أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: جواد شبّر

الناشر: دار المرتضى

الطبعة: 1

الموضوع : الشعر والأدب

تاريخ النشر : 1409 ه.ق

الصفحات: 340

الكتب بساتین العلماء

جواد شبَّر

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

من القرن الأول الهجري حتی القرن الرابع عشر

الجزء الثاني

دار المرتضی

ص: 1

اشارة

أدب الطف أو شعراء الحسين عليه السلام

ص: 2

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولی

1409ه - 1988م

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والصلاة على سيدنا الصادق بالحق والصدق والقائل :

إن من الشعر لحكمة ، وإن من البيان لسحرا.

وعلى آله واصحابه المنتجبين.

وبعد فهذا هو الجزء الثاني من ( ادب الطف ) يقتصر على القرن الرابع الهجري والخامس من شعراء الحسين علیه السلام ، وارجو ان يكون مقبولا ومشمولا بعناية اللّه انه سميع مجيب.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

شعراء القرن الرابع الهجري

اشارة

منصور بن سلمة الهروي

ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد

احمد بن محمد بن الحسن الصنوبري

علي بن اصدق الحائري

ابو الحسن السري بن احمد الرفاء الموصلي

محمود بن الحسين بن السندي كشاجم

طلحة بن عبيد اللّه العوني المصري

علي بن اسحاق الزاهي الشاعر

الامير ابو فراس الحمداني

محمد بن هاني الاندلسي

الناشي الصغير ابو الحسن علي بن عبد اللّه بن الوصيف

الامير محمد بن عبد اللّه السوسي

سعيد بن هاشم الخالدي

الامير تميم بن الخليفة

علي بن احمد الجرجاني الجوهري

الصاحب اسماعيل بن عباد

محمد بن هاشم الخالدي

الحسين بن الحجاج

علي بن حماد العبدي

احمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني

الشريف الرضي

ص: 7

ص: 8

منصور بن سلمة الهروي

روي الشيخ نجم الدين محمد بن جعفر بن ابي البقا هبة اللّه المعروف بابن نما الحلي المتوفى سنة 645 ه. في كتابه ( مثير الأحزان ).

قال : قال الهروي الكاتب سمعت منصور بن سلمة الهروي ينشد ببغداد في شهر رمضان سنة احدى عشر وثلثمائة شعرا من جملته.

تصان بنت الدعي في كلل *** الملك ، وبنت الرسول تبتذلُ

يرجى رضى المصطفى فوا عجبا *** تقتل اولاده ويحتمل

ص: 9

أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد

اشارة

قال السيد احمد العطار في المجموع الرائق : هذه قصيدة لابي بكر بن دريد الأزدي في أهل البيت علیهم السلام وهي من أغرب ما جاء في معناها لأن أبا بكر بصري المنشأ والمولد ، وعامة أهل البصرة يدينون بغير هذا المعتقد ، وقد اشتملت من الغرائب ما تتهذب بحفظه السنة المتعلمين والشادين وتتنبه بمثله قرائح المبتدين والمستفيدين وأورد ابن شهر اشوب ثمانية أبيات منها وهي التي تقع بين قوسين. أقول والنسخة المنقولة عنها هذه القصيدة من الخطوط القديمة ولعلها ترجع إلى أول القرن الثامن الهجري :

سدكت به عنتا تُفنّده *** وتظل بالاقتار توعده

طورا تهازله لترضيه *** وتجد احيانا فتصمده

وتقول أبق فانه نشب *** قد شف طارفه ومتلده

فييءُ وما خوّلتِ فاحتجبي *** المال ايسره مبدده

ان الذي تدرين عرته *** لا تستطيف به مقرّده

ما المال إلا ما نعشت به *** ذا عثرة لهفان أرفده

أو مائلا يحوى برغبته *** مستشكدا للعرف اشكده

مستصفداً ضاقت مذاهبه *** فعلي يحب أن أصفده

وغناء مال المرء عنه اذا *** ارضى الصفيح عليه ملحده

تاللّه افتأ سائلا طللا *** بالجزع دعدعه تأبده

مقو وما اقوى فؤادي من *** ذكرى تهيجه وتكمده

ذكرى تزال لها على كبدي *** لذع يُضرّمه ويوقده

ص: 10

كم إثر ذكراهم له نفس *** يدمي مسالكه تصعّده

إنّ اللواتي يوم ذي شجُبٍ *** اضنين جسمك هنّ عوّده

فسلا فلا سُعدى تساعده *** مالا ولا هند تهنّده

وتنكّرت ريا وجارتها *** وتهددت بالهجر مهدده

ربما يرقن اذا سمعن به *** دمعا يمار عليه أثمده

والمرء خدن الغانيات اذا *** غصن الشباب اهتز أملده

والشيب عيب عندهن اذا *** ما لاح في فوديه يُكسده

عاود عزاك ولا تكن رجلا *** بيد المنى والعجز مروده

وأرى الأسى خلقت معارضه *** لغليل حزن المرء تُبرده

وفتى كنصل السيف منصلتا *** يعلو الخطوب فلا تُكأده

صافحته لا فاحشا حرجا *** والحُلق ألأمُه مُرّنده

ولقد مُنيت من الرجال بمن *** غمر القبائل منه سودده

فملاين لا يستلن شططا *** ومخاشن لا بد أضهده

يا صاح ما ابصرت من عجب *** بالحق زاغت عنه عّنّده

أألى الضلال تحيد عن نهج *** يهدى الى الجنات مرشده

( إن البرية خيرها نسبا *** إن عد أكرمه وأمجده )

( نسب محمده معظمه *** وكفاك تعظيما مُحمّده )

( نسب إذا كبت الزناد فما *** تكبو إذا مانضّ أزنده )

( واخو النبي فريد محتده *** لم يُكبه في القدح مُصلده )

( حل العلاء به على شرف *** يتكأد الراقين مَصعده )

أو ليس خامس من تضمنّه *** عن أمر روح القدس بُرجده

إذ قال أحمدها ولاؤهم *** أهلي وأهل المرء وددّه

يا رب فاضممهم الى كنف *** لا يستطيع الكيد كيّده

( أو لم يَبت ليلا أبو حسن *** والمشركون هناك رُصّده )

( متلففا ليرد كيدهم *** ومهاد خير الناس مَمهده )

ص: 11

( فوقى النبي ببذل مهجته *** وبأعين الكفار منجده )

وهو الذي أتبع الهدى يفعاً *** لم يستمله عن التقى دده

كهل التاله وهو مقتبل *** في الشرخ غض الغصن أغيده

والشرك يُعبد عزياه به *** جهلا دعائمه وجلمده

ومنازل الاقران قد علموا *** والنقع مُطرّق تلبّده

خواض غمرة كل معترك *** سيان أليسه ورعدده

فسقى الوليد بكاس منصله *** كأسا توهله وتصخده

فهوى يمج نجيع حشرته *** والموت يلفته ويقصده

وسما بأحد والقنا قصد *** كالليث أمكنه تصيّده

فأباد أصحاب اللواء فلم *** يترك له كفّا تُسنّده

ثم ابن عبد يوم أورده *** شربا يذوق الموت وُرّده

جزع المداد فذاده بطل *** لله مرضاه ومعتده

وحصون خيبر إذ أطاف بها *** لم يثنه عن ذاك صُدّده

ونجم قد عقد الولاء له *** عقدا يُقَلقَل منه حُسّده

ما نال في يوم مدى شرف *** إلا أبر فزاده غده

من ذا يساجل أو يُناجب في *** نسب رسول اللّه محتده

أبناء فاطمة الذين اذا *** مجد اشار به مُعدّده

فذراهم مرعى هوامله *** ولديه منشأه ومولده

والمجد يعلم أن أيديهم *** عنها اذا قادته مقوده

لولاهم كان الورى همجا *** كالبهم فرّقه مشرّده

لولاهم حار السبيل بنا *** عما نحاوله ونقصده

لولاهم استولى الضلال على *** منهاجنا واشتد موصده

هم حجة اللّه التي كندت *** واللّه ينعم ثم تكنده

هم ظل دين اللّه مدّده *** أمناً على الدنيا ممدده

وهم قوام لا يزيغ اذا *** ما مال ركن الدين يعمده

ص: 12

وهم الغيوث الهاميات اذا *** ضن الغمام وجف مورده

وهم الحبال المانعات اذا *** ما الياس اطلقه مصفده

كم من يد لهم ينوء بها *** فتهد حاملها وتُلهده

كم منة لهم مورثة *** آثار طول ليس تفقده

وإخال ان الوقت شاملنا *** فمسيمه منا وموعده

اذ سار جند الكفر يقدمه *** متسربلاً غدراً يُجنده

في جحفل يُسجى الفضاء به *** كرهاء بحر فاض مزبده

طلاب ثار الشرك آونة *** تحتثه طورا وتحشده

لو أن صنديد الهضاب به *** يرمى لزلزل منه صندده

حتى اطافوا بالحسين وقد *** عطف البلاء وقل منجده

صفا كما رص البنا وعلى *** ميدانه بالسيد (1) مُرهده

قرنين مضطغن ومكتسب *** ومكاتم للوغم يحقده

فرموه عن غرض وليس له *** من ملجأ الا مهنده

وصميم اسرته وخُلصته *** ونأى فلم يشهده أحمده

لو أن حمزته وجعفره *** وعليّه اذ ذاك يَشهده

ما رامت الطلقاء حوزته *** بل عمّها بالذعر منهده

منعوه ورد الماء ويلهم *** وحماه لم يمنع تورّده

خمسا أديم عليه سرمده *** وأشد وقع الشر سرمده

حتى إذا حامت مناجزة *** في صدر يوم غاب أسعده

ثاروا إليه فثار لا وكلا *** وأمامه عزم يؤيّده

كالقوم ردد في لغادده *** هدرا يردده ويرعده

والخيل ترهقه فيرهقها *** ضربا يفض البيض اهوده

حتى إذا القتل استحر بهم *** في مأزق ضنك مقصّده

ص: 13


1- السِيد هو الاسد.

وتخرمت أنصاره وخلا *** كالليث لم ينكل تجلّده

ثبت الجناب على بصيرته *** والعزم لم ينقص تأكده

وتعاورته ضبى سيوفهم *** فتقيمه طورا وتقعده

حتى هوى فهوى بناء علا *** واجتث منتزعا موطده

طمسوا بمقتله الهدى طُمست *** عنهم مناهجه وأنجده

وتروا النبي به وقد وتروا *** الروح الامين غداة يشهده

فبكاه قبر المصطفى جزعا *** وبكاه منبره ومسجده

وتسربلت أفق السماء له *** قتما يخالطه تورده

وتبجست صم الصخور دما *** لما علاه دم يجسّده

وأتيح للماء الغؤر به *** والغور ينضبه ويثمده

ومن الفجيعة أن هامته *** للرمح تأطره تأوده

تهدى الى ابن العلج محملها *** وافى طلوع الجبت اجعده

عبد يُجاء براس سيده *** لما أذيل وضاع سيده

يجرى براس ابن النبي لقد *** لعن المراد به وروّده

لعن الإله بني امية ما *** غنّى على فنن مغرده

فيهم يحكّم لا ينهنه في *** الاسلام عابثه ومفسده

ص: 14

ابن دريد هو ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدري القحطاني البصري الشيعي الإمامي عالم فاضل أديب حفوظ ، شاعر نحوي لغوي ، أخذ عن الرياشي وأبي حاتم السجستاني وغيرهما ، وكان واسع الرواية لم ير أحفظ منه ، يحكى أنه كان إذا قرئ عليه ديوان شعر مرة واحدة حفظه من أوله الى آخره. قال المسعودي ، وكان ابن دريد ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر وانتهى في اللغة وقام مقام الخليل بن أحمد فيها ، وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين وكان يذهب في الشعر كل مذهب ، فطورا يجزل وطورا يرق وشعره أكثر من أن نحصيه أو يأتي عليه كتابنا هذا ، فمن شعره قصيدته المقصورة أو لها :

يا ظبية أشبه شيء بالمها *** ترعى الخزامى بين أشجار النقى

أما ترى رأسي حاكى لونه *** طرّة صبح تحت أذيال الدجى

واشتعل المبيض في مسوّده *** مثل اشتعال النار في جزل الغضا

( انتهى )

له مصنفات منها كتاب الجمهرة وهو من الكتب المعتبرة في اللغة ، حكي أنه أملاها من حفظه سنة 297 فما استعان عليها بالنظر في شيء من الكتب إلا في الهمزة واللفيف ، واشتهرت مقصورته غاية الاشتهار وقد اعتنى بشرحها خلق كثير وعارضه فيها جماعة من الشعراء منهم ابو القاسم علي التنوخي الانطاكي وعد ابن شهر اشوب ابن دريد من شعراء أهل البيت (عليهم السلام) ومن شعره :

ص: 15

أهوى النبي محمداً ووصيه *** وابنيه وابنته البتول الطاهرة

أهل العباء فإنني بولائهم *** أرجو السلامة والنجا في الآخرة

وأرى محبة من يقول بفضلهم *** سببا يجير من السبيل الجائرة

أرجو بذلك رضى المهيمن وحده *** يوم الوقوف على ظهور الساهرة

توفي ببغداد 18 شعبان سنة 321 يوم وفاة ابي هاشم الجبائي قال الناس مات علم اللغة وعلم الكلام بموت ابن دريد وابي هاشم ودفنا بالخيزرانية.

قال الامين في أعيان الشيعة مولده بالبصرة في سكة صالح سنة 223 وتوفي يوم الاربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقين من شعبان أو من رمضان سنة 321 فيكون عمره ثماني وتسعين سنة وقال ابن خلكان يقال انه عاش ثلاثا وتسعين سنة لا غير.

وذكره صاحب رياض العلماء فقال : كان وزيرا لبني ميكال امراء الشيعة في فارس فعهدوا اليه نظارة ديوانهم حتى كانت الأوامر تصدر عنه ويوقع عليها بتوقيعه وبلغ أعلى المراتب ولما خلع بنو ميكال وذهبوا الى ارض خراسان جاء ابن دريد الى بغداد سنة 308 واتصل بالوزير الشيعي علي بن الفرات فقربه الى المقتدر فأمر له بخمسين دينارا كل شهر حتى مات.

ص: 16

من مقصورة ابن دريد في الحكم والأخلاق الكريمة

مَن لم يعظه الدهر لم ينفعه ما *** راح به الواعظ يوما أو غدا

مَن لم تُفده عبرا أيامه *** كان العمى أولى به من الهدى

مَن قاس ما لم يره بما يرى *** أراه مايدنو اليه ما نأى

مَن عارض الأطماع باليأس رنت *** اليه عين العز من حيث رنا

مَن لم يقف عند انتهاء قدره *** تقاصرت عنه فسيحات الخطا

مَن ناط بالعجب عرا أخلاقه *** نيطت عُرا المقت الى تلك العرا

مَن طال فوق منتهى بسطته *** أعجزه نيل الدنابله (1) القصا

وللفتى من ماله ما قدّمت *** يداه قبل موته لا ما اقتنى

وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعى

اقول وشطر هذه المقصورة السيد محمد بن مال اللّه بن معصوم القطيفي النجفي المتوفى سنة 1271 وجعل التشطير في رثاء الحسين وستأتي الترجمة في شعراء القرن الثالث عشر ان شاء اللّه.

ومن شعره قوله :

غرّاء لو جلت الخدود شعاعها *** للشمس عند طلوعها لم تشرق

غصن على دعص تأوّد فوقه *** قمر تألق تحت ليل مطبق

ص: 17


1- بله اسم فعل معناه دع واترك يعني ان من طلب فوق ما في سعته لم يدرك قريبا ولا بعيدا.

لو قيل للحسن احتكم لم يعدها *** أو قيل خاطب غيرها لم ينطق

وكأننا من فرعها في مغرب *** وكأننا من وجهها في مشرق

تبدو فيهتف للعيون ضياؤها *** الويل حل بمقلة لم تطبق

أورد السيد الأمين له في الاعيان ترجمة ضافية ذكر فيها اقوال العلماء فيه ومشائخه وتلامذته وشعره وأخباره مفصلة.

ص: 18

أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري

اشارة

يا خير من لبس النبوة *** من جميع الانبياء

وجدي على سبطيك وج- *** -د ليس يؤذن بانقضاء

هذا قتيل الاشقيا *** ء وذا قتيل الادعياء

يوم الحسين هرقت دم- *** -ع الارض بل دمع السماء

يوم الحسين تركت با *** ب العز مهجور الفناء

يا كربلاء خلقت من *** كرب عليّ ومن بلاء

كم فيك من وجه تش- *** رّب ماؤه ماء البهاء

نفسي فداء المصطلي *** نار الوغى أي اصطلاء

حيث الاسنة في الجوا *** شن كالكواكب في السماء

فاختار درع الصبر حي- *** -ث الصبر من لبس السناء

وابى إباء الأسد إ *** نّ الأسد صادقة الإباء

وقضى كريما إذ قضى *** ظمآن في نفر ظماء

منعوه طعم الماء لا *** وجدوا لماء طعم ماء

مَن ذا لمعقور الجوا *** د ممال أعواد الخباء

مَن للطريح الشلو عر *** يانا مُخلّى بالعراء

مَن للمحنط بالترا *** ب وللمغسل بالدماء

ص: 19

من لابن فاطمة المغ- *** -يّب عن عيون الاولياء (1)

وللصنوبري ذكرها صاحب الدر النظيم في الأئمة اللّهاميم :

ذكر يوم الحسين بألطف أودى *** بصماخي فلم يدع لي صماخا

متبعات نسأوه النوح نوحا *** رافعات إثر الصراخ صراخا

منعوه ماء الفرات وظلّوا *** يتعاطونه زلالا نقاخا

بأبي عترة النبي وأمي *** سد عنهم معاند أصماخا

خير ذا الخلق صبية وشبابا *** وكهولا وخيرهم أشياخا

أخذوا صدر مفخر العز مذكا *** نوا وخلّوا للعالمين المخاخا

النقيّون حيث كانوا جيوبا *** حيث لا يأمن الجيوب اتساخا

خلقوا أسخياء لا متساخين *** وليس السخى من يتساخى

أهل فضل تناسخوا الفضل شيبا *** وشبابا اكرم بذاك انتساخا

يا ابن بنت النبي اكرم به ابنا *** وبأسناخ جدّه اسناخا

وابن من وازر النبي ووالا *** ه وصافاه في الغدير وواخا

وابن من كان للكريهة ركنا *** باً وفي وجه هولها رساخا

للطلى تحت قسطل الحرب ضرّا *** يا وللهام في الوغى شداخا (2)

ما عليكم أناخ كلكله الد *** هر ولكن على الانام اناخا

وقال :

ما في المنازل حاجة نقضيها *** إلا السلام وادمع نذريها

وتفجع للعين فيها حيث لا *** عيش أوازيه بعيشي فيها

أبكي المنازل وهي لا تدري الذي *** بعث البكاء لكنت أستبكيها

ص: 20


1- رواها بن شهر اشوب في المناقب. الأعيان ج9 ص356 والتفسير.
2- الطلى بالكسر طلية وهو العنق ومن كلامهم : اللحية حلية ما لم تطل عن الطلية.

باللّه يا دمع السحائب سقّها *** ولئن بخلت فأدمعي تسقيها

يا مغريا نفسي بوصف غريرة *** أغريت عاصية على مغريها

لا خير في وصف النساء فاعفني *** عما تكلفنيه من وصفيها

يا رب قافية حلى امضاؤها *** لم يحل ممضاها الى ممضيها

لا تطمعن النفس في إعطائها *** شيئا فتطلب فوق ما تعطيها

حب النبي محمد ووصيه *** مع حب فاطمة وحب بنيها

أهل الكساء الخمسة الغرر التي *** يبني العلا بعلاهم بانيها

كم نعمة أوليت يا مولاهم *** في حبهم فالحمد للموليها

إن السفاه بترك مدحي فيهم *** فيحق لي أن لا أكون سفيها

هم صفوة الكرم الذي أصفيهم *** ودي وأصفيت الذي يصفيها

أرجو شفاعتهم وتلك شفاعة *** يلتذ برد رجائها راجيها

صلّوا على بنت النبي محمد *** بعد الصلاة على النبي أبيها

وابكوا دماء لو تشاهد سفكها *** في كربلاء لما ونت تبكيها

يا هولها بين العمائم واللّهى *** تجري وأسياف العدى تجريها

تلك الدماء لو انها توقى إذا *** كانت دماء العالمين تقيها

لو أن منها قطرة تفدى إذا *** كنابنا وبغيرنا نفديها

إن الذين بغوا إراقتها بغوا *** ميشومة العقبى على باغيها

قتل ابن من أوصى اليه خير من *** أوصى الوصايا قط أو يوصيها

رفع النبي يمينه بيمينه *** ليرى ارتفاع يمينه رائيها

في موضع أضحى عليه منبها *** فيه وفيه يبدئ التشبيها

آخاه في ضم ونوّه باسمه *** لم يأل في خير به تنويها

هو قال ( اقضاكم ) علي إنه *** أمضى قضيته التي يمضيها

هو لي كهارون لموسى حبذا *** تشبيه هرون به تشبيها

يوماه يوم للعدى يرويهم *** جودا ويوم للقنا يرويها

يسع الأنام مثوبة وعقوبة *** كلتاهما تمضي لما يمضيها

ص: 21

بيد لتشييد المعالي شطرها *** ولهدم أعمار العدى باقيها

ومضاء صبر ما رأى راء له *** فيما رآه من الصدور شبيها

لو تاه فيه قوم موسى مرة *** أخرى لأنسى قوم موسى التيها

عوجا بدار الطف بالدار التي *** ورث الهدى أهلوه عن اهليها

نبكي قبورا إن بكينا غيرها *** بعض البكاء فانما نعنيها

نفدت حياتي في شجى وكآبة *** لله مكتئب الحياء شجيها

بأبي عفت منكم معالم أوجه *** أضحى بها وجه الفخار وجيها

مالي علمت سوى الصلاة عليكم *** آل النبي هدية أهديها

وأسا علي فإن أفأت بمقلتي *** يحدي سوابق دمعها حاديها

سقيا لها فئة وددت بأنني *** معها فسقاني الردى ساقيها

تلك التي لا أرض تحمل مثلها *** لا مثل حاضرها ولا باديها

قلبي يتيه على القلوب بحبها *** وكذا لساني ليس يملك تيها

وأنا المدلّه بالمرائي كلما *** زادت أريد بقولها تدليها

يرثي نفوسا لو تطيق إبانة *** لرئت له من طول ما يرثيها

ص: 22

أبو بكر احمد بن محمد بن الحسن بن مراد الضبي الحلبي الانطاكي المعروف بالصنوبري توفي سنة 334.

ذكره الامين في اعيان الشيعة فقال : كان شاعراً مجيداً مطبوعاً مكثراً وكان عالي النفس ضنينا بماء وجهه عن ان يبذله في طلب جوائز ممدوح صائنا لشأنه عن الهجاء يقول الشعر تأدبا لا تكسبا ، مقتصرا في اكثر شعره على وصف الرياض والأزدهار. وكان يسكن حلب ودمشق قال الشيخ عباس القمي في ( الكنى والألقاب ) : ذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت (عليهم السلام) وله أشعار في مدائح أهل البيت ومراثيهم أقول : ان السيد الامين اسماه احمد بن محمد وكناه بأبي بكر ولكن الشيخ القمي في الكني والالقاب اسماه ابو بكر بن أحمد بن محمد وقول الشيخ الأميني موافق لما رواه السيد في الأعيان.

قال الثعالبي : تشبيهات ابن المعتز ، وأوصاف كشاجم ، وروضيات الصنوبري متى اجتمعت اجتمع الظرف والطرف وسمع السامع من الاحسان العجب.

وله في وصف حلب ومنتزهاتها قصيدة تنتهي الى مائة واربعة أبيات توجد في معجم البلدان للحموي ج 3 ص 317 وقال البستاني في ( دائرة المعارف ) ج 7 ص 137 هي اجود ما وصف به حلب ، مستهلها.

احبسا العيس احبساها *** وسلا الدار سلاها

قال الشيخ الاميني : واما تشيعه فهو الذي يطفح به شعره الرائق ونص بذلك اليماني في نسمة السحر وعده ابن شهر اشوب من مادحي أهل البيت علیهم السلام وأما دعوى صاحب النسمة انه كان زيديا واستظهاره ذلك من شعره فاحسب أنها فتوى مجردة فانه لم يدعمها بدليل ، وشعره الذي ذكره هو وغيره خال من اي ظهور ادعاه واليك نبذا مما وقفنا عليه في المذهب. قال في القصيدة يمدح بها عليا أمير المؤمنين علیه السلام .

ص: 23

اخي حبيبي حبيب اللّه لا كذب *** وابناه للمصطفى المستخلص ابنان

صلى الى القبلتين المقتدى بهما *** والناس عن ذاك في صم وعميان

ما مثل زوجته اخرى يقاس بها *** ولا يقاس على سبطيه سبطان

فمضمر الحب في نور يخص به *** ومضمر البغض مخصوص بنيران

هذا غدا مالك في النار يملكه *** وذاك رضوان يلقاه برضوان

رُدّت له الشمس في أفلاكها فقضى *** صلاته غير ما ساه ولا وان

أليس من حل منه في أخوّته *** محل هارون من موسى بن عمران؟!

وشافع الملك الراجي شفاعته *** إذ جاءه ملك في خلق ثعبان

قال النبي له : أشقى البريّة يا *** علي إذ ذُكر الأشقى شقيّان

هذا عصى صالحا في عقر ناقته *** وذاك فيك سيلقاني بعصيان

ليخضبن هذه من ذا أبا حسن *** في حين يخضبها من أحمر قان

ومن شعر الصنوبري ما رواه النويري في نهاية الارب :

محن الفتى يخبرن عن فضل الفتى *** كالنار مخبرة بفضل العنبر

وقال :

رب حال كأنها مُذهَب ال- *** -ديباج صارت من رقة كاللاذ (1)

وزمان مثل ابنة الكرم حُسنا *** عاد عند العيون مثل الداذي (2)

أو ما من فساد رأى الليالي *** ان شعري هذا وحالي هذي

ص: 24


1- اللاذة : ثوب حرير احمر صيني والجمع لاذ.
2- الداذي : شراب للفساق.

ومن شعره في اهل البيت علیهم السلام (1) :

سقى حلب المزن مغنى حلب *** فكم وكلت طربا بالطرب

وكم مستطاب من العيش لي *** لديها إذا العيش لم يستطب

إذا نشر الزهر أعلامه *** بها ومطارده والعذب

غدا وحواشيه من فضة *** ترفّ وأوساطه من ذهب

تلاعبه الريح صدر الضحى *** فيجلى علينا جلاء اللعب

متى ما تغنّت مهاريه *** وانشد دبسيّه أو خطب

ندبت ونُحت بني احمد *** ومثلي ناح ومثلى ندب

بني المصطفى المرتضى خاتم *** النبيين والمنخب المنتخب

لا سرى مسراه إلا به *** وما مسّه في السرى من تعب

أم القمر انشق إلا له *** ليقضي ما قد قضى من أرب

ولا يد سبّح فيها الحصى *** سوى يده في جميع الحقب

وفي تفلة رد عين الوصي *** إلى حال صحتها إذ أحب

اخوه وزوج احب الورى *** اليه ومسعده في النوب

له ردت الشمس حتى قضى *** الصلاة وقام بما قد وجب

وزكّا بخاتمه راكعا *** رجاء المجازاة في المنقلب

ابو حسن والحسين الذَين *** كانا سراجي سراج العرب

هما خير ماش مشى جدّةً *** وجداً وأزكاه أماً وأب

* * *

أنيخا بنا العيس في كربلاء *** مناخ البلاء مناخ الكرب

نشم ممسّك ذاك الثرى *** ونلثم كافور تلك الترب

ونقضي زيارة قبر بها *** فان زيارته تستحب

ص: 25


1- عن المجموع الرائق السيد أحمد العطار - مخطوط.

سآسي لمن فيه كل الاسى *** واسكب دمعي له ما انسكب

لمن مات من ظمأ والفرات *** يرمي بامواجه من كثب

يروم اقترابا فيحمونه ال- *** وصول اليه اذا ما اقترب

وقد أنصب الفاطميات ما *** يعانيه تحت الوغى من نصب

اذا هو ودّعهن انتحبن *** من حر توديعه وانتحب

أيابن الرسول ويابن البتول *** يا زينة العلم زين الأدب

كأني بشمر مكبّا عليك *** ويل لشمر على من أكب

ومهري ماض مخلّى العنان *** خضيب اللبان خضيب اللبب

وقد أجلت الحرب عن نسوة *** سقتها يد الحرب كاس الحرب

يلاحظن وجهك فوق القناة *** ويذهبن باللحظ أنىّ ذهب

فبوركت مرثية حُليت *** من الحَلي بالمنتقى المنتخب

الى ضَبّة الكوفة الاكرمين *** تنسّب اكرم بهذا النسب

الى القائمين بحق الوصي *** عند الرضاء وعند الغضب

ص: 26

وقال أيضا فيهم صلوات اللّه عليهم :

وقال أيضا فيهم صلوات اللّه عليهم (1)

حيّ ولا تسأم التحيات *** وناج ما اسطعت من مناجاة

حيّ دياراً أضحت معالمها *** بالطف معلومة العلامات

وقل لها يا ديار آل رسول *** اللّه يا معدن الرسالات

وقل عليك السلام ما انبرت *** الشمس أو البدر للبريات

هم مناخ الهدى ومنتجع *** الوحي ومستوطن الهدايات

إن يَتلُ تالي الكتاب فضلهم *** يتل صنوفا من التلاوات

خصّوا تلك الآيات تكرمة *** اكرم بتلك الآيات آيات

هم خير ماش مشى على قدم *** وخير مَن يمتطي المطيّات

هم علّموا العالمين أن عبدوا *** اللّه وألغوا عبادة اللات

عُجت بأبياتهم أسائلها *** فعجت منها بخير أبيات

على قبور زكية ضمنت *** لحودها أعظما زكيّات

أذكى نسيما لمن ينسّمها *** من زهرات الربى الذكيّات

واصلها الغيث بالغدو ولا *** صارمها الغيث بالعشيّات

الشافعون المشفعون إذا *** ما لم يشفّع ذوو الشفاعات

من حين ماتوا أحيوا ، وليس كمن *** أحياؤهم في عداد أموات

جلّت رزاياهم فلست أرى *** بعد رزياتهم رزيّات

ص: 27


1- عن المجموع الرائق تأليف السيد احمد العطار - مخطوط.

نوحا على سيدي الحسين نعم *** نوحا على سيدي بن سادات

نوحاً تنوحا منه على شرف *** مجدّل بين مشرفيات

ذقنا بدوق السيوف من دمه *** مرارةً فاقت المرارات

كأنني بالدماء منه على *** خير تراق وخير لبّات

ذيد حسين عن الفرات فيا *** بليّة أثمرت بليات

لم يستطع شربه وقد شربت *** من دمه المرهفات شربات

ما لك ما غُرت يا فرات ولم *** تسق الخبيثين والخبيثات

كم فاطميين منك قد فُطموا *** من غير جرم وفاطميات

ويل يزيد غداة يقرع بالق- *** -ضيب من سيدي الثنيات

فزد يزيدا لعنا وأسرته *** من ناصبيّ وناصبيات

العنه والعن من ليس يلعنه *** ثُبت بذا أفضل المثوبات

الجن والانس والملائكة الكرام *** تبكي بلا محاشاة

على خضيب الاطراف من دمه *** يا هول اطرافه الخضيبات

في لمّة من بني أبيه حوت *** طيب الأبوّات والبنوّات

مَن يسل وقتا فان ذكرهم *** مجدد لي في كل أوقاتي

بهم أجازي يوما الحساب إذا *** ما حوسب الخلق للمجازاة

تجارتي حبهم وحبّهم *** ما زال من أربح التجارات

ص: 28

وقوله :

وقوله (1)

لوعة ما تزحرح *** وجوى ليس يبرح

وشجى ما أزال *** افيق منه واصبح

وأسى كلما خَبا *** خبوه عاد يقدح

وحسود يحاول *** الجد من حيث يمزح

فهو يأسو اذا حض- *** -رت وإن غبت يقدح

فمداج موارب ومبين *** ومبين مصرح

كإبن آوى يعوي ور *** أى وكالكلب ينبح

عجبي والخطوب تب- *** لطلابي لراحة العي-

-رح فينا وتسنح *** -ش والموت أروح

قل لباغي ربح بمدح *** اذا ظل يمدح

مدح آل النبي يا *** باغي الربح أربح

مَن بهم تمنح النجا *** ة غداً حين تمنح

وبهم تصلح الامور *** التي ليس تصلح

ما فصبح إلا وهم *** بالعلى منه أفصح

سبقوا شرح ذي النه- *** -هى بنهى ليس تشرح

هم على المعتفين *** أوسع أيد وأفسح

ص: 29


1- عن المجموع الرائق تأليف السيد احمد العطار مخطوط.

كلما وزنوا به *** فهم منه أرجح

طيّر النار في الحشا *** طاير ظل يصدح

ناح شجواً وما درى *** أنني منه أنوح

أنا أشجى منه فوادا *** وأضنى وأقرح

لي فواد بناره *** كل يوم ملوّح

وحشاً ما المدى مدي *** حرقاتي يشرّح

للحسين الذي الشؤن *** بذكراه تسفح

لابن مَن قام بالنصيحة *** إذ قام يَنصح

الذبيح الذبيح من *** عطش وهو يذبح

من رأى ابن النبي *** في دمه كيف يسبح

طامحا طرفه الى *** اهله حين تطمح

يطبق العين وهو *** في كربات ويفتح

بي جوى للحسين *** يؤلم قلبي ويقرح

ابطحي ما إن حوى *** مثله قط أبطح

تلمح المكرمات من *** طرفه حين يلمح

أيّ قبر بالطف أضحى *** به الطف يُبجح

بابي الطف مطرحا *** للعلى فيه مطرح

ظاهر الارض منه تحزن *** والبطن تفرح

مالسفر بالطف امسوا *** حلولا وأصبحوا

من صريع على جوانبه *** الطير جُنّح

وطريح على محاسنه *** الترب يطرح

فلحى اللّه مستبيحى *** حماهم وقد لُحوا

ما قبيح إلا وما ارتكب *** القوم أقبح

آل بيت النبي مالي *** عنكم تزحزح

أفلح السالكون ظ- *** -ل هداكم وانجحوا

ص: 30

انا في ذاك لاسوى *** ذاك اسعى واكدح

فعسى اللّه عن *** ذنوبي يعفو ويصفح

وقال كما في المجموع الرائق :

يا حادي الركب أنخ يا حادي *** ما غير وادي الطف لي بواد

يعتادني شوقي الى الطف فكن *** مشاركي في سومي المعتاد

لله ارض الطف ارضاً انها *** ارض الهدى المعبود فيها الهادي

أرض يحار الطرف في حايرها *** مهما بدى فالنور منه باد

حيى الحيا الطف وحيّا اهله *** من رائح من الحيا أو غاد

حتى ترى أنواره موشية *** تزهي على موشية الابراد

زهوي بحب المصطفى وآله *** على الأعادي وعلى الحساد

قوم على منهم وابناء أ *** فديهم بآبائي وبالأجداد

هم الأولى ليس لهم في فخرهم *** ند وحاشاهم من الأنداد

يا دمع اسعدني ولست منصفي *** يا دمع ان قصرت في اسعادي

ما انس لا انسى الحسين والاولى *** باعوا به الاصلاح بالافساد

لما رآهم أشرعوا صم القنا *** وجردوا البيض من الاغماد

نازعهم ارث ابيه قائلا *** أليس ارث الاب للا ولاد

أنا الحسين بن علي أسد الروح *** الذي يعلو على الاساد

فاضمروا الصدق له واظهروا *** قول مصرّين على الاحقاد

ففارق الدنيا فديناه وهل *** لذايق كاس المنايا فاد

ولم يرم زادا سوى الماء فما *** ان زودوه منه بعض الزاد

اروى التراب ابن علي من دم *** أي دم وابن علي صاد

تلك الصفايا من بنات المصطفى *** في ملك أوغاد بني أوغاد

قريحة اكبادها يملكها *** عصابة غليظة الاكباد

ص: 31

لذا غدت أيامنا مأتماً *** وكنّ كالاعراس والاعياد

وقوله كما في المجموع الرائق :

سر راشداً يا أيها السائر *** ما حار مَن مقصده الحائر

ما حار من زار إمام الهدى *** خير مزور زاره الزاير

مَن جده أطهر جد ومَن *** أبوه لا شك الاب الطاهر

مقاسم النار ، له المسلم المؤ *** من منا ، ولها الكافر

دان بدين الحق طفلاً وما *** ان دان لاباد ولا حاظر

الوارد الكهف على فتية *** لا وارد منهم ولا صادر

حتى اذا سلّم ردوا وفي *** ردّهم ما يخبر الخابر

اذكر شجوى ببني هاشم *** شجوى الذي يشجى به الذاكر

اذكرهم ما ضحك الروض أو *** ما ناح فيه وبكى الطائر

يوم الحسين ابتز ضبري فما *** منى لا الصبر ولا الصابر

لهفي على مولاي مستنصرا *** غيب عن نصرته الناصر

حتى إذا دار بماساءنا *** على الحسين القدر الدائر

خرّ يضاهي قمرا زاهرا *** واين منه القمر الزاهر

وأم كلثوم ونسوانها *** بمنظر يكبره الناظر

يسارق الطرف إليها وقد *** انحى على منحره الناحر

فالدمع من مقلته قاطر *** والدمع من مقلتها قاطر

يا من هم الصفوة من هاشم *** يعرفها الاول والآخر

ذا الشاعر الضبي يلقى بكم *** ما ليس يلقى بكم شاعر

ص: 32

وقوله فيهم علیهم السلام من قصيدة اولها :

عوجا على الطف الحنايا *** ما طوره أطر الحنايا

فهناك مثوى الاصفياء *** ء المنتمين الى الصفايا

لم ترع لا الموصي ولا *** الموصى اليه ولا الوصايا

ابن النبي معفر *** وبنات فاطمة سبايا

خير البرايا ، رأسه *** يهدى الى شر البرايا

لم ادر للصبيان أذرف *** ف أدمعي أم للصبايا

تاللّه لا تخفى شجوني *** لا وعلام الخفايا

ويزيد قد وضع القضيب *** من الحسين على الثنايا

فهبوه ما استحيى النبي *** ولا الوصي أما تحايا

ص: 33

بعض الشعراء الكوفيين :

ايها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

لم أمرّضه فاسلو *** لا ولا كان مريضا

روى المفيد رحمه اللّه في الامالي عن النيسابوري أن ذرة النائحة رأت فاطمة الزهراء علیهاالسلام فيما يرى النائم وأنها وقفت على قبر الحسين علیه السلام تبكي وأمرتها أن تنشد :

ايها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

وابكيا بالطف ميتا *** ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا *** لا ولا كان مريضا (1)

ص: 34


1- المناقب لابن شهر اشوب ج 2 ص 189.

قال السيد الامين في ( الاعيان ) ج 17 ص 320

عليّ بن أصدق الحائري

عصره بين المائة الثالثة والرابعة

عن كتاب المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي انه ان بالحائر من كربلاء رجل يدعى ابن اصدق ينوح على الحسين علیه السلام فبعث ابو الحسن الكاتب الى هذا المنشد أبا القاسم التنوخي علي بن محمد بن داود والد مؤلف النشوار - لينوح على الحسين بقصيدة لبعض الشعراء الكوفيين وأولها :

ايها العينان فيضا *** واستهلا لا تغيضا

لم امرضه فاسلو *** لا ولا كان مريضا

قال ابو القاسم وكان هذا في النصف من شعبان والناس اذ ذاك يلقون جهدا جهيدا من الحنابلة اذا ارادوا الخروج الى الحائر فلم ازل اتلطف حتى خرجت فكنت في الحائر ليلة النصف من شعبان.

وولد ابو القاسم هذا سنة 278 ومات سنة 342.

ص: 35

أبو الحسن السري بن أحمد الرفاء الموصلي

السري الرفاء الموصلي بمدح أهل البيت ويذكر الحسين علیه السلام :

السري الرفاء الموصلي بمدح أهل البيت ويذكر الحسين علیه السلام (1):

نطوي الليالي علما أن ستطوينا *** فشعشعيها بماء المزن واسقينا

وتوجّي بكؤوس الراح ايدينا *** فانما خلقت للراح ايدينا

قامت تهز قواما ناعما سرقت *** شمائل البان من اعطافه اللينا

تحث حمراء يلقاها المزاج كما *** القيت فوق جنّي الورد نسرينا

فلست أدري اتسقينا وقد نفحت *** روائح المسك منها أم تحيينا

قد ملكتنا زمام العيش صافية *** لو فاتنا الملك راحت عنه تسلينا

ومخطف القد يرضينا ويسخطنا *** حسنا ويقتلنا دلا ويحيينا

لما رأيت عيون الدهر تلحظنا *** شزرا تيقّنتُ أن الدهر يردينا

نمضي ونترك من الفاظنا تحفا *** تنسي رياحينها الشرب الرياحينا

وما نبالي بذم الاغبياء اذا *** كان اللبيب من الاقوام يطرينا

ورب غراء لم تنظم قلائدها *** إلا ليُحمد فيها الفاطميونا

الوارثون كتاب اللّه يمنحهم *** ارث النبي على رغم المعادينا

والسابقون الى الخيرات ينجدهم *** عتق النجار اذا كل المجارونا

قوم نصلي عليهم حين نذكرهم *** حُبّا ونلعن اقواما والعرانينا

اغنتهم عن صفات المادحين لهم *** مدائح اللّه في طاها وياسينا

ص: 36


1- القصيدة في ديوانه المطبوع بالقاهرة سنة 1355.

فلست أمدحهم الا لأرغم في *** مديحهم انف شانيهم وشانينا

أقام روح وريحان على جدث *** ثوى الحسين به ظمآن آمينا

كأن أحشاءنا من ذكره أبدا *** تطوى على الجمر او تحشى السكاكينا

مهلا فما نقضوا آثار والده *** وانما نقضوا في قتله الدينا

آل النبي وجدنا حبكم سببا *** يرضى الاله به عنا ويرضينا

فما نخاطبكم إلا بسادتنا *** ولا نناديكم إلا موالينا

فكم لنا من معاد في مودتكم *** يزيدكم في سواد القلب تمكينا

( وكم لنا من فخار في مودتكم *** يزيدها في سواد القلب تمكينا )

ومن عدو لكم خف عداوته *** اللّه يرميه عنا وهو يرمينا

إن اجر في مدحكم جري الجواد فقد *** أضحت رحاب مساعيكم ميادينا

وكيف يعدوكم شعري وذكركم *** يزيد مستحسن الاشعار تحسينا

ص: 37

أبو الحسن السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي المعروف بالسري الرفاء. والرفاء من الرفو والتطريز ، كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل قال السيد الأمين في الاعيان : توفي سنة 344 ببغداد ودفن بها كان شاعراً مطبوعا كثير الافتتان في التشبيهات والأوصاف ، وعده ابن شهر اشوب من شعراء اهل البيت المتقين وله ديوان مشهور وفيه مدح لسيف الدولة وبني حمدان إذ كان على اتصال به وبهم وكان شاعر سيف الدولة الحمداني وتغنى الركبان بشعره فحسده من حسده من الشعراء كالخالديين الشارعين الموصليين المشهورين ، وكان يتهمهما بسرقة شعره واثنى عليه المؤرخون وارباب الأدب.

وقال الشيخ القمي في ( الكنى والالقاب ) : وكان مغرى بنسخ ديوان ابي الفتح كشاجم الشاعر وهو اذ ذاك ريحان الأدب ، والسري الرفاء في طريقه يذهب وعلى قالبه يضرب ، وله ديوان شعر. كانت وفاته في نيف وستين وثلثمائة ببغداد. وقال في مقدمة ديوانه : انه كان في ضنك من العيش فخرج الى حلب واتصل بسيف الدولة واستكثر من المدح له فطلع سعده بعد الافول وحسن موقع شعره عند الأمراء من بني حمدان ورؤساء الشام والعراق.

وفي الديوان قال : وكانت وفاته بعيد سنة 360 ه.

ص: 38

فمن شعر السري ابيات يذكر فيها صناعته رواها ابن خلكان :

وكانت الابرة فيما مضى *** صائنة وجهي وأشعاري

فأصبح الرزق بها ضيقا *** كأنه من ثقبها جاري

ومن شعره في النسيب :

بنفسي مَن أجود له بنفسي *** ويبخل بالتحية والسلام

وحتفي كامن في مقلتيه *** كمون الموت في حد الحسام

وجاء في نهاية الارب للنويري من شعره :

اذا العبء الثقيل توزّعته *** أكفّ القوم هان على الرقاب

وقوله :

فانك كلما استودعت سرا *** أنمّ من النسيم على الرياض

وقوله :

الى كم احبّر فيك المديح *** ويلقى سواي لديك الحبورا

أقول واكثر شعره في مدح سيف الدولة والوزير المهلبي وآل حمدان وفيه أهاج في الخالديين وغيرهما وقصائد وصفية يصف بها صيد السمك وشبكته والنار وكلاب الصيد.

ص: 39

محمود بن الحسين بن السندي كشاجم

الشاعر كشاجم أبو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك :

اجل هو الرزء جلّ فادحه *** باكره فاجع ورائحه

لا ربع دار عفا ولا طل *** أوحش لمّا نأت ملاقحه

فجائع لو درى الجنين بها *** لعاد مبيضة مسالحه

يا بؤس دهر حين آل رسو *** ل اللّه تجتاحهم جوائحه

إذا تفكّرت في مصابهم *** أثقب زند الهموم قادحه

بعضهم قرّبت مصارعه *** وبعضهم بوعدت مطارحه

أظلم في كربلاء يومهم *** ثمّ تجلّى وهم ذبائحه

لا يبرح الغيث كل شارقة *** تحصى غواديه أو روائحه

على ثرى حلّه غريب رسو *** ل اللّه مجروحة جوارحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره *** ونال أقصى مناه كاشحه

وسيق نسوانه طلائح أحزان *** تهادى بهم طلائحه

وهنّ يُمنعن بالوعيد من الن- *** -وح وغرّ العلى نوائحه

عادى الأسى جدّه ووالده *** حين استغاثتهما صرائحه

لو لم يُرد ذو الجلال حربهم *** به لضاقت بهم فسائحه

وهو الذي اجتاح حين ما عقر *** ت ناقته إذ دعاه صالحه

يا شيع الغيّ والضلال ومَن *** كلّهم جمّة فضائحه

غششتم اللّه في أذيّة مَن *** إليكم أدّيت نصائحه

عفرتم بالثرى جبين فتّى *** جبريل قبل النبي ماسحه

ص: 40

سيّان عند الاله كلكم *** خاذله منكم وذابحه

على الذي فاتهم بحقّهم *** لعن يغاديه أو يراوحه

جهلتم فيهم الذي عرف البي- *** -ت وما قابلت أباطحه

إن تصمتوا عن دعائهم فلكم *** يوم وغى لا يجاب صائحه

في حيث كبش الردى يناطح مَن *** أبصر كبش الوغى يناطحه

وفي غد يعرف المخالف من *** خاسر دين منكم ورابحه

وبين أيديكم حريق لظى *** يلفح تلك الوجوه لافحه

إن عبتموهم بجهلكم سفها *** ما ضر بدر السما نابحه

أو تكتموا فالقرآن مشكله *** بفضلهم ناطق وواضحه

ما أشرق المجد من قبورهم *** إلا وسكّانها مصابحه

قوم أبي حد سيف والدهم *** للدين أو يستقيم جامحه

وهو الذي استأنس النبي به *** والدين مذعورة مسارحه

حاربه القوم وهو ناصره *** قدما وغشّوه وهو ناصحه

وكم كسى منهم السيوف دما *** يوم جلاد يطيح طائحه

ما صفح القوم عندما قدروا *** لمّا جنت فيهم صفائحه

بل منحوه العناد واجتهدوا *** أن يمنعوه واللّه مانحه

كانوا خفافا الى أذيّته *** وهو ثقيل الوقار راجحه

منخفض الطرف عن حطامهم *** وهو الى الصالحات طامحه

بحر علوم اذا العلوم طمت *** فهي بتيارها ضحاضحه

وان جروا في العفاف بذّهم *** بالسبق عود الجران قارحه

يا عترة حبهم يبين به *** صالح هذا الورى وطالحه

مغالق الشر أنتم يا بني أحمد *** اذ غيركم مفاتحه

طبتم فان مرّ ذكركم عرضا *** فاح بروح الجنان فائحه

أكاتم الحزن في محبتكم *** والحزن يعيا به مكادحه

ص: 41

ليس سوى الدمع والاناء بما *** يكون فيه لا بدّ راشحه

لو كنت في عصر دعبل عبدت *** مدائحي فيكم مدائحه

وقال :

بكاء وقلّ غناء البكاء *** على رزء ذرية الانبياء

لئن ذل فيه عزيز الدمو *** ع لقد عز فهي ذليل العزاء

اعاذلتي إن برد التقى *** كسانيه حبي لاهل الكساء

سفينة نوح فمن يعتلق *** بحبّهم معلق بالنجاء

لعمري لقد ضل رأي الهوى *** بافئدة من هواها هوائي

واوصى النبي ولكن غدت *** وصاياه منبذة بالعراء

ومن قبلها أمر الميتون *** برد الأمور الى الاوصياء

ولم ينشر القوم غلّ الصدور *** حتى طواه الردى في رداء

ولو سلّموا لامام الهدى *** لقوبل معوجهم باستراء

هلال الى الرشد عالي الضياء *** وسيف على الكفر ماضي المضاء

وبحر تدفق بالمعجزات *** كما يتدفق ينبوع ماء

علوم سماوية لا تنال *** ومَن ذا ينال نجوم السماء

وكم موقف كان شخص الحمام *** من الخوف فيه قليل الخفاء

جلاه فان انكروا فضله *** فقد عرفت ذاك شمس الضحاء

أراه العجاج قبيل الصباح *** وردت عليه بعيد المساء

وان وتر القوم في بدرهم *** لقد نقض القوم في كربلاء

مطايا الخطايا خذي في الظلام *** فما همّ ابليس غير الحداء

لقد هتكت حرم المصطفى *** وحلّ بهن عظيم البلاء

وساقوا رجالهم كالعبيد *** وحازوا نساءهم كالاماء

فلو كان جدهم شاهدا *** لتبع ظعنهم بالبكاء

ص: 42

حقود تضرم بدرية *** وداء الحقود عزيز الدواء

تراه مع الموت تحت اللواء *** واللّه والنصر فوق اللواء

غداة خميس إمام الهدى *** وقد عاث فيهم هزبر اللقاء

وكم انفس في سعير هوت *** وهام مطيرة في الهواء

بضرب كما انقد جيب القميص *** وطعن كما انحل عقد السقاء

اخيرة ربي من الخيّرين *** وصفوة ربي من الاصفياء

طهرتم فكنتم مديح المديح *** وكان سواكم هجاء الهجاء

قضيت بحبكم ما عليّ *** اذا ما دعيت لفصل القضاء

وايقنت ان ذنوبي به *** تساقط عني سقوط الهباء

فصلى عليكم آله الورى *** صلاة توازي نجوم السماء

وقال :

له شغل عن سؤال الطلل *** اقام الخليط به أم رحل

فما ضمنته لحاظ الظبا *** تطالعه من سجوف الكلل

ولا تستفز حجاه الخدود *** بمصفرة واحمرار الخجل

كفاه كفاه فلا تعذلاه *** كرّ الجديدين كرّ العذل

طوى الغيّ منتشرا في ذراه *** تطفى الصبابة لما اشتعل

له في البكاء على الطاهرين *** مندوحة عن بكاء الغزل

فكم فيهم من هلال هوى *** قبيل التمام وبدر أفل

هم حجج اللّه في خلقه *** ويوم المعاد على من خذل

ومَن انزل اللّه تفضيلهم *** فردّ على اللّه ما قد نزل

فجدهم خاتم الانبياء *** ويعرف ذاك جميع الملل

ووالدهم سيد الأوصياء *** معطى الفقير ومردى البطل

ص: 43

ومن علّم السمر طعن الكلا *** لدى الروع والبيض ضرب القلل

ولو زالت الأرض يوم الهياج *** فمن تحت اخمصه لم تزل

ومن صدّ عن وجه دنياهم *** وقد لبست حليها والحلل

وكان إذا ما اضيفوا اليه *** أرفعهم رتبة في مثل

سماء أضفت اليها الحضيض *** وبحر قرنت اليه الوشل

وجود تعلّم منه السحاب *** وحلم تولّد منه الجبل

وكم شبهة بهداه جلى *** وكم خطة بحجاه فصل

وكم أطفأ اللّه نار الضلال *** به وهي ترمي الهدى بالشعل

وكم ردّ خالقنا شمسه *** عليه وقد جنحت للطفل

ولو لم تعد كان في رأيه *** وفي وجهه من سناها بدل

ومن ضرب الناس بالمرهفات *** على الدين ضرب غريب الابل

وقد علموا أن يوم الغدير *** بغدرتهم جرّ يوم الجمل

فيا معشر الظالمين الذين *** اذاقوا النبي مضيض الثكل

اتردي الحسين سيوف الطغاة *** ظمآن لم يطف حر الغلل

ثوى عطشا وتنال الرماح *** من دمه عَلّها والنهل

ولم يخسف اللّه بالظالمين *** ولكنه لا يخاف العجل

لقد نشطت لعناد الرسول *** أناس بها عن هداها كسل

فلا بوعدت أعين من عمى *** ولا عوفيت أذرع من شلل

ويا رب وفق لي خير المقال *** اذا لم أوفّق لخير العمل

ولا تقطعن املي والرجاء *** فانت الرجاء وأنت الامل

ص: 44

كشاجم

ابو الفتح محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك الرملي المعروف بكشاجم. نسبة الى الرملة من أرض فلسطين. وإنما لقب بكشاجم اشارة بكل حرف منها الى علم : فبالكاف الى انه كاتب ، وبالشين الى انه شاعر ، وبالالف الى انه اديب ، وبالجيم الى انه منجم ، وبالميم الى انه متكلم. فكان كاتباً شاعراً اديبا جامعا منجما ، وكان مؤلفا صنف في افانين العلوم. ذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت علیهم السلام المجاهرين وله قصائد في مدح آل محمد (عليهم السلام) ، وجمع ديوانه ابو بكر محمد بن عبد اللّه الحمدوني مرتبا على الحروف والحق به بعد ما تم جمعه زيادات اخذها عن ابي الفرج بن كشاجم سماه ( الثغر الباسم من شعر كشاجم ) مطبوع.

ذكر صاحب شذرات الذهب انه توفي سنة 360.

اما الزر كلي في الاعلام فيقول : انه توفي سنة 350.

قال الشيخ القمي في الكنى أقول : كانت عمة والد كشاجم اخت السندي من المحبين لاهل البيت (عليهم السلام) وكانت تلي خدمة موسى بن جعفر (عليهما السلام) لما كان في محبس السندي. قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد اخبرنا الحسن بن محمد العلوي قال : حدثني جدي حدثني عمار بن ابان قال : حبس ابو الحسن

ص: 45

موسى بن جعفر عند السندي فسألته اخته ان تتولى حبسه وكانت تتدين - ففعل ، فكانت في خدمته ، فحكى لنا انها قالت : كان اذا صلى العتمة حمد اللّه ومجّده ودعاه فلم يزل كذلك حتى يزول الليل فاذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح ثم يذكر قليلاً حتى تطلع الشمس ثم يقعد الى ارتفاع الضحى ثم يتهيأ ويستاك ويأكل ثم يرقد الى قبل الزوال ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة. فكان هذا دأبه ، فكانت اخت السندي اذا نظرت اليه قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل وكان عبدا صالحاً ( انتهى ).

ص: 46

طلحة بن عبيد اللّه العَوني المصري

ابو محمد العوني المصري يرثي الحسين علیه السلام :

فيا بضعة من فواد النبي *** بالطف أضحت كثيبا مهيلا

ويا كبداً من فواد البتول *** بالطف شُلّت فأضحت أكيلا

قتلت فابكيت عين الرسول *** وأبكيت من رحمة جبرئيلا

وقال :

لم انس يوما للحسين وقد ثوى *** بالطف مسلوب الرداء خليعا

ظمآن من ماء الفرات معطّشا *** ريّان من غصص الحتوف نقيعا

يرنو الى ماء الفرات بطرفه *** فيراه عنه محرما ممنوعا

وقال :

غصن رسول اللّه أحكم غرسه *** فعلا الغصون نضارة وتماما

واللّه ألبسه المهابة والحجى *** وربا به أن يعبد الاصناما

ما زال يغذوه بدين محمد *** كهلا وطفلا ناشئا وغلاما

وقال :

يا قمرا غاب حين لاحا *** أورثني فقدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي *** صرفك من حادث صلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى *** أستعذب اللّهو والمزاحا؟!

ص: 47

كربت كي تهتدي البرايا *** به وتلقى به النجاحا

فالدين قد لفّ بردتيه *** والشرك القى لها جناحا

فصار ذاك الصباح ليلا *** وصار ذاك الدجى صباحا

فجاء إذا جاءهم تنحّوا *** لكي يريها الهدى الصراحا

حتى إذا جاءهم تنحّوا *** لا بل نحو قتله اجتياحا

وأنبتوا البيد بالعوالي *** والقضب واستعجلوا الكفاحا

فدافعت عنه أولياه *** وعانقوا البيض والرماحا

سبعون في مثلهم ألوفا *** فاثخنوا بينهم جراحا

ثم قضوا جملة فلاقوا *** هناك سهم القضا المتّاحا

فشد فيهم أبو علي *** وصافحت نفسه الصفاحا

يا غيرة اللّه لا تغيثي *** منهم صياحا ولا ضباحا

ثم انثنى ظامئا وحيدا *** كما غدا فيهم وراحا

ولم يزل يرتقي الى ان *** دعاه داعي اللقا فصاحا

دونكم مهجتي فاني *** دُعيت أن أرتقي الضراحا

فكلكلوا فوقه ، فهذا *** يقطع رأسا وذا جناحا

يا بأبي أنفسا ظماء *** ماتت ولم تشرب المباحا

يا بأبي أجسما تعرّت *** ثم اكتست بالدمها وُشاحا

يا سادتي با بني عليّ *** بكى الهدى فقدكم وناحا

أو حشتم الحِجر والمساعي *** آنستم القفر والبطاحا

أو حشتم الذكر والمثاني *** والسور الطوال الفصاحا

لا سامح اللّه مَن قَلاكم *** وزاد أشياعكم سماحا

ص: 48

أبو محمد طلحة بن عبيد اللّه بن محمد بن أبي عون الغساني :

أبو محمد طلحة بن عبيد اللّه بن محمد بن أبي عون الغساني (1) المعروف بالعوني المصري :

توفي حوالي سنة 350 بمصر.

عدّه ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين قال وقد نظم أكثر المناقب ويسمونه بالغلو قال السيد الأمين في الاعيان : قلت ذكروا في احوال أحمد بن منير الاطرابلسي انه كان في اول أمره ينشد شعر العوني في أسواق طرابلس.

وعن العمدة لأبن رشيق هو أول من نظم الشعر المسمى بالقواديسي وأورد له في المناقب قوله من أبيات :

ولولا حجة في كل وقت *** لاضحى الدين مجهول الرسوم

وحار الناس في طخياء منها *** نجونا بالأهلة والنجوم

وله :

يا صاحبيّ رحلتما وتركتما *** قلبي رهين تصبر وتصابي

أبكي وفاءكما وأندبه كما *** يبكي المحب معاهد الأحباب

أخذهما المتنبي منه - كما عن العميدي في الابانة عن سرقات المتنبي فأشكل

ص: 49


1- غسان : ماء باليمن تنسب اليه قبائل. وما بالشلل قريب من الجحفة :

معنا هما بقوله :

وفاؤكما كالربع اشجاء طاسمه *** بأن تسعدا والدمع أسقاه ساجمه

حتى ان الناظر لا يفهم معنى هذا البيت الا بعد سماعهما.

وله في الائمة علیهم السلام أكثر من عشرة آلاف بيت.

قال الشيخ الأميني سلمه اللّه : وشعره في أهل البيت علیهم السلام مدحا ورثاءا مبثوت في ( المناقب ) لابن شهر اشوب و ( روضة الواعظين ) لشيخنا الفتال و ( الصراط المستقيم ) لشيخنا البياضي.

وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلثمائة وخمسين بيتا ، وجمعه ورتّبه العلامة السماوي في ديوان ، ومما رتبه قصيدته المعروفة بالمذهبة توجد في ( مناقب ابن شهر اشوب ) ناقصة الأطراف. انتهى.

ص: 50

ابو القاسم الزاهي الشاعر ، رواها ابن شهر اشوب في المناقب :

اعاتب نفسي اذا قصّرت *** وأفنى دموعي اذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفى *** دموعي على الخد قد سُطّرت

لكم وعليكم جفت غمضها *** جفوني عن النوم واستشعرت

أمثل اجسامكم بالعراق *** وفيها الأسنة قد كسّرت

أمثلكم في عراص الطفوف *** بدوراً تكسّف إذ أقمرت

غدت ارض يثرب من جمعكم *** كخط الصحيفة إذ أقفرت

واضحى بكم كربلاء مغربا *** لزهر النجوم اذا غورت

كأني بزينب حول الحسين *** ومنها الذوائب قد نشرت

تمرّغ في نحره شعرها *** وتبدي من الوجد ما أضمرت

وفاطمة عقلها طائر *** اذا السوط في جنبها أبصرت

وللسبط فوق الثرى شيبة *** بفيض دم النحر قد عفرت

ورأس الحسين امام الرماح *** كغُرّة صبح اذا أسفرت

وله يرثيه علیه السلام :

لست أنسى الحسين في كربلاء *** وحسين ظام فريد وحيد

ساجد يلثم الثرى وعليه *** قضب الهند ركع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب *** ويرى الماء وهو عنه بعيد

ص: 51

وقال :

يا آل احمد ماذا كان جرمكم *** فكل أرواحكم بالسيف تنتزع

تلفى جموعكم شتّى مُفرّقة *** بين العباد وشمل الناس مجتمع

وتستباحون أقمارا منكّسة *** تهوى وأرؤسها بالسمر تقترع

ألستم خير من قام الرشاد بكم *** وقوّضت سنن التضليل والبدع؟!

ووُحّد الصمد الاعلى بهديكم *** إذ كنتم علما للرشد يتّبع؟

ما للحوادث لا تجري بظالمكم؟ *** ما للمصائب عنكم ليس ترتدع

منكم طريد ومقتول على ظمأ *** ومنكم دنف بالسمر مُنصرع

وهارب في أقاصي الغرب مغترب *** ودارع بدم اللبات مندرع

ومقصد من جدار ظل منكدرا *** وآخر تحت ردم فوقه يقع

ومن محرّق جسم لا يُزار له *** قبر ولا مشهد يأتيه مرتدع

وإن نسيت فلا أنسى الحسين وقد *** مالت إليه جنود الشرك تقترع

فجسمه لحوامي الخيل مطرّد *** ورأسه لسنان السمر مرتفع

وله في رثائهم سلام اللّه عليهم قوله :

بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوة *** ويسلمني طيف الهجوع فأهجع؟

ظلمتم وذُبّحتم وقسّم فيثكم *** وجار عليكم من لكم كان يخضع

فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا *** وإلا لكم فيه قتيل ومصرع

وقال :

إبكي يا عين ابكي آل رسول *** اللّه حتى تخد منك الخدود

وتقلّب يا قلب في ضَرم الحزن *** فما في الشجا لهم تفنيد

فهم النخل باسقات كما قال *** سوام لهن طلع نضيد

وهم في كتاب زيتونة النور *** وفيها لكل نار وقود

ص: 52

وبأسمائهم إذا ذكر اللّه *** بأسمائه اقتران أكيد

غادرتهم حوادث الدهر صرعى *** كل شهم بالنفس منه يجود

لست أنسى الحسين في كربلاء *** وهو ظام بين الأعادي وحيد

ساجد يلثم الثرا وعليه *** قضب الهند رُكّع وسجود

يطلب الماء والفرات قريب *** ويرى الماء وهو عنه بعيد

يا بني الغدر مَن قتلتم؟ لعمري *** قد قتلتم مَن قام فيه الوجود

ص: 53

عليّ بن اسحاق الزاهي الشاعر

ابو القاسم علي بن اسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزاهي الشاعر المشهور.

ولد يوم الاثنين لعشر بقين من صفر سنة 318 وتوفي يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادي الآخرة سنة 352 ببغداد ودفن في مقابر قريش.

والزاهي نسبة الى قرية ( زاه ) من قرى نيسابور وبعضهم قال إنما لقب الزاهي لأنه أول من زها في شعره (1) وذكره ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت علیهم السلام المجاهرين فقال : ابو القاسم الزاهي الشامي وصاف ، وذكره عميد الدولة ابو سعيد بن عبد الرحيم في طبقات الشعراء قال : وشعره في أربعة اجزاء واكثر شعره في أهل البيت ومدح سيف الدولة والوزير المهلبي وغيرهما من رؤساء وقته وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان فقال : كان وصّافا محسنا كثير الملح ، وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وأشار الى انه كان قطاناً وروى له السيد الأمين في الأعيان بعض اشعاره في الغزل والوصف.

فمن شعره قوله :

فوجهك نزهة الابصار حسنا *** وصوتك متعة الاسماع طيبا

رنا ظبياً وغنّى عندليباً *** ولاح شقائقا ومشى قضيبا

ص: 54


1- وهو الاصوب لأنه بغدادي ، وقرية الزاه بنيشابور ، فأين هو منها.

وقوله :

ارى الليل يمضي والنجوم كأنها *** عيون الندامى حين مالت الى الغمض

وقد لاح فجر يغمر الجو نوره *** كما انفرجت بالماء عين على الارض

ومن شعر الزاهي في مدح امير المؤمنين :

دع الشناعات ايها الخدعة *** واركن الى الحق واغد متّبعه

مَن وحّد اللّه أولا وأبى *** إلا النبي الاميّ وأتّبعه

مَن قال فيه النبي : كان من ال- *** -حق عليّ والحق كان معه

مَن سلّ سيف الإله بينهم *** سيفا من النور ذو العلى طبعه

مَن هزم الجيش يوم خيبرهم *** وهزّ باب القموص فاقتلعه

مَن فرض المصطفى ولاه على *** الخلق بيوم « الغدير » إذ رفعه

أشهد أن الذي نقول به *** يعلم بطلانه الذي سمعه

وقال يمدحه :

أُقيم نجم للخلافة حيدر *** ومن قبل قال الطهر ما ليس ينكر

غداة دعاه المصطفى وهو مزمع *** لقصد تبوك وهو للسير مضمر

فقال : أقم عنّى بطيبة واعلمن *** بأنك للفجّار بالحق تهر

ولمّا مضى الطهر النبيّ تظاهرت *** عليه رجال بالمقال وأجهروا

فقالوا : عليّ قد قلاه محمد *** وذاك من الأعداء إفك ومنكر

فأتبعه دون المعرس فانثنى *** وقالوا : عليّ قد أتى فتأخروا

ولمّا أبان القول عمّن يقوله *** وأبدى له ما كان يبدي ويضمر

فقال : أما ترضى تكون خليفتي *** كهارون من موسى؟ وشأنك أكبر

وعلاه خير الخلق قدرا وقدرة *** وذاك من اللّه العليّ مقدّر

وقال رسول اللّه : هذا إمامكم *** له اللّه ناجى أيها المتحيّر

ص: 55

ومن شعر الزاهي في الامام امير المؤمنين علیه السلام رواها الأميني في الغدير :

لا يهتدي الى الرشاد من فحص *** إلا إذا والى عليّا وخلص

ولا يذوق شربة من حوضه *** من غمس الولا عليه وغمص

ولا يشم الرَوح من جنانه *** مَن قال فيه مَن عداه وانتقص

نفس النبي المصطفى والصنو وال- *** -خليفة الوارث للعلم بنص

مَن قد أجاب سابقا دعوته *** وهو غلام والى اللّه شخص

ما عرف اللات ولا العزّى ولا *** انثنى اليهما ولا حب ونص

مَن ارتقى متن النبي صاعدا *** وكسّر الأوثان في أولى الفرص

وطهّر الكعبة من رجس بها *** ثمّ هو للأرض عنها وقمص

مَن قد فدا بنفسه محمدا *** ولم يكن بنفسه عنه حرص

وبات من فوق الفراش دونه *** وجاد فيما قد غلا وما رخص

مَن كان في بدر ويوم أحد *** قطّ من الأعناق ما شاء وقص

فقال جبريل ونادى : لا فتى *** إلا عليّ عمّ في القول وخص

مَن قدّ عمرو العامريّ سيفه *** فخرّ كالفيل هوى وما قحص

وراءها صاح : ألا مبارز *** فالتوت الأعناق تشكو من وقص (1)

مَن أعطى الراية يوم خيبر *** من بعد ما بها أخو الدعوى نكص

وراح فيها مبصرا مستبصرا *** وكان أرمدا بعينيه الرمص

فاقتلع الباب ونال فتحه *** ودكّ طود مرحب لمّا قعص

من كسح البصرة من ناكثها *** وقصّ رجل عسكر بما رقص

وفرق المال وقال : خمسة *** لواحد. فساوت الجند الحصص

وقال في ذي اليوم يأتي مدد *** وعدّه فلم يزد وما نقص

ومّن بصفّين نضا حسامه *** ففلق الهام وفرّق القصص (2)

ص: 56


1- الوقص : الكسر.
2- عظام الصدر.

وصدّ بن عمرو وبسر كرماً *** إذ لقيا بالسوأتين من شخص

ومن أسال ( النهروان ) بالدما *** وقطّع العرق الذي بها رهص

وكذّب القائل أن قد عبروا *** وعدّ مَن يحصد منهم ويحص

ذاك الذي قد جمع القرآن في *** أحكامه الواجبات والرُخص

ذاك الذي آثر في طعامه *** على صيامه وجاد بالقُرص

فأنزل اللّه تعالى هل اتى *** وذكر الجزاء في ذاك وقص

ذاك الذي أستوحش منه أنس *** أن يشهد الحق فشاهد البرص

إذ قال : مَن يشهد بالغدير لي *** فبادَر السامع وهو قد نكص

فقال : أنسيت. فقال : كاذب *** سوف ترى مالا تواريه القمص

يا بن أبي طالب يا من هو من *** خاتم الانبياء في الحكمة فص

فضلك لا ينكر لكن الولا *** قد ساغه بعض وبعض فيه غص

فذكره عند مواليك شفا *** وذكره عند معاديك غُصص

كالطير بعض في رياض أزهرت *** وابتسم الورد وبعض في قفص

وله في مدح أهل البيت علیهم السلام قوله ، رواها الأميني في الغدير :

يا لائمي في الولا هل أنت تعتبر *** بمن يوالي رسول اللّه أو يذر؟

قوم لو أن البحار تنزف بالأ *** قلام مشقا وأقلام الدنا شجر

والإنس والجن كتّاب لفضلهم *** والصحف ما احتوت الآصال والبكر

لم يكتبوا العشر بل لم يعد جهدهم *** في ذلك الفضل إلا وهو محتقر

أهل الفخار وأقطاب المدار ومن *** أضحت لأمرهم الايام تأتمر

هم آل أحمد والصيد الجحاجحة الز *** هر الغطارفة العلويّة الغرر

والبيض من هاشم والأكرمون أولوا *** الفضل الجليل ومن سادت بهم مضر

فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم *** قوم يكاد إليهم يرجع القدر

اعطوا الصفا نهلا أعطوا البنوة من *** قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر

وتوجوا شرفا ما مثله شرف *** وقلّدوا خطرا ما مثله خطر

ص: 57

حسبي بهم حججاً لله واضحة *** يجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

هم دوحة المجد والأوراق شيعتهم *** والمصطفى الاصل والذريّة الثمر

وقوله :

يا سادتي يا آل ياسين فقط *** عليكم الوحي من اللّه هبط

لولاكم لم يقبل الفرض ولا *** رحنا لبحر العفو من أكرم شط

أنتم ولاة العهد في الذر ومن *** هواهم اللّه علينا قد شرط

ما أحد قايسكم بغيركم *** ومازج السلسل بالشرب اللمط

إلا كمن ضاهى الجبال بالحصا *** أو قايس الأبحر جهلا بالنقط

* * *

صنو النبيّ المصطفى والكاشف ال- *** -غمّاء عنه والحسام المخترط

أوّل من صام وصلّى سابقاً *** إلى المعالي وعلى السبق غبط

* * *

وكلّم الشمس ومَن رُدّت له *** ببابل والغرب منها قد قبط

وراكض الأرض ومن أنبع للع- *** -سكر ماء العين في الوادي للقحط

بحر لديه كل بحر جدول *** يغرف من تيّاره إذا اغتمط

وليث غاب كل ليث عنده *** ينظره العقل صغيرا إذ قلط

باسط علم اللّه في الأض ومَن *** بحبّه الرحمن للرزق بسط

سيف لو أن الطفل يلقى سيفه *** بكفّه في يوم حرب لشمط

يخطو إلى الحرب به مدرّعاً *** فكم به قد قدّ من رجس وقط

وللزاهى :

توليت خير الخلق بدء وآخرا *** والقيت رحلي في حماهم مجاورا

ص: 58

هم الآل آل اللّه والقطب الذي *** بهم فلك التوحيد اصبح دائرا

أئمة حق خاتم الرسل جدهم *** ووالدهم من كان للحق ناصرا

علي امير المؤمنين الذي اغتدى *** الى قرنه بالسيف لا زال باترا

وأمهم الزهراء أكرم برّة *** غدا قلبها مضنى على الوجد صابرا

فمنهم قتيل السم ظلما ومنهم *** امام له جبريل يكدح زائرا

قتيل بأرض الطف أروت دماؤه *** رماح الأعادي والسيوف البواترا

ومنهم أخو المحراب سجاد ليله *** وباقر بطن العلم افديه باقرا

وسادسهم ياقوته العلم جعفر *** إمام هدى تلقاه بالعدل آمرا

وسابعهم موسى ابو العلم الرضا *** ومن لم يزل بالفضل للخلق غامرا

وثامنهم مرسي خراسان مَن به *** طفقت حزينا للهموم مساورا

وتاسعهم زين الانام محمد *** أبو علم للقوم اصبح عاشرا

ومنهم امام سر من را محلّه *** اقام لحادي العشر منهم مجاورا

وآخرهم مهدي آل محمد *** فكان لعقد الفاطمين آخرا

عليهم سلام اللّه لا زال ممسيا *** يواصل اجداثا لهم ومباكرا

ولا زالت الاكباد منا اليهم *** تحن حنين الفاقدات زوافرا

وأعيننا تجري دموعا عليهم *** لما كابدوا تلك الملوك الجبابرا

وسوف يديل اللّه من كل ظالم *** بقائم عدل يعلن الحق ظاهرا

وانا لنرجو اللّه بالحزن والبكا *** لهم ان يحط السيئات الكبائرا

ويرزقنا فيهم شفاعة جدهم *** فانا اتخذناها لتلك ذخائرا

قال السيد الامين في الاعيان : وله في امير المؤمنين علیه السلام :

ما زلت بعد رسول اللّه منفردا *** بحراً يفيض على الوراد زاخره

أمواجه العلم والبرهان لجتّه *** والحلم شطاه والتقوى جواهره

ص: 59

وله في مدح الإمام علیه السلام :

وآل عليا واستضيء مقباسه *** تدخل جناناً ولتسقى كأسه

فمن تولاه نجا ومَن عَدا *** ما عرف الدين ولا أساسه

أول من قد وحّد اللّه وما *** ثنى إلى الأوثان يوما رأسه

فدى النبي المصطفى بنفسه *** إذ ضيقت أعداؤه أنفاسه

بات على فرش النبي آمنا *** والليل قد طافت به أحراسه

حتى إذا ما هجم القوم على *** مستيقظ بنصله أشماسه

ثار إليهم فتولّوا فرقاً *** يمنعهم عن قربه حماسه

مكسّر الأصنام في البيت الذي *** ازيح عن وجه الهدى غماسه

رقى على الكاهل من خير الورى *** والدين مقرون به أنباسه

ونكّس اللات والقى هَبَلا *** مهشماً يقلبه انتكاسه

وقام مولاي على البيت وقد *** طهّره إذ قد رمى أرجاسه

وفي ديوان ابي القاسم علي بن اسحاق ابن خلف الزاهي البغدادي المخطوط

قصائد هذه أوائلها وكلها في اهل البيت علیهم السلام .

1 - قد تركتني مصائبي حِرضا *** ما سغت ريقا بها ولا جرضا

2 - ساقها شوق الى طو *** س ومن تحميه طوس

3 - يا ابا السبطين وجدي عليكم *** في مسائي مضرم وابتكاري

4 - ايا صاحبي قد قطعنا الطريقا *** وانت تحاول ما لن يليقا

ونتف تتألف من خمسة أبيات واقل وأكثر قد جمعها المرحوم الشيخ محمد السماوي ونضدّها بخطه :

ص: 60

الأمير أبو فراس الحمداني

اشارة

يوم بسفح الدير لا أنساه *** أرعى له دهري الذي أولاه

يوم عمرت العمر فيه بفتية *** من نورهم أخذ الزمان بهاه

فكأن عزّتهم ضياء نهاره *** وكأن أوجههم نجوم دجاه

ومهفهف للغصن حسن قوامه *** والظبي منه إذا رنا عيناه

نازعته كأسا كأن ضياءها *** لما تبدّت في الظلام ضياه

في ليلة حسنت بود وصاله *** فكأنها من حسنه إياه

فكأنما فيه الثريا إذ بدت *** كف يشير الى الذي يهواه

والبدر منتصف الضياء كأنه *** متبسم بالكف يستر فاه

ظبي لو أن الفكر مرّ بخده *** من دون لحظة ناظر أدماه

فحرمت قرب الوصل منه مثل ما *** حرم الحسين الماء وهو يراه

واحتز رأسا طالما من حجره *** أدنته كفا جده ويداه

يوم بعين اللّه كان وانما *** يملي لظلم الظالمين اللّه

يوم عليه تغيرت شمس الضحى *** وبكت دما مما رأته سماه

لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر *** أو ذي بكاء لم تفض عيناه

تباً لقوم تابعوا أهواءهم *** فيما يسوءهم غدا عقباه

اتراهم لم يسمعوا ما خصه *** فيه النبي من المقال اباه

ص: 61

اذ قال يوم غدير خم معلنا *** من كنت مولاه فذا مولاه

هذي وصيته اليه فافهموا *** يا من يقول بأن ما أوصاه

واقروا من القرآن ما في فضله *** وتأملوه واعرفوا فحواه

لو لم تنزّل فيه إلا ( هل أتى ) *** من دون كل منزّل لكفاه

مَن كان أول مَن حوى القرآن من *** لفظ النبي ونطقه وتلاه

مَن كان صاحب فتح خيبر من رمى *** بالكف منه بابه ودحاه

مَن عاضد المختار من دون الورى *** مَن آزر المختار من آخاه

مَن خصه جبريل من رب العلا *** بتحية من ربه وحباه

أظننتم أن تقتلوا أولاده *** ويظلكم يوم المعاد لواه

أو تشربوا من حوضه بيمينه *** كأسا وقد شرب الحسين دماه

أنسيتم يوم الكساء وانه *** ممن حواه مع النبي كساه

يا رب اني مهتد بهداهم *** لا اهتدي يوم الهدى بسواه

اهوى الذي يهوى النبي وآله *** أبدا واشنأ كل مَن يشناه

مذ قال قبلي في قريض قائل *** ويل لمى شفعاؤه خصماه

ص: 62

الأمير ابو فراس الحارث بن سعيد الحمداني العدوي التغلبي.

وابو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء من أسماء الأسد.

ولد بمنبج سنة 320 وقتل يوم الاربعاء لثمان خلون من ربيع الآخر في حرب كانت بينه وبين غلام سيف الدولة سنة 357 ومقتضى تاريخ ولادته ووفاته ان يكون عمره 37 سنة ، نشأ ابو فراس في عشيرة عربية صميمة تقلب أفرادها في الملك والامارة قرونا عديدة وكانت لهم أحسن سير ة مملؤة بمحاسن الأفعال وجميل الصفات من كرم وسخاء وعز وإباء وصولة وشجاعة وفصاحة وبراعة. وسيف الدولة المتقدم في الرياسة والامارة والشجاعة والكرم وأبو فراس الفائق بشعره فيهم والمتميز بشجاعته وفروسيته وهو أمير جليل وقائد عظيم أكبر قواد سيف الدولة وشجاع مدره وشاعر مفلق وعربي صميم تجلت فيه الاخلاق والشيم العربية وهو امير السيف والقلم ومن حقه إذ يقول :

واني لنزّال بكل مخوفة *** كثير إلى نزالها النظر الشزر

واني لجرار لكل كتيبة *** معودة أن لا يخل بها النصر

سيذكرني قومي اذا جدّ جدهم *** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

وكل شعره يعطيك صورة عن عظمة شخصيته. اما ولاؤه لأهل البيت علیهم السلام فيكفي شاهدا عليه قصيدته العالية المسماة بالشافية وكلها في أهل البيت وظلم بني العباس لهم. وأولها :

ص: 63

الحق مهتضم والدين مخترم *** وفيء آل رسول اللّه مقتسم

والناس عندك لاناس فيحفظهم (1) *** سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

إني أبيت قليل النوم أدقني *** قلب تصارع فيه الهم والهمم

وعزمة لا ينام الليل صاحبها *** إلا على ظفر في طيّه كرم

يُصان مهري لأمر لا أبوح به *** والدرع والرمح والصمصامة الحذم (2)

وكل مائرة الضبعين مسرحها *** رمث الجزيرة والخذراف والعنم (3)

وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا *** وليس رأيهم رأيا اذا عزموا

يا للرجال أما لله منتصر *** من الطغاة؟ أما لله منتقم

بنو عليّ رعايا في ديارهم *** والأمر تملكه النسوان والخدم

محلّئون فأصفى شربهم وشل *** عند الورود وأوافى ودّهم لمم

فالأرض إلا على ملاكها سعة *** والمال إلا على أربابه ديم

فما السعيد بها إلا الذي ظلموا *** وما الشقي بها إلا الذي ظلموا

للمتقين من الدنيا عواقبها *** وإن تعجّل منها الظالم الاثم

أتفخرون عليهم لا أبا لكم *** حتى كأن رسول اللّه جدّكم

ولا توازن فيما بينكم شرف *** ولا تساوت لكم في موطن قدم

ولا لكم مثلهم في المجد متصل *** ولا لجدّكم معشار جدّهم

ولا لعرقكم من عرقهم شبَه *** ولا نتثيلتكم من أمهم أمم (4)

قام النبي بها « يوم الغدير » لهم *** واللّه يشهد والأملاك والأمم

حتى إذا أصبحت في غير صاحبها *** باتت تنازعها الذؤبان والرخم

وصيّروا أمرهم شورى كأنهم *** لا يعرفون ولاة الحق أيّهم

ص: 64


1- احفظه : اغضبه فغضب.
2- الحذم من السيوف بالحاء المهملة : القاطع.
3- مار : تحرك الضيع والعضد كناية عن السمن. الرمث بكسر الميم المهملة : القاطع خشب يضم بعضه الى بعض ويسمى الطوف. الحذراف بكسر الخاء : نبات.
4- نثيلة هي أم العباس بن عبد المطلب. الامم : القرب.

تاللّه ما جهل الأقوام موضعها *** لكنّهم ستروا وجه الذي علموا

ثم ادّعاها بنو العباس ملكهم *** ولا لهم قدم فيها ولا قدم

لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا *** ولا يحكّم في أمر لهم حكم

ولا رآهم أبو بكر وصاحبه *** أهلا لما طلبوا منها وما زعموا

فهل هم مدّعوها غير واجبة؟ *** أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا؟

أمّا عليّ فأدنى من قرابتكم *** عند الولاية إن لم تكفر النعم

أينكر الحبر عبد اللّه نعمته؟ *** أبوكم أم عبيد اللّه أم قثم؟

بئس الجزاء جزيتم في بني حسن *** أباهم العلم الهادي وأمهم

لا بيعة ردّعتكم عن دمائهم *** ولا يمين ولا قربى ولا ذمم

هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب *** للصافحين ببدر عن أسيركم؟!

هلا كففتم عن الديباج (1) سوطكم *** وعن بنات رسول اللّه شتمكم؟

ما نزّهت لرسول اللّه مهجته *** عن السياط فهلا نزّه الحرم؟

ما نال منهم بنوحرب وإن عظمت *** تلك الجرائر إلا دون نيلكم

كم غدرة لكم في الدين واضحة *** وكم دم لرسول اللّه عندكم

أنتم له شيعة فيما ترون وفي *** أظفاركم من بنيه الطاهرين دم

هيهات لا قرّبت قربى ولا رحم *** يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم

كانت مودّة سلمان له رحما *** ولم يكن بين نوح وابنه رحم

يا جاهدا في مساويهم يُكتّمها *** غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم؟

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا *** مأمونكم كالرضى لو أنصف الحكم

ذاق الزبيري (2) غب الحنث وانكشفت *** عن ابن فاطمة الأقوال والتهم

باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته *** وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا

ص: 65


1- الديباج هو محمد بن عبد اللّه اخو بني الحسن لامهم فاطمة بنت الحسين السبط ، ضربه المنصور مايتين وخمسين سوطاً.
2- الزبيري هو عبد اللّه بن مصعب ، باهله يحيى بن عبد اللّه بن حسن فتفرقا فما وصل الزبيري الى داره حتى جعل يصيح : بطني بطني ومات.

يا عصبة شقيت من بعدما سعدت *** ومعشراً هلكوا من بعد ما سلموا

لبئسما لقيت منهم وإن بليت *** بجانب الطف تلك الأعظم الرمم (1)

لا عن أبي مسلم في نصحه صفحوا *** ولا الهبيري نجا الحلف والقسم (2)

ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا *** فيه الوفاء ولا عن غيّهم حلموا (3)

أبلغ لديك بني العباس مالكة *** لا يدّعوا ملكها ملاكها العجم

أي المفاخر أرست في منازلكم *** وغيركم آمر فيها ومحتكم؟

أنى يزيدكم في مفخر علم؟ *** وفي الخلاف عليكم يخفق العَلم

يا باعة الخمر كفّوا عن مفاخركم *** لمعشر بيعهم يوم الهياج دم

خلّوا الفخار لعلامين ان سئلوا *** يوم السؤال وعمّالين إن عملوا

لا يغضبون لغير اللّه إن غضبوا *** ولا يضيعون حكم اللّه إن حكموا

تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا *** وفي بيوتكم الأوتار والنغم

منكم عُليّة أم منهم؟ وكان لكم *** شيخ المغنّين إبراهيم أم لهم؟

إذا تلوا سورة غنّى إمامكم *** قف بالطلول التي لم يعفها القدم

ما في بيوتهم للخمر معتصر *** ولا بيوتكم للسوء معتصم

ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم *** ولا يُرى لهم قرد ولا حشم

ص: 66


1- اشار إلى فعل المتوكل بقبر الامام السبط الشهيد.
2- ابو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية ، قتله المنصور والهبيري هو يزيد بن عمرو بن هبيرة احد ولاة بني امية حاربه بنو العباس ايام السفاح ثم امنوه فخرج الى المنصور بعد المواثيق والايمان فغدروا به وقتلوه سنة 132.
3- استعمل السفاح اخاه يحيى بن محمد على الموصل فأمنهم ونادى من دخل الجامع فهو آمن ، وأقام الرجال على ابواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل انه قتل فيه احد عشر الفا ممن له خاتم وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم ، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة ايام وذلك في سنة 132.

الركن والبيت والأستار منزلهم *** وزمزم والصفى والحجر والحرم

وليس من قَسَم في الذكر نعرفه *** إلا وهم غير شك ذلك القسم

اقول وقد شرح بعض الفضلاء هذه القصيدة شرحاً جيداً. يحكى انه دخل بغداد وأمر أن يشهر خمسمائة سيف خلفه وقيل اكثر ووقف في المعسكر وانشد القصيدة وخرج من باب آخر.

قال الشيخ القمي في الكنى الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون فارس ميدان العقل والفراسة والشجاعة والرياسة ، كان ابن عم السلطان ناصر الدولة وسيف الدولة ابني عبد اللّه بن حمدان وقلادة وشاح محامد آل حمدان ، وكان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ونبلا ومجدا وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور ، قال الصاحب بن عباد : بدء الشعر بملك وختم بملك. يعنى أمرء القيس وابي فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم ويتحامى جانبه فلا ينبري لمباراته ولا يتجرّى على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح مَن دونه من آل حمدان تهيباً له واجلالا ، لا اغفالا وإخلالا ، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن ابي فراس ويميزه بالأكرام على سائر قومه ويستصحبه في غزواته ويستخلفه في أعماله.

وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم بقي نصله في فخذه ثم نقلوه إلى القسطنطينية وذلك سنة ثمان واربعين وثلثماءة وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين وله في الاسر اشعار كثيرة متينة يجمعها ديوانه.

قال أبو هلال العسكري في ديوان المعاني : ومن جيد ما قيل في اظهار الرغبة في الاخوان قول ابي فراس بن حمدان :

قل لاخواننا الجفاة رويداً *** اذرجونا إلى احتمال الملال

إن ذاك الصدود من غير جُرم *** لم يدع فيّ موضعا للوصال

ص: 67

أحسنوا في وصالكم أو فسيئوا *** لاعدمناكم على كل حال

وقال :

انظر إلى الزهر البديع *** والماء في برك الربيع

وإذا الرياح جرت عليه *** في الذهاب وفي الرجوع

نثرت على بيض الصفائح *** بينها حَلَق الدروع

أقول ومن روائعه قوله :

قد كنتَ عدتي التي اسطو بها *** ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي

فرميت منك بضدّ ما أملتّه *** والمرء يشرق بالزلال البارد

وقوله :

أساء فزادته الاساءة حظوة *** حبيب على ما كان منه حبيب

يعدّ عليَّ الواشيان ذنوبه *** ومن اين للوجه الجميل ذنوب

وقوله في الفخر :

أقلى فأيام المحب قلائل *** وفي قلبه شغل عن القلب شاغل

وواللّه ما قصّرت في طلب العلى *** ولكن كان الدهر عني غافل

مواعيد ايام تطاولني بها *** مروات أزمان ودهر مخاتل

تدافعني الايام عما ارومه *** كما دفع الدين الغريم المماطل

خليلي شدا لي على ناقتيكما *** اذا ما بدا شيب من الفجر ناصل

وما كل طلاب من الناس بالغ *** ولا كل سيار إلى المجد واصل

وما المرء الا حيث يجعل نفسه *** واني لها فوق السماكين جاعل

اصاغرنا في المكرمات أكابر *** اواخرنا في المأثرات اوائل

اذا صلت صولا لم أجد لي مصاولا *** وإن قلت قولا لم أجد مَن يقاول

ص: 68

وقوله في الاخوانيات :

لم اواخذك بالحفاء لاني *** واثق منك بالوداد الصريح

فجميل العدو غير جميل *** وقبيح الصديق غير قبيح

وقوله :

خفض عليك ولا تكن قلق الحشا *** مما يكون وعلّه وعساه

فالدهر اقصر مدة مما ترى *** وعساك ان تكفى الذي تخشاه

وقال ابو فراس في ذم اخوان الرخاء :

تناساني الاصحاب إلا عُصيبة *** ستلحقُ بالأخرى غدا وتحول

فمن قيل كان العذر في الناس سُبّة *** وذم زمان واستلام خليل

وفارق عمرو بن الزبير شقيقه (1) *** وخلّى أمير المؤمنين عقيل (2)انظر نكث الهميان ص 200 والسيرة الحلبية ج 1 ص 304 وتذكرة الخواص ص 7 والخصال للصدوق ج1 ص 38.(3)

ومَن ذا الذي يبقى على الدهر إنهم *** وإن كثرت دعواهم لقليل

وصرنا نَرى أن المتارك محسن *** وان خليلا لا يضر وصول

أقلّب طرفي لا ارى غير صاحب *** يميل مع النعماء حيث تميل

ص: 69


1- في ديوان ابي فراس ( خليله ).
2- 2 - عجيب من الأمير ابي فراس أن يغض من كرامة عقيل بن أبي طالب بقوله : وخلی أمير المؤمنین عقيل. و هو محبوب النبي صلی اللّه عليه وآله وسلم والذي قال له : إني أحبك حبيبي : حبّاً لك وحباً لحب أبي طالب إياك
3- . ان الروايات في سفر عقيل الی الشام هل كان علی عهد أخيه الإمام أمير المؤمنین أو بعده متضاربة واستظهر ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 82 انه بعد شهادة أمير المؤمنين وجزم به العلامة الجليل السيد علي خان في ( الدرجات الرفيعة ) وهو الأصوب بعد ملاحظة مجموع ما يؤثر في هذا الباب. وعليه تكون وفادته كوفود غيره من الرجال المرضيين عند أهل البيت علیهم السلام الى معاوية في تلك الظروف القاسية. ألم يقد عبد اللّه بن عباس على معاوية وكذلك الامام الحسن علیه السلام ، على أن عقيلا لم يؤثر عنه يوم وفادته على معاوية انه خضع أو استكان أو جامله ووافقه على باطل أو أنه اعترف له بخلافة وزعامة ، بل أوثر عنه الطعن في نسب معاوية وحسبه وأشفع ذلك بتعظيم سيد الوصيين. من ذلك ما ذكره صاحب الدرجات الرفيعة أن معاوية قال له : يا أبا يزيد اخبرني عن عسكري وعسكر أخيك. فقال عقليل : لقد مررت بعسكر أخي فاذا ليل كليل رسول اللّه ونهار كنهاره إلا أن رسول اللّه ليس فيهم ، وما رأيت فيهم الا مصليا ، ولا سمعت الا قارئاً ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفّر برسول اللّه ليلة العقبة. أقول وقد أفردنا لعقيل ترجمة وافية في مخطوطنا ( الضرائح والمزارات ) وأثبتنا ان قبره في البقيع ، وان معه في القبر ابن أخيه عبد اللّه بن جعفر الطيار ، لا ما يقوله الشيخ الطريحي في مادة ( عقل ) من ان عقيل بن أبي طالب مات بالشام.

ومن روائعه قوله في الشكوى والعتاب :

وإني وقومي فرّقتنا مذاهب *** وإن جمعتنا في الاصول المناسب

فاقصاهم أقصاهم من مَساءتي *** وأقربهم مما كرهت الاقارب

غريب وأهلي حيث ما كرّ ناظري *** وحيد وحولي من رجالي عصائب

نسيبك من ناسبت بالودّ قلبه *** وجارك من صافيته لا المصاقب

وأعظم أعداء الرجال ثِقاتها *** وأهون مَن عاديته مَن تحارب

وما الذنب إلا العجز يركُبه الفتى *** وما ذنبه إن حاربته المطالب

ومن كان غير السيف كافل رزقه *** فللذلّ منه - لا محالة - جانب

وقال في الصبر على الاصدقاء :

ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني *** ليست مواخذة الخلان من شاني

يجني الخليل فاستحلي جنايته *** حتى يدل على عفوي وإحساني

يجني عليّ فاحنو صافحاً أبداً *** لا شيء أحسن من حان على جاني

ويتبع الذنب ذنباً حين يعرفني *** عمدا فأتبع غفرانا بغفران

ص: 70

وقال وهي من حكمياته :

كيف أبغي الصلاح من سعي قوم *** ضيعوا الحزم فيه ايّ ضياع

فمطاع المقال غير سديد *** وسديد المقال غير مطاع

وقال :

عرفت الشر لا للشرّ *** لكن لتوقّيه

فمن لا يعرف الشرّ *** من الناس يقع فيه

ومن غرر شعره قوله :

اراك عصى الدمع شيمتك الصبر *** أما للهوى نهي عليك ولا امر

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة *** ولكن مثلي لا يذاع له سر

اذا الليل أضواني بسطت يد الهوى *** وأذللت دمعا من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي *** إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

معللتي بالوصل والموت دونه *** إذا مت ظمئانا فلا نزل القطر

بدوت وأهلي حاضرون لأنني *** أرى ان دارا لست من أهلها قفر

وحاربت قومي في هواك وإنهم *** وإياي لولا حبك الماء والخمر

وان كان ما قال الوشاة ولم يكن *** فقد يهدم الايمان ما شيّد الكفر

وفيت وفي بعض الوفاء مذلة *** لآنسة في الحي شيمتها الغدر

وقور وريعان الصبا يستفزها *** فتأرن احيانا كما يأرن المهر

تسألني من أنت وهي عليمة *** وهل بفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى *** قتيلك قالت ايّهم فهم كُثر

فقلت لها لو شئت لم تتعنتي *** ولم تسألي عني وعندك بي خبر

ولا كان للأحزان لولاك مسلك *** الى القلب لكن الهوى للبلى جسر

فأيقنت أن لا عزّ بعدي لعاشق *** وأن يدي مما علقت به صفر

فقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا *** فقلت معاذ اللّه بل أنتِ لا الدهر

ص: 71

وقلّبت امري لا ارى لي راحة *** إذا البين انساني الحّ بي الهجر

فعدت الى حكم الزمان وحكمها *** لها الذنب لا تجزى به ولي العذر

وتجفل حينا ثم تدنو كأنما *** تراعي طلا بالواد أعجزه الحضر

واني لنزال بكل مخوفة *** كثير الى نزالها النظر الشزر

واني لجرار لكل كتيبة *** معودة أن لا يخلّ بها النصر

فاصدأ حتى ترتوي البيض والقنا *** واسغب حتى يشبع الذئب والنسر

ولا أصبح الحي الخلوف بغارة *** ولا الجيش ما لم تأته قبلي النُذر

ويا رب دار لم تخفني منيعة *** طلعت عليها بالردى انا والفجر

وساحبة الاذيال نحوي لقيتها *** فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر

وهبت لها ما حازه الجيش كله *** وراحت ولم يكشف لابياتها ستر

ولا راح يطغيني بأثوابه الغنى *** ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر

وماحاجتي في المال أبغي وفوره *** اذا لم يفر عرضي فلا وفر الوفر

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى *** ولا فرسي مهر ولا ربه غمر

ولكن إذا حُمّ القضاء على امرىء *** فليس له برّ يقيه ولا بحر

وقال اصيحابي الفرار أو الردى *** فقلت هما أمران احلاهما مُر

ولكنني امضي لما لا يعيبني *** وحسبك من أمرين خيرهما الاسر

يمنون ان خلّوا ثيابي وإنما *** عليّ ثياب من دمائهم حمر

وقائم سيفي فيهم اندقّ نصله *** واعقاب رمحي فيهم حطم الصدر

سيذكرني قومي اذا جد جدهم *** وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر

ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به *** ولو كان يغني الصفر ما نفق التبر

ونحن اناس لا توسط بيننا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبر

تهون علينا في المعالي نفوسنا *** ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

وجاء الشاعران الكبيران الشيخ حسن الشيخ علي الحلي والعلامة الحجة السيد محمد حسين الكيشوان وهما من شعراء القرن الرابع عشر فنظما الأبيات

ص: 72

الآتية على الروي وعلى القافية وتخلّصا الى يوم الحسين ووقعة الطف فقالا :

لذا أرخصت بالطف صحب ابن فاطم *** نفوساً لخلق الكائنات هي السر

هم القوم من عليا لوى وغالب *** بهم تكشف الجُلّى ويستدفع الضر

يحيّون هندى السيوف بأوجه *** تهلل من لئلاء غرّته البشر

يكرون والابطال نكصا تقاعست *** من الخوف والاساد شيمتها الكر

اذا اسودّ يوم الحرب اشرقن بالضبا *** لهم أوجه والشوس ألوانها صفر

فما وقفوا في الحرب إلا ليعبروا *** الى الموت والهندى من دونه جسر

الى أن ثووا تحت العجاج بمعرك *** هو الحشر لا بل دون موقفه الحشر

وماتوا كراما تشهد الحرب انهم *** أباة اذا ألوى بهم حادث نكر

ابا حسن شكوى اليك وانها *** لواعج اشجان يجيش بها الصدر

اتدري بما لاقت من الكرب والبلى *** وما واجهت بالطف أبناءك الغر

أعزّيك فيهم انهم وردوا الردى *** بافئدة ما بلّ غلّتها قطر

وثاوين في حرّ الهجيرة بالعرى *** عليهم ذيول الريح بالترب تنجر

متى أيها الموتور تبعث غارة *** تعيد الثرى والبر من دمهم بحر

اتغضى وانت المدرك الثار عن دم *** بزعم العدى اضحت وليس لها وتر

وتلك يجنب النهر فتيان هاشم *** ثوت تحت اطراف القنا دمها هدر

وزاكية لم تلف في النوح مسعداً *** سوى أنها بالسوط يزجرها زجر

تجاذبها أيدي العدو خمارها *** فتستر بالأيدي اذا اعوز الستر

تطوف بها الاعداء في كل مهمة *** فيجذبها قفر ويقذفها قفر

اتهتك من بعد الحذور ستورها *** وتسلب عنهن البراقع والازر

فأين الابا والفاطميات اصبحت *** اسارى بها الاكوار أودى بها الاسر

ص: 73

محمد بن هاني الأندلسي

اشارة

فلا حملت فرسان حرب جيادها *** إذا لم تزرهم من كميت وأدهم

ولا عذب الماء القراح لشارب *** وفي الارض مروانية غير أيّم

ألا إن يوما هاشميا أظلّهم *** يطير فراش الهام من كل مجثم

كيوم يزيد والسبايا طريدة *** على كل موار الملاط عثمثم

وقد غصّت البيداء بالعيس فوقها *** كرائم أبناء النبي المكرّم

فما في حريم بعدها من تحرّج *** ولاهتك ستر بعدها بمحرّم

ص: 74

محمد بن هاني الأندلسي :

قال يمدح المعز لدين اللّه الفاطمي ويذكر ما جرى على الحسين ، وهي مائتا بيت كلها غرر وهذه روائع منها :

يعزّ على الحسناء أن أطأ القنا *** واعثر في ذيل الخميس العرمرم

وبين حصى الياقوت لبّات خائف *** حبيب اليه لو توسد معصمي

ومما شجاني في العلاقة أنني *** شربت زعاقا قاتلا لذّ في فمي

رميت بسهم لم يصب وأصابني *** فالقيت قوسي عن يدي وأسهمي

فلو أنني أسطيع أثقلت خدرها *** بما فوق رايات المعزّ من الدم

لها العذبات الحمر تهفو كأنها *** حواشي بروق أو ذوائب أنجم

يقدّمها للطعن كل شمر دل *** على كل خوّار العنان مطهم

ومتصل بين الإله وبينه *** ممر من الأسباب لم يتصرم

مقلّد مضّاء من الحق صارم *** ووارث مسطور من الآي محكم

إمام هدى ما التف ثوب نبوة *** على ابن بنيّ منه باللّه أعلم

ولا بسطت أيدي العفاة بنانها *** الى أريحي منه أندى وأكرم

وأنت بدأت الصفح عن كل مذنب *** وأنت سننت العفو عن كل مجرم

قصاراك ملك الأرض لا ما يرونه *** من الحظ فيها والنصيب المعشم

ولا بد من تلك التي تجمع الورى *** على لا حب يهدي الى الحق أقوم

فقد سئمت بيض الظبا من جفونها *** وكانت متى تألف سوى الهام تسأم

ص: 75

وقد غضبت للدين باسط كفه *** اليهن في الآفاق كالمتظلم

وللعرب العرباء ذلّت خدودها *** وللفترة العمياء في الزمن العمي

وللعز في مصر يرد سريره *** الى ناعب بالبين ينعق أسحم

وللملك في بغداد إن ردّ حكمه *** الى عضد في غير كف ومعصم

سوام رتاع بين جهل وحيرة *** وملك مضاع بين ترك وديلم

كأن قد كشفت الامر عن شبهاته *** فلم يضطهد حق ولم يتهضم

وفاض وما مد الفرات ولم يجز *** لوارده طهر بغير تيمم

فلا حملت فرسان حرب جيادها *** اذا لم تزرهم من كميت وأدهم

ولا عذب الماء القراح لشارب *** وفي الأرض مروانية غير أيم

الا إن يوما هاشميا أظلهم *** يطير فراش الهام من كل مجثم

كيوم يزيد والسبايا طريدة *** على كل موار الملاط عثمثم

وقد غصّت البيداء بالعيس فوقها *** كرائم أبناء النبي المكرم

فما في حريم بعدها من تحرج *** ولا هتك ستر بعدها بمحرم

فان يتخرم خير سبطي محمد *** فان وليّ الثار لم يتخرم

الا سائلوا عنه البتول فتخبروا *** اكانت له أمّا وكان لها ابنم

واولى بلوم من امية كلها *** وان جلّ امر عن ملام ولوم

اناس هم الداء الدفين الذي سرى *** الى رمم بالطف منكم واعظم

هم قد حوا تلك الزناد التي روت *** ولو لم تشبّ النار لم تتضرم

وهم رشحوا تيما لارث نبيهم *** وما كان تيمي اليه بمنتمي

على اي حكم اللّه إذ يأفكونه *** احل لهم تقديم غير المقدّم

وفي اي دين الوحي والمصطفى له *** سقوا آله ممزوج صاب بعلقم

ولكن امرا كان ابرم بينهم *** وان قال قوم فلتة غير مبرم

بأسياف ذاك البغي اول سلها *** أصيب عليٌ لا بسيف ابن ملجم

وبالحقد حقد الجاهلية انه *** الى الآن لم يظعن ولم يتصرم

وبالثار في بدر أريقت دماؤكم *** وقيد اليكم كل أجرد صلدم

ص: 76

ويأبى لكم من أن يطل نجيعها *** فتوّ غضاب من كمي ومعلم

قليل لقاء البيض إلا من الظبا *** قليل شراب الكاس إلا من الدم

سبقتم الى المجد القديم بأسره *** وبؤتم بعادي على الدهر أقدم

اذا ما بناء شاده اللّه وحده *** تهدمت الدنيا ولم يتهدم

بكم عز ما بين البقيع ويثرب *** ونسّك ما بين الحطيم وزمزم

فلا برحت تترى عليكم من الورى *** صلاة مصّل أو سلام مسلّم

واقسم اني فيك وحدي لشيعة *** وكنت ابرّ القائلين بمقسم

وعندي على نأي المزار وبعده *** قصائد تشرى كالجمان المنظم

اذا اشأمت كانت لبانة معرق *** وإن أعرقت كانت لبانة مشئم

ص: 77

محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الاندلسي :

ولد بقرية سكون من قرى مدينة اشبيلية سنة 320 أو 326 ه- وقتل في رجب سنة 362 وعمره 36 سنة ، كان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بافريقية وكان أيضا شاعراً أديبا فانتقل إلى الاندلس فولد له محمد المذكور بمدينة اشبيلية ونشأ بها واشتغل وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر ومهر فيه وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم وكان اكثر تأدبه بدار العلم في قرطبة حتى برع بكثير من العلوم لا سيما علم الهيئة ، شعره طافح بالتشيع كقوله :

لي صارم وهو شيعي كحامله *** يكاد يسبق كرّاتي الى البطل

اذا المعز معز الدين سلّطه *** لم يرتقب بالمنايا مدة الأجل

وله في القصيدة التي أولها :

تقول بنو العباس هل فتحت مصر *** فقل لبني العباس قد قضى الأمر

وقد جاوز الاسكندرية جوهر *** تطالعه البشرى ويقدمه النصر

ويقول فيها :

فكل إمامي يجيء كأنما *** على خده الشعرى وفي وجهه البدر

ص: 78

ومن روائعه :

ولم أجد الانسان الا ابن سعيه *** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا

وبالهمة العلياء يرقى إلى العلى *** فمن كان أعلى همة كان أظهرا

ولم يتأخر مَن اراد تقدّماً *** ولم يتقدم من أراد تأخرا

وقال :

عجبت لقوم أضلوا السبيل *** وقد بيّن اللّه أين الهدى

فما عرفوا لاحق لما استنار *** ولا أبصروا الرشد لمابدا

وما خفى الرشد لكنما *** أضلّ الحلوم اتباع الهوى

وقال ابن خلكان :

ليس في المغاربة من هو افصح منه لا متقدميهم ولا متأخريهم بل هو اشعرهم على الاطلاق وهو عند المغاربة كالمتنبي عند المشارقة اقول وفيه قال القائل :

ان تكن فارساً فكن كعلي *** أو تكن شاعراً فكن كابن هاني

كل من يدعى بما ليس فيه *** كذّبته شواهد الامتحان

وقال يمدح المعز لدين اللّه وقيل ان هذه القصيدة أول ما أنشده بالقيروان وانه امر له بدست قيمته ستة آلاف دينار ، فقال له يا امير المؤمنين مالي موضع يسع الدست اذا بسط فأمر له ببناء قصر فغرم عليه ستة آلاف دينار وحمل اليه آلة تشاكل القصر والدست قيمتها ثلاثة آلاف دينار. وفي آخر القصيدة يذكر الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام :

هل من أعقّة عالج يبرين *** أم منهما بقر الحدوج العين

ولمن ليال ما ذممنا عهدنا *** مذكنّ إلا أنهن شجون

ص: 79

المشرقات كأنهن كواكب *** والناعمات كانهن غصون

بيض وما ضحك الصباح وانها *** بالمسك من طرر الحسان لجون

أدمى لها المرجان صفحة خده *** وبكى عليها اللؤلؤ المكنون

أعدى الحمام تأوُّهي من بعدها *** فكأنه فيما سجعن رنين

بانوا سراعا للهوادج زفرة *** مما رأين وللمطي حنين

فكأنما صبغوا الضحى بقبابهم *** أو عصفرت فيه الخدود جفون

ماذا على حلل الشقيق لو انها *** عن لابسيها في الخدود تبين

لاعطّشن الروض بعدهم ولا *** يرويه لي دمع عليه هَتون

أأعير لحظ العين بهجة منظر *** وأخونهم إني اذا لخؤون

لا الجو جو مشرق ولو اكتسى *** زهرا ولا الماء المعين معين

لا يبعدنّ اذ العبير له ثرى *** والبان دوح والشموس قطين

ايام فيه العبقري مفوّف *** والسابري مضاعف موضون

والزاعبية شّرع والمشرفيّ- *** -ة لمّع والمقربات صفون

والعهد من ظمياء اذ لاقومها *** خزر ولا الحرب الزبون زبون

عهدي بذاك الجو وهو أسنّة *** وكناس ذاك الخشف وهو عرين

هل يدنيني منه أجرد سابح *** مرح وجائلة النسوع أمون

ومهنّد فيه الفرند كأنه *** درٌ له خلف الغرار كمين

عضب المضارب مقفر من اعين *** لكنّه من أنفس مسكون

قد كان رشح حديده أجلا وما *** صاغت مضاربه الرقاق قيون

وكأنما يلقى الضريبة دونه *** باس المعز أو اسمه المخزون

هذا معدّ والخلائق كلها *** هذا المعزّ متوجا والدين

هذا ضمير النشأة الأولى التي *** بدأ الإله وغيبها المكنون

من أجل هذا قدّر المقدور في *** أم الكتاب وكوّن التكوين

وبذا تلقّى آدم من ربه *** عفوا وفاء ليونس اليقطين

يا أرض كيف حملت ثني نجاده *** بل انت تلك تموج منك متون

ص: 80

حاشا لما حملت تحمل مثله *** أرض ولكن السماء تعين

لو يلتقي الطوفان قبل وجوده *** لم يُنج نوحا فلكه المشحون

لو أنّ هذا الدهر يبطش بطشه *** لم يعقب الحركات منه سكون

الروض ما قد قيل في أيامه *** لا إنه وردٌ ولا نسرين

والمسك ما لثَم الثرى من ذكره *** لا إنّ كل قرارة دارين

ملك كما حدّثت عنه رأفة *** فالخمر ماء والشراسة لين

شيم لو أن اليم اعطي رفقها *** لم يلتقم ذا النون فيه النون

تاللّه لا ظل الغمام معاقل *** تأبى عليه ولا النجوم حصون

ووراء حق ابن الرسول ضراغم *** اسد وشهباء السلاح منون

الطالبان المشرفيّة والقنا *** والمدركان النصر والتمكين

وصواهل لا الهضب يوم مغارها *** هضب ولا البيد الحزون حزون

جَنب الحمام وما لهنّ قوادم *** وعلا الربود وما لهن وكون

فلهن من وَرَق اللجين توجس *** ولهن من مقل الظباء شفون

فكأنها تحت النضار كواكب *** وكأنها تحت الحديد دجون

عُرفت بساعة سبقها لا انّها *** علقت بها يوم الرهان عيون

وأجلّ علم البرق فيها أنها *** مرّت بجانحتيه وهي ظنون

في الغيث شبه من نداك كأنما *** مسَحت على الانواء منك يمين

أما الغنى فهو الذي أوليتنا *** فكأن جودك في الخلود رهين

تطأ الجياد بنا البدور كأنها *** تحت السنابك مرمر مسنون

فالفيء لا متنقل والحوض لا *** متكدّر والمن لا ممنون

انظر الى الدنيا باشفاق فقد *** أرخصت هذا العلق وهو ثمين

لو يستطيع البحر لاستعدى على *** جدوى يديك وإنه لقمين

أمدده أو فاصفح له عن نيله *** فلقد تخوّف أن يقال ضنين

وأذن له يغرق أميّة معلنا *** ما كل مأذون له مأذون

وأعذر أميّة ان تغصّ بريقها *** فالمهل ما سُقيته والغسلين

ص: 81

ألقت بأيدي الذل ملقى عمرها *** بالثوب إذ فغرت له صفّين

قد قاد أمرهم وقلّد ثغرهم *** منهم مهين لا يكاد يبين

لتحكمنّك أو تزايل معصما *** كف ويشخب بالدماء وتين

أوَ لم تشنّ بها وقائعك التي *** جفلت وراء الهند منها الصين

هل غير أخرى صيلم إن الذي *** وقاك تلك بأختها لضمين

بل لو ثنيت إلى الخليج بعزمة *** سرت الكواكب فيه وهي سفين

لو لم تكن حزما أناتك لم يكن *** للنار في حجر الزناد كمين

قد جاء أمر اللّه واقترب المدى *** من كلّ مطّلع وحان الحين

ورمى إلى البلد الأمين بطرفه *** ملك على سرّ الاله أمين

لم يدر ما رجم الظنون وإنما *** دفع القضاء اليه وهو يقين

كذبت رجال ما أدّعت من حقكم *** ومن المقال كأهله مأفون

أبني لؤيّ اين فضل قديمكم *** بل اين حلم كالجبال رصين

ناز عتم حق الوصيّ ودونه *** حرم وحجر مانع وحجون

ناضلتموه على الخلافة بالتي *** ردّت وفيكم حدّها المسنون

حرّفتموها عن أبي السبطين عن *** زمع وليس من الهجان هجين

لو تتّقون اللّه لم يطمح لها *** طرف ولم يشمخ لها عرنين

لكنّكم كنتم كأهل العجل لم *** يحفظ لموسى فيهم هارون

لو تسألون القبر يوم فرحتم *** لأجاب أنّ محمدا محزون

ماذا تريد من الكتاب نواصب *** وله ظهور دونها وبطون

هي بغية أظللتموها فارجعوا *** في آل ياسين ثوت ياسين

ردّوا عليهم حكمهم فعليهم *** نزل البيان وفيهم التبيين

البيت بيت اللّه وهو معظّم *** والنور نور اللّه وهو مبين

والستر ستر الغيب وهو محجب *** والسر سر اللّه وهو مصون

النور انت وكل نور ظلمة *** والفوق انت وكل قدر دون

لو كان رأيك شائعا في أمّة *** علموا بما سيكون قبل يكون

ص: 82

أو كان بشرك في شعاع الشمس لم *** يكسف لها عند الشروق جبين

أو كان سخطك عدوة في اليم لم *** تحمله دون لهاته التنين

لم تسكن الدنيا فواق بكيّة *** إلا وأنت لخوفها تأمين

اللّه يقبل نسكنا عنا بما *** يُرضيك من هدي وانت معين

فرضان من صوم وشكر خليفة *** هذا بهذا عندنا مقرون

فارزق عبادك منك فضل شفاعة *** واقرب بهم زلفى فانت مكين

لك حمدنا لا إنه لك مفخر *** ما قدرك المنثور والموزون

قد قال فيك اللّه ما أنا قائل *** فكأن كل قصيدة تضمين

اللّه يعلم أن رأيك في الورى *** مأمون حزم عنده وأمين

ولانت أفضل من تشير بجاهه *** تحت المظلّة باللواء يمين

ومن مشهور شعره قصيدته التي يمدح بها المعز لدين اللّه ويذكر فتح مصر على يد القائد جوهر وقد أنشدها بالقيروان :

تقول بنو العباس هل فُتحت مصر *** فقل لبني العباس قد قُضي الأمر

وقد جاوز الاسكندرية جوهر *** تطالعه البشرى ويقدمه النصر

وقد أوفدت مصر اليه وفودها *** وزيد الى المعقود من جسرها جسر

فما جاء هذا اليوم إلا وقد غدت *** وأيديكم منها ومن غيرها صفر

فلا تكثروا ذكر الزمان الذي خلا *** فذلك عصر قد تقضى وذا عصر

أفي الجيش كنتم تمترون رويدكم *** فهذا القنا العرّاص والجحفل المجر

وقد أشرفت خيل الإله طوالعا *** على الدين والدنيا كما طلع الفجر

وذا ابن بني اللّه يطلب وتره *** وكان حريّ لا يضيع له وتر

ذروا الورد في ماء الفرات لخيله *** فلا الضحل منه تمنعون ولا الغمر

أفي الشمس شك انها الشمس بعدما *** تجلّت عيانا ليس من دونها ستر

وما هي إلا آية بعد آية *** ونذر لكم إن كان يغنيكم النذر

فكونوا حصيدا خامدين أو ارعووا *** الى ملك في كفه الموت والنشر

ص: 83

اطيعوا اماما للأيمّة فاضلاً *** كما كانت الأعمال يفضلها البر

ردوا ساقيا لا تنزفون حياضه *** جموما (1) كما لا ينزف الأبحر الدر

فان تتبعوه فهو مولاكم الذي *** له برسول اللّه دونكم الفخر

وإلا فبعدوا للبعيد فبينه *** وبينكم ما لا يقرّ به الدهر

افي ابن ابي السبطين أم في طليقكم *** تنزّلت الآيات والسور الغر

بني نثلة ما أورث اللّه نثلة *** وما ولدت هل يستوي العبد والحر

وأنى بهذا وهي أعدت برقّها *** أباكم فاياكم ودعوى هي الكفر

ذروا الناس ردوهم الى من يسوسهم *** فما لكم في الامر عرف ولا نكر

اسرتم قروما بالعراق اعزّة *** فقد فُكّ من اعناقهم ذلك الأسر

وقد بزكم ايامكم عُصب الهدى *** وانصار دين اللّه والبيض والسمر

ومقتبل ايامه متهلّل *** اليه الشباب الغض والزمن النضر

أدار كما شاء الورى وتحيزت *** على السبعة الأفلاك أنمله العشر

تعالوا الى حكام كل قبيلة *** ففي الأرض اقبال واندية زهر

ولا تعدلوا بالصيد من آل هاشم *** ولا تتركوا فهرا وما جمعت فهر

فجيئوا بمن ضمّت لؤي بن غالب *** وجيئوا بمن ادت كنانة والنضر

أتدرون متن أزكى اللبريّة منصبا *** وأفضلها ان عُدّد البدو والحضر

ولا تذروا عليا معتد وغيرها *** ليُعرف منكم من له الحق والأمر

ومن عجب ان اللسان جرى لهم *** بذكر على حين انقضوا وانقضى الذكر

فبادوا وعفى اللّه آثار ملكهم *** فلا خبر يلقاك عنهم ولا خُبر

ألا تلكم الأرض العريضة اصبحت *** وما لبني العباس في عرضها فتر

فقد دالت الدنيا لآل محمد *** وقد جرّرت أذيالها الدولة البكر

ورد حقوق الطالبيين مَن زكت *** صنائعه في آله وزكا الذخر

معز الهدى والدين والرحم التي *** به اتصلت أسبابها وله الشكر

ص: 84


1- الجموم : الماء الكثير.

من انتاشهم في كل شرق ومغرب *** فبدّل أمناً ذلك الخوف والذعر

فكل إمامي يجيء كأنما *** على يده الشعرى وفي وجهه البدر

ولما تولت دولة النصب عنهم *** تولى العمى والجهل واللؤم والغدر

حقوق أتت من دونها أعصر خلت *** فما ردّها دهر عليه ولا عصر

فجرد ذو التاج المقادير دونها *** كما جردت بيض مضاربها حمر

فانقذها من بُرثن الدهر بعدما *** تواكلها القِرس المنيّب والهِصر (1)

وأجرى على ما أنزل اللّه قسمها *** فلم يتخرّم منه قلّ ولا كثر

فدونكموها أهل بيت محمد *** صفت بمعزّ الدين جمّاتها الكدر

فقد صارت الدنيا اليكم مصيرها *** وصار له الحمد المضاعف والاجر

إمام رأيت الدين مرتبطا به *** فطاعته فوز وعصيانه خسر

أرى مدحه كالمدح لله إنه *** قنوت وتسبيح يُحَطّ به الوزر

هو الوارث الدنيا ومن خلقت له *** من الناس حتى يلتقي القُطر والقُطُر

وما جهل المنصور في المهد فضله *** وقد لاحت الاعلام والسمة البَهر

رأى أن سيسمى مالك الأرض كلها *** فلما رآه قال ذا الصمد الوتر

وما ذاك أخذا بالفراسة وحدها *** ولا أنه فيها الى الظن مضطر

ولكن موجوداً من الأثر الذي *** تلقاه عن حبر ضنين به خُبر

وكنزا من العلم الربوبي انه *** هو العلم حقا لا القيافة والزجر

فبشّر به البيت المحرم عاجلاً *** اذا أوجف التطواف بالناس والنفر

وها فكأن قد زاره وتجانفت *** به عن قصور الملك طيبة والسر

هل البيت بيت اللّه إلا حريمه *** وهل لغريب الدار عن اهله صبر

منازله الأولى اللواتي يشقنه *** فليس له عنهنّ مغدى ولا قصر

وحيث تلقّى جدّه القدس وانتحت *** له كلمات اللّه والسر والجهر

فان يتمنّ البيت تلك فقد دنت *** مواقيتها والعسر من بعده اليسر

ص: 85


1- القرس : البعوض ، المنيب : ذو الناب. الهصر : الأسد.

وإن حنّ من شوق اليك فانّه *** ليوجد من رياك في جوّه نشر

ألست ابن بانية فلو جئته انجلت *** غواشيه وابيضّت مناسكه الغبر

حبيب الى بطحاء مكّة موسم *** تحيّي معّدا فيه مكّة والحجر

هناك تضيء الارض نورا وتلتقي *** دنوا فلا يستبعد السفر السفر

وتدري فروض الحج من نافلاته *** ويمتاز عند الامة الخير والشر

شهدت لقد اعززت ذا الدين عزّة *** خشيت لها أن يستبد به الكبر

فأمضيت عزما ليس يعصيك بعده *** من الناس إلا جاهل بك مغتر

أهنيك بالفتح الذي انا ناظر *** اليه بعين ليس يغمضها الكفر

فلم يبق الا البرد تترى ومابأى *** عليك مدى أقصى مواعيده شهر

وما ضر مصرا حين ألقت قيادها *** اليك امد النيل أم غاله جزر

وقد حبّرت فيها لك الخطب التي *** بدائعها نظم والفاظها نثر

فلم يُهرَق فيها لذي ذمّة دم *** حرام ولم يحمل على مسلم أُصر

غدا جوهر فيها غمامة رحمة *** يقي جانبيها كل نائبة تعرو

كأني به قد سار في القوم سيرة *** تودّ لها بغداد لو أنها مصر

ستحسدها فيه المشارق انه *** سواء اذا ما حلّ في الأرض والقطر

ومن اين تعدوه سياسة مثلها *** وقد قلصت في الحرب عن ساقه الازر

وثقّف تثقيف الرديني قبلها *** وما الطرف الا أن يهذّبه الضمر

وليس الذي يأتي بأوّل ما كفى *** فشدّ به ملك وسدّ به ثغر

فما بمداه دون مجد تخلف *** ولا بخطاه دون صالحة بهر

سننت له فيهم من العدل سنّة *** هي الآية المجلى ببرهانها السحر

على ما خلا من سنّة الوحي اذ خلا *** فأذيالها تضفو عليهم وتنجر

وأوصيته فيهم برفقك مردفا *** بجودك معقودا به عهدك البر

وصاة كما أوصى بها اللّه رسله *** وليس بأذن انت مسمعها وقر

وبينتها بالكتب من كل مدرج *** كأن جميع الخير في طيه سطر

يقول رجال شاهدوا يوم حكمه *** بنا تعمر الدنيا ولو أنها قفر

ص: 86

بذا لا ضياع حللّوا حرماتها *** وأقطاعها فاستصفى السهل والوعر

فحسبكم يا اهل مصر بعدله *** دليلاً على العدل الذي عنه يفترّوا

فذاك بيان واضح عن خليفة *** كثير سواه عند معروفه نزر

رضينا لكم يا أهل مصر بدولة *** اطاع لنا في ظلّها الامن والوفر

لكم أسوة فينا قديما فلم يكن *** بأحوالنا عنكم خفاء ولا ستر

وهل نحن الا معشر من عفاته *** لنا الصافنات الجرد والعسكر الدثر

فكيف مواليه الذين كأنّهم *** سماء على العافين أمطارها البتر

لبسنا به ايام دهر كأنّها *** بها وسن أو مال ميلا بها السكر

فيا ملكا هدي الملائك هديه *** ولكن نجر الانبياء له نجر

ويا رازقا من كفّه منشأ الحيا *** وإلا فمن اسرارها نبع البحر

الا إنما الايام أيامُك التي *** لك الشطرمن نعمائها ولنا الشطر

لك المجد منها يا لك الخير والعلى *** وتبقى لنا منها الحلوبة والدر

لقد جُدت حتى ليس للمال طالب *** وأعطيت حتى ما لنفسه قدر

فليس لمن لا يرتقي النجم همّة *** وليس لمن لا يستفيد الغنى عذر

وددت لجيل قد تقدّم عصرهم *** لو استأخروا في حلبة العمر اوكروا

ولو شهدوا الايام والعيش بعدهم *** حدائق والآمال مونقة خضر

فلو سمع التثويبَ من كان رمّة *** رفاتا ولبى الصوت من ضمّه قبر

لناديت من قد مات حيّ بدولة *** تُقام لها الموتى ويرتجع العمر

وقال يمدح يحيى بن علي الأندلسي :

فتكات طرفك أم سيوف أبيك *** وكؤوس خمر أم مراشف فيك

أجلاد مرهفة وفتك محاجر *** ما انت راحمة ولا أهلوك

يا بنت ذا البرد الطويل نجاده *** اكذا يجوز الحكم في ناديك

قد كان يدعوني خيالك طارقاً *** حتى دعاني بالقنا داعيك

عيناك أم مغناك موعدنا وفي *** وادي الكرى القاك أو وادياك

ص: 87

منعوك من سنة الكرى وسروا فلو *** عثروا بطيف طارق ظنّوك

ودعوك نشوى ما سقوك مدامة *** لما تمايل عطفك اتهموكِ

حسبوا التكحل في جفونك حلية *** تاللّه ما بأكفهم كحلوكِ

وجلوك لي اذ نحن غصنا بانة *** حتى إذا احتفل الهوى حجبوكِ

ولوى مقبلك اللثام وما دروا *** أن قد لثمت به وقُبّل فوكِ

فضعي القناع فقبل خدّك ضرّجت *** رايات يحيى بالدم المسفوك

يا خيله لا تسخطي عزماته *** ولئن سخطت فقلما يرضيك

ايها فمن بين الأسنة والظبى *** إن الملائكة الكرام تليك

قد قلّدتك يدُ الأمير أعنّةً *** لتخايلي وشكا بما يتلوك

وحماك اغمار الموارد انه *** بالسيف من مهج العدى ساقيك

عوجي بجنح الليل فالملك الذي *** يهدي النجوم الى العلى هاديك

رب المذاكي والعوالي شرّعا *** لكنه وتر بغير شريك

هو ذلك الليث الغضنفر فانج من *** بطش على مهج الليوث وشيك

تلقاه فوق رحاله وأقبّ لا *** تلقاه فوق حشيّة وأريك

تأبى له الا المكارم يشجب *** يأبى سنام المجد غير تموكِ

بيت سما بك والكواكب جنّح *** من تحت أبنية له وسموكِ

كذبت نفوس الحاسدين ظنونها *** من آفك منهم ومن مأفوكِ

ان السماء لدون ما ترقى له *** والنجم أقرب نهجك المسلوكِ

عاودتَ من دار الخلافة مطلعا *** فطلعت شمسا غير ذات دلوكِ

ورأى الخليفة منك بأس مهنّد *** بيديه من روح الشعاع سبيكِ

وغدت بك الدنيا زبرجدة جلت *** عن ثغر لؤلؤة اليك ضحوك

يدك الحميدة قبل جودك انها *** يد مالك يقضي على مملوكِ

صدقت مفوّفة الايادي انما *** يوماك فيها درتا دُرنوكِ

الشعر ما زرّت عليك جيوبه *** من كل موشيّ البديع محوكِ

وألفتك فتك في صميم المال لا *** ما حدّثوا عن عروة الصعلوكِ

ص: 88

وأرى الملوك إذا رأيتك سوقة *** وأرى عفاتك سوقة كملوكِ

الغيث أولهم وليس بمعدم *** والبحر منهم وهو غير ضريكِ

أجريتَ جودك في الزلال لشارب *** وسبكته في العسجد المسبوكِ

لا يعدمنّك أعوجي صعّرت *** عادات نصرك منه خدّ مليك

من سابح منها اذا استحضرته *** ربذ (1) اليدين وسلهب محبوك

قيد الظليم مخبر عن ضاحك *** من بَيض أدحيّ الظليم تريك (2)

لو تأخذ الحسناء عنه خصالها *** ما طال بثّ محبّها المفروكِ

لو كان سنبكه الدقيق بكفّها *** نظمت قلائدها بغير سلوكِ

لك كل قرم لو تقدّم عمرُه *** لم يلهج العَدَويّ باليرموكِ

وقعاتُ نصر في الأعادي حدّثت *** عن يوم بدر قبلها وتبوكِ

هل أنت تارك نصل سيفك حقبة *** في غمده أم ليس بالمتروك

لو يستطيع الليل لاستعدى على *** مسراك تحت قناعه الحُلوكِ

لاقيتَ كلّ كتيبةٍ وفللتَ كلّ *** ضريبةٍ وألنت كلّ عريكِ

ص: 89


1- ربذ اليدين : صنع اليدين خفيفهما. السلهب : الجواد عظم وطالت عضامه.
2- الادحى : مبيض النعام في الرمل وأراد بالضاحك : الابيض. التريك : بيض النعام.

وقال يمدح المعز ويذكر ورود رسل الروم اليه بالكتب يتضرعون اليه في الصلح ويصف الاسطول الفاطمي الذي كان سيد البرح المتوسط يومذاك

ألا طرَقتنا والنجوم ركودُ *** وفي الحيّ ايقاظ ونحن هجود

وقد أعجل الفجر الملمع خطوها *** وفي اخريات الليل منه عمود

سرت عاطلا غضبى على الدر وحده *** فلم يدر نحر ما دهاه وجيد

فما برحت إلا ومن سلك ادمعي *** قلائد في لبّاتها وعقود

وما مغزل أدماه دان بريرها *** تربّع ايكا ناعما وترود

بأحسن منها يوم نصّت سوالفاً *** تريع الى اترابها وتحيد

ألم يأتها أنّا كبرنا عن الصبا *** وانّا بلينا والزمان جديد

فليت مشيبا لا يزال ولم أقل *** بكاظمة ليت الشباب يعود

ولم ارَ مثلي ماله من تجلّد *** ولا كجفوني ما لهنّ جمود

ولا كالليالي ما لهن مواثق *** ولا كالغواني ما لهن عهود

ولا كالمعز ابن النبي خليفةً *** له اللّه بالفخر المبين شهيد

وما لسماء ان تعدّ نجومها *** اذا عُدّ آباء له وجدود

بأسيافه تلك العواري نصولها *** الى اليوم لم تعرف لهن غمود

ومن خيله تلك الجوافل انها *** الى اليوم لم تُحطط لهن لُبود

فيا ايها الشانيه خلتك صادياً *** فانك عن ذاك المعين مذود

لغيرك سقيا الماء وهو مروّقُ *** وغيرك ربُّ الظلّ وهو مديد

ص: 90

نجاة ولكن أين منك مرامها *** وحوض ولكن اين منك ورود

إمام له مما جهلت حقيقة *** وليس له مما علمت نديد

من الخطل المعدود إن قيل ماجد *** ومادحه المثني عليه مجيد

وهل جائز فيه عميد سميدع *** وسائله ضخم الدسيع عميد

مدائحه عن كل هذا بمعزل *** عن القول إلا ما أخل نشيد

ومعلومها في كل نفس جبلّة *** بها يستهل الطفل وهو وليد

أغير الذي قد خط ّ في اللوح أبتغي *** مديحا له إني اذا لعنود

وما يستوي وحي من اللّه منزل *** وقافية في الغابرين شرود

ولكن رأيت الشعر سنّة من خلا *** له رَجَز ما ينقضي وقصيد

شكرت ودادا ان منك سجية *** تقبّل شكر العبد وهو ودود

فان يك تقصير فمني وإن أقل *** سدادا فمرمى القائلين سديد

وان الذي سمّاك خير خليفة *** لمجري القضاء الحتم حيث تريد

لك البر والبحر العظيم عبابه *** فسيّان اغمار تخاض وبيد

أما والجواري المنشآت التي سرت *** لقد ظاهرتها عدّة وعديد

قباب كما تزجى القباب على المها *** ولكن مَن ضمّت عليه أسود

ولله ممّا لا يرون كتائب *** مسوّمة تحدو بها وجنود

اطاع لها ان الملائك خلفها *** كما وقفت خلف الصفوف ردود

وان الرياح الذاريات كتائب *** وان النجوم الطالعات سعود

وما راع ملك الروم الا اطلاعها *** تنشرّ اعلام لها وبنود

عليها غمام مكفهر صبيرُه *** له بارقات جمّة ورعود

مواخر في طامي العباب كأنها *** لعزمك بأس أو لكفك جود

أنافت بها اعلامها وسما ، لها *** بناء على غير العراء مشيد

وليس بأعلى شاهق وهو كوكب *** وليس من الصفاح وهو صلود

من الراسيات الشم لولا انتقالها *** فمنها قنان شمخ وريود

من الطير إلا انهنّ جوارح *** فليس لها إلا النفوس مصيد

ص: 91

من القادحات النار تضرم للصلى *** فليس لها يوم اللقاء خلود

اذا زفرت غيظا ترامت بمارج *** كما شبّ من نار الجحيم وقود

فافواههنّ الحاميات صواعق *** وانفاسهنّ الزافرات حديد

تشب لآل الجاثليق سعيرها *** وما هي من آل الطريد بعيد

لها شُعَلٌ فوق الغمار كأنها *** دماء تلقتها ملاحف سود

تعانق موج البحر حتى كأنه *** سليط لها فيه الذبال عتيد

ترى الماء فيها وهو قان عبابه *** كما باشرت ردع الخلوق جلود

فليس لها إلا الرياح اعنّة *** وليس لها الا الحباب كديد

وغيرَ المذاكي نجرها غير أنّها *** مسومّة تحت الفوارس قود

ترى كل قوداء التليل اذا انثنت *** سوالف غيد بالمها وقدود

رحيبة مد الباع وهي نضيجة *** بغير شوى عذراء وهي ولود

تكبرّن عن نقع يثار كأنها *** موال وجرد الصافنات عبيد

لها من شفوف العبقري ملابس *** مفوّفة فيها النضار جسيد

كما اشتملت فوق الأرائك خرّد *** او التفعت فوق المنابر صيد

لبؤس تكفّ الموج وهو غطامط *** وتدرأ باس اليمّ وهو شديد

فمنه دروع فوقها وجواشن *** ومنها خفاتين لها وبرود

ألا في سبيل اللّه تبذل كل ما *** تضن به الانواء وهي جمود

فلا غرو ان اعزرت دين محمد *** فأنت له دون الملوك عقيد

وباسمك تدعوه الأعادي لأنهم *** يقرّون حتما والمراد جحود

غضبت له ان ثُلّ بالشام عرشه *** وعادك من ذكر العواصم عيد

فبتّ له دون الانام مسهدا *** ونام طليق خائن وطريد

برغمهم إن أيّد الحق أهله *** وان باء بالفعل الحميد حميد

فللوحي منهم جاحد ومكذّب *** وللدين منهم كاشح وحسود

وما ساءهم ما سرّ ابناء قيصر *** وتلك ترات لم تزل وحقود

وهم بعدوا عنهم على قرب دارهم *** وجحفلك الداني وأنت بعيد

ص: 92

وقلت اناس ما الدمستق شكره *** اذا جاءه بالعفو منك بريد

وتقبيله الترب الذي فوق خده *** الى ذفرتيه من ثراه صعيد

تناجيك عنه الكتب وهي ضراعة *** ويأتيك عنه القول وهو سجود

اذا أنكرت فيها التراجم لفظه *** فأدمعه بين السطور شهود

ليالي تقفو الرسل رسل خواضع *** ويأتيك من بعد الوفود وفود

وما دلفت إلا الهموم وراءه *** وإن قال قوم انهن حشود

ولكن رأى ذلاّ فهانت منيّة *** جرّب خُطبانا فلُذّ هبيد (1)

وعرّض يستجدي الحمام لنفسه *** وبعض حمام المستريح خلود

فان هز أسياف الهرقل فإنها *** اذا شئت اغلال له وقيود

أفي النوم يستام الوغى ويشبّها *** ففيم اذاً يلقى الفتى فيحيد

ويعطي الجزا والسلم عن يد صاغر *** ويقضى وصدر الرمح فيه قصيد (2)

يقرّب قربانا على وجل فإن *** تقبّلته من مثله فسعيد

أليس عجيبا ان دعاك الى الوغى *** كما حرّض الليث المزعفر سيد

ويا رب من تعليمه وهو منافس *** وتسدي إليه العرف وهو كنود

فان لم تكن الا الغواية وحدها *** فان غرار المشرفيّ رشيد

كدأبك عزم للخطوب موكل *** عليهم وسيف للنفوس مبيد

إذا هجروا الأوطان ردّهم إلى *** مصارعهم أن ليس عنك محيد

وان لم يكن الا الديار ورعيهم *** فتلك نواويس لهم ولحود

ألا هل أتاهم أنّ ثغرك موحد *** وليس له الا الرماح وصيد

وليس سواء في طريق تريدها *** حدور الى ما يبتغى وصعود

فعزمك يلقى كل عزم مملّك *** كما يتلاقى كائد ومكيد

وفلكك يلقى الفلك في اليم من عل *** كما يتلاقى سيد ومسود

فليت ابا السبطين والتربُ دونه *** رأى كيف تبدي حكمه وتعيد

ص: 93


1- الخطبان : الحنظل ، واراد به شدة الحرب. الهبيد : الحنظل.
2- القصيد : المتكسر.

وملكك ما ضمّت عليه تهائم *** وملكك ما ضمّت عليه نجود

وأخذك قسرا من بني الاصفر الذي *** تذبذب كسرى عنه وهو عنيد

اذاً لرأى يمناك تخضب سيفه *** وانت عن الدين الحنيف تذود

شهدت لقد أُعطيت جامع فضله *** وانت على علمي بذاك شهيد

ولو طلبت في الغيث منك سجيّة *** لقد عز موجود وعز وجود

اليك يفر المسلمون بامرهم *** وقد وُتروا وترا وانت مقيد

فأن امير المؤمنين كعهدهم *** وعند امير المؤمنين مزيد

وقال يمدح المعز ويفدّيه بشهر الصيام :

الحب حيث المعشر الاعداء *** والصبر حيث الكلة السيراء

ما للمهارى الناجيات كأنها *** حتم عليها البين والعدواء

ليس العجيب بأن يبارين الصبا *** والعذل في اسماعهن حداء

يدنو منال يد المحب وفوقها *** شمس الظهيرة خدرها الجوزاء

بانت مودعة فجيد معرض *** يوم الوداع ونظرة شزراء

وغدت ممنّعة القباب كأنها *** بين الحجال فريدة عصماه

حُجبَت ويُحجب طيفها فكأنما *** منهم على لحظاتها رقباء

ما بانة الوادي تثنّى خوطها *** لكنها اليزنيّة السمراء

لم يبق طرف أجرد الا أتى *** من دونها وطمّرة جرداء

ومفاضة مسرودة وكتيبة *** ملمومة وعجاجة شهباء

ماذا أُسائل عن مغاني اهلها *** وضميري المأهول وفي خفاء

لله احدى الدوح فاردة ولا *** لله محنية ولا جرعاء

باتت تثنى لا الرياح تهزها *** دوني ولا أنفاسي الصعداء

فكأنما كانت تذكر بينكم *** فتميد في اعطافها البرحاء

كل يهيج هواك اما أيكة *** خضراء أو أيكيّة ورقاء

فانظر أنار باللوى إم بارق *** متألق أو راية حمراء

ص: 94

بالغور تخبو تارة ويشبّها *** تحت الدُجنة مندل وكباء

ذم الليالي بعد ليلتنا التي *** سلفت كما ذم الفراق لقاء

ليست بياض الصبح حتى خلتها *** فيه نجاشيا عليه قباء

حتى بدت والفجر في سربالها *** فكأنها خيفانة صدراء

ثم انتحى فيها الصديع فادبرت *** وكأنها وحشية عفراء

طويت ليَ الأيام فوق مكايد *** ما تنطوي لي فوقها الأعداء

ما كان أحسن من اياديها التي *** توليك الا انها حسناء

ما تحسن الدنيا تديم نعيمها *** فهي الصناع وكفها الخرقاء

تشأى النجاز عليّ وهي بفتكها *** ضرغامة وبلونها حرباء (1)

ان المكارم كنّ سربا رائدا *** حتى كنسن كأنهن ظباء

وطفقت اسأل عن اغر محجّل *** فاذا الانام جُبُلّة دهماء

حتى دفعت الى المعز خليفة *** فعلمت أن المطلب الخلفاء

جود كأن اليم فيه نفاثة *** وكأنما الدنيا عليه غثاء

ملك إذا نطقت علاه بمدحه *** خرس الوفود وأفحم الخطباء

هو علة الدنيا ومن خلقت له *** ولعلةٍ ما كانت الاشياء

من صفو ماء الوحي وهو مجاجة *** من حوضه الينبوع وهو شفاء

من أيكة الفردوس حيث تفتقت *** ثمراتها وتفيأ الأفياء

من شعلة القبس التي عرضت على *** موسى وقد جازت به الظلماء

من معدن التقديس وهو سلالة *** فخرت به الأجداد والآباء

من حيث يقتبس النهار لمبصر *** من جوهر الملكوت وهو ضياء

الناس اجماع على تفضيله *** وتشق عن مكنونها الانباء

فاستيقظوا من غفلة وتنبّهوا *** ما بالصباح على العيون خفاء

ليست سماء اللّه ما ترأونها *** لكنّ أرضا تحتويه سماء

ص: 95


1- تشأى : تسبق. النجاز : القتال.

أمّا كواكبها له فخواضع *** تخفي السجود ويظهر الايماء

والشمس ترجع عن سناه جفونها *** وكأنها مطروفة مرهاء

هذا الشفيع لأمةٍ تأتي به *** وجدوده لجدودها شفعاء

هذا امين اللّه بين عباده *** وبلاده ان عدّتِ الامناء

هذا الذي عطفت عليه مكّة *** وشعابها والركن والبطحاء

هذا الاغرّ الازهر المتدفق ال- *** -متألّق المتبلّج الوضّاء

فعليه من سيما النبي دلالة *** وعليه من نور الإله بهاء

ورث المقيم بيثرب فالمنبر ال- *** أعلى له والترعة العلياء

والخطبة الزهراء فيها الحكمة ال- *** -غرّاء فيها الحجة البيضاء

للناس اجماع على تفصيله *** حتى استوى اللؤماء والكرماء

واللكن والفصحاء والبعداء وال- *** -قرباء والخصماء والشهداء

خرّاب هام الروم منتقما وفي *** اعناقهم من جوده اعباء

تجري اياديه التي اولاهم *** فكأنها بين الدماء دماء

لولا انبعاث السيف وهو مسلط *** في قتلهم قَتَلتهم النعماء

كانت ملوك الاعجمين أعزةً *** فأذلها ذو العزّة الأبّاء

لن تصغر العظماء في سلطانها *** الا اذا دلفت لها العظماء

جهل البطارق أنه الملك الذي *** أوصى البنين بسلمه الآباء

حتى رأى جُهّالهم من عزمه *** غبّ الذي شهدت به العلماء

فتقاصروا من بعد ما حكم الردى *** ومضى الوعيد وشُبّت الهيجاء

والسيل ليس يحيد عن مستِنّه *** والسهم لا يدلى به غلواء

لم يشركوا في أنه خير الورى *** ولذي البرية عندهم شركاء

واذا أقرّ المشركون بفضله *** قسراً فما ادراك ما الحُنفاء

في اللّه يسري جودُه وجنوده *** وعديده والعزم والآراء

أو ما ترى دولَ الملوك تطيعه *** فكأنها خَوَلٌ له وإماء

نزلت ملائكة السماء بنصره *** وأطاعه الاصباح والامساء

ص: 96

والملك والفلك المدار وسعده *** والغزو في الدأماء والدهماء

والدهر والايام في تصريفها *** والناس والخضراء والغبراء

اين المفرّ ولا مفر لهارب *** ولك البسيطان الثرى والماء

ولك الجواري المنشآت مواخرا *** تجري بأمرك والرياح رخاء

والحاملات وكلها محمولة *** والناتجات وكلها عذراء

والاعوجيّات التي ان سوبقت *** غلبت وجري المذكيات غلاء

والطائرات السابقات السابحا *** ت الناجيات اذا استحثّ نجاء

فالبأس في حَمس الوغى لكماتها *** والكبرياء لهنّ والخيلاء

لا يصدرون نحورها يوم الوغى *** إلا كما صبغ الخدود حياء

شمّ العوالي والانوف تبسموا *** تحت العبوس فأظلموا وأضاءوا

لبسوا الحديد على الحديد مظاهرا *** حتى اليلامق والدروع سواء

وتقنعوا الفولاذ حتى المقلة ال- *** -نجلاء فيها المقلة الخوصاء

فكأنما فوق الأكف بوارق *** وكأنما فوق المتون إضاء

من كل مسرود الدخارص فوقه *** حُبك ومصقول عليه هباء

وتعانقوا حتى ردينيّاتهم *** عطشى وبيضهم الرقاق رواء

أعززت دين اللّه يا ابن نبيّه *** فاليوم فيه تخمط وإباء

فأقل حظ العرب منك سعادة *** وأقل حظ الروم منك شقاء

فاذا بعثت الجيش فهو منية *** واذا رأيت الرأيَ فهو قضاء

يكسو نداك الروض قبل أوانه *** وتحيد عنك اللزبة اللأواء

وصفات ذاتك منك يأخذها الورى *** في المكرمات فكلّها أسماء

قد جالت الافهام فيك فدقت ال- *** أوهام فيك وجلّت الآلاء

فعنت لك الابصار وانقادت لك ال- *** أقدار واستحيت لك الأنواء

وتجمّعت فيك القلوب على الرضى *** وتشعّبت في حبّك الاهواء

انت الذي فصل الخطاب وانما *** بك حكّمت في مدحك الشعراء

وأخصّ منزلة من الشعراء في *** أمثالها المضروبة الحكماء

ص: 97

أخذ الكلام كثيره وقليله *** قسمين ذا داء وذاك دواء

دانوا بأن مديحهم لك طاعة *** فرض فليس لهم عليك جزاء

فاسلم اذا راب البرية حادث *** واخلد اذا عمّ النفوس فناء

فيه تنزّل كل وحي منزل *** فلأهل بيت الوحي فيه سناء

فتطول فيه اكفّ آل محمد *** وتغل فيه عن الندى الطلقاء

ما زلت تقضي فرضَه وامامه *** ووراءه لك نائل وحباء

حسبي بمدحك فيه ذخرا انه *** للنسك عند الناسكين كفاء

هيهات منّا شكر ما تولى فقد *** شكرَتكَ قبل الألسن الأعضاء

واللّه في علياك أصدق قائل *** فكأن قول القائلين هذاء

لا تسألن عن الزمان فانه *** في راحتيك يدور حيث تشاء

وقال يمدح المعز ويصف انتصاراته على الروم في البر والبحر :

أقوى المحصّب من هاد ومن هيد *** وودّعودنا لطيات عباديد

ذا موقف الصب من مرمى الجمار ومن *** مساحب البدن قفرا غير معهود

ما أنسى لا انَس جفال العجيج بنا *** والراقصات من المهرية القود

وموقف الفتيات الناسكات ضحىً *** يعثرن في حبرات الفتية الصيد

يحرمن في الريط من مثنىً وواحدةٍ *** وليس يحرمن إلا في المواعيدِ

ذوات نيل ضعاف وهي قاتلة *** وقد يصيب كميّا سهم رعديد

قد كنت قناصها أيام اذعرها *** غيد السوالف في أيامنا الغيد

اذ لا تبيت ظباء الحيّ نافرة *** ولا تراع مهاة الرمل بالسيد

لا مثل وجدي بريعان الشباب وقد *** رأيت أملود عيشي غير املود

والشيب يضرب في فوديّ بارقه *** والدهر يقدح في شملي بتبديد

ورابني لون رأسي انه اختلفت *** فيه الغمائم من بيض ومن سود

إن تبكِ أعيننا للحادثات فقد *** كحلننا بعد تغميض بتسهيد

ص: 98

وليس ترضى الليالي في تصرّفها *** إلا إذا مزجت صاباً بقنديد (1)

لا عرقن زمانا راب حادثة *** اذا استمر فالقى بالمقاليد

لله تصديق ما في النفس من امل *** وفي المعز معز الدين والجود

الواهب البدرات النجل ضاحية *** امثال اسنمة البزل الجلاعيد

مؤيد العزم في الجلى اذا طرقت *** مندد السمع في النادي اذا نودي

لكل صوت مجال في مسامعه *** غير العنيفين من لؤم وتفنيد

وعند ذي التاج بيض المكرمات وما *** عندي له غير تمجيد وتحميد

أتبعته فكري حتى إذا بلغت *** غاياتها بين تصويب وتصعيد

رأيت موضع برهان يبين وما *** رأيت موضع تكييف وتحديد

وكان منقذ نفسي من عمايتها *** فقلت فيه بعلم لا بتقليد

فمن ضمير بجد القول مشتمل *** ومن لسان بحر المدح غريد

ما أجزل اللّه ذخري قبل رؤيته *** ولا انتفعتُ بإيمان وتوحيد

لله من سبب بالمجد متصل *** وظل عدل على الآفاق ممدود

هادي رشاد وبرهان وموعظة *** وبينات وتوفيق وتسديد

ضياء مظلمة الايام داجية *** وغيث ممحلة الاكناف جارود

ترى أعاديه في أيام دولته *** ما لا يرى حاسد في وجه محسود

قد حاكمته ملوك الروم في لجب *** وكان لله حكم غير مردود

إذ لا ترى هبرزيا غير منعفر *** منهم ولا جاثليقا غير مصفود

قضيت نحب العوالي من بطارقهم *** وللدماسق يوم غير مشهود

ذمّوا قناك وقد ثارت أسنّتها *** فما تركن وريدا غير مورود

طعن يكوّر هذا في فريسة ذا *** كأن في كل شلو بطن ملحود

حويت اسلابهم من كل ذي شطب *** ماض ومطرّد الكعبين أملود

وكل درع دلاص المتن سابغة *** تطوى على كل شافي النسج مسرود

ص: 99


1- القنديد : عسل قصب السكر اذا جمد.

لم يعلموا أن ذاك العزم منصلت *** وأن تلك المنايا بالمراصيد

حتى اتوك على الاقتاب من بُهم *** خزر العيون ومن شوس مذاويد

وفوق كل قتود بَز مستلب *** وفوق كل قناة رأس صنديد

توجت منها القنا تيجان ملحمة *** من كل محلول سلك النظم معقود

كأنها في الذرى سحق مكمّمة *** من كل مخضود أعلى الطلع منضود

سود الغَدائر في بيض الأسنه في *** حمر الانابيب في ردع وتجسيد

أشهدتهم كل فضفاض القميص ضحى *** في كل سرج تحلّى ظهر قيدود

كأن أرماحهم تتلو اذا هزجت *** زبور داود في محراب داود

لو كان للروم علم بالذي لقيت *** ما هنئت ام بطريق بمولود

لم يبق في أرض قسطنطين مشركة *** الا وقد خصّها ثكل بمفقود

أرض اقمت رنينا في مآتمها *** يغني الحمائم عن سجع وتغريد

كأنما بادرت منها ملوكهم *** مصارع القتل أو جاءوا بموعود

ما كل بارقة في الجو صاعقة *** تسري ولا كل عفريت بمريّدِ

القى الدمستق بالصلبان حين رأى *** ما أنزل اللّه من نصر وتأييد

فقل له حال من دون الخليج قناً *** سمر وأدرع أبطال مناجيد

أهل الجلاد اذا بانت أكفهم *** يجمعن بين العوالي واللغاديد

فرسان طعن تؤام في الفرائص لا *** ينمى وضرب دراك في القماحيد (1)

ذا أهرت كشدوق الأسد قد رجفت *** زأرا وهذا غموس كالأخاديد

أعيا عليه أيرجو أم يخاف وقد *** رآك تنجز من وعد وتوعيد

وقائع كظمته فانثنى خرسا *** كأنما كَعَمَت فاه بجلمود

حميته البر والبحر الفضاء معا *** فما يمر ببات غير مسدود

يرى ثغورك كالعين التي سملت *** بين المرورات منها والقراديد

يا رب قارعة الأجيال راسية *** منها وشاهقة الأكناف صيخود

ص: 100


1- القماحيد ، الواحدة قمحودة : مؤخر القذال ، خلف الأذنين.

دنا ليمنع ركنيها بغاربه *** فبات يدعم مهدوداً بمهدود

قد كانت الروم محذورا كتائبها *** تدني البلاد على شحط وتبعيد

ملك تأخر عهد الدهر من قدم *** عنه كأن لم يكن دهرا بمعهود

حل الذي أحكموه في العزائم من *** عقد وما جربوه في المكاييد

وشاغبوا اليم ألفي حجة كملا *** وهم فوارس قاريّاته السود

فاليوم قد طمست فيه مسالكهم *** من كل لاحب نهج الفلك مقصود

لو كنت سألتهم في اليم ما عرفوا *** سُفح السفائن من غير الملاحيد

هيهات لو راعهم في كل معترك *** ليث الليوث وصنديد الصناديد

من ليس يمسح عن عرنين مضطهد *** ولا يبيت على أحناء مفؤود

ذو هيبة تتقى في غير بائقة *** وحكمة تُجتنى من غير تعقيد

من معشر تسع الدنيا نفوسهم *** والناس ما بين تضييق وتنكيد

لو أصحروا في فضاء من صدورهم *** سدّوا عليك فروج البيد بالبيد

اولئك الناس إن عدوا بأجمعهم *** ومن سواهم فلغو غير معدود

والفرق بين الورى جمعا وبينهم *** كالفرق ما بين معدوم وموجود

إن كان للجود باب مرتج غلق *** فأنت تدني اليه كل اقليد

كأن حلمك أرسى الأرض أو عقدت *** به نواصي ذرى أعلامها القود

لك المواهب اولاها وآخرها *** عطاء رب عطاء غير محدود

فأنت سيّرت ما في الجود من مثل *** باق ومن أثر في الناس محمود

لو خلّد الدهر ذا عز لعزته *** كنت الأحق بتعمير وتخليد

تُبلى الكرام وآثار الكرام وما *** تزداد في كل عصر غير تجديد

ص: 101

الناشي الصغير أبو الحسن علي بن عبد اللّه بن الوصيف

اشارة

بني احمد قلبي لكم يتقطع *** بمثل مصابي فيكم ليس يسمع

فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا *** وليس لكم فيها قتيل ومصرع

ظلمتم وقتلتم وقُسّم فيئكم *** وضاقت بكم أرض فلم يحم موضع

جسوم على البوغاء ترمى وأرؤس *** على أرؤوس اللدن الذوابل تُرفع

نوارون لم تأوِ فراشاً جنوبكم *** ويسلمني طيب الهجوع فاهجع

وذكر السيد الأمين في الدر النضيد هذه الأبيات للناشي :

مصائب نسل فاطمة البتول *** نكت حسراتها كبد الرسول

ألا بابي البدور لقين خسفاً *** وأسلمها الطلوع الى الأفول

الا يا يوم عاشورا رماني *** مصابي منك بالداء الدخيل

كأني بابن فاطمة جديلا *** يلاقي الترب بالوجه الجميل

وقد قطع العداة الرأس منه *** وعلّوه على رمح طويل

وفاطمة الصغيرة بع عز *** كساها الحزن أثواب الذليل

تنادي جدها يا جد إنا *** طلبنا بعد فقدك بالدخول

ص: 102

وللناشي في أهل البيت علیهم السلام :

رجائي بعيد والممات قريب *** ويخطئ ظني فيكم ويصيب

متى تأخذون الثأر ممن تالبوا *** عليكم وشبوا الحرب وهي ضروب

فذلك قد أدمى ابن ملجم شيبه *** فخر على المحراب وهو خضيب

وذاك تولى السم عنه حشاشة *** وأنشبن أظفار بها ونيوب

وهذا توزعن الصوارم جسمه *** فخرّ بارض الطف وهو تريب

قتيل على نهر الفرات على ظما *** تطوف به الاعداء وهو غريب

كأن لم يكن ريحانة لمحمد *** وما هو نجل للوصي حبيب

ولم يك من أهل الكساء الاولى بهم *** يعاقب جبّار السماء ويتوب

اناس علوا أعلى المعالي من العلى *** فليس لهم في العالمين ضريب

اذا انتسبوا جازوا التناهي بجدهم *** فما لهم في الأكرمين نسيب

هم البحر أضحى دره وعبابه *** فليس له من مبتغيه رسوب

تسير به فلك النجاة وماؤه *** لشرّابه عذب المذاق شروب

هم البحر يغدو من غدا في جواره *** وساحله سهل المجال رحيب

يمد بلا جزر علوماً ونائلاً *** إذا جاء منه المرء وهو كسوب

هم سبب بين العباد وربهم *** فراجيهُم في الحشر ليس يخيب

حووا علم ما قد كان أو هو كائن *** وكل رشاد يبتغيه طلوب

هم حسنات العالمين بفضلهم *** وهو للاعادي في المعاد ذنوب

وقد حفظت غيب العلوم صدورهم *** فما الغيب عن تلك الصدور يغيب

فان ظلمت أو قتّلت أو تهضمت *** فما ذاك من شأن الزمان عجيب

وسوف يديل اللّه فيهم بأوبة *** وكل إلى ذاك الزمان يؤب

وفي الأعيان :

قال وحدثني الخالع : قال اجتزت بالناشي يوما وهو جالس في السراجين فقال لي قد عملت قصيدة وقد طلبت وأريد أن تكتبها بخطك حتى اخرجها

ص: 103

فقلت أمضي في حاجة وأعود وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح فقال لي أحب أن تقوم فتكتب قصيدة الناشي البائية فانا قد نحنا بها البارحة بالمشهد ، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة فقمت ورجعت اليه وقلت : هات البائية حتى أكتبها ، فقال من أين علمت أنها بائية وما ذاكرت بها أحدا فحدثته بالمنام فبكى وقال : لا شك ان الوقت قددنا ، فكتبتها فكان أولها :

رجائي بعيد والممات قريب *** ويخطئ ظني والمنون نصيب

ص: 104

الناشي الصغير مولده سنة 271 ومات يوم الأثنين لخمس خلون من صفر سنة 365 هو ابو الحسن علي بن عبد اللّه بن الوصيف الناشي الصغير الاصغر البغدادي :

من باب الطاق ، نزيل مصر ، المعروف بالحلاء كان ابوه يعمل حلية السيوف فسمّي حلاّء. ويقال له : الناشي لأن الناشي يقال لمن نشأ في فن من فنون الشعر كما قال السمعاني في الانساب.

وفي الطليعة : كان من علماء الشيعة ومتكلميها ومحدثيها وفقهائها وشعرائها له كتب في الامامة ومدائحه في أهل البيت صلوات اللّه عليهم لا تحصى كثرة روى الحموي في معجم الادباء قال : حدثني الخالع قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الكبودي في المسجد الذي بين الوارقين والصاغة وهو غاص بالناس واذا رجل قد وافى وعليه مُرقعة وفي يديه سطيحة وركوة (1) ومع عُكاز ، وهو شِعث فسلّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثم قال أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليها ، فقالوا مرحبا بك وأهلا ورفعوه فقال : أتعرّفون لي أحمد المزوق النائح ، فقالوا : ها هو جالس ، فقال : رأيت مولاتنا علیهاالسلام في النوم فقالت :

امضي الى بغداد واطلبه وقل له : نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه :

بني احمد قلبي بكم يتقطع *** بمثل مصابي فيكم ليس يُسمع

ص: 105


1- المرقعة : الثوب المرقع ، والسطيحة ، المزادة ، والركوة : الدلو الصغير.

وكان الثاني حاضرا فلطم على وجهه وتبعه المزوّق والناس كلهم وكان اشد الناس في ذلك الناشي ثم المزوّق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم الى أن صلى الناس الظهر وتقوض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم ، فقال واللّه لو أعطيت الدنيا ما أخذتها فانني لا أرى أن أكون رسول مولاتي علیهاالسلام ثم آخذ عن ذلك عوضا ، وانصرف ولم يقبل شيئا قال : ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتا.

عجب لكم تفنون قتلا بسيفكم *** ويسطو عليكم من لكم كان يخضع

كأن رسول اللّه أوصى بقتلكم *** وأجسامكم في كل ارض توزع

وجمع العلامة السماوي شعر الناشي في أهل البيت علیهم السلام وهو يزيد على ثلثمائة بيتا وهو اليوم في مكتبة الامام الحكيم العامة بالنجف الأشرف أقول ودفن الناشي في مقابر قريش وقبره هناك معروف. وهو ممن نبش قبره في واقعة سنة 443 وأحرقت تربته.

وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب : الناشي الاصغر هو ابو الحسن علي بن عبد اللّه بن وصيف البغدادي الحلاء الفاضل المتكلم الشاعر البارع الإمامي المشهور له كتاب في الإمامة وأشعار كثيرة في أهل البيت (عليهم السلام) لا تحصى حتى عرف بهم ولقب بشاعر أهل البيت (عليهم السلام) ، ولد سنة 271 ويروي عن المبرد وابن المعتز قال ابن خلكان وهو من الشعراء المحسنين وله في أهل البيت (عليهم السلام) قصائد كثيرة وكان متكلما بارعا اخذ علم الكلام عن أبي سهل اسمعيل بن علي بن نوبخت المتكلم وكان من كبار الشيعة وله تصانيف كثيرة وكان جده وصيف مملوكا وابوه عبد اللّه عطارا وقيل له الحلاء لأنه كان يعمل حلية من النحاس ومضى إلى الكوفة سنة 325 وأملى شعره بجامعها وكان المتنبي وهو صبي يحضر مجلسه بها وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة :

كأن سنان ذابله ضمير *** فليس عن القلوب له ذهاب

وصارمه كبيعته بخم *** مقاصدها من الخلق الرقاب

ص: 106

ونظم المتنبي هذا وقال :

كأن الهام في الهيجاعيون *** وقد طبعت سيوفك من رقاد

وقد صغت الاسنة من هموم *** فما يخطرن إلا في فؤادي

وقال النجاشي والشيخ في الفهرست ، له كتاب في علم الكلام. وعده ابن النديم في المتكلمين من الشيعة وقال : كان متكلما بارعا.

قال الحموي : وكان الناشي يعتقد الامامة ويناظر عليها باجود عبارة فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عرف بهم ، واشعاره فيهم لا تحصى كثرة ، ومدح مع ذلك الراضي باللّه وله معه اخبار ، وقصد كافور الأخشيدي بمصر فامتدحه وامتدح ابن حِنزابَةَ وكان ينادمه.

وفي الاعيان : وقيل وفد الناشي على عضد الدولة بن بويه وامتدحه فأمر له بجائزة سنيّة وأحاله على الخازن فقال ما في الخزانة شيء فاعتذر اليه عضد الدولة وقال : ربما تأخر حمل المال الينا وسنضاعف لك الجائزة متى حظر فخرج من عنده فوجد على الباب كلابا لعضد الدولة عليها قلائد الذهب وجلال الخز قد ذبح لها السخال والقيت بين يديها فعاد الى عضد الدولة وأنشأ يقول :

رأيت بباب داركم كلابا *** تغذيها وتطعمها السخالا

فهل في الأرض أدبر من أديب *** يكون الكلب أحسن منه حالا

ثم حمل الى عضد الدولة مال على بغال وضاع منها بغل ووقف على باب الناشي فأخذ ما عليه ثم دخل على عضد الدولة وأنشده قصيدته التي يقول فيها :

ومن ظن أن الرزق يأتي بمطلب *** فقد كذبته نفسه وهو آثم

يفوت الغنى من لا ينام عن السرى *** وآخر يأتي رزقه وهو نائم

`فقال له هل وصل المال الذي على البغل فقال نعم قال هو لك بارك اللّه لك فيه

ص: 107

فعجب الحاضرون من فطنته.

وفي الأعيان : قال ياقوت حدث الخالع قال حدثني ابو الحسن الناشي قال كنت بالكوفة سنة 325 وأنا أملى شعري في المسجد الجامع بها والناس يكتبون عني.

قال السيد الأمين في الاعيان : الظاهر أن ذلك الشعر كان في مدح أهل البيت علیهم السلام والا فغيره من الشعر لا يقرأ في المسجد الجامع بالكوفة ، وكان الناس الذين يكتبون عنه هم الشيعة ، لان جل اهل الكوفة كانوا شيعة في ذلك الوقت. انتهى

وللناشي يمدح امير المؤمنين علیه السلام :

ألا يا خليفة خير الورى *** لقد كفر القوم اذ خالفوكا

خلافهم بعد دعواهم *** ونكثهم بعدما بايعوكا

طغوا بالخريبة واستنجدوا *** بصفين والنهر إذ صالتوكا

أناس هم حاصروا نعثلا *** ونالوه بالقتل ما استأذنوكا

فيا عجبا منهم إذ جنوا *** دما وبثاراته طالبوكا

ولو أيقنوا بنبي الهدى *** وباللّه ذي الطول ما كايدوكا

ولو أيقنوا بمعاد لها *** أزالوا النصوص ولا مانعوكا

ولو أنهم آمنوا بالهدى *** لما مانعوك ولا زايلوكا

ولكنهم كتموا الشك في *** اخيك النبي وأبدوه فيكا

فلم لم يثوروا ببدر وقد *** قتلت من القوم من بارزوكا

ولم عردوا إذ ثنيت العدى *** بمهراس أُحد ولم نازلوكا

ولم أحجموا يوم سلعٍ وقد *** ثبّت لعمرو ولم أسلموكا

ولِم يوم خيبر لم يثبتوا *** براية أحمد واستدركوكا

فلاقيت مرحب والعنكبوت *** واسداً يحامون إذ وجهوكا

ص: 108

فدكدكت حصنهم قاهرا *** ولوّحت بالباب اذا حاجزوكا

ولم يحضروا بحنين وقد *** صككت بنفسك جيشا صكوكا

فأنت المقدم في كل ذاك *** فيا ليت شعري لم اخرّوكا

فيا ناصر المصطفى أحمد *** تعلمت نصرته من أبيكا

وناصبت نصابه عنوة *** فلعنة ربي على ناصبيكا

فانت الخليفة دون الأنام *** فما بالهم في الورى خلّفوكا

ولا سيما حين وافيته *** وقد سار بالجيش ببغي تبوكا

فقال أناس قلاه النبي *** فصرت الى الطهر إذ خفضوكا

فقال النبي جوابا لما *** يؤدي الى مسمع الطهر فوكا

ألم ترض أنّا على رغمهم *** كموسى وهارون إذ وافقوكا

ولو كان بعدي نبيّ كما *** جعلت الخليفة كنت الشريكا

ولكنني خاتم المرسلين *** وأنت الخليفة إن طاوعوكا

وأنت الخليفة يوم انتجاك *** على الكور حينا وقدعاينوكا

يراك نجيا له المسلمون *** وكان الإله الذي ينتجيكا

على فم أحمد يوحى اليك *** وأهل الضغائن مستشرفوكا

وأنت الخليفة في دعوة *** العشيرة إذ كان فيهم أبوكا

ويوم الغدير وما يومه *** ليترك عذرا الى غادريكا

فهم خلف نصروا قولهم *** ليبغوا عليك ولم ينصروكا

اذا شاهدوا لنص قالوا لنا *** توانى عن الحق واستضعفوكا

فقلنا لهم نص خير الورى *** يزيل الظنون وينفي الشكوكا

ولو آمنوا بنبيّ الهدى *** وباللّه ذي الطول ما خالفوكا

ص: 109

( الابيات ) توفي ببغداد سنة 366 أو 360 والناشي كما عن أنساب السمعاني يقال لمن نشأ في فن من فنون الشعر واشتهر به والمشهور بهذه النسبة علي بن عبد اللّه ، وقيل انه توفي يوم الأربعاء لخمس خلون من صفر ومولده في سنة إحدى وسبعين ومائتين.

ومن شعره كما روى ابن خلكان :

إني ليهجرني الصديق تجنُّباً *** فأريه أن لهجره اسبابا

وأخاف إن عاتبته أغريته *** فأرى له ترك العتاب عتابا

واذا بليت بجاهل متغافل *** يدعو المحال من الامور صوابا

أوليته مني السكوت وربما *** كان السكوت عن الجواب جوابا

ص: 110

وللناشي في مدح أمير المؤنين علیه السلام :

بآل محمد عُرف الصواب *** وفي أبياتهم نزل الكتاب

هم الكلمات للأسماء لاحت *** لآدم حين عزّ له المتاب

وهم حجج الآله على البرايا *** بهم وبحكمهم لا يستراب

بقيّة ذي العلى وفروع أصل *** لحسن بيانهم وضح الخطاب

وأنوار يرى في كل عصر *** لا رشاد الورى منهم شهاب

ذرارى أحمد وبنو عليّ *** خليفته فهم لبّ لباب

تناهوا في نهاية كل مجد *** فطهّر خلقهم وزكوا وطابوا

إذا ما أعوز الطلاب علم *** ولم يوجد فعندهم يصاب

محبتهم صراط مستقيم *** ولكن في مسالكها عقاب

ولا سيما أبو حسن علي *** له في الحرب مرتبة تهاب

كأن سنان ذابله ضمير *** فليس لها سوى نعم جواب

وصارمه كبيعته بخُمّ *** معاقدها من القوم الرقاب

اذا نادت صوارمه نفوسا *** فليس لها سوى نعم جواب

فبين سنانه والدرع سلم *** وبين البيض والبيض أصطحاب

هو البكاء في المحراب ليلا *** هو الضحّاك إن وصل الضراب

ومَن في خفه طرح الأعادي *** حُبابا كي يُلسبه الحُباب (1)

ص: 111


1- الحباب : الأفعى.

فحين أراد لبس الخف وافى *** يمانعه عن الخف الغراب

وطار به فاكفأه وفيه *** حباب في الصعيد له انسياب

ومَن ناجاه ثعبان عظيم *** بباب الطهر ألقته السحاب

رآه الناس فانجفلوا برعب *** وأغلقت المسالك والرحاب

فلما أن دنا منه عليّ *** تداني الناس واستولى العجاب

فكلّمه علي مستطيلا *** واقبل لا يخاف ولا يهاب

ورنّ لحاجز وانساب فيه *** وقال وقد تغيبه التراب

أنا ملك مسخت وأنت مولى *** دعاؤك إن مننت به يجاب

أتيتك تائبا فاشفع الى مَن *** اليه في مهاجرتي الإياب

فاقبل داعيا واتى اخوه *** يؤمن والعيون لها انسكاب

فلما أن أُجيبا ظل يعلو *** كما يعلو لدى الجو العقاب

وانبت ريش طاوس عليه *** جواهر زانها التبر المذاب

يقول لقد نجوت بأهل بيت *** بهم يصلى لظى وبهم يثاب

هم النبأ العظيم وفلك نوح *** وناب اللّه وانقطع الخطاب

وللناشي يمدحه سلام اللّه عليه :

الا إن خير الخلق بعد محمد *** علي الذي بالشمس ازرت دلائله

وصي النبي المصطفى ونجيّه *** ووارثه علم الغيوب وغاسله

ومَن لم يقل بالنص فيه معاندا *** غدا عقله بالرغم منه يجادله

يعرّفه حق الوصي وفضله *** على الخلق حتى تضمحل بواطله

هو البحر يغنى من غدا في جواره *** ولا سيما إن أظهر الدر ساحله

هو الفخر في اللأوا اذا ما ندبته *** ولا عجب أن يندب الفخر ثاكله

حجاب آله الخلق أحكم رتقه *** وستر على الاسلام ذو الطول سابله

وباب غدا فينا لخير مدينة *** وحبل ينال الفوز في البعث واصله

وعيبة علم اللّه والصادق الذي *** يقول بحر القول إن قال قائله

ص: 112

عليم بما لا يعلم الناس مظهر *** من العلم من كل البرية جاهله

يجيب بحكم اللّه من كل شبهة *** فيبصر طب الغي منه مسائله

اذا قال قولا صدّق الوحي قوله *** وكذّب دعوى كل رجس يناضله

حميد رفيع القول عند مليكه *** شفيع وجيه لا ترد وسائله

وخلصان رب العرش نفس محمد *** وقد كان من خير الورى مَن يباهله

امام علا من ختم الرسل كاهلا *** وليس علي يحمل الطهر كاهله

ولكن رسول اللّه علاه عامدا *** على كتفيه كي تناهى فضائله

أيعجز عنه من دحا باب خيبر *** وتحمله أفراسه ورواحله

فشرّفه خير الانام بحمله *** فبورك محمول وبورك حامله

ولما دحا الأصنام أومى بكفه *** فكادت تنال النجم منه أنامله

وذلك يوم الفتح والبيت قبله *** ومن حوله الاصنام والكفر شامله

وللناشي يمدحه (عليه السلام) :

يا آل ياسين إن مفخركم *** صيّر كل الورى لكم خولا

لو كان بعد النبي يوجد في *** الخلق رسولا لكنتم رسلا

لولا موالاتكم وحبكم *** ما قبل اللّه للورى عملا

يا كلمات لولا تلقّنها *** آدم يوم المتاب ما قبلا

انتم طريق الى الاله بكم *** أوضح رب المعارج السبلا

آمنت فيمن مضى بكم وقضى *** وبالذي غاب خائفا وجلا

وهو بعين اللّه العلي يرى *** ما صنع المختفي وما فعلا

ويؤمن الارض من تزلزلها *** إذ كان طودا لثبتها جبلا

حتى يشاء الباري فيظهره *** للقسط والعدل خير من عدلا

يا غائبا حاظرا بانفسنا *** وباطنا ظاهرا لمن عقلا

يابن البدور الذين نورهم *** يسطع في الخافقين ما أفلا

وابن الهمام الذي بسطوته *** قوّض ظعن الاشراك مرتحلا

ص: 113

اقام دين الاله اذ كسرت *** يداه في فتح مكة هبلا

علا على كاهل النبي ولو *** رام احتمالا لاحمد حملا

ولو أراد النجوم لامسها *** بما له ذو الجلال قد كفلا

مَن يغتل فليكن علاه كذا *** أولا فقد بآء هابطا سفلا

امسكت منكم حبل الولاء فما *** أراه إلا باللّه متصلا

ومن شعره قوله يصف فرسا :

مثل دعاء مستجاب إن علا *** أو كقضاء نازل اذا هبط

وقوله :

لا تعتذر بالشغل عنا إنما *** ترجى لانك دائما مشغول

واذا فرغت ولا فرغت فغيرك *** المرجو والمطلوب والمأمول

وسمي بالناشي الاصغر في مقابلة الناشي الاكبر وهو :

أبو العباس عبد اللّه بن محمد الانباري البغدادي المعروف بابن شرشير الشاعر حكي انه كان في طبقة ابن الرومي والبحتري وكان نحويا عروضيا منطقيا متكلما له قصيدة في فنون من العلم تبلغ أربعة آلاف بيت وله عدة تصانيف وأشعار كثيرة في جوارح الصيد والامة والصيود كأنه كان صاحب صيد وقد أستشهد كشاجم بشعره في كتاب المصايد والمطارد في مواضع توفي بمصر سنة 293 انتهى ما قاله القمي في الكنى والالقاب. وقال السيد الامين في الأعيان :

الناشي الاكبر اسمه عبيد اللّه بن محمد بن شرشر ولا دليل على تشيعه

ص: 114

قصائد من شعر الناشي الصغير كما في ديوانه المخطوط وهذه أوائلها :

1 - ألا يا آل ياسين *** وأهل الكهف والرعد

2 - استمع ما أتى به جبرئيل *** أحمد المصطفى البشير النذيرا

3 - يا آل ياسين مَن يحبكم *** بغير شك لنفسه نصحا

4 - ببغداد وإن ملئت قصورا *** قبور غشّت الآفاق نورا

5 - اتل آي الكتاب للعلم فيه *** وتأمل به بفكر النبيه

6 - زينة الانسان عقل *** بضياه يستدل

7 - ألا لا تلمني في ولاي أبا حسن *** فما تابع حقاً يلام على الزمن

8 - روى لنا انس فيما راى انس *** وكان يروي حديثا في الهدى عجبا

ص: 115

الأمير محمد بن عبد اللّه السوسي

لهفي على السبط وما ناله *** قد مات عطشانا بكرب الظما

لهفي لمن نكّس عن سرجه *** ليس من الناس له من حمى

لهفي على بدر الهدى إذ علا *** في رمحه يحكيه بدر الدجى

لهفي على النسوان إذ أبرزت *** تساق سوقا بالعنا الجفا

لهفي على تلك الوجوه التي *** أبرزت بعد الصون بين الملا

لهفي على ذاك العذار الذي *** علاه بالطف تراب العدا

لهفي على ذاك القوام الذي *** أحناه بالطف سيوف العدى (1)

وله :

كم دموع ممزوجه بدماء *** سكبتها العيون في كربلاء

لست أنساه في الطفوف غريبا *** مفردا بين صحبه بالعراء

وكأني به وقد خرّ في التر *** ب صريعا مخضبا بالدماء

وكأني به وقد لحظ النس- *** وان يهتكن مثل هتك الإماء

ص: 116


1- رواها ابن شهر اشوب في المناقب.

وقوله في الحسين :

فيا بضعة من فؤاد النبي *** بالطف أضحت كثيبا مهيلا

قتلتَ فأبكيت عين الرسول *** وأبكيت من رحمة جبرئيلا

وقوله أيضا :

يا قمرا حين لاحا *** أورثني فقتدك المناحا

يا نوب الدهر لم يدع لي *** صرفك من حادث سلاحا

أبعد يوم الحسين ويحيى *** استعذب اللّهو والمزاحا

يا سادتي يا بني عليّ *** بكى الهدى فقدكم وناحا

أوحشتم الحجر والمساعي *** آنستم القفر والبطاحا

وله وهو وزن غريب :

جودي على الحسين يا عين بانغزار *** جودي على الغريب اذ الجار لا يجار

جودي على النساء مع الصبية الصغار *** جودي على القتيل مطروحا في القفار

ألا يا بني الرسول لقدقل الاصطيار *** الا يا بني الرسول أخلت منكم الديار

الا يا نبي الرسول فلا قرّ لي قرار

وله :

لا عذر للشيعي يرقأ دمعه *** ودم الحسين بكربلاء أريقا

يا يوم عاشروا لقد خلّفتني *** ما عبشت في بحر الهموم غريقا

فيك استبيح حريم آل محمد *** وتمزقت أسبابهم تمزيقا

أأذوق ريّ الماء وابن محمد *** لم يروَ حتى للمنون أذيقا

وله :

وكّل جفني بالسهاد *** مذ غرس الحزن في فؤادي

ص: 117

ناع نعى بالطفوف بدراً *** أكرم به رائحا وغادي

نعى حسينا فدته روحي *** لما أحاطت به الاعادي

في فتية ساعدوا وواسوا *** وجاهدوا أعظم الجهاد

حتى تفانوا وظلّ فردا *** ونكّسوه عن الجواد

وجاء شمر اليه حتى *** جرّعه الموت وهو صادي

وركب الرأس في سنان *** كالبدر يجلو دجى السواد

واحتملوا أهله سبايا *** على مطايا بلا مهاد

وله :

أأنسى حسينا بالطفوف مجدلا *** ومن حوله الاطهار كالأنجم الزهر

أأنسى حسينا يوم سير برأسه *** على الرمح مثل البدر في ليلة البدر

أأنسى السبايا من بنات محمد *** يهتكن من بعد الصيانة والحذر

ص: 118

الأمير محمد السوسي

الأمير ابو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن عبد العزيز بن محمد السوسي توفي في حدود سنة 370 ودفن بحلب. كان فاضلا أديبا كاتبا بحلب وسافر الى فارس ثم عاد الى محله.

ذكره ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء اهل البيت المجاهرين ويطلق هذا اللقب على أحمد بن يحيى بن مالك الهمداني ذكره الشيخ القمي في ( الكنى والألقاب ) فقال : كان كوفي الأصل ، سكن سر من رأى وحدّث بها ، أخذ عن جماعة كثيرة من المحدثين وروى عنه جمع منهم أبو حاتم الرازي الذي كتب عنه وسئل عنه فقال : صدوق توفي سنة 263. قال : وهو غير السوسي الذي مدح أهل البيت علیهم السلام ورثى الحسين ابن علي علیه السلام .

والسوسي نسبة الى السوس كورة باهواز فيها قبر دانيال علیه السلام ، معرب شوش ، وبلد بالمغرب ، وبلد آخر بالروم.

انتهى

ص: 119

سعيد بن هاشم الخالدي

اشارة

وحمائم نبهنني *** والليل داجي المشرقين

شبهتهن وقد بكي- *** -ن وما ذرفن دموع عين

بنساء آل محمد *** لما بكين على الحسين (1)

روها الأمين في أعيان الشيعة عن يتيمة الدهر للثعالبي.

ص: 120


1- وفي مقال للدكتور مصطفى جواد كتبه في العدد التاسع من مجلة ( البلاغ ) الكاظمية السنة الأولى. ان هذه الأبيات والتي بعدها لأبي بكر محمد بن أحمد بن حمدان المعروف ب- ( الخباز البلدي ) نسبة الى بلد من بلدان الجزيرة التي فوق الموصل وتسمى ايضا ( بلط ) وتعرف اليوم باسم تركي هو ( أسكي موصل ) اي الموصل العتيقة. كان الخباز البلدي أمّيا إلا أنه حفظ القرآن الكريم ، ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر والعماد الاصفهاني في خريدة القصر وذكره نصر اللّه ابن الأثير في المثل السائر ، وكان من حسنات بلده ، وشعره كله مُلح وتحف وغرر ولا تخلو مقطوعة له من معنى حسن أو مثل سائره ذكره القفطي في كتابه المذكور غير مرة وقال : وكان يتشيع ويتمثل في شعره بما يدل على مذهبه كقوله : وحمائم نبهني الابيات. وقوله جحدت ولاء مولانا الوصي الأبيات. أقول وروى له نتفاً شعرية عذبة . وقال الشيخ القمي في الكني والألقاب : محمد بن احمد بن الحسين البلدي الموصلي شيخ عالم فاضل اديب شاعر امامي كان من شعراء الصاحب بن عباد وقد ذكر شيخنا الحر العاملي رحمه اللّه في أمل الآمل بعض أشعاره .

ابو عثمان سعيد بن هاشم بن وعلة البصري العبدي ابو عثمان الخالدي الاصغر :

توفي سنة 371 الخالدي نسبة الى الخالدية قرية من قرى الموصل ، والعبدي نسبة الى قبيلة عبد القيس المنتهى نسبه اليهم وكأنه ورث التشيع عنهم ، وفي معجم الادباء اسماه سعد. والصحيح سعيد كان هو واخوه ابو بكر (1) اديبي البصرة وشاعريها في وقتهما ، وكان بينهما وبين السري الرفاء الموصلي ما يكون بين المتعاصر من التغاير والتضاغن فكان يدعى عليهما بسرقة شعره وشعر غيره. في اليتيمة : كان يتشيع ويتمثل في شعره بما يدل على مذهبه كقوله :

انظر إلي بعين الصفح عن زللي *** لا تتركنيّ من ذنبي على وجل

موتي وهجرك مقرونان في قرن *** فكيف أهجر مَن في هجره أجلي

وليس لي أمل إلا وصالكم *** فكيف أقطع مَن في وصله أملي

هذا فوادي لم يملكه غيركم *** إلا الوصي أمير المؤمنين علي

ومن شعره :

جحدت ولاء مولانا علي *** وقدّمت الدعي على الوصي

متى ما قلّت إن السيف أمضى *** من اللحظات في قلب الشجي

لقد فعلت جفونك في البرايا *** كفعل يزيد في آل النبي (2)

ص: 121


1- ابو بكر اسمه محمد بن هاشم بن وعلة بن عرام بن يزيد بن عبد اللّه منبّه بن يتربي بن عبد السلام بن خالد بن عبد منبّه من بني عبد القيس ، وتأتي ترجمته في هذا الجزء.
2- اعيان الشيعة عن اليتيمة للتعالبي.

وله :

أنا ان رمت سُلوّاً *** عنك يا قرّة عيني

كنت في الاثم كمن شا *** رك في قتل الحسين

لك صولات على قل- *** -بي بقدٍّ كالرديني

مثل صولات علي *** يوم بدر وحنين (1)

وله :

أنا في قبضة الغرام رهين *** بين سيفين أرهفا ورديني

فكأن الهوى فتى علويّ *** ظن أني وليت قتل الحسين

وكأني يزيد بين يديه *** فهو يختار أوجع القتلتين

وله :

تظن بأنني أهوى حبيبا *** سواك على القطيعة والبعاد

جحدت اذاً موالاتي عليا *** وقلت بأنني مولى زياد

وترجمه السيد الأمين في الأعيان وذكر له شعرا كثيرا وكله من النوع العالي وذكر له النويري في نهاية الأدب قوله :

يا هذه إن رحتُ في *** خَلَق فما في ذاك عار

هذي المَدام هي الحيا *** ة قميصها خَرق وقار

ومن شعره ما رواه الحموي في معجم الادباء :

هتف الصبح بالدجى فاسقنيها *** قهوةً تترك الحليم سفيها

لست تدري لرقةٍ وصفاءٍ *** هي في كاسها أم الكاس فيها

وقال :

أما ترى الغيم يا من قلبه قاسيٍ *** كأنه أنا مقياسا بمقياس

قطرُ كدمعي وبرقُ مثل نار جويً *** في القلب مني وريحُ مثل أنفاسي

ص: 122


1- أعيان الشيعة عن اليتيمة للثعالبي.

الأمير تميم بن الخليفة

الأمير ابو علي تميم بن الخليفة المعز لدين اللّه مسعد بن اسماعيل الفاطمي :

نأت بعد ما بان العزاء سعادُ *** فحشو جفون المقلتين سهادُ

فليت فؤادي للظعائن مربع *** وليت دموعي للخليط مزاد

نأوا بعدما القت مكائدها النوى *** وقرّت بهم دار وصحّ وداد

وقد تؤمن الأحداث من حيث تتقى *** ويبعد نجح الأمر حسين يُراد

أعاذل لي عن فسحة الصبر مذهب *** وللهو غيري مألف ومصاد

ثوت لي أسلاف كرام بكربلا *** همُ لثغور المسلمين سِداد

اصابتهم من عبد شمس عداوة *** وعاجلهم بالناكثين حصاد

فكيف يلذّ العيش عفوا وقد سطا *** وجار على آل النبي زياد (1)

وقتلهم بغيا عُبَيد وكادهم *** يزيد بأنواع الشقاق فبادوا

بثارات بدر قاتلوهم ومكةٍ *** وكادوهم والحق ليس يكاد

فحكمت الأسياف فيهم وسُلّطت *** عليهم رماح للنفاق حداد

فكم كربةٍ في كربلاءَ شديدة *** دهاهم بها للناكثين كياد (2)

ص: 123


1- 1 يريد به زياد بن ابيه والد عبيد اللّه بن زياد الذي ارسل الجيوش لمحاربة الحسين علیه السلام .
2- الكياد : المكايدة مصدر كايد.

تحكّم فيهم كل أنوك جاهل *** ويُغزون غزواً ليس فيه محاد

كأنهم ارتدّوا ارتداد امية *** وحادوا كما حادت ثمود وعاد

ألم تُعظِموا يا قوم رهط نبيكم *** أما لكم يوم النشور معاد

تداس بأقدام العصاة جسومهم *** وتدرسهم جُرد هناك جياد (1)

تضيمهم بالقتل أمة جدهم *** سفاها وعن ماء الفرات تذاد

فماتوا عطاشى صابرين على الوغى *** ولم يجبنوا بل جالدوا فأجادوا

ولم يقبلوا حكم الدعي (2) لأنهم *** تساما وسادوا في المهود وقادوا

ولكنم ماتوا كراما أعزة *** وعاش بهم قبل الممات عباد

وكم بأعالي كربلا من حفائر *** بها جُثتُ الأبرار ليس تعاد

بها من بني الزهراء كل سَميدعٍ *** جواد اذا أعيا الأنام جواد

معفرة في ذلك الترب منهم *** وجوه بها كان النجاح يفاد

فلهفي على قتل الحسين ومسلم *** وخزي لمن عاداهما وبعاد

ولهفي على زيد وبَثّاً مُرددا *** إذا حان من بثّ الكئيب نفاد

الاكبد تفنى عليهم صبابة *** فيقطر حزنا أو يذوب فؤاد

ألا مُقلة تهمي ألا أذن تعي *** أكل قلوب العالمين جماد

تُقاد دماء المارقين ولا أرى *** دماءَ بني بيت النبي تُقاد

أليس هم الهادون والعترة التي *** بها انجاب شرك واضمحل فساد

تساق على الارغام قسراً نساؤهم *** سبايا الى ارض الشام تقاد

يُسقنَ الى دار اللعين صوغرا *** كما سيق في عصف الراح جراد

كأنهم فيء النصارى وإنهم *** لأكرم من قد عزّ منه قياد

يعز على الزهراء ذلّة زينب *** وقتلُ حسين والقلوب شداد

وقرع يزيد بالقضيب لسنّه *** لقد مجسوا (3) أهل الشام وهادوا

ص: 124


1- يعني بذلك رضّ جسد الحسين علیه السلام بحوافر الخيول.
2- يعنى به ابن زياد الذي لا يعرف لابيه أب.
3- مجسوا : دخلوا المجوسية. وهادوا : دخلوا اليهودية.

قتلتم بني الإيمان والوحي والهدى *** متى صح منكم في الإله مراد

ولم تقتلوهم بل قتلتم هداكم *** بهم ونقصتم عند ذاك وزادوا

أمية ما زلتم لأبناء هاشم *** عِدى فاملأوا طرق النفاق وعادوا

إلى كم وقد لاحت براهين فضلهم *** عليكم نِفار منهم وعناد

متى قط أضحى عبد شمس كهاشم *** لقد قل انصاف وطال شِراد (1)

متى وُزنت صمّ الحجار بجوهر *** متى شارفت شم الجبال هاد

متى بعث الرحمن منكم كجدهم *** نبيا علت للحق منه زناد

متى كان يوما صخركم كعليهم *** إذا عدّ إيمان وعدّ جهاد

متى أصبحت هند كفاطمة الرضى *** متى قيس بالصبح المنير سواد

أآل رسول اللّه سؤتم وكدتم *** ستجنى عليكم ذلة وكساد

أليس رسول اللّه فيهم خصيمكم *** إذا اشتد إبعاد وأرمل (2) زاد

بكم أم بهم جاء القرآن مبشرا *** بكم أم بهم دين الإله يشاد

سأبكيكم يا سادتي بمدامع *** غزار وحزن ليس عنه رقاد

وإن لم أعاد عبد شمس عليكم *** فلا اتسعت بي ما حييتُ بلاد

وأطلبهم حتى يروحوا ومالهم *** على الأرض من طول القرار مهاد

سقى حُفرا وارتكم وحوتكم *** من المستهلات العذاب عهاد

ص: 125


1- الشراد : النفور.
2- أرمل : نفد.

الأمير ابو علي تميم بن الخليفة المعز لدين اللّه معد بن اسماعيل الفاطمي :

قال السيد الأمين في الأعيان ج 14 ص 308 :

اديب شاعر من بيت الملك في ابان عزه ومجده ذكره صاحب اليتيمة ولم يذكر من أحواله شيئا سوى أشعار له أوردها وقالت مجلة الرسالة المصرية عدد 331 من السنة السابعة هو كما يعرف الأدباء امير شعراء مصر في العصر الفاطمي ويمكننا القول بان تميما هذا كان مبدأ حياة خصيبة عامرة نشأ في وقت واحد مع القاهرة وكان الشعر في مصر بما تعلمه من الضعف والقلة والندرة أقوى وروى له بعض أشعاره التي نظمها سنة 374 ه- وشعره الذي يمدح به اخاه الخليفة العزيز باللّه الفاطمي اكثره بل جلّه في ديوانه المطبوع بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة قال ابن خلكان : وكانت وفاته في ذي القعدة سنة اربع وسبعين وثلثمائة بمصر رحمه اللّه تعالى ودفن بالحجرة التي فيها قبر ابيه المعز.

وقال في الغزل :

لا والمضرّج ثوبُه *** في كربلاء من الدماء

لا والوصي وزوجه *** وبنيه اصحاب الكساء

أولا فإني للعُصا *** ة الغاصبين الادعياء

ما حُلت ياذات اللَمى *** عما عهدتِ من الوفاء

ها فانظريني سابحا *** في الدمع من طول البكاء

ص: 126

وضعي يديك على فؤادٍ *** قد تهيأ للفناء

قالت : تلطف شاعر *** لسنٍ وخدعة ذي ذكاء

امسك عليك فقد تقنّع *** منك وجهي بالحياء

واعبث بما في العقد مني ، *** لا بما تحت الردءا

إن الرجال اذا شكوا *** لعبوا باخلاق النساء

ومن شعره :

اما والذي لا يملك الامر غيره *** ومن هو بالسر المكتم أعلم

لئن كان كتمان المصائب مؤلما *** لأعلانها عندي اشدّ وآلم

وبي كل ما يبكي العيون أفلّه *** وإن كنت منه دائما اتبسم

وقال معارضا قصيدة عبد اللّه بن المعتز التي أولها :

ألا مَن لنفسي وأوصابها *** ومن لدموعي وتسكابها

أقول وقصيدة شاعرنا المترجم له طويلة فمنها :

ألا قل لمن ضل من هاشم *** ورام اللحوق بأربابها

أأوساطها مثل أطرافها *** أأرؤسها مثل أذنابها

أعباسها كأبي حربها *** علي وقاتل نصّابها

وأولها مؤمنا بالإله *** وأول هادم أنصابها

بني هاشم قد تعاميتم *** فخلّوا المعالي لأصحابها

أعباسكم كان سيف النبي *** إذا أبدت الحرب عن نابها

أعباسكم كان في بَدره *** يذود الكتائب عن غابها

أعباسكم قاتل المشركين *** جهارا ومالك أسلابها

أعباسكم كوصيّ النبي *** ومُعطى الرغاب لطلابها

أعباسكم شرح المشكلات *** وفَتّح مُقفَل أبوابها

عجبتُ لمرتكب بغيه *** غوىً المقالة كذّابها

ص: 127

يقول فينظم زور الكلام *** ويحكم تنميقَ إذهابا

( لكم حرمة يا بني بنته *** ولكن بنو العم أولى بها )

وكيف يحوز سهامَ البنين *** بنو العمّ أُفٍّ لغصّابها

بذا أنزل اللّه آي القرآن *** أتعمَون عن نص إسهابها

لقد جار في القول عبد الإله *** وقاس المطايا بركتابها

ونحن لبسنا ثياب النبي *** وأنتم جذَبتم بهدّابها

ونحن بنوه ووُرّاثه *** وأهل الوراثة اولى بها

وفينا الامامة لا فيكم *** ونحن أحقّ بجلبابها

ومن لكم يا بني عمّه *** بمثل البتول وأنجابها

وما لكم كوصيّ النبي *** أبٌ فتراموا بنشّابها

ألسنا لُباب بني هاشم *** وساداتكم عند نُسّابها

ألسنا سبقنا لغاياتها *** ألسنا ذهبنا بأحسابها

بنا صُلتم وبنا طُللتم *** وليس الولاة ككتّابها

ولا تَسفَهوا أنفساً بالكذاب *** فذاك أشد لإتعابها

فأنتم كلحن قوافي الفَخار *** ونحن غدونا كإعرابها

وله قصيدة اخرى يردّ بها على ابن المعتز في تفضيله العباسيين على العلويين أولها :

جادك الغيث من محلّة دارِ *** وثوى فيكِ كل غادٍ وسارِ

ومنها :

يا بني هاشم ولسنا سواء *** في صغار من العلا أو كبار

ان نكن ننتمي لجدٍ فإنا *** قد سبقناكم لكل فخار

ليس عباسكم كمثل علي *** هل تقاس النجوم بالاقمار

مَن له قال انت مني كهارون *** وموسى اكرم به من نجار

ص: 128

ثم يوم الغدير ما قد علمتم *** خصّة دون سائر الحضّار

مَن له قال : لا فتى كعلي *** لا ولا منصل سوى ذي الفقار

وبمن باهل النبي أأنتم *** جُهلاء بواضح الاخبار

يا بني عمنا ظلمتم وطرتم *** عن سبيل الانصاف كل مطار

كيف تحوون بالاكف مكانا *** لم تنالوا رؤياه بالابصار

مَن توطّا الفراش يخلف فيه *** احمداً وهو نحوَ يثرب سار

واسألوا يوم خيبر واسألوا *** مكة عن كرّه على الفجّار

واسألوا يوم بدرَ مَن فارس *** الاسلام فيه وطالبُ الاوتار

اسألوا كل غزوة لرسول *** اللّه عمن أغار كل مُغار

ص: 129

علي بن أحمد الجرجاني الجوهري

اشارة

علي بن أحمد الجرجاني الجوهري (1)

وجدي بكوفان ما وجدي بكوفان *** تهمي عليه ضلوعي قبل أجفاني

أرض اذا نفحت ريح العراق بها *** أتت بشاشتها أقصى خراسان

ومن قتيل بأعلى كربلاء على *** جهل الصدى فتراه غير صديان

وذي صفائح يستسقي البقيع به *** ريّ الجوانح من روحٍ ورضوان

هذا قسيم رسول اللّه من آدم *** قُدّا معاً مثلما قدّ الشرا كان

وذاك سبطا رسول اللّه جدهما *** وجه الهدى وهما في الوجه عينان

وآخجلتا من أبيهم يوم يشهدهم *** مضرجين نشاوى من دم قان

يقول يا أمة حف الضلال بها *** فاستبدلت للعمى كفراً بايمان

ماذا جنيت عليكم إذ أتيتكم *** بخير ما جاء من آي وفرقان

ألم أجركم وأنتم في ضلالتكم *** على شفا حفرة من حر نيران

ألم أؤلف قلوبا منكم فرقا *** مثارة بين أحقاد وأضغان

أما تركت كتاب اللّه بينكم *** وآيه الغر في جمع وقرآن

ألم أكن فيكم غوثا لمضطهد *** ألم أكن فيكم ماء لظمآن

قتلتم ولدي صبرا على ظمأ *** هذا وترجون عند الحوض إحساني

سبيتم ثكلتكم أمهاتكم *** بني البتول وهم لحمي وجثماني

ص: 130


1- ترجمه صاحب ( رياض العلماء ) ووصف فضله وشعره.

يا رب خَذ لي منهم إذ هم ظلموا *** كرام رهطي وراموا هدم بنياني

ماذا تجيبون والزهراء خصمكم *** والحاكم اللّه للمظلوم والراني

أهل الكساء صلاة اللّه نازلة *** عليكم الدهر من مثنى ووحدان

أنتم نجوم بني حواء ما طلعت *** شمس النهار وما لاح السماكان

هذي حقائق لفظ كلما برقت *** ردّت بلألائها أبصار عميان

هي الحُلى لبنى طه وعترتهم *** هي الردى لبنى حرب ومروان

هي الجواهر جاء الجوهري بها *** محبة لكم من أرض جرجان (1)

وقال يرثي الحسين علیه السلام :

يا أهل عاشور يا لهفي على الدين *** خذوا حدادكم يا آل ياسين

اليوم شقق جيب الدين وانتهبت *** بنات أحمد نهب الروم والصين

اليوم قام بأعلى الطف نادبهم *** يقول مَن ليتيم أو لمسكين

اليوم خضّب جيب المصطفى بدم *** أمسى عبير نحور الحور والعين

اليوم خرّ نجوم الفخر من مصر *** وطاح بالخيل ساحات الميادين

اليوم اطفئ نور اللّه متقدا *** وبرقعت عزة الاسلام بالهون

اليوم نال بنو حرب طوائلهم *** مما صلوه ببدر ثم صفين

يا أمة ولي الشيطان رايتها *** ومكَن الغي منها كل تمكين

ما المرتضى وبنوه من معوبة *** ولا الفواطم من هند وميسون

يا عين لا تدعي شيئا لغادية *** تهمي ولا تدعي دمعا لمحزون

قومي على جدث بالطف فانتقضي *** بكل لؤلؤ دمع فيك مكنون

يا آل أحمد إن الجوهري لكم *** سيف يقطّع عنكم كل موصون

ذكرها الخوارزمي في مقتله ، وابن شهر اشوب في مناقبه ، والعلامة المجلسي في العاشر من البحار.

ص: 131


1- عن أعيان الشيعة ج 41 ص 41.

أبو الحسن علي بن احمد الجرجاني المعروف بالجوهري :

توفي في حدود سنة 380. عن رياض العلماء إنه كان شاعراً اديبا مشهورا ، وهو صاحب القصائد الفاخرة الكثيرة في مناقب أهل البيت ومصائب شهدائهم.

كان من صنايع الوزير الصاحب بن عباد وندمائه وشعرائه ، تعاطى صناعة الشعر في ريعان من عمره جزاه اللّه خير جزاء المحسنين.

ص: 132

الصاحب اسماعيل بن عباد

اشارة

عين جودي على الشهيد القتيل *** واتركي الخد كالمحل المحيل

كيف يشفي البكاء في قتل مولا *** ي امام التنزيل والتأويل

ولو انّ البحار صارت دموعي *** ما كفتني لمسلم بن عقيل

قاتلوا اللّه والنبي ومولا *** هم عليا إذ قاتلوا ابن الرسول

صرعوا حوله كواكب دجن *** قتلوا حوله ضراغمَ غيل

اخوة كل واحد منهم لي- *** -ث عرين وحدّ سيفٍ صقيل

أو سمعوهم طعنا وضربا ونحرا *** وانتهابا ياضلًة متن سبيل

والحسين الممنوع شربة ماء *** بين حر الظبى وحر الغليل

مثكل بابنه وقد ضمّه وه- *** -و غريق من الدماء الهمول

فجمعوه من بعده برضيعٍ *** هل سمعتم بمرضعٍ مقتول

ثم لم يشفهم سوى قتل نفس *** هي نفس التكبير والتهليل

هي نفس الحسين نفس رسول ال- *** -له نفس الوصي نفس البتول

ذبحوه ذبحَ الأضاحي فيا قل- *** -ب تصدّع على العزيز الذليل

وطأوا جسمه وقد قطّعوه *** ويلهم من عقاب يوم وبيل

أخذوا رأسه وقد بضّعوه *** إن سميَ الكفار في تضليل

نصبوه على القنا فدمائي *** لا دموعي تسيل كلّ مسيل

ص: 133

واستباحوا بنات فاطمة الزه- *** -راء لمّا صرخن حول القتيل

حملوهن قد كشفن على الاق- *** -تاب سبياً بالعنف والتهويل

يا لكربٍ بكربلاء عظيم *** ولرزء على النبي ثقيل

كم بكى جبرئيل ممّا دهاه *** في بنيه صلّوا على جبرئيل

سوف تأتي الزهراء تلتمس الحك- *** -م اذا حان محشر التعديل

وأبوها وبعلها وبنوها *** حولها والخصام غير قليل

وتنادي يا رب ذبّح أولا *** دي لماذا وأنت خير مديل

فينادى بمالك ألهب النا *** ر وأجّج وخذ بأهل الغلول

( ويجازى كل بما كان منه *** من عقاب التخليد والتنكيل )

يا بني المصطفى بكيت وابكي- *** -ت ونفسي لم تأت بعد بسولي

ليت روحي ذابت دموعا فأبكي *** للذي نالكم من التذليل

فولائي لكم عتادي وزادي *** يوم القاكم على سلسبيل

لي فيكم مدائح ومراث *** حفظت حفظ محكم التنزيل

قد كفاني في الشرق والغرب فخرا *** أن يقولوا : من قيل اسماعيل

ومتى كادني النواصب فيكم *** حسبي اللّه وهو خير وكيل (1)

الصاحب بن عباد :

حدق الحسان (2) رمينني بتململ *** وأخذن قلبي في الرعيل الأول

غادرنني والى التفزع مفزعي *** وتركنني وعلى العوبل معوّلي

لو أن ما ألقاه حمّل يذبلا *** قد كان يذبل منه ركنا يذبل

مازلت أرعى الليل رعي موكل *** حتى رأيت نجمه يبكين لي

فحسبتها زهرات روض ضاحك *** [ مبتسم ] قد القيت في جدول

ص: 134


1- عن ديوان الصاحب بن عباد ص 261.
2- ذكر العلامة المجلسي في المجلد العاشر من ( بحار الأنوار ) بعضها وقال : هي من قصيدة طويلة.

ينقض لامعها فتحسب كاتباً *** قد مد سطراً مذهباً بتعجّل

ويغيب طالعها كدر قد وهى *** من سلك غانية مشت بتدلل

حتى إذا ما الصبح أنفذ رسله *** أبدت شجون تفرّق وترحّل

والفجر من رأد الضياء كأنه *** سعدى وقد برزت لنا بتبذل

ومضى الظلام يجر ذيل عبوسه *** فأتى الضياء بوجهه المتهلل

وبدا لنا ترس من الذهب الذي *** لم ينتزع من معدنٍ بتعمل

مرآة نور لم تُشَن بصياغة *** كلا ولا جليت بكف الصيقل

تسمو الى كبد السماء كأنها *** تبغي هناك دفاع كرب معضل

حتى اذا بلغت الى حيث انتهت *** وقفت كوقفة سائل عن منزلِ

ثم انثنت تبغي الحدورَ كأنها *** طير أسفّ مخافةً من أجدلِ

حتى اذا ما الليل كرّ ببأسه *** في جحفل قد أتبعوه بجحفل

طرب الصديق الى الصديق وأبرزت *** كأس الرحيق ولم يخف من عذّل

فالعود يُصلح والحناجر تجتلى *** والدر يُخرز من صراح المبزل

والعين تومئ والحواجب تنتجي *** والعتب يظهر عطنه في أنمل

والأذن تقضي ماتريد وتشتهي *** من طفلة مع عودها كالمطفل

إن شئت مرّت في طريقة معبدٍ *** أو شئت مرت في طريقة زلزل

تغنيك عن إبداع بدعة حسن ما *** وصلت طرائقه بفنّ الموصلي

فالروض بين مسهّم ومدبّج *** ومفوّفٍ ومجزّعٍ ومهلّل

والطير ألسنة الغصون وقد شدت *** ليطيب لي شرب المدام السلسل

من حُمّرٍ أو عندليب مطربٍ *** أو زُرزرٍ أو تدرجٍ أو بلبل

فأخذتها عاديّةً غيليّةً *** تجلى علَيّ كمثل عين الأشهل

قد كان ذاك وفي الصبا متنفّس *** والدهر أعمى ليس يعرف معقلي

حتى اذا خط المشيب بعارضي *** خط الانابة رمتها بتبتل

وجعلت تكفير الذنوب مدائحي *** في سادة آل النبي المرسل

في سادةٍ حازوا المفاخر قادةٍ *** ورقوا الفخار بمقولٍ وبمنصُل

ص: 135

وتشدّد يوم الوغى وتشرُّرٍ *** وتفضل يوم الندى وتسهل

وتقدّم في العلم غير محلأٍ *** وتحقق بالعلم غير محلحل

وعبادة ما نال عبد مثلها *** لأداءِ - فرضٍ أو أداء تنفّل

هل كالوصيّ مقارع في مجمع *** هل كالوصي منازع في محفل

شَهَرَ الحسامَ لحسم داءٍ معضل *** وحمى الجيوش كمثل ليل أليل

لمّا أتوا بدراً أتاه مبادرا *** يسخو بمهجة محربٍ متأصل

كم باسل قدردّه وعليه من *** دمه رداء أحمر لم يصقل

كم ضربة من كفّه في قرنه *** قد خيل جري دمائها من جدول

كم حملة وآلى على أعدائه *** ترمي الجبال بوقعها بتزلزل

هذا الجهاد وما يطيق بجهده *** خصم دفاع وضوحه بتأوّل

يا مرحبا اذ ظل يردي مرحباً *** والجيش بين مكبّر ومهلّل

واذا انثنيت الى العلوم رأيته *** قرم القروم يفوق كل البزّل

ويقوم بالتنزيل والتأويل لا *** تعدوه نكتة واضح أو مشكل

لولا فتاويه التي نجّتهم *** لتهالكوا بتعسّف وتجهّل

لم يسأل الأقوام عن أمرٍ وكم *** سألوه مدرّعين ثوب تذلّل

كان الرسول مدينةً هو بابها *** لو أثبت النصّاب قول المرسل

[ قد كان كرّارا فسُمّي غيره *** في الوقت فرّارا فهل من معدل ]

هذي صدورهم لبغض المصطفى *** تغلي على الأهلين غلي المرجل

نصبت حقودهم حروبا أدرجت *** آل النبي على الخطوب النزّل

حلّوا وقد عقدوا كما نكثوا وقد *** عهدوا فقل في نكث باغ مبطل

وافوا يخبرنا بضعف عقولهم *** أن المدبر ثَمّ ربةُ محملِ

هل صيّر اللّه النساء أئمة *** يا أمة مثل النّعام المهمل

دبت عقاربهم لصنو نبيهم *** فاغتاله أشقى الورى بتختّل

أجروا دماء أخي النبي محمد *** فلتجرِ غرب دموعها ولتهمِل

ولتصدر اللعنات غير مزالةٍ *** لعداه من ماض ومن مستقبل

ص: 136

لم تشفهم من أحمد أفعالهم *** بوصيّه الطهر الزكي المفضل

فتجرّدوا لبنيه ثم بناته *** بعظائم فاسمع حديث المقتل

منعوا حسينَ الماء وهو مجاهد *** في كربلاء فنح كنوح المعولِ

منعوه أعذب منهل وكذا غداً *** يردون في النيران أوخم منهل

يسقون غسليناً ويحشر جمعهم *** حشراً متيناً في العقاب المجمل

أيحزّ رأس ابن الرسول وفي الورى *** حيّ أمام ركابه لم يقتل

تسبى بنات محمد حتى كأنّ *** محمدا وافى بملّة هرقلِ

وبنوا السفاح تحكموا في أهل حيّ *** على الفلاح بفرصة وتعجّل

نكت الدعيّ ابن البغي ضواحكا *** هي للنبيّ الخير خيرُ مقبّل

تمضي بنو هند سيوف الهند في *** أوداج أولاد النبيّ وتعتلي

ناحت ملائكة السماء عليهم *** وبكوا وقد سقّوا كؤوس الذبّل

فأرى البكاء مدى الزمان محللا *** والضحك بعد السبط غير محلّل

قد قلت للأحزان : دومي هكذا *** وتنزّلي بالقلب لا تترحّلي

يا شيعة الهادينَ لا تتأسّفي *** وثقي بحبل اللّه لا تتعجلي

فعداً ترون الناصبين ودارهم *** قعر الجحيم من الطباق الأسفل

وتنعمون مع النبي وآله *** في جنة الفردوس أكرم موئل

هذي القلائد كالخرائد تجتلى *** في وصف علياء النبي وفي علي

لقريحةٍ عدليّةٍ شيعيةٍ *** أزرت بشعر مزرّد ومهلهل

ما شاقها لما أقمت وزانها *** أن لم تكن للأعشيين وجرول

رام ابن عبادٍ بها قربًي الى *** ساداته فأتت بحسن مكمل

ما ينكر المعنى الذي قصدت له *** إلا الذي وافى لعدة أفحل

وعليك يا مكيّ حسنُ نشيدها *** حتى تحوزَ كمالَ عيش مقبل (1)

ص: 137


1- عن ديوان الصاحب بن عباد ص 85.

وقال رحمه اللّه :

ما بال عَلوى لا ترد جوابي *** هذا وما ودعت شرخ شبابي

أتظن أثواب الشباب بلمتي *** دَورَ الخضابِ فما عرفت خضابي

أوَ لَمّ ترَ الدنيا تطيع أوامري *** والدهر يلزمُ - كيف شئت - جنابي

والعيش غَض والمسارح جمّة *** والهمّ اقسم لا يَطور ببابي

وولاء آل محمد قد خيرَ لي *** والعدل والتوحيد قد سعدا بي

من بعد ما استدّت مطالب طالب *** باب الرشاد الى هدىً وصواب

عاودت عرصة أصبهان وجهلُها *** ثبت القواعد محكمُ الأطناب

والجبر والتشبيه قد جثما بها *** والدين فيها مذهب النصّاب

فكففتهم دهراً وقد فقّهتهم *** الا أراذل من ذوي الأذناب

ورويتُ من فضل النبيّ وآله *** ما لا يبقي شبهة المرتاب

وذكرت ما خصّ النبي بفضله *** من مفخر الاعمال والانساب

وذر الذي كانت تعرف داءه *** انّ الشفاء له استماع خطابي

يا آل احمد انتم حرزي الذي *** أمِنَت به نفسي من الأوصاب

أُسعدت بالدنيا وقد واليتكم *** وكذا يكون مع السعود مأبي

انتم سراج اللّه في ظلم الدجى *** وحسامه في كل يوم ضراب

ونجومه الزهر التي تهدي الورى *** وليوثه إن غابَ ليثُ الغابِ

لا يرتجى دين خلا من حبّكم *** هل يرتجى مَطُر بغير سحاب

أنتم يمين اللّه في أمصاره *** لو يعرف النصّاب رجع جواب

تركوا الشراب وقد شكوا غلل الصدى *** وتعلّلوا جهلا بلمع سراب

لم يعلموا أن الهوى يهوي بمن *** ترك العقيدة ربة الانساب

لم يعلموا أن الوصيّ هو الذي *** غَلَبَ الخضارم كلّ يوم غلاب

لم يعلموا أن الوصيّ هو الذي *** آخى النبي اخوّة الانجاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** سبق الجميع بسنّةٍ وكتاب

ص: 138

لم يعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي *** لم يرضَ بالاصنام والانصاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** آتى الزكاة وكان في المحراب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** حَكمَ الغدير له على الأصحاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** قد سام أهل الشرك سوم عذاب

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** أزرى ببدر كل أصيد آبي

لم يعلموا أن الوصي هو الذي *** ترك الضلال مغلّل الأنياب

ما لي أقصّ فضائل البحر الذي *** علياه تسبقُ عدّ كلّ حساب

لكنّني متروّح بيسير ما *** أُبديه أرجو أن يزيدَ ثوابي

وأريد اكمادَ النواصب كلّما *** سمعوا كلامي وهو صوت رباب

يحلو اذا الشيعيّ ردّد ذكره *** لكن على النصّاب مثل الصاب

مدح كأيام الشباب جعلتها *** دأبي وهُنّ عقائد الآداب

حُبّي أمير المؤمنين ديانة *** ظهرت عليه سرائري وثيابي

أدّت اليه بصائر أعملتها *** اعمال مرضيّ اليقين عقابي

لم يعبث التقليد بي ومحبتي *** لعمارة الأسلاف والأحساب

يا كفؤ بنت محمد لولاك ما *** زفّت الى بشرٍ مدى الأحقاب

يا أصل عترة احمدٍ لولاك لم *** يك أحمد المبعوث ذا أعقاب

وأفئت بالحسنين خير ولادة *** قد ضمنت بحقائق الأنجاب

كان النبي مدينة العلم التي *** حوت الكمال وكنت أفضل باب

ردّت عليك الشمس وهي فضيلة *** بَهَرت فلم تستر بلفّ نقاب

لم أحك إلا ما روته نواصب *** عادتك وهي مباحة الأسلاب

عوملتَ يا صنو النبي وتلوه *** بأوابد جاءت بكل عجاب

عوهدتَ ثم نكثت وانفرد الألى *** نكصوا بحربهم على الأعقاب

حوربتَ ثم قتلتَ ثم لعنت يا *** بعداً لأجمعهم وطول تَباب

أيشك في لعني أمية إنها *** نفرت على الاصرار والاضباب (1)

ص: 139


1- وفي نسخة : جارت على الاحرار والاطياب.

قد لقبوكَ يا أبا ترابٍ بعدما *** باعوا شريعتهم بكفّ تراب

قتلوا الحسين فيا لعولي بعده *** ولطول نوحي أو أصير لما بي

وهم الألى منعوه بلّة غُلةٍ *** والحتف يخطبه مع الخطّاب

أودى به وباخوةٍ غُرّ غدت *** أرواحهم شَوراً بكفّ نهاب

وسبوا بنات محمد فكأنهم *** طلبوا دخول الفتح والأحزاب

رفقا ففي يوم القيامة غنية *** والنار باطشة بسوط عقاب

ومحمد ووصيّه وابناه قد *** نهضوا بحكمِ القاهر الغلاب

فهناك عضّ الظالمون أكفّهم *** والنار تلقاهم بغير حجاب

ما كفّ طبعي عن إطالة هذه *** مَلَل ولا عجز عن الاسهاب

كلا ولا لقصور علياكم عن الا *** كثارِ والتطويل والاطناب

لكن خشيت على الرواة سأمةً *** فقصدت ايجازاً على اهذاب

كم سامع هذا سليم عقيدة *** صدق التشيع من ذوي الألباب

يدعو لقائلها بأخلص نيّة *** متخشّعا للواحد الوهّاب

ومناصب فارت مراجل غيظه *** حنقاً عليّ ولا يطيق معابي

ومقابل ليَ بالجميل تصنّعا *** وفؤاده كره على ظَبظاب

انّ ابن عبّادٍ بآل محمد *** يرجو (1) برغم الناصب الكذّاب

فاليك يا كوفيّ أنشِد هذه *** مثلَ الشباب وجودَةِ الأحباب (2)

وقال :

بلغت نفسي مناها *** بالموالي آل طه

برسول اللّه من حا *** ز المعالي وحواها

وأخيه خير نفس *** شرّف اللّه بناها

ص: 140


1- لعله : يزجو او ينجو.
2- عن الديوان.

وببنتِ المصطفى مَن *** أشبهت فضلا أباها

وبحب الحسن البا *** لغِ في العليا مداها

والحسين المرتضى يو *** م المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجمٍ *** قد تعالى وتناهى

عترة أصبحت الدّن- *** -يا جميعا في ذراها

لا تُغرّوا حين صارت *** باغتصاب لعداها

أيها الحاسد تعسا *** لك إذ رمت قلاها

هل سناً مثل سناها *** هل عُلا مثل علاها

أو ليست صفوة اللّ- *** -ه على الخلق اصطفاها

وبراها إذ براها *** وعلى النجم ثراها

شجرات العلم طوبى *** للذي نال جناها

أيها الناصب سمعا *** أخذ القوس فتاها

استمع غرّ معال *** في قريضي مجتلاها

مَن كمولاي عليٍ *** في الوغى يحمي لظاها

وخُصى الأبطال قد لا *** صقن للخوف كلاها

مَن يصيد الصيد فيها *** بالظبي حين انتضاها

انتضاها ثم أمضا *** ها عليهم فارتضاها

من له في كل يوم *** وقفات لا تضاهى

كم وكم حرب عقام *** قد بالصمصام فاها

يا عذوليّ عليه *** رمتما مني سفاها

اذكرا أفعال بدر *** لست أبغي ما سواها

اذكرا غزوة أحد *** انه شمس ضحاها

[ اذكرا حرب حنينٍ *** انه بدر دجاها ]

اذكرا الأحزاب تعلم *** انه ليث شراها

اذكرا مهجة عمرو *** كيف أفناها تجاها

ص: 141

اذكرا أمر براة (1) *** واصدقاني من تلاها

اذكرا من زوج الزه- *** -راء كيما يتباهى

اذكرا لي بكرة الطي- *** -ر فقد طار سناها

اذكرا لي قلل العل- *** -م ومن حل ذراها

كم امور ذكراها *** وأمور نسياها

حاله حالة هارو *** ن لموسى فافهماها

ذكره في كتب الل- *** -ه دراها من دراها

أمّتا موسى وعيسى *** قد بلته فاسألاها

أعلى حب علي *** لامني القوم سفاها

لم يلج اذ انهم شع- *** -ريَ لا صمّ صداها (2)

أهملوا قرباه جهلا *** وتخطوا مقتضاها

نكثوه بعد أيما *** نٍ أغاروا من قواها

لعنوه لعنات *** لزمتهم بعراها

ومشوا في يوم خمٍ *** لا جلا اللّه عشاها

طلبوا الدنيا وقد أع- *** -رضَ عنها وجفاها

وهو لولا الدين لم يأ *** سف على مَن قد نفاها

واحتمى عنها ولو قد *** قام كلبُ فأدعاها

يا قسيم النار والجن- *** -ة لا تخشى اشتباها

ردّت الشمس عليه *** بعد ما فات سناها

وله كأس رسول ال- *** -له من شاء سقاها

أول الناس صلاة *** جعل التقوى حلاها

عرفَ التأويل لمّا *** أن جهلتم ما « طحاها »

ص: 142


1- براة : اي براءة. ويعني بها سورة براءة ، ولعل الأصوب ( براء ).
2- لعل المقصود : يا صم صداها.

ليس يحصى مأثرات *** قد حماها واعتماها

غير مَن [ قد ] وطأ الأر *** ض و [ من ] أحصى حصاها

ناجزته عصب البغ- *** -ي بأنواع بلاها

قتلته ثم لم تق- *** -نع بما كان شقاها

فتصدّت لبنيه *** بظباها ومداها

أردت الأكبَرَ بالسم *** وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسينا *** وغزته وغزاها

وهي دنياً ليس تصفو *** لابن دينٍ مَشرعاها

ناوشته عطّشته *** جرأةً في ملتقاها

منعته شربةً والط- *** -ير قد أروت صداها

وأفاتت نفسه يا *** ليت روحي قد فداها

بنته تدعو أباها *** أخته تبكي أخاها

لو رأى أحمد ما كا *** ن دهاه ودهاها

ورأى زينب ولهى *** ورأى شمرا سباها

لشكا الحال الى الل- *** -ه وقد كان شكاها

والى اللّه سيأتي *** وهو أولى من جزاها

لعن اللّه ابن حربٍ *** لعنةً تكوي الجباها

أيها الشيعة لا أع- *** -ني بقولي مَن عداها

كنت في حالِ شكاةٍ *** أزعجتني بأذاها

كأس حمّاها سقتني *** عن حميّاها حماها

فتشفّيت بهذا ال- *** -مدحِ في الوقت ابتداها

فوحق اللّه انّ اللّه *** لم يثبت أذاها

وكفى نتفسي - لمّا *** تمّ شعري - ما عراها

أحمد اللّه كثيرا *** عزّ ذو العرش آلها

ثم ساداتي فإن ال- *** -قول يُلقى في ذراها

ص: 143

أيها الكوفيّ أنشد *** هذه واحلل حُباها

وابن عبّاد أبوها *** وإليه منتماها

طلب الجنة فيها *** لم يرد مالاً وجاها (1)

الصاحب بن عباد :

ما لعلي أشباه *** لا والذي لا اله الا هو

مبناه مبنى النبي تعرفه *** وأبناه عند التفاخر ابناه

لو طلب النجم ذات أخمصه *** علاه والفرقدان نعلاه

أما عرفتم سموّ منزله *** أما عرفتم عُلوّ مثواه

أما رأيتم محمدا حدبا *** عليه قد حاطه وربّاه

واختصه يافعا وآثره *** وأعتامه مخلصا وآخاه

زوّجه بضعة النبوة إذ *** رآه خير امرئ والقاه

يا بأبي السيد الحسين وقد *** جاهد في الدين يوم بلواه

يا بأبي أهله وقد قتلوا *** من حوله والعيون ترعاه

يا قبّح اللّه أمة خذلت *** سيّدها لا تريد مرضاه

يا لعن اللّه جيفة نجساً *** يقرع من بغضه ثناياه (2)

وقال الصاحب - كما في المناقب :

برئت من الارجاس رهط أمية *** لما صح عندي من قبيح غذائهم

ولعنتهم خير الوصيين جهرة *** لكفرهم المعدود في شر دائهم

وقتلهم السادات من آل هاشم *** وسبيهم عن جرأة لنسائهم

وذبحهم خير الرجال أرومة *** حسين العلى بالكرب في كربلائهم

ص: 144


1- عن الديوان.
2- عن اعيان الشيعة.

وتشتيتهم شمل النبي محمد *** لما ورثوا من بغضهم في فنائهم

وما غضبت إلا لأصنامها التي *** أديلت وهم أنصارها لشقائهم

أيا رب جنبني المكاره وأعف عن *** ذنوبي لما أخلصته من ولائهم

أيا رب أعدائي كثير فردّهم *** بغيظهم لا يظفروا بابتغائهم

أيا رب مَن كان النبي وآله *** وسائله لم يخش من غلوائهم

حسين توسل لي إلى اللّه إنني *** بليت بهم فادفع عظيم بلائهم

فكم قد دعوني رافضيا لحبكم *** فلم يثنني عنكم طويل عوائهم (1)

الصاحب بن عباد :

أبو القاسم كافي الكفاة اسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن حمد بن ادريس الديلمي الاصفهاني القزويني الطالقاني وزير مؤيد الدولة ثم فخر الدولة وأحد كتاب الدنيا الأربعة وقيل فيه والقائل أبو سعيد الرستمي.

ورث الوزارة كابراً عن كابر *** موصولة الأسناد بالاسناد

يروي عن العباس عبّاد وزا *** رته وإسماعيل عن عباد

ولد لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة 326 باصطخر فارس وتوفي ليلة الجمعة 24 من صفر سنة 385 بالري هكذا أرخ مولده ابن خلكان وياقوت في معجم الأدباء وشيّع في موكب مهيب مشى فيه فخر الدولة والقواد وحمل الى اصبهان ودفن هناك.

ولي الوزارة ثماني عشرة سنة وشهرا. عده ابن شهر اشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وله عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول اللّه وقد نقش على خاتمه.

ص: 145


1- عن أعيان الشيعة ج 11 ص 465.

شفيع اسماعيل في الآخرة *** محمد والعترة الطاهرة

وقال : انا وجميع مَن فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب

وجاء في روضات الجنات أن أمويا وفد على الصاحب ورفع اليه رقعة فيها :

أيا صاحب الدنيا ويا ملك الارض *** أتاك كريم الناس في الطول والعرض

له نسب من آل حرب مؤثل *** مرائره لا تستميل الى النقض

فزوّده بالجدوى ودثّره بالعطا *** لتقضي حق الدين والشرف المحض

فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها :

أنا رجل يرمونني الناس بالرفض *** فلا عاش حر بيّ يدب على الأرض

ذروني وآل المصطفى خيره الورى *** فإنّ لهم حبي كما لكم بغضي

ولو أن عضوي مال عن آل أحمد *** لشاهدت بعضي قد تبرأ من بعضي

ومن شعره في الأمام أمير المؤمنين علیه السلام :

أبا حسن لوكان حُبّك مدخلي *** جهنم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار مَن هو موقن *** بأنك مولاه وأنت قسيمها

ومن شعره :

مواهب اللّه عندي جاوزت أملي *** وليس يبلغها قولي ولا عملي

لكنّ أشرفها عندي وأفضلها *** ولايتي لأمير المؤمنين علي

وألف الثعالبي ( يتيمة الدهر ) بأسمه لذاك تجد جل ما فيها مدحا له. كانت داره لا تخلو في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الافطار على مائدته.

ص: 146

ورثاه السيد الرضي بقصيدة لم يسمع اذن الزمان بمثلها وأولها :

أكذا المنون يقطر الابطالا *** أكذا الزمان يضعضع الاجبالا

قال ياقوت الحموي : مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين. وقال ابن خلكان :

كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائلة ومكارمه وكرمه وكتب عنه الكتاب وألفوا فيه واخيرا كتب العلامة البحاثة الشيخ محمد حسن ياسين عنه ثم جمع ديوانه ونشر بعض رسائله فأفاد وأجاد. ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الادب من ذكر أحوال الصاحب بن عباد. ورثاه ابو سعيد الرستمى بقوله :

أبعدا بن عباد يهشّ الى السرى *** أخو أمل أو يسمّاح جواد

أبى اللّه إلا أن يموتا بموته *** فما لهما حتى المعاد معاد

ومن شعر الصاحب في ذلك قوله :

وكم شامت بي بعد موتي جاهلا *** يظل يسل السيف بعد وفاتي

ولو علم المسكين ماذا يناله *** من الظلم بعدي مات قبل مماتي

لم يكن للصاحب من الأولاد غير بنت ، زوّجها من الشريف ابي الحسين علي بن الحسين الحسني ، قال الداودي صاحب ( العمدة ) : صاهر الصاحب كافي الكفاة ، ابا الحسن علي بن الحسين الاطرش الرئيس بهمدان - من أهل العلم والفضل والأدب - على ابنته ، ينتهي نسبه الى الحسن السبط علیه السلام ، وكان الصاحب يفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها ، ولما ولدت ابنة الصاحب من ابي الحسين ابنه عبادا ووصلت البشارة الى الصاحب قال :

أحمد اللّه لبشر *** جاءنا عند العشيّ

إذ حباني اللّه سبطا *** هو سبط للنبيّ

مرحباً ثَمت أهلا *** بغلام هاشميّ

ص: 147

وقال في ذلك قصيدة أولها :

الحمد لله حمدا دائما أبدا *** قد صار سبط رسول اللّه لي ولدا

وكان الصاحب على تعاظمه وعلوّ مكانه سهل الجانب لأخوانه ، فانه كان يقول لجلسائه : نحن بالنهار سلطان وبالليل اخوان.

وقال ابو منصور البيع : دخلت يوما على الصاحب فطاولته الحديث فلما ادرت القيام قلت : لعلي طوّلت. فقال : لا بل تطوّلت.

وقال العتبي : كتب بعض اصحاب الصاحب رقعة اليه في حاجة ، فوّقع فيها ولما ردت اليهم لم يجد وافيها توقيعا. وقد تواترت الاخبار بوقوع التوقيع فيها ، فعرضوها على ابي العباس الضبي فما زال يتصفحها حتى عثر بالتوقيق ، وهو ألف واحدة. وكان في الرقعة : فان رأى مولانا أن ينعم بكذا. فعل. فأثبت الصاحب أمام كلمة : فعل ( الفاً ) يعني : أفعل.

وفي كتاب خاص الخاص للثعالبي تحت عنوان : فيما يقارب الاعجاز من إيجاز البلغاء ، قول الصاحب بن عباد في وصف الحر : وجدتُ حراً يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضب وجاء في يتيمة الدهر ان الضرابين رفعوا الى الصاحب قصة في ظلامة وقد كتبوا تحتها : الضرابون. فوّقع تحتها : في حديد بارد. ودخل عليه رجل لا يعرفه ، فقال له الصاحب : أبو مَن : فأنشد الرجل :

وتتفق الاسماء في اللفظ والكنى *** كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق

فقال له : اجلس أبا القاسم.

قال جرجي زيدان في تاريخ اداب اللغة العربية :

هو ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني كان اديبا منشئاً وعالما في اللغة وغيرها وهو اول من لقب بالصاحب من الوزراء لانه كان

ص: 148

يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد ، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علما عليه. وقد وزّر اولاً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بعد ابن العميد. فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه اخوه فخر الدولة فاقرّ الصاحب على وزارته وكان مبجلا عنده نافذ الأمر وكان مجلسه محط الشعراء والأدباء يمدحونه أو يتنافسون أو يتقاضون بين يديه.

وذاعت شهرته في ذلك العصر حتى اصبح موضوع إعجاب القوم يتسابقون الى اطرائه ونظمت القصائد في مدحه :

وله من التصانيف : المحيط باللغة سبع مجلدات رتبه على حروف المعجم والكافي بالرسائل وجمهرة الجمرة وكتاب الاعياد ، وكتاب الامامة ، وكتاب الوزراء وكتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي ، وكتاب الأسماء الحسنى وكان ذا مكتبة لا نظير لها.

وقال ابن خلكان :

ابو القاسم اسماعيل بن ابي الحسن عباد ، بن العباس ، بن عباد بن أحمد ابن ادريس الطالقاني :

كان نادرة الدهر واعجوبة العصر في فضائله ، ومكارمه وكرمه ، اخذ الأدب عن ابي الحسين ، احمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة ، واخذ عن ابي الفضل بن العميد وغيرهما ، وقال ابو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة في حقه : ليست تحضرني عباة ارضاها للافصاح عن علوّ محله في العلم والأدب ، وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرّده بالغايات في المحاسن وجمعه اشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه ، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه ، ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من احواله :

وقال ابو بكر الخوارزمي في حقه : الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها.

ص: 149

ودبّ ودرج من وكرها ، ورضع أفاويق درّها وورثها عن آبائه وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل ابن العميد ، فقيل له : صاحب ابن العميد ، ثم اطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة ، وبقي علماً عليه.

ومن شعره في رقة الخمر :

رقّ الزجاج وراقت الخمر *** فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنما خمرٌ ولا قدح *** وكأنما قدح ولا خمر

وله يرثي كثير بن أحمد الوزير ، وكنيته ابو علي :

يقولون لي أودى كثير بن أحمد *** وذلك رزء في الأنام جليل

فقلت دعوني والعُلا نبكه معاً *** فمثل كثير في الرجال قليل

وقوله :

وقائلة لِم عرتك الهموم *** وأمرك ممتثل في الأمم

فقلت دعيني على حيرتي *** فإن الهموم بقدر الهمم

والصاحب مجيد في شعره كما هو بارع في نثره ، وقلّما يكون الكاتب جيد الشعر ولكن الصاحب جمع بينهما. ومن قوله في منجم

خوّفني منجم أخو خبل *** تراجع المريخ في برج الحمل

فقلت دعني من أباطيل الحيل *** فالمشتري عندي سواء وزحل

ودفع عني كل آفات الدول *** بخالقي ورازقي عز وجل

وذكر صاحب البغية أنه كان في الصغر إذا أراد المضي الى المسجد ليقرأ تعطيه والدته دينارا في كل يوم ودرهما وتقول له : تصدّق بهذا على أول فقير تلقاه ، فكان هذا دأبه في شبابه الى أن كبر وصار يقول للفرّاش كل ليلة :

ص: 150

اطرح تحت المطرح ديناراً ودرهماً ، لئلا ينساه ، فبقي على هذا مدة. ثم أن الفرّاش نسي ليلة من الليالي ان يطرح له الدرهم والدينار. فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدرهم والدينار ففقدهما فتطيّر من ذلك ، فقال للفراشين : خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه ، فخرجوا وإذا بهاشمي أعمى تقوده زوجته ، فقالوا هلمّ لتأخذ مطرح ديباج ومخاد ديباج ، فأغمي عليه. فأعلموا الصاحب بأمره ، فأحضره ورشّ عليه الماء ، فلما أفاق سأله عن أمره ، فقال : سلوا هذه المرأة إن لم تصدقوني ، فقالوا له : اشرح فقال : انا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه ، ولي سنتين آخذ ما يفضل عن قوتنا واشتري جهازا لها فقالت أمها : اشتهيت لها مطرح ديباج ، فقلت لها : من أين لي ذلك. وجرى بيني وبينها نزاع حتى خرجت على وجهي. فلما قال لي هؤلاء هذا الكلام حقّ لي أن يغمى عليّ. فقال الصاحب لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به ، ثم اشترى له جهازا ثمينا واحضر الزوج ودفع له بضاعة سنية ليعمل ويربح.

ص: 151

محمد بن هاشم الخالدي

اشارة

أظلم في كربلاء يومهم *** ثم تجلى وهم ذبائحه

لا برح الغيث كل شارقة *** تخمي غواديه أو روائحه

على ثرى حلّه غريب رسول *** اللّه مجروحة جوارحه

ذلّ حماه وقلّ ناصره *** ونال أقصى مناه كاشحه

يا شيع الغي والضلال ومَن *** كلّهم جمة فضائحه

عفرتم بالثرى جبين فتى *** جبريل بعد الرسول ماسحه

يُطّل ما بينكم دم ابن رسول *** اللّه وابن السفاح سافحه

سيان عند الإله كلّكم *** خاذله منكم وذابحه (1)

ص: 152


1- رواها السيد الامين في الاعيان عن يتيمة الدهر للثعالبي ص 170 أقول وقد تقدمت هذه الأبيات في ترجمة كشاجم من جملة قصيدة ، والشاعران في عصر واحد. وربما نظم أحدهما قطعة وجاراه الآخر فنظم على القافية فكانتا قصيدة واحدة.

أبو بكر محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي الكبير أحد الخالديين والآخر اخوه ابو عثمان سعيد.

توفي حدود 386 في حلب.

والخالدي نسبة الى الخالدية من قرى الموصل ، له ديوان المراثي وشارك أخاه الخالدي الصغير أبا عثمان سعيد في ديوانه وقيل انه شاركه في كتاب الحماسة.

ومدح الخالديان الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي الزبيدي فابطأت عنهما جائزته فأرسلا اليه قصيدة - وكان قد أراد السفر :

قل للشريف المستجار به *** اذا عدم المطر

وابن الأئمة من قريش *** والميامين الغرر

أقسمت بالرحمن و *** النعم المضاعف والوتر

لئن الشريف مضى ولم *** ينعم لعبديه النظر

لنشاركن بني أمية *** في الضلال المشتهر

ونقول لم يغصب أبو *** بكر ولم يظلم عمر

ونرى معاوية إماما *** مَن يخالفه كفر

ونقول إن يزيد ما *** قتل الحسين ولا أمر

ونعد طلحة والزبير *** من الميامين الغرر

ويكون في عنق الشريف *** دخول عبديه سقر

ص: 153

فضحك الشريف لهما وأنجز جائزتهما.

ومن شعره ما رواه النويري في نهاية الأرب :

ان خانك الدهر فكن عائذاً *** بالبيد والظلماء والعيس

ولا تكن عبد المنى فالمُنى *** رؤوس أموال المفاليس

وقال أيضا :

وأخٍ رخصتُ عليه حتى ملّني *** والشيء مملول اذا ما يرخصُ

ما في زمانك ما يعزّ وجوده *** إن رمته إلا صديق مخلص

ص: 154

الحسين بن الحجّاج

اشارة

أبا حوا دم المقتول بالطف بعدما *** سقوه كؤوس الموت بالبيض والاسل

وتاللّه ما أنساه بالطف صائلا *** كما الليث في سرب النعاج اذا حمل

يُنهنه عنه القوم يُمناً ويسرة *** ويصبر للحرب الشنيع اذا اشتعل

فلهفي لمن كان النبي قلوصه *** فيا خير محمول ويا خير مَن حمل

يقبّل فاه مرةً بعد مرّة *** وينكته أهل البدائع والزلل

والقصيدة تربو على الستين بيتا. جاء في أولها :

دع المرهفات البيض والطعن بالاسل *** وسل عن دمي في مذهب الحب لِم يحِل

فما للصفاح المشرفيات والقنا *** فعال كفعل الاعين النجل والمقل

فما البيض إلا البيض يلمعن كالدُما *** ويشرقن كالاقمار في حلل الحلل

فخلّ حديث الطعن والضرب في الوغا *** فما لك فيها ناقة لا ولا جمل (1)

ص: 155


1- عن المجموع الرائق المخطوط للسيد احمد العطار ص 207.

الحسين بن الحجاج المتوفي سنة 391 :

ابو عبد اللّه الحسين بن احمد بن الحجاج النيلي البغدادي الامامي الكاتب الفاضل من شعراء أهل البيت ، كان فرد زمانه في وقته. يقال انه في الشعر في درجة امرئ القيس وانه لم يكن بينهما مثلهما. كان معاصرا للسيدين وله ديوان شعر كبير عدة مجلدات ، وجمع الشريف الرضي رحمه اللّه المختار من شعره سماه ( الحسن من شعر الحسين ) وكان ذلك في حياة ابن الحجاج ، وفي أمل الأمل للحر العاملي قال : كان إمامي المذهب ويظهر من شعره أنه من اولاد الحجاج بن يوسف الثقفي وعدّه ابن خلكان وابو الفداء من كبّار الشيعة ، والحموي في معجم الأدباء يقول : من كبار شعراء الشيعة ، وآخر من فحول الكتّاب ، فالشعر كان أحد فنونه كما أن الكتابة إحدى محاسنه الجمّة وعدّه صاحب رياض العلماء من كبراء العلماء وكان ذا منصب خطير وهو توليه الحسبة ببغداد - والحسبة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ولا تكون إلا لوجيه البلد ولا يكون غير الحر العدل والمعروف بالرأي والصراحة الخشونة بذات اللّه ومعروفا بالديانة موصوفا بالصيانة بعيدا عن التهم ، وشاعرنا ابن الحجاج قد تولاها مرة بعد أخرى ، قالوا إنه تولى الحسبة مرتين ببغداد ، مرة على عهد الخليفة العباسي المقتدر باللّه ، واخرى أقامه عليها عز الدولة في وزارة ابن بقيّة الذي استوزره عز الدولة سنة 362 وتوفي سنة 367 والغالب على شعره الهزل والمجون ، وكان ذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير ، كما أن جلّ شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

ومن شعره قصيدته الغراء التي أنشدها في حرم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام وأولها :

يا صاحب القبّة البيضا على النجف *** مَن زار قبرك واستشفي لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم *** تحظون بالأجر والأقبال والزلف

ص: 156

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن *** يزره بالقبر ملهوفا لديه كُفي

إذا وصلت فأحرم قبل تدخله *** ملبيا واسع سعيا حوله وطُف

حتى إذا طفت سبعا حول قبته *** تأمّل الباب تِلقا وجهه فقف

وقل : سلام من اللّه السلام على *** أهل السلام وأهل العلم والشرف

إني أتيتك يا مولاي من بلدي *** مستمسكا من حبال الحق بالطرف

راج بأنك يا مولاي تشفع لي *** وتسقني من رحيق شافي اللّهف

لأنك العروة الوثقى فمن علقت *** بها يداه فلن يشقى ولم يخَف

وإن أسماءك الحسنى إذا تليت *** على مريض شفي من سقمه الدنف

لأن شأنك شأن غير منتقص *** وإن نورك نور غير منكسف

وإنك الآية الكبرى التي ظهرت *** للعارفين بأنواع من الطرف

هذي ملائكة الرحمن دائمة *** يهبطن نحوك بالألطاف والتحف

كالسطل والجام والمنديل جاء به *** جبريل لا أحد فيه بمختلف

كان النبي إذا استكفاك معضلة *** من الامور وقد أعيت لديه كُفي

وقصّة الطائر المشويّ عن أنسٍ *** تخبر بما نصّه المختار من شرف

والحب والقضب والزيتون حين أتوا *** تكرّماً من إله العرش ذي اللطف

والخيل راكعة في النقع ساجدة *** والمشرفيات قد ضجّت على الحجف

بعثت أغصان بانٍ في جموعهم *** فأصبحوا كرمادٍ غير منتسف

لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا *** أو شئت قلت لهم : يا أرض انخسفي

والموت طوعك والأرواح تملكها *** وقد حكمت فلم تظلم ولم تجف

لا قدّس اللّه قوما قال قائلهم : *** بخ بخ لك من فضل ومن شرف

وبايعوك « بخمٍّ » ثم أكّدها *** « محمد » بمقال منه غير خفي

عاقوك واطرّحوا قول النبي ولم *** يمنعهم قوله : هذا أخي خلَفي

هذا وليكم بعدي فمن علقت *** به يداه فلن يخشى ولم يخف

قال الشيخ الأميني سلمه اللّه ان السلطان عضد الدولة بن بويه لما بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل اعتابها واحسن الأدب فوقف

ص: 157

ابو عبد اللّه الحسين بن الحجاج بين يديه وأنشد هذه القصيدة فلما وصل منها الى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام علیه السلام فقطع عليه فانقطع فلمّا جنّ عليه الليل رأى إبن الحجّاج الإمام عليّا علیه السلام في المنام وهو يقول : لا ينكسر خاطرك فقد بعثتا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك ، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلی اللّه علیه و آله والأئمة صلوات اللّه عليهم حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال : يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا : بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد اللّه إبن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرّفه عنايتنا فيه وشفقتنا عليه ، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد اللّه فقرع عليه الباب فقال إبن الحجاج : سيدي الذي بعثك إليّ أمرني أن لا أخرج إليك ؛ وقال : إنه سيأتيك ، فقال : نعم سمعاً وطاعة لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به الى السلطا وقصا القصّة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة وأمر بأنشاد قصيدته.

وله من قصيدة ردّ بها على قصيدة ابن سكرة محمد بن عبد اللّه بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي وقد تحامل بها على آل رسول اللّه (ص) فقال ابن الحجاج في الرد عليه.

لا أكذب اللّه إن الصدق ينجيني *** يد الامير بحمد اللّه تحييني

الى ان قال :

فما وجدت شفاءً تستفيد به *** إلا ابتغاءك تهجو آل ياسين

كافاك ربك إذ أجرتك قدرته *** بسبّ أهل العلا الغر الميامين

فقر وكفر هميع أنت بينهما *** حتى الممات بلا دنيا ولا دين

ص: 158

فكان قولك في الزهراء فاطمه *** قول امرئ لهج بالنصب مفتون

عيّرتها بالرحا والزاد تطحنه *** لا زال زادك حبّاً غير مطحون

وقلت : إن رسول اللّه زوّجها *** مسكينة بنت مسكين لمسكين

كذبت يابن التي باب إستها سلس الأ *** غلاق بالليل مفكوك الزرافين

ستّ النساء غداً في الحشر يخدمها *** أهل الجنان بحور الخرّد العين

فقلت : إن أمير المؤمنين بغى *** على معاوية في يوم صفين

وإن قتل الحسين السبط قام به *** في اللّه عزمٌ إمام غير موهون

فلا ابن مرجانة فيه بمحتقب *** إثمَ المسيء ولا شمرٌ بملعون

وإن أجر ابن سعدٍ فيه استباحته *** آل النبوة أجر غير ممنون

هذا وعدت الى عثمان تندبه *** بكل شعر ضعيف اللفظ ملحون

فصرت بالطعن من هذا الطريق الى *** ما ليس يخفى على البُله لمجانين

وقلت : أفضل من يوم « الغدير » إذا *** صحّت روايته يوم الشعانين

ويوم عيدك عاشورا تعدّ له *** ما يستعد النصارى للقرابين

تأتي بيوتكم فيه العجوز وهل *** ذكر العجوزو سوى وحي الشياطين

عاندت ربك مغتراً بنقمته *** وبأس ربك بأسٌ غير مأمون

فقال : كن أنت قرداً في استه ذنب *** وأمر ربك بين الكاف والنون

وقال : كن لي فتى تعلو مراتبه *** عند الملوك وفي دور السلاطين

واللّه قد مسخ الأدوار قبلك في *** زمان موسى وفي أيام هارون

بدون ذنبك فالحق عندهم بهم *** ودع لحاقك بي إن كنت تنويني

قلنا سابقا ان السيد الشريف الرضي قد جمع شعر ابن الحجاج ورتبه على الحروف فقال ابن الحجاج يشكر السيد - كما في الجزء الاخير من ديوانه - قوله :

أتعرف شعري الى مَن ضوي *** فأضحى على ملكه يحتوي

إلي البدر حسناً إلى سيدي *** الشريف أبي الحسن الموسوي

ص: 159

الى من أعوذّه كلّما *** تلقيته بالعزيز القوي

فتىً كنتُ مسخاً بشعري السخيف *** وقد ردّني فيه خلقاً سوي

تأملته وهو طوراً يصحّ *** وطوراً بصحّته يلتوي

فميّز معوجه والردي *** فيه من الجيّد المستوي

وصحّح أوزانه بالعروض *** وقرّر فيه حروف الروي

وأرشده لطريق السداد *** فأصلح شيطان شعري الغوي

وبيّن موقع كفّ الصناع *** في نسج ديباجه الخسروي

فأقسم باللّه والشيخ في *** اليمين على الحنث لا ينطوي

لو أن زرادشت أصغى له *** لأزرى على المنطق الفهلوي

وصادف زرع كلامي البليغ *** فيه شديد الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا *** وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيى وقلب الحسود *** بالغيظ من سيدي مكتوي

له كبدٌ فوق جمر الغضا *** على النار مطروحه تشتوي

لم يختلف اثنان في تاريخ وفاته وانها في جمادي الآخرة سنة 391 بالنيل وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة وحمل الى مشهد الامام موسى الكاظم علیه السلام ودفن فيه ، وكان أوصى أن يدفن هناك بحذاء رجلي الامام (عليه السلام) ويُكتب على قبره ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه ومنها :

نعَوه على حُسن ظني به *** فلله ماذا نعى الناعيان

رضيع ولاءٍ له شعبة *** من القلب مثل رضيع اللبان

وما كنتُ احسب أن الزمان *** يفلّ بضارب ذاك اللسان

ليبكِ الزمان طويلا عليك *** فقد كنتَ خفَة روح الزمان

وبرهن الشيخ الاميني أن الرجل عمّر عمراً طويلا تجاوز المائة سنة رحمه اللّه وأجزل ثوابه.

ص: 160

علي بن حماد العبدي

اشارة

لله ما صنعت فينا يد البينِ *** كم من حشاً أقرحت منا ومن عينِ

مالي وللبين؟ لا أهلاً بطلعته *** كم فرّق البين قدماً بين إلفينِ؟!

كانا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما *** ماء النعيم وفي التشبيه شكلين

كأنّ روحيهما من حسن إلفهما *** روح وقد قسّمت ما بين جسمين

لا عذل بينهما في حفظ عهدهما *** ولا يزيلهما لوم العذولين

لا يطمع الدهر في تغيير ودّهما *** ولا يميلان من عهدٍ إلى مَينِ

حتى إذا أبصرت عين النوى بهما *** خِلّين في العيش من هم خليّين

رماهما حسدا منه بداهيةٍ *** فأصبحا بعد جمع الشمل ضدّين

في الشرق هذا وذا في الغرب منتئياً *** مشرّدين على بُعد شجّيين

والدهر أحسد شيء للقريبين *** يرمي وصالهما بالبعد والبين

لا تأمن الدهر إن الدهر ذو غيرٍ *** وذو لسانين في الدنيا ووجهين

أخنى على عترة الهادي فشتّتهم *** فما ترى جامعا منهم بشخصين

كأنّما الدهر آلا أن يبدّدهم *** كعاتب ذي عناد أو كذي دين

بعض بطيبة مدفون وبعضهم *** بكربلاء وبعض بالغريّين

وأرض طوس وسامرّا وقد ضمنت *** بغداد بدرين حلا وسط قبرين

يا سادتي ألمن أبكي أسىً؟! ولمن *** أبكي بحفنين من عيني قريحين؟!

ص: 161

أبكي على الحسن المسموم مضطهدا؟! *** أم الحسين لقى بين الخميسين؟

أبكي عليه خضيب الشيب من دمه *** معفّر الخد محزوز الوريدين

وزينب في بنات الطهر لاطمة *** والدمع في خدّها قد خدّ خدّين

تدعوه : يا واحدا قد كنت أمله *** حتى استبدّت به دوني يد البين

لاعشت بعدك ما إن عشت لانعمت *** روحي ولا طعمت طعم الكرا ، عيني

أنظر إليّ أخي قبل الفراق لقد *** أذكا فراقك في قلبي حريقين

أنظر الى فاطم الصغرى أخي تَرها *** لليُتم والسبي قد خصّت بذلّين

اذا دنت منك ظل الرجس يضربها *** فتلتقي الضرب منها بالذراعين

وتستغيث وتدعو : عمّتا تلفت *** روحي لرزئين في قلبي عظيمين

ضرب على الجسد البالي وفي كبدي *** للثكل ضرب فما اقوى لضربين

أنظر علياً أسيرا لا نصير له *** قد قيّدوه على رغم بقيدين

وارحمتا يا أخي من بعد فقدك بل *** وارحمتا للأسيرين اليتيمين

والسبط في غمرات الموت مُشتغل *** ببسط كفّين أو تقبيض رجلين

لا زلت أبكي دماً ينهلّ منسجماً *** للسيّدين القتيلين الشهيدين

ألسيّدين الشريفين اللذين هما *** خير الورى من أب مجد وجدّين

ألضارعين الى اللّه المنيبين *** ألمسرعين الى الحق الشفيعين

ألعالمين بذي العرش الحكيمين *** ألعادلين ألحليمين الرشيدين

ألصابرين على البلوى الشكورين *** ألمعرضين عن الدنيا المنيبين

ألشاهدين على الخلق الإمامين *** ألصادقين عن اللّه الوفيّين

ألعابدين التقيّين الزكيّين *** ألمؤمنين الشجاعين الجريّين

ألحجّتين على الخلق الأميرين *** ألطيّبين الطهورين الزكيّين

نورين كانا قديما في الظلال كما *** قال النبي لعرش اللّه قرطين

تفّاحتي احمد الهادي وقد جعل *** لفاطم وعليّ الطهر نسلين

صلى الإله على روحيهما وسقا *** قبريهما ابداً نوء السماكين

ص: 162

الى ان يقول فيها :

ما لابن حمّادٍ العبديّ من عمل *** إلا تمسّكه بالميم والعين

فالميم غاية آمالي محمّدها *** والعين أعني عليّا قرة العين

صلى الإله عليهم كلما طلعت *** شمس وما غربت عند العشائين (1)

ولأبن حماد :

حيّ قبرا بكربلا مُستنيرا *** ضمّ كنز التقى وعلما خطيرا

وأقم مأتم الشهيد وأذرف *** منك دمعا في الوجنتين غزيرا

والتثم تربة الحسين بشجوٍ *** وأطل بعد لثمك التعفيرا

ثم قل : يا ضريح مولاي سُقيّ- *** -ت من الغيث هاميا جمهريرا

ته على ساير القبور فقد أص- *** -بحت بالتيه والفخار جديرا

فيك ريحانة النبي ومن حل *** من المصطفى محلا أثيرا

فيك يا قبر كل حلم وعلم *** وحقيق بأن تكون فخورا

فيك مَن هدّ قتله عمد الدين *** وقد كان بالهدى معمورا

فيك من كان جبرئيل يُناغيه *** وميكال بالحباء صغيرا

فيك مَن لاذ فطرس فترقّى *** بجناحي رضى وكان حسيرا

يوم سارت له جيوش ابن هند *** لذحول أمست تحل الصدورا

آه واحسرتي له وهو بالسيف *** نحير أفديت ذاك النحيرا

آه إذ ظل طرفه يرمق الفسطاط *** خوفا على النساء غيورا

آه إذ أقبل الجواد على النسوان *** ينعاه بالصهيل عفيرا

فتبادرون بالعويل وهتّكن *** الأقراط بارزات الشعورا

وتبادرن مسرعات من الحذر *** ومن قبلُ مُسبلات الستورا

ولطمن الخدود من ألم الثكل *** وغادرن بالنياح الخدورا

ص: 163


1- عن شعراء الغدير ج 4 ص 162.

وبدا صوتهنّ بين عداهنّ *** وعفن الحجاب والتخفيرا

بارزات الوجوه من بعدما غودرن *** صون الوجوه والتخفيرا

ثم لمّا رأين رأس حسين *** فوق رمح حكى الهلال المنيرا

صحن بالذل أيها الناس لم نُسبى *** ولم نأت في الأنام نكيرا؟!

ما لنا لا نرى لآل رسول اللّه *** فيكم يا هؤلاء نصيرا؟!

فعلى ظالميهم سخط اللّه *** ولعن يبقى ويفنى الدهورا

قل لمن لام في ودادي بني *** أحمد : لا زلت في لظى مدحورا

أعلى حب معشر أنت قد كنتَ *** عذولاً ولا تكون عذيرا

وأبوهم أقامه اللّه في « خُم » *** إماماً وهادياً وأميرا

حين قد بايعوه أمراً عن *** اللّه فسائل دوحاته والغديرا

وأبوهم أفضى النبي إليه *** علم ما كان أولاً وأخيرا

وأبوهم علا على العرش لمّا *** قد رقى كاهل النبي ظهيرا

وأماط الأصنام كلاً عن الكعبة *** لمّا هوى بها تكسيرا

قال : لو شئت ألمس النجم بالكف *** إذن كنت عند ذاك قديرا

وأبوهم ردّت له الشمس بيضاً *** وهي كادت لوقتها أن تغورا

وقضى فرضه أداءً وعادت *** لغروب وكوّرت تكويرا

وأبوهم يروي على الحوض مَن وا *** لاهم ويردّ عنه الكفورا

وأبوهم يقاسم النار والجنة *** في الحشر عادلا لن يجورا

فإذا اشتاقت الملائك زارته *** فناهيك زايرا ومزورا

وأبوهم قال النبي له قولاً *** بليغاً مكرّرا تكريرا

أنت خدني وصاحبي ووزيري *** بعد موتي أكرم بذاك وزيرا

أنت مني كمثل هرون من موسى *** لم اكن ابتغي سواه ظهيرا

وأبوهم أودى بعمرو بن ودّ *** حين لاقاه في العجاج أسيرا

وأبوهم لبابِ خيبر أضحى *** قالعا ليس عاجزا بل جسورا

حامل الراية التي ردّها بالأمس *** مَن لم يزل جبانا فرورا

ص: 164

خصّه ذو العلا بفاطمة عرساً *** وأعطاه شبرا وشبيرا

وهم باب ذي الجلال على آدم *** فارتد ذنبه مغفورا

وبهم قامت السماء ولولاهم *** لكادت بأهلها أن تمورا

وبهم باهل النبي فقل لي *** ألهم في الورى عرفت نظيرا؟!

فيهم أنزل المهيمن قرآنا *** عظيما وذاك جمّا خطيرا

في الطواسين والحواميم والرحمن *** آيا ما كان في الذكر زورا

وخلقناه نطفة نبتليه *** فجعلناه سامعا وبصيرا

لبيان إذا تأمله العارف *** يبدي له المقام الكبيرا

ثم تفسير هل أتى فيه يا صاح *** قل له إن كنت تفهم التفسيرا

إن الأبرار يشربون بكأس *** كان عندي مزاجها كافورا

فلهم أنشأ المهيمن عيناً *** فجّروها لديهم تفجيرا

وهداهم وقال : يوفون بالنذر *** فمن مثلهم يوفي النذورا؟!

ويخافون بعد ذلك يوماً *** شرّه كان في الورى مستطيرا

فوقاهم إلههم ذلك اليوم *** ويلقون نضرة وسرورا

وجزاهم بأنهم صبروا في السر *** والجهر جنةً وحريرا

فاتكوا من على الأرائك لا *** يلقون فيها شمسا ولا زمهريرا

وأوانٍ وقد أطيفت عليهم *** سلسبيل مقدّر تقديرا

وبأكواب فضّة وقوارير *** قدّروها عليهم تقديرا

وبكأس قد مازجت زنجبيلا *** لذّة الشاربين تشفي الصدورا

وإذا ما رأيت ثم نعيماً *** دائماً عندهم وملكاً كبيرا

وعليهم فيها ثياب من السندس *** خضر في الحشر تلمع نورا

ويحلّون بالأساور فيها *** وسقاهم ربي شراباً طهورا

وروى لي عبد العزيز الجلودي *** وقد كان صادقاً مبرورا

عن ثقاة الحديث أعنى العلائي *** هو أكرم بذا وذا مذكورا

يسندوه عن ابن عباس يوماً *** قال : كنا عند النبيّ حضورا

ص: 165

إذ أتته البتول فاطم تبكي *** وتوالي شهيقها والزفيرا

قال : ما لي أراك تبكين يا فاطم؟! *** قالت وأخفت التعبيرا

إجتمعن النساء نحوي واقبلن *** يطلن التقريع والتعييرا

قلن : إن النبي زوّجك اليوم *** عليّا بعلاً عديماً فقيرا

قال : يا فاطم اسمعي واشكري اللّه *** فقد نلتِ منه فضلاً كبيرا

لم ازوّجك دون إذنٍ من اللّه *** وما زال يحسن التدبيرا

أمر اللّه جبرئيل فنادى *** رافعاً في السماء صوتاً جهيرا

وأتاه الأملاك حتى إذا ما *** وردوا بيت ربّنا المعمورا

قام جبريل قائما يكثر التحميد *** لله جلّ والتكبيرا

ثم نادى : زوّجت فاطم يا رب *** عليّ الطهر الفتى المذكورا

قال رب العلا : جعلت لها المهر *** لها خالصاً يفوق المهورا

خمس أرضي لها ونهري وأو *** جبت على الخلق ودّها المحصورا

وروينا عن النبي حديثاً *** في البرايا مُصحّحاُ مأثورا

انه قال : بينما الناس في الجنّة *** إذ عاينوا ضياءً ونورا

كاد أن يخطف العيون فنادوا : *** أي شيء هذا؟ وأبدوا نكورا

أوَ ليس الإله قال لنا : لا *** شمس فيها ترى ولا زمهريرا

وإذا بالنداء : يا ساكن الجنة *** مهلاً أمنتم التغييرا

ذا عليّ الوليّ قد داعب الزّ *** هراء مولاتكم فأبدت سرورا

فبدا إذ تبسّمت ذلك النور *** فزيدوا إكرامه والحبورا

يا بني أحمد عليكم عمادي *** واتكالي إذا أردت النشورا

وبكم يسعد الموالي ويشقى *** من يعاديكم ويصلي سعيرا

أنتم لي غداً وللشيعة الأبرار *** ذخر أكرم به مذخورا

صاغ أبياتها عليّ بن حمّاد *** فزانت وحُبّرت تحبيرا

ص: 166

ابن حماد العبدي

اشارة

ابو الحسن علي بن حماد بن عبيد اللّه بن حماد العدوي العبدي البصري يستظهر الشيخ الأميني انه ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره.

كان حماد والد المترجم له أحد شعراء أهل البيت علیهم السلام كما ذكره ولده بقوله :

وإن العبد عبدكم عليا *** كذا حمّاد عبدكم الأديب

رثاكم والدي بالشعر قبلي *** وأوصاني به أن لا أغيب

والمترجم له علم من أعلام الشيعة وفذّ من علمائها وشعرائها ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه ، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله : قد رأيته.

قال الشيخ الأميني : جمع العلامة السماوي شعره في أهل البيت فكان يربو على 2200 بيتاً. ولم نقف على تاريخ ولادة ابن حماد ووفاته غير أن النجاشي الذي أدركه ورآه ولم يروِ عنه ولد في صفر سنة 372 وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفي 17 ذي الحجة سنة 332 فيستدعي التاريخان أن المترجم ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره ثم قال :

وقفنا لابن حماد على قصيدة في مجموعة عتيقة مخطوطة في العصور المتقادمة

ص: 167

وقد ذكر ابن شهر اشوب بعض ابياتها نسبة الى العبدي ( سفيان بن مصعب ) وتبعه البياضي في ( الصراط المستقيم ) وغيره. والقصيدة للمترجم له ، وقال القمي في الكنى : ابو الحسن علي بن عبيد اللّه بن حماد العدوي الشاعر البصري من اكابر علماء الشيعة وشعرائهم ومحدثيهم ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه ومن شعره في مدح امير المؤمنين علیه السلام قوله :

ورُدّت لك الشمس في بابل *** فساميت يوشع لما سَما

ويعقوب ما كان اسباطه *** كنجليك سبطي نبي الهدى

وقال ابن حماد العبدي :

أسايلتي عما ألاقي من الأسى *** سلي الليل عني هل أجن إذا جنّا

ليخبرك إني في فنونٍ من الجوى *** إذا ما انقضا فنّ يوكل لي فنّا

وإن قلت : إن الليل ليس بناطق *** قفي وانظري واستخبري الجسد المضنى

وإن كنت في شكٍ فديتك فاسئلي *** دموعي التي سالت وأقرحت الجفنا

أحبّتنا لو تعلمون بحالنا *** لما كانت اللذات تشغلكم عنّا

تشاغلتموا عنّا بصحبة غيرنا *** وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا

وآليتموا أن لا تخونوا عهودنا *** فقد وحياة الحب خنتم وما خنا

غدرتم ولم نغدر وخُنتم ولم نخن *** وحُلتم عن العهد القديم وما حُلنا

وقلتم ولو توفوا بصدق حديثكم *** ونحن على صدق الحديث الذي قلنا

أيهنا لكم طيب الكرى وجفوننا *** على الجمر؟! لا تهنا ولا بعدكم نمنا

أنخنا بمغناكم لتحي نفوسنا *** فما زادنا إلا جوىً ذلك المغنا

سنرحل عنكم إن كرهتم مقامنا *** ونصبر عنكم مثل ما صبركم عنا

ونأخذ مَن نهوى بديلاً سواكم *** ونجعل قطع الوصل منكم ولا منّا

تعالوا الى الانصاف فيما ادّعيتموا *** ولا تفر طوابل صححوا اللفظ والمعنى

أليتكم ناصفتمونا فريضة *** بأنّ لكم نصفاً وأنّ لنا ثُمنا

ص: 168

إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم *** وإن غربت جدّدت ذكركم حُزنا

وإني لأرثي للغريب وإنني *** غريب الهوى والقلب والدار والمغنى

لقد كان عيشي بالأحبّة صافياً *** وما كنت أدري أنّ صحبتنا تفنا

زمان نعُمنا فيه حتى إذا مضى *** بكينا على أيامه بدم أقنا

فواللّه ما زال اشتياقي اليكم *** ولا برح التسهيد لي بعدكم حفنا

ولا ذقت طعم الماء عذبا ولا صفت *** موارده حتى نعود كما كنا

ولا بارحتني لوعة الفكر والجوى *** ولا زلت طول الدهر مقترعا سنّا

وما رحلوا حتى استحلّوا نفوسنا *** كأنهم كانوا أحق بها منّا

ترى منجدي في أرض بغداد واهناً *** لزهدكم فينا وبُعدكم عنّا

أيزعم أن أسلوا؟! ويشغل خاطري *** بغيركم مستبدلا؟! بئس ما ظنّا

أيا ساكني نجدٍ سلامي عليكم *** ظننا بكم ظناً فاخلفتموا الظنا

أمثّل مولاي الحسين وصحبه *** كأنجم ليل بينها البدر أو أسنا

فلما راته أخته وبناته *** وشمر عليه بالمهنّد قد أحنى

تعلّقن بالشمر اللعين وقلن : دَع *** حسينا فلا تقتله يا شمر واذبحنا

فحزّ وريديه وركّب رأسه *** على الرمح مثل الشمس فارقت الدجنا

فنادت بطول الويل زينب أخته *** وقد صبغت من نحره الجيب والردنا

: ألا يا رسول اللّه يا جدّنا اقتضت *** أميّة منا بعدك الحقد والضغنا

سُبينا كما تسبى الإماء بذلةٍ *** وطيف بنا عرض البلاد وشُتتنا

ستفنى حياتي بالبكاء عليهم *** وحزني لهم باقٍ مدى الدهر لا يفنى

ألا لعن اللّه الذي سنّ ظلمهم *** وأخزى الذي أملا له وبه استنّا

سأمدحكم يا آل أحمد جاهداً *** وأمنح مَن عاداكم السب واللعنا

ومن منكم بالمدح أولى لأنّكم *** لأكرم من لبّى ومن نحر البُدنا

بجدّكم أسرى البراق فكان من *** إله البرايا قاب قوسين أو أدنا

وشخص أبيكم في السماء تزوره *** ملائك لا تنفكّ صبحا ولا وهنا

أبوكم هو الصدّيق آمن واتّقى *** وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى

ص: 169

وسمّاه في القرآن ذو العرش جنبه *** وعروته والعين والوجه والأذنا

وشدّ به أزر النبي محمد *** وكان له في كل نائبةٍ ركنا

وأفرده بالعلم والبأس والندى *** فمن قدره يسمو ومن فعله يُكنى

هو البحر يعلو العنبر المحض فوقه *** كما الدر والمرجان من قعره يُجنى

إذا عُدّ أقران الكريهة لم نجد *** لحيدرة في القوم كفواً ولا قَرنا

يخوض المنايا في الحروب شجاعة *** وقد ملأت منه ليوث الشرى جُبنا

يرى الموت من يلقاه في حومه الوغا *** يُناديه من هنّا ويدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت *** فوارسها واستتخلفوا الضرب والطعنا

وأهدت إلى الأحداق كحلاً معصفراً *** وألقت على الأشداق أردية دُكنا

وخلتَ بها زرقَ الأسنّة أنجماً *** ومن فوقها ليلاً من النقع قد جنّا

فحين رأت وجه الوصي تمزقت *** كثلّة ضانٍ أبصرت أسداً شنّا

فتى كفّه اليسرى حمام بحربه *** كذاك حياة السلم في كفّه اليُمنى

فكم بطل أردى وكم مرهب أودى *** وكم مُعدم أغنى وكم سائل أقنى

يجود على العافين عفواً بماله *** ولا يتبع المعروف من منّه مَنّا

ولو فض بين الناس معشار جوده *** لما عرفوا في الناس بخلاَ ولا ضنّا

وكل جواد جاد بالمال إنما *** قصاراه أن يستنّ في الجود ما سنّا

وكل مديح قلت أو قال قائل *** فإن امير المؤمنين به يعنى

سيخسر من لم يعتصم بولائه *** ويَقرع يوم البعث من ندمٍ سنّا

لذلك قد واليته مخلص الولا *** وكنت على الأحوال عبدا له قنا

عليكم سلام اللّه يا آل احمد *** متى سجعت قمرية وعلت غصنا

مودّتكم أجر النبي محمد *** علينا فآمنّا بذاك وصدّقنا

وعهدكم المأخوذ في الذر لم نقل *** : لآخذه كلا ولا كيف أو أنّا

قبلنا وأوفينا به ثمّ خانكم *** أناس وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهّرنا بفاضل طهركم *** وطبتم فمن آثار طيبكم طِبنا

فما شئتم ومههما كرهتموا *** كرهنا ، وما قلتم رضينا وصدّقنا

ص: 170

فنحن مواليكم تحنّ قلوبنا *** إليكم إذا إلف إلى إلفه حنّا

نزوركم سعيا وقلّ لحقكم *** لو أنّا على أحداقنا لكم زُرنا

ولو بُضعت أجسادنا في هواكم *** إذن لم نحل عنه بحاٍل ولا زلنا

وآبائنا منهم ورثنا ولاءكم *** ونحن إذا مِتنا نورّثه الأبنا

وأنتم لنا نعم التجارة لم نكن *** لنحذر خسراناً بها لا ولا غبنا

وما لي لا اثني عليكم وربّكم *** عليكم بحسن الذكر في كتُبه أثنى

وإن أباكم يقسم الخلق في غدٍ *** فيسكن ذا ناراً ويُسكن ذا عدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمة *** فما منكم بدّ ولا عنكم مغنى

ونعلم أن لو لم ندن بولائكم *** لما قُبلت أعمالنا أبداُ منّا

وأن ، إليكم في المعاد إيابنا *** إذا نحن من أجداثنا سُرعاً قمنا

وأن عليكم بعد ذاك حسابنا *** إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا

وأن موازين الخلايق حبّكم *** فأسعدهم مَن كان أثقلهم وزنا

وموردنا يوم القيامة حوضكم *** فيظما الذي يُقصى ويُروى الذي يُدنى

وأمر صراط اللّه ثم إليكم *** فطوبا لنا إذ نحن عن أمركم جُزنا

وما ذنبنا عند النواصب ويلهم *** سوى أنّنا قوم بما دنتم دُنا

فإن كان هذا ذنبنا فتيقّنوا *** بأنّا عليه لا انثينا ولا نُثنى

ولمّا رفضنا رافضيكم ورهطهم *** رُفضنا وعودينا وبالرفض نُبّزنا

وإنا اعتقدنا العدل في اللّه مذهباً *** ولله نزّهنا وإيّاه وحّدنا

وهم شبّهوا اللّه العليّ بخلقه *** فقالوا : خُلقنا للمعاصي وأُجبرنا

فلو شاء لم نكفر ولو شاء أكفرنا *** ولو شاء لم نؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا : رسول اللّه ما اختار بعده *** إماماً لنا لكن لأنفسنا اخترنا

فقلنا : إذن أنتم إمام إمامكم *** بفضل من الرحمن تهتم وما تهنا

ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربّنا *** لنا يوم « خمّ » لا ابتدعنا ولا جُرنا

سيجمعنا يوم القيامة ربّنا *** فتجزون ما قلتم ونُجزى بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعد دينكم *** ودينٌ على غير القواعد لا يُبنى

ص: 171

ونحن على نور من اللّه واضح *** فيا رب زدنا منك نوراً وثبتنا

وظن ابن حمّاد جميل برَبه *** وأحرى به أن لا يخيب له ظنّا

بنى المجد لي شنّ بن أقصى فحزته *** تُراثاً جزى الرحمن خيراً أبي شنّا

وحسبي بعد القيس في المجد والدي *** ولي حسب عبد القيس مرتبةً تبنى

وخالي تميم تمّ مجدي بفخره *** فنلت بذا مجداً ونلت بذا أمنا

ودونك لاما للقلائد هذّبت *** مديحا فلم تترك لذي مطمعن طعنا

ولا ظل أو أضحى ولا راح واغتدى *** تأمل لا عينٌ تراه ولا لحنا

فصاحة شعري مذ بدت لذوي الحجى *** تمثّلت الأشعار عنده لكنا

وخير فنون الشعر ما رقّ لفظه *** وجلّت معانيه فزادت بتها حسنا

وللشعر علم إن خلا منه حرفه *** فذاك هذاء في الرؤوس بلا معنى

إذا ما أديب أنشد الغثّ خلته *** من الكرب والتنغيص قد ادخل السجنا

إذا ما رأوها أحسن الناس منطقاً *** وأثبتهم قولاً وأطيبهم لحنا

تلذّ بها الأسماع حتى كأنها *** ألذّ من أيام الشبيبة أو أهنى

وفي كل بيت لذة مستجدّة *** إذا ما انتشاه قيل يا ليته ثنّى

تقبّلها ربّي ووفّى ثوابها *** وثقّل ميزاني بخيراتها وزنا

وصلّى على الأطهار من آل احمد *** إله السما ما عسعس الليل أو جنّا

وقال أبو الحسن علي بن حماد العبدي البصري يمدح امير المؤمنين عليا صلوات اللّه عليه :

هل في سؤالك رسم المنزل الخربِ *** برء لقلبك من داء الهوى الوصب

أم حره يوم وشك البين يبرده *** ما استحدرته النوى من دمعك السرب

هيهات أن ينفذ الوجد المثير له *** نأي الخليط الذي ولي ولم يؤب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت *** له المدامع من ماء ومن عشب

ما خلت من قبل ان حالت نوى قذف *** ان العيون لهم أهمى من السحب

بانوا فكم أطلقوا دمعاً وكم أسروا *** لُبّاً وكم قطعوا للوصل من سبب

ص: 172

من غادرٍ لم أكن يوماً أُسرّ به *** غدرا وما الغدر من شأن الفتى العربي

وحافظ العهد يبدي صفحتي فرح *** للكاشحين ويخفى وجد مكتئب

بانوا قباباً وأحباباً تصونهم *** عن النواظر أطراف القنا السلب

وخلّفوا عاشقاً ملقى رمى خلساً *** بطرفه خدر مَن يهوى فلم يصب

ألقى النحول عليه برده فغدا *** كأنه ما نسوا في الدار من طنب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما *** حجبن من قضبٍ عنا ومن كثب

من كل هيفاء أعطاف هضيم حشى *** لعساء مرتشف غراء منتقب

كأنما ثغرها وهنا وريقتها *** ما ضمت الكاس من راح ومن حبب

وفي الخدور بدور لو برزن لنا *** برّدن كل حشى بالوجد ملتهب

وفي حشاي غليل بات يضرمه *** شوق الى برد ذاك الظلم والشنب

يا راقد اللوعة أهبب من كراك فقد *** بان الخليط ويا مضني الغرام ثِب

أما وعصر هوى دبّ العزاء له *** ريب المنون وغالته يد النوب

لاشرقن بدمعي إن نأت بهم *** دار ولم أقض ما في النفس من أرب

ليس العجيب بأن لم يبق لي جلد *** لكن بقائي وقد بانوا من العجب

شيتُ ابن عشرين عاماً والفراق له *** سهم متى ما يصب شمل الفتى يشب

ما هزّ عطفي من شوق الى وطني *** ولا اعتراني من وجد ومن طرب

مثل اشتياقي من بُعد ومنتزح *** الى الغري وما فهي من الحسب

أزكى ثرى ضمّ أزكى العالمين فذا *** خير الرجال وهذا أشرف الترب

إن كان عن ناظري بالغيب محتجبا *** فإنه عن ضميري غير محتجب

مرّت عليه ضروع المزن رائحة *** من الجنوب فروّته من الحلب

من كل مقربة إقراب مرزمةٍ *** ارزام صادية الازواد والقرب

يذيبها حرّ نيران البروق وما *** لهن تحت سجاليها من اللّهب

بل جاد ما ضم ذاك الترب من شرف *** مزنَ المدامع من جار ومنسكب

تهفو اشتياقا إليه كل جارحة *** مني ولا مثلما تجتاح في رحب

ولو تكون لي الايام مسعدة *** لطاب لي عنده بعدي ومقتربي

ص: 173

يا راكبا جسره تطوي مناسمها *** ملآءة البيد بالتقريب والخب

هو جآء لا يطعم الانضآء غاربها *** مسرى ولا تتشكى مؤلم التعب

تقيّد المغزل الادماء في صعَدٍ *** وتطلح الكاسر الفنخاء في جنب

تثني الرياح اذا مرّت بغايتها *** حسر الطلآئح بالغيطان والخرب

بلّغ سلامي قبرا بالغري حوى *** أوفى البرية من عجم ومن عرب

واجعل شعاري لله الخشوع به *** وناد خير وصي صنو خير نبي

اسمع أبا حسن ان الأولى عدلوا *** عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب

ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد *** وضحته واقتفوا نهجاً من العطب

ودافعوك عن الأمر الذي اعتلقت *** زمامه من قريش كف مغتصب

ظلت تجاذبها حتى لقد خرمت *** خشاشها تربت من كف مجتذب

وكان بالأمس منها المستقيل فلِم *** أرادها اليوم لو لم يأتِ بالكذب

وانت توسعه صبراً على مضض *** والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب

حتى إذا الموت ناداه فاسمعه *** والموت داع متى يدع امرءاً يجب

حبابها زفرا فاعتاض محتقباً *** منه بافضع محمول ومحتقب

وكان أول من أوصى ببيعته *** لك النبي ولكن حال من كثب

حتى إذا ثالث منهم تقمصّها *** وقد تبدّل منها الجد باللعب

عادت كما بدأت شوهاء جاهلة *** تجرّ فيها ذئاب آكلة الغلب

وكان عنها لهم في خم مزدجر *** لمّا رقى احمد الهادي على قتب

وقال والناس من دان اليه ومن *** ثاوٍ لديه ومن مصغ مرتقب

قم يا علي فاني قد أمرت بأن *** ابلّغ الناس والتبليغ أجدر بي

إني نصبت علياً هادياً علماً *** بعدي وأن علياً خير منتصب

فبايعوك وكل باسط يده *** اليك من فوق قلب عنك منقلب

عافوك لا مانع طولا ولا حصر *** قولا ولا لهج بالغش والريب

وكنت قطب رحى الاسلام دونهم *** ولا تدور رحى إلا على قطب

ولا تماثلهم في الفضل مرتبة *** ولا تشابههم في البيت والنسب

ص: 174

وان هززت قناة ظلت توردها *** وريد ممتنع في الروح مجتنب

ان تلحظ القرن والعسّال في يده *** يظل مضطربا في كف مضطرب

ولا تسلّ حساماً يوم ملحمة *** إلا وتحجبه في رأس محتجب

كيوم خيبر إذ لم يمتنع زفر *** عن اليهود بغير الفر والهرب

فاغضب المصطفى اذ جرّ رايته *** على الثرى ناكصا يهوى على العقب

فقال اني ساعطيها غداً لفتى *** يحبه اللّه والمبعوث منتجب

حتى غدوت بها جذلان مخترقا *** مظنة الموت لا كالخائف النحب

جم الصلادم والبيض الصوارم و *** الزرقُ اللّهادم والماذيّ واليلب

فالأرض من لاحقيات مطهمة *** والمستظل مثار القسطل الهدب

وعارض الجيش من تقع بوارقه *** لمع الأسنة والهندية القضب

اقدمت تضرب صبراً تحته فغدا *** يصوب مزنا ولو أحجمت لم يصب

غادرت فرسانه من هارب فرق *** أو مقعص بدم الأوداج مختضب

لك المناقب يعيى الحاسبون لها *** عدّاً ويعجز عنها كل مكتتب

كرجعة الشمس إذ رمت الصلوة وقد *** راحت توارى عن الابصار بالحجب

ردّت عليك كأن الشهب ما اتضحت *** لناظرٍ وكأن الشمس لم تغب

وفي براءة انباء عجائبها *** لم تطوعن نازح يوماً ومقترب

وليلة الغار لما بتّ ممتلئا *** أمنا وغيرك ملآن من الرعب

ما أنت إلا أخو الهادي وناصره *** ومظهر الحق والمنعوت في الكتب

وزوج بضعته الزهراء يكنفها *** دون الورى وابو ابنائه النجب

من كل مجتهد في اللّه معتضد *** باللّه معتقد لله محتسب

وارين هادين إن ليل الظلام دجا *** كانوا لطارقهم أهدى من الشهب

لقبتُ بالرفض لما أن منحتهم *** ودّي وأحسن ما ادعى به لقبي

صلوة ذي العرش تترى كل آونة *** على ابن فاطمة الكشاف للكرب

وابنيه من هالك بالسم مخترم *** ومن معفّر خدٍ بالثرى ترب

لولا السقيفة ما قاد الذين هم *** أبناء حرب اليهم جحفل الحرب

ص: 175

والعابد الزاهد السجاد يتبعه *** وباقر العلم داني غاية الطلب

وجعفر وابنه موسى ويتبعه *** البر الرضا والجواد العابد الدئب

والعسكريين والمهدي قائمهم *** ذي الأمر لابس أثواب الهدى القشب

مَن يملأ الارض عدلاً بعدما ملئت *** جوراً ويقمع أهل الزيغ والشغب

القائد البُهم الشوس الكماء الى *** حرب الطغاة على قبّ الكلا شزب

أهل الهدى لا أناس باع بائعهم *** دين المهيمن بالدنيا وبالرتب

لو أن أضغانهم في النار كامنة *** لأغنت النار عن مذكٍ ومحتطب

يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره *** ذُد النواصب عن سلساله العذب

قارعت منهم كماة في هواك بما *** جرّدت من خاطر أو مقول ذرب

حتى لقد وسمت كلماً جباههم *** خواطري بمضاء الشعر والخطب

إن ترضَ عني فلا أسديت عارفة *** إن سائني سخط أُمّ برّة وأبِ

صحبت حبك والتقوى وقد كثرت *** لي الصحاب فكانا خير مصطحب

فاستجل من خاطر العبدي آنسة *** طابت ولو جاوزت مغناك لم تطب

جاءت تمايل في ثوبي حباً وهدى *** اليك حالية بالفضل والأدب

أتعبت نفسي ونفسي بعد عارفة *** بأن راحتها في ذلك التعب

وقال يمدحه صلوات اللّه عليه ويرثي ولده الحسين علیه السلام :

شجاك نوى الاحبة كيف شاءا *** بداء لا تصيب له دواءا

ابانوا الصبر عنك غداة بانوا *** ورحّل عنك من رحلوا العزاءا

واعشوا بالبكا عينيك لما *** حدا الحادي بفرقتهم عشاءا

لعمر أبيك ليس الموت عندي *** وبينهم كما زعموا سواءا

فإن الموت للمضنى مريح *** ومضنى البين مزداد بلاءا

سل العلماء هل علموا فسموا *** سوى داء الهوى داءا عياءا

وهل ساد البرية غير قوم *** عليهم احمد مدّ العباءا

رقى جبريل إذ جعلوه منهم *** ففاخر كل من سكن السماءا

ص: 176

رآهم آدم أشباح نور *** بساق العرش مشرقة ضياءا

هناك بهم توسل حين أخطأ *** فكفّر ربه عنه الخطاءا

فمنهم ذلك الطهر المرجى *** عليّ اذ نُنيط به الرجاءا

امير المؤمنين أبو تراب *** ومن بترابه نلفي الشفاءا

خليفة ربنا في الأرض حقا *** له فرض الخلافة والولاءا

وعلّمه القضايا والبلايا *** وفهّمه الحكومة والقضاءا

وسمّاه عليا في المثاني *** حكيما كي يتم له العلاءا

وأعطاه أزمة كل شيء *** فليس يخاف من شيء اباءا

فأبدع معجزات ليس تخفى *** وهل للشمس قط ترى خفاءا

وشبهه ابن مريم في مثال *** أراد به امتحانا وابتلاءا

فواضل فضله لو عددوها *** اذن ملأت بكثرتها الفضاءا

إمام ما انحنى للآت يوما *** ولم يعكف على العزى انحناءا

وواخاه النبي فلم يخنه *** كمن قد خان بل حفظ الاخاءا

وعاهده فلم يغدر ولكن *** وفاه ومثله حفظ الوفاءا

وكم عرضت له الدنيا حضورا *** فجاد بها لعافيها سخاءا

شفى بالعلم سائله وأغنى *** ببذل المال سائله عطاءا

هو الصدّيق اول مَن تزكى *** وصدّق احمد الهادي ابتداءا

هو الفاروق إن هم أنصفوه *** به عرفوا السعادة والشقاءا

صلوة اللّه دائمة عليه *** ورحمته صباحا أو مساءا

فقد ابقت مودته بقلبي *** نوازع تستطير بي ارتقاءا

ولي في كربلاء غليل كرب *** يواصل ذلك الكرب البلاءا

غداة غدا ابن سعد مستعداً *** لقتل السبط ظلما واعتداءا

فاصبح ظاميا مع ناصريه *** فكل منهم يشكو الظماءا

ولم يالوا مواساة وبذلا *** بانفسهم لسيدهم فداءا

الى أن جُدّلوا عطشا فنالوا *** من اللّه المثوبة والجزاءا

ص: 177

وامسى السبط منفردا وحيدا *** ولم يبلغ من الماء ارتواءا

فاوغل فيهم كالليث لما *** رأى في غيله نعماً وشاءا

ولما أثخنوه هوى صريعا *** فبزوه العمامة والرداءا

وعلّوا رأسه في رأس رمح *** كبدر التم قد نشر الضياءا

وأبرزن النساء مهتكات *** سبايا لسن يعرفن السباءا

فلما أن بصرن به صريعاً *** وقد جعل التراب له وطاءا

تغطيه نصولهم ولكن *** حوامي الخيل كشّفت الغطاءا

سقطن على الوجوه مولولات *** وأُعدِ من التصبر والعزاءا

تناديه سكينة وهي حسرى *** وليس بسامع منها النداءا

أبي ليت المنية عاجلتني *** وكنت من المنون لك الفداءا

أبي لا عشت بعدك لا هنت لي *** حياتي لا تمتعتُ البقاءا

رجوتك ان تعيش ليوم موتي *** ولكن خيّب الدهر الرجاءا

ابي لو تنفع العدوى لمثلي *** على خصمي لخاصمت القضاءا

لو أن الموت قدّمني وأبقى *** حسيناً كان أحسن ما أساءا

ابي شمتَ العدو بنا وأعطى *** مناه من الشماتة حيث شاءا

هتكنا بعد صون في خبانا *** وهتّكت العدى منا الخباءا

ابي لو تنظر الصغرى بذل *** تساق كما يسوقون الاماءا

اذا سلب القناع الرجس عنها *** تخمّر وجهها بيدٍ حياءا

أبي حان الوداع فدتك نفسي *** فعدني بعد توديعي لقاءا

فيا قمراً تغشّاه خسوفٌ *** كما في التم مطلعه أضاءا

ويا غصناً حنت ريح المنايا *** غضاضته كما اعتدل استواءا

ويا ريحانة لشميم طاها *** أعادتها ذوابلهم ذواءا

بكته الأرض والثاوي عليها *** أسى وبكاء مَن سكن السماءا

وقد بكت السماء عليه شجواً *** وأذرت من مدامعها دماءا

سيفنى بالاسى عمري عليه *** ولست أرى لمرزاتي فناءا

ص: 178

سأبكيه وأُسعد من بكاه *** واجعل ندبه ابدا عزاءا

وامدح آل احمد طول عمري *** وأوسع مَن يعاديهم هجاءا

واحفظ عهدهم سراً وجهراً *** ولا أبغي لغيرهم الوفاءا

واعتقد الولاء لهم حياتي *** وممن خان عهدهم البراءا

وأعلم أنهم خير البرايا *** وأفضلهم رجالا أو نساءا

فمن ناواهم بالفضل يوما *** فليس برابحٍ إلا العناءا

ولم يك بالولاء لهم مقرّاً *** لاصبح برّه ابدا هباءا

فيا مولاي وهو لك انتساب *** أنال به لعمرك كبرياءا

اليك من ابن حماد قريضا *** هو الياقوت أو أبهى صفاءا

وقال يمدحه ويذكر بعض مناقبه ويرثي ولده الحسين صلوات اللّه عليهما :

دعوت الدمع فانسكب انسكابا *** وناديت السلو فما اجابا

وهل لك أن يجيب فتى حزينا *** رأت عيناه بالطف اكتئابا

وكيف يملّ شيعيّ منيب *** الى الطف المجيئ أو الذهابا

يحار اذا رأيت الحَيَر فكري *** لهيبته فلم أملك خطابا

وحق لمن حوى ما قد حواه *** من النور المقدس أن يهابا

سلالة أحمد وفتى علي *** فيالك منسبا عجبا عجابا

فكان محمد هنيّ وعزّي *** به عن ربه دأبا فدابا

ربا في حجر جبريل وناعى *** له ميكال وانتحبا انتحابا

وساد وصنوه الحسن المزكى *** من اهل الجنة الغُرّ الشبابا

هما ريحانتا المختار طيبا *** اذا والاهما الشم استطابا

وقرطا عرش رب العرش تبّت *** يدا من سنّ ظلمهما تُبابا

سقي هذا المنون بكاس سمٍّ *** وذاك بكربلا منع الشرابا

سأخضب وجنتي بدماء عيني *** لشيبته وقد نصلت خضابا

وألبس ثوب أحزاني لذكري *** له عريان قد سلب الثيابا

ص: 179

فوا حزنا عليه وآل حرب *** ترويّ البيض منه والحرابا

وواحزنا ورأس السبط يسري *** كبدر التم قد عُلي شَهابا

وواحزنا ونسوته سبايا *** وقد هتك العرى منها الحجابا

وقد سفرت لدهشتها وجوها *** تعوّدت التخمر والنقابا

وقد جزّت نواصيها وشدّت *** بها الأوساط لم تأل انتدابا

وزينب في النساء لها رنين *** يكاد يفطرّ الصمّ الصلابا

تنادي يا أخي ما لليالي *** تجدد كل يوم لي مصابا

فقدتُ أحبتي ففقدت صبري *** وقد لاقيت أهوالاً صعابا

وكنتَ بقية الماضين عندي *** به أسلو اذا ما الخطب نابا

فبعدك من ترى أرجوه ذخراً *** اذا ما الدهر ينقلب انقلابا

وأعظم حسرتي أني اذا ما *** دعوتك لم تردّ لي الجوابا

فلِم أبعدتني يا سؤل قلبي *** وما عوّدتني إلا اقترابا

لو أنّ عُشير ما ألقاه يُلقى *** على زبر الحديد إذن لذابا

أخي لو أن عينك عاينتني *** لما قرّت بكاء وانتحابا

فكنت ترى الأرامل واليتامى *** يحثّ السائقون بها الركابا

وكنت ترى سكينة وهي تبكي *** وتخفي الصوت خوفاً وارتقابا

وفاطمة الصغيرة قد كساها *** شمول الضيم ذلا واكتئابا

تنادي وهي باكية أباها *** وقد هتك العدى منها الحجابا

حلفتُ برب مكة حلف برّ *** ومن أجرى بقدرته السحابا

فما قتل الحسين سوى أناس *** لقتل محمد دفعوا الدبابا

وراموا قتل والده عليّ *** وحازوا إرث فاطمة اغتصابا

سيعلم ظالم الاطهار ماذا *** يُعدُّ له وينقلب انقلابا

وكيف يجيب سائله وماذا *** يعد له اذا ورد الحسابا

كلاب النار كانوا دون شك *** كما يروون ان لها كلابا

فليس يشم ريح الخلد كلب *** ورب العرش يصليه عذابا

ص: 180

ولكن الجنان لنا مقام *** لأنا قد تتبعنا الصوابا

أئمتنا الهداة بهم هدينا *** وطبنا حين والينا الطيابا

رسول اللّه والمولى عليا *** أجل الخلق فرعاً وانتسابا

فذا ختم النبوة دون شك *** وذا ختم الوصيّة لا ارتيابا

وأخاه النبي بأمر رب *** كما عن أمره آخى الصحابا

فصار لنا مدينة كل علم *** وصار لها علي الطهر بابا

ومثّله بهارون المزكى *** ألم يخلف أخاه حين غابا

يسد مسدّه في كل حال *** ويحسن بعده عنه الغيابا

وفي بدرٍ وفي أُحدٍ وسلع *** أجاد الطعن عنه والضرابا

مشاهد حربه لو ان طفلا *** من الاطفال يشهدها لشابا

لو أن الموت شخّص ثم ألوى *** بلحظته اليه لاسترابا

أو الأبطال تلقاه وجوها *** لأخلى الهام منها والرقابا

امير المؤمنين أبو تراب *** واكرم سيد وطأ الترابا

سأمنح من يواليه وصالا *** وأهجر من يعاديه اجتنابا

فان عاب النواصب ذاك مني *** فلا أُعدمت ذيّاك المعابا

وإن يك حب أهل البيت ذنبي *** فلست بمبتغ عنه متابا

أحبّهم وأمنحهم مديحا *** وأوسع مّن يجانبهم سبابا

ولم أمنحهم قط اكتسابا *** ولكنّي مدحتهم ارتغابا

ولن يرجو ابن حماد علي *** بحسن مديحهم إلا الثوابا

فإنهم كفوني عن معاشي *** فلم أحتج بنيلهم اكتسابا

ونلت مآربي بهوى علي *** ومَن يعلق بغير هواه خابا

رأيت لبعض هذا الخلق شعراً *** جليل اللفظ يمتدح الذبابا

كبابٍ علّقوه على خرابٍ *** وحسن الباب لا يغني الخرابا

وكم غيم رجوت الغيث منه *** فكان وقد غررت به ضُبابا

فلو جعل المدائح في علي *** لوافق في مدايحه الكتابا

ص: 181

وقال يرثي الحسين علیه السلام ويمتدح أهل البيت ويذم اعداءهم اذ كانوا فرحين :

دعني أنوح وأسعد النواحا *** مثلي بكى يوم الحسين وناحا

يوم الحسين بكربلاء لعمره *** أضنى الجسوم وأتلف الأرواحا

وكسا الصباح دحى الظلام فلا ترى *** في يوم عاشورا سَناً وصباحا

يا من يسرّ بيومه من بعده *** لانلت في كل الأمور نجاحا

أنسيت سبط المصطفى في كربلا *** فرداً تنافحه النصول كفاحا

عطشان تروي الكفر من أوداجه *** حنقاً عليه أسنّة وصفاحا

متزملا بدمائه فوق الثرى *** يكسوه سافي الذاريات وشاحا

مستشرفاً في رأس رمح رأسه *** كالشمس يتخذ البروج رماحا

حتى إذا نظرت سكينة رأسه *** في الرمح منتصباً عليها لاحا

والجسم عرياناً طريحاً في الثرى *** قد اثخنته ظبى السيوف جراحا

صرخت وخرّت في التراب وأقبلت *** تبكي وتعلن رنّة وصياحا

يا أخت وايتمي ويتمك بعده *** ساء الصباح لنا الغداة صباحا

يا أخت كيف يكون صبر بعده *** فلقد فقدنا السيد الجحجاحا

يا أخت لو متنا جميعاً قبله *** فلقد يكون لنا الممات صلاحا

لأجدّدن ثياب حزني حسرة *** ولأجعلن لي البكاء سلاحا

ولأشربن كؤوس تنغيصى له *** ولأجعلن لي المدامع راحا

ولأجعلن غذاي تعديدي له *** واشاركن بذلك النواحا

حتى أموت صبابة وتلهفا *** وأرى جفوني بالدموع قراحا

يا آل احمد يا مصابيح الهدى *** تهدون مصباحا به مصباحا

اللّه شرّفكم وعظّم قدركم *** فينا وأوضح أمركم ايضاحا

وهو القديم وأنتم البادون لم *** تزلوا بجبهة عرشه أشباحا

أوحى بفضلكم القرآن وقبله *** التوراة والانجيل والالواحا

ص: 182

وأقام كنز الرزق بين عباده *** بكم وصيّر حبكم مفتاحا

مَن ذا يقدر قدركم وصفاتكم *** تفنى المديح وتعجز المداحا

وأنا ابن حماد غذيت بحبكم *** واللّه أفصحني بكم افصاحا

عاديتُ من عاداكم ووليت مَن *** ولاكم ووصلتُ منه جناحا

صلى الاله عليكم يا سادتي *** ما ساد نجمٌ في السماء ولاحا (1)

وقال يرثي ابا عبد اللّه الحسين عليه صلوات اللّه وعلى أصحابه الميامين :

إبك ما عشت بالدموع الغزارِ *** لذراري محمد المختار

شرّدوا في البلاد شرقاً وغرباً *** وخلت منهم عراص الدار

وغزتهم بالحقد أرجاس هند *** وغليل من الصدور الحرار

فكأني بهم عطاشى يُسقو *** ن كؤوس الردى بحدّ الشفار

وكأني أرى الحسين وقد نكس *** عن سرجه تريب العذارى

فهوى شمرٌ اللعين عليه *** وفرى النحر في شبا البتار

ثم علاه في السنان سنان *** يتلألأ كضوء شمس النهار

وكأني بالطاهرات وقد أبر *** زن للسبي من خبا الأخدار

وكأني بزينب إذ رأته *** وهو ملقى على الجنادل عاري

سقطت دهشة ونادت بصوت *** يترك الصخر شجوه بانفطار

يا اخي لا حييتُ بعدك بل لا *** نعمت مقلتي بطيب الغرار

أبرزت للسباء منا وجوه *** طالما صنتها عن الابصار

يا أخي لو ترى سكينة قد *** ألبسها اليتم ذلّة الانكسار

لو تراها تخمّر الرأس بالكُمّ *** حياءا من بعد سلب الخمار

تستر الوجه باليمين وقد *** تمسك حزنا أحشاءها باليسار

لعن اللّه ظالميهم من الناس *** بطول العشي والأبكار

ص: 183


1- عن الديوان المخطوط جمعه الشيخ السماوي.

فابكهم أيها المحب وناصرهم *** بكثر البكا وكثر المزار

رو درى زائر الحسين بما أو *** جبه ذو الجلال للزوار

فله عفوه ورضوانه عنهم *** وحط الذنوب والاوزار

وتناديهم الملائك قد أُعطيتم *** الأمن من عذاب النار

ويقول الاله جلّ اسمه الاعلى *** لمن يهبطون في الأخبار

بشروهم بأنهم أوليائي *** في أماني وذمتي وجواري

وخطاهم محسوبة حسنات *** وخطاهم عفو من الغفّار

وعليه اخلاف ما أنفقوه *** الضعف من درهم ومن دينار

فاذا زرته فزره بإخباتٍ *** ونسكٍ وخشيةٍ ووقار

وادع من يسمع الدعاء من الزا *** ئر في جهرة وفي اسرار

ويردّ الجواب إذ هو حي *** لم يمت عند ربه القهار

ثم طف حول قبره والتثّم تُر *** بة قبر معظم المقدار

فيه ريحانة النبي حسين *** ذلك الطهر خامس الأطهار

وهو خير الورى أباً ثم أماً *** وأبو السادة الهداة الخيار

جده المصطفى ووالده الهادي *** علي من مثله في الفخار

وأنا الشاعر ابن حماد الناظم *** فيهم قلائد الاشعار

قد تمسكت فيهم بالموالاة *** وهاتيك عصمة الابرار

وتغذيت في هواهم وفي الود *** فكانوا شعائري وشعاري

سيط لحمي بلحمهم ودمي فهو *** محل الشعار ثم الدثار

فاذا قال جاهل بي من ذا *** قيل هذا مولى بني المختار

فعليهم صلى المهيمن ما غرّد *** طيرُ على ذرى الاشجار

وقال يرثيه أيضا صلوات اللّه عليه في أيام عاشورا من المحرم :

أآمرتي بالصبر أسرفت في أمري *** أيؤمر مثلي لا أباً لك بالصبر

أفي يوم عاشورا اُلآم على البكا *** ولو أن عيني من دم دمعها يجري

ص: 184

اذا لم أقم في يوم عاشور مأتما *** ولم أندب الاطهار فيه فما عذري

أأنسى حسينا حين أصبح مفردا *** غريبا بارض الطف في مهمه قفر

وشمر عليه لعنة اللّه راكب *** على صدره أكرم بذلك من صدر

يقطّع أوداج الحسين بسيفه *** على حنق منه وينحر بالنحر

وأنسى نساء السبط بادرن حُسّراً *** على عجل حتى تعلقن بالشمر

وقلن له يا شمر فرّقت بيننا *** والبستنا ثوب الاسى أبد الدهر

أتقتل أولاد النبي محمد *** كأنك لا ترجو الشفاعة في الحشر

وقد مرّ بنعاه إلى الاهل مهره *** سليبا فلما أن نظرن الى المهر

هتكن سجوف الخدرعنهن دهشة *** وهان عليهن الخروج من الخدر

وأسرعن حتى إذ رأين مكانه *** وشيبته مخضوبة من دم النحر

ولما رأين الراس في راس ذايل *** كبدر الدجى قد لاح في ربعة العشر

سقطن على حر الوجوه لرهبة *** وايقنّ بالتهتيك والسبى والاسر

وقد قبضت احشاءها بيمينها *** عقيلة آل المصطفى أحمد الطهر

تضم علياً تارة نحو صدرها *** واخرى صغاراً هجهجتهم يد الذعر

وتدعو حسينا يا بن أمِّ تركتني *** أعاني الأيامى واليتامى من الضر

ففي مقلتي دمع يدافع مقلتي *** وفي كبدي جمر يبَرّد بالجمر

سابكيك عمري يا بن بنت محمد *** واسعد من يبكي عليك مدى عمري

فيا غائبا في خطة القدس حاضرا *** ويا ناظراً من حيث ندري ولا ندري

متى ينجز الوعد الذي قد وعدته *** وتاتي به الأوقات من زاهر العصر

حقيق على الرحمن انجاز وعده *** وتبليغه حتى نرى راية النصر

قيام إمام لا محالة قائم *** يقيم عماد الدين بالبيض والسمر

يقوم بحكم العدل والقسط والهدى *** يوازره عيسى ويشفع بالخضر

لعل ابن حماد يجرّد سيفه *** ويقتص من أعداء ساداته الغر

فان قصرت كفي بيومي فانني *** ساقتلهم باللعن في محكم الشعر

فيا نفس صبراً ثم صبراً على الاذى *** فكم أعقبت لي النجح عاقبة الصبر

ص: 185

ويا عترة الهادي سلام عليكم *** من اللّه والعبدي في مدة الدهر (1)

وقال يرثي الحسين ايضا صلوات اللّه عليه وعلى جده وابيه وامه واخيه :

هل لجسمي من السقام طبيبُ *** أم لعيني من الرقاد نصيبُ

ما عجيب بقاء سقمي ولكنّ *** بقائي على السقام عجيب

ما ذكرت الحسين إلا علتني *** زفرات يعلولهنّ لهيب

يا غريب الديار إن اصطباري *** للذي قد لقيته لغريب

يا سليب الرداء خلّفت قلبي *** وهو من بردة العزاء سليب

يا خضيب الشيب المعظم بالدم *** تركت الأديم وهو خضيب

بابي انت ظامئا تمنع الماء *** وماء الفرات منك قريب

بابي وجهك المضيء المدمى *** بابي جسمك العفير التريب

بابي رأسك القطيع المعلّى *** بابي ثغرك القريع الشنيب

يرشف المصطفى ثناياك حُباً *** ثم يثنى بقرعهن القضيب

بابي أهلك السبايا حيارى *** تعتريهن ذلّة وخطوب

بابي زينب وقد أبرزت تدعو *** بشجوٍ ودمعها مسكوب

يا اخي كنت ارتجيك لكربي *** فتهاوت على فؤادي الكروب

مَن لهذا العليل مَن للمذاعير *** كفيل مَن للنساء رقيب

كم انادي وأنت تسمع صوتي *** وترى موقفي وليس تجيب

أيها الغائب الذي ليس يرجى *** لأياب علامَ هذا المغيب

طاب عيشي ما دمت حياً فلما *** بنتَ عنا فأي شيء يطيب

يا بني أحمد السلام عليكم *** من محب له فؤاد كئيب

ما لكم في الندى شبيه ولا في *** المجد والاصل والفخار ضريب

انتم باب حطة في البرايا *** وبكم يغفر الخطأ والذنوب

ص: 186


1- عن الديوان المخطوط.

وباسمائكم على آدم قد تاب *** رب العلى وفيها يتوب

ولكم ترتضى الشفاعة في الحشر *** اذا تحشر الورى وتؤب

واليكم ايابهم وعليكم *** درجات الحساب والترتيب

وبايديكم الجنان مع النيران *** أعطاكم الاله الوهوب

فلعمر الباري رجاء ابن حماد *** غداً في هواكم لا يخيب (1)

وقال يرثي الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما وسلامه ويمدحهما :

خليلي عج بنا نطل الوقوفا *** على من نوره شمل الطفوفا

ونبكِ لمن بكى جبريل حزناً *** له ونعاه حيرانا أسيفا

إماماً من بني الهادي علي *** وبدراً طالعاً وافى خسوفا

وناد بحرقة وبطول كرب *** اذا شاهدت مشهده الشريفا

وقل يا خيرَ مَن صلى وزكى *** وسيل الجود والعلم المنيفا

قتلتً بكربلا والذين لما *** غدا دين الاله لك الحليفا

على ايّ الرزايا يا لقومي *** أنوح واسكب الدمع الذروفا

أأبكى منه اعضاء عظاما *** تناهبت الأسنة والسيوفا

فاشلاء تقلّبها الحوامي *** وأوداجاً تسيل دماً نزيفا

ورأساً لا تطوف به الدياجي *** به في سائر البلدان طيفا

أأبكي للأرامل واليتامى *** أأبكي مدنفاً حرضاً ضعيفا

أأبكي زينباً تدعو أخاها *** وتندبه ولم تسطع وقوفا

أأبكي إذ سروا أسرى تسوق *** الحداة بظعنهم سوقاً عنيفا

سأبكي ما حييتُ دماً عليهم *** وألعن من أنا لهأم الحتوفا

فلا رحم الإله لهم نفوساً *** ولا سقى الحيا لهم جدوفا

سألعن ظالميهم طول عمري *** وضيعاً كان منهم أو شريفا

ص: 187


1- عن الديوان المخطوط.

فكم من باطل قد أظهروه *** وحق أنكروه فما أحيفا

ألا يآل طاها إن قلبي *** لذكر مصابكم أمسى لهيفا

إذا صادفت في حزن أناساً *** أكون لهم من كم أليفا

أومل عندكم جنات عدنٍ *** تحفّ الصالحات بها حفوفا

ولا أخشى هنالك كل ذنب *** فانكم تجيرون المخوفا

وإن اللّه شفعكم بأهل *** الولا كرما وكان بكم رؤفا

وان عليا العبدي ينشى *** بمدحكم القوافي والحروفا

ويرجو أن تلقّوه الأماني *** الجماح وأن توقّوه الصروفا

صلاة اللّه والالطاف تتلو *** عليكم وهو لم يزل اللطيفا (1)

وقال يرثي الحسين عليه الصلوة والسلام وعلى جده وابيه وامه واخيه وبنيه :

هن بالعيد إن أردت سوائي *** أي عيد لمستاح العزاءِ

ان في مأتمي عن العيد شغلا *** فألهُ عني وخلني بشجائي

فاذا عيّد الورى بسرور *** كان عيدي بزفرة وبكاء

واذا جدّدوا ثيابهم جددت *** ثوبي من لوعتي وضنائي

واذا أدمنوا الشراب فشربي *** من دموع ممزوجة بدماء

وعويلي على الحسين غنائي *** واذا استشعروا الغناء فنوحي

وقليل لو متّ هماً ووجدا *** لمصاب الغريب في كربلاء

أيهنى بعيده مَن مواليه *** أبادتهم يد الاعداء

آه يا كربلاء كم فيك من *** كرب لنفس شجيّة وبلاء

أألذ الحياة بعد قتيل الطف *** ظلما إذن لقلّ حيائي

كيف التذّ شرب ماء وقد جرّ *** ع كأس الردى بكرب الظماء

ص: 188


1- عن ديوان المخطوط.

كيف لا أسلب العزاء اذا *** مثلته عاريا سليب الرداء

كيف لا تسكب الدموع عيوني *** بعد تضريج شيبه بالدماء

تطأ الخيل جسمه في ثرى الطف *** وجسمي يلتذّ لين الوطاء

بابي زينب وقد سبيت بالذ *** ل من خدرها كسبي الاماء

فاذا عاينته ملقى على التر *** ب مُعرّىً مجدلا بالعراء

أقبلت نحوه فيسمعها الشمر *** فتدعو في خيفة وخفاء

أيها الشمر خلني اتزود *** نظرة منه فهي أقصى منائي

ثم تدعو الحسين لِم يا شقيقي *** وابن امي خلفتني بشقائي

يا أخي يومك العظيم برى عظمي *** وأضنى جسمي وأوهى قوائي

يا اخي كنت ارتجيك لموتي *** وحياتي فخاب مني رجائي

يا أخي لو فدى من الموت شخص *** كنتُ أفديك بي وقلّ فدائي

يا أخي لا حييتُ بعدك بل لا *** عشت إلا بمقلة عمياء

آه واحسرتي لفاطمة الصغرى *** وقد أبرزت بذل السباء

كفها فوق رأسها من جوى الثكل *** وكف أخرى على الاحشاء

فاذا ابصرت أباها صريعاً *** فاحصاً باليدين في الرمضاء

لم تُطق نهضة اليه من الضعف *** فنادته في خفي النداء

يا أبي مَن ترى ليتمي وضعفي *** يا ابي أو لمحنتي وابتلائي

يا بني احمد السلام عليكم *** ما أنارت كواكب الجوزاء

انتم صفوة الاله من الخلق *** ومن بعد خاتم الانبياء

ونجوم الهدى بنوركم تُهدى البرايا *** في حندس الظماء

انا مولاكم ابن حماد اعدد *** تكمو في غد ليوم جزائي

ورجائي أن لا أخيب لديكم *** واعتقادي بكم بلوغ الرجائي (1)

ص: 189


1- عن الديوان المخطوط.

وقال ايضا يرثيه صلوات اللّه عليه :

دعا قلبه داعي الوعيد فاسمعا *** وداعي مبادى شيبه فتورعا

وأيقن بالترحال فاعتدّ زاده *** وحاذر من عقبى الذنوب فاقلعا

الى كم وحتام اشتغالك بالمنى *** وقد مرّ منك الاطيبان فودعا

أيقنع بالتفريط في الزاد عاقل *** رأى الرأس منه بالمشيب تقنعا

إذا نزع الانسان ثوب شبابه *** فليس يرى إلا الى الموت مسرعا

وشيبك توقيع المنون مقدما *** لتغدو لموت في غدٍ متوقعا

أتطمع أن تبقى وغيرك ما بقي *** فلست ترى للنفس في العيش مطمعا

تدافع بالآمال عن أخذ إهبة *** ليوم اذا ما حمّ لم تغن مدفعا

وتسأل عند الموت ربّك رجعة *** وهيهات أن تعطى هنالك مرجعا

أما لك اخوان شهدت وفاتهم *** وكنتَ لهم نحو القبور مشيّعا

وانت فعن قرب إلى الموت صائر *** وينعاك للاخوان ناع لهى نعى

وكم من أخ قد كنت واريته الثرى *** واضجعته بين الأحبة مضجعا

جرت عينه النجلا على صحن خده *** فاصبح بين الدود نهبا موزعا

وانت كضيف لا محالة راحل *** ومستودع ما كان عندك موعا

تلاقي الذي فرطت فاستدرك الذي *** مضى باطلا واصنع من الخير مصنعا

ولا تطلب الدنيا الغرور فانما *** هلاكك منها أن تغر وتخدعا

فقد جعلت دار الفجايع والاسى *** فلست ترى الا مُرزاً مفجّعا

كفاك نجير الخلق آل محمد *** أصابهم سهم المصائب أجمعا

تخطّفهم ريب المنون بصرفه *** فأغرب بالارزاء فيهم وأبدعا

وقفت على أبياتهم فرأيتها *** خراباً يبابا قفرة الجو بلقعا

وان لهم في عرصة الطف وقعة *** تكاد لها الأطواد أن تتزعزعا

غزتهم بجيش الحقد امة جدهم *** ولم ترع فيهم مَن لهم كان قد رعى

كأني بمولاي الحسين وصحبه *** وجيش ابن سعد حوله قد تجمعا

ص: 190

وقد قام فيهم خاطباً قائلا لهم *** ولم يك من ريب المنون ليجزعا

ألم تأتني يا قوم بالكتب رسلكم *** تقولون عجّل نحونا السير مسرعا

فانا جميعاً شيعة لك لا نرى *** لغيرك في حق الامامة موضعا

وقد جئت للعهد الذي لي عليكم *** فما عندكم في ذاك قولوا لا سمعا

فقالوا له ما هذه الكتب كتبنا *** فقال لهم خلّوا سبيلي لارجعا

فقالوا له هيهات بل لنسوقكم *** الى ابن زياد كارهين وخُضّعا

فان لم تجيبوا فالأسنة بيننا *** تجرّعكم أطرافها السم منقعا

فقال لهم يا ويلكم فتباعدوا *** عن الماء كي نروى فقالوا له معا

سنوردكم حوض الردى قبل ورده *** ومالوا عليه بالأسنةُ شرّعا

فبادر أصحاب الحسين اليهم *** فرادى ومثنى حاسرين ودرّعا

إذا ما دنوا نحو الشريعة من ظما *** رأوا دونها زرق الأسنة مشرعا

لقد صبروا لا ضيّع اللّه صبرهم *** ولم يك عند اللّه صبر مضيّعا

الى أن ثووا صرعى على الترب حوله *** فلله ذاك المصرع الفذّ مصرعا

فهاجوا على المولى وقد ظل وحده *** فقل حُمرٌ لاقت هزبراً سميدعا

يشدّ عليهم شدةً علوية *** يظل نياط القلب منها مقطعا

كشد أبيه في الهياج وضربه *** وهل تلد الشجعان إلا المشجعا

الى أن هوى عن سرجه متعفراً *** يلاحظ فسطاط النساء مودّعا

وأقبل شمر الرجس فاحتز راسه *** وخلّف منه الجسم شلواً مبضعا

وشال سنان في السنان كريمه *** كبدر الدجى وافى من التمّ مطلعا

ومالوا على رحل الحسين وأهله *** فيا يومهم ما كان أدهى وأفظعا

فلو تنظر النسوان في ذلة السبا *** يسقن على رغم عطاشى وجوّعا

وزينب ما تنفك تدعو باختها *** أيا أخت ركني قد وهى وتضعضعا

أيا اخت من بعد الحسين نعدّهُ *** لحادثة الايام حصنا ممنعا

أيا اخت هذا اليوم آخر عهدنا *** فبعد حسين قط لن نتجمعا

أيا اخت لو أن الذي بي من الاسى *** برضوى إذن لا نهدّ أو لتزعزعا

ص: 191

فيا مؤمنا في دينه متشيّعاً *** ولا مؤمن إلا الذي قد تشيعا

اتذبح في يوم به ذبح العدى *** إمامك فاعثر عفر خديك لالعا

ويألف في عاشور جنبك مضجعا *** وترب الثرى أضحى لمولاك مضجعا

ويضحك منك الثغر من بعد ماغدا *** به ثغر مولاك الحسين مُقرّعا

وينهب فيه رحل آل محمد *** وبيتك فيه لا يزال موسعا

فيا ليت سمعي صم عن ذكر يومه *** ويا ليت لم يخلق لي اللّه مسمعا

سأبكي دما بعد الدموع لفقده *** وإن يك لم يترك لي الحزن مدمعا

برئت الى الرحمن ممن شناهم *** ولا زلت أبكيهم الى أن اشيعا

ومن ذا يلاحيني ومن ذا يلومني *** على بغض من يشنا الشفيع المشفعا

ولائي لهم شفع البرَا من عدوّهم *** لذلك أرجوهم غداً لي شُفعا

أو الي الذي سُمّي لكثرة علمه *** بطينا كما سمي من الشرك أنزعا

اشنا الذي لم يقض حق محمد *** وأجمع أن تلغى الحقوق وتمنعا

ومدح ابن حماد لآل ومحمد *** سيجزي بيوم المرء يجزى بما سعى (1)

وقال يرثيه صلوات اللّه عليه :

خواطر فكري في حشاي تجولُ *** وحزني على آل النبي يطولُ

أراق دموعي ظلم آل محمد *** وذلك رزء لو علمت جليل

تهون الرزايا عند ذكر مصابهم *** وقتلي نفسي في المصاب قليل

فذلك خطب في الزمان جليل *** وأمر عنيف في الانام مهول

مصارع أولاد النبي بكربلا *** يزلزل أطواد الحجى ويزيل

فايّ امرءٍ يرنو قبورهم بها *** وأحشاؤه بالدمع ليس تسيل

قبور عليها النور يزهو وعندها *** صعود لا ملاك السماء ونزول

قبور بها يستدفع الضر والاذى *** ويعطي بها رب العلى وينيل

ص: 192


1- عن الديوان المخطوط.

أتيت اليها زائراً يستشفني *** هوً وولاء ظاهر ودخيل

ولما رأيت الحَير (1) حارت مدامعي *** وكان لها من قبل ذاك همول

ومُثّل لي يوم الحسين ووعظه *** لاعدائه بالطف وهو يقول

أما فيكم يا أيها الناس راحم *** لعترة أولاد النبي وصول

أأقتل مظلوماً وقدماً علمتم *** بأن ليس لي في العالمين عديل

أليس أبي خير الوصيين كلهم *** أما أنا للطهر النبي سليل

أما فاطم الزهراء أمي ويلكم *** وعماي حقاً جعفر وعقيل

دعوني أرد ماء الفرات ودونكم *** لقتلي فعندي بالظماء غليل

فنادوه مهلا يا بن بنت محمد *** فليس الى ما تبتغيه سبيل

ومالوا عليه بالاسنة والظبى *** لها في حشاه رنة وصليل

فديتك روحي يا حسين ومهجتي *** وانت عفير في التراب جديل

تشلّ على جثمانك الخيل شزبا *** ورأسك في راس السنان مشيل

وجسمك عريان طريح على الثرى *** عليه خيول الظالمين تجول

بناتك تسبى كالاماء حواسراً *** ونجلك ما بين العداة قتيل

وزينب تدعو يا حسين وقلبها *** جريح لفقدان الحسين ثكول

أخي يا أخي قد كنت عزي ومنعتي *** فأصبح عزي فيك وهو ذليل

أخي يا أخي لم أعط سؤلي ولم يكن *** لاختك مأمول سواك وسول

أخي لو رأت عيناك ما فعل العدى *** بنا لرأت أمراً هناك يهول

رحلنا سبايا كالاماء حواسراً *** يجدّ بنا نحو الشام رحيل

أخي لا هنت لي بعد فقدك عيشتي *** ولا طاب لي حتى الممات مقيل

اذا كنت أزمعت الرحيل فقل لنا *** أمالك من بعد الرحيل قفول

اقول كما قد قال من قبل والدي *** وادمعه بعد البتول همول

أرى علل الدنيا علي كثيرة *** وصاحبها حتى الممات عليل

ص: 193


1- الحير هو المكان الذي يحير فيه الماء ولذلك سمي موضع مقتل الحسين (عليه السلام)بالحائر.

لكل اجتماع من خليلين فرقة *** وإن بقائي بعدكم لقليل

يري الفتى أن لا يفارق خلّه *** وليس الى ما يبتغيه سبيل

وان افتقادي فاطما بعد أحمد *** دليل على أن لايدوم خليل

عليكم سلام اللّه يا خيرة الورى *** ومَن فضلهم عند الاله جليل

بكم طاب ميلادي فان ودادكم *** على طيب ميلاد الانام دليل

وانكم أعلى الورى عند ربكم *** إذ الطرف في يوم المعاد كليل

وان موازين الخلائق حبكم *** خفيف لمن يأتي به وثقيل

وانكم يوم المعاد وسيلتي *** وما لي سواكم في الأنام وسيل

فاصفيتكم ودي ودنت بحبكم *** مقيماً عليه لست عنه أحول

فسمعا لها بكر الرثاء إذا بدت *** تتيه على أقرانها وتطول

منمقة الألفاظ من قول قادر *** على الشعر إن رام القريض يقول

لساني حسام مرهف الحد قاطع *** ورائي سديد في الأمور جميل

وذلك فضل من إلهي ونعمة *** وفضل إلهي في العباد جزيل

ألا رب مغرور بحلمي ولو درى *** لكان الى خير الأمور يؤل

تشبه لي في الشعر عجزاً وسرقة *** ( وليس سواء عالم وجهول )

ولولا حفاظ العهد بيني وبينه *** لقلت ولكن الحليم حمول

كفى أن مَن يهوى غواة أراذل *** لئام تربّوا في الخنا ونغول

وإنب بحمد اللّه ما بين عصبة *** لهم شيم محمودة وعقول

فقل للذي يبغي عنادي لحينه *** رويداً رويداً فالحديث يطول

سيعطي ابن حماد من الآل سؤله *** ويعلوه ظل في الأنام ظليل

فآمِل آلِ اللّه ينجو وغيره *** يتاه به عن قصده ويميل (1)

ص: 194


1- عن الديوان المخطوط.

وقال يرثي الحسين علیه السلام :

أتشبيبا وقد لاح المشيبُ *** وشيب الرأس منقصة وعيبُ

بياض الشيب عند البيض عار *** وداءٌ ما له أبداً طبيب

وما الانسان قبل الشيب إلا *** سديد قوله سهم مصيبُ

فان نزل المشيب فذاك وعظ *** نذير بعده الحتف القريب

وليس اللّهو يجمل والتصابي *** اذا ولّى الشباب ولا يطيب

فكفي هذه واليك عني *** فما يغترّ بالدنيا لبيب

دعيني من دلالك والتمني *** فلي جدّ تولاه الشحوبُ

ولي بالغاضرية عنك شغل *** باشجان لها كبدي تذوبُ

وذكرى للحسين بها فؤادي *** يشب لظى واجفاني تصوب

لما قد ناله من آل حرب *** وما قامت لهم معه حروبُ

فقد كانوا خداعا كاتبوه *** بكتبٍ شرحها عجب عجيب

بانك انت سيدنا فعجّل *** فقد حنت لرؤيتك القلوب

وليس لنا إمام فيه رشد *** سواك ليهتدي فيه المريب

ولكن أضمروا بغضاً وحقدا *** ضغائن في الصدور لها لهيب

تشبّ سعيرها بدر واحد *** وخيبر والأسارى والقليب

ويذكي النهر وان لها لظاها *** وصفين وهاتيك الخُطوب

فتلك وقائع قتلت رجال *** وضيم بهن شبان وشيب

فلما جاء محتملا اليهم *** وناداهمه عصوه ولم يجيبوا

فقال لهم ألا يا قوم خنتم *** وكان الغدر فيكم والشغوب

أتتنى كتبكم فأجبت لمّا *** دعوتم ضُرّعاً وأنا المجيب

فخلوا إن تخاذلتم سبيلي *** فان الأرض تمنع مَن يجوب

فقالوا لا سبيل لما تراه *** ولستَ تعود عنا أو تؤب

ومالوا بالاسنة مشرعات *** تسدّ سبيله مها الكعوب

ص: 195

فظل محامياً يسطو عليهم *** بذات شبا تواصلها شعوب

الى أن غاله سهم المنايا *** فخر وصدره بدم خضيب

وراح المهر ينعاه حزينا *** يُحمحم والصهيل له نحيبُ

فلما أن رأين السرج ملقى *** بجنبٍ والعنان له جنيب

خرجن وقلن قد قتل المحامي *** بحومتها فشُققت الجيوب

وجئنَ صوارخاً والشمر جاثٍ *** ليذبحه وفي يده القضيب

فصاحت زينب فيه وظنّت *** تدافعه ومدمعها سكوبُ

تقول له يا شمر دع لي *** اخي فهو المؤمل والحبيب

فما أبقى الزمان لنا سواه *** كفيلاً حين ندعوه يجيب

وساروا بالسباء الى يزيد *** لأرض الشام تحملهن نيب

فكم من نادبات يا أبانا *** وكم من صائحات يا غريب

وظل السبط شلواً في الفيافي *** تقلّبه الشمائل والجنوب

وتكسوه من الحلل السوافي *** فمنها برده أبداً قشيب

اذا هبّت عليه الريح طابت *** ودام لها به أوجٌ وطيب

ولم تزل الأنوف تشم منها *** عبيراً كلما حصل الهبوب

فذب يا قلب من حزن عليه *** وهل قلب دراه ولا يذوب

وصُبي الدمع يا عيني صباً *** فما فضل السحابة لا تصوب

ودونك يا بن خير الخلق نظما *** زهى فكأنه الفنن الرطيب

يوازن ما نظمت بكم قديماً *** ذريني من دلالك يا خلوب

فما العبدي عبدكم علي *** ليطرفكم بما لا يستطيب

رثاكم والدي قبلي وأوصى *** بأني لا أغبّ ولا أغيب

فوفوا لي الشفاعة يوم حشري *** فقد كثرت على صحفي الذنوب

ووفوا والدي ما كان يرجو *** فسائلكم لعمري لا يخيب

سقى اجدائكم غيث ملثّ *** يروّيها له سحّ سكوب

ولا زالت صلوة اللّه تترى *** عليكم ما شدا طير طروب

ص: 196

ولا انفكت لعائنه تنوب الا *** ولى سآؤكم فيما ينوب (1)

وقال يرثيه علیه السلام :

أرى الصبر يفنى والهموم تزيد *** وجسمي يبلى والسقام جديد

اذا ما تعمدت السلو لخاطري *** أباه فواد للهموم عتيد

وذكرني بالحزن والنوح والبكا *** غريب باكناف الطفوف فريد

يودع أهليه وداع مفارق *** لهم أبد الايام ليس يعود

كأني بمولاي الحسين وصحبه *** كانهم بين الخميس أسود

عطاشى على شاطى الفرات فما لهم *** سبيل الى شرب المياه ورود

فيا ليتني يوم الطفوف شهدتهم *** وكنتُ بما جادوا هناك أجود

لقد صبروا لا ضيع اللّه أجرهم *** الى أن فنوا من حوله وأبيدوا

وقد خرّ مولاي الحسين مجدلا *** يرى كثرة الاعداء وهو وحيد

وجاء اليه الشمر فاحتز رأسه *** مجيء نحوس وافقته سعود

وساقوا السبايا من بنات محمد *** يسوقهم قاسي الفؤاد عنيد

وفاطمة الصغرى تقول لاختها *** وقد كضّها جهدٌ هناك جهيد

أخي لقد ذابت من السير مهجتي *** سلي سائق الاضعان اين يريد

فقالت وقد أبدت من الثكل ضرّها *** مقالا تكاد الارض منه تميد

ونادت بصوت قد بكى منه حاسد *** فما حال من يبكي عليه حسود

فَنى جَلَدي يابن الوصي وليس لي *** فواد على ما قد لقيتُ جليد

فيا غائباً لا يرتجى منه أوبةٌ *** مزارك من قرب الديار بعيد

ظننت بأن تبقى فآيسني الرجا *** ويأس الرجا أمر عليّ شديد

سيعلم أعداء الحسين ورهطه *** إذا ما هُم يوم المعاد أعيدوا

وأقبلت الزهراء فاطم حولها *** ملائكة الرب الجليل جنود

وفي يدها ثوب الحسين مضمخ *** دماً ودجٌ يجري به ووريد

ص: 197


1- عن الديوان المخطوط.

فتبكي لها الأملاك كلاً وعندها

ينادي منادي الحق أين يزيد

فيؤتى به سحباً ويؤتى بقومه

وأوجههم بين الخلائق سود

فيأمر ذو العرش المجيد بقتلهم

فان قتلوا من بعد ذاك أعيدوا

وتقتلهم أبناء فاطم كلهم

وشيعتهم والعالمون شهود

ويحشرهم ربي الى ناره التي

يكون بها للظالمين خلود

إذا نضجت فيها هناك جلودهم

أعيدت لهم من بعد ذاك جلود

فما فعلت عاد قبيح فعالهم

ولا استحسنت ما استحسنته ثمود

فيا سادتي يا آل بيت محمد

ومَن هم عمادٌ للعلى وعمود

علي بن حماد بمدحكم نشا

فكان له غيش بذاك حميد

حلفت بمن حج الملبّون بيته

ووافت له بعد الوفود وفود

بأن رسول اللّه أكرم من مشى

ومن حملته في المهامه قود

وان علياً أفضل الناس بعده

وسيدها والناس بعد مسود

وان بنيه خير من وطأ الحصا

وطهّر آباء له وجدود

فلولاهم لم يخلق اللّه خلقه

ولم يك وعد فيهم ووعيد

وما خلقوا إلا ليمتحن الورى

فيشقى شقيٌ أو يفوز سعيد

فهم علّة الايجاد دون سواهم

ولولاهم ما كان ثمّ وجود

عليهم سلام اللّه ما ذرّ شارق

وما اخضر يوماً في الاراكة عود

وما حبّر العبدي فيهم مدائحا

فيحسن في تحبيرها ويجيد (1)

ص: 198


1- عن الديوان المخطوط. هذه نماذج من شعر ابن حماد العبدي ولو اردت استقصاء جميع ما قال في أهل البيت لوجب أن أفرد له مجلداً خاصاً به من هذه الموسوعة وقد أشار شيخنا الاميني سلمه اللّه الى أوائل قصائده ومطالعها وقال : هناك قصائد تعزى الى شاعرنا ابن حماد العبدي في بعض المجاميع وهي لابن حماد محمد المتأخر عن المترجم له بقرون ، منها قصيدة مطلعها : لغير مصاب السبط دمعك ضائع *** ولا انت ذا سلو عن الحزن جازعُ وقفنا على تمام هذه القصيدة وفي آخرها : لعلّ ابن حمّاد محمد عبدكم *** له في غد خير البرية شافع

أحمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني

اشارة

يا لُمّةً ضرب الزما *** ن على معرسّها خيامه

لله درّك من خزا *** مى روضة عادت ثغامه

لرزيّة قامت بها *** للدين أشراط القيامه

لمضرّجٍ بدم النبو *** ة ضارب بيد الإمامه

متقسّم بظبا السيو *** مجرّع منها حمامه

منع الورود وماؤه *** منه على طرف الثُمامه

نصّب ابن هند رأسه *** فوق الورى نصب العلامه

ومقبّل كان النبي *** بلثمه يشفي غرامه

قرع ابن هند بالقضي- *** -ب عذابه فرط استضامه

وشدا بنغمته علي- *** -ه وصبّ بالفضلات جامه

والدين أبلج ساطع *** والعدل ذوخال وشامه

يا ويح من ولى الكتا *** ب قفاه والدنيا أمامه

ليضرسنّ يد الندا *** مة حين لا تغني الندامه

وليدركنّ على الغرا *** مة سوء عاقبة الغرامه

وحمى أباح بنو أمي- *** -ة عن طوائلهم حرامه

حتى اشتفوا من يوم بد *** ر واستبدوا بالزعامه

ص: 199

لعنوا أمير المؤمني- *** -ن بمثل إعلان الإقامه

لِم لا تخرّي يا سما *** ء ولم تصبّي يا غمامه

لم لا تزولي يا جبا *** ل ولم تشولي يا نعامه

يا لعنة صارت على *** أعناقهم طوق الحمامه

إن العمامة لم تكن *** للئيم ما تحت العمامه

من سبط هند وابنها *** دون البتول ولا كرامه

يا عين جودي للبقي- *** -ع وزرّعي بدم رغامه

جودي بمذخور الدمو *** ع وأرسلي بدداً نظامه

جودي بمشهد كربلا *** ء فوفري مني ذمامه

جودي بمكنون الدمو *** ع أجد بما جاد ابن مامه (1)

ص: 200


1- أعيان الشيعة ج 8 ص 331.

أبو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن يسر الهمذاني الملقب ببديع الزمان.

ولد في 13 جمادى الآخرة 358 وقيل 353 بهمدان وتوفي سنة 398 بهراة (1) وقد أربى على أربعين سنة كما في اليتيمة. والهمذاني نسبة الى همدان بفتح الهاء والميم والذال المعجمة. والمدينة المشهورة ببلاد الجبل. في أمل الآمل : إمامي المذهب ، فاضل جليل ، حافظ أديب منشئ له المقامات العجيبة وله ديوان شعر وكان عجيب البديهة والحفظ. كان شاعراًً وكاتباً ولغوياً وفي تذكرة سبط بن الجوزي قال : ومن شعر بديع الزمان قوله :

يا دار منتجع الرسالة *** بيت مختلف الملائك

يابن الفواطم والعواتك *** والترائك والارائك

أنا حائك إن لم اكن *** مولى ولائك وابن حائك

أقول وجاء في مجمع البحرين للشيخ الطريحي : ذكر حائك عند ابي عبد اللّه علیه السلام وانه ملعون فقال علیه السلام : إنما ذلك الذي يحوك الكذب على اللّه ورسوله. ومثله قول البديع الهمداني ( يا دار منتجع الرسالة ) الابيات وقال النسابة في كتابه ( منتقلة الطالبية ) : قال بديع الزمان الهمداني يمدح ابا جعفر محمد بن موسى محمد بن القاسم بن حمزة بن الكاظم علیه السلام .

ص: 201


1- وهراة بافغانستان.

أنا في اعتقادي للتسنن *** رافضيّ في ولائك

وإن انشغلت بهؤلا *** ء فلست أغفل عن أولئك

يا عقد منتظم النبوة *** بيت مختلف الملائك

يابن الفواطم والعواتك *** والترائك والارائك

انا حائك إن لم أكن *** عبدا لعبدك ، وابن حائك

وجاء في الكنى والالقاب : ابو الفضل احمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني الشاعر المشهور فاضل جليل إمامي أديب منشئ له المقامات وهو مبدعها ونسج الحريري على منواله وزاد في زخرفتها وطبعت المقامات مكرراً وطبع بعضها مع ترجمتها باللغة الانكليزية في مدارس ، وكان بديع الزمان معجزة همدان ومن أعاجيب الزمان ، يحكى انه كان ينشد القصيدة التي لم يسمعها قط وهي اكثر من خمسين بيتاً فيحفظها كلها ويؤديها من أولها الى آخرها لا يخرم منها حرفاً ، وينظر في أربع أو خمس أوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة ثم يمليها عن ظهر قلبه ، وكان يترجم ما يقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية فيجمع فيها بين الابداع والاسراع ، ومن كلماته البديعة :

الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه.

وحكي انه مات بالسكتة وعجل دفنه فأفان في قبره وسمع صوته بالليل وانهم نبشوا قبره فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر. وذكره الثعالبي في يتيمة الدهر من جملة شعراء الصاحب بن عباد وأثنى عليه.

وجاء في روضات الجنات : أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف ببديع الزمان كان من أجلاء شعراء الامامية وكتابهم صاحب المقالات الرائقة والمقامات الفائقة ، وعلى منواله مسج الحريري مقاماته واحتذى

ص: 202

حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وانه الذي أرشده الى سلوك ذلك المنهج وعبّر عنه هنالك ببديع الزمان وعلامة همدان وقد صحب الصاحب الكبير اسماعيل بن عباد الوزير الى ان صار من خواصه وندمائه ، وله ديوان شعر مشهور ومن شعره قوله من قصيدة طويلة :

وكان يحكيك صوب الغيث منسكبا *** لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا

والدهر لو لم يخُن والشمس لو نطقت *** والليث لو لم يصُد والبحر لو عذبا

ومن شعره في ذم همدان :

همدان لي بلد أقول بفضله *** لكنه من اقبح البلدان

صبيانه في القبح مثل شيوخه *** وشيوخه في العقل كالصبيان

قال جرجي زيدان في آداب اللغة العربية : وكان سريع الخاطر قوي البديهة يقترح عليه نظم القصيدة أو إنشاء الرسالة فيفرغ منها في الوقت والساعة وربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدأ بآخر سطر منه وهلم جر الى الأول وله من المؤلفات ، رسائل مجموعة في كتاب يعرف برسائل بديع الزمان طبعت في الآستانة سنة 1298 ه- وفي بيروت سنة 1890 م وديوان شعر منه نسخة خطية في مكتبة باريس وقد طبع بمصر سنة 1321 ه- ومقامات تعرف باسمه وهي أقدم كتاب وصل الينا في هذا الفن عن فنون اللغة.

وقال في ارجوزة :

يا آل عصم انتم أولوا العِصم *** لم توسموا إلا بنيران الكرم

لا ينزع اللّه سرابيل النعم *** عنكم فلا تخطوا بها دون الامم

طابت مبانيكم وطبتم لا جرم *** يا سادة السيف وأرباب القلم

تهمى سجاياكم بعقيان ودم *** انتم فصاح ما خلا في لا ولم

الجار والعرض لديكم في حرم *** والمال للآمال نهب مقتسم

ص: 203

انتم اسود المجد لا اسد الأجم *** يا سيداً نيط له بيت القدم

بالعمد الأطول والفرع الأشم *** هل لك ان تعقد في بحر الشيم

عارفة تضرم ناراً في علم *** ويقصر الشكر عليها قل نعم

اما وانعامك انه قسم *** وثغر مجد في معاليك ابتسم

انك في الناس كبرء في سقم *** يا فرق ما بين الوجود والعدم

وبُعد ما بين الموالي والخدم *** ما أحد كهاشم وان هشم

ولا امرؤ كحاتم وان حتم *** ليس الحدوث في المعالي كالقدم

ولا شباب النبت فيها كالهرم *** شتان ما بين الذناني والقمم

ومن شعره :

يقولون لي لا تحب الوصي *** فقالت الثرى بفم الكاذب

أحب النبي وأهل النبي *** وأختص آل أبي طالب

واعطي الصحابة حق الولاء *** وأجري على السنن الواجب

فان كان نصبا ولاء الجميع *** فاني كما زعموا ناصبي

وان كان رفضا ولاء الوصي *** فلا يبرح الرفض من جانبي

فلله انتم وبهتانكم *** ولله من عجب عاجب

فلو كنتم من ولاء الوصي *** على العجب كنتُ على الغارب

يرى اللّه سري اذا لم تروه *** فلم تحكمون على غائب

ألا تنظرون لرشد معي *** ألا تهتدون الى اللّه بي

أيرجو الشفاعة من سبّهم *** بل المثل السوء للضارب

أعز النبي وأصحابه *** فما المرء إلا مع الصاحب

حنانيك من طمع بارد *** ولبيك من أمل خائب

تمنّوا على اللّه مأمولكم *** وخطّوه في المجد الذائب

نعم قبح الشتم من مذهب *** وشتامّة القوم من ذاهب

له في المكارم قلب الجبان *** وفي الشبهات يد الحاطب (1)

ص: 204


1- عن ديوانه المطبوع في مصر سنة 1321 ه- 1903 م بمطبعة الموسوعات.

قال طابع ديوانه محمد شكري المكي : هو الاستاذ فخر همذان بديع الزمان ابو الفضل احمد بن الحسين الهمذاني المتوفي سنة 398 وقد اربى على 40 سنة وله ديوان شعر هو ديوان الادب يحق أن تفخر به العجم على العرب يزري بعقود الجمان وقلائد العقيان فمنه قوله في أبي بكر الخوارزمي :

برق الربيع لنا برونق مائه *** فانظر لروعة أرضه وسمائه

فالترب بين ممسّك ومعنبرٍ *** من نوره بل مائهِ وروائه

والماء بين مصندل ومكفر *** من حسن كدرته ولون صفائه

والطير مثل المحسنات صوادحاً *** مثل المغني شادياً بغنائه

والورد ليس بممسك رياه بل *** يهدي لنا نفحاته من مائه

زمن الربيع جلبت أزكى متجر *** وجلوتَ للرائينَ خير جلائه

فكأنه هذا الرئيس اذا بدا *** في خلقِهِ وصفائه وعطائه

يعشو اليه المجتدي والمجتني *** والمحتوي هو هارب بذمائه

ما البحر في تزخاره والغيث في *** أمطاره والجَود في أنوائه

بأجلّ منه مواهباً ورغائباً *** لا زال هذا المجد حول فِنائه

والسادة الباقون سادة عصره *** متمدحين بمدحه وثنائه

ص: 205

الشريف الرضي

للسيد الرضي عليه الرحمة : قالها وهو بالحائر الحسيني يرثي جده سيد الشهداء علیه السلام :

كربلا لا زلت كرباً وبلا *** ما لقي عندك آل المصطفى

كم على تربك لما صُرّعوا *** من دم سال ومن دمع جرى

كم حصان الذيل يروى دمعها *** خدها عند قتيل بالظما

تمسح الترب على أعجالها *** عن طلا نحرٍ زميل بالدما

وضيوف لفلاة قفرة *** نزلوا فيها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا *** بحدي السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شموساً منهم *** لا تدانيها ضياء وعلا

وتنوش الوحش من أجسادهم *** أرجل السبق وأيمان الندى

ووجوه كالمصابيح فمن *** قمر غاب ومن نجم هوى

غيرتهن الليالي وغدا *** جائر الحكم عليهن البلا

يا رسول اللّه لو عاينتهم *** وهم ما بين قتل وسبا

من رميضٍ يمنع الظل ومن *** عاطش يُسقى أنابيب القنا

ومسوق عاثر يسعى به *** خلف محمول على غير وطا

متعب يشكو أذى السير على *** نقَب المنسم مهزول المطا

ص: 206

لرأت عيناك منهم منظراً *** للحشا شجواً وللعين قذى

ليس هذا لرسول اللّه يا *** امّة الطغيان والغي جزى

غارس لم يأل في الغرس لهم *** فأذاقوا اهله مرّ الجنا

جزروا جزر الاضاحي نسله *** ثم ساقوا أهله سوق الأما

معجلات لا يوارين ضحى *** سَنن الأوجه أو أبيض الطلا

هاتفات برسول اللّه في *** بُهر السير وعثرات الخطا

يوم لا كسر حجاب مانع *** بذلة العين ولا ظل خبا

أدرك الكفر بهم ثاراته *** وأدل الغي منهم فاشتفى

يا قتيلا قوّض الدهر به *** عمد الدين وأعلام الهدى

قتلوه بعد علم منهم *** أنه خامس أصحاب العبا

واصريعا عالج الموت بلا *** شدّ لحيينِ ولا مدّ ردى

غسّلوه بدم الطعن وما *** كفنّوه غير بوغاء الثرى

مرهقاً يدعو ولا غوث له *** بأبٍ برٍ وجدٍّ مصطفى

وبأمٍ رفع اللّه لها *** علماً ما بين نسوان الورى

ايّ جدٍ وأبٍ يدعوهما *** جدّ يا جدّ أغثني يا أبا

يا رسول اللّه يا فاطمة *** يا امير المؤمنين المرتضى

كيف لم يستعجل اللّه لهم *** بانقلاب الأرض أو رجم السما

لو بسبطي قيصر أو هرقل *** فعلوا فعل يزيد ما عدا

كم رقاب لبني فاطمة *** عَرقت بينهم عرق المدى

حملوا رأساً يصلّون على *** جده الأكرم طوعاً وإبا

يتهادى بينهم لم ينقضوا *** عمم الهام ولا حلوا الحبا

ميتٌ تبكي له فاطمة *** وأبوها وعليٌ ذو العلا

لو رسول اللّه يحيى بعده *** قعد اليوم عليه للعزى

معشر فيهم رسول اللّه وال- *** -كاشف الكرب اذا الكرب عرى

صهره الباذل عنه نفسه *** وحسام اللّه في يوم الوغى

ص: 207

أول الناس الى الداعي الذي *** لم يقدّم غيره لما دعا

ثم سبطاه الشهيدان فذا *** بحسى السم وهذا بالضبا

وعلي وابنه الباقر والص- *** -ادق القول وموسى والرضا

وعلي وابوه وابنه *** والذي ينتظر القوم غدا

يا جبال الأرض عزاً وعُلا *** وبدور الأرض نوراً وسنا

جعل الرزء الذي *** نالكم بيننا الوجد طويلا والبكا

لا أرى حزنكم ينسى ولا *** رزؤكم يسلى وان طال المدى

قد مضى الدهر ويمضي بعدكم *** لا الجوى باخ (1) ولا الدمع رقى

أنتم الشافون من داء العمى *** وغدا الساقون من حوض الروى

نزل الذكر عليكم بيتكم *** تخطى الناس طراً وطوى

أين عنكم لمضلّ طالب *** وضَح السبل وأقمار الدجا

أين عنكم للذي يبغي بكم *** ظل عدن دونها حر لظى

أين عنكم للذي يرجو بكم *** مع رسول اللّه فوزاً ونجى

يوم يغدو وجهه عن معشر *** معرضاً ممتنعاً عند اللقا

شاكياً منهم الى اللّه وهل *** يفلح الجيل الذي منهم شكا

رب ما آووا ولا حاموا ولا *** نصروا أهلي ولا إغنوا غنا

بدّلوا ديني ونالوا أُسرتي *** بالعظيمات ولم يرعوا الولا

لو ولي ما قد ولو من عترتي *** قائم الشرك لأبقى ورعى

نقضوا عهدي وقد ابرمته *** وعُرى الدين فما ابقوا عرى

حرمي مسترفدات ونبو *** بنتي الادنون ذبح للعدى

أترى لست لديهم كامرئ *** خلفوه بجميل اذ مضى

رب إني اليوم اليوم خصم لهم *** جئت مظلوماً وذا يوم القضا

ص: 208


1- باخ : سكن.

وقال يرثي الحسين بن علي في يوم عاشوراء سنة 391

هذي المنازل بالغميم فنادها *** واسكب سخيّ العين بعد جمادها

إن كان دين للمعالم فاقضه *** أو مهجة عند الطلول ففادها

ولقد حبست على الديار عصابة *** مضمونة الايدي الى أكبادها

حسرى تجاوب بالبكاء عيونها *** وتعط (1) للزفرات في أبرادها

وقفوا بها حتى كأن مطيهم *** كانت قوائمهن من أوتادها

ثم انثنت والدمع ماء مزادها *** ولواعج الأشجان من أزوادها

هل تطلبون من النواظر بعدكم *** شيئاً سوى عبراتها وسهادها

لم يبق ذخر للمدامع عنكم *** كلا ولا عين جرى لرقادها

شغل الدموع عن الديار بكاؤنا *** لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى *** دفع الفرات تذاد عن ورادها

أترى درت أن الحسين طريدة *** لقنا بني الطرداء عند ولادها

كانت مآتم بالعراق تعدّها *** أموية بالشام من أعيادها

ماراقبت غضب النبي وقد غدا *** زرع النبي مظنّة لحصادها

باعت بصائر دينها بضلالها *** وشرت معاطب غيّها برشادها

جعلت رسول اللّه من خصمائها *** فلبئس ما ذخرت ليوم معادها

نسل النبي على صعاب مطيها *** ودم النبي على رؤوس صعادها

وا لهفتاه لعصبة علوية *** تبعت أمية بعد عز قيادها

جعلت عران الذل في آنافها *** وعلاط وسم الضيم في أجيادها (2)

زعمت بأن الدين سوّغ قتلها *** أوليس هذا الدين عن أجدادها

طلبت ترات الجاهلية عندها *** وشفت قديم الغِل من أحقادها

واستأثرت بالأمر عن غيّابها *** وقضت بما شاءت على أشهادها

ص: 209


1- تعط : تشق.
2- العران عود يجعل في أنف البعير ، والعلاط حبل يجعل في عنقه.

اللّه سابقكم الى أرواحها *** وكسبتم الآثام في أجسادها (1)

إن قوّضت تلك القباب فانما *** خرّت عماد الدين قبل عمادها

إن الخلافة أصبحت مزوية *** عن شعبها ببياضها وسوادها

طمست منابرها علوج امية *** تنزو ذئابهم على أعوادها

هي صفوة اللّه التي أوحى لها *** وقضى أوامره الى أمجادها

أخذت بأطراف الفخار فعاذرٌ *** أن يصبح الثقلان من حُسّادها

عصب تقمّط بالنجاد وليدها *** ومهود صبيتها ظهور جيادها

تروي مناقب فضلها أعداؤها *** أبداً وتسنده الى أضدادها

يا غيرة اللّه اغضبي لنبيه *** وتزحزحي بالبيض عن أغمادها

من عصبة ضاعت دماء محمد *** وبنيه بين يزيدها وزيادها

صفدات مال اللّه ملء أكفها *** وأكف آل اللّه في أصفادها

ضربوا بسيف محمد أبناءه *** ضرب الغرائب عدن بعد ذيادها

قف بي ولو لوث الإزار فإنما *** هي مهجة علق الجوى بفؤادها

بالطف حيث غدا مراق دمائها *** ومناخ اينقها ليوم جلادها

تجري لها حبب الدموع وإنما *** حَبّ القلوب يكنّ من إمدادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة *** تترقص الأحشاء من إيقادها

ما عدتَ إلا عاد قلبي غلّةً *** حرّى ولو بالغت في إبرادها

مثل السليم مضيضة آناؤه *** خزر العيون تعوده بعدادها

يا جد لا زالت كتائب جسرة *** تغشى الضمير بكرّها وطرادها

أبداً عليك وأدمع مسفوحة *** إن لم يُراوحها البكاء يغادها

أأقول جادكم الربيع وأنتم *** في كل منزلة ربيع بلادها

أم أستزيد لكم علاً بمدائحي *** أين الجبال من الربى ووهادها

ص: 210


1- الاجساد جمع جسد وهو هنا الدم.

كيف الثناء على النجوم إذا سمت *** فوق العيون الى مدى أبعادها

أغنى طلوع الشمس عن أوصافها *** بجلالها وضيائها وبعادها

وقال أيضا يرثيه علیه السلام في يوم عاشوراء سنة 395 :

ورائك عن شاك قليل العوائد *** تقلبه بالرمل أيدي الأباعدِ

توزّع بين النجم والدمع طرفه *** بمطروفة انسانها غير راقد

ذكرتكم ذكر الصبا بعد عهده *** قضى وطراً مني وليس بعائد

اذا جانبوني جانباً من وصالهم *** علقت بأطراف المنى والمواعد

هي الدار لا شوقي القديم بناقص *** اليها ولا دمعي عليها بجامد

ولي كبد مقروحة لو أضاعها *** من السقم غيري ما بغاها بناشد

تأوّبني (1) داءٌ من الهم لم يزل *** بقلبي حتى عادني منه عائدي

تذكرتُ يوم السبط من آل هاشم *** وما يومنا من آل حربٍ بواحد

وظام يريغ الماء قد حيل دونه *** سقوه ذبابات الرقاق البوارد

أتاحوا له مرّ الموارد بالقنا *** على ما أباحوا من عذاب الموارد

بنى لهم الماضون آساس هذه *** فعلّوا على أساس تلك القواعد

رمونا كما يرمى الظماء عن الروى *** يذودوننا عن إرث جدٍ ووالد

ويا رب ساع في الليالي لقاعد *** على ما رأى بل كل ساع لقاعد

أضاعوا نفوساً بالرماح ضياعها *** يعز على الباغين منها النواشد

أألله ما تنفك في صفحاتها *** خموشٌ لكلب من أمية عاقد

لئن رقد النُصّار عما أصابنا *** فما اللّه عما نيل منّا براقد

لقد علقوها بالنبي خصومة *** الى اللّه تغني عن يمين وشاهد

ويا رب أدنى من أمية لحمة *** رمونا عن الشنان (2) رمي الجلامد

ص: 211


1- تأويني : راجعني.
2- الشنأن : البغض.

طبعنا لهم سيفاً فكنا لحدّه *** ضرائب عن أيمانهم والسواعد

الا ليس فعل الأولين وان علا *** على قبح فعل الآخرين بزائد

يريدون أن نرضى وقد منعوا الرضى *** لسير بني أعمامنا غير قاصد

كذبتك إن نازعتني الحق ظالماً *** إذا قلت يوماً أنني غير واجد

وللسيد الرضى رضی اللّه عنه في رثاء جده الحسين علیه السلام في عاشوراء سنة 377 :

صاحت بذودي بغداد فانسني *** تقلّبي في ظهور الخيل والعيرِ

وكلما هجهجت بي عن مباركها *** عارضتها بجنان غير مذعور

أطغى على قاطنيها غير مكترث *** وافعل الفعل فيها غير مأمور

خطب يهددني بالبعد عن وطني *** وما خلقت لغير السرج والكورِ

إني وإن سامني ما لا أقاومه *** فقد نجوت وقد حي غير مقمور

عجلان ألبس وجهي كل داجية *** والبر عَريان من ظبي ويعفور

ورب قائلة والهمّ يتحفني *** بناظر من نطاف الدمع ممطور

خفّض عليك فللا حزان آونة *** وما المقيم على حزن بمعذور

فقلت هيهات فات السمع لائمه *** لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور

يوم حدى الظعن فيه لابن فاطمة *** سنان مطرّد الكعبين مطرور

وخرّ للموت لا كفٌ تقلّبه *** إلا بوطيء من الجرد المحاضير

ظمآن سلّى نجيع الطعن غلّته *** عن بارد من عباب الماء مقرور

كأن بيض المواضي وهي تنهبُه *** نار تحكّم في جسم من النورِ

لله ملقى على الرمضاء غصّ به *** فم الردى بعد إقدام وتشمير

تحنو عليه الربى ظلاً وتستره *** عن النواظر أذيال الاعاصير

تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه *** وقد أقام ثلاثاً غير مقبورٍ

ومورد غمرات الضرب غرّته *** جرت عليه المنايا بالمصادير

ومستطيل على الأيام يقدرها *** جَنىُ الزمان عليه بالمقادير

ص: 212

أغرى به ابن زياد لؤم عنصره *** وسعيه ليزيد غير مشكور

وودّ أن يتلافى ما جنت يده *** وكان ذلك كسراً غير مجبورِ

تسبى بنات رسول اللّه بينهم *** والدين غض المبادي غير مستور

إن يظفر الموت منه بابن منجبة *** فطالما عاد ريّان الاظافير

يلقى القنا بجبين شان صفحته *** وقع القنا بين تضميخٍ وتعفير

من بعد ما ردّ أطراف الرماح به *** قلب فسيحٌ ورأيٌ غير محصور

والنقع يسحب من اذياله وله *** على الغزالة جيب غير مزرور

في فيلق شرق بالبيض تحسبه *** برق تدلّى على الآكام والقور (1)

بني امية ما الأسياف نائمة *** عن ساهر في أقاصي الارض موتور

والبارقات تلوّى في مغامدها *** والسابقات تمطّى في المضامير

إني لأرقب يوماً لاخفاء له *** عريان يقلق منه كل مغرور

وللصوارم ما شاءت مضاربها *** من الرقاب شرابٌ غير منزور

أكلّ يوم لآل المصطفى قمرٌ *** يهوى بوقع العوالي والمباتير

وكل يوم لهم بيضاء صافية *** يشوبها الدهر من رنق وتكدير

مغوار قوم يروع الموت من يده *** أمسى وأصبح نهباً للمغاوير

وأبيض الوجه مشهور تغطرفه *** مضى بيوم من الأيام مشهور

مالي تعجبت من همي ونفرته *** والحزن جرح بقلبي غير مسبور

باي طرف أرى العلياء ان نُضبت *** عيني ولجلجت عنها بالمعاذير

القى الزمان بكلمٍ غير مندمل *** عمر الزمان وقلب غير مسرور

يا جد لا زال لي همّ يحرّضني *** على الدموع ووجد غير مقهور

والدمع تحفره عينٌ مؤرقة *** خفر الحنيّة عن نزع وتوتير (2)

إن السلو لمحظور على كبدي *** وما السلو على قلبٍ بمحظور

ص: 213


1- القور جمع قارة : الجبيل الصغير.
2- الخفر : الدفع. والحنية القوس.

وقال يرثي جده الشهيد :

راحل أنت والليالي نزول *** ومضرّ بك البقاء الطويل

لا شجاعٌ يبقى فيعتنق *** البيض ولا آملٌ ولا مأمول

غاية الناس في الزمان فَناء *** وكذا غاية الغصون الذبول

إنما المرء للمنيّة مخبوءٌ *** وللطعن تستجمّ الخيول

مَن مقيل بين الضلوع إلى *** طول عناءٍ وفي التراب مقيل

فهو كالغيم ألّفته جنوبٌ *** يوم دجنٍ ومزّقته قبول

عادة للزمان في كل يومٍ *** يتنايء خِلٌ وتبكي طلول

فالليالي عون عليك مع البين *** كما ساعد الذوابل طول

ربما وافق الفتى من زمانٍ *** فرحٌ غيره به متبول

هي دنيا إن واصلت ذا جفت *** هذا ملالاً كأنها عطبول

كل باك يبكى عليه وإن *** طال بقاءُ والثاكل المثكول

والأمانيّ حسرة وعناء *** للذي ظن إنها تعليل

ما يُبالي الحِمام أين ترقّى *** بعدما غالت إبن فاطم غول

أيّ يوم أدمى المدامع فيه *** حادث رائع وخطب جليل

يوم عاشورٍ الذي لا أعان *** الصحب فيه ولا أجار القبيل

يا إبن بنت الرسول ضيّعت *** العهدَ رجالٌ والمحافظون قليل

ما أطاعوا النبي فيك وقد مالت *** بأرماحهم إليك الذحول

وأحالوا على المقادير في حربك *** لو أن عذرهم مقبول

وإستقالوا من بعد ما *** أجلبوا فيها أألآن أيها المستقيل

إنّ أمراً قنّعت من دونه *** السيف لمن حازه لمرعى وبيل

يا حساماً فلّت مضاربه الهام *** وقد فلّه الحسام الصقيل

يا جواداً أدمى الجواد من *** الطعن وولّى ونحره مبلول

حَجّل الخيل من دماء الأعادي *** يوم يبدو طعن وتخفى حجول

يوم طاحت أيدي السوابق في *** النقع وفاض الونى وغاض الصهيل

أتُراني أعير وجهي صوناً *** وعلى وجهه تجول الخيولُ

ص: 214

أتراني ألذّ ماءً ولما *** يُروَ مِن مهجة الامام الغليل

قبلته الرماح وانتضلت *** فيه المنايا وعانقته النصول

والسبايا على النجائب تستاق *** وقد نالت الجيوبَ الذيول

من قلوب يدمى بها ناظر *** الوجد ومن أدمع مرآها الهمول

قد سُلبن القناع عن كلّ وجهٍ ، *** فيه للصون من قناعٍ بديل

وتنقّبن بالأنامل والدمعُ على *** كل ذي نقابٍ دليل

وتشاكين والشكاةُ بكاءٌ *** وتنادين والنداء عويل

لا يغبّ الحادي العنيف *** ولا يفترّ عن رنّة العديل العديل

ياغريب الديار صبري غريبٌ *** وقتيلَ الأعداءِ نومي قتيل

بي نزاع يطغي اليك *** وشوق وغرام وزفرة وعويل

ليت أني ضجيع قبرك أو *** أن ثراه بمدمعي مطلول

لا أغبّ الطفوف في كل يوم *** من طراق الأنواءِ غيث هطول

مطرٌ ناعم وريح شمال *** ونسيم غضّ وظلّ ظليل

يا بني أحمدٍ الى كم سناني *** غائب عن طعانه ممطول

وجيادي مربوطة والمطايا *** ومقامي يروع عنه الدخيل

كم الى كم تعلو الطغاة وكم *** يحكم في كل فاضل مفضول

قد أذاع الغليل قلبي ولكن *** غير بدع أن استطبّ العليل

ليت أني أبقى فامترق الناس *** وفي الكفّ صارم مسلول

وأجرّ القنا لثاراتِ يوم الطف *** يستلحق الرعيل الرعيل

صبغ القلب حبكم صبغة الشيب *** وشيبي لولا الردى لا يحول

انا مولاكم وان كنت منكم *** والدي حيدر وأمي البتول

وإذا الناس أدركوا غاية الفخر *** شأآهم مَن قال جدي الرسول

يفرح الناس بي لأني فضلٌ *** والأنام الذي أراه فضول

فهم بين منشدٍ ما أفقّيه *** سروراً وسامع ما أقول

ليت شعري مَن لائمي في مقال *** ترتضيه خواطر وعقول

ص: 215

الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المنقبتين ابي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر علیه السلام .

ولد سنة 359 ببغداد وتوفي سنة 406 في السادس من المحرم ودفن بداره في بغداد ثم نقل الى مشهد الحسين علیه السلام بكربلا.

نظم الشعر في عهد الطفولة ولم يزد عمره على عشر سنين فأجاد وحلق وحاز قصب السبق بغير منازع ، ولم تكن للرضي سقطات كما لغيره من الشعراء.

أما إباؤه وعزه نفسه فكان لا يرى أحق بالخلافة منه فاسمعه حيث يقول :

ما مقامي على الهوان وعندي *** مقول صارمٌ وأنف حميّ

وإباء محلّق بي عن الضيم *** كما راغ طائر وحشيّ

أحمل الضيم في بلاد الأعادي *** وبمصر الخليفة العلويّ

من أبوه ابي ومولاه مولاي *** اذا ضامني البعيد القصيّ

لفّ عرقي بعرقه سيد *** الناس جميعاً محمد وعليّ

إن ذلي بذلك الجوّ عزٌ *** وأوامي بذلك النقع ريّ

قد يذل العزيز ما لم يشمّر *** لانطلاق وقد يظام الابيّ

إن شراً عليّ إسراع عزمي *** في طلاب العلى وحظي بطيّ

أرتضي بالأذى ولم يقف العز *** م قصوراً ولم تعزّ المطيّ

كالذي يخبط الظلام وقد أقمر *** من خلفه النهار المضيّ (1)

قال ابن أبي الحديد كان الرضي لعلوّ همته تنازعه نفسه الى أمور عظيمة يجيش بها خاطره وينظمها في شعره ولا يجد من الدهر عليها مساعداً فيذوب

ص: 216


1- الذمر : الملامة والحض والتهدد.

كمداً ويفنى وجدا حتى توفي ولم يبلغ عرضا فمن ذلك قوله :

ما أنا لعلياء إن لم يكن *** من ولدي ما كان من والدي

ولا مشت بي الخيل إن لم أطأ *** سرير هذا الاصيد الماجد

وحسبك من جرأته وعلوّ نفسه ما خاطب به القادر باللّه الخليفة العباسي :

عطفا أمير المؤمنين فإننا *** في دوحة العلياء لا نتفرق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت *** أبداً كلانا في المعالي مُعرق

إلا الخلافة ميزتك فإنني *** انا عاطل منها وأنت مطوق

فقال له القادر باللّه : على رغم انف الشريف. وروى أنه كان يوماً عند الخليفة الطايع باللّه العباسي وهو يعبث بلحيته ويرفعها الى أنفه فقال له الطائع : أظنك تشم منها رائحة الخلافة ، قال : بل رائحة البنوة. وكان يلقب بذي الحسبين. لقّبه بذلك بهاء الدولة بن بويه ، وكان يخاطبه بالشريف الأجل.

قال صاحب عمدة الطالب : كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة ، ولي نقابة الطالبيين مراراً وكانت له إمارة الحج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب ثم تولى ذلك بعد أبيه مستقلا ، وحج بالناس مرّات.

وهو اول طالبي جعل عليه السواد. وكان أوحد علماء عصره واتصف الشريف الرضي بإباء النفس وعلوّ الهمة وكان رفيع المنزلة سامي المكانة يطمح الى معالي الامور ، وبلغ من ابائه وعفته انه لم يقبل من احد صلة أو جائزة وتشدد في ذلك فرفض قبول ما يجريه الملوك والأمراء على أبيه من الصلاة والهبات مدة حياته ، وبذل آل بويه كل ما في وسعهم لحمله على قبول صلاتهم فلم يقبل وقال - وقد ساءه أمر صدر من أبيه ومن أخيه -

ص: 217

تهضمني مَن لا يكون لغيره *** من الناس إطراقي على الهون أو أغضي

إذا اضطرمت ما بين جنبيّ غصة *** وكاد فمي يمضي من القول ما يمضي

شفعت الى نفسي لنفسي فكفكفت *** من الغيظ واستعطفت بعضىٍ على بعضي

أما مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره وقد قيل ان الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى ، والمرتضي اشعر العلماء لولا الرضي. وهذه مؤلفاته تعطينا صورة جلية عن براعته فهذا ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل ) كما يقول ابن جني - صنّف الرضي كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله. وكتاب ( المجازات النبوية ) و ( تلخيص البيان عن مجازات القرآن ) وغيرها. وهو الذي جمع كلام امير المؤمنين واسماه نهج البلاغة قال السيد الامين في الجزء الاول من الاعيان : والشريف الرضي محمد بن الحسين الذي قيل فيه انه افصح قريش الذين هم أفصح العرب لأنه مكثر مجيد ولأن المجيد من الشعراء ليس بمكثر والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين الاكثار والاجادة وامره في الورع والفضل والعلم والادب وعفة النفس وعلو الهمة والجلالة اشهر من أن يذكر. اقول وكفى بعظمته أن تكون فيه اللياقة والأهلية لأن ينسب الناس اليه نهج البلاغة وهل يليق بأحد كلام سيد البلغاء وإمام الفصحاء وهو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق وتظهر عظمة السيد من تعليقه على كلام الامام وتقريضه له وشرحه لمفرداته. قالوا عن السيد الرضي رحمه اللّه : ولما تمّ وكمل بدره وبلغ سبع واربعين عمره اختار اللّه له دار بقاءه فناداه ولباه وفارق دنياه وذلك في بكرة يوم الاحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة فقامت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرّتها وجبهة الدهر غرّتها وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم يمت ذكره وخلد مع الأيام نظمه وونثره واللّه يتولاه بعفوه وغفرانه ويحييه بروحه وريحانه ، لما قضى نحبه حضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ومضى

ص: 218

أخوه السيد المرتضى من جزعه عليه الى مشهد جده موسى بن جعفر علیه السلام لأنه لم يستطع أن ينظر الى جنازة أخيه ودفنه ، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ومضى بنفسه آخر النهار الى السيد المرتضى الى المشهد الكاظمي فالزمه بالعود الى داره ورثاه أخوه المرتضى بأبيات منها :

يا للرجال لفجعة جذمت يدي *** ووددت لو ذهبت عليّ برأسي

ما زلت أحذر وردها حتى أتت *** فحسوتها في بعض ما أنا حاسي

ومطلتها زمناً فلما صممت *** لم يثنها مطلي وطول مكاسي

لله عمرك من قصير طاهر *** ولرب عمر طال بالادناس

ورثاه تلميذه مهيار الديلمي بقصيدة منها :

ورثاه تلميذه مهيار الديلمي بقصيدة منها (1) :

بكر النعيّ من الرضى بمالك *** غاياتها متعوداً قدامَها

كلح الصباح بموته عن ليلة *** نفضت على وجه الصباح ظلامها

بالفارس العلوي شق غبارها *** والناطق العربي شقّ كلامها

سلب العشيرة يومه مصباحها *** مصلاحها عمّالها علامها

برهان حجتها التي بهرت به *** أعداءها وتقدمت اعمامها

قال السيد الأجل السيد علي خان رحمه اللّه في أنوار الربيع : وشقت هذه المرثية على جماعة ممن كان يحسد الرضي رضي اللّه تعالى عنه على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته فرثاه بقصيدة أخرى مطلعها في براعة الاستهلال كالاولى وهو :

ص: 219


1- وأولها : من جب غارب هاشم وسنامها *** ولوي لوياً فاستزل مقامَها وغزى قريشاً بالبطاح فلفّها *** بيدٍ وقوض عزها وخيامها ومنها : ابكيك للدنيا التي طلقتها *** وقد اصطفتك شبابها وغرامها ورميت غاربها بفضلة معرض *** زهداً وقد القت اليك زمامها

أقريش لا لفم أراك ولا يد *** فتواكلي غاض الندى وخلا الندي

وما زلت معجباً بقوله منها :

بكر النعي فقال أودى خيرها *** إن كان يصدق فالرضي هو الردي

وما أحسن قوله من جملتها :

يا ناشد الحسنات طوّف فالياً (1) *** عنها وعاد كأنه لم يَنشُدِ

اهبط الى مضرٍ فسل حمراءها *** مَن صاح بالبطحاء يا نار احمدي

فجعت بمعجز آية مشهودة *** ولربّ آياتٍ لها لم تُشهدِ

كانت إذا هي في الامامة نوزعت *** ثم ادعت بك حقها لم تُجحد

تبعتك عاقدة عليك امورَها *** وعُرى تميمك (2) بعدُ لمّا تعقد

ورآك طفلا شيبُها وكهولها *** فتزحزحوا لك عن مكان السيد

ولد الرضي سنة تسع وخمسين وثلثمائة ، وتوفي يوم الأحد سادس المحرم سنة ست واربعمائة ودفن في داره ثم نقل الى مشهد الحسين « ع » فدفن عند ابيه. وابوه الطاهر ذو المناقب الشريف الأوحد نقيب النقباء امير الحجيج السفير بين الملوك ، امه موسوية. ولي القضاء بين الطالبيين وخصومهم من العامة.

وجاء في ص 339 من السنة 3 من مجلة المرشد البغدادية هكذا.

موسى ( الابرش ) ابن محمد ( الاعرج ) ابن موسى ( ابي سبحة ) ابن ابراهيم ( المرتضى ) ابن الامام موسى الكاظم علیه السلام وهو جد المرتضى والرضي.

ص: 220


1- فالياً : باحثاً.
2- التميمة ما يعلّق في عنق الصبي اتقاء من العين.

أقول : والد المرتضى والرضي هو احمد الطاهر الحسين بن موسى الذي يسمى بالابرش.

وقال السيد حسن الصدر قدس سره في كتابه ( نزهة اهل الحرمين ) : لقد تعرضتُ في تكملة امل الامل الى تحقيق قبري السيدين المرتضى والرضي وانهما في كربلاء ، وان المكان المعروف في بلد الكاظمية بقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولاً ثم نقلا منه الى كربلاء ، ولا بأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضا ، وإنما أبقوه كذلك لعظم شأنهما.

قال رحمه اللّه يفتخر بأهل البيت علیهم السلام ويذكر قبورهم ويتشوقها :

ألا لله بادرة الطلاب *** وعزم لا يروّع بالعتاب

وكل مشمر البردين يهوي *** هوي المصلتات (1) الى الرقاب

أعاتبه على بعد التنائي *** ويعذلني على قرب الاياب

رأيت العجز يخضع لليالي *** ويرضى عن نوائبها الغضاب

ولولا صولة الايام دوني *** هجمت على العلى من كل باب

ومن شيم الفتى العربي فينا *** وصال البيض والخيل العراب

له كذب الوعيد من الاعادي *** ومن عاداته صدق الضراب

سأدرّع الصوارم والعوالي *** وما عرّيت من خلع الشباب

واشتمل الدجى والركب يمضي *** مضاء السيف شذّ عن القراب

وكم ليل عبأت له المطايا *** ونار الحي حائرة الشهاب

لقيت الارض شاحبة المحيا *** تلاعب بالضراغم والذئاب

فزعت الى الشحوب وكنت طلقا *** كما فزع المشيب الى الخضاب

ولم نرَ مثل مبيض النواحي *** تعذبه بمسوّد الإهاب

أبيت مضاجعاً أملي وإني *** أرى الآمال أشقى للركاب

ص: 221


1- المصلتات : السيوف.

إذا ما اليأس خيّبنا رجونا *** فشجعنا الرجاء على الطلاب

أقول اذا استطار من السواري *** زفون القطر رقاص الحباب (1)

كأن الجو غصّ به فأومى *** ليقذفه على قمم الشعاب

جدير أن تصافحه الفيافي *** ويسحب فوقها عذب الرباب

اذا هتم (2) التلاع رأيت منه *** رضاباً في ثنيّات الهضاب

سقى اللّه المدينة من محلٍ *** لباب الماء والنطف العذاب

وجاد على البقيع وساكنيه *** رخيّ الذيل ملآن الوطاب

وأعلام الغري وما استباحت *** معالمها من الحسب اللباب

وقبراً بالطفوف يضم شلواً *** قضى ظمأ الى بَرد الشراب

وسامراً وبغداداً وطوساً *** هطول الودق منخرق العباب

قبور تنطف العبرات فيها *** كما نطف الصبير (3) على الروابي

فلو بخل السحاب على ثراها *** لذابت فوقها قطع السراب

سقاك فكم ظمئت اليك شوقاً *** على عُدواء داري واقترابي

تجافي يا جنوب الريح عني *** وصوني فضل بردك عن جنابي

ولا تسري إليّ مع الليالي *** وما استحقبت من ذاك التراب

قليل أن تقاد له الغوادي *** وتنحر فيه أعناق السحاب

أما شَرق التراب بساكنيه *** فيلفظهم الى النعم الرغاب

فكم غدت الضغائن وهي سكرى *** تدير عليهم كاس المصاب

صلاة اللّه تخفق كل يوم *** على تلك المعالم والقباب

وإني لا أزال اكرّ عزمي *** وإن قلّت مساعدة الصحاب

واخترق الرياح الى نسيم *** تطلع من تراب أبي تراب

بودي ان تطاوعني الليالي *** وينشب في المنى ظفري ونابي

ص: 222


1- السواري : جمع سارية السحاب. زفون القطر : دفاع المطر. الحباب : فقاقيع الماء.
2- الهتم : كسر الثنايا من أصلها.
3- الصبير : السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض.

فارمي العيس نحوكم سهاماً *** تغلغل بين أحشاء الروابي

ترامى باللغام على طلاها *** كما انحدر الغثاء عن العُقاب (1)

وأجنَب بينها خرق المذاكي *** فأملي باللغام على اللغاب

لعلي أن ابلّ بكم غليلاً *** تغلغل بين قلبي والحجاب

فما لقياكم إلا دليل *** على كنز الغنيمة والثواب

ولي قبران بالزوراء أشفي *** بقربهما نزاعي واكتئابي

أقود اليهما نفسي واهدي *** سلاماً لا يحيد عن الجواب

لقائهما يطهر من جناني *** ويدرأ عن ردائي كل عاب

قسيم النار جدي يوم يلقى *** به باب النجاة من العذاب

وساقي الخلق والمهجات حرّى *** وفاتحة الصراط الى الحساب

ومن سمحت بخاتمه يمين *** تضن بكل عالية الكعاب

اما في باب خيبر معجزات *** تصدق أو مناجاة الحُباب

ارادت كيده واللّه يأبى *** فجاء النصر من قبل الغراب

أهذا البدر يكسف بالدياجي *** وهذي الشمس تطمس بالضباب

وكان إذا استطال عليه جانٍ *** يرى ترك العقاب من العقاب

أرى شعبان يذكرني اشتياقي *** فمن لي أن يذكركم ثوابي

بكم في الشعر فخري لا بشعري *** وعنكم طال باعي في الخطاب

اجلّ عن القبائح غير أني *** لكم أرمي وأرمى بالسباب

فأجهر بالولاء ولا أورّي *** وأنطق بالبراء ولا أحابي

ومَن أولى بكم مني وليّاً *** وفي أيديكم طرف انتسابي

محبكم ولو بغضت حياتي *** وزائركم ولو عقرت ركابي

تباعد بيننا غِيَرُ الليالي *** ومرجعنا الى النسب القراب (2)

ص: 223


1- اللغام : لعاب الابل والطلى العنق والغثاء البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل والعقاب جمع عقبة مرقى صعب من الجبال.
2- القراب : القريب.

وقال وقد بلغه عن بعض قريش افتخار على ولد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام :

يُفاخرنا قومٌ بمن لم يَلدهم *** بتيم اذا عدّ السوابق أو عدي

وينسون مَن لو قدموه لقدّموا *** عذار جواد في الجياد مقلُد

فتى هاشم بعد النبي وباعها *** لمرمى عُلى أو نيل مجد وسؤدد

ولولا عليٌ ما علوا سرواتها *** ولا جعجعوا منها بمرعى ومورد

أخذنا عليهم بالنبي وفاطم *** طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي احمد ووصيه *** رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحُزناً عتيقاًوهو غاية فخركم *** بمولد بنت القاسم بن محمد

فجدّ نبيٍّ ثم جدّ خليفة *** فما بعد جدّينا عليٍ واحمد

وما افتخرت بعد النبي بغيره *** يد صفقت يوم البياع على يد

وفي ثنايا شعره يتمدح كثيراً بجده الحسين سيد أهل الاباء قال من قصيدة :

وجدى خابط البيداء حتى *** تبدّى الماء من ثَغَب الرعان

قضى وجياده حول المعالى *** ووفد ضيوفه حول الجفان

تكفّنه شَبا بيض المواضي *** ويغسله دم السمر اللدان

ومن روائعه التي سارت مسير الامثال :

الا إن رمحاً لا يصول لنبعة *** وإن حساماً لا يقد قطيعُ

وقوله :

وموت الفتى خير له من حياته *** اذا جاور الايام وهو ذليل

وقوله :

اذا العدو عصاني خاف حدّيدي *** وعرضه آمن من هاجرات فمي

ص: 224

وقوله :

تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه *** وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه

وقوله :

يمضي الزمان ولا نحسّ كأنه *** ريح يمرّ ولا يشم نسيمها

وقوله :

فليت كريم قوم نال عرضي *** ولم يدنس بذم من لئيم

وقوله :

ومنظر كان بالسراء يضحكني *** يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

وقوله :

يا قوم ان طويل الحلم مفسدة *** وربما ضرّ إبقاء وإحسان

وقوله :

وما تنفع المرء الشمال وحيدة *** اذا فارقتها بالمنون يمينُ

وقوله :

لا تجعلن دليل المرء صورته *** كم مخبر سمج عن منظر حسنِ

وقوله :

اذا ما الحُرّ أجدب في زمان *** فعفّته له زاد وماء

وقوله :

أوطأتموه على جمر العقوق ولو *** لم يُحرج الليث لم يخرج من الاجم

ص: 225

وقوله :

قد يقدع المرء وإن كان ابن عم *** ويقطع العضو الكريم للألم

وقال رحمه اللّه :

وكم صاحبٍ كالرمح زاغت كُعوبُه *** أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما

تقبّلتُ منه ظاهراً متبلّجاً *** وأدمج دوني باطناً متجهّما

فأبدى كروض الحزن رقت فروعه *** وأضمر كالليل الخداري مُظلما

ولو أنني كشّفته عن ضميره *** أقمتُ على ما بيننا اليوم مأتما

فلا باسطاً بالسوء إن سائني يداً *** ولا فاغراً بالذم إن رابني فما

كعضوٍ رمت فيه الليالي بفادح *** ومن حملَ العضو الأيم تألما

إذا أمر الطب اللبيب بقطعه *** أقول عسى ظناً به ولعلّما

صبرتُ على إيلامه خوفَ نِقصِه *** ومن لام مَن لا يرعوي كان ألوما

هي الكف مُضنِ تركها بعد دائها *** وإن قُطعت شانت ذراعاً ومعصما

أراك على قلبي وإن كنتُ عاصياً *** أعزّ من القلب المطيع وأكرما

حملتك حملَ العين لجّ بها القّذى *** فلا تنجلي يوماً ولا تبلغ العمى

دع المرء مطويّاً على ما ذممتَه *** ولا تنشر الداءَ العضال فتندما

اذا العضوُ لم يؤلمك إلا قطعته *** على مضض لم تبق لحماً ولا دما

ومن لم يوطّن للصغير من الأذى *** تعرّض ان يلقى اجل وأعظما

وقال في الاقبال والادبار :

المرءُ بالإقبال يبلغُ *** وادعاً خطراً جسيما

واذا انقضى إقباله *** رجع الشفيعَ له خصيما

وهو الزمان إذا نبا *** سلب الذي أعطى قديما

كالريح ترجع عاصفاً *** من بعد ما بدأت نسيما

ص: 226

وقال في اخوان الرخاء :

أعددتكم لدفاع كل ملمّة *** عني فكنتم عون كلُ ملمة

وتخذتكم لي جنةً فكأنما *** نظر العدوّ مقاتلي من جنتي

فلأرحلن رحيل لا متلهّف *** لفراقكم أبداً ولا متلفت

ولا نفضن يديّ يأساً منكم *** نفض الأنامل من تراب الميت

تحقيق حول قبر السيدين المرتضى والرضي

ذكر كثير من المؤرخين عند ترجمة الشريف الرضي نقل جثمانه الى كربلاء المقدسة بعد دفنه بداره بالكرخ ، فدفن عند ابيه ابي احمد الحسين بن موسى.

ويظهر من التاريخ ان قبره كان في القرون الوسطى مشهوراً معروفاً في الحائر المقدس. قال صاحب عمدة الطالب : وقبره في كربلاء ظاهر معروف وقال في ترجمة اخيه المرتضى : دفن عند ابيه واخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة. وروي في كتاب مدينة الحسين (عليه السلام) عن السيد محمد مهدي بحر العلوم الكبير قال : ان موضع قبر الشريف الرضي عند قبر جده ابراهيم المجاب ، وهو في آخر الرواق فوق الرأس في الزاوية الغربية من الحرم الحسيني. وروى السيد حسن الصدر في كتابه نزهة الحرمين في عمارة المشهدين ان قبر الشريف الرضي عند قبر والده خلف الضريح الحسيني بستة أذرع ولعل هذا القبر هو الذي لاحظه العلامة السيد حسن اغا مير بنفسه عند التعميرات التي اجريت داخل الروضة المطهرة في سنة 1367 ه- ، وقال : هناك خلف الضريح بستة اذرع ثلاثة قبور شاهدت ذلك بنفسي عند حفر الاسس لدعائم القبه التي جرى بناؤها مؤخراً ب- ( الكونكريت ) المسلّح ، فرجوت المعمار عدم مس تلك القبور الثلاثة. ومن المرجح ان هذه القبور الثلاثة هي لأبي أحمد الحسين بن موسى مع ولديه محمد الملقب بالشريف الرضي ، وعلي الملقب بالمرتضى. اقول :

ص: 227

نقلنا هذا باختصار عن اجوبة المسائل الدينية السنة الثانية ص ت 318 وجاء في مقدمة ديوان السيد المرتضى المطبوع في مصر بقلم الدكتور مصطفى جواد أقوال المؤرخين في نقل الشريف المرتضى من داره بالكرخ الى كربلاء بجوار جده الحسين (عليه السلام) وقال السيد جعفر بحر العلوم في تحفة العالم ممن فاز بحسن الجوار ميتاً الشريف ابو احمد الحسين بن موسى والد الشريفين الرضي والمرتضى سنة 400 ببغداد وقد اناف على التسعين ثم حمل الى الحائر فدفن قريباً من قبر الحسين (عليه السلام) وفي كتاب الدرجات الرفيعة انه مدفون معه ولداه الرضي والمرتضى بعد ان دفنا في دارهم في بلد الكاظمين ثم نقلا الى جوار جدهما الحسين (عليه السلام).

وقال ابن شدقم الحسيني في كتابه زهر الرياض وزلال الحياض ان في سنة (942) نبش قبره بعض قضاة الأروام فرآه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئا ، وحكى من رآه أثر الحِنّاء في يده ولحيته وقد قيل أن الأرض لم تغيّر أجساد الصالحين. انتهى

وقال جدي بحر العلوم بعد نقل ما ذكر : والظاهر أن قبر السيد وقبر أخيه وأبيه في المحل المعروف بابراهيم المجاب. انتهى

وقيل انهم مدفونون مع ابراهيم الاصغر ابن الامام الكاظم وان قبره خلف ظهر الحسين بستة اذرع.

ص: 228

القسم الثاني

اشارة

ص: 229

ص: 230

شعراء القرن الخامس الهجري

اشارة

ابو نصر بن نباتة

المهيار الديلمي

الشريف المرتضي

ابو العلاء المعري

زيد بن سهل الموصلي النحوي

أحمد بن عبد اللّه ( ابن زيدون )

أحمد بن أبي منصور القطان

ابن جبر المصري

الامير عبد اللّه بن محمد بن سنان الخفاجي

ص: 231

ص: 232

أبو نصر بن نباتة

قال ابو نصر بن نباتة المتوفى 405 :

والحسين الذي رأى الموت في العزّ *** حياة والعيش في الذل قتلا (1)

قال الشيخ القمي في الكنى : ابن نباتة بضم النون هو ابو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن احمد بن نباتة الشاعر المشهور الذي طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء ، وله في سيف الدولة ابن حمدان غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرساً أدهم اغر محجلا.

له ديوان شعر كبير ومن شعره :

ومَن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحدُ

وهو الذي حكي عنه انه ذكر ان رجلاً من المشرق ورجلاً من الغرب وردا عليه وأرادا منه أن يأذنهما لروايته. توفى ببغداد سنة 405.

أقول وهذه الكنية تطلق على جماعة. منهم ابو يحيى عبد الرحيم بن محمد ابن اسماعيل بن نباتة الفارقي صاحب الخطب المعروفة المتوفي 374 وقد يطلق على جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري الاديب الشاعر المتوفى سنة 768.

ص: 233


1- رواها السيد الأمين في الأعيان ج 4 القسم الأول.

المهيار الدسليمي

قال يرثي الحسين علیه السلام في شهر المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة :

مَشين لنا بين ميلٍ وهيفِ *** فقل في قناةٍ وقل في نزيف (1)

على كل غصنٍ ثمارُ الشبا *** بِ من مجتنيه دواني القطوفِ

ومن عجب الحسنِ أن الثقي- *** -ل منه يُدلّ بحمل الخفيف

خليليّ ما خُبر ما تبصرا *** ن بين خلاخيلها والشنوف

سلاني به فالجمال اسمه *** ومعناه مفسدةً للعفيف

أمن « عربية » تحت الظلام *** تولّجُ ذاك الخيالِ المطيف؟

سرى عينها أو شبيهاً فكا *** د يفضح نومي بين الضيوف

نعم ودعا ذكرَ عهدِ الصبا *** سيلقاه قلبي بعهدٍ ضعيف

« بآل عليّ » صروف الزمان *** بسطنَ لساني لذمّ الصروف

مصابي على بُعد داري بهم *** مصابُ الأليف بفقد الأليف

وليس صديقي غيرَ الحزين *** ليوم « الحسين » وغير الأسوف

هو الغصن كان كميناً فهبّ *** لدى « كربلاء » بريح عصوفِ

قتيلٌ به ثار غلّ النفوس *** كما نغر الجرح حكّ القروف

بكل يدٍ أمس قد بايعته *** وساقت له اليوم أيدي الحتوف

ص: 234


1- عن ديوان المهيار ، طبع مصر.

نسوا جدّه عند عهد قريبٍ *** وتالَده مع حقّ طريف

فطاروا له حاملين النفاق *** بأجنحة غِشّها في الحفيف

يعزّ عليّ ارتقاء المنون *** الى جبلٍ منك عال منيف

ووجهك ذاك الأعزّ التريب *** يُشهّر وهو على الشمس موفي

على ألعن امره قد سعى *** بذاك الذميل وذاك الوجيفِ

وويل امّ مأمورهم لو أطاع *** لقد باع جنّته بالطفيفِ

وأنت - وإن دافعوك - الإمام *** وكان أبوك برغم الأنوف

لمن آيةُ الباب يومَ اليهود *** ومَن صاحبُ الجنّ يوم الخسيف

ومَن جمع الدينَ في يوم « بدرٍ » *** « وأحدٍ » بتفريق تلك الصفوف

وهدّم في اللّه أصنامهم *** بمرأى عيونٍ عليها عكوف

أغير أبيك إمام الهدى *** ضياء النديّ هزبر العزيف

تفلّل سيفٌ به ضرّجوك *** لسوّدَ خزياً وجوهَ السيوف

أمرّ بفيّ عليك الزلال *** وآلم جلدي وقع الشفوف

أتحملُ فقدَك ذاك العظيم *** جوارح جسمي هذا الضعيف؟

ولهفي عليك مقالُ الخبي- *** -ر : أنك تبردُ حرّ اللّهيف

أنشرك ما حملَ الزائرو *** ن أم المسكُ خالط تُرب الطفوف؟

كان ضريحك زهر الربي- *** -ع هبّت عليه نسيمُ الخريف

أحبّكم ما سعى طائفٌ *** وحنّت مطّوقة في الهتوف

وإن كنت من « فارس » فالشري- *** -فُ معتلقٌ ودّه بالشريف

ركبت - على من يعاديكم *** ويفسد تفضيلكم بالوقوف -

سوابق من مدحكم لم أهَب *** صُعوبة ريّضها والقَطوف (1)

تُقَطّر غيرى أصلابها *** وتزلّق أكفالها بالرديف (2)

ص: 235


1- القطوف : الدابة التي تسيء السير وتبطئ.
2- تقطر : تلقي الانسان على قطره وهو كاثبته وعجزه ، والكاثبة : اعلى الظهر.

المهيار الديلمي

اشارة

المتوفي سنة 428

هو أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي في الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد دل على ذلك شعره العالي وأدبه الجزل وديوانه الفخم وكما كان عربياً في أدبه فهو علويُ في مذهبه مسلم في دينه يعتز ويفتخر باسلامه ويتمدح بآبائه الا كاسرة ملوك الشرق وجمع بين فصاحة العرب ومعاني العجم. أسلم على يد السيد الشريف الرضي سنة 394 وتخرج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادي الثانية سنة 428 وجاهد بلسانه عن أهل البيت ومدح عليا وعدد مناقبه بشعر بديع ودافع عن حقوقه في الخلافة دفاعاً حاراً مؤثرا.

قال بعض العلماء : خيار مهيار خير من خيار الرضي وليس للرضي رديّ أصلا. قال ابن خلكان : كان جزل القول مقدماً على أهل وقته وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات ، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وذكره ابو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال :

هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر وكاتب تجلى كل كلمه من كلماته كاعب وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه يلو وليت فهي مصبوبة بقوالب القلوب وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب ويتوب ، وللسيد جمال

ص: 236

الدين أحمد بن طاوس قدس سره شرح على لامية مهيار أسماه ( كتاب الازهار في شرح لامية مهيار ).

من أشهر الشعراء الذين برزوا في النصف الاخير من القرن الرابع والنصف الاول من القرن الخامس الهجري ولعله كان أشهرهم على الاطلاق بعد استاذه الشريف الرضي ، اشتهر بالكتابة والادب والفلسفة كما اشتهر بالشعر ، كان ثائر النفس عالي الهمة قوي الشخصية معتزاً بأدبه ونسبه وهذا الذي دفعه لأن يقول :

أُعجبت بي بين نادى قومها *** أمّ سعد فمضت تسألُ بي

سرّها ما علمت من خلقي *** فارادت علمها ما حسبي

لا تخالي نسباً يخفضني *** انا من يرضيك عند النسب

قومي استولوا على الدهر فتى *** ومشوا فوق رؤوس الحقب

عمموا بالشمس هاماتهم *** وبنوا أبياتهم بالشهب

وأبي كسرى على أيوانه *** أين في الناس ابٌ مثل أبي

سورة الملك القدامى وعلى *** شرف الاسلام لي والادب

قد قبستُ المجد من خير أبٍ *** وقبست الدين من خير نبي

وضممتُ الفخر من أطرافه *** سودد الفرس ودينَ العرب

فهو كما نراه يعتز بنسبه كما يعتز بدينه وعقيدته وأي انسان لا يعتز بقوميته ولا يفخر بنسبه ، اما ان المهيار يوصم بالشعوبية لانه فخر بآبائه فذلك فما لا يقرّه الوجدان. لقد سئل الامام زين العابدين علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب علیهم السلام عن العصبية فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شراراً قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم ، انك لتقرأ في شعر مهيار من الاعتزاز بالاسلام اكثر من اعتزازه بابائه فأسمه يقول في قصيدته بعد أن أنعم اللّه عليه بنعمة الاسلام ثم يعيب على

ص: 237

قومه حيث لم يهتدوا الى رشدهم ويرجعوا عن سفههم ويعيب عبادة النار.

دواعي الهوى لك أن لا تجيبا *** هجرنا تُقى ما وصلنا ذنوبا

قَفَونا غرورك حتى انجلت *** أمورٌ أرينَ العيون العيوبا

نصبنا لهم أو بلغنا بها *** نُهىً لم تدع لك فينا نصيبا

وهبنا الزمان لها مقبلا *** وغصن الشبيبة غضاً قشيبا

فقل لمخوّفنا أن يحول *** صِباً هَرماً وشباب مشيبا

وددنا لعفّتنا أننا *** وُلدنا اذا كُره الشيب شيبا

وبلّغ اخا صحبتي عن اخيك *** عشيرته نائياً أو قريبا

تبدلتُ من ناركم ربّها *** وخبثِ مواقدها الخلدَ طيبا

حبستُ عناني مستبصراً *** بأيّة يستبقون الذنوبا

نصحتكم لو وجدتُ المصيخ (1) *** وناديتكم لو دعوتُ المجيبا

أفيئوا فقد وعد اللّه في *** ضلالة مثلكم أن يتوبا

وإلا هلموا أباهيكم *** فمن قام والفخر ، قام المصيبا

أمثل محمد المصطفى *** اذا الحكمُ ولّيتموه لبيبا

بعدلٍ مكانَ يكون القسيم *** وفصلٍ مكان يكون الخطيبا

أبان لنا اللّه نهج السبيل *** ببعثته وأرانا الغيوبا

لئن كنتُ منكم فان الهجين *** يُخرج في الفلتات النجيبا

وقال يرثي أهل البيت علیهم السلام ويذكر بيان البركة بولائهم فيما صار اليه :

في الظِباء الغادين أمس غزالُ *** قال عنه ما لا يقول الخيال

طارق يزعم الفراقَ عتابا *** ويرينا أن الملالَ دلالُ

لم يزل يخدع البصيرة حتى *** سرّنا ما يقول هو محالُ

لا عدمتُ الأحلامَ كم نوّلتني *** من منيعٍ صعبٍ عليه النوال

ص: 238


1- المصيخ : المصغي.

لم تنغّص وعداً بمطل ولو يو *** جب له مِنّةً عليّ الوصال

فلليلي الطويل شكري ودينُ ال- *** -عشق أن تُكره الليالي الطوال

لمن الظُّعُن غاصبتنا جمالا؟ *** حبذا ما مشت به الأجمالُ!

كانفاتٍ بيضاءَ دلّ عليها *** أنها الشمس أنها لا تنالُ

جمع الشوق بالخليع فأهلاً *** بحليمٍ له السلوّ عقال

كنتُ منه أيامَ مرتعُ لذّا *** تي خصيبٌ وماء عيشي زلال

حيث ضلعي مع الشباب وسمعي *** غَرضٌ لا تصيبه العُذّال

يا نديميّ كنتما فافترقنا *** فاسلواني ، لكل شيء زوال

ليَ في الشيب صارف ومن الحز *** ن على « آل أحمد » إشغال

معشر الرشد والهدى حَكَم البغ- *** -ي عليهم - سفاهةً - والضلال

ودعاة اللّه استجابت رجالُ *** لهم ثم بُدّلوا فاستحالوا

حملوها يوم « السقيفة » أوزا *** را تخفّ الجبال وهي ثقال

ثم جاؤوا من بعدها يستقيلو *** ن وهيهات عثرةٌ لا تُقال

يا لها سوءة إذا « أحمد » قا *** م غداً بينهم فقال وقالوا

ربع هميّ عليهم طلَلٌ با *** ق وتبلى الهموم والأطلال

يا لقومٍ إذ يقتلون « علياً » *** وهو للمحل فيهم قتّال

وتحالُ الأخبار واللّه يدري *** كيف كانت يوم « الغدير » الحال

ولسبطين تابعَيه فمسمو *** مٌ عليه ثرى « البقيع » يُهال

درسوا قبره ليخفى عن الزوّار *** هيهات! كيف يخفى الهلال!

وشهيدٍ « بالطف » أبكى السموا *** تِ وكادت له تزول الجبال

يا غليلي له وقد حُرّم الما *** ء عليه وهو الشراب الحلال

قطعت وصلة « النبي » بأن تق- *** -طع من آل بيته الأوصال

لم تنجّ الكهولَ سنّ ولا *** الشبان زهد ولا نجا الأطفال

لهفَ نفسي يا آل « طه » عليكم *** لهفةً كسبها جوىً وخَبال

وقليل لكم ضلوعي تهت- *** -زّ مع الوجد أو دموعي تذال

ص: 239

كان هذا كذا وودّي لكم حس- *** -ب وما لي في الدين بعدُ اتصال

وطروسي سود فكيف بي الآ *** ن ومنكم بياضها والصّقال

حبكم كان فكّ أسرى من الشر *** ك وفي منكبي له أغلال

كم تزمّلتُ بالمذلة حتى *** قُمت في ثوب عزّكم أختالُ

بركات لكم محت من فؤادي *** ما مَلّ الضلالَ عمّ وخال

ولقد كنت عالماً أن إقبا *** لي بمدحي عليكم إقبال

لكم من ثنايَ ما ساعَدَ العم- *** -رُ فمنه الإبطاء والاعجال

وعليكم في الحشر رجحانُ ميزا *** ني بخيرٍ لو يُحصَر المثقال

ويقيني أن سوف تصدُق آما *** لي بكم يومَ تكذب الآمال (1)

وقال يمدح أهل البيت علیهم السلام :

سلا مَن سلا : مَن بنا استبدلا *** وكيف محا الآخر الأولا

وأي هوىً حادث العهد أم- *** -س أنساه ذاك الهوى المُحولا؟

وأين المواثيق والعاذلات *** يضيق عليهنّ أن تعذلا؟

أكانت أضاليل وعدِ الزما *** ن أم حلم الليل ثم انجلى؟

وممّا جرى الدمع فيه سؤا *** ل مَن تاه بالحسن أن يسألا

أقول « برامة » : يا صاحبي *** مَعاجاً - وإن فعلا - : أجملا

قفا لعليل فإن الوقوف *** وإن هو لم يشفه علّلا

بغربي « وجرةَ » ينشدنه *** وإن زادنا صلةً منزلا

وحسناء لو أنصفت حسنها *** لكان من القبح أن تبخلا

رأت هجرها مرخصا من دمي *** على النأى علقاً قديماً غلا

ورُبّت واشٍ بها منبضٍ (2) *** أسابقه الردّ أن يُنبلا

رأى ودّها طللا ممحلا *** فلفّق ما شاء أن يَمحَلا

ص: 240


1- عن الديوان.
2- المنبض : الذي يشد وتر القوس.

وألسنة كأعالي الرماح *** رددتُ وقد شرعت ذبلا

ويأبى « لحسناءَ » إن أقبلت *** تعرّضها قمراً مقبلا

سقى اللّه « ليلاتنا بالغوي- *** -ر » فيما أعلّ وما أنهلا

حياً كلما أسبلت مقلة *** - حنينا له - عبرة أسبلا

وخصّ وإن لم تعد ليلةً *** خلت فالكرى بعدها ما حلا

وفي الطيف فيها بميعاده *** وكان تعوّد أن يمطلا

فما كان أقصر ليلي به *** وما كان لو لم يزر أطولا

مساحبُ قصّر عني المشي- *** -بُ ما كان منها الصّبا ذيّلا

ستصرفني نزوات الهمو *** م بالأرَب الجِدّ أن أهزلا

وتنحتُ من طرفي زفرة *** مباردها تأكل المنصلا

وأغرى بتأبين آل النب- *** -يّ إن نسّب الشعر أو غزّلا

بنفسي نجومهم المخمَداتِ *** ويأبى الهدى غير أن تشعَلا

وأجسام نور لهم في الصعي- *** -دِ تملؤه فيضيء الملا

ببطن الثرى حملُ ما لم تطق *** على ظهرها الأرض ان تحملا

تفيض فكانت ندىً أبحرا *** وتهوي فكانت عُلاً أجبلا

سل المتحدي بهم في الفخا *** ر ، أين سمت شرفات العلا :

بمن باهل اللّه أعداءه *** فكان الرسول بهم أبهلا؟

وهذا الكتاب وإعجازه *** على مَن؟ وفي بيت مَن؟ نزّلا

« وبدر » و « بدر » به الدين ت- *** -مّ مَن كان فيه جميلَ البلا؟

ومَن نام قوم سواه وقام؟ *** ومَن كان أفقّه أو أعدلا

بمن فصل الحكم يوم « الحنين » *** فطبق في ذلك المفصلا؟

مساعٍ أطيل بتفصيلها *** كفى معجزاً ذكرها مجملا

يمينا لقد سلّط الملحدون *** على الحق أو كاد أن يبطلا

فلولا ضمان لنا في الطهور *** قضى جَدلُ القول أن نخجلا

أألله يا قوم يقضي « النبي » *** مطاعاً فيعصى وما غسّلا!

ص: 241

ويوصي فنخرُص دعوى علي- *** -ه في تركه دينَه مهمَلا!

وتجتمعون على زعمهم *** وينبيك « سعدٌ » بما أشكلا!

فيعقب إجماعهم أن يبي- *** -ت مفضولهم يقدُم الأفضلا

وأن ينزع الأمر من أهله *** لأنّ « علياً » له أُهّلا

وساروا يحطّون في آله *** بظلمهم كلكلا كلكلا

تدّب عقارب من كيدهم *** فتفنيهم أوّلاً أوّلا

أضاليل ساقت صاب ( الحسين ) *** وما قبل ذاك وما قد تلا

« أميّة » لابسة عارَها *** وإن خفى الثأر أو حُصّلا

فيوم « السقيفة » يابن النب- *** -يّ طرّق يومك في « كربلا »

وغصبُ أبيك على حقّه *** وأمّك حَسّنَ أن تُقتَلا

أيا راكباً ظهر مجدولةٍ *** تُخالُ اذا انبسطت أجدلا

شأت أربع الريح في أربعٍ *** اذا ما انتشرن طوين الفلا

اذا وكلت طرفها بالسما *** ء خيل بادراكها وكّلا

فعزّت غزالتها غُرةً *** وطالت غزال الفلا أيطلا (1)

كطيتك في منتهى واحد *** - لتدركَ يثربَ - أو مرقلا

فصل ناجيا وعليّ الأمانُ *** لمن كان في حاجة موصلا

تحمّل رسالة صبٍ حملت *** فنادِ بها « أحمدَ » المرسلا

وحيّ وقل : يا نبي الهدى *** تأشَب نهجُك واستوغلا

قضيتَ فأرمضنا ما قضيت *** وشرعك قد تمّ واستكملا

فرام ابن عمّك فيما سنن- *** -تَ أن يتقبّل أو يَمثُلا

فخانك فيه من الغادري- *** -ن مَن غيّر الحق أو بدّلا

الى أن تحلّت بها « تيمها » *** وأضحت « بنو هاشم » عُطّلا

ولما سرى امرُ « تيمٍ » أطا *** ل بيتُ عديٍّ لها الأحبلا

ص: 242


1- الأيطل : الخاصرة.

ومدّت « أميةُ » أعناقها *** وقد هوّن الخطبُ واستسهلا

فنال « ابن عفّان » ما لم يكن *** يظنّ وما نال بل نُوّلا

فقرّ وأنعم عيش يكو *** ن من قبله خشناً قلقلا

وقلّبها « أرد شيريةً » *** فحرّق فيها بما أشعلا

وساروا فساقوه أو أوردوه *** حياض الردّى منهلاً منهلا

ولما امتطاها « عليّ » أخو *** ك ردّ الى الحق فاستُثقلا

وجاؤا يسومونه القاتلين *** وهم قد ولوا ذلك المقتلا

وكانت هَناةٌ وأنت الخصيم *** غداً والمعاجَلُ من أُمهِلا

لكم آل « ياسين » مدحي صفا *** وودي حلا وفؤادي خلا

وعندي لأعدائكم نافذا *** تُ قولي [ ما ] صاحبَ المقولا

اذا ضاق بالسير ذرع الرفيق *** ملأتُ بهنّ فروجَ الملا

فواقرُ من كل سهمٍ تكون *** له كلّ جارحةٍ مقتلا

وهلا ونهج طريق النجاة *** بكم لاح لي بعد ما أشكلا؟

ركبتُ لكم لقمي فاستننتُ *** وكنتُ أخابطه مجهلا (1)

وفُكّ من الشرك أسري وكا *** ن غلاً على منكبي مقفَلا

أواليكم ما جرت مزنةٌ *** وما اصطخب الرعد أوجلجلا

وأبرأُ ممن يعاديكم *** فإن البراءة اصل الولا

ومولاكم لا يخاف العقاب *** فكونوا له في غدٍ موئلا

وقال يرثي أمير المؤمنين علياً وولده الحسين علیهماالسلام ويذكر مناقبهما في المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة :

يزور عن « حَسناء » زورة خائفِ *** تعرّضُ طيفِ آخرَ الليل طائف (2)

فأشبهها لم تغدُ مسكاً لناشقٍ *** كما عوّدت ولا رحيقاً لراشفِ

ص: 243


1- استننت : ذهبت في واضح الطريق. والمجهل : القفر.
2- عن الديوان.

قصيةُ دارٍ قرّبَ النومُ شخصها *** ومانعة أهدت سلام مساعف

ألينُ وتغري بالإناء كأنما *** تبرّ بهجراني أليه حالفِ

و « بالغور » للناسين عهدي منزل *** حنانيك من شاتِ لديه وصائفِ

أغالط فيه سائلاً لا جهالة *** فأسال عنه وهو بادي المعارف

ويعذلني في الدار صحبي كأنني *** على عَرَصات الحب أولُ واقفِ

خليليّ إن حالت - ولم أرض - بيننا *** طوالُ الفيافي أو عِراض التنائفِ

فلا زرّ ذاك السجفُ إلا لكاشفٍ *** ولا تمّ ذاك البدر إلا لكاسف

فإن خفتما شوقي فقد تأمنانِه *** بخاتلةٍ بين القنا والمخاوف

بصفراء لو حلت قديماً لشارب *** لضنّت فما حلّت فتاةً لقاطف

يطوف بها من آل « كسرى » مقرطق *** يحدّث عنها من ملوك الطوائف

سقى الحسن حمراء السلافة خدّه *** فأنبع نبتاً أخضراً في السوائف

وأحلف أنى شُعشعت لي بكفّه *** سلوتُ سوى همٍّ لقلبي محالفِ

عصيت على الأيام أن ينتزعنه *** بنهي عذولٍ أو خداعِ ملاطفِ

جوى كلما استخفى ليخمد هاجه *** سنا بارقٍ من أرض « كوفان » خاطف

يذكّرني مثوى « عليّ » كأنني *** سمعت بذاك الرزء صيحة هاتف

ركبت القوافي ردف شوقي مطيّةً *** تخبّ بجاري دمعي المترادف

الى غايةٍ من مدحه إن بلغتها *** هزأتُ بأذيال الرياح العواصف

وما أنا من تلك المفازة مدرك *** بنفسي ولو عرّضتها للمتالف

ولكن تؤدّي الشهد إصبع ذائقٍ *** وتعلقُ ريح المسك راحةُ دائف (1)

بنفسي مَن كانت مع اللّه نفسه *** اذا قلّ يوم الحق مَن لم يجازف

إذا ما عزوا ديناً فآخر عابدٍ *** وإن قسموا دنياً فأول عائفِ

كفى « يوم بدر » شاهد « وهوازن » *** لمستأخرين عنها ومزاحف

« وخيبر » ذات الباب وهي ثقيلة ال- *** -مرام على أيدي الخطوب الخفائف

ص: 244


1- الدائف : الخالط الذي يخلط المسك بغيره من الطيب.

أبا « حسنٍ » إن أنكروا الحق [ واضحاً ] *** على أنه واللّه إنكارُ عارف

فإلا سعى للبين أخمص بازلٍ *** وإلا سمت للنعل إصبع خاصف

وإلا كما كنتَ ابنَ عمٍّ ووالياً *** وصهراً وصفوا كان مَن لم يقارف

أخصّك بالتفضيل إلا لعلمه *** بعجزهم عن بعض تلك المواقف

نوى الغدر أقوام فخانوك بعده *** وما آنف في الغدر إلا كسالف

وهبهم سفاها صححوا فيك قوله *** فهل دفعوا ما عنده في المصاحف

سلام على الاسلام بعدك إنهم *** يسومونه بالجور خطة خاسف

وجدّدها « بالطف » بابنك عصبة *** أباحوا لذاك القرف حكّة قارف

يعزّ على « محمد » بابن بنته *** صبيب دمٍ من بين جنبيك واكفِ

أجازَوك حقاً في الخلافة غادروا *** جوامع منه في رقاب الخلائف

أيا عاطشاً في مصرعٍ لو شهدتُه *** سقيتك فيه من دموعي الذوارف

سقى غلّتي بحر بقبرك إنني *** على غير إلمامٍ به غير آسف

وأهدى اليه الزائرون تحيّتي *** لأشرف إن عيني له لم تشارف

وعادوا فذرّوا بين جنبيّ تربةً *** شفائي مما استحقبوا في المخاوف

أُسرّ لمن والاك حب موافق *** وأبدي لمن عاداك سبّ مخالف

دعيّ سعى سعي الأسود وقد مشى *** سواه اليها أمس مشيَ الخوالف (1)

وأغرى بك الحساد أنك لم تكن *** على صنم فيما روَوه بعاكف

وكنت حصان الجيب من يد غامرٍ *** كذاك حصان العرض من فم قاذف

وما نسب ما بين جنبيّ تالدٌ *** بغالب ودٍّ بين جنبيّ طارف

وكم حاسد لي ودّ لو لم يعش ولم *** أنابله (2) في تأبينكم وأسايف

تصرّفت في مدحيكم فتركته *** يعضّ عليّ الكفّ عضّ الصوارف

هواكم هو الدنيا وأعلم أنه *** يبيّضُ يومَ الحشر سودَ الصحائف

ص: 245


1- الخوالف : النساء.
2- انابله : أراميه بالنبل. أسايف : أجالده بالسيف.
وقال يفتخر بابائه ويذكر سبقهم بالملك والسياسة ثم يذكر أهل البيت علیهم السلام وهي أول قوله في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة :

أتعلمين يا بنة الأعاجمِ *** كم لأخيكِ في الهوى من لائمِ

يهبّ يلحاه بوجهٍ طلقٍ *** ينطق عن قلبٍ حسودٍ راغم

وهو مع المجد على سبيله *** ماض مضاء المشرفيّ الصارم

ممتثلا ما سنّه آباؤه *** إن الشبول شبه الضراغم

من أيكةٍ مذ غرستها « فارس » *** ما لان غمزاً فرعها لعاجم

لمن على الارض - وكانت غيضة - *** أبنيةُ لا تُبتغى لهادم؟

مَن فرس الباطل بالحق ومَن *** أرغم للمظلوم أنف الظالم

إلا « بنو ساسان » أو جدودهم *** طِر بخوافيهم وبالقوادم

أيهم أبكى دما فكلّهم *** يجلّ عن دموعي السواجم

كم جذبت ذكراهم من جلدي *** جذب الفريق من فؤاد الهائم

لا غرو والدنيا بهم طابت اذا *** لم تحل يوماً بعدهم لطاعم

[ ما ] اختصمتني فيهم قبيلة *** إلا وكنت غصّة المخاصم

ولا نشرت في يدي فضلهم *** إلا نثرتُ ملء عقد الناظم

إن يجحد الناس علاهم فبما *** أنكر روض نعم الغمائم!!

أو قلّد الصارم غير ربه *** فليس غير كفه للقائم

أحق بالأرض اذا أنصفتم *** عامرها بشرف العزائم

ياناحلى مجدهم أنفسهم *** هُبوا فللأضغاث عينُ الحالم

شتان رأس يفخر التاج به *** وأرؤسُ تفخر بالعمائم

كم قصّرت [ سيوفهم ] عن جارهم *** خطى الزمان قايماً بقائم

ودفعت حماتهم عن نوبٍ *** عظائمٍ تكشف بالعظائم

وخوّلوا من [ نعمةٍ ] واغتنموا *** جُلّ السماح عن يمين غارم

مناقب تفتق ما رقّعتم *** من بأس « عمرو » وسماح « حاتم »

ص: 246

ما برحت مظلمةَ ديناكم *** حتى أضاء كوكب في « هاشم »

بنتم به وكنتم من قبله *** سراً يموت في ضلوع كاتم

حللتم بهديه ويمنه *** بعد الوهاد في ذرى العواصم

وعاد ، هل من مالكٍ مسامحٍ *** تدعون هل من مالكٍ مقاوم؟

تخفق راياتكم منصورة *** إذا ادرعتم باسمه في جاحم (1)

عُمّر منكم في أذى تفضحكم *** أخباره في سير الملاحم

بين قتيل منكم محاربٍ *** يكفُر أو منافقٍ مسالم

ثم قضى مسلّما من ريبةٍ *** فلم يكن من غدركم بسالم

نقضتم عهوده في أهله *** وحلتم عن سنن المراسم

وقد شهدتم مقتل ابن عمّه *** خير مصلٍّ بعده وصائم

وما استحل باغياً إمامكم *** « يزيد » « بالطف » من « ابن قاطم »

وها إلى اليوم الظبا خاضبةُ *** من دمه مناسر القشاعم

« والفرس » لما علقوا بدينه *** لم تنل العُروة كفّ فاصم

فمن إذاً أجدر أن يملكها *** موقوفةً على النعيم الدائم؟

لا بدّ يوماً أن تقال عثرة *** من سابقٍ أو هفوةُ من حازم

لو هبّت الريح نسيما أبدا *** لم يتعوذ من أذى السمائم

أو أمنت حسناء طول عمرها - *** عيناً لما احتاجت الى التمائم

خذ يا حسودي بين جنبيك جوىً *** يرمى الى قلبك بالضرائم

واقنع فقد فتّك غير خاملٍ *** بالصغر أن تقرعَ سنّ نادم

لا زلت منحوس الجزاء قلقاً *** بوادعٍ وسِهراً لنائم

ص: 247


1- الجاحم : الحرب وشدة القتل فيها.
وقال يمدح أهل البيت علیهم السلام :

بكى النار ستراً على الموقد *** وغار يغالط في المُنجد

أحبّ وصان فورّى هوىً *** أضلّ وخاف فلم ينشد؟

بعيد الإصاخة عن عاذلٍ *** غنى التفرّد عن مًسعد

حمول على القلب وهو الضعيف *** صبور عن الماء وهو الصّدي

وقورٌ وما الخرقُ من حازمٍ *** متى ما يَرح شيبه يغتدي

ويا قلب إن قادك الغانيات *** فكم رسنٍ فيك لم ينقد

أفق فكأني بها قد أُمِرّ *** بأفواهها العذب من موردي

وسُوّد ما ابيضّ من ودها *** بما بيّض الدهر من أسودي

وما الشيب أول غدر الزمان *** بلى من عوائده العوّد

لحا اللّه حظي كما لا يجود *** بما استحق وكم أجتدي

وكم أتعلل عيش السقيم *** أذمّم يومي وأرجو غدي

لئن نام دهري دون المنى *** وأصبح عن نَيلها مُقعدي

ولم أك أحمد أفعاله *** فلي أسوة ببني « أحمد »

بخير الورى وبني خيرهم *** اذا وَلَد الخير لم يولد

وأكرم حيّ على الأرض قام *** وميتٍ توسّد في ملحد

وبيتٍ تقاصر عنه البيوت *** وطال عليّاً على الفرقد

تحوم الملائك من حوله *** ويصبح للوحى دار الندي

ألا سَل « قريشاً » ولُم منهم *** مَن استوجب اللوم أو فنّد

وقل : ما لكم بعد طول الضلا *** ل لم تشكروا نعمة المرشد؟

أتاكم على فترةٍ فاستقام *** بكم جائرين عن المقصد

وولّى حميداً الى ربّه *** ومن سَنّ ما سنّه يُحمَد

وقد جعل الأمر من بعده *** « لحيدر » بالخبر المسند

وسمّاه مولىً بإقرار مَن *** لو اتبع الحق لم يجحد

ص: 248

فملتم بها - حسد الفضل - عنه *** ومن يكُ خير الورى يُحسدِ

وقلتم : بذاك قضى الاجتماع *** ألا إنما الحق للمفرد

يعزّ على « هاشم » و « النبي » *** تلاعبُ « تيمٍ » بها أو « عَدي »

وإرثُ « عليِّ » لأولاده *** اذا آيةُ الإرث لم تفسد

فمن قاعدٍ منهم خائف *** ومِن ثائر قام لم يُسعد

تسلّط بغياً أكفُ النفا *** ق منهم على سيّدٍ سيّد

وما صرفوا عن مقام الصلاة *** ولا عُنّفوا في بُنى المسجد

أبوهم وأمهم من علم- *** -تَ فانقص مفاخرهم أو زِد

أرى الدين من بعد يوم « الحسين » *** عليلاً له الموتُ بالمرصد

وما الشرك لله من قبله *** اذا انت قستَ بمستبعد

وما آل « حربٍ » جنوا إنما *** أعادوا الضلال على من بُدي

سيعلم مَن « فاطم » خصمُه *** بأيّ نكالٍ غداً يرتدي

ومَن ساء « أحمد » يا سبطه *** فباء بقتلك ماذا يدي؟

فداؤك نفسي ومَن لي بدا *** ك لو أن مولىً بعبدٍ فُدي

وليتَ دمي ما سقى الأرض منك *** يقوت الرّدى وأكون الرّدي

وليت سبقتُ فكنتُ الشهيد *** أمامك يا صاحب المشهد

عسى الدهر يشفى غداً من عِدا *** ك قلب مغيظٍ بهم مكمد

عسى سطوة الحق تعلو المحال *** عسى يغلبُ النقص بالسؤدد

وقد فعل اللّه لكنني *** أرى كبدي بعدُ لم تبرد

بسمعي لقائمكم دعوة *** يلبي لها كل مستنجد

أنا العبد وآلاكم عُقده *** اذا القول بالقلب لم يعقد

وفيكم ودادي وديني معاً *** وإن كان في « فارس » مولدي

خصمت ضلالي بكم فاهتديت *** ولولاكم لم أكن اهتدي

وجردتموني وقد كنت في *** يد الشرك كالصارم المغمد

ولا زال شعري من نائحٍ *** ينقّل فيكم الى منشد

ص: 249

وما فاتني نصركم باللسان *** اذا فاتني نصركم باليد (1)

وقال يذكر مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات اللّه عليه وسلامه ، وما مني به من أعدائه :

إن كنتَ ممن يلجُ « الوادي » فسل *** بين البيوت عن فؤادي : ما فعل

وهل رأيت - والغريب ما ترى - *** واجد جسمٍ قلبه منه يضل؟

وقل لغزلان « النقا » : مات الهوى *** وطلقت بعدكم بنت الغزل

وعاد عنكنّ يخيبُ قانصٌ *** مَدّ الحبالات لكنّ فاحتبل

يا من يرى قتلى السيوف حظرت *** دماؤهم ، اللّه في قتلى المقل

ما عند سكان « مِنىً » في رجلِ *** سباه ظبيٌ وهو في ألف رجل

دافع عن صفحته شوك القنا *** وجرحته أعين السرب النُجل

دمٌ حرام للأخ المسلم في *** أرض حرامٍ ، يال « نعم » كيف حلّ؟!

قلت : شكا ، فأين دعوى صبره *** كُرّي اللحاظ واسئلى عن الخبَل

عنّ هواك فأذل جلدي *** والحب ما رقّ له الجلد وذل

مَن دلّ مسراكِ عليّ في الدجي *** هيهات في وجهك بدرٌ لا يدلّ

رُمتِ الجمال فملكت عنوةً *** أعناق ما دقّ من الحسن وجل

لواحظاً علّمت الضرب الظبا *** على قوامٍ علّم الطعن الأسل

يا من رأى « بحاجر » مجاليا *** من حيث ما استقبلها فهي قِبل

اذا مررت بالقباب من « قبا » *** مرفوعةً وقد هوت شمس الأصل (2)

فقل لأقمار السماء : اختمري *** فحلبة الحسن لأقمار الكِلل

أين ليالينا على « الخيف » وهل *** يردّ عيشاً بالحمى قولك : هَل؟

ما كنّ إلا حُلًماً روّعه *** الصبحُ وظِلاً كالشباب فانتقل

ما جمعت قط الشباب والغنى *** يدُ امرئٍ ولا المشيبَ والجذل

ص: 250


1- عن الديوان.
2- الاصل جمع اصيل وهو وقت ما بعد العصر الى المغرب.

يا ليت ما سوّد أيام الصبا *** أعدى بياضاً في العذارين نزل

ما خلتُ سوداء بياضي نصَلت *** حتى ذوى أسود رأسي فنصل (1)

طارقة من الزمان أخذت *** أواخر العيش بفرطات الأول

قد أنذرت مبيضة ان حذّرت *** ونطقَ الشيب بنصحٍ لو قُبِل

ودلّ ما حط عليك من سنى *** عمرك أن الحظ فيما قد رحل

كم عِبرةٍ وأنت من عظاتها *** ملتفتٌ تتبع شيطان الامل

ما بين يمناك وبين أختها *** إلا كما بين مناك والأجل

فاعمل من اليوم لما تلقى غدا *** أو لا فقل خيراً توفّق للعمل

ورِد خفيف الظهر حول اسرةٍ *** إن ثقّلوا الميزان في الخير ثَقل

اشدد يداً بحب آل « أحمد » *** فإنه عقدة فوزٍ لا تُحل

وابعث لهم مراثياً ومدحاً *** صفوة ما راض الضمير ونخل

عقائلا تصان بابتذالها *** وشاردات وهي للسارى عُقُل

تحمل من فضلهم ما نهضت *** بحمله أقوى المصاعيب الذّلل

موسومةً في جبهات الخيل أو *** معلّقات فوق أعجاز الإبل

تنثو (2) العلاء سيّدا فسيداً *** عنهم وتنعى بطلا بعد بطل

الطيبون أزراً تحت الدجى *** الكائنون وَزرا (3) يوم الوجل

والمنعمون والثرى مقطّب *** [ من جدبه ] والعام غضبان أزِل

خير مصلّ ملكا وبشرا *** وحافيا داس الثرى ومنتعِل

هم وأبوهم شرفاً وأمهم *** أكرم مَن تحوي السماء وتُظِل

لا طلقاء منَعمٌ عليهم *** ولا يجارون اذا الناصر قل (4)

ص: 251


1- نصل : خرج من خضابه.
2- تنثو تذيع.
3- الوزر الملجأ.
4- يشير الى فتح مكة لما منّ رسول اللّه على أهل مكة وقال اذهبوا فانتم الطلقاء.

يستشعرون « اللّه أعلى في الورى » *** وغيرهم شعاره « أعلُ هُبل » (1)

لم يتزخرف وثنُ لعابدٍ *** منهم يُزيغ قلبه ولا يضل

ولا سرى عرق الإماء فيهم *** خبائث ليست مريئات الأكل

يا راكباً تحمله « عيدية » *** مهوية الظهر بعضّات الرحل

ليس لها من الوجا (2) منتصر *** إذا شكا غاربها حيف الإطل (3)

تشرب خمسا وتجر رعيها *** والماء عدّ (4) والبنات مكتهل

اذا اقتضت راكبها تعريسة (5) *** سوّفها الفجر ومنّاها الطفل (6)

عرّج بروضات « الغرى » سائفا (7) *** أزكى ثرى وواطئا أعلى محل

وأدّ عني مُبلغا تحيتي *** خير « الوصيين » أخا خير الرسل

سمعا « امير المؤمنين » إنها *** كناية لم تك فيها منتحل

ما « لقريش » ما ذقتك عهدها *** ودا مجتك ودها على دخل (8)

وطالبتك عن قديم غِلّها *** بعد أخيك بالترات والذحل

وكيف ضموا أمرهم واجتمعوا *** فاستوزروا الرأي وانت منعزل

وليس فيهم قادح بريبة *** فيك ولا قاضٍ عليك بوهل

ولا تُعدّ بينهم منقبة *** إلا لك التفصيل منها والجُمل

وما لقومٍ نافقوا « محمدا » *** عمر الحياة وبغوا فيه الغيل!

وتابعوه بقلوبٍ نزل « ال- *** -فرقان » فيها ناطقاً بما نزل

ص: 252


1- هبل صنم كان في الكعبة ، ويشير بذلك الى قول أبي سفيان في يوم أحد أعل هبل. فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أجيبوه وقولوا : اللّه أعلى وأجل.
2- الوجا : الحفا.
3- الاطل : الخاصرة.
4- العد : الغزير الذي لا ينقطع.
5- التعريسية : نزول القوم آخر الليل للاستراحة.
6- الطفل : قبيل غروب الشمس.
7- سائفا : ساماً.
8- الدخل : الخداع والغش.

مات فلم تنعق على صاحبه *** ناعقة منهم ولم يرغِ جمل

ولا شكا القائم في مكانه *** منهم ولا عنفهم ولا عذل

فهل ترى مات النفاق معه *** أم خلصت أديانهم لما نُقل

لا والذي أيّده بوحيه *** وشده منك بركن لم يزل

ما ذاك إلا ان نياتُهُم *** في الكفر كانت تلتوى وتعتدل

وأن وَدّاً بينهم دل على *** صفائه رضاهم بما فعل

وهبهم تخرصا قد ادعوا *** أن النفاق كان فيهم وبطل

فما لهم عادوا وقد وليتهم *** فذكروا تلك الحزازات الأول!

وبايعوك عن خداع ، كلهم *** باسط كفٍ تحتها قلبٌ نغِل

ضرورة ذاك كما عاهد مَن *** عاهد منهم « أحمدا » ثم نكل

وصاحب الشورى لما ذاك ترى *** عنك - وقد ضايقه الموت - عدل

« والأمويُ » ما له أخرّكم *** وخص قوماً بالعطاء والنفل

وردها عجماء « كسرويّةً » *** يضاع فيها الدين حفظا للدول

كذاك حتى أنكروا مكانه *** وهم عليك قدّموه فقبل

ثم قسمتَ بالسواء بينهم *** فعظم الخطب عليهم وثقل

فشحذت تلك الظبا وحفرت *** تلك الزبى وأضرمت تلك الشعل

مواقف في الغدر يكفي سُبةً *** منها وعاراً لهم « يوم الجمل »

( وإن تكن ذات الغبيط أقلعت *** بزعم من اكدّ ذاك ونقل )

( فما لها تمنع من دفن ابنه *** لولا هناة جرحها لم يندمل )

يا ليت شعري عن أكف أرهفت *** لك المواضي وانتحتك بالذبُل

واحتطبت تبغيك بالشر ، على *** أي اعتذار في المعاد تتكل؟!

أنسيت صفقتها أمسِ على *** يديك ألا غيرٌ ولا بدل؟

وعن حصان أبرزت يكشف باس- *** -تخراجها ستر النبي المنسدل

تطلب امراً لم يكن ينصره *** بمثلها في الحرب إلا من خذل

ص: 253

يا للرجال و « لتيم » تدّعي *** ثأر « بني امية » وتنتحل

وللقتيل يلزمون دمه *** - وفيهم القاتل - غير مَن قتل

حتى اذا دارت رحى بغيهم *** عليهم وسبق السيف العذل

وانجز النكث العذاب (1) فيهم *** بعد اعتزال منهم بما مطل

عاذوا بعفو ماجدٍ معوّدٍ *** للصبر حمالٍ لهم على العلل

فنحت البقيا عليهم مَن نجا *** وأكل الحديد منهم مَن أكل

فاحتجّ قومٌ بعد ذاك لهم *** بفاضحات ربها يوم الجدَل

فقلّ منهم من لوى ندامة *** عنانه عن المصاع فاعتزل

وانتزع العامل (2) من قناته *** فردّ بالكره فشد فحمل

والحال تُنبي أن ذاك لم يكن *** عن توبةٍ وإنما كان فشل

ومنهم مَن تاب بعد موته *** وليس بعد الموت للمرء عمل

وما الخبيثين « ابن هندٍ » وابنه *** وإن طغى خطبهما بعد وجل

بمبدعين في الذي جاءا به *** وإنما تقفيا تلك السبل

إن يحسدوك فلفرط عجزهم *** في المشكلات ولما فيك كمل

الصنو أنت والوصي دونهم *** ووارث العلم وصاحب الرسل

وآكل الطائر والطارد *** للصلّ ومن كلّمه قبلك صِلّ؟!

وخاصف النعل وذو الخاتم وال- *** -منهل في يوم القليب والمُعِل

وفاصل القضية العسراء في *** « يوم الحنين » وهو حكم ما فَصَل

ورجعة الشمس عليك نبأ *** تشعب الالباب فيه وتضل

فما ألوم حاسداً عنك انزوى *** غيظا ولاذا قَدَمٍ فيك تزل

ياصاحب الحوض غداً لا حُلّئت *** نفس تواليك عن العذب النهل

ولا تسلّط قبضة النار على *** عنقٍ اليك بالوداد ينفتل

عاديت فيك الناس لم احفل بهم *** حتى رموني عن يدٍ إلا الأقل

ص: 254


1- وفي الاصل « العِدات ».
2- العامل : صدر الرمح وهو ما يلي السنان.

تفرّغوا يعترقون (1) غيبةً *** لحمي وفي مدحك عنهم لي شغل

عدلتُ أن ترضى بأن يسخط مَن *** تقلّه الارضُ عليّ فاعتدل

ولو يشقّ البحر ثم يلتقي *** فلقاه فوقي في هواك لم أبَل

علاقة بي لكم سابقة *** لمجد « سلمان » اليكم تتصل

ضاربة في حبكم عروقها *** ضرب فحول الشول في النوق البزل

تضمني من طرفي في حبلكم *** مودّةٌ شاخت ودينٌ مقتبل

فضلت آبائي الملوك بكم *** فضيلة الاسلام أسلافَ الملل

لذاكم أرسلها نوافذاً *** لأمّ مَن لا يتقيهن الهبل

يمرقن زُرقاً من يهدي حدائدا *** تنحى أعاديكم بها وتنتبل (2)

صوائبا إما رميت عنكم *** وربما أخطأ رامٍ من « ثعل » (3)

ص: 255


1- يعترقون : ينزعون ما على العظم من لحم.
2- تنتبل ترمى بالنبل.
3- ثعل : اسم قبيلة مشهورة بالرمي.

الشريف المرتضى

قال يذكر مصرع جده الحسين علیه السلام :

أأُسقى نميرّ الماء ثم يلذّ لي *** ودوركم آل الرسول خَلاء؟

وأنتم كما شاء الشتات ولستم *** كما شئتم في عيشةٍ وأشاء

تذادون عن ماء الفرات وكارع *** به إبلٌ للغادرين وشاء

تنشرّ منكم في القَواءِ معاشر *** كأنهم للمبصرين مُلاء

ألا إن يوم الطف أدمى محاجراً *** وأدوى قلوباً ما لهنّ دواء

وإن مصيبات الزمان كثيرة *** ورب مصابٍ ليس فيه عزاء

أرى طخيةً فينا فأين صباحها *** وداء على داءِ فأين شفاء؟

وبين تراقينا قلوب صديئة *** يراد لها لو أعطيته جلاءُ

فيما لائماً في دمعتي أو « مفنداً » *** علي لوعتي واللوم منه عناء؟

وهل لي سلوان وآل محمد *** شريدهم ما حان منه ثواء

تصدّ عن الروحات أيدي مطيهم *** ويزوى عطاء دونهم وحُباء

كأنهم نسل لغير محمدٍ *** ومن شعبه أو حزبه بعداءُ

فيا أنجماً يهدى الى اللّه نورها *** وإن حال عنها بالغبي غباءُ

فإن يك قوم وصلة لجهنم *** فأنتم الى خُلد الجنان رشاءُ

ص: 256

دعوا قلبي المحزون فيكم يهيجه *** صباح على أُخراكم ومساء

فليس دموعي من جفوني وإنما *** تقاطرن من قلبي فهنّ دماء

اذا لم تكونوا فالحياة منية *** ولا خير فيها والبقاء فناء

وإما شقيتم في الزمان فإنما *** نعيمي اذا لم تلبسوه شقاء

لحا اللّه قوماً لم يجازوا جميلكم *** لأنكم أحسنتم وأساؤا

ولا انتاشهم عند المكاره منهض *** ولا مسهم يوم البلاء جزاء

سقى اللّه أجداثاً طوين عليكم *** ولا زال منهلاً بهن رواء

يسير إليهن الغمام وخلفه *** رماجر من قعقاعِه وحُداء

كأن بواديه العشار تروحت *** لهنّ حنينٌ دائمٌ ورغاء

ومَن كان يسقى في الجنان كرامة *** فلا مسّه من [ ذي ] السحائب ماء (1)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام ويستنهض المهدي علیه السلام لثاره في الأنام :

قف بالديار المقفرات *** لعبت بها أدي الشتات

فكأنهن هشائم *** بمرور هوج العاصفات

فإذا سألت فليس تس- *** -أل غير صمٍ صامتات

خرسٍ يخلن من السكو *** تِ بهن هام المصغيات

عج بالمطايا الناحلا *** تِ على الرسوم الماحلات

الدارسات الفانيا *** ت شبيهة بالباقيات

واسأل عن القتلى الألى *** طرحوا على شطّ الفرات

شُعثٌ لهم جُممٌ عصي- *** -ن على أكف الماشطات

وعهودهن بعيدة *** بدهان ايدٍ داهنات

ص: 257


1- عن الديوان.

نسج الزمان بهم سرا *** بيلاً بحوك الرامسات (1)

تطوى وتُمحى عنهم *** محواً بهطل المعصرات

فهم لأيدٍ كاسيا *** ت تارة أو معريات

ولهم أكفّ ناضرا *** تٌ بين صمٍ يابسات

ما كن إلا بالعطا *** يا والمنايا جاريات

كم ثَمّ من مهجٍ سقي- *** -ن الحتف للقوم السرات

والى عصائب ساريا *** ت في الدآدي عاشيات (2)

غرثان إلا من جوّى *** عريانَ إلا من أذاةِ

وإذا استمد فمن *** أكف بالعطايا باخلات

واذا استعان على خطو *** بٍ أو كروب كارثات

فبكلّ مغلولِ اليدي- *** -ن هناكَ مفلول الشّباة

قل للألى حادوا وقد *** ضلوا الطريق عن الهداة

وسروا على شعب الركا *** ئب في الفلاة بلا حداة

نامت عيونكم ول- *** -كن عن عيون ساهرات

وظننتم طول المدى *** يمحو القلوب من التِرات

هيهات إن الضغن *** توقده الليالي بالغداة

لا تأمنوا غض النوا *** ظر من قلوب مرصدات

إن السيوف المُعريا *** ت من السيوف المغمدات

والمثقلات المعييا *** ت من الأمور الهيّنات

والمصميات من المقا *** تل هنّ نفس المخطئات

وكأنني بالكمت تردى *** في البسيطة بالكماة (3)

وبكل مقدام على الأ *** هوال مرهوب الشذاة

ص: 258


1- الرامسات : الرياح الدوافن للآثار الطامسة لرسوم الديار.
2- الدآدي : جمع الدأدأة وهي آخر ليالي الشهر المظلمة.
3- الكمت جمع الكميت وهو من الخيل أو الابل بين الاشقر والأدهم.

ومثقفٍ مثل القنا *** ة أتى المنية بالقناة

أو مرهف ساقت إلي- *** -ه ردىً « شفارُ » المرهفات

كرهوا الفرار وهم على *** « أقتادِ نُجبٍ » ناجيات

يطوينَ طيّ الأتحميّ *** لهنّ أجواز الفلات

وتيقّنوا أن الحيا *** ة مع المذلّة كالممات

ورزية للدين لي- *** -ست كالرزايا الماضيات

تركت لنا منها الشوى *** ومضت بما تحت الشواة

يا آل أحمد والذي- *** -نَ غدا بحبّهم نجاتي

ومنيتي في نصرهم *** أشهى غليّ من الحياة

حتى متى أنتم على *** صهوات حُدبٍ شامصات؟ (1)

وحقوقكم دون البري- *** -ة في أكفٍّ عاصيات

وسروبكم مذعورة *** وأديمكم للفاريات (2)

ووليّكم يضحى ويم- *** -سي في أمور معضلات

يلوى وقد خبط الظلا *** مَ على الليالي المقمرات

فإذا اشتكى فالى قلو *** بٍ لاهيات ساهيات

قرمٍ فلا شبِعٌ له *** إلا بأرواح العداةِ

وكأنه متنمراً *** صقرٌ تشرف من عَلاة

والرمح يفتق كلّ نجلاء *** كأردان الفتاة

تهمي نجيعاً كاللغا *** مِ على شدوق اليعملات (3)

تؤسى ولكن كلها *** أبداً يبرّح بالأساةِ

حتى يعود الحقّ يق- *** -ظاناً لنا بعد السِنات

ولكم أتى من فرجةٍ *** قد كان يحسب غير آتٍ

ص: 259


1- الشامصات : النافرات.
2- الأديم : الجلد ، الفاريات : الشاقات ، من فرى الاديم أي شقه.
3- اللغام : زبد افواه الابل ، والشدوق : الأفواه.

يا صاحبي في يوم عا *** شوراء والحِدب المواتي

لا تسقِني باللّه فيه *** سوى دموعِ الباكيات

ما ذاك يوماً صيّباً *** فأسمح لنا بالصيبات

وإذا ثكلت فلا تزر *** إلا ديار الثاكلات

وتنحّ في يوم المصيبة *** عن قلوبٍ ساليات

ومتى سمعت فمن عويل *** للنساء المعولات

وتداوَ من حزنٍ بقلبك *** بالمراثي المحزنات

لا عطلت تلك الحفائر *** من سلامٍ أو صلاةٍ

وسقين من وكفِ التحية *** عن وكيف السارياتِ

ونفحن من عبق الجنا *** أريجه بالذاكيات

فلقد طوَين شموسنا *** وبدرونا في المشكلات (1)

وقال يرثي الحسين علیه السلام في عاشوراء سنة 429 ه- :

من عذيرى من سَقامٍ *** لم أجد منه طبيبا

وهمومٍ كأوار *** النّار يسكنّ القلوبا

وكروبٍ ليتهنّ *** اليوم أشبهن الكروبا

وخطوبٍ معضلاتٍ *** بتن ينسين الخطوبا

شيبت مني فود *** ى ولم آتِ المشيبا

ورمت في غصني *** إليبس وقد كان رطيبا

بان عني وتناءى *** كل مَن كان قريبا

وتعرّيتُ من *** الاحباب في الدنيا عزوبا

وسقاني الدهر من فر *** قة من أهوى ذَنوبا (2)

إن يوم الطف يوم *** كان للدين عصيبا

ص: 260


1- عن الديوان.
2- الذنوب بالفتح الدار الكبير.

لم يدع في القلب مني *** للمسرّات نصيبا

إنه يوم نحيبٍ *** فالتزم فيه النحيبا

عطّ تامورك واترك *** معشراً عطّوا الجيوبا (1)

واهجر الطيب فلم يترك *** لنا عاشور طيبا

لعن اللّه رجالاً *** أترعوا الدنيا غُصوبا (2)

سالموا عجزاً فلما *** قدروا شنّوا الحروبا

في المعرّات يهبون *** شمالاً وجنوبا

كلما ليموا على عيبهم *** ازدادوا عيوبا

ركبوا أعوادنا ظلما *** وما زلنا ركوبا

ودعونا فرأوا منا *** على البعد مجيبا

يقطع الحزن ويطوى *** في الدياجير السهوبا

بمطىٍ لا يبالين *** على الأين الدّءوبا

لا ولا ذقن على البعد *** كلالاً ولغوبا

وخيولٍ كرِئال الدوّ *** -دوّ يهززن السبيبا (3)

فأتتونا بجموعٍ *** خالها الراءون روبا (4)

بوجوه بعد إسفا *** رٍ تبرقعن العطوبا

فنشبنا فيهم كر *** هاً وما نهوى النشوبا

بقلوبٍ ليس يعرفن *** خفوقاً ووجيبا

ولقد كان طويل الباع *** طعّاناً ضروبا

بالضبا ثم القنا يفري *** وريداً وتريبا

لا يرى والحربُ تُغلى *** قدرُها منها هيوبا

ص: 261


1- عط : شق ، والتامور : غشاء القلب.
2- اترعوا : ملأوا ، والغصوب الظلم.
3- الرئال : فرخ النعام ، والدو : المفازة. والسبيب : شعر عرف الفرس أو اذنيه.
4- الروب : القطع من الليل.

فجرى منّا ومنهم *** عندم الطّعن صبيبا

وصلينا من حريق *** الطعن والضرب لهيبا

كان مرعانا خصيباً *** فبهم عادَ جديبا

لم نكن نألذف لولا *** جورهم فينا خطوبا

لا ولا تبصر عين *** في ضواحينا ندوبا (1)

طلبوا أوتار « بَدر » *** عندنا ظلماً وحوبا

ورأوا في ساحة ال- *** الطف وقد فات القليبا

قد رأيتم فأرونا *** منكم فرداً نجيبا

أو تقياً لا يرائى *** بتقاه أو لبيبا

كلما كنّا رؤوساً *** للورى كنتم عجوبا (2)

ما رأينا منكم بالحق *** إلا مستريبا

وصدوقاً فإذا فتّشته *** كان كذوبا

وخليعاً خالياً عن *** مطمع الخير عزوبا

وبعيداً بمخازي- *** -هِ وإن كان نسيبا

ليت عوداً من غَشومٍ *** حقّنا كان صليبا

وبودّى أن أنّ مَن يأ *** صلنا كان ضريبا

في غدٍ ينضب تيّا *** رُ لكم فينا نضوبا

ويقئ الباردَ السلال *** مَن كان عبوبا

ويعود الخَلقُ الرّث *** من الأمر قشيبا

والذي أضحى وأمسى *** ناكباً يضحى نكيبا

آل ياسين ومَن فضلهم *** أعيا اللبيبا

أنتم أمني لدى الحشر *** إذا كنت نخيبا (3)

ص: 262


1- الندوب هو اثر الجرح.
2- العجوب : جمع العجب وهو العقب أو العجز.
3- النخيب : الخائف.

انتم كشّفتم لي *** بالتباشير الغيوبا

كم رددتم مخلباً *** عني حديداً ونيوباً

وبكم « أنجو » إذاعو *** جلتُ موتاً أن أنوبا

واليكم جَمحاني *** ما حدا الحادون نيبا (1)

وعليكم صلواتي *** مشهداً لي ومغيبا

يا سقى اللّه قبوراً *** لكم زِنّ الكثيبا

حُزنَ خير الناس جدّاً *** وأباً ضخماً حسيبا

لقي اللّه وظنّ *** الناس أن لاقى شعوبا

وهو في الفردوس لمّا *** قيل قد حلّ الجبوبا (2)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء سنة 413 :

لك الليل بعد الذاهبين طويلا *** ووفد همومٍ لم يردن رحيلا

ودمعٍ إذا حبسته عن سبيله *** يعود هتوناً في الجفون هَطولا

فياليت أسرابَ الدموع التي جرت *** أسون كليماً أو شفين غليلا

أُخال صحيحاً كل يومٍ وليلةٍ *** ويأبى الجوى ألا أكون عليلا

كأني وما أحببت أهوى ممنّعاً *** وأرجو ضنينا بالوصال بخيلا

فقل للذي يبكي نُؤياً ودِمنة *** ويندب رسماً بالعراء محميلا

عداني دمٌ لي طلّ بالطف إن أُرى *** شجيّاً أُبكّي أربعاً وطلولا

مصابٌ إذا قابلت بالصبر غر به *** وجدت كثيري في العزاء قليلا

ورُزءٌ حملت الثقل منه كأنني *** مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا

وجدتم عُداة الدين بعد محمد *** الى كلمه في الأقربين سبيلا

كأنكم لم تنزعوا بمكانه *** خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا

وأيّكم ما عزّ فينا بدينه؟ *** وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا

ص: 263


1- الجمحان : القصد.
2- الجبوب : جمع جب وهو الحفرة.

فقل لبني حربٍ وآل أميّةٍ *** إذا كنتَ ترضى ان تكون قؤولا

سللتم على آل النبي سيوفه *** مُلئن ثُلوماً في الطلى وفلولا

وقُدتم الى مَن قادكم من ضلالكم *** فأخرجكم من وادييه خيولا

ولم تغدروا إلا بمن كان جده *** اليكم لتحظوا بالنجاة رسولا

وترضون ضد الحزم إن كان ملككم *** [ بديناً ] وديناً دنتموه هزيلا

نساء رسول اللّه عُقر دياركم *** يرجّعن منكم لوعة وعويلا

فهنّ ببوغاء الطفوف أعزةٌ *** سقوا الموت صرفاً صبيةً وكهولا

كأنهم نوار روضٍ هَوَت به *** رياحٌ جنوباً تارةً وقبولا

وأنجمُ ليلٍ ما علون طوالعاً *** لأعيننا حتى هبطن أفولا

فأي بدورٍ ما محين بكاسفٍ *** واي غصون ما لقين ذبولا

أمن بعد أن اعطيتموه عهودكم *** خفافاً الى تلك العهود عجولا

رجعتم عن القصد المبين تناكصاً *** وحُلتم عن الحق المنير حؤولا

وقعقعتم أبوابَه تختلونه *** ومَن لم يرد ختلاً أصاب ختولا

فما زلتم حتى أجاب نداءكم *** وأيّ كريم لا يجيب سَؤولا؟

فلما دنا ألفاكم في كتائب *** تطاولن أقطار السباسب طولا

متى تك منها حجزةٌ أو كحجزة *** سمعت زُغاءً « مضعفاً » وصهيلا

فلم يُرَ إلا ناكثاً أو منكبّاً *** وإلا قطوعاً للذمام حلولا

وغلا قعوداً عن لمام بنصره *** وإلا جَبوهاً بالردى وخذولا

وضغن شغافٍ هبّ بعد رقاده *** وأفئدةً ملأى يفضنَ ذُحولا

وبيضاً رقيقات الشفار صقيلةً *** وسمراً طويلات المتون عُسولا

ولا انتم أفرجتم عن طريقه *** إليكم ولا لما أراد قُفولا

عزيزٌ على الثاوي بطيبة أعظم *** أنبذن على أرض الطفوف شُكولا

وكل كريم لا يلم بريبة *** فإن سيم قول الفحش قال جميلا

يذادون عن ماء الفرات وقد سُقوا ال- *** -شهادة من ماء الفرات بديلاً

رُموا بالردى من حيث لا يحذرونه *** وغرّوا وكم غر الغفول غفولا

ص: 264

أيا يوم عاشوراء كم من فجيعة *** على الغُر آل اللّه كنت نزولا!

دخلت على بياتهم بمصابهم *** ألا بئسما ذاك الدخول دُخولا

نزعت شهيد اللّه ما وإنما *** نزعت يميناً أو قطعت قليلا

قتيلا وجدنا بعده دين احمد *** فقيداً وعز المسلمين قتيلا

فلا تبخسوا بالجور مَن كان ربّه *** برجعِ الذي نازعتموه كفيلا

أُحبكم آسل النبي ولا أرى *** وإن عذلوني عن هواي عديلا

وقلت لمن يُلحي على شغفي بكم *** وكم غير ذي نصحٍ يكون عذولا

روَيدكم لا تنحلوني ضلالكم *** فلن تُرحلوا مني الغداةَ ذلولا

عليكم سلام اللّه عيشاً وميتةً *** وسَفراً تطيعون النوى وحلولا

فما زاغ قلبي عن هواكم ، وأخمَصى *** فلا زلّ عما ترتضون زليلا

ص: 265

السيد مرتضى علم الهدى المولود سنة 355 والمتوفى سنة 436.

هو ذو المجد بن ابو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى الكاظم علیه السلام مفخرة العصور ومعجزة الدهور ، نواحي فضله زاخرة بالعظمة ، فهو إمام الفقه ومؤسس أصوله ، واستاذ الكلام ونابغة الشعر وراوية الحديث وبطل المناظرة والقدوة في اللغة وبه الاسوة في العلوم العربية كلها وهو المرجع في كتاب اللّه العزيز ، وجماع القول انك لا تجد فضيلة الا وهو ابن بجدتها أضف الى ذلك نسبه الوضاح وأواصره النبوية الشذية ومآثره العلوية وحسبك شاهداً مؤلفاته السائرة مسير الأمثال.

يلقب بالمرتضى ، والأجل الطاهر ، وذي المجدين ، ولقّب بعلم الهدى سنة 420 وذلك ان الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه امير المؤمنين علیه السلام يقول له :

قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ. فقال : يا أمير المؤمنين ومَن علم الهدى ، فقال علي بن الحسين الموسوي : فكتب اليه فقال رضی اللّه عنه : اللّه اللّه في أمرى فإن قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ فقال الوزير : واللّه ما كتبت اليك إلا ما أمرني به أمير المؤمنين علیه السلام (1).

وكان يلقب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون الف مجلد ، ومن القرى ثمانين قرية تجبى اليه ، وكذلك من غيرهما حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنف كتاباً يقال له الثمانون. ومن تصانيفه المشهورة منها الشافي في الامامة لم يصنف مثله في الإمامة وكتاب الشيب والشباب وكتاب

ص: 266


1- ذكره الشهيد في أربعينه.

الغرر والدرر وله ديوان شعر يزيد على عشرين الف بيت وقد طبع اخيراً في بغداد وقد قيل : لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس ، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس. قال آية اللّه العلامة : وبكتبه استفادت الإمامية منذ زمنه رحمه اللّه الى زماننا هذا وهو سنة 693 وهو ركنهم ومعلّمهم قدس اللّه روحه وجزاه عن أجداده خيراً. انتهى.

وذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وقال : كتبت عنه وعن جامع الأصول انه عده ابن الأثير من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة.

قال ابن خلكان في وصف علم الهدى : كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله الكتاب الذي سماه ( الغرر والدرر ) وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال :

كان هذا الشريف إمام أئمة العراق اليه فزع علماؤها ومنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وأنسها ، ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وتصانيفه في أحكام المسلمين ممن يشهد انه فرع تلك الأصول ومن ذلك البيت الجليل ، وأورد له عدة مقاطيع. اقول وأمه هي فاطمة بنت الحسين ابن احمد بن الحسن بن الناصر الاصم وهو ابو محمد الحسن بن علي بن عمر الأشرف ابن علي بن أبي طالب وهي ام اخيه ابي الحسن الرضي.

حكي عن القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى انه قال : إن مولد السيد سنة 355 وخلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقررآته ومصنفاته ومحفوظاته ومن الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، وصنف كتاباً

ص: 267

يقال له الثمانين وخلّف من كل شيء ثمانين وعمّر احدى وثمانين سنة من أجل ذلك سمي الثمانيني وبلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة قُلّد نقابة الشرفاء شرقاً وغرباً وإمارة الحاج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبلغ على ذلك ثلاثين سنة. انتهى.

وفي أمل الآمل مولده في رجب وتوفي في شهر ربيع الأول ، وفي روضات الجنات لخمس بقين منه وذكر قسماً من مؤلفاته ومنها : التنزيه في عصمة الأنبياء ، الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة ، إنقاد البشر من القضاء والقدر وقال :

وذكره الشيخ في الفهرست واثنى عليه وذكر من مؤلفاته ثمانياً وثلاثين وكذلك النجاشي والعلامة.

وقال صاحب روضات الجنات : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابة وجاها وكرماً الى غير ذلك. قرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب وهما طفلان ، ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان قدس سره وكان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء علیهاالسلام دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولدها الحسن والحسين علیهماالسلام وهما صغيران فسلّمتهما اليه وقالت : علّمهما الفقه ، فانتبه الشيخ وتعجب من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام اليهما وسلّم عليهما فقالت له : ايها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقصّ عليه المنام وتولى تعليمهما وأنعم اللّه عليهما وفتح اللّه لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.

وكان رحمه اللّه نحيف الجسم حسن الصورة كما في روضات الجنات وقال :

ص: 268

كانت وفاته رحمه اللّه لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه ابو جعفر محمد ، وتولى غسله أبو الحسين أحمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف ابو يعلى محمد بن جعفر الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمي ودفن أولا في داره ثم نقل الى جوار جده الحسين ودفن في مشهده المقدس مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة.

وقال سيدنا العلامة الطباطبائي في كتابه ( الفوائد الرجالية ) عند ذكره للسيد المرتضي بعد التعظيم له. وفي زهر الرياض للحسين بن علي بن شدقم الحسيني المدني صاحب مسائل شيخنا البهائي قال : وبلغني ان بعض قضاة الاروام وأظنه سنة 942 نبش قبره فرأه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئاً وحكى مَن رأه أن أثر الحِنّاء في يديه ولحيته وقد قيل ان الارض لا تغيّر أجساد الصالحين.

قلت والظاهر أن قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب وكان ابراهيم هذا هو جد المرتضى وحفيد الإمام موسى علیه السلام ، وصاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن واللّه أعلم. أنتهى.

قال يذكر جده الحسين علیه السلام ومن قتل معه :

يا دارُ دارَ الصَوم القُوّم *** كيف خلا أفقك من أنجم

عهدي بها يرتع سكّانُها *** في ظلّ عيشٍ بينها أنعَم

لم يُصبحوا فيها ولم يغبُقوا *** إلا بكأسى خمرَة الأنعَم

بكيتها من أدمُعٍ لو أبَت *** بكيتها واقعة من دم

وعُجت فيها راثياً أهلها *** سَواهم الأوصال والمَطلم

نَحَلن حتّى حالهنّ السُرى *** بعض بقايا شَطَنٍ مُبرَم

لم يدعِ الإسآدُ هاماتها *** إلا سقيطاتٍ على المَنسٍم

يا صاحبي يوم أزالَ الجَوى *** لحمى بخّدى عن الأعظم

ص: 269

« داويت » ما أنت به عالمٌ *** ودائي المعضل لم تعلم

ولستُ فيما أنا صَبّ به ، *** مَن قَرَن الساليَ بالمُغرَم؟

وَجدى بغير الظن سيّارةً *** من مَخرِم ناء إلى مَخرم

ولا بلفّاء هضيم الحشا *** ولا بذات الجيد والمعصَم

فاسمع زفيرى عند ذكر الأُلى *** بالطفّ بين الذئب والقشعم

طَرحى فإمّا مقعَص بالقنا *** أو سائل النفس على مخذَم

نَثرٌ كدُرٍ بَدَدٍ مُهمَلٌ *** لغفلة السلك فلم يُنظَم

كأنّما الغَبراء مَرميّة *** من قبل الخضراء بالأنجُم

دُعوا فجاءوا كَرَماً منهم *** كم غرّ قوماً قَسَم المُقسم

حتى رأوها أخريات الدجى *** طوالعاً من رَهَجٍ أقتَم

كأنهم بالصّم مطرورة *** لمنجد الأرض على مُتهِم

وفوقها كلّ مغَيظ الحشا *** مُكتَحل الطرف بلون الدم

كأنه من حَنَقٍ أجدَلٌ *** أرشده الحرص إلى مَطعم

فاستقبلوا الطعنَ إلى فتيَةٍ *** خوّاض بحرالحذر المفعَم

من كلّ نهّاضٍ بثقل الأذى *** موكّل الكاهل بالمُعظَم

ماضٍ لِما أمّ فلو جاد في ال- *** -هيجاء بالحوباء لم يَندم

وكالفٍ بالحرب لو أنه *** أُطعم يوم السّلم لم يطعمِ

مثلّم السيف ومن دونه *** عرض صحيح الحد لم يثلم

فلم يزالوا يُكرعون الظبا *** بين تراقي الفارس المُعلم

فمثخَنٌ يحملُ شهّاقة *** تحكى لراءِ فُغرةَ الاعلم

كأنما الوَرس بها سائل *** أو أنبتت من قُضُبِ العَندَم

ومستزلّ بالقنا عن قَرا *** عبل الشوى أو عن مَطا أدهم

لو لم يكيدوهم بها كيدة *** لانقلبوا بالخزى والمرغم

فاقتضبت بالبيض أرواحهم *** في ظل ذاك العارض الأسحم

مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ *** ورَهطِهِ في الملأ الاعظم

ص: 270

رزءٌ ولا كالرُزء من قبله *** ومؤلمٌ ناهيك من مؤلم

ورميةٌ أصمت ولكنها *** مصميةٌ من ساعدٍ أجذم

قل لبني حربِ ومن جمعوا *** من جائرٍ عن رشده أوعم

وكلّ عان في إسارى الهوى *** يُحسب يَقظان من النوم

لا تحسبوها حُلوةً إنها *** أمرّ في الحلق من العلقم

صرّعهم أنهم أقدموا *** كم فُدي المحجم بالمقدم

هل فيكم إلا أخو سَوءَةٍ *** مُجرّحُ الجلد من اللُوّم

إن خاف فقراً لم يجُد بالندى *** أو هاب وشكَ الموت لم يُقدم

يا آل ياسين ومَن حُبهم *** منهجُ ذاك السنن الأقوم

مهابطُ الأملاكِ أبياتهم *** ومُستقر المنزل المُحكم

فأنتم حُجة رب الورى *** على فصيح النطق أو أعجم

وأين؟ إلا فيكم قُربةٌ *** الى الاله الخالق المنعم

واللّه لا أخليتُ من ذكركم *** نَظمي ونثري ومرامي فمي

كلا ولا أغبَبتُ أعداءكم *** من كّلمي طوراً ومن أسهمي

ولا رُئي يوم مصاب لكم *** منكشفاً في مشهدٍ مَبسمي

فإن أرغب عن نصركم برهة *** بمرهفات لم أغب بالفم

صلى عليكم ربّكم وارتوت *** قبوركم من مسبل مُثجم

مقعقع تُخجل اصواته *** أصوات ليث الغابة المرزم

وكيف أستسقي لكم رحمة *** وأنتم رحمة للمجرم؟

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام ويذكر آل حرب :

خذوا من جفوني ماءها فهي ذُرّف *** فما « لكم » إلا الجوى والتلهُّف

وإن أنتما استوقفتما عن مَسيلها *** غُروب مآقينا فما هنّ وقف

كأن عيوناً كن زوراً عن البكا *** غصون مَطيرات الذُرى فهي وكفّ

دعا العذل والتعنيف في الحزن والأسى *** فما هجر الأحزان إلا المعنّف

ص: 271

تقولون لي صبرا جميلاً وليس لي *** على الصبر إلا حسرة وتلهف

وكيف أطيق الصبر والحزن كلما *** عنفتُ به يقوى عليّ وأضعف

ذكرت بيوم الطف أوتاد أرضه *** تهبّ بهم للموت نكباء حرجف

كرامٌ سُقوا ماء الخديعة وارتووا *** وسيقوا الى الموت الزُؤام فأوجفوا

فكم مُرهَفٍ فيهم ألم بحدّه *** هنالك مسنونُ الغرارين مُرهفُ

ومعتدل مثل القناة مثقفٍ *** لواه الى الموت الطويل المثقّف

قَضَوا بعد أن قضّوا منىً من عدوّهم *** ولم ينكلوا يوم الطعان ويضعفوا

وراحوا كما شاء لهم أريحيّهٌ *** ودَوحَةُ عزٍّ فرعُها متعطّف

فإن ترهم في القاع نَثراً فشملهم *** بجنّات عدنٍ جامعٌ متألّف

إذا ما ثنوا تلك الوسائد مُيّلاً *** أديرَت عليهم في الزجاجة قرقف

وأحواضهم مورودة فغدّوهم *** يُحَلا واصحاب الولاية ترشُف

فلو أنّني شاهدتهم أو شَهِدتهم *** هناك وأنياب المنيّةِ تَصرف

لدافعت عنهم واهباً دونهم دمي *** ومَن وهب النفس كريمة منصف

ولم يك يخلو من ضرابي وطعنتي *** حسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مقصّفٌ

فيا حاسديهم فضلَهم وهو باهر *** وكم حسد الأقوام فضلاً وأسرفوا!

دعوا حلباتِ السبق تمرح خيلُها *** وتغدو على مضمارها تتغطرف

ولا تزحفوا زحف الكسير إلى العلا *** فلن تلحقوا وللصّلال « التزحف »

وخلوا التكاليف التي لا تفيدكم *** فما يستوي طبعٌ نبا وتكلّف

فقد دام إلطاطٌ بهم في حقوقهم *** وأعوز إنصاف وطال تحيف

تناسيتم ما قال فيهم نبيّكم *** كأن مقالاً قال فيهم محرّف

فكم لرسول اللّه في الطف من دمٍ *** يراق ومن نفس تمات وتتلف

ومن ولدٍ كالعين منه كرامةً *** يقاد بأيدي الناكثين ويعسف

عزيزٌ عليه أن تُباع نساؤه *** كما بيع قطع في عكاظ وقرطف

يُذَدن عن الماء الرواءِ وترتوى *** من الماء أجمالٌ لهم لا تكفكف

فيا لعيونٍ جائرات عن الهدى *** ويا لقلوبٍ ضغنها متضعّف

ص: 272

لكم أم لهم بيتٌ بناه على التبقى *** وبيتٌ له ذاك الستار المسجّف

به كل يوم من قريشٍ وغيرها *** جهيرٌ ملبٍّ أو سريع مطوّف

إذا زارَه يوماً دلوحٌ بذنبهِ *** مضى وهو عريانُ الفرا متكشّف

وزمزم والركُب الذي يمسحونه *** وأيمانهم من رحمة اللّه تنطف

ووادي منى تهدى إليه نحائرٌ *** تكبّ على الأذقان قسراً فتحتف (1)

وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تُربه *** ومن قبله يوم الوقوف المعرّف

وأنتم نصرتم أم هم يوم خيبرٍ *** نبيّكم حيث الأسنة ترعف؟

فررتم وما فرّوا وحدتم عن الردى *** وما عنه منهم حائد متحرّف

فحصنٌ مشيدٌ بالسيوف مهدّم *** وبابٌ منيع بالأنامل يُقذَف

توقفتم خوف الردى عن مواقف *** وما فيهم من خيفةٍ يتوقّف

لهم دونكم في يوم بَدرٍ وبعدها *** بيوم حنين كلّما لا يزحلف

فقل لبني حرب وإن كان بيننا *** من النسب الداني مرائر تحصف

أفي الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى *** وأنتم بلا نهجٍ إلى الحق يعرف؟

وإنّا شَببنا في عِراص دياركم *** ضياءً وليل الكفر فيهنّ مُسدف

وإنّا رفعناكم فأشرف منكم *** بنا فوق هامات الأعزّة مِشرف

وها أنتم ترموننا بجنادل *** لها سُحُبُ ظلماؤها لا تُكشّف

لنا منكم في كلّ يومٍ وليلة *** قتيل صريع أو شريد مخوّف

فخرتم بما ملّكتموه وإنكم *** سِمان من الأموال إذ نحن شُسّف (2)

وما الفخر - يا مَن يجهل الفخر للفتى - *** قميص موشّى أو رداءٌ مفوّف

وما فخرنا إلا الذي هبطت به ال- *** -ملائك أو ما قد حوى منه مُصحف

يقرّ به مَن لا يطيق دفاعَه *** ويعرفه في القوم مَن يتعرّف

ولمّا ركبنا ما ركبنا من الذُرا *** وليس لكم في موضع الردف مردف

تيقنتم أنّا بما قد حويتم *** أحقّ وأولى في الأنام وأعرف

ص: 273


1- تحتف : تهلك.
2- الشسف : جمع الشاسف وهو الضامر الهزيل.

ولكن أمراً حاد عنه محصّل *** وأهوى إليه خابط متعسف

وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينه *** حسامُ وكم قطّ الضريبة مقرف (1)

فلا تركبوا أعوادَنا فركوبها *** لمن يركب اليوم العبوس فيوجف

ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا *** تميل بكم شوقاً إلينا وترجف

ولا تكشفوا ما بيننا من حقائد *** طواها الرجال الحازمون ولفّفوا

وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجملاً *** وإما صديقاً دهره يتلطف

فللخير إن آثرتم الخير موضعٌ *** وللشرّ إن أحببتم الشر موقف

عكفنا على ما تعلمون من التقى *** وأنتم على ما يعلم اللّه عكّف

لكم كل موقوذ بكظّة بطنه *** وليس لنا إلا الهضيم المخفف

الى كم أداري مَن أُداري من العِدا *** وأهدن قوماً بالجميل وألطف؟

تلاعب بي ايدي الرجال وليس لي *** من الجور مُنجٍ لا ولا الظلم منصف

وحشو ضلوعي كل نجلاءَ ثرّةٍ *** متى ألّفوها اقسمت لا تألف

فظاهرها بادي السريرة فاغرٌ *** وباطنها خاوي الدخيلةِ أجوف

إذا قلتُ يوماً قد تلاءم جرحها *** تحكك بالأيدي عليّ وتقرف

فكم ذا ألاقي منهم كل رابح *** وما أنا إلا أعزل الكف أكتف

وكم أنا فيهم خاضعٌ ذو استكانة *** كأني ما بين الأصحّاء مُدنف

اقاد كأني بالزمام مُجلّب *** بطيء الخطا عاري الأضالع أعجف

وأرسِف في قيد من الحزم عنوةً *** ومن ذيدَ عن بسط الخطا فهو يرسف

ويلصق بي من ليس يدري كلالة *** وأحسَبُ مضعوفاً وغيري المضعّف

وعدنا بما منّا عيون كثيرة *** شخوص الى إدراكه ليس تطرف

وقيل لنا حان المدا فتوكفوا *** فيا حججاً لله طال التوكف

فحاشا لنا من ريبةٍ بمقالكم *** وحاشا لكم من أن تقولوا فتخلفوا

ولم أخشَ إلا من معاجلة الردى *** فأصرف عن ذاك الزمان وأُصدف

ص: 274


1- المقرف. المتهم والمعيب.
وقال رضی اللّه عنه يرثي الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء « سنة 427 »

أما ترى الربع الذي اقفرا *** عراهُ من ريب البلى ما عَرا؟

لو لم أكن صبّا لسكانه *** لم يجر من دمعي له ما جرى

رأيته بعد تمامٍ له *** مقلباً أبطنه أظهرا

كأنني شكا وعلماً به *** أقرأ من أطلاله أسطرا

وقفت فيه أينقاً ضمّراً *** شذّب من أوصالهن السُرى

لي بأناس شُغلٌ عن هوى *** ومعشري أبكى لهم معشرا

أجل بأرض الطف عينيك ما *** بين أناس سربلوا العثيرا

حكّم فيهم بغيُ أعدائهم *** عليهم الذًُؤبان والأنسرا

تخال من لألاء أنوارهم *** ليل الفيافي لهم مقمرا

صرعى ولكن بعد أن صَرّعوا *** وقطّروا كلّ فتىً قطّرا

لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا *** بالطعن إلا العَلَق الأحمرا

من كلّ طيّان الحشا ضامرٍ *** يركب في يوم الوغى ضمّرا

قل لبني حربٍ وكم قولةٍ *** سطّرها في القوم من سطرا

تهتم عن الحق كأن الذي *** أنذركم في اللّه ما أنذرا

كانّه لم يقركم ضُلّلا *** عن الهدى القصد بأمّ القرى (1)

ولا تدرّعتم بأثوابه *** من بعد أن أصبحتم حُسرا

ولا فريتم أدماً « مرّةً » *** ولم تكونوا قط ممن فرى

وقلتم : عنصرنا واحدٌ ؛ *** هيهات لا قربى ولا عنصرا!

ما قدم الأصل أمرءاً في الورى *** أخرّه في الفرع ما أخّرا

وغرّكم بالجهل إمهالكم *** وإنما اغترّ الذي غُرّرا

حلأتم بالطف قوماً عن ال- *** -ماء فحلّئتم به الكوثرا

ص: 275


1- يقركم : يرشدوكم ويهدكم. والقصد. الهدى والرشاد ، وام القرى. مكة المكرمة.

فإن لقوا ثَمّ بكم منكراً *** فسوف تلقون بهم منكرا

في ساعة يحكم في أمرها *** جدُهم العدل كما أُمّرا

وكيف بعتم دينكم بالذي أس- *** تنزره الحازم وأستحقرا

لولا الذي قدّر من أمركم *** وجدتم شأنكم احقرا

كانت من الدهر بكم عثرةٌ *** لا بد للسابق أن يعثرا

لا تفخروا قطّ بشيء فما *** تركتم فينا لكم مفخرا

ونلتموها بيعةً فلتةً *** حتى ترى العين الذي قدّرا

كأنني بالخيل مثل الدبى *** هبّت به نكباؤه صرصرا

وفوقها كل شديد القوى *** تخاله من حنق قسورا

لا يمطر السُمر غداة الوغى *** الا برشّ الدم إن أمطرا

فيرجع الحق الى أهله *** ويقبل الأمر الذي أدبرا

يا حجج اللّه على خلقه *** ومَن بهم أبصر من أبصرا

أنتم على اللّه إليكم كما *** علمتم المبعثَ والمحشرا

فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن *** شفعكم في العفو أن يغفرا

إذا توليتكم صادقاً *** فليس مني منكر منكرا

نصرتكم قولاً على أنني *** لآملٌ بالسيف أن أنصرا

وبين أضلاعي سرّ لكم *** حوشي أن يبدو وأن يظهرا

أنظر وقتاً قيل لي بُح به *** وحق للموعود أن ينظرا

وقد تبصرتُ ولكنني *** قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا

وأيُ قلبٍ حملت حزنكم *** جوانح « منه » وما فُطّرا

لا عاش من بعدكم عائش *** فينا ولا عُمّر من عمّرا

ولا استقرت قدمٌ بعدكم *** قرارة مبدي ولا محضَرا (1)

ولا سقى اللّه لنا ظامئاً *** من بعد أن جنّبتم الأبحرا

ص: 276


1- المبدي هو البدو ، والمحضر هو محل احضر.

ولا علَت رجل وقد زحزحت *** أرجلكم عن متنه مِنبرا (1)

وقال رثاء جده الحسين علیه السلام :

حلفت بمن لاذت قريش ببيته *** وطافوا به يوم الطواف وكبّروا

وبالحصيات اللات يقذفن في منى *** وقد أم نحو الجمرة المتجمّر

وواد تذوق البزل فيه حمامها *** فليس به إلا الهديّ المعفّر

وجمعٍ وقد حطّت إليه كلا كل *** طلائح أضنتها التنائف ضمّر

يخلن عليهنّ الهوادج في الضحى *** سفائن في بحر من الآل يزخر

ويوم وقوف المحرمين على ثرىً *** تطاح به الزلات منهم وتغفر

أتوه أسارى الموبقات وودّعوا *** وما فيهم إلا الطليق المحرّر

لقد كُسرت للدين في يوم كربلا *** كسائر لا توسى ولا هي تجبر

فإمّا سبيّ بالرماح مسوّق *** وإمّا قتيل في التراب معفّر

وجرحى كما اختارت رماح وأنصل *** وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر

لهم والدجى بالقاع مرخٍ سدوله *** وجوه كأمثال المصابيح تزهر

تراح بريحانٍ وروحٍ ورحمةٍ *** وتوبّل من وبل الجنان وتمطر

فقل لبني حربٍ وفي القلب منهم *** دفائن تبدو عن قليلٍ وتظهر

ظننتم وبعض الظن عجز وغفلة *** بأن الذي أسلفتم ليس يذكر

وهيهات تأبى الخيل والبيض والقنا *** مجاري دمٍ للفاطميين يُهدر

ولستم سواءً والذين غلبتم *** ولكنها الاقدار في القوم تُقدر

وإن نلتموها دولةً عجرفيّة *** فقد نال ما قد نال كسرى وقيصر

وليس لكم من بعد أن قد غدرتم *** بمن لم يكن يوماً من الدهر يغدر

سوى لائماتٍ آكلاتٍ لحومكم *** وإلا هجاء في البلاد مُسيّر

تقطَع وصل كان منّا ومنكم *** ودانٍ من الأرحام يثنى ويسطر

ص: 277


1- عن الديوان.

وهل نافع أن فرّقتنا أصولكم *** أصول لنا نأوى إليها وعنصر

وعضو الفتى إن شلّ ليس بعضوه *** وليس لربّ السرّب سرب مُنَفّر

ولا بد من يومٍ به الجو أغبر *** وفيه الثرى من كثرة القتل أحمر

وأنتم بمجتاز السيول كأنكم *** هشيم بأيدي العاصفات مطير

فتهبط منكم أرؤوس كنّ في الذُرا *** ويخبو لكم ذاك اللّهيب المسعّر

ويثأر منكم ثائرٌ طال مطله *** وقد تظفر الأيام من ليس يَظفر (1)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام ومن قتل من أصحابه :

هل أنت راث لصب القلب معمود *** دَوي الفؤاد بغير الخرّد الخود؟

ما شفّه هجر أحبابٍ وإن هجروا *** من غير جرمٍ ولا خُلف المواعيد

وفي الجفون قذاة غير زائلةٍ *** وفي الضلوع غرامٌ غير مفقود

يا عاذلي - ليس وجدٌ بتّ أكتمه *** بين الحشى - وجد تعنيف وتفنيد

شربي دموعى على الخدين سائلة *** إن كان شربك من ماء العناقيد

ونم فإن جفوناً لي مسهدة *** عمر الليالي ولكن أي تسهيد؟

وقد قضيتُ بذاك العذل « مأربة » *** لو كان سمعي عنه غير مسدود

تلومني لم تصبك اليوم قاذفتي *** ولم يعدك كما يعتادني عيدي

فالظلم عذل خليّ القلب ذا شجن *** وهجنةٌ لومُ موفور لمجهود

كم ليلة بتّ فيها غير مرتفق *** والهمّ ما بين محلول ومعقود

ما إن أحنّ اليها وهي ماضية *** ولا أقول لها مستدعياً : عودي

جاءت فكانت كعوّار على بصر *** وزايلت كزيال المائد المودي (2)

فإن يود أناس صبح ليلهم *** فإن صبحي صبح غير « مودود »

عشيةٌ هجمت منها مصائبها *** على قلوب عن البلوى محاييد

يا يوم عاشور كم طأطأت من بصر *** بعد السمو وكم أذللت من جيد

ص: 278


1- عن الديوان.
2- العوار : ما يصيب العين من رمد. والمائد : المتحرك. وللمودي : المهلك.

يا يوم عاشورا كم أطردت لي أملاً *** قد كان قبلك عندي غير مطرود

أنت المرنق عيشي بعد صفوته *** ومولج البيض من شيبي على السود

جُز بالطفوف فكم فيهن من جبل *** خر القضاء به بين الجلاميد

وكم جريح بلا آسٍ تمزقه *** إما النسور وإما أضبع البيد (1)

وكم سليب رماح غير مستتر *** وكم صريع حمام غير ملحود

كأن أوجههم بيضاً « ملألئة » *** كواكب في عراص القفرة السود

لم يطعموا الموتَ إلا بعد أن حطموا *** بالضرب والطعن أعناق الصناديد

ولم يدعُ فيهم خوف الجزاء غداً *** دماً لترب ولا لحماً إلى سيد (2)

من كل أبلج كالدينار تشهده *** وسط النديّ بفضل غير مجحود

يغشى الهياج بكف غير منقبض *** عن الضراب وقلب غير مزءود

لم يعرفوا غير بثّ العرف بينهم *** عفواً ولا طبعوا إلا على الجود

يا آل أحمد كم تلوى حقوقكم *** لي الغرائب عن نبت القراديد (3)

وكم أراكم بأجواز الفلا جزراً *** مبددين ولكن أي تبديد؟

لو كان ينصفكم من ليس ينصفكم *** ألقى إليكم مطيعاً بالمقاليد

حُسدتم الفضل لم يحرزه غيركم *** والناس « ما » بين محروم ومحسود

جاءوا إليكم وقد أعطوا عهودهم *** في فيلق كزهاء الليل ممدود

مستمرحين بأيديهم وأرجلهم *** كما يشاءون الركض الضمّر القود (4)

تهوي بهم كل جرداء مطهمةٍ *** هويّ سجل من الأوذام مجدود (5)

مستشعرين لأطراف الرماح ومن *** حدّ الظبا أدرعاً من نسج داود

ص: 279


1- الاسي : الطبيب.
2- السيد. الذئب والاسد.
3- القراديد. هو ما ارتفع وغلظ من الأرض.
4- القود : من الخيل ما طال ظهره وعنقه.
5- السجل. الدلو العظيمة والأوذام جمع الوذمة وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها.

كأن أصوات ضرب الهام بينهم *** أصوات دوحٍ بأيدي الريح مبرود

حمائم الأيكِ تبكيهم على فَنَن *** مرنح بنسيم الريح أُملود

نوحي فذاك هدير منك محتسب *** على حسين فتعديد كتغريد

أُحبكم والذي طاف الحجيج به *** بمبتنى بإزاء العرش مقصود

وزمزمٍ كلما قسنا مواردها *** أوفى وأربى على كل المواريد

والموقفين وما ضحوا على عجلٍ *** عند الجمار من الكوم « المقاحيد » (1)

وكل نسك تلقاه القبول فما *** أمسى وأصبح إلا غير مردود

وارتضى أنني قد متّ قبلكم *** في موقف بالردينيات مشهود

جمّ القتيل فهامات الرجال به *** في القاع ما بين متروك ومحصود

فقل لآل زياد أيّ معضلة *** ركبتموها بتخبيب وتخويد

كيف استلبتم من الشجعان أمرهم *** والحربُ تغلي بأوغاد عراديد؟

فرقتم الشمل ممن لف شملكم *** وأنتم بين تطريد وتشريد

ومَن أعزكم بعد الخمول ومن *** أدناكم مِن أمان بعد تبعيد؟

لولاهم كنتم لحماً لمزدرد *** أو خُلسة لقصير الباع معضود

أو كالسقاء يبيساً غير ذي بلل *** أو كالجناء سقيطاً غير معمود

أعطاكم الدهر ما لا بد « يرفعه » *** فسالب العود فيها مورق العود

ولا شربتم بصفو لا ولا علقت *** لكم بنان بأزمان أراغيد

ولا ظفرتم وقد جنّت بكم نوب *** مقلقلات بتمهيد وتوطيد

وحوّل الدهر رياناً الى ظمأ *** منكم وبدّل محدوداً بمجدود

قد قلت للقوم حطوا من عمائمهم *** تحققاً بمصاب السادة الصيد

نوحوا عليه فهذا يوم مصرعه *** وعددوا إنها أيام تعديد

فلي دموعٌ تُباري القطر واكفةٌ *** جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي (2)

ص: 280


1- المقاحيد : جمع المقحاد وهي الناقة عظيمة السنام.
2- عن الديوان.
وقال يرثي الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربعمائة :

يا ديار الأحباب كيف تحوّل- *** -تِ قفاراً ولم تكوني قفارا؟

ومحت منك حادثات الليالي *** رغم أنفي الشموس والأقمارا

واسترد الزمان منك « وماسا *** ور » في ذاك كلّه ما أعارا

ورأتكِ العيون ليلاً بهيماً *** بعد أن كنت للعيون نهارا

كم لياليّ فيك همّا طوال *** ولقد كنّ قبل ذاك قصارا

لِمَ أصبحت لي ثماداً وقد كن- *** -تِ لمن يبتغي نداكِ بحارا؟

ولقد كنتِ برهةً لي يميناً *** ما توقعتُ أن تكوني يَسارا

إن قوماً حلوك دهراً وولَّوا *** أوحشوا بالنوى علينا الديارا

زوّدونا ما يمنع الغمضَ للعين *** -ن وينبي عن الجنوب القرار

يا خليلي كن طائعاً لي مادمت *** -ت خليلاً وإن ركبتَ الخطارا

ما أبالي فيك الحذار فلا تخشن *** إذا ما رضيت عنك حذارا

عُج بأرض الطفوف عيسك وأعقلهن *** -هن فيها ولا تجزهن دارا

وابكِ لي مُسعداً لحزني وأمنحني *** -ني دموعاً إن كن فيك غزارا

فلنا بالطفوف قتلى ولا ذنبَ *** سوى البغى من عدى وأُسارى

لم يذوقوا الردى جُزافاً ولكن *** بعد أن أكرهوا القنا والشّفارا

وأطاروا فَراشَ كلّ رؤوس *** وأماروا ذاك النجيع المسمارا

إن يوم الطفوف رنّحنى حُز *** ناً عليكم وما شربتُ عقارا

وإذا [ ما ] ذكرتُ منه الذي ما *** كنتُ أنساه ضيق الأقطارا

ورمى بي على الهموم وألقى *** حَيَداً عن تنعمي وأزورارا

كدتُ لما رأيت إقدامهم فيه *** عليكم أن أهتك الأستارا

وأقول الذي كتمتُ زماناً *** وتوارى عن الحشا ما توارى

ص: 281

قل لقوم بنوا بغير أساس *** في ديارٍ ما يملكون مَنارا

واستعاروا من الزمان وما زا *** لت لياليه تستردّ المعارا :

ليس أمرٌ غصبتموه لزاماً *** لا ولا منزل سكنتم قرارا

أيّ شيء نفعاً وضراً على ما *** عوّد الدهر لم يكن أطوارا؟

قد غدرتم كما علمتم بقومٍ *** لم يكن فيهم فتى غرارا

ودعوتم منهم إليكم مجيباً *** كرماً منهم وعوداً نضارا

أمنوكم فما وفيتم وكم ذا *** آمن من وفائنا الغدارا

ولكم عنهم نجاءٌ بعيد *** لو رضوا بالنجاء منكم فرارا

وأتوكم كما أردتم فلما *** عاينوا عسكراً لكم جرارا

وسيوفاً طووا عليها أكفّا *** وقناً في أيمانكم خطارا

علموا أنكم خدعتم وقد يُخد *** عُ مكراً مَن لم يكنَ مكارا

كان من قبل ذاك ستر رقيق *** بيننا فاستلبتم الأستارا

وتناسيتم وما قدمَ العه- *** -د عهوداً معقودة وذمارا

ومقالاً ما قيل رجماً محالاً *** وكلاماً ما قيل فينا سرارا

قد سبرناكم فكنتم سراباً *** وخبرناكم فكنتم خَبارا (1)

وهديناكم إلى طرق الحق *** فكنتم عنا غفولاً حيارى

وأردتم عزاً عزيزاً فما أزدد *** تم بذاك الصنيع إلا صغارا

وطلبتم ربحاً وكم عادت الأربا *** ح ما بيننا فعدن خسارا

كان ما تضمرون فينا من الشر *** ضماراً ، فالآن عاد جهارا

في غدٍ تبصر العيون إذا ما *** حُلن فيكم إقبالكم إدبارا

وتودّون لو يفيد تمنٍّ *** أنكم ما ملكتم دينارا

لا ولا حزتم بأيديكم في *** الناس ذاك الإيراد والإصدارا

عدّ عن معشر تناءوا عن *** الحق وعن شعبه العزيز مزارا

ص: 282


1- الخبار : بالفتح مالان من الارض واسترخى.

لم يكونوا زيناً لقومهم الغُرّ *** ولكن شيناً طويلاً وعارا

وكأنّي أثنيكم عن قبيح *** بمقالي أزيدكم إصرارا

قد سمعتم ما قال فينا رسول *** -له يتلوه مرة ومرارا

وهو الجاعل الذين تراخوا *** عن هوانا من قومه كفارا

وإذا ما عصيتم في ذويه *** حال منكم إقراركم إنكارا

ليس عذر لكم فيقبله ال- *** اللّه غداً يوم يقبل الأعذارا

وغررتم بالحلم عنكم وما زي- *** -دَ جهول بالحلم إلا اغترارا

وأخذتم عما جرى يوم بدر *** وحنين فيما تخالون ثارا

حاشَ لله ما قطعتم فتيلاً *** لا ولا صرتم بذاك مصارا

إن نور الاسلام ثاوٍ وما اسطا *** عَ رجال أن يكسفوا الأنوارا

قد ثللنا عروشكم وطمسنا *** بيد الحق تلكم الآثارا

وطردناكم عن الكفر *** باللّه مقاماً ومنطقاً وديارا

ثم قدناكم إلينا كما قا *** دت رعاة الأنعام فينا العشارا

كم أطعتم أمراً لنا واطرحنا *** ماتقولون ذلة واحتقارا

وفضلناكم وما كنتم قطّ عن *** الطائلين إلا قصارا

كم لنا منكم جروح رغاب *** وجروح لما يكنّ جبارا

وضِرارٌ لولا الوصية بالسل- *** -م وبالحلم خاب ذاك ضرارا

وادعيتم الى نزارٍ وأنى *** صدقكم بعد أن فضحتم نزارا

واذا ما الفروع حدنَ عن الأص- *** -ل بعيدا فما قربن نجارا

إن قوماً دنوا إلينا وشبوا *** ضَرماً بيننا لهم وأوارا

ما أرادوا إلا البوار ولكن *** كم حَمى اللّه مَن أراد البوارا

فإلى كم والتجرباتُ شعاري *** ودثاري الابس الاغمار (1)

وبطيئين عن جميل فإن عنّ *** قبيحٌ سعوا له إحضارا

ص: 283


1- الشعار : الثوب الذي يلي البدن ، والدثار فوقه ، والاغمار : الحمقى والجهلاء.

قسماً بالذي تساق له البد *** ن ويكسى فوق الستار ستارا

وبقوم أتوا منى لا لشيء *** غير أن يقذفوا بها الأحجارا

وبأيد يُرفعن في عرفات *** داعيات مخوّلاً غفارا

كم أتاها مخيّب ما يرجى *** فانثنى بالغاً بها الأوطارا

والمصلين عند جمع يُرجّو *** ن الذي ما استجير إلا أجارا

فوق خوص كللن من بعد أن *** بلّغنَ تلك الآماد والأسفارا

وأعاد الهجير والقر والروحا *** تُ منها تحت الهجار هجارا

يا بني الوحي والرسالة والتط- *** -هير من ربهم لهم إكبارا

إنكم خير من تكون له الخض- *** -راء سقفاً والعاصفات إزارا

وإذا ما شفعتم من ذنوب ال- *** -خلق طراً كانت هباء مطارا

ولقد كنتم لدين رسول *** اللّه فينا الأسماعَ والأبصارا

كم أداري العدا فهل في غيوب *** اللّه يوم أخشى به وأدارى؟

وأصادي اللئامَ دهري فهل يق- *** يقضى بأن بتّ للأكارم جارا؟

وأقاسي الشدات بُعداً وقرباً *** وأخوض النغمار ثم الغمارا

وأموراً يعيين للخلق لولا *** أنني كنتُ في الاذى صبارا

أنا ظام وليس أنقع أن أب- *** -صر في الناس ديمة مدرارا

وطموح الى الخيار فما تب- *** صر عيني في الخلق الا الشرارا

ليت أني طِوال هذي الليالي *** نلتُ فيهن ساعة إيثارا

وإذا لم أذق من الدهر إحلا *** ءً مدى العمر لم أذق إمراراً

مِيّ أنى ليَ أن أقصر اليوم عن كل *** الأماني إن أملك الإقصارا؟ (1)

سالياً عن غروس أيدي الليالي *** كيف شاءت وقد رأيت الثمارا

أيُ نفعٍ في أن أراها دياراً *** خاليات ولا أرى دَيّارا

وسُكارى الزمان بالطمع الكا *** ذب فيه أعيوا عليّ السكارى

ص: 284


1- مي : ترخيم مية ، منادى محذوف حرف النداء الياء.

فسقى اللّه ما نزلتم من الأر *** ض عليه الأنواءَ والأمطارا

وإذا ما اغتدى اليها قطار *** فثنى اللّه للرواح قطارا

ما حدا راكب بركب وما *** دبّ مطيّ الفلاة فيها وسارا

لست أرضى في نصركم وقد *** احتجتم الى النصر مني الأشعارا

غير أني متى نصرتم بطعن *** أو بضربٍ أسابق النصارا

والى أن يزول عن كفي المن- *** -ع خذوا اليوم من لساني انتصارا

واسمعوا ناظرين نصر يميني *** بشبا البيض فحليَ الهدّار

فلساني يحكي حسامي طويلاً *** بطويل وما الغِرار غِرارا

وأمرنا بالصبر كي يأتي الأم- *** -ر وما كلنا يطيق اصطبارا

وإذا لم نكن صبرنا اختياراً *** عن مراد فقد صبرنا اضطرارا

أنا مهما جريت في مدحكم شأ *** واً بعيداً فلن أخاف العثارا

وإذا ما رثيتكم بقوافيّ *** سراعاً فمُرجَل الحي سارا

عاضني اللّه في فضائلكم عل- *** -ماً بشكٍّ وزادني استبصارا

وأراني منكم وفيكم سريعاً *** كل يوم ما يُعجب الأبصارا (1)

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام في عاشوراء :

يا يوم أيُ شجىً بمثلك ذاقه *** عصب الرسول وصفوة الرحمن؟

جرعتهم غصص الردى حتى أرتووا *** ولذعتهم بلواذع النيران

وطرحتهم بدداً بأجواز الفلا *** للذئب آونةً وللعقبان

عافوا القرارَ وليس غير قرارهم *** أو بردهم موتاً بحدّ طعان

منعوا الفرات وصرّعوا من حوله *** من تائق للوردِ أو ظمآن

أوَ ما رأيت قراعهم ودفاعهم؟ *** قدماً وقد أُعروا من الأعوان

متزاحمين على الردى في موقف *** حشي الظبا وأسنّة المران

ص: 285


1- عن الديوان.

ما إن به إلا الشجاع وطائرٌ *** عنه حذار الموت كل جبان

يوم أذلّ جماجماً من هاشمٍ *** وسرى الى عدنان أو قحطان

أرعى جميم الحق في أوطانهم *** رعي الهشيم سوائم العدوان

وأنار ناراً لا تبوخ وربما *** قد كان للنيران لون دخان

وهو الذي لم يبق من دين لنا *** بالغدر قائمة من البنيان

يا صاحبيّ على المصيبة فيهم *** ومشاركيّ اليوم في احزاني

قوماً خذا نار الصلا من أضلعي *** إن شئتما « والماء » من أجفاني

وتعلّما أن الذي كتّمته *** حذر العدا يابى على الكتمان

فلو أنني شاهدتهم بين العدا *** والكفر مُعلولٍ على الإيمان

لخضبتُ سيفي من نجيع عدوهم *** ومحوت من دمهم حجول حصاني

وشفيت بالطعن المبرح بالقنا *** داءَ الحقود ووعكة الأضغان

ولبعتهم نفسي على ضننٍّ بها *** يوم الطفوف بأرخص الأثمان

وقال يرثي جده الحسين علیه السلام :

عرّج على الدارسة القَفر *** ومُر دموع العين أن تجري

فلو نهيت الدمع عن سَحّه *** والدار وحش لم تطع أمري

منزلة أسلمها للبلى *** « عَبرُ » هبوب الريح والقطر

فجِعتُ في ظلمائها عنوةً *** بطلعة الشمس أو البدر

لهفان لا من حرّ جمرِ الجوى *** سكران لا من نشوَة الخمر

كأنني في جاحمٍ من شجىً *** ومن دموع العين في بحر

عُجتُ بها أُنفقُ في آيها *** ما كان مذخوراً من الصبر

في فتيةٍ طارت بأوطارهم *** « في ذيلهم » أجنحةُ الدهر

ضيموا وسُقّوا في عِراض الأذى *** ما شاءت الأعداء من مُرّ

كلّ خميص البطن بادي الطوى *** ممتلئ الجلد من الضر

يَبري لِحا صَعدته عامداً *** بَريَ العَصا من كان لا يبري

ص: 286

كأنّه من طول أحزانه *** يُساق من امنٍ إلى حِذر

أو مفرد أبعده أهله *** عن حَيّه من شفق العُر (1)

يا صاحبي في قعر مطويةٍ *** لو كان يرضى لي بالقعر

أما تراني بين أيدي العدا *** ملآن من غيظ ومن وتر

تسرى إلى جلدي رقش لهم *** والشر في ظلمائها يسري

مردّد في كل مكروهةٍ *** أنقلٌ من نابٍ إلى ظفر

كأنني نصل بلا مقبض *** أو طائر ظل بلا وكر

بالدار ظلماً غير سكانها *** وقد قرى من لم يكن يَقري

والسرح يرعى في حميم الحمى *** ما شاء من أوراقه الخضر

وقد خبالي الجمرَ في طيّه *** لوامعٌ ينذرن بالجمر

لا تبك إن أنت بكيت الهدى *** إلا على قاصمة الظهر

وأبكِ حسيناً والأولى صرّعوا *** أمامَه سطراً إلى سطر

ذاقوا الردى من بعد ما ذوقوا *** أمثاله بالبيض والسُمر

قتل وأسر بأبي منكم *** مَن نيل بالقتل وبالأسر

فقل لقومٍ جئتهم دارهم *** على مواعيدٍ من النصر

قروكم لمّا حللتم بها *** ولا قرى أوعيةَ الغدر

وأطرحوا النهج ولم يَحلفوا *** بما لكم في محكم الذكر

واستلبوا إرثكم منكم *** من غير حقٍ بيد القسر

كسرتم الدين ولم تعلموا *** وكسرة الدين بلا جبر

فيالها مظلمةً أو لجت *** على رسول اللّه في القبر

كانه ما فك أعناقكم *** بكفه من ربقِ الكفر!

ولا كساكم بعد أن كنتم *** بلا رياشٍ حِبرَ الفخر

فهو الذي شاد بأركانكم *** من بعد أن كنتم بلا ذكر

ص: 287


1- العرّ : الجرب.

وهو الذي أطلع في ليلكم *** من بعد يأس غرّة الفجر

يا عُصب اللّه ومَن حبهم *** مخيّم ما عشت في صدري

ومن أرى « ودهم » وحدَه *** « زادي » إذا وُسّدتُ في قبري

وهو الذي أعددته جُنتي *** وعصمتي في ساعة الحشر

حتى إذا لم أكُ في نصرةٍ *** من أحدٍ كان بكم نصري

بموقف ليس به سلعة *** لتاجر أنفق من بِرّ

في كل يوم لكم سيدٌ *** يُهدى مع النيب الى النحر

كم لكم من بعد « شمرٍ » مرى *** دمائكم في الترب من شمر

ويح « ابن سعدٍ عمرٍ » إنه *** باع رسول اللّه بالنزر

بغي عليه في بني بنته *** واستلّ فيهم أنصل المكر

فهو وإن فاز بها عاجلاً *** من حطب النار ولا يدري

متى أرى حقّكم عائداً *** إليكم في السر والجهر؟

حتى متى أُلوى بموعودكم *** أمطل من عام الى شهر؟

لولا هَناتٌ هنّ يلوينني *** لبُحتُ بالمكتوم من سرّي

ولم أكن أقنع في نصركم *** بنظم أبياتٍ من الشعر

فإن تجلت غمم ركّدٌ *** تركنني وعراً على وعَر

رأيتموني والقنا شرّعٌ *** أبذل فيهنّ لكم نحري

على مطا طِرفٍ خفيف الشوى *** كأنه القِدح من الضُمرِ (1)

تخاله قد قدّ من صخرةٍ *** اوجيب اذ حبيب من الحضر (2)

أعطيكم نفسي ولا أرتضي *** في نصركم بالبذل للوفر

وإن يدم ما نحن في أسره *** فاللّه أولى فيه بالعذر

ص: 288


1- المطا : الظهر ، والطرف « بكسر الطاء » : الجواد من الخيل ، والشوى : الاطراف والقدح : السهم ، والضمر : الهزال.
2- جيب وقدّ بمعنى واحد أي : قطع ، ومنه قوله تعالى « وثمود الذين جابوا الصخر بالواد » والحضر : الحجارة.
وقال في يوم عاشرواء من « سنة 430 ».

يا خليلي ومعيني *** كلما رمت النُهوضا

داوِ دائي أو فعدني *** مع عوّادي مريضا

فقبيح بك أن تَر *** فضَ من ليس رفوضا

قد أتى من يوم عاشو *** راء ما كان بغيضا

دَع نشيجي فيه يعلو *** ودموعي أن تفيضا

وبناني قد خضبن ال- *** -دم من سني عضيضا

وكن الناهض للحر *** بِ متى كنت نهوضا

وأجعل الجيب لدمع *** من مآقيك مغيصا

إنه يوم سقينا *** من نواحيه مضيضا

هزل الدين ومن في- *** -ه وقد كان نحيضا

ورمت مجهضة من *** كان في البطن جهيضا

ودع الأطراب وأسمع *** من مراثيه « القريضا »

لا ترد فيه وقد أد *** نسنا ثوباً رحيضا

قل لقوم لم يزالوا *** في الجهالات ربوضا

غرّهم أنهم سا *** دوا وما شادوا بعوضا

في غدٍ بالرغم منكم *** ستردّون القروضا

سوف تلقون بناءً *** لكم طال نقيضا

والذي يحلو بأفوا *** هكم اليوم حميضا

وقباباً أنتم في- *** -ها وهاداً وحضيضا

واراها عن قريبٍ *** كالدبى سوداً وبيضا

وترى للبيض والبي- *** -ض عليهن وميضا

وعلى أكتادها كل *** فتىً يلفى جريضا (1)

ص: 289


1- الاكتاد : الظهور ، والجريض : المغموم.

فبهم يطمع طرف *** كان بالامس غضيضا

وبهم يبرأ من كا *** ن - وقد ضيموا - المريضا

وبهم يرقد طرف *** لم يكن وجداً غموضا

لأباةٍ دمهم سا *** لَ على الأرض غريضا

رفع الرأس على عا *** لي القنا يحكي الوميضا

وأنثنى الجسم الجرد ال- *** -خيل بالعَدوِ رضيضا

حاش لي أن أن أتخلى *** منهم أو أستعيضا

فسقى اللّه قبوراً *** لهم العذب الغضيضا

وأبت إلا ثرى الأخ- *** -ضر والروض الأريضا

وإليهنّ يشدّ ال- *** -قوم هاتيك الغروضا

مانحوهنّ لندب *** إنما قضوا فروضا

وحَيوهنّ استلاماً *** يترك الأفواه فوضى

وقال يذكر بني أمية ويرثي جده الحسين علیه السلام ( وقد سقط أولها ) :

كأنّ معقري مهجٍ كرامٍ *** هنالك يعقرون بها العباطا

فقل لنبي زياد وآل حرب *** ومَن خلطوا بغدرهم خلاطا :

دماؤكم لكم ولهم دماء *** ترويها سيوفكم البَلاطا

كلوها بعد غصبكم عليها ان- *** -تهاباً وازدراداً واستراطا

فما قدّمتم إلا سَفاهاً *** ولا أُمرتم إلا غلاطا

ولا كانت من الزمن المُلحّى *** مراتبكم به إلا سفاطا

أنحو بني رسول اللّه فيكم *** تقودون المسوّمة السلاطا؟

تثار كما أثرتَ الى معينٍ *** لتكرع من جوانبه الغَطاطا

وما أبقَت بها الروحات إلا *** ظهوراً أو ضلوعاً او ملاطا

وفوق ظهورها عُصَبٌ غضابٌ *** إذا أرضيتم زادوا اختلاطا

ص: 290

وكل مرفّع في الجو طاطٍ *** ترى أبداً على كنفيه طاطا (1)

إذا شهد الكريهة لا يبالي *** أشاط على الصوارم أم أشاطا

وما مد القنا إلا وخيلت *** على آذان خيلهم قِراطا

وكم نِعَم لجدّهم عليكم *** لقينَ بكم جحوداً أو غماطا

هُم أتكوا مرافقكم وأعطوا *** جنوبكم النمارقَ والنماطا

وهم نشطوكم من كل ذُل *** حَللتم وسط عَقوتِه انتشاطا

وهم سدوا مخارمكم ومدوا *** على شجرات دوحكم اللياطا

ولولا أنهم حدبوا عليكم *** لما طُلتم ولا حزتم ضغاطا (2)

فما جازيتم لهم جميلاً *** ولا أمضيتم لهم اشتراطا

وكيف جحدتم لهم حقوقاً *** تبين على رقابكم اختطاطا؟

وبين ضلوعكم منهم تراتٌ *** كمرخِ القيظِ أُضرم فاستشاطا

ووتر كلما عمدت يمين *** لرقعِ خروقِه زدن انعطاطا

فلا نسبٌ لكم أبداً اليهم *** وهل قربى لمن قطع المناطا؟

فكم أجرى لنا عاشور دمعاً *** وقطّع من جوانحنا النياطا

وكم بتنا به والليل داج *** نُميط من الجوى ما لن يُماطا

يُسقّينا تذكره سماماً *** ويولجنا توجّعه الوراطا

فلا حديت بكم أبداً ركابٌ *** ولا رُفعت لكم أبدا سياطا

ولا رفع الزمان لكم أديماً *** ولا ازددتم به إلا نحطاطا

ولا عرفت رؤوسكم ارتفاعاً *** ولا ألِفت قلوبكم اغتباطا

ولا غفر الإله لكم ذنوباً *** ولا جُزتم هنالِكم الصراطا

ص: 291


1- الطاط : الشجاع ، والباشق من الطيور.
2- الضغاط : جمع الضغيطة وهي النبتة الضعيفة.
وقال يذكر مناقب أهل البيت علیهم السلام :

يا آل خير عباد اللّه كلّهم *** « ومَن لهم فوق » أعناق الورى مننُ

كم تُثلمون بأيدي الناس كلهم *** وكم تُعرّس فيكم دهرها المحن (1)

وكم يذودُكم عن حقّكم حنقاً *** مُمَلأ الصدر بالأحقاد مُضطغن

إن الذين نضوا عنكم تراثكم *** لم يغبنوكم ولكن دينهم غَبَنوا

باعوا الجنان بدارٍ لا بقاء لها *** وليس لله فيما باعه ثمن

احبّكم والذي صلى الجميع له *** عند البناء الذي تُهدى له البُدن

وأرتجيكم لما بعد الممات إذا *** وارى عن الناس جَمعاً أعظم جبن

وإن يضلّ أناسٌ عن سبيلهم *** فليس لي غير ما أنتم به سَنَن

وما أبالي اذا ما كنتم وضحاً *** لناظريّ ، أضاء الخلق ام دجنوا

وأنتم يوم أرمي ساعدي ويدي *** وأنتم يوم يرميني العِدا الجَنن

وقال في التوسل الى اللّه تعالى بأهل البيت صلوات اللّه عليهم :

أقلني ربي بالذين أصطفيتهم *** وقلتَ « لنا » : هم خيرُ من أنا خالقُ

وإن كنت قد قصرتُ سعياً إلى التقى *** فإني بهم « إن » شئتَ عندك لاحق

هم أنقذوا لمّا « فزعتُ » إليهم *** وقد صمّمت نحوى « النيوب » العوارق

وهم « جذبوا » ضبعى » إليهم من الأذى *** وقد طرقت « بابي » الخطوب الطوارق

ولولاهم « مانلتُ » في الدين « حُظوةً » *** ولا اتّسَعَت فيه عليّ المضائق

ولا سيّرت فضلي إليها مغاربٌ *** ولا طيّرته بينهنّ مشارق

ولا صيّرت قلبي من الناس كلهم *** لها وطناً تأوي إليه الحقائق

ص: 292


1- تعرس : تقيم من التعريس وهو نزول المسافر للاستراحة.
وقال يفتخر بابائه علیهم السلام :

لو لم يعاجله النوى لتحيرا *** وقصاره وقد انتأوا أن يقصرا

أفكلما راع الخليط تصوبت *** عبرات عين لم تقلّ فتكثرا؟

قد أوقدت حرق « الفراق » صبابة *** لم تستعر ومرين دمعاً ما جرى

« شعفٌ » يكتمه الحياء ولوعة *** خفيت وحق لمثلها أن يظهرا

« وأبى » الركائب لم يكن « ماعلنه » *** صبراً ولكن كان ذاك تصبّرا

لبين داعية النوى فاريننا *** بين القباب البيض موتاً أحمرا

وبعدن بالبين المشتت ساعة *** « فكأنهن » بعدن عنا أشهرا

عاجوا على ثمد البطاح وحبهم *** أجرى العيون غداة بانوا أبحرا

وتنكبوا وعرَ الطريق وخلفوا *** ما في الجوانح من هواهم أوعرا

أما السلو فإنه لا يهتدى *** قصد القلوب وقد حشين تذكرا

قد رمت ذاك فلم أجده وحق من *** فقد السبيل إلى الهدى أن يعذرا

أهلاً بطيف خيال مانعة « الحبا » *** يقظى ومفضلة علينا في الكرى

ما كان أنعمنا بها من زورة *** لو باعدت وقت الورود المصدرا!

جزعت لوخطات المشيب وإنما *** بلغ الشباب مدى الكمال فنوّرا

والشيب إن « فكرت » فيه موردٌ *** لا بدّ يورده الفتى إن عمّرا

يبيضّ بعد سواده الشعر الذي *** لو لم يزره الشيب واراه الثرى

زمن الشبيبة لاعدتك تحيةٌ *** وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا

فلطالما اضحى ردائي ساحباً *** في ظلك الوافي وعودي اخضرا

أيام يرمقني الغزال إذا رنا *** شعفاً ويطرقني الخيال إذا سرى

ومرنّحٍ في الكور يحسب أنه اصطبح *** العقار وإنما اغتبق السُرى

بطل صفاه للخداع مزلّةٌ *** فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا (1)

« إما » سألت به فلا تسأل به *** « ناياً » يناغي في البطالة مزمرا

ص: 293


1- تغشمر : تنمر.

وأسأل به الجرد العتاق مغيرةً *** يخطبن هاماً أو يطأن سنّورا

يحملن كل مدججٍ يقرى الظبا *** علقاً وأنفاس السوافي عثيرا

قومي الذين وقد دجت سبُل الهدى *** تركوا طريق الدين فينا مقمرا

غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا *** ذاك التليد تطرفاً وتخيرا

كم فيهم من قسورٍ متخمطٍ *** يردى إذا شاء الهزبر القسورا

متنمرٍّ والحرب إن هتفت به *** أدّته بسام المحيّا مسفرا

وملوّم في بذله ولطالما *** أضحى جديراً في العلا أن يشكرا

ومرفع فوق الرجال تخاله *** يوم الخطابة قد تسنم منبرا

جمعوا الجميل إلى الجمال وإنما *** ختموا إلى المرأى الممدّح مخبرا

سائل بهم بدراً وأحداً والتي *** ردّت جبين بني الضلال معفّرا

لله درّ فوارسٍ في خيبر *** حملوا عن الاسلام يوماً منكرا

عصفوا بسلطان اليهود وأولجوا *** تلك الجوانح لوعة وتحسرا

واستلحموا أبطالهم واستخرجوا *** الأزلام من أيديهم والميسرا

وبمرحبٍ ألوى فتىً ذو جمرة *** لا تصطلي وبسالةٍ « لا تُعترى »

إن حزّ حزّ مطبقاً أو قال قا *** ل مصدّقاً أو رام رام « مطهّرا »

فثناه مصفرّ البنان كأنما *** لطخ الحمامُ عليه صبغاً أصفرا

« تهفوا » العقاب بشلوه ولقد هفت *** زمناً به شم الذوائب والذرا

أما الرسولُ فقد أبان ولاءَه *** لو كان ينفع « جائراً » أن ينذرا

أمضى مقالاً لم يقله معرّضاً *** وأشاد ذكراً لم يشده « مُغرّرا »

وثنى اليه رقابهم وأقامه *** علماً على باب النجاة مشهرا

ولقد شفى « يوم الغدير » معاشراً *** ثلجت نفوسهم « وأدوى » معشرا

« قلقت » بهم أحقادهم فمرّجعٌ *** نفسأً ومانع أنةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصت به مهريةٌ *** أشبت بساحته الهموم فاصحرا

عج « بالغريّ » فإن فيه ثاوياً *** جبلاً تطأطأ فاطمأن به « الثرى »

ص: 294

واقرا السلام عليه من كلفٍ به *** كشفت له حجاب الصباح فأبصرا

فلو استطعت جعلت دار إقامتي *** تلك القبور الزُهر حتى أقبرا

ومن روائعه قوله :

ومن السعادة أن تموت وقد مضى *** من قبلك الحُساد والأعداء

فبقاءُ مَن حُرِمَ المراد فناؤه *** وفناء من بلغ المراد بقاء

والناس مختلفون في أحوالهم *** وهم إذا جاء الردّى أكفاء

وطلاب ما تفنى وتتركه على *** من ليس يشكر ما صنعت عناء

وقوله :

أحب ثرى نجد ونجد بعيدة *** ألا حبذا نجد وإن لم تفد قربا

يقولون نجد لست من شعب أهلها *** وقد صدقوا لكنني منهم حُبّا

كأني وقد فارقت نجداً شقاوة *** فتى ضل عنه قلبه ينشد القلبا

وقوله في اخرى :

ولقد زادني عشية جمع *** منكم زائر على الآكام

بات أشهى الى الجفون وأحلى *** في منامي غبّ السرى من منامي

كدتُ لما حللتُ بين تراقيه *** حراماً أحل من إحرامي

وسقاني من ريقه فسقاني *** من زلال مصفق بمدام

صدّ عني بالنزر إذ أنا يقظان *** وأعطى كثيره في المنام

والتقينا كما اشتهينا ولا عيب *** سوى أن ذاك في الأحلام

واذا كانت الملاقاة ليلاً *** فالليالي خيرٌ من الأيام

ومن قوله في قصيدة طويلة :

أترى يؤب لنا الأبيرق *** والمنى للمرء شغل

طلل لَعزة لا يزال *** على ثراه دم يُطلّ

ص: 295

فتلوا وما قتلوا وعند *** هم لنا قَودٌ وعقل

قل للذين على مواعدهم *** لنا خُلفٌ ومطل

كم ضامني من لا أضيم *** وملّني مَن لا أمَلّ

يا عاذلاً لعتابه *** كَلّ على سمعي وثِقل

ان كنت تأمر بالسلو *** فقل لقلبي كيف يسلو

قلبي رهين في الهوى *** ان كان قلبك منه يخلو

ولقد علمتُ على الهوى *** أنّ الهوى سقمٌ وذلٌ

وتعجبتُ جَملٌ لشيب *** مفارقي وتشيبُ جمل

ورأت بياضاً في سواد *** ما رأته هناك قَبل

كذُبالة رفعت على *** الهضبات السارين ضلّوا

لا تنكريه - ويب غيرك *** فهو للجُهلاء غُلّ (1)

وله قدس اللّه سره :

مولاي يا بدر كل داجية *** خذ بيدي قد وقعت في اللجج

حسنك ما تنقضي عجائبه *** كالبحر حدّث عنه بلا حرج

بحق من خط عارضيك ومَن *** سلّط سلطانها على المهج

مدّ يديك الكريمتين معاً *** ثم ادع لي من هواك بالفرج

وقوله :

ولما تفرقنا كما شاءت النوى *** تبيّن ودّ خالصٌ وتوددُ

كأني وقد سار الخليط عشيةً *** أخو جنّةٍ مما أقوم وأقعد

وله من قصيدة :

الا يا نسيم الريح من أرض بابل *** تحمّل الى أهل الخيام سلامي

وقل لحبيب فيك بعض نسيمه *** أما آن تسطيع رجع كلامي

ص: 296


1- ويب : كلمة ويل زنة ومعنى. والغل بالضم : طوق من حديد يجعل في اليد.

رضيت ولولا ما علمتم من الجوى *** لما كنتُ أرضى منكم بلمام

واني لأرضى أن اكون بأرضكم *** على أنني منها استفدت سقامي

وقوله :

بيني وبين عواذلي *** في الحب أطراز الرماح

أنا خارجي في الهوى *** لا حكم إلا للملاح

وقوله :

قل لمن خده من اللحظ دامٍ *** رقّ لي من جوانح فيك تُدمى

يا سقيم الجفون من غير سقم *** لا تلمني إن مُتّ منهن سقما

أنا خاطرت في هواك بقلب *** ركب البحر فيك إما وإما

وقوله من قصيدة :

قل لمعزٍّ بالصبر وهو خليٌ *** وجميل العذول ليس جميلا

ما جهلنا أن السلو مريح *** لو وجدنا الى السلو سبيلا

وقوله من مقطوع في الشيب :

يقولون لا تجزع من الشيبب ضِلّة *** وأسهمه إياي دونهم تُصمي

وقالوا أتاه الشيب بالحلم والحجى *** فقلتُ بما يَبرى ويعرق من لحمي

وما سرني حلم يفيء الى الردى *** كفاني ما قبل المشيب من الحلم

اذا كان يعطيني من الحزم سالباً *** حياتي فقل لي كيف ينفعني حزمي

وقد جرّبت نفسي الغداة وقاره *** فما شدّ من وهنى ولا سدّ من ثلمي

وإني مذ أضحى عذاري قرارُه *** أُعادُ بلا سُقم وأُجفى بلا جُرم

وسيّان بعد الشيب عند حبائبي *** وقفن عليه أم وقفن على رسمي

ص: 297

أبو العلاء المعرّي

وعلى الدهر من دماء الشهيدين *** -دين علي ونجله شاهدانِ

فهما في أواخر الليل فجرا *** ن وفي أولياته شفقان

ثبتا في قميصه ليجيء ال- *** -حشر مستعدياً الى الرحمن

وجمال الأوان عقب جدود *** كلُ جدٍ منهم جمال اوان

يا ابن مستعرض الصفوف ببدر *** ومبيد الجموع من غطفان

أحد الخمسة الذين هم الاع- *** -راض في كل منطق والمعاني

والشخوص التي خُلقن ضياء *** قبل خلق المريخ والميزان

قبل أن تخلق السماوات أوتؤ *** مر أفلاكهن بالدوران

لو تاتى لنطحها حمل الشه- *** -ب تروى عن رأسه الشرطان

أو أراد السماك طعناً لها عا *** د كسير القناة قبل الطعان

أو رمتها قوس السماء لزال ال- *** -عجر منها وخانها الأبرهان

أو عصاها حوت النجوم سقاه *** حتفه صائد من الحدثان

وبهم فضل المليك بني حوا *** ء حتى سموا على الحيوان

شرفوا بالشراف والسمر عيدا *** ن اذا لم يزنّ بالخرصان

يشير ابو العلاء الى الحديث الشريف القائل بأن اللّه عز وجل خلق أنوار الخمسة : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الخلق.

ص: 298

وقوله كما أورد سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص :

أرى الأيام تفعل كل نكرٍ *** فما أنا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسيناً *** وكان على خلافتكم يزيد (1)

أبو العلاء المعري (2) التنوخي : أحمد بن عبد اللّه :

ولد بمعرة النعمان سنة 363 وتوفي بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول سنة 449 عن 86 سنة. ولما مات أنشد على قبره أربعة وثمانون شاعراًً مراثي من جملتها أبيات لعلي بن الهمام من قصيدة طويلة :

إن كنت لم ترقِ الدماء زهادةً *** فلقد أرقت اليوم من جفني دما

سيّرتَ ذكراً في البلاد كأنه *** مسك مسامعها يضمّخُ أو فما

ونرى الحجيج اذا أرادوا ليلة *** ذكراك أوجب فدية مَن أحرما

ويقول أن ذكراك طيب والطيب لا يحل لمحرم فيجب عليه فدية ، والحق ان ابا العلاء فلتة من فلتات الزمن ونابغة من نوابغ العالم. اختلف الناس فيه فمن قائل ، هو مسلم موحّد ، وبين مَن يرميه بالالحاد واذكر حديثاً للمرحوم المصلح الشيخ محمد حسين كاشف العَطاء برهن فيه على ايمانه وتشيعه ، وذكر صاحب نسخة السحر انه من شعراء الشيعة.

ص: 299


1- جاء في الحديث الشريف : لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول مَن يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد. رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ج5 ص 241 عن مسند أبي يعلی والبزاز وفي الصواعق المحرقة ص 132 عن مسند الرواياتي عن أبي الدرداء عنه صلی اللّه عليه وآله وسلم : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد.
2- المعري : نسبة الى معرة النعمان من بلاد الشام.
ومن شعره تتنسم عبير التشيع فاسمعه يقول في قصيدته :

أدنياي اذهبي وسواي إمّي *** فقد ألممت ليتك لم تلّمي

وكان الدهر ظرفاً لا لحمدٍ *** تؤهله العقول ولا لذِمّ

وأحسب سانح الأزميم نادى *** ببين الحيّ في صحراء ذَمّ (1)

اذا بكرُ جنى فتوّق عمراً *** فإن كليهما لأب وأمِّ

وخف حيوان هذي الأرض واحذر *** مجيء النطح من رَوق وجُمّ (2)

وفي كل الطباع طباع نكز *** وليس جميعهنّ ذوات سُمّ

وما ذنب الضراغم حين صيغت *** وصيّر قوتها مما تُدّمي

فقد جُبلت على فرس وضرس *** كما جبل الوفود على التنمي

ضياء لم يبن لعيون كمهٍ *** وقولٌ ضاع في آذان صُمّ

لعمرك ما أسرّ بيوم فطر *** ولا أضحى ولا بغدير خُم

وكم أبدى تشيّعه غويُّ *** لأجل تنسّبٍ ببلاد قمّ

ومن شعره :

لقد عجبوا لآل البيت لما *** أتاهم علمهم في جلدِ جفر

ومرآة المنجّم وهي صغرى *** تريه كل عامرةٍ وقفر

وقوله كما في نسمة السحر :

أمر الواحد فافعل ما أمر *** واشكر اللّه ان العقل أمر

أضمر الخيفة واضمر قلّ ما *** ادرك الطرف المدى حتى ضمر

أيها الملحد لا تعصى النهى *** فلقد صحّ قياسٌ واشتهر

إن يعد في الجسم يوما روحه *** فهو كالربع خلا ثم عمر

ص: 300


1- ازميم : ليلة من ليالي المحاق. والهلا اذا دق في آخر الشهر واستقو�1. ذم : الهلاك.
2- الروق : القرن ، جم جمع الاجم : الكبش لا قرن له.

وهي الدنيا أذاها ابداً *** زمر واردة إثر زمر

يا أبا السبطين لا تحفل بها *** أعتيقٌ ساد فيها أم عمر

قال السيد الأمين في الأعيان :

هو ابو العلاء احمد بن عبد اللّه بن سليمان المعري التنوخي الشاعر المتفنن كان عربيّ النسب من قبيلة تنوخ بطن من قضاعة من بيت علم وقضاء ولد بمعرة النعمان سنة 363 وجدر في الثالثة من عمره وكف بصره وتعلم على أبيه وغيره من ائمة زمانه فكان يحفظ ما يسمعه من مرة واحدة ، وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة ، ونسك في آخر عمره ولم يبرح منزله وسمى نفسه رهين المحبسين : العمى والمنزل : وبقي مكبّاً على التدريس والتأليف ونظم الشعر مقتنعاً بالقليل من الدنانير يستغلها من عقار له مجتنباً أكل الحيوان وما يخرج منه مكتفياً بالنبات والفاكهة والدبس متعللا بأنه فقير وانه يرحم الحيوان ، وعاش عزباً الى أن مات سنة 449 بالمعرة وأمر أن يكتب على قبره :

هذا جناه أبي عليَّ *** وما جنيتُ على أحد

أقول الحق انه فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ولا يسمح الدهر بامثاله إلا في السنين المطاولة والازمان المتباعدة وهذه اراؤه تتجدد وأشعاره بمعانيها تزداد حلاوة وعذوبة وان هذه الاختلافات في هذا الرجل دلالة على عمقه وعظمته واليك قوله في إثبات البعث والمعاد.

قال المنجم والطبيب كلاهما *** لا تحشر الاجساد قلت : اليكما

إن صحّ قولكما فلستُ بخاسرٍ *** أو صحّ قولي فالخسار عليكما

وفي معجم الأدباء : ولد بمعرة النعمان (363) واعتلّ علّة الجُدَري التي ذهب فيها بصره (367) وقال الشعر وهو ابن 11 سنة ورحل الى بغداد سنة 398 فاقام بها سنة وسبعة أشهر ثم رجع الى بلده فأقام بها ولزم منزله الى أن مات بالتاريخ المتقدم. قال : ونقلت من بعض الكتب أن أبا العلاء

ص: 301

لما ورد الى بغداد قصد ابا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال علي بن عيسى ليصعد الاصطبل فخرج مغضباً ولم يعد اليه ، والاصطبل في لغة أهل الشام الأعمى ولعلها معرّبة. ودخل على المرتضى ابي القاسم فعثر برجلٍ فقال : من هذا الكلب ، فقال المعري : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً ، وسمعه المرتضى فاستدناه واختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالاً كثيرا ، وكان أبو العلاء يتعصب للمتنبي ويزعم انه أشعر المحدثين ويفضله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام ، وكان المرتضى يبغض المتنبي ويتعصب عليه فجرى يوما بحضرته ذكر المتنبي فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه ، فقال المعري : لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله : - لك يا منازل في القلوب منازل - لكفاه فضلاً فغضب المرتضى وأمر فسحب برجله واخرج من مجلسه ، وقال لمن بحضرته أتدرون أي شيء أراد بذكر هذه القصيدة فإن للمتنبي ما هو أجود منها - اراد قوله في هذه القصيدة :

وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ *** فهي الشهادة لي بأني كامل

وقال السيد الامين إن هذه القصة موضوعة ولا يصح قول من قال أن المرتضى كان يبغض المتنبي فانه لا موجب لبغضه إياه وليس معاصراً له فمولد المرتضى قريب من وفاة المتنبي ، ولا لتعصبه عليه ، فالمرتضى في علمه وفضله ومعرفته لم يكن يتعصب على ذي فضل كالمتنبي ولا يجهل مكانته في الشعر ، والمعري مع علمه بجلالة قدر المرتضى وعلوّ مكانه لم يكن ليواجهه بهذا الكلام وللمعري بيتان يمدح الرضي والمرتضى في القصيدة التي رثى بها والد السيدين المرتضى والرضي وهما :

ساوى الرضي المرتضى وتقاسما *** خطط العلا بتناصفٍ وتصافى

خلا ندى سبقا وصلى الاطهر *** المرضي فيا لثلاثة أحلاف

والاطهر المرضي هو ابن للشريف المرتضى.

ص: 302

قال السيد الامين في الاعيان :

اختلف الناس فيه فبين ناسب له الى الالحاد والتعطيل وبين قائل انه مسلم موحد. في معجم الادباء : كان متهماً في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى أفساد الصورة ولا يأكل لحماً ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور وعاش ستاً وثمانين سنة لم يأكل اللحم منها خمساً وأربعين سنة ، وحُدثت أنه مرض مرة فوصف الطبيب له الفروج فلما جيء به لمسه بيده وقال : استضعفوك فوصفوك هلا وصفو شبل الأسد. وحدث غرس النعمة أبو الحسن الصابي انه بقي خمسا واربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ويحرّم إيلام الحيوان ويقتصر على ما تنبت الارض ويلبس خشن الثياب ويظهر دوام الصوم. قال : ولقيه رجل فقال : لم لا تأكل اللحم قال ارحم الحيوان قال فما تقول في السباع التي لا طعام لها الا لحوم الحيوان فان كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه ، وان كانت الطبائع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها ولا أتقن عملاً ، فسكت - قال ابن الجوزي : وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة وأما ما ذبحه غيره فأيّ رحمة بقيت. قال : وقد حدثنا عن ابي زكريا أنه قال : قال لي المعري ما الذي تعتقده؟ فقلت في نفسي اليوم أقف على اعتقاده ، فقلت له ما أنا إلا شاك ، فقال وهكذا شيخك قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني : قال لي المعري لم أهج أحداً قط ، فقلت له صدقت ، إلا الانبياء علیهم السلام فتغيّر وجهه.

( قال المؤلف ) : اما عدم ذبحه الحيوان وعدم أكله اللحوم فكاد يكون متواتراً عنه ومرّ في مرثية علي بن الهمام له قوله :

ان كنت لم ترق الدماء زهادة *** فلقد أرقت اليوم من جفني دما

مما دل على أن ذلك كان معروفاً مشهوراً عنه.

ص: 303

لماذا لم يأكل اللحم؟

اشارة

وقد علل امتناعه عن أكل اللحوم وغيرها في أحد اجوبته في المراسلة التي دارت بين وبين داعي الدعاة. قال جواب إحدى تلك الرسائل :

قد بدأ المعترف بجهله المقر بحيرته وعجب أن مثله يطلب الرشد ممن لا رشد عنده وقد ذكر ايد اللّه بحياته بيتا من أبيات على قافية الحاء ذكرها وليه ليعلم غيره ما هو عليه من الاجتهاد في التدين وما حيلته في قوله تعالى ( مَن يهد اللّه فهو المهتد ) وأولها :

غدوتَ مريضَ العقل والدين فالقني *** لتعلم أنباء الامور الصحائح

فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما *** ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح (1)

والحيوان البحري لا يخرج من الماء إلا وهو كاره والعقل لا يقبح ترك أكله وإن كان حلالاً لأن المتدينين لم يزالوا يتركون ما هو لهم حلال مطلق :

وأبيض أُمّاتٍ أرادت صريحه *** لأطفالها دون الغواني الصرائح (2)

والمراد بالابيض اللبن والأم اذا ذبح ولدها وجدت عليه وجداً عظيماً وسهرت لذلك ليالي فأيّ ذنب لمن تحرج عن ذبح السليل ولم يرغب في استعمال اللبن ولم يزعم أنه محرم وإنما تركه اجتهاداً في التعبّد ورحمة للمذبوح رغبة أن يجازى عن ذلك بغفران خالق السموات والأرض واذا قيل ان اللّه سبحانه يساوي بين عباده في الاقسام فأي شيء اسلفته الذبائح من الخطأ حتى تمنع حظها من الرأفة والرفق :

فلا تفجعنّ الطير وهي غوافل *** بما وضعت فالظلم شرّ القبائح

ص: 304


1- الغريض : اللحم النيء.
2- أُمات : جمع أُم والصريح في كل شيء الخالص منه.

وقد نهى النبي صلی اللّه علیه و آله عن صيد الليل وذلك أحد القولين في قوله علیه السلام اقرّوا الطير في وكناتها ، وفي الكتاب العزيز « يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم ومَن قتله متعمداً فجزاء مثلُ ما قتل من النَعم » فاذا سمع من له أدنى حسّ هذا القول فلا لوم عليه اذا طلب التقريب الى رب السماوات والارضين بأن يجعل صيد الحل كصيد الحرم وإن كان ذلك ليس بمحظور :

ودع ضَربَ (1) النحل الذي بكرّت له *** كواسب من أزهارِ نبتٍ فوائح

لما كانت النحل تحارب الشائر (2) عن العسل بما تقدر عليه فلا غرو إن أعرض عن استعماله رغبة في أن تجعل النحل كغيرها مما يكره من ذبح الأكيل واخذ ما كان يعيش به لتشربه النساء كي يُبدّن وغيرها من بني آدم ، وروي عن علي علیه السلام حكاية معناها انه كان له دقيق شعير في وعاء يختم عليه فاذا كان صائماً لم يختم على شيء منه وقد كان علیه السلام يصل اليه غلّة كثيرة ولكنه كان يتصدق بهاويقتنع أشد اقتناع. وروي عن بعض أهل العلم انه قال في بعض خطبه ان غلّته تبلغ خمسين الف دينار وهذا يدل على ان الانبياء والمجتهدين من الأئمة يقصرون نفوسهم ويؤثرون بما يفضل عنهم أهل الحاجة. وقد أوما سيدنا الرئيس الى أن من ترك أكل اللحم ذميم ولو أخذ بهذا المذهب لوجب على الانسان أن لا يصلي الا ما افترض عليه ومن له مال كثير اذا اخرج زكاته لا يحسن به أن يزيد على ذلك. وأما ما ذكره من المكاتبة في توسيع الرزق علي فالعبد الضعيف العاجز ما له رغبة في التوسع ومعاودة الا طعمة وتركها صار له طبعا ثانيا وانه ما أكل شيئاً من حيوان خمسا وأربعين سنة.

ومما يعجب له من أمر أبي العلاء فبينا البعض يستظهر من اشعاره تشكيكه

ص: 305


1- الضرب يفتحين : العسل.
2- الشائر من شار العسل واشتاره أي جناه.

والحاده واذا به يصوم الدهر ويحافظ على الصلوات ويصلى جالساً بعد سقوط قوّته ولا يترك الصلاة بحال ويقول في اثبات الخالق عز وجل.

متى ينزل الأمر السماوي لم يفد *** سوى شبح رمي الكميّ المناجد

وإن لحق الإسلام خطبٌ يغضّه *** فما وجدت مثلاً له نفس واجد

اذا عظّموا كيوان عظّمتُ واحداً *** يكون له كيوان أول ساجد

ويقول :

واللّه حق وابن آدم جاهل *** من شأنه التفريط والتكذيبُ

قال الشيخ القمي في الكنى والألقاب :

أحمد بن عبد اللّه بن سليمان المعروف بأبي العلاء المعرّي الشاعر الأديب الشهير كان نسيج وحده بالعربية ضربت آباط الإبل اليه ، وله كتب كثيرة وكان أعمى ذا فطانة ، وله حكايات من ذكائه وفطانته ، حكي انه لما سمع فضال الشريف السيد المرتضى اشتاق الى زيارته فحضر مجلس السيد ، وكان سيد المجالس فجعل يخطو ويدنو الى السيد فعثر على رجل فقال الرجل : مَن هذا الكلب؟ فقال المعري الكلب مَن لا يعرف للكلب سبعين اسماً فلما سمع الشريف ذلك منه قرّبه وأدناه فامتحنه فوجده وحيد عصره وأُعجوبة دهره ، فكان ابو العلاء يحضر مجلس السيد وعدّه من شعراء مجلسه ، وجرى بينهما مذاكرات من الرموز ما هو مشهور وفي كتب الاحتجاج مسطور. قيل ان المعري لما خرج من العراق سُئل عن السيد المرتضى رضي اللّه تعالى عنه فقال :

يا سائلي عنه لما جئت اسأله *** ألا هو الرجل العاري من العار

لو جئته لرأيت الناس في رجل *** والدهر في ساعة والأرض في دار

ص: 306

ومن شعره :

لو اختصرتم من الاحسان زرتكم *** والعذب يهجر للافراط في الخصر

( الخصر البرد ) ومن شعر المعري قصيدة يرثي بها بعض أقاربه : *** غير مجدٍ في ملتي واعتقادي

نوحُ باكٍ ولا ترنم شاد *** أبكت تلكم الحمامة أم غنّت

على فرع غصنها المياد *** صاح هذي قبورنا تملأ الأر

ض فأين القبور من عهد عاد *** خفف الوطئ ما أظن أديم الا

رض إلا من هذه الاجساد *** وقبيح بنا وإن قدم العهد

هوان الآباء والأجداد *** رب لحدٍ قد صار لحداً مراراً

ضاحكٍ من تزاحم الأضداد *** ودفينٍ على بقايا دفين

في طويل الأزمان والآباد *** فاسأل الفرقدين عمن أحسّا

من قبيل وآنسا من بلاد *** كم أقاما على زوال النهار

وانارا لمدلج في سواد *** تعبٌ كلّها الحياة فما أعجب

إلا من راغبٍ في ازدياد *** إن حزناً في ساعة الموت

أضعاف سرور في ساعة الميلاد *** خُلق الناس للبقاء فضلّت

أمةٌ يحسبونهم للفناد *** إنما ينقلون من دار أعمال

إلى دار شقوة أو رشاد

حكي عنه انه كان يقول أتمنى أن أرى الماء الجاري وكواكب السماء ، حيث كان أعمى وفي عماه يقول بعض الشعراء :

أبا العلاء بن سليمانا *** ان العمى أولاك إحسانا

لو أبصرت عيناك هذا الورى *** لم ير انسانُك إنسانا

قال جرجي زيدان في ( تاريخ آداب اللغة العربية ) :

ابو العلاء المعري هو خاتمة شعراء العصر العباسي الثالث كما كان شبيهه أبو الطيب المتنبي فاتحته - ونعم الفاتحة والخاتمة. وهو الشاعر الحكيم الفيلسوف

ص: 307

احمد بن عبد اللّه بن سليمان بن محمد التنوخي. ولد في المعرة سنة 363 ه- وكان أبوه من أهل الأدب وتولى جدّه القضاء فيها. وكانت أمه ايضاً من أسرة وجيهة يعرفون بآل سبيكة ، اشتهر منهم غير واحد بالوجاهة والأدب وكانت المعرة تحت سيطرة الدولة الحمدانية بحلب وأميرها يومئذ سعد الدولة أبو المعالي.

ولم يتم أبو العلاء الثالثة من عمره حتى أصابه الجدري فذهب بيسرى عينيه وغشي يمناها بياض. فكفّ بصره وهو طفل وكان يقول : « لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني البست في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر ». لقنه أبوه النحو واللغة في حداثته ثم قرأ على جماعة من أهل بلده - ولما أدرك العشرين من عمره عمد الى سائر علوم اللغة وآدابها فاكتسبها بالمطالعة والاجتهاد - وكان يقيم أناساً يقرأون له كتبها وأشعار العرب وأخبارهم. وهو قوي الحافظة الى ما يفوق التصديق.

وكان مطبوعاً على الشعر نظمه قبل أن يتم الحادية عشرة من عمره. ولم يمنعه العمى من مباراة بأرباب القرائح في ما اشتغلوا به حتى في العابهم فقد كان يلعب الشطرنج والنرد ويجيد لعبهما لا يرى في العمى نقصاً. بل هو كان يقول « احمد اللّه على العمى كما يحمده غيري على البصر » وكان يرتزق من وقف يحصل له منه ثلاثون ديناراً في العام ينفق نصفها على مَن يخدمه.

ورحل في طلب العلم على عاداتهم في ذلك العهد فأتى طرابلس واللاذقية وسواهما من بلاد الشام وأخذ فلسفة اليونان عن الرهبان - ثم رحل الى بغداد سنة 398 وشهرته قد سبقته اليها فاستقبله علماؤها بالحفاوة. واطلع في أثناء اقامته هناك على فلسفة الهنود والفرس فضلاً عن سائر العلوم. حتى اذا نضج عقله وأمعن النظر في الوجود رأى الدنيا كما هي فزهد فيها وعزم على الاعتزال ليتسنى له التأمل والتفكير. فغادر بغداد سنة 400 ه- وأتى المعرة ولزم بيته وسمى نفسه « رهين المحبسين » وأخذ بالتأليف والنظم وتدوين أفكاره وآرائه

ص: 308

ومحفوظه في الكتب. وانقطع عن أكل اللحم من ذلك الحين واقتصر على النبات كما يفعل النباتيون اليوم - اقتبس ذلك من آراء البراهمة الهنود فذهب مذهبهم فيه رفقاً بالحيوان وتجافياً عن إيلامه. ولزم الصوم الدائم.

قضى ابو العلاء في هذه العزلة بضعاً وأربعون سنة وأكله العدس وحلاوته التين وهو يؤلف وينظم والناس يتوافدون اليه ليسمعوا أقواله وأخباره أو يكاتبوه في استفهام واستفتاء ويأخذوا عنه العلم مجاناً حتى توفاه اللّه سنة 449.

وكان معدوداً من أقطاب العلم والأدب والشعر ويمتاز بأنه لم يتكسب بشعره.

مؤلفاته :

خلف مؤلفات في الشعر وفي الادب - أما اشعاره فاشهرها :

1 - اللزوميات : وهو ديوان كبير طبع في بمباي سنة 1303 ه. ثم في مصر سنة 1895 في نحو 900 صفحة. في صدرها مقدمة في الشعر وشروطه وقوافيه على اسلوب انتقادي يدل على رسوخ قدمه في اللغة والشعر. وذكر ما التزمه في نظم هذا الديوان من الشروط اهمها التزام حرفين في القافية وقد نظمه في اثناء عزلته وضمنه كثيراً من آرائه في الوجود والخليقة والنفس والدين. فكان له وقع عند أصحاب الفلسفة فقالوا : « ان أبا العلاء أتى قبل عصره باجيال » وتمتاز اشعاره في عزلته بصبغه سوداوية تشف عن سوء ظنه في الحياة ويأسه من أسباب السعادة لعل سببها اختلال عمل الهضم بتوالي الصوم والاقتصار على نوع او نوعين من الأطعمة. على ان اكثر اشعاره في الفلسفة والزهد والحكم والوصف ويندر فيها المدح او التشبيب. وقد نقل امين افندي ريحاني بعض رباعياته الى الانكليزية نشرت في اميركا منذ بضع سنين وترجم بعض اشعاره ايضاً جورج سلمون الى اللغة الفرنسية ونشرها في باريس سنة 1904.

ص: 309

2 - سقط الزند : وهو ديوان آخر نظمه قبل العزلة. طبع مراراً.

3 - ضوء السقط : يقتصر على ما نظمه في الدرع طبع في بيروت سنة 1894.

اما الادب فله مؤلفات عديدة ربما زادت على خمسين كتاباً أكثرها في اللغة والقوافي والنقد والفلسفة والمراسلات ضاع معظمها واليك ما بلغ الينا خبره منها :

4 - رسائل أبي العلاء : هي كثيرة لو جمعت كلها لبلغت ثمانمائة كراس وقد توخي فيها التسجيع والعبارة العالية والكلام الغريب نحو ما يفعلون في إنشاء المقامات فلا تفهم بلا تفسير وهي من قبيل الشعر المنثور في وصف الخلائق كالنمل والجراد والنسر والفيل والنحل والضفدع والفرس والضبع والحية ونحوها من الحيوانات. غير وصف الاماكن والمواقف والثياب والمآكل وغيرها مما يحسن تحديه لولا ما فيه من اللفظ الغريب. ولكن معظمها ضاع وقد جمع أكثر ما بقي منها في كتاب طبع في بيروت سنة 1894 مضبوطاً بالحركات. وطبع ايضاً في اكسفورد سنة 1898 بعناية الاستاذ مرجليوت المستشرق الانكليزي مع ترجمة انكليزية وتعاليق وشروح تاريخية وادبية مفيدة. وقد صدرها بمقدمة في ترجمة المؤلف بالانكليزية وذيلها بما ذكره الذهبي من ترجمته وختمها بفهرس للاعلام.

5 - رسالة الغفران : هي جملة رسائله ولكننا أفردناها بالكلام لانها طبعت على حدة ولها شأن خاص من حيث موضوعها. وهي فلسفية خيالية كتبها في عزلته وضمنها انتقاد شعراء الجاهلية والاسلام وادبائهم والرواة والنحاة على اسلوب روائي خيالي لم يسبقه اليه احد. فتخيّل رجلا صعد الى السماء ووصف ما شاهده هناك كما فعل دانتي شاعر الايطاليان في « الرواية الالهية » وما فعل ملتن الانكليزي في « ضياع الفردوس » لكن أبا العلاء سبقهما ببضعة قرون.

ص: 310

لأن دانتي توفي سنة 720 ه- وملتن نحو سنة 1084 ه- وتوفي ابو العلاء سنة 449 ه- فلا بدع اذا قلنا باقتباس هذا الفكر عنه. واقدمها ( دانتي ) لم يظهر الا بعد احتكاك الافرنج بالمسلمين. والايطاليان أسبق الافرنج الى ذلك. ونقسم مواضيع رسالة الغفران الى قسمين ادبي لغوي ونوادر خيالية عن بعض الزنادقة ومستقلي الافكار والمتنبئين ونحوهم ممن توالى ظهورهم في اثناء التمدن الاسلامي. ويتخلل ذلك محاورات مع الشعراء الجاهليين يسألون فيها عما غفر لهم به فيذكر كل منهم شعراً قاله أو عملا عمله فغفر له به. ومنها تسمية هذه الرسالة برسالة الغفران - كأنه يعرض بما يرجوه من المغفرة لنفسه عما فرط منه أحياناً من الابيات التي يعدها الناس كفرية. وقد طبعت هذه الرسالة بمصر سنة 1906 ولخصناها في السنة 15 من الهلال من صفحة 279.

6 - ملقى السبيل : هي رسالة فلسفية نشرتها مجلة المقتبس سنة 7 ج 1 عن أصل خطي قديم وجد في الاسكوريال بعناية ح. ح. عبد الوهاب التونسي. وهي على نسق رسائله الأخرى لكن أكثرها منظوم. وقد قابل الناشر بين آراء المعري فيها واراء شوبنهور الفيلسوف الالماني من حيث الحياة ومصيرها وطبعها على حدة سنة 1912.

7 - كتاب الايك والغصون ويعرف باسم الهمزة والردف : يبحث في الادب واخبار العرب يقارب مئة جزء ضاع منذ بضعة قرون وإنما ذكرناه لعل أحداً يعثر على شيء منه إذ يظهر أنه عظيم الاهمية فقد قال فيه الذهبي « حكى مَن وقف على المجلد الاول بعد المئة من كتاب الهمزة والردف فقال : لا أعلم ما كان يعوزه بعد هذا المجلد » وعنى أبو العلاء بشرح كتب هامة أو اختصارها مرّ ذكر بعضها. منها شرح الحماسة منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية في 442 صفحة وهو شرح لغوي وكان مشاركا في كثير من علوم الاقدمين كالفلسفة والكيمياء والنجوم والمنطق ويظهر أثر ذلك في أشعاره وأقواله. ولو أردنا الاتيان بامثلة منها لضاق بنا المقام ودواونيه شائعة فميزناه

ص: 311

نجلو ترجمته من الامثلة الشعرية كما ميزنا المتنبي قبله. وقد تقدم ذكر شيء من شعره في كلامنا عن مزايا الشعر في هذا العصر وغيره. وسنأتي بأمثلة اخرى في أمكنة أخرى.

منزلته :

ويقال بالاجمال ان الشعر العربي دخل بعد المعري في طور جديد من حيث النظر في الطبيعة والتفكير في الخلق والحكمة الاجتماعية. فانتقل الشعر على يده من الخيال الى الحقيقة. واختلف الناس في مناقب أبي العلاء واخلاقه واعتقاده. وله فلسفة خاصة في الدين والطبيعة والخليقة. وهو أقرب من هذا القبيل الى مذهب اللا أدريين ويعتقد التقمص وخلود المادة وان الفضاء لا نهاية له. وكان يقبح الزواج ويعد تخليف الا ولاد جناية. وكان يرى المرأة لا ينبغي لها أن تتعلم غير الغزل والنسج وخدمة المنزل. وكان من القائلين بالرفق بالحيوان فقضى النصف الأخير من عمره لم يذق لحماً. وله أقوال في هذا الموضوع سبق بها أصحاب الرفق بالحيوان اليوم عدة قرون. وعثر له الاستاذ مرجليوث على رسالة في هذا الموضوع جزيلة الفائدة نشرها في المجلة الاسيوية الانكليزية ولخصناها في الهلال سنة 15 ج 4.

وقد اتهمه بعضهم بالكفر وكانوا يتهمون به كل حُر الضمير مستقل الفكر في تلك الايام. مع أن اعترافه بالخالق ووحدانيته ظاهرة في كثير من أشعاره لكنه لم يكن يرى الاعتقاد بالتسليم بل التفكير. وكان حقيقة الدين عنده أن يعمل الانسان خيراً لا أن يكثر من الصلوة والصوم. ولذلك كان شديد الوطأة على الفقهاء الذين يتظاهرون بالدين للارتزاق. وقد فصلنا ذلك وايدناه بالامثلة من أشعاره واقواله في السنة الخامسة عشرة من الهلال من صفحة 195.

ص: 312

فمن شعره في الزهد :

ضحكنا وكان الضحك منا سفاهةً *** وَحُقّ لسُكّان البسيطة أن يبكوا

يحطّمُنا صرف الزمان كأننا *** زُجاجٌ ولكن لا يُعاد لَنا سَبك

ومن شعره في الزهد :

فلا تشرّف (1) بدنيا عنك معرضةً *** فما التشرّف بالدنيا هو الشرف

واصرف فؤادك عنها مثلما انصرفت *** فكلنا عن مغانيها (2) سينصرف

يا أم (3) دفرٍ لحاكِ اللّه والدةً *** فيك الخناء وفيكِ البؤس والسرف

لو أنّك العُرس أوقعتُ الطلاق بها *** لكنك الأمّ مالي عنكِ مُنصرف

وكتب الحموي في معجم الادباء ترجمة وافية لابي العلاء وأورد طائفة كبيرة من اشعاره وذكر جملة من مؤلفاته قال : ومنها كتاب بعض فضائل امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم اللّه وجهه ثم أورد جملة من رسائله وفي سوء اعتقاده وقال : فمنها قوله :

ص: 313


1- اصلها تتشرف فحذف أحد التائين تخفيفا.
2- جمع مغنى وهو المحل المأهول بأهله.
3- كنية الدنيا.

تناقضُ ما لنا إلا السكوت له *** وان نعوذ بمولانا من النار

يدٌ بخمس مئين عسجد (1) فُديت *** ما بالُها قُطعت في ربع دينار (2)

أقول وهناك من رد عليه وابان له الحكمة فقال :

عزُ الأمانة اغلاها وارخصها

ذُل الخيانة فافهم حكمة الباري

وقال آخر : لما كانت امنية ثمينة ولما خانت هانت.

ص: 314


1- العسجد : الذهب ، مقدار دية اليد على من اتلفها.
2- استفهام انكاري متضمن معنى التعجب.

زيد بن سهل الموصلي النحوي

اشارة

زيد بن سهل الموصلي النحوي - مرزكة - يرثي الحسين علیه السلام :

فلولا بكاء المزن حزناً لفقده *** لما جاءنا بعد الحسين غمامُ

ولو لم يشق الليل جلبابه اسىً *** لما انجاب من بعد الحسين ظلام (1)

ص: 315


1- اعيان الشيعة ج 33 ص 40.
زيد بن سهل الموصلي النحوي يعرف ب- مرزكة :

توفي بالموصل حدود 450 كما في الطليعة وفي بغية الوعاة ( مرزكة ) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي وتشديد الكاف وفي معالم العلماء : زيد بن سهل النحوي المرزكي الموصلي ، ووصفه ابن شهر اشوب في المناقب في بعض المواضع بالواسطي وهو تحريف الموصلي.

قال الصفدي كان نحويا شاعراً اديباً رافضياً وقال في ترجمة علي بن دبيس النحوي الموصلي قال ياقوت اخذ عنه زيد مرزكة الموصلي. وفي معالم العلماء زيد بن سهل النحوي المرزكي الموصلي له شرح الصدور. وهو من شعراء أهل البيت ذكره ابن النديم في شعراء الشيعة ومتكلميهم.

أورد له صاحب المناقب من الشعر قوله :

مدينة العلم عليٌ بابها *** وكل من حاد عن الباب جهل

أم هل علمتم قيلة من قائلٍ *** قال سلوني قبل ادراك الاجل

وله :

حفر بطيبة والغري وكربلا *** وبطوس والزورا وسامراء

ما جئتهم في كربة إلا انجلت *** وتبدّل السراء بالضراء

قومٌ بهم غُفرت خطيئة آدمٍ *** وجرت سفينة نوح فوق الماء

ص: 316

وله في الإمام موسى بن جعفر علیهماالسلام :

قصدتك يا موسى بن جعفر راجياً *** بقصدك تمحيص الذنوب الكبائر

ذخرتك لي يوم القيامة شافعاً *** وأنت لعمر اللّه خير الذخائر

وله كما في المناقب لابن شهر اشوب :

أيا لائمي في حب أولاد فاطم *** فهل لرسول اللّه غيرهم عقبُ

هم أهل ميراث النبوة والهدى *** وقاعدة الدين الحنيفي والقطب

أبوهم وصيّ المصطفى وابن عمه *** ووارث علم اللّه والبطل الندب

وله كما في المناقب :

رُدّت له الشمس ضحى بعدما *** هوت هويّ الكوكب الغاير

وله كما في أعيان الشيعة :

ونام على الفراش له فداء *** وأنتم في مضاجعكم رقود

ويوم حنين إذ ولوا هزيما *** وقد نشرت من الشرك البنود

فغادرهم لدى الفلوات صرعى *** ولم تغن المغافر والحديد

فكم من غادر ألقاه شلواً *** عفير الترب يلثمه الصعيد

هُم بخلوا بانفسهم وولّوا *** وحيدرة بمهجته يجود

وفي الاحزاب جاءتهم جيوِشٌ *** تكاد الشامخات لها تميد

فنادى المصطفى فيهم علياً *** وقد كادوا بيثرب أن يكيدوا

فأنت لهذه ولكل يوم *** تذلّ لك الجبابر والاسود

فسقى العامريّ كؤوس حتف *** فهزمت الجحافل والجنود

ص: 317

وأورد له صاحب المناقب قوله في أهل البيت علیهم السلام :

قومٌ رسول اللّه جدّهم *** وعليّ الأب فانتهى الشرف

غفر الاله لآدم بهم *** ونجا بنوح فلكه القذف

امناء قد شهدت بفضلهم الت- *** -ورات والانجيل والصحف

منهم رسول اللّه اكرم مَن *** وطئ الحصى وأجلّ من أصف

وعليّ البطل الامام ومَن *** وارى غرائب فضله النجف

وغداً على الحسنين متّكلي *** في الحشر يوم تنشّر الصحف

وشفاعة السجاد تشملني *** وبها من الآثام اكتنف

وبباقر العلم الذي علقت *** كفي بحبل ولائه الزلف

وبحب جعفرٍ اقتوى أملي *** ولشقوتي في ظلّه كنف

ووسيلتي موسى وعترته *** اكرم بهم من معشر سلَفوا

منهم عليٌ وابنه وع- *** -لي وابنه ومحمد الخلف

صلى الاله عليهم وسقى *** مثواهم الهطالة الوكف

ص: 318

احمد بن عبد اللّه ( بن زيدون )

ابن زيدون المولود 394 والمتوفي 463 ه-

الدهر يفجع بعد العين بالاثر *** فما البكاء على الاشباح والصور

انهاك انهاك لاالوك موعظة *** عن نومة بين ناب الليث والظفر

فالدهر حرب وان ابدى مسالمة *** والبيض والسود مثل البيض والسمر

ولا هوادة بين الراس تاخذه *** يد الضراب وبين الصارم الذكر

فلا تغرنك من دنياك نومتها *** فما صناعة عينيها سوى السهر

وما الليالي اقال اللّه عثرتنا *** من الليالي وخانتنا يد الغير

في كل حين لنا في كل جارحة *** منا جراح وان زاغت عن البصر

تسر بالشيء لكن كي تعز به *** كالايم ثار الى الجاني من الزهر

كم دولة مضت والنصر يخدمها *** لم تبق منها وسل ذكراك من خبر

وروعت كل مامون ومؤتمن *** واسلمت كل منصور ومنتصر

ومزقت جعفرا بالبيض واختلست *** من غيله حمزة الظلام للجزر

واجزرت سيف اشقاها ابا حسن *** وامكنت من حسين راحتي شمر

وليتها اذ فدت عمروا بخارجة *** فدت عليا بمن شاءت من البشر

وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن *** اتت بمعضلة الالباب والفكر

واردت ابن زياد بالحسين فلم *** يبوء بشسع له قد طاح او ظفر

واحرقت شلو زيد بعدما احترقت *** عليه وجدا قلوب الآي والسور

واسبلت دمعة الروح الامين على *** دم بفخ لآل المصطفى هدر

ص: 319

ابن زيدون. احمد بن عبد اللّه بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي الاندلسي القرطبي الشاعر المشهور كان من خواص المعتضد عباد صاحب اشبيلية وكان معه في صورة وزير. له اشعار كثيرة ومن بديع قلائده هذه القصيدة :

اضحى التنائي بديلا من تدانينا *** وناب عن طيب لقيانا تجافينا

تكاد حين تناجيكم ضمائرنا *** يقضي علينا الاسى لولا تاسينا

حالت لبعدكم ايامنا فغدت *** سودا وكانت بكم بيضا ليالينا

من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم *** ثوبا من الحزن لا يبلى ويبلينا

ان الزمان الذي قد كان يضحكنا *** انسا بقربكم قد عاد يبكينا

فانحل ما كان معقودا بانفسنا *** وانبت ما كان موصولا بايدينا

بالامس كنا وما يخشى تفرقنا *** واليوم نحن ولا يرجى تلاقينا

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا *** اذ طالما غير النأي المحبينا

واللّه ما طلبت ارواحنا بدلا *** عنكم ولا انصرفت فيكم امانينا

توفي باشبيلية سنة 463 وكان له ولد يقال له ابو بكر تولى وزارة المعتمد بن عباد قتل يوم اخذ يوسف بن تاشفين قرطبة من ابن عباد وذلك في 2 صفر سنة 484.

قال الشيخ ابن نما الحلي في كتابه مقتل الحسين المسمى ب- ( مثير الاحزان ) :

وقد ختمت كتابي هذا بهذه الابيات وهي لابن زيدون المغربي تنفذ في كبد المحزون نفوذ السمهري.

ص: 320

بنتم وبنّا فما ابتلّت جوانحنا *** شوقاً اليكم وما جفّت مأقينا

تكاد حين تناجيكم ضمائرنا *** يقضي علينا الاسى لولا تأسينا

حالت لبعدكم أيامنا فغدت *** سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا

ليبق عهدكم عهد السرور فما *** كنتم لارواحنا إلا رياحينا

مَن مبلغ الملبسينا بانتزاحهم *** ثوباً من الحزن لا يبلى ويبلينا

إن الزمان الذي قد كان يضحكنا *** أنساً بقربكم قد عاد يبكينا

غيظ العدى من تساقينا الهوى فدعوا *** بان نغصّ فقال الدهر آمينا

فانحل ما كان معقوداً بانفسنا *** وأنبتّ ما كان موصولاً بايدينا

بالامس كنا وما يخضى تفرّقنا *** واليوم نحن ولا يرجى تلاقينا

لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا *** إذ طالما غيّر النأي المحبينا

واللّه ما طلبت أرواحنا بدلاً *** عنكم ولا انصرفت فيكم أمانينا

لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم *** رأياً ولم نتقلّد غيره دينا

يا روضة طال ما اجنت لواحظنا *** ورداً جلاه الصبا غضّاً ونسرينا

ويا نسيم الصبا بلّغ تحيّتنا *** مَن لو على البعد حياً كان يحيينا

لسنا نسمّيك إجلالاً وتكرمة *** وقدرك المعتلي في ذاك يكفينا

اذا انفردت وما شوركت في صفة *** فحسبنا الوصف ايضاحا وتبيينا

لم نجف أفق كمال أنت كوكبه *** سالين عنه ولم نهجره قالينا

عليك منا سلام اللّه ما بقيت *** صبابة بك تخفيها فتخفينا

ص: 321

الأمير عبد اللّه بن محمد بن سنان الخفاجي

اشارة

يا أمةً كفرت وفي أفواهها *** القرآن فيه ضلالها ورشادُها

أعلى المنابر تُعلنون بسبّه *** وبسيفه نُصبت لكم أعوادها

تلك الخلائق بينكم بدرية *** قتل الحسين وما خبت أحقادها

ومنها في علي أمير المؤمنين علیه السلام :

ما لي أراك على عُلاك تناكرت *** أحقادها وتسالمت أضدادها

ص: 322

قال السمعاني في الانساب ج 5 ص 170 :

الخفاجي ، بفتح الحاء المنقوطة والفاء وفي آخرها الجيم ، هذه النسبة إلى خفاجة ، وهي اسم امرأة ، هكذا ذكر لي أبو أزيَد الخفاجي في بريّة السماوة ، وولد لها أولاد وكثروا وهم يسكنون بنواحي الكوفة ، وكان أبو أزيد يقول : يَركب منا على الخيل أكثر من ثلاثين ألف فارس سوى الركبان والمشاة. ولقيت منهم جماعة كثيرة وصحبتهم ؛ والمشهور بالانتساب اليهم الشاعر المفلق أبو [ محمد عبد اللّه بن محمد بن ] سعيد بن [ سنان ] الخفاجي كان يسكن حلب وشعره مما يدخل الأذن بغير إذن.

توفي سنة 466 وله شعر في امير المؤمنين علي علیه السلام كذا قال الأمين في الجزء الأول من الأعيان ص 392.

الأمير أبو محمد بن عبد اللّه بن محمد بن سنان الشاعر الشيعي المعروف بابن سنان صاحب سر الفصاحة في اللغة.

توفي سنة 466 حكي انه كان قد تحصن بقرية ( اعزاز ) من أعمال حلب ثم أطعموه خشكنانجه مسمة فمات الخفاجي في اعزاز وحمل الى حلب ودفن فيها كذا جاء في الكنى والألقاب.

ص: 323

وقال السيد الأمين في الأعيان :

الأمير ابو محمد عبد اللّه بن محمد بن سعيد بن يحيى بن الحسين بن محمود بن الربيع المعروف بابن سنان الخفاجي الحلبي.

له ديوان شعر مطبوع ، وكان والياً على قلعة اعزاز ، ولاه عليها محمود ابن صالح فاستبد بها ، وكانت ولايته بواسطة ابي نصر محمد بن محمد ابن النحاس.

وذكره السيد الامين ايضاً في الجزء السادس من الأعيان ص 479 فقال : اسمه عبد اللّه بن سعيد بن محمد بن سنان.

ص: 324

أحمد بن أبي منصور القطان

اشارة

يا أيها المنزل المحيل *** غاثك مستحفز هطول

أزرى عليك الزمان لما *** شجاك من أهل الرحيل

لا تغترر بالزمان واعلم *** أنّ يد الدهر تستطيل

فإن آجالنا قصارٌ *** فيه وآمالنا تطول

تفنى الليالي وليس يفنى *** شوقي ولا حسرتي تزول

لا صاحبٌ منصفٌ فاسلو *** به ولا حافظٌ وصول

وكيف أبقى بلا صديق *** باطنه باطنٌ جميل

يكون في البعد والتداني *** يقول مثل الذي أقول

هيهات قلّ الوفاء فيهم *** فلا حميمٌ ولا وصول

يا قوم ما بالنا جفينا *** فلا كتاب ولا رسول

لو وجدوا بعض ما وجدنا *** لكاتبونا ولم يحولوا

حالوا وخانوا ولم يجودوا *** لنا بوصل ولم يُذيلوا

قلبي قريحٌ به كلومٌ *** أفتنَه طرفك البخيل

أنحَلَ جسمي هواك حتى *** كأنه خصرك النحيل

يا قاتلي بالصدود رفقاً *** بمهجة شفّها غليل

غصنٌ من البان حيث مالت *** ريح الخزامى به يميل

ص: 325

يسطو علينا بغنج لحظ *** كأنه مرهف صقيل

كما سطت بالحسين قومٌ *** أراذل ما لهم أُصول

يا أهل كوفان لم غدرتم *** به وأنتم له نكول

أنتم كتبتم اليه كتباً *** وفي طويّاتها دخول

قتلتموه بها فريداً *** يا بأبي المفرد القتيل

ما عذركم في غد إذا ما *** قامت لدى جدّه الذحول

أين الذي حين أرضعوه *** ناغاه في المهد جبرئيل

أين الذي حين غمدوه *** قبّله أحمد الرسول

أين الذي جدّه النبي *** وأمه فاطم البتول

أنا ابن منصور لي لسان *** على ذوي النصب يستطيل

ما الرفض ديني ولا اعتقادي *** ولست عن مذهبي أحول (1)

ص: 326


1- الأعيان ج 6 ص 119.
أبو أحمد بن أبي منصور بن علي القطيفي المعروف بالقطان ، قال السيد الأمين في الأعيان جزء 6 ص 119 :

في البحار عن بعض كتب المناقب القديمة أخبرني أبو منصور الديلمي عن احمد بن علي بن عامر الفقيه أنشدني ابو احمد بن أبي منصور بن علي القطيفي المعروف بالقطان ببغداد لنفسه ( يا أيها المنزل المحيل ).

وجاء ذكره في الجزء الثالث من الكنى والألقاب ص 55 وروى له بعض هذه الأبيات.

أقول وكرر السيد الترجمة في الجزء 10 ص 226 وذكر القصيدة بزيادة بيتين ، وزاد في الترجمة بأن ذكر سنة وفاته فقال : توفي حدود سنة 480 ببغداد ودفن بمقابر قريش ، ولكن أسماه هنا : أحمد بن منصور بن علي القطيفي القطان البغدادي ولعله أصوب.

وجاء في شعراء القطيف للعلامة المعاصر الشيخ علي منصور المرهون قال :

احمد بن منصور المتوفي سنة 480 هو أحمد بن منصور بن علي القطان القطيفي البغدادي الأديب الشاعر ، ترحّل من بلاده القطيف الى بغداد وسكن بها ومدح أمراءها كما مدح ورثى أهل البيت علیهم السلام وما زال في بغداد مقيما حتى مات بها ودفن في مقابر قريش.

ص: 327

ابن جبر المصري

يا دار غادرني جديد بلاك *** رثّ الجديد فهل رثيت لذاك؟!

أم أنت عما اشتكيه من الهوى *** عجماء منذ عَجَم البِلى مغناك؟!

ضفناك نستقري الرسوم فلم نجد *** إلا تباريح الهموم قِراك

ورسيس شوقٍ تمتري زفراته *** عبراتنا حتى تَبُلّ ثراك

ما بال ربعكِ لا يبلّ؟ كأنما *** يشكو الذي انا من نحولي شاك

طلّت طلولك دمع عيني مثلما *** سفكت دمي يوم الرحيل دماك

وارى قتيلك لا يَديه قاتلٌ *** وفتور ألحاظ الظباء ظُباك

هيّجتِ لي إذ عجتُ ساكن لوعةٍ *** بالساكنيك تَشُبّها ذكراك

لمّا وقفت مسلماً وكأنما *** ريّا الأحبّة سقتُ من ريّاك

وكفت عليكِ سماء عيني صيّباً *** لو كفّ صوب المزن عنك كفاك

سقياً لعهدي والهوى مقضيّة *** أو طاره قبل احتكام نواك

والعيش غضّ والشباب مطيّة *** للهو غير بطيئة الادراك

أيام لا واشٍ يطاع ولا هوى *** يُعصى فنقصى عنك إذ زرناك

وشفيعنا شرخ الشبيبة كلما *** رُمنا القصص من اقتصاص مهاك

ولئن أصارتك الخطوب الى بلىً *** ولحاك ريبُ صروفها فمحاك

فلطالما قضّيت فيك مآربي *** وأبحتُ ريعان الشباب حماك

ص: 328

ما بين حورٍ كالنجوم تزينت *** منها القلائد ، للبدور حواكي

هيف الخصور من القصور بدت لنا *** منها الأهلة لا من الأفلاك

يجمعن من مرح الشبيبة خفّة ال- *** -متغزّلين وعفّة النساك

ويصدن صادية القلوب بأعينٍ *** نُجلٍ كصيد الطير بالإشراك

من كل مخطفة الحشا تحكي الرشا *** جيداً وغصن البان لين حراك

هيفاء ناطقة النطاق تشكياً *** من ظلم صامتة البُرين ضناك (1)

وكأنّما من ثغرها من نحرها *** در تباكره بعود أراك

عذبُ الرُضاب كأنّ حشو لئاتها *** مسكاً يعلّ به ذرى المسواك

تلك التي ملكت عليّ بدلّها *** قلبي فكانت أعنف الملاك

إن الصبى يا نفس عزّ طلابه *** ونهتك عنه واعظات نُهاك

والشيب ضيف لا محالة مؤذنٌ *** برداك فاتبعي سبيل هداك

وتزوّدي من حبّ آل محمّد *** زاداً متى أخلصته نجّاك

فلنعم زاداً للمعاد وعدّةٌ *** للحشر إن علقت يداك بذاك

وإلى الوصيّ مهمُ أمرك فوّضي *** تَصِلي بذاك إلى قصيّ مناك

وبه ادرئي في نحر كل ملمة *** وإليه فيها فاجعلي شكواك

وبحبّه فتمسكي أن تسلكي *** بالزيغ عنه مسالك الهلاك

لا تجهلي وهواه دأبك فاجعلي *** أبداً وهجر عداه هجر قلاك

فسواء انحرف امرؤ عن حبّه *** أو بات منطوياً على الإشراك

وخذي البرائة من لظى ببراءة *** من شانئيه وأمحضيه هواك

وتجنّبي إن شئت أن لا تعطبي *** رأي ابن سلمى فيه وابن صهاكِ

واذا تشابهت الأمور فعوّلي *** في كشف مشكلها على مولاك

خير الرجال وخير بعل نساءها *** والأصل والفرع التقي الزاكي

وتعوّذي بالزهر من أولاده *** من شرّ كل مضلّل أفّاك

ص: 329


1- البرين : بالضم جمع بره : الخلخال.

لا تعدلي عنهم ولا تستبدلي *** بهم فتحظي بالخسار هناك

فهم مصابيح الدُجى لذوي الحجى *** والعروة الوثقى لذي استمساك

وهُم الأدلة كالأهلّة نورها *** يجلو عمى المتحيّر الشكّاك

وهم الصراط المستقيم فأرغمي *** بهواهم أنف الذي يلحاك

وهم الأئمة لا إمام سواهم *** فدعي لتيم وغيرها دعواك

يا أمّة ضلّت سبيل رشادها *** إن الذي استرشدته أغواك

لئن أئتمنت على البريّة خائناً *** للنفس ضيّعها غداة رعاك

أعطاك إذ وطّاك عشوة رأيه *** خدعاً بحبل غرورها دلاك

فتبعته وسخيف دينك بعته *** مغترّة بالنزر من دنياك

لقد اشتريت به الضلالة بالهدى *** لمّا دعاك بمكره فدهاك

وأطعته وعصيت قول محمّد *** فيما بأمر وصيّه وصّاك

خلّفتِ واستخلفتِ من لم يرضه *** للدين تابعة هوى هوّاك

خلتِ اجتهادك للصواب مؤدّياً *** هيهات ما أدّاك بل أرداك

ولقد شققت عصا النبي محمد *** وعققتِ من بعد النبي أباك

وغدرتِ بالعهد المؤكد عقده *** يوم « الغدير » له فما عذراك

فلتعلمنّ وقد رجعت به على الا *** عقاب ناكصةً على عقباكِ

اعن الوصيّ عدلتِ عادلةً به *** من لا يساوي منه شسع شراك؟!

ولتسألنّ عن الولاء لحيدر *** وهو النعيم شقاك عنه ثناكٍ

قستِ المحيط بكل علمٍ مشكلٍ *** وعرٍ مسالكه على السلاك

بالمعتريه - كما حكى - شيطانه *** وكفاه عنه بنفسه من حاكي

والضارب الهامات في يوم الوغى *** ضرباً يقدّ به إلى الأوراك

إذ صاح جبريل به متعجّباً *** من بأسه وحسامه البتّاك

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتىً *** إلا عليّ فاتَك الفتّاك

بالهارب الفرّار من أقرانه *** والحرب يذكيها قناً ومذاكي

والقاطع الليل البهيم تهجّداً *** بفؤاد ذي روع وطرفٍ باكي

ص: 330

بالتارك الصلوات كفراناً بها *** لولا الرياء لطال ما راباك

ابعد بهذا من قياس فاسدٍ *** لم تأت فيه امّة مأتاكِ

أوَ ما شهدتِ له مواقف أذهبت *** عنك اعتراك الشك حين عراك؟!

من معجزات لا يقوم بمثلها *** إلا نبي أو وصي زاكي

كالشمس إذ ردّت عليه ببابل *** لقضاء فرض فائت الإدراك

والريح إذ مرّت فقال لها : احملي *** طوعاً وليّ اللّه فوق قواك

فجرت رخساءً بالبساط مطيعة *** أمر الإله حثيثة الايشاك

حتى إذا وافى الرقيم بصحبه *** ليزيل عنه مرية الشكاكِ

قال : السلام عليكم فتبادروا *** بالرد بعد الصمت والإمساك

عن غيره فبدت ضغاين صدر ذي *** حنقٍ لستر نفاقه هتّاك

والميت حين دعا به من صرصر *** فأجابه وأبيت حين دعاك

لا تدّعى ما ليس فيك فتندمي *** عند امتحان الصدق من دعواك

والخفّ والثعبان فيه آية *** فتيقظي ياويك من عمياك

والسطل والمنديل حين أتى به *** جبريل حسبك خدمة الأملاك

ودفاع أعظم ما عراك بسيفه *** في يوم كلّ كريهة وعراك

ومقامه - ثبت الجنان - بخيبر *** والخوف إذ وليت حشو حشاك

والباب حين دحى به عن حصنهم *** سبعين باعاً في فضا دكداك

والطائر المشويّ نصرٌ ظاهرٌ *** لولا جحودك ما رأت عيناك

والصخرة الصما وقد شفّ الظما *** منها النفوس دحى بها فسقاك

والماء حين طغى الفرات فأقبلوا *** ما بين باكيةٍ إليه وباكي

قالوا : أغثنا يابن عمّ محمد *** فالماء يؤذننا بوشك هلاك

فأتى الفرات فقال : يا أرض ابلعي *** طوعاً بأمر اللّه طاغي ماك

فأغاصه حتى بدت حصباؤه *** من فوق راسخة من الأسماك

ثمّ استعادوه فعاد بأمره *** يجري على قدر ففيم مراك!؟

مولاك راضيةً وغضبى فاعلمي *** سيّان سخطك عنده ورضاك

ص: 331

يا تيم تيّمك الهوى فأطعته *** وعن البصيرة يا عديّ عداك

ومنعت إرث المصطفى وتراثه *** ووليته ظلماً فمن ولاكٍ؟!

وبسطت أيدي عبد شمس فاغتدت *** بالظلم جاديةً على مغناك

لا تحسبيكِ بريئة مما جرى *** واللّه ما قتل الحسين سواكِ

يا آل أحمد كم يكابد فيكم *** كبدي خطوباً للقلوب نواكي

كبدي بكم مقروحة ومدامعي *** مسفوحة وجوى فؤادى ذاكي

وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى *** لجفوني : اجتنبي لذيذ كراكِ

وابكي قتيلاً بالطفوف لأجله *** بكت السماء دماً فحقّ بكاك

إن تبكهم في اليوم تلقاهم غداً *** عيني بوجهٍ مسفرٍ ضحّاك

يا ربّ فاجعل حبهم لي جنةً *** من موبقات الظلم والاشراك

واجبر بها الجبرى ربّ وبَرّهِ *** من ظالمٍ لدمائهم سفاك

وبهم - إذا أعداء آل محمد *** غلقت رهونهم - فجدُ بفكاكِ (1)

ص: 332


1- شعراء الغدير ج 4 ص 313.

ابن جبر

ابن جبر المصري أحد شعراء مصر على عهد الخليفة الفاطمي المستنصر باللّه ، المولود سنة 420 والمتوفى سنة 487 كذا ذكر الشيخ الأميني في ( الغدير ).

وقال السيد الأمين في الاعيان ج 15 ص 262 :

جبر الجبري شاعر آل محمد صلی اللّه علیه و آله ، شاعر مجيد له قصيدة في مدح أهل البيت من جيد الشعر يستشهد ابن شهر اشوب في المناقب بأبيات منها.

ص: 333

ص: 334

الفهرس

لشعراء القرن الرابع

الموضوع / صفحة

منصور بن سلمة الهروي ... 9

أبو بكر بن دريد

شعره ، ترجمته ، تشيّعه ، مقصورته في الحكم والآداب ... 10

أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري

طائفة من شعره في أهل البيت (عليهم السلام) ترجمته ن منتخبات من أشعاره... 19

علي بن أصدق الحائري

بعض الشعراء الكوفيين ... 34

أبو الحسن السري بن أحمد الرفاء الموصلي

شعره في الحسين (عليه السلام) ترجمته ، شعره في الصناعة ... 36

ص: 335

الموضوع / صفحة

محمود بن الحسين بن السندي شاهك

شعره في الحسين ترجمته... 40 - 45

طلحة بن عبيد اللّه العَوني المصري

شعره في الحسين - ترجمته... 47

أبو القاسم الزاهي الشاعر

شعره ، ترجمته... 51

الأمير أبو فراس الحمداني

ترجمته ، نماذج من شعره ، قصيدته الشافية ، روائع من نظمه في الوفاء والاخوان... 61

ترجمته عقيل بن ابي طالب والدفاع عن كرامته... 70

لون من غزل ابي فراس وأحاسيسه... 71

محمد بن هاني الأندلسي

روائع من منظومه وقصائده... 74

ترجمته ونماذج من روائعه ، قصائده في مدح المعزّ لدين اللّه الفاطمي يصف انتصاره على الروم 78

الناشي الصغير

قصائده في الحسين علیه السلام ، ترجمته ، ... 102

قصائده في مدح أمير المؤمنين علیه السلام وتعداد المناقب ... 108

ص: 336

الموضوع / صفحة

ايضاح عن الناشي الكبير وشيء من أحواله ... 114

الأمير محمد بن عبد اللّه السوسي

طائفة من شعره في الحسين ، ترجمته ... 116

سعيد بن هاشم الخالدي

شعره ، ترجمته ، اشارة للخباز البلدي ... 120

الأمير تميم بن الخليفة الفاطمي

شعره ، رده على عبداللّه بن المعتز ... 123

علي بن أحمد الجرجاني الجوهري

شعره في الحسين ، ترجمته ، نظمه في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 130

الصاحب بن عباد

رثاؤه للحسين ومدحه للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 133

أحواله ، مكارمه ، أريحيته ، فتوته ، سخاؤه ، أدبه... 145

طائفة من أشعاره ، أخباره ، نوادره... 147

محمد بن هاشم الخالدي

شعره ، أحواله... 152

الحسين بن الحجّاج

شعره وطرائفه ، شعره في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 155

ص: 337

الموضوع

صفحة

قصيدته التي أنشدها في حرم امير المؤمنين بالنجف الأشرف وإكرام الامام له... 157

قصيدته في الرّد على ابن سكرة ، السيد الرضي يرثيه ... 159

علي بن حماد العبدي

قصائده في الحسين (عليه السلام) ترجمته وعدد من قصائده من ص 162 - 198 ... 161

أحمد بن الحسين بديع الزمان الهمداني

الرثاء في الحسين (عليه السلام) ... 199

ترجمته ، ألوان من شعره ، عقيدته ومذهبه... 201

الشريف الرضي

قصيدته في الحائر الحسيني بكربلاء المقدسة... 206

غرر الشعر في يوم كربلاء وما نظمه في يوم عاشوراء... 209

نسب الشريف وكبر النفس ، اقوال في آبائه وعزة نفسه... 216

اشعاره في الفخر والحماسة ، روائعه التي سارت مسير الامثال... 221

تحقيق حول قبر السيدين المرتضى والرضي... 227

ص: 338

الموضوع / صفحة

شعراء القرن الخامس الهجري...231

أبو نصر بن نباتة

ترجمته ، من أشتهر بابن نباتة غيره... 222

المهيار الديامي

رثاؤه للحسين ، ترجمته واعتزازه بنسبه ، اتهامه بالشعوبية والدفاع عنه ... 234

روائعه في اهل البيت علیهم السلام ... 238

الشريف المرتضى

ألوان من رثائه لجدّه الشهيد ... 256

حياته ، مواهبه ، مؤلفاته تعداد مآثره ومفاخره ... 266

النفس الثائرة ، قطع من أدبه ونتف من روائعه... 270

أبو العلاء المعري

شعره في الحسين ، تشيّعه وأدبه... 298

اخبار وآثاره ، آراؤه وأفكاره ، اقوال المؤرخين فيه ... 301

اقوال الفلاسفة واراؤهم فيه ، نموذج من أشعاره ... 306

مؤلفاته ودواوينه ، شعره العقائدي ... 310

زيد بن سهل الموصلي النحوي

شعره في الحسين (عليه السلام) ... 315

ص: 339

الموضوع / صفحة

ترجمته ، طائفة من أشعاره بأهل البيت (عليهم السلام) ... 317

احمد بن عبد اللّه ( بن زيدون )

شعره ، ترجمته قطعه من شعره في العتاب ... 319

الأمير عبد اللّه بن محمد بن سنان الخفاجي

شعره وترجمته... 322

أحمد بن أبي منصور القطان

شعره ، ونبذة من ترجمته... 325

ابن جبر المصري

رائعته في الحسين (عليه السلام) ... 328

نبذة من سيرته... 332

ص: 340

دارالمرتضی - طبع - نشر - توزيع

لبنان - بيروت - الغبيري - شارع الربيع - ص ب: 25/155 الغبيري

ص: 341

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.