أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 3

هوية الکتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 317

الکتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الثالث

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

المقدمة

بِسمِ الله الرَحمنِ الرَحيمِ

هذا هو الجزء الثالث من موسوعة شعراء الحسين علیه السلام أو أدب الطف ، وكنت على موعد مع القراء أن أوافيهم بالجزء الثالث وهو يحمل بين دفتيه شعراء القرون الثلاثة : السادس - السابع - الثامن ، ولكن العلم لا نهاية له ، وافق البحث والتنقيب كأفق الكون يتمدد ويتسع ( والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون ) ، ومن حيث اريد ولا اريد اتسع البحث حول القرن السادس واذا به يحتلّ المكان ولا يترك مكاناً لتالييه.

والحق اني كتبت الجزئين السابقين ولم اهيء نفسي كما يجب وانما تنبهت بعد لخطورة البحث وعظم المسؤولية ، ولا أبالغ اذا قلت اني نخلت اكثر من خمسين ديواناً من دواوين الشعراء في القرون المتقدمة وقرأت كل بيت من أبياتها عسى أن يكون هناك بيت يخصّ الموضوع ، وسبرت كثيراً من الدواوين ، وتركتها والنفس غير طيبة بفراقها ، تركتها والامل لم يزل متصل بها والحسرة تتبعها ذلك أني لا أُؤمن أن أمثال اولئك الشعراء الفطاحل لم ينظموا في يوم الحسين مع ما عرفوا به من الموالاة والمفاداة لأهل البيت صلوات الله عليهم ، فهل تعتقد أن أمثال أبي تمام والفرزدق وابن الرومي والبحتري

ص: 5

والحسين الطغرائي وصفي الدين الحلي والمتني واضرابهم لم يقولوا في الحسين ولم يذكروا يومه ويتأثروا بموقفه البطولي مع أن يوم الحسين هزّ العالم هزاً عنيفاً لا زال صداه يملأ الافاق.

ان الكثير من تراثنا الادبي ضاع وأهمل وغطت عليه يد العصبية في الاعصر الاموية وتوابعها في عصور الجهل والعقلية المتحجرة ، يدلك على ذلك ما تقرأه من نصوص الادب ودواوين الشعراء أمثال ديوان كعب بن زهير الذي نشرته دار القومية للطباعة والنشر في الجمهورية العربية المتحدة وعندما جاء على قصيدة كعب التي أولها :

هل حبل رملة قبل البين مبتور *** أم أنت بالحلم بعد الجهل معذور

روى لنا الشارح عن كتاب ( منتهى الطلب من أشعار العرب ) المجلد الاول ص 10 من مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 53 ما نصه : وقال كعب يمدح أمير المؤمنين علياً علیه السلام . وكانت بنو امية تنهى عن روايتها وإضافتها الى شعره. انتهى.

وعندما تقف على قصيدة عوف بن عبدالله - من شعراء القرن الاول الهجري والتي يستنهض بها التوابين لأخذ ثار الحسين علیه السلام وأولها.

صحوت وقد صحّ الصبا والعواديا - وقلت لاصحابي أجيبوا المناديا.

يقول المرزباني في معجم الشعراء ما نصه : وكانت هذه المرثية تخبّأ ايام بني أميّة ، وانما خرجت بعد ذلك.

وحسبك إذ تسأل التاريخ لم ضاع اكثر شعر ابراهيم بن العباس الصولي في أوائل العهد العباسي ولَم جمع كل شعر له يتضمن الثناء على أهل البيت فاحرقه بالنار ، ولم ضاعت قصيدته التي تزيد على مائتي بيتاً والتي أنشدها

ص: 6

بين يدي علي بن موسى الرضا علیه السلام فلم يحفظ الناس منها الا مطلعها وهو :

أزال عزاء القلب بعد التجلّدِ *** مصارع أبناء النبي محمد

واسأل التاريخ لماذا يُنبش قبر منصور النمري في عهد هارون الرشيد ألأنه قال :

آل النبي ومن يحبهمُ *** يتطامنون مخافة القتل

أمنوا النصارى واليهود وهم *** من أُمّة التوحيد في أزلِ

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

المؤلف

ص: 7

ص: 8

الأبيُوردي الأموي

اشارة

محمد بن احمد الابيوردي الاموي القائل في رثاء الحسين علیه السلام من قصيدة :

وجدّي وهو عنبسة بن صخرٍ *** بريء من يزيد ومن زياد (1)

وفي معجم الادباء ج 6 ص 342 قال : ورثى الحسين علیه السلام بقصيدة قال فيها ومن خطه نقلت :

فجدي - وهو عنبسة بن صخرٍ - *** بريء من يزيد ومن زياد

أقول وجدّه الذي يفخر به هو عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن ابي سفيان وهو صخر بن حرب بن امية.

ص: 9


1- الاعيان ج 1 القسم الثاني ص 194.

ابو المظفر محمد بن احمد بن محمد بن احمد الاموي المعاوي الشاعر الابيوردي (1) مات باصبهان 20 ربيع الاول سنة 507.

قال ابو الفتح البستي يرثيه :

اذا ما سقى الله البلاد وأهلها *** فخصّ بسقياها بلاد أبيورد

فقد أخرجت شهما خطيراً بأسعد *** مُبرَّاً على الاقران كالأسد الوردي

فتى قد سرت في سرّ أخلاقه العُلى *** كما قد سرت في الورد رائحة الورد

و ( الابيوردي ) نسبة الى أبيورد بفتح أوله وكسر ثانية وياء ساكنة وفتح الواو وسكون الراء ودال مهملة ، مدينة بخراسان وأصله من كوفن قرية من قرى ابيورد بين ( نسا ) وأبيورد.

قال ياقوت كان إماماً في كل فّنٍ من العلوم عارفا بالنحو واللغة والنسب والاخبار ، ويده باسطة في البلاغة والانشاء وله تصانيف في جميع ذلك وشعره سائر مشهور.

أقول : نقلنا هذا عن الاعيان ج 43 ص 261 وترجمه الشيخ القمي في الكني والالقاب فقال :

كان راوية نسابة وكان يكتب في نسبه : المعاوي ينسب الى معاوية الاصغر في عمود نسبه ، له ديوان ومقطعات.

وكانت وفاته مسموما بأصبهان.

ص: 10


1- ينتهى نسبه الى عثمان بن عنبسه بن ابي سفيان صخر بن حرب الأموي.

وقال صاحب اعلام العرب : جاء الى بغداد وتولى فيها الاشراف على خزانة دار الكتب بالنظامية بعد القاضي أبي يوسف بن سليمان الاسفرائني المتوفى سنة 498 ه- وخاف أخيراً من سعي أعدائه عند الخليفة المستظهر العباسي احمد بن المقتدى المتوفى سنة 512 ه- لاتهامه بهجو الخليفة ومدح صاحب مصر ففرّ الى همذان ، ثم سكن أصفهان حتى توفي فجأة أو مسموماً سنة 507 ه.

وأخذ الابيوردي عن جماعة ، وذكروا أنه كان من أخبر الناس بعلم الانساب ، متصرفاً في فنون جمّة من العلوم ، وافر العقل ، كامل الفضل وكان فيه تيه وكبرياء ، وعلو همة ، وكان يدعو « اللهم ملّكني مشارق الارض ومغاربها »!! وقد حصل من انتجاعه بالشعر من ملوك خراسان ووزرائهم ، ومن خلفاء العراق وأمرائهم ، ما لم يحصل لغيره! ومع هذا فهو يشكو كثيراً في شعره. وممن مدحهم سيف الدولة صدقة في الحلة الذي أغدق عليه الصلات والهبات.

له ديوان مطبوع مشهور قسمه الى : « العراقيات والنجديات والوجديات » وله تصانيف كثيرة منها كتاب ما اختلف ائتلف في أنساب العرب ، تاريخ أبيورد ونسا ، قبسة العجلان في نسب آل أبي سفيان ، الطبقات في كل فن ، تعلَّة المشتاق الى ساكني العراق. كتاب المجتنى من المجتبى في الرجال ، نهزة الحافظ ، كوكب المتأمل - يصف فيه الخيل ، تعلَّة المقرور يصف فيه البرد والنيران ، الدرة الثمينة ، صهلة القارح يرد فيه على المعري ، زاد الرفاق.

1 - ديوانه ، طبع بالمطبعة العثمانية بلبنان سنة 1317 ه- مرتب على الحروف.

2 - زاد الرفاق في المحاضرات ، يقع في 319 ورقة ، مصور عن نسخة دار الكتب المصرية وهو يشبه محاضرات الراغب الاصبهاني.

ص: 11

ملاحظة :

جاء في الديوان وفي وفيات الاعيان ان وفاته كانت سنة 557 ولكن الاكثر على أنها سنة 507 كما في معجمي الادباء والبلدان وأبي الفداء ومرآة الزمان.

ومن شعره كما في الكنى والالقاب :

تنكّر لي دهري ولم يدر أنني *** أعزّ وأحوال الزمان تهون

وظلّ يريني الخطب كيف اعتداؤه *** وبتُّ أُريه الصبر كيف يكون

كان فيه تيه وكبر وعزّة نفس ، كتب مرة رقعة الى المستظهر بالله العباسي ، ختمها بكلمة : الخادم المعاوي.

فكره الخليفة النسبة الى معاوية واستبشعها ، فكشط الميم من المعاوي فصارت : الخادم العاوي ، وردّ الرقعة اليه.

وجاء في روضان الجنات : محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن اسحاق الحربي الاموي المعروف بالابيوردي الشاعر اللغوي ، كان كما نقل عن السمعاني او حد عصره وفريد دهره في معرفة اللغة والانساب وغير ذلك وكان قويّ النفس ، ومن شعره :

يا من يساجلني وليس بمدركٍ *** شأوي وأين له جلالة منصبي

لا تتعبنَ فدون ما أملته *** خرط القتادة وامتطاء الكوكب

المجد يعلم أينا خيرٌ أباً *** فأسأله تعلم ايّ ذي حسب أبي

جدي معاوية الاغرٌّ سمت به *** جرثومة من طينها بغض النبي

وورثته شرفا رفعت مناره *** فبنو أميّة يفخرون به وبي

ومن شعره ما رواه ابن خلكان

ملكنا أقاليم البلاد فاذعنت *** لنا رغبة أو رهبة عظماؤها

ص: 12

فلما انتهت أيامنا علقت بنا *** شدائد أيام قليل رخاؤها

وكان الينا في السرور ابتسامها *** فصارت علينا بالهموم بكاؤها

وصرنا نلاقي النائبات بأوجه *** رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها

لمحة عن معاوية الثاني

أقول انه يفتخر بجده معاوية الاصغر وكان كما قال الخوارزمي : باراً فاضلاً. وهو ولي عهد ابيه ، خطب الناس فقال : ايها الناس ، ما انا بالراغب في التأمير عليكم ولا بالامن من شركم. وإن جدي معاوية نازع من كان أولى به في قرابته وقدمه ، أعظم المهاجرين قدراً ، ابن عم نبيكم وزوج ابنته ومنها بقية النبيين وسلالة خاتم النبيين. فركب منه جدي ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتى نزلت به منيّته فتجاوز الله عنه ، ثم تقلّد أمره أبي وكان غير خليق للخلافة فقلّت مدَّته وانقطعت آثاره وصار حليف حفرته وأعماله ، ولقد أنسانا الحزنُ له الحزنَ عليه. فيا ليت شعري هل اقيلت عثراته وهل اعطي أمنيته ، أم عوقب باسائته فانا لله وانا اليه راجعون ، ثم صرت انا ثالث القوم والساخط فيما أرى اكثر من الراضي ، وما كنت لاحتمل اثامكم والقى الله بتبعاتكم فشأنكم بأمركم.

فقال مروان : يا ابا ليلي سنة عمرية ، فقال يا مروان تخدعني عن ديني ، أئتني برجال كرجال عمر اجعل الأمر بينهم شورى ، والله لئن كانت الخلافة مغنما فلقد أصابنا منها حظ ، وإن كانت شراً فحسب آل ابي سفيان ما أصابوا منها ، ثم نزل. فقالت له امه : يا بني ليتك كنت حيظة في خرقة ، فقال : وانا وددت ذلك يا اماه ، أما علمت ان لله تعالى ناراً يعذّب بها من عصاه وأخذ غير حقه ، فعاش اربعين يوماً ومات. وقيل له : اعهد الى من أحببتَ فإنا له سامعون مطيعون ، فقال : اتزوّد مرارتها واترك لبني امية حلاوتها. وكان له مؤدب يميل الى علي فظن به آل ابي سفيان انه دعاه الى

ص: 13

هذه الخطبة ، فاخذوه بعد موته ( أي بعد معاوية ) فدفنوه حياً. يقول الدميري في حياة الحيوان :

ان بني امية قالوا لمؤدبه عمر المقصوص : انت علّمته هذا ولقّنته اياه وصددته عن الخلافة وزّينت له حبَ علي وأولاده وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسّنتَ له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال فقال : والله ما فعلت ولكنه مجبول ومطبوع على حبّ علي ، فلم يقبلوا منه ذلك واخذوه ودفنوه حياً حتى مات.

ألوان من شعر الأبيوردي

قال وقد أورده ياقوت الحموي في معجم الادباء

وعليلة الالحاظ ترقد عن *** صبٍّ يصافح جفنه الأرقُ

وفؤاده كسوارها حرج (1) *** ووساده كوشاحها قلق

عانقتها والشهب ناعسة *** والافق بالظلماء منتطق (2)

ولثمتها والليل من قصرٍ *** قد كاد يلثم فجره الشفق

بمعانق ألِفَ العَفافَ : به *** كرمٌ باذيال التقى علِق

ثم افترقنا حين فاجأنا *** صبح تقاسم ضوءه الحدق

وبنحرها من أدمعي بلل *** وبراحتي من نشرها عبَق

ومن روائعه قوله :

وهيفاء لا أصغي الى من يلومني *** عليها ويغريني بها أن أعيبها

أميل باحدى مقلتي إذا بدت *** اليها وبالأخرى أراعي رقيبها

وقد غفل الواشي ولم يدر أنني *** أخذت لعيني من سليمي نصيبها

ص: 14


1- أي ضيق.
2- أي محاط.

وللأبيوردي كما كان في الأعيان :

يلقى الزمان الى كف معوّدة *** في ندوة الحي تقبيلا وإرفادا

محسد الجد لم تطلع ثنيته *** إن المكارم لا يعد من حسادا

يا خير من وخدت إيدي المطيّ به *** من فرع خندف آباء وأجدادا

رحلت فالمجد لا ترقى مدامعه *** ولم ترقّ علينا المزن أكبادا

وضاع شعر يضيق الحاسدون به *** ذرعاً وتوسعه الايام انشادا

فلم أهب بالقوافي بعد بينكم *** ولا حمدت وقد جرّبتُ أجوادا

لا يخضعون لخطب إن ألم بهم *** وهل تهزَّ الرياح الهوج أطوادا

وله وقد رواه الحموي :

ومتّشح باللؤم جاذبني العلا *** فقدّمه يسرٌ وأخّرني عسرُ

وطوّقت أعناق المقادير ما أتى *** من الدهر حتى ذلّ للعجز الصدر

ولو نيلت الارزاق بالفضل والحجى *** لما كان يرجو أن يثوب له وفر

فيا نفس صبراً إن للهم فرجة *** فما لك إلا العز عندي أو القبر

ولي حسب يستوعب الأرض ذكره *** على العدم والاحساب يدفنها الفقر

وقوله كما رواه الحموي :

خطوب للقلوب بها وجِيبُ *** تكاد لها مفارقنا تشيبُ

نرى الأقدار جارية بأمر *** يريب ذوي العقول بما يَريب

فتنجح في مطالبها كلاب *** وأسد الغاب ضارية تخيب

وتُقسم هذه الأرزاق فينا *** فمأ ندري أتخطي أم تصيب

ونخضع راغمين لها اضطراراً *** وكيف يلاطم الإشفى (1)لبيب

وأنشد السمعاني له كما في معجم الأدباء :

كُفَّي أميمة غرب اللوم والعذل *** فليس عرضي على حالٍ بمبتذلِ

ص: 15


1- الاشفى ، المثقب.

إن مسَّني العُدْمُ فاستبقي الحياء ولا *** تكلفيني سؤال العُصبة السفل

فشعر مثلي وخير القول أصدقه *** ما كان يفتر عن فخر وعن غزل

أما الهجاء فلا أرضى به خلقاً *** والمدح إِن قلته فالمجد يغضب لي

وله كما في معجم الأدباء :

علاقة بفؤادي أعقبت كمداً *** لنظرة بِمنى أرسلتها عرضا

وللحجيج ضجيج في جوانبه *** يقضون ما أوجب الرحمن وافترضا

فأيقظ القلب رعباً ما جنى نظري *** كالصقر ندّاه ظلُّ الليل فانتفضا

وقد رمتني غداة الخيف غانية *** بناظرٍ إن رمى لم يُخطىء الغرضا

لما رأى صاحبي ما بي بكى جزعاً *** ولم يجد بمنىً عن ُخلَّتي عوضا

وقال دع يا فتى فهرٍ فقلتُ له *** يا سعدُ أودعَ قلبي طرفُها مرضا

فبتُّ أشكو هواها وهو مرتفقٌ *** يشوقه البرق نجدياً إذا ومضا

تبدو لوامعه كالسيف مختضباً *** شباه بالدم أو كالعرق إن نبضا

ولم يُطق ما أعانيه فغادرني *** - بين النقا والمصلّى عندها - ومضى

ومن مفرداته :

لم يعرف الدهر قدري حين ضيعني *** وكيف يعرف قدر اللؤلؤ الصدف

وفي خريدة القصر للعماد الاصبهاني : الابيوردي هو محمد بن احمد بن محمد القرشي الاموي ابو المظفر شاعر في طليعة شعراء العربية وإن لم ينل حظّه من الدراسة والبحث ، وهو مؤرخ وعالم بالانساب ، وله ديوان شعر مطبوع وقد اختار البارودي طائفة كبيرة من شعره في مختاراته ، وكان طموحاً ولعل هذا هو سبب قتله.

ص: 16

وقال الابيوردي مفتخراً بنفسه :

تقول ابنة السعدي وهي تلومني *** أما لك عن دار الهوان رحيلٌ (1)

فإن عناء المستنيم (2) الى الأذى *** بحيث يذلُّ الاكرمون طويل

فثب وثبةً فيها المنايا أو المنى *** فكل محبٍّ للحياة ذليل

وإن لم تطقها فاعتصم بابن حرةٍ *** لهمّته فوق السماك مقيل

يعين على الجُلّى ويستمطر الندى *** على ساعةٍ فيها النوال قليل

فَللموتُ خيرٌ للفتى من ضَراعةٍ *** تردُّ إليه الطرف وهو كليل

وما علمت أن العَفاف سجيّتي *** وصبري على ريب الزمان جميل

أبى لي أن أغشى المطامع منصبي (3) *** وربي بأرزاق العباد كفيل

وقال أيضاً مفتخراً :

وإني اذا أنكرتني البلاد *** وشِيب رضى أهلها بالغضب

لكا لضيغم الوَرد كاد الهوان *** يدبَّ إلى غابه فاغترب

فشيدتُ مجداً رسا أصله *** أمُتُّ إليه بأمٍّ وأب

ولم أنظم الشعر عجباً به *** ولم أمتدح أحداً من أرب

ولا هزني طمعٌ للقريض *** ولكنه ترجمان الأدب (4)

ورأيت في مجموعة خطية للمرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء في مكتبة كاشف الغطاء العامة برقم 872 أبيات الابيوردي الاموي والتخميس للشيخ محمد رضا النحوي من شعراء القرن الثالث عشر الهجري.

سلا عنكُم مَن ضلَّ عنكم وما اهتدى *** عشيَة آنسنا على ناركم هدى

ص: 17


1- عن جواهر الادب جمع سليم صادر ج 4 ص 190.
2- استنام الى الاذى سكن إليه واطمأن.
3- أصلى.
4- عن جواهر الادب سليم صادر. ج 4 ص 190.

ومذ عادنا الشوق القديم كما بدا *** نزلنا بنعمان الأراك وللندى

سقيط به ابتلَّت علينا المطارفُ

عكفنا به والركب للاين جُثَّمُ *** كأنهمُ طيرٌ على الماء حوَّم

قضوا للكرى حقاً ونومي محرَّم *** فبتُّ أُقاسي الوجد والركب نوَّم

وقد أخذت منا السرى والتنائف

صحا كل ذي شوق من الشوق وارعوى *** وبتُّ أُعاني ما أُعاني من الجوى

أُعلل نفسي بارعواء عن الهوى *** واذكر خوداً ، ان دعاني على النوى

هواها أجابته الدموع الذوارف

تنكّر ربع بعد ميثاء ممحلُ *** عفى رسمه العافي جنوب وشمأل

تعرَّض عنه العين والقلب مقبل *** لها في محاني ذلك الشعب منزل

اذا أنكرته العين فالقلب عارف

وعهدي به والعيش برد منمنم *** به وهو للذات واللهو موسم

ومذ هاجني شوق له متقدم *** وقفت به والدمع أكثره دم

كأنّي من عيني بنعمان راعف

أقول ومن المناسب أن أذكر ما يخطر ببالي ممن مدح أهل البيت من الأمويين ، فمنهم مروان بن محمد السروجي. قال المرزباني في معجم الشعراء ص 321 هو من بني أمية من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، وهو القائل :

يا بني هاشم بن عبد مناف *** إنني مَعكم بكل مكان

أنتم صفوة الإله ومنكم *** جعفر ذو الجناح والطيرانِ

وعليٌ وحمزةٌ أسدُ الله *** وبنتُ النبيّ والحسنان

فلئن كنتُ من أميّة إني *** لبريء منها إلى الرحمنِ

ص: 18

وفي أعيان الشيعة ج 1 القسم الثاني ص 193

مروان بن محمد السروجي المرواني وفاته سنة 460

وفي مطالع البدور ومجمع البحور (1) للقاضي صفي الدين احمد بن صالح اليماني قال : قال بعض الموالين للعترة الطاهرة وهو من بني أمية ( الابيات )

وقال أبو الفرج الأصفهاني : ابو عديّ الأموي شاعر بني أمية وهو عبدالله ابن عمرو بن عدي بن ربيعة بن عبدالعزّى بن عبد شمس كان يكره ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي بن ابي طالب صلوات الله عليه وسبّه على المنابر ويظهر الانكار لذلك فشهد عليه قوم من بني أمية ذلك وانكروا عليه ونهوه عنه فلم ينتهي فنفوه من مكة الى المدينة فقال في ذلك.

شردوا بي عند امتداحي علياً *** ورأوا ذاك فيَّ داءً دوّياً

فور بي لا أبرح الدهر حتى *** تمتلي مهجتي بحبي عليا

وبنيه لحب احمد إني *** كنت أحببتهم لحبي النبيّا

حبَّ دين لا حبّ دنيا وشرّ *** الحب حباً يكون دنياوياً

صاغني الله في الذوابة منهم *** لا زنيماً ولا سنيداً دعياً

عدّوياً خالي صريحا وجدي *** عبد شمس وهاشم أبويا

فسواء عليَّ لست أبالي *** عبشمياً دعيت أم هاشميا (2)

وجاء في كتاب « أدب الشيعة » تأليف عبدالحسيب طه قال : فمن المفاضلة والمدح قول أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي ، وكان شديد التشيع لعلي علیه السلام :

نهاركُم مكابدة وصومُ *** وليلكم صلاةٌ واقتراء

ص: 19


1- الكتاب في مكتبة كاشف الغطاء العامة.
2- 2 - عن مجموعة المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، مكتبة كاشف الغطاء العامة وهي بخطه

بُليتم بالقرآن وبالتزكَّي *** فأسرع فيكُم ذاك البلاء

بكى نجدٌ غداة غد عليكم *** ومكة والمدينة والجواء (1)

وحُق لكل ارض فارقوها *** عليهم - لا أبالكم - البكاء

أأجمعكم وأقواماً سواء *** وبينكُم وبينهم الهواء

وهم أرض لأرجلكم وانتم *** لأرؤسهم وأعينهم سماء!!

ورواها صاحب ديوان المعاني ، واعجام الأعلام ، والأغاني.

وأمر هشام بن عبد الملك عامله على المدينة أن يأخذ الناس بسب اميرالمؤمنين - علي بن ابي طالب - والحسين ، فيقول كثير بن كثير بن عبدالمطلب من كعب بن لؤي بن غالب :

لعن الله مَن يسُبّ علياً *** وحسيناً من سوقة وإمام

أتسبّ المطيّبينَ جدوداً *** والكرام الأخوال والأعمام

طبتَ نفساً وطاب بيتك بيتاً *** أهل بيت النبيّ والإسلام

رحمة الله والسلام عليكم *** كلما قام قائم بسلام

يأمن الطير والظباء ولا يأ *** من رهط النبي عند المقام!!

ص: 20


1- الجواء ، الواسع.

ابن الهباريَّة

أحسين والمبعوث جدك بالهدى *** قسماً يكون الحق عنه مسائلي

لو كنتُ شاهد كربلا لبذلتُ في *** تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيتُ حدَّ السيف من أعدائكم *** عَللا وحدّ السمهرىّ البازل

لكنني أُخّرتُ عنك لشقوتي *** فبلابلي بين الغري وبابل

هبني حرمتُ النصر من أعدائكم *** فاقلّ من حزن ودمع سائل

ص: 21

الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي العباسي البغدادي الشاعر المشهور الملقب نظام الدين ، كان شاعراً مجيداً وله اتصال بنظام الملك ، له ديوان شعر كبير في اربع مجلدات ومن غرائب نظمه كتاب ( الصادح والباغم ) وهو على أسلوب ( كليلة ودمنة ) نظمه للامير سيف الدولة صدقة بن دبيس صاحب الحلة. نقل سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ان ابن الهبارية (1) الشاعر اجتاز بكربلا فجعل يبكي على الحسين وأهله وقال يديهأ : - أحسين والمبعوث جدك بالهدى الابيات.

ثم نام في مكانه فرأى رسول الله صلی الله علیه و آله في المنام فقال له يا فلان جزاك الله عني خيراً ، ابشر فان الله تعالى قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين علیه السلام .

توفى بكرمان سنة 504 وعن انساب السمعاني انه توفي سنة 504 والصحيح 509 وقال : له في رثاء الحسين ومدح آل الرسول اشعار كثيرة.

وذكره السيد في الاعيان فقال : ابو يعلى نظام الدين محمد بن محمد بن صالح ابن حمزة بن عيسى المعروف بابن الهبارية الهاشمي العباسي البغدادي قال : وقد طبع كتابه ( الصادح والباغم ) في الهند ومصر وبيروت (2) وقال غيره : هو أحد شعراء بغداد المفُلقين ، لازم خدمة نظام الملك صاحب المدرسة النظامية وأحد وزراء الدولة السلجوقية واتصل بغيره من الرؤساء وشعره في غاية الرقة ولكنه يغلب عليه الهزل والهجاء إلا أنه اذا نظم في الجدّ والحكمة اتى بالعجب كما في كتابه ( الصادح والباغم ) وله كتاب ( الفطنة في نظم كليلة ودمنة ).

ص: 22


1- الهبارية بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة نسبة الى هبار جده لأمه.
2- وهو في نحو 2000 بيتاً نظمها في عشر سنين. وطبع في باريس سنة 1886 م وفي مصر سنة 1292 وفي بيروت سنة 1886 م.

وترجم له العماد الاصفهاني في ( خريدة القصر ) فقال :

الشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح ابن الهبّارية العباسي الشاعر وديوان شعره اربعة اجزاء.

وترجم له صاحب دائرة المعارف الاسلامية فقال : ولد في بغداد حوالي منتصف القرن الخامس الهجري ( العاشر الميلادي ) وتعلم في المدارس التي انشئت في ذلك العهد وخاصة في النظامية التي اسسها نظام الملك عام 459 ه- (1067) م ولم يكن يهتم بما كان يجري فيها من المناظرات الكلامية.

قال في خريدة القصر قسم العراق ، وأنشدت له بأصفهان من قصيدة :

أثار جارُ داركَ وهيَ في شرع العلى *** ربعٌ حرامٌ آمنٌ جيرانُهُ

لا يزهدنّك منظري في مَخبَري *** فالبحرُ مِلحُ مياههِ عقيانهُ

ليس القُدودُ ، ولا البرود ، فضيلة *** ما المرء إلا قلبُه ولسانُهُ

وأنشدت له في الباقلاء الأخضر :

فصوصُ زمرُّدٍ في كيس دُرٍّ *** حكَت أقماعها تقليم ظُفرِ

وقد خاط الربيع لها ثياباً *** لها لونان من بِيض وخُضر

وأنشدت له في نظام الملك :

نظام العلى ، ما بالُ قلبك قد غدا *** على عبدك المسكين دون الورى فظا؟

أنا أكثر الورّاد حقاً وحرمة *** عليك ، فما بالي أقلَّهم حظّا؟

وأنشدت له ايضاً :

وإذا سخطتُ على القوافي صغتها *** في غيره ، لأذلها وأهينها

وإذا رضيتُ نظمتها لجلاله *** كيما أشرفها به وأزينها

وقوله من قصيدة :

إنما المال منتهى أمل ألخا *** مِلِ ، والرُدُّ مطلب الأشراف

ص: 23

لا أُحِبّ الفِجَّ الثقيلَ ولو جا *** دَ ببذلِ المِئينَ والآلافِ

وأُحبُّ الفتى يهشُّ الى الضيُّ- *** -ف بأخلاقه العِذاب اللّطاف

أريحياً طَلِقَ المحَيّا حييّاً *** ماءُ أخلاقِهِ من الكبرِ صافِ

ولو اني لو أحظَ منه بغير ال- *** -شمّ شيئاً ، لكان فوق الكافي

ومن قوله :

ومُدلل دقت محاسنُ *** وجهه عن أن تكيَّف

ترك التصنَّعَ للجمَا *** ل ، فكان أظرف للتظرف

لو أن وجه البدر يُش- *** -بهُ وجههُ ما كان يُكسف

الصُّدغ مسكٌ والثنا *** يا لؤلؤ ، والريق قَرقف (1)

والوردُ من وَجَناته *** بأنامِلِ الألحاظ يُقطَف

وله في نوح الحمامة

بي مثلُ ما بك يا حمامَ البانِ *** أنا بالقدود وأنت بالإغصانِ

أعد السَّترم كيفَ شئت ، فإننا *** فيما نجُنُّ من الهوى سياّنِ

لي ما رويت من النَّسيب ، وإنما *** لك فيه حقَّ الشَّدو والألحانِ

قال : وحكي لي : ان ابا الغنائم ابن دارست حمل ابن الهبارية على هجو نظام الملك فأبى ، وقال : هو منعم في حقي فكيف أهجوه؟ فحمله على أن سأل ( نظام الملك ) شيئاً ، صعبت عليه أجابته الى ذلك ، فقال ابن الهبارية :

لا غَروَ إن مَلكَ ( إبنُ إس- *** -حاق ، وساعدَهُ القَدَرَ

وصفت له الدُّنيا ، وخُصَّ *** ( أبو الغنائم ) بالكدَر

فالدّهر كالدّولاب لي- *** -س يدورُ إلا بالبَقَر

فلما سمع ( نظام الملك ) هذه الأبيات ، قال : هذه إشارة الى أنني من

ص: 24


1- 1 - القرقف : الخمر

( طُوس ) فإنّه يقالُ لأهل ( طوس ) « البقر » واستدعاه ، وخلع عليه وأعطاه خمسمائة دينار فقال ابن الهبَّارية ل- ( تاج الملك ) : ألم أقل لك؟ كيف أهجوه ، وإنعامه بلغ هذا الحد الذي رأيته؟

وقال :

يا أيها الصاحبُ الأجلُّ *** إن لم يكن وابلٌ فطل (1)

المالُ فانٍ ، والذَّكرُ باقٍ *** والوَفر فرعٌ ، والعِرض أصلُ

فاجعلهُ دونَ العِيال ستراً *** فالصَّونُ في أن يكون بَذلُ

لا تَحقَرن شاعراً تراهُ *** فَعُقدَة الشًّعرِ لا تُحَلُّ

ومن معانيه الغريبة قوله في الرد على من يقول : ان السفر به يبلغ الوطر :

قالوا أقمتَ وما رزقتَ وإنما *** بالسير يكتسب اللبيب ويُرزقُ

فاجبتهم ما كل سير نافعاً *** الحظ ينفع لا الرحيل المقلق

كم سفرة نفعت وأخرى مثلها *** ضرَّت ويكتسب الحريص ويخفق

كالبدر يكتسب الكمال بسيره *** وبه اذا حرم السعادة يمحِق

وله :

ما صغتُ فيك المدح لكنني *** من غرَّ أوصافك أستملي

تملي سجاياك على خاطري *** فها أنا أكتبُ ما تُملي

وله في ابن جهير لما استوزر ثانية بسبب مصاهرة نظام الملك :

قل للوزير ، ولا تُفزعكَ هيبتهُ *** وإن تعاظمَ واستولى لمنصبه :

لولا ابنة الشيخ ما استوزرتَ ثانية *** فاشكر حراً ، صرت مولانا الوزير به

وقوله :

ما مُنح الانسان من دهره *** موهبةً أسنى من العقل

ص: 25


1- الوابل ، المطر الشديد الضخم القطر ، والطل ، المطر الخفيف يكون له اثر قليل ، وفي التنزيل قوله تعالى ( فان لم يصبها وابل فطل ).

يؤنسُهُ إن مَلَّهُ صاحبُ *** فهو على الوحدة في أهلِ

ما ضرَّهُ عندي ولا عابَهُ *** إن غَلبَته دولةُ الجهلِ

أقول وذكر له العماد في الخريدة كثيراً من الشعر في الهزل والخمر والمجون ورتبّه على الحروف وقد اكتفينا بهذه الباقة من الوان شعره ، قال ابن خلكان : ومحاسن شعره كثيرة وله كتاب نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة ، وديوان شعره كبير يدخل في اربع مجلدات ، ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة ، وهو أراجيز وعدد بيوته الفا بيت ، نظمها في عشر سنين ، ولقد أجاد فيه كل الاجادة ، وسير الكتاب على يد ولده الى الامير ابي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الاسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الابيات.

هذا كتابٌ حسنُ *** تحار فيه الفطنُ

أنفقتُ فيه مدّه *** عشر سنين عدّه

منذ سمعتُ باسمكا *** وضعته برسمكا

بيوته ألفانِ *** جميعها معان

لو ظلّ كل شاعر *** وناظم وناثر

كعمر نوح التالد *** في نظم بيت واحد

من مثله لما قدر *** ما كل مَن قال شعر

أنفذته مع ولدي *** بل مهجتي وكبدي

وأنت عند ظني *** أهل لكل مَن

وقد طوى اليكا *** توكلاً عليكا

مشقة شديدة *** وشقة بعيدة

ولو تركت جيت *** سعياً وما ونيت

إن الفخار والعلا *** إرثك من دون الملا

قال : فاجزل عطيته وأسنى جائزته.

ص: 26

الحسين الطغرائي

الحسين الطغرائي (1)

ومبسم ابن رسول الله قد عبثت *** بنو زياد بثغر منه منكوتِ

ص: 27


1- قال ابن خلكان ، والطغرائي بضم الطاء المهملة ، وسكون الغين المعجمة وفتح الراء بعدها ألف مقصورة - هذه النسبة الى من يكتب الطغرى ، وهي الطرّة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ، ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه ، وهي لفظة أعجمية.

مؤيد الدين الحسين بن علي الاصفهاني المنشىء المعروف بالطغرائي.

قال الحر العاملي في أمل الأمل : فاضل عالم صحيح المذهب ، شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة ، وشعره في غاية الحسن ، ومن جملته لأمية العجم المشتملة على الآداب والحكم ، وهي أشهر من أن تذكر ، وله ديوان شعر جيد. ثم ذكر بعض اشعاره وذكره ابن خلكان وأثنى عليه وقال : انه كان غزير الفضل لطيف الطبع فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ، وقال السيد الامين في الاعيان : مؤيد الدين ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني الوزير المنشىء المعروف بالطغرائي من ذرية ابي الاسود الدؤلي. ولد سنة 453 وقتل سنة 514 بأربل عن عمر تجاوز الستين وفي شعره ما يدل على أنه بلغ 57 سنة لأنه قال وقد جاءه مولود.

هذا الصغير الذي وافى على كبر *** أقرَّ عيني ولكن زاد في فكري

سبعٌ وخمسون لو مرَّت على حجرٍ *** لبان تأثيرها في ذلك الحجر

وهو شاعر مجيد وله ديوان شعر مطبوع بمطبعة الجوائب يشتمل على روائع ومبتكرات في المعاني وهو يحتوي على مائتين وسبعة وخمسين قصيدة ومقطوعة تتكون من ألفين وثمانمائة وخمسة وسبعين بيتاً ، وفيها الشيء الكثير من الحكم والوصف والمديح والعتاب والشكوى والحماسة ، ومن ذلك مقطوعتان في ذكر ولائه لأهل البيت علیهم السلام ونقمته على ظالميهم بقوله :

حُبُّ اليهود لآل موسى ظاهر *** وولاؤهم لبني أخيه بادي

ص: 28

وإمامهم من نسل هارون الأولى *** بهم اهتدوا ، ولكل قوم هادي

وأرى النصارى يكرمون محبة *** لنبيهم نجراً من الأعواد

وإذا توالى آل أحمد مسلمٌ *** قتلوه أو وسموه بالإلحاد

هذا هو الداء العياء بمثله *** ضلّت حلوم حواضر وبوادي

لم يحفظوا حق النبيّ محمد *** في آله ، والله بالمرصاد

وكأن هذه القطعة كانت لسان حاله ، فقد رمي بالإلحاد في آخر حياته وقتل بهذه التهمة ومضى شهيداً محتسباً.

وأما القطعة الثانية فهي :

توعدني في حبَّ آل محمد *** وحب ابن فضل الله قوم فأكثروا

فقلت لهم لا تكثروا ودعوا دمي *** يراق على حبي لهم وهو يهدر

فهذا نجاح حاضر لمعيشتي *** وهذا نجاة ارتجي يوم أحشر

وأورد له ابن شهراشوب في المناقب قوله في أهل البيت :

نجوم العلى فيكم تطلعُ *** وغائبها نحوكم يرجعُ

على يستقلُّ فلا يستقرُّ *** به لهما دونكم مضجع

ومن مشهور شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم لأن ناظمها عجمي أصبهاني ، نظمها ببغداد سنة 505 واولها :

أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ *** وحلية الفضل زانتني لدى العطلِ

وذلك في مقابلة لامية العرب للشنفري العربي التي أولها :

أقيموا بني أمي صدور مطيكم *** فإني إلى قوم سواكم لأميلُ

وقد شرح لامية العجم صلاح الدين بن أيبك الصفدي بشرح مطول يشتمل على جزئين ضخمين ، وقد أوردها ياقوت الحموي في معجم الأدباء بتمامها إعجاباً بها

ص: 29

وكذلك ابن خلكان أوردها بتمامها ، وترجمها بعض المستشرفين الى اللاتينية (1) وشطًّرها وخمَّسها كثيرون ، وأعجبني من ذلك تخميس جرجي افندي نخلة سعد ، من أدباء لبنان ، نشرته مجلة العرفان اللبنانية وأوله :

تركتُ صحبي بين الكأس والغزلِ *** يداعبون ذوات الأعين النُجُلِ

أما أنا ولسان الحق يشهد لي *** أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

وكل التخميس جاء مجارياً لمتانة القصيدة منسجماً معها ، واذا كنا لم نذكره هنا فلا تفوتنا القصيدة فهي حاوية لجملة من الحكم والنصائح وها هي :

أصالة الرأي صانتني عن الخطلِ *** وحلية الفضل زانتني لدى العطل

مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرعٌ *** والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

فيمَ الإقامة بالزوراء لا سكني *** بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

ناء عن الأهل صِفرَ الكفِ منفرد *** كالسيف عُرّي متناه من الخلل

فلا صديقٌ إليه مُشتكى حزني *** ولا أنيس إليه منتهى جَذَلي

طالِ اغترابي حتى حنًّ راحلتي *** ورحلها وقرى العسالة الذُبُل

وضجَّ من لغَبٍ نضوي وعجّ لما *** يلقى ركابي ولَّج الركب في عذلي

أريد بسطة كفٍ أستعين بها *** على قضاء حقوق للعلى قِبَلي

والدهر يعكس آمالي ويُقنعني *** من الغنيمة بعد الكد بالقَفَل

حُبُّ السلامة يَثني همَّ صاحبه *** عن المعالي ويُغري المرء بالكسل

فإن جنحتَ إليه فاتخذ نَفَقاً *** في الارض أو سُلَّماً في الجوّ فاعتزل

ودعُ غِمار العلى للمقدمين على *** ركوبها واقتنع منهنَّ بالبلل

يرضى الذليل بخفض العيش يخفضه *** والعزّ بين رسيم الأينق الذُلُل

فادرأ بها في نحور البيد حافلةَ *** معارضاتٍ مثاني اللجم بالجُدُل

ص: 30


1- خريدة القصر.

إن العلى حدثتني وهي صادقة *** فيما تُحدّث أن العزّ في النُقل

لو أن في شرف المأوى بلوغَ مُنى *** لم تبرح الشمس يوماً دارةَ الحمَل

أهبتُ بالحظ لو ناديت مستمعاً *** والحظُّ عنيَّ بالجهّال في شُغل

لعله إن بدا فضلي ونقصهُم *** لعينه نام عنهم أو تنبه لي

أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لو لا فسحةُ الأمل

لم أرتض العيش والأيام مقبلة *** فكيف أرضى وقد ولّت على عَجَل

غالى بنفسي عرفاني بقيمتها *** فصُنتها عن رخيص القدر مبتذل

وعادة النصل أن يزهو بجوهره *** وليس يعمل إلا في يَدَي بطل

ما كنت أؤثر أن يمتدَّ بي زمني *** حتى أرى دولة الأوغاد والسَفل

تقدمتني أناسٌ كان شوطهم *** وراء خطوي إذا أمشي على مَهَل

هذا جزاءُ أمرىءٍ أقرانه درجوا *** من قبله فتمنّى فُسحةَ الأجل

وإن عَلانيَ مَن دوني فلا عجبٌ *** لي أسوةٌ بانحطاط الشمس عن زُجل

فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضجرٍ *** في حادثِ الدهر ما يُغني عن الحيل

أعدى عدوّك أدنى مَن وثقتَ به *** فحاذر الناس واصحبهم على دَخَل

وإنما رجلُ الدنيا وواحدُها *** من لا يُعوّلُ في الدنيا على رجل

غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت *** مسافة الخُلف بين القول والعمل

وحُسنُ ظنك بالأيام معجزةٌ *** فظُنّ شراً وكن منها على وَجَل

وشانَ صدقِك عند الناس كذُبهم *** وهل يطابق معوّجٌ بمعتدل

إن كان ينجع شيء في ثباتهم *** على العهود فسبقُ السيف للعذل

يا وارداً سُؤر عيش كله كدرٌ *** أنفقتَ عمرك في أيامك الأول

فيمَ اعتراضك لجَّ البحر تركبه *** وأنت يكفيك منه مصّة الوشل

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا *** تحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ترجو البقاء بدارٍ لا ثَباتَ لها *** فهل سمعتَ بظلٍّ غير منتقل

ويا خبيراً على الأسرار مطلعاً *** أنصت ففي الصمت منجاةٌ من الزلل

قد رشحوّك لأمرِ إن فطِنتَ له *** فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهُمَل

ص: 31

كان وزيراً للسلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل.

وفي معجم الادباء : كان آية في الكتابة والشعر خبيراً بصناعة الكيمياء له فيها تصانيف أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى وخدم السلطان ملكشاه بن ألب ارسلان وكان منشىء السلطان محمد مده ملكه متولي ديوان الطغراء وصاحب ديوان الانشاء تشرفت به الدولة السلجوقية وتشوفت اليه المملكة الايوبية وتنقَّل في المناصب والمراتب وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة ولم يكن في الدولتين السلجوقية والايوبية من يماثله في الانشاء سوى أمين الملك ابي نصر العتبي وله في العربية والعلوم قدم راسخ وله في البلاغة المعجزة في النظم والنثر قال الامام محمد بن الهيثم الاصفهاني : كشف الاستاذ أبو اسماعيل بذكائه سر الكيمياء وفك رموزها واستخرج كنوزها وله فيها تصانيف وذكرها وقوله كان خبيراً بصناعة الكيميا لم يظهر المراد من أهو العلم بصناعتها فقط أم أنه كان يعلم كيفية صنعها وصحت معه فحول المعادن الى ذهب وفضة ربما ظهر من قوله : أضاع الناس بمزاولتها أموالاً لا تحصى الاول ولا صحت معه لاشتهر ذلك وكان ذا ثروة عظيمة وقال ابن خلكان في تاريخه : الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الاصبهاني الطغرئي غزير الفضل لطيف الطبع فاق بصنعة النظم والنثر ، توفي سنة 515 وفي انساب السمعاني.

في المنشي ، هذه النسبة الى انشاء الكتب الديوانية والرسائل والمشهور بهذه النسبة الاستاذ ابو اسماعيل الحسين بن علي بن عبد الصمد المنشي الاصبهاني صدر العراق وشهرة الآفاق وذكر معه رجلا آخر. وفي مرآة الجنان في حوادث سنة 514 فيها توفي الوزير مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني كاتب ديوان الانشاء للسلطان محمد بن ملكشاه كان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لأمية العجم ، وفي أمل الآمل : مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي فاضل عالم صحيح المذهب

ص: 32

شاعر أديب ، قتل ظلماً وقد جاوز ستين سنة وشعره ، في غاية الحسن ومن جملته لامية العجم المشتملة على الآداب والحكم وهي أشهر من أن تذكر وله ديوان شعر جيد اه- وفي الرياض : الشيخ العميد الوزير مؤيد الدين فخر الكتاب ابو اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الاصبهاني المنشي المعروف بالطغرائي الامامي الشهيد المقتول ظلماً الشاعر الفاضل الجليل المشهور صاحب لامية العجم التي شرحها الصفدي بشرح كبير معروف وكان مشهوراً بمعرفة علم الكيمياء ويعتقد صحة ذلك وله فيه تأليف اه- ولاشتهاره بعلم الكيمياء قيل عن لاميته المعروفة بلامية العجم انها رمز الى علم الكيمياء وهو خيال فاسد كما قيل عن كتاب كليلة ودمنة مثل ذلك. وفي تاريخ السلجوقية لعماد الدين محمد بن محمد الاصفهاني بعد ما ذكر مرض السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ما لفظه : وأما الاستاذ ابواسماعيل الطغرائي فانهم لما لم يروا في فضله مطعنا ولا على علمه من القدح مكمناً أشاعوا بينهم انه ساحر وانه في السحر عن ساعد الحذق وحاسر وأن مرض السلطان ربما كان بسحره وأنه ان لم يصرف عن تصرفه فلا أمن من أمره فبطلوه وعطلوه واعتزلوه وعزلوه اه.

وقال الصفدي في شرح لامية العجم : أخبرني العلامة شمس الدين محمد ابن ابراهيم بن مساعد الانصاري بالقاهرة المحروسة ان الطغرائي لما عزم أخو مخدومه على قتله أمر أن يشد إلى شجرة وأن يوقف تجاه جماعة ليرموه بالسهام ، ففعل ذلك به وأوقف إنساناً خلف الشجرة من غير أن يشعر به الطغرائي وأمره أن يسمع ما يقول : وقال لأرباب السهام : لا ترموه بالسهام إلا إذا أشرت إليكم. فوقفوا والسهام في أيديهم مفوقة لرميه. فأنشد الطغرائي في تلك الحال هذه الابيات :

ولقد أقول لمن يسدّد سهمهُ *** نحوي وأطراف المنيَّة شُرَّعُ

والموت في لحظات أحور طرفه *** دوني وقلبي دونه يتقطَّع

ص: 33

بالله فتّش في فؤادي هل يرى *** فيه لغير هوى الأحبَّة موضع

أهون به لو لم يكن في طيّه *** عهد الحبيب وسرّه المستودع

فلما سمع ذلك رقَّ له وأمر بإطلاقه ذلك الوقت ، ثم أن الوزير عمل على قتله فيما بعد وقتل اه.

فمن شعره ما أورده الحر العاملي في أمل الأمل قوله :

إذا ما لم تكن ملكاً مطاعاً *** فكن عبداً لخالقه مطيعا

وإن لم تملك الدنيا جميعاً *** كان تهواه فاتركها جميعا

هما نهجان من نسكٍ وفتك *** يحلّان الفتى الشرف الرفيعا

وقوله :

يا قلب مالك والهوى من بعد ما *** طاب السلوَّ وأقصر العشاق

أو ما بدا لك في الافاقة والأولى *** نازعتهم كأس الندام أفاقوا

مرض النسيم وصحَّ والداء الذي *** أشكوه لا يرجى له إفراق

وهدا خفوق النجم والقلب الذي *** ضمَّت عليه جوانحي خفَّاق

وفي خريدة القصر للعماد الكاتب انه كتب اليه أبو شجاع ابن أبي الوفاء وكان من معاصريه بأصفهان وهو تائب من شرب الخمر يستهديه شراباً :

يا من سما بجلاله *** فخراً على كل الأنامِ

وغدت مكارم كفه *** تغني العفاة عن الغمام

إن كنت قد نزهت نف- *** -سك عن مساورة المدام

فأسير جودك نحو ما *** نزَّهت نفسك عنه ظام

فامنن عليه بالشرا *** ب وعش سعيداً ألف عام

فالعمر يركض كالسحا *** ب وكل عيش كالمنام

واجلّ ما أدَّخر الفتى *** شكر يبوح على الدوام

ص: 34

فأجابه الاستاذ الطغرائي بقوله :

من تاب من شرب المدام *** ومن مقارفة الحرام

وسمت به النفس العزوب *** عن التورط في الاثام

فاستحي ان تلقاه من- *** -تجعاً لأهداء المدام

وابني أحق بما سال- *** -ت لديه من بلل الأوام

فاستسقه فلديه ما *** يغنيك عن سقي الغمام

واسرق من الأيام حظ- *** -ك من حلال أو حرام

فالدهر ليس ينام عن- *** -ك وأنت عنه في منام

ومن شعره قوله :

جامل عدوك ما استطعت فانه *** بالرفق يطمع في صلاح الفاسد

واحذر حسودك ما استطعت فانه *** إن نمت عنه فليس عنك براقد

ان الحسود وان أراد تودداً *** منه أضر من العدوّ الحاقد

ولربما رضي العدو اذا رأى *** منك الجميل فصار غير معاند

ورضا الحسود زوال نعمتك التي *** أوتيتها من طارفٍ أو تالد

فاصبر على غيظ الحسود فناره *** ترمي حشاه بالعذاب الخالد

أو ما رأيت النار تأكل نفسها *** حتى تعود الى الرماد الهامد

تضفو على المحسود نعمة ربه *** ويذوب من كمد فؤاد الحاسد

وقوله في مدح العلم

من قاس بالعلم الثراء فانه *** في حكمه أعمى البصيرة كاذب

العلم تخدمه بنفسك دائماً *** والمال يخدم عنك فيه نائب

والمال يسلب أو مبيد لحادث *** والعلم لا يخشى عليه سالب

والعلم نقش في فؤادك راسخ *** والمال ظل عن فِنائك ذاهب

هذا على الانفاق يغزر فيضه *** أبداً وذلك حين تنفق ناضب

ص: 35

ومن شعره قوله :

أما العلوم فقد ظفرت ببغيتي *** منها فما احتاج ان أتعلما

وعرفت أسرار الحقيقه كلها *** علماً أنار لي البهيم المظلما

وورثت هرمس سر حكمته الذي *** ما زال ظناً في الغيوب مرجّما

وملكت مفتاح الكنوز بحكمة *** كشفت لي السرَّ الخفيَّ المبهما

لولا التقية كنت أظهر معجزاً *** من حكمتي تشفي القلوب من العمى

أهوى التكرّم والتظاهر بالذي *** علّمته والعقل ينهى عنهما

وأريد لا ألقى غبياً مؤسراً *** في العالمين ولا لبيباً معدما

والناس إما جاهل أو ظالم *** فمتى أطيق تكرّما وتكلّما

وقوله يصف طلوع الشمس وغروب البدر :

وكأنما الشمس المنيرة أذ بدت *** والبدر يجنح للغروب وما غرب

متحاربان لذا مجن صاغه *** من فضة ولذا مجن من ذهب

وقوله :

أيكيّة صدحت شجواً على فنن *** فاشعلت ما خبا من نار أشجاني

فاحت وما فقدت إلفا ولا فجعت *** فذكرتني أوطاري وأوطاني

طليقة من أسار الهمّ ناعمة *** أضحت تجدد وجد الموثق العاني

تشبهت بي في وجد وفي طرب *** هيهات ما نحن في الحالين سيآن

ما في حشاها ولا في جفنها أثر *** من نار قلبي ولا من ماء أجفاني

يا ربّة البانة الغناء تحضنها *** خضراء تلتف أغصانا باغصان

ان كان نوحك إسعاداً لمغتربٍ *** ناء عن الاهل ممني بهجران

فقارضيني اذا ما اعتادني طرب *** وجداً بوجد وسلواناً بسلوان

ما أنت مني ولا يعنيك ما أخذت *** مني الليالي ولا تدرين ما شاني

ص: 36

وقوله :

اقول لنضوي وهي من شجني خلو *** حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو

تعالى اقاسمك الهموم لتعلمي *** بأنك مما تشتكي كبدي خلو

تريدين مرعى الريف والبدو ابتغي *** وما يستوي الريف العراقي والبدو

هوى ليس يسلي القرب عنه ولا النوى *** وشجو قديم ليس يشبهه شجو

فاسرٌ ولا فكٌ ووجدٌ ولا أسى *** وسقم ولا برء وسكرٌ ولا صحو

عناء معنّ وهو عندي راحة *** وسمٌ ذعافٌ طعمه في فمي حلو

وقوله :

انظر ترى الجنة في وجهه *** لا ريب في ذاك ولا شك

أما ترى في الرحيق الذي *** ختامه من خاله مسك

وقال يعزى معين الملك عن نكبته :

تَصبّر معين الملك إن عنَّ حادثٌ *** فعاقبة الصبر الجميل جميلُ

ولا تيأسن من صُنع ربك إنني *** ضمين بأن الله سوف يديل

فإن الليالي إذ يزول نعيمها *** تُبشرُ أن النائبات تزول

ألم تر أن الليل بعد ظلامه *** عليه لإسفار الصباح دليل

وأن الهلال النضو يقمر بعدما *** بدا وهو شخت الجانبين ضئيل (1)

فلا تحسبنَّ الدوح يُقلع كلما *** يمرُّ به نفح الصبا فيميل

ولا تحسبنَّ السيف يقصف كلما *** تعاوده بعد المضاء كُلول

فقد يعطف الدهر الأبيُّ عنانه *** فيشفى عليل أو يُبلُّ غليل

ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما *** تساقط ريش واستطار نسيل (2)

ويستأنف الغصن السليب نضارةً *** فيورق ما لم يعتوره ذبول

ص: 37


1- النضو : المهزول ، والشخت الضامر عن غير هزال.
2- النسيل : ما يسقط من الريش.

وللنجم من يعد الذبول استقامة *** وللحظّ من بعد الذهاب قفول

وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها *** عليك وأحداث الزمان شكول

ولا غرو أن أخنت عليك فإنمّا *** يُصادمَ بالخطب الجليل جليل

وأي قناةٍ لم تُرنّح كعوبها *** وأي حسام لم تصبه فلول

أسأت إلى الأيام حتى وترتها *** فعندك أضغان لها وتبول (1)

وما أنت إلا السيف يسكن غمده *** ليشقى به يوم النزال قتيل

أما لك بالصدّيق يوسف أُسوة *** فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل

وما غضّ منك الحبس والذكر سائرٌ *** طليق له في الخافقين ذميل (2)

فلا تذعنن للخطب آدك (3) ثقله *** فمثلك للأمر العظيم حمول

ولا تجزعن للكبل مسك وقعه *** فإن خلاخيل الرّجال كبول

وإن امرءً تعدو الحوادث عرضه *** ويأسى لما يأخذنه لبخيل

ومن شعر الطغرائي في الفخر ما ذكره الزيات في تاريخ الادب العربي

أبى الله أن اسمو بغير فضائلي *** إذا ما سما بالمال كلُّ مسوَّد

وإن كرمت قبلي أوائل أسرتي *** فإني بحمد الله مبدأ سؤددي

وما المال إلا عارة مستردة *** فهلا بفضلي كاثروني ومحتدى

إذا لم يكن لي في الولاية بسطة *** يطول بها باعي وتسطو بها يدي

ولا كان لي حكم مطاع أجيزه *** فأرغم اعدائي وأكبت حسّدي

فاعذر إن قصَّرت في حق مُجتدٍ *** وآمن أن يعتادني كيد معتد

أَأُكفى ولا أكفي؟ وتلك غضاضة *** أرى دونها وقع الحسام المهند

من الحزم ألا يضجرالمرءُ بالذي *** يعانيه من مكروهةٍ فكأن قدِ

إذا جلدي في الأمر خان ولم يُعن *** مريرة عزمي ناب عنه تجلدي

ومن يستعن بالصبر نال مراده *** ولو بعد حين إنه خير مسعد

ص: 38


1- التبول جمع التبل : هو الثأر.
2- الذميل : السير اللين.
3- آدك : اثقلك وأجهدك.

ابو منصور الجواليقي

اشارة

ابو منصور الجواليقي

قال ابن شهراشوب في المناقب : قال الجواليقي في ذم يزيد حين ضرب ثنايا الحسين علیه السلام بالقضيب الخيزران.

واختال بالكبر على ربه *** يقرع بالعود ثناياه

بحيث قد كان نبيٌ الهدى *** يلثم في قبلته فاه

ص: 39

جاء في أعيان الشيعة ج 49 ص 52 :

أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي البغدادي.

ولد سنة 466 وتوفي يوم الأحد منتصف المحرم سنة 539 ببغداد ودفن بباب حرب وصلى عليه قاضي القضاة الزينبي بجامع القصر.

و ( الجواليقي ) نسبه الى عمل الجوالق أو بيعها. والجواليق جمع جوالق وهو وعاء معروف. وهو معرب جوال بالجيم الفارسية ، لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة عربية البتة. قال ابن خلكان : وهي نسبة شاذة لأن الجموع لا ينسب اليها بل إلى آحادها ، إلا في كلمات شاذة محفوظة كأنصاري في النسبة الى الأنصار. والجواليق في جمع جوالق شاذ أيضاً لأن الياء لم تكن في المفرد والمسموع فيه جوالق بضم الجيم وجمعه جوالق بفتحها وهو باب مطرد كرجل حلاحل بضم الحاء أي وقور جمعه حلاحل بفتح الحاء ، وشجر عدامل أي قديم ، جمعه عدامل ، ورجل عراعر أي سيد ، جمعه عراعر ، ورجل علاكد أي شديد ، جمعة علاكد ، وله نظائر كثيرة اه.

( أقوال العلماء فيه )

ذكره ابن الانباري في نزهة الألباء في طبقات الأدباء فقال :

وأما أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي اللغوي فإنه كان من كبار أهل اللغة ، وكان ثقة صدوقاً ، وأخذ عن الشيخ ابي زكريا

ص: 40

يحيى الخطيب التبريزي ، وألف كتباً حسنة وقرأت عليه ، وكان منتفعاً به لديانته وحسن سيرته اه.

وذكره ابن خلكان فقال : أبو منصور موهوب بن أبي طاهر أحمد بن محمد ابن الجواليقي البغدادي الأديب اللغوي كان إماماً في فنون الأدب وهو من مفاخر بغداد ، قرأ الأدب على الخطيب ابي زكريا التبريزي يحيى بن علي ولازمه وتلمذ له حتى برع في فنه ، وهو متدين ثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط صنَّف التصانيف المفيدة وانتشرت منه مثل شرح أدب الكاتب والمعرّب ، ولم يعمل في جنسه اكثر منه ، وتتمة درة الغواص للحريري سماء التكملة فيما يلحن فيه العامة الى غير ذلك ، وكان يختار في مسائل النحو مذاهب غريبة ، وكان في اللغة أمثل منه في النحو ، وخطه مرغوب فيه يتنافس الناس في تحصيله والمغالاة فيه ، وسمع ابن الجواليقي من شيوخ زمانه واكثر ، وأخذ الناس عنه علماً جماً ، وينسب اليه من الشعر شيء قليل « اه ». وذكره وأباه أحمد السمعاني في الانساب فقال : الجواليقي ابو طاهر احمد بن محمد بن الخضر بن الحسين الجواليقي والد شيخاً ابي منصور كان شيخنا صالحا سديداً ًوابنه الامام ابو منصور موهوب بن ابي طاهر الجواليقي من اهل بغداد كان من مفاخر بغداد بل العراق وكان متديناً ًثقة غزير الفضل وافر العقل مليح الخط كثير الضبط قرأ الادب على ابي زكريا التبريزي والقاضي وابي الفرج البصري وتلمذ لهما وبرع في الفقه وصنف التصانيف وانتشر ذكره وشاع في الآفاق وقرأ عليه اكثر فضلاء بغداد وسمع ابا القاسم علي بن احمد ابن التستري وابا طاهر محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري وابا الفوارس طراد بن محمد الزينبي ومن بعدهم ، سمعت منه الكثير وقرأت عليه الكتب مثل غريب الحديث لابي عبد وامالي الصولي وغيرها من الأخبار المشهورة « اه- ».

وذكره السيوطي في بغية الوعاة فقال : موهوب بن احمد بن محمد ابن

ص: 41

الحسن بن الخضر ابو منصور الجواليقي النحوي اللغوي كان اماماً في فنون الادب صحب الخطيب التبريزي وسمع الحديث من ابي القاسم ابن التستري ( البستري ) وابي طاهر بن ابي الصقر وروى عنه الكندي وابن الجوزي وكان ثقة ديناً غزير الفضل وافر العقل مليح الخطّ والضبط درس الادب في النظامية بعد التبريزي واختص بامامة المقتفي وكان في اللغة أمثل منه في النحو وكان متواضعاً طويل الصمت من أهل السنة لا يقول الشيء الا بعد التحقيق يكثر من قول لا ادري « اه- ».

( اخباره )

قال ابن خلكان : جرت له مع الطبيب هبة الله بن صاعد المعروف بابن التلميذ واقعة عنده وهي انه لما حضر اليه للصلاة به ودخل عليه اول دخله فما زاده على ان قال السلام على اميرالمؤمنين ورحمة الله تعالى فقال له ابن التلميذ وكان حاضراً قائماً بين يدي المقتفي وله ادلال الخاصة والصحية : ما هكذا يسلم على اميرالمؤمنين يا شيخ فلم يلتفت ابن الجواليقي اليه وقال للمقتفي يا اميرالمؤمنين سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية وروى له خبراً في صورة السلام ثم قال : يا اميرالمؤمنين لو حلف حالف ان كافراً لم يصل الى قلبه نوع من انواع العلم على الوجه المرضي لما حنث لأن الله تعالى ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلا بالايمان فقال له صدقت وأحسنت فيما فعلت وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة ادبه وحكى ولده ابو محمد اسماعيل وكان أنجب اولاده قال كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر والناس يقرؤن عليه فوقف عليه شاب وقال يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم افهم معناهما واريد ان تعرفني معناهما فقال قل فانشده :

وصل الحبيب جنان الخلد اسكنها *** وهجره النار يصليني به النارا

ص: 42

فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة *** ان لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

فقال له والدي يا بني هذا شيء من علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الادب فانصرف الشاب من غير حصول فائدة واستحيا والدي من أن يسأل ما ليس عنده منه علم وقام وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر فنظر في ذلك وحصل معرفته ثم جلس. ومعنى البيت المسؤول عنه : ان الشمس اذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف ، واذا كانت في آخر الجوزاء كان الليل في غاية القصر لانه آخر فصل الربيع : ولبعض شعراء عصره وهو الحيص بيص كما في مختصر الحزيدة للحافظ :

كل الذنوب ببلدتي مغفورة *** إلا اللذين تعاظما ان يغفرا

كون الجواليقي فيها ملقيا *** أدبا وكون المغربي معبرا

فاسير لكنته تمل فصاحة *** وغفول فطنته تعبّر عن كرى

وقال ابن الانباري في النزهة : كان يختار في بعض مسائل النحو مذاهب غريبة وكان يذهب الى ان الاسم بعد لولا يرتفع بها على ما يذهب اليه الكوفيون وكان يذهب الى أن الألف واللام في نعم الرجل ، للعهد على خلاف ما ذهب اليه الجماعة من انها للجنس لا للعهد ، وحضرت حلقته يوماً وهو يقرأ عليه كتاب الجمهرة لابن دريد وقد حكى عن بعض النحويين انه قال اصل ليس ( لا ايس ) فقلت هذا الكلام كأنه من كلام الصوفية فكأن الشيخ أنكر علي ذلك ولم يقل في تلك الحال شيئاً فلما كان بعد ذلك بإيام وقد حضرنا على العادة قال اين ذلك الذي انكر ان يكون اصل ليس لا ايس ، اليس ( لا ) تكون بمعنى ليس فقلت للشيخ ولم اذا كان لا بمعنى ليس يكون اصل ليس لا آيس فلم يذكر شيئاً وكان الشيخ رحمه الله في اللغة أمثل منه في النحو وقال ابن الانباري في ترجمة الحريري القاسم بن علي :

ص: 43

يحكى انه لما قدم بغداد شيخنا ابو منصور موهوب بن احمد الجواليقي والحريري يقرأ عليه كتاب المقامات فلما بلغ في المقامة 21 الى قوله :

وليحشرن اذل من فقع الفلا *** ويحاسبن على النقيصة والشغا

قال الشيخ ابو منصور ما الشغا قال الزيادة ، فقال له الشيخ ابو منصور إنما الشغا اختلاف منابت الأسنان ولا معنى له ها هنا وقال ابن الانصاري أيضاً حكى شيخنا أبو منصور عن الشيخ ابي زكريا يحيى بن علي التبريزي عن ابي الجوائز الحسين بن علي الكاتب الواسطي قال رأيت سنة 414 وأنا جالس في مسجد قبا من نواحي المدينة امرأة عربية حسنة الشارة رائقة الاشارة ساحبة من أذيالها رامية القلوب بسهام جمالها فصلت هناك ركعتين احسنتهما ثم رفعت يديها ودعت بدعاء جمعت فيه بين الفصاحة والخشوع وسمحت عيناها بدمع غير مستدعى ولا ممنوع وأنشأت تقول وهي متمثلة :

يا منزل القطر بعدما قنطوا *** ويا وليَّ النعماء والمنن

يكون ما شئت ان يكون وما *** قدرت أن لا يكون لم يكن

وسألتني عن البئر التي حفرها النبي صلی الله علیه و آله بيده وكان أمير المؤمنين بتناول ترابها منه بيده فأريتها اياها وذكرت لها شيئاً من فضلها ثم قلت لها لمن هذا الشعر الذي انشدتيه منذ الساعة فقالت بصوت شج ولسان منكسر انشدناه حضري لاحق لبدوي سابق وصلت له منا علايق ثم رحلته الخطوب وقد رقت عليه القلوب وان الزمان ليشح بما يشح ويسلس ثم يشرس ولو لا ان المعدوم لا يحسن لقلت ما اسعد من لم يُخلق فتركت مفاوضتها وقد صبت الى الحديث نفسها خوفاً ان يغلبني النظر في ذلك المكان وان يظهر من صبوتي ما لا يخفى على من كان في صحبتي ومضت والنوازع تتبعها وهواجس النفس تشيعها ( اه- ).

ص: 44

تشيعه :

عن صاحب رياض العلماء انه قال فيه : ابن الجواليقي من الامامية واليه اسند الشهيد الثاني رحمه الله في اجازته للحسين بن عبد الصمد والد البهائي واليه ينسب بعض نسخ دعاء السماء ، وقد يطلق على بعض العامة وهو - اي ابن الجواليقي الامامي - الشيخ موهوب بن احمد بن محمد بن الخضر الجواليقي انتهى.

ولعل المراد بالجواليقي هو هذا فيستأنس به لكونه من شرط كتابنا وأما ما قاله صاحب الرياض من أن الشهيد الثاني اسند إليه في اجازته للشيخ حسين بن عبدالصمد : فهو اشارة الى قوله في الاجازة المذكورة : واروي كتاب الجمهرة مع باقي مصنفات محمد بن دريد ورواياته واجازاته بالاسناد المقدم الى السيد فخار الموسوي عن ابي الفتح محمد بن الميداني عن ابن الجواليقي عن الخطيب ابي زكريا التبريزي عن ابي محمد الحسن بن علي الجوهري عن ابي بكر بن الجراح عن ابن دريد المصنف الى أن قال وعن السيد فخار جميع مصنفات الهروي صاحب كتاب الغريين عن ابي الفرج بن الجوزي عن ابن الجواليقي عن ابي زكريا الخطيب التبريزي عن الوزير ابي القاسم المغربي عن الهروي المصنف. وعن ابن الجواليقي عن ابي الصقر الواسطي عن الجسثي عن التنيسي عن الانطاكي عن ابي تمام حبيب بن اوس الطائي صاحب الحماسة لها ولجميع تصانيفه ورواياته بالاسناد الى السيد فخار عن ابي الفتح الميداني عن ابن الجواليقي جميع كتبه ( اه- ) وينبغي أن يكون مستند صاحب الرياض في كونه إمامياً غير اسناد الشهيد الثاني في اجازته له كرواية بعض نسخ دعاء السمات أو غير ذلك فإن اسانيدة الى كتب اللغة والادب قد اشتملت على غير الامامية وروايته في تلك الاجازة عن الخطيب التبريزي تعين ان مراد صاحب الرياض به هو المترجم لا غيره من العامة ممن يطلق عليه ابن الجواليقي فان الخطيب التبريزي شيخه وقد مر عن السيوطي انه من أهل

ص: 45

السنة ولعله لم يطلع على حاله ، وصاحب الرياض لا يشك في سعة اطلاعه والله اعلم.

( مشايخه )

قد علم مما مر انه أخذ عن جماعة كثيرين دراسة ورواية (1) الخطيب التبريزي يحيي بن علي (2) القاضي ابو الفرج البصري (3) علي بن احمد بن التستري (4) محمد بن احمد بن ابي الصقر الانباري (5) طراد بن محمد الزينبى (6) ابو الصقر الواسطي.

( تلاميذه )

(1) ابن الانباري عبدالرحمن بن محمد. (2) السمعاني عبد الكريم بن محمد صاحب الانساب. (3) الكندي. (4) ابو الفرج ابن الجوزي. (5) ولده اسماعيل. (6) ابو الفتح محمد بن الميداني.

( مؤلفاته )

(1) شرح ادب الكاتب (2) ما تلحن فيه العامة (3) المقرب وهو ما عرب من كلام المعجم ومر عن ابن خلكان انه لم يعمل في جنسه اكثر منه (4) تتمة درة الغواص سماه التكملة فيما يلحن فيه العامة وذلك ان درة الغواص في أوهام الخواص فهو قد جعل لها تتمة في اوهام العوام فيكون ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص واحداً وقد عد السيوطي في مؤلفاته ما تلحن فيه العامة وتتمة درة الغواص فجعلها اثنين فيكون درة الغواص في اوهام الخواص وما تلحن فيه العامة في اوهام العوام (5) كتاب في علم العروض. انتهى.

ص: 46

وفي روضات الجنات ترجم له وذكر له من الشعر قوله - كما رواه الدميري في حياة الحيوان :

ورد الورى سلسال جودك فارتووا *** ووقفت حول الورد وقفة حائم

حيران أطلب غفلة من وارد *** والورد لا يزداد غير تزاحم

وترجم لولده اسماعيل بن موهوب.

وفي التاج المكلل للسيد صديق حسن خان : موهوب بن احمد شيخ اهل اللغة في عصره ، سمع الحديث الكثير وقرأ الادب ودرس. قال ابن الجوزي : كان غزير العقل طويل الصمت لا يقول الشيء الا بعد التحقيق والفكر الطويل وكان كثيراً ما يقول : لا ادري.

ص: 47

ابو الغمر الإسناوي

قال أبو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي المتوفى سنة 547 ه- في غلام لبس في يوم عاشوراء ثوب صوف

أيا شادنا قد لاح في زي ناسك *** فباح بمكنون الهوى كل ماسك

رويدك قد أعجزت ما يعجز الضبا *** واضرمت نيران الجوى المتدارك

أنحن فتكنا بابن بنت محمد *** فتثأر منا بالحفون الفواتك (1)

ص: 48


1- عن خريدة القصر للعماد الاصبهاني.

قال العماد الاصفهاني في ( خريدة القصر ) ج 2 ص 158 - قسم شعراء مصر أبو الغمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي.

كان أشعر أهل زمانه وأفضل أقرانه. ذكره لي بعض الكتبيين من مصر وأثنى عليه ، وقال : توفي سنة سبع وأربعون ؛ وانشدني من شعره قوله :

ألحاظكم تجرحنا في الحشا *** ولحظنا يجرحكم في الخدود

جرح بجرح فاجلعوا ذا بذا *** فما الذي أوجب جرح الصدود

وله :

يا أهل قوص غزالكم *** قد صاد قلبي واقتنص

نض الحديث فشفني *** يا ويح قلبي وقت نص

وأورده ابن الزبير في كتاب الجنان ، وذكر من شعره قوله :

طرقتني تلوم لما رأت في *** طلب الرزق للتذلل زهدي

هبك أني أرضى لنفسي بالكد *** ية يا هذه فممن أكدي

وقوله في الخمر :

عذراء تفترُّ عن دّرٍ على ذهب *** إذا صببت بها ماء على لهب

وافى اليها سنان الماء يطعنها *** فاستلأمت زرداً من فضة الحبب

وقوله :

أيا ليلة زار فيها الحبيب *** ولم يك ذا موعد ينتظر

ص: 49

وخاض الي سواد الدجى *** فيا ليت كان سواد البصر

وطابت ولكن ذممنا بها *** على طيب ريّاه نشر الشجر

وبتنا من الوصل في حُلّةٍ *** مطرّزة بالتقى والخفر

وعقلي بها نهب سكر المدام *** وسكر الرضاب وسكر الحورَ

وقد أخجل البدر بدر الجبين *** وتاه على الليل ليل الشعر

وأعدى نحولي جسم الهواء *** واعداه منه نسيم عطر

فمنّي معتبر العاشقين *** ومن حسن معناه إحدى العبر

ومن سقمي وسنا وجهه *** اريه السها ويريني القمر

وقوله :

ايها اللائم في الح- *** -بِّ لحاك الله حسبي

لست أعصى ابداً في *** طاعةِ العذّال قلبي

وقوله في العذرا :

وغزال خلعت قلبي عليه *** فهو بادٍ لأعين النظَّار

قد ارانا بنفسج الثغر بدرا *** طالعاً من منابتٍ الجلنار

وقدت نار خده فسواد الشعر *** فيه دخان تلك النار

وله :

يفترُّ ذاك الثغر عن ريقه *** در حبابٍ فوق جريال

ونون مسكِ الصدغ قد أعجمت *** بنقطةٍ من عنبر الخالِ

ص: 50

الشروطي البغدادي

سعى طرفي بلا سببٍ لقتلى *** كما لدم الحسين سعى زيادُ

يريد ابنه عبيد الله بن زياد

ص: 51

محمود بن محمد بن مسلم الشرُوطيّ البغدادي.

كان شاباً رائق الشعر ، بديع النظم والنثر ، قال العماد الاصفهاني في خريدة القصر وجريدة العصر : كان ينشدني من شعره كثيراً ، ولم أثبته ، وآخر عهدي به سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة ، وتوفي بعد ذلك ، وانا بواسط ، وله ديوان ، وكان معظم مدحه في نقيب النقباء ابن الاتقى الزينبي قال من قصيدة في مدحه ، أولها :

في حدّ رأيك ما يغني عن القضب *** وفي سخائك ما يربي على السحب

وفي اعتزامك ما لو شئت تنفذه *** أباد بالخوف أهل الدهر والرعب

دانت لهيبتك الأيام خاضعةً *** وفلَّ عزمك حدّ الموكب اللجب

وقال عنك لسان الدهر ما نطقت *** به على كل عودٍ ألسن الخُطَب

يا ( طلحة بن علي ) ما لرائدنا *** الى الغنى غير ما توليه من سبب

جابت بنا البيد عيسٌ طالما غنيت *** براحتيك عن الأمواه والعشب

حتى وصلنا الى ملكٍ ، مواهبة *** مقسومة بالندى في العجم والعرب

محجّبٌ برواق من مهابته *** يلقى الوفود بمالٍ غير محتجب

ومنها :

فجدّه في صعودٍ لم يزل أبداً *** وماله بالندى المنهل في صبب

ردّت مكارمه الانواء جامدة *** وقال نائله للعسجدِ : انسكب

يا منفذ الرأي في أجساد حُسدّه *** ولو غدا الدهر منها موضع اليلب

ومن يغار الضحى من نور طلعته *** وإن يقل وجهه للبدر « غِب » يغب

ص: 52

أبن لنا عنك ، قد حارت خواطرنا *** في كنه وصفك بين العُجب والعَجب

ذا الزهد في ملك نلقاه او مَلَك *** وذا عفاف نقيبٍ او عَفافُ نبي

وذا الذكاء الذي لم يؤته بشر *** في واحد المجد أم في السبعة الشهب

وذا الندى الجم من كفيك منسكب *** أم من سحابٍ بوبل الغيث منسكب

وذا الكمال لبدر التمّ ، ام لكما *** ل الدولة الماجد ابن السادة النجب

وهذه خلع بالفخر مشرقة *** ام ضوء نورٍ بنورٍ منك ملتهب

حاكت عليك يد التوفيق حُلّتها *** وطرّزتها يد الآراء والأرب

يستنّ بالذهب الابريز رونقها *** وربما بك تستغني عن الذهب

كأنها لقب يسمو علاك به *** وفي جلالك ما يسمو على اللقب

حتى لو انك لا تنمى الى نسب *** لدلّنا بشرك البادي على النسب

فافخر ، فمن ( هاشم ) حُزت الفخار ومن *** نجار ( زينب ) يا ابن المجد والحسب

جلال قدر أبٍ تسمو ومنقبة *** للأمِّ فافخر بأمٍّ للعلى وأب

هذي المناقب قد وافتك باسمة *** تهزُّ عندك عطفيها من الطرب

وقد سعى نحوها قوم فما ظفروا *** مما رجوه بغير الجهد والتعب

ومنها :

[ إن ساجلوك وجاؤوا بانتسابهم *** ففي السماء مقر الرأس والذنب ]

أو شابهوا عاطفات منك طيبة *** فالعود والعود معدودان في الخشب

وكله خشب في الأرض منبته *** لكن شتان بين النبع والغرب

أو كان أصلك يا ابن المجد أصلهم *** فالنخل - لاشك - أصل الليف والرطب

لبيك من منعم قال الزمان له *** أنت المعد لصرف الدهر والنوب

ومنها :

وكيف لا ترتضي الآمال رأي فتى *** مذ كان في المهد أعطي الحكم وهو صبي

ص: 53

وأجدر الناس بالعلياء من شهدت *** له العلى وعلى حبّ الامام

يا من علت درجات الفضل بي وبه *** شعري وجودك رأس المجد والأدب

لما غدوت من الأجواد منتخباً *** أتاك شعري بمدح فيك منتخب

فلا مددت يداً إلا إلى ظفر *** ولا وطئت ثرى إلا على أرب

وله من قصيدة في مدحه :

جربت أبناء هذا الدهر كلهم *** ولم أجد صاحباً يصفو به الرَّنق

إن حدَّثوا عن جميل من خلائقهم *** مانوا ، ( وان حدَّثوا ) عن مينهم صدقوا (1)

هم العدو فكن منهم على حذر *** لا يخدعنك لهم خَلق ولا خُلق

تغيّر الدهر ، والاخوان كلهم *** مالوا علي فلا أدري بمن أثق

وله من قصيدة :

أعن ( العقيق ) سألت برقاً أو مضا *** أأقام حاد بالركائب أو مضى

إن جاوز العلمين من ( سقط اللوى ) *** بالعيس لا أفضى إلى ذاك الفضا

وله :

حيَّ جيراناً لنا رحلوا *** فعلوا بالقلب ما فعلوا

رحلوا عنا ، فكم أسروا *** بالنوى صبّا وكم قتلوا

مَن لصب ذاب من كمدٍ *** طرفه بالدمع منهمل

فهو من شدو النوى طرب *** وهو من خمر الهوى ثمل

واقف بالدار يسألها *** سفهاً لو ينطق الطلل

لو تجيب الدار مخبرة *** أين حلَّ القوم وارتحلوا

لتشاكينا على مضض *** نحن والاوطان والإبل

ص: 54


1- مان يمين ميناً كذب.

يا صَبا نجد أثرتِ لنا *** حُرقاً في القلب تشتعل

غرّد الجادي ببينهم *** فله - يوم النوى - زجل

يا شموساً في القباب ضحىً *** حجبتها دوننا الكلل

عُجن بالصبِّ المشوق فقد *** شفّه - يوم النوى - المللُ

وله من قصيدة :

أسيرُ هوى المحّبة ليس يُفدى *** ومقتولُ التجنّي لايقاد

ومَن قد أمرضته وأتلفته ال- *** -عيون فلا يفاد ولا يعاد

فقدت الصبر حين وجدت وجدي *** وجاد الدمع إذ بخلت ( سعاد )

فكنت أخاف بعدي يوم قربي *** فكيف أكون إن قرب البعاد

ديارهُم كساكِ الزهر ثوباً *** وجاد على معاهدك العهاد

ألا هل لي إلى ( نجد ) سبيل *** وأيامي ب- ( رامة ) هل تعاد

أقول - وقد تطاول عمر ليلي - : *** أما لليل - ويحكمُ - نفاد

كأن الليل دهرٌ ليس يُقضى *** وضوء الصبح موعده المعاد

أعيدوا لي الرّقاد عسى خيالٌ *** يزور الصبَّ إن عاد الرقاد

وبيعوني بوصلٍ من حبيبي *** وفي سوق الهوان علي نادوا

فلو أن الذي بي من غرامٍ *** يلاقي الصخر لا نفطر الجماد

وثقت الى التصبر ثم بانوا *** فخان الصبر وانعكس المراد

وكان القلب يسكن في فؤادي *** فضاع القلب واختلس الفؤاد

وقالوا : قد ضللت بحبّ ( سعدى ) *** ألا ، هذا الضلال هو الرشاد

وهل يسلو ودادهم محبٌ *** له في كل جارحةٍ وداد

وآنف من صلاحي في بعادي *** ويعجبني مع القرب الفساد

وبين الرمل والأثلات ظبيٌ *** يصيد العاشقين ولا يصاد

ص: 55

أحمُّ المقلتين غضيض جفن *** تكلُّ لطرفه البيض الحداد

أراك بمقلتي وبعين قلبي *** لأنك من جمعيها السواد

لمن وأنا الملوم ألوم فيما *** على نفسي جنيت أنا المفاد

سعى طرفي بلا سبب لقتلي *** كما لدم ( الحسين ) سعى ( زياد )

وله :

عتابٌ منك مقبول *** على العينين محمولُ

ترفّق أيها الجاني *** فعقلي فيك معقول

ويكفيني من الهجرا *** ن تعريض وتهويل

ألا يا عاذل المشتا *** ق ، إني عنك مشغول

وفي العشاق معذور *** وفي العشاق معذول

أسلوان ولي قلب *** له في الحب تأويل

بمن في خدّه ورد *** وفي عينيه تكحيل

وجيش الوجد منصور *** وجيش الصبر مخذول

وله :

جفنُ عيني شفّه الارقُ *** وفؤادي حشوة الحُرَقُ

من لمشتاق حليف ضنىً *** دمعه في الكرب منطلق

أنا في ضدّين نار هوىً *** ودموع سحبها دفق

لي حريق في الفؤاد ولي *** مقلة انسانها غَرِق

وحبيب غاب عن نظري *** فدموعي فيه تستبق

غاب عن عيني فأرقني *** فجفوني ليس تنطبق

قلت إذ لام العواذل وا *** صطلحوا في اللوم واتفقوأ

من نأت عنّي منازلة *** ليس لي خلقٌ به أثق

ص: 56

يحيى الحصكفي

أفوت مغانيهم فأقوى الجلَدُ *** ربعانِ بعد الساكنين فدفدُ (1)

صاح الغراب فكما تحمَّلوا *** مشى بها كأنه مقيَّد

تقاسموا يوم الوداع كبدي *** فليس لي منذ تولوا كبد

ليت المطايا للنوى ما ضلعت *** ولا حدا من الحداة أحد

على الجفون رحلوا وفي الحشى *** تقيّلوا وماء عيني وردوا

وأدمعي مسفوحة وكبدي *** مقروحة وغُلّتي ما تبرد

وصبوتي دائمة ومقلتي *** دامية ونومها مشرد

تيمني منهم غزال أغيد *** يا حبذا ذاك الغزال الأغيد

حسامه مجرَّد وصرحه *** ممرّدٌ وخدّه مورّد

كأنما نكهته وريقه *** مسك وخمر والثنايا بَرَد

يقعده عن القيام ردفه *** وفي الحشى منه المقيم المقعد

أيقنت لما أن حدا الحادي بهم *** ولم أمت أن فؤادي جامد

كنتُ على القرب كئيباً مغرماً *** صباً فما ظنك بي إذ بعدوا

هم الحياة أعرقوا أم أشأموا *** أم أيمنوا أم أتهموا أم أنجدوا

ليهنهم طيب الكرى فانه *** من حظّهم وحظ عيني السهد

ص: 57


1- ذكرها ابن الجوزي في المنتظم ج 3 ص 183 ، والعماد الاصفهاني في خريدة القصر.

هم تولوا بالفؤاد والكرى *** فأين صبري بعدهم والجلد

لولا الضنا جحدت وجدي بهم *** لكن نحولي بالغرام يشهد

لله ما أجور أحكام الهوى *** ليس لمن يُظلم فيه مسعد

ليس على المتلف غرمٌ عندهم *** ولا على القاتل عمداً قَود

هل انصفوا اذ حكموا أم اسعفوا *** من تيموا أم عطفوا فاقتصدوا

بل اسرفوا وظلموا وأتلفوا *** مَن هيموا وأخلفوا ما وعدوا

* * *

وسائل عن حبّ أهل البيت هل *** أقرُّ إعلاناً به أم أجحد

هيهات ممزوج بلحمي ودمي *** حبّهم وهو الهدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده *** ثم علي وابنه محمد

وجعفر الصادق وابن جعفر *** موسى ويتلوه علي السيد

أعني الرضا ثم ابنه محمد *** ثم علي وابنه المسدد

والحسن التالي ويتلو تلوه *** محمد بن الحسن المفتقد

فانهم ائمتي وسادتي *** وان لحاني معشر وفندّوا

ائمة اكرم بهم ائمة *** اسماؤهم مسرودة تُطرّدُ

هم حجج الله على عباده *** بهم اليه منهج ومقصد

هم النهار صوَّم لربهم *** وفي الدياجي ركّعٌ وسُجّد

قوم أتى في هل أتى مدحهم *** وهل يشك فيه إلا ملحد

قوم لهم فضلٌ ومجد باذخ *** يعرفه المشرك والموحّد

قوم لهم في كل أرض مشهد *** لا بل لهم في كل قلب مشهد

قوم منى والمشعران لهم *** والمروتان لهم والمسجد

قوم لهم مكة والابطح وال- *** -خيف وجمعٌ والبقيع الغرقد

ما صدق الناس ولا تصدقوا *** ونسكوا وأفطروا وعيّدوا

ولا غزوا وأوجبوا حجاً ولا *** صلوا ولا صاموا ولا تعبّدوا

ص: 58

لو لا رسول الله وهو جدّهم *** يا حبذا الوالد ثم الولد

ومصرع الطف فلا اذكره *** ففي الحشى منه لهيب يقد

يرى الفرات ابن الرسول ظامياً *** يلقى الردى وابن الدعي يرد

حسبك يا هذا وحسب مَن بغى *** عليهمُ يوم المعاد الصمد

يا أهل بيت المصطفى وعدّتي *** ومن على حبّهمُ اعتمد

انتم الى الله غدا وسيلتي *** وكيف أخشى وبكم اعتضد

وليكم في الخلد حيٌ خالد *** والضدُّ في نار لظى مخلد

ولست أهواكم لبغض غيركم *** اني اذاً أشقى بكم لا أسعد

فلا يظن رافضي أنني *** وافقته أو خارجي مفسد

محمد والخلفاء بعده *** أفضل خلق الله فيما أجد

هم أسسوا قواعد الدين لنا *** وهم بنوا أركانه وشيدوا

ومن يخن أحمد في أصحابه *** فخصمه يوم المعاد احمد

هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا *** هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا

والشافعي مذهبي مذهبه *** لأنه في قوله مؤيّد

وله :

انظر الى البدر الذي قد اقبلا *** وأراك فوق الصبح ليلاً مسبلا

ما بلبل الاصداغ في وجناته *** إلا ليترك من رآه مبلبلا

يا أيها الريان من ماء الصبا *** بي في الهوى عطش الحسين بكربلا

ص: 59

ابوالفضل أو ابو الوفاء معين الدين يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الخطيب الحصكفي الكاتب الاديب.

ولد في حدود سنة 460 بطنزه (1) وتوفي سنة 553 وقبل سنة 551 بميافارقين بعد ان نشأ بحصن كيفا.

والحصكفي بحاء مهملة مفتوحة وصاد مهملة وكاف مفتوحة وفاء وياء نسبة الى حصن كيفا. قال ابن خلكان هي قلعة حصينة شاهقة بين جزيرة ابن عمرو وميافارقين من مدائن ديار بكر وفي انساب السمعاني : ابو الفضل يحيى ابن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي الخطيب بميافارقين أحد أفاضل الدنيا ، وكان اماماً بارعاً اشتهر ذكره في الافاق بالنظم والنثر والخطب. وكان يتشيع كما يقول ابن الاثير في الكامل.

اقول ورأيت في كتاب ( ينابيع المودة ) للشيخ سليمان الحنفي القندوزي بعض هذه الابيات وينسبها لبعض الشافعية وأظنه يقصد الشاعر نفسه.

وعن ابن كثير الشامي في تاريخه ان الخطيب الحصكفي هذا كان إمام زمانه في كثير من العلوم كالفقه والادب والنظم والنثر ولكن كان غالياً في التشيع.

قال ابن الخلكان : هو صاحب الديوان الشعر والخطب والرسائل ، قدم بغداد واشتغل بالادب على الخطيب ابي زكريا التبريزي المقدم ذكره وأتقنه حتى مهر فيه وقرأ الفقه على مذهب الشافعي واجاد فيه ثم رحل عن بغداد راجعاً الى بلاده ونزل ( ميافارقين ) واستوطنها وتولى بها الخطابة وكان اليه

ص: 60


1- 1 - هي بلدة من الجزيرة من ديار بكر

أمر الفتوى بها وذكره العماد الاصفهاني في كتاب الخريدة. اقول ثم ذكر له قطعاً شعرية مستملحة.

قال الشيخ القمي في الكنى : وقد يطلق الحصكفي على علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصكفي الدمشقي العالم المحدث النحوي كان يدرس ويفتي بدمشق وله شرح على المنار للنسفي وشرح على ملتقى الابحر في الفروع الخفية لابراهيم الحلبي المتوفي سنة 956 وغير ذلك توفي سنة 1088 انتهى.

وقال ابن الجوزي في المنتظم : هو إمام فاضل في علوم شتى وكان يفتى ويقول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب الى الغلو في التشيّع ومن لطيف قوله :

جدّ ففي جدّك الكمال *** والهزل مثل اسمه هزال

فما تنال المراد حتى *** يكون معكوس ما تنال

وقوله : أي لا تنام

اذا قلّ ما لي لم تجدني ضارعا *** كثير الاسى مغرىً بعضِّ الانامل

ولا بطراً إن جدد الله نعمة *** ولو أنّ ما آوى جميع الانام لي

قال السمعاني في الانساب ص 184 :

الحَصكفي بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف وفي آخرها الفاء ، هذه النسبة إلى ( حصن كيفا ) وهي مدينة من ديار بكر ويقال لها بالعجمية حصن كيبا ، والمشهور بالنسبة إليها أبوالفضل يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي الخطيب بميافارقين أحد أفاضل الدنيا ، وكان إماماً بارعاً في قول الشعر جواد الطبع رقيق القول ، اشتهر ذكره في الآفاق بالنظم والنثر والخطب ، وعمرّ العمر الطويل ، وكان غالياً في التشيع ويظهر ذلك في شعره ، كتب إليّ الإجازة بجميع مسموعاته بخطه في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ، وروى لى عنه أبو عبدالرحمن عسكر بن أسامة النصيبي ببغداد وأبو الحسن علي بن مسعود الإسعردي بالرقة ، وأبو الخير سلامة بن قيصر الضرير بقلعة جعبر ، والخضر بن ثروان الضرير الأديب ببلخ ، وساعد بن

ص: 61

فضائل المنبجي بنيسابور وغيرهم ، وكانت ولادته في حدود الستين والاربعمائة وتوفي بعد سنة 551 بميافارقين.

فمن شعره ، كما في المنتظم لابن الجوزي ج 10 ص 187 وفي خريدة القصر ص 490.

حنت فاذكت لوعتي حنينا *** أشكو من البين وتشكو البينا

قد عاث في أشخاصها طول السرى *** بقدر ما عاث الفراق فينا

فخلَّها تمشي الهُوينا طالما *** أضحت تبارى الريح في البرينا

وكيف لا نأوي لها وهي التي *** بها قطعنا السهل والحزونا

ها قد وجدنا البرَّ بحراً زاخراً *** فهل وجدنا غيرها سفينا

إن كنَّ لا يُفصحن بالشكوى لنا *** فهنَّ بالإرزام يشتكينا

قد عذبت لها دموعي لم تبت *** هيماً عطاشا وترى المعينا

وقد تياسرتَ بهنَّ جائرا *** عن الحمى فاعدل بها يمينا

تحن اطلالا عفا آياتها *** تعاقب الايام والسنينا

يقول صحبي أترى آثارهم *** نعم ولكن لا ترى القطينا

لو لم تجد ربوعهم كو جدنا *** للبين لم تبل كما بَلينا

ما قدر الحي على سفك دمي *** لو لم تكن أسيافهم عيونا

أكلما لاح لعيني بارق *** بكت فابدت سرّي المصونا

لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي *** وعاقبوا الخائن لا الأمينا

ما استترت بالورق الورقاء كي *** تصدق لما علت الغصونا

قد وكلت بكل باك شجوه *** تعينه إذ عدم المعينا

هذا بكاها والقرين حاضرٌ *** فكيف من قد فارق القرينا

أقسمت ما الروض اذا ما بعثت *** أرجاؤه الخيري والنسرينا

وأدركت ثماره وعذبت *** أنهاره وأبدت المكنونا

وقابلته الشمس لما أشرقت *** وانقطعت أفنانه فنونا

أذكى ولا أحلى ولا أشهى ولا *** أبهى ولا أوفى بعيني لينا

ص: 62

من نشرها وثغرها ووجهها *** وقدّها فاستمع اليقينا

يا خائفا علي أسباب العدى *** أما عرفتَ حِصني الحصينا

إني جعلتُ في الخطوب موئلي *** محمداً والانزع البطينا

أحببتُ ياسين وطاسين ومن *** يلوم في ياسين أوطاسينا

سر النجاة والمناجاة لمن *** أوى الى الفلك وطور سينا

وظن بي الاعداء إذ مدحتهم *** ما لم أكن بمثله قمينا

يا ويحهم وما الذي يريبهم *** مني حتى رجموا الظنونا

رفد مديح قدر وافى رافد *** فلم يجنوا ذلك الجنونا

وإنما أطلب رفداً باقياً *** يوم يكون غيري المغبونا

يا تائهين في أضاليل الهوى *** وعن سبيل الرشد ناكبينا

تجاهكم دار السلام فابتغوا *** في نهجها جبريلها الأمينا

لجوامعي الباب وقولوا حطة *** تغفر لنا الذنوب أجمعينا

ذروا العنا فان أصحاب العبا *** هم النبا إن شئتم التبيينا

ديني الولاء لست أبغى غيره *** ديناً وحسبي بالولاء دينا

هما طريقان فاما شأمة *** أو فاليمين ( فاسلكوا ) اليمينا

سجنكم سجّين إن لم تتبعوا *** عَلينا دليل عِليينا

قال العماد الاصفهاني في الخريدة : وأنشدني الفقيه عبدالوهاب الدمشقي الحنفي ببغداد سنة خمسين وخمسمائة قال : أنشدني الخطيب يحيى بن سلامة بميافارقين لنفسه من قصيدة شيعية شائعة ، رائقة رائعة ، أولها :

حنّت فأذكت لوعتي حنينا *** أشكو من البَين وتشكو البَينا

ومنها في مدح أهل البيت علیهم السلام . أقول وذكر أربعة أبيات ثم أورد أكثرها في آخر الترجمة وذكر له من الشعر والنثر شيئاً كثيراً.

وكتب الى ابي محمد الحسن بن سلامة يعزيه عن أبيه أبي نصر :

لما نعى الناعي أبا نصر *** سدَّت عليَّ مطالع الصبرِ

وجرت دموع العين ساجمة *** منهلة كتتابع القطر

ص: 63

ولزمت قلباً كاد يلفظه *** صدري لفرقة ذلك الصدر

ولّى فأضحى العصر في عطل *** منه وكان قلادة العصر

حفروا له قبراً وما علموا *** ما خلّفوا في ذلك القبر

ما أفردوا في الترب وانصرفوا *** إلا فريد الناس والدهر

تطويه حفرته فينشره *** في كل وقت طيب النشر

يبديه لي حُّباً تذكره *** حتى أخطاه وما أدري

تبَّاً لدار كلها غصص *** تأتي الوصال بنية الهجر

تنسي مرارتها حلاوتها *** وتكرُّ بعد العرف بالنكر

وللخطيب المذكور الخطب المليحة والرسائل المنتفاة ولم يزل على رياسته وجلالته وإفادته إلى أن توفي سنة احدى وقيل ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وكانت ولادته في حدود سنة ستين واربعمائة رحمه الله تعالى.

قال العماد الاصبهاني في حقه : كان علامة الزمان في علمه ، ومعرّي العصر في نثره ونظمه ، له الترصيع البديع ، والتجنيس النفيس ، والتطبيق والتحقيق ، واللفظ الجزل الرقيق ، والمعنى السهل العميق ، والتقسيم المستقيم ، والفضل السائر المقيم.

ثم قال العماد بعد كثرة الثناء عليه وتعداد محاسنه : وكنت أحبّ لقاءه وأحدث نفسي عند وصولي إلى الموصل بالاتصال به ، وأنا شغف بالاستفادة كلف بمجالسة الفضلاء للاستزادة ، فعاق دون لقائه بعد الشقة وضعفي عن تحمل المشقة. ثم ذكر له عدة مقاطيع منها.

والله لو كانت الدنيا بأجمعها *** تُبقي علينا ويأتي رزقها رغدا

ما كان من حق حرٍّ أن يذلَّ لها *** فكيف وهي متاع يضمحلُّ غدا

ثم قال العماد الاصبهاني وانشدني له بعض الفضلاء ببغداد خمسة أبيات كالخمسة السيارات مستحسنات مطبوعات مصنوعات وهي :

ص: 64

اشكو الى الله من نارين : واحدة *** في وجنتيه ، وأخرى منه في كبدي

ومن سقامين : سقم قد أحلّ دمي *** من الجفون وسقم حلَّ في جسدي

ومن نمومين : دمعي حين أذكره *** يذيع سري ، وواشٍ منه بالرصد

ومن ضعيفين : صبري حين أذكره *** ووده ويراه الناس طوع يدي

مهفهف رق حتى قلت من عجب *** أخصره خنصري أم جلده جلدي

ومن مليح شعره أبيات في هجو مغن رديء وهي :

ومسمع غناؤه *** يبدل بالفقر الغنى

شهدته في عصبة *** رضيتهم لي قرنا

أبصرته فلم تخب *** فراستي لما دنا

وقلت : مَن ذا وجهه *** كيف يكون محسنا

ورمتُ أن أروح لل- *** -ظن به ممتحنا

فقلت من بينهم *** هات أخى غَنَّ لنا

ويوم سلع لم يكن *** يومي بسلع هينا

فانشال منه حاجب *** وحاجب منه انحنى

وامتلأ المجلس من *** فيه نسيما منتنا

أوقع إذ وقّع في الأ *** نفس اسباب العنا

وقال لما قال من *** يسمع في ظل الغنا

وما اكتفى باللحن والت- *** -خليط حتى لحنا

هذا وكم تكشخنَ الو *** غد وكم تقرننا

يوهم زمراً انه *** قطعه ودندنا

وصاح صوتاً نافراً *** يخرج من حدِّ البنا

وما درى محضره *** ماذا على القوم جنى

فذا يسدّ أنفه *** وذا يسد الاذنا

ومنهمو جماعة *** تستر عنه الاعينا

ص: 65

فاغتظت حتى كدت من *** غيظي أبث الشجنا

وقلت يا قوم اسمعوا *** إما المغني أو أنا

أقسمت لا أجلس أو *** يخرج هذا من هنا

جرُوا برجل الكلب إن *** السقم هذا والضنا

قالوا لقد رحمتنا *** وزلت عنا المحنا

فحزت في اخراجه *** راحة نفسي والثنا

وحين ولى شخصه *** قرأتُ فيهم معلنا

الحمد لله الذي *** أذهب عنا الحزنا

ولم اسمع مع كثرة ما قيل في هذا الباب مثل هذا المقطوع في هذا المعنى وللخطيب المذكور ايضاً في هذا المعنى وهو :

ومسمع قوله بالكره مسموعُ *** محجّب عن بيوت الناس ممنوعُ

غنَّى فبرَّق عينيه وحرك لحييه *** فقلنا الفتى لا شك مصروع

وقطَّع الشعر حتى ودّ اكثرنا *** أن اللسان الذي في فيه مقطوع

لم يأتِ دعوة أقوام بأمرهم *** ولا مضى قَطُّ إلا وهو مصفوع

قال العماد الاصبهاني : وله بيتان كأنهما درَّتان او كوكبان دريان وهما :

ما لطرفي وما لذا السهر الدا *** ثم فيه وما لليلي ولَيلي

هجرتني وفاز بالوصل أقوا *** مٌ فطوبى لواصليها وويلي

قال : وأنشدني بعض الاصدقاء له من أول كلمة.

هل من سبيل إلى ريق المريق دمي *** فليس يشفي سوى ذاك السّلمي ألمي

وله من قصيدة :

جلَّ مَن صوَّر من ماءٍ مَهين *** صوراً تسبي قلوب العالمين

وأرانا قُضُباًُ في كثبٍ *** تخجلُ الاغصان في قدٍّ ولين

ص: 66

وله :

مَن كان مرتدياً بالعقل متزراً *** بالعلم ملتفعاً بالفضل والأدب

فقد حوى شرف الدنيا وإن صَفِرت *** كفَّاه من فضة فيها ومن ذهب

هو الغنيّ وِإن لم يمس ذا نشبٍ *** وهو النسيب وإن لم يمس ذا نسب

وله :

غريق الذنوب أسير الخطايا *** تنبَّه فدنياك أمُّ امدنايا

تَغرُّ وتعطي ولكنها *** مكدِّرة تستردُّ العطايا

وفي كل يوم تُسرِّي اليك *** داءً فجسمك نهب الرزايا

أما وعظتك بأحدثها *** وما فعلت بجميع البرايا

ترى المرء في أسر آفاتها *** حبيساً على الهمَّ نصب الرزايا

وإطلاقه حين ترثي له *** وحسبك ذا أن تلاقي المنايا

ويا راحلاً وهو ينوي المقام *** تزوَّد فان الليالي مطايا

ومن شعره ما كتبه الى كمال الدين الشهرزوري بالموصل مشتملة على معاني أهل التصوف - كما في الخريدة :

أداروا الهوى صِرفاً فغادرهم صرعى *** فلما صحوا من سكرهم شربوا الدمعا

وما علموا أن ألهوى لو تكلّفوا *** محبة أهليه لصار لهم طبعا

ولما استلذوا موتهم بعذابه *** وعيشهم في عدمه سألوا الرُجعى

إذا فقدوا بعض الغرام تولّهوا *** كأنّ الهوى سنَّ الغرام لهم شرعا

وقد دفعوا عن وجدهم كل سلوةٍ *** ولو وجدته ما أطاقت له دفعا

وطاب لهم وقع السهام فما جلواً *** لصائبها بيضاً ولا نسَجوا درعا

فكيف يعدّ اللوم نصحاً لديهم *** إذ كان ضُرُّ الحبَّ عندهم نفعا

ص: 67

ومنها :

خلا الربع من أحبابهم وقلوبهم *** ملاءٌ بهم فالربع من سأل الربعا

سل الورق عن يوم الفراق فإنه *** بأيسر خطب منه علّمها السجعا

إذا صدحت فاعلم بأن كبُودها *** مؤرثّة غماً تكابده صدعى

وذاك بأن البين بان بإلفها *** وكيف ينال الوصل من وجد القطعا

وأهل الهوى إن صافحتهم يد النوى *** رأوا نهيها أمراً وتفريقها جمعا

رعى وسقى الله القلوب التي رعت *** فأسقت بما ألقت وأخرجت المرعى

وحيَّاً وأحيا أنفساً أحيت النهى *** وحيت فاحيتنا مناقبها سمعاً

سحائب إن شيمت عن الموصل التي *** بها حلَّت الانواء أحسنت الصنعا

أوائلها من شهرزور إذا اعتزت *** جزى الله بالخير الأراكة والفرعا

وجدت الحيا عنها بنجعة غيره *** فأعقبنا ريّا وأحسبنا شبعا

ونلنا به وتر العطاء وشفعه *** كأنا أقمنا نحوه الوتر والشفعا

وللحصكفي من قصيدة :

أترى علموا لما رحلوا *** ماذا فعلوا أم من قتلوا

خدعوا بالمين قتيل الب- *** -ين فدمع العين لهم ذللُ

وبسمعي ثوّرَ حاديهم *** وبعيني قربت البزل

فمتى وصلوا حتى قطعوا *** ومتى سمحوا حتى بخلوا

قد زاد جنون النفس بمن *** للعقل محاسنه عقل

إن قام أقام قيامتها *** أو جال فجولته الأجل

كقضيب البان وفي الاجفا *** ن من الغزلان له مثل

أشكوا زمناً أولى محناً *** وجنى حزناً فعفت سُبُل

العلم يهان وليس يصا *** ن فاي لسانٍ يرتجلُ

وفي سير النبلاء قال : العلامة الامام الخطيب ذو الفنون معين الدين ابوالفضل

ص: 68

يحيى بن سلامه بن حسين بن أبي محمد عبدالله الديار بكري قال العماد الاصبهاني وله من قصيدة قصد فيها التجنيس الظريف :

ألبَّ داعي الهوى وهناً فلبّاها *** قلب أتاها ولولا ذكرها تاها

تلت علينا ثناياها سطور هوىً *** لم ننسها مذ وعيناها وعيناها

وعرفتنا معانيها التي بهرت *** سبل الغرام فهمنا إذ فهمناها

عفتُ الأثام وما تحت اللثام لها *** وما استبحتُ حماهابل ِحميّاها

يا طالبَ الحب مهلا إن مطلبه *** ينسي بأكثره اللاهي به الله

ولا تمنَّ أموراً غبَّها عطبٌ *** فربّ نفسٍ مناها في مناياها

فأنفع العدد التقوى وأرفعها *** لأنفس إن وضعناها أضعناها

وفي اعيان الشيعة قال :

وكان بمدينة آمد شابان بينهما مودة أكيدة ومعاشرة كثيرة ، فركب أحدهما ظاهر البلد وطرد فرسه فتقنطر فمات وقعد الآخر يستعمل الشراب فشرق فمات في ذلك النهار فعمل فيهما بعض الادباء :

تقاسما العيش صفوا والردى كدراً *** وما عهدنا المنايا قط تقتسم

وحافظا الود حتى في حمامها *** وقلما في المنايا تحفظ الذمم

فقال المترجم له :

بنفسي أخيّان من آمدٍ *** أصيبا بيوم شديد الاذاة

فهذا كميتٌ من الصافنات *** وهاذا كميت من الصافيات

ومما نسب اليه ويقال انها للمرزوقي قال ابن شهراشوب في المناقب : المرزوقي ويقال للحصكفي :

يا ربِّ القدم التي أوطأتها *** من قاب قوسين المحلَّ الاعظما

ص: 69

وبحرمة القدم التي جعلت لها *** كتفُ المؤيّد بالرسالة سُلما

اجعلهما ربي اليك وسيلتي *** في يوم حشر أن ازور جهنما

اقول وانا أروي هذا الشعر وبعد البيتين الأولين :

ثبّت على متن الصراط تكرماً *** قدمي وكن لي محسنا ومكرِّما

واجعلهما ذخري فمن كانا له *** أمِنَ العذاب ولا يخاف جهنما

وقوله ملغزاً في نعش :

أتعرف شيئاً في السماء نظيره *** اذا سار صاح الناس حيث يسير

فتلقاه مركوباً وتلقاه راكباً *** وكل أمير يعتليه أسير

يحض على التقوى ويكره قربه *** وتنفر منه النفس وهو نذير

ولم يستزر عن رغبة في زيارة *** ولكن على رغم المزور يزور

وله :

يا بن ياسين وطاسين *** وحاميم ونونا

يا بن من أنزل فيه *** السابقون السابقونا

ص: 70

الحسن بن علي الزبير

أبو محمد الحسن بن علي بن الزبير يرثي الحسين علیه السلام ويمدح الملك الصالح بن رزِّيك سنة 553.

أعلمتَ حين تجاور الحيانِ *** أنَّ القلوب مواقدُ النيران

وعرفتَ أن صدور ناقد أصبحت *** في القوم وهي مرابض الغزلان

وعيوننا عوض العيون أمدَّها *** ما غادروا فيها من الغدران

ما الوخدُ هزَّ قبابهم بل هزَّها *** قلبي لما فيه من الخفقان

وتراه يكره أن يرى أضعانهم *** فكأنما أضحت من الاضغان

وبمهجتي قمر إذا ما لاح لل- *** -ساري تضاءَلَ دونه القمران

قد ابان للعشاق أن قوامه *** سرقت شمائِلهُ غصون البان

وأراك غصناً في النعيم يميل إذ *** غصن الأراك يميل في نعمان (1)

للرمح نَصلٌ واحدٌ ولقدَّه *** من ناظريه إذا رنا نصلان

والسيف ليس له سوى جفنٍ وقد *** اضحى لصارم طرفه جفنان

والسهم تكفي القوسُ فيه وقد غدا *** من حاجبيه للحظه قوسان

ولرُبَّ ليل خلتُ خاطفَ برقه *** ناراً تلفّعُ للدجى بدخان

كالمايل الوسنان من طول السرى *** جوزاؤه والراقصِ السكران

ص: 71


1- نعمان : واد وراء عرفة.

ما بان فيه من ثرياه سوى *** إعجامها والدال في الدبران (1)

وترى المجرَّة في النجوم كأنما *** تسقي الرياض بجدول ملآن

لو لم تكن نهراً لما عامت به *** أبداً نجوم الحوت والسرطان

نادمت فيه الفرقدين كأنني *** - دون الورى - وجذيمة أخوان (2)

وترفَّعت هِممي فما أرضى سوى *** شهبِ الدجى عِوضاً من الخلان

وأنفتُ حين فجعتُ بالأحباب أن *** ألهو عن الإخوان بالخوَّان

وهجرت قُوماً ما استجاز سواهم *** قدماً قرى الضيفان بالذيفان

إلا الأولى نزل الحسينُ بدارهم *** واختار أرضهم على البلدان

فجنوا على الإسلام والإيمان إذ *** أجنوه مرَّ جناً من المران

جعلوا الجفان المترعات لغيره *** وقروه ما سلِّوا من الاجفان

وسقوه إذ منعوا الشريعة بعدما *** رفضوا الشريعة ماء كان يمان

حتى لقد ورد الحمام على الظما *** أكرم به من وارد ظمآن

لا الدين راعوه ولا فعلوا به *** ما يفعل الجيران بالجيران

تالله ما نقضوا هناك بقتله *** الايمان بل نقضوا عرى الإيمان

فثوى وآل المصطفى من حوله *** يكبون للجبهات والأذقان

نزلوا على حكم السيوف وقد أبوا *** في الله حكم بني أبي سفيان

وتخيروا عز الممات وفارقوا *** فيه حياة مذلة وهوان

يا لهفتي لمصرعّين قبورهم *** - في كربلاء - حواصل العقبان

بزّت سوابغ عنهم وتمزقت *** أشلاؤهم بسواغب الذؤبان

وأنيخ في تلك القفار حمامهم *** فأتيح لحم الليث للسرحان

إن لم تجن جسومهم في تربها *** فلأنها اعتاضت بخير جنان

كم روح ثاوٍ منهم قد أصبحت *** تختال في روح وفي ريحان

ص: 72


1- الدبران : منزل للقمر.
2- كان جذيمة الابرش ملك الحيرة لا ينادم الا الفرقدين تكبراً عن منادمة الناس.

ما ضرّهم والخلد من أوطانهم *** أذ أزعجوا كرهاً عن الاوطان

ولقد دنا بهم التقى من ربهم *** ونأت رؤسهم عن الابدان

وأتى اليهم قومهم ما لم يكن *** يأتيه اهل الكفر والطغيان

لم يتركوا لهم قتيلاً واحداً *** إلا له رأس برأس سنان

حتى غدت لمسامع الاطفال فو *** ق السمر اخراصٌ من الخرصان

عجباً لهم نقلوا رؤسهم وقد *** نقلوا فضائلهم عن القرآن

وتفرقوا في بغضهم فرقاً وهم *** يروون معجزهم عن الفرقان

الجاهلية قبلهم لم يغدروا *** بهم وكانوا عابدي أوثان

أيخاف آل محمد في أمة *** شهدت له بالصدق والبرهان

ومحمد في قومه مع كفرهم *** لما يزل في منعة وأمان

فالمشركون أخف جرماً منهم *** وأشف يوم الحشر في الميزان

ومن العجائب انهم عدّوا الذي *** فعلوه قرباناً من القربان

ورجوا به الزلفى كما زعموا ونَ- *** -يل ألمن عند الواحد المنان

واحق من خابت مطامع جهله *** من يرتجي الغفران بالكفران

أبني أمية خاب مؤتم بكم *** فيما مضى من سالف الازمان

سقطت غداة وليتموها جهزة *** بالغصب هاء خلافة الرحمان

وغدت أمارتكم دماراً يستعاذ *** الله إن ذكرت من الشيطان

لو كان في عصر ملكتم أمره *** وقضيتم بالجور والعدوان

الصالح المردى الجبابرة الأولى *** قدماً عشوا في البغى والعصيان

ومبيد أحزاب النفاق بصارم *** هو في الحروب وعزمه سيان

لأذال أهل الحق من طلقائكم *** بشبا سنان قاطع ولسان

ولأصبح المختار معدودا له *** في جملة الاتباع والاعوان

ما مالك النخعى في أفعاله *** أبداً كذا الملك العظيم الشان

كلا ولا قيس يقاس به إذا *** ما عد في الحلماء والشجعان

ص: 73

ان فاته بالطف يومٌ أوَّلُ *** فله بنصر القصر يوم ثان

لولاه اذ بسط العدى أيديهم *** لم يثنها عن أهله يد ثان

والخيل تعلم في الكريهة أنه *** إن شاء أثكلها على الفرسان

عجباً لجود يديه إذ يبني العُلى *** والسيل يهدم شامخ البنيان

وَلَنار فطنته تريك لشعره *** عذباً يروي غُلَّةَ العطشان

وعقود دُرٍ لو تجسّم لفظها *** ما رُصعت إلا على التيجان

وتنزهت عن أن ترى أفرادُها *** بمواضع الاقراط في الآذان

من كل رائقة الجمال زهت بها *** بين القصائد غُرَّة السلطان

سيارة في الأرض لا تعتاقها *** في سيرها قَيدٌ من الاوزان

يا منعماً ما للثناء ولو غلا *** يوماً بما تولي يداه يدان

قلَّدت أعناق البرية كلَّها *** مننا تحمل ثقلها الثقلان

حق تساوى الناس فيك واصبح *** القاصي بمنزلة القريب الداني

ورحمت أهل العجز منهم مثلما *** أصبحت تغفر للمسيء الجاني

ومنها يحثه على قصد شام الفرنج

يا كاسر الأصنام قم فانهض بنا *** حتى تصير مكسِّر الصُلبان

فالشام ملكك قد ورثت تراثه *** عن قومك الماضين من غسان

فإذا شككت بأنها أوطانهم *** قدماً فسل عن حادث الجولان (1)

أورمت أن تتلو محاسن ذكرهم *** فاسند روايتها إلى حسّان

ومنها في وصف الزلزلة

ما زلزلت ارض العدا بل ذاك ما *** بقلوب أهليها من الخفقان

وأقول إن حصونهم سجدت لما *** أوتيت من ملكٍ ومن سلطان

ص: 74


1- اسم اقليم في شمال شرقي الاردن.

والناس أجدر بالسجود إذا غدا *** لعلاك يسجد شامخ البنيان

ولقد بعثت الى الفرنج كتائباً *** كالاسد حين تصول في خفان

لبسوا الدروع ولم نخل من قبلهم *** أن البحار تحل في غدران

وتيمموا أرض العدو بقفرة *** جرداء خالية من السكان

عشرين يوماً في المغار وليلة *** يسيرون تحت كواكب الخرصان

حتى إذا قطعوا الجفار بجحفل *** هو في العديد ورمله سيان

أغريتهم بحمى العدا فجعلته *** بسطاك بعد العز دار هوان

عجلت في تلك العجول قراهم *** - وهم لك الضيفان - بالذيفان

لما أبوا ما في الجفان قريتهم *** بصوارم سلت من الأجفان

وثللت في يوم العريش عروشهم *** بشبا ضراب صادق وطعان

ألجأتهم للبحر لما أن جرى *** منه ومن دمهم معاً بحران

مدح الورى بالبأس إذ خضبوا الظبا *** في يوم حربهم من الأقران

ولأنت تخضب كل بحر زاخر *** ممن تحارب بالنجيع القاني

حتى ترى دمهم وخضرة مائة *** كشقائق نثرت على الريحان

ومنها في وصف الإسطول ونصرته في البحر على الروم :

وكأن بحر الروم حلّقَ وجهه *** وطفت عليه منابت المرجان

ولقد أتى الأسطول حين غزابما *** لم يأتِ في حينٍ من الأحيان

أحبب إليَّ بها شواني أصبحت *** من فتكها ولها العداة شواني

شُبَّهنَ بالغربان في ألوانها *** وفعلنَ فعل كواسر العقبان

أوقرتها عدد القتال فقد غدت *** فيها القنا عوضاً من الأشطان

فأتتك موقرة بسبيٍ بينه *** أسراهم مغلولة الأذقان

حرب عوان حكمتك من العدا *** في كل بكر عندهم وعوان

وأعدت رسل ابن القسيم اليه في *** شعبان كي يتلاءم الشعبان

والفال يشهد باسمه أن سوف يغ- *** -دو الشام وهو عليكما قسمان

ص: 75

منها في مدح نور الدين :

وأراك من بعد الشهيد أباً له *** وجعلته من أقرب الإخوان

وهو الذي ما زال يفعل في العدا *** ما لم يكن ليعدّ في الإمكان

ومنها في وصف قتله البرنس ويصف رأسه على الرمح بمعنى بديع :

قتل البرنس ومَن عساه أعانه *** لما عتا في البغي والعدوان

وأرى البرية حين عاد برأسه *** مرَّ الجنَى يبدو على المرَّان

وتعجبوا من زرقة في طرفه *** وكأنَّ فوق الرمح نصلاً ثاني

فليهنه أن فاز منك بسيدٍ *** أوفى برتبته على كيوان

قد صاغ من أرماحه لمسامع ال- *** أملاك أقراطاً من الخرصان

ص: 76

الحسن بن علي بن ابراهيم بن الزبير.

جاء في معجم الادباء : ابو محمد المصري اخو الرشيد احمد بن علي ، من أهل اسوان من غسان. وكان يلقب بالقاضي المهذب ، مات في ربيع الآخر سنة احدى وستين وخمسمائة بمصر ، وكان كاتباً مليح الخط فصيحاً جيد العبارة ، وكان أشعر من أخيه الرشيد ، وكان قد اختص بالصالح بن رزيك (1) وزير المصريين وحصل له من الصالح مال جم.

وصنف المهذّب كتاب الانساب وهو كتاب كبير اكثر من عشرين مجلداً كل مجلد عشرون كراساً ، رأيت بعضه فوجدته مع تحققي هذا العلم وبحثي عن كتبه غاية في معناه لا مزيد عليه ، يدل على جودة قريحة مؤلفه وكثرة اطلاعه.

وقال العماد الاصبهاني ،

المهذب ابو محمد الحسن بن علي بن الزبير.

هو أخو الرشيد محكم الشعر كالبناء المشيد ، وهو أشعر من أخيه وأعرف بصناعته وإحكام معانيه. توفي قبل أخيه بسنة ، لم يكن في زمانه أشعر منه أحد وله شعر كثير ، ومحل في الفضل أثير. انشدني له نجم الدين

ص: 77


1- تأتي ترجمة الصالح وزير مصر في ايام الفائز الفاطمي والعاضد من بعده والذي استقل في مصر بالامور وتدبير أحوال الدولة ، وكانت ولايته سنة 49 ه.

ابن مصال ببعلبك في رمضان سنة سبعين من قصيدة في الصالح بن رزَّيك يعرض بشاعره المعروف بالمفيد (1) :

لقد شك طرفي والركائب جنح *** أأنت أم الشمس المنيرة أملح

ومنها في الغزل :

يظلُّ جنى العناب في صحن خده *** عن الورد ماء النرجس الغض يمسح

ومنها :

فيا شاعراً قد قال ألف قصيدة *** ولكنها من بيته ليس تبرح

ليهنك - لاهنئت - أن قصائدي *** مع النجم تسرى أو مع الريح تسرح

أنشدني زين الحاج أبو القاسم قال : أرسلني نور الدين إلى مصر في زمان الصالح بن رزيك فلقيت المهذب بن الزبير فانشدني لنفسه :

وشادن ما مثله في الجنان *** قد فاق في الحسن جميع الحسان

لم أرَ إلا عينه جعبة *** للسيف والنصل وحد السنان

ووجدت في بعض الكتب له من قصيدة في مدح الصالح طلائع ابن رزيك بمصر :

وتلقى الدهَر منه بليث غابٍ *** غدت سمرُ الرماح له عرينا

تخال سيوفه إمَّا انتضاها *** جداولَ والرماحَ لها غصونا

وتحسبُ خيلَهُ عقبان دجنٍ *** يرحن من الظلام ويغتدينا

إذا قدحت بجنح الليل أورت *** سناً يُعشى عيونَ الناظرينا

وإن جنحت مع الإصباح عدواً *** أثارت للعجاج به دجونا

كأن الشمس حين تثير نقعاً *** تحاذر من سطاه أن تبينا

ص: 78


1- المفيد هو ابن الصياد احد شعراء طلايع.

وماكسف بدور الأفق إلا *** أسىً إذ أبصرت منه الجبينا

وما اضطربت رماح الخطَّ إلا *** مخافة أن يحطمها مُبينا

وما تندقُّ يوم الروع حتى *** يدُقَّ بها الكواهل والمتونا

عجبتُ لها تصافح من يديه *** - وتوصف بالظما - بحراً مَعينا

ويوردها ولا يحظى برأي *** نطافاً من دروع الدار عينا

وهل يشفى لها أبداً غليل *** وقد شربت دماء الكافرينا

إذ لقيت عيون الروم زرقاً *** حسبت نصالها تلك العيونا

وقائع في العداة له تبارى *** صنائع في العفاة المجتدينا

وإرغامٌ به أبكى عيوناً *** وإنعامٌ أقرَّ به عيونا

وله فيه قصيدة :

أقصر - فديتك - عن لومي وعن عَذَلى *** أو لا فخذ لي أماناً من يد (1) المقل

من كل طرفٍ مريض الجفن تنشدنا *** ألحاظه « ربَّ رامٍ من بني ثُعل »

إن كان فيه لنا وهو السقيم شفاً *** فربما صحّت الأجسام بالعلل

إن الذي في جفون البيض إذ نظرت *** نظير ما في جفون البيض والخلل (2)

كذاك لم يشتبه في القول لفظهما *** إلا كما اشتبها في الفعل والعمل

وقد وقفت على الأطلال أحسبها *** جسمي الذي بعدَ بُعدِ الظاعنين بُلى

أبكي على الرسم في رسم الديار فهل *** عجبت من طلل يبكي على طلل

وكل بيضاء لو مسّت أناملها *** قميص يوسف يوماً قدَّ من قُبُل

يغني عن الدر والياقوت مبسمها *** لحسنها فلها حَلىٌ من العطل

بالخد مِنيّ آثار الدموع كما *** لها على الخدّ آثارٌ من القُبُل

ص: 79


1- في الفوات والطالع السعيد : ظبا.
2- لخلل جمع خلة وهي جفن السيف ، أو بطانة مطرزة بالذهب.

كأن في سيف سيف الدين من خجل *** من عزمه ما به من حمرة الخجل

هو الحسام الذي يسمو بحامله *** زهواًً فيفتك بالأسياف والدول

إذا بدا عارياً من غمده خلعت *** غمدَ الدماء عليه هامةُ البطل

وإن تقلد بحراً من أنامله *** رأيت كيف اقتران الرزق بالأجل

من السيوف التي لاحت بوارقها *** في أنملٍ هي سحب العارض الهطل

فجاءنا لبني رُزّيك مُعجزُها *** بآية لم تكن في الأعصر الأول

تبدو شموساً هُم أقمارُها وترى *** شهبَ القنا في سماء النقع لم تفل (1)

قد غايرت فيهم السمرَ الرقاق رقا *** قُ البيض خلف سجوف النقع في الكلل

إن عانقوا هذه في يوم معركةٍ *** لاحت لهم بتلظي تلك كالشعل

وقد لقوا كلَّ من غاروا بمشبهه *** حتى لقوا النُجلَ عند العرض بالنُجُل (2)

وضارب الروم رومٌ من سيوفهم *** وطاعن العربَ أعرابٌ من الأسل

وهزَّهم لصهيل الخيل تحت صهيل *** البيض ما هزَّ أعطاف القنا الخطل (3)

فالدمُ خمرٌ وأصوات الجياد لهم *** أصوات معبد في الأهزاج والرمل

والخيل قد أطربتها - مثلما طربوا - *** أفعالهم فهي تمشي مشية الثمل

من كل أجرد مختالٍ بفارسه *** إلى الطعان جريح الصدر والكفل

وكل سلهبة (4) للريح نسبتها *** لكنها لو بغتها الريح لم تُنَل

أفارس المسلمين أسمع فلا سميت *** عداك غير صليل البيض في القلل

مقال ناءٍ غريب الدار قد عدم *** الأنصار لولاك لم ينطق ولم يقل

يشكوا مصائب أيام قد اتسعت *** فضاق منها عليه أوسع السبل

يرجوك في دفعها بعد الإله وقد *** يرجى الجليل لدفع الحادث الجلل

وكيف ألقى من الأيام مرزئةً *** جلَّت ولي من بني رزيك كلُّ ولى

ص: 80


1- تفل : تأفل.
2- النجل الاولى : العيون. والثانية ، الطعنات.
3- الخطل : من الخطل ، وهو الاضطراب والتحرك.
4- السلهبة من الخيل ، ما عظم وطال عظامه.

لولاهم كنت أفري الحادثات اذا

نابت بنهضة ماضي العزم مرتجل؟

وكيف أخلع ثوب الذل حيث كفيل

-يل الحرّ بالعزَّ وخد الأنيق الذلل

فما تخاف الردى نفسي وكم رضيتٍ

بالعجز خوف الردى نفس فلم تبل

إني امرؤ قد قتلت الدهر معرفةً

فما أبيت على يأسٍ ولا أمل

إن يُروِ ماءُ الصبا عودي فقد عجمت

منى طروقُ الليالي عود مكتهل

تجاوزت بي مدى الأشياخ تجربتي

قدماً وما جاوزت بي سنَّ مقتبل

وأول العمر خيرٌ من أواخره

وأين ضوءُ الضحى من ظلمة الأصل

دوني الذي ظن اني دونه فله

تعاظمٌ لينال المجد بالحيل

والبدر تعظم في الابصار صورته

ظناً ويصغر في الأفهام عن زحل

ما ضرَّ شعري أني ما سبقتُ الى

( أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل (1) )

فإن مدحي لسيف الدين تاه به

زهواً على مدح سيف الدولة البطل

وله ايضاً :

لا ترج ذا نقص ولو أصبحت *** من دونه في الرتبة الشمسُ

كيوانُ (2) أعلى كوكب موضعاً *** وهو إذا أنصفته نحسُ

وترجمه السيد الامين في الأعيان فقال : أورد له صاحب الطليعة أشعاراً

ص: 81


1- هذ الشطر للمتنبي يقول ما ضر شعره انه لم ينظم ما نظمه المتنبي كناية عن أنه لا يقلّ عنه.
2- كيوان اسم يطلقونه على زحل وهو أشهر الكواكب على الاطلاق ، وقد كان المعتقد الى اوائل القرن التاسع عشر الميلادي انه نهاية المجموعة الشمسية لبعده السحيق وطول فلكه الذي يقطعه في نحو من سنة ، وكان عند العرب مثلاً في العلو والبعد كما قال الطغرائي : وإن علاني من دوني فلا عجب *** لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل كما أنهم ظلموه فجعلوه كوكب النحس.

في أمير المؤمنين علیه السلام وفي أهل البيت علیه السلام لكنه لم يذكر من أين نقلها قال ومن شعره في أمير المؤمنين علیه السلام قوله :

أمير المؤمنين وخير ملجأ *** يسار الى حماه وخير حامي

كأني إن جعلتُ اليك قصدي *** قصدتُ الركن بالبيت الحرام

وخيل لي بأني في مقامي *** لديه بين زمزم والمقام

أيا مولاي ذكرك في قعودي *** ويا مولاي ذكرك في قيامي

وأنت اذا انتبهت سمير فكري *** كذلك أنت أنسي في منامي

وحبّك ان يكن قد حلّ قلبي *** وفي لحمي استكنّ وفي عظامي

فلولا أنت لم تُقبَل صلاتي *** ولولا أنت لم يُقبَل صيامي

عسى أسقى بكاسك يوم حشري *** ويروي حين أشربها أوامي

وأُنعَمُ بالجنان بخير عيش *** بفضل ولاك والنعم الجسام

صلاة الله لا تعدوك يوماً *** وتتبعها التحية بالسلام

وقوله من أخرى في أهل البيت علیهم السلام :

خيرة الله في العباد ومن يع- *** -ضد ياسين فيهم طاسين

والأولى لا تقر منهم جنوب *** في الدياجي ولا تنام عيون

ولهم في القرآن في غسق اللي- *** -ل اذا طرب السفيه حنين

وبكاء ملء العيون غزير *** فتكاد الصخور منه تلين

ومما قاله في الوزير ابي شجاع شاور بن مجير السعدي وزير الخليفة العاضد الفاطمي - كما رواه الحموي في معجم الادباء.

اذا أحرقت في القلب موضع سكناها *** فمن ذا الذي من بعد يكرم مثواها

وإن نزفت ماء العيون بهجرها *** فمن أيِّ عين تأمل العين سقياها

وما الدمع يوم البين إلا لآلىء *** على الرسم في رسم الديار نثرناها

وما أطلع الزهر الربيع وإنما *** رأى الدمع أجياد الغصون فحلاها

ص: 82

ولما أبان البين سر صدورنا *** وأمكن فيها الأعين النجل مرماها

عددنا دموع العين لما تحدّرت *** دروعاً من الصبر الجميل نزعناها

ولما وقفنا للوداع وترجمت *** لعيني عما في الضمائر عيناها

بدت صورة في هيكل فلو أننا *** ندين بأديان النصارى عبدناها

وما طرباً صغنا القريض وانما *** جلا اليوم مرآة القرائح مرآها

ليالي كانت في ظلام شبيبتي *** سراي وفي ليلي الذوائب مسراها

تأرج أرواح الصبا كلما سرى *** بأنفاس ريا آخر الليل رياها

ومهما أدرنا الكأس باتت جفونها *** من الراح تسقينا الذي قد سقيناها

ومنها :

ولو لم يجد يوم الندى في يمينه *** لسائله غير الشبيبة أعطاها

فيا ملك الدنيا وسائس أهلها *** سياسة من قاس الأمور وقاساها

ومن كلَّف الأيام ضد طباعها *** فعاين أهوال الخطوب فعاناها

عسى نظرة تجلو بقلبي وناظري *** صداه فاني دائماً أتصداها

قال العماد في الخريدة : وانشدني الشريف ادريس الحسني للمهذب بن الزبير من قصيدة في مدح ابن رزيك ايضاً أولها :

أمجلسٌ في محلّ العزَّ أم فلك *** هذا؟ وهل مَلِكٌ في الدست أم مَلِكُ

ومنها في المدح :

أغنى عيان معانيه النواظر عن *** قول يُلفق في قوم ويؤتفك

يا واحد الدهر لا رد على إذا *** ما قلتُ ذلك في قولى ولا دَرَك (1)

ما كان بعد أمير المؤمنين فتىً *** فيه الشجاعة - إلا أنت - والنسك

فالفعل منه ومنك اليوم متفق *** والنعت منه ومنك اليوم مشترك

ص: 83


1- 1 - الدرك : التبعة

يدعى بصالح أهل الدين كلهم *** وأنت صالح من بالدين يمتسك

لم ترض أسماء قوم أصبحوا رمما *** كأن القا بهم من بعدهم تُرُك

ومنها :

وافى فأردى رجالاً بعدما نعموا *** دهراً وأحيا رجالاً بعدما هلكوا

قال العماد :

ليس في هذا البيت مدح ولا ذم ، ولا له في الثناء والإطراء سهم ، أحسن بالإحياء ، أساء بالإرداء ، فكفّر بهلاك أولك حياة هؤلاء ولو قال : أردى لئاماً بعدماً نعموا ، وأحيا كراماً بعد ما هلكوا ، لوفىّ الصنعة حق التحقيق ، وأهدى ثمرة المعنى على طبق التطبيق.

طلعتَ والبدرَ نصف الشهر في قرن *** فأشرقت بكما الأرضون والفلك

وأسفر الجوُّ حتى ظنَّ مبصره *** بأن لمع السنا في افقه ضحك

يقود كل مجن ضغن ذي ترةٍ *** يكاد من حره الماذىُّ ينسبك

حتى أعاد بحد السيف ملك بني *** الزهراء واسترجع الحق الذي تركوا

فلو يكون لهم أمثاله عضداً *** فيما مضى ما غدت مغصوبةً فدك

وأنشدني الأمير مرهف بن أسامة بن منقذ للمهذب بن الزبير من أبيات :

بالله يا ريح الشما *** ل إذا اشتملت الليل بردا

وحملتِ من نشر الخزا *** مى ما اغتدى للندِّ ندَّا

ونسجت في الأشجار *** بين غصونهنَّ هوىً وودَّا

هُبّي على بردى عساه *** يزيد من مسراك بردا

أحبابنا ما بالكم *** فينا من الأعداء أعدى

وحياة ودّكُم وتر *** بة وصلكم ما خنتُ عهدا

ص: 84

وأنشدني له من قصيدة أولها :

رِبعَ الفؤادُ خلال تلك الأربع *** فكأنها أَولى بها من أضلعي

منها في المديح في ابن رزيك الصالح وكان يغري الشعراء بعضهم بالبعض :

يا أيها الملك الذي أوصافه *** غُرَرٌ تجلّت للزمان الأسفع

لا تطمع الشعراء فيّ فإنني *** لو شئتُ لم أجبن ولم أتخشَّع

إن لم أكن ملء العيون فإنني *** في القول يا ابن الصِّيد ملء المسمع

فليمسكوا عني فلولا أنني *** أُبقي على عرضي إذن لم أجزع

وأهمُّ من هجوي لهم مدحُ الذي *** رفع القريض إلى المحل الأرفع

ولو أنه ناجى ضميري في الكرى *** طيف الخيال بريبة لم أهجع

وإذا بدا لي الهجر لم أر شخصه *** وإذا يقال لي الخنا لم أسمع

والناس قد علموا بأني ليس لي *** مذ كنت في أعراضهم من مطمع

ومنها في صفة الشعر : *** فلأكسونَّ علاك كلَّ غريبةٍ

ولجت بلطفٍ سَمعَ مَن لم يسمع *** خُتمت بما ابتدئت به فتقابلت

أطرافها بموشح ومرصَّع *** والشعر ما إن جاء فيه مطلع

حسن أُضيف إليه حسنُ المقطع *** كالورد : أوَّله بزهرٍ مونقٍ

يأتي ، وآخره بماءٍ مُمتع

وأنشدني له القاضي الأشرف أبو القاسم حمزة بن القاضي السعيد بن عثمان قال أنشدني والدي علي بن عثمان المخزومي ، قال أنشدني المهذب بن الزبير لنفسه في ابن شاور المعروف بالكامل :

وخاصمني بدر السما فخصمته *** بقولي فاسمع ما الذي أنا قائل

أتى في انتصاف الشهر يحكيك في البها *** وفي النور لكن أين منك الشمائل

فقلت له يا بدر إنك ناقص *** سوى ليلةٍ والكامل الدهر كامل

ص: 85

وأنشدني بعض المصريين له من قصيدة أولها :

أغارت علينا باللحاظ عيون *** لها الحسن من خلف النقاب كمين

وسلت علينا من غمود جفونها *** كذلك أسماءُ الغمود جفون

ومنها :

أعر نظم شعري منك عيناً بصيرةً *** ففي طيّهِ للكيمياءِ كمينُ

فقد شاركتنا فيه كفك إذ غدت *** عليه لنا عند العَطاء تعين

وأنشدني له أيضاً :

لقد جرَّد الإسلام منك مهنّداً *** حديداً شباه لا يداوي له جُرح

إقامة حدّ الله في الخلق حدَّهُ *** إذا سلَّهُ والصفح عنهم له صفح

وله :

وذى هَيَفٍ يدعى بموسى بطرفه *** بقيّةُ سحرٍ تأخذ العين والسمعا

وحياته أصداغه وعذاره *** يُخيَّلُ لي في وجهه أنها تسعى

وله في غلام له خال بين عينيه :

ومهفهف أسياف مقلته *** أبداً تريق من الجفون دما

عيناه في قلبي تنازعتا *** فسواده قد ظلَّ بينهما

وله في غلام تغرغرت عيناه عند الوداع :

ومرنّح الأعطاف تحسب أنَّه *** رمح ولكن قدَّ قلبي قدُّه

إن قلت إنّ الوجه منه جنَّة *** أضحى يكذبني هنا لك خدُّه

ولئن ترقرق دمعه يوم النوى *** في الطرف منه وما تناثر عقدُه

فالسيف أقطع ما يكون إذا غدا *** متحيرّاً في صفحتيه فرنده (1)

ص: 86


1- فرند السيف : جوهره.

وله :

هم نصب عيني : أنجدوا أو غاروا *** ومنى فؤادي : أنضفوا أو جاروا

وهم مكان السر من قلبي وإن *** بعدت نوى بهمُ وشطَّ مزار

فارقتهم وكأنهم في ناظري *** مما تُمثّلهم لي الأفكار

تركوا المنازل والديار فما لهم *** إلا القلوب منازلٌ وديار

واستوطنوا البيد القفار فأصبحت *** منهم ديار الإنس وهي قفار

فلئن غدت مصر فلاة بعدهم *** فلهم بأجواز الفلا أمصار

أو جاوروا نجداً فلي من بعدهم *** جاران : فيض الدمع والتذكار

ألفوا مواصلة الفلا والبيد مذ *** هجرتهم الأوطان والأوطار

بقلائص مثل الأهلة عندما *** تبدو ولكن فوقها أقمار

وكانما الآفاق طراً أقسمت *** ألا يقر لهم عليه قرار

والدهر ليل مذ تناءت دارهم *** عني وهل بعد النهار نهار

لي فيهم جار يمت بحرمتي *** إن كان يحفظ للقلوب جوار

لا بل أسير في وثاق وفائه *** لهم فقد قتل الوفاء إسار

ومنها :

أمنازل الأحباب غيّرك البلى *** فلنا اعتبار فيك واستعبار

سقياً لدهر كان منك تشابهت *** أوقاته فجميعه أسحار

قصرت لي الأعوام فيه فمذ نأوا *** طالت بي الأيام وهي قصار

يا دهر لا يغررك ضعف تجلدي *** إني على غير الهوى صبَّار

وله :

كأن قدودهم أنبتت *** على كثب الرمل قضبانها

حججنا بها كعبة للسرور *** ترانا نمسِّح أركانها

فطوراً أعانق أغضانها *** وطوراً أنادم غزلانها

ص: 87

على عاتق إن خبت شمسنا *** فضضنا عن الشمس أدنانها

وإن ظهرت لك محجوبة *** قرأت بأنفك عنوانها

كميت من الراح لكنما *** جعلنا من الروح فرسانها

إذا وجدت حلبة للسرور *** وكان مدى السكر ميدانها

يطوف بها بابلي الجفون *** تفضح خداه ألوانها

إذا ما ادعت سقماً مقلتاه *** أقمت بجسمي برهانها

بكأس إذا ما علاها المزاج *** أحال الى التبر مرجانها

كأن الحبّاب وقد قلد *** ته درٌ يفصل عقيانها

ومسمعة (1) مثل شمس الضحى *** أضافت إلى الحسن إحسانها

وراقصة رقصها للحون *** عروض تقيد أوزانها

ولما طوى الليل ثوب النهار *** وجرّت دياجيه أردانها

جلونا عرائس مثل اللجين *** ضنعنا من النار تيجانها

وصاغت مدامعها حلية *** عليها توشح جثمانها

رماحاً من الشمع تفري الدجى *** إذا صقل الليل خرصانها

بها ما بأفئدة العاشقين *** فليست تفارق نيرانها

وقد أشبهت رقباء الحبيب *** فما يدخل الغمض أجفانها

وفيها دليل بأن النفو *** س تبقى وتذهب أبدانها

ومن شعره ما أورده أخوه في ( الجنان ) وهو قوله :

لم تنل بالسيوف في الحرب إلا *** مثلما نلت باللواحظ منا

وعيون الظبا ظبا وبهذا *** سُمي الجفن للتشابه جفنا

وقوله :

وقد أنكروا قتلي بسيف لحاظه *** ولو أنصفوني ما استطاعوا له جحدا

وقالوا دع الدعوى فما صَحَّ شاهدٌ *** عليها ولسنا نقبل الكفَّ والخدا

ص: 88


1- المسمعلة ، المغنية.

ولو كان حقاً ما تقول وتدَّعي *** على مقلتيه عاد نرجسها وردا

وما علموا أن الحسام بسفكِهِ *** دمَ القِرِن يوماً عُدَّ أمضى الظُبَا حدَّا

وقوله :

لقد طال الليل بعد فراقه *** وعهدي به لولا الفراق قصير

وكيف أرجَّي الصبح بعدهم وقد *** توَّلت شموسٌ منهمُ وبدور

وقوله :

ليت شعري كيف أنتم بعدنا *** أترى عندكم ما عندنا

بنتم والشوق عنا لم يبن *** وظعنتم والأسى ما ظعنا

ومنها :

قل لمسرورين بالبين - وقد *** شفَّنا من أجلهم ما شفَّنا -

لم يهن قط علينا بعدكم *** مثلما هان عليكم بعدنا

ولقد كنَّا نعزِّي النفس لو *** كنتم قبلَ التنائي مثلنا

لم تبالوا إذ رحلتم غدوةً *** أيُّ شيء صنع الدهر بنا

سهرت أجفاننا بعدكم *** فكأنا ما عرفنا الوسنا

لا رأت عين رأت من بعدكم *** غير فيض الدمع شيئاً حَسَنا

ومنها :

واخدعوا العين بطيف مثلما *** تخدع القلب أحاديث المنى

وقوله :

ويا عجباً متى النسيم يخونني *** ويضرم نيران الأسى بهبوبه

تحمّله سلمى إلينا سلامها *** فيكتمه ألا يضوع بطيبه

ص: 89

وقوله من قصيدة :

أترى بأي وسيلة أتوسل *** لم تجملوا بي في الهوى فتجملوا (1)

أشكو وجوركم يزيد وما الذي *** يغنى المتيم أن يقول وتفعلوا

إن أصبحت عيني لدمعي منهلاً *** فالعين في كل اللغات المنهل

وقوله في المديح من قصيدة :

عضدت الندى بالبأس تقضي على العدا *** سيوفك أو نقضي عليك المكارم

سحائب جود في يديك تضمنت *** صواعقَ ظنوا أنهنَّ صوارم

إذا ما عصت أمراً لهنَّ قلوبهم *** ضلالاً أطاعت أمرهنَّ الجماجم

ومنها :

وغر على غر جياد كأنما *** قوائمها يوم الطراد قوادم

إذا ابتدروا في مأقط (2) فرحت بهم *** صدور المذاكي والقنا والصوارم

ومنها في صفة السيوف :

تريك بروقاً في الأكف تدلنا *** على ان هاتيك الأكف غمائم

وقوله في الوزير رضوان بن ولخشى :

إذا قابلته ملوك البلا *** دخَّرت على الأرض تيجانها

ولله في أرضه جنَّة *** بمصر ورضوان رضوانها

وقوله من قصيدة في المدح :

وقبلَ كفّك - لا زالت مقبّلةً - *** ما إن رأينا سحاباً قطره بِدَرٌ

ص: 90


1- تجمل بتشديد اللام تكلف الجميل ، ولم تجملوا : أي لم تصنعوا الجميل.
2- المأقط ، ميدان القتال.

حيت وأردت فمن أنوائها أبداً *** صوبُ الندى والردى في الناس منهمر

أعيت صفاتك فكري وهي واضحة *** فالشمس يعجر عن إدراكها البصر

وقوله من قصيدة :

جمعَ الفضائل كلها فكأنما *** أضحى لشخص المكرمات مثالا

ما كان يبقي عدلُه متظلماً *** لو كان ينصف جوده الأموالاً

لا يرتضي في الجود سبقَ سؤال من *** يرجوه حتى يسبق الآمالا

وقوله من المراثي في كبير ، عقب موته نزول مطر كثير :

بنفسي من أبكى السموات موته *** بغيث ظنَّناه نوال يمينه

فما استعبرت إلا أسىً وتأسفاً *** وإلا فماذا القطر في غير حينه؟

وقوله :

فإن تكُ قد غاضت بجود أكفِّكم *** عيون وفاضت بالدموع عيون

وخانتكُم - والدهر يرجى ويتَّقى *** حوادث أيام تفي وتخون

فلا تيأسوا إن الزمان صروفه *** وأحداثه مثل الحديث شجون

وقوله من قصيدة :

هو الدهر ، فانظر أي قون تحاربه *** وقد دهمتنا دهمه وأشاهبُه (1)

ليال وأيامٌ يُغَرُّ بها الورى *** وما هي إلا جنده وكتائبه

ومنها :

وما سُمُّه غير الكرام كأنما *** مناقبهم - عند الفخار - مثالبه

ومنها :

لقد غاب عن أفق العلا كل ماجدٍ *** له حاضر المجد التليد وغائبه

ص: 91


1- يريد الليالي والأيام على التشبيه بالخيل.

إذا ذكرته النفس بتُّ كأنني *** أسيرُ عداً سدت عليه مذاهبه

وكم ليلة ساهرت أنجم أفقها *** إذا غاب عني كوكب لاح صاحبه

يطول عليَّ الليل حتى كأنما *** مشارقه للناظرين مغاربه

وقد أسلم البدر الكواكب للدجى *** وفاءً لبدرٍٍ أسلمته كواكبه

يخيل لي أن الظلام عجاجة *** وأن النجوم الساريات مواكبه

وأن البروق اللامعات سيوفه *** وأن الغيوث الهامعات مواهبه

ومنها :

فقل لليالي بعد ما صنعت بنا *** ألا هكذا فليسلب المجد سالبه

وقوله في العتاب والهجاء من قصيدة :

خليلي إن ضاقت بلاد برحبها *** ورائي فما ضاق الفضاء أماميا

يظن رجال أنني جئتُ سائلا *** فاسخطني أن خاب فيهم رجائيا

وما أنا ممن يستفز بمطمع *** فيخلفه منه الذي كان راجيا

ولكنني أصفيت قوماً مدائحي *** فأصبح لي تقصيرهم بي هاجيا

فإن كنتُ لا أُلفي على المنح ساخطاً *** كذلك لا أُلفي على البذل راضيا

محاسن لي فيهم كثيرٌ عديدها *** ولكنها كانت لديهم مساويا

تُقلّدهم من درّ نحري قلائداً *** ولو شئتُ عادت عن قليلٍٍ أفاعيا

ومنها :

ولو كنتُ أنصفتُ المدائح فيهمُ *** لصيّرتُها للأكرمين مراثيا

وقوله في ذم الزمان :

كم كنت أسمع أن الدهر ذو غيرٍ *** فاليوم بالخُبر أستغني عن الخَبَرِ

ص: 92

ومنها :

تشابه الناس في خلق وفي ( خُلُق ) *** تشابه الناس في الأصنام في الصور

ولم أبت قط من خلقٍ على ثقةٍ *** إلا وأصبحت من عقلي على غرر

لا تخدعني بمرئي ومستمع *** فما أصدّقُ لا سمعي ولا بصري

وكيف آمن غيري عند نائبة *** يوماً إذا كنتُ من نفسي على حذر

تأبى المكارم والمجد المؤثل لي *** من أن أقيم وآمالى على سفر

إني لأشهرُ في أهل الفصاحة من *** شمسٍ وأسير في الآفاق من قمر

وسوف أرمي بنفسي كل مهلكة *** تسرى بها الشهب إن سارت على خطر

إما العُلا وإليها منتهى أملي *** أو الردّى وإليه منتهى البشر

وقوله :

لا تنكرنَّ من الأنام تفاوتاً *** إذ كان ذا عبداً وذلك سيّدا

فالناس مثل الأرض منها بقعة *** تلقى بها خبثاً وأخرى مسجدا

وقوله :

ومن نكد الأيام أني كما ترى *** أكابد عيشاً مثل دهري أنكدا

أمنت عداتي ثم خفت أحبتي *** لقد صدقوا إن الثقات همُ العدا

ومن شعره في عدة فنون قوله :

لا تطمعن في أرض أن أقيم بها *** فليس بيني وبين الأرض من نسب

حيث اغتربت فلي من عفتي وطنٌ *** آوى إليه وأهل من ذوي الأدب

لولا التنقل أعيا أن يبين على *** باقي الكواكب فضل السبعة الشهب

ص: 93

وقوله في شمعة :

ومصفرَّة لا عن هوى غير أنها *** تحوز صفات المستهام المعذَّب

شجوناً وسقماً واصطباراً وادمعاً *** وخفقاً وتسهيداً وفرط تلهب

إذا جمشتها (1) الريح كانت كمعصم *** يردُّ سلاماً بالبنان المخضَّب

وقوله :

لئن زادني قرب المزار تشوقاً *** للقياك ، آدى فعله عدم الحسِّ

فما أنا إلا مثل ساهر ليلة *** بدا الفجر فازداد اشتياقاً إلى الشمس

ص: 94


1- التجميش ، الملاعبة والمغازلة.

طلايع بن رُزَّيك

يا تربة بالطف جادت *** فوقك الديم الهموعه

وغدا الربيع مقيدا *** في ربعك العافي ربيعه

حتى يرى الدمن المروعة *** منك مخصبة ضريعه

ولئن أخيف حيا السحائب *** فيك أن يذري دموعه

وحمتك بارقة العدى *** عن كل بارقة لموعه

فلقد سقيت من الروابي *** الطهر عن ظمأ نجيعه

اذ ضيع القوم الشريعة *** فيه لحفظهم الشريعه

منعت لذيذ الماء منه *** كتائب منهم منيعه

قد أشرعت صم القنا *** فحمته من ورد شروعه

غدرت هناك وما وفت *** مضر العراق ولا ربيعه

لما دعته أجابها *** ودعا فما كانت سميعه

شاع النفاق بكربلا *** فيهم وقالوا : نحن شيعه

هيهات ساء صنيعهم *** فيها وما عرفوا الصنيعه

يا فعلة جاؤا بها *** في الغدر فاضحة شنيعه

خاب الذي أضحى الحسين *** لطول شقوته صريعه

أفذاك يرجو ان يكون *** محمد أبداً شفيعه

عجباً لمغرورين ضيّع *** قومهم بهم الوديعة

ص: 95

ولأمة كانت الى *** ما شاء خالقها سريعه

وغدت بحق نبيها *** في حفظ عترته مضيعه

جار الظلال بها و *** نور الحق قد أبدى سطوعه

عصت النبي وأصبحت *** لسواه سامعة مطيعه

باعت هناك الدين *** بالدنيا وخسران كبيعه

ما كان فيما قد مضى *** اسلامها إلا خديعه

تحت السقيفة أضمرت *** ما بالطفوف غدت مذيعه

فلذاك طاوعت الدعي *** وكثرت منه جموعه

بجيوش كفر قد غدا *** ذاك النفاق لها طليعه

أبني أمية ان فعلكم *** بهم بئس الذريعة

وأبو بنيه وصهره *** وأخوه ذو الحكم البديعه

ووصيه وأمينه *** بعد الوفاة على الشريعه

ما حل مسجده ولا *** بيت البتول ولا بقيعه

صبراً أمير المؤمنين فأ *** نت ذو الدرج الرفيعه

صلة البني اليك كانت *** منهم سبب القطيعه

ص: 96

الملك الصالح فارس المسلمين طلايع بن رُزّيك المولود سنة خمس وتسعين وأربعمائة بأرمينية ، مدينة بأذربيجان ونشأ وتربى على الفضل والأدب والكمال وكبر النفس وسمو الغاية وبُعد المقصد وقوَّة العقيدة ، قال المقريزي في خططه : وكان محافظاً على الصلاة ، فرائضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع. قال ابن العماد : وكان يجمع الفقهاء ، ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر.

تولى الوزارة للخليفة الفائز سنة 549 ويسمى : الملك الصالح ولم يلقب أحد من الوزراء قبله بالملك. وعلا نجمه وارتفع شأنه وعظمت هيبته لما أبداه من بطولة وسياسة وحنكة وفراسة مضافاً إلى سماحة كفه وفيض نائلة وبره بالعلماء والأدباء وإكرامه وتقديره للشعراء والفضلاء ، وكان كما قيل فيه :

حاز الملك الصالح طلايع من العلوم والاداب ما لم يدانه فيه احد من الامراء والملوك في زمانه وسمع من الشعرفاكثر ، وكان متكلماً شاعراً أديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا مع مسؤوليته السياسية والتفكير في شؤون الجيش وإعداده وتأميم حياتهم الفردية والاجتماعية وما يفتقرون اليه من العتاد والأسلحة والذخائر الحربية ، كيف لا وفي نفسيته الكبيرة ذلك الأمل والطموح في غزو الصليبيين وقتلهم وشن الحملات والغارات عليهم. وقد أجمع المؤرخون على فضله وعلمه وعظيم مواهبه.

قال علي بن أحمد السخاوي الحنفي : جمع له بين السلطنة والوزارة وكان

ص: 97

مجاهداً في سبيل الله ، وهو الذي أنشأ الجامع تجاه باب زويلة المعروف الآن يجامع الصالح. وهو بظاهر القاهرة.

وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : الملك الصالح فارس المسلمين كان وزير مصر للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز ، وتزوج العاضد بابنته ، وكان فاضلاً سمحاً في العطاء محباً لأهل الأدب.

ويقول المقريزي : كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب جيِّد الشعر ، رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله ، عظيماً في سطوته ، ولم يترك مدة أيامه غزو الفرنج وتسيير الجيوش لقتالهم في البر والبحر ، وكان يخرج البعوث في كل سنة مراراً ، وكان يحمل في كل عام الى اهل الحرمين بمكة والمدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون اليه من الكسوة وغيرها حتى يحمل إليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها ، والأقلام والمداد.

وفي سنة 559 كانت المؤامرة على اغتياله وقتله ، وبكاه الناس وندبته المحافل ورثته الشعراء منهم الفقيه عمارة اليمني رثاه بقصائدة كثيرة منها قوله :

أفي اهل ذا النادي عليهم أسائله *** فإني لما بي ذاهب اللب ذاهله

سمعت حديثاً أحسد الصم عنده *** ويذهل داعيه ويخرس قائله

فهل من جواب يستغيث به المنى *** ويعلو على حق المصيبة باطله

وقد رابني من شاهد الحال أنني *** أرى الدست منصوبا وما فيه كافله

ورثاه أبو الندى حسان بن نمير بقصيدة مستهلها :

جلّ ما أحدثت صروف الليالي *** عند مستقطم العلى والجلال

ملك بعد قبضه بسط الخط- *** -ب يديه إلى بني الآمال

ص: 98

جادت العين بعد بخل عليه *** بيواقيت دمعها واللآلي

وغدا كل ناطق بلسان *** موجعاً في قائلاً : ما احتيالي

والذي كف كفُّه أيديَ الفقر *** بما بث من جزيل النوال

حلَّ في الترب منه من كان *** يرجوه ويخشاه كل حي حلال

دفن بالقاهرة ثم نقل ولده العادل سنة 557 رفات أبيه من القاهرة الى مشهد بني له في القرافة.

وقال الشيخ القمي في الكني : الملك الصالح ابو الغارات طلايع بن رزيك بضم الراء وتشديد الزاي المكسورة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها كاف ، فارس المسلمين كان وزير مصر للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز ، وتزوج العاضد بأبنته ، وكان فاضلاً سمحا في العطاء محبا لأهل الأدب ، حكي انه ارسلت له عمة العاضد الخليفة من قتله بالسكاكين ولم يمت من ساعته وحمل الى بيته وارسل يعتب على العاضد فاعتذر وحلف وارسل عمته اليه فقتلها ، ثم مات وكان ذلك في 19 شهر رمضان سنة 556 واستقر ابنه رزيك في الوزارة ولقب الملك العادل ، وكان لطلايع المذكور شعر حسن فمنه قوله :

ابى الله إلا أن يدين لنا الدهر *** ويخدمنا في ملكنا العز والنصر

علمنا بأن المال تفنى ألوفه *** ويبقى لنا من بعده الذكر والاجر

خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا *** سحاب لديه الرعد والبرق والقطر

وله رحمه الله :

بحب علي أرتقي منكب العلى *** وأسحب ذيلي فوق هام السحائب

إمامي الذي لما تلفظت باسه *** غلبت به من كان بالكثر غالبي

وله :

وفي الطائر المشوي أوفى دلالة *** لو استيقظوا من غفلة وسبات

وفي نسمة السحر طلايع بن رزيك وزير مصر الملك الصالح فارس المسلمين

ص: 99

الذي قتل في 19 رمضان سنة 559 كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب شديد المغالات في التشيع له كتاب الاعتماد في الرد على اهل العناد وناظرهم عليه وهو يتضمن امامة اميرالمؤمنين «ع» وهو ممن أظهر مذهب الامامية ومن شعره :

يا امّةً سلكت ضلالا بيّناً *** حتى استوى اقرارها وجحودها

قلتم الا إن المعاصي لم تكن *** إلا بتقدير الاله وجودها

لو صح ذا كان الاله بزعمكم *** منع الشريعة أن تقام حدودها

حاشا وكلا ان يكون إلهنا *** ينهى عن الفحشاء ثم يريدها

قال المقريزي في الخطط ج 4 ص 8 زار الملك الصالح مشهد الامام علي بن ابي طالب رضی الله عنه في جماعة من الفقراء وإمام مشهد علي رضی الله عنه يومئذ السيد إبن معصوم (1) فزار طلايع وأصحابه وباتوا هناك فرأى السيد في منامه الإمام صلوات الله عليه يقول له : قد ورد عليك الليلة أربعون فقيراً من جملتهم رجل يقال له : طلايع من رزيك بن اكبر محبينا فقل له : إذهب فإنا قد وليناك مصر. فلما أصبح أمر من ينادي : من فيكم اسمه طلايع بن رزيك؟ فليقم الى السيد ابن معصوم فجاء طلايع الى السيد وسلم عليه فقص عليه رؤياه ، فرحل الى مصر وأخذ امره في الرقي ، فلما قتل نصر بن عباس الخليفة الظافر إسماعيل إستثارت نساء القصر لأخذ ثاراته بكتاب في طيه شعورهن ، فحشد طلايع الناس يريد النكبة بالوزير القاتل ، فلما قرب من القاهرة فر الرجل ودخل طلايع المدينة بطمأنينة وسلام ،

ص: 100


1- 1 - قال السيد ابن شدقم في ( تحفة الازهار ) كان ابو الحسن ابن معصوم ابن ابي الطيب احمد سيداً شريفاً جليلاً عظيم الشأن رفيع المنزلة ، كان في المشهد المغروي كبيراً عظيماً ذا جاه وحشمة ورفعة وعز واحترام عليه سكينة ووقار انتهى قال الشيخ الاميني رحمه الله في (الغدير) وهو جد الامرة الکريمة النجفية المعروفة اليوم ببيت الخرسان.

فخلعت عليه خلايع الوزارة ولقب بالملك الصالح ، فارس المسلمين نصير الدين فنشر الأمن وأحسن السيرة ( ثم ذكر حديث قتله ) وقال : كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محباً لأهل الأدب جيد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسة وتدبيراً ، وكان مهاباً في شكله عظيماً في سطوته ، وجمع أموالاً عظيمة ، وكان محافظاً على الصلوات فرايضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع صنف كتاباً سماه ( الاعتماد في الرد على أهل العناد ) جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمن إمامة علي بن ابي طالب « ع » وله شعر كثير يشتمل على مجلدين في كل فن فمنه في إعتقاده ومنه قوله :

( يا امة سلكت ضلالاً بيناً ) الأبيات :

وله قصيدة سمّاها [ الجوهريَّة في الرد على القدريَّة ]. ثمَّ قال :

ويروى : أنه لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قال : هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وأمر بقراءة مقتله واغتسل وصلى مائة وعشرين ركعة أحيى بها ليله وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته واضطرب لذلك وجلس في دهليز دار الوزارة فأحضر ابن الصيف - وكان معروفاً بلف عمايم الخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل - ليصلح عمامته ، فقال له رجل : إنَّ هذا الذي جرى يتطيَّر منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل. فقال : ألطيرة من الشيطان وليس الى التأخير سبيل. ثم ركب فكان من أمره ما كان. وقال في ج 2 ص 284 : قال إبن عبد الظاهر : في مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا أن طلايع ابن رزيَّك المنعوت بالصالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا : لا يكون ذلك إلا عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافه الفائز

ص: 101

على يد طلايع في سنة تسع وأربعين وخمسمائه ، وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على بعض شرفه هذا الرأس الكريم المبارك وهي : أنَّ السلطان الملك الناصر رحمه الله لما أخذ هذا القصر وشي إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية وكان بيده زمام القصر وقيل له : إنه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن فأخذ وسئل فلم يجب بشيء وتجاهل فأمر صلاح الدين نوَّابه بتعذيبه فأخذه متولي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدَّ عليها قرمزية ، وقيل ، إن هذه أشدَّ العقوبات وان الانسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلَّا تنقب دماغه وتقتله ففعل ذلك به مراراً وهو لا يتأوَّه وتوجد الخنافس ميتة فعجب من ذلك وأحضره وقال له :

هذا سرَّ فيك ولا بد أن تعرفني به. فقال : والله ما سبب هذا إلا أني لما وصلت رأس الإمام الحسين حملتها. قال : وأي سر أعظم من هذا. وراجع في شأنه فعفا عنه.

ص: 102

تحقيق عَن موضع رَأس الحسَيْن

وهنا يجدر بنا أن نذكر تحقيقاً عن رأس الحسين علیه السلام فقد اختلفت الروايات فيه حتى ذكر السيد الأمين في أعيان الشيعة سبعة أقوال في الرأس الشريف (1).

وقال الشبلنجي في نور الأبصار : اختلفوا في رأس الحسين رضی الله عنه بعد مسيره الى الشام الى اين سار وفي أي موضع استقر ، فذهبت طائفة الى أن يزيد أمر ان يطاف به في البلاد ، فطيف به حتى انتهي به إلى عسقلان فدفنه أميرها بها ، فلما غلب الفرنج على عسقلان افتداء منهم الصالح طلايع وزير الفاطميين بمال جزيل ومشى إلى لقائه من عدة مراحل ووضعه في كيس حرير أخضر على كرسي من الابنوس وفرش تحته المسك والطيب وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة قريباً من خان الخليلي (2).

القول الثاني انه في النجف عند أبيه أمير المؤمنين علیه السلام ، ذهب اليه بعض علماء الشيعة استناداً الى أخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب وغيرهما من طرق الشيعة عن الأئمة علیهم السلام .

ص: 103


1- ج 4 القسم الاول ص 390 من الأعيان.
2- نور الابصار ص 192.

وفي بعضها ان الصادق سلام الله عليه قال لولده اسماعيل : انه لما حمل الى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين ، وهذا القول مختص بالشيعة (1) وفي جملة من الأخبار أن الرأس الشريف مدفون في النجف عند أمير المؤمنين ، وعقد له في الوسائل باباً مستقلاً عنوانه ( باب استحباب زيارة رأس الحسين عند قبر أمير المؤمنين ) واستحباب صلاة ركعتين لزيارة كل منهما (2).

وفي الكافي عن ابان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبدالله علیه السلام فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ، ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين ، ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أميرالمؤمنين.

قلت جعلت فداك والموضعين الذين صليت فيهما ، فقال : موضع رأس الحسين ، وموضع منزل القائم ، قال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم : ولعل موضع القائم المائل هو مسجد الحنانة قرب النجف ، نقل هذا عن الشهيد رحمه الله . اقول ومن هذا نعرف ان هذا المكان من المساجد القديمة المشهورة وانه فيه مقام للامام الصادق علیه السلام .

قال المحدث الشيخ عباس القمي في سفينة البحار : ان في ظهر الكوفة عند قائم الغري مسجد يسمى بالحنانة فيه يستحب زيارة الحسين لأن رأسه وضع هناك ، قال المفيد والسيد ابن طاووس والشهيد رضوان الله عليهم في باب زيارة اميرالمؤمنين :

فاذا بلغت العلم (3) وهي الحنانة فصل هناك ركعتين فقد روى محمد بن ابي عميرة عن المفضل بن عمر قال : جاز الصادق بالقائم المائل في طريق الغري

ص: 104


1- أعيان الشيعة للسيد الأمين.
2- تحفة العالم في شرح خطبة المعالم للسيد جعفر بحر العلوم.
3- اسم للمكان بفتح اللام.

فصلى ركعتين ، فقيل له ما هذه الصلاة فقال : هذا موضع رأس جدي الحسين « وضعوه هنا لما توجهوا من كربلا ثم حملوه الى عبيد الله بن زياد ، فقل هناك : اللهم انك ترى مكاني وتسمع كلامي ولا يخفى عليك شيء من امري - الدعاء.

وجاء في موسوعة العتبات المقدسة للاستاذ جعفر الخليلي - قسم النجف - قال : وعن الكامل في التاريخ ج 9 ص 411 : القائم هو بناء من آجر وكلس قيل انه كان علماً تهتدي به السفن لما كان البحر يجىء الى النجف. انتهى. اقول وفي ايامنا هذه اجريت تعميرات واصلاحات واسعة في الحنانة وقامت القصور بجنبها بعد ما كانت بناية بسيطة منفردة في البرّ تتألف من جدران قديمة وأثر خاوي فامتدت اليها ايدي اهل الخير فاتسعت وازدانت وتأثثت وتنورت بالكهرباء وذلك من كثرة ما تحدثنا للناس في محافلنا ومنابرنا عن قدسية هذا المكان وحرمة هذا المسجد المعظم وما يجب من حقه على مجاوريه بالدرجة الاولى وقد كتب على بابه من نظم زميلنا الخطيب المرحوم السيد مهدي الاعرجي.

مسجد الحنانة السامي عُلا *** كاد بالفضل يضاهي المسجدين

جهلوه الناس قدراً وهو في *** قدره ضاهى السهى والفرقدين

رفع الله تعالى شأنه *** فتعالى شأنه في النشأتين

كيف لا يرفعه الله علا *** وبه قد وضعوا رأس الحسين

القول الثالث ان الرأس الشريف دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة الزهراء وان يزيد ارسله عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء. (1)

ص: 105


1- الفراديس بلغة الروم البساتين.

القول الرابع انه في الشام حكاه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص عن ابن سعد في الطبقات انه بدمشق ، حكى ابن ابي الدنيا قال : وجد رأس الحسين في خزانة يزيد بدمشق فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس (1) عند البرج الثالث مما يلي المشرق ، وكأنه هو المعروف الآن بمشهد رأس الحسين بجانب المسجد الأموي وهو مشهد مشيّد معظم.

القول الخامس انه بالمشهد القاهري قال الشعراني في ( المنن ) ان رأس الحسين حقيقة في المشهد الحسيني قريباً من خان الخليلي وان طلايع بن رزيك نائب مصر نقله ومشى هو وعسكره حفاة من ناحية قطية الى مصر ، في قصة طويلة ، قال الشبلنجي : وفي كتاب الخطط للمقريزي - بعد كلام على مشهد الحسين ما نصه : وكان حمل الرأس الشريف الى القاهرة من عسقلان ووصوله اليها في يوم الاحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان واربعين وخمسمائة ، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الامير سيف المملكة تميم والقاضي المؤتمن بن مسكين وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكورة ، ويذكر ان هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف وله ريح كريح المسك فقدم به الاستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة وانزل به الى الكافوري ثم حمل في السرداب الى قصر الزمرد ثم دفن عند قبة الديلم.

السادس انه أعيد الى الجسد الشريف بكربلاء ، قال السيد ابن طاووس في اللهوف : وكان عمل الطائفة على هذا المعنى. وقال المجلسي : المشهور بين علمائنا - الامامية - انه أعيد الى الجسد ، وعن المرتضى في بعض مسائله انه رد الى كربلاء مع الجسد وقال الطوسي ومنه زيارة الأربعين.

وفي الجملة ففي أي مكان كان رأسه فهو ساكن في القلوب والضمائر قاطن

ص: 106


1- الفراديس بلغة الروم : البساتين.

في الاسرار والخواطر ، قال علي جلال الحسيني المصري : عن تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي قال : وأنشدنا بعض أشياخنا :

لا تطلبوا المولى الحسين *** بارض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا *** نحوي فمشهده بقلبي

وقال الآخر :

لا تطلبوا رأس الحسين فانه *** لا في حمى ثاو ولا في واد

لكنما صفو الولاء يدّلكم *** في انه المقبور وسط فؤادي

ص: 107

وهذه طائفة من شعر المترجم له قال :

لولا ثغور كالاقاحي *** ما جاز عندي شرب راح

لله كأس من عقيق *** خمرها ، ريق الملاح

ريق له فعل المدام *** ولذة الماء القراح

دعني له ياصاح أن أصبح- *** -ت منه اليوم صاحي

لا تكثرن عذلي فبعض *** اللوم يذهب في الرياح

ما لاح بارق مبسم *** وأطعت فيه قول لاح

آتيِه في ظلم الملاح *** مجانباً طرق الصلاح

هيهات قد طلع الصبا *** ح علي - من غرر الصباح

وعلمت أن اللغو ليس *** علي فيه من جناح

وخرجت من ضيق الوقار *** به الى سعة المزاح

ما لم تكن لحدود دين *** الله فيه ذا إطراح

ورعيت حرمة معشر *** طبعوا على دين السماح

آل النبي ومن دعا *** لهم ب- « حي على الفلاح »

قوم لجدهم امتداحي *** وبنور زندهم اقتداحي

وبحبهم أسموا الى ال- *** -علياء موفور الجناح

وأنال آمالي البعيدة *** في الغدوَّ وفي الرواح

وبذكرهم جهراً أصول *** على العدى يوم الكفاح

وغداً بهم في الحشر *** آمن روعه الهول المتاح

وإذا اعترى غيري ارتيا *** ع منه زاد به ارتياحي

ص: 108

ثقة بأني سوف ألقى *** الله فايزة قداحي

ويعدَّني منهم موالاتي *** ونصري وامتداحي

وسواي يطرد عنهم *** إن جاء من كل النواحي

متضاعف الحسرات مملوّ *** الجوارح بالجراح

تعسا لجبارين أصلوا *** بالوغى أهل الصلاح

حملوا رؤوسهم الكريمة *** فوق أطراف الرماح

وحموا عليهم من جهالتهم *** حمى الماء المباح

والخمر يكرع بينهم *** فيها الدعيّ من السفاح

يا أمة غدرت ونور *** الحق أبلج ذو اتضاح

وتعقبت سنن النبي *** الطهر بالبدع القباح

وتأولت في محكم القرآن *** بالكذب الصراح

لا تقربوا منا فجرب *** الابل حتفٌ للصاح

وقال في أهل البيت علیهم السلام :

عسى لي إلى وصل الحبيب وصولُ *** ففي مهجتي مثل النصول نصولُ

إذا ما خليُّ قصر النوم ليله *** فليلي برعيٍ للنجوم طويل

غرام له عندي غريم ملازم *** فليس له بعد الحلول رحيل

تحمَّلتُ من عبء الصبابة ضعف ما *** تحمَّل قيس في الهوى وجميل

فلو قيل لي عن نقله تسترح لما *** رضيت سوى إني اليه أميل

يقلّ لعيني فيه كثر دموعها *** فلو بدمٍ أبكي لقيل قليل

عجبت لقلبي كيف تشعل ناره *** على أن دمعي فاض منه سيول

فهل لي مقيل من عثار صبابتي *** وهل من هجير الهجر ويك مقيل

فيا قلب دع عنك التصابي فإن من *** تحبّ بما تهوى عليك بخيل

ولذ بالكرام السالكين من الهدى *** مسالك فيها للنجاة سبيل

غنوا عن دليل في الهدى لهم وهل *** يقام على ضوء النهار ، دليل

ص: 109

تمسكتُ بالحق الصريح فليس لي *** مجال عن الحق الصريح عدول

وفزتُ بسبحي في بحار ولائهم *** اذا ما لغيري في الضلال وحول

فقد نلتُ آمالي بميلي اليهم *** وحقق بي بين البرية سؤل

أناس علا فوق الملائك قدرهم *** فأضحى له عند الإله مثول

ركبتُ بهم سفن النجاة فلي على *** يقين على شاطي المفاز حصول

شموس هدى يهدي الى الحق ضوئها *** فليس لها حتى النشور أفول

وربّ عذول لي عدوٌ مباينٌ *** يرى انه لي ناصح وخليل

له لي عذلٌ خفَّ لا شك عنده *** ولكن أتاني منه وهو ثقيل

ومالي على آل الرسول كأنما *** سوى جدهم للعالمين رسول

يقول : اجتنب تقديم آل محمد *** وقلبي لو حاولت ليس يحول

تعاليت عنه اذ أسَّف ولم أزل *** تجرر لي فوق السماء ذيول

يروم نزولي عن ذرى المجد والعلى *** ومالي عن المجد الاثيل نزول

ولو حدت عنهم ما عسى لمؤنبي *** عليهم اذا رام الجواب أقول :

يظن بأني جاهل عن حقوقهم *** وما أنا للصبح المنير جهول

هم سر وحي الله والدوحة التي *** نمت فزكى فرع لها وأصول

وما يستوي فيهم محب ومبغض *** وما يتساوى ناصر وخذول

نصرتهم اذ كنت سيفا لدينهم *** حساماً صقيلاً ليس فيه فلول

أأتبع المفضول مجتنباً لمن *** له الفضل مالي في السفاه عدول

بعينهم جلّى دجى الشك مثل ما *** نمى في تضاعيف الخضاب نصول

فغيري الذي دب الضلال بقلبه *** كما دبَّ في الغصن الرطيب ذبول

فهم بهجة الدنيا التي افتخرت بهم *** وهم غرةٌ في دهرهم وحجول

اذا شئت ان تحصي مناقب فضلهم *** يروعك ما يعيى به ويهول

فمنهم أميرالمؤمنين الذي له *** فضائل تحصى القطر وهي تعول

هو النور نور الله والنور مشرق *** علينا ونور الله ليس يزول

سما بين أملاك السموات ذكره *** نبيهٌ فما أن يعتريه خمول

ص: 110

طوال رماح الخط عنه قصيرة *** وأمضى سيوف الهند عنه كليل

هو الحبر كشّاف الشكوك بعلمه *** وشرّاب أبطال الحروب أكول

هو السابق الهادي على رغم أنف من *** خلاف الذي قد قلت فيه يقول

ولما التقى الجمعان كان لسيفه *** بضرب رقاب القاسطين صليل

وسالك أجواز المناقب كلها *** له سفرة في ضمنها وقفول

أبوه بلا شك أباد جدودهم *** فثارت عليهم من أبيه ذحول

فلا يطمع الاعداء في فانني *** لي الله بالنصر المبين كفيل

أقول : لهم ميلي الى آل احمد *** وما انا ميال الوداد ملول

لأنَّ لهم في كل فضل وسؤدد *** فصولا عليها العالمون فضول

علام قتلتم بضعة من نبيكم *** وتدرون ان الرزء فيه جليل

ضحكتم واظهرتم سروراً وبهجة *** بيوم من نجل البتول قتيل

قتيل شجى الاملاك ما فعلوا به *** واظهر اسحان (1) الجياد صهيل

ومن حقهم أن تخسف الارض الذي *** أتوه ولكن ما الحكيم عجول

على أهل بيت المصطفى من الاههم *** صلاة لها غيث يسح هطول

فخذها لهم من ( نجل رزيك ) مدحة *** تسير كما سارت صباً وقبول

وقال يرثي الإمام علیه السلام :

يا راكباً قطع القرينا *** بالعيس إذ تشكو البرينا

متوجهاً لمحلة بالشا *** مِ يلتمس القطينا

بلَّغ رسالةَ مؤمنٍ *** تُسعد بها دنيا ودينا

في كربلاء ثوى ابن بنت *** رسول رب العالمينا

قف بالضريح ونادِهِ *** يا غاية المتوسلينا

يا عروة الدين المتين *** وبحر علم العارفينا

ص: 111


1- 1 - الفرس المسحن ، الجيد

يا قبلةً للأولياء *** وكعبة للطائفينا

مولاي جسمك ضر جته *** دماً سيوف القاسطيناً

لهفي عليك وحسرتي *** تبقى على مر السنينا

يا من مكان جلاله *** عند الآله يرى مكينا

يا من أقر بفضله أهل *** العداوة مذ عنينا

من أهل بيت لم يزالوا *** في البرية محسنينا

وبودهم ننجو على *** متن الصراط اذا وطينا

أو ما بجدك سيد *** الثقلين قاطبة هدينا

من بعد موردنا شريعة *** ورده ما ان ظمينا

هل غيره قد كان يدعى *** الصادق البر الامينا

وهو السعادة ، إن بعدنا *** عن منازلها شقينا

ما ان توسلنا به في *** الجدب نلقاه سقينا

وإذاً ذكرناه على *** ألمٍ ألَمَّ بنا شفينا

أو كان غير أبيك يدعى *** الانزع الهادي البطينا

ما الروضة الغناء أضحت *** مثل علم أبيك فينا

أنا فيك قد كحل السهاد *** فلم تنم مني الجفونا

ولقد أكاد أذوب من *** أسفٍ يؤوَّبني فنونا

وأردد الترجيع في *** فكري وأردفه أنينا

ويكاد مني الصخر من *** حزني عليكم أن يلينا

إن الذي يرضيه قتلك *** حائزاً طرفاً سخينا

يقتادني لك زفرة *** يُمسى بها قلبي رهينا

يا أهل بيت ( المصطفى ) *** أصبحتُم النور المبينا

والله ليس يحبكم مث- *** -لي يميناً لن تمينا

كم ليلة سمع العدى *** مني بمدحكم رنينا

فنأوا كما ينأى الغريم *** غداة يبتقصي ديونا

ص: 112

ولقد جعلتُ عليَّ من *** نفسي بحبكم ضمينا

إن الإله أعزَّني *** بكم وأقسم لن أهونا

وإذا طما بحر *** المخاوف كان ودكُّم سفينا

وأرى يقيني فيكُم *** مستنقذي حقاً يقينا

أسخنتُ من أعدائكم *** ومن استمال لهم عيونا

وكسبت من ثقتي بكم *** يا سادتي عزاً مصونا

وتواترت نعم الاله *** عليَّ أبكاراً وعونا

لما وردت بهديكم *** بين الورى الورد المعينا

ويسرُّ قلبي أن وجد *** ت على عدوكم معينا

ما كنت في بغض لمن *** يشنأكم يوماً ظنينا

وعلى وليكم بمالي *** لم أكن ألفى ضنينا

ولقد غذيت ولائكم *** مذ كنت مستترا جنينا

ولقد نظمت لكم *** بحور مدامعي عقداً ثمينا

واذا نصرتكُم فان الله *** خيرُ الناصرينا

ما حدثُ عن حبي لكم *** حاشا وكلا لن أخونا

يغمى عليَّ اذا ذكرت *** مصابكم حينا فحينا

ما علَّم النوح الحمام *** سواي والقلب الحنينا

ما كنت أرضى أن أكون *** لمن يضاددكم معينا

قد ملت من فرط الوداد *** الى العبيد المخلصينا

أأكون في الحزب الش- *** -مال واترك الحزب اليمينا

التائبين العابدين *** الصائمين القائمينا

العالينا الحافظين *** الراكعين الساجديناً

ولقد عرفت حقوقكم *** وعرفت قوماً غاصبينا

وجعلت دأبي ثلبهم *** حتى أرى ميتاً دفينا

يا من اذا نام الورى *** باتوا قياماً ساهرينا

ص: 113

ان الذي أعيى - طلا *** ئع - فيكم أعيى القرونا

الموت يلقى الاخرين *** كما يلقَّى الاولينا

ولقد صبرت لعلني *** ألقى جزاء الصابرينا

وشكرت ربي في الولاء *** فلي ثواب الشاكرينا

ص: 114

وقال في رثائه علیه السلام وقد جارى بها قصيدة دعبل الخزاعي

الأيم دع لومي على صبواتي *** فما فات يمحوه الذي هو آتِ

وما جزعي من سيئات تقدمت *** ذهاباً اذا اتبعتها حسناتي

ألا انني أقلعت عن كل شبهة *** وجانبت غرقى أبحر الشبهات

شغلت عن الدنيا يحبي لمعشر *** بهم يصفح الرحمن عن هفواتي

اليك فلا اخشى الضلال لكونهم *** هداتي وهم في الحشر سفن نجاتي

أئمة حق لا ازال بذكرهم *** أواصل ذكر الله في صلواتي

تجليت بين العالمين بحبهم *** وناجيتهم بالود في خلواتي

وبالسبب الأقوى اعتلقت مؤملا *** به الفوز في الدنيا وبعد وفاتي

تواليت مختصاً بحمل براءة *** ويممت قوماً غيره ببراتي

أرى حبه في السلم ديني ومذهبي *** وفي غزواتي مرهفي وقناتي

ولم يك أحشاء الطغاة لبغضهم *** على الغل والاضغان منطويات

فمالوا على اولاده ونسائه *** وصحب كرام سادة وسرات

غريب يبكي من نساء حواسر *** طواهر من كل الاذى خفرات

كبيرة ذنب ليس ينفع عندها *** دوام صلاة او خروج زكاة

لعمري ما يلقون في الحشر جدهم *** بغير وجوه كلّح خجلات

اذا قال : لم ضيعتموا حتى عترتي *** وكيف انتهكتم جرأة حرماتي

اسأتم صنيعاً بعد موتي فغاصب *** لذريتي حقاً وآخر عات

ومَن خصمه يوم القيامة أحمد *** لقد حلَّ في واد من النقمات

فوا حزني لو انني في زمانهم *** وواحرَّ أحشائي وواحسراتي

ص: 115

لأطعن فيهم بالأسنة كلما *** مضت حملة جاءت بمؤتنفات

أقضّي زماني زفرة بعد زفرة *** فقلبي لا يخلو من الزفرات

وصدري فيه حرقة بعد حرقة *** فليس بمنفك عن الحرقات

فإن أقل النصّاب يوما عثارهم *** فان إقالاتي من العثرات

لأنهم هدَّوا اعتداء بفعلهم *** وظلما منار الصوم والصلوات

لقد شبت لا عن كبرةٍ غير أنني *** لكثرة همي - شبت قبل لداتي

واني لعبد المصطفى سيف دينه *** - طلايع - موسوم بهدي هداتي

وليُّهم - إن خاف في الحشر غيره *** لظى - فهو منها آمن الجَنَبات

أيا نفس من بعد الحسين وقتله *** على الطف هل أرضى بطول حياتي

واني لأخزي ظالميه بلعنة *** عليهم لدى الآصال والغدوات

وقلت : وقد عانيت أهواء دينهم *** مفرقة معدومة البركات

اذا لم يكن فيكنَّ ظل ولا جنا *** فباعد كن الله من شجرات

عرضت رياضاً حاكها صوب خاطري *** لكي يرتع الاسماع في نغماتي

اذا أنشدت في كل ناد بدت لها *** قلوب ذوي الآداب في نشواتي

فلا تعجبوا من سرعتي في بديهتي *** على وثباتي في الوغى وثباتي

فان موالاتي لآل محمد *** وحبَّي مرقات الى القربات

واني لأرجو أن يكون ثوابها *** وقوفي يوم الجمع في عرفات

أعارض من قول الخزاعي دعبل *** وإن كنت قد قصرت في مدحاتي

( مدارس آيات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات )

ص: 116

وقال يرثي الحسين علیه السلام يوم عاشوراء عام اثنين وخمسين وخمسمائة :

ما للمنازل لا تبينُ *** حتى ولا أضحت تبين

جف الثرى اذ خف من *** عرصاتها ذاك القطين

وأنا الحزين عليهم *** أفربعهم أيضاً حزين ..؟

أم هذه الاشجان فينا *** كالحديث لها شجون

ولأن بكت تلك الربى *** فمن العيون لها عيون

نعم المعين على تتابع *** دمعها الماء المعين

لو لم تحن أسى لما اش- *** -تقت من الحزن الحزون

وبكت حمائم لا تكاد هنا *** ك تحملها الغصون

ورق مفجّة لها بالنو *** ح بعدهم لحون

وتكاد أصلاد الصخور *** لفرط رقّتها تلين

وترى الرياح لها اذا *** مرت بأيكتها أنين

ما الشأن الا أن بعد *** فراقهم حدثت شئون

كانت أمور فيهم *** ما خلتها أبداً تكون

فكأنهم آل النبي وقد *** أبادهم اللعين

في يوم عاشوراء لما *** خانهم دهرٌ خؤون

وغدت مناهم حين *** عزّوا أن تصيبهم المنون

لم يقبلوا عهداً لجيش *** للنفاق به كمين

ورأوا جميعاً أن اعطاء *** اليمين لهم يمين

وتيقنوا ، أن الحياة *** الظن ، والموت اليقين

ص: 117

لهفي على قتلى أبيح بهم *** حمى الدين المصون

ما فيهم إلا صريعٌ *** بالصوارم أو طعين

غدر الخؤون بهم هناك *** ولم يف الثقة الامين

وخلت ديارهم ، كما يخلو *** من الاسد العرين

فعفا الصفا من بعدهم *** وبكاد لفقدهم الحزون

والركن صدّعه لعظم *** مصابهم داءٌ دفين

والقبر منذ الفتك فيهم *** ما لساكنه سكون

يا عاذلي رفقا فانك *** فيهم عندي ظنين

كم ذا تهوّن من جليل *** مصابهم ما لا يهون

فارفض عداهم ان غدوت *** بدين جدهم تدين

ان البراء من الا عادي *** للولاء لهم قرين

يا بقعة ( بالطف ) حشو *** ترابها دنيا ودين

* * *

أضحت كأصداف يصادف *** ضمنها الدرّ الثمين

مني السلام عليك ما *** غطّت على الشمس الدجون

ولي الحنين اليك مهما *** اختصّ بالابل الحنين

ص: 118

وقال يذكر مناقب أهل البيت علیهم السلام :

دعني قبيل اللهو غير قبيلي *** وسبيل أهل اللوم غير سبيلي

لم أشتغل عن جمع أشتات العلى *** بمليح وجهٍ أو بكأس شمول

لا تعذلني إنني لا أقتفي *** سبل الضلال لقول كل عذول

قولي : لمن قد سامني الرجعي الى *** ما لا يجوز أتيت غير جميل

ان الخليل ، اذا تجنّب مذهبي *** قلت : ابتعد ما أنت لي بخليل

أتحمَّل الاثقال إلا انني *** لمبايني في الدين غير حمول

آليت لا ألقى عُداة أئمتي *** إلا بعضب الشفرتين صقيل

وأئمتي قوم ، إذا ظُلموا فهم *** لا يظلمون الناس وزن فتيل

كان الزمان لحسنه بوجوههم *** يختال بالأوضاح والتحجيل

ومسجَّل لهم الفخار على الذي *** ناداهم إذ صحّ لي تسجيلي

وهم الأئمة ما عدمت فضيلة *** فيهم فما ميلي الى المفضول

فأنا إذا مثلت غيرهُم بهم *** في فضلهم أخطأت في تمثيلي

آل النبي بهم عرفنا مشكل *** القرآن ، والتوراة ، والانجيل

هم أوضحوا الآيات حتى بينوا *** الغايات في التحريم والتحليل

عند التباهل ما علمنا سادسا *** تحت الكسا معهم سوى جبريل

إن الكثير من المدائح فيهم *** قل ، ومدح الله غير قليل

قال النبي : صلوا بهم حبلي فلم *** يكُ منهم أحد لهم بوصول

ماذا يكون جواب قوم أخلدوا *** إذ مات للتغيير والتبديل

إن قال : في الحشر ابنتي لِمَ فيكُم *** لم تخل من حزن ، وطول عويل

هي بضعة مني ففي إضرارها *** ضُرَّي كما تبجيلها تبجيلي

والله يحكم لا مردَّ لحكمه *** ومقيل أهل الظلم شر مقيل

اخترت لو كنت الفداء لسادتي *** في النائبات وأسرتي وقبيلي

اني - ابن رزيك - الذي بولائهم *** أسخنت عين معاند وجهول

إن طال وجدي فيهم فأنا الذي *** نومي بطول الليل غير طويل

ص: 119

وقال يمدح العترة الطاهرة ويعدد مناقب الامام اميرالمؤمنين علیه السلام :

خلصت من خدعات الاعين النجل *** ونبت من تبعات اللهو والغزل

وقام عندي لوم الخائنين اذا *** خانوا الوداد مقام اللوم والعذل

فما بكيت لناس استريح به *** من العناء ولم أضحك الى أمل

ولو سوى هذه الدنيا غدا وطني *** لقلت أني لم أربع على طلل

اذا تناكر أفعال الرجال بها *** فحومة الحرب والمحراب تشهد لي

أنفت في خلواتي أن يرى لفمي *** من غيرتي لهباً إلا على القتل

وعفت ما في قدود السمر إن خطرت *** من اعتدال لما في السمر من خطل

وزرقة النصل في طرف القناة أبت *** ان يستبين بما بالطرف من كحل

حتى كأن أسيلات الخدود وقد *** أعرضت عنها أحالتني على الاسل

وان جوهر سيفي لو قرنت به *** جواهر الحلي صار الحلي كالعطل

ترفعت همتي حتى وطيت على *** كواكب الجو بالمهرية الذلل

فما المجرّة في افق السماء سوى *** محجة دستها بالخيل والابل

ولا الأهلة مع مر الشهور سوى *** آثار خيلي من حاف ومنتعل

ما ثار إلا وراء ( الثور ) عثيرها *** قدما ولا حملت إلا على ( الحمل )

وأخلف الشهب في ليل العجاج اذا *** غابت بشهب على الارماح لم تفل

فليس تبقي غداة الحرب ان فتكت *** أعمال فتك لمريخ ولا زحل

وبعد هذا فإن الموت مدركنا *** وليس يسبق في ريث ولا عجل

لا الحول ينفع فيه حين يحضرنا *** داعي المنايا ولا يرتدُّ بالحيل

وليس يصحبنا مما نسر به *** في هذه الدار إلا صالح العمل

ص: 120

ولا يؤمننا في الحشر من وجل *** إلا ولاء أمير المؤمنين علي

شرعت طرفي الى حوض النبي به *** ولم أعرّج على طرق ولا وشل

ومال ودي الى القربى التي ظهرت *** أعراقها لا الى ودّ ولا هبل

آل النبي الألى آوي الى سبب *** منهم وحبل بحبل الله متصل

وما قصدت وقد صيرتهم درجاً *** الى نجاتي إلا اقرب السبل

بانت طريقهم المثلى لسالكها *** فلست عنها بذي زيغ ولا ميل

ما كنت أبغي اعتصاماً بالنزول الى *** خفض الوهاد عن الانجاد والقلل

بالله لو لم تحد عن نهج مسلكهم *** عمى القلوب بقوم لا عمى المقل

ما كان يشكل عن ذي اللب فضلهم *** في واضح الصبح مايغني عن الطفل

من كالامام الذي ، الزهراء ثاوية *** في بيته وأخوه خاتم الرسل

الباذل النفس من دون النبي وقد *** فر الجبانان من عجز ومن فشل

في يوم خيبر والاجناد شاهدة *** بنص ذلك منذ الاعصر الأول

ومطعم السائل البادي بخاتمه *** عند الركوع أو آن الفرض والنفل

والخاشع المتجري في تواضعه *** كأنه لم يصل يوماً ولم يصل

وقابض الكف عما لا يحل له *** كانها لم تطل يوماً ولم تطل

ومن يرد عن الدنيا بنان يد *** كانها لم تنل يوماً ولم تنل

سائل به ( ليلة الاحزاب ) اذ دلفت *** خيل العدى وهي ملء السهل والجبل

وجاء أعداء دين الله في رهج *** تزلزل الارض من علو ومن سفل

وساء ظن الأولى صارت قلوبهم *** الى الحناجر من خوف ومن وجل

وجاء عمرو بن ود في أوائلهم *** من شدة التيه لا يلوي على بطل

حتى توغل صف المسلمين على *** نهد اذا زالت الاجبال لم يزل

هل كان غير امير المؤمنين له *** قرناً فرواه من مهل ومن وهَل

ويوم بدر وقد مار القليب دماً *** يغص واراده في العلّ والنهل

وكم وليد سواه في حروبهم *** قد ظل يسبق منه الشيب بالاجل

ص: 121

وكل من لعبت أيدي الضلال به *** هناك يأوي الى الاكتاف والطلل

ويوم احد غداة البأس حين ثوى *** أهل اللواء بسيف الفارس البطل

ما كان في السهل من بعض النعام وفي *** الاوعاد لما التقى الجمعان كالوعل

وفي ( حنين ) وللبيض الرقاق به *** حنين بيض تنادت فيه بالثكل

من قال قد بطل اليوم الذي عقدوا *** فينا من السحر إن الدهر ذو دول

وبعد مثوى رسول الله اذ نصبوا *** له العداوة من أنثى ومن رجل

ما سدَّ رأي التي كانت صلاتهم *** برأيها خوف ذاك العارض الجلل

وبالعراق أراق البغي من دم مَن *** أحانها مثل صوب العارض الهطل

بني أمية اني لست ذاكركم *** اذ لي بذكر سواكم اكبر الشغل

كفى الذي دخل الاسلام اذ فتكت *** أيمانكم ببني الزهراء من خلل

منعتم من لذيذ الماء شاربهم *** ظلما ، وكم فيكم من شارب ثمل

أبكيهم بدموع لو بها شربوا *** في كربلاء كفتهم سورة الغلل

أنا ( ابن رزيك ) يزري ما أقول وان *** طال الزمان بما قد قال كل ولي

ما ارتعت مذ كنت للأواء إن طرقت *** رجلي ولا ارتحت للسراء والجذل

القلب ينجدني ، والعزم يصحبني *** دون المصاحب في حِلٍّ ومرتحل

والصبر ينشدني ، والخطب محتفل *** لا تلق دهرك الا غير محتفل

ص: 122

وقال هذه القصيدة عندما أمر في وزارته أن يستعمل في طراز خاص كسوة المشهدين الشريفين العلوي والحسيني من الستور الديبقي لأبواب الحرمين وعرضها هناك وقد أرصد من أمواله مبالغ طائلة لهذا الغرض وتحرى فيها أن تكون الستور في غاية الحياكة والابداع مع تطريز آيات قرآنية حولها ، فلما تّم عملها أرسلها مع نفر من خدمه وعبيده ، وجعل فيها قصيدة ذكر فيها عمله الذي تفرّد بشرفه وفخره وفاز دون ملوك الاسلام بجزيل ذخره وجميل ذكره :

هل الوجد إلا زفرة وأنينُ *** أم الشوق إلا صبوةٌ وحنينُ

وجيش دموع كلما شنّ غارة *** أقام له بين الضلوع كمين

إذا ما التظى شوق معين بثاره *** تحدّر ماء العين عين معين

وما خلت أن القلب يصبح للبكا *** قليباً ولا أن العيون عيون

وأن عقود الدر من بعد ألفها *** نحور الغواني في الحذود تكون

خليلي ما الدمع الذي تريانه *** على السر إن حان الفراق أمين

بلام إذا خان الأنام جميعهم *** وليس يلام الدمع حين يخون

وبي لوعة لا يستقر نزاعها *** لها كلما جنَّ الظلام ، جنون

إذا عن لي تذكار سكان كربلا *** فما لفؤادي في الضلوع سكون

فان أنام لم أحزن على إثر ذاهب *** فاني على آل الرسول حزين

ألم ترهم خلوا حماهم كما خلا *** بحقان من أسد العرين عرين

وساروا وقد غروا بأيمان معشر *** وما علموا أن اليمين يمين

ورب أماني معشر وأمانهم *** بغدرهم قد عاد وهو منون

ص: 123

وما أخلفتهم في الإله ظنونهم *** اذا أخلفتهم في الرجال ظنون

فان يخل في الدنيا مكانهم أما *** مكانهم يوم المعاد مكين

هوت ، وزوت منهم عشية قتلوا *** أصول زكت أعراقها وغصون

وأظلم مبيّض النهار عليهم *** وحقَّهم مثل النهار مبين

تصَّرف حكم البيض ، والسمر فيهم *** فمنهم صريع بالظبى وطعين

ولو أن صمّ الصخر تقرب منهم *** لا بصرتَ صمَّ الصخر كيف تلين

* * *

قبورهم قبلي وأموات نكبة *** بطون سباع مرّة وسجون

جرت من بني حرب شئون عليهم *** جرت بعدها منّا الغداة شئون

وريضت عليهم خيلهم وركابهم *** فرّضت ظهور منهم وبطون

ألا كل رزء بعد يومٍ بكربلا *** وبعد مصاب ابن النبي يهون

ثوى حوله من آله خير عصبة *** يطالب فيهم للطغاة ديون

يذادون عن ماء الفرات وغيرهم *** يبيت بصرف الخمر وهو بطين

اسادتنا لو كنت حاضر يومكم *** لشابت بسيفي للطغاة قرون

أسادتنا ان لم يعنكم لدى الوغى *** سناني فاني باللسان أعين

أسادتنا أهديت جهدي إليكم *** لتطهر نفسي فالظنين ظنين

سطور بأبيات من الذكر طَرّزت *** تُبرهنُ عن أوصافكم وتبين

أوقي بها مثواكُم حاد ربعه *** حيا المزن عن لحظ العدى وأصون

وأرجو بها ستراً من النار عندما *** يقيني غدا كيد الشكوك يقين

فجودوا عليها بالتقبِّل منكُم *** فودَّي وإخلاصي بذاك ضمين

وجدكُم سنَّ الهدايا وإنني *** لما سن قدماً في بنيه أدين (1)

ص: 124


1- عن الديوان ص 159.

وفي الديوان المطبوع قصائد كثيرة تخص أهل البيت علیهم السلام وإليك مطلع كل قصيدة منها :

1 - من الأحباب قرَّبني ولائي *** ومن اعداي برأني برائي

2 - لذاذة سمعي في قراع الكتائب *** ألذُّ وأشهى من عتاب الحبايب

3 - ايها المغرور لو فكرِّت *** لم يخف الصواب

4 - يا للرجال لمدنف مجهود *** لم يؤت من هجر وطول صدود

5 - اسفي على ايام دهري قد مضى *** منع الجفون بذي الغضا ان يغمضا

6 - ما حاد عن حب البطين الا نزع *** متجنِّباً لولائه إلا دعى

7 - يا نفس دنياك هذه خُدعُ *** والعيش ان دام فهو منقطع

8 - يا صاحبي بجر عاء الغوير قفا *** نجُد لمن بان بالدمع الذي وكفا

9 - اذا كنت في الحب لا اقبل *** فقل للعذول لمن تعذل

10 - يا نفس كم تخدعين بالأمل *** وكم تحبيِّن فسحة الاجل

11 - ما كان اول تائه بجماله *** بدر منال البدر دون مناله

12 - لا تبك للجيرة السارين في الظعن *** ولا تعرّج على الاطلال والدمن

13 - هل منصف باللطف يسليني *** عن روضتي ورد ونسرين

14 - القلب موقوف على الخفقان *** والدمع لا ينفك من هملان

ص: 125

ابن العودي النيلي

متى يشتفى من لاعج الشوق مغرمُ *** وقد لجّ بالهجران مَن ليس يرحمُ

اذا همَّ أن يسلو أبى عن سلوه *** فؤاد بنيران الأسى يتضرم

ويثنيه عن سلوانه لخريدة *** عهود التصابي والهوى المتقدم

رمته بلحظ لا يكاد سليمه *** من الخبل والوجد المبرِّح يسلم

اذا ما تلظت في الحشا منه لوعة *** طفتها دموع من أماقيه سُجّم

مقيم على أسر الهوى وفؤاده *** تغور به ايدي الهموم وتتهم

يجّن الهوى عن عاذليه تجلدا *** فيبدي جواه ما يجن ويكتم

يعلل نفسا بالأماني سقيمة *** وحسبك من داء يصحّ ويسقم

رعى الله ذياك الزمان وأعصراً *** لهونا بها والرأس أسود أسحم

وقد غفلت عنا الليالي وأصبحت *** عيون العدى عن وصلنا وهي نوم

فكم من ثديّ قد ضمت غصونها *** اليَّ وأفواه لها كنت ألثم

أجيل ذراعي لاهيا فوق منكب *** وخصر غدا من ثقله يتظلم

وامتاح راحا من شنيبٍ كأنه *** من الدرِّ والياقوت في السلك ينظم

فلما علاني الشيب وابيض مفرقي *** وبان الصبا واعوّج مني المقدم

وأضحى مشيبي للغذار ملثماً *** به ولرأسي بالبياض يُعمّم

وأمسيت من وصل الغواني مخيّبا *** كأني من شيبي لديهنّ مجرم

بكيتُ على ما فات مني ندامة *** كأني خنساء به أو متمم

ص: 126

وأصفيت مدحي للنبي وصنوه *** وللنفر البيض الذين هم هم

هم التين والزيتون آل محمد *** هم شجر الطوبى لمن يتفهم

هم جنّة المأوى هم الحوض في غد *** هم اللوح والسقف الرفيع المعظم

هم آل عمران هم الحج والنسا *** هم سبأ والذاريات ومريم

هم آل ياسين وطاها وهل أتى *** هم النحل والانفال لو كنت تعلم

هم الآية الكبرى هم الركن والصفا *** هم الحج والبيت العتيق وزمزم

هم في غد سفن النجاة لمن وعى *** هم العروة الوثقى التي ليس تفصم

هم الجنب جنب الله واليد في الورى *** هم العين لو قد كنت تدري وتفهم

هم السر فينا والمعاني هم الأولى *** تيمم في منهاجهم حيث يمموا

هم الغاية القصوى هم منتهى المنى *** سل النص في القرآن ينبئك عنهم

هم في غد للقادمين سقاتهم *** اذا وردوا والحوض بالماء مفعم

هم شفعاء الناس في يوم عرضهم *** الى الله فيما أسرفوا وتجرّموا

هم منقذونا من لظى النار في غد *** اذا ما غدت في وقدها تتضرم

ولولاهم لم يخلق الله خلقه *** ولا هبطا للنسل حوا وآدم

هم باهلوا نجران من داخل العبا *** فعاد المناوي عنهم وهو مفحم

وأقبل جبريل يقول مفاخراً *** لميكال من مثلي وقد صرت منهم

فمن مثلهم في العالمين وقد غدا *** لهم سيد الأملاك جبريل يخدم

ومن ذا يساميهم بفخر فضيلة *** من الناس والقرآن يؤخذ عنهم

ابوهم امير المؤمنين وجدهم *** أبو القاسم الهادي النبي المكرم

فهذا اذا عد المناسب في الورى *** هو الصهر والطهر النبي له حم

هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى *** وقاموا بحكم الله من حيث يحكم

وخالهم المشهور والأم فاطم *** وعمهم الطيار في الخلد ينعم

وأين كزوج الطهر فاطمة ابي الشهي- *** -يدين أبناء الرسول وهم هم

الى الله أبرأ من رجال تبايعوا *** على قتلهم أهل التقى كيف اقدموا

حموهم لذيذ الماء والماء مفعم *** وأسقوهم كأس الردى وهو علقم

ص: 127

وعاثوا بآل المصطفى بعد موته *** بما قتل المختار بالأمس منهم

وثاروا عليه ثورة جاهلية *** على أنه ما كان في القوم مسلم

وألقوهم في الغاضرية حسَّراً *** كأنهم قف على الأرض جُثَّم

تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم *** بأجنحة طير الفلا وهي حُوَّم

بأسيافهم أردوهم وبدينهم *** أريق بأطراف القنا منهم الدم

وما أقدمت يوم الطفوف أمية *** على السبط إلا بالذين تقدَّموا

وأنِّى لهم ان يبرءوا من دمائهم *** وقد أسرجوها للخصام وألجموا

وقد علموا ان الولاء لحيدر *** ولكنه ما زال يؤذى ويُظلَمُ

فنازعه في الأمر من ليس مثله *** وآخر وهو اللوذعيُّ المقدَّم

وأفضوا الى الشورى بها بين ستة *** وكان ابن عوف فيهم المتوسم

متى قيس ليث الغاب يوماً بغيره *** وأين من الشمس المنيرة أنجم

ولكن امور قدِّرت من مقدَّر *** ولله صنع في الارادة محكم

وكم فئة في آل أحمد أهلكت *** كما أهلكت من قبل عاد وجرهم

فما عذرهم للمصطفى في معادهم *** إذا قال لِم خنتم بآلي وجُرتم

وما عذرهم إن قال ماذا صنعتُّم *** بآلي من بعدي وماذا فعلتم

نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم *** وخالفتموه بئس ما قد صنعتم

وخلَّفتُ فيكم عترتي لهداكُم *** فلم قمتُم في ظلمهم وقعدتم

قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم *** عليهم وإحساني اليكم أضعتم

وما زلتم بالقتل تطغون فيهم *** إلى أن بلغتم فيهم ما أردتم

كأنهم كانوا من الروم فالتقت *** سراياكم راياتهم فظفرتم

ولكن أخذتم من بني بثأركم *** فحسبكُم جرماً على ما اجترأتم

منعتم تراثي إبنتي وسليلتي *** فلم أنتم آباءكم قد ورثتم

وقلتم نبيّ لا تراث لولده *** أللأجنبيّ الإرث فيما زعمتم

وهذا سليمان لداود وارث *** ويحيى أباه ، كيف أنتم منعتم

وقلتم حرام متعة الحج والنسا *** اعن ربكم أم انتم قد شرعتم

ص: 128

ألم يأت « ما استمتعتم من حليلة *** فآتوا لها من أجرها ما فرضتم

فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى *** بتحليله أم انتُم قد نسختم

وكل نبي جاء قبلي وصيه *** مطاع وانتم للوصي عصيتم

ففعلكم في الدين أضحى منافيا *** لفعلى وأمري غير ما قد أمرتم

وقلتم مضى عنا بغير وصية *** ألم أوص لو طاوعتم وعقلتم

وقد قلت من لم يوصِ من قبل موته *** يمر جاهلاً بل أنتم قد جهلتم

نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلكم *** على الله فاستكبرتم وظلمتم

وقد قلت في تقديمه وولائه *** عليكم بما شاهدتم وسمعتم

عليٌ غدا مني محلاً وقربة *** كهرون من موسى فلم عنه حلتم

شقيتم به شقوى ثمود بصالح *** وكل امرىء يبقى له ما يقدّم

وملتم الى الدنيا فتأهت عقولكم *** الا كل مغرور بدنياه يندم

لحا الله قوماً جلّبوا وتعاونوا *** على حيدر ماذا أساؤا وآجرموا

وقد نصها يوم الغدير محمد *** وقال لهم يا أيها الناس فاعلموا

عليٌ وصيي فاتبعوه فانه *** إمامكم بعدي اذا غبت عنكم

فقالوا رضيناه إماما وحاكما *** علينا ومولى وهو فينا المحكم

رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده *** ولكنهم عن رشدهم في غدٍ عملوا

ونازعه فيها رجال ولم يكن *** لهم قدم فيها ولا متقدم

يقيم حدود الله في غير حقها *** وبفتي اذا استفتي بما ليس يعلم

ويبطل هذا رأي هذا بقوله *** وينقض هذا ما له ذاك يبرم

وقالوا اختلاف الناس في الدين رحمة *** فلم يك من هذا يحل ويحرم

أقد كان هذا الدين قبل اختلافهم *** على النقص من دون الكمال فتمموا

أما قال أني : اليوم أكملت دينكم *** وتممت بالنعماء مني عليكم

وقال اطيعوا الله ثم رسوله *** تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم

وما مات حتى أكمل الله دينه *** ولم يبق أمر بعد ذلك مبهم

يقرَّب مفضول ويبعد فاضل *** ويسكت منطيق وينطق أبكم

ص: 129

وهل عظمت في الدهر قط مصيبة *** على الناس الا وهي في الدين أعظم

ولو انه كان المولَّى عليهم *** اذا لهداهم وهو بالامر أقوم

هو العالم الحبر الذي ليس مثله *** هو البطل القرم الهزبر الغشمشم

وما زال في بدر واحد وخيبر *** يفلّ جيوش المشركين ويحطم

يكرّ ويعلوهم بقائم سيفه *** الى أن اطاعوا مكرهين وأسلموا

وقالوا دماء المسلمين أراقها *** وقد كان في القتلى بريء ومجرم

فقلت لهم مهلا عدمتم صوابكم *** وصي النبي المصطفى كيف يظلم

أما قال أقضاكم علي - محمد *** كذا قد رواه الناقل المتقدم

فان جار ظلما في القضاء بزعمكم *** علي فمن زكاه لا شك أظلم

فمن كعلي عند كل ملمة *** اذا ما التقى الجمعان والنقع مقتم

ومن ذا يجاريه بمجد ولم يزل *** يقول سلوني ما يحل ويحرم

سلوني ففي جنبي علم ورثته *** عن المصطفى ما فاه مني به الفم

سلوني عن طرق السماوات انني *** بها من سلوك الطرق في الأرض أعلم

ولو كشف الله الغطا لم أزد به *** يقينا على ما كنت أدري وأفهم

وكائن له من آية وفضيلة *** ومن مكرمات ما تغم وتكتم

فمن ختمت اعماله عند موته *** بخير فأعمالي بحبيه تختم

فيا رب بالأشباح آل محمد *** نجوم الهدى للناس والشرق مظلم

وبالقائم المهدي من آل احمد *** وآبائه الهادين والحق معصم

تفضل على العودي منك برحمة *** فأنت اذا استرحمت تعفو وترحم

تجاوز بحسن العفو عن سيئاته *** اذا ما تلظت في المعاد جهنم

ومن عليه من لدنك برأفة *** فانك أنت المنعم المتكرم

فان كان لي ذنب عظيم جنيته *** فعفوك والغفران لي منه أعظم

ص: 130

ابن العودي النيلي المتولد سنة 478 والمتوفي عام 558 قال السيد في الجزء 17 ص 325 من الاعيان عثرنا على هذه القصيدة بتمامها في بعض المجاميع القديمة من خبايا الزوايا منسوبة الى العودي وقد رسم العودي ، وفوق العين ضمة ولسنا نعلم الى أي شيء هذه النسبة. وفي الرياض أورد اجازة الشهيد الاول للشيخ علي بن الحسن بن محمد الخازن بالحائر الحسيني عن خط الامير محمد امين الشريف عن خط المولى محمود بن محمد بن علي الجيلاني عن خط الشيخ بهاء الدين محمد بن علي الشهير بابن بهاء الدين العودي عن خط ناصر بن ابراهيم البويهي عن خط الشهيد ، انتهى. فلعله صاحب القصيدة فاوردناها هنا مع ما مرَّ منها في الجزء 13 لئلا تكون متقطعة في الكتاب. ويقرأها القارىء على نسق واحد ومع ذلك فقد تركنا جملة منها (1).

اقول وقد كرر السيد نشر القصيدة سهواً في جزء 53 ص 24 من الاعيان وقال : ابن العودي النيلي لم نعرف اسمه.

اما الشيخ الاميني رحمه الله فقد عده من شعراء القرن السادس وان ميلاده سنة 478 ووفاته في حدود 558.

وقال : ابو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي التغلبي النيلي نسبة الى بلدة النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحوالشرق الجنوبي.

ص: 131


1- اقول سبق ان روى السيد في الجزء 13 ص 205 أكثرها ، جمعها من كتاب المناقب لابن شهراشوب.

وجاء في مجلة ( الغرى ) النجفية عدد 22 ، 23 من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد قال : كان ابو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت اخبار سيرهم فهو كوكب من كواكب الادب. واورد نماذج من شعره والوانا من أدبه.

قال الاميني : ولم اقف على سنة وفاة ابن العودي الا ان سنة ولادته ، اعني سنة 478 ورواية عماد الدين الاصفهاني له سنة 554 بالهمامية قرب واسط لا تتركان للظن ان يغالى في بقائه طويلا بعد سنة454 المذكورة بل لااراه قد جاوز سنة 558 فانها تجعل عمره ثمانين سنة وذلك من نوادر الاعمار في هذه الديار انتهى.

ص: 132

القاضي الجليس

دعاه لوشك البينس داعٍ فاسمعا *** وأودع جسمي سقمه حين ودَّعا

ولم يبق في قلبي لصبري موضعاً *** وقد سار طوع النأي والبعد موضعا

أجنُ إذا ما الليل جنَّ كآبة *** وأبدي إذا ما الصبح أزمع أدمعا

وما انقدتُ طوعاً للهوى قبل هذه *** وقد كنت ألوي عنه ليناً وأخدعا

إلى أن يقول :

تصاممت عن داعي الصبابة والصبى *** ولبيّت داعي آل احمد إذ دعا

عشوت بأفكاري الى ضوء علمهم *** فصادفت منه منهج الحق مهيعاً

علقت بهم فليلح في ذاك من لحى *** تولَّيتهم فلينع ذلك مَن نعا

تسرَّعت في مدحي لهم متبرَّعاً *** وأقلعت عن تركي له متورًّعاً

هم الصّائمون القائمون لربِّهم *** هم الخايفوه خشيةً وتخشعاً

هم القاطعوا الليل البهيم تهجّداً *** هم العامروه سُجّداً فيه ركعاً

هم الطيبوا الأخيار والخير في الورى *** يروقون مرئى أو يشوقون مسمعا

بهم تقبل الأعمال من كلّ عاملٍ *** بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا

بأسمائهم يُسقى الأنام ويهطل الغم- *** -ام وكم كربٍ بهم قد تقشّعا

هم القائلون الفاعلون تبرُّعاً *** هم العالمون العاملون تورُّعاً

ابوهم وصيُّ المصطفى حاز علمه *** وأودعه من قبل ما كان اودعا

ص: 133

أقام عمود الشرع بعد اعوجاجه *** وساند ركن الدين أن يتصدعا

وواساه بالنفس النفيسة دونهم *** ولم يخشَ أن يلقى عداه فيجزعا

وسمّاه مولاهم وقد قام معلناً *** ليتلَوُهُ في كلّ فضل ويشفعا

فمن كشف الغمَّاء عن وجه أحمد *** وقد كربت أقرانه ان يقطّعاً؟!

ومن هزَّ باب الحصن في يوم خيبر *** فزلزل ارض المشركين وزعزعا؟!

وفي يوم بدر من أحنَّ قليبها *** جسوماً بها تدمي وهاماً مقطعاً؟!

وكم حاسد أغراه بالحقد فضله *** وذلك فضل مثله ليس يُدّعا

لوى غدره يوم « الغدير » بحقَّه *** واعقبه يوم « البعير » واتبعا

وحاربه القرآن عنه فما ارعوى *** وعاتبه الإسلام فيه فما وعى

إذا رام ان يخفي مناقبه جلت *** وإن رام ان يطفي سناه تشعشعا

متى همَّ ان يطوي شذى المسك كاتم *** أبى عرفه المعروف إلا تضوعا

ومنها :

أيا امّةً لم ترعَ للدين حرمةً *** ولم تبق في قوس الضلالة منزعا

بأي كتاب ام بأيَّة حجّة *** نقضتم به ما سنّة الله اجمعا؟!

غضبتم ولي الحق مهجة نفسه *** وكان لكم غصب الإمامة مقنعا

وألجمتم آل النبي سيوفكم *** تفرّي من السادات سوفاً واذرعا

وحلّلتم في كربلاء دماءهم *** فأضحت بها هيم الأسنّة شرعاً

وحرَّمتم ماء الفرات عليهم *** فأصبح محظوراً لديهم ممنّعاً

ص: 134

وقال :

ان خانها الدمع الغزير *** فمن الدماء لها نصير

دعها تسحُّ ولا تشحَّ *** فرزؤها رزءٌ كبير

ما غصب فاطمة تراث *** ( محمد ) خطبٌ يسير

كلا ولا ظلم الوصيِّ و *** حقه الحق الشهير

نطق النبي بفضله وهو *** المبشر والنذير

جحدوه عقد ولاية قد *** غرَّ جاحده الغرور

غدروا به حسداً له وب- *** -نصّه شهد « الغدير »

حظروا عليه ما حباه *** بفخره وهم حضور

يا أمة رعت السها *** وإمامها القمر المنير

إن ضلّ بالعجل الي- *** -هود فقد أضلكم البعير

لهفي لقتلى الطفِّ إذ *** خذل المصاحب والعشير

وافاهم في كربلا *** يوم عبوس قمطرير

دلفت لهم عصب ال- *** -ضلال كانما دعي النفير

عجباً لهم لم يلقهم *** من دونهم قَدر مبير

أيما فوق الأرض فيض *** دم الحسين ولا تمور؟!

أترى الجبال درت ولم *** تقذفهم منها صخور؟!

أم كيف إذ منعوه ورد *** الماء لم تغر البحور؟!

حرم الزلال عليه لما *** حللت لهم الخمور

ص: 135

أبو المعالي بعد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس ، قال الشيخ الاميني في ( الغدير ) هو من مقدمي شعراء مصر وكتابهم ومن ندماء الملك الصالح طلايع بن رزيك ترجمه ابن شاكر في ( فوات الوفيات ) ج 1 ص 278 فقال : تولى ديوان الانشاء للفائز مع الموفق ابن الخلال ومن شعره :

ومن عجبي ان الصوارم والقنا *** تحيض بأيدي القوم وهي ذكور

وأعجب من ذا انها في اكفهم *** تأجج ناراً والأكفُ بحور

كان القاضي الجليس كبير الانف. قال الشيخ وهو ممن اغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة وقال : ذكر سيدنا العلامة السيد احمد العطار البغدادي في الجزء الاول من كتابه ( الرائق ) جملة من شعر شاعرنا الجليس منها قصيدة يرثي بها آل البيت ويمدح الملك الصالح بن رزّيك ويذكر مواقفه المشكورة في خدمة آل الله أولها :

لولا مجانبة الملوك الشاني *** ما تمِّ شاني في الغرام بشاني

وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز 66 بيتاً مطلعها :

ارأيت جرأة طيف هذا الزائر *** ما هاب عادية الغيور الزاير

وقصيدة 62 بيتاً في إمامة امير المؤمنين علیه السلام ويرثي السبط الحسين علیه السلام ، أولها :

الأهل لدمعي في الغمام رسولُ *** وهل لي الى برد الغليل سبيل

ص: 136

وفي خريدة القصر :

القاضي الجليس : أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين

ابن الحبّاب الأغلي : السعدي التميمي

جليس صاحب مصر ، فضله مشهور ، وشعره مأثور ، وقد كان أوحد عصره في مصره نظما ونثراً ، وترسلا وشعراً ، ومات بها في سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وقد أناف على السبعين. ومن شعره :

لا تعجبي من صدّه ونفاره *** لولا المشيبُ لكنتُ من زوّاره

لم تترك الستون إذ نزلت به *** من عهد صبوته سوى تذكاره

وله :

حيَّى بتفاحةٍ مخضّبة *** من شفني حبُّه وتيّمني

فقلت ما إن رأيت مشبهها *** فاحمرَّ من خجلة فكذَّبني

ومن شعره :

وسما يكفُّ الحافظُ المنصور *** عنا المحل كفّا

آواهم كرماً وصا *** ن حريمهم فعنا وعفَّا

وأنشدني له الشريف ادريس الادريسي قصيدة سيَّرها إلى الصالح بن رزيك قبل وزارنه يحرضه على ادراك ثأر الظافر وكان عباس وزيرهم قتله وقتل أخويه يوسف وجبريل يقول فيها :

فأين بنو رزّيك عنها ونصرهم *** وما لهم من منعة وذياد

فلو عاينت عيناك بالقصر يومهم *** ومصرعهم لم تكتحل برقاد

ص: 137

تدارك من الايمان قبل دثوره *** حشاشة نفس آذنت بنفاد

فمزق جموع المارقين فإنها *** بقايا زروع آذنت بحصاد

وله فيه من أخرى في هذه الحادثة :

ولما ترامي البربريُّ بجهله *** إلى فتكة ما رامها قط رائم

ركبت إليه متن عزمتك التي *** بأمثالها تلقى الخطوب العظائم

وقُدَت له الجرد الخفاف كأنما *** قوائمها عند الطرد قوادم

تجافت عن الماء القراح فريها *** دماء العدا فهي الصوادي الصوادم

وقمت بحق الطالبيين طالبا *** وغيرك يغضى دونه ويسالم

أعدت اليهم ملكهم بعدما لوى *** به غاصب حق الامانة ظالم

فما غالب إلا بنصرك غالب *** وما هاشمِ إلا بسيفك هاشم

فأدرك بثأر الدين منه ولم تزل *** عن الحق بالبيض الرقاق تخاصم

وانشدني الأمير العضد مرهف للجليس يخاطب الرشيد بن الزبير في معنى نكبة خاله الموفق :

تسمع مقالي يا ابن الرشيد *** فأنت حقيق بأن تسمعه

بلينا بذي نشب سائل *** قليل الجدا في أوان الدعه

إذا ناله الخير لم نرجه *** وإن صفعوه صفعنا معه

وأنشدني بعض فضلاء مصر لأبن الحبّاب :

سيوفك لا يفلُّ لها غرار (1) *** فنوم المارقين بها غرار (2)

ص: 138


1- 1 - الغرار : حد السيف
2- الغرار ، النوم القليل.

يُجرّدها إذا أُحرجتَ سخطٌ *** على قومٍ ويغمدها اغتفار

طريدك لا يفوتك منه ثأر *** وخصمك لا يقال له عثار

وفيما نلته من كل باغ *** لمن ناواك - لو عقل - اعتبار

فمرُ يا صالح الأملاك فينا *** بما تختاره فلك الخيار

فقد شفعت إلى ما تبتغيه *** لك الأقدار والفلك المدار

ولو نوت النجوم له خلافاً *** هوت في الجو [ يذروها ] انتثار

ومنها :

عدلت وقد قسمت وكم ملوك *** أرادوا العدل في قَسمٍ فجاروا

ففي يد جاحد الإحسان غلُّ *** وفي يد حامد النعمى سوار

لقد طمحت بطرخان (1) أمانٍ *** له ولمثله فيها بوار

وحاول خطةً فيها شماس *** على أمثاله وبها نفار

هل الحسب الفتيُّ بمستقلٍ *** إذا ما عزَّه الحسب النضار

أتتك بحائن قدماه سعياً *** كما يَسعى إلى الأسد الحمار

وشان قرينه لما أتاه *** كما قد شان أسرته قُدار (2)

وأنشدني بمصر ولده القاضي الأشرف أبو البركات عبد القوي لوالده الجليس من قطعة كتبها إلى ابن رزيك في مرضه يشكو طبيباً يقال له ابن السديد على سبيل المداعبة :

وأصل بليتي مَن قد غزاني *** من السقم الملح بعسكرين

طبيب طبه كغراب بين *** يفرق بين عافيتي وبيني

وأتى الحمى وقد شاخت وباخت *** فردَّ لسها الشباب بنسختين

ص: 139


1- هو طرخان بن سليط والي الاسكندرية ثار على طلايع فجرد له جيشاً فقضى عليه.
2- قدار بن سالف عاقر نافة صالح.

ودبّرها بتدبير لطيف *** حكاه عن سنان أو حنين (1)

وكانت نوبةً في كل يومٍ *** فصيرَّها بحذق نوبتين

وأنشدني أيضاً لوالده في مدح طبيب :

يا وراثاً عن أب وجدٍ *** فضيلة الطبّ والسداد

وكاملاً رد كل نفسٍ *** همَّت عن الجسم بالبعاد

اقسم ان لو طببت دهراً *** لعاد كوناً بلا فساد

ورأيت من كلامه في ديوان الصالح بن رزيك : هو الوزير الكافي والوزير الكافل ، والملك الذي تلقى بذكره الكتائب وتهزم باسمه الجحافل ، ومن جدد رسوم المملكة ، وقد كان يخفيها دثورها ، وعاد به اليها ضياؤها ونورها :

وقد خفيت من قبله معجزاتها *** فأظهرها حتى أقر كفورها

أعدتَ إلى جسم الوزارة روحه *** وما كان يرجى بعثها ونشورها

أقامت زماناً عند غيرك طامثاً *** وهذا أوان قرؤها وطهورها

من العدل ان يحيا بها مستحقها *** ويخلعها مردودة مستعيرها

إذا خطب الحسناء من ليس أهلها *** أشار عليه بالطلاق مشيرها (2)

فقد نشرت أيامه مطوى الهم ، وأنشرت رفات الجود والكرم ، ونفقت بدولته سوق الأداب بعدما كسدت ، وهبت ريح الفضل بعد ما ركدت إذا لها الملوك بالقيان والمعازف ، كان لهوه بالعلوم والمعارف وإن عمروا أوقاتهم بالخمر والقمر ، كانت أوقاته معمورة بالنهي والأمر :

مليك إذا ألهى الملوك عن اللها *** خمار ، وخمر ، هاجر الدل والدنا

ص: 140


1- حنين : ابن اسحاق ، معروف.
2- من قصيدة للشاعر صردر.

ولم تنسه الأوتاد أوتار قينةٍ *** إذا ما دعاه السيف لم يثنه المثنى

ولو جار بالدنيا وعاد بضعفها *** لظن من استصغاره أنه ضنّاً

ولا عيب في إنعامه غير أنه *** إذا من لم يتبع مواهبه مَنّا

ولا طعن في إقدامه غير أنه *** لبوس إلى حاجاته الضرب والطعنا

لا شك أن هذه الأبيات لغيره.

ومن أبياته في الغزل :

رب بيض سللن باللحظ بيضاً *** مرهفاتٍ جفونهنَّ الجفونُ

وخدود للدمع فيها خدودٍ *** وعيون قد فاض منها عيون

وله :

تُرى أخلست فيه الفلا بعض ريّاها *** ففات فتيتَ المسك نشر خُزاماها

ألمّت بنما والليل يزهي بلمة *** دجوجيةٍ لم يكتمل بعد فوداها

فأشرق ضوء الصبح وهو جبينها *** وفاحت أزاهير الربا وهي ريّاها

إذا ما اجتنب من وجهها العين روضةً *** سفحتُ خلال الروض بالدمع أمواها

وإني لأستسقي السحاب لربعها *** وإن لم تكن إلا ضلوعي مأواها

إذا استعرت نار الأسى بين أضلعي *** نضحت على حرّ الحشا برد ذكراها

وما بي أن يصلى الفؤاد بحرَّها *** ويضرم لولا أن في القلب مأواها

وله في غلام تركي :

ظبيٌ من الأتراكِ أجفانه *** تسطو على الرامح والنابلِ

سيان منه إن رما أو رنا *** ليس من السهمين من وائل

يفرَّ منه القرن خوفاً كما *** يفرُّ ظبي القاع من حابل

ص: 141

يا ويح أعدائك ما ها لهم *** من غصن فوق نقاً هائل

لا تفرقوا صولة نُشّابه *** فربَّ سهمٍ ليس بالقاتل

وحاذروا أسهم أجفانه *** فسحر ذا النابل من بابل

وله في النرجس :

وقد الربيع على العيون بنرجسٍ *** يحكي العيون فقد حباها نفسها

علقت على استحسانه أبصارنا *** شغفاً إذ الأشياء تعشق جنسها

يُلهى ويؤنس من جفاه خليله *** كم منَّةٍ في أُنسه لم أنسها

فارضَ الرياض بزورةٍ تلهو بها *** وأحثُث على حدقِ الحدائق عكسها

وله :

زار وجنح الليل محلولكٌ *** داج فحيَّاهُ محيَّاهُ

ملتثماً يبديه لألآؤه *** والبدر لا يكتم مسراه

نمَّ عليه طيبُ أنفاسه *** كما وشى بالمسك ريَّاهُ

وله :

قد طرَّزت وجناتُهُ بعذاره *** فكساه روض الحسن من أزهارهِ

وتألقت أضداده فالماء في *** خدَّيه لا يطفي تلهّب نارهِ

وحكيته فمدامعي تهمي على *** نار الحشا وتزيد في استسعارهِ

ومنها :

واذا بدا فالقلب مشغول به *** وإذا انثنى فالطرف في آثاره

فمتى أعانُ على هواه بنصرَةٍ *** وجوانحي للحين من أنصاره

ص: 142

وله من قصيدة :

وكم طامح الآمال همَّ فقصرت *** خطاه به إن العلا صعبةُ المرقى

وظن بأن البخل أبقى لوفره *** ولو أنه يدري لكان الندى أبقى

ظهرتَ فكنتَ الشمس جلّى ضياؤها *** حنادسَ شركٍ كان قد طبق الافقا

علوت كما تعلو ، وأشرقت مثلما *** تضيء ونرجو أن ستبقى كما تبقى

وهنئت الأعياد منك بما جدٍ *** تباهت به العليا وهامت به عشقا

مواسم قد جاءت تباعاً كأنما *** تروم لفرط الشوق أن تحرز السبقا

وكان لها الأضحى إماماً أمامها *** فأرهقه النوروز يمنعه الرفقا

وكم همَّ أن يعدو مراراً فرغته *** فأبقى ولولا فرق بأسك ما أبقى

أبى الله في عصرٍ تكون عميده *** وسائه أن يسبق الباطل الحقا

فجاءك هذا سابق جال بعده *** مصلٍّ وكانا للذي تبتغي وفقا

وأعقبه عيد الغدير (1) فلم نخل *** لقرب التداني أنَّ بينهما فرقا

اقول (1) ان شراح خريدة القصر يعلقون على هذا البيت ( بأن الغدير من أعياد القبط المهمة ، وكان الفاطميون يحتفلون به احتفالاً مشهوداً ) أصحيح انه من أعياد القبط ولم يك من أعياد المسلمين ، اليس هو اليوم الذي أكمل الله في الدين وأتم فيه النعمة ورضي بالاسلام ديناً ، أليس هو يوم الخلافة الكبرى التي نص بها على إمامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام ، يوم غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في أواخر السنة العاشرة من الهجرة النبوية.

ألم يكن يوم الغدير محل عناية من الله عزوجل إذ اوحاه تبارك وتعالى الى نبيه وانزل فيه قرآناً يرتله المسلمون اناء الليل وأطراف النهار ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).

ص: 143

هل خفي أمر ذلك اليوم وأمر ذلك التبليغ وقد جمع النبي صلی الله علیه و آله الناس تحت سماء غدير خم عندما رجع من الحج ونزلت عليه الآلية السابقة فجمع الناس وأمرهم ان يأتوه باحداج دوابهم وان يضعوا بعضها فوق بعض وصعد حتى صار في ذروتها ، وأقام علياً الى جنبه ثم خطب خطبة طويلة وقال : أيها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين ، وإني أولى بهم من أنفسهم. ثم أخذ بيد علي فرفعها اليه حتى بان بياض إبطيه وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وآل من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.

حديث الغدير رواه الصحابة والتابعون وحتى رواه النواصب والخوارج وقد صنف ابن جرير الطبري كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، ونقل عن ابن المعالي الجويني انه كان يتعجب ويقول :

شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوب عليه : المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ، ويتلوه المجلد التاسع والعشرون.

وقد جمع اميرالمؤمنين علي علیه السلام الناس في الرحبة بالكوفة كما جاء في - تاريخ الخلفاء ، وتذكرة الخواص - وذلك أيام خلافته فقال : انشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع ، ولا يقوم إلا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ، فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً ، فشهدوا أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون أني اولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم ، قال (صلی الله عليه وآله وسلم) : من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه.

لقد كان الأئمة من أهل البيت علیهم السلام يتخذون اليوم الثامن عشر

ص: 144

من ذي الحجة عيداً في كل عام ، يجلسون فيه للتهنئة والسرور بكل بهجة وحبور ، ويتقربون فيه الى الله بالصوم والصلاة والابتهال والادعية ، ويبالغون فيه بالبر والاحسان ، شكراً لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين بالخلافة والعهد اليه بالامامة ، وكانوا يصلون فيه أرحامهم ويوسعون على عيالهم ويزورون إخوانهم ويحفظون جيرانهم ويأمرون أولياءهم بهذا كله.

وكان معزّ الدولة البويهي يأمر باظهار الزينة في بغداد وفتح الأسواق بالليل كما يفعل ليالي الأعياد ويتصافحون شكراً لله تعالى على إكمال الدين وإتمام النعمة ، هكذا كان يفعل البويهيون في العراق وإيران ، والحمدانيون في حلب وما والاها ، والفاطميون في مصر والمغرب والاقصى.

لقد كان عيد الغدير في تلك الدول والحكومات عيداً رسمياً ، تحتفل به الامة الاسلامية ويُجلّه الجميع. واذا كان الواجب يقضي علينا أن نحتفل بالأيام التي احتفل بها أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فان الامام الخامس من الأئمة وهو محمد باقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين الشهيد ابن علي بن ابي طالب علیهم السلام قد احتفل بهذا اليوم وقام الكميت الاسدي ينشده قصيدته الشهيرة التي يقول فيها :

نفى عن عينك الأرقُ الهجوعاً *** وهمّ يمتري منها الدموعا

الى قوله :

لدى الرحمن يشفع بالمثاني *** فكان له أبو حسن شفيعا

ويوم الدوح دوح غدير خمٍّ *** أبان له الولاية لو أطيعا

ص: 145

ولكن الرجال تدافعوها *** فلم أر مثلها خطراً منيعاً (1)

واحتفل فيه الامام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام وأنشده السيد الحميري قصائده المعروفة ، ومنها :

يا بائع الدين بدنياه *** ليس بهذا أمر الله

من أين ابغضت علي الرضا *** وأحمد قد كان يرضاه

مَن الذي أحمد من بينهم *** يوم غديرٍ خمّ وصاه

أقامه من بين أصحابه *** وهم حواليه فسمّاه

هذا عليُ بن ابي طالب *** مولى لمن قد كنتُ مولاه

فوالِ مَن والاه ياذا العلى *** وعادِ مَن قد كان عاداه (2)

واحتفل فيه الإمام علي بن موسى الرضا يوم كان ينشده دعبل بن علي الخزاعي قصيدته الشهيرة التي تناقلتها المئات من الكتب ومنها :

ولو قلدوا الموصى اليه أمورهم *** لزُمَّت بمأمون من العثرات

اخي خاتم الرسل المصفّى من القذا *** ومفترس الابطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده *** وبدر ُوأُحد شامخ الهضبات

واحتفل بعيد الغدير في عهد الإمامين محمد الجواد ونجله علي الهادي علیهماالسلام يوم أنشد الشاعر الفحل أبو تمام الطائي قصيدته التي يقول فيها :

ويوم الغدير استوضح الحق أهله *** بفيحاء ما فيهم حجاب ولا سترُ

أقام رسول الله يدعوهم بها *** ليقربهم عرفٌ وينأهمُ نكر

يمدّ بضبعيه ويُعلم أنه *** وليٌ ومولاكم فهل لكم خبر

ص: 146


1- الهاشميات.
2- تذكرة سبط ابن الجوزي.

ومنها :

فعلتم بأبناء النبي ورهطه *** أفاعيل أدناها الخيانة والغدر

ومن قبله أخلفتموا لوصيّه *** بداهية دهياء ليس لها قدر

أخوه إذا عدّ الفخار وصهره *** فلا مثله أخٌ ولا مثله صهر

وشدِّ به أزر النبيّ محمد *** كما شدَّ من موسى بهارونه أزر

وما زال كشافاً دياجير غمرة *** يمزَّقها عن وجهه الفتح والنصر

واحتفل فيه بعهد الإمام العسكري سلام الله عليه يوم ينشد الشاعر ابن الرومي - شاعر الإمام العسكري - إحدى روائعه :

يا هندُ لم أعشق ومثلي لا يُرى *** عشق النساء ديانة وتحرّجا

لكنَّ حُبّي للوصي محتّمٌ *** في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا

فهو السراج المستنير ومن به *** سبب النجاة من العذاب لمن نجا

وإذا تركتُ له المحبة لم أجد *** يوم القيامة من ذنوبي مخرجا

قل لي أأترك مستقيم طريقة *** جهلاً وأتَّبع الطريق الأعوجا

وأراه كالتبر المصفّى جوهراً *** وأرى سواه لناقديه مهرَّجاً

ومحلّه من كل فضل بيّن *** عالٍ محلّ الشمس او بدر الدجى

قال النبيُّ له مقالاً لم يكن *** ( يوم الغدير ) لسامعيه مجمّجا

من كنتُ مولاه فذا مولى له *** مثلي ، وأصبح بالفخار متوَّجا

وكذاك إذ منع البتول جماعة *** خطبوا وأكرمه بها إذ زوَّجا

ص: 147

وعوداً على شعر القاضي الجليس ، قال :

خذها إليك بماء الطبع قد شرقت *** لو مازج البحر منها لفظه عذبا

جوّالةٌ بنواحي الأرض ممعنة *** في السير لا تشتكي أيناً ولا نصبا

ألفاظها الدّر تحقيقاً ومن عجبٍ *** تُملى على البحر درَّ البحر مجتلبا

وقوله في قصيدة أولها :

دع البين تحدونا حثاث ركابه *** فغيري مَن يشجوه صوت غرابه

سأركب ظهر العزم أو أرجع المنى *** برجعة موفور الرجاءِ مثابه

فإما حياةٌ يسحب المرء فوقها *** ذيول الغنى والغزّ بين صحابه

وإما ممات في العلا يترك الفتى *** يقال ألا لله درُّ مصابه

ومنها :

وأروع يشكو الجود طول ثوائه *** لديه ، ويشكوا المال طول اغترابه

تصدّ الملوك الصيد عن قصد أرضه *** فيرجعها محروبة بحرابه

ويعطفها ميل الرقاب مهابةً *** ولم تكتحل أجفانهُ بترابه

وأغزو بأبكار القصائدِ وفره *** فأرجعُ قد فازت يدي بنهابه

وقوله :

أما وجيادك الجرد العوادي *** لقد شقيت بعزمتك الأعادي

ص: 148

رأوا أن الصعيد لهم ملاذ *** فلم يُحمَ الصعيد من الصّعاد

وراموا من يديك قرىً عتيداً *** فأهديت الحتوف على الهوادي

وقوله وقد جمع ثمان تشبيهات في بيت واحد :

بدا وأرانا منظراً جامعاً لنا *** تفرّق من حسن على الخلق مونقا

أقاحاً وراحاً تحت وردٍ ونرجسٍ *** وليلاً وصبحاً فوق غصنٍ على نقا

وقوله يصف الخمر :

معتقةٌ قد طال في الدنّ حبسها *** ولم يدُعها شرابها بنت عامها

وقد أشبهت نار الخليل لأنها *** حكتها لنا في بردها وسلامها

وذكر ابن الزبير في كتابه أنه كتب اليه مع طيب أهداه :

بعثت عشاء الى سيدي *** بما هو من خلقه مقتبس

هدية كل صحيح الإخاء *** جرى منه ودّك مجرى النفس

فجد بالقبول وأيقن بأن *** لفرط الحياء أتت في الغلس

وله يصف خليلاً :

جنائب : إن قيِدَت فأسدٌ ، وإن عدت *** بأبطالها فهي الصبا والجنائب

أثارت باكناف المصلى عجاجةً *** دجت وبدت للبيض منها كواكب

ص: 149

وله يهجو :

وكم في زبيدٍ من فقيه مصدّر *** وفي صدره بحر من الجهل مزبد

إذا ذاب جسمي من حرور بلادكم *** علقت على أشعاركم ابتردّ

وله يصف معركة :

تكاد من النقع المثار كماتها *** تناكر أحيانا وإن قرب النحر

عجاج يظل الملتقى منه في دجىً *** وإن لمعت أسيافه طلع الفجر

وخيل يلف النشر بالترب عدوها *** وقتلى يعاف الأكل من هامها النسر

ومن شعره يرثى بعض أهله :

ما كان مثلك من تغتاله الغير *** لو كان ينفع من ضرب الردى الحذر

ومنها :

قد أعلن الدهر ، لكن غالنا صمم *** عنه ، وأنذرنا ، لو أغنت النذر

يغرّنا أمل الدنيا ويخدعنا *** إن الغرور بأطماع المنى غرر

ومنها :

قد كان أنفس ما ضنت يداه به *** لو كان يعلم ما يأتي وما يذر

أغالب القوم مجهوداً وأيسر ما *** لقيته من أذاه العيُّ والحصر

وقال يرثي اباه ، وقد مات غريقا في البحر بريح عصفت.

وكنت أهدي مع الريح السلام له *** ما هبت الريح في صبح وإمساء

ص: 150

إحدى ثقاتي عليه كنت أحسبُها *** ولم أخل أنها من بعض أعدائي

ومن شعره في العتاب والاستبطاء والشكوى قوله :

كم من غريبة حكمة زارتك من *** فكري فما أحسنت قط ثوابها

جاءتك ما طرقت وفود جمالها *** الأسماع إلا فتّحت أبوابها

فتنتك إعجاباً فحين هممت أن *** تحبو سويداء الفؤاد صوابها

وافتك من حسد وساوس حكمة *** جعلت لعينك كالمشيب شبابها

فثنيت طرفك خاشياً لا زاهداً *** ورددتها تشكو إليَّ مآبها

وأراك كالعنين همَّ بكاعبٍ *** بكر وأعجزه النكاح فعابها

وله في الغزل :

أشجّع النفس على حربكم *** تقاضياً والسلم يزويها

أسومها الصبر وألحاظكم *** قد جعلتها من مراميها

وكيف بالصبر على أسهم *** نصّلها بالجمر راميها

انتهى عن خريدة القصر للعماد الاصفهاني الجزء الاول - قسم شعراء مصر ص 189.

وفي فوات الوفيات ان القاضي الجليس كان كبير الانف ، وكان الخطيب ابو القاسم هبة الله بن البدر المعروف بابن الصياد مولعاً بأنفه وهجائه وذكر أنفه في اكثر من ألف مقطوع ، فانتصر له ابو الفتح بن قادوس الشاعر فقال :

يا من يعيب أنوفنا ال- *** -شم التي ليست تعاب

الأنف خلقة ربنا *** وقرونك الشم اكتساب

ص: 151

وجاء في المجموع الرائق مخطوط للسيد احمد العطار رحمه الله قال :

أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الاغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس المتوفي سنة 561 هجرية :

قال في مدح الملك الصالح ورثاء أهل البيت علیهم السلام .

لولا مجانبة الملول الشاني *** ما تمَّ شاني في الغرام بشاني

ولما دعاني للهوى فأجبته *** طرفي وقلت لعاذليَّ دعاني

أغرى الملام بي الغرام وانما *** الجاني عليّ هو الذي الحاني

وجفى الكرى الاجفان فهي لدى الدجى *** ترعى السها مذ بان غصن البان

وزعمت أن الحسن ليس بموقف *** يغتال فيه شجاعة الشجعان

هذي الحداق السود جردت الظباة *** البيض والاجفان كالاجفان

إن قلت من القاك في لجج الهوى *** فخضابك القاني الذي القاني

هذا الفؤاد أسير حبك يرتجي *** فرجاً فهل عان بهذا العاني

إني على ما قد عناني في الهوى *** لأغصّ عن شأو المزاح عناني

وتعودنى لمصاب آل محمد *** فكر تعرج بي على الاشجان

أأكفّ حربي عن بني حرب وقد *** أودى بقبح صنيعها الحسنان

طلبت امية ثار بدر فاغتدى *** يسقي دعاف سمامها السبطان

جسد بأعلى الطف ظل درية *** لسهام كل حنيّة مرنان

ها انّ قاتلهم وتارك نصرهم *** في سوء فعلهما معاً سيان

أُسَرٌ همُ سرُ النفاق ودوحة *** مخصوصةٌ باللعن في القرآن

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم *** وتتابعوا في طاعة الشيطان

وهفوا الى داعي الضلال وانما *** عكفوا على وثن من الأوثان

ص: 152

لو كان كاشف كرب آل محمد *** في الطف عاجلهم بحتف آن

الصالح الملك الذي لجلاله *** خرّت ملوك الأرض للاذقان

إلا تكن في كربلاء نصرتهم *** بيد فكم لك نصرة بلسان

هذا وكم أعملت في يوم الوغى *** رأياً صليباً في ذوي الصلبان

عّودت بيض الهند ألا تنثني *** مركوزة بمكامن الأضغان

وجمعت اشلاء الحسين وقد غدت *** بدداً فاضحت في أعز مكان

وعرفت للعضو الشريف محله *** وجليل موضعه من الرحمن

أكرمت مثواه لديك وقبل في *** آل الطريد غدا بدار هوان

نقلته أيدي الظالمين تطيفه *** أعوانها في نازح البلدان (1)

وقضيتُ حقَّ المصطفى في حمله *** وحظيت من ذي العرش بالرضوان

ونصبته للمؤمنين تزوره *** مهج اليه شديدة الهيجان

أسكنته في خير مأوىً خطه *** أبناؤه في سالف الأزمان

حَرَمٌ يلوذ به الجناة فتنثنى *** محبَّوةً بالعفو والغفران

قد كان مغترباً زماناً قبل ذا *** فالآن عدت به الى الأوطان

ولو استطعت جعلت قلبك لحده *** في موضع التوحيد والايمان

* * *

فاق الملوك بهمةٍ لورامها *** كيوان لا ستعلت على كيوان

ومناقب تحصى الحصا وعديدها *** موفٍ على التعداد والحسبان

ومجالس تزهى بها أيامه *** معمورة بالعرف والعرفان

ص: 153


1- يشير الى رأس الحسين علیه السلام حينما نقله الملك الصالح بن رزيك.

هو سابقٌ لهمُ فهل من لاحق *** هو أوّلٌ فيهم فهل من ثان

فأبت مدى علياك شأو بلاغتي *** سبقاً وقصّر عنك طول لساني

مع أنني قد صغتُ فيك مدائحاً *** ما صاغها حسَّانُ في غَسّانِ

وخرج أمر الملك الصالح بأن يعمل كل من يقرظ الشعر بحضرته على وزن القصيدة النونية ورويها التي تقدَّم ذكرها فيما ورد منسوباً الى ما قاله وهي :

لو لا قوامك يا قضيب البان *** لم يحسن القضبان في الكثبان

فقال شاعرنا :

أغرى الغري الطرف بالهملان *** وأطاف يومُ الطف بي أحزاني

يا دمع ما وفيت حقَّ مصابهم *** إن أنت لم تمزج بأحمر قان

تبكي المحبين الصبابة والهوى *** وسوى الصبابة والهوى أبكاني

هيهات فيما قد عاني شاغلُ *** عن أن أجرَّ الحبّ فضل عناني

لم يبق دمع العين فيها مطمحاً *** لعيون عين الرمل والغزلان

لمصاب أبناء النبي وآله *** ولرزئهم فلتذرف العينان

إيهاً قريش لقد ركبتم جهرةً *** في آل طه غارب الطغيان

بشعارهم وفخارهم خضعت لكم *** مُضَرٌ ودان لكم بنو قحطان

بهم أطاع عصيّها وقصيّها *** وانقاد جامحها بلا أرسان

إن اسكتت عن أن يفوه بحقهم *** أممٌ لخوف مهندٍ وسنان

فغداً تجادل خصمهم وتجيبه *** في الحشر عنهم السُنُ النيران

أما الوصي فحقه عالي السنا *** وضح الصباح لمن له عينان

فاسأل به الفرقان تعلم فضله *** إن كنت تفهم معجز الفرقان

ص: 154

مَن كرَّ في أصحاب بدر مبادراً *** وثنى بخيبر عابدي الأوثان

وأقرّ دين الله في أوطانه *** وأقرّ منهم ناظر الايمان

هل كان في أحد وقد دلف الردى *** أحدٌ سواه مجدّل الشجعان

واسئل بخيبر عنه تخبر إنه *** إذ ذاك كان مزلزل الأركان

وقال :

من جفن غضَّ الدمع أو وآله *** ما الدمع كفوء بجوى الواله

لا لوم للصب وقد أزمعوا *** أن يظهر المكتوم من حاله

شجاه حاديهم باعجاله *** وطائر البان بإعواله

آه على ريق فم جاد لي *** بالدر من حصباء سلساله

وليت صوب الدمع لما جرى *** خفف عنه بعض أثقاله

وحبذا منه حباب طفا *** أسكرني من قبل جرياله

صيّر جسمي في الهوى بالياً *** مبلبل الصدغ ببلباله

مستوطن قلبي بلا مزعج *** ولا أرى أخطر في باله

وود لو أغفى ليحظى به *** فلم يسامحه باغفاله

ما ضر من يظلم أحبابه *** لو نقل الظلم لعذّاله

لو لا الهوى ما كان ريم النقا *** مع ضعفه يسطو بريباله

ولم يكن ما أكد المصطفى *** يسعى المراؤون لابطاله

أجل ولا احتالوا لكي ينقضوا *** ديناً قضى الله بأكماله

أحين أوصى لأخيه بما *** أوصى تراضيتم بادغاله

أولى لكم قد كان أولى لكم *** إسعاده في كل أحواله

واستفرضوها فلتة خلسة *** بماكر للدين ختّاله

أهوى لها من لم يكن موقناً *** بموقف الحشر وأهواله

وقاطعوا الرحمن واستنجدوا *** بعُصبِ الشرك وضُّلاله

فان يكن غروا بامهاله *** فما تغرّون باهماله

ص: 155

أعياهم كيد نبي الهدى *** فانتهزوا الفرصة في آله

اودى الحسين بن الوصي الرضا *** بفاتك بالدين مغتاله

دم النبي الطهر من سبطه *** سال على أسياف أقتاله

أفتى أعاديه باحلاله *** ولم يلاقوه بإجلاله

يرتع عانى الطير في جسمه *** وتلعب الريح باوصاله

يا يوم عاشوراء أنت الذي *** صيرت دمعي طوع إسباله

فاعجب لذاك الجو لم يتخسف *** ولم تصدّع صم أجباله

ومن كلاب الكفر إذ مكنت *** من اسد الدين وأشباله

فقتلوا بالسيف أولاده *** وأوقعوا الأسر باطفاله

أنى ارتقت همة كف الردى *** لأفضل الخلق ومفضاله

لقائل للحق فعاله *** وعالم بالدين عماله

إن شئت ان تصلى لظى عاده *** أو شئت قربى جده وآله

وكل عبد عابد مؤمن *** ولا كم سيّد أعماله

فليت ان الصالح المرتجى *** يبلغ فيكم كنه آماله

اذاً فدا كم من جميع الأذى *** بنفسه الطهر وأمواله

سيَّر فيكم مدحاً أصبحت *** أنجع من جيش بابطاله

كم شائم سحب ندى كفه *** قد اذهب الا محال من حاله

ملك عدا كل ملوك الورى *** يفوقهم أصغر آماله

لا زال والنصر له خادم *** مؤيداً في كل افعاله

ص: 156

القاضي الرشيد

القاضي الرشيد أحمد بن علي الغساني

ما للغصون تميل سكرا *** هل سُقيت بالمزن خمرا

ومنها في المدح :

جارى الملوكَ إلى العلى *** لكنهم ناموا وأسرى

سائل بها عصب النفا *** ق غداة كان الأمر إمرا (1)

أيامً أضحى النكر معرو *** فاً وأمسى العرف نكرا

الى ان وصل الى قوله :

أفكربلاءٌ بالعرا *** ق وكربلاء بمصر أخرى؟! (2)

ص: 157


1- إمرا ، شديداً او عصيباً ، وفي القرآن الكريم « لقد جئت شيئاً إمرا ».
2- خريدة القصر 201 شعراء مصر ، ومعجم الأدباء للحموي.

قال صاحب الخريدة - قسم شعراء مصر - كان ذا علم غزير وفضل كثير ، لم يعمل بشعره ولم يرحل من ضرّه ، وأنشدني ابن اخته القاضي محمد بن القاضي محمد بن ابراهيم المعروف بابن الداعي من أسوان ، وقد وفدت إلى دمشق سنة إحدى وسبعين قال : أنشدني خالي الرشيد بن الزبير لنفسه من قصيدة :

تواصى على ظلمي الأنام بأسرهم *** وأظلمُ من لاقيتُ أهلي وجيراني

لكل امرىءٍ شيطان جنّ يكيده *** بسوء ولي دون الورى الف شيطان

قال السيد الامين في الاعيان : ذكره صاحب ( نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر ) ، وقال : كان من الإسماعيلية ، وله من المؤلفات :

1 - الرسالة الحصيبية.

2 - جنان الجنان ورياض الاذهان في شعراء مصر ومن طرأ عليهم ، في اربع مجلدات ذيل به على اليتيمة.

3 - منية الألمعي وبلغة المدعى في علوم كثيرة.

4 - المقامات.

5 - الهدايا والطرف.

6 - شفاء الغلَّة في سمت القبلة.

7 - ديوان شعره ، نحو مائة ورقة.

ص: 158

وقال ياقوت في معجم الادباء : أحمد بن علي بن الزبير الغساني الاسواني المصري ، يلقب بالرشيد ، وكنيته ابو الحسين ، مات سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، على ما نذكره ، وكان كاتباً شاعراً فقيها نحوياً لغوياً ، ناشئاً ، عروضياً ، مؤرخاً منطقياً ، مهندساً عارفاً بالطب والموسيقى والنجوم ، متفنناً.

وقال السلفي : أنشدني القاضي ابو الحسن ، أحمد بن علي بن ابراهيم الغساني الاسواني لنفسه بالثغر :

سمحنا لدنيانا بما بخلت به *** علينا ولم نحفل بجلِّ امروها

فيا ليتنا لما حرمنا سرورها *** وقينا أذى آفاتها وشرورها

قال : وكان ابن الزبير هذا ، من أفراد الدهر فضلاً في فنون كثيرة من العلوم ، وهو من بيت كبير بالصعيد من الممولين ، وولي النظر بثغر الاسكندرية والدواوين السلطانية ، بغير اختياره ، وله تآليف ونظم ونثر التحق فيها بالأوائل المجيدين ، قتل ظلماً وعدواناً في محرم سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، وله تصانيف معروفة لغير اهل مصر ، منها : كتاب منية الألمعي وبلغة المدعي ، يشتمل على علوم كثيرة كتاب المقامات. كتاب جنان الجنان وروضة الأذهان ، في أربع مجلدات ، يشتمل على شعر شعراء مصر ، ومن طرأ عليهم. كتاب الهدايا والطرف. كتاب شفاء الغلة في سمت القبلة كتاب رسائله نحو خمسين ورقة. كتاب ديوان شعره ، نحو مائة ورقة.

ومولده بأسوان ، وهي بلدة من صعيد مصر ، وهاجر منها الى مصر فأقام بها واتصل بملوكها ومدح وزراءها ، وتقدم عندهم وأنفذ الى اليمن في رسالةٍ ، ثم قلد قضاءها وأحكامها ، ولقب بقاضي قضاة اليمن ، وداعي دعاة الزمن ، ولما استقرت بها داره ، سمت نفسه إلى رتبة الخلافة فسعى

ص: 159

فيها ، وأجابه قوم ، وسلّم عليه بها ، وضربت له السكة ، وكان نقش السكة على الوجه الواحد : « قل هو الله أحد ، الله الصمد » وعلى الوجه الآخر ( الامام الامجد أبو الحسين احمد ) ثم قبض عليه وأنفذ مكبّلا الى قوصٍ فحكى من حضر دخوله إليها : انه رأى رجلاً ينادي بين يديه هذا عدو السلطان احمد بن الزبير وهو مغطى الوجه حتى وصل الى دار الامارة والأمير بها يومئذ طرخان سليط وكان بينهما ذحول (1) قديمة فقال : أحبسوه في المطبخ الذي كان يتولاه قديماً وكان ابن الزبير قد تولى المطبخ وفي ذلك يقول الشريف الأخفش من أبياتٍ يخاطب الصالح بن رُزيك :

يُولّى على الشيء اشكاله *** فيصبح هذا لهذا أخا

أُقام على المطبخ ابن الزبير *** فولى على المطبخ المطبخا

فقال بعض الحاضرين لطرخان : ينبغي ان تحسن الى الرجل فإن أخاه - يعني - المهذب حسن بن الزبير قريب من قلب الصالح ولا أستبعد ان يستعطفه عليه فتقع في خجلٍ.

قال : فلم يمض على ذلك غير ليلة أو ليلتين ، حتى ورد ساعٍ من الصالح ابن رزيك ، إلى طرخان بكتاب يأمره فيه باطلاقه والإحسان إليه فأحضره طرخان من سجنه مكرماً.

قال الحاكي : فلقد رأيته وهو يزاحمه في رتبته ومجلسه وكان السبب في تقدمه في الدولة المصرية في أول أمره ما حدثني به الشريف ابو عبدالله محمد ابن ابي محمد العزيز الادريسي الحسني الصعيدي قال : حدثني زهر الدولة ، حدثنا : ان احمد بن الزبير دخل الى مصر بعد مقتل الظاهر وجلوس الفائز ،

ص: 160


1- الذحول ، جمع الذحل ، الثأر والعداوة والحقد.

وعليه اطمار رثة وطيلسان صوف فحضر المأتم وقد حضر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم فقام في آخرهم ، وأنشد قصيدته التي أولها :

ما للرياض تميل سكرا *** هل سقيت بالمزن خمرا

الى أن وصل إلى قوله :

أفكر بلاء بالعرا *** ق وكربلاءُ بمصر اخرى

فذرفت العيون وعج القصر بالبكا والعويل وانثالت عليه العطايا من كل جانب وعاد الى منزله بمال وافرٍ حصل له من الامراء والخدم وحظايا القصر وحمل إليه من قبل الوزير جملة من المال.

وقيل له : لو لا انه العزاء والمأتم ، لجاءتك الخلع.

قال : وكان على جلالته وفضله ومنزلته من العلم والنسب قبيح المنظر أسود الجلدة جهم الوجه سمج الخلقة ذا شفة غليظة وانف مبسوط ، كخلقة الزنوج ، قصيراً.

حدثني الشريف المذكور عن ابيه قال كنت أنا والرشيد بن الزبير والفقيه سليمان الديلمي ، نجتمع بالقاهرة في منزل واحد فغاب عنا الرشيد وطال انتظارنا له وكان ذلك في عنفوان شبابه وإبان صباه فجاءنا ، وقد مضى معظم النهار ، فقلنا له : ما أبطأ بك عنا؟ فتبسم وقال لا تسألوا عما جرى علىَّ اليوم فقلنا : لا بد من ذلك ، فتمنّع ، وألححنا عليه ، فقال : مررت اليوم بالموضع الفلاني ، واذا امرأة شابة صبيحة الوجه وضيئة المنظر حسانة الخلق ظريفة الشمائل فلما رأتني نظرت إلي نظر مطمع لي في نفسه فتوهمت أنني وقعت منها بموقع ونسيت نفسي وأشارت إلي بطرفها ، فتبعتها

ص: 161

وهي تدخل في سكة وتخرج من اخرى حتى دخلت داراً وأشارت إليَّ فدخلت ، ورفعت النقاب عن وجه كالقمر في ليلة تمامه ثم صفقت بيديها منادية : يا ست الدار فنزلت إليها طفلة ، كأنها فلقة قمر وقالت : إن رجعت تبولين في الفراش تركت سيدنا القاضي يأكلك ، ثم التفتت وقالت : - لا أعدمني الله إحسانه بفضل سيدنا القاضي أدام الله عزه - فخرجت وانا خزيان خجلاً ، لا أهتدي إلى الطريق.

وحدثني قال : إجتمع ليلة عند الصالح بن رزيك هو وجماعة من الفضلاء فألقى عليهم مسألة في اللغة فلم يجب عنها بالصواب سواه ، فاعجب به الصالح فقال الرشيد : ما سئلت قط عن مسألة إلا وجدتني أتوقد فهماً فقال ابن قادوس ، وكان حاضراً.

إن قلت : من نار خلق- *** -ت وفقت كل الناس فهما

قلنا : صدقت ، فما الذي *** أطفاك حتى صرت فحما

واما سبب مقتله : فلميله الى أسد الدين شير كوه عند دخوله الى البلاد ومكانبته له ، واتصل ذلك بشاور وزير العاضد ، فطلبه ، فاختفى بالاسكندرية واتفق التجاء الملك صلاح الدين يوسف بن ايوب الى الاسكندرية ومحاصرته بها فخرج ابن الزبير راكباً متقلداً سيفاً وقاتل بين يديه ولم يزل معه مدة مقامه بالاسكندرية إلى ان خرج منها فتزايد وجد شاور عليه واشتد طلبه له ، واتفق ان ظفر به على صفة لم تتحقق لنا ، فأمر باشهاره على جمل ، وعلى رأسه طرطور ووراءه جلواز ينال منه.

وأخبرني الشريف الإدريسي عن الفضل بن أبي الفضل انه رآه على تلك الحال الشنيعة وهو ينشد :

إن كان عندك يا زمان بقية *** مما تهين به الكرام فهاتها

ص: 162

ثم جعل يهمهم شفتيه بالقرآن ، وأمر به بعد إشهاره بمصر والقاهرة ان يصلب شنقاً ، فلما وصل به الى الشناقة جعل يقول للمتولي : لك منه : عجَّل عجِّل فلا رغبة للكريم في الحياة بعد هذه الحال. ثم صلب.

حدثني الشريف المذكور قال : حدثني الثقة حجاج بن المسيح الأسواني : أن ابن الزبير دفن في موضع صلبه ، فما مضت الايام والليالي حتى قتل شاور وسحب ، فاتفق أن حفر له ليدفن فوجد الرشيد بن الزبير في الحفرة مدفوناً فدفنا معاً في موضع واحد ، ثم نقل كل واحد منهما بعد ذلك الى تربة له بقرافة مصر القاهرة.

ومن شعر الرشيد ، قوله يجيب أخاه المهذب عن قصيدته التي أولها :

يا ربع اين ترى الأحبَّة يمَّموا *** رحلوا فلا خلت المنازل منهم

ويروي : ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم

وسروا وقد كتموا الغداة مسيرهم *** وضياء نور الشمس ما لا يكتم

وتبدَّلوا ارض العقيق عن الحمى *** روَّت جفوني أي ارض يَّمموا

نزلوا العذيب ، وإنما في مهجتي *** نزلوا وفي قلب المتيَّم خيَّموا

ما ضرّهم لو ودَّعوا من اودعوا *** نار الغرام وسلَّموا من أسلموا

هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا *** أو أيمنوا أو أنجدوا أو أتهموا

وهم مجال الفكر من قلبي وإن *** بعد المزار فصفو عيشي معهم

أحبابنا ما كان اعظم هجركم *** عندي ولكنَّ التفرُّق اعظم

غبتم ، فلا والله ما طرق الكرى *** جفني ولكن سحَّ بعدكم الدم

وزعمتم إني صبور بعدكم *** هيهات لا لُقَّيتم ما قلتم

وإذا سئلت بمن أهيم صبابةً *** قلتُ الذين هم الذين هم هم

النازلين بمهجتي وبمقلتي *** وسط السويدا والسواد الاكرم

ص: 163

لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى *** أني حفظتُ العهد لما خُنتم

فأقمت حين ظغنتُم وعدلتُ لم- *** -ا جُرتُم ، وسهدت لما نمتم

يا محرقاً قلبي بنار صدودهم *** رفقاً ففيه نار شوق تضرم

اسعرتم فيه لهيب صبابة *** لا تنطفي إلا بقرب منكم

يا ساكني أرض العذيب سقيتم *** دمعي إذا ضن الغمام المرزم

بعدت منازلكم وشطّ مزاركم *** وعهودكم محفوظة مذ غبتم

لا لوم للأحباب فيما قد جنوا *** حكمتهم في مهجتي فتحكموا

أحباب قلبي أعمروه بذكركم *** فلطالما حفظ الوداد المسلم

واستخبروا ريح الصبا تخبركم *** عن بعض ما يلقى الفؤاد المغرم

كم تظلمونا قادرين ومالنا *** جرم ولاسبب لمن نتظلم

ورحلتم وبعدتم وظلمتم *** ونأيتم وقطعتُم وهجرتم

هيهات لا أسلوكم أبداً وهل *** يسلو عن البيت الحرام المحرم

وانا الذي واصلت حين قطعتم *** وحفظت أسباب الهوى اذ خنتم

جار الزمان علي ، لما جرتم *** ظلماً ومال الدهر لما ملتم

وغدوت بعد فارقكم وكأنني *** هدف يمر بجانبيه الأسهم

ونزلت مقهور الفؤاد ببلدة *** قل الصديق بها وقلَّ الدرهم

في معشر خلقوا شخوص بهائم *** يصدا بها فكر اللبيب ويبهم

إن كورموا لم يكرموا أو عَلّموا *** لم يعلموا أو خوطبوا لم يفهموا

لا تنفق الآداب عندهم ولا *** الاحسان يعرف في كثير منهم

صمٌ عن المعروف حتى يسمعوا *** هجر الكلام فيقدموا ويقدموا

فالله يغني عنهم ويزيد في *** زهدي لهم ويفك أسري منهم

ص: 164

قال الأمين في أعيان الشيعة : ومن شعره قوله في أهل البيت علیهم السلام وهو مسك الختام.

خذوا بيدي يا آل بيت محمد *** اذا زلت الإقدام في غدوة الغد

أبى القلب إلا حبكم وولاءكم *** وما ذاك الا من طهارة مولدي

وقال ابن خلكان في الوفيات : كان من أهل الفضل والنباهة والرياسة ، صنف كتاب الجنان ورياض الاذهان وذكر فيه جماعة من مشاهير الفضلاء وله ديوان شعر ولأخيه القاضي المهذب ابي محمد الحسن ديوان شعر أيضاً ، وكانا مجيدين في نظمهما ونثرهما ، ومن شعر القاضي المهذب ، وهو لطيف غريب من جملة مفيدة بديعة :

وترى المجرة والنجوم كأنما *** تسقي الرياض بجدول ملآن

لو لم تكن نهراً لما عامت بها *** أبداً نجوم الحوت والسرطان

وله ايضاً من جملة قصيدة :

ومالى إلى ماء سوى النيل غلة *** ولو أنه - استغفر الله - زمزم

وله كل معنى حسن وأول شمر قاله ، سنة ست وعشرين وخمسمائة ، وذكره العماد الكاتب في كتاب السيل والذيل ، وهو اشعر من الرشيد ، والرشيد أعلم منه في سائر العلوم ، وتوفي بالقاهرة ، سنة احدى وستين وخمسمائة في رجب رحمه الله واما القاضي الرشيد فقد ذكره الحافظ أبو

ص: 165

الطاهر السلفي ، في بعض تعاليقه ، وقال : ولي النظر بثغر الاسكندرية في الدواوين السلطانية بغير اختياره ، في سنة تسع وخمسين وخمسمائة ، ثم قتل ظلماً وعدواناً في المحرم ، سنة ثلاث وستين وخمسمائة رحمه الله وذكره العماد أيضاً في كتاب السيل والذيل ، الذي ذيل به على الخريدة فقال : الخضم الزاخر والبحر العباب ، ذكرته في الخريدة وأخاه المهذب ، قتله شاور ظلماً لميله الى اسد الدين شير كوه في سنة ثلاث وستين وخمسمائة. كان اسود الجلدة ، وسيد البلدة ، أوحد عصره في علم الهندسة والرياضيات والعلوم الشرعيات والاداب الشعريات ، ومما انشدني له الامير عضد الدين ، ابو الفوارس مرهف بن اسامة بن منقذ ، وذكر انه سمعها منه :

جلت لديّ الرزايا بل جلت هممي *** وهل يضرّ جلاء الصارم الذكر

غيري يغيرّه عن حسن شيمته *** صرف الزمان وما يأتي من الغير

لو كانت النار للياقوت محرقة *** لكان يشتبه الياقوت بالحجر

لا تغرين بأطماري وقيمتها *** فأنما هي أصداف على درر

ولا تظن خفاء النجم من صفر *** فالذنب في ذاك محمول على البصر

قلت : وهذا البيت مأخوذ من قول أبي العلاء المعري ، في قصيدته الطويلة المشهورة فإنه القائل فيها :

والنجم تستصغر الأبصار رؤيته *** والذنب للطرف لا للنجم في الصغر

وأورد له العماد الكاتب في الخريدة أيضاً ، قوله في الكامل بن شاور :

إذا ما نبت بالحرّ دار يودّها *** ولم يرتحل عنها فليس بذي حزم

وهبه بها صَبّاً ألم يدر أنه *** سيزعجه منها الحمام على رغم

وقال العماد : أنشدني محمد بن عيسى اليمني ببغداد ، سنة إحدى وخمسين قال : أنشدني الرشيد باليمن لنفسه في رجل :

ص: 166

لئن خاب ظني في رجائك بعدما *** ظننت بأني قد ظفرت بمنصف

فانك قد قلدتني كل منة *** ملكت بها شكري لدى كل موقف

لأنك قد حذرتني كل صاحب *** وأعلمتني أن ليس في الأرض من يفي

وكان الرشيد أسود اللون وفيه يقول أبو الفتح محمود بن قادوس ، الكاتب الشاعر يهجوه :

يا شبه لقمان بلا حكمة *** وخاسراً في العلم لا راسخا

سلخت أشعار الورى كلها *** فصرت تدعى الاسود السالخا

وكان الرشيد سافر الى اليمن رسولاً ، ومدح جماعة من ملوكها ، وممن مدحه منهم ، علي بن حاتم الهمذاني قال فيه :

لقد أجدبت أرض الصعيد وأقحطوا *** فلست أنال القحط في أرض قحطان

وقد كفلت لي مأرب بمآربي *** فلست على أسوان يوماً بأسوان

وإن جهلت حقي زعانف خندف *** فقد عرفت فضلي غطارف همدان

فحسده الداعي في عدن على ذلك ، فكتب بالابيات الى صاحب مصر فكانت سبب الغضب عليه ، فأمسكه وأنفذه اليه مقيداً مجرداً ، وأخذ جميع موجوده ، فأقام باليمن مدة ، ثم رجع الى مصر ، فقتله شاور كما ذكرناه ، وكتب إليه الجليس بن الحباب.

ثروة المكرمات بعدك فقر *** ومحلّ العلا ببعدك قفر

بل تجلى إذا حللت الدياجي *** وتمر الأيام حيث تمر

أذنب الدهر في مسيرك ذنبا *** ليس منه سوى إيابك عذر

ص: 167

والغساني : بفتح الغين المعجمة ، والسين المهملة ، وبعد الالف نون ، هذه النسبة الى غسان ، وهي قبيلة كبيرة من الأزد ، شربوا من ماء غسان ، وهو باليمن فسمُّوا به ، والأسواني : بضم الهمزة ، وسكون السين المهملة ، وفتح الواو ، وبعد الالف نون ، هذه النسبة الى أسوان ، وهي بصعيد مصر. قال السمعاني : هي بفتح الهمزة والصحيح الضم ، هكذا قال لي الشيخ الحافظ ، ذكي الدين ابو محمد عبدالعظيم المنذري حافظ مصر.

ص: 168

سعيد بن مكي النيّلي

لا تنكري إن ألفتُ الهم والأرقا *** وبتٌ من بعدهم حلف الأسى قلقا

قد كنت آمل روحي أن تفارقني *** ولا أرى شملنا الملتام مفترقا

ليت الركائب لازمّت لبينهم *** وليت ناعق يوم البين لا نعقا

كم هدّ ركني وكم أوهى قوى جلدي *** وكم دم بمواضي جوره هرقا

لا تطلبوا أبداً مني البقاء فهل *** يرجى مع البين من أهل الغرام بقا

يحقّ لي إن بكت عيني دماً لهم *** وإن غدوت بنار الحزن محترقا

يا منزلاً لعبت أيدي الشتات به *** وكان يشرق للوفاد مؤتلقا

مالي على ربعك البالي غدوت به *** وظلت أسأل عن أهليه ما نطقا

أبكي عليه ولو أن البكاء على *** سوى بني احمد المختار ما خلقا

تحكّمت فيهم الأعداء - ويلهموا *** ومن نجيع الدما اسقوهم العلقا

تالله كم قصموا ظهراً لحيدرة *** وكم بروا للرسول المصطفى عنقا

والله ما قابلوا بالطف يومهم *** إلا بما يوم بدر فيهم سبقا

الى أن يقول في آخرها :

فهاكموها من النيليِّ رائقة *** تحكي الحيا رقة لفظاً ومتسّقا

إذا تلى نائح يوم محاسنها *** أزرت على كل من بالشعر قد نطقا

من شاعر في محاق الشعر خاطره *** الى طريق العلى والمجد قد سبقا (1)

ص: 169


1- عن كتاب معدن البكاء في مصيبة خامس آل العبا مخطوط المرحوم محمد صالح البرغاني قال هي للنيلي ولما كان المترجم قد اكثر من النظم في أهل البيت ترجح عندي أن تكون له.

(1) قال الدكتور مصطفى جواد : هو سعيد بن احمد بن مكي النيلي كان أديباً وشاعراً ونحوياً فاضلاً ومؤدباً بارعاً من ادباء الشيعة المشهورين ، أقام بعد النيل ببغداد لقيام سوق الأدب فيها في أواسط القرن السادس وهو من أهله.

ووصفه العماد الاصفهاني بأنه كان مغالياً في التشيع حالياً بالتورع غالياً في المذهب عالياً في الأدب معلِّماً في المكتب مقدماً في التعصب ثم أسنَّ حتى جاوز حدّ الهرم وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم وأناف على التسعين وآخر عهدي به في درب صالح ببغداد سنة اثنتين وستين [ وخمسمائة ]. قال : ثم سمعت انه لحق بالأولين ».

وذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء مع أنه لم يذكر له مؤلفاً ولا رسالة والذي بعثه على ذكره كونه أديباً نحوياً وقال فيه « له شعر جيد أكثرة في مدح أهل البيت وله غزل رقيق مات سنة 565 ه- ، وقد ناهز المائة ». وكل من ذكره بعد عماد الدين الاصفهاني إنما هو عيال عليه وطالب إليه. ودرب صالح الذي رآه فيه سنة 562 ه- آخر رؤية هو من دروب الجانب الشرقي ببغداد ولا نعلم موضعه من بغداد الحالية مع كثرة تفتيشنا عنه إلا أنه كان مباءة للسروات والكبراء على ما يستفاد من بعض الاخبار - وقد روى عن ابن مكي النيلي بعض شعره ابن اخته عمر الواسطي الصفار. هذا جميع ما وقع الينا حتى اليوم من أخباره وسيرته وهو بالاضافة الى المائة

ص: 170


1- مجلة الغرى النجفية السنة الئامنة ص 39.

السنة التي ناهزها شيء قليل جداً يجعل سيرته رمزاً من رموز التراجم في تاريخ الأدباء العراقيين في هذا القرن ، ومن شعره قصيدة يذكر فيها أهل البيت (عليهم السلام) ويفترعها بالغزل على عادتهم في المدح ويقول.

قمر أقام قيامتي بقوله *** لم لا يجود لمهجتي بذمامه؟

ملكته كبدي فأتلف مهجتي *** بجمال بهجته وحسن كلامه

وبمبسم عذب كأن رضابه *** شهد مذاب في عبير مدامه

وبناظر غنج وطرف أحور *** يصمي القلوب اذا رنا بسهامه

وكأن خط غداره في حسنه *** شمس تجلت وهي تحت لثامه

فالصبح يسفر من ضياء جبينه *** والليل يقبل من أثيث ظلامه

والظبي ليس لحاظه كلحاظه *** والغصن ليس قوامه كقوامه

قمر كأن الحسن يعشق بعضه *** بعضاً فساعده على قسَّامه

فالحسن عن تلقائه وورائه *** ويمينه وشماله وأمامه

ويكاد من ترف لدقَّة خصره *** ينقدُّ بالأرداف عند قيامه

قال الصفدي ( قلت شعر متوسط ) وهو مصيب في قوله إلا أنه يعلم أن هذه مقدمة صناعية للموضوع فلا ينبغي له الحكم بها في قضية الشعر ومنها في مدح أهل البيت (عليهم السلام).

دع يا سعيد هواك واستمسك بمن *** تسعد بهم وتزاح من آثامه

بمحمد وبحيدر وبفاطم *** وبولدهم عقد الولا بتمامه

قوم يسر وليهم في بعثه *** ويعض ظالمهم على ابهامه

وترى ولي وليهم وكتابه *** بيمينه والنور من قدامه

يسقيه من حوض النبي محمد *** كأساً بها يشفي غليل أوامه

بيدي أمير المؤمنين وحسب من *** يسقى به كأساً بكف إمامه

ذاك الذي لولاه ما اتضحت لنا *** سبل الهدى في غوره وشآمه

ص: 171

عبد الآله وغيره من جهله *** ما زال منعكفاً على أصنامه

ما آصف يوماً وشمعون الصفا *** مع يوشع في العلم مثل غلامه

قال عماد الدين الاصفهاني ( من ههنا دخل في المغالاة وخرج عن المضافاة فقبضنا اليد عن كتابة الباقي ورددنا القدح على الساقي وما أحسن التوالي وأقبح التغالي ).

وقال العماد ايضاً انشدني له ابن اخته عمر الواسطي الصفار ببغداد قال انشدني خالي سعيد بن مكى من كلمة له ، وقال محب الدين ابو عبدالله محمد بن الوليد بن الحسن الواسطي الصفار من تاريخه ( نزيل بغداد روى عن خاله شيئاً من شعره كتب الى ابو عبدالله محمد بن محمد بن حامد الاصفهاني الكاتب ونقلته من خطه قال انشدني عمر الواسطي الصفار ببغداد انشدنا خالي سعيد ابن النيلي لنفسه من كلمة له.

ما بال مغاني بشخصك اطلال *** قد طال وقوفي بها وبثي قد طال

الربع دثور متناه قفار *** والربع محيل بعد الاوانس بطال

عنقه دبور وشمال وجنوب *** مع ملث مرخي العزالي محلال

يا صاح قفاً باللوى فسائل رسماً *** قد خال لعل الرسوم تُنبي عن حال

ما شف فؤادي الا لغيب غراب *** بالبين ينادي قد طار يضرب بالغال

مذ طار شجا بالفراق قلباً حزيناً *** بالبين واقصى بالبعد صاحبة الخال

تمشي تتهادى وقد ثناها دل *** من فرط حياها تخفي رنين الخلخال

وهذه ابيات الغاية منها اظهار البراعة النظمية حسب فاني لا أجد بحرها رهواً ولا أحسب نظمها إلا زهواً ، وله في مدح النبي والأئمة - عليهم السلام -

ومحمد يوم القيامة شافع *** للمؤمنين وكل عبد مقنت

وعلي والحسنان ابنا فاطم *** للمؤمنين الفائزين الشيعة

ص: 172

وعلي زين العابدين وباقر *** علم التقى وجعفر هو منيتي

والكاظم الميمون موسى والرضا *** علم الهدى عند النوائب عدتي

ومحمد الهادي الى سبل الهدى *** وعلى المهدي جعلت ذخيرتي

والعسكريين الذين بحبهم *** أرجو إذا أبصرت وجه الحجة

وقال في مدع الأمام علي (عليه السلام) :

فان يكن آدم من قبل الورى *** بنى وفي جنّة عدن داره

فان مولاي علياً ذا العلى *** من قبله ساطعة أنواره

تاب على آدم من ذنوبه *** بخمسة وهو بهم أجاره

وان يكن نوح بنى سفينة *** تنجيه من سيل طمى تيّاره

فان مولاي علياً ذا العلى *** سفينة ينجو بها أنصاره

وان يكون ذو النون ناجى حوته *** في اليمِّ لما كظه حصاره

ففي جلنرى للأنام عبرة *** يعرفها من دلَّه اختياره

ردت له الشمس بأرض بابل *** والليل قد تجللت أستاره

وان يكن موسى رعى مجتهداً *** عشراً الى أن شفّه انتظاره

وسار بعد ضرّه بأهله *** حتى علت بالواديين ناره

فان مولاي علياً ذا العلى *** زوّجه واختار مَن يختاره

وان يكن عيسى له فضيلة *** تدهش من أدهشه انبهاره

من حملته أمه ما سجدت *** للات بل شغلها استغفاره

وقال يذكر فتحه لحصن خيبر :

فهزّها فاهتز من حولهم *** حصناً بنوه حجراً جلمدا

ثم دحا الباب على نبذة *** تمسح خمسين ذراعاً عددا

وعَبَّر الجيش على راحته *** حيدره الطاهر لما وردا

ص: 173

وقال في ذكر خارقة له :

ألم تبصروا الثعبان مستشفعاً به *** الى الله والمعصوم يلحسه لحسا

فعاد كطاووس يطير كأنه *** تعثّر في الأملاك فاستوجب الحبسا

أما ردَّ كفَّ العبد بعد انقطاعها *** أما ردَّ عيناً بعدما طمست طمسا

ألم تعلموا أن النبي محمداً *** بجيدرة أوصى ولم يسكن الرما

وقال لهم والقوم في خُمّ حضّر *** ويتلوا الذي فيه وقد همسوا همسوا

وقال يمدحه (عليه السلام) :

خصه الله بالعلوم فأضحى *** وهو ينبىء بسر كل ضمير

حافظ العلم عن أخيه عن الله *** خبير عن اللطيف الخبير

والضعف ظاهر على شعره لأنه اشتغل بالتأديب ، ونظم المناقب وهي شعر قصصي ديني خال من الروعة وان كان مبعثه الحب واللوعة ثم أن التأديب كان يتعب ذلك الأديب ويكد ذهنه ويشتت باله والشعر فن من الفنون التي تحتاج الى المواظبة والمعاناة والتفرغ وفراغ البال في غالب الأحوال ، وكان سعيد بن مكي بعيداً عن ذلك فلا جرم أن شعره جاء تارات جامداً وتارات بارداً ،. انتهى.

وفي الجزء السادس من الاعيان ص 407 : ابو سعيد النيلي (1) منسوب الى النيل ، بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة ، كان الحجاج حفر لها نهراً اسماه النيل باسم نيل مصر. وفي مجالس المؤمنين : ابو سعيد النيلي رحمه الله من فضلاء شعراء الامامية ، وهذه الابيات من بعض قصائده المشهورة : قمر أقام قيامتي بقوامه الى آخر ما مر.

ص: 174


1- الصحيح سعيد بن مكي النيلي.

وقال يوسف اسطي معرّضاً :

اذا اجتمع الناس في واحد *** وخالفهم في الرضا واحد

فقد دل اجاعهم كلهم *** على أنه عقله فاسد

فاجابه ابو سعيد بقوله :

ألا قل لمن قال في غيّه *** وربي على قوله شاهد

اذا اجتمع الناس في واحد *** وخالفهم في الرضا واحد

كذبت وقولك غيرالصحيح *** وزغلك ينقده الناقد

فقد أجمعت قوم موسى جميعاً *** على العجل يا رجس يا مارد

وداموا عكوفاً على عجلهم *** وهارون منفرد فارد

فكان الكثيرهم المخطئون *** وكان المصيب هو الواحد

وفي كتاب ( احقاق الحق ) ج 3 ص 75.

ابو سعيد سعد بن احمد المكي النيلي من مشاهير الادباء والشعراء واكثر منظوماته في مديح اهل البيت علیهم السلام توفي سنة 562 وقيل 592. والنيلي نسبة الى النيل بالحلة. راجع الريحانة ج 4 ص 264.

وفي اعيان الشيعة ج 1 ص 197.

سعد بن احمد بن مكي النيلي المؤدب المعروف بابن مكي.

قال العماد الكاتب : كان غالياً في التشيع وعده ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت المتقين (595) (565) معجم الادباء.

أقول وممن اشتهر بهذا اللقب :

1 - في أعيان الشيعة ج 1 ص 198.

علي بن محمد بن السكون الحلي النيلي. كان شاعراً توفي سنة 606.

2 - وفي ص 200 من الأعيان جزء أول قال :

الشيخ علي بن عبد الحميد النيلي وفاته حدود 800.

ص: 175

الشَّاعر صَرَّدُر

ابو منصور علي بن الحسن بن الفضل المعروف ب- ( صردر ).

تسائل عن ثمامات بجزوى *** ووادي الرمل يعلم من عنينا

وقد كشف الغطاء فما نبالي *** أصرحنا بحبك أم كنينا

ألا لله طيف منك يسري *** يجوب مهامها بيناً فبينا

مطيته طوال الليل جفني *** فكيف شكا اليك وجا ، وأينا

فأمسينا كأنا ما افترقنا *** وأصبحنا كأنا ما التقينا

لقد خدع الخيال فؤاد صب *** رآه على هوى الاحباب هينا

كما فعلت بنو كوفان لما *** الى كوفانهم طلبوا الحسينا

فبينا عاهدوه على التوافي *** اذا هم نابذوه عدى وبينا

واسمعهم مواعظه فقالوا *** سمعنا يا حسين وقد عصينا

فالفوا قوله حقاً وصدقاً *** وألفى قولهم كذبا ومينا

هم منعوه من ماء مباح *** وسقَّوه فضول السم حينا

يقلّ الرمح بدراً من محيّا *** له والارض من جسد حنينا « كذا »

وتسبى المحصنات الى يزيد *** كأن له على المختار دينا (1)

ص: 176


1- عن الاعيان ج 41 ص 111.

ابو منصور علي بن الحسن بن الفضل المعروف ب- صرَّدُر. توفي في طريق خراسان ، تردى في حفرة سنة 565 ، له ديوان شعر طبع بمطبعة دارالكتب المصرية بالقاهرة سنة 1253 ه- وكتب عليه : نظر الرئيس ابي منصور علي ابن الحسن بن علي بن الفضل الشهير ب- صردر. وقال ابن خلكان في وفيات الاعيان : هو الكاتب المعروف والشاعر المشهور ، أحد نجباء عصره جمع بين جوده السبك وحسن المعنى ، وعلى شعره طلاوة رائعة وبهجة فائقة.

وإنما قيل له صردر لأن أباه كان يلقب بصربعر لشحه فلما نبغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل له صردر ، وقد هجاه بعض شعراء وقته وهو الشريف ابو جعفر مسعود المعروف بالبياضي الشاعر فقال :

لئن لقب الناس قدماً أباك *** وسموه من شحه صربعرا

فانك تنثر ما صره *** عقوقاً له وتسميه شعراً

قال ابن خلكان : ولعمري ما انصفه هذا الهاجي فان شعره نادر وإنما العدو لا يبالي ما يقول. وكانت وفاة صردر في سنة خمس وستين واربعمائة وكان سبب موته انه تردى في حفرة حفرت للاسد في قرية بطريق خرسان. وكانت ولادته قبل الاربعمائة.

ومن لطيف قوله في الشيب كما جاء في الوفيات لابن خلكان :

لم أبك إن رحل الشباب وإنما *** أبكي لأن يتقارب الميعاد

شعر الفتى أوراقه فاذا ذوى *** جفت على آثاره الاعواد

ص: 177

وله في جارية سوداء وهو معنى حسن :

علقتها سوداء مصقولة *** سواد قلبي صفة فيها

ما انكسف البدر على تمّهِ *** ونوره إلا ليحكيها

لأجلها الأزمان أوقاتها *** مؤرّخات بلياليها

وقال يمدح أبا القاسم بن رضوان :

انا منكم اذا انتهينا الى العر *** ق التففنا التفاف بانٍ برندٍ

نسبٌ ليس بيننا فيه فرقٌ *** غير عيشي حضارةٍ وتبدّ (1)

لكم الرمح والسنان وعندي *** ما تحبّون من بيانٍ ومجدِ

خلّصوني من ظبيكم أو أنادي *** بالذي ينقذ الأسارى ويفدى

في يديه غمامتان لظلٍّ *** ولقطر من غير برقٍ ورعد

فرق ما بينه وبين سواه *** فرق ما بين لُجِّ بحرٍ وثمد (2)

كم عدو أماته بوعيدٍ *** وولي أحياه منه بوعد

لست تدري أمن زخارف روض *** صاغه الله أم لآلىء عقد

مطلع في دحى الخطوب إذا *** أظلمن من رأيه كواكب سعد

زادك الله ما تشاء مزيداً *** سيله غير واقف عند حدَّ

في ربيع نظير جنات عدن *** وديارٍ جميعها دار خُلدِ (3)

ص: 178


1- التبدي : الاقامة بالبادية وهو ضد الحضارة.
2- لج البحر معظمه ، والثمد : الماء القليل.
3- عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج 4 ص 97.

وقال يمدح ابن فضلان ويهنئه بخلاصه من السجن :

إن الشدائد مذ عُنين به *** قارعن جلموداً من الصخر

حمل النوائب فوق عاتقه *** حتى رجعن إليه بالعذر

لا تنكروا حبساً ألَّم به *** إن الحسان تصان بالخدر

أو ليس يوسف بعد محنته *** نقلوه من سجن الى قصر

أنا من يغالي في محبته *** وولائه في السر والجهر

ما ذاق طعم النوم ناظره *** حتى البشير أتاه بالبشر

وقال يرثي أبا منصور بن يوسف ويعزي عنه صهره أبا القاسم بن رضوان :

لا قبلنا في ذي المصاب عزاء *** أحسن الدهر بعده أو الساء

حسرات يا نفس تفتك بالص- *** -بر وحزن يقلقل الأحشاء

كيف يسلو من فارق المجد والسؤ *** دد والحزم والندى والعلاء

والسجايا التي إذا افتخر الدُّ *** رُّ ادعاها ملاسة وصفاء

خرست ألسن النعاة ووَّدت *** كل أذن لو غودرت صماء

جهلوا أنهم نعوا مهجة المجد *** المصفَّى والعزة القعساء

لو أرادت عرس المكارم بعلا *** عدمت بعد فقده الأكفاء

ما درى حاملوه أنهم عنهم *** أزالوا الأظلال والأفياء

يودعون الثرى كما حكم الله *** بكره غمامة غراء

ولو أن الخيار أضحى اليهم *** ما أحلو الغمام إلا السماء

يا لها من مصيبة عمت العا *** لم طراً وخصّت العظماء

ص: 179

أنت من معشر أبى طيب ال- *** ذكر عليهم أن يشمت الأعداء

فهم كالأنام يبلون أجسا *** ماً ولكن يخلّدوّن ثناء

وإذا كانت الحياة هي الدا *** ء المعنّى فقد عدمنا الشفاء

إنما هذه الأماني في النف- *** س سرابٌ ما ينقع الأظماء

جلداً أيها الأجل أبو القا *** سم والعود (1) يحمل الأعباء

خلق فيك أن تنجّي من الكر *** ب نفوساً وتكشف الغماء

ما كرهت الأقدار قط ولو جا *** ءت ببؤسي ولا ذممت القضاء

ولك العزمة التي دونها ال- *** -سيف نفاذاً وجرأة ومضاء (2)

وقال يرثي ابا نصر بن جميلة صاحب الديوان :

هذه الأرض أمنا وأبونا *** حملتنا بالكره ظهراً وبطنا

لو رجعنا إلى اليقين علمنا *** أننا في الدني نشيد سجنا

إنما العيش منزل فيه بابا *** ن دخلنا من ذا ومن ذا خرجنا

وضروب الأطيار لو طرن ما طر *** ن فلا بد أن يراجعن وكنا

يحسب الهِمُّ عمره كل حول *** فاذا استكثر الحساب تمنى (3)

خدعات من الزمان إذا أب- *** -كين عيناً منهنَّ أضحكن سنّا

لو درت هذه الحمائم ما ند *** ري لما رجّعت على الغصن لحنا

موردٌ غصَّ بالزحام فلولا *** سبق من جاء قبلنا لوردنا

وأرى الدهر مفرداً وهو في حا *** لٍ يشنُّ الغارات هنَّا وهنا

ما عليهن لو أنه كان أبقى *** من أبي نصرٍ المهذّب ركنا

والداً للصغير براً وللتر *** ب أخاً مشفقاً وللأكبر ابنا

ص: 180


1- العود في الأصل المسن من الابل ويريد به هنا الشيخ الكامل.
2- عن جواهر الادب ، جمع سليم صادر ج 4 ص 172.
3- الهم : الشيخ الفاني.

من ذيول السحاب أطهر ذيلاً *** وقميص النسيم اطيب ردنا

ما مشت في فؤاده قدم الغ- *** -ش ولا أسكن لجوانح ضغنا

إن يكن للحياء ماءٌ فما كا *** ن له غير ذلك الوجه مزنا

لهف نفسي على حسامٍ صقيل *** كيف أضحت له الجنادل جفنا

وعتيقٍ أثار بالسبق نقعاً *** فغدا فوقه يهالُ ويبنى (1)

ونفيسٍ من الذخائر لم يؤ *** مَن عليه فأستودع الارض خزنا

أغمض العين بعده فغريب *** أن ترى مثله وأين وأنى

فالقصور المشيدات تعزى *** والقبور المبعثرات تهنى

ومن رائع نظمه قوله في الوزير فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير الموصلي ، انفذها اليه من واسط عندما تقلد الوزارة :

لجاجة قلب ما يفيق غرورها *** وحاجة نفس ليس يقضى يسيرها

وقفنا صفوفاً في الديار كأنها *** صحائف ملقاة ونحن سطورها

يقول خليلي والظباء سوانح *** أهذا الذي تهوى فقلت نظيرها

لئن شابهت أجيادها وعيونها *** لقد خالفت أعجازها وصدورها

فيا عجباً منها يصيد أنيسها *** ويدنو على ذعر الينا نفورها

وما ذاك إلا أن غزلان عامر *** تيقن أن الزائرين صقورها

ألم يكفها ما قد جنته شموسها *** على القلب حتى ساعدتها بدورها

نكصنا على الاعقاب خوف اناثها *** فما بالها تدعو نزال ذكورها

ووالله ما أدري غداة نظرتها *** أتلك سهام أم كؤوس تديرها

فإن كن من نبلٍ فأين حفيفها *** وإن كنَّ من خمر فأين سرورها

أيا صاحبيَّ استأذنا لي خمارها *** فقد أذنت لي في الوصول خدورها

ص: 181


1- الفرس العتيق الرائع الذي يعجب الناس بحسنه. جواهر الأدب جمع سليم صادر، ج4 ص 174.

هباها تجافت عن خليل يروعها *** فهل أنا إلا كالخيال يزورها

وقد قلتما لي ليس في الارض جنة *** أما هذه فوق الركائب حوره-

فلا تحسبا قلبي طليقاً فإنما *** لها الصدر سجن وهو فيه أسيرها

يعزُّ على الهيم الخوائض وردها *** إذا كان ما بين الشفاه غديرها

أراك الحمى قل لي بأي وسيلة *** توسَّلت حتى قبّلتك ثغورها

ومن مديحها :

أعدت الى جسم الوزارة روحها *** وما كان يرجى بعثها ونشورها

أقامت زماناً عند غيرك طامثاً *** وهذا زمان قرؤها وطهورها

من الحق أن تحيى بها مستحقها *** ويسترعها مردودة مستعيرها

إذا ملك الحسناء من ليس كفؤها *** أشار عليها بالطلاق مشيرها

ص: 182

وأنشده ايضاً لما عاد الى الوزارة في صفر سنة احدى وستين وأربعمائة بعد العزل ، وكان المقتدي بالله قد أعاده إلى الوزارة بعد العزل وقبل الخروج الى السلطان ملكشاه فعمل فيه صرُ درَّ هذه القصيدة :

قد رجع الحق إلى نصابه *** وأنت من كل الورى أولى به

ما كنت إلا السيف سلَّته يدٌ *** ثم أعادته الى قرابه

هزته حتى أبصرته صارماً *** رونقه يغنيه عن ضرابه

أكرم بها وزارة ما سلمت *** ما استودعت إلا إلى أصحابه

مشوقة اليك مذ فارقتها *** شوق أخي الشيب الى شبابه

مثلك محسود ولكن معجز *** أن يدرك البارق في سحابه

حاولها قوم ومن هذا الذي *** يخرج ليثاً خادراً من غابه

يدمي أبو الأشبال من زاحمه *** في جيشه بظفره ونابه

وهل رأيت او سمعت لابساً *** ما خلع الأرقم من إهابه

تيقنوا لما رأوها ضيعة *** أن ليس للجو سوى عقابه

إن الهلال يرتجى طلوعه *** بعد السرار ليلة احتجابه

والشمس لا يؤنس من طلوعها *** وان طواها الليل في جنابه

ما أطيب الاوطان الا أنها *** للمرء أحلى أثر اغترابه

كم عودة دَلّت على مآبها *** والخلد للانسان في مآبه

لو قرب الدرّ على جالبه *** ما نجح الغائص في طلابه

ولو أقام لازماً أصدافه *** لم تكن التيجان في حسابه

ما لؤلؤ البحر ولا من صانه *** إلا وراء الهول من عبابه

وهي قصيدة طويلة وقد اقتصرنا منها على هذا القدر.

ص: 183

وله :

جلسة في الجحيم أحرى وأولى *** من نعيم يفضي الى تدنيس

ففرارا من المذلة في آ *** دم كان العصيان من إبليس

وله :

قد زان مخبره باجمل منظر *** وأعن منظره بأحسن مخبر

ما من يتوج أو يمنطق عسجدا *** كمطوق بالمكرمات مسور

لا تبعدن همم له لو أودعت *** عند الكواكب لادعاها المشتري

وله :

لك المثل الأعلى بكل فضيلة *** اذا ملأ الراوي بها الغور أتهما

لئالىء من بحر الفضائل إن بدت *** لغائصها صلى عليها وسلما

وما المدح مستوف علاك وإنما *** حقيق على المنطيق أن يتكلما

وله :

ما افتخار الفتى بثوب جديد *** وهو من تحته بعرض لبيس

وله :

غدرانه بالفضل مملوءة *** متى يردها هائم ينقع

يكشف منه الفرع عن قارح *** قد أحرز السبق ولم يجذع

يشير إيماء اليه الورى *** إن قيل من يعرف بالاروع

يريك ما ضمت جلابيبه *** أحاسن للعلم في موضع

ليس جمال المرء في برده *** جماله في الحسب الارفع

ص: 184

اخطب خوارزم

ألاهل من فتى كأبي تراب *** إمام طاهر فوق التراب؟!

إذا ما مقلتي رمدت فكحلي *** ترابٌ مسَّ نعل أبي تراب

محمدٌ النبيُّ كمصر علمٍ *** أمير المؤمنين له كباب

هو البكاء في المحراب لكن *** هو الضحاك في يوم الحراب

وعن حمراء بيت المال أمسى *** وعتن صفرائه صفر الوطاب

شياطين الوغى دحروا دحوراً *** به إذ سلَّ سيفاً كالشهاب

عليُّ بالهداية قد تجلى *** ولمَّا يدرَّع برد الشباب

علي كاسر الأصنام لما *** علا كتف النبيِّ بلا احتجاب

حديث براءة وغدير خم *** وراية خيبر فصل الخطاب

هما مثلاً كهارون وموسى *** بتمثيل النبي بلا ارتياب

بنى في المسجد المخصوص باباً *** له إذ سدَّ أبواب الصحاب

كأنِّ الناس كلهم قشور *** ومولانا عليُّ كاللباب

ولايته بلا ريب كطوق *** على رغم المعاطس في الرقاب

إذا عمر تخبَّط في جواب *** ينبهه عليُّ بالصواب

يقول بعدله : لولا عليُّ *** هلكتُ هلكتُ في ذاك الجواب

ص: 185

ففاطمة ومولانا عليُّ *** ونجلاه سروري في الكتاب

ومن يك دأبه تشييد بيت *** فها أنا مدح أهل البيت دابي

وإن يك حبهم هيهات عاباً *** فها أنا مذ عقلت قرين عاب

لقد قتلوا علياً مذ تجّلى *** لأهل الحقِّ فحلاً في الضراب

لقد قتلوا الرضا الحسن المرجَّى *** جواد العرب بالسمِّ المذاب

وقد منعوا الحسين الماء ظلماً *** وجدل بالطعان وبالضّراب

وقد صلبوا إمام الحقِّ زيداً *** فيا لله من ظلم عجاب

بنات محمد في الشمس عطشى *** وآل يزيد في ظلِّ القباب

لآل يزيد من ادمٍ خيامٌ *** واصحاب الكساء بلا ثياب

ص: 186

الحافظ ابو المؤيد موفق بن احمد بن ابي سعيد اسحاق بن المؤيد المكي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم كان فقيهاً غزير العلم ، حافظاً طايل الشهرة خطيباً طاير الصيت ، خبيراً على السيرة والتاريخ ، أديباً شاعراً ، له خطب وشعر مدون وهو صاحب ( المقتل ) ذكره القمي في الكنى والالقاب وقال : له كتاب في مناقب أهل البيت علیهم السلام قال في آخره :

هل أبصرت عيناك في المحراب *** كأبي تراب من فتى محراب

لله درّ أبي تراب إنه *** أسد الحراب وزينة المحراب

هو ضاربٌ وسيوفه كثواقب *** هو مطعم وجفانه كجواب

هو قاصم الاصلاب غير مدافع *** يوم الهياج وقاسم الاسلاب

ان النبي مدينة لعلومه *** وعلي الهادي لها كالباب

لولا علي ما اهتدى في مشكل *** عمر الاصابة والهدى لصواب

كتب المرحوم الشيخ محمد السماوي له ترجمة في مقدمة كتابه ( مقتل الحسين ) جاء فيها قوله : وله من المصنفات كتاب الاربعين في أحوال سيد المرسلين وغيره من الكتب ثم ذكر نموذجاً من شعره ومنه قوله من قصيدة طويلة :

لقد تجمَّع في الهادي أبي حسن *** ما قد تفرق في الاصحاب من حسن

ولم يكن في جميع الناس من حسن *** ما كان في المرتضى الهادي ابي الحسن

هل سابق مثله في السابقين لقد *** جلّى إماماً وما صلى إلى وثن

وذكر له الشيخ الأميني قدس سره ترجمة وافية وعدد فيها مشائخه ثم

ص: 187

الرواة عنه كما عدد مؤلفاته وقال : ان تضلع الرجل في الفقه والحديث والتأريخ والادب الى علوم متنوعة أخرى وكثرة شهرته في عصره ومكاتبته مع اساتذة الفنون تستدعي له تآليف كثيرة وأحسب أن الأمر كان كذلك لكن ما اشتهر منها إلا كتبه السبعة التي قضت على اكثرها الايام. اقول ثم ذكرها الشيخ ومنها :

1 - كتاب رد الشمس لاميرالمؤمنين علي علیه السلام ، ذكره له معاصره والراوي عنه ابو جعفر ابن شهراشوب في المناقب ج 1 ص 484

2 - كتاب الاربعين في مناقب النبي الامين ووصيه اميرالمؤمنين ، كما في مقتله يرويه عنه ابو جعفر بن شهراشوب وقال : كانبني به مؤلفه الخوارزمي.

3 - كتاب قضايااميرالمؤمنين ذكره له ابن شهراشوب في مناقبه ج 1 ص 484.

4 - ديوان شعره ، قال الحلبي في كشف الظنون ج 1 ص 524 : ديوانه جيد وكان في الشعر في طبقة معاصريه.

5 - كتاب فضائل اميرالمؤمنين المعروف بالمناقب المطبوع سنة 1224.

ص: 188

الفقيه عمارة اليماني

قال الفقيه عمارة اليماني يرثي اهل البيت -

شأن الغرام اجل ان يلحاني *** فيه وان كنت الشفيق الحاني

انا ذلك الصبُّ الذي قطفت به *** صلة الغرام مطامع السلوان

ملئت زجاجة صدره بضميره *** فبدت خفية شأنه للشاني

غدرت بموثقها الدموع فغادرت *** سري أسيراً في يد الأعلان

عنفتُ اجفاني فقام بعذرها *** وجدٌ يبيح ودائع الأجفان

يا صاحبيَّ وفي بجانبة الهوى *** رأي الرشاد فما الذي تريان

بي ما يذود عن التشبب اوله *** ويزيل ايسره جنون جناني

قبضت على كف الصبابة سلوة *** تنهى النهى عن طاعة العصيان

امسي وقلبي بين صبر خاذل *** وتجلد قاص وهمٍّ دان

قد سهلت حزن الكلام لنادب *** آل الرسول نواعب الأحزان

فابذل مشايعة اللسان ونصره *** ان فات نصر مهند وسنان

واجعل حديث بني الوصي وظلمهم *** تشبيب شكوى الدهر والخذلان

غصبت امية ارث آل محمد *** سفهاً وشنت غارة الشنان

وغدت تخالف في الخلافة اهلها *** وتقابل البرهان بالبهتان

لم تقتنع احلامها بركوبها *** ظهر النفاق وغارب العدوان

ص: 189

وقعودهم في رتبة نبوية *** لم يبنها لهم ابو سفيان

حتى أضافوا بعد ذلك انهم *** اخذوا بثأر الكفر في الأيمان

( فاتى زيادٌ في القبيح زيادة *** تركت يزيد يزيد في النقصان )

حرب بنو حرب اقاموا سوقها *** وتشبهت بهم بنو مروان

لهفي على النفر الذين اكفهم *** غيث الورى ومعونة اللهفان

اشلاؤهم مزق بكل ثنية *** وجسومهم صرعى بكل مكان

مالت عليهم بالتمالىء امة *** باعت جزيل الربح بالخسران

دفعوا عن الحق الذي شهدت لهم *** بالنص فيه شواهد القرآن (1)

وله في ذكر الخمسة صلوات الله عليهم :

حاسب ضميرك لا تأمن بوائقه *** وازجره من خطرات العين والأذن

وقم اذا رنقت في مقلة سنة *** قيام منتبه من غفلة الوسن

مستشفعاً برسول الله وابنته *** وبعلها والحسين الطهر والحسن

ص: 190


1- وهي في الجزء الاول من ديوانه المطبوع في مدينة شالون على شهر سون بمطبعة ( مرسو ) سنة 1897 م.

نجم الدين ابو محمد عمارة بن ابي الحسن علي بن زيدان بن احمد الحكمي اليمني ، من فقهاء الشيعة الإمامية ومدرسيهم ومؤلفيهم ومن شهداء أعلامهم على التشيُّع ، وقد زان علمه الكامل وفضله الباهر أدبه الناصع المتقارب من شعره المتألق ، وإنك لا تدري إذا نظم شعراً هل هو ينضد دراً ، أو يفرغ في بوتقة القريض تبراً ، فقد ضم شعره إلى الجزالة قوة ، وإلى السلوك رونقاً ، وفوق كل ذلك مودته المتواصلة لعترة الوحي وقوله بإمامتهم علیهم السلام ، حتى لفظ نفسه الأخير ضحية ذلك المذهب الفاضل ؛ وقد أبقت تآليفه القيمة وآثاره العلمية والأدبية له ذكراً خالداً مع الأبد ، منها : النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية. وتاريخ اليمن ، وكتاب في الفرايض. وديوان شعره. وقصيدة كتبها إلى صلاح الدين سماها : [ شكاية المتكلِّم ونكاية المتألم ] (1)

قال في النكت العصرية (2) : خرجت الى مكة سنة تسع واربعين وخمسمائة وفي موسم هذه السنة مات أميرالحرمين هاشم بن فليته وولي الحرمين ولده قاسم بن هاشم فالزمني السفارة عنه والرسالة المصرية ، فقدمتها في شهر ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة بها يومئذ الإمام الفائز بن الظافر ، والوزير له الملك الصالح طلايع بن رزيك ، فلما أحضرت للسلام عليهما في قاعة الذهب في قصر الخليفة أنشدتها قصيدة أولها :

الحمد للعيس بعد العزم والهمم *** حمداً يقوم بما أولت من النعم

ص: 191


1- كتاب « الغدير » للشيخ الأميني.
2- طبع مع مختار ديوانه ب- 377 صفحة في شالون من نهر « سون ».

لا أجحد الحق عندي للركاب يد *** تمنّت اللجم فيها رتبة الخطم

قربن بعد مزار العزَّ من نظري *** حتى رأيت إمام العصر من أمم

ورحن من كعبة البطحاء والحرم *** وفداً الى كعبة المعروف والكرم

فهل درى البيت إني بعد فرقته *** ما سرت من حرم إلا إلى حرم

حيث الخلافة مضروب سرادقها *** بين النقيضين من عفو ومن نقم

وللإمامة أنوار مقدسة *** تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم

وللنبِّوة أبيات ينص لنا *** على الحفييين من حكم ومن حكم

وللمكارم أعلام تعلّمنا *** مدح الجزيلين من بأس ومن كرم

وللعلى ألسن تثنى محامدها *** على الحميدين من فعل ومن شيم

وراية الشرف البذاخ ترفعها *** يد الرفيعين من مجد ومن همم

أقسمت بالفائز المعصوم معتقداً *** فوز النجاة وأجر البرّ في القسم

لقد حمى الدين والدنيا وأهلهما *** وزيره الصالح الفارج للغمم

أللابس الفخر لم تنسج غلائله *** إلا يداً لصنيع السيف والقلم

وجوده أوجد الأيام ما اقترحت *** وجوده أعدم الشاكين للعدم

قد ملكته العوالي رق مملكة *** تعير أنف الثريا عزة الشمم

أرى مقاماً عظيم الشأن أو همني *** في يقظتي انها من جملة الحلم

يوم من العمر لم يخطر على أملي *** ولا ترقت إليه رغبة الهمم

ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها *** عقود مدح فما أرضى لكم كلمي

ترى الوزارة فيه وهي باذلة *** عند الخلافة نصحاً غير متهم

عواطف علَّمتنا أن بينهما *** قرابة من جميل الرأي لا الرحم

خليفة ووزير مدَّ عدلهما *** ظلاً على مفرق الإسلام والامم

زيادة النيل نقص عند فيضهما *** فما عسى يتعاطى مُنَّة الديم

ص: 192

وعهدي بالصالح وهو يستعيدها في حال النشيد مراراً والاستاذون وأعيان الامراء والكبراء يذهبون في الاستحسان كل مذهب ، ثم أفيضت عليَّ خلع من ثياب الخلافة المذهبة ودفع لي الصالح خمسمائة دينار وإذا بعض الاستاذين قد أخرج لي من عند السيدة الشريفة بنت الامام الحافظ خمسمائة دينار أخرى وحمل المال معي الى منزلي ، واطلقت لي من دار الضيافة رسوم لم تطلق لاحد من قبلي وتهادتني امراء الدولة الى منازلهم للولائم واستحضرني الصالح للمجالسة ونظمني في سلك أهل المؤانسة ، وانثالت عليَّ صلاته وغمرني بّره ووجدت بحضرته من أعيان أهل الأدب الشيخ الجليس أبا المعالي ابن الحبّاب والموفق ابن الخلال صاحب ديوان الانشاء وأباً الفتح محمود بن قادوس والمهذب أبا محمد الحسن بن الزبير ، وما من هذه الحلبة أحد إلا ويضرب في الفضائل النفسانية والرئاسة الانسانية بأوفر نصيب ويرمي شاكلة الأشكال فيصيب.

قال الشيخ الاميني : وله مواقف مشكورة تنم عن انه ذو حفاظ وذو محافظة ، حضر يوماً هو والرضي ابو سالم يحيى الاحدب بن ابي حصيبة الشاعر في قصر اللؤلؤ بعد موت الخليفة العاضد عند نجم الدين ايوب بن شادي فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين فقال :

يا مالك الأرض لا أرضى له طرفا *** منها وما كان منها لم يكن طرفا

قد عجل الله هذي الدار تسكنها *** وقد أعدَّ لك الجنّات والغرفا

تشرفت بك عمن كان يسكنها *** فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا

كانوا بها صدفاً والدار لؤلؤة *** وأنت لؤلؤة صارت لها صدفا

فقال الفقيه عمارة يرد عليه :

أئمت يا من هجا السادات والخلفا *** وقلت ما قلته في ثلبهم سخفا

جعلتهم صدفاً حلّوا بلؤلؤة *** والعرف ما زال سكنى اللؤلؤ الصدفا

وانما هي دار حلَّ جوهرهم *** فيها وشف فأسناها الذي وصفا

ص: 193

فقال : لؤلؤة عجباً ببهجتها *** وكونها حوت الأشراف والشرفا

فهم بسكناهم الآيات اذ سكنوا *** فيها ومن قبلها قد اسكنوا الصحفا

والجوهر الفرد نور ليس يعرفه *** من البرية إلا كلّ من عرفا

لولا تجسمهم فيه لكان على *** ضعف البصائر للابصار مختطفا

فالكلب - يا كلب - أسنى منك مكرمة *** لأن فيه حفاظاً دائماً ووفا

كان للمترجم له مكانة عالية عند بني رزيك وله فيهم شعر كثير يوجد في ديوانه وكتابه [ النكت العصرية ] وفي الثاني : ان الملك الصالح طلايع بعث اليه بثلاثة آلاف دينار في ثلاثة أكياس وكتب فيها بخطه :

قل للفقيه عمارة : يا خير من *** قد حاز فهماً ثاقباً وخطابا

اقبل نصيحة من دعاك إلى الهدى *** قل : حطّة وادخل إلينا البابا

تجد الأئمَّة شافعين ولا تجد *** إلا لدينا سنّة وكتابا

وعلي أن أعلي محلك في الورى *** وإذا شفعت إلي كنت مجابا

وتعجل الآلاف وهي ثلاثة *** ذهباً وقلَّ لك النضار مذابا

فراجعه عمارة بقوله :

حاشاك من هذا الخطاب خطابا *** يا خير أملاك الزمان نصابا

لكن إذا ما أفسدت علماؤكم *** معمور معتقدي وصار خرابا

ودعوتم فكري إلى أقوالكم *** من بعد ذاك أطاعكم وأجابا

فاشدد يديك على صفاء محبتي *** وامنن عليَّ وسدّ هذا البابا

وقال يمدح الخليفة الفائز بن الظافر :

ولاؤك مفروض على كل مسلم *** وحبّك مفروط وأفضل مغنم

إذا المرء لم يكرم بحبك نفسه *** غدا وهو عند الله غير مكرم

ورثت الهدى عن نص عيسى بن حيدر *** وفاطمةٍ لا نصَّ عيسى بن مريم

ص: 194

وقال : أطيعوا لإبن عمي فإنَّه *** أميني على سرّ الإله المكتم

كذلك وصيُّ المصطفى وابن عمه *** إلى منجد يوم « الغدير » ومتهم

على مستوى فيه قديم وحادثٌ *** وان كان فضل السبق للمتقدم

ملكت قلوب المسلمين ببيعة *** أمدت بعقدٍ من ولائك مبرم

وأوتيت ميراث البسيطة عن اب *** وجد مضى عنها ولم يتقسم

لك الحق فيها دون كل منازع *** ولو انه نال السماك بسلَّم

ولو حفظوا فيك الوصية لم يكن *** لغيرك في أقطارها دون درهم

وله قصائد يرثي الملوك الفاطميين بعد انقراض دولتهم منها قصيدته :

رميت يا دهر كف المجد بالشلل *** وجيده بعد حسن الحلي بالعطل

سعيت في منهج الرأي العثور فإن *** قدرت من عثرات الدهر فاستقل

جدعت مارنك الأقنى فأنفك لا *** ينفك ما بين قرع السنّ والخجل

هدمت قاعدة المعروف عن عجلٍ *** سعيت مهلاً أما تمشي على مهل؟!

لهفي ولهف بني الآمال قاطبة *** على فجيعتها في أكرم الدّول

قدمت مصر فأولتني خلائفها *** من المكارم ما أربى على الأمل

قوم عرفت بهم كسب الالوف ومن *** كمالها أنها جاءت ولم أسل

وكنت من وزراء الدست حين سما *** رأس الحصان يهاديه على الكفل

ونلت من عظماء الجيش مكرمة *** وخلّة حرست من عارض الخلل

يا عاذلي في هوى أبناء فاطمةٍ *** لك الملامة إن قصّرت في عذلي

بالله دُرْ ساحة القصرين وابك معي *** عليهما لا على صفين والجمل

وقل لأهليهما والله ما التحمت *** فيكم جراحي ولا قرحي بمندمل

ماذا عسى كانت الإفرنج فاعلة *** في نسل آل أمير المؤمنين علي؟!

هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما *** ملكتم بين حكم السبي والنقل

وقد حصلتم عليها واسم جدكم *** محمد وأبوكم غير منتقل

مررت بالقصر والأركان خالية *** من الوفود وكانت قبلة القبل

ص: 195

فملت عنها بوجهي خوف منتقد *** من الأعادي ووجه الودّ لم يمل

أسلت من أسفي دمعي غداة خلت *** رحابكم وغدت مهجورة السبل

أبكي على ما تراءت من مكارمكم *** حال الزمان عليها وهي لم تحلِ

دار الضيافة كانت أنس وافدكم *** واليوم اوحش من رسم ومن طلل

وفطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم *** تشكو من الدهر حيفاً غير محتمل

وكسوة الناس في الفصلين قد درست *** ورثَّ منها جديد عندهم وبلي

وموسم كان في يوم الخليج لكم *** يأتي تجمِّلكم فيه على الجمل

وأول العام والعيدين كم لكم *** فيهن من وبل جود ليس بالوشل

والارض تهتز في يوم «الغدير» كما *** يهتزّ ما بين قصريكم من الأسل

والخيل تعرض في وشي وفي شية *** مثل العرائس في حُلي وفي حُلل

ولا حملتم قرى الأضياف من سعة *** الأطباق إلا على الأكتاف والعجل

وما خصصتم ببرٍّ أهل ملَّتكم *** حتى عممتم به الأقصى من الملل

كانت رواتبكم للذمتين ولل- *** -ضيف المقيم وللطاري من الرسل

ثم الطراز بتنَّيس الذي عظمت *** منه الصلات لأهل الارض والدول

وللجوامع من إحسانكم نعم *** لمن تصدَّر في علم وفي عمل

وربما عادت الدنيا فمعقلها *** منكم واضحت بكم محلولة العقل

والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم *** ولا نجا من عذاب الله غير ولي

ولا سقى الماء من حرّ ومن ظمأ *** من كف خير البرايا خاتم الرسل

ولا رأى جنة الله التي خلقت *** من خان عهد الإمام العاضد بن علي

أئمتي وهداتي والذخيرة لي *** إذا ارتهنت بما قدَّمت من عملي

فالله لم أوفهم في المدح حقهم *** لأن فضلهم كالوابل الهطل

ولو تضاعفت الأقوال واتسعت *** ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل

باب النجاة هم دنيا وآخرة *** وحبهم فهو أصل الدين والعمل

نور الهدى ومصابيح الدجى و *** محلُّّ الغيث إن ربت الأنواء في المحل

أئمة خلقوا نوراً فنورهم *** من محض خالص نور الله لم يفل

والله ما زلت عن حبي لهم أبداً *** ما أخَّر الله لي في مدة الأجل

ص: 196

قتل المترجم بسبب هذه القصيدة مع جماعة نسب اليهم التدبير على صلاح الدين ومكاتبة الفرنج واستدعاؤهم اليه حتى يجلسوا ولداً للعاضد وكانوا ادخلوا معهم رجلاً من الأجناد ليس من اهل مصر ، فحضر عند صلاح الدين وأخبره بما جرى ، فأحضرهم فلم ينكروا الأمر ولم يروه منكراً ، فأمر بصلبهم ، وصلبوا يوم السبت في شهر رمضان سنة تسع وستين وخمسمائة بالقاهرة ، وقد قبض عليهم يوم الأحد الثالث والعشرين من شعبان ، وصلب مع الفقيه عمارة قاضي القضاة ابو القاسم هبة الله بن عبدالله بن الكامل : وابن عبد القوي داعي الدعاة كان يعلم بدفائن القصر فعوقب ليدلَّ عليها فأمتنع من ذلك فمات واندرست ، والعويرس ناظر الديوان ، وشبريا كاتب السر ، وعبدالصمد الكاتب احد أمراء مصر ، ونجاح الحمامي ، ومنجم نصراني كان بشرهم بأن هذا الامر يتم لهم.

قال الصفدي في ( الغيث المنسجم ) : انه لا يبعد ان يكون القاضي الفاضل سعى في هلاكه وحرض عليه لأن صلاح الدين لما استشاره في أمره قال : ينفى. قال : يرجى رجوعه. قال : يؤدب. قال : الكلب يسكت ثم ينبح. قال : يقتل. قال : الملوك إذا أرادوا فعلوا. وقام من فوره ، فأمر بصلبه مع القاضي العويرس ، وجماعة معه من شيعتهم. ولما أخذ ليشنق قال : مروا بي على باب القاضي الفاضل. لحسن ظنه فيه. فلما رآه قام واغلق بابه ، فقال عمارة :

عبد العزيز قد احتجب *** إن الخلاص من العجب

ص: 197

محمد بن عبدالله قاضي القضاة

كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله ، قال يخاطب الحسين علیه السلام : ويعرض بنقيب العلويين رواها العماد في الخريدة :

يا راكبا يطوي الفلا *** بشملة حرف وخود

عّرج بمشهد كربلا *** وأنخ وعفر في الصعيد

واقر التحية وادع يا *** ذا المجد والبيت المشيد

اولادك الانجاب في *** أرض الجزيرة كالعبيد

أوقافهم وقفٌ على *** دف ومزمار وعود

ومدامة خُضبت بها *** أيدي السقاة الى الزنود

ودعيُّ بيتك لا يف- *** -كر في الجحيم ولا الخلود

يحتثها ورديةّ *** تصبي النفوس الى الخدود

هو وابن عصرون الطويل *** ويوسف النذل اليهودي

إن كان هذا ينتمى *** حقاً الى البيت المشيد

فالى يزيد الى يزيد *** الى يزيد الى يزيد

ص: 198

قاضي القضاة بالشام كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبدالله

قال العماد في الخريدة - قسم الشام - الجزء الثاني ص 323

هو ابن القاسم الشهر زوري ، سبق ذكر والده وشعره ، وجلَّ امر هذا وكبر قدره ، وأقام في آخر عمره بدمشق قاضياً ووالياً ، ومتحكماً ومتصرفاً وهو ذو فضائل كثيرة ، وفواضل خطيرة وله نوادر مطبوعة ، ومآثر مجموعة ومفاخر مأثورة ، ومقامات مشكورة مشهورة ، وله نظم قليل على سبيل التظرف والتطرف فمها أنشدني لنفسه في المعلم الشاتاني وقد وصل الى دمشق في البرد :

ولما رأيت البرد ألقى جرانه *** وخيّم في أرض الشآم وطنبا

تبينت منه قفلةً علميّة *** تردّ شباب الدهر بالبرد أشيبا

وقوله :

وجاءوا عِشاءً يهرعون وقد بدا *** بجسمي من داء الصبابة ألوان

فقالوا وكل معظم بعض ما أرى *** أصابتك عين؟ قلت : عين واجفان

وقوله وانشدنيه لنفسه بدمشق في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وخمسمائة :

قلت له إذ رآه حياً *** ولامه واعتدى جدالا

ص: 199

خفي نحولاً عن المنايا *** اعرض عن حجتي وقالا

الطيف كيف اهتدى اليه *** قلت : خيال أتى خيالا

ولي في كمال الدين قصائد ، فانني لما وصلت الى دمشق في سنة اثنتين وستين سعى لي بكل نجح وفتح علي باب كل منح ، وهو ينشدني كثيراً من منظوماته ومقطوعاته فمما اثبتُّه من شعره قوله :

قد كنت عدتي التي أسطو بها *** يوماً إذا ضاقت علي مذاهبي

والآن قد لوّيت عني معرضاً *** هذا الصدود نقيض صد العاتب

وأرى الليالي قد عبثن بصعدتي *** فحنينها وألنَّ مني جانبي

وتركت شلوي لليدين فريسة *** لا يستطيع يردّ كفَّ الكاسب

وقوله :

ولي كتائب أنفاس أجهزها *** الى جنابك الا انها كتب

ولي أحاديث من نفسي أسرُّ بها *** إذا ذكرتك إلا أنها كذب

ولكمال الدين الشهر زوري أيضاً :

أنيخا جمالي بابوابها *** وحُطّابها بين خطابها

وقولاً لخَّمارها لا تبع *** سواي فاني أولى بها

وساوم وخذ فوق ما تشتهي *** وبادر إليَّ بأكوابها

فإنا أناس نسوم المدا *** م بأموالها وبألبابها

وقوله :

ولو سلمت ليلى غداة لقيتها *** بسفح اللوى كادت لها النفس تخشع

ولكن حزمي ما علمت ولوثة *** البداوة تأبى أن ألين وتمنع

ص: 200

ولست أمرءاً يشكو اليك صبابة *** ولا مقلة إنسانها الدهر يدمع

ولكنني أطوي الضلوع على الجوى *** ولو أنها مما بها تتقطع

وقوله :

سننا الجاشرية للبرايا *** وعلمناهم الرطل الكبيرا

وأكببنا نَعبُّ على البواطي *** وعطلنا الإدارة والمديرا

وقوله :

رأى الصمصمام منصلتاً فطاشا *** فلما أن فرى ودجيه عاشا

وآنس من جناب الطور ناراً *** فلابسها وصار لها فراشا

وانشدني كمال الدين لنفسه بدمشق في ثالث ربيع الاول سنة إحدى وسبعين :

ولقد اتيتك والنجوم رواصد *** والفجر وهمٌ في ضمير المشرق

وركبت للأهوال كل عظيمة *** شوقاً إليك لعلنا أن نلتقي

قوله : والفجر وهم في ضمير المشرق في غاية الحسن مما سمح به الخاطر اتفاقاً ، وفاق الكمال إشرافاً وإشراقاً ، وتذكرت قول أبي يعلى بن الهبارية الشريف في معنى الصبح وابطائه :

كم ليلة بتُّ مطوياً على حرقٍ *** أشكو الى النجم حتى كاد يشكوني

والصبح قد مطل الشرقُ العيونَ به *** كأنه حاجة في كفّ مسكين

يقع لي أنه لو قال : كأنه حاجة تقضى لمسكين ، لكان أحسن فإنها تمطل بقضائها. وشبهه كمال الدين بالوهم في ضمير المشرق وكلاهما أحسن وأجاد.

ص: 201

وترجم له ابن خلكان في الوفيات ج 1 ص 597 ترجمة وافية وقال في آخرها : وكانت ولادته سنة اثنتين وتسعين واربعمائة بالموصل ، وتوفي يوم الخميس سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بدمشق ودفن في الغد بجبل قاسيون ، وكان عمره حين توفي ثمانين سنة وأشهراً ، ورثاه ولده محي الدين محمد.

وأورد الصفدي في الوافي ج 3 ص 331 له ترجمة وطائفة من الاشعار ، وترجمه ابن الجوزي في المنتظم ج 10 ص 268 ترجمة مختصرة.

ص: 202

قطب الدين الراوندي

لآل المصطفى شرف محيط *** تضايق عن مراميه البسيطُ

إذا كثر في البرايا *** فكلُّ منهمُ جاشٌ ربيط

إذا ما قام قائمهم بوعظ *** فإنَّ كلامه درّ لقيطُ

أو امتلأت بعدلهم ديار *** تقاعس دونه الدهر القسوط

هم العلماء إن جهل البرايا *** هم الموفون إن خان الخليط

بنو أعمامهم جاروا عليهم *** ومال الدهر إذ مال الغبيط

لهم في كل يوم مستجد *** لدى أعدائهم دم عبيط

تناسوا ما مضى بغدير خمّ *** فأدركهم لشقوتهم هبوط

ألا لعنت أميّة قد أضاعوا *** ( الحسين ) كأنه فرخ سميط

على آل الرَّسول صلاة ربّي *** طوال الدهر ما طلع الشميطُ (1)

عن مستدرك الوسائل ج 3 ص 489.

ص: 203


1- 1 - الشميط : الصبح

قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573

ابو الحسين سعد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي. امام من ائمة المذهب وعين من عيون الطائفة وعبقري من رجالات العلم والادب ، له مصنفات جليلة في مختلف العلوم الاسلامية ، لا يلحق شأوه في مآثره الجمة ولا يشق له غبار. توفي ضحوة يوم الاربعاء الرابع عشر من شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة كما في إجازات البحار نقلا عن خط شيخنا الشهيد الأول قدس الله سره. وقبره في الصحن الجديد من الحضرة الفاطمية بقم المشرفة مزار معروف ترجمه شيخنا الاميني في ( الغدير ) وذكر مشائخه وعدد الراوين عنه وذكر له من المؤلفات :

1 - سلوة الحزين.

2 - المغنى في شرح النهاية ، عشر مجلدات.

3 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة.

4 - رسالة في الناسخ والمنسوخ من القرآن.

5 - جنا الجنتين في ذكر ولد العسكريين.

6 - شرح الذريعة للشريف المرتضى 3 مجلدات.

7 - الخرائج والجرائح.

8 - الايات المشكلة.

ص: 204

اقول ذكر له الشيخ رحمه الله 49 مؤلفاً وعدد اولاده وما كانوا عليه من المكانة العلمية والمواهب العرفانية.

وقال الشيخ القمي في الكنى والالقاب : قطب الدين الراوندي ابو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن ، العالم المتبحر الفقيه المحدث المفسّر المحقق الثقة الجليل صاحب الخرائج والجرائح ، وقصص الانبياء ولب اللباب وشرح النهج وغيره ، كان من أعاظم محدثي الشيعة ، قال شيخنا في المستدرك : فضائل القطب ومناقبه وترويجه للمذهب بانواع المؤلفات المتعلقة به أظهر وأشهر من أن يذكر ، وكان له أيضاً طبع لطيف ، ولكن أغفل عن ذكر بعض أشعاره المترجمون له انتهى.

وهو أحد مشايخ ابن شهراشوب ، يروي عن جماعة كثيرة من المشائخ كأمين الاسلام والسيد المرتضى والرازي واخيه السيد مجتبى وعماد الدين الطبري وابن الشجري والآمدي ووالد المحقق الطوسي وغيرهم رضوان الله عليهم.

ولا يخفى انه غير سعيد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الفاضل المشتهر في العلوم الحكمية فانه كان من الاطباء المتميزين في صناعة الطب ، خدم المقتدى بأمر الله والمستظهر بالله بصناعة الطب ، وكان يتولى مداواة المرضى في البيمارستان العضدي ، له كتاب المغنى في الطب ، صنفه للمقتدي وكتاب خلق الانسان ، توفي سنة 495.

ومن شعره كما روى السيد الامين في الاعيان قال : وللقطب الراوندي قوله :

بنو الزهراء آباء اليتامى *** إذا ما خوطبوا قالوا : سلاما

هم حجج الإله على البرايا *** فمن ناواهم يلق الأثاما

فكان نهارهم أبداً صياما *** وليلهم كما تدري قياما

ص: 205

ألم يجعل رسول الله يوم ال- *** -غدير علياً الأعلى إماما؟

ألم يك حيدر قرماً هماماً *** ألم يك حيدر خيراً مقاما؟

هم الراعون في الدنيا الذماما *** هم الحفاظ في الاخرى الاناما

وله :

محمد وعلي ثم فاطمة *** مع الشهيدين زين العابدين علي

والصادقان وقد فاضت علومهما *** والكاظم الغيظ والراضى الرضاء علي

ثم التقى النقيّ الاصل طاهره *** محمد ثم مولانا النقي علي

ثم الزكي ومن يرضى بنهضته *** أن يظهر العدل بين السهل والجبل

إني بحبهم يا رب معتصم *** فاغفر بحرمتهم يوم القيامة لي

قال السيد في الاعيان : وفي مجموعة الجبعي عن الكفعمي انه قال : ومن شعر المترجم له في أهل البيت :

إمامي علي كالهزبر لدى العشا *** وكالبدر وهاجاً اذا الليل اغطشا

إمامي عليٌ خيرة الله لا الذي *** تخيرتم والله يختار من يشا

أخو المصطفى زوج البتول هو الذي *** الى كل حسن في البرية قد عشا

بمولده البيت العتيق لما روى *** رواه وفي حجر النبوة قد نشا

موالوه قوامون بالقسط في الورى *** معادوه أكالون للسحت والرشا

له أوصياء قائمون مقامه *** أرى حبهم في حبة القلب والحشا

هم حجج الرحمن عترة احمد *** ائمة حقٍ لا كمن جار وارتشى

مودتهم تهدي الى جنة العلى *** ولكنما سبابهم يورث العشا

وإني بريء من فعيل فإنه *** لا كفر من فوق البسيطه قد مشى

فلولاه ما تمت لفعل إمارة *** ولا شاع في الدنيا الضلال ولا فشا

ص: 206

ومن شعره :

قسيم النار ذو خير وخير *** يخلصني الغداة من السعير

فكان محمد في الناس شمساً *** وحيدر كان كالبدر المنير

هما فرعان من عليا قريش *** مصاص الخلق بالنصّ الشهير

وقال له للنبي لأنت مني *** كهرونٍ وأنتَ معي وزيري

ومن بعدي الخليفة في البرايا *** وفي دار السرور على سريري

وأنت غياثهم والغوث فيهم *** لدى الظلماء والصبح السفور

مصيري آل احمد يوم حشري *** ويوم النصر قائمهم مصيري

ص: 207

إبن الصيفي

ملكنا فكان العفو منا سجية *** فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ

وحللتم قتل الاسارى وطالما *** غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بالذي فيه ينضح

قال ابن خلكان قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن وكان من ثقاة أهل السنة :

رأيت في المنام علي بن ابي طالب فقلت له يا اميرالمؤمنين تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، ثمَّ يتم على ولدك الحسين في يوم الطف ما تم ، فقال : أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا ، فقلت لا فقال اسمعها منه ثم استيقظت فبادرت الى دار ( حيص بيص ) فخرج الي فذكرت لها لرؤيا فشهق وأجهش بالبكاء وحلف بالله بان كانت خرجت من فمي أو خطى الى أحد وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ثم انشدني الأبيات :

قال الشيخ عبدالحسين الحلي المتوفي سنة 1375 ه- مطشراً هذه الأبيات :

ملكنا فكان العفو منا سجيَّةٍ *** بيوم به بطحاء مكة تفتح

فسالت بفيض العفو منا بطاحكم *** ولما ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى وطالما *** فككنا أسيراً منكم كاد يذبح

وفي يوم بدر مذ أسرنا رجالكم *** غدونا عن الاسرى نعف ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا *** فأيّ قبيل فقيه أربى وأربح

ولا غرو اذ كنا صفحنا وجُرتُم *** فكلّ إناءٍ بالذي فيه ينضح

ص: 208

شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي ويقال له ( حيص بيص (1) ) أيضاً ، كان فقيهاً شاعراً أديباً له رسائل فصيحة بليغة ، وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، وهو من ولد اكثم بن الصيفي.

كانت وفاته 6 شعبان سنة 574 ببغداد ودفن في مقابر قريش ، وكان لا يخاطب أحداً إلا بكلام معرب ولم يترك عقباً.

وقال ابن خلكان : كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الادب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً.

وقال اليافعي في مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث سنة اربع وسبعين وخمس مائة توفي حيص بيص أبوالفوارس سعد بن محمد التميمي الشاعر وله ديوان معروف ، وكان وافر الأدب متضلعاً في اللغة بصيراً بالفقه والمناظرة ، وقال الشيخ نصر الله بن علي قال ابن خلكان وكان من ثقات أهل السنة رأيت في المنام علي بن ابي طالب ( القصة ) وذكره الحافظ ابو سعيد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه وحدث بشيء من مسموعاته

ص: 209


1- انما قيل له حيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد ، فقال : ما للناس في حيص بيص ، فبقي عليه هذا اللقب ، ومعنى هاتين الكلمتين : الشدة والاختلاط.

وقرأ عليه ديوانه ومسائله. وكان من أخبر الناس باشعار العرب واختلاف لغاتهم ، ويقال انه كان فيه تعاظم وكان لا يخاطب أحداً إلا بالكلام العربي وكان يلبس زيَّ العرب ويتقلّد سيفاً فعمل فيه ابو القاسم بن الفضل.

كم تباري وكم تطوّل طرطورك *** ما فيك شعرة من تميم

فكُل الضبَّ واقرظ الحنظل اليابس *** واشرب ما شئت بول الظليم

ليس ذا وجه من يضيف ولا يقري *** ولا يدفع الاذى عن حريم

فلما بلغت الابيات ابا الفوارس قال :

لا تضع من عظيم قدر وإن *** كنتَ مشاراً إليه بالتعظيم

فالشريف الكريم ينقص قدراً *** بالتعدّي على الشريف الكريم

ولع الخمر بالعقول رمى *** الخمر بتنجيسها وبالتحريم

قال السيد الامين في الاعيان ج 45 ص 232 : وللسيد محمد بن السيد صادق الفحام النجفي تخميس لابيات الحيص بيص وهي :

نعم جدنا المختار ليس أُميةً *** وجدتنا الزهراء ليستُ سميّةً

ونحن ولاة الأمر لسنا رعية *** ملكنا فكان العفو منا سجيّة

ولما ملكتم سال بالدم أبطح

أما نحن يا اهل الضلالة والعمى *** عفونا بيوم الفتح عنكم تكرّما

علام أبحتم بالطفوف لنا دما *** وحللتم قتل الاسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نَمنُّ ونصفح

ونحن أُناس لم يك الغدر شأننا *** ولا الاخذ بالثأر الذي كان ديننا

ولكنما نعفو ونكظم غيضنا *** فحسبكُم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح

ص: 210

وقوله في مدح أمير المؤمنين علي علیه السلام . (1)

صنو النبي رأيت قافيتي *** أوصاف ما أوتيت لا تسع (2)

فجعلت مدحي الصمت عن شرف *** كل المدائح دونه يقع

ماذا أقول وكل مقستم *** بين الأفاضل فيك مجتمع

ومن شعره قوله في الافتخار :

خذوا من ذمامي عدة للعواقب *** فيا قرب ما بيني وبين المطالب

لواني زمامي بالمرام ، وربَّما *** نقاضيته بالمرهفات لقواضب

على حين ما ددت الصبا عن صبابة *** ذياد المطايا عن عذاب المشارب

ورضت بأخلاق المشيب شبيبةً *** معاصية لا تستكين لجاذب

عقائل عزم لا تباح لضارع *** وأسرار حزم لاتذاع للاعب

ولله مقذوف بكلّ تَنُوفةٍ *** رأى العز أحلى من وصال الكواعب

أغرَّ الأعادى انني بتّ مُقتراً *** وربَّ خلوٍّ كان عوناً لوائب

رويدكم إني من المجد موسرٌ *** وإن صفرت عما أفدتم حقائبي

هل لنال إلا خادم شهوة الفتى *** وهل شهوة إلا لجلب المعاطب

فلا تطلبن منه سوى سَدَّ خلة *** فإن زاد شيئاً فليكم للمواهب

سرهت (3) بادماني سرى كل حادث *** ولا كحل إلا من غبار المواكب

فلا تصطلوها ، انها دار مية *** مواقدها هام الملوك الأغالبٍ

ص: 211


1- رواها العماد الاصفهاني في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر ) مطبعة المجمع العلمي العراقي.
2- الصنو : الأخ الشقيق.
3- مرهت عينه. خلت من الكحل.

سأضرمها حمراء ينزو شرارها *** على جنبات القاع نزو الجنادب (1)

بكل تميمي كأنّ قميصه *** يلاثُ بغصن البانة المتعاقب (2)

ومنها :

إذا كذب البرق اللموع لشائم *** فبرق ظباها صادق غير كاذب

فوارس باتوا مجمعين فأصبحوا *** وآثار عقد الرأي عقد السبائب (3)

إذا شرعوا الأرماح للطعن خلتهم *** بدوراً تجارى في طلاب كواكب

أسود إذا شب الخميس ضرامه *** أسالوا نفوس الأسد فوق الثعالب (4)

ومنها :

وركب كأنَّ العيس ايان ثوَّروا *** تساوق أعناق الصبا والجنائب (5)

خفاف على أكوارها ، فكأنهم *** من الوبر المأنوس عند الغوارب (6)

[ هذه مبالغة في خفة الرجال على الرحال ] *** كأنهم بعض أوبار الاباعر

إذا أضمرتهم ليلة أظهرتهم *** صبيحتها بين المنى والمآرب

ومنها :

وبي ظمأ لم أرضَ ناقع حرَّه *** سواك فهل في الكأس فضل لشارب؟

ص: 212


1- الجنادب. جمع جندب ، حيوان صغير يشبه الجراد كثير القفز والوثوب.
2- يلاث. يدار ويعصب.
3- السبائب : جمع سبيبة ، وهي الخصلة من الشعر.
4- 4 - الخميس : الجيش الجراو ، والضرام : لهب النار ، والثعالب : جمع ثعلب ، وهو طرف الرمح الداخل في جبة السنان
5- الجنائب. جمع جنوب ، وهي ريح تخالف الشمال.
6- الغوارب ، جمع غار ، وهو من البعير بين السنام والعنق.

وقوله في الافتخار :

يا رواة الشعر ، لا ترووه لي *** فبغير الشعر شيدت رُتَبي

[ ودعوه لضعاف عُيُّهم *** مانعٌ عنهم ( زُهَير ) المكسب (1)

وردوا الفضل ، وما بلوا به *** مسمعاً والشّرب غير المشرب

ومنها :

لست بالقاعد عن مكرُمةٍ *** وأبو رغوان (2) ذو المجد أبي

عفّروا للسلم من أوجهكم *** إنها خيلُ حكيم العرب

قبل يومٍ هامه في صعد *** حيث ما أبدانه في صبب

يعسل الذئب الى معركة *** شائم الأرزاق عند الثعلب (3)

وقوله :

اذا شوركت في أمر بدونٍ *** فلا يغشاك عارُ او نفور

تشارك في الحياة بغير خلف *** أرسطاليس والكلب العقور

وقوله :

وجوه لا يحمرها عتابٌ *** جدير أن تصفر بالصغار

فما دان اللئام لغير بأس *** ولا لان الحديد لغير نار

ص: 213


1- وزهير ، يريد به زهير بن ابي سلمى احد اصحاب المعلقات من شعراء الجاهلية.
2- رغوان ، لقب مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، لقب به لفصاحته وجهارة صوته.
3- عسل الذئب. اضطرم في عدوه فخفق برأسه ، شائم الأرزاق ، ناظرها وفعل شام خاص بالبرق ، يقال ، شام البرق اذا نظر الى سحابته اين تمطر.

وقوله :

يلين في القول ويحنو على *** سامعه وهو له يقصم

كشوكة العقرب في شكلها *** لها حنو وهي لا ترحم

وقوله :

لا تلطفن بذي لؤم فتطغيه *** واغلظ له يأت مطواعا ومذعا

إن الحديد نلين النار شدته *** ولو صببت عليه الماء ما لانا

ومن قوله :

هنا رجب الشهور وما يليه *** بقاؤك انت يا رجب الرجال

له البركات لكن كل حول *** وانت مبارك في كل حال

وله من قصيدة في مدح الوزير محمود بن أبي توبة المروزي ، قلده السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي الوزارة سنة 521.

كُفّي مقالك عن لومي وتفنيدي *** صبابتي بالعلى لا الخرد الغيد

أطلت حتى حسبت المجد منقصةً *** كلا ولو أنه حتف المماجيد

لما رأيت غراماً جل عن عذلٍ *** حسبته بهوى الحسانة الرود

لا والرواقص في الأنساع يبعثها *** رجر الحداة بإنشادٍ وتغريدِ (1)

إذا ونين من الإرقال ، واضطرمت *** من اللُّغوب خلطن البيد بالبيد (2)

أزمَّةَ العيس من همّ وتسهيد *** يحملن شعثاً على الأكوار تحسبهم

ما حن قلبي الى الحسناء من علقٍ *** لكنني بالمعالي جدُّ معمود (3)

ص: 214


1- العواسل ، الرماح التي تهتز لينا ، وولغها ، مجاز في دخولها في الاجسام.
2- مذال : مبتذل بالانفاق. واللغاديد : جمع لغدود : لحمة في الحلق او كالزوائد من اللحم في باطن الاذن.
3- المعمود ، هو الذي هده العشق.

صبابتي دون عقد زانه عنقٌ *** الى لواءٍ أمام الجيش معقود

أميس تيهاً على الأحياء كلّهمُ *** علماً بأن نظيري غيرُ موجود

كيف الاجادةُ في نظمٍ وقافيةٍ *** عن خاطر بصروف الدهر مكدود؟

كم قد قَريتُ هنيّ العزم نازلةً *** والخطب يجلب في ساحات رعديد

تبصَّروَّها مراحاً في أعنتَّها *** بجفن ما بين مقتولٍ مطرود (1)

تكرُّ في ليلةٍ ليلاء من رَهَجٍ *** على نجيع لخيل الله مورود (2)

تنزو بحُمس هفت أضغانهم بهم *** فحطَّموا في التراقي كلَّ أُملود (3)

كان فرط توالي الطعن بينهم *** ولغ العواسل أو معروف محمود (4)

الواهب الحتف والعيش الخصيب معاً *** فالموت بالبأس ، والإحياء بالجود

ومنها :

إن أمسك الغيث لم يحبس مكارمه *** طول المطال ولا خلف المواعيد

مال مذال وعرضٌ دون بذلته *** خوض الأسنة في ماء اللغاديد (5)

أرق من خلق الصهباء شيمته *** فإن يهج فهو كاس خلق جلمود

وقوله :

إلى م أمني النفس كل عظيمة *** ودهري عنها دافع لي وذائد

ص: 215


1- الرواقصى ، الابل المسرعة في سيرها. والانساع حبال من ادم عريض تشدّ به الرحال ، واحدها نسع بكسر النون.
2- الارقال ، الاسراع ، والاضطمار ، الضمور ، وهو الهزال. وللغوب ، التعب والاعياء الشديد.
3- وجف البعير والفرس بجف ، عدواً وسار العنق.
4- الهج ، ما اثير من الغبار. والنجيع دم الجوف خاصة.
5- تنزو ، تثب. والحمس الشجعا - والاضغان ، الاحقاد الشديدة. والتراقي جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. والاملود ، هنا وصف للرمح المهتز.

وأستوكف المعروف أيدي معشرٍ *** تموت الأماني عندهم والمحامد

ذا أنا بالغر القوافي مدحتهم *** لغذرٍ ، هجتني بالمديح القصائد!

وله في الحكمة :

لا تلبس الدهر على غرة *** فما لموت الحي من بد

ولا يخادعك طويل البقا *** فتحسب الطول من الخلد

ينفد ما كان له آخر *** ما أقرب المهد من اللحد!

وله من قصيدة :

بني دارمٍ إن لم تُغيروا فبدّلوا *** عمائمكم يوم الكريهة بالخُمر (1)

فإن القُرى والمدنَ حيزت لأعبُدٍ *** وما سلمت أفحوصةٌ لفتى حرَّ (2)

ربطتم بأطناب البيوت جياد كُم *** وخيل العدى في كلِّ ملحمةٍ تجري

اذا ما شببتم نار حربٍ وقودها *** صدور المواضي البيض والأسل السُمرِ

ضمنت لكم أن ترجمعوها حميدةً *** تواجفُ غبِّ الرَّوع بالنَّعَمِ الحمرِ (3)

أنا المرء لا أوفي المنى عن ضراعة *** ولا أستفيد الأمن إلا من الدُعر

ولا أطرقُ الحيَّ اللئام بمدحة ولو *** عرقتني شِدَّةُ الأزم الغُبر (4)

تغانيت عن مال البخيل لأنّني *** رأيت الغنى بالُّذلِّ ضرباً من الفقر

ص: 216


1- الخمر ، جمع خمار - بكسر الخاء - وهو ما تغطي به المرأة رأسها.
2- الافحوص ، مجثم القطاة.
3- تواجف تتواجف ، أي تعدو وتسير العنق ، وغب كل شيء عاقبته.
4- الطروق. المجيء ليلاً ، وعرق العظم ، اذا أخذ عنه معظم اللحم وهبره وبقي عليه لحوم رقيقة والازم الغبر ، سنوات القحط الشداد.

وله في المدح :

مُسمهّرُ الباس من مضر *** يقشعرُّ الموت من حذره (1)

تطرَبُ الألباب مصغية *** لحديث المجد من سيره

كلما أوسعت مبتلياً *** خبره أربى على خُبره

تُهزم الأحداث كالحة *** بارتجال الرأي لا فكره

واذا ما أجدبت سنةٌ *** كان سقيا الحي من مطره

هو بحرٌ من فضائله *** ومديحي فيه من درره

شرفُ الدين الذي وضحت *** ظُلم الأحداث من غرره (2)

وله من قصيدة نظمها بمرو :

اقول لقلب هاجه لاعج الهوى (3) *** بصحراء مرو واستشاطت بلابله

وضاقت خراسان على معرق الهوى *** كما أحرزت صيد الفلاة حبائله

أعنِّي على فعل التصبر ، إنني *** رأيت جميل الصبر يحمد فاعله

فلما أبى إلا غراماً وصبوة *** أطعت هواكم ، واستمرت شواغله

وأجريت دمعاً لو أصاب بسحه *** ربا المحل يوماً أنبت العشب هاطله

هبوني أمرت القلب كتمان حبكم *** فكيف بجسم باح بالوجد ناحله؟

وكنت أمرت العزم أن يخذل الهوى *** وكيف اعتزام المرء والقلب خاذله؟

فكيف التسلي بعد عشر وأربع؟ *** أبي لي وفاء لا تذب جحافله

وقوله :

أداري المرء ذا خلق نكير *** وأعرض صافحاً عن ذنب خلي

ص: 217


1- اسمهر الرجل في القتال فهو مسمهر ، اشتد.
2- الغرر. جمع الغرة ، وهي من كل شيء اوله واكرمه.
3- هوى لاعج ، أي محرق والبلابل ، الهموم والوساوس.

وأجعل خوص أفكاري حلياً *** فأغبطه ، وكم طوقٍ كغُلَّ

وأغدو - من غنى نفسي - غنياً *** عن الدنيا ، ولي حال المقلّ

ولا أرضى اللئيم لكشف ضُرٍ *** ولو أسلمت للموت المذلِّ

وكم ضحكٍ كتمت به دموعاً *** ليسلم عنده سري وعقلي

وقوله :

علمي بسابقة المقسوم الزمني *** صبري وصمتي ، فلم أحرص ولم أسل

لو نيل بالقول مطلوب ، لما حرم ال- *** -كليم موسى ، وكان الحظ للجبل

وحكمة العقل إن عزّت وان شرفت *** جهالة عند حكم الرزق والأجل

وقوله :

إن شارك الادوانُ أهلَ العلى *** والمجد في تسمية باللِّسان

فما على أهل العلى سُبّةٌ *** إن بخور العود بعضُ الدُّخان

صاحب أخا الشرَّ لتسطو به *** يوماً على بعض شرار الزَّمان

والرّمحُ لا يُرهَبُ أنبوبه *** إلا إذا رُكِّب فيه السَّنان

إصبر على الشدّة نحو العلى *** فكلُّ قاصٍ عند ذي الصّبر دان

ما لقي الضّامِرُ من جوعه *** حوى له السَّبقَ بيوم الرِّهان

أُشجُع وجُدِّ تحظ بفخريهما *** فكلُّ ما قد قدِّر الله كان

لو نفع البخل وذُلُّ الفتى *** ما افتقر الكزُّ (1) ومات الجبان

ص: 218


1- الكز ، اليابس المنقبض وقرأها بعضهم الكنز.

ابن العودي

بفنا الغريِّ وفي عراص العلقمي *** تمحى الذنوب عن المسيء المجرمِ

قبران : قبرٌ للوصيّ وآخر *** فيه الحسين فعج عليه وسلّم

هذا قتيل بالطفوف على ظماً *** وأبوه في كوفان ضرِّج بالدم

وإذا دعا داعي الحجيج بمكة *** فإليهما قصد التقيّ المسلم

فاقصدهما وقل السلام عليكما *** وعلى الأئمة والنبيّ الأكرم

أنتم بنو طه وقافٍ والضحى *** وبنو تبارك والكتاب المحكم

وبنو الأباطح والمحصّب والصفا *** والركن والبيت العتيق وزمزم

بكم النجاة من الجحيم وأنتم *** خير البرية من سلالة آدم

أنتم مصابيح الدجى لمن اهتدى *** والعروة الوثقى التي لم تفصم

وإليكم قصد الوليّ وأنتم *** أنصاره في كل خطب مؤلم

بكم يفوز غداً إذا ما أضرمت *** في الحشر للعاصين نار جهنم

من مثلكم في العالمين وعندكم *** علم الكتاب وعلم ما لم يعلم

جبريل خادمكم وخادم جدكم *** ولغيركم فيما مضى لم يخدم

أبني رسول الله إن أباكم *** من دوحة فيها النبوة ينتمي

آخاه من دون البرية أحمد *** واختصه بالأمر لو لم يظلم

نص الولاية والخلافة بعده *** يوم الغدير له برغم اللوم

ودعا له الهادي وقال ملبياً *** يا رب قد بلغت فاشهد واعلم

ص: 219

حتى اذا مرّ الزمان وأصبحوا *** مثل الذباب يلوب حول المطعم

طلبوا ثؤرهم ببدر فاقتضوا *** بالطف ثارهم بحدِّ المخذم

غصبوا علياً حقه وتحكموا *** ظلما بدين الله أيَّ تحكم

نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم *** ثم استحلوا منه كل محرم

واتوا على آل النبي باكبد *** حرّى وحقد بعد لم يتصرّم

بئس الجزاء جزوه في أولاده *** تالله ما هذي فعائل مسلم

* * *

يا لائمي في حب آل محمد *** أقصر هبلت عن الملأمة أو لم

كيف النجاة لمن علي خصمه *** يوم القيامة بين أهل الموسم

وهو الدليل الى الحقايق عارضت *** فيها الشكوك من الضلال المظلم

واختاره المختار دون صحابه *** صنواً وزوجّه الآله بفاطم

سل عنه في بدر وسل في خيبر *** والخيل تعثر بالقنا المتحطم

يا من يجادل في علي عاندا *** هذي المناقب فاستمع وتقدم

هم آل ياسين الذين بحبهم *** نرجو النجاة من السعير المضرم

لولاهم ما كان يعرف عاندا *** لله بالدين الحنيف القيم

لهم الشفاعة في غدٍ واليهم *** في الحشر كشف ظلامة المتظلم

مولاكم العودي يرجو في غد *** بكم الثواب من الآله المنعم

ص: 220

ابن العودي اسماعيل بن الحسين العودي العاملي المعروف بشهاب الدين ابن شرف الدين.

قال الشيخ محمد السماوي في ( الطليعة ) كان فاضلاً متضلعاً في العلم والفضل الجم ، وكان أديباً شاعراً. دخل العراق وزار المشاهد وحضر على علماء الحلة ثم رجع الى بلدة جزّين من بلاد عاملة وله نظم الياقوت ، ارجوزة نظم بها الياقوت لابن نوبخت في علم الكلام وله شعر كثير أورده معاصره ابن شهراشوب في مناقبه. توفّي في بلده سنة 580 ثمانين بعد الخمسمائة وله ذرية بها. وقد أورد هذه القصيدة بتمامها السيد العالم الكامل المحدّذث العابد السيد هبة الله ابن ابي محمد الحسن الموسوي رحمه الله في كتابه ( المجموع الرائق ) الذي ألّفه سنة 703 (1).

أما السيد الأمين رحمه الله فقد نسب هذه القصيدة الى الشيخ بها الدين فقال : الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي العاملي الجزيني. كان حياً سنة 975.

قرأ على الشهيد الثاني من عاشر ربيع الأول سنة 945 الى أن سافر الى خراسان عاشر ذي القعدة سنة 962.

والمعروف أنه هو المدفون فوق قرية ( كفر كلا ) في جبل عامل وعليه قبة في مكان نزه مشرف عال والناس يسمونه ( العويذي ) والصحيح العودي. له شعر في رثاء استاذه الشهيد الثاني.

ص: 221


1- عن الشذور الذهبية مخطوط السيد صادق بحر العلوم ص 225.

ابن التعاويدي

أرقتُ للمع برقٍ حاجريِّ *** تألق كاليماني المشرفيّ (1)

أضاء لنا الاجارع مسبطراً *** سناه وعاد كالنبض الخفيَّ

كأن وميضه لمع الثنايا *** اذا ابتسمت ورقراق الحليّ

فاذكرني وجوه الغيد بيضاً *** سوالفها ولم أكُ بالنسي

أتيه صبابة وتتيه حسنا *** فويل للشجيّ من الخلي

وعصر خلاعة أحمدت فيه *** شبابي صحبة العيش الرخي

وليلى بعدما مطلت ديوني *** وقد حالت عن العهد الوفي

منعَّمة شقيت بها ولولا ال- *** -هوى ما كنتُ ذا بال شقي

تزيد القلب بلبالا ووجداً *** اذا نظرت بطرف بابلي

إذا استشفيتها وجدي رمتني *** بداء من لواحظها دوي

ولولا حبَّها لم يصب قلبي *** سنا برق تألق في دجي

أجاب وقد دعاني الشوق دمعي *** وقدماً كنتُ ذا دمع عصي

وقفتُ على الديار فما اصاخت *** معالمها لمحزون بكي

أروي تربها الصادي كأني *** نزحت الدمع فيها من ركي

ولو أكرمت دمعك يا شؤوني *** بكيت على الامام الفاطميَّ

ص: 222


1- عن الديوان المطبوع بمطبعة المقتطف بمصر سنة 1903 م وذكرها صاحب نسمة السحر.

على المقتول ظمآناً فجودي *** على الظمآن بالدمع الرويّ

على نجم الهدى السناري وبحر ال- *** -علوم وذروة الشرف العليّ

على الحامي بأطراف العوالي *** حمى الاسلام والبطل الكميّ

على الباع الرحيب اذا ألمّت *** يد الازمات والكف السخي

على أندى الانام يداً ووجهاً *** وأرجحهم وقاراً في النديّ

وخير العالمين أباً واماً *** وأطهرهم ثرى عرق زكيّ

فما دفعوه عن حسب كريم *** ولا ذادوه عن خلق رضي

لئن دفعوه ظلماً عن حقوق ال- *** -خلافة بالوشيج السمهري

فما دفعوه عن حسب كريم *** ولا ذادوه عن خلق رضي

لقد فصموا عرى الاسلام عودا *** وبدأ في الحسين وفي علي

ويوم الطف قام ليوم بدر *** بأخذ الثأر من آل النبي

فثنوا بالامام أما كفاهم *** ضلالاً ما جنوه على الوصي

رموه عن قلوب قاسيات *** بأطراف الاسنة والقسيّ

وأسرى مقدماً عمر بن سعد *** اليه بكل شيطان غوي

سفوك للدماء على انتهاك ال- *** -محارم جد مقدام جريّ

أتاه بمحنقين تجيش غيظاً *** صدورهم بجيش كالآتي

أطافوا محدقين به وعاجوا *** عليه بكل طرف أعوجي

وكل مثقف لدن وعضب *** سريجيّ ودرع سابري

فأنحوا بالصوارم مشرعات *** على البرّ التقي ابن التقي

وجوه النار مظلمة أكبَّت *** على الوجه الهلاليَّ الوضي

فيا لك من إمام ضرَّ جوه الد *** مَ القاني بخرصان القُني

بكته الارض إجلالاً وحزناً *** لمصرعه وأملاك السميِّ

وغودرت الخيام بغير حام *** يناضل دونهن ولا ولي

فما عطف البغاة على الفتاة ال- *** -حصان ولا على الطفل الصبيَّ

ولا بذلوا لخائفةٍ أماناً *** ولا سمحوا لظمآن بري

ص: 223

ولا سفروا لثاماً عن حياء *** ولا كرم ولا أنف حمي

وساقوا ذود أهل الحق ظلماً *** وعدواناً إلى الورد الوبي

تذودهم الرماح كما تذاد الر *** كاب عن الموارد بالعصي

وساروا بالكرائم من قريش *** سبايا فوق أكوار المطي

فيا لله يوم نعوه ماذا *** وعى سمع الرسول من النعي

ولو رام الحياة سعى اليها *** بعزمته نجاء المضرحي (1)

ولكنم المنية تحت ظلّ الر *** قاق البيض أجدر بالأبي

فيا عصب الضلالة كيف جرتم *** عناداً عن صراطكم السوي

وكيف عدلتم مولود حجر الن- *** -بوة بالغوي ابن الغويّ

فألقيتم - وعهدكم قريب - *** وراء ظهوركم عهد النبي

وأخفيتم نفاقكم إلى أن *** وثبتم وثبة الليث الضري

وأبديتم حقودكم وعدتم *** الى الدين القديم الجاهلي

ولولا الضغن ما ملتم على ذي ال- *** -قرابة للبعيد الأجنبّي

كفى حرباً ضمانكم لقتل ال- *** -حسين جوائز الرفد السني

وبيعكم لاخراكم سفاها *** بمنزور من الدنيا بليّ

وحسبكم غداً بأبيه خصماً *** اذا عرف السقيم من البري

صليتم حربه بغياً فانتم *** لنار الله أولى بالصلي

وحرمتم عليه الماء لؤما *** وإقبالا على الخلق الدني

وأوردتم جيادكم واظمأ *** تموه شربتم غير الهني

وفي صفين عاندتم أباه *** وأعرضتم عن الحق الجلي

وخادعتم إمامكم خداعاً *** أتيتم فيه بالأمر الفري

إماما كان ينصف في القضايا *** ويأخذ للضعيف من القوي

فأنكرتم حديث الشمس ردت *** له وطويتم خبر الطويِّ

ص: 224


1- الضرحي ، النسر الطويل الجناح.

فجوزيتم لبغضكم علياً *** عذاب الخلد في الدرك القصي

سأهدي للأئمة من سلامي *** وغرّ مدئحي أزكى هدي

سلاماً اتبع الوسميَّ منه *** على تلك المشاهد بالولي

واكسو عاتق الأيام منها *** حبائر كالرداء العبقري

حسانا لا اريد بهنَّ إلا *** مساءة كل باغٍ خارجي

يضوع لها اذا نشرت أريج *** كنشر لطائم المسك الذكي

كأنفاس النسيم سرى بليلا *** بهن ذوائب الورد الجني

لطيبة والبقيع وكربلاء *** وسامراء تغدو والغري

وزوراء العراق وأرض طوس *** سقاها الغيث من بلد قصي

فحيا الله من وارته تلك ال- *** -قباب البيض من حبر نقي

وأسبل صوب رحمته دراكا *** عليها بالغدوِّ وبالعشي

فذخري للمعاد ولاء قوم *** بهم عرف السعيد من الشقي

كفاني علمهم أني معاد *** عدوهم موالٍ للولي

ص: 225

ابن التعاويذي (1).

ابو الفتح محمد بن عبيد الله بن عبدالله الكاتب الشاعر المشهور.

قال الشيخ القمي في الكنى : أورده بعض علمائنا في رجال الشيعة ، ونقل عن نسمة السحر قال : انه من كبار الشيعة وذكر قصيدته في رثاء الحسين وأبياته المرسلة الى ابن المختار نقيب مشهد الكوفة التي فيها التصريح بتشيعه ، كان كاتباً بديوان المقاطعات ببغداد. توفي في بغداد سنة 584. انتهى

وكذا ذكر الشيخ الأميني في ( الغدير ) وفي أعيان الشيعة قال : هو المعروف بسبط ابن التعاويذي. ولد عشر رجب 519 وتوفي ثاني شوال عام 553 ببغداد ودفن بباب ابرز وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل أن يعمى بصره ومن شعره الذي رواه صاحب نسمة السحر قصيدته التي أولها : ارقت للمع برق حاجري. وفي تذكرة شرف الدين موسى : سبط ابن التعاويذي كان شاعر وقته لم يكن فيه مثله ، جمع شعره جزالة الالفاظ وعذوبتها ودقة المعاني ورقتها ، وقال جرجي زيدان في آداب اللغة ج 3 ص 24.

ابن التعاويذي هو أبو الفتح محمد بن عبدالله ويعرف ايضاً بسبط التعاويذي لأنه سبط تعاويذي آخر من أجداده اسمه المبارك نسب اليه لأنه كفله صغيراً فنشأ في حجره. وكان شاعر وقته ويعتقد ابن خلكان انه لم يكن قبله بمئتي سنة من يضاهيه. عمي في آخر عمره وله في عماه أشعار يرثي

ص: 226


1- التعاويذي نسبة الى كتبة التعاويذ وهي الحروز ، ولعل أباه كان يرقي ويكتب التعاويذ.

بها عينيه ويندب شبابه. جمع ديوانه بنفسه قبل العمى وصدره بخطبة ورتّبة على أربعة فصول وكل ما جدّ بعد ذلك سماه الزيادات. طبع هذا الديوان بمصر سنة 1904 مضبوطاً بالشكل الكامل بعناية الاستاذ مرجليوث وقد ذيّله بفهرس أبجدي مفيد وصدره باسماء الكتب التي جاء فيها شيء من شعر ابن التعاويذي. وهو كثير الشكوى في أشعاره.

ولما عمي كان باسمه راتب في الديوان ، فالتمس أن ينقل باسم أولاده فلما نقل كتب الى الامام الناصر لدين الله هذه الابيات يسأله أن يجدد له راتباً مدة حياته وهي :

خليفة الله انت بالدين *** والدنيا وأمر الاسلام مضطلع

انت لما سَنَّة الأئمة *** أعلام الهدى مقتفٍ ومتبع

قد عُدم العُدم في زمانك *** والجور معاً والخلاف والبدع

فالناس في الشرع والسياسة *** والاحسان والعدل كلهم شرع

يا ملكا يردع الحوادث *** والايام عن ظلمها فترتدع

وَمَن له أنعمٌ مكررةٌ *** لنا مصيفٌ منها ومرتبع

أرضيَ قد أجدبت وليس لمن *** أجدب يوماً سواك منتجع

ولي عيال لا درِّ درُّهُم *** قد أكلوا دهرهم وما شبعوا

لو وسموني وسم العبيد وبا *** عوني بسوق الاعراب ما قنعوا

اذا رأوني ذا ثروة جلسوا *** حولي ومالوا الَّي واجتمعوا

وطالما قطّعوا حبالي إعراضاً *** اذا لم تكن معي قطع

يمشون حولي شتى كأنهم *** عقارب كلما سعوا لسعوا

فمنهم الطفل والمراهق وال- *** -رضيع يحبو والكهل واليفع

لا قارحٌ منهم أؤمل أن *** ينالني خيره ولا جذع

لهم حلوق تفضي الى معدٍ *** تحمل في الاكل فوق ما تسع

ص: 227

من كل رحب المعاء أجوفه *** خاوي الحشا لا يمسه الشبع

لا يحسن المضع فهو يترك في *** فيه بلا كلفة ويبتلع

ولي حديث يلهو ويعجب من *** يوسع لي خلقه فيستمع

نقلت رسمي جهلاً الى ولد *** لست بهم ما حييت أنتفع

نظرت في نفعهم وما أنا *** في اجتلاب نفع الاولاد مبتدع

وقلت هذا بعدي يكون لكم *** فما أطاعوا أمري ولا سمعوا

واختلسوه مني فما تركوا *** عيني عليه ولا يدي تقع

فبئس والله ما صنعت فاضررت *** بنفسي وبئس ما صنعوا

فان أردتم أمراً يزول به الخصام *** من بيننا ويرتفع

فاستانفوا لي رسماً أعود على *** ضنك معاشي به فيتسع

وإن زعمتم أني أتيت بها *** خديعة فالكريم ينخدع

حاشا لرسم الكريم ينسخ من *** نسخ دواوينكم فينقطع

فوقعوا لي بما سألت فقد *** أطمعت نفسي واستحكم الطمع

ولا تطيلوا معي فلست ولو *** دفعتموني بالراح أندفع

وحلفوني ان لا تعود يدي *** ترفع في نقله ولا تضع

فما ألطف ما توصل به الى بلوغ مقصوده بهذه الابيات التي لو مرّت بالجماد لاستمالته وعطفته فانعم عليه أمير المؤمنين بالراتب.

وسمع منشداً ينشد قول الصابي :

والعمر مثل الكأس ير *** سب في أواخره القذا

فقال :

فمن شبَّه العمر كأساً يقرُّ *** قذاه ويرسب في أسفله

فإني رأيتُ القذا طائفاً *** على صفحة الكأس في أوله

ص: 228

وقال من قصيدة يندب فيها بصره وأولها :

أترى تعود لنا كما *** سلفت ليالي الابرقين

ومنها :

حالان مسَّتني الحوا *** دث منهما بفجيعتين

إظلام عين في ضيا *** ء مشيب رأس سر مدين

صبحٌ وإمساء معاً *** لا خلفة فاعجب لذين

قد رحتُ في الدنيا *** من السرَّاء صفر الراحتين

أسوان لا حيٌّ ولا *** ميت كهمزة بين بين

ويقول فيها :

فأناخ في آل الرسول *** مجاهراً برزيتين

بدأ برزءٍ في أبي *** حسنٍ وعوداً في الحسين

الطيبين الطاهرين *** الخيِّرين الفاضلين

المدليين إلى النبيِّ *** محمد بقرابتين

وقال يهجو حمامياً :

وجه يحيى بن بختيار إذا *** فكَّرتَ فيه من سائر الأنحاء

مثل حمَّامه المشوم سواءً *** مظلم بارد قليل الماء

وقال :

لميمون وجه يسوء العيون *** منظره الأسود الحالك

وحمّامه مظلم باردٌ *** يضلُّ بأرجائه السالك

وهب أن حمَّامه جنَّة *** أليس على بابه مالك

ص: 229

وقال ابن التعاويذي من قصيدة يعاتب فخر الدين محمد بن المختار نقيب مشهد الكوفة :

يا سميَّ النبي يابن علي *** قامع الشرك والبتول الطهور

أنت تسمو على البرَّية طراً *** بمحلَّ عالٍ وبيت كبير

وعنكم يؤخذ الوفاء ومنكم *** يجتدي الناس كل خير وخير

كيف أخلفتني؟ وما الخلف لل- *** -ميعاد من عادة الموالي الصدور

أنت يا بن المختار أكرم أن تن- *** -ظر في أمر مستفادٍ حقير

أنت أوليتنيه منك ابتداءً *** غير ما مكره ولا مجبور

وأخو الفضل من يساعد في ال- *** -شدة لا في الرخاء والميسور

أي عذر ينوب عنك؟ وماتا *** ركُ وجه الصواب بالمعذور

ومتى ما استمر خلفك للوعد *** ولم تعتذر عن التأخير

صرت من جملة النواصب لا *** آكل غير الجريِّ والجرجير

وتغسلتُ واكتحلتُ ثلاثاً *** وطبخت الحبوب في عاشور

وطويت الأحزان فيه ولم *** أبد سروراً في يوم عيد الغدير

وتبدّلتُ من مبيتي في مشه- *** -د موسى (1) بجامع المنصور

وتطهرت من إناء يهو *** دي وفضلته على الخنزير

ورآني أهل التشيع في ال- *** -كرخ بتاسومة وذيل قصير

ص: 230


1- يقصد به مشهد الامام موسى بن جعفر علیه السلام بالكاظمية وهو مزار فخم تقصده الشيعة.

زايراً قبر مصعب بعد ما كن- *** -ت أوالي دفين قبر النذور

وتخيرت ان يكون الزبيدي (1) *** رفيقي في العرض يوم النشور

وتراني في الحشر فاطمة الطهر *** وكفي في كفه المبتور

وتكون المسئول عن مؤمن أل- *** -قيته أنت في سواء السّعير

أقول قبر النذور هو قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب كان عليه مشهد فخم البناء تتوارد عليه الزوار من وقت لآخر حتى سنة 646 ه- التي غرقت بغداد فيها وغرقت محلة الرصافة وتهدم اكثر دورها وسورها وغشى قبور الخلفاء وهدم مشهد عبيدالله. وحسب ما يقوله المؤرخون يقع مشهد عبيد الله في منطقة ( باب المعظم ) وقريب من جامع الرصافة. وفي سنة 650 ه- أمرت أم الخليفة الناصر بتجديد رباط الاصحاب المجاور لمشهد عبيد الله وربما نسب هذا الرباط الى المشهد وأجريت بعض الاصلاحات عليه. اما اليوم فليس له أثر ، حاولت الوصول اليه ومعي بعض ذوي العلم من رجال البحث فقطعنا شوطاً في السير في الجانب الشرقي وعلى بعد منتصف ميل من ثكنة الخيالة خارج باب المعظم انتهى. اقول وقبل ايام قليلة صحبت اخاً من اخواني المعنيين بالبحث والتنقيب ببغداد ومضينا الى شارع الكفاح فوجدنا قبراً كتب عليه ( قبر النذور ) بصخرة على الباب بحروف بارزة قديمة ويقع مقابل جامع ( الفضل ) والفضل هذا على ما أعلم هو محمد بن اسماعيل بن الامام جعفر الصادق علیه السلام .

قال الخطيب البغدادي في تاريخه ج 1 ص 123 باب البردان فيها أيضاً جماعة من أهل الفضل عند المصلى المرسوم بصلاة العيد قبر كان يعرف بقبر النذور ويقال ان المدفون فيه رجل من ولد علي بن ابي طالب رضی الله عنه

ص: 231


1- الزبيدي هو اللعين عبدالرحمن بن ملجم المرادي قاتل الامام أمير المؤمنين علي علیه السلام .

يتبرك الناس بزيارته ، ويقصده ذوو الحاجة منهم لقضاء حاجته حدثني لقاضي ابو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال حدثني ابي قال كنت جالساً بحضرة عضد الدولة ونحن مجتمعون بالقرب من مصلى الاعياد في الجانب الشرقي من مدينة السلام نريد الخروج معه الى همدان في اول يوم نزل المعسكر فوقع طرفه على البناء الذي على قبر النذور فقال لي ما هذا البناء. فقلت هذا مشهد النذور ، ولم أقل : قبره لعلمي بطيرته من دون هذا ، واستحسن اللفظة وقال : قد علمت انه قبر النذور وإنما أردت شرح أمره فقلت : هذا يقال انه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب. ويقال انه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب. وان بعض الخلفاء أراد قتله خفياً فجعلت له هناك ربيّة وسُيّر عليها وهو لا يعلم فوقع فيها وهيل عليه التراب حياً وانما شهر بقبر النذور لانه ما يكاد ينذر له نذر الا صحّ وبلغ الناذر ما يريد ، ولزمه الوفاء بالنذر وانا أحد من نذر له مراراً لا أحصيها كثرة ما يريد ، ولزمه الوفاء بالنذر وانا أحد من نذر له مراراً لا أحصيها كثرة نذوراً على أمور متعذرة فبلغتها ولزمني النذر فوفيت به ، فلم يتقبل هذا القول وتكلم بما دل على أن هذا إنما يقع منه اليسير اتفاقاً فيتسوق العوام باضعافه ويسيّرون الاحاديث فيه فأمسكت فلما كان بعد أيام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا استدعاني في غدوة يوم وقال : اركب معي الى مشهد النذور فركبت وركب في نفر من حاشيته الى أن جئت به الى الموضع فدخله وزار القبر وصلى عنده ركعتين سجد بعدهما سجدة أطال فيها المناجات بما لم يسمعه أحد ثم ركبنا معه الى خيمته وأقمنا أياماً ثم رحل ورحلنا معه يريد همدان فبلغناها وأقمنا فيها معه شهوراً فلما كان بعد ذلك استدعاني وقال لي : الست تذكر ما حدثني به في أمر مشهد النذور ببغداد ، فقلت : بلى. قال إني خاطبتك في معناه بدون ما كان في نفسي اعتماداً لاحسان عشرتك ، والذي كان في نفسي في الحقيقة أن جميع ما يقال فيه كذب ، فلما كان بعد ذلك بمديدة طرقني أمر خشيت أن يقع ويتم وأعملت فكري في الاحتيال لزواله ولو بجميع ما في بيوت أموالي وسائر عساكري

ص: 232

فلم أجد لذلك فيه مذهباً فذكرت ما أخبرتني به في النذور لمقبرة النذور فقلت : لم لا أجرب ذلك فنذرت إن كفاني الله تعالى ذلك الامر أن أحمل لصندوق هذا المشهد عشرة آلاف درهم صحاحاً ، فلما كان اليوم جائتني الاخبار بكفايتي ذلك الامر ، فتقدمت الى أبي القاسم عبدالعزيز بن يوسف - يعني كاتبه - أن يكتب الى أبي الريان - وكان خليفته في بغداد يحملها الى المشهد ، ثم التفت الى عبدالعزيز - وكان حاضراً - فقال له عبدالعزيز : قد كتبت بذلك ونفذ الكتاب.

أقول وكتب عبد الحميد عبادة في مجلة المرشد البغدادية السنة 3 ص 399 عن آثار بغداد وجاء على ذكر مدرسة العصمتية ورباط الاصحاب ومشهد عبيد الله بن محمد. وانه قريب من جامع الرصافة قرب ثكنة الخيالة خلفها بقليل او عن يمينها او شمالها والمشهورة الآن ب- ( القرانتينة ) في باب المعظم.

بقي هذا القبر زمناً طويلاً وعليه مشهد ضخم البناء تتوارد عليه الزوار من وقت لآخر حتى سنة 646 ه- وفيها غرقت بغداد وغرقت محلة الرصافة وتهدم اكثر دورها وسورها وغشى قبور الخلفاء وهدم مشهد عبيد الله ورباط الأصحاب المجاور له.

وفي كتاب ( مساجد الاعظمية ) للشيخ هاشم الاعظمي من العلماء المعاصرين ان قبر النذور اصبح اليوم يسمى بأبي رابعة ، ويقع في الاعظمية في محلة ( النصة ) حيث دفنت عنده رابعة بنت ولي العهد أبي العباس أحمد بن المعتصم بالله ، والتي تزوجها شرف الدين هارون بن شمس الدين محمد الجويني. وكان وفاة رابعة سنة 685 ه- في جمادى الآخر.

وقد جدد بناؤه قبل مائة وخمسين سنة تقريباً وهو لا يزال قائماً وله سادن.

ص: 233

وقال ابن التعاويذي يمدح الناصر لدين الله عند جلوسه في الخلافة في اواخر سنة 575 :

طاف يسعى بها على الجلاس *** كقضيب الاراكة المياس

بدرتم غازلت من لحظه ليلة *** نادمته غزال كناس

ذللته لي المدام فأضحى *** ليَّن العطف بعد طول شماس

بات يجلو علي روضة حسن *** بتُّ فيها ما بين ورد وآس

أمزج الكاس من جناه وكم ليلة *** صّدٍ مزجتُ بالدمع كاسي

من تناسى عهد الشباب فاني *** لحميدٍ من عهده غيرُ ناس

ورآى الغانيات شيبي فأعرضن *** وقلت الشباب خير لباس

كيف لا يفضل السواد وقد أضحى *** شعاراً على بني العباس

ولقد زينت الخلافة منهم *** بإمام الهدى أبي العباس

ملك جلَّ قدسه عن مثال *** وتعالت آلاؤه عن قياس

جمع الامن في إيالته ما *** بين ذئب الفضا وظبي الكناس

وعنا خاضعاً لعزته كل *** أبيِّ القياد صعب المراس

بثَّ في الارض رأفةً بدّلت *** وحشة ساري الظلام بالايناس

بيد الناصر الامام استجابت *** بعد مطل منها وطول مكاس

ردّ تدبيرها اليها فأحضى *** ملكها وهو ثابت في الاساس

يا لها بيعةً أجدّت من الاسلام *** بالي رسومه الادراس

وإلى الله أمرها فله المنةُ *** فيها عليه لا للناس

جمعتنا على خليفة حقٍ *** نبويّ الاعراق والأغراس

فابق للدين ناصراً وارم بالإر *** غام جَدَّ الاعداء والاتعاس

واستمعها عذراء شرط التهاني *** واقتراح الندمان والجلاس

حملت من أريج مدحك نشراً *** هي منه مسكيّة الأنفاس

ص: 234

ترجمة الناصر لدين الله

قال الشيخ القمي في الكنى والألقاب ابو العباس احمد بن المستضيء ، ولد 10 رجب سنة 553 بويع له عند وفاة أبيه سنة 575 وهو ابن 23 سنة ومدة خلافته 46 سنة و 10 اشهر و 28 يوماً ولم يل الخلافة من أهل بيته أطول مدة منه ، وكان في آبائه أربعة عشر خليفة ، ونقش خاتمه رجائي من الله عفوه وكان يتشيع ويميل الى مذهب الإمامية قال ابن الطقطقي : كان الناصر من أفاضل الخلفاء وأعيانهم بصيراً بالأمور مجرّباً سائساً مهيباً مقداماً عارفاً شجاعاً وكا يرى رأى الإمامية طالت مدته وصفا له الملك وأحب مباشرة أحوال الرعية بنفسه حتى كان يتمشى في الليل في دروب بغداد ليعرف أخبار الرعية وما يدور بينهم ، وصنّف كتباً وسمع الحديث النبوي صلوات الله على صاحبه وأسمعه ولبس لباس الفتوة وألبسه وكان بارعة زمانه ورجل عصره في أيامه انقرضت دوله آل سلجوق بالكلية ، وللناصر من المبار والوقوف ما يفوت الحصر وبنى من دور الضيافات والمساجد والربط ما يتجاوز حدّ الكثرة انتهى ملخصاً. وفي أعيان الشيعة ما ملخصه وكان الناصر عالماً مؤلفاً شجاعاً شاعراً راوياً للحديث ويعد في المحدثين قال الذهبي أجاز الناصر لجماعة من الاعيان فحدثوا عنه منهم ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني وآخرون ( انتهى ). وله كتاب في فضائل امير المؤمنين (عليه السلام) رواه السيد ابن طاوس في كتابه اليقين عن السيد فخار بن معد الموسوي عن الناصر ، حكي انه ذهبت احدى عيني الناصر في آخر عمره وبقي يبصر بالأخرى أبصاراً ضعيفاً ولا يشعر بذلك أحد وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه فكانت تكتب مثل خطه فتكتب على التواقيع ، وعن تاريخ مختصر الخلفاء لابن الساعي قال لم يل الخلافة أحد أطول خلافة من الناصر فأقام فيها 47 سنة ولم يزل في عزٍّ وجلالة وقمع للأعداء واستظهار على الملوك والسلاطين في أقطار الأرض مدة حياته فما خرج عليه خارجي إلا قمعه ولا

ص: 235

مخالف إلا دفعه ولا آوى اليه مظلوم مشتت الشمل إلا جمعه وكان إذا أطعم أشبع وإذا ضرب أوجع ، وقد ملأ القلوب هيبة وخيفة فكان يرهبه أهل الهند ومصر كما يرهبه أهل بغداد ، وكان الملوك والأكابر بمصر والشام اذا جرى ذكره في خلواتهم خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالاً وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من الخلفاء والملوك ، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين وكان أسد بني العباس تصدع لهيبته الجبال - إلى أن قال - وكان يتشيع وجعل مشهد الامام موسى الكاظم (عليه السلام) أمنا لمن لاذبه فكان الناس يلتجئون إليه في حاجاتهم ومهماتهم وجرائمهم فيقضي الناصر لهم حوائجهم ويعفو عن جرائمهم انتهى ، ومما ينسب اليه قوله :

قسماً بمكة والحطيم وزمزم *** والراقصات ومشيهنَّ إلى منى

بغض الوصي علامة مكتوبة *** تبدو على جبهات أولاد الزنا

من لم يُوال في البرية حيدراً *** سيّان عند الله صلَّى أم زنى

وحكي أن عبيد الله نقيب الطالبيين بالموصل كتب الى الناصر بلغنا انك عدلت عن مذهب التشيع الى التسنن فإن كان ذلك صحيحاً فمروا بإعلامي عن السبب فأجابه الناصر بهذه الأبيات :

يميناً بقوم أوضحوا منهج الهدى *** وصاموا وصلَّوا والانام نيام

أصاب بهم عيسى ونوح بهم نجا *** وناجى بهم موسى وأعقب سام

لقد كذب الواشون فيما تخرّصوا *** وحاشا الضحى أن يعتريه ظلام

والناصر هو الذي كتب اليه الملك الأفضل علي بن صلاح الدين يوسف أبي أيوب وكان أبوه أوصى اليه بالسلطنة وجعله وليّ عهده وهو أكبر ولده وأخذ له البيعة على أخيه نجم الدين أبي بكر بن أيوب وعلى ابنه عثمان بن صلاح الدين

ص: 236

ولما مات صلاح الدين وثبا عليه واغتصبا منه الملك فكتب الى الامام الناصر بهذه الأبيات وهي مشهورة رواها عامة المؤرخين مع جوابها.

مولاي إن أبا بكر وصاحبه *** عثمان قد غصبا بالسيف حقَّ علي

وهو الذي كان قد ولّاه والده *** عليهما فاستقام الأمر حين ولي

فخالفاه وحلّا عقد بيعته *** والأمر بينهما والنصُّ فيه جلي

فانظر الى حظّ هذا الاسم كيف لقي *** من الأواخر ما لاقى من الاول

فأجابه الناصر يقول :

وافى كتابك يا ابن يوسف ناطقاً *** بالصدق يخبر أن أصلك طاهر

غصبوا علياً حقه إذ لم يكن *** بعد النبي له بيثرب ناصر

فاصبر فإن غداً عليه حسابهم *** وابشر فناصرك الإمام الناصر

وفي أعيان الشيعة أيضاً : والإمام الناصر هو الذي بنى سرداب الغيبة في سامراء وجعل فيه شباكاً من الآبنوس الفاخر أو الساج كتب على دائره اسمه وتاريخ عمله وهو باق لهذا الوقت وكأنما فرغ منه الصناع الآن وهذا صورة ما كتب عليه « بسم الله الرحمن الرحيم قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُسنا إن الله غفور شكور » هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض طاعته على جميع الانام ( أبو العباس ) أحمد الناصر لدين الله ) الخ ونقش في خشب الساج داخل الصفة في ظهر الحائط ما صورته ( بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله ، أمير المؤمنين علي ولي الله ، فاطمة ، الحسن بن علي ، الحسن بن علي ، علي بن الحسين ، محمد بن علي ، جعفر بن محمد ، موسى بن جعفر ، علي بن موسى ، محمد بن علي ، علي بن محمد ، الحسن بن علي ، القائم بالحق : هذا عمل علي ابن محمد ولي آل محمد رحمه الله ، انتهى. وهذا السرداب هو سرداب الدار

ص: 237

التي سكنها ثلاثة من أئمة أهل البيت الطاهر وهم : الامام علي بن محمد الهادي ، وولده الامام الحسن بن علي العسكري ، وولده الامام المهدي (عليه السلام) كما سكنوا أيضاً في ذلك السرداب وتشرف بسكناهم فيه وجرت لهم في الكرامات والمعجزات وغاب المهدي (عليه السلام) بعد ما سكنه ولذلك تتبرك الشيعة وغيرها به وتصلي لربها فيه وتدعوه وتطلب منه حوائجها طلباً لبركته بسكنى آل رسول الله صلی الله علیه و آله فيه وتشريفهم له وليس في الشيعة من يعتقد أن المهدي موجود في السرداب أو غائب فيه كما يرميهم به من يريد التشنيع وينسب اليهم في ذلك أموراً لا حقيقة لها مثل انهم يجتمعون كل جمعة على باب السرداب بالسيوف والخيول وينادون : أخرج الينا يا مولانا .. فإن هذا كذب وافتراء حتى أن بعض من ذكر ذلك قال أنه بالحلة مع أن السرداب في سامراء لا في الحلة.

وبالجملة فليس للسرداب مزية عند الشيعة إلا تشرفه بسكنى ثلاثة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فيه وهذا الامر لا يختص بالشيعة في تبرّكهم بالامكنة الشريفة فليتق الله المرجفون انتهى.

توفي الناصر أول شوال سنة 622

ص: 238

ابن المعلم الواسطي

هذي المنازل يا بثينة بلقع *** قفرى تنازعها الرياح الأربع

طمست معالمها وبان انيسها *** واحتل عرصتها الغراب الأبقع

لم يبق الا خط ناي دارس *** فيها وأشعث مائل يتضعضع (1)

وثلاثة (2) لم تضمحل كانها *** برسوم عرصتها حمام وُقّع

في رسم دار يستهل بجوها *** جونٌ هتون مرجحنٌ يهمع

واذا تضاحك في الدجى إيماضه *** فعيونه في كل قطر تدمع

عهدي بها : يا بين وهي أنيقة *** للخرد البيض العذارى مربع

وعلى غصون الدوح في جنباتها *** ورق الحمائم خاطبات تسجع

وتقول عاذلتي حملت مآثما *** صمّ الجبال لهوها تتضعضع

دع ذكر رسم دارس بجديده *** كف البلا بعد البشاشة تولع

واذخر لنفسك عدة تنجو بها *** من هول يوم فيه نار تلذع

فاجبتها كفي فلست إذا أتى *** يوم المعاد أخاف منه وأجزع

قالت فمن ينجيك من أهواله *** وعذابه ، قلت البطين الأنزع

صنو النبي أبو الأئمة والذي *** لوليه يوم القيامة يشفع

قوم بهم غفرت خطيئة آدم *** وهم الوسيلة والنجوم الطلع

أما أمير المؤمنين فذكره *** في محكم التنزيل ذكر أرفع

ص: 239


1- 1 - الوتد الذي يتحرك
2- 2 - هي الاثافي

سل عنه مريم في الكتاب وهل أتى *** إن كنت بالذكر المنزَّل تقنع

من قال فيه محمد أقضاكم *** بعدي وأعلمكم علي الأروع

حفظوا عهود الغدر فيما بينهم *** وعهود أحمد يوم خُمٍ ضيّعوا

قتلوا بعرصة كربلا أولاده *** ولهم بغفران المهيمن مطمع

منعوا ورود الماء آل محمد *** وغدت ذئاب البر منه تكرع

آل الضلال بنو أمية شرّع *** فيه وسبط الطهر أحمد يمنع

لو لا رجال بعد فقد محمد *** مرقوا وفي يوم النعيلة بويعوا

ما جردت بالطف أسياف ولا *** كانت رماح بني أمية شرّعُ

لهفي له والخيل تعلو صدره *** والراس منه على الاسنة يرفع

يا زائر المقتول بغياً قف على *** جدث يقابله هنالك مصرع

وقل السلام عليك يا مولى به *** يرجو الشفاعة عبدك المتشيع

يا يوم عاشوراء أنت تركتني *** حلف الهموم بمقلة لا تهجع

عن ديوان ابن المعلم الواسطي بخط وجمع الشيخ محمد هادي الاميني رأيته عنده بخطه وقد ألفه من ثلاث نسخ مخطوطة للديوان ، الاولى نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق الشام برقم 6711 الثانية نسخة مكتبة معهد الدراسات الاسلامية ، الثالثة مخطوطة مكتبة الامام الحكيم العامة - قسم المخطوطات برقم 893 بخط جامع الديوان المرحوم الشيخ محمد الشيخ طاهر السماوي كتبها سنة اربع وثلاثين وثلثمائة بعد الالف من الهجرة ويحتوي الديوان على 101 من الصفحات.

وهذه القصيدة ذكرها السيد الامين في اعيان الشيعة ج 7 ص 243 وقال : وجدنا هذه القصيدة في مجموعة نفسية ولم يذكر اسم ناظمها لكنه صرح في آخرها انه واسطي. وظنها السيد انها لأبي نصر بن طوطي الواسطي.

ص: 240

أبوالغنائم نجم الدين محمد بن علي بن فارس الواسطي الشاعر المشهور ، أحد من سار شعره وانتشر ذكره ، وبينه وبين ابن التعاويذي تنافس ، حكي عنه قال : كنت ببغداد فاجتزت يوماً بموضع رأيت الخلق مزدحمين ، فسألت بعضهم عن سبب الزحام فقال هذا ابن الجوزي الواعظ جالس ، فزاحمت وتقدمت حتى شاهدته وسمعت كلامه وهو يعظ حتى قال مستشهداً على بعض إشاراته : ولقد أحسن ابن المعلم حيث يقول :

يزداد في مسمعي تكرار ذكركم *** طيباً ويحسن في عيني تكرره

فعجبت من اتفاق حضوري واستشهاده بشعري ولم يعلم بحضوري لا هو ولا غيره من الحاضرين. توفي بالهرث سنة 592. والهرث - بضم الهاء وسكون الراء - قرية بينها وبين واسط نحو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه الى ان توفي بها. انتهى عن الكنى للشيخ القمي.

وقال ابن خلكان ج 2 ص 29 :

أبو الغنائم محمد بن علي بن فارس بن علي بن عبدالله بن الحسين بن القاسم المعروف بابن المعلم والواسطي الهرثي الملقب نجم الدين الشاعر المشهور ، وكان شاعراً رقيق الشعر لطيف حاشية الطبع يكاد شعره يذوب من رقته ، وهو أحد من سار شعره ، واشتهر ذكر ونبه بالشعر قدره ، وحسن به حاله وأمره ، وطال في نظم القريض عمره ، وساعده على قوله زمانه ودهره ، وأكثر القول في الغزل والمدح وفنون المقاصد ، وكان سهل الألفاظ صحيح المعاني يغلب على شعره وصف الشوق والحب وذكر الصبابة والغرام ، فعلق بالقلوب

ص: 241

ولطف مكانه عند اكثر الناس ومالوا اليه وحفظوه وتداولوه بينهم واستشهد به الوعاظ واستحلاه السامعون. سمعت من جماعة من مشايخ البطائح يقولون ما سبب لطافة شعر ابن المعلم إلا أنه كان اذا نظم قصيدة حفظها الفقراء المنتسبون الى الشيخ أحمد بن الرفاعي وغنوا بها في سماعهم وطابوا عليها فعادت عليه بركة أنفاسهم ورأيتهم يعتقدون ذلك اعتقاداً لا شك عندهم فيه. وبالجملة فشعره يشبه النوح ولا يسمعه من عنده أدنى هوى إلا افتتن وهاج غرامه ، وكان بين ابن المعلم المذكور وبين ابن التعاويذي المذكور قبله تنافس ، وهجاه ابن التعاويذي بأبيات جيمية لا حاجة الى ذكرها ، ولابن المعلم قصيدة طويلة أولها :

ردّوا عليَّ شوارد الاظعان *** ما الدار إن لم تغن من أوطاني

ولكم بذاك الجذع من متمنع *** هزأت معاطفه بغصن البان

أبدى تلوَّنه باول موعد *** فمن الوفي لنا بوعد ثاني

فمتى اللقاء ودونه من قومه *** أبناء معركة وأسد طعان

نقلوا الرماح وما أظن أكفهم *** خلقت لغير ذوابل المرّان

وتقلدوا بيض السيوف فما ترى *** في الحي غير مهند وسنان

ولئن صددت فمن مراقبة العدا *** ما الصد عن ملل ولا سلوان

يا ساكني نعمان أين زماننا *** بطويلع ، يا ساكني نعمان

وله من أخرى :

أجيراننا إن الدموع التي جرت *** رخاصا على أيدي النوى لغوالى

اقيموا على الوادي ولو عمر ساعة *** كلوث أزار أو كحل عقّال

فكم ثمَّ لي من وقفة لو شريتها *** بنفسي لم أغبن فكيف بمالي

ص: 242

وله من أخرى :

قسما بما ضمت عليه شفاههم *** من قرقف في لؤلؤ مكنون

ان شارف الحادي العذيب لأقضين *** نحبي ومن لى أن تبرّ يميني

لو لم يكن آثار ليلى والهوى *** بتلاعه ما رحت كالمجنون

قال : وكان سبب عمل هذه القصيدة ان ابن المعلم المذكور والابله وابن التعاويذي المذكورين قبله لما وقفوا على قصيدة صر در المقدم ذكره في حرف العين التي اولها :

اكذا يجازى ودُّ كل قرين *** أم هذه شيم الظباء العين

وهي من نخب القصائد أعجبتهم فعمل ابن المعلم من وزنها هذه القصيدة وعمل ابن التعاويذي من وزنها قصيدة أبدع منها وأرسلها الى السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وهو بالشام يمدحه بها وأولها :

ان كان دينك في الصبابة ديني *** فقف المطيَّ برملتي يبرين

وعمل الابله قصيدة اخرى ، وأحسن الكل قصيدة ابن التعاويذي. وفي وقعة الجمل على البصرة قبل مباشرة الحرب ارسل علي بن ابي طالب رضی الله عنه ابن عمه عبدالله بن العباس رضى الله عنهما الى طلحة والزبير برسالة يكفهما عن الشروع في القتال ، ثم قال له : لا تلقين طلحة فانك إن تلقه تجده كالثور عاقصا أنفه يركب الصعب ويقول هو الذلول ولكن القى الزبير فانه ألين عريكة منه وقل له يقول لك ابن خالك : عرفتني بالحجاز وانكرتني بالعراق فما عدا مما بدأ. وعلي رضی الله عنه أول من نطق بهذه الكلمة فأخذ ابن المعلم المذكور هذا الكلام وقال :

منحوه بالجذع السلام وأعرضوا *** بالغور عنه فما عدا مما بدا

ص: 243

وهذا البيت من جملة قصيدة طويلة ورسالة نقلها في كتاب نهج البلاغة ولابن المعلم في أثناء قصيدة أيضاً.

يوهي قوى جلدي من لا ابوح به *** ويستبيح دمي من لا اسميّه

قسما فما في لساني ما يعاتبه *** ضعفا بلى في فؤادي ما يقاسيه

ولا حاجة الى الاطالة بذكر فرائده مع شهرة ديوانه وكثرة وجوده بايدي الناس ، وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادي الاخرة سنة احدى وخمسمائة وتوفي رابع رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة بالهرث رحمه الله تعالى والهرث بضم الهاء وسكون الراء بعدها ثاء مثلثة وهي قرية من أعمال نهر جعفر بينهما وبين واسط نحو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه الى ان توفي بها رحمه الله .

ص: 244

أحمد بن عيسى الهاشمي

اشارة

قال أحمد بن عيسى الهاشمي - والد الواثق - يعتذر من الكحل في يوم عاشوراء.

لم أكتحل في صباح يوم *** أريق فيه دمُ الحسين

إلا لحزني وذاك أني *** سوّدت حى بياض عيني

ص: 245

عن كتاب :

تراجم رجال القرنين السادس والسابع والمعروف بالذيل على الروضتين للحافظ المؤرّخ شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المعروف بأبي شامة المقدسي الدمشقي. المطبوع بالقاهرة - ص 11.

قال : وفي سنة 593 ه- توفي أحمد بن عيسى الهاشمي والد الواثق بالله ويعرف بابن الغريق من أهل الحريم الظاهري ، وكان شاعراً فاضلاً فمن شعره ما اعتذر به عن الاكتحال يوم عاشوراء.

لم أكتحل في صباح يوم *** أُريق فيه دم الحسين

إلا لحزني وذاك أني *** سوّدت حتى بياض عيني

وكانت وفاته في ذي القعدة عن ثمانين سنة ودفن بباب حرب.

قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ، وأنشدنا ابو عبدالله النحوي بمصر قال : كحّل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء فعوتب على ذلك فقال :

وقائل لم كحلَّتَ عينا *** يوم استباحوا دم الحسين

فقلت كفّوا أحقُّ شيء *** تلبس فيه السواد عيني

ولقد نظم الشعراء بهذا المعنى كثيراً من بكاء السماء والأرض والأحجار

ص: 246

والأشجار على شهيد كربلاء علیه السلام ، ومما تقدم تستشعر أن العناية بيوم مقتل الحسين والحزن يوم عاشوراء كان ولم يزل منذ أكثر من ألف عام بل من يوم مقتل الحسين وحتى يومنا هذا ، هكذا حدثنا أبو الفداء في تاريخه والمقريزي في خططه قال :

وفي يوم عاشوراء من سنة ست وتسعين وثلثمائة جرى الامر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الاسواق وخروج المنشدين الى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد ثم جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز بن النعمان سائر المنشدين الذين يتكسَّبون بالنوح والنشيد ، وقال لهم لا تلزموا الناس أخذ شيء منهم اذا وقفتم على حوانيتهم ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء.

وقال المقريزي في الخطط : كانوا - يعني الفاطميين - ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر ، الابل والغنم والبقر ويكثرون النوح والبكاء ويسبّون من قتل الحسين ولم يزالوا على ذلك حتى آخر دولتهم وحتى زالت.

عاشوراء في دولة بني بويه

وفي تاريخ المؤيد أبي الفداء في حوادث سنة 352 في عاشر المحرم أمر معز الدولة الناس أن يغلقو دكاكينهم وأن يظهروا النياحة وأن يخرج النساء منشرات الشعور مسوَّدات الوجوه قد شققن ثيابهن ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي ففعل الناس ذلك ولم يقدر السنّية على منع ذلك لكثرة الشيعة والسلطان معهم.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية كان في عصر آل بويه في حدود الاربعمائة وما حولها تضرب الدرادل ببغداد ونحوها من البلاد ، في يوم

ص: 247

عاشوراء ويذرى الرماد والتبن في الطرقات وتعلق المسوح على الدكاكين ويظهر الناس البكاء والحزن ، وكثير منهم من لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين علیه السلام حيث قتل عطشانا ، حتى قال السوسي محمد بن عبد العزيز (1).

أأذوقُ طعم الماء وابنُ محمد *** لم يرو حتى للمنون أذيقا

لا عذر للشيعيِّ يرقى دمعه *** ودم الحسين بكربلاء أريقا

ويقول السيد حيدر الحلي (2) من قصيدة طويلة :

أللهاشميِّ الماء يحلو ودونه *** ثوت آله حرىَّ القلوب على الثرى

وتهدأ عين الطالبي وحوله *** جفون بني مروان ريَّا من الكرى

اقول ويذكر المؤرخان الشهيران ياقوت الحموي في معجمه وابن خلكان في وفياته قضية الناشي الاصغر علي الشاعر المشهور.

ص: 248


1- هو من شعراء القرن الرابع وقد تقدمت ترجمته.
2- من شعراء القرن الرابع عشر ، وتأتي ترجمته بعون الله.

صفوان بن ادريس المرسي

أمرنة سجعت بعود أراكِ *** قولي مولّهة علام بكاك

أجفاكِ إلفك أم بليت بفرقة *** أم لاح برق بالحمى فشجاك

لو كان حقاً ما ادَّعيت من الجوى *** يوماً لما طرق الجفون كراك

أو كان روّعك الفراق اذاً لما *** صنّت بماء جفونها عيناك

ولما ألفت الروض يأرج عرفه *** وجعلت بين فروعه مغناك

ولما اتخذت من الغصون منصة *** ولما بدت مخضوبة كفاك

ولما ارتديت الريش برداً معلماً *** ونظمت من قزح سلوك طلاك

لو كنت مثلي ما أنفت من البكا *** لا تحسبي شكواي من شكواك

إيه حمامة خبريني ، إنني *** أبكي الحسين ، وأنت ما أبكاك

أبكي قتيل الطف فرع نبينا *** أكرم بفرغ للنبوّة زاكي

ويل لقوم غادروه مضرّجاً *** بدمائه نضواً صريع شكاك

متعفّراً قد مزَّقت أشلاءه *** فرياً بكل مهنَّد فتاك

أيزيد لو راعيت حرمة جده *** لم تقتنص ليث العرين الشاكي

إذ كنت تصغي إذ نقرت بثغره *** قرعت صماخك أنّه المسواك

أتروم ويك شفاعة من جَّده *** هيهات ، لا ومدّبر الأفلاك

ولسوف تنبذ في جهنم خالداً *** ما الله شاء ولات حين فكاك

ص: 249

وقوله معارضاً قول الحريري ( خلِّ ادكار الاربع )

أومض ببرق الاضلع *** واسكب غمام الادمع

واحزن طويلا واجزع *** فهو مكان الجزع

وانثر دماء المقلتين *** تألمأ على الحسين

وابك بدمع دون عين *** إن قلَّ فيض الادمع

قضى لهيفا فقضى *** من بعده فصل القضا

ريحانة الهادي الرضا *** وابن الوصي الانزع

ص: 250

أبو بحر صفوان بن ادريس بن عبدالرحمن بن عيسى بن ادريس التجيبي المرسي.

ولد سنة 560 وتوفي سنة 598

كان كاتباً بليغاً وشاعراً بارعاً من أعيان أهل المغرب كما في الطليعة.

قال لسان الدين بن الخطيب انفرد برثاء الحسين وقال ابن الأبار له قصائد جليلة خصوصاً في الحسين. رحل الى مراكش فقصد دار الخلافة مادحاً فما تيسر له شيء فقال : لو مدحت آل البيت لبلغت أملي فمدح ، وبينما هو عازم على الرجوع طلبه فقضى الخليفة مأربه فعكف على مدح آل البيت علیهم السلام ورثائهم.

ومن شعره :

قلنا وقد شام الحسام مخوّفاً *** رشاً بعادية الضراغم عابث

هل سيفه من طرفه أم طرفه *** من سيفه أم ذاك طرف ثالث

وقوله :

يا قمراً مطلعه أضلعي *** له سواد القلب فيها غسق

وربما استوقد نار الهوى *** فناب فيها لونها عن شفق

عندي من حبك ما لو سرت *** في البحر منه شعلة لاحترق

ص: 251

وفي فوات الوفيات ج 1 ص 392.

صفوان بن ادريس ، ابو بحر ، الكاتب البليغ :

كان من جلَّه الادباء ، وأعيان الرؤساء ، فصيحاً جليل القدر ، له رسائل بليغة ، وكان من الفضل والدين بمكان ، توفي وله سبع وثلاثون سنة.

ومن شعره :

يا حسنه والحسن بعض صفاته *** والسحر مقصور على حركاته

بدر لو أن البدر قيل له اقترح *** أملاً لقال أكون من هالاته

والخال ينقط في صحيفة خدّه *** ما خط حبر الصدغ من نوناته

وإذا هلال الافق قابل وجهه *** أبصرته كالشكل في مرآته

عبثت بقلب محبّه لحظاته *** يارب لا تعبث على لحظاته

ركب المآثم في انتهاب نفوسنا *** فالله يجعلهنَّ من حسناته

ما زلت أخطب للزمان وصاله *** حتى دنا والبعد من عاداته

فغفرت ذنب الدهر منه بليلة *** غطت على ما كان من زلاته

غفل الرقيب فنلت منه نظرة *** يا ليته لو دام في غفلاته

ضاجعته والليل يذكى تحته *** نارين من نفسي ومن جناته

بتنا نشعشع والعفاف نديمنا *** خمرين : من غزلي ومن كلماته

حتى إذا ولع الكرى يجفونه *** وامتدّ في عُضديّ طوع سناته

أوثقته في ساعدى لأنه *** ظبي خشيت عليه من فلتاته

فضممته ضمَّ البخيل لماله *** يحنو عليه من جميع جهاته

عزم الغرام عليَّ في تقبيله *** فنقضت أيدي الطوع من عزماته

وأبى عفافي أن أقبل ثغره *** والقلب مطوّيٌ على جمراته

فاعجب لملتهب الجوانح غلة *** يشكو الظما والماء في لهواته

ص: 252

وقال رحمه الله من قصيدة :

حكمتم زمناً لولا اعتدالكم *** في حكمكم لم يكن للحكم يعتدل

فإنما أنتم في أنفه شمم *** وإنما أنتم في طرفه كحل

يرى اعتناق العوالي في الوغى غزلا *** لانّ خرصانها من فوقها مقل

وقال أيضاً رحمه الله تعالى :

أحمى الهوى خدَّه وأوقد *** فهو على أن يموتُ أوقد

وقال عنه العذول سالٍ *** قلده الله ما تقلَّد

وباللوى شادن عليه *** جيد غزال ووجه فرقد

علله ريقه بخمر *** حتى انثنى طرفه وعربد

لا تعجبوا لانهزام صبري *** فجيش أجفانه مؤيد

أناله كالذي تمنىَّ *** عبد ، نعم عبده وأزيد

له عليَّ امتثال أمر *** ولي عليه الجفاء والصدَّ

إن سلمت عينه لقتلي *** صلَّى فؤادي على محمد

وعارضها شيخ الشيوخ شرف الدين عبدالعزيز الأنصاري بقصيدة بديعة ، وهي :

ويلاه من غمضي المشرَّد *** فيك ومن دمعى المردّد

يا كامل الحسن ليس يطفي *** ناري سوى ريقك المبرَّد

يا بدر تمٍّ ، إذا تجلى *** لم يبق عذرا لمن تجلد

أبديت من حالي المورَّى *** لما بدا خدك المورد

رفقا بولهان مستهام *** أقامه وجده وأقعد

ص: 253

مجتهداً في رضاك عنه *** وأنت في إثمه المقلد

ليس له منزل بأرض *** عنك ولا في السماء مصعد

قيدته في الهوى فتمم *** واكتب على قيده مخلد

بان الصبا عنه فالتصابي *** أنشأ أطرابه فأنشد

من لي بطفل حديث سحر *** بابل عن ناظريه مسند

شتت عني نظام عقلي *** تشتيت ثغر له منصد

لو اهتدى لاثمي عليه *** ناح على نفسه وعدد

ألبسني نشوة بطرف *** سكرت من خمره فعربد

لا سهم لي في سديد رأي *** يحرس من سهمه المسدد

غصن نقاحلَّ عقد صبري *** بلين خصر يكاد يعقد

فمن رأى ذلك الوشاح ال- *** -صائم صلى على محمد

خير نبي نبيهُ قدرٍ *** عودي إلى المدح فيه أحمد

ومن ههنا خلص إلى مدح رسول الله صلی الله علیه و آله :

ومن شعر صفوان :

والسرحة الغناء قد قبضت بها *** كف النسيم على لواء أخضر

وكأن شكل الغيم منجل فضة *** يرمي على الأفاق رطب الجوهر

وقال أيضاً رحمه الله تعالى :

وكأنما أغصانها أجيادها *** قد قلّدت بلآلىء الأنوار

ما جاءها نفس الصبا مستجدياً *** إلا رمت بدراهم الأزهار

ص: 254

وقال في مليح يرمى نارنجا في بركة :

وشادن ذي غنج دلّه *** يروقنا طوراً وطوراً يروع

يقذف بالنارنج في بركة *** كلاطخ بالدم سرد الدروع

كأنها اكباد عشاقه *** يقذفها في لجِّ بحر الدموع

وقال أيضاً رحمه الله :

أولع من طرفه بحتفى *** هل يعجب السيف للقتيل

تهيبوا بالحسام قتلى *** فاخترعوا دعوة الرحيل

وقال ابن سعيد في كتابه ( المغرب ) : هو أنبه الاندلس في عصره ، له كتاب زاد المسافر. قصر إمداحه على أهل البيت علیهم السلام واكثر من تأبين الحسين (عليه السلام).

وفي معجم الأدباء : صفوان بن ادريس بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عيسى التجيبي أبو بحر ، كان أديباً كاتباً شاعراً سريع الخاطر ، أخذ عن أبيه والقاضي ابن ادريس وابن غلبون وأبي الوليد ، وهو أحد أفاضل الأدباء المعاصرين بالاندلس. ولد سنة ستين وخمسمائة ، وتوفي بمرسية سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ولم يبلغ الاربعين. وله تصانيف منها : كتاب زاد المسافر وراحلته وكتاب العجالة ، مجلدان يتضمنان طرفاً من نثره ونظمه ، وديوان شعر ، ومن شعره :

قد كان لي قلباً فلما فارقوا *** سوَّى جناحاً للغرام وطارا

وجرت سحاب للدموع فأوقدت *** بين الجوانج لوعة وأوارا

ومن العجائب ان فيض مدامعي *** ماءً يمرُّ وفي ضلوعي نارا

ص: 255

وقال في مدح النبي صلی الله علیه و آله :

تحية الله وطيب السلام *** على رسول الله خير الأنام

على الذي فتح باب الهدى *** وقال للناس ادخلوها بسلام

بدر الهدى سحب الندو الجدا *** وما عسى أن يتناهى الكلام

تحية تهزأ أنفاسها *** بالمسك لا أرضى بمسك الختام

تخصَّه مني ولا تنثني *** عن آله الصِّيد السراة الكرام

وقدرهم أرفع لكنني *** لم ألف أعلى لفظة من كرام

وقوله - رواه الحموي في معجم الأدباء :

يقولون لي لما ركبتُ بطالتي *** ركوب فتى جمّ الغواية معتدي

أعندك ما ترجو الخلاص به غداً *** فقلت نعم عندي شفاعة أحمد

ص: 256

استدراك

اشارة

على الجزئين : الاول والثاني

ص: 257

ص: 258

مسعود بن عبدالله القايني

لا بدّ ان ترد القيامة فاطم *** وقميصها بدم الحسين ملطّخُ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه *** والصور في يوم القيامة ينفخُ (1)

قال الشيخ الطريحي في المنتخب : ذكر أهل التاريخ أن سبط ابن الجوزي كان يعظ على الكرسي بجامع دمشق فطلب منه أهل المجلس أن يذكر شيئاً في مصرع الحسين بن علي عليه السالم فانشد يقول : لا بد ان ترد القيامة فاطم. ثم انه وضع المنديل على رأسه واستعبر طويلاً ونزل عن الكرسي وبذلك ختم مجلسه.

اقول ويظهر أن هذا الشعر قد قيل في القرون المتقدمة الثاني أو الثالث ، إذ أن أبا فراس الحمداني المتوفي سنة 357 ه- يستشهد به متضمناً فيقول :

أهوى الذي يهوى النبي وآله *** أبداً وأشنأ كل من يشناه

مذ قال قبلي في قريض قائل *** ( ويل لمن شفعاؤه خصماه )

أما قائلهما مسعود كما يقول ابن شهراشوب فلا تعرف عنه شيئاً.

ص: 259


1- قال السيد المقرم في ( مقتل الحسين ) ص 132 نقلا عن مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 91 انهما لمسعود بن عبدالله القايني.

وفي كتاب ( سيرتنا وسنتنا ) للشيخ الاميني نقلا عن كتاب الصراط السوي للسيد محمود الشيخاني المدني ان سليمان بن يسار الهلالي (1) يقول : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم *** وقميصها بدم الحسين ملطخُ

ويلٌ لمن شفعاؤه خصماؤه *** والصور في يوم القيامة ينفخ

اخرج الفقيه ابن المغازلي في المناقب ، والحافظ الجنابذي الحنبلي ابن الاخضر المتوفي سنة 611 في كتابه ( معالم العترة ) مرفوعاً من طريق اميرالمؤمنين علي علیه السلام : تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدم ، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش ، وتقول : يا جبار أحكم بيني وبين قاتل ولدي ، فيحكم لابنتي ورب الكعبة.

وروى الشيخ المجلسي في بحار الانوار ج 43 من الطبعة الجديدة ص 220 عن عيون أخبار الرضا عن احمد بن ابي جعفر البيهقي ، عن احمد بن علي الجرجاني عن اسماعيل بن ابي عبدالله القطان ، عن احمد بن عبدالله بن عامر الطائي عن ابي احمد بن سليمان الطائي عن علي بن موسى الرضا عن ابائه علیهم السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء ، تتعلق بقائمة من قوائم العرش وتقول : يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي.

قال رسول الله : فيحكم الله لأبنتي ورب الكعبة. وان الله عز وجل يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.

ص: 260


1- سليمان بن يسار المدني تابعي عظيم من رجال الصحاح الست ، متفق على ثقته وعلمه وفقهه وامانته توفي سنة 107 عن (73) سنة. راجع تاريخ البخاري الكبير ج 2 ص 42 وطبقات ابن سعد ج 5 ص 130.

أبوطالب الجعفري

قال ابو طالب محمد بن عبدالله الجعفري من شعراء القرن الثالث :

لي نفس تحب في الله - والله - حسينا ولا تحب يزيدا

يا بن اكالة الكبود لقد أنضجت من لا بسي الكئيب الكبودا

أيّ هول ركبت عذبك الرحمن في ناره عذاباً شديداً

لهف نفسي على يزيد واشياع يزيد ضلوا ضلالاً بعيداً

يا أبا عبدالله يا بن رسول الله يا أكرم البرية عودا

ليتني كنت يوم كنت فأمسي فيك في كربلا قتيلاً شهيدا (1)

ص: 261


1- عن الحدائق الوردية في مناقب ائمة الزيدية للإمام حميد الشهيد ص 137 والكتاب مخطوط في مكتبة كاشف الغطاء العامة 713.

محمد بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب علیه السلام كان هو وابوه وحده كل منهم شاعر كما في معجم شعراء الطالبية ، وفي معجم الشعراء للمرزباني. ابو طالب الجعفري شاعر مقل يسكن الكوفة. فلما جرى بين الطالبيين والعباسيين بالكوفة ما جرى وطلب الطالبيون قال ابو طالب :(1)

بني عمنا لا تذممونا سفاهة *** فينهض في عصيانكم من تأخرا

وان ترفعوا عنايد الظلم تجتنوا *** لطاعتكم منا نصيبا موفرا

وان تركبونا بالمذلة تبعثوا *** ليوثاً ترى ورد المنية أعذرا

وله :

قد ساسنا الاهل عسفا *** وسامنا الدهر خسفا

وصار عدل أناس *** جوراً علينا وحيفا (2)

ص: 262


1- اقول وجاء في عمدة الطالب في انساب الى ابي طالب اسم محمد هذا وعمود نسبه وقال : له ولد اسمه محمد. هذا ما رأيته في طبعه بمبى اما الطبعة الجديدة في النجف فتقول : له ولد اسمه الحسين.
2- عن اعيان الشيعة ج 45 ص 286.

والله لولا انتظاري *** برأ لدائي أشفى

ورقبتي وعدُ وقتٍ *** تكون بالنجح أوفى

لسقت جيشاً اليهم *** ألفا وألفا وألفا

حتى تدور عليهم *** رحى البلية عطفا

وجاء في معجم شعراء الطالبية ان اباه عبدالله - كان ببغداد - وقد امتنع من لبس السواد وخرقة لما طولب بلبسه ، فحبس بسر من رأى فمات في حبسه أيام المعتصم.

اقول ويظهر من ذلك انه من شعراء القرن الثالث

ص: 263

داعي الدعاة

لقد زرتُ مثوى الطهر في أرض كربلا *** فدتْ نفسيَ المقتول عطشان صاديا

ففى عشر ما نال الحسين ابن فاطم *** لمثلي مسلاة لئن كنت ساليا

البيتان من قصيدة نذكر بعضها في الصفحة الآتية :

ص: 264

نسيم الصبا ألمم بفارس غاديا *** وأبلغ سلامي أهل ودي الازاكيا

وقل كيف أنتم بعد عهدي فانني *** بُليت بأهوال تشيب النواصيا

سيبكي عليَّ الفضل والعلم إن رمت *** بمثلي يد الدهر العسوف المراميا

وعُطَّل مني مسجد أسَّه التقى *** لآل رسول الله بي كان حاليا

أإخواننا صبراً جميلا فانني *** غدوت بهذا في رضى الله راضيا

وفي آل طه إن نفيت فإنني *** لاعدائهم ما زلت والله نافيا

فما كنت بدعاً في الاولى فيهم نفوا *** ألافخر أن أغدو ( لجندب ) (1) ثانيا

لئن مسَّنى بالنفي قرحٌ فانني *** بلغت به في بعض همي الامانيا

فقد زُرت في كوفان للمجد قبّة *** هي الدين والدنيا بحقٍ كما هيا

هي القبة البيضاء قبة حيدر *** وصي الذي قد أرسل الله هاديا

وصيَّ النبي المصطفى وابن عمه *** ومن قام مولى في الغدير وواليا

ومن قال قومٌ فيه قولاً مناسباً *** لقول النصارى في المسيح مضاهيا

فوا حبذا التطواف حول ضريحه *** أصلي عليه في خشوع تواليا

وواحبذا تعفير خديَّ فوقه *** ويا طيب إكبابي عليه مناجيا

أناجي وأشكو ظالمي بتحرَّق *** يثير دموعاً فوق خدي جواريا

الشاعر هبة الله بن موسى السلماني نسبة الى سلمان الفارسي فمن المؤرخين

ص: 265


1- يريد جندب بن جنادة اباذر الغفاري الصحابي الجليل الذي نفي الى الربذة وبقي فيها يعاني ألم الوحدة وكبر السن الى أن مات في منفاه.

من يقول أن المؤيد في الدين هو من نسل سلمان من ذلك ما قاله صاحب عيون المعارف : هبة الله بن موسى من ولد سلمان الفارسي وجاء في شعر المؤيد قوله موضحاً أن رتبته هي رتبة سلمان وانه قائم بما قام به إذ يقول :

لو كنت عاصرت النبي محمداً *** ما كنت أقصر عن مدى سلمانه

ولقال أنت من أهل بيتي معلناً (1) *** قولاً يكشّف عن وضوح بيانه

كان مولده بشيراز ونشأ بها ، ويرجّح شارح ديوانه أن يكون مولده سنة تسعين وثلثمائة من الهجرة ، يتضح من شعره انه مرّت عليه أيام بؤس وشقاء قاسى فيها ألوان الذلّة والمسكنة ، واضطر أن يسافر مراراً كما حدثنا بشعره انه كان مضطهداً اكثر ايام حياته بسبب مذهبه الذي كان يخالف مذهب أهل بلدته ، وتقرأ ذلك في قصيدته السابقة المنشورة في ديوانه المطبوع بالقاهرة :

قال صاحب عيون المعارف : وكان للمؤيد تصانيف جمة في الحجج والسير والاخبار ، وله أدعية ومناجات في الاوراد مشهورة.

وقال الاستاذ ايفانوف ما ترجمته : كان المؤيد مؤلفاً بارعاً ، كتب بالعربية والفارسية ولا تزال كتبه من أمهات كتب الاسماعيلية ، ثم سرد مؤلفات المؤيد. ومنها :

المجالس المؤيدية.

المجالس المستنصرية.

ص: 266


1- يشير المؤيد الى الحديث النبوي - سلمان منا أهل البيت - ونظمه غيره فقال : أيا سلمان يا من حاز فخراً *** وعمّ الناس إحساناً ومنّا ونال بخدمة المختار طه *** وعترته الاكارم ما تمنىّ لقد فقت الورى شرفاً وفخراً *** بقول المصطفى سلمان منّا

ديوان المؤيد.

شرح المعاد.

الايضاح والتبصير في فضل يوم الغدير.

الابتداء والانتهاء.

وللمؤيد آثار علمية وتراث ضخم ومجالس للمناظرة دلت على سعة اطلاعه على حقائق الدين ، من ذلك مناظراته مع أبي العلاء المعري في رسائله التي دارت بينهما حول أكل لحم الحيوان ، ومع علماء شيراز ، وحسبك ما كتبه الاستاذ محمد كامل حسين المصري استاذ كلية الآداب في مقدمة ديوان المؤيد.

وإنما سمي بالداعي لما كان يتحلى به من صفات العلم والتقوى والسياسة ونشر الدعوة وبث المعارف ، وعمل داعي الدعاة هو الاشراف على كل شيء يختص بالدعوة وعقد مجالسها بالقصر أو دار العلم.

ص: 267

ابو عبدالله الطوبي

ابو عبدالله محمد بن الحسن الطوبي ، من شعراء القرن الخامس ، قال في فص أسود غروي :

أنا غرويُّ شديد السواد *** وقد كنت ابيض مثل اللجين

وما كنت أسود لكنني *** صبغت سواداً لقتل الحسين

وقال في فص أحمر :

حمرتي من دم قلبي *** أين من يندب ، أينا؟

أنا من احجار ارض *** قتلوا فيها الحسينا

قال العماد الأصفهاني : (1)

وهو من قول الشاعر في فص أخضر :

لا تعجبوا من خضرتي *** فإنها مرارتي

تقطَّرت لما رأت *** ما صنعوا بسادتي

ص: 268


1- ذکرها العماد الاصفهاني في خريدة القصر. قسم شعراء صقلية ص 60 - 61.

ابو عبدالله محمد بن الحسن بن الطوبي (1). قال العماد في الخريدة قسم شعراء صقلية : ذكر أنه كان صاحب ديوان الرسائل والإنشاء ومن ذوي الفضائل البلغاء ، طبيباً مترسلاً شاعراً ، وأورد من نظمه كل مليح الحوك صحيح السبك ، فمن ذلك قوله في الغزل :

يا قاسي القلب ألا رحمة *** تنالني من قلبك القاسي

جسمك من ماء فمالي أرى *** قلبك جلموداً على الناس؟

أخاف من لين ومن نعمة *** عليك من ترديد أنفاسي

سبحان من صاغك دون الورى *** بدراً على غصن من الآس

وقوله :

أيُّ ورد يلوح من وجنتيه *** طار مني الفؤاد شوقاً إليه

فإذا رمت اجتنيه ثناني *** عنه وقع السيوف من مقلتيه

وقوله في العذار :

انظر الى ( حسن ) وحُسن عذاره *** لترى محاسن تسحر الأبصارا

فاذا رأيت عذاره في خده *** ابصرت ذا ليلاً وذاك نهارا

وقوله في العذار ايضاً :

قام عذري بعذاري- *** -ه فما أعظم كربي

ص: 269


1- نسبة الى قصر الطوب وهو موضع بافريقية.

قلت لما ان تبدّى *** نبتُه سبحان ربي

احرقت فضة خديك *** لكي تحرق قلبي!

وقوله في غلام ناوله حصر ما :

اتعبت قلبي بالصدود *** ولست أيأس من وصالك

فخذ الدليل فقد زجر *** ت لما أؤمل من نوالك

ناولتني من حصرمٍ *** فرجوت نقلك عن فعالك

إذ كان يحمض أولا *** وتراه حلواً بعد ذلك

وقوله :

يا سميّ وحبيبي *** نحن في أمر عجيب

اتفاق في الأسامى *** واختلاف في القلوب

وقوله :

قُسِّمَ الحسن على الخل- *** -ق ولكن ما أقله

فهو في الأمة تفصي- *** -ل وفي وجهك جمله

وقوله :

بخدك آس وتفاحة *** وعينك نرجسة ذابله

وريقك من طببه قهوةٌ *** فوجهك لي دعوة كامله

ص: 270

وقوله في ذم مغن :

ومغن لو تغنىِّ *** لك صوتين لمتا

سمج الخلقة غثٌ *** ينحت الآذان نحتا

ويغني ما اشتهاه *** لا يغني ما اردتا

كلما قال اقترح قل- *** -ت اقتراحي لو سكتا

وقوله في مثله :

غنّى كمن قد صاح في خابيه *** لا وهب الله له العافيه

ما أحدٌ يسمعه مرة *** فيشتهي يسمعه ثانيه

وقوله في مثله :

ومغن قد لقينا *** منه كرباً وبلاء

هو من برد غناء *** يجعل الصيف شتاء

وقوله في مثله :

يغني فنهوى انسداد الصماخ *** ونبصره فنحبُّ العمى

دعاه رجال الى عرسهم *** فصيّر عرسهم مأتما

وقوله في اعتزاله عن الناس :

يا لائمي في انتزاحى *** عن الورى وانقطاعي

لا أستطيع على أن *** أكون بين الافاعي

ص: 271

وقوله في الخضاب :

يا خاضب الشيب دعه *** فليس يخفى المشيب

حصلت منه على أن *** يُقال شيخ خضيب

وفي انباه الرواة للقفطي ج 3 ص 107 ما يلي : محمد بن الحسن الطوبي الصقلي مقيم بصقلية يتولى الانشاء نحوي اربى في النحو على نفطويه. وفي الطب على [ ابن ] ماسويه. جامع للفضائل. عالم بالرسائل ، وكلامه في نهاية الفصاحة وشعره في غاية الملاحة. وله « مقامات » تزرى « بمقامات البديع » وإخوانيات كأنها زهر الربيع مع خط كالطرز المعلمة ، والبرود المئمنة. وكان الشعر طوع عنانه ، وخديم جنانه. ومدحه ابن القطاع الصقلي بقوله :

أيها الاستاذ في ال- *** -طب وإعراب الكلام

لك في النحو قياس *** لا يساميه مسام

ثم في الطب علاج *** دافع الداء العقام

أنت في النثر البديه- *** -ي وفي النظم السلامي

فاضل الآباء والنف- *** -س عظامي عصامي

ومن شعر محمد بن الحسن قوله :

أخشى عليك الحسن يا من به *** أصبح كل الناس في كرب

ألا ترى يوسف لما انتهى *** في حسنة ألقي في الجبّ

وقال في صبي نصراني من نصارى الفرنج واسمه نسطاس :

اقول وقد مر نسطاس بي *** وقلبي فيه عذاب اليم

ص: 272

وقد ماس كالبان فوق الكثيب *** وأقبل يرنو بالحاظ ريم

لئن كان في النار هذا غداً *** فاني أحب دخول الجحيم

كان هذا الفاضل موجودا في سنة خمسين واربعمائة بصقلية ، واظنه عاش بعد ذلك مدة ، انتهى.

وفي الخريدة في حاشية ص 56 قال : وأورد له السلفي البيتين الآتيين :

يا ولداً حلَّ داخل الكبد *** خالفت أمري فزدت في كمدي

والله يا قوم ما عققت أبي *** فليت شعري لم عقَّني ولدي

ص: 273

عبدالله بن ابي طالب الفتى

بلغ أمير المؤمنين تحيتي *** واذكر له حبي وصدق توددي

وزر الحسين بكربلاء وقل له *** يا بن الوصي ويا سلالة أحمد

صاموك وانتهكوا حريمك عنوة *** ورموك بالامر الفظيع الانكد

ولو أنني شاهدت نصرك أولاً *** روّيت منهم ذابلي ومهندي

مني السلام عليك يا بن المصطفى *** أبداً يروح مع الزمان ويغتدي (1)

ص: 274


1- دمية القصر للباخرزي ص 385.

قال الباخرزي في ( دمية القصر ) أنشدني ابنه الاديب سلمان له قال : وانما قاله على لسان الامير حسام الدولة فارس بن عنَّان وكان ينقش في فص خاتمه : أعدَّ للبعث أبوطالب حبَّ علي بن ابي طالب.

بمحمد وبحب آل محمد *** علقت وسائل فارس بن محمد

يا آل أحمد يا مصابيح الدجى *** ومنار منهاج السبيل الأقصد

لكم الحطيم وزمزم ولكم منى *** وبكم الى سبل الهداية نهتدي

اني بكم متوسل وبحبكم *** متمسك لا تنثني عنه يدي

وعليكم نزل الكتاب مفصلاً *** من ذي المعارج بالمنير المرشد

إن ابن عنان بكم كبت العدى *** وعلا بحبكم رقاب الحُسّد

ولئن تأخر جسمه لضرورة *** فالقلب منه مخيم بالمشهد

يا زائراً أرض الغرى مسدداً *** سلم سلمت على الامام السيد

وزر الحسين بكربلاء وقل له *** يا ابن الوصي ويا سلالة أحمد

بلغ أميرالمؤمنين تحيتي *** واذكر له حبي وصدق توددي

صاموك وانتهكوا حريمك عنوة *** ورموك بالأمر الفظيع الأنكد

ولو انني شاهدت نصرك أولا *** رويت منهم ذابلي ومهندي

مني السلام عليك يا ابن المصطفى *** أبداً يروح مع الزمان ويغتدى

وعلى أبيك وجدك المختار والث- *** -اوين منهم في بقيع الغرقد

وبأرض بغداد على موسى وفي *** طوس على ذاك الرضى المتفرد

وبسر من را فالسلام على الهدى *** وعلى التقى وعلى الندى والسؤدد

بالعسكريين اعتصامي من لظى *** وبقائم بالحق يصدع في غد

يجلو الظلام بنوره ويعيدها *** علوية فينا بأمر مرصد

اني سعدت بحبكم أبداً ومن *** يحببكم يا آل أحمد يسعد

مستبصراً والله عون بصيرتي *** ما ذاك إلا من طهارة مولدي

ص: 275

وانشدني الشيخ ابو محمد الحمداني له : (1).

ما شك في فضل آل فاطمة *** إلا امرء ما لأمِّة بعل

نغل اذا الحر طاب مولده *** وكيف يهوى ذوي الهدى نغل

خدي لاقدام آل فاطمة *** إذا تخطوا على الثرى نعل (2)

ص: 276


1- الابيات في تلخيص مجمع الاداب الجزء الرابع ، القسم الثالث ص 47 ولما كان الباخرزي صاحب الدمية قد سمع من ابن الشاعر فهو والشاعر من عصر واحد فحق لنا ان نعده من شعراء القرن الخامس.
2- الدمية ص 155.

ابو الحسن الباخرزي

صنو الرسول وزوج فاطمة التي *** ملئت ملاءتها من العلياء

وابو الذين تجردوا ما بين مسمو *** م ومذبوح - عن الحوباء

وأراك تنقص يا يزيد ، اذا علت *** يوم القيامة رنة الزهراء

تغشى التظلّم من مريق دم ابنها *** سحّابة للخرقة الحمراء

ما بال اولاد النبي تركتهم *** نهباً لقتل شايع وسباء

لو كنت ترعى جانب الأب لم تكن *** لتضيَّع الحرمات في الابناء

ظمئوا وما أوردتهم ، ودماؤهم *** عمّت ظماء السمر بالارواء

وأخس من سؤر الاناء عصابة *** حجروا على الظمأن سؤر إناء

بمجنّحات شُرّد يسلكن من *** لهواتهم طرقاً الى الاقفاء

والله املاهم ليزدادوا به *** إثماً فقل في حكمة الاملاء

خجلا لهم من قوم صالح الاولى *** لم يفتكوا إلا بذات رغاء

فتعاودتها رجفة جثمت بها *** فكأنها لم تغن في الاحياء

* * *

وأرى المسيحيين بعد مسيحهم *** ما قصروا في طاعة ووفاء

ص: 277

ظفروا بأرض حماره فاستبشروا *** فكأنهم ظفروا بنجم سماء

وقتال سبط الهاشمي وقاحة *** لم تند قط صفاتها بحياء

أرداه مصرع كربلا فكأنها *** مشتقة من كربة وبلاء

لا عشت إن لم أرثه بقصائد *** يطوي الرواة بهن ذكر ( الطائي )

مدحي لاصحاب النبي ومذهبي *** للشافعي وكلهم شفعائي

واذا جزى الممدوح بالاموال شا *** عره فمغفرة الآله جزائي (1)

ص: 278


1- عن مخطوط الرائق الجزء الثاني ص 141 والقصيدة مطلعها حتى م أنشر في الغرام لوائي *** وأعير بعض الغانيات ولائي

علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي

ترجم له في طبقات الشافعية ج 3 ص 298 فقال :

هو أبو الحسن الباخرزي الاديب ، مصنف دمية القصر ، وباخرز ناحية من نواحي نيسابور ، والدمية ذيل على يتيمة الثعالبي. تفقه على الشيخ أبي محمد الجويني ، ثم أخذ في الادب وتنقلت به الاحوال الى ان قتل بباخرز في ذي القعدة سنة سبع وستين واربعمائة.

وقال ياقوت في معجم الادباء : كان واحد دهره في فنه وساحر زمانه في قريحته وذهنه ، صاحب الشعر البديع والمعنى الرفيع. وأثنى عليه. وورد الى بغداد مع الوزير الكندي. واقام بالبصرة برهة ثم شرع في الكتابة معه مدة ، واختلف الى ديوان الرسائل وتنقلت به الاحوال في المراتب والمنازل ، وله ديوان كبير فمن شعره :

يا فالق الصبح في لألاء غرته *** وجاعل الليل من أصداغه سكنا

لاغرو إن أحرقت نار الهوى كبدي *** فالنار حقٌ على من يعبد الوثنا

وقال أيضاً :

عجبت من دمعتي وعيني *** من قبل بينٍ وبعد بين

قد كان عيني بغير دمع *** فصار دمعي بغير عين

ص: 279

وقال أيضاً :

أصبحت عبداً لشمس *** ولست من عبد شمس

اني لأعشق شيء *** وحق من شق خمسي

يريد اني لأعشق انسان.

اقول وذكر ياقوت له شعراً كثيراً في الجزء 13 ص 33.

ص: 280

عبدالله البرقي

اذا جاء عاشورا تضاعف حسرتي *** لآل رسول الله وانهلّ دمعتي

بيوم به اغبرت به الارض كلها *** شجونا عليهم والسماء اقشعرت

مصائب ساءت كل من كان مسلما *** ولكن عيون الفاجرين أقرت

اذا ذكرت نفسي مصيبة كربلا *** وأشلاء سادات بها قد تفرّت

أضاقت فؤادي واستباحت تجلدي *** وزادت على كربي ، وعيشي أمرت

بنفسي خدود في التراب تعفرت *** بنفسي جسوم بالعراء تعرّت

بنفسي رؤس مشرقات على القنا *** الى الشام تهدى بارقات الاسرة (1)

بنفسي شفاه ذابلات على الظما *** ولم ترو من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيون غائرات شواخص *** الى الماء منها نظرة بعد نظرة

* * *

كأني ببنت المصطفى قد تعلَّقت *** يداها بساق العرش والدمع أذرت

ص: 281


1- الاسرة : غصون الجبهة.

وفي حجرها ثوب الحسين مضرّجاً *** وعنها جميع العالمين بحسرة

* * *

لأل رسول الله وديّ خالصاً *** كما لمواليهم ولائي ونصرتي

وها أنا قد أدركتُ حدَّ بلاغتي *** أصلي عليهم في عشيٍّ وبكرة

وقول النبي : المرء مع من أحبّه *** يقويّ رجائي في إقالة عثرتي (1)

ص: 282


1- عن مقتل الخوارزمي ج 2 ص 137. والقصيدة طويلة انتخبنا منها هذه الابيات.

ابو محمد عبدالله بن عمار البرقي :

قتل سنة 245 ه- وذلك أنه وشي به الى المتوكل العباسي وقرأت له قصيدته النونية الشهيرة التي قالها في أهل البيت علیهم السلام والتي اولها :

ليس الوقوف على الاطلال من شاني.

الى ان يقول :

فهو الذي امتحن الله القلوب به *** عما يجمجمن من كفر وإيمان

وهو الذي قد قضى الله العليُّ له *** أن لا يكون له في فضله ثاني

وإن قوماً رجوا إبطال حقكم *** أمسوا من الله في سخط وعصيان

لن يدفعوا حقكم إلا بدفعهم *** ما أنزل الله من آي وقرآن

فقلدوها لاهل البيت إنهم *** صنو النبي وانتم غير صنوان

فأمر المتوكل بقطع لسانه وإحراق ديوانه. ففعل به ذلك ، فمات بعد ايام.

ذكر الخوارزمي وابن شهراشوب وغيرهما ، وفي الطليعة : سماه في المعالم : علي بن محمد ، وكناه ابا عبدالله وليس به ، كما ذكره الخوارزمي في رسالته لاهل نيشابور والثعالبي والحموي كان شاعراً اديباً ظريفاً مدح بعض الامراء في زمن الرشيد الى أيام المتوكل ، وأكثر في مدح الائمة الاطهار حتى جمع له ديواناً أكثره فيهم وحرق.

حدث حماد بن اسحاق عن أبيه قال قلت في معنى عرض لي : ( وُصف الصدُّ لمن أهوى فصد ) ثم أجبلت فمكثت عدة أيام مفكراً في الاجازة فلم يتهياً لي شيء ، فدخل علي عبدالله بن عمار فاخبرته فقال مرتجلا ( وبدا يمزح في الهجر فجد ) انتهى عن الاعيان ج 39 ص 24.

ص: 283

مرت في الجزء الثاني ترجمة السري الرفاء الموصلي مقتضبة مختصرة وإتماماً للفائدة نضيف اليها ما يلي :

قال الثعالبي في اليتيمة ج 2 ص 117 :

السريُّ وما ادراك من السري لله دره ما أعذب بحره وأصفى قطره وأعجب أمره وقد اخرجت من شعره ما يُكتب على جبهة الدهر فكتبت منه محاسن كأنها أطواق الحمام.

ولما جدّ السري في خدمة الادب وانتقل عن تطريز الثياب الى تطريز الكتاب ، شعر بجودة شعره ونابذ الخالديين الموصليين وناصبهما العداوة وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره ، وجعل يورق وينسخ ديوان شعر أبي الفتح كشاجم ، وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد ، والسري في طريقة يذهب وعلى قالبه يضرب ، وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه ، وينفق سوقه ، ويغلي سمره ، ويشنع بذلك على الخالديين ، ويغض منهما ، ويظهر مصداق قوله في سرقتهما ، فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الاصول المشهورة منها ، وقد وجدتها كلها للخالديين بخطّ أحدهما وهو أبو عثمان سعيد بن هاشم في مجلدة أتحف بها الوراق المعروف بالطرسوسي ببغداد أبا نصر سهل بن المرزبان وأنفذها إلى نيسابور في جملة ما حصل عليه من طرائف الكتب باسمه ، ومنها وجدت الضالة المنشودة من شعر الخالدي المذكور وأخيه أبي بكر محمد بن هاشم ، ورأيت فيها أبياتاً كتبها أبوعثمان لنفسه ، وأخرى كتبها لأخيه ، وهي بأعيانها

ص: 284

للسري بخطه في المجلدة المذكورة لأبي نصر ، فمنها أبيات في وصف الثلج واستهداء النبيذ :

يا من أنامله كالعارض الساري *** وفعله أبداً عار من العار

أما ترى الثلج قد خاطت أنامله *** ثوباً يزر على الدنيا بأزرار

نار ولكنها ليست بمبدية *** نوراً وماء ولكن ليس بالجاري

والراح قد أعوزتنا في صبيحتنا *** بيعاً ولو وزن دينار بدينار

فامنن بما شئت من راح يكون لنا *** ناراً فانا بلا راح ولا نار

ومن قوله أيضاً :

ألذّ العيش إتيان الصبيح *** وعصيان النصيحة والنصيح

وإصغاء إلى وترٍ وناي *** إذا ناحا على زق جريح

غداة دجنة وطفاء تبكي *** إلى ضحك من الزهر المليح

وقد حديت قلائصها الحيارى *** بحادٍ من رواعدها فصيح

وبرق مثل حاشيتي رداء *** جديد مُذهبَ في يوم ريح

وقال من قصيدة هجا بها أبا العباس النامي ، ويحكى انه كان جزاراً بالمدينة :

أرى الجزَّار هيَّجني وولّى *** فكاشفني وأسرع في انكشافي

ورقّع شعره بعيون شعري *** فشاب الشهد بالسمِّ الذعاف

لقد شقيت بمديتك الأضاحي *** كما شقيت بغارتك القوافي

توعّر نهجها بك وهو سهل *** وكدَّر وردها بك وهو صافي

فتكت بها مثقفة النواحي *** على فكر أشد من الثقاف

لها أرج السوالف حين تجلى *** على الأسماع أو أرج السلاف

ص: 285

جمعن الحسنيين فمن رياح *** معنبرة وأروح خفاف

وما عدمت مغيراً منك يرمي *** رقيق طباعها بطباع جافي

معانٍ تستعار من الدياجي *** وألفاظ تقدُّ من الأثافي (1)

كأنك قاطف منها ثماراً *** سبقت اليه إبّان القطاف

وشر الشعر ما أداه فكر *** تعثّر بين كدّ واعتساف

سأشفي الشعر منك بنظم شعر *** تبيت له على مثل الاشافي (2)

وأبعد بالمودة عنك جهدي *** فقف لي بالمودة خلف قاف

قال الثعالبي : وما أراني أروى أحسن ولا اشرف ولا أعذب ولا ألطف من قوله :

قسمت قلبي بين الهم والكمد *** ومقلتي بين فيض الدمع والسهد

ورحت في الحسن أشكالا مقسمة *** بين الهلال وبين الغصن والعقد

أريتني مطراً ينهل ساكبه *** من الجفون وبرقاً لأح من برد

ووجنة لا يروي ماؤها ظميء *** بخلاً وقد لذعت نيرانها كبدي

فكيف أبقي على ماء الشئون وما *** أبقى الغرام على صبري ولا جلدي؟

وقال ولا توجد في الديوان المطبوع

لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج *** لأرتك سالفتي غزال أدعج

أرعى النجوم كأنها في افقها *** زهر الاقاحي في رياض بنفسج

والمشتري وسط السماء تخاله *** وسناء مثل الزيبق المترجرج

مسمار تبر أصفر ركبته *** في فص خاتم فضة فيروزج

ص: 286


1- 1 - الاثافي : حجارة توضع عليها القدور ، واحدها أثفية بضم الهمزة وياؤها مشددة ،
2- الاشافي : جمع إشفي ، وهو المثقب يخرز به النعال.

وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى *** ميلان شارب قهوة لم تمزج

وتنقبت بخفيف غيم أبيض *** هي فيه بين تخفّر وتبرّج

كتنفس الحسناء في المرآة اذ *** كملت محاسنها ولم تتزوج

ومما يأخذ بمجامع القلوب قوله :

بلاني الحب منك بما بلاني *** فشأني أن تفيض غروب شأني

أبيت الليل مرتفقاً أناجي *** بصدق الوجه كاذبة الأماني

فتشهد لي على الأرق الثريا *** ويعلم ما أجن الفرقدان

إذا دنت الخيام به فأهلاً *** بذاك الخيم والخيم الدواني

فبين سجوفها أقمار تمٍ *** وبين عمادها أغصان بان

ومذهبة الخدود بجلنار *** مفضضة الثغور بأقحوان

سقانا الله من رياك رياً *** وحيّانا بأوجهك الحسان

ستصرف طاعي عمن نهاني *** دموع فيك تلحى من لحاني

ولم أجهل نصيحته ، ولكن *** جنون الحب أحلى في جناني

فيا ولع العواذل خلِّ عني *** ويا كف الغرام خذي عناني

وقال :

قامت وخوط البانة *** الميَّاس في أثوابها

ويهزها سكران : سك- *** -ر شرابها وشبابها

تسعى بصهباوين من *** الحاظها وشرابها

فكأن كأس مدامها *** لما ارتدت بحبابها

توريد وجنتها إذا *** ما لاح تحت نقابها

ص: 287

وقوله في العتاب :

لسانك السيف لا يخفى له أثر *** وأنت كالصلّ لا تبقي ولا تذر

سرّي لديك كأسرار الزجاجة لا *** يخفى على العين منها الصفو والكدر

فاحذر من الشعر كسراً لا انجبار له *** فللزجاجة كسر ليس ينجبر

وقال في مثل ذلك :

أروم منك ثماراً لست اجنيها *** وأرتجي الحال قد حلت أواخيها

استودع الله خلاً منك أوسعه *** وداً ويوسعني غشاً وتمويها

كأن سرَّي في أحشائه لهب *** فما تطيق له طيّاً حواشيها

قد كان صدرك للأسرار جندلة *** ضنينة بالذي تخفي نواحيها

فصار من بعد ما استودعت جوهرة *** رقيقة تستشف العين ما فيها

وقال من قصيدة :

لا تأنفنّ من العتاب وقرصه *** فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا

ما أحرق العود الذي أشممته *** خطأ ولا غمَّ البنفسج باطلاً

وقال يذكر ليلة بقُطربّل ويصف الشمع :

كستك الشبيبة ريعانها *** وأهدت لك الراح ريحانها

فدم للنديم على عهده *** وغاد المدام وندمانها

فقد خلع الأفق ثوب الدجى *** كما نضت البيض أجفانها

وساقٍ يواجهني وجهه *** فتجعله العين بستانها

يتوّجُ بالكأس كفَّ النديم *** إذا نظم الماء تيجانها

فطوراً يوشح ياقوتها *** وطوراً يرصّع عقيانها

ص: 288

رميت بأفراسها حلبة *** من اللهو ترهج ميدانها

وديراً شغفت بغزلانه *** فكدتُ أقبِّل صلبانها

فلما دجى الليل فرّجته *** بروح تحيِّف جثمانها

بشمع أعير قدود الرماح *** وسرج ذراها وألوانها

غصون من التبر قد أزهرت *** لهيباً يزيّن أفنانها

فيا حسن أرواحها في الدجى *** وقد أكلت فيه أبدانها

سكرت بقُطربَّل ليلة *** لهوت فغازلت غزلانها

وأي ليالي الهوى أحسنت *** إليَّ فأنكرت إحسانها

وقال يصف طبيباً بارعاً :

برز ابراهيم في علمه *** فراح يدعى وارث العلم

أوضح نهج الطب في معشر *** ما زال فيهم دارس الرسم

كأنه من لطف أفكاره *** يجول بين الدم واللحم

إن غضبت روحٌ على جسمها *** أصلح بين الروح والجسم

وقال :

هل للعليل سوى ابن قرّة شافي *** بعد الإله؟ وهل له من كافي؟

أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي *** أودى وأوضح رسم طب عافي

فكأنه عيسى بن مريم ناطقا *** يهب الحياة بأيسر الأوصاف

مثلت له قارورتي فرأى بها *** ما اكتنَّ بين جوانحي وشغافي

يبدو له الداء الخفي كما بدا *** للعين رضراض الغدير الصافي

قال السيد الامين في الاعيان ج 34 ص 35.

العلم والادب يرفعان الوضيع في نفسه وصنعته ومكسبه ونسبه وفقره

ص: 289

وخصاصته والجهل يضع الرفيع في نسبه وعشيرته ومنصبه وغناه وثروته عند أهل العقل وان رفعه ذلك عند اهل الجهل مثله ، فأبو تمام الذي كان اول أمره غلام حائك بدمشق ويسقي الماء من الجرة في جامع مصر رقى به علمه وأدبه الى معاشرة الملوك والامراء ومدحهم وأخذ جوائزهم الوفيرة حتى صار يستقل الف دينار يجيزه بها عبدالله بن طاهر فيفرقها على من ببابه ويحتمل له ابن طاهر ذلك ويجيزه بضعفها ويؤلف ديوان الحماسة فيعطي من الحظ ما لم يعطه كتاب ، والسري الرفا ينتقل من صنعة الرفو والتطريز عند أحد الرفائين باجر زهيدة وعيش ضنك الى مدح الملوك والوزراء والامراء فيأخذ جوائزهم النفيسة ويؤلف في الأدب كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ولا شك ان للزمان والبيئة التأثير العظيم في ذلك فأبو تمام وجد في عصر راجت فيه بضاعة الشعر والادب أعظم رواج وكثر رائده وانتشر طالبوه وزهت رياضة وتفتحت اكمام زهره بما أغدقه عليها الملوك والأمراء من عطاياهم الفياضة ، والسري الرفا وجد في دولة بني حمدان وعلى رأسهم سيف الدولة الذي اجتمع ببابه من الشعراء والادباء ما لم يتفق لغيره ويتلوه امراء بني حمدان الكثيري العدد الذين مدحهم السري وأخذ جوائزهم النفيسة وفيهم يقول من قصيدة :

والحمد حلي بني حمدان نعرفه *** والحق أبلج لا يلقى بانكار

قوم اذا نزل الزوار ساحتهم *** تفيؤا ظلّ جنّات وأنهار

مؤمرون اذا ثارت قدومهم *** أفضت الى الغاية القصوى من الثار

فكل أيامهم يوم الكلاب اذا *** عُدّت وقائعهم أو يوم ذي قار

وقال في اعيان الشيعة ج 34 ص 98 عن ملحق فهرست ابن النديم ص 6 كان السري الرفاء جاراً لابي الحسن علي بن عيسي الرماني بسوق العطش وكان كثيراً ما يجتاز بالرماني وهو جالس على باب داره فيستجلسه ويحادثه يستدعيه الى أن يقول بالاعتزال وكان السري يتشيع فلما طال ذلك عليه أنشد ( وليست في الديوان المطبوع ).

ص: 290

أقارع أعداء النبي وآله *** قراعاً يَفُلّ البيض عند قراعه

وأعلم كل العلم أن وليهم *** سيجزى غداة البعث صاعاً بصاعه

فلا زال من والاهم في علوّه *** ولا زال من عاداهم في اتضاعه

ومعتزليّ رام عزل ولايتي *** عن الشرف العالي بهم وارتفاعه

فما طاوعتني النفس في أن أطيعه *** ولا أذن القرآن لي في اتباعه

طبعت على حبّ الوصي ولم يكن *** لينقل مطبوع الهوى عن طباعه

وقال من قصيدة في الغزل :

أجانبها حذاراً لا اجتنابا *** واعتب كي تنازعني العتابا

وأبعد خيفة الواشين عنها *** لكي ازداد في الحب اقترابا

وتأبى عبرتي الا انسكابا *** وتأبى لوعتي إلا التهابا

مررنا بالعقيق فكم عقيق *** ترقرق في محاجرنا فذابا

ومن مغنى جهنا الشوق فيه *** سؤالا والدموع له جوابا

وفي الكلل التي غابت شموس *** إذا شهدت ظلام الليل غابا

حملت لهنّ أعباء التصابي *** ولم أحمل من السلوان عابا

ولو بعدت قبابك قاب قوس *** من الواشين حيينا القبابا

نصدّ عن العذيب وقد رأينا *** على ظمأ ثناياك العذابا

تثني البرق يذكرني الثنايا *** على أثناء دجلة والشعابا

وأياماً عهدت بها التصابي *** وأوطاناً صحبت بها الشبابا

قال السيد المدني في انوار الربيع ، ومن طريف ما قاله السري الرفاء

أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى *** وهنا فوشّح روضه بسلاسل

أذكرتنا النشوات في ظلّ الصبا *** والعيش في سنة الزمان الغافل

أيام استر صبوتي من كاشح *** عمداً وأسرق لذتي من عاذل

ص: 291

وقوله :

وصاحب يقدح لي *** نار السرور بالقدح

في روضة قد لبست *** من لؤلؤ الطل سبح

يألفني حمامها *** مغتبقا ومصطبح

أوقظه بالعزف أو *** يوقظني اذا صدح

والجو في ممسك *** طرازه قوس قزح

يبكي بلا حزن كما *** يضحك من غير فرح

وقوله :

يوم خلعت به عذاري *** فعريت من حلل الوقار

وضحكت فيه الى الصبا *** والشيب يضحك في عذاري

متلوِّن يبدي لنا *** طرفاً باطراف النهار

فهواؤه سكب الرداء *** وغيمه جافي الازار

يبكي فيجمد دمعه *** والبرق يكحله بنار

ص: 292

كانت ترجمة الخالديين في الجزء السابق غير وافية بحقهما ، ونستدرك هنا ما فات :

سعيد بن هاشم هو وأخوه شاعران لهما شهرتهما في عالم الادب ، كانا ينظمان الشعر مشتركين ومنفردين ، ومدحا الملوك والامراء والكبراء ، غير أن السري الرفاء الموصلي هجاهما بأهاج كثيرة وزعم انهما سرقا شعره. ويقول الثعالبي في اليتيمة ان السري كان يدعي عليهما سرقة شعره وشعر غيره ويدس من شعرهما في ديوان كشاجم ليثبت مدعاه. وقال صاحب اليتيمة : كانا يشتركان في قرض الشعر وينفردان ولا يكادان في الحضر والسفر يفترقان ، وكانا في التساوي والتشابك والتشاكل والتشارك كما قال البحتري :

كالفرقدين اذا تأمّل ناظر *** لم يعل موضع فرقد عن فرقد

بل كما قال ابو اسحاق الصابي فيهما :

أرى الشاعرين الخالدين سيِّراً *** قصائد يفنى الدهر وهي تخلَّد

جواهر من أبكار لفظ وعونه *** يُقصّر عنها راجز ومقصد

تنازع قوم فيهما وتناقضوا *** ومرَّ جدال بينهم يتردد

فطائفة قالت : سعيد مقدم *** وطائفة قالت لهم : بل محمد

وصاروا الى حكمي فأصلح بينهم *** وما قلت إلا بالتي هي أرشد

هما في اجتماع الفضل زوج مؤلف *** ومعناهما من حيث يثبت مفرد

ص: 293

كذا فرقدا الظلماء لما تشاكلا *** علا أشكلا ، هل ذاك أم ذاك أمجد

فزوجهما ما مثله في اتفاقه *** وفردهما بين الكواكب أوحد

فقاموا على صلح وقال جميعهم *** رضينا وساوى فرقد الارض فرقد

وقال يصف غلامه ( رشا ) :

ما هو عبد لكنه ولد *** خولنيه المهيمن الصمد

وشد أزري بحسن خدمته *** فهو يدي والذراع والعضد

صغير سن كبير منفعة *** نماذج الضعف فيه والجلد

في سن بدر الدجى وصورته *** فمثله يصطفى ويعتمد

معشق الطرف كله كحل *** مغزل الجيد حليه الجيد

وورد خديه والشقائق *** والتفاح والجلنار منتضد

رياض حسن زواهر أبداً *** فيهن ماء النعيم يطرد

وغصن بان اذا بدا واذا *** شدا فقمري بانة غرد

أنسي ولهوي وكل مأدبتي *** مجتمع فيه وهو منفرد

ظريف مزح مليح نادرة *** جوهر حسن شرارة تقد

ومنفق اذا أنا أسرف- *** -ت وبذرت فهو مقتصد

مبارك الوجه مذحظيت به *** حالي رخي وعيشتي رغد

مسامري ان دجا الظلام فلي *** منه حديث كأنه الشهد

خازن ما في يدي وحافظه *** فليس شيء لدي يفتقد

يصون كتبي فكلها حسن *** يطوي ثيابي فكلها جدد

وأبصر الناس بالطبيخ فكالمس- *** -ك القلايا والعنبر الثرد

وهو يدير المدام ان جليت *** عروس دني نقابها الزبد

ص: 294

تمنح كأسي يدٌ أناملها *** تنحلُّ من لينها وتنعقد

مثقف كيسٌ فلا عوج *** في بعض أخلاقه ولا أود

وصير في القريض وزّانُ دينا *** ر المعاني الجياد منتقد

ويعرف الشعر مثل معرفتي *** وهو على أن يزيد مجتهد

وكاتب توجد البلاغة في *** ألفاظه والصواب والرشد

وواجد بي من المحبة والرأ *** فة أضعاف ما به أجد

اذا تبسمت فهو مبتهج *** وإن تنمرت فهو مرتعد

ذا بعض أوصافه وقد بقيت *** له صفات لم يحوها أحد

وقال ، وهو مما ينسب الى الوزير المهلبي - كما روى الثعالبي

فديتك ما شبت من كبرةٍ *** وهذي سني وهذا الحساب

ولكن هجرت فحل المشيب *** ولو قد وصلت لعاد الشباب

وقوله :

ظالم لي وليته الدهر يبقى ويظلم *** وصله جنة ولكن جفاه جهنم

ومن شعره - كما في اليتيمة :

أما ترى الطل كيف يلمع في *** عيون نور تدعو الى الطرب

في كل عين للطل لؤلؤة *** كدمعة في جفون منتحب

والصبح قد جردت صوارمه *** والليل قد همَّ منه بالهرب

والجو في حلّة ممسكة *** قد كتبتها البروق بالذهب

ص: 295

وقال :

يا حسن دير سعيد إذ حللتُ به *** والارض والروض في وشي وديباج

فما ترى غصنا إلا وزهرته *** تجلوه في جبّة منها ودوّاج

وللحمائم ألحان تذكرّنا *** أحبابنا بين أرمال وأهزاج

وللنسيم على الغدران رفرفةُ *** يزورها فتلقّاه بامواج

وكلنا من أكاليل البهار على *** رؤوسنا كأنو في التاج

ونحن في فلك المحيط بنا *** كأننا في سماء ذات أبراج

ولست أنسى ندامى وسط هيكله *** حتى الصباح غزالا طرفه ساجي

أهزّ عطفي قضيب البان معتنقاً *** منه والثم عيني لعبة العاج

وقولتي والتفاتي عند منصرفي *** والشوق يزعج قلبي أي إزعاج

يا دير ياليت داري في فنائك أو *** يا ليت لي في درب درَّاج

وقال :

بنفسي حبيب بان صبري لبينه *** وأودعني الاشجان ساعة ودّعا

وانحلني بالهجر حتى لو أنني *** قذى بين جفني أرمدٍ ما توجّعا

وقال :

وليلة ليلاء في *** اللون كلون المفرق

كأنما نجومها *** في مغرب ومشرق

دراهم منثورة *** على بساط أزرق

ص: 296

وقال :

صغير صرفت اليه الهوى *** وهل خاتم في سوى خنصر

فإن شئت فاعذر ولا تلحني *** وإن شئت فالح ولا تعذر

وقال :

ريقته خمرّ وأنفاسه *** مسك وذاك الثغر كافور

أخرجه رضوان من داره *** مخافة تفتتن الحور

يلومه الناس على تيهه *** والبدر إن تاه فمعذور

وقال :

قل لمن يشتهي المديح ولكن *** دون معروفه مطال ولُّي

سوف اهجرك بعد مد *** ح وتحريك وعتب وآخر الداء كي

وقال :

شعر عبدالسلام فيه رديُ *** ومحال وساقط وبديع

فهو مثل الزمان فيه مصيف *** وخريف وشتوة وربيع

وقال كما في أعيان الشيعة :

قمر بدير الموصل الأعلى *** أنا عبده وهواه لي مولى

لثم الصليب فقلت من حسد *** قبل الحبيب فمي بها أولى

جد لي باحداهن تحيي بها *** قلبي فحبَّته على المقلى

فاحمر من خجل وكم قطفت *** عيني شقائق وجنة خجلي

وثكلت صبري عند فرقته *** فعرفت كيف مصيبة الثكلى

ص: 297

قال السيد الامين وفي معجم البلدان : دير الاعلى بالموصل يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرف ، والى جانبه مشهد عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي ، أنتهى. اقول والحمق بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة والقاف : كان خفيف اللحية ، وبه سمي الرجل. وهو من حواري أمير المؤمنين عليّ وأصفيائه. ذكر المجلسي في البحار باسناده قال : قال عمرو بن الحمق لأمير المؤمنين : والله ما جئتك لمال من الدنيا تعطنيها ، ولا لالتماس سلطان يرفع به ذكري إلا لأنك ابن عم رسول الله وأولى الناس بالناس وزوج فاطمة علیهاالسلام سيدة نساء العالمين ، وابوالذرية التي هي بقية رسول الله ، وأعظم سهماً للاسلام من المهاجرين والانصار ، والله لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ونزح البحور الطوامي (1) أبداً حتى يأتي علي يومي وفي يدي سيفي أهرُّ به عدوّك وأقوِّي به وليك ، ويعلي به الله كعبك ، ما ظننت اني أديت من حقك كل الحق الذي يجب لك عليَّ. فقال اميرالمؤمنين علیه السلام : اللهم نوِّر قلبه واهده الصراط المستقيم. ليت أن في شيعتي مائة مثلك.

وجاء في اسد الغابة ان عمرو بن الحمق الخزاعي سقى النبي (ع) فقال صلی الله علیه و آله : اللهم أمتعه بشبابه : فمرّت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء.

وقال عمرو بن الحمق يوم صفين :

تقول عرسي لما أن رأت أرقى *** ماذا يهيجك من اصحاب صفينا

ألست في عصبة يهدي الآله بهم *** أهل الكتاب ولا بغياً يريدونا

ص: 298


1- هي الممتلئة ، يقال طمى البحر اذا امتلأ ماء.

فقلت إني على ما كان من رشدٍ *** أخشى عواقب أمر سوف يأتينا

إدالة القوم في أمر يراد بنا *** فاقني حياءً وكُفّي ما يقولونا

ولما رفعت المصاحف يوم صفين قال عمرو بن الحمق : يا اميرالمؤمنين انا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبيّةً على الباطل ولا أحببنا إلا الله عزَّوجل ولا طلبنا إلا الحقَّ ولو دعانا غيرك الى ما دعوت إليه لكان فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي ( اه- ) ولما قتل علي بن ابي طالب بعث معاوية في طلب أنصاره فكان فيمن طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراغ منه فارسل الى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم أن عبدالرحمان بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه الى معاوية ، فكان اول رأس حمل في الاسلام واهدي من بلد الى بلد ، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به الى آمنة في السجن وقال للحرسيَّ إحفظ ما تتكلم به حتى تؤديه الي واطرح الرأس في حجرها ، ففعل فارتاعت له ساعة ثم وضعت يدها على رأسها وقالت : نفيتموه عني طويلاً وأهديتموه اليّ قتيلا فاهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وانا له اليوم غير ناسية. الى آخر القصّة التي ذكرت مفصلا في ترجمة آمنة. وبعد قتل عمرو كتب الحسين بن علي الى معاوية : اولست القاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح بعد ما أمنته واعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو اعطيته طائراً نزل اليك من رأس جبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد.

قال ابن الاثير في اسد الغابة قبر عمرو بن الحمق الخزاعي مشهور بظاهر الموصل يزار وعليه مشهد كبير ، ابتدأ بعمارته أبوعبدالله سعيد بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابن حمدان في شعبان سنة ست وثلاثين وثملثمائة.

ص: 299

وجاء في اليتيمة من شعر ابي بكر محمد بن هاشم الخالدي ، قال : وهو في نهاية الحسن.

لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج *** لأرتك سالفتي غزال أدعج

اقول وقد مرت عليك هذه القطعة في ترجمة السري الرفاء وعلمت ما كان بينهما من المنافسة والله اعلم انها لهذا او لذاك.

وقال :

قلت لما بدا الهلال لعين *** منعتها من الكرى عينا كا

يا هلال السماء لولا هلال الا *** رض ما بتُّّ ساهراً أرعا كا

وقال وقد أمر الامير بجمع المتكلمين ليتناظروا بحضرته في يوم دجن :

هو يوم كما ترا *** ه مليح الشمائل

هاج نوح الحمام *** فيه غناء البلابل

ولركب السحاب في *** الجو حقٌ كباطل

مثلما فاه في ال- *** -مهند بعض الصياقل

جليت شمسه ل- *** -رقته في غلائل

وعمود الزمان *** معتدل غير مائل

حين ساوى حر الهوا *** جر برد الأصائل

وغدا الروض في قلا *** ئده والخلاخل

ص: 300

فمن العجز ان ترى *** فيه طوع العواذل

يا لهذا ابي الهذيل *** وتوصيل واصل

وملاحاة عاقل *** ومقاساة جاهل

وخصوم يكابرو *** ن وضوح الدلائل

انف كيد الجدال عنك *** بصيد الأجادل (1)

كل صلب العظام *** واللحم رطب المفاصل

وهو أهدى من الردى *** في طريق المقاتل

كم غدونا به *** لطير التلاع السوابل

فانبرى أخرس الجنا *** ح صخوب الجلاجل

وتعامى عن الشَوى *** واهتدى للشواكل

بسكاكينه التي *** ثبتت في الانامل

عقفت ثم أرهفت *** فهي مثل المناجل (2)

صاعد خلف صاعد *** نازل خلف نازل

فتردّى رداء لهو *** إلى الليل شامل

ثم انثنى جذلان *** بين القنا والقنابل

نحو ربع من المكا *** رم والمجد آهل

فنرى الأنس في *** عبيدك عذب المناهل

من عقول قد *** بلبلتهن صفراء بابل

فإذا الليل كف كلَّ *** رقيب وعاذل

صرّت الفرش تحت قو *** م صرير المحامل

ص: 301


1- 1 - الاجادل جمع اجدل وهو الصقر
2- عقف السكين ، لواها.

وقال :

راحٌ كضوء الشهاب *** سلافة الاعناب

والمزج ماء غدير *** صاف كماء الشباب

لو لم يكن ماء مزن *** لكان لمع سراب

كأنه جسم درّ *** عليه درع حباب

يجري خلال حصى *** أبيض كقطر السحاب

كأنه الريق يجري *** على الثنايا العذاب

وقال :

وكم من عدو صار بعد عداوة *** صديقاً مجلا في المجالس معظما

ولا غرو فالعنقود في عود كرمه *** يرى عنبا من بعد ما كان حصر ما

وقال في هجاء شاعر :

لو أن في فمه جمراً وانشدنا *** شعراً لما ضره من برد إنشاده

ص: 302

استدراك واعتذار

جاء في الجزء الثاني من أدب الطف ص 319 ذكر القصيدة الرائية المعروفة بالبسامة وأولها :

الدهر يفجع بعد العين بالاثر *** فما البكاء على الاشباح والصور

ونسبناها الى ابن زيدون ، والحقيقة أنها لابن عبدون ، وأوقعنا بهذا الخطأ زميلنا المعاصر الخطيب السيد علي الهاشمي إذ نسبها لابن زيدون كما جاء في كتابه ( المطالب المهمة ) ص 344 والمطبوع في النجف الاشرف 1388 ه.

وزيادة في الايضاح تذكر ترجمة للشاعرين : اما ابن زيدون فهو : ذو الوزارتين احمد بن عبدالله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الاندلسي. ولد بقرطبة سنة 394 ، شاعر مقدم وكاتب بليغ ، علق بحب ولاَّدة بنت المستكفي بالله ، فألهمه حبها أروع ما صاغه في حياته من نظم ونثر ، حتى كتب على لسانها رسالة شرحها ابن نباتة المصري وسماها ( سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ). قال السيد صدر الدين المعدني في ( أنوار الربيع في انواع البديع ) : وما أحسن قول ابو زيدون يحكي اول اجتماعه بمعشوقته ولاَّدة ، قال :

كنت في ايام الشباب هائماً بغادة أرى الحياة متعلقة بقربها ، ولا يزيدني

ص: 303

امتناعها إلا اغتباطاً ، فلما ساعد القضاء وآن اللقاء كتبت إليَّ :

ترقب اذا جن الظلام زيارتي *** فاني رأيت الليل أكتم للسر

وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح *** وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر

ثم لما طوى النهار كافوره ، ونشر الليل عبيره ، أقبلت بقد كالقضيب في ردف كالكثيب ، وقد أطبقت نرجس المقل على ورد الخجل ، فملنا الى روض مدبَّج ، وظلٍّ سجسج ، قد قامت رايات أشجاره ، وامتدت سلاسل أنهاره ، ودّر الطل منثور ، وجيب الراح مزرور ، فلما شببنا نارها ، وأدركت منا ثارها ، باح كل منا بحبه ، وشكا ما بقلبه ، وبتنا بليلة نجتني أقحوان الثغور ، ونقطف رمان الصدور فلما نثر الصباح لواءه ، وطوى الليل ظلماءه ، وادعتها وأنشأت :

وادع الصبر محب ودَّعك *** ذائع من سره ما أودعك

يقرع السن على ان لم يكن *** زاد في تلك الخُطا اذ شيَّعك

يا أخا البدر سناء وسناً *** حفظ الله زماناً أطلعك

ان يطل بعدك ليلي فلكم *** بتُّ أشكو قصر الليل معك

ومن بديع النثر في هذا النوع قول أبي القاسم عبدالصمد بن علي الطبري يصف متنزهاً : لله متنزهنا والسماء زرقاء اللباس ، والشمال ندية الانفاس ، والروض مخضل الازار ، والغيم منحل الازرار.

وكأن السماء تجلو عروساً *** وكأنا من قطره في نثار

والربى رابية الارجاء ، شاكرة صنيع الانواء

ذهبٌ حيثما ذهبنا ودرٌ *** حيث درنا وفضة بالفضاء

ص: 304

والجبال قد تركت نواصيها الثلوج شيباً ، والصحارى قد لبست من نسج الربيع برداً قشيبا. ولا ربع إلا وفيه للانس مربع ، ولا جزع إلا وفيه للعاشق مجزع. والكؤوس تدور بيننا بالرحيق ، والاباريق تنهل مثل ذوب العقيق وتفتر عن فار المسك وخدّ الشقيق. والجيوب تستغيث من أكف العشاق وسقيط الطل يعبث بالاغصان عبث الدل بالغصون الرشاق ، والدن يجرح بالمبزال فتل الصائغ طرف الخلخال.

اذا فض عنه الختم فاح بنفسجا *** وأشرق مصباحاً ونوّر عصفرا

ومن شعره ما قاله من قصيدة يخاطب بها ابن جهور أيام سجنه :

ما جال بعدك لحظي في سنا القمر *** إلا ذكرتك ذكر العين بالاثر

ولا استطلت زمام الليل من أسف *** إلا على ليلة مرت مع القصر

يا ليت ذاك السواد الجون متصل *** قد استعار سواد القلب والبصر

جمعت معنى الهوى في لحظ طرفك لي *** ان الحوار لمفهوم من الحور

لأيهنأ الشامت المرتاح ناظره *** أني معنى الاماني ضائع الخطر

هل الرياح بتخم الارض عاصفة *** أم الكسوف لغير الشمس والقمر

ان طال في السجن ايداعي فلا عجب *** قد يودع الجفن حدّ الصارم الذكر

وان يثبط أبا الحزم الرضا قدر *** عن كشف ضُرّي فلا عتب على القدر

من لم أزل من تدانيه على ثقة *** ولم أبت من تجنيّه على حذر (1)

اما ابن عبدون صاحب القصيدة فهو الوزير ابو محمد عبد المجيد بن عبدون والقصيدة هي المعروفة بالبسامة ، جاء في فوات الوفيات : عبدالمجيد بن عبدون بن محمد الفهري توفي سنة خمسمائة وعشرين ، كان أديباً شاعراً له مصنف

ص: 305


1- عن رسالة ابن زيدون.

في الانتصار لابي عبيد علي بن قتيبة ، ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى فيها ملوك بني الافطس وذكر فيها من أباده الحدثان من ملوك كل زمان وهي :

الدهر يفجع بعد العين بالاثر

فما البكاء على الاشباح والصور

وقد شرحها جماعة من ارباب الذوق والكمال ومنهم العلامة ابو القاسم عبدالملك بن عبدالله بن بدرون الحضرمي البستي ،. وفي آخر الشرح روى عن ابن الأثير انه قال : وقد اشتملت هذه القصيدة على نيف وخمسين بيتا.

وقال الشيخ القمي في الكنى. ابن عبدون من علماء العامة. ابو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري ، وزير بني الافطس ، كان أديباً شاعراً فاضلاً ، أخذ الناس عنه ، واستوزره المتوكل ابو محمد عمر بن الافطس وشهد ابن عبدون نكبته سنة 487 فرثاه بقصيدته الرائية وهي من أمهات القصائد وأولها :

الدهر يفجع بعد العين بالاثر *** فما البكاء على الاشباح والصور

* * *

هذ آخر ما توصلنا اليه من الالمام بشعراء القرن السادس الهجري الذين نظموا في الامام أبي عبدالله الحسين بن علي سيد الشهداء علیه السلام ، والى شعراء القرن السابع في الجزء الرابع ان شاء الله.

ص: 306

المصادر

أعيان الشيعة للسيد محسن الامين

الكنى والالقاب للشيخ عباس القمي

سفينة البحار للشيخ عباس القمي

الغدير للشيخ عبدالحسين الاميني

روضات الجنات للخنساري

أمل الامل للحر العاملي

ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي

معجم الادباء ياقوت الحموي

معجم الشعراء للمرزباني

المنتظم لابن الجوزي

يتيمة الدهر للثعالبي

خريدة القصر للعماد الاصفهاني

دمية القصر للباخرزي

وفيات الاعيان لابن خلكان

فوات الوفيات لابن شاكر

ريحانة الالباء للخفاجي

مرآة الجنان لليافعي

آداب اللغة العربية جرجي زيدان

حياة الحيوان للدميري

أنوار الربيع في علم البديع للسيد عليخان

ص: 307

الانساب للسمعاني

موسوعة العتبات المقدسة جعفر الخليلي

الغيث المنسجم في شرح لامية العجم للصفدي

مجلة الغرى شيخ العراقين

أعلام العرب عبدالصاحب الدجيلي

شرح رسالة ابن زيدون ابن نبانة المصري

ادب الشيعة حسيب طه

ديوان كعب بن زهير

ديوان الابيوردي الاموي

ديوان طلايع بن رزيك

ديوان الفقيه عمارة اليماني

ديوان الحسين الطغرائي

ديوان صردر

ديوان الحميري

جواهر الادب جمع سليم صادر

الذيل على الروضتين لأبي شامة المقدسي

الشعر والشعراء لابن قتيبة

الاعلام للزركلي

إنباه الرواة للقفطي

ديوان السري الرفاء

طبقات الشعراء لابن المعتز

الكامل لابن الأثير

الحسين علي جلال الحسيني

مقتل الحسين للسيد عبدالرزاق المقرم

تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي

ص: 308

المصادر المخطوطة

مخطوط كاشف الغطاء مكتبة كاشف الغطاء

مطالع البدور ومجمع البحور للقاضي صفي الدين أحمد

مجموعة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مكتبة كاشف الغطاء

الحدائق الوردية للامام حميد الشهيد مكتبة كاشف الغطاء

نسمة السحر لليماني مكتبة كاشف الغطاء

المجموع الرائق للسيد احمد العطار

معدن البكاء محمد صالح البرغاني

الشذور الذهبية للسيد صادق بحر العلوم

ديوان ابن المعلم الواسطي جمع الشيخ محمد هادي الاميني

الضرائح والمزارات جواد شبر

سوائح الافكار ومنتخب الاشعار جواد شبر

معجم شعراء الطالبية للسيد مهدي الخرسان

تحفة الزائر للسيد عبدالله شُبَّر

ص: 309

ص: 310

فهرس

شعراء القرن السادس

الصفحة / الوفاة

9 / 507 محمد بن أحمد الابيوردي ، نسبه وفضله وأدبه ، نماذج من شعره ، افتخاره يحسبه وجده معاوية الاصغر ، إقرار معاوية الاصغر بفضل أهل البيت وأحقَّتهم بالخلافة موران السروجي الأموي يمدح علياً علیه السلام

ابو عدي الأموي - شاعر بني أمية - يمدح علياً ع أيمن بن غريم الأسدي وشعره في أهل البيت الشاعر كثير بن كثير يندد يمين يسب علياً عليه السلام

21 / 509 ابن الهبارية وشاعريته ، براعته في النظم والنثر ، هو ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي ، مؤلفاته السائرة

ص: 311

الصفحة / الوفاء

27 / 514 مؤيد الدين الطغرائي الحسين بن علي الاصفهاني ، مستانة شعره ، قصيدته المعروفة بلامية العجم ، تفوقه في الصناعة ، جزالة شعره ، فخره وحماسته ، الطغرائي وعلم الكيمياء ، سبب مقتله ، شعره في أهل البيت

39 / 539 او منصور موهوب الحواليقي ، فضله وعلمه وأقوال العلماء فيه ، ما صدر منه من جوابات شافية ، استاتذته وتلامذته ، تشيعه ، تعداد مؤلفاته ، أخباره

48 / 547 أبو الغُمر الاسناوي محمد بن علي الهاشمي ، نماذج من شعره وغزله

52 بعدسنة 552 محمود بن محمد بن مسلم الشروطي البغدادي ، متانة شعره وألوان من غزله ومدائحه ووصفياته

57 / 553 يحيى بن سلامة الحصكفي ، شهرته في الخطابة ، أقوال العلماء فيه ، روائع من شعره ونوادر من أدبه ومستملحاته عرفانياته وتصوف.

71 / 553 الحسن بنعلي بن الزبير ، مدائحه للملك الصالح بن رزيك ، سيرته وحياته ، مقاطع من شعره في المدح والغزل والفخر

94 / 556 الملك الصلاح طلايع بن رزيك ، بشارة الامام امير المؤمنين له بتولي الملك ، ولايته على مصر ، وزارته للفائز الفاطمي

ص: 312

الصفحة / الوفاء

سياسته وآراؤه ، شعره واخلاقه ، نقله لرأس الحسين الى القاهرة ، تحقيق عن موضع رأس الحسين ، قصائده في اهل البيت ، شعراؤه ومداحه

126 / 558 ابن العودي النيلي ابو المعالي سالم بن علي ، رائعته في أهل البيت ، حياته وسيرته

133 / 561 القاضي الجليس ، شعره في أهل البيت ومدحه لملك بن رزيك ، فصل عن يوم الغدير الأغر ، احتفال أئمة أهل البيت بيوم الغدير وما قاله الشعراء في التهنيئة به

157 / 562 القاضي الرشيد ، أدبه وفضله ، امتيازه على معاصريه بالعلوم والفنون ، مؤلفاته ، سيرته وما جرى عليه ورواية مقتله

169 / 565 سعيد بن مكي النيلي ، اقوال العلماء فيه ، شعره في أهل البيت وألوان أُخر من شعره في امير المؤمنين علي بن أب طالب علیه السلام ، من اشتهر بالنيلي من العلماء والادباء

176 / 565 ابو منصور علي بن الحسين المعروف ب- ( صرَّدُر ) ، حياته ولوائح من منظومه واشعاره في ألوان متعددة من رثاء وحكمة وإباء

ص: 313

الصفحة / الوفاء

186 / 568 الخطيب الخوارزمي أخطب خوارزم ، شهرته ومؤلفاته ، نتف من أشعاره

189 / 569 الفقيه عمارة اليماني ، مكانته العلمية تآليفه ومصنفاته ، مدائحه للملك الصالح ابن رزيك ، طائفة من اشعاره ، المؤامرة على قتله وكيفية صلبه ، بعض ما رثي به ، قصائده في رثاء الملوك الفاطميين

198 / 572 كمال الدين ابو الفضل محمد بن عبد الله قاضي القضاة بدمشق ترجمته ، شعره وغزله ، هجاؤه والوان من شعره

203 / 573 قطب الدين الراوندي ، مكانته في الأدب ومؤلفاته اقوال العلماء فيه ، شعره في مدح أهل البيت

208 / 574 ابن الصيفي شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد المعروف بالحيص بيص ، تاريخ حياته أشعاره في الوصفوالغزل والتشبيه والحماسة ، جزالة شعره ومتانته

219 / 580 ابن العودي قصيدته في أهل البيت ، حياته ، تحقيق في سنة الوفاة ، من تسمّى باسمه

222 / 584 سبط ابن التعاويذي ابو الفتح محمد بن عبد الله الكاتب قصائده في مدح الناصر لدين الله ، تحقيق حوال قبر عبيد الله ابن محمد بنعمر بن علي نب الحسين بن علي بن ابي طالب المعروف بمشهد النذور ، ترجمة الخليفة الناصر لدين الله

ص: 314

الصفحة / الوفاء

239 / 592 ابن المعلم الواسطي ابو الفنائم ، شهرته الادبية ، اقوال العلماء فيه ، ماجلاته

245 / 593 أحمد بن عيسى الهاشمي وتاريخ حياته ، عاشوراء أيام الفاطميين وفي الدولة البويهية

249 / 598 صفوان بن ادريس المرسي ، سيرته وحياته شعره وغزله ، بدائعه وروائعه

مستدركات

على الجزئين : الاول والثاني

259 مسعود بن عبد الله القايني من شعراء الفرنين الاولين

261 ابو طالب الجعفري هو محمد بن عبد الله من شعراء القرن الثالث ، ترجمته وشعره

264 / 470 المؤيد في الدين داعي الدعاة من شعراء القرن الخامس حياته ومهمته في الدعاية نسبه ، آثاره ، مؤلفاته ، سبب تلقيبه بداعي الدعاء

268 ابو عبد الله محمد بن الخحسن الطوبي ، شعره وبراعته ، أهدافه.

274 عبد الله بن أبي طالب الفتى وشعره في أهل البيت (عليهم السلام)

ص: 315

الصفحة / الوفاء

277 / 467 ابو الحسن الباخرزي من شعراء القرن الخامس ، شعره

281 / 245 عبد الله بن عمار البرقي من شعراء القرن الثالث

284 / 344 استدراك على ترجمة السريّ الرفاء الموصلي ، التنافس بينه وبين الشاعرين الخالديين ، ألوان من شعره ، رقة الغزل والوصف والشكوى والعتاب ، دفاعه عن أهل البيت علیهم السلام

استدراك على ترجمة الشاعرين الخالديين

293 / 371 سعيد بن هاشم الخالدي يصف غلاماً له ، روائع من نظمه وبدائع من غزله ، ترجمة عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي الجليل

301 / 386 محمد بن هاشم الخالدي ، مستملحات من اشعاره

استدراك واعتذار لابن عبدون من ابن زيدون

303 والاشارة الى ترجمة كل منهما

تراجم في ثنايا الكتاب

60 / 1088 محمد بن علي الحصكفي الدمشقي

ص: 316

الصفحة / الوفاء

606 / 606 علي بن محمد بن السكون الحلي النيلي

175 / 800 علي بن عبد الحميد النيلي

205 / 495 سعيد بن هبة الله بن محمد المشتهر بالطب

221 / 975 الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسين العودي الجزيني

231 عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بالحسين (عليه السلام) المعروف بقبر النذور

233 / 685 رابعة بنت أحمد بن المعتصم بالله

253 شرف الدين عبد العزيز الأنصاري

235 / 622 الناصر العباسي احمد بن المستضيء

253 شرف الدين عبد العزيز الانصاري

260 / 107 سليمان بن يسار المدني

298 عمرو بن الحمق الخزاعي

ص: 317

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 318

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.