفوسهم الضبا *** من دون سيّدهم وقلّ المسعد

طافوا به فرداً وطوع يمينه *** متذلّق ماضي الغرار مهنّد

عضبٌ بغير جفون هامات العدى *** يوم الكريهة حدّه لا يغمد

يسطو به ثبت الجنان ممنّع *** ماضي العزيمة دارعٌ ومُزرّد

ندبٌ متى ندبوه كرّ معاوداً *** والأسد في طلب الفرايس عوّد

فيروعهم من حدّ غرب حسامه *** ضرب يقدّ به الجماجم أهود

يا قلبه يوم الطفوف أزبرة *** مطبوعة أم أنت صخر جلمد؟

فكأنه وجواده وسنانه *** وحسامه والنقع داجٍ أسود

فلك به قمر وراه مذنّب *** وأمامه في جنح ليل فرقد

في ضيق معترك تقاعس دونه *** جرداء مائلة وشيظم أجرد

فكأنّما فيه مسيل دمائهم *** بحرٌ تهيّجه الرياح فيزبد

فكأنّ جَرد الصافنات سفاين *** طوراً تقوم به وطوراً تركد

حتّى شفى بالسيف غلّة صدره *** ومن الزلال العذب ليس تبرّد

لهفي له يرد الحتوف ودونه *** ماء الفرات محرّم لا يورد

شزراً يلاحظه ودون وروده *** نار بأطراف الأسنّة توقد

ولقد غشوه فضارب ومفوّق *** سهماً إليه وطاعن متقصّد

حتى هوى كالطود غير مذمّم *** بالنفس من أسف بجود ويجهد

لهفي عليه مرمّلاً بدمائه *** ترب الترائب بالصعيد يوسّد

تطأ السنابك منه صدراً طالما *** للدرس فيه وللعلوم تردّد

ص: 194

ألفت عليه السافيات ملابساً *** فكسته وهو من اللباس مجرّد

خضبت عوارضه دماه فخيّلت *** شفقاً له فوق الصباح تورّد

لهفي لفتيته خموداً في الثرى *** ودماؤهم فوق الصعيد تبدّد

فكأنما سيل الدماء على عوار *** ضهم عقيق ثمّ منه زبرجد

لهفي لنسوته برزن حواسراً *** وخدودهنّ من الدموع تخدّد

هاتيك حاسرة القناع وهذه *** عنها يماط رداً وينزع مرود

ويقلن جهراً للجواد لقد هوى *** من فوق صهوتك الجواد الأجود

يا يوم عاشوراء حسبك إنّك *** اليوم المشوم بل العبوس الأنكد

فيك الحسين ثوى قتيلا بالعرى *** إذ عزّ ناصره وقل المسعد

والتائبون الحامدون العابدون *** السائحون الراكعون السجّد

أضحت رؤوسهم أمام نسائهم *** قدماً تميل بها الرماح وتأود

والسيد السجاد يحمل صاغراً *** ويقاد في الأغلال وهو مقيّد

لا راحماً يشكو اليه مصابه *** في دار غربته ولا متودّد

يهدى به وبرأس والده الى *** لكعٍ زنيمٍ كافرٍ يتمرّد

لا خير في سفهاء قوم عبدهم *** ملك يطاع وحرّهم مستعبد

يا عين إن نفدت دموعك فاسمحي *** بدم ولست أخال دمعك ينفد

أسفاً على آل الرسول ومن بهم *** ركن الهدى شرفاً يشاد ويعضد

منهم قتيلٌ لا يجار ومن سقي *** سمّاً وآخر عن حماه يشرّد

ضاقت بلاد اللّه وهي فسيحة *** بهم وليس لهم بأرض مقعد

متباعدون لهم بكلّ تنوفة *** مستشهد وبكلّ أرض مشهد

أبني المشاعر والحطيم ومَن هم *** حججٌ بهم تشقى الأنام وتسعد

أقسمت لا ينفك حزني دائماً *** بكم ونار حشاشتي لا تخمد

بكم يميناً لا جرى في ناظري *** حزناً عليكم غير دمعي مرود

ص: 195

يفنى الزمان وتنقضي أيامه *** وعليّ كم بكم الحزين المكمد

فلجسمه حلل السقام ملابس *** ولطرفه حر المدامع أثمد

ولو أنّني استمددت من عيني دماً *** ويقلّ من عيني دماً يستمدد

لم أقض حقكم علي وكيف أن *** تقضي حقوق المالكين الاعبد

يا صفوة الجبّار يا مستودعي *** الأسرار يا من ظلًهم لي مقصد

عاهدتكم في الذر معرفة بكم *** ووفيت أيماناً بما أتعهّد

ووعدتموني في المعاد شفاعة *** وعلى الصراط غداً يصح الموعد

فتفقدوني في الحساب فإنّني *** ثقة بكم لوجوهكم أتقصّد

كم مدحة لي فيكم في طيها *** حكم تفوز به الركاب وتنجد

وبنات أفكار تفوق صفات *** أبكار يقوم لها القريض ويقعد

ليس النضار لها نظيراً بل هي *** الدرّ المفصّل لا الخلاص العسجد

هذا ولو أن العباد بأسرهم *** تحكي مناقب مجدكم وتعدّد

لم يدركوا إلا اليسير وأنتم *** أعلا علاً ممّا حكوه وأزيد

لكن في أم الكتاب كفاية *** عمّا تُنظّمه الورى وتُنضّد

صلّى الإله عليكم ما باكرت *** ورق على ورق الغصون تُغرّد

ص: 196

ابن الوردي الشافعي

المتوفي 749

قال ابن الوردي :

أرأس السبط ينقل والسبايا *** يطاف بها وفوق الأرض رأس

وما لي غير هذا السبي ذخرٌ *** وما لي غير هذا الرأس رأس (1)

وقال :

فرّق الحب بين عقلي وبيني *** فاستهلت دموع عيني كعين

طال في أنسه القصير غرامي *** وهو بدر وينجلي في حنين

بي نار من جنّتي وجنتيه *** لهف قلبي على جنى الجنّتين

حسن قدره عليّ فيا مَن *** في ملامي يزيد موتي حسيني (2)

وقوله :

ص: 197


1- تاريخ ابن الوردي ج 1 ص 232.
2- ديوان ابن الوردي ص 329.

دنيا تضام كرامها بلئامها *** ودليل ذاك حسينها ويزيدها

يا خاطب الدنيا الدنيّة إنها *** طبعت على كدر وأنت تريدها

إشارة إلى بيت أبي الحسن التهامي المتوفي سنة 416 حيث يقول من قصيدة :

طُبعت على كدر وأنت تريدها *** صفواً من الأقذاء والاكدار

ص: 198

ابن الوردي زين الدين عمر بن مظفر بن عمر البكري الحلبي المعري الشافعي الفقيه النحوي الشاعر الأديب صاحب التأريخ المعروف ، وشرح الفية ابن مالك وأرجوزة في تعبير المنام ، ومن شعره لاميته المعروفة مطلعها :

اعتزل ذكر الأغاني والغزل *** وقل الفصل وجانب مَن هزل

وله حكاية لطيفة حاصلها انه : دخل الشام وكان ضيق المعيشة رث الهيئة رديء المنظر ، فحضر الى مجلس القاضي نجم الدين بن صصري من جملة الشهود فاستخفت به الشهود وأجلسوه في طرف المجلس فحضر في ذلك اليوم مبايعة مشترى ملك فقال بعض الشهود أعطوا المعري يكتب هذه المبايعة على سبيل الاستهزاء به فقال ابن الوردي أكتبه لكم نظماً أو نثراً فتزايد إستهزاؤهم به فقالوا له بل أكتب لنا نظماً فأخذ ورقة وقلماً وكتب فيها نظماً لطيفاً أوله :

باسم إله الخلق هذا ما اشترى *** محمد بن يونس بن شنفرى

من مالك بن أحمد بن الأزرق *** كلاهما قد عرفا من جُلّق

فباعه قطعة أرض واقعة *** بكورة الغوطة وهي جامعه

يشجر مختلف الاجناس *** والأرض في البيع مع الغِراس

وذرع هذي الأرض بالذراع *** عشرون في الطول بلا نزاع

وحدّها من قبلة ملك التقي *** وحائز الرومي حد المشرق

ومن شمال ملك أولاد علي *** والغرب ملك عامر بي جهبل

وهذه تعرف من قديم *** بأنها قطعة بيت الرومي

بيعاً صحيحاً ماضياً شرعياً *** ثم شراءاً قاطعاً مرعيا

بثمنٍ مبلغه من فضه *** وزانة جيّدة مبيضة

ص: 199

جارية للناس في المعامله *** ألفان مها النصف ألف كامله

قبضها البايع منه وافيه *** فعادت الذمة منه خاليه

وسلّم الأرض إلى مَن اشترى *** فقبض القطعة منه وجرى

بينهما بالبدن التفرّق *** طوعاً فما لأحدٍ تعلّق

ثم ضمان الدرك المشهور *** فيه على بائعه المذكور

وأشهدا عليهما بذاك في *** رابع عشر رمضان الأشرف

من عام سبعمائة وعشرة *** من بعد خمسة تليها الهجرة

والحمد لله وصلى ربي *** على النبي وآله والصحب

يشهد بالمضمون من هنا عمر *** ابن المظفر المعري إذ حضر

فلما فرغ من نظمه ووضع الورقة بين يدي الشهود ، تأملوا النظم مع سرعة الارتجال ، فقبلوا يده واعتذروا له من التقصير في حقه واعترفوا بفضيلته عليهم ، ثم أنه قال لبعض الشهود : سدّ في هذه الورقة بخطك ، فقال له : يا سيدي أنا ما أحسن النظم ، فقال له : ما إسمك؟ فقال له : أحمد بن رسول ، فكتب عنه وهو يقول :

قد حضر العقد الصحيح أحمد *** ابن رسول وبذاك يشهد

ومن شعره قوله فيمن أخذ ديوانه :

أغضبتنى وغصبتَ ديواني الذي *** أنفقتُ فيه شبيبتي وزماني

لو كنتَ يوماً بالمودة عاملا *** ما كنتَ تغضب صاحب الديوان

ص: 200

وقوله في ص 240 :

لا تحرصن على فضل ولا أدب *** فقد يضرّ الفتى علم وتحقيق

ولا تعد من العقّال بينهم *** فان كل قليل العقل مرزوق

والحظ أنفع من خط تزوقه *** فما يفيد قليل الحظ تزويق

والعلم يحسب من رزق الفتى وله *** بكل متّسع في الفضل تضييق

أهل الفضائل والآداب قد كسدوا *** والجاهلون فقد قامت لهم سوق

والناس أعداء من سارت فضائله *** وان تعمق قالوا عنه زنديق

وقوله في ص 260 :

فيا سائلي عن مذهبي إن مذهبي *** ولاء به حب الصحابة يمزج

فمن رام تقويمي فإني مقوّم *** ومَن رام تعويجي فإني معوّج

وقوله في ص 271 :

يا آل بيت النبي مَن بذلت *** في حبكم روحه فما غبنا

مَن جاء عن بيته يسائلكم *** قولوا له البيت والحديث لنا

وقوله في ص 302 وقد سمع مَن ينشد :

كم عالم عالم أعيت مذاهبه *** وجاهل جاهل تلقاه مرزقا

هذا الذي ترك الألباب حائرة *** وصيّر العالم النحرير زنديقا

فقال :

كم عالم عالم يشكو طوى وظماً *** وجاهل جاهل شبعان ريّانا

ص: 201

هذا الذي زاد أهل الكفر لاسلموا *** كفراً وزاد أولي الايمان إيمانا

وقوله في ص 306 في جارية له اسمها لؤلؤة وقد ماتت :

أيا موت رفقاً على حسنها *** فقد بلغت روحها الترقوة

تركت جواهر عند اللئا *** م وتحسد مثلي على لؤلؤه

وقال فيها أيضا :

فريدة من لئالئٍ *** تتثنّى من المرض

ثم ماتت فجسمها *** جوهر زال بالعرض

وقوله في ص 307

إن لحسادي عندي يداً *** يحق أن يعرفها مثلي

أبدوا عيوبي فتجنبتها *** ونبهوا الناس على فضلي

وقوله في ص 308

إذا أحببت نظم الشعر فاقصد *** لنظمك كل سهل ذي امتناع

ولا تكثر مجانسةً ومكّن *** قوافيه وكِله الى الطباع

وقوله في ص 311 :

دنيا تضام كرامها بلئامها *** ودليل ذاك حسينهما ويزيدها

يا خاطب الدنيا الدنية أنها *** طبعت على كدر وأنت تريدها

وقوله في ص 313 :

ص: 202

ابني زماني ما أنا *** منكم وقول الحق يثبت

وإذا نشأت خلالكم *** فالورد بين الشوك ينبت

وقوله في ص 323 :

قالت إذا كنت ترجو *** انسي وتخشى نفوري

صف ورد خدي وإلا *** أجور ناديتُ جوري

وقوله في ص 326 :

وما لي إلا حبّ آل محمد *** فكم جمعوا فضلاوكم فضلوا جمعا

محبتهم ترياق زلاتي التي *** تخيّل لي من سحرها أنها تسعى

وقوله في ص 327

قلتُ لدنياي لِم ظلمتِ بني *** عليّ المرتضى أبي حسن

قالت أما تنصفوا لطائفة *** أبوهم بالثلاث طلقني

وينتسب الى الخليفة ابي بكر وله في ذلك كما في ديوانه :

جدي هو الصديق وإسمي عمر *** وابني أبو بكر وبنتي عائشه

لكن يزيد ناقص عندي ففي *** ظلم الحسين ألف ألف فاحشه

وهو من أهل معرة النعمان وكان يكثر الحنين إليها والاعتزاز بها لأنها مسقط رأسه من ذلك قوله في قصيدته التي أوّلها :

قف وقفة المتألم المتأمل *** بمعرّة النعمان وأنظر بي ولي

إلى أن يقول في آخرها - كما في ديوانه ص 262.

أقسمت لو نطقت لأبدت شوقها *** نحوي كشوقي نحوها وترقّ لي

ص: 203

لم لا ترقّ لدمع عين ما رقا *** وجوارح جرحى وبالٍ قد بلي

موتي حسيني بها، وملامكم *** فيها يزيد ، وقدرها عندي ( علي )

أقول وجاء في مقدمة تاريخه أن مولده سنة 691 ه.

وكانت وفاته بحلب 17 ذي الحجة سنة 749 في طاعون حلب وعمره 58 سنة.

أما المقامة المشهدية التي ألحقها بقصيدة طويلة فهي سجل حافل بأوضاع زمانه وظلمه دون أقرانه ، نقتطف من القصيدة أبياته التالية ، فهي في تصوير حالته كافية - قال يخاطب ابن الزملكاني ويستقيل فيها من منصبه إن لم ترع حقوقه :

يا كامل الفضل جمّ البذل وافره *** جوداً مديدَ القوافي غير مقتضب

إني أحبّ مقامي في حماك ومَن *** يكن ببابك يا ذا الفضل لم يخب

فليتني مثل بعض الخاملين ولا *** تكون تولية الأحكام من سببي

فالحكم متعبة للقلب ، مغضبة *** للرب ، مجلبة للذنب فاجتنب

وإن تكن رتبتي في البر عالية *** فالكون عندك لي أعلا من الرتب

فانظر إليّ وجد عطفاً عليّ عسى *** رزق يعين على سكناي في حلب

والبرّ أوسع رزقاً غير أنّي في *** قلبي من العلم والتحصيل والطلب

وفي المدارس لي حق فما بنيت *** إلا لمثلي في حجر العلوم ربي

أهل الاعادة والفتوى أنا ومعي *** خط الشيوخ بهذا وامتحن كتبي

فإنّ في عمر عدلاً ومعرفة *** فكيف يصرف عن هذا بلا سبب

قالوا فلم تطلب العزل الذي هربت *** منه القضاة قديماً غاية الهرب

ص: 204

فقلت نحن قضاة البر مهملة *** أقدارنا فهي كالاوقاص في النصب

مَن كان منا جريّاً أكرموه وولّو *** ه المناصب بالخطبات والخطب

ومتقي اللّه منا مهمل حرج *** مروّع القلب محمول على الكرب

لا يعرفون له قدراً وعفّته *** يخشون إعداءها للناس كالجرب

إن دام هذا وحاشاه يدوم بنا *** فارقت زييّ الى ما ليس يجمل بي

يا سيدي يا كمال الدين خذ بيدي *** من القضاء فمالي فيه من إرب

البر يصلح للشيخ الكبير ومن *** رمى سهاماً الى العليا فلم يصب

أما الذي عرفت بالفهم فطرته *** فإنه في مقام البرّ لم يطب

أقول وكتب الأخ المعاصر العلامه السيد محمد مهدي الخرسان رسالة وافية عن حياة ابن الوردي وجعلها مقدمة لتاريخ ابن الوردي المطبوع في النجف الأشرف الطبعة الثانية سنة 1389 وقد ألم بجميع نواحي حياة ابن الوردي وعدد مؤلفاته واجازاته وأقوال المؤرخين فيه

ومن الجميل أن نذكر لامية ابن الوردي في النصائح والأمثال والحكم فإنها على غرار لامية اسماعيل بن أبي بكر المقري الزبيدي ، ولامية صلاح الدين الصفدي ، ولامية الحسين بن علي الطغرائي المشهورة بلامية العجم. وهذه القصائد المشهورة قد شُرحت ومُدحت وذيلت.

أعتزل ذكر الغواني والغزل *** وقل الفصل وجانب مَن هزل

ودع الذكر لأيام الصبا *** فلأيام الصبا نجم أفل

ان أحلى عيشة قضيتها *** ذهبت لذاتها والأثم حل

واترك الغادة لا تحفظ بها *** تمس في عز وترفع وتُجل

واله عن آلة لهوٍ أطربت *** وعن الأمرد مرفيّ الكفل

ص: 205

ان تبدّى تنكشف شمس الضحى *** وإذا ما ماس يزرى بالأسل

فاق إذ قسناه بالبدر سناً *** وعدلناه برمح فاعتدل

واهجر الخمرة إن كنت فتى *** كيف يسعى في جنون مَن عقل

واتق اللّه فتقوى اللّه ما *** جاورت قلب امرءٍ إلا وصل

ليس مَن يقطع طرفا بطلا *** إنما مَن يتق اللّه البطل

صدّق الشرع ولا تركن الى *** رجل يرصد في الليل زحل

حارت الأفكار في قدرة مَن *** قد هدانا سبلنا عز وجل

كتب الموت على الخلق فكم *** فل من جيش وأفنى من دول

أين نمرود وكنعان ومَن *** ملك الأرض وولّى وعزل

أين مَن سادوا وشادوا وبنوا *** هلك الكل فلم تغن القُلل

أين عاد أين فرعون ومَن *** رفع الاهرام مَن يسمع يخل

أين أرباب الحجى أهل التقى *** أين أهل العلم والقوم الأول

سيعيد اللّه كلا منهم *** وسيجزي فاعلاً ما قد فعل

يا بُنيّ اسمع وصايا جمعت *** حكماً خصّت بها خير الملل

اطلب العلم ولا تكسل فما *** أبعد الخير على أهل الكسل

واحتفل للفقه في الدين ولا *** تشتغل عنه بمالٍ وخول

واهجر النوم وحصّله فمن *** يعرف المطلوب يحقر ما بذل

لا تقل قد ذهبت أربابه *** كلّ من سار على الدرب وصل

في ازدياد العلم ارغام العدا *** وجمال العلم إصلاح العمل

جمّل المنطق بالنحو فمن *** يحرم الاعراب في النطق احتمل

انظم الشعر ولازم مذهبي *** فاطراح الرفد في الدنيا أقل

فهو عنوان على افضل وما *** أحسن الشعر إذا لم يبتذل

مات أهل الجود لم يبق سوى *** مقرف أو مَن على الأصل اتكل

ص: 206

أنا لا أختار تقبيل يد *** قطعها أجمل من تلك القبل

ان جزتني عن مديحي صرت في *** رقّها لولا فيكفيني الخجل

ملك كسرى عنه تغنى كسرة *** وعن البحر اكتفاء بالوشل

اعتبر ( نحن قسمنا ) بينهم *** تلقه حقاً وبالحق ، نزل

ليس ما يحوي الفتى عن عزمه *** لا ولا ما فات يوماً بالكسل

قاطع الدنيا فمن عاداتها *** عيشة الجاهل بل هذا أزل

كم شجاع لم ينل منها المنى *** وجبان نال غايات الامل

فاترك الحيلة فيها واتئد *** إنما الحيلة في ترك الحيل

لا تقل أصلي وفصلي أبداً *** إنما أصل الفتى ما قد حصل

قيمة الإنسان ما يُحسنه *** أكثر الانسان منه أو أقل

أكتم الأمرين فقراً وغنى *** واكسب الفلس وحاسب من بطل

وادّرع جداً وكدا واجتنب *** صحبة الحمقا وأرباب الدول

بين تبذير وبُخلٍ رتبة *** وكلا هذين ان زاد قتل

لا تخض في حق سادات مضوا *** انهم ليسوا بأهل للزلل

وتغافل عن أمور انه *** لم يفز بالحمد إلا من غفل

ليس يخلو المرء من ضدٍ وان *** حاول العزلة في رأس جبل

غب عن النمام وأهجره فما *** بلغ المكروه إلا مَن نقل

دار جار الدار إن جار وان *** لم تجد صبرا فما احلى النقل

جانب السلطان واحذر بطشه *** لا تخاصم مَن إذا قال فعل

لا تلى الحكم وأن هم سألوا *** رغبة فيك وخالف من عذل

إن نصف الناس اعداءٌ لمن *** ولى الاحكام هذا إن عدل

فهو كالمحبوس عن لذاته *** وكلا كفيّه في الحشر تُغل

ان للنقص والاستثقال في *** لفظة القاضي لوعظٌ ومثل

ص: 207

لا توازي لذة الحكم بما *** ذاقه الشخص اذا الشخص انعزل

فالولايات وان طابت لمن *** ذاقها ، فالسم في ذاك العسل

نصب المنصب أو هي جَلَدي *** وعنائي من مداراة السفل

قصّر الآمال في الدنيا تفز *** فدليل العقل تقصير الامل

إن مَن يطلبه الموت على *** غرة منه جدير بالوجل

غب وزر غبّاً تجد حُبّاً فمَن *** أكثرَ الترداد اصماه الملل

خذ بنصل السيف واترك غمده *** واعتبر فضل الفتى دون الحلل

لا يضر الفضل إقلال كما *** لا يضر الشمس إطباق الطفل

حبك الاوطان عجز ظاهر *** فاغترب تلق عن الأهل بدل

فبمكث الماء يبقى آسناً *** وسرى البدر به البدر أكتمل

لا يغرنك لينٌ من فتى *** إن للحيات ليناً يعتزل

انا مثل الماء سهل سائغ *** ومتى سخّن آذى وقتل

أنا كالخيزور صعبٌ كسره *** وهو لدن كيفما شئت انفتل

غير أني في زمان مَن يكن *** فيه ذو مال هو المولى الاجل

واجبٌ عند الورى إكرامه *** وقليل المال فيهم يسقل

كل أهل العصر غمر وأنا *** منهم فاترك تفاصيل الجُمل

وصلاة اللّه ربي كلما *** طلع الشمس نهاراً أو أفل

للذي حاز العلا من هاشم *** أحمد المختار مَن ساد الاول (1)

ص: 208


1- عن كتاب نفحة اليمن الشيرواني ص 158.

ابو الحسن الخليعي

جمال الدين

سجعت فوق الغصون *** فاقدات للقرين

فاستهلت سحبُ أجفا *** ني وهزتني شجوني

غردت لاشجوها شجو *** ي ولا حنّت حنين

لا ولا قلت لها *** يا ورق بالنوح اسعديني

ما شجى الباكي طروبا *** كشجى الباكي الحزين

حق لي أبكي دماءً *** عوض الدمع الهتون

لغريب نازح الدار *** خليٍّ من معين

لتريب الخد دامي *** الوجه مرضوض الجبين

يا بني ( طه ) و ( حاميم ) *** و ( ياسين ) و ( نون )

بكم استعصمت من *** شر خطوب تعتريني

فاذا خفت فأنتم *** لنجاتي كالسفين

يا حجاب اللّه والمحمي *** عن رجم الظنون

فيك داريت اناسا *** عزموا أن يقتلوني

وتحصّنت بقول ( الصا *** دق ) الحبر الأمين

اتقوا ان التقى من *** دين آبائي وديني

وكفاني علمك الشا *** هد للسر المصون

ومعاذ اللّه ان ألو *** ي عن الحبل المتين

ص: 209

ابو الحسن علي بن عبد العزيز بن ابي محمد الخليعي الموصلي الحلي توفي في حدود سنة 750 بالحلة وله قبر بها يزار.

كان فاضلا مشاركاً في الفنون ، أديبا شاعراَ. له ديوان ليس فيه إلا مدح الأئمة علیهم السلام . أصله من الموصل وسكن الحلة ومات بها ودفن في إحدى بساتين ( الجامعين ).

قال السيد الامين في الاعيان : والذي يظهر لي ان الخليعي لقب لثلاثة أشخاص لا لاثنين. أحدهم مادح الحمدانيين. والثاني صاحب المراثي في الحسين علیه السلام وهو حلّي أصله موصلي وصاحب الطليعة يقول اسمه علي بن عبد العزيز والظاهر انه من نسل مادح الحمدانيين وهو غيره يقيناً لان المادح كان في المائة الرابعة ، وصاحب المراثي المذكور في الطليعة كان في المائة الثامنة.

أما صاحب المراثي الآخر المسمى بالحسن - إن تحقق وجوده - فهو متأخر أيضا ، ويمكن كونه ولد علي بن عبد العزيز ، ويمكن كونه ابا الحسن الخليعي ويسمى الحسن اشتباهاً بل هو غير بعيد ، فلا يكون الخليعي سوى اثنين واللّه أعلم ويرى الشيخ الاميني أن الحسن محرف وإنما كنيته ابو الحسن.

وذكره الشيخ الاميني في ( الغدير ) وقال : انه ولد من ابوين ناصبيين وأن أمه نذرت انها ان رزقت ولداً تبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الحسين علیه السلام وقتلهم ، فلما ولدت المترجم له وبلغ أشده ابتعثته كما نذرت فلما بلغ الى نواحي ( المسيب ) بمقربة من كربلاء المقدسة طفق ينتظر قدوم الزائرين فاستولى عليه النوم واجتازت عليه القوافل فاصابه الغبار فرأى فيما يراه النائم أن القيامة قد قامت وقد أمر به الى النار ولكنها لم تمسه لما

ص: 210

عليه من ذلك العثير فانتبه تائباً واعتنق ولاء أهل البيت ، وقصد الحائر الشريف ويقال أنه نظم عندئذ بيتين :

اذا شئت النجاة فزر حسينا *** لكي تلقى الاله قرير عين

فان النار ليس تمس جسماً *** عليه غبار زوار الحسين

ونقل عن دار السلام للعلامة النوري ان المترجم له لما دخل الحرم الحسيني المقدس انشأ قصيدة في الحسين علیه السلام وتلاها عليه وفي اثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي بالخليعي أو الخلعي.

أقول وذكر الشيخ الاميني له شعرا كثيراً وقال : له 39 قصيدة في أهل البيت وجاء بمطلع كل واحدة من هذه القصائد.

أما الشيخ عباس القمي قدس اللّه نفسه الزكية فقد ذكره في الكنى والالقاب وقال انه موصلي الاصل مصري الدار وانه اعترض الزوار في طريق الموصل إذ أن القادمين للزيارة من جبل عامل يجيئون من طريق الموصل سابقا. ثم ذكر تاريخ الوفاة على غير ما ذكر ، فراجع.

أما الخطيب اليعقوبي فقد دلّه تتبعه على أن الشاعر قد مات في حدود سنة 850 أو قرب ذلك واستند الى كتاب ( الحصون المنيعة ) وقال في آخر الترجمة : ودفن في أحد بساتين ( الجامعين ) بين مقام الامام الصادق علیه السلام (1) وقبر رضي الدين بن طاووس على مقربة من باب النجف الذي يسميه الحليون ( باب المشهد ) وعلى قبره قبة بيضاء وبالقرب منه قبر ابن حماد الآتي

ص: 211


1- هذا المقام قديم البناء على ضفة فرات الحلة الغربية وذكره ابن شهر اشوب المتوفي سنة 588 في آخر أحوال الامام الصادق وعبّر عنه بالمسجد.

ذكره. وقد ذكره سيدنا المهدي معز الدين القزويني المتوفي سنة 1300 في فلك النجاة في عداد مراقد علماء الحلة.

وديوان الخلعي في مكتبة الامام الحكيم العامة - قسم المخطوطات - بخط الشيخ محمد السماوي وله الفضل في جمع هذا الشعر حتى تألف منه ديوان يضم أكثر من ثلاثين قصيدة.

منها

هجرت مقلتي لذيذ كراها *** لمصاب الشهيد من آل طاها

وقليل لمصرع السيط مجراها *** ولو أن دمعها من دماها

لقتيل ساءت رزيّته الأملاك *** واستعبرت عليه سَماها

بأبي ركبه المجد يجوب البيد *** وَخداً وهادَها ورُباها

بأبي الفتية الميامين تسري *** حوله والردى أمام سُراها

قُبحت أنفسٌ أطاعت هواها *** وعصت مَن بلطفه سَوّاها

الهمت رشدها وعلّمها اللّه *** أجور النفوس من تقواها

يا ابن بنت النبي يومك أذكى *** في الحشا جمرةً يشبّ لظاها

كم لمملوكك الخليعي فيكم *** مدحا يهتدى بنور سناها

تتجلّى بهاعقول ذوي اللب *** وتجلو عن القلوب صداها

ومراثٍ قد أكمن الطيبُ فيها *** كل ما أنشدت يَطيبُ شذاها

راجياً منكم الأمان اذا عدّ *** ذنوباً يخاف من عقباها

ومنها قوله من قصيدة

العينُ عبرى دمعها مسفوح *** والقلب من ألم الأسى مقروح

ما عذر مثلي يوم عاشورا اذا *** لم أبك آل محمد وأنوح

ص: 212

أم كيف لا أبكى الحسين وقد غدا *** شلوا بأرض الطف وهو ذبيح

والطاهرات حواسر من حوله *** كل تنوح ودمعها مسفوح

هذي تقول أخي وهذي والدي *** ومن الرزايا قلبها مقروح

أسفي لذاك الشيب وهو مضمخ *** بدمائه والطبيب منه يفوح

أسفي لذاك الوجه من فوق القنا *** كالشمس في أفق السماء يلوح

أسفي لذاك الجسم وهو مبضعٌ *** وبكل جارحة لديه جروح

ولفاطم تبكي عليه بحرقة *** وتقبل الأشلاء وهي تصيح

ظلّت تولول حاسراً مسبية *** وسكينة ولهى عليه تنوح

يا والدي لا كان يومك انه *** باب ليوم مصائبي مفتوح

أترى نسير الى الشام مع العدى *** أسرى وأنت بكربلاء طريح

اليوم مات محمد فبكى له *** ذو العزم موسى والمسيح ونوح

ومنها قوله من قصيدة

طال حزني واكتئابي *** فجعلت النوح دابي

ما شجاني زاجر العيس *** ولا حادي الركاب

لا ولا شاقتني الدار *** على طول اغتراب

بل شجاني ذكر مقت- *** -ولٍ عفير في التراب

نازح الأوطان ملقى *** في ثرى قفر يباب

حرّ قلبي وهو عاري *** الجسم مسلوب الثياب

حرّ قلبي والسبايا *** في بكاء وانتحاب

يتصارخن سليبات *** رداءٍ ونقاب

وبدور التمّ صرعى *** من مشيب وشباب

لست أنسى زينبا *** ذات عويل وانتحاب

ص: 213

تلطم الخد وتبكي *** للرزايات الصعاب

وتنادي يا أخي ليت *** الردى كان بدابي

يا أخي يا واحدي ما *** كان هذا في حسابي

يا أخي من يسعد الأيتا *** م في عظم المصاب

يا أخي ضاقت علينا *** بعدكم سبل الرحاب

وهو مشغول بكرب *** الموت عن ردّ الجواب

ينظر السجاد في الأسر *** بضرٍّ واضطراب

كلما أنّ أجابوه *** بشتم وسباب

أو وَنى بالسير ألقو *** ه على الرمضاء كاب

وقوله :

أضرمت نار قلبي المحزون *** صادحات الحمام فوق الغصون

غرّدت لا دموعها تقرح الجفن *** كدمعي ولا تحنّ حنيني

ما بكاء الحزين من ألم الثكل *** وباك يشكو فراق القرين

حق لي أندب الغريب فيدمي *** فيض دمعي عليه غرب جفوني

بابي النازح البعيد عن الأوطا *** ن فرداً وما له من معين

يوم قال احفظوا مقالي ولا *** ترموه جهلاً منكم برجم الظنون

إنني قد تركت فيكم كتاب *** اللّه فاستمسكوا به واسمعوني

فهو نور وعترتي أهل بيتي *** فانظروا كيف فيهما تخلفوني

ولقد كان فوق منبره ينثر *** دراً من علمه المكنون

فأتاه الحسين يسعى كبدر *** التم تجلى به دياجي الدجون

فكبا بين صحبه فهوى المختار *** يبكي بدمع عين هتون

قائلاً يا بني روحي تفدّيك *** وإني بذاك غير ضنين

ص: 214

ثم قال اشهدوا عليّ ومن *** أرسلني بالهدى وحق مبين

خلتُ لما كبا بأنّ فؤادي *** واقع من تحرقي وشجوني

كيف لو أنّ عينه عاينته *** كابياً في التراب دامي الجبين

قائلاً ليس في الأنام ابن بيت *** لنبي غيري ألا فاعرفوني

لهف قلبي له ينادي الى القوم *** على أي بدعةٍ تقتلوني

يا ذوي البغي والفسوق أما *** أخرجتموني كرهاً وكاتبتموني

واشتكيتم جور الطغاة وأقسمتم *** إذا قمتُ أنكم تنصروني

ومضى يقصد الخيام ودمع العين *** منه كاللؤلؤ المكنون

فاسترابت لذاك زينب فارتا *** عت وقالت له بخفض ولين

سيدي ما الذي دهاك أبن لي *** يا بن أمي وناصري ومعيني

قال يا أخت إن قومي وأهلي *** قد تفانوا قتلاً وقد أوحدوني

وسأمضي وآخذ الثار ممن *** عرفوا موضعي وقد أنكروني

فاسمعي ما أقول يا خيرة النسوان *** فيما أوصى به وأحفظيني

لا تشقي جيباً ولا تلطمي خدا *** وان عزك العزا فاندبيني

وأخلفيني على بناتي وأوصيك *** بزين العباد فهو أميني

وهو العالم المشار إليه *** صاحب المعجزات والتبيين

وإذا قمتِ عند وِردكِ من نا *** فلة الليل دائماً فاذكريني

واعلمي أن جدك المصطفى والمر *** تضى والبتول ينتظروني

وغدا للقتال يسطو على الأبطا *** ل في حربه كليث العرين

فرمته الطغاة عن أسهم الأحقا *** د كفراً منهم بأيدي الضغون

فبرزن الكرائم الفاطميات *** حيارى بزفرة ورنين

وغدت زينب تنادي الى أين *** رجالي وأين منى حصوني

ثم تدعو بامها البضعة الزهراء *** يا خيرة النساء أدركيني

ص: 215

وأخرجي من ثرى القبور ونوحي *** وأندبي واحدى عسى تسعديني

وانظري ذلك المفدى على الر *** مضاء دامي الأوداج خافي الأنين

أمّ يا أمُ لم عزمتي على أخذي *** كفيلي منى وأوحدتموني

وله في يوم الغدير قوله :

فاح أريج الرياض والشجرِ *** ونبّه الورق راقد السحرِ

واقتدح الصبح زند بهجته *** فأشعلت في محاجر الزهر

وافتر ثغر النوار مبتسماً *** لما بكته مدامع المطر

واختالت الأرض في غلائلها *** فعطرتنا بنشرها العطر

وقامت الورق في الغصون فلم *** يبق لنا حاجة الى الوتر

ونبهتنا الى مساحب أذيا *** ل الصبا بالأصيل والبكر

يا طيب أوقاتنا ونحن على *** مستشرف شاهق نَدٍ نضِر

تطل منه على بقاع انيقا *** ت كساها الربيع بالحبر

في فتية ينشر البليغ لهم *** وتراً فيهدي تمراً الى هجر

من كل من يشرف الجليس له *** معطر الذكر طيب الخبر

يورد ما جاء في « الغدير » وما *** حدّث فيه عن خاتم النذر

مما روته الثقات في صحة *** النقل وما أسندوا الى عمر

لقد رقى المصطفى بخمّ على *** الاقتاب لا بالوني والحصر

أن عاد من حجة الوداع الى *** منزله وهي آخر السفر

وقال يا قوم إن ربي قد *** عاودني وحيه على خطر

إن لم أبلّغ ما قد أُمرتُ به *** وكنت من خلقكم على حذر

وقال ان لم تفعل محوتك من *** حكم النبيين فأخش واعتبر

ص: 216

إن خفت من كيدهم عصمتك فا *** ستبشر فإني لخير منتصرِ

أقم علياً عليهم علماً *** فقد تخيّرته من البشر

ثم تلى آية البلاغ لهم *** والسمع ينعو لها مع البصر

وقال قد آن أن أجيب إلى *** داعي المنايا وقد مضى عمري

ألست أولى منكم بأنفسكم *** قلنا : بلى فاقض حاكماً ومُرِ

فقال والناس محدقون به *** ما بين مصغ وبين منتظر

من كنتُ مولاه فحيدرة *** مولاه يقفو به على أثري

يا رب فانصر من كان ناصره *** واخذل عداه كخذل مقتدر

فقمت لما عرفت موضعه *** من ربه وهو خيرة الخير

فقلت يا خيرة الأنام بخٍ *** جاءتك منقادة على قدر

أصبحتَ مولى لنا وكنت أخاً *** فافخر فقد حزت خير مفتخر

ومنها يقول :

تا لله ما ذنب من يقيس إلى *** نعلك مَن قدّموا بمغتفرِ

أنكر قوم عيد الغدير وما *** فيه على المؤمنين من نكر

حكّمك اللّه في العباد به *** وسرت فيهم بأحسن السير

وأكمل اللّه فيه دينُهم *** كما أتانا في محكم السور

نعتُك في محكم الكتاب وفي *** التوراة باد والسفر والزبر

عليك عرض العباد تقض على *** مَن شئت منهم بالنفع والضرر

تظمئ قوما عند الورود كما *** تروي اناساً بالورد والصدر

يا ملجأ الخائف اللّهيف ويا *** كنز الموالي وخير مدخر

لقبت بالرفض وهو أشرف لي *** من ناصبي بالكفر مشتهر

ص: 217

نعم رفضت الطاغوت والجبت *** واستخلصتُ ودّي للأنجم الزهرِ

وقوله من قصيدة

سارت بأنوار علمك السير *** وحدثت عن جلا لك السور

والمادحون المجزؤن غلوا *** وبالغوا في ثناك واعتذروا

وعظمتك التورات والصحف الأو *** لى واستبشرت بك العصر

والأنبياء المكرمون وفوا *** فيك بما عاهدوا وما نذروا

وذكر المصطفى فأسمع من *** ألقى له السمع وهو مدّكر

وجد في نصحهم فما قبلوا *** ولا استقاموا له كما أمروا

ومنها يقول :

أسماؤك المشرقات في أوجه *** القرآن في كل سورة غرر

سماك رب العباد قسورة *** من حيث فروا كأنهم حمر

والعين والجنب والوجه أنت *** والهادي وليل الظلام معتكر

يا صاحب الأمر في الغدير وقد *** بخبخ لما وليته عمر

لو شئت ما مد..... يده *** لها ولا نال حكمها زفر

لكن تأنيت في الامور ولم *** تعجل عليهم وأنت مقتدر

وقوله :

جعلتُ النوح إدمانا *** لما نال ابن مولانا

وأجرى أدمعاً ذكرى *** غريباً مات عطشانا

ص: 218

عفير الجسم مسلوب *** الردا في الترب عريانا

وتمثيلى بأرض الطف *** أطفالاً ونسوانا

وقتلى من بني الزهرا *** ء أشياخاً وشبانا

تهاب الوحش أجسادا *** لهم زهراً وأبدانا

أفاضوا دمهم غسلا *** وترب النقع أكفانا

بنفسي السبط اذ ينشد *** في الأعداء حيرانا

أما فيكم فتى يرحم *** هذا الطفل ضمآنا

بنفسي ذلك الطفل *** غدا بالسهم ريانا

رمته وهو في كفّ *** أبيه القوس مرنانا

بنفسي زينب تندب *** أحزانا وأشجانا

وتدعو جدها يا جد *** لو عاينت مرآنا

ولو شاهدت قتلانا *** وأسرانا ومسرانا

بصفّحنا عيون الخلق *** في الامصار ركبانا

ألا يا جد مَن أوليته *** فضلاً واحسانا

وأكّدت عليه حفظنا *** بعدك خلانا

ولم يرع لك العهد *** ولا رق ولا لانا

فيا وهنا عر الدين *** أيقضي السبط ضمئانا

وتضحي بالسبا آل *** رسول اللّه أعلانا

الا يا ساة كانوا *** لدين اللّه أركانا

ويا من نلت في مدحي *** لهم عفوا وغفرانا

على من شرع الغدر *** بكم ظلما وعدوانا

اليم اللعن والخزي *** وذا أهون ما كانا

لقد زادكم الرحمن *** تسليما ورضوانا

ص: 219

واعظاما واكراما *** واقدارا وامكانا

فكونوا للخليعي *** غداة البعث أعوانا

فكم لاقى من النصاب *** أحقادا وأضغانا

ولن يزداد الارغبة *** فيكم وإيمانا

وكم بات يجلي مد *** حكم سرا واعلانا

بألفاظ حكت درا *** وياقوتا ومرجانا

واحسان معان طرزها *** يعجز حسّانا

سحبت بمدحكم ذيلا *** على هامة سحبانا

ولولا مدحكم ما كنت *** أعلى منهما شانا

صلوة اللّه تفشاكم *** فما تقطعكم آنا

وقوله في آل البيت « ع » :

يا سادتي يا بني النبي ومن *** مديحهم في المعاد ينقذني

عرفتهم بالدليل والنظر المبصر *** لاكا المقلد اللكن

ديني هو اللّه والنبي ومو *** لاي إمام الهدى ابو الحسن

والقول عندي بالعدل معتقدي *** من غير شك فيه يخامرني

لست أرى ان خالقي أبداً *** يفعل بي ما به يعاقبني

ولا على طاعة ومعصية *** يجبرني كارهاً ويلزمني

وكيف يعزى الى القبيح من الفع- *** -ل وحاشاه وهو عنه غني

لكن افعالنا تناط بنا *** ما كان من سيء ومن حسن

ص: 220

وكل من يدعي الامامة بالبا *** طل عندي كعابد الوثن

يا محنة اللّه في العباد ومن *** رميت فيه بسائر المحن

يا نافذ الأمر في السماء وفي *** الأرض ويا من اليه مرتكني

وردك الشمس بعدما غربت *** يدهش غيري وليس يدهشني

أوردت قلبي ماء الحياة ولم *** تزل بكأس اليقين تنهلني

وكلما ازددت فيك معرفه *** ينكرني حاسدي ويجحدني

ولست آسي بالقرب منك على *** مُقصّرٍ في هواك يبعدني

بك الخليعي يستجير فكن *** عوناً له من طوارق الفتن

وله من قصيدة في آل البيت « ع » قوله :

يا سادتي يا بني الهادي النبي ومن *** أخلصت ودي لهم في السر والعلن

عرفتكم بدليل العقل والنظر ال- *** -مهدي ولم أخش كيد الجاهل اللكن

ولست آسى على من ظل يبعدني *** بالقرب منكم ومن بالغيب يرحمني

ظفرت بالكنز من علم اليقين ولم *** اخش اعتراض اخي شك ينازعني

فاز « الخليعي » كل الفوز واتضحت *** فيكم له سبل الارشاد والسنن

ص: 221

علي بن عبد الحميد بن فخار

غز صبري وعزّ يوم التلافي *** آه واحسرتاه مما ألاقي

وفؤادي أضحى غريم غرام *** واصطباري ناء ووجدي باقي

يا عذولي إني لسيع فراق *** ما له بعد لسعه من راقِ

حقّ أن أسكب الدما لا دموعي *** وأشق الفؤاد لا أخلاقي

وأزيد الحزن الشديد لرزء السبط *** سبط الراقي بظهر البراق

قتلوه ظلماً ولم يرقبوا فيه *** لعمري وصيّه الخلاقِ

يا بن بنت الرسول يا غاية المأ *** مول يا عدتي غداة التلاقي

ابن عبد الحميد عبدك ما زا *** ل محباً لكم بغير نفاق

حبكم عدّتي وأنتم ملاذي *** يوم حشري ومنكموا أعراقي

وصلاة الرب الرحيم عليكم *** ما تغنى الحداة خلف النياق (1)

ص: 222


1- عن أعيان الشيعة ج 41 ص 293.

جاء في أعيان الشيعة ج 41 ص 292.

السيد علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوي الحلي المعروف بالمرتضى استاذ ابن معيّة (1). توفي حدود سنة 760 كان فقيهاً نسابة يروي عن والده عن أبيه عن جده فخار عن شيخه النسابة جلال الدين أبي علي عبد الحميد بن التقي الحسيني عن السيد ضياء الدين فضل اللّه بن علي الحسني الراوندي عن أبي الصمصام ذي الفقار ابن محمد بن سعيد الحسيني المروزي عن الشيخ أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الكوفي بطرقه المعلومة ، ويروي عنه ابن معيّة.

له كتاب الأنوار المضيئة في أحوال المهدي. ومن ذرية المترجم بنو نزار ينتهون الى نزار بن السيد هذا وآل أبي محمد وهم ينتهون الى الحسين ابن صاحب الترجمة ، وللمترجم كتاب في مرائي الشهيد ، وله في علم الكلام وغيره تصانيف.

ص: 223


1- يرجع نسبه الى ابراهيم المجاب بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم علیه السلام ، وكان أبوه عبد الحميد نقيب المشهد والكوفة.

حسن المخزومي

فروع قريضي في البديع أصول *** لها في المعاني والبيان أصول

وصارم فكري لا يفلّ غراره *** ومن دونه العضب الصقيل كليل

سجية نفسي انها لي سجيّة *** تميل الى العلياء حيث أميل

فلا تعدلي يا نفس عن طلب العلا *** ويا قلب لا يثنيك عنه عذول

ففي ذروة العلياء فخر وسؤددٌ *** وعزٌ ومجدٌ في الأنام وسول

خليلي ظهر المجد صعب ركوبه *** ولكنه للعارفين ذلول

جميل صفات المرء زهد وعفة *** وأجمل منها أن يقال فضيل

فلا رتبة إلا وللفضل فوقها *** مقام منيف في الفخار أثيل

فلله عمرٌ ينقضي وقرينه *** علوم وذكرٌ في الزمان جميل

تزول بنو الدنيا وان طال مكثها *** وحسن ثناء الذكر ليس يزول

فلا تتركنّ النفس تتّبع الهوى *** تميل وعن سبل الرشاد تميل

ويقول فيها في مدح الني والوصي ورثاء الحسين صلوات اللّه عليهم :

فيا خير مبعوث بأعظم منّة *** وأكرم منعوت نمته أصول

تقاصر عنك المدح من كل مادح *** فماذا عسى فيما أقول أقول

ص: 224

لقد قال فيك اللّه جل جلاله *** من المدح مدحا لم ينله رسول

لأنت على خلق عظيم كفى بها *** فماذا عسى بعد الاله نقول

مدينة علم بابها الصنوِ حيدر *** ومن غير ذاك الباب ليس دخول

امام برى زند الضلال وقد وَرى *** زناد الهدى والمشركون خمول

ومولى له من فوق غارب أحمد *** صعود به للحاسدين نزول

فكسّر اصنام الطغاة بصارم *** بدت للمنايا في شباه نحول

تصدّق بالقرص الشعير لسائل *** وردّ عليه القرص وهو أفول

وقائعه في يوم أحد وخيبر *** لها في حدود الحادثات فلول

وبيعة خمٍ والنبي خطيبها *** لها في قلوب المبغضين نصول

فيا رافع الاسلام من بعد خفضه *** وناصب دين اللّه حيث يميل

أعزيك بالسبط الشهيد فرزؤه *** ثقيل على أهل السماء جليل

دعته الى كوفان شرّ عصابة *** عصاة وعن نهج الصواب عدول

فلمّا أتاهم واثقاً بعهودهم *** أمالوا وطبع الغادرين يميل

الى أن قال في الحسين علیه السلام :

له النسب الوضاح كالشمس في الضحى *** ومجد على هام السماء يطول

لقد صدق الشيخ السعيد أبو العلا *** علي ونال الفخر حيث يقول

( فما كل جد في الرجال محمد *** ولا كل أمٍّ في النساء بتول )

يعني الشفهيني فإن هذا البيت له من قصيدة سبق ذكرها.

ثم قال المترجم له :

فيا آل طه الطاهرين رجوتكم *** ليوم به فصل الخطاب طويل

ص: 225

مدحتكم أرجو النجاة بمدحكم *** لعلمي بكم أن الجزاء جزيل

فدونكم من عبدكم ووليكم *** عروساً ولكن في الزمان نكول

أتت فوق أعواد المنابر نادباً *** لها رنّة محزونة وعويل

لسبع مئين بعد سبعين حجة *** وثنتين إيضاح لها ودليل

لها حسن المخزوم عبدكم أب *** لآل أبي عبد الكريم سليل (1)

ص: 226


1- والقصيدة بمجموعها 177 بيتاً اكتفينا بهذا المقدار منها.

الحسن من آل عبد الكريم المخزومي :

قال السيد الأمين ج 22 ص 89.

كان حياً سنة 772 ولا يبعد كونه حلياً لمعارضته قصيدة الشفهيني الحلي من قصيدة له يمدح بها النبي والوصي ويرثي الحسين صلوات اللّه عليهم. وظن صاحب الطليعة إنها للحسن بن راشد الحلي فأوردها في ترجمته وقال : إنه عارض بها الشفهيني والذي رأيناه في مجموعة الفاضل الشيخ محمد رضا الشبيبي أنها للحسن المخزومي من آل عبد الكريم وأنه نظمها سنة 772.

قال الشيخ الأميني : الشيخ حسن آل أبي عبد الكريم المخزومي أحد شعراء الشيعة في القرن الثامن جارى قصيدته المذكورة معاصره العلامة الشيخ علي الشفهيني.

وقد رأى الشيخ السماوي في الطليعة إنه هو الشيخ الحسن بن راشد الحلي العلامة المتضلع من العلوم صاحب التآليف القيمة والأراجيز الممتعة وحسب سيدنا الأمين العاملي في الأعيان انه غيره وله هناك نظرات لا يخلو بعضها عن النظر فعلى الباحث الوقوف على الجزء الحادي والعشرين من الأعيان والجزء الثاني والعشرين.

وعمدة ما يستأنس منه الاتحاد أن اللامية هذه مذكورة في غير واحد من المجاميع في خلال قصائد الشيخ حسن بن راشد الحلي منسوبة إليه مع بعد شاسع في خطة النظم وتفاوت في النفس بحيث يكاد بمفرده أن يميزها عن شعر ابن راشد الحلي الفحل فإنه عالي الطبقة بادي السلاسة ظاهر الإنسجام متحد بالقوة ، واللامية دونه في كل ذلك.

ص: 227

وعلى أيّ فناظمها من شعراء القرن الثامن نظمها في سنة 772 كما نصّ عليه في أخريات القصيدة ولما لم يُعلم تاريخ وفاته واحتملنا الإتحاد بينه وبين ابن راشد المتوفى في القرن التاسع بعد سنة 830 أرجأنا ترجمته الى القرن التاسع واللّه العالم.

ص: 228

شعراء القرن التاسع

اشارة

1 - رجب البرسي كان حياً سنة 813

2 - محمد بن الحسن العليف المتوفي 815

3 - ابن المتوج البحراني المتوفي 820

4 - الحسن بن راشد كان حياً سنة 830

5 - ابن العرندس توفي حدود 900

6 - الشيخ مغامس بن داغر توفي حدود 850

7 - محمد بن حماد الحلي أواخر القرن التاسع

8 - عبد اللّه بن داود الدرمكي حدود 900

9 - الشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي حدود 900

10 - محمد بن عمر النصيبي الشافعي القرن التاسع

ص: 229

ص: 230

الشيخ رجب البرسي

قال من قصيدة في رثاء الحسين علیه السلام

فيا لك مقتولا بكته السما دما *** وثلّ سرير العز وانهدم المجد

شهيداً غريباً نازح الدار ظامياً *** ذبيحا ومن سافي الوريد له ورد

بروحي قتيلا غسله من دمائه *** سليبا ومن سافي الرياح له برد

وزينب حسرى تندب الندب عندها *** من الحزن أو صاب يضيق بها العدّ

تجاذبنا أيدي العدى بعد فضلنا *** كأن لم يكن خير الأنام لنا جد

وتمسي كريمات الحسين حواسراً *** يلاحظها في سيرها الحر والعبد

ص: 231

الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ كان حياً سنة 813 وتوفي قريباً من هذا التاريخ.

والبرسي نسبة الى برس ، في الرياض بضم الباء وسكون الراء ثم السين المهملة ، قرية بين الكوفة والحلة فأصبحت اليوم خرابا ولعل اشتهاره بالحافظ لكثرة حفظه فقد كان فقيهاً حافظاً محدثاً أديباً شاعراً مصنفاً في الاخبار وغيرها له كتاب ( مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين ) وله رسائل في التوحيد وكان ماهراً في أكثر العلوم وله يد طولى في اسرار علم الحروف والاعداد ونحوها كما يظهر من تتبع مصنفاته.

أقول ذكر السيد الأمين في الاعيان 13 مؤلفا كلها آية في الابداع. قال :

ولم يعرف له شعر إلا في أهل البيت.

وفي البابليات :

الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب المعروف بالحافظ « لكثرة حفظه » والبرسي نسبة الى قرية « برس » (1) ومنها أصل المترجم وفيها مولده

ص: 232


1- هو على ما ضبطه ياقوت في معجمه بالضم - وقال غيره بالكسر - موضع بأرض بابل به آثار لبخت نصر وتل مفرط العلو يسمى صرح البرس - قلت ولا يزال هذا التل يرى للناظرين من مسافة أميال. وفي القاموس : برس قرية بين الكوفة والحلة. ويقع تلّها اليوم على يمين الذاهب من النجف إلى كربلاء وبينه وبين طريقيهما فرات الهندية. وعلى يسار الذاهب من الكوفة وذي الكفل الى الحة.

ثم سكن الحلة وهو من أشهر علمائها في أواخر القرن الثامن طويل الباع واسع الاطلاع في الحديث والتفسير والأدب وعلم الحروف. قال صاحب الروضات عند ذكره : كان معاصراً لأمثال صاحب المطول والسيد الشريف والشيخ مقداد السيوري وابن المتوج البحراني.

وهو يروي في بعض مصنفاته عن شاذان بن جبرئيل بن اسماعيل القمي وقال عنه صاحب رياض العلماء : انه البرسي مولداً والحلي محتداً ، الفقيه المحدث الصوفي صاحب كتاب مشارق الانوار المشهور وغيره ، كان من متأخري علماء الامامية لكنه متقدم على الكفعمي صاحب المصباح وكان ماهراً بأكثر العلوم وله يدٌ طولى في علم اسرار الحروف والاعداد ونحوها كما يظهر من تتبع مصنفاته ثم عدّ له أكثر من أحد عشر مصنفاً.

في مقدمة كتاب « البحار » في تعداد كتب الاخبار التي نقل منها :

وكتاب مشارق الانوار وكتاب الالفين للحافظ رجب البرسي ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط وانما اخرجنا منهما ما يوافق الاخبار المأخوذة من الاصول المعتبرة ، وروى أيضا عن كتابي المترجم في ال- ج 8 من البحار ص 762 خبرين فيما يختص بوفاة امير المؤمنين (عليه السلام) ومدفنه فقال بعد نقله لهما : ولم ار هذين الخبرين إلا عن طريق البرسي ولا اعتمد على ما يتفرد بنقله ولا أردهما لورود الاخبار الكثيرة. الخ.

وقال صاحب « الأمل » في ترجمته : كان فاضلاً محدثاً شاعراً منشئاً اديباً له كتاب مشارق انوار اليقين في حقائق اسرار امير المؤمنين وله رسائل في التوحيد وغيره وفي كتابه افراط وربما نسب الى الغلو واورد فيه لنفسه اشعاراً جيدة. ا ه.

ص: 233

فمن شعره في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله قوله :

أضاء بك الأفق المشرق *** ودان لمنطقك المنطق

وكنت ولا آدم كائناً *** لأنك من كونه أسبق

ولولاك لم تخلق الكائنات *** ولا بان غرب ولا مشرق

تجليت يا خاتم المرسلين *** بشأوٍ من الفضل لا يلحق

فأنت لنا أول آخر *** وباطن ظاهرك الأسبق

تعاليت عن صفة المادحين *** وان اطنبوا فيك أو أعمقوا

فمعناك حول الورى دارة *** على غيب أسرارها تحدق

وروحك من ملكوت السماء *** تنزل بالأمر ما يخلق

ونشرك يسري على الكائنات *** فكلٌ على قدره يعبق

اليك قلوب جميع الانام *** تحنّ واعناقها تعنق

وفيض أياديك في العالمين *** بأنهار أسرارها يدفق

وآثار آياتك البينات *** على جبهات الورى تشرق

فموسى الكليم وتوراته *** يدلان عنك اذا استنطقوا

وعيسى وانجيله بشّرا *** بأنك احمد من يخلق

فيا رحمة اللّه في العالمين *** ومن كان لولاه لم يخلقوا

لأنك وجه الجلال المنير *** ووجه الجمال الذي يشرق

وانت الأمين وانت الأمان *** وانت ترتّقُ ما يفتق

اتى رجبٌ لك في عاتق *** ثقيل الذنوب فهل يعتق

ولم يعرف له شعر إلا في أهل البيت ومن شعره الذي أورده في مشارق الأنوار قوله في أهل البيت (عليهم السلام)كما في أمل الآمل :

ص: 234

فرضي ونفلي وحديثي انتم *** وكل كُلّي منكم وعنكم

وأنتم عند الصلاة قبلتي *** اذا وقفت نحوكم أُيمّم

خيالكم نصبٌ لعيني ابداً *** وحبكم في خاطري مخيم

يا سادتي وقادتي اعتابكم *** بجفن عيني لثراها الثم

وقفاً على حديثكم ومدحكم *** جعلت عمري فاقبلوه وارحموا

منوا على ( الحافظ ) من فضلكم *** واستنقذوه في غد وأنعموا

وقوله :

أيها اللائم دعني *** واستمع من وصف حالي

أنا عبد لعلي *** المرتضى مولى الموالي

كلما ازددت مديحاً *** فيه قالوا لا تغال

واذا أبصرت في *** الحق يقيناً لا أبالي

آية اللّه التي في *** وصفها القول حلالي

كم الى كم أيها *** العاذل أكثرت جدالي

يا عذولي في غرامي *** خلّني عنك وحالي

رح إذا ما كنت ناج *** واطرّحني وضلالي

إن حُبّي لعلي *** المرتضى عين الكمال

وهو زادي في معادي *** ومعاذي في مآلي

وبه اكملت ديني *** وبه ختم مقالي

وله من أبيات في مدح امير المؤمنين (عليه السلام) :

ابا حسن لو كان حبّك مدخلي *** جهنم كان الفوز عندي جحيمها

ص: 235

وكيف يخاف النار من كان موقناً *** بأنك مولاه وانت قسيمها

فوا عجباً من أمّة كيف ترتجي *** من اللّه غفراناً وانت خصيمها

وواعجباً اذ اخرتك وقدّمت *** سواك بلا جرم وانت زعيمها

وله في معنى قول من قال في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : ما أقول في رجل اخفت أولياؤه فضائله خوفاً ، وأخفت أعداؤه فضائله حسداً وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين :

روى فضله الحساد من عظم شأنه *** وأعظم فضل راح يرويه حاسد

محبوه أخفوا فضله خيفة العدى *** وأخفاه بغضاً حاسد ومعاند

وشاع له من بين ذين مناقب *** تجلّ بأن تحصى وان عدّ قاصد

إمام له في جبهة المجد أنجم *** تعالت فلا يدنو إليهن راصد

فضائله تسمو على هامة السما *** وفي عنق الجوزاء منها قلائد

وأفعاله الغر المحجّلة التي *** تضوّع مسكاً من شذاها المشاهد

ومما اورده له السيد نعمة اللّه الجزائري قوله في أمير المؤمنين (عليه السلام) :

العقل نور وأنت معناه *** والكون سر وأنت مبداه

والخلق في جمعهم إذا جمعوا *** الكل عبد وأنت مولاه

انت الولي الذي مناقبه *** ما لعلاها في الخلق اشباه

يا آية اللّه في العباد ويا *** سرّ الذي لا إله إلا هو

تناقض العالمون فيك وقد *** حاروا عن المهتدى وقد تاهوا

فقال قوم بأنه بشرٌ *** وقال قوم لا بل هو اللّه

يا صاحب الحشر والمعاد ومَن *** مولاه حكم العباد ولاه

ص: 236

يا قاسم النار والجنان غداً *** أنت ملاذ الراجي وملجاه

كيف يخاف ( البرسي ) حرّ لظى *** وأنت عند الحساب منجاه

لا يختشي النار عبد حيدرة *** إذ ليس في النار مَن تولاه

وله :

هو الشمس أم نور الضريح يلوح *** هو المسك أم طيب الوصي يفوحُ

له النص في يوم الغدير ومدحه *** من اللّه في الذكر المبين صريح

امام اذا ما المرء جاء بحبّه *** فميزانه يوم المعاد رجيح

ونكتفي بما أوردناه من الشواهد الوجيزة من شعره عن الاسهاب وفي ال- ج 7 من الغدير من اشعاره اضعاف ما ذكر ما في ال- ج 31 من اعيان الشيعة وجلها مستخرجة من كتاب المترجم « مشارق الانوار ».

قلت ولا يخفى على القارئ البصير ان هذا الشعر وما أشبهه من مدح النبي وآله الطاهرين (عليهم السلام) والتوسل بهم الى اللّه تعالى لا يجوز التسرع في الحكم على صاحبه بالغلو مهما كان فيه من المبالغة في المدح والثناء فإن من تصفح دواوين الشعراء الاقدمين وجد فيها ما هو أعظم في حق الملوك والخلفاء والعظماء الذين يتشرفون بالانتماء الى آل الرسول صلی اللّه علیه و آله نسبا او سببا ألا ترى قول البرسي في مقطوعته المتقدمة في مدح امير المؤمنين (عليه السلام)

والخلق في جمعهم اذا جمعوا *** فالكل عبدٌ وانت مولاه

سبقه الى معناه ابو الطيب المتنبي بمدح عضد الدولة بن بويه الديلمي فقال

وقد رأيت الملوك قاطبة *** وسرت حتى رأيت مولاها

ص: 237

ومن مناياهم براحته *** يأمرها فيهم وينهاها

وما اكثر هذا النوع في شعر متنبي الغرب محمد بن هاني الاندلسي في مدح الفاطميين « خلفاء مصر » كقوله في المعز :

ما شئت لا ماشاءت الاقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهار

وقوله من قصيدة

قد قال فيك اللّه ما أنا قائل *** فكأن كل قصيدة تضمين

وكقول الشريف الرضي في الطايع العباسي :

لله ثمّ لك المحل الاعظم *** واليك ينتسب العلاء الاقدم

الى كثير من امثال ذلك ونظائره مما كان الاحرى بالشاعر العدول عنها فأن في ميادين المدح متسعاً بما دون ذلك.

ومن شعره في الحسين علیه السلام .

يميناً بنا حادى السرى إن بدت نجدُ *** يميناً فللعاني العليل بها نجدُ

وعج فعَسى من لاعج الشوق يشتفي *** غريم غرام حشو أحشائه وقد

وسربي بسرب فيه سرب جآذر *** لسربي من جهد العهاد بهم عهد

ومر بي بليل في بليل عراصه *** لأ روى بريّا تربة تربها ندّ

وقف بي أنادي وادي الايك علني *** بذاك أرى ذاك المساعد يا سعد

فبالربع لي من عهد جيرون جيرة *** يجيرون ان جار الزمان إذا عدّوا

عزيزون ربع العمر في ربع عزهم *** تقضى ولا روع عراني ولا جهد

وربعي مخضرٌ وعيشي مخضل *** ووجهي مبيضٌ وفودي مسود

ص: 238

وشملي مشمول وبرد شبيبتي *** قشيبٌ وبرد العيش ما شابه نكد

معالم كالاعلام معلمة الربى *** فأنهارها تزهو وأطيارها تشدو

طوت حادثات الدهر منشور حسنها *** كما رسمت في رسمها شمأل تغدو

واضحت تجّر الحادثات ذيولها *** عليه ولا دعدٌ هناك ولا هند

وقد غدرت قدما بآل محمد *** وطاف عليهم بالطفوف لها جند

فيا أمة قد ادبرت حين أقبلت *** فوافقها نحس وفارقها سعد

ابت إذ اتت تنأى وتنهى عن النهى *** وولّت وألوت حين مال بها الجد

كأني بمولاي الحسين ورهطه *** حيارى ولا عون هناك ولا عضد

وما عذر ليث يرهب الموت باسه *** يذلُ ويضحى السيد يرهبه الاسد

وتأبى نفوس طاهرات وسادة *** مواضيهم هام الكماة لها غمد

ليوث وفي ظل الرماح مقيلها *** مغاوير طعم الموت عندهم شهد

لها الدم وردٌ والنفوس قنائص *** لها القَدم قِدمٌ والنفوس لها جند

حماة عن الاشبال يوم كريهة *** بدور دجى سادوا الكهول وهم مرد

أيادي عطاهم لا تطاول في الندى *** وأيدي علاهم لا يطاق لها رد

مطاعيم للعافي مطاعين في الوغى *** مطاعين إن قالوا لهم حجج لدّ

مفاتيح للداعي مساميح للندى *** مصابيح للساري بها يهتدي النجد

زكوا في الورى أماً وجداً ووالداً *** وطابوا فطاب الام والاب والجد

باسمائهم يستجلب البر والرضا *** بذكرهم يستدفع الضر والجهد

اذا طلبوا راموا وان طلبوا رموا *** وان ضوربوا جدوا وان ضربوا قدّوا

وجوههم بيض وخضر ربوعهم *** وبيضهم حمر إذ النقع مسود

كأنهم نبت الربى في سروجهم *** لشدة حزم لا بحزم لها شدوا

يخوضون تيار الحمام ضوامياً *** وبحر المنايا بالمنايا لهم مد

تخال بريق البيض برقاً سحاله ال- *** -دماء وأصوات الكماة لها رعد

ص: 239

أحلّوا جسوماً للمواضي وأحرموا *** فحلوا جنان الخلد فيها لهم خلد

أمام الامامِ السبطِ جادوا بأنفسٍ *** بها دونه جادوا وفي نصره جدوا

فلما رآى المولى الحسين رجاله *** وفتيانه صرعى وشادي الردى يشدو

فيحمل فيهم حملة علوية *** بها للعوالي في أعالي العدى قصد

كفعل أبيه حيدر يوم خيبر *** كذلك في بدر ومن بعدها أحد

تزلزلت السبع الطباق لفقده *** وكادت له شمّ الشماريخ تنهد

وناحت عليه الطير والوحش وحشة *** وللجن إذ جن الظلام به وجد

وشمس الضحى اضحت عليه عليلة *** علاها اصفرار إذ تروح وإذ تغدو

فيالك مقتولاً بكته السما دما *** وثلّ سرير العز وانهدم المجد

شهيداً غريباً نازح الدار ظاميا *** ذبيحا ومن سافي الوريد له ورد

بروحي قتيلاً غسله من دمائه *** سليباً ومن سافي الرياح له برد

ترض خيول الشرك بالحقد صدره *** وترضخ منه الجسم في ركضها الجرد

وزينب حسرى تندب الندب عندها *** من الحزن أو صاب يضيق بها العد

تجاذبنا أيدي العدى بعد فضلنا *** كأن لم يكن خير الانام لنا جدّ

وتضحى كريمات الحسين حواسرا *** يلاحظها في سيرها الحر والعبد

وليس لأخذ الثأر إلا خليفة *** هو الخلف المأمول والعلم الفرد

هو القائم المهدي والسيد الذي *** إذا سار أملاك السماء له جند

لعل العيون الرمد تحضى بنظرة *** إليه فتجلى عندها الاعين الرمد

اليك انتهى سرّ النبيين كلهم *** وانت ختام الأوصياء إذا عدوا

إليكم عروس زفها الحسن ثاكلا *** تنوح إذا الصب الحزين بها يشدو

رجا رجب رحب اليقين بها غدا *** إذا ما اتى والحشر ضاق به الحشد

ولي فيكم نظم ونثر غذاؤه *** نقير وهذا جهد مَن لا له جهد

لتذكرني يا ابن النبي غداً إذا *** غدا كل مولى يستجير به العبد

ص: 240

فان مال عنكم يا بني الفضل راغب *** يظل ويضحى عند من لا له عند

فيا عدتي في شدتي يوم بعثتي *** بكم خلتي من علتي حرها برد

عبيدكم البرسي مولى علائكم *** كفاه فخاراً أنه لكم عبد

وللحافظ رجب البرسي

دمع يبدده مقيم نازح *** ودم يبدده مقيم نازح

والعين إن أمست بدمع فجّرت *** فجرت ينابيع هناك موانحُ

أظهرت مكنون الشجون فكلما *** شجّ الأمون سجا الحرون الجامحُ (1)

وعليّ قد جعل الأسى تجديده *** وقفاً يضاف الى الرحيب الفاسح

وشهود ذلي مع غريم صبابتي *** كتبوا غرامي والسقام الشارح

أوهى اصطباري مطلقٌ ومقيّدٌ *** غربٌ وقلبٌ بالكآبة بائحُ

فالجفن منسجمٌ غريق سائح *** والقلب مضطرم حريٌق قادح

والخدّ خدّده طليق فاتر *** والوجد جدّده مجدّ مازح

أصبحت تخفضني الهموم بنصبها *** والجسم معتلّ مثالٌ لائح

حلّت له حلل النحول فبرده *** برد الذبول تحلّ فيه صفائح

وخطيب وجدي فوق منبر وحشتي *** لفراقهم لهو البليغ الفاصح

ومحّرمٌ حزني وشوّال العنا *** والعيد عندي لاعجٌ ونوايحُ

ومديد صبري في بسيط تفكّري *** هزجٌ ودمعي وافر ومسارحُ

ساروا فمعناهم ومغناهم عفا *** واليوم فيه نوايحٌ وصوايحُ

درس الجديد جديدها فتنكّرت *** ورنا بها للخَطب طرفٌ طامح

ص: 241


1- شج المفازة : قطعها. الامون : الناقة.

نسج البلى محقّق حسنه *** ففناءه ماحي الرسوم الماسح

فطفقتُ أندبه رهين صبابة *** عدم الرفيق وغاب عنه الناصح

وأقول والزفرات تذكي جذوةً *** بين الضلوع لها لهيبٌ لافح

: لا غرو إن غَدر الزمان بأهله *** وجفا وحانَ وخانَ طرفٌ لامح

فلقد غوى في ظلم آل محمّد *** وعوى عليهم منه كلبٌ نابح

وسطى على البازي غرابٌ أسحمٌ *** وشبا على الأشبال زنجٌ ضابح

وتطاول الكلب العقور فصاول *** الليث الهصور وذاك أمرٌ فادح

وتواثبت عرج الضباع وروّعت *** والسيد أضحى للأسود يكافح

آل النبيّ بنو الوصيّ ومنبع *** الشرف العليّ وللعلوم مفاتح

خزّان علم اللّه مهبط وحيه *** وبحار علم والأنام ضحاضح

التائبون العابدون الحامدون *** الذاكرون وجنح ليل جانح

الصائمون القائمون المطعمون *** المؤثرون لهم يد ومنايح

عند الجدى سحب وفي وقت الهدى *** سمتٌ وفي يوم النزال جحاجح

هم قبلة للساجدين وكعبة *** للطائفين ومشعرٌ وبطايح

طرق الهدى سُفن النجاة محبّهم *** ميزانه يوم القيامة راجح

ما تبلغ الشعراء منهم في الثنا *** واللّه في السبع المثاني مادح

نسبٌ كمنبلج الصباح ومنتمىً *** زاكٍ له يعنو السماك الرامح

الجد خير المرسلين محمّد ال- *** -هادي الأمين أخو الختام الفاتح

هو خاتم بل فاتحٌ بل حاكمٌ *** بل شاهدٌ بل شافعٌ بل صافح

هو أول الأنوار بل هو صفوة ال- *** -جبّار والنشر الأريج الفايح

هو سيّد الكونين بل هو أشرف *** الثقلين حقّاً والنذير الناصح

لولاك ما خلق الزمان ولا بدت *** للعالمين مَساجدٌ ومصابح

والأم فاطمة البتول وبضعة *** الهادي الرسول لها المهيمن مانح

ص: 242

حوريّة إنسيّة لجلالها *** وجمالها الوحي المنزّل شارحُ

والوالد الطهر الوصي المرتضى *** عَلم الهداية والمنارُ الواضحُ

مولىً له النبأ العظيم وحبّه *** النهج القويم به المتاجر رابح

مولىً له بغدير خمٍّ بيعةٌ *** خضعت لها الاعناق وهي طوامح

القسور البتّاك والفتّاك والسفّاك *** في يوم العراك الذابح

أسد الإله وسيفه ووليّه *** وشقيق أحمد والوصيّ الناصح

وبعضده وبعضبه وبعزمه *** حقّاً على الكفّار ناح النايح

يا ناصر الاسلام يا باب الهدى *** يا كاسر الأصنام فهي طوامح

يا ليت عينك والحسين بكربلا *** بين الطغاة عن الحريم يكافح

والعاديات صواهل وجوائل *** بالشوس في بحر النجيع سوابح

والبيض والسمر اللدان بوارق *** وطوارقٌ ولوامع ولوائح

يلقى الردى بحر الندى بين العدى *** حتى غَدا مُلقىً وليس مُنافح

أفديه محزوز الوريد مرمّلا *** ملقىً عليه الترب سافٍ سافح

والماء طامٍ وهو ظامٍ بالعرا *** فردٌ غريبٌ مستظامٌ نازح

والطاهرات حواسرٌ وثواكل *** بين العدا ونوادب ونوائح

في الطف يَسحبن الذُيول بذلة *** والدهر سهم الغدر رامٍ رامح

يسترنَ بالاردان نور محاسن *** صوناً وللأعداء طَرف طامح

لهفي لزينبَ وهي تندب نَدبها *** في نَدبها والدمع سارٍ سارح

تدعو : أخي يا واحدي ومؤمّلي *** مَن لي إذا ما ناب دهرٌ كالح؟

مَن لليتامى راحمٌ؟ من للأيامى *** كافلٌ؟ من للجافة مناصح؟

حزني لفاطم تلطم الخدّين من *** عظم المصاب لها جوىً وتبارح

أجفانها مقروحة ودموعها *** مسفوحة والصبر منها جامح

تهوي لتقبيل القتيل تضمّه *** بفتيل معجرها الدماء نَواضح

ص: 243

تحنو على النحرِ الخضيب وتلثم *** الثغر التريب لها فؤاد قادحُ

أسفي على حرم النبوة جئن مط- *** -روحاً هنالك بالعتاب تطارح

يندبن بدراً غاب في فلك الثرى *** وهزبر غابٍ غيّبته ضرائح

هذي أخي تدعو وهذي يا أبي *** تشكو وليس لها وليّ ناصح

والطهر مشغول بكرب الموت من *** ردّ الجواب وللمنيّة شابح

ولفاطم الصغرى نحيبٌ مقرحٌ *** يذكي الجوانح للجوارحِ جارح

علجٌ يعالجها لسلب حليّها *** فتظلّ في جهد العفاف تطارح

بالردن تستر وجهها وتمانع ال- *** -ملعون عن نهب الردا وتكافح

تستصرخ المولى الامام وجدّها *** وفؤادها بعد المسرّة نازح

يا جدّ قد بلغ العدا ما أمّلوا *** فينا وقد شمتَ العدوّ الكاشح

يا جدّ غاب وليّنا وحميّنا *** وكفيلنا ونصيرنا والناصح

ضيّعتمونا والوصايا ضيّعت *** فينا وسهم الجور سارٍ سارح

يا فاطم الزهراء قومي وانظري *** وجهَ الحسين له الصعيد مصافح

أكفانه نسجُ الغبار وغسله *** بدم الوريد ولم تنحه نوائح

وشبوله نهب السيوف تزورها *** بين الطفوف فراعلٌ وجوارح

وعلى السنانَ سنان رافع رأسه *** ولجسمه خيل العداة روامح

والوحش يندب وحشةً لفراقه *** والجنّ إن جنّ الظلام نوايح

والأرض ترجف والسماء لأجله *** تبكي معاً والطير غادٍ رايح

والدهر من عظم الشجى شق الردا *** أسفاً عليه وفاض جفنٌ دالح (1)

يا للرجال لظلم آل محمّد *** ولأجل ثارهم وأين الكادح؟

ص: 244


1- الدالح : كثير الماء.

يُضحى الحسين بكربلاء مرملا *** عريان تكسوه التراب صحاصحُ

وعياله فيها حيارى حسّرٌ *** للذل في أشخاصهنّ ملامح

يُسرى بهم أسرى إلى شرّ الورى *** من فوق أقتاب الجمال مضابح

ويُقاد زين العابدين مغلّلاً *** بالقيد لم يشفق عليه مسامح

ما يكشف الغمّاء إلا نفحةٌ *** يحيى بها الموتى نسيم نافح

نبويّةٌ علويّةٌ مهديّةٌ *** يشفى بريّاها العليل البارح

يضحى مناديها ينادي : يا لثا *** رات الحسين وذاك يومٌ فارح

والجنّ والأملاك حول لوائه *** والرعب يقدم والحتوف تُناوح

ووفي جذعيهما *** خفضاً ونصب الصلب رفع فاتح

وووالإثم وال- *** -عدوان في ذلّ الهوان شوائح

لعنوا بما اقترفوا وكلّ جريمة *** شبّت لها منهم زنادٌ قادح

يا بن النبي صبابتي لا تنقضي *** كمداً وحزني في الجوانح جانح

أبكيكم بمدامع تترى إذا *** بخل السحاب لها انصبابٌ سافح

فاستجلِ مع مولاك عبد ولاك مَن *** لولاك ما جادت عليه قرايح

برسيّة كملت عقود نظامها *** حليّة ولها البديع وشايح

مدّت إليك يداً وأنت منيلها *** يا بن النبيّ وعن خطاها صافح

يرجو بها ( رجب ) القبول إذا أتى *** وهو الذي بك واثق لك مادح

أنت المعاذ لدى المعاد وأنت لي *** إن ضاق بي رحب البلاد الفاسح

صلّى عليك اللّه ما سكب الحيا *** دمعاً وما هبّ النسيم الفائح

وللحافظ البرسي :

ما هاجني ذكر ذات البان والعلم *** ولا السلام على سلمي بذي سلمِ

ص: 245

ولا صبوت لصبّ صاب مدمعه *** من الصبابة صبّ الوابل الرزمِ

ولا على طلل يوماً أطلت بهِ *** مخاطباً لأهيل الحيّ والخيمِ

ولاتمسّكت بالحادي وقلت له : *** إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم

لكن تذكرت مولاي الحسين وقد *** أضحى بكرب البلا في كربلاء ظمي

ففاض صبري وفاض الدمع وابت- *** -عد الرقاد واقترب السهاد بالسقم

وهامَ إذ همت العبرات من عدم *** قلبي ولم استطع مع ذاك منعَ دمي

لم أنسه وجيوش الكفر جائشة *** والجيش في أمل والدين في ألم

تطوف بالطف فرسان الضلال به *** والحق يسمع والأسماع في صمم

وللمنايا بفرسان المنى عجلٌ *** والموت يسعى على ساقٍ بلا قدم

مُسائلاً ودموع العين سائلة *** وهو العليم بعلم اللوح والقلم

ما إسم هذا الثرى يا قوم! فابتدروا *** بقولهم يوصلون الكلم بالكلم :

بكربلا هذه تدعى فقال : أجل *** آجالنا بين تلك الهضب والاكم

حطو الرحال فحال الموت حلّ بنا *** دون البقاء وغير اللّه لَم يدم

يا للرجال لخطب حلّ مخترم الآ *** جال معتدياً في الأشهر الحرم

فها هنا تصبح الاكباد من ظمأٍ *** حرّى وأجسادها تروى بفيض دم

وها هنا تصبح الأقمار آفلة *** والشمس في طفل والبدر في ظلم

وها هنا تملك السادات أعبدها *** ظلماً ومخدومها في قبضة الخدم

وها هنا تصبح الأجساد ثاويةً *** على الثرى مطعماً للبوم والرخم

وها هنا بَعد بُعد الدار مدفننا *** وموعد الخصم عند الواحد الحكم

وصاح بالصحب هذا الموت فابتدروا *** أُسداً فرائسها الآساد في الأجم

من كل أبيض وضّاح الجبين فتىً *** يغشى صلى الحرب لا يخشى من الضرم

من كلّ منتدبٍ لله محتسبٍ *** في اللّه منتجب باللّه معتصم

وكلّ مصطلم الأبطال مصطلم *** الآجال ملتمس الآمال مستلم

ص: 246

وراح ثمّ جواد السبط يندبه *** عالي الصهيل خليّاً طالب الخيم

فمذ رأته النساء الطاهرات بدا *** يكادم الأرض في خدّ له وفم

برزن نادبةً حسرى وثاكلةً *** عبرى ومعلولة بالمدمع السجم

فجئن والسبط ملقىً بالنصال أبت *** مِن كفّ مستلمٍ أو ثغرِ ملتثمِ

والشمر ينحر منه النحر من حنقٍ *** والأرض ترجف خوفاً مِن فعالهم

فتستر الوجهَ في كمّ عقيلته *** وتنحني فوق قلبٍ واله كلم

تدعو أخاها الغريب المستظام أخي *** ياليت طرف المنايا عن عُلاك عَم

من اتكلت عليه في النساء ومَن *** أوصيت فينا ومن يحنو على الحرم؟

هذي سكينة قد عزّت سكينتها *** وهذه فاطمٌ تبكي بفيض دم

تهوي لتقبيله والدمع منهمرٌ *** والسبط عنها بكرب الموت في غمم

فيمنع الدم والنصل الكسير به *** عنها فتنصلّ لم تبرح ولم ترم

تضمّه نحوها شوقاً وتلثمه *** ويخضب النحر منه صدرها بدم

تقول من عظم شكواها ولوعتها *** وحزنها غير منقضٍّ ومنفصم

: أخي لقد كنت نوراً يستضاء به *** فما لنور الهدى والدين في ظلم

أخي لقد كنت غوثاً للأرامل يا *** غوث اليتامى وبحر الجود والكرم

يا كافلي هل ترى الأيتام بعدك في *** أسر المذلّة والاوصاب والالم

يا واحدي يابن أمّي يا حسين لقد *** نال العدى ما تمنّوا من طلابهم

وبرّدوا غلل الأحقاد من ضغنٍ *** وأظهروا ما تخفّى في صدورهم

أين الشفيق وقد بان الشقيق وقد *** جار الرفيق ولجّ الدهر في الازم

مات الكفيل وغاب الليث فابتدرت *** عرج الضباع على الأشبال في نهم

وتستغيث رسول اللّه صارخةً : *** يا جدّ أين الوصايا في ذوي الرحم؟

يا جدّ لو نظرت عيناك من حزن *** للعترة الغرّ بعد الصون والحشم

مُشرّدين عن الأوطان قد قهروا *** ثكلى أسارى حيارى ضرّجوا بدم

ص: 247

يسرى بهنّ سبايا بعد عزّهم *** فوق المطايا كسبي الروم والخدم

هذا بقيّة آل اللّه سيّد أهل *** الارض زينُ عباد اللّه كلّهم

نجل الحسين الفتى الباقي ووارثه *** والسيد العابد السجاد في الظلم

يساق في الأسر نحو الشام مهتظماً *** بين الأعادي فمن باكٍ ومبتسم

أين النبيّ وثغر السبط يقرعه *** يزيد بغضاً لخير الخلق كلّهم؟

أينكث الرجس ثغراً كان قبّله *** من حبّه الطهر خير العرب والعجم؟

ويدّعي بعدها الإسلام من سفه *** وكان أكفر من عاد ومن إرم؟

يا ويله حين تأتي الطُهر فاطمة *** في الحشر صارحةً في موقف الأمم

تأتي فيطرق أهل الجمع أجمعهم *** منها حياءً ووجه الأرض في قتم

وتشتكي عن يمين العرش صارخة *** وتستغيث إلى الجبّار ذي النقم

هناك يظهر حكم اللّه في ملأ *** عضّوا وخانوا فيا سحقاً لفعلهم

وفي يديها قميصٌ للحسين غدا *** مضمّخاً بدم قرناً إلى قَدم

أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومَن *** ولاهم أملي والبرء من ألمي

حزني لكم أبداً لا ينقضي كمداً *** حتى الممات وردّ الروح في رمم

حتّى تعود إليكم دولةُ وعدت *** مهديّة تملأ الأقطار بالنعم

فليس للدين من حامٍ ومُنتصر *** إلا الإمام الفتى الكشاف للظلم

القائم الخلف المهدي سيّدنا *** الطاهر العلم ابن الطاهر العلم

بدر الغياهب تيّار المواهب من- *** -صور الكتائب حامي الحلّ والحرم

يابن الامام الزكيّ العسكريّ فتى *** الهادي التقيّ عليّ الطاهر الشيم

يابن الجواد ويا نجل الرضاء ويا *** سليل كاظم غيظ مَنبع الكرم

خليفة الصادق المولى الذي ظهرت *** علومه فأنارت غيهب الظلم

خليفة الباقر المولى خليفة زين *** العابدين عليّ طيّب الخيم

نجل الحسين شهيد الطف سيّدنا *** وحبّذا مفخر يعلو على الأمم

ص: 248

نجل الحسين سليل الطهر فاطمة *** وابن الوصيّ عليّ كاسر الصنمِ

يا بن النبي ويا بن الطهر حيدرة *** يابن البتول ويابن الحلّ والحرم

أنت الفخار ومعناه وصورته *** ونقطة الحكم لا بل خطّة الحكم

أيّامك البيض خضرٌ فهي خاتمة *** الدنيا وختم سعود الدين والامم

متى نراك فلا ظُلمٌ ولا ظلم *** والدين في رَغد والكفر في رغم؟

أقبل فسيل الهدى والدين قد طمست *** ومسّها نصب والحق في عدم

يا آل طاها ومَن حبّي لهم شرفٌ *** أعدّه في الورى من أعظم النعم

إليكم مدحةٌ جاءت منظّمة *** ميمونة صغتها من جوهر الكلم

بسيطة إن شذت أو انشدت عطرت *** بمدحكم كبساط الزهر منخرم

بكراً عروساً ثكولاً زفّها حزنٌ *** على المنابر غير الدمع لم تسم

يرجو بها ( رجب ) رَحب المقام غداً *** بعد العناء غناء غير منهدم

يا سادة الحق مالي غيركم أملٌ *** وحبّكم عدّتي والمدح معتصمي

ما قدر مدحي والرحمن مادحكم *** في هل أتى قد أتى مع نون والقلم

حاشاكم تحرموا الراجي مكارمكم *** ويرجع الجارُ عنكم غيرَ محترم

أو يختشي الزلّة ( البرسيّ ) وهو يرى *** ولاكم فوق ذي القربى وذي الرحم

إليكم تحف التسليم واصلةٌ *** ومنكم وبكم أنجو من النقم

صلّى الإله عليكم ما بدا نسمٌ (1) *** وما أتت نسمات الصبح في الحرم

وللشاعر رائية غراء يمدح بها أميرالمؤمنين علیه السلام خمّسها ابن السبعي :

أعيت صفاتك أهل الرأي والنظر *** وأوردتهم حياض العجز والخطر

ص: 249


1- النسم جمع نسمة : الانسان أو كل ذي روح.

أنت الذي دق معناه لمعتبر *** يا آية اللّه بل يا فتنة البشر

وحجة اللّه بل يا منتهى القدر

عن كشف معناه ذو الفكر الدقيق وهن *** وفيك رب العلا أهل العقول فتن

أنى بحدّك يا نور الإله فطن *** يا من اليه اشارات العقول ومن

فيه الألبّاء تحت العجز والخطر

ففي حدوثك قوم في هواك غووا *** إن أبصروا منك أمراً معجزاً فغلوا

حيرت أذهانهم يا ذا العلا فعلوا *** هيمت أفكار ذي الافكار حين رأوا

آيات شأنك في الأيام والعصر

أوضحت للناس أحكاماً محرفة *** كما أتيت أحاديث مصحفة

انت المقدم اسلافاً وسالفة *** يا أولا آخراً نوراً ومعرفة

يا ظاهراً باطناً في العين والأثر

يا مطعم القرص للعافي الاسير وما *** ذاق الطعام وأمسى صائماً كرما

ومرجع القرص إذ بحر الظلام طما *** لك العبارة بالنطق البليغ كما

لك الإشارة في الآيات والسور

أنوار فضلك لا تطفى لهن عدا *** مما يكتمه أهل الضلال بدا

تخالفت فيك أفكار الورى أبدا *** كم خاض فيك أناس وانتهى فغدا

معناك محتجباً عن كل مقتدر

لولاك ما اتسقت للطهر ملته *** كلا ولا اتضحت للناس شرعته

ص: 250

ولا انتفت عن اسير الشك شبهته *** أنت الدليل لمن حارث بصيرته

في طيّ مشتبكات القول والعبر

أدركت مرتبة ما الوهم يدركها *** وخضت من غمرات الحرب مهلكها

مولاي يا مالك الدنيا وتاركها *** أنت السفينة مَن صدقاً تمسّكها

نجا ومن حاد عنها خاض في الشرر

من نور فضلك ذو الأفكار مقتبس *** ومن معالم ربّ العلم مختلس

لولا بيانك أمر الكل ملتبس *** فليس قبلك للافكار ملتمس

وليس بعدك تحقيق لمعتبر

جاءت بتأميرك الآيات والصحف *** فالبعض قد آمنوا والبعض قد وقفوا

لولاك ما اتفقوا يوماً ولا اختلفوا *** تفرق الناس إلا فيك وائتلفوا

فالبعض في جنّة والبعض في سقر

خير الخليقة قوم نهجك اتبعت *** وشرّها مَن على تنقيصك اجتمعت

وفرقة أولت جهلاً لما سمعت *** فالناس فيك ثلاث فرقة رفعت

وفرقة وقعت بالجهل والقذر

يا ويحها فرقة ما كان يمنعها *** لو أنها اتبعت ما كان ينفعها

يا فرقة غيّها بالشوم موقعها *** وفرقة وقعت لا النور يرفعها

ولا بصائرها فيها بذي عور

بعظم شأنك كل الصحف تعترف *** ومن علومك رب العلم يغترف

ص: 251

لولاك ما اصطلحوا يوماً وما اختلفوا *** تصالح الناس إلا فيك واختلفوا

إلا عليك وهذا موضع الخطر

جائت بتعظيمك الآيات والسور *** فالبعض قد آمنوا والبعض قد كفروا

والبعض قد وقفوا جهلا وما اختبروا *** وكم أشاروا؟ وكم أبدوا؟ وكم ستروا؟

والحق يظهر من بادٍ ومستتر

أقسمت باللّه باري خلقنا قسما *** لولاك ما سمّك اللّه العلي سما

يا من له اسم بأعلى العرش قد رسما *** أسماؤك الغر مثل النيرات كما

صفاتك السبع كالأفلاك ذي الأكر

انت العليم اذا رب العلوم جهل *** إذ كل علم فشا في الناس عنك نقل

وانت نجم الهدى تهدي لكل مضل *** وولدك الغر كالابراج في فلك ال

معنى وانت مثال الشمس والقمر

أئمة سور القرآن قد نطقت *** بفضلهم وبهم طرق الهدى اتسقت

طوبى لنفس بهم لا غيرهم وثقت *** قومٌ هم الآل آل اللّه من علقت

بهم يداه نجى من زلة الخطر

عليهم محكم القرآن قد نزلا *** مفصلاً من معاني فضلهم جملا

هم الهداة فلا تبغي لهم بدلا *** شطر الامانة معراج النجاة إلى

أوج العلوم وكم في الشطر من غير؟

بلطف سرك موسى فجّر الحجرا *** وأنت صاحبه إذ صاحب الخضر

ص: 252

وفيك نوح نجا والفلك فيه جرا *** يا سرّ كل نبي جاء مشتهرا

وسر كل نبي غير مشتهر

يلومني فيك ذو جهل أخو سفه *** ولا يضر محقّاً قول ذي شبه

ومن تنزه عن ندٍّ وعن شبه *** اجلّ وصفك عن قدر لمشتبه

وانت في العين مثل العين في الصور

وقوله في أهل البيت علیهم السلام خمّسها الشاعر المفلق الشيخ احمد بن الشيخ حسن النحوي

ولائي لآل المصطفى وبنيهم *** وعترتهم أزكى الورى وذويهمُ

بهم سمة من جدهم وأبيهم *** هم القوم انوار النبوة فيهم

تلوح وآثار الإمامة تلمع

نجوم سماء المجد اقمار تمّه *** معالم دين اللّه أطواد حلمه

منازل ذكر اللّه حكام حكمه *** مهابط وحي اللّه خزان علمه

وعندهم سر المهيمن مودع

مديحهم في محكم الذكر محكم *** وعندهم ما قد تلقاه آدم

فدع حكم باقي الناس فهو تحكّم *** إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم

وإن نطقوا فالدهر اذن ومسمع

بحبهم طاعاتنا تتقبل *** وفي فضلهم جاء الكتاب المنزّل

ص: 253

يعمّ نداهم كل أرض ويشمل *** وإن ذكروا فالكون ندّ ومندل

لهم أرج من طيبهم يتضوع

دعا بهم موسى ففرج كربه *** وكلمه من جانب الطور ربه

إذا حاولوا أمراً تسهل صعبه *** وإن برزوا فالدهر يخفق قلبه

لسطوتهم والاسد في الغاب تفزغ

فلولاهم ما سار فلك ولا جرى *** ولا ذرء اللّه الأنام ولا برى

كرام متى ما زرتهم عجلوا القرى *** وإن ذكر المعروف والجود في الورى

فبحر نداهم زاخر يتدفع

أبوهم أخو المختار طه ونفسه *** وهم فرع دوحٍ في الجلالة غرسه

وأمهم الزهراء فاطم عرسه *** أبوهم سماء المجد والام شمسه

نجوم لها برج الجلالة مطلع

لهم نسب أضحى بأحمد معرقا *** رقا منه للعلياء أبعد مرتقى

وزادهم من رونق القدس رونقا *** فيا نسباً كالشمس أبيض مشرقاً

ويا شرفاً من هامة النجم أرفع

كرامٌ نماهم طاهر متطهر *** وبثّ بهم من احمد الطهر عنصر

وأمهم الزهراء والأب حيدر *** فمن مثلهم في الناس إن عدّ مفخر

أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمع

على امير المؤمنين أميرهم *** وشبّرهم أصل التقى وشبيرهم

ص: 254

بهاليل صوامون فاح عبيرهم *** ميامين قوامون عزّ نظيرهم

هداة ولاة للرسالة منبع

مناجيب ظل اللّه في الارض ظلهم *** وهم معدن للعلم والفضل كلهم

وفضلهم أحيى البرايا وبذلهم *** فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم

ولاعلم إلا علمهم حين يرفع

إليهم يفر الخاطئون بذنبهم *** وهم شفعاء المذنبين لربهم

فلا طاعة ترضي لغير محبّهم *** ولا عمل نيجي غداً غير حبّهم

إذا قام يوم البعث للخلق مجمع

حلفت بمن قد أمّ مكة وافدا *** لقد خاب مَن قد كان للآل جاحدا

ولو أنه قد قطع العمر ساجدا *** ولو أن عبداً جاء لله عابداً

بغير ولى أهل العبا ليس ينفع

بني احمد مالي سواكم أرى غدا *** إذا جئت في قيد الذنوب مقيدا

أناديكم يا خير من سمع الندا *** ايا عترة المختار يا راية الهدى

إليكم غداً في موقفي أتطلع

فو اللّه لا أخشى من النار في غدٍ *** وأنتم ولاة الأمر يا آل أحمد

وها أنا قد أدعوكم رافعاً يدي *** خذوا بيدي يا آل بيت محمّد

فمن غيركم يوم القيامة يشفع

وله في اهل البيت علیهم السلام

ص: 255

سرّكم لا تناله الفكر *** وأمركم في الورى له خطر

مستصعب فكّ رمزه خطر *** ووصفكم لا يطيقه البشر

ومدحكم شرّفت به السور

وجودكم للوجود علّته *** ونوركم للظهور آيته

وأنتم للوجود قبلته *** وحبكم للمحب كعبته

يسعى بها طائفاً ويعتمر

لولاكم ما استدارت الاكر *** ولا استنارت شمس ولا قمر

ولا تدلّى غصنٌ ولا ثمر *** ولا تندّى ورقٌ ولا خضر

ولا سرى بارق ولا مطر

عندكم في الاياب مجمعنا *** وأنتم في الحساب مفزعنا

وقولكم في الصراط مرجعنا *** وحبكم في النشور ينفعنا

به ذنوب المحب تغتفر

يا سادة قد زكت معارفهم *** وطاب اصلا وساد عارفهم

وخاف في بعثه مخالفهم *** إن يختبر للورى صيارفهم

فأصلهم بالولاء يُختبر

أنتم رجائي وحبكم أملي *** عليه يوم المعاد متكلي

فكيف يخشى حر السعير ولي *** وشافعاه محمد وعلي

أو يعتريه من شرها شرر

ص: 256

عبدكم الحافظ الفقير على *** أعتاب أبوابكم يروم فلا

تخيبوه يا سادتي أملا *** وأقسموه يوم المعاد الى

ظل ظليل نسيمه عطرا

صلى عليكم رب السماء كما *** أصفاكم واصطفاكم كرما

وزاد عبدا والاكم نعما *** ما غرّد الطير في الغصون وما

ناح حمام وأورق الشجر

وله في العترة الطاهرة

إذا رمتَ يوم البعث تنجو من اللظى *** ويقبل منك الدين والفرض والسنن

فوال علياً والأئمة بعده *** نجوم الهدى تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوض اللّه أمره *** إليهم لما قد خصهم منه بالمنن

أئمة حق أوجب اللّه حقهم *** وطاعتهم فرص بها الخلق تمتحن

نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني *** الى غيرهم من غيرهم في الانام من؟

فحب علي عدة لوليه *** يلاقيه عند الموت والقبر والكفن

كذلك يوم البعث لم ينج قادم *** من النار إلا من تولى أبا الحسن

وقال يمدح الامام أمير المؤمنين

يا منبع الاسرار يا *** سرّ المهيمن في الممالك

يا قطب دائرة الوجود *** وعين منبعه كذلك

والعين والسر الذي *** منه تلقنت الملائك

ص: 257

ما لاح صبح في الدجى *** إلا واسفر عن جمالك

يا بن الأطايب والطواهر *** والفواطم والعواتك

أنت الامان من الردى *** أنت النجاة من المهالك

أنت الصراط المستقيم *** قسيم جنات الأرائك

والنار مفزعها إليك *** وأنت مالك أمر مالك

يا من تجلّى بالجمال *** فشق بردة كل حالك

صلى الاله عليك من *** هادٍ الى خير المسالك

والحافظ البرسي لا *** يخشى وأنت له هنالك

ص: 258

محمد بن الحسن العليف

لمحمد بن الحسن العليف قصائد في اهل البيت كثيرة ، وهو

المتوفي 815

أقول قول صادق *** لا كاذب ومدّعي

سمت علت بي همتي *** الى المحلّ الأرفع

بالمصطفى محمد *** وبالبطين الانزع

بخمسة ما بعدهم *** لطامع من مطمع

مَن طهروا وشرفوا *** على الورى بالاجمع

فاحكم بفضلهم على *** سواهم واقطع

الماء هم وغيرهم *** سراب قاع بلقع

خير ملاذ للورى *** وعصمة ومفزع

في المحل والقحط لنا *** مثل الغيوث الهمع (1)

أبرّ بالأمة من *** امٍ بطفل مرضع

ص: 259


1- مطالع البدور ومجمع البحور للقاضي صفي الدين احمد بن صالح اليماني - مخطوط - مكتبة كاشف الغطاء العامة.

عروتي الوثقى هم *** وعصمتي ومنجعي

وان سألت خالقي *** شيئاً بهم لم أمنع

وإن ذكرت فضلهم *** دمعت كل مدمع

آمنني اللّه بهم *** من خوف يوم المفزع

وأحسن اللّه بهم *** منقلبي ومرجعي

وبرد اللّه بهم *** في وسط قبري مضجعي

ورفع اللّه بهم *** منزلتي وموضعي

فليت أهلي كلهم *** وليت اخواني معي

لكن مَن منحته *** نصحي له لم يسمع

اذا ذكرت طفّهم *** فاضت عليه أدمعي

كم طلّ فيه لهم *** من مقتل ومصرع

رؤوسهم على القنا *** مثل النجوم الطُلّع

بدرهم أمامهم *** رأس الامام الارفع

رؤوس خير سجّد *** لربهم وركّع

كم فيهم من قائِمٍ *** لربه لم يهجع

لم تغرب الشمس على *** مثلهم وتطلع

وزينبٌ بينهم *** على قعود جدّع

قد جردوها - لعنوا - *** من الردى والمقنع

تصيح يا أمّ انظري *** حالي ويا أم اسمعي

وليس منهم أحد *** يسمعها ولا يعي

يا قلب ذُب عليهم *** يا كبدي تقطعي

العن يزيداً كلما *** ذكرته وابن الدعي

بعبرة سايلةٍ *** مني وقلب موجع

ص: 260

محمد بن الحسن العليف

وليّ آل محمد بليغ البطحاء محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد بن مسلم بن محيى ( بضم الميم كمعلى ) المعروف بالعُليف ( تصغير علف ) الشراحيلي الحكمي العكي العدناني الحلوي ( نسبة الى مدينة حلّى ) مولده سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بحُلي بلاد بني يعقوب وتردد بمكة غير مرة وسمع في بعض مقدماته على الغر بن جماعة وقرض الشعر وفاق اقرانه ونظم كثيراً وكان يستحسن شعر نفسه ويعظمها على المتنبي وابي تمام ونحوهما.

وانقطع الى الشريف حسن بن عجلان نحو اثنتي عشرة سنة فوصله بصلات سنيّة وله فيه قصائد كثيرة حسنة ومدح اشراف مكة ورؤساء ينبع والامام الناصر لدين اللّه صلاح الدين محمد بن علي بن محمد وقدم اليه الى صنعاء ، وكان بينه وبين النوبختي شاعر مكة مهاجاة اقذع النشوشا عليه وذكر أنه رأى في النوم وهو صبي قائلاً يقول : انا نجي البحتري وأنا نجيك فقال له العليف :

الحمد لله الذي ارتجلك جذعاً وارتجلتك بازلاً ومما يستحسن من شعره قوله في الامام صلاح بن علي.

يا وجه آل محمد في وقته *** لم يبق بعدك منهم إلا قفا

لو كانت الابرار آل محمد *** كتب العلوم لكنت انت المصحفا

أو كانت الاسباط آل محمد *** يا بن الرسول لكنت فيهم يوسفا

قال بعض الادباء المكيين وهو صاحب اللامية التي أولها.

ص: 261

جادك الغيث من طلول بوالي

كبروج من النجوم خوالي

قال هي لمحمد هذا لا كما زعمه بعضهم لعلي بن محمد. قلت وقد ذكرها السخاوي في الضوء اللامع عند اسم محمد هذا.

قال ويحكى انه لما فرغ من انشادها قال الامام احسنت لا كما قال الفاسق ابو نواس.

صدح الديك الصدوح *** فاسقني طاب الصبوح

فقال ما ينفعني من الامام هذا إنما أريد منك حكمك بتفضيلي المتنبي فقال الامام ليس هذا اليّ ، هذا الى السيد المطهر صاحب حسن القصر فانه هو المشار إليه في علم الادب فقام اليه وعرض عليه ذلك باشارة الامام وانشده للمتنبي ابياتاً منها.

افي كل يوم تحت ضبعي شويعر *** ضعيف يقاويني قصير يطاول

والمنشد العليف فضحك السيد لان ابن العليف كان قصيرا.

وفي هدية العارفين ج 2 ص 180.

محمد بن احمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد المكي الشافعي الشهير بابن العليف المتوفي سنة 815.

اديب شاعر توفي بمكة.

وجاء في العقد الثمين في تاريخ البلد الامين - الجزء الأول ص 471.

ص: 262

محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن احمد بن مسلّم - بتشديد اللام - العدناني الحلوي.

يلقب بالجمال. ويعرف بابن العليف الشاعر. نزيل مكة وكان كثير الشعر يقع له فيه اشياء مستحسنة ، وكان يغلو في استحسانها ، بحيث يفضل نفسه فيها على المتنبي وابي تمام. وعيب عليه ذلك مع اشعار له تدل على غلوه في التشيع ، وله مدائح كثيرة في جماعة من الاعيان منهم : الاشرف صاحب اليمن ، والامام صلاح بن علي الزيدي صاحب صنعاء ، وامراء مكة : الشريف عجلان بن رميثة ، وأولاده الامراء شهاب الدين أحمد ، وعلاء الدين علي ، وبدر الدين حسن ، وابن عمهم عنان بن مغامس.

واجازه عنان على بعض قصائده فيه. وهي التي أولها.

بروج زاهرات أو مغاني

بثمانية وعشرين ألف درهم على ما بلغني.

ونال أيضا من الشريف حسن : صلات جيدة وله فيه مدائح كثيرة حسنة. وانقطع اليه في آخر عمره نحو اثنتي عشرة سنة حتى مات بمكة في ليلة الجمعة سابع رجب سنة خمس عشرة وثمانمائة. ودفن في صبيحتها بالمعلاة.

ومولده سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بحُلى.

أقول وروى شعره في الامام صلاح بن على كما مرّ.

وفي نظم العقيان في اعيان الاعيان للسيوطي ص 106 ترجمة لولد الشاعر قال فيها :

ص: 263

ابن العليف المكي ، الشاعر حسين بن محمد.

حسين بن محمد حسن بن عيسى بن محمد أحمد بن مسلّم ، بدر الدين الحلوى ، الشافعي ، المعروف بابن العليف ، شاعر البطحاء.

ولد سنة أربع وتسعين وسبعمائة وسمع على المراغي وغيره وكان عالماً فاضلاً أديباً مفتيا مات في محرم سنة ست وخمسين وثمانمائة ومن نظمه.

سل العلماء بالبلد الحرام *** وأهل العلم في يمن وشام

أقول وهذا هو ولد المترجم له.

ص: 264

ابن المتوج البحراني

المتوفي سنة 820

ألا نوحوا وضجوا بالبكاء *** على السبط الشهيد بكربلاء

الا نوحوا بسكب الدمع حزناً *** عليه وامزجوه بالدماء

الا نوحوا على مَن قد بكاه *** رسول اللّه خير الأنبياء

ألا نوحوا على مَن قد بكاه *** عليُ الطهر خير الأوصياء

الا نوحوا على مَن قد بكته *** حبيبة احمد خير النساء

ألا نوحوا على مَن قد بكاه *** لعظم الشجو أملاك السماء

ألا نوحوا على قمر منير *** عراه الخسف من بعد الضياء

ألا نوحوا لخامس آل طه *** ويسين وأصحاب العباء

ألا نوحوا على غصن رطيب *** ذوي بعد النضارة والبهاء

ألا نوحوا على شرف القوافي *** ومفتخر القوافي والثناء

ألا يا آل ياسين فؤادي *** لذكر مصابكم حلف العناء

ص: 265

فأنتم عدة لي في معادي *** إذا حضر الخلائق للجزاء

فما أرجو لآخرتي سواكم *** وحاشا أن يخيب بكم رجائي

أنا ابن متوج توجتموني *** بتاج الفخر طراً والبهاء

صلاة اللّه ذي الألطاف تترى *** عليكم بالصباح وبالمساء

ولعنته على قوم أباحوا *** دماءكم بظلم وافتراء

ص: 266

جمال الدين ابن المتوج

الشيخ أبو الناصر جمال الدين أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسن ابن المتوج البحراني المعروف بابن المتوج.

توفي سنة 820 وقبره بجزيرة ( أكل ) بضم الهمزة والكاف ، وهي المشهورة الآن بجزيرة النبي صالح من بلاد البحرين في المشهد المعروف بمشهد النبي صالح علیه السلام . وكان عالماً فاضلاً أديباً ماهراً ، له شعر كثير ومؤلفات قيمة في علوم القرآن وفي العقائد ، نظم مقتل الحسين علیه السلام شعراَ ، أقول ربما وقع سهواً من بعض المترجمين الاشتباه بين صاحب الترجمة وبين معاصره الشيخ فخر الدين احمد بن عبد اللّه بن سعيد بن المتوج البحراني فقد صرح شيخنا صاحب الذريعة انهما اثنان : أحدهما جمال الدين احمد بن عبد اللّه ابن محمد بن علي بن الحسن بن المتوج البحراني. والثاني فخر الدين احمد بن عبد اللّه بن سعيد بن المتوج ، ولكل منهما مؤلفات.

وقد ذكر السيد الأمين في الاعيان لكل منهما ترجمة على حدة في الجزء التاسع.

وجاء في الكنى : هو الشيخ فخر الدين احمد بن عبد اللّه بن سعيد المتوج البحراني ، من علماء الامامية ، عالم بالعلوم العربية والأدبية ، فاضل فقيه مفسر أديب شاعر معروف بالعلم والتقوى صاحب المؤلفات الكثيرة ، كان من أجلاء تلامذة الشهيد وفخر المحققين ومن مشايخ ابن فهد الحلي ، وله

ص: 267

أشعار في رثاء الأئمة علیهم السلام ، اورد بعضها الشيخ الطريحي في المنتخب وينسب اليه القول باشتراط علم الفصاحة والبلاغة في الاجتهاد ونقل من غابة حفظه انه ما فطن شيئا فنسيه ، ووالده الشيخ عبد اللّه أيضا من الفضلاء الفقهاء الادباء الشعراء ، وكذا ولده ناصر بن احمد رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.

ص: 268

الحسن بن راشد الحلي

كان حياً 830

قال من قصيدة

لم أنسه في فيافي كربلاء وقد *** حام الحِمام وسُدّت أوجه الحيل

في فتية من قريش طاب محتدها *** تغشى القراع ولا تخشى من الاجل

من كل مكتهل في عزم مقتبل *** وكل مقتبل في حزم مكتهل

قرم اذا الموت أبدى عن نواجذه *** ثنى له عطف مسرور به جذل

ص: 269

الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي

كان حياً سنة 830 قال السيد الامين : والحسن بن محمد بن راشد هو واحد فلا يظن احد أنهما اثنان قال عنه هو من اكابر العلماء ، له مؤلفات وتحقيقات عدّدها السيد الامين.

وقال الشيخ الحر العاملي في ( امل الآمل ) : الحسن بن راشد ، فاضل فقيه ، شاعر اديب ، له شعر كثير في مدح المهدي وسائر الأئمة علیهم السلام ، ومرثية الحسين (عليه السلام) ، وارجوزة في تاريخ الملوك والخلفاء ، وارجوزة في تاريخ القاهرة ، وارجوزة في نظم ألفية الشهيد ، وغير ذلك.

قال الشيخ اليعقوبي : قلت وله ارجوزة في الصلاة ذكرها الشيخ الطهراني في الذريعة مع ما تقدم من أراجيزه كما ذكر في الجزء الخامس من الذريعة ارجوزته المسماة بالجمانة البهية في نظم الالفيّة الشهيدية ، وتكلم بالتحقيق عنها وعن ناظمها كثيراً.

وذكره صاحب رياض العلماء في موضعين من كتابه ، فالأول بقوله : الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي الفاضل العالم الشاعر من أكابر الفقهاء وهو من المتأخرين عن الشهيد بمرتبتين والظاهر انه معاصر لابن فهد ورأيت بعض أشعاره في مدح الأئمة في بلدة أردبيل ورأيت أيضا قصيدة له في الرد على من ذكر في تاريخ له مدح معاوية وملوك بني امية وكانت بخط الشيخ محمد الجباعي جد البهائي ، وفي مجموعة اخرى بخط الشيخ عبد الصمد ولد الشيخ

ص: 270

محمد المذكور وظني انه بعينه الشيخ حسن بن محمد بن راشد صاحب كتاب مصباح المهتدين في أصول الدين وقد رأيت صورة لخط الشيخ حسن بن راشد هذا في آخر كتاب المصباح الكبير للشيخ الطوسي بهذه العبارة : بلغت المقابلة بنسخة مصصحة وقد بذلنا الجهد في تصحيحه واصلاح ما وجد فيه من الغلط إلا ما زاغ عنه البصر وحسر منه النظر وفي المقابل بها بلغت مقابلة بنسخة صحيحة بخط الشيخ علي بن احمد الرميلي وذكر انه نقل نسخته تلك من خط علي بن محمد السكوني وقابلها بها بالمشهد الحائري الحسيني. وكان ذلك في 17 شعبان من سنة 830 كتبه الفقير الى اللّه الحسن بن راشد -.

وذكره ثانياً بقوله : الحسن بن محمد بن راشد المتكلم الفاضل الجليل الفقيه الشاعر المعروف بابن راشد الحلي كان من أكابر العلماء وهو متأخر الطبقة عن الشهيد ورأيت في أستراباد من مؤلفاته مصباح المهتدين في أصول الدين جيد حسن المطالب وتاريخ كتابة النسخة سنة 883 ( والمراد أنها ليست بخط المؤلف ) قال : والحق عندي اتحاده مع الشيخ تاج الدين حسن بن راشد الحلي السابق إذ عصرهما متقارب والنسبة إلى الجد شائعة.

أما ارجوزته الجمانة المتقدم ذكرها والتي قرضها استاذة المقداد السيوري فأولها كما في الاعيان :

قال الفقير الحسن بن راشد *** مبتدئاً باسم الإله الماجد

وفي الفوائد الرضوية أن تاريخ نظم الجمانة سنة 825 وعدد أبياتها 653 كما يدل عليه قوله.

وهذه الرسالة الألفية *** نظمتها بالحلة السيفية

ص: 271

في عام خمس بعد عشرين مضت *** ثم ثمان من مئات انقضت

ست مئات وثلاث ضبطا *** وبعدها خمسون تحكي سمطا

وأسأل الافاضل الائمة *** أئمة الدين هداة الأمة

أن يستروا منها بذيل العفو *** ما وجدوا من خلل أو هفو

فانه من شيمة الانسان *** بل كل منسوب الى الامكان

ويسألوا اللّه بفضل منهم *** العفو لي فاللّه يعفو عنهم

وله نفس طويل في الشعر كما تدل على ذلك قصائده ونسب اليه الجباعي في مجموعته هذين البيتين :

نعم يا سيدي أذنبت ذنباً *** حملت بفعله عبئاً ثقيلا

وها أنا تائب منه مقرٌ *** به لك فاصفح الصفح الجميلا

وهذه إحدى قصائده الحسينية رواها السيد الأمين في الاعيان :

لم يشجني رسم دار دارس الطَللِ *** ولا جرى مدمعي في اثر مرتحل

ولا تكلّف لي صحبي الوقوف على *** ربع الحبيب أرجّي البرء من عللي

ولا سألت الحيا سقيا الربوع ولا *** حللت عقد دموع العين في الحلل

ولا تعرضت للحادي اسائله *** عن هذه الخفرات البيض في الكلل

ولا أسفت على دهر لهوتُ به *** مع كل طفل كعود البانة الخضل

وافي الروادف معسول المراشف مص- *** -قول السوالف يمشي مشية الثمل

يتيه حسناً ويثني جيد جازية *** دلاً ويمزج صرف الود بالملل

ترمي لواحظه عن قوس حاجبه *** بأسهمٍ من نبال الغنج والكحل

ان قلت جسمي يبلى في هواك اسى *** من الجفا وممض الصد قال بلي

ص: 272

أو قلت برء سقامي منك في قبل *** أجاب لا ترج هذا البرء من قبلي

كأن غرته من تحت طرته *** صبح تغشاه ليل الفاحم الرجل

أو طفلة غادة خود خدّ لجةٍ *** كالشمس لكنها جلت عن الطفل

في طرفها دعج في ثغرها فلج *** في خدها ضرج من غير ما خجل

اذا انثنت بين أزهار الخمائل في *** خضر الغلائل أو حمر من الحلل

تخال غصناً وريقاً ماس منعطفا *** او ذابلاً قد تروى من دم البطل

ولا صبوت إلى صرف مصفقة *** صهباء صافية من خمر قرطبل (1)

ولم يهج حزني برق تألق من *** نجد ولا ناظر يعزى الى ثعل

ولا النسيم سرى في طي بردته *** نشر الخزامى وعرف الشيخ والنفل

مالي وللغيد والخل البعيد ولل- *** -عيش الرغيد الذي ولّى ولم يؤل

وللغواني التي بانت ونسأل عن- *** -هن المغاني وللغزلان والغزل

لي شاغل عن هوى الغيد الحسان أو ال- *** بيض الملاح بذكر الحادث الجلل

مصاب خير الورى السبط الحسين شهي- *** -د الطف نجل امير المؤمنين علي

الفارس البطل ابن الفارس البطل اب- *** -ن الفارس البطل ابن الفارس البطل

سليل حيدرٍ الهادي وفاطمة الز *** هراء أفضل سبطي خاتم الرسل

نور تكون من نورين ذاتهما *** من جوهر بمحل القدس متصل

سر الاله الذي ما زال يظهر بال- *** آيات مع انبياء الاعصر الأول

شمس الهدى علة الدنيا التي صدر ال- *** -وجود من أجلها عن علة العلل

الجوهر النبوي الاحمدي أبو ال- *** أئمة السادة الهادين للسبل

سبط النبي حبيب اللّه أشرف مَن *** يمشي على الأرض من حافٍ ومنتعل

ص: 273


1- كذا في الأصل والصواب - قطربل - بالتشديد وخففت للضرورة ، وهي قرية ينسب إليها الخمر.

به يجاب دعا الداعي وتقبل أع- *** -مال العباد ويستشفى من العلل

لله وقعة عاشوراء إن لها *** في جبهة الدهر جرحاً غير مندمل

طافوا بسبط رسول اللّه منفرداً *** في الطف خال من الخلال والخول

ابدوا خفايا حقود كان يسترها *** من قبل خوف غرار الصارم الصقل

فقاتلوه ببدر إن ذا عجب *** إذ يطلبون رسول اللّه بالذحل

لم انسه في فيافي كربلاء وقد *** حام الحِمام وسُدّت أوجه الحيل

في فتية من قريش طاب محتدها *** تغشى القراع ولا تخشى من الاجل

من كل مكتهل في عزم مقتبل *** وكل مقتبل في حزم مكتهل

قرم إذا الموت أبدى عن نواجذه *** ثنى له عطف مسرور به جذل

خواض ملحمة فياض مكرمة *** فضاض معظمة خال من الخلل

أبت له نفسه يوم الوغى شرفاً *** أن لا تسيل على الخرصان والاسل

ان طال أو صال في يومي عطا وسطا *** فالغيث في خجل والليث في وجل

قوم إذا الليل أرخى ستره انتصبوا *** في طاعة اللّه من داع ومبتهل

حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا *** نفوسهم في مهاوي تلكُم الشعل

جبال حلم إذا خف الوقور رست *** اسناخها وبحور العلم والجدل

في عثير كالدجى تبدو كواكبه *** من القواضب والعسالة الذبل

غمام نقع زماجير الرجال له *** رعد وصوب الدما كالعارض الهطل

حتى إذا آن حين السبط وانفصمت *** عرى الحياة ودالت دولة السفل

رموا بأسهم بغي عن قسيّ ردى *** من كفّ كفر رماها اللّه بالشلل

فغودروا في عراص الطف قاطبة *** صرعى بحدّ حسام البغي والدخل

سقوا بكاس القنا خمر الفنا فغدا الحمام *** يشدو ببيتٍ جاء كالمثل

( لله كم قمر حاق المحاق به *** وخادر دون باب الخدر منجدل )

نجوم سعد بأرض الطف آفلة *** واسد غيل دهاها حادث الغيل

ص: 274

واصبح السبط فرداً لا نصير له *** يلقى الحمام بقلب غير منذهل

يشكو الظما ونمير الماء مبتذل *** تعلّ منه وحوش السهل والجبل

صاد يصدّ عن الماء المباح ومن *** وريده مورد الخطّية الخطل

كأن صولته فيهم اذا حملوا *** عليه صولة ضرغام على همل

فلا ترى غير مقتول ومنهزم *** من فوق سابقة مكلومة الكفل

مصيبة بكت السبع الشداد لها *** دماً ورزءٌ عظيم غير محتمل

وفادح هدّ أركانَ العلى ودهى *** غرار صارم دين اللّه بالفلل

مترب الخد دامي النحر منعفر ال- *** -جبين بحر قضى ضام الى الوشل

والطاهرات بنات الطهر أحمد قد *** خرجن من خلل الاستار والكلل

لم أنس فاطمة الصغرى وقد برزت *** والسبط عنها بكرب الموت في شغل

أبي أبي كنت ظل اللائذين ومل- *** -جا العائذين وأمن الخائف الوجل

أبي أبي كنت نوراً يستضاء به *** الى الطريق الذي ينجي من الزلل

ابي ابي اظلمت من بعدكم طرق ال- *** -هدى وربع المعالي عاد وهو خلي

ابي ابي مَن لدفع الضيم نأمله *** اذا حواك الثرى واخيبة الامل

واقبلت زينب الكبرى ومقلتها *** عبرى بدمع على الخدين منهمل

يا جد هذا اخي عار تكفّنه الر *** ياح من نسجها في مطرف سمل

يا جد هذا اخي ظام وقد صدرت *** عن نحره البيض بعد العل والنهل

اخي اخي مَن يردّ الضيم عن حرم ال- *** -هادي النبي فقد امست بغير ولي

اخي بمن اتقي كيد العدى وعلى *** من اعتمادي وتعويلي ومتكلي

اخي اخي قد كساني الدهر ثوب اسى *** يحول صبغ الليالي وهو لم يحل

اخي اخي هذه نفسي لكم بدل *** لو كان يقنع صرف الدهر بالبدل

يا قوم هذا ابن خير الخلق كلهم *** وافضل الناس في علم وفي عمل

هذا لعمري هو الحق المبين ومن *** بحبه منهج الحق المبين جلي

ص: 275

هذا ابن فاطمة هذا ابن حيدرة *** له مقام كما قد تعلمون علي

باعوا بدار الفنا دار البقا وشروا *** نار اللظى بنعيم غير منتقل

يا حسرة في فؤادي لا انقضاء لها *** يزول أُحد ورضوى وهي لم تزل

بنات احمد بعد الصون في كلل *** اسرى حواسر فوق الانيق الذلل

والرأس أمسى سنان وهو يحمله *** على سنان أصم الكعب معتدل

اقسمت بالمشرفيات الرقاق وبال- *** -جرد العتاق وبالوخادة الذلل

وكل ابلج طعم الموت في فمه *** يوم الكريهة أحلى من جنى العسل

لقد نجا من لظى نار الجحيم غدا *** في الحشر كل موال للامام علي

مولى تعالى مقاما أن يحيط به *** وصف وجلّ عن الاشباه والمثل

لولا حدود مواضيه لما انتصبت *** ولا استقامت قناة الدين من ميل

سل يوم بدر وأحد والنضير وصف- *** -ين وخيبر والاحزاب والجمل

وسل به العلماء الراسخين ترى *** له فضائل ما جُمّعن في رجل

قل فيه واسمع به وانظر اليه تجد *** ملأ المسامع والافواه والمقل

زوج البتول اخي الهادي الرسول مزي- *** -ل الازل مختار رب العرش في الازل

يا من يرى انه يحصي مناقب أه- *** -ل البيت طراً على التفصيل والجمل

( لقد وجدت مكان القول ذا سعة *** فان وجدت لساناً قائلاً فقل ) (1)

اولا فسل عنهم الذكر الحكيم تجد *** ( في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل )

اليكم يا بني الزهراء قافية *** فاقت على كل ذي فكر ومرتجل

حلّية حلوة الألفاظ رائقة *** أحلى من الامن عند الخائف الوجل

بكرا مهذبة يزهى البسيط بها *** على طويل عروض الشعر والرمل

ص: 276


1- تضمين لقول المتنبي.

حسناء من حسن طالت وقصّر عن *** احسانها شعراء السبعة الطول

يرجو فتى راشد طرق الرشاد بها *** يوم المعاد ولا يخشى من الزلل

صلى عليكم إله العرش ما انتظم الن- *** -وار عند انتشار الطل في الطلل

وهذه القصيدة الثانية

اسمر رماح أم قدود موائسُ *** وبيض صفاح أم لحاظ نواعس

وسرب جوار عنّ عن أيمن الحمى *** لنا أم جوار نافرات شوامس

شوامس في حب القلوب سواكن *** وأمثالها بين الشعاب كوانس

اوانس إلا انهنّ جآذر *** جآذر الا أنهنّ اوانس

كواعب اتراب نواعم نهدٍ *** عقائل أبكار غوانٍ موائس

حسان يخالسن الحليم وقاره *** عفائف راجي الوصل منهن آيس

وتلك التي من بينهن جلت لنا *** محيّا تجلت من سناه الحنادس

كشمس تعالت عن أكف لوامسٍ *** واين من الشمس الأكف اللوامس

غزيرة سربٍ أم عَزيزة معشر *** غريزة حسن للقلوب تخالس

عليها رقيب من ضياء جبينها *** ومن عرفها والحلي واش وحارس

إذا سفرت والليل داج وداجن *** بدا الكون من لألائها وهو شامس

وان جردت بيض الظبا من جفونها *** لفتك يخشّاها الكمي المغامس

قلوب الاسود الصيد صيد لحاظها *** وها خدها مما تفيّض وارس

منعمة لم تلبس الوشي زينة *** ولكن أحبّت أن تزان الملابس

ولا قلدت درا يقاس بثغرها *** لحسن ولكن كي يذم المقايس

على مثل ما زرت عليه جيوبها *** يناقش قلب طرفه وينافس

ومن مثل ما لائت عليه خمارها *** تخامر ألباب الرجال الوساوس

ص: 277

ومن مثل ما يرتج تحت برودها *** يروح ويغدو ذو الحجى وهو بالس

غرست بلحظي الورد في وجناتها *** ولم اجن إن أجن الذي أنا غارس

نعمت بها والراح يجلو شموسها *** على أنجم الجلاس بدر مؤانس

شهي اللمى عذب المراشف فاحم *** السوالف مرتجّ الروادف مائس

طويل مناط العقد طَفل (1) ازاره *** وزناره ضدان مثر وبائس

له من اخي الخنساء قلب يضمه *** شمائل تنميها إلى اللطف فارس

دموعي واهوائي لجامع حسنه *** طلائق في شرع الهوى وحبائس

يطوف بصرف يصرف الهم كأسها *** مصفقة قد عتقتها الشمامس

على كل عصر قد تقدم عصرها *** لها فوق راحات السمات مقابس

عروس تحلى حين تجلى بجوهر ال- *** -حباب وتهوى وهي شمطاء عانس

على روضة فيحاء فياحة الشذا *** حمائمها بعض لبعض يدارس

ترف عليها السحب حتى كأنها *** بزاة قنيص والرياض طواوس

فمن فاختيّات الغمام خيامنا *** ومن سندسيات الرياض الطنافس

إذ الدهر سمع والشبيبة غضة *** وميدان لهوي افيح الظل آنس

فمذ ريع ريعان الشباب وآن أن *** يوافي النذير المستحث المخالس

وقد كاد دوح العمر تذوي غصونه *** وولى مع العشرين خمس وسادس

واسفر ليل الجهل عن فلق الهدى *** وبانت لعينيّ الأمور اللوابس

نضوت رداء اللّهو عن منكب الصبا *** قشيبا كما تنضى الثياب اللبائس

وروضت مهر الغي بعد جماحه *** بسائس حلم حبذا الحلم سائس

واعددت ذخرا للمعاد قصائدا *** تعطر منها في النشيد المجالس

ص: 278


1- بفتح الطاء أي ناعم.

بمدح الامام القائم الخلف الذي *** بمظهره تحيا الرسوم الدوارس

صراط الهدى المهدي من خوف باسه *** تذل عزاز المشركين الغطارس

امام له مما جهلنا حقيقة *** وليس له فيما علمنا مجانس

وروح علاً في جسم قدس يمدها *** شعاع من الاعلى الالهي قابس

ومعنى دقيق جل عن ان تناله *** يد الفكر أو تدنو اليه الهواجس

تساوى يقين الناس فيه ووهمهم *** فاعظمهم علماً كمن هو حارس

إذا العقل لم يأخذ عن الوحي وصفه *** يظل ويضحي تعتريه الوساوس

وسر سماوى ونور مجسد *** وجوهر مجد ذاته لا تقايس

له صفوة المجد الرفيع وصفوة *** ومحض المعالي والفخار القدامس

فخار لو أن الشمس تكسى سناءه *** لما غيبتها المظلمات الدوامس

تولد بين المصطفى ووصيه *** ولا غرو ان تزكو هناك الغرائس

سيجلو دجى الدين الحنيف بعزمة *** هي السيف لا ما اخلصته المداعس

ويدركنا لطف الاله بدولة *** تزول بها البلوى وتشفى النسائس

أمامية مهدية أحمدية *** إذا نطقت لم يبق للكفر نابس

وميزان قسط يمحق الجور عدلها *** إذا نصبت لم يبق للحق باخس

يشاد بها الاسلام بعد دثوره *** ويضحي ثناها في حلى العز رائس

ويجبر مكسور وييأس طامع *** ويكسر جبار ويطمع آئس

إذا ما تجلى في بروج سعوده *** علينا انجلت عنا النجوم الاناحس

كأني بأفواج الملائك حوله *** مسومة يوم الصياح مداعس

كأني بميكائيل تحت ركابه *** يناجيه اجلالاً له وهو ناكس

كأني باسرافيل قد قام خلفه *** وجبريل من قدامه وهو جالس

كأني به في كعبة اللّه قانتا *** يواهسه رب العلى ويواهس

كأني بعيسى في الصلاة وراءه *** تبارك مرؤوس كريم ورائس

ص: 279

كأني به من فوق منبر جده *** لبردته عند الخطابة لابس

كأني بطير النصر فوق لوائه *** ومن تحته جيش لهام عكامس

خضم من الفتح المبين رعيله *** تضيق به الفتح القفار الامالس (1)

له زجل كاليم عبّ عبابه *** يصك صماخ الرعد منه الهساهس

هدير فروم يرهب الموت بأسها *** وزأر ليوث افلتتها الفرائس

تظللها عند المسير نسورها *** ويقدمها عند الرحيل الهقالس

تؤم وصي الأوصياء ودونه *** ملائكة غر وشوس احامس

غطاريف طلاعون كل ثنية *** فليس لهم عن ذروة المجد خالس

مغاوير بسّامون في كل مازق *** وجوه المنايا فيه سود عوابس

كرام أهانوا دون دين محمد *** نفوسهم وهي النفوس النفائس

فوارس في يوم القراع قوارع *** أسود لأشلاء الأسود فوارس

وموضونة زغف وجرد سلاهب *** وبيض مصاليت وسمر مداعس

وضرب كما تهوى الظبا متدارك *** وطعن كما تهوى القنا متكاوس

شعارهم يا ثأر آل محمد *** اذا اسعرت نار الوطيس الفوارس

يجدلهم ذكر الطفوف صواهل *** سوابح في بحر الوغى تتقامس

كما جدد الاحزان شهر محرم *** فناح لرزء السبط رطب ويابس

الى القائم المهدي اشكو مصيبة *** لها لهب بين الجوانح حابس

أبثّك يا مولاي بلواي فاشفها *** فأنت دواء الداء والداء ناخس

تلاف عليل الدين قبل تلافه *** فقد غاله من علة الكفر ناكس

فخذ بيد الاسلام وانعش عثاره *** فحاشاك أن ترضى له وهو تاعس

ص: 280


1- الامالس جمع أمليس : الفلاة ليس بها نبات.

أمولاي لولا وقعة الطف ما غدت *** معالم دين اللّه وهي طوامس

ولولا وصايا الأولين لما اجترت *** على السبط في الشهر الحرام العنابس

أحاطوا به يا حجة اللّه ظاميا *** وما فيهم إلا الكفور الموالس

وأبدت حقوداً قبل كانت تكنها *** حذار الردى منهم نفوس خسائس

وطاف به بين الطفوف طوائف *** بهم أطفئت شهب الهدى والنبارس

بغوا وبغوا ثارات بدر وبادروا *** وفي قتل اولاد النبي تجاسسوا

فقام بنصر السبط كل سميدع *** وثيق العرى عن دينه لا يدالس

مصابيح للساري مجاديح للحجى *** مساميح في اللأواء والأفق تارس

صناديد اقيال مناجيد سادة *** مذاويد أبطال كماة أشاوس

بهاليل ان سيموا الردى لم يسامحوا *** وان سئلوا بذل الندى لم يماكسوا

اذا غضبوا دون العلا فسياطهم *** شفار المواضي واللحود المحابس

لبيض مواضيهم وسمر رماحهم *** مغامد من هام العدى وقلانس

وصالوا وقد صامت صوافن خيلهم *** وصلّت لوقع المرهفات القوانس

وقد جرّ فوق الارض فضل ردائه *** غمام الردى والنقع كالليل دامس

سحائب حتف وبلها الدم والظبا *** بوارق فيها والقسي رواجس

فلما دعاهم ربهم للقائه *** اجابوا وفي بذل النفوس تنافسوا

وقد فوقت ايدي الحوادث نحوهم *** سهام ردى لم ينج منهن تارس

فاضحوا بارض الطف صرعى لحومهم *** تمزقها طلس الذئاب اللغاوس

واكفانهم نسج الرياح وغسلهم *** من الدم ما مجت نحور قوالس

وقد ضاق بالسبط الفضا ودنا القضا *** وظل وحيداً للمنون يغامس

وعترته قتلى لديه وولده *** ظمايا وريب الدهر بالعهد خائس

نضا عزمة علوية علوية *** وقد ملئت بالمارقين البسابس

وكر ففروا مجفلين كأنه *** هزبر هصور والاعادي عمارس

ص: 281

وأذكرهم بأس الوصي وفتكه *** فردوا على أعقابهم وتناكسوا

فالقوه مهشوم الجبين على الثرى *** وفي كل قلب هيبة منه واجس

واعظم ما بي شجو زينب اذ رأت *** اخاها طريحاً للمنايا يمارس

تقول اخي يا واحدي شمت العدى *** بنا واشتفى فينا العدو المنافس

اخي اليوم مات المصطفى ووصيه *** ولم يبق للاسلام بعدك حارس

اخي مَن لاطفال النبوة يا اخي *** ومَن لليتامى ان مضيت يؤانس

وتستعطف القوم اللئام وكلهم *** له خلق عن قولها متشاكس

تقول لهم بقيا عليه فأنه *** كما قد علمتم للميامين خامس

ولا تعجلوا في قتله فهو الذي *** لدارس وحي اللّه محي ودارس

أيا جد لو شاهدته غرض الردى *** سليب الردا تسفي عليه الروامس

وقد كربت في كربلا كرب البلا *** وقد غلبت غلب الاسود الهمارس

يصد عن الورد المباح مع الصدى *** ومن دمه تروى الرماح النوادس

واسرته صرعى تنوح لفقدهم *** منازل وحي عطلت ومدارس

ونسوته اسرى الى كل فاجر *** بغير وطا تحدى بهن العرامس

ألا يا ولي الثار قد مسّنا الاذى *** وعاندنا دهر خؤون مدالس

وارهقنا جور الليالي وكلنا *** فقير الى ايام عدلك بائس

متى ظلم الظلم الكثيفة تنجلي *** ويبسم دهري بعد اذ هو عابس

ويصبح سلطان الهدى وهو قاهر *** عزيز وشيطان الضلالة خانس

لا بذل في ادراك ثارك مهجتي *** فما انا بالنفس النفيسة نافس

فدونكها يا صاحب الامر مدحة *** منقحة ما سامها العيب لاقس

مهذبة حلية راشدية *** اذا اغرق الراوي بها قيل خالس

لآلئ في جيد الليالي قلائد *** جواهر الا انهن نفائس

عرائس في وقت الزفاف نوائح *** نوائح في وقت العزاء عرائس

ص: 282

قرعت بمدحيكم بني الوحي ذروة *** رقاب بني حواء عنها نواكس

واحرزت غايات الفخار وارغمت *** خدود رجال دونها ومعاطس

وادركت من قبل الثلاثين رتبة *** مؤملها بعد الثمانين يائس

يجدّ وجِدٍّ لا بجَدٍّ ووالد *** وان كرمت من والديّ المغارس

عليكم من اللّه السلام صلاته *** وتسليمه ما اهتز اخضر مائس

ص: 283

ابن العرندس

توفي حدود 900

طوايا نظامي في الزمان لها نشرُ *** يعطرها من طيب ذكركم نشرُ

قصائد ما خابت لهن مقاصد *** بواطنها حمدٌ ظواهرها شكر

حسان لا حسان بالفضل شاهد *** على وجهها بشر يدين له بشر

أُنظّمها نظم اللآلي وأسهر *** الليالي ليحيا لي بها وبكم ذكر

فيا ساكني أرض الطفوف عليكم *** سلام محب ما له عنكم صبر

نشرت دواوين الثنا بعد طيّها *** ففي كل طرس من مديحي لكم سطر

فطابق شعري فيكم دمع ناظري *** فمبيّض ذا نظم ومحمر ذا نثر

فلا تتهموني بالسلو فانما *** مواعيد سلواني وحقكم الحشر

فذلّي بكم عزٌ وفقري بكم غنىً *** وعسري بكم يسر وكسري بكم جبر

فعيناي كالخنساء تجري دموعها *** وقلبي شديد في محبتكم ( صخر )

وقفت على الدار التي كنتم بها *** فمغناكم من بعد معناكم قفر

وقد درست منها العلوم وطالما *** بها دُرّس العلم الالهي والذكر

وسالت عليها من دموعي سحائب *** الى أن تروى البان بالدمع والسدر

وقد أقلعت عنها السحائب لم تجُد *** فلا درّ من بعد الحسين لها در

ص: 284

إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة *** رب النهي مولى له الأمر

امام أبوه المرتضى علم الهدى *** وصي رسول اللّه والصنو والصهر

امام بكته الجن والأنس والسما *** ووحش الفلا والطير والبر والبحر

له القبة البيضاء بالطف لم تزل *** تطوف بها طوعاً ملائكة غر

وفيه رسول اللّه قال وقوله *** صحيح صريح ليس في ذلكم نكر

حُبي بثلاثٍ ما أحاط بمثلها *** وليٌ فمن زيدٌ هناك ومن عمرو

له تربةٌ فيها الشفاء وقبّةٌ *** يُجاب بها لاداعي إذا مسّه الضر

وذرية دريةٌ منه تسعة *** أئمة حق لاثمانٍ ولا عشر

هم النور نور اللّه جل جلاله *** هم التين والزيتون والشفع والوتر

مهابط وحي اللّه خزان علمه *** ميامين في ابياتهم نزل الذكر

واسماؤهم مكتوبة فوق عرشه *** ومكنونة من قبل أن يُخلق الذر

ولولاهم لم يخلق اللّه آدما *** ولا كان زيد في الوجود ولا بكر

ولا سطحت أرض ولا رفعت سما *** ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر

سرى سرهم في الكائنات وفضلهم *** فكل نبي فيه من سرهم سر

ونوح به في الفلك لما دعا نجا *** وغيض به طوفانه وقُضي الامر

ولولاهم نار الخليل لما غدت *** سلاماً وبرداً وانطفا ذلك الجمر

ولولاهم يعقوب ما زال حزنه *** ولا كان عن أيوب ينكشف الضر

وهم سرّ موسى والعصا عندما عصى *** أوامره فرعون والتقف السحر

ولولاهم ما كان عيسى بن مريم *** لعازر من طيّ اللحود له نشر

إلى ان قال في الرثاء.

أيقتل ظمآنا حسين بكربلا *** وفي كل عضو من أنامله بحر

ص: 285

ووالده الساقي على الحوض في غد *** وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فيا لهف نفسي للحسين وما جنى *** عليه غداة الطف في حربه الشمر

تجرّ عليه العاصفات ذيولها *** ومن نسج أيدي الصافنات له طمر

فرّجت له السبع الشداد وزلزلت *** روامي جبال الأرض والتطم البحر

فيا لك مقتولاً بكته السما دماً *** فمغبّر وجه الأرض بالدم محمر

ملابسه في الحرب حمرٌ من الدما *** ومن غداة الحشر من سندس خضر

ولهفي لزين العابدين وقد سرى *** أسيراً عليلاً لا يفكّ له أسر

وآل رسول اللّه تسبى نساؤهم *** ومن حولهن الستر يهتك والخدر

سباياً باكوار المطايا حواسراً *** يلاحظهن العبد في الناس والحر

ويقول في ختامها :

مصابكم يا آل طه مصيبة *** ورزء على الاسلام أحدثه الكفر

سأندبكم يا عدتي عند شدتي *** وأندبكم حزناً إذا أقبل العشر

وأبكيكم مادمت حياً فان أمت *** ستبكيكم بعدى مراثيّ والشعر

وكيف يحيط الواصفون بفضلكم *** وفي مدح آيات الكتاب لكم ذكر

ومولدكم بطحاء مكة والصفا *** وزمزم والبيت المحرم والحجر

جعلتكم يوم المعاد ذخيرتي *** فطوبى لمن أمسى وأنتم له ذخر

عرائس فكر الصالح بن عرندس *** قبولكم يا آل طه لها مهر

عليكم سلام اللّه ما لاح بارق *** وحلّت عقود المزن وانتثر القطر

ص: 286

ابن العرندس وفاته في حدود 900 كما ذكر اليعقوبي ، الشيخ صالح بن عبد الوهاب المعروف بابن العرندس.

عالماً ناسكاً أديباً بارعاً متظلعاً في علمي الفقه والأصول وغيرهما مصنفاً فيها ، له كتاب كشف اللآلي وكان ممن نظم فأجاد وقصر شعره على رثاء أهل البيت. قال الشيخ اليعقوبي رحمه اللّه : وكانت وفاته في حدود التسعمائة هجرية. وعن الطليعة أنه توفي في سنة 840 وقبره في الحلة مشيد عليه قبة بيضاء في محلة ( جبران ) إحدى محلات الحلة في شارع يعرف ب- ( شارع المفتي ) الى جنب دار الأديب الشيخ محمد الملا. ويقول السيد الأمين في الاعيان : توفي في حدود سنة 840 في الحلة.

وقال من قصيدة يرثي الحسين علیه السلام .

بات العذول على الحبيب مسهداً *** فأقام عذري في الغرام وأقعدا

ورأى العذار بسالفيه مسلسلا *** فأقام في سجن الغرام مقيدا

هذا الذي أمسى عذولي عاذري *** فيه وراقد مقلتيه تسهدا

ريم رمى قلبي بسهم لحاظه *** عن قوس حاجبه أصاب المقصدا

قمرٌ هلال الشمس فوق جبينه *** عال تغار الشمس منه اذا بدا

وقوامه كالغصن رنّحه الصبا *** فيه حَمام الحيّ بات مغرّدا

فاذا أراد الفتك كان قوامه *** لدنا وجرّدت اللحاظ مهندا

تلقاه منعطفاً قضيباً أميدا *** وتراه ملتفتاً غزالاً أغيدا

في طاء طرّته وجيم جبينه *** ضدّان شأنهما الضلالة والهدى

ليلٌ وصبحٌ أسودٌ في أبيض *** هذا أضلّ العاشقين وذا هدى

ص: 287

لا تحسبوا داود قدّر سرده *** في سين سالفه فبات مسرّدا

لكنما ياقوت خاء خدوده *** نمّ العذار به فصار زبرجدا

يا قاتل العشاق يا من طرفه *** الرشّاق يرشقنا سهاماً من ردى

قسماً بثاء الثغر منك لأنه *** ثغرٌ به جيم الجمان تنضّدا

وبراء ريق كالمدام مزاجه *** شهدٌ به تروى القلوب من الصدى

إني لقد أصبحت عبدك في الهوى *** وغدوت في شرح المحبة سيّدا

فاعدل بعبدك لا تجر واسمح ولا *** تبخل بقربٍ من وفاك الأبعدا

وابدِ الوفا ودع الجفا وذرِ العفا *** فلقد غدوت أخا غرام مكمدا

وفجعت قلبي بالتفرق مثلما *** فجعت أمية بالحسين محمدا

سبط النبي المصطفى الهادي الذي *** أهدى الانام من الضلال وأشردا

وهو ابن مولانا علي المرتضى *** بحر الندى مروي الصدا مردي العدا

أسما الورى نسباً وأشرفهم أباً *** وأجلّهم حسباً وأكرم محتدا

بحرٌ طما. ليث حمى. غيثٌ هما *** صبح أضا. نجم هدى. بدر بدا

السيد السند الحسين أعم أه- *** -ل الخافقين ندى وأسمحهم يدا

لم أنسه في كربلا متلظيا *** في الكرب لا يلقى لماءٍ موردا

والمقنب الأموي حول خبائه *** النبوي قد ملأ الفدافد فدفدا

عصبٌ عصت غصّت بخيلهم الفضا *** غصبت حقوق بني الوصي وأحمدا

حمّت كتائبه وثار عجاجه *** فحكى الخضّم المدلهمّ المزبدا

للنصب فيه زماجر مرفوعة *** جزمت بها الأسماء من حرف الندا

صامت صوافنه وبيض صفاحه *** صلّت فصيرت الجماجم سجدا

نسج الغبار على الاسود مدارعاً *** فيه فجسّدت النجيع وعسجدا

والخيل عابسة الوجوه كأنها *** العقبان تخترق العجاج الأربدا

حتى اذا لمعت بروق صفاحها *** وغدا الجبان من الرواعد مرعدا

ص: 288

صال الحسين على الطغاة بعزمه *** لا يختشي من شرب كاسات الردا

وغدا بلام اللدن يطعن أنجلا *** وبغين غرب العضب يضرب أهودا

فأعاد بالضرب الحسام مفللا *** وثنى السنان من الطعان مقصّدا

فكأنما فتكاته في جيشهم *** فتكات ( حيدر ) يوم أحد في العدى

جيشٌ يريد رضى يزيد عصابة *** غصبت فاغضبت العليّ وأحمدا

جحدوا العلي مع النبي وخالفوا *** الهادي الوصي ولم يخافوا الموعدا

وغواهم شيطانهم فأضلّهم *** عمداً فلم يجدوا ولياً مرشدا

ومن العجائب أن عذب فراتها *** تسري مسلسلةً ولن تتقيدا

طام وقلب السبط ظام نحوه *** وأبوه يسقي الناس سلسله غدا

وكأنه والطرف والبتار والخر *** صان في ظلل العجاج وقد بدا

شمس على فلك وطوع يمينه *** قمرٌ يقابل في الظلام الفرقدا

والسيد العباس قد سلب العدا *** عنه اللباس وصيروه مجرّدا

وابن الحسين السبط ظمآن الحشا *** والماء تنهله الذئاب مبرّدا

كالبدر مقطوع الوريد له دم *** أمسى على ترب الصعيد مبددا

والسادة الشهداء صرعى في الفلا *** كل لأحقاف الرمال توسدا

فأولئك القوم الذين على هدى *** من ربهم فمن اقتدى بهم اهتدى

والسبط حران الحشا لمصابهم *** حيران لا يلقى نصيراً مسعدا

حتى اذا اقتربت أباعيد الردى *** وحياته منها القريب تبعّدا

دارت عليه علوج آل اميّة *** من كل ذي نقص يزيد تمردا

فرموه عن صفر القسيّ بأسهمٍ *** من غير ما جرم جناه ولا اعتدا

فهوى الجواد عن الجواد فرجّت *** السبع الشداد وكان يوماً أنكدا

واحتزّ منه الشمر رأساً طالما *** أمسى له حجر النبوة مرقدا

فبكته أملاك السماوات العلى *** والدهر بات عليه مشقوق الردا

ص: 289

وارتد كفّ الجود مكفوفاً وطر *** ف العلم مطروفاً عليه أرمدا

والوحش صاح لما عراه من الاسى *** والطير ناح على عزاه وعددا

وسروا بزين العابدين الساجد *** الباكي الحزين مقيداً ومصفدا

وسكينة سكن الأسى في قلبها *** فغدا بضامرها مقيماً مقعدا

وأسال قتل الطف مدمع زينب *** فجرى ووسط الخد منها خددا

ورأيت ساجعةً تنوح بأيكة *** سجعت فأخرست الفصيح المنشدا

بيضاء كالصبح المضيء أكفها *** حمرٌ تطوقت الظلام الأسودا

ناشدتها يا ورق ما هذا البكا *** ردّي الجواب فجعت قلبي المكمدا

والطوق فوق بياض عنقك أسود *** وأكفك حمرٌ تحاكي العسجدا

لما رأت ولهي وتسآلي لها *** ولهيب قلبي ناره لن تخمدا

رفعت بمنصوب الغصون لها يداً *** جزمت به نوح النوائح سرمدا

قتل الحسين بكربلا يا ليته *** لاقى النجاة بها وكنت له الفدا

فاذا تطوق ذاك دمعي أحمر *** قانٍ مسحت به يديّ توردا

ولبست فوق بياض عنقي من أسى *** طوقاً بسين سواد قلبي أسودا

فالآن هاذي قصتي يا سائلي *** ونجيع دمعي سائل لن يجمدا

فاندب معي بتقرّحٍ وتحرّق *** وابكي وكن لي في بكائي مسعدا

فلألعنن بني أمية ما حدا *** حادٍ وما غار الحجيج وأنجدا

ولأبكينّ عليك يابن محمد *** حتى أوسد في التراب ملحّدا

ولأحلينّ على علاك مدائحاً *** من ردّ ألفاظي حساناً خرّدا

عرباً فصاحاً في الفصاحة جاوزت *** قَسّاً وبات لها لبيد مبلّدا

قلّدتها بقلائد من جودكم *** أضحى بها جيد الزمان مقلّدا

يرجو بها نجل العرندس صالح *** في الخلد مع حور الجنان تخلّدا

وسقى الطفوف الهامرات من الحيا *** سحباً تسحّ عيونها دمع الندى

ص: 290

ثم السلام عليك يابن المرتضى *** ما ناح طير في الغصون وغردا

وفي مجموعة الشيخ محمد رضا الحساني رأيت قصيدة للشيخ ابن العرندس مطلعها :

عين سحي سحائب الأجفان *** واسعديني بمدمع هتان

ومن شعره في أهل البيت علیهم السلام .

أيا بني الوحي والتنزيل يا أملي *** يا من ولاكم غدا في القبر يؤنسني

حزني عليكم جديد دائم أبداً *** ما دمت حياً إلى أن ينقضي زمني

وما تذكرت يوم الطف رزأكم *** إلا تجدد لي حزن على حزن

وأصبح القلب مني وهو مكتئب *** والدمع منسكب كالعارض الهتن

لكم لكم يا بني خير الورى اسفي *** لا للتنائي عن الاهلين والوطن

يا عدتي واعتمادي والرجاء ومن *** هم أنيسي إذا أُدرجت في كفني

إني محبكم ارجو النجاة غدا *** اذا اتيت وذنبي قد تكأدني

وعاينت مقلتي ما قدّمته يدي *** من الخطيئات في سرٍ وفي علن

صلى عليكم إله العرش ما سجعت *** حمامة أو شدا ورق على غصن

واول هذه القصيدة كما ذكرها السيد احمد العطار في مخطوطه ( المجمو الرائق ) :

نوحوا أيا شيعة المولى أبا حسن *** على الحسين غريب الدار والوطن

ص: 291

وقال :

أضحى يميس كغصن بان في حُلا *** قمرٌ اذا ما مرّ في قلبي حَلا

سلب العقول بناظر في فترة *** فيها حرام السحر بان محللا

وانحل شد عزائمي لما غدا *** عن خصره بند القباء محللا

وزها بها كافور سالف خده *** لما بريحان العذار تسلسلا

وتسلسلت عبثاً سلاسل صدغه *** فلذاك بتّ مقيداً ومسلسلا

وجناته جوريةٌ ، وعيونه *** حورية ، شبه الغزال الاكحلا

جارت وما صفحت على عشاقه *** فتكاً وعادل قدّه ما أعدلا

ملكت محاسنه ملوكا طالما *** أضحى لها الملك العزيز مذللا

كسرى بعينيه الصحاح ، وخده *** النعمان ، بالخال النجاشي خوّلا

كتب الجمال على صحيفة خده *** نوني قسيّ الحاجبين ومثّلا

فرمى بها من عين غنج عيونه *** سبق السهام أصاب مني المقتلا

فاعجب لعين عبير عنبر خاله *** في جيم جمرة خده لن تشعلا

وسلى الفؤاد بحر نيران الجوى *** مني فذاب وعن هواه ما سلا

ومنها في الرثاء :

حامت عليه للحمام كواسر *** ظمئت فاشربها الحمام دم الطلا

امست بهم سمر الرماح وزرقها *** حمراً وشهب الخيل دهما جفّلا

عقدت سنابك صافنات خيوله *** من فوق هامات الفوارس قسطلا

ودجت عجاجته ومدّ سواده *** حتى أعاد الصبح ليلا أليلا

وكأنما لمع الصوارم تحته *** برق تألق في غمام فانجلى

ومنها :

فرس حوافره بغير جماجم الفرسان *** في يوم الوغى لن تنعلا

ص: 292

اضحى بمبيّض الصباح محجلا *** وغدا بمسوّد الظلام مسربلا

ومنها :

فكأنه وجواده وحسامه *** يوم الكفاح لمن اراد تمثلا

شمس على الفلك المدار بكفه *** قمر منازله الجماجم منزلا

ص: 293

الشيخ مغامس بن داغر

المتوفي حدود 850

لعمرك يا دنيا ثنيت عناني *** وذاك لأمر من عَناك عَناني

ومن كان بالايام مثلي عارفا *** لواه الذي عن حبهن لواني

نعيت الى نفسي زمان شبيبتي *** وشيبي الى هذا الزمان نعاني

لقد ستر الستار حتى كأنه *** بعفو من اسم المذنبين محاني

ولو أنني في ذاك أديت شكره *** لكنت رعيت الحق حين رعاني

ولكنني بارزته بجرائم *** كأن لم يكن عن مثلهن نهاني

اقول لنفسي إن اردت سلامة *** فديني فمالي بالعذاب يدان

فاني لأخشى أن يقول امرته *** بامري وقد أمهلته فعصاني

ولي عنده يوم النشور وسيلة *** بها انا راج محو ما أنا جاني

بنو المصطفى الغر الذين اصطفاهم *** وميّزهم من خلقه بمعاني

أناف بهم في الفخر عبد منافهم *** فما لهم عبد المدان مداني

أبرّ وأحمى مَن يُرجّى ويُتّقى *** ليوم طعام أو ليوم طعان

وان لهم في سالف الدهر وقعة *** لدى الطف تغري الدمع بالهملان

غداة ابن سعد يستعد لحربهم *** بكل معديٍّ وكل يماني

ص: 294

ومنها :

بني صفوة الجبار ، عيناي كلما *** ذكرتم لها بالدمع تبتدران

واني من حزني على فوت نصركم *** لأقرع سني حسرةً ببناني

ولكنه ان أخر النصر عنكم *** ففات سناني لا يفوت لساني

وانتم موالي الأولى اقتدى بهم *** فما بفلان يقتدى وفلان

ولي موبقات من ذنوب أخافها *** اذا ما إلهي للحساب دعاني

وما انا من عفو الاله بقانط *** ولكنه ذو رحمة وحنان

فكيف وقد ابدعت إذ قمت خاطيا *** لكم في مغاني حسنكم بمغاني

ولم يخش يوما من عذاب مغامس *** اذا كنتم مما أخاف اماني

عليكم سلام اللّه ما ذرّ شارق *** وما قام داعي فرضه لأذان

ص: 295

الشيخ مغامس بن داغر المتوفي حوالي سنة 850 ه-

شاعر طويل النفس بديع النظام حلو الانسجام ، أصله - كما في الحصون المنيعة - من احدى العشائر العربية القاطنة ضواحي الحلة ، استوطن الحلة حتى توفي فيها. قال الشيخ الخطيب اليعقوبي في ( البابليات ) وقفتُ أخيراً على قصائد للمترجم في أهل البيت علیهم السلام ذكرها الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ محمد علي الطريحي - أخو فخر الدين صاحب المجمع والمنتخب - في مؤلف له كتبه بالحلة سنة 1076 وكله في مراثي آل الرسول صلی اللّه علیه و آله ومديحهم وهو من بقايا مخطوطات كتب آل طريح ولكنه طالما عبّر فيه عن المترجم ب- البحراني فيمكن أن يكون أصله من البحرين وهبط العراق وسكن الحلة للحصول على الغاية التي أشرنا إليها. وقد استظهر العلامة الاميني في ج 7 من الغدير بأنه خطيب أديب وابن خطيب أديب. من قوله في إحدى قصائده النبوية

فتارة انظم الاشعار ممتدحاً *** وتارة انثر الاقوال في الخطب

أعملت في مدحكم فكري وعلمني *** نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

ويوجد في المجاميع القديمة المخطوطة وبعض المطبوعات كالمنتخب والتحفة الناصرية شيء كثير مما قاله في الأئمة وقد جمع منها العلامة الشيخ محمد السماوي ديواناً باسم المترجم يربو على 1350 بيتا عدا الذي عاثت به أيدي الشتات.

ص: 296

ومما قاله ابن داغر الحلي

حيّا الاله كتيبة مرتادها *** يطوي له سهل الفلا ووهادها

قصدت أمير المؤمنين بقبّة *** يبني على هام السماك عمادها

وفدت على خير الأنام بحضرةٍ *** عند الإله مكرّم وفادها

فيها الفتى وابن الفتى وأخو الفتى *** أهل الفتوة ربها مقتادها

فله الفخار قديمه وحديثه *** والفاضلات طريفها وتلادها

مولى البرية بعد فقد نبيها *** وإمامها وهمامها وجوادها

وإذا القروم تصادمت في معرك *** والخيل قد نسج القتام طرادها

وترى القبائل عند مختلف القنا *** منه يحذّر جمعها آحادها

والشوس تعثر في المجال وتحتها *** جرد تجذ الى القتال جيادها

فكأن منتشر الرعال لدى الوغى *** زجل تنشّر في البلاد جرادها

ورماحهم قد شظّيت عيدانها *** وسيوفهم قد كسّرت أغمادها

والشهب تغمد في الرؤس نصولها *** والسمرتصعد في النفوس صعادها

فترى هناك أخا النبي محمّد *** وعليه من جهد البلاء جلادها

متردياً عند اللقا بحسامه *** متصدياً لكماتها يصطادها

عضد النبي الهاشمي بسيفه *** حتى تقطّع في الوغا أعضادها

واخاه دونهم وسدّ دوينه *** أبوابهم فتّاحها سدادها

وحباه في ( يوم الغدير ) ولايةً *** عام الوداع وكلهم أشهادها

فغدا به ( يوم الغدير ) مفصّلا *** بركاته ما تنتهي أعدادها

قبلت وصية أحمد وبصدرها *** تخفى لآل محمد أحقادها

حتى إذا مات النبي فأظهرت *** أضغانها في ظلمها أجنادها

منعوا خلافة ربها ووليها *** ببصائر عميت وضل رشادها

ص: 297

واعصو صبوا في منع فاطم حقها *** فقضت وقد شاب الحياة نكادها

وتوفّيت غصصاً وبعد وفاتها *** قتل الحسين وذبّحت أولادها

وغدا يسب على المنابر بعلها *** في أمّة ضلّت وطال فسادها

ولقد وقفت على مقالة حاذقٍ *** في السالفين فراق لي إنشادها

( أعلى المنابر تعلنون بسبه *** وبسيفه نصبت لكم أعوادها )

يا آل بيت محمد يا سادة *** ساد البرية فضلها وسدادها

أنتم مصابيح الظلام وأنتم *** خير الانام وأنتم أمجادها

فضلاءها علماءها حلماءها *** حكماءها عبّادها زهّادها

أما العباد فأنتم ساداتها *** أما الحروب فأنتم آسادها

تلك المساعي للبرية أوضحت *** نهج الهدى وشمت به عبّادها

واليكم من شاردات ( مغامس ) *** بكراً يقرّ بفضلها حسّادها

كملت بوزن كمالكم وتزينت *** بمحاسن من حسنكم تزدادها

ناديتها صوتاً فمذ أسمعتها *** لبّت ولم يصلد عليّ زنادها

نفقت لديّ لأنها في مدحكم *** فلذاك لا يخشى عليّ كسادها

رحم الاله ممدّها أقلامه *** ورجاؤه أن لا يخيب مدادها

فتشفّعوا لكبائر أسلفتها *** قلقت لها نفسي وقلّ رقادها

جرماً لو انّ الراسيات حملنه *** دكّت وذاب صخورها وصلادها

هيهات تمنع عن شفاعة جدكم *** نفس وحب أبي تراب زادها

صلّى الاله عليكم ما أرعدت *** سحبٌ وأسبل ممطراً أرعادها

وقوله من قصيدة تناهز الاثنين والتسعين بيتا :

كيف السلامة والخطوب تنوب *** ومصائب الدنيا الغرور تصوبُ

ص: 298

إن البقاء على اختلاف طبائع *** ورجاء أن ينجو الفتى لعصيب

العيش أهونه وما هو كائن *** حتمٌ وما هو واصل فقريب

والدهر أطوار وليس لأهله *** إن فكّروا في حالتيه نصيب

ليس اللبيب من استغر بعيشه *** إن المفكر في الأمور لبيب

يا غافلاً والموت ليس بغافلٍ *** عش ما تشاء فانك المطلوب

أبديت لهوك إذ زمانك مقبل *** زاهٍ واذ غضّ الشباب رطيب

فمن النصير على الخطوب اذا أتت *** وعلا على شرخ الشباب مشيب

علل الفتى من علمه مكفوفة *** حتى الممات وعمره مكتوب

وتراه يكدح في المعاش ورزقه *** في الكائنات مقدّر محسوب

إن الليالي لا تزال مجدّة *** في الخلق أحداث لها وخطوب

من سر فيها ساءهُ من صرفها *** ريبٌ له طول الزمان مريب

عصفت بخير الخلق آل محمد *** نكباء إعصار لها وهبوب

أما النبي فخانه من قومه *** في أقربيه مجانب وصحيب

من بعد ما ردوا عليه وصاته *** حتى كأن مقاله مكذوب

ونسوا رعاية حقه في حيدر *** في « خم » وهو وزيره المصحوب

فأقام فيهم برهة حتى قضى *** في الغيظ وهو بغيظهم مغضوب

ومنها قوله في رثاء الامام السبط علیه السلام :

بأبي الامام المستظام بكربلا *** يدعو وليس لما يقول مجيب

بأبي الوحيد وما له من راحم *** يشكو الظما والماء منه قريب

بأبي الحبيب إلى النبي محمد *** ومحمد عند الاله حبيب

يا كربلاء أفيك يقتل جهرة *** سبط المطهر إن ذا لعجيب

ص: 299

ما أنت إلا كربة وبليّة *** كل الأنام بهولها مكروب

لهفي عليه وقد هوى متعفراً *** وبه أوام فادح ولغوب

لهفي عليه بالطفوف مجدلا *** تسفي عليه شمال وجنوب

لهفي عليه والخيول ترضه *** فلهنّ ركض حوله وخبيب

لهفي له والرأس منه مميز *** والشيب من دمه الشريف خضيب

لهفي عليه ودرعه مسلوبة *** لهفي عليه ورحله منهوب

لهفي على حرم الحسين حواسراً *** شعثاً وقد ريعت لهنّ قلوب

حتى إذا قطع الكريم بسيفه *** لم يثنه خوف ولا ترعيب

لله كم لطمت خدود عنده *** جزعاً وكطم شقت عليه جيوب

ما أنس إن أنس الزكية زينباً *** تبكي له وقناعها مسلوب

تدعو وتندب والمصاب يكظها *** بين الطفوف ودمعها مسكوب

ءاخي بعدك لاحييت بغبطةٍ *** واغتالني حتف إليّ قريب

حزني تذوب له الجبال وعنده *** يسلو وينسى يوسفاً يعقوب

وقال في مدح النبي صلی اللّه علیه و آله :

عرّج على المصطفى يا سائق النجبِ *** عرّج على خير مبعوث وخير نبي

عرج على السيد المبعوث من مضر *** عرّج على الصادق المنعوت في الكتب

عرّج على رحمة الباري ونعمته *** عرّج على الابطحي الطاهر النسب

رآه آدم نوراً بين أربعة *** لألاؤها فوق ساق العرش من كثب

فقال : يا رب من هذا؟ فقيل له *** قول المحب وما في القول من ريب

هم أوليائي وهم ذرّيةٌ لكما *** فقرّ عيناً ونفساً فيهم وطب

أما وحقهم لولا مكانهم *** مني لما دارت الأفلاك بالقطب

ص: 300

كلا ولا كان من شمس ولا قمر *** ولا شهابٍ ولا أفق ولا حجب

ولا سماءٍ ولا أرض ولا شجرٍ *** للناس يهمي عليه واكف السحب

ولا جنان ولا نارٍ مؤججة *** جعلت أعداءهم فيها من الحطب

وقال للملأ الأعلى : ألا أحد *** ينبي بأسمائهم صدقاً بلا كذب

فلم يجيبوا فأنبا آدم بهم *** لها بعلمٍ من الجبار مكتسب

فقال للملأ الأعلى : اسجدوا كملاً *** لآدم واطيعوا واتقوا غضبي

وصيّر اللّه ذاك النور ملتمعاً *** في الوجه منه بوعد منه مرتقب

وخاف نوح فناجى ربه فنجا *** بهم على دسر الألواح والخشب

وفي الجحيم دعا اللّه الخليل بهم *** فأخمدت بعد ذاك الحر واللّهب

وقد دعا اللّه موسى إذ هوى صعقاً *** بحقهم فنجا من شدة الكرب

فظل منتقلا واللّه حافظه *** على تنقّله من حادث النوب

حتى تقسم في عبد الاله معاً *** وفي أبي طالب عن عبد مطلب

فأودع اللّه ذاك القسم آمنةً *** يوماً إلى أجلٍ بالحمل مقترب

حتى اذا وضعته انهدّ من فزع *** ركن الضلال ونادى الشرك بالحرب

وانشق أيوان كسرى وانطفت حذراً *** نيرانهم وأقرّ الكفر بالغلب

تساقطت أنجم الأملاك مؤذنةً *** بالرجم فاحترق الأصنام باللّهب

حتى اذا حاز سن الأربعين دعا *** ربي به في لسان الوحي بالكتب

فقال : لبيك من داعٍ وارسله *** الى البرية من عجم ومن عرب

فأظهر المعجزات الواضحات لهم *** بالبينات ولم يحذر ولم يهب

اراهم الآية الكبرى فوا عجبا *** ما بالهم خالفوا من أعجب العجب

رامت بنو عمّه تبييته سحراً *** فعاذ منهم رسول اللّه بالهرب

وبات يفديه خير الخلق حيدرة *** على الفراش وفي يمناه ذو شطب

فادبروا إذ رأوا غير الذي طلبوا *** وأوغلوا لرسول اللّه في الطلب

ص: 301

فرابهم عنكب في الغار إذ جعلت *** تسدي وتلحم في أبرادها القشب

حتى إذا ردهم عنه الإله مضى *** ذاك النجيب على المهرية النجب

فحلّ دار رجال بايعوه على *** اعدائه فدماء القوم في صبب

في كل يوم لمولى الخلق واقعة *** منه على عابدي الاوثان والصلب

يمشي الى حربهم واللّه ناصره *** مشي العفرناة في غاب القنا السلب

في فتية كالاسود المخدرات لها *** براثن من رماح الخط والقضب

عافوا المعاقل للبيض الحسان فما *** معاقل القوم غير البيض واليلب

فالحق في فرح الدين في مرحٍ *** والشرك في ترح والكفر في نصب

حتى استراح نبي اللّه قاضيةً *** بهم وراحتهم في ذلك التعب

يا من به انبياء اللّه قد ختموا *** فليس من بعده في العالمين نبي

إن كنت في درجات الوحي خاتمهم *** فأنت أولهم في أول الرتب

قد بشرت بك رسل اللّه في اممٍ *** خلت فما كنت فيما بينهم بغبي

شهدت انك أحسنت البلاغ فما *** تكون في باطل يوماً بمنجذب

حتى دعاك إلهي فاستجبت له *** حبّاً ومن يدعه المحبوب يستجب

وقد نصبت لهم في دينهم خلفاً *** وكان بعدك فيهم خير منتصب

لكنّهم خالفوه وابتغوا بدلاً *** تخيروه وليس النبع كالغرب

ويقول فيها :

يا راكب الهوجل المحبوك تحمله *** إلى زيارة خير العجم والعرب

إذا قضيت فروض الحج مكتملا *** ونلت إدراك ما في النفس من إرب

وزرت قبر رسول اللّه سيدنا *** وسيد الخلق من ناءٍ ومقترب

قف موقفي ثم سلم لي عليه معاً *** حتى كأني ذاك اليوم لم أغب

ص: 302

واثن السلام إلى أهل البقيع فلي *** بها أحبة صبٍّ دائم الوصب

وبثّهم صبوتي طول الزمان لهم *** وقل بدمع على الخدين منسكب

يا قدوة الخلق في علم وفي عمل *** واطهر الخلق في أصل وفي نسب

وصلت حبل رجائي في حبائلكم *** كما تعلق في اسبابكم سببي

دنوت في الدين منكم والوداد فلو *** لا دان لم يدن من احسابكم حسبي

مديحكم مكسبي والدين مكتسبي *** ما عشت والظن في معروفكم نشبي

فإن عدتني الليالي عن زيارتكم *** فان قلبي عنكم غير منقلب

قد سيط لحمي وعظمي في محبتكم *** وحبكم قد جرى في المخ والعصب

هجري وبغضي لم عاداكم ولكم *** صدقي وحبي وفي مدحي لكم طربي

فتارة انظم الاشعار ممتدحاً *** وتارة أنثر الأقوال في الخطب

حتى جعلت مقال الصد من شبه *** إذ صغت فيكم قريض القول من ذهب

أعملت في مدحكم فكري فعلمني *** نظم المديح وأوصاني بذاك أبي

فهل انال مفازاً في شفاعتكم *** مما احتقبت له في سائر الحقب

وللشيخ مغامس بن داغر.

أتطلب دنيا بعد شيب قذالِ *** وتذكر أياماً مضت وليالِ

أما كان في شيب القذال هداية *** فيهديك نور الشيب بعد ضلال

أتامل في دار الغرور إقامة *** لأنت حريص في طلاب محال

تمسكّت منها بالاماني كمثل من *** تمسك من نوم بطيف خيال

فياسؤتا ان حال حيني وهذه *** سبيلي ولم أحذر قبيح فعالي

وكان جديراً أن يموت صبابة *** فتى حاله في المذنبين كحالي

ص: 303

أتخدعني الدنيا وقد شاب مفرقي *** وأصبحت معقولاً لها بعقالي

ولي اسوة فيها بآل محمد *** بني خير مبعوث وأكرم آل

تقسّمهم ريب المنون فاصبحوا *** عباديد اشتاتا بكل مجال

وهي طويلة مشهورة ، يقول في ختامها.

بني المصطفى يا صفوة اللّه أن لي *** فؤداً من التبريح ليس بخالي

حنيني اليكم لا يقاس بمثله *** حنين حمام أو حنين فصال

وهل أملك السلوان في جنب سادة *** اليهم إذا حلّ الحساب مآلي

وان فاتني في عرصة الطف نصركم *** فاحرى به أن لا يفوت مقالي

ودونكم مني عروساً زففتها *** اليكم كما زفت عروس حجال

وما كملت إلا لأن كلامها *** حوى من معانيكم صفات كمال

ولابن داغر من قصيدة في الرثاء.

قطع الزمان عرى هواي وكلما *** قطع الزمان فماله من واصل

لا غرو من جدّ الزمان وهزله *** عز النصير على الزمان الهازل

اين الالى كانوا ونحن بقربهم *** في طيبات مشارب ومآكل

دارت رحاه عليهم فتمزقوا *** فالقوم تحت صفائح وجنادل

لا يخدعنك ما ترى من صفوة *** ان الخديعة مصرع للجاهل

ويقول في الرثاء منها :

في الرزية بالنبي وآله *** جلّت فما رزء لها بمماثل

ص: 304

لم تفعل الامم الأوائل مثلها *** هيهات ما أحد لذاك بفاعل

فاحبس دموعك عن تذكر دمنة *** درست معالمها بشعبي ( بابل )

واسمح بها في رزء آل محمد *** فعساك تحظى بالنعيم الآجل

ويختمها بقوله :

يا آل بيت محمد يا سادة *** سادوا الورى بفواضل وفضائل

انتم رعاة المسلمين فمن يزغ *** عنكم فليس له الاله بقابل

واليكم مني قصيدة شاعر *** لهج بمدحكم اليكم مائل

منظومة جاءت تزفّ اليكم *** بكمالها من لجّ بحر الكامل

قول ابن داغر المحب مغامس *** والقول برهان لعقل القائل

فتقبلوه وعجلوا بكرامتي *** فالنفس مولعة بحب العاجل

ص: 305

محمد بن حماد الحلي

أواخر القرن التاسع

قال من قصيدة :

لغير مصاب السبط دمعك ضائعُ *** ولا أنت ذا سلو عن الحزن جازعُ

فكل مصاب دوزن رزء ابن فاطم *** حقير ورزء السبط واللّه فازع

فدعني عذولي والبكاء فانني *** أراك خليّاً لم ترعك الفواجع

لأيّ مصاب أم لأيّ رزية *** تصان لها دون الحسين المدامع

لحى اللّه طرفاً لم تسح دموعه *** بقان فما دمع على السبط ضايع

فأين ادعاك الود والعهد والولا *** وقولك إني تابع ومتابع

يبيتُ حسين ساهر الطرف خائف *** وطرفك ريّان من النوم هاجع

ص: 306

محمد بن حماد

الشيخ الجليل الأديب ابو الحسن محمد المعروف ب- ( ابن حماد ) بالتشديد وزان شدّاد ، من أفاضل الفيحاء ومشاهير شعرائها وقد تقدّمت الاشارة لذكره في ترجمة معاصره الخلعي وقد ساجله ووزان كثيراً من قصائده في اهل البيت ولكنه انحط عنه ولم يبلغ شأوه ومداه وقصر عنه في مديحه ورثاه ، فكان الخلعي أطول منه نَفَساً وباعاً وأرقّ اسلوباً وإبداعاً ولو جمع شعره لكان لكثرته ديواناً مستقلاً. وتوفي في أواخر القرن التاسع وقد عمّر طويلاً ودفن قريباً من قبر الخلعي وقبره مشهور ذكره العلامة القزويني أيضا في فلك النجاة انتهى ما ذكره الخطيب اليعقوبي في البابليات. وقال الاستاذ علي الخاقاني في شعراء الحلة ج 4 ص 386 : هو ابو الحسن محمد بن حماد الحلي المعروف ب- ابن حماد. شاعر أديب فاضل ذكره صاحب الحصون المنيعة ج 9 ص 236 فقال :

كان فاضلاً أديباً معاصراً للخليعي مطارحاً له ، مبارياً اياه ، ينحط عنه ، ونظمه أغلبه في اهل البيت علیهم السلام ، وله ما يقارب من مائتي قصيدة في المديح والرثاء للحسين علیه السلام توفي في الحلة حدود 900 ه- ودفن فيها وقبره يزار.

قال : وقد مرّ أن ذكرنا ان قبره الى جنب قبر الشاعر المعاصر له جمال الدين الخليعي.

اقول ان جماعة من الادباء والعلماء يعرف كل منهم بابن حماد.

1 - ابو الحسن علي بن حماد الشاعر البصري من أكابر علماء الشيعة ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه وقد ترجمناه وذكرنا طائفة كبيرة

ص: 307

من شعره في الجزء الثاني من ادب الطف ص 167 وترجمه صاحب الحصون المنيعة ج 2 ص 560 وفي مناقب ابن شهر اشوب كثير من شعره.

2 - الشيخ كمال الدين بن حماد الواسطي أحد مشاهير العلماء في اواخر القرن السابع الهجري.

3 - علي بن حماد البصري الشاعر المشهور من المتأخرين ، قال الشيخ القمي في الكنى. وقد أورد القاضي نو اللّه قصيدتين : بائية وتائية لعلي بن حماد في مدح امير المؤمنين علیه السلام ولم يبيّن من أيهما كانتا فلنتبرّك بذكر بعض قصيدته التائية : وأولها : بقاع في البقيع مقدساتُ (1).

ص: 308


1- بقاعٌ في البقيع مقدساتُ *** وأكنافٌ بطفٍّ طيبات وفي كوفان آيات عظامٌ *** تضمّنها العُرى المتوثّقات وفي غربيّ بغداد وطوسٍ *** وسامرا نجومٌ زاهرات مشاهد تشهد البركات فيها *** وفيها الباقيات الصالحات ظواهرها قبور دارسات *** بواطنها بدورٌ لامعات جبال العلم فيها راسياتٌ *** بحار الجود فيها زاخرات معارج تعرج الاملاك فيها *** وهنّ بكل أمر هابطات أناس تقبل الحسنات منا *** بحبّهم وتُمحى السيئات ولا تتقبّل الصلوات إلا *** بحبهم ولا نزكو الزكاة فإن المرتضى الهادي علياً *** ليقصر عن مناقبه الصفات وزير محمد حياً وميتاً *** شواهده بذلك واضحات أخوه كاشف الكربات عنه *** وقد همّت اليه الداهيات ترى أسيافه يضحكن ضحكا *** بها هام الفوارس باكيات صوارمه يزوّجها نفوساً *** وللأبدان هنّ مطلقات له كفان واحدة حياة *** اذا جاءت وواحدة ممات

4 - محمد بن حماد الحلي ، وفي الحلة بيت يعرف اهله بآل حماد يزعمون أنهم من سلالة المترجم وذريته.

وقال ابن حماد :

ويك يا عين سحِّ دمعاً سكوبا *** ويك يا قلب كن حزيناً كثيبا

ساعداني سعدتما فعسى أشف- *** -ي غليلي من لوعة وكروبا

إن يوم الطفوف لم يبق لي من *** لذّة العيش والرقاد نصيبا

يوم سارت إلى الحسين بنو حرب *** بجيش فنازلوه الحروبا

وحموه من الفرات فما ذا *** ق سوى الموت دونه مشروبا

في رجال باعوا النفوس على اللّه *** فنالوا ببيعها المرغوبا

لست أنساه حين أيقن بالمو *** ت دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال ألحقو بأهليكم إذ *** ليس غيري أنا لهم مطلوبا

شكر اللّه سعيكم إذ نصحتم *** ثم أحسنتم لي المصحوبا

فأجابوه ما وفيناك إن نحن *** تركناك بالطفوف غريبا

أي عذر لنا إذاً يوم نلقى اللّه *** والطهر جدّك المندوبا

حاش لله بل نواسيك أو يأ *** خذ كلٌ من المنون نصيبا

فبكى ثم قال جوزيتم الخير *** فما كان سعيكم أن يخيبا

ثم قال اجمعوا الرحال وشبوا الن- *** -ار فيها حتى تصير لهيبا

وغداً للقتال في يوم عاشورا *** فأبدى طعناً وضرباً مصيبا

فكأني بصحبه حوله صر *** عى لدى كربلا شباباً وشيبا

فكأني أراه فرداً وحيداً *** ظامياً بينهم يلاقي الكروبا

وكأني أراه إذ خرّ مطعو *** ناً على حُرّ وجهه مكبوبا

ص: 309

وكأني بمهره قاصد الفس- *** -طاط يُبدي تحمحما ونحيبا

وبرزن النساء حتى إذا أب- *** -صرن ظهر الجواد منه سليبا

صحن بالويل والعويل ويندب- *** -ن حيارى وقد شققن الجيوبا

وسبلن الدموع لما تأمّلن حس- *** -ينا من الثياب سليبا

فكأني بزينب إذ رأته *** عارياً دامي الجبين تريبا

أقبلت نحو أختها ثم قالت *** ودّعيه وداع مَن لا يؤوبا

أخت يا أخت كيف صبرك عنه *** وهو كان المؤمل المحبوبا

ثم خرّت عليه تلثم خدّيه *** وقد صار دمعها مسكوبا

وتناديه يا أخي لو رأت عين- *** -ناك حالي رأيت أمراً عجيبا

يا أخي لا حييت بعدك هيهات *** حياتي من بعدكم لن تطيبا

كنتَ حصني من الزمان اذا ما *** خفتُ خطبا دفعتَ عني الخطوبا

ضاقت الأرض بي وكانت علينا *** بك يا سيدي فناها رحيبا

( يا هلالا لما استتم كمالا *** غاله خسفه فاهوى غروبا )

( ما توهمت يا شقيق فؤادي *** كان هذا مقدّراً مكتوبا )

عُد يتاماك إن أردت مغيبا *** يا أخي بالرجوع وعداً قريبا

( يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها *** فقد كاد قلبها أن يذوبا )

ما أذلّ اليتيم حين ينادي *** بأبيه ولا يراه مجيبا

وقال محمد بن حماد الحلي في أهل البيت في قصيدة مطلعها :

أهجرت يا ذات الجمال دلالا *** وجعلت جسمي بالصدود خيالا

وسقيتني كأس الفراق مريرة *** ومنعت عذب رضابك السلسالا

قال السيد الأمين تحت عنوان : ابن حماد.

ص: 310

يطلق على ابن حماد الشاعر ، واسمه علي بن حماد بن عبيد بن حماد البصري العبدي أو العدوي وربما يطلق على علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي ، وعلى الحسين بن علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي ، ويوجد في بعض القيود نسبة بعض الأشعار الى محمد بن حماد ولعله ممن يطلق عليه ابن حماد ايضا. انتهى عن الاعيان ج 6 ص 64.

وقال في ج 41 ص 225 أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد أو ابن عبيد اللّه ابن حماد العدوي أو العبدي الاخباري البصري شاعر آل محمد علیهم السلام ، توفي حدود 400 بالبصرة كما في الطليعة. وفي رحال أبي علي رأيت بخط بعض الأذكياء هكذا : علي بن حماد الشاعر المعروف : بابن حماد البصري كان من أكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه وأشعاره في شان اهل البيت وقصائده في مدائح الائمة علیهم السلام ومراثيهم ولا سيما في مراثي الحسين علیه السلام مشهورة ، وفي كتب الأصحاب وخاصة في مناقب ابن شهر اشوب ، وفي كتاب المنتخب في المراثي والخطب للشيخ فخر الدين الرماحي المعاصر مذكورة ، انتهى.

وفي رياض العلماء : الشيخ ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد اللّه العبدي ( العدوي ) الاخباري البصري الشاعر المعروف بابن حماد الشاعر كان من قدماء الشعراء والعلماء وهو مذكور في كتب الرجال ، انتهى.

وقال ايضا : يظهر من كتاب المجدي في النسب للسيد أبي الحسن علي بن محمد الصوفي الفاضل المعاصر للسيد المرتضى انه يروى عن ابن حماد الشاعر هذا ( يعني المترجم ) بواسطة واحدة بعض أشعارة في الامامة ، فعلى هذا فابن حماد هذا في درجة الصدوق ، انتهى.

ص: 311

اقول وذكر السيد أقوال العلماء فيه ومشائخه وتلاميذه وأشعاره ومنها القصيدتان الآتيتان :

ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد أو ابن عبيد اللّه بن حماد العبدي البصري :

ما ضرّ عهد الصبا لو أنه عادا *** يوماً فزوّدني من طيبه زادا

سقيا ورَعيا لأيام لنا سلفت *** كأنما كنّ اعراساً وأعيادا

ايام تنعم لي نعم وتجمل بي *** جمل وأسعد من سعداي اسعادا

ظباء انس لقيد الاسد هل نظرت *** عيناك ظبيا لصيد الاسد صيّادا

ان لم تكنّ ظباء في براقعها *** فقد حكتهن ألحاظاً وأجيادا

من كل سحّارة العينين لو لقيت *** سحراً لهاروت أو ما روت لانقادا

تميد بالارض عشقاً كلما خطرت *** تهتزّ غصناً من الريحان ميّادا

بانت بروحي غداة البين عن جسدي *** والبين يتلف أرواحاً وأجسادا

والدهر ليس بموف عهد صاحبه *** هيهات بل يجعل الميعاد ايعادا

أفنى القرون ويفنيهم معاّ فاذا *** أباد كل الورى من بعدهم بادا

أفنى التبايع والاقيال من يمنٍ *** طراً واتبعهم عادا وشدادا

وليس يبقى سوى الحي الذي جعل *** الموت الوحيّ لكل الخلق مرصادا

سبحانه واصطفى من خلقه حججاً *** مطهرين من الادناس أمجادا

مثل النجوم التي زان السماء بها *** كذاك ميزهم للارض أوتادا

أعطاهم اللّه ما لم يعطه أحداً *** فاصبحوا في ظلال العزّ أوحادا

محمد وعليٌ ، خير مبتعثٍ *** وخير هاد لمن قد رام ارشادا

والصادقون أولو الامر الذين لهم *** حكم الخليقة اصدارا وايرادا

آل الرسول وأولاد البتول هُم *** خيرُ البرية آباء وأولادا

ص: 312

أعلى الخليفة همّاتٍ وأطهر أُمّاتٍ *** واكرم آباءً وأجدادا

سرج الظلام اذا ما الليل جهنم *** قاموا قياما لوجه اللّه عبّادا

لما تعرضت الدنيا لهم أنفوا *** منها فالفتهمُ للعيش زهادا

جادوا وسادوا ففي الامثال ذكرهم *** اما يقال : اذا جاد امرء سادا

ان كفكفت بالندى يوماً اكفّهم *** فلا تبالى اكفّ الغيثُ أم جادا

ان كورموا فبحور الجود تحسبهم *** أو حوكموا خلتهم في الحكم أطوادا

كل الانام له ندّ يُقاسُ به *** ولن ترى لهم في الناس أندادا

اللّه والى الذي والاهم فاذا *** عاداهم أحد فاللّه قد عادى

في السلم تحسبهم أقمار داجيةٍ *** حسنا ، وتحسبهم في الحرب آسادا

اما عليٌ فنور اللّه جلّ فهل *** يسطيع خلق لنور اللّه اخمادا

وآخا النبي وواساه بمهجته *** وما ونى عنه اسعافا واسعادا

هو الجواد أبو الاجواد وابنهم *** وهكذا تلد الاجواد أجوادا

ما قال لاقط للعاني نداه ولا *** لكل من جاءه للعلم مرتادا

يجدي ويسدي ويغني كف سائله *** يداً فان عاد في استيجاده زادا

بعد ميعاده بخلا فلست ترى *** دون العطاء له الجود ميعادا

يلتذّ بالجود حتى انّ سائله *** لو سامه نفسه جوداً بها جادا

يعد ميعاده بخلا فلست ترى *** دون العطاء له بالجود ميعادا

يلتذّ بالجود حتى انّ سائله *** لو سامه نفسه جوداً بها جادا

مَن كان بادر في بدر سواه وما *** ان حاد في يوم احدٍ كالذي حادا

مَن قدّ عمرو بن ودّ في النزال ومَن *** اضحى لعمرو بن عبد القيل مقتادا

ان جرّد السيف في الهيجاء عوّضه *** من الغمود رؤوس الصيد اغمادا

سيف أقام عمود الدين قائمه *** ضربا وقوّم ما قد كان ميّادا

ترى المنايا له يوم الوغى خدماً *** بعون ربك الاملاك أجنادا

واليته مخلصاً لا أبتغي بدلا *** منه ولست ابالي كيد مَن كادا

يا سيدي يا امير المؤمنين ومَن *** بحبه طبت اعراقا وميلادا

ص: 313

يا خير مَن قام يوما فوق منبره *** وخير مَن مسكت كفّاه أعوادا

مَن كان اكثر اهل الارض منقبة *** يكون اكثر اهل الارض حسّادا

كسرت أصنامهم بالأمس فاعتقدت *** منها لك الدهر اضغاناً واحقادا

فصار حبّك ايماناً وتبصرة *** وصار بغضك كفرانا والحادا

وطاف لي بفناء الطف طيف اسى *** خلّى فؤادي لطول الحزن معتادا

ذكرت فيه الحسين السبط حين ثوى *** فرداً وحيداً حوى للنوح افرادا

في عصبة بذلت لله أنفسها *** فاحمدت بذلها لله احمادا

يذاد عن ريّه حتى قضى عطشا *** فلا سقى اللّه رياً مَن له ذادا

لهفي على غرباء بالطفوف ثووا *** لا يعرفون سوى العقبان ورّادا

كأنني ببنات المصطفى ذللاً *** في السبي يندبنه نوحا وتعدادا

انا ابن حمّادٍ العبدي أحسن لي *** ربي فلا زلت للاحسان حمّادا

أمدّني منه بالنعمى فاشكره *** شكراً لنعمائه عندي وامدادا

وتلك عادتُه عندي مجددة *** وكان سبحانه بالفضل عوادا

فهاكها كعقود الدر قد قرنت *** الى يواقيتها توماً وافرادا

لو جسّم الشعر جسماً كان يعبدها *** حتى يراه لها الراؤون سجادا

وازنت ما قال اسمعيل مبتدئاً *** ( طاف الخيال علينا منك عبادا )

والشعر كالفلس والدينار تصرفه *** حتى يميزه مَن كان نقادا

وقال أيضا :

النوم بعدكم عليّ حرامُ *** مَن فارق الأحباب كيف ينامُ

واللّه ما اخترت الفراق وانما *** حكمت عليّ بذلك الأيام

لو أنها استامت عليّ بقربكم *** اعطيتها فوق الذي تستام

وحياتكم قسماً أبر بحلفة *** ولربما تتأثّم الأقسام

ص: 314

اشتاقكم حتى اذا نهض الهوى *** بي نحوكم قعدت بي الآلام

لم أنسكم فاقول اني ذاكر *** نسيان ذكركم عليّ حرام

واللّه لو اني شرحت ودادكم *** فَنيَ المداد وكلّت الاقلام

اني اميل لوصلكم وحديثكم *** ويزيدني في الذكر منه هيام

واذا بدا إلفان ألفتني بكم *** حسر كما يتحسّر الايتام

وتألف الأرواح حظ لم يكن *** ليتمّ أو تتألف الأجسام

لله ايام اذا مثلتها *** فكأنها من طيبها احلام

والدهر ليس بسالم من ريبه *** أحدٌ وليس لنفسه استسلام

أخنى على آل النبي بصرفه *** فتحكّمت فيهم له أحكام

فعراصهم بعد دراسة والهدى *** دُرُسٌ تجاوب في ثراها الهام

وهُم عماد الدين والدنيا وهم *** للحق ركن ثابت وقوام

منهم أمير النحل والمولى الذي *** هو للشريعة معقل ونظام

وهو الامام لكل من وطأ الحصا *** بعد النبي وما عليه امام

يغني العفاة عن السؤال تكرّما *** فينيلهم أضعاف ما قد راموا

أمواله للسائلين غنيمة *** وله بأخذهم لها استغنام

واذا تحزّم للبراز تقطعت *** ايدي الحروب فما يشدّ حزام

واذا انتضى اسيافه في مأزق *** فغمودهن من الكماة الهام

واذا رنا نحو الشجاع بطرفه *** فلحاظه في لُبّتّيهِ سهام

واذا الحروب توقّدت نيرانها *** ولها بآفاق السماء ظلام

فالبيض شمس والأسنة أنجم *** والنقع ليل فوقهن ركام

حتى اذا ما قيل حيدرة أتى *** خفتوا فلم يسمع هناك كلام

لا يملكون تزيّلا عنه كأن القوم *** لم تخلق لها اقدام

وكأن هيبته قيود عداته *** لا خلف ينجيهم ولا قدّام

ص: 315

رجل يحبّ اللّه وهو يحبه *** فعليه منه تحية وسلام

كانت هدايا اللّه تأتيه بها *** منه ملائكة عليه كرام

تفنى الصفات وليس يدرك فضله *** وتضلّ دون بلوغه الأوهام

واليته وبرئت من أعدائه *** أفهل عليّ بما فعلت ملام

واليكها تجلى القلوب بحسنها *** وتبلّج الاذهان والافهام

فيها ابن حماد يعارض اختها *** ( كم قد طوتك الكوم والاكام )

وفي يتيمة الدهر روى الابيات التالية وانها لابن حماد البصري.

ان كان لا بد من أهل ومن وطن *** فحيث آمنُ من ألقى ويأمننى

يا ليتني منكر مَن كنت اعرفه *** فلست اخشى إذاً من ليس يعرفني

لا اشتكي زمني هذا فاظلمه *** وانما اشتكي من اهل ذا الزمن

قد كان لي كنز صبر فافتقرت الى *** إنفاقه في مزاراتي لهم وَفَني

وقد سمعت أفانين الحديث فهل *** سمعت قط بحرٍّ غير ممتحن

ص: 316

عبد اللّه بن داود الدرمكي

حدود 900

اسهر طرفي وأنحل البدنا *** واجتاح صبري وزادني حزنا

ذكرى غريب الطفوف يوم سرى *** بالأهل والمال يعنف البدنا

ويقول فيها :

يا آل طه وهل اتى وسبا *** ومَن الى قصدهم توجهنا

عبدكم الدرمكيّ باعكم *** مهجته إذ نقدتم الثمنا

في قولكم لا يخاف من مسكت *** كفاه في حشره ولايتنا

وقال ايضا :

قلب المتيم بالاحزان موغور *** وطرفه عن لذيذ النوم محجور

ودمعه فوق صحن الخد منحدرٌ *** وجسمه بقيود السقم مقهور

ومنزل الصبر فيه مقفر خرب *** وعمره بالبكاء والنوح معمور

قد عاهد اللّه ايمانا مغلظة *** لا يترك الحزن حتى ينفخ الصور

* * *

ص: 317

ويقول فيها :

لله درهم ما كان اصبرهم *** كأنهم في الوغى اسد مغاوير

من كل محتزم بالصبر مدرع *** بالفضل متشح بالخير مذكور

كانوا كاصحاب بدر في الوغى لهم *** شأن ومجد وتعظيم وتوقير

ص: 318

عبد اللّه بن داود الدرمكي

توفي في حدود سنة 900 في عمان ودرمك قرية منها.

كان فاضلاً اديباً شاعراً فمن شعره في رثاء الحسين (عليه السلام) قوله :

أسهر طرفي وأنحل البدنا *** واجتاح صبري وزادني حزنا

ذكرى غريب الطفوف يوم سرى *** بالاهل والمال يعنف البدنا

ص: 319

الشيخ ابراهيم الكفعمي

حدود 900

سألتكم باللّه هل تدفنوني

اذا متّ في قبر بأرض عقير (1)

فاني به جار الشهيد بكربلا *** سليل رسول اللّه خير مجير

فاني به في حفرتي غير خائف *** بلا مرية ، من منكر ونكير

أمنتُ به في موقفي وقيامتي *** اذا الناس خافوا من لظى وسعير

فإني رأيتُ العرب تحمي نزيلها *** وتمنعه من أن يصاب بضير

فكيف بسبط المصطفى أن يردّ مَن *** بحائره ثاوٍ بغير نصير

وعار على حامي الحمى وفي الحمى *** اذا ضلّ في البيدا عقال بعير

وللشيخ ابراهيم الكفعمي ،

لما قدم الى كربلاء ووقف أمام الحائر الحسيني وهزّه الشوق ارتجل قصيدة

ص: 320


1- ذكر المترجم له في بعض حواشيه على المصباح انه حفر له أزج في كربلاء لدفنه فيه بأرض تسمى ( عقيراً ) فقال في ذلك وهو وصية منه الى أهله واخوانه بدفنه فيه ، انتهى عن أعيان الشيعة ج 5 ص 350.

تربو على مائة وثلاثين بيتاً منها :

أتيتُ الامام الحسين الشهيد *** بقلب حزين ودمع غزير

اتيت ضريحاً شريفاً به *** يعود الضرير كمثل البصير

أتيتُ إمام الهدى سيدي *** بشوق هو الكهف للمستجير

ص: 321

تقي الدين الكفعمي المتوفي سنة 900 قال صاحب كتات ( أعلام العرب )

تقي الدين ابراهيم بن زين الدين علي بن بدر الدين حسن بن محمد بن صالح ابن اسماعيل.. الحارثي الهمداني (1) ، الكفعمي اللويزي الجبعي (2) ، العلامة الفقيه الحافظ الزاهد الأديب.

ولد بقريه كفر عيما أوائل القرن التاسع ونشأ فيها ، وروى العلم اجازة عن جماعة منهم والده زين الدين علي والسيد الحسين بن مساعدالحسيني الحائري والسيد علي بن عبد الحسين بن سلطان الموسوي والشيخ زين الدين النباطي العاملي ، وكان تقي الدين محدثاً ثقة عالماً فقيهاً زاهداً مشهوراً بالاصلاح واسع الاطلاع متضلعاً في اللغة والأدب ، شاعراً بارعاً ، قال المقري : « ما رأيت مثله في سعة الحفظ والجمع » ، ووجد بخط المجلسي انه من مشاهير الفضلاء والمحدثين والصلحاء المتورعين. وكانت له مكتبة كبيرة ضمت كثيراً من الكتب الغريبة المعتبرة. ويقال انه قدم النجف وطالع في كتب الخزانة الغروية ، ومن تلك الكتب ألف تصانيفه الكثيرة في أنواع العلوم وغرائب الأخبار ، وكان حسن الحظ وقد وجد بخطه كتاب ( الدروس ) للشهيد فرغ منه سنة 850 ه.

سكن تقي الدين كربلاء مدة من الزمن وأوصى أن يدفن فيها في مكان أعده

ص: 322


1- نسبة الى الحارث الهمداني صاحب اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام .
2- لويزه وجبع من قرى لبنان كذالك كفعم.

لنفسه اسمه ( عقير ) ويظهر ان السيد الأمين يرى انه دفن في جبل عامل وذكر انه سكن كربلاء مدة وعمل لنفسه أزجاً بها بأرض تسمى عقيراً وأوصى أن يدفن فيه ثم عاد الى جبل عامل وتوفي فيها في قريته وانه عثر على قبره بعد زمن بعيد بما كتب على صخرة فوق قبره فعمر وصار مزورا يتبرك به.

ومما يؤسف له ان تقي الدين وهو من الاعلام المشاهير لم يضبط تاريخ ولادته ولاتاريخ وفاته ، والمظنون انه توفي سنة 900 ه- أو حوالي هذا التأريخ.

وله تصانيف كثيرة ومهمة ، عني بها الناس كثيراً ، منها : الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة - صحيفة الامام السجاد. القصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ، نهاية الأرب في أمثال العرب ، قراضة النضير في التفسير فروق اللغة ، المنتقى في العوذ والرقى ، الحديقة الناضرة ، نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع في شرح بعض قصائد العرب. النحلة ، فرج الكرب وفرح القلب ، الرسالة الواضحة في شرح سورة الفاتحة ، الكواكب الدرية ، زهر الربيع في شواهد البديع ، حياة الأرواح في اللطائف والأخبار والآثار فرغ منه سنة 843 ، أرجوزة في مقتل الحسين وأصحابه ، مقاليد الكنوز في اقفال اللغوز ، رسالة في وفيات العلماء ، ملحقات الدروع الواقية ، اللفظ الوجيز في قراءة الكتاب العزيز ، حديقة أنوار الجنان الفاخرة وحدقة أنوار الجنان الناضرة ، مشكاة الانوار ، التلخيص في مسائل العويص. وغيرها.. وله فصول كثيرة مسجعة ذكر بعضها المقري في نفح الطيب ، والأمين في الأعيان. وله شعر كثير جداً.

ومن مؤلفاته عدا ما ذكرناه :

1 - البلد الامين والدرع الحصين ، وهو في السنن والآداب والادعية

ص: 323

المأثورة وغيرها ، عنيت بنشره مكتبة الصدوق في طهران للمرة الثانية بالاوفست سنة 1382 ه- ص 613 حجر ، بالقطع الكبير ، وفي صدره مقدمة قيمة مع شجرة نسب الكفعمي.

2 - جنة الامان الواقية وجنة الايمان الباقية ، المعروف ب- « مصباح الكفعمي » وهو كتاب ضخم كبير طبع مرتين في بمبئ ، وطبع في طهران بالمط الفخرية سنة 1320 على الحجر بقطع كبير ص 774 وهو يضم طوائف من المعارف ، والاخبار وما يؤثر من الاعمال ، وفي ص 466 - 472 أرجوزة في مستحبات الصوم ، وفي ص 701 - 711 قصيدة رائية رائعة للمؤلف في مدح الامام علي علیه السلام يذكر فيها مواقفه ومناقبه ومبايعته يوم غدير خم ، وفي الكتاب أنواع اخرى من شعره ، ونماذج من بيانه وأساليبه في البديع ، ومن هذا الكتاب نسخ مخطوطة بخطوط رائعة تدل على العناية به ومنها نسخة كتبت سنة 1057 بخط الحاج مؤمن بن محمد المشهدي مجدولة بخطين : ذهبي عريض وآخر أزرق ، والصفحة الاولى والثانية في منتهى الروعة والجمال مزخرفة بالذهب واللون الازرق ، وهي في ( مكتبة آية اللّه الحكيم ) في النجف.

3 - محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة ، رسالة طبعت في العجم وترجمت إلى الفارسية ، ونشرت ضمن كتابه ( البلد الامين ).

4 - مجموع الغرائب وموضوع الرغائب ، بمنزلة الكشكول منه نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية وهي من وقف ابن خاتون العاملي وقفها سنة 1067 ( الاعيان 5 / 343 ).

5 - صفط الصفات في شرح دعاء السمات ، ذكر في حواشي المصباح فرغ

ص: 324

منه في شعبان 875 ه- ومنه نسخة في طهران في مكتبة الشيخ ضياء الدين النوري ، ونسخة في مكتبة ( آية اللّه الحكيم ) بخط السماوي سنة 1355.

6 - مجموعة كبيرة كثيرة الفوائد ، ضمت مؤلفات عديدة ، قال صاحب الرياض : رأيتها بخطه في بلدة ايروان من بلاد آذربيجان وكان الفراغ من كتابه بعضها سنة 848 وبعضها 849 وبعضها سنة 852 فيها : كتاب الغريبين للهروي. ومغرب اللغة للمطرزي ، وغريب القرآن لمحمد بن عزيز السجستاني وجوامع الجامع للطبرسي ، وتفسير علي بن ابراهيم وعلل الشرائع للصدوق ، وقواعد الشهيد ، والمجازات النبوية للرضي ، والحدود والحقائق في تفسير الالفاظ المتداولة في الشرع وتعريفها ، ونزهة الالباء في طبقات الادباء للانباري ، ولسان الحاضر والنديم.. وكل هذه قد اختصرها ووجدت له!

قال : وقد عرف تقي الدين بنفسه في آخر ( المصباح ) بقوله : الكفعمي مولداً اللويزي محتداً ، الجبعي ابا الحارثي نسباً ، التقي لقبا ، الامامي مذهبا.

وقال الشيخ الاميني :

الشيخ تقي الدين ابراهيم ابن الشيخ زين الدين علي ابن الشيخ بدر الدين حسن ابن الشيخ محمد ابن الشيخ صالح ابن الشيخ اسماعيل الحارثي الهمداني العاملي الكفعمي اللويزي الجبعي.

أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والادب تشهد له تآليفه القيمة منها : المصباح الّفه سنة 895 - ثم البلد الامين وشرح الصحيفة إلى 49 مؤلفاً. توفي بكربلاء المقدسة وكان يوصي أهله بدفنه في الحائر الحسيني.

ص: 325

قال السيد الامين في الاعيان ج 5 ص 351 : وله قصيدة في مدح أمير المؤمنين علیه السلام ووصف يوم الغدير تبلغ مائة وتسعين بيتاً ويظهر من آخرها انه عملها في الحائر الحسيني على مشرفه السلام وأوردها في المصباح أيضاً ، أولها.

هينئاً هينئاً ليوم الغدير *** ويوم الحبور ويوم السرور

ويوم الكمال لدين الاله *** وإتمام نعمة رب غفور

ويوم العقود ويوم الشهود *** ويوم المدود لصنو البشير

ويوم الفلاح ويوم النجاح *** ويوم الصلاح لكل الأمور

ويوم الامارة للمرتضى *** ابي الحسنين الامام الامير

واين الضباب واين السحاب *** وليس الكواكب مثل البدور

علي الوصي وصي النبي *** وغوث الولي وحتف الكفور

وغيث المحول وزوج البتول *** وصنو الرسول السراج المنير

أمان البلاد وساقي العباد *** بيوم المعاد بعذب نمير

همام الصفوف ومقرى الضيوف *** وعند الزحوف كليث هصور

ومن قد هوى النجم في داره *** ومَن قاتل الجن في قعر بير

وسل عنه بدراً واحداً ترى *** له سطوات شجاع جسور

وسل عنه عمراً وسل مرحباً *** وفي يوم صفين ليل الهرير

وكم نصر الدين في معرك *** بسيف صقيل وعزم مرير

وستاً وعشرين حربا رأى *** مع الهاشمى البشير النذير

أمير السرايا بأمر النبي *** وليس عليه بها من أمير

وردّت له الشمس في بابل *** واثر بالقرص قبل الفطور

ترى الف عبد له معتقاً *** ويختار في القوت قرص الشعير

ص: 326

وفي مدحه نزلت هل أتى *** وفي ابنيه والام ذات الطهور

جزاهم بما صبروا جنة *** وملكاً كبيراً ولبس الحرير

وحلّوا أساور من فضة *** ويسقيهم من شراب طهور

واي التباهل دلّت على *** مقام عظيم ومجد كبير

وأولاده الغرّ سفن النجاة *** هداة الانام إلى كل نور

ومَن كتب اللّه أسماءهم *** على عرشه قبل خلق الدهور

هم الطيبون هم الطاهرون *** هم الاكرمون ورفد الفقير

هم العالمون هم العاملون *** هم الصائمون نهار الهجير

هم الحافظون حدود الاله *** وكهف الارامل والمستجير

لهم رتب علت النيرين *** وفضلهم كسحاب مطير

مناقبهم كنجوم السماء *** فكيف يترجم عنها ظهير

ترى البحر يقصر عن جودهم *** وليس لهم في الورى من نظير

فدونكها يا إمام الورى *** من الكفعمي العبيد الفقير

ومنها :

وشيخ كبير له لمة *** كساها التعمّر ثوب القتير (1)

أتاه النذير فأضحى يقول *** اعيذ نذيري بسبط النذير

أتيت الامام الحسين الشهيد *** بقلب حزين ودمع غزير

أتيت ضريحاً شريفا به *** يعود الضرير كمثل البصير

أتيت امام الهدى سيدي *** الى الحاير الجار للمستجير

ص: 327


1- القتير : الشيب.

أرجّي الممات ودفن العظام *** بأرض الطفوف بتلك القبور

لعلي أفوز بسكنى الجنان *** وحور محجّلةٍ في القصور

أتيت الى صاحب المعجزات *** قتيل الطغاة ودامي النحور

ويروي الصديق الأديب المعاصر سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) عن مجموعة خطية للعلامة السيد عبد الحسين آل طعمة بيتين الكفعمي ان قرءآ طرداً كانا مدحا ، وان قرءا عكسا كانا ذماً ، وهما :

شكروا وما نكثت لهم ذمم *** سروا وما هتكت لهم حرم

صبروا وما كملت لهم قمم *** نصروا وما وهنت لهم همم

ص: 328

محمد بن عمر النصيبي الشافعي

قال محمد بن عمر النصيبي الشافعي ،

حسين ان هجرت فلست أقوى *** على الهجران من فرح الحسود

ودمعي قد جرى نهراً ولكن *** عذولي في محبته يزيد (1)

ص: 329


1- عن الضوء اللامع في شعراء القرن التاسع للسخاوي ج 8 ص 260.

جاء في ( الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ) للسخاوي جزء 8 ص 259.

محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن احمد بن عبد القاهر بن هبة اللّه الجلال ابو بكر بن الزين ابي حفص بن الضياء بن النصيبي الشافعي سبط المحب بن الشحنة الحنفي ، ولد في ربيع الأول سنة احدى وخمسين وثمانمائة بحلب وقدم القاهرة وهو صغير مع أبيه.

ص: 330

استدراكات

اشارة

ص: 331

ص: 332

القاضي محمد بن عبد الجبار السمعاني

قال فخر القضاة ، وأنشدني القاضي الامام محمد بن عبد الجبار السمعاني من قيله.

سلّوا سيوف محمد لمحمد *** ففروا بها هامات آل محمد

فكأن عترة أحمد أعداؤه *** وكأنما الاعداء عترة احمد (1)

ص: 333


1- عن بحار الانوار للشيخ المجلسي ج 45 ص 291 الطبعة الجديدة والمنتخب للطريحي.

قال صلاح الدين الصفدي في الوافي بالوفيات ج 3 ص 214 السمعاني المروزي الفقيه ، محمد بن عبد الجبار بن احمد القاضي ابو منصور السمعاني المروزي الفقيه الحنفي وسمعان بطن من تميم ، كان إماماً ورعاً نحوياً لغوياً له مصنفات وهو والد العلامة أبي المظفر منصور السمعاني مصنف الصطلام ومصنّف الخلاف الذي انتقل من مذهب أبيه الى مذهب الشافعي ، توفي سنة خمسين واربعمائة أو فيما دونها ، وقد ذكره الباخرزي في ( الدمية ) وقال : أنشدتُ بحضرته قصيدة في مدح السيد ذي المجدين أبي القاسم على ابن موسى الموسوي ، وذكر الباخرزي جانبا جيداً من القصيدة وقال : فقال ابو منصور السمعاني فيّ بديهة.

حسنُ شعر وعُلاً قد جُمعا *** لك جمعاً يا علي بن الحسن

أنت في عين العُلى كحلٌ ومَن *** ردّ قولي فَهو في عين الوسن

قال وأنشدني له :

الحمد لله على أنه *** لم يَبلني بالماء والضيعة

فالماء يُفني ماء وجه الفتى *** وصاحب الضيعة في ضيعه

وذكره الزركلي في ( الاعلام ) ج 7.

محمد بن عبد الجبار بن احمد السمعاني التميمي المروزي : عالم بالعربية. وهو والد جد عبد الكريم السمعاني صاحب الانساب. له تصانيف في اللغة والنحو. وفاته سنة 450 ه- 1058 م.

ص: 334

وترجم له الشيخ عباس القمي في الكنى والالقاب وذكر له من المؤلفات ايضا كتاب فضائل الصحابة وتذييل تاريخ بغداد وغير ذلك ، قيل أنه سافر في طلب العلم والحديث الى شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها وسافر الى ما وراء النهر وسائر بلاد خراسان والى قومس والري واصبهان وهمذان وبلاد الجبال والعراق والحجاز والموصل والجزيرة والشام وغيرها من البلاد ولقي العلماء وأخذ منهم وجالسهم وروى عنهم وكان عدد شيوخه يزيد على الاربعة آلاف شيخ وكان ابوه وجده من العلماء والمحدثين. (1)

ص: 335


1- والسمعاني بفتح السين وقد يكسر نسبة الى سمعان : بطنٌ من تميم.

الشيخ محمد بن الحسين الطوسي

قال صاحب نسمة السحر ، ومن شعره الذي تكتبه الشيعة على فصّ أسود :

أنا غرويّ شديد السواد *** وقد كنتُ أبيض مثل اللجين

وما كنت أسود لكنني *** صبغتُ سواداً لقتل الحسين

قال : وله مما تكتبه الشيعة على فصّ أحمر :

حمرتي من دم قلبي *** أين مَن يندب أينا

أنا من أحجار أرض *** قتلوا فيها ( حسينا )

ص: 336

الشيخ محمد بن الحسين الطوسي.

قال اليماني في نسمة السحر

هو أحد شعراء الخريدة ، نفث روح القدس في روعه بكلمات حلّت ذوقاً ، فجاء بما أفحم ساجعات البان وما ترك لها طوقاً ، من كلمات رشيقة هي عيون سالت بالانسجام في حديقة ، وعادة العماد الكاتب أن لا يبالي بنسب من يذكره بالمناقب ، بل ذكر هذا الشاعر في بطن تلك الخريدة وأورد له مقطعات هي بنجابته شهيدة (1).

أقول ، كانت وفاة عماد الدين محمد القرشي الأصبهاني الكاتب صاحب الخريدة بدمشق يوم الاثنين مستهل شهر رمضان سنة 597 ه- فكان من حق الشاعر المتقدم أن يذكر في الأجزاء المتقدمة.

ص: 337


1- عن الجزء الثاني ص 371 من نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر ، تأليف ضياء الدين يوسف بن يحيى ، مخطوط مكتبة كاشف الغطاء العامة رقم 748.

ص: 338

الفهرس

الصفحة

5 المقدمة وفيها أسماء جماعة من شعراء أهل البيت الذين نظموا في الحسين خاصة وأهل البيت عامة ولكن لم نعثر على شعرهم

9 استدراك على الاجزاء المتقدمة من الكتاب ،

11 لمحة عن رواسب التشيع في المغرب كما جاء في محاضرة الدكتور عيد اللطيف السعداني عن حركات التشيع في المغرب ومظاهره ، مقتطفات من الحاضرة والعثور على كتب مخطوطة في مكتبات المغرب ومنها خزانة جامعة القرويين.

شعراء القرن السابع

الصفحة / سمة الوفاة

17 608 ابن سناء الملك ، شعرو وأدبه ، رثاؤه لأبيه وامه ، فخره العالي في رثاء محبوبته

ص: 339

الصفحة / سمة الوفاة

23 610 ابراهيم بن نصر قاضي السلامية ، ترجمته ، ألوان من شعره

26 614 أبو الحسن المنصور باللّه أحد أئمة الزيدية باليمن ، علمه وادبه مؤلفاته

31 629 علي بن المقرب الاحسائي ، أدوار حياته ، قصائده في الفخر

44 635 عبد الرحمن الكناني العسقلاني ، ترجمته وأدبه ، تعليق على شعره بكاء السماء ونوح الجن على الحسين علیه السلام

50 652 كمال الدين الشافعي محمد بن طلحة ، مكانته العلمية ومؤلفاته ، شعره في أهل البيت

55 655 عبد الحمي بن أبي الحديد المعتز لي صاحب شرح نهج البلاغة مكانة هذا الشرح بين الشروح ، شعره في التصرف والفلسفة والعرفانيات ، أقوال العلماء فيه ، مؤلفاته علوياته السبع

69 658 محمد بن عبد اللّه القضاعي البلنسي الشهير بابن الابار ، محاضرة الدكتور عبد اللطيف السعداني عن حركات التشيع في المغرب ، ترجمة ابن الابار وألوان من شعره

75 664 احمد بن صالح السنبلي ، غزمله وظرفه

77 672 ابو الحسين الجزار المصري ، شعره في صناعته وحسن السبك ، مختلف اشعاره وأغراضه ، أخباره مع السراج الوراق

ص: 340

الصفحة / سمة الوفاة

88 675 شمس الدين محمد بنعبيد اللكوفي الواعظ ، ترجمته وألوان من شعره ، وذكر حفيده

92 677 عبد اللّه بنعمر بن نصر الوزان ، ترجمته وشعره

98 680 نجم الدين بن نما الربعي ، اسرة آل نما. شهر المترجم له في أهل البيت علیهم السلام ، احواله وشيء من ترجمة ابيه

102 693 علي بن عيسى الاربلي ، روائع من شعره وغزله ، قصائده في الحسين

122 694 البوصيري ابو عبد اللّه محمد بن سعيد الصهناجي صاحب البردة ، ادبه وظرفه ، رقة شعره ، شفاؤه من مرضه ببركة البردة

129 695 سراج الدين الوراق ، شعاريته وأدبه ، حياته وسيرته ، واوينه ومناحي شعره

شعراء القرن الثامن

139 716 علاء الدين علي بن المظفر الكندي الاسكندراني المعروف بالوداعي ، حياته ومؤلفاته ، روائع من شعره ونتف من أدبه

145 تقريباً 725 علاء الدين الشفهيني ، قصائده السبع الطوال عالم كبير وأديب بارع ، تحقيق حول كلمة ( شفهيني ) اقوال العلماء فيه ، حنينه الى وطنه

197 749 ابن الوردي عمر بن مظفر البكري الحلبي الشافعي ،

ص: 341

الصفحة / سمة الوفاة

نبوغه في الادب ، سرعة البديهة في النظم ، لاميته المشهورة في الحكم والنصائح ، وهو صاحب التاريخ المشهور

209 تقريباً 750 أبو الحسين علي بن عبد العزيز الخليعي الموصلي الحلي ، قصة توليه لأهل البيت ، ديوانه المخطوط في أهل البيت جملة من قصائده في الحسين علیه السلام

222 760 علي بن عبد الحميد بن فخار

224 تقريباً 772 حسن بن عبد الكريم المخزومي ، تحقيق في قصيدته اللامية المنسوبة للحسن بن راشد الحلي

شعراء القرن التاسع

231 كان حياً 813 الشيخ رضي الدين رجب بن محمد البرسي ، تحقيق حول هذه النسبة ، اطلاعه وسعة معارفه ، كلام حول كتابه ( مشارق انوار اليقين في حقائق أسرار امير المؤمنين ) شعره في النبي وفي علي واتهامه بالغلو ، تعداد جملة من قصائده

259 815 محمد بن الحسن العليف ، قصيدته في الحسين ، حياته وشعره ، وترجمة ولده

265 820 ابن المتوج البحراني جمال الدين أحمد بن عبد اللّه قصيدته في الحسين ، ذكر من عرف بهذه الكنية والاشارة لترجمته

269 كان حياً 830 تاج الدين الحسن بن راشد الحلي علام ضليع

ص: 342

الصفحة / سمة الوفاة

وفاضل فقيه وشاعر اديب ، أقوال العلماء فيه ، شعره في الحسين

284 تقريباً 900 ابن العرندس الشيخ صالح ، حياته ، قصائده في الحسين

294 تقريباً 580 الشيخ مغامس بن داغر ، حياته ، قصائده في الحسين

306 اواخر القرن التاسع محمد بن حماد الحلي ، شعره ، تحقيق حول جملة من الشعراء يعرف كلٌ منهم ب- ( ابن حماد ) وذكر جملة من اشعارهم في الامام أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام

317 تقريباً 900 عبد اللّه بن داود الدرمكي. نبذة عن حياته

320 تقريباً 900 الشيخ ابراهيم الكفعمي العاملي الهمداني ، مشايخه وأساتذته مكانته العلمية ، تعداد مصنفاته ، آثاره العلمية والادبية شعره المرتجل في حرم الحسين علیه السلام بكربلاء

329 القرن التاسع محمد بن عمر النصيبي الشافعي ، لمحة عن حياته

استدراك

336 450 القاضي محمد بن عبد الجبار السمعاني ، حياته ، شعره

339 القرن السادس الشيخ محمد بن الحسين الطوسي ، نبذة عن حياته

ص: 343

ص: 344

مصادر الكتاب

النجوم الزاهرة في ملوك مصر ولقاهرة البن تغري

الدور الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني

ذيل تاريخ ابن خلكان للصفدي

روضات الجنات للخوانساري

تذكرة الحفاظ للذهبي

نسمة السحر فيمن تشيع وشعر لليماني مخطوط

تاريخ ابن الوردي

ديوان ابن الوردي

تفحة اليمن للشيرواني

البابليات للشيخ محمد علي اليعقوبي

الكشكول للشيخ يوسف البحراني

أمل الامل للحر العاملي

ديوان ابن سناء الملك

ديوان علي بن المقرّب

العلويات السبع

نفح الطيب للتلمساني

ص: 345

جواهر الأدب - سليم صادر

مجلة البلاغ الكاظمية

وفيات الاعيان لابن خلكان

الحدائق الوريدة للامام حميد الشهيد مخطوط

الغدير للشيخ الأميني

فوات الوفيات لابن شاكر

دائرة معارف القرن العشرين

فريد وجدي

الصواعق المحرقة لابن حجر

اعلام العرب عبد الصاحب الدجيلي

مطالب السؤال كمال الدين الشافعي

الذريعة الى تصانيف الشيعة آغا بزرك الطهراني

الكنى والالقاب للقمي

آداب اللغة العربية جرجي زيدان

محاضرة الدكتور عبد اللطيف السعداني مخطوطة

أعيان الشيعة للامين

خريدة القصر للعماد الاصفهاني

خرانة الادب لابن حجة

المخطوطة الادبية للشيخ كاشف الغطاء مخطوطة

شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي

الحوادث الجامعة لابن الفوطي

موارد الاتحاف في نقباء الاشراف

الكواكب السماوية للسماوي

كشف الغمة الى معرفة الائمة علي بن عيسى الاربلي

ص: 346

سوانح الافكار في منتخب الاشعار للمؤلف

ديوان الشيخ الخلعي مخطوط مكتبة الامام الحكيم

مطالع البدور ومجمع البحور

للقاضي صفي الدين أحمد بن صالح اليماني مخطوط مكتبة كاشف الغطاء - العامة

العقد الثمين في تاريخ البلد الامين

نظم العقيان في أعيان الاعيان

شعراء الحلة للخاقاني

يتيمة الدهر للثعالبي

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي

سمير الحاظر وأنيس المسافر مخطوط الشيخ علي كاشف الغطاء مكتبة كاشف الغطاء العامة

الوافي بالوفيات للصفدي

شعراء من كربلاء سلمان هادي الطعمة

شواهد الاديب للمؤلف

ص: 347

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.