نهاية الأحكام في معرفة الأحكام المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

المحقق: السيد مهدي الرجائي

الناشر: دار الأضواء

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1406 ه.ق

الصفحات: 578

نسخة غير مصححة

الكتب بساتین العلماء

نهاية الأحكام في معرفة الأحكام

ص: 1

اشارة

ص: 2

الكتاب: نهاية الأحكام في معرفة الأحكام

المؤلف: العلامة الحلي (قدس سره)

الناشر: مؤسسة اسماعيليان - قم

الطبعة: الثانية

عدد النسخ 2000 نسخة

تاريخ النشر: 1410 هجري قمري

الطباعة والتجليد: مؤسسة اسماعيليان

القطع: وزيري

ص: 3

ص: 4

مؤسسة آل البيت عليهم السلام

7

نهاية الأحكام في معرفة الأحكام

الجزء الأوّل

تأليف: العلامة الحلي

الحسن بن يوسف بن علي المطهر الحلي

648 - 736 ه

تحقيق: السيد مهدي الرجائي

مؤسسة اسماعيليان

للطباعة والنشر والتوزيع

قم - ايران - تلفون 25212

ص: 5

ص: 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصلاة

المقصد الثالث: في باقي الصلوات

اشارة

و فيه فصول:

ص: 7

ص: 8

الفصل الأول: ( في صلاة الجمعة )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في الشرائط )
اشارة

ويزيد الجمعة على الشرائط في اليومية بأمور ستة : الأول الوقت. الثاني السلطان. الثالث العدد. الرابع الجماعة. الخامس الوحدة. السادس الخطبتان. فهنا مباحث :

البحث الأول: ( في الوقت )
اشارة

الجمعة واجبة بالنص والإجماع ، قال اللّه تعالى ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ ) (1) وقال علیه السلام في خطبة : اعلموا أن اللّه قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في شهري هذا في عامي هذا ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل استخفافا بها أو جحودا بها ، فلا جمع اللّه شملهم ولا بارك اللّه له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا ولا حج له ، ألا ولا صوم

ص: 9


1- سورة الجمعة : 9.

له ، ألا ولا بر له حتى يتوب ، فإن تاب تاب اللّه عليه (1).

وقال الباقر علیه السلام : فرض اللّه على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها اللّه عز وجل في جماعة ، وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة الحديث (2).

وأجمع المسلمون كافة على وجوب صلاة الجمعة على الأعيان ، لقوله علیه السلام : الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض (3).

ولا خلاف في أن الجمعة كسائر الفرائض في الأركان والشرائط ، لكنها تختص بأمور زائدة ، منها ما هو شرط في صحتها ، ومنها شروط زائدة في لزومها ، ومنها آداب ووظائف ، وقدم الشرائط لتقدمها طبعا ، وهي ستة : الأول الوقت. الثاني السلطان. الثالث العدد. الرابع الخطبتان. الخامس الجماعة. السادس الوحدة.

أما الوقت : فلا خلاف في اشتراطه ، فلا مدخل للقضاء في الجمعة على صورتها إجماعا ، بخلاف سائر الصلوات ، فإن الوقت ليس شرطا لها ، وإنما هو شرط في إيقاعها أداء.

وأول وقتها زوال الشمس كالظهر على الأصح ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يصلي الجمعة بعد الزوال ، وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (4). وقال الصادق علیه السلام : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يصلي الجمعة حين زوال الشمس قدر شراك (5). ولأنها بدل عن عبادة فلا يحسب قبل وقتها كالتيمم.

ص: 10


1- وسائل الشيعة 5 - 7 ح 38 ، سنن ابن ماجة 1 - 343.
2- وسائل الشيعة 5 - 6 ح 19.
3- وسائل الشيعة 5 - 6 ح 24.
4- جامع الأصول 6 - 374.
5- وسائل الشيعة 5 - 18 و 30.

وقال المرتضى : يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة.

وآخر وقتها إذا صار ظل كل شي ء مثله ، لأنه علیه السلام كان يصلي دائما بعد الزوال بلا فصل. فلو جاز التأخير لفعله في بعض الأوقات للبيان ، كغيرها من الصلوات.

وليس بقاء الوقت شرطا ، فلو انعقدت الجمعة وتلبس بالصلاة - ولو بالتكبير - فخرج الوقت قبل إكمالها أتمها جمعة ، إماما كان أو مأموما ، لأنه دخل فيها في وقتها ، فوجب إتمامها كسائر الصلوات ، ولأن الوجوب يتحقق باستكمال الشرائط ، فلا يسقط مع التلبس بفوات البعض كالجماعة.

فروع :

الأول : لو أدرك المسبوق ركعة مع الإمام ، صحت له الجمعة إن كان تكبيرة افتتاحه وقعت في الوقت ، ثم يقوم لتدارك الثانية وإن كان الوقت خارجا.

الثاني : لو غفلوا عن الصلاة حتى ضاق الوقت ، فإن علم الإمام اتساعه لخطبتين خفيفتين وركعتين خفيفتين ، وجبت الجمعة ، وكذا لو أدرك مع الخطبتين ركعة واحدة ، بل تكبيرة الإحرام لا غير معهما ، صحت الجمعة عندنا.

الثالث : يستحب تعجيل الجمعة كغيرها من الصلوات.

الرابع : فرض الوقت للجمعة (1) ، وهي قائمة بنفسها ، ليست ظهرا مقصورة ، فليس له إسقاط الجمعة بالظهر ، لأنه مأمور بالجمعة ، فيكون منهيا عن الظهر فلا تقع عن الواجب ، ولقوله علیه السلام : كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة (2).

ص: 11


1- في « ق » الجمعة.
2- وسائل الشيعة 5 - 6 ح 22.

الخامس : لو فاتت الجمعة صلى الظهر أربعا بنية الأداء إن كان وقت الظهر باقيا ، وإن خرج الوقت صلى أربعا بنية قضاء الظهر لا الجمعة ، لأنه مع خروج وقت الجمعة تسقط الجمعة ويجب الظهر أداء ، لسعة وقت الظهر وإمكان فوات الجمعة مع بقائه ، فيكون الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر ، لانتقال الوجوب إليه.

ولو فاتته الجمعة بعد انعقادها ، بأن زوحم وخرج الوقت قبل إدراك ركعة مع الإمام ، استأنف الظهر ولا يبني على الجمعة ، لتغاير الفرضين.

السادس : لو صلى المكلف بالجمعة الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة ، لم تصح صلاته ويجب عليه السعي إلى الجمعة ، فإن صلاها برئت ذمته ، وإلا أعاد الظهر ، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا عليه.

ولا فرق في صحة الظهر المفعولة بعد فوات الجمعة بين أن يكون قد ترك الجمعة عمدا أو لضرورة.

ولو صلى الظهر وشك هل صلى قبل صلاة الإمام أو بعدها؟ فالأصل البقاء.

ولو صلى الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة ، فإن علم أنه يفوته إدراكها ، صحت صلاته وإلا فلا. وفوات الجمعة برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية.

السابع : من لا تجب عليه الجمعة - كالمسافر والعبد - له أن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام ومعه وبعده ، وإن جاز أن يصلي جمعة ، لأن الجمعة غير واجبة عليه ، فصح منه الظهر في أوله كالبعيد. ولا يستحب له تأخير ظهره حتى يفرغ الإمام ، لأن فرضه الظهر ، فيستحب تقديمها.

فإذا حضر أصحاب الأعذار الجمعة وجبت عليهم ، وسقط عنهم فرض الوقت ، لأنها سقطت عنهم لعذر تخفيفا ، ووجبت على أهل الكمال ، لانتفاء المشقة في حقهم ، فإذا حضروا سقطت المشقة المبيحة للترك.

ص: 12

ولو صلوا الظهر في منازلهم ثم حضروا الجمعة ، لم تبطل ظهرهم ، سواء زال عذرهم أو لا.

ويستحب الجماعة لمن فاتته الجمعة في الظهر ، وكذا لأصحاب الأعذار ، لعموم قوله علیه السلام : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسة وعشرين درجة (1).

ويستحب لذوي الأعذار السعي إلى الجمعة وإن صلوا الظهر ، طلبا لفضيلة الجماعة ، كما يستحب في الظهر.

ويحرم إنشاء السفر لمن وجبت عليه الجمعة واشتملت الشرائط فيه بعد الزوال قبل الصلاة ، لقوله علیه السلام : من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ، ولا يعان على حاجته (2). ولأنه مخاطب بالسعي ، فلا يجوز العدول عنه ، وسواء كان لأجل الجهاد أو لغيره.

أما (3) مع الضرورة ، كخائف فوات الصحبة مع ضرورته إليها ، والخوف على النفس ، أو المرض ، أو المال ، أو على من يجري مجراه من ولد ورفيق وحيوان محترم ، يجوز له ترك الجمعة للمشقة.

ويجوز السفر قبل الزوال. ويكره بعد الفجر.

البحث الثاني: ( السلطان )
اشارة

ويشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه ، عند علمائنا أجمع ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يعين لإقامة الجماعة ، وكذا الخلفاء بعده ، كما عين للقضاء. وكما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام ، فكذا إمام الجمعة.

ص: 13


1- وسائل الشيعة 5 - 371 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 86 ما يشبه ذلك.
3- في « ق » إلا.

ولرواية محمد بن مسلم قال : لا تجب الجمعة على أقل من سبعة : الإمام ، وقاضيه ، ومدعي حقا ، ومدعى عليه ، وشاهدان ، ومن يضرب الحدود بين يدي الإمام (1).

والسلطان عندنا هو الإمام المعصوم ، فلا تصح الجمعة إلا معه ، أو مع من يأذن له. هذا في حال ظهوره.

أما في حال الغيبة فالأقوى أنه يجوز لفقهاء المؤمنين إقامتها ، لقول زرارة : حثنا الصادق علیه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدوا عليك ، فقال : لا إنما عنيت عندكم (2). وقال الباقر علیه السلام لعبد الملك : مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها اللّه ، قلت : كيف أصنع؟ قال : صلوا جماعة. يعني صلاة الجمعة (3).

ومنع جماعة من أصحابنا ذلك ، لفقد الشرط ، والباقر والصادق علیهماالسلام لما أذنا لزرارة وعبد الملك جاز لوجود المقتضي ، وهو إذن الإمام.

ويشترط في نائب الإمام أمور :

الأول : العدالة ، لأن الاجتماع مظنة التنازع ، والحكمة تقتضي عدمه ، وإنما يحصل بالسلطان ، ومع فسقه لا يزول لتبعية أفعاله قوته الشهوية ، ولأنه ليس محلا للأمانة فلا يصلح للإمامة ، لجواز أن يصلي صلاة باطلة ، ولقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (4) والايتمام ركون إليه.

ولقوله علیه السلام : لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا (5). وسئل الرضا علیه السلام رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال : لا (6).

ص: 14


1- وسائل الشيعة 5 - 9 ح 9.
2- وسائل الشيعة 5 - 12 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 12 ح 2.
4- سورة هود : 113.
5- وسائل الشيعة 5 - 392 مع تفاوت.
6- وسائل الشيعة 5 - 393 ح 10.

الثاني : البلوغ شرط ، فلا تصح إمامة الصبي ، لعدم التكليف في حقه ، ولأنه إن لم يكن مميزا لم يعتد بفعله ، وإلا عرف بترك المؤاخذة على فعله ، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرم ، ولأن العدالة شرط وهي منوطة به.

الثالث : العقل ، لعدم الاعتداد بفعل المجنون. ولو كان يعتوره فكذلك ، لجواز أن يحصل له حالة إمامته.

الرابع : الذكورة ، فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى.

الخامس : الحرية ، والأقوى اشتراطها ، لأنها من المناصب الجليلة فلا يليق بالعبد ، ولأن العبد لا تجب عليه ، فلا يكون إماما كالصبي.

السادس : طهارة المولد ، فلا تصح إمامة ولد الزنا ، لنقصه ، فلا يناط به المناصب الجليلة.

السابع : السلامة من الجذام والبرص والعمى ، لقول الصادق علیه السلام خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي (1). وأما الأعمى فلأنه لا يتمكن من التحرز عن النجاسات غالبا.

فروع :

الأول : لو خفي فسق الإمام ، ثم ظهر بعد الصلاة ، أجزأ للامتثال. وكذا لو ظهر كفره ، سواء كان مما يخفى كالزندقة أو لا كالتهود والتنصر.

ولو شك في إسلامه ، لم تنعقد صلاته ، لأن ظهور العدالة شرط وهو منتف مع الشك. وكذا لو بان كونه جنبا أو محدثا ، ويحتمل البطلان إن لم يتم العدد إلا به ، لأن الجماعة شرط ، وإنما يرتبط بالإمام ، فإذا بان أن الإمام لم يكن مصليا بان أنه لا جماعة ، وأن أحد شروط الجمعة قد فات ، بخلاف سائر

ص: 15


1- وسائل الشيعة 5 - 397 ح 1.

الصلوات ، لأن الجماعة ليست شرطا ، وغايته أن يصلي منفردا. ويشكل بأن حدث الإمام لا يمنع صحة الجماعة ، وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله.

الثاني : المخالف في فروع الفقه مع اعتقاد الحق ، لا يمنع الإمامة. ولو اعتقد المجتهد شيئا من الفروع وفعل ضده مع بقاء اعتقاده قدح في عدالته. وكذا المقلد إذا أفتاه العالم. أما لو عدل من عالم إلى أعلم أو مساو ، لم يقدح في عدالته.

الثالث : لو حضر إمام الأصل ، لم يأمّ غيره إلا مع العذر إجماعا ، لتوقف الايتمام على إذنه ، فليس لغيره التقدم عليه ، وكذا نائب الإمام ، ولقول علي علیه السلام : إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ، ليس ذلك لأحد غيره (1).

الرابع : لا يشترط في الإمام أن يكون ممن يجب عليه الجمعة ، فللمسافر أن يكون إماما مع الإذن ، لأنه ممن تصح منه الجمعة ، فكان إماما كالحاضر.

وهل يصح أن يكون متنفلا؟ كمسافر صلى الظهر ثم حضر ، إشكال ، ينشأ : من أنه لا بد في العدد المشروط ، من أن يكونوا مصلين فرض الجمعة فكذا الإمام ، ومن جواز اقتداء المفترض بالمتنقل في صورة المصلي ثانيا. أما لو صلى الصبح قضاء ، أو غيرها من الفرائض ، فالأقوى صحة الايتمام به ، لأنها صلاة فرض فأشبهت الجمعة كغيرها من الفرائض.

الخامس : لو قام إمام الجمعة إلى ركعة ثالثة سهوا ، فاقتدى به إنسان وأدرك جميع الركعة ، لم يحسب له ، لأنها غير محسوبة للإمام ، والزيادة يمكن الاطلاع عليها بالمشاهدة وإخبار الغير ، فلا تجزيه ، كما لو اقتدى بالمرأة ، بخلاف الحدث ، فلا ينعقد له بها جمعة ولا ظهر.

السادس : لو لم يدرك مع الإمام المحدث إلا ركوع الثانية ، احتمل أن

ص: 16


1- وسائل الشيعة 5 - 36 ح 1 ب 20

يكون مدركا للجمعة ، لأنه لو أدرك كل الركعة لكانت محسوبة له ، فكذا إذا أدرك ركوعها ، كالركعة المحسوبة للإمام ، والأقوى عدم الإدراك ، لأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بإدراك الركوع خلاف الحقيقة ، إنما يصار إليه إذا كان الركوع محسوبا من صلاة الإمام ليتحمل به ، فأما غير المحسوب فلا يصلح للتحمل عن الغير.

بخلاف ما لو أدرك الركعة بكمالها ، لأنه قد فعلها بنفسه ، فتصح على وجه الانفراد إن تعذر تصحيحها على وجه الجماعة ، وهنا لا يمكن التصحيح على سبيل الانفراد ، فإن الركوع لا يبتدأ به.

السابع : إذا أحدث الإمام في صلاة الجمعة أو غيرها من الفرائض ، أو خرج بسبب آخر ، جاز أن يستخلف غيره ليتم بهم الصلاة ، لأن النبي علیه السلام خرج فأتم الصلاة التي ابتدأ بها أبو بكر. وقول علي علیه السلام : من وجد أذى ، فليأخذ بيد رجل فليقدمه (1). يعني إذا كان إماما ، ولأن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام ، فإذا قدم من يصلح للإمامة كان كما لو أتمها ، فلا ينفك المأموم من الجماعة والعمل بالفضيلة فيها.

ولا فرق في جواز الاستخلاف بين ما إذا أحدث الإمام بعد الخطبتين قبل التحريم وبعدها ، فإذا استخلف صلى بهم من غير خطبة ، لخروج العهدة عنها بفعلها أولا.

ولو أحدث بعد التحريمة ، استخلف سواء صلى ركعة أولا ، وأتمها جمعة.

وإنما يستخلف من هو بشرط الإمامة. ولا يشترط فيه سماعه للخطبة ولا الإحرام مع الإمام للرواية. ولو لم يستنب الإمام ، أو مات ، أو أغمي عليه ، فإن كان بعد ركعة استناب المأمومون ، وللواحد منهم أن يتقدم ، لأن الإمام قد خرج والمأمومون في الصلاة ، وهي جمعة انعقدت صحيحة بإذن الإمام فيتمونها جمعة. ولا يفتقر إلى إذن مستأنف.

ص: 17


1- وسائل الشيعة 4 - 1345 ح 8.

ولو لم يستنيبوا أو بقي واحد ومن لا يصلح للإمامة ، أتموها جمعة فرادى. وكذا لو كان قبل صلاة ركعة.

ولو تعمد الإمام الحدث فكالسهو فيه.

وهل يجب اتحاد الإمام والخطيب؟ الأقرب المنع ، لجواز تعدد الأئمة في صلب الصلاة ، مع احتماله ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله تولاهما.

ولا يجب على المأمومين استئناف نية القدوة ، لأنه خليفة الأول ، والغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول. ويحتمل الوجوب ، لوجوب تعيين الإمام في الابتداء.

ولو استناب المأمومون ، لم تبطل صلاة المتلبس وأتم جمعة ، وغيره كذلك على الأقوى ، لأنها جمعة مشروعة.

وينبغي أن يستخلف على قرب ، وليس شرطا. فلو قضوا ركنا فالأقرب جواز الاستخلاف إن جوزنا تجديد نية الاقتداء للمنفرد ، وعلى المسبوق أن يراعي نظم صلاة الإمام ، فيقعد في موضع قعوده ، ويقوم في موضع قيامه ، لأنه اقتدى به والتزم ترتيب صلاته ، ولا يتابعه في القنوت بل يقف قائما ، ولا في التشهد بل يقعد ساكتا. وإذا تمت صلاة المأمومين ، قام الخليفة لتدارك ما عليه ، فإن شاء المأمومون فارقوه وسلموا ، ويستحب أن يشير إليهم بالتسليم. وإن شاءوا صبروا جالسين ليسلموا معه.

ولو أحدث بين الخطبة والصلاة ، جاز أن يستخلف في الصلاة ، لأن التعدد قد جاز في الصلاة ، وهي عبادة واحدة ، فهنا أولى. وكذا لو أحدث في أثناء الخطبة وشرطنا الطهارة.

ولو صلى مع الإمام ركعة من الجمعة ، ثم فارقه لعذر ، لم تبطل صلاته ، وجاز له أن يتمها جمعة. ولو فارقه لا لعذر فإشكال.

ولو أتم الإمام ولم يتم المأمومون ، بأن كانوا مسبوقين ، ولم يستخلف الإمام

ص: 18

جاز لهم أن يستخلفوا كغير الجمعة. وكذا لو كانوا مقيمين وهو مسافر في إحدى الرباعيات.

البحث الثالث: ( العدد )
اشارة

لا تنعقد الجماعة بالواحد ، بل لا بد من العدد إجماعا ، لأن تسميتها « جمعة » من الاجتماع المستلزم للتكثر ، ولأن الإمام شرط وإنما يتحقق مسماه بالمأموم.

والأقرب عندنا أن أقل عدد يجب معه الجمعة خمسة نفر الإمام أحدهم ، لتوجه الخطاب بصيغة الجمع ، والاستيطان شرط وهو مظنة التنازع ، فلا بد من حاكم يفصل بين المتنازعين فوجب الثالث ، ثم لما اعتورت الحوادث للإنسان وجب أن يكون للحاكم نائب يقوم مقامه عند العوارض فوجب رابع ، ثم لما كان التنازع مظنة الافتراء احتيج إلى من يستوفي الحدود بإذن الحاكم مباشرة فوجب خامس. فالأمور الضرورية التي لا بد من حصولها في الاجتماع خمسة نفر.

ولقول الباقر علیه السلام : لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الإمام وأربعة (1).

ويشترط في العدد أمور :

الأول : الذكورة ، فلا تنعقد بالنساء ولا بالرجال إذا كمل العدد بامرأة أو خنثى مشكل ، أما الخنثى الملحق بالرجال فرجل.

الثاني : التكليف ، فلا ينعقد بالصبي وإن كان مميزا ، ولا بالمجنون وإن لم يكن مطبقا ، إلا أن يكون وقت الإقامة مفيقا.

الثالث : الحرية ، على الأقوى ، فلا تنعقد بالعبد ، قنا كان أو مدبرا أو

ص: 19


1- وسائل الشيعة 5 - 7 ح 2.

مكاتبا أو أم ولد ، لأنه لو انعقدت به لانعقدت بجماعتهم منفردين كالأحرار.

الرابع : الحضر ، على الأقوى ، فلا تنعقد بالمسافر ، وهو الذي يجب عليه القصر. فلو وجب عليه التمام ، كالعاصي بسفره ، ومن قصر سفره عن المسافة ، ومن يتكرر سفره كالملاح ، ومن نوى الإقامة في بلد الجمعة عشرة أيام ، أو أقام أزيد من ثلاثين ، وجبت عليه الجمعة ، لأن السفر غير مؤثر في القصر ، فلا يؤثر في إسقاط الجمعة.

الخامس : الإسلام ، فلا تنعقد بالكافر إجماعا ، وتنعقد بالفاسق بلا خلاف.

السادس : عدم العلم بحدث أحدهم ، فلو أحدث أحدهم مع العلم به والعدد يتم به ، لم تنعقد ما لم يتطهر. ولو لم يعلم ، صحت الجمعة للمتطهرين. وكذا لو ظهر حدث أحدهم وكان جاهلا به ، كواجد المني على الثوب المختص به ، فإن الجمعة تصح لغيره ، ويقضي هو الظهر.

ولا يشترط الصحة ، ولا زوال الموانع من المطر والخوف ، فلو حضر المريض أو المحبوس بالمطر أو الخائف ، وجبت عليهم وانعقدت بهم ، لأن سقوطها عنهم لمشقة السعي ، فإذا تكلفوه زالت المشقة ، فزال مانع الوجوب والانعقاد به.

ولا يشترط دوام العدد في الصلاة ، فلو انعقدت بهم ، ثم انفضوا أو ماتوا أو تجدد عذر كالحدث وغيره بعد تكبيرة الإحرام ، لم تبطل الجمعة ، بل يتمها الباقي جمعة ركعتين ، لأن الأصل عدم اشتراط الاستدامة ، ولأن الصلاة افتتحت جمعة.

وقال علیه السلام : الصلاة على ما افتتحت عليه. ولأنهم انفضوا عن النبي (ص) ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا ، وفيهم نزلت ( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً ) (1) ثم إنه بنى على الصلاة وهو الرامي ، ولأنهم شرطوا أربعين ، لأن بقاء العدد عنده لا يتعلق باختياره ، وفي الابتداء يمكن تكليفه بأن لا يحرم حتى

ص: 20


1- سورة الجمعة : 11.

يحضروا ، والشي ء قد يشترط في الابتداء دون الدوام كالنية.

فروع :

الأول : لا اعتبار بانفضاض الزائد على العدد إجماعا ، لأنه ليس بشرط في الابتداء ، فكذا في الاستدامة.

الثاني : العدد المعتبر في الصلاة معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبة ، لأن الخطبة ذكر واجب في الجمعة ، فيشترط حضور العدد فيه كتكبيرة الإحرام.

فلو انفضوا قبل الخطبة ، لم يخطب حتى يجتمع العدد وهو الخمسة عندنا. وإن كان في أثناء الخطبة فالركن المأتي به في غيبتهم غير محسوب ، بخلاف ما لو انفضوا في الصلاة. والفرق أن كل مصل يصلي لنفسه ، فجاز أن يتسامح في نقصان العدد في الصلاة ، وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه ، وإنما غرضه إسماع العدد وتذكرهم ، فإذا خطب ولا مستمع ، أو مع نقصان عدد المستمعين ، فات مقصود الخطبة.

الثالث : لو عاد العدد بعد انفضاضهم في أثناء الخطبة بنى ، لجواز البناء في الصلاة لمن سلم ناسيا ، ففي الخطبة أولى ، سواء طال الفصل أو قصر ، لأن الغرض الوعظ والتذكر ، وهو حاصل مع تفرق الكلمات.

الرابع : لو لم يعد الأولون وعاد عدد غيرهم ، فالأقرب وجوب إعادة الخطبة ، سواء طال الفصل أو لا.

ولو عاد الأولون وقد انفضوا بعد الفراغ من الخطبة صلى بهم ، سواء طال الفصل أو لا ، لأن الأقرب عدم اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة للأصل. ويحتمل عدم الإعادة في الأول ، لأنهم قد ينفضون ثانيا ، فيعذر في ترك إعادتها.

الخامس : كما لا يشترط دوام العدد ، كذا لا يشترط دوام الجماعة بعد التحريم ، فلو تحرم بالعدد ثم انفضوا أو ماتوا كلهم ، أتم هو الجمعة ، لأن

ص: 21

الشروع وقع والشروط موجودة ، فلا يضر الانفراد بالعدد بعده.

ولا فرق بين أن ينفضوا قبل ركعة أو بعدها. ويحتمل اشتراط الركعة ، فلو انفضوا قبلها فلا جمعة ، والأقوى حينئذ أن يصلوها ظهرا ، لأنها صلاة صحيحة ، فجاز العدول عنها إلى الواجبة.

وهل يشترط كمال الركعة؟ الأقرب ذلك ، فلو انفضوا بعد الركوع وقبل السجود الثاني فلا جمعة. ويحتمل الاكتفاء بالركوع ، لأنه كاف في إدراك الركعة للمسبوق ، فكذا هنا.

البحث الرابع: ( الجماعة )
اشارة

الجماعة شرط في الجمعة ، فلا تصح الانفراد بالجمعة وإن حصل العدد ، بل لا بد من الارتباط الحاصل بين صلاتي الإمام والمأموم ، لأنه علیه السلام لم يصلها إلا كذلك وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (1).

ولأن الجمعة صلاة تجمع الجماعات ، والغرض منها إقامة الشعار وإظهار اتفاق الكلمة ، وبفوات الجماعة يفوت الغرض. وما رواه زرارة قال : فرض اللّه من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، واحدة فرضها اللّه في جماعة ، وهي الجمعة (2).

وهي شرط في الابتداء دون الاستدامة ، فلو ابتدأ منفردا ثم ائتم به في الأثناء لم تنعقد. ولو ابتدأ إماما ثم انفض العدد بعد التحريم ، لم تبطل ، ويحتمل بعد الركعة.

وهل يجب أن ينوي الإمام نية الإمامة؟ الأقرب ذلك هنا خاصة.

ولا يشترط التساوق بين تكبيرة الإمام والمأمومين ، ولا بين نيتهما على

ص: 22


1- جامع الأصول 6 - 374.
2- وسائل الشيعة 5 - 3 ح 1.

الأقوى. بل يجوز أن يتقدم الإمام بالنية والتكبير ، ثم يتعقبه المأمومون ، نعم لا يجوز أن يتأخروا بالتكبير عن الركوع. فلو ركع ونهض قبل تحريمهم فلا جمعة. وإن لحقوا به في الركوع ، صحت جمعتهم. ولا يشترط أن يتمكنوا من قراءة الفاتحة.

وإن لحقوا به في الركوع ، فالأقرب صحة الجمعة. ولو لم يلحقوا به إلا بعد الركوع ، لم يكن لهم جمعة ، والأقرب أنه لا جمعة للإمام أيضا ، لفوات الشرط وهو الجماعة في الابتداء والأثناء. وحينئذ فالأقرب جواز عدول نيته إلى الظهر. ويحتمل الانقلاب إلى النفل ، والبطلان ، والصحة جمعة إن لحقوه قبل فوات ركوع الثانية.

وإذا انعقدت الجمعة ودخل المسبوق ، لحق الركعة إن كان الإمام راكعا ، ويدرك الجمعة إن أدركه راكعا في الثانية ، ثم يتم بعد فراغ الإمام ، لقوله علیه السلام : من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ، ومن أدرك دونها صلاها أربعا (1).

ولأن الأعذار تعتور الإنسان غالبا ، فلو كلف الإدراك من أول التحريم حصلت المشقة ، فإنه الغرض في حق الأكثر ، وهو مناف للحكمة ، فاعتبر إدراك ركعة من الركعتين ، كإدراك المبيت بإدراكه إلى نصف الليل.

ويدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا ، وإن لم يدرك تكبيرة الركوع. ويكفي اجتماعه مع الإمام في جزء من الركوع ، لقول الصادق علیه السلام : إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك (2).

وللشيخ قول : إنه إن أدرك تكبيرة الركوع أدرك الركعة وإلا فلا ، وليس عندي بعيدا من الصواب ، لقول الباقر علیه السلام لمحمد بن مسلم : إن لم

ص: 23


1- جامع الأصول 6 - 427 ، سنن ابن ماجة 1 - 356.
2- وسائل الشيعة 5 - 442 ح 2.

يدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة (1). ولفوات واجب الركوع ، فيكون قد أدركه في المستحب ، فلا تحصل الركعة بالمتابعة فيه ، لفوات الركوع الواجب.

فروع: ( يتعلق بالمسبوق )

الأول : لا يشترط إدراك الخطبة ، لأن إدراك أول الركعة ليس شرطا ، فالخطبة أولى.

الثاني : لو ذكر ترك سجدة سهوا ، وشك أهي من التي أدركها مع الإمام أو الثانية؟ قضاها وسجد للسهو إن كان بعد التسليم ، وإن كان قبله فالأقرب فعلها قبله وإعادة التشهد ، لأنه شاك في الأولى وقد فاتت وهو مأموم أيضا ، فلا عبرة بشكه فيها فيتعين للأخرى ، ويحتمل المساواة للأولى ، فيسلم ثم يقضي ، وعلى التقديرين يدرك الجمعة ، إذ لا يضر الركعة فوات سجدة سهوا.

الثالث : لو كبر والإمام راكع فرفع ، فإن أتى بالذكر قبل أن يخرج الإمام في نهوضه عن حد الراكعين ، صحت له تلك الركعة ، وإن لم يلحق ذلك ، فإن كان في الثانية فاتته الجمعة ، وإن كان في الأولى ، احتمل الذكر ثم يلحق بالإمام في السجود ، لكن في إدراكه للجماعة في أبعاض هذه الركعة إشكال ، والاستمرار على حاله إلى أن يلحق الإمام في ثانيه ويتم مع الإمام ، والاستيناف.

الرابع : لو شك هل كان الإمام راكعا أو رافعا؟ رجحنا جانب الاحتياط على الاستصحاب.

الخامس : لو أدرك مع الإمام ركعة ، فلما جلس مع الإمام ذكر أنه ترك فيها سجدة ، فإنه يسجد ويدرك الركعة ، لأنه صلى مع الإمام ركعة ، وفعل

ص: 24


1- وسائل الشيعة 5 - 441 ح 2.

السجدة في حكم متابعته ، فلم يمنع ذلك من إدراكها ، وكذا لو ذكرها بعد تسليم الإمام ، لأن فوات السجدة الواحدة لا يقتضي فوات الركعة.

السادس : لو قام الإمام إلى الثالثة سهوا ، فأدركه فيها ، فصلاها معه ، لم يكن مدركا للجمعة إجماعا ، لأنها زيادة ، وهل يعدل إلى الظهر أو يستأنف؟

الأقرب الثاني ، وهل له التنفل؟ إشكال.

السابع : لو ذكر الإمام ترك سجدة لا يعلم موضعها بعد أن قام إلى الثالثة سهوا ، وقلنا بالإبطال بكل سهو يلحق الأولين ، أو ذكر ترك سجدتين ، بطلت صلاته ، ولو قلنا بالتلفيق ، تمت صلاته ، لأن المتروك إن كان من الأولى فقد تمت بالثانية وكانت الثالثة ثانية ، وإن تركها من الثانية تمت بالثالثة ، ولا يتم جمعة المأموم اللاحق في الثالثة ، لجواز أن تكون هي من الثانية ، فيتم بالثالثة ، فلم تكن الثالثة من أصل الجمعة ، لأن المحسوب منها للإمام سجدة واحدة.

ولو ذكر الإمام أنها من الأولة ، أدرك المأموم الجمعة ، لأن الأولى تمت بالثانية وكانت الثالثة ثانيته وقد أدركها المأموم.

فروع: ( يتشعب عن شرط الجماعة يتعلق بالإمام )

الأول : لو كان الإمام متنفلا بأن يكون مسافرا قد صلى الظهر أولا ، فإن فرض تم العدد به فلا جمعة ، إذ ليس من أهل التكليف بها ، فلا يتعلق وجوب غيره به على إشكال. وإن تم بغيره احتمل جواز الاقتداء به ، كما يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل وعدمه لنقص صلاته.

الثاني : لو كان الإمام عبدا ، فالأقرب أنه إن أتم العدد به ، لم تصح الجمعة ، وإلا صحت كالمسافر ، لأن العدد قد تم بصفة الكمال ، وجمعة العبد صحيحة وإن لم يلزمه.

ص: 25

الثالث : قال الشيخ (1) : أقسام الناس في الجمعة خمسة ، منهم من تجب عليه وتنعقد به ، وهو الذكر الحر البالغ ، العاقل ، الصحيح السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها ، الحاضر أو من هو بحكمه.

ومنهم من لا تجب عليه ولا تنعقد به ، وهو الصبي والمجنون والعبد والمسافر والمرأة ، لكن تصح منهم إلا المجنون.

ومنهم من تنعقد به ولا تجب عليه ، وهو المريض والأعمى والأعرج ، ومن كان على رأس أكثر من فرسخين.

ومنهم من تجب عليه ولا تنعقد به ، وهو الكافر ، لأنه مخاطب بالفروع عندنا.

الرابع : لا تصح إمامة الصبي ، لأنه لا جمعة عليه ، وإذا فعلها لا يسقط بها الفرض عن نفسه ، إذ لا فرض عليه ، بخلاف العبد والمسافر ، فإنهما يسقطان بهما فرض الظهر إن جوزنا إمامتهما. ويحتمل الجواز كسائر الفرائض إن جوزنا إمامته فيها.

الخامس : إذا استخلف الإمام من اقتدى به قبل حدثه ، صح. وإن استخلف غيره ، لم يصح ، ولم يكن لذلك الغير أن يصلي الجمعة ، لأنه لا يجوز ابتداء جمعة بعد انعقاد جمعة ، ولو صح منه الجمعة ، لكان مبتدئا بها بعد انعقاد جمعة الإمام والقوم ، بخلاف المأموم يدخل في صلاة الجمعة ، فإنه تابع للقوم لا مبتدئ. وهل يصح ظهرا له أو ينقلب نفلا؟ الأقرب الأول إن عدل بالنية إليها ، وإلا فلا. أما المأمومون فإنهم يتمون الجمعة ، لأنها وقعت أولا صحيحة ، ويحتمل اشتراط فعل ركعة تامة.

فروع: ( يتعلق بالزحام )

الأول : إذا ركع مع الإمام في الأولى ، ثم منعه الزحام عن السجود ، لم

ص: 26


1- المبسوط 1 - 143.

يجز له أن يسجد على ظهر غيره أو رأسه أو رجله ، عند علمائنا أجمع ، بل ينتظر حتى يتمكن من السجود على الأرض ، لقوله علیه السلام : ومكن جبهتك من الأرض (1). وليس له الإيماء به ، ولا أن يتمها ظهرا ، لأن إقامة الجمعة واجبة ، فلا يجوز الخروج قصدا مع توقع إدراكها.

ثم إن تمكن من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية سجد كما يمكن ، ثم ينهض إلى الثانية ويركع مع الإمام للحاجة والضرورة ، ومثله وقع في صلاة عسفان ، حيث سجد النبي علیه السلام وبقي صف لم يسجد معه ، وليس له أن يركع مع الإمام قبل قضاء السجدتين ، لئلا يزيد ركنا ، ويستحب للإمام تطويل القراءة ليلحق به.

الثاني : لو سجد ولحق الإمام ، فوجده راكعا في الثانية ، انتصب واجبا ، لوجوبه وتمكنه منه ، ويترك القراءة لسقوطها عنه ، وخوف فوت الركوع الواجب.

ولو وجده قد قام من ركوع الثانية ، لم يقم ، بل يجلس إلى أن يسلم الإمام ، ثم يقوم ويأتي لثانية ، وليس له أن يتابع الإمام في سجدتيه ، لئلا يزيد ركنا.

ولو وجده وقد سلم ، فالأقوى إدراكه للجمعة ، لأنه أدرك الركوع الأول فيتم ما عليه.

الثالث : لو لم يتمكن من السجود حتى يركع في الثانية ، لم يتابعه في الركوع ، بل يراعي ترتيب صلاته ، لئلا يزيد ركنا ، ويوالي بين ركوعين في ركعة واحدة ، فإن ركع عامدا ، بطلت صلاته ، وعليه أن يبتدئ الإحرام بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع.

وإن كان ناسيا أو جاهلا ، احتمل ذلك أيضا ، لأن زيادة الركن مطلقا مبطلة. والصحة ، لأن حكم الايتمام قد يخالف الانفراد ، كما لو سبق إلى

ص: 27


1- جامع الأصول 6 - 253.

ركوع أو سجود ناسيا قبل الإمام ، فإنه يرجع إلى حاله ثم يعيد مع إمامه.

فحينئذ لا يعتد بركوعه ولا تبطل صلاته ، فإذا سجد معه بعد الركوع حسب له السجدتان ، لأنا أمرناه بالسجود ، فقدم عليه شيئا غير معتد به ولا مفسد ، فإذا انتهى إليه وجب أن يقع عن المأمور به.

ويحتمل أن يعيدهما ، لأنه فعلهما على قصد الثانية ، فلا يقع عن أولاه ، كما لو نسي سجدة من ركعة ، ثم سجد لتلاوة أو سهو ، لا يقوم مقامها ، فإن قلنا بالأول فالحاصل ركعة ملفقة ويدرك بها الجمعة.

الرابع : إذا لم يركع في الثانية مع الإمام كما هو الواجب عليه ، بل انتظره إلى أن سجد الإمام وهو المأمور به ، فهو مقتد قدوة حكمية ، لوقوع السجود بعد الركوع الثاني للإمام ، ويدرك به الجمعة ، لأنه أدرك ركعة ملفقة. وإذا سجد مع الإمام نوى بسجدتيه أنهما لركعته الأولى ، فإن نوى بهما للثانية ، فالوجه بطلان الصلاة ، لإخلاله بركن في الأولى وهو السجدتان. وبركن في الثانية وهو الركوع.

ولو لم ينو بهما شيئا ، فالوجه البطلان ، لأنه مقتد بالإمام وهو في حكم التابع له في أفعاله ، وقد سجد الإمام للثانية ، فينصرف فعل المأموم إليه أيضا تحقيقا للاقتداء. وهل له أن يسجد قبل سجود الإمام؟ إشكال ، أقربه المنع ، بل يتابع الإمام ، فإذا سلم الإمام اشتغل بتدارك ما عليه ، لأنه إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فأشبه المسبوق.

الخامس : إذا ركع الإمام في الثانية ، فاشتغل بالسجدتين ، ثم نهض فوجد الإمام راكعا ، تابعه وسقطت عنه القراءة كالمسبوق ، ويسلم معهم ويتم جمعته. وإن وجده قد رفع رأسه من الركوع ، لم يتابعه في السجود على ما تقدم ، بل إما ينوي الانفراد ويتم الجمعة ، لإدراكه الركعة ، على إشكال من حيث إنه فاته السجدتان معه ، وإما أن يستمر على حاله إلى أن يسلم الإمام ، ثم يتم ما عليه. ويحتمل أن يجلس متابعة للإمام ولا يسجد. فإذا سلم الإمام ، قام فأتم ما بقي عليه.

ص: 28

السادس : لو لم يتمكن من السجود ، حتى سجد الإمام في الثانية ، تابعه في السجود إجماعا ، ويحصل ركعة ملفقة. ولو لم يتمكن حتى يتشهد الإمام سجد ، فإن أدرك الإمام قبل السلام ، أدرك الجمعة وقام فأتم ما بقي عليه. وإن لم يدركه حتى سلم ، فكذلك على إشكال.

السابع : لو كان الزحام في سجود الثانية ، وقد صلى الأولى مع الإمام ، سجد متى تمكن قبل سلام الإمام أو بعده وصحت جمعته. ولو كان مسبوقا لحقه في الثانية ، فإن تمكن قبل سلام الإمام سجد وقد أدرك ركعة ، وإن لم يتمكن حتى سلم الإمام فإشكال.

الثامن : لو زوحم عن ركوع الأولى حتى سجد الإمام ، ركع ولحقه وتابعه في السجود ، وإن وجده قد نهض إلى الثانية سجد ولحقه ، ولو لم يتمكن حتى يركع (1) الإمام في الثانية ، ركع ويعتد له بالركعة الثانية ، وتكون أولى له.

التاسع : لو زوحم عن سجود الأولى ، فقضاه قبل ركوع الإمام في الثانية ، ثم ركع مع الإمام فزوحم عن السجود ، فقضاه بعد جلوس الإمام للتشهد ، تبع الإمام في التشهد وتمت جمعته ، لأنه أدرك جميع الصلاة بعضها فعلا وبعضها حكما ، فيثبت له حكم الجماعة.

العاشر : لو زوحم عن الركوع والسجود في الأولى ، صبر حتى يتمكن منها ، ثم يلتحق للرواية (2) ، فإن لحق الإمام راكعا في الثانية ، تابعه وأدرك الجمعة ، ولو لحقه رافعا من ركوع الثانية ، ففي إدراك الجمعة إشكال ، ينشأ : من أنه لم يلحق ركوعا مع الإمام ومن إدراك ركعة تامة في صلاة الإمام حكما.

ولو لم يتمكن من القضاء حتى ركع الإمام في الثانية ، فزوحم عن المتابعة حتى سجد الإمام ، أتمها ظهرا.

الحادي عشر : النسيان عذر كالزحام ، فلو تأخر سجوده عن سجود

ص: 29


1- في « س » ركع.
2- وسائل الشيعة 5 - 32.

الإمام بالنسيان ، ثم سجد في حال قيام الإمام ، فالحكم كما تقدم في الزحام ، لأنه عذر ، وكذا لو تأخر لمرض.

ولو بقي ذاهلا عن السجود ، حتى ركع الإمام في الثانية ثم تنبه ، فإنه كالمزحوم يركع مع الإمام.

ولو تخلف عن السجود عمدا حتى قام الإمام وركع في الثانية أو لم يركع ، ففي إلحاقه بالمزحوم إشكال.

الثاني عشر : الزحام كما يفرض في الجمعة يفرض في غيرها ، وذكر في الجمعة ، لأن وقوعه أكثر فيها ، لأن الجماعة شرط فيها ، ولا سبيل إلى المفارقة ما دام يتوقع إدراك الجمعة ، بخلاف باقي الصلوات ، والحكم في غير الجمعة كالحكم فيها.

البحث الخامس: ( الوحدة )

الوحدة شرط في الجمعة ، فلا تنعقد جمعتان بينهما أقل من فرسخ ، سواء كانتا في مصر واحد أو مصرين ، وسواء فصل بينهما نهر عظيم أو لا ، عند علمائنا أجمع ، لقول الباقر علیه السلام : لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال (1) ، وإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء وهؤلاء ، لأن النبي علیه السلام لم يجمع إلا في مسجد واحد ، وكذا الخلفاء بعده.

وإذا لم يجز إقامتها في مساجد البلد كسائر الجماعات واحتمل تعطيل المساجد ، عرف أن المقصود إظهار شعار الاجتماع واتفاق كلمة المسلمين ، فليقتصر على الواحد ، لأنه أفضى إلى هذا المقصود ، ولأنه لا ضبط بعد مجاوزة الواحدة ، ومع بعد المسافة يشق الإتيان ، فلا بد من تقدير يرفع المشقة. والقدر الذي يمكن تكليفه لأكثر الناس فرسخ ، فكان الاعتبار به.

ص: 30


1- وسائل الشيعة 5 - 16 ح 1.

فلو احتاج من بعد بأقل من فرسخ إلى مركوب وتمكن منه وجب ، إما بالتملك ، أو الاستيجار ، أو العارية ، وهل يجب قبول الهبة أو العارية؟ إشكال.

فإن صليت جمعتان بينهما أقل من فرسخ ، فله صور :

الأول : أن تسبق إحداهما الأخرى ، فالسابقة صحيحة ، لاجتماع الشرائط فيها ، واللاحقة باطلة ، والسبق يحصل بالتحريم ، فالتي سبق عقدها على الصحة هي الصحيحة ، وإن تقدمت الثانية في الخطبة أو التسليم أو كانت جمعة السلطان ، لأنه لا بد من إذنه ، والاعتبار إنما هو بتمام التكبير ، حتى لو سبقت إحداهما بهمزة التكبير والأخرى بالراء ، فالصحيحة هي التي سبقت بالراء ، لأنها هي التي تقدم تكبيرها.

ولو شرع الناس في صلاة الجمعة ، فأخبروا أن طائفة أخرى سبقتهم بها وفاتت الجمعة عليهم ، استأنفوا الظهر ، وهل لهم أن يتموها ظهرا؟ الأقوى المنع ، لظهور البطلان.

الثاني : أن تقع الجمعتان معا ، فيتدافعان وتبطلان معا ، ويستأنف واحدة إن وسع الوقت ، وإلا صلوا الظهر.

الثالث : أن يشكل الحال ، فلا يدري أوقعتا معا ، أو سبقت إحداهما ، فيعيدون جمعة وظهرا ، لاحتمال الاتفاق ، فلا جمعة ، فتجب إعادتها. والتقدم ، فيعلم وقوع جمعة صحيحة ، فلا يصح عقد أخرى ، فوجبت الصلاتان معا.

الرابع : أن تسبق إحدى الجمعتين على التعيين ، ثم تلتبس ، فلا تخرج واحدة من الطائفتين عن العهدة ، إذ لا يقين لإحداهما بصحة جمعته ، والأصل بقاء الفرض في ذمتهم ، وليس لهم إعادة جمعة ، لأنه قد وقعت في البلد جمعة صحيحة ، فلا سبيل إلى تعقبها بأخرى ، بل تصلي الطائفتان الظهر ، فمن لا جمعة له ، صحت له الظهر.

ص: 31

الخامس : أن تسبق إحداهما ولا تتعين ، كما لو سمع مريضان أو مسافران تكبيرتين متلاحقتين وهما خارج المسجد ، وأخبراهم الحال ولم يعرفا من تقدم تكبيرة ، فلا يخرجون عن العهدة ، لأن كل واحدة يجوز أن تكون هي المتأخرة ، فيحتمل ضعيفا استيناف جمعة إن بقي الوقت ، لأن المفعولتين باطلتان غير مجزيتين ، فكأنه لم يقم في البلد جمعة أصلا.

والحق ما تقدم في الصورة الرابعة ، من أنهم يصلون الظهر ، لأن إحداهما صحيحة في علم اللّه تعالى ، وإنما لم يخرجوا عن العهدة للإشكال.

ولهذه الصور الخمس نظائر في نكاحين عقدهما وليان ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

البحث السادس: ( الخطبتان )
وفيه أقطاب :
القطب الأول: ( في واجباتها )
اشارة

من شرائط الجمعة تقديم خطبتين ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لم يصل الجمعة إلا بخطبتين متقدمتين وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (1). ولأنه تعالى أوجب السعي إلى ذكر اللّه تعالى ، والمراد به الخطبة ، فيستلزم وجوبها ، ولأنهما أقيمتا مقام الركعتين ، والبدل كالمبدل في الحكم ، وقال الصادق علیه السلام : لا جمعة إلا بخطبة (2).

ويجب أمور :

الأول : التعدد ، فلا يجزي الخطبة الواحدة ، امتثالا لفعله عليه

ص: 32


1- جامع الأصول 6 - 374.
2- وسائل الشيعة 5 - 16 ح 9.

السلام : ولأنهما أقيمتا مقام ركعتين ، فالإخلال بإحداهما إخلال بركعة.

الثاني : يجب في كل خطبة منهما حمد اللّه تعالى ، ويتعين « الحمد لله » لأنه علیه السلام داوم على ذلك ، ولقول الصادق علیه السلام : يحمد اللّه (1). والأقرب إجزاء « الحمد للرحمن ».

الثالث : الصلاة على النبي وآله علیهم السلام في كل خطبة ، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر اللّه افتقرت إلى ذكر رسوله ، كالأذان والصلاة ، ولقول الصادق علیه السلام : ويصلي على محمد وآله (2).

الرابع : الوصية بالتقوى في كل واحدة منهما ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله واظب عليها في خطبته ، ولأن المقصود من الخطبة الوعظ والتحذير.

ولا يجوز الإخلال به ، ولأن الصادق علیه السلام قال : ثم توصي بتقوى اللّه (3) ، والأقرب أنه لا يتعين لفظ « الوصية » لأن غرضها الوعظ ، فبأي لفظ وعظ حصل الغرض.

ولا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها ، لأنه قد تتواصى به المنكرون للمعاد ، بل لا بد من الحمل على طاعة اللّه تعالى والمنع من المعاصي.

ولا يجب في الموعظة فصل وكلام طويل ، بل لو قال : « أطيعوا اللّه » كفاه ، لكن الأفضل فيه استعطاف القلوب وتنبيه الغافلين.

الخامس : قراءة القرآن في كل واحدة من الخطبتين ، لأنه علیه السلام كان يقرأ فيها.

وهل تجب سورة تامة؟ قال الشيخ : نعم ، لقول الصادق علیه السلام :

ص: 33


1- وسائل الشيعة 5 - 38 ح 2.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.

تقرأ سورة قصيرة من القرآن (1) ، ولأنهما بدل فيجب فيهما القراءة على حد ما يجب في المبدل.

فروع :

الأول : ظاهر كلام المرتضى الاكتفاء بمسمى القرآن ، فحينئذ يكفي آية واحدة تامة الفائدة ، ولا فرق بين أن يكون في وعد ووعيد ، أو حكم ، أو قصص.

الثاني : لا يكفي آية فيها وعظ عنهما.

الثالث : الأقرب على قول السيد الاكتفاء بشطر آية إذا تمت الفائدة بها ، أما لو قال « ثم نظر » لم يكف وإن عد آية ، لأنها غير مفهم.

الرابع : كلام السيد يقتضي عدم وجوب القراءة في الثانية ، وعليه دلت رواية سماعة عن الصادق علیه السلام (2).

الخامس : كلام المرتضى يقتضي وجوب الاستغفار للمؤمنين في الثانية في مقابلة القراءة المختصة بالأولى ، وعليه دلت رواية سماعة (3). وكلام الشيخ يقتضي عدم وجوب الدعاء للمؤمنين للأصل.

السادس : كلام الشيخ يقتضي وجوب الصلاة على النبي صلی اللّه علیه و آله في الخطبتين ، لقوله تعالى ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) (4) أي لا أذكر إلا وتذكر معي. ولم يوجب الشهادة بالرسالة فيهما.

وكلام المرتضى يقتضي وجوب الشهادة بالرسالة في الأولى ، والصلاة عليه في الثانية.

ص: 34


1- نفس المصدر.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
4- سورة ألم نشرح : 4.

السابع : لا تصح الخطبة إلا بالعربية ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله داوم على ذلك. ولو كان المستمع ممن لا يفهم العربية ، فالأقوى الخطبة بغيرها ، إذ القصد الوعظ والتخويف ، وإنما يحصل بفهم كلامه.

ويجب أن يتعلم واجد العربية في الخطبة ، كالعاجز عن التكبير بالعربية ، فلو مضت مدة إمكان التعلم ولم يتعلم ، عصى وتصح الجمعة.

الثامن : ينبغي أن تكون السورة خفيفة ، ويجوز أن يقرأ إحدى العزائم ، فينزل ويسجد لو قرأ السجدة. ولو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل ، نزل أيضا ، وإن أمكنه أن يسجد عليه فعل.

التاسع : لا يجوز أن يقتصر على آيات تشتمل على الأذكار ، لأنه لا تسمى خطبة. ولو أتى ببعضها في ضمن آية ، لم يمنع.

القطب الثاني: ( في شرائط الخطبتين )

وهي ستة :

الأول : الوقت ، وهو ما بعد الزوال ، فلا يجوز تقديمها ولا شي ء منها على الأصح ، لأنه علیه السلام كان يخطب بعد الزوال ، ولو جاز التقديم لقدمها ، تخفيفا على الباكرين ، وإيقاعا للصلاة في أول الوقت.

وللشيخ قول بجواز إيقاعها قبل الزوال ، بحيث إذا فرغ منها زالت الشمس.

الثاني : تقديمهما على الصلاة ، بخلاف صلاة العيد ، لأنه علیه السلام كذا فعل في الموضعين ، لأنهما شرط في الجمعة ، والشرط متقدم ، بخلاف العيد.

الثالث : القيام فيهما عند القدرة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله ومن بعده لم يخطبوا إلا من قيام ، ولأنه ذكر يختص بالصلاة ليس من شرطه القعود ،

ص: 35

فكان من شرطه القيام كالقراءة والتكبير ، فإن عجز فالأولى أن يستنيب غيره.

ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا ، جاز كالصلاة ، ويجوز الاقتداء به ، سواء قال لا أستطيع أو سكت ، بناء على الظاهر من أن قعوده للعجز ، فإن بان أنه كان قادرا ، فهو كما لو بان أن الإمام محدث.

الرابع : الجلوس بينهما ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله ومن بعده جلسوا بينهما دائما (1) ، ويجب فيه الطمأنينة كالجلسة بين السجدتين.

ولو خطب قاعدا لعجزه عن القيام لم يضطجع بينهما للفصل ، بل يفصل بسكتة ، كما في الفصل في الصلاة قاعدا.

الخامس : شرط بعض علمائنا طهارة الحدث والبدن والثوب والمكان من الخبث ، اتباعا لما جرت السنّة عليه في الأعصار ، ولأن الخطبتين بدل ، ولأن الموالاة بينهما وبين الصلاة واجبة عند آخرين ، وعلى هذا يشترط ستر العورة ، لأنهما بدل.

وقيل : لا يشترط ، لأنه ذكر يتقدم الصلاة فأشبه الأذان.

وعلى الأول لو كان جنبا وقرأ عزيمة لم تصح الخطبة ، لأن القراءة شرط ، وهي محرمة.

ولو سبقه الحدث في الخطبة ، لم يعتد بما يأت به حال الحدث. فإن تطهر وعاد ، فالأقرب البناء وإن طال الفصل.

السادس : رفع الصوت بالخطبتين ، فإن الوعظ الذي هو الغاية إنما يحصل بالاستماع المشترط برفع الصوت ، ولأنه علیه السلام كان إذا خطب رفع صوته كأنه منذر جيش ، فلو خطب سرا بحيث لا يسمعه العدد ، لم تحسب.

ولو رفع الصوت قدر ما يبلغ ، لكن كانوا أو بعضهم صما ، فالأقرب الإجزاء ، كما لو سمعوا ولم يفهموا.

ص: 36


1- جامع الأصول 6 - 433.

السابع : العدد ، قال الشيخ : شرط الخطبتين العدد المشترط في الجمعة (1) ، لأنهما ذكر هو شرط في الجمعة ، فكان من شرطه حضور العدد كالتكبير ، ولأن وجوب الخطبة تابع لوجوب الجمعة التابع لحضور العدد.

فلو انفضوا في الأثناء فالمأتي به حال غيبتهم غير محسوب ، لأن القصد بها الإسماع ، فإن عادوا قبل طول الفصل جاز البناء ، وكذا إن طال على إشكال ، لأن الوعظ يحصل معه تفرق الكلمات.

ولو اجتمع بدل الأولين العدد ، فلا بد من استيناف الخطبة مطلقا ، ولو انفضوا بعد تمام الخطبة وعادوا قبل طول الفصل ، بنيت الصلاة على الخطبة ، وكذا إن طال على إشكال.

والعدد إنما هو شرط في واجبات الخطبة دون مستحباتها.

الثامن : نية الخطبة من فرضها ، لأنها عبادة فافتقرت إلى النية كالصلاة.

التاسع : الترتيب بين أجزاء الخطبة الواجبة ، فلو قدم على الحمد غيره ، أو قدم الوعظ على الصلاة استأنف ، للتأسي به صلی اللّه علیه و آله .

القطب الثالث: ( في الإصغاء )

الأقرب وجوب الإنصات ، وهو السكوت ، والاستماع ، وهو شغل السمع بالسماع ، لقوله تعالى ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) (2) ذكر في التفسير أن الآية وردت في الخطبة ، وسميت « قرآنا » لاشتمالها عليه ، فلا يحل له الكلام.

ويحتمل الكراهة ، ولأن رجلا دخل والنبي صلی اللّه علیه و آله يخطب يوم

ص: 37


1- المبسوط 1 - 146.
2- سورة الأعراف : 204.

الجمعة ، فقال : متى الساعة؟ فأومي إليه بالسكوت ، فلم يقبل وأعاد الكلام فقال النبي صلی اللّه علیه و آله بعد الثالثة : ما ذا أعددت لها؟ فقال : حب اللّه ورسوله ، فقال : إنك مع من أحببت (1) ، ولم ينكر عليه.

وهل يحرم الكلام على الخطيب في الأثناء؟ الأقرب المنع للأصل ، ولأنه علیه السلام كلم قتلة ابن أبي الحقيق وسألهم عن كيفية قتله في الخطبة (2). وإنما حرم على المستمع لئلا يمنعه عن السماع.

وللشيخ قول بالتحريم ، والأصل فيه أن الخطبتين إن جعلناهما بمثابة الركعتين حرم الكلام ، وإلا فلا ، والخلاف في كلام لا يتعلق به غرض مهم. أما لو رأى أعمى يقع في بئر ، أو عقربا تدب على إنسان ، فأنذرهما ، أو علم إنسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر ، فإنه لا يحرم ، ويستحب الاقتصار على الإشارة إن كفت في الغرض.

ويجوز الكلام قبل الشروع في الخطبة ، وبعد الفراغ منها ، لأنه ليس وقت الاستماع. وكذا يجوز حالة الجلوس بين الخطبتين على الأقوى.

ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا.

ويجوز رد السلام ، بل يجب ، لأنه كذلك في الصلاة ، ففي الخطبة أولى.

وكذا يجوز تسميت العاطس ، وهل يستحب؟ يحتمل ذلك ، لعموم الأمر به ، والعدم ، لأن الإنصات أهم ، فإنه واجب على الأقوى ، بخلاف التسميت.

وهل يجب الإنصات على من لا يسمع الخطبة؟ الأولى المنع ، لأن غايته الاستماع ، فله أن يشتغل بذكر وتلاوة ، ويحتمل الوجوب لئلا يرتفع اللغط ، ولا يتداعى إلى منع السامعين عن السماع ، ولا تبطل جمعة المتكلم وإن حرمناه

ص: 38


1- سنن الترمذي 4 - 595.
2- سنن البيهقي 3 - 222.

إجماعا ، والخلاف في الإثم وعدمه.

فإذا صعد الخطيب المنبر ، فيستحب لمن ليس في الصلاة أن لا يفتتحها ، سواء صلى السنّة أو لا ، ومن كان في الصلاة خففها ، لئلا يفوته سماع أول الخطبة ، ولقول أحدهما علیهماالسلام : إذا صعد الإمام المنبر فخطب ، فلا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر (1) ، والكراهة تتعلق بالشروع في الخطبة لا بالجلوس على المنبر ، لقول أحدهما علیهماالسلام : فخطب ، ولأن المقتضي للمنع السماع.

ولو دخل والإمام في آخر الخطبة وخاف فوت تكبيرة الإحرام ، لم يصل التحية ، لأن إدراك الفريضة من أولها أولى.

وأما الداخل في أثناء الخطبة ، فالأقرب أنه كذلك ، للعموم ، ولأن رجلا جاء يتخطى رقاب الناس ، فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اجلس فقد آذيت وآنيت (2) ، ولأنه يستحب له السماع من أول الخطبة ، فالبعض أولى.

ويجب أن يرفع الإمام صوته بالخطبة ، بحيث يسمع العدد المعتبر من أهل الكمال ، وهل يحرم الكلام على من عدا العدد؟ إشكال.

القطب الرابع: ( في سنن الخطبة )

وهي أمور :

الأول : الخطبة على المنبر ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لما دخل المدينة خطب مستندا إلى جذع ، فلما بني له المنبر صعد عليه ، ولاشتماله على الإبلاغ للبعيد.

الثاني : وضع المنبر على يمين المحراب ، وهو الموضع الذي يكون على يمين

ص: 39


1- وسائل الشيعة 5 - 39 ح 3.
2- سنن ابن ماجة 1 - 354.

الإمام إذا استقبل ، لأن منبره علیه السلام كذا وضع.

الثالث : أن لا يكون المنبر كبيرا ، بحيث يضيق المكان على المصلين ، إذا لم يكن المسجد متسعا للخطبة.

ولو لم يكن منبر ، خطب على موضع مرتفع يبلغ صوته الناس.

الرابع : التسليم على من عند المنبر إذا انتهى إليه ، لاستحباب التسليم للواردين ، وكان علیه السلام إذا دنا من منبره سلم على من عند المنبر ثم يصعد ، فإذا استقبل الناس بوجهه سلم ثم قعد.

الخامس : التسليم على الناس إذا صعد على المنبر وانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود ، وتسمى « المستراحة » اقتداء به علیه السلام ، وقول علي علیه السلام : من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس (1). ولا يسقط بالتسليم الأول ، لأن الأول مختص بالقريب من المنبر ، والثاني عام.

السادس : أن يجلس بعد السلام على المستراح ، ليستريح عن تعب الصعود ، لأنه علیه السلام كان يخطب خطبتين ويجلس جلستين (2) ، والمراد هذه الجلسة التي قبل الخطبتين ، وقال الباقر علیه السلام : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون (3).

السابع : بلاغة الخطيب بحيث لا يكون مؤلفة من الكلمات المبتذلة ، لأنها لا تؤثر في القلوب ، ولا من الكلمات الغريبة الوحشية ، لعدم انتفاع الناس بها ، بل تكون قريبة من الأفهام ناصة على التخويف والإنذار.

الثامن : أن لا يطول فيها ، لقوله علیه السلام : قصر الخطبة وطول الصلاة من فقه الرجل (4) ، ولا يقصرها بل تكون وسطا.

ص: 40


1- وسائل الشيعة 5 - 43 ح 1.
2- جامع الأصول 6 - 433.
3- وسائل الشيعة 5 - 43 ح 2.
4- جامع الأصول 6 - 436.

التاسع : أن لا تشتمل الخطبة على ما يستنكره عقول الحاضرين ، لقول علي علیه السلام : كلموا الناس على قدر عقولهم ، أتحبون أن تكذبوا اللّه ورسوله؟.

العاشر : أن يأتي بالكلمات على تأنّ وترتيب وسكون ، ولا يمدها مدا يشبه الغناء ، ولا يدرجها بحيث لا يفهم.

الحادي عشر : كون الخطيب مواظبا على الصلوات حافظا لمواقيت الفرائض ، ليقع وعظه في القلوب بموقع.

الثاني عشر : أن يستدبر القبلة ، ليستقبل الناس بوجهه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ، لأنه علیه السلام كان إذا خطب استقبل الناس بوجهه واستقبلوه وكان لا يلتفت (1) ، ولو خطب مستقبلا للقبلة ومستدبرا للناس ، جاز وإن خالف السنّة.

الثالث عشر : أن يكون صادق اللّهجة لا يلحن في الخطبة.

الرابع عشر : أن لا يضع يمينه على شماله كما في الصلاة ، بل يشغل بما يعتمد عليه يسراه ، ويقبض باليمين حرف المنبر.

الخامس عشر : أن يعتمد على سيف أو عنزة أو عصا ونحوها ، اقتداء بالنبي علیه السلام ، فإنه كان يعتمد على عنزته اعتمادا ، وقال الصادق علیه السلام : ويتوكأ على قوس أو عصا (2).

السادس عشر : أن يكون متعمما شتاء وصيفا مرتديا ، لأنه أدخل في الوقار ، وأن يكون التردي ببرد يمنية لأنه علیه السلام كان يتعمم ويرتدي ويخرج في الجمعة والعيدين على أحسن هيئة.

ص: 41


1- جامع الأصول 6 - 436.
2- وسائل الشيعة 5 - 38 ح 2 ب 24.
المطلب الثاني: ( في من يجب عليه )
اشارة

شرائط الوجوب عشرة : الأول البلوغ ، الثاني العقل ، الثالث الذكورة ، الرابع الحرية ، الخامس السلامة من المرض ، السادس السلامة من العمى ، السابع السلامة من العرج ، الثامن عدم الشيخوخة المانعة من الحراك ، التاسع أن لا يكون مسافرا ، العاشر : أن لا يكون على رأس أكثر من فرسخين.

وليس الإسلام شرطا في الوجوب ، لأن الكفار عندنا مخاطبون بالشرائع ، والعقل شرط في الوجوب والصحة معا ، والبواقي شرط في الوجوب لا الصحة.

ويستحب إحضار الصبي الجمعة للتمرين ، خصوصا المراهق ، ولا يجب على المرأة إجماعا ، لقوله علیه السلام : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا على امرأة أو مسافر أو عبد أو صبي أو مريض (1) ، فإن حضرن الجمعة صحت منهن ولم تنعقد بهن.

ويستحب للعجائز الحضور مع إذن أزواجهن ، لانتفاء الفتنة فيهن. ويكره للشواب لما فيه من الافتتان.

والعبد لا تجب عليه لجمعة ، لما تقدم في الحديث ، ولأنه محبوس على السيد فأشبه المحبوس في الدين ، ولا فرق بين المخارج وغيره ، فإن أذن له السيد استحب له الحضور ، فإن حضر حينئذ وجبت عليه ، ولا يجب عليه الحضور ، لأن الحقوق الشرعية تتعلق بخطاب الشرع لا بإذن السيد.

والقن والمدبر والمكاتب بنوعيه وأم الولد سواء ، لبقاء الرق ، وكذا لو انعتق بعضه ، فإن هايأه مولاه واتفقت الجمعة في يومه ، فالأقرب عدم الوجوب ، ولو ألزمه مولاه بالحضور ، احتمل الوجوب ، لوجوب طاعته في غير العبادة ، ففيها أولى.

ص: 42


1- وسائل الشيعة 5 - 5 ح 16 ، جامع الأصول 6 - 425.

والمريض لا جمعة عليه ، للحديث ، وللمشقة ، سواء خالف زيادة المرض ، أو المشقة غير المحتملة ، أو لا ، ولو كان المريض قريبه ، أو ضيفه ، أو زوجته ، أو مملوكه ، جاز له ترك الجمعة لأجل تمريضه مع الحاجة إليه. وكذا يترك لصلاة الميت وتجهيزه.

ولو كان المريض أجنبيا لا صحبة له معه ، وكان له من يمرضه ، لم يترك الجمعة له. ، إن لم يكن جاز له تركها للقيام بأمره.

وكذا لو كان عليه حق قصاص يرجو بالاستتار الصلح جاز ، ولو كان عليه حد قذف ، لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله وترك الجمعة ، لأنه حق واجب ولا بدل له ، وكذا غيره من الحدود المتعلقة به لله (1) تعالى بعد ثبوتها بالبينة.

والمديون المعسر يجوز له الاختفاء ، وكذا الخائف من ظالم على مال ، أو نفس ، أو ضرب ، أو شتم.

والأعمى لا يجب عليه وإن كان قريبا من الجامع ، يتمكن من الحضور إليه بقائد أو بغيره ، وسواء وجد قائدا أو لا ، للمشقة ، ولقول الباقر علیه السلام : فرض اللّه الجمعة ووضعها عن تسعة ، وعد منها الأعمى (2).

والأعرج والشيخ الذي لا حراك به لا جمعة عليهم ، للمشقة ، ولقول الباقر علیه السلام : والكبير (3) ، ولو لم يبلغ العرج الإقعاد ، فإن حصلت مشقة سقطت ، وإلا وجبت ، والحر الشديد والبرد كذلك.

والمطر المانع من السعي والوحل مسقطان للمشقة ، وقال الصادق علیه السلام : لا بأس أن تدع الجمعة في المطر (4) ، وهو وفاق.

والمسافر لا تجب عليه إجماعا ، لقوله علیه السلام : الجمعة واجبة إلا على

ص: 43


1- في « ق » للقيام.
2- وسائل الشيعة 5 - 2 ح 1.
3- نفس المصدر.
4- وسائل الشيعة 5 - 37.

خمسة ، وعد منها المسافر (1). وقول الباقر علیه السلام : ووضعها عن تسعة ، وعد منهم المسافر (2).

ولأن الجمعة ظهر مقصورة بشرائطه أو كالظهر ، والمسافر يباح له القصر دون تلك الشرائط ، فلم يكن لاعتبارها في حقه وإيجاب الجمعة معنى ، ولأنه خفف منه العبادات الراتبة فغيرها أولى.

وإنما تسقط مع إباحة السفر لا حظره ، لمنافاة التحريم الترخيص في سفر القصر ، فلو لم يوجبه كما لو كان دون المسافة ، أو كان سفره أكثر من حضره ، وجبت عليه ، ولو كان القصر غير واجب ، كما في المواضع التي يستحب فيها الإتمام ، احتمل الوجوب والاستحباب.

ولو نوى المسافر إقامة عشرة أيام ، صار بحكم المقيم ، ووجبت عليه الجمعة ، وتنعقد به الجمعة حينئذ قطعا ، وفيما لم ينو قولان.

ومن كان بينه وبين الجمعة أكثر من فرسخين ، لم يجب عليه الحضور عندنا ، بل إن وجدت الشرائط في حقه ، وجب عليه إقامة الجمعة عنده أو يحضر ، وإن لم تحصل الشرائط لم تجب عليه الإقامة عنده ولا الحضور عندنا.

ومن كان بينه وبين الجمعة فرسخان فما دون ، وجب عليه : إما إقامة الجمعة عنده إن حصلت الشرائط ، أو الحضور عندنا ، إلا أن يكون بينه وبين الجامع أقل من فرسخ ، فيجب عليه الحضور عندنا.

ويشترط الزيادة على الفرسخين بين منزله والجامع الذي يقام فيه الجمعة ، لا بين البلدين ، فلو كان بين البلدين أقل من فرسخين ، وبين منزله والجامع أزيد من فرسخين ، فالأقرب السقوط ، لأنه المفهوم من كلام الباقر علیه السلام في قوله « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين » (3).

ص: 44


1- وسائل الشيعة 5 - 5 ح 16.
2- وسائل الشيعة 5 - 2 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 11 ح 2.

ومن شرائط الوجوب على المأموم أن لا يكون قد صلى العبد في ذلك اليوم ، فلو اتفقا في يوم واحد ، تخير من صلى العيد في حضور الجمعة عدا الإمام ، فإنه يجب عليه الحضور.

ويستحب له إعلامهم ذلك ، لقوله علیه السلام : أيها الناس قد اجتمع عيدان في يوم ، فمن أراد أن يشهد الجمعة فليشهد ، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف (1) ، ولأن الجمعة زادت على الظهر بالخطبة وقد جعلت في يوم العيد ، ولما فيه من المشقة بالعود.

ويستحب له الحضور ، أما الإمام فيجب عليه لإقامتها مع من يحضر ، وإذا حضر المتخير ، وجب عليه الجمعة كالمسافر.

فروع في صفات النقصان :

الأول : الخنثى المشكل كالمرأة ، لاحتمال أن تكون أنثى ، فلا يلزم بالشك.

الثاني : من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها وصلاها ، انعقدت جمعته وأجزأه ، لأنها أكمل في المعنى وإن كانت أقصر في الصلاة ، فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر لهم ، فلئن تجزي أصحاب العذر كان أولى.

الثالث : الذين لا تلزمهم الجمعة إذا حضروا الجامع هل لهم أن ينصرفوا ويصلوا الظهر؟ أما الصبي والمرأة فلهم ذلك ، لأن المانع من وجوب الجمعة عليهم الصفات القائمة بهم ، وهي لا ترتفع بحضورهم.

أما الباقون فالأقرب أن لهم ذلك إن خرجوا قبل دخول الوقت. وإن دخل الوقت وأقامت الصلاة لزمتهم الجمعة ، وإن تخلل زمان بين دخول الوقت وإقامة الصلاة ، ولا مشقة في الانتظار حتى تقام الصلاة ، لزمه ذلك ، وإن لحقته مشقة ، لم تلزمه.

ص: 45


1- جامع الأصول 7 - 96 ، وسائل الشيعة 5 - 116.

ولو أحرموا بالجمعة ، لم يجز لهم الانصراف ، وليس لهم أداء الظهر مع الحضور ، لانتفاء موجب الترخص.

الرابع : لا يشترط في إقامة الجمعة دار إقامته ، بل يجوز إقامتها خارج البلد حيث يقام العيد ، للأصل.

ولا يشترط الأبنية التي يستوطنها المقيمون للجمعة ، بل تجب على أهل القرى وقاطني الخيام وإن كانوا يرحلون وينزلون للعموم ، وقياسا على ما لو انهدمت الأبنية وأقاموا عليها.

وليس من الشرط إقامتها في كن أو مسجد ، بل يجوز إقامتها تحت السماء في خارج البلد وغيره.

الخامس : العذر المبيح لترك الجمعة ، تبيحه وإن طرأ بعد الزوال ، لكن يحرم إنشاء السفر بعد الزوال ، لوجوب الجمعة عليه ، فلا يجوز الاشتغال بما يؤدي إلى تركها ، كالتجارة واللّهو ، ولأن الوجوب متعلق بأول الوقت ، وهو وإن كان موسعا في أوله.

لكن هذه الصلاة تخالف غيرها ، فإن الناس فيها تبع للإمام ، فلو عجلها تعينت متابعته وسقطت خيرة الناس فيه ، وإذا كان كذلك فلا يدري متى يقيم الإمام الصلاة ، فتعين عليه انتظاره.

ويجوز قبل الزوال بعد الفجر على كراهية ، لأنه لم يدخل وقت وجوب الجمعة فأشبه قبل الفجر ، لكن الجمعة وإن دخل وقتها بالزوال فهي مضافة إلى اليوم ، ولذلك يعتد بالغسل قبل الزوال ، ويجب السعي لمن بعد داره قبل الزوال ، فلهذا كره السفر بعد الفجر.

ولو كان السفر واجبا كالحج والجهاد ، أو مندوبا كالزيارة ، فالأقرب عدم الكراهية ، وليس كون السفر طاعة عذرا في إنشائه بعد الزوال ، وإن كان في واجب إذا لم يخف فوته.

ولو احتاج إلى السفر وخاف فوت الرفقة ونيل الضرر لو تخلف ، جاز له

ص: 46

أن يسافر وإن كان بعد الزوال للعذر.

السادس : المعذور قد يرجو زوال عذره قبل فوات الجمعة ، كالعبد يتوقع العتق ، والمريض يتوقع البرء ، فالأقوى عندي أنه يستحب له تأخير ظهره إلى اليأس عن درك الجمعة ، وهو رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية ، لأنه ربما يزول عذره ويتمكن من فرض أهل الكمال.

ولو كان لا يرجي زوال عذره استحب له تقديم ظهره ، تحصيلا لفضيلة أولوية الوقت.

السابع : ذو المنزل البعيد إذا انتهى الوقت إلى حد لو أخذ في السعي لم يدرك الجمعة ، فقد حصل الفوات في حقه.

الثامن : إذا اجتمع معذورون ، استحب لهم الجماعة في الظهر ، لعموم الترغيب الوارد في الجماعة ، ولا يستحب لهم الإخفاء ، إلا أن يتهموا بالرغبة عن صلاة الإمام ، بأن كان عذرهم خفيا.

التاسع : لو صلى المعذور قبل فوات الجمعة ، صحت ، لأنها فرضه ، فإن زال العذر وأمكنه إدراك الجمعة ، لم تجب عليه ، لبراءة ذمته بأداء فرضه ، كما لو برأ المريض ، أو أقام المسافر ، أو أعتق العبد.

أما لو صلى الخنثى المشكل الظهر ، ثم تبين أنه رجل قبل فوات الجمعة ، فإنه تلزمه الجمعة ، لأنه ظهر كونه رجلا حين صلى الظهر.

ولو صلى الصبي الظهر ثم بلغ ، فالأقوى عندي وجوب الجمعة عليه.

وهؤلاء المعذورون يستحب لهم حضور الجمعة وإن لم يلزمهم ، فإن كانوا قد صلوا الظهر ، استحب لهم إعادة الجمعة ، والفرض هو الظهر السابقة.

ولو زال العذر في أثناء الظهر ، احتمل الاستمرار ، لأنه دخل في فرضه مشروعا فلا يبطله ، والعدول إلى النفل ثم يصلي الجمعة ، لوروده فيما هو مستحب ، ففي الواجب أولى.

العاشر : من لا عذر له إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة ، لم تصح

ص: 47

صلاته ، لأن الجمعة فرض قائم بنفسه (1) بالأصالة لا بدل على غيره ، وإلا لجاز تركها والاشتغال بالمبدل ، وإنما قضيت أربع ركعات مع فواتها وزاد عدد القضاء ، لأن الخطبتين قائمة مقام الركعتين.

ولو أثم أهل البلد بترك الجمعة فصلوا الظهر ، وصلى من هو بصفات الكمال الظهر لتعذر العدد ، ثم صلوا الجمعة ، فالوجه صحة ظهره وعدم وجوب الجمعة في حقه ، لبراءة ذمته بما فعله ، إذ الواجب عليه الظهر عند فقد الشرائط التي من جملتها العدد.

المطلب الثالث: ( في ماهيتها )

الجمعة ركعتان كسائر الصلوات ، وإنما تتميز عنها بما تقدم من الشرائط وبما يأتي من الآداب ، ويسقط معها الظهر إجماعا.

ويستحب أن يقرأ في الأولى بعد الحمد الجمعة ، وفي الثانية بعدها المنافقين ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كذا فعل (2) ، وقول الصادق علیه السلام : إذا كان صلاة الجمعة فاقرأ سورة الجمعة والمنافقين (3).

ولو قرأ غيرهما عمدا لم تبطل جمعته للأصل ، ولقول الكاظم علیه السلام وقد سأله علي بن يقطين عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ قال : لا بأس بذلك (4).

ولو قرأ غير الجمعة في الأولى عمدا أو سهوا ، احتمل قراءتها في الثانية ليدرك فضلها ، وقراءة المنافقين لأنه محلها ، ولو قرأ في الأولى المنافقين قرأ في الثانية الجمعة ، تحصيلا لفضلهما معا.

ص: 48


1- في « ق » بنفسها.
2- جامع الأصول 6 - 439.
3- وسائل الشيعة 4 - 815 ح 4.
4- وسائل الشيعة 4 - 817 ح 1.

ويستحب الجهر بالقراءة في الجمعة إجماعا ، وفي الظهر يومها قولان ، الاستحباب مطلقا ، لقول الصادق علیه السلام وقد سأله الحلبي عن القراءة يوم الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال : نعم (1).

والاستحباب جماعة ، لقول الصادق علیه السلام : صلوا في السفر صلاة جمعة جماعة بغير خطبة وأجهروا بالقراءة (2) ، وقيل : يمنع الجهر في الظهر جماعة ، لأن جميلا سأل الصادق علیه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر قال : يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الإمام ، إنما يجهر إذا كانت خطبة (3) ، وهو أحوط.

المطلب الرابع: ( في آدابها )

وهي :

الأول : يستحب الزينة يوم الجمعة بحلق الرأس إن كان من عادته ، وإلا غسله بالخطمي ، وقص الأظفار ، وأخذ الشارب ، والتطيب ، ولبس أفضل الثياب ، والسعي على سكينة ووقار ، والغسل مقدما على الصلاة.

قال الصادق علیه السلام : ليتزين أحدكم يوم الجمعة ، ويتطيب ، ويسرح لحيته ، ويلبس أنظف ثيابه ، وليتهيأ للجمعة ، ويكون عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار (4).

الثاني : يستحب السواك وقطع الرائحة الكريهة ، لئلا يؤذي غيره ، ولبس الثياب البيض ، فإنها أفضل ، لقوله علیه السلام : أحب الثياب إلى اللّه تعالى البيض يلبسها أحياؤكم ويكفن فيها موتاكم (5).

ص: 49


1- وسائل الشيعة 4 - 819.
2- وسائل الشيعة 4 - 820 ح 6.
3- وسائل الشيعة 4 - 820 ح 8.
4- وسائل الشيعة 5 - 78 ح 2.
5- وسائل الشيعة 2 - 750.

وينبغي للإمام الزيادة في التجمل ، لأنه المنظور إليه ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يعتم ويرتدي ويخرج في الجمعة والعيدين في أحسن هيئة.

الثالث : يستحب المباكرة إلى الجامع ، لقوله علیه السلام : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر (1). وقال الصادق علیه السلام : إن الجنان لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها ، وإنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سعيكم إلى الجمعة (2).

الرابع : المشي ، فلا ينبغي الركوب ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله ما ركب في عيد ولا جنازة قط ، فالجمعة أولى ، إلا أنه لم ينقل فيها قول عنه علیه السلام ، لأن باب حجرته في المسجد.

الخامس : الدعاء أمام التوجه ، لقول الباقر علیه السلام للسمال : ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء « اللّهم من تهيأ وتعبأ » إلى آخره (3).

السادس : الغسل ، وقد تقدم ، ولا يكفي التيمم عنه ، ولو لم يجد الماء سقط لا إلى بدل ، إذ الغرض منه قطع الروائح الكريهة ، والتيمم لا يفيد هذا الغرض.

ووقته : للمختار من طلوع الفجر الثاني ، لقوله علیه السلام : من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة الحديث (4).

ص: 50


1- سنن أبي داود 1 - 91.
2- وسائل الشيعة 5 - 70 ح 1.
3- الإقبال ص 292.
4- سنن أبي داود 1 - 91.

ومتى تعتبر الساعات المذكورة في الحديث؟ الأقرب أنها من أول طلوع الفجر الثاني ، لأنه أول اليوم شرعا.

وقال بعض الجمهور : من أول طلوع الشمس ، لأن أهل الحساب منه يحسبون اليوم ويقدرون الساعات.

وقال بعضهم : من وقت الزوال ، لأن الأمر بالحضور حينئذ يتوجه إليه ، ويبعد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الأمر فيه أعظم ، ولأن الرواح اسم للخروج بعد الزوال ، وليس بجيد ، لاشتمال الحضور قبل الزوال على الحضور حالة الزوال وزيادة ، فزاد الثواب باعتباره ، وذكر الرواح لأنه خروج لأمر يؤتى به بعد الزوال.

وليس المراد من الساعات الأربع والعشرون التي تقسم اليوم والليلة عليها ، وإنما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه ، إذ لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى السابق والمسبوق في الفضيلة إذا جاءا في ساعة واحدة على التساوق ، ولاختلف الأمر باليوم الشاتي والصائف ، ولفاتت الجمعة في اليوم الشاتي إن جاء في الساعة الخامسة.

السابع : ترك التخطي لرقاب الناس ، ولا بأس بذلك للإمام للحاجة ، وكذا لو ضاق المكان وبين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي ، وليس له إقامة غيره ليجلس موضعه وإن كان معتادا به ، وله أن يبعث من يأخذ له موضعا فإذا حضر تنحى المبعوث ، ولو فرش له ثوب فجاء آخر ، لم يجز له أن يجلس عليه ، فإن رفعه أو نحاه وجلس مكانه ، دخل في ضمانه.

الثامن : إذا حضر قبل الخطبة يستحب له الاشتغال بالذكر والتلاوة والصلاة على النبي وآله علیهم السلام والتنفل.

ويستحب الإكثار من الصلاة على النبي وآله علیهم السلام يوم الجمعة وليلة الجمعة ، لقوله علیه السلام : أقربكم مني في الجنة أكثركم صلاة علي

ص: 51

فأكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر (1).

وقال الصادق علیه السلام : إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة بعدد الذر في أيديهم أقلام من الذهب وقراطيس الفضة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا الصلاة على محمد وعلى آل محمد علیهم السلام فأكثروا منها ، ثم قال : إن من السنّة أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته في كل جمعة ألف مرة وفي سائر الأيام مائة مرة (2).

التاسع : يستحب الدعاء في الوقت الذي يرجى استجابة الدعاء ، وهو ما روي عن الصادق علیه السلام الساعة التي تستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف ، وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس (3).

العاشر : لو لم يكن الإمام مرضيا ، استحب للمصلي تقديم ظهره على صلاة الإمام ، ويجوز أن يصلي معه ركعتين ثم يتم الظهر بعد فراغ الإمام ، لقول الصادق علیه السلام في كتاب علي علیه السلام : إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين آخرتين (4) ، ولو صلى في منزله أولا جاز ، لأن الباقر علیه السلام كان يصنع ذلك (5).

الحادي عشر : يستحب التنفل يوم الجمعة زيادة على نوافل الظهر بأربع ركعات ، والسر (6) فيه أن الساقطة ركعتان ، فيستحب الإتيان ببدلهما ، والنافلة الراتبة ضعف الفرائض.

ص: 52


1- وسائل الشيعة 5 - 72 ح 6.
2- وسائل الشيعة 5 - 72 ح 5.
3- وسائل الشيعة 5 - 46 ح 1 ب 30.
4- وسائل الشيعة 5 - 44 ح 1.
5- وسائل الشيعة 5 - 44 ح 3.
6- في « ق » السبب.

ويستحب تقدم العشرين قبل الزوال ، لقول الكاظم علیه السلام : إنها قبل الزوال (1).

ويستحب ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست بين الظهرين ، وركعتان عند قيام الشمس ، ولو صلى الجميع بين الظهرين ، أو بعد العصر جاز.

المطلب الخامس: ( في المحرمات )

ويحرم يوم الجمعة شيئان :

الأول : البيع وقت النداء لا قبله ولا بعد الصلاة إجماعا ، قال تعالى ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (2).

والنداء الذي يتعلق به التحريم هو النداء الذي يقع بعد الزوال والخطيب جالس على المنبر ، لأنه تعالى علق التحريم بالنداء ، وإنما ينصرف إلى الأذان الذي فعله النبي صلی اللّه علیه و آله .

ولو جوزنا الخطبة قبل الزوال ، كما ذهب إليه بعض علمائنا ، لم يشرع الأذان قبله ، وهل يحصل التحريم حينئذ؟ إشكال ، أقربه ذلك ، لحصول الغاية.

ويكره البيع بعد الزوال قبل النداء ، لما فيه من التشاغل عن التأهب للجمعة.

ولو كان بعيدا من الجمعة يفتقر إلى قطع المسافة قبل الزوال ، وجب السعي وحرم البيع إن منع وإلا فلا.

ص: 53


1- وسائل الشيعة 5 - 22.
2- سورة الجمعة : 9.

ولو لم يمنع البيع عن سماع الخطبة ، ولا من التشاغل بالجمعة ، أو منع ولم نوجب السماع ، ولا حرمنا الكلام ، احتمل التحريم للعموم ، ويختص التحريم بمن يجب عليه السعي ، لا كالعبيد والمسافرين.

ولو كان أحد المتبايعين مخاطبا دون الآخر ، حرم بالنسبة إلى المخاطب إجماعا ، والأقوى عندي التحريم في حق الآخر ، لقوله تعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (1). ولو تبايع المخاطبين بالجمعة فعلا حراما.

والأقوى عندي انعقاد البيع ، لعدم اقتضاء النهي في المعاملات الفساد ، وأصالة الصحة لوجود المقتضي ، وهو البيع الصادر من أهله في محله.

والأقوى عندي تحريم غير البيع مما يشبهه من العقود ، كالإجارة والنكاح والصلح وغيرها ، للمشاركة في العلة.

الثاني : الأذان الثاني بدعة عند علمائنا ، لقول الباقر علیه السلام : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة (2) وسماه الثالث بالنسبة إلى الإقامة ، ولأن النبي صلی اللّه علیه و آله لم يفعله إجماعا.

وشرع للصلاة أذانا واحدا وإقامة ، والزيادة الثالثة بدعة ، لأن الأذان كان يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وعلى عهد أبي بكر وعمر ، فلما كان زمن عثمان كثر الناس بالزوراء أمر بالأذان الثالث.

ويستحب الأذان بعد جلوس الإمام على المنبر.

وأذان العصر مكروه يوم الجمعة ، بل إذا فرغ من الظهر صلى العصر بغير أذان ، للمشقة بالمصير إلى الجامع ، والإعلام قد حصل.

ص: 54


1- سورة المائدة : 2.
2- وسائل الشيعة 5 - 81 ح 1.

الفصل الثاني: ( في صلاة العيدين )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( الشرائط )

صلاة العيدين واجبة على الأعيان عند علمائنا أجمع ، لقوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (1) وفي مشهور التفسيرات المراد صلاة العيد ، وقوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (2) والمراد زكاة الفطرة وفطرة العيد ولأنه علیه السلام داوم عليها ولم يخل بها في وقت من الأوقات.

ولو كانت مندوبة لأخل بها في وقت ما بيانا للحكم ، أو لنص على ذلك ، ولقول الصادق علیه السلام : صلاة العيد فريضة (3) ، ولأنها لو لم يجب لم يجب قتال تاركها كغيرها من السنن ، ولأنها من شعائر الدين الظاهر وأعلامه ، فيكون واجبة على الأعيان كالجمعة.

وشرائطها : شرائط الجمعة إلا الخطبتين ، فإنهما وإن وجبتا فيهما لكنهما

ص: 55


1- سورة الكوثر : 2.
2- سورة الأعلى : 14.
3- وسائل الشيعة 5 - 95.

ليستا شرطا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلاها بشرائط الجمعة وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (1) ، ولأن كل من أوجبها على الأعيان اشترط ذلك ، وقد بينا وجوبها على الأعيان ، ولقول الباقر علیه السلام : لا صلاة يوم الفطر ولا الأضحى إلا مع إمام (2).

وتجب على كل من تجب عليه الجمعة ، وتسقط عمن تسقط عنه الجمعة. وهل يشترط بين فرض العيدين بعد فرسخ ، كما قلناه في الجمعة؟ إشكال ، ينشأ من عدم نص علمائنا على كونه شرطا بالخصوصية ، حيث عدوا شرائط الجمعة.

ووقتها : من طلوع الشمس إلى الزوال ، عند علمائنا أجمع ، لأن عبد اللّه بن بسر صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خرج في يوم عيد الفطر أو أضحى ، فأنكر إبطاء الإمام ، فقال : إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه ، وذلك حين صلاة التسبيح (3) ، وقول الصادق علیه السلام : ليس في الفطر ولا الأضحى أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس ، فإذا طلعت فاخرجوا (4).

ويستحب تأخيرها إلى أن تبسط الشمس ، ليتوفر الناس على الحضور.

ويستحب في الفطر الإصباح بها أكثر ، لأن من المسنون يوم الفطر أن يفطروا أولا على شي ء من الحلوة ثم يصلي ، وفي الأضحى لا يطعم شيئا حتى يصلي ويضحي ، ويكون إفطاره على شي ء مما يضحي به ، لأن الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة ، فيؤخرها ليتسع الوقت لذلك ، وفي الأضحى يقدمها ليضحي بعدها.

ووقت الخروج إلى العيد بعد طلوع الشمس ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يخرج كذلك ، وقال الصادق علیه السلام : إذا طلعت فاخرجوا (5).

ص: 56


1- جامع الأصول 6 - 374.
2- وسائل الشيعة 5 - 96 ح 1.
3- جامع الأصول 7 - 86.
4- وسائل الشيعة 5 - 102 ح 5.
5- وسائل الشيعة 5 - 102.

ولو فاتت لم تقض ، فرضا كانت أو نفلا ، عمدا كان الفوات أو نسيانا ، عند أكثر علمائنا ، لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة ، فلا تقضى بعد فوات وقتها كالجمعة ، ولقول الباقر علیه السلام : من لم يصل مع الإمام في جماعة ، فلا صلاة له ولا قضاء عليه (1) ، ولأصالة البراءة السالم عن اقتضاء الأمر تعقب القضاء.

قال الشيخ : وإن شاء من فاتته أن يصلي أربعا أو اثنتين من غير أن يقصد القضاء ، لقول الصادق علیه السلام : من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا (2).

ولو أدرك الإمام في التشهد جلس معه ، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين إن قلنا بالقضاء مستحبا ، يأتي فيهما بالتكبير.

ولو أدركه في ركوع الثانية ، وجبت المتابعة ، لأنه مدرك للصلاة حينئذ فيركع ويتابع الإمام ، فإذا سلم قام فقضى الركعة الثانية.

ولو أدركه بعد رفع رأسه من الركوع فاتته الصلاة.

ولو أدركه في أثناء التكبير تابعه في الباقي ، فإن تمكن بعد ذلك من التكبير ولاء ، أتى بما فاته ، وإلا سقط.

ويحرم السفر بعد طلوع الشمس على المكلف بها حتى يصلي العيد ، لأنه مخاطب بالصلاة ، فيحرم عليه تركها.

ويكره بعد الفجر قبل طلوع الشمس ، لقول الصادق علیه السلام : إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد ، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد (3) ، وليس للتحريم ، لأصالة البراءة.

أما من كان بينه وبين العيد ما يحتاج معه إلى السعي قبل طلوع الشمس ، ففي تسويغ السفر له نظر ، أقربه المنع ، ولا بأس به قبل طلوع الفجر إجماعا.

ص: 57


1- نفس المصدر.
2- وسائل الشيعة 5 - 99 ح 2.
3- وسائل الشيعة 5 - 133 ح 1.

ولو أصبح يوم الثلاثين صائما ، فشهد اثنان برؤية الهلال في ليلة فعدلا قبل الزوال ، خرج الإمام وصلى بالناس العيد لبقاء الوقت ، ولو عدلا بعد الزوال ، أو شهدا بعده سقطت ولا قضاء.

ويكره مزاحمتها بنافلة قبلها أو اتباعها بالنافلة إلى الزوال (1) ، سواء الإمام والمأموم ، لأنه علیه السلام خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يتنفل قبلها ولا بعدها (2). ورأى علي علیه السلام قوما يصلون قبل العيد ، فقال : ما كان يفعل ذلك على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وقال الباقر علیه السلام في صلاة العيدين ليس قبلها ولا بعدها صلاة (3).

نعم يستحب صلاة ركعتين في مسجد النبي صلی اللّه علیه و آله لمن كان بالمدينة قبل خروجه إلى العيد ، لقول الصادق علیه السلام : ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا بالمدينة ، تصلي في مسجد الرسول علیه السلام في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فعله (4).

ولو أقيمت صلاة العيد في المسجد لعذر ، استحب صلاة التحية ، ولو دخل المأموم والإمام يخطب اشتغل بالتحية لأنه موضعها ، ولا يشتغل بالقضاء للعيد.

أما لو أقيمت في المصلى اشتغل بسماع الخطبة لا بالصلاة ، لأن المصلي لا تحية له ، ولا يشتغل بقضاء العيد ، لقول الصادق علیه السلام : يجلس حتى يفرغ من خطبته ثم يقوم فيصلي (5).

ولو فقدت الشرائط أو بعضها ، سقط الوجوب دون الاستحباب.

ص: 58


1- كذا في « ر » و « س » وفي « ق » بنافلة الزوال.
2- جامع الأصول 7 - 84.
3- وسائل الشيعة 5 - 95 ح 2.
4- وسائل الشيعة 5 - 102 ح 10.
5- وسائل الشيعة 5 - 99 ح 1 ب 4.

ويستحب الإتيان بها حينئذ جماعة وفرادى سفرا وحضرا ، لأنها عبادة فات شرط وجوبها ، فاستحب الإتيان بها كالحج ، وقول الصادق علیه السلام : من لم يشهد الجماعة في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلي في الجماعة (1).

ويستحب إذا صلاها في جماعة الخطبة ، كما في الواجبة ، أما المنفرد فالأقرب أنه لا يخطب.

المطلب الثاني: ( في ماهيتها )
اشارة

هذه الصلاة ركعتان كالصبح ، إلا أنه يزيد فيها تسع تكبيرات ، خمسا في الأولى وأربعا في الثانية على الأشهر ، غير تكبيرة الافتتاح ، لأنه علیه السلام كذا فعل (2) ، ولقول الصادق علیه السلام : ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات ، ثم يركع ، ثم يقرأ في الثانية ويكبر أربعا (3).

وموضع هذه التكبيرات بعد القراءة قبل الركوع في الركعتين معا على الأقوى ، لأنه قنوت في صلاة فرض ، فيكون بين القراءة والركوع كاليومية ، ولقول الصادق علیه السلام : ثم يقرأ ثم يكبر خمس تكبيرات ، ثم يكبر ويركع بالسابعة ، ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر أربع تكبيرات قال : وكذا صنع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ويقنت عقيب كل تكبيرة ويدعو بما شاء (4).

والأفضل ما نقل عن أهل البيت علیهم السلام لأنهم أعرف بما يناجي به الرب تعالى ، لاستفادة علومهم من الوحي.

قال الباقر علیه السلام : كان أمير المؤمنين علیه السلام إذا كبر في

ص: 59


1- وسائل الشيعة 5 - 98 ح 1.
2- جامع الأصول 7 - 85.
3- وسائل الشيعة 5 - 107.
4- وسائل الشيعة 5 - 105 ح 2.

العيدين قال بين كل تكبيرتين : « أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللّهم أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت ، وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة ، أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ، ولمحمد صلی اللّه علیه و آله ذخرا ومزيدا ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، كأفضل ما صليت على عبد من عبادك ، وصل على ملائكتك ورسلك ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات ، اللّهم إني أسألك خير ما سألك عبادك المرسلون ، وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المرسلون (1).

واختلف علماؤنا في وجوب التكبيرات الزائدة والقنوت بينهما ، فقال الشيخ : باستحبابهما ، للأصل ، وقال الآخرون بوجوبهما للتأسي ، وتنزيلا لفعله علیه السلام على أفضل مراتبه وهو الوجوب ، وللفرق بين هذه الصلاة واليومية.

ويستحب رفع اليدين عند كل تكبيرة ، لقوله علیه السلام : لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن ، وذكر من جملتها تكبيرات العيدين ، وسأله يونس عن تكبيرات العيدين ، فقال : يرفع يديه مع كل تكبيرة (2) ، ولأنه تكبير فاستحب فيه الرفع كاليومية.

ويتعين الفاتحة في كل ركعة إجماعا ، وتجب سورة أخرى معها تامة في كل ركعة ، وليست معينة وجوبا ، بل يستحب في الأولى بعد الحمد الأعلى ، وفي الثانية بعده والشمس ، لقول الباقر علیه السلام : يقرأ في الأولى « سبح اسم ربك الأعلى » وفي الثانية « والشمس وضحيها » (3).

ويستحب الجهر بالقراءة فيهما إجماعا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله فعل ذلك (4) ، والدعاء بدعاء الاستفتاح عقيب تكبير الإحرام ، وهو « وجهت وجهي » إلى آخره.

ص: 60


1- وسائل الشيعة 5 - 131 ح 3.
2- وسائل الشيعة 5 - 136.
3- وسائل الشيعة 5 - 107 ح 10.
4- وسائل الشيعة 5 - 137 ح 1 ب 32.

ويجب بعدها الخطبتان ، وقد أجمع العلماء على أنهما بعد الصلاة في العيدين ، لأنه علیه السلام فعل ذلك ، وقول الصادق علیه السلام : الخطبة بعد الصلاة (1).

ولا يجب استماعهما ولا حضورهما ، ولهذا أخرتا عن الصلاة ، ليتمكن المصلي من تركهما ، لقوله علیه السلام بعد صلاته : إنا نخطب ، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب (2).

فروع :

الأول : لو نسي التكبير أو بعضه ، ثم ذكر قبل الركوع فعله ، لأنه في محله ، وإن ذكره بعد الركوع لم يلتفت ، لفوات محله ولا يقضيه ، وإن قلنا بوجوبه للأصل ، خلافا للشيخ ، ولو قلنا بتقديمه على القراءة وقلنا بوجوبه فذكره في الأثناء ، كبر ثم استأنف القراءة ، ولو ذكره بين القراءة والركوع كبر ، وهل يعيد القراءة؟ إشكال ، ينشأ من أنها وقعت صحيحة ، ومن تقديم التكبير.

الثاني : لو شك في عدد التكبير ، فإن كان لم يقرأ بنى على اليقين ، ولو كان قد قرأ أو في الأثناء فالأقرب الاستمرار وعدم الالتفات للانتقال.

الثالث : لو قدمه على القراءة ناسيا وقلنا بتأخره ، أعاد لبقاء موضعه.

الرابع : لو أدرك المأموم بعض التكبيرات مع الإمام ، أتم مع نفسه قبل أن يركع ، ثم يدرك الإمام ، فإن خاف فوت ركوع الإمام كبر بغير قنوت ، فإن خاف الفوت تركها وقضى بعد التسليم عند الشيخ ، وعلى ما اخترناه فلا قضاء.

ولو أدرك الإمام وهو راكع ، كبّر للافتتاح وركع معه ، ولا يقضي

ص: 61


1- وسائل الشيعة 5 - 107 ح 9.
2- جامع الأصول 7 - 94.

التكبير ، لأنه ذكر فات محله فيفوت ، كذكر الركوع والسجود.

الخامس : الخطبتان هنا كما في الجمعة إجماعا ، إلا أنه ينبغي أن يذكر في خطبة الفطر ما يتعلق بالفطرة ووجوبها وشرائطها وقدر المخرج وجنسه ومستحقه ووقته ، وفي الأضحى حال الأضحية وما يتعلق بها واستحبابها وما يجري فيها ووقت ذبحها وكيفية تفريقها وغير ذلك.

السادس : ينبغي أن يخطب قائما ، لأنه علیه السلام خرج يوم فطر أو أضحى فخطب قائما ، ثم قعد ، ثم قام (1). وقال أحدهما علیهماالسلام : يخطب قائما ويجلس بينهما كالجمعة (2) ، وينبغي أن يجلس بينهما لما تقدم من الحديث ، وهل القيام والجلوس واجبان؟ الأقرب ذلك.

وإذا صعد سلم كالجمعة ، وهل يجلس بعد التسليم قبل الخطبة؟

إشكال ، ينشأ من المساواة للجمعة ، فيجلس للاستراحة عن تعب الصعود ، وللتأهب للخطبة ، وتأهب الناس لاستماعها ، ومن أن الجلوس في الجمعة لانتظار الأذان.

السابع : يستحب للنساء استماع الخطبتين كالرجال ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لما صلى العيد قام متكئا على بلال ، فأمر بتقوى اللّه وحث على طاعته ووعظ الناس فذكرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن (3).

وقالت أم عطية : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى يخرج البكر والحيض يرجون بركة ذلك اليوم (4).

والأولى بالصواب أن لا يخرجن من بيوتهن ، لقول الصادق علیه السلام : لا يخرجن (5) ، وقد روى عبد اللّه بن سنان قال : إنما رخص رسول اللّه صلى

ص: 62


1- جامع الأصول 7 - 92.
2- وسائل الشيعة 5 - 110.
3- جامع الأصول 7 - 89.
4- جامع الأصول 7 - 99.
5- وسائل الشيعة 5 - 134 ح 2.

اللّه عليه وآله للعواتق في الخروج في العيدين للتعرض للرزق (1).

المطلب الثالث: ( في سننها )

وهي أمور :

الأول : يستحب الغسل يومي العيدين إجماعا ، لأن عليا علیه السلام كان يفعله ، ووقته بعد طلوع الفجر ، لإضافته إلى اليوم ، ولحصول الغرض من التطيب ، وقطع الرائحة الكريهة معه.

وكما يستحب الغسل نهارا كذا يستحب ليلا استحبابا عاما لحاضر العيد وغيره ، لأنه يوم زينة. ولو احتاج إلى قصد العيد من قرية قبل الفجر ، فالأولى جواز إيقاعه حينئذ للضرورة ، فإن تمكن من إعادته بعده أعاد.

الثاني : يستحب أن يتطيب يوم العيد ، ويتنظف بحلق الشعر ، وقلم الأظفار ، وقطع الروائح الكريهة ، وأن يلبس أفخر ثيابه ، سواء خرج إلى الصلاة أو قعد في بيته ، ويتعمم شتاء أو صيفا ، قال علیه السلام : ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته وعيده (2).

ويحرم على الرجال التزين بالحرير دون النساء ، لأنه علیه السلام قال وفي يديه قطعتان ذهب وحرير : هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها (3) ، والقز من الحرير ، ولا بأس بالممتزج من الإبريسم وغيره ، وإن كان الإبريسم أكثر ما لم يخرج.

الثالث : يستحب إذا تزين القصد إلى الصحراء ، فإن الإصحار بها أفضل ، إلا بمكة فإن المسجد أولى من الصحراء ، لفضيلة البقعة ، ولا يلحق

ص: 63


1- وسائل الشيعة 5 - 1133 ح 1.
2- سنن ابن ماجة 1 - 348.
3- سنن ابن ماجة 2 - 1189.

بيت المقدس به ، أما سائر البلاد فالإصحار أفضل ، سواء اتسع المسجد للناس أو لا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يخرج إلى المصلى ويترك مسجده (1) ، ولا يترك الأفضل مع قربه ويقصد الأنقص مع بعده ، مع شرف مسجده.

وقيل لعلي علیه السلام : قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس ، فلو صليت بهم في المسجد؟ فقال : أخالف السنّة إذن ولكن يخرج إلى المصلى (2). وقال الصادق علیه السلام : يخرج الإمام إلى البر حيث ينظر إلى آفاق السماء (3). وقال الصادق علیه السلام : السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد (4).

ولا ينبغي للإمام أن يستخلف أحدا يصلي العيدين في المساجد بضعفة الناس ، لسقوط الصلاة عن العاجز.

وقال الباقر علیه السلام : قال الناس لأمير المؤمنين علیه السلام : ألا تخلف رجلا يصلي العيدين بالناس؟ فقال : لا أخالف السنّة (5).

الرابع : يستحب الخروج ماشيا على سكينة ووقار ذاكرا ، للإجماع ، وأن يكون حافيا ، لأنه أبلغ في الخضوع ، ومشى الرضا علیه السلام إلى المصلى حافيا (6) ، ولو كان عذر جاز الركوب.

ويستحب في العود المشي أيضا إلا من عذر ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا (7).

الخامس : الأذان والإقامة في العيدين بدعة إجماعا ، لأن النبي صلى اللّه

ص: 64


1- وسائل الشيعة 5 - 117 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 119 ح 9.
3- وسائل الشيعة 5 - 118 ح 6.
4- وسائل الشيعة 5 - 118 ح 8.
5- وسائل الشيعة 5 - 119 ح 9.
6- وسائل الشيعة 5 - 120 ح 1.
7- جامع الأصول 7 - 97.

عليه وآله صلى غير مرة بغير أذان ولا إقامة (1). وسئل الصادق علیه السلام عن صلاة العيدين فيها أذان وإقامة؟ قال : لا ، ولكن ينادي « الصلاة » ثلاثا (2).

ولو قال : « الصلاة جامعة » أو « هلموا إلى الصلاة » جاز ، لكن الأفضل التوقي من عبارة الأذان مثل « حي على الصلاة ».

السادس : لا ينقل المنبر من موضعه ، بل يعمل منبرا من طين ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لم ينقله. وقال الصادق علیه السلام : لا يحرك المنبر من موضعه ، ولكن يصنع شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب الناس (3) وعليه إجماع العلماء.

السابع : يستحب أن يسجد على الأرض ، لأن الصادق علیه السلام أتي بخمرة يوم الفطر فأمر بردها وقال : هنا كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يحب أن ينظر إلى آفاق السماء ويضع جبهته على الأرض (4).

الثامن : يستحب أن يطعم في الفطر قبل خروجه ، فيأكل شيئا من الحلوة ، وبعد عوده في الأضحى مما يضحى به ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع (5).

ولأن الفطر واجب ، فاستحب تعجيله لإظهار المبادرة إلى الطاعة ، وليتميز عما قبله من وجوب الصوم وتحريم الأكل ، بخلاف يوم النحر ، حيث لم يتقدمه صوم واجب وتحريم الأكل ، فاستحب تأخير الأكل فيه ليتميز عن الفطر.

ويستحب أن يأكل في الفطر شيئا من الحلوة ، لأن النبي صلى اللّه عليه

ص: 65


1- جامع الأصول 7 - 87.
2- وسائل الشيعة 5 - 101 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 137.
4- وسائل الشيعة 5 - 118 ح 5.
5- جامع الأصول 7 - 97.

وآله قل ما كان يخرج يوم الفطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، أو أقل من ذلك وأكثر (1).

التاسع : يستحب التكبير في عيد الفطر على الأقوى للأصل ، وقيل : بالوجوب لقوله تعالى ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (2) قال المفسرون : لتكملوا عدة صوم رمضان ، ولتكبروا اللّه عند إكماله على ما هداكم.

وكان النبي صلی اللّه علیه و آله يخرج يوم الفطر والأضحى رافعا صوته بالتكبير (3). وقال الصادق علیه السلام : أما إن في الفطر تكبيرا ، ولكنه مستحب (4).

وهو عقيب أربع صلوات : أولاهن مغرب ليلة الفطر ، وآخرهن صلاة العيد ، وسئل الصادق علیه السلام عن التكبير أين هو؟ فقال علیه السلام : في ليلة الفطر في المغرب والعشاء والفجر وصلاة العيد (5).

ويستحب رفع الصوت به ، لأن فيه إظهارا لشعائر الإسلام.

العاشر : ويستحب التكبير أيضا في الأضحى بمعنى عقيب خمس عشرة صلاة : أو لها ظهر الفجر وآخرها صبح الثالث من أيام التشريق ، لقوله تعالى ( وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (6) وهي أيام التشريق ، وليس فيها ذكر زائد مأمور به سوى التكبير ، لأن عليا علیه السلام كبّر كما قلناه (7).

وقول الصادق علیه السلام : التكبير في أيام التشريق عقيب صلاة الظهر

ص: 66


1- جامع الأصول 7 - 97.
2- سورة البقرة : 185.
3- جامع الأصول 7 - 86.
4- وسائل الشيعة 5 - 133 ح 2.
5- وسائل الشيعة 5 - 123 ح 6.
6- سورة البقرة : 203.
7- وسائل الشيعة 5 - 125 ح 6.

يوم النحر ، ثم يكبّر عقيب كل فريضة إلى صبح الثالث من أيام التشريق (1).

ولأن الناس تبع للحاج ، والحاج يقطعون التلبية مع أول حصاة ، ويكبرون مع الرمي ، وإنما يرمون يوم النحر ، فأول صلاة بعد ذلك الظهر ، وآخر صلاة يصلون بمنى فجر الثالث من أيام التشريق.

وإن كان بغير منى ، كبّر عقيب عشر صلوات : أولها ظهر النحر ، وآخرها صبح الثاني من أيام التشريق ، لقول الصادق علیه السلام : التكبير في الأمصار عقيب عشر صلوات ، فإذا نفر الحاج النفر الأول أمسك أهل الأمصار ، ومن أقام بمنى فصلى الظهر والعصر فليكبر (2) ، ولأن الناس في التكبير تبع للحاج ، ومع النفر الأول يسقط التكبير ، فيسقط عمن ليس بمنى. والأقرب استحباب هذا التكبير ، لأصالة البراءة.

والأشهر في صفته أن يقول في عيد الفطر : اللّه أكبر ( مرتين ) لا إله إلا اللّه واللّه أكبر على ما هدانا ، وله الحمد على ما أولانا ، ويزيد في الأضحى : ورزقنا من بهيمة الأنعام للرواية (3).

والتكبير عقيب الفرائض المذكورة دون النوافل ، لقول الباقر والصادق علیهماالسلام : التكبير بمنى في دبر خمس عشرة صلاة ، وفي سائر الأمصار عقيب عشر صلوات آخرها صبح الثالث أو الثاني (4) ، ولأنها نوافل فلا يكبر عقيبها ، كنوافل عرفة.

وإذا أدرك المأموم بعض صلاة الإمام ، أتم بعد تسليم إمامه ، ولا يتابعه في التكبير ، لأن الإمام يكبر بعد خروجه ، فإذا أتم المأموم صلاته كبر عقيبها.

وهو مستحب للجامع والمنفرد ، والحاضر والمسافر ، في بلد كان أو في قرية ، صغيرة أو كبيرة ، ذكرا كان أو أنثى ، حرا أو عبدا ، لعموم الأخبار.

ص: 67


1- وسائل الشيعة 5 - 124 ح 4.
2- وسائل الشيعة 5 - 123 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 124.
4- وسائل الشيعة 5 - 123 ح 2.

وقول علي علیه السلام : وكل من صلى وحده (1).

وإذا فاتته صلاة من هذه الصلوات ، فقضاها كبّر وإن فاتت أيام التشريق ، لقوله علیه السلام : من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته (2) ، ولو ترك الإمام التكبير كبر المأموم ، ولو نسي التكبير ، كبّر حيث ذكر.

الحادي عشر : يستحب إحياء ليلتي العيدين بفعل الطاعات ، لقوله علیه السلام : من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم يموت القلوب (3) ، وما يضاف إلى القلب فإنه أعظم وقعا ، لقوله تعالى ( فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (4) وموت القلب الكفر في الدنيا والفزع في الآخرة.

الثاني عشر : يستحب إذا مشى في طريق أن يرجع في غيرها ، لأنه علیه السلام فعلها (5) ، قصدا لسلوك الأبعد في الذهاب ، ليكثر ذهابه بكثرة خطواته إلى الصلاة ، ويعود في الأقرب لأنه أسهل ، وهو راجع إلى منزله ، أو ليشهد له الطريقان ، أو ليتساوي أهل الطريقين في التبرك بمروره وسرورهم برؤيته ، وينتفعون بمسألته ، أو ليتصدق عليهما ، أو ليتبرك الطريقان بوطئه عليهما فيتابع للتأسي. وإن اختص المعنى به كالرمل والاصطباغ في طواف القدوم فعله هو وأصحابه ، لإظهار الجلد للكفار وبقي سنّة بعده.

الثالث عشر : يترك السلاح ، فإن الخروج به مكروه ، لمنافاته الخضوع والاستكانة ، إلا مع خوف العدو ، لقول الباقر علیه السلام : نهى النبي صلی اللّه علیه و آله أن يخرج السلاح في العيدين إلا أن يكون عدوا ظاهرا (6).

الرابع عشر : يستحب التعريف عشية عرفة بالإحضار في المساجد ، لما

ص: 68


1- وسائل الشيعة 5 - 98 ما يدل على ذلك.
2- عوالي اللئالي 3 - 107.
3- وسائل الشيعة 5 - 138 ح 1 و 2.
4- سورة البقرة : 283.
5- جامع الأصول 7 - 98.
6- وسائل الشيعة 5 - 116.

فيه من الاجتماع لذكر اللّه تعالى ، وفعله ابن عباس بالبصرة ، وقول الصادق علیه السلام : من لم يشهد جماعة الناس في العيدين ، فليغتسل وليتطيب وليصل وحده كما يصلي في الجماعة (1).

وفي يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون اللّه عز وجل.

ص: 69


1- وسائل الشيعة 5 - 98 ح 1.

ص: 70

الفصل الثالث: ( في صلاة الآيات )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في الكيفية )
اشارة

هذه الصلاة ركعتان تشتمل كل ركعة على خمس ركوعات وسجدتين ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله ركع خمس ركوعات ثم سجد سجدتين ، وفعل في الثانية مثل ذلك (1) ، وصلى علي علیه السلام مثل ذلك (2) ، وقال الباقر علیه السلام : هي عشر ركوعات بأربع سجدات (3).

وكيفيتها : أن ينوي ويكبّر للافتتاح ، ثم يقرأ الحمد وسورة أيها شاء أو بعضها ، ثم يركع فيذكر اللّه تعالى ، ثم ينتصب ، فإن كان قد قرأ أولا السورة كملا قرأ الحمد ثانيا وسورة أو بعضها ، ثم يركع ويذكر اللّه تعالى ، ثم ينتصب ، فإن كان قد أتم السورة قرأ الحمد وسورة أو بعضها ، وهكذا خمس مرات ، ثم يسجد سجدتين بعد انتصابه من الخامس بغير قراءة ، ثم يقوم فيعتمد في الثانية ما فعله في الأولى إلا النية وتكبيرة الإحرام ، ثم سجد مرتين

ص: 71


1- جامع الأصول 7 - 125.
2- وسائل الشيعة 5 - 150 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 149 ح 2.

كالأولى ، ثم يتشهد ويسلم.

وكل قيام لم يكمل فيه السورة إذا انتصب من الركوع بعده ، يتمم السورة أو بعضها من غير أن يقرأ الحمد ، لقول أحدهما علیهماالسلام : تبدأ فتكبر لافتتاح الصلاة ، ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ، ثم تركع الثالثة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ، ثم تركع الرابعة ، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ، ثم تركع الخامسة ، فإذا رفعت رأسك قلت : سمع اللّه لمن حمده ، ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى ، قال قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرقها بينها؟ قال : أجزأه أم القرآن في أول مرة ، وإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم القرآن (1).

ولا خطبة لهذه الصلاة ولا النفل ، ولا يجوز أن يصلي على الراحلة ولا مشيا إلا مع الضرورة ، لأنها فريضة للرواية (2).

فروع :

الأول : لو قرأ في القيام الأول الحمد وبعض السورة ، هل يتعين عليه في الثاني الابتداء من الموضع الذي انتهى إليه ، أو يجوز له أن يقرأ من أي موضع اتفق؟ الأحوط الأول.

الثاني : لو قرأ بعض السورة في الأول ، هل يجوز له العدول إلى سورة أخرى؟ ظاهر كلامه في المبسوط (3) ذلك. فيتعين أن يقرأ الحمد أولا على إشكال ، ينشأ من سقوط وجوبها في البعض ، ففي الجميع أولى ، ومن وجوب الحمد مع السورة الكاملة.

ص: 72


1- وسائل الشيعة 5 - 149 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 157.
3- المبسوط 1 - 173.

الثالث : لو قرأ بعض السورة في الأولى ، وسوغنا العدول أو الابتداء بأي موضع شاء ، جاز له أن يبتدئ من أول السورة التي قطعها. ولو لم نجوزها فهل يجوز الابتداء من أول السورة؟ الأقرب ذلك.

وعلى التقديرين هل يتعين الفاتحة حينئذ؟ إشكال ، ينشأ من إجزاء بعضها بغير الحمد فالكل أولى ، ومن وجوب قراءة الحمد مع الابتداء بأول السورة.

الرابع : هل يجب إكمال السورة في الخمس؟ الأقرب ذلك ، لصيرورتها حينئذ بمنزلة ركعة ، فيجب فيها الحمد وسورة.

وهل يجوز أن يقرن بين سورتين أو ثلاث؟ الأقرب ذلك ، لجواز أن يقرأ خمس سور وسورة واحدة فجاز الأوسط.

الخامس : أنه يجوز أن يقرأ في الخمس سورة وبعض أخرى ، فإذا قام إلى الثانية ، فالأقرب وجوب الابتداء بالحمد ، لأنه قيام عن سجود ، فوجب فيه الفاتحة ، ثم يبتدئ بسورة من أولها ، ثم إما أن يكملها ، أو يقرأ بعضها. ويحتمل ضعيفا أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أولا من غير أن يقرأ الفاتحة ، لكن يجب أن يقرأ الحمد في الثانية ، بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين.

وهل يجوز أن يقرأ الحمد في الركعتين وسورة واحدة فيهما؟ الأقرب المنع.

السادس : الأقرب أنه إذا قرأ في قيامه بعض سورة ، أن لا يقرأ في القيام الذي يليه بعضا من أخرى ، بل إما أن يكمل الأولى ، أو يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه بعضها.

ص: 73

المطلب الثاني: ( في السنن )

وهي :

الأول : يستحب إيقاعها تحت السماء ، لأنه سائل لرد النور فأشبهت صلاة الحوائج والاستسقاء ، وقول الباقر علیه السلام : وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا ألا يجنك بيت فافعل (1).

الثاني : الجماعة ، لاشتمالها على سؤال فأشبهت الاستسقاء ، وصلاها النبي صلی اللّه علیه و آله في جماعة (2).

وكذا ابن عباس في عهد علي علیه السلام ، وقول الصادق علیه السلام : إذا انكسفت الشمس أو القمر ، فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى الإمام يصلي بهم (3).

الثالث : يستحب أن يدعو بالتوجه عقيب تكبيرة الافتتاح كغيرها من الفرائض.

الرابع : يستحب أن يقرأ بسور الطوال مع السعة مثل الكهف والأنبياء ، لأن الباقر علیه السلام كان يستحب أن يقرأ فيها بالكهف والحجر ، إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه (4).

الخامس : يستحب الإطالة بقدر الكسوف ، لأن الباقر علیه السلام قال : كسفت الشمس في زمن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فصلى بالناس ركعتين وطوّل حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام (5). ولأن الغرض استدفاع الخوف وطلب رد النور ، فينبغي الاستمرار باستمراره.

ص: 74


1- وسائل الشيعة 5 - 151 ح 6.
2- جامع الأصول 7 - 110.
3- وسائل الشيعة 5 - 157 ح 2.
4- وسائل الشيعة 5 - 151 ح 6.
5- وسائل الشيعة 5 - 154 ح 1.

السادس : يستحب إطالة السجود والركوع ، وينبغي أن يكون زمان ركوعه بقدر قراءته ، لقول الباقر علیه السلام : وتطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود ، فإن تجلى قبل أن يفرغ فأتم ما بقي (1) ، وقال الباقر علیه السلام : ويطيل الركوع والسجود (2).

السابع : يستحب أن يكبّر كلما انتصب من الركوع إلا في الخامس والعاشر ، فإنه يقول : سمع اللّه لمن حمده ، ولأن الركوعات وإن تكررت فهي تجري مجرى ركعة واحدة ، فيكون « سمع اللّه لمن حمده » في آخرها كغيرها من الفرائض.

الثامن : يستحب أن يقنت خمس مرات في القيام الثاني من الركوعات والرابع والسادس والثامن والعاشر ، لقول الباقر والصادق علیهماالسلام : والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع ، ثم في الرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة (3) ، ولأنه سائل والقنوت مظنة الإجابة فشرع ، كما قنت النبي صلی اللّه علیه و آله على المشركين.

التاسع : يستحب الجهر بالقراءة في الكسوفين ، لأن النبي وعليا علیهماالسلام جهرا بالقراءة في كسوف الشمس (4) ، ولو خافت ، لم يكن به بأس.

المطلب الثالث: ( في الموجب )

هذه الصلاة تجب عند كسوف الشمس وخسوف القمر ، لقوله علیه السلام : إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا (5).

ص: 75


1- وسائل الشيعة 5 - 151 ح 6.
2- نفس المصدر.
3- وسائل الشيعة 5 - 149 ح 1.
4- جامع الأصول 7 - 108.
5- جامع الأصول 7 - 126.

وتجب عند الزلزلة ، لأنه علیه السلام علل الكسوف بأنه آية من آيات اللّه يخوف بها عباده ، وصلى ابن عباس للزلزلة ، وقال الباقر والصادق علیهماالسلام : إن صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات (1). ولأن المقتضي وهو الخوف موجود ، فثبت معلوله.

وتجب أيضا لأخاويف السماء ، كالظلمة الشديدة العارضة ، والحمرة الشديدة ، والرياح العظيمة المخوفة السود والصفر والصيحة ، لعموم قوله علیه السلام : إن هذه الآيات (2) ، وقول الباقر علیه السلام : كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن (3) ، ولوجود العلة فيه وهو الخوف.

ولا تجب لغير هذه من الأمور المخوفة كالسبع واللص وغيرهما.

وهل تجب في كسف بعض الكواكب بعضا ، أو كسف أحد النيرين بشي ء من الكواكب؟ كما قال بعضهم إنه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها ، إشكال ينشأ من عدم النص وأصالة البراءة وخفائه ، لعدم دلالة الحس عليه ، وإنما يستند في ذلك إلى قول من لا يوثق به كالمنجم ، ومن كونه آية مخوفة ، فشارك النيرين في الحكم ، والأقوى الأول.

المطلب الرابع: ( في الوقت )
اشارة

وقت صلاة الكسوف والخسوف من حين الابتداء في الكسف إلى ابتداء الانجلاء ، لزوال الحذر وحصول رد النور ، وقول الصادق علیه السلام : إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى (4).

ص: 76


1- وسائل الشيعة 5 - 149 ح 1.
2- المتقدم آنفا.
3- وسائل الشيعة 5 - 144 ح 1.
4- وسائل الشيعة 5 - 146 ح 3.

وأما الرياح المظلمة والظلمة والحمرة الشديدتين ، فوقت صلاتها مدتها.

والزلزلة وقتها مدة العمر ، فيصلي أداء وإن سكنت ، وكذا الصيحة ، لأنها من قبيل الأسباب لا الأوقات ، لتعذر الصلاة فيه لقصوره جدا. ويحتمل أن يكون سببا للفورية ، فيجب الابتداء بالصلاة حين وقوعه.

ويمتد الوقت بامتداد الصلاة ، ثم يخرج ويصير قضاء ، لكن الأول أولى. ويحتمل في البلاد التي تستمر فيها الزلزلة زمانا طويلا كون الوقت منوطا بها.

والضابط : أن كل آية يقصر زمانها عن فعل العبادة فإنها سبب ، وما لا يقصر فإنها وقت ، ولو قصر في بعض الأوقات سقطت.

وإذا علم بالكسوف أو الخسوف وأهمل الصلاة عمدا أو نسيانا حتى خرج الوقت ، قضاها واجبا ، سواء احترق جميع القرص أو بعضه ، لعموم قوله علیه السلام : من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها (1). وقول الباقر علیه السلام : من نسي صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها (2). وقول الصادق علیه السلام في صلاة الكسوف : إن أعلمك أحد وأنت نائم ، فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل ، فعليك قضاؤها (3).

وقول الشيخ : إن احترق البعض وتركها نسيانا لم يقض (4) ، إن قصد الحقيقة فليس بجيد ، وإن قصد الجهل فحق.

ولو لم يعلم الكسوف حتى انجلى ، فإن كان قد احترق القرص كله وجب القضاء ، وإلا فلا على الأقوى ، لقول الصادق علیه السلام : إذا انكسف القمر ولم تعلم حتى أصبحت ، ثم بلغك فإن احترق كله فعليك القضاء ، وإن

ص: 77


1- جامع الأصول 6 - 134 مع تفاوت يسير.
2- وسائل الشيعة 5 - 350.
3- وسائل الشيعة 5 - 156 ح 10.
4- المبسوط 1 - 172.

لم يحترق كله فلا قضاء عليك (1) ، وقال علیه السلام أيضا : إذا انكسفت الشمس كلها ولم تعلم وعلمت فعليك القضاء ، وإن لم يحترق كلها فلا قضاء عليك (2).

ولأصالة براءة الذمة مع عدم الاستيعاب ، وعموم من نام عن صلاة أو نسيها معه ، والتخصيص للتفريط والإهمال للعبادة ، وترك التعرض لاستعلام حال النيرين ، وطول مدة الاستيعاب وقصور مدة غيره.

أما جاهل غيرهما مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة ، فيحتمل سقوطها عنه ، للأصل وزوال الموجب وهو الحذر ، بخلاف العامد لتفريطه ، فجاز أن يعاقب بالقضاء. ووجوب قضائها لعموم الأخبار. ويحتمل في الزلزلة قويا الإتيان بها ، لأن وقتها العمر.

ولا تسقط هذه الصلاة بغيبوبة الشمس منخسفة ، عملا بالاستصحاب. وكذا الخسوف لا يسقط صلاته بغيبوبة القمر منخسفا إجماعا ، ولا يسقطان بستر السحاب إجماعا ، لأصالة البقاء.

ولو طلعت الشمس والقمر منخسفة ، لم تسقط صلاته ، عملا بالموجب ، وكذا لو طلع الفجر.

ولو فرغ من الصلاة قبل الانجلاء فالمشهور سقوط الوجوب للامتثال ، إذ ليس مقتضى الأمر التكرار ، نعم يستحب إعادة الصلاة ، لأن المقتضي للمشروعية باق ، وقول الصادق علیه السلام : إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد (3) ، وليس للوجوب ، لقول الباقر علیه السلام : فإذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع اللّه حتى ينجلي (4). وأوجب بعض علمائنا الإعادة ، ومنع منها آخرون وجوبا واستحبابا.

ص: 78


1- وسائل الشيعة 5 - 155 ح 4.
2- وسائل الشيعة 5 - 155 ح 2.
3- وسائل الشيعة 5 - 153 ح 1.
4- وسائل الشيعة 5 - 151 ح 6.

ويستحب الدعاء والذكر والاستغفار والتكبير والتضرع إلى اللّه تعالى ، لقوله علیه السلام : فافزعوا إلى ذكر اللّه تعالى ودعائه واستغفاره (1). وقالت أسماء : كنا نؤمر بالعتق في الكسوف (2) ، ولأنه محذور فيبادر إلى طاعة اللّه تعالى ليكشف عن عباده.

وأي وقت حصل السبب ، وجبت الصلاة ، وإن كان أحد الأوقات الخمسة ، لأنها صلاة فرض فلا يتناولها النهي ، وقوله علیه السلام : فإذا رأيتم ذلك فصلوا (3) ، وقول الصادق علیه السلام : وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها (4) ، ولأنها ذات سبب.

ولو اتفق وقت فريضة حاضرة ، فإن اتسع الوقتان قدم الحاضرة استحبابا ، لأن العناية بها أتم ، ولهذا شرع لها قطع الكسوف لو دخلت لا وجوبا ، لأنها موسعة.

ولو تضيق الوقتان ، قدمت الحاضرة وجوبا ، ثم إن فرط في صلاة الكسوف بالتأخير وجب القضاء ، وإلا فلا.

ولو تضيقت إحداهما تعينت للتقديم ، ثم يصلي الأخرى بعدها ، جمعا بين الفريضتين.

ولو ضاق وقت الكسف عن إدراك ركعة ، لم تجب ، بخلاف الزلزلة ، فإنها سبب في الوجوب لا وقت له.

ولو اتسع لركعة وقصر عن أخف صلاة ، احتمل الوجوب ، لقوله علیه السلام : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (5). ومن استحالة فرض

ص: 79


1- جامع الأصول 7 - 118.
2- جامع الأصول 7 - 115.
3- جامع الأصول 7 - 123.
4- وسائل الشيعة 5 - 146.
5- سنن ابن ماجة 1 - 356.

وقت لعبادة يقصر عنها عقلا ، إلا أن يكون القصد القضاء ، ولم يثبت القصد هنا.

فلو اشتغل أحد المكلفين بها في الابتداء ، وخرج الوقت وقد أكمل ركعة ، فعلى الأول يجب عليه الإكمال ، ولا يجب على الثاني. أما الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين.

ولو ضاق الوقت عن العدد ، لم يجز الاقتصار على الأقل.

ولو اتسع للأكثر ، لم يجز الزيادة ، لأنها فريضة مقدرة شرعا ، فلا يجوز الزيادة عليها ، كالفرائض اليومية.

فروع :

الأول : لو تلبس بصلاة الكسوف وتضيق وقت الحاضرة وخاف فوتها لو أتم الكسوف ، قطعها إجماعا وصلى الحاضرة ، لقوله الصادق علیه السلام تخشى فوت الفريضة قال : اقطعوها وصلوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم (1). إذا ثبت هذا.

فإذا قطع وصلى الفريضة هل يستأنف الكسوف ، أو يبتدئ من حيث قطع؟ الشيخان والمرتضى على الثاني للرواية (2) ، ويحتمل الأول ، لأنه فعل كثير ، والرواية متأولة بالعود إلى ابتداء الصلاة.

الثاني : لو اشتغل بالكسوف وخشي فوت الحاضرة لو أتمها ، وفوت الكسوف لو اشتغل بالحاضرة ، احتمل تقديم الحاضرة ، لأولويتها فيقطع

ص: 80


1- وسائل الشيعة 5 - 147 ح 3.
2- وهي صحيح محمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه علیهماالسلام قالا : إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة ، فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف ، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى. وسائل الشيعة3. 148 ح 4. والرواية صريحة في القول الثاني ، فالتأويل غير صحيح.

الكسوف ، وإتمامه لأولويته بالشروع فيه ، والنهي عن إبطال العمل. ويحتمل إتمامها إن أدرك من الحاضرة بعدها ركعة وإلا استأنف.

الثالث : لو خالف ما أمر به من تقديم الحاضرة لو خاف فوتها ، فاشتغل بالكسوف أو بإتمامه ، احتمل عدم الإجزاء ، سواء ظهر بطلان ظن الضيق أو لا ، لأنه فعل منهي عنه ، فلا يقع عبادة متقربا بها ، والإجزاء إن كذب الظن ، سواء الابتداء والإتمام ، ويحتمل الفرق.

الرابع : لو اتسع وقت الحاضرة وشرع القرص في الكسوف ، أو حدثت الرياح المظلمة ، فالوجه تقديم الكسوف والآيات ، لاحتمال قصور الزمان ، فيفوت لو اشتغل بالحاضرة.

الخامس : الزلزلة متأخرة عن الحاضرة مطلقا ، إن قلنا وقتها العمر ، وإن قلنا وقتها حدوثها ، وجب (1) وإن سكنت فكالكسوف.

السادس : لو اتفقت مع منذورة موقتة ، بدأ بما يخاف فوتها ، ولو أمن ، تخير.

السابع : الكسوف أولى من النافلة الموقتة ، كصلاة الليل وغيرها ، فإن خاف فوتها واتسع وقت الكسوف ، فالكسوف أولى ، ثم يقضي النافلة.

الثامن : لو اجتمع الكسوف والعيدين والجنازة ، قدم ما يخشى فوته ، ولا امتناع في اجتماع الكسوف والعيد ، والعادة لا تخرج نقيضها عن الإمكان ، واللّه على كل شي ء قدير ، والفقهاء يفرعون الممكن وإن لم يقع عادة ، ليبينوا الأحكام المنوطة بها ، كما يفرضون ما يوجد.

ثم وإن اقتضت العادة عدم كسف الشمس إلا في التاسع والعشرين من الشهر ، فإنا نفرض الصلاة في الرياح والزلزلة وباقي الآيات ، فلو خاف خروج وقت العيد ، قدمت صلاته ولم يخطب لها حتى يصلي الكسوف ، فإذا صلى الكسوف خطب للعيد خاصة.

ص: 81


1- في « ق » ويجب.

التاسع : لو اجتمع الخسوف والجمعة ، فإن اتسع وقت الجمعة ، بدأ بالخسوف ويقصر في قراءته ، فإذا فرغ اشتغل بخطبة الجمعة.

العاشر : لو اجتمع في الموقف حالة الكسوف قدمت صلاته على الدعاء. ولو خسف القمر بعد الفجر من ليلة المزدلفة وهو بها صلى الخسوف وإن فاته الدفع إلى منى قبل طلوع الشمس ، وكذا لو كسفت الشمس يوم التروية بمكة ، صلى الكسوف وإن فاته فعل الظهر بمنى.

المطلب الخامس: ( في اللواحق )

وهي :

الأول : هذه الصلاة واجبة على الأعيان ، على الرجال والنساء والخناثي ، والحر والعبد ، والحاضر والمسافر ، والصحيح والمريض ، للعموم ، وقال الصادق علیه السلام : لما قبض إبراهيم ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله جرت ثلاث سنن : أما واحدة فإنه لما مات كسفت الشمس لفقد ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فصعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ، ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف (1) ، والأمر للوجوب.

وقالت أسماء بنت أبي بكر : فزع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوم كسفت الشمس ، فقام قياما ، فرأيت المرأة التي أكبر مني والمرأة التي أصغر مني قائمة ، فقلت أنا أحرى بالصبر على طول القيام.

الثاني : هذه الصلاة فرض مع الإمام وغيبته ، لعموم الأخبار ، وقول الصادق علیه السلام في صلاة الكسوف : تصلي جماعة وفرادى (2) ، ولأنها صلاة

ص: 82


1- وسائل الشيعة 5 - 143 ح 10.
2- وسائل الشيعة 5 - 157 ح 1 و 3.

لا يشترط البنيان والاستيطان في أدائها ، فلا يشترط الجماعة.

الثالث : قد بينا استحباب الجماعة في هذه الصلاة ، ويستحب للعجائز ومن لاهية له الصلاة مع الرجال ، ويكره ذلك للشواب ، ويستحب لهن الجماعة تصلي بهن إحداهن.

الرابع : لو أدرك المأموم الإمام راكعا في الأولى أدرك الركعة.

ولو أدركه في الركوع الثاني أو الثالث ، ففي إدراك تلك الركعة إشكال ، فإن منعناه استحب المتابعة حتى يقوم من السجود في الثانية ، فيستأنف الصلاة معه. فإذا قضى صلاته أتم هو الثانية ، ويحتمل الصبر حتى يبتدئ بالثانية.

ويحتمل المتابعة بنية صحيحة ، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم ، فإذا ركع الإمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الأولى ، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ، ثم لحق الإمام ويتم الركعات قبل سجود الثانية.

الخامس : لو شك في عدد الركوعات ، احتمل البناء على الأقل ، لأصالة عدم الزيادة ، والبطلان لشغل الذمة بيقين ، فلا يخرج عن العهدة بدونه.

ص: 83

ص: 84

الفصل الرابع: ( في صلاة النذر )

صلاة النذر واجبة بحسب ما نذره إجماعا ، ولقوله تعالى ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (1) وقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (2).

ويشترط فيه ما يشترط في الفرائض اليومية من الطهارة والاستقبال وغيرهما إجماعا ، إلا الوقت ، ويزيد الصفات التي عينها في نذره ، وإنما تنعقد لو وقع في طاعة ، أما لو وقع في معصية فلا.

ولو عين الزمان تعين ، سواء اشتمل على المزية كيوم الجمعة أو لا ، لأن البقاء غير معلوم ، والتقدم ممنوع ، لأنه فعل الواجب قبل وجوبه ، فلا يقع مجزيا ، كما لو صلى الفرض قبل وقته.

ولو قيده بأحد الأوقات الخمسة ، فالأقرب الانعقاد ، لاختصاص الكراهة بالنوافل وهذه فرض.

ولو قيد النذر بزمان فأوقعها في غيره ، لم يجز. ثم إن كان الفعل متقدما على الزمان ، وجب عليه الإعادة عند دخول الوقت ، فإن أهمل وجب القضاء والكفارة ، وإن تأخر الفعل ، فإن كان لعذر أجزأ ولا كفارة ، وإن كان لغير

ص: 85


1- سورة الإنسان : 7.
2- سورة المائدة : 1.

عذر ، فإن أوقعه بهيئة القضاء أجزأ وكفر ، وإلا وجب عليه الفعل ثانيا والكفارة.

ولو نذر إيقاعه في زمان يتكرر مثله كيوم الجمعة ، لم يجب في الأولى إلا مع النذر ، بل يجزيه فعلها في أي جمعة شاء ، فإن أوقعها في يوم خميس لم يجزيه ، ووجب إيقاعها في الجمعة الأخرى أداء لا قضاء.

ولو قيد نذر الصلاة بمكان ، فإن كان له مزية تعين كالمسجد. وإن لم يكن له مزية ، فالأقوى عدم وجوب القيد ، فيجوز إيقاعها حينئذ في أي موضع شاء.

أما لو كان له مزية في مكان ، فصلاها في أعلى ، فالأقرب الجواز ، لأن زيادة المزية بالنسبة إلى ذي المزية ، كذي المزية بالنسبة إلى غير ذي المزية. ويحتمل العدم ، لأنه نذر انعقد فلا يجوز غيره ، فإن قلنا بالجواز فلا بحث ، وإلا وجب القضاء.

ولو قيده بزمان ومكان ، فأوقعها في ذلك الزمان في غير ذلك المكان مما يساويه أو يزيد عليه في المزية ، أجزأ على إشكال ، وإلا وجب القضاء في ذلك المكان بعينه ، والكفارة لفوات الوقت.

ولو أطلق العدد أجزأه ركعتان إجماعا ، والأقوى إجزاء الواحدة للتعبد بمثلها في الوتر. ولو صلاها ثلاثا أو أربعا أجزأ إجماعا ، وفي وجوب التشهدين إشكال ، ولو صلاها خمسا ، فإشكال.

ولو قيد نذره بعدد ، تعين إن تعبد بمثله إجماعا ، وإن أطلق احتمل وجوب التسليم عقيب كل ركعتين ، ووجوبه عقيب أربع أو ما زاد على إشكال ، وإن لم يتعبد بمثله كالخمس والست قيل : لا ينعقد ، ويحتمل انعقاده لأنه عبادة ، وعدم التعبد بمثلها لا يخرجها عن كونها عبادة.

ولو قيد النذر بقراءة سورة معينة ، أو آيات مخصوصة ، تعين ، وهل يسقط وجوب السورة الكاملة لو قيد النذر بآيات معينة؟ الوجه ذلك ، ويحتمل وجوب السورة.

ص: 86

فلو نذر آيات من سورة معينة وقلنا بوجوب السورة ، وجب هنا عين تلك السورة ، ولو كانت الآيات من سور متعددة ، وجب قراءة سورة اشتملت عليها بعض تلك الآيات ، وقراءة باقي الآيات من غير سورة ، ويحتمل إجزاء غيرها من السور ، فيجب قراءة الآيات التي نذرها.

ولو نذر النافلة في وقتها صارت واجبة. فلو نذر العيد المندوبة أو الاستسقاء في وقتهما لزمه ، ولو نذرهما في غير وقتهما ، فالأقرب عدم الانعقاد. وكذا لو نذر صلاة على هيئتهما ، أو هيئة صلاة الكسوف على إشكال ، ينشأ من أنها طاعة تعبد بمثلها في وقت فكذا في غيره.

ولو نذر إحدى المرغبات وجبت ، فإن كانت مقيدة بوقت تقيد النذر به وإن أطلقه ، كما لو نذر نافلة الظهر أو صلاة الليل ، وإلا فلا. ولو كان الوقت مستحبا لها ، كصلاة التسبيح المستحب إيقاعها يوم الجمعة ، لم تنعقد إلا مع تقيد النذر به.

ولو نذر صلاة الليل وجب ثمان ركعات ، ولا يجب الدعاء ، وكذا لو نذر نافلة رمضان ، لم يجب الدعاء المتخلل بينها إلا مع التقييد.

ولو نذر الفريضة اليومية ، فالوجه الانعقاد ، لأنها طاعة بل أقوى الطاعات لوجوبها ، والفائدة وجوب الكفارة مع المخالفة.

ولو نذر النافلة على الراحلة ، انعقد المطلق لا المقيد لأولوية غيره ، وكذا لو نذر إيقاع النافلة في إحدى الأماكن المكروهة ، ولو فعل ما قيد النذر به أجزأه.

ولو نذر التنفل جالسا ، أو مستدبرا ، فإن أوجبنا القيام أو الاستقبال ، احتمل بطلان النذر ، كما لو نذر الصلاة بغير طهارة ، والانعقاد للمطلق ، فيجب الضد ، وإن جوزنا إيقاعها جالسا أو مستدبرا ، أجزأ لو فعلها عليهما (1) أو قائما أو مستقبلا.

واليمين والعهد في ذلك كله كالنذر.

ص: 87


1- في « س » عليها.

ص: 88

الفصل الخامس: ( في الصلوات المندوبة )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في النوافل اليومية )

النوافل : إما راتبة ، أو غير راتبة ، والراتبة : إما أن تتبع الفرائض أو لا. فالتابعة للفرائض ثلاث وعشرون ركعة : قبل الصبح ركعتان ، وقبل الظهر ثمان ، وكذا قبل العصر ، وبعد المغرب أربع ، وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة.

لقول الصادق علیه السلام : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يصلي من التطوع مثلي الفرض ، ويصوم من التطوع مثلي الفرض (1).

وقال الصادق علیه السلام : كان النبي صلی اللّه علیه و آله يصلي ثمان ركعات للزوال ، وأربعا الأولى ، وثمان بعدها ، وأربعا العصر ، وثلاثا المغرب ، وأربعا بعدها ، والعشاء أربعا ، وثمان صلاة الليل ، وثلاثا الوتر ، وركعتي الفجر ، وصلاة الغداة ركعتين (2).

ص: 89


1- وسائل الشيعة 3 - 32 ح 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 33 ح 6.

وفي خبر آخر : وركعتين بعد العشاء كان أبي يصلاهما وهو قاعد وأنا أصليهما وأنا قائم (1).

وقال الكاظم علیه السلام : أنا أصلي واحدة وخمسين ، ثم عد بأصابعه حتى قال : وركعتين من قعود تعدان بركعة من قيام (2).

وغير التابعة للفرائض : صلاة الليل ، وفيها فضل كثير وثواب جزيل. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا جبرئيل عظني قال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه ، شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزه كف الأذى عن الناس (3). ومدح اللّه تعالى أمير المؤمنين علیه السلام بقوله ( أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ) (4) وآناء الليل ساعاته.

وهي في المشهور إحدى عشر ركعة : ثمان صلاة الليل ، واثنتان للشفع ويوتر بواحدة ، والوتر عندنا واحدة ، وما تقدم عليها ليس منها ، لأن ابن عباس روى أن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : الوتر ركعة من آخر الليل (5).

ويستحب فيه القنوت والدعاء بالمرسوم في جميع السنة ، لأن عليا علیه السلام قال : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول في آخر وتره : « اللّهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك عنك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك » (6) وكان للدوام.

وينبغي أن يقنت بالأدعية المأثورة عن أهل البيت علیهم السلام . وينبغي

ص: 90


1- وسائل الشيعة 3 - 34 ح 9.
2- وسائل الشيعة 3 - 33 ح 7.
3- وسائل الشيعة 5 - 269 ح 3.
4- سورة الزمر : 9.
5- سنن ابن ماجة 1 - 372.
6- سنن ابن ماجة 1 - 373.

الاستغفار فيه سبعين مرة ، والدعاء بعد الرفع من الركوع.

ويستحب أن يقرأ في الأولتين من صلاة الليل الحمد مرة والإخلاص ثلاثين مرة ، والإطالة مع سعة الوقت ، والتخفيف مع قصوره ولو بقراءة الحمد وحدها ، فإن ضاق الوقت عن الصلاة صلى الركعتين وأوتر بعدهما ، ثم صلى ركعتي الفجر والغداة وقضى ما فاته. ولو كان قد تلبس بأربع ، زاحم بها الفريضة.

وأن يضطجع بعد ركعتي الفجر على جانبه الأيمن ، ويقرأ خمس آيات من آخر آل عمران ، ويدعو بالمنقول ، ولو سجد عوض الضجعة جاز ، لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع (1).

ويستحب زيادة على الرواتب التنفل بين المغرب والعشاء بأربع : اثنتان ساعة الغفلة ، واثنتان بعدها ، فقد قيل في تأويل قوله تعالى ( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ) (2) أنهم كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء.

وقال الصادق علیه السلام : تصلي ركعتين تقرأ في الأولى الحمد ، ومن قوله تعالى ( وَذَا النُّونِ ) - إلى قوله ( نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) وفي الثانية الحمد و ( عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ ) إلى آخر الآية ، ثم يدعو بدعائها ويسأل اللّه حاجته (3).

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أوصيكم بركعتين بين العشاءين ، يقرأ في الأولى الحمد وإذا زلزلت ثلاث عشرة مرة ، وفي الثانية الحمد مرة والإخلاص خمس عشرة مرة ، فمن فعل ذلك في كل شهر كان من الموقنين ، فإن فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين ، فإن فعل ذلك في كل جمعة كان من المصلحين ، فإن فعله في كل ليلة زاحمني في الجنة ولم يحص ثوابه إلا اللّه تعالى (4).

ص: 91


1- سنن ابن ماجة 1 - 378 ، سنن أبي داود 2 - 21.
2- سورة السجدة : 16.
3- وسائل الشيعة 5 - 249 ح 2.
4- وسائل الشيعة 5 - 247 ح 1 ب 17.

وقال علي بن بابويه : أفضل النوافل ركعتا الفجر ، وبعدهما ركعة الوتر ، وبعدها ركعتا الزوال ، وبعدهما نوافل المغرب ، وبعدها تمام صلاة الليل ، وبعدها نوافل النهار (1).

ويكره الكلام بين المغرب ونوافلها ، لأن الصادق علیه السلام نهاه عن الكلام (2).

ويستحب أن يسجد للشكر بعد السابعة ، لئلا يفصل بين الفريضة ونافلتها ، وقال الهادي علیه السلام : ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة (3).

وأما صلاة الضحى فإنها بدعة عند علمائنا ، قالت عائشة : ما رأيت النبي صلی اللّه علیه و آله يصلي الضحى قط (4).

وقال عبد الرحمن بن أبي ليلا ما حدثني أحد أنه رأى النبي صلی اللّه علیه و آله يصلي الضحى إلا أم هانئ فإنها حدثت أن النبي صلی اللّه علیه و آله دخل بيتها يوم فتح مكة ، وصلى ثماني ركعات ما رأته قط صلى صلاة أخف منها ، غير أنه كان يتم الركوع والسجود (5) ، وأنكر علي علیه السلام صلاة الضحى.

وسئل الباقر والصادق علیهماالسلام عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة؟ فقال : إن النبي صلی اللّه علیه و آله صعد على منبره ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان في النافلة جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، فلا تجمعوا في رمضان بصلاة الليل ، ولا تصلوا الضحى ، فإن ذلك بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار (6).

ص: 92


1- من لا يحضره الفقيه 1 - 314.
2- وسائل الشيعة 3 - 63.
3- وسائل الشيعة 4 - 1058 ح 1.
4- جامع الأصول 7 - 74.
5- جامع الأصول 7 - 75.
6- وسائل الشيعة 5 - 192 ح 1.

وقوله علیه السلام : « الصلاة خير موضوع » لا تنافي ما قلناه ، فإنه لو صلى هذه الصلاة نافلة مبتدأة جاز ، لكن الممنوع صلاتها مع اعتقاد مشروعيتها في هذا الوقت بالخصوصية.

المطلب الثاني: ( في نافلة شهر رمضان )

يستحب نافلة شهر رمضان ، لقوله علیه السلام : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه (1).

وقال الصادق علیه السلام : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا (2).

وإنه أفضل من غيره من الشهور ، واختص بليلة القدر وليلة الفرقان. وزيادة تضاعف الحسنات تناسب مشروعية زيادة أهم العبادات في نظر الشرع ، وهي الصلاة.

وقدرها ألف ركعة ، لقول الصادق علیه السلام : تصلي في شهر رمضان ألف ركعة (3) ، وقد روي زيادة على الألف مائة ركعة ليلة النصف ، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة والإخلاص مائة مرة (4) ، وهذه الألف زيادة على النوافل اليومية.

وفي توزيعها وجهان :

الأول : أن يصلي في كل ليلة عشرين ركعة ، ثم في الليالي الأفراد ، وهي ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين في كل ليلة زيادة مائة ،

ص: 93


1- سنن ابن ماجة 1 - 526.
2- وسائل الشيعة 5 - 174 ح 2.
3- وسائل الشيعة 5 - 178 ح 1.
4- وسائل الشيعة 5 - 177 ح 1.

ثم زيادة عشر في العشر الأواخر ، لرواية سماعة (1).

الثاني : أن يصلي كذلك ، إلا أنه يقتصر في ليالي الأفراد على مائة ، فيبقى عليه ثمانون يصلي في كل جمعة عشر ركعات بصلاة علي وفاطمة وجعفر علیهم السلام ، وفي ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين بصلاة علي ، وفي عشية تلك الجمعة ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة علیهاالسلام ، لرواية المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام وإسحاق بن عمار عن الكاظم علیه السلام (2).

والمشهور في ترتيب العشرين أنه يصلى بعد المغرب ثماني ركعات ، والباقي بعد العشاء ، لرواية مسعدة (3).

وفي رواية سماعة يصلي بعد المغرب اثني عشر ركعة ، والباقي بعد العشاء ، وكذا في ترتيب الثلاثين والمائة أيضا.

وروي أن عليا علیه السلام كان يصلي في آخر عمره في كل يوم وليلة من شهر رمضان ألف ركعة (4).

وكيفية هذه النوافل : أن يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة أخرى ، وقد روي أن يقرأ في المئات في كل ركعة الحمد مرة والإخلاص مائة مرة (5).

ولا تجوز الجماعة في هذه الصلاة ، قال زيد بن ثابت : إن الناس اجتمعوا فلم يخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فرفعوا أصواتهم ، وحصبوا الباب ، فخرج مغضبا وقال : ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنها ستكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (6).

ص: 94


1- وسائل الشيعة 5 - 180 ح 3.
2- وسائل الشيعة 5 - 178 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 179 ح 2.
4- وسائل الشيعة 5 - 176 ح 1 ب 5.
5- وسائل الشيعة 5 - 184.
6- جامع الأصول 7 - 81.

ولو كانت الجماعة مستحبة لم يزهد فيها.

وقال الباقر والصادق علیهماالسلام : إن النبي صلی اللّه علیه و آله خرج أول ليلة من شهر رمضان ليصلي ، فاصطف الناس خلفه ، فهرب إلى بيته وتركهم ، ففعل ذلك ثلاث ليال ، وقام يوم الرابع على منبره وقال : أيها الناس إن الصلاة بالليل في رمضان نافلة في جماعة بدعة ، فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان في صلاة الليل ، فإن ذلك معصية ، وكل بدعة ضلالة سبيلها إلى النار. ثم نزل وهو يقول : قليل في سنّة خير من كثير في بدعة (1).

وينبغي أن يفصل بين كل ركعتين بالتسليم ، ويدعوا بعدهما بالمأثور عن أهل البيت علیهم السلام .

ولا يستحب قيام ليلة الشك ، لأنها لم تثبت من رمضان ، فصلاة رمضان فيها بدعة.

ويستحب أن يقرأ في ليلة ثلاث وعشرين سورة العنكبوت والروم وألف مرة إنا أنزلناه. قال الصادق علیه السلام : من قرأ سورتي العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين ، فهو واللّه يا أبا محمد من أهل الجنة لا أستثني فيه أبدا ، ولا أخاف أن يكتب اللّه علي في يميني إثما ، وأن لهاتين السورتين من اللّه مكانا (2).

المطلب الثالث: ( في باقي النوافل الموقتة )

يستحب من النوافل الموقتة صلوات ، وأهمها ما نذكره :

الأول : صلاة ليلة الفطر ، وهي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة والإخلاص ألف مرة ، وفي الثانية الحمد مرة والإخلاص مرة واحدة ، ويدعو بعدهما بالمنقول.

ص: 95


1- وسائل الشيعة 5 - 192 ح 1.
2- وسائل الشيعة 7 - 264 ح 1.

الثاني : يستحب أن يصلي أول يوم من ذي الحجة صلاة فاطمة علیهاالسلام ، وفيه زوّجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من علي علیه السلام ، وروي أنه اليوم السادس ، ثم يدعو بالمنقول.

الثالث : يستحب أن يصلي يوم الغدير ركعتين قبل الزوال بنصف ساعة ، بعد أن يغتسل ، يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة وكل واحدة من الإخلاص والقدر وآية الكرسي عشر مرات ، ثم يدعو بالمنقول.

وروى أبو الصلاح استحباب الجماعة فيها والخطبة والتصافح والتهاني ، لبركة هذا اليوم وشرفه بتكميل الدين (1).

الرابع : يستحب أن يصلي يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة ، وهو يوم الصدقة بالخاتم قبل الزوال بنصف ساعة ركعتين ، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وكل واحد من الإخلاص وآية الكرسي إلى قوله ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) والقدر عشر مرات.

قال الشيخ : وهذه الصلاة بعينها رويناها في يوم الغدير ، وهو يعطي أن آية الكرسي في صلاة الغدير إلى قوله ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

الخامس : يستحب أن يصلي يوم المباهلة ، وهو الخامس والعشرين من ذي الحجة ما شاء ، ويستغفر اللّه عقيب كل ركعتين سبعين مرة ، ويدعو بالمنقول.

السادس : يستحب أن يصلي صلاة عاشوراء ، وهي أربع ركعات يحسن ركوعها وسجودها ، ويسلم بين كل ركعتين ، يقرأ في الأولى بعد الحمد الجحد ، وفي الثانية الحمد والإخلاص ، وفي الثالثة الحمد والأحزاب ، وفي الرابعة الحمد والمنافقون أو ما تيسر ، ثم يسلم ويحول وجهه نحو قبر الحسين علیه السلام الحديث (2).

ص: 96


1- الكافي لأبي الصلاح الحلبي ص 160.
2- وسائل الشيعة 5 - 225 ح 1.

السابع : يستحب أن يصلي ليلة نصف رجب اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كله الحمد وسورة ، فإذا فرغ قرأ الحمد والمعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي أربع مرات ، ويدعو بالمنقول.

الثامن : يستحب أن يصلي ليلة المبعث ، وهي ليلة السابع والعشرين من رجب أي وقت كان من الليل اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين والإخلاص أربع مرات ، ثم يدعو بالمنقول.

التاسع : يستحب أن يصلي يوم المبعث اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة الحمد ويس ، فإذا فرغ قرأ الحمد أربع مرات ، وكذا الإخلاص والمعوذتان ، ودعا بالمنقول.

العاشر : يستحب أن يصلي في أيام رجب ثلاثين ركعة ، في كل ركعة الحمد مرة والإخلاص ثلاث مرات والجحد ثلاث مرات ، يصلي عشرا في العشر الأول ، وعشرا في الأوسط ، وعشرا في الأخير ، ويدعو بالمنقول.

الحادي عشر : يستحب أن يصلي ليلة نصف شعبان أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة الحمد والإخلاص مائة مرة ، ويدعو بالمنقول. وروي استحباب مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد عشر مرات (1). وروي فيها صلوات كثيرة (2) ، وهي ليلة مولد القائم علیه السلام .

الثاني عشر : يستحب أن يصلي كل ليلة جمعة اثنتي عشرة ركعة بين العشاءين ، يقرأ في كل ركعة الحمد والإخلاص أحدا وأربعين مرة ، وروي ركعتان في كل واحدة الحمد والزلزلة خمس عشرة مرة (3) وغيرها من الصلوات (4).

ويصلي يوم الجمعة صلاة النبي صلی اللّه علیه و آله ، وهي ركعتان يقرأ في

ص: 97


1- وسائل الشيعة 5 - 177 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 237 ب 8.
3- وسائل الشيعة 5 - 75 ح 3.
4- راجع وسائل الشيعة 5 - 221 - 297.

كل ركعة الحمد وإنا أنزلناه خمس عشرة مرة ، فإذا ركع قرأها خمس عشرة مرة فإذا انتصب قرأها خمس عشرة مرة ، فإذا سجد قرأها خمس عشرة مرة ، فإذا رفع رأسه قرأها خمس عشر مرة ، فإذا سجد ثانيا قرأها خمس عشرة مرة ، ثم يرفع رأسه من السجود إلى الثانية ، ويصلي كذلك ، فإذا سلم دعا بالمنقول.

وصلاة علي علیه السلام وهي أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة الحمد وخمسين مرة الإخلاص ، ثم يدعو بالمنقول.

وصلاة فاطمة علیهاالسلام ركعتان ، يقرأ في الأولى الحمد مرة والقدر مائة مرة ، وفي الثانية الحمد والإخلاص مائة مرة ، ثم يدعو بالمنقول.

وصلاة جعفر بن أبي طالب علیه السلام وهي صلاة التسبيح وصلاة الحبوة أربع ركعات بتسليمتين ، يقرأ في الأولى الحمد والزلزلة ، وفي الثانية الحمد والعاديات ، وفي الثالثة الحمد والنصر ، وفي الرابعة الحمد والتوحيد ، وإذا فرغ من القراءة في كل ركعة قال خمس عشرة مرة : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » ثم يركع ويقولها عشرا ، ثم يرفع رأسه ويقولها عشرا ، ثم يسجد ويقولها عشرا ، ثم يرفع رأسه ويقولها عشرا ، ثم يسجد ثانيا ويقولها عشرا ، ثم يجلس ويقولها عشرا ، ثم يقوم إلى الثانية ، وكذا باقي الركعات ، ثم يدعو بالمنقول.

والصلاة الكاملة ، وهي أربع ركعات قبل الزوال ، يقرأ في كل ركعة الحمد عشر مرات ، وكذا المعوذتان والتوحيد والجحد وآية الكرسي والقدر و « شهد اللّه » فإذا فرغ استغفر اللّه مائة مرة ودعا بالمنقول.

وصلاة الأعرابي ، وهي عشر ركعات ، يصلي ركعتان ثم يسلم ، ويصلي أربعا ثم يسلم ، ويصلي أربعا أخرى عند ارتفاع نهار الجمعة ، يقرأ في الأولى الحمد مرة والفلق سبع مرات ، وفي الثانية الحمد مرة والناس سبع مرات ، فإذا سلم قرأ آية الكرسي سبع مرات ، ثم يصلي ثماني ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والإخلاص خمسا وعشرين مرة ، ثم يدعو بالمنقول.

وصلاة الحسين علیه السلام أربع ركعات بثمانمائة مرة الحمد

ص: 98

والإخلاص ، يقرأ في الأولى بعد التوجه الحمد خمسين مرة وكذا الإخلاص ، فإذا ركع قرأ الحمد عشرا والإخلاص عشرا ، وكذا في الأحوال في كل ركعة مائتي مرة ، ثم يدعو بالمنقول. ويستحب ختم القرآن يوم الجمعة.

وصلاة الحاجة روي عن الباقر علیه السلام ركعتين يدعو بعدها بالمنقول (1). وعن الصادق علیه السلام : صوم الأربعاء والخميس والجمعة ، ثم يغتسل يوم الجمعة ويلبس ثوبا نظيفا ، ثم يصعد إلى أعلى موضع في داره ويصلي ركعتين ، ويدعو بالمنقول (2).

وكذا يستحب في النوافل المنقولة يوم الجمعة. وقد ذكرناها في كتاب تذكرة الفقهاء إجمالا ، وذكرها الشيخ في المصباح تفصيلا.

وكذا يستحب صلاة باقي الأسبوع ، فإن لكل يوم صلاة خاصة به ذكرناها في كتاب تذكرة الفقهاء.

ويستحب أن يصلي في أول كل شهر ما كان الباقر علیه السلام يصليه ، وهو في أول كل يوم منه ركعتان ، يقرأ في الأولى الحمد مرة والإخلاص لكل يوم إلى آخره ، وفي الثانية الحمد مرة والقدر والإخلاص ، ويتصدق بما تيسر ، يشتري به سلامة ذلك الشهر كله (3).

وصلاة الشكر مستحبة عند رفع النقم وتجدد النعم ، وهي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد والتوحيد ، وفي الثانية الحمد والجحد ، ويدعو بالمنقول.

وصلاة الاستخارة مستحبة ، كان زين العابدين علیه السلام إذا هم بأمر حج أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق تطهر ثم صلى ركعتين للاستخارة يقرأ فيهما الحشر والرحمن والمعوذتين ، ثم يدعو بالمنقول (4). وقد رويت صلاة كثيرة للحاجة والاستخارة وغيرهما (5).

ص: 99


1- وسائل الشيعة 5 - 258 ح 8.
2- وسائل الشيعة 5 - 259 ح 10.
3- وسائل الشيعة 5 - 286 ح 1 ، والرواية في أبي جعفر محمد بن علي الرضا علیه السلام .
4- وسائل الشيعة 5 - 204 ح 3.
5- راجع وسائل الشيعة 5 - 204 - 221 و 255 - 261.

ويستحب صلاة التحية عند دخول المساجد وصلاة الإحرام.

المطلب الرابع: ( في صلاة الاستسقاء )

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إذا غضب اللّه على أمة ، ثم ينزل بها العذاب ، غلت أسعارها وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجارتها ، ولم تزك ثمارها ، ولم تعذب أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلط عليها أشرارها (1).

وقال الصادق علیه السلام : إذا فشت أربعة ظهرت أربعة ، إذا فشى الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمة نصر المشركون على المسلمين (2).

والاستسقاء مشروع بالكتاب والسنّة والإجماع ، قال اللّه تعالى ( وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ) (3) وقال تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ) (4).

وأصاب أهل المدينة قحط فبينا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يخطب إذ قام رجل فقال : هلك الكراع والشاء فادع اللّه أن يسقينا ، فمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يديه ودعا والسماء كمثل الزجاجة ، فهاجت رحى ثم أنشأت سحابا ، ثم اجتمع ، ثم أرسلت السماء عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا قبل منازلنا ، فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى ، فقام إليه الرجل أو غيره فقال : يا رسول اللّه تهدمت البيوت واحتبس الركبان ، فادع اللّه أن يحبسه ، فتبسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثم قال : حوالينا ولا علينا ، فتصدعت

ص: 100


1- وسائل الشيعة 5 - 168 ح 2.
2- وسائل الشيعة 5 - 168 ح 1.
3- سورة البقرة : 60.
4- سورة نوح : 10.

السماء حول المدينة كأنه الليل (1).

وقال الباقر علیه السلام صلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الاستسقاء ركعتين (2) ، وصلى أمير المؤمنين صلاة الاستسقاء وخطب طويلا ثم بكى وقال : سيدي ساخت جبالنا ، وأغبرت أرضنا ، وهامت دوابنا ، وقنط ناس منا ، وتاهت البهائم وتحيرت في مراتعها ، وعجت عجيج الثكلى على أولادها ، وملت الدوران في مراتعها حيث حبست عنها قطر السماء ، فدق بذلك عظمها ورق لحمها وذاب شحمها وانقطع درها ، اللّهم ارحم أنين الأنة ، وحنين الحانة ، وارحم تحيرها في مراتعها وأنينها في مرابضها (3).

ويستحب فيه الصلاة عند قلة الأمطار وغور الأنهار والآبار والجدب ، عند علمائنا أجمع لما تقدم ، وقول الصادق علیه السلام في الاستسقاء يصلي ركعتين (4) ، وهذه الصلاة ليست واجبة إجماعا.

وهي ركعتان يقرأ في كل ركعة الحمد وسورة ، ويكبر فيهما تكبير العيد ، لأن الباقر علیه السلام قال : إن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى صلاة الاستسقاء وكبر فيها سبعا وخمسا (5). وقال ابن عباس : خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله متذللا متواضعا ، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد (6).

ويقرأ فيهما أي سورة شاء. ويحتمل كما في العيد ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن كيفية صلاة الاستسقاء؟ فقال : مثل صلاة العيد (7).

ويقنت عقيب كل تكبيرة زائدة ، كما في العيد ، إلا أنه يدعو هنا بالاستعطاف وسؤال الرحمة وإنزال الغيث وتوفير الماء ، وأفضل ما يقال ما نقل

ص: 101


1- جامع الأصول 7 - 135 ، وفيه وإنها لفي مثل إلا كليل.
2- وسائل الشيعة 5 - 163 ح 6.
3- من لا يحضره الفقيه 1 - 338.
4- وسائل الشيعة 5 - 163 ح 6.
5- وسائل الشيعة 5 - 163 ح 3.
6- جامع الأصول 7 - 129.
7- وسائل الشيعة 5 - 162 ح 1.

عن أهل البيت علیهم السلام .

ويستحب أن يصوم الناس لهذه الصلاة ثلاثة أيام ، يخطب الإمام يوم الجمعة ويشعر الناس بذلك ، ويأمرهم بصوم السبت والأحد والاثنين ، أو الأربعاء والخميس والجمعة ، ويخرج بهم اليوم الثالث ، لاستجابة دعاء الصائم ، قال علیه السلام : دعوة الصائم لا ترد (1).

ويستحب الإصحار بها ، لأنه علیه السلام خرج بالناس إلى المصلى يستسقى وقال علیه السلام : مضت السنّة أنه لا يستسقى إلا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء (2). ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة لشرف البقعة ، فإنه يصلى في مسجدها الحرام ، لأنهم في الصحراء ينظرون ما ينشأ من السحاب أو ينزل من الغيث.

والاستحباب إخراج الصبيان والنساء والبهائم ، ولا يحمل ذلك إلى المصلى.

وهل يخرج المنبر؟ قال المرتضى : نعم ، لقول الصادق علیه السلام لمحمد بن خالد : يخرج المنبر ، ثم يخرج كما يخرج يوم العيدين ، وبين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم ، حتى إذا انتهى الإمام إلى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة (3). وقيل : لا يخرج ، بل يعمل شبه المنبر من طين.

ويستحب أن يخرج الناس حفاة على سكينة ووقار ، لأنه أبلغ في الخضوع والاستكانة ، ولقول الصادق علیه السلام : يخرج كما يخرج في العيدين (4).

وأن يتنظف الخارج بالماء وما يقطع الرائحة من سواك وغيره ، ولا يتطيب ، لأن التطيب للزينة وليس يوم زينة.

ص: 102


1- سنن ابن ماجة 1 - 557.
2- وسائل الشيعة 5 - 166 ح 1.
3- تهذيب الأحكام 3 - 149 ح 5.
4- نفس المصدر.

ويخرج في ثياب بذلته وتواضعه ، ولا يجدد لأن النبي صلی اللّه علیه و آله خرج متبذلا متواضعا متضرعا (1) ، ويكون مشيه وجلوسه وكلامه في تواضع واستكانة.

وأن يخرج الناس كافة ، لأن اجتماع القلوب على الدعاء مظنة الإجابة. ويخرج الإمام من كان ذا دين وصلاح وستر وعفاف وعلم وزهد ، لقرب دعائهم من الإجابة.

ويخرج الشيوخ والعجائز والأطفال ، لأنهم أقرب إلى الرحمة وأسرع للإجابة ، قال علیه السلام : لو لا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا (2). ولا يخرج الشواب من النساء ، ليؤمن الافتتان بهم.

ويمنع الكفار من الخروج معه وإن كانوا أهل ذمة ، لأنه مغضوب عليهم ، ولئلا يصيبهم عذاب فيعم من حضرهم ، فإن قوم عاد استسقوا ، فأرسل اللّه تعالى عليهم ريحا صرصرا فأهلكتهم.

ويكره إخراج المتظاهر بالفسق والخلاعة (3) والنكر من أهل الإسلام.

ويخرج بالبهائم ، لأنهم في مظنة الرحمة وطلب الرزق مع انتفاء الذنب ، وقد جعلها علیه السلام سببا في دفع العذاب بقوله « وبهائم رتع » ولأن سليمان علیه السلام خرج يستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها وهي تقول : اللّهمّ أنا خلق من خلقك وليس بنا غنى عن رزقك ، فقال سليمان علیه السلام : ارجعوا فقد شفعتم بغيركم.

وينبغي أن يأمر الإمام بالخروج من المظالم والاستغفار بالمعاصي ، وترك التشاجر ، والصدقة. ويفرق بين الأطفال وأمهاتهم ، ليكثر البكاء والخشوع بين يدي اللّه تعالى ، فربما أدركهم بلطفه.

ص: 103


1- جامع الأصول 7 - 128.
2- سنن البيهقي 3 - 345.
3- خلع خلاعة : انقاد لهواه وتهتك ، استخف.

ويخرج هو والقوم يقدمونه ذاكرين مستغفرين إلى أن ينتهوا إلى المصلى ، ولا أذان ولا إقامة إجماعا ، بل يقول المؤذن « الصلاة » ثلاثا. وفي أي وقت خرج جاز وصلاها ، إذ لا وقت لها إجماعا.

ويجوز فعلها في الأوقات المكروهة ، لأنه ذات سبب. وتصلى جماعة وفرادى ، لأنه علیه السلام صلاها في جماعة ، ولأن المراد بركتهم.

وتصح من المسافر والحاضر وأهل البوادي وغيرهم ، لعموم الحاجة. وإذا صليت جماعة لم يشترط إذن الإمام ، لأن علة تسويغها حاصل ، فلا يشترط إذن الإمام كغيرها من النوافل.

ويستحب إذا فرغ من الصلاة أن يخطب ، اقتداء بفعله علیه السلام ، فإذا صعد المنبر جلس بعد التسليم ، كما في باقي الخطب ، ويخطب بالخطبة المروية عن علي علیه السلام (1). والأقرب أنه يخطب خطبتين ، للنص على مساواة العيد.

ويستحب أن يستقبل الإمام القبلة بعد فراغه من الصلاة قبل الخطبة ، ويكبر اللّه تعالى مائة مرة ، ثم يلتفت عن يمينه ويسبح اللّه تعالى مائة مرة ، ثم يلتفت عن يساره ويهلل اللّه مائة مرة ، ثم يستدبر القبلة ويستقبل الناس ويحمد اللّه تعالى مائة مرة ، يرفع بذلك صوته ، والناس يتابعونه في الأذكار دون الالتفات إلى الجهات ، لما فيه من إيتاء الجهات حق الأذكار ، إذ لا يعلم جهة الرحمة وللرواية (2). واختلف علماؤنا في تقديم الأذكار على الخطبة وتأخيرها.

ويستحب للإمام بعد الفراغ من الخطبة تحويل الرداء ، فيجعل الذي على يمينه على يساره ، والذي على يساره على يمينه قبل الأذكار ، لقول الصادق علیه السلام : ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره ، والذي على يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة ، فيكبر اللّه مائة (3). وفي

ص: 104


1- راجع من لا يحضره الفقيه 1 - 338.
2- وسائل الشيعة 5 - 163 ح 2.
3- نفس المصدر.

رواية : إذا أسلم الإمام قلب ثوبه بقلب الرداء ، ليقلب اللّه تعالى ما بهم من الجدب إلى الخصب (1). ولا فرق بين أن يكون الرداء مربعا أو مقورا (2) لأنه علیه السلام حول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ، وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن (3).

ويستحب الإكثار من الاستغفار ، والتضرع إلى اللّه تعالى ، والاعتراف بالذنب ، وطلب المغفرة والرحمة ، والصدقة ، لأن المعاصي سبب انقطاع الغيث ، والاستغفار يمحو المعاصي المانعة من الغيث ، فيأتي اللّه تعالى به.

فإن تأخرت الإجابة ، استحب الخروج ثانيا وثالثا وهكذا إلى أن يجابوا ، لقوله علیه السلام : إن اللّه يحب الملحين في الدعاء ، ولحصول السبب والخروج ثانيا كالخروج أولا.

ولو تأهبوا للخروج فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا ، وكذا لو سقوا قبل الصلاة لم يصلوا ، لانتفاء المقتضي. نعم تستحب صلاة الشكر ، وسؤال الزيادة ، وعموم الخلق بالغيث. وكذا لو سقوا عقيب الصلاة ، فإذا كثر الغيث وخافوا ضرره دعوا اللّه تعالى أن يخففه وأن يصرف مضرته عنهم ، تأسيا به علیه السلام .

ويجوز أن يستسقي الإمام بغير صلاة ، بأن يستسقي في خطبة الجمعة والعيدين ، وهو دون الأول في الفضل.

ويستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب ، لأنه تعالى أثنى على قوم دعوا لإخوانهم في قوله تعالى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا ) (4).

ولو نذر الإمام أن يستسقي انعقد نذره ، لأنه طاعة ، فإن سقي الناس ، ففي وجوب الخروج لإيفاء النذر إشكال ، ينشأ من حصول الغرض فلا فائدة

ص: 105


1- وسائل الشيعة 5 - 165.
2- في « س » مدورا.
3- جامع الأصول 7 - 129.
4- سورة الحشر : 10.

في الصلاة ، وفي انعقاد النذر لأنه صلاة ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، وحصول الغاية لا تسقط الواجب. وليس له إخراج غيره ولا إلزامه بالخروج. ولو لم يسقوا ، وجب عليه الخروج بنفسه ، وليس له إلزام غيره بذلك ، بل يأمرهم أمر ترغيب.

ولو نذر أن يخرج بالناس ، انعقد نذره في حقه خاصة ، ووجب عليه إشعار غيره وترغيبه في الخروج ، فإن فعل وإلا لم يجز جبره عليه. وحكم غير الإمام لو نذر كالإمام.

ويستحب أن يخرج فيمن يطيعه من أهله وأصحابه ، فإن أطلق النذر لم تجب الخطبة ، ولو نذرها خطب. ولو نذر أن يخطب على المنبر انعقد نذره ، ولم يجز أن يخطب على حائط وشبهه.

ولو نذر الاستسقاء ، لم تجب الصلاة ولا الصوم. ولو نذر أن يستسقي بصلاة ، جاز أن يصلي أين شاء ، ويجزيه في منزله. ولو قيد صلاته في المسجد وجب ، فإن صلاها في الصحراء حينئذ قال الشيخ : لا تجزيه (1) ، وفيه إشكال ، ينشأ من أولوية إيقاعها في الصحراء.

المطلب الخامس: ( في الأحكام )

التطوع قائما أفضل ، لأنه أشق فيزيد الثواب بزيادة المشقة ، وقال علیه السلام : من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم (2).

ويجوز الجلوس إجماعا ، ولهذا الحديث ، وقول الباقر علیه السلام : ما أصلي النوافل إلا قاعدا مذ حملت هذا اللحم (3) ، ولأنه قد يشق على كثير ، فلو

ص: 106


1- المبسوط 1 - 135.
2- جامع الأصول 6 - 214.
3- وسائل الشيعة 4 - 696 ح 1.

لم يشرع الجلوس لزم الحرج ، أو ترك النوافل.

وإذا صلى جالسا احتسب كل ركعتين من جلوس بركعة من قيام ، لأن أجره أجر نصف القائم ، فاستدرك أجر القائم بتضعيف العدد ، وقال الصادق علیه السلام : يضعف ركعتين بركعة (1). ولو احتسب بركعتين جاز للرواية والوجه (2) عندي في الجمع بين الروايتين التضعيف مع عدم العذر ، وعدمه مع ثبوته.

وإذا صلى جالسا استحب أن يتربع حال قراءته ويثني رجليه راكعا وساجدا. ولو قام للركوع بعد فراغ القراءة كان أفضل ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يصلي بالليل قائما ، فلما أسن كان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين ثم ركع (3).

والنوافل التي لا سبب لها هي ما يتطوع به الإنسان ابتداء ، وهي أفضل من نفل العبادات ، لأن فرض الصلاة أفضل من جميع الفرائض ، والتنفل بالليل أفضل ، لقوله تعالى ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ) (4) ولأنه وقت غفلة الناس فكانت العبادة فيه أشد خلاصا من الرياء. ولا يستحب استيعاب الليل بالصلاة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى بعض أصحابه عن فعل ذلك.

والأفضل في النوافل كلها أن يصلي ركعتين كالرواتب ، إلا الوتر وصلاة الأعرابي ، سواء نوافل الليل والنهار ، لقوله علیه السلام : مفتاح الصلاة الطهور ، وبين كل ركعتين تسليمة (5). ومنع الشيخ من الزيادة على الركعتين ، لأنها عبادة شرعية فتقف على مورد النص. وروى عنه علیه السلام : صلاة

ص: 107


1- وسائل الشيعة 4 - 697 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 697 ح 1.
3- جامع الأصول 6 - 215.
4- سورة الإسراء : 79.
5- سنن ابن ماجة 1 - 101 و 419.

الليل والنهار مثنى مثنى (1). وثبت أن تطوعاته علیه السلام كذلك.

وقال في الخلاف : لا يجوز الاقتصار على الواحدة إلا في الوتر ، لأنه علیه السلام نهى عن البتيراء. يعني الركعة الواحدة.

وإذا نوى النفل مطلقا صلى ركعتين ، لأنه الكيفية المشروعة ، ولو نوى أربعا سلم عن ركعتين ، ولو شرع بنية ركعتين ، ثم قام إلى الثالثة سهوا عاد ، وإن تعمد بطل.

والنوافل الموقتة تقضى لو فاتت ، لعموم من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها (2) والأقرب جواز قضائها في الأوقات الخمسة ، لأنها ذات سبب هو الذكر ، ويقضي سواء فاتت منفردة أو منضمة إلى الفرائض التابعة لها.

ص: 108


1- سنن ابن ماجة 1 - 419.
2- جامع الأصول 6 - 134.

المقصد الرابع: في النوافل

اشارة

وفيه فصول :

ص: 109

ص: 110

الفصل الأول: ( في الجماعة )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في فضيلة الجماعة )

أركان الصلاة وشروطها لا تختلف بين أن يؤدي على سبيل الانفراد أو بالجماعة ، لكن الأداء بالجماعة أفضل ، والإجماع والأحاديث دلا على فضلها قال علیه السلام : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (1). قال الصادق علیه السلام : الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ بأربع وعشرين درجة تكون خمسة وعشرين صلاة (2).

والصلاة : إما واجبة ، أو مندوبة ، فالمندوبة لا جماعة فيها ، إلا ما تقدم من صلاة الاستسقاء والعيدين المستحبين ، وأما الواجبة ، فمنها ما تجب الجماعة فيها ، كالجمعة والعيدين الواجبين ، ومنها ما تستحب كالفرائض الخمس اليومية والآيات.

وليست الجماعة في الفرائض اليومية فرض عين ، لقوله علیه السلام :

ص: 111


1- سنن ابن ماجة 1 - 259.
2- وسائل الشيعة 5 - 371 ح 1.

صلاة الرجل مع الواحد أفضل من صلاته وحده (1).

ولا يحسن أن يقال : الإتيان بالواجب أفضل من تركه. وليست أيضا فرض كفاية ، لأنها خصلة مشروعة في الصلاة لا تبطل الصلاة بتركها ، فلا تكون مفروضة ، كسائر السنن المشروعة في الصلاة ، ولأصالة البراءة ، فلو امتنع أهل بلدة من إقامتها ، لم يقاتلوا عليه ، لكن يستحب حثهم عليها وترغيبهم فيها ، ويحتمل قتالهم عليها كالأذان ، لأنها من شعائر الإسلام وأعلامه.

وكما تستحب للرجال كذا تستحب للنساء ، لكن في حق الرجال آكد ، وليست مكروهة لهن ، لأنه علیه السلام أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها (2) ، وإذا صلين جماعة وقفت الإمامة وسطهن ، وجماعتهن في البيوت أفضل.

ويجوز للعجائز حضور المساجد لأمن الافتتان ، لأنه علیه السلام نهى النساء عن الخروج إلى المساجد في جماعة الرجال إلا عجوزا في منقلها والمنقل الخف. وإمامة الرجال لهن أولى من إمامة النساء.

ولو صلى الرجل في بيته برفيقه أو زوجته أو ولده ، أدرك فضيلة الجماعة ، لكنها في المساجد أفضل ، لقوله علیه السلام : صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة (3).

وكلما كثرت الجماعة فيه من المساجد ، كان الفضل فيه أكثر ، فلو كان بالقرب منه مسجد قليل الجمع وبالبعد كثير الجمع ، فالأفضل قصد الأبعد ، إلا أن تتعطل الجماعة في القريب بعدوله عنه ، إما لكونه إماما ، أو لأن الناس يحضرون بحضوره ، فيكون في القريب أفضل ، أو أن يكون إمام البعيد لا يرتضى به.

ص: 112


1- وسائل الشيعة 5 - 374 ح 14.
2- سنن أبي داود 1 - 161.
3- صحيح مسلم 1 - 540 الرقم 781.

وإذا رأى رجلا يصلي وحده ، استحب أن يصلي معه ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رأى رجلا يصلي وحده فقال : ألا رجل يتصدق على هذا يصلي معه (1) ، فجعل الصلاة معه بمنزلة الصدقة عليه.

ويستحب أن يمشي على عادته إلى الجماعة ، ولا يسرع إلا أن يخاف فوتها ، فيستحب محافظة على إدراك فضيلة الجماعة.

ويكره ترك الجماعة ، إلا لعذر إما عام ، كالمطر ليلا ونهارا ، لقوله علیه السلام : إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال (2) ، أو الريح العاصفة ليلا ونهارا ، لأنه علیه السلام كان يأمر مناديه في الليلة المطيرة والليلة ذات الريح ألا صلوا في رحالكم (3).

وإما خاص كالمرض ، قيل : يا رسول اللّه ما العذر؟ حيث قال علیه السلام : من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ، فقال : خوف أو مرض.

ولا يشترط أن يبلغ مبلغا يجوز العقود في الفريضة معه ، لكن المعتبر أن يلحقه مشقة كمشقة الماشي في المطر ، وكالمتمرض وكالخوف على نفسه ، أو ماله ، أو على من يلزمه الذب عنه من سلطان يظلمه ، أو يخاف من غريم يلازمه أو يحبسه إن رآه وهو معسر لا يجد وفاء.

ولا عبرة بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه ، بل عليه الحضور وتوفية ذلك الحق.

أو أن يكون عليه قصاص ولو ظفر به المستحق قتله ، وكان يرجو العفو مجانا أو على مال ، وكذا حد القذف.

أو أن يدافعه الأخبثين أو الريح ، فإن الصلاة مكروهة حينئذ ،

ص: 113


1- سنن أبي داود 1 - 157.
2- سنن ابن ماجة 1 - 302.
3- نفس المصدر ، جامع الأصول 6 - 372.

والمستحب أن يفرغ نفسه ثم يصلي وإن فاتته الجماعة ، قال علیه السلام : لا يصلين أحدكم وهو يدافع الأخبثين (1). ولو خاف خروج الوقت بدأ بالصلاة ، ولا يجوز قضاء حاجته مع التمكن.

أو يكون به جوع شديد وقد حضر الطعام والشراب ونفسه تتوق إليه ، فيبدأ بالأكل والشرب. قال علیه السلام : إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة ابدءوا بالعشاء (2). ولو خاف فوت الوقت لو اشتغل بالأكل ، قدم الفريضة.

أو يكون عاريا لا لباس له ، فيعذر في التخلف ، سواء وجد ما يستر به العورة أو لم يجد ، وفي حكمه من لا يجد ثياب التجمل وهو من أهله.

وشدة الحر والبرد عذران عامان ، وإرادة السفر وخوف فوت الرفقة ، ومنشد الضالة أعذار خاصة ، وكذا غلبة النوم وأكل شي ء من المؤذيات كالثوم والبصل.

قال الشيخ : يكره تكرر الجماعة في المسجد الواحد ، فإذا صلى إمام الحي في مسجد وحضر قوم آخرون صلوا فرادى (3) ، لما فيه من اختلاف القلوب والتهاون بالصلاة مع إمامه.

والأقوى عندي استحباب الجماعة لكن لا يؤذنون ما دامت الصفوف الأولى لم يتفرقوا ، لأن الذي رواه أبو علي الجبائي عن الصادق علیه السلام كراهة أن تؤذن الجماعة الثانية إذا تخلف أحد من الأولى ودخل رجلان المسجد وقد صلى علیه السلام بالناس فقال لهما : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم (4) ، ولأن العذر قد يحصل فلو منعوا من الجماعة فاتهم أجرها وللعموم ، ولقوله علیه السلام : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه (5).

ص: 114


1- صحيح مسلم 1 - 393 الرقم 560.
2- صحيح مسلم 1 - 392 الرقم 557.
3- المبسوط 1 - 152.
4- وسائل الشيعة 5 - 466 ح 3.
5- سنن أبي داود 1 - 157.

ومحل الجماعة الفرض دون النفل كما قلناه ، لأنه علیه السلام أمرهم بالتنفل في بيوتهم (1).

المطلب الثاني: ( في الشرائط )
اشارة

وهي ثمانية (2) : الأول العدد. الثاني عدم تقدم المأموم على إمامه في الموقف. الثالث الاجتماع في الموقف. الرابع عدم الحيلولة المانعة من المشاهدة. الخامس عدم علو الإمام على المأموم بالمعتد به. السادس نية الاقتداء. السابع توافق نظم الصلاتين. الثامن إدراك الإمام قارئا أو راكعا. التاسع المتابعة ، فهنا مباحث :

البحث الأول: ( العدد )

وأقله اثنان إمام ومأموم. فلو نوى الواحد الإمامة أو الايتمام ، لم يصح نيته ، وفي بطلان الصلاة إشكال ينشأ من بطلان النية لبطلان ما نواه وتعذره ، ومن بطلان الوصف فيقع لاغيا وبقي الباقي على حكمه.

ولا يشترط زيادة على الاثنين إجماعا ، ولقوله علیه السلام : الاثنان فما فوقهما جماعة (3) ، ولأن المعنى المشتق منه موجود فيهما. ولا يشترط اتحادهما نوعا ، فيجوز للرجل والمرأة أو الصبي أو الخنثى عقد الإمامة.

وكذا يجوز للنساء أن يصلين جماعة في الفرض والنفل كالرجال ، لأنه علیه السلام أمر أم ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث بن نوفل وكان يزورها ويسميها

ص: 115


1- صحيح مسلم 1 - 540.
2- كذا في النسخ الثلاثة ، وهي تسعة.
3- وسائل الشيعة 5 - 380 ح 6.

الشهيدة بأن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذنا (1). وسئل الصادق علیه السلام هل تؤم المرأة النساء؟ فقال : لا بأس (2) ، ولأنهن من أهل الفرض ، فسنت لهن الجماعة كالرجال ، وهو مستحب لا مكروه ، وتقف في وسطهن للرواية (3) ، ولأن ذلك أستر كالعراة ، فإن تقدمت صحت الصلاة ، كالرجل لو صلى وسط الرجال.

والحرة بالإمامة أولى من الأمة ، كالحر مع العبد ، لأنها أكمل ، ولأنها تستتر في الصلاة. ولو تقدمت الأمة ، جاز وإن صلت مكشوفة الرأس لصحتها ولأنه فرضها. فإن أعتقت في الأثناء ، أو قبل الصلاة ولم تعلم وعلمت الحر ، جاز لها الايتمام بها ، لأنها صلاة مشروعة. وكذا العالم بنجاسة ثوب إمامه الجاهل بها ، إن لم توجب الإعادة في الوقت لو علم.

ويصح أن يؤم الرجل النساء الأجانب ، لأنه علیه السلام صلى بأنس وبأمه أو خالته. وكذا يصلي بالصبي في الفرض والنفل الذي يسوغ الجماعة فيه ، لأنه علیه السلام أم ابن عباس وهو صبي.

وللخنثى أن تؤم المرأة ، لأن أدون أحوالها المساواة ، ولا يجوز أن يؤم مثلها ولا رجلا ولا أن تأتم بالمرأة لجواز أن تكون امرأة والمأموم رجلا.

البحث الثاني: ( في عدم التقدم في الموقف )

لا يجوز أن يتقدم المأموم إمامه في الموقف ، فإن فعل بطلت صلاته ، سواء تقدم عند التحريم أو في الأثناء ، لأنه علیه السلام تقدم وكذا الصحابة والتابعون ، ولأنه أخطأ موقفه إلى موقف ليس بموقف لأحد من المأمومين

ص: 116


1- سنن أبي داود 1 - 161 ، جامع الأصول 6 - 379.
2- وسائل الشيعة 5 - 408 ح 11.
3- وسائل الشيعة 5 - 406.

بحال ، فلم تصح صلاته ، كما لو صلى في بيته بصلاة الإمام في المسجد.

ولأنه يحتاج في الابتداء والمتابعة إلى الالتفات إلى ورائه ، والاعتبار في التقدم والمساواة في العقب ، فلو تقدم عقب المأموم بطلت ، وإن ساواه صحت.

ولو كان المأموم أطول يخرج عن حد الإمام في ركوعه وسجوده ، فالأولى الصحة ، ولو كانت رجل الإمام أكبر ، فوقف المأموم بحيث يحاذي أطراف أصابعه أصابع الإمام ولكن يقدم عقبه على عقب إمامه ، فالوجه البطلان. ويحتمل الصحة ، لأنه حاذى الإمام ببعض بدنه واعتبارا بالأصابع.

ولو كانت رجل المأموم أطول ، فوقف بحيث يكون عقبه محاذيا لعقب الإمام ، وتقدمت أطراف أصابعه فالوجهان ، والأقرب اعتبار العقب والأصابع معا ، والأفضل تأخر المأموم عن الإمام.

ولو جمعوا في المسجد الحرام ، فالمستحب أن يقف الإمام خلف المقام ، ويصف الناس خلفه. ولو استداروا بالكعبة فإشكال ، ينشأ من أنه تقدم أم لا ، فإن جوزناه وكان بعضهم أقرب إلى البيت ، فإن كان متوجها إلى الجهة التي توجه إليها الإمام ، بطلت صلاته لتقدمه ، وإن كان متوجها إلى غيرها ، احتمل ذلك لئلا يكون متقدما حكما ، والجواز لأنه لم يظهر منكره ، ولعدم ضبط القرب من البيت من جميع الجهات للمشقة.

ولو صلوا داخل الكعبة فالأقرب وجوب اتحاد الجهة ، ويحتمل جواز الاختلاف. فإن كان أحدهم أقرب من الإمام إلى الجدار ، فإن اتحدت الجهة بطلت صلاته ، وإلا فالوجهان. وهل يجوز تقابل الإمام والمأموم إشكال.

ولو وقف الإمام في الكعبة والمأموم خارجا ، ففي جواز المخالفة في الاستقبال إشكال. ولو انعكس الفرض جاز ، لكن لو توجه إلى الجهة التي توجه إليها الإمام فإشكال ، ينشأ من أنه يكون سابقا على الإمام.

ص: 117

ثم المأموم إن كان واحدا ذكرا ، وقف على يمين الإمام استحبابا لا وجوبا للأصل ، فإن خالف بأن وقف خلفه أو على يساره ، لم تبطل صلاته. قال ابن عباس : بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلی اللّه علیه و آله يصلي فقمت عن يساره ، فأخذني بيمينه فحولني عن يمينه (1). وقال أحدهما علیهماالسلام : الرجلان يؤم أحدهما الآخر يقوم عن يمينه (2).

ولا فرق بين البالغ والصبي في ذلك ، فإن جاء مأموم آخر ، وقف على يساره وأحرم ، ثم إن أمكن تقدم الإمام وتأخر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدم أو تأخر ، والأولى تقدم الإمام ، لأنه يبصر قدامه فيعرف كيف يتقدم.

ويحتمل أولوية تأخرهما ، لقول جابر : صليت مع النبي صلی اللّه علیه و آله فقمت عن يمينه ثم جاء آخر فقام عن يساره ، فدفعنا جميعا حتى أقامنا من خلفه (3). ولو لم يمكن إلا التقدم أو التأخر لضيق المكان من أحد الجانبين ، حافظوا على الممكن.

هذا إذا لحق في القيام ، وإن لحق الثاني في التشهد أو السجود ، فلا تقدم ولا تأخر حتى يقوموا.

ولو حضر معه في الابتداء رجلان أو رجل وصبي ، قاما خلفه صفا واحدا. ولو لم يحضر معه إلا الإناث ، وقفن خلفه صفا ، سواء كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاثا.

ولو حضر رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه والمرأة خلف الرجل.

ولو حضرت امرأة مع رجلين أو رجال ، أو رجل وصبي ، قام الرجلان ، أو الرجل والصبي خلف الإمام صفا ، وقامت المرأة خلفهما.

ص: 118


1- جامع الأصول 6 - 389.
2- وسائل الشيعة 5 - 379.
3- سنن ابن ماجة 1 - 312.

ولو كان معه رجل وامرأة وخنثى ، وقف الرجل عن يمينه والخنثى خلفهما ، لاحتمال أن تكون امرأة ، والمرأة خلف الخنثى لاحتمال أنه رجل.

ولو حضر رجال وصبيان ، وقف الرجال خلف الإمام في صف أو صفوف ، والصبيان خلفهم ، ولو قصد تعليم الصبيان وتمرينهم لم يكن بأس ، بأن يكون بين كل رجلين صبي.

ولو حضر معهم نساء آخر ، صف النساء عن صف الصبيان ، كل هذا استحباب لا تبطل الصلاة بمخالفته إلا في موضعين :

الأول : تقدم المأموم على الإمام مبطل إجماعا منا.

الثاني : تقدم المرأة على الرجل ، أو اتفاقهما في صف واحد على الخلاف ، سواء كانت مقتدية به ، أو بإمامه أو منفردة ، ولو كانوا عراة ، وقفوا صفا واحدا.

ولو دخل رجل والقوم في الصلاة ، كره أن يقف منفردا خلف الصف ، بل إن وجد فرجة أو سعة في الصف دخل ، وله أن يخرق الصف الآخر إن لم يجد فرجة فيه ووجدها في صف قبله ، لأنهم قصروا حيث لم يتموه. ولو لم يجد فرجة وقف منفردا ، ولا يجذب إليه أحدا ، لئلا يفوت عليه الصف الأول ، ولو جر إليه غيره ، استحب للمجرور أن يساعده ، ليحصل له فضيلة الموقف.

ويستحب أن يلي الإمام أهل النهى والفضل ، لأنهم أشرف ، ليردوا الإمام لو غلط. وقال النبي صلی اللّه علیه و آله : ليليني منكم أولو الأحلام ، ثم الذين يلونهم ثم الصبيان (1). وقال الباقر علیه السلام : ليكن الذين يلون الإمام أولو الأحلام (2).

والعراة كغيرهم في استحباب الجماعة ، ويجلس وسطهم ويصلون

ص: 119


1- جامع الأصول 6 - 388.
2- وسائل الشيعة 5 - 386 ح 2.

جلوسا ، ويتقدمهم بركبتيه للرواية (1). ويومون للركوع والسجود. ويكون السجود أخفض.

ولو تقدمت سفينة المأموم ، فإن استصحب نية الايتمام ، بطلت صلاته ، لفوات الشرط ، وهو عدم التقدم ، خلافا للشيخ. ولو عدل إلى نية الانفراد ، صحت.

البحث الثالث: ( في الاجتماع في الموقف )

يجب العلم بالأفعال الظاهرة للإمام ، ليتمكن من متابعته ، وإنما يكون بالمشاهدة للإمام ، أو لبعض الصفوف ، أو بسماع صوت الإمام ، أو صوت المترجم في حق الأعمى والبصير الذي لا يشاهد لظلمة وغيرها ، أو بهداية غيره إن كان أصم (2) أو في ظلمة.

فإن كان الإمام والمأموم في مسجد واحد ، صح الاقتداء ، إن لم يتباعد المأموم عن الإمام بما يعد تباعدا فاحشا في العرف ، إلا مع إيصال الصفوف ، فإنه يصح الاقتداء وإن بعد جدا ، لقول الباقر علیه السلام : إذا صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى ، فليس ذلك لهم بإمام ، وأي صف كان أهله يصلون وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة (3).

ولا فرق في المنع من التباعد بين أن بجمعهما مسجد أو لا للعموم والقرب والبعد الحوالة فيهما على العرف لعدم التنصيص. نعم يستحب أن

ص: 120


1- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة؟ قال : يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس. وسائل الشيعة1. 328 ح 1.
2- خ ل : أعمى.
3- وسائل الشيعة 5 - 462 ح 2.

يكون بين الصفين ، أو بين الصف والإمام قدر مسقط الجسد ، ليحصل التشبيه في قوله تعالى ( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (1) وقال الباقر علیه السلام : يكون ذلك قدر مسقط الجسد (2).

وينبغي تسوية الصفوف. والوقوف عن يمين الإمام أفضل ، لقول البراء بن عازب : كان يعجبنا عن يمين رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (3). ولأن الإمام يبدأ بالسلام عليهم.

وينبغي أن يقف الإمام في مقابل وسط الصف ، لقوله علیه السلام : وسطوا الإمام وسدوا الخلل (4).

ولو كان الإمام في المسجد والمأموم خارجه في ملكه أو غيره ، أو بالعكس ، أو كانا خارج المسجد ، أو كانا في مسجدين ، صحت الصلاة مع عدم البعد المفرط كالمسجد الواحد.

وحيلولة الطريق بين الإمام والمأموم لا يمنع الجماعة ، مع انتفاء البعد ، لأن أنسا كان يصلي في بيت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الإمام ، وبينه وبين المسجد طريق ولم ينكر عليه ، ولأن ما بينهما يجوز الصلاة فيه فلا يمنعها.

وأما النهر الحائل بينهما ، فإن كان مما يتخطى ، صحت الجماعة إجماعا ، وإن كان مما لا يتخطى ، فإن كان بعيدا في العادة منع من الجماعة ، وإلا فلا.

والجماعة في السفن المتعددة جائزة ، اتصلت أو انفصلت ، ما لم يخرج إلى حد البعد ، أو يقدم المأموم على الإمام ، أو حصول حائل يمنع من المشاهدة ، لإمكان الاستطراق ، والماء مانع كالنار ، فلا يؤثر في جواز الايتمام. ولو تقدمت سفينة المأموم ، فإن استصحب نية الايتمام ، بطلت صلاته لاختلال الشرط ، وإلا صحت.

ص: 121


1- سورة الصف : 4.
2- وسائل الشيعة 5 - 462 ح 1.
3- جامع الأصول 6 - 392.
4- جامع الأصول 6 - 395.
البحث الرابع: ( في عدم الحيلولة بين الإمام والمأموم الذكر )

ولا تصح الجماعة وبين الإمام والمأموم الذكر حائل يمنع المشاهدة للإمام أو المأموم ، سواء كان الحائل من جدران المسجد أو لا ، وسواء كانا في المسجد أو لا ، لتعذر الاقتداء ، ولأن المانع من المشاهدة مانع من اتصال الصفوف ، بل هو أبلغ في ذلك من البعد.

ولقول الباقر علیه السلام : وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى ، فليس تلك لهم بصلاة ، فإن كان بينهم سترة أو جدار ، فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب (1).

ولو كان الحائل مخرما يمنع من الاستطراق دون المشاهدة ، كالشبابيك والخيطان المخرمة التي لا تمنع من مشاهدة الصفوف فقولان : المنع ، لقول الباقر علیه السلام : إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام (2) ، والجواز ، إذ القصد من التخطي العلم بحال الإمام ، ومع المشاهدة تحصل ذلك. ويحتمل المنع عن المانع من المشاهدة.

أما المقاصير غير المخرمة فإن الصلاة فيها باطلة ، لوجود الحائل ، وقول الباقر علیه السلام : هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس ، وإنما أحدثها الجبارون ، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة (3).

ولو كان الحائل قصيرا يمنع حالة الجلوس خاصة ، فالأقرب الجواز ، للعلم بحال الإمام حينئذ.

ولو وقف الإمام في بيت وبابه مفتوح ، فوقف مأموم خارجا بحذاء

ص: 122


1- وسائل الشيعة 5 - 462 ح 2.
2- وسائل الشيعة 5 - 462 ح 4.
3- وسائل الشيعة 5 - 460 ح 1.

الباب ، بحيث يرى الإمام أو بعض المأمومين ، صحت صلاته. وكذا إن صلى قوم عن يمينه وشماله أو من ورائه ، فإن صلاتهم صحيحة. وإن لم يشاهدوا من في البيت لمشاهدتهم هذا الخارج المشاهد لمن في البيت.

فإن وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو شماله ، لا يشاهدون من في المسجد ، لم تصح صلاتهم ، إذا لم يكونوا على سمت المحاذي للباب.

ولو وقف الإمام في محراب داخل في الحائط ، صحت صلاة من خلفه ، لأنهم يشاهدونه. وكذا باقي الصفوف التي من وراء هذا الصف الأول ، أما من على يمين الإمام أو شماله ، فإن حال بينهم وبين الإمام حائل ، لم تصح صلاتهم ، وإلا صحت ، لقول الصادق علیه السلام : لا بأس بوقوف الإمام في المحراب (1).

ولو صلى في داره وبابها مفتوح يشاهد الإمام أو بعض المأمومين ، صحت صلاته وإن لم يتصل الصفوف ، إذا لم يتباعد بالمعتد.

ولو صلى بين الأساطين ، فإن اتصلت الصفوف به ، أو شاهد الإمام ، أو بعض المأمومين ، صحت صلاته ، لقول الصادق علیه السلام : لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا. (2).

هذا في حق المأموم الذكر ، أما المرأة فيجوز أن تصلي من وراء الجدار مقتدية بالإمام وإن لم تشاهده ولا من يشاهده ، للرواية (3) ، وللأصل ، ولحكمة الجمع بين الستر وإحراز فضيلة الجماعة ، سواء كانت حسناء شابة ، أو شوهاء عجوزا.

والماء ليس بحائل مع المشاهدة وعدم البعد المفرط ، خلافا لأبي الصلاح (4).

ص: 123


1- وسائل الشيعة 5 - 461 ما يدل على ذلك.
2- وسائل الشيعة 5 - 460 ح 2.
3- وسائل الشيعة 5 - 461 ح 1.
4- الكافي ص 144.
البحث الخامس: ( في عدم العلو )

يشترط في الجماعة أن لا يعلو الإمام على المأموم بما يعتد به ، فلو صلى الإمام على موضع مرتفع بما يعتد به والمأموم أسفل ، لم تصح صلاة المأموم ، سواء أراد تعليتهم (1) أو لا ، لأن عمار بن ياسر قام على دكان بالمدائن والناس أسفل منه ، فأخذ حذيفة بيده حتى أنزله ، فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم ، قال عمار : فلذلك اتبعتك (2). وكذا فعل عبد اللّه بن مسعود بحذيفة (3).

وقول الصادق علیه السلام : إن كان الإمام على شبه دكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم (4) ، ولأنه قد يخفى عليه أفعال الإمام حينئذ.

ولو صلى على مرتفع لا يعتد به ، صح.

وهل يتقدر الارتفاع بشبر أو بما لا يتخطى؟ الأقرب الثاني.

ولو كان الإمام على سطح والمأموم على آخر وبينهما طريق ، صح مع التباعد وعدم علو سطح الإمام.

ويجوز أن يكون المأموم أعلى من الإمام بما يعتد به كالسطح وشبهه ، سواء كان خارج المسجد والإمام فيه ، أو كانت الصلاة جمعة أو غيرها ، لقول الصادق علیه السلام : إن كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس (5). وللأصل.

ص: 124


1- كذا في « ق » و « ر » وفي « س » تعلمهم.
2- جامع الأصول 6 - 408.
3- جامع الأصول 6 - 408.
4- وسائل الشيعة 5 - 463 ح 1.
5- وسائل الشيعة 5 - 463 ذيل ح 1.
البحث السادس: ( في نية الاقتداء )

يشترط في الاقتداء أن ينوي المأموم الاقتداء ، وإلا لم تكن صلاته صلاة جماعة ، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نواه ، وعليه الإجماع.

ولا يكفي نية الجماعة ، لاشتراكها بين الإمام والمأموم ، فليس في نية الجماعة ربط الفعل بفعل الغير ، ولأن المأموم يسقط عنه وجوب القراءة الثانية على المنفرد. فإذا لم ينو الاقتداء ، انعقدت صلاته منفردا ، فإذا ترك القراءة ، بطلت صلاته ، وكذا لو قرأ معتقدا عدم الوجوب.

ولا يكفي المتابعة من غير نية في الاقتداء ، فإن تابع من غير نية الاقتداء ، صحت صلاته إذا فعل ما يفعله المنفرد ، للامتثال ، ولم يحصل منه سوى مقارنة فعله بفعل غيره.

ولو شك هل نوى الاقتداء أم لا؟ احتمل أن يكون حكمه حكم الشاك في أصل النية ، فإن كان المحل باقيا استأنف ، وإلا فلا التفات ، ويبني على ما فعله معه إن كان متابعا تاركا للقراءة ، فهو مأموم وإلا فمنفرد.

ولو كان ذلك قبل القراءة ، فإن جوزنا ايتمام المنفرد في الأثناء ، جدد نية الايتمام ، وإلا احتمل البطلان والتخيير والانفراد ، واحتمل مخالفته للشك في أصل النية (1) ، إذ لا يمكن الاستمرار هنا على نية الاقتداء ، ولا على نية الانفراد ، لتضاد حكمهما.

ويجب أن ينوي الاقتداء بإمام معين ، إما بالاسم ، أو الصفة ، ولو بكونه الإمام الحاضر ليمكن متابعته.

ولو عين وأخطأ ، بأن نوى الاقتداء بزيد ، فبان أنه عمرو ، بطلت صلاته ، لأنه لم ينو الاقتداء بهذا المتبوع وما نواه لم يقع له ، لعدم إمكانه.

ص: 125


1- في « ق » و.

وكذا لو عين الميت في صلاة الجنازة وأخطأ ، وجب عليه إعادة الصلاة.

ولو نوى الاقتداء بالحاضر ، فاعتقده زيدا فكان غيره ، فالوجه البطلان.

ولو كان بين يديه اثنان ، ونوى الاقتداء بأحدهما لا بعينه ، لم تصح صلاته ، لعدم إمكان متابعتهما على تقدير الاختلاف ولا أولوية.

ولو نوى الايتمام بهما معا ، لم تصح ، للاختلاف.

ولو نوى الاقتداء بالمأموم ، لم تصح صلاته.

ولا فرق بين أن يكون عالما بالحكم ، أو جاهلا به أو للوصف. فلو خالف المأموم سنّة الموقف ، فوقف على يسار الإمام ، فنوى الداخل الاقتداء بالمأموم ظنا أنه الإمام ، لم تصح صلاته.

ولو ظن أنه مأموم ، فنوى الاقتداء به جاهلا بالحكم ، فبان منفردا ، فالأقوى الصحة ، لأنه لم ينو الباطل في نفسه ولا في ظنه ، ولو كان عالما بالحكم ، فالأقوى البطلان ، لأنه دخل دخولا باطلا في ظنه ، وإن لم يكن مطابقا.

ولا يشترط أن ينوي الإمام الإمامة ، فلو صلى منفردا ، فدخل قوم ، فصلوا بنية الاقتداء ، صحت صلاتهم وإن لم يجدد نية الإمامة. وكذا لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى منفردا ثم لحقه من ائتم به ، ولأن أفعال الإمام مساوية لأفعال المنفرد ، ولا مخالفة بينهما في الهيئات والأحكام.

وهل يشترط ذلك في الجمعة وما يشترط فيه الجماعة؟ إشكال ، ينشأ من أنها لا تقع إلا جماعة ، ولا يكفي نية الجمعة المستلزمة لنية مطلق الجماعة ، لاشتراكها بين الإمام والمأموم ، ومن عدم وجوب التعرض للشرائط في النية.

وإذا صلى اثنان فنوى كل منهما أنه إمام لصاحبه ، صحت صلاتهما ، لأن كلا منهما قد احتاط لصلاته فيما يجب على المنفرد ، ولقول علي علیه السلام ،

ص: 126

صلاتهما تامة (1). وعذر في نية الإمامة وإن لم يكن مأموم ، لتوهمه ايتمام صاحبه به ، فإن لم يكن هناك مأموم ، وجوز أن يحضر في الأثناء ، أو لم يجوز ، ففي جواز انضمام نية الإمام إشكال.

ولو نوى كل منهما أنه مأموم لصاحبه ، بطلت صلاتهما إجماعا ، لإخلالهما بشرط الصلاة وهو القراءة الواجبة ، لقول علي علیه السلام : صلاتهما فاسدة ليستأنفا (2).

ولو شك كل منهما هل نوى الإمامة أو الايتمام؟ بعد الفراغ من الصلاة ، احتمل الصحة ، لأنه شك في شي ء بعد الفراغ منه. والبطلان لعدم تيقن (3) براءة ذمته مما هو ثابت بيقين.

ولو شكا في أثناء الصلاة أيهما إمام ، بطلت صلاتهما ، إذ لا يمكن مضيهما في الصلاة واقتداء أحدهما بالآخر.

ولو ائتم السابق بركعة فما زاد ، صح في الفرض والنفل ، لأن جابرا وجبارا دخلا المسجد وقد أحرم علیه السلام وحده ، فأحرما معه في الفرض ، ولم ينكر عليهما.

ولو عين الإمام إمامته بمعين ، فأخطأ لم يضر ، لأن أصل النية غير واجب عليه ، والخطأ لا يزيد على الترك.

ولو لم ينو الإمامة أصلا ، صحت الجماعة ، والأقرب أنه يدرك فضيلتها ، لحصولها من غير نية ، ولأن المأموم نال فضيلتها بسببه. ويحتمل العدم ، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نوى (4).

ولو أحرم منفردا ، ثم نوى الايتمام ، قال الشيخ : تصح الجماعة ،

ص: 127


1- وسائل الشيعة 5 - 420 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 420 ح 1.
3- في « ق » يقين.
4- وسائل الشيعة 1 - 34.

لإجماع الفرقة ، وللأخبار عنهم علیهم السلام ، وللأصل ، ولأنه يجوز النقل من الايتمام إلى الانفراد للحاجة ، فجاز العكس طلبا للفضيلة.

لا يقال : ورد إبطال الفرض مع إمام الأصل والنقل إلى النفل مع غيره ، فلو جاز النقل إلى الايتمام كان أولى.

لأننا نقول : بمنع الأولوية ، تحصيلا لفضيلة الجماعة من أول الصلاة.

إذا أثبت هذا فإن كان قد سبق الإمام بركعة ، لم يتابعه في القيام إلى الرابعة ، بل يجلس ويتشهد ، ثم إن شاء سلم بنية المفارقة ، وإن شاء انتظر مطولا في الدعاء إلى أن يفرغ الإمام ويسلم معه. ويجوز أن يحرم مأموما ثم يصير إماما في موضع الاستخلاف ، أو إذا نوى المفارقة ثم ائتم به غيره ، وكذا لو نقل نيته إلى الايتمام بإمام آخر.

ولو أدرك نفسان بعض الصلاة ، أو ائتم مقيمان بمسافر فسلم الإمام ، جاز أن يأتم أحدهما بالآخر.

ولو نوى الإمام الايتمام بغيره ، لم يصح.

ويجوز للإمام نقل النية من الايتمام إلى الانفراد إجماعا منا ، لأنه علیه السلام صلى يوم ذات الرقاع بطائفة ركعة ، ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة. وقال الصادق علیه السلام في الرجل صلى خلف إمام فسلم قبل الإمام ، قال : ليس بذلك بأس (1) ، ولأن الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة ، لأن التطوعات لا تجب بالشروع ، ولأنه استفاد بصلاة الإمام فضيلة الجماعة ، فتزول بالخروج الفضيلة دون الصحة.

ولو نوى الانفراد قبل شروع الإمام في القراءة ، قرأ هو ، ولو كان بعد فراغه ، ركع ولم يقرأ. ولو كان بعد الفاتحة ، فالأقرب الاجتزاء بها عنها فيقرأ السورة. ولو كان في الأثناء ، فالوجه الابتداء من أول الحمد ، مع احتمال القراءة من موضع المفارقة. وكذا لو كان في أثناء السورة.

ص: 128


1- وسائل الشيعة 5 - 465 ح 4.

ولو صلى مع جماعة فحضرت جماعة أخرى ، فعدل نيته إلى الايتمام بإمامتهم ، فالوجه الجواز. ولو أراد أن يصلي صلاته بصلاة الجماعة ، وجب نية الاقتداء.

ولو أحدث الإمام ، فاستخلف غيره ، لم يحتج المأموم إلى تجديد نية الايتمام بالخليفة ، لوجود نية الاقتداء في الابتداء والخليفة كالنائب. ويحتمل وجوب نية الاقتداء ثانيا.

البحث السابع: ( في توافق نظم الصلاتين )

يشترط توافق نظم صلاة الإمام والمأموم في الأركان والأفعال ، فلا تصح مع الاختلاف ، كاليومية مع الجنازة أو الخسوف أو العيد ، للنهي عن المخالفة. وعدم جواز الموافقة هنا ، لئلا يخرج صلاة المأموم عن هيئتها.

ولا يشترط اتحاد الصلاتين نوعا ولا صنفا ، فيجوز للمفترض الاقتداء بالمتنفل ، لا مطلقا بل في صورة النص ، وهو ما إذا قدم فرضه. ويجوز العكس مطلقا ، لأن معاذا كان يصلي مع النبي صلی اللّه علیه و آله العشاء ، ثم يرجع فيصليها بقومه (1) ، هي له تطوع ولهم مكتوبة. ولأن الرضا علیه السلام أمر محمد بن إسماعيل بن بزيع بذلك.

وكذا يجوز لمن صلى الظهر أن يصلي العصر خلف من يصلي الظهر وبالعكس ، سواء اتفق العدد أو اختلف ، كالصبح قضاء مع الظهر.

وكذا يجوز للقاضي أن يصلي خلف المؤدي وبالعكس ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن إمام صلى العصر وهي لهم ظهر؟ قال : أجزأت عنه وأجزأت عنهم (2). ولأنهما صلاتان متفقتان في الأفعال الظاهرة ، فيصحان جماعة

ص: 129


1- سنن أبي داود 1 - 163.
2- وسائل الشيعة 5 - 453 ح 1.

وفرادى ، فجاز أن يكون المأموم في إحداهما والإمام في الأخرى ، كالمتنفل خلف المفترض.

وهل يصح أن يصلي الجمعة خلف المتنفل بها؟ كالمعذور إذا قدم ظهره ، أو خلف مفترض بغيرها؟ كقاضي الصبح ، الأحوط المنع ، والأقرب جواز صلاة المتنفل بمثله في مواضع مخصوصة ، كالاستسقاء والعيدين المندوبين ، دون غيرهما.

وإذا كانت صلاة المأموم ناقصة العدد ، لم يجز له المتابعة ، بل يتخير بين التسليم عند الفراغ ، وبين الصبر إلى أن يفرغ إمامه.

ولو انعكس الحال ، تخير عند قعود الإمام للتشهد بين المفارقة فيتم قبل سلامه ، وبين الصبر إلى أن يسلم ، فيقوم ويأتي بما بقي عليه.

ولو قام الإمام إلى الخامسة سهوا ، لم يكن للمسبوق الايتمام فيها.

ويستحب للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة ، إماما كان أو مأموما. وهل يجوز فيهما؟ الأقرب ذلك في صورة واحدة ، وهي ما إذا صلى إمام متنفل بصلاته بقوم مفترضين ، وجاء من صلى فرضه فدخل معهم متنفلا ، أما لو خلت الصلاة عن مفترض ، فإشكال.

ويستحب إعادة الصلاة للمنفرد في جميع الصلوات اليومية في أي وقت كان ، للعموم وقول الصادق علیه السلام في الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة ، أيجوز أن يعيد صلاته معهم؟ قال : نعم وهو أفضل (1) ، ولا كراهة في الفجر والعصر ، لأنها ذات سبب.

البحث الثامن: ( إدراك الركوع )

من أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك تلك الركعة ، لقوله علیه السلام :

ص: 130


1- وسائل الشيعة 5 - 456 ح 9.

من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة ، فليضف إليها أخرى ، ومن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة ، فليصل الظهر أربعا (1). ولأنه أدرك معظم أركان الركعة ، لأن القراءة ليست ركنا.

ولا يشترط إدراك تكبيرة الركوع ، خلافا للشيخ ، وقد سبق في الجمعة.

وإذا أدركه راكعا ، كبر للافتتاح واجبا ، وكبر ثانيا للركوع مستحبا ، لأنه ركوع معتد به ، ومن انتقل إلى ركوع معتد به فمن سننه التكبير ، كالإمام والمنفرد.

ولو خاف رفع الإمام ، كبّر للافتتاح خاصة ونوى الوجوب. وليس له أن ينوي الافتتاح والركوع لتضاد الوجهين.

ولو كبّر ولم ينو أحدهما ، احتمل البطلان ، لعدم نية الافتتاح وصلاحية الفعل لهما ، والصحة ، لأن قرينة الافتتاح تصرفها إليه ، ويعارض بأن قرينة الهوى تصرفها إليه.

ولو رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم ، فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع أجزأه ، وإلا فلا.

ولو رفع الإمام رأسه من الركوع ، ثم ذكر أنه نسي التسبيح ، لم يكن له الرجوع إلى الركوع ، فإن رجع جاهلا بالحكم فدخل مأموم معه ، لم يكن مدركا للركعة ، لأنه ركوع باطل.

ولو شك هل رفع رأسه قبل ركوعه ، فالأقوى عدم إدراك الركعة ، لأن الأصل عدم إدراك الركوع ، ولأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بإدراك الركوع على خلاف الحقيقة ، لا يصار إليه إلا عند يقين الركوع. ويحتمل الرجوع إلى أصالة بقاء الإمام في الركوع في زمان الشك.

وإن أدركه بعد الركوع والأذكار ، لم يكن مدركا للركعة ، وعليه أن يتابعه في الركن الذي أدركه فيه وإن لم يكن محسوبا له.

ص: 131


1- سنن ابن ماجة 1 - 356 ، جامع الأصول 6 - 427.

وإن أدركه بعد رفعه من الركوع ، استحب له أن يكبّر للهوي إلى السجود ، ويسجد معه السجدتين ، ولا يعتد بهما ، بل إذا قام الإمام إلى اللاحقة ، قام ونوى وكبر للافتتاح ، وإن شاء انتظره حتى يقوم فيستفتح معه.

وإنما لم يعتد بالسجدتين ، لأن زيادتهما زيادة ركن فتبطل الصلاة بهما. وقال الصادق علیه السلام : إذا استقبل الإمام بركعة فأدركت وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بهما (1). ولو كان السجود للركعة الأخيرة فعل ما قلناه ، فإذا سلم الإمام ، قام فاستقبل صلاته بنية منفردة وتكبير متجدد.

ولو أدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، كبر للافتتاح خاصة وجلس معه في تشهده ذاكرا ، وإن شاء سكت إلى أن يفرغ الإمام ويسلم ، فيقوم إلى صلاته. ولا يكبّر للهوي ، لأن الجلوس في القيام لم يشرع في الصلاة ، فلا يكبّر له. ولا يحتاج إلى استيناف تكبير آخر للافتتاح ، لأنه لم يزد ركنا تبطل الزيادة به سهوا ، بخلاف القيام بعد السجدتين ، لأنهما ركن مبطل ، والجلوس هنا ليس مبطلا ، لأنه من أفعال الصلاة تحصيل للجماعة.

وإذا لحقه بعد رفعه من سجود الثانية ، تخير بين أن يكون للافتتاح خاصة ، ويجلس متابعة لإمامه ، فإذا قام إلى الثالثة قام معه ، ولا يتابعه في التكبير ، لأنه قيام أول بالنسبة إليه ، فاذا صلى ركعتين مع الإمام ثم سلم الإمام ، قام إلى ثالثته مكبرا ، إن قلنا باستحبابه في قيام الثالثة ، لا يقوم إلى ابتداء ركعة. وإن شاء صبر بعد التكبير إلى أن يقوم الإمام إلى الثالثة ، وإذا كبّر وجلس معه لم يتشهد متابعة له ، لأن المتابعة تجب في الأفعال دون الأذكار ، وهذا ليس موضع التشهد.

وإذا قام مع الإمام إلى أولاه وهي ثالثة الإمام ، لا يقرأ دعاء الاستفتاح.

ولو كبّر المأموم وقصد أن يقعد ، فقام الإمام قبل أن يقعد المأموم ، دعا

ص: 132


1- وسائل الشيعة 5 - 449 ح 2.

للاستفتاح. والفرق أنه وجد منه في الأول الاشتغال بعد الافتتاح بفعل وجب عليه الإتيان به ، فلم يبق حكم الاستفتاح. وهنا لم يشتغل بفعل ، فيؤمر بدعائه.

وهل تحصل فضيلة الجماعة لو أدركه بعد الرفع من الركوع الأخير؟ إشكال ، ينشأ من فوات الجماعة. ومن رواية مرسلة عن محمد بن مسلم قلت له : متى يكون مدركا للصلاة مع الإمام؟ قال : إذا أدرك الإمام وهو في سجدته الأخيرة من صلاته. فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام (1).

وإذا كبّر الإمام ثم أحس بداخل في المسجد ، لم يستحب له الزيادة في التلاوة لغرض الالتحاق ، لأنه يحصل من إدراك الركوع. ولو زاد في القراءة ، لم تكره. ولو ظن أنه يفوته الركوع ، فالأقرب استحباب زيادة القراءة ، تحصيلا لفضيلة الجماعة للداخل.

وكذا لو أحس به وهو في الركوع ، استحب له تطويله ليلحق به ، لأنه فعل يقصد به التقرب إلى اللّه تعالى بتحصيل ثواب لمسلم. قال الباقر علیه السلام : انتظره مثلي ركوعك (2).

ولو دخل المأموم المسجد فركع الإمام ، فخاف فوت الركوع ، جاز أن يكبّر ويركع ويمشي راكعا حتى يلتحق بالصف قبل رفع رأس الإمام ، أو يأتي آخر فيقف معه ، ولا تبطل بالمشي في الركوع ، لأنه من أفعال الصلاة لإدراك الصف ، وتحصيلا لسنّة الموقف ، وفعل ذلك جماعة من الصحابة ، ولقول أحدهما علیهماالسلام : يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم (3).

ويجوز أن يركع ويسجد في مكانه ، ثم يقوم إلى الثانية ويمشي في قيامه.

ولو كان بعيدا من الصف ، فإن لم يخرج عن حد البعد المبيح للايتمام ،

ص: 133


1- وسائل الشيعة 5 - 448 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 450 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 443 ح 1.

فالوجه أنه يقف وحده ، لئلا يفعل فعلا كثيرا. فإن مشى ، احتمل الجواز لأنه من أفعال الصلاة ، والمنع لكثرته.

وإذا كان لا يصح أن يأتم به لبعده ، فالوجه أنه ليس له أن يركع ، بل يصبر حتى يلتحق بالإمام في الثانية. وإن كان لا يصح للحائل ، لم يجز له أن يشرع حتى يخرج عن الحائل.

ولو ركع دون الصف ومشى ، فسجد الإمام قبل التحاقه ، سجد على حاله وقام والتحق بالصف ، فإن ركع الإمام ثانيا ، ركع ومشى في ركوعه وصحت صلاته ، لقول الصادق علیه السلام : إذا خفت أن يركع قبل أن تصل إليه فكبر واركع ، فإن رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف (1).

ولو رفع رأسه من الركوع ثم دخل الصف قبل إتمام الركعة ، صحت صلاته. لأن أبا بكرة دخل ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله راكع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف ، فلما فرغ علیه السلام قال : أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ فقال أبو بكرة : أنا فقال علیه السلام : زادك اللّه حرصا. ولم يأمره بالإعادة.

وما يدركه المسبوق مع الإمام ، يكون أول صلاته وإن كانت آخر صلاة الإمام عند علمائنا ، لقول علي علیه السلام : يجعل ما أدرك مع الإمام من الصلاة أولها (2).

وقال الباقر علیه السلام : إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل أول ما أدرك أول صلاته. إذا أدرك من الظهر أو العصر ركعتين يقرأ فيما أدرك مع الإمام مع نفسه أم الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأن الصلاة إنما تقرأ

ص: 134


1- وسائل الشيعة 5 - 443 ح 3.
2- وسائل الشيعة 5 - 446 ح 6.

فيهما في الأولتين (1). ولأنها ركعة مفتتحة بالإمام فكانت أول صلاته كالمنفرد ، وللإجماع على أنه إذا أدرك ركعة في المغرب صلى أخرى وجلس للتشهد ، ويجهر في الثانية ويسر في الثالثة.

ولو أدرك الأخيرتين من الرباعية ، استحب القراءة لا وجوبا ، لسقوطها عن المأموم ، ويقرأ في الأخيرتين الحمد وحدها مسرا فيها. ولو لم يقرأ مع الإمام ، أو قرأ مستحبا في الأولتين ، لم يسقط التخيير بعد مفارقة الإمام ، وإن كان الإمام قد سبّح في أخيرتيه ، لأنهما آخرتان (2) فلا يسقط حكم التخيير فيهما. وقيل : يجب القراءة ، لئلا تخلو صلاته عن القراءة.

البحث التاسع: ( في المتابعة )

يجب على المأموم أن يتابع الإمام ، ولا يتقدم عليه في الأفعال ، لقوله علیه السلام : لا تبادروا الإمام ، فإذا كبّر فكبّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا (3). والمراد من المتابعة أن يجري على أثر الإمام ، بحيث يكون ابتداؤه بكل واحد منهما متأخرا أو مصاحبا أو متقدما على فراغه.

وهل يجب التأخير في التكبير؟ إشكال ، ينشأ من قوله علیه السلام : فإذا كبّر فكبّروا (4) ، ومن أصالة العدم.

أما الركوع والسجود وسائر الأركان ، فإنه يجوز المساوقة ، لأن الإمام حينئذ في الصلاة ، فينتظم الاقتداء به.

ولو رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل إمامه. أو أهوى إليهما ، فإن كان ناسيا عاد إلى المتابعة ، لأن النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة. وسئل

ص: 135


1- وسائل الشيعة 5 - 445 ح 4.
2- في « ق » آخريتان.
3- جامع الأصول 6 - 401.
4- نفس المصدر.

الكاظم علیه السلام عن رجل ركع مع الإمام يقتدي به ، ثم رفع رأسه قبل الإمام؟ قال : يعيد ركوعه (1) وسئل الصادق علیه السلام عن الرجل يرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال : فليسجد (2). ولا تعد هذه زيادة في الحقيقة ، لأن فعل المأموم تابع لفعل الإمام وهو واحد فكذا متابعه. وهل العود واجب؟ الأقرب المنع.

وإن كان عامدا صبر ، ولم يجز له الرجوع ، لأنه يكون قد زاد ركنا من غير عذر ، ولأنه برفعه عمدا قبل إمامه يجري مجرى عدول نية الاقتداء فيما سبقه فيه. وسئل الصادق علیه السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام؟ قال : لا (3). وكذا لو كان الإمام ممن لا يقتدى به ، لأنه منفرد ، فيقع سجوده وركوعه في محله ، فلا يسوغ له العود في العمد والنسيان.

تذنيب :

أطلق علماؤنا الاستمرار مع العمد ، والوجه عندي التفصيل ، فإن المأموم إن سبق إلى ركوع بعد فراغ الإمام من القراءة استمر. وإن كان قبل فراغه ولم يقرأ المأموم ، أو قرأ ومنعناه منها ، أو قلنا أن المندوب لا يجزي عن الواجب ، بطلت صلاته ، وإلا فلا.

وإن كان إلى رفع أو سجود أو قيام عن تشهد ، فإن كان بعد فعل ما يجب من الذكر ، استمر وإن لم يفرغ إمامه منه. وإن كان قبله ، بطلت وإن كان قد فرغ إمامه.

ولو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام ، استحب له أن يسبّح ، تحصيلا لفضيلة الذكر ، ولئلا يقف صامتا. وسئل الصادق علیه السلام أكون مع الإمام

ص: 136


1- وسائل الشيعة 5 - 447 ح 2. و 3.
2- وسائل الشيعة 5 - 447 ح 1.
3- وسائل الشيعة 5 - 448 ح 6.

فأفرغ من القراءة قبله؟ قال : أمسك آية ومجد اللّه وأثن عليه ، فاذا فرغ فاقرأ الآية واركع (1).

ويستحب أن يبقي آية من السورة للرواية (2) ، ثم يتم القراءة إذا ركع إمامه ليركع عن قراءة. والظاهر أن هذا فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة ، أو أن يكون الإمام ممن لا يقتدى به ، لأن الإنصات إلى قراءة الإمام أفضل.

ولو ركع الإمام ولم يركع المأموم حتى رفع الإمام رأسه ، لم تبطل صلاته وإن تأخر عنه بركن كامل.

ولو تأخر عنه بركنين لغير عذر ، ففي الإبطال إشكال ، ينشأ من عدم المتابعة. ومن أصالة الصحة ، ولو كان لعذر ، جاز قطعا.

ولو كان الإمام سريع القراءة والمأموم بطيئها ولم يسمع ولا همهمة في الجهرية ، وكان إخفاتا ، فركع الإمام قبل الإتمام تابعه ، لعدم وجوب القراءة ووجوب المتابعة. ولو أمن الرفع قبل الإكمال ، جاز له الإكمال ثم يلتحق به.

ولو حضر المأموم والإمام في أثناء القراءة فكبّر ، وركع الإمام قبل إتمام قراءة المأموم ، تابعه في الركوع وسقط عنه باقي القراءة ، لعدم وجوبها.

وإذا ترك الإمام شيئا من أفعال الصلاة ، فإن كان فرضا لم يتابعه المأموم على تركه ، كما لو قام في موضع قعوده وبالعكس ولم يرجع بعد ما سبّح به المأموم ، لأنه إما عامد فتبطل صلاته ، أو ساه فلا يترك العامد.

وإن ترك مندوبا ، فإن كان في الاشتغال بها تخلف فاحش ، لم يأت به المأموم ، لأن المتابعة أولى من فعل المندوب. ولو أمن التخلف ، جاز الإتيان بها ، كجلسة الاستراحة والقنوت إذا لحقه على القرب.

وإذا صلى منفردا ثم وجد جماعة ، استحب له تلك الصلاة على ما تقدم ، ويتابع الإمام في العدد. فلو كانت المغرب صلاها ثلاثا لا غير.

ص: 137


1- وسائل الشيعة 5 - 432 ح 1.
2- نفس المصدر.

ولو صلى الفريضة في جماعة ، ففي استحباب إعادتها في جماعة أخرى إشكال ، ينشأ من العموم ، ومن حصول فضيلة الجماعة ، فلا وجه للإعادة. ويحتمل الإعادة وإن كان إماما. ويحتمل الإعادة أيضا إذا حصل في الجماعة الثانية زيادة فضيلة ، بأن يكون الإمام أعلم ، أو أورع ، أو كون الجمع أكثر ، أو كون المكان أفضل.

وإذا أعيدت الصلاة نوى نيتها ، فلو أعاد الظهر نوى الظهر وكذا البواقي. وهل ينوي الفرض؟ إشكال ، ينشأ من عدم الوجوب ، ومن كونها إعادة فيأتي بالمثل ، والأول أقوى. فإن قلنا بالثاني فالفرض الأصلي هو الأول. ويحتمل أن ينوي الظهر ولا يتعرض للفرض ، ويكون ظهره نفلا كصلاة الصبي.

المطلب الثالث: ( في صفات الإمام )
اشارة

يشترط في إمام الصلاة شروط ، ينظمها قسمان : عامة وخاصة.

البحث الأول: ( في الشرائط العامة )
اشارة

وهي البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، وطهارة المولد ، والختان.

الأول : البلوغ ، فلا تصح إمامة غير المميز ، وأما المميز فقولان : المنع في الفرض وهو الأقوى ، لقول علي علیه السلام : لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤم حتى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه (1).

ولأن الإمامة من المناصب الجليلة ، وهي تناسب حالة الكمال ، والصبي

ص: 138


1- وسائل الشيعة 5 - 398 ح 7.

ينحط درجته عنها ، ولأنه عارف بعدم المؤاخذة ، فلا يؤمن أن يترك شرطا ، لعدم الزاجر في حقه ، ولأنها فريضة فلا تصح إمامته فيها كالجمعة.

والجواز ، لقول علي علیه السلام : لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم (1). وفي الطريق ضعف (2).

وهل تصح إمامته في النفل؟ إن قلنا إن فعله شرعي جاز ، لأنه يترخص فيها ما لا يترخص في الفرض ، وإلا فلا. ولا خلاف في أن البالغ أولى منه.

الثاني : العقل ، فلا تصح إمامة المجنون إجماعا ، لعدم تحصيله والاعتداد بفعله ، وكما لا تصح إمامة المطبق ، فكذا من يعتوره حالة جنونه. ويجوز حالة إفاقته على كراهة ، لإمكان أن يكون قد احتلم حال جنونه ولا يعلم ، ولئلا يعرض له الجنون في الأثناء.

الثالث : الإسلام شرط في الإمام إجماعا ، فلا تصح إمامة الكافر ، وإن كان أمينا في مذهبه أو مستترا به ، لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (3) ولأن الأئمة ضمناء والكافر ليس أهلا لضمان الصلاة.

ولا تصح خلف من يشك في إسلامه ، لأن الشك في الشرط شك في المشروط.

وإذا صلى الكافر ، لم يحكم بإسلامه بذلك ، سواء صلى في دار الحرب أو دار الإسلام. ولو سمعت منه الشهادتان ، فالأقرب الحكم بإسلامه ، وكذا في الأذان.

الرابع : الإيمان شرط في الإمام ، فلا تصح إمامة من ليس بمؤمن من أهل البدع ، والأهواء ، سواء أظهر البدعة أو لا ، لاندراجه في قوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (4) وقال جابر : سمعت رسول اللّه صلى اللّه

ص: 139


1- وسائل الشيعة 5 - 398 ح 8.
2- لطلحة بن زيد ، وهو عامي المذهب.
3- سورة هود : 113.
4- سورة هود : 113.

عليه وآله على منبره يقول : لا يؤمن امرأة رجلا ولا فارج مؤمنا إلا أن يقهره سلطان ، أو يخاف سوطه أو سيفه (1). وقال الباقر والصادق علیهماالسلام : عدو اللّه فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به (2).

ولا فرق في بطلان إمامته بين أن يكون إماما لمحق أو مثله ، ولا بين أن يستند في مذهبه إلى شبهة أو تقليد ، ولا بين أن يكون عدلا في مذهبه أو فاسقا.

الخامس : العدالة شرط في الإمام ، فلا تصح خلف الفاسق وإن اعتقد الحق ، عند جميع علمائنا ، لقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (3) والفاسق ظالم ، وقوله علیه السلام : ولا فاجر مؤمنا (4). وقول الصادق علیه السلام : ولا تصل خلف الفاسق وإن كان يقول بقولك ، والمجهول ، والمتجاهر بالفسق وإن كان معتقدا (5). وقول الباقر علیه السلام : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته (6). وسئل الرضا علیه السلام رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أصلي خلفه؟ قال : لا (7) ، ولعدم يقين البراءة.

ولو كان فسقه خفيا وهو عدل في الظاهر ، فالأقرب أنه لا يجوز للعارف بحاله الايتمام به ، لأنه ظالم عنده ، ولا فرق في ذلك بين الفرائض اليومية والجمع والأعياد.

أما المخالف في الفروع الاجتهادية باجتهاد ، فيصح أن يكون إماما ، لانتفاء فسقه.

ولو علم أنه ترك واجبا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام ، فالوجه عدم

ص: 140


1- سنن البيهقي 3 - 90.
2- وسائل الشيعة 5 - 392 ما يدل على ذلك.
3- سورة هود : 113.
4- سنن البيهقي 3 - 90.
5- وسائل الشيعة 5 - 392 ح 4.
6- وسائل الشيعة 5 - 393 ح 8.
7- وسائل الشيعة 5 - 393 ح 10.

جواز الاقتداء به ، لأنه يرتكب ما يفسد به صلاته في نظر المأموم ، فلا تصح إمامته له ، كالمخالف في القبلة. فلا تصح لمن يعتقد وجوب السورة بعد الحمد الصلاة خلف من لا يعتقد وجوبها وإن قرأها ، لأنه يعتقد إيقاعها على جهة الندب ، فلا تجزي عن الواجب. وكذا لا يصح أن يصلي من يعتقد تحريم لبس السنجاب مثلا خلف من يعتقد تسويغه حال لبسه.

ولو فعل الإمام شيئا يعتقد تحريمه من المختلف فيه ، فإن كان ترك ما يعتقده شرطا للصلاة أو واجبا فيها ، فصلاته فاسدة ، لأنه مأمور بالعمل باجتهاده ، فصلاة من يأتم به كذلك ، وإن اعتقد تسويغ الترك ، لأنه صلى خلف من يعتقد بطلان صلاته ، ومن شرط القدوة إسقاط صلاة الإمام القضاء.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة ، كنكاح المخلوقة من الزنا ، فإن داوم عليه فهو فاسق لا يجوز الصلاة خلفه ، وإلا فلا ، وإن كان الفاعل عاميا وقلد من يعتقد جوازه ، لم يكن عليه شي ء ، لأن فرضه التقليد.

وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في الصلاة ، كالقرآن بين السورتين ، بطلت صلاة المأموم وإن اعتقد تسويغه.

ولو كان المأموم يعتقد وجوب التسبيحات الثلاث في الركوع أو السجود ، والإمام يعتقد الواحدة. أو كان المأموم يعتقد وجوب غير التسبيح ، والإمام يعتقد إجزاء مطلق الذكر ، احتمل جواز الايتمام ، بناء على الظاهر من إتيان الإمام بالمستحب رغبة في السنّة ، أو للخلاص من الخلاف ، والوجه المنع ، كما لو عرف أنه لم يأت بها.

تذنيب :

لو احتاج إلى أحد الإناءين المشتبه أحدهما بالمضاف ، وأوجبنا استعمال أحدهما بعد الاجتهاد مع التيمم ، أو اشتبه ثلاثة أواني واجتهد فيها ثلاثة ، فاستعمل كل واحد منهم واحدا بأداء اجتهاده إلى إطلاقه ، وكان المطلق

ص: 141

واحدا ، لم يجز لأحدهم الايتمام بصاحبه على إشكال.

وإن كانا اثنين وأراد أحدهما الاقتداء بآخر ، فإن ظن إطلاق إناء صاحبه كما ظن إطلاق إنائه ، جاز الاقتداء به قطعا ، وليس له الاقتداء بالثالث. وإن لم يظن إلا إطلاق إنائه ، فالأقرب المنع من القدوة ، لأنه متردد في أن المستعمل للمضاف هذا أو ذاك ، وليس أحدهما أولى ، فلا يأتم بهما كالخنثى لا يجوز الايتمام به ، لتعارض احتمالي الذكورية والأنوثية.

ويحتمل أن يقتدي بأيهما شاء دون جمعهما في فرضين ، لأنه لا يدري كون إناء الإمام مضافا. وإذا لم يعلم المأموم من حال الإمام ذلك ، سومح وجوز الاقتداء.

ولو اقتدا بهما في فرضين ، احتمل وجوب إعادتهما معا ، لبطلان إحداهما لا بعينها. ويحتمل إعادة الثانية خاصة ، لأنه لو اقتصر على الاقتداء الأول لم يكن عليه قضاء.

ولو كانت الأواني خمسة والمضاف واحد ، وظن كل من الخمسة إطلاق إنائه ، ولم يظن شيئا من حال الأربعة الباقية ، وأم كل واحد منهم صاحبه في واحدة من الخمس والبدأة بالصبح ، احتمل إعادة الصلوات الأربع على كل واحد منهم التي كان مأموما فيها ، وأن يعيد كل واحد منهم آخر صلاة كان مأموما ، فيعيد كلهم العشاء إلا إمام العشاء ، فإنه يعيد المغرب.

وإنما أعاد العشاء لأن في ظنهم يتعين الإضافة في حق إمام العشاء ، وإنما أعاد هو المغرب ، لصحة الصبح والظهرين له عند أئمتها وهو متطهر في ظنه ، فيتعين بزعمه الإضافة في إناء صاحب المغرب.

وكذا لو سمع من بين خمسة صوت حدث ، ونفاه كل واحد عن نفسه.

السادس : طهارة المولد شرط في الإمام عند علمائنا ، لقوله علیه السلام : ولد الزنا شر الثلاثة (1) ، وإذا كان شره أعظم من شر أبويه ولا تصح

ص: 142


1- وسائل الشيعة 5 - 397 ما يدل على ذلك.

إمامتهما فكذا هو. وقال الباقر علیه السلام : لا تقبل شهادة ولد الزنا ولا يؤم الناس (1). ولأنه غير مقبول الشهادة ، فلا يصلح (2) للإمامة ، لأنها تتضمن معنى الشهادة بأداء ما وجب عليه من الأفعال.

وأما من جهل حاله ، أو لم يعرف أبوه ، فالوجه صحة إمامته ، عملا بظاهر العدالة ، والأحسن كراهته ، لأن الإمامة من المناصب الجليلة ولا تليق بمثله ، لنقصه بعدم العلم بأبيه.

وكذا لا تصح إمامة ولد الشبهة ، والمنفي باللعان.

السابع : الختان شرط في الإمام لا مطلقا ، بل إذا كان بالغا ممكنا من الختان وأهمل كان فاسقا ، فلا يصلح (3) للإمامة باعتبار فسقه ، وقول علي علیه السلام : الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم ، لأنه ضيع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلى عليه ، إلا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه (4). وهو دليل شرط المكنة.

أما إذا لم يكن متمكنا منه ، أو ضاق الوقت من غير تفريط بالإهمال ، فإن الصلاة خلفه جائزة ، لاقتضاء التعليل في الرواية ذلك.

ولو اتفق البلوغ في أول الوقت ، ففي جواز الابتداء (5) بالصلاة قبله إشكال.

ولو جهل الحكم ، فالأقرب جواز الصلاة خلفه ، لأنه قد يخفى مثله على الآحاد.

ص: 143


1- وسائل الشيعة 18 - 276 ح 4.
2- في « س » تصح.
3- في « س » تصح إمامته.
4- وسائل الشيعة 5 - 396 ح 1.
5- في « س » الاقتداء.
البحث الثاني: ( في الشرائط الخاصة )

وهي :

الأول : الذكورة ، وهي شرط في حق المأمومين الذكور والخناثي خاصة ، فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى المشكل إجماعا ، لقوله علیه السلام : ألا لا يؤمن امرأة رجلا (1) ، ولأن المرأة لا تؤذن للرجال ، فلا تكون إمامة لهم كالكافر. ولا فرق في ذلك بين الفرائض والنوافل.

ويجوز للرجل أن يصلي بالنساء والخناثي ، وإن كن أجنبيات ولا رجل معهن.

والخنثى المشكل تجوز أن تكون إماما للمرأة ، لأن أقل أحواله أن تكون كذلك ، ولأنه تصلح أن تكون إماما لها. ولا تجوز أن تكون إماما لرجل ولا لخنثى ، لجواز أن يكون المأموم رجلا والإمام امرأة.

فلو صلى الرجل أو الخنثى خلف امرأة أو خنثى ، بطلت صلاة المأموم خاصة ، ولا فرق بين أن ينوي الإمام استتباع الرجال أو النساء.

ولو ائتم الرجل بمن ظنه رجلا ، فبان كونه امرأة أو خنثى مشكلا ، لم يجب القضاء ، لأن المأخوذ عليه العمل بالظن ، خصوصا الخنثى قد يستتر ويخفى غالبا ، ولو كلف العلم بعدمه لزم (2) الحرج.

ولو ائتم خنثى بمثله ، أو رجل بخنثى مع العلم بكونه خنثى مشكلا ، وجب القضاء ، لبطلان الاقتداء. فلو لم يقض حتى ظهر كون الإمام رجلا ، فالأقوى عدم سقوط القضاء ، لأنه كان ممنوعا من الاقتداء به ، للتردد في حاله ، والتردد مانع من صحة الصلاة ، وإذا لم تصح فلا بد من القضاء. ويحتمل ضعيفا الصحة ، لأنه مأمور بالاقتداء بالرجال وقد حصل.

ص: 144


1- سنن البيهقي 3 - 90.
2- في « ق » لزمه.

وكذا لو اقتدى خنثى مشكل بامرأة ، ثم بان كون المأموم امرأة ، ولم تقض حتى ظهرت الأنوثية.

وكذا لو اقتدى خنثى بخنثى ولم يقض المأموم حتى بانا رجلين أو امرأتين ، أو كون الإمام رجلا ، أو كون المأموم امرأة.

ومن نظائره ما لو باع مال أبيه على ظن الحياة ، فبان ميتا ، ففي الصحة وجهان.

ولو وكل وكيلا في شراء وباع ذلك الشي ء من انسان على ظن أنه ما اشتراه وكيله بعد وكان قد اشتراه ، ففي الصحة الوجهان.

الثاني : القيام في إمامة القائم ، فلا يؤم القاعد القائم عند جميع علمائنا ، لقوله علیه السلام : لا يؤمن أحد بعدي جالسا (1). وقول علي علیه السلام : لا يؤم المقيد المطلقين (2). ولأن القيام ركن ، فلا تصح إمامة العاجز عنه القادر عليه كغيره من الأركان ولا فرق بين الإمام الراتب وغيره ، ولا بين الإمام الأصلي وغيره. ولا فرق في بطلان صلاتهم بين أن يصلوا قياما خلفه أو جلوسا ، ولا بين أن يكون مرضه مما يرجى برؤه أو لا.

ولو صلى قائما فاعتل في قيامه فجلس ، أتموا الصلاة من قيام بنية الانفراد ، فإن استخلف أو استخلفوا صلوا جماعة ، وإلا انفردوا. ولا يجوز الايتمام به ، لأن القعود مانع من الابتداء فكذا يمنع من الاستدامة.

ويجوز للعاجز أن يؤم بمثله إجماعا. ولا يجوز للمومي أن يكون إماما للقاعد ، ولا للمستلقي أن يكون إماما للمضطجع.

ولا يجوز للعاجز عن ركن إمامة القادر عليه ، كالعاجز عن الركوع أو السجود ، ولو اختلفا في المقدور عليه لم يجز الايتمام ، وإن كان المأموم عاجزا عن الأقل.

ولا يجوز أن يؤم المقيد المطلقين ، لعجزه عن القيام ، ولا صاحب الفالج

ص: 145


1- وسائل الشيعة 5 - 415 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 411 ح 1 و 3.

الأصحاء. ويجوز للأعرج أن يؤم الأصحاء.

ولو عجز عن القيام إلا بما يعتمد عليه ، فاعتمد حال قيامه ، فالأقوى صحة إمامته بالصحيح ، لأن المنع - وهو إمامة القاعد - غير ثابت هنا. والأقوى في الراكع خلقة المنع من إمامته بالسليم ، ويجوز بمثله. وفي جوازه بالأدون إشكال.

ويجوز إمامة أقطع اليدين والرجل بالصحيح دون أقطع الرجلين. ويجوز إمامة الخصي والجندي.

الثالث : القراءة شرط في إمامة القراء ، فلا يجوز أن يأتم قارئ بأمي في الجهرية والسرية. ونعني بالأمي من لا يحسن القراءة ، أو لا يحسن الفاتحة ، لأن القراءة واجبة مع القدرة. ومع الإتمام بالأمي تخلو الصلاة عن القراءة ، ولأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المأموم بحق الإمامة بدلالة المسبوق ، فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل.

ولا فرق بين أن يقرأ المأموم لنفسه في السرية أو الجهرية أو لا يقرأ. فلو صلى القارئ خلف الأمي ، بطلت صلاة المأموم خاصة ، لاختصاص المنع به.

أما لو كان القارئ مرضيا عند الأمي ، فالأقرب وجوب الايتمام بالقارئ ، فإن أخل بطلت صلاته مع المكنة ، لأنه متمكن من الإتيان بالصلاة على وجهها وهي القراءة ، فوجب عليه.

ويجوز أن يأتم الأمي بمثله إن عجز الإمام والمأموم عن التعلم ، أو ضاق الوقت دونه ، لتساويهما.

ولو تمكن أحدهما من التعلم والوقت متسع ، بطلت صلاته ، إماما كان أو مأموما. أما المأموم فإن كانت صلاة الإمام باطلة ، لتمكنه دون تمكن المأموم ، لم يصح الاقتداء به أيضا.

ويجب على الأمي الاشتغال بالتعلم دائما إلا وقت الضرورة ، كالأكل

ص: 146

والشرب وقضاء الحاجة وضيق وقت الفريضة ، وتحصيل ما لا بد منه من القوت الحافظ للنفس ولعياله ، والاشتغال بالمندوب ليس عذرا.

ولو أم الأمي قارئا وأميا معا ، أعاد القارئ خاصة ، وكذا الأمي إن وجد قارئا مرضيا ، أو تمكن من التعلم قبل خروج الوقت ، وإلا فلا.

ولو كان أحدهما يحسن الفاتحة والآخر السورة ، فالأقرب وجوب الايتمام بمن يحسن الفاتحة ، للإجماع على أولويتها ووجوبها عند الأكثر.

ولو جوزنا انقلاب المأموم إماما لإمامه ، ائتم جاهل الفاتحة بعارفها ، فإذا فرغ نوى الثاني الايتمام بالأول. ولو كان معهما ثالث لا يعرف شيئا ، ائتم بعارف الفاتحة ، فإذا فرغ نقل نيته إلى الايتمام بالثاني. وفي وجوب ذلك إشكال.

هذا إذا كانا مرضيين ، ولو كان جاهل الفاتحة مرضيا ، وجب على جاهلها الايتمام به على إشكال.

ولو كان أحدهما يعرف بعض الفاتحة والآخر سورة كملا ، احتمل تخير ايتمام أحدهما بالآخر ، وأولوية إمامة عارف بعض الفاتحة.

ولو جهل القارئ حال الأمي ، فأحرم مأموما معه ، ثم علم في الأثناء ، نقل النية إلى الانفراد وجوبا. ولو كانت الصلاة سرية ، أو بعد عنه ، أو جوز غفلته عن الجهر ، ولم يعلم حاله حتى فرغ من صلاته خلفه ، صحت صلاته ، لأنه يبني على الظاهر. ويحتمل المنع ، لأن العدالة شرط وقد جهل المأموم بها.

ولو أم الأخرى مثله ، صحت صلاتهما ، لتساويهما في العجز. ولا يجوز أن يؤم بالصحيح وإن كان أميا ، لتمكنه من التكبير والذكر. ويحتمل الجواز ، لأن الإمام لا يتحمل التكبير وهما سواء في القراءة. والوجه الأول ، لتمكنه من بدلها.

ويجوز إمامة الأصم بالسليم ، لأنه لا يخل بشي ء من واجبات الصلاة.

ولو أحسن كل منهما بعض الفاتحة ، فإن اتحد صح ايتمام أحدهما

ص: 147

بصاحبه ، لتساويهما. وإن اختلف لم يصح ، لأن كلاّ منهما أمي بالنسبة إلى صاحبه باعتبار ما جهله.

الرابع : اللحن في القراءة الواجبة ، إن فعله عمدا مع تمكنه من التعلم ، أبطل صلاته ، لأنه ليس بعربي ، والقرآن عربي ، ولا فرق بين أن يختلف المعنى ، كمن يكسر كاف « إياك » أو لا كمن يفتح كاف « إياك ».

وإن كان سهوا ، لم تبطل صلاته ، ولا صلاة من خلفه. وإن كان جاهلا ، فإن تمكن من التعلم واتسع الزمان ، بطلت صلاته وصلاة من خلفه ، لأنه كالعامد. ولو لم يتمكن أو ضاق الوقت من غير تفريط ، صح أن يكون إماما لمثله.

والأقرب أنه لا تصح إمامته بالمتقن ، لأنه متمكن من الصلاة بقراءة صحيحة ، فلا يجوز العدول إلى الفاسد.

ولو كان لحن أحدهما مختلا ولحن الآخر غير مختل ، فالأقوى جواز اقتداء الأول بالثاني دون العكس.

الخامس : لا يصح أن يؤم مئوف اللسان صحيحه ، لوجوب القراءة في حق الصحيح ، لتمكنه منها ، ومع عجز الإمام لا يصح التحمل ، فلا يصح الاقتداء. ويصح أن يؤم مثله إذا تساويا في النطق.

ولو تمكن من إصلاح لسانه فأهمل ، لم تصح صلاته مع سعة الوقت ولا صلاة من خلفه.

ولو كان ألثغ يبدل حرفا بآخر مع تمكنه من التعلم لم تصح ، كمن يبدل الحاء بالخاء أو بالهاء ، أو يبدل الميم في « المستقيم » بالنون ، أو السين بالثاء ، أو الراء بالغين.

وإن لم يطاوعه لسانه ، أو كان ولم يمض من الزمان ما يمكنه التعلم فيه ، أو لم يجد المرشد ، صحت صلاته دون صلاة من خلفه ، ولو تمكن من التعلم ، لم تصح صلاته ووجب عليه قضاؤها ، فلا يصح الاقتداء به.

ص: 148

وكذا من في لسانه رخاوة تمنع أصل التشديدات.

ومن لا يفصح ببعض الحروف ، كالضاد والقاف ، لا تصح إمامته للعارف ، لأنه أمي بالنسبة إلى الفصيح ، ويجوز أن يؤم مثله.

ولو أبدل الضاد في « المغضوب » أو « الضالين » وغيرهما بالظاء ، لم تصح صلاته مع إمكان التعلم.

وتكره إمامة التمتام ، وهو الذي يردد التاء ثم يأتي بها ، والفأفاء ، وهو الذي يردد الفاء ثم يأتي بها ، لأنهما لا ينقصان شيئا ، ويزيدان زيادة يعذران فيها.

ولو كان له لثعة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ، ولكن لا يبدله بغيره ، جاز أن يكون إماما للقار.

السادس : الأجذم والأبرص لا يؤمان الصحيح على الأقوى ، لنفور النفس عنهما ، فلا يحصل الانقياد إلى طاعتهما ، وقول الصادق علیه السلام : خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي (1). ويجوز إمامتهما لمثلهما وإمامة كل واحد للآخر.

السابع : الأعرابي وهو الذي لا يعرف محاسن الإسلام لا يؤم المهاجرين ، لقوله تعالى ( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ ) (2) ولأنه لا يعرف تفاصيل أحكام الصلاة ، وللحديث السابق. وكذا غيره من العوام إذا لم يعرف شرائط الصلاة على التفصيل.

ولو كان الأعرابي قد دخل البناء وعرف أحكام الصلاة على التفصيل وما يكفيه اعتماده في التكليف وتدين به ، ولم يكن ممن يلزمه المهاجرة وجوبا ، جازت إمامته مطلقا ، لوجود الشرائط فيه ، وانتفاء الموانع عنه.

ص: 149


1- وسائل الشيعة 5 - 397 ح 1 و 399 ح 5.
2- سورة التوبة : 97.

والضابط فيه : إنه إن عرف الواجب من المندوب ، صح الايتمام به ، وإلا فلا.

ولا يجوز أن يكون إماما لمثله على إشكال ، أقربه الجواز مع عدم وجوب القضاء للصلاة ، والمنع لا معه.

البحث الثالث: ( فيمن تكره إمامته )

الأول : تكره إمامة المحدود بعد توبته ، لأن فسقه وإن زال بالتوبة ، لكن نقص منزلته وسقوط محله في القلوب باق.

الثاني : تكره إمامة السفيه ، لقول أبي ذر : إن إمامك شفيعك إلى اللّه ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا (1).

الثالث : في كراهة إمامة الأعمى إشكال ، أقربه المنع ، لقول الصادق علیه السلام : لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم وإن كانوا هم الذين يوجهونه (2). وقول علي علیه السلام : لا يؤم الأعمى في الصحراء إلا أن يوجه إلى القبلة (3). ولأنه فاقد حاسة لا يختل به شي ء من شرائط الصلاة ، فأشبه الأصم ، نعم البصير أولى لتوقيه من النجاسات.

الرابع : كره الشيخ إمامة العبد إلا لأهله ، لقول علي علیه السلام : لا يؤم العبد إلا أهله (4). وليس للتحريم ، لأن أحدهما علیهماالسلام سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرانا؟ فقال : لا بأس (5). ولأنه من أهل الأذان ، فكان من أهل الإمامة ، لاشتراكهما في الإمامة.

ص: 150


1- وسائل الشيعة 5 - 392 ح ط.
2- وسائل الشيعة 3 - 235 ح 1 و 5 - 409 ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 - 235 ح 3 و 5 - 410 ح 7.
4- وسائل الشيعة 5 - 401 ح 4 ، وكلام الشيخ في الخلاف 1 - 209.
5- وسائل الشيعة 5 - 400 ح 2.

وحكم المعتق بعضه والمكاتب وأم الولد والمدبر حكم الرق.

الخامس : يكره أن يأتم الحاضر بالمسافر وبالعكس ، وليس محرما ، لأن الأصل الجواز ، واشتمال الايتمام لكل واحد منهما بصاحبه على المفارقة يقتضي الكراهة.

وقال الصادق علیه السلام : لا يؤم الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي بشي ء من ذلك فأم قوما حاضرين ، فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمهم فأمهم وإذا صلى المسافر خلف المقيم ، فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر (1).

ولو لم تحصل المفارقة ، فالأقرب زوال الكراهة كالغداة والمغرب ، وكذا لو صلى الإمام ركعتين ثم حضر المسافر.

السادس : يكره أن يأتم المتوضئ بالمتيمم ، فإن فعل صح إجماعا ، لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ النبي صلی اللّه علیه و آله فلم ينكره ، ولأنه متطهر طهارة صحيحة فأشبه المتوضئ. وأما الكراهة فلنقص طهارته ، وقول علي علیه السلام : لا يؤم المقيد المطلقين ، ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء ، ولا صاحب التيمم المتوضئين (2).

ويجوز للطاهرة أن تأتم بالمستحاضة ، لأنها متطهرة فأشبهت المتيمم. وكذا يصح ايتمام الصحيح بصاحب السلس ، لأنه متطهر ، والحدث الموجود غير مانع. وأن يأتم الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة كالمجروح.

وليس للمتوضئ ولا للمتيمم الايتمام بعادم الماء والتراب ، سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا ، لأنه غير متطهر.

وقال الشيخ : يجوز للمكتسي أن يأتم بالعريان ، وفيه نظر ، لأن العاري

ص: 151


1- وسائل الشيعة 5 - 404 ح 6.
2- وسائل الشيعة 5 - 411 ح 1.

إن صلى قاعدا لم يصح الايتمام به ، وإن صلى قائما موميا ، لم يصح الايتمام به حالة الركوع والسجود. ولو كان المكتسي يصلي بالإيماء لمرض ، جاز أن يأتم بالعريان حينئذ.

ولا يجوز للقادر على الاستقبال الايتمام بالعاجز عنه ، ويصح لمماثله.

ولو صلت الحرة خلف أمة مكشوفة الرأس صح ، فإن أعتقت في الأثناء وكانت السترة قريبة ، فأخذتها وأتمت الصلاة ، صح استمرار الايتمام ، وإلا نوت المأمومة المفارقة. وكذا العاري يجد السترة في الأثناء.

السابع : يكره أن يؤم قوما يكرهون الايتمام به ، لقوله علیه السلام : ثلاثة لا يتجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام قوم وهم له كارهون (1).

المطلب الرابع: ( في ترجيح الأئمة )

إذا حضر إمام الأصل ، لم يجز لأحدهم التقدم عليه ، وتعين هو للإمامة ، لقوله تعالى ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (2) وقال تعالى ( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولِهِ ) (3) وهو خليفته ، فيكون له هذه المنزلة ، ويجوز مع العذر الاستنابة.

ويحصل في غيره أولوية التقدم إذا كثروا بأمور :

الأول : القراءة ، فإذا تعددت الأئمة ، قدم من يختاره المأمومون ، فإن اختلفوا قدم من يختاره الأكثر ، فإن تساووا قدم الأقرأ ، والأصل في التقديم بالفضائل ما روي عنه علیه السلام قال : يؤم القوم أقرأهم لكتاب اللّه (4).

ص: 152


1- جامع الأصول 6 - 380.
2- سورة النساء : 59.
3- سورة الحجرات : 1.
4- جامع الأصول 6 - 373.

فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم بالهجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأكبرهم سنا.

ولأن القراءة ركن في الصلاة ، فكان الأعلم فيها أولى ، كالقادر على القيام مع العاجز عنه.

وقدم بعض علمائنا الأفقه على الأقرأ ، لانحصار القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة وهو يحفظها ، وعدم انحصار ما يحتاج إليه من الفقه ، لعدم انضباط الوقائع الجزئية والحوادث. وقد يعرض له في الصلاة ما يحتاج إلى الفقه في معرفته. والحديث متأول ، فإن الصحابة كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه.

إذا ثبت هذا فإن أحد القارئين يرجح على الآخر بكثرة القرآن ، فإن تساويا في قدر ما يحفظانه وكان أحدهما أجود قراءة وأشد إخراجا للحروف من مواضعها ، فهو أولى. وإن كان أحدهما أقل حفظا والآخر أجود قراءة ، فالأجود أولى.

الثاني : إذا تساووا في القراءة قدم الأفقه لما تقدم في الحديث وقيل : يقدم الأسن ثم الأفقه لقول الصادق علیه السلام : يؤم القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن تساووا فأقدمهم هجرة ، فإن تساووا فأسنهم ، فإن كانوا سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنّة (1).

ولو اجتمع فقيهان أحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدم الأقرأ على أحد القولين ، والأفقه على الآخر. ولو تساووا في القراءة والفقه قدم الأقدم هجرة ، والمراد به سبق الإسلام ، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته يتقدم بذلك ، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.

وللشيخ قول : إنه مع التساوي في الفقه يقدم الأشرف ، فإن تساووا قدم

ص: 153


1- وسائل الشيعة 5 - 419 ح 1.

الأقدم هجرة ، فإن تساووا في الهجرة ، إما لهجرتهما معا ، أو لعدمها عنهما ، قدم الأسن (1) ، لحديث الصادق علیه السلام (2) ولأنه أحق بالتقديم والإعظام.

واختلف ، فقيل : أن يمضي عليه في الإسلام أكثر ، فلا يقدم شيخ أسلم اليوم على شاب نشأ في الإسلام.

فإن تساووا في السن قدم الأصبح وجها ، والمراد به إما أحسنهم صورة ، أو أحسنهم ذكرا بين الناس.

فإن تساووا في ذلك ، قدم الأشرف ، وهو الأعلى في النسب ، والأفضل في نفسه ، والأرفع قدرا.

فإن تساووا في ذلك ، قدم الأورع والأتقى ، وليس المراد مجرد العدالة ، بل ما يزيد عليه من العفة وحسن السيرة. والأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف نسبا ، لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا.

فإن تساووا في ذلك كله فالقرعة ، لأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع ، فلا بد من القرعة ، لعدم التخصيص من غير مخصص.

ولو قدم المفضول على الفاضل في هذه المراتب كلها جاز ، لأنها إمامة خاصة ، بخلاف الإمامة العامة.

الثالث : صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه من غيره ، وإن كان الغير أقرأ وأفقه إجماعا ، لقوله علیه السلام : لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه (3). والمراد بالتكرمة الفراش ، وقيل : المائدة. وقال الصادق علیه السلام : لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله وفي سلطانه (4).

ص: 154


1- المبسوط 1 - 157.
2- المتقدم آنفا.
3- جامع الأصول 6 - 373.
4- وسائل الشيعة 5 - 419 ح 1.

ولو كان في المنزل إمام الحق فهو أولى ، لأنه الحاكم المطلق ، وأم النبي صلی اللّه علیه و آله غسان بن مالك وأنسا في بيوتهما.

وإمام المسجد الراتب أولى من غيره ، لأنه في معنى صاحب المنزل والسلطان ، ولقوله علیه السلام : من زار قوما فلا يؤمهم (1) ، وهو عام في المسجد ، ولو أذن صاحب المنزل أو السلطان لغيره كان أحق.

والوالي من قبل السلطان أولى من صاحب المنزل والمسجد ، لأنه نائب الأولى فكان له منزلة المنوب.

ولو دخل السلطان بلدا له فيه خليفة ، فهو أولى من خليفته ، لأصالة ولايته.

والسيد أولى من العبد في بيت العبد ، لأنه صاحب البيت. ولو اجتمع العبد وغير سيده ، فالعبد أولى باعتبار المنزل.

ولو اجتمع مالك الدار ومستأجرها فيها ، فالمستأجر أولى ، لأنه أحق بالمنفعة والاستيلاء. ولو كان المالك ممن لا يصلح للإمامة فقدم غيره ، ففي أولويته إشكال.

ولو اجتمع المكاتب والسيد في دار المكاتب ، فالأقرب أن المكاتب أولى ، لقصور يد السيد عن أملاك المكاتب.

والمالك أولى من المستعير ، لنقص تصرف المستعير ، إذ للمالك عزله متى شاء.

ولو حضر جماعة المسجد ، استحب لهم مراسلة إمامة الراتب ، فإن حضر وألا يقدم أحدهم. ولو خافوا فوت أول الوقت وآمنوا الفتنة جمعوا.

وهل يقدم أولاد من تقدمت هجرته؟ الأقرب ذلك من حيث شرف النسب ، لا من حيث تقدم الهجرة.

ص: 155


1- جامع الأصول 6 - 375.

ولو اجتمع مالكا الدار ، لم يتقدم غيرهما ، ويتقدم أحدهما بإذن الآخر أو القرعة.

المطلب الخامس: ( في اللواحق )

وهي :

الأول : لو كان الإمام ممن لا يقتدى به ، لم يجز الاقتداء ، فإن احتاج إلى الصلاة معه ، تابعه في الأفعال وقرأ مع نفسه ، وإن كانت الصلاة جهرية للضرورة ، ولا يعيد لاقتضاء الأمر الإجزاء.

الثاني : لو كان الإمام كافرا ولم يعلم المأموم ، ثم علم في الأثناء ، عدل إلى الانفراد واجبا ، فإن لم يفعل واستمر على الاقتداء بطلت صلاته ، لإخلاله بالشرط.

ولو علم بعد الفراغ ، صحت صلاته على الأقوى ، للامتثال بفعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة ، إذ هو مكلف بالظاهر. وسئل الصادق علیه السلام عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال ، وكان يؤمهم رجل ، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال : لا يعيدون (1).

ولا فرق بين كون الكفر مما يستتر به عادة كالزندقة أو لا. وقيل : يعيد مطلقا ، لأنه ائتم بمن ليس من أهل الصلاة ، فتبطل صلاته. كما لو ائتم بمجنون (2) ، وينتقض بالمحدث.

ويحتمل الفرق بين الخفي وغيره ، لمشقة الوقوف عليه. ويعزر الكافر إذا أم ، لأنه غاشّ.

ولو صلى خلف من أسلم من الكفار ، فلما فرغ من صلاته قال : لم أكن

ص: 156


1- وسائل الشيعة 5 - 435 ح 1.
2- في « ق » المجنون.

أسلمت ولكن تظاهرت بالإسلام ، لم يلزمه قبول قوله لكفره ، ولا إعادة عليه.

ولو كان يعرف لرجل إسلام وارتداد ، فصلى آخر خلفه ولم يعلم في أي الحالين صلى خلفه ، لم يعد ، لأن الشك بعد الفراغ غير مؤثر.

الثالث : لو كان الإمام جنبا أو محدثا ، لم تصح صلاته ، سواء علم بحدث نفسه أو لا ، وتصح صلاة من خلفه إذا لم يعلم بحدثه للامتثال ، ولأن الباقر علیه السلام سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر ولا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ قال : يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه على غير طهر (1). ولأنه لا علامة للمتطهر من المحدث ، فلم يوجد من المأموم تقصير في الاقتداء.

ولو أحدث الإمام في الأثناء فعلم به المأموم ، وجب أن ينوي الانفراد ، فإن استمر على نية الايتمام بطلت صلاته. وإذا كان حدثه بعد إكمال القراءة ، ركعوا منفردين أو يقدمون غيره ، وإن كان قبل القراءة ، اشتغلوا بها ، وكذا لو كان في الأثناء ، ويحتمل الإتمام من حيث قطع.

ولو أخبر الإمام بعد فراغه أنه محدث أو جنب ، لم يلتفت إليه في بطلان صلاة المأموم.

ويستحب للإمام أو المأمومين إذا أحدث الإمام ، أو أغمي عليه ، أو جن ، أو مات ، أن يقدم من يؤم من الجماعة ويتم بهم الصلاة لا وجوبا ، لأصالة البراءة.

ويكره أن يستنيب المسبوق ، لقول الصادق علیه السلام : فلا ينبغي له أن يقدم إلا من قد شهد الإقامة (2). ويجوز أن يستنيب المنفرد والسابق ، فإن استنابه جاز أن يستنيب ثانيا.

ولا فرق في جواز الاستخلاف بين أن يكون الإمام قد سبقه الحدث ، أو

ص: 157


1- وسائل الشيعة 5 - 434 ح 4.
2- وسائل الشيعة 5 - 439 ح 2.

أحدث عمدا ، فيجوز للمحدث عمدا أن يستنيب هو أو المأمومون ، ولا يشترط الاستخلاف ، فلو تقدم بنفسه جاز أن يتموا معه الصلاة.

ولو استخلف اثنين حتى يصلي كل واحد بطائفة ، جاز في غير الجمعة ، وفيها إشكال ، ينشأ من المنع من تعدد الأئمة في الابتداء فكذا في الأثناء ، ومن كون الجمعة واحدة في الحقيقة.

الرابع : إذا بلغ الطفل سبع سنين ، كان على أبيه أن يعلمه الطهارة والصلاة ، ويعمله الجماعة وحضورها ليعتادها ، لحصول التمييز للصبي في هذا السن.

وإذا بلغ عشر ضرب عليها ، وإن كانت غير واجبة ، لما فيه من اللطف ، وهو الاعتياد والتمرين ، ولقوله علیه السلام : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع (1). وكذا يفعل ولي الصبي ووصيه ، وقال الصادق علیه السلام : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، فإنا نأمر أولادنا بالصلاة وهم أبناء خمس ، ونضربهم عليها وهم أبناء سبع (2).

وقد روي عن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : إذا بلغ الصبي سبع سنين أمر بالصلاة ، فإذا بلغ عشرا ضرب عليها ، فإذا بلغ ثلاث عشرة فرقوا بينهم في المضاجع ، فإذا بلغ ثماني عشرة علم القرآن ، فإذا بلغ إحدى وعشرين انتهى طوله ، فإذا بلغ ثماني وعشرين كمل عقله ، فإذا بلغ ثلاثين بلغ أشده ، فإذا بلغ أربعين عوفي من البلوى الثلاث : الجذام والجنون والبرص ، فإذا بلغ الخمسين حبب إليه الإنابة ، فإذا بلغ الستين غفرت ذنوبه ، فإذا بل السبعين عرفه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتبت الحسنات ولم تكتب السيئات ، فإذا بلغ التسعين كتب أسيرا لله في أرضه ، فإذا بلغ المائة شفع في سبعين من أهل بيته وجيرانه ومعارفه (3).

ص: 158


1- جامع الأصول 6 - 133.
2- وسائل الشيعة 3 - 12 ح 5.
3- جامع الأصول 6 - 132 ، سنن أبي داود 1 - 133 ، رووا صدر الحديث.

إذا عرفت هذا فإن الصلاة تجب عليه مع البلوغ لا قبله ، لقوله علیه السلام : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ الحلم (1).

الخامس : إذا شرع إنسان في نافلة ، فأحرم الإمام ، قطعها إن خاف الفوات ، تحصيلا لفضيلة الجماعة ، سواء خاف فوت النافلة أو لا ، ولو لم يخف فوات الجماعة ، أتم النافلة ثم دخل في الفريضة.

ولو كان في فريضة ، استحب له أن ينقل نيته إلى النافلة ويكملها ركعتين ، ثم يدخل مع الإمام في الصلاة ، للحاجة إلى نيل الجماعة.

ولو كان إمام الأصل ، قطع الفريضة ، كما يقطع النافلة لغيره ، ثم يدخل معهم في الجماعة ، لأن متابعته أولى.

ولو كان الإمام ممن لا يقتدى به ، استمر على حاله ، لأنه ليس بمؤتم في الحقيقة وللرواية (2).

ولو تجاوز في الفريضة ركعتين ، ثم أحرم الإمام. فإن كان إمام الأصل ، قطعها واستأنف معه ، لما فيه من المزية المقتضية للاهتمام بمتابعته. وإن كان غيره ، فالأقرب الإتمام ثم الدخول معه على سبيل إعادة المنفرد مع الجماعة.

ولو ابتدأ بقضاء الظهر ، ثم شرع الإمام في صلاة الصبح ، وخاف أن يتمم ركعتين نافلة فاتته الصلاة مع الإمام ، فإن كان إمام الأصل أبطل صلاته ، وإلا فالوجه إتمام القضاء وتفويت الجماعة ، لأن تداركها إنما هو بنقل النية من الفرض إلى النفل ، ولا يحصل التدارك بذلك.

السادس : ينبغي للإمام أن يخفف صلاته بتخفيف الأذكار ، وتكميل أفعالها من ركوع وسجود وقيام. قال أنس : ما صليت خلف أحد قط أخف ولا أتم صلاة من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (3).

ص: 159


1- الخصال ص 162.
2- وسائل الشيعة 5 - 458 ح 2.
3- جامع الأصول 6 - 384.

ولو أحب المأمومون خلفه التطويل ، لكان أولى ، لقوله علیه السلام : أفضل الصلاة ما طال قنوتها (1).

السابع : لا يجب على المأموم القراءة في الجهرية والإخفاتية ، سمع قراءة الإمام أو لا. ولا يستحب في الجهرية مع السماع ، لقوله تعالى ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (2) نزلت في بيان الصلاة. وقوله علیه السلام : وإذا قرأ فأنصتوا (3) ، وقول الصادق علیه السلام : إذا كنت خلف إمام تولاه وتثق به ، فإنه يجزيك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فأنصت ، قال اللّه تعالى ( وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (4) ولأنها قراءة لا تجب على المسبوق ، فلا تجب على غيره.

وهل تحرم القراءة لو سمع ولو مثل الهمهمة؟ قال الشيخان : نعم ، لقول الصادق علیه السلام : من رضيت به فلا تقرأ خلفه (5) ، والنهي للتحريم. ولو لم يسمع ولا همهمة في الجهرية ، فالأفضل القراءة لا واجبا ، لقول الصادق علیه السلام : إذا كنت خلف من ترضى به في صلاة يجهر فيها فلم تسمع قراءته فاقرأ ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ (6). وقال الرضا علیه السلام في الرجل يصلي خلف من يقتدى به يجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة قال : لا بأس إن صمت وإن قرأ (7).

ويستحب للأصم أن يقرأ مع نفسه ، لأنه لا يسمع همهمة ، والأقرب أن له التوجه ، أما الاستعاذة فلا إلا مع القراءة.

ولو كانت الصلاة سرا قال الشيخ : يستحب قراءة الحمد خاصة (8) ،

ص: 160


1- جامع الأصول 6 - 264.
2- سورة الأعراف : 204.
3- سنن ابن ماجة 1 - 276.
4- وسائل الشيعة 5 - 424 ح 15.
5- وسائل الشيعة 5 - 424 ح 14.
6- وسائل الشيعة 5 - 423 ح 7.
7- وسائل الشيعة 5 - 424 ح 11.
8- المبسوط 1 - 158.

لقول الصادق علیه السلام : فإن لم تسمع فاقرأ (1). وهو يعطي استحباب القراءة في الإخفاتية.

ولا يستحب القراءة في سكتات الإمام ، لقول الصادق علیه السلام : لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلى الإمام (2). ولو لم يقرأ مطلقا صحت صلاته ، لقوله علیه السلام : من كان له إمام فقراءته له قراءة (3).

ولو كان الإمام ممن لا يرتضى به وجبت القراءة ، فإن كانت جهرية جاز أن يخافت للضرورة ، وقول الصادق علیه السلام : يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس (4). فإن لم يتمكن من السورة الأخرى ، فالأقوى الاجتزاء بالفاتحة. ولا يجب إعادة الصلاة وإن كان في الوقت. ولو عجز عن إكمال الفاتحة ، فالوجه إعادة الصلاة.

ولو فرغ المأموم من القراءة قبل الإمام ، استحب له أن يسبح ، تحصيلا لفضيلة الذكر ، ولئلا يقف صامتا ، ولقول الصادق علیه السلام : أمسك آية ومجد اللّه وأثن عليه ، فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع (5).

إذا ثبت هذا فإنه يستحب أن يمسك عن قراءة آخر الآيات من السورة ، فإذا فرغ الإمام قرأ هو تلك الآية ليركع عن قراءة. والظاهر أن ذلك في الصلوات السرية ، لأن الإنصات في الجهرية أفضل ، أو أن يكون الإمام ممن لا يقتدى به.

الثامن : يستحب للإمام أن يسمع من خلفه القراءة والتشهد وذكر الركوع والسجود ، لقول الصادق علیه السلام : ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا مما يقول (6).

ص: 161


1- وسائل الشيعة 5 - 422 ح 1 و 5.
2- وسائل الشيعة 5 - 423 ح 8.
3- سنن ابن ماجة 1 - 277 الرقم 850.
4- وسائل الشيعة 5 - 428 ح 4.
5- وسائل الشيعة 5 - 432 ح 1.
6- وسائل الشيعة 5 - 452 ح 3.

التاسع : ينبغي للإمام أن لا يبرح من مكانه حتى يتم المسبوق ما فاته ، لأن إسماعيل بن عبد الخالق سمعه يقول : لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلى حتى يقضي كل من خلفه ما فاته من الصلاة (1).

العاشر : يكره التنفل بعد الإقامة ، لأنه وقت القيام إلى الفريضة ، فلا يشتغل بغيرها.

ص: 162


1- وسائل الشيعة 5 - 451 ب 51.

الفصل الثاني: ( في صلاة السفر )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( القصر ومحله )

القصر جائز في الصلاة الرباعية بإجماع العلماء ، والأصل فيه الآية (1) ، وفعل النبي صلی اللّه علیه و آله حيث قصر في أسفاره حاجا وغازيا ، حتى أن جاحده كافر ، لأنه جحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة.

ومحله الصلاة والصوم ، أما الصلاة ففي الفرائض الرباعية منها خاصة ، وهي الظهر والعصر والعشاء ، وفي النوافل نوافل الظهرين والوتيرة بشرط الأداء في السفر. فلا قصر في الغداة والمغرب بالإجماع.

والقصر في الرباعية بحذف الشطر الأخير ، فيقتصر على الأولتين منها ، ولا يجوز الاقتصار على أقل منها في سفر خوف وأمن ، لأن أسفار النبي صلی اللّه علیه و آله قد كانت مع الخوف ولم ينقص عن ركعتين.

ولا قصر في القضاء إذا فات في الحضر ، وإن كان حال القضاء مسافرا أو حاضرا وقد تخلل السفر بينهما ، لانتفاء العذر وقت استقرارها.

ص: 163


1- وهي ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) سورة النساء : 101.

ولو تركها في السفر ثم ذكرها في السفر ، قضاها قصرا ، لوجود العذر حالة الوجوب ، وإن تخلل الحضر بينهما. ولو ذكرها في الحضر ، قضاها قصرا ، لأن القضاء يعتبر بالأداء ، وإنما يقضي ما فاته والفائت ركعتان. وقال علیه السلام : من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (1).

ولو تردد في أنها فائتة في الحضر أو السفر ، فالوجه وجوب صلاتي تمام وقصر ، ويحتمل الأول خاصة والثاني خاصة ، لأصالة البراءة عن الزائدة على الواحدة وعلى الركعتين ، وأصالة الحضر وتوقف يقين البراءة على الجمع.

المطلب الثاني: ( في تجدد السفر على الحضر وبالعكس )

لو سافر بعد دخول الوقت ومضي وقت الطهارة والصلاة ، فالأقرب وجوب الإتمام ، لأن الصلاة تجب بأول الوقت وقد أدرك وقت الوجوب ، فلزمه التمام كالحائض والمغمى عليه ، وقول الصادق علیه السلام : لبشير النبال وقد خرج معه حتى أتينا الشجرة : يا نبال قلت : لبيك ، قال : إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك ، وذلك لأنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج (2).

وللشيخ قول بجواز القصر ، لكن يستحب التمام ، لعموم الآية ، ولأنه مسافر قبل خروج الوقت ، فأشبه ما لو سافر قبل الوجوب ، ولأنه مؤد للصلاة ، فوجب أن يؤديها بحكم وقت فعلها ، ولأن الاستقرار إنما يكون بآخر الوقت ، ولهذا لا يعصي لو مات وقد أخر الصلاة. بخلاف الحائض ، فإنه مانع من الصلاة ، فإذا طرأ الحيض وقت الإمكان في حقها في ذلك القدر ، فكأنها أدركت جميع الوقت ، بخلاف المسافر فإنه غير مانع ، ولأن الحيض لو أثر لأثر في إسقاط الصلاة بالكلية.

ص: 164


1- عوالي اللئالي 3 - 107.
2- وسائل الشيعة 5 - 537 ح 10.

والقول بالسقوط مع إدراك وقت الوجوب بعيد. والسفر يؤثر في كيفية الأداء في أصل الفعل ، فأشبه ما لو أدرك العبد من الوقت قدر ما يصلي فيه الظهر ، ثم عتق فلزمه الجمعة دون الظهر.

ولأن الصادق علیه السلام سأله إسماعيل بن جابر يدخل وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج قال : صل وقصر ، فإن لم تفعل فقد واللّه خالفت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (1). ويمكن حملها على ما لو خرج في ابتداء الوقت.

ولو دخل الوقت وهو في السفر ، ثم حضر قبل خروجه وقبل صلاته ، فالأقرب وجوب الإتمام ، لانتفاء سبب الترخص ، ولقول الصادق علیه السلام حيث سأله إسماعيل بن جابر يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا أصلي حتى أدخل أهلي أصلي وأتم (2). قال الشيخ : ولو بقي ما يقصر عن التمام صلى قصرا وإلا أتم (3).

ولو سافر وقد بقي من الوقت مقدار ركعة أو ركعتين ، قال الشيخ : فيه خلاف بين أصحابنا (4) ، فمن قال الأداء يحصل بإدراك ركعة وجب القصر ، لإدراك الوقت مسافرا ، وإن قلنا إن بعضها قضاء والبعض أداء لم يجز القصر ، لأنه غير مؤد لجميع الصلاة في الوقت.

ولو سافر وقد بقي من الوقت أقل من ركعة ، وجب القضاء تماما إجماعا ، لفواتها حضرا.

ولو سافر وحضر قبل الصلاة بعد دخول وقتها ، ثم فاتته ، قضاها تماما على ما اخترناه من وجوب الإتمام في الموضعين ، لأن القضاء تابع للأداء. ومن اعتبر حال الوجوب ، وجب الإتمام في الأولى والقصر في الثانية. ومن اعتبر في القضاء حال الفوات عكس ، وبالأول رواية عن الباقر علیه السلام حيث سأله

ص: 165


1- وسائل الشيعة 5 - 535 ح 2 ذيل الحديث.
2- وسائل الشيعة 5 - 535+ 2 صدر الحديث.
3- الخلاف 1 - 225.
4- الخلاف 1 - 225.

زرارة في رجل دخل عليه وقت الصلاة في السفر ، فأخر الصلاة حتى قدم ، فنسي حين قدم أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها : يصليها صلاة المسافر ، لأن الوقت دخل عليه وهو مسافر ، كما ينبغي له أن يصليها عند ذلك (1).

المطلب الثالث: ( في وجوب القصر )

القصر عزيمة في الصلاة والصوم ، واجب لا رخصة يجوز تركه ، فلو أتم عامدا عالما بوجوب القصر عليه ، بطلت صلاته عند جميع علمائنا ، لقوله تعالى ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (2) أوجب القصر في الصوم بنفس السفر. وقصر الصلاة ملازم إجماعا.

ولم يزل علیه السلام مواظبا على قصر الصلاة ، ولو كان رخصة يجوز تركها لعدل إلى الأصل ليعرف الأحكام. وسأل الحلبي الصادق علیه السلام قال : صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر؟ قال : أعد (3) ، ولأن الأخيرتين يجوز تركهما إلى غير بدل ، فلم تجز الزيادة عليهما كالصبح.

ولا يتغير فرض المسافر بالايتمام بالمقيم عند علمائنا ، فلو ائتم بمقيم صلى ركعتين وسلم ولم يجز له الايتمام ، سواء أدرك أول الصلاة أو آخرها ، لأن فرضه القصر ، فلا يجوز له الزيادة. كما لو صلى الفجر خلف من يصلي الظهر ، ولقول الصادق علیه السلام في المسافر يصلي خلف المقيم ركعتين ويمضي حيث شاء (4).

ولو ائتم المقيم بالمسافر وسلم الإمام في ركعتيه ، أتم المقيم إجماعا. ولو أتم المسافر عمدا ، بطلت صلاته للزيادة ، وصلاة المأمومين المقيمين ، للمتابعة في صلاة باطلة.

ص: 166


1- وسائل الشيعة 5 - 535 ح 3.
2- سورة البقرة : 185.
3- وسائل الشيعة 5 - 531 ح 6.
4- وسائل الشيعة 5 - 403 ح 2.

ولو أم المسافر المسافرين فأتم ناسيا فإن كان الوقت باقيا أعاد ، وإلا صحت صلاتهم ولو ذكر الإمام بعد قيامه إلى الثالثة ، جلس واجبا وحرم عليه الإتمام. ولو علم المأموم أن قيامه لسهو ، لم يتابعه وسبّح به ، فإن لم يرجع فارقه ، فإن تابعه بطلت صلاته للزيادة ، ولا تبطل صلاة الإمام إن كان آخر الوقت.

وإذا دخل المسافر بلدا وأدرك الجمعة ، فأحرم خلف الإمام ينوي قصر الظهر لم يجز ، لوجوب الجمعة عليه بالحضور.

والقصر في الصلاة إنما هو في عدد الركعات لا في غيره ، وهو واجب على ما تقدم في كل سفر جمع الشرائط الآتية ، إلا في أربعة مواطن : مسجد مكة ، ومسجد النبي صلی اللّه علیه و آله بالمدينة ، وجامع الكوفة ، والحائر على ساكنه السلام على الأقوى ، فإن الإتمام في هذه المواضع أفضل وإن جاز القصر ، لقول الصادق علیه السلام : تتم الصلاة في المسجد الحرام ، ومسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين علیه السلام (1).

وهل يستحب الإتمام في جميع مكة والمدينة؟ قال الشيخ : نعم ، لدلالة الرواية عليه ، ومنع قوم ، وعمم المرتضى استحباب الإتمام عند قبر كل إمام. والمراد بالحائر ما دار سور المشهد عليه دون سور البلد.

ولو فاتت هذه الصلاة ، احتمل وجوب القصر مطلقا ، لفوات محل الفضيلة وهو الأداء ، ووجوب القصر إن قضاها في غيرها ، لفوات محل المزية وهو المكان. والتخيير إن قضاها فيها ، لأن القضاء تابع للأداء مطلقا ، لأن الأداء كذلك.

ويستحب أن يقول المسافر عقيب كل صلاة : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » ثلاثين مرة ، فإن ذلك جبران لصلاته على ما روي.

ص: 167


1- وسائل الشيعة 5 - 546 ح 14.

ولأنها تقع بدلا عن الركعات في شدة الخوف. ويحتمل الاختصاص بالمقصورة : لقول العسكري علیه السلام : يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » ثلاثين مرة لتمام الصلاة (1). والمراد بالوجوب شدة الاستحباب.

ولو سافر بعد الزوال قبل التنفل ، استحب له قضاء النافلة ولو في السفر ، لحصول السبب وهو الوقت.

المطلب الرابع: ( في الشرائط )
اشارة

وهي خمسة : الأول قصد المسافة. الثاني الضرب في الأرض. الثالث استمرار القصد. الرابع عدم زيادة السفر على الحضر. الخامس : إباحة السفر.

البحث الأول: ( قصد المسافة )

قصد المسافة شرط في القصر ، فالهائم الذي لا يدري أين يتوجه وهو راكب التعاسيف وإن طال سفره - لا يجوز له القصر. بل لا بد من ربط القصد بمقصد معلوم ، لأن مطلق السفر غير كاف ، بل لا بد من طوله ، وهذا لا يدري أن سفره طويل أو لا.

ولو استقبلته برية واضطر إلى قطعها ، أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام على وجهه أياما ، فهو منشئ للسفر من حينئذ. وكذا طالب الآبق إذا قصد الرجوع أين لقيه.

والمسافة شرط في القصر ، فلا يجوز في قليل السفر إجماعا ، لقوله عليه

ص: 168


1- وسائل الشيعة 5 - 542 ح 1.

السلام : يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان (1). وقال الصادق علیه السلام : القصر في الصلاة بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا (2). ولأن سبب الرخصة المشقة ، ولا مشقة مع القلة.

وحد المسافة : ثمانية فراسخ ، فلو قصد الأقل لم يجز القصر ، ولا تحتسب مسافة الإياب في الحد ، إلا أن يقصد الرجوع ليومه ، لأن سماعة سأله عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم ، وذلك بريدان ثمانية فراسخ (3). وسئل الصادق علیه السلام عن القصر قال : في بريدين ، أو بياض يوم (4).

ولو كانت المسافة أربعة فراسخ وقصد الرجوع ليومه ، وجب القصر أيضا ذاهبا وجائيا ، لأنه قد شغل يومه بالسفر ، فحصلت المشقة المنتجة للقصر. ولقول الباقر علیه السلام : إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه (5).

ولو كانت المسافة ثلاثة فراسخ ، فقصد التردد ثلاثا لم يقصر ، لأنه بالرجوع انقطع سفره ، وإن كان في رجوعه لم ينته إلى سماع الأذان ومشاهدة الجدران.

والفرسخ : ثلاثة أميال إجماعا ، والميل الهاشمي منسوب إلى هاشم جد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أربعة آلاف خطوة واثني عشر ألف قدم ، لأن كل خطوة ثلاثة أقدام ، وهو أيضا أربعة آلاف ذراع لأن المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام ، وهو يناسب ما قلناه ، وهو قدر مدّ البصر من الأرض.

ولو لم يعلم المسافة وشهد عدلان ، وجب القصر.

ولو شك ولا بينة ، وجب التمام لأصالته ، فلا يعدل عنه إلا مع

ص: 169


1- جامع الأصول 6 - 445.
2- وسائل الشيعة 5 - 491 ح 3.
3- وسائل الشيعة 5 - 492 ح 8.
4- وسائل الشيعة 5 - 492 ح 11.
5- وسائل الشيعة 5 - 496 ح 9.

اليقين. وكذا لو اختلف المخبرون ، بحيث لا ترجيح. ولو تعارضت البينات وجب القصر ، ترجيحا لشهادة الإثبات.

وهذا التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقصت المسافة شيئا قليلا لم يجز قصر ، لأنه ثبت بالنص لا بالاجتهاد. ولا اعتبار بتقدير الزمان ، فلو قطع المسافة في أيام متعددة ، وجب القصر في الجميع ، وكذا لو قطعها في بعض يوم.

ولا فرق بين البر والبحر في ذلك ، فلو سافر في البحر وبلغت المسافة فله القصر ، وإن قطع المسافة في أقل زمان ، لأن المعتبر المسافة. واعتبار المسافة من حد الجدران دون البساتين والمزارع.

ولو كان لبلد طريقان ، أحدهما مسافة دون الآخر ، فسلك الأقصر لم يجز القصر ، سواء علم أنه القصير أو لا ، لانتفاء المسافة فيه. وإن سلك الأبعد وجب القصر ، سواء قصد الترخص أو غيره من الأغراض لوجود المقتضي. وإذا سلك الأبعد ، قصر في طريقه وفي البلد وفي الرجوع ، وإن كان بالأقرب ، لأنه مسافة ولا يخرج عن حكم السفر إلا بالوصول إلى بلده.

ولو سلك في مقصده الأقصر ، أتم في الطريق وفي البلد ، فإذا رجع فإن كان فيه أتم في رجوعه أيضا. وإن رجع بالأبعد قصر في رجوعه لوجود المقتضي. ولا يقصر في البلد حال قصد الرجوع بالأبعد ، لأن القصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه.

وطالب الآبق والهائم إذا رجعا إلى بلادهما ، فإن كان بين قصد الرجوع وبين البلد مسافة ، قصرا حين الارتحال ، لأنهما قد أنشئا السفر ، وإلا فلا.

ولو بلغه أن عبده في بلد ، فقصده بنية أنه إن وجده في الطريق رجع ، لم يكن له الترخص ، لعدم جزم السفر. ولو جزم على قصد البلدة ، ثم عزم في الطريق على الرجوع إن وجده ، قصر إلى وقت تغير نيته وبعده ، إن كان قد قطع مسافة وبقي على التقصير ، وإلا أتم.

ص: 170

والأسير في أيدي المشركين ، أو في يد الظالم ، إن عرف مقصدهم وقصده ترخص ، وإن عزم على الهرب متى قدر على التخلص لم يترخص. ولو لم يعرف القصد ، لم يترخص في الحال ، لعدم علمه بالمسافة ، فإن ساروا به المسافة ، لم يقصر أيضا إلا في الرجوع.

ولو سافر بعبده أو ولده أو زوجته أو غلامه ، فإن عرفوا المقصد وقصدوا السفر ترخصوا. ولو عزم العبد على الرجوع متى أعتقه مولاه ، والزوجة متى طلقها ، أو على الرجوع وإن كان على سبيل التحريم كالإباق والنشوز ، لم يترخصوا لعدم القصد ، وإن كان ترك القصد حراما.

ولو لم يعلموا المقصد ، لم يترخصوا ، لانتفاء اختيارهم ، وإنما سفرهم بسفر غيرهم ولا يعرفون مقصدهم. ولو نووا مسافة القصر ، فلا عبرة بنية العبد والمرأة ، ويعتبر نية الغلام ، فإنه ليس تحت يد الأمير.

ومنتظر الرفقة إذا غاب عنه الجدران والأذان ، يقصر إن عزم على السفر ، وإن لم تحصل الرفقة إلى شهر ، وإن تردد في السفر إن لم تحصل الرفقة ، لم يقصر ، إلا أن يكون قد قطع مسافة فيقصر إلى شهر.

ولو قصد ما دون المسافة فقطعه ، ثم قصد ما دون المسافة فقطعه ، وهكذا دائما ، لم يقصر وإن تجاوز مسافة القصر. وكذا لو خرج غير ناو مسافة ، لم يقصر وإن قطع أزيد من المسافة. نعم لو رجع قصر مع بلوغ المسافة ، لوجود قصد المسافة. وسأل صفوان الرضا علیه السلام عن الرجل يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان؟ قال : لا يقصر ولا يفطر ، لأنه لم يرد السفر ثمانية فراسخ ، وإنما خرج ليلحق بأخيه فتمادى به السير (1).

ولو قصد ما دون المسافة أولا ، ثم قصد المسافة ثانيا ، قصر حينئذ لا قبله.

ص: 171


1- وسائل الشيعة 5 - 503 ح 1.

ولا يجب القصر هنا بنفس القصد ولا بغيبوبة الجدران وخفاء الأذان ، بل بنفس الشروع وإن شاهد الجدران أو سمع الأذان ، لو كان عند تغير المقصد (1).

البحث الثاني: ( الضرب في الأرض )

ولا يكفي في القصر قصد المسافة دون الضرب في الأرض إجماعا لأنه الشرط ، لقوله تعالى ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) (2) فإن مجرد النية لا تجعله مسافرا ، ولكنه تعالى ربط القصر بالضرب في الأرض لا بقصده.

بخلاف ما لو نوى المسافر الإقامة في موضع ، فإنه يصير مقيما ، لأن الأصل الإقامة والسفر عارض ، فيجوز العود إلى الأصل بمجرد القصد. ولا يكفي في العود من الأصل إلى العارض ، كمال القنية لا يصير مال تجارة بالنية ، ومال التجارة تصير مال قنية بها.

ولا يشترط انتهاء المسافة إجماعا ، لتعلق القصر بالضرب ، وهو يصدق في أوله. ولا اختلاف الوقت إجماعا ، فلو خرج نهارا قصر وإن لم يدخل الليل وبالعكس ، لوجود الشرط بدونه.

بل الشرط في إباحة القصر في الصلاة والصوم غيبوبة جدران البلد وخفاء أذانه ، لأن القصر مشروط بالسفر ، ولا يتحقق في بلده ولا مع مشاهدة الجدران ، فلا بد من تباعد يطلق على من بلغه اسم السفر.

ولا حد بعد مفارقة المنازل سواه ، ولأنه علیه السلام كان يقصر على فرسخ من المدينة (3). وقال الصادق علیه السلام : إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر (4).

ص: 172


1- في « ق » لو كانا عند تغير القصد.
2- سورة النساء : 101.
3- جامع الأصول 6 - 445.
4- وسائل الشيعة 5 - 506 ح 3.

وكما أن مبدأ القصر ذلك ، فكذا هو منتهاه ، فلا يزال مقصرا إلى أن يشاهد الجدران أو يسمع الأذان ، لقول الصادق علیه السلام : إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر ، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك (1).

ولا عبرة بأعلام البلدان ، كالمنابر والقباب المرتفعة عن اعتدال البنيان ، إحالة للمطلق في اللفظ على المتعارف. والاعتبار بمشاهدة صحيح الحاسة ، وسماع صحيح السمع ، دون بالغ النهاية فيهما ، وفاقد كمال إحداهما.

ولا عبرة بالبساتين والمزارع ، فيجوز القصر قبل مفارقتها مع خفاء الجدران والأذان ، لأنها لم تبن للسكنى. ولا فرق بين أن تكون محوطة أو لا ، إلا أن تكون فيها دور وقصور للسكنى ، في طوال السنة أو في بعض فصولها ، ولا فرق بين البلد والقرية في ذلك.

ولو كان لبلده سور ، فلا بد من خفائه وإن كان داخله مزارع أو مواضع خربة ، لأن جميع ما في داخل السور معدود من نفس البلد ومحسوب من موضع الإقامة. ولو كان خارج السور دور متلاصقة ، لم يعتد بها لصدق هذه الدور خارج البلد. ولو جمع سور قرى متفاصلة ، لم يشترط في المسافر من إحداهما مجاوزة ذلك السور ، بل خفاء جدار قريته وأذانها ، إلا أن يشملها مع الباقي اسم البلدة.

والخراب الذي بين العمارات معدود من البلد ، كالنهر الحائل بين جانبي البلد ، فلا يترخص بالعبور من أحد الجانبين إلى الآخر. ولو كانت البلدة خربة لا عمارة فرآها ، لم يعتد به ، لأن الخراب ليس موضع إقامة.

ولو سكن في الصحراء أو واد ، لم يشترط قطعه ، بل خفاء الأذان.

ولو كانت البلدة على موضع مرتفع ، اشترط خفاء الآذان دون خفاء الجدران ، وكذا لو كانت في موضع منخفض أو كان ساكنا في الخيام ، ويحتمل خفاء الجدران المقدر.

ص: 173


1- نفس المصدر.

ولو اتصل بناء إحدى القريتين بالأخرى ، فسافر من إحداهما على طريقه الأخرى ، اشترط مفارقتهما معا ، لصيرورتهما كقرية واحدة. ولو كان بينهما فصل ، اعتبر مفارقة قريته خاصة.

ولو كانت الخيام متفرقة ، فلا بد من مجاوزتها ما دامت تعد حلة (1) واحدة ، والخانان كالقريتين ، ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقها ، كمطرح الرماد وملعب الصبيان والنادي ومعاطن الإبل ، لأنها تعد من جملة مواضع إقامتهم.

ولو قصد المسافة وخرج ، فمنع عن السفر بعد خفاء الجدران والأذان ، فإن بقي على نية السفر لو زال المانع ، قصر إلى شهر. ولو غير النية أو تردد ، أتم ، لانتفاء الشرط وهو القصد.

ولو سافر في المركب فردته الريح بعد خفائهما حتى ظهر أحدهما ، أتم لدخوله في الحضر.

ولو أحرم في السفينة قبل أن يسير وهي في الحضر ، ثم سارت حتى خفي الأذان والجدران ، لم يجز له القصر ، لأنه دخل في الصلاة على التمام.

ولو خرج من البلد إلى حيث يجوز له الترخص ، فرجع إليه لحاجة عرضت له ، لم يترخص حال رجوعه وخروجه ثانيا من البلد ، لخروجه عن اسم المسافر بعوده إلى بلده ، فإذا وصل إلى حد الخفاء قصر. ولو كان غريبا ، فله استدامة الترخص وإن دخل إلى البلد. ولو كان رجوعه بعد قطع المسافة ، فإنه يقصر في رجوعه وخروجه ثانيا.

البحث الثالث: ( استمرار القصد )

واستمرار قصد السفر شرط في القصر ، فلو قطع نية السفر في أثناء

ص: 174


1- في « س » حلقة.

المسافة ، أتم لخروجه عن حكم المسافر.

ولو قطع المسافة ثم غير نية السفر وعزم على الرجوع ، قصر.

وإن عزم على المقام عشرة أيام ، أتم. وإن ردد نيته ، قصر ما بينه وبين ثلاثين يوما ، ثم يتم بعد ذلك.

وتحمل نهاية السفر بأمور ثلاثة :

الأول : العود إلى الوطن ، بأن يرجع إلى الموضع الذي يشترط مجاوزته في ابتداء السفر ، وفي معناه الوصول إلى المقصد الذي عزم على الإقامة فيه إقامة تقطع الرخصة ، أو إلى موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر.

الثاني : نية إقامة عشرة أيام في أي موضع يراه ، سواء صلح للإقامة فيه ، كالعمران أو لا كالمفاوز.

الثالث : إقامة ثلاثين يوما على التردد وسيأتي.

ويجب القصر ما دام مسافرا ، وإن أقام في أثناء المسافة ، أو وصل إلى مقصد إذا لم يعزم للإقامة عشرة أيام ، ما لم تزد إقامته على ثلاثين يوما. فلو نوى إقامة عشرة أيام فيه ، أو في أثناء المسافة ، وجب الإتمام.

وإن نوى أقل من عشرة ، قصر ، لقول علي علیه السلام : يتم الصلاة الذي يقيم عشرا ، ويقصر الصلاة الذي يقول أخرج اليوم أخرج غدا شهرا (1). وقول الباقر علیه السلام : إن دخلت أرضا وأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، وإن لم تدر مقامك فيها ، تقول : غدا أخرج أو بعد غد ، فقصر ما بينك وبين شهر (2).

ولا يكتفي بنية إقامة ثلاثة غير يومي الدخول والخروج. ولا يشترط مقام خمسة عشر.

ص: 175


1- وسائل الشيعة 5 - 529 ح 20.
2- وسائل الشيعة 5 - 526 ح 9.

ولو ردد نيته فيقول : اليوم أخرج غدا أخرج ، قصر إلى ثلاثين يوما ، ثم يتم بعد ذلك ولو صلاة واحدة للرواية (1).

ولا فرق بين المحارب وغيره في وجوب الإتمام بعد شهر ، وفي وجوب الإتمام لو نوي إقامة عشرة ، لعموم الحديث. والأولى اعتبار الثلاثين ، للتقدير به في بعض الروايات ، قال الباقر علیه السلام : فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم (2).

فلو كان الشهر هلاليا وأقام من أوله إلى آخره ونقص يوما ، قصر على هذه الرواية وللاستصحاب ، ولأن الشهر كالمجمل والثلاثين كالمبين ، وعلى رواية الشهر يتم.

ولو دخل بلدا في طريقه ، فقال : إن لقيت فلانا فيه أقمت عشرة ، قصر إلى أن يلقاه ، أو يمضي ثلاثون يوما ، فإن لقيه حكم بإقامته ما لم يغير النية قبل أن يصلي تماما ولو فريضة واحدة.

ولو نوى أنه متى قضيت حاجته خرج ، فإن عرف أن الحاجة لا تنقضي في عشرة صار بحكم المقيم ، وإلا قصر إلى شهر.

ولو نوى في بعض المسافة إقامة عشرة أيام ، انقطع سفره ، فإذا خرج إلى نهاية السفر ، فإن كان بين موضع الإقامة والنهاية مسافة ، قصر ، وإلا فلا.

ولو عزم في ابتداء السفر على الإقامة في أثناء المسافة ، فإن كانت بين الابتداء وموضع الإقامة مسافة قصر ، وإلا فلا ، ويتم مع نية الإقامة عشرة ، وإن بقي على العزم على السفر.

ولو كان له في أثناء المسافة ملك قد استوطنه ستة أشهر ، انقطع سفره بوصوله إليه ، ووجب عليه الإتمام ، سواء عزم على الإقامة فيه أو لا ، لأنه مقيم في بلده. وسأل محمد بن إسماعيل بن بزيع الرضا علیه السلام عن الرجل

ص: 176


1- وسائل الشيعة 5 - 527 ح 12.
2- نفس المصدر.

يقصر في ضيعته ، قال : لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام ، إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه ، فقلت : ما الاستيطان؟ فقال : أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر ، فإذا كان كذلك يتم فيها متى يدخلها (1).

ولا يشترط توالي الأشهر ، بل لو استوطنه ستة أشهر ملفقة وجب الإتمام ، ولا استيطان الملك بل البلد الذي فيه الملك ، ولا كون الملك صالحا للسكنى.

فلو كان له مزرعة أو نخل واستوطن ذلك البلد ستة أشهر أتم ، لقول الصادق علیه السلام في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها ، قال : يتم الصلاة ، ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة ولا يقصر وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها (2).

ولو انتقل الملك عنه ، ساوى غيره من البلاد.

ويشترط ملك الرقبة ، فلو استأجر أو استعار أو ارتهن لم يلحقه حكم المقيم ، وإن تجاوزت مدة الإجارة عمره.

ولو غصب ملكه ، لم يخرج عن حكم المقيم. وهل يعتبر مدة الغصب من الستة الأشهر؟ إشكال.

ولو كان بين منشإ سفره والملك الذي قد استوطنه ستة أشهر ، أو ما نوى فيه المقام عشرة أيام مسافة ، قصر في الطريق خاصة. ولو قصر عن المسافة ، لم يقصر ، ولا يضم ما قبله إلى ما بعده ، لأن عبد الرحمن بن الحجاج سأل الصادق علیه السلام عن الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض ، فيخرج فيطوف فيها ، أيتم أم يقصر؟ قال : يتم (3).

وكما تعتبر المسافة بين ابتداء السفر وموضع إقامته أو بلد استيطانه ، كذا

ص: 177


1- وسائل الشيعة 5 - 522 ح 11.
2- وسائل الشيعة 5 - 521 ح 5.
3- وسائل الشيعة 5 - 525 ح 2.

تعتبر بينهما وبين مقصده ، فإن كان مسافة قصر في الطريق ، وإن قصر أتم فيهما. ولو كان بين مبدإ السفر وبينهما (1) مسافة وقصر ما بينهما وبين المقصد عنها ، قصر في المسير إليهما دونهما ، ودون المسافة بينهما وبين مقصده ، ودون مقصده أيضا.

ولو انعكس الفرض ، أتم في مبدإ السفر وبينهما ، وقصر في السفر بينهما إلى مقصده وفي مقصده. ولو قصرا معا فلا قصر في شي ء من الجميع ، وإن زاد المجموع على المسافة.

ولو تعددت المواطن ، أو ما نوى الإقامة فيه عشرة ، قصر بين كل موطن بينهما مسافة خاصة دون المواطن ، ودون ما قصر عن المسافة.

ولو اتخذ الغريب بلدا دار إقامته ولم يكن له فيه ملك ، كان حكمه حكم الملك. فلو اجتاز عليه وجب الإتمام فيه ، ما لم يغير نية الإقامة المؤبدة فيه. ولو اتخذ بلدين فما زاد موضع إقامته ، كانا بحكم ملكه وإن لم يكن له فيهما ملك.

ولو نوى الإقامة في بلد قبل وصوله إليه عشرة أيام ، وبينه وبين المبدإ مسافة ، قصر في الطريق إلى أن ينتهي إلى ذلك البلد ، ويحتمل إلى أن ينتهي إلى مشاهدة الجدران أو سماع الأذان ، لصيرورته بحكم بلده. وكذا يتم إذا خرج منه إلى أن يخفى عليه الأذان والجدران ، مع احتمال القصر من حين الخروج.

البحث الرابع: ( عدم زيادة السفر على الحضر )

يشترط في القصر أن لا يزيد سفره على حضره ، كالمكاري والملاح والراعي والبدوي الذي يطلب القطر والنبت ، والذي يدور في إمارته ، والذي

ص: 178


1- في « س » منتهاه.

يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والبريد. على معنى أن أحد هؤلاء إذا حضر بلده ، ثم سافر منه قبل إقامته عشرة أيام فيه ، وجب عليه التمام.

فإن أقام عشرة ثم خرج ، قصر في خروجه ، لقول الباقر علیه السلام : سبعة لا يقصرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي ، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل (1).

وإنما شرطنا العشرة ، لانقطاع السفر بها ، ولقول الصادق علیه السلام : المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام ، قصر في سفره بالنهار وأتم بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان. وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر ، قصر في سفره وأفطر (2).

ولو أقام أحدهم في بلده خمسة أيام ، فالأشهر وجوب الإتمام ليلا ونهارا. ولو أقام في غير بلده عشرة ، فإن نواها خرج مقصرا ، وإلا فلا. ولا يشترط النية في إقامته في بلده ، بل نفس الإقامة.

ومن كان منزله في سفينة ، لا يقصر ، لأنه مقيم في مسكنه ، فأشبه النازل في بلده. والمعتبر صدق اسم المكاري والملاح وغيرهما ، سواء صدق بأول مرة أو بأزيد.

وهل يعتبر هذا الحكم في غيرهم ، حتى لو كان غير هؤلاء يتردد في السفر ، يعتبر فيه ضابط الإقامة عشرة أو لا؟ إشكال ، من حيث المشاركة في المعنى ، والاقتصار على مورد النص.

ص: 179


1- وسائل الشيعة 5 - 516 ح 9.
2- وسائل الشيعة 5 - 519 ح 5.
البحث الخامس: ( في إباحة السفر )

يشترط في القصر إباحة السفر ، فلا يترخص العاصي بسفره ، كالآبق ، والعاق ، والناشز ، والغريم مع القدرة على الأداء ، وقاطع الطريق ، وطالب الزنا بامرأة ، وطالب قتل من لا يستحق قتله ، وتابع الجائر ، وطالب الصيد لهوا ، وبطرا ، وقاصد مال غيره ، والخارج على إمام عادل ، والخارج إلى بلد ليعمل فيه المعاصي.

لقوله تعالى ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) (1) قال الصادق علیه السلام : الباغي باغي الصيد لهوا ، والعادي السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطر إليها ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، فليس لهما أن يقصرا في الصلاة (2).

ولأن الرخصة (3) ثبت تخفيفا وإعانة على السفر ، ولا سبيل إلى إعانة العاصي فيما هو عاص به.

ولا يشترط انتفاء المعصية في سفره ، فلو كان يشرب الخمر في طريقه ويزني ترخص ، إذ لا تعلق للمعصية بما هو سبب الرخصة ، فلا يمنع من السفر ، وإنما يمنع من المعصية. ولو كانت المعصية جزءا من داعي السفر لم يترخص ، كما لو كانت كل الداعي.

ولو أحدث نية المعصية بعد السفر مباحا ، انقطع ترخصه ، لأنها لو قارنت الابتداء لم تفد الرخصة ، فإذا طرأت قطعت كنية الإقامة.

ولو انعكس الفرض ، فأنشأ السفر على قصد معصية ، ثم تاب وبدل قصده من غير تغيير صوب السفر به ، ترخص حينئذ إن كان منه إلى مقصده مسافة القصر وإلا فلا.

ص: 180


1- سورة البقرة : 173.
2- وسائل الشيعة 5 - 509.
3- في « ق » القصر.

ولو ابتدأ بسفر الطاعة ، ثم عدل إلى قصد المعصية ، انقطع ترخصه حينئذ ، فإن عاد إلى سفر الطاعة ، عاد إلى الترخص إن كان الباقي مسافة ، وإن لم يكن لكن بلغ المجموع من السابق والمتأخر مسافة ، احتمل القصر ، لوجود المقتضي ، وهو قصد المسافة مع انتفاء مانعية قصد المعصية. والمنع اعتبارا بالباقي ، كما لو قصد الإقامة في أثناء المسافة.

ولا يترخص العاصي بسفره في تناول الميتة عند الاضطرار ، لما فيه من التخفيف على العاصي ، وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه ، بأن يتوب ثم يأكل ، ويحتمل الجواز ، لاشتماله على إحياء النفس المشرفة على الهلاك ، ولأن المقيم متمكن من تناول الميتة عند الاضطرار ، فليس ذلك من رخص السفر ، فأشبه تناول الأطعمة المباحة لما لم يكن من خصائص السفر ، لم يمنع منه العاصي بسفره ، والأشهر الأول.

ولو عدم الماء في سفر المعصية ، وجب التيمم ، ولم يجز له ترك الصلاة ، والأقرب عدم وجوب الإعادة ، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

ولو وثب من بناء عال أو من جبل متلاعبا ، فانكسرت رجله ، صلى قاعدا ولا إعادة ، لأن ابتداء الفعل باختياره دون دوام العجز.

والسفر لزيارة القبور والمشاهد يوجب الرخص ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يأتي قبا راكبا وماشيا ويزور القبور ، وقال : زوروها تذكركم الآخرة (1).

ولو سافر للتنزه والتفرج ، فالأقرب الترخص لإباحته ، أما اللاهي بسفره كطالب الصيد لهوا وبطرا ، فإنه لا يقصر ، لأن زرارة سأل الباقر علیه السلام عمن يخرج من أهله بالصقورة والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاث هل يقصر من صلاته أم لا؟ فقال : لا يقصر إنما خرج في لهو (2). ولأن اللّهو حرام فالسفر له معصية.

ص: 181


1- سنن ابن ماجة 1 - 500 الرقم 1569.
2- وسائل الشيعة 5 - 511 ح 1.

ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله ، وجب القصر في الصلاة والصوم إجماعا ، لقول الصادق علیه السلام : إن خرج لقوته وقوت عياله ، فليفطر وليقصر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة (1).

ولو كان الصيد للتجارة ، فكذلك على الأقوى لإباحته. وقول الشيخ : يقصر في الصلاة دون الصوم ، ليس بمعتمد ، لقول الصادق علیه السلام : إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت (2).

ولو قصد مسافة ، ثم عدل في أثنائها إلى الصيد لهوا ، أتم عند عدوله وقصر عند عوده.

وسالك الطريق المخوف اختيارا مع عدم التحرز عاص ، ليس له الترخص.

المطلب الخامس: ( فيما ظن أنه شرط وليس كذلك )

وهو أمور خمسة :

الأول : لا يشترط في القصر وجوب السفر عند علمائنا ، لأنه تعالى علق القصر على الضرب في الأرض.

الثاني : لا يشترط كون السفر طاعة ، فيجب الترخص في المباح ، لما تقدم.

الثالث : لا يشترط الخوف ، بل يجب القصر في سفر الأمن ، لقول يعلى بن أمية لعمر : ما بالنا نقصر وقد آمنا؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله . فقال : صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته (3). وسافر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بين مكة والمدينة

ص: 182


1- وسائل الشيعة 5 - 512 ح 5.
2- وسائل الشيعة 7 - 130 ح 1.
3- سنن ابن ماجة 1 - 339 الرقم 1065.

آمنا لا يخاف إلا اللّه تعالى وصلى ركعتين (1).

الرابع : نية القصر ليست شرطا فيه ، فلو صلى ولم ينو القصر وجب.

وكذا لو نوى الإتمام ، لأن المقتضي لوجوب الإتمام والقصر ليس هو القصد التابع لحكمه تعالى بل حكمه تعالى ، فلا يتغير الفرض بتغير النية ، بل لو نوى المخالف ، لم يجز ووجب ما حكم به تعالى.

ولو نوى الإتمام في المواطن الأربعة التي تستحب فيها الإتمام لم يجز. وكذا لو نوى القصر ، بل يبقى على التخيير عملا بالاستصحاب.

ولو كان في الصلاة فشك هل نوى الإقامة أم لا؟ لزمه القصر عملا بالاستصحاب.

ولو وصل إلى بلده في السفينة ، فشك هل هي بلدة إقامته؟ فالأقرب وجوب القصر ، للاستصحاب ، مع احتمال الإتمام ، لوقوع الشك في سبب الرخصة.

ولو صلى أربعا سهوا ، ثم عزم على إقامة عشرة قبل التسليم ، احتمل أن يقوم فيصلي ركعتين غيرهما ، لأنه ساه في فعلهما ، فلا يحتسب به عن الفرض. ولو قصد الإتمام ساهيا ، أعاد في الوقت خاصة.

الخامس : لا يشترط في القصر عدم الايتمام بالمقيم ، فلو ائتم مسافر بمقيم قصر المسافر ، وقد تقدم.

المطلب السادس: ( في بقايا مباحث هذا الباب )

وهي :

الأول : الواجب على المسافر القصر عندنا ، فلو أتم عامدا أعاد في الوقت

ص: 183


1- جامع الأصول 6 - 445.

وخارجه ، سواء قعد قدر التشهد أو لا ، لأن الزيادة في الفريضة عمدا مبطلة (1). وقول ابن عباس : من صلى أربعا كمن صلى في الحضر ركعتين. وسئل الصادق علیه السلام صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر؟ قال : أعد (2).

ولو أتم جاهلا بوجوب القصر ، لم يعد مطلقا عند أكثر علمائنا ، لقوله علیه السلام : الناس في سعة ما لم يعلموا. وقول الباقر علیه السلام : إن كان قد قرأت عليه آية التقصير وفسرت له أعاد ، وإن لم يكن قرأت عليه ، ولم يعلمها لم يعد (3).

وإن أتم ساهيا ، أعاد في الوقت لا خارجه ، لأنه لم يفعل المأمور به على وجهه ، فيبقى على عهدة التكليف ، وبعد الوقت يكون قضاء ، والأصل عدمه. وقول الصادق علیه السلام في الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتى مضى ذلك اليوم فلا إعادة (4).

الثاني : لو قصر المسافر اتفاقا من غير علم بوجوبه ، أو جهل المسافة فاتفق الإصابة ، لم يجزيه الصلاة ، لأن القصر إنما يجوز مع علم السبب أو ظنه ، فالدخول الذي فعله منهي عنه في ظنه ، فلا يقع مجزيا.

ولو ظن المسافة فأتم ، ثم علم القصور ، احتمل الإجزاء للموافقة ، ولرجوعه إلى الأصل ، وعدمه لإقدامه على عبادة يعتقد فسادها ، فلا تقع مجزية عنه.

الثالث : الشرائط في قصر الصلاة والصوم واحدة إجماعا ، وكذا الحكم

ص: 184


1- سنن أبي داود 2 - 3.
2- وسائل الشيعة 5 - 531 ح 6.
3- وسائل الشيعة 5 - 531 ح 4.
4- وسائل الشيعة 5 - 530 ح 2.

على الأقوى ، لقول الصادق علیه السلام : إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت (1).

الرابع : إذا نوى المسافر إقامة عشرة في بلد ، أتم على ما تقدم. فإن رجع عن نيته ، قصر ما لم يصل تماما ولو صلاة واحدة. فلو صلى صلاة تمام ولو كانت واحدة أتم ، لأن مجرد النية غير كاف في الإقامة ، فإذا صلى على التمام ، فقد ظهر حكم الإقامة فعلا ، فانقطع السفر بالنية والفعل ، ثم لا يصير مسافرا بالنية ، بل بالضرب في الأرض.

ولو لم يصل صلاة واحدة على التمام ، كان سفره باقيا ، ولقول الصادق علیه السلام لما سأله أبو ولاد كنت نويت الإقامة بالمدينة عشرة أيام ثم بدا لي بعدها فما ترى؟ إن كنت صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام ، فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها ، وإن كنت دخلتها وعلى نيتك التمام فلم تصل فيها فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك ، فأنت في تلك الحال بالخيار ، إن شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى شهر فأتم الصلاة (2).

ولو رجع عن نية الإقامة في أثناء الصلاة ، فالأقرب أنه إن تجاوز في صلاته فرض القصر ، بأن ركع في الثالثة وجب الإتمام ، وإلا جاز القصر ، لأن المناط في وجوب الإتمام صلاة تامة ولم توجد في الأثناء.

ولو رجع عن نية الإقامة بعد خروج وقت الصلاة ولم يصل ، فإن كان الترك لعذر مسقط ، صح الرجوع ووجب القصر ، وإن لم يكن لعذر مسقط ، لم يصح ووجب الإتمام إلى أن يخرج على إشكال.

ولو نوى الإقامة فشرع في الصوم ، فالوجه أنه كصلاة الإتمام. لأنه أحد العبادتين المشروطتين بالإقامة ، فقد وجدت النية وأثرها ، فأشبه العبادة

ص: 185


1- وسائل الشيعة 7 - 130 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 532 ح 1.

الأخرى. ويحتمل صحة الرجوع ، لعدم المناط وهو الصلاة التامة. وإذا جعلنا الصوم ملزما للإقامة ، فإنما هو الصوم الواجب المشروط بالحضر ، أو النافلة إن شرطنا في صحتها الإقامة.

ولو شرع في نوافل النهار ، فالأقرب أنه كالفرض.

الخامس : لو أحرم بنية القصر ، ثم نوى في الأثناء المقام عشرة أيام ، أتم الصلاة تماما ، لوجود نية الإقامة المنافية لنية السفر.

وإذا دخل بنية القصر ، ثم نوى الإتمام ، لم يجز له الإتمام عندنا ، لأنه غير فرضه إلا أن ينوي المقام عشرا.

السادس : لو أراد السفر إلى بلد ثم إلى آخر بعده ، فإن كان الأول مما يقصر في مثله قصر ، وإلا فلا إن نوى الإقامة في الأقرب عشرة ، وإلا قصر إن بلغ المجموع المسافة ، ولو دخل الأقرب وأراد الخروج إلى الآخر ، اعتبرت المسافة إليه.

ولو قصد بلدا ، ثم قصد أن يدخل في طريقه إلى بلد آخر يقيم فيه أقل من عشرة ، لم يقطع ذلك سفره ، واعتبرت المسافة من البلد الذي أنشأ منه السفر إلى البلد الذي قصده.

ولو خرج إلى الأبعد ، فخاف في طريقه ، فأقام يطلب الرفقة أو ليرتاد الخبر ، ثم طلب غير الأبعد الذي قصده أولا جعل مبتدئا للسفر من موضع إقامته لارتياد الخبر ، لأنه قطع النية الأولى. ولو لم يبد له لكن أقام أقل من عشرة ، قصر.

السابع : لو فارق البلد إلى حيث غاب الأذان والجدران ، ثم عاد إلى البلد لحاجة عرضت له ، لم يترخص في رجوعه وخروجه ثانيا ، إلى أن يغيب عنه الأذان والجدران ، إلا أن يكون غريبا عن البلد ، أو قد بلغ سيره الأول مسافة ، فله استدامة الترخص ، وإن كان قد أقام أكثر من عشرة في بلد الغربة.

ص: 186

الثامن : لو عزم على إقامة عشرة في غير بلده ، ثم خرج إلى ما دون المسافة عازما على العود والإقامة ، أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد. وإن لم يعزم على الإقامة بعد العود ، فالأقوى التقصير.

التاسع : لو قصر في ابتداء السفر ، ثم رجع عن نية السفر ، لم يجب عليه الإعادة ، لأنها وقعت مشروعة ، ولا فرق بين بقاء الوقت وخروجه.

العاشر : لا يفتقر القصر إلى نية ، بل يكفي نية فرض الوقت.

الحادي عشر : لو خرج إلى البلد والمسافة طويلة ، ثم بدا له في أثناء السفر أن يرجع ، فقد انقطع سفره بهذا القصد ، ولم يكن له أن يقصر ما دام في ذلك الموضع ، إلا أن يكون على حد المسافة بينه وبين مبدإ سفره ، فإذا ارتحل عنه فهو سفر جديد ، فإن كان بينه وبين مقصده مسافة قصر ، وإلا فلا.

ولو توجه إلى مكان لا يقصر إليه الصلاة ، ثم نوى مجاوزته إلى بلد يقصر إليه الصلاة ، فابتداء سفره من حين غيّر النية ، فإنما يترخص إذا كان من ذلك الموضع إلى مقصده الثاني مسافة.

ولو خرج إلى سفر طويل على قصد الإقامة في كل أربعة فراسخ عشرة أيام ، لم ترخص ، لانقطاع كل سفر عن الأخرى.

الثاني عشر : هل يحتسب يوما الدخول والخروج من جملة العشرة؟ إشكال ، ينشأ من أن المسافر لا يستوعب النهار بالسير ، إنما يسير في بعضه ، وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار ، ولأنه يوم الدخول في شغل الخط وتنضيد الأمتعة ، ويوم الخروج في شغل الارتحال ، وهما من أشغال السفر. ويحتمل احتسابهما لا بأجمعهما ، بل يلفق من حين الدخول إلى حين الخروج.

ولو دخل ليلا لم يحتسب بقية الليل ، ويحسب الغد ، والعشرة يعتبر فيها الليل بأيامها.

الثالث عشر : لو كان عالما بوجوب القصر مطلقا ، واستحباب الإتمام في

ص: 187

المواطن الأربعة ، ثم جهل حد موضع الحائر مثلا ، فتوهم دخول ما ليس منه فيه ، احتمل إلحاقه بجاهل وجوب القصر ، إذ لا فرق بين الجهل بوجوب القصر مطلقا ووجوبه في هذا الموضع ، وبالعالم. وكذا لو جهل المكاري وشبهه وجوب القصر لو أقام عشرة.

ص: 188

الفصل الثالث: ( في صلاة الخوف )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في مشروعيتها )

وهي ثابتة بالنص والإجماع ، قال اللّه تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ) (1) الآية ، وصلاها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في عدة مواطن (2). واتفق العلماء إلا من شذ على أن حكمها باق بعد النبي صلی اللّه علیه و آله ، لأن ما ثبت في حقه علیه السلام كان ثابتا في حقنا ، إلا أن يقوم المخصص ، لأنه تعالى أمرنا باتباعه.

وسئل عن القبلة للصائم؟ فأجاب علیه السلام بأنني أفعل ذلك ، فقال السائل : لست مثلنا ، فغضب وقال : إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي (3). ولو اختص بفعله لما كان الإخبار بفعله جوابا ، ولا غضب من قول السائل « لست مثلنا » لأن قوله حينئذ يكون صوابا. وكان أصحابه علیه السلام يحتجون بأفعاله وينتمون بها أقواله. وصلى علي عليه

ص: 189


1- سورة النساء : 102.
2- جامع الأصول 6 - 470.
3- جامع الأصول 7 - 165.

السلام صلاة الخوف ليلة الهرير (1).

وقيل : إنه قبل نزول آية الخوف كان الحكم تأخير الصلاة إلى أن يحصل الأمن ثم يقضى ، ثم نسخ إلى صلاة الخوف ، ولهذا أخر النبي صلی اللّه علیه و آله أربع صلوات يوم الخندق.

وهي مشروعة في السفر إجماعا ، وفي الحضر عند جميع علمائنا ، لقوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ) (2) وهو عام ، ولأنها حالة خوف ، فجاز صلاة الخوف فيها كالسفر.

المطلب الثاني: ( في كيفيتها )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في القصر )

صلاة الخوف إن كانت في السفر ، قصرت في العدد إجماعا ، سواء صليت جماعة أو فرادى ، لاستقلال السفر بالقصر ، وإنما يقصر الرباعيات خاصة إلى ركعتين ، وأما البواقي فعلى عددها في الحضر إجماعا.

وإن صليت في الحضر ، فكذلك على الأقوى ، سواء صليت جماعة أو فرادى ، لقوله تعالى ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (3) وليس المراد بالضرب سفر القصر ، وإلا لكان اشتراط الخوف لغوا. ولأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى صلاة الخوف في المواضع التي صلاها ركعتين ، ولم يرو

ص: 190


1- وسائل الشيعة 5 - 487 ح 10.
2- سورة النساء : 102.
3- سورة النساء : 101.

عنه أنه صلى أربعا في موضع البتة.

وسأل زرارة الباقر علیه السلام عن صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران؟ فقال : نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه (1).

ولم يشترط الجماعة. ولأن المشقة بالإتمام أكثر من المشقة في السفر ، فكان الترخص فيه أولى.

البحث الثاني: ( في صورها )

وهي أربع صورة الأول : ذات الرقاع ، وسميت بذلك لأن فيه جبلا ألوانه مختلفة ، بعضها أحمر وبعضها أسود وبعضها أصفر. وقيل : إنه موضع مر به ثمانية نفر حفاة ، فتشققت أرجلهم وتساقطت أظفارهم ، فكانوا يلفون عليها الخرق ، فسميت لذلك « ذات الرقاع ».

وصورتها : أن يفرقهم الإمام فرقتين ، لينحاز بطائفة إذا التحم القتال واحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدو ، فيصلي بهم ركعة ، فإذا قام إلى الثانية انفردوا واجبا وأتموا والأخرى تحرسهم ، ثم تأخذ الأولى مكان الثانية ، وتنحاز الثانية إلى الإمام وهو ينتظرهم ، فيقتدون به في الثانية ، فإذا جلس للتشهد قاموا فأتموا ولحقوا به وسلم بهم ، فتحصل للطائفة الأولى تكبيرة الافتتاح وللثانية التسليم. لأنه علیه السلام صلى كذلك ، وكذا وصفها الصادق علیه السلام للحلبي (2).

الثاني : صلاة عسفان ، وعسفان قرية جامعة على اثني عشر فرسخا من مكة.

ص: 191


1- وسائل الشيعة 5 - 478 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 480 ح 4.

وصورتها : أن يقوم الإمام ويصف المسلمين صفين وراءه ، ويحرم بهم جميعا ويركع بهم ، ويسجد بالأولى خاصة وتقوم الثانية للحراسة ، فإذا قام الإمام بالأولى سجد الصف الثاني ، ثم ينتقل كل من الصفين مكان صاحبه ، فإذا ركع الإمام ركعوا جميعا ، ثم يسجد بالصف الذي يليه ، ويقوم الثاني الذي كانوا أولا لحراستهم ، فإذا جلس بهم سجدوا وسلم بهم جميعا.

ولم يثبت عندي نقلها عن أهل البيت علیهم السلام .

الثالث : صلاة بطن النخل ، وقد روي أنه علیه السلام صلى الظهر ، فصف بعض أصحابه خلفه ، وبعضهم جعله بإزاء العدو للحراسة ، فصلى ركعتين ثم سلم ، ثم انطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم للحراسة ، ثم جاء أولئك فصلى بهم الظهر مرة ثانية ركعتين ، الأولى له فرض والثانية سنّة (1).

وهذه لا تحتاج إلى مفارقة الإمام ، ولا إلى تعريف كيفية الصلاة ، ولا إلى كلفة ، بل ليس فيها أكثر من أن الإمام في الثانية متنفل والمأموم مفترض ، وليس فيها مخالفة لصلاة الآمن أيضا.

وأما ما روي أنه علیه السلام صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعتين من غير تسليم ، حتى كانت له أربعا وللمأمومين ركعتين ، ومن أنه صلى بكل طائفة ركعة ، فيكون له ركعتان وللمأمومين ركعة واحدة ، فبعيد من الصواب في النقل.

الرابع : صلاة شدة الخوف وسيأتي بيانها.

البحث الثالث: ( في الشرائط )

يشترط في صلاة ذات الرقاع أمور :

ص: 192


1- جامع الأصول 6 - 465.

الأول : كون الخصم في غير جهة القبلة ، بحيث لا يتمكن من الصلاة حتى يستدبر القبلة ، أو يكون عن يمينه ، أو شماله ، أو حصول حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله فعلها على هذه الصورة فيجب متابعته ، ولو قيل بعدمه أمكن ، وفعل النبي صلی اللّه علیه و آله وقع اتفاقا.

الثاني : كون الخصم قويا ، بحيث يخاف هجومه على المسلمين متى اشتغلوا بالصلاة ، وإلا انتفى الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة.

الثالث : أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين ، يقاوم كل فرقة العدو ، وإلا لم يتحقق هذه الصلاة.

الرابع : عدم الحاجة إلى زيادة التفريق على فرقتين ، وإلا يحصل لكل فرقة أقل من ركعة فلا يتحقق الايتمام.

وهذه الصلاة تخالف غيرها في وجوب الانفراد للمؤتم ، وانتظار الإمام للمأموم ، وايتمام القائم بالقاعد.

ويشترط في صلاة عسفان أمور ثلاثة :

الأول : أن يكون العدو في جهة القبلة ، لأنهم لا يمكنهم حراستهم في الصلاة إلا كذلك ، ليشاهدوهم فيحرسوهم.

الثاني : أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها حراسة بعضهم بعضا ، وأن يفترقوا فرقتين يصلي معه إحداهما ويحرس الثانية معه.

الثالث : أن يكونوا على قلة جبل ، أو مستوى الأرض ، لا يحول بينهم وبين أبصار المسلمين حائل من جبل وغيره ، ليتوقوا كبساتهم والحملات عليهم ، ولا يخاف كمين لهم.

ص: 193

البحث الرابع: ( في أحكام صلاة ذات الرقاع )

وهي :

الأول : يستحب للإمام في صلاة ذات الرقاع تخفيف قراءة الأولى ، لما هم به من حمل السلاح. وكذا يخفف في كل فعل لا يفتقر فيه الانتظار. وكذا الطائفة التي تفارقه وتصلي لنفسها يستحب لها التخفيف.

الثاني : إذا قام الإمام إلى الثانية ، تابعه الطائفة الأولى ، فإذا انتصبوا نووا مفارقته ، لأنه لا فائدة لهم في مفارقته قبل ذلك ، لاشتراكهم في النهوض ، ولأن الرفع من السجدة الثانية من الركعة الأولى. ولو فارقوه بعد الرفع من السجود الثاني جاز ، وإذا انفردوا بقي الإمام قائما ينتظرهم حتى يسلموا ، وحتى تجي ء الطائفة الثانية تدخل معه.

والأقوى أنه يقرأ في انتظاره ، لأنه قيام للقراءة ، فيجب أن يأتي بها فيه ، فيطول حينئذ القراءة حتى يفرغ الطائفة الأولى ويلتحق به الثانية. فإذا جاءت الطائفة الثانية ، فإن كان فرغ من قراءته ركع بهم ، ولا يحتاج المأمومون إلى قراءة. ولو ركع عند مجيئهم أو قبله ، فأدركوه راكعا ركعوا معه ، وصحت لهم الركعة مع تركه للسنة. ولو أدركوه بعد رفعه ، فاتتهم الصلاة.

الثالث : إذا صلى الركعة الثانية بالفرقة الثانية وجلس للتشهد ، قامت الفرقة إلى صلاتها ، ويطول الإمام في تشهده بالدعاء حتى يدركوه ويتشهدون ثم يسلم بهم ، ولا يحتاجون إلى الجلوس معه والتشهد ، لأنها لا تعود إليه ليسلم معه ، فلا فائدة في تطويله عليها بالجلوس معه ، مع أن مبنى هذه الصلاة على التخفيف.

ولو تابعوه في الجلوس جاز ، لكن لا يتشهدون بل يذكرون اللّه تعالى ، فإذا سلم الإمام قاموا فأتموا صلاتهم ، ثم تشهدوا وسلموا. وبه رواية عن الصادق علیه السلام (1).

ص: 194


1- وسائل الشيعة 5 - 480.

الرابع : إذا قامت الفرقة الثانية إلى الثانية حال تشهد الإمام ، لا تنوي الانفراد حال قيامها إلى الثانية ، فإن نووه ففي جواز نية الاقتداء بعده للتسليم وجهان.

الخامس : للإمام ثلاث انتظارات : ينتظر الأولى في الركعة الثانية حتى يفرغ. وانتظار آخر فيها للطائفة الثانية حتى تأتي وتحرم معه ، وكلاهما في حكم انتظار واحد لاتصاله. والثالث للطائفة الثانية حال تشهده حتى تتم الصلاة.

السادس : لو انتظر الثانية بعد رفعه من السجود الأخير من الركعة الأولى ، فإن كان لعذر لمرض أو ضعف جاز ، ولو كان عن قدرة وتركه عمدا إلى مجي ء الثانية قال الشيخ : بطلت صلاته دون الأولى (1) ، لأنها فارقته حين رفع الرأس.

وأما الثانية فإن علمت أن ذلك تبطل (2) صلاته وتابعته ، بطلت صلاتها ولو اعتقدت عذرا أو جوزت ذلك ، لم تبطل صلاتها ، لأن الظاهر من حاله العذر.

ولو فعله سهوا ، لحقه حكم سهوه دون الطائفة الأولى ، لأنها برفع الرأس قد فارقته ، وفي بطلان الصلاة عندي بذلك إشكال.

السابع : لو أراد أن يصلي بهم المغرب صلاة ذات الرقاع ، تخير الإمام بين أن يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وبين العكس. لأن عليا علیه السلام صلى ليلة الهرير بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين (3).

واختلف في الأولوية ، فيحتمل الأولى ، لأن عليا علیه السلام فعله ، ولأن الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام والتقدم ، فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات لينجبر نقصهم وتساوي الأولى. ويحتمل الثاني ، لئلا يكلف الثانية

ص: 195


1- المبسوط 1 - 164.
2- في « س » مبطل.
3- وسائل الشيعة 5 - 480.

زيادة جلوس ، وهي مبنية على التخفيف.

الثامن : إذا صلى بالأولى ركعتين ، جاز أن ينتظر الثانية في التشهد الأول وفي القيام الثالث ، فقيل : الأول أولى ، ليدركوا معه ركعة من أولها. وقيل : الثاني ، لأن القيام مبني على التطويل ، والجلسة الأولى على التخفيف. فإن انتظرهم في القيام ، فالأولى أن يفارق (1) الأولى عند الانتصاب. وإذا صلى بالثانية الثالثة وجلس للتشهد ، قامت الطائفة ولا تتشهد.

وإن صلى بالأولى ركعتين ، تشهد طويلا ، ثم أتمت الأولى صلاتها وسلمت وقامت ، وتجي ء الثانية فينهض الإمام ويصلي بهم الثالثة ، وإن شاء تشهد خفيفا ثم قام إلى الثالثة ، وقامت الأولى وطول في القراءة حتى يتم ويأتي الثانية.

التاسع : لو صلى بالأولى ركعة ، طول قراءة الثانية ، ونوت الأولى مفارقته حين انتصابها ، وخففت وصلت الثانية وتشهدت خفيفا ، وقامت إلى الثالثة وتشهدت خفيفا وسلمت ، ثم تجي ء الثانية فتدخل معه في ثانيته ، فإذا جلس للتشهد جلسوا معه يذكرون اللّه تعالى من غير تشهد. فإذا قام إلى الثالثة قاموا معه ، فإذا جلس للتشهد الثاني جلسوا وتشهدوا خفيفا ، وطول هو إلى أن يتموا ، ثم يتشهدون خفيفا ويسلم بهم.

العاشر : لو قلنا بوجوب الإتمام في الحضر ، صلى بالأولى ركعتين وتشهد بهم ، ثم يقوم إلى الثالثة فيطول القراءة ، ويخففون ويتمون أربعا ويمضون إلى موقف أصحابهم ، ويجي ء أصحابهم فيركع بهم الثالثة ، وهي أولى لهم ، ثم يصلي الرابعة ويطول في تشهده حتى يتم صلاتهم أربعا ، ثم يسلم بهم ، فيكون انتظار الثانية في الثالثة والتشهد الثاني.

ويجوز أن ينتظر في التشهد الأول.

وقسمتهم فرقتين أولى من قسمتهم أربعا ، لقلة المخالفة وقلة الانتظار.

ص: 196


1- في « ق » يفارقه.

فإن فرقهم أربعا ، جاز للأصل ، وجواز المفارقة مع النية ، فيصلي بالأولى ركعة ، ثم يقوم إلى الثانية ، فيطول القراءة إلى أن تصلي الطائفة ثلاث ركعات ، ثم تذهب فتجي ء الثانية فيصلي بهم الثانية ، ويطول في تشهده أو قيامه في الثالثة ، حتى تتم صلاتها أربعا ، ثم تأتي الثالثة فيصلي بهم ركعة ، ويقوم إلى الرابعة ويطول حتى يتم من خلفه أربعا ، ثم يأتي الرابعة فيصلي بهم تمام الرابعة ، ويطول تشهده حتى يتم أربعا ، ثم يسلم بهم.

وقال في الخلاف : تبطل ، لأنها مقصورة ، ولو قلنا بالشاذ من قول أصحابنا ينبغي البطلان أيضا ، لأنها لم يثبت لها في الشرع هذا الترتيب (1).

ويمنع عدم المثل ، فإن الانتظار ومفارقة الإمام ثابتان ، والزيادة في أعمال الصلاة غير مبطلة ، كما لو طول القيام قارئا ، ولأن الحاجة قد تدعو إليه ، بأن يكون العدو من أربع جهات ، ويكون في المسلمين كثرة ، فيكون في التفريق صلاح الحرب والصلاة.

ولا يجب في هذا التفريق سجود ، ولو صلى بطائفة ثلاث ركعات وبأخرى ركعة ، فالأقرب الجواز.

والأقرب جواز أن يفرقهم في السفر والحضر في المغرب ثلاث فرق ، وكذا في الرباعية ، فيصلي بطائفة ركعتين وبكل طائفة ركعة.

الحادي عشر : لا تجب التسوية بين الطائفتين ، للأصل ، بل صلاحية الحارسة (2) للحراسة.

ولو خاف اختلال حالهم واحتيج إلى إعانتهم بالطائفة الأخرى ، فللإمام أن يكب بمن معه على العدو ويبنوا على صلاتهم. ويجوز أن تكون الطائفة واحدا ولا تجب الثلاثة للأصل ، ولأن الواحد يسمى طائفة.

الثاني عشر : يجب أخذ السلاح في الصلاة ، لقوله تعالى ( وَلْيَأْخُذُوا

ص: 197


1- الخلاف : 1 - 256.
2- في « س » الحراسة.

أَسْلِحَتَهُمْ ) (1) والأمر للوجوب ، ولا تبطل الصلاة بتركه إجماعا. ولا فرق في وجوب الأخذ بين الطاهر والنجس للحاجة ، ولأنه مما لا تتم الصلاة فيه منفردا.

ولو منع شيئا من واجبات الصلاة ، حرم الأخذ إلا مع الضرورة ، فيومي بالممنوع كالركوع والسجود.

ولو كان مما يتأذى به غيره ، كالرمح في وسط الناس ، لم يجز. ولو كان في حاشية الصفوف جاز ، لعدم الأذى به.

الثالث عشر : يجوز أن يصلي الجمعة في الخوف على صفة ذات الرقاع ، بأن يفرقهم فرقتين. إحداهما تقف معه للصلاة فيخطب بهم ويصلي بهم ركعة ، ثم يقف بهم في الثانية فيتم صلاتها ، ثم تجي ء الثانية فتصلي معه ركعة جمعة بغير خطبة كالمسبوق. فإذا تشهد وطول ، أتموا الثانية وسلم بهم ، لعموم الأمر بالجمعة. ويجوز أن يخطب بالفرقتين معا ، ثم يفرقهم فرقتين.

وتجب هذه الصلاة بشروط الحضر ، وكون الفرقة الأولى كمال العدد. فلو تم العدد بالثانية ، لم تصح الخطبة للفرقة الأولى. فلو لم يخطب ، لم تصح. ولو خطب لها ثم مضت إلى العدو قبل الصلاة وجاءت الأخرى ، وجب إعادة الخطبة. فإن بقي من الأولى كمال العدد ، جاز أن يعقد الجمعة لبقاء العدد الذي سمع الخطبة معه.

ولو كملت الأولى العدد ، ونقصت الثانية ، صحت الجمعة لهما. ولو انعكس الفرض فلا جمعة ، لأنه لا يصلي بالأولى إلا الظهر ، فلا يجوز أن يصلي بعدها جمعة نعم يجوز أن يستنيب من يصلي بهم الجمعة منهم فيخرج عن هذه الصلاة ولا يجوز أن يصلي الجمعة على صفة صلاة بطن النخل ، إذ لا جمعتان في بلد.

ويجوز أن يصلي على صفة صلاة عسفان ، بل هو أولى إن سوغناه مطلقا ، أو لم يتقدم أحد الصفين ويتأخر الآخر كثيرا.

ص: 198


1- سورة النساء : 102.

الرابع عشر : يجوز أن يصلي صلاة الاستسقاء على صفة صلاة الخوف ، فيصلي بالأولى ركعة ، ثم ينتظر حتى يتم ، ويصلي بالثانية أخر وينتظر حتى يتم.

ويجوز أن يصلي العيدين والخسوفين في الخوف جماعة على صفة المكتوبة ، فيصلي بالأولى ركعة مشتملة على خمس ركوعات ، وينتظر حتى يتم في الثانية ، وكذا بالثانية. ويجوز أن يصلي الكسوفين فرادى ، بخلاف العيدين.

الخامس عشر : قد بينا أن حكم السهو مختص بمن يختص به سببه. وللشيخ قول بتعدي حكمه إلى المأموم لو سها الإمام ، فعلى هذا لو سها في الأولى ، لزم حكمه الطائفة الأولى ، فيشير إليهم بالسجود بعد فراغهم.

ولو سها بعد مفارقتهم له ، لم يلحقهم حكمه ، لصيرورتهم منفردين. فإن سهوا بعد سهوه في ثانيتهم ، انفردوا بسجوده ، وفي الاكتفاء بالسجدتين قولان.

أما الطائفة الثانية فيلحقهم سهو الإمام فيما تابعته فيه دون الأولى ، قال : وإن تابعته فيه كان أفضل ، ولم يتعرض لسهوه حال انتظاره. ويحتمل المتابعة ، لأنها في حكم ايتمامه.

السادس عشر : لا حكم لسهو المأمومين حال المتابعة عندنا ، بل حالة الانفراد ، ومبدؤه رفع الإمام من سجود الأولى. ويحتمل اعتداله في قيام الثانية. والأولى عندي إيقاع نية الانفراد.

ولو سهت الطائفة الثانية في الركعة الثانية ، فإن نوت الانفراد سجدت ، وإلا احتمل ذلك أيضا ، لأنهم ينفردون (1) بها حقيقة ، وعدمه لأنهم مقتدون ، لعدم احتياجهم إلى إعادة نية الاقتداء.

ولا يرتفع حكم السهو بالقدوة الطارية إن جوزنا نية اقتداء المنفرد. وفي المزحوم إذا سها في وقت تخلفه إشكال.

ص: 199


1- في « س » منفردون.
المطلب الثالث: ( في صلاة شدة الخوف )

وهي تثبت عند التحام القتال ، وعدم التمكن من تركه لأحد ، أو عند اشتداد الخوف ، وأن يلتحم القتال فلم يأمنوا هجومهم عليهم لو ولوا عنهم أو انقسموا ، وحينئذ يصلون رجالا ومشاة على الأقدام وركبانا ، مستقبل القبلة واجبا مع الإمكان ، وغير مستقبلها مع عدمه على حسب الإمكان.

فإن تمكنوا من استيفاء الأركان وجب ، وإلا أومئوا لركوعهم وسجودهم ، ويكون سجودهم أخفض من الركوع. ولو تمكنوا من أحدهما خاصة وجب.

ويجوز لهم التقدم والتأخر ، لقوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (1) وعن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : مستقبل القبلة وغيره مستقبلها. وقول الباقر علیه السلام في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال : يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه (2).

وهي صلاة صحيحة لا يجب قضاؤها ، لاقتضاء الأمر الإجزاء. ولا يجوز تأخير الصلاة إذا لم يتمكن من إيقاعها إلا ماشيا ، لعموم « فرجالا ».

ولو انتهت الحال إلى المسايفة وتمكن من الصلاة مع الأعمال الكثيرة ، كالضرب المتواتر والطعن المتتابع ، وجب على حسب حاله بالإيماء في الركوع والسجود ، مستقبل القبلة إن أمكن وإلا فلا ، ولا إعادة عليه لاقتضاء الأمر الإجزاء.

ويجب الاستقبال مهما أمكن ، فإن تعذر فبتكبيرة الافتتاح ، لقول الباقر علیه السلام : غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه (3). فإن لم يتمكن

ص: 200


1- سورة البقرة : 239.
2- وسائل الشيعة 5 - 486 ح 8.
3- وسائل الشيعة 5 - 487 ح 11.

سقط ، لقوله علیه السلام في حال المطاردة : يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه (1). ويسجد الراكب على قربوس سرجه إن لم يتمكن من النزول ، فإن عجز أومأ ، لقول الباقر علیه السلام : ويجعل السجود أخفض من الركوع (2).

ولو تمكن من الاستقبال في الأثناء ، فالوجه الوجوب. ويحتمل سقوطه للمشقة ، ولقول الباقر علیه السلام : ولكن أينما دارت دابته (3).

ولو تمكن من النزول على الأرض واستيفاء السجود في الأثناء ، وجب ويبني. فإن احتاج إلى الركوب ركب وبنى ، وإن كثر الفعل للحاجة. ولو علم حالة تمكنه من النزول احتياجه إلى ركوب في الأثناء ، احتمل الوجوب وعدمه.

ولو اشتد الحال عن ذلك وعجز عن الإيماء ، سقطت عنه أفعال الصلاة من القراءة والركوع والسجود ، واجتزأ عوض كل ركعة بتسبيحة واحدة ، وصورتها « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ».

ولا بد من النية ، لقوله علیه السلام : إنما الأعمال بالنيات. وإنما لكل امرئ ما نوى (4) ، ولأنها فعل يجامع القتال ، فلا تسقط به.

ويجب أيضا تكبيرة الافتتاح ، لقوله علیه السلام : تحريمها التكبير (5) ، ولتمكنه منها.

وفي وجوب القراءة والتشهد إشكال ، ينشأ من تمكنه منهما ، ومن اختصاص التشهد بحال الجلوس والقراءة بالقيام ، وأصالة البراءة. والأقرب وجوب هذه الصيغة على هذا الترتيب ، للإجماع على إجزائه. ويجزي هذه

ص: 201


1- وسائل الشيعة 5 - 486 ح 8.
2- وسائل الشيعة 5 - 484 ح 8.
3- نفس المصدر.
4- وسائل الشيعة 1 - 34 ح 7.
5- سنن أبي داود 1 - 16.

الأذكار عن أذكار الركوع والسجود والقراءة ، لأنها أذكار مختصة بهيئة وقد سقطت فتسقط.

ويجب في الثنائية تسبيحتان وفي الثلاثية ثلاث ، لأنها على عدد الركعات ، ولقول الصادق علیه السلام : أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا صلاة المغرب ، فإن لها ثلاثا (1). وهل يجوز الزيادة؟ الأقرب المنع ، إن قصد عوض ركعة ، والجواز مع عدمه.

وحكمه في حال الأذكار حكم المصلين من وجوب الطهارة وتحريم وغير ذلك. وهل تبطل بالسهو في عددها؟ إشكال ، ينشأ من مساواتها للركعات ، ومن اختصاص المبطل بعدد الثنائية من الركعات الحقيقية لا من البدل ، فعلى الأول يستأنف ، وعلى الثاني يأتي بما شك فيه ، لأصالة العدم.

ولو أمن أو تمكن من الصلاة على الأرض ، أو على الدابة بعد التكبيرتين ، سقطت عنه للاجتزاء بفعل المأمور به ، ولقول الباقر علیه السلام : إذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإن أمير المؤمنين علیه السلام ليلة صفين - وهي ليلة الهرير - لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة (2).

ولو أمن أو تمكن بعد تكبيرة واحدة ، فالوجه سقوط ركعة عنه ووجوب الإتيان بالأخرى ، مع احتمال وجوب الجميع.

ولو صلى ركعة حالة الأمن فاشتد الخوف ، احتمل الإتيان بتكبيرة واحدة.

ص: 202


1- وسائل الشيعة 5 - 485 ح 3.
2- وسائل الشيعة 5 - 486 ح 8.
المطلب الرابع: ( في بقايا مسائل هذا الباب )

وهي :

الأول : يجوز للرجال لبس الحرير حالة الحرب على ما بيناه. وكذا لبس الديباج الصفيق (1) الذي لا يقوم غيره مقامه في القتال. ولا يجوز لبس الأعيان النجسة ، إلا مع الضرورة.

ويجوز أن يلبس فرسه ودابته جلد الميتة والكلب والخنزير مع الحاجة لا بدونها. وهل يجوز أن يحلل كلبه بجلد كلب مع عدم الحاجة؟ الأولى المنع ، لعموم ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (2) وهو يقتضي تحريم وجوه الانتفاع.

ويجوز تسميد الأرض والزرع بالزبل والعذرة النجسة ، والاستصباح تحت السماء خاصة بالدهن النجس نجاسة عرضية لا ذاتية كشحم الميتة.

الثاني : إذا صلى على صفة صلاة عسفان ، صلى الصفان معه إلى الاعتدال عن ركوع الأول ، فإذا سجد سجد معه أحد الصفين ، وكذا في الثانية ، فالكل يركعون معه في الركعتين ، وإنما الحراسة في السجود.

الثالث : لو رتب الإمام القوم صفوفا ، وحرس صفان أو صف أو ثلاثة جاز. ولو حرس فرقتان من صف واحد أو من صفين أو ثلاث في الركعتين على التناوب جاز أيضا. ولو حرس في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت ولحقت جاز.

ولو لم يتقدم الصف الثاني إلى موقف الأول ، ولا تأخر الأول عن مكانه إلى الثاني جاز. والأقوى عندي جواز هذه الصلاة إن لزم كل طائفة مكانهم ، أو كان التقدم والتأخر من الأفعال القليلة.

الرابع : لو عرض الخوف الموجب للإيماء ، أو الركوب في الأثناء ، أتم

ص: 203


1- ثوب صفيق : كثيف نسجه.
2- سورة المائدة : 3.

موميا أو راكبا. وكذا بالعكس لو صلى بالإيماء للخوف أو راكبا ، فآمن إما لانهزام العدو أو للحاق النجدة ، لم يجز الإتمام بالإيماء ولا راكبا ، لزوال العذر ، فينزل لإتمامها بركوع وسجود.

ولو ترك الاستقبال حالة نزوله استأنف ، لإخلاله بالشرط حالة الأمن. ولو فعله حالة ركوبه ، جاز للحاجة. وعلى هذا التفصيل حكم الإخلال بشي ء من واجبات الصلاة.

الخامس : لو صلى حالة الشدة راكبا ، جاز أن يصليها جماعة وفرادى ، والجماعة أفضل لعموم الترغيب فيها ، ولأن كل ركوب لا يمنع من الصلاة منفردا لا يمنع في الجماعة كالسفينة.

ولو صلوا حال الشدة غير مستقبلين القبلة جاز. وهل يجوز الاقتداء حينئذ؟ إن اتحدت الجهة جاز ، وإلا كان كالمستديرين حول الكعبة.

السادس : يجوز أن يضرب في الصلاة الضربة الواحدة والطعنة ، وإن لم يحتج إليها ، لأنها فعل قليل ، وكذا الاثنتان. وبالجملة ما لا يعد كثيرا ، فإن فعل الكثير بطلت صلاته إلا مع الحاجة فيجوز.

ويجوز أن يصلي ممسكا بعنان فرسه ، لأنه يسير. وإن نازعه فجذبه إليه جذبة أو جذبتين أو ما زاد ، جاز مع الحاجة.

السابع : لو رأوا سوادا أو إبلا أو أشخاصا ، فظنوهم عدوا ، فصلوا صلاة الشدة ، ثم ظهر كذب الظن ، لم تجب إعادة الصلاة ، لأنها وقعت مشروعة ، والأمر يقتضي الإجزاء ، وسواء كان الوقت باقيا أو لا.

وكذا لو رأوا عدوا فصلوا صلاة الشدة ، ثم بان بينهم حائل من نهر أو خندق مانع من الوصول.

ولو كان بينهم وبين العدو خندق أو نهر ، فخافوا إن تشاغلوا بالصلاة طموا الخندق أو النهر ، أو نقبوا الحائط ، جاز أن يصلوا صلاة الشدة.

الثامن : يجوز أن يصلي صلاة الخوف بصفة ذات الرقاع أو بطن النخل في

ص: 204

الأمن ، وأما عسفان فإن لم يكن هناك تقدم وتأخر أو كان قليلا ، جاز أيضا ، وإن كان كثيرا لم تصح صلاة المأمومين ، وصحت صلاة الإمام.

أما صلاة الشدة ، فلا يجوز حالة الأمن بحال. وقال الشيخ : لا يجوز صلاة الخوف في طلب العدو ، لانتفاء الخوف (1). فإن قصد صلاة الشدة فحق قال : وكل قتال واجب كالجهاد ، أو مباح كالدفع عن المال ، يجوز أن يصلي فيه صلاة الخوف والشدة (2). وأما المحرم فلا تجوز صلاة الخوف ، فإن صلوا صحت صلاتهم ، لأنهم لم يخلوا بركن ، ولو صلوا صلاة الشدة ، بطلت. والوجه في الصورة الأولى الجواز ، وإلا لوجبت الإعادة.

ولو انهزم العدو ، فلم يأمن المسلمون كرتهم عليه ورجوعهم ، جاز أن يصلوا صلاة الخوف لوجود المقتضي.

التاسع : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر والصلاة بالإيماء مع الحاجة إليه. ولو عجز عنه صلى بالتسبيح ، إن خشي من الإيماء ، سواء كان الخوف من لص أو سبع أو غرق أو حرق.

ولا قضاء عليه ، لأنه تعالى علق القصر على الخوف ، وهو يشعر بالعلية. والتعليق ب- « الذين كفروا » للأغلبية ، فلا يعدم الحكم بعدمه.

ولأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل يخاف من لص أو عدو أو سبع كيف يصنع؟ فقال علیه السلام : يكبّر ويومي برأسه (3). وقال الباقر علیه السلام : الذي يخاف اللص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته (4).

ولأن في التأخير تغريرا بالصلاة ، وتكليفه بالاستيفاء تكليف بما لا يطاق ، فكلف على حسب حاله ، فلا يعيد للامتثال. ولا فرق بين السفر والحضر ، لأن المناط الخوف.

ص: 205


1- المبسوط : 1 - 167.
2- المبسوط 1 - 168.
3- وسائل الشيعة 5 - 482 ح 1.
4- وسائل الشيعة 5 - 484 ح 8.

ولو خاف المحرم فوت الوقوف ، لم يجز القصر ولا الإيماء.

والمديون المعسر لو عجز عن إقامة بينة الإعسار وخاف الحبس فهرب ، جاز أن يصلي في هربه صلاة الشدة.

ولو كان عليه قصاص وتوقع العفو من مستحقه مع سكون الغليل فهرب ، لم تجز صلاة الشدة لعصيانه بهربه.

ويجوز أن يصلي صلاة الشدة حال المدافعة عن ماله ، وإن لم يكن حيوانا.

والموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان ، فإن تمكنا من الركوع والسجود وجبا ، وإلا أومئا ، ولا يقصر أحدهما عدد صلاته إلا في سفر أو خوف.

والأسير إذا خاف على نفسه إن صلى والمختفي في موضع ، يصليان كيف ما أمكنهما. ولو كان المختفي مضطجعا لا يتمكن من القعود ، صلى على حاله ولا قضاء.

ص: 206

المقصد الخامس: في الجنائز

اشارة

وفيه فصول :

ص: 207

ص: 208

الفصل الأول: ( في مقدمته )

يستحب للإنسان ذكر الموت والاستعداد له ، لقوله علیه السلام : أكثروا من ذكر هادم اللذات ، فما ذكر في كثير إلا قلله ، ولا في قليل إلا كثره (1).

وعنه علیه السلام أنه قال : استحيوا من اللّه حق الحياء ، فقيل : يا رسول اللّه وكيف نستحي من اللّه حق الحياء؟ قال : من حفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وترك زينة الحياة الدنيا ، وذكر الموت والبلى ، فقد استحيا من اللّه حق الحياء. (2).

وقال الصادق علیه السلام : من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت (3).

وينبغي للمريض الصبر ، وترك الشكاية ، مثل أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد وشبهه. ولا يتمنى الموت وإن اشتد مرضه ، لقوله علیه السلام : لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل به ، وليقل : اللّهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي (4).

ص: 209


1- وسائل الشيعة 2 - 649 ح 5.
2- جامع الأصول 4 - 353.
3- وسائل الشيعة 2 - 651 ح 2.
4- جامع الأصول 3 - 107 ، وسائل الشيعة 2 - 659 ح 2.

وينبغي التوبة والاستغفار ، لما فيه من إسقاط الذنب ، قال علیه السلام في آخر خطبة خطبها : من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه. ثم قال : وإن السنة لكثيرة ، ومن تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه. ثم قال : وإن الشهر لكثير ، ثم قال : ومن تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه. ثم قال : وإن يوما لكثير ، ومن تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه. ثم قال : والساعة لكثيرة ، من تاب وقد بلغت نفسه هذه وأهوى بيده إلى حلقه - تاب اللّه عليه (1).

ويحسن ظنه بربه ، قال علي علیه السلام قبل موته بثلاث : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللّه تعالى (2). وروي : أن اللّه تعالى يقول : أنا عند ظن عبدي بي (3).

وتجب الوصية على كل من عليه دين ، ويستحب لغيره ، قال علیه السلام : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية (4).

ويستحب عيادة المريض إلا في وجع العين ، قال البراء : أمرنا النبي صلی اللّه علیه و آله باتباع الجنائز وعيادة المريض (5).

وعن علي علیه السلام : أن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح وكان له خريف في الجنة ، ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي وكان له خريف في الجنة (6).

وقال علي علیه السلام : ضمنت لستة الجنة : رجل خرج لصدقة فمات فله الجنة ، ورجل خرج يعود مريضا فمات فله الجنة ، ورجل خرج مجاهدا في

ص: 210


1- وسائل الشيعة 11 - 371 ح 6.
2- وسائل الشيعة 2 - 659 ح 2.
3- وسائل الشيعة 11 - 180 ح 1 و 8.
4- وسائل الشيعة 13 - 352 ح 8.
5- سنن ابن ماجة 1 - 461.
6- وسائل الشيعة 2 - 637 ح 3.

سبيل اللّه فمات فله الجنة ، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنة ، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة ، ورجل خرج في جنازة فمات فله الجنة (1).

ويستحب له أن يأذن لهم في الدخول ، فإذا طال مرضه ترك وعياله. وينبغي تخفيف العيادة ، إلا أن يطلب المريض الإطالة.

ويستحب للداخل عليه الدعاء له ، لأن جبرئيل علیه السلام أتى النبي صلی اللّه علیه و آله فقال : يا محمد اشتكيت؟ قال : نعم ، قال : بسم اللّه أرقيك من كل شي ء يؤذيك من شر كل نفس أو عين أو حاسد اللّه يشفيك (2).

ويستحب أن يلي المريض أشفق أهله به ، وأعلمهم بسياسته ، وأتقاهم لله تعالى ليذكره بربه والتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والوصية ، وإذا رآه منزولا به تعاهد تقطير ماء أو شراب في حلقه. وأن يندي شفتيه بقطنة ، ويستقبل به القبلة ، لقوله علیه السلام : خير المجالس ما استقبل به القبلة.

ويلقنه قول « لا إله إلا اللّه » لقوله علیه السلام : لقنوا موتاكم « لا إله إلا اللّه » (3) وعنه علیه السلام : من كان آخر كلامه « لا إله إلا اللّه » دخل الجنة (4). وقال علیه السلام : من كان آخر قوله عند الموت « أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له » إلا هدمت ما قبلها من الخطايا والذنوب ، فلقنوها موتاكم ، فقيل : يا رسول اللّه كيف هي للأحياء؟ قال ، هي أهدم وأهدم (5).

وينبغي أن يكون ذلك في لطف ومداراة ، ولا يكرر عليه ولا يضجره ، فإن تكلم بشي ء أعاد تلقينه ليكون « لا إله إلا اللّه » آخر كلامه.

ص: 211


1- وسائل الشيعة 2 - 635 ح 8.
2- سنن ابن ماجة 2 - 1164.
3- سنن ابن ماجة 1 - 464.
4- وسائل الشيعة 2 - 664 ح 6.
5- وسائل الشيعة 2 - 664 ح 10.

ص: 212

الفصل الثاني: ( في الاحتضار )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في ما يفعل به قبل الموت )
وفيه بحثان
البحث الأول: ( في توجيهه )

الأقوى أنه إذا تيقن الولي نزول الموت بالمريض ، أن يوجه إلى القبلة واجبا ، لأن عليا علیه السلام قال : دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق ، وقد وجه إلى غير القبلة ، فقال : وجهوه إلى القبلة ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة (1). والأمر للوجوب. وكيفيته : أن يلقى على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إلى القبلة ، بحيث لو جلس لكان مستقبلا ، لقول الصادق علیه السلام : يستقبل بوجهه القبلة ، ويجعل باطن قدميه مما يلي القبلة (2) ، وقيل : إنه مستحب للأصل.

ص: 213


1- وسائل الشيعة 2 - 662 ح 6.
2- وسائل الشيعة 662 ح 3.
البحث الثاني: ( في باقي الأفعال )

يستحب أمور :

الأول : نقله إلى مصلاه إذا تعسر عليه خروج الروح ، قال الصادق علیه السلام : إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى المصلى الذي كان يصلي فيه (1).

الثاني : أن يلقن الشهادتين وأسماء الأئمة علیهم السلام . قال الباقر علیه السلام : لو أدركت عكرمة عند الموت لعلمته كلمات ينتفع بها ، قلت : جعلت فداك وما تلك الكلمات؟ قال : هو ما أنتم عليه ، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة « أن لا إله إلا اللّه » والولاية (2).

وقال الصادق علیه السلام : اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال له : قل : لا إله إلا اللّه ، فلم يقدر عليه فأعاد عليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة ، فقال لها : هل لهذا الرجل أم؟ فقالت : نعم يا رسول اللّه أنا أمه ، فقال لها : أفراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت : بل ساخطة ، فقال صلی اللّه علیه و آله : فإني أحب أن ترضى عنه ، فقالت : رضيت عنه لرضاك يا رسول اللّه.

فقال له قل : لا إله إلا اللّه ، فقال : لا إله إلا اللّه. فقال قل : يا من يقبل اليسير ، ويعفو عن الكثير ، اقبل مني اليسير ، واعف عني الكثير ، إنك أنت العفو الغفور ، فقالها ، فقال له : ما ذا ترى؟ قال : أسودين قد دخلا علي. قال : فأعدها ، فأعادها ، فقال : ما ترى؟ قال : قد تباعدا عني ودخل الأبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ، ودنا الأبيضان مني يأخذان بنفي ، فمات من ساعته (3).

ص: 214


1- وسائل الشيعة 2 - 669 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 665.
3- وسائل الشيعة 2 - 668 ح 3.

الثالث : يستحب أن يلقن كلمات الفرج ، قال الصادق علیه السلام : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع ، فقال قل : « لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلي العظيم ، سبحان اللّه رب السماوات السبع ، ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ، ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين » فقالها ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : الحمد لله الذي استنقذه من النار (1).

الرابع : يستحب أن يقرأ عنده شيئا من القرآن ، قال الكاظم علیه السلام لابنه القاسم : قم يا بني واقرأ عند رأس أخيك « والصافات صفا » حتى تستتمها ، فلما بلغ « أهم أشد خلقا أم من خلقنا » قبض الفتى ، فلما سجي وخرجوا عنه ، أقبل عليه يعقوب بن جعفر ، فقال : كنا نعهد الميت إذا نزل به نقرأ عنده « يس » فصرت تأمرنا ب- « الصافات » فقال : يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل اللّه راحته (2).

وكما يستحب قراءة القرآن قبل خروج روحه ، فكذا بعده استدفاعا عنه.

المطلب الثاني: ( في ما يكره )

يكره أن يقبض على شي ء من أعضائه إن حركها ، ولا يمنع منه ، ولا يظهر له الجزع لئلا يضعف نفسه ، فيكون إعانة على موته.

ويكره أن يحضره جنب أو حائض ، لقول الصادق علیه السلام : لا يحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين ، ولا بأس أن يليا غسله (3).

وقال علي بن أبي حمزة للكاظم علیه السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حد الموت ، فقال : لا بأس أن تمرضه ، فإذا خافوا

ص: 215


1- وسائل الشيعة 2 - 666 ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 - 670 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 671 ح 2.

عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه ، فإن الملائكة تتأذى بذلك (1).

ويكره بعد الموت أن يترك على بطن الميت حديدا وغيره. قال الشيخ : سمعناه مذاكرة ، لأنه أمر شرعي ، فيقف على النقل ولم يوجد. وقال ابن الجنيد : يضع على بطنه شيئا يمنع من ربوها.

المطلب الثالث: ( في ما بعد الموت )

يستحب بعد الموت أمور :

الأول : إغماض عينيه ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ، ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما يقولون ، ثم قال : اللّهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المقربين المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر له يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه (2) ، ولأن الصادق علیه السلام غمض لابنه إسماعيل (3) ، ولأن فتح عينيه يقبح منظره ، ويحذر معه دخول الهوام إليها ، وبعد الإغماض يشبه النائم.

الثاني : شد لحيته بعصابة عريضة ، لئلا يسترخي لحياه ، وينفتح فوه ، ويدخله الهوام ، ويقبح منظره ، ويؤمن من دخول ماء الغسل فيه. ولما مات إسماعيل شد الصادق علیه السلام لحيته (4).

الثالث : تليين مفاصله ، فإن ذلك إبقاء للينها ، فيرد ذراعيه إلى عضديه ويمدهما ، ويرد فخذيه إلى بطنه ويمدهما ، ورجليه إلى فخذيه ويمدهما ، فإن ذلك

ص: 216


1- وسائل الشيعة 2 - 671 ح 1.
2- سنن ابن ماجة 1 - 467.
3- وسائل الشيعة 2 - 672 ح 3.
4- نفس المصدر.

يعين الغاسل على تمديده وتكفينه.

الرابع : تغطيه بثوب ، لأنه أستر له ، وسجي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بثوب حبرة (1). وغطى الصادق علیه السلام ابنه إسماعيل بملحفة (2).

الخامس : تجريد ثيابه ، فإنه لا يؤمن معها الفساد ، فإنها تحميه ، ولئلا يخرج منه شي ء يفسد به ويتلوث بها إذا نزعت عنه.

السادس : وضعه على لوح أو سرير ، ولا يترك على الأرض ، لأنه أسرع لفساده ، ويخاف نيل الهوام له.

السابع : مد يديه إلى جنبيه وساقيه إن كانت منتصبتين ، لأنه أطوع للغاسل.

الثامن : يسرج عنده مصباح إن مات ليلا إلى الصباح ، لأن الباقر علیه السلام لما قبض أمر الصادق علیه السلام بالسراج في البيت الذي يسكنه ، حتى قبض أبو عبد اللّه علیه السلام ، ثم أمر الكاظم بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه علیه السلام (3).

التاسع : ينبغي أن يكون عنده من يذكر اللّه تعالى ، ولا يترك وحده ، لقول الصادق علیه السلام : ليس من ميت يموت ويترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه (4).

العاشر : يستحب تعجيل أمره ، والمسارعة إلى تجهيزه إن تيقن موته بإجماع العلماء ، لأنه صون له وأحفظ من أن يتغير وتصعب معاناته ، وقال علیه السلام : إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فلا

ص: 217


1- جامع الأصول 11 - 391.
2- وسائل الشيعة 2 - 672 ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 - 673 ب 45.
4- وسائل الشيعة 2 - 671 ب 42.

ينبغي لجيفة مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله (1). وقال علیه السلام : كرامة الميت تعجيله (2).

وقال علیه السلام : لا ألقين رجلا منكم مات له ميت ليلا فانتظر الصبح ، ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجلوا بهم إلى المضاجع يرحمكم اللّه تعالى ، فقال الناس : وأنت يا رسول اللّه يرحمك اللّه (3).

ولا بأس أن ينتظر به قدر ما يجمع له جماعة ، لما يؤمل من الدعاء له إذا صلوا عليه.

ولو اشتبه الموت ، لم يجز التعجيل به حتى تظهر علاماته ، ويتحقق العلم به إجماعا. قال الصادق علیه السلام : خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيروا : الغريق ، والمصعوق ، والمبطون ، والمهدوم ، والمدخن (4).

ويصبر عليه ثلاثة أيام حتى يتيقن موته ، أو يتغير ، لقول الصادق علیه السلام وقد سئل كيف يستبرأ الغريق؟ : يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن ، فيغسل ويدفن (5).

وقد دفن جماعة أحياء اشتبه موتهم على أهلهم ، وخرج بعضهم.

وشاهدت واحدا في لسانه وقفة فسألته عن سببها؟ فقال : مرضت مرضا شديدا ، فاشتبه الموت فغسلت ودفنت في أزج ، ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الأزج بعد ليلة أو ليلتين ، إما زوجته أو أمه أو أخته أو ابنته ، فتنوح عنده ساعة ، ثم تطبق عليه هكذا يومين أو ثلاثا ، ففتح علي فعطست فجاءت أمي بأصحابي فأخذوني من الأزج ، وذلك منذ سبع عشرة سنة.

ص: 218


1- سنن أبي داود 2 - 200.
2- وسائل الشيعة 2 - 676 ح 7.
3- وسائل الشيعة 2 - 675 ح 1.
4- وسائل الشيعة 2 - 676 ح 2.
5- وسائل الشيعة 2 - 677 ح 4.

والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ، ثم ينزل بعد ذلك ويدفن قال الصادق علیه السلام : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن (1).

الحادي عشر : يستحب إعلام المؤمنين بموته ، ليتوفروا على تشييعه ، لقوله علیه السلام : لا يموت منكم أحد إلا آذنوني به (2). وقال الصادق علیه السلام : ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته ، يشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له ، فيكتب لهم الأجر وللميت الاستغفار ، ويكتسب هو الأجر بما اكتسب لهم (3).

الثاني عشر : ويسارع في قضاء دينه ، لقوله علیه السلام : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه (4). ولو تعذر إيفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل عنه ، كما فعل علي علیه السلام لما أتى النبي صلی اللّه علیه و آله بجنازة ، فقال : هل على ميتكم دين؟ قالوا : نعم يا رسول اللّه ، فلم يصل عليها ، فقال علي علیه السلام : صل عليها يا رسول اللّه وعليّ دينه ، فصلى عليها (5).

ويستحب المسارعة إلى تفريق وصيته ، ليعجل له ثوابها بجريانها على الموصى له.

ص: 219


1- وسائل الشيعة 2 - 678 ح 1.
2- سنن ابن ماجة 1 - 489.
3- وسائل الشيعة 2 - 762 ح 1.
4- سنن ابن ماجة 2 - 806 الرقم 2413.
5- وسائل الشيعة 13 - 151 ح 2 و 3.

ص: 220

( الفصل الثالث ): ( في تغسيله )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في الكيفية )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في مقدماته )

وهي مستحبات تسع :

الأول : إذا أراد غسله ، استحب أن يفضي به إلى مغتسله ، ويكون ما يلي رأسه مرتفعا ، وما يلي رجليه منحدرا ، لئلا يجتمع الماء تحته ، ثم يوضع على مرتفع من لوح أو سرير ، لأنه أحفظ لجسده من التلطخ.

الثاني : أن يستقبل به القبلة على هيئة الاحتضار ، لقول الصادق علیه السلام وقد سئل عن غسل الميت؟ قال : يستقبل باطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة (1).

ص: 221


1- وسائل الشيعة 2 - 661 و 688 و 682.

وقد اختلف في وجوب هذا الاستقبال كالاحتضار.

الثالث : أن يحفر لمصب الماء حفيرة يدخل فيها الماء ، فإن تعذر جاز أن يصب إلى البالوعة. ويكره الكنيف ، لأن العسكري علیه السلام كرهه (1).

الرابع : يغسل تحت سقف ، ولا يكون تحت السماء ، قالت عائشة : أتانا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ونحن نغسل ابنته ، فجعلنا بينها وبين السقف سترا. وعن الصادق علیه السلام : إن أباه علیه السلام كان يحب أن يجعل بين الميت وبين السماء سترا (2). ولما فيه من كراهية مقابلة السماء بعورته.

وينبغي أن يكون في بيت أو يستر عليه بثوب ، لئلا ينظر إلى الميت.

الخامس : يستحب تجريد الميت من قميصه ، بأن فتق جيبه وينزع من تحته ، لئلا يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه ، فإن هذا الحال مظنة النجاسة ، وتجريده أمكن لغسله.

وليس واجبا ، بل يجوز أن يغسل وعليه القميص ، لكن الأول أولى ، لما فيه من الاستظهار بالغسل ، ولأن ثوبه ينجس بالغسل ، وربما لا يطهر فينجس به الميت.

السادس : إذا جرده ستر واجب العورة واجبا ، واستحب ما بين السرة والركبة. ولا يجب ستر عورة الصبي ، ولو كان الغاسل أعمى ، أو وثق من نفسه بكف البصر عن العورة ولو غلطا لم يجب الستر ، إذ الفائدة منع الإبصار وقد حصل ، لكن يستحب تحفظا عن الغير والغلط.

السابع : يستحب أن يلين أصابعه برفق ، لأن انقباض كفه يمنع من الاستظهار على تطهيرها ، وإن تعسرت تركها ، ولأنه لا يؤمن انكسار عضو.

وكذا يستحب تليين مفاصله ، لأنه أمكن للغاسل في تمديده وتكفينه وتغسيله.

ص: 222


1- وسائل الشيعة 2 - 720 ب 29.
2- وسائل الشيعة 2 - 720 ح 2.

وذلك مستحب في موضعين عند الموت قبل قسوتها ، وإذا أخذ في غسله ، وبعد الغسل لا يلين شيئا منه لعدم الفائدة.

الثامن : يستحب أن يؤخذ شي ء ، من السدر فيطرح في إجانة ويضرب ضربا جيدا حتى يرغو ، ويؤخذ رغوته فيطرح في موضع نظيف لغسل رأسه وجسده للرواية (1). ولو تعذر السدر فالخطمي.

التاسع : يستحب للغاسل أن يلف على يديه خرقة ينحيه بها وباقي جسده يغسله بغير خرقة. ويبدأ بغسل فرجه بماء السدر والحرض لقول الصادق علیه السلام : ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات (2).

ولو كان على بدنه نجاسة ، وجب أن يبدأ بإزالتها إجماعا ، لأن المراد تطهيره ، فإذا وجب إزالة الحكمية عنه فالعينية أولى. وليكون ماء الغسل طاهرا. وفي رواية يونس عنهم علیهم السلام : امسح بطنه مسحا رقيقا ، فإن خرج منه شي ء فانقه (3).

البحث الثاني: ( في كيفية الغسل )

تجب فيه النية على الغاسل عند بعض علمائنا ، لأنه عبادة فتجب فيه النية. ويحتمل العدم ، لأنه تطهير من نجاسة الموت ، فأشبه غسل النجاسة من الثوب.

ويجب أن يغسله ثلاث مرات عند أكثر علمائنا ، بماء قد طرح فيه يسير من السدر ، بحيث لا يخرجه عن الإطلاق ، فإن أخرجه عنه لم يصح ، لصيرورة الماء مضافا غير مطهر ، وينبغي أن يكون قدر سبع ورقات من سدر.

الثانية : بماء قد طرح فيه كافور خالص غير مخرج عن الإطلاق أيضا.

ص: 223


1- وسائل الشيعة 2 - 680 ح 3.
2- وسائل الشيعة 2 - 682 ح 5.
3- وسائل الشيعة 2 - 681 ح 3.

الثالثة : بماء قراح ، لقول الصادق علیه السلام : يغسل الميت ثلاث غسلات : مرة بالسدر ، ومرة بالماء يطرح فيه الكافور ، ومرة أخرى بالماء القراح (1). والأمر للوجوب.

ويجب في كل غسلة الترتيب ، يبدأ بغسل رأسه ، ثم بشقه الأيمن ، ثم بشقه الأيسر مستوعبا ، لقول النبي صلی اللّه علیه و آله لما توفت ابنته للنساء ابدأن بميامنها (2). وقول الصادق علیه السلام : إذا أردت غسل الميت إلى أن قال : ويغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده ، وابدأ بشقه الأيمن - إلى أن قال : - فاغسله مرة أخرى بماء كافور ، ثم اغسله بماء غسلة أخرى (3). وقول الباقر علیه السلام : غسل الميت مثل غسل الجنب (4).

وهل يسقط الترتيب بالغمس في الكثير؟ إشكال.

والواجب جعل السدر في الأولى خاصة ، والكافور في الثانية خاصة.

فلو غير الترتيب فغسله أولا بالقراح وثانيا بالسدر ، أو الكافور وثالثا بالآخر ، احتمل الطهارة ، لحصول الإنقاء المقصود من الغسلات ، والعدم ، لمخالفة الأمر. ولو غير ترتيب كل غسلة أعاد على ما يحصل معه الترتيب كالجنابة.

ويستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل رأسه ، ثم يغسل رأسه يبدأ بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر. وأن يغسل كل عضو منه في كل غسلة ثلاث مرات للرواية (5).

وإذا فرغ من غسل رأسه وضعه على جانبه الأيسر ليبدو له الأيمن ، فيغسله في كل غسلة من قرنه إلى قدمه. ثم يضعه على جانبه الأيمن ليبدو له

ص: 224


1- وسائل الشيعة 2 - 681 ح 4.
2- سنن ابن ماجة 1 - 469.
3- وسائل الشيعة 2 - 680 ح 2.
4- وسائل الشيعة 2 - 685 ح 1.
5- وسائل الشيعة 2 - 680 ح 2.

الأيسر ، فيغسله من قرنه إلى قدمه. ولا يغسل أكثر من ثلاث مرات ، لأنه أمر شرعي فيقف على الإذن.

ولا ينبغي وضع السدر صحيحا بل مطحونا ، لأن المراد التنظيف وإنما يحصل به.

ولو تعذر السدر أو الكافور أو هما ، فالأقوى عدم سقوط الغسلة ، لأن وجوب الخاص يستلزم وجوب المطلق.

ولو لم يجد السدر ، ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي أو نحوه إشكال ، ينشأ من عدم النص ، وحصول الغرض. ولو غسله بذلك مع وجوده لم يجز ، وكذا لو غسله بالقراح من غير سدر وكافور ، وفي حصول التطهير إشكال.

والغريق يغسل واجبا.

ولا فرق في ذلك كله بين الرجل والمرأة والكبير والصغير.

ويستحب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما رقيقا ، لخروج ما لعله بقي مع الميت ، لاسترخاء الأعضاء وعدم القوة الماسكة ، وبقاؤه يؤدي إلى خروجه بعد الغسل ، فيؤذي الكفن ، إلا الحامل لئلا يخرج الولد ولا يمسح في الثالثة عند علمائنا ، لحصول المطلوب بالأولتين.

وإذا خرج من الميت شي ء بعد غسله ثلاثا ، فإن لم يكن ناقضا كالدم غسل ، وإن لم يكن نجسا فلا بأس. وإن كان أحد النواقض ، فالأقوى الاكتفاء بغسل النجاسة دون إعادة الغسل ، لقول الصادق علیه السلام : ولا تعد الغسل (1).

ص: 225


1- وسائل الشيعة 2 - 723 ح 1.
البحث الثالث: ( في بقايا مسائله )

قيل : باستحباب وضوء الميت ، لقول الصادق علیه السلام : في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة. وقيل : بعدمه ، لأنه كغسل الجنابة ، فإن قلنا باستحبابه منعنا المضمضة والاستنشاق ، لئلا يدخل الماء جوفه.

ويستحب إمرار يد الغاسل على جسد الميت ، فإن خيف من ذلك لكونه مجدورا أو محترقا ، اكتفى بصب الماء عليه ، لقول الباقر علیه السلام : المجدور والكسير والذي به القروح يصب عليه الماء صبا (1).

فإن خيف من صب الماء يمم بالتراب إجماعا ، لتعذر الماء. ولأن قوما أتوا النبي صلی اللّه علیه و آله فقالوا : يا رسول اللّه مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسلناه انسلخ ، قال : يمموه (2).

وكذا ييمم الميت لو فقد الماء ، أو تعذر الوصول إليه ، أو وجد المضاف ، أو النجس ، أو اضطر الحي إلى شربه.

وإذا مات الجنب : أو الحائض أو النفساء ، كفى غسل الموت إجماعا ، قال الباقر علیه السلام في الجنب : إذا مات ليس عليه إلا غسل واحد (3). ولا يجب التسمية في غسل الميت للأصل.

ويستحب في كل غسلة صاع ، والواجب الإنقاء ، لقول العسكري علیه السلام : حده يغسل حتى يطهر (4). وينبغي أن يبدأ في كل غسلة بيديه وفرجه مبالغة في الإنقاء.

ويستحب للغاسل أن يذكر اللّه تعالى عند غسله ، وقال الباقر عليه

ص: 226


1- وسائل الشيعة 2 - 702 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 703 ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 - 721 ح 4.
4- وسائل الشيعة 2 - 718 ح 2 ب 27.

السلام : أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه : « اللّهم هذا بدن عبدك المؤمن وقد أخرجت روحه وفرقت بينهما ، فعفوك عفوك » إلا غفر له ذنوب سنته إلا الكبائر (1).

ويستحب وقوف الغاسل على جانبه الأيمن. ويكره جعله بين رجليه ، لقول الصادق علیه السلام : ولا يجعله بين رجليه في غسله ، بل يقف من جانبه (2).

ويشترط في الماء الطهارة إجماعا ، فإن النجس لا يطهر غيره. والإطلاق ، فإن المضاف غير مطهر. وينجس بما يلاقيه من النجاسة ، والأقوى على قول المرتضى ذلك ، لأنه عبادة فأشبهت الوضوء. ولو جعلناه كغسل النجاسة انسحب على قوله الجواز.

والملك والإباحة ، فلا يجوز الغسل بالماء المغصوب مع علم الغاصب ، ولا يحصل به الطهارة ، فإن جعلناه إزالة النجاسة احتمل الطهارة. ولو كان الغاسل جاهلا أجزأ كالوضوء. وكذا يجب كون الكافور والسدر مملوكين. ولو غسله في مكان مغصوب ، فإن جعلناه عبادة محضة ، فالأقوى عدم الإجزاء ، وإن جعلناه إزالة نجاسة أجزأ.

وإذا تعذر استعمال الماء وجب التيمم بتراب مملوك له طاهر أو مباح مطلق ، وهل ييمم ثلاثا أو مرة؟ الأقرب الأول ، لأنه بدل عن ثلاثة أغسال. ويحتمل الثاني ، لاتحاد غسل الميت.

وإذا فرغ من غسله شفه بثوب مستحبا ، لئلا يسرع الفساد إلى الكفن مع البلل وللرواية (3).

ص: 227


1- وسائل الشيعة 2 - 690 ح 1.
2- المعتبر ص 74.
3- وسائل الشيعة 2 - 680 ح 2.
البحث الرابع: ( في المكروهات )

يكره إقعاد الميت وعصره قاعدا ، لأن في إقعاده أذى له ، وفي رواية حمران بن أعين : إذا غسلت الميت فارفق به ولا تعصره. وفي أخرى : ولا تعصروا له مفصلا (1).

ويكره أيضا قص أظفاره ، وترجيل شعره عند جميع علمائنا. وكذا حلق العانة ، ونتف الإبط ، وحف الشارب ، لأن الساقط منه يوضع في كفنه ، فلا معنى لقص ذلك مع القول بوضعها في الكفن. وقول الصادق علیه السلام : لا يمس من الميت شعر ولا ظفر ، وإن سقط منه شي ء فاجعله في كفنه (2).

ويحرم حلق رأسه ، قال الشيخ : إنه بدعة (3). ويكره تسريح اللحية ، وإن كانت ملبدة ، لأدائه إلى سقوط شي ء من شعره.

ولا يختن الميت إذا لم يكن مختتنا وإن كان كبيرا. وكذا لو وصل عظمه بعظم ميتة لم تقلع ، لأنه صار جزءا منه ، فصار كله ميتا.

وينبغي إخراج الوسخ من بين أظفاره بعود ليّن ، وإن شد عليه قطنا ويتبعها به كان أولى. وليس من السنّة ظفر شعر الميت ، لئلا يسقط منه شي ء.

ويكره إسخان الماء إلا لضرورة ، كالبرد المانع للغاسل عنه ، لقول الباقر علیه السلام : لا يسخن الماء للميت (4). ولأن المراد شد الميت بالماء البارد ، ولهذا طرح الكافور فيه ليشده ويبرده ، والمسخن يرخيه ، فإن احتيج إلى الإسخان زالت الكراهة. ولو تعذر ولم يتمكن الغاسل منه للبرد يممه.

ولا يستحب الدخنة بالعود ولا بغيره ولا التجمير عند الغسل ، لأن

ص: 228


1- وسائل الشيعة 2 - 692 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 694 ح 1.
3- الخلاف 1 - 282.
4- وسائل الشيعة 2 - 693 ح 1.

الاستحباب أمر شرعي ، فيقف على دلالته. قال الباقر علیه السلام : لا تقربوا موتاكم النار (1). يعني الدخنة.

المطلب الثاني: ( في الغاسل )
اشارة

الأصل أن يغسل الرجل مثله والمرأة مثلها. وليس للرجل أن يغسل المرأة إلا بأحد أسباب ثلاثة : الزوجية والمحرمية والملك.

فهنا مباحث :

البحث الأول: ( في الزوجية )

يجوز للرجل أن يغسل زوجته اختيارا ، عند أكثر علمائنا ، لأن فاطمة علیهاالسلام أوصت أن تغسلها أسماء بنت عميس وعلي علیه السلام ، فكان علي علیه السلام يصب الماء عليها (2). وسئل الصادق علیه السلام عن الرجل يخرج إلى السفر ومعه امرأة يغسلها؟ قال : نعم وأخته (3).

وللشيخ قول آخر بالمنع ، إلا مع عدم النساء من وراء الثياب ، لأن الموت فرقة تبيح الأخت والرابعة [ أي الفرقة ] (4) فحرمت اللمس والنظر كالمطلقة بائنا.

وكما يجوز للرجل أن يغسل زوجته ، فكذا الزوجة أن تغسل زوجها اختيارا ، والمطلقة رجعيا كالزوجة ، والبائن أجنبية.

ولا فرق بين الزوجة الحرة والأمة والمكاتبة والمتولدة ، وغير المدخول بها ،

ص: 229


1- وسائل الشيعة 2 - 735 ح 12.
2- وسائل الشيعة 2 - 717.
3- وسائل الشيعة 2 - 705.
4- الزيادة من « ر ».

كالمدخول بها لوجود المقتضي وهو الزوجية.

ولو كانت ذمية ، لم يجز له غسلها ، لأن المسلم لا يغسل الكافر ، والأقرب أن لكل من الزوجين تجريد صاحبه عند غسله كمجانسه. ويجوز لأم الولد أن تغسل مولاها. ولو لم يكن أم ولد احتمل ذلك كأم الولد ، والمنع ، لانتقال الملك إلى غيره ولم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير (1) به في معنى الزوجات.

البحث الثاني: ( الملك )

يجوز للسيد غسل أمته ومدبرته وأم ولده ، لأنهن في معنى الزوجية ، في اللمس والنظر والاستمتاع ، فكذلك في الغسل كالحرة ، والأقوى أن المكاتبة كالأجنبية ، لتحريمها على المولى بعقد الكتابة. سواء كانت مطلقة أو مشروطة.

ولو كانت الأمة مزوجة أو معتدة ، لم يكن للسيد تغسيلها ، ولا لها تغسيل السيد. ولو انعتق بعضها فكالحرة الأجنبية ، أما المولى منها من الزوجات والإماء والمظاهر منها ، فإنهن كالزوجات.

البحث الثالث: ( المحرمية )

للرجل أن يغسل من ذوي أرحامه محارمه من وراء الثياب عند عدم الزوج والنساء ، ونعني بالمحارم من لا يحل له وطؤها بالنسب أو الرضاع ، كالبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ، لتسويغ النظر إليهن في الحياة.

أما من ليس من المحارم من ذوي الأرحام ، كبنت العم وبنت الخال ، فإنهن كالأجنبيات.

ص: 230


1- في « س » يصيره.

ولو مات الرجل ولم يوجد رجل مسلم يغسله ولا زوجة ، جاز أن يغسله بعض محارمه من وراء الثياب ، لقول الصادق علیه السلام في الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء هل يغسله النساء؟ قال : يغسله امرأته أو ذات محرمة ، ويصب عليه الماء صبا من فوق الثياب (1).

ولا يجوز أن يغسل الرجل الأجنبية ، ولا الأجنبية الرجل ، لتحريم النظر.

وللنساء غسل الطفل مجردا من ثيابه إجماعا ، وإن كان أجنبيا اختيارا أو اضطرارا ، لأن المرأة تربيه ولا تنفك عن الاطلاع على عورته. واختلف في تقديره ، والأقرب أنه ابن ثلاث سنين ، لأن الصادق علیه السلام سئل إلى كم يغسله النساء؟ فقال : إلى ثلاث سنين (2). وقيل : إلى خمس.

وكذا يغسل الرجل الصبية عند جميع علمائنا إذا كانت بنت ثلاث سنين مجردة ، وإن كانت أجنبية لأنها ليست محل الشهوة.

ولا يشترط في الغاسل البلوغ ، بل يجوز تغسيل المميز. وكذا يصح أن يغسل المحرم الحلال وبالعكس.

البحث الرابع: ( في حالة الاضطرار )

إذا مات الرجل وليس هناك رجل مسلم ولا زوجته ، غسلته محارمه من وراء الثياب ، لقول الصادق علیه السلام : إذا مات الرجل مع النساء ، غسلته امرأته ، فإن لم تكن امرأته غسلته أولاهن به ، ويلف على يديها خرقة (3).

ولو لم يكن هناك محرم وكان هناك ذات رحم غسله كذلك.

ص: 231


1- وسائل الشيعة 2 - 706 ح 4.
2- وسائل الشيعة 2 - 712 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 706 ح 6.

ولو لم يكن هناك ذات رحم وكان هناك رجال كفار ونساء مسلمات ، أمر بعض النساء رجلا كافرا بالاغتسال ، وعلمته غسل أهل الإسلام ثم يغسله ، لقول الصادق علیه السلام في مسلم مات وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ، قال : يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر (1).

ولو لم يكن معه أحد من الكفار ، دفن من غير غسل ولا تيمم ، لأن نظر الأجنبيات إليه حرام.

ولو ماتت امرأة مسلمة وليس هناك زوج ولا ذو رحم ولا نساء ، دفنت بثيابها ولا يغسلها الأجنبي ولا ييممها ، لتحريم النظر واللمس ، ولقول الصادق علیه السلام : تدفن ولا تغسل (2). وروي أنهم يغسلون محاسنها يديها ووجهها (3) ، لأنه مواضع التيمم.

ولو كان مع الرجال الأجانب نساء كافرات ، أمر الرجال المسلمون امرأة من الكفار بالاغتسال ، ثم يعلمها غسل المسلمات فتغسلها ، لقول الصادق علیه السلام عن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ، معها نصرانية ورجال مسلمون ، قال : تغتسل النصرانية ثم تغسلها (4).

وغسل الكافر والكافرة إما تعبد ، أو لزوال النجاسة الطارية. وإذا غسله الكافر أو الكافرة لتعذر المسلم والمسلمة ، ثم وجد مسلم أو مسلمة ، فالوجه إعادة الغسل ما لم يدفن ، لأن تسويغه للضرورة وقد زالت.

وهل يجب على من مسه بعد هذا الغسل الغسل أو لا؟ إشكال ، أقربه الوجوب ، لعدم حصول الطهارة به.

ص: 232


1- وسائل الشيعة 2 - 704 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 709 ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 - 710 ح 1.
4- وسائل الشيعة 2 - 704 ح 1.

ولو كان الميت خنثى مشكلا ، فإن كان صغيرا ، فلكل من الرجال والنساء غسله. وإن كان كبيرا ، فإن كان له ذو رحم من الرجال أو النساء غسله ، وإن لم يكن احتمل دفنه من غير غسل ، وشراء جارية من تركته تغسله ، فإن لم تكن تركة فمن بيت المال ، ويبعد بانتفاء الملك عنه بموته.

وإذا حصل جماعة يصلحون للغسل ، فأولاهم به أولاهم بالميراث. ولو كان الميت امرأة ، فالزوج أولى بها من كل أحد في جميع أحكامها. ولو كان القريب أو الزوج أو الزوجة كافرا فكالمعدوم.

المطلب الثالث: ( في المحل )
اشارة

ومباحثه ثلاثة (1) :

البحث الأول: ( من يجب غسله )

يجب تغسيل الميت المسلم ومن هو بحكمه ، وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، على الكفاية بإجماع علماء الإسلام ، فإن أعرابيا سقط عن بعيره فرفص فمات ، فقال النبي صلی اللّه علیه و آله : اغسلوه بماء وسدر (2).

وحينئذ يحرم أخذ الأجرة على الواجب في هذه الأحوال ، لا على المستحب. ولا يجب على المسلمين بذل ماء الغسل وثياب الكفن إجماعا.

وفي تغسيل الميت ثواب عظيم ، قال الصادق علیه السلام : من غسل ميتا فستر وكتم خرج من الذنوب كما ولدته أمه (3).

ويجب تغسيل كل ميت مسلم ومن هو بحكمه من أطفالهم للأمر به. ولا

ص: 233


1- كذا في النسخ الثلاثة وهي ستة.
2- سنن ابن ماجة 2 - 1030.
3- وسائل الشيعة 2 - 692 ح 2.

يجوز تغسيل الكافر ، فإن كان ذميا أو مرتدا ، قريبا كان أو أجنبيا ، لانتفاء قبوله للطهارة ، ولعدم الصلاة عليه والدعاء له ، وأولاد المشركين كآبائهم. ويغسل ولد الزنا. والمخالف يغسل غسلة.

ويجب تغسيل أموات المسلمين من الكبار والصغار ، لأن الملائكة غسلت آدم علیه السلام ، وقالوا لولده : هذه سنّة موتاكم.

ولو وجد ميت لا يعلم أمسلم هو أو كافر؟ اعتبر بالعلامات كالختان ، فإن لم يكن هناك علامة ، غسل وصلي عليه إن كان في دار الإسلام ، وإلا فلا.

البحث الثاني: ( في السقط والأبعاض )

السقط إذا كمل له أربعة أشهر ، وجب أن يغسل ، لرواية أحمد بن محمد عمن ذكره قال : إذا أتم السقط أربعة أشهر غسل (1). ولو كان له أقل من أربعة أشهر ، لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه ، بل يلف في خرقة ويدفن إجماعا.

وإذا وجد بعض الميت ، فإن خلا عن عظم لف في خرقة ودفن من غير غسل ، ويجب على من مسها غسل يده دون الغسل. وإن كان فيه عظم ، فإن كان الصدر كان حكمه حكم الميت في أحكامه كلها ، من التغسيل والتكفين والصلاة عليه ، وفي وجوب تحنيطه إشكال ، ينشأ من اختصاص وجوبه بالمساجد ، ومن الحكم بالمساواة. وأما غير الصدر فإنه يغسل ويلف في خرقة ويدفن ولا يصلى عليه ، ويجب على من مسه الغسل.

قال سلار : ويحنط (2). وهو حق إن كان أحد المساجد ، وإلا فلا لأصالة البراءة.

ص: 234


1- وسائل الشيعة 2 - 695 ح 2.
2- المراسم ص 630.

ولو أبينت قطعة من حي ، فإن كانت ذات عظم ، وجب غسلها ولفها في خرقة ودفنها ، وإلا لفت في خرقة ودفنت.

البحث الثالث: ( في الشهيد )

إن مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن ، بل يصلى عليه عند جميع علمائنا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كذا فعل وأمر بدفن شهداء أحد من غير تغسيل ولا كفن ، وقال : زملوهم بدمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك (1).

ولو نقل من المعركة وبه رمق ، أو انقضى الحرب وبه رمق ، غسل وكفن ، سواء أكل أو لا وصى أو لم يوص ، للأصل ، ولقول الصادق علیه السلام : الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن بثيابه ولا يغسل ، إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ، ثم يموت بعد فإنه يغسل ويكفن ويحنط ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ، لكنه صلى عليه (2).

واختلف في الشهيد لو كان جنبا ، فالمرتضى أوجب غسله ، لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد فقال النبي صلی اللّه علیه و آله : ما شأن حنظلة فإني رأيت الملائكة تغسله (3) ، فقالوا : إنه جامع ثم سمع الهيعة فخرج للقتال. وقال الشيخ : لا يغسل للعموم (4).

وكذا لو طهرت المرأة من الحيض أو النفاس ثم استشهدت ، لم تغسل للعموم.

ولا فرق في الشهيد بين الرجل والمرأة والصبي والكبير والرضيع والحر

ص: 235


1- جامع الأصول 11 - 430.
2- وسائل الشيعة 2 - 700 ح 9.
3- وسائل الشيعة 2 - 698 ح 2.
4- الخلاف 1 - 288.

والعبد ، لأنه مسلم قتل في معركة المشركين فكان كالبالغ والحر ، ولأنه كان في قتلى أحد وبدر أطفال لحارثة بن النعمان وعمر بن أبي وقاص ، ولم ينقل أن النبي صلی اللّه علیه و آله غسلهم. وفي يوم الطف قتل رضيع الحسين علیه السلام ولم يغسله.

البحث الرابع: ( في شرط الشهيد )

وله شرطان : الأول : تسويغ القتل بين يدي الإمام. الثاني : الموت في المعركة بسبب.

فلو قتل أهل البغي واحدا من أهل العدل فهو شهيد لا يغسل ولا يكفن ، لأن عليا علیه السلام لم يغسل من قتل معه (1). وأوصى عمار أن لا يغسل ، وقال : ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. وأوصى أصحاب الجمل أنا مستشهدون غدا ، فلا تنزعوا عنا ثوبا ، ولا تغسلوا عنا دما.

ولو قتل أهل العدل رجلا من البغاة ، غسل وكفن وصلي عليه ، وهو أحد قولي الشيخ (2) ، لقوله علیه السلام : صلوا على من قال « لا إله إلا اللّه » (3). ولأنه مسلم قتل بحق فأشبه النصراني. وفي موضع آخر قال : إنه كافر لا يغسل ولا يصلى عليه (4). لأنهم جماعة ليس لهم منعة وقوة باينوا أهل الحق بدار وقتال ، فلا يغسلون ولا يصلى عليهم كأهل الحرب.

وشرط الشيخان في سقوط غسل الشهيد أن يقتل بين يدي إمام عادل في نصرته ، أو من نصبه.

ويحتمل اشتراط تسويغ القتال ، فقد يجب القتال وإن لم يكن هناك إمام ،

ص: 236


1- وسائل الشيعة 2 - 699 ح 4.
2- الخلاف 1 - 290 مسألة 61.
3- أورده الشيخ في الخلاف 1 - 290.
4- الخلاف 1 - 290 مسألة 59.

بأن يدهم المسلمين عدو ، فإنه يجب على كل أحد دفعه ، لقولهم علیهم السلام : اغسل كل الموتى إلا من قتل بين الصفين.

وكل مقتول في غير المعركة يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه ، وإن قتل ظلما ، أو دون نفسه أو أهله أو ماله ، عند جميع علمائنا ، لقوله علیه السلام : اغسل كل الموتى إلا من قتل بين الصفين (1).

والنفساء تغسل وتكفن ويصلى عليها إجماعا. وكذا المطعون والمبطون والغريق والمهدوم عليهم ، وتسميتهم شهداء باعتبار الفضيلة ، وقد صلى النبي صلی اللّه علیه و آله على امرأة ماتت في نفاسها.

ولا فرق بين أن يقتل الشهيد بالحديد ، أو بالخشب ، أو بالصدم ، أو اللطم باليد والرجل ، عملا بإطلاق اللفظ. ولو عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بين يدي العدو ، لأنه قتل بين الصفين.

ولو وجد غريقا أو محترقا في حال القتال ، أو ميتا لا أثر فيه ، لم يغسل عند الشيخ ، لاحتمال موته بسبب من أسباب القتال. وقال ابن الجنيد : يغسل لأصالة وجوبه.

ولو حمل عليهم فتردى في بئر ، أو وقع من جبل ، أو سقط من فرسه ، أو رفسه فرس غيره ، فهو شهيد. ولو انكشف الصف عن مقتول من المسلمين لم يغسل ، وإن لم يكن به أثر.

البحث الخامس: ( في المقتول غير الشهيد )

كل مقتول غير شهيد يجب أن يغسل ويكفن ، فلو قتل اللص رجلا غسل وكفن ، سواء قتل بحديد أو غيره ، لأن عليا علیه السلام قتل بحديد وغسل ، وكذا عمر.

ص: 237


1- وسائل الشيعة 2 - 698 ح 3.

ولو قتل اللص وقاطع الطريق غسلا وكفنا ، لأن الفسق لا يمنع وجوب هذه الأحكام.

ومن وجب عليه القود أو الرجم ، يؤمر بالاغتسال والتخيط والتكفين ، ثم يقام عليه الحد ويدفن ، لأن الصادق علیه السلام قال : المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ويصلى عليهما (1).

والمقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل ويتحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه. والمراد بالصلاة بعد الموت.

وإذا قتل قودا أو رجما ، لم يجب غسله ثانيا. وهل يغسل ثلاثا بالسدر والكافور والقراح أو بالأخير خاصة؟ إشكال ، أقربه الأول ، لأن الإحالة إلى المعهود ولو مسه بعد القتل لم يجب عليه الغسل لأنه متطهر بغسله السابق وهو هنا غسل الأموات.

ولو مسه بعد القتل ، لم يجب عليه الغسل ، لأنه متطهر بغسله السابق ، وإلا انتفت فائدته ، وتقديم الغسل يمنع من تجديد النجاسة بالموت ، لتحقق الطهارة به. ولا يجب بمس الشهيد الغسل لطهارته.

ولو اغتسل المقتول قودا فمات قبل القتل ، وجب أن يغسل ويكفن ثانيا ، ويجب على من مسه الغسل ، لعدم تأثير السابق في الموت حتف الأنف ، وكذا لو قتل لغير ما اغتسل له ، كما لو وجب قتله بالزنا ، فاغتسل أولا وأمر الحاكم بقتله فيه ، فحضر ولي القصاص وطالب به ، فالأقرب وجوب الاغتسال ثانيا على إشكال.

البحث السادس: ( في المحرم )

المحرم كالمحل في وجوب تغسيله ، إلا أنه لا يقرب الكافور ، ولا غيره

ص: 238


1- وسائل الشيعة 2 - 703 ب 17.

من أنواع الطيب في تغسيله ولا حنوطه ، لقوله علیه السلام : لا تقربوه طيبا ، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا (1). ولا يمنع من المخيط ولا تغطية الرأس والرجلين ، لأن محمد بن مسلم سأل الباقر والصادق علیهماالسلام عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال : يغطي وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير أنه لا يقرب طيبا (2).

وقال المرتضى وابن أبي عقيل : إحرامه باق ، فلا يخمر رأسه. ويغسل كما يغسل الحلال ، ولا يكفي صب الماء عليه ، وتغطى رجلاه ووجهه. ويجوز أن يلبس المخيط ، ولو كانت امرأة ألبست القميص وخمر رأسها ولا تقرب طيبا ، ويغطى وجهها.

ولا تلحق المعتدة بالمحرم ، لأن وجوب الحداد للتفجع على الزوج وقد زال بالموت. ولا يلحق المعتكف بالمحرم وإن حرم عليه الطيب حيا.

ولا فرق بين الحج والعمرة ، ولو أفسد حجه بالجماع ، فكالمحرم الصحيح ، لمساواته له في الأحكام.

ولو مات عقيب التحلل الأول - وهو عقيب الحلق أو التقصير المحلل لما عدا الطيب والنساء ، فكالمحرم. أما لو تحلل الثاني - وهو عقيب طواف الزيارة المحلل للطيب - ففي إلحاقه بالمحرم من حيث أنه لم يحل مطلقا ، لتحريم النساء عليه ، أو بالمحلل لإباحة الطيب له حيا فكذا ميتا إشكال ، والأخير أقرب.

ص: 239


1- سنن ابن ماجة 2 - 1030.
2- وسائل الشيعة 2 - 696 ح 2.

ص: 240

الفصل الرابع: ( في تكفينه )

وفيه مطلبان :
المطلب الأول: ( في تحنيطه )

إذا فرغ من غسله نشفه بثوب لئلا تبل أكفانه ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قال لأم سليم : فإذا فرغت منها فألقي عليها ثوبا نظيفا. وفي حديث ابن عباس أن النبي صلی اللّه علیه و آله لما غسل جففوه بثوب.

ثم ينقل إلى أكفانه المبسوطة المعدة له برفق مستورا بثوب ، فيجعل عليها مستلقيا ، لأنه أمكن لإدراجه فيها.

ثم يحنطه واجبا ، بأن يمسح مساجده السبعة بالكافور بأقل اسمه ، وأقل فضله درهم ، وأزيد منه أربعة مثاقيل ، والأكمل ثلاث عشر درهما وثلث ، لأن جبرئيل علیه السلام نزل بأربعين درهما من كافور الجنة ، فقسمه النبي صلی اللّه علیه و آله بينه وبين علي علیه السلام وفاطمة علیهاالسلام أثلاثا (1). وهل كافور الغسلة من هذه الثلاثة عشر وثلث أو لا؟ قولان.

ص: 241


1- وسائل الشيعة 2 - 730 و 731.

ولا يقوم غير الكافور مقامه ، فلا يجوز استعمال المسك وغيره ، إلا الذريرة ، لأن الميت كالمحرم.

ولو تعذر الكافور سقط الحنوط لعدم تسويغ غيره. ولا يجب استيعاب المساجد بالمسح.

المطلب الثاني: ( في تكفينه )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في جنسه )

يحرم التكفين في الحرير المحض للرجال والنساء عند علمائنا ، لما فيه من إتلاف المال ، ولأن أحدا من الصحابة والتابعين لم يفعله. ولو كان سائغا لفعلوه ، لأنهم كانوا يفتخرون بجودة الأكفان ، وقد استحب الشارع تجويدها. وسأله الحسين بن راشد عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل القصب اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس (1) ، دل بمفهومه على التحريم مع صرافة القز.

والقصب ضرب من برود اليمن يسمى بذلك ، لأنه يصنع بالقصب ، وهو ينبت باليمن. ويحتمل عندي كراهة ذلك للمرأة ، لإباحته لها في الحياة.

ويستحب أن يكون الكفن قطنا محضا أبيض أجما ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كفن في القطن الأبيض.

وقال علیه السلام : البسوا من ثيابكم البياض ، فإنه أطهر وأطيب ، وكفنوا فيه موتاكم (2). وقول الصادق علیه السلام : الكتان كان لبني إسرائيل

ص: 242


1- وسائل الشيعة 2 - 753 ح 1 ب 23.
2- سنن ابن ماجة 2 - 1181 ، وسائل الشيعة 2 - 750.

يكفنون به ، والقطن لأمة محمد صلی اللّه علیه و آله (1).

ويكره الكتان عند علمائنا ، لقول الصادق علیه السلام : لا يكفن الميت في كتان (2). وكذا يكره الممتزج بالحرير.

ويشترط أن يكون مما يجوز فيه الصلاة ، فلا يصح التكفين في الجلود. لأنها (3) تنزع عن الشهيد ، مع أنه يدفن بجميع ما عليه ، ولا يناسب تكفين غيره بها. والأقرب جواز التكفين بالصوف والشعر والوبر ، لجواز الصلاة فيها. وفي جلود ما يؤكل لحمه إذا كان مذكى إشكال.

ويشترط فيه أيضا الطهارة إجماعا ، فلا يجوز أن يكفن في النجس ، لأنه لو لحقه نجاسة بعد التكفين وجب إزالته فقبله أولى. وأن يكون مملوكا ، فلا يجوز التكفين في المغصوب إجماعا ، لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.

ويكره أن يكفن في الثياب السود إجماعا ، لأن وصف البياض بالطيب والطهور في كلامه علیه السلام يدل بمفهومه على كراهة ضده ، ولأنها ثياب مثله ، ولقول الصادق علیه السلام : لا يكفن الميت بالسواد (4). وكذا يكره تكفين الرجل والمرأة بالمعصفر وغيره.

البحث الثاني: ( في قدره )

ويجب عند أكثر علمائنا للرجل والمرأة ثلاثة أثواب : مئزر ، وقميص هو البقيرة (5) ، وإزار ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كفن في ثلاثة أثواب سحولية (6) ،

ص: 243


1- وسائل الشيعة 2 - 751 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 751 ح 2.
3- في « ق » فإنها.
4- وسائل الشيعة 2 - 751 ح 1 ب 21.
5- كذا في « ق » و « ر » وفي « س » هو القبر.
6- جامع الأصول 11 - 414.

وسحول بفتح السين مدينة باليمن والسحول بضم السين الثياب البيض. قال الصادق علیه السلام : كفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في ثوبين سحوليين ، وثوب حبرة يمنية عبري (1).

وقال الباقر علیه السلام : الكفن المفروض ثلاثة أثواب تامة ، لا أقل منه يواري به جسده كله ، فما زاد فهو سنة حتى يبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع (2).

وعند بعض علمائنا الواجب لفافة تستر الميت وتعم البدن ، وما زاد مستحب للأصل.

ولو لم يوجد الثلاث ، اكتفي بما يوجد. ولو قصر الثوب عن جميعه ، ستر رأسه وجعل على رجليه حشيشا. ولو لم يكف إلا العورة ، وجب الستر بها ، لأنها أهم من غيرها ، ولا فرق بين الرجل والصبي.

ويستحب زيادة حبرة يمنية منسوبة إلى اليمن ، عبرية منسوبة إلى العبر وهو جانب الوادي ، غير مطرز بالذهب ، لأن الباقر علیه السلام قال : كفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في ثلاثة أثواب : برد حبرة أحمر ، وثوبين أبيضين (3) ، وكفن علي علیه السلام ابن حنيف في برد أحمر (4). وكفن الحسن علیه السلام أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة (5).

ويستحب أن يزاد الرجل فرقة لشد فخذيه طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر إلى شبر ونصف ، ويسمى « الخامسة » يلف بها فخذاه لفا شديدا.

ويستحب للرجل أيضا العمامة تبنى عليه محنكا ، ويخرج طرفاها من الحنك ، ويلقيان على صدره ، لقول الباقر علیه السلام : أمر النبي صلی اللّه علیه و آله بالعمامة (6). وقال الصادق علیه السلام : العمامة سنّة (7). وليست

ص: 244


1- وسائل الشيعة 2 - 726 ح 4.
2- وسائل الشيعة 2 - 726 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 726 ح 3.
4- وسائل الشيعة 2 - 726 ح 3.
5- نفس المصدر.
6- وسائل الشيعة 2 - 726 ح 1.
7- نفس المصدر.

من الكفن ، فلو سرقها النباش لم يقطع وإن بلغت النصاب ، لأن القبر حرز الكفن خاصة.

فللرجل خمسة غير العمامة ، الواجب منها ثلاثة : أما المرأة فيستحب لها الخمسة أيضا ، وزيادة لفافتين أو لفافة ونمطا ، فيكون المستحب لها سبعة ، ويعوض عن العمامة بقناع.

ولا يجوز الزيادة على ذلك في الرجل والمرأة ، لما فيه من إضاعة المال المنهي عنه.

البحث الثالث: ( في الكيفية )

إذا أراد تكفينه يستحب له أن يغتسل أولا ، فإن لم يفعل استحب له أن يتوضأ ، فإن لم يتفق غسل يديه إلى ذراعيه ، لأنه استظهار في التطهير ، ولقول العبد الصالح علیه السلام : يغسل الذي غسله يديه قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات ، ثم إذا كفنه اغتسل (1). وهذا الوضوء كاف عن وضوء الصلاة مع انضمام الغسل.

ثم يطيب الكفن بالذريرة ، لقول الصادق علیه السلام : وتبسط اللفافة طولا ويذر عليها من الذريرة (2).

ويستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف (3) وأوسعها ، فتبسط أولا ليكون الظاهر للناس أحسنها ، كالحي يجعل الظاهر أفخر ثيابه. ويجعل عليها حنوطا ، ثم تبسط الثانية التي تليها في الحسن (4) والسعة ، ويجعل فوقها ذريرة أيضا ، ثم ينقل الميت إليها.

ص: 245


1- وسائل الشيعة 2 - 761 ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 - 746.
3- في « ق » اللفافين.
4- في « ف » الجنس.

ويستحب أن يكتب على الحبرة والقميص واللفافة والجريدتين أنه يشهد الشهادتين ، ويسمى الأئمة علیهم السلام واحدا واحدا ، لأن الصادق علیه السلام كتب في حاشية كفن ولده إسماعيل « يشهد أن لا إله إلا اللّه » (1). ويكون ذلك بتربة الحسين علیه السلام ، فإن تعذر فبالإصبع. ويكره أن يكتب بالسواد.

ويستحب أن يجعل بين أليتيه شيئا من القطن الخالص من جنسه ، لئلا يخرج منه شي ء ، ولا يدخل في دبره ، بل يبالغ في إدخاله بين أليتيه.

ثم يشد فخذيه بالخامسة ، يضم فخذيه ضما شديدا. ويضع على المذاكير شيئا من القطن ، ثم يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ، ويغمزها في الموضع الذي لف فيه الخرقة ، ويلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا ، ثم يأخذ الإزار فيوزره به ، ويكون عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين ، فإن نقص عنه لم يكن به بأس.

ثم يحنط مساجده بالكافور ، فإن فضل منه شي ء ، جعله على صدره ومسحه به ، ثم يرد القميص عليه ، ويأخذ الجريدتين ويجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع ترقوته ويلصقها بجلده ، والأخرى من الأيسر ما بين القميص والإزار.

ويعممه فيأخذ وسط العمامة فيثنيها على رأسه بالدور ، ويحنكه بها ، ويطرح طرفيها على صدره. ولا يعممه عمة الأعرابي بغير حنك. ثم يلفه في اللفافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبه الأيمن ، وجانبها الأيمن على جانبه الأيسر. ثم يصنع بالحبرة أيضا مثل ذلك ، ولو لم يوجد حبرة استحب التعويض بلفافة أخرى ، ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه.

والواجب من ذلك أن يوزره ، ثم يلبسه قميصه ، ثم يلفه بالإزار.

ص: 246


1- وسائل الشيعة 2 - 757 ح 1.
البحث الرابع: ( في محل الكفن )

محل كفن الرجل تركته إجماعا ، ويقدم الواجب على جميع الديون والوصايا ، لقول الصادق علیه السلام : ثمن الكفن من جميع المال (1). مقدم على جميع الديون والوصايا ، ولو ضاقت التركة قدم الكفن وضاع الدين.

ولو لم يخلف شيئا أصلا ، لم يجب على أحد بذل الكفن عنه ، قريبا كان أو بعيدا ، سواء وجبت النفقة عليه في حياته أو لا ، للبراءة الأصلية ويدفن عريانا. ولو كان في بيت المال فضل ، كفن منه.

وكذا الماء والكافور والسدر إلا المملوك ، لكن يستحب استحبابا مؤكدا.

وأما المرأة فإن كان لها زوج كان كفنها عليه ، عند جميع علمائنا ، سواء كانت موسرة أو معسرة ، لقول علي علیه السلام : على الزوج كفن امرأته إذا ماتت (2).

وأما المملوك ، فيجب على مولاه بالإجماع ، لاستمرار حكم رقبته إلى الوفاة.

وإنما يخرج من صلب التركة الكفن الواجب ، وهو القميص والإزار واللفافة خاصة بأدون ثمن يكون ، ولا فرق بين أن يوصي به أو لا. أما الزائد على الواجب ، فإن اتفق الورثة عليه ولا دين ، أو كان ووافق صاحبه ، أو كان فاضلا عنه ، أو أوصى به ، وهو يخرج من الثلث أخرج.

ولو تشاح الورثة ولا وصية ، أو ضاق الثلث عنه ، اقتصر على ما يحتمله الثلث.

ولو أوصى بإسقاط الزائد على الواجب ، نفدت وصيته.

ص: 247


1- وسائل الشيعة 2 - 758 ب 31.
2- وسائل الشيعة 2 - 759 ح 1.

ولو أوصى بإخراج الكفن من عين فتعذرت ، فإن لم ترد الوصية على الواجب ، أخرج من غيرها وكانت العين ميراثا. ولو زادت وهو يخرج من الثلث ، أخرج الواجب من غيرها ، وسقط الزائد مطلقا.

ولو أوصت الزوجة بالكفن ، صحت من الثلث في الواجب وغيره ، لأنه ينزع منها. ولو كان الزوج فقيرا لا يزيد ما معه عن قوت يوم وكانت موسرة ، أخرج الكفن من تركتها. ولو ملك ما يقصر عن الواجب ، أخرج منه قدر ما معه والباقي من تركتها.

ولا فرق بين أن تكون الزوجة صغيرة أو كبيرة ، مدخولا (1) بها أو لا ، حرة أو أمة.

أما غير الكفن من ماء الغسل والسدر والكافور ، فالأقرب أنه على الزوج أيضا.

البحث الخامس: ( في بقايا مسائله )

الأول : إذا أخذ السيل الميت ، أو أكله السبع وبقي الكفن ، كان للورثة دون غيرهم ، لأن الميت لا يملك شيئا ، وهذا عين تركته. ولو تبرع أجنبي به ، فالأولى أنه للورثة أيضا.

الثاني : يستحب الجريدتان من النخل مع جميع الأموات ، لقوله علیه السلام : خضروا صاحبكم (2) ، أي اجعلوا معه جريدة خضراء. وقول الصادق علیه السلام : يوضع للميت جريدة في اليمين والأخرى في اليسار ، فإن الجريدة تنفع المؤمن والكافر (3).

ص: 248


1- في « ق » دخل.
2- وسائل الشيعة 2 - 739 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 737 ح 6.

ولو كان هناك تقية ولم يتمكن من وضعها في الكفن ، طرحت في القبر. فإن لم يقدر ، دفن بغير جريدة.

ويستحب أن يكونا رطبتين ، لأن القصد استدفاع العذاب ما دامت رطبة ، قيل للصادق علیه السلام : لأي شي ء يكون مع الميت جريدة؟ قال : يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة (1).

ويستحب أن يكون من النخل ، فإن تعذر فمن السدر ، فإن تعذر فمن شجر رطب. ويكون قدر كل واحدة قدر عظم الذراع.

الثالث : يكره تجمير الأكفان ، لعدم الأمر به ، ولقول الصادق علیه السلام : لا تجمروا الأكفان ، ولا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور ، فإن الميت بمنزلة المحرم (2).

الرابع : يستحب سحق الكافور باليد. ولا ينبغي أن يكون فيه شي ء من المسك والعنبر. ويكون من الجيد الخالص لا المغشوش بالنار.

الخامس : يكره أن يوضع شي ء من الكافور والمسك والقطن في سمع الميت وبصره وفيه وجرحه النافذ ، إلا أن يخاف خروج شي ء منها ، فيوضع عليه القطن عند علمائنا ، لأن ذلك يفسدها فتجتنب. وقال الصادق علیه السلام : لا تجعل في مسامع الميت حنوطا (3).

السادس : يكره قطع الكفن بالحديد ، قال الشيخ : سمعناه مذاكرة من الشيوخ وعليه كان عملهم ، ولا بد له من أصل ، وكذا بل الخيوط التي يخاط بها الكفن بالريق.

السابع : يكره أن يعمل لما يبتدئ من الأكفان أكمام ، ولو كفن في قميص كان يلبسه لم يقطع كمه وكان جائزا. وسئل الصادق علیه السلام الرجل

ص: 249


1- وسائل الشيعة 2 - 736 ح 4.
2- وسائل الشيعة 2 - 734 ح 5.
3- وسائل الشيعة 2 - 747 ح 4.

يكون له قميص أيكفن فيه؟ فقال : اقطع أزراره قلت : وكمه؟ قال : لا إنما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما. فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلا أزراره (1).

الثامن : إذا سقط من الميت شي ء ، غسل وجعل معه في أكفانه إجماعا ، لأولوية جميع أجزاء الميت في موضع واحد.

التاسع : الشهيد لا يكفن كما لا يغسل ، بل يدفن بثيابه ، ولو جرد كفن ولا يدفن عريانا.

ص: 250


1- وسائل الشيعة 2 - 756 ح 2 ب 28.

الفصل الخامس: ( في الصلاة عليه )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( المحل )

يجب الصلاة على كل ميت مسلم ، ومن هو بحكمه إذا بلغ ست سنين خاصة وصدره ، شهيد وغيره.

فلا يجوز الصلاة على الكافر ذميا كان أو مرتدا أو غيرهما بإجماع العلماء ، ولقوله تعالى ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ) (1) ولا يجب على المسلمين تكفينه ولا دفنه ولا غسله وإن كان ذميا ، لأن الذمة قد انتهت بالموت.

والصبي من أولاد المسلمين إن بلغ ست سنين وجبت الصلاة عليه ، لأنه الحد الذي يؤمر معه بالصلاة.

ولا يجب لو نقص سنه عن ذلك للأصل ، ولأن الصلاة على الميت استغفار وشفاعة ، فلا معنى للشفاعة فيمن لا يؤمر بالصلاة وجوبا ولا ندبا. وسئل الصادق علیه السلام متى تجب عليه؟ قال : إذا كان ابن ست سنين (2).

ص: 251


1- سورة التوبة : 84.
2- وسائل الشيعة 2 - 787 ح 1.

نعم تستحب الصلاة عليه ، لقول الكاظم : يصلي على الصبي على كل حال ، إلا أن يسقط لغير تمام (1).

ولو خرج بعضه واستهل ، ثم مات ، استحب الصلاة عليه وإن كان الخارج أقله ، لحصول الشرط وهو الاستهلال.

ولا تستحب الصلاة على السقط.

ولو وجد ميت لا يعلم كفره ولا إسلامه ، فإن كان في دار الإسلام ألحق بالمسلمين ، وإلا فبالكفار.

ولو امتزج أموات المسلمين بأموات الكفار ، صلي عليهم جميعا بنية إفراد الصلاة على المسلمين خاصة. ويجوز أن يصلى على كل واحد واحد بنية الصلاة عليه إن كان مسلما ، سواء كان المسلمون أكثر أو أقل.

يصلى على كل مظهر للشهادتين من سائر فرق الإسلام. ولا يصلى على أطفال المشركين ، لإلحاقهم بآبائهم.

ولا تجب الصلاة على كل من اعتقد ما يعلم بطلانه من الدين كالخوارج والغلاة. وتجب على الفاسق ، لقوله علیه السلام : صلوا على كل بر وفاجر (2).

ويشترط حضور الميت عند جميع علمائنا ، فلا يجوز الصلاة على الغائب عن البلد ، وإلا لصلي على النبي صلی اللّه علیه و آله في الأمصار ، وكذا الأعيان من الصحابة ، ولو فعل ذلك لاشتهر وتواترت مشروعيته ، ولأن حضور الجنازة شرط كما لو كانت في البلد.

وصلاة النبي صلی اللّه علیه و آله على النجاشي إما بمعنى الدعاء له ، أو أن الأرض زويت له فأرى الجنازة ، ويؤيد الأول ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم

ص: 252


1- وسائل الشيعة 2 - 789 ح 4.
2- سنن ابن ماجة 1 - 488 ما يشبه ذلك.

قلت له : فالنجاشي لم صلى عليه النبي صلی اللّه علیه و آله فقال : لا إنما دعا له (1).

وليس ظهوره شرطا ، فلو دفن قبل الصلاة عليه صلى على القبر ولم ينبش إجماعا. والعاري يترك في القبر وتستر عورته بالتراب ، ثم يصلى عليه ثم يدفن.

وإذا دفن الميت قبل الصلاة عليه ، صلي على قبره ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى على قبر مسكينة دفن ليلا (2). وصلى على قبر رجل كان يقيم بالمسجد دفن ليلا.

واختلف في تقدير الصلاة على القبر ، فقال بعض علمائنا : يصلى عليه يوما وليلة لا أزيد. وقال آخرون : إلى ثلاثة أيام ، ولا يجوز الصلاة بعدها ، لقول الكاظم علیه السلام : لا يصلى على المدفون (3). خرج ما قدرناه بالإجماع ، فيبقى الباقي على المنع.

ولا يصلى على المدفون إذا كان قد صلي عليه قبل دفنه ، عند جميع علمائنا. ولو دفن بغير صلاة ، ثم قلع صلي عليه مطلقا.

ويصلى على الشهيد عند جميع علمائنا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله خرج يوما صلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر. وقال ابن عباس : إن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى على قتلى أحد ، وكان يقدمهم تسعة تسعة وحمزة عاشرهم (4). وقال الصادق علیه السلام : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ، ولكنه صلى عليه (5).

ويصلى على المقتول ظلما ، أو دون ماله أو نفسه أو أهله ، عند جميع

ص: 253


1- وسائل الشيعة 2 - 795 ح 5.
2- جامع الأصول 7 - 155.
3- وسائل الشيعة 2 - 795 ح 8.
4- سنن ابن ماجة 1 - 485.
5- وسائل الشيعة 2 - 700 ح 9.

علمائنا ، لعموم « صلوا على من قال لا إله إلا اللّه » (1).

ويصلى على الصدر والقلب ، أو الصدر وحده عند جميع علمائنا ، لأن الصلاة تثبت لحرمة النفس ، والقلب محل الأعراض النفسانية ، ومنه ينبت الشرايين السارية في البدن ، وهو الرئيس على جميع الأعضاء ، فكأنه الإنسان حقيقة ، ولقول الكاظم علیه السلام في الرجل يأكله السبع ، فيبقى عظامه بغير لحم ، قال : يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن (2).

فإذا كان الميت نصفين صلي على النصف الذي فيه القلب. ولا فرق بين الرأس وغيره من الأعضاء.

ولو وجد الصدر بعد دفن الميت ، غسل وصلي عليه ودفن.

ولو أبينت القطعة من حي في المعركة ، دفن من غير غسل ولا صلاة. وإن كان فيها عظم ، لأنها من جملة لا يغسل على إشكال ، ينشأ من اختصاص الشهادة بالجملة.

والمرجوم يصلى عليه بعد قتله. وكذا المرجومة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله رجم الغامدية وصلى عليها ، فقال عمر : ترجمها وتصلي عليها؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لو سعتهم (3). ويصلي الإمام وغيره.

ويصلى على ولد الزنا إجماعا ، لأنه مسلم فيندرج تحت العموم. ويصلى أيضا على النفساء ، وعلى كل مسلم وإن كان تاركا للصلاة ، أو منع زكاة ماله. وعلى الغالي وهو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذه لنفسه. وكذا قاتل نفسه عمدا.

ولا فرق في وجوب الصلاة بين الذكر والأنثى ، والحر والعبد ، والفاسق

ص: 254


1- الخلاف 1 - 390.
2- وسائل الشيعة 2 - 815 ح 1.
3- جامع الأصول 4 - 282.

والعدل ، لأن هشام بن سالم سأل الصادق علیه السلام عن شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا؟ فقال : نعم (1).

المطلب الثاني: ( في المصلي )

أولى الناس بالصلاة أولاهم بالميراث ، لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (2) وهو أولى من الوصي إذا أوصى إليه الميت بالصلاة عليه ، للآية ، ولأنها ولاية يترتب العصبات ، فكان الولي أولى ، كولاية النكاح. وقول الصادق علیه السلام : يصلي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحب (3). وهو أولى من الوالي للآية والخبر.

نعم إمام الأصل أولى من كل أحد. ويجب على الولي تقديمه ، لأن عليا علیه السلام قال : الإمام من صلى على الجنازة. وقال علیه السلام : إذا حضر سلطان اللّه جنازة ، فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت وإلا فهو غاصب (4).

ولو لم يقدمه الولي ، فالأولى أن له التقدم ، لأن له من الولاية ما كان للنبي صلی اللّه علیه و آله ، وقد قال اللّه تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (5) ويحتمل المنع ، لما تقدم من حديث علي علیه السلام .

وإذا تعدد الأولياء كان الأب أولى من الجد ، لأنه الوارث له دونه ، ومن الولد وإن شاركه ، لأنه أرق وأشفق عليه ، فدعاؤه لابنه أقرب إلى الإجابة. والجد للأب أولى من الأخ للأبوين. والابن وإن نزل أولى من الجد ، لأنه أحق

ص: 255


1- وسائل الشيعة 2 - 814 ح 1.
2- سورة الأحزاب : 6.
3- وسائل الشيعة 2 - 801 ح 1 و 2.
4- وسائل الشيعة 2 - 801 ح 4.
5- سورة الأحزاب : 6.

بالميراث منه. والأكثر نصيبا أولى ، كالعم أولى من الخال ، والأخ للأب أولى من الأخ للأم.

ولو عدم العصبات ، احتمل تقديم المعتق ، لقوله علیه السلام : الولاية لحمة كلحمة النسب (1) ، ولأنه أحق بالميراث.

والزوج أولى من كل أحد ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال : زوجها ، قلت : الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال : نعم (2).

وإنما يتقدم الولي إذا كان بشرائط الإمامة ، وقد تقدمت في الجماعة. فإن لم يستكملها استناب ، فمن قدمه فهو بمنزلته. وليس للنائب أن يستنيب ، لاختصاصه باعتقاد إجابة دعائه.

وينبغي للولي أن يقدم الهاشمي ، مع اجتماع الشرائط ، لقوله علیه السلام : قدموا قريشا ولا تقدموها (3) ، وليس له التقدم بدون إذن الولي إجماعا.

والحر البعيد أولى من العبد القريب. والفقيه العبد أولى من غيره الحر. فإن اجتمع صبي ومملوك ونساء ، فالمملوك أولى لصحة إمامته.

وإذا ازدحم الأولياء قدم الأقرأ ، فالأفقه ، فالأسن كالمكتوبة ، لعموم قوله علیه السلام يؤمكم أقرؤكم (4). فإن تساووا وتشاحوا أقرع ، لتساوي حقوقهم.

ولو لم يكن معه إلا نساء ، صلين عليه جماعة ، تقف إمامتهن وسطهن من غير بروز ، لأنهن من أهل الجماعة ، وكان لهن الجماعة هنا كالرجال. وصلى

ص: 256


1- صحيح مسلم 2 - 1144 ما يشبه ذلك.
2- وسائل الشيعة 2 - 802 ح 1 و 2.
3- كنز العمال 6 - 198.
4- جامع الأصول 6 - 376.

أزواج النبي صلی اللّه علیه و آله على سعد بن أبي وقاص (1). وسئل الباقر علیه السلام المرأة تؤم النساء؟ قال : لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن وتكبّر ويكبّرن (2).

ويجوز للشابة أن تخرج إلى الجنازة على كراهية ، لما فيه من الافتتان ، وقال الصادق علیه السلام : ليس ينبغي للشابة أن تخرج إلى الجنازة تصلي عليها ، إلا أن تكون امرأة دخلت في السن (3).

وإذا صلت المرأة على الميت ، سقط الفرض عن الرجال ، وإن كانت حال اختيار. وكذا لو صلى الفاسق منفردا ، لأنه فرض كفاية قام به من يصح إيقاعه منه ، فتسقط عن الباقين. أما الصبي فلا يسقط الفرض بصلاته ، وإن كان مراهقا.

وإذا صلى العراة ، وقفوا صفا كالنساء ، ويقف إمامهم وسطهم ، ولا يتقدمهم لئلا تبدو عورته.

وجامع الشرائط ليس له التقدم إلا بإذن الولي المكلف ، وإن لم يكن جامعا لها ، لأنه حق له ليس لأحد مزاحمته فيه. ولو لم يكن هناك ولي يقدم بعض المؤمنين.

وإذا اجتمع جنائز وتشاح أولياؤهم فيمن يتقدم للصلاة عليهم ، قدم أولاهم بالإمامة في الفرائض. ويحتمل تقديم من سبق ميته. ولو أراد ولي كل ميت إفراد ميته بصلاته جاز إجماعا.

ص: 257


1- جامع الأصول. 153.
2- وسائل الشيعة 2 - 803 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 818 ح 3.
المطلب الثالث: ( في الكيفية )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في المقدمات المستحبة )

يستحب تشييع الجنائز بالإجماع ، وقد أمر النبي صلی اللّه علیه و آله به وحث عليه (1). قال الباقر علیه السلام : من شيع جنازة امرئ مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ، ولم يقل شيئا إلا قال الملك : ولك مثل ذلك (2).

ومراتبه ثلاث :

الأول : أن يصلي وينصرف.

الثاني : أفضل منه أن يتبعها إلى القبر ، ثم يقف حتى يدفن ، لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط ، ومن شهد حتى يدفن كان له قيراطان ، قيل : وما القيراطان؟ قال : مثل الجبلين العظيمين (3).

الثالث : أن يقف بعد الدفن فيستغفر له ويدعو له بالرحمة ويسأل له التثبيت ، لأنه علیه السلام كان إذا دفن ميتا وقف فقال : استغفروا له واسألوا اللّه له التثبيت ، فإنه الآن يسئل (4). قال علي علیه السلام : من تبع جنازة كتب له أربع قراريط : قيراط لاتباعه إياها ، وقيراط للصلاة عليها ، وقيراط للانتظار حتى يفرغ من دفنها ، وقيراط للتعزية (5).

ص: 258


1- جامع الأصول 11 - 418.
2- وسائل الشيعة 2 - 820 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 823.
4- جامع الأصول 11 - 436.
5- وسائل الشيعة 2 - 822 ح 1.

ويستحب لمشيع الجنازة أن يكون متخشعا متفكرا في حاله ، متعظا بالموت وبما يصير إليه الميت ، ولا يتحدث بشي ء ، من أحوال الدنيا ، ولا يضحك.

وأن يكون ماشيا خلف الجنازة ، متبعا لها أو إلى أحد جانبيها من غير تقدم عليها ، لأن المستحب التشييع والمشيع متأخر ، ولأنها متبوعة فكانت متقدمة. وسأل أبو سعيد الخدري أمير المؤمنين علیه السلام فقال : أخبرني يا أبا الحسن عن المشي مع الجنازة؟ فقال : فضل الماشي خلفها على الماشي قدامها كفضل المكتوبة على المتطوع ، فقلت : أتقول هذا برأيك أم سمعته من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فقال : بل سمعته من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (1).

وقال الباقر علیه السلام : المشي خلف الجنازة أفضل من بين يديها (2).

وإذا رأى مع الجنازة منكرا ، أنكره إن تمكن. فإن لم يقدر على إزالته ، لم يمتنع لأجله من الصلاة عليه ، لسقوط الإنكار مع العجز ، فلا يسقط الواجب ، قال زرارة : حضرت في جنازة فصرخت صارخة ، فقال عطاء : لتسكتن أو أرجع ، فلم تسكت فرجع ، فقلت ذلك للباقر علیه السلام فقال : امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم (3).

ويجوز للمشيع أن يجلس إذا تبع الجنازة قبل أن توضع في اللحد من غير كراهة ، للأصل ، ولقول علي علیه السلام : قام رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأمر بالقيام ، ثم جلس وأمر بالجلوس (4).

وقال عبادة بن الصامت : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد ، فاعترض بعض اليهود وقال : إنا لنفعل

ص: 259


1- بحار الأنوار 81 - 284.
2- وسائل الشيعة 2 - 824 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 818 ح 1.
4- جامع الأصول 11 - 426.

ذلك ، فجلس وقال : خالفوهم (1).

ويستحب لمن رأى جنازة أن يقول : « الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم ».

ويستحب تربيع الجنازة ، وهو حملها من جوانبها الأربع عند جميع علمائنا ، لقول الصادق علیه السلام : يبدأ في الحمل من الجانب الأيمن ، ثم يمر عليه من خلفه إلى الجانب الآخر ، حتى يرجع إلى المقدم ، كذلك دور الرحى (2).

وينبغي أن يبدأ بمقدم السرير الأيمن ، ثم يمر عليه إلى مؤخره ، ثم بمؤخر السرير الأيسر ويمر عليه إلى مقدمه.

وينبغي أن يمشي بالجنازة وسطا بغير إسراع ، لقوله علیه السلام : عليكم بالقصد في جنائزكم ، ولأنه قد ورد : من مشى خلف جنازة كتب له بكل خطوة قيراطا من الأجر (3).

البحث الثاني: ( في المكروهات )
اشارة

يكره الركوب خلف الجنازة مع القدرة على المشي ، لأنه علیه السلام خرج في جنازة ، فرأى ناسا ركبانا ، فقال : ألا تستحيون أن ملائكة اللّه على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب (4). وقال الصادق علیه السلام : خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في جنازة يمشي ، فقال بعض أصحابه : ألا تركب؟فقال : إني أكره أن أركب والملائكة يمشون (5).

ولو احتاج إلى الركوب ، زالت الكراهة إجماعا. والكراهة إنما تثبت في

ص: 260


1- جامع الأصول 11 - 423.
2- وسائل الشيعة 2 - 830 ح 5.
3- وسائل الشيعة 2 - 821 ح 6.
4- وسائل الشيعة 2 - 827 ح 3 ، جامع الأصول 11 - 420 - 421.
5- وسائل الشيعة 2 - 827 ح 1 ، جامع الأصول 11 - 421.

التشييع لا في العود ، لأن عليا علیه السلام كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدائه إلا من عذر ، وقال : يركب إذا رجع (1).

ويكره إتباع الميت بنار إجماعا ، ولقول الصادق علیه السلام : إن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى أن يتبع الجنازة بمجمرة (2).

ولو اتفق الدفن ليلا واحتيج إلى المصباح جاز إجماعا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج. وسئل الصادق علیه السلام عن ذلك؟ فقال : إن ابنة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أخرج بها ليلا ومعها مصابيح (3).

ويكره اتباع النساء الجنائز ، لقول أم عطية : نهينا عن اتباع الجنائز (4). ولأنه مناف للستر ، ولأنه علیه السلام خرج فإذا نسوة جلوس ، فقال : ما يجلسكن؟ فقلن : ننتظر الجنازة ، قال : هل تغسلن؟ قلن : لا ، قال : هل تحملن؟ قلن : لا ، قال : هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن : لا قال : فارجعن مأزورات غير مأجورات (5).

ولا يستحب لمن مرت به الجنازة القيام ، لذمي كانت أو لمسلم ، لأن زرارة قال : مرت جنازة فقام الأنصاري ولم يقم الباقر علیه السلام ، فقال له : ما ذا أقامك؟ فقال : رأيت الحسين بن علي يفعل ذلك ، فقال الباقر علیه السلام : واللّه ما فعل ذلك الحسين ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط ، فقال الأنصاري : شككتني أصلحك اللّه وقد كنت أظن أني رأيت (6).

ص: 261


1- وسائل الشيعة 2 - 827 ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 - 734 ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 - 832 ح 4.
4- جامع الأصول 11 - 420 ، سنن ابن ماجة 1 - 502.
5- سنن ابن ماجة 1 - 502 - 503.
6- وسائل الشيعة 2 - 839 ح 1.
تتمة :

يجب تقديم الغسل والتكفين على الصلاة على الميت ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كذا فعل ، وقال الصادق علیه السلام : لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان (1).

البحث الثالث: ( في واجبات الصلاة )

القيام شرط في الصلاة مع القدرة ، فلا تجوز الصلاة قاعدا ولا راكبا مع الاختيار ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى دائما قائما ، وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (2).

ويجب أن يقف المصلي وراء الجنازة مستقبل القبلة ورأس الميت على يمينه غير متباعد عنها كثيرا.

وتجب النية ، لأنها عبادة فلا بد فيها منها. والتكبير خمس مرات بينها أربعة أدعية عند علمائنا كافة ، لأن زيد بن أرقم كبّر على جنازة خمسا ، وقال : كان النبي صلی اللّه علیه و آله يكبرها (3). وعن حذيفة أن النبي صلی اللّه علیه و آله فعل ذلك. وكبّر علي علیه السلام على سهل بن حنيف خمسا (4). وقال الباقر علیه السلام : كبّر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خمسا (5).

وروى الصدوق في العلل : أن اللّه عز وجل فرض على الناس خمس صلوات ، فجعل للميت من كل صلاة تكبيرة (6). وفي أخرى : أن اللّه تعالى فرض

ص: 262


1- وسائل الشيعة 2 - 795 ح 8.
2- جامع الأصول 6 - 374.
3- جامع الأصول 7 - 143.
4- وسائل الشيعة 2 - 777 ح 1.
5- وسائل الشيعة 2 - 773 ح 8.
6- وسائل الشيعة 2 - 774 ح 14.

على الناس خمس فرائض : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية ، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة (1).

ولا ينبغي الزيادة ، لأنها كيفية شرعية ، فتقف على مورده. وما روي عن النبي صلی اللّه علیه و آله أنه كبّر على حمزة سبعين (2) ، وعن علي علیه السلام أنه كبّر على سهل بن حنيف خمسا وعشرين (3) ، إنما كان في صلوات متعددة.

قال الباقر علیه السلام ، كان إذا أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل بن حنيف ، فيضعه فيكبّر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره خمس مرات (4).

ولو كبّر الإمام أكثر من خمس لم يتابعه المأموم ، لأنها زيادة غير مسنونة.

ويجب الدعاء عقيب الأربع الأول بين كل تكبيرتين على الأقوى ، لأن القصد الدعاء. فلو لم يكن واجبا لم تجب الصلاة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كذا فعل.

ويجب أن يدعو عقيب الأولى بأن يشهد الشهادتين ، ثم عقيب الثانية بأن يصلي على النبي وآله علیهم السلام ، ثم عقيب الثالثة بالدعاء للمؤمنين ، ثم عقيب الرابعة بالدعاء للميت ، ثم ينصرف عقيب الخامسة. لقول الصادق علیه السلام : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا صلى على ميت كبّر وتشهد ، ثم كبّر وصلى على الأنبياء ودعا ، ثم كبّر ودعا للمؤمنين ، ثم كبّر الرابعة ودعا للميت ، ثم كبّر وانصرف (5).

ص: 263


1- وسائل الشيعة 2 - 775 ح 16.
2- وسائل الشيعة 2 - 777 ح 3 و 5 و 6.
3- وسائل الشيعة 2 - 777 ح 1 و 5.
4- وسائل الشيعة 2 - 778 ح 5.
5- وسائل الشيعة 2 - 763 ح 1.
البحث الرابع: ( في المستحبات )

ويستحب أمور :

الأول : الطهارة ، وليست شرطا عند علمائنا كافة ، بل يجوز للمحدث والجنب والحائض أن يصلوا على الجنائز ، مع وجود الماء والتراب والتمكن منهما ، لأن الغاية الكلية الدعاء للميت ، والطهارة ليست شرطا فيه.

ولقول الصادق علیه السلام وقد سأله يونس بن يعقوب عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء؟ : نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل ، كما تكبّر وتسبح في بيتك على غير وضوء (1). وسأله محمد بن مسلم عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال : نعم (2).

لكن تستحب ، لأن عبد الحميد سأل الكاظم علیه السلام أيجزيني أن أصلي على الجنازة وأنا على غير وضوء؟ فقال : تكون على طهر أحب إليّ (3).

ويجوز التيمم مع وجود الماء ، وهو أقل فضلا من الطهارة ، لأن الطهارة ليست شرطا ، ولأن سماعة سأله عن رجل مرت به جنازة وهو على غير طهر ، قال : يضرب يديه على حائط لين فيتيمم (4). ولا يجوز أن يدخل بهذا التيمم في شي ء من الصلاة المفروضة والمندوبة ، فقد الماء أو لا.

الثاني : تستحب الجماعة ، وليست شرطا إجماعا ، وتستحب للنساء أن يصلين جماعة ، ولو كن مع الرجال تأخرن مؤتمات بهن. وهل يحرم التقدم على الرجال؟ أو المقارنة لو قلنا به في الفريضة؟ إشكال.

ولو كان فيهن حائض انفردت وحدها بصف ، والأولى إلحاق النفساء بها دون المستحاضة. ولو تعددت فالأولى اجتماعهن في صف منفرد عن الباقيات.

ص: 264


1- وسائل الشيعة 2 - 799 ح 3.
2- وسائل الشيعة 2 - 800 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 798 ح 2.
4- وسائل الشيعة 2 - 799 ح 5.

الثالث : تستحب كثرة المصلي وليست شرطا ، بل يجزي الواحد وإن كان امرأة ، لأنها صلاة لا تفتقر إلى الجماعة ، فلم يكن من شرطها العدد كغيرها.

الرابع : يستحب أن يتحفى المصلي إن كان عليه نعل ، لما فيه من الاتعاظ والخشوع ، ولقوله علیه السلام : من أغبرت قدماه في سبيل اللّه حرمهما اللّه على النار.

الخامس : يستحب وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ، لقول علي علیه السلام : من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها ، وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه (1). ولأنه أبعد عن محارمها فكان أولى.

السادس : يستحب جعل الرجل مما يلي الإمام ، والمرأة مما يلي القبلة لو اجتمعا إجماعا ، لأن أم كلثوم وابنها وضعا كذلك (2). ولقول أحدهما علیهماالسلام : الرجل مما يلي الإمام (3). ولأن الرجل يكون إماما في جميع الصلوات ، فكذا هنا.

ولو كان كلهم رجالا ، استحب تقديم الأفضل إلى الإمام. ولو كان مع الرجل والمرأة صبي له ست سنين فصاعدا ، جعل مما يلي الرجل والمرأة وراءه ، ولو كان أقل أخر عن المرأة ، لعدم وجوب الصلاة عليه فأخر.

ولو كان معهم عبد وخنثى ، جعل الرجل مما يلي الإمام ، ثم العبد ، ثم الخنثى ، ثم المرأة ، ثم الصبي.

السابع : يستحب رفع اليدين في أول تكبيرة إجماعا ، واختلف في البواقي ، فالأقوى عندي كذلك ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يرفع يديه في كل تكبيرة (4). وصلى الصادق علیه السلام على جنازة فكبّر خمسا ،

ص: 265


1- وسائل الشيعة 2 - 805 ح 1 ب 27.
2- جامع الأصول 7 - 151.
3- وسائل الشيعة 2 - 810 ح 10.
4- جامع الأصول 7 - 143.

ويرفع يديه مع كل تكبيرة (1).

الثامن : تستحب الصلاة في الأمكنة المعتادة. ويجوز أن يصلي في المساجد ، والأولى تجنبه إلا بمكة ، لقوله علیه السلام من صلى على جنازة في المسجد فلا شي ء له (2).

وقال أبو بكر بن عيسى بن أحمد العلوي : كنت في المسجد فجي ء بجنازة ، فأردت أن أصلي عليها ، فجاء الكاظم علیه السلام ، فوضع مرفقه في صدري وجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد ، ثم قال : يا أبا بكر إن الجنائز لا يصلى عليها في المسجد (3). وليس للتحريم ، لأن الصادق علیه السلام سئل يصلى على الميت في المسجد؟ فقال : نعم (4).

البحث الخامس: ( في اللواحق )

وهي :

الأول : إذا صلوا جماعة ، استحب أن يتقدم الإمام إن كان رجلا غير عريان (5) ، ويقف المأمومون خلفه صفوفا ، وأقل الفضل ثلاثة صفوف.

ولو كانا اثنين وقف الآخر خلفه ، بخلاف الجماعة ، ولا يقف على يمينه ، لقول الصادق علیه السلام في الاثنين : يقوم الإمام وحده والآخر خلفه ولا يقوم إلى جنبه (6).

وأفضل الصفوف هنا آخرها ، لقول الصادق علیه السلام : قال رسول

ص: 266


1- وسائل الشيعة 2 - 785 ح 1.
2- جامع الأصول 7 - 154.
3- وسائل الشيعة 2 - 807 ح 2.
4- وسائل الشيعة 2 - 806 ح 1 ب 30.
5- في « س » و « ر » عار.
6- وسائل الشيعة 2 - 805 ح 1.

اللّه صلی اللّه علیه و آله : خير الصفوف في الصلاة المقدم ، وفي الجنائز المؤخر ، قيل : ولم؟ قال : صار سترة للنساء (1). ويستحب تسوية الصفوف.

الثاني : لو اجتمعت جنائز الرجال ، جعل رأس الأبعد عند ورك الأقرب وهكذا صفا مدرجا ، ثم يقف الإمام وسط الصف للرواية (2). ويحتمل التسوية.

ولو اجتمع الرجل والمرأة جعل رأس المرأة عند وسط الرجل ، ليقف الإمام موضع الفضيلة فيهما.

والأفضل تعدد الصلوات بتعدد الجنائز ، لأن القصد بالتخصيص أولى منه بالتعميم ، فإن كان هناك عجلة ، أو خيف على الأموات ، صلى على الجميع صلاة واحدة. وإذا تعددت الصلاة ، فالأولى تقديم من يخاف عليه ثم الأفضل.

ولو اختلفوا في الحكم ، فكان بعضهم ممن يجب الصلاة عليه والباقي لا يجب ، لم يجمعهم بنية متحدة الوجه ، لتضادهما.

الثالث : يكبّر على المخالف أربع تكبيرات ، لاعتقاده الاكتفاء بذلك.

الرابع : لا قراءة في الصلاة عند علمائنا كافة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لم يوقت فيها قولا ولا قراءة (3). وقال الباقر علیه السلام : ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت (4) ، ولأن ما لا ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة.

ولا يستحب دعاء الاستفتاح ، لاستحباب التخفيف في هذه الصلاة. ولا التعوذ ، لانتفاء سببه وهو القراءة ، ويستحب الإسرار بالدعاء ، لأنه أبعد من الرياء وأقرب إلى القبول.

ص: 267


1- وسائل الشيعة 2 - 806 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 810.
3- جامع الأصول 7 - 145.
4- وسائل الشيعة 2 - 783 ح 1.

الخامس : لا تسليم في هذه الصلاة ، بل يكبّر للخامسة وينصرف ، وهو يقول : عفوك عفوك. عند جميع علمائنا ، لقول ابن مسعود : لم يوقت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في صلاة الميت قولا. وقول الباقر والصادق علیهماالسلام : ليس في الصلاة على الميت تسليم (1) ، ولأنه ليس لها حرمة الصلاة ، لإيقاعها من غير طهارة ولا قراءة ، فلا يشرع لها التسليم.

السادس : إذا فرغ من الصلاة يستحب أن لا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة.

السابع : الميت إن كان مؤمنا دعا له في الرابعة ، وإن كان منافقا دعا عليه فيها ، وإن كان مستضعفا دعا له بدعاء المستضعفين وهو « ربنا اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ) » وإن جهله سأل اللّه تعالى أن يحشره مع من كان يتولاه. وإن كان طفلا سأل اللّه أن يجعله له ولأبويه فرطا.

لأن النبي صلی اللّه علیه و آله حضر جنازة عبد اللّه بن أبي سلول فقيل : يا رسول اللّه ألم ينهاك اللّه أن تقوم على قبره؟ قال : ويلك ما يدريك ما قلت ، إني قلت : اللّهم احشر جوفه نارا واملأ قلبه نارا وأصله نارك (2).

وصلى الحسين علیه السلام على منافق فقال : اللّهم العن عبدك فلانا ، واخزه في عبادك ، وأذقه أشد عذابك ، فإنه يوالي أعداءك ، ويعادي أولياءك ، ويبغض أهل بيت نبيك (3).

وقال علي علیه السلام في الصلاة على الطفل : اللّهم اجعله لنا ولأبويه فرطا وأجرا (4).

وصلى الباقر علیه السلام على من لا يعرفه ، فقال : اللّهم هذا عبدك ولا

ص: 268


1- وسائل الشيعة 2 - 784 ح 2 ب 9.
2- وسائل الشيعة 2 - 770 ح 4.
3- وسائل الشيعة 2 - 771 ح 6.
4- وسائل الشيعة 2 - 787 ب 12.

أعلم منه شرا ، فإن كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه (1). وقال الباقر علیه السلام : إذا صليت على المؤمن فادع له ، وإن كان مستضعفا فكبّر وقل : اللّهم اغفر للذين تابوا الآية (2).

الثامن : تكره الصلاة على الجنازة مرتين ، سواء اتحد المصلون أو تعددوا على الأقوى ، لأن المراد المبادرة ، ولسقوط الفرض بالصلاة الأولى فالثانية تطوع ، والصلاة على الميت لا يتطوع بها. وقول الصادق علیه السلام : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صلى على جنازة ، ثم جاءه قوم وقالوا : فأتنا الصلاة ، فقال : إن الجنازة لا يصلى عليها مرتين ادعوا له وقولوا خيرا (3).

وقال بعض علمائنا : من فاتته الصلاة على الجنازة ، فله أن يصلي عليها ما لم يدفن ، فإذا دفن فله أن يصلي في القبر يوما وليلة ، أو ثلاثة أيام على الخلاف ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى على قبر المسكينة (4) والظاهر أنها دفنت بعد الصلاة. وصلى علي علیه السلام على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة (5) ، إما لتعظيمه وإظهار شرفه ، أو لتلاحق من لم يصل.

التاسع : يصلى على الجنائز في الأوقات الخمسة المكروهة ، لأن أبا هريرة صلى على عقيل حين اصفرت الشمس. وقول الباقر علیه السلام : يصلى على الجنائز في كل ساعة ، لأنها ليست صلاة ركوع وسجود ، وإنما يكره عند طلوع الشمس وغروبها التي فيها الركوع والسجود (6). ولأنها واجبة فلا تكره ، ولأنها ذات سبب فلا تكره ولا تحرم.

العاشر : إذا حضرت جنازة وقت فريضة ، فإن خيف فوات أحدهما تعينت ، ولو لم يخف فالأولى تقديم اليومية. ولو صلى على الميت أولا جاز ،

ص: 269


1- وسائل الشيعة 2 - 769 ح 7.
2- وسائل الشيعة 2 - 768 ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 - 782 ح 23.
4- جامع الأصول 7 - 155.
5- وسائل الشيعة 2 - 777 ح 1.
6- وسائل الشيعة 2 - 797 ح 3.

لأنهما فرضان فيتخير بينهما ، ولقول الباقر علیه السلام : عجل الميت إلى قبره إلى أن يخاف فوت الفريضة (1). وقول الصادق علیه السلام : ابدأ بالمكتوبة قبل الصلاة على الميت ، إلا أن يكون الميت مبطونا أو نفساء (2) ، ومع التعارض يثبت التخيير.

الحادي عشر : لو فاته بعض الصلاة مع الإمام وأدركه بين تكبيرتين ، كبّر ودخل معه ، ولا ينتظر الإمام حتى يكبر اللاحقة ، لأنه أدرك الإمام وقد فاته بعض صلاته ، فيدخل ولا ينتظره كسائر الصلوات.

وإذا أتم الصلاة قضى ما فات مع الإمام ، لقوله علیه السلام : ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا (3) ، وقول الصادق علیه السلام لما سأله عيص عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة؟ قال : يتم ما بقي (4). ولأنه دخل في فرض فوجب إكماله.

فإن تمكن في القضاء من الأدعية فعل ، وإن ضاق الوقت لخوف رفع الجنازة ، تابع التكبير ولاء ، لقول الصادق علیه السلام : إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين في الصلاة على الميت ، فليقض ما بقي متتابعا (5).

ولو رفعت الجنازة قبل إتمامه ، أتم وهي على أيدي الرجال.

ولو رفعت أتم على القبر ، لقول الباقر علیه السلام : يتم التكبير وهو يمشي معها. وإذا لم يدرك التكبير كبّر على القبر. وإن أدركهم وقد دفن ، كبّر على القبر (6).

ولو سبق المأموم الإمام بتكبيرة فصاعدا ، استحب له أن يعيدها مع

ص: 270


1- وسائل الشيعة 2 - 808 ح 2 ب 31.
2- وسائل الشيعة 2 - 807 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 792 ب 17 ما يشبه ذلك.
4- وسائل الشيعة 2 - 793 ح 2.
5- وسائل الشيعة 2 - 792 ح 1 ب 17.
6- وسائل الشيعة 2 - 793 ح 5.

الإمام ، تحصيلا لفضيلة الجماعة في جميع الصلاة.

الثاني عشر : لو صلى بعض التكبيرات ، فحضرت جنازة أخرى في الأثناء ، تخير الإمام في إتمام صلاته على الأولى ، ثم يستأنف أخرى على الثانية. وفي الاستيناف عليهما معا بعد إبطال ما كبّر. والأفضل إفراد كل جنازة بصلاة ما لم يخف على الميت.

ولو اختلف الوجه بأن جاء من يستحب الصلاة عليه وقد دخل في الواجبة ، فالأقوى وجوب الإكمال واستحب الثانية. ولو انعكس الفرض ، جاز الإتمام والاستيناف ، ولو خيف على الجنائز ، استحب الاستيناف ، كما يستحب الجمع ابتداء معه.

ص: 271

ص: 272

الفصل السادس: ( في دفنه )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في واجبه )

أجمع علماء الإسلام على وجوب دفن الميت المسلم على الكفاية ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله أمر به وفعله مع كل ميت (1).

والواجب : حفرة تحرسه عن السباع ، ويكتم رائحته عن الناس. ويجب انضجاعه على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله دفن كذلك. وعمل عليه الصحابة والتابعون ، ويجب اتباع فعله صلی اللّه علیه و آله .

المطلب الثاني: ( في مستحباته )

وهي :

الأول : يستحب تعميق القبر قدر قامة ، أو إلى الترقوة ، لقول الصادق

ص: 273


1- جامع الأصول 11 - 433.

علیه السلام : حد القبر إلى الترقوة (1). ويكره الزيادة ، لأن الصادق علیه السلام قال : إن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع (2).

الثاني : أن يجعل له لحد ، بأن يحفر إذا بلغ أرض القبر في حائطه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت ، وهو أفضل من الشق ، وهو أن يحفر في قعر القبر شقا شبه النهر يوضع الميت فيه ويسقف عليه بشي ء ، لقوله علیه السلام : اللحد لنا والشق لغيرنا (3). وقال الصادق علیه السلام : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لحد له أبو طلحة الأنصاري (4).

ولو كانت الأرض رخوة يخاف من اللحد الخسف فالشق أولى. وقال بعض علمائنا : يعمل له شبه اللحد من بناء ، تحصيلا للفضيلة.

الثالث : سعة اللحد بحيث يقدر الجالس فيه من الجلوس ، لقوله علیه السلام : وأوسعوا (5). وقول الصادق علیه السلام : وأما اللحد فقدر ما يتمكن فيه من الجلوس (6).

الرابع : وضع الجنازة على الأرض عند الوصول إلى القبر ، وإنزاله إليه في ثلاثة دفعات ولا يفدحه بالقبر دفعة واحدة ، لأنه أبلغ في التذلل والخضوع ، ولقول الصادق علیه السلام : ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة ثم واره (7).

فإن كان رجلا جعل الميت عند رجل القبر ، ويسل من قبل رأسه ، ويبدأ برأسه كما خرج من الدنيا. وإن كان امرأة جعلت قدام القبر مما يلي القبلة ،

ص: 274


1- وسائل الشيعة 2 - 836 ح 1 ب 14.
2- وسائل الشيعة 2 - 836 ح 1 ب 14.
3- سنن ابن ماجة 1 - 496.
4- وسائل الشيعة 2 - 836 ح 1 ب 15.
5- سنن ابن ماجة 1 - 497.
6- وسائل الشيعة 2 - 836 ح 2 ب 14.
7- وسائل الشيعة 2 - 837 ح 1.

وتنزل عرضا عند علمائنا. لأن النبي صلی اللّه علیه و آله سل من قبل رأسه سلا.

وروى محمد بن عطية مرسلا قال : إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه به ، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته ثم ضعه في لحده (1). وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إن لكل بيت بابا ، وباب القبر من قبل الرجلين (2). وقال الصادق علیه السلام : إذا دخل الميت القبر إن كان رجلا سل سلا ، والمرأة تؤخذ عرضا (3).

الخامس : نزول الولي أو من يأمره به إلى القبر في الرجل ، لطلب الرفق به ، وقول علي علیه السلام : إنما يلي الرجل أهله (4). ولحد النبي صلی اللّه علیه و آله العباس وأسامة (5).

ويجوز أن يكون شفا أو وترا ، للحاجة وطلب الأسهل في أمره. وسأل زرارة الصادق عليه عن القبر كم يدخله؟ قال : ذلك إلى الولي إن شاء أدخل وترا ، وإن شاء شفعا (6).

ويكره نزول ذي الرحم ، لأنه يقسي القلب ، بل يوليه غيره. أما المرأة فالأولى أن ينزلها ذو الرحم ، لأنها عورة ، قال الصادق علیه السلام : قال أمير المؤمنين علیه السلام : قضيت السنّة من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها (7).

والزوج أولى من كل أحد ، فإن لم يكن زوج ولا ذو رحم فالنساء أولى ، فإن تعذر فالأجانب الصلحاء.

ص: 275


1- وسائل الشيعة 2 - 838 ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 - 849 ح 4 و 7.
3- وسائل الشيعة 2 - 849 ح 5.
4- وسائل الشيعة 2 - 852 ب 26.
5- جامع الأصول 11 - 392.
6- وسائل الشيعة 2 - 850 ح 1.
7- وسائل الشيعة 2 - 853 ح 1 ب 26.

السادس : يستحب أن يوضع تحت رأس الميت لبنة أو لوح أو شي ء مرتفع ، كما يصنع بالحي ، ويدنى من الحائط ، لئلا ينكب ، ويسند من ورائه بتراب ، لئلا ينقلب. قال الصادق علیه السلام : يجعل للميت وسادة من تراب ، ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي (1).

ولا ينبغي جعل مضربة ولا مخدة في القبر ، لما فيه من إتلاف المال وعدم ورود النص. وروي أنه جعل في قبر النبي صلی اللّه علیه و آله قطيفة حمراء (2).

السابع : يستحب للنازل حل أزراره والتحفي وكشف رأسه. قال الصادق علیه السلام : لا تنزل إلى القبر وعليك عمامة ولا قلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحل أزرارك ، قلت : والخف؟ قال : لا بأس (3).

وأن يكون متطهرا قال الصادق علیه السلام : توضأ إذا أدخلت الميت القبر (4).

الثامن : الدعاء عند معاينة القبر ، فيقول : « اللّهم اجعلها روضة من رياض الجنة ، ولا تجعلها حفرة من حفر النار ».

وإذا تناوله قال : « بسم اللّه وباللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، اللّهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعد اللّه ورسوله ، وصدق اللّه ورسوله ، اللّهم زدنا إيمانا وتسليما ».

وإذا وضعه في اللحد قال : « بسم اللّه وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله اللّهم عبدك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللّهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به ».

فإذا وضعت اللبن فقل : « اللّهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، وأسكن

ص: 276


1- وسائل الشيعة 2 - 842 ح 5.
2- جامع الأصول 11 - 393.
3- وسائل الشيعة 2 - 840 ح 4.
4- وسائل الشيعة 2 - 877 ح 1.

إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك.

فإذا خرجت من قبره فقل : « ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، و ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، اللّهم ارفع درجته في أعلى عليين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، وعندك نحتسبه يا رب العالمين ».

التاسع : يحل عقد كفنه من عند رأسه ورجليه ، لأن عقدها كان لخوف انتشارها وقد أمن ذلك ، ولما أدخل النبي صلی اللّه علیه و آله نعيم بن مسعود الأشجعي القبر نزع الأحلة بفيه.

ولا يشق الكفن ، لأنه إتلاف مستغنى عنه ، وقد أمر النبي صلی اللّه علیه و آله بتحسين الكفن ، وتخريقه ينافي حسنه.

العاشر : يستحب أن يضع خده على التراب ، وأن يضع معه شيئا من تربة الحسين علیه السلام ، للأمن والستر واستدفاع العذاب.

فقد روي أن امرأة كانت تزني وتحرق أولادها خوفا من أهلها ، فلما ماتت دفنت فقذفتها الأرض ، ودفنت ثانيا وثالثا فجرى ذلك ، فسألت أمها الصادق علیه السلام عن ذلك وأخبرته بحالها ، فقال : إنها تعذب خلق اللّه بعذاب اللّه ، اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين علیه السلام ففعل فاستقرت (1).

الحادي عشر : إذا وضعه في اللحد لقنه الولي أو من يأمره ، وهو التلقين الثاني. قال الصادق علیه السلام : إذا وضعته في اللحد ، فضع فمك على أذنه وقل : « اللّه ربك ، والإسلام دينك ، ومحمد نبيك ، والقرآن كتابك ، وعلي إمامك (2). ثم يشرج عليه اللحد باللبن والطين ، قال الصادق علیه السلام : ويضع الطين واللبن (3).

ثم يخرج من قبل الرجلين ، لما تقدم من أنه باب القبر. وقال الباقر عليه

ص: 277


1- وسائل الشيعة 2 - 742 ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 - 863 ح 1 و 843 ح 3.
3- وسائل الشيعة 2 - 848 ح 6.

السلام : من دخل القبر فلا يخرج منه إلا من قبل الرجلين (1).

الثاني عشر : إهالة التراب عليه ، وكذا يهيل الحاضرون بظهور الأكف مسترجعين ، لأن الكاظم علیه السلام حثى التراب على القبر بظهر كفيه (2).

ثم يقول : اللّهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعد اللّه ورسوله ، وصدق اللّه ورسوله قاله الصادق علیه السلام (3). وقال علي علیه السلام : من حثى على قبر ميت وقال هذا القول أعطاه اللّه بكل ذرة حسنة (4). ثم يطم القبر.

الثالث عشر : أن يرفع مقدار أربع أصابع لا أزيد ، ليعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم عليه. ورفع قبر النبي صلی اللّه علیه و آله قدر شبر (5). وقال علیه السلام لعلي علیه السلام : لا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته (6) وعن أحدهما علیهماالسلام : ويلزق القبر بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات (7).

الرابع عشر : تربيع القبر مسطحا ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله سطح قبر ابنه إبراهيم ، وسطح قبر النبي علیه السلام ولا يفعل به غير السنّة. وعن أحدهما علیهماالسلام : ويربع قبره (8).

الخامس عشر : ثم يصب عليه الماء من أربع جوانبه ، مبتدئا بالرأس دورا ، فإن فضل من الماء شي ء صبه على وسط القبر. وقال الصادق علیه السلام : السنّة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة ، ويبدأ من عند الرأس إلى عند

ص: 278


1- وسائل الشيعة 2 - 850 ح 1 ب 23.
2- وسائل الشيعة 2 - 854 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 854 ح 2.
4- وسائل الشيعة 2 - 855 ح 4.
5- وسائل الشيعة 2 - 857 ح 8.
6- جامع الأصول 11 - 434.
7- وسائل الشيعة 2 - 856.
8- وسائل الشيعة 2 - 858 ح 9.

الرجلين يدور على القبر من الجانب الآخر ، ثم يرش على وسط القبر (1).

السادس عشر : ثم يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين مفرجات الأصابع. قال الباقر علیه السلام : إذا حثي عليه التراب وسوي قبره ، فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك واغمز كفك عليه بعد ما نضج بالماء (2). وقال الباقر علیه السلام بعد أن وضع كفيه على القبر : « اللّهم جاف الأرض عن جنبيه ، وأصعد إليك روحه ، ولقه منك رضوانا ، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك » (3) ثم مضى.

السابع عشر : ثم يلقنه بعد انصراف الناس عنه وليه مستقبلا للقبر والقبلة ، وهو التلقين الثالث عند علمائنا.

قال الصادق علیه السلام : ما على أهل الميت منكم أن يدرءوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير ، قلت : كيف يصنع؟ قال : إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به ، فليضع فمه عند رأسه ، ثم ينادي بأعلى صوته يا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلانة هل أنت على العهد الذي فارقتنا على شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عليا أمير المؤمنين ، وأن ما جاء به محمد صلی اللّه علیه و آله حق ، وأن الموت والبعث حق ، واللّه يبعث من في القبور ، قال فيقول منكر ونكير : انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته (4).

وينبغي أن يسمى الأئمة علیهم السلام واحدا واحدا ، لأنه موضع الحاجة إليه.

الثامن عشر : يستحب تعليم القبر بحجر ، أو خشبة ، ليعرفه أهله فيترحمون عليه ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لما مات عثمان بن مظعون وأخرج بجنازته فدفن أمر علیه السلام رجلا يأتيه بحجر فلم يستطع حمله ، فقام رسول

ص: 279


1- وسائل الشيعة 2 - 859 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 860 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 882 ح 1.
4- وسائل الشيعة 2 - 863 ح 1.

اللّه صلی اللّه علیه و آله فحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه ، وقال : أعلّم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهله (1).

المطلب الثالث: ( في المحرمات )

يحرم نبش القبور بإجماع العلماء ، لأنه منكر وهتك لحرمة الميت ، إلا في مواضع :

الأول : إذا وقع في القبر ما له قيمة ، جاز نبشه لأخذه ، حفظا للمال عن الضياع.

ولو دفع أهل الميت القيمة إليه ، لم يجب أخذها. ولا فرق بين أن تكون القيمة قليلة أو كثيرة ، لكن يكره في القليلة.

الثاني : لو دفن في أرض مغصوبة ، أو مشتركة بينه وبين غيره ولم يأذن الشريك ، فلمالكها قلعه ، لأنه عدوان فيجب إزالته.

ولو استعار للدفن ، جاز الرجوع قبله ، ويحرم بعده لأن نبش القبر محرم ، ولأن الدفن مؤبد إلى أن يبلي الميت ثم تعود إلى مالكها.

الثالث : لو كفن في ثياب مغصوبة ودفن ، نبش إن طلب مالكها عين ماله ، لأنه ملك الغير ، فلا ينتقل منه.

الرابع : لو دفن ولم يغسل قال الشيخ : لا ينبش (2). ويحتمل عندي جوازه. وكذا لو دفن إلى غير القبلة. وكذا لو دفن ولم يكفّن. والوجه أن لا ينبش ، إذ المقصود ستره وقد حصل.

ولو دفن قبل الصلاة ، فالوجه أنه لا ينبش لاستدراكها بفعلها على القبر.

ص: 280


1- جامع الأصول 11 - 435.
2- الخلاف 1 - 298.

الخامس : أن يبلى الميت ويصير رميما ، فإنه يجوز نبشه لدفن غيره فيه ، أو لمصلحة المالك المعير.

ولو شك رجع إلى أهل الخبرة ، ويختلف باختلاف الأهوية والترب. فإن نبش فوجد فيه عظاما ، دفنها وحفر في غيره.

ويحرم دفن غير المسلمين وأطفالهم في مقبرة المسلمين ، سواء كان حربيا أو مرتدا أو كافرا أو ذميا بإجماع العلماء ، لئلا يتأذى المسلمون بعذابهم ، إلا الذمية الحامل من المسلم ، فإنها تدفن في مقبرة المسلمين ، لرحمة ولدها لأن له حرمة أجنة المسلمين ، ولهذا لو سقط لم تدفن إلا في مقابرهم. ويستدبر بها القبلة على جانبها الأيسر ، ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن.

ويحرم قطع شي ء من أعضاء الميت والتمثيل به كالحي ، وشق بطنه إلا الحامل إذا لم يمت ولدها بموتها ، فإنه يشق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج الولد ويخاط الموضع ، لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حي فجاز ، كما لو خرج بعضه حيا ، ولم يتمكن من إخراج باقيه إلا بالشق ، ولقول الكاظم علیه السلام : يشق عن الولد (1). والخياطة لحرمة الميتة.

ولو شك في حياته ، فالأولى الصبر حتى يتيقن الحياة أو الموت ، ويرجع في ذلك إلى قول العارف.

ولو مات الولد خاصة ، أدخلت القابلة ، أو من يقوم مقامها ، أو الزوج ، أو غيره عند التعذر - وإن كان أجنبيا - يده في فرجها وقطع الصبي ، ويخرج قطعة قطعة ، لأن حفظ حياة الأم أولى من حفظ بنيه الميت وللرواية (2).

ولو بلع الميت جوهرة أو مالا لغيره ، قال الشيخ : الأولى أن لا يشق جوفه ، لعموم قوله علیه السلام : حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا (3).

ص: 281


1- وسائل الشيعة 2 - 674 ح 6.
2- وسائل الشيعة 2 - 673 ح 3.
3- الخلاف 1 - 298.

ويحتمل عندي جواز الشق ، لما فيه من رفع الضرر عن المالك بدفع ماله إليه وعن الميت بإبراء ذمته وعن الورثة بحفظ التركة لهم.

ولو كان المال له ، لم يشق بطنه عند الشيخ ، لأنه ماله استهلكه في حياته ، فلم يثبت للورثة فيه حق. ويحتمل الشق ، لأنها صارت ملكهم بموته فهي كالمغصوبة.

ولو أذن المالك في الابتلاع ، صار كماله ، فإن قلنا بشقه هناك شق هناك. وهل يكون للورثة؟ الأقرب أنه على ملك صاحبه ، إلا أن يكون قد وهبه إياه ، فيخرج عن ملكه بالإتلاف. وإذا منعنا من الشق كما اختاره الشيخ أخذت قيمة ما ابتلعه من مال غيره من التركة ، لأنه حال بينه وبين صاحبه.

ولو لم يترك الميت تركة وتطاولت المدة وبلي الميت ، جاز النبش وإخراج ذلك المال ، لعدم المثلة حينئذ ، وكذا لو كان له.

ولو كان في أذن الميت حلقة ، أو في يده خاتم ، أخذ. فإن تصعب توصل إلى إخراجه أو كسره ، للنهى عن تضييع المال. ولا يجوز خرق أذن الميت ولا قطع إصبعه.

المطلب الرابع: ( في المكروهات )

وهي :

الأول : يكره أن يهيل ذو الرحم التراب على رحمه ، لأن بعض أصحاب الصادق علیه السلام مات له ولد ، فحضره الصادق علیه السلام ، فلما ألحد تقدم أبوه يطرح التراب ، فأخذ الصادق علیه السلام بكفيه وقال : لا تطرح عليه التراب ، ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب ، فقلنا : يا ابن رسول اللّه تنهانا عن هذا وحده ، فقال : أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام ، فإن ذلك يورث القسوة في القلب ، ومن قسى قلبه بعد من ربه (1).

ص: 282


1- وسائل الشيعة 2 - 855 ح 1.

الثاني : يكره أن يطرح في القبر من غير ترابه ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى أن يزاد في القبر على حفيرته ، وقال : لا تجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج منه (1). وعن الصادق علیه السلام قال : إن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه (2).

الثالث : يكره تسنيم القبور ، لأن السنّة التسطيح ، وقبور المهاجرين والأنصار بالمدينة مسطحة ، وهو يدل على أنه المتعارف.

الرابع : يكره نقل الميت من بلد موته بإجماع العلماء ، لقوله علیه السلام : عجلوهم إلى مضاجعهم (3). نعم يستحب نقله إلى أحد مشاهد الأئمة علیهم السلام رجاء لشفاعته وتبركا بتربته وتباعدا عن عذاب اللّه تعالى.

اما لو دفن في غير المشاهد ، فإنه لا يجوز نقله وإن كان إلى أحد المشاهد ، لإطلاق تحريم النبش. وسوغه بعض علمائنا ، وقال الشيخ : سمعناه مذاكرة.

الخامس : يكره دفن ميتين في قبر واحد إذا دفنا ابتداء. أما لو دفن أحدهما ثم أريد نبشه ودفن آخر فيه قال في المبسوط يكره (4) ، والوجه المنع ، لأنه صار حقا للأول ، فلم يجز مزاحمته بالثاني ، نعم لو كان في أزج وضع لدفن الجماعة كان مكروها لا محرما.

السادس : يكره حمل ميتين على جنازة واحدة. لأن العسكري علیه السلام لما كتب إليه الصفار ، وقع : لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد (5).

السابع : يكره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة كنداوة الأرض ، لما فيه

ص: 283


1- وسائل الشيعة 2 - 864 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 864 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 676 ح 7 ما يشبه ذلك ، سنن أبي داود 3 - 202.
4- المبسوط 1 - 187.
5- وسائل الشيعة 2 - 868 ب 42.

من إتلاف المال لغير غرض ، أما مع الضرورة فإنه جائز ، دفعا للمشقة ، وللرواية (1).

الثامن : يكره تجصيص القبور إجماعا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى عنه (2) ، وقال الكاظم علیه السلام : لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه (3).

التاسع : يكره تطيينه بعد اندراسه لهذه الرواية ، ولا بأس به ابتداء للرواية.

العاشر : يكره البناء على القبر ، لما تقدم في الرواية (4). ونهى النبي صلی اللّه علیه و آله أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ، وأن يقعد عليه ، وأن يكتب عليه (5). ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه.

الحادي عشر : يكره تجديد القبور ، لقول علي علیه السلام : من حدد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام (6). ورواه محمد بن الحسن الصفار بالجيم (7) ، أي جدد بناها أو يطينها. وحكي أنه لم يكره دفنها. وقال البرقي بالجيم والثاء (8) ، أي يجعل القبر جدثا مرة أخرى. وقال سعد بن عبد اللّه بالحاء من حد (9) وعني التسنيم ، وقال المفيد بالخاء المعجمة (10) وهي شقها من خددت الأرض أي شققتها.

الثاني عشر : يكره الجلوس على القبر ، والاتكاء عليه ، والمشي عليه ، لأنه علیه السلام نهى عن الجلوس على القبر ، وقال : لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم (11) ولأن فيه نوع استهانة. ولا

ص: 284


1- وسائل الشيعة 2 - 853 ح 1 ب 27.
2- جامع الأصول 11 - 434.
3- وسائل الشيعة 2 - 869 ح 1.
4- نفس الرواية المتقدمة.
5- وسائل الشيعة 2 - 869 ح 2.
6- وسائل الشيعة 2 - 868 ح 1.
7- وسائل الشيعة 2 - 868 ح 1.
8- وسائل الشيعة 2 - 868 ذيل ح 1.
9- وسائل الشيعة 2 - 868 ذيل ح 1.
10- وسائل الشيعة 2 - 868 ذيل ح 1.
11- جامع الأصول 11 - 443.

فرق بين كراهة الجلوس للغائط وغيره.

الثالث عشر : التغوط بين القبور ، لما فيه من تأذي المسترحمين والمترددين لزيارتهم. وقال النبي صلی اللّه علیه و آله : لا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق.

الرابع عشر : يكره المقام عندها ، لما فيه من ترك الرضا بقضائه تعالى ، أو للاشتغال عن مصالح المعاد والمعاش ، أو لعدم الاتعاظ.

الخامس عشر : يكره أن يتخذ مساجد ، لقوله علیه السلام : لعن اللّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1).

المطلب الخامس: ( في اللواحق )

وهي :

الأول : يستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع ، فإذا كان بمكة ففي مقبرتها. وكذا بالمدينة ومشاهد الأئمة علیهم السلام ، وفي المقبرة إن كثر فيها الصالحون والشهداء لتناله بركتهم ، وكذا في البقاع الشريفة ، لأن موسى علیه السلام لما حضرته الوفاة سأل اللّه تعالى أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رميته بحجر ، قال النبي صلی اللّه علیه و آله : لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر (2).

الثاني : ينبغي جمع الأقارب في الدفن ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لما دفن عثمان بن مظعون قال : أدفن إليه من مات من أهله (3) ، ولأنه أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليه. وينبغي تقديم الأب ، ثم من يليه في السن ، والفضيلة إذا أمكن.

ص: 285


1- وسائل الشيعة 2 - 887 ح 2 ب 65.
2- صحيح البخاري 2 - 98 ط مصر.
3- جامع الأصول 11 - 435.

وينبغي دفن الشهيد حيث قتل ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : ادفنوا القتلى في مضاجعهم (1).

ولو طلب بعض الورثة الدفن في المسبلة والبعض في الملك ، دفن في المسبلة ، لأنه أقل ضررا على الورثة.

فإن تشاحا في الكفن ، قدم قول من يكفنه من ملكه ، لأن فيه منة يتضرر بها الوارث. ولو أوصى بأن يدفن في داره ، كان من الثلث.

وينبغي أن يكون للإنسان مقبرة يدفن فيه أهله وأقاربه. ولو تشاح اثنان في الدفن في المسبلة ، قدم قول أسبقهما ، كما لو تنازعا في رحال الأسواق. فإن تساويا أقرع.

الثالث : يجوز الدفن ليلا ، لأن ذا النجارين دفن ليلا ، واستقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله القبلة ، وقال : اللّهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه.

ودفن علي علیه السلام فاطمة علیهاالسلام ليلا. وكذا لو دفن أبو بكر وعثمان وعائشة.

الرابع : إذا دفن جماعة في قبر استحب تقديم الأفضل إلى القبلة. ولو كان رجلا وصبيا فالرجل إلى القبلة.

وينبغي وضع حاجز بين كل اثنين ، ليكونا كالمنفردين. ولو خدد لهم أخدود وجعل رأس كل واحد عند رجل الآخر جاز ، وإن كان اللحد أفضل.

الخامس : لو مات في سفينة في البحر ولم يقدر على الشط ، غسل وكفن وصلي عليه وثقل ليرسب في الماء ، ويجعل في خابية ويسد رأسها ويلقى في البحر. لأن المقصود من دفنه ستره وهو يحصل بذلك ، ولقول الصادق علیه السلام : ولو مات في بئر فإن أمكن إخراجه وجب تحصيلا للتغسيل وغيره ،

ص: 286


1- سنن أبي داود 3 - 202.

إن تعذر إلا بالتمثيل به لم يجز وطمت وكانت قبره ، لقول الصادق عليه لسلام : ويجعل قبرا (1).

ولو اضطر إلى البئر إلى استعمالها وخافوا التلف ، جاز إخراجه بكلاليب وإن تقطع إذا لم يمكن إلا بذلك. وكذا لو كان طمها يضر بالمارة ، سواء أفضى إلى المثلة أو لا ، لما فيه من الجمع بين الحقوق من نفع المارة وغسل الميت وحفظه من المثلة ببقائه ، لأنه ربما أنتن وتقطع.

السادس : الشهيد يدفن بثيابه أصابه الدم أو لا إجماعا ، لقول النبي صلی اللّه علیه و آله : ادفنوهم بثيابهم (2). والأقوى وجوب دفن السروال أيضا لأنه من الثياب ، ولا يكفن إلا أن يجرد ، فإن لم يجرد لم يجز تجريده وتكفينه. نعم يجوز أن يزاد على ثيابه ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دفن حمزة في ثيابه التي أصيب فيها وزاده برداء فقصر عن رجليه فدعى بآخر فطرح عليه ، وصلى عليه سبعين تكبيرة (3). وفي رواية أنه كان جرد (4).

ولا يدفن معه الفرو والقلنسوة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله أمر في قتلى أحد بأن ينزع عنهم الحديد والجلود. وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم ، ولا يدفن معه الخف ولا الفرو ، فإن أصابهما الدم دفنا معه (5).

السابع : لو خرج من الميت نجاسة بعد التكفين لاقت كفنه ، غسلت ما لم يطرح في القبر ، فإن طرح قرضت ، لقول الصادق علیه السلام : إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشي ء وبعد الغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض بالمقراض (6).

الثامن : إذا نزل الميت القبر قال الشيخ : استحب أن يغطى القبر

ص: 287


1- وسائل الشيعة 2 - 875 ب 51.
2- جامع الأصول 11 - 430.
3- وسائل الشيعة 2 - 700 ح 8.
4- وسائل الشيعة 2 - 700 ح 7.
5- وسائل الشيعة 2 - 701 ح 10.
6- وسائل الشيعة 2 - 723 ح 4.

بثوب ، سواء كان الميت رجلا أو امرأة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لما دفن سعد بن معاذ ستر قبره بثوب. وقال الصادق علیه السلام : وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب ، والنبي صلی اللّه علیه و آله شاهد فلم ينكر ذلك (1). ولأنه يحل عقد كفنه وسيوبه وجعل ما ينبغي ستره. وعند المفيد يستحب في المرأة دون الرجل.

التاسع : لا يمنع أهل الميت من رؤيته وتقبيله ، لأن جابرا لما قتل أبي جعل يكشف الثوب عن وجهه ويبكي والنبي صلی اللّه علیه و آله لا ينهاه. وقبل رسول اللّه صلى عليه وآله عثمان بن مظعون وهو ميت ، حتى كانت الدموع تسيل (2). وكشف الصادق علیه السلام عن وجه إسماعيل بعد أن كفن فقبل وجهه.

العاشر : المقتول الذي يجب تغسيله يغسل عنه الدم أولا ، ويبدأ بيديه ودبره ويربط جراحاته بالقطن والحنوط. وإذا وضع عليه القطن عصبه ، وكذا موضع الرأس والرقبة ، ويجعل له من القطن شيئا كثيرا ، ويدر عليه الحنوط ، وإن استطاع أن يعصبه فعل. وإن كان الرأس قد بان من الجسد غسل الرأس إذا غسل اليدين وسفله ، ويوضع القطن فوق الرقبة ، ويضم إليه الرأس ، ويجعل في الكفن. وإذا دفن تناول الرأس والجسد وأدخله اللحد ووجهه إلى القبلة ، روى ذلك العلاء بن سيابة عن الصادق علیه السلام (3).

الحادي عشر : إذا اجتمع أموات بدأ بمن يخشى فساده ، فإن لم يكن قال في المبسوط : الأولى تقديم الأب ، ثم الابن وابن الابن ، ثم الجد. ولو كان أخوان في درجة قدم الأكبر ، فإن تساويا أقرع. وتقدم أسن الزوجتين ، ويقرع إن تساويا (4). وللولي التخيير.

ص: 288


1- وسائل الشيعة 2 - 875 ب 50.
2- جامع الأصول 11 - 403.
3- وسائل الشيعة 2 - 701 ب 15.
4- المبسوط 1 - 176.

الثاني عشر : يستحب للمصاب الاستعانة باللّه والصبر واستنجاز ما وعد اللّه تعالى عليها في قوله ( وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (1).

وليتحفظ من التكلم بشي ء ينحبط أجره به ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة ، فإن اللّه تعالى عدل لا يجور ولا يدعو على نفسه ، لنهي النبي صلی اللّه علیه و آله عنه.

ويحتسب ثواب اللّه ويحمده. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إذا قبض ولد المؤمن واللّه أعلم بما قال العبد ، فيسأل الملائكة قبضتم ولد فلان المؤمن؟ فيقولون نعم ربنا ، فيقول : فما ذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك ربنا واسترجع ، فيقول عز وجل ، ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد (2).

الثالث عشر : البكاء جائز إجماعا وليس بمكروه ، قبل خروج الروح وبعدها ، قال الصادق علیه السلام : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ، وقال كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا (3).

ويجوز النوح والندب بتعداد فضائله واعتماد الصدق ، لأن فاطمة علیهاالسلام كانت تنوح على النبي صلی اللّه علیه و آله ، فتقول : يا أبتاه من ربه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرائيل أنعاه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه (4).

ولو اقترن بالكذب والدعاء بالويل والثبور ، لم يجز. ويجوز الوقف على النائحة لأنه فعل سائغ فجاز الوقف عليه كغيره.

الرابع عشر : يجوز شق الثوب على موت الأب والأخ ، لأن العسكري

ص: 289


1- سورة البقرة : 157.
2- وسائل الشيعة 2 - 896 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 922 ح 6.
4- وسائل الشيعة 2 - 922.

علیه السلام شق على أبيه الهادي علیه السلام من خلف وقدام (1). ولا يجوز للرجل شقه على غيرهما. أما المرأة فيجوز مطلقا.

الخامس عشر : كل ما يفعل من القرب والطاعات يهدي ثوابه إلى الميت ، فإنه يصله وينفعه ، قال اللّه تعالى ( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا ) (2) ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) (3) وقال رجل للنبي صلی اللّه علیه و آله : إن أمي ماتت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال : نعم (4). وقال الصادق علیه السلام : يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، ويكتب أجره للذي يفعله وللميت (5). وقال النبي صلی اللّه علیه و آله : من دخل المقابر ، فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات (6). ولا فرق بين الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار وغيرها ، لقول الصادق علیه السلام : من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا ، أضعف له أجره ، ونفع اللّه به الميت (7).

السادس عشر : يستحب تعزية أهل الميت إجماعا ، لقوله علیه السلام : من عزى مصابا فله مثل أجره (8). وقال علیه السلام : من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها (9). وقال علیه السلام : التعزية تورث الجنة (10).

والمراد منها تسلية أهل المصيبة ، وقضاء حقوقهم ، والتقرب إليهم ، وإطفاء نار الحزن عنهم ، وتسليتهم بمن سبق من الأنبياء والأئمة عليهم

ص: 290


1- وسائل الشيعة 2 - 916 ح 3.
2- سورة الحشر : 10.
3- سورة محمد : 19.
4- جامع الأصول 7 - 316.
5- وسائل الشيعة 2 - 655 ح 3.
6- راجع جواهر الكلام 4 - 22. سنن أبي داود6. 191.
7- وسائل الشيعة 2 - 655 ح 4.
8- وسائل الشيعة 2 - 871 ح 2 ، جامع الأصول 11 - 445.
9- وسائل الشيعة 2 - 872 ح 9 و 7.
10- وسائل الشيعة 2 - 871 ح 8 و 6.

السلام ، ويذكرهم الثواب على الصبر واللحاق بالميت.

ويجوز قبل الدفن وبعده ، قال هشام بن الحكم : رأيت الكاظم علیه السلام يعزي قبل الدفن وبعده (1).

ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة من الكبار والصغار ، خصوصا من ضعف منهم عن تحمل المصيبة. ولا فرق بين الرجل والمرأة ، لقوله علیه السلام : من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة (2).

ويجوز تعزية الكفار ، فيقول له : أخلف اللّه عليك. وفي تعزية المسلم بالكافر أعظم اللّه أجرك وأخلف عليك.

وليس في التعزية شي ء موظف ، قال زين العابدين علیه السلام : لما توفي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول : إن في اللّه عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات ، فباللّه فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب.

ويكفي في التعزية أن يراه صاحب المصيبة. وقال الصادق علیه السلام : كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة » (3).

قال الشيخ : يكره الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة (4). وأنكره ابن إدريس ، لأنه تزاور مستحب.

ولا يجوز أن يتميز صاحب المصيبة عن غيره بإرسال طرف العمامة ، وأخذ ميزر فوقها. قال الشيخ : إلا على الأب والأخ لا غيرهما (5). والوجه عندي الجواز ، لأن الصادق علیه السلام لما مات إسماعيل تقدم السرير بغير رداء ولا حذاء. وقال علیه السلام : ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم

ص: 291


1- وسائل الشيعة 2 - 872 ب 47.
2- جامع الأصول 11 - 444.
3- وسائل الشيعة 2 - 874 ح 4.
4- المبسوط 1 - 189.
5- نفس المصدر.

الناس أنه صاحب المصيبة (1). وقد نهي من وضع الرداء عن مصيبة الغير.

السابع عشر : يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إجماعا ، إعانة لهم وجبرا لقلوبهم ، ولأنهم مشتغلون بمصابهم وبالواردين إليهم من إصلاح طعام لأنفسهم. ولما جاء نعي جعفر علیه السلام قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم (2). وقال الصادق علیه السلام : لما قتل جعفر أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فاطمة علیهاالسلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونساءها وأن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام ، فجرت بذلك السنّة (3).

الثامن عشر : يستحب زيارة المقابر ، لقوله علیه السلام : كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت. وقال الرضا علیه السلام : من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية يضع يده وقرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن من الفزع الأكبر (4).

ولا يكره ذلك للنساء ، لأن فاطمة علیهاالسلام كانت تأتي قبور الشهداء في غداة كل سبت فتأتي قبر حمزة علیه السلام ، وتترحم عليه وتستغفر له (5).

تم الجزء الأول من كتاب « نهاية الإحكام في معرفة الأحكام » بعون اللّه تعالى وحسن توفيقه ومنّه.

ويتلوه في الجزء الثاني إن شاء اللّه تعالى كتاب الزكاة وفيه مقاصد ، والحمد لله وحده وصلى اللّه على سيدنا محمد خير خلقه النبي وعترته الطاهرين. فرغ المصنف ( قدس اللّه روحه ) من تصنيفه في شعبان سنة خمس وسبعمائة.

ص: 292


1- وسائل الشيعة 2 - 675.
2- وسائل الشيعة 2 - 890. ب 68 جامع الأصول2. 445.
3- وسائل الشيعة 2 - 889 ح 7.
4- وسائل الشيعة 2 - 881 ح 1.
5- وسائل الشيعة 2 - 879 ح 2.

كتاب الزكاة

اشارة

وفيه مقاصد

ص: 293

ص: 294

المقصد الأول: في زكاة المال

اشارة

وفيه فصول :

ص: 295

ص: 296

الفصل الأول: ( في الشرائط العامة )

مقدمة :

الزكاة لغة : النمو والزيادة ، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه. وهي في الشريعة : عبارة عن حق تجب في المال المخصوص على شرائط مخصوصة.

وهي واجبة بالنص والإجماع. قال اللّه تعالى ( وَآتُوا الزَّكاةَ ) (1) وقال تعالى ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) (2) وبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله معاذا إلى اليمن ، فقال : أعلمهم أن اللّه تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، فترد في فقرائهم (3). وقال علیه السلام : مانع الزكاة في النار (4).

وهي أحد الأركان الخمسة في الإسلام. وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها ، فمن أنكر وجوبها جاهلا (5) به وكان ممن يجهل ذلك ، إما لقرب عهده بالإسلام ، أو لبعده عن أهله ، بأن يكون من أهل بادية بائنة عن

ص: 297


1- سورة البقرة : 43 و 83 و 110 و 277 وغيرها.
2- سورة فصلت : 7
3- جامع الأصول 5 - 295.
4- وسائل الشيعة 6 - 17 ح 27 ما يشبه ذلك.
5- في « س » جهلا.

الأمصار ، عرّف وجوبها ولا يحكم بكفره ، لأنه معذور.

وإن كان مسلما نشأ في الإسلام وعرف محاسنه ، فهو مرتد ، لأنه جحد ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام ، ولا يكاد يخفى عليه حاله ، فجحوده لها إنما يكون لتكذيبه الكتاب والسنّة المتواترة.

فإن منعها مع اعتقاد وجوبها ، أخذها الإمام منه قهرا وعزره ، ولا يأخذ زيادة عليها.

وإن غل ماله فكتمه حتى لا يأخذ الإمام زكاته فظهر عليه ، لقوله علیه السلام : ليس في المال حق سوى الزكاة (1).

ولو لم يدفعها إلاّ بالقتال ، وجب ، لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يحكم بكفره لقتاله عليها. ولا يسبى هو ولا ذريته. فإن ظفر الإمام به دون ماله ، دعاه إلى أدائها واستتابه ثلاثا ، فإن تاب وأدى ، وإلا قتل.

ولا يحكم بكفره ، لأنها من فروع الدين ، فلم يكفر تاركه كالحج ، وإذا لم يكفر بتركه لم يكفر بالقتال عليه كأهل البغي.

ولو لم يكن في قبضة الإمام واعتصم بقوم ، قاتلهم الإمام لمساعدتهم إياه على الامتناع من أداء الواجب ، وهو محرم.

واعلم أن الشروط العامة أربعة يشتمل عليها أربعة مباحث :

البحث الأول: ( البلوغ )

البلوغ شرط في وجوب الزكاة ، فلا تجب زكاة العين على الصبي عند علمائنا كافة ، لقوله علیه السلام : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق (2). وقول الباقر علیه السلام : ليس في مال اليتيم زكاة (3). ولأن الزكاة

ص: 298


1- سنن ابن ماجة 1 - 570 الرقم 1789
2- سنن ابن ماجة 1 - 658 الرقم 3041
3- وسائل الشيعة 6 - 58 ح 8.

تكليف ، وهو منوط بالبلوغ ، ولأنها عبادة فلا تجب عليه كالصلاة والحج.

والأصح أنها لا تجب في غلاتهم لما تقدم ، ولقول الصادق علیه السلام : وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة (1).

ولا تجب أيضا في مواشيهم على الأصح. لعموم « ليس على مال اليتيم زكاة » (2).

ولو اتجر له الولي في ماله إرفاقا به وشفقة عليه ، استحب له إخراج الزكاة عن الطفل عند علمائنا ، لقول الصادق علیه السلام : ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتجر به (3). ولأنه مال تجارة فاستحب فيه الزكاة كمال البالغ.

ولو ضمن الولي المال واتجر لنفسه ، كان الربح له إن كان مليا ، وعليه الزكاة استحبابا ، لأن له ولاية الاقتراض منه فملك ، وكان النماء له وكان ضامنا ، لأنه ملكه بالقرض ، ولقول الصادق علیه السلام وقد سأله منصور بن الفضل (4) عن مال اليتيم يعمل به : إذا كان عندك مال وضمنته ولك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به ، فالربح للغلام وأنت ضامن (5).

ولو لم يكن مليا وإن كان وليا. [ أو لم يكن وليا. وإن كان مليا (6) ] وضمن واتجر لنفسه ، ضمن المال لليتيم ، وكان الربح لليتيم ولا زكاة ، لأن الولي إنما له الاقتراض مع المصلحة ، وهي منتفية مع عدم الملاءة ، فكان الاقتراض باطلا.

وكذا لو كان مليا ولم يكن وليا ، إذ لا ولاية لغير الولي ، والربح نماء مال

ص: 299


1- وسائل الشيعة 6 - 56 ح 11.
2- المتقدم آنفا.
3- وسائل الشيعة 6 - 57 ح 1 و 2.
4- في الوسائل : منصور الصيقل.
5- وسائل الشيعة 6 - 58 ح 7.
6- الزيادة من « ر » و « س ».

الطفل ، فلا يملكه. العامل إذا اشترى بالعين ، ولا زكاة لأنها تجارة باطلة ، ولما رواه سماعة قال : قلت للصادق علیه السلام الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال : نعم ، قلت : فعليه زكاة؟ قال : لعمري لا أجمع عليه خصلتين : الضمان والزكاة (1).

ويستحب في غلات الطفل ومواشيه على رأي ، ويتناول التكليف بالإخراج الولي وجوبا إن قلنا بالوجوب ، واستحباب إن قلنا به ، كما يخرج عنه قيم المتلفات وأروش الجنايات ونفقة الأقارب ، وتعتبر نية الولي في الإخراج كما تعتبر النية من رب المال.

ولا فرق بين المميز وغيره ، ولا بين المراهق وغيره في جميع ما تقدم ، لصدق وصف الصغر عليهم.

البحث الثاني: ( العقل )

العقل شرط في وجوب الزكاة ، فلا تجب زكاة العين على المجنون ، عند علمائنا أجمع ، لأن مناط التكليف معدوم ، ولقوله علیه السلام : وعن المجنون حتى يفيق (2).

وكذا لا تجب في غلاته ومواشيه على الأصح ، لكن تستحب.

ولو كان الجنون يعتوره أدوارا ، اشترط في الوجوب العقل طول الحول. ولو عرض له الجنون في أثنائه ، سقط اعتبار ذلك الحول.

وابتداء الحول من حين العود إلى الصحة ، لسقوط التكليف به.

وحكم المغمى عليه حكم المجنون.

ص: 300


1- وسائل الشيعة 6 - 58 ح 5.
2- سنن ابن ماجة 1 - 658
البحث الثالث: ( الحرية )

الحرية شرط في وجوب الزكاة ، فلا تجب على العبد ، لأنه غير مالك عندنا ، لقوله تعالى ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ ) (1) وقوله تعالى ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (2) ولأنه مال فلا يملك بالتمليك كالدابة.

أما على قول بعض علمائنا ، فإنه يملك فاضل الضريبة. وأرش الجناية وما يملكه مولاه ، فتجب الزكاة عليه. ويحتمل أن لا تجب لنقص الملك فيه.

وعلى ما اخترناه تجب الزكاة على المولى ، لأنه مالك لما تجب فيه الزكاة.

والمدبر وأم الولد كالقن ، أما المكاتب فإن كان مشروطا فكالقن لا زكاة عليه ، لأن ما في يده لمولاه ، فلا زكاة عليه ولا على المولى أيضا ، لأنه ممنوع من التصرف فيه ، ولقوله علیه السلام لا زكاة في مال المكاتب (3). ولأنه ممنوع من التصرف بغير ، الاكتساب.

ولو عجز فرده مولاه إلى الرق ، ملك المولى المال تبعا له ، واستقبل الحول حينئذ وضمه إلى ماله وكمل به النصاب.

وأما المطلق : فإن لم يؤد شيئا ، لم تجب عليه زكاة ، لأنه بعد مملوك فلا يملك المال ملكا تاما ، وهو ممنوع من التصرف فيه بغير الاكتساب.

وإن قد أدى تحرر منه بقدر ما أدى وكان الباقي رقيقا. فإذا ملك مالا قسط على نسبة الحرية والرقية ، فإن كان نصيب الحرية نصابا ، وجب عليه فيه الزكاة ، لأنه مالك ملكا تاما فكان كالحر.

ص: 301


1- سورة النحل : 75.
2- سورة الروم : 28.
3- وسائل الشيعة 6 - 60 ح 5.

وكذا من انعتق بعضه بغير المكاتبة إن بلغ نصيب الحرية نصابا ، وجب فيه الزكاة ، وإلا فلا.

وإذا أعتق المكاتب ، استقبل الحول مما في يده من حين العتق ، لأنه وقت استقرار الملك ، فلو ظهر بطلان العتق : إما بأن كان المدفوع معيبا ، أو ملك الغير ، أو أعتق الوارث وهناك دين خفي ولا شي ء بعد دفع الزكاة ، استردها ، لظهور عدم الاستحقاق وكون المدفوع مال الغير.

البحث الرابع: ( الملك التام )
اشارة

يشترط في وجوب الزكاة تمامية الملك ، فلا تجب الزكاة على غير مالك إجماعا. وأسباب نقص الملك ثلاثة :

السبب الأول: ( منع التصرف )

فلو منع المالك من التصرف في ماله ، لم تجب الزكاة فيه ، لأن التمكن من التصرف طول الحول شرط في الوجوب ، فلا تجب في المغصوب ، ولا الضال ، ولا المجحود بغير بينة ، ولا المسروق. لأنه ملك خرج عن يده وتصرفه وصار ممنوعا منه ، فلم يلزمه زكاته ، كمال المكاتب. وقول الصادق علیه السلام : لا صدقة على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك (1).

وإذا عاد صار كالمستعاد يستقبل به حولا من حين العود والتمكن من التصرف. ولا يجب عليه الزكاة عما مضى ، سواء عاد بتمامه أو لا.

نعم يستحب له إذا عاد بعد سنين أن يزكيه لسنة واحدة ، لقول الصادق علیه السلام : فإذا عاد خرج زكاة لعام واحد (2).

ص: 302


1- وسائل الشيعة 6 - 63 ح 6.
2- وسائل الشيعة 6 - 63 ح 7.

ولو غصبه (1) في أثناء الحول ثم عاد ، استأنف من حين العود ، لعدم الشرط حالة الغصب ، فيعدم المشروط.

والضال كالمغصوب لا زكاة فيه ، لأن النسيان عذر. وكذا لو دفنه في داره وضل عنه ، لأن المقتضي للوجوب وهو التمكن من التصرف منتف.

ولو أيسر المالك وحيل بينه وبين ماله ، فلا زكاة ، وإن تمكن من التصرف فيه بالبيع وشبهه ، لنقص التصرف. ولو تمكن من أنواع التصرفات فيه ، وجب لوجود الشرط ، وهو إمكان التصرف.

وأما الدين : فإن كان على معسر ، أو جاحد ، أو مماطل ، أو كان مؤجلا ، لم تجب فيه الزكاة ، لأن الشرط وهو التمكن من التصرف مفقود ، ولقول الصادق علیه السلام : كل دين يدعه صاحبه إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاته (2). والمؤجل لا يقدر على انتزاعه ، فلم يكن متمكنا من التصرف.

وإن كان على ملي باذل ، فالأقوى عدم الوجوب أيضا ، سواء كان من النعم أو لا ، لأنه غير متعين ، وللمديون الخيار في تعيين القضاء من أي جهة شاء ، وإنما يتعين بالقبض ، فيكون ملكه ناقصا ، ولأنه غير تام ، فأشبه عوض المنفعة (3) ولقول الصادق علیه السلام : ليس في الدين زكاة (4).

فإذا قبضه ، استقبل الحول من حين القبض ، ولا يزكيه عما مضى ، ولا يحتسب من الحول أيضا ، لقول الكاظم علیه السلام وقد سأله إسحاق بن عمار الدين عليه زكاة؟ قال : لا حتى يقبضه ، قلت : فإذا قبضه عليه زكاة؟ قال : لا حتى يحول عليه الحول في يده (5).

ص: 303


1- في « س » غصب.
2- وسائل الشيعة 6 - 64 ح 5 و 14.
3- وسائل الشيعة 6 - 64 ح 4.
4- في « ق » فأشبه عرض النفقة.
5- وسائل الشيعة 6 - 62 ح 3.

وأما الغائب : فإن كان مقدورا معلوم علیه السلام ة ، وجبت الزكاة عليه ، لوجود المقتضي جامعا للشرائط. وينبغي أن يخرج في بلد المال ، ولو أخرج في غيره جاز ، ولا فرق بين أن يكون مستقرا في بلد أو سائرا. وإن لم يكن مقدورا عليه فلا زكاة ، لعدم التمكن منه.

والمستودع إذا جحد الوديعة ، فكالغاصب ، ولو كان له بينة وقدر على انتزاعه ، وجبت الزكاة.

ولو اشترى نصابا معينا ولم يقبضه حتى مضى حول في يد البائع ، فإن كان ممنوعا من قبضه ، أما من البائع أو من غيره ، فلا زكاة ، أما على البائع فلانتقال ملكه عنه ، وأما على المشتري فلعدم تمكنه من التصرف. وإن لم يكن ممنوعا من التصرف ولا من القبض ، وجبت عليه الزكاة ، لوجود المقتضي جامعا لشرائطه.

ولو لم يكن معينا ، كان كالدين ، ولو قبضه جرى في الحول من حينئذ ، سواء كان في مدة الخيار أو لا ، لأنه مالك تام الملك. وكذا لو شرط البائع خيارا لم يمنع وجوب الزكاة على المشتري ، إلا أن يفسخ قبل الحول.

والوقف من الغنم السائمة لا زكاة فيه لنقص التصرف ، ولأن الزكاة تجب في العين ، فتخرج عن الوقف.

السبب الثاني: ( تسلط الغير عليه )

فلا تجب في المرهون وإن كان في يده ، لأن تسلط الغير يمنع المالك من التصرف فيه. ولو كان قادرا على الافتكاك ، وجبت الزكاة ، لتمكنه من التصرف ، ولا يخرجها من النصاب ، لتعلق حق المرتهن به تعلقا مانعا من تصرف الراهن.

ولو رهن ألف درهم على ألف اقترضها وبقيت في يده حولا ، وجبت عليه الزكاة فيها لأنه ملك بالقرض ما اقترضه ، وهو متمكن من فك الرهن.

ص: 304

ومال القرض إن تركه المقترض بحاله حولا ، سقطت الزكاة عن المقترض ، لخروجه عن ملكه ، ووجبت على المقترض ، لأنه ملكه بالقرض ، ولقول الباقر علیه السلام : القرض زكاته على المقترض أن كان موضوعا عنده حولا (1). وليس على المقرض زكاته لأنه مال المقترض ليس ذلك لأحد غيره.

ولا زكاة في منذور الصدقة ، لتسلط حق الفقراء عليه إذا كان النذر قبل الحول ، ولو كان بعده لم ينعقد في الفريضة إذا نوى غير الزكاة فلم يضمنها.

ولو نذر جعل هذه الأغنام ضحايا. أو هذا المال صدقة قبل الحول ، سقطت الزكاة أيضا ، بل كان السقوط أقوى من منذور الصدقة ، لأن هذا خرج بالنذر عن ملكه ، بخلاف منذور الصدقة ، فإنه لا يخرج إلا بالصدقة.

ولو نذر الصدقة بأربعين شاة وأطلق ، لم تسقط الزكاة ، لأن الدين غير مانع. ولو كان النذر مشروطا ، احتمل الوجوب إذا حال الحول قبل الشرط ، لأنه مال مملوك حال عليه الحول. وعدمه ، لمنعه من التصرف فيه ، وهو الأقوى.

ولو استطاع بالنصاب ووجب الحج ، ثم مضى الحول على النصاب ، فالأقوى عدم منع الحج من الزكاة ، لتعلقها بالعين.

ولو اجتمع الدين والزكاة ، قدمت الزكاة ، لتعلقها بالعين والدين بالذمة.

ولو حجر الحاكم على المالك لإفلاسه ، ثم حال الحول ، فلا زكاة ، لأنه ممنوع من التصرف.

ولو استقرض الفقير نصابا وتركه حولا ، وجبت الزكاة عليه ، لأنه مالك نصابا ، والدين لا يمنع الزكاة لأنها متعلقة بالعين والدين متعلق بالذمة ، فيغاير المحل ، فلا منافاة.

ولو حجر عليه الحاكم بعد الحول ، لم تسقط الزكاة وتناول الحجر ما عدا الزكاة. وإن حجر قبل الحول ، فلا زكاة ، للمنع من التصرف وتسلط حق الغير

ص: 305


1- وسائل الشيعة 6 - 67.

عليه ، سواء قسمه الحاكم ، أو عينه من غير قسمة أو لا.

ولو اشترط المقترض الزكاة على المالك (1) ، لم يصح ، وكان الزكاة عليه ، لمخالفة الشرط مقتضى الدليل. وإن أبطلنا القرض لبطلان الشرط ، فالزكاة على المالك إن تمكن من التصرف ، وإلا فلا.

ولو عزل لأهله نفقة هي نصاب ، فإن كان حاضرا وحال الحول عليها ، وجبت الزكاة ، لأنها لم تخرج عن ملكه بمجرد العزل ، وهو متمكن من التصرف بحضوره.

وإن غاب قبل الحول ، فلا زكاة فيها ، لأنها في معرض الإتلاف.

ولو كسب نصابا ، وجب الخمس حال حصوله ، لكن أخره الشارع حولا إرفاقا به ، فإذا حال الحول فلا زكاة ، لتعلق الخمس به أولا ، فنقص عن النصاب.

السبب الثالث: ( عدم قرار الملك )

فلا يجري الموهوب في الحول إلا بعد القبول والقبض ، لأنه قبله غير مملوك ، ولا فرق بين المتهب الأجنبي والقريب ، لأن ملك الأجنبي وإن كان متزلزلا إلا أنه تام ، ولا يزول إلا بالرجوع.

ولو أوصى له بنصاب اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول لتمام الملك لا بأحدهما ، نعم يشترط إمكان التصرف.

ولو استقرض نصابا ، جرى في الحول حين القبض ، لأن الملك يحصل به.

ولا تجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة ، سواء كانت جنسا واحدا أو أجناسا مختلفة ، وسواء اختاروا التملك أو لا لأن الغانمين وإن ملكوا الغنيمة

ص: 306


1- في « س » على المقرض حال القرض.

باختيار التملك إلا أن ملكهم في غاية الضعف ولهذا يسقط بمجرد الإعراض. وللإمام أن يقسمها بينهم قسمة تحكم ، فيخص بعضهم ببعض الأنواع وبعض الأعيان إن اتحد النوع.

ولا يجوز مثل هذه القسمة في سائر الأملاك المشتركة إلا بالتراضي. وإنما يملك الغانم بالقسمة ، ولا يكفي عزل الإمام إلا بعد قبض الغانم.

ولو أصدقها نصابا معينا ، ملكته بالإصداق ، سواء دخل بها أو لا ، فإن قبضها إياه ، أو مكنها من التصرف فيه جرى في الحول حينئذ ، وإلا فلا. فإن حال الحول وهو مقبوض ، وجبت الزكاة عليها ، لاستقرار الملك حولا.

فإن طلقها قبل الدخول أخذ الزوج النصف كملا ، وكان حق الفقراء عليها أجمع ، لأنها مالكة للنصاب حولا ، وزوال ملكها عن النصف بالطلاق بعد استحقاق الفقراء لا يؤثر فيه لاستقرار الحكم بوجود علته التامة.

وإن كانت قد أخرجت الزكاة من العين ثم طلق ، أخذ نصف الصداق من الموجود ، ويجعل المخرج من نصيبها ، فإن تساوت القيم وكانت أغناما ، مثلا أخذ عشرين منها. وإن تفاوت أخذ النصف بالقيم ، ويحتمل أخذ نصف الأغنام الباقية ونصف قيمة الشاة المخرجة.

وإن كانت قد أخرجت من غير العين ، رجع الزوج بنصف الأربعين ، لأن الزكاة وإن تعلقت بالعين إلا أنها ليست على سبيل الشركة. ولو تلف النصف بتفريطها ، تعلق حق الساعي بالعين وضمنت للزوج.

ولو آجر داره حولين بأربعمائة درهم وقبضها ، وجب عند كمال الحول الأول زكاة الجميع ، وإن كان في معرض التشطير بالانهدام ، لثبوت الملك التام في الجميع. ولهذا لو كانت الأجرة جارية حل وطؤها ، والسقوط بالانهدام لا يوجب ضعف الملك ، كالزوجة تلزمها زكاة الصداق قبل الدخول ، وإن كان في معرض السقوط بارتدادها ، أو سقوط نصفه بالطلاق.

ويحتمل أن يقال : إنما يملك الموجر الأجرة شيئا فشيئا ، فحينئذ لا يجري

ص: 307

نصاب الزكاة في الحول الأول إلا عما تبين بعد تمامه لا غير ، إن تساوت أجرة السنين ، أو كانت أجرة المثل في الأول أكثر.

تتمة :

تشتمل على مسائل :

الأول : إمكان الأداء شرط في الضمان دون الوجوب ، فلو أتلف النصاب بعد الحول قبل إمكان الأداء ، وجبت عليه الزكاة ، سواء قصد بذلك الفرار أو لا. وكذا لو تلف بغير فعله بعد تمكنه من الأداء بعد الحول ، لأنه قصد بحبس الحق عن المستحق ، سواء طولب بالأداء أو لا.

ولو لم يتمكن من الأداء بعد الحول وتلف المال بغير تفريط منه ، لم يضمن ، كما لو جن بعد دخول وقت الصلاة قبل تمكنه من الأداء.

ولو تلف البعض بعد الحول قبل التمكن من الأداء ، سقط من الواجب على النسبة.

فلو حال الحول على خمس من الإبل ، ثم تلفت واحدة قبل التمكن من الإخراج ، سقط خمس الشاة ووجب الباقي ، لأنه قد استقر بالإمكان.

الثاني : الكافر عندنا مخاطب بفروع العبادات ، لوجود المقتضي وهو عموم الأمر السالم عن معارضة الكفر ، لعدم صلاحيته للمانعية ، لتمكنه من الفعل بتقديم الإسلام كالمحدث ، فحينئذ إذا ملك نصابا وحال عليه الحول وهو على الكفر ، وجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أدائها إلا بعد الإسلام.

فإذا أسلم بعد الحول سقطت عنه ، لقوله علیه السلام : الإسلام يجب ما قبله (1). ولو أسلم قبل الحول بلحظة ، وجبت الزكاة. ولو كان الإسلام بعد الحول ولو بلحظة ، فلا زكاة ، سواء كان المال باقيا أو تالفا بتفريط منه ، أو بغير تفريط. أما المسلم فإذا تمكن من الأداء بعد الوجوب وأهمل ضمن ، وكذا المرشد.

ص: 308


1- الخصائص الكبرى 1 - 349.

ولو قلنا بوجوب الزكاة في غلاة الأطفال والمجانين ومواشيهم ، ففرط الولي ، أو أتلف ، فالضمان عليه لا عليهما ، لسقوط التكليف في حقهما.

الثالث : مال اللقطة يجري في الحول من حين الملك ، وهو بعد حولان : حول التعريف ونية التملك عندنا ، وعند الشيخ أنه يدخل في ملكه بغير اختياره بعد حول التعريف ، فيبتدأ الحول من حينئذ وإن لم ينو التملك.

ص: 309

ص: 310

الفصل الثاني: ( في الشرائط الخاصة )

اشارة

إنك ستعلم أن الأجناس التي تجب فيها الزكاة تسعة ، تنقسم أقساما ثلاثة : الأنعام ، والغلاة ، والنقدان. فهنا مباحث :

البحث الأول: ( في شرائط الأنعام )
اشارة

وهي أربعة :

الأول : النصاب ، وسيأتي في كل جنس من الأجناس عند تفصيل الكلام فيها.

الثاني : الحول ، ولا خلاف بين العلماء في اعتباره في الأنعام والنقدين وزكاة التجارة ، لعموم قوله علیه السلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (1). خرج عنه الغلاة ، فيبقى معمولا (2) به في الباقي.

والأصل فيه : أن ما اعتبر فيه الحول مرصد للنماء ، كالأنعام مرصدة للذر والنسل ، وعروض التجارة مرصدة للربح ، وكذا الأثمان ، فاعتبر له الحول ، فإنه مظنة النماء ، ليكون إخراج الزكاة من الربح فإنه أسهل ، ولأن الزكاة

ص: 311


1- سنن ابن ماجة 1 - 571 الرقم 1792.
2- في « س » معلولا.

وجبت مواساة. ولم تعتبر حقيقة النماء ، لكثرة اختلافه وعدم انضباطه ، فاعتبرت مظنته ، ولأنها تتكرر في هذه الأموال ، فلا بد لها من ضابط ، لئلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الفرض الواحد ، فينفد مال المالك.

أما الزرع والثمار فهي نماء في نفسها تكامل (1) عند إخراج الزكاة منها ، فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ، ثم تعود في النقص لا في النماء ، فلا تجب فيها زكاة ثانية ، لعدم إرصادها للنماء ، ولقول الباقر والصادق علیهماالسلام : كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا زكاة عليه (2).

ويتم الحول بمضي إحدى عشرة شهرا كاملة عند استهلال الثاني عشر ، لقول الصادق علیه السلام : إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة (3). والأقرب احتساب الثاني عشر من الحول الأول.

وإذا دخل الثاني عشر ، وجبت الزكاة إن استمرت شرائط الوجوب في المال طول الحول ، ولا يكفي طرفاه. فلو اختل بعض الشرائط قبل كمال الحول ثم عاد ، استؤنف الحول من حين العود.

فلو عاوض النصاب بمثله ، أو بغير جنسه في أثناء الحول ، سقط اعتبار الأول واستؤنف الحول للثاني من حين ملكه ، لأنه أصل بنفسه ، فلم يبن على حول غيره ، ولقوله علیه السلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (4). ولو استرجع الأول ، استأنف الحول في الراجع من حين رجوعه أيضا.

ولو باع بعض النصاب قبل الحول ، أو أتلفه قصدا للفرار ، سقطت ، سواء كان قبل الحول بقليل أو كثير ، لأنه نقص قبل تمام حوله ، فلم تجب فيه الزكاة ، كما لو أتلفه لحاجته.

ولو باعه بشرط الخيار ثم استرده ، استأنف الحول ، لزوال ملكه بالبيع.

ص: 312


1- في « س » تكاملت.
2- وسائل الشيعة 6 - 82 ح 1.
3- فروع الكافي 3 - 526.
4- سنن ابن ماجة 1 - 571.

ولو حال الحول على النصاب الذي اشتراه بالخيار ولم تنقض مدته ، وجبت فيه الزكاة ، لوجود المقتضي. فإن اختار البائع الرجوع ، رجع في العين لتعلق حقه أولا ، وكانت الزكاة على المشتري. ولو كان قد أخرجها كان للبائع المطالبة بالقيمة عن المخرج.

ولو وجد المشتري به عيبا قبل إخراج زكاته ، فله الرد ، فإن الزكاة وإن وجبت في العين عندنا إلا أنه ليس باعتبار استحقاق الفقراء جزءا من العين ، بل بمعنى تعلق وجوبه به ، كتعلق الأرش بالجاني ، فإذا رد النصاب ، أخرج الزكاة من مال آخر. ولو أخرج الزكاة لم يكن له رد الباقي ، لما فيه من تفريق الصفقة ، ولحدوث عيب التنقيص.

ولو كان البيع فاسدا ، انقطع الحول به ، لعدم تمكن المالك من التصرف فيه ، ولا زكاة على المشتري ، لعدم تملكه له.

والسخال لا تعد مع الأمهات إلا بعد سومها ، وليس حول الأمهات حولها ، لقوله علیه السلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (1). وابتداء حولها من حين السوم.

ولو كان عنده أربع ، ثم نتجت واحدة ، وجبت الشاة إذا استغنت السخلة بالرعي حولا. ولا فرق بين أن يكمل النصاب بالسخال أو بالأمهات ، في عدم ضمها إليها.

ولو كان عنده نصاب ، فنتج في أثناء الحول ، اعتبر لها حول بانفرادها ، ولا يكون حول أمهاتها حولها ، لقول الباقر علیه السلام : ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شي ء إلا ما حال عليه الحول عند الرجل ، وليس في أولادها شي ء حتى يحول عليه الحول (2).

ص: 313


1- سنن ابن ماجة 1 - 571.
2- وسائل الشيعة 6 - 84 ح 5.
فروع :

الأول : لا فرق في عدم الانضمام بين أن يحدث قبل تمام الحول أو بعده ، ولا بين أن يحدث من نفس المال ، أو يستفيدها بالشراء والإرث والهبة وشبهها ، ولا بين أن يكون حدوث الفروع بعد بلوغ الأمهات نصابا أو لا.

الثاني : إذا حال على السخال الحول سائمة ، وجبت الزكاة ، وإن لم يكن معها كبار.

الثالث : لو باع النصاب بخيار فلم ينقض الحول حتى رد ، استقبل البائع به حولا من حين الرد ، سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما ، لأنه تجديد ملك.

الرابع : لو تلف بعض النصاب قبل الحول ، فلا زكاة ، وبعده يجب في الجميع إن فرط وإلا فبالنسبة.

الخامس : لو ملك خمسا من الإبل نصف حوله ، ثم ملك أخرى ، ففي كل واحدة عند كمال حولها شاة ، لوجود المقتضي وهو تملك النصاب حولا.

ولو تغير الفرض بالثاني ، بأن ملك إحدى وعشرين ، وجبت الشاة عند تمام حول الخمسة الأولى ، لوجود المقتضي. وإذا كمل حول أحد وعشرين ، وجبت عليه أحد وعشرين جزءا من ستة وعشرين جزءا من بنت مخاض ، لأنه يصدق عليه أنه ملك ستة وعشرين من الإبل حولا ، وقد أخرج عن الخمس ما وجب عليه ، فيجب في الثاني بالنسبة من بنت المخاض.

ولو ملك عشرين من الإبل نصف حول ، ثم ملك عشرة أخرى ، وجب عند كمال حول العشرين أربع شياه ، فإذا كمل حول العشرة وجب ثلث مخاض. فإذا حال حول ثاني على العشرين ، فعليه ثلثا بنت مخاض.

[ فإذا حال الحول على العشر ، فعليه ثلث بنت مخاض (1) ].

ص: 314


1- الزيادة غير موجودة في « ق ».

وعلى هذا إذا حال الحول الثاني على الخمسة في الصورة الأولى ، وجب عليه خمسة أجزاء من ست وعشرين جزءا من بنت مخاض. فإذا كمل الحول الثاني لأحد وعشرين ، وجب عليه أحد وعشرون جزءا من ستة وعشرين جزءا من بنت مخاض.

ويحتمل في صورة الثلاثين ، وجوب أربع شياه عند كمال حول العشرين ، وشاتين عند كمال حول العشر وهكذا. لأن كلا منهما نصاب ، بخلاف الصورة الأخرى ، لأنا لو اعتبرنا كل واحد منهما بانفراده ، لم تجب في الواحدة الزائدة شي ء ، وهو ضرر على الفقراء.

السادس : لو ملك ثلاثين بقرة ستة أشهر ، ثم ملك عشرا ، وجب عند تمام حول الثلاثين تبيع أو تبيعة ، وعند تمام حول العشر ربع مسنة. فإذا تم حول الآخر على الثلاثين ، وجب عليه ثلاثة أرباع مسنة. وإذا حال آخر على العشرة ، فعليه ربع مسنة.

ويحتمل قويا وجوب التبيع عند كل حول للثلاثين ، وربع المسنة عند كل حول للعشرة.

ويحتمل أن لا ينعقد الحول على العشرة حتى يتم حول الثلاثين ، ثم يستأنف الحول على الجميع.

السابع : لو ملك أربعين من الغنم ، ثم ملك أربعين أخرى بعد ستة أشهر ، فعند تمام حول الأولى تجب فيها شاة ، فإذا تم حول الثانية ، فالوجه عدم وجوب شي ء فيها ، لأن الثمانين ملك لواحد ، فلا تجب فيها أكثر من شاة ، كما لو ملكها دفعة.

ولقول الباقر والصادق علیهماالسلام في الشاة في كل أربعين شاة شاة ، وليس فيما دون الأربعين شي ء. ثم ليس فيهما شي ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها شاتان (1).

ص: 315


1- وسائل الشيعة 6 - 78 ح 1.

فإن تلفت الأولى قبل الحول فابتداء حول الثانية من حين ملكها لا من حين تلف الأولى ، لأن المقتضي لعدم الاحتساب - وهو وجوب الشاة في الأولى مفقود وعدم اعتباره لو وجبت الشاة لسلامة نصابها لا يخرجها عن حصولها في ملكه حولا.

وإن تلفت بعده ، فابتداء حول الثانية من حين انتهاء حول الأولى.

ولو ملك في الثانية ما يغير الفرض ، كما لو ملك مائة ، وجب عليه عند كمال حول الأولى شاة ، فإن كمل حول الثانية ، وجب ما يخصها من الشاة الثانية كما تقدم.

الثامن : قد بينا أن المرتد تجب عليه الزكاة ، فإن كان ارتداده عن فطرة بعد الحول ، وجب إخراج الزكاة ، فإن كان قبله استأنف ورثته الحول حينئذ ، لتجدد ملكهم حين الارتداد. وإن كان عن غير فطرة لم يزل ملكه ، وإذا حال الحول وهو باق لم يحجر عليه وجبت الزكاة ، وإلا فلا.

التاسع : لو كان عنده أربعون شاة ، فضلت واحدة ثم عادت قبل حؤول الحول أو بعده ، قال الشيخ : وجبت عليه شاة (1). لأن النصاب والملك وحولان الحول قد حصلت فيه ، وإن قلنا إنها حين ضلت انقطع الحول ، لأنه لم يتمكن من التصرف فيها مثل مال الغائب ، فلا يلزمه شي ء وإن عادت كان قويا.

وما قواه الشيخ هو الحق ، لكن ينبغي مراعاة الاسم هنا ، فلو ضلت لحظة ، ثم عادت لم يعتد بها ووجبت الزكاة ، لصدق ملكه النصاب حولا.

الشرط الثالث : السوم ، وهو قول علمائنا أجمع ، لقوله علیه السلام : في سائمة الغنم الزكاة (2). دل بمفهومه على نفيها عن المعلوفة ، وعن علي علیه السلام : ليس في البقر العوامل صدقة (3). وقال الباقر والصادق عليهما

ص: 316


1- المبسوط 1 - 203.
2- وسائل الشيعة 6 - 81 ح 6 ما يدل على ذلك.
3- وسائل الشيعة 6 - 81 ح 5.

السلام : ليس على المعلوفة شي ء ، إنما ذلك على السائمة الراعية (1). ولأن الزكاة تجب في المال النامي والعلف يستوعبه.

ويشترط سومها طول الحول ، لأن السوم شرط في الزكاة ، فاعتبر في جميع الحول كالملك وكمال النصاب ولأن العلف مسقط والسوم موجب ، فلما اجتمعا غلب المسقط ، كما لو ملك نصابا بعضه سائمة وبعضه معلوفة.

ولا يكفي السوم أكثر الحول ، وللشيخ قول أنه لو علفها بعض الحول اعتبر الأغلب. وليس بجيد.

فلو اعتلفت ولو يوما في أثناء الحول ثم عاده إلى السوم استؤنف الحول حينئذ. ويحتمل اعتبار الاسم وصدقه ، فإن صدق عليها السوم طول الحول مع العلف يوما وجبت الزكاة. أما اللحظة الواحدة فلا عبرة بها ، ولا يخرج عن كونها سائمة.

ولا فرق في الإسقاط بالعلف بين أن يعلفها مالكها ، أو غيره بإذنه ، أو بغير إذنه من مال المالك ، أو اعتلفت من نفسها. ولا بين كون العلف لعذر كالثلج أو لا ، لانتفاء الشرط في هذه الأحوال كلها.

ولا زكاة في السخال حتى تستغني عن الأمهات وتسوم حولا لما تقدم. ولو علفها الأجنبي من مال نفسه ، احتمل السقوط ، لانتفاء الشرط. والوجوب ، لمساواته السوم في خفة المئونة عن المالك.

الشرط الرابع : أن لا تكون عوامل ، لقوله علیه السلام : ليس على البقر العوامل شي ء (2). وقول الباقر والصادق علیهماالسلام : ليس على الإبل والبقر العوامل شي ء ، إنما الصدقة على السائمة الراعية (3). ولأن مناط الوجوب النمو ، والإيجاب في العوامل ينافيه. والأصح عدم اشتراط الأنوثية عملا بالعموم.

ص: 317


1- وسائل الشيعة 6 - 80 ح 1.
2- وسائل الشيعة 6 - 80.
3- وسائل الشيعة 6 - 81 ح 5.
البحث الثاني: ( في شرائط الغلاة )

وهي ثلاثة :

الأول : النصاب ، وسيأتي.

الثاني : بدو الصلاح ، فلا تجب الزكاة قبله بالإجماع ، لأن الوجوب يتناول الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وإنما يسمى بذلك بعد بدو الصلاح فلا وجوب قبله.

ونعني به اشتداد الحب واحمرار الثمرة أو اصفرارها وانعقاد الحصرم على الأقوى ، لنص أهل اللغة على أن البسر نوع من التمر ، وإذا وجب في البسر فكذا في الحب المشتد والحصرم ، لعدم القائل بالفرق.

الثالث : تملك الغلة بالزراعة لا بغيرها ، فلو اشترى الغلة أو الثمرة بعد بدو الصلاح ، فالزكاة على البائع ، لأن السبب وجد في ملكه فيوجد المسبب.

ولو اشترى الزرع أن الثمرة قبل بدو الصلاح ، ثم بدا صلاحها في ملكه ، فالزكاة عليه.

ولو مات المالك وعليه دين مستوعب ، فالزكاة واجبة إن مات بعد بدو الصلاح ، لتعلق الزكاة بالعين ، فهي أولى من الدين المتعلق بالذمة.

ولو مات قبل بدو الصلاح ، فلا زكاة ، سواء قلنا بانتقال التركة إلى الوارث ، أو قلنا إنها على حكم مال الميت ، لمنع الوارث من التصرف فيها ، فانتفى شرط الوجوب. ولو لم يستوعب الدين التركة ، فإن فضل قدر النصاب ، وجبت الزكاة ، لانتقال التركة إلى الوارث.

وعامل المساقاة والمزارعة ، تجب عليه الزكاة ، إن بلغ نصيبه النصاب على الأقوى ، لأنه ملك نصابا قبل بدو الصلاح.

ص: 318

البحث الثالث: ( في شرائط النقدين )
اشارة

وهي ثلاثة :

الأول : النصاب ، وسيأتي.

الثاني : الحول. وهو حول الأنعام ، وقد سبق.

الثالث : كونهما مضروبين دراهم ودنانير منقوشين بسكة المعاملة ، أو ما كان يتعامل بها ، فلا زكاة في السبائك والنقار ، لأنها تجري مجرى الأمتعة ، ولقول الكاظم علیه السلام : ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة ، وكل مال لم يكن ركازا فلا زكاة فيه. قال علي بن يقطين قلت : وما الركاز؟ قال : الصامت المنقوش (1). وعن الصادق والكاظم علیهماالسلام : ليس على التبر زكاة ، إنما هي على الدنانير والدراهم (2).

والحلي ، لا زكاة فيه سواء كان محرما كحلي المرأة للرجل أو محللا ، لقوله علیه السلام : ليس في الحلي زكاة (3). وقول الصادق علیه السلام وقد سأله بعضهم في الحلي زكاة ، فقال : لا (4). ولأنه معد للانتفاع لا للاستمناء ، فأشبه ثياب البذلة والعوامل ، ولأن الزكاة تجب في مال تام والنقد غير تام في نفسه ، إنما يلحق بالناميات لكونه متهيأ للإخراج وبالصياغة بطل التهيؤ.

فروع :

الأول : لو فر بسبك الذهب والفضة ، فإن كان قبل الحول ، فلا زكاة ، وإلا وجبت. وقد تقدم مثله.

الثاني : لا يضم الدراهم إلى النقار ، ولا السبائك إلى الذهب.

ص: 319


1- وسائل الشيعة 6 - 105 ح 2.
2- وسائل الشيعة 6 - 106 ح 5.
3- وسائل الشيعة 6 - 106 ح 2.
4- وسائل الشيعة 6 - 106 ح 4.

الثالث : لو كان الحلي معدا للإجارة أو غيرها من وجوه الاكتساب ، لم تجب فيه الزكاة ، لعدم الشرط وهو النقش.

الرابع : لو كسرت بعد نقشها ، فإن خرجت عن النقش بالكلية وصارت مطحونة ، سقطت الزكاة عنها ، وإلا وجبت.

الخامس : لو صاغ الدراهم أو الدنانير حليا محرما أو محللا ، فلا زكاة إن كان قبل الحول وإن قصد الفرار ، كما قلنا لو عاوض النصاب بمثله في الحول ، أو أخرجه بسبب من الأسباب.

ولو باع في الأثناء بطل الحول ، لخروجه عن ملكه ، فإن عاد بفسخ العيب أو خيار ، استؤنف الحول حين العود ، لتجدد الملك حينئذ.

ص: 320

الفصل الثالث: ( في المحل )

اشارة

إنما تجب الزكاة عند علماء آل محمد علیهم السلام في تسعة أجناس : الإبل والبقر والغنم ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، والذهب والفضة. لأصالة البراءة ، وقول الصادق علیه السلام : الزكاة على تسعة أشياء : الذهب والفضة ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، والإبل والبقر والغنم. وعفا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عما سوى ذلك (1). ويستحب فيما يأتي :

فهنا مطالب :

المطلب الأول: ( في زكاة الأنعام )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في زكاة الإبل )
اشارة

وفيه مقامات :

ص: 321


1- وسائل الشيعة 1 - 34 ح 4 و 5.
المقام الأول: ( في مقادير النصب والفرائض )

وهي اثنا عشر نصابا : الأول : خمس. الثاني : عشر. الثالث : خمسة عشر. الرابع : عشرون. الخامس : خمس وعشرون. السادس : ستة وعشرون. السابع : ستة وثلاثون. الثامن : ست وأربعون. التاسع : إحدى وستون. العاشر : ستة وسبعون. الحادي عشر : إحدى وتسعون. الثاني عشر : مائة وإحدى وعشرون.

للإجماع على أنه لا زكاة فيما دون الخمس. وقال الباقر والصادق علیهماالسلام : ليس في الإبل شي ء حتى تبلغ خمسا ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ، ثم في كل خمس شاة حتى تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا زادت عن خمس وعشرين ففيها بنت مخاض ، فإذا لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكرا إلى خمس وثلاثين ، فإذا زادت على خمس وثلاثين فابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت فحقة إلى ستين ، فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت فابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت فحقتان إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون (1). وليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف.

إذا عرفت هذا ففي كل خمس من الإبل شاة إلى خمس وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها خمس شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون ، ثم ليس فيها شي ء إلى أن تبلغ ستة وأربعين ففيها حقة ، ثم ليس فيها شي ء إلى أن تبلغ إحدى وستين ففيها جذعة ، ثم ليس فيها شي ء إلى أن تبلغ ستة وسبعين ففيها بنتا لبون ، ثم ليس فيها شي ء إلى أن تبلغ إحدى وتسعين ففيها حقتان ، ثم ليس فيها شي ء إلى أن تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، وهكذا في الزائد مطلقا ، ففي كل مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون. ثم ليس فيها شي ء إلى أن تبلغ مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا

ص: 322


1- وسائل الشيعة 6 - 73 ح 3.

لبون ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ مائة وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون وهكذا.

المقام الثاني: ( في الأسنان )

الشاة المأخوذة في الإبل والغنم أقلها الجذع من الضأن ، وهو ما كمل سبعة أشهر. ومن المعز الثني ، وهو ما كمل سنة ودخل في الثانية ، لقول سويد بن غفلة : أتانا مصدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : نهينا أن نأخذ المواضع وأمرنا بالجذعة والثنية (1). والخيار إلى المالك (2) في إخراج أيهما شاء ، لإجزاء كل منهما. ويجزي الذكر والأنثى ، لصدق الإطلاق فيهما.

وبنت المخاض : ما كمل لها سنة ودخلت في الثانية ، فصارت أمها ماخضا أي حاملا.

وبنت اللبون : هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة ، فصارت أمها ذات لبن.

والحقة : ما كمل لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، فاستحقت أن يطرقها الفحل وأن تحمل.

والجذعة : ما كمل لها أربع سنين ودخلت في الخامسة ، وهي أعلى أسنان الإبل المأخوذة في الزكاة.

وليس كون الأم ماخضا شرطا في بنت المخاض ، وإنما ذكر ذلك للتعريف بغالب حالها. وكذا بنت اللبون.

ص: 323


1- جامع الأصول 8 - 326.
2- في « س » الباذل.
المقام الثالث: ( في الإبدال )
اشارة

من وجب عليه سن من الإبل وليست عنده ، بل أرفع منها بدرجة ، أو أنزل بدرجة ، دفع ما عنده واسترجع من العامل شاتين ، أو عشرين درهما ، أو دفع ذلك إليه ، إلا في بنت المخاض فلا يأخذ أنزل منها ، لأنها أدون أسنان الإبل إلا بالقيمة السوقية ، وإلا الجذعة فإنه لا يأخذ أعلى منها إلا بالقيمة أيضا ، لأنها أعلى أسنان ما يؤخذ في الزكاة.

لقوله علیه السلام : ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة ، فإنه تقبل منه الحقة ، ويجعل معها شاتين إن استيسر ماله أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين (1).

ونحوه عن علي علیه السلام وساق في الحديثين أسنان الإبل ، فلو وجبت عليه بنت مخاض وعنده بنت لبون دفعها واسترجع شاتين أو العشرين.

وكذا بين بنت اللبون والحقة والجذعة ، ولا جبران بين بنت المخاض وابن اللبون ، بل يجبر علو سنه نقص ذكوريته.

فلو وجب عليه بنت مخاض وليست عنده وعنده ابن لبون ذكر دفعه ولا شي ء له ولا عليه ، لقول علي علیه السلام : ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ، فإنه يقبل منه وليس معه شي ء (2).

فروع :

الأول : لو وجد من وجب عليه سن الأعلى والأدون ، تخير في دفع أيهما شاء ، فإن دفع الأعلى استرجع من المصدق وإن دفع الأدون دفع الجبران ، ولا

ص: 324


1- وسائل الشيعة 6 - 87 ، جامع الأصول 8 - 310.
2- نفس المصدر من الوسائل.

خيار للعامل في ذلك بل للمالك ، لأن التخيير في الرواية له ، وكذا له أخذ الشاتين أو الدراهم وفي دفع الشياه أو الدراهم لاقتضاء « أو » ذلك.

الثاني : الظاهر أن الشرع بنى هنا على الغالب من مساواة المدفوع مع أخذ الجبران ، أو استرداده الفريضة ، أو نقصها عنه بشي ء يسير أو زيادتها عليه كذلك ، فلو نقصت نقصانا فاحشا أو زادت كذلك ، فالوجه الرجوع إلى القيمة السوقية ، أو دفع ما يساوي مع الجبران الفريضة.

فلو دفع عن بنت اللبون حقة واسترجع الشياه أو الدراهم فساوى الباقي من الحقة بعد دفع الراجع بنت المخاض ، فالأقرب عدم الإجزاء.

الثالث : لو تضاعفت الدرجة ، احتمل وجوب القيمة السوقية ، اقتصارا بالتقدير الذي لا يعقل معناه على مورده وتضاعف الشياه والدراهم ، لأن مساوي المساوي مساو.

الرابع : إنما يجزي ابن اللبون مع عدم بنت المخاض ، سواء تمكن من شرائها أو لا.

ولو كان عنده بنت مخاض مريضة فكالمعدومة ، لأنها غير مقبولة.

ولو كان عنده بنت مخاض أعلى صفة من الواجب فإن تبرع بها كان أفضل وإلا أجزأه ابن اللبون أو يشتري بنت مخاض على صفة الواجب.

ولو عدم بنت المخاض وعنده ابن لبون وبنت لبون ، تخير في دفع ابن اللبون من غير جبر ، ودفع بنت اللبون مع استرجاع الجبران.

ولو عدم بنت المخاض وابن اللبون ، جاز أن يشتري أيهما شاء ، لأنه مع ابتياعه يكون واجدا لابن اللبون فأجزأه.

الخامس : لا يجزي الحقة عن بنت اللبون ، ولا الجذع عن الحقة ، لأنه تخط عن موضع النص في التقديرات. نعم يجزي لو ساواه قيمة على سبيل القيمة ، كغيره من أنواع القيم.

ص: 325

السادس : يجزي بنت اللبون عن بنت المخاض ، والحقة عن بنت اللبون ، والجذعة عن الحقة ، لأنها تجزي مع استرجاع الجبران ، فمع عدمه أولى. ويجزي عن أزيد من نصاب السفلى فعنه أولى.

وهل تجزي بنت المخاض عن خمس شياه مع قصور قيمتها عنها؟

إشكال ، ينشأ : من أنه غير الواجب ، فلا تجزي إلا بالقيمة والتقدير القصور ، فيكون قد أدى بعض الواجب. ومن أجزائها عن ست وعشرين ، فعن خمس وعشرين أولى. وعلى هذا لو أخرج بنت المخاض عن شاة واحدة لنقص قيمتها عنها ، فالإشكال بحاله ، والأول أقوى. وكذا البحث لو أخرج عن الجذعة بنتي لبون.

السابع : يخرج عن الإبل من جنسها ، فعن البخاتي بختية ، وعن العراب عربية ، وعن السمان سمينة وعن المهازيل مهزولة.

ولو اجتمع الصنفان في نصاب ، أخرج فريضة بالنسبة بعد التقسيط. ويحتمل إجزاء أيهما شاء إذا كانت بالصفة الواجبة ، لأنهما في الزكاة جنس واحد.

الثامن : يجوز أن يدفع عن الإبل من شياه البلد وغيرها وإن كان أدون قيمة ، لتناول الاسم لهما ، أما الغنم فالفريضة تجب في العين ، فلا تدفع من غير صنفها إلا بالتقويم على إشكال.

التاسع : أسنان غير الإبل إنما تنتقل عنها إلى غيرها بالتقويم ، فلو وجب عليه تبيع أو تبيعة وعنده مسنة أو بالعكس ، دفعها إن شاء أو غيرها بالقيمة.

العاشر : لو كان النصاب كله مراضا وفريضته معدومة ، فله أن يعدل إلى السن السفلى مع دفع الجبران ، وليس له أن يصعد مع أخذ الجبران ، لأن الجبران أكثر من الفضل الذي بين الفرضين. وقد يكون الجبران من الأصل ، فإن قيمة الصحيحين أكثر من قيمة المريضين ، وكذلك قيمة ما بينهما ، فلم يجز الصعود وجاز النزول ، لأنه متطوع.

ص: 326

ولو كان المخرج ولي يتيم ، لم يجز له دفع الفضل ، فيجب شراء الفضل من غير المال.

الحادي عشر : لو اجتمع نصابان ، تخير المالك ، كما في مائتين يجوز له دفع أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون. ولا يجزي حقتان وبنتا لبون ونصف إلا بالقيمة ، لأن التشقيص عيب. ويجزي في أربعمائة أربع حقاق وخمس بنات لبون ، لانتفاء المانع.

البحث الثاني: ( في زكاة البقر )

للبقر نصابان :

الأول : ثلاثون ، وفيه تبيع أو تبيعة ، وهو ما كمل سنه ودخل في الثانية فيتبع أمه في الرعي ، أو تبع قرنه أذنه.

الثاني : أربعون وفيها مسنة ، وهي ما كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة ، وهكذا فيما زاد في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كل أربعين مسنة. ولا يجز المسن عن أربعين ، ويجزي عن ثلاثين لإجزاء التبيع فالمسن أولى ، ولا شي ء فيما نقص عن ثلاثين إجماعا.

ولما بعث النبي صلی اللّه علیه و آله معاذا أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة (1).

وقال الباقر والصادق علیهماالسلام في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وليس في أقل من ذلك شي ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان ، ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ، وفي ثمانين مسنتان ، وفي تسعين ثلاث تبايع (2).

ص: 327


1- جامع الأصول 8 - 322.
2- وسائل الشيعة 6 - 77 ب 4.

والجاموس كالبقر بالإجماع.

ولا يجزي الذكر في الزكاة أصلا إلا في البقر ، وابن اللبون ليس بأصل بل هو بدل عن ابنة مخاض. وإنما يجزي الذكر في البقر عن الثلاثين ، وما تكرر منها كالستين والسبعين ، وما تركب من الثلاثين وغيرها كالتسعين. وأما الأربعون وما تكرر منها فلا يجزي في فرضها الذكور ، إلا أن يخرج عن المسنة تبيعين.

ولو بلغت البقر مائة وعشرين اتفق الفرضان ، فيتخير المالك بين إخراج ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة.

هذا كله إذا كانت البقر أناثا ، ولو كانت كلها ذكورا أجزأ الذكر منها بكل حال ، لأن الزكاة مواساة فلا يكلف المشقة بالإخراج من غير ماله. ويحتمل عدم إجزاء الذكور في الأربعينات ، لورود النص على المسنة.

ولا زكاة في بقر الوحش ، لعدم انصراف الإطلاق إليه ، ولأنها ليست من بهيمة الأنعام ، فأشبهت الوحوش.

البحث الثالث: ( في زكاة الغنم )

وللغنم خمس نصب :

الأول : أربعون ، وفيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

الرابع : ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه على الأقوى.

الخامس : أربعمائة ، ففي كل مائة شاة. وهكذا فيما زاد أبدا في كل مائة شاة.

ولا خلاف في النصب الثلاثة السابقة ، بل في الرابع ، فقيل : إنه ينتقل

ص: 328

الفرض إليه في كل مائة شاة ، وتظهر الفائدة في الوجوب والضمان.

والأصل في ذلك الرواية الصحيحة عن الباقر والصادق علیهماالسلام في الشياه في كل أربعين شاة شاة ، وليس فيما دون الأربعين شي ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حتى تبلغ أربعمائة ، فإن بلغت أربعمائة كان على كل مائة شاة وسقط الأمر الأول ، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء ، وليس في النيف (1) شي ء وقالا : كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه (2).

البحث الرابع: ( في الأشناق )

كل ما نقص عن النصاب يسمى في الإبل « شنقا » وفي البقر « وقصا » وفي الغنم وباقي الأجناس « عفوا ».

فلو كان عنده تسع من الإبل ، كان النصاب فيها خمسا والأربع شنق لا شي ء فيه ، ولا يتعلق الزكاة به. فلو تلف بعد الحول أربع بغير تفريط ، وجبت الشاة كملا.

لقوله علیه السلام : ليس في الزائد شي ء حتى تبلغ ستا وثلاثين ، فإذا بلغتها ففيها بنت لبون (3). وقول الباقر والصادق علیهماالسلام في زكاة الإبل ليس في النيف شي ء ، وليس في الكسور شي ء (4). ولو تلف خمس بغير

ص: 329


1- في « ق » الوصف.
2- وسائل الشيعة 6 - 78 ح 1.
3- وسائل الشيعة 6 - 74 ح 6.
4- وسائل الشيعة 6 - 74 ح 6.

تفريط ، سقط خمس الشاة.

ولو حال الحول على ثلاثمائة وواحدة من الغنم ، ثم تلف بغير تفريط مائة ، سقطت من أربع شياه مائة جزء من ثلاثمائة جزء. ولو تلفت واحدة لا غير ، سقط من ثلاثمائة جزء وجزء من أربع شياه جزء واحد.

هذا إن أوجبنا في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ، وإن أوجبنا في كل مائة شاة ، فتلفت من ثلاثمائة وواحدة شاة واحدة ، لم تسقط من ثلاث شياه شي ء ، لأنهم أوجبوا في كل مائة شاة ، والشاة التالفة زائدة على ما علقوا الوجوب به ، ولا يلزم من كون الشاة شرطا في تغير الفرض ووجوب شاة في كل مائة تعلق الوجوب فيها ، وهو المراد بقولنا « وتظهر الفائدة في الوجوب والضمان ».

ولو تلف مائة ، وجب شاتان ، لانعقاد النصاب أولا على وجوب كل مائة. ويحتمل وجوب ثلاث ، لأنه مالك لمائتين وواحدة حولا.

ولو اشترك اثنان في نصاب واحد ، فلا زكاة ، سواء كانت الخلطة خلطة أعيان أو أوصاف ، لأن كل واحد منهما يقصر نصيبه عن النصاب ، فلا زكاة لعدم الشرط ، ولأن النصاب شرط كالحول ، فكما لا يبنى حول شخص على آخر ، فكذا في النصاب.

ولا فرق بين الأنعام وغيرها في عدم الاعتداد بالخلطة.

ولا يفرق بين مالي شخص واحد وإن تباعدا ، فلو كان له عشرون من الغنم في بلد ومثلها في آخر وسامت حولا ، وجبت الشاة. كما لا يجمع بين مالي شخصين ، وإن اتفقا في المرعى والمسرح والراعي والفحل وغيرها.

ولو باع صاحب النصاب نصفه قبل الحول ، فلا زكاة.

ولو استأجر راعيا بشاة من النصاب قبل الحول ، سقط الحول ، سواء أفردها أو خلطها ، لنقصان الملك عن النصاب.

ص: 330

البحث الخامس: ( في صفة الفريضة )

لا تؤخذ المريضة من الصحاح ، لأنها أقل من الواجب ، فلا تكون مجزية ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (1).

ولا الهرمة ، ولا ذات العوار وهي المعيبة ، لقوله علیه السلام : لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق (2). والمراد بتيس الغنم فحلها ، لنقصه وفساد لحمه ، أو للانتفاع بضرابه ، إلا أن يكون جميع المال من جنس المأخوذ ، فيجوز.

ولا تؤخذ الذكر من الإناث في الإبل والبقر ، لأن في الأنوثة رفق في الذر والنسل ، إلا في التبيع من البقر وابن اللبون عوضا عن بنت المخاض. والأقرب جواز الذكر في الغنم ، لقوله علیه السلام في أربعين شاة (3). والشاة تقع على الذكر والأنثى.

ولو كان نصاب الغنم ذكرانا كله ، أجزأ الذكر قطعا ، وهل يجزي في البقر والإبل لو كانت ذكرانا كلها؟ إشكال ، ينشأ : من نصه علیه السلام على الأنثى في فرائض الإبل والبقر ، وقال : من لم يجد بنت مخاض أخرج ابن لبون ذكرا (4). ولأن فرائض الإبل تتغير بزيادة السن ، فإذا جوزنا إخراج الذكر أفضى إلى التسوية بين الفريضتين ، لأنه يخرج ابن اللبون عن ست وعشرين ويخرجه عن ست وثلاثين.

ومن أن الزكاة تجب في العين ، فلا يكلف شراء الأنثى كالمعيب ، وحينئذ فالأقرب عدم وجوب الأخذ بالنسبة ، فلا يشترط أخذ ابن لبون من ست وعشرين قيمته دون قيمة ابن لبون يأخذه من ستة وثلاثين ، ويكون بينهما في

ص: 331


1- سورة البقرة : 267.
2- جامع الأصول 8 - 321.
3- وسائل الشيعة 6 - 78.
4- جامع الأصول 8 - 310.

القيمة كما بينهما في العدد ، ويكون الفرض بصفة المال للأمر بالمطلق.

ولو كثرت قيمة المعيبة ، فالأقرب عدم إجزائها عن الصحيحة ، للنهي عن أخذها ، ولاشتماله على الإضرار بالفقراء ، ولهذا يستحق ردها في البيع وإن كثرت قيمتها. ويحتمل قويا الإجزاء إذا اشتمل على قيمة الصحيحة.

ولو اشتمل المال على صحاح ومراض ، أخرج صحيحة قيمتها على قيمة المالين ، أو معيبة كذلك.

ولو كان النصاب كله مراضا إلا بقدر الفرض ، فإن تطوع به وإلا أخرج مريضة على قدر النسبة أو صحيحة كذلك. فلو كان الأربعون مراضا إلا واحدة أخرج شاة بقيمة تسعة وثلاثين جزءا من أربعين جزءا من مريضة وجزءا من أربعين من صحيحة.

ولو كان نصف النصاب صحاحا ونصفه مراضا ، ووجب فيه حقتان أو ابنتا لبون ، جاز إخراج حقة مريضة وأخرى صحيحة ، أو بنتي لبون كذلك.

ولا اعتبار بقلة المعيب وكثرته على إشكال ، فله إخراج ما عيبه أفحش عن النصاب المعيب.

ولو وجد المعيب وزيادة آخر مغاير ، فالوجه عدم الإجزاء ، لأن النصاب كالصحيح بالنسبة إلى الزائد.

ولا تؤخذ الربى ، وهي التي قد وضعت ولدها وهي تربيه إلى خمس عشر يوما ، وقيل : إلى خمسين.

والضابط استغناء الولد عنها ، لما فيه من الإضرار بالمالك.

ولا الماخض وهي الحامل. ولا الأكولة وهي السمينة المعدة للأكل. لقوله علیه السلام : إياك وكرائم أموالهم (1).

ص: 332


1- وسائل الشيعة 6 - 84 و 91.
البحث السادس: ( في اللواحق )

الأول : قد سبق أن نصب الإبل إنما تستقر إذا زادت على مائة وعشرين ، ولا يكفي الزيادة بشقص واحدة ، بل لا بد من زيادة واحدة كملا ، لأن في بعض الروايات عن الباقر والصادق علیهماالسلام تفسير الزيادة بالواحدة قالا علیهماالسلام : فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقتان طروقة الفحل ، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون (1).

الثاني : في مائة وعشرين حقتان ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ، وهل للواحدة قسط من الواجب؟ يحتمل العدم ، لقوله علیه السلام : في كل أربعين بنت لبون (2). ولو كان لها قسط ، لكان في كل أربعين وثلث بنت لبون ، والأقوى الثبوت ، لأن الواجب بالواحدة يتعلق الوجوب بها كالعشارة وغيرها.

فلو تلفت الواحدة بعد الحول وقبل إمكان الأداء ، سقط من الواجب جزء من مائة وإحدى وعشرين جزءا.

الثالث : لا يتعين الواجب بعد الثلاثين إلا بزيادة عشر ، فإذا وجب عدد من بنات اللبون ثم زادت عشر أبدلت بنت اللبون بحقة ، فإن زادت عشرا أخرى أبدلت أخرى. وهكذا إلى أن يصير الكل حقاقا.

فإذا زادت بعد ذلك ، أبدلت الحقاق كلها بنات اللبون وزيدت واحدة ، ففي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات.

فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها بنتا لبون وحقة ، وإذا صارت مائة وأربعين ففيها بنت لبون وحقتان ، فإذا صارت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، فإذا

ص: 333


1- وسائل الشيعة 6 - 72 ح 1.
2- نفس المصدر.

صارت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون ، فإذا بلغت مائة وسبعين ففيها ثلاث بنات لبون وحقة.

فإذا بلغت مائة وثمانين ففيها بنتا لبون وحقتان ، فإذا بلغت مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون ، وهكذا دائما.

الرابع : لا تجزي الخنثى عن الأنثى في الإبل ، والمسنة تجزي عن الذكر فيهما ، فتجزي الخنثى من أولاد اللبون ، لأنه إما ذكر ويؤخذ بدلا من بنت المخاض ، أو أنثى وهو بالجواز أولى ، ولا جبران له لجواز الذكورية.

الخامس : الضأن والمعز جنس واحد ، يكمل أحدهما بالآخر في نصاب الغنم. كما أن الجاموس والعراب في البقر جنس. وكما في الإبل العراب والبخاتي بالإجماع.

السادس : الأقرب أنه لا يتعين عليه غالب غنم البلد ، فلو كان الغالب الضأن أجزأه المعز وبالعكس ، لقوله علیه السلام في خمس من الإبل شاة (1). واسم الشاة يقع عليهما ، فصار كالأضحية لا يتعين فيها غنم البلد.

السابع : قد بينا أن الأقرب إجزاء بعير عن شاة ، وهل يقع الكل فرضا؟ يبنى على أن الشاة الواجبة في الإبل أصل بنفسها أو بدل عن الإبل ، احتمال ينشأ : من أن اقتضاء ظاهر النص الأول. ومن أصالة وجوب جنس المال ، إلا أن إيجاب بعير قبل كثرة الإبل إجحاف برب المال ، وإيجاب شقص بعير يشق عليه ، لنقصان القيمة وعسر الانتفاع ، فعدل الشارع إلى الشاة إرفاقا وتسهيلا.

فإن جعلنا الشاة أصلا ، فإذا أخرج البعير كان كله فرضا كالشاة. وإن جعلناها بدلا ، فإذا أخرج بعيرا كان الواجب أقل من خمسة ، لأنه يجزي عن ستة وعشرين ، وحصة كل خمس خمس إلا خمس خمس.

ص: 334


1- وسائل الشيعة 6 - 72.

ولو أخرج بعيرا عن عشر من الإبل ، أو خمس عشرة ، أو عشرين. فإن قلنا إنه يقع فرضا كله لو أخرجه عن الخمس لم يجزيه عن العشر ، بل لا بد من بعيرين أو بعير وشاة ، وفي الخمس عشرة ثلاثة أبعرة ، أو بعيرين أو شاة ، أو شاتين وبعير ، أو ثلاث شياه. وإن قلنا الفرض أقل من خمسة ، أجزأ ويكون متبرعا في العشر الزائد.

الثامن : يجوز أن يخرج حقا عن بنت مخاض ، لإجزاء ابن اللبون فالحق أولى.

ولو أخرجه بدلا عن بنت اللبون ، لم يجز لاختصاص النص بمورده ، وليس هو في معناه ، لأن تفاوت السن بين بنت المخاض وابن اللبون متفاوت يوجب ورود الماء والشجر والامتناع من صغار السباع.

والتفاوت بين بنت اللبون والحق لا يوجب اختصاص الحق بهذه القوة ، بل هي موجودة فيهما جميعا ، فلا يلزم من جبر تلك الزيادة الفضيلة الأنوثية جبر هذه الزيادة هنا لها.

التاسع : لو فقد صاحب المائتين الحقاق وبنات اللبون ، تخير في شراء أيهما شاء ، كما يتخير في إخراج أيهما شاء لو وجدهما ، لكن الأفضل إخراج الحقاق ، لأن الاعتبار في زكاة الإبل بزيادة السن ما أمكن ، إلا أن الشرع ارتقى في نصبها إلى منتهى الكمال في الأسنان ، ثم عدل بعد ذلك إلى زيادة العدد ، وذلك يشعر بزيادة الرغبة في علو السن. ولا يجب عليه تحصيل الصنف الأفضل وإن كان أنفع للمساكين.

ويجوز أن لا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون ، بل ينزل أو يصعد مع الجبران ، فإن شاء جعل بنات اللبون أصلا وينزل منها إلى خمس بنات مخاض ، فأخرجها مع خمس جبرانات. وإن شاء جعل الحقاق أصلا وصعد منها إلى أربع جذاع ، فأخرجها وأخذ أربع جبرانات.

وفي جواز جعل الحقاق أصلا والنزول منها إلى أربع بنات مخاض مع ثمان جبرانات ، أو جعل بنات اللبون أصلا والصعود منها إلى خمس جذاع ويأخذ

ص: 335

عشر جبرانات مع جواز التضعيف ، إشكال ينشأ : من الجواز هناك فليجوّز هنا ، لأنه هو بعينه. ومن إمكان تقليل الجبران بجعل الجذاع بدل الحقاق ، وبنات المخاض بدل بنات اللبون.

ولو كان عنده أحد الصنفين ، لم يجز له العدول إلى بدل الآخر مع الجبران.

العاشر : لو بلغت البقر مائة وعشرين ، كان حكمها في التخيير بين إخراج أيّ الفرضين شاء حكم المائتين في الإبل.

الحادي عشر : الشاة المأخوذة جبرانا بين الأسنان بصفة المخرج عن خمس من الإبل. ولا يشترط فيها الأنوثة ، فالدراهم المخرجة هي النقرة المضروبة بسكة المعاملة ، وكذلك دراهم الشرعية حيث وردت.

ولو افتقر الإمام إلى إعطاء الجبران ولم يكن في بيت المال دراهم ، باع شيئا من مال المساكين وصرفه إلى الجبران.

الثاني عشر : لو أخرج بدل الجذعة ثنية ولم يطلب جبرانا ، جاز وقد زاد خيرا. ولو طلب الجبران فالقيمة السوقية ، ولا يسترد الشاتين أو العشرين درهما ، لأن المؤدى ليس من أسنان الزكاة ، فأشبه ما لو أخرج فصيلا لم يبلغ أسنان الزكاة ، مع الجبران الناقص عن القيمة السوقية.

الثالث عشر : على ما اخترناه من جواز الجبران في الدرجتين لو ارتقى إلى ثلاث درج ، بأن يعطي بدل الجذعة عند فقدها وفقد الحقة وبنت اللبون بنت مخاض مع ثلاث جبرانات ، أو يعطي مكان بنت المخاض عند فقدها وفقد بنت اللبون والحقة جذعة ويأخذ ثلاث جبرانات جاز.

وهل يجوز الصعود والنزول بدرجتين أو ثلاث مع القدرة على الدرجة القريبة؟ الأقرب المنع ، للاستغناء عن أخذ الجبرانيين ببدل الأدنى. ويحتمل الجواز ، كما لو لم يجد الدنيا فإنها ليست واجب ماله ، فوجودها بمثابة عدمها.

ولو وجب عليه بنت لبون وعنده حقة وبنت مخاض ، احتمل وجوب بنت

ص: 336

المخاض مع دفع الجبران ، لأنها أقرب وجواز دفع الحقة واسترجاع ضعف الجبران.

الرابع عشر : يجوز أن يخرج عن جبرانيين شاتين وعشرين درهما ، كما يخرج عن كفارتين صنفين ولا يجوز أن يخرج عن جبران واحد شاة وعشرة دراهم ، لاقتصاء النص التخيير بين شاتين وعشرين درهما ، فلا يثبت خيار ثالث ، كما لا يكسوا خمسة ويطعم خمسة.

ولو كان المالك هو الآخذ ورضي بالتفريق جاز ، لأنه حقه وله إسقاطه بالكلية.

الخامس عشر : في جواز إخراج قيمة الشاتين ، أو العشرين درهما من غيرهما مع النقصان عن القمية السوقية في المجبور والقيمة إشكال ، أقربه المنع.

أما لو ساوى المجبور كبنت مخاض مثلا مع قيمة الشاتين من غير الدراهم ، فإنه يجزي على أنه قيمة [ بنت اللبون ] (1).

السادس عشر : لو وجب عليه بنت لبون ولم يجدها ، ووجد ابن لبون وحقة ، فأراد أن يعطي ابن اللبون مع الجبران ، احتمل الجواز ، لأنه بمنزلة بنت المخاض في نظر الشرع ، والأقرب المنع.

ولو كان له ثلاثون من الإبل نصفها مراض ونصفها صحاح ، وقيمة الصحيحة أربعة والمعيبة دينارين ، قسط المأخوذ على ست وعشرين ، خمسة عشرة منها صحاح ، لأن الزكاة لا تقسط على الشق عندنا.

السابع عشر : لو باع السائمة بيعا فاسدا ، لم يزل الملك ، ووجب الزكاة عليه إن لم يمنع من الاسترداد ، وهل يقوم ترك الاسترداد لجهله بالحكم مقام المنع؟ إشكال.

ولو علفها المشتري ، فالأقوى انقطاع الحول ، لأنه مأذون في التصرف

ص: 337


1- الزيادة من « ق ».

من جهة المالك ، فأشبه علف الوكيل.

ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشتري ، فهو كما لو أسامها الغاصب لا ينقطع به الحول إلا باعتبار الغصب ، فلو غصب من يتمكن المالك من الانتزاع منه ، لم تسقط الزكاة.

الثامن عشر : لو باع المالك النصاب قبل الحول ، فرده المشتري بعيب سابق قبل كمال الحول ، استأنف المالك الحول ولا يبني ، سواء ردّه بعد القبض أو قبله ، وسواء رده بقضاء القاضي أو لا.

ولو مضى الحول في يد المشتري ، وجبت الزكاة عليه ، لأنه مالك نصاب حال عليه الحول ، فإن لم يخرج الزكاة فليس له الرد ، لأن للساعي أخذ الزكاة من العين لو تعذر أخذها من المشتري ، فلا يخلو وجوب الزكاة فيه من عيب حادث ، ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلى أن يؤدي الزكاة ، لعدم تمكنه من الرد قبله ، وإنما يبطل الحق بالتأخير مع التمكن.

ولا فرق بين ما يجب أخذ الزكاة من جنسه كالغنم والبقر ، أو من غير جنسه كالإبل التي تجب فيها الغنم.

وإن كان قد أخرج الزكاة ، فإن كان من غير المال فله الرد ، لأنه لم يتصرف في المبيع. ويحتمل عدم الرد ، لأن الذي أخرجه عوضا قد يخرج مستحقا ، فيتبع الساعي عين النصاب ، وإن كان من العين سقط الرد ، لحدوث العيب عنده بالتشقيص وله الأرش.

التاسع عشر : لو مات المالك ، استأنف ورثته الحول من حين موته وتمكنهم منه. ولا يشترط علمهم بالسوم ، فلو سامت حولا بعد موت المالك ولم يعلم الورثة ، وجبت الزكاة ، لوجود السبب التام.

المطلب الثاني: ( في زكاة النقدين )
اشارة

أما الذهب فله نصابان :

ص: 338

الأول : عشرون مثقالا ، وفيه نصف مثقال ، فلا شي ء فيما نقص عن عشرين مثقالا بالإجماع ، ولقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ليس عليك في الذهب شي ء حتى يبلغ عشرين دينارا ويحول عليها الحول ففيها نصف دينار (1). وقال الباقر علیه السلام : ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي ء ، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال (2).

الثاني : أربعة مثاقيل ولا شي ء في الزائد على العشر مثقالا من الذهب حتى تبلغ أربعة مثاقيل وفيها قيراطان ، وهكذا ليس في الزائد على أربعة وعشرين مثقالا شي ء إلا أن تزيد أربعة مثاقيل أخر فيكون فيها قيراطان ، وهكذا دائما بالغا ما بلغ.

لقول الباقر والصادق علیهماالسلام : ليس فيما دون العشرين مثقالا شي ء ، فإذا بلغ ففيه نصف مثقال ، إلى أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار ، إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كل ما زاد أربعة (3). ولأصالة البراءة فيما نقص عن الأربعة.

ولا يعتبر في نصاب الذهب نصاب الفضة ، فلو قصرت قيمة العشرين عن نصاب الفضة - وهو مائتا درهم - وجبت الزكاة ، للخبر (4).

وأما الفضة فلها نصابان :

الأول : مائتا درهم ، فلا شي ء فيما نقص عن مائتي درهم ، بالإجماع المنعقد بين علماء الإسلام ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم بالإجماع.

الثاني : أربعون درهما ، ولا شي ء في الزائد على المائتين إلى أن يبلغ الزائد على المائتين أربعين درهما. وهكذا ليس في الزائد على المائتين والأربعين شي ء

ص: 339


1- وسائل الشيعة 6 - 94.
2- وسائل الشيعة 6 - 93 ح 5.
3- نفس المصدر.
4- وسائل الشيعة 6 - 101 ب 5.

إلى أن يبلغ مائتي درهم وثمانين درهما ففيها سبعة دراهم. وهكذا بالغا ما بلغ.

فروع :

الأول : لو نقص أحد النصب في النقدين ، سقطت الزكاة فيه وإن خرج بالتام ، لعدم مناط الوجوب. ولا فرق بين النقص اليسير والكثير ، فلو نقص ولو حبة فلا زكاة. أما لو اختلفت الموازين فنقص يسيرا في بعضها وكمل في الباقي ، وجبت الزكاة عملا بالاحتياط.

الثاني : الاعتبار في الوزن بميزان أهل مكة ، وفي الكيل بمكيال المدينة ، والدنانير لم تختلف المثقال فيها في جاهلية ولا إسلام.

وأما الدراهم فإنها كانت مختلفة الأوزان. والذي استقر عليه الأمر في الإسلام أن وزن الدرهم الواحد ستة دوانيق ، كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب ، والدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير.

والسبب فيه أن غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدراهم في عصر النبي صلی اللّه علیه و آله والصدر الأول بعده نوعان : البغلية والطبرية ، والدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق ، ومن الطبرية أربعة دوانيق ، فأخذوا واحدا من هذه وواحدا من هذه وقسموها نصفين وجعلوا كل واحد درهما في زمن بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر على تقدير الدراهم الإسلامية بها.

فإذا زادت على الدرهم الواحد ثلاثة أسباعه كان مثقالا ، وإذا نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما ، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان.

قال المسعودي : إنما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبعة مثاقيل من الذهب ، لأن الذهب أوزن من الفضة ، فكأنهم جربوا قدرا من الفضة ومثله من الذهب ، فوزنوهما فكان وزن الذهب زائدا على وزن الفضة بمثل ثلاثة

ص: 340

أسباعها. واستقرت الدراهم في الإسلام على أن كل درهم نصف مثقال وخمسه.

وبها قدر نصب الزكاة ، ومقدار الجزية ، والديات ، ونصاب القطع في السرقة ، وغير ذلك.

الثالث : قد بينا أنه لو نقص النصاب عن القدر ولو قل ، سقطت الزكاة منه ، لعموم قوله علیه السلام : ليس فيما دون خمسة أوساق صدقة (1). والأوقية أربعون درهما.

وأنه لا فرق بين أن يروج رواج التمام ، أو يفضل عليه ، وبين أن لا يكون ، وفضله على التمام إنما يكون لجودة النوع ، ورواجه رواج التام قد يكون للجودة ، وقد يكون لنزارة القدر الناقص ووقوعه في محل المسامحة.

الرابع : يشترط ملك النصاب بتمامه في جميع الحول ، ولا يكفي طرفاه ، لقوله علیه السلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (2). والحادث بعد نقصان النصاب لم يحل عليه الحول.

الخامس : لا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر ، لأنهما جنسان مختلفان ، فأشبها غيرهما من النصب. نعم لو كانا للتجارة ضم أحدهما إلى الآخر.

وكذا يكمل جيد الجنس الواحد برديه. وليس المراد بذلك الخالص والمغشوش ، بل الجودة هنا النعومة والصبر على الضرب ، والرداءة الخشونة والتعنت عند الضرب ، ويخرج من كل واحد بقدره. ولو تعسر اعتبار ذلك أخرج من الوسط.

ولو أخرج الجيد عن الردي ، كان أفضل ، وفي إجزاء العكس إشكال ، أقربه ذلك إن صدق الاسم.

ص: 341


1- جامع الأصول 5 - 318.
2- جامع الأصول 5 - 315.

ولو تساوى العيار واختلفت القيمة كالرضوية والراضية ، استحب التقسيط وأجزأ التخيير على إشكال. وكذا لو أسقط السلطان معاملة سكة مساوية في العيار ، فصارت أقل قيمة.

السادس : يجوز إخراج الصحيح عن المكسور ، بل يستحب. ولا يجوز العكس مع نقص القيمة عنه.

ولو اجتمع المستحقون ، صرف إليهم الدينار الصحيح ، أو إلى واحد بإذن الباقين لو أراد التعميم.

السابع : لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ صافيها نصابا ، أو يكمل به نصاب الجيد ، سواء كان الغش أقل أو لا ، لقوله علیه السلام : ليس فيما دون خمس أوساق زكاة (1) ، وإذا بلغ الصافي منها نصابا ، أخرج قدر الواجب خالصا ، أو أخرج من المغشوش ما يعلم أنه مشتمل على قدر الواجب.

ولو أخرج عن مائتي درهم خالصة خمسة دراهم مغشوشة ، لم يجز ، كما لو أخرج مريضة عن الصحاح ، بل هنا أولى ، لأن الغش ليس بورق والمريضة إبل ، فإن أخرج فالأقرب أن له الاسترجاع إن كان بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال ، لأنه دفع دفعا فاسدا. وكما لو عجل الزكاة فتلف المال. ويحتمل العدم ، كما لو أعتق رقبة معيبة ، فإنه يكون متطوعا بها.

ولا ينبغي للإمام ضرب الدراهم المغشوشة ، لئلا يحصل الغش لبعض الناس من بعضهم ، فإن كانت الدراهم المغشوشة مضبوطة العيار ، صح التعامل بها بعد بيان حالها.

ولو كان مقدار النقرة منها مجهولا ، احتمل صحة التعامل بها ، لأن القصد رواجها ، وهي رائجة لمكان السكة. ولأنه يجوز بيع المعجونات والغالية وإن اختلفت أقدارها. والمنع لأنها مقصودة باعتبار ما فيها من النقرة ، وهي مجهولة القدر. والإشارة إليها لا تفيد الإحاطة بقدر النقرة.

ص: 342


1- جامع الأصول 5 - 318.

فعلى الأول لو باع بدراهم وأطلق ونقد البلد مغشوشة ، صح العقد ووجب من ذلك النقد. وعلى الثاني لا يصح.

الثامن : لو جهل مقدار الغش ، فإن أخرج عن المغشوش من الصافي بقدره أجزأ ، وإن ماكس ألزم التصفية مع علم النصاب ، لأن الخروج عن العهدة إنما يتم به.

ولو جهل بلوغ الصافي النصاب ، لم يجب التصفية ، لأصالة البراءة ، وعدم البلوغ.

ولو علم النصاب وقدر الغش ، أخرج عن الخالصة مثلها وعن المغشوشة مثلها.

ولو كان الغش مما تجب فيه الزكاة ، وجبت الزكاة عنهما.

فإن أشكل الأكثر منهما ولم يمكن التمييز ، بأن كان قدر أحد النقدين ستمائة والآخر أربعمائة ، أجزأه إخراج ستمائة من الأكثر قيمة وأربعمائة من الأقل. ويجوز أن يبني على ظنه لو اتفق ، لأنه الراجح ، فيتعين العمل به عند التعارض.

ويجوز امتحانه بالماء ، بأن يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ويعلم على الموضع الذي يرتفع إليه الماء ، ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الخالصة ويعلم على موضع الارتفاع أيضا ، وتكون هذه العلامة فوق الأولى ، لأن أجزاء الذهب أشد اكتثارا ، ثم يوضع فيه المخلوط وينظر إلى ارتفاع الماء به هل هو إلى علامة الذهب أقرب أو إلى علامة الفضة.

التاسع : لو كان بيده مائة نقدا وله دين مائة أخرى على باذل ، وأوجبنا الزكاة في الدين ، وجبت الزكاة عليه في الجميع ، لأنا إنما نوجب في الدين لو كان تأخره ممن له فكأنه مقبوض.

ولو تعسر الأخذ بعد الحول ، وجب أن يخرج نصيب المائة التي بيده من الزكاة.

ص: 343

العاشر : لا زكاة في شي ء من نفائس الجواهر ، كاللؤلؤ والياقوت وغيرهما. وإنما تجب في النقدين خاصة بشرط أن يكونا مضروبين منقوشين كما تقدم ، فلا زكاة في الحلي وإن كان محرفا ، خلافا لبعض علمائنا في المحرم إذا فر به من الزكاة ، فعلى قوله تجب الزكاة.

سواء كان التحريم لعينه كالأواني والقصاع والملاعق والمجامر المتخذة من الذهب والفضة ، أو باعتبار القصد ، كما لو قصد الرجل تحلي النساء الذي اتخذه أو ورثه أو اشتراه ، كالسوار والخلخال أن يلبسه أو يلبسه غلمانه ، أو قصدت المرأة تحلي الرجال ، كالسيف والمنطقة أن تلبسه جوارها أو غيرهن من النساء. وكذا لو أعد (1) الرجل حلي الرجال لنسائه وجواريه ، أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها ، فكل ذلك محرم تجب فيه الزكاة.

وحكم القصد الطاري بعد الصياغة حكم المقارن ، فلو اتخذه على قصد استعمال محظور ، ثم غير قصده إلى مباح بطل الحول ، فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدئ حول الزكاة. ولو لم يقصد استعمالا مباحا ولا محرما فلا زكاة لعدم الشرط وهو النقش أو تحريم الاستعمال.

وكذا لا زكاة لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له استعماله وإن اتخذ للنماء ، لأنه لا اعتبار بالأجرة هنا ، لأنها كأجرة العوامل.

ولو انكسر بحيث لا يمنع الاستعمال ، لم يؤثر في السقوط. ولو لم يصلح للاستعمال واحتاج إلى سبك وصوغ جديد ، سقطت الزكاة ، لخروجه عن صفة التحريم. ولو كان بحيث يمنع الاستعمال ، لكن لا يحتاج إلى صوغ جديد بل يقبل الإصلاح باللحام ، لم يسقط ، لدوام صورة الحلي المحرم.

الحادي عشر : أصل الذهب التحريم على الرجال ، واستثني اتخاذ أنف لمن جدع أنفه ، لأن رجلا قطع أنفه يوم الكلاب ، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه ، فأمره النبي صلی اللّه علیه و آله أن يتخذ أنفا من ذهب. ولأنه في محل

ص: 344


1- في « س » اتخذ.

الحاجة. وفي معنى الأنف السن والأنملة.

ولا يجوز لمن قطعت يده أو إصبعه اتخاذهما من الذهب. ولا أن يتخذ الرجل لخاتمه سنا أو أسنانا من الذهب. ولا التمويه بالذهب في خاتم وثوب وغيرهما من ملابس الرجال.

وحكم الخنثى حكم الرجل ، لجواز كونه رجلا ، ولا يجوز له لبس حلي الرجال ولا النساء. ويحتمل ضعيفا جوازهما ، لأنه كان له لبسهما في الصغر ، فيستصحب إلى زوال الإشكال.

ولا يحرم التحلي بالذهب للنساء ولا الفضة ، ولا اتخاذ نعلين منهما ، ولا لبس الثياب المنسوجة منهما.

وكذا لا يحرم التختم بالفضة على الرجال ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله اتخذ خاتما من فضة. ولا يجوز له غيره من السوار والدملج والطوق ، نعم يجوز له تحلية آلات الحرب بالفضة ، كالسيف والرمح وأطراف السهام والدرع والمنطقة والسكين والترس والخف وغيرهما ليغيظ بها الكفار ، وقد كانت قبيعة سيف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من فضة.

والأقرب جواز تحلية السرج واللجام والثغر والركاب للأصل ، والتاج إن كان في موضع يعتاد الرجال لبسه كان من ملابسهم ، وإلا فهو من ملابس النساء.

ولو أسرف الرجل في آلات الحرب ، أو اتخاذ خواتيم من فضة كثيرة ، أو اتخذت المرأة خلاخل كثيرة من ذهب أو فضة ، لم يكن محرما للأصل. وكذا لو اتخذت خلخالا ثقيلا.

أما أواني الذهب والفضة فإنها محرمة الاستعمال على الرجال والنساء ، وقد تقدم. وفي اتخاذهما إشكال ينشأ : من أصالة الإباحة. ومن تعطيل المال والإسراف به. وكذا تباح تحلية السكاكين وإن كانت للمهنة.

ولا يجوز تحلية المصحف ولا غلافه بذهب ولا فضة ، ولا الكتب ، ولا

ص: 345

زخرفة المساجد. والأقرب تحريم تذهيب حيطان الدور ، لما فيه من الإسراف وتضييع المال. والأقرب جواز تعليق القناديل من الذهب والفضة في المشاهد والكعبة للتعظيم ، كما يجوز ستر الكعبة بالديباج.

منع الشيخ من اتخاذ الآلات من الذهب والفضة كالأواني مثل المرآة والمقلمة والمقراض وهو الأقوى.

الثاني عشر : إذا أوجبنا الزكاة في الحلي المحرم ، كان الاعتبار بوزنه لا بقيمته. فلو اتخذ خلخالا وزنه مائتا درهم وقيمته ثلاثمائة ، أخرج زكاة مائتي درهم ، لأنها زكاة عين ، فلا تنظر فيها إلى القيمة كالمواشي. ولهذا لو كان وزنه مائة درهم وقيمته بسبب الصنعة مائتان ، فإنه لا زكاة فيه.

ويحتمل اعتبار الصنعة ، كما أنه يجب أن يخرج عن المضروب مضروبا من حيث إنها صفة في العين ، فيلزمه إخراج زكاة العين على تلك الصفة ، فحينئذ يتخير بين أن يخرج ربع عشر الحلي مشاعا ، ثم يبيعه الساعي ويفرق الثمن على المساكين ، وبين أن يخرج خمسة دراهم مصوغة قيمتها سبعة دراهم ونصف. ولا يجوز أن يكسره ويخرج خمسه مكسورة ، لما فيه من الضرر عليه وعلى الفقراء. ويجوز أن يخرج ما قيمته سبعة ونصف من غير الفضة.

أما لو كانت له آنية وزنها مائتان وقيمتها للصنعة ثلاثمائة ، فإن جوزنا الاتخاذ والاستعمال ، كان حكمها حكم الكلي المتقدم ، وإلا أجزأه إخراج خمسه من غيره وكسره وإخراج خمسه منه ، لأنه لا قيمة للصنعة شرعا.

وكل حلي محرم على جميع الناس ، حكم صنعته حكم صنعة الإناء ، ولا يضمن كاسرها. وما يحل لبعض الناس فعلى كاسره ضمانها. وما يكره من التحلي ولا يحرم كالآنية المفضضة ، حكمه حكم الحلي المباح في سقوط الزكاة عنه.

الثالث عشر : قد بينا أنه ينبغي إخراج الأجود إذا تساوت القيم ، ولو اختلفت أخذ من كل نوع ما يخصه ، أو أخرج من أوسطها ما بقي بقدر الواجب وقيمته. ولو أخرج من أجودها بقدر الواجب ، جاز له ثواب الزيادة ،

ص: 346

وإن أخرجه بالقيمة مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيد ، فالأقرب الجواز.

وكذا إن أخرج من الأدنى ، وزاد في المخرج ما يفي بقيمة الواجب ، كما يخرج عن دينار دينارا ونصفا يفي بقيمته.

وإن أخرج بهرجا عن الجيد وزاد بقدر ما يساوي قيمته الجيد جاز ، ولا ربا هنا ، لأنه لا ربا بين العبد وسيده والحق هنا لله تعالى ، ولأن المساواة في المعتاد الشرعي ، وإنما اعتبرت في المعاوضات والقصد من الزكاة المواساة وإغناء الفقير وشكر نعمة اللّه تعالى ، فلا مدخل للربا هنا.

ولو خلف لأهله نفقة قدر النصاب فما زاد وحال عليها الحول ، فإن كان حاضرا ، وجبت الزكاة لقدرته عليه ، وإن كان غائبا فلا ، لأنها في معرض الإتلاف ، ولقول الصادق علیه السلام : إن كان شاهدا فعليه زكاة ، وإن كان غائبا فليس فيها شي ء (1). ولأنها مع الغيبة لا يتمكن من التصرف فيه ، لأنه أخرجه عن يده بتسليط أهله على الانتفاع به.

المطلب الثالث: ( في زكاة الغلاة )
اشارة

وإنما تجب الزكاة بشرط النصاب ، وهو واحد في الجميع. وقدره خمسة أوسق ، كل وسق ستون صاعا ، كل صاع أربعة أمداد ، كل مد رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني ، للرواية. قال الكاظم علیه السلام : الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي (2). فلا زكاة فيما هو أقل من ذلك إجماعا منا ، لقوله صلی اللّه علیه و آله : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (3). ثم لا نصاب له بعد ذلك ، بل كل ما زاد وجب فيه ما يجب في الأوسق الخمسة ، سواء قل أو كثر.

ص: 347


1- وسائل الشيعة 6 - 117 ح 1.
2- وسائل الشيعة 1 - 338 ، وسائل الشيعة 6 - 126 ح 10.
3- جامع الأصول 5 - 318.

ثم الزرع والثمار إن سقيت سيحا أو بعلا أو عذيا كان فيه العشر ، وإن سقيت بالغرب والدوالي والنواضح وما يلزمه مئونة وهو ما سقي بآلة ويرفع الماء إليه. وإن تمكن من سقيه سيحا وعدل فرارا كان فيه نصف العشر بإجماع العلماء ، لأن معاذا لما بعثه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى اليمن أمره أن يأخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر وما سقي بدالية نصف العشر (1). وقال الباقر علیه السلام : ما سقي بالرشاء والدوالي والنواضح فيه نصف العشر. وما سقت السماء أو كان بعلا ففيه العشر (2).

ولو اجتمع الأمران ، فإن تساويا كان في نصفه نصف العشر وفي نصفه ربع العشر ، فيكون في جميعه ثلاثة أرباع بإجماع علماء الإسلام. قال الصادق علیه السلام وقد سئل عن الأرض تسقي الدوالي ثم يزيد فتسقي سيحا؟ : نصف بنصف العشر ونصف بالعشر (3). ولأن كل واحد لو انفرد ، كان له قدر معين مغاير لصاحبه ، فإذا اجتمعا اقتضى كل واحد منهما حكمه ، ولأنه لا أولوية في ترجيح أحدهما.

ولو غلب أحدهما كان الاعتبار له ، فإن كان الغالب السيح وجب العشر في الجميع ، وإن كان بالآلة وجب نصف العشر في الجميع ، لقول الصادق علیه السلام : نصف العشر ، وقد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي ثم تزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا في ثلاثين ليلة أو أربعين وقد تمكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر أو سبعة أشهر (4).

فروع :

الأول : تقدير النصاب تحقيق لا تقريب ، لقوله علیه السلام : ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة (5). وقول الباقر علیه السلام : فإن كان من

ص: 348


1- جامع الأصول 5 - 333.
2- وسائل الشيعة 6 - 120 ح 5.
3- وسائل الشيعة 6 - 128 ح 1.
4- نفس المصدر.
5- جامع الأصول 5 - 318.

كل صنف خمسة أو ساق غير شي ء ، وإن قل فليس فيه شي ء (1). ولأن نصاب المواشي تحقيق فكذا هنا.

وهل الاعتبار الكيل أو الوزن؟ الأولى في الحنطة والشعير اعتبار الكيل ، وفي التمر والزبيب اعتبار الوزن. ويحتمل تقدير الجميع بالوزن ، لأنه الأصل في اعتبار المكيال.

الثاني : لا فرق بين ما نبتته الأرض المملوكة ، وبين ما نبتته الأرض المكتراة ، في وجوب العشر. ويجتمع على المستأجر العشر والأجرة ، كما لو استأجر حانوتا للتجارة ، فإن الأجرة لا تمنع زكاة التجارة.

ويجتمع أيضا عندنا العشر والخراج ، لأنها حقان وجبا بسببين مختلفين ، فلا يمنع أحدهما الآخر كالقيمة والجزاء في الصيد المملوك.

الثالث : النصاب يعتبر في ثمر النخل حالة الجفاف تمرا أو قسيا ، وفي ثمر الكرم الجفاف أيضا زبيبا وفي الحنطة والشعير التصفية من التبن والإخراج من السنابل والقشر الأعلى ، لقول الصادق علیه السلام : والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا (2).

ولا يشترط في الجفاف تناهيه إلى حد لا يقبل الزيادة ، بل أول مراتب ما يسمى تمرا أو زبيبا.

وتجب الزكاة عند بدو الصلاح ، وإنما يجب الإخراج بعد اقتطافها واخترامها وتصفيتها إجماعا.

الرابع : ما يسقى بالناعورة ، وهو ما يديره الماء بنفسه كالدواليب ، لأنه تسبيب إلى النزح وإنما يتم بالدلاء.

وأما القنوات والسواقي المحفورة من النهر العظيم إلى حيث يسوق الماء إليه فكالعذي ، لأن مئونة القنوات إنما تتحمل لإصلاح الضيعة والأنهار تشق

ص: 349


1- وسائل الشيعة 6 - 121 ح 8.
2- وسائل الشيعة 6 - 121 ح 7.

لإحياء الأرض ، فإذا تهيأت وصل الماء إلى الزرع بطبعه مرة بعد أخرى ، بخلاف السقي بالنواضح وشبهها ، فإن المئونة تتحمل لنفس الزرع.

الخامس : لو احتاج إلى شراء الماء ، فالواجب نصف العشر لما فيه من المئونة ، وكذا لو غصبه لأن عليه الضمان.

ولو وهب منه الماء ، احتمل إلحاقه بالمغصوب ، لما في قبوله الهبة من المنة العظيمة ، فصار كما لو علق ماشيته بعلف موهوب. وكذا لو وضع السلطان قطيعة على السقي.

السادس : يحتمل اعتبار الأغلبية وعدمها بعدد السقيات ، لأن المئونة تقل وتكثر بها. ويحتمل بمدة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا.

كما لو كانت المدة من يوم الزرع إلى الإدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سقيتين وفي شهرين من الصيف إلى ثلاث سقيات ، فسقي السقيتين بماء السماء والثلاث بالنضح ، فإن اعتبرنا العدد يجب نصف العشر ، لأن النضح أكثر. وإن اعتبرنا مدة العيش يجب العشر ، لأن مدة السقي بماء السماء أطول. ويحتمل عدم اعتبار المدة بل النفع والفائدة ، فقد تكون السقية الواحدة أنفع من عدد.

السابع : لو سقي بالناضح وماء السماء جميعا ، ولكن لم يعرف قدر كل واحد ، وجب ثلاثة أرباع العشر ، عملا بالاحتياط وأصالة الاستواء. ويحتمل نصف العشر ، عملا بأصالة البراءة ، فيجب المتيقن.

ولا فرق فيما ذكرنا بين أن ينشأ الزرع على اجتماع السقي بالناضح والسائح ، وبين أن يقصر أمره (1) على أحد السقيتين ثم يعرض الآخر.

الثامن : لو اختلف الساعي والمالك في أنه بما ذا سقي ، فالقول قول المالك ، لأصالة عدم وجوب الزيادة.

ص: 350


1- في « س » يقصد مرة.

التاسع : لو كان له زرعان ، يسقي أحدهما بماء السماء ، والآخر بماء الناضح ، ولم يبلغ واحد منهما نصابا ، ضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأخرج من كل صنف بقسطه.

العاشر : إنما تجب الزكاة بعد إخراج المؤن كلها ، من أجرة السقي والعمارة والحائط والمساعد في حصاد وجذاذ وتجفيف ثمرة وإصلاح موضع التشميس وغير ذلك والبذر ، لأن المئونة سبب زيادة المال ، فتجب على الجميع كالمال المشترك. ولأن في إلزام المالك بذلك حيفا وإضرارا به.

والخراج عن الأرض أو النخل يخرج وسطا ، ويؤدي زكاة ما بقي إذا بلغ النصاب ، وثمن الثمرة من المئونة ، فيخرج ثم يزكي الباقي ، أما عن أصل النخل فلا.

وحصة السلطان تخرج وسطا ، لقول الباقر علیه السلام : كل أرض دفعها إليك السلطان ، فعليك فيما أخرج اللّه منها ما قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر ، وإنما العشر عليك فيما تحصل في يدك بعد مقاسمته لك (1).

الحادي عشر : إذا أخرج الزكاة ، سقطت عنه بعد ذلك ، فلا تجب عليه في الحول الثاني في تلك الغلة ولا تكرر عليه وإن بقيت أحوالا ، لأنها أموال غير مرصدة للنماء في المستقبل ، بل هي إلى النقص أقرب ، والزكاة تجب في النامية ، إرفاقا بالمالك وتسهيلا عليه في الإخراج.

الثاني عشر : لا يجزي أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب ، لأنه أقل من الواجب ، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عند الجفاف ، لاشتغال الذمة به.

الثالث عشر : تضم الزروع المتباعدة والثمار المتفرقة في الحكم ، سواء اتفقت في الإيناع والإخراج ، أو اختلفت فيهما ، أو في أحدهما ، لأنه غلة عام

ص: 351


1- وسائل الشيعة 6 - 129 ح 1.

واحد فأخذ النصاب من الجميع. ولا فرق بين أن تطلع الثانية قبل جذاذ الأولى أو بعده ، ولا قبل بدو صلاح الأولى أو بعده.

ولو كان له نخل يطلع في السنة مرتين أو كرم ، احتمل ضم الثاني إلى الأولى مطلقا ، لأنها ثمرة عام واحد ، فأشبه حمل النخلتين المختلفين في الإيناع. وعدمه مطلقا ، لأن كل حمل كثمرة عام واحد ، والضم إن طلعت قبل الجذاذ وعدمه.

الرابع عشر : لا يضم شي ء من هذه الأجناس إلى غيره ، فالحنطة والشعير هنا جنسان وإن اتحدا في الربا على الأقوى ، لاندراجه تحت قوله علیه السلام : ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (1).

والعلس. قال الشيخ : إنه نوع من الحنطة. قال : إذا اجتمع عنده حنطة علس يضم إليها (2). وهي مما يدخر في قشره ، ويزعم أهله أنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة ، ويزعمون أنه يخرج على النصف ، (3) فيعتبر نصابه في قشره للضرر في إخراجه ، فإذا بلغ بقشره عشرة أوسق وجبت الزكاة ، لأن فيه خمسة أوسق.

ولو حصل الشك في بلوغه النصاب ، فلا وجوب ، لكن إن أخرج عشرة بقشره أو أخرجه بعد التقشير له ، قدر بخمسة أوسق كان أحوط.

وأما غيره من الحنطة فلا يجوز تقديره بقشره بل بعد التصفية ، حذرا من حيف الفقراء.

والسلت. قال الشيخ : إنه شعير فيه مثل ما فيه (4). وقيل : إنه يشبه الحنطة في اللون والنعومة والشعير في برودة الطبع. وقيل : بالعكس.

ص: 352


1- جامع الأصول 5 - 318.
2- المبسوط 1 - 217.
3- في « س » فيعين.
4- المبسوط 1 - 217.

وعلى كل تقدير فيحتمل ضمه إلى الحنطة باعتبار وإلى الشعير باعتبار ، أو لا يجب فيه شي ء البتة ، وهو الأقوى. لانفراده عنهما بالاسم والصفة ، واكتسب من تركب الشبهين طبعا ينفرد به ، فصار أصلا برأسه.

ولا خلاف في أنه يضم أصناف النوع الواحد بعضها إلى بعض ، كالحنطة الجيدة والردية ، وفي الإخراج إن أخرج الأجود فهو أفضل ، وإن ماكس فالتقسيط. وقول الصادق علیه السلام : ويترك (1) معى فأرة وأم جعرور لا يزكيان (2).

إشارة إلى أنه لا يؤدى الزكاة منهما.

ولو انفرد هذين الجنسين ، وجب فيه الزكاة وأجزأه الإخراج منه.

الخامس عشر : إذا مات وعليه دين مستوعب وله ثمرة بدا صلاحها بعد موته قبل القضاء ، احتمل سقوط الزكاة ، لأنهما في حكم مال الميت وملك الورثة غير مستقر في الحال ، وإنما يستقر بعد قضاء الدين من غيره.

والوجه عندي الوجوب إن كانوا موسرين ، لأنها ملكهم ما لم تبع في الدين ، ولهذا كان لهم التصرف فيها وقضاء الدين من موضع آخر ، وإنما لرب الدين التعلق بالتركة وطلب الحق منه ، فتكون الرقبة لهم كالمرهون والجاني وقيمتهما للمالك ، فإذا ملكوها وهم من أهل الزكاة وجبت عليهم. وإن كانوا معسرين فلا زكاة ، لأنهم في حكم المحجور عليهم ، إذ ليس لهم التصرف إلا بعد قضاء الدين من غير النصاب وهم عاجزون عنه.

وإنما تجب الزكاة عليهم لو بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب ، فإن قصر لم تجب الزكاة وإن بلغ المجموع ، لأنا لا نوجب الزكاة على الخلطة لم تقدم.

ولو قصر نصيب أحدهم دون غيره ، وجب على من لم يقصر نصيبه عن النصاب.

ص: 353


1- إلى هنا تم نسخه « س ».
2- وسائل الشيعة 6 - 120 ح 3.

ولو بدا الصلاح في حياته ، وجبت الزكاة وأخرجت من الأصل قبل الدين ، لتعلقه بالذمة وتعلقها بالعين.

ولو أطلع بعد موته ، فالنماء للورثة ، ولا يصرف إلى دين الغرماء إلا إذا قلنا الدين يمنع الميراث ، فحكمها حكم ما لو وجد قبل موته.

فائدة: ( تتعلق بالخرص )
اشارة

روي أن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم. وبعث علیه السلام عبد اللّه بن رواحة يخرص على يهود نخلهم حين تطيب الثمار (1).

وهو مشروع مستحب ، وليس واجبا إجماعا. وليس تخمينا بل هو اجتهاد في معرفة الثمرة وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير ، فهو كتقويم المتلفات.

ووقته : حين بدو صلاح الثمرة ، اقتداء بفعله علیه السلام حيث كان يبعث من يخرص النخل حين يطيب. ولأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة.

ولأن الفائدة من الخرص معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها ، والحاجة إنما تدعو إلى ذلك حين يبدو الصلاح وتجب الزكاة فيه.

ولا يفيد التضمين ولا يصير حق المساكين بخرصانه في ذمة رب المال ، بل يبقى على ما كان ، ويفيد معرفة المقدار ، ولا يؤثر في نقل الحق إلى ذمته.

ويكفي الخارص الواحد ، لأنه علیه السلام اكتفى به ، ولأنه مجتهد يعمل على اجتهاده ، فكان كالحاكم. ولا فرق في الاكتفاء به بين أن يكون الخرص على صبي أو مجنون أو غائب أو على أضدادهم.

ص: 354


1- سنن ابن ماجة 1 - 582.

ويشترط فيه الإسلام والعدالة والعلم بالخرص حتى تنتفي التهمة ويغلب على الظن صدقه.

والأقرب اشتراط الذكورة والحرية ، لأنه نوع حكم.

وكيفية الخرص : أن يطيف بكل نخلة أو شجرة وينظر كم عليها من رطب أو عنب ، ثم إن كانت الثمرة من نوع واحد نظر كم الجميع عنبا أو رطبا ، ثم قدر ما يجي ء منه تمرا أو زبيبا.

وإن كانت أنواعا خرص كل نوع بانفراده ، لاختلافها فمنها كثير الرطب قليل التمر وبالعكس ، وكذا العنب. ولأنه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوع لإخراج عشره.

فإذا خرص عرف المالك قدر ما تجب فيه من الزكاة. ثم خيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل وغيره ، وبين حفظها إلى وقت الجذاذ والجفاف ، وبين تضمين الساعي حصة المالك.

فإن اختاروا الحفظ وأبوا الضمان ، كان أمانة في أيديهم ، ولم يجز لهم التصرف بالأكل والبيع والهبة ، لأن فيها حق للمساكين. فإن تلفت بغير تفريط إما بآفة سماوية أو أرضية ، أو ظلم ظالم أو غصب غاصب ، سقط ضمان الحصة ، لأنها أمانة فلا تضمن بالخرص.

ولو تلف البعض ، لزمه زكاة الموجود خاصة وإن نقص عن النصاب ، لأن الإمكان شرط الضمان لا الوجوب.

ولو أتلفها المالك أو تلفت بتفريط ضمن. وأما المضمون يحتمل المثل كالأجنبي ، ونصيب الفقراء بالخرص ، لأن عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي.

ولو ادعى تلفها بغير تفريط ، صدق بغير يمين.

ولو حفظها إلى وقت الإخراج ، فعليه زكاة الموجود لا غير ، سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة ، وسواء كانت أكثر مما أخرصه الخارص أو

ص: 355

أقل ، لأنها أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة ، بخلاف ما لو تلفت بتفريط ، فإنه يرجع إلى الخرص ، لأنه تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها والظاهر إصابة الخارص.

ولو ادعى المالك غلط الخارص بالمحتمل ، صدق بغير يمين ، بخلاف ما لو ادعى غيره كالنصف ونحوه ، ولأنه يعلم كذبه.

ولو قال : لم يحصل في يدي غير كذا ، قبل قوله من غير يمين ، لأنه قد يتلف بعضها بآفة لا يعلمها.

ولو زاد الخرص ، فالأقرب وجوب الزكاة في الزيادة ، ولو نقص لم يكن عليه ، لأنها أمانة فلا تضمن كالوديعة.

ولا يستظهر الخارص في الاستقصاء على المالك ، بل يخفف ما يكون به المالك مستظهرا ، وما يجعل للمارة بحسب ما يراه الخارص ، أو ما يأكل منه بالمعروف ، أو يطعم جاره ، أو صديقه.

وإذا خرص وامتنعوا من الضمان ، فقد قلنا إنهم يمنعون من الأكل والتصرف وتبقى أمانة في أيديهم. والظاهر أن المنع إنما هو في عشر المساكين لا في تسعة أعشار المالك. وقبل الخرص لا يجوز التصرف في الجميع.

ولو ادعى المالك هلاك الثمرة المخروصة عليه ، أو هلاك بعضها بسبب يكذبه الحس فيه ، كما لو ادعى حريق البستان ، ويعلم أنه لم يقع فيه حريق ، لم يلتفت إليه. فإن ادعى شيئا خفيا - كالسرقة - قبل قوله من غير يمين.

ولو ادعى سببا ظاهرا. كالنهيب والبرد - قبل قوله من غير يمين أيضا ، سواء عرف وقوع هذا السبب وعموم إثارة أو جهل ، وسواء أمكنه إقامة البينة عليه أو لا ، لأن تكليف الإحلاف إضرار ينافي المواساة ، وسواء كان ثقة أو لا مؤتمن شرعا. وكذا يقبل قوله في دعوى الهلاك من غير استناد إلى سبب من غير يمين.

ولو ادعى أن الخارص تعمد الإجحاف عليه في الخرص ، لم يلتفت إليه ،

ص: 356

كما لو ادعى الميل على الحاكم والكذب على الشاهد. نعم لو أقام البينة بذلك ، قبل.

ولو ادعى الغلط ولم يبين المقدار ، لم يلتفت إليه.

ولو ادعى بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص بقدر ما يقع بين المكيلين ، احتمل الحط ، لأن الكيل تحقيق والخرص تخمين ، والإحالة على الأول أولى ، وعدمه لاحتمال وقوع النقصان في الكيل فلعله يفي لوكيل ثانيا.

ويجوز تجفيف الثمرة بعد الخرص مع الحاجة ، دفعا للمشقة ، فيسقط بحسابه من الزكاة ، وكذا قبله مستقلا من دون إذن الإمام أو الساعي.

ولو كان قبل بدو الصلاة ، جاز تجفيفه وقطعه أصلا ، لما يراه من مصلحة نفسه وأصول نخله.

ويجوز قسمة الثمرة قبل قطعها وإن كانت رطبا ، لأن القسمة تمييز حق وأفراده وليس بيعا. ولو كانت بيعا جاز أيضا ، لجواز بيع الرطب بمثله عندنا ، فيخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات بأعيانها. ويجوز للخارص بيع نصب المساكين من المالك وغيره.

ويجوز للمالك تقويم نصيب الفقراء من غير مراجعة الساعي ، لأن له إخراج القيمة.

ويجوز لرب المال قطع الثمرة وإن لم يستأذن الخارص ، سواء ضمن أو لا. ومنع الشيخ رحمه اللّه مع عدم الضمان ، من حيث إنه تصرف في مال الغير فيقف على الإذن. وليس بجيد ، لأن المالك أمين على الحفظ ، فله التصرف بما يراه مصلحة.

ولو أخذ الساعي الرطب عن التمر ، فإن ساواه قيمة ودفعه على أنه قيمة جاز ، وإلا اعتبر عند جفافه ، فإن كان بقدر الواجب أجزأ ، وإلا أخذ النقصان ورد الفاضل.

ولو دفع المالك عن التمر رطبا بالقيمة ، جاز وإلا فلا ، وإن كان لو جف

ص: 357

ساواه ، لأنه غير الواجب.

ولا يجزي الخرص في غير النخل والكرم من الغلاة ، اقتصارا بالتخمين على مورده ، ولأن الزرع مستتر ، بخلاف ثمر النخل والكرم فالخرص فيه أقرب إلى الإصابة ، ولأن الحاجة تدعو إلى تناول الرطب والعنب قبل صيرورته تمرا وزبيبا ، بخلاف الزرع.

خاتمة :

تشتمل على مسائل :

الأول : قد بينا أن وقت الوجوب في الثمرة بدو الصلاح ، وهو الزهر ، ولذلك كان علیه السلام يبعث الخارص ليخرص ، ولو سبق الوجوب عليه لبعثه قبل ذلك ، ولو تأخر عنه لتأخر بعثه له إلى ذلك الوقت.

وفي الحبوب اشتدادها ، لأنها حينئذ تصير طعاما ، كما أن عمل النخل والكرم بعد بدو الصلاح ثمرة كاملة.

فلو اشترى نخلا مثمرا بشرط الخيار قبل بدو الصلاح ، فبدا في زمان الخيار ، فعلى ما نذهب إليه من الانتقال إلى المشتري بالعقد ، تكون الزكاة عليه وإن فسخ البيع. وعلى ما اختاره الشيخ في بعض أقواله من البقاء على ملك البائع ، تكون الزكاة عليه وإن أمضى البيع.

ولو كان المشتري ذميا ، فلا زكاة على المسلم ، لأن الثمرة لم تكن في ملكه وقت الوجوب ، والذمي لا يصح منه إخراجها (1) ، ولو عادت إلى ملك المسلم بعد بدو الصلاح ببيع مستأنف أو هبة أو تقايل أو رد بعيب ، فلا زكاة أيضا ، لأنها لم تكن في ملكه حين الوجوب. والبيع من المكاتب كالبيع من الذمي.

الثاني : لو باع النخل من مسلم قبل بدو الصلاح فبدا الصلاح في ملك المشتري ثم وجد بها عيبا ، فليس له الرد إلا بعد رضا البائع ، لتعلق حق

ص: 358


1- في « ر » أما لو.

الزكاة بها ، فكان العيب حدث في يده.

فإن أخرج المشتري الزكاة من غير العين ، احتمل ذلك أيضا ، لأن المؤدي عن الزكاة قد يخرج مستحقا فيتبع الساعي عين النصاب. والرد ، الزوال المانع وهو استحقاق الفقراء.

الثالث : لو باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح فقولان ، الأقوى الصحة.

وقيل : البطلان إلا مع شرط القطع ، فإن شرطه ولم يتفق حتى بدا صلاحها وجب العشر. فإن رضيا بإبقائها إلى أوان الجذاذ ، جاز والعشر (1) على المشتري.

وإن لم يرضيا بالإبقاء ، لم يقطع الثمرة ، لأن فيه إضرارا بالمساكين ، ثم يحتمل فسخ البيع ، لتعذر إمضائه ، فإن البائع يبغي القطع لشرطه وهو ممتنع ، وعدمه وهو الأقوى ، لأنه عيب حدث بعد القطع ، فلا يؤثر فيه الفسخ ، لكن إن لم يرض البائع بالإبقاء انفسخ البيع.

وإن رضي بالإبقاء ولم يرض المشتري ، لم ينفسخ ، لأن البائع زاده خيرا ، والقطع إنما كان لحقه بحيث لا تمص الثمرة ماء النخل. فإذا رضي ، تركت النمرة بحالها.

ولو رضي البائع بالإبقاء ، كان له الرجوع متى شاء ، لأنه إعارة.

وإذا انفسخ البيع حيث سوغناه ، فالزكاة على المشتري ، وإن كان الفسخ لشرط القطع المستند إلى أصل العقد ، لأن بدو الصلاح كان في ملكه ، فأشبه ما لو فسخ بعيب ، فإن أخذ الساعي من العين ، رجع البائع على المشتري.

الرابع : من الرطب ما لا يصير تمرا ، وكذا من العنب ما لا يصير زبيبا ، ويجب فيهما عشر العين ، أو نصف العشر رطبا أو عنبا ، ولا يوجب عليه ضمان تمر منهما أو من غيرهما ، لكن في اعتبار قدر النصاب منه إشكال ، أقربه اعتبار الخرص لو جف ، ويؤخذ منه بالتقريب ، ويحتمل البناء على القطع ، فلا يحكم بالوجوب إلا مع علم بلوغ النصاب لو جف.

ص: 359


1- في « ر » والأجرة.

ص: 360

الفصل الرابع: ( في ما يستحب فيه الزكاة )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( مال التجارة )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في استحبابها )

الذي عليه أكثر علمائنا استحباب الزكاة فيها ، وقال شاذ منهم بالوجوب. والوجه الأول ، للأصل ، ولقول الصادق علیه السلام : ليس في المال المضطرب به زكاة (1).

وقال الباقر علیه السلام : يا زرارة أن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال عثمان : كل مال من ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما اتجر

ص: 361


1- وسائل الشيعة 6 - 49 ح 5.

به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة ، إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، واختصما في ذلك إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : القول ما قال أبو ذر (1).

البحث الثاني: ( الماهية )

مال التجارة المال المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملك ، فلا يكفي مجرد نية التجارة في جعل المال لها ، فلو كان له عروض قنية ملكها بشراء وغيره ، ثم جعلها للتجارة ، لم يصر مال تجارة ، ولم ينعقد الحول عليه ، لأن ما لا يثبت له حكم الحول بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية ، كما لو نوى بالمعلوفة السوم.

ولأن التجارة اسم للعقود ، فالمال المضاف إليها يختص بها ، بخلاف مال التجارة ، فإنه يخرج عنها بمجرد نية القنية ، لأنه ليس الاقتناء إلا الحبس والإمساك للانتفاع. فإذا أمسك ونوى الاقتناء ، فقد قرن النية بصورة الاقتناء ، ولم يجردها فثبت الاقتناء.

ولأن الأصل في العروض الاقتناء والتجارة عارضة ، فإذا وجد مجرد النية عاد حكم الأصل. وإذا ثبت حكم الأصل ، لم يزل بمجرد النية ، كالمسافر يصير مقيما بالنية ، بخلاف العكس.

وإذا اقترنت نية التجارة بالشراء ، كان الشراء للتجارة ودخل في الحول ، لانضمام قصد التجارة إلى فعلها ، كالمسافر إذا نوى السفر وسار ، فإنه يصير مسافرا ، ولا فرق بين أن يكون الشراء بنقد أو عرض أو دين ، ولا بين أن يكون حالا أو مؤجلا. وإذا ثبت حكم التجارة ، لم يفتقر لكل معاملة إلى نية جديدة.

ولا فرق بين البيع وغيره ، فلو صالح على دين له في ذمة إنسان ، أو عين

ص: 362


1- وسائل الشيعة 6 - 48 ح 1.

في يده على عرض نيته التجارة ، صار للتجارة ، سواء كان الدين قرضا ، أو ثمن مبيع ، أو ضمان ، أو إتلاف.

وكذا لو اتهب بشرط الثواب ونوى التجارة ، أما الاتهاب لا بشرط الثواب والاحتشاش والاحتطاب والاغتنام والإرث ، فلا يعد من أسباب التجارة ، ولا أثر لاقتران النية بها.

وكذا الرد بالعيب والاسترجاع به ، فلو باع عرضا للقنية بعرض للقنية ثم وجد بما أخذ عيبا فرده واسترد الأول على قصد التجارة ، أو وجد صاحبه بما أخذه عيبا فرده فقصد المردود عليه بأخذه التجارة ، لم يصر مال تجارة.

ولو كان عنده ثوب للقنية فاشترى به عبدا للتجارة ، ثم رد عليه الثوب بعيب ، انقطع حول التجارة ، ولم يكن الثوب المردود مال تجارة ، لأن الثوب لم يكن عنده على حكم التجارة حتى يقال ينقطع البيع ويعود إلى ما كان قبله ، بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا ، فإنه يبقى على حكم التجارة.

ولو تقايل التاجران ما تبايعاه ، استمر حكم التجارة في المالين.

ولو كان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنية ، فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد حكم التجارة في الثوب ، لانقطاع حول التجارة بقصد القنية ، والرد والاسترداد بعد ذلك ليسا من التجارة في شي ء ، فصار كما لو قصد القنية بمال التجارة الذي عنده ، ثم نوى جعله للتجارة ثانيا ، لا يؤثر حتى يقترن النية بتجارة متجددة.

ولو خالع امرأته وقصد التجارة في عوض الخلع ، أو زوج السيد أمته ، أو تزوجت الحرة ونويا التجارة في الصداق ، فالأقوى أنه لا يكون مال تجارة ، لأن الخلع والنكاح ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ، ولأن المملوك بهما ليس مملوكا بعين مال. ويحتمل أن يكون مال تجارة ، لأنه مال ملكه بمعاوضة.

وكذا الاحتمال في المال المصالح عليه عن الدم ، والموجر نفسه وماله إذا نوى بهما التجارة ، وفيما إذا كان تصرفه في المنافع ، بأن كان يستأجر المستقلات

ص: 363

ويؤاجرها على قصد التجارة ، والأقوى في ذلك كله أنه لا يكون مال تجارة لما تقدم ، ولقول الصادق علیه السلام : إن أمسك التماس الفضل على رأس ماله فعليه الزكاة (1). وهو يدل على اعتبار رأس المال فيه.

البحث الثالث: ( في الشرائط )

وهي ثلاث :

الأول : يشترط فيه الحول إجماعا ، لقوله صلی اللّه علیه و آله : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (2). وقال الصادق علیه السلام لمحمد بن مسلم وقد سأله عن الرجل يوضع عنده الأموال يعمل بها إذا حال عليه الحول فليزكها (3).

وابتداء الحول من حين صيرورة المال للتجارة ، فلو اشترى سلعة للتجارة بسلعة للقنية ، جرت في الحول من حين ابتياعها.

ولا يشترط حولان : حول على مال بعينه ، بل يشترط بقاء النصاب طول الحول وإن تغايرت أشخاصه.

فلو اشترى بنصاب سلعة للتجارة ، ثم باعها في أثناء الحول بنقد أو عرض للتجارة أيضا ، ثم اشترى بالثانية ثالثة ، وهكذا طول الحول ، تعلقت الزكاة به وجوبا عند قوم واستحبابا عند آخرين. ولا أثر للمبادلة في أموال التجارة.

الثاني : بلوغ قيمة المال نصابا بالإجماع ، ويشترط بقاؤه طول الحول كالمواشي ، فلو نقصت القيمة عن النصاب في لحظة انقطع الحول ، فإن كمل بعد ذلك إما بارتفاع السوق أو بضم سلعة للتجارة ، استأنف الحول حينئذ.

ص: 364


1- وسائل الشيعة 6 - 46 ح 4.
2- جامع الأصول 5 - 315.
3- وسائل الشيعة 6 - 46 ح 3.

ولو اشترى بدون النصاب مال تجارة ، لم ينعقد الحول حتى يرتفع السوق إلى أن يبلغ القيمة نصابا فيبتدئ حينئذ الحول ، أو يشتري للتجارة بشي ء آخر ما يكمل به النصاب.

ولو باع سلعة للتجارة في أثناء الحول بأخرى لها ، وقيمة كل واحدة نصاب ، بنى حول الثانية على الأولى ولا أثر للمبادلة في أموال التجارة ، إذ الزكاة تتعلق بالنصاب الكلي لا بجزئياته.

ولو باعها في أثناء الحول بالنقد وهو ناقص عن النصاب ، ثم اشترى به سلعة بلغت القيمة نصابا ، تعلقت بها الزكاة من حين البلوغ.

ولو تغابن معه البائع بما يبلغها نصابا ، تعلقت بها الزكاة أيضا ، ولا أثر للنقص الحسي (1) في الثمن ، لانتقال الحكم إلى القيمة.

الثالث : أن يطلب برأس المال ، أو الزيادة على معنى أنه يشترط وجود رأس المال طول الحول ، فلو نقص رأس المال ولو حبة في أثناء الحول فلا زكاة ، وإن زادت القيمة على النصاب أضعافا مضاعفة إجماعا منا ، لأن وضع الزكاة للإرفاق والمواساة ، فلا يكون سببا في إضرار المالك ، ولقول الصادق علیه السلام : إن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله ، فليس عليه زكاة ، وإن حبس بعد ما وجد رأس ماله ، فعليه الزكاة بعد ما أمسكه (2).

البحث الرابع: ( في اللواحق )

وهي ثمانية عشر :

الأول : زكاة التجارة تتعلق بالقيمة دون العين ، لأن النصاب معتبر بالقيمة ، فتعلقت الزكاة بها ، ولقول الصادق علیه السلام : كل عرض فهو

ص: 365


1- في « ر » الخفي.
2- وسائل الشيعة 6 - 46 ح 3.

مردود إلى الدراهم والدنانير (1). ولو أخرج من العين ، جاز.

الثاني : القدر المخرج هنا هو ربع العشر ، لأنه الواجب في أحد النقدين ، والتقدير أن الزكاة هنا متعلقة به.

الثالث : لو بلغت السلعة بأحد النقدين نصابا وقصرت بالآخر ، تعلقت بها الزكاة ، لوجود الشرط وهو بلوغ النصاب ، كما لو كان عينا.

الرابع : لو اشترى سلعة التجارة بنصاب ، فإن كان بأحد النقدين بنى حول السلعة على حول النصاب إن كان ثمن مال التجارة ، لما تقدم من أن المعتبر جنس المال وصدق اسم التجارة عليه دون أشخاصه. ولو لم يكن ثمن مال التجارة ، لم يبن ، سواء اشترى بالعين أو في الذمة ونقد ، لأنه لم يكمل حول زكاة المال عليه.

[ ولا تجب زكاة المال وليس مال تجارة (2). ]

لأنه التقدير ، فلا يبنى الحول عليه ، لتغاير الزكاتين.

وإن كان بعروض ، فإن كانت مال تجارة بنى الحول عليها وإلا فلا ، سواء كانت مما تجب فيه الزكاة كالأنعام أو لا ، كالثياب وشبهها.

الخامس : لو اشترى مائتي قفيز كل قفيز بدرهم ، وحال الحول على هذه القيمة ، ثم نقصت قيمتها قبل إمكان الأداء ، فصارت على النصف الناقص مثلا ، لم يضمن الناقص ، لعدم تفريطه كما في الواجب ، ولزمه أقفزة أو درهمان ونصف قيمتها.

ولو زادت فصارت على الضعف ، كان بالخيار في إعطاء خمسة دراهم أو قيمتها قفيزين ونصف ، لأن الدراهم هي القدر الواجب عند الحول والبدل يراعى قيمته وقت العطاء.

السادس : زكاة التجارة تتكرر في كل عام مع وجود الشرائط ، لوجود

ص: 366


1- الخلاف 1 - 346 المسألة 111.
2- الزيادة من « ر ».

المقتضي ، وحكى الشيخ خلافا أنها لعام واحد.

السابع : لا يضم الربح لو حصل في أثناء الحول إلى الأصل ، بل إذا كمل حول الأصل زكاه ، وإذا كمل حول الربح زكاه إن كان نصابا ، سواء نض المال أو لا ، وسواء أمسك الناض إلى تمام الحول أو لا.

ولو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم ، فصارت قيمته في أثناء الحول ثلاثمائة ، زكى المائتين عند انتهاء حولها خاصة ، لعدم وجود الشرط في الفائدة وهو الحول. أما لو ارتفعت بعد الحول ، فالربح مضموم إلى الأصل في الحول الثاني كالنتاج.

ولو اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه في أثناء الحول بثلاثمائة ، وتم الحول وهي في يده ، زكى المائتين خاصة. أما لو كان الربح موجودا وقت الشراء ، فإنه يضم إلى الأصل ، كما لو اشترى سلعة بألف وهي تساوي ألفين ، فإن الحول ينعقد على الألفين معا.

الثامن : قد بينا أن الربح الحاصل في أثناء الحول يفرد بحول نفسه ، ولا يتبع الأصل في حوله ، ومبدأ حوله من حين الظهور (1) أو الإنضاض.

فلو اشترى سلعة بمائتين فصارت تساوي أربعمائة في أثناء الحول ، ابتدأ حول الزيادة من حين ظهورها وإن لم يبع السلعة ، لأن الربح لم يحصل بالبيع ، إنما حصل بارتفاع قيمة السلعة وإن كانت متوهمة. نعم يشترط حفظها طول الحول.

التاسع : قد بينا أنه يشترط أن لا يطلب بأقل من رأس المال في أثناء الحول ، بل يبقى رأس المال محفوظا ، فلو نقص في الأثناء سقط اعتبار الحول ، فإن عادت إلى رأس المال ، ابتدئ الحول حينئذ ، لأنها كالزيادة.

ولو اشترى سلعة بمائتين ، ثم بلغت في الأثناء إلى خمسمائة ، ثم رجعت إلى أربعمائة ، اعتبر حول المائتين التي هي الأصل من حين الشراء وحول الزيادة

ص: 367


1- في « ر » لا ، ولعله الصحيح.

التي هي المائتين من حين ظهورها ، ولا اعتبار بالنقص المتجدد ، لعدم تطرقه إليها.

ولو اشترى عرضا بمائة درهم فباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم ، وبقيت عنده إلى آخر الحول من يوم الشراء ، فلا زكاة حتى يكمل الحول في الربح والأصل معا.

العاشر : لو ملك عشرين دينارا ، فاشترى بها عرضا للتجارة ، ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعين دينارا واشترى بها سعلة أخرى ، ثم باعها بعد تمام الحول بمائة ، زكى العشرين بعد تمام الحول.

وابتداء الحول للعشرين الزائدة من حين البيع الأول ، وحول كمال المائة وهو المسنون من حين البيع الثاني يضم إلى العشرين الأولى ، فإذا مضت ستة أشهر من حين البيع الثاني ، زكى العشرين الزائدة على رأس المال ، فإذا مضى ستة أشهر أخرى ، زكى الثمانين.

وكذا الحكم لو لم يبع السلعة الثانية ، لأنا نشترط الظهور لا الإنضاض.

الحادي عشر : لو ملك سلعا في أزمنة متعاقبة ، وقيمة كل واحدة نصاب ، زكى كل سلعة عند تمام حولها.

ولو كانت الأولى نصابا وليس الباقي كذلك ، فكل ما حال عليه الحول يضم إلى الأولى ويزكي ، كالمال الواحد من كل أربعين درهما درهم.

ولو كان الأول دون النصاب والثاني نصاب ، جريا في الحول عند بلوغ النصاب ، ووجبت الزكاة عند انتهاء حول الثانية.

الثاني عشر : مال التجارة إذا كان حيوانا لا تجب فيه الزكاة ، كالخيل والجواري ومعلوفة الأنعام فنتج ، احتمل أن لا يكون الولد مال تجارة ، لأن النماء الذي تفيده العين لا يناسب الاستنماء بطريق التجارة ، فلا يجعل مال تجارة.

وإن يكون ، لأن الولد كالجزء من الأم فله حكمها ، وزوائد مال التجارة

ص: 368

من فوائد التجارة عند أهلها ، والتفصيل. فإن نوى عند شراء الأصل التكسب به وبنتاجه تبعه وإلا فلا.

وكذا الأشجار المثمرة والصوف واللبن.

ولو نقصت الأم بالولادة. فإن قلنا بتبعية الولد ، جبر نقصانها بقيمته ، وإلا فلا ، لأنه كالمستفاد بسبب غير التجارة.

وإذا جعلنا الولد والثمرة مال تجارة ، لم يتبع الأصول في الحول ، بل لها حول بانفراده من حين ظهورها.

الثالث عشر : يقوم السلعة عند كمال الحول بالثمن الذي اشتريت به ، سواء كان نصابا أو أقل ، ولا يقوم بنقد البلد ، لأن نصاب العرض مبني على ما اشتري به ، فيجب اعتباره. ولقول الصادق علیه السلام : إن طلب برأس ماله فصاعدا ففيه الزكاة ، وإن طلب بالخسران فلا زكاة فيه (1). وهذا لا يعرف إلا مع التقويم بما اشترى به.

إذا عرفت هذا فنقول : مال التجارة إما أن يملكه بنقد أو عرض أو بهما ، والأول إما أن يملكه بأحدهما أو بهما ، فالأقسام أربعة :

أحدها : أن يملكه (2) بأحدهما ، فإن كان نصابا كما لو اشترى بمائتي درهم أو عشرين دينارا ، فإنه يقوم في آخر الحول بذلك ، لأن الحول مبني عليه والزكاة متعلقة به ، وإن كان الآخر غالب نقد (3) البلد.

ولو قوم به لبلغ نصابا حتى لو اشترى بمائتي درهم عرضا وباعه بعشرين دينارا بقصد التجارة. فتم الحول والدنانير في يده لا تبلغ قيمتها مائتي درهم ، فلا زكاة فيها. وإن كان دون النصاب قوم به أيضا لا بنقد البلد ، لأنه أصل ما في يده وأقرب إليه من نقد البلد.

ص: 369


1- لم أعثر عليه في مظانه.
2- في « ق » يكون.
3- في « ق » بنقد.

ثانيها : أن يملكه بالنقدين معا ، فإن كان كل منهما نصابا قومت بهما على نسبة التقسيط يوم الملك ، بأن يقوم أحد النقدين بالآخر يومئذ ، كما لو اشتراه بمائتي درهم وعشرين دينارا ، فإن كانت قيمة المائتين عشرين فنصفه مشترى بالدراهم ونصفه بالدنانير.

وإن كانت قيمتها عشرة ، فالثلث بالدراهم والثلثان بالدنانير وهكذا ، فيقوم آخر الحول كذلك ، ولا يضم أحدهما إلى الآخر حتى لا تثبت الزكاة ، إذا لم تبلغ واحد منهما نصابا.

وإن كان بحيث لو قوم الجميع بأحد النقدين لبلغ نصابا ، وحول كل واحد من المبلغين من يوم ملك ذلك النقد للتجارة. ويحتمل الضم إن كان النقدان مال تجارة. وإن كان أحدهما نصابا خاصة ، قوم ما ملكه بالنقد الذي هو نصاب بذلك النقد وما ملكه بالثاني على ما تقدم.

ثالثها : أن يملكه بعوض للقنية ، فيقوم في آخر الحول بغالب نقد البلد من الدنانير والدراهم ، فإن بلغ به نصابا أخرج زكاته وإلا فلا. ويحتمل أنه لو بلغ بغيره نصابا ، أخرج زكاته.

ولو تعدد النقد ، قوم بالأغلب ، فإن تساويا ، تخير المالك. ويستحب له مراعاة الأغبط للمساكين.

ولا بد من ضبط قيمة الثمن ، فلو اشترى بكر حنطة جارية للتجارة فحال الحول ، فإن كانت القيمتان محفوظتين وبلغت الأولى نصابا ثبتت الزكاة. وكذا لو زادتا ، أو زادت قيمة الجارية.

ولو نقصت قيمة الجارية وقيمة الكر محفوظة ولا محاباة فيهما ، فلا زكاة ، لتحقق الخسران.

ولو زادت حينئذ قيمة الجارية بما ينجبر به نقص الكر ، ثبتت الزكاة ، لانتفاء الخسران حينئذ.

ولو نقصت قيمة الكر وقيمة الجارية محفوظة ، ثبتت الزكاة ، وكذا لو

ص: 370

زادت. ولو نقصت فلا زكاة ، وإن ساوت الجارية الكر ، أو زادت عليه على إشكال.

رابعها : أن يملك بالنقد وغيره ، كما لو اشترى بمائتي درهم وعرض قنية ، فما يقابل الدراهم يقوم بها ، وما يقوم بالعرض يقوم بنقد البلد ، وكما يثبت التقسيط عند اختلاف الجنسين ، تثبت عند اختلاف الصفة ، كما لو كان بعض الدنانير صحاحا وبعضها مكسرة وبينهما تفاوت.

الرابع عشر : لا يمنع التاجر بعد حولان الحول من بيع مال التجارة ، سواء منعنا في زكاة المال البيع أو لا ، لأن متعلق هذه الزكاة المالية والقيمة ، وهي لا تفوت بالبيع.

ولا فرق بين أن يبيع على قصد التجارة ، أو على قصد اقتناء العرض ، فإن تعلق الزكاة به ، لا تبطل وإن صار مال قنية ، كما لو نوى الاقتناء من غير بيع.

أما لو أعتق عند التجارة أو وهبه ، فحكمه حكم ما لو باع المواشي بعد وجوب الزكاة فيها ، لأن العتق والهبة تبطلان متعلق زكاة التجارة ، كما تبطل البيع متعلق زكاة العين.

ولو باع مال التجارة محاباة ، فقدر المحاباة كالموهوب ، والباقي إن رضي به المشتري ، ضمن البائع زكاته ، وإلا فهو كما لو لم يبع.

الخامس عشر : لا تجمع زكاة العين والتجارة في مال واحد إجماعا ، ولقوله علیه السلام : لا ثني في الصدقة (1).

ولو ملك أربعين شاة للتجارة وسامت حولا وقيمتها نصاب ، سقطت زكاة التجارة ، إما لاستحبابها ، أو للخلاف في وجوبها ، وبقيت زكاة العين ، للإجماع على وجوبها ، فهي أقوى ، ولاختصاص وجوبها بالعين.

ولو بادل بها في أثناء الحول بجنسها أو بغير جنسها مما تجب فيه الزكاة ،

ص: 371


1- نهاية ابن الأثير 1 - 224.

فإن بنينا حول البدل على حول المبدل فكذلك ، وإلا تعلقت بها زكاة التجارة ، لانتفاء المسقط وهو وجوب زكاة العين. وكذا يثبت لو بادل بما لا تجب فيه الزكاة. ولا اعتبار فيما إذا وجبت زكاة العين بالقيمة ، زادت أو نقصت عن الشاة المأخوذة.

وإذا أثبتنا زكاة التجارة مع التبادل وهو الأقوى ، قومت مع ذرها ونسلها وصوفها وما اتخذ من لبنها.

ولو لم يكمل نصاب أحدهما ، ثبتت الأخرى ، فلو ملك أربعين من الغنم السائمة للتجارة ، ولم تبلغ قيمتها نصابا ، أو طلب بنقصان من رأس المال ، ثبتت زكاة العين قطعا.

ولو اشترى أربعين فنقص العدد وقيمة الباقي نصاب ولا خسران ، ثبتت زكاة التجارة لعدم المزاحم ، ويبني حول إحدى الزكاتين على الأخرى ، لوجود المقتضي وهو حولان الحول في الملك.

أما لو اشترى نصابا من السائمة لا للتجارة ، ثم اشترى سلعة للتجارة في أثناء الحول ، لم يبن حول السلعة على حول الماشية.

ولو اشترى بمتاع تجارة أو بمعلوفة لها بعد ستة أشهر نصابا من السائمة ، أو أسام بعد ستة أشهر ، قدمت زكاة التجارة عند كمال حولها ، ومنع المتقدم المتأخر ، لكمال حولها وخلوها عن المزاحم ، فإذا كملت زكاة العين حولها ، لم يجب شي ء.

ولو فرض ربع عشر القيمة نصف شاة من أربعين ، لم تجب بعد كمال حول زكاة العين شي ء أيضا على إشكال ، ثم يبتدئ حول زكاة العين من انقراض حول زكاة التجارة.

أما زكاة الفطرة ، فإنها تجامع زكاة التجارة عند علمائنا ، لأنهما حقان بسببين مختلفين فلا يتداخلان ، كالجزاء مع القيمة في الصيد المملوك ، فلو

ص: 372

اشترى عبدا للتجارة ، وجب عليه (1) زكاة الفطرة والتجارة عند من يوجبها من علمائنا ، واستحب عند آخرين.

السادس عشر : لو اشترى نخلا للتجارة فأدركت ثمرته ، أو أرضا مزروعة للتجارة فأدرك الزرع وبلغ الحاصل نصابا ، أو تجددت الثمرة والزرع في يد المشتري ، وقلنا أن الثمرة الحاصلة من أشجار التجارة مال تجارة ، واتفق حولاهما ، بأن يكون بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب عند تمام الحول ، وكمل النصابان في الثمرة ، غلبنا زكاة العين فيهما ، واختصت زكاة التجارة بالأرض والأشجار ، فيخرج العشر أو نصفه من الثمار والزرع.

ولا يسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع النخل وتبن الزرع ، وإن كان المقصود هو الثمار والزرع قد أخذ زكاته ، لأنه ليس فيها زكاة العين ، فلا تسقط عنها زكاة التجارة ، لثبوت المقتضي سليما عن المعارض.

ولا يسقط اعتبار زكاة التجارة في المستقبل عن الثمار والزرع ، بل يبتدئ حولها من وقت إخراج العشر وهو القطاف ، لا من وقت بدو الصلاح ، وإن كان ذلك وقت الوجوب ، لأن عليه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين ، فلا يكون زمانها محسوبا عليه ، دفعا للإضرار به.

ولا فرق بين أن يشتريها مزروعة للتجارة ، وبين أن يشتري أرضا وبذرا للتجارة ويزرعها به.

ولو سبق حول التجارة فكمل ، والزرع فصيل والثمرة بلح (2) ، تثبت زكاة التجارة في الأصل والنماء ، وسقطت زكاة العين بعد بدو الصلاح.

ولو اشترى الزرع وحده ، فبدا صلاحه في يده ، قدم زكاة العين أيضا.

ولو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر القنية ، فعليه العشر في الزرع

ص: 373


1- في « ر » عنه.
2- بلح بلحا الثرى : يبس ، والبئر ذهب ماؤها.

وزكاة التجارة في الأرض ، ولا تسقط زكاة التجارة بأداء العشر ، لتغاير محل الزكاتين.

السابع عشر : عامل القراض إن قلنا يملك بالقسمة لا بالظهور ، فلا زكاة عليه في الربح ، ويثبت على المالك زكاة الأصل وحصته من الربح.

وهل تثبت عليه زكاة حصة العامل؟ إشكال ، ينشأ : من أن الجميع ملكه حينئذ ، ومن منعه من التصرف فيه (1) ، لتأكد حق العامل في حصته وتعذر إبطاله على المالك ، ولا يبنى حول الربح على حول الأصل عندنا.

ثم المالك إن أخرج من غيره ، فلا بحث ، وإن أخرج من العين احتمل احتساب المخرج من الربح ، كالمؤن التي تلزم المالك من أجرة الدلال والكيال ، وكفطرة عبيد التجارة وأرش جنايتهم. وعدمه ، لأنه كطائفة من المال استردها المالك حيث هو مصروف إلى حق لزمه ، فالمخرج من رأس المال والربح جميعا على وجه التقسيط ، فلو كان رأس المال ضعف الربح ، فثلثا المخرج من رأس المال والثلث من الربح.

والأقرب الأول لأن الزكاة تثبت في العين فهي كالمؤن. ويحتمل أن يكون المخرج من رأس المال خاصة ، لأن الواجب لزمه خاصة. وإن قلنا يملك بالظهور ، فعلى المالك زكاة رأس المال ونصيبه من الربح.

وأما العامل فيحتمل سقوطها عنه ، لعدم تمكنه من التصرف على حسب اختياره فكان كالمغصوب ، ولأن ملكه غير مستقر من حيث إنه وقاية لرأس المال على الخسران ، فأشبه مال المكاتب. ويحتمل الثبوت ، لأنه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالمقاسمة.

فإن قلنا به فعلى قولنا لا يبنى حول حصته من الربح على حول رأس المال ، بل ولا حصة المالك أيضا ، بل يستأنف للربح حولا من حين ظهوره ، لثبوت ملكه حينئذ.

ص: 374


1- في « ق » منه.

ولو لم تبلغ حصة العامل نصابا ، فلا زكاة ولا أثر للخلطة عندنا ، والأقرب أنه لا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة ، لأنه لا يعلم سلامة نصيبه له إلا مع المقاسمة ، وحينئذ يزكيه لما مضى.

ويحتمل الوجوب في الحال ، لتمكنه من الاقتسام في الحال ، فأشبه الوديعة عند الغير.

ثم إن أخرج الزكاة من مال آخر ، فله مطلقا. وإن أراد الإخراج من مال القراض ، فله الاستبداد. ويحتمل أن يكون للمالك منعه ، لأنه وقاية فيمنعه إلى أن يسلم إليه رأس ماله.

الثامن عشر : الدين لا يمنع زكاة العين ، ولا زكاة التجارة عندنا وإن فقد غيره ، لعموم الأمر ولاختلاف المحل ، فالدين محله الذمة والزكاة العين.

المطلب الثاني: ( في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة )

وهي

الأول : جميع الغلات غير الأربع يستحب فيه الزكاة ، كالأرز والماش والعدس والذرة والهرطمان والباقلي ، وغير ذلك من جميع ما نبتته الأرض من المكيلات والموزونات ، لعموم قوله علیه السلام : فيما سقت السماء العشر (1). وحملناه على الندب في الأجناس المغايرة للأربع لقول الصادق علیه السلام : وعفا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عما سوى ذلك (2).

وحكم ما يستحب فيه الزكاة من هذه الغلات ، حكم ما يجب فيه من النصاب وقدر المخرج واعتبار السقي وإخراج المؤن.

ولا زكاة في الخضراوات كالقثاء والباذنجان وسائر البقول ، لقوله عليه

ص: 375


1- جامع الأصول 5 - 333.
2- وسائل الشيعة 6 - 34 ح 4 و 5 و 6 وغيرها.

السلام : ليس في الخضراوات صدقة (1).

وهل يضم ما يزرع في السنة مرتين كالذرة بعضه إلى بعض؟ إشكال كالنخل الذي يطلع في السنة مرتين.

الثاني : الخيل يستحب فيها الزكاة وليست فرضا ، لقوله علیه السلام : ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة (2). وعن علي علیه السلام قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق (3). وهو محمول على نفي الإيجاب ، لقوله علیه السلام : في الخيل السائمة في كل فرس ديناران (4).

إذا عرفت هذا فشرائط الاستحباب أربعة :

أحدها : الملك ، فلا تستحب الزكاة في المستعار. ويشترط تمامية الملك ، فلا زكاة في المغصوب والضال ، كما في زكاة الأنعام.

ثانيها : السوم ، فلا زكاة في المعلوفة ، لعموم السقوط عنها ، ولما فيه من ثقل المئونة ، ولأن زرارة سأل الصادق علیه السلام هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شي ء؟ فقال : ليس على ما يعلف شي ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مراحها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء (5).

ثالثها : الحول ، فلا يستحب إلا بعد الحول ، لقوله علیه السلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (6).

رابعها : الأنوثة ، فلا زكاة في الذكور ، سواء انفردت أو انضمت إلى

ص: 376


1- جامع الأصول 5 - 337.
2- جامع الأصول 5 - 339.
3- جامع الأصول 5 - 340 و 315.
4- وسائل الشيعة 6 - 51 ح 1.
5- وسائل الشيعة 6 - 52 ح 3.
6- جامع الأصول 5 - 343.

الإناث ، لأن النتاج معتبر في إيجاب الزكاة في الحيوان مع كثرة أفراده ، ليخلف النتاج القدر المخرج منها فهنا أولى ، ولأن زرارة قال للصادق علیه السلام : هل في البغال شي ء؟ فقال : لا ، قلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : إن البغال لا ينتج ، والخيل الإناث ينتجن (1). وليس على الخيل الذكور شي ء.

إذا عرفت هذا فإنه يخرج عن كل فرس عتيق في كل سنة دينارين ، وعن كل برذون دينارا واحدا ، لأن العتيق أشرف والنفع به أكثر ، فناسب زيادة النمو الإخراج.

وقال الباقر والصادق علیهماالسلام : وضع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وعلى البرازين دينارا (2).

الثالث : العقار المتخذ للنماء كالدكاكين والخانات ودور الأجرة ، يستحب أن يخرج من غلتها الزكاة.

ولو لم يكن دار غلة ولا عقارا متخذا للنماء ، لم تستجب الزكاة إجماعا.

ولو بلغت الغلة نصابا وحال عليها الحول ، وجبت الزكاة فيها. أما إذا لم يبلغ ، فيستحب عند حصولها ، ولا يشترط نصاب فيها ولا حولان الحول.

ولا تستحب الزكاة في شي ء سوى ما ذكرناه من الأقمشة والأثاث والفرش والأواني والرقيق والماشية عدا ما تقدم عملا بالأصل.

ص: 377


1- وسائل الشيعة 6 - 51 ح 3.
2- وسائل الشيعة 6 - 51 ح 1.

ص: 378

الفصل الخامس: ( في مستحق الزكاة )

وفيه مطلبان :
المطلب الأول: ( في الأصناف )
اشارة

مستحق الزكاة من تضمنته الآية في قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (1) فهؤلاء الثمانية هم مستحقوا الزكاة بالإجماع.

وقال زياد بن الحارث الصيداوي : أتيت النبي صلی اللّه علیه و آله فبايعته ، قال : فأتاه رجل فقال : أعطني من الصدقة. فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إن اللّه لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزاها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك (2).

الصنف الأول والثاني: ( الفقراء والمساكين )

ولا خلاف في أن اسم كل واحد منهما يطلق عليهما معا حالة الانفراد ،

ص: 379


1- سورة التوبة 60.
2- جامع الأصول 5 - 369.

كما لو أوصى للفقراء فإنه يشمل المساكين. وكذا لو أوصى للمساكين فإنه يشمل الفقراء ، أما لو جمع بينهما وميز بينهما تمييزا ، كما في آية الزكاة.

وقد اختلف في أيهما أسوأ حالا وأشد فاقة؟ فقيل : الفقير وهو الذي لا شي ء له البتة ، أو له شي ء يسير لا يقع موقعا من حاجته ، والمسكين هو الذي له بلغة من العيش لا يكفيه ولا ما يقع موقعا من حاجته ، وإذا (1) احتاج إلى عشرة يكسب ستة أو أكثر فما دون العشرة.

لأن النبي صلی اللّه علیه و آله استعاذ من الفقر ، وقال : « اللّهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين » (2).

ولأن العرب يبتدئ بالأهم ، وقد تقدم ذكر الفقر في الآية.

ولأنه مشتق من كسر الفقار ، فإنه فعيل بمعنى مفعول ، أي مكسور فقار الظهر ، ولقوله تعالى ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ ) (3) وسفينة البحر تساوي جملة من المال.

وقيل : بالعكس لقوله تعالى ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (4) وهو المطروح على التراب لشدة حاجته ، ولأنه يؤكد به ، فيقال : فقير مسكين ، إذا أريد المبالغة في الحاجة ، ولقول الشاعر :

أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال ولم يترك له سبد (5) إذا عرفت هذا فإن الشامل لهما المقتضي لتسويغ الإعطاء ، قصور مال كل واحد منهما عن مئونة سنة له ولعياله على الاقتصار.

والمانع من الإعطاء الغنى ، وهو أن يكون الشخص مالكا لقوت سنة له

ص: 380


1- في « ر » كما إذا احتاج إلى عشرة فكسب.
2- المستدرك كتاب الزكاة الباب - 20 - من أبواب الصدقة ح 15.
3- سورة الكهف 79.
4- سورة البلد 16.
5- راجع مجمع البيان 3 - 42.

ولعياله على الاقتصاد من غير إسراف ولا تقتير ، فمتى ملك ذلك حرم عليه أخذ الصدقة ، لقول الصادق علیه السلام : لا تصلح لغني (1). ولأن من ليس له كفاية محتاج. والحاجة ترادف الفقر ، لقوله تعالى ( أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ ) (2) أي المحتاجون ، فيصدق عليه اسم الفقر.

والقادر على تكسب ما يمون به نفسه وعياله ، لا يحل له أخذ الزكاة وإن لم يملك نصابا ، لأنه كالغني في عدم الاحتياج.

وقد روي أن رجلين أتيا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهو يقسم الصدقة ، فسألاه شيئا منها ، فصعد بصره فيهما وصوبه وقال لهما : إن شئتما أعطيتكما. ولا حظ فيها للغني ولا لقوي مكتسب (3).

وكذا ذو الصنعة إذا كانت صنعته تفي بمئونته ومئونة عياله على الدوام.

ولو ذكر الصحيح الجلد أنه لا كسب له ، أعطي منها وقبل قوله بغير يمين إذا لم يعلم كذبه ، لأنه علیه السلام أعطى الرجلين ولم يحلفهما ، ولأن الأصل في المسلم العدالة والصدق ، ولأن الفقر من الأمور الخفية وإنما يظهر بقول صاحبه ، والإخبار لا يفيد اليقين بل الظن ، وهو حاصل من قوله.

ولو ادعى أن له عائلة لا يكفيهم كسبه ، قبل قوله أيضا من غير يمين ، وإن أمكنه إقامة البينة عليه.

وكذا لو كان له مال وادعى تلفه ، إما بسبب خفي أو ظاهر ، وإن كان الأصل بقاؤه ، لأصالة صدق المسلم.

ويجوز إعطاء صاحب دار السكنى وفرس الركوب وعبد الخدمة وثياب التجمل ، لاحتياجه إلى ذلك واضطراره إلى ذلك فأشبه الثوب ، ولقول الصادق علیه السلام : تحل الزكاة لصاحب الدار والخادم (4). ولأنها لا تباع في الدين

ص: 381


1- وسائل الشيعة 6 - 159 ح 3.
2- سورة فاطر 15.
3- جامع الأصول 5 - 367.
4- وسائل الشيعة 6 - 162 ح 4.

فلم يكن غنيا بها ، فجاز له أخذ الزكاة. وقال الباقر علیه السلام : أعط السائل ولو كان على ظهر فرس (1).

ولو كانت له دار غلة فإن كانت غلتها تكفيه له ولعياله ، أو ضيعة يستغلها وتكفيه غلتها كذلك ، أو بضاعة يتجر بها وتكفيه فائدتها ولعياله ، لم يجز له أخذ شي ء من الزكاة.

وإن كان لا تكفيه جاز له تناول الزكاة ، لأنه محتاج ، ولقول الصادق علیه السلام وقد سأله سماعة هل تصلح الزكاة لصاحب الدار والخادم؟ فقال : نعم ، إلا أن تكون داره دار غلة فيخرج من غلتها دراهم تكفيه وعياله ، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف ، فقد حلت له الزكاة ، وإن كانت غلتها تكفيهم فلا (2).

ولو كان له نصاب زكوي أو أكثر لا يكفيه لمئونته ومئونة عياله حولا ، جاز له أخذ الزكاة على الأقوى لأنه مع ملكه لهذه الأشياء محتاج. وكذا لو كان يملك ما قيمته نصاب.

وقد روي عن الصادق علیه السلام جواز إعطاء صاحب ثلاثمائة درهم بضاعة إذا لم يكفه ربحها له ولعياله. وفي رواية أخرى صاحب سبعمائة ومنع صاحب خمسين درهما إذا كان سعيه بها تكفيه وعياله حولا (3). ولا يمنع إيجاب الزكاة عليه من أخذها.

وقوله علیه السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم (4). غير مناف لما قلناه.

ولو كان له مال يعد للإنفاق ولم يكن ذا كسب ولا صناعة ، اعتبرت الكفاية حولا له ولعياله ، لأنه حينئذ لا يسمى فقيرا. ولو قصر عن كفاية الحول

ص: 382


1- وسائل الشيعة 6 - 290 ح 1.
2- وسائل الشيعة 6 - 161.
3- وسائل الشيعة 6 - 160 ح 6.
4- جامع الأصول 5 - 295.

له ولعياله ، جاز له أخذ الزكاة ، ولا ينتظر بإعطائه إخراج ما معه من النفقة ، لدلالة جواز إعطاء صاحب ثلاثمائة أو سبعمائة ، لقصورها عن التكسب عليه.

ولا يشترط الزمانة في استحقاق الفقراء ، ولا التعفف عن السؤال ، لاندراجه تحت العموم.

ولو كان ما معه ينقص عن مئونته ومئونة عياله حولا ، جاز له أخذ الزكاة ، ولا يتقدر بقدر ، بل يجوز أن يأخذ زائدا عن تتمة المئونة حولا دفعة ، لعموم قوله علیه السلام : خير الصدقة ما أبقت غنى (1).

ويجوز للقادر على التكسب التفقه في الدين وأخذ الزكاة ، لأنه مأمور بالتعلم في الدين.

والزوجة الفقيرة إذا كان زوجها موسرا وكان ينفق عليها ، لم يجز دفع الصدقة إليها إجماعا ، لأنها غنية به. ولو لم ينفق عليها ، جاز لها أخذ الزكاة من غيره لفقرها.

والولد المكتفي بنفقة أبيه أو بالعكس ، لا يجوز له أخذ الزكاة ، لأنه غني به. نعم لو احتاج إلى اتساع في النفقة وهي زائدة عن الواجب ، فالأقرب جواز دفع الصدقة إليه ، لقول الكاظم علیه السلام وقد سئل عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فيوسع له إن كانوا لا يوسعون عليه في كلما يحتاج إليه؟ فقال : لا بأس (2).

ولو كان عليه دين ، لم يمنع القدر الذي يؤدي به الدين من الاستحقاق ، وإن وجب فيه الزكاة. ولا يشترط صرفه إلى الدين في تسويغ الأخذ.

ولو كان له مال غائب لا يقدر على الإنفاق منه ، جاز له تناول الزكاة. ولو تمكن هذا من الاقتراض والدفع من الغائب بعد وقت ، فالأولى المنع من

ص: 383


1- جامع الأصول 7 - 302.
2- وسائل الشيعة 6 - 163 ح 1.

الأخذ. ولا فرق بين أن يكون الغائب على مسافة القصر أو لا. ولو كان له دين مؤجل ، فالحكم فيه كالغائب.

ولا يشترط العجز عن كل كسب ، بل ما يليق بحاله ومروته ، دون ما لا يليق بحاله.

ولو قدر على الكسب إلا أنه مشغول بتحصيل العلوم الشرعية ، ولو تكسب انقطع عن التحصيل ، حلت له الزكاة. أما لو لم يكن مشتغلا بالعلم ، أو كان لا يتأتى له التحصيل لبلادته ، لم تحل له الزكاة مع القدرة على الكسب.

ولو اشتغل بنوافل العبادات وكان الكسب يمنعه عنها ، أو عن استغراق الوقت بها ، لم تحل له الصدقة ، لأن التكسب وقطع الطمع عما في أيدي الناس أولى من الاشتغال بالنوافل مع الطمع. ولو لم يجد الكسوب من يستعمله ، حلت له الزكاة.

ويجوز إعطاء من تجب نفقته من سهم الغارمين والعاملين والمكاتبين والغزاة إن كان بهذه الصفات ، وكذا من سهم المؤلفة. ولو كان فقيرا ، فالأقرب المنع ، لأنه حينئذ تسقط النفقة عن نفسه. ويجوز أن يعطيه من سهم ابن السبيل قدر مئونة السفر ما يحتاج إليه سفرا وحضرا ، فإن هذا القدر هو المستحق عليه.

ولو كانت الزوجة ناشزة ، جاز أن يعطيها من سهم الفقراء ، لأنه لا نفقة لها حينئذ. ويحتمل المنع لقدرتها على العود إلى الطاعة وترك النشوز ، فأشبهت القادر على التكسب. ويجوز أن يعطيها وإن كانت مطيعة من سهم المكاتبين والغارمين دون المؤلفة ، لأنها ليست من أهل الجهاد.

ولو كانت الزوجة مسافرة بانفرادها ، جاز أن تعطى من سهم الفقراء ، ثم إن سافرت بإذنه فالنفقة واجبة عليه ، فلا تعطى أصل النفقة من سهم ابن السبيل ، ويجوز أن تعطى منه مئونة السفر.

وإن خرجت من غير إذنه لم تعط منه ، بل من سهم الفقراء والمساكين ، بخلاف الناشزة حيث قلنا باحتمال منعها لقدرتها على العود إلى بدو طاعته ،

ص: 384

والمسافرة قادرة ، فإن تركت سفرها وعزمت على العود إليه ، أعطيت من سهم ابن السبيل.

ولا يشترط في المسكين السؤال ، للأصل.

ولو كان القوي من أهل البيوتات الذين لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن ، له أن يأخذ الزكاة ، لأنا قد بينا أن المعتبر التكسب بحرفة تليق بحاله ، فكما لا تعتد بالحرفة التي لا تليق بحاله ، لا يعتد بأصل حرفة في حق من لا تليق به مطلق الحرفة.

الصنف الثالث: ( العاملون )

وهم جباة الصدقات ، كالساعي ، والكاتب ، والقاسم ، والحاسب ، والعريف وهو كالنقيب للقبيلة ، والحاشر وهو الذي يجمع أرباب الأموال ، وحافظ المال ، وكل من يحتاج إليه فيها إلا الكيال والوزان والعداد.

فإنه يحتمل إسهامهم (1) من سهم العاملين لأنهم منهم ، ولأنا لو ألزمنا أجرتهم المالك زاد في قدر الواجب. والمنع ، لأن على المالك توفية الواجب وإنما يتم بذلك ، فكان العوض عليه كالبيع.

ويجب على الإمام أن يبعث الساعين في كل عام إلى أرباب الأموال لجباية الصدقات ، اقتداء بالنبي صلی اللّه علیه و آله والأئمة علیهم السلام وإيصالا للحق إلى مستحقه ، فإن من أرباب الأموال من لا يعرف الواجب ولا قدره ولا مصرفه ، ومنهم من يدافع ويماطل ، فيؤدي إلى تضييع المال.

ولو احتاج إلى بعث أزيد من واحد ، فعل بحسب الحاجة.

ويتخير الإمام بين أن يستأجره إجارة صحيحة معلومة ، إما مدة معلومة أو عمل معلوم ، وبين أن يجعل جعالة معلومة على عمله ، فإذا عمله استحق

ص: 385


1- في « ر » إسهامه.

المشروط. وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه.

وإن تلفت الصدقة في يده من غير تفريط ، فلا ضمان عليه ، ويستحق أجرة من بيت المال ، وإن لم يتلف أعطاه أجرة منها ، وإن كان أكثر من الثمن أو أقل ثم قسم الباقي على أربابه ، لأن ذلك من مئونتها.

ولو رأى الإمام أن يعطيه أجرة من بيت المال ، أو يرزقه منها رزقا ، ولا يعطيه من الزكاة شيئا فعل ، لأنه الناظر في المصالح. وليس للإمام ولا لوالي الإقليم من قبله ، ولا القاضي إذا تولوا أخذها وقسمتها شي ء فيها ، لعموم ولايتهم ، فهم يأخذون من بيت المال.

ويجوز للإمام تولية الساعي جبايتها وقسمتها. ويجوز أن يوليه تحصيلها لا غير ، وإذا أولاه القسمة ، فرقها على أربابها بحسب اجتهاده بمقتضى المصلحة ، وإن لم يكن أذن في ذلك ، لم يجز تفريقها بنفسه ، فإن فعل ضمن.

الصنف الرابع: ( المؤلفة قلوبهم )

وهم عند علمائنا الكفار خاصة الذين يستمالون إلى الإسلام بشي ء من الصدقات ، أو يتآلفون ليستعان بهم على قبال أهل الشرك. ولا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام.

وسهم المؤلفة كان ثابتا في عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ولم ينسح حكمه ، لقوله تعالى ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (1) وهذه في سورة براءة ، وهي من أواخر ما نزل من القرآن على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وقد أعطى النبي صلی اللّه علیه و آله المؤلفة ، وكل إمام قام مقامه.

ويجوز أن يتألفهم بمثل ذلك ويعطيهم السهم الذي سماه اللّه تعالى مع الحاجة. ولا يجوز لغير الإمام القائم مقام النبي صلی اللّه علیه و آله ذلك ، لأنها ولاية مختصة به.

ص: 386


1- سورة التوبة : 60.

ونقل الشيخ في المبسوط عن الشافعي أن المؤلفة ضربان : أحدهما قوم لهم شرف وطاعة في الناس وحسن نية في الإسلام يعطون استمالة لقلوبهم وترغيبا لهم في الإسلام ، كصفوان بن أمية وغيره.

والثاني قوم من المشركين لهم قوة وشوكة وطاعة إذا أعطاهم الإمام كفوا شرهم عن المسلمين ، وإذا لم يعطوا بغوا (1) عليه وقاتلوه فهؤلاء كان النبي صلی اللّه علیه و آله يعطيهم استكفاء لشرهم ، ومن أين يعطيهم من سهم المصالح أو من سهم الصدقات قولان.

وأما مؤلفة الإسلام فأربعة أقسام :

الأول : قوم لهم شرف وسداد ، علم صدقهم في الإسلام وحسن نيتهم به ، إلا أن لهم نظراء من المشركين ، إذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام ، فهؤلاء يعطون ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نيتهم.

الثاني : أشراف مطاعون في قومهم نياتهم ضعيفة في الإسلام إذا أعطوا يرجى حسن نياتهم فإنهم يعطون ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله أعطى عتيبة بن الحصين والأقرع بن حابس وأبا سفيان بن حرب وصفوان كل واحد مائة من الإبل ، وأعطى العباس بن مرداس أقل من مائة فقال : أتجعل بسهمي .. ، الأبيات ، فأكمل له المائة.

الثالث : قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة وطاقة بمن يليهم من المشركين ، وإذا احتاج الإمام إلى غزوهم لزمته مئونة ثقيلة ، وإذا أعطي هؤلاء الأعراب أو العجم دفعوا المشركين عنه ، فهؤلاء يعطون للانتفاع بهم في الجهاد.

الرابع : مسلمون من الأعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإسلام ، ويأت إليهم قوم من أهل الصدقات إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات وحملوها

ص: 387


1- في المصدر : تألبوا.

إلى الإمام ، وإن منعهم لم يجبوا واحتاج الإمام في إنفاذ من يجمعها إلى مئونة كثيرة ، فيجوز أن يعطيهم تحصيلا لهذه المصلحة.

ومن أين يعطي هذين الفريقين أربعة أقوال :

الأول : من سهم المصالح.

الثاني : من سهم المؤلفة من الصدقات.

الثالث : من سهم سبيل اللّه ، لأنها في معنى الجهاد.

الرابع : من سهم المؤلفة وسهم الجهاد.

ثم قال الشيخ : وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا ، غير أنه لا يمتنع أن نقول : للإمام (1) أن يتألف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة ، وإن شاء من سهم المصالح. لأن هذا من فرائض الإمام ، وفعله حجة ، وليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم ، ففرضنا تجويز ذلك والشك فيه وأن لا نقطع على أحد الأمرين (2).

وقول الشيخ جيد ، لكن لو فرضنا الحاجة إلى المؤلفة ، بأن ينزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفار ، فالأولى عندي جواز صرف السهم إليهم حينئذ.

الصنف الخامس: ( في الرقاب )

وهم ثلاثة : المكاتبون ، والعبيد تحت الشدة ، والعبيد يشترى للعتق مع عدم المستحق وإن لم يكن في شدة. وروي رابع وهو من وجبت عليه كفارة (3) ولم يجد ، فإنه يعتق عنه.

ص: 388


1- في المصدر : إن للإمام.
2- المبسوط 1 - 249 - 250.
3- وسائل الشيعة 6 - 145 ح 7.

ويشترط في المكاتب أن لا يكون في يده ما يفي بنجومه ، فإن كان لم يعط ، لأنه لا حاجة به إليه ، وليس له أن يصرف زكاته إلى مكاتب نفسه ، لئلا تعود الفائدة إليه. ويحتمل الجواز ، للعموم فيدفع الزكاة إلى المكاتب ، ثم يدفعها المكاتب إليه.

ويشترط صحة الكتابة ، فإن الفاسدة لا اعتبار بها ، فلا يستحق بها زكاة.

ويجوز أن يعطى قبل حلول النجم وبعده ، عملا بالعموم ، ولأن التعجيل متيسر في الحال وعند المحل قد يتعذر الأداء.

ويجوز الصرف إلى المكاتب ، سواء أذن له السيد أو منعه ، وإلى السيد بإذن المكاتب لا بدون إذنه لأنه المستحق ، لكن تسقط عن المكاتب بقدر المصروف من النجوم ، لأن من قضى دين غيره بغير إذنه برئت ذمته.

ولو صرف المكاتب المدفوع إليه في غير مال الكتابة ، ارتجع ، لأنه تعالى لم يضف السهم إليه إضافة التمليك ، كما أضاف إلى (1) الفقراء ، بل أضافه إضافة الظرفية. وإذا لم يصرف فيها ارتجع ، ولأن المقصود حصول العتق بالمال المدفوع إليه ولم يحصل.

ويحتمل عدمه وهو الأقوى عند الشيخ ، كما لو استغنى الفقير المدفوع إليه ، وكذا لو استغنى المكاتب عما أعطي أو أعتق بتبرع السيد بإعتاقه ، أو بإبرائه عن النجوم ، أو بأن يتبرع غيره بأداء النجوم عنه ، أو بأن أدى النجوم من مال آخر ومال الزكاة باق في يده.

فإن قلنا بالارتجاع فتلف المال في يده ، فإن قبل العتق لم يغرم وكذا لو أتلفه ، وإن كان بعد العتق غرم. وإن عجز المكاتب فإن كان المال باقيا في يده استرجع منه ، لأن العتق لم يحصل ولم يصرف المأخوذ إلى ما أمر به ، والعبد والسيد لا يستحقان المأخوذ ، إذ لا تحل لهما الزكاة.

ص: 389


1- خ ل : في.

وإن كان تالفا. فإن كان بغير تفريط فلا ضمان ، وإلا ضمن أن أوجبنا الرجوع فيما إذا لم يصرف الغارم ما أخذه في الغرم ، وإلا فلا ، ومع وجوب الغرم يتعلق بذمته لا برقبته ، لأن المال حصل عنده برضى صاحبه.

وإن كان قد دفعه إلى السيد وعجز عن بقية النجوم ، فالأقرب عدم الرجوع ، لأنه مأمور بالصرف إلى الجهة المعينة وقد امتثل ، والسيد ملكه بالدفع إليه. ويحتمل الرجوع كالغارم.

ولو أخرجه السيد عن ملكه ، فعلى عدم الغرم لا تجب فيه ، وعليه يغرم المثل أو القيمة.

تذنيبات :

الأول : للمكاتب أن يتجر بما أخذه طلبا للزيادة وإيفاء تمام النجوم ، وكذا الغارم. ولو اتجر بالمال ثم استرد ، لم يسترجع منه النماء ، وإن كان قد اشتراه بالعين.

الثاني : الغارم كالمكاتب في أن له الاكتساب بالمأخوذ في عدم الرجوع بالنماء لو رجع عليه بالعين.

الثالث : الأقرب أن للمكاتب الخيار في إخراج ما أخذه على نفقته وأداء النجوم من كسبه ، وكذا الغارم.

الرابع : يعطى مدعي الكتابة من غير يمين إذا لم يكذبه السيد (1) ، سواء صدقه أو تجردت دعواه عنهما ، لأصالة عدالة المسلم وصدقه في إخباره ، وكذا البحث في الغارم والفقير.

الخامس : الأقرب جواز الإعتاق من الزكاة ، إما باعتبار أنه في الرقاب أو في سبيل اللّه ، إن عممنا السبيل ، وكذا شراء الأب منهما.

ص: 390


1- في « ر » المولى.

السادس : المكاتب إذا لم يكن له مال ، لكنه كسوب ، فالأقرب (1) جواز إسهامه من الزكاة عملا بالعموم.

الصنف السادس: ( الغارمون )

وهم ثلاثة :

الأول : المديون لمصلحة نفسه ، فيقضي من الزكاة بشرطين :

أحدهما : أن يكون به حاجة إلى قضاء الدين ، فإن وجد ما يقتضيه به من نقد أو عرض لم يقض لاندفاع حاجته ، نعم لو خرج بالصرف في الدين إلى حد الفقر والمسكنة ، فالأقرب عندي جواز القضاء ، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ، ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر.

ولو كان معه ما يقضي به بعض الدين ، أعطي ما يقضي به الباقي.

ولو لم يملك شيئا إلا أنه كسوب يتمكن من قضاء دينه من كسبه ، احتمل أن يعطى ، بخلاف الفقير والمسكين ، لأن حاجتهما يتحقق يوما فيوما ، والكسوب يحصل في كل يوم ما يكفيه ، وحاجة الغارم حاصلة في الحال ، لثبوت الدين في ذمته ، وإنما يقدر على اكتساب ما يقضي به الدين بالتدريج.

ويحتمل المنع ، تنزيلا للقدرة على الكسب منزلة القدرة على المال ، كما في الفقير.

ويقضي دين الغارم وإن كان له مسكن وملبوس وفراش وآنية وخادم وفرس ركوب وحمار طحن إذا احتاج إلى ذلك كله وكان من أهله.

ولو ملك قدر كفايته ولو قضى دينه لنقص ماله عما يكفيه ، قضى من دينه قدر ما ينقص عن الكفاية.

ثانيهما : أن يكون استدان وأنفق في طاعة أو مباح كحج أو جهاد ، أو

ص: 391


1- في « ر » فالوجه.

إنفاق على نفسه أو عياله ، أو خسران ما يلحقه في معاملة.

ولو كان قد أنفقه في معصية كثمن الخمر والإسراف في الإنفاق ، لم يقض من سهم الغارمين ، سواء أصر على المعصية أو تاب ، لعدم الأمن من العود ، واتخاذ التوبة ذريعة ووصلة إلى أخذ السهم.

ولو جهل فيما ذا أنفقه أعطي على الأقوى ، حملا لتصرف المسلم على الصحة.

ويجوز أن يعطى المنفق في المعصية من سهم الفقراء ويقضي هو.

ولا يشترط الحلول ، فلو كان منجما جاز أن يعطى ما يقضي في الحال أو عند الحلول وله أن يتعيش به الآن ويدفعه عند أجله ، كالنجم في المكاتب ، لأنه واجب في الحال لكن لا مطالبة ، وسواء كان الدين يحل في تلك السنة أو بعدها ، فإنه يعطى من صدقة هذه السنة.

الثاني : المديون لإصلاح ذات البين ، بأن يخاف شرا وفتنة بين شخصين أو قبيلتين ، إما بسبب تشاجر بينهما في دم قتيل لم يظهر قاتله ، فيستدين لتسكين الفتنة وإطفاء النائرة ، الدية لأهله ، فيقضي دينه من سهم الغارمين ، غنيا كان على إشكال أو فقيرا ، لئلا يمتنع الناس من هذه المكرمة. أو بسبب إتلاف مال ، فيحمل قيمة المتلف ، فيقضي الدين (1) مع الغنى والفقر ، تحصيلا لهذه المصلحة الكلية.

الثالث : الملتزم مالا بالضمان عن غيره ، فلو كان الضامن والمضمون عنه معسرين أعطي الضامن ما يقضي به الدين ، ويجوز صرفه إلى المضمون عنه إن ضمن عنه بإذنه ، لأن الضامن من فرعه.

فإن دفع إلى الضامن فقضى به الدين ، لم يكن له الرجوع على المضمون عنه ، لأنه إنما يرجع إذا غرم من عنده لا إذا أعطيناه.

وإن كانا موسرين ، لم يعط ، لأنه إذا غرم رجع إلى المضمون عنه ، فلا

ص: 392


1- في « ق » أيضا.

حاجة إلى أن يعطيه من عندنا.

ولو ضمن بغير إذنه ، فكذلك ، وإن كان الضامن خاصة معسرا ، فإن ضمن بإذنه لم يعط ، لأن له الرجوع. وإن ضمن بغير إذنه أعطي ، إذ لا ملجأ له سوى ما نعطيه.

ولو كان المعسر المضمون عنه خاصة ، جاز أن يعطى المضمون عنه. وفي الضامن إشكال ، ينشأ : من أنه دين من تحمل لإصلاح ذات البين ، فيقضي مع اليسار ، ومن أن المصلحة هنا جزية ، فلا يلتفت إليها ، بخلاف المصلحة الكلية. والغارم إنما يعطى مع بقاء الدين ، فإذا أداه من ماله لم يقض ، لأنه خرج عن كونه غارما.

وكذا لو بذل في الابتداء ماله فيه ، لم يعط ، بخلاف ما لو استدان لعمارة المسجد أو قرى الضيف أعطي مع الفقر.

ويجوز صرف السهم إلى الغارم بغير إذن صاحب الدين ، وإلى صاحب الدين بإذن المديون ، وبدون الإذن إشكال. ولو منعناه سقط من الدين قدر المصروف.

ويجوز القضاء عن الميت الغارم والمقاصة ، وإن كان واجب النفقة ، جاز القضاء عنه والمقاصة للعموم. ولو صرف السهم في غير القضاء ، ارتجع.

ولو ادعى الغرم ، صدق قوله بغير يمين ، لأصالة صدق المسلم ، ما لم يكذبه الغريم.

الصنف السابع: ( سبيل اللّه )

قيل : إنه مختص بالغزاة المجاهدين في سبيل اللّه ، وهم قسمان :

الأول : المطوعة ، وهم المشتغلون بحرفهم وصنائعهم يغزون إذا نشطوا ، ولا يأخذون من الفي ء.

ص: 393

الثاني : المرتزقة الذين رتبوا أنفسهم للجهاد وتجردوا له ، وهم المرابطون الذين يأخذون من الفي ء.

والسهم للأول خاصة ، والثاني لا يأخذون كما لا يأخذ المطوعة من الفي ء. قال الشيخ : ولو حمل على الكل لعموم الآية لكان قويا (1). وهو جيد.

وعلى الأول إن لم يكن مع الإمام شي ء من المرتزقة واحتاج المسلمون إلى من يكفيهم شر الكفار ، فالأقرب أنه تعطى المرتزقة من سهم سبيل اللّه ، لأنهم غزاة. ويعطى الغازي غنيا كان أو فقيرا ، لأنه كالأجير.

وقيل : سبيل اللّه أعم ، والمراد به كل ما فيه قربة ، كمعونة الحاج والزائر وقضاء الدين عن الحي والميت ، سواء كان الميت إذا لم يخلف شيئا ممن يجب عليه نفقته أو لا. وعمارة المساجد ، والمشاهد ، وإصلاح القناطر ، والسقايات ، والطرقات ، وسد الثقوب ، وتكفين الموتى ، والتوسعة على الأصناف ، وجميع سبيل الخير والمصالح.

ويعطى الغازي قدر كفايته لذهابه وعوده على حسب حاله من كونه فارسا أو راجلا ومنفردا وذا رفيق وطول المسافة وقصرها ، فإن خرج وغزا ، وقعت الصدقة موقعها ، وإن بدا له فلم يخرج أو رجع من الطريق استرجع منه ، لأنه في الآية جعل ظرفا للصدقة لا مالكا.

الصنف الثامن: ( ابن السبيل )

وهو الغريب المجتاز المنقطع به ، وإن كان ذا يسار في بلده. وروي أن الضيف داخل فيه (2). وهل يعطى المنشئ للسفر ما يستعين به على سفره مع حاجته إليه؟ إشكال ، ينشأ : من قولهم علیهم السلام في تفسيره أنه

ص: 394


1- المبسوط 1 - 252.
2- وسائل الشيعة 6 - 146 ح 9.

المنقطع (1). وإن كان ذا يسار في بلده ، ومن أنه مريد للسفر محتاج إلى إنشائه. والأقوى الأول. ويعطى ابن السبيل بشرطين :

الأول : أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره ، ويدخل فيه من لا مال له البتة ، ومن له غير حاضر عنده بل في بلده الذي انتقل عنه.

الثاني : أن لا يكون سفره معصية ، بل إما أن يكون واجبا كالحج والجهاد ، أو مندوبا كزيارة المشاهد ، أو مباحا كسفر التجارة وطلب الآبق ، لأن السفر المباح والطاعة يتساويان في الترخص ، فيتساويان في الأخذ.

وكذا يعطى في سفر الترفه لأنه مباح. أما سفر المعصية فإنه لا يعطى ، لأن فيه إعانة على المعصية.

ولا يزاد ابن السبيل على قدر كفايته لاندفاع حاجته ، فخرج عن كونه منقطعا ، فخرج عن صدق (2) الاستحقاق. ولو دفع إليه شي ء ففضل عن حاجته أعاده.

المطلب الثاني: ( في الأوصاف )
اشارة

يشترط في أصناف المستحقين للزكاة عدا ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) أمور.

الأول : الإيمان ، فلا يجوز إعطاء الكافر من الزكاة ، إلا أن يكون مؤلفا ، سواء كان كافرا أصليا أو مرتدا ، وسواء انتمي إلى الإسلام - كالخوارج والغلاة - أو لا ، وسواء كان ذميا أو لا ، لقولهم علیهم السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (3). والإضافة مخصصة.

ولا يجوز إعطاء المخالف للحق وإن كان مسلما ، لقول الباقر والصادق

ص: 395


1- وسائل الشيعة 6 - 146 ح 7.
2- في « ر » صفة.
3- وسائل الشيعة 6 - 5 ج 9 ما يشبه ذلك ، جامع الأصول 5 - 295.

علیهماالسلام : الزكاة لأهل الولاية (1). ولأنه خالف في أصول الدين وجحد ما هو ركن فيه ، فأشبه الكافر في المنع.

ولا فرق بين زكاة المال أو الفطرة في عدم إعطاء الكافر والمخالف للعموم ، ولقول الرضا علیه السلام وقد سأله إسماعيل بن سعد الأشعري عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : لا ولا زكاة الفطرة (2). ولأنها إحدى الزكاتين ، فمنع منها من يمنع من الأخرى كالأخرى.

الثاني : العدالة ، وقد اختلف علماؤنا في اشتراطها ، فأثبته قوم ونفاه آخرون ، وشرط آخرون مجانبته الكبائر.

والأقرب عدم الاشتراط ، عملا بعموم اللفظ الشامل لصورة النزاع ، وبأصالة عدم الاشتراط السالم عن معارضة ما يدل عليه ، ولأنه مستحق للثواب الدائم بإيمانه فجاز أن يعطى كالعدل.

نعم هي شرط في العاملين إجماعا ، لعموم ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (3) فيشترط فيهم التكليف لتوقيفهما (4) عليه ، ومعرفة ما يحتاج إليه من الفقه ، لئلا يمنع المستحق حقه أو بعضه أو يعطيه أكثر أو يعطى غير المستحق.

وفي اشتراط الحرية إشكال ، ينشأ : من صلاحية العبد للنيابة في غيرها ، فكذا فيها. ومن أنها نوع ولاية تصرف في مال الغير.

الثالث : أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك ، كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا ، والزوجة والمملوك ، لقول الصادق علیه السلام : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب والأم والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنهم عياله

ص: 396


1- وسائل الشيعة 6 - 154 ح 9.
2- وسائل الشيعة 6 - 152 ح 1.
3- سورة هود : 113.
4- في « ر » لتوقفها.

لازمون له (1). وقال علیه السلام : ولا يعطى الجد ولا الجدة من الزكاة (2).

ولأنهم أغنياء به ، ولعود نفع الزكاة المدفوعة عليه ، إذ بذلك يسقط عنه الإنفاق عليهم ، لصيرورته أغنياء بها ، فيكون في الحقيقة قد دفع إلى نفسه.

ويجوز الدفع إلى من يعوله تبرعا كيتيم أجنبي ، ولأن مئونته ليست واجبة عليه ، فلا يعود النفع بالدفع إلى المنفق.

فيجوز للزوجة أن يدفع زكاتها إلى زوجها ، لوجود المقتضي وهو الفقر السالم عن معارضة وجوب الإنفاق. ولا يؤثر جواز مطالبته بنفقة الغني حينئذ ، كما لا يؤثر صيرورة المديون غنيا بالدفع إليه.

الرابع : أن لا يكون هاشميا ، لإجماع علماء الأمصار على تحريم الصدقة المفروضة على الهاشمي من غيره. قال علیه السلام : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس (3). وقال علیه السلام : الصدقة محرمة على بني هاشم (4). وأخذ الحسن علیه السلام تمرة من تمر الصدقة وهو صغير فوضعها في فمه فقال له النبي صلی اللّه علیه و آله : كخ كخ ليطرحها ، وقال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة (5).

ولا تحرم صدقة بعضهم على بعض ، لسلامة العموم عن معارضة كونها أوساخ الناس ، لأن الأوساخ كله ذم لمن تضاف إليه ، فلا يندرج فيها بنو هاشم. وسأل زرارة الصادق علیه السلام عن صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم الزكاة؟ قال : نعم صدقة الرسول صلی اللّه علیه و آله تحل لجميع الناس بني هاشم وغيرهم ، وصدقات بعضهم على بعض تحل لهم ، ولا تحل لهم صدقات إنسان غريب (6).

ص: 397


1- وسائل الشيعة 6 - 165 ح 1.
2- وسائل الشيعة 6 - 166 ح 3.
3- جامع الأصول 5 - 363.
4- وسائل الشيعة 6 - 187.
5- جامع الأصول 5 - 364.
6- وسائل الشيعة 6 - 190 ح 6.

ولا فرق بين أن يكون المدفوع إليه أرفع نسبا من الدافع ، كالعلوي يأخذ من العباسي والحسيني من الحسني أو لا ، لعموم الدليل.

والذين تحرم الصدقة عليهم كل ولد هاشم ، وهم الآن أربعة : أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.

ولا تحرم على غيرهم من المطلبين على الأقوى ، عملا بالعموم السالم عن معارضة قوله علیه السلام : إنما هذه الصدقات أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد علیهم السلام (1). وبأن بني المطلب وبني نوفل وعبد شمس متحدون في القرابة والقعود ، فإذا لم يستحق بنو نوفل وعبد شمس ، فكذا بنو المطلب.

وإنما تحرم على من أبوه من بني هاشم دون من أمه خاصة منهم ، تبعا للعرف في قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا***بنوهن أبناء الرجال الأباعد

ويشترط إلحاقه شرعا ، سواء كان بعقد صحيح أو شبهة ، لاتحادهما في ثبوت النسب. وكذا لو ثبت بالقرعة من المتداعيين.

والأقرب اشتراط الحرية في التحريم ، فلو كان الهاشمي مملوكا ، جاز صرف سهم الرقاب إليه ، لأنه ليس أقل درجة من الاسترقاق ، مع احتمال المنع ، لعموم قوله علیه السلام : إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة (2).

ولا تحرم الواجبة على مواليهم ، ونعني بالمولى من أعتقه هاشمي ، ولقول الصادق علیه السلام : تحل لمواليهم (3). ولأن منع الزكاة في مقابلة استحقاق الخمس ، ومواليهم لا يستحقون الخمس.

وإنما يحرم على الهاشمي المفروضة من غيرهم ، أما المندوبة فلا ، لعموم

ص: 398


1- جامع الأصول 5 - 365.
2- جامع الأصول 5 - 364.
3- وسائل الشيعة 6 - 192 ح 4.

« وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » (1) ولأن الباقر علیه السلام كان يشرب سقايات بين مكة والمدينة ، فقال له ابنه علیه السلام : تشرب من الصدقة ، قال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة رواه الجمهور (2).

وروى الخاصة عن الصادق علیه السلام أنه سأله زيد الشحام عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال : الصدقة المفروضة (3). ووقف علي علیه السلام وفاطمة علیهماالسلام وقفا على بني هاشم. والوقف صدقة. ولأن المفروضة مطهرة للمال ، فينتفي الوسخ عن المندوبة.

وفي تحريم المندوبة على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إشكال ، ينشأ : من عموم قوله صلی اللّه علیه و آله : إنا لا نأكل الصدقة (4). ومن أنه كان يقترض ويقبل الهدية وذلك صدقة ، لقوله علیه السلام : كل معروف صدقة (5).

ويمكن الفرق بأن الصدقة المحرمة من المال ما يدفع إلى المحاويج على سبيل سد الخلّة وإعانة الضعيف طلبا للأجر ، لا ما جرت العادة بفعله على سبيل التودد من قبول الهدايا. ولا يقال لمن قبل الهدية أنه تصدق.

وإنما تحرم المفروضة على الهاشمي مع حصول ما يكفيه من الخمس ، فإن منع أو لم يبلغ الواصل من الخمس قدر كفايته ، جاز له أن يقبل الزكاة ، لأن الصدقة إنما حرمت عليهم في مقابلة ما جعل لهم من الخمس ، فإذا لم يحصل لهم حلت له الصدقة. ولهذا قال علیه السلام للعباس : أليس في الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس (6).

والأقرب تقدير المدفوع بما يرفع الحاجة ، فلا يجوز لهم تناول الزائد عن قدر الحاجة ، لأنه من مفهوم النهي.

ص: 399


1- سورة المائدة : 2.
2- وسائل الشيعة 6 - 188 و 191.
3- وسائل الشيعة 6 - 190 ح 4.
4- جامع الأصول 5 - 364.
5- وسائل الشيعة 6 - 321 ح 1 و 2.
6- لم أعثر على مصدر الحديث نعم يدل على ذلك ما في وسائل الشيعة 6 - 191 ب 33.

ولا يحرم على زوجات النبي صلی اللّه علیه و آله ، للعموم السالم عن معارضة النهي عن إعطاء الهاشمي(1).

خاتمة :

تشتمل على مسائل :

الأول : لا يجوز أن يكون الهاشمي عاملا في الصدقات مع تمكنه من الأخماس وغيرها ، لقول الصادق علیه السلام : إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي ، وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه عز وجل للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكن قد وعدت الشفاعة ، فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم (2). وقال الصادق علیه السلام : لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم (3). وهو على العموم.

الثاني : المخالف إذا دفع زكاته إلى مثله ، وجب عليه بعد الاستبصار الإعادة ، لأنه لم يدفع الحق إلى مستحقه ، فيبقى في عهدة التكليف.

ولقول الباقر والصادق علیهماالسلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية (4).

ص: 400


1- خ ل : حاجتهم.
2- وسائل الشيعة 6 - 186 ح 1.
3- وسائل الشيعة 6 - 186 ح 3.
4- وسائل الشيعة 6 - 149 ح 2.

الثالث : أطفال المؤمنين كآبائهم تدفع إليهم الزكاة مع فقرهم للعموم ، سواء كان الأب حيا أو ميتا.

ولو كان الأب غنيا ، لم تدفع إلى الولد ، لأنه غني به ، فلو كان يمنعه من الإنفاق أعطي لحاجته.

ولو احتاج إلى أزيد في النفقة عن الواجب ، فالأقرب جواز دفعه إليه مع احتمال المنع.

ولا يجوز إعطاء أولاد الكفار ولا أولاد المخالفين ، لأنهم في الأحكام تابعون لآبائهم.

وإذا أعطي أطفال المؤمنين ، دفع الزكاة إلى وليه ، لأنه المتولي لأمره ، سواء كان رضيعا أو أكل الطعام أو لا للعموم ، ولاحتياج الرضيع إلى أجرة الرضاع والكسوة والنفقة ، وكذا (1) يدفع إلى ولي المجنون.

ص: 401


1- في « ق » الدفع.

ص: 402

الفصل السادس: ( في كيفية إخراج الزكاة )

وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في وقت الزكاة )

تجب الزكاة بعد حولان الحول في النقدين والأنعام وبعد التصفية في الغلاة ويبس الثمار ، لقول الصادق علیه السلام : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها (1). ولأن الفقراء لحاجتهم مطالبون بشاهد الحال ، فيجب التعجيل كالوديعة والدين الحال.

ولا يجوز تأخيرها مع وجود المستحق والتمكن من الإخراج ، فإن أخر معه كان ضامنا مأثوما ، لإخلاله بالواجب.

وكذا لو دفع إليه غيره زكاته ليفرقها ، أو أوصى إليه بذلك فأخر مع إمكان الدفع.

وكذا كل من كان في يده مال لغيره وطالبه فامتنع ، أو أوصى إليه بشي ء فلم يصرفه فيه ، أو دفع إليه ما يوصله إلى غيره.

ص: 403


1- وسائل الشيعة 6 - 198 ح 1.

ولو كان عليه ضرر في الإخراج ، جاز له التأخير للضرورة.

ولو أخر ليدفعها إلى من هو أحق بها كالقرابة ، أو ذي الحاجة الشديدة مع وجود المستحق ضمن وإن كانت قليلة ، لأنه أخر الواجب عن وقته.

ولو كثر المستحقون وأراد التشريك ، جاز أن يؤخر إعطاء بعض المستحقين بقدر ما يعطي غيره.

ولو أخر مع وجوب الفور ، لم تصح صلاته الموسع وقتها في أوله بل في آخره. وكذا المديون القادر مع المطالبة ، ويدخل في ضمانه ، حتى لو تلف المال بعد ذلك لزمه الضمان ، سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقير أو قبل ذلك.

وإن أتلفه أجنبي ، لم تسقط الزكاة ، لأن التمكن ليس شرطا في الوجوب بل في الضمان ، وينتقل حق المستحقين إلى القيمة أو المثل المأخوذ من الأجنبي ، لأنها بدل العين التي تعلقت الزكاة بها.

ولو لم يتمكن من الأخذ من الأجنبي ، لم يضمن إن لم يفرط. وإذا لم يتمكن من إخراجها ، لم يكن مفرطا ، سواء كان ذلك لعدم المستحق ، أو لبعد المال عنه ، أو لكون الفريضة لا توجد في المال ويحتاج إلى شرائه فلم يجد ما يشتريه ، أو كان في طلب الشراء ، أو نحو ذلك.

ولو تمكن من أداء قيمة الزكاة دون العين ، فأخر فتلف المال ففي السقوط إشكال ، ينشأ : من تمكنه من إيصال مساوي الحق إلى مستحقه. ومن تعلق الزكاة بالعين ، والقيمة تبع ، فيسقط بسقوط متبوعه وإمكان الأداء يفوت بغيبة المال ، فلو كان غائبا عنه ، لم نوجب إخراج زكاته من موضع آخر ، وإن جوزنا نقل الصدقات بغيبة المستحق للإعطاء ، وهو الفقراء ، أو السلطان أو نائبه.

ولو وجد الفقير فأخر ، أو وجد الإمام أو الساعي فأخر ، ضمن وإن سوغنا له التأخير لإعطاء القريب ، أو من هو أشد فاقة ، لأن الإمكان حاصل ، وإنما تؤخر لغرض نفسه ، فتتقيد الجواز بشرط سلامة العاقبة.

ص: 404

ولو تردد في استحقاق الحاضر فأخر ليتروى ، جاز ولم يكن ضامنا.

البحث الثاني: ( في التعجيل )
اشارة

لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت وجوبها على الأشهر ، لأنها عبادة موقتة ، فلا يجوز إيقاعها قبل وقتها كغيرها. ولقول الصادق علیه السلام وقد سأله عمر بن يزيد الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول. لأنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها. وكذا الزكاة. ولا يصوم رمضان إلا في شهره إلا قضاء ، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت (1).

وقد وردت رخصة في جواز تقديمها شهرا أو شهرين. قال الشيخ : إنه محمول على القرض ، (2) ويكون صاحبها ضامنا متى جاء الوقت وقد أيسر الآخذ.

ولا يضمن لو بقي على الاستحقاق ، لقول الصادق علیه السلام وقد سئل عن رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة يعيد المعطي (3) فإذا كان المدفوع قبل الوقت قرضا على ما اخترناه ، فلو كان النصاب يتم به سقطت الزكاة ، لانتقال بعضه عنه فينقص النصاب ، والدين لا يجبر العين ، ولا تتعلق فيه الزكاة كما تقدم.

وإن لم يتم النصاب ، احتسب ما دفعه قرضا عند الحول من الزكاة إن بقي الآخذ على الاستحقاق والمال على الوجوب ، وله استعادتها ودفعها إلى غيره ، لأنها ليست زكاة معجلة عندنا ، ولم يملكها الفقير على أنها زكاة ، بل على أنها قرض يستعيده ، وله إذا استعاده أن يدفع غيره إليه أو إلى غيره ، لأنه مال قرض استعاده ولم يتعين للزكاة.

ص: 405


1- وسائل الشيعة 6 - 212 ح 2.
2- المبسوط 1 - 227.
3- وسائل الشيعة 6 - 211 ح 1.

وللقابض دفع القرض (1) إما مثلا أو قيمة إن كانت ذات قيمة وقت القبض ، وإن كانت العين موجودة وكره المالك ، لأنه ملكها بالقرض.

ولو خرج عن الاستحقاق وتعذرت الاستعادة غرم المالك ، لأن المدفوع لم يقع زكاة ، وسبب الزكاة متجددة وإذا دفع المالك الزكاة لا على وجه القرض ، بل على وجه التعجيل قبل الوقت ، فالدفع فاسد وله الاستعادة ، وإن لم يصرح بالرجوع ، لبقائها على ملكه ، ولا يملكها الفقير. ولا ينثلم النصاب إن بقيت وتمكن من الاستعادة.

فإن قيد الدفع بأنها زكاة معجلة ، وجب على الفقير ردها إليه مع طلبه إياها لفساد الدفع ، فلا يثمر الملك. ولا يجب بدون الطلب ، لجواز أن يكون المالك قد احتسبها من الزكاة عند الوقت.

ولو لم يقيد بالتعجيل لكن قصده ، فإن علم الفقير ذلك فهو كالمصرح به ، إذ الأفعال إنما تقع على حسب القصود والدواعي ، والتقدير قصد التعجيل وهو لا يتم.

ولو لم يعلم وادعاه المالك ، احتمل تقديم قوله مع اليمين ، لأن المرجع إلى نيته ، وهو أعرف بما قصده. وتقديم قول الفقير ، لأصالة عدم الاشتراط ، وأغلبية الأداء في الوقت. وكذا لو اختلفا في ذكره.

ولو تلفت العين في يد القابض ، ضمن المثل إن كان مثليا ، والقيمة إن لم يكن.

أما زكاة الفطرة فإنه يجوز تقديمها في رمضان لا قبله على ما يأتي ، لأن وجوبها بشيئين برمضان والفطر منه ، وقد وجد أحدهما.

وأما زكاة الثمار والغلاة ، فإنه يجوز تقديمها قبل الجذاذ والحصاد والجفاف ، فيخرج الرطب ، لأن الزكاة تعلقت بها حينئذ ففي الحقيقة لا تقديم ، لكن يجوز التأخير إلى الجذاذ والجفاف.

ص: 406


1- في « ر » العوض.

ولو استغنى المدفوع إليه بالمال أو به وبمال آخر ، جاز احتسابه من الزكاة ، لأن الزكاة إنما تصرف إلى الفقير ليستغني به ، فلا يصير ما هو المقصود مانعا من الأجر. وإن استغنى بمال آخر ، لم يجز احتساب المدفوع من الزكاة ، لخروجه عن أهلية الاستحقاق.

ولو عرض شي ء من الحالات المانعة من الاستحقاق كردة ، أو استغنى ثم زال وكان بصفة الاستحقاق عند تمام الحول ، جاز الاحتساب من الزكاة.

وإذا أخذ الإمام من المالك قبل تمام الحول مالا للمساكين ، فإما أن يكون على وجه القرض ، أو ليحتسبه عن زكاته عند تمام الحول. فإن أخذه قرضا ، فإن كان قرضا بسؤال المساكين ، فضمانه عليهم ، سواء تلفت في يده ، أو سلمه إليهم ، كما لو استقرض الرجل مالا لغيره بإذنه.

ثم الدافع إن لم يعلم أن الإمام استقرض للمساكين بإذنهم ، كان له مطالبة الإمام ، ويرجع الإمام على المساكين ، وإلا لم يكن له مطالبته ، كالوكيل في الشراء.

ولو أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم اختلف في يد الإمام ، فلا ضمان على المساكين لعدم الطلب ، ولا على الإمام لأنه وكيل المالك ، كما لو دفع إليه مالا ليدفعه إلى ثالث فتلف.

ولو استقرضه الإمام بسؤال المالك والمساكين جميعا فهلك عنده ، فالأقرب أنه من ضمان المساكين ، لأنه دفعه ليستعيد عوضه.

ولو استقرضه لا بسؤال أحد منهما ، فإن لم يكن لهم حاجة إلى القرض ، فالقرض يقع للإمام وعليه ضمانه من خالص ماله ، سواء تلف في يده ، أو دفعه إلى المساكين. ثم إن تبرع بالدفع لم يرجع.

وإن أقرضهم فقد أقرضهم من مال نفسه فله الرجوع ، وإن استقرض لهم وبهم حاجة ، فإن هلك في يده ، احتمل أن يكون من مال المساكين ، لأن الإمام قبضه من مال الصدقة ، كولي اليتيم إذا استقرض لحاجته فهلك في يده ،

ص: 407

فإن الضمان في مال الصبي. وأن يكون من خالص ماله ، لعدم تعين المساكين ، وأكثرهم أهل رشد لا ولاية عليهم لأحد ، ولهذا لا يجوز منع الصدقة عنهم من غير عذر ، ولا التصرف في مالهم بالتجارة.

وإنما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة ، بخلاف اليتيم وإن دفع المال إليهم ، فالضمان عليهم والإمام طريق فيه ، فإن أخذ الزكوات والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق ، فله أن يقضيه (1) من الزكوات ، وله أن يحسبه عن صدقة القرض.

وإن لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق عند تمام حول الزكوات المأخوذة ، لم يجز قضاؤه منها ، بل يقضي من مال نفسه ، ثم يرجع على المدفوع إليه إن وجد له مالا.

وإن أخذ المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ منه عند تمام حوله ، فإن تلف بسؤال المساكين ودفع إليهم قبل الحول وتم الحول ، وهم بصفة الاستحقاق والمال بصفة الوجوب وقع الموقع ، لكن يجب أن ينوي عند الحول الإسقاط من الزكاة ، لما بينا من المنع من جواز التعجيل.

ولو كان المالك دفع إلى الإمام ليسلمه إلى الفقير ويحسبه من الزكاة عند تمام الحول ، فالوجه أنه ليس للإمام الاستعادة منه ، ويجوز للمالك ، لأن الدفع لم يقع على وجه الزكاة.

ولو خرجوا عن الاستحقاق فعليهم الضمان ، وعلى رب المال إخراج الزكاة ثانيا.

وإن تلفت في يده قبل تمام الحول من غير تفريط ، فإن خرج المالك عن الوجوب ، فله الضمان على المساكين. وفي كون الإمام طريقا احتمال.

وإن لم يخرج عن أن يجب عليه ، (2) لم يقع المخرج عن زكاته ، لأنه لم يصل

ص: 408


1- في « ر » يقبضه.
2- في « ر » فإن يجب عليه لم يقع إلخ.

إلى المستحق ، فله أخذ الضمان من المساكين ومن الإمام ويرجع عليهم.

ولو أسقط المالك الضمان عن المساكين على أنه الزكاة ، أجزأ ، لأنه كإسقاط دين في ذمتهم منها.

ولو لم يسقط الضمان عنهم من الزكاة ولا مال لهم ، جاز للإمام إذا اجتمعت الزكاة عنده صرف ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذي تسلف منهم إذا أمره المالك. وإن تسلف بسؤال المالك فإن دفع إلى المساكين ، فتم الحول وهم بصفة الاستحقاق ، جاز الاحتساب وأجزأ ، وإلا رجع المالك على المساكين دون الإمام.

ولو تلف في يد الإمام ، لم يجز له على المساكين ، سواء فرط أو لا ، كما لو دفعه إلى وكيله فتلف عنده. ثم إن تلف بتفريطه فعليه الضمان للمالك ، وإلا فلا ضمان عليه ولا على المساكين.

ولو تسلف بسؤال المالك والمساكين ، فالأقرب أنه من ضمان المالك لقوة جانبه ، إذ له الخيار في الدفع والمنع. ويحتمل أن يكون من ضمان المساكين ، لعود المنفعة إليهم ، فيكون المال من ضمانهم.

ولو تسلف لا بسؤال أحدهما ، بل لما رأى من حاجته ، احتمل أن يكون حكمه كحكم سؤالهم ، لأن مصرف الزكاة جهة الحاجة إلى قوم معين والإمام ناظرهم ، فإذا رأى المصلحة في الأخذ كان له ذلك ، وكان كما لو أخذ بسؤالهم وصار كولي الطفل وإن لا ينزل منزلة سؤالهم ، لأنهم أهل رشد.

ولو عرفوا صلاحهم في التسلف ، التمسوه من الإمام ، فعلى هذا إن دفعه إليهم فخرجوا عن الاستحقاق عند تمام الحول ، استرد منهم ودفعه إلى غيرهم.

وإن خرج الدافع عن أهلية الوجوب استرجعه ورده إليه ، فإن لم يجد المدفوع ضمنه من مال نفسه ، فرط أو لا. وعلى المالك إخراج الزكاة ثانيا لو لم يخرج عن أهلية الوجوب.

ولو كان المأخوذ لهم أطفالا لا مال لهم ، جاز للإمام التسلف لهم ، لأن

ص: 409

حاجتهم كسؤال البالغين ، إذ ليس لهم أهلية النظر والتماس التسلف.

وفي جميع المسائل لو تلف المعجل في يد الساعي ، أو الإمام بعد تمام الحول ، واحتسب المالك ذلك من الزكاة ، سقطت الزكاة عن المالك ، لأن الحصول في يدهما بعد الحول ، كالحصول في يد المساكين ، وكما لو أخذ بعد تمام الحول.

ثم الآخذ إن فرط في الدفع إليهم ، ضمن من مال نفسه لهم ، وإلا فلا ضمان على أحد. ولو انتظر انضمام غيره إليه لقلته ، فالأقرب أنه تفريط.

فروع :

الأول : لو تسلف الساعي الزكاة من غير مسألة أحد ، فإن حال الحول والدافع والمدفوع إليه من أهل الزكاة ، فقد وقعت موقعها ، وإن حال الحول وقد تغيرت الحال بعد الدفع ، بأن افتقر الدافع أو استغنى المدفوع إليه أو ارتد ، فمتى تغير حالهما أو حال أحدهما ، لم تقع الزكاة موقعها ويستردها الإمام.

وإن كان لتغير حال الدافع أو تغيرهما ردها عليه ، لأنها لم تجب عليه ، وإن كان لتغير المدفوع إليه دفعها إلى غيره.

الثاني : لو قال المالك حالة الدفع : هذه زكاتي عجلتها لك ، كان له الرجوع بها. وإن أطلق ولم يقل عجلتها ، فإن نوى التعجيل وصدقه الفقير فكالأول ، وإن اتفقا على الإطلاق ، كان له الاستعادة إن لم يسبق عليه وجوب وعلم الفقير ذلك.

ولو لم يعلم لم يقبل قوله ، لأن الظاهر أنه كان واجبا عليه ، ولا يقبل قوله بعد ذلك إنه عجلها له ، فلو طلب من الفقير الحلف على عدم علم التعجيل ، كان له ذلك.

الثالث : إذا دفع المال إلى الفقير على أنه زكاة معجلة ، كان الدفع فاسدا والملك باق على مالكه ، ولا يكون مضمونا ، بل يكون أمانة في يده ، فإن

ص: 410

حصل منه نماء - كنتاج أو ربح مضاربة - فهو للمالك. فإن دفعه على أنه قرض يحتسبه من الزكاة عند الحول ، ملكه الفقير ، وكان للمالك الرجوع ، ولا يجب الوفاء بوعد الاحتساب (1).

الرابع : لو دفع الزكاة المعجلة وقال : هذه زكاة معجلة ، فإن عرض مانع استردت ، وله الاسترداد سواء حصل مانع أو لا ، لما قدمناه من فساد الدفع.

ولو قال : هذه زكاة معجلة ، ولم يذكر الاسترداد عند المانع ، فله الاسترداد أيضا وإن لم يكن مانع. وكذا لو علم القابض أنها زكاة معجلة.

ولو كان الدافع الإمام ولم يعلم القابض أنها زكاة غيره ، ولا أنها معجلة ثبت الاسترداد لفساد الدفع ، فإن تعذر ، ضمن الإمام ، وإن فعل بدون إذن المالك بتقصيره في ترك شرط الرجوع.

ولو كان الدافع المالك ، احتمل أن لا يثبت الاسترداد أيضا ، لأن المالك يعطي الفرض والتطوع ، وإذا لم يقع عن الفرض وقع تطوعا ، والإمام يقسم مال غيره ، ولا يعطي إلا الفرض ، فكان مطلق دفعه كالمقيد بالفرض.

والوجه أن للمالك الاستعادة أيضا ، والأصل فيه أن الدفع إن وقع بغير نية كان مجرد إباحة ، للمالك الرجوع ما دامت العين باقية. وإن وقع بنية التعجيل ، كان له الاسترجاع لفساد الدفع ، كما لو دفع إلى غيره مالا على ظن أن له عليه دينا فلم يكن له ، فإن له الاسترجاع.

وكذا إن دفع على وجه القرض لتضمنه الاسترجاع.

وليس القول قول الفقير في قصد التملك بالصدقة ، بل قول المالك ، لأنه أعرف بقصده.

وكذا القول قوله مع اليمين لو قال : أنا قصدت التعجيل ولم أذكره لفظا ، وقال الفقير : لم يقصد التعجيل.

ص: 411


1- في « ر » الأصل احتساب.

ولو ادعى المالك علم القابض بأنها كانت معجلة ، فالقول قول القابض ، لأن الأصل عدم العلم ، والغالب الأداء في الوقت.

الخامس : لو أتلف المالك النصاب قبل الحول ، كان له الاسترداد ، لانتفاء وجوب الزكاة بتلف المال.

وكذا لو أتلف بعضه بحيث خرج الباقي عن كونه نصابا.

السادس : لو أتلف المسكين ما تعجله ، فإن كان قبضه قرضا ، فعليه المثل إن كان مثليا ، والقيمة وقت القرض إن لم يكن ، لأن ما زاد عليها يزاد في ملك القابض فلا يضمنه ، كما لو طلق الزوج بعد تسليم المهر وتلفه قبل الدخول ، وهو من ذوات القيم ، فإن الزوج يرجع بقيمة النصف يوم القبض.

وأما إن دفعه على أنه زكاة معجلة ، فإن قلنا إن الفقير يملك بذلك ، فكما تقدم في القرض. فإن قلنا بفساد الدفع كما هو اختيارنا فيما تقدم والملك غير حاصل ، فيضمن الفقير بأقصى القيم ، لأن يده يد ضمان ، فالزائد مضمون في يده كالأصل.

ويحتمل الضمان يوم التلف ، لأن الواجب العين ، فلا عبرة بزيادة القيمة مع وجودها ، وإنما ينتقل الحق إلى القيمة يوم التلف ، فاعتبر قيمة ذلك اليوم.

السابع : لو كان المدفوع باقيا من غير زيادة ولا نقصان ، فإن دفعه قرضا فللمالك استعادة مثله أو قيمته لا عينه ، فإن دفعه تعجيلا استرده ودفعه أو مثله إلى المستحق ، إن بقي بصفة الوجوب أو إلى غيره.

وإن كان الدافع هو الإمام ، فإن كان قرضا استرجع مثله أو قيمته. وإن كان تعجيلا استرد العين.

وهل يصرفه إلى المستحقين بدون إذن جديد من المالك؟ فإن كان المالك قد فوض إليه على التعميم ، كان له ذلك مع بقاء الوجوب على المالك ، وإن لم يعمم التفويض فالأقرب المنع ، سواء أمره بالإقراض أو بالتعجيل.

وإن زاد المدفوع زيادة متصلة ، فإن كان قرضا فللفقير الزيادة ، وإن كان

ص: 412

تعجيلا فللمالك ، وكذا المنفصلة. لظهور فساد الملك بخلاف الموهوب ، لتحقق الملك هناك ، وإن حدث فيه نقص دفع أرشه.

الثامن : المعجل لا يصير ملكا للقابض ، ويحتمله مع الإطلاق ، فيحتمل أن يكون الملك موقوفا إلى أن ينكشف الأمر في المال ، فإن حدث مانع ظهر استمرار ملك المالك ، والأظهر أنه صار ملك القابض من يومئذ.

ويحتمل أن يكون الملك للقابض ، لكن إن استمرت السلامة تبين أنه ملك عن جهة زكاة مستحقة ، وإلا تبين وقوعه قرضا ، ثم القرض يملك بالقبض ، فإن قلنا بالتوقف وجب رد الزوائد ، لتبين حدوثها على ملك المالك.

وإن قلنا بتقدير القرض ، سلمت الزوائد للقابض.

وإذا باع القابض ما قبضه معجلا ، فإن قلنا بالتوقف وحدث المانع (1) ظهر فساد بيعه ، وإن قلنا بالقرض فلا. وعلى القول بالتوقف ، يلزم رد العين لو كانت موجودة ، وعلى القرض لا يجب بل له الإبدال.

التاسع : المعجل مضموم إلى ما عند المالك ، لبقاء ملكه عليه على ما اخترناه ، فإذا استمرت الملكية (2) منه حتى حال الحول ولم يطرأ مانع ، تعلقت الزكاة حينئذ ، وجاز له الاحتساب والاسترجاع.

فلو عجل شاة عن مائة وإحدى وعشرين ، جاز له أن يحتسب المدفوع من الزكاة ، ويجب عليه شاة أخرى. وكذا لو عجل شاتين عن مائتين وواحدة. وجبت الثالثة مع الشرائط.

ولو كانت المعجلة معلوفة لم تجب الزائدة ، لأن النصاب لا يتم بها ، وإن جاز إخراجها عن النصاب. ولو قلنا إن التعجيل إقراض بعض النصاب بالمدفوع ، فيسقط الزكاة حينئذ. وإن قلنا إن الملك باق للمالك ، فإن تم الحول على السلامة أجزأه ما أخرج إذا نوى أنه أسقطه من الزكاة.

ص: 413


1- في « ق » المالك.
2- في « ر » المكنة.

وإن عرض مانع من وقوع المعجل زكاة ، فإن كان المخرج أهلا للوجوب والمال نصاب ، وجب الإخراج ثانيا. وإن كان الباقي دون النصاب ، فحيث لا استرداد فلا زكاة ، وكأنه تطوع بشاة قبل الحول ، وحيث ثبت فاسترد ، فهو مستأنف للحول ، فلا زكاة لنقصان ملكه عن النصاب قبل تمام الحول.

وقال الشيخ : عليه أن يخرج من الرأس (1) ، وإن كان الموضع الذي له الاحتساب احتسب به ، لأن ما له استرجاعه في حكم ما في يده. ولو لم يمكنه الاسترجاع في وقت ما فلا زكاة.

ولو كان عنده أربعون فعجل شاة ، ثم حال الحول ، جاز أن يحتسب بها لبقائها في ملكه ، ما دامت العين باقية ، فإن أتلفها المدفوع إليه قبل الحول ، فقد انقطع حول النصاب ، ولا زكاة على صاحبها ، وكان له استرجاع ثمنها.

ولو كان عنده مائة وإحدى وعشرين فعجل واحدة ، ثم نتجت واحدة وحال الحول ، لم يلزمه أخرى ، لأن النتاج لا يضم إلى الأمهات.

ولو مات المالك قبل الحول ، انقطع الحول ، لانفصال المال عنه ، واستأنف الوارث الحول ، ولا يبني على حول الميت.

العاشر : لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك (2) النصاب ، بإجماع علماء الإسلام.

ولو ملك بعض النصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب لم يجز ، لأنه عجل الحكم قبل سببه.

وإن ملك نصابا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربح فيه ، لم يجز عن النصاب عندنا ، لأنا نمنع من التعجيل ولا عن الزيادة لعدمها.

ص: 414


1- المبسوط 1 - 231.
2- في « ر » مالك.
البحث الثالث: ( في المتولي للإخراج )

يجوز للمالك أن يفرق زكاة ماله بنفسه ، سواء الأموال الظاهرة والباطنة ، لأنه عاقل في يده حق لغيره دفعه إليه فأجزأه ، كما لو دفع الدين إلى غريمه.

لكن الأفضل صرفها إلى الإمام ، لأنه أعرف بمواقعها ، ولأنه بتفريق الإمام على يقين من سقوط الفرض ، بخلاف ما لو فرق بنفسه ، لجواز أن يسلم إلى من ليس بصفة الاستحقاق ، خصوصا الأموال الظاهرة ، وهو نائب المساكين.

والأقرب عدم الوجوب ، لأصالة البراءة. نعم لو طلبها الإمام ، وجب الصرف إليه بذلا للطاعة ، ولقوله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (1) وهو يستلزم وجوب الإعطاء ، ولأنه مال للإمام المطالبة به ، فيجب دفعه إليه مع المطالبة كالخراج.

فإن فرقها المالك بعد طلب الإمام لها أثم ، لأن مخالفة الإمام الواجب الطاعة من أعظم الكبائر. وهل يجزي الدفع؟ قولان : من حيث إنه عبادة لم تقع على الوجه المأمور به ، فلا تقع مجزية. ومن حيث إنه أوصل المال إلى مستحقه ، فخرج عن العهدة كالدين.

ويجوز أن يدفعها إلى العامل ، لأن الإمام نصبه كذلك وهو وكيله.

ويجوز أن يدفعها إلى وكيل له في الصرف إلى الإمام ، أو في التفرقة على المستحقين ، حيث يجوز أن يصرف بنفسه ، لأنه حق مالي ، فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين. والتفرقة بنفسه أولى من التوكيل ، لأنه على يقين من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل ، ولينال أجر التفريق ، وليخص بها أقاربه وجيرانه ، وله على الوكيل غرم ما أتلف.

ولو امتنع من الدفع إلى الإمام ، قاتله الإمام علیه السلام ، فإن أجاب.

ص: 415


1- التوبة : 103

إلى إخراجها بنفسه ، احتمل الكف وعدمه ، بناء على الإجزاء وعدمه.

ولو لم يطلب الإمام ولم يأت الساعي ، أخر المالك ما دام راجيا مجي ء الساعي ، فإن أيس فرقها بنفسه ، لئلا يتأخر عن المساكين حقهم.

ولو علم الإمام من رجل أنه لا يدفع الزكاة ، طالبه بالدفع. إما بأن يحملها إليه ، أو يفرقها بنفسه. وكذا له المطالبة بالنذور والكفارات.

ولا يجوز دفعها إلى الحاكم الجائر اختيارا ، لأنه ظالم ، فلا يجوز الركون إليه. فإن دفعها إليه اختيارا ضمن ، فإن فرقها الجائر حينئذ على المستحقين ، فالأقرب الإجزاء لأنه كالوكيل.

ولو لم يعلم المالك هل وصلت إلى المستحقين أو لا؟ ضمن ، لشغل ذمته بالإخراج ، وعدم العلم بالبراءة.

ولو دفعها مكرها بعد عزلها وعدم التفريط في تفريقها ، لم يضمن لأنها كالتالفة.

ولو فرط في تفريقها ، بأن أخر دفعها إلى المستحقين ، أو إلى الإمام ، أو الساعي من قبله مع قدرته على ذلك ، ضمن لتفريطه في مال الغير.

ولو لم يعزلها ولم يعينها ، فإن أمكنه الجحود أو ادعاء التفريق مع ظن القبول منه ثم دفعها ، ضمن كالوديعة. ولو لم يتمكن احتمل الإجزاء ، لأنه بالدفع إليه يكون قد عزلها. وعدمه ، إذ لم يتعين حق الفقراء في مال المأخوذ. وولي الطفل والمجنون كالمالك.

وإذا أذن الإمام لساعيه في التفريق ، جاز أن يأخذ نصيبه منها ، لأنه مستحق وقد أمر بدفع المأخوذ إلى المستحقين. وإذا لم يعين له الإمام قدرا ، لم يجز له أن يخص نفسه بالجميع ، لأنه نصب للجمع والحفظ ، وإن سوغنا الصرف إلى واحد. وهل له أن يقلل في المدفوع إليهم بحيث يزداد نصيبه؟ إشكال ، أقربه اعتبار المصلحة في نظر الإمام لو تولاه.

ولو طلب الساعي الزكاة وادعى المالك الإخراج ، أو نقص النصاب ، أو

ص: 416

الإبدال ، أو عدم حولان الحول ، صدق بغير يمين ولا بينة ، لأنه إخبار عما في ذمته ، وكان القول قوله كغيره من العبادات.

وإذا تولى المالك الإخراج والتفريق بنفسه أو بوكيله ، أو دفعها إلى الإمام ففرقها بنفسه ، سقط سهم العامل منها ، لأنه إنما يأخذ أجر العملة ، فإذا لم يعمل لم يستحق شيئا ، ويبقى سبعة أصناف ، إن وجد جميعهم أعطاهم أو أعطى بعضهم.

ويجوز أن يقتصر على صنف واحد بل شخص واحد ، قل المال أو كثر. ولا تجب القسمة في كل صنف ، لقوله علیه السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (1). فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد.

ثم أتاه بعد ذلك مال آخر فجعله في صنف آخر غير الفقراء ، وهم المؤلفة الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصين وعلقمة بن علاثة وزيد الخيل قسم فيهم الذهبة التي بعث بها إليه علي علیه السلام من اليمن.

ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر ، لقوله علیه السلام لقبيضة بن المخارق حين يحمل فأتاه النبي صلی اللّه علیه و آله يسأله فقال : أقم يا قبيضة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها.

ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف ، لم يجز دفعها إلى واحد. نعم يستحب دفعها إلى جميع الأصناف ، أو إلى من أمكن منهم ، لما فيه من التسوية بين المستحقين.

ولو تعذر الإمام ، فالأولى صرفها إلى الفقيه المأمون. وكذا حال الغيبة ، لأنه أعرف بمواقعها ، ولأنه نائب الإمام علیه السلام ، فكان له ولاية ما يتولاه.

ص: 417


1- جامع الأصول 5 - 295.
البحث الرابع: ( في كيفية الإخراج )

قد بينا أنه لا يجب التعميم في الإعطاء ، بل يجوز صرفها إلى صنف واحد ، بل إلى شخص واحد ، لكن يستحب التعميم إن أمكن ، فيدفع إلى كل صنف ما يدفع به حاجته من غير زيادة.

فيعطى الفقير والمسكين ما يغنيهما إن أمكن. ويعطى الغارم والمكاتب ما يقضيان دينهما وإن كثر. ولو قدرا على بعض ما عليهما أعطيا الباقي.

ويعطى ابن السبيل ما يبلغه إلى بلده ، والغازي ما يكفيه لغزوه ، والعامل بقدر أجره. ولا يعطى أزيد مما يندفع به الحاجة ، لأن الدفع لها ، فلا يزاد على ما سيغنيه.

وعليه تفريق الزكاة في فقراء بلد المال ، فإن نقلها مع وجود المستحق ضمن. ويجوز النقل لو لم يجد المستحق. ويخرج زكاة الفطرة في بلد المال ، لتعلقها بالبدن لا بالمال.

ولا فرق في المنع من النقل من الموضع القريب والبعيد.

ولو فقد المستحق في بلد المال ووجد في بلدين غيره ، فإن كان أحد البلدين طريقا للآخر ، تعين التفريق في الأقرب. ولو لم يكن لذلك تخير بين البعيد والقريب مع التساوي في غلبة ظن السلامة.

ويستحب التفريق في الأصناف الثمانية إن كانوا موجودين ، وإن لم يكونوا موجودين وضعها فيمن يوجد منهم. ولو وضعها في جنس أو جنسين جاز. وإن تفرق في كل جنس على جماعة.

وإذا عدم صنف في سائر البلاد ، انتقل سهمه إلى باقي الأصناف. وإن عدم في بلد المال ووجد في غيره ، فرق في باقي الأصناف في بلد المال.

وينبغي أن يعطى الأشد حاجة والأكثر استحقاقا ما يكفيه عن غيره ، بحسب نظر الحاكم.

ص: 418

ويعطى الفقير والمسكين ما تزول به حاجتهما سنة ، لتكرر الزكاة كل سنة ، ويختلف ذلك باختلاف الناس والنواحي. والمحترف الذي لا يجد آلة لحرفته ، يعطى بقدر ما يشتريها به ، قلت قيمتها أو كثرت لتكسبه.

ويعطى التاجر ما يشتري به من النوع الذي يحسن التجارة والتصرف فيه ، ويكون قدره ما يفي ربحه بكفايته.

ويعطى ابن السبيل ما يبلغه مقصده أو موضع ماله ، ويهيأ له من الكسوة والركوب ما يحتاج إليه وما ينقل به زاده ورحله ، فيعطى أجرة المركوب أو ثمنه إن اتسع المال ، ولا يسترد منه الدابة مع وصوله ، لأنه ملكها بالإعطاء. وكما يعطى للذهاب يعطى للعود إن أراده ، لشمول الحاجة. ويعطى مئونة إقامته لحاجة يتوقع زوالها ، وإن زادت إقامته على إقامة المسافرين. والأقرب أنه يعطى تمام مئونته ، ويحتمل ما زاد بسبب السفر.

ويعطى الغازي النفقة والكسوة مدة الذهاب والمقام في السفر وإن طال ومدة الرجوع. وهل يعطى تمام المئونة أو ما يزيد بسبب السفر؟ إشكال ، ويعطى ما يشتري به الفرس إن قاتل فارسا ، وما يشتري به السلاح وآلات القتال ، ويملك جميع ذلك. ويجوز أن يستأجر له الفرس والسلاح بحسب اختلاف قلة المال وكثرته. وأن يعطى الفرس والسلاح عارية أو وقفا مما وقفه الإمام بعد أن اشتراه بهذا السهم.

وإنما يعطى إذا قرب خروجه ، ليتهيأ به للخروج ، فإن أخذ ولم يخرج استرجع منه. وإن مات في الطريق ، أو امتنع من الغزو ، استرجع الباقي ، فإن غزا وعنده بقية ، احتمل الرجوع إن لم يقتر على نفسه ، لظهور أن المعطى فوق الحاجة ، وخطأ الساعي في الاجتهاد. وإن قتر على نفسه ، أو كان الباقي يسيرا جدا ، لم يسترجع منه. ويأخذ نفقته ونفقة عياله ذهابا ومقاما وغزوا.

وهل للإمام أن يشتري من سهم الغزاة أفراسا ويجعلها وقفا في سبيل اللّه ، فيعطيهم عند الحاجة قبل وصول المال إليهم؟ الأقوى ذلك ، لأنه نائب عنهم.

ص: 419

ويعطى المؤلفة بحسب ما يراه الإمام. والعامل قدر أجرة عمله. ولو جعل له أكثر من أجرة المثل ، فسدت القسمة من أصلها ، ويرد الفاضل على باقي السهمان. ولو نقص أكمل من بيت المال ، أو من سهم باقي الأصناف على حسب ما يراه الإمام.

ولو اجتمع في شخص سببا استحقاق فما زاد ، جاز أن يأخذ بهما نصيبه للسبب كالميراث ، فإن حصل تضاد لم يجز ، كما لو دفع إلى الفقير العامل عن عمله أولا ما يغنيه ، لانتفاء السبب عن المدفوع إليه.

وإذا فقد المالك المستحق ، ففي وجوب الدفع إلى الإمام ، أو الساعي مع عدم طلبهما ، أو جواز إبقائها في يده ، إشكال ينشأ : من عدم وصولها في الحال إلى المستحق يدفعه إليهما. ومن كونهما نائبين عنه.

ولو تعذر الإمام والساعي أيضا ، استحب له عزلها من ماله وإفرادها منه ، لأنه مال لغيره. فإن تلف بعد العزل من غير تفريط ، فلا ضمان لتعيينها بتعيينه كالدين.

ولو حضرته الوفاة ، وجب عليه الإيصاء بها والإشهاد ، لأنه حق في ذمته يجب عليه إعلام الشاهدين ، أو من يعلم قيامه مقامه ، توصلا إلى إيصال الحق إلى مستحقه.

ولو عين الفطرة من غائب ، ضمن بنقله مع وجود المستحق فيه ، للتفريط بالنقل.

البحث الخامس: ( في النية )

أداء الزكاة عبادة ، فيفتقر إلى النية ، لعموم ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (1) ولأنه عمل وقال : إنما الأعمال بالنيات (2). بخلاف

ص: 420


1- سورة البينة : 5.
2- وسائل الشيعة 1 - 34 ح 10.

قضاء الدين ، فإنه ليس بعبادة ، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقه.

ومحلها : القلب ، لأنه محل الإرادات والاعتقادات. ولا يكفي التلفظ باللسان ، ولا يضر لو انضم إلى الإرادة. ولو نوى شيئا وتلفظ بغيره ، كان الاعتبار بالقصد لا الملفوظ.

ويجب فيها القصد إلى الإخراج عنده متقربا به إلى اللّه تعالى ، لوجوبه أو ندبه أو لوجههما. وتعيين كون المخرج زكاة مال أو فطرة.

ولو قال : هذا فرض زكاة مالي ، أو فرض صدقة مالي ، أو زكاة مالي المفروضة ، أو الصدقة ، صح مع النية والوجوب أجزأ (1).

ولو تصدق بجميع ماله بنية التطوع ولم ينو به الزكاة ، لم يجزيه ، لأنه ما نوى عما عليه ، فكان كما لو تصدق ببيضة ، أو صلى ألف ركعة ولم ينو الفرض.

ولا يكفي التعرض لفرض المال ، فإن ذلك قد يكون كفارة ونذرا ، ولا التعرض للصدقة ، لأنها قد تكون نافلة. ولا التعرض للزكاة ، وأيضا (2) لأنها قد تكون مندوبة.

ولا يجب تعيين المال المزكى عنه ، فلو ملك أربعين من الغنم وخمسا من النعم ، فأخرج شاة عن أحدهما من غير تعيين صح ، لأن الغرض تبعيض (3) المال ودفع حاجة الفقير. فلو أخرج شاة مطلقا ، ثم بان تلف أحد المالين ، أو تلف أحدهما بعد التمكن من الإخراج ، جاز له احتساب المخرج عن زكاة الآخر.

ولو قال : هذه زكاة مالي الغائب أو الحاضر ، صح ، لأن التعيين ليس بشرط ، فأشبه ما لو أخرج نصف دينار عن أربعين ، فإنه يصح عن عشرين غير معينة.

ص: 421


1- في « ر » أو الصدقة المفروضة مع ضم التقرب والوجوب أجزأ.
2- الظاهر زيادة كلمة « أيضا ».
3- في « ق » ببعض.

ولو عين مالا ، لم ينصرف إلى غيره مع بقاء الوجوب فيه ، كما لو أخرج شاة عن الإبل وله أربعون من الغنم ، وجب عليه شاة أخرى عن الغنم. ولو لم تبق الوجوب ، كما لو أخرج عن ماله الغائب فبان تالفا ، قال الشيخ : لم يكن له صرفه إلى الحاضر ، لأنه عينه ، فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها ولم تقع عنها ، لم يكن له صرفه إلى غيرها. ويحتمل عندي الجواز ، لظهور فساد الدفع ، فكان دينا على الفقير ، فجاز له احتسابه عن غيره.

ويجوز أن يخرج عن ماله الغائب مع شك السلامة ، ويكون نية الإخراج صحيحة ، لأصالة البقاء.

فإن قال : إن كان مالي سالما فهذه زكاة ، وإن كان تالفا فهي تطوع ، فبان سالما أجزأت نيته. لأنه أخلص النية للفرض على تقدير وجوده ، ثم رتب عليها النقل على تقدير تلفه. وهكذا حكمها لو لم يقله ، وإذا قاله لم يضر.

ولو قال : هذه زكاة مالي الغائب أو تطوع ، لم يجزيه ، لأنه لم تحصل النية للفرض ، فكان كما لو قال : أصلي فرضا أو نفلا.

وإن قال : هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما ، وإلا فهو زكاة مالي الحاضر ، أجزأه عن السالم منهما ، وإن كانا سالمين فعن أحدهما ، لأن التعيين ليس شرطا.

ولو قال : هذه زكاة مالي الغائب إن كان سالما فبان تالفا ، فالأقرب أن له الصرف إلى الحاضر.

ولو قال : إن كان مورثي قد مات وقد ورثت ماله ، فهذه زكاة فبان موته ، لا تحتسب المخرج من الزكاة ، لعدم وجوب الزكاة عندنا إلا بعد العلم بأنه ورثه ، وبعد التمكن من التصرف فيه ، ولأصالة بقاء الحياة وعدم الإرث.

بخلاف ما لو قال : إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته ، وإن كان تالفا استرجعته ، فبان سالما فإنه يجزيه ، وإن بان تالفا كان له الاسترجاع.

وهذا كما لو قال آخر شهر رمضان : أصوم غدا إن كان من الشهر ، فإنه

ص: 422

يصح. ولو قال في أوله أصوم غدا من رمضان إن كان من الشهر ، لم يصح.

ولو قال : إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته أو نفل ، وكان ماله سالما ، لم يجزيه ، لأنه لم يقصد قصد فرض خالص.

ولو نوى الإخراج عن مال مترقب التملك ، لم يجز وإن حصل ، لأنه فعل العبادة قبل حصول سببها ، فكان كما لو صلى الظهر قبل الزوال.

البحث السادس: ( في وقت النية ومن يتولاها )

وقت النية عند الدفع ، لأنها عبادة تقع على وجوه مختلفة ولا يتميز أحدهما عن صاحبه إلا بالنية وقت الدفع.

ولا يجزي تقديمها عليها بالزمن الطويل ولا القصير اليسير ، لأنه إن استدام عليه فهو المطلوب ، وإن غفل حالة الدفع عن القصد فلا يقع على وجه مخصوص.

ولو نوى بعد الدفع ، لم يجز إن دفع أولا بنية الصدقة المطلقة ، لوقوع المطلق فيه عن التطوع.

ولو دفع بغير نية والمال باق ، احتمل إجزاء النية بعده ، إذ الدفع لا يستلزم مطلقه التمليك إلا مع القصد ، وهو منفي ، فيبقى على ملكه ، فيجوز حينئذ أن ينوي صرف ما دفعه أولا إلى الزكاة المفروضة.

أما لو تلف المال في يد الفقير بفعله أو بغير فعله ، فالأقرب عدم الإجزاء ، لأنه أباحه بدفعه إليه إتلافه من غير ضمان ، فلا يصادق النية عينا ولا مستحقا في ذمته.

ثم المالك إن تولى تفريق زكاته بنفسه ، تولى هو النية عند الدفع ، لأنها تخصيص فعل المريد بما يخصصه (1) لا فعل غيره.

ص: 423


1- في « ر » يخصه.

وإن كان عن غيره. فإن كان وليا عن صبي أو مجنون ، تولى هو النية كما ينوب في التفريق ، فإن دفع من غير نية ، لم يقع الدفع وعليه الضمان لتفريطه ، لأنه دفع إلى المستحق على وجه لا يبرئ ذمة المستحق عليه.

وإن كان وكيلا ، فإن نوى المالك حالة الدفع إليه ، ونوى هو حالة الدفع إلى الفقراء ، أجزأ إجماعا ، لأنه أوقع العبادة على وجهها. وإن لم ينو أحدهما لم يجز إجماعا.

ولو نوى الوكيل خاصة ولم ينو الموكل ، قال الشيخ : لم يجز (1) لأن الفرض يتعلق به والإجزاء يقع عنه. والأقرب عندي الجواز ، لأنه فعل تدخله النيابة ، فصح مشروطه.

ولو وكل وكيلا وفوض النية إليه فأولى بالجواز.

ولو نوى الموكل خاصة دون الوكيل ، فإن كان حال الدفع إلى الفقير جاز. وإن تقدمت النية ، لم يجز كما تقدم.

ولو دفعها إلى الإمام باختياره ، ونوى حال الدفع إلى الإمام أو الساعي ، ولم ينو الإمام أو الساعي حال التفريق جاز ، لأنه وكيل الفقراء ونائب المستحقين ، فالدفع إليه كالدفع إليهم.

وإن لم ينو المالك ونوى الإمام ، قال الشيخ : لم يجزيه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، غير أنه ليس للإمام مطالبته دفعة ثانية (2). لأن الإمام إما وكيله أو وكيل الفقراء أو وكيلهما معا ، وأيا ما كان لا تجزي نيته عن نية رب المال ، ولأن الزكاة عبادة تجب لها النية ، فلا تجزي عمن وجبت عليه بغير نية إذا كان من أهلها كالصلاة ، ولأن الإمام نائب الفقراء ولو دفع إليهم بغير نية لم يجز ، فكذا إذا دفع إلى نائبهم.

ويحتمل الإجزاء لأن أخذ الإمام بمنزلة القسم بين الشركاء ، فلا يحتج إلى

ص: 424


1- المبسوط 1 - 233.
2- المبسوط : 1 - 233.

نية ، ولأن للإمام ولاية الأخذ ، ولهذا يأخذ من الممتنع اتفاقا ، ولو لم يجزيه لما أخذها أولا لأخذها ثانيا وثالثا حتى ينفذ ماله ، لأن أخذها إن كان لإجزائها لم يحصل بدون النية ، وإن كان لوجوبها فهو باق بعد أخذها ، لأنه لا يدفع إلى السلطان إلا الفرض ، وهو لا يفرق على أهل السهمان إلا الفرض ، فأغنت هذه القرينة عن النية.

وإن أخذها الإمام منه كرها ، قال الشيخ : أجزأت عن المالك (1). سواء نوى المالك أو لا إذا نوى الإمام ، لأنه لم يأخذ إلا الواجب ، ولأن قسمة الإمام قائمة مقام قسمة الممتنع ، فيقوم نية الإمام مقام نيته. وكما أن نية الولي تقوم مقام نية الصبي ، ولأن بامتناعه تعذرت النية في حقه ، فيسقط وجوبها عنه كالصبي والمجنون.

ويحتمل عدم الإجزاء باطنا ، لأنه لم ينو وهو متعبد بأن يتقرب ، وإنما أخذت منه عدم الإجزاء حراسة للعلم ، كما يجب على المكلف الصلاة ليأتي بصورتها ، ولو صلى بغير نية لم يجزيه عند اللّه تعالى.

أما لو نوى المالك حالة الأخذ ، فإنها تبرئ ذمته ظاهرا وباطنا ، ولا حاجة إلى نية الإمام.

ولو لم ينو الإمام ولا المالك ، لم يسقط الفرض في الباطن ولا في الظاهر على الأقوى ، لأنه عبادة لم تقع على وجهها.

البحث السابع: ( في بقايا مباحث هذا الباب )

الأول : كان النبي صلی اللّه علیه و آله وأمير المؤمنين علیه السلام يبعثان السعاة لأخذ الزكوات ، لأن جماعة من الناس لا يعرفون الواجب ولا ما يجب فيه من تصرف إليه ، فيبعثان ليأخذوا ممن تجب عليه ما يجب ويضعونه حيث يجب.

ص: 425


1- نفس المصدر.

والمال : إما أن لا يعتبر فيه الحول ، كالثمار والزروع ، وبعث السعاة لوقت وجوبها ، وهو إدراك الثمار واشتداد الحبوب ، ولا يختلف في الناحية الواحدة كثير اختلاف. وإما أن يعتبر ، كالنقدين والأنعام ، وأحوال الناس فيه مختلف ، ولا يمكن بعث ساع إلى كل واحد عند تمام الحول ، فينبغي أن يعين شهرا يأتيهم الساعي فيه.

وليس واجبا لأصالة البراءة ، فإذا جاءهم فيه فمن تم حوله أخذها منه ، ومن لم يتم حوله فيستحب له أن يعجل إن سوغناه ، فإن لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته. وإن شاء أخره إلى مجيئه من قابل ، فإن وثق به فوض التفريق إليه.

فإن كانت المواشي ترد الماء أخذها على مياههم ، ولا يكلفهم ردها إلى البلد ، ولا يلزمه أن يتبع الراعي ، فإن اجتزأت بالكلاء في وقت الربيع ولا ترد الماء ، أخذ الزكاة في بيوت أهلها.

الثاني : يستحب وسم نعم الصدقة والفي ء إلى أن يعرف ، وليس مكروها ، لأن عبد اللّه بن أبي طلحة عامل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يسم إبل الصدقة. والفائدة في تمييزها عن غيرها ، رد الواجد لها لو شردت ، ومعرفة المالك فلا يستردها بشراء.

وليكن الوسم في الموضع الصلب المنكشف ، كآذان الغنم وأفخاذ الإبل والبقر. ويكره في الوجه ، لورود النهي عنه. وليكن ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر ، وميسم البقر ألطف من ميسم الإبل. وأن يكتب في الميسم ما يؤخذ له من زكاة أو جزية.

الثالث : يستحب للساعي أو الإمام أو الفقير إذا أخذ أحدهم الزكاة الدعاء لصاحبها ، قال اللّه تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (1) وكان النبي صلی اللّه علیه و آله إذا أتاه بصدقتهم قال : اللّهم صل على آل فلان (2). ويجوز أن يأتي بهذه

ص: 426


1- سورة التوبة : 301.
2- جامع الأصول 5 - 359.

اللفظة اقتداء برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ولقوله تعالى ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (1).

ولا يجب هذا الدعاء ، لأصالة البراءة ، ولقوله علیه السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (2). ولم يأمره بالدعاء ، ولأنه لا يجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى.

وينبغي أن يقول لصاحبها : آجرك اللّه على ما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت ، وجعله لك طهورا ، أو ما يشبه ذلك.

وينبغي للمالك أن يقول حال الدفع : اللّهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما ، ويحمد اللّه تعالى على أدائها.

الرابع : إذا دفع الزكاة إلى من يظنه فقيرا ، لم يجب إعلامه أنها زكاة ، لأنه ربما يستحي من ذلك ويلحقه الغض به.

ويعطى الكبار والصغار ، وإن لم يأكلوا الطعام لإنه فقير محتاج إلى الزكاة لأجل رضاعته وكسوته وسائر مئونته ، وتدفع إلى وليه لا إليه لأنه القابض لحقوقه ، فإن لم يكن له ولي دفعها إلى من يعبأ بأمره كأمه أو غيرها. وكذا المجنون ، فلو دفع إلى الصبي المميز الذي يعلم أو يظن التحفظ ، ففي الإجزاء نظر.

الخامس : يكره لمن أخرج زكاة ماله أن يشتريها أو يتهبها ، وبالجملة أن يملكها اختيارا. ولا بأس بعودها إليه بميراث وشبهه ، كالقبض من المديون ، لقوله علیه السلام : ولا تعد في صدقتك (3). وليس محرما ، لقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (4) وقوله علیه السلام : لا تحل الصدقة لغني

ص: 427


1- سورة الأحزاب : 43.
2- جامع الأصول 5 - 295.
3- سنن ابن ماجة 2 - 799.
4- سورة النساء : 29.

إلا لخمسة : لغاز في سبيل اللّه ، أو لغارم ، أو لعامل عليها ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو رجل له جار مسكين ، فتصدق على المسكين ، فأهدى المسكين للغني (1).

ولو احتاج إلى الشراء ، بأن يكون الفرض جزءا من حيوان ، لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ، ولا يجد من يشتريه سوى المالك ، ولو اشتراه غيره تضرر المالك بسبب المشاركة ، أو احتاج الساعي إلى بيع الثمرة قبل الجذاذ ، زالت الكراهية دفعا للمشقة.

ويجوز احتساب الدين الذي على الفقير من الزكاة ، فيسقطه عنه منها ، سواء كان حيا أو ميتا ، لأن الإسقاط في معنى الأداء المأمور به. وأن يدفع إليه قدر الدين ثم يرده الفقير قضاء إليه. ويكره إن كان حيلة ، لما فيه من تملك الصدقة اختيارا. وأن يستقرض الذي عليه الدين ويرده عليه ويحسبه من الزكاة.

وإذا أعطى من يظنه فقيرا فبان غنيا ، أجزأ مع عدم التفريط ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله أعطى الرجلين الجلدين وقال : إن شئتما أعطيتكما منها ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكسب (2). ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفي بقولهم ، ويعسر الاطلاع عليه ، قال اللّه تعالى ( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) (3) واكتفي بظهور الفقر ودعواه. وإن بان كافرا فكذلك مع الاجتهاد.

وكذا لو كان عبدا لغيره أو هاشميا أو قرابة ممن لا يجوز الدفع إليه ، لحصول المشقة بالاستقصاء في البحث عن ذلك.

السادس : يجوز للساعي بيع الصدقة أو بعضها مع الحاجة إليه من كلفة في نقلها أو مرضها ونحو ذلك ، روي أن النبي صلی اللّه علیه و آله رأى في إبل

ص: 428


1- جامع الأصول 5 - 367.
2- جامع الأصول 5 - 367.
3- سورة البقرة : 273.

الصدقة كوما فسأل عنها ، فقال المصدق إني أرتجعها بإبل فسكت. والرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها. ولو لم يكن حاجة بطل البيع وضمن ، إلا أن يجعل له الإمام ذلك بالتبعيض أو الإطلاق.

السابع : الزكاة تجب في العين لا في الذمة ، لقوله علیه السلام في أربعين شاة شاة. (1) وقوله علیه السلام : فيما سقت السماء العشر (2). وغير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف « في » الدالة على الظرفية ، ولسقوطها بتلف النصاب بعد الحول قبل إمكان الأداء ، أو الإخراج من غير النصاب رخصة.

ولو كان عنده نصاب واحد لا أزيد ، فحال عليه حولان فما زاد لم يخرج منه الزكاة ، وجبت زكاة سنة واحدة ، لأن تعلق الزكاة في الحول الأول بالمال ينقص النصاب ، فيفقد شرط الوجوب في الحول الثاني. ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك ، لأن تعلق الشاة بها ينقص النصاب ، وكون الواجب من غير النصاب في الجنس لا يخرج تعلقها بالعين.

الثامن : في تعلق الزكاة بالعين احتمال الشركة ، فيصير المستحقون شركاء للمالك ، لأن الواجب تتبع المال في الصفة ، حتى يؤخذ من المراض مريضة ، ومن الصحاح صحيحة. ولأنه لو امتنع المالك من إخراج الزكاة أخذها الإمام من عين النصاب.

كما يقسم على الشركاء أموالهم إذا امتنع البعض ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن الزكاة شائعة في الجميع متعلقة بكل واحدة من الشياه بالقسط.

ثانيهما : أن يحل الاستحقاق قدر الواجب ثم يتعين بالإخراج ، واحتمال تعلق الوثيقة ، لأنه لو صار شريكا لما جاز للمالك الإخراج من موضع آخر ، كما لا يجوز للشريك دفع حق الشريك من غير مال الشريك ، فيحتمل حينئذ

ص: 429


1- جامع الأصول 5 - 309.
2- جامع الأصول 5 - 317.

تعلقها به تعلق الدين بالرهن ، لأنه لو امتنع من أداء الزكاة ولم توجد السن الواجبة في ماله ، كان للإمام بيع بعض النصاب وشراء السن الواجبة.

كما يباع المرهون لقضاء الدين ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن جميع المال مرهون.

ثانيهما : المرهون قدر الزكاة ، وتعلق الأرش برقبة العبد الجاني ، لسقوط الواجب بهلاك النصاب ، كسقوط الأرش بتلف العبد ، فلو تعلق الدين بالرهن لما سقطت.

فلو باع المالك النصاب كله بعد الحول قبل الأداء (1) فالوجه صحة البيع ، لضعف علقة حق الفقراء بالمال ، فيسامح فيه ما لا يسامح في غيره ، ولهذا كان للمالك إبطال حقهم منه بالدفع من غيره وإن كره الفقير. فإذا باعه فقد اختار الدفع من غيره. ثم إن دفع البائع عوض مال المساكين من غيره مضى البيع ، لأن له دفع العوض وإن لم يدفع كان للمشتري الرد بالعيب ، لأنه باع ما لا يملك. وليس يمكنه مقاسمة (2) المساكين ، لأن ذلك إلى رب المال ، وهو المطالب به ، قال الشيخ : ويحتمل ذلك في الأنعام دون الباقي.

فإذا امتنع المالك من أداء الزكاة من غير المال ، تبع الساعي المشتري وأخذ الزكاة منه ، فيبطل البيع في قدر الزكاة ، ولا ينفسخ في الباقي ، بل يتخير المشتري مع الجهل ، لتبعيض الصفقة عليه. فإن اختار الإمضاء فيقسطه من الثمن.

ولو لم يأخذ الساعي الواجب من المشتري ولم يرد البائع الزكاة من غيره ، تخير المشتري إذا علم ، لتزلزل ملكه وتعرضه لأخذ الساعي ، فإن أدى البائع من غيره ، سقط اختيار المشتري ، لحصول استقرار الملك. كما لو اشترى معيبا ولم يرده حتى زال العيب سقط الرد. ويحتمل عدمه ، لإمكان خروج ما دفعه

ص: 430


1- في « ر » الإخراج.
2- في « ق » قسمة.

المالك إلى الساعي مستحقا ، فيرجع الساعي إلى غير المال.

وإن باع بعض النصاب ، فإن كان الباقي أقل من الواجب ، فحكمه كما لو باع الجميع ، وإن كان بقدره إما على قصد صرفه إلى الزكاة ، أو لا على هذا القصد ، فإن قلنا بالشركة ، احتمل صحة البيع ، لأن حقه ما باعه. والمنع ، لسريان حقه أهل السهمان في الجميع ، فأي قدر باعه كان حقه وحقهم.

التاسع : يجوز أن يقتصر بالزكاة على صنف واحد ، بل على شخص من صنف واحد وإن كثر المال. ولا يجب البسط على الأصناف ، لقوله علیه السلام لمعاذ : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (1). فذكر صنف الفقراء. نعم يستحب ذلك خصوصا مع كثرة المال.

ويجوز أن يعطى الفقير غناه دفعة ودفعات. وأن يعطى ما يزيد على غناه دفعة لا دفعات ، بل يحرم إذا بلغ حد الغناء إعطاء الزائد عليه. قال الباقر علیه السلام : إذا أعطيته فأغنه (2).

ويكره أن يعطى الفقير أقل من خمسة دراهم أو نصف دينار ، وهو ما يجب في النصاب الأول ، لما فيه من الاستهانة بالفقير ، ولقول الصادق علیه السلام : لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم (3). وهو أقل ما فرض اللّه تعالى من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم.

وليس ذلك واجبا ، بل يجوز أن يعطى أقل ، لأن محمد بن الصهبان كتب إلى الصادق علیه السلام : هل يجوز يا سيدي أن يعطى الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة ، فقد اشتبه ذلك علي؟ فكتب : ذلك جائز (4).

العاشر : ينبغي أن يعطى زكاة الذهب والفضة والغلاة أهل الفقر والمسكنة المعروفين بأخذ الزكوات ، وزكاة النعم أهل التجمل المترفعين عن أخذ

ص: 431


1- جامع الأصول 5 - 295.
2- وسائل الشيعة 6 - 179 ح 4.
3- وسائل الشيعة 6 - 177 ح 2.
4- وسائل الشيعة 6 - 177 ح 1.

الزكاة ، لقول الصادق عليه : صدقة الظلف والخف تدفع إلى المتجملين من المسلمين ، وصدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز مما أخرجت الأرض للفقراء المدقعين قال ابن سنان : وكيف ذلك؟ قال : لأن المتجملين يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس (1).

ولو استحيا الفقير من طلبها ، استحب له أن يواصل بها ولا يعلم بأنها صدقة ، لأن الواجب الدفع. وهو حاصل مع عدم الإعلام ، وفي تركه تعظيم للمؤمن. قال الباقر علیه السلام : أعطه ولا تسم له ولا تذل المؤمن (2).

ويكره لمستحق الزكاة الامتناع من أخذها مع حاجته ، بل قد يحرم ، قال الصادق علیه السلام : تارك الزكاة وقد وجبت له مثل مانعها (3).

الحادي عشر : العبد المشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ، كان ميراثه للإمام ، لأنه وارث من لا وارث له. وقيل : لأرباب الزكاة ، لأنه اشتري بمالهم ، ولقول الصادق علیه السلام : يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة (4). لأنه إنما اشتري بمالهم.

ص: 432


1- وسائل الشيعة 6 - 182 ح 1.
2- وسائل الشيعة 6 - 219 ح 1.
3- وسائل الشيعة 6 - 218 ح 3.
4- وسائل الشيعة 6 - 203 ح 2.

المقصد السابع: ( في زكاة الفطرة )

وفيه فصول :

الفصل الأول: ( من تجب عليه )

أجمع العلماء على وجوب زكاة الفطرة ، قال علیه السلام : فرض زكاة الفطرة من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ، وذكر أو أنثى (1). وسئل الصادق علیه السلام عن الفطرة؟ فقال : على الصغير والكبير والحر والعبد ، كل إنسان صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبيب (2).

ولا تجب إلا على المكلف ، فلا تجب على الصبي عند علمائنا أجمع وإن وجبت عنه ، لقوله علیه السلام : رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ (3). وهو ظاهر في سقوط الأحكام الشرعية عنه. وكتب محمد بن القاسم إلى الرضا علیه السلام يسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا لم يكن لهم مال؟

ص: 433


1- جامع الأصول 5 - 347.
2- وسائل الشيعة 6 - 227 ح 1.
3- الخصال ص 175.

فكتب : لا زكاة على مال يتيم (1). ولأنها جعلت طهرا للصائم من الرفث واللغو ، وإنما يصح في حق البالغ.

ولا تجب على المجنون لذلك أيضا ، ولا على من أهل شوال وهو مغمى عليه ، لأن مناط التكليف العقل وهو زائل.

ولا تجب على العبد أيضا إجماعا ، لأن شرط وجوبها الغنى ، وهو مفقود عنه. نعم تجب على السيد أداؤها عنه. وحكم أم الولد والمدبر والمكاتب المشروط عليه حكم القن.

وكذا المكاتب المطلق إذا لم يتحرر منه شي ء ، فإن تحرر منه شي ء وجبت عليه ، وعلى السيد بالحصص إذا ملك بنصيب الحرية ما تجب فيه الزكاة.

ولا تجب على الفقير بل على الغني. ونعني به من يملك قوت السنة له ولعياله على الاقتصاد. وبالجملة من يحرم عليه أخذ الزكاة عند علمائنا ، لقوله علیه السلام : لا صدقة إلا عن ظهر غنى (2). وسئل الصادق علیه السلام عن رجل يأخذ من الزكاة أعليه صدقة الفطرة؟ قال : لا (3). والمكتسب وذو الصنعة إذا اكتفيا بهما غنيان.

وتجب على المديون وإن استوعب الدين المال.

وإنما يعتبر اليسار وقت الوجوب ، ولو كان معسرا عنده ثم أيسر بعد ذلك ، لم تجب الزكاة عليه ، لفقدان الشرط.

وتجب على الكافر ، لأنه عندنا مخاطب بفروع العبادات ، فيدخل تحت عموم الأمر بها ، ولا يصح منه أداؤها ، لامتناع حصول الشرط ، وهو نية التقرب في حقه ، فإذا أسلم سقطت عنه كغيرها من العبادات ، لقوله علیه السلام : الإسلام يجب ما قبله (4).

ص: 434


1- وسائل الشيعة 6 - 226 ح 2.
2- جامع الأصول 7 - 301.
3- وسائل الشيعة 6 - 223 ح 1.
4- الخصائص الكبرى 1 - 249.

ولو كان له عبد مسلم ، أو قريب مسلم ، وجب عليه عنهما ، والمرتد يجب عليه ولا تسقط عنه بإسلامه.

ويستحب للفقير إخراجها وإن أخذها ، فيدير صاعا على عياله ، ثم يخرجها عنهم إلى المستحق الأجنبي ، لما فيه من المواساة.

الفصل الثاني: ( في المؤدى عنه زكاة الفطرة )
اشارة

قد يؤديها الإنسان عن نفسه ، وقد يؤديها غيره عنه (1) ، والأصل فيه قوله علیه السلام : أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون (2). وقال الصادق علیه السلام : كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه (3).

وأسباب العيلولة ثلاثة : النكاح ، والملك ، والقرابة. وكلها تقتضي لزوم الفطرة. والمتبرع بالإنفاق على الغير تجب عليه فطرته عنه للعموم.

ولا فرق بين أن يكون المعال صغيرا أو كبيرا ، حرا أو عبدا ، مسلما أو كافرا. فلو عال مملوك الغير ، سقطت عن المالك ووجبت على العائل ، لوجود المقتضي.

وفي أسباب العيلولة مباحث :

البحث الأول: ( النكاح )

المقتضي لوجوب الفطرة هو نكاح المزكي ، فيجب عليه فطرة زوجته ، وإن كانت كافرة دون زوجة أبيه ، لانتفاء وجوب الإعفاف عندنا ، ودون زوجة

ص: 435


1- في « ر » عن غيره.
2- وسائل الشيعة 6 - 230 ح 15.
3- وسائل الشيعة 6 - 229 ح 8.

الابن أيضا. ونفقة زوجة العبد على مولاه ، فيجب عليه فطرتها.

ولو زوج الابن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة زوجته ، فعليه فطرتها.

وخادم الزوجة إن كان بأجرة ، لم يكن على الزوج فطرته ، لأن الواجب الأجر دون النفقة. وإن كان لها ، فإن كان ممن لا تجب لها خادم ، فليس عليه نفقة خادمها ولا فطرته.

وإن كان ممن يخدم مثلها ، فعلى الزوج أن يخدمها ، ثم يتخير بين أن يشتري لها خادما أو ينفق على خادمها ، أو يكتري لها خادما ، فإن اختار الإنفاق على خادمها فعليه فطرته. وإن استأجر لها خادما فليس عليه نفقته ولا فطرته ، سواء شرط عليه مئونته أو لا ، لأن المئونة إذا كانت أجرة ، فهي من مال المستأجر ، وإن تبرع بالإنفاق على من لا يلزمه نفقته ، فحكمه حكم من تبرع بالإنفاق على أجنبي.

ويجب على الزوج الفطرة عن زوجته وإن لم يعلها ، إذا لم يعلها غيره ، سواء كانت حاضرة أو غائبة. ولو عالها غيره ، وجبت على العائل.

ولو نشزت في وقت الوجوب قبل تحققه ، ففطرتها على نفسها دون الزوج ، لسقوط نفقتها عنه ، بخلاف المريضة فإن عدم الإنفاق عليها لعدم الحاجة لا لخلل في المقتضي لها وهو التمكن ، فلا يمنع ذلك من ثبوت نفقتها وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها ، كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه ، والصغيرة التي لا تمكن الاستمتاع بها ، فإنه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها.

ولو كانت الزوجة موسرة والزوج معسرا ، فلا فطرة عليه لإعساره ، وإن وجبت عليه لأنها آكد لوجوبها على المعسر والعاجز ، وترجع عليه بها عند يساره ، ولأن النفقة عوض والفطرة عبادة مشروطة باليسار.

وهل تجب عليها الفطرة عن نفسها؟ إشكال ، ينشأ : من أن الفطرة هل تجب عليها ابتداء ويتحمل عنها الزوج ، أو تجب على الزوج ابتداء ، احتمال منشؤه دلالة قول الصادق علیه السلام : الفطرة على الصغير والكبير ابتداء

ص: 436

والحر والعبد (1) على الأول ، وقوله علیه السلام : كل من ضممت إلى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه (2) على الثاني ، فإن قلنا بالأول فالزكاة عليها ، لوجود المقتضي السالم عن معارضة التحمل. وإن قلنا بالثاني ، سقطت الزكاة عنهما معا.

أما الناشزة فتجب فطرتها عليها ، وإن حكمنا بأصالة الوجوب على الزوج ، لأنها بالنشوز أخرجت نفسها عن إمكان التحمل (3).

ولو كانت زوجة الموسر أمة ، فإن وجب عليه نفقتها وجبت عليه فطرتها ، وإلا كانت الفطرة على مولاها.

ولو كان الزوج معسرا ، احتمل وجوب الفطرة على سيدها ، وعدم وجوب الفطرة مطلقا ، والتفصيل وهو إن وجبت على الزوج نفقتها سقطت ، وإلا وجبت على المولى.

البحث الثاني: ( الملك )

ويجب أن يخرج الإنسان الموسر الفطرة عن كل مملوك له ، ذكرا وأنثى صغيرا وكبيرا ، وإن لم يعله إذا لم يكن في عيلولة أحد ، سواء كان حاضرا أو غائبا. ولو عاله غيره فالزكاة على العائل.

ولا يسقط وجوب النفقة بالإباق ، فيجب على مولاه الفطرة عنه. وكذا المرهون والمغصوب والضال وإن انقطع خبره ما لم يغلب ظن الموت.

والجاني والمستأجر وفطرة العبد المشترك على مواليه للعموم. ويجب على الجميع صاع واحد بالحصص ، فإن اختص أحدهم بالعيلولة تبرعا اختص بها.

ص: 437


1- وسائل الشيعة 6 - 227 ح 1.
2- وسائل الشيعة 6 - 229 ح 8.
3- في « ر » المتحمل.

ولو وقعت مهاياة بين الموالي ، أو بين المتحرر بعضه وبين مولاه ، فوقع الهلال في نوبة أحدهما ، ففي اختصاصه بالفطرة إشكال ، ينشأ : من وجوب الإنفاق على صاحب النوبة والفطرة تتبعه ، ومن كون الإنفاق في الحقيقة مشتركا. وينشأ : من كون الفطرة من المؤن المعتادة ، لأنها معلومة القدر والوقت معدودة من وظائف السنة أو النادرة لعدم تعيين يوم العيد في السنة لاختلاف الأهلة. وبتقدير الثاني فهل يدخل في المهاياة من حيث إن مقصود المهاياة بالتفاضل والتمايز ، فليخص كل منهما بما ينفق في نوبته من الغنم والغرم ، أو لا من حيث إن النوادر مجهولة لا تخطر بالبال عند المهاياة.

والغائب تجب فطرته عند الهلال ولا ينتظر عوده. ولو لم يعلم حياته قال الشيخ : لا تجب فطرته (1). والأولى الوجوب ما لم يعلم أو يظن الموت. وقال : لا تجب على المولى فطرة عبد المغصوب (2) ، لعدم تمكنه منه. وليس بجيد.

ولو اجتمع الدين وفطرة العبد على الميت بعد الهلال ، قسمت التركة عليهما بالحصص عند قصور التركة ، لأنهما فرضان فتبسط التركة عليهما.

ولو مات قبل الهلال فلا زكاة على الوارث ولا على غيره ، إلا أن يعوله أحدهما ، لتعلق الدين بالتركة. والأقرب عندي وجوب الفطرة على الوارث ، لانتقال التركة إليه.

ولو أوصي له بعبد فقبل قبل الهلال ومات الموصي قبله ، وجبت عليه الزكاة عنه. ولو قبل بعد الهلال ، سقطت عنه. وفي الوجوب على الوارث احتمال ، ينشأ : من انتقال التركة إليه وعدمه.

ولو اتهب عبدا ، فإن قبضه قبل الهلال ، وجبت زكاته عليه ، وإلا فعلى الواهب. وإن مات قبل الهلال ، بطلت الهبة ووجبت على الوارث ، وكذا لو مات المتهب قبل القبض.

ص: 438


1- المبسوط 1 - 239.
2- المبسوط 1 - 240.

ولو أوصى برقبة عبده لشخص ولآخر بمنفعته ، فالزكاة على الأول ، لوجوب النفقة عليه.

والعبد الموقوف على رجل تجب فطرته عليه ، لانتقال الوقف إليه على الأقوى ، وعلى الآخر لا فطرة. وكذا لا فطرة على العبد الموقوف على المسجد ، أو على بيت المال.

وعبيد التجارة تجب فطرتهم ، وإن تعلقت بهم زكاة التجارة استحبابا أو وجوبا على الخلاف للعموم. ولا يجتمع هنا زكاتان ، لتعلق الفطرة بالبدن ، ولهذا وجبت على الأحرار ، والتجارة بالقيمة وهي المال.

وعبيد التجارة في يد المضارب زكاتهم على العامل والمالك إن ظهر فيهم ربح ، وإلا فعلى المالك. وعبد العبد فطرته على المولى.

البحث الثالث: ( القرابة )

كل من وجب عليه نفقته من الأقارب ، وهم العمودان وإن علوا والأولاد وإن نزلوا ، تجب عليه فطرته ، لعموم قوله علیه السلام : أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون (1).

وإنما يجب على الأب فطرة ابنه المعسر بعد انفصاله حيا ، ولا تجب على الحمل ، لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا ، إلا في الإرث والوصية بشرط أن يخرج حيا.

والمطلقة رجعية كالزوجة. والبائن إن كانت حاملا ، فإن قلنا النفقة للحمل فلا فطرة ، وإن قلنا للحامل وجبت.

ولو وجد القريب قوته ليلة العيد ويومه ، سقطت فطرته عن المنفق ،

ص: 439


1- وسائل الشيعة 6 - 230 ح 15.

لسقوط نفقته عنه وسقطت عنه لفقره. ولا فرق بين أن يكون الولد صغيرا أو كبيرا.

وكل من وجبت زكاته على غيره سقطت عنه ، كالزوجة والضيف الموسرين ، ولو أخرجا الزكاة عن أنفسهما بإذن الزوج والمضيف ، أجزأ إجماعا ، ولو كان بدون إذن ، احتمل الإجزاء وعدمه ، ومنشأ الإشكال : التحمل ، أو الأصالة.

الفصل الثالث: ( في الوقت )

وتجب بغروب الشمس ليلة العيد ، لأنها أضيفت إلى الفطر. قال ابن عباس : إن النبي صلی اللّه علیه و آله فرض زكاة الفطرة طهرة للصائم من الرفث واللغو (1). فتجب به كزكاة المال ، لأن الإضافة دليل الاختصاص.

ويمتد وقتها بامتداد وقت صلاة العيد ، وهو زوال الشمس من يوم الفطر. فلو بلغ قبل الغروب ، أو أسلم ، أو زال جنونه ، أو استغنى ، أو ملك عبدا ، أو ولد له ولد ، وجبت. ولو حصل ذلك كله بعد الغروب ، استحب له إن لم يصل العيد. ولو حصلت بعد صلاة العيد ، سقطت وجوبا واستحبابا.

ولو مات عبده ، أو ولده ، أو زوجته ، أو طلقها بائنا بعد الغروب ، وجبت فطرتهم.

ولو باع عبده بعد الغروب ، فالزكاة عليه. وإن كان قبله ، فالزكاة على المشتري ، وإن كان في مدة خيار البائع.

ولو اتهب العبد قبل الغروب ولم يقبض إلا بعده ، فالزكاة على الواهب ، لأن انتقال الهبة بالقبض.

ص: 440


1- جامع الأصول 5 - 354.

ولو أوصي له بعبد ومات الموصي قبل الغروب ولم يقبل الموصى له إلا بعد الغروب ، فالفطرة في تركة الميت ، أو على الوارث ، أو لا فطرة إن جعلنا القبول سببا أو جزءا. وإن جعلناه كاشفا فالفطرة على الموصى له.

ولو مات الموصى له قبل القبول والرد فقبل ورثته ، فالوجهان.

ولو مات المولى بعد غروب الشمس ، فالزكاة عليه في تركته وقبله على الوارث.

ويستحب إخراجها بعد طلوع الفجر يوم العيد قبل صلاة العيد. وهل يجوز تقديمها؟ قال الشيخ : نعم بيوم أو يومين ، أو من أول الشهر (1). والوجه أن ذلك على سبيل القرض ، لعدم الإجزاء قبل وجود السبب ، كالمكفر قبل الحنث.

ويحرم تأخيرها عن الزوال ، لأنها عبادة موقتة ، فيحرم تأخيرها عن وقتها كغيرها من الموقتات.

ثم إن كان قد عزلها قبل الزوال ، وجب عليه إخراجها بنية الأداء. وإن لم يكن قد عزلها ، قيل : سقطت ، لفوات الوقت. وقيل : يجب أن يأتي بها قضاء ، لعدم سقوط الفريضة بفوات وقتها. وقيل : أداء. والأجود الأوسط.

ولو أخر دفعها بعد العزل مع الإمكان ، فعل حراما وكان ضامنا. ولو لم يتمكن فلا إثم ولا ضمان.

ولا يجوز حملها إلى بلد آخر مع وجود المستحق فيضمن. ولو فقد المستحق جاز الحمل ولا ضمان.

ولو أخر العزل مع عدم المستحق ، فلا إثم ولا يقضي (2).

الفصل الرابع: ( في الواجب )

( في الواجب ) (3)

ص: 441


1- المبسوط 1 - 242.
2- في « ر » ويقضي.
3- كذا في النسخ الموجودة عندي.

ص: 442

كتاب البيع

اشارة

وفيه مقاصد :

ص: 443

ص: 444

المقصد الأول: في ماهيته وأركانه

اشارة

وفيه فصول :

ص: 445

ص: 446

الفصل الأول: ( في ماهيته وصيغته )

وفيه بحثان :
البحث الأول: ( الماهية )

البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض معين على جهة التراضي. ويدخل فيه بيع المعاطاة عند من يسوغه ، ويخرج عنه عند من يمنعه بالانتقال.

وهو جائز بالنص والإجماع ، قال اللّه تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) (2) قيل : كانت عكاظ وجحفة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية ، فلما كان الإسلام تأثموا فيه ، فأنزلت ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) في مراسم الحاج ، وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (3).

وقال علیه السلام : البيعان بالخيار ما لم يفترقا (4). وخرج علیه السلام

ص: 447


1- سورة البقرة : 275.
2- سورة البقرة : 198.
3- سورة النساء : 29.
4- سنن ابن ماجة 2 - 736 الرقم 2182.

إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون ، فقال : يا معشر التجار ، فاستجابوا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فرفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ، فقال : إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق (1).

وأجمع المسلمون كافة على جوازه في الجملة. والحكمة تقتضيه ، لأن الحاجة قد تدعو الإنسان إلى التعلق بما في يد صاحبه ، وصاحبه لا يبذل بغير عوض ، وفي شرعيته إيصال كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته.

البحث الثاني: ( في صيغته )

وهي الإيجاب والقبول ، فالإيجاب من جهة البائع ، بأن يقول : بعت ، أو شريت ، أو ملكت. والقبول من جهة المشتري ، بأن يقول : قبلت ، ويقوم مقامه ابتعت واشتريت وتملكت ، وإنما جعلناها قائمة مقام القبول لا قبولا ، لأن القبول على الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به ، فإذا أتي بما يمكن الابتداء به فقد أتي بأحد شقي العقد.

ولا فرق بين أن يتقدم قول البائع « بعت » على قول المشتري « اشتريت » ومن أن يتقدم قول المشتري « اشتريت » ويصح البيع في الحالتين على الأقوى ، بخلاف ما لو قدم « قبلت » فإنه لا يعد قبولا ولا جزءا من العقد ، فكان لغوا.

ولا بد من الصيغة الدالة على الإيجاب والقبول ، للنهي عن الأكل بالباطل ، بل المأمور به التجارة عن التراضي ، والرضا من الأمور الباطنة التي يعسر الوقوف عليها ، فناط الشارع الحكم باللفظ الظاهر توصلا على علم الباطن غالبا ، ولم يعتد بالنادر.

ولا يشترط اتفاق اللفظين ، فلو قال البائع : شريت ، فقال المشتري : تملكت أو ابتعت ، أو قال البائع : ملكت ، فقال المشتري : اشتريت ، صح لاتحاد المعنى.

ص: 448


1- سنن ابن ماجة 2 - 726 الرقم 2146.

والمعاطاة ليست بيعا ، وهو أن يقول : أعطني بهذا الدينار جزءا ، فيعطيه ما يرضيه. أو يقول : خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه ، لأن الأفعال لا دلالة لها بالوضع ، وقصود الناس فيها تختلف. ولا فرق بين المحقرات وغيرها ، لأصالة بقاء الملك فيهما.

وهل هو إباحة؟ أو يكون حكمه حكم المقبوض بسائر العقود الفاسدة؟ الأقرب الثاني ، فلكل منهما مطالبة الآخر بما سلمه إليه ما دام باقيا ، ويضمنانه إن كان تالفا. فلو كان الثمن الذي قبضه البائع مثل القيمة ، فهو مستحق ظفر بمثل حقه والمالك راض فله تملكه. ويحتمل العدم.

ولو قال : بعني ، فقال البائع : بعتك ، فإن قال بعد ذلك : اشتريت أو قبلت ، انعقد لا محالة وإلا فلا ، لاحتمال أن يكون غرضه استبانة رغبة البائع في البيع. وهذا بخلاف النكاح لو قلنا بصحة زوجني فيقول : زوجتك ، لأن النكاح لا يجري معاوضة في الغالب ، فتكون الرغبة معلومة من قبل ويتعين قوله « زوجني » استدعاء جزما ، والبيع كثيرا ما يقع معاوضة.

وكذا لا ينعقد لو قال البائع : اشتر مني كذا ، فيقول المشتري : اشتريت. بل هذا أولى بالعدم ، لأن قول المشتري « بعني » موضوع للطلب ، ويعتبر من جهة الطلب مبتدئا أو القبول مجيبا. وقول البائع « اشتر كذا » لم يوضع للبدل ولا للإيجاب ، ولا بد من جهته من بدل أو إيجاب.

فلو قال المشتري : أتبيعني عبدك بكذا [ أو قال : بعتني بكذا ] (1) فقال : بعت ، لم ينعقد ، إلا أن يقول بعده : اشتريت. وكذا لو قال البائع : اشترى داري بكذا ، أو اشتريت مني داري ، فقال : اشتريت ، لا ينعقد حتى يقول بعده : بعت ، إذ الاستفهام لا يقتضي الجزم بالإيجاب والقبول.

ولا ينعقد بالكنايات ، مثل خذه مني ، أو تسلم مني بألف ، أو أدخلته في ملكك ، أو جعلته لك بكذا ، أو سلطتك عليه بألف ، أو أبحته لك بألف.

ص: 449


1- الزيادة من « ق ».

لأن المخاطب لا يدري بما خوطب.

ولا ينعقد بالكتابة على قرطاس ولوح وأرض وحجر وخشب وغير ذلك. ولا برسم الأحرف على الماء والهواء ، سواء كان المشتري حاضرا عند البائع أو غائبا. نعم لو عجز عن النطق وكتبا أو أحدهما ، وانضم إليه قرينة إشارة دالة على الرضا ، صح.

ولا بد من إيقاع القبول في مجلس الإيجاب ، فلو قال : بعت داري من فلان وهو غائب ، فلما بلغه الخبر قال : قبلت ، لم ينعقد ، لأنه لا يعد قبولا عرفا. ولو قال : بعت من فلان وأرسل إليه رسولا فأخبره بذلك ، فقبل ، لم ينعقد أيضا.

ولا بد من الصيغة إيجابا وقبولا ، وإن تولى طرفي العقد ، كبائع مال ولده من نفسه أو بالعكس.

ويشترط أن لا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول ، ولا يتخللهما كلام أجنبي غير العقد ، إذا خرج بذلك عن القبول عرفا ، سواء تفرقا عن المجلس أو لا.

ولو مات المشتري بعد الإيجاب ووارثه حاضر فقبل ، لم ينعقد.

ويشترط المطابقة بين الإيجاب والقبول ، فلو قال : بعتك بألف صحيحة ، فقال : قبلت بألف قراضة ، أو بالعكس. أو قال : بعتك جميع كذا بألف ، فقال : قبلت نصفه بخمسمائة. أو قال لاثنين : بعتكما بألف ، فقال أحدهما : قبلت نصفه بخمسمائة ، لم يصح.

ولو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة ، احتمل الصحة لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق ولا مخالفة ، وترتبه على أن تفصيل الثمن هل هو من موجبات تعدد الصفقة ، والبائع هنا أوجب بيعة واحدة ، والفاعل قبل بيعين لم يوجبهما البائع ، ففيه مخالفة.

ولو قال : بعتك بألف ، فقال : اشتريت بألف وخمسمائة ، لم يصح أيضا.

ص: 450

ولو قال الواسطة للبائع : بعت بكذا ، فقال : نعم أو بعت ، وقال للمشتري : اشتريت بكذا ، فقال : نعم أو اشتريت ، احتمل عدم الانعقاد ، لأن كلا منهما لم يخاطب صاحبه ، وثبوته لوجود الصيغة والتراضي.

ويكفي في القبول أن يقول : قبلت عقيب بعتك كذا بألف ، ولا يشترط قبلت البيع. وكذا في النكاح ، لوجود القبول الدال على الرضا.

ولا بد وأن يقع الإيجاب والقبول منجزا ، فلو علقه على شرط لم يقع ، كما لو قال : إن دخلت ، لأصالة بقاء الملك.

ولو علقه على مشية المشتري ، بأن قال : بعت هذا بألف إن شئت ، فقال : اشتريت ، لم ينعقد أيضا ، لما فيه من التعليق ، كما لو قال : إن دخلت الدار. ويحتمل هنا الصحة ، لأن هذه صفة تقتضيها إطلاق العقد ، فإنه لو لم يشأ لم يشتر والحق الأول ، فإنه حالة الإيجاب غير عالم بحاله ، فلم يوقع الإيجاب منجزا.

ويصح بيع الأخرس وشراؤه بالإشارة والكتابة ، مع انضمام القرينة.

والصيغة إنما تعتبر في البيع المستقل ، أما الضمني كقوله : أعتق عبدك عني على ألف ، فلا يعتبر فيه الصيغ المذكورة. ويكفي فيه الالتماس والجواب.

ص: 451

ص: 452

الفصل الثاني: ( في العاقد )

اشارة

وشروطه أربعة : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ، فهنا مباحث :

البحث الأول: ( في البلوغ )

لا عبرة بعقد الصبي لا لنفسه ولا لغيره ، سواء كان الصبي مميزا أو لا ، وسواء باشر بإذن الولي أو لا ، لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز ، ولأن العقل لا يمكن الوقوف فيه على الحد الذي يصح به التصرف لخفائه وتزايده بتزايد أخفى (1) التدريج ، فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ ، فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة.

وهل يصح بيع الاختبار؟ إشكال ، ينشأ : من الأمر به في قوله تعالى ( وَابْتَلُوا الْيَتامى ) (2) والمنع لما تقدم ، فيفوض الولي الاستيام وتدبير العقد إليه ، فإذا انتهى الأمر إلى اللفظ أتى به الولي.

ص: 453


1- في « ق » تزايدا خفي.
2- سورة النساء : 6.

وعلى ما اخترناه لو اشترى وقبض المبيع ، فتلف في يده أو أتلفه ، فلا ضمان عليه في الحال ولا بعد البلوغ. وكذا لو استقرض مالا ، لأن المالك هو المضيع لماله بالتسليم إليه ، وما دامت العين باقية في الموضعين فللمالك الاسترجاع.

ولو سلمه ثمن ما اشتراه ، فعلى الولي استرجاعه ، والبائع يرده على الولي ، فإن رده على الصبي ، لم يبرأ من ضمانه.

وكذا لو عرض الصبي دينارا على ناقد لينقده ، أو متاعا على مقوم ليقومه ، فأخذه لم يجز رده على الصبي ، بل على وليه إن كان للصبي ، وعلى مالكه إن كان لكامل.

فلو أمره ولي الصبي بالدفع إليه فدفعه إليه ، برئ من ضمانه إن كان المال للولي ، وإن كان للصبي فلا ، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر يلزمه الضمان.

فلو تبايع صبيان وتقابضا وأتلف كل منهما ما قبضه ، فإن جرى بإذن الوليين فالضمان عليهما ، وإلا فلا ضمان عليهما ، بل على الصبيين ، لأن تسليمهما لا يعد تسليطا وتضييعا.

وكما لا ينفذ بيع الصبي وشراؤه ، فكذا نكاحه وجميع تصرفاته ، وفي تدبيره وعتقه وصدقته ووصيته بالمعروف خلاف يأتي.

فإذا فتح الباب وأخبر عن إذن أهل الدار في الدخول ، أو أوصل هدية إلى إنسان وأخبر عن إهداء مهديها ، فإن انضمت قرينة تؤذن العلم أو الظن بحقيقة الحال ، جاز الدخول والقبول ، وهو في الحقيقة عمل بما علم أو ظن لا بالقول. وإن لم ينضم ، فإن كان غير مأمون القول لم يعتمد عليه ، وإلا فالأقوى القبول جريا على العادات.

وكما لا يصح تصرفاته اللفظية ، لا يصح قبضه في تلك التصرفات ، فإن للقبض من التأثير ما ليس للعقد. فلو قبض الموهوب ، لم يفد له الملك وإن

ص: 454

اتهب له الولي ولا لغيره إذا أمره الموهوب منه بالقبض له.

ولو قال صاحب الدين للمديون : سلم حقي إلى هذا الصبي ، فسلمه قدر حقه لم يبرأ عن الدين ، وكان ما سلمه باقيا على ملكه ، حتى لو ضاع ضاع منه ، ولا ضمان على الصبي ، لأن المالك ضيعه حيث سلمه إليه ، وبقاء الدين لأن الدين مرسل في الذمة ، لا يتعين إلا بقبض صحيح ، فإذا لم يصح القبض لم يزل الحق المطلق عن الذمة ، كما لو قال : ارم حقي في البحر ، فألقى قدر حقه. بخلاف ما لو قال للمستودع : سلم مالي إلى الصبي أو ألقه في البحر ، فسلم أو ألقى ، لأنه امتثل المأمور في حقه المعين ، فخرج عن العهدة.

ولو كانت الوديعة للصبي فسلمها إليه ، ضمن وإن كان بإذن الولي ، إذ ليس له تضييعها بأمر الولي.

البحث الثاني: ( العقل )

لا عبرة بعبارة المجنون في العقد إيجابا وقبولا لنفسه ولغيره ، سواء أذن له الولي أو لا. وكذا المغمى عليه والسكران والغافل والنائم ، سواء رضي كل منهم بما فعله بعد زوال عذره أو لا ، لارتفاع العقل الذي هو مناط صحة التصرفات فأشبه غير المميز ، ولقوله علیه السلام : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق (1).

ولو كان الجنون يعتوره ، فعقد حال إفاقته ، صح لوجود المقتضي للملك ، وهو العقد السالم عن المانع وهو الجنون.

البحث الثالث: ( في بقية الشرائط )

ويشترط الاختيار والقصد ، فلا ينعقد بيع المكره ولا شراؤه ، ولا فاقد

ص: 455


1- الخصال ص 94

القصد لغفلة أو نوم أو هزل ، لعموم قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (1) فالمناط وهو التراضي إنما يتحقق بالاختيار والقصد.

فلو باع المكره ورضي بعد زوال عذره ، انعقد ، للوثوق بعبارته.

ولو أكره على دفع مال ظلما وهو عاجز عنه ، فباع ليأخذ الثمن ويدفعه صح البيع ، حيث لم يكره عليه.

وبيع التلجئة باطل ، وهو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه ، فيواطي رجلا على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحفظه من الظالم ، ولا يريد بيعا حقيقيا ، لأنهما لم يقصدا البيع فكانا كالهازلين.

البحث الرابع: ( الإسلام )
اشارة

لا يشترط إسلام العاقد ، فيصح بيع الكافر وشراؤه ، لأنه عقد صادف ملكا فاقتضى أثره ، إلا أن يشتري مسلما أو مصحفا ، فيشترط إسلام المشتري ، لأن الرق ذل فلا يجوز إثباته للكافر على المسلم ، كما لا ينكح الكافر المسلمة ، ولقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (2) والتملك أعظم السبيل.

فعلى هذا لو عقد كان باطلا ولم يثمر الملك. ويحتمل الصحة ، لأنه طريق من طرق التملك ، فيملك به الكافر رقبة المسلم كالإرث. وكذا البحث فيما لو وهب منه عبد مسلم فقبل ، أو أوصي له به.

أما المصحف فيحتمل البطلان قطعا ، تعظيما للكتاب العزيز وصيانة له عن ملاقاة النجاسة. والفرق بينه وبين العبد تملك (3) العبد من الاستعانة ودفع

ص: 456


1- سورة النساء 29.
2- سورة النساء 141.
3- كذا في النسختان والظاهر : تمكن.

الذل عن نفسه. ويحتمل الصحة ، فيقهر على بيعه.

وهل تجري الأحاديث عن الرسول وأهل بيته علیهم السلام مجرى المصحف في المنع من البيع؟ إشكال ، فإن قلنا به منعنا من الكتب المشتملة على الأخبار والآثار من كتب الفقه دون غيرها.

فروع :

الأول : لو اشترى الكافر العبد المسلم وقلنا بالمنع ، كان العقد باطلا على ما تقدم ، فلو كان قريبه الذي يعتق عليه كابنه وأبيه ، احتمل البطلان أيضا ، لما فيه من ثبوت الملك للكافر على المسلم. والصحة ، إذ الملك المستعقب بالعتق بغير اختيار المشتري ليس بإذلال ، وإلا لم يجز للمسلم شراء أبيه ، إذ لا يجوز له إذلاله.

الثاني : كل ملك يستعقب عتقا ، حكمه حكم شراء القريب ، كما لو قال الكافر لمسلم : أعتق عبدك المسلم عني بعوض أو بغير عوض ، فأجابه إليه. وكما لو أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه ، فالأولى من هاتين أولى بالصحة من الأخرى ، لأن الملك فيها ضمني ، والعتق في الثانية - وإن حكم به - فهو ظاهر غير محقق.

الثالث : لو اشترى عبدا مسلما بشرط الإعتاق ، فهو كما لو اشتراه مطلقا ، فإن العتق لا يحصل عقيب الشراء ، وإنما يزول بإزالته. ويحتمل مساواته لشراء القريب.

الرابع : يجوز أن يستأجر الكافر المسلم على عمل في الذمة ، لأنه كدين في ذمته ، وهو سبيل من تحصيله بغيره فينتفي السبيل ، وإن وقعت على العين فالأقرب الجواز ، حرا كان الأجير أو عبدا ، لأنها لا تفيد ملك الرقبة ، ولا تسلطا تاما بل نفسه في يده أو يد مولاه ، وإنما يستوفى منفعته بعوض. ويحتمل البطلان ، لأن صحتها تستلزم استحقاق استعماله وفيه إذلال له ، فأشبه الشراء.

ص: 457

وعلى الصحة هل يؤثر بإزالة ملكه عن المنافع بأن يؤاجره من مسلم؟ الأقرب عدم الوجوب.

الخامس : يصح للكافر أن يرتهن العبد المسلم ، إذ لا تسلط فيه عليه. ويجوز أيضا إعادته وإيداعه ، إذ ليس فيهما رقبة ولا منفعة ولا حق لازم.

السادس : لو باع الكافر عبده المسلم الذي ورثه ، أو كان قد أسلم في يده بعين ثم وجد بها عيبا ، كان له رد العين ، فحينئذ يحتمل أن يسترجع العبد ، لأن الاختيار في الرد. أما عود العوض إليه ، فهو قهري كالإرث. ويشكل بأن الملك القهري الذي لا يتعلق سببه بالاختيار. والاختياري هو الذي يتعلق سببه به ، أما نفس الملك بعد تمام السبب ، فهو قهري أبدا ، ومعلوم أن عود الملك بهذا اختياري.

نعم الفسخ بالعيب يقطع العقد ويجعل الأمر كما كان ، وليس هو كإنشاء العقود. ولهذا لا تثبت به شفعة ، وحينئذ ينزل منزلة استدامة الملك ، ويحتمل أن يسترد القيمة ويجعل العبد كالهالك.

أما لو وجد مشتري العبد به عيبا وأراد رده واسترداد عينه ، [ فإنه كما لا يجوز للكافر تملك المسلم يجوز للمسلم تمليك الكافر لا أباه ، ويحتمل الجواز إذ لا اختيار للكافر لها ] (1) احتمل المنع ، ولو تقايلا فالوجهان ، لأن الإقالة فسخ.

السابع : لو وكل الكافر مسلما في شراء مسلم لم يجز ، لأن العقد يقع للموكل أولا ولا ينتقل إليه أخيرا. ولو وكل مسلم كافرا ليشتري له عبدا مسلما صح ، سواء سمى الموكل في الشراء أو لا ، لأن الملك يقع عندنا للموكل لا للوكيل.

الثامن : الأقرب أنه لا يجوز للكافر أن يشتري العبد المرتد ، لبقاء علقة الإسلام.

ص: 458


1- الزيادة من « ر » ولا محصل لها.

التاسع : لو اشترى الكافر عبدا كافرا ، فأسلم قبل القبض ، احتمل البطلان ، كما لو اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض. والصحة ، كما لو أبق قبل القبض. فإن قلنا بالصحة ، فالأقوى أن المشتري لا يقبضه ، بل ينصب الحاكم من يقبض عنه ، ثم يأمره بإزالة الملك. وكذا لو قلنا بصحة شراء الكافر للمسلم.

العاشر : إذا كان في ملك الكافر عبد كافر فأسلم لم يقر في يده ، سواء الذكر والأنثى ، وسواء كان الكافر ذميا أو حربيا ، دفعا للذل عن المسلم ، وقطعا لسلطنة الكافر عنه ، قال اللّه تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (1) ولا يحكم بزوال ملكه.

بخلاف ما لو أسلمت الزوجة تحت الكافر ، لأن ملك النكاح لا يقبل النقل ، فيتعين البطلان. وملك اليمين يقبل النقل ، وبه يحصل رفع الذل فيصار إليه ويؤمر بإزالة ملكه.

الحادي عشر : كيف حصل إزالة الملك أجزأ ، إما ببيع ، أو عتق ، أو هبة أو غيرها. ولا يكفي الرهن والتزويج والإجارة والحيلولة. والأقرب ولا الكتابة ، لاستمرار الملك على رقبة المكاتب. ويحتمل الاكتفاء بالمطلقة (2) ، لأنها تفيد الاستقلال وتقطع حكم السيد. ويحتمل المشروطة أيضا.

فإن قلنا بالاكتفاء ، فالكتابة صحيحة. وإن قلنا بعدمه ، احتمل فسادها ويباع العبد ، وهو الأقوى. ويحتمل الصحة. ثم إن جوزنا بيع المكاتب بيع مكاتبا ، وإلا فسخت الكتابة وبيع.

الثاني عشر : لو امتنع الكافر من إزالة الملك عنه ، باعه الحاكم عليه بثمن المثل ، كما يبيع مال الممتنع من أداء الحق ، فإن لم يتفق الظفر بمن يشتريه بثمن المثل ، وجب الصبر ويحال بينه وبين الكافر إلى الظفر ، ويستكسب له وتؤخذ نفقته منه.

ص: 459


1- سورة النساء 141.
2- في « ق » بالمطلق.

الثالث عشر : لو أسلمت مستولدة الكافر ، فالأقرب عدم وجوب إجباره على عتقها ، لأنه تخسير فيحتمل حينئذ بيعها لإزالة السلطنة عنها ، وأن يحال بينها وبين المالك وينفق عليها وتستكسب له في يد غيره ، فإذا مات مولاه انعتقت من نصيب ولدها.

الرابع عشر : لو مات الكافر الذي أسلم العبد في يده ، صار العبد لوارثه ، ويؤمر بما كان يؤمر به المورث إن كان كافرا ، وإن امتثل وإلا بيع عليه كالمورث.

ص: 460

الفصل الثالث: ( في المعقود عليه )

اشارة

وشروطه خمسة : الطهارة ، والانتفاع به ، وكونه مملوكا للعاقد ، مقدورا على تسليمه ، معلوما ، فهنا مطالب :

المطلب الأول: ( الطهارة )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في النجس بذاته )

لا يصح بيع ما لا يقبل الطهارة من الأعيان النجسة ، فمنه الكلب والخنزير وما يتولد منهما ومن أحدهما وغيره إذا تبعه في الاسم ، لأنه علیه السلام نهى عن بيع الكلب (1). وقول الصادق علیه السلام : ثمن الكلب سحت (2).

وهل يندرج المعلم فيه؟ إشكال ، ينشأ : من جواز إمساكه وإباحة

ص: 461


1- سنن ابن ماجة 2 - 730.
2- وسائل الشيعة 12 - 83 ح 2.

الانتفاع به والوصية ونقل اليد عنه بالهبة وغيرها ، وله دية مقدرة في نظر الشارع ، فيصح بيعه. ومن العموم. إن سوغنا بيع كلب الصيد ، فلا فرق بين السلوقي وغيره ، لاشتراكهما في الفائدة.

والأقرب حينئذ جواز بيع كلب الماشية والزرع والحائط ، لوجود المعاني المسوغة في كلب الصيد. أما الخنزير فلا مساغ لبيعه بحال.

وتصح إجارة هذه الكلاب (1) المنتفع بها دون الكلب العقور ، لأنها منفعة مباحة ، فجازت المعاوضة عليها. وتصح الوصية به وهبته ، ومن قبله وجب عليه ديته على ما يأتي تفصيله.

ويجوز اقتناء هذه الكلاب ، وإن هلكت الماشية ، أو خرب الحائط ، أو تلف الزرع. والأقرب جواز تربية الجرو الصغير لأحد الأمور الثلاثة ، كما يجوز بيع العبد الصغير والدابة الصغيرة الذي لا انتفاع به في الحال ، لأنه يئول إليه.

البحث الثاني: ( في باقي أنواعه )

وهي أنواع :

الأول : الميتة ، لا يجوز بيع الميتة النجسة ، لقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (2) وهو يستلزم إضافة التحريم إلى جميع المنافع المتعلقة بالعين. ولا فرق بين أن ينتهي الحال إلى جواز الانتفاع بها ، كالأكل في المخمصة أو لا ، لخروجها بالموت عن الملك.

وكذا لا يجوز بيع أبعاضها مما تحله الحياة كالجلد وإن دبغ ، لأنه لا يطهر به عندنا. أما ما لا تحله الحياة كالعظم والصوف والشعر وغيرها مما ينتفع به ، فإنه يجوز لأنه في الحقيقة ليس ميتة ، بل عين ينتفع بها طاهرة فساوت ما ساغ بيعه.

ص: 462


1- في « ر » الكلب.
2- سورة المائدة 3.

الثاني : الخمر ، ولا يجوز للمسلم بيع الخمر ولا شراؤه إجماعا ، لأن جابرا سمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول وهو بمكة : إن اللّه ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (1). وقول الصادق علیه السلام : السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب ، وثمن الخنزير ، ومهر البغي ، والرشا في الحكم ، وأجر الكاهن (2). وقال الباقر علیه السلام : والسحت أنواع كثيرة منها : أجور الفواجر ، وثمن الخمر والنبيذ ، والمسكر ، والربا بعد البينة ، فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر باللّه عز وجل العظيم ورسوله (3).

وكما لا يجوز إيقاع البيع مباشرة ، فكذا تسبيبا. فلا يجوز له أن يوكل ذميا في بيعه وشرائه ، لقوله علیه السلام : حرمت التجارة في الخمر (4). ولأن الخمر نجسة محرمة ، فحرم بيعها والتوكيل فيها ، كالميتة والخنزير. ولأن هذه المعاوضة باطلة ، لا باعتبار خصوصية البائع ، بل باعتبار هذه العين. ولأن يد الوكيل في الحقيقة يد الموكل.

وحكم النبيذ وسائر المسكرات الزبيبية والعسلية والمتخذ من الحنطة والشعير وغيرهما ، حكم الخمر ، لوجود مقتضي التحريم وهو الإسكار فيه. والفقاع عند علمائنا كافة كالخمر في جميع الأحكام.

الثالث : بيع الدم وشراؤه حرام إجماعا ، لنجاسته وعدم الانتفاع به.

الرابع : بيع العذرة وشراؤها حرام إجماعا ، لوجود المقتضي. وكذا البول وإن كان طاهرا لاستخباثه ، كأبوال البقر والإبل وإن انتفع به في شربه للدواء ، لأنه لمنفعة جزئية نادرة فلا يعتد بها ، إذ كل شي ء يفرض من المحرمات لا يخلو عن منفعة ، كالخمر للإبقاء في يده للتخليل ، والعذرة للتسميد ، والميتة لأكل جوارح الصيد. ولا يعتبرها الشارع.

ص: 463


1- سنن ابن ماجة 2 - 732.
2- وسائل الشيعة 12 - 62 ح 5.
3- وسائل الشيعة 12 - 62 ح 1.
4- وسائل الشيعة 12 - 165.

والسرجين النجس حرام بيعه وشراؤه لنجاسته ، فأشبه الميتة. وكذا السرجين غير النجس لاستخباثه. والوجه عندي جواز بيعه ، لطهارته والانتفاع به.

الخامس : ما اشتمل على أحد هذه ، كالترياق المشتمل على لحوم الأفاعي ، فإنه لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا الانتفاع به ، إلا مع خوف التلف لولاه ، فالأقرب عندي حينئذ الجواز ، كأكل الميتة للمضطر.

ويصح بيع الحيوان وإن اشتمل باطنه على النجاسة ، لعدم القصد إليها ، وبيع بزر القز وفأرة المسك لطهارته.

البحث الثالث: ( فيما نجاسته عرضية )

كل ذات أصلها الطهارة إذا عرض لها التنجيس ، فإن أمكن تطهيرها ، صح بيعها حال نجاستها ، لطهارة جوهرها وإمكان إزالة النجاسة عنها. وما لا يمكن طهارته لا يصح بيعه كذاتي النجاسة ، كالخل واللبن والدبس إذا نجست.

والدهن النجس إن كان نجس العين ، فلا سبيل إلى بيعه بحال ، كالألية المقطوعة من الحية أو الميتة وودك الميتة ، ولا يجوز الاستصباح به تحت السماء ، فإن نجس بعارض جاز بيعه ، لفائدة الاستصباح به تحت السماء ، ولا يجوز تحت الظلال ، سواء قلنا يمكن تطهيره أو لا.

ويجوز بيع الماء النجس ، لقبوله الطهارة بالمكاثرة. وكما يجوز بيع الدهن النجس ، كذا يجوز الوصية به والهبة والصدقة.

ويحرم اقتناء الأعيان النجسة إلا لفائدة ، كالكلب والسرجين لتربية الزرع والخمر للتخليل. وكذا يحرم اقتناء المؤذيات كالحيات والسباع.

ص: 464

المطلب الثاني: ( الانتفاع )
اشارة

يشترط كون المبيع مما ينتفع به منفعة معتبرة في نظر العقلاء شائعة في نظر الشرع ، فإن ما لا منفعة فيه لا يعد مالا ، فكان أخذ المال في مقابلته قريبا من أكل المال بالباطل.

ولخلو الشي ء عن المنفعة سببان : القلة والخسة ، فالقلة كالحبة والحبتين من الحنطة والزبيبة الواحدة ، لأن ذلك لا يعد مالا ، ولا يبذل في مقابلته المال ، ولا نظر إلى ظهور الانتفاع إذا ضم هذا القدر إلى أمثاله ، ولا إلى ما يفرض من وضع الحبة الواحدة في فم القمح ، ولا فرق بين زمان الرخص والغلاء في ذلك.

ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة والحبتين من صبرة الغير ، وإلا لانجر ذلك إلى أخذ الكثير ، فإن أخذ الحبة آخذ ، وجب الرد ، فإن تلفت احتمل الضمان بالمثل ، لأنه من ذوات الأمثال ، وعدمه لأنه لا مالية لها.

وأما الخسة كالحشرات كالفأر والحيات والخنافس والعقارب والنمل والذباب ونحوها ، ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص ، فإن تلك المنافع لا تلحقها بما يعد في العادة مالا. وفي معناها السباع التي لا تصلح للاصطياد والقتال عليها ، كالأسد والذئب والنمر. ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة ، فليس هي من المنافع المعتبرة. ويحتمل جواز بيع السباع كلها لفائدة الانتفاع بجلودها عند الذكاة.

ولا يجوز بيع الحدأة والرحمة وإن كان في أجنحة بعضها فائدة ، وكذا بيضها. وكذا المسوخ لا يجوز بيعها كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع ، وكذا الدب. وكذا المسوخ البحرية ، كالجري والسلاحف والتمساح.

والأقرب جواز بيع كل ما ينتفع بجلده عند الذكاة ، لتوقع الانتفاع بجلودها في المال ، فصار كالطفل الرضيع ، وفي رواية عن الصادق علیه السلام

ص: 465

أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله نهى عن القرد أن يشترى أو يباع (1).

ولا يجوز بيع العلق وإن انتفع به في امتصاص الدم ، لأنها منفعة جزئية غير معتد بها ، فلا تؤثر في المالية عرفا.

أما ما ينتفع به من السباع للصيد ، أو القتال عليه ، فيجوز بيعه لطهارته وكثرة منفعته. ولأن عيصا سأل الصادق علیه السلام في الصحيح عن الفهود وسباع الطير ، هل يلتمس للتجارة فيها؟ قال : نعم (2).

وكذا الفيل وعظامه ، لأن الكاظم علیه السلام سئل عن عظام الفيل يحل بيعه أو شراؤه والذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : لا بأس ، وقد كان لأبي مشط أو أمشاط (3).

وكذا الحيوانات الطاهرة المنتفع بها ، كالنعم والبغال والحمير ، ومن الصيود كالضبي واليحامير ، ومن الجوارح كالصقور والبزاة والفهود ، ومن الطيور كالحمام والعصافير والعقاب. وما ينتفع بلونه أو صورته كالطاوس والزرزور.

ويجوز أيضا بيع دود القز ، لما فيه من المنفعة. وبيع النحل في الكوارة مع المشاهدة ، وإمكان التسليم بجميعها. ولو باعها وهي طائرة ، صح مع المشاهدة وإمكان التسليم.

وأما السم فإن كان مما يقتل كثيره وينفع قليله ، كالسقمونياء والأفيون ، جاز بيعه. وإن قتل كثيره وقليله ، لم يجز لعدم الانتفاع إلا نادرا ، كوضعه في طعام الكافر ، فلا يثبت فيه المالية باعتباره.

ويجوز بيع الحمار الزمن ، لأنه مما يؤكل لحمه عندنا ، فأشبه العبد الزمن الذي يتقرب بإعتاقه.

ص: 466


1- وسائل الشيعة 12 - 124 ح 4.
2- وسائل الشيعة 12 - 123 ح 1.
3- وسائل الشيعة 12 - 123 ح 2

وما لا منفعة فيه في نظر الشرع ، كآلات الملاهي مثل المزمار والطنبور وغيرها إن كان مما لا يعد الرض مالا ، لم يجز بيعها ، لأن المنفعة فيها لما كانت محرمة شرعا ألحقت بالمنافع المعدومة حسا. وإن عد الرض مالا ، جاز بيعها قبل الرض ، للمنفعة المتوقعة. ويحتمل المنع ، لأنها على هيئتها آلة الفسق ، ولا يقصد بها غيره ما دام التركيب. وكذا الأصنام والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرها.

ويجوز بيع الجارية المغنية وإن كان الغناء أكثر منافعها ، إذ لا يخرج بهذه الصنعة عن المالية. ولو كانت تساوي ألفا وباعتبار الغناء تساوي ألفين ، فاشتراها بألفين ولو لا الغناء لم تطلب إلا بألف ، فالوجه الصحة. أما لو اشتراها بشرط الغناء المحرم بطل.

ويصح بيع الماء المملوك ، لأنه طاهر ينتفع به ، ويصح بيعه على شط النهر ، وبيع التراب في الصحراء ، وبيع الأحجار فيما بين الشعاب الكثيرة الأحجار ، لأن إمكان تحصيل المنفعة من مثلها لا يقدح في المالية. وكذا يصح بيع لبن الآدميات ، لأنه طاهر ينتفع به ، فأشبه لبن الشاة.

ولو باعه دارا لا طريق إليها ولا مجاز ، جاز مع علم المشتري ، وإلا تخير لأنه عيب.

ولا يجوز بيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين ، أو لقطاع الطريق ، أو في الفتنة ، لما فيه من الإعانة على الظلم. ويجوز بيع ما يكن من آلات السلاح كالدرع والبيضة ، قال الباقر علیه السلام : فإذا كانت الحرب فينا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك (1). وقال الصادق علیه السلام : إذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج (2). وسئل الصادق علیه السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال : بعهما ما يكنهما الدرع والخفين ونحو هذا (3).

ص: 467


1- وسائل الشيعة 12 - 69 ح 2.
2- وسائل الشيعة 12 - 69 ح 1.
3- وسائل الشيعة 12 - 70 ح 3.

وتحرم إجارة المساكن والسفن للمحرمات ، لما فيه من المساعدة على المعاصي. ولا يملك المؤجر مال الإجارة. أما لو استأجره لا لذلك ، صح وإن عمل هو فيه ذلك المحرم.

ويحرم بيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما ، أو البيت ليتخذ كنيسة أو بيعة أو بيت نار ، لما فيه من البعث على فعل المعاصي والحث عليه. أما لو باعه ممن يتخذ لا بشرطه ، فإنه مكروه غير محرم ، لعموم ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (1) ولأنه بيع تم بأركانه وشروطه.

ويحتمل عندي التحريم إن علم ذلك ، لقوله تعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (2) وقد سئل الصادق علیه السلام عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر ، فقال : حرام أجره (3). وفي حديث آخر أنه سئل علیه السلام عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ، فقال : لا بأس (4). والأول محمول على أنه أجرة لذلك. والثاني على أنه أجرة مطلقا ، أو للحمل عن المنزل. وسئل علیه السلام عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا ، فقال : لا (5).

ولو استأجر الذمي دار المسلم ، لم يكن له منعه من بيع الخمر فيها سرا ، لأنه ملك المنافع ، وهذا فعل سائغ له في دينه ، وقد أمرنا بإقرارهم عليه. ولو آجره لذلك حرم.

ولو استأجر دابة أو إنسانا لحمل الخمر للتخليل أو الإراقة جاز ، وإلا فلا.

ص: 468


1- سورة البقرة 275.
2- سورة المائدة 2.
3- وسائل الشيعة 12 - 126 ح 1 ب 29.
4- وسائل الشيعة 12 - 126 ح 2.
5- وسائل الشيعة 12 - 127 ح 1.
وهنا مسائل :

الأول : ما نص الشارع على تحريمه لا يجوز التجارة فيه والتكسب به ، كعمل الصور المجسمة ، والغناء واستماعه وأجر المغنية.

وقد وردت رخصة في إباحة أجرها في العرس ، إذا لم تتكلم بالباطل ولم تلعب بالملاهي ، ولم يدخل الرجال عليها ، لقول الصادق علیه السلام : أجر المغنية التي تزف العرائس ، ليس به بأس ليست بالتي تدخل عليها الرجال (1).

أما التي تطلب بها اللّهو ، فإنه يحرم بيعها ، لأن الرضا علیه السلام سئل عن شراء المغنية ، فقال : قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلا ثمن كلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار (2).

الثاني : أجر النائحة بالباطل حرام ، ولا بأس إذا ناحت بالحق ، لقول الصادق علیه السلام : لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت (3). ويكره مع الشرط للرواية.

الثالث : القمار حرام وما يؤخذ به حتى لعب الصبيان بالخاتم والجوز ، لقوله تعالى ( وَالْمَيْسِرُ ) (4) وسئل الباقر علیه السلام عن الميسر ، فقال : كلما يقمروا به حتى الكعاب والجوز (5). وسئل الصادق علیه السلام الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : لا تأكل منه فإنه حرام (6).

الرابع : الغش بما يخفى حرام ، كمزج اللبن بالماء ، ولا بأس بما يظهر للحس ، كما لو مزج الحنطة بالشعير.

الخامس : تدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بالحرام. ولو لم تدلس الماشطة

ص: 469


1- وسائل الشيعة 12 - 85 ح 3.
2- وسائل الشيعة 12 - 88 ح 6.
3- وسائل الشيعة 12 - 90 ح 7.
4- سورة البقرة : 219.
5- وسائل الشيعة 12 - 119 ح 4.
6- وسائل الشيعة 12 - 120 ح 7.

جاز كسبها ، لأن الصادق علیه السلام قال : دخلت ماشطة على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال لها : هل تركت عملك أو قمت عليه؟ قالت : يا رسول اللّه أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه فأنتهي؟ فقال : افعلي ، فإذا مشطت فلا تحكي الوجه بالخرق فإنه يذهب بماء الوجه ، ولا تصلي الشعر بالشعر (1).

السادس : معونة الظالمين في الظلم حرام ، قال الصادق علیه السلام : إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد (2).

وقال علي بن أبي حمزة : كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال : استأذن لي على أبي عبد اللّه علیه السلام فاستأذنت له ، فأذن له ، فلما أن دخل وجلس ، ثم قال له : جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا فأعظمت (3) في مطالبه ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : لو لا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفي ء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم لما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم.

قال فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي من مخرج منه؟ فقال : إن قلت لك تفعل؟ قال : أفعل ، قال : فاخرج من جميع ما كسبت من ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدق به ، وأنا أضمن لك على اللّه عز وجل الجنة ، قال : فأطرق الفتى طويلا ، فقال له : قد فعلت جعلت فداك.

قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى معنا إلى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي على بدنه ، قال : فقسمت له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا إليه نفقة.

قال : فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض وكنا نعوده قال : فدخلت

ص: 470


1- وسائل الشيعة 12 - 94 ح 2.
2- وسائل الشيعة 12 - 129 ح 6.
3- في الوسائل : وأغمضت.

يوما وهو في السوق ، قال : ففتح عينيه ثم قال لي : يا علي وفى لي واللّه صاحبك ، ثم مات ، فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد اللّه علیه السلام فلما نظر إلي قال : يا علي وفينا واللّه لصاحبك ، قال : فقلت صدقت جعلت فداك هكذا واللّه قال عند موته (1).

السابع : حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة ، ونسخ التوراة والإنجيل ، لأنهما منسوخان. وخرج علي علیه السلام يوما إلى المسجد وفي يد عمر شي ء من التوراة فأمره بإلقائها ، وقال : لو كان موسى وعيسى علیهماالسلام حيّين لما وسعهما إلا اتباعي (2). ولأنهما قد حرفا وغيرا وبدلا. وكذا تعليمهما وأخذ الأجرة عليهما لما تقدم.

الثامن : هجاء المؤمن حرام ، وكذا أخذ الأجرة عليه. والغيبة والكذب عليهم ، والنميمة ، وسب المؤمنين ، ومدح من يستحق الذم ، وبالعكس ، قال تعالى ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) (3) والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة غير الزوجة.

التاسع : تعلم السحر وتعليمه ، وهو كلام يتكلم أو يكتبه أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه من غير مباشرة. وهل له حقيقة؟ قال الشيخ : لا ، وإنما هو تخيل. ويقتل لو استحله.

ويجوز حل السحر بشي ء من القرآن أو الذكر والأقسام لا بشي ء منه.

ودخل عيسى بن سيفي (4) على الصادق علیه السلام وكان ساحرا يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر ، فقال : جعلت فداك أنا رجل صناعتي السحر وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي ، وقد حججت ومنّ اللّه علي بلقائك ، وقد تبت

ص: 471


1- وسائل الشيعة 12 - 144 ح 1.
2- لم أعثر عليه في مظانه.
3- سورة الحجرات : 12.
4- في الوسائل : شفقي.

إلى اللّه عز وجل ، فهل لي في شي ء منه مخرج؟ فقال الصادق علیه السلام : حل ولا تعقد (1).

العاشر : تعلم الكهانة حرام ، والكاهن هو الذي له رئيّ من الجن يأتيه بالأخبار. وعن الصادق علیه السلام أجر الكاهن من السحت (2).

وكذا تعلم النجوم مع اعتقاد تأثيرها بالاستقلال ، أو لها مدخل فيه.

والشعبذة حرام ، وهي الحركات السريعة جدا ، بحيث تخفى على الحس الفرق بين الشي ء وشبهه ، لسرعة انتقاله من شي ء إلى شبهه.

الحادي عشر : القيافة حرام عند علمائنا كافة ، لأن النسب عندنا لا تثبت بها بل بالقرعة ، فلا يجوز سلوك هذا الطريق.

الثاني عشر : بيع المصحف وشراؤه حرام ، بل يباع الجلد والورق ، لمنع الصحابة منه ولم يعلم لهم مخالف ، ولأنه يشتمل على كلام اللّه فيجب صيانته عن البيع والابتذال. وقال الصادق علیه السلام في بيع المصاحف : لا تبع الكتاب ولا تشتره وبع الورق والأديم والحديد (3) ، والشراء أسهل من البيع لأنه استنقاذ للمصحف وبذل ماله فيه.

ويجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن ، لأنها منفعة مباحة ، فجاز أخذ العوض عليها. نعم يحرم نقشه بالذهب.

قال محمد الوراق : عرضت على الصادق علیه السلام كتابا فيه قرآن مختم معشر بالذهب وكتبت في آخر سورة بالذهب فأريته إياه. فلم يغير منه شيئا إلا كتابة القرآن بالذهب ، فإنه قال : لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة (4).

ص: 472


1- وسائل الشيعة 12 - 105 ح 1.
2- وسائل الشيعة 12 - 62 ح 5.
3- وسائل الشيعة 12 - 115 ح 7.
4- وسائل الشيعة 12 - 117 ح 1.

الثالث عشر : السرقة والخيانة ، يحرم بيعها وأخذها وشراؤها ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، فيكون أكلا بالباطل. وقول الصادق علیه السلام : لا يصح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت (1). وقال الصادق علیه السلام : من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها (2). أما لو اشترى من السارق أو الخائن أو الظالم شيئا ولا يعلم أنه من أخذها ، جاز على كراهية ، جمعا بين العمل بالأصل والاحتراز عن الحرام بأبلغ الوجه (3).

ولو وجد عنده سرقة ضمنها ، إلا أن يقيم البينة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله. قال الصادق علیه السلام في الرجل يوجد عنده سرقة فقال : هو غارم إذا لم يأت على بائعها بشهود (4). ولو كان عالما بالحال فقد أطلق علماؤنا عدم الرجوع بالثمن ، لأنه أباحه بغير عوض ، فملكه إياه مجانا. والوجه عندي الرجوع إن كانت العين باقية وإلا فلا وسيأتي.

ولو اشترى بالمال المغصوب جارية أو ضيعة ، فإن كان بالعين بطل البيع ، إذ لا يملك المبيع بثمن غيره ، ولو كان قد اشتراه بمال في الذمة ونقد المال ، صح الشراء وحل له وطء الجارية واستنماء الضيعة ، لوقوعهما في ملكه بثمن مطلق ، وهو مغاير للمغصوب ، نعم عليه وزر المال الذي نقده ، ودفع عوضه مع تعذره.

ولو حج بذلك المال ، فإن كان الحج قد وجب عليه بدونه ، برئت الذمة إلا في الهدي. ولو طاف وسعى في الثوب المغصوب أو الدابة المغصوبة ، بطلا.

الرابع عشر : التطفيف في الكيل والوزن حرام ، لقوله تعالى ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) (5) ولا ينبغي أن يتولى الكيل والوزن من لا يعرفهما لئلا يزيد أو

ص: 473


1- وسائل الشيعة 12 - 250 ح 7.
2- وسائل الشيعة 12 - 251 ح 6.
3- في « ر » الوجوه.
4- وسائل الشيعة 12 - 251 ح 10.
5- سورة المطففين : 1.

ينقص ، ولو زاد أو نقص كان ضامنا.

وكذا الناقد لا يتولاه إلا العارف ، فإن أخطأ وتعذر الرجوع على صاحبه احتمل الرجوع عليه ، لأنه سبب في الإتلاف وعدمه ، لاستناد التفريط إلى البائع بالإخلال إليه.

الخامس عشر : الرشا في الحكم حرام ، سواء حكم لباذله أو عليه ، بحق أو باطل. قال الباقر علیه السلام : فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر باللّه عز وجل العظيم وبرسوله (1). قال الصادق علیه السلام : السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخنازير ومهر البغي والرشا في الحكم وأجر الكاهن (2).

السادس عشر : ما يجب على الإنسان فعله يحرم أخذ الأجرة عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ، لتعينه عليه ، ولا يجوز أخذ الأجرة فيه.

أما لو أخذ الأجرة على المستحب ، كما لو أخذ أجرة على تكرار كل غسلة ثلاثا ، أو توضئة الميت ، أو تكفينه بالمستحب ، أو دفنه في اللحد ، فالأقرب الجواز ، لأنه عمل مقصود محلل ، فجاز أخذ الأجرة عليه كغيره. وكذا يجوز أخذ ثمن الكفن وماء تغسيل الميت.

السابع عشر : يحرم أخذ الأجرة على الأذان للرواية (3) ، ولأنه من أعظم شعائر الإسلام.

الثامن عشر : يحرم أخذ الأجرة على القضاء ، وسيأتي تفصيله. ويجوز أخذ الرزق عليه وعلى الأذان من بيت المال. وكذا يجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح والخطبة في الأملاك.

ويحرم الأجرة على الإمامة في الصلاة والشهادة وأدائها.

ص: 474


1- وسائل الشيعة 12 - 62 ح 1.
2- وسائل الشيعة 12 - 62 ح 5.
3- وسائل الشيعة 12 - 113 ب 30.

التاسع عشر : الأقرب تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، لأنه من أعظم المعجزات التي تجب تداولها ونقلها بالتواتر ، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه.

ويجوز قبول الهدية عليه. ولأن الصادق علیه السلام قال للمعلم : لا تعلم بالأجر وتقبل الهدية (1).

وقال رجل لعلي علیه السلام : يا أمير المؤمنين واللّه إني لأحبك لله تعالى. فقال له : ولكني أبغضك لله فقال : ولم؟ قال : لأنك تبغي في الأذان وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ، وسمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة (2).

المطلب الثالث: ( في الملك )
اشارة

يشترط في المبيع كونه ملكا لمن يقع العقد له ، إما لنفسه إن كان مباشرة ، أو لغيره إن كان بولاية أو وكالة عن ذلك الغير. وهذا شرط اللزوم لا الصحة.

فلو باع مال غيره بغير ولاية ولا وكالة ، وقع موقوفا على إجازة المالك ، فإن أجازه لزم وإلا بطل ، ولا يقع باطلا من أصله ، لأنه علیه السلام دفع إلى عروة البارقي دينارا ليشتري به شاة ، فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ودينار ، فقال النبي صلی اللّه علیه و آله : بارك اللّه في صفقة يمينك (3).

فالنبي صلی اللّه علیه و آله أجاز ما باعه فضولا ، ولأنه عقد له مجيز في الحال ، فينعقد موقوفا كالوصية. وكذا لو زوج أمة الغير أو ابنته ، أو آجر داره أو رهنها بغير إذنه.

ولا يكفي في الإجازة واللزوم حضور المالك ساكتا ، لأن السكوت كما

ص: 475


1- وسائل الشيعة 12 - 113 ح 5.
2- وسائل الشيعة 12 - 114 ب 30.
3- مستدرك الوسائل 2 - 462

يحتمل الرضا يحتمل غيره.

ولو اشترى الفضولي لغيره شيئا ، فإن كان بعين مال الغير ، وقف على الإجازة كالبيع. وإن اشترى في الذمة ، فإن أطلق ونوى كونه للغير ، وقف على الإجازة ، فإن أجازه صح له ، وإن رد نفذ في حقه ظاهرا ، وفي نفوذه باطنا إشكال ، ينشأ : من البناء على القصد والنية ، أو على العقد الجامع للشرائط من غير اعتبار نية النسبة.

ولو قال : اشتريت لفلان بألف في ذمته ، فالحكم كما لو اشترى بعين ماله. ولو اقتصر على قوله : اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن إلى ذمته ، وقف على الإجازة ، فإن أجاز الغير وإلا بطل.

ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه ، فإن لم يسمه في العقد وقع عن المباشر على إشكال ، سواء أذن ذلك الغير أو لا. وإن سماه ، فإن لم يأذن له لغت التسمية ، وهل يبطل من أصله أو يقع عن المباشر؟ إشكال. وإن أذن له فهل تلغو التسمية؟ احتمال ، فإن ألغيناها فهل يبطل من أصله ، أو يقع عن العاقد؟ احتمال. وإن قلنا بعدم الإلغاء ، وقع عن الإذن ، والثمن المدفوع يكون قرضا أو هبة احتمال.

وهل يشترط في عقد الفضولي أن يكون له مجيز مالك أو غيره في الحال؟ إشكال. فلو باع عبدا لطفل ، لم يتوقف على إجازته بعد البلوغ. ويحتمل ذلك ، فإن اعتبرناه اعتبرنا إجازة من يملك التصرف عند العقد ، حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ. وكذا لو باع مال الغير ثم ملكه وأجاز.

ولو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى ، فللمالك إجازتها وأخذ الحاصل منها ويتبع العقود الكثيرة بالنقض والإبطال ورعاية مصلحته. ولو كان المشتري عالما بالغصب فإشكال ، ينشأ : من رجوعه بالثمن وعدمه.

ولو باع مال أبيه بظن أنه حي وهو فضولي ، فبان أنه كان ميتا حينئذ وأن المبيع ملك للعاقد ، فالأقوى الصحة لصدوره من المالك.

ص: 476

بخلاف ما لو أخرج شيئا وقال : إن مات مورثي فهذا زكاة ما ورثته منه وكان قد ورث ، فإنه لا يجزيه ، لأن النية لا بد منها في الزكاة ولم تبن نيته على أصل ، والبيع لا حاجة له إلى النية.

ويحتمل البطلان ، لأنه وإن كان العقد منجزا في الصورة إلا أنه في المعنى معلق ، وتقديره إن مات مورثي فقد بعتك ، ولأنه كالعابث عند مباشرة العقد ، لاعتقاده أن المبيع لغيره.

وأما الهازل فإن بيعه باطل. وكذا بيع التلجئة ، كما لو خاف غصب ماله والإكراه على بيعه ، فيبيعه على إنسان بيعا مطلقا ، ولكن توافقا قبله على أنه لدفع الشر لا على حقيقة البيع.

وكذا لو باع العبد على أنه آبق أو مكاتب ، فصادف رجوعه أو فسخ الكتابة. وكذا لو زوج أمة أبيه على ظن أنه حي فبان ميتا.

وكل عقد يقبل الاستنابة يقع موقوفا من غير مالكه ، وليس للمملوك أن يشتري ويبيع إلا بإذن مولاه ، لأنه لا يملك شيئا. فإن وكله غيره في شراء نفسه من مولاه ، فالأقوى الصحة ، لأنه محل قابل للنقل. ويصح استنابته مع الإذن.

ويصح بيع كل من له ولاية شرعية وشراؤه عن المولى عليه ، كالأب والجد له والحاكم وأمينه والوصي والوكيل.

ولا يجوز بيع الحر ولا شراؤه ، لانتفاء الملك عنه إجماعا ، ولقوله علیه السلام ، ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره (1). وكذا ما ليس بمملوك ، كالمباحات قبل حيازتها وتملكها.

وليس له أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلمها ، لقوله علیه السلام : لا تبع ما ليس عندك (2).

ص: 477


1- سنن ابن ماجة 2 - 816 الرقم 2442.
2- سنن ابن ماجة 2 - 737 الرقم 2187.

وإذا باع مال غيره ولم يجز المالك ، بطل العقد ويرجع المالك بعينه ، ويرجع المشتري على البائع بما دفع ثمنا وما اغترمه من نفقة ، أو عوض عن أجرة ، أو نماء مع جهله ، أو ادعاء البائع إذن المالك ، سواء حصل مقابلته نفع كأجرة الدار والدابة ، أو لا كقيمة الولد على إشكال ، لأنه دخل على أنه يستوفي المنافع بغير عوض.

وقيل : لا يرجع بما حصل في مقابلته نفع ، لأنه مباشر للإتلاف ، فكان أضعف من السبب ، ويشكل بغروره.

ولو كان عالما ، لم يرجع بشي ء ، لأنه أباح البائع في الثمن مع علمه بعدم سلامة المعوض له ، وأذن له في إتلافه ، وأطلق علماؤنا ذلك. والأقوى عندي الرجوع بالثمن إن كانت عينه باقية لفساد القبض.

ولو ادعى المشتري الجاهل للملكية للبائع ، لم يبطل رجوعه ، لأنه بنى على الظاهر ، مع احتمال عدم الرجوع لاعترافه بالظلم ، فلا يرجع على ظالمه.

ولو تلفت العين في يدي المشتري ، تخير المالك في الرجوع على من شاء منهما بالقيمة إن لم يجز البيع ، أما البائع فلتعلق الضمان به بسبب اليد وسببيته الإتلاف ، وأما المشتري فكذلك ولمباشرة الإتلاف ، فإن رجع على البائع ، رجع على المشتري بالزائد مما قبضه إن كان عالما قطعا ، لاستقرار التلف في يده ، وكذا إن كان جاهلا على إشكال ، وإن رجع على المشتري ، لم يرجع على البائع.

ولو باع ملكه وملك غيره ، مضى في ملكه ، ووقف على الإجازة في ملك الآخر ، ويتخير المشتري إن كان جاهلا ، لتفرق الصفقة عليه ، فإن أجاز المالك نفذ البيع ، وقسط الثمن على القيمتين ، بأن يقوما جميعا ثم يقوم أحدهما ويبسط الثمن عليهما.

ولو كان المبيع من ذوات الأمثال ، بسط على الأجزاء ، سواء اتحدت العين أو تكثرت. ولو فسخ تخير المشتري ، فإن فسخ رجع بالجميع وإلا فقسط غيره.

ص: 478

ولو كان مالكا لنصف العين ، فباع النصف مطلقا ، انصرف إلى نصيبه ، صرفا للعقد إلى الصحة. ويحتمل الإشاعة كالإقرار ، ولأنه حقيقة اللفظ ، فيقف في نصف نصيب الآخر على الإجازة ، والإقرار يبنى على الإشاعة قطعا ، لأنه إخبار يتعلق بمال غيره كتعلقه بماله.

ولو ضم إلى المملوك حرا أو خمرا أو خنزيرا ، صح في المملوك وبطل في الباقي ، ويقسط الثمن على المملوك والحر لو كان مملوكا ، وعلى قيمة الخمر والخنزير عند مستحليهما.

ولو باع الثمرة وفيها عشر الزكاة ، صح فيما يخصه دون حصة الفقراء ، إلا مع الضمان ، لأنهم شركاء.

ولو باع أربعين شاة وفيها الزكاة ، فإن ضمنها صح ، وإلا بطل في الجميع ، لاختلاف أجزاء المبيع ، بخلاف أجزاء الثمرة وثمن الحصة مجهول.

ولو كان له شريك بواحدة عوض الفقراء ، صح البيع في الجميع إن أجاز وفي حصة البائع إن لم يجز.

والفرق أن المالك بعدم ضمان الزكاة قد اختار فسخ البيع في نصيب الفقراء ، لأن الخيار له في الإمضاء بضمان القيمة ، وفي التعيين دون الفقراء ، فيبطل البيع في نصيب الفقراء لعدم الإجازة ، وإنما بطل في نصيبه دون نصيبه مع الشريك غير المجيز ، لحصول الجهالة هنا ، إذ له الخيار في التعيين ، فصار بمنزلة ما لو اشترى أربعين إلا شاة بخلاف الشريك.

ولو كانت حصة الشريك مجهولة أو مشتبهة ، صح البيع أيضا ، وإن لم يجز ، ويبقى المشتري معه كالمالك يقضى له بالصلح معه ، لأن العقد تناول المعلوم وهو الجملة ، وإنما حصل التقسيط المجهول بعدم الإجازة المعتبرة بعد عقد البيع لا قبله ، لعدم تأثيره حينئذ ، فلا يقتضي بطلان ما وقع صحيحا في نفسه ، وهو معاملة الجملة بالجملة المعلومة ، بخلاف الزكاة التي تحققت الجهالة في صلب البيع حالة العقد ، لأنه بعدم الضمان حال العقد صار كأنه قد باع أربعين إلا شاة مجهولة.

ص: 479

ولو كان لكل من الاثنين عبدا بانفراده ، فباعا صفقة واحدة ، صح البيع ، سواء اتفقا أو اختلفا ، ويبسط الثمن على القيمتين ، لأن العقد تناول الجملة وهي معلومة فلا يضر جهالة مقابلة الجزء بالجزء ، كما لو كانا لواحد.

وللأب وللجد للأب التصرف في مال الولد الصغير وغير الرشيد ، وإن طعن في السن. ولو بلغ رشيدا ، زالت ولايتهما عنه ، ولكل منهما أن يتولى طرفي العقد ، فيبيع كل منهما مال أحد الصغيرين من الآخر ومن نفسه ويشتري له من نفسه.

والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه لصغر أو جنون أو فلس أو سفه والغائب إذا وجب عليه حق.

والوصي إنما ينفذ تصرفه بعد الموت وصغر الموصى عليه أو جنونه. وللولي أن يقترض مع الملاءة وإن كان الوصي ، وأن يقوم على نفسه كالأب.

والوكيل يمضي تصرفه ما دام الموكل حيا جائز التصرف ، فلو مات أو جن أو أغمي عليه ، بطلت وكالته. وله أن يتولى طرفي العقد مع الإعلام ومطلقا على رأي ، وكذا الوصي. وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة للمولى عليه.

ولو وكل اثنين أو أوصى إليهما على الجمع والتفريق ، فعقدا على اثنين ، أو باع الحاكم وأمينه ، أو الأب والجد ، واتفق زمان الإيقاع بطلا ، ولو باعا على شخص ووكيله ، أو على وكيليه ، واتفق الثمن جنسا وقدرا صح وإلا بطلا (1). ولو اختلف الخيار فكما لو اختلف الثمن ، إلا أن يجعلا (2) مشتركا بينهما. ولو سبق عقد أحدهما ، صح دون الآخر.

تذنيب :

لما شرطنا الملك وهو إضافة تستدعي التغاير ، وجب مغايرته للمعقود له ،

ص: 480


1- في « ر » فلا.
2- في « ر » يجعلها.

فلو باعه من نفسه لم يصح ، وإن كان الثمن مؤجلا ، بخلاف الكتابة. ويحتمل الصحة. والمغايرة ثابتة فيما يشترط فيه الملك ، وهنا لا ملك في الحقيقة بل إزالة له ، فكأن الشرط خاص لا عام.

المطلب الرابع: ( في القدرة على التسليم )
اشارة

يشترط في المبيع القدرة على التسليم ، ليخرج العقد عن أن يكون بيع غرر ، ويوثق بحصول الغرض ، فلا يصح بيع الطير في الهواء ، إذا لم يقض عادته بعوده ليلا أو نهارا ، ولو كانت عادته الرجوع احتمل الصحة ، كبيع العبد المبعوث في الشغل. والبطلان ، لانتفاء القدرة في الحال على التسليم ، وعوده غير موثوق به ، إذ ليس له عقل باعث.

وكذا لا يصح بيع السمك في الماء ، إلا أن يكون السمك محصورا بحيث يمكنه أخذه ، وإن احتاج إلى تعب ومشقة ، فإن الأقوى صحة بيعه إذا كان مشاهدا مع علم وزنه ، أو عدم اشتراطه ولو لم يشاهده لكدورة الماء لم يصح.

وأما النحل فإن شاهدها وكانت محبوسة ، بحيث لا يمكنها أن تمتنع ، صح بيعها منفردة ، لأنه حيوان طاهر مملوك مقدور على تسليمه ، يخرج من بطونها شراب مختلف (1) ألوانه فيه شفاء للناس ، فجاز بيعها كبهيمة الأنعام ، ولو كانت طائرة وعادتها العود ، فالوجهان.

ولا يصح بيع العبد الآبق منفردا ، سواء علم مكانه أو لا ، لأنه لا يقدر على تسليمه فكان غررا. ولا يشترط في الحكم بالبطلان اليأس من عوده ، بل يكفي ظهور التعذر. ولو عرف مكانه وعلم أنه يصل إليه إذا رام الوصول إليه ، فليس له حكم الآبق. ولو حصل في يد إنسان ، جاز بيعه عليه لإمكان تسليمه.

ولو بيع منضما إلى غيره ، صح بيعه ، سواء قلت قيمة الغير أو كثرت ،

ص: 481


1- في « ق » فيه منافع للناس.

وسواء ظفر به المشتري أو لا ، ولم يكن له رجوع على البائع بشي ء لو لم يظفر به ، وكان الثمن في مقابلة المنضم. لأن الصادق علیه السلام سئل في الرجل يشتري العبد وهو آبق من أهله ، قال : لا يصلح له إلا أن يشتري معه شيئا آخر ، ويقول : أشتري منك هذا الشي ء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه (1).

ولو تلف قبل القبض ، فكذلك على إشكال ، ينشأ : من أن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه. ومن عدم وجوب الإقباض هنا ، فلا يدخل تحت ضمان البائع.

والجمل الشارد والفرس العائر وشبههما كالآبق في بطلان البيع ، لتعذر التسليم ، وهل يصح مع الضميمة كالآبق؟ إشكال ، فإن قلنا به فلو تعذر تسليمه ، احتمل كون الثمن في مقابلة الضميمة والتقسيط.

ولو باع المالك ماله المغصوب على الغاصب ، صح البيع مطلقا ، وإن باع على غيره ، فإن أمكنه استرداده وتسليمه ، صح كالوديعة والعارية ، وإن لم يقدر هو ولا المشتري لم يصح ، لعدم إمكان التسليم.

وإن باعه ممن يقدر على انتزاعه منه ، فالأصح الجواز ، لأن القصد وصول المشتري إلى المبيع. ويحتمل المنع ، لوجوب التسليم على البائع وهو عاجز عنه. وعلى الأول لو علم المشتري حقيقة الحال لم يكن له خيار.

ولو عجز عن الانتزاع لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب ، احتمل ثبوت الخيار.

ولو كان جاهلا عند العقد فله الخيار ، لأن المشتري لا يلزمه كلفة الانتزاع ، فله فسخ البيع ، سواء قدر على انتزاعه أو لا.

ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة وإعتاقهما مطلقا ، وكتابة المغصوب لأنها ليست بيعا.

ص: 482


1- وسائل الشيعة 12 - 263 ح 2.

ولو باع نصفا أو ربعا أو جزءا مشاعا من سيف أو إناء أو نحوهما جاز ، ويكون مشتركا بينهما. ولو عين نصفا أو ربعا ، لم يصح ، لأن التسليم لا يتم إلا بالقطع والكسر ، وفيه نقص وتضيع للمال ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب وعينه فإن كان الثوب نفيسا ينقص بالقطع احتمل الصحة كما لو باع ذرعا معينا من دار أو أرض. والمنع لأن التسليم لا يمكن إلا باحتمال النقص والضرر ، بخلاف الأرض التي يحصل التمييز فيها مرز بين النصيبين من غير ضرر.

والوجه الصحة ، لأنهما إذا رضيا به واحتملاه صح البيع ، كما يصح بيع أحد زوجي الخف وإن نقص بالتفريق ، فحينئذ الأقوى عندي صحة ذلك في السيف والإناء أيضا ، لرضاهما به.

ولو باع جزءا معينا من جدار أو أسطوانة ، فإن كان فوقهما شي ء لم يجز ، إذ لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه. وإن لم يكن ، فإن كان قطعة واحدة من طين أو خشب فالوجهان ، وإن كان من لبن أو آجر ، جاز إن جعل النهاية شق رصيف من الآجر أو اللبن. وكذا إن جعل القطع لصف سمكها على إشكال.

ولو باع فصا من خاتم ، فالأقوى الجواز ، ولا اعتبار بالنقص بعد أخذه لاتفاقهما عليه.

ولو باع دارا إلا بيتا في صدرها لا يلي شارعا ولا ملكا له على أنه لا مسلوك له في المبيع ، فالأقوى صحة البيع.

ولا يصح بيع المرهون بعد الإقباض قبل الافتكاك ، لأنه ممنوع من تسليمه شرعا ، لما فيه من تفويت حق المرتهن ، فإن أجاز المرتهن صح. وهل يصح قبل الإقباض؟ إن جعلنا القبض شرطا في الرهن صح البيع ، وإلا وقف على الإجازة.

كلام: ( في بيع الجاني )
اشارة

والجاني لا يصح بيعه ، سواء كانت جنايته عمدا توجب القصاص ، أو

ص: 483

خطاءاً توجب المال ، وسواء كانت على النفس أو ما دونها ، وسواء تعلق المال بذمته أو برقبته ، لأنه لم يخرج بالجنابة عن ملكه ، فيكون البيع قد صادف ملكا فصح كالعتق.

وحق الجناية لا يمنع جواز البيع ، أما في الخطإ فلأنه غير مستقر في الجاني ، لأن للمالك أداءه من غيره ، ولأنه حق تعلق به من غير اختيار المالك ، فلا يمنع البيع كالزكاة. وأما العمد فلأنه حي يرجى سلامته ويخشى تلفه فأشبه المريض.

إذا ثبت هذا فإن كانت الجناية خطاء توجب المال ، أو عمدا توجب القصاص ، فعفي على مال فعلى السيد فداؤه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ، وقيل : بأرش الجناية.

وتزول الحق عن رقبة العبد ببيعه ، لأن الخيار للسيد بين تسليمه وفدائه ، فإذا باعه لزم الفداء لإخراج العبد من ملكه ، ولا خيار للمشتري ، لانتفاء الضرر عنه ، إذ الرجوع على غيره.

هذا إذا كان المولى موسرا ، ولو تعذر استيفاء الدية ، كان للمجني عليه فسخ البيع لأن حقه أقوى من حق المرتهن ، ولهذا لو جنى المرهون قدم حق الجناية على حق المرتهن. ويحتمل أنه لا يلزم المولى فداؤه ، لأنه أكثر ما فيه أنه التزم فداءه فلا يلزم ذلك ، كما لو قال الراهن : أنا أقضي الدين من الرهن ، فحينئذ يبقى الخيار للمجني عليه.

فإن أجاز (1) البيع سقط حقه من الثمن ، وكان باقيا في رقبة العبد إن أجاز على أن الثمن للبائع ، فإن باع المشتري العبد صح ، لأن إجازته تضمنت ملك المشتري تاما. وإن أعتق كان له مطالبته بالدية والأقرب الأول لأنه أزال ملكه عن الجاني فلزمه فداؤه كما لو قتله. ويحتمل إيقاعه موقوفا ، فإن فداه مولاه نفذ وإلا فلا. ويحتمل بطلانه ، لتعلق حق المجني عليه به ، فمنع صحة

ص: 484


1- في « ر » فإن اختار الفسخ سقط إلخ.

بيعه كحق المرتهن ، لكن الأول أولى ، لأن الراهن منع نفسه من التصرف بالرهن ، وهنا لم يعقد عقدا ولم يحجر على نفسه في التصرف.

ولو كان البائع معسرا ، لم يسقط حق المجني عليه من العين ، لأن البائع إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه أو ما يقوم مقامه ، ولا يحصل ذلك من ذمة المعسر ، فيبقى الحق في رقبته بحاله مقدما على حق المشتري ، وللمشتري الخيار إن لم يعلم ببقاء الحق في رقبته ، فإن فسخ رجع بالثمن ، وإن لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبته فأخذها ، رجع المشتري بالثمن أيضا ، لأن أرش مثل هذا جميع ثمنه ، وإن كانت غير مستوعبة لرقبته رجع بقدر أرشه.

ولو كان عالما بعيبه راضيا بتعلق الحق به ، لم يرجع بشي ء ، لأنه اشترى معيبا عالما بعيبه ، فإن اختار المشتري فداءه فله ذلك والبيع بحاله ، لأنه يقوم مقام البائع في الخيرة بين تسليمه وفدائه على إشكال. وحكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم القضاء عنه.

ولو قلنا ببطلان البيع كان السيد على خيرته بين فدائه وبين دفعه إلى المجني عليه.

وإن قلنا بصحة البيع على ما اخترناه ، إما بعد اختيار الفداء أو قبله ، أجبر على تسليمه ، لأنه مختار للفداء ببيعه مع العلم بجنايته ، وقد فوت بالبيع محل الحق ، فأشبه ما لو أعتقه أو قتله.

ولو تعذر تحصيل الفداء ، أو تأخر لإفلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس ، فسخ البيع وبيع في الجناية ، لأن حق المجني عليه أقدم من حق المشتري. وإن كانت الجناية عمدا ولا عفو فالخيار هنا للمجني عليه على ما يأتي بين قتله واسترقاقه.

والأقوى هنا صحة البيع أيضا ، لأن استحقاق القتل لا يخرجه عن المالية وتوقع الهلاك لا يقتضي فسخ البيع كتوقع موت المريض المشرف. فإن اختار المجني عليه أو ورثته الاسترقاق ، بطل العقد إن استغرقت الجناية قيمته

ص: 485

وإلا فبقدرها. وإن اختار القصاص ، كان له ذلك ، لتقدم حقه على حق المشتري.

إذا ثبت هذا فإن للمشتري الخيار بين الرد وأخذ الأرش ، فإن اقتص منه تعين الأرش ، وهو قسط ما بينه جانيا وغير جان ، وليس له الرجوع بجميع الثمن إن شاء ، وإن تلفت بسبب مستحق عند البائع ، لأن التلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه ، فأشبه المريض إذا مات بمرضه ، أو المرتد المقتول بردته.

ولو اشتراه عالما بعيبه ، لم يكن له رده ولا أرشه كسائر المبيعات.

ولو أوجبت الجناية قطع يده ، فقطعت عند المشتري ، فقد تعيب في يده ، لأن استحقاق القطع دون حقيقته ، فحينئذ ليس له الرد بالعيب.

تذنيب :

لو أعتق السيد الجاني ، فإن كانت الجناية خطاء وكان موسرا ، صح العتق. ولو تعذر استيفاء الفداء فكذلك لنفوذه أولا ، لأنه سبيل من نقل حق المجني عليه إلى ذمته باختياره الفداء ، فإن أعتق انتقل إلى ذمته بخلاف الرهن.

وإن كان معسرا فالأقوى عدم النفوذ ، لتعلق حق المجني عليه بالرقبة ، ولا تعلق له بذمة السيد ، فنفوذ العتق تبطل الحق بالكلية. ويحتمل نفوذه ، لأنه صادف ملكا ، وحينئذ تتعلق الجناية بذمة العبد ، وهل تتعلق بالعاقلة؟ إشكال ، ينشأ : من عدم العقل حال الجناية ، ولا بد لأرشها من مقر ، فلا ينتقل بالعتق.

ولو استولد الجانية ، فالأقوى تعلق حق المجني عليه برقبتها ، فإن كانت الجناية عمدا ، تخير بين القصاص والاسترقاق. وإن كانت الجناية خطاء ، فإن فداها المولى فهي باقية على الاستيلاد ، وإلا كان الحق متعلقا برقبتها تباع فيه.

ص: 486

المطلب الخامس: ( في العلم )
اشارة

يجب كون المبيع معلوما ليعرف ما ملك بإزاء ما بذل ، فينتفي الغرر. ومعلوم أنه لا يشترط العلم بالمبيع من كل وجه ، بل يجب العلم بثلاثة أشياء : عن المبيع ، وقدره ، وصفته ، فهنا مباحث :

البحث الأول: ( العلم بالعين )
اشارة

ويشترط العلم بالعين ، فيخرج ما لو قال : بعتك عبدا من العبيد أو أحد عبدي أو عبيدي هؤلاء أو شاة من القطيع ، فإنه باطل.

وكذا لو قال : بعتك عبيدي أو قطيعي إلا واحدا ولم يعين المستثنى ، لأن المبيع غير معلوم. ولا فرق بين أن يتساوى قيم العبيد والشياه أو تختلف.

وكذا لو قال : على أن تختار أيهم شئت ، سواء قدر زمان الاختيار أو لا. أو قال : بعتك أجودهم ، إلا أن يعرفاه حال العقد.

ولو لم يكن له إلا عبد واحد ، فحضر في جماعة من العبيد ، وقال السيد ، بعتك عبدي من هؤلاء ، والمشتري يراهم ولا يعرفه بعينه ، بطل لعدم تعيينه.

ويصح بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من أرض ودار وعبد وغلة وثمرة وغير ذلك. ويصح لو باع جزءا شائعا من شي ء بمثله من ذلك الشي ء ، كما لو كان بينهما نصفين ، فباع هذا نصفه بنصف ذلك ، لاجتماع الشرائط فيه ، وتظهر له فوائد :

الأول : أن يملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة من أجنبي ، فإنه ينقطع ولاية الرجوع.

ص: 487

الثاني : لو ملكه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف على عيب ، لم يملك الرد.

الثالث : أن يكون أحدهما أو كلاهما مرهونا وتخير المرتهن البيع ، فإنه يخرج الجميع عن الرهانة ، إلى غير ذلك من الفوائد ولو باع الجملة واستثنى منها جزءا شائعا ، فهو صحيح أيضا ، كأن يقول : بعتك هذه الثمرة إلا ربعها ، أو قدر الزكاة منها.

ويشترط العلم بالجزء المستثنى ، فلو جهلاه بطل البيع ، كأن يقول : بعتك هذا العبد إلا بعضه ، أو إلا شيئا منه ، أو إلا جزءا ، أو إلا سهما. ولا يحمل على الوصية إلا أن يقصد له. وكذا يجوز الاستثناء في الثمن.

وبالجملة إذا استثني الجزء المعلوم المشاع في أحد العوضين ، كان الآخر في مقابلة الباقي.

ولو قال : بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يساوي ألفا بسعر اليوم ، قال الشيخ : يبطل مطلقا للجهالة (1). والوجه ذلك إلا أن يعلما سعر اليوم.

ولو قال : إلا ما يخص ألفا. فإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم ، بطل للجهالة. وإن أراد ما يخص ألفا عند تقسيط جميع الثمرة على أربعة آلاف ، صح البيع في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن. وإن أراد ما يخص ألفا من المبيع بعد الاستثناء ، دخلها الدور حينئذ ، لتوقف معرفة قدر كل من المبيع والاستثناء على الآخر ، فإن عرفاه بالجبر والمقابلة ، صح البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن ، لأنا نقول : صح البيع في الجميع إلا في شي ء ، وذلك الشي ء هو ما يقابل الألف بجميع الثمن ، فإذا جبرنا الثمن بشي ء وزدنا على الألف ما يقابله وهو ألف ، صارت الثمرة بأجمعها تعدل خمسة آلاف ، فالمقابل للألف الخمس.

ولو قال : بعتك نصفي من ميراث أبي من هذه الأرض ، فإن عرف القدر صح ، ولو جهله بطل. ولو عرف عدد الورثة وقدر الاستحقاق إجمالا ،

ص: 488


1- المبسوط 2 - 116.

فالأقوى الصحة فيكون له ما يقتضيه الحساب.

وكذا لو قال : بعتك جزءا من مائة وأحد عشر جزءا ، فإنه يصح وإن جهل النسبة.

وكذا يصح لو عكس بأن يقول بعتك نصف تسع عشر هذا الموضع وجهل القدر من السهام.

وكذا لو باع من اثنين صفقة قطعة أرض على الاختلاف ، بأن ورث من اثنين مختلفين ، وجعل لكل واحد منهما أحد النصيبين وللآخر الباقي ، فإنه يصح وإن جهلا قدر نسبة النصيب إلى الجميع في الحال ونسبة النصيب في الثمن ، ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب ، إذ الثمن في مقابلة الجملة ، فلا يضر جهالة الآخر.

فروع من هذا الباب :

الأول : لو قال بعتك خمسة أرطال على سعر المائة باثني عشر ، صح وإن جهل في الحال قدر الثمن ، لأنه مما يعلم بالحساب.

وطريقه هنا أن نقول : نسبة المائة إلى ثمنها وهو اثنا عشر ، كنسبة خمسة إلى ثمنها ، فالمجهول هو المرتفع ، فيضرب الثاني وهو اثنا عشر في الثالث وهو خمسة ، تبلغ ستين ، تقسمها على الأول وهو مائة ، تخرج ثلاثة أخماس ، وهو ثمن المبيع. أو نقول الاثنا عشر وخمس عشر المائة ، فتأخذ بهذه النسبة من الخمسة.

ولو قال : بعتك بخمسة دراهم على سعر المائة باثني عشر ، أخذت ربع وسدس المائة ، لأن الخمسة ربع وسدس الاثني عشر.

الثاني : لو كان له ثلاث قطاع من الغنم ، ثانيها ثلاثة أمثال أولها ، وثالثها ثلاثة أمثال ثانيها ، فاشترى آخر منه ثلثي الأول وثلاث أرباع الثاني وخمسة أسداس الثالث ، اجتمع له مائة وخمسة وعشرون رأسا.

ص: 489

وطريق ذلك : معرفة قدر كل قطيع ، أن نقول : نفرض القطيع الأول شيئا ، والثاني ثلاثة أشياء ، والثالث تسعة أشياء ، فيأخذ ثلثي شي ء وثلاثة أرباع ثلاثة أشياء وخمسة أسداس تسعة أشياء ، ويجمعها فتكون عشرة أشياء وربع وسدس شي ء ، وهو يعدل مائة وخمسة وعشرين ، فالشي ء يعدل اثني عشر.

الثالث : لو كان له قطعة أرض بين شجرتين ، وقدرها أربع عشر ذراعا ، وطول إحدى الشجرتين ستة ، وطول الأخرى ثمانية ، فاجتاز ظبي بينهما ، فطار إليه طائران من الرأسين بالسوية ، حتى تلاقيا على رأس الظبي ، فباع القطعة من اثنين بثمن واحد بصفقة واحدة ، لأحدهما من أصل الشجرة إلى موضع الظبي ، وللآخر من موضع الظبي إلى أصل الأخرى.

فطريق معرفة حق كل واحد منهما : أن تجعل ما بين أصل الشجرة القصيرة إلى موضع الظبي شيئا ، وتضربه في نفسه ، فيكون الحاصل مالا ، وتضرب طولها وهو ستة في نفسه ، فيكون المجموع مالا وستة وثلاثين ، وجذره مقدار ما طار الطائر ، لأنه وتر القائمة ، فيكون مربعه مساويا لمجموع مربعي ضلعها بشكل العروس.

ويبقى من موضع الظبي إلى أصل الأخرى أربعة عشر الأشياء مربعة مائة وستة وتسعون ، ومالا إلا ثمانية وعشرين شيئا ، وهو يعدل مالا وستة وثلاثين ليساوي الوترين حيث طارا بالسوية ، فإذا جرت وقابلت بقي مائتان وأربعة وعشرون تعدل ثمانية وعشرين شيئا ، فالشي ء يعدل ثمانية ، وهو ما بين أصل القصيرة والظبي ، فيبقى ما بينه وبين أصل الأخرى يعدل ستة ، فكل وتر عشرة.

الرابع : لو باع اثنين صفقة قطعة أرض على هيئة مثلث ، قاعدته أربعة عشر ذراعا ، وآخر ضلعيه الباقيين ثلاثة عشر والآخر خمسة عشر ، على أن يكون لأحدهما من مسقط العمود في القاعدة إلى أحد الضلعين. وللآخر منه إلى الضلع الآخر ، وبسط الثمن على الأذرع.

ص: 490

فطريق معرفة نصيب كل منهما أن تقول : نفرض ما بين الضلع الأقصر ومسقط العمود شيئا ، فيكون مربعه مالا ، ومربع الضلع مائة وتسعة وستون ، فإذا نقص المال منه بقي مربع العمود ، فمربع العمود مائة وتسعة وستون إلا مالا ، ويبقى من مسقط العمود إلى الطرف الآخر أربعة عشر إلا شيئا ، ومربعه مائة وستة وتسعون ومال إلا ثمانية وعشرين شيئا.

وينقص من مربع الأطول وهو مائتان وخمسة وعشرون ، ويبقى تسعة وعشرون وثمانية وعشرون شيئا إلا مالا ، وهو مربع العمود ، ويكون معادلا لمائة وتسعة وستين إلا مالا. فإذا قابلت بقي مائة وأربعون ، تعدل ثمانية وعشرين شيئا ، فالشي ء خمسة ، وهو ما بين طرف القاعدة التي تلي الأقصر ومسقط العمود ، ومربعه خمسة وعشرون.

وإذا أسقطناه من مائة وتسعة وستين ، بقي مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربع العمود. ومن الجانب الآخر يكون ما بين مسقط العمود وطرف القاعدة تسعة مربعة أحد وثمانون ، فإذا أسقطناه من مائتين وخمسة وعشرين يبقى مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربع العمود ، والعمود يكون اثني عشر.

الخامس : لو قال زيد لعمرو : أعطني ثلث ما معك ليتم لي ثمن المبيع ، وقال عمرو له : بل أعطني ربع ما معك ليتم لي الثمن.

فطريق معرفة قدر الثمن وقدر ما مع كل واحد منهما : أن نفرض ما مع زيد شيئا وما مع عمرو ثلاثة ليصح الثلث ، فإذا أخذ زيد واحدا صار معه شي ء وواحد ، وهو ثمن المبيع. وإذا أخذ عمرو ربع ما مع زيد صار معه ثلاثة وربع شي ء ، وهو ثمن المبيع ، فشي ء وواحد يعدل ثلاثة وربع شي ء.

فإذا ما قابلت صار ثلاثة أرباع شي ء يعدل اثنين ، فالشي ء يعدل اثنين وثلثي واحد ، والثمن ثلاثة وثلثا واحد ، فإذا ضممت الكسر ، كان مع زيد ثمانية ومع عمرو تسعة ، فالثمن المبيع أحد عشر.

السادس : لو باع حوض ماء ركز فيه رمح ظهر حال انتصابه ستة أذرع ، ثم مال حتى غاب رأسه في الماء ، وكان بين موضعه وقت الانتصاب وموضع

ص: 491

رأسه عند المغيب عشرة أذرع من الجانبين.

فطريق معرفة قدر عمقه : أن نفرض القدر الفائت من الرمح وقت الانتصاب شيئا ، فيكون مربعه مع مربع العشرة مساويا لمربع الرمح بشكل العروس ، ومربع الشي ء مال ، ومربع العشرة مائة ، فمربع طول الرمح مال ومائة.

فكان طول الرمح وقت الانتصاب شيئا وستة ، ومربعه مال واثنا عشر شيئا وستة وثلاثون ، لأن الخط إذا قسم بقسمين ، فإن مربعه مساو لمربع كل قسم ، ويضرب أحد القسمين في الآخر مرتين ، فالمال ضرب الشي ء في نفسه ، وثلاثون (1) ضرب ستة في نفسه واثنا عشر شيئا ضرب ستة في الشي ء مرتين ، وهو يعادل المال ومائة.

وبعد المقابلة يبقى أربعة وستون تعدل اثني عشر ، ويكون الشي ء خمسة وثلثا ، وطول الرمح أحد عشر وثلث ذراع ، فالفاضل عن ستة عمق الماء.

والمسائل كثيرة ذكر منها هذا للتدرب.

البحث الثاني: ( في بقايا مسائل يشترط العلم بالعين )

الأول : لو باعه ذراعا من أرض أو ثوب ، وهما يعلمان جملة الذرعان ، كما لو علما أن الجملة عشرة ، صح البيع إن قصد الإشاعة. فكأنه قال : بعت العشر. ولو عنى معينا فسد ، كقوله شاة من قطيع.

ولو أطلقا ، فالأقوى البطلان ، لاحتمال انصرافه إلى كل منهما ، فحمل انصرافه إلى الإشاعة وإلى المنفعة المجهولة ، فتضاعف الجهالة فيه. ويحتمل الصحة ، صرفا للعقد إلى الصحة ، ولأصالة عدم التعيين.

ولو اختلفا فقال المشتري : أردت الإشاعة والعقد الصحيح ، وقال

ص: 492


1- في « ر » وستة وثلاثون.

البائع : بل أردت معينا ، فالأقرب تصديق البائع ، لأنه أعرف بقصده ، ودلالة لفظه التابعة لإرادته. ويحتمل تصديق المشتري ، عملا بأصالة الصحة وأصالة عدم التعيين. ويحتمل البطلان وإن قصد الإشاعة ، لأن الذراع اسم لمنفعة مخصوصة ، فيكون المبيع مبهما.

ولو لم يعلما أو أحدهما قدر الذرعان من الأرض والثوب ، بطل البيع ، لتفاوت أجزائهما غالبا في المنفعة والقيمة ، والإشاعة متعددة.

ولو وقف على طرف الأرض وقال : بعتك كذا ذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي الطول ، لم يصح على إشكال ، ينشأ : من العلم به مشاهدة. ومن جهالة القدر ، لأن الموضع الذي ينتهي إليه لا يعلم حال العقد.

وكذا لو قال : بعتك نصف داري مما يلي دارك ، فإنه لا يصح ، لأنه لا يعلم أين ينتهي ، فيكون مجهولا.

الثاني : لو باعه صاعا من صبرة وعلما مبلغ الصيعان ، صح العقد ، وفي تنزيله وجهان :

أحدهما : المبيع صاع من الجملة غير مشاع أي صاع كان ، لعدم اختلاف المقصود ، فحينئذ يبقى المبيع ما بقي صاع. وإذا تلف بعض الصبرة لم يتقسط (1) المبيع وغيره.

ثانيهما : الحمل على الإشاعة ، فإذا كانت عشرة فالمبيع عشرها. ولو تلف بعض الصبرة ، تلف بقدره من المبيع.

ولو جهلا أو أحدهما مبلغ الصيعان ، احتمل البطلان ، لأن المبيع غير معين ولا موصوف ، فأشبه ما لو باع ذراعا من أرض أو ثوب ، وجملة الذرعان مجهولة. والصحة ، فيكون المبيع صاعا أيّ صاع كان ، حتى لو تلف الجميع إلا صاعا تعين العقد فيه. ويتخير البائع بين أن يسلم من أعلى الصبرة أو

ص: 493


1- في « ر » لم يسقط.

أسفلها ، وإن لم يكن الأسفل مرئيا ، لأن رؤية ظاهر الصبرة كرؤية جميعها ، بخلاف الذراع من الأرض أو الثوب ، لأن أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف.

والثاني أظهر في المذهب ، والأول أقوى في النظر ، لأنه لو فرق صيعان الصبرة وقال : بعتك واحد منها لم يصح ولا فرق سوى الجمع والتفريق ولا مدخل له في الصحة والمنع ولأنه لو قال بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها لم يصح ، إلا أن يكون الصيعان معلومة.

ولا فرق بين استثناء المعلوم من المجهول ، أو استثناء المجهول من المعلوم في كون الباقي مجهولا.

والتحقيق أن نقول : إن جعلنا علة بطلان البيع في بيع عبد من عبدين الغرر الذي فيه مع سهولة الإخبار عنه ، صح البيع هنا ، لانتفاء الغرر هنا ، لتساوي أجزاء الصبرة. وإن جعلناها افتقار البيع إلى محل معين ، لم يصح ، لعدم التعيين هنا كالعبد.

وأيضا يحتمل أن يقال : إنه مبني على الشرط في العلم بالصيعان ، فإن قلنا المبيع هناك مشاع في الجملة ، بطل هنا لتعذر الإشاعة. وإن قلنا المبيع صاع غير مشاع ، صح هنا ، وعلى تقدير البطلان مع الجهالة ، يحتمله مع العلم ، كما في بيع عبد من عبدين.

الثالث : إبهام السلوك كإبهام المبيع ، كما لو باع أرضا محفوفة بملك البائع من جميع الجانب ، وشرط المشتري حق الاستطراق من جانب ولم يعينه ، بطل البيع ، لاختلاف الأغراض باختلاف الجهات فربما أدى الأمر إلى المنازعة ، فالجهالة في الحقوق كالجهالة في المعقود عليه. ولو عينه من جانب ، صح.

وكذا يصح لو قال : بعتك بحقوقها ، ويثبت للمشتري حق الممر من جميع الجوانب ، كما كان ثابتا للبائع قبل البيع.

ولو أطلق ولم يتعرض للممر ، احتمل الصحة ، لأن مطلق البيع يقتضي حق الممر ، لتوقف الانتفاع عليه ، فأشبه ما لو قال : بعتكها بحقوقها ، ولأنه

ص: 494

على تقدير عدم اقتضاء مطلق البيع حق الممر ، يمكنه التدرج إلى الانتفاع بتحصيل ممر بالعارية أو بالشراء ، فأشبه ما لو بقي الممر. والبطلان ، لعدم الانتفاع بها في الحال. وكذا لو نفى الممر احتمل الوجهان.

ولو كانت الأرض ملاصقة للشارع وأطلق المبيع ، صح الانتفاع بها في الحال ، وليس للمشتري الاستطراق في ملك البائع ، لأن العادة في مثلها الدخول من الشارع فينزل الأمر عليها. ولو كانت ملاصقة لملك المشتري فكالشارع ، ولا يملك المشتري الاستطراق في الباقي.

ولو قال : بحقوقها ، كان له الاستطراق في ملك البائع ، سواء كانت ملاصقة للشارع أو لملك المشتري.

ولو باع دارا واستثنى لنفسه بيتا ، فله الممرّ إن قال بحقوقه : ولو أطلق فالأقرب ذلك أيضا ، سواء كان له طريق غيره على إشكال أو لا. ولو نفى الممر ، صح وإن لم يكن له طريق غيره.

البحث الثالث: ( في شرط العلم بالقدر )

يشترط العلم بالقدر فيما يكال أو يوزن ، مبيعا كان أو ثمنا ، سواء كان في الذمة كالسلم والنسية ، أو معينا مشاهدا.

فلو قال : مل ء هذا البيت حنطة ، أو بزنة هذه الصنجة ذهبا ، لم يصح.

وكذا لو قال : بعت بما باع به فلان فرسه أو ثوبه ، وهما يجهلانه أو أحدهما ، لأنه غرر يسهل (1) الإخبار عنه. ولو قلنا في الصبرة بالصحة ، احتمل هنا لإمكان الاستكشاف وإزالة الجهالة.

وللشيخ رحمه اللّه قول بجواز بيع الصبرة المشاهدة مع جهالة القدر ،

ص: 495


1- في « ر » سيهل.

كما لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم ، أو قال : بعتك بهذه الدراهم وهي مشاهدة ، ربطا للعقد بالمشاهدة ، وحصول العلم بالرؤية ، فيصح كبيع الحيوان والثوب.

ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة ، فإنه يشق لكون الحب بعضه على بعض ، ولا يمكن بسطه حبة حبة ، ولأن أجزاءه متساوية ، فاكتفى برؤية ظاهره ، بخلاف الثوب فإن نشره لا يشق ويختلف أجزاؤه ، ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة ، لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرف وهو الرؤية ، والحق بطلان البيع ، لثبوت الغرر.

وكذا لا يصح لو قال : بعتك نصف هذه الصبرة أو ثلثها ، ويستحب على قول الشيخ.

ولو قال : بعتك بمائة دينار إلا عشرة دراهم ، لم يصح إلا أن يعلما قيمة الدينار بالدرهم.

ولو قال : بعتك بألف من الدنانير والدراهم ، لم يصح لجهالة قدر كل واحد منها. ويحتمل الصحة ، فيحمل على التنصيف.

وإذا باع بدراهم أو دنانير ، فلا بد من العلم بنوعها ، فإن كان في البلد نقد واحد ، أو نقود مختلفة وغلب أحدها ، انصرف العقد إليه ، وإن كان فلوسا إلا أن يعين غيره.

وإن كان نقد البلد مغشوشا وعهدت المعاملة به ، انصرف الإطلاق إليه ، وصح إن كانت النقرة معلومة ، لأن المقصود إذا لم يتميز عما ليس بمقصود ، أدى إلى جهالة الثمن. ويحتمل الصحة مع جهالة قدرها ، لأن العلم بالجملة حاصل ، فلا تضر جهالة الأجزاء ، ولا فرق بين أن يكون الغش غالبا أو مغلوبا.

ولو باع شيئا بدراهم مغشوشة ، ثم بان قلة النقرة ، فله الرد.

ولو تعددت نقود البلد ولا غالب ، فالبيع باطل إلا أن يعين أحدها.

ص: 496

وتقويم المتلفات يكون أيضا بغالب البلد. فإن تساوى النقدان عين الحاكم واحدا للتقويم. ولو غلب من جنس العرض نوع ، احتمل انصراف الإطلاق إليه كالنقد.

ولو باع صاعا من حنطة بصاع منها أو بشعير في الذمة ، ثم أحضرا قبل التفرق صح ، والأجود المنع ، لتعلق الأغراض بخصوصيات الأعيان في المبيع دون الثمن ، لأنه غير مراد لذاته.

وكما ينصرف النقد إلى الغالب ، كذا ينصرف في الصفات إليه ، حتى لو باع بدينار أو بعشرة والمعهود في البلد الصحاح ، انصرف العقد إليه. وإن كان المعهود المكسرة ، فكذلك إلا أن يتفاوت قيم المكسرة ، فلا بد من التعيين.

ولو كان المعهود أن يؤخذ نصف الثمن من هذا والنصف من ذاك ، أو أن يؤخذ على نسبة أخرى ، صح البيع حمل عليه.

ولو كان يعهد التعامل بهذا مرة وبذلك أخرى ولا تفاوت ، صح وسلم ما شاء. ويحتمل الصحاح ، لأن الكسر عيب والإطلاق إنما يحمل على السليم. ولو كان بينهما تفاوت ، فالأقرب الحمل على الصحة. ويحتمل السليم. ويحتمل البطلان للجهالة [ كما لو تعدد أو نفل العام ] (1).

ولو قال : بعت بألف صحاح ومكسرة ، فالأقوى الصحة ويحمل على التصنيف. ويحتمل البطلان للجهالة.

ولو قال : بعت بدينار صحيح ، فجاء بصحيحين ووزنهما مثقال ، لم يجب القبول وإن اتحد الغرض ، لأنه غير المشترط. وكذا لو جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف ، لما في الشركة من الضرر ، وعدم وجوب قبول الأمانة. فإن تراضيا عليه جاز. ولو أراد أحدهما كسره ، لم يجبر عليه ، لما فيه من الضرر.

ولو باع بنصف دينار صحيح وشرط أن يكون مدورا ، جاز إن عم وجوده ، وإن لم يشترط فعليه شق وزنه نصف مثقال ، فإن سلم إليه صحيحا

ص: 497


1- الزيادة من « ر ».

وزنه مثقال وتراضيا على الشركة جاز.

ولو باعه آخر بنصف دينار ، لم يجب صحيح عنهما ، فإن دفعه فقد زاده خيرا. ولو سلم قطعتين كل واحدة نصف فهو الواجب. ولو شرط في العقد الثاني تسليم الصحيح عنهما ، فالأقوى عندي الصحة.

ولو باع بنقد ثم انقطع عن أيدي الناس ، بطل العقد لعدم القدرة على التسليم. وإن كان لا يوجد في تلك البلدة ويوجد في غيرها ، فإن كان الثمن حالا أو مؤجلا إلى مدة لا يمكن نقله ، بطل أيضا ، وإن كان إلى مدة يمكن نقله صح ، ثم إن حل الأجل ولم يحضره ، فهو كما لو انقطع المسلم فيه. وإن كان لا يوجد في البلد إلا أنه عزيز ، فالأقوى الجواز. فإن تعذر التسليم ، فالوجه تخير البائع.

ولو كان النقد الذي جرى به التعامل موجودا ثم انقطع ، فهو كانقطاع المسلم فيه. ويحتمل لزوم العقد ، ويثبت في الذمة القيمة.

ولو باع شيئا بنقد معين أو مطلقا ، وحملناه على نقد البلد ، وأبطل السلطان ذلك النقد ، لم يكن للبائع إلا ذلك النقد ، كما لو أسلم في حنطة فرخصت ، لم يكن له سواها. ويحتمل تخير البائع بين إجازة العقد بذلك النقد والفسخ ، كما لو تعيب قبل القبض.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ، فإن علما قدرها صح ، وإن جهلا جملة الثمن ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب. ولو جهلاه أو أحدهما ، فالأقوى بطلان البيع. ويحتمل الصحة في قفيز واحد. أما لو قالا في الأرض أو الثوب ذلك مع الجهالة ، فإن البيع باطل قطعا.

ولو قال : بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا ، بطل وإن علما قدر الغنم ، لاختلاف قيمة الشياه ، بخلاف الصبرة.

ولو قال : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب أو هذه الأغنام كل ذراع وكل رأس بدرهم ، مع علمهما بالقدر صح.

ص: 498

ولو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم ، أو قال مثله في الثوب أو الأرض ، فإن خرج كما ذكر ، صح البيع إن باعهما على هذا التقدير.

وإن خرج زائدا أو ناقصا ، احتمل البطلان ، لأنه باع جملة الصبرة بالعشرة ، بشرط مقابلة كل صاع بدرهم ، والجمع بينهما عند الزيادة والنقصان محال. والصحة للإشارة إلى الصبرة ويلغى الوصف ، فإن خرج ناقصا تخير المشتري ، فيحتمل بين الإمضاء بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به ، أو بالقسط لمقابلته كل صاع بدرهم.

وإن خرج زائدا ، احتمل أن تكون الزيادة للمشتري ، لأن جملة الصبرة مبيعة منه فلا خيار له ، وفي البائع إشكال ، ينشأ : من رضاء ببيع الجميع ، وأن يكون للبائع فلا خيار له. والأقرب ثبوته للمشتري ، إذ لم يسلم إليه جميع الصبرة.

وإذا جوزنا بيع الصبرة المشاهدة مع جهالة القدر ، فلو كانت على موضع من الأرض فيه ارتفاع وانخفاض ، ثبت الخيار هنا عند معرفة مقدار الصبرة ، أو التمكن من تخمينها برؤية ما تحتها.

ولو باع الصبرة والمشتري يظن أنها على استواء الأرض ، ثم بان تحتها ارتفاع ، احتمل البطلان في أصل العقد ، لأنا تبينا بالآخر أن العيار لم يفد علما. والصحة مع الخيار للمشتري ، تنزيلا لما ظهر منزلة العيب والتدليس.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة إلا صاعا ، فإن علما قدر الصيعان ، وإلا فالوجهان.

البحث الرابع: ( في شرط العلم بالصفة )

يشترط العلم بصفة البيع ، إما بالمشاهدة ، أو بالوصف الرافع للجهالة ،

ص: 499

كما يوصف في السلم ، لثبوت الغرر مع إهماله ، فالمبيع إن كان معينا وكان غائبا أو حاضرا لم ير ، وجب وصفه بما يرفع الجهالة.

فإن لم يكن ضبط أوصافه المقصودة ، لم يصح البيع إلا مع المشاهدة. وإن كان كليا ، وجب وصفه أيضا لذلك ، لكن انحصار المبيع في الأول في ذلك المعين.

ولو تلف قبل القبض ، بطل البيع لعدم محله. ولو تلف بعضه ، بقي الباقي مبيعا بقدر قسطه من الثمن ويتخير المشتري.

وأما الثاني فلا ينحصر في عين دون أخرى ، بل أيّ عين دفعها بالصفات انصرف البيع إليها ، واستفاد المشتري الانتفاع بتلك العين الشخصية ، ولم يكن للبائع الرجوع فيها ، وإن لم يتناولها العقد بالخصوصية. ولا يبطل البيع بتلف أي عين كانت قبل الدفع ، بل يجب عوضها.

ولا فرق في البطلان بين أن لا يراه أحدهما أو لا يرياه معا ، لأنه علیه السلام نهى عن بيع الغرر (1). ولأنه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد ، فلم يصح بيعه ، كما لو أسلم في شي ء ولم يصفه ، ومع الوصف يتخير المشتري إن لم يجده على الوصف ، لقوله علیه السلام : من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه (2). وإنما يثبت الخيار في العقود الصحيحة.

وكما يشترط الوصف الرافع للجهالة في شراء الغائب ، فكذا في إجارته ، أو جعله مال الإجارة ، أو مال الصلح ، أو رأس مال السلم ، ثم يسلم في مجلس العقد.

ولو أصدقها عينا غائبة ، فالأقوى صحته لتسامح الجهالة فيه. أما لو خالعها عليها أو على القصاص فإشكال ، فإن أبطلنا المسمى ، وجب مهر المثل على الرجل في النكاح وعلى المرأة في الخلع ، والدية على المعفو عنه.

ص: 500


1- سنن ابن ماجة 2 - 739.
2- وسائل الشيعة 12 - 361 ب 15 ما يدل على ذلك.

أما هبة الغائب ورهنه ، فالأولى فيهما الصحة ، لأنهما ليسا من عقود المغابنات ، بل الواهب والراهن مغبونان لا محالة ، والمتهب والمرتهن غابنان لا محالة ، فلا خيار إذا صححناهما عند الرؤية ، إذ لا حاجة إليه.

وأما بيع الأعمى وشراؤه ، فإنهما صحيحان كالبصير ، بشرط معرفته بالوصف ، فإن ظهر على خلاف ما وصف له ، كان له الخيار ، لأنه تمكن الاطلاع على المقصود ومعرفته ، فأشبه بيع البصير وشراءه. والأحوط التوكيل في البيع والشراء. ويجوز أن يوكل الصحيح من يختار له الفسخ والإمضاء عند مخالفة الوصف ، كما يجوز التوكيل في خيار العيب.

وللأعمى أن يقبض لنفسه ما اشتراه بالوصف ، وإن لم يتميز بين المستحق وغيره إخلادا إلى قول البائع.

ويجوز أن يبيع ويشتري سلما وغيره بالوصف ، سواء عمي بعد التمييز أو قبله ولم يعرف الألوان ، لأنه يعرفها بالسماع وتخيل الفرق بينها.

وإذا اشترى غائبا رآه قبل العقد ، أو باع كذلك ، فإن كان مما لا يتغير غالبا ، كالأراضي والأواني والحديد والنحاس ونحوها ، أو كان لا يتغير بالمدة المتخللة بين الرؤية والعقد ، صح العقد لحصول العلم الذي هو المقصود ، فإن وجده كما رآه فلا خيار.

وإن وجده متغيرا ، احتمل البطلان لسبق انتفاء المعرفة ، والأقوى الصحة لبناء العقد في الأصل على ظن غالب ، ولكن له الخيار. ولا نعني بالتغير التعيب ، فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة ، ولكن الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية ، فكل ما فات منها فهو بمثابة ما لو تبين الخلف في الشرط.

ولو كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا ، كما لو رأى ما يسري إليه الفساد من الأطعمة ، ثم اشتراه بعد مدة كثيرة ، فالبيع باطل ، للعلم بتغير الصفة فيبقى مجهولا.

ولو احتمل الأمران أو كان المبيع حيوانا ، فالأصح الصحة ، لظهور بقائه

ص: 501

على حاله ، فإن وجده متغيرا تخير.

ولو اختلفا ، احتمل تقديم قول البائع ، لأصالة عدم التغير واستمرار العقد ، وقول المشتري لأن البائع يدعي عليه الاطلاع على المبيع على هذه الصفة والرضا به وهو ينكره ، فأشبه ما لو ادعى اطلاعه على العيب وأنكره المشتري. والتفصيل ، فيقدم قول البائع مع عدم عيب ، وقول المشتري معه.

ويكفي استقصاء الأوصاف على الحد المعتبر في السلم ، ويقوم مقام الرؤية. وكذا سماع وصفه بطريق التواتر ، لأن ثمرة الرؤية المعرفة ، وهما يفيدانها.

ولو شاهد بعض المبيع دون بعض ، فإن كان مما يستدل برؤية بعضه على الباقي ، صح البيع ، كما إذا رأى ظاهر الصبرة من الحنطة ، إذ الغالب تساوي أجزائها ، ويعرف جملتها برؤية ظاهرها ، ولا خيار له إذا رأى باطنها إلا إذا خالف الظاهر. وكذا سائر الحبوب وكومة الجزر والأرز والدقيق.

ولو كان شي ء منها في وعاء ، فرأى أعلاه ، أو رأى أعلى السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها كفى.

ولو كانت الحنطة في بيت مملو منها ، فرأى بعضها في الباب كفى.

ولو رأى الجمد في المجمدة صح إذا عرف سعتها وعمقها.

ولا يكفي رؤية صبرة البطيخ والرمان والسفرجل ، لأنها تباع في العادة عددا ويختلف كثيرا ، فلا بد من رؤية واحد واحد.

وكذا لا يكفي رؤية رأس السلة في العنب والخرج ونحوهما ، لكثرة اختلاف أجزائها ، بخلاف صبرة الحبوب والثمر إن لم يلتزق أفراده ، فصبرته كصبرة اللوز ، وإن التزقت كالقوصرة ، كفى رؤية الأعلى.

والأقرب الاكتفاء برؤية ظاهر عدل القطن والصوف ، ولو أراه أنموذجا وبنى أمر المبيع عليه ، فإن قال : بعتك من هذه النوع كذا احتمل البطلان ، لأنه لم يعين مالا ولا راعى شروط السلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في

ص: 502

السلم ، لأن اللفظ والوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال ، والأقرب عندي الصحة ، إذ المشاهدة أبلغ في العلم من الوصف.

وإن قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت ، وهذا الأنموذج منها ، فإن لم يدخل الأنموذج في البيع ، احتمل الصحة تنزيلا منزلة استقصاء الوصف. والمنع ، لأن المبيع غير مرئي ، ولا يشبه استقصاء الوصف. وإن أدخله في المبيع ، احتمل الصحة ، كما رأى بعض الصبرة. والمنع.

ومسألة الأنموذج إنما نفرض في المتماثلات.

ولو كان الشي ء مما يستدل برؤية بعضه على الباقي ، فإن كان المرئي صونا للباقي ، كقشر الرمان والبيض والجوز ، كفى رؤيته وإن كان المقصود مستورا ، لأن صلاحه في بقائه فيه ، فإن خرج سليما لزم البيع ، وإلا وجب الأرش. ولو لم يكن لمسكوره قيمة كالبيض الفاسد ، فالأرش جميع الثمن.

ولا يصح بيع اللب وحده ، لأن تسليمه لا يمكن إلا بكسر القشر وفيه تغير عين المبيع. والوجه عندي الصحة مع سقوط القشر عن التقويم.

ولو رأى المبيع من تحت الماء الشفاف ، أو من وراء قارورة وشبهها ، فإن حصلت المعرفة التامة صح البيع ، وإلا فلا. وكذا الأرض إذا علاها الماء الصافي وشاهدها أو الحرث فيه ، وإن لم يكن المرئي صونا للباقي ، لم يصح بيعه إلا مع المشاهدة ، أو الوصف الرافع للجهالة.

البحث الخامس: ( في بقايا مسائل هذا الباب )

الأول : قد بينا أن العلم بالمبيع والثمن قدرا ووصفا شرط ، فلو جهلاه أو أحدهما لم يجز العقد ، فإن وكلا عارفا به صح البيع ، لانتفاء الغرر عن العقد. وكذا لو أجاز الجاهل بيع الفضولي العالم على إشكال ، ينشأ : من أن الإجازة إنشاء عقد أو تقريره.

ص: 503

الثاني : رؤية كل شي ء بحسب ما يليق به ، ففي شراء الدار تجب رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلا وخارجا والمستحم والبالوعة ، وفي البستان رؤية الأشجار والجدران والبسط ومسائل المياه ، ولا حاجة إلى رؤية أساس البناء ولا عروق الأشجار. وهل يشترط رؤية طريق الدار ومجرى الماء الذي تدور به الرحى؟ إشكال.

وفي العبد رؤية الوجه والأطراف وباطن البدن. وفي العورة إشكال. ينشأ : من تعميم التحريم ، ومن التسويغ عند الحاجة الثابتة هنا. وكذا الجارية على الأقوى ، والأقرب اشتراط رؤية اللسان والأسنان.

وفي الدواب رؤية مقدمها ومؤخرها وقوائمها ، ويجب رفع السرج والإكاف والجل.

وفي اشتراط جري الفرس ليعرف سيره إشكال.

والثوب إن كان مطويا ينقصه النشر ، فالأقرب عدم اشتراط نشره ، وكذا إن لم ينقصه ، بشرط دلالة ظاهره على ما خفي ، وإذا نشرت فالصفيق كالديباج المنقش لا بد من رؤية كلا وجهيه ، وكذا البسط والزلالي. وما كان رقيقا لا يختلف وجهاه ، كفى رؤية أحد وجهيه على الأقوى.

وفي شراء الكتب يجب تقليب الأوراق ورؤية جميعها.

الثالث : بيع اللبن في الضرع باطل ، لأنه مجهول القدر ، لتفاوت ثخن الضروع ، ولأنه يزداد شيئا فشيئا ، لا سيما إذا أخذ في الحلب ، وما يحدث ليس من المبيع ، فلا يتأتى التمييز والتسليم. ولأن النبي علیه السلام نهى عنه. ولو قال : بعتك من اللبن الذي في ضرعها كذا ، لم يجز ، لأن وجود القدر في الضرع لا يستقر (1). ويحتمل الجواز بناء على العادة ، لكن لا بد من ضبطه بالوصف.

ولو احتلب بعضه وباعه مع باقي الضرع ، فللشيخ قول بالجواز. والوجه

ص: 504


1- في « ق » لا يتيقن.

المنع ، لأن انضمام المعلوم إلى المجهول لا يصير معلوما.

ولو حلب بعضه ثم باعه مع ما في الضرع مدا وشاهد المحلوب ، فهو كالأنموذج.

هذا إذا كان المبيع قدرا يسيرا يتأتى حلبه وابتدر قبل تزايد اللبن ، أما لو كان قدرا لا يتأتى حلبه إلا ويتزايد اللبن ، فالوجه المنع.

ويجوز الوصية باللبن في الضرع ، بخلاف البيع. ولا يجوز بيع اللبن في الضرع أياما معلومة وإن عرف قدر حلبها ، لأنه بيع ما لم يخلق فلم يجز ، كبيع ما تحمله الناقة.

الرابع : في بيع الصوف على الظهر قولان : المنع للنهي عنه ، ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز بيعه منفردا كأعضائه ، ولأن مطلق اللفظ يتناول جميع ما على ظهر الجلد. ولا يمكن استيعابه إلا بإيلام الحيوان ، وإن شرط الجز ، فالعادة في المقدار المجزور تختلف ، وبيع المجهول لا يجوز. والجواز والجز بمقتضى العادة كالرطبة وغيرها من الزرع المأخوذ جزا ، بخلاف الأعضاء التي لا يمكن تسليمها مع سلامة الحيوان.

ولو اشتراه بشرط الجز فتركه حتى طال ، فكالرطبة إذا اشتراها بشرط القطع فتركها حتى طالت.

الخامس : بيع الشاة المذبوحة قبل سلخها باطل ، سواء بيع اللحم وحده ، أو الجلد وحده ، أو بيعا معا ، لأن المقصود اللحم وهو مجهول. ويحتمل الجواز ، لعدم اشتراط الرؤية ، فأشبه لب الجوز.

ويجوز بيع الأكارع والرءوس بعد التذكية والإبانة مشوية ونية ولا عبرة بما عليها من الجلد ، لأنه مأكول.

ولو باعا قبل الإبانة ، فالوجه الجواز أيضا ، أما قبل التذكية فلا يجوز وكذا لا يجوز بيع جلد الشاة وغيرها قبل التذكية لتعذر تسليمه ولا بعدها لجهالته.

ص: 505

السادس : يجوز بيع المسك في الفأر ، وهو الوعاء الذي يكون فيه ، لأن بقاءه في فأره مصلحة له ، لأنه يحفظ رطوبته وذكا رائحته فأشبه الجوز ، ثم إن وجده صحيحا لزم وإلا تخير.

ولو كان رأس الفأرة مفتوحا يشاهد أعلاه ، صح البيع أيضا ، ويلزم لو كان أسفله كأعلاه ، وإلا تخير. ولو رآه خارج الفأرة فاشتراه بعد الرد إليها ، جاز.

ولا يجوز بيع الدر في الصدف ، للجهالة مع تفاوتها كبرا وصغرا وصفاء وكدورا.

السابع : لو رأى بعض الثوب وبعضه الآخر في صندوق أو جدار ، فإن وصفه وصفا يرفع الجهالة ، أو أخبره بأن الباقي كالمرأى ، صح البيع لانتفاء الجهالة.

قال الشيخ : ولو باعه ثوبا على خشب ساج قد نسج بعضه على أن ينسج الباقي ويدفعه ، كان باطلا ، لأن المرأى من الثوب البيع فيه لازم من غير خيار الرؤية ، والباقي يقف على خيار الرؤية ، فيجتمع في شي ء واحد خيار الرؤية وانتفاؤها وهو متناقض.

وليس بجيد ، لأنها نمنع لزوم البيع في المشاهد لوحدة العقد.

ولو كان المبيع شيئين صفقة ، ورأى أحدهما دون الآخر ، فإن وصف له وصفا يرفع الجهالة ، صح البيع. فإن لم يوصف بطل البيع فيه ، والأقرب بطلان البيع في المرئي لاتحاد العقد ، مع احتمال الصحة فيه ، ويتخير المشتري لتفريق الصفقة عليه.

الثامن : لا يجوز بيع عين بصفة مضمونة ، كأن يقول : بعتك هذا الثوب على أن طوله كذا وعرضه كذا وغيره من الصفات ، فإن لم يكن بهذه الصفات فعلي بدله بهذه الصفات ، لوقوع العقد على شي ء بعينه ، وإذا لم يصح فيه ، افتقر في ثبوته في بدله إلى تجديد عقد.

ص: 506

التاسع : إذا باع عينا شخصية ، فإن شوهدت صح البيع ، وإلا فلا إلا مع ذكر الجنس والنوع والوصف الرافع للجهالة المشروط في السلم.

ولو قال : بعتك ما في كمي أو كفي أو ما ورثته من أبي ، لم يصح. وكذا لو ذكر الجنس والنوع ، مثل بعتك عبدي التركي ، ما لم يصفه بصفات السلم ، حذرا من الغرر ، ولأنه مبيع غير مشاهد ، فاعتبر فيه التعرض للصفات كالمسلم فيه ، فلا يكفي ذكر معظم الصفات.

العاشر : إذا باع الغائب بالوصف ، فإن وجده على ما وصفه ، لم يكن له خيار ، لسلامة المعقود عليه بصفاته ، وقوله علیه السلام : من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه (1). المراد به إذا وجده على غير الوصف.

ولو وجده دون ما وصفه ، فله الخيار قطعا. فلو أخبره بكونه على خلاف الوصف ، كان له الفسخ قبل الرؤية ، لأن حق الفسخ ثابت له عند الرؤية ، فلا معنى لاشتراط الرؤية في نفوذه.

ولو ظهر كذبه بعد الفسخ ، احتمل أن يكون له استرجاعه باختياره ومخيرا وعدمه ، وهل له الإجازة؟ الأقرب ذلك ، لأنها ثابتة له عند الرؤية مغبوطا كان أو مغبونا ، فلا معنى لاشتراط الرؤية. ويحتمل المنع ، لأن قوله « أجزت » مع الجهل بمنزلة قوله في الابتداء « اشتريت » والإجازة رضاء بالعقد والتزام له ، وهو يستدعي العلم بالمعقود عليه ، وهو جاهل بحاله.

ولو اشتراه بشرط انتفاء الخيار ، فالأقرب الجواز ، ولا خيار له وإن كان قد تغير.

ولو كان البائع قد رأى المبيع أولا ، فإن تغير بالزيادة ، كان له الخيار كخيار المجلس ، فإنهما يشتركان فيه. ولو لم يكن قد تغير أو تغير بالنقصان ، فلا خيار له.

ولو لم يكن البائع قد رآه ، بل باعه بالوصف ، كان له الخيار عند

ص: 507


1- وسائل الشيعة 12 - 361 ب 15 ما يدل على ذلك.

الرؤية ، إن كان أجود مما وصف له ، وإلا فلا.

ولو باع شيئا على أنه معيب ، فبان صحيحا ، كان له الخيار ، لأن الخيار كما يثبت للمشتري عند النقصان يثبت للبائع عند الزيادة ، ولهذا لو باع ثوبا على أنه عشرة ، فبان أحد عشر ، كان له الخيار.

الحادي عشر : الأقرب أن خيار الرؤية متراخ ، لأنه خيار تعلق بالاطلاع على حال المبيع ، فأشبه الرد بالعيب. ويحتمل امتداده بامتداد مجلس الرؤية ، لأنه خيار يثبت قضية للعقد فتعلق بالمجلس كخيار المجلس.

الثاني عشر : لو تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية ، لم ينفسخ البيع. ولو باعه قبل الرؤية بالوصف الذي اشتراه ، صح.

الثالث عشر : يجوز بيع ما لا يعلم وصفه المقصود إلا بالذوق كالخل والعسل وأشباههما ، أو بالشم مثل المسك ونحوه ، أو باللمس كالناعم والخشن قبل إدراكه ، بناء على الصحة والسلامة في الكيفيات المقصودة المعلومة بهذه الطرق.

الرابع عشر : لو كان المبيع في غير موضع العقد ، صح ووجب تسليمه في ذلك البلد ، وأكثر علمائنا على تسليمه في بلد العقد. ولو شرط تسليمه في بلد العقد صح البيع ولزم الشرط كالسلم.

الخامس عشر : لو شاهد ثوبين ثم سرق أحدهما ، فاشترى الآخر ولم يعلم المسروق أيهما هو ، فإن تساويا قدرا ووصفا وقيمة كنصفي كرباس واحد صح ، فإنه اشترى معينا مرئيا معلوما ، وإن اختلفا في شي ء من ذلك لم يصح ، لأنه لا يعلم المشتري منهما الطويل أو الجيد أو ضدهما ، ولم تفد الرؤية السابقة العلم بحال المبيع عند العقد.

السادس عشر : لو اختلفا ، فقال البائع للمشتري : رأيت المبيع ، فقال المشتري : لم أره ، قدم قول البائع ، لأصالة صحة العقد ، وللمشتري أهلية الشراء وقد أقدم عليه ، فكان اعترافا منه بصحة العقد.

ص: 508

السابع عشر : نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن ثمن عسيب الفحل (1). فقيل : عسيب الفحل أجرة ضرابه. وقيل : ضرابه. وقيل : ماؤه. والمراد من الثمن الأجرة ، فإنها قد تسمى ثمنا مجازا.

والأصل أن بيع الماء ممنوع منه ، لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه. وأما بطريق الاستيجار فإنه جائز عندنا على كراهية ، لأنها منفعة مقصودة فجاز الاستيجار عليها ، كالاستيجار لتلقيح النخل ، والماء تابع والغالب حصوله عند نزوه ، فيكون كالعقد على الظئر ، لتحصيل اللبن في بطن الصبي.

وتزول الكراهة لو أعطاه على سبيل الكرامة.

الثامن عشر : نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بيع حبل الحبلة (2) ، وله تفسيران : أحدهما : قال أبو عبيدة وأهل اللغة : أن يبيع نتاج النتاج نفسه ، لأنه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدورا على تسليمه.

ثانيهما : أن يجعل نتاج النتاج داخلا في الشي ء ، فإن الجاهلية كانوا يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة ، وهو أن ينتج الناقة ثم تحمل التي نتجت ، فنهاهم النبي صلی اللّه علیه و آله ، وهو باطل ، لأنه بيع إلى أجل مجهول فكان غررا.

التاسع عشر : نهى علیه السلام عن بيع الملاقيح والمضامين (3).

فالملاقيح ما في بطون الأمهات من الأجنة ، الواحدة ملقوحة ، من قولهم لقحت ، كالمجنون من جن والمحموم من حم.

والمضامين ما في أصلاب الفحول ، سميت بذلك لأن اللّه تعالى ضمنها ،

ص: 509


1- سنن ابن ماجة 2 - 731 الرقم 2160.
2- جامع الأصول 1 - 475.
3- جامع الأصول 1 - 475.

وكانوا في الجاهلية يبيعون ما في بطن الناقة وما تحبل من ضراب الفحل في عام أو أعوام.

والأصل فيه الجهالة وعدم التملك والقدرة على التسليم.

العشرون : نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بيع الملامسة والمنابذة (1) ، وللملامسة تأويلات :

أحدها : أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحب الثوب : بعتك هذا بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته. لما فيه من الغرر والجهالة.

وكذا لو باع شيئا على شرط نفي خيار الرؤية ، فإن كان قد رآه أولا ، احتمل الصحة والبطلان. وإن لم يكن قد رآه ولا وصف له وصفا يرفع الجهالة بطل.

ثانيها : أن يجعلا نفس اللمس بيعا ، بأن يقول صاحب الثوب لطالبه : إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا. وهو باطل ، لما فيه من التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية. وهل هو في حكم المعاطاة؟ الأقرب ذلك.

ثالثها : أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره ، وهو باطل لجهالة مدة الخيار.

وللمنابذة تأويلان :

أحدهما : أن يجعلا النبذ بيعا ، فيقول أحدهما للآخر : أنبذ إليك ثوبي وتنبذ إلي ثوبك على أن كل واحد بالآخر ، أو يقول : أنبذ إليك ثوبي بعشرة فيكون النبذ بيعا. لما فيه من اختلاف الصيغة ، وهو راجع إلى المعاطاة ، فإن المنابذة مع قرينة البيع هي المعاطاة بعينها.

ثانيهما : أن يقول : بعتك هذا بكذا على أني إذا أنبذته إليك فقد وجب

ص: 510


1- جامع الأصول 1 - 405.

البيع ، وحكمه ما تقدم في الملامسة.

الحادي والعشرون : نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بيع الحصاة (1). وله تأويلات :

أحدها : أن يقول : بعتك ثوبا من هذه الأثواب وأرمي بهذه الحصاة ، فعلى أيها وقعت فهو المبيع. أو يقول : أرمي بهذه الحصاة فإلى أي موضع بلغت من الأرض يكون مبيعا منك.

ثانيها : أن يقول : بعتك هذا بكذا على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة.

ثالثها : أن يجعلا نفس الرمي بيعا ، فيقول البائع : إذا رميت هذه الحصاة فهذا الثوب مبيع منك بعشرة.

والبيع باطل في الجميع : أما أولا فللجهل بالمبيع. وأما ثانيا فللجهل بمدة الخيار. وأما ثالثا فلاختلال الصيغة.

ولو عقد البيع قبل لمسه ونبذه ورميه بالحصاة ، ثم قال : بعتك ما تلمسه من هذه الثياب ، أو ما أنبذه إليك ، أو ما يقع عليه الحصاة بالحصاة ، فهو غير معين ولا موصوف ، فصار كما لو قال : بعتك عبدا من هذه العبيد.

الثاني والعشرون : نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن بيعتين في بيعة ، وله تفسيران (2).

أحدهما : أن يقول : بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين إلى سنة ، فخذه بأيهما شئت أنت أو شئت أنا. وهو باطل للجهل بالعوض ، كما لو قال : بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بكذا.

ولو قال : بعتك بألف نقدا أو بألفين إلى سنة على رأي. أو قال : بعتك

ص: 511


1- جامع الأصول 1 - 441.
2- جامع الأصول 1 - 446.

نصف هذا العبد بألف ونصفه بألفين صح البيع.

ولو قال : بعتك هذا العبد بألف نصفه بستمائة ، فالأقرب عندي الصحة ، وإن اقتضى ابتداء كلامه توزيع الثمن على المثمن بالسوية ، إلا أن دلالة المنطوق أقوى ولا تناقض ، فإن خرج نصفه مستحقا فله نصف الألف.

ثانيهما : أن يقول : بعتك هذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا ، أو تشتري مني داري بكذا ، وهو صحيح ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) وقوله علیه السلام : المؤمنون عند شروطهم (2).

الثالث والعشرون : إنما يصح البيع على الأعيان المملوكة كما تقدم ، فلا يصح على المنافع ، ولا على ما لا يصح تملكه ، ولا مع خلوه عن العوض ، وقد تقدم ذلك.

المطلب السادس: ( في بقايا المناهي )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( ما ورد فيه النهي )

قد يحكم بفساده (3) قضية للنهي عند قوم وهو الأغلب ، وقد لا يحكم بحيث يتفاوت البيع بما يعرف عود النهي إليه كالمنع عن البيع حالة النداء ، فإنا نعلم أن المنع غير متوجه نحو خصوص البيع ، بل نحو ترك الجمعة ، حتى لو

ص: 512


1- سورة المائدة : 1.
2- تهذيب الأحكام 7 - 371 ج 66.
3- في « ق » بفساد.

تركها بسبب آخر فقد ارتكب النهي ، ولو باع في غير تلك الحالة لم يتحقق نهي.

فمن الأول نهيه علیه السلام عن بيع اللحم بالحيوان (1) ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى. ومنه بيع ما لم يقبض ، وبيع الطعام حتى تجري فيه الصاعات ، وبيع الكالي بالكالي ، وبيع الغرر ، وبيع ما لا يقدر على تسليمه ، وبيع مال الغير وما ليس عنده ، ويفسر ببيع ما هو غائب عنه ، أو ببيع ما لا يملكه ليشتريه فيسلمه ، وبيع الكلب والخنزير ، وقد تقدم بيان ذلك.

وأما ما لا يدل على الفساد فأقسام يأتي في أبحاث إن شاء اللّه تعالى.

البحث الثاني: ( في الاحتكار )

الاحتكار منهي عنه إجماعا ، قال علیه السلام : لا يحتكر الطعام إلا خاطئ (2). أي آثم. وقال علیه السلام : الجالب مرزوق والمحتكر ملعون (3). وقال الصادق علیه السلام : كان رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله ، فمر عليه النبي صلی اللّه علیه و آله فقال : يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر (4).

وهل هو حرام أو مكروه؟ لعلمائنا قولان.

والاحتكار : أن يشتري ذو الثروة الطعام في وقت الغلاء ولا يدعه للضعفاء ، ويحبسه ليبيعه منهم بأكثر عند اشتداد حاجتهم.

ولا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء ، وأن يشتري في وقت الغلاء لنفسه وعياله ، ثم يفضل شي ء فيبيعه في وقت الغلاء ، وأن

ص: 513


1- جامع الأصول 1 - 413.
2- جامع الأصول 2 - 22 ، وسائل الشيعة 12 - 315 و 314.
3- جامع الأصول 2 - 28 ، وسائل الشيعة 12 - 313 ح 3.
4- وسائل الشيعة 12 - 316 ح 3.

يمسك غلة ضيعة ليبيع في وقت الغلاء ، لكن الأولى أن يبيع ما يفضل عن كفايته. وهل يكره إمساكه؟ إشكال.

ولا احتكار في غير الأقوات إجماعا ، ولا يعم جميع الأقوات ، بل هو مختص بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والملح والسمن. والاحتكار المنهي عنه ما جمع ثلاث شرائط :

الأول : أن يشتري فلو جلب شيئا ، أو أدخل شيئا من غلته فادخره ، لم يكن محتكرا ، لقوله علیه السلام الجالب مرزوق والمحتكر ملعون (1). ولأن الجالب لا يضيق على أحد ولا يضر به بل يبيع (2) ، فإن الناس إذا علموا عنده طعاما معدا للبيع كان أطيب لنفوسهم (3) من عدمه.

الثاني : أن يكون قوتا ، فلا احتكار في الأدم كالعسل وغيره عدا ما استثني ، ولا علف البهائم لأن هذه الأشياء مما لا تعم الحاجة إليها ، فأشبهت الثياب والحيوانات.

الثالث : أن يضيق على الناس بشرائه ، ولا يحصل ذلك إلا بأمرين : أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار كالحرمين والثغور ، أما البلاد الواسعة الكثيرة المرافق والجلب كبغداد ومصر ، فقل أن يؤثر ذلك فيها ، فإن فرض كان منهيا عنه.

وأن يكون في حال الضيق ، بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوي اليسار فيشترونها ويضيقون على الناس ، وأما إن اشتراه حال الرخص بحيث لا يضيق على أحد فلا بأس ، فإن تجدد الضيق وجب البذل.

ص: 514


1- في « ر » ينفع.
2- خ ل : لقلوبهم :
3- تقدم آنفا.
البحث الثالث: ( في التسعير )

المشهور أنه لا يجوز التسعير لا للإمام ولا لنائبه على أهل الأسواق في شي ء من أمتعتهم من الطعام وغيره في حال الرخص والغلاء ، لما روي أن رجلا جاء إلى النبي صلی اللّه علیه و آله فقال : سعر على أصحاب الطعام ، فقال : بل أدعو اللّه ، ثم جاء آخر فقال : يا رسول اللّه سعر على أصحاب الطعام ، فقال : بل اللّه يرفع ويخفض وإني لأرجو أن ألقى اللّه وليس لأحد عندي مظلمة (1).

إذا عرفت هذا فلو خالف إنسان من أهل السوق بزيادة سعر أو نقصان ، فلا اعتراض لأحد عليه ، ولا يسعر عليه بل يبيع بما رزقه اللّه ، سواء كان في الغلاء أو الرخص ، تمكينا للناس من التصرف في أموالهم ، ولأنهم قد يمتنعون بسبب ذلك من البيع فيشتد الأمر.

ولو جوزنا التسعير فإنما هو في الأطعمة التي تثبت الاحتكار فيها خاصة ، ولا يلحق بها علف الدواب.

وإذا سعر الإمام علیه السلام : فخالف ، استحق التعزير وصح البيع.

إذا ثبت هذا فإن الإمام يجبر المحتكر على إخراج الطعام وبذله للبيع وتعريضه له ، لأن عليا علیه السلام قال : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مر بالمحتكرين ، فأمر محتكريهم أن يخرج إلى بطون الأسواق وحيث ينظر الأبصار إليها ، فقيل لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لو قومت عليهم فغضب حتى عرف الغضب من وجهه ، فقال : أنا أقوم عليهم ، إنما السعر إلى اللّه يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء (2).

وحد الشيخ رحمه اللّه الاحتكار في الرخص بأربعين يوما ، وفي الغلاء

ص: 515


1- جامع الأصول 2 - 24 - 25.
2- وسائل الشيعة 12 - 317 ح 1.

بثلاثة أيام (1). لقول الصادق علیه السلام : الحكر في الخصب أربعون يوما وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فصاحبه ملعون (2). وقيل : لا يشترط.

البحث الرابع: ( في بيع الحاضر للبادي )

يكره أن يبيع حاضر لباد ، لقوله علیه السلام : لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض (3).

وصورته : أن يحمل البدوي أو القروي متاعه إلى البلد ويريد بيعه بسعر اليوم ليرجع إلى موضعه ، ولا يلزمه مؤنة الإقامة ، فيأتيه البلدي ويقول له : ضع متاعك عندي وارجع لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر.

وقيل : أن يخرج الحضري إلى البدوي وقد جلب السلعة فيعرفه السعر ويقول : أنا أبيع لك وأكون سمسارا.

وعلى كل تقدير فليس بمحرم ، بكل مكروه بشروط :

الأول : أن يكون عالما بورود النهي ، وهو شرط يعم جميع المناهي.

الثاني : أن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد ، فإن لم يظهر إما لكبر البلد أو لقلة ذلك الطعام ، أو لعموم وجوده ورخص السعر ، فالأقرب عدم الكراهية ، لأن المقتضي للنهي تفويت الربح ، وفقد الرفق على الناس وهذا لم يوجد هنا.

الثالث : أن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه ، أما ما لا يحتاج

ص: 516


1- النهاية ص 374 - 375.
2- وسائل الشيعة 12 - 313 ح 1.
3- جامع الأصول 1 - 442

إليه إلا نادرا ، فالأقرب عدم دخوله تحت المنع.

الرابع : أن يعرض الحضري ذلك على البدوي ويدعوه إليه ، فإن التمس البدوي منه بيعه له تدريجا وقصد الإقامة في البلد ليبيعه كذلك ، فسأل البدوي تفويضه إليه لم يكن به بأس ، لأنه لم يضر بالناس. ولا سبيل إلى منع المالك عنه ، لما فيه من الإضرار به.

ولو استرشد البدوي الحضري ، فهل له إرشاده إلى الادخار والبيع على التدريج؟ فالأقرب جوازه.

ولو باع الحضري للبدوي عند اجتماع الشرائط ، صح البيع ، لأن قوله علیه السلام : دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض (1). يدل عليه ، فإنه لو لا صحة البيع لما كان في فعله تفويت على الناس. أما الشراء لهم فإنه جائز ، لأن النهي غير متناول للشراء بلفظه ولا هو في معناه ، فإن النهي عن البيع إنما يثبت للرفق بأهل الحضر ليبيع عليهم بالسعر ويزول عنهم الضرر.

البحث الخامس: ( في التلقي )

قال الباقر علیه السلام : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق بعضهم من بعض (2). وهو مكروه عند أكثر العلماء ، وليس حراما إجماعا.

وصورته : أن يتلقى الإنسان طائفة يحملون متاعا إلى البلد فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره ، فإنه مكروه إن قصد التلقي ، ويصح البيع ولا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر ، وبعده يثبت الخيار إن كان البيع بأرخص من سعر البلد بما لا يتغابن الناس به ، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر بشي ء.

ص: 517


1- نفس المصدر.
2- وسائل الشيعة 12 - 326 - 327 ح 5 و 1.

ولو كان الشراء بسعر البلد أو أكثر أو أقل بما يتغابن الناس به فلا خيار ، لأنه لم يوجد تغرير ولا خيانة.

ولو خرج لا بقصد التلقي ، بل اصطيادا أو غيره فاتفق لقاء الركب ، لم يكن قد فعل مكروها. ويثبت الخيار مع الغبن الفاحش لا بدونه. والخيار يثبت على الفور كخيار العيب. وقيل : لا يسقط إلا بالإسقاط.

ولو تلقى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد ، احتمل مساواته للتلقي في الشراء لنفوذه (1) بالرفق الحاصل منهم وعدمها ، لأن النهي إنما ورد عن الشراء.

وحد التلقي : أربعة فراسخ ، فإن زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ولم يكن تلقيا ، لقول الصادق علیه السلام في حده ما دون غدوة أو روحة ، قلت : وكم الغدوة والروحة؟ قال : أربعة فراسخ (2).

ولو تلقى الجلب في أعلى السوق ، فالأقرب عدم الكراهية ، لأنه إذا صار في السوق فقد صار في محل البيع والشراء ، كالذي صار إلى وسطها. أما لو دخل أول البلد ، فالأقرب اندراجه تحت النهي.

البحث السادس: ( في السوم على السوم )

روي عنه علیه السلام أنه قال : لا يوسم الرجل على سوم أخيه (3). والأقسام أربعة :

الأول : أن يوجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع ، فهذا يكره فيه السوم على غير ذلك المشتري ، وهو الذي تناوله النهي.

ص: 518


1- في « ق » لتفرده.
2- وسائل الشيعة 12 - 326 ح 1.
3- جامع الأصول 1 - 447.

الثاني : أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا ، فلا يحرم السوم إجماعا ولا يكره ، لأن أنسا قال : جاء رجل من الأنصار شكا إلى النبي صلی اللّه علیه و آله الشدة والجهد ، فقال له : أما بقي لك شي ء ، فقال : قدح وحلس قال : فأتني بهما ، فأتاه بهما ، فقال : من يبتاعهما؟ فقال رجل : أخذتهما بدرهم ، فقال النبي صلی اللّه علیه و آله : من يزيد على درهم ، فأعطاه رجل درهمين ، فباعهما منه (1). وللإجماع على البيع بالتزايد.

الثالث : أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا ولا عدمه ، ولا يكره السوم أيضا ولا الزيادة ، لأن فاطمة بنت قيس خطبها معاوية وأبو جهم ، فأمرها النبي صلی اللّه علیه و آله أن تنكح أسامة ، مع أنه قد نهى عن الخطبة على خطبة آخر ، كما نهى عن السوم على سوم أخيه ، فما أبيح في أحدهما أبيح في الآخر.

الرابع : أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح ، ففي الكراهة إشكال ، ينشأ : من أصالة الإباحة وعدم الكراهة ، ومن أنه وجد منه دليل الرضا ، فأشبه ما لو صرح به.

وصورة السوم على السوم : أن يأخذ شيئا ليشتريه فيجي ء غيره ويقول : رده حتى أبيع منك خيرا منه بأرخص ، أو يقول لمالكه : استرده لأشتريه بأكثر. وإنما يكره بعد استقرار الثمن ، وفي معناه ما روي أنه علیه السلام قال : لا يبع بعضكم على بعض (2).

وصورته : أن يشتري الرجل شيئا فيدعوه غيره إلى الفسخ ليبيعه خيرا منه بأرخص منه.

وكذا الشراء على الشراء ، وهو أن يدعوه البائع إلى الفسخ ليشتريه منه بأكثر ، وإنما يمكن ذلك عند إمكان الفسخ ، وهو أن يكونا في زمن الخيار إما خيار المجلس أو الشرط أو غيرهما ، والأقرب أن ذلك مكروه لا محرم للأصل.

ص: 519


1- سنن ابن ماجة 2 - 740 الرقم 2198.
2- سنن ابن ماجة 2 - 733 الرقم 2271.

وهل يشترط أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا مفرطا؟ الأقرب ذلك. ولو كان جاز أن يعرفه ويبيع على بيعه ، لأنه نوع من النصيحة.

ولو أذن البائع في البيع على بيعه ، ارتفعت الكراهة.

البحث السابع: ( في النجش )

روي أنه علیه السلام نهى عن النجش (1).

وصورته : أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع ، وهو غير راغب فيها ، ليخدع الناس ويرغبهم فيها ، والأقرب التحريم ، لما فيه من الخديعة المنهي عنها.

لكن لو انخدع إنسان فاشتراها ، صح العقد ولا خيار له إلا مع الغبن الفاحش ، سواء كان عن مؤاطاة البائع أو لا ، لأن التفريط من جهته حيث اغتر بقوله ولم يحتط بالبحث عن ثقاة أهل الخبرة.

ولو قال البائع : أعطيت بهذه السلعة كذا ، فصدقه المشتري واشتراه ، ثم بان خلافه أثم ولا خيار للمشتري إلا مع الغبن.

البحث الثامن: ( في التفريق )
اشارة

نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن تولّه الوالدة بولدها. وقال علیه السلام : من فرق بين والدة وولدها ، فرق اللّه بينه وبين أحبته يوم القيامة (2).

واشترى الصادق علیه السلام جارية من الكوفة فذهب ليقوم في بعض حوائجه فقالت : يا أماه ، فقال لها الصادق علیه السلام : ألك أم؟ قالت :

ص: 520


1- جامع الأصول 1 - 424.
2- جامع الأصول 1 - 450.

نعم فأمر بها فردت وقال : ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره (1).

وقال الصادق علیه السلام : أتي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم ، فلما قدموا على النبي صلی اللّه علیه و آله سمع بكاءها ، فقال : ما هذه؟ قالوا : يا رسول اللّه احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها ، فبعث بثمنها فأتي بها وقال : بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا (2).

وهل هو حرام أو مكروه؟ الأقرب الثاني عملا بالأصل ، ولقوله علیه السلام : الناس مسلطون على أموالهم (3). ويحتمل الأول للنهي والتوعد والنهي المثمر للكراهة ، والتحريم إنما هو قبل الاستغناء.

وفي حده قولان : سبع سنين أو مدة الرضاع. فلو فرق بعد ذلك جاز.

ولو قلنا بالتحريم مع الصغر ففرق ، فالوجه صحة البيع ، لأن النهي لمعنى في غير البيع ، وهو الضرر اللاحق بالتفريق ، فلم يمنع صحة البيع ، كالبيع في وقت النداء. ويحتمل البطلان ، لأنه علیه السلام أمر بالرد ولو كان البيع لازما لما أمر برده ، ولأن التسليم تفريق محرم ، فكان كالمتعذر ، لأن العجز قد يكون حسيا وقد يكون شرعيا. ولا يكره بعد الاستغناء ، لاستقلال كل منهما بنفسه واستغنائه من تربية غيره له.

فروع :

الأول : لا فرق في التفريق بين الأم وولدها بالبيع وغيره من العقود الناقلة ، كالهبة والقسمة والإصداق والاستيجار به ، أما إجارة أحدهما فليس تفريقا. وكذا الإعارة والإيداع ، وإيجار معنى التفريق بجعلهما في بلدين على إشكال.

ص: 521


1- وسائل الشيعة 13 - 41 ح 3.
2- وسائل الشيعة 13 - 41 ح 2.
3- عوالي اللئالي 2 - 138.

الثاني : لا يحرم التفريق في العتق ولا في الوصية ، فربما كان الموت بعد انقضاء زمان التحريم. فإن فرض قبله ، فالأقوى إلحاقه بالبيع ، وسيأتي حكم التفريق في الرهن في بابه إن شاء اللّه تعالى.

الثالث : لو اشتراهما معا ، ثم تفاسخا في أحدهما ، فالأقرب أنه تفريق.

الرابع : لو فرق بأحد العقود قبل أن يشرب الولد اللبأ ، بطل العقد وكان حراما قطعا ، لاشتماله على السبب إلى هلاك الولد.

الخامس : هل يكره التفريق بعد البلوغ؟ لو قلنا بتحريمه قبله الأصح المنع.

السادس : لو كانت الأم رقيقة والولد حرا أو بالعكس ، فلا منع ويبيع الرقيق.

السابع : يجوز التفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن والقيام فيه ، أو ذبحه إن قبل التذكية ، حذرا من إتلاف المال المنهي عنه.

الثامن : هل الأب والجد وسائر المحارم كالأب؟ الأقرب ذلك ، لما فيه من التوحش بالانفراد عن النسب المستأنس به ، ولأن ابن سنان سأل الصادق علیه السلام في الرجل يشتري الغلام أو الجارية وله أخ أو أخت أو أم بمصر من الأمصار ، قال : لا تخرجه من مصر إلى مصر آخر إن كان صغيرا ولا تشتره وإن كانت له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت (1).

التاسع : لو رضي الولد والأم بالتفريق ، فالوجه الجواز للرواية والأصل وانتفاء مقتضى المنع.

العاشر : لو وجد التفريق في البيع دون التفريق في الإيناس ، مثل أن يبيع على زوجته أو ولده أو من لا يفارقه من الأقارب أو الأباعد ، فالأقرب المنع إقامة للمظنة مقام المعنى. وكذا لو اشترت الأخت الحرة أخاها دون الأم.

ص: 522


1- وسائل الشيعة 13 - 41 ح 1.
البحث التاسع: ( في العربون )
اشارة

العربون والعربات هو الأربون والأربات بمعنى واحد ، روي أنه علیه السلام نهى عنه ، وله تفسيران (1).

الأول : أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم على أنه إن أخذ السلعة فهي من الثمن ، وإلا فهي إلى المدفوع إليه مجانا.

الثاني : أن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له ما يريد من صياغة خاتم ، أو حرز خف ، أو نسج ثوب ، أو خياطة ، أو غير ذلك على أنه إن رضيه فالمدفوع من الثمن ، وإلا لم يسترده منه. وهما متقاربان.

والوجه فيه المنع للنهي عنه ، ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلا يصح ، كما لو شرطه لأجنبي. ولأنه بمنزلة الخيار المجهول ، لأنه شرط له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح ، كما لو قال : ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما.

ولو دفع إليه درهما قبل البيع وقال : لا تبع هذه السلعة لغيري ، فإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك ، ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدإ وحسب الدرهم من الثمن صح ، لأن البيع خلا عن الشرط المبطل ، فإن لم يشتر السلعة لم يستحق البائع الدرهم ، لأنه أخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه ، ولا يصح جعله عوضا عن انتظاره وتأخيره بيعه من أجله.

خاتمة :

تشتمل على مسائل :

الأول : نهى علیه السلام عن بيع المجر ، فقيل : ما في الرحم. وقيل : الربا ، وقيل : المحاقلة والمزابنة.

ص: 523


1- جامع الأصول 1 - 426.

الثاني : روي أنه علیه السلام نهى عن بيع السنين (1) ، وهو أن يقول : بعتك هذه سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا ، فأرد أنا الثمن وترد أنت المبيع. أما لو باعه وشرط الخيار إلى سنة بشرط رد الثمن ، جاز.

الثالث : بيع السلاح لأهل الحرب حرام ، لأنه لا يراد إلا للقتال ، فيكون بيعه منهم تقوية لهم على قتال المسلمين. ويجوز بيع الحديد منهم ، لأنه لا يتعين للسلاح. وكذا يجوز بيع ما يكن وما هو جنة من القتال. وكذا لا يجوز بيع السلاح من البغاة وقطاع الطريق.

الرابع : يكره معاملة من لا يتوقى الحرام ، سواء كان الحلال أكثر أو بالعكس. ولو باعه لم يحكم بالفساد ، إلا أن يعلم الحرام بعينه. ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم ، لأن اليد تقضي بالملك ظاهرا ، لكنه مكروه لاحتمال أن يكون من الحرام. ويقدر كثرة الحرام بكثرة الشبهة ، وقال علیه السلام : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2).

وأقسام المشتبه ثلاثة :

الأول : ما أصله التحريم ، كذبيحة في بلد المشركين ، فلا يجوز شراؤها وإن أمكن أن يكون الذابح مسلما ، لأصالة التحريم ، فلا يزول إلا بيقين أو ظاهر. وكذا لو كان مازجهم مسلمون ، وأصله قوله علیه السلام : إذا أرسلت كلبك مخالطا كلبا لم يسم عليها ، فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله (3). وإن كان في بلد الإسلام فالظاهر إباحتها ، لأن المتعاهد من المسلمين أنه لا يباع في بلادهم ما لا يحل بيعه.

الثاني : ما أصله الإباحة ، كالمتغير من الماء إذا لم يعلم استناد التغير إلى نجاسة ، فالأصل الطهارة ، فلا يزول عنها إلا بيقين أو ظاهر ولم يوجد واحد منهما ، وأصله قوله علیه السلام : لا ينصرف حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا (4).

ص: 524


1- جامع الأصول 1 - 405.
2- وسائل الشيعة 18 - 122 ح 38.
3- وسائل الشيعة 16 - 215.
4- صحيح مسلم 1 - 276 ح 98.

الثالث : ما يجهل أصله ، كرجل في ماله حلال وحرام ، فهذا هو الشبهة التي ينبغي تركها ، وأصله أنه علیه السلام وجد تمرة ساقطة فقال : لو لا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها (1) ، وهو من باب الورع.

تذنيب :

لو امتزج الحلال بالحرام ولم يتميز ولا عرف باذله ، تصدق بالخمس واجبا ، وهل يتعين مستحقه؟ إشكال ، أقربه ذلك. ولو عرف أنه أكثر ، تصدق بالزائد حتى يغلب على ظنه الوفاء. ولو علم أنه أقل ، لم يجب إلا ما ظنه على إشكال. ولو عرف القدر دون المالك ، تصدق به ، أو احتفظه ودفعه لمالكه. ولو عرف المالك دون القدر ، صالحه واجبا.

ويحرم الولاية من قبل الجائر ، لما فيه من المساعدة على الظلم ، ولقول الصادق علیه السلام : لا تعنهم على بناء مسجد (2). ولو عرف أنه يتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحرز عن المظالم ، جاز بل استحب. ولو لم يأمن الدخول في الظلم ، حرم.

فإن أكره على الدخول ، جاز دفعا للضرر اليسير على كراهية. ولو كان الضرر كثيرا كالنفس أو المال أو الخوف على بعض المؤمنين ، جاز وزالت الكراهية ويعتمد الحق ما أمكن.

فإن تعذر ، جاز مع الإلزام اعتماد ما لا يسوغ من الظلم ، إلا أن يبلغ حد القتل فلا يجوز ، وإن خاف على نفسه القتل ، فإنه لا تقية في الدماء.

أما الولاية من قبل العادل فإنها جائزة ، وربما وجبت كما لو عينه ، أو لم يكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بولايته.

وأما جوائز الجائر ، فإن علمت بعينها حراما فهي حرام ، فإن قبضها

ص: 525


1- جامع الأصول 5 - 364.
2- وسائل الشيعة 12 - 130 ح 8.

أعادها على المالك. فإن جهله ، أو تعذر الوصول إليه ، تصدق بها عنه ، ولا يجوز إعادتها على غير مالكها. وإن لم يعلم حراما جاز تناولها ، لأن رجلا سأل الصادق علیه السلام أصلحك اللّه أمر بالعامل فيجيز لي بالدراهم آخذها؟ قال : نعم ، قلت : وأحج بها؟ قال : نعم (1).

وينبغي الصدقة ببعضها ، وأن يواسي إخوانه المؤمنين ، والأقرب أنه على سبيل الاستحباب.

وما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة ، أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة ، سائغ شراؤه واتهابه. ولا يجب إعادته على أربابه وإن عرفهم ، لأن أبا عبيدة سأل الباقر علیه السلام عن الرجل منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم ، فقال : ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه (2).

الرابع : من دفع إليه مال ليفرقه في المحاويج أو العلويين (3) أو الفقهاء وكان منهم ، فإن عين له اقتصر عليه ، ولا يجوز له العدول إلى غيرهم ، فإن خالف ضمن وله الرجوع على المدفوع إليه.

وإن أطلق ، فلعلمائنا قولان : جواز أن يأخذ منه مثل ما يعطي غيره لا أزيد. وقيل : بالمنع لأن الأمر بالدفع يستدعي المغايرة ، ولأن عبد الرحمن بن الحجاج سأله أعطاه مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين وهو محتاج ، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال : لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه (4).

ولو كان له عيال ، جاز أن يعطيهم منه مع اتصافهم بصفة المستحقين قطعا ، للأصل ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل الصادق علیه السلام

ص: 526


1- وسائل الشيعة 12 - 156 ح 3.
2- وسائل الشيعة 12 - 162 ج 5.
3- في « ر » المغلوبين.
4- وسائل الشيعة 12 - 206 ح 3.

في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون ، أيعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال : نعم (1).

تذنيب :

الأول : الوصي أو الوكيل في التفريق إذا دفع إلى المأذون في الدفع إليهم ، فإن كانوا معينين فلا ضمان قطعا ، وإن كانوا غير معينين ، فإن كان عدلا فلا ضمان أيضا ، لأن له ولاية التعيين ، وإلا ضمن على إشكال ينشأ : من دفع الحق إلى مستحقه ، إذ التعيين إلى نظر الموكل والموصي وهو نائب عنهما. ومن انتفاء ولايته في التعيين بفسقه فيضمن.

الثاني : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة أو ظنها ، إما نطقا أو بشاهد الحال ، لقول علي علیه السلام : لا بأس بنثر الجوز والسكر (2). ويكره انتهابه ، لقول الكاظم علیه السلام : يكره أكل ما انتهب (3).

ولو لم يعلم قصد الإباحة ، حرم عملا بأصالة تحريم مال الغير ، ولأن إسحاق بن عمار سأل الصادق علیه السلام الإملاك يكون والعرس ينثر على القوم ، فقال : حرام ، ولكن كل ما أعطوك منه (4).

ولو ظن كراهية الانتهاب ، حرم الانتهاب دون الأخذ.

الثالث : الأجير الخاص لا يجوز له العمل لغير من استأجره إلا بإذنه ، لأنه قد استحق منافعه وصرف زمانه إلى مصالحه. ولا يجوز العدول عنه إلى غيره ، فإن فعل ضمن أجرة ذلك الزمان ، لا أجرة ذلك العمل ، ولا ما أخذه أجرة أو عقده عليه. ويحتمل بطلان العقد في ذلك الوقت ، فله من الأجرة بنسبة ذلك الزمان.

ص: 527


1- وسائل الشيعة 12 - 206 ح 2.
2- وسائل الشيعة 12 - 122 ح 5.
3- وسائل الشيعة 12 - 122 ح 2.
4- وسائل الشيعة 12 - 122 ح 4.

الرابع : يجوز للمار بثمرة النخل أو الفواكه أو السنبل أن يأكل منهما بشروط : عدم الإفساد ، فلا يجوز مع الإفساد إجماعا. وعدم القصد فلو قصد المضي إليها لم يجز ، وإنما يجوز مع الاجتياز بها اتفاقا.

وأن لا يأخذ منها شيئا ، فلو أخذ منها شيئا لم يجز ، وقيل بالمنع مطلقا ، والأصل اختلاف الرواية ، فروى علي بن يقطين عن الكاظم علیه السلام قال : سألته عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن من صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم فليس له؟ وكم الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال : لا يحل له أن يأخذ منه شيئا (1).

وسأل بعض أصحابنا الصادق علیه السلام عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمرة فيجوز له أن يأكل منهما من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : لا بأس (2).

وحمل الشيخ الأول على أنه منعه من الأخذ ، ونحن نقول به ، إذ السائغ الأكل لا الخروج بشي ء منها.

واحتج على الجمع بقول الصادق علیه السلام وقد سأله محمد بن مروان أمرّ بالثمرة فآكل منها؟ قال : كل ولا تحمل ، قلت : جعلت فداك الثمار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : اشتروا ما ليس لهم (3).

وهل يثبت التسويغ مع كراهة المالك؟ يقتضي الحديث ذلك ، وفيه إشكال. ولو أباح المالك مطلقا ، جاز إجماعا.

الخامس : يجوز أخذ أجرة البذرقة ، لأنه عمل محلل سائغ فجازت المعاوضة عليه ، لشدة الحاجة إليه.

ص: 528


1- وسائل الشيعة 13 - 15 ح 7.
2- وسائل الشيعة 13 - 14 ح 3.
3- وسائل الشيعة 13 - 15 ح 4.

السادس : يحرم جميع آلات الملاهي من الدفوف والطبول والزمر والقصب والشبر والرقص ، وجميع ما يطرب من الأصوات والأغاني والخيال على اختلاف وجوهه وضروبه وآلاته ، وسائر التماثيل والصور ذوات الروح ، مجسمة كانت أو غير مجسمة ، والنرد والشطرنج ، وجميع آلات القمار كاللعب بالخاتم والأربعة عشر ، اللعب بالجوز والطيور وأحاديث القصص والأسمار ، وسماع غيبة المؤمن ، والحضور في مجالس المنكر ومواضعه إلا للإنكار ، وما جرى مجراه إجماعا منا ، وللأخبار الدالة عليه.

كان الصادق علیه السلام ينهى عن الجوز يجي ء به الصبيان من القمار أن يؤكل وقال : هو سحت (1). وقال الباقر علیه السلام : لما أنزل اللّه تعالى على رسوله « ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) » قيل : يا رسول اللّه ما الميسر؟ قال : قال : كلما يقمروا به حتى الكعاب والجوز. فقيل : ما الأنصاب؟ قال : ما ذبحوا لآلهتهم. قيل : فما الأزلام؟ قال : قداحهم التي كانوا يستقسمون بها (2).

ويحرم اقتناء المؤذيات ، كالسباع المؤذية والحيات والعقارب والكلب العقور.

السابع : منع بعض علمائنا من خصي الحيوان ، والأولى الجواز على كراهية ، لأن له التصرف في ملكه بما فيه صلاحه. أما خصي الآدمي فإنه محرم ، وإن كان مملوكا صغيرا أو كبيرا.

الثامن : يحرم بناء البيع والكنائس وأخذ الأجرة على ذلك. وكذا كل ما كان معبدا لأهل الضلال. وكذا المساجد المبنية للإضرار. وكذا بيوت الأصنام والصلبان والأوثان والأنصاب والأزلام.

التاسع : لا يجوز بيع تراب الصياغة وأخذه ، فإن بيع تصدق بثمنه ، لأن أربابه لا يتميزون وللرواية.

ص: 529


1- وسائل الشيعة 12 - 120 ح 6.
2- وسائل الشيعة 12 - 119 ح 4.

العاشر : يكره من الصنائع خمس ، رويت عن الصادق علیه السلام : الصرف ، فإن الصرف لا يسلم من الربا ، وبيع الأكفان ، فإنه يسره موت الأحياء. وبيع الطعام ، حذرا من الاحتكار. والنحر والذبح ، لأنهما تسلب الرحمة من القلب. والتنخس قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : شر الناس من باع الناس (1).

وعن الصادق علیه السلام : أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : إني أعطيت خالتي غلاما ونهيتها أن تجعله قصابا أو حجاما أو صائغا (2).

وتكره الحياكة النساجة ، لأن أبا إسماعيل الصيقل الرازي قال : دخلت على الصادق علیه السلام ومعي ثوبان فقال : يا أبا إسماعيل يجيئني من مثلكم أثواب كثيرة ، وليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللذين تحملهما أنت؟ فقلت : جعلت فداك تغزلها أم إسماعيل وأنسجهما أنا فقال لي : أحائك؟ قلت : نعم ، قال : لا تكن حائكا ، قلت : فما أكون؟ قال : كن صيقلا ، وكانت معي مائتا درهم فاشتريت بها سيوفا وقرابا عتقا وقدمت بها الري وبعتها بربح كثير (3).

الحادي عشر : لا يجوز سلوك طريق مخوف مع ظهور أمارة الخوف ، لوجوب الاحتراز عن الضرر المظنون عقليا ، وكره الباقر والصادق علیهماالسلام ركوب البحر للتجارة (4). وقال الباقر علیه السلام : في ركوب البحر للتجارة يعزر الرجل بدينه (5).

الثاني عشر : يكره بيع العقار والأرض والماء مع عدم الحاجة ، لأن الصادق علیه السلام دعا أبان بن عثمان. فقال : باع فلان أرضه؟ فقلت : نعم ، فقال : مكتوب في التوراة من باع أرضا أو ماء ولم يضعه في أرض وماء ذهب

ص: 530


1- وسائل الشيعة 12 - 97 ح 1.
2- وسائل الشيعة 12 - 97 ح 2.
3- وسائل الشيعة 12 - 100 ح 1 مع تفاوت يسير.
4- وسائل الشيعة 12 - 177 ح 1.
5- وسائل الشيعة 12 - 177 ح 2.

ثمنه محقا (1) وعن الصادق علیه السلام أنه قال : مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق (2).

الثالث عشر : روي أن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى أن ينزى حمار على عتيق (3). في سند ضعيف ، فإن صح فليس المراد بالنهي التحريم بل الكراهة للأصل. ولما روي عن الرضا علیه السلام قال : سألته عن الحمير تنزيها على الرمك لتنتج البغال أيحل ذلك؟ قال : نعم أنزها (4).

الرابع عشر : نهى الصادق علیه السلام عن أجر القارئ الذي لا يقرأ إلا بأجر مشروط (5).

الخامس عشر : لا بأس بالعينة ، وهو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها من بائعها بدون ذلك نقدا ليقضي دينا عليه لمن قد حل له ، ويكون الدين الثاني هو العينة من صاحب الدين الأول ليقضيه بها الدين الأول للأصل ، ولأنه يجوز بيعها من غير بائعها فيجوز منه ، كما لو اشتراه بسلعة.

ولما رواه أبو بكر الحضرمي عن الصادق علیه السلام قلت : رجل يعين ثم يحل دينه فلم يجد ما يقضي ، أيتعين من صاحبه الذي عينه ويقضيه؟ قال : نعم (6). مأخوذ ذلك من العين وهو النقد الحاضر.

ولا فرق بين أن يصير بيع العينة عادة في البلد أو لا. أما لو شرط في البيع الأول الثاني حرم.

ص: 531


1- وسائل الشيعة 12 - 45 ح 5.
2- وسائل الشيعة 12 - 45 ح 6.
3- وسائل الشيعة 12 - 173 ح 1.
4- وسائل الشيعة 12 - 173 ح 2.
5- وسائل الشيعة 12 - 113 ح 6 و 7.
6- وسائل الشيعة 12 - 372 ح 2.
البحث العاشر: ( فيما للولد أن يأخذ من مال والده وبالعكس وما للمرأة من مال زوجها )

لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده شيئا قل أو كثر إلا بإذنه ، لا مختارا ولا مضطرا. فإن اضطر ضرورة يخاف معها تلف نفسه ، أخذ من ماله ما يمسك به رمقه كالميتة ، إذا كان الوالد ينفق عليه ويقوم بواجب حقه ، إذا كان الولد معسرا صغيرا كان أو كبيرا ، لأصالة عصمة مال الغير ، ولعموم قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (1).

وقال الصادق علیه السلام : في كتاب علي علیه السلام أن الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذنه (2). ولأن الأب ربما كره ذلك فيكون مرتكبا للعقوق ، وهو من أعظم الكبائر.

ولو كان الولد معسرا ومنعه الأب عن حق الإنفاق عليه مع يساره ، رفع أمره إلى الحاكم ليجبره على الإنفاق ، فإن تعذر الحاكم جاز للولد حينئذ أن يأخذ من مال والده قدر النفقة على الاقتصاد ، وحرم ما زاد.

وكذا الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده شيئا ، إذا كان الولد يقوم بواجب نفقته مع حاجته ، لا لقضاء ديونه ولا التزويج به ولا ليحج للأصل.

ولو كان الأب موسرا ، لم يجز له أن يتناول من مال ولده شيئا أصلا.

ولو لم يقم الولد بواجب النفقة مع الحاجة ، جاز للأب أن يأخذ من مال ولده قدر النفقة بالمعروف ، عملا بعموم المنع ، وما ورد من تسويغ ذلك فمحمول على الاستحباب.

ص: 532


1- سورة النساء 29.
2- وسائل الشيعة 12 - 195 ح 1.

ولو كان الولد صغيرا ، جاز للأب الاقتراض من ماله ، ويؤيده ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال قلت للصادق علیه السلام : ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال : قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ، قال قلت له : قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال : أنت ومالك لأبيك ، فقال : إنما جاء بأبيه إلى النبي صلی اللّه علیه و آله فقال له : يا رسول اللّه هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال : أنت ومالك لأبيك. ولم يكن عند الرجل شي ء ، فكان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يحبس الأب للابن؟ (1).

وما ورد من أنه يأخذ من مال ولده ما يحج به ، وأنه يجوز له وطي جاريته بعد تقويمها (2). محمول على الصغير ، فإن له أن يقترض من ماله ما شاء ، وأن يقوم على نفسه الجارية وغيرها.

وأما الأم فلا يجوز لها أخذ شي ء من مال ولدها لا على سبيل القرض ولا غيره. نعم لو كانت معسرة ولم ينفق الولد عليها وتعذر الحاكم ، جاز لها أن تتناول من ماله قدر نفقتها الواجبة عليه خاصة.

وأما الزوجة فلا يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شيئا إلا بإذنه ، فإن امتنع من الإنفاق عليها وتعذر الحاكم ، جاز لها أخذ الواجب عليه من النفقة.

ولا فرق بين القليل والكثير إلا المأدوم ، فإنه يجوز لها أن تأخذ منه وأن تهب لغيرها ، عملا بشاهد الحال ، ما لم يؤد ذلك إلى الإضرار به ، أو يكون قد نهى وإن حصل أحدها ، حرم كغيره لأن ابن بكير سأل الصادق علیه السلام عما يحل للمرأة أن تتصدق به من مال زوجها بغير إذنه؟ قال : المأدوم (3). وسأل علي بن جعفر الكاظم علیه السلام عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه ، قال : لا إلا أن يحللها (4) وليس للزوج أن يأخذ شيئا من مال زوجته إلا بإذنها كغيره.

ص: 533


1- وسائل الشيعة 12 - 197 ح 8.
2- وسائل الشيعة 12 - 198.
3- وسائل الشيعة 12 - 201 ح 2.
4- وسائل الشيعة 12 - 200 ح 1 ب 82.
البحث الحادي عشر: ( في بقايا مسائل بيع الغرر والمجازفة )

الأول : قد سبق أنه لا يجوز بيع ما يدخل الكيل أو الوزن جزافا ، بل يجب أن يكون معلوما بمقداره. فإن بيع جزافا بطل عندنا ، لأنه غرر ، ولقول الصادق علیه السلام : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة (1).

ولو بيع المكيل بعضه ببعض بالوزن ، فإن اتحد الجنس والصنف ، فالوجه الجواز ، كما لو باع مائة رطل حنطة بمائة رطل حنطة. ولو أدى إلى الربا ، لم يجز ، كما لو كان أحدهما أخف من الآخر. وكذا لو تعدد الصنف ، كما لو باع مائة رطل حنطة بمائة رطل دقيق. ولو بيع بغير جنسه ، جاز بيعه وزنا.

وأما ما يباع وزنا ، فلا يجوز بيعه مكيلا ، سواء اتحد الجنس أو اختلف ، حذرا من الربا أو الغرر بالجهالة.

الثاني : لو تعذر كيل ما يباع كيلا ، أو وزن ما يباع بالوزن لكثرته ، جاز أن يكال منه أو يوزن مكيال ، ثم يعتبر وزنه أو كيله وتؤخذ الباقي بالحساب ، لانتفاء الغرر حينئذ وحصول العلم بالمقدار. ولأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل يشتري مبيعا فيه كيل أو وزن ، يعتبره ثم يأخذه على نحو ما فيه ، قال : لا بأس (2). وسئل الصادق علیه السلام عن رجل اشترى مائة رواية زيتا فاعترض راوية أو اثنتين فاتزنهما ثم أخذ سائره على قدر ذلك ، فقال : لا بأس (3).

الثالث : ما يباع بالعدد لا يجوز بيعه جزافا ، حذرا من الغرر ، بل يجب عده فإن تعذر لكثرته ، جاز أن يكال منه أو يوزن مكيال ويعد ويأخذ الباقي بحسابه ، لحصول العلم بالمقدار. ولما روي عن الصادق علیه السلام أنه سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على

ص: 534


1- وسائل الشيعة 12 - 254 ح 1.
2- وسائل الشيعة 12 - 255 ح 4.
3- وسائل الشيعة 12 - 255 ح 1

حساب ذلك من العدد؟ فقال : لا بأس به (1).

الرابع : لا يجوز بيع اللبن في الضرع لأنه مجهول ، وما روي في ذلك محمول على الضريبة ، فقد روي أنه لا بأس أن يعطي الإنسان الغنم أو البقر بالضريبة مدة من الزمان بشي ء من الدراهم والدنانير والسمن (2). وإعطاء ذلك بالذهب والفضة أحوط.

وهذا ليس بيعا في الحقيقة ، بل نوع معاوضة غير لازمة ، بل جائزة لما فيه من الإرفاق والإعانة ، فيأخذ دافع النقد ما يحتاج إليه من اللبن وغيره وينتفع به ، ويأخذ صاحب الغنم النقد لينتفع به.

ولا يمكن البيع في مثل هذا ، ولا طريق سوى ما ذكرناه ، وكان سائغا للحاجة ، وكبيع المعاطاة. ولما روي عن الصادق علیه السلام في الرجل يكون له الغنم أيعطيه بضريبة سمنا شيئا معلوما أو دراهم معلومة من كل شاة كذا وكذا؟ قال : لا بأس بالدراهم ولست أحب أن يكون بالسمن (3).

الخامس : لا يجوز أن يبيع الصياد ما يضرب بشبكته ، لأنه مجهول ، ولأن أمير المؤمنين علیه السلام نهى أن يشترى شبكة الصياد ، يقول : اضرب شبكتك فما خرج فهو من مالي بكذا وكذا (4).

السادس : يجوز أن يتقبل الإنسان من الإمام بشي ء معلوم ، جزية رءوس أهل الذمة ، وخراج الأرضين ، وثمرة الأشجار ، وما في الآجام من السموك ، إذا كان قد أدرك ذلك وعرفه ولا على سبيل البيع لجهالته ، بل على جهة المعاوضة السائغة ، لقول الصادق علیه السلام في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال وبخراج النخل والآجام والطير ، وهو لا يدري من كذا ، لعله لا يكون

ص: 535


1- وسائل الشيعة 12 - 259 ح 1 ب 7.
2- وسائل الشيعة 12 - 261.
3- وسائل الشيعة 12 - 260 ح 1.
4- وسائل الشيعة 12 - 263 ح 1.

من هذا شي ء أبدا أو يكون ، قال : إذا علم من ذلك شي ء واحد بأنه قد أدرك فاشتراه وتقبل به (1).

السابع : لا بأس أن يتقبل الإنسان بتبن البيدر لكل كر من الطعام تبينه شي ء معلوم ، وإن لم يكل بعد الطعام. ولا يكون ذلك بيعا لازما ، بل عقدا سائغا للحاجة إليه ، ولما رواه زرارة عن الباقر علیه السلام قال : سألته عن رجل اشترى تبن بيدر قبل أن تداس بشي ء معلوم يأخذ التبن ويبيعه قبل أن يكال الطعام؟ قال : لا بأس (2).

الثامن : لا يجوز بيع سمك الآجام ، لجهالته وتعذر تسليمه. ولو كانت فيها قصب وباعه مع القصب ، لم يصح وكذا لو أخذ شيئا من السمك وباعه مع ما في الأجمة.

والأصل فيه أن المجهول إن كان مقصودا ، لم يصح تفرده بالبيع ولا ضمه إلى غير المقصود ، لعدم ارتفاع الجهالة عنه. وإن لم يكن مقصودا وكان تابعا للمقصود ، جاز بيعه منضما إلى المقصود ، كالأساسات المجهولة حيث كانت تابعة.

التاسع : يجوز الإندار للظروف في السمن والزيت وشبههما شيئا معلوما معتادا بين التجار ، ويكون مما يزيد تارة وينقص أخرى ، ولا يكون مما يزيد ولا ينقص ، لحصول الظن بمعرفة المقدار ، فأشبه عد المكيل ووزنه.

ولأن معمر الزيات سأل الصادق علیه السلام أنا نشتري الزيت في الزقاقة يحسب لنا فيه نقصان لمكان الأزقاق ، فقال الصادق علیه السلام : إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه (3).

العاشر : يجوز بيع ولد الزنا وأكل ثمنه ، لأنه مملوك يصح المعاوضة عليه فأشبه غيره ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن ولد الزنا أيشترى ويستخدم

ص: 536


1- وسائل الشيعة 12 - 264 ح 4.
2- وسائل الشيعة 12 - 267 ب 13.
3- وسائل الشيعة 12 - 273 ح 4.

ويباع؟ فقال : نعم (1). وقد وردت رواية بكراهيته عن الصادق علیه السلام قال : لا يطيب ولد الزنا أبدا ، ولا يطيب ثمنه أبدا (2).

الحادي عشر : لا يجوز أن يبيع بدينار غير درهم نسيئة مما يتعامل به وقت الأجل للجهالة ، أو نقدا مع جهله بالنسيئة ، أو بما يتجدد من النقد. ولو قدر الدرهم من الدينار صح ، لأن الباقر علیه السلام كره أن يشتري الرجل بدينار إلا درهما وإلا درهمين ونسيئة ، ولكن يجعل ذلك بدينار إلا ثلثا وإلا ربعا وإلا سدسا ، أو شيئا يكون جزءا من الدينار (3).

وسئل علیه السلام في الرجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل ، قال : فاسد ، فلعل الدينار يصير بدرهم (4). وهذه الرواية محمولة على ما إذا اشترط النقد وقت الأجل ، فإنه لو أطلق حمل على نقد ذلك اليوم ، فإذا كان عالما صح ، أو على أن الدرهم يضمن بالقيمة.

المطلب السابع: ( في الربا )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في تحريمه )

تحريم الربا معلوم بالضرورة من دين محمد صلی اللّه علیه و آله ، والنص والإجماع ، قال اللّه تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (5) وقال ( اتَّقُوا اللّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (6) ولعن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أكل الربا ومؤكله

ص: 537


1- وسائل الشيعة 12 - 223 ح 6.
2- وسائل الشيعة 12 - 224 ح 8.
3- وسائل الشيعة 12 - 399 ح 3.
4- وسائل الشيعة 12 - 399 ح 2.
5- سورة البقرة 275.
6- سورة البقرة 278.

وكاتبه وشاهده (1). وقال الصادق علیه السلام : درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم (2). قال الصادق علیه السلام : درهم ربا أشد من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل عمته وخالته (3). وعن علي علیه السلام قال : لعن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الربا وآكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه (4).

وسأل سماعة الصادق علیه السلام فقال : إني سمعت أنه عز وجل يقول في كتابه ( يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) وقد أرى من يأكل ويزيد ماله ، قال : فأي محق أمحق من درهم ربا يمحق الدين وإن تاب ذهب ماله وافتقر (5).

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل : يا رسول اللّه ما هي؟ قال : الشرك باللّه ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (6).

وهو في اللغة : الزيادة ، قال اللّه تعالى ( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) (7) وقال ( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ ) (8) أي أكثر عددا.

وهو في الشرع : الزيادة في أحد عوضي المبيع مع التماثل في أشياء مخصوصة نص علیه السلام عليها.

وهو ضربان : ربا الفضل ، وربا النسيئة. وأجمع العلماء على تحريمهما ، وقد كان في ربا الفضل اختلاف بين الصحابة ، فحكي عن ابن عباس وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم وابن الزبير أنهم قالوا : إنما الربا في النسيئة ، لقوله عليه

ص: 538


1- جامع الأصول 1 - 451.
2- وسائل الشيعة 12 - 423 ح 1.
3- وسائل الشيعة 12 - 423 ح 5.
4- وسائل الشيعة 12 - 430 ح 2.
5- وسائل الشيعة 12 - 424 ح 7.
6- صحيح مسلم 1 - 92 الرقم 145.
7- سورة الحج : 5 وسورة فصلت : 39.
8- سورة النحل 92.

السلام : لا ربا إلا في النسيئة (1). ثم رجعوا إلى باقي الصحابة.

البحث الثاني: ( في شرائطه )
اشارة

وهي اثنان :

الأول : التماثل في الماهية ، لقوله علیه السلام : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (2). وقول الصادق علیه السلام : ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي ء من الأشياء متفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأما بنظرة فإنه لا يصلح (3).

الثاني : التقدير بالكيل أو الوزن ، لقول الصادق علیه السلام : لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن (4). وفي العدد قولان. والنظر هنا في أمرين :

النظر الأول: ( التماثل )
اشارة

والمراد به هنا الاتحاد في الحقيقة وإن اختلف بالصفات العارضة ، فكل شيئين يشملهما اسم خاص ، فهما واحد بالحقيقة. وإن اختص كل واحد باسم ، فهو مخالف للآخر ، فالحنطة جنس واحد جيدها ورديها وصويبها وشينها. وكذا الشعير كله جنس.

وهل هما جنسان؟ الأقوى الاتحاد ، لأن أحدهما يفسر بالآخر فكانا كنوعي الجنس الواحد ، ولقول علي علیه السلام : ولا تبع قفيزا من حنطة

ص: 539


1- جامع الأصول 1 - 469.
2- وسائل الشيعة 12 - 442.
3- وسائل الشيعة 12 - 443 ح 2.
4- وسائل الشيعة 12 - 434 ح 1.

بقفيزين من شعير (1). وقول الصادق علیه السلام : لا يصلح الشعير بالحنطة إلا واحدا بواحد (2).

وقيل : إنهما مختلفان ، لأنهما لم يشتركا في الاسم الخاص ، فكانا مختلفين كالحنطة والتمر ، ولأنهما جنسان في باب الزكاة ، ولاختلافهما صورة وطبعا.

والتمور كلها جنس واحد ، لأن الاسم الخاص هو التمر يجمعها وإن كثرت أنواعه كالبرني والمعقلي ، لقوله علیه السلام : التمر بالتمر مثلا بمثل (3). فاعتبر المساواة في جنس التمر. وقول الصادق علیه السلام : يكره قفيز تمر بقفيزين (4). وكان علیه السلام يكره أن يستبدل وسق من تمر المدينة بوسق من تمر خيبر (5). ولأن إجماع العلماء عليه. ولا فرق بين القسب والتمر ، وكذا ثمار النخل كلها جنس واحد. والعنب كله جنس واحد وإن اختلفت أصنافه.

وأما اللحم فإنه متعدد بتعدد أصله ، فلحم الإبل كله صنف واحد عرابها وبخاتها ، ولحم البقر كله جنس آخر مخالف له عرابها وجواميسها. والغنم كلها ضأنها وماعزها جنس آخر مخالف لهما ، ويحتمل التخالف لأنه تعالى سماها في الأزواج الثمانية فقال ( مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ) (6) كما قال ( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ) (7).

وكل جنس من الأهلي مخالف لما يناسبه من الوحشي ، فالبقر الأهلي والوحشي جنسان ، والظبي والغنم جنسان. ولحم البري والبحري جنسان ، والطيور أجناس ، والعصافير على اختلاف أنواعها جنس ، والبط جنس ، والدجاج جنس ، والحمام جنس. ويحتمل اختلافه ، فكلما يختص باسم فهو جنس على انفراده ، كالفخاتي والورشان والجراد مخالف للحيوان واللحوم.

ص: 540


1- وسائل الشيعة 12 - 439 ح 8.
2- وسائل الشيعة 12 - 439 ح 5.
3- جامع الأصول 1 - 458.
4- وسائل الشيعة 12 - 443 ح 3.
5- وسائل الشيعة 12 - 447.
6- سورة الأنعام : 143 - 144.
7- سورة الأنعام : 143 - 144.

أما أعضاء الحيوان الواحد ، كالكرش والكبد والطحال والقلب والرية والمخ والجلد والشحم والرأس والأكارع ، فالوجه أنها جنس من اللحم ، ويحتمل اختلافها لاختلاف أسمائها وصفاتها.

وأما الألبان فإنها تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف ، فيجوز بيع لبن المعز بلبن البقر متفاضلا ، وبيع أحدهما بما يتخذ من الآخر. ولبن الضأن والمعز جنس واحد. ولبن بقر الوحش والأهلي جنسان اعتبارا بالأصول.

وإن أثبتنا الربا في المعدود كانت البيوض تابعة لأصولها مختلفة باختلافها. وكذا الخلول والأدهان.

ودقيق الحنطة والدخن جنسان. والخل المتخذ من العنب والتمر جنسان ، أما المتخذ من التمر والدبس والقسب فكله جنس واحد.

ودهن السمسم مخالف لدهن البزر والزيت وغيرهما ، لأنهما فروع أصول مختلفة هي من أصول الربا ، وكذا عصير العنب مع عصير الرطب جنسان ودبسهما كذلك. والزيت المتخذ من الزيتون مع الزيت المتخذ من برز الفجل جنسان ، وإن صلح لبعض ما يصلح له الأول. وتمر النخل وتمر الهندي جنسان ، والقثاء والخيار جنسان ، والبقولة كالهندباء والفجل والكراث والنقيع وغيرها جنسان إن دخلهما الوزن.

وهنا مسائل :

الأول : أصل كل شي ء وفرعه جنس واحد ، لاتحادهما في الحقيقة وإن اختلفا في الصفات ، كالحنطة ودقيقها وخبزها ، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا بل متساويا نقدا لا نسيئة ، لأن الدقيق نفس الحنطة ، إلا أن أجزاءها قد افترقت ، فأشبه بيع حنطة صغيرة الحبات ببيع حنطة كبيرة الحبات.

لكن يبقى الإشكال في العيار ، فإن اعتبر الكيل أو الوزن احتمل الزيادة والنقصان. ولا يجوز أخذ أحدهما مكيلا والآخر موزونا.

وكذا الدبس مع التمر والخل المتخذ منه جنس ، والعنب وعصيره وخله

ص: 541

ودبسه جنس أيضا. واللبن والسمن والزبد والأقط والكشك جنس. والسمسم والشيرج ودهن البنفسج والنيلوفر ودهن الورد وغير ذلك من الأدهان المتخذة من الشيرج والأدهان جنس واحد.

الثاني : الحبات إذا تغيرت عن حالها بأمور عارضة ، لم تؤثر في الاتحاد ووجوب المماثلة في القدر ، فيجوز بيع الحنطة المقلية بمثلها وإن اختلف الحب في التأثر بالنار ، لعدم الاعتداد به.

وكذا يجوز بيع المبلولة بمثلها ، أما المبلولة باليابسة فقيل : بالمنع ، لأن الأجزاء المائية مازجت إحداهما دون الأخرى. والوجه الجواز ، لأن تلك الأجزاء مخالفة ، ولا يمكن خروجها عن حد البيع ، بل هي جزء منه ، فكان كبيع جنسين بواحد.

وكذا يجوز بيع الهريسة بمثلها وزنا نقدا لا نسيئة.

وكذا يجوز بيع التي لم يتم جفافها ولم تصل إلى حد الكمال ، وإن فركت وأخرجت من السنابل.

ويجوز بيع الحنطة المسوسة بمثلها ، سواء بقي فيها شي ء من اللب أو لا أما النخالة فإن كانت موزونة فإنه لا يجوز بيعها بالحنطة والدقيق متفاضلا ، لأن أصلها الحنطة وإن خرجت عن جنس المأكول على إشكال ، ينشأ : من صيرورتها جنسا بانفرادها.

الثالث : السمسم وغيره من الحبوب التي تتخذ منها الأدهان على حالة الكمال ما دامت على نفسها كالأقوات. ويجوز بيع طحينها بطحينها كما في الدقيق بمثله. ولا فرق في وجوب المماثلة وجواز بيع المثل بالمثل بين المنتهي إلى حالة الكمال مع مثله ، أو مع القاصر عنه.

ويجوز بيع خل الزبيب بمثله ، وخل العنب بخل الزبيب ، وخل الرطب بخل التمر ، وإن كان في أحد الطرفين ماؤه.

ويجوز بيع الرطب بالرطب متماثلا ، واللبن بمثله وإن اختلف طعمه ، أو

ص: 542

بجنسه كالحلو والحائض والدائب بالحليب في الحال ولو كان مغلي ، وبيع المحيض بالمحيض والحليب وإن كان فيهما ماء.

ويجوز بيع الأقط بالأقط ، والمصل بالمصل ، والجبن بالجبن ، وكل صنف بالآخر متماثلا ، وإن خالط الأقط الملح والدقيق المصل والإنفحة اللبن.

ويجوز بيع الزبد بالزبد متماثلا ، والسمن بالسمن كذلك. ويجوز بيع اللبن بكل ما يتخذ منه متماثلا لا متفاضلا.

الرابع : المعروض من مال الربا على النار يجوز بيع المجانس منه بمثله لا متفاضلا ، وسواء عرض للعقد أو الطبخ كالدبس واللحم المشوي.

وكذا يجوز بيع السكر بمثله ، واللبإ باللباء ، وقصب السكر بقصب السكر.

ويجوز بيع اللحم القديد بمثله ، والطري بالطري. أو عرض للتمييز والتصفية ، كالذهب والفضة يعرضان على النار ليتميز الغش ، والعسل المصفى بالنار بمثله ، والشهد بالشهد وإن اشتمل على الشمع لأنه تابع ، ولأنه قد اشتمل على جنسين فيجوز بيعه بمثله ، ويكون الفاضل من أحدهما لو كان في مقابلة الآخر وبالعكس.

ويجوز بيع الشهد بالعسل متساويان ، لأن الشمع في مقابلته بقدر وزنه من العسل ، والباقي من العسل في مقابلة وزنه منه.

الخامس : لا يشترط في المبيع كونه مما يدخر ، فالتمر إذا نزع النوى منه جاز بيعه بمثله ، وإن بطل كماله لبطلان ادخاره وتسارع الفساد إليه ، ولأن النوى ليس من جنس التمر ، فلا يضر فصله عنه.

وأما المنزوع بغيره ، فالأقرب عندي الجواز مع التماثل في الوزن ، إن أمكن الانتفاع بالنوى وجعل جزءا من المبيع وإلا فلا. واللحم يباع بعضه ببعض ، سواء نزع العظم منه أو لا.

السادس : جيد كل جنس ورديه واحد ، كالفضة الخشنة والناعمة ،

ص: 543

والخبز الأبيض والأسمر وغير ذلك ، لصدق الاسم عليها.

السابع : الصحيح والمكسر جنس واحد ، والتبر والمضروب واحد.

النظر الثاني: ( في النقدين )
اشارة

قد عرفت فيما تقدم أن شرط الربا الكيل أو الوزن في المبيع ، فلا ربا فيما لا يدخلانه ، كالثياب والأقمشة وغيرها ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن البيضة بالبيضتين؟ فقل : لا بأس به. والثوب بالثوبين قال : لا بأس به. والفرس بالفرسين فقال : لا بأس به ، ثم قال : كل شي ء يكال أو يوزن فلا يصح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، وإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنين بواحد (1). وهذا نص في الباب.

إذا عرفت هذا فقد اختلف علماؤنا في المعدود هل يثبت فيه الربا؟ والأقوى عدمه ، لما تقدم من الحديث ، وللأصل الدال على تسويغ البيع مطلقا ، خرج عنه ما وقع الاتفاق عليه بالدليل ، فيبقى الباقي على الأصل ، فيجوز بيع البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين. وقيل : بل يثبت فيه ، لأنه أحد المقادير فأشبه الكيل أو الوزن.

إذا ثبت هذا فالربا ثابت بالنص لا بعلة من العلل ، لكن الشرع جعل له ضابطا وهو أمور ثلاثة :

الأول : أن يكون الانتقال بالبيع ، فلو دفع إليه درهما فأعطاه درهمين ، أو وهبه دينارا فوهبه دينارين ، لم يكن هناك ربا. والصلح الأقرب أنه عقد قائم بنفسه غير ملحق بغيره.

الثاني : أن يكون العوضان من جنس واحد ، فلو اختلف الجنسان ، جاز التفاضل نقدا إجماعا. وفي النسية إذا كان من المكيلات أو الموزونات قولان ،

ص: 544


1- وسائل الشيعة 12 - 448 ح 3.

إلا أن يكون أحد العوضين أحد النقدين ، فإنه جائز إجماعا.

وقيل : في غيرهما ذلك ، لعموم قوله علیه السلام : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (1). والأحوط المنع ، لقول الصادق علیه السلام : ما كان من طعام أو متاع مختلف ، أو شي ء من الأشياء متفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا ، فأما نسية فلا يصلح (2).

الثالث : أن يكون العوضان متقدرين بالكيل أو الوزن ، فيجوز بيع ثوب بثوبين وعبد بعبدين نقدا أو نسيئة على كراهية ، سواء اتفقت القيمة أو اختلفت ، لأنه علیه السلام أمر رجلا أن يشتري بعيرا ببعيرين إلى أجل.

إذا تقرر هذا فاعلم أن معتاد الشرع الذي يراعى به المماثلة هو الكيل والوزن لما تقدم ، فالمكيل لا يجوز بيع بعضه ببعض وزنا ، إلا إذا علم التساوي في الكيل ، ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت في الوزن. والموزون لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ، ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت في الكيل.

والحوالة في التقدير على عادة الشرع. فما ثبت أنه مكيل أو موزون في عهده علیه السلام حكم بدخولهما فيه ، فإن لم يعلم العادة الشرعية ، فعادة البلد حيث لم ينص الشارع عليه ، وعادة الشرع في مثل هذه الأشياء رد الناس إلى عوائدهم.

ولو اختلف البلدان ، فلكل بلد حكم نفسه على الأقوى. وقيل : يغلب التقدير أخذا بالاحتياط.

ولو أحدث الناس خلاف ما عهد في زمانه علیه السلام ، لم يعتبر به ، بل بالمعهود.

ص: 545


1- وسائل الشيعة 12 - 442.
2- وسائل الشيعة 12 - 443 ح 2 و 453 ح 14.
فروع :

الأول : الملح مكيل ، فلو كان قطعا كبارا ، احتمل أن يستحق ويباع كيلا ولأنه الأصل. وأن يباع وزنا ، نظرا إلى ما له من الهيئة في الحال. وكذا كل شي ء يتجافى في المكيل ، يباع بعضه ببعض وزنا.

الثاني : إذا عرف أن الشي ء مقدر في زمانه علیه السلام ، وجهل هل كان يوزن أو يكال؟ فالأقرب اعتبار الوزن فيه ، لأنه أخص وأقل تفاوتا. ويحتمل الكيل ، لأنه أغلب في المطعومات في عصره علیه السلام .

ولو عرف أنه كان يكال مرة ويوزن أخرى ، فالوجه التخيير بينهما. ويحتمل الرجوع إلى عادة أكثر البلاد. ويحتمل الرجوع إلى عادة بلد المبيع ، وهو الأقوى.

الثالث : المراد هنا جنس المكيل والموزون ، وإن لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين ، أو لكثرته كالزبرة.

الرابع : الماء والطين لا ربا فيهما ، لأنهما لا يدخلهما الكيل والوزن إلا الأرمني.

الخامس : لا فرق بين المكيال المعتاد في عصره علیه السلام وسائر المكاييل المحدثة بعده ، كما أننا لو عرفنا التساوي بالتعديل في كفتي الميزان يكتفى به ، وإن لم يعلم قدر ما في كل كفة. أما فيما لا يعتاد الكيل بمثله كالطاسة المجهولة المقدار والقصعة فالأحوط المنع.

السادس : إذا خرج بالصنعة عن الوزن ، جاز التفاضل فيه كالثوب بالثوبين ، والآنية الحديد أو الصفر إذا لم تجر العادة بوزنها اعتبارا بالحال.

السابع : لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير ، كالحنطة المقدرة بالكيل والدقيق المقدر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن للاختلاف قدرا ، وتسويغه بالوزن.

الثامن : يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائية.

ص: 546

وكذا الخل بمثله ، للأصل والرواية. وكذا يجوز الرطب بالرطب والتمر بالتمر ، وكل من العنب والزبيب بمثله وإن تفاوت الجفاف ، عملا بإطلاق الاسم.

التاسع : ما لا يدخله الكيل ولا الوزن ، يباع جزافا متفاضلا أو متساويا ، لما تقدم من أن شرط الربا الكيل أو الوزن. ولو كيل أو وزن وبيع بعضه ببعض ، جاز متفاضلا أو متماثلا ، لعدم أصالة التقدير فيه.

العاشر : القسمة عندنا ليست بيعا بل هي إفراز ، فيجوز قسمة المكيل وزنا وجزافا ، وقسمة الموزون كيلا وجزافا. ويجوز قسمة الثمار بالخرص على رءوس الأشجار ، سواء العنب والرطب وغيرهما.

الحادي عشر : لا يجوز بيع المكيل والموزون جزافا عندنا ، ولا بالتخمين والتحري ، سواء كانا في بلد أو بادية ، لعموم النهي عن الغرر. فلو باع صبرة من حنطة بصبرة ، أو دراهم بدراهم جزافا ، أو بالتخمين لم يجز ، سواء تماثلتا أو اختلفتا ، لأن التساوي شرط وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد ، فلو قال : بعتك هذه الصبرة مكائلة أو كيلا بكيل ، أو هذه الدراهم بتلك موازنة أو وزنا بوزن بطل ، إلا أن يعلما قبل العقد القدر.

وللشيخ رحمه اللّه قول بجواز بيع الصبرة المجهولة. فعليه يصح مع الاتفاق ويبطل مع التفاوت ، لأنه قابل الجملة بالجملة وهما متفاوتان. ويحتمل أنه يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة لمقابلة صاع بصاع ، ولمشتريها الخيار حيث لم يسلم له الجميع.

الثاني عشر : لو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ، جاز على أحد قولي الشيخ. فلو قال : على أن أزيدك قفيزا والخيار لي في الزيادة والنقصان ، قال : لم يجز ، لأن المبيع مجهول ، لأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه.

قال ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا ، فإن أراد بالزيادة الهبة ، صح ولا مانع منه ، وإن أراد أن يزيد مع المبيع لم يجز ، لأن الصبرة إذا لم تكن معلومة المقدار. فإذا قسم الزائد على القفيزين كان كل

ص: 547

قفيز وشي ء بدرهم ، وذلك مجهول ، وهو يشكل على تسويغ بيع الصبرة مع جهالتها.

قال ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أنقصك قفيزا لم يصح ، لأن معناه أني آخذ منها قفيزا وأحسب عليك ثمنه ، فيكون كل قفيز بدرهم وشي ء ، وهو مجهول ، لأن الصبرة بمنزلة القفيزين.

الثالث عشر : كلما يدخله الكيل والوزن ، يحرم التفاضل فيه مع اتحاد الجنس وإن لم يكن مطعوما ، كالجص والنورة وغيرهما مما يدخله الكيل والوزن عند جميع علمائنا. وهل يجري الربا في لحم الطير؟ إشكال ، ينشأ : من أنه لحم فأشبه سائر اللحمان ، ومن أنه لا يوزن.

البحث الثالث: ( في تكثير العوضين أو أحدهما )

إذا اشتملت الصفقة على مال الربا من الطرفين واختلف أحد العوضين أو كلاهما جنسا ونوعا وصفة ، فقد تكون مال الربا من الجانبين من جنس واحد أو من جنسين ، فالأول مثل أن يبيع مد عجوة ودرهما بمد عجوة ودرهم أو بمدي عجوة أو بدرهمين ، أو باع صاع حنطة وصاع دخن بصاع حنطة وصاع دخن أو بصاعي حنطة أو بصاعي دخن ، أو باعه مد عجوة ومد برني بمدي عجوة أو بمدي برني.

فهذا إن اختلفا نوعا وصفة واتفقا جنسا ، أو باع مائة دينار جيدة ومائة دينار ردية بمائتي دينار جيدة أو بمائتي دينار ردية ، فإنه يصح البيع عندنا في جميع ذلك.

ولا فرق بين أن يكون الدرهمان من ضرب واحد والمدان من شجرة واحدة أو لا ، ولا بين أن تختلف قيمة المدين أو تتفق.

نعم يجب أن يكون المفرد أكثر قدرا من الذي معه غيره ، أو يكون مع كل منهما شي ء من غير جنسه ، لأصالة الصحة ووجوب حمل العقد عليها دون

ص: 548

الفساد مهما أمكن ، فإنه لو اشترى لحما من قصاب حكم بصحة العقد ، مع احتمال كونه ميتة ، لكن يجب حمله على التذكية تصحيحا للعقد.

ولو اشترى من غيره شيئا ، حكم بالصحة مع احتمال كونه غير مالك ولا مأذون له في البيع تصحيحا للعقد ، وقد أمكن التصحيح هنا بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس ، أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المكيل ، ولأن المبيع إنما هو الجملة وكذا الثمن ، وهما مختلفان وإن كانت بعض أجزاء أحدهما تساوي بعض أجزاء الآخر وباقي الأجزاء الباقي.

لأنها مع التركيب واعتبار المجموعية لا تخرج عن الاختلاف ، ولقول الصادق علیه السلام : لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به (1). وسأله منصور بن الصيقل عن السيف المفضض يباع بالدراهم؟ فقال : إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وإن كان أكثر فلا يصلح (2).

ولو باع ما لا ربا فيه بما فيه الربا ومعه من جنس ما يبيع به إلا أنه غير مقصود جاز ، كدار سقفها مموه بذهب ، لأن ما فيه الربا غير مقصود ، وعليه إجماع العلماء. وكذا لو باع شاة ذات لبن بشاة خالية أو بلبن أو بشاة عليها صوف بصوف.

ولو باع جنسا فيه الربا بجنسه ومع كل واحد من غير جنسه ، جاز مطلقا ، سواء اختلفا في علة الربا لو عللناه ، كما لو باع دينارا ودرهما بصاع حنطة وصاع دخن ، أو اتفقا.

ويجوز أن يبيع صاع حنطة بصاع حنطة وفيهما أو في أحدهما عقد التبين أو زوان ، وهو حب أسود دقيق ، لأنه لا يمكن التخلص منه ، فصار كحب الشعير والمدر اليسير والتراب القليل.

ص: 549


1- وسائل الشيعة 12 - 468 ح 4.
2- وسائل الشيعة 12 - 483 ح 7.
البحث الرابع: ( في بيع الرطب باليابس )

يجوز بيع الرطب بمثله ، والعنب بمثله ، ولا يعتبر حالهما عند الجفاف عند علمائنا ، عملا بالأصل السالم عن معارضة التفاضل حالة العقد ، ولأنه وجد التماثل فيهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص ، فجاز كبيع اللبن باللبن.

وكذا جميع الأشياء الرطبة بعضها ببعض ، سواء كان له حالة جفاف أو لا ، كالرطب الذي لا يتمر ، والعنب الذي لا يزيب ، والبطيخ والكمثرى اللذين لا يعلفان ، والرمان الحلو والباذنجان والبقول.

وكذا يجوز بيع اليابس بمثله. أما بيع الرطب منه باليابس مع اختلاف الجنس ، فإنه جائز إجماعا يدا بيد ، وفي النسية قولان.

وأما مع اتحاد الجنس كالرطب بالتمر والعنب بالزبيب فقولان لعلمائنا ، التحريم لأنه علیه السلام سئل عن بيع الرطب بالتمر ، فقال : أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذن (1) وقول الصادق علیه السلام : لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص (2).

والكراهية ، عملا بأصالة الإباحة ، وعموم قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ ) (3) وقول الصادق علیه السلام لما سئل عن العنب بالزبيب ، قال : لا يصلح إلا مثلا بمثل ، والتمر والرطب مثلا بمثل (4).

والأولى أصح طريقا ، فإن منعناه فالعلة الرطوبة في أحدهما واليبوسة في الآخر ، وحصول التفاوت عند الجفاف ، وحينئذ تطرد العلة في كل متجانسين

ص: 550


1- وسائل الشيعة 12 - 446.
2- وسائل الشيعة 12 - 445 ح 1.
3- سورة البقرة : 275.
4- وسائل الشيعة 12 - 446 ح 3.

اختلفا في الرطوبة واليبوسة ، كالعنب والزبيب والتين اليابس والرطب ، والحنطة المبلولة واليابسة ، وكذا غيرهما.

ويجوز بيع الرطب منه بالرطب متماثلا ، لعدم علم التفاوت لو جفا. مع أصالة عدمه.

ولا يجوز بيع الرطب بالتمر متفاوتا ، بحيث يحصل التساوي لو جف ، لحصول التفاوت في الحال مع اتحاد الجنس. وإذا كان التفاوت الاستقبالي مانعا من صحة البيع ، فالحالي أولى بالمنع.

ويجوز بيع الحديث بالعتيق متساويا ، وفي رواية عن الباقر علیه السلام : أن عليا علیه السلام كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل من أجل أن التمر يبس فينقص من كيله (1).

واللبن اليابس والرطب كالتمر والرطب في المنع والكراهة.

البحث الخامس: ( في بيع اللحم المأكول بالحيوان )

يجوز بيع اللحم المأكول بالحيوان الحي غير المأكول ، كالفهد بلحم الشاة. وكذا بالمأكول من غير جنسه ، كلحم شاة ببقرة حية أو بغير حي ، للأصل السالم عن معارضة وجود الربا المنفي شرطه هنا.

وهل يباع بالمأكول من جنسه؟ كلحم شاة بشاة حية ، ولحم بقرة ببقرة ، ولحم جزور بجزور ، لعلمائنا قولان :

المنع ، لما روي أنه علیه السلام نهى عن بيع اللحم بالحيوان (2). وعن الصادق علیه السلام : أن أمير المؤمنين علیه السلام كره اللحم بالحيوان (3).

ص: 551


1- وسائل الشيعة 12 - 445 ح 2.
2- جامع الأصول 1 - 413.
3- وسائل الشيعة 12 - 441 ب 11.

ولأن اللحم نوع يجري فيه الربا ببيع أصله الذي فيه منه ، فلم يجز كبيع السمسم بالشيرج.

والجواز ، للعموم عن معارضة الربا ، وأن الحيوان ليس من مال الربا ، ولأنه باع مال الربا بما لا ربا فيه ، فأشبه بيع الحيوان بالدراهم ، ولأنه باع الموزون بغيره ، وإن كان أصله فساغ ، كالثياب بالكتان والغزل.

فإن منعناه ، فالأقرب جواز بيع الشحم والألية والطحال والكبد والكلية والقلب والرية بالحيوان ، وكذا بيع السنام بالإبل ، لأن ذلك كله من أنواع اللحم.

ويجوز بيع دجاجة فيها بيضة أو دجاجة. وشاة في ضرعها لبن بمثلها ، أو بخالية من اللبن ، أو بلبن ، سواء كان من جنس اللبن أو من غير جنسه ، كبيع شاة ذات لبن بلبن شاة أو بلبن بقرة.

البحث السادس: ( في اللواحق )

الثمن والمثمن إذا اختلفا ، جاز أن يختلفا قدرا نقدا ونسية على كراهية ، إلا الصرف فإنه يحرم فيه النسية اتفقا أو اختلفا إجماعا. وإن اتفقا جنسا ، وجب اتفاقهما قدرا وحلولا إن دخلهما الكيل أو الوزن إجماعا وإلا فلا.

ولا يشترط التقابض في المجلس وإن اتفقا جنسا وقدرا ، للأصل السالم عن معارضة ربا الزيادة.

ولا يثبت الربا إلا في البيع. وإذا اشتمل أحد العوضين على جنسين ربويين ، صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ، كما قلنا في مد تمر ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو بدرهمين أو بمدين ودرهمين ، فإن تلف الدرهم المعين أو استحق ، احتمل البطلان في الجميع ، إذ لا يجب البدل ، فليس أحد الباقيين أولى من الآخر ، فتبطل في الجميع حذرا من الربا. والبطلان في المخالف ، لأنا صرفنا بيع كل جنس إلى مخالفه ، ولهذا سوغنا التكثر من أحد الجانبين والتقسيط ولا

ص: 552

ربا ، لتجدد الزيادة بعد البيع.

ولو أراد المعاوضة على المتفاضلين المتفقين جنسا ، فطريق التخلص من الربا بيع السلعة بجنس غيرها ، ثم يشتري بها الأخرى ، أو يباع المتماثل قدرا ويهبه الزائد ، أو يقرضه إياه ويبرئه ، لأن سماعة سأله عن الطعام والتمر والزبيب ، فقال : لا يصلح شي ء منه اثنان بواحد ، إلا أن كان يصرفه نوعا إلى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد أو أكثر (1).

البحث السابع: ( في الأحكام )

يحرم الربا بين المسلمين ، سواء كانوا في دار الإسلام أو دار الحرب ، لعموم قوله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (2) والأماكن لا مدخل لها في الأحكام ، وسواء كان المسلمان مسلمين بالأصالة ، أو أسلما في دار الحرب أو دار الإسلام.

ولا يثبت الربا بين المسلم والحربي عند علمائنا ، لقوله علیه السلام : لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب (3). ولقول الصادق علیه السلام قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، فإنا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ، ونأخذ منهم ولا نعطيهم (4).

وفي ثبوته بين المسلم وأهل الذمة قولان ، الأقوى منهما ثبوته ، للعموم. قال بعض علمائنا : تؤخذ من أهل الحرب الزيادة ، ولا يجوز لنا أن نعطيهم إياها.

ولا ربا بين الوالد وولده ، فلكل منهما أخذ الزيادة من صاحبه. ولا بأس

ص: 553


1- وسائل الشيعة 12 - 443 ح 5.
2- سورة البقرة : 275.
3- وسائل الشيعة 12 - 436.
4- وسائل الشيعة 12 - 436 ح 2.

بين الرجل وعبده ، لأن مملوكه وما بيده له. ولا بينه وبين زوجته ، لقول الباقر علیه السلام : ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين عبده ولا بينه وبين أهله ربا. إنما الربا بينك وبين من لا تملك (1). ولو كان العبد مشتركا ، ثبت الربا بينه وبين كل من ساداته. والمكاتب كالحر ، والمدبر وأم الولد كالقن.

ومن ارتكب الربا مع علمه بالتحريم ، فإن استحله فهو مرتد ، يقتل من غير استتابة إن كان على الفطرة ، ومعها إن كان ولد على غير الفطرة. وإن اعتقد تحريمه استتيب ، فإن تاب وإلا غرره الإمام ، وهكذا ثلاثا ، ثم يقتل في الرابعة.

ويحصل التوبة بالندم على فعله ، والعزم على ترك العود. ثم يجب عليه رد المال الزائد إلى صاحبه إن علم وتمكن منه ، وإن جهله تصدق به عنه ، لأنه مال محرم في يده ، فيجب نزع يده عنه ودفعه إلى مستحقه ، وهو المالك مع العلم ، ومستحق الصدقة مع الجهل.

ولو جهل القدر خاصة صالح المالك ، ولو جهلهما أخرج خمس ماله صدقة وحل له الباقي. ولو استعمله بجهالة ثم علم التحريم ، وجب عليه التوبة.

وهل يجب عليه رد المال؟ الأقوى ذلك ، لأنه مال الغير لم ينقل عنه إليه بوجه شرعي ولا تجارة عن تراض بل بالباطل. وللشيخ رحمه اللّه قول بعدم الوجوب ، لقوله تعالى ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) (2).

وسئل الصادق علیه السلام عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال ، قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا ، فإذا أصابه فهو بمنزلة الذي قال اللّه عز وجل (3). ويحمل على انتفاء الإثم. ولا فرق بين أن يكون عين المال موجودا أو تالفا.

ص: 554


1- وسائل الشيعة 12 - 436 ح 3.
2- سورة البقرة : 275.
3- وسائل الشيعة 12 - 430 ح 1.

واعلم أنا قد بينا أنه لا يجوز بيع مال الربا بجنسه مع زيادة ، إلا مع توسط عقد آخر ، كما إذا أراد بيع دراهم أو دنانير صحاح بمكسره أكثر من وزنها ببيع الدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم أو بعرض ، ثم إذا تقابضا اشترى بالدراهم أو بذلك العرض المكسرة ، كما أمر النبي صلی اللّه علیه و آله عامل خيبر أن يبيع الجمع بالدراهم ، ثم يبتاع بها جنيبا (1). والجنيب أجود التمر ، والجمع كل لون من التمر لا يعرف له اسم. ولا فرق بين أن يتجدد ذلك عادة أو لا يتجدد.

ص: 555


1- جامع الأصول 1 - 469.

ص: 556

المقصد الثاني: في أنواع المبيع

اشارة

وفيه فصول :

ص: 557

ص: 558

الفصل الأول: ( في الصرف )

وفيه مطلبان :
المطلب الأول: ( في الماهية والشرائط )

الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض مع اتفاق الجنس واختلافه.

وشروطه ثلاثة :

الأول : الحلول ، فلا يجوز بيع الذهب بمثله ولا بالفضة ، ولا الفضة بمثلها ولا بالذهب ، سلفا ولا نسية ، بل يجب أن يكون كل من الثمن والمثمن حالا.

الثاني : التقابض في المجلس ، سواء كانا معينين أو مطلقين موصوفين إجماعا ، لقول الصادق علیه السلام : إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه ، فإن نزا حائطا فانز معه (1).

وسئل الصادق علیه السلام عن بيع الذهب بالدراهم : فيقول : أرسل رسولا يستوفي لك ثمنه قال يقول : هات وهلم ويكون رسولك معه. (2).

ص: 559


1- وسائل الشيعة 12 - 459 ح 8.
2- وسائل الشيعة 12 - 458 ح 2.

وسأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم بالدنانير ، فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هي دينارا ، ثم يقول : أرسل غلامك معي حتى أعطيه الدنانير ، فقال : ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير ، فقلت : إنما هي في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض وهذا يشق عليهم فقال : إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ويدفع إليه الورق أو يقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق (1).

الثالث : الاتفاق قدرا مع التساوي جنسا ، لما مر في الربا. قال الصادق علیه السلام : الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، الفضل بينهما هو الربا المنكر (2).

وإذا اختلف الجنسان ، جاز التفاضل إجماعا. ولأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلين بمثل ، قال : لا بأس به يدا بيد (3). ولو اتفقا ، وجب التماثل وزنا.

وإذا افترقا قبل التقابض ، بطل الصرف إجماعا.

ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ثم تفرقا ، بطل في غير المقبوض ، وصح في المقبوض لوجود الشرط فيه. وهل يثبت في المقبوض خيار تفريق الصفقة؟ إشكال.

ولا يحصل التفرق لو فارقا مجلس البيع ومصطحبين ، لانتفاء حقيقته عنهما ، لأن مفهومه المباينة ولم تحصل ، فأشبه ما لو كانا راكبين في سفينة أو على دابة واحدة.

ولو وكل أحدهما وكيلا أو هما وكيلين ، فقبض الوكيل أو الوكيلان قبل تفرقهما ، صح. سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو بعده. ولو قبض

ص: 560


1- وسائل الشيعة 12 - 458 ح 1.
2- وسائل الشيعة 12 - 457 ح 2.
3- وسائل الشيعة 12 - 459 ح 7.

بعد تفرق المتبايعين ، بطل العقد.

ولو طال مقامهما في المجلس ، ثم حصل التقابض ، صح البيع ، وليس من شرط صحة الصرف عدم التخاير في المجلس قبل التقابض في المجلس ، فلو تخايرا قبل العقد أو بعده قبل القبض في المجلس ، لم يبطل الصرف.

والتخاير قبل العقد أن يقول : بعتك ولا خيار بيننا ويقبل الآخر على ذلك ، فلا يكون لهما خيار. والتخاير بعده أن يقول كل منهما بعد العقد : اخترت إمضاء العقد أو التزامه ، لأنهما لم يفترقا قبل القبض ، والشرط إنما هو قبل التقابض في المجلس ، وليس التقابض قبل اللزوم شرطا ، فإنه تحكم بغير دليل ، ثم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف ثم اصطرما ، فإن الصرف يقع لازما صحيحا قبل القبض.

ثم يشترط القبض في المجلس ، ولو اشترى منه دراهم ثم اشترى بها دنانير قبل قبض الدراهم ، قال الشيخ : يبطل البيع. وشرط بعض علمائنا في البطلان التفرق. وهو مبني على أن بيع ما لم يقبض من الموزونات والمكيلات صحيح أو لا وسيأتي.

ولو افترقا قبل التقابض ، بطل العقدان. ولو تقابضا صح العقدان ، عملا بالأصل ، وبما رواه أبو بصير عن الصادق علیه السلام قلت له : آتي الصيرفي بالدراهم أشتري منه الدنانير فيرد إلي أكثر من حقي ، ثم أبتاع منه مكاني بها دراهم ، قال : ليس به بأس ، ولكن لا يزن لك أقل من حقك (1). وإذا كان لإنسان على غيره دراهم دين فاشترى بها دنانير ، أو كان له عليه دنانير دين فاشترى بها دراهم وتقابضا ، صح العقد لوجود المقتضي.

ولأن الحلبي سأل الصادق علیه السلام عن الرجل يكون عليه دنانير ، فقال : لا بأس أن يأخذ ثمنها دراهم. وفي الرجل يكون له دين دراهم معلومة

ص: 561


1- وسائل الشيعة 12 - 458 ح 4.

إلى أجل ، فجاء الأجل وليس عند الرجل الذي حل عليه دراهم ، فقال له : خذ مني دنانير بصرف اليوم ، قال : لا بأس به (1).

ولأن ما في الذمة مقبوض فجاز بيعه بالمقبوض ، وهذا صرف تعين وذمة ، ولا خلاف في جواز قضائها بالسعر. وهل يجوز أن يقبضه إياها على التراضي؟ كما لو كان عليه ألف درهم يساوي يوم القضاء مائة دينار ، فأعطاه عوضها تسعين دينارا أو مائة وعشرة ، الوجه الجواز ، لأنه بيع في الحال فجاز ما تراضيا عليه إذا خالف (2) الجنس ، لعموم قوله علیه السلام : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (3). وكما لو كان العوض عرضا.

وقول الصادق علیه السلام بصرف اليوم (4). وقول النبي صلی اللّه علیه و آله : لا بأس أن يأخذها بسعر يومها. لا يدلان على المنع.

ولو كان الدين مؤجلا ، فالأقرب صحة القضاء من الجنس وغيره حالا ، لأنه ثابت في الذمة ، وما في الذمة بمنزلة المقبوض ، فكأنه رضي بتعجيل المؤجل.

ولو تساويا جنسا ، ففي جواز القضاء متفاضلا نظر ، أقربه الجواز ، لاختصاص الربا بالبيع ولا بيع هنا.

ولو كان لكل منهما على صاحبه نقد واختلفا جنسا ، بأن يكون لأحدهما على الآخر ذهب وللآخر على الأول فضة ، فتصارفا بما في الذمم ، صح من غير تقابض على إشكال ، ينشأ : من أنه بيع دين بدين ولو تباريا أو اصطلحا جاز قطعا ، وما رواه عبيد بن زرارة عن الصادق علیه السلام قال : سألته عن الرجل يكون له عند الصيرفي مائة دينار ، ويكون للصيرفي عنده ألف درهم ، فيقاطعه

ص: 562


1- وسائل الشيعة 12 - 462 ح 1 و 2.
2- في « ر » اختلف.
3- وسائل الشيعة 12 - 442.
4- وسائل الشيعة 12 - 462 ح 2

عليها ، قال : لا بأس (1). لا يعطى بيع الدين بمثله ، لجواز أن تكون الأعيان موجودة.

وإذا كان لإنسان على صيرفي دراهم أو دنانير ، فيقول له : حول الدنانير إلى الدراهم ، أو الدراهم إلى الدنانير وساعره على ذلك ، قال الشيخ : يجوز وإن لم يوازنه في الحال ولا يناقده ، لأن النقدين جميعا من عنده.

ولأن إسحاق بن عمار قال للصادق علیه السلام : يكون للرجل عندي الدراهم فيلقاني فيقول : كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول : كذا وكذا ، فيقول : أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهم وضحا؟ فأقول : نعم ، فيقول : حولها إلى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك ، فما ترى في هذا؟ فقال لي : إذا كنت قد استقصيته السعر يومئذ فلا بأس بذلك ، فقلت : إني لم أوازنه ولم أناقده وإنما كلام بيني وبينه ، فقال : أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس (2).

ومنع بعض الأصحاب من ذلك إلا أن يتقابضا في المجلس ، لأنه صرف وشرطه التقابض في المجلس.

ويحتمل أن يقال : إذا كان القول على جهة التوكيل صح ، وإن تفرقا قبل القبض ، لكن لا يكون ذلك بيعا في الحال بل توكيلا فيه.

المطلب الثاني: ( في اللواحق )

وهي تسعة عشر بحثا :

الأول : إذا تصارفا وتفرقا قبل الوزن والنقد ، صح إذا تقابضا ، فلو اشترى منه مائة درهم بعشرة دنانير ، ودفع كل منهما إلى صاحبه أكثر من الحق

ص: 563


1- وسائل الشيعة 12 - 464 ح 3.
2- وسائل الشيعة 12 - 464 ح 1.

الذي عليه لقبض ما له ورد الباقي ، صح لوجود الشرط وهو التقابض في المجلس. والأحوط في ذلك أن يزن وينقد في المجلس قبل التفرق.

ولو قبض أحدهما أقل من ما له ، صح العقد في المقبوض خاصة دون الباقي ، لعدم شرطه وللرواية.

الثاني : الدراهم المغشوشة تباع بغير جنسها إن جهل قدر الغش ، وإن علم الغش جاز أن يبيعه بجنس الدراهم خالصا إن زاد الخالص ليقابل الغش ، والأقوى جواز المغشوشة بمثلها وإن جهل قدر الغش فيهما ، وكذا الدنانير المغشوشة.

ولو بيع المغشوش من الفضة بوزنه فضة خالصة ، فالوجه عندي الجواز ، سواء علم قدر الفضة أو لا. وكذا المغشوش من الذهب يجوز بيعه بقدر وزنه ذهبا خالصا.

نعم لا يجوز بيعه بأقل من وزنه مع جهالة قدر الخالص من المغشوش ، إلا إذا علم زيادة الخالص على ما اشتمل عليه المغشوش من الفضة ، لأنه إذا بيع بوزنه خالصا قابل ما اشتمل عليه المغشوش من الفضة بقدره من الخالص ، وكان الفاضل من الخالص في مقابلة الغش.

وروى ابن سنان قال : سألت الصادق علیه السلام عن شراء الفضة فيها الرصاص بالورق ، فإذا خلصت نقصت من كل عشرة درهمين أو ثلاثة ، قال : لا يصلح إلا بالذهب ، قال : وسألته عن شراء الذهب فيه الفضة والزيبق والتراب بالدنانير والورق ، فقال : لا تصارفه إلا بالورق (1).

الثالث : لا يجوز إنفاق الدراهم المغشوشة إلا بعد بيان حالها أو جريان العادة بالمعاملة بها ، سواء كان الغش مما لا قيمة له أو له قيمة ، لقوله علیه السلام : من غشنا فليس منا (2).

ص: 564


1- وسائل الشيعة 12 - 475 ح 1.
2- وسائل الشيعة 12 - 208 ح 1.

وقال المفضل بن عمر الجعفي : كنت عند الصادق علیه السلام فألقي من يديه دراهم فألقى إلي درهما منها فقال : أي شي ء هذا؟ فقلت : ستوق ، فقال : وما الستوق؟ فقلت : طبقتين فضة وطبقة من نحاس وطبقة من فضة ، فقال : اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه (1). أما مع البيان جائز ، إذ الغش حينئذ منتف ، ولأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها ، قال : إن بين ذلك فلا بأس (2).

الرابع : تراب معدن الذهب تباع بالفضة أو بجنس آخر غير الذهب. وكذا تراب معدن الفضة تباع بالذهب أو بجنس آخر غير الفضة ، تحرزا من الربا. ولو جمعا معا ، بيعا بهما.

الخامس : لا اعتبار بالذهب اليسير في جوهر النحاس (3) ولا بالفضة اليسيرة في جوهر الرصاص ، لقلته وعدم إمكان التخلص.

السادس : المصاغ من النقدين إن جهل قدر كل واحد منهما ، بيع بهما أو بجنس غيرهما ، أو بالأقل منهما إن تفاوتا وزنا ، وعرف زيادة الثمن على جنسه من المركب ، حذرا من الربا في ذلك كله.

ولو علم مقدار كل واحد منهما ، بيع بأيهما كان مع زيادة الثمن على جنسه. ولو بيع بهما أو بجنس غيرهما ، جاز مطلقا ، سواء نقص الثمن عنهما أو زاد أو ساواه.

ولو كان وزن الآنية المركبة منهما ألف مثقال ، جاز بيعها بعشرة مثاقيل ذهبا ، صرفا لكل منهما إلى غير جنسه.

السابع : السيوف المحلاة والمراكب المحلاة إن علم مقدار ما فيهما وبيعت بجنس الحلية ، جاز إن زاد الثمن زيادة تقابل السيف أو المركب. ولو

ص: 565


1- وسائل الشيعة 12 - 473 ح 5.
2- وسائل الشيعة 12 - 472 ح 2.
3- في « ر » الصفر.

بيعت بغير جنس الحلية ، جاز مطلقا.

ولو جهل ، فإن أمكن نزعها ، لم تبع بجنسها إلا بعد النزع ، ولو تعذر أو خيف العيب أو النقص ، بيعت بغير جنس الحلية. وإن أريد بيعها بجنس الحلية جعل معها شي ء من المتاع أو النقد الآخر ويباع المجموع بالمجموع.

الثامن : يجوز المصارفة ، كأن يقول : بعتك دينارا بعشرة دراهم ، سواء كانت الدنانير والدراهم عندهما أو لا ، إذا تقابضا قبل الافتراق.

ومن شرطها أن يكون العوضان معلومين إما بصفة يتميزان ، أو بالرجوع إلى نقد معلوم ، أو غالب فينصرف الإطلاق إليه. وحلولها معا ، فلو قال : بعتك دينارا مصروفا بعشرين درهما صح.

ولو أطلق الدنانير وهناك نقد غالب في البلد انصرف إليه.

ولو قال : بعتك بعشرين درهما من نقد عشرة بدينار لم يصح ، إلا أن لا يكون في البلد نقد عشرة بدينار إلا نوعا واحدا ينصرف إليه تلك الصفة. وكذا الحكم في البيع لو باعه ثوبا بعشرين درهما من صرف العشرة بدينار أو العشرين بدينار.

التاسع : يجوز استعمال الحيل المباحة ، فلو كان معه خمسة دراهم وأراد شراء دينار بعشرة ، اشتراه ثم دفع ما معه عن النصف ، ثم اقترضها ودفعها عن الآخر ليصح الصرف وإن كان حيلة. وكذا لو احتال بمثل ذلك لدفع خيار الفسخ بعد الثلاثة.

العاشر : لو كان له عند رجل دينار وديعة فصارفه به وهو معلوم البقاء أو مظنون صح الصرف ، وإن ظن العدم لم يصح ، لأن حكمه حكم المعدوم.

ولو شك احتمل الصحة ، لأصالة البقاء ، فصح البناء عليه عند الشك ، فإن الشك لا يزيل اليقين ، ولهذا صح بيع الحيوان الغائب المشكوك في حياته. والبطلان ، لأن شرط الصحة وهو البقاء مجهول.

الحادي عشر : الثمن إذا كان معينا من أحد النقدين تعين عندنا بالتعيين

ص: 566

بالعقد فيما عيناه ، ويتعين عوضا عنه فيه ، ولا يجوز إبداله. وإن خرج مغصوبا بطل العقد ، لأنه عوض في عقد يتعين بالتعيين ، كسائر الأعواض ، ولأنه أحد العوضين فيتعين بالتعيين كالآخر ، وإطلاقها في العقد وإن كان جائزا إلا أنه لا يوجب عدم التعيين ، كالمكيال والصنجة لأنهما ليسا عوضين ، وإنما يرادان لتقدير المعقود عليه وتعريف قدره ، فلا يثبت فيهما الملك بحال.

إذا تقرر هذا فنقول : إذا تصارفا بما في الذمة أي من غير تعيين صح ، ولا بد من تعيينهما بالتقابض في المجلس.

فإن تقابضا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا قبل التفرق ، فله المطالبة بالبدل ، سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه ، لوقوع العقد على مطلق لا عيب فيه ، فله المطالبة بما وقع العقد عليه كالمسلم فيه. وإن رضيه بعيبه والعيب بجنسه ، جاز ، كما لو رضي المسلم فيه معيبا ، وإن اختار أخذ أرشه.

فإن كان العوضان من جنس واحد ، لم يجز ، لإفضائه إلى التفاضل فيما يشترط فيه التماثل. وإن كانا من جنسين ، تصارفا وتقابضا وتفرقا ، ثم وجد العيب من الجنس ، فله إبداله ، لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه ، على إشكال ينشأ : من أنه قبض بعد التفرق ، وهو مبطل في الصرف ، والأول أقوى ، لأن قبض الأول صح به العقد وقبض الثاني بدل عن الأول. وهل يشترط أن يأخذ البدل في مجلس الرد؟ إشكال.

ولو وجد البعض رديا فرده ، كان له البدل. ولو منعناه على الثاني ، بطل في المردود وصح في الباقي ، ويتخير المشتري لتفريق الصفقة. ولا فرق بين أن يكون المبيع من جنس أو جنسين.

وإذا قلنا له البدل ، لم يكن له الفسخ مع الإبدال ، لأنه يمكنه أخذ حقه غير معيب.

ولو منعناه تخير بين الفسخ أو الإمساك في الجميع ، لتعذر الوصول إلى ما عقد عليه مع بقاء العقد.

ص: 567

ولو اختار أخذ الأرش بعد التفرق ، جاز على الأول دون الثاني ، لأنه عوض بقبضه بعد التفرق على الصرف. ولو تقابضا وتفرقا ثم وجد المعيب من غير الجنس ، بطل الصرف ، لعدم اتصال القبض به.

ولو كان البعض من الجنس والبعض من غيره ، بطل في غير الجنس وتخير المشتري لتفرق الصفقة. ولو كان الذي من الجنس ..

إلى هنا جف قلمه الشريف ، وبقي الكتاب ناقصا.

وقال في آخر نسخة « ق » : وهذا ما انتهى إليه المصنف في هذا الكتاب ، والحمد لله وحده ، على يد العبد الفقير إلى رحمة ربه ، المستجير باللّه من عذابه ، الراجي شفاعة نبيه وآله الأخيار ، يعقوب بن خليل العاملي ... مولدا ومنشأ ، غفر اللّه له ولوالديه ولمن نظر فيه ولسائر المؤمنين أجمعين. وافق الفراغ من تعليقه نهار الثلثاء لخمس بقين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة تسعة وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية ، والحمد لله وحده ، وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وسلم.

وقال في آخر نسخة « ر » : تمت بعون الملك الوهاب ، بتاريخ بيست وهفتم شهر ذي القعدة الحرام سنة (1245) الهجرية.

وتم تحقيق الكتاب وتصحيحه والتعليق عليه في اليوم الخامس عشر من الجمادى الآخر سنة ألف وأربعمائة وخمس هجرية على يد العبد السيد مهدي الرجائي.

ص: 568

الفهرس

المقصد الثالث

في باقي الصلوات

الفصل الأول : شرائط صلاة الجمعة... 9

أحكام الوقت ... 9

اشتراط السلطان في وجوب الجمعة... 13

اشتراط تمام العدد في انعقاد الجمعة... 19

اشتراط الجماعة في الجمعة... 22

فروع يتعلق بالمسبوق... 24

فروع يتشعب عن شرط الجماعة يتعلق بالإمام ... 25

فروع يتعلق بالزحام ... 26

الوحدة شرط في الجمعة... 30

أحكام الخطبتان وواجباتهما... 32

شرائط الخطبتين ... 35

وجوب الاصغاء للخطبتين... 37

سنن الخطبة ... 39

من يجب عليه الجمعة... 42

ص: 569

فروع في صفات النقصان :... 45

في ماهيتها صلاة الجمعة... 48

آداب صلاةالجمعة... 49

ما يحرم يوم الجمعة... 53

الفصل الثاني : في صلاة العيدين... 55

شرائط صلاة العيدين... 55

ماهية صلاة العيدين... 59

سنن صلاة العيدين... 63

الفصل الثالث : في صلاة الآيات... 71

كيفية صلاة الآيات... 71

سنن صلاة الآيات... 74

موجب صلاة الآيات... 75

وقت صلاة الآيات... 76

في اللواحق ... 82

الفصل الرابع : في صلا النذر... 85

أحكام صلاة النذر... 85

الفصل الخامس : في الصلوات المندوبة... 89

بيان النوافل اليومية... 89

نافلة شهر رمضان ... 93

باقي النوافل الموقتة ... 95

أحكام صلاة الاستسقاء ... 100

أحكام النوافل... 106

المقصد الرابع :

في النوافل

الفصل الأول : في الجماعة... 111

فضيلة الجماعة ... 111

ص: 570

ما يشترط في الجماعة... 115

اشتراط العدد... 115

اشتراط عدم التقدم في الموقف ... 116

اشتراط الاجتماع في الموقف ... 120

اشتراط عدم الحيلولة بين الإمام والمأموم الذكر ... 122

اشتراط عدم العلو ... 124

اشتراط نية الاقتداء ... 125

اشتراط توافق نظم الصلاتين ... 129

حكم من أدرك الامام في الركوع... 130

اشتراط المتابعة... 135

في صفات الإمام ... 138

الشرائط العامة ... 138

الشرائط الخاصة ... 144

في من تكره إمامته ... 150

في ترجيح الأئمة ... 152

في اللواحق ... 156

الفصل الثاني : في صلاة السفر... 163

القصر ومحله ... 163

في تجدد السفر على الحضر وبالعكس ... 164

في وجوب القصر ... 166

الشرائط القصر... 168

قصد المسافة ... 168

الضرب في الأرض ... 172

استمرار القصد ... 174

عدم زيادة السفر على الحضر ... 178

في إباحة السفر... 180

في ما ظن أنه شرط وليس كذلك ... 182

ص: 571

في بقايا مباحث هذا الباب ... 183

الفصل الثالث : في صلاة الخوف... 189

مشروعية صلاة الخوف... 189

كيفية صلاة الخوف... 190

صور صلاة الخوف... 191

ما يشترط في صلاة الخوف... 192

أحكام صلاة ذات الرقاع ... 194

في صلاة شدة الخوف... 200

بقايا مسائل هذا الباب ... 203

المقصد الخامس

في الجنائز

الفصل الأول : في مقدمته... 209

الفصل الثاني : في اإحتضار... 213

ما يفعل به قبل الموت ... 213

في توجيهه إلى القبلة... 213

باقي الأفعال التي يفعل بالمحتضر... 214

في ما يكره ... 215

ما يستحب في ما بعد الموت ... 216

الفصل الثالث : أحكام تغسيل الميت... 221

في مقدماته ... 221

في كيفية الغسل ... 223

في بقايا مسائله ... 226

في المكروهات ... 228

ما يشترط في الغاسل... 229

ص: 572

الزوجية... 229

الملك ... 230

المحرمية ... 230

في حالة الاضطرار ... 231

من يجب غسله ... 233

في السقط والأبعاض ... 234

في الشهيد ... 235

في شرط الشهيد ... 236

في المقتول غير الشهيد... 237

في المحرم ... 238

الفصل الرابع : تكفين الميت... 241

في تحنيطه ... 241

في جنس الكفن... 242

في قدر التكفين... 243

كيفية التكفين... 245

محل الكفن ... 247

بقايا مسائله ... 248

الفصل الخامس : أحكام الصلاة عليه... 251

في المحل ... 251

في المصلي ... 255

في المقدمات المستحبة ... 258

في المكروهات ... 260

في واجبات الصلاة ... 262

في المستحبات ... 264

في اللواحق ... 266

الفصل السادس : في واجبات الدفن... 273

في مستحباته الدفن... 273

ص: 573

في المحرمات ... 280

في المكروهات ... 282

في اللواحق ... 285

كتاب الزكاة

المقصد الأول

في زكاة المال

الفصل الأول : في الشرائط العامة... 297

البلوغ ... 298

العقل ... 300

الحرية ... 301

الملك التام ... 302

أسباب منع التصرف ... 302

منع التصرف... 302

تسلط الغير عليه ... 304

عدم قرار الملك ... 306

الفصل الثاني : في الشرائط الخاصة... 311

في شرائط الأنعام ... 311

في شرائط الغلاة ... 318

في شرائط النقدين ... 319

الفصل الثالث : ما يجب فيه الزكاة... 321

زكاة الإبل ... 321

مقادير النصب والفرائض ... 322

في الأسنان ... 323

في الإبدال ... 324

ص: 574

زكاة البقر ... 327

زكاة الغنم ... 328

في الأشناق ... 329

صفة الفريضة ... 331

في اللواحق ... 333

زكاة النقدين ... 338

زكاة الغلاة ... 347

فائدة تتعلق بالخرص ... 354

الفصل الرابع : ما يستحب فيه الزكاة... 361

مال التجارة ... 361

في استحبابها ... 361

الماهية ... 362

في الشرائط ... 364

في اللواحق ... 365

باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة ... 375

الفصل الخامس : مستحق الزكاة الاصناف الثمانية... 379

الفقراء والمساكين ... 379

العاملون ... 385

المؤلفة قلوبهم ... 386

في الرقاب ... 388

الغارمون ... 391

سبيل اللّه ... 393

ابن السبيل ... 394

في الأوصاف ... 395

خاتمة تشتمل على مسائل... 400

الفصل السادس : كيفية اخراج الزكاة... 403

في وقت الزكاة ... 403

ص: 575

في التعجيل ... 405

في المتولي للإخراج ... 415

كيفية الإخراج ... 418

في النية ... 420

وقت النية ومن يتولاها ... 423

بقايا مباحث هذا الباب ... 425

المقصد السابع : زكاة الفطرة... 433

من تجب عليه ... 433

في المؤدى عنه زكاة الفطرة ... 435

النكاح ... 435

الملك ... 437

القرابة ... 439

وقت الاخراج... 440

في الواجب ... 441

كتاب البيع

المقصد الأول

في ماهيته وأركانه

الفصل الأول : ماهية البيع وصيغته... 447

الفصل الثاني : ما يشترط في العاقد... 453

البلوغ ... 453

العقل ... 455

الاختيار والقصد... 455

الإسلام ... 456

ص: 576

الفصل الثالث : ما يشترط في المعقود عليه... 461

اشتراط الطهارة... 461

في النجس بذاته ... 461

في باقي أنواعه ... 462

في ما نجاسته عرضية ... 464

اشتراط الانتفاع ... 465

اشتراط الملكية... 475

في القدرة على التسليم ... 481

كلام في بيع الجاني ... 483

في العلم ... 487

العلم بالعين ... 487

بقايا مسائل يشترط العلم بالعين ... 492

في شرط العلم بالقدر ... 495

في شرط العلم بالصفة ... 499

بقايا مسائل هذا الباب ... 503

ما ورد فيه النهي ... 512

في الاحتكار ... 513

في التسعير ... 515

في بيع الحاضر للبادي ... 516

في التلقي ... 517

في السوم على السوم ... 518

في النجش ... 520

في التفريق ... 520

في العربون ... 523

في ما للولد أن يأخذ من مال والده وبالعكس وما للمرأة من مال زوجها... 532

بقايا مسائل بيع الغرر والمجازفة ... 534

ص: 577

في الربا وتحريمه... 537

في شرائطه ... 539

التماثل ... 539

في النقدين ... 544

في تكثير العوضين أو أحدهما ... 548

في بيع الرطب باليابس ... 550

في بيع اللحم المأكول بالحيوان ... 551

في اللواحق ... 552

أحكام الربا... 553

المقصد الثاني

أنواع المبيع

الفصل الأول : في الصرف... 559

في الماهية والشرائط ... 559

في اللواحق ... 563

ص: 578

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.