نهاية الأحكام في معرفة الأحكام المجلد 1

هوية الكتاب

المؤلف: الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

المحقق: السيد مهدي الرجائي

الناشر: دار الأضواء

الطبعة: 1

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1406 ه.ق

الصفحات: 567

نسخة غير مصححة

 الكتب بساتین العلماء

نهاية الأحكام في معرفة الأحكام

ص: 1

اشارة

الكتاب: نهاية الأحكام في معرفة الأحكام

المؤلف: العلامة الحلي (قدس سره)

الناشر: مؤسسة اسماعيليان - قم

الطبعة: الثانية

عدد النسخ 2000 نسخة

تاريخ النشر: 1410 هجري قمري

الطباعة والتجليد: مؤسسة اسماعيليان

القطع: وزيري

ص: 2

مؤسسة آل البيت عليهم السلام

7

نهاية الأحكام في معرفة الأحكام

الجزء الأوّل

تأليف: العلامة الحلي

الحسن بن يوسف بن علي المطهر الحلي

648 - 736 ه

تحقيق: السيد مهدي الرجائي

مؤسسة اسماعيليان

للطباعة والنشر والتوزيع

قم - ايران - تلفون 25212

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله أجمعين.

حياة المؤلف

اشارة

لم يكن المترجم له إنسانا مغمورا حتى يحتاج إلى التعريف به والإشادة بمآثره ، بل هو طود شامخ وعلم معروف ، انتشرت آثاره العلمية في الأندية الإسلامية ، وعرفت مآثره الدينية في كافة الأوساط.

إنه حي تتجدد ذكراه على مر العصور والدهور. نعم سيبقى حي الذكر أولئك الذين أدركوا مغزى « خلقتهم للحياة لا للفناء » واتجهوا بكنه وجودهم إلى الحي القيوم ، واستضاءوا في مسيرتهم العلمية بأنوار الأنبياء ، وجعلوا سيرة أولياء الحق دستورهم المتبع.

هؤلاء سيبقى ذكرهم حيا خالدا ، ولا يجد الفناء إليهم سبيلا.

وليس المترجم له ممن يباهي به الشيعة فقط ، بل يباهي به المسلمون ، لما أحسوا فيه من الشخصية المسهمة في إعلاء كلمة اللّه تعالى ، وبذل الجهد ، لنشر الأسس الإسلامية المتينة ، كما يشهد بذلك كتبه القيمة ، فجزاه اللّه عن الإسلام خير جزاء المحسنين.

اسمه ونسبه :

هو الشيخ الإمام جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر

ص: 5

المعروف ب « العلامة الحلي » نشأ في مدينة الحلة في العراق ، البلد الذي امتاز بطيب مناخه واعتدال جوه وجمال طبيعته الخلابة ، وفي بيت شيدت دعائمه بالعلم والمعرفة والتقوى. وكانت أمه بنت الشيخ أبي يحيى الحسن بن يحيى صاحب الجامع وأخت المحقق صاحب الشرائع. وكان والده ( قدس اللّه روحه ) فقيها محققا مدرسا عظيم الشأن.

إطراء العلماء عليه :

قال ابن داود الحلي في كتاب الرجال : [ ص 119 ] شيخ الطائفة ، وعلامة وقته ، وصاحب التحقيق والتدقيق ، كثير التصانيف ، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول.

وقال ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي [ 1 - 38 ] : الشيخ العلامة الفهامة ، أستاذ العلماء جمال الدين.

وقال الأفندي في الرياض : [ 1 - 358 ] : الإمام الهمام العالم العامل الفاضل الكامل الشاعر الماهر ، علامة العلماء وفهامة الفضلاء أستاذ الدنيا ، المعروف فيما بين الأصحاب بالعلامة عند الإطلاق ، والموصوف بغاية العلم ونهاية الفهم والكمال في الآفاق.

وقد كان رضی اللّه عنه جامعا لأنواع العلوم ، مصنفا في أقسامها ، حكيما متكلما فقيها محدثا أصوليا أديبا شاعرا ماهرا.

وقال المحدث الحر العاملي في أمل الآمل : فاضل عالم علامة العلماء ، محقق مدقق ، ثقة ثقة ، فقيه محدث ، متكلم ماهر ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، لا نظير له في الفنون والعلوم العقليات والنقليات ، وفضائله ومحاسنه أكثر من أن تحصى.

وقال الخوانساري في روضات الجنات [ 2 - 269 ] : مذخر الجهابذة الأعلام ، ومركز دائرة الإسلام ، آية اللّه في العالمين ، ونور اللّه في ظلمات الأرضين ، وأستاذ الخلائق في جميع الفضائل باليقين. لم يكتحل حدقة الزمان له

ص: 6

بمثل ولا نظير ، ولما تصل أجنحة الإمكان إلى ساحة بيان فضله الغزير ، كيف؟ ولم يدانه في الفضائل سابق عليه ، ولا لاحق. ولم يثن إلى زماننا هذا ثناءه الفاخر الفائق ، وإن كان قد ثنى ما أثنى على غيره من كل لقب جميل رائق ، وعلم جليل لائق ، فإذن فالأولى لنا التجاوز عن مراحل نعت كماله والاعتراف بالعجز عن التعرض لتوصيف أمثاله.

وقال المحدث النوري في المستدرك [ 3 - 459 ] : الشيخ الأجل الأعظم ، بحر العلوم والفضائل والحكم ، حافظ ناموس الهداية ، وكاسر ناقوس الغواية ، حامي بيضة الدين ، ماحي آثار المفسدين ، الذي هو بين علمائنا الأصفياء كالبدر بين النجوم ، وعلى المعاندين الأشقياء أشد من عذاب السموم ، وأحد من الصارم المسموم ، صاحب المقامات الفاخرة ، والكرامات الباهرة ، والعبادات الزاهرة ، والسعادات الظاهرة ، لسان الفقهاء والمتكلمين والمحدثين والمفسرين ، ترجمان الحكماء والعارفين والسالكين المتبحرين ، الناطق عن مشكاة الحق المبين ، الكاشف عن أسرار الدين المتين ، آية اللّه التامة العامة ، وحجة الخاصة على العامة ، علامة المشارق والمغارب ، وشمس سماء المفاخر والمناقب والمكارم والمآرب.

هذه نماذج من إطراء علماء الشيعة لهذا الإمام الفذ ، وقد عجز عن نعته ووصفه جمع من العلماء كالمحقق الأردبيلي في جامع الرواة.

وقال التفرشي في نقد الرجال [ ص 100 ] : ويخطر ببالي أن لا أصفه ، إذ لا يسع كتابي هذا ذكر علومه وتصانيفه وفضائله ومحامده ، وأن كل ما يوصف به الناس من جميل وفضل فهو فوقه.

أساتذته والذين روى عنهم :

1 - الشيخ سديد الدين يوسف ، والد العلامة.

2 - المحقق الحلي جعفر بن الحسن ، خال العلامة.

3 - المحقق الفيلسوف نصير الدين الطوسي.

4 - السيد جمال الدين أحمد بن طاوس الحسني.

ص: 7

5 - السيد رضي الدين علي بن طاوس الحسني.

6 - الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي.

7 - الشيخ مفيد الدين محمد بن جهيم.

8 - الشيخ محمد بن نما.

9 - الشيخ الحسين بن علي بن سليمان البحراني.

10 - الشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني.

11 - الشيخ نجم الدين علي بن عمر الكاتبي القزويني.

12 - الشيخ برهان الدين النسفي.

13 - السيد أحمد العريضي.

14 - الشيخ بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي.

15 - الشيخ المفسر أحمد بن عبد اللّه الواسطي.

16 - عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي.

17 - الشيخ أبو علي الحسن بن إبراهيم الفاروقي الواسطي.

18 - الشيخ تقي الدين عبد اللّه بن جعفر بن علي بن الصباغ الكوفي.

19 - الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الكيشي.

وغيرهم ممن لا مجال لذكرهم ، خوفا من الإطناب والإسهاب.

تلامذته والراوون عنه :

1 - الشيخ فخر الدين محمد بن الحسن الحلي ولد العلامة.

2 - الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الحسين الآملي.

3 - الشيخ جمال الدين أحمد الحداد الحلي.

4 - السيد عز الدين الحسن بن زهرة الحلبي.

5 - الشيخ عز الدين الحسين بن إبراهيم الأسترآبادي.

6 - السيد شرف الدين الحسين بن محمد العلوي الحسيني الطوسي.

7 - كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد الشيباني.

8 - رضي الدين علي بن أحمد بن يحيى المزيدي الحلي.

ص: 8

9 - تاج الدين محمد بن القاسم بن معية.

10 - الشيخ قطب الدين الرازي البويهي.

11 - السيد عميد الدين عبد المطلب الحسيني الأعرجي الحلي.

12 - الشيخ زين الدين علي بن أحمد بن طراد المطارآبادي.

13 - السيد نجم الدين مهنا بن سنان بن عبد الوهاب العبيدلي المدني.

14 - السيد محمد بن علي الجرجاني.

15 - السيد ضياء الدين عبد اللّه الأعرجي الحلي.

16 - السيد جمال الدين الحسيني المرعشي الآملي.

17 - الشيخ أبو الحسن محمد الأسترآبادي.

18 - السيد تاج الدين حسن السرابشنوي.

19 - المولى زين الدين النيسابوري.

20 - المولى تاج الدين محمود بن محمد بن عبد الواحد الرازي.

21 - السيد شمس الدين الحلي.

22 - المولى زين الدين علي السروسي الطبرسي.

وغيرهم ممن ذكر في أسناد طرق الإجازات وغيرها.

تآليفه القيمة :

كتب المترجم له مؤلفات ورسائل في التفسير والفقه والكلام والحديث والحكمة والرجال وغيرها من العلوم المتداولة ، ومن بينها مؤلفات مشهورة قيمة ، هي :

1 - الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة.

2 - أجوبة مسائل السيد مهنا بن سنان المدني.

3 - أجوبة مسائل أخرى له أيضا.

4 - الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمة الطاهرة.

5 - أربعون مسألة في أصول الدين.

6 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان.

ص: 9

7 - استقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار.

8 - استقصاء النظر في القضاء والقدر.

9 - الأسرار الخفية في العلوم العقلية.

10 - الإشارات إلى معاني الإشارات.

11 - الألفين الفارق بين الصدق والمين.

12 - أنوار الملكوت في شرح الياقوت.

13 - إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة.

14 - إيضاح التلبيس من كلام الشيخ الرئيس.

15 - إيضاح مخالفة أهل السنة للكتاب والسنة.

16 - إيضاح المعضلات من شرح الإشارات.

17 - إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد.

18 - الباب الحادي عشر في أصول الدين.

19 - بسط الإشارات في شرح إشارات ابن سينا.

20 - بسط الكافية اختصار شرح الكافية.

21 - تبصرة المتعلمين في أحكام الدين.

22 - تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث.

23 - تحرير الفتاوي والأحكام.

24 - تحصيل السداد في شرح واجب الاعتقاد.

25 - تذكرة الفقهاء.

26 - تسبيل الأذهان إلى معرفة أحكام الإيمان.

27 - تسليك الأفهام في معرفة الأحكام.

28 - تسليك النفس إلى حظيرة القدس.

29 - التعليقة على كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد.

30 - التعليقة على خلاف الشيخ.

31 - التعليقة على شرحه للتجريد.

32 - التعليقة على عدة الشيخ.

33 - التعليقة على المعارج.

ص: 10

34 - التعليقة على المعتبر.

35 - التعليم الثاني العام.

36 - تلخيص شرح نهج البلاغة لميثم البحراني.

37 - تلخيص فهرست الشيخ.

38 - تلخيص المرام في تنقيح تلخيص المرام ، ولعل نفس كتاب غاية الأحكام الآتي.

39 - تنقيح قواعد الدين المأخوذة عن آل يس.

40 - تهذيب الوصول إلى علم الأصول.

41 - تهذيب النفس في معرفة المذاهب الخمس.

42 - جامع الأخبار أو مجامع الأخبار.

43 - جواهر المطالب في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام .

44 - الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد.

45 - حل المشكلات من كتاب التلويحات.

46 - خلاصة الأخبار.

47 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال.

48 - الدر المكنون في علم القانون.

49 - الدر والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان.

50 - رسالة في تحقيق معنى الإيمان.

51 - رسالة في التناسب بين الأشعرية والفرق السوفسطائية.

52 - رسالة في جواب سؤالين لرشيد الدين فضل اللّه الهمداني.

53 - رسالة في حكمة النسخ.

54 - رسالة في خلق الأعمال.

55 - الرسالة السعدية في الكلام.

56 - رسالة في شرح الكلمات الخمس لأمير المؤمنين (عليه السلام) في جواب صاحبه كميل بن زياد.

57 - رسالة في نية الصلاة.

58 - رسالة في واجبات الوضوء والصلاة.

ص: 11

59 - شرح حكمة الإشراق.

60 - غاية الأحكام في تنقيح تلخيص المرام.

61 - غاية الوصول في شرح مختصر الأصول.

62 - قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام.

63 - القواعد الجلية في شرح رسالة الشمسية.

64 - القواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي والإلهي.

65 - القول الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.

66 - كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار.

67 - كشف الحق ونهج الصدق.

68 - كشف الخفاء من كتاب الشفاء.

69 - كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد.

70 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

71 - كشف المشكلات في كتاب التلويحات.

72 - كشف المقال في معرفة الرجال.

73 - كشف المكنون من كتاب القانون.

74 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) .

75 - لب الحكمة.

76 - المباحث السنية والمعارضات النصيرية.

77 - مبادئ الوصول إلى علم الأصول.

78 - محصل الملخص.

79 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة.

80 - مدارك الأفهام.

81 - مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق.

82 - مصابيح الأنوار.

83 - المعتمد في فقه الشريعة.

84 - المقاصد الواقية لفوائد القانون والكافية.

85 - المقاومات.

ص: 12

86 - مقصد الواصلين في معرفة أصول الدين.

87 - معارج الفهم في شرح النظم.

88 - مناهج اليقين.

89 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب.

90 - منتهى الوصول إلى علم الكلام والأصول.

91 - نظم البراهين في أصول الدين.

92 - النكت البديعة في تحرير الذريعة.

93 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ، وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.

94 - نهاية المرام في علم الكلام.

95 - نهاية الوصول إلى علم الأصول.

96 - نهج الإيمان في تفسير القرآن.

97 - نهج العرفان في علم الميزان.

98 - نهج المسترشدين في أصول الدين.

99 - نهج الوصول إلى علم الأصول.

100 - النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح.

101 - النور المشرق في علم المنطق.

102 - الهادي في العقائد.

103 - واجب الاعتقاد في الأصول والفروع.

وغيرها من الكتب والرسائل وأجوبة المسائل ليس هنا مجال لذكرها.

ولادته ووفاته :

ولد رحمه اللّه في ليلة الجمعة في الثلث الأخير من الليل 27 رمضان المبارك سنة 648 ه في مدينة الحلة في العراق.

وتوفي رحمه اللّه في يوم السبت 21 من شهر المحرم من سنة 726 ه ، ونقل جثمانه الطيب من مدينة الحلة إلى النجف الأشرف ، ودفن في الحجرة عن يمين الداخل إلى الحضرة العلوية الشريفة ، وقبره ظاهر معروف مزار للمؤمنين.

ص: 13

حول الكتاب :

نهاية الأحكام كتاب يحتوي على جل المسائل الفرعية الفقهية ، مع الإشارة إلى الدلائل بعبارات موجزة. وجدير أن يقال : أن كتابه هذا من أجمل كتبه الفقهية تفريعا ، كما يدل عليه عنوان الكتاب ، وأوضحها دليلا وبرهانا.

خرج منه كتاب الطهارة والصلاة والزكاة والبيع إلى آخر الصرف ، وهو الفصل الأول من فصول المقصد الثاني من مقاصد كتاب البيع.

قال في رياض العلماء [ 1 - 365 ] : ونهاية الفقه له - على ما رأيته عند الفاضل الهندي - وصل إلى أواسط بحث زكاة الفطرة ، ثم من كتاب التجارة أيضا إلى بحث الصرف من كتاب التجارة ، والنسخة المتداولة منه مقصورة على كتاب الطهارة.

قال العلامة في مبتدإ كتابه هذا : فهذا كتاب « نهاية الأحكام في معرفة الأحكام » لخصت فيه فتاوى الإمامية على وجه الاختصار ، وأشرت فيه إلى العلل مع حذف الإطالة والإكثار ، إجابة لسؤال الولد العزيز علي الحبيب إلي ولدي « محمد » أطال اللّه عمره .. إلى آخره.

ويشير إلى عظمة الكتاب إقبال العلماء وأساطين العلم عليه ، وجعله من مصادر كتبهم ، ونقل عباراته في كتبهم ، وقد ذكر العلامة المجلسي في مفتتح كتابه النفيس « بحار الأنوار » الكتاب من مصادر كتابه بقوله « وكتاب نهاية الفقه ». والكتاب كان مشهورا بين الأصحاب متداولا بينهم.

وقال العلامة آغا بزرك الطهراني في الذريعة [ 24 - 394 ] : ونسخة شائعة منها في الرضوية بخط يعقوب بن خليل العاملي في 859 ( وهي النسخة المعتمدة في تحقيق الكتاب ) ونسخة السماوي بخط يونس بن علي بن يونس ، فرغ منه لأحد لأربع خلت من شعبان 859 ، وأخرى في مكتبات سيدنا الشيرازي ، والطهراني بكربلاء ، والشيخ مشكور ، والسيد أبي القاسم الأصفهاني في النجف ، ونسخة خط محمد بن علي بن يوسف ، أي ابن أخ المؤلف ، كتبه في 710 عن خط العلامة ، موجودة عند فخر الدين النصيري.

ص: 14

مصادر التحقيق والتصحيح :

قوبل هذا الكتاب على ثلاث نسخ خطية :

1 - نسخة كاملة من أولها إلى آخرها ، بخط ردي جدا ، قلما كانت توجد العبارات منقطة ، وهي المحفوظة في خزانة المكتبة الرضوية في مشهد المقدس. كاتبها يعقوب بن خليل العاملي ، فرغ منها نهار الثلاثاء لخمس بقين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة تسعة وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية. وجعلت رمز النسخة « ق ».

2 - نسخة ناقصة من أولها وآخرها بخط النسخ الجيد على قطع كبير كالنسخة الأولى. ولكنها مجهولة الكاتب والتاريخ ، وهي أيضا محفوظة في خزانة المكتبة الرضوية. وجعلت رمز النسخة « س ».

3 - نسخة كاملة من أولها إلى آخرها ، مغلوطة محرفة جدا ، كاتبها غير معلوم ، فرغ من نسخها في اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1245 ه وهذا الكتاب من النسخ الخطية لمكتبتنا ، وجعلت رمز النسخة « ر ».

هذا ، وقد بذلت الوسع والجهد والطاقة في تصحيح الكتاب ، ومقابلته مع النسخ الثلاثة ، ولم آل جهدا في تنميقه وتحقيقه حق التحقيق.

وقد خرجت أحاديثه من وسائل الشيعة ، وربما لم يكن الخبر الموجود فيه بعين الألفاظ المنقولة وكان فيه زيادة أو نقيصة ، أحلناه للمراجع الأخرى. وكذا استخرجت مصادر الأقوال والكتب المنقولة عنها أحيانا ، وإن لم يكن دأب العلامة في الكتاب نقل مصادر الأقوال.

لفت نظر :

وفي الختام أني أهنئ وأبارك مؤسسة « آل البيت علیهم السلام » في قم بما أحرزته من النشاط في نشر آثار الشيعة من القدماء والمتأخرين ، وهي مؤسسة

ص: 15

أسست لنشر معارف الشيعة وإحياء طريقة أهل البيت علیهم السلام ، ونشر هذا الكتاب القيم هو إحياء أثر كبير من تراث واحد من علمائنا الإمامية.

ونرجو من العلماء الأفاضل الذين يراجعون الكتاب ، أن يتفضلوا علينا بما لديهم من النقد وتصحيح ما لعلنا وقعنا فيه من الأخطاء والاشتباهات والزلات.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه ، ونستغفره مما وقع من خلل وحصل من زلل ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وزلات أقدامنا وعثرات أقلامنا ، فهو الهادي إلى الرشاد والموفق للصواب والسداد ، والسلام على من اتبع الهدى.

30 - ج 2 - 1405 قم المشرفة

السيد مهدي الرجائي

ص: 16

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقدمة الكتاب

الحمد لله المتقدس عن مشاركة الممكنات بوجوب ماهيته ، المتنزه عن مشابهة المخلوقات بجلال صمديته ، المتعالي عن الشريك والند(1)والمعاند بكمال وحدانيته ، الدالة مصنوعاته على عدم تناهي قدرته ، الكاشف إحكامه وإتقانه عن علمه وحكمته ، الموضح تخصيص آثاره في أوقات صنعه(2)عن إرادته ، المعرب فناء غيره عن وجوب دوامه(3)وسرمديته ، المستحق للعبادة باعتبار إفضاله وتتابع نعمته ، الخفي عن إدراك الحواس وارتسام الخيال بتجرده في حقيقته ، تعالى عن المكان والزمان فلا نظير لعظمته ، ولا شبيهه(4)لبهاء لاهوتيته.

نور قلوب العارفين بإدراك معرفته ، وزين أفئدة العلماء بساطع أنوار هيبته ، ورفع منازل الفقهاء علیهم السلام فجعل أقدامهم واطئة على أجنحة ملائكته.

وصلى اللّه على أشرف(5)مخلوقاته وأعظم بريته محمد المصطفى ، وعلى

ص: 17


1- في « س » و « ر » : الضد.
2- كذا في « ر » وفي « س » صفته وهذه الكلمة غير موجودة في « ق ».
3- في « ق » إدامته.
4- في « ر » ولا مشبه لها لا هويته.
5- في « ق » سيد.

أطيب عترته المخصوصين بلطفه وعنايته ، المؤيدين منه بكلمته ، المتميزين عن بني نوعهم بزيادة كرامته ، الفائزين بالخلاص عن الخطإ والنسيان بوجوب عصمته ، القائمين بامتثال أوامره وواجب طاعته.

أما بعد : فهذا كتاب ( نهاية الأحكام في معرفة الأحكام ) لخصت فيه فتاوي الإمامية على وجه الاختصار ، وأشرت فيه إلى العلل مع حذف الإطالة والإكثار ، إجابة لسؤال الولد العزير علي الحبيب إلي ولدي « محمد » أطال اللّه عمره ، ورفع ذكره ، وأسنى قدره ، وأسعده في الدارين ، وأزلفه بتكميل الرئاستين ، وأبقاه بعدي ، ووفقه لأن يوسدني في لحدي ، فإنه بر بوالديه ، أحسن اللّه إليه ، وهو خليفتي عليه ، ونعم الوكيل.

ص: 18

كتاب الطهارة

اشارة

وفيه مقدمة ومقاصد :

أما المقدمة ففي الماهية :

الطهارة لغة : النظافة. وشرعا : أحد الثلاثة ، أعني الوضوء ، والغسل ، والتيمم ، إذا وقع على وجه له صلاحية التأثير في استباحة عبادة مشروطة به ، من صلاة ، وطواف ، وصوم ، وقراءة عزيمة ، ومس مصحف ، أو كتابة اسمه تعالى ، أو أسماء أنبيائه ، أو أئمته علیهم السلام .

ووقوعها على الثلاثة بالتشكيك ، أو بالحقيقة والمجاز ، وعلى الأولين بالتواطؤ. فلو نذر الطهارة اختص بالمائية على الثاني ، ويكفي التيمم(1)مع عدم الماء على الأول.

وكل واحد منها ينقسم إلى واجب وندب :

فالوضوء تجب : للصلاة الواجبة بالنص (2) والإجماع ، وللطواف الواجب للخبر (3) ، ولمس كتابة القرآن إن وجب ، لعموم الآية(4)على الأقوى.

ص: 19


1- في « ر » المتيمم.
2- وسائل الشيعة : 1 - 256.
3- وسائل الشيعة : 1 - 262.
4- وهي قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) سورة الواقعة : 79.

والندب لما عداه من : الصلاة والطواف المندوبين(1)، وهو شرط فيهما. ولطلب الحاجة ، وللتجديد ، ولحمل المصحف لمناسبة التعظيم. ولأفعال الحج. وللكون على طهارة. ولدخول المساجد. وللنوم. ولصلاة الجنائز. وزيارة قبور المؤمنين. وقراءة القرآن. ولنوم الجنب. ولجماع(2)المحتلم والحامل. وجماع غاسل الميت ولم يغتسل. ولمريد غسل الميت وهو جنب. وللحائض تجلس في مصلاها ذاكرة لله تعالى. وللتأهب لصلاة الفرض قبل وقته للخبر(3).

ولا يجب في سجود الشكر(4)والتلاوة ، لأصالة البراءة. ولا حمل المصحف بالذات أو بالتبعية ، بأن يكون في صندوق فيه قماش فيحمله. ولا مس جلد المصحف ، لأنه ظرف ووعاء لما كتب عليه القرآن فأشبه كيسه. ولا في مس الحواشي ولا البياض خلال السطور ، لمساواته غيره. ولا في مس الخريطة والصندوق والعلاقة وإن كان المصحف فيها ، اقتصارا في المنع على مورده.

ويجوز للمحدث الأصغر والأكبر أن يضع المصحف بين يديه ، ويقلب أوراقه بقضيب وغيره ليقرأ فيه ، وحكم لوح الصبيان وغيره من الدراهم المكتوب عليها(5)شي ء من القرآن وكتب الفقه ، حكم المصحف في جواز الحمل وتحريم مس الكتابة منه ، لأنه قرآن. ولا يحرم على الصبي المميز المس ، لعدم التكليف في حقه ، نعم ينبغي للولي منعه منه ، فإن البالغ إنما منع منه للتعظيم ، والصبي أنقص حالا منه.

ويجوز كتابة القرآن من غير مس. ولا يحرم مس التوراة والإنجيل ، وما نسخ تلاوته من القرآن دون ما نسخ حكمه خاصة ، عملا بالأصل. ولا يلحق

ص: 20


1- في « ق » المندوب.
2- في « ق » و « ر » جماع.
3- وهو قولهم علیهم السلام كما في الذكرى : ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل الوقت
4- في « س » الشك.
5- في « س » عليه.

الأحاديث بالقرآن ، لعدم صدق الاسم عليها.

والغسل يجب : للصلاة والطواف الواجبين ، للنص (1) والإجماع. ولمس كتابة القرآن. ولدخول المساجد. وقراءة العزائم إن وجبت ، للنص(2). ولصوم الجنب إذا بقي لطلوع الفجر من يوم يجب صومه قدر إيقاعه ، للخبر (3). ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة للخبر (4). والمندوب ما عداه.

ويجب التيمم : للصلاة الواجبة عند تضيق وقتها ، للنص (5). ولخروج الجنب من أحد المسجدين للخبر (6). والمندوب ما عداه. وقد تجب الثلاثة بالنذر واليمين والعهد. وإذا نذر التيمم في وقت معين اشترط عدم المائية ، فلو وجد الماء في جميع الوقت سقط النذر ، لأن شرعيته مشروطة بعدم الماء ، وحينئذ فالأقرب اشتراطه بعدم الطهارة المائية ، لأن عدم الماء إنما كان شرطا لتمكنه معه من الطهارة المائية ، فعدمها أولى بالشرطية ، وحينئذ فالأقرب اشتراط الطلب.

ولو نذر فعل طهارة رافعة للحدث في وقت معين ، اشترط عدمها فيه ، فلو وجدت فيه أجمع بطل النذر ، ولا يجب عليه تجديد الحدث.

ص: 21


1- وسائل الشيعة : 9 - 444 ح 4.
2- وسائل الشيعة : 1 - 485 ح 2 وص 494 ح 7 وعموم الآية المتقدمة دال على حرمة المس.
3- وسائل الشيعة : 7 - 43 ح 2.
4- وسائل الشيعة : 7 - 45 ح 1.
5- وسائل الشيعة : 2 - 967.
6- وسائل الشيعة : 1 - 485 ح 6.

ص: 22

المقصد الأول: ( في أنواعها )

اشارة

وهي : وضوء وغسل وتيمم.

ص: 23

ص: 24

الباب الأول: ( في الوضوء )

اشارة

وفيه فصول

ص: 25

ص: 26

الفصل الأول: ( في فروضه )
اشارة

وهي ثمانية : النية ، وغسل الوجه ، واليدين ، ومسح الرأس ، والرجلين ، والترتيب ، والموالاة ، والمباشرة.

فهنا مطالب :

المطلب الأول: ( النية )
اشارة

وفيه مباحث :

البحث الأول: ( في وجوبها )

وهي واجبة في كل طهارة عن حدث شرط فيها المائية وغيرها ، لمفهوم الآية (1) والخبر (2). ولا تجب في إزالة النجاسة إجماعا ، لأنها من قبيل التروك ، والمقصود هجران النجاسة ، ولا يعتبر في الترك النية ، كترك الزنا وغيره.

ص: 27


1- وهي قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
2- وهو قوله علیه السلام : الأعمال بالنيات وغيره راجع وسائل الشيعة : 1 - 34.

وطهارة الحدث عبادة ، فلا عبرة بطهارة الكافر ، فلو اغتسل أو توضأ ثم أسلم لم يعتد بفعله ، لأنه ليس أهلا للنية ، ولأن الطهارة عبادة وليس أهلا لها ، كالصلاة والصوم ، ويجب إعادتها ، إلا الذمية تحت المسلم إذا طهرت من حيض أو نفاس ، فإنه يحرم على زوجها مسها إلا بعد الغسل ، فيصح منها لضرورة حق الزوج ، ويجب إعادته لو أسلمت ، ولهذا تجبر المسلمة على الغسل من الحيض لحقه.

وحكم المجنونة حكم الذمية ، ويحتمل الإباحة فيهما وإن حرم في غيرهما.

أما المرتد فلا يصح طهارته بوجه ما إجماعا ، ولو (1) ارتد المسلم لم يبطل وضوؤه السابق ، فلا يجب إعادته لو عاد ، لزوال المانع من الدخول في الصلاة ، وفرق بين ابتداء الوضوء مع الردة واستدامته ، لأنه بعد الفراغ من الوضوء مستديم حكمه لا فعله ، فلذلك لم يتأثر ما سبق بالردة كالصلاة والصوم. وحكم الغسل والتيمم كذلك.

البحث الثاني: ( الوقت )

ولا يجوز تأخيرها عن أول غسل الوجه ، وإلا لخلا أول الفرض عن النية فيبطل ، إذ ليس للمرء (2) من عمله إلا ما نواه. وصار كالصلاة يشترط فيها المقارنة بأولها ، بخلاف الصوم الذي يحتمل فيه التقديم تارة والتأخير أخرى ، لعسر ارتقاب طلوع الفجر وتطبيق النية عليه.

ويجوز أن يتقدم على أول غسل الوجه إن قرنت بشي ء من سنن الوضوء ، كغسل الكف المستحب ، أو المضمضة ، أو الاستنشاق ، لأنها من جملة الوضوء. ولا يجوز تقديمها على السنن ، ولا خلاف في أن المضمضة والاستنشاق

ص: 28


1- في « ق » فلو.
2- في « س » و « ر » للمؤمن.

من سننه ، وكذا غسل الكفين (1) عندنا دون السواك والتسمية.

ولو أوقع النية عند هذه أو متقدمة ، ثم استصحبها فعلا ، وضوءه إجماعا. ولو غربت قبل الشروع في واجبات الوضوء أو مسنوناته ، بطل.

ولا يشترط استصحاب ( أول ) (2) النية فعلا إن قارنت أول غسل الوجه إجماعا ، للمشقة ، وكذا لو قارنت أول سننه ، أو أثناءها عندنا ، فلو غربت قبل الشروع في الوضوء (3) صح ، لأنها من جملة الوضوء ، فإذا اقترنت النية بها فقد اقترنت بأول العبادة. ولا يثاب على سنن الوضوء لو قارن النية بالفرض ، إلا أن يفردها بنية.

ويشترط استصحاب النية حكما لا فعلا ، فلو غربت وحدثت له نية تبرد وتنظف لم يصح ، لعدم النية الأولى حقيقة وحصول غيرها حقيقة ، فيكون أقوى.

البحث الثالث: ( الكيفية )
اشارة

وهي إرادة تفعل بالقلب. ويجب أن ينوي الفعل للوجوب ، أو الندب ، أو وجههما على الأصح ، لاشتراك مطلقه بينهما ، ولا مائز لوجوه الأفعال إلا القصود والدواعي. وينوي القربة لتحقق الإخلاص.

ثم الوضوء إن كان وضوءا رفاهية فلا بد من نية رفع الحدث ، وهو رفع مانع الصلاة ، أو الطهارة عنه ، أو استباحة الصلاة ، أو غيرها مما لا يباح إلا بالطهارة ، كالطواف ومس الكتابة.

ص: 29


1- في « ق » الكف.
2- الزيادة من « ق ».
3- في « س » الفرض.

ويكفي الأول عنها ، لأن القصد رفع مانعية (1) الصلاة ونحوها ، فإذا نواه فقد تعرض لما هو المطلوب بالفعل. وكذا الاستباحة تكفي عن رفع الحدث ، لأن رفع الحدث إنما يطلب لهذه الأشياء ، فإذا نواها فقد نوى غاية القصد على الأقوى ، وفرق بين التيمم الذي يجامع الاستباحة فيه الحدث ، وبين الوضوء الذي يمتنع فيه ذلك.

وإن كان وضوءا ضرورة وهو وضوء ذي الحدث الدائم ، كالمستحاضة وصاحب السلس والبطن ، لم ينو فيه رفع الحدث بل الاستباحة ، فإن نوى ( الأول ) (2) احتمل الصحة ، لتضمن رفع الحدث الاستباحة ، وقصد المستلزم يستلزم قصد اللازم ، وعدمها لعدم ارتفاع حدثه ، فقد يقارن وضوءه وقد يتأخر عنه.

ولو اقتصر على نية الاستباحة ، أجزأه كالتيمم ، فيصح بهذه النية. ولا يجب أن ينوي رفع الأحداث السابقة والاستباحة لما يتأخر. ويجوز الجمع بين نية رفع الحدث والاستباحة.

فروع :

الأول : لا يجب التعرض لنفي حدث معين ، فإن نواه وكان هو الثابت صح إجماعا ، ولو كان غيره : فإن كان غالطا فالأقرب الصحة ، لعدم اشتراط التعرض له ، فلا يضر الغلط فيه ، وإن كان عامدا ، فالأقرب البطلان ، لتلاعبه بالطهارة.

ولو تعدد الحدث : فإن نوى المطلق ارتفع حدثه مطلقا ، لأن رفع المطلق إنما يصح برفع جميع جزئياته. وإن نوى رفع الجميع أو الاستباحة فكذلك. وإن نوى رفع البعض : فإن نوى نفي رفع غيره ، لم يصح الوضوء ، لأن نيته حينئذ تتضمن رفع الحدث وإبقاءه ، فأشبه قوله أرفع الحدث لا أرفعه.

ص: 30


1- في « ر » مانع.
2- الزيادة من « ر ».

وإن لم ينو نفي غيره ، احتمل البطلان أيضا ، لأن ما لم ينو رفعه يبقى ، والأحداث لا تتجزى ، فإذا بقي البعض بقي الكل. ويحتمل الصحة ، لأنه نوى رفع البعض فيجب رفعه ، والحدث لا يتجزى ، فإذا ارتفع البعض ارتفع الجميع.

والأصل أن ( نفس ) (1) النوم والبول لم يرتفع ، بل يرتفع حكمهما ، وهو شي ء واحد تعددت أسبابه ، والتعرض لها ليس بشرط ، فإذا تعرض له مضافا إلى سبب واحد ، لغت الإضافة إلى السبب وارتفع.

ويحتمل رفع ما نواه خاصة ، بناء على أنها أسباب متعددة لمسببات متعددة ، فإن توضأ ثانيا لرفع آخر صح ، وهكذا إلى آخر الأحداث. وعلى البطلان لا فرق بين أن ينوي رفع الأول الذي أثر في النقض ومنع الصلاة ، أو الأخير الذي هو أقرب.

الثاني : لو نوى استباحة صلاة معينة ، صح ، لاستلزامه نية رفع الحدث. ولو نفى غيرها ، فالأقرب الصحة ، لأن المنوية ينبغي أن تباح لقوله : وإنما لامرئ ما نوى (2) ، وإنما يباح لو ارتفع الحدث وهو لا يتبعض. ويحتمل البطلان ، لتضمن نية رفع الحدث وإبقائه.

الثالث : لو (3) نوى ما يستحب له الطهارة ، كقراءة القرآن ، وقضاء الحاجة ، احتمل عدم الصحة ، لأن هذه الأفعال مباحة مع الحدث ، فلا يستلزم قصدها قصد رفعه ، والصحة لأنه قصد كون ذلك الفعل على أكمل أحواله ، ولا يتم ذلك إلا برفع الحدث.

والوجه عندي التفصيل : فإن كان الفعل مما يشترط فيه الطهارة كالصلاة المندوبة ، صح ، وإن كان مما يمتنع فيه رفع الحدث ، كالحائض للذكر ، والغاسل للتكفين ، والمتيمم لصلاة الجنازة ، لم يصح قطعا.

ص: 31


1- الزيادة من « ر ».
2- وسائل الشيعة : 1 - 34 ح 10.
3- في « ق » إذا.

وإن لم يكن فإن كان الاستحباب لا باعتبار الحدث ، كتجديد الوضوء المقصود منه زيادة التنظيف ، لم يصح أيضا. وإن كان باعتباره فإن قصد الكمال ، صح وإلا فلا.

ولو كان الفعل لا يتوقف على الوضوء ولا يستحب له الوضوء كدخول السوق إذا توضأ له ، لم يصح.

الرابع : لو شك في الحدث بعد تيقن الطهارة ، فتوضأ احتياطا ثم ( تبين )(1)تيقن الحدث ، فإن اكتفينا بالاستحباب مطلقا لا للحدث ( صح )(2)ولم يشترط نية الوجوب ، صح ، لاستحبابه هنا للاحتياط لا للحدث ، وإلا فلا ، وهو أقوى ، لأنه عند الوضوء متردد في الحدث ، فيكون مترددا في نية رفع الحدث ، فلا يعتد بوضوئه ، لاختلال النية.

بخلاف المأمور بالطهارة مع الشك فيها بعد تيقن الحدث ، فإنه يحكم بصحته مع الشك والتردد ، لأصالة بقاء الحدث ، والتردد الذي يعتضد أحد طرفيه بالأصل لا يضر لحصول الرجحان ، والمعنى هنا بالعكس.

الخامس : لو نوى أداء فرض الوضوء ، لم يكف عن نية رفع الحدث ( والاستباحة )(3)بل لا بد من أحدهما ، على أشكال.

السادس : يجب أن ينوي الوجه الذي يقع عليه الفعل ، من الوجوب والندب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما. فلو نوى بالمندوب الواجب أو بالعكس ، لم يصح ، لأنه لم يوقع الفعل على الوجه المأمور به ، فيبقى في العهدة.

السابع : لو نوى من لا قضاء عليه قبل دخول الوقت الوجوب لظن الدخول ، ثم ظهر الكذب ، فإن كان مع تعذر العلم صح وضوؤه ، وإلا فلا.

ولو نواه مع العلم بعدم دخول الوقت ، لم يصح وضوؤه ، ويحتمل ضعيفا

ص: 32


1- الزيادة من « ر ».
2- الزيادة من « ق ».
3- الزيادة من « ر ».

صحته ، بناء على أن الموجب للطهارة هو الحدث وقد وجد ، إلا أن وقتها تتضيق عليه بدخول الوقت ، ولأنه آكد فيدخل تحته حكما ، إذ المميز جواز الترك ، وهو غير مراد ، فعلى الأول لو صلى الفرض به ، بطلت صلاته.

فإن لم يعد وتوضأ لأخرى قبل دخول وقتها واجبا ، صح وضوؤه ، إذ قد صار عليه صلاة واجبة ، فيجب لها الوضوء.

ولو توضأ قبل دخول الوقت ندبا ، فدخل قبل كماله ، فالأقرب الاستيناف على وجه الوجوب ، لأنه محدث دخل عليه وقت فريضة. ويحتمل الإتمام بنية الوجوب وبنية الندب ، لئلا يبطل العمل.

الثامن : الصبي المميز إن قلنا أن فعله تمرين فلا بحث ، وإن قلنا بصحته إذا نوى الوجوب أو الفرض ، كان المراد به أن ينوي إقامة طهارة ( الفرض )(1)الحدث المشروطة في الصلاة ، لأنه يلزمه الإتيان به ، وشروط الشي ء يسمى فروضه.

التاسع : لو نوى بوضوئه ما أمر به وقصد معه شيئا آخر ، فحصل ذلك الشي ء ضرورة ، فإن لم يقصد كما لو ضم التبرد ، احتمل الصحة لحصوله وإن لم ينوه ، فنيته لاغية ، كما لو كبر الإمام وقصد مع التحريم إعلام القوم ، والعدم ، لأن التشريك بين القربة وغيرها ينافي الإخلاص ، وهو الأقوى ، لأن التبرد وإن حصل ضرورة إلا أنه إنما يحصل بعد إيقاع الفعل الذي لم يقصد به محض القربة.

أما لو ضم الرياء ، فالأصح البطلان ، لأنه منهي عنه ، فلا يقع مأمورا به ، فيبقى في عهدة الآمر. ولو اغتسل بنية رفع الجنابة والتبرد ، فالوجهان.

ولو نوى غسل الجنابة والجمعة فالوجه البطلان ، لأنه واحد لا يقع على وجهي الوجوب والندب. ويحتمل الصحة إن قلنا إنه لو اقتصر على رفع الجنابة تأدى به سنة غسل الجمعة ، وإلا فلا ، كما لو نوى بصلاة الفرض والنفل معا.

ص: 33


1- الزيادة من « ق ».

العاشر : تكرار الغسل مستحب على ما يأتي ، فإذا أغفل لمعة في الغسلة الأولى ، فانغسلت في الكف الثاني بقصد التنفل ، فالأقرب عدم الإجزاء ، لأن اللمعة لم تغسل بنية رفع الحدث وما في معناه ، لاعتقاده رفع الحدث بالمرة الأولى ، فلم يوقع الفعل على وجهه.

وكذا التجديد مستحب ، فلو انغسلت في التجديد فكذلك ، ويحتمل الفرق فيصح في الأول دون الثاني ، لأن الغسلتين في المرتين طهارة واحدة ، وقضية نية الأولى أن تحصل الغسلة الثانية بعد الأولى ، فما لم ينغسل عن الأولى لا يقع عن الثانية ، وتوهمه الغسل عن الثانية لا يمنع الوقوع عن الأولى.

أما التجديد فهو طهارة مستقلة منفردة بنية لم يتوجه إلى رفع الحدث أصلا ، والأقرب التسوية في البطلان ، لأنه لم يقصد الأولى فلا يقع عنها ، ولا الثانية لعدم إكمال الأولى.

الحادي عشر : لو فرق النية على أعضاء الوضوء ، فنوى عند غسل الوجه رفع الحدث عنه ، وعند غسل اليدين رفع الحدث عنهما وهكذا ، لم يصح ، لأن الوضوء عبادة واحدة ، فلا يجوز تفريق النية على أبعاضها كالصوم والصلاة ، ولهذا لو أراد مس المصحف بوجهه المغسول لم يصح ، لارتباط بعض أفعاله ببعض.

أما لو نوى رفع الحدث مطلقا بغسل وجهه عنده ، ورفع الحدث مطلقا بغسل يديه عندهما ، فالأقرب الصحة ، لأنه كما أن المقصود من جملة الأفعال رفع الحدث عن المكلف ، كذا من كل فعل ، لكن لا يحصل المقصود إلا بجملة الأفعال ، فلا يجوز أن يمس المصحف بوجهه المغسول.

ولو نوى استباحة الصلاة عند كل فعل ( فعل )(1)فالأقرب الجواز أيضا ، لكن لا يحصل الاستباحة إلا عند فعل الجميع.

وصاحب اللمعة المنسية إذا قلنا بعدم إجزاء الغسلة الثانية ، لا تبطل

ص: 34


1- الزيادة من « ر ».

طهارته فيما مضى ، بل يجوز البناء وإن قلنا بمنع تفريق النية ، ولا يحتاج إلى تجديد نية الباقي لاستصحاب النية الأولى. أما لو جدد ندبا ، فإنه لا يجزيه الأول ، وإن قصر الفصل وحصلت الموالاة ، لتفريق النية.

الثاني عشر : من وضأه غيره للعذر يتولى هو النية.

المطلب الثاني: ( غسل الوجه )

وهو واجب بالنص(1)والإجماع ، وحده طولا : من قصاص شعر الرأس - وهو مبدأ تسطيح الجبهة(2)، لأن ميل الرأس إلى التدوير ، ومن أول الجبهة يأخذ الموضع في التسطيح ، ويقع به المواجهة ، فما فوق التسطيح من الرأس - إلى محادر شعر الذقن.

وأما النزعتان - وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبينين - فخارجان عنه ، لأنهما في سمت الناصية ، وهن جميعا في حد ( جملة )(3)التدوير.

كذا يخرج موضع الصلع ، لأنه فوق ابتداء التسطيح ، فيغسل ما يغسله مستوي الخلقة ، ولا عبرة بانحسار(4)الشعر عنه.

ويخرج الصدعان أيضا ، وهما في جانبي الأذن متصلان بالعذارين من فوق الأذن ، ولا عبرة بالأغم ، فيدخل في الحد موضع الغمم ، لأنه في تسطيح الجبهة. ولا عبرة بنبات الشعر على خلاف الغالب ، وهو من الوجه ، سواء استوعب الغمم الجبهة أو لا.

وأما حده عرضا : فما دارت عليه الإبهام والوسطى من مستوي الخلقة ،

ص: 35


1- وهو قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) والأخبار الواردة في غسل الوجه.
2- في « ق » الرأس.
3- الزيادة من « ر ».
4- انحسر الشي ء : انكشف.

فلا عبرة بطويل الأصابع حتى يتجاوز العذار ، ولا لمن قصرت عنه ، بل يرجع كل منهم إلى مستوي الخلقة ، فيغسل ما يغسله ، لأن اسم الوجه إنما يصدق عليه.

والعذار والبياض المتخلل بينه وبين الأذن خارجان عن حد الوجه لخروجهما عن المواجهة.

ولا يجب غسل الباطن من الفم والأنف والعين ، بل يكتفي بغسل الظاهر. ولا يجب تخليل الشعور النابتة في حد الوجه ، كالحاجبين والأهداب ( والشاربين والعنفقة ، مطلقا على رأي بل يكفي إفاضة الماء على الظاهر من الشعور ، والأقرب التخليل في العنفقة )(1)إذا لم يصل الماء إلى منابتها ، والاكتفاء في الكثيفة بظاهرها.

والعذار(2)هو القدر المحاذي للأذن ، يتصل من الأعلى بالصدغ ومن الأسفل بالعارض ، وهو ما ينحط عن القدر المحاذي ، لا يجب غسل ما خرج عن حد الإصبعين منهما ، لخروجهما عن اسم الوجه ، ويجب غسل ما أحاطا به.

ثم إن كان خفيفا لا يستر المنابت ، وجب تخليله على رأي ، وإلا فلا. وكذا منابت اللحية إذا كثفت لا يجب غسلها ، بل يغسل الظاهر ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله اكتفى بغرفة في غسل وجهه وكان كثير(3)اللحية ، والظاهر قصور الغرفة عنها ، ولأن فيه عسرا.

ولو نبت للمرأة لحية ، فكالرجل. إن كانت كثيفة ، اجتزأت بغسل ظاهر الشعر ، وإن كانت خفيفة فالوجهان. ويراد بالخفيف ما ترى(4)البشرة

ص: 36


1- الزيادة من « ر ».
2- والظاهر وقوع هذه الجملة إلى آخرها بعد قوله « لخروجهما عن المواجهة » فلعل وقع تقديم وتأخير.
3- في « ر » كثيف.
4- في « ر » يتراءى.

من خلاله في مجلس التخاطب ، والكثيف ما يستر ويمنع الرؤية. ولو كان البعض خفيفا والباقي كثيفا ، فالأقرب إلحاق كل بحسبه.

ولا يجب غسل المسترسل من اللحية الخارج عن حد الوجه طولا وعرضا إجماعا منا ، لأنه ليس من الوجه ، ولهذا لا يسمى الأمرد ومن قطعت لحيته ناقص الوجه. وإنما سمي الشعر النابت في محل الفرض بالوجه للمجاورة.

وكذا السبال إذا طال لا يجب غسل الخارج منه عن حد الفرض ، ولا يجب إفاضة الماء على هذه الشعور أيضا.

والفرق بينه(1)وبين الغسل اصطلاحا إطلاق الإفاضة على غسل ظاهر الشعر ، والغسل على غسل ظاهره وباطنه.

ويجب أن يغسل الوجه من أعلاه إلى الذقن مستوعبا ، فإن نكس فالأصح البطلان ، لأن الباقر علیه السلام حيث وصف وضوء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أخذ كفا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلاه. (2) وبيان(3)المجمل الواجب واجب ، لأن ما فعله علیه السلام بيانا إن ابتدأ بالأسفل وجب(4)، وليس إجماعا ، فبقي المطلوب ، لعدم الواسطة.

ولو غسل ظاهر الشعر الكثيف ثم قلع ، لم يجب الإعادة ، كما لو انكشطت جلدة بعد غسلها.

المطلب الثالث: ( في غسل اليدين )
اشارة

وهو واجب بالنص (5) والإجماع ، والواجب غسل الذراعين والمرفقين

ص: 37


1- كذا في النسخ والظاهر : بينها.
2- وسائل الشيعة : 1 - 274 ح 6.
3- كذا في النسخ ، والظاهر أن يكون كذا : وإتباع بيان إلخ.
4- والظاهر : وجب اتباعه. ويستفاد ذلك من الفرع الثامن المذكور في المنتهى4. 58.
5- وسائل الشيعة : 1 - 277.

والكفين للآية (1) و « إلى » بمعنى « مع » كقوله ( إِلى أَمْوالِكُمْ ) (2) وتوضأ علیه السلام فأدار الماء على مرفقيه ثم قال : هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به (3).

ويجب أن يبدأ من المرفقين(4)، وينتهي إلى الأصابع مستوعبا ، فإن نكس فالأصح البطلان لحديث الباقر (5) علیه السلام .

ولو قطع بعض اليد ، وجب غسل الباقي ، لعدم استلزام سقوط المتعذر سقوط الممكن.

ولو كان القطع من فوق المرفق ، سقط غسلها إجماعا ، لسقوط محله ، نعم يستحب غسل الباقي من العضد ، لقول الكاظم علیه السلام « يغسل ما بقي من عضده » (6).

ولو كان القطع من مفصل المرفق ، احتمل وجوب غسل رأس العظم الباقي ، لأنه في محل الفرض وقد بقي ، فأشبه الساعد إذا قطع الكف ، لأن المرفق مجموع العظم وقد بقي أحدهما فيغسل ، ولأنه يغسل مقصودا كسائر أجزاء محل الفرض ، وكأطراف الوجه بالنسبة إلى وسطه.

وعدمه ، لأن غسله للتبعية ولضرورة استيعاب غسل اليد إلى المرفق ، كما يغسل شي ء من الرأس تبعا وضرورة لاستيعاب الوجه بالغسل ، ولأن المرفق طرف عظم الساعد.

ولو كان له ذراعان دون المرفق ، أو أصابع زائدة ، أو لحم نابت ، أو كفان على ساعد واحد ، أو انكشطت جلدة فتدلت من محل الفرض ، وجب غسله ، لأنه كالجزء من اليد. ولو كان ذلك فوق المرفق ، لم يجب.

ص: 38


1- وهي قوله تعالى ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) سورة المائدة : 6.
2- سورة النساء : 2.
3- سنن ابن ماجة 1 - 145 الرقم 419.
4- في « ر » من المرفق.
5- وسائل الشيعة : 1 - 274.
6- وسائل الشيعة : 1 - 337 ح 2.

ولو انكشطت جلدة من محل الفرض وتدلت من غير محله ، لم يجب غسل شي ء منها ، ويجب لو انعكس.

ولو انكشطت من أحدهما [ وتدلت من الآخر ](1)والتصقت بالآخر ، وجب غسل محاذي الفرض دون ما فوقه.

ولو كان له يد زائدة ، فإن خرجت من محل الفرض كالساعد والمرفق ، وجب غسلها مع الأصلية كالإصبع ، لأنها كالجزء ، سواء تجاوز طولها الأصلية أو لا. وإن خرجت من فوق محل الفرض وعرف أنها زائدة ، فالأقوى عدم غسلها وعدم غسل ما حاذى محل الفرض ، إلا إذا التصق شي ء منها بمحل الفرض ، فيجب غسله خاصة.

وإن لم يتميز ، وجب غسلهما جميعا ، سواء خرجتا من المرفق أو المنكب ، لكن إن خرجتا من المنكب غسلتا ، توصلا إلى أداء الواجب. وإن خرجتا من المرفق أو الكوع غسلتا بالأصالة. وتتميز الزائدة عن الأصلية بقصرها عن حد الاعتدال ، أو نقصان الأصابع ، أو فقد البطش ، أو ضعفه وشبه ذلك.

تتمة :

يجب غسل هذه الأعضاء وجميع أنواع الطهارات من الحدث بماء مملوك أو مباح ، لقبح التصرف في مال الغير ، فلا يخرج عن عهدة القربة(2).

ولو جهل غصبية الماء ، صحت طهارته ، لأنه متعبد بالظاهر وقد امتثل.

ولو جهل الحكم ، لم يعذر ، لأنه أضاف إلى تقصيره تقصير آخر. ولو سبق العلم فكالعالم كما يأتي في النجاسة.

ويجب أن يتطهر من الأحداث بماء طاهر مطلق على ما يأتي.

ص: 39


1- الزيادة من « ق ».
2- في « ر » الأمر به.

ويجب غسل الأعضاء مستوعبا عملا بالأمر ، فلو أخل بشي ء من الوجه أو اليد لم يصح.

ولو كان في يده خاتم أو سبر أو دملج أو سوار ، فإن كان واسعا يصل الماء إلى ما تحته من غير تحريك أجزأه ، لكن يستحب التحريك استظهارا. وإن كان ضيقا لا يصل الماء إلى ما تحته إلا بالتحريك ، وجب ، لوجوب ما يتوقف عليه الواجب.

ويجزي في الغسل أقل مسماه ولو كالدهن ، لأصالة البراءة من الزائد ، وحصول الامتثال به ، بشرط الجريان ، لتوقف الاسم عليه.

والفرض في الغسل مرة واحدة ، لصدق الامتثال معه ، والثانية سنة على الأصح للرواية (1) ، والثالثة بدعة على الأقوى ، لعدم المشروعية.

فروع :

الأول : إنما يستحب الثانية بعد إكمال الغسلة الأولى ، فلو أبقى من العضو شيئا لم يغسله في المرة الأولى ، وجب غسل ذلك الشي ء ، فلو غسله في الثانية بنية وجوب غسله خاصة أجزأه ، وكذلك لو نوى وجوب غسل الجميع على إشكال. وكذا يجب لو لم ينغسل في الثانية غسله في الثالثة.

والأقرب عدم خروج ما انغسل مرتين عن البدعة إلا مع الضرورة.

الثاني : لو غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين جاز ، لأن المستحب في الجميع مستحب في أبعاضه.

الثالث : لو غسل الثالثة ، بطل وضوؤه إن كان في اليسرى ، لحصول المسح بماء جديد ، وإلا فلا للامتثال ، فلا يؤثر فيه الزائد.

ص: 40


1- وسائل الشيعة : 1 - 309.

الرابع : لو كان أقطع اليدين فإن تبرع غيره بأن يوضيه ، وإلا وجب عليه بذل الأجرة ، وإن زادت عن أجرة المثل مع التمكن والعجز عن المباشرة ، تحصيلا للامتثال.

ولو عجز عن الأجرة ، أو فقد الأجير مع عجزه عن المباشرة ، فكفاقد الماء.

الخامس : الوسخ تحت الظفر المانع من إيصال الماء إلى ما تحته يجب إزالته ، مع عدم المشقة لا معها ، لوجوب الاستيعاب ونفي الحرج.

السادس : لو قطعت يده من دون المرفق بعد الطهارة ، لم يجب غسل ما ظهر منها ، لأن الطهارة لم تتعلق بموضع القطع ، بل بما كان ظاهرا وقد غسله.

السابع : لو طالت أظفاره حتى خرجت عن سمت يده ، احتمل وجوب غسلها ، لأنه كالجزء. وعدمه كاللحية.

الثامن : ذو الرأسين واليدين يغسل أعضاءه مطلقا ، سواء علمت الزيادة أو لا ، وسواء حكم الشارع بوحدته أو كثرته ، لحصول الفرض فيهما.

التاسع : لو شك هل غسل يده مرة أو مرتين ، احتمل استحباب الثانية ، عملا بأصالة العدم. وعدمه حذرا من أن تكون ثالثة ، فيرتكب بدعة ، وترك المسنون أولى من ارتكاب البدعة.

المطلب الرابع: ( مسح الرأس )

وهو واجب بالنص (1) والإجماع ، ولا يجزي الغسل عنه ، لأنه غير المأمور ، فيبقى في عهدة التكليف ، لعدم الإتيان به ، فإن الغسل ليس بمسح.

ص: 41


1- وسائل الشيعة : 1 - 294.

ولو بل رأسه ولم يمد اليد عليه بل وضعها رطبة عليه ، أو قطر على رأسه قطرة من رطوبة الغسل ، لم يجزيه ، لأنه لا يسمى مسحا.

ولا يجب الاستيعاب ، ولا الأكثر ، ولا الربع ، بل أقل ما يحصل به مسماه.

ويختص المسح بمقدمه ، فلو مسح وسطه ، أو أحد جانبيه ، أو خلفه لم يصح ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله مسح على ناصيته (1). وقال الصادق علیه السلام : مسح الرأس على مقدمه (2).

ويجوز أن يمسح على بشرة المقدم ، لأنه حقيقة الرأس ، وعلى شعره المختص به ، لانتقال الاسم إليه وللضرورة. ولا يجب إيصال الرطوبة إلى البشرة حينئذ.

وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس ، فلو كان مسترسلا خارجا عن حده ، أو كان جعدا كائنا في حد الرأس ، لكنه بحيث لو مد لخرج عن حده ، لم يجز المسح عليه ، لأن الماسح عليه غير الماسح على الرأس. ولو جمع على المقدم من شعر غيره ومسح عليه ، لم يجز ، لأنه ليس ماسح على المقدم ، ولا على شعره.

ولا يجوز المسح على حائل كالعمامة ، سواء لبسها على طهارة أو لا ، وسواء كانت تحت الحنك أو لا ، لأن الآية (3) أوجبت إلصاق المسح بالرأس ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، ولقول الصادق علیه السلام « ليدخل إصبعه » (4) ولا فرق بين أن يكون الحائل ثخينا يمنع وصول الرطوبة إلى الرأس ، أو رقيقا ينفذ الماء منه.

ص: 42


1- سنن ابن ماجة 1 - 150 ، جامع الأصول 8 - 132.
2- وسائل الشيعة : 1 - 289 ح 2.
3- وهي قوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) سورة المائدة : 6.
4- وسائل الشيعة : 1 - 289 ح 3 و 293 ح 2.

ولا يجوز المسح على الجبهة ، ولا على خضاب ، أو طين ساترين. ولو كان على رأسه جمة(1)فأدخل يده تحتها ومسح ، أجزأه ، لحصول الامتثال.

ويجب أن يكون المسح ببقية نداوة الوضوء ، فلا يجوز استيناف ماء جديد عند علمائنا أجمع كافة ، لوصف الباقر علیه السلام لوضوء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى أن قال : ثم مسح ببقية ما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعدهما في الإناء (2).

ويجوز المسح مقبلا ومدبرا على الأصح ، لقول الصادق علیه السلام : لا بأس أن يمسح الوضوء مقبلا ومدبرا (3).

ويستحب أن يكون بثلاث أصابع ، ولا يجب على الأصح ، لحصول الامتثال ، ولقول الباقر علیه السلام : فإذا مسح بشي ء من رأسه ، أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه (4).

ويستحب للمرأة وضع قناعها خصوصا الغداة والمغرب للرواية (5).

ولو ذكر أنه لم يمسح ، مسح ببقية النداوة. فإن لم يبق في يديه رطوبة ، أخذ من لحيته الكائنة في محل الفرض ، وأشفار عينيه وحاجبيه ومسح. ولو لم يبق أعاد ، وكذا في مسح الرجلين.

ولو أتى بأقل مسمى الغسل ، لقلة الماء حالة الهواء أو الحر المفرطين ، بحيث لا يبقى رطوبة على اليد وغيرها ، فالأقرب المسح ، إذ لا ينفك عن أقل رطوبة وإن لم يؤثر ، ولا يستأنف ولا يتمم.

وهل يشترط حالة الرفاهية تأثير المحل؟ الأقرب ذلك.

ص: 43


1- الجمة من الإنسان مجتمع شعر ناصيته.
2- وسائل الشيعة : 1 - 274 ح 6.
3- وسائل الشيعة : 1 - 286.
4- وسائل الشيعة : 1 - 292 ح 4.
5- وسائل الشيعة : 1 - 292 ح 5.

ولو مسح بخرقة مبلولة ، فإن كانت الأصابع مشدودة ، فالأقرب عدم الإجزاء ، لأن ماء الوضوء هو المتصل بالأصابع لا ما على الحاوي. أما لو كان المسح على الخرقة في اليد لضرورة الجرح وشبهه فمسح به ، فالأقرب الجواز لو كانت اليد الأخرى كذلك ، ولو كانت سليمة ، فإشكال.

ولو كان رأسه مبتلا أو رجلاه ، ففي جواز المسح عليه إشكال.

والمسح على الأذنين والعنق بدعة ، لعدم المشروعية ، وقول الباقر علیه السلام : عن الأذنين ليس عليهما غسل ولا مسح (1).

ولا تكرار في مسح الرأس ولا الرجلين ، للامتثال بالمرة ، وعدم دليل الزيادة ، ولأنه علیه السلام مسح مرة في البيان ، وقال الصادق علیه السلام : مسح الرأس واحدة (2).

المطلب الخامس: ( مسح الرجلين )

وهو واجب بالنص (3) ، ولا يجزي الغسل عند علمائنا أجمع ، لقراءة الجر (4) ، ولا يعارضها قراءة النصب للعطف على الموضع ، لعدم ورود الجر بالمجاورة في القرآن ، ولا مع العطف ، ولقبح الانتقال من الجملة قبل الإكمال ، خصوصا مع اشتباه الحال ، ووصف علي والباقر وابن عباس علیهم السلام وضوء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومسح على قدميه ونعليه (5).

ويجب المسح على بشرة ظهر قدم الرجلين. وحدها من رءوس الأصابع إلى الكعبين ، وهما مجمع الساق والقدم للخبر (6).

ص: 44


1- وسائل الشيعة : 1 - 285 ح 2.
2- وسائل الشيعة : 1 - 292 ح 7.
3- وسائل الشيعة : 1 - 294.
4- في قوله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) .
5- وسائل الشيعة : 1 - 295 ح 5.
6- وسائل الشيعة : 1 - 275 ح 9.

ولا يجوز على حائل من خف وجورب وغيرهما اختيارا عند علمائنا أجمع ، وقول علي علیه السلام وعائشة : ما أبالي مسحت على الخف أو على ظهر [ لغير جماد الوحش ](1)عير بالفلاة (2). وسئل الصادق علیه السلام عن المسح عليهما فقال : لا تمسح (3). ولأنه أحد أعضاء الطهارة ، فلا يجوز على حائل كغيره.

ويجوز عند الضرورة كالبرد والتقية المسح عليهما ، للمشقة ، ولا يتقدر إلا بها سفرا وحضرا ، سواء لبسهما على طهارة أو لا ، وكيف كان الخف والجورب ، أو بنعلين ، أو بسرح ، أو بإصدارها.

وفي استيناف الطهارة مع زوال العذر إشكال ، ينشأ من ارتفاع الحدث ، ومن زوال علة الضرورة المسقطة للمباشرة فيزول وكذا الضرورة في العمامة والقناع لو مسح للتقية ، أو عجزه عن النزغ أو البرد.

ويجب المسح ببقية نداوة الوضوء ، فإن لم يبق نداوة ، أخذ من لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه ، فإن لم يبق نداوة ، استأنف ، والحكم كما تقدم في الرأس.

ولو كان في الماء ، فالأقرب عدم جواز المسح ما لم يخرج رجليه ويزيل الرطوبة ثم يمسح عليهما.

ويجوز المسح مقبلا ومدبرا ، لقول الباقر علیه السلام : لا بأس بمسح القدمين مقبلا ومدبرا (4).

ويسقط فرض مسح القدم بقطعها. ولو بقي شي ء بين يدي الكعب [ أو الكعب ] مسح عليه ، إذ لا يسقط بعض الواجب بتعذر غيره.

ولو غسل عوض المسح للتقية ، أجزأه ، فإن زالت ، ففي الإعادة إشكال.

ص: 45


1- الزيادة من « ر ».
2- راجع المنتهى 1 - 65.
3- وسائل الشيعة : 1 - 325 ح 19.
4- وسائل الشيعة : 1 - 286 ح 3.

ولو أراد التنظيف قدم غسلهما على الوضوء أو أخره.

ويجوز المسح على النعل العربي وإن لم يدخل يده تحت الشراك ، لقول الباقر علیه السلام : تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك (1).

وهل يسقط مسح ما تحت الشراك؟ إشكال ، فإن قلنا به ففي إلحاق غير النعل مما يشتمل على مثل الشراك إشكال.

والمسح في الرأس والرجلين يحصل بإمرار اليد على الممسوح ، أو بجر الممسوح على اليد الثابتة على إشكال.

وكذا يحصل الغسل بالماء بإجراء الماء على الوجه واليدين ، سواء أجرى يده عليه أو لا ، وبوضع وجهه أو يديه في الماء ، وإن لم يدلكهما بيده.

المطلب السادس: ( في باقي أركانه )
وهي ثلاثة :
الأول ( الترتيب )

فيجب أن يبدأ بغسل وجهه ، ثم بيده اليمنى ، ثم اليسرى ، ثم يمسح رأسه ، ثم يمسح رجليه ، لقوله علیه السلام : « لا يقبل اللّه صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ، فيغسل وجهه ، ثم يغسل يديه ، ثم يمسح رأسه ثم رجليه » (2) ولأن العامل في العطف واحد بتقوية الحرف ، وقد جعل تعالى نهاية الغسل الرفقين ، والمسح الكعبين ، ولأن الباقر علیه السلام وصفه مرتبا (3).

فلو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب ، إن كان البلل باقيا ، للمخالفة ، ولقول الصادق علیه السلام في الرجل يتوضأ ، فيبدأ بالشمال قبل

ص: 46


1- وسائل الشيعة : 1 - 292 ح 4.
2- جامع الأصول 8 - 78 ما يدل على ذلك.
3- وسائل الشيعة : 1 - 272 ح 2.

اليمين قال : يغسل اليمين ويعيد اليسار (1). ولو كان قد جف ، استأنف.

ولو استعان بخمسة للضرورة ، فأوقعوا الأفعال دفعة لم يجز ، لمنافاة المعية الترتيب. وكذا لو أوقع أعضاه المغسولة في الماء دفعة.

ولا ترتيب في الرجلين على الأقوى ، لأصالة البراءة.

ولو بدأ بغسل الوجه وخالف باقي الأعضاء ، أعاد عليها دون الوجه إن بقيت الرطوبة عليه ، وكفاه استصحاب النية حكما. ولو قدم غيره ثم غسله ، صح غسله خاصة إن استصحب ذكر النية ، ولا يكفيه استصحاب حكمها ، وقول الصادق علیه السلام : إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك ، فأعد غسل وجهك (2). يقتضي عدم الاكتفاء بالغسل الأول ولو نوى عند غسل الكفين أو المضمضة ، ثم استصحب حكمها ، فالأولى(3)الاكتفاء به عند غسل الوجه.

ولو اغتسل المحدث بدل الوضوء ، لم يجزيه عندنا ، سواء كان مما يتأتى فيه الترتيب في لحظات متعاقبة ، بأن يمكث في الماء مرتمسا أو لا ، نعم يحصل بغسل الوجه إن قارنته النية. ولو ترك الترتيب ناسيا ، فكالعامد.

ولو اشتبه هل الخارج مني أو بول ، أو تيقن وجوب إحدى الطهارتين ونسي تعينها ، احتمل وجوب الوضوء ، لأن وجوب غسل الزائد على أعضاء الوضوء مشكوك فيه ، وهذا القدر متيقن.

فلو عدل إلى الغسل ، فإن قلنا بإجزاء الغسل الندب(4)عن الوضوء أجزأ هنا ، إذ الاحتياط يقتضي استحبابه ، وإلا فلا. ويجب غسل ما أصابه ذلك البلل قطعا ، لنجاسته على التقديرين.

ص: 47


1- وسائل الشيعة : 1 - 317 ح 2.
2- وسائل الشيعة : 1 - 318 ح 8.
3- في « ر » فالأقوى.
4- في « ر » المندوب.

ويحتمل وجوب الغسل ، لأن العلم حاصل بشغل ذمته بإحدى الطهارتين ، وصلاته موقوفة على الطهارة التي لزمته ، فعليه الإتيان بما يحصل معه يقين البراءة.

ويحتمل التخيير بين الغسل أخذا بأنه مني ، والوضوء أخذا بأنه بول ، لأن كلا منهما محتمل ، فإذا فعل موجب أحدهما صحت صلاته ، لأن لزوم الآخر مشكوك فيه والأصل عدمه ، فعلى هذا لو توضأ وجب أن يرتب.

ويحتمل ضعيفا إجزاء إيقاع غسل الأعضاء دفعة ، لأنه شاك في أن الواجب الكبرى أو الصغرى ، والترتيب من خواص الصغرى ، فلا يجب بالشك ، كما لا يجب ما يختص بالكبرى بل المشترك بينهما ، لكنه ضعيف ، لأنه إما مني فموجبة للغسل أو غيره فموجبة للوضوء بأركانه ، فإذا لم يرتب فقد صلى مع إحدى الحدثين يقينا ، والأقوى وجوب الطهارتين ، لأن كلا الحدثين محتمل.

وهذه الاحتمالات آتية في الخنثى المشكل لو أولج في دبر رجل ، فهما بتقدير ذكورية الخنثى جنبان ، وإلا فمحدثان إن خرج شي ء من الغائط وقلنا بنقض مس فرج غيره ، وعدم لحوق الجنابة بالموطوء والجنابة محتملة ، فإذا توضئا فالوجه المحافظة على الترتيب.

الثاني ( الموالاة )

وهي واجبة عند علمائنا كلهم ، لأنه علیه السلام توضأ على سبيل الموالاة وقال : هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به (1). وقال الصادق علیه السلام : إذا توضأت بعض وضوئك ، فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك ، فإن الوضوء لا يبعض (2). ولأنه عبادة ينقضها الحدث ، فيعتبر فيها الموالاة كالصلاة.

ص: 48


1- سنن ابن ماجة 1 - 145.
2- وسائل الشيعة : 1 - 314 ح 2.

والمراد بها متابعة الأفعال ، بحيث يجب عليه عقيب الفراغ من غسل العضو السابق أو مستحبة الاشتغال بفرض اللاحق على الأصح ، لقول الصادق علیه السلام : أتبع وضوءك بعضه بعضا (1). وقيل : أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدمه.

فإن أخل به عامدا مختارا ، فعل محرما ، واستأنف إن جف السابق وإلا فلا ، لقول الصادق علیه السلام : حتى يبس وضوؤك فأعد (2).

ولو جف السابق على ما وقع الفعل عقيبه دون اللاحق لم يبطل ، وكذا العكس ، لأن ناسي المسح يأخذ من شعر لحيته إذا لم يبق في يديه نداوة.

ولو فرق ولم يجف ، فعل حراما ولا يبطل وضوؤه ، ولو كان لعذر - كفاقد الماء فيذهب لطلبه ، أو خوف شي ء فهرب منه - سقط الإثم. ثم إن بقيت الرطوبة بنى ، وإلا استأنف ، تحصيلا للمأمور به على وجهه ، والنسيان عذر. ولو قل الماء فغسل ، كالدهن في الهواء المفرط الحرارة ، أو كان محموما أجزأه ، وإن جف(3)ما تقدم إذا والى.

وكل موضع يجب فيه الاستيناف يجب تجديد النية ، وما لا يجب إن كان مستديما للنية فعلا أجزأه الإتمام. وهل يجزي الاستدامة حكما؟ الوجه ذلك وإن طال الفصل.

ولو فرق الأعضاء بواجب في الطهارة أو مسنون ، فإن كان فعلهما لا يحصل بدونه ، لم يكن تفريقا ، وإلا فتفريق ، ولو كان لوسوسة فهو تفريق ، لأنه اشتغال بما ليس بواجب ولا مسنون.

الثالث ( المباشرة )

فلا يجوز أن يوضيه غيره عند علمائنا أجمع ، لأن الأمر إنما هو بفعل

ص: 49


1- وسائل الشيعة : 1 - 314 ح 1.
2- المصدر.
3- في « ق » لما تتقدم.

الغسل والقبول غيره ، ولأنه علیه السلام باشر في البيان. نعم يجوز عند الضرورة دفعا للمشقة.

ويكره الاستعانة اختيارا بصب الماء ، لما في تركها من زيادة المشقة في تحصيل أمر شرعي ، فتحصل زيادة الثواب. وأراد الحسن بن علي الوشاء أن يصب الماء على الرضا علیه السلام فنهاه وقال علیه السلام : أنا لا أستعين على وضوئي بأحد (1). ويزول الكراهة حال الضرورة.

ص: 50


1- وسائل الشيعة : 1 - 335 ح 1.
الفصل الثاني: ( في سننه )
وهي تسعة أشياء :
الأول ( السواك )

وليس واجبا إجماعا ، بل مستحب(1)في جميع الأوقات ، وللصائم بعد الزوال. وأشدها في مواضع :

الأول : عند الوضوء ، لقوله علیه السلام : يا علي عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة (2).

الثاني : عند الصلاة وإن كان متطهرا ، لقوله علیه السلام : لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة (3).

الثالث : عند صلاة الليل ، لقول الصادق علیه السلام : إذا قمت بالليل فاستك ، فإن الملك يأتيك فيضع فاه على فيك ، فليس من حرف تتلوه وتنطق به إلا صعد به إلى السماء ، فليكن فوك طيب الريح (4).

ص: 51


1- في « ر » : يستحب.
2- وسائل الشيعة : 1 - 353 ح 2 ب 3.
3- وسائل الشيعة : 1 - 355 ح 3.
4- وسائل الشيعة : 1 - 357 ح 3.

الرابع : عند قراءة القرآن ، لقول علي علیه السلام : إن أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك (1).

الخامس : عند تغير النكهة ، وذلك قد يكون للنوم ، فيستحب عند الاستيقاظ ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يستاك إذا استيقظ (2).

وقد يكون لطول السكوت ، أو لترك الأكل ، أو لأكل ما له رائحة كريهة.

والأقرب أنه من سنن الوضوء ، لأنه نوع نظافة يؤمر به المتوضي. ويحتمل أن يكون من سنة مقصودة في نفسه ، لأنه يؤمر به غير المتطهر كالحائض ، فلو نذر سنته دخل على الأول ، وهو أحد الحنيفية العشرة ، وهي خمس في الرأس : المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وقص الشارب والفرق. وخمس في البدن : الاستنجاء ، والختان وهما واجبان ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، ونتف الإبطين.

وفيه اثنتا عشرة فائدة : هو من السنة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيض الأسنان ، ويذهب بالحفر ، ويشد اللثة ، ويشهي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، ويفرح به الملائكة.

ويستحب أن لا يترك أكثر من ثلاثة أيام ، لقول الصادق علیه السلام : لا تدعه في كل ثلاثة أيام (3).

ويجوز السواك للمحرم والصائم بالرطب واليابس.

ويكره في الخلاء ، لقول الكاظم علیه السلام : أنه يورث البخر ، وفي الحمام لأنه يورث وباء الأسنان (4).

ص: 52


1- وسائل الشيعة : 1 - 358 ح 3 ب 7.
2- وسائل الشيعة : 1 - 356 ح 1 ب 6.
3- وسائل الشيعة : 1 - 353 ح 1 ب 2.
4- وسائل الشيعة : 1 - 359 ب 11.

ويستحب أن يكون آلة السواك عودا لينا ينقي الفم ، ولا يجرحه ، ولا يضره ، ولا يتفتت منه كالأراك.

ويجوز بخرقة خشنة ونحوها ، وأن يستاك بيده ، لقول النبي صلی اللّه علیه و آله : التسويك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك (1).

ويستحب أن يستاك عرضا ، لقوله علیه السلام : استاكوا عرضا (2). ولو مر السواك على طول الأسنان جاز ، ويبدأ بجانبه الأيمن ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يحب التيامن في كل شي ء.

الثاني: [ كيفية وضع الإناء والاغتراف منها ]

وضع الإناء التي يغترف منها ماء الوضوء على اليمين والاغتراف بها وإدارته إلى اليسار ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يحب التيامن في كل شي ء بنعله ورجله وطهوره وفي شأنه كله (3). ودعا الباقر علیه السلام بقدح ماء فأدخل يده اليمنى (4).

ولو كان الإناء مما يصب به ، وضع على الشمال ، لأنه أمكن في الاستعمال ، ثم صب الماء منه على اليمين.

الثالث: ( غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء )

من النوم والبول مرة ، ومن الغائط مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا إلى الكوعين ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يفعله في وضوئه (5) ، ولقول الصادق عليه

ص: 53


1- وسائل الشيعة : 1 - 359 ح 4 ب 9.
2- وسائل الشيعة : 1 - 358 ح 1 ب 8.
3- صحيح مسلم 1 - 226 باب التيمن في الطهور وغيره.
4- وسائل الشيعة : 1 - 275 ح 10.
5- سنن أبي داود : 1 - 26.

السلام : واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة (1).

وقال علیه السلام : لا يدخل النائم يده في وضوئه حتى يغسلها ، لأنه لا يدري أي جنب كانت يده (2). وليس واجبا في نوم الليل ، للأصل.

ولو غمسها في الماء القليل قبل غسلها ، لم يؤثر في طهوريته إجماعا. ولا فرق في كراهة المنع بين غمس البعض أو الجميع ، ولا بين غمسها قبل كمال العدد وقبله ، ولا بين كون يد النائم مشدودة أو مطلقة ، أو كون النائم مسدولا أو لا للعموم.

ولأن المتعلق(3)على المظنة لا يعتبر فيه الحقيقة ، كاستبراء الرحم في العدة للصغيرة واليائسة ، وهذا الحكم معلق بالمسلم البالغ العاقل ، لأن المراد تطهيرها حكما.

ولا يفتقر هذا الغسل إلى نية ، لأنه معلل بوهم النجاسة ، ومع تحققها لا يجب ، وإن قلنا إنه من سنن الوضوء مطلقا ، افتقر.

ولو تعددت الأحداث تداخل ، اتحد الجنس أو اختلف.

وهل التعبد مختص بالماء القليل؟ إن قلنا العلة وهم النجاسة اختص ، وإلا فلا. وكذا في الأواني التي لا تدخل اليد فيها ، والأقرب أنه تعبد محض ، فلو تيقن طهارة يده ، استحب غسلها ، ولو لم يرد الطهارة ، استحب على الأول.

الرابع: ( التسمية )

قال الصادق علیه السلام : إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله ، وإذا لم تسم لم يطهر عن جسدك إلا ما مر عليه الماء (4).

ص: 54


1- وسائل الشيعة : 1 - 301 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 1 - 301 ح 3 ، جامع الأصول 8 - 96.
3- في « ر » المعلق.
4- وسائل الشيعة : 1 - 298 ح 5.

وليست واجبة للأصل ، ولأن وجوبها ينافي طهارة المغسول مع تركها.

وكيفيتها : ما قال الباقر علیه السلام : إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم اللّه وباللّه اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، والحمد لله رب العالمين (1).

وعن علي علیه السلام : بسم اللّه والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا (2).

وعن الصادق علیه السلام : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، والحمد لله رب العالمين (3).

ولو نسي التسمية في الابتداء فعلها في الأثناء ، كما لو نسيها في ابتداء الأكل يأتي بها في أثنائه. ولو تركها عمدا ، ففي مشروعية التدارك في الأثناء احتمال.

الخامس: ( المضمضة والاستنشاق )

وهما مستحبان من سنن الوضوء ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله فعلهما. وليسا واجبين ، لأنه تعالى عقب القيام بغسل الوجه (4) ، ولقول النبي صلی اللّه علیه و آله : عشر من الفطرة وعدهما منها (5). والفطرة السنة. وقال الباقر علیه السلام ليسا من الوضوء (6). أي ليسا من فرائضه.

ص: 55


1- وسائل الشيعة : 1 - 298 ح 2 وفيه ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمين.
2- وسائل الشيعة : 1 - 282 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 1 - 298 ح 1.
4- في قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) سورة المائدة : 6.
5- وسائل الشيعة : 1 - 350 والرواية عن أبي الحسن موسى علیه السلام ذكر الرواية عن النبي صلی اللّه علیه و آله في المنتهى 1 - 50.
6- وسائل الشيعة : 1 - 303 ح 5.

والمضمضة : إدارة الماء في جميع الفم. والاستنشاق : اجتذابها بالأنف في جميعه ، استظهارا في التنظيف.

ولو ابتلعه بعد الإدارة امتثل ، ويفعلهما بيمناه كل واحدة ثلاثا ، والأفضل الفصل بينهما ، لأن عليا علیه السلام رواه عن النبي صلی اللّه علیه و آله (1) ، وهو أبلغ في التنظيف.

وكيفيته : أن يتمضمض ثلاثا بثلاث غرفات ، ثم يستنشق كذلك. ولو تمضمض بغرفة ثلاث مرات ، ثم استنشق بواحدة ثلاثا أجزأه. ولو وصل أجزأه ، بأن يأخذ غرفة يتمضمض منها ، ثم يستنشق ، ثم يأخذ ثانية وثالثة يفعل بهما كذلك.

ولو أخذ غرفة واحدة تمضمض منها ثلاثا واستنشق كذلك ، جاز ، ولكن الأفضل تقديم المضمضة.

ولو خلط بينهما ، بأن تمضمض مرة واستنشق ، ثم فعل كذلك مرتين بالغرفة الواحدة ، أجزأه ، والأفضل ما تقدم أولا ، لأن عليا علیه السلام قال : تمضمض ثم استنشق (2) ، و « ثم » للترتيب.

ويستحب المبالغة فيهما ، بإبلاغ الماء إلى أقصى الحنك وجنبي الأسنان واللثات مع إمرار الإصبع عليها ، ويصعد الماء بالنفس إلى الخيشوم ، مع إدخال الإصبع وإزالة الأذى. ولا يبالغ الصائم ، حذرا من الوصول إلى البطن أو الدماغ.

ويستحب الدعاء فيهما ، لأن عليا علیه السلام قال في المضمضة : اللّهم لقني حجتي يوم ألقاك ، وأطلق لساني بذكراك. وفي الاستنشاق : اللّهم لا تحرم علي ريح الجنة ، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها (3).

ص: 56


1- جامع الأصول 8 - 99 و 71.
2- جامع الأصول 8 - 73.
3- وسائل الشيعة : 1 - 282.
السادس: ( الدعاء عند غسل الأعضاء ومسحها )

لأن عليا علیه السلام قال في غسل وجهه : اللّهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه ، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.

وفي غسل اليمين : اللّهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا.

وفي غسل اليسرى : اللّهم لا تعطني كتابي بشمالي ، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ، وأعوذ بك من مقطعات النيران.

وفي مسح رأسه : اللّهم غشني برحمتك وبركاتك.

وفي مسح رجليه : اللّهم ثبت قدمي على الصراط [ المستقيم ] يوم تزل فيه الأقدام ، واجعل سعيي فيما يرضيك عني (1).

السابع: [ كيفية بدأة الرجل والمرأة بغسل اليدين ]

يبدأ الرجل في غسل ذراعيه بظاهرهما ، وفي الثانية بالعكس. والمرأة بالعكس فيهما عند علمائنا ، لقول الرضا علیه السلام : فرض اللّه على النساء في الوضوء أن يبتدأن بباطن ذراعهن ، وفي الرجال بظاهر الذراع (2).

والمراد بالفرض التقرب لا الوجوب ، لأصالة البراءة ، ولعدم إجماعنا.

الثامن: ( التوضي بمد )

وليس واجبا ، بل الواجب أقل ما يطلق عليه اسم الغسل ، وقال الباقر

ص: 57


1- وسائل الشيعة : 1 - 282 - 283.
2- وسائل الشيعة : 1 - 328 ح 1.

علیه السلام : إنما الوضوء حد من حدود اللّه ، ليعلم اللّه من يطيعه ومن يعصيه ، وأن المؤمن لا ينجسه شي ء إنما يكفيه اليسير (1).

وقال النبي صلی اللّه علیه و آله : الوضوء بمد ، والغسل بصاع ، وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك ، فأولئك على خلاف سنتي ، والثابت معي على سنتي معي في حظيرة القدس (2).

والأحسن تخليل اللحية الكثيفة ، لما فيه من الاستظهار ، ورواه الجمهور عنه علیه السلام . وروى عنه علیه السلام : أمتي يوم القيامة غر يحجلون من آثار الوضوء (3).

فقيل : تطويل العزة غسل مقدمات الرأس مع الوجه والتحجيل غسل بعض العضد ، والأصل رعاية الاستيعاب.

التاسع: ( ترك التمندل )

لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان لا ينشف أعضاءه ، وقال الصادق علیه السلام : من توضأ وتمندل كتبت له حسنة ، ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كتبت له ثلاثون حسنة (4).

وعلماؤنا على الكراهة ، لأنه إزالة لأثر العبادة ، ومفوت لتضاعف الحسنات.

وليس محرما إجماعا ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن المسح بالمنديل قبل أن يجف؟ قال : لا بأس (5). ولأصالة الجواز.

ص: 58


1- وسائل الشيعة : 1 - 340 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 1 - 339 ح 6.
3- جامع الأصول : 8 - 101 والحديث فيه كذا : إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.
4- وسائل الشيعة : 1 - 334 ح 5.
5- وسائل الشيعة : 1 - 333 ح 1.
الفصل الثالث: ( في الشك )
اشارة

من القواعد التي يبنى عليها أكثر الأحكام استصحاب اليقين والإعراض عن الشك.

وأصله قوله علیه السلام : إن الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه ويقول : أحدثت أحدثت ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (1). وقال الباقر علیه السلام : لا ينقض اليقين أبدا بالشك.

فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الطهارة. وإن كان خارج الصلاة. وكذا لو مس الخنثى فرجه مرتين وقلنا إن المس ناقض ، وشك في أن الممسوس ثانيا هو الأول أو غيره.

وكذا لو تيقن الحدث وشك في الطهارة ، فإنه يعمل بيقين الحدث ويتطهر إجماعا.

ولو تيقن أحدهما وظن الآخر عمل على اليقين. ولا فرق بين الحدث الأكبر والأصغر في ذلك.

هذا إذا عرف سبق الطهارة ، أما إذا لم يعرف بأن تيقن أنه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث وشك في السابق ، وجب عليه الطهارة ، لأنه حينئذ غير

ص: 59


1- وسائل الشيعة : 1 - 175.

متيقن للطهارة ولا ظان ، فلا يصح له الدخول في الصلاة. ويحتمل اعتبار ما قبل الطلوع ، فإن كان محدثا فهو الآن متطهر ، لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك في تأخر الحدث المعلوم بعد الطلوع عن تلك الطهارة.

وإن كان متطهرا ، فهو الآن محدث ، لأنه تيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك في تأخر الطهارة عن الحدث ، ويجوز سبقها وتوالي الطهارتين ، هذا إن كان يعتاد التجديد ، وإلا فالظاهر أن طهارته بعد الحدث ، فيكون متطهرا.

ولو لم يذكر شيئا ، تطهر قطعا ، لتعارض الاحتمالين ، ولا تصح الصلاة مع تردد الطهارة. ويحتمل أنه إن ذكر الحدث قبل الطلوع فهو الآن محدث ، وإن ذكر الطهارة فهو الآن متطهر ، لأنه ما يذكره من قبل معلوم فيستصحب ، ويتعارض الظنان الطاريان بعده ، لتقابل الاحتمالين ، والأقرب ما قلناه أولا ، لأنه الأحوط.

أما لو تيقن أنه بعد الطلوع ، نقض طهارته(1)وتوضأ عن حدث ، وشك في السابق منهما ، الوجه استصحاب السابق عليه ، لأنه إن كان متطهرا فقد تيقن نقض تلك الطهارة ثم توضأ ، إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه مشكوك. وإن كان محدثا فقد تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها.

ولو شك في يوم هل تطهر فيه أو أحدث؟ نظر إلى ما قبل ذلك الزمان وعمل عليه.

ولو شك في شي ء من أفعال الطهارة ، كغسل يد أو وجه أو مسح ، فإن كان على حال الطهارة لم يفرغ ، أعاد على ما شك فيه وعلى ما بعده دون السابق إن حصلت الموالاة ، عملا بأصالة العدم ، ولقول الباقر علیه السلام : إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو لم تمسحه مما سماه اللّه ما دمت في حال الوضوء ،

ص: 60


1- في « ر » الطهارة.

فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه ، وقد صرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها ، فشككت في بعض ما سماه اللّه تعالى ، مما أوجب اللّه عليك وضوءه لا شي ء عليك فيه (1).

ولو تيقن ترك عضو ، أتى به وبما بعده ليحصل الترتيب الواجب دون السابق ، إلا أن يحصل جفاف ما تقدم فيستأنف ، سواء انصرف أو لا ، صلى به أو لا ، ويعيد صلاته إجماعا.

ولو ترك غسل أحد المخرجين عمدا أو سهوا وصلى أعاد الصلاة دون الوضوء ، لفوات الشرط وهو طهارة البدن ، ولقول الصادق علیه السلام : اغسل ذكرك وأعد صلاتك (2).

فروع :

الأول : لا فرق بين ترك النية وغيرها من أعضاء الوضوء ، ولا بين الشك فيها وفي الأعضاء.

الثاني : الظاهر تعلق الإعادة وعدمها مع الشك في بعض الأعضاء على الفراغ من الوضوء وعدمه ، لا على الانتقال عن ذلك المحل.

الثالث : لو كان الشك يعتوره كثيرا ، ففي إلحاقه بشك الصلاة إشكال ، أقربه ذلك لوجود العلة.

الرابع : لو صلى مع شك الطهارة ، ثم ذكر في الأثناء أنه متطهر أو بعد الفراغ ، أعاد الصلاة خاصة ، لأنه فعل مع الشك وهو منهي عنه ، فلا يكون هو المأمور به.

الخامس : لو جدد مستحبا قبل الوقت ، ثم ذكر أنه أخل بعضو من إحداهما بعد الصلاة ، فإن كان الأول مستحبا ولم نوجب فيه رفع الحدث ولا الاستباحة ، صحت صلاته ، لأنه من أي الطهارتين كان صحت بالأخرى ،

ص: 61


1- وسائل الشيعة : 1 - 330 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 1 - 208 ح 3.

وكذا لو كان الأول واجبا ولم نوجب نية الوجوب ، وإن أوجبنا شيئا مما تقدم ، أعاد الطهارة والصلاة ، لاحتمال أن يكون من الأولى ولم ينو الرفع ولا الاستباحة ولا الوجوب في الثاني ، فلا يقع على وجهه ، فلا يجزي في الدخول ولا الأول.

ولو نوى أحدها فكذلك ، لاعتقاده بطلان هذه النية بظن الطهارة.

ولو صلى بكل منهما صلاة. أعاد الأولى على الأول والجميع على الثاني.

السادس : لو تطهر وصلى وأحدث ، ثم توضأ وصلى أخرى ، ثم ذكر الإخلال المجهول ، أعاد الطهارة والصلاتين مع الاختلاف عددا. ولو اتفقا أعاد العدد ينوي به ما في ذمته. ولو كان الشك في صلاة يوم ، أعاد صبحا ومغربا وأربعة ينوي بها ما في ذمته.

السابع : لو ذكر الإخلال من طهارتين في يوم ، أعاد صبحا ومغربا وأربعا مرتين ، فله أن ينوي بكل واحدة منهما ما في ذمته ، فإن عين وجبت ثالثة ، وله الإطلاق الثاني(1)مع مراعات الترتيب على الأقوى ، فيكتفي بالمرتين.

ولو كان الترك من طهارتين في يومين ، فإن ذكر التفريق صلى عن كل ثلاث صلوات ، وإن ذكر جمعهما في يوم وأشبه صلى أربعا. ولو جهل الجمع والتفريق صلى عن كل يوم ثلاث صلوات.

وكذا البحث لو توضأ خمسا لكل صلاة طهارة عن حدث ثم ذكر تخلل حدث بين الطهارة والصلاة واشتبه ، وصلى الخمس بثلاث طهارات ، فإن جمع بين رباعيتين بطهارة وذكر الإخلال المجهول أو الحدث عقيب طهارة ، صلى أربعا صبحا ومغربا وأربعا مرتين ، وإلا اكتفى بالثلاث.

الثامن : لا يشترط طهارة غير محل الأفعال عن الخبث إجماعا فلو توضأ وعلى جسده نجاسة عينية ، صحت طهارته ، للامتثال.

ص: 62


1- في « ر » وله الإطلاق والساهي الينافي مع إلخ وفي « ق » وله الإطلاق البنائي مع إلخ وهذه العبارات غير مفهومة والمتن صححناه عن المنتهى فتدبر.

ولا يشترط طهارة محلها أيضا عنه ، إلا أن ينفعل ما يغسل به جزءا من المحل بالنجاسة. فلو كان على يده نجاسة وغمسها في الماء الكثير بعد غسل وجهه بنية الوضوء ، أجزأ مع زوال عينها.

ولو وضع كفا على مرفقه ثم أجراه ، وانتقل عن محل النجاسة إلى غيرها ، لم يجزيه.

ص: 63

الفصل الرابع: ( في طهارة المضطر )
ولو صورتان :
الأول: ( أحكام وضوء الجبيرة )

صاحب الجبيرة بانخلاع العضو أو كسره أو رضه أو فكه أو غير ذلك ، مما يحتاج إلى وضع الألواح عليه ، وإن كان الغالب في مثلها أن يكون ذلك الموضع بحيث لا يخاف من إيصال الماء إليه ، وإنما يقصد بإلقائها الانجبار.

فإذا ألقاها على الموضع ، فإن تمكن من نزعها عند الطهارة وأمن التضرر به وجب وغسل ، لتوقف الامتثال بمباشرة الماء العضو عليه ، أو كرر الماء عليها حتى يصل إلى البشرة إن أمن الضرر ، وإن خاف ضررا بالنزع ، لم يكلف دفعا للحرج.

ثم إن أمكنه تكرار الماء حتى يصل إلى البشرة وجب ، إن كان المحل طاهرا وإلا فلا ، لئلا يتضاعف النجاسة ، بل يمسح بالماء على الجبيرة ، لأنها اشتبهت الشعر والظفر في انتقال الفرض إليهما ، والأقرب حينئذ الاكتفاء بالمسح ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله أمر عليا علیه السلام بالمسح على الجبائر(1)،

ص: 64


1- روى في سنن ابن ماجه [ 1 - 215 ] عن علي بن أبي طالب ، قال : انكسرت إحدى زندي ، فسألت النبي صلی اللّه علیه و آله ، فأمرني أن أمسح على الجبائر.

ويحتمل وجوب أقل ما يسمى غسلا.

وإن قلنا بالمسح ، وجب تعميم الجبيرة ، لأن غسل جميع الأعضاء واجب وقد تعذر ، وأمر ببدله فيستوعب كالمبدل ويغسل باقي الأعضاء ، ولا ينتقل فرضه إلى التيمم ، لأن اعتدال بعض الأعضاء لا يزيد على فقدانه.

ولو كان مقطوع طرف ، لم يسقط عنه غسل الباقي.

ولو استوعبت الجبيرة محل الحاجة وغيرها ، وجب نزعها والاقتصار على محل الكسر.

وما لا بد منه في وضعها من الصحيح ، فإن خاف من نزعها كان له المسح تحرزا من الضرر ، ولا يجب مع التيمم الإعادة(1)، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

فإن تمكن من غسل ما ستره الجبيرة من الصحيح وجب ، بأن يضع خرقة مبلولة عليه ويعصرها ، ليغسل تلك المواضع بالمتقاطر منها لإمكانه ، فلا يسقط بتعذر غيره ، ولا يتقدر بمدة بل له الاستدامة إلى الاندمال ، لوجود المقتضي ، فيدوم الحكم بدوامه.

ولو تمكن من الإلقاء في بعض الأوقات وجب ، لتمكنه من الامتثال.

ولو تمكن من ذلك في طهارة ، وجب النزع ، ولا يجب التيمم مع التمكن من المسح على الجبيرة ، سواء كان ما تحت الجبيرة يتمكن من غسله لو كان طاهرا أو لا.

ولو لم يتمكن من استعمال الماء ، وجب التيمم ، فإن كانت الجبيرة على محل فرض التيمم وجب مسحها بالتراب ، لانتقال الفرض إليها كالغسل ، وتحصيلا لإتمام التيمم بالمسح بالتراب ، كما يحصل إتمام الوضوء بالماء.

ولو كان له على عضوين جبائر وتعذر عليه الوضوء ، كفاه تيمم واحد. ولا يشترط وضع الجبيرة على طهر.

ص: 65


1- في « ر » ولا يجب معه التيمم ولا الإعادة.

ولو لم يحتج إلى إلقاء الجبيرة على موضع الكسر ، فإن لم يخف من غسله أو مسحه وجب ، وإن خاف من غسله وتمكن من مسحه وجب ، لأنه أحد الواجبين ، لتضمن الغسل إياه ، فلا يسقط بتعذر أصله.

ولو خاف من غسله ومسحه ، غسل الصحيح بقدر الإمكان ، ويلطف إذا خاف سيلان الماء إليه ، بوضع خرقة مبلولة بقربه وتحامله عليها ، ليغسل بالتقاطر منها ما حوله من غير أن يسيل إليه ، وهل يسقط محل الكسر؟ إشكال أقربه العدم ، فيضع عليه خرقة أو لوحا ثم يمسح عليه للضرورة. ويحتمل السقوط فيه خاصة ، وسقوط فرض الوضوء لتعذره ، وينتقل إلى التيمم.

فلو كان الكسر على محل التيمم ، وجب مسحه بالتراب ، لعدم التضرر به ، فإن فرض ، احتمل سقوط الصلاة لسقوط شرطها ، والمسح على حائل.

ولو استوعبت الجبيرة محل الفرض ، مسح عليها كلها ، فإن خرجت عنه مسح ما حاذى محل الفرض.

ولو زال الحائل وهو متطهر بطهارة ضرورية ، ففي الإعادة إشكال ينشأ : من أن الترخص منوط بالضرورة وقد زالت ، ومن ارتفاع حدثه. ولا يجب إعادة الصلاة عندنا ، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

وحكم العضو المجروح حكم المكسور ، ونسبة التعصيب واللصوق من خرقة وقطنة ونحوهما كنسبة الجبائر.

ولو احتاج إلى تضاعف الجبائر ، ففي إجزاء المسح على ظاهره الطاهرة إشكال ، أقربه ذلك ، لأنه بالنزع لا يخرجه عن الحائل. ولا اعتبار بأكثرية صحة بدنه في وجوب غسل الصحيح وإسقاط التيمم.

وإذا لم يكن على الجراح لصوق وظاهر المحل طاهر ، وجب مسحه إذا لم يتضرر. ولو كان نجسا أو تضرر ، لم يجب ، وفي وجوب وضع خرقة إشكال.

ص: 66

وفي جواز المبادرة في أول الوقت مع جواز زوال العذر في آخره إشكال ، أقربه المنع إن قلنا بوجوب استينافه مع زوال العذر وإلا فلا ، وفي فعله قبل الوقت إشكال.

الثاني: ( حكم المسلوس والمبطون )

صاحب السلس إن تمكن من التحفظ قدر الصلاة وجب ، تحصيلا للواجب ، ولو كان آخر الوقت ، وإن لم يتمكن ، توضأ وصلى على حاله ، ولا يسقط عنه الصلاة ولا الوضوء ، للأمر المتوجه عليه بهما وعدم مقتضي السقوط.

وهل يجمع بين صلاتي فرض بوضوء؟ إشكال ينشأ : من تجدد الحدث المقتضي لوجوب الطهارة ، لكن سقط اعتباره في الصلاة وبينها وبين الطهارة للضرورة ، فيبقى الباقي على الأصل. ومن سقوط اعتبار هذا الحدث وللرواية(1)، فإن قلنا به فالوجه الجمع بين الظهرين بوضوء والعشاءين بوضوء لا غير ، اقتصارا على مورد النقل.

ويحتمل التعميم ، فيصح الجمع بين أكثر من صلاتين ، فحينئذ هل يسقط اعتبار هذا الحدث في الوقت أو مطلقا؟ إشكال ، والأحوط إفراد كل صلاة بوضوء فرضا كانت أو نفلا ، ففي وجوب المبادرة حينئذ إشكال ، فإن قلنا بها فأخل ، فإن تجدد حدث استأنف وإلا فلا.

ويجب عليه التحفظ بقدر الإمكان ، بوضع ذكره في أبنية أو كيس فيه قطن وشبهه ، للرواية (2) الدالة على الأمر به ، فإن أهمل مع الإمكان حتى نفذت النجاسة ، استأنف ما صلاة حالة التعدي.

ص: 67


1- رواية منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه قال فقال لي : إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر. وسائل الشيعة :1. 210 ح 2.
2- وسائل الشيعة : 1 - 210 ح 1.

وحكم المبطون حكم صاحب السلس في تجديد الطهارة عند كل صلاة ، وإذا لم يتمكن من التحفظ وقت الصلاة أجزأه ، وروي : أنه إذا تجدد حدثه في الصلاة يتوضأ ويبني (1). والوجه الاستيناف مع التمكن من التحفظ والاستمرار لا معه ، ولا فرق بين الغائط والريح في ذلك ، والمستحاضة كصاحب السلس.

ص: 68


1- وسائل الشيعة : 1 - 210 ح 3 و 4.
الفصل الخامس: ( في موجباته )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( ما يوجب الوضوء )

لا يجب الوضوء بانفراده عند علمائنا أجمع إلا من خمسة أشياء : البول ، والغائط ، والريح ، والنوم الغالب على الحاستين وشبهه ، وبالاستحاضة القليلة ، لأن الباقر والصادق علیهماالسلام سئلا عما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر والقبل من غائط أو بول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل ، وكل النوم يكره إلا أن يمنع الصوت(1). ولأصالة البراءة.

فلا يجب الوضوء من كل خارج من السبيلين ، كالدم والقيح والصديد ، سواء سال عن رأس الذكر الجرح أو لا عند علمائنا ، للأصل ولأنه علیه السلام احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد غسل.

ص: 69


1- وسائل الشيعة : 1 - 177 ح 2 وفيه كما في التهذيب 1 - 8 وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع الصوت.

وسئل الصادق علیه السلام عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل؟ فقال : ليس في هذا وضوء (1).

والقهقهة لا تنقض الوضوء وإن وجدت في الصلاة ، لأن النقض حكم شرعي فيقف على النص ، وقال علیه السلام : الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء (2) ، وكذا قال الصادق علیه السلام (3). ولأنها ليست حدثا في الجنازة إجماعا ، فكذا في غيره كالكلام.

وأكل ما مسته النار غير ناقض ، وكذا أكل لحم الإبل لقوله علیه السلام : الوضوء مما يخرج لا مما يدخل (4). وقال الباقر علیه السلام : ليس عليك فيه وضوء إنما الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل (5). وكذا شرب لبن الإبل وغيره مطلقا.

والقي ء غير ناقض وإن ملأ الفم ، سواء دخل الجوف أو لا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قاء ولم يتوضأ (6). وسئل الصادق علیه السلام هل ينقض القي ء الوضوء؟ قال : لا (7).

والردة لا تنقض الوضوء ولا التيمم للأصل ، وهي الإتيان بما يخرج به عن الإسلام ، إما نطقا أو اعتقادا أو شكا.

ومس الفرجين لا ينقض الوضوء مطلقا ، على الأصح وسيأتي.

ص: 70


1- وسائل الشيعة : 1 - 189 ح 10.
2- وسائل الشيعة : 1 - 185 ح 4.
3- وسائل الشيعة : 1 - 187 ح 13.
4- وسائل الشيعة : 1 - 206 ح 5.
5- وسائل الشيعة : 1 - 205 ح 3.
6- جامع الأصول 8 - 112.
7- وسائل الشيعة : 1 - 185 ح 3.
البحث الثاني: ( في الخارج من السبيلين )

ويختص ما يوجب الوضوء بالبول والغائط والريح ، وقد أجمعوا على الوجوب بهذه الثلاثة ، لقوله تعالى ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (1).

ولا ينقض ما يخرج من أحدهما غير الثلاثة والدماء الثلاثة والمني من مذي أو ودي أو دم غير الثلاثة ، أو رطوبة أو دود أو حصاة ما لم يتلطخ أحدها ببول أو غائط عند علمائنا ، للأصل ولأن عليا علیه السلام كان مذاء فاستحيا أن يسأل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمكان فاطمة علیهاالسلام فأمر المقداد أن يسأله فسأله ، فقال : ليس بشي ء (2).

وقال الصادق علیه السلام إن سال من ذكرك شي ء من مذي أو ودي فلا تغسله ، ولا تقطع له الصلاة ، ولا ينقض الوضوء ، إنما ذلك بمنزلة النخامة ، كل شي ء خرج منك بعد الوضوء ، فإنه من الحبائل (3).

والوذي طاهر ، لأن الصادق علیه السلام قال : إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق (4).

وإنما ينقض الثلاثة لو خرجت من المواضع المعتادة على الأقوى ، صرفا للفظ إلى المتعارف. ويحتمل النقض ، للعموم لو خرج من غيرها ، سواء كان فوق المعدة أو تحتها ، فحينئذ لو خرج الريح المعتاد من القبل في النساء أو من الذكر لأدرة وغيرها ، نقض.

وعلى الأول لو انسد المعتاد وانفتح غيره ، نقض ، لأن الإنسان لا بد له حينئذ من منفذ يخرج منه الفضلات التي تدفعها الطبيعة ، فإذا انسد ذلك قام ما

ص: 71


1- سورة المائدة : 5.
2- وسائل الشيعة : 1 - 197 ح 7.
3- وسائل الشيعة : 1 - 196 ح 2.
4- وسائل الشيعة : 1 - 196 ح 5.

انفتح مقامه ، ولا فرق بين أن ينفتح فوق المعدة أو تحتها ، حتى لو قاء الغائط واعتاده نقض وإلا فإشكال.

ولو انفتح المنفذ وصار معتادا ، مع بقاء المعتاد على سلامته ، وخرج من أيهما كان نقض ، مع احتمال عدم النقض ، لو كان فوق المعدة أو محاذيا ، لأن الخارج من فوقها أو محاذيها لا يكون مما أحالته الطبيعة ، لأن ما تحيله تلقيه إلى أسفل ، فهو إذن أشبه بالقي ء.

وهل يجزي في المنفذ غير المعتاد الاستجمار؟ إشكال ينشأ : من الاقتصار في الطهارة والنجاسة اللتين لا يعقلان على مورد النص ، ومن الإجزاء هناك فكذا هنا ، إذ الاعتبار بالخارج لا بالمحل.

ولا ينقض الوضوء بمسه لو قلنا به في المعتاد ، لأصالة بقاء الطهارة ، وكونه ليس بفرج حقيقة ، فلا يندرج تحت النص في مس الفرج.

ولا يجب الغسل بالإيلاج فيه ، ويحل النظر إليه بغير شهوة ، وإن كان تحت السرة ، إذا لم نجعله من العورة.

البحث الثالث: ( في النوم وشبهه )

كل ما يزيل العقل من سكر أو إغماء أو جنون أو نوم يوجب الوضوء ، لقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) (1) قيل من النوم ، وقوله علیه السلام : من نام فليتوضأ (2).

ويشترط في النوم والسكر زوال الحاستين عن الإدراك ، أعني البصر والسمع ، فلا عبرة بالسنة مع الإدراك ، ولا بأوائل النشوة.

ولا فرق بين أن يكون النائم قاعدا ممكنا مقعدته في مقره ، أو مضطجعا ، أو مستلقيا ، أو قائما ، أو راكعا ، أو ساجدا ، وسواء كان مستندا أو غير

ص: 72


1- سورة المائدة : 6.
2- جامع الأصول 8 - 119.

مستند ، ولا بين أن يكون السناد بحيث لو سل لسقط ، وبين أن لا يكون كذلك. ولا بين أن يكون في الصلاة ، أو على هيئة من هيئات المصلين كالركوع والسجود وللمريض الاضطجاع أو لا ، ولا بين أن ينام الجالس قليلا أو كثيرا.

لأن النوم في أصله حدث لإطلاق الأحاديث. وكما في سائر الأحداث لا فرق فيها بين حالة القعود وغيرها ، ولأن النوم إنما أثر لأنه مظنة الخروج من غير شعور [ وهذا المعنى لا يختلف في الصلاة وغيرها ، والسكر والإغماء والجنون يشبه النوم في أنه قد يخرج الخارج من غير شعور ](1)بل الذهول عند هذه الأسباب أبلغ ، فكان الإيجاب فيه أكمل.

ولو أخبره المعصوم بعدم الخروج ، انتقض وضوؤه ، إقامة للمظنة مقام السبب ، كالمشقة مع السفر ، وعلى قول من جعله ناقضا بالعرض يكون طهارته باقية.

البحث الرابع: ( في الاستحاضة القليلة )

وقد ذهب أكثر علمائنا إلى وجوب الوضوء لكل صلاة ، لقوله علیه السلام : المستحاضة تتوضأ لكل صلاة (2). وقول الصادق علیه السلام : وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت وصلت كل صلاة بوضوء (3).

ولا تجمع بين صلاتين بوضوء ، سواء كانا فرضين أو نفلين أو بالتفريق ، وسواء كان الوقت باقيا أو لا.

ولو توضأت قبل الوقت ، لم يصح ، لعدم الضرورة ، ولقوله « وتتوضأ لكل صلاة » (4).

ص: 73


1- الزيادة من « ر » والظاهر سقوطه من نسخة « ق ».
2- وسائل الشيعة : 2 - 606 ح 6 ما يشبه ذلك.
3- وسائل الشيعة : 2 - 604 ح 1.
4- وسائل الشيعة : 2 - 606 ح 6.

ولو انقطع دمها للبرء بعد الطهارة قبل الشروع ، استأنفت ، لأنه شرع للضرورة وقد زالت ، فأشبهت التيمم.

ولو صلت من غير استيناف ، أعادت الصلاة بعد الاستيناف ، لأنها دخلت غير متطهرة.

ولو انقطع في أثناء الصلاة أتمت ، لأنها دخلت دخولا مشروعا. أما لو كان الانقطاع لا للبرء ، فالأولى استصحاب حكم الطهارة مطلقا.

وهل يجب على المستحاضة الصلاة بعد الطهارة على الفور؟ نص في المبسوط (1) عليه ، لأنها طهارة ضرورية ، فلا تتقدم على الفعل بالمعتاد كالتيمم.

البحث الخامس: ( في المس )

المشهور عند علمائنا عدم النقض به ، سواء القبل والدبر ، منه أو من غيره رجلا أو امرأة ، باطنا أو ظاهرا ، بشهوة أو بغيرها.

خلافا لابن بابويه حيث نقضه بمس باطن ذكره أو باطن دبره.

ولابن الجنيد حيث نقضه بمسهما وبمس ظاهر فرج غير المحرم ، وسواء مس فرجه فرج المرأة أو غيره من الأعضاء ، وسواء مس براحته ، أو بطرف الأصابع ، أو بغيرهما.

ولا فرق بين مس فرج البهيمة والميتة والصغيرة وأضدادها ، لقول الباقر علیه السلام : ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مس الفرج وضوء (2). وللأصل.

ص: 74


1- قال في المبسوط [ 1 - 68 ] : وإذا توضأت في أول الوقت وصلت في آخر الوقت لم تصح صلاتها ، لأن المأخوذ عليها أن تتوضأ عند الصلاة ، وذلك يقتضي أن يتعقب الصلاة الوضوء ، فلا يتأخر عنه على حال.
2- وسائل الشيعة : 1 - 192 ح 3.
فروع: ( على القول به )

الأول : لو مس من وراء حائل لم ينقض طهارته ، لأنه لم يمس حقيقة ، ولهذا لو حلف لا يمس امرأة ، فمسها من وراء حائل لم يحنث.

الثاني : لا ينقض مس غير الفرجين مطلقا عندنا.

الثالث : لو مس باطن الذكر المقطوع أو فرج الميتة فإشكال ، ينشأ : من مطلق المس ، ومن وجوب الغسل بالإيلاج. ومن عدم اعتباره في الشهوة ، مع أن المعنى يقتضي اعتبار الوقوع في مظنة الشهوة. وكذا مس الصغيرة التي ليست في محل الشهوة.

الرابع : لو مس فرج محرم بالنسب أو بالرضاع ، انتقض الوضوء ، سواء كان بشهوة أو لا.

الخامس : لا فرق بين المرأة والرجل لو لمسا باطن فرجهما أو باطن فرج غيرهما ، أما الملموس فلا ينقض وضوؤه ، للأصل ، ولأن عائشة قالت : أصابت يدي أخمص قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في الصلاة ، فلما فرغ من صلاته قال : أتاك شيطانك. فلو انتقض لاستأنف علیه السلام . ولو فعلت المرأة اللمس ، كانت هي اللامسة والملموسة.

السادس : لا فرق بين أن يقع اللمس عمدا أو سهوا ، كسائر الأحداث ، ولمس العجوز والعضو الأشل والزائد كالصبية والصحيح والأصلي.

السابع : لا فرق بين أن يمس الفرجين بالإصبع الأصلية أو الزائدة ، وببطن الكف وظهرها ، وباليد الزائدة والأصلية ، سواء كانا عاملتين أو إحداهما ، والشلاء كالصحيحة ، وكذا الذكر الأشل كالصحيح ، وحلقة الدبر وهي ملتقى المنفذ ينقض مس باطنها عندهما ، لأنه فرج يخالف فرج البهيمة ودبرها.

ص: 75

ولو مس باطن فرج الصبي لم ينقض ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله مس زبيبة الحسن والحسين علیهماالسلام ولم يتوضأ.

الثامن : لو مس محل الجب من المجبوب ، فإن مس باطنه احتمل النقض عندهما ، لأنه مس مظنة خروج الخارج ، فأشبه الشاخص. وعدمه لأنه من محل الذكر دون الذكر.

ولو مس باطن الثقبة المنفتحة مع انسداد المسلك الطبيعي ، فالوجهان.

التاسع : لو مس الخنثى باطن فرج واضح ، فالحكم على ما سبق ، وإن مس فرج نفسه. فإن مس باطن فرجيه جميعا ، انتقض وضوؤه عندهما ، ولو مس أحدهما فالأقرب عدم النقض ، لأنه إن مس الذكر جاز أن يكون زائدة كالسلعة ، وإن مس الآخر جاز أن يكون زائدا كثقبة زائدة.

فلو مس باطن أحدهما وصلى الصبح ثم توضأ ومس الآخر وصلى الظهر ، احتمل قضاؤهما معا ، لأن إحداهما وقعت مع الحدث. وعدم قضاء شي ء ، لأن لكل صلاة حكما منفردا بنفسها.

ولو اتفقتا عددا ، صلى ونوى ما في ذمته.

ولو مس أحدهما وصلى الصبح ، ثم مس الآخر وصلى الظهر من غير وضوء بينهما ، أعاد الظهر لأنه محدث عندها.

العاشر : لو مس رجل باطن ذكر الخنثى المشكل لم ينتقض وضوؤه ، لاحتمال أن يكون زائدا. وكذا لو مس فرجه ، لاحتمال أن يكون ذكرا والملموس ثقبة زائدة.

ولو مس المرأة باطن ذكره ، لم ينتقض وضوؤها ، لاحتمال أن يكون امرأة والملموس كسلعة زائدة.

وإن مست باطن فرجه ، فكذلك ، لاحتمال الذكورية والملموس ثقبة زائدة.

ص: 76

الحادي عشر : لو مس خنثى مشكل باطن فرجي خنثى مشكل ، انتقض وضوؤه ، لأن أحدهما أصلي. ولو مس أحدهما ، لم ينتقض ، لاحتمال الزيادة ، فلا يبطل للاستصحاب ، وكذا لو مس ذكر مشكل وباطن فرج مشكل آخر.

ولو مس أحد المشكلين فرج الآخر والآخر ذكر الأول ، لم ينتقض طهارة أحدهما للاستصحاب ، فلا يرجع عنه لمجرد الاحتمال.

خاتمة: ( ما يمنع الحدث منه )

حكم الحدث المنع من الصلاة إجماعا ، ولقوله علیه السلام : لا صلاة إلا بطهارة (1). ولأن الأمر عقيب القيام من النوم يستلزم الأمر عقيب الحدث ، لأن وجود السبب أقوى من وجود مظنته.

ومن الطواف ، لقوله علیه السلام : الطواف بالبيت صلاة ، إلا أن اللّه تعالى أباح فيه الكلام (2).

ومس كتابة القرآن ، لقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (3).

وقضاء السجدة المنسية أو التشهد المنسي ، لأن شرط الصلاة شرط في أجزائها.

ومن سجود السهو. ولا يشترط في سجدة الشكر ، ولا سجود التلاوة وإن وجب ، ولا في لمس المصحف ، ولا حمله ، والقراءة فيه.

ص: 77


1- وسائل الشيعة : 1 - 256.
2- سنن الدارمي ج 2 كتاب المناسك باب الكلام في الطواف.
3- سورة الواقعة : 79.
الفصل السادس: ( في الاستنجاء )
ومباحثه أربعة :
البحث الأول: ( في آدابه )

الاستنجاء واجب من البول والغائط ، لأنه علیه السلام مر بقبرين جديدين فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يتنزه من البول (1). وقال علیه السلام : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ثلاث أحجار فإنها تجزئ عنه (2). والإجزاء يفيد الوجوب.

وقال الباقر علیه السلام : وأما البول فلا بد من غسله (3). وقال علیه السلام : جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار (4).

ويجب على المتخلي ستر عورتيه عن أعين الناس ، للمنع من النظر إليهما.

ص: 78


1- صحيح مسلم 1 - 241 الرقم 292.
2- جامع الأصول 8 - 67.
3- وسائل الشيعة : 1 - 222 ح 1.
4- وسائل الشيعة : 1 - 246 ح 3.

قال علیه السلام : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك (1). وقال الصادق علیه السلام : لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه (2).

ويحرم عليه استقبال القبلة واستدبارها على الأصح ، قال علیه السلام : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول (3). وعن علي علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولكن شرقوا أو غربوا (4). والأصل في النهي التحريم.

ولا فرق في ذلك بين الصحاري والبنيان على الأقوى ، للعموم ولتعظيم شأن القبلة. ويحتمل اختصاص نهي الاستدبار بالمدينة وما ساواها ، لأن من استدبر الكعبة بالمدينة استقبل بيت المقدس تعظيما لبيت اللّه.

ولو كان الموضع مبنيا على أحدهما انحرف بوجهه ، فإن لم يمكنه الانحراف وتعذر غيره ، جاز له الاستقبال والاستدبار للضرورة. ولا يحرم استقبال بيت المقدس ولا استدباره ، لكن يكره استقباله لشرفه.

ويستحب له أمور :

الأول : الاستتار ببدنه أجمع عن أعين الناس ، لأنه أنسب بالاحتشام ، ولما فيه من التأسي بالنبي صلی اللّه علیه و آله قال جابر : خرجت مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في سفر ، فإذا هو بشجرتين بينهما أربع أذرع ، فقال : يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل لها يقول لك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفك ، ففعلت فجلس النبي صلی اللّه علیه و آله خلفهما ، ثم رجعا إلى مكانهما (5).

ص: 79


1- سنن ابن ماجة 1 - 618 الرقم 1920.
2- وسائل الشيعة : 1 - 211 ح 1 و 363 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 1 - 213 ح 1.
4- وسائل الشيعة : 1 - 213 ح 75.
5- سنن ابن ماجة 1 - 122 الرقم 339.

فينبغي أن يستتر بشجرة ، أو بنية جدار ، أو يجمع كثيبا من رمل ، هذا إن كان في الصحراء ، ولو أناخ راحلته واستتر بها ، أو جلس في وهدة أو نهر ، حصل المطلوب.

الثاني : تغطية الرأس عند دخول الخلاء ، لأنه من سنن النبي صلی اللّه علیه و آله (1).

الثالث : التسمية عند الدخول ، لأن الصادق علیه السلام كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه ويقول سرا في نفسه : بسم اللّه وباللّه (2).

الرابع : الدعاء عند الدخول ، وعند الاستنجاء ، والفراغ منه ، والخروج من الخلاء ، ومسح بطنه عند الفراغ.

قال الصادق علیه السلام : إذا دخلت المخرج فقل : بسم اللّه اللّهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم ، وإذا خرجت فقل : بسم اللّه الحمد لله الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عني الأذى (3).

وكان علي علیه السلام إذا أراد الدخول وقف على باب المتوضي والتفت عن يمينه ويساره إلى ملائكته فيقول : أميطا عني فلكما اللّه علي أن لا أحدث بلساني شيئا حتى أخرج إليكما (4). ويقول : الحمد لله الحافظ المؤدي. وإذا خرج قال : الحمد لله الذي رزقني لذته ، وأبقى قوته في جسدي ، وأخرج عني أذاه يا لها نعمة ثلاثا (5).

وكان النبي صلی اللّه علیه و آله يقول عند تطهيره : اللّهم أذهب عني الأذى

ص: 80


1- وسائل الشيعة : 1 - 214 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 1 - 314 ح 2.
3- وسائل الشيعة : 1 - 216 ح 1.
4- وسائل الشيعة : 1 - 236.
5- وسائل الشيعة : 1 - 216 ح 3.

والقذى ، واجعلني من المتطهرين. فإذا تزجر قال : اللّهم كما أطعمتنيه طيبا في عافية فأخرجه خبيثا في عافية (1).

الخامس : تقدم الرجل اليسري دخولا واليمين خروجا ، بخلاف المسجد فيهما ، لأن اليسار للأدنى واليمين لغيره. وهل يختص ذلك بالبنيان؟ الأقرب عدمه ، فيقدم اليسرى إذا بلغ موضع جلوسه في الصحراء ، وإذا فرغ قدم اليمين.

السادس : الاستبراء في البول ، بأن يمسح بيده من عند المقعد إلى أصل القضيب ثلاثا ، ثم يمسح القضيب ثلاثا ، وينتره ثلاثا ويتنحنح ، لقول الباقر علیه السلام : يعصر أصل ذكره ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول لكنه من الحبائل (2). ولاشتماله على الاستظهار في إخراج بقايا البول والتحرز منه.

ولو استظهر مع ذلك(3)بالمشي ، جاز. ولا يحشي الإحليل بالقطنة وشبهها.

فإذا وجد بللا بعد الاستبراء ، فإن عرف أنه بول تطهر منه ، وإلا لم يلتفت. ولو لم يستبرئ وتوضأ وصلى ، صحت صلاته ، لأن الظاهر انقطاعه. فإن وجد بللا قبل الصلاة مشتبها أعاد الطهارة ، لغلبة الظن بأنه بقايا من البول.

ولو وجده بعد الصلاة ، صحت صلاته ، لوقوعها على الوجه المشروع ، ويعيد الوضوء لحصول ما يساوي البول في الحكم. ولا فرق بين الرجل والمرأة والبكر وغيرها ، للتغاير بين موضع البكارة ومخرج البول.

السابع : الاعتماد في الجلوس على الرجل اليسرى ، لأنه علیه السلام علم أصحابه الاتكاء على اليسرى.

ص: 81


1- وسائل الشيعة : 1 - 217 ح 5.
2- وسائل الشيعة : 1 - 225 ح 1.
3- في « ق » الاستبراء.

الثامن : إعداد أحجار الاستنجاء خوف الانتشار لو طلبها بعد قضاء الحاجة.

التاسع : أن يطلب لبوله الموضع المرتفع ، لأنه أحفظ من غيره ، ولأن الرضا علیه السلام قام في سفح آخر الليل فبال وتوضأ على موضع مرتفع ، وقال : من فقه الرجل أن يرتاد لموضع بوله ، ثم بسط سراويله وصلى صلاة الليل (1).

ويكره له أشياء :

الأول : يكره استقبال الشمس والقمر في البول والغائط ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى أن يستقبل الرجل الشمس والقمر وهو يبول (2). ولا فرق بين حالتي ظهور نورهما وستره بالكسف.

ولو فعل ذلك محاذيا لهما وبينهما حائل لم يكره ، لأنه لو استتر عن القبلة بالانحراف ، جاز فهنا أولى. ولا يكره استدبارهما.

الثاني : يكره استقبال الريح بالبول ، لئلا يرده عليه ، لقول الحسين علیه السلام : ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها(3). والظاهر أن المراد بالنهي عن الاستدبار حالة خوف الرد إليه.

الثالث : يكره البول على الأرض الصلبة ، لئلا ترده عليه. قال الصادق علیه السلام : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أشد الناس توقيا عن البول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض ، أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير ، كراهة أن ينضح عليه البول (4).

الرابع : البول قائما إلا لضرورة ، لئلا يرجع عليه ، ولقوله علیه السلام : البول قائما من غير علة من الجفاء (5).

ص: 82


1- وسائل الشيعة : 1 - 238 ح 3.
2- وسائل الشيعة : 1 - 241 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 1 - 213 ح 6 والرواية فيه عن الحسن علیه السلام .
4- وسائل الشيعة : 1 - 238 ح 2.
5- وسائل الشيعة : 1 - 248 ح 3.

ولو كان به علة ، زالت الكراهة ، والأقرب أن العلة التوقي من البول ، ولو كان في حالة لا يفتقر إلى الاحتراز منه كالحمام ، زالت الكراهة.

الخامس : أن يطمح ببوله في الهواء ، لئلا يرده عليه ، وكره النبي صلی اللّه علیه و آله للرجل أن يطمح ببوله من السطح في الهواء (1).

السادس : البول في الماء الجاري والراكد ، والراكد أشد كراهة ، لقوله علیه السلام : لا يبولن أحدكم في الماء الدائم (2).

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : إنه نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة. وقال : إن للماء أهلا (3).

وعن الصادق علیه السلام : لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره أن يبول في الراكد (4). ولأنه إن كان قليلا أفسده وعطل فوائده.

وبالليل أشد لما قيل : من أن الماء بالليل للجن ، فلا يبال فيه ولا يغتسل ، حذرا من إصابة آفة من جهتهم.

السابع : الجلوس للحدث في المشارع والشوارع ، ومواضع اللعن للتأذي ، وتحت الأشجار المثمرة صيانة لها عن التلويث بالنجاسة ، فيضمن أرش الفاسد. وفي النزال ، ومساقط الثمار ، وجحرة الحيوان ، وأفنية الدور.

ولقول زين العابدين علیه السلام : يتقي شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن ، قيل : وأين مواضع اللعن؟ قال : أبواب الدور (5). ونهى النبي صلی اللّه علیه و آله أن يبال في الجحر (6) للتأذي بذلك.

ص: 83


1- وسائل الشيعة : 1 - 249 ح 8.
2- سنن ابن ماجة 1 - 124.
3- وسائل الشيعة : 1 - 240.
4- وسائل الشيعة : 1 - 107 ح 1.
5- وسائل الشيعة : 1 - 228 ح 1.
6- سنن أبي داود : 1 - 8.

الثامن : السواك على الخلاء ، لقول الكاظم علیه السلام : إنه يورث البخر (1).

التاسع : الكلام على الخلاء ، لأن الرضا علیه السلام قال : نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ (2).

ولا يكره الذكر ولا حكاية الأذان ولا آية الكرسي ، قال الصادق علیه السلام : لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي وحمد اللّه وآية (3).

وروي أنه لما ناجى اللّه موسى بن عمران علیه السلام قال موسى : يا رب أبعيد أنت فأناديك أم قريب فأناجيك ، فأوحى اللّه جل جلاله أنا جليس من ذكرني ، فقال موسى : يا رب إني أكون في أحوال أجلك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى : اذكرني على كل حال (4).

ويجب رد السلام لو سلم عليه حينئذ ، لعموم الأمر. ويستحب حمد اللّه على العطسة وتسميت العاطس ، لأنهما ذكر ولو احتاج إلى شي ء ولم يقدر بالتصفيق وشبهه ، تكلم.

العاشر : الاستنجاء باليمين ، لقوله علیه السلام : إنه من الجفاء (5). ولو فعله أجزأه ، ولا يكره الاستعانة باليمين بصب الماء أو غيره ، لعدم تناول النهي له ، ولا الاستنجاء بها مع الحاجة ، كمرض اليسرى وغيره.

الحادي عشر : الاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه اسم من أسماء اللّه تعالى ، أو أسماء أنبيائه ، أو أحد الأئمة علیهم السلام ، أو فصه من حجر زمزم ، لاشتماله على ترك التعظيم المأمور به ، لقول الصادق علیه السلام : ولا

ص: 84


1- وسائل الشيعة : 1 - 237 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 1 - 218 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 1 - 220 ح 7.
4- وسائل الشيعة : 1 - 220 ح 4.
5- وسائل الشيعة : 1 - 226.

يستنجي وعليه خاتم فيه اسم اللّه ، ولا يجامع وهو عليه ، ولا يدخل المخرج وهو عليه (1).

ولو كان عليه شي ء من ذلك ، فليحوله حذرا من المكروه.

الثاني عشر : الأكل والشرب على حال الخلاء ، لأن الباقر علیه السلام وجد لقمة في القذر لما دخل الخلاء فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك كان معه وقال : يكون معك لأكلها إذا خرجت ، فلما خرج علیه السلام قال للمملوك : أين اللقمة؟ قال : أكلتها يا ابن رسول اللّه ، فقال : إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة ، فاذهب فأنت حر لوجه اللّه تعالى ، فإني أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنة (2). فتأخيره علیه السلام أكلها إلى الخروج مع ما فيه من الثواب يدل على كراهة الأكل حينئذ.

الثالث عشر : الحدث على شطوط الأنهار ورءوس الآبار ، لما فيه من أذى الواردين ، وقد نهى علیه السلام أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب ماؤها ، أو نهر يستعذب ، أو تحت شجرة فيها ثمرتها (3).

الرابع عشر : طول الجلوس على الخلاء ، لقول الصادق علیه السلام : إنه يورث الباسور (4).

الخامس عشر : مس الذكر باليمين عند البول ، لنهي الباقر علیه السلام عنه (5).

السادس عشر : استصحاب دراهم بيض لنهي الباقر علیه السلام عنه (6) ، إلا أن تكون مشدودة.

ص: 85


1- وسائل الشيعة : 1 - 233 ح 5.
2- وسائل الشيعة : 1 - 254 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 1 - 228 ح 3.
4- وسائل الشيعة : 1 - 237 ح 4.
5- وسائل الشيعة : 1 - 226 ح 6.
6- وسائل الشيعة : 1 - 234 ح 7.
البحث الثاني: ( فيما يستنجى عنه )

لا يستنجى من النوم والريح إجماعا ، لقوله علیه السلام : من استنجى من ريح فليس منا (1).

والخارج من الأعيان إن أوجب الطهارة الكبرى كالمني والحيض يجب فيه الغسل ، فلا يمكن الاقتصار على الحجر وإن لم يوجبها ولا الصغرى وكان نجسا كدم الفصد والحجام ، وجبت إزالته بالماء ، كغيرهما من النجاسات ، ولا مدخل للحجر فيه ، لأنه تخفيف على خلاف القياس فيما يعم به البلوى للمشقة ، فلا يلحق به غيره.

وما يخرج من السبيلين من الأجسام الطاهرة ، كالحصاة والدود إذا لم يكن متلطخا ببول ولا غائط ، لا يجب منه طهارة عندنا ، ولا استنجاء منه بالماء ولا بالحجر ، لأن القصد إزالة النجاسة أو تخفيفها عن المحل ، فإذا لم يكن منفعلا بالنجاسة لم يكن للإزالة ولا للتخفيف معنى.

وأما البول : فلا يجزي فيه إلا الماء عند علمائنا أجمع ، عملا بالأصل من بقاء حكم النجاسة الشرعية ، إلا أن يرد المزيل شرعا ، ولقول الباقر علیه السلام : فأما البول فلا بد من غسله بالماء (2).

ولو لم يجد الماء ، ينشف بخرقة أو حجر ، لوجوب إزالة العين والأثر ، فلا يسقط أحدهما بتعذر الآخر ، ليحصل أمن الانتشار ، ولا يفيد طهارة المحل ، فإنه باق على النجاسة ، فإذا وجد الماء وجب غسله.

ولو تعدت رطوبة عرق المحل إلى آخر نجسه.

وأما الغائط : فإن تعدى المخرج ، تعين الماء ، سواء انتشر أكثر من القدر المعتاد أو لا ، لأن الأصل إزالة النجاسة بالماء بحيث لا يبقى عين ولا

ص: 86


1- راجع المنتهى 1 - 47.
2- وسائل الشيعة : 1 - 222 ح 1.

أثر. والاستنجاء في المحل المعتاد رخصة ، لأجل المشقة الحاصلة من تكرار الغسل مع تكرر النجاسة. أما ما لا تتكرر فيه حصول النجاسة ، فإنه باق على أصالة الغسل.

والجمع بينه وبين الأحجار أفضل ، مبالغة في الاستظهار ، ولقول الصادق علیه السلام : جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء (1) فإذا اجتمع(2)قدم الأحجار ، إذ لا فائدة فيها بعد إزالة النجاسة بالماء ، وقبلها لا يجزي استعمالها لانتشار النجاسة بعد الغسل الناقص.

ونعني بالمخرج الحواشي ، فما جاوزها متعد وإن لم يبلغ الأليتين.

وإن لم يتعد المخرج تخير بين الماء والأحجار إجماعا ، ولقوله علیه السلام : إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزي عنه (3).

والماء أفضل ، لاشتماله على المبالغة في الإزالة وعلى إزالة العين والأثر ، ولقوله تعالى ( رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) (4) قال : كانوا يستنجون بالماء.

والجمع بين الأحجار والماء أكمل ، لاشتماله على جمع المطهرين ، فالحجر يزيل العين ، والماء يزيل الأثر ، فلا يحتاج إلى مخامرة(5)عين النجاسة ، وهي محسوسة.

البحث الثالث: ( فيما يستنجى به )

وهو إما مائع أو جامد ، أما المائع فليس إلا الماء الطاهر المطلق على ما يأتي ، المملوك ، أو المباح. فلو استعمل المغصوب أو المشتبه به أثم وطهر ، لزوال النجاسة ، وليس عبادة محضة.

ص: 87


1- وسائل الشيعة : 1 - 246 ح 4.
2- في « ر » جمع.
3- سنن أبي داود 1 - 11.
4- سورة التوبة : 108.
5- في « ق » محامرة.

وأما الجامد فيشترط فيه أمور :

الأول : أن يكون طاهرا ، لأن النجاسة لا تزال بالنجس كالماء النجس ، ولا فرق بين نجس العين والعرض.

فلو استنجى بالنجس احتمل وجوب الماء ، لأن الحجر رخصة وتخفيف فيما يعم به البلوى ، فيقف على موردها ، وهي نجاسة الغائط المختص بالمحل ، ولا يلحق به غيره. والاقتصار على الحجر ، لأن النجس لا يتأثر بالنجاسة ، فيبقى حكمه كما كان. والتفصيل فإن كانت نجاسته بغير الغائط تعين الماء ، وإلا اكتفى بثلاثة غيره.

الثاني : أن يكون منسفا(1)قالعا للنجاسة ، فلا يجزي غير القالع كالأملس واللزج وما ينثر أجزاؤه كالفحم الرخوة والتراب ، لالتصاقه بالنجاسة.

ولو استنجى بما لا يقلع ، لم يسقط الفرض به ، وإن أبقى العين خاصة ، ويتعين بعده الماء إن نقل النجاسة من موضع إلى آخر. وإن لم ينقل جاز الاقتصار على الحجر.

ولا يجوز الحجر الرطب ونحوه ، لأن البلل الذي عليه نجس بإصابة النجاسة إياه ، ويعود شي ء منه إلى محل النجو ، فيحصل عليه نجاسة أجنبية ، فيكون قد استعمل الحجر النجس ، ولأن الرطب لا يزيل النجاسة ، بل يزيل التلويث والانتشار. ويحتمل الإجزاء ، لأن البلل ينجس بالانفصال ، كالماء الذي يغسل به النجاسة لإصابة النجاسة.

الثالث : ألا يكون محرما كالمطعومات لحرمتها ، والعظم معدود منها ، لأنه علیه السلام نهى عن الاستنجاء بالعظم وقال : إنه زاد إخوانكم من الجن (2). وليس له حكم طعامنا من تحريم الربا. ومن الأشياء المحترمة ما

ص: 88


1- نسف نسفا البناء : قلعه من أصله.
2- جامع الأصول 8 - 68.

كتب عليه شي ء من العلم كالحديث والفقه ، وكالتربة المأخوذة من مشاهد الأئمة علیهم السلام .

ولا حرمة هنا في جزء الحيوان المتصل به كاليد والعقب من المستنجي وغيره وكذنب الحمار ، فلو استنجى بذلك جاز ، ولا فرق بين يده ويد غيره ، لأنه لا حرج على الموفي(1)تعاطي النجاسات ، وكذا يجوز بجملة الحيوان ، كما لو استنجى بعصفورة حية وشبهها.

ولا يلحق بالمحرمات في هذا الحكم الذهب والفضة ، فيجوز الاستنجاء بالقطعة الخشنة من الذهب والفضة والأحجار النفيسة ، كما بالقطعة من الديباج.

وإذا استنجى بالمحرم كالمطعوم وغيره ، أثم وأجزأ على الأقوى ، لأن القصد قلع النجاسة وقد حصل ، فلا يتوجه إليه خطاب بإزالتها بعده ، وقيل : لا يجزيه ، لأن الحجر رخصة ، والرخص لا تناط بالمعاصي ، وينتقض بالحجر المغصوب ، وعلى الثاني له الاقتصار على الأحجار ، كأنه لم يستعمل شيئا ، إلا إذا نقل النجاسة عن موضعها كالأملس.

ويجوز استعمال الخزف والمدر والجلد الطاهر والصوف والقطن والخرق بدلا من الأحجار.

ولا فرق في الجلد بين المدبوغ وغيره من المأكول وغيره ، إلا المشوي لأنه مطعوم حينئذ ، مع احتمال المنع لذلك في غير المشوي إذا لم يكن مدبوغا.

ولو كان الطين نجسا وصار آجرا ، طهر وجاز الاستنجاء به.

ولا يجوز استعمال ما استنجى به أولا ، إلا بعد غسله ، أو إزالة النجاسة عن ظاهره بإزالة الأجزاء النجسة عنه ، إلا أن يكون طاهرا كالحجر الثاني والثالث إذا لم يبق على الموضع شي ء فيجوز.

الرابع : العدد ، ويجب ثلاثة أحجار ، لقوله علیه السلام : إذا جلس

ص: 89


1- في « ق » الموافي.

أحدكم لحاجته فليمسح ثلاث مسحات (1). وقال الباقر علیه السلام : يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (2).

ولو نقي المحل بالأقل ففي الإجزاء إشكال ينشأ : من الأمر بالثلاثة ، قال سلمان : نهانا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار (3). ولحديث الباقر علیه السلام (4). ولتعذر الإزالة الكلية بالحجر الواحد ، فلا بد من تخلف شي ء من أجزاء النجاسة ، وقليلها ككثيرها. ومن حصول الغرض وهو الإزالة ، فلا يبقى مخاطبا بها لامتناعها.

ولو لم ينق بالثلاثة وجب الزائد حتى يحصل الإنقاء(5)إجماعا ، لأنه المقصود الأصلي من شرع الاستنجاء ، لكن يستحب الإيتار ، فلو أنقي بالرابعة استحب أن يوتر بخامسة ، لقوله علیه السلام : إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وترا (6). ونعني بالنقاء زوال عين النجاسة ورطوبتها ، بحيث يخرج الحجر نقيا لا أثر عليه.

ويجزي ذو الجهات(7)الثلاث إذا استعملها إجماعا على الأصح ، لأنه استجمر ثلاثا منقية بما وجد فيه شرطا للاستجمار فأجزأه ، كما لو تعددت حسا ، ولأنه لو فصله لجاز استعماله إجماعا ولا فرق إلا هو الفصل ولا أثر له في التطهير ، ولأن الواجب التطهير ، وهو إنما يحصل بعدد المسحات دون الأحجار.

وكذا الخرقة الطويلة لو مسح ثلاث مواضع منها جاز ، ولو مسح بظاهرها وباطنها إذا لم ينفذ إليه جاز.

ص: 90


1- راجع جواهر الكلام 2 - 43.
2- وسائل الشيعة : 1 - 246.
3- جامع الأصول 8 - 60.
4- المتقدم آنفا.
5- كذا في النسخ والظاهر : النقاء.
6- جامع الأصول 8 - 61.
7- في « ر » ذو الشعب.

ولو استعمل ثلاثة أنفس ثلاثة أحجار كل واحد منهم من كل حجر بشعبة ، أجزأهم.

البحث الرابع: ( في كيفية الاستنجاء )

أما في البول فقد بينا وجوب الماء ، وكذا المتعدي من الغائط ، ولا يتعين في غيره ، فإذا استنجى بالماء لم يكن له حد سوى الإنقاء من العين والأثر دون الرائحة ، إذ بدونه لا يحصل الفرض وهو إزالة النجاسة ، ومعه ينتفي الخطاب بالإزالة.

وسئل الرضا علیه السلام للاستنجاء حد؟ قال لا ينقى ما ثمة قلت : فإنه يبقى الريح قال : الريح لا ينظر إليها (1). وعن الصادق علیه السلام وقد سئل عما يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال : مثلا ما على الحشفة من البلل (2).

والضابط : ما يزيل العين عن رأس الفرج. ولا فرق بين البكر والثيب ، ولا بين أن يخرج البول بحدة بحيث لا ينشر أو لا في وجوب الماء. والأغلف إن كان مرتتقا لا يمكنه إخراج البشرة فكالمختنين ، وإن أمكنه أخرجها إذا بال وغسل المخرج وما تعدى إليه البول ، فإن لم يمكنه(3)منها وقت البول فالأقرب وجوب كشفها لغسل المخرج. ولو نجست بالبول وجب غسلها ، كما لو انتشر إلى الحشفة.

ولو توضأ قبل غسل المخرج جاز ، فإن صلى أعاد الصلاة خاصة ، لإجزاء الوضوء ، إذ ليس من شرطه طهارة غير محله ، وعدم إجزاء الصلاة لعدم الشرط.

ص: 91


1- وسائل الشيعة : 1 - 227 ح 1 ب 13.
2- وسائل الشيعة : 1 - 242 ح 5.
3- في « ر » فإن لم يكشفها.

ولا يجب على المرأة إدخال إصبعها في فرجها ، لعدم قبول الباطن النجاسة.

ولا يجب على من بال غسل مخرج الغائط وبالعكس ، لعدم المقتضي.

ولو سال إلى فرج المرأة مني من ذكر أو أنثى ثم خرج ، لم يجب به وضوء ولا غسل ، بل حكمه حكم نجاسة ملاقية للبدن.

وأما الغائط : فإن استعمل الماء فيه ، وجب الإنقاء لجميع أجزاء المحل من العين والأثر دون الرائحة كما تقدم ، وإن استعمل الأحجار تخير بين توزيع الثلاثة على أجزاء المحل مع حصول الإنقاء ، وبين توارد كل منها على جميع أجزائه ، لصدق استعمال الثلاثة عليهما وحصول الغرض بهما ، والأحسن الثاني.

فيضع حجرا على مقدم الصفحة اليمنى فيمسحها به إلى مؤخرها ويدير إلى الصفحة اليسرى فيمسحها به من مؤخرها إلى مقدمها ، ويرجع إلى الموضع الذي بدأ منه ، ويضع الحجر الثاني على مقدم الصفحة اليسرى ويفعل به مثل ذلك ، ويمسح بالثالث الصفحتين.

وينبغي وضع الحجر على موضع طاهر بقرب النجاسة ، لأنه لو وضعه على النجاسة لأبقى منها شيئا وانتشرها ، فيتعين حينئذ الماء ، ثم إذا انتهى إلى النجاسة أدار الحجر قليلا حتى يرفع كل جزء منه جزءا من النجاسة.

ولو أمر من غير إدارة لنقل النجاسة من موضع إلى آخر ، فيتعين الماء.

ولو أمره ولم ينقل فالأقرب الإجزاء ، لأن الاقتصار على الحجر رخصة ، وتكليف الإدارة تضييق باب الرخصة. ويحتمل عدمه ، لأن الجزء الثاني من المحل يلقى ما ينجس من الحجر ، والاستنجاء بالنجس لا يجوز.

ص: 92

الباب الثاني: ( في الغسل )

اشارة

ويجب بأسباب ستة : الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الأموات ، والموت ، فهنا فصول :

ص: 93

ص: 94

الفصل الأول: ( في الجنابة )
وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في العلة )
اشارة

الجنابة تحصل بأمرين إجماعا : التقاء الختانين ، والإنزال ، لقوله علیه السلام : إنما الماء من الماء (1). وقوله علیه السلام : إذ التقى الختانان فقد وجب الغسل (2).

فهنا بحثان :

البحث الأول: ( الجماع )

ويجب الغسل بالتقاء الختانين ، والمراد به تحاذيهما لا التصاقهما لاستحالته ، فإن مدخل الذكر في أسفل الفرج ، وهو مخرج الولد والحيض ، وموضع الختان في أعلاه وبينهما ثقبة البول ، والشفرات محيطان بهما جميعا.

ص: 95


1- سنن ابن ماجة 1 - 199 الرقم 607.
2- وسائل الشيعة : 1 - 469 ح 2.

وموضع الختان غير معتبر بعينه ، لا في الذكر ولا في الأنثى ، أما الذكر فلو كان مقطوع الحشفة وغيب من الباقي بقدرها وجب ، ومعلوم أنه ليس موضع ختان ، لكنه في معنى الحشفة ، ولقول أحدهما علیهم السلام : إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم (1).

ولو غيب بعض الحشفة ، لم يجب الغسل ، لعدم التحاذي غالبا. وأما في الأنثى فلأن موضع الختان قبل المرأة ، وكما يجب الغسل بإيلاج الحشفة فيه ، كذا يجب بإيلاجها في دبرها على الأصح عليهما معا ، لقوله تعالى ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (2).

وفي إيجاب الغسل بالإيلاج في فرج البهيمة إشكال ينشأ : من أنه جماع في فرج ، فأشبه فرج الآدميين من عدم النص وأصالة البراءة.

ولا فرق بين الحي والميت ، لصدق التقاء الختانين. وكذا الصغيرة التي لا تشتهي.

وكذا يجب الغسل على من غاب فرج الميت والدابة في فرجه ، ولا يجب إعادة غسل الميت بسبب الإيلاج فيه.

وكذا يجب لو أولج في دبر الذكر ، سواء كان صغيرا أو كبيرا ، منتهى أو لا ، بقدر الحشفة عليهما معا ، لأنه مفهوم من قوله علیه السلام : أتوجبون عليه الرجم والجلد ولا توجبون عليه صاعا من الماء (3). في جعل وجوبه تابعا لوجوبهما في التقاء الختانين الخالي عن الإنزال.

ولو لف على ذكره خرقة وأولج ، احتمل حصول الجنابة لحصول التحاذي. وعدمه ، لأن استكمال اللذة إنما يحصل مع ارتفاع الحجاب ، واعتبار الخرقة ،(4)إن كانت لينة لا تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر ووصول الحرارة مع أحدهما إلى الآخر حصلت ، وإلا فلا.

ص: 96


1- وسائل الشيعة : 1 - 469 ح 1.
2- سورة النساء : 43 ، وسورة المائدة : 6.
3- وسائل الشيعة : 1 - 470 ح 5.
4- كذا في النسخ ، والظاهر : فإن.

ولو أولج أحد المشكلين في فرج الآخر ، فلا جنابة ولا حدث إن جعلنا مس باطن الفرج منه ، لجواز كونهما امرأتين أو رجلين. ويحتمل حصولهما ، لعموم الالتقاء. وفي وجوب الحد هنا إشكال ، نعم يجب التعزير قطعا.

وكذا يجب لو أولج كل منهما في فرج الآخر. ولو أولج كل منهما في دبر الآخر فلا جنابة أيضا ، لجواز كونهما امرأتين. ولو أولج أحدهما في فرج الآخر والآخر في دبر الأول ، فلا جنابة ، لاحتمال كونهما امرأتين ، وعلى غير هذا التقدير هما محدثان.

ولو أولج المشكل في فرج امرأة ، فلا جنابة لجواز كونه امرأة ، وكذا لو أولج في دبر رجل. ولو أولج الرجل في دبر المشكل فهما جنبان. ولو أولج في فرجه فلا جنابة ، لجواز كونه ذكرا.

ولو أولج رجل في فرج مشكل والمشكل في فرج امرأة ، فالمشكل جنب ، لعدم خلوه من الذكورية والأنوثية ، ولا جنابة للرجل ولا للمرأة على إشكال ، ينشأ : من العلم بجنابة أحدهما ، فيجب عليهما الغسل احتياطا. ومن أن أمر الطهارة لا يرتفع بالشك.

وكيف حصل إيلاج الحشفة حصلت الجنابة ، سواء كانا طائعين أو مكرهين أو نائمين ، أنزل أو لا.

ولو وطئ الصبي أو وطئت الصبية ، احتمل عدم الجنابة ، لعدم وجوب الصلاة في حقهما. وثبوته للعموم ، فحينئذ لا يوجب الغسل عليهما في الحال ، لكن يبقى في حقه شرطا كما في حق الكبير ، وإذا بلغ كان حكم الحدث في حقه باقيا كالأصغر ، فإنه تنقض الطهارة في حق الصغير والكبير.

ولو اغتسل صغيرا أو توضأ عن الحدث ، فالأقرب وجوب الإعادة عند البلوغ ، وفي استباحة ما يبيحه الغسل أو الوضوء إشكال.

ولو جامع الكافر ، لحقه حكم الجنابة ، فإذا أسلم لم يسقط وجوبه عنه ، ولو اغتسل في حال كفره لم يعتد به ، لأنه جنب بعد الإسلام ، وما فعله لم يقع طاعة ، لانتفاء شرطه حينئذ ، وكذا المرتد.

ص: 97

ولا يبطل الغسل بالارتداد ، لأن حدث الجنابة قد زال بالغسل ولم يتجدد موجب آخر ، والحدث لا يعود بعد زواله إلا بإعادة السبب.

ولو استدخلت ذكرا مقطوعا فالأقرب عدم الجنابة ولو استدخلت ماء الرجل لم يجب عليها الغسل.

ولو استمتع بما دون القبل والدبر كالسرة والفم وغيرهما ، فلا جنابة ، لعدم تعلق أحكام الإيلاج في القبل من الحد والتحليل والتحصين وتقرير المهر وتحريم المصاهرة.

البحث الثاني: ( الإنزال )

وتحصل الجنابة بإنزال الماء الدافق ، وهو المني الذي يخلق منه الولد ، وله ثلاث خواص ، الرائحة الشبيهة برائحة الكش والعجين ما دام رطبا ، فإذا يبس أشبه رائحة بياض البيض. والتدفق بدفعات ، قال اللّه تعالى ( مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ) (1) والتلذذ بخروجه ، بحيث يستعقب فتور الجسد وانكسار الشهوة.

ومني الرجل غالبا ثخين أبيض ، ومني المرأة غالبا رقيق أصفر ، والودي يشبه مني الرجل في بياضه وثخنه ، والمذي مني المرأة في رقته.

ولو زالت الثخانة والبياض لمرض ، وجب الغسل عند وجوب شي ء من خواصه.

ولو خرج على لون الدم لاستكثار الجماع ، وجب الغسل أيضا ، اعتمادا على الصفات الخاصة. ويحتمل عدمه ، لأن المني في الأصل دم ، فإذا خرج على لونه أشبه سائر الدماء.

ص: 98


1- سورة الطارق : 6.

ولو استيقظ ولم ير إلا الثخانة والبياض ، لم يجب الغسل ، لاحتمال كونه وديا ، فلا يجب بالشك.

ولو ظن أنه مني باعتبار أن الودي لا يليق بطبعه ، أو بتذكر وقاع تخيله ، احتمل استصحاب يقين الطهارة ، والبناء على الظن للاحتياط.

ولا يشترط اجتماع الخواص ، فلو خرج مني بغير دفق ولا شهوة ، لمرض أو حمل شي ء ثقيل ، وجب الغسل ، لقوله علیه السلام : الماء من الماء (1).

ولو اغتسل عن الإنزال ثم وجد بقية مني ، وجب الغسل ، سواء خرجت بعد البول أو قبله.

وكيف حصل الإنزال ، وجب الغسل ، سواء كان بشهوة أو لا ، وسواء كان نائما أو لا.

ولو اشتبه الخارج اعتبره الصحيح باللذة والدفق وفتور الجسد ، لقول الكاظم علیه السلام : إذا جاءت الشهوة ولها دفع وفتر بخروجه فعليه الغسل ، وإن كان إنما هو شي ء لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس (2). والمريض بالشهوة وفتور الجسد ، لضعف قوته عن التدفق.

ولو خرج المني من غير الطريق المعتاد ، كثقبة في الصلب ، أو في الخصية أو الذكر ، فالأقرب إلحاق حكم الجنابة به ، لعموم « إنما الماء من الماء » (3).

ويحتمل إلحاقه بالغائط الخارج من غير المعتاد ، فإن اعتبرنا هناك المعدة ، فالأقوى اعتبار الصلب هنا ، فقد قيل إنه يخرج من الصلب.

وحكمه مشترك بين الرجل والمرأة كالجماع ، لأن أم سليم جاءت إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقالت : إن اللّه لا يستحيي من الحق هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال : نعم إذا رأت المرأة الماء (4).

ص: 99


1- سنن ابن ماجة 1 - 199.
2- وسائل الشيعة : 1 - 477 ح 1.
3- سنن ابن ماجة 1 - 199.
4- جامع الأصول 8 - 165.

ولو خرج منها مني الرجل خاصة فلا غسل عليها ، وإذا احتلم فاستيقظ فلم يجد منيا فلا جنابة ، لقوله علیه السلام : ( إنما الماء من الماء الأكبر ) (1). فإذا رأى في منامه ولم ير الماء الأكبر فليس عليه غسل ، ولسقوط اعتبار رؤيا النائم في إيجاب الأحكام.

وهل تكفي الشهوة في المرأة أو لا بد من التدفق لو اشتبه؟ إشكال. ولو خرج منيها من غير شهوة وجب الغسل كالرجل.

ولو اغتسلت من الجماع ثم خرج منها المني ، لزمها إعادته بشرط أن تكون ذات شهوة ، بخلاف الصغيرة التي لا شهوة لها وإن نقص شهوتها بذلك الجماع ، لا(2)كالنائمة والمكرهة ، لغلبة الظن معها بامتزاج منيها لمنيه ، فإذا خرج المختلط فقد خرج منيها معه.

أما الصغيرة والمكرهة والنائمة إذا خرج المني منها بعد الغسل ، لم يلزم إعادته ، لأن الخارج مني الرجل ، وخروج مني الغير لا يقتضي جنابة.

ولو استدخلت المرأة منيا ، لم يجب الغسل ، وإن وجبت به العدة إذا كان محترما ، لأن الاستدخال لا يندرج تحت النصوص ، ولا هو في معنى النصوص.

ولو أحس بانتقال المني عند الشهوة ، فأمسك ذكره فلم يخرج ، فلا غسل عليه ، لأن وجوبه معلق على الخروج ولم يحصل.

ولو خرج المني بعد الانتقال والإمساك لزمه الغسل ، سواء اغتسل أو لا ، لوجود المقتضي وهو الخروج. ولا اعتبار بالشهوة وعدمها ، ولا البول وعدمه.

وكذا لو خرج الماء فاغتسل ، ثم خرج شي ء آخر منه ، وجب إعادة الغسل إن كان بعد البول ، لأنه مني خرج فأوجب الغسل.

ص: 100


1- وسائل الشيعة : 1 - 479 ، جامع الأصول 8 - 162.
2- كذا في النسخ والظاهر : ولا.

ولو استيقظ البالغ أو من قاربه ، فرأى المني على بدنه أو ثوبه ، وجب الغسل وإن لم ير في النوم شيئا ، لوجود السبب وهو خروج الماء ، ولقوله علیه السلام في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما يغتسل (1).

ولو رآه من له أقل من مقارب البلوغ بحيث لا يحتمل أنه منه غالبا ، يعمل على أنه من غيره ، عملا بالظاهر.

ولو استيقظ فرأى مذيا ، لم يجب به الغسل ، لأنه لا يوجبه لو خرج منه مستيقظا.

ولو وجد بللا لا يتحقق أنه مني ، لم يجب عليه شي ء ، لحصول يقين الطهارة فلا يزول بشك الحدث.

ومن وجد على جسده أو ثوبه المختص به منيا ، وجب عليه الغسل ، عملا بالظاهر وهو الاستناد إليه. ويعيد الصلاة من آخر نومه ، إلا أن تدل إمارة على القبلية ، فيعيد من أدنى نومة يحتمل إضافته إليها ، لأن الصلاة قبل ذلك وقعت(2)مشروعة ، فلا تبطل بالتجويز المتجدد.

ولو شاركه غيره في الثوب فلا غسل على واحد منهما ، لأن كل واحد منهما متيقن للطهارة وشاك في الحدث. نعم يستحب الغسل لهما احتياطا. وهل لواحد منهما الايتمام بصاحبه؟ الوجه ذلك ، لسقوط حكم هذه الجنابة في نظر الشارع ، إذ لكل منهما الدخول إلى المساجد وقراءة العزائم ، مع احتمال إعادة صلاة المأموم لو فعلاه.

المطلب الثاني: ( في حكم الجنابة )

كل ما يحرم بالحدث الأصغر يحرم بالجنابة بطريق الأولى ، لأنها أغلظ. وهنا لا خلاف في تحريم مس كتابة القرآن ، أو شي ء عليه اسم اللّه تعالى ،

ص: 101


1- وسائل الشيعة : 1 - 480.
2- في « ق » وجبت.

لقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1) وقول الصادق علیه السلام : لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم اللّه (2). وللتعظيم وإن وقع في المحدث. ويزيد هنا أمور :

الأول : قراءة كل واحدة من العزائم ، وهي أربع : سورة سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك. وكذا يحرم كل آية منها حتى البسملة لو نواها منها ، بل لفظة « بسم ».

ولا يحرم غير العزائم عند علمائنا أجمع ، سواء قرأ آية كاملة أو بعضها ، وسواء قرأ أكثر من آية أو لا ، وسواء كانت الآيات كثيرة أو قليلة ، لعموم « فَاقْرَؤُا » (3) ولقول الباقر علیه السلام : لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن (4). وسئل الصادق علیه السلام عن الجنب والحائض والمتغوط؟ فقال : يقرءون القرآن ما شاءوا (5).

نعم يكره ما زاد على سبع آيات ، لقوله علیه السلام في الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال : ما بينه وبين سبع آيات (6). وفي رواية : سبعين آية (7). ولا يحرم الزائد على السبعين على الأصح ، لعموم الإذن. ولو قرأ السبع أو السبعين ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، على قصد إقامة سنة الركوب ، لم يكن مكروها ، لأنه إذا لم يقصد القرآن لم يكن فيه إخلال بالتعظيم. وكذا لو جرى على لسانه آيات من العزائم لا بقصد القرآن لم يكن محرما.

ولا تزول التحريم لو قصد بقراءة العزيمة التعليم ، أو خاف من النسيان.

ص: 102


1- سورة الواقعة : 79.
2- وسائل الشيعة : 1 - 492 ح 1.
3- سورة المزمل : 20.
4- وسائل الشيعة : 1 - 494 ح 5.
5- وسائل الشيعة : 1 - 494 ح 6.
6- وسائل الشيعة : 1 - 494 ح 9.
7- وسائل الشيعة : 1 - 494 ح 10.

الثاني : اللبث في المساجد ، لقوله تعالى ( وَلا جُنُباً ) (1) ولا بأس بالجواز فيه ، لقوله تعالى ( إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ ) (2) والفرق أن العبور لا قربة فيه ، وفي اللبث قربة كالاعتكاف وغيره ، فمنع منه الجنب.

نعم يحرم العبور في المسجد الحرام بمكة ومسجد النبي صلی اللّه علیه و آله بالمدينة ، لتميزهما عن غيرهما ، ولقوله علیه السلام : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (3).

ولو أجنب في أحدهما لم يقطعه إلا بالتيمم ، لأن الجواز مع الجنابة حرام وقد تعذر الغسل ، فأقيم بدله مقامه كالصلاة. ويجب قصد أقرب الأبواب إليه ، لانتفاء الضرورة به على إشكال.

ولو اضطر إلى اللبث فيهما ، أو في غيرهما من المساجد ، إما لإغلاق الباب ، أو لخوف العسعس أو غيره ، أو خاف على النفس أو المال ، تيمم حينئذ تطهيرا ، أو تخفيفا للحدث بقدر الإمكان. وهل يجب عليه التيمم بغير تراب المسجد لو وجده؟ إشكال.

والعبور وإن لم يكن حراما لكنه مكروه إلا لغرض ، كما لو كان أقرب الطرق إلى مقصده. ولا فرق في الجواز بين أن يكون له سبيل إلى مقصده أو لا يكون.

وليس له التردد في جوانب المسجد ، لأن التردد في غير جهة الخروج كالمكث. ولا يباح له المكث بالوضوء ، ولا الخروج من المسجدين.

الثالث : لا يجوز وضع شي ء في المساجد على الأصح. ويجوز له أخذ ما له فيها ، لقول الصادق علیه السلام : ولكن لا يضعان في المسجد شيئا (4). يعني الجنب والحائض.

ص: 103


1- سورة النساء : 43.
2- سورة النساء : 43.
3- جامع الأصول 11 - 471.
4- وسائل الشيعة : 1 - 491 ح 1 ب 17.

الرابع : يكره له مس المصحف وحمله ، ولا بأس بحمله بعلاقة. ومس كتابة التوراة والإنجيل والمنسوخ تلاوته وإن بقي حكمه ، ويحرم العكس. وذكر اللّه تعالى ، لقول الصادق علیه السلام : ويذكر اللّه عز وجل ما شاء (1). ولأنه سائغ حال الجماع.

الخامس : يكره له النوم قبل الوضوء ، لأنه علیه السلام سئل أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال : نعم إذا توضأ (2). ولأن النوم يستحب على طهارة وإن كانت ناقصة ، كالتيمم مع وجود الماء ، فكذا يكفي الوضوء عن الغسل ، والغسل أفضل لقول الصادق علیه السلام : إن اللّه يتوفى الأنفس في منامها ، ولا يدري ما يطرقه من البلية إذا فرغ ، فليغتسل (3).

السادس : يكره له الأكل والشرب قبل المضمضة والاستنشاق أو الوضوء ، لأنه علیه السلام كان إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام وهو جنب توضأ (4). وقول الباقر علیه السلام : الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب (5).

وقال ابن بابويه : إن أكل أو شرب قبل ذلك خيف عليه البرص (6).

وروي أن الأكل على الجنابة من غير اغتسال يورث الفقر (7).

السابع : يكره للمحتلم الجماع قبل الغسل ، ولا بأس بتكرر الجماع من غير اغتسال ، لأنه علیه السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد (8).

الثامن : يكره الخضاب ، لقول الصادق علیه السلام : لا يختضب

ص: 104


1- وسائل الشيعة : 1 - 493 ح 1.
2- جامع الأصول 8 - 190.
3- وسائل الشيعة : 1 - 501 ح 4.
4- جامع الأصول 8 - 188.
5- وسائل الشيعة : 1 - 495 ح 1.
6- من لا يحضره الفقيه 1 - 46.
7- وسائل الشيعة : 1 - 496 ح 6.
8- جامع الأصول 8 - 180.

الرجل وهو جنب (1). والمراد الكراهة ، لقول الصادق علیه السلام : لا بأس أن يختضب (2).

وكذا يكره أن يجنب وهو مختضب إلا إذا أخذ الحناء مبلغه.

وكذا يكره الادهان ، لقول الصادق علیه السلام : سئل الجنب يدهن ثم يغتسل؟ قال : لا (3). ولأنه يمنع من التصاق أجزاء الماء بالبدن.

وكره الصادق علیه السلام الجنابة حين تصفر الشمس. وهي حين تبدو أصفرا.

المطلب الثالث: ( في كيفية الغسل )
وفيه بحثان :
البحث الأول: ( في واجباته )

وهي خمسة :

الأول : النية ، للآية (4) ، ولتحصيل الامتياز المنوط بها.

وكيفيتها : القصد إلى الفعل على وجه القربة ، للأمر بالإخلاص لوجوبه ، تحصيلا للامتثال مطلقا إن قلنا إنه واجب لنفسه ، لقوله علیه السلام : إذا التقى الختانان (5). ومقيدا بالموجب إن قلنا إنه لغيره للآية ، أو لندبه إن خلا عنه.

ص: 105


1- وسائل الشيعة : 1 - 497 ح 5.
2- وسائل الشيعة : 1 - 497 ح 3.
3- وسائل الشيعة : 1 - 496 ح 1 ب 21.
4- وهي قوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .
5- وسائل الشيعة : 1 - 469 ح 2 ، تتمة الحديث : فقد وجب الغسل.

ويكفي بقصد كل من رفع حدث الجنابة ، ومن استباحة العبادة المشروطة بهما عن صاحبه ، لزوال المانع به.

ويتضيق وقتها عند أول الغسل المفروض ، فلا يجوز تأخيرها عنه ، لئلا يخلو بعض الفعل عنها.

ولو فعلها مقارنة لأول الغسل ، جاز ، لكن لا يثاب على ما قبله من السنن.

ويستحب تقديمها عند غسل الكفين ، ولا يضر غروبها بعده قبل الشروع في المفروض ما دام في الفعل.

ولو نوى رفع الحدث عن جميع البدن ، صح. ولو نوى رفع الحدث مطلقا ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها ، فالأقوى الصحة ، لأن الحدث هو المانع عن الصلاة وغيرها على أي وجه فرض. ولو نوى رفع الحدث الأصغر ، لم يصح.

ولا يرتفع حدث الجنابة عن أعضاء الوضوء ولا غيرها ، سواء تعمد أو غلط ، بظن أن حدثه الأصغر ، لأنه لم ينو رفع الجنابة ولا ما يتضمنه ، فلا يرتفع ، لقوله علیه السلام « وإنما لامرئ ما نوى » (1).

ولو نوى المغتسل استباحة فعل فإن توقف على الغسل ، كالصلاة والطواف وقراءة العزائم ، صح. وإن لم يتوقف ، فإن لم يستحب له الغسل ، لم يصح بنيته استباحته ، وإلا فالأقوى الصحة ، لأنه نوى ما يتوقف عليه ، وهو الأفضلية.

ولو نوت الحائض استباحة الوطي وقلنا باشتراطه فيه ، احتمل الصحة لتوقفه عليه. وعدمها ، إذ غسلها بهذه النية لا يستبيح به الذمية الصلاة(2).

ولو نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل ، فالوجه الصحة لتميزه حينئذ.

ص: 106


1- وسائل الشيعة : 1 - 34 ح 7.
2- في « ق » لصلاة.

الثاني : استدامة النية إلى آخر الغسل ، ليتحد الفعل حكما لا فعلا للحرج. فلو أتي في الأثناء بنية مخالفه لم يصح غسله. ولو لم يوال وجب تجديد نية عند كل فعل تأخر بما يعتد به ليتميز عن غيره.

الثالث : استيعاب البدن والرأس بالغسل ، لقوله علیه السلام : تحت كل شعرة جنابة ، فبلوا الشعر وانقوا البشرة (1). وقال الصادق علیه السلام : من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار (2). والتوعد دليل على التحريم.

ولا يجب غسل البواطن ، كباطن الفم والأنف والأذن وما وراء ملتقى الشفرين وإن كان باديا عند القعود ، على إشكال للحرج ، بل الظواهر كصماخي الأذنين وما يبدو من الشقوق وما تحت الغلفة في الأغلف وما ظهر من أنف المجذوع.

ويجب إيصال الماء إلى منابت الشعور خفت أو كثفت للخبر (3) ، بخلاف الوضوء المتكرر ، فعظم المشقة فيه أكثر.

ويجب تخليل ما لا يصل الماء إلا به ، كالخاتم والسبر الضيقين ، وتخليل الضفائر إن كان لا يصل إلى أصلها إلا بالنفض ، إما لإحكام الشد أو التلبد أو لغيرهما. ولو وصل الماء إلى أصول الشعر بدون النفض ، لم يجب ، لحصول الغرض.

ويستحب تخليل ما يصل إلى ما تحته بدونه للاستظهار. ولا يجب غسل باطن الشعر ولا ظاهره ، للخروج عن العهدة مع جره.

والواجب أقل ما يسمى غسلا للامتثال به ، والدهن يجزئ إن صدق عليه اسمه بأن يحصل الجريان معه.

الرابع : الترتيب ، بأن يبدأ بغسل رأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم

ص: 107


1- جامع الأصول 8 - 168.
2- وسائل الشيعة : 1 - 522 ح 7.
3- المتقدم آنفا.

الأيسر ، لقول ميمونة : إنه علیه السلام أفاض على رأسه ، ثم على جسده (1). و « ثم » مرتبة. والترتيب في الرأس والجسد يستلزمه في الجانبين لعدم الفاصل ، ولقول الصادق علیه السلام : من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل (2). ولو لم يجب الترتيب ، لم يجب الإعادة.

ويسقط عن المرتمس في الماء دفعة ، والواقف تحت الميزاب والمطر والمجرى على الأقوى ، للأصل ، ولقول الصادق علیه السلام : ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه (3).

ولو أخل بالترتيب مع وجوبه ، وجب عليه إعادة ما أخل به وما بعده ، ليحصل الترتيب.

ولو وجد المرتب لمعة في جسده لم يصبها الماء ، غسلها إن كانت في الأيسر ، لجواز النكس هنا ، ولو كانت في الأيمن غسلها والأيسر معا ، لأن الصادق علیه السلام مسح التي أخبر بها بيده (4) ، ولا يجب أن يغسلها بماء جديد ، بل لو حصل مسمى الغسل بما في يديه من الرطوبة به أجزأه ، لعدم خروج الماء عندنا عن الطهورية.

ولو كان مرتمسا احتمل الإجزاء بغسلها ، لسقوط الترتيب عنه ، وغسلها وغسل ما بعدها ، لمساواة الترتيب. والإعادة لعدم صدق الوحدة.

البحث الثاني: ( في سننه )

وهي تسعة :

الأول : تقديم النية عند غسل اليدين ، ليحصل الثواب على السنن.

ص: 108


1- جامع الأصول 8 - 174.
2- وسائل الشيعة : 1 - 506 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 1 - 503 ح 5.
4- وسائل الشيعة : 1 - 524 ح 1.

الثاني : الاستبراء بالبول للرجل المنزل ، لاشتماله على استخراج بقايا المني ، فإن لم يتأت البول مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ، ومنه إلى رأسه ثلاثا ، ونتره ثلاثا. وليس واجبا على الأصح ، لقوله ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (1).

الثالث : المضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا ، وقد تقدما ، وليسا واجبين عندنا ، للأصل.

الرابع : البدأة بغسل ما على جسده من الأذى والنجاسة ، ليصادف ماء الغسل محلا طاهرا ، فيرفع الحدث.

ولو زالت النجاسة به ، طهر المحل قطعا ، والأقرب حصول رفع الحدث أيضا إن كان في ماء كثير.

ولو أجرى الماء القليل عليه ، فإن كان في آخر العضو فكذلك ، وإلا فالوجه عدمه ، لانفعاله بالنجاسة.

الخامس : تعهد المواضع المشتملة على انعطاف والتواء ، كالأذنين ، وغصون البطن في السمين ، وما تحت الخاتم الواسع ، والسوار ، والدملج ، والسبر وأشباهها ، ومنابت الشعر ، فيخلل أصوله ، كل ذلك قبل إفاضة الماء على الرأس ، ليكون أبعد عن الإسراف ، وأقرب إلى ظن وصول الماء ، هذا مع ظن وصول الماء بدونه.

ولو لم يظن ، وجب تعهد ذلك في أثناء الغسل ، تحصيلا لامتثال الأمر بالغسل. وإن أجرى الماء تحت قدمه أجزأه ، وإلا وجب غسله.

السادس : غسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاثا ، كما في الوضوء بل أولى ، لأن الوضوء مبني على التخفيف.

وهل يستحب لو لم يدخل يده في الماء كالمرتمس والواقف تحت المطر

ص: 109


1- سورة النساء : 43.

والمغتسل من إناء يصبه عليه من غير إدخال؟ الأقرب ذلك ، لأنه من سنن الغسل ، لقول أحدهما في غسل الجنابة : تبدأ بكفيك (1). فحينئذ إن كان ينغمس في الماء ، انغمس ثلاث مرات.

ولا يستحب تجديد الغسل ، اقتصارا بالترغيب في التجديد على مورده وهو الوضوء ، وليس الغسل في معناه ، لأن موجب الوضوء أغلب وقوعا ، واحتمال عدم الشعور به أقرب ، فيكون الاحتياط فيه أهم.

السابع : إمرار اليد على الجسد ، ودلك ما يصل(2)إليه اليدين من البدن ، لأنه أبلغ في تحصيل حقيقة الاغتسال ، وليس واجبا للأصل.

ولقوله علیه السلام : إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء ، فتطهرين (3). رتب الطهارة على الإفاضة. ولم يتعرض لذلك.

وقول الباقر علیه السلام : ولو أن جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك ، وإن لم يدلك جسده (4) ، ولعدم وجوبه في إزالة النجاسة الحقيقية ، فالوهمية أولى.

الثامن : الواجب الغسل بما يحصل به مسماه ، ولا يتقدر ماؤه وجوبا ، فقد يخرق بالكثير فلا يكفي ويرفق بالقليل فيكفي ، نعم يستحب ألا ينقص عن صاع اتباعا لفعله علیه السلام .

وليس واجبا لامتثال قوله ( حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (5) مع الأقل ، وقد كان علیه السلام يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته يغتسلان جميعا من إناء واحد (6).

ص: 110


1- وسائل الشيعة : 1 - 502 ح 1.
2- في « ق » ما وصل.
3- سنن ابن ماجة 1 - 196 الرقم 603.
4- وسائل الشيعة : 1 - 503 ح 5.
5- سورة النساء : 43.
6- وسائل الشيعة : 1 - 512 ح 1.

والصاع عندنا أربعة أمداد ، والمد رطلان وربع بالعراقي للرواية ، وفي رواية : الصاع خمسة أمداد ، والمد وزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم ستة دوانيق ، والدانق ست حبات ، والحبة وزن حبتي من شعير من أوسط الحب لا من صغاره ولا من كباره (1). وهذا الصاع كاف للاستنجاء وغسل الكف للرواية (2).

التاسع : الدعاء قال الصادق علیه السلام : إذا اغتسلت من جنابة فقل : اللّهم طهر قلبي ، وتقبل سعيي ، واجعل ما عندك خيرا لي ، اللّهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين (3).

المطلب الرابع: ( في اللواحق )

الأول : لا موالاة هنا واجبة عند علمائنا أجمع ، لأصالة البراءة ، وحصول امتثال الأمر بالطهارة بدونها ، ولأن عليا علیه السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة (4). وإذا فرق افتقر في كل فعل إلى نية ، ليتميز عن غيره ، والموالاة أحب إلي لما فيها من المسارعة إلى فعل الطاعة وتكميل الطهارة.

الثاني : هذا الغسل كاف عن الوضوء عند علمائنا أجمع ، سواء أحدث أصغر أو لا ، لقوله تعالى ( فَاطَّهَّرُوا ) (5) أجمع المفسرون على أن معناه « فاغتسلوا » ولقول عائشة : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لا يتوضأ بعد

ص: 111


1- تهذيب الأحكام : 1 - 136.
2- وسائل الشيعة : 1 - 511 ح 5.
3- وسائل الشيعة : 1 - 520 ح 3.
4- وسائل الشيعة : 1 - 509 ح 3.
5- سورة المائدة : 6.

الغسل من الجنابة (1). وقول الصادق علیه السلام : كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة (2). ولأصالة البراءة.

فإن توضأ معتقدا عدم إجزاء الغسل أبدع ، لقول الصادق علیه السلام : الوضوء بعد الغسل بدعة (3). ولا يستحب على الأصح ، لأن الاستحباب حكم شرعي فيقف عليه.

والأصح افتقار غيره من الأغسال إليه ، لعموم ( إِذا قُمْتُمْ ) (4) وإن لم يوجد موجبه. فلو لمس المتطهر ميتا أو تنفست وهي متطهرة ، وجب الوضوء.

الثالث : لو اجتمعت أغسال واجبة ، فإن اتفقت حكما كفى نية مطلقة لرفع الحدث ، أو الاستباحة ، ونية أيها كان ، لتداخلها كالموجب للصغرى.

وإن اختلفت كالجنابة والحيض ، فإن نوى رفع الحدث مطلقا أو الاستباحة أجزأه ، لقوله علیه السلام : وإنما لامرئ ما نوى (5).

وإن نوى الأكمل كالجنابة لارتفاع باقي الأحداث بارتفاعها ، أجزأ عن الحيض ، لقول أحدهما علیهماالسلام : فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد (6).

وإن نوى الأدون كالحيض ، فالأقوى عدم ارتفاع الجنابة ، فإن رفع الأدون لا يستلزم رفع الأعلى ، فإن اقترنت بالوضوء احتمل رفعها ، لوجود مساوي الغسل للأدون في الدخول في الصلاة معهما. وعدمه ، فإن الوضوء لا تأثير له في رفع حدث الجنابة ولا غسل الحيض لقصوره. ويحتمل قوة حدث الحيض ، لافتقاره في رفعه إلى طهارتين واستغناء الجنابة عن إحداهما.

ولو نوى الاغتسال مطلقا ، احتمل رفع الأدنى وعدمه.

ص: 112


1- وسائل الشيعة : 1 - 515.
2- وسائل الشيعة : 1 - 516 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 1 - 515 ح 10.
4- سورة المائدة : 6.
5- وسائل الشيعة : 1 - 34 ح 7.
6- وسائل الشيعة : 2 - 963 ب 31.

ولو اجتمعت الأغسال المندوبة ، احتمل التداخل ، لقول أحدهما علیهماالسلام : فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد (1). فحينئذ يكتفي بنية مطلقة.

ولو نوى غسلا معينا ، لم يدخل غيره لعدم شرطه.

ولو نوى بالواحد للجميع ، فالوجه الإجزاء.

ولو اجتمعت أغسال واجبة ومندوبة كالجنابة والجمعة ، فإن نوى مطلق الغسل على وجه الوجوب انصرف إلى الواجب ، وإن نوى المطلق ولم يقيد بوجه الوجوب ، فإن شرطنا في الندب نيته لم يقع عن أحدهما.

وإن نوى الجنابة ارتفعت ، وهل يجزي عن الجمعة؟ قال الشيخ : نعم (2) ، لقول أحدهما علیهماالسلام : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأ غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح والزيارة (3).

والوجه المنع ، لقوله علیه السلام : وإنما لامرئ ما نوى (4).

ولو نوى غسل الجمعة دون الجنابة ، فالأصح الجواز ، ولا ترتفع الجنابة ، إذ لا يشترط في مندوب الغسل الخلو من الحدث الأكبر ، لأن(5)الحائض يغتسل للإحرام.

الرابع : لو شك في شي ء من أفعال الغسل ، فإن كان على حاله لم ينتقل ، بنى على عدمه وفعله وما بعده ، وإن كان قد انتقل فإن كان مرتمسا أو معتادا للموالاة ، فالأقرب إلحاقه بالوضوء ، لاشتراكهما في ظن الكمال قبل الانتقال ، وإن لم يكن كذلك وجب إلحاقه بالأول ، لأصالة العدم ، مع انتفاء ظن معارضه.

ص: 113


1- نفس المصدر.
2- المبسوط 1 - 40.
3- وسائل الشيعة : 1 - 526 ح 1.
4- وسائل الشيعة : 1 - 34 ح 7.
5- في « ر » لأمر الحائض بغسل الإحرام.

الخامس : لو خرج من المنزل بلل بعد الاغتسال ، فإن علمه منيا أعاد الغسل ، لحصول الموجب ، لا ما فعله متخللا بينه وبين الخروج ، لوقوعه على وجهه. ولا فرق في الحكمين بين الاستبراء أو لا.

ولو علم أنه ليس بمني ولا من بقاياه ، ألحقه بما علمه ، سواء استبرأ أو لا.

ولو اشتبه بين المني وغيره ، فإن كان قد بال واستبرأ من البول لم يلتفت ، لأن البول أزال أجزاء المني المتوهمة ، والاستبراء أزال أجزاء البول المتوهمة. وإن كان قد بال ولم يستبرأ من البول ، ألحقه بالبول كغيره. ولو لم يكن قد بال أعاد الغسل ، بناء على الغالب من بقاء أجزاء المني في المجرى. ولا استبراء على المرأة ، ولا المجامع إذا لم ينزل.

فإن رأى بللا بعد الغسل وعلم أنه مني ، وجب عليه الإعادة ، لقيام الموجب ، ولا يعيد العبادة المتخللة بين الغسل والوجدان. ولو لم يعلم أنه مني ، لم يجب عليه الإعادة ، لأنا حكمنا في المنزل بأن المشتبه مني ، بناء على الغالب من تخلف الأجزاء بعد الإنزال.

ولو رأت المرأة بللا فلا إعادة ، لأن الظاهر أنه من بقايا مني الرجل.

ولو اجتهد المنزل فلم يتأت ، ففي إلحاقه بحدث البول إشكال ، فإن ألحقناه به كفى الاجتزاء في إسقاط الغسل لو رأى البلل المشتبه بعد الإنزال مع الاجتهاد ، وإلا فلا.

ولو أحدث حدثا أصغر في أثناء الغسل ، فالأقوى الاستيناف ، لأنه لو تعقب كماله أبطل حكم الاستباحة ، ففي أبعاضه أولى ، فلا بد من تجديد طهارة لها ، وهو الآن جنب ، إذ لا يرتفع إلا بكمال الغسل ، فيسقط اعتبار الوضوء ، وكذا لو أحدث أكبر.

السادس : يجب على الزوج تمكين الزوجة من الانتقال إلى الماء ، أو نقل الماء إليها ، وفي وجوب ثمنه عليه إشكال.

ص: 114

الفصل الثاني: ( في الحيض )
وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في ماهيته )

الحيض لغة : السيل. وشرعا : الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة ، إما بظهوره أو بانقطاعه.

وهو في أصله دم يقذفه الرحم عند بلوغ المرأة ، ثم يصير لها عادة في أوقات متداولة ، لحكمة تربية الولد ، فإذا حملت صرف اللّه تعالى ذلك الدم إلى تغذيته ، فإذا ولدت أزال اللّه عنه صورة الدم وكساه صورة اللبن ، فاغتذي الولد به ، ولأجل ذلك قل ما تحيض المرضع والحامل.

وإذا خلت المرأة من حمل أو رضاع ، بقي الدم لا مصرف له ، فيستقر في مكان ، ثم يخرج غالبا في كل شهر ستة أيام أو سبعة ، أو أقل أو أكثر. وقد يطول زمان خفائه ، وقد يقصر بحسب ما ركبه اللّه تعالى في الطباع ، وقرب المزاج من الحرارة وبعده ، وقد رتب الشارع عليه أحكاما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

وهو في الأغلب أسود حار يخرج بحرقة ، لقوله علیه السلام : دم الحيض عبيط أسود محتدم (1). والعبيط الطوي ، والمحتدم الحار.

ص: 115


1- راجع المنتهى 1 - 95.

وألوان الدم ستة : السواد الخالص ، وهو حيض إجماعا ، والبياض الخالص وليس بحيض إجماعا ، والحمرة ، والخضرة ، والصفرة ، والكدرة ، وهي حيض إن صادفت أيامه ، كما أن السواد دم استحاضة إن صادف أيامها.

لقول الصادق علیه السلام : كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكلما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض (1).

فإذا اشتبه دم الحيض بدم العذرة ، أدخلت المرأة القطنة ، فإن خرجت منغمسة فهو حيض ، وإن خرجت متطوقة فهو لعذرة ، لقول الباقر علیه السلام : فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة ، وإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث (2).

فإن اشتبه بدم القرح ، أدخلت إصبعها ، فإن كان خارجا من الأيسر فهو حيض على الأقوى ، ومن الأيمن دم قرح ، والرواية (3) بالعكس.

المطلب الثاني: ( في وقته ومدته )

لا حيض مع الصغر إجماعا ، لقوله تعالى ( وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) (4) ولأن حكمة الحيض تغذية الولد ، كما أن حكمة المني خلقه منه ، فمن لا يصلح للحمل لا يوجد منه ، لانتفاء حكمته.

وحد الصغر ما نقص عن تسع سنين ، فإذا أكملت تسعا أمكن الحيض ، ولا يكفي الطعن في التاسعة.

ص: 116


1- وسائل الشيعة : 2 - 540 ح 3.
2- وسائل الشيعة : 2 - 536 ح 2.
3- وهي رواية أبان عن الصادق علیه السلام سأله عن ذلك فأجاب علیه السلام إلى أن قال : فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة.
4- سورة الطلاق : 4.

والاعتبار بالسنين القمرية ، والأقرب أنه تحقيق لا تقريب مع احتماله ، فإن قلنا به ، فلو كان بين رؤية الدم واستكمال التسع ما لا يسع لحيض وطهر ، يكون ذلك الدم حيضا ، وإلا فلا.

ولا فرق بين البلاد الحارة والباردة في سن الحيض ، ولا حيض أيضا مع بلوغ سن اليأس ، لقوله تعالى ( وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ) (1) وهو بلوغ خمسين في غير القرشية والنبطية ، وفيهما بلوغ ستين سنة ، بناء على الغالب ، لقول الصادق علیه السلام : إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش (2).

وهل يجامع الحمل؟ الأقوى ذلك ، لقول الكاظم علیه السلام وقد سئل عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل تترك الصلاة؟ قال : تترك الصلاة إذا دام (3). وقيل : لا يجامع إن كان الحمل متيقنا. وقيل : مطلقا.

ولو انقطع دمها ثم ولدت ، فإن تخلل أقل الطهر بين الانقطاع والولادة ، فالمنقطع حيض ، لأنه دم أمكن أن يكون حيضا ، وإلا فلا لاستحالة قصور الطهر عن أقله ، وكذا لو تقدمت الولادة.

ولمدته طرفا قلة وكثرة ، فالأول ثلاثة أيام والثاني عشرة عند علمائنا أجمع ، فلو رأت أقل من ثلاثة لم يكن حيضا ، ولو رأت أكثر(4)من عشرة فالزائد ليس بحيض ، لقوله علیه السلام : أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة (5). وقول الكاظم علیه السلام : أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة (6).

ولأن الاحتياط للعبادة متعين لتحقق شغل الذمة بها ، وما دون الثلاثة

ص: 117


1- سورة الطلاق الآية 4.
2- وسائل الشيعة : 2 - 580 ح 2.
3- وسائل الشيعة : 2 - 577 ح 2.
4- في « ر » أزيد.
5- وسائل الشيعة : 2 - 553 ح 13.
6- وسائل الشيعة : 2 - 552 ح 10.

والزائد على العشرة لم يثبت سقوطها فيهما. والأشهر اشتراط التوالي في الثلاثة ، فلو رأتها متفرقة لم يكن حيضا ، وإن كانت في العشرة على الأقوى ، عملا بالاحتياط.

وكل ما تراه بين الثلاثة والعشرة ، فهو حيض ، لأنه دم يمكن أن يكون حيضا فيكون حيضا ، ولقول الباقر علیه السلام : إذا رأت المرأة أقل من عشرة فهو من الحيضة الأولى (1).

وأقل الطهر عند علمائنا أجمع عشرة أيام ، ولا حد لأكثره ، ولقول الباقر علیه السلام : لا يكون القرء في أقل من عشرة فما زاد (2). ولقوله علیه السلام وقد سئل ما نقصان دينهن فقال : تمكث إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها لا تصلي ولا تصوم (3). وقول الصادق علیه السلام : أدنى الطهر عشرة أيام (4).

وكل دم يمكن أن يكون حيضا ، فهو حيض وإن كان أصفر أو غيره ، فلو رأته ثلاثة ثم انقطع عشرة ثم رأت فهما حيضتان. ولو استمر ثلاثة وانقطع ورأته قبل العاشر وانقطع عليها ، فالدمان وما بينهما حيض ، ولو لم ينقطع عليه ، فالحيض الأول خاصة.

المطلب الثالث: ( في أحكامه )

يحرم على الحائض كل عبادة مشروطة بالطهارة ، كالصلاة ، والطواف ، ومس كتابة القرآن ، وما عليه اسمه تعالى ، لقوله علیه السلام : دعي الصلاة أيام حيضك (5). وقوله لعائشة لما حاضت وهي محرمة : اصنعي ما يصنع الحاج

ص: 118


1- وسائل الشيعة : 2 - 552 ح 11.
2- وسائل الشيعة : 2 - 553 ح 1.
3- سنن ابن ماجة 2 - 1326.
4- وسائل الشيعة : 2 - 551 ح 4.
5- وسائل الشيعة : 2 - 559 ما يشبه ذلك.

غير أن لا تطوفي بالبيت (1). وقوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (2).

ويكره حمل المصحف ، ولمس هامشه.

ويحرم قراءة العزائم وأبعاضها لما تقدم ، ويكره ما عداها من غير تحريم.

ولو تلت السجدة أو استمعت ، سجدت ، لعموم الأمر السالم عن معارضة اشتراط الطهارة فيه على الأقوى.

ويحرم اللبث في المساجد ، لقوله علیه السلام : لا أحل المسجد لجنب ولا حائض (3).

ويكره الجواز إن أمنت التلويث ، ولو لم تأمن تلويث المسجد ، إما لأنها لم تستوثق ، أو لغلبة الدم أو غيره ، حرم. وكذا من ضارعها كالمستحاضة ، وصاحب السلس ، والجرح الناضح بالدم ، صونا للمسجد عن التلويث بالنجاسة.

ولا يصح منها الطهارة ، فإن فعلتها لم يرتفع حدثها لوجوده ، ولا يصح صومها لقوله علیه السلام : إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم (4).

وهذا التحريم باق ما دامت ترى الدم ، فإن انقطع ارتفع تحريم الصوم وإن لم تغتسل ، بخلاف الاستمتاع على رأي ، وما يفتقر إلى الطهارة ، لاستمرار التحريم إلى اغتسال ، ويحتمل استمرار تحريم الصوم إلى الاغتسال ، لأن الحيض حدث ينافي الصوم ، وإنما يرتفع بالغسل ، والطلاق والطواف وسقوط قضاء الصلاة عنها بالانقطاع أيضا.

ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة إجماعا ، لعظم المشقة وخفتها ، ولأن أمر الصلاة لم يبن على أن تؤخر ثم تقضي ، بل إما أنه لا تجب أصلا ، أو تجب بحيث لا تؤخر بالأعذار ، والصوم قد يترك لعذر السفر والمرض ثم

ص: 119


1- سنن ابن ماجة 2 - 988.
2- سورة الواقعة : 79.
3- جامع الأصول 11 - 471.
4- جامع الأصول 8 - 222 ما يدل على ذلك.

يقضي ، وكذا يترك بالحيض ثم يقضي ، ووجوب القضاء تابع لوجود سبب الوجوب لا لنفسه ، ولا فرق بين واجب الصلاة والطواف ومندوبهما.

وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم وقت عادتها إجماعا ، لأن العادة كالمتيقن ، ولقوله علیه السلام : دعي الصلاة أيام أقرائك (1). وإنما يتحقق بالترك في أول الأيام ، وقال الباقر علیه السلام : تقعد عن الصلاة أيام الحيض (2).

أما المبتدئة والمضطربة ، فالأقرب أنها كذلك ، لقول الصادق علیه السلام : إذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة (3). وليس المراد ذات العادة ، إذ الاعتبار بعادتها ، ولأنه دم خرج من مخرج الحيض فيكون حيضا غالبا ، ثم إن وجدت شرائط الحيض وإلا قضت ما تركته.

ويحرم الجماع قبلا في الحيض إجماعا ، لقوله تعالى ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (4) قال صلی اللّه علیه و آله في تفسيره : افعلوا كل شي ء إلا الجماع (5).

والأقرب ارتفاعه بانقطاعه لا بفعل الغسل ، لقوله تعالى ( حَتّى يَطْهُرْنَ ) (6) بالتخفيف ، أي يخرجن من المحيض ، ولأن الأصل الإباحة ، خرج عنه زمن الحيض ، لقوله تعالى ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) علق المنع به ، فيزول بزواله ، ولأن وجوب الغسل لا يمنع الوطي كالجنابة.

ولقول الباقر علیه السلام : إن أصاب زوجها شبق فلتغسل فرجها ، ثم

ص: 120


1- جامع الأصول 8 - 238 ، وسائل الشيعة 2 - 538 ح 4.
2- وسائل الشيعة 2 - 559.
3- وسائل الشيعة : 2 - 537 ح 2.
4- سورة البقرة : 222.
5- جامع الأصول 8 - 212.
6- سورة البقرة : 222.

يمسها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل (1). لكنه مكروه لقول الصادق علیه السلام : لا يصلح حتى تغتسل (2).

فإن غلبته الشهوة ، أمرها بغسل فرجها ثم يأتيها ، لما تقدم في الخبر (3)

ولو لم يجد الماء فالأقرب عدم وجوب التيمم لو شرطنا الطهارة ، فإن قلنا بالتيمم وفقد التراب ، فالأقرب تحريم الوطي لعدم الشرط ، بخلاف الصلاة فإنه يأتي بها لو قلنا به ، تشبها لحرمة الوقت والتحريم مشترك.

فإن جامع في الوقت عامدا عالما ، عزر ، لإقدامه على المحرم ، ووجب عليه الاستغفار ، لصدور الذنب عنه. وهل تجب الكفارة؟ الأقرب الاستحباب ، لأصالة البراءة ، ولقول الصادق علیه السلام : لا أعلم فيه شيئا يستغفر اللّه (4).

والكفارة دينار في أول الحيض ، ونصفه في أوسطه ، وربع في آخره ، فإن عجز تصدق بما استطاع ، فإن عجز استغفر اللّه ولا شي ء عليه. لقول الصادق علیه السلام : يتصدق إذا كان في أوله بدينار ، وفي وسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار ، قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفر؟ قال : فليتصدق على مسكين واحد ، وإلا استغفر اللّه ولا يعود ، فإن الاستغفار توبة وكفارة لكل امرئ لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفارة (5).

ولا يتوقف إباحة الوطي على التفكير لو قلنا بوجوبه. وإنما يثبت الكفارة على الزوج خاصة.

والدينار هنا قيمته عشرة دراهم جيادا. ولا يجب عين المثقال الأحمر. ويصرف إلى الفقراء والمساكين من أهل الإيمان وإن كان واحدا.

ص: 121


1- وسائل الشيعة : 2 - 572 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 2 - 574 ح 6.
3- وسائل الشيعة : 2 - 572 ح 1.
4- وسائل الشيعة : 2 - 576 ح 1 ب 29.
5- وسائل الشيعة : 2 - 574 ح 1.

ولو وطئها ناسيا ، أو جاهلا بتحريم وطي الحائض ، أو بأنها حائض ، فلا شي ء عليه. ولو كانت الحائض أمته ، تصدق بثلاثة أمداد من طعام ، والأقرب التشريك في الأول بين الزوجة الحرة والأمة والأجنبية للشبهة أو للزنا ، لاستلزام ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى ، مع احتمال التخصيص بمورد النص ، لاحتمال كونها مسقطة للذنب ، فلا يتعدى إلى الأعظم ، والأول والأوسط والآخر مختلف باختلاف طول الزمان وقصره ، فالثاني وسط لذات الثلاثة وأول لذات الستة.

ولو كرر ، تكررت إن اختلف الزمان ، أو تخلل التفكير ، وإلا فلا ، لصدق الفعل مع قيدي الوحدة والتعدد ، والكفارة تسقط ما ثبت لا ما تجدد.

ولو تجدد الحيض في أثناء الوطي ، وجب النزع ، فإن لم يفعل أثم وكفر.

ولو جامع الصبي ، فلا إثم ولا كفارة. ولو وطئ مستحلا ، فهو مرتد لإنكاره ما علم ثبوته من الدين ، ويجب الامتناع حالة الاشتباه لوجوبه حال الحيض وإباحته حال الطهر ، والأول أقوى.

ولا كفارة على المرأة وإن غرت زوجها ، لأصالة البراءة وعصمة المال.

ولا فرق في الإخراج بين المضروب والتبر لتناول الاسم ، ويجب أن يكون صافيا من الغش ، وفي إجزاء القيمة نظر.

ولا يحرم غير القبل ، كالدبر وما بين السرة والركبة ، عملا بالأصل ، ولقوله علیه السلام : افعلوا كل شي ء إلا الجماع (1). نعم يكره حذرا من الوقوع في المحذور ، ولا يكره ما فوق السرة وتحت الركبة للأصل ، سواء كان متلطخا بالحيض أو لا.

ويحرم طلاقها مع الدخول بها وخلوها من الحبل ، وحضور الزوج أو حكمه إجماعا ، ولا يقع عندنا ، لأن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فأمره

ص: 122


1- جامع الأصول 8 - 212.

النبي صلی اللّه علیه و آله برجعتها وإمساكها حتى تطهر (1).

ويحرم عليها الاعتكاف ، لأن الصوم واللبث في المسجد شرطان.

ويجب عليها الغسل عند انقطاع الدم إجماعا ، وهو شرط في الصلاة إجماعا ، وكذا في الطواف ، لقوله علیه السلام : الطواف بالبيت صلاة (2).

وغسلها كغسل الجنابة ، لقول الصادق علیه السلام : غسل الجنابة والحيض واحد (3). إلا أنه لا بد فيه من الوضوء ، ولا موالاة هنا واجبة كما في الجنابة.

وتجب عليها الاستبراء عند انقطاع الدم إن انقطع لدون العشرة ، باستدخال قطنة : فإن خرجت نقية فهي طاهرة ، وإن خرجت ملوثة صبرت المبتدئة حتى تنقي ، أو تخرج مدة الأكثر ، لقول الباقر علیه السلام : فلتستدخل قطنة فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل (4).

وذات العادة تغتسل بعد عادتها بيوم أو يومين ، فإن انقطع على العاشر أعادت الصوم ، وإلا أجزأها فعلها ، وفي وجوب قضاء عبادة اليومين إشكال. ولو كان الانقطاع لعشرة ، فلا استبراء ، لأن غايته استعلام وجود دم الحيض وعدمه.

ويكره لها الخضاب ، لقول الصادق علیه السلام : لا تختضب الحائض (5). ولا بأس أن تختضب قبل إتيان الدم وإن عرفته ، للأصل السالم عن معارضة الحيض.

ولو حاضت بعد دخول وقت الصلاة وإمكان أدائها قضت ، لتعلق الأمر بها في أوله ، ثم إن كانت قبل الوقت متطهرة ، لم يشترط مضي زمان لها ، لعدم وجوبها حينئذ ، وإلا اشترط لتوقف المأمور به عليها.

ص: 123


1- جامع الأصول 8 - 376.
2- سنن الدارمي ج 2 كتاب المناسك باب الكلام في الطواف.
3- وسائل الشيعة : 2 - 566 ح 1.
4- وسائل الشيعة : 2 - 562 ح 1.
5- وسائل الشيعة : 2 - 593 ح 8.

ولو قصر الوقت ، لم يجب القضاء ، لاستحالة ما لا يطاق ، وقول الباقر علیه السلام : في المرأة تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم : تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين (1). وقول الصادق علیه السلام : في امرأة أخرت الصلاة حتى حاضت : تقتضي إذا طهرت (2).

ولو طهرت في أثناء الوقت ، فإن بقي ما يتسع للطهارة وأداء ركعة كاملة وجبت كملا ، لقول الصادق علیه السلام : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة. ولا يشترط إدراك كمال الصلاة ، بخلاف أول الوقت.

ولو قصر عن إدراك ركعة ، سقط وجوبها واستحب قضاؤها ، قضاء لحق ما أدركته من الوقت.

ويستحب لها الوضوء عند كل صلاة ، والجلوس في مصلاها ، ذاكرة لله تعالى بقدر زمان صلاتها ، لما فيه من التشبيه بالطاعة والتمرين على فعلها ، إذ الترك في أكثر الأوقات يشق معه الفعل عند الوجوب ، فيحصل الإهمال.

ولا تنوي بهذا الوضوء رفع الحدث ولا استباحة الصلاة ، بل تنوي وضوءا متقربا إلى اللّه تعالى ، فإن توضأت بنية الندب في وقت تتوهم أنه حيض فإذا هو طهر ، لم تدخل به في الصلاة ، وكذا لو توضأت في وقت تتوهم أنه طهر فإذا هو حيض.

ولو اغتسلت عوض الوضوء ، لم يحصل الامتثال للمغايرة.

ولو فقدت ففي التيمم إشكال لعدم تناول النص وانتفاء الضرورة.

ص: 124


1- وسائل الشيعة : 2 - 598 ح 6.
2- وسائل الشيعة : 2 - 597 ح 4.
الفصل الثالث: ( في دم الاستحاضة )
وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( الماهية )

الاستحاضة قد يعبر بها عن كل دم تراه المرأة غير دمي الحيض والنفاس خارجا عن الفرج مما ليس بعذرة ولا قرح ، سواء اتصل بالحيض كالمتجاوز لأكثر الحيض ، أو لم يكن كالذي تراه المرأة قبل التسع ، فإنه وإن لم يوجب الأحكام عليها في الحال ، لكن فيما بعد يجب الغسل أو الوضوء على التفصيل ، ويوجب الأحكام على الغير فيجب النزح وغسل الثوب.

وقد يعبر بها عن الدم المتصل بدم الحيض وحده ، وبهذا المعنى ينقسم المستحاضة إلى معتادة ومبتدئة ، أيضا إلى مميزة وغيرها ، ويسمى ما عدا ذلك دم فساد ، لكن الأحكام المذكورة في جميع ذلك لا تختلف ، والدم الخارج حدث دائم كسلس(1)البول ، ولا يمنع الصوم والصلاة وغيرهما.

وهو في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور ، لقول الصادق علیه السلام : دم الاستحاضة أصفر (2).

ص: 125


1- في « ق » السلس.
2- وسائل الشيعة : 2 - 537 ح 2.

وقد يتحقق بهذه الصفات حيض ، فإن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر.

وكل ما ليس بحيض ولا قرح ولا عذرة ولا جرح ، فهو دم استحاضة وإن كان مع اليأس.

وله طرفان وواسطة ، وطرف الكثرة أن يغمس القطنة ويسيل. وطرف القلة أن يظهر على القطنة كرءوس الإبر من غير أن يغمسها. والوسط أن يغمس القطنة ولا يسيل.

المطلب الثاني ( في الأحكام )

يجب على المستحاضة الاحتياط في التوقي من النجاسة ، فتغسل فرجها قبل الوضوء أو التيمم ، وتحشوه بقطنة وخرقة دفعا للنجاسة وتقليلا لها.

فإن كان الدم قليلا يندفع به ، اقتصرت عليه ، وإلا تلجمت واستثفرت بشد خرقة على وسطها كالتكة ، وتأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين ، وتجعل أحدهما من قدامها والآخر من ورائها ، وتشدها بتلك الخرقة ، فإن تأذت بالشد واجتماع الدم ، لم يلزمها للضرر ، ولا تترك الصائمة الحشو نهارا.

ثم إن كان الدم كثيرا ، وجب عليها عند كل صلاة تغيير القطنة والخرقة والوضوء وثلاثة أغسال : غسل للظهر والعصر تجمع بينهما ، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما ، وغسل للغداة وصلاة الليل إن كانت متنفلة

وإن كان الدم متوسطا ، فكذلك ، لكن يسقط غسلا الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

وإن كان أقل سقطت الأغسال ، وفي وجوب تغيير الخرقة إشكال ، أقربه ذلك إن وصل الدم إليها ، وإلا فلا للروايات (1).

ص: 126


1- راجع وسائل الشيعة 2 - 604.

وإذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال والوضوء صارت طاهرا ، فتصح كل ما يشترط فيه الطهارة ، كالصلاة والطواف ودخول المساجد وقراءة العزائم وإباحة الوطي.

ولو أخلت بالغسل أو الوضوء ، لم تصح صلاتها. ولو أخلت بالغسل ، لم يصح صومها.

ولو انقطع دمها للبرء ، أو كانت مجنونة وانقطع ، ففي وجوب الغسل إشكال ، أقربه ذلك.

ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد ، سواء كانتا واجبتين أو إحداهما ، لقوله صلی اللّه علیه و آله : لفاطمة بنت أبي حبيش توضئي لكل صلاة (1).

ولا بد أن يكون الصلاة عقيب الطهارة ، فإن قدمتها على الوقت ودخل عقيب فراغها منها صحت ، وإلا أعادتها بعده.

ولو أخرت : فإن كان للاشتغال بسبب من أسباب الصلاة ، كستر العورة ، والاجتهاد في القبلة ، والأذان والإقامة ، وانتظار الجماعة والجمعة ، جاز ، وإلا فلا ، لتكرر الحدث عليها وهي مستغنية عن احتمال ذلك قادرة على المبادرة.

ولو انتقض وضوؤها قبل الصلاة بريح ، لزمها الوضوء.

وهل يجب تجديد الاحتياط وهو تغيير القطنة بالخرقة؟ الأقرب ذلك إن زالت العصابة عن موضعها وظهر الدم على جوانبها ، لأن النجاسة قد كثرت وأمكن تقليلها فلا يحتمل ، وإن لم تزل العصابة ولا ظهر الدم ، فالأقرب العدم ، إذ لا معنى للأمر بإزالة النجاسة مع استمرارها ، لكن الأمر بطهارة الحدث مع استمراره معهود ، ويحتمل وجوبه ، كما يجب تجديد الوضوء.

ولو انتقض بالبول ، وجب التجديد لظهور النجاسة ، وهي غير ما ابتليت به.

ص: 127


1- جامع الأصول 8 - 227.

ولو خرج الدم بعد الشد ، فإن كان لغلبته لم يبطل الوضوء ، وإن كان لتقصيرها في الشد بطل ، وكذا لو زالت العصابة بضعف الشد وزاد خروج الدم بسببه. ولو اتفق ذلك في الصلاة ، بطلت.

وكما لا تؤدي بالوضوء إلا صلاة واحدة ، فكذا التيمم ، والأقرب عدم الاكتفاء بالواحد عن الوضوء والغسل ، نعم يتعدد ما هو بدل من الغسل حسب تعدده خاصة ، ويتعدد ما هو بدل من الوضوء بحسب تعدده أيضا. ولو اكتفينا بالواحد ، وجب ما هو بدل من الغسل في أولي صلاتي الجمع. وهل يكفي ما هو بدل من الوضوء في ثانيتهما أم يتعين الأول؟ إشكال.

وإذا انقطع الدم للبرء ، استأنفت الوضوء لما يتجدد من الصلوات ، لأنها طهارة ضرورية وقد زالت الضرورة ، وكذا المبطون وصاحب السلس ، ولا يجب استيناف الغسل.

ولو كان الانقطاع في أثناء الصلاة ، فالأقوى بطلانها كذلك ، بخلاف التيمم ، لعدم تجدد حدثه بعد التيمم. وهذه يتجدد بعد الوضوء ، ولأنها مستصحبة للنجاسة ، وساغ للضرورة وقد زالت ، بخلاف المتيمم حيث لا نجاسة له ، حتى لو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة مغلظة ، ثم وجد الماء في أثناء الصلاة ، أبطلها على إشكال.

ولو كان لا للبرأ بل كان من عادتها العود أو أخبرها به العارف فإن قصر الزمان عن الطهارة والصلاة ، لم يجب إعادة الطهارة بل يشرع في الصلاة ، ولا عبرة بهذا الانقطاع ، لأن الظاهر عدم دوامه ، فإن صلت فتطاول زمانه فالوجه الإجزاء ، لأنها دخلت في الصلاة بأمر شرعي ، فكان مجزيا.

وإن طال الزمان بحيث يسع للطهارة والصلاة ، ففي إعادة الوضوء إشكال ، أقربه ذلك ، لتمكنها من الطهارة كاملة ، فلو عاد الدم على خلاف عادتها قبل الإمكان ، لم يجب إعادته ، لكن لو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع من غير إعادة الوضوء ، ثم عاد الدم قبل الفراغ ، وجب القضاء ، لحصول الشك في بقاء الطهارة الأولى حالة الشروع.

ص: 128

ولو انقطع دمها وهي لا تعتاد الانقطاع والعود ، ولم تخبرها العارف بالعود ، أعادت الوضوء في الحال ، ولا تصلي بالوضوء السابق ، لاحتمال أن يكون الانقطاع للبرء مع اعتضاده بالأصل ، وهو عدم العود بعد الانقطاع ، فلو عاد قبل إمكان فعل الطهارة والصلاة فالوضوء بحاله ، لأنه لم يوجد الانقطاع المغني عن الصلاة مع الحدث.

ولو انقطع فتوضأت وشرعت في الصلاة فعاد الدم ، استمرت.

والمستحاضة غالبا لا تعلم عند الانقطاع هل هو للبرء أم لا ، فطريقها أن تنظر هل تعتاد الانقطاع أم لا؟ وتجري على الحالين كما بينا.

وذات الدم الكثير إذا انقطع دمها في أثناء النهار للبرء ، لم يجب عليها بقية الأغسال. ولو انتقلت ذات الدم الكثير إلى القليل واستمر ، انتقل حكمها.

وهل يشترط في الصوم غسل العشاءين والظهرين ، أو تقديم غسل الغداة على الفجر؟ إشكال.

وغسلها كغسل الحائض ، إلا أن الأقوى وجوب الموالاة هنا.

ص: 129

الفصل الرابع: ( في النفاس )

وهو دم الولادة ، ولا خلاف في أن الدم المتعقب للولادة نفاس ، والمتقدم ليس بنفاس.

والخلاف في المقارن ، والأقرب أنه نفاس ، لأنه خارج بسبب الولادة فصار كالمتعقب ، وقيل : ليس بنفاس.

والأقرب حينئذ إلحاقه بما قبل الولادة ، لأنها قبل انفصال كل الولد في حكم الحامل ، ولهذا جاز للزوج مراجعتها. ويحتمل إلحاقه بما يخرج بين التوأمين بخروج بعض الحمل ، وعلى ما اخترناه يجب به الغسل ، وإن لم تر ما بعد الولادة ، ويبطل صومها ، وعلى الآخر لا يجب الغسل ولا يبطل الصوم.

وذات الجفاف ليست نفساء وإن كان ولدها تاما ، وذات الدم نفساء وإن وضعت مضغة أو علقة وقالت القوابل إنه مبتدأ خلق آدمي.

ولا فرق في أحكام النفاس بين أن يكون الولد تاما ، أو ناقصا ، حيا أو ميتا. ولو خرج بعض الولد ، فهي نفساء.

وما تراه الحامل من الدم على أدوار الحيض ، حيض على ما تقدم ، لقوله

ص: 130

علیه السلام : ( دم الحيض أسود ) (1). والإطلاق يقتضي التشريك بين الحامل والحائل.

وقيل : ليس بحيض ، لقوله علیه السلام : لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض. جعل الحيض دليلا على براءة الرحم ، فلو قلنا الحامل تحيض لبطلت دلالته ، ولأن فم الرحم ينسد بالحمل فيمنع خروج الدم ، فإن الحيض يخرج من أقصى الرحم.

فإن قلنا إنه ليس بحيض ، فهو استحاضة ، وإن قلنا إنه حيض ، حرم الصلاة والصوم ، وبنت فيه جميع أحكام الحيض ، إلا أنه لا يحرم فيه الطلاق ، ولا ينقضي به العدة.

هذا في الدم التي ولدت بعد عشرة أيام فصاعدا من حين انقطاعه. أما لو ولدت قبل عشرة أيام. فالأقرب أنه دم استحاضة ، لعدم تخلل طهر كامل بينه وبين النفاس ، مع احتمال كونه حيضا ، لتقدم طهر كامل عليه ، ونقصان الطهر إنما يؤثر فيما بعده لا فيما قبله ، وهنا لم يؤثر فيما بعده ، لأن ما بعد الولد نفاس إجماعا ، فأولى أن لا يؤثر فيما قبله ، ويمنع حينئذ اشتراط طهر كامل بين الدمين مطلقا ، بل بين الحيضتين.

ولو رأت الحامل الدم على عادتها وولدت على الاتصال بآخره من غير تخلل نقاء ، فالوجهان ، ولا خلاف في أن ذلك الدم لا يعد نفاسا.

وابتداء مدة النفاس من وقت الولادة ، لا من وقت خروج الدم الذي مع الولادة أو بعدها ، ولا وقت خروج الدم البادي عند الطلق.

فلو ولدت ولم تر دما أياما ثم رأت ، فابتداء النفاس من وقت الولادة ، فإن صادف بقية المدة لحقها حكم النفاس ، وإلا فلا ، وأيام النقاء من الولادة إلى وقت رؤية الدم طاهر.

والدم المتخلل بين التوأمين نفاس ، لأنه خرج عقيب خروج نفس ،

ص: 131


1- وسائل الشيعة : 2 - 537 و 548.

وخروجه قبل فراغ الرحم ليس مبطلا لحكمه ، وهو مع ما بعده الثاني نفاسان ، لانفصال كل واحدة من الولادتين عن الأخرى ، ولا تبالي هنا بمجاوزة أكثر عدد النفاس من الولادة الأولى. فلو ولدت ورأت الدم ، ثم مضت مدة أكثر أيام النفاس ، ثم ولدت الثاني ، تضاعفت المدة.

ولو سقط عضو من الولد وتخلف الباقي ورأت الدم ، فهو نفاس.

ولا حد لأقله فجاز أن يكون لحظة إجماعا ، لأن اليسير دم وجد عقيب الولادة ، فيكون نفاسا كالكثير.

واختلف في أكثره ، فالأقوى أنها ترجع إلى عادتها في الحيض ، لأنه في الحقيقة بقايا دم الحيض ، فلا يزيد على العشرة ، ولقول أحدهما علیهماالسلام : النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها (1). ثم تغتسل كما تغتسل المستحاضة ، فإن تجاوز العادة ، والعشرة ، رجعت إلى العادة ، وإن انقطع على العادة فالجميع نفاس.

ولو كانت مبتدئة أو مضطربة أو مشتبه العادة ، فعشرة أيام.

ولو ولدت ولم تر دما إلا يوم العاشر ، فهو النفاس خاصة وما قبله طهر ، وما بعده إن وجد دم استحاضة.

ولو رأت يوم الولادة وانقطع ثم رأته يوم العاشر ، فالدمان وما بينهما من النقاء نفاس ، لأن الطهر لا يقصر عن العشرة ، كما أن الحائض لو رأت الدم ثلاثة متوالية ثم انقطع ثم رأته يوم العاشر وانقطع ، فالدمان وما بينهما حيض ، وعليهما فعل العبادة أيام النقاء ، لجواز أن لا يتعقبه حيض ولا نفاس ، مع اعتضاده بأصالة عدمه ، فإن تعقب ظهر بطلان ما فعلت ، فتقضي صومها.

وإذا انقطع الدم لدون عشرة أدخلت القطنة ، فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت وحل لزوجها وطؤها ، لأصالة الطهارة ، فإن خرجت ملوثة صبرت إلى النقاء ، أو مضي الأكثر وهي عشرة إن كانت عادتها ، وإلا صبرت عادتها خاصة واستظهرت بيوم أو يومين.

ص: 132


1- وسائل الشيعة : 2 - 611 ح 1 ب 3.

وحكم النفساء حكم الحائض في جميع المحرمات والمكروهات والمباحات ، وما يجب عليها ويسقط عنها ، لا فرق بينهما إلا في الأقل إجماعا ، وفي الأكثر على الخلاف. وفي انقضاء العدة ، فإن الحيض علة فيه ، بخلاف النفاس ، إذ المقتضي للخروج إنما هو الولادة. وفي الدلالة على البلوغ ، لحصوله بالحيض دونه لحصوله بالحمل قبله. وغسلها كغسل الحائض.

ولو تطهرت ثم ولدت ولم تر دما ، لم ينقض طهارتها ، فإن الولادة ليست ناقضة بمجردها.

ص: 133

الفصل الخامس: ( في المستحاضات )
اشارة

ونعني بها هنا من تجاوز دمها أكثر أيام الحيض ، أو أكثر أيام النفاس.

ولا تخلو المرأة : إما أن تكون مبتدئة ، أو ذات عادة مستقيمة معروفة ، أو منسية ، أو مضطربة ، وعلى التقادير : فإما أن يكون لها تمييز أو لا ، فالأقسام ثمانية :

القسم الأول: ( مبتدئة ذات تمييز )

وهي التي ترى الدم على نوعين أو أنواع أحدها أقوى. ويشترط في التمييز أمور أربعة :

اختلاف لون الدم ، فلو اتفق لم يحصل تمييز لبعضه عن بعض.

وأن يكون ما هو بصفة دم الحيض لا ينقص عن أقله ولا يزيد على أكثره ، إذ مع النقصان لا يحصل فيه شرائط الحيض ، ومع الزيادة يحتمل الأول.

وأن يتجاوز المجموع العشرة ، إذ كل دم يمكن أن يكون حيضا وينقطع على العشرة ، فإنه حيض ، سواء اتفق لونه أو اختلف ، ضعيف أو قوي إجماعا.

ص: 134

وأن لا ينقص الضعيف وهو النقاء عن عشرة ، لأنا نريد أن نجعله طهرا ، والقوي بعده حيضة أخرى ، وإنما يمكن جعله طهرا إذا بلغ أقل الطهر ، فلو رأت ثلاثة أسود وتسعة أحمر ثم رأت الأسود فلا تمييز.

فإذا حصل لها تمييز ، ردت إليه ، فيكون حائضا في أيام القوي ، مستحاضة في أيام الضعيف ، ولا تتحيض بالأكثر ، لقوله صلی اللّه علیه و آله لفاطمة بنت أبي حبيش : إن دم الحيض أسود وأن له رائحة ، فإذا كان ذلك فدعي الصلاة ، فإذا كان الآخر فاغتسلي وصلي (1).

وتعتبر القوة والضعف بإحدى صفات ثلاثة : اللون : فالأسود قوي بالنسبة إلى الأحمر ، والأحمر قوي بالنسبة إلى الأشقر ، والأشقر قوي بالنسبة إلى الأصفر والأكدر. والرائحة ، فذو الرائحة الكريهة أقوى مما لا رائحة له.

والثخن ، فالثخن أقوى من الرقيق.

ولا يشترط اجتماع الصفات ، بل كل واحدة تقتضي القوة.

ولو كان بعض دمها موصوفا بصفة واحدة والبعض خال عن الجميع ، فالموصوف أقوى.

ولو كان لبعض صفة ولبعض صفتان ، فذو الصفتين أقوى. وذو الثلاث أقوى من ذي الاثنتين.

ولو كان في البعض صفة وفي الآخر صفة أخرى ، احتمل تقديم السابق لقوته. وعدم التمييز ، لعدم الأولوية في الصفات المعتبرة ، وليس التقدم دليلا على الحيض.

وإذا وجدت الشرائط ، فإن تقدم القوي واستمر بعده ضعيف واحد ، كما لو رأت خمسة سواد ثم حمرة مستمرة ، فأيام القوي حيض وأيام الضعيف استحاضة ، سواء تمادى زمان الضعيف أو قصر ، لتناول إطلاق الخبر لهما.

ص: 135


1- جامع الأصول 8 - 226.

ولو وجد بعده ضعيفان ، كما إذا رأت خمسة سواد ، ثم خمسة حمرة ، ثم صفرة مطبقة ، احتمل إلحاق المتوسط بالأول ، إن لم يزد المجموع على عشرة ، لأنهما قويان بالنسبة إلى ما بعدهما ، وقد أمكن جعلهما حيضا ، فصار كما لو كان الجميع سوادا أو حمرة ، وإن لم يمكن لحق بالصفرة. وأن يلحق بالصفرة ، لاحتماله فيحتاط للعبادة بأولويته على احتمال إلحاقه بالأول.

ولو تأخر المتوسطة ، بأن رأت السواد ثم الصفرة ثم الحمرة ، فإن ألحقناها أولا بالسواد كان الحكم كما لو عاد السواد ، وإلا فكما لو استمرت الصفرة.

ولو تقدم الضعيف ، بأن رأت حمرة ثم سواد ثم حمرة ، فإن لم يتجاوز المجموع المجموع العشرة ، فالكل حيض ، وإلا فالأسود.

ولا اعتبار بقوة السبق ، وإن لم يزد السابق والسواد على العشرة ، كما رأت خمسة أحمر وخمسة أسود ثم عادت الحمرة ، ويحتمل ضعيفا(1)جعل الحيض السابق والأسود إن لم يزد المجموع ، وإلا فالأسود ، لقوة السبق وسقوط التمييز ، لأن العدول عن أول الدم مع حدوثه في زمان إمكانه بعيد ، والجمع بين السواد والحمرة يخالف عادة التمييز.

وعلى المختار وهو جعل السواد الحيض ، لو رأت عشرة حمرة ثم عشرة سواد ، تركت العبادة في الجميع. أما العشرة الأولى فلرجاء الانقطاع ، وأما الثانية فلأن السواد أظهر أن السابق استحاضة وأنه الحيض ، فتقضي ما تركته في العشرة السابقة.

ولو رأت بعد ذلك عشرة حمرة ، فالحيض السواد المتوسط ، والطرفان استحاضة.

ولو رأت عشرة سواد ثم عشرة حمرة ثم عشرة سواد ، فالطرفان حيضان ، والوسط طهر متخلل بينهما ، تعمل فيه ما تعمل المستحاضة.

ص: 136


1- في « ق » ضعيفين.

وإذا كان القوي أقل من عشرة ثم انقلب إلى الضعيف ، لا تشتغل بالعبادات بانقلاب الدم ، لإمكان انقطاع المجموع على العشرة ، فيكون الضعيف حيضا ، فلا بد من التربص إلى أن يظهر الحال.

فإذا تربصت وجاوز المجموع العشرة ، عرفت أنها مستحاضة وأن الحيض متحقق في أيام القوي ، فتقضي ما تركته من صلاة وصوم في أيام الضعيف. ويحتمل اشتغالها بالعبادة ، لغلبة الظن بأنه استحاضة ، ولهذا جعله الشارع دلالة عليه ، مع أنه أحوط للعبادة.

وأما الثاني وما بعده ، فإذا انقلب الدم إلى الضعيف ، فإنها تغتسل وتصلي وتصوم من غير تربص. ولا تعتبر هنا ثبوت العادة مرتين ، لأن الاستحاضة علة مزمنة والظاهر دوامها ، ثم لو اتفق الانقطاع قبل العشرة في بعض الأدوار ، فالضعيف مع القوي.

وإذا لم يتجاوز الدم العشرة ، لم يبق بين تقديم القوي أو الضعيف في جعل الجميع حيضا ، وهل ضعيف الانقلاب كقوته؟ إشكال. فلو بقيت خطوط من السواد وظهرت خطوط من الحمرة ، فالأقرب انقطاع الحيض ، كما لو انقطع السواد بأجمعه.

القسم الثاني: ( مبتدئة لا تمييز لها )
اشارة

وهي التي تكون جميع دمها من نوع واحد ، قوي أو ضعيف أو متوسط ، أو فقدت بعض شرائط التمييز ، وهي التي تكون دمها على نوعين ، لكن يقصر القوي عن أقل الحيض ، أو يزيد عليه ، أو يقصر الضعيف عن عشرة ، فأقوى الاحتمالات ردها إلى نسائها ، كالأم والأخت والعم وبنتها والخالة وبنتها ، لتناسب الأمزجة بين الأقارب غالبا.

فإن فقدن أو اختلفن ، رجعت إلى عادة من هو مثلها في السن ، لقرب مزاجها منها.

ص: 137

فإن اختلفن أو فقدن تحيضت في كل شهر بسبعة أيام أو ستة ، أو بثلاثة من شهر وعشرة من آخر ، إذ هو الغالب على الحيض ، فردها إلى الغالب أولى من ردها إلى النادر ، كما هو عادة الشارع ، فإن الحيض خلقة وجبلة.

وفي الغالب تساوي المرأة والأقرباء والأقران وغيرهن فيه ، لأنه كالأمارة فصار كالتمييز والعادة. ولقول الباقر علیه السلام : تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها (1). وقوله صلی اللّه علیه و آله لحمنة بنت جحش : تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم اللّه تعالى بستة أيام أو سبعة (2). قال الصادق علیه السلام : هذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه (3).

ويحتمل ردها إلى أقل الحيض ، لأنه المتيقن والزائد مشكوك ، فلا يترك اليقين إلا بمثله ، أو أمارة ظاهرة كالتمييز والعادة. وردها إلى العشرة ، لأنه دم في أيام الحيض مع إمكانه فيكون حيضا ، ولأن العادة كثرة الدم للمبتدئة.

والأقرب ما قدمناه لما مر ، ولقول الصادق علیه السلام : المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما ، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما (4).

فروع :

الأول : يحتمل في قوله علیه السلام « ستا أو سبعا » ردها إلى الاجتهاد ، فما غلب على ظنها أنه أقرب إلى عادة نسائها ، أو ما يكون أنسب(5)بلونه جعلته حيضا ، والتخيير لأنه موضوع له ، والأول أقوى ، لئلا يلزم التخيير في السابع بين وجوب الصلاة وعدمها ، ولا تخيير في الواجب.

ص: 138


1- وسائل الشيعة : 2 - 546 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 2 - 547 ح 3.
3- وسائل الشيعة : 3 - 548 ح 3.
4- وسائل الشيعة : 2 - 549 ح 6.
5- في « ر » أشبه.

الثاني : لو كانت عادة نسائها أو أقرانها أقل من الستة أو أكثر من السبعة ، رجعت إليهن لا إليهما ، لأنهما مرتبان على العدم أو الاختلاف.

الثالث : المراد ب « نسائها » عشيرتها من أي الأبوين كان ، لقرب طباعها من طباعهن.

الرابع : الأقرب أنها مع الاختلاف ، تنتقل إلى الأقران ، لا إلى الأكثر من الأقارب ، فلو كن عشرا فاتفق تسع ، رجعت إلى الأقران ، وكذا الأقران ، مع احتمال الرجوع إلى الأكثر عملا بالظاهر.

الخامس : الأقرب اعتبار الأقارب مع تقارب الأسنان ، فلو اختلفن فالأقرب ردها إلى من هو أقرب إليها.

ولو كان بعض الأقارب تتحيض لست والآخر لسبع ، احتمل الرجوع إلى الأقران لحصول الاختلاف ، والرجوع إلى الست للجمع والاحتياط.

السادس : الأقرب تخييرها في الأيام أيها شاءت جعلته أيام حيضها لعدم الأولوية ، مع احتمال جعله أول الشهر لقوته.

السابع : إذا ردت إلى الثلاثة دائما أو في أحد الشهرين ، فالثلاثة حيض بيقين ، والزائد عن العشرة طهر بيقين ، وما بين الثلاثة إلى العشرة يحتمل أن يكون طهرا بيقين أو مشكوكا فيه ، فعلى الأول لا تحتاط ، كالزائد على العشرة والعادة.

وعلى الثاني تحتاط فتصلي وتصوم وتمتنع من الجماع ولا تقضي صلاتها ، لأنها إن كانت حائضا فلا قضاء ، وإن كانت طاهرا فقد صلت. وتقضي ما صامته ، لاحتمال مصادفته الحيض.

وإن ردت إلى الستة أو السبعة ، فالثلاثة حيض بيقين ، والزائد على العشرة طهر بيقين ، وما بين الثلاثة إلى السبعة أو الستة : إما حيض بيقين أو مشكوك ، فعلى الثاني تحتاط بقضاء صلاة تلك الأيام ، والزائد على الستة أو السبعة إلى العشرة فيه احتمالات.

ص: 139

ولو اتفق ذلك في رمضان ، قضت صوم عشرة عند علمائنا ، والأقرب عندي أحد عشر.

الثامن : إن رددناها في الحيض إلى الستة أو السبعة وهو الغالب ، فكذا نردها في الطهر إلى ثلاثة وعشرين [ أو أربعة وعشرين ، وإن رددناها إلى الأقل احتمل أنها ترد إلى أقل الطهر أيضا ، فيكون دورها ثلاثة عشر ](1)يوما ، فإذا جاء الرابع عشر استأنفت حيضة أخرى.

والأصح أنها تجعل باقي الشهر طهرا ، لأن ردها إلى الأقل في الحيض للاحتياط ، فلو ردت في الطهر إلى أقله لتزائد الحيض ، لعوده عن قرب وهو ينافي الاحتياط.

ويحتمل ردها إلى ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين بناء على الغالب ، لأن(2)الظاهر اشتمال كل شهر على حيض وطهر ، سواء ردت إلى الأقل أو الغالب ، وهو يؤيد ما قلناه.

التاسع : غير المميزة كالمميزة في تركها العبادة في الشهر الأول إلى كمال العشرة ، فإن جاوز الدم العشرة عرفت أنها مستحاضة. وإن ردها(3)إلى الأقل أو الغالب على الخلاف ، فإن ردت إلى الأقل قضت صلاة سبعة أيام ، وإن ردت إلى الستة أو السبعة ، قضت صلاة أربع أو ثلاث.

وأما في الشهر الثاني وما بعده فتنتظر إن وجدت تمييز بالشرائط السابقة قبل تمام الرد أو بعده ، ولا عبرة بما تقدم ، فهي في ذلك الدور كمبتدئة ذات تمييز ، كما لو رأت الشهر كله أحمر ، ثم في الثاني خمسة أسود والباقي أحمر ، فحيضها في الأول الأقل أو الغالب ، وفي الثاني خمسة السواد ، عملا بالتمييز لأنه دليل عليه ، فالعمل به أولى.

وإن فقدت التمييز في الثاني ، اغتسلت وصلت وصامت بعد تمام الرد ،

ص: 140


1- الزيادة من « ر ».
2- في « ر » لكن.
3- في « ر » ردت.

وهو الأقل أو الغالب ، لأن الظاهر دوام الاستحاضة. ثم إن انقطع على العشرة ، ظهر أنها غير مستحاضة وأن الجميع حيض ، فتقضي ما تركته من الصوم في الرد وما صامته فيما جاوزه أيضا ، لظهور الحيض فيه ، فظهر بطلان غسلها عقيب انقضاء الرد ، ولا إثم في الصلاة والصوم والوقاع فيما تجاوز الرد ، للعذر بناء للأمر على الظاهر.

ولا تحتاط هذه كالمتحيرة ، لأنا قد جعلنا لها مردا في الحيض ، فلا عبرة بما بعده كالمعتادة والمميزة. ويحتمل الاحتياط إلى تمام العشرة ، لأن احتمال الحيض والطهر والانقطاع قائم هنا ، وإنما تحتاط المتحيرة لقيام هذه الاحتمالات فكذا هنا ، ولا يحل وطؤها إلى تمام العشرة.

ولا تقضي في هذه المدة فوائت الصوم والصلاة والطواف ، لاحتمال الحيض. ويلزمها الصوم والصلاة لاحتمال الطهر ، وتغتسل لكل صلاة لاحتمال الانقطاع ، وتقضي صوم العشرة أو الأحد عشر ، أما في الرد فلعدم صومها فيه ، وأما فيما بعده فلاحتمال الحيض.

وإن قلنا بعدم الاحتياط ، صامت وصلت ولا تقضي شيئا ، ويجامعها زوجها ولا غسل عليها ، وتقضي الفوائت ، ولا تقضي الصلوات المأتي بها بين الرد والعاشر ، لأنها إن كانت طاهرا فقد صلت ، وإن كانت حائضا فليس عليها قضاء الصلاة.

القسم الثالث: ( ذات عادة مضبوطة وتمييز )

فإن توافق مقتضاهما تحيضت بما دلا عليه ، لاعتضاد كل من الدلالتين بصاحبتها ، كما لو كانت تحيض خمسة من أول كل شهر وتطهر الباقي ، فاستحيضت ورأت خمستها سوادا وباقي الشهر حمرة ، فحيضها تلك الخمسة إجماعا.

وإن اختلفا ، فإن تخلل بينهما أقل الطهر ، كما إذا رأت عشرين فصاعدا

ص: 141

دما ضعيفا ثم خمسة قويا ثم ضعيفا ، وعادتها الخمسة الأولى ، فقدر العادة حيض بحكم العادة ، والقوي حيض آخر بحكم التمييز ، وقد تخلل زمان الطهر بينهما.

وإن قلنا بتقديم العادة خاصة ، فالخمسة [ الأولى حيض والباقي استحاضة ، وإن قلنا بتقديم التمييز خاصة ، فالخمسة ](1)السواد حيض والباقي استحاضة.

وإن لم يتخلل بينهما قدر الطهر ، كما لو كانت تحيض خمسة أول الشهر ، فرأت في دور عشرة سواد ثم حمرة واستحيضت ، فالأقوى الرد إلى العادة ، فترد إلى الخمسة القديمة ، لقوله علیه السلام : فلتنظر إلى عدد الأيام والليالي التي كانت تحيضهن (2). ولم يفصل. ولأن العادة قد ثبتت واستقرت ، وصفة الدم في معرض البطلان ، ولهذا لو زاد القوي على عشرة بطلت دلالة قوته.

وقيل : ترد إلى التمييز ، لقوله علیه السلام : دم الحيض أسود (3).

يعطي ظاهره أن عشرة حيضا.

القسم الرابع: ( ذات عادة مضبوطة ولا تمييز لها )

فإنها ترجع إلى عادتها إذا استحيضت بلا خلاف ، وتثبت العادة بتوالي شهرين ترى فيهما الدم أياما سواء من غير زيادة ولا نقصان ، لأن العادة مأخوذة من العود ، ولقوله علیه السلام : فإذا اتفق شهران عدة أيام فتلك أيامها (4). فلا تكفي المرة وإن كانت مبتدئة ، ولا يشترط الثلاث.

ص: 142


1- الزيادة من « ر ».
2- جامع الأصول 8 - 227.
3- جامع الأصول 8 - 229.
4- جامع الأصول 8 - 236 ، وسائل الشيعة 2 - 545 ح 1.

وإذا عرفت المرأة شهرها صارت ذات عادة إجماعا ، والمراد بشهرها المدة التي لها فيها حيض وطهر ، وأقله عندنا ثلاثة عشر يوما.

ولو عرفت أيام حيضها دون أيام طهرها أو بالعكس ، فليست معتادة ، لكنها إذا جهلت شهرها ، رددناها إلى الغالب ، فحيضناها في كل شهر حيضة.

ولا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر ، لقوله علیه السلام : تدع الصلاة أيام أقرائها (1). فلو رأت في شهر خمسة ، ثم رأت طهرا بقية الشهر ، ثم رأت في الآخر مرتين بعدد تلك الأيام بينهما عشرون ، وفي الثالث بالعدد بينهما أقل ، استقرت العادة. وقد تتقدم العادة وتتأخر ، فالعدد الحيض.

ولا يشترط تكثر الأشهر(2)، فلو رأت خمسة في شهر ثم فيه خمسة أخرى ، صار ذلك عادة في الشهر الثاني ، إذا استمر تحيضت فيه بالخمسة على إشكال.

ولو رأت خمسة في أول الشهر ، ثم خمسة وخمسين طهرا ، ثم خمسة في أول الثالث ، ثم خمسة وخمسين طهرا ، استقرت عادتها بخمسة حيضا وبخمسة وخمسين طهرا.

فروع :

الأول : لو اتفق العدد والوقت في المرة الثانية مع الأولى صار عادة ، أما العدد فظاهر ، وأما الوقت فلقول الصادق علیه السلام : فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لا وقت لها إلا أيامها قلت أو كثرت (3).

الثاني : لو اتفق العدد دون الوقت ، بأن رأت الخمسة الأولى ، ثم في الثاني الثانية ، ثم في الثالث الثالثة وهكذا ، استقرت العادة دون الوقت.

ص: 143


1- جامع الأصول 8 - 234.
2- في « ق » الشهر.
3- وسائل الشيعة 2 - 548.

ولو اتفق الوقت دون العدد ، استقرت في الوقت خاصة وعملت على أقله للاحتياط.

الثالث : لو رأت المبتدئة في الأول عشرة وفي الثاني خمسة ، صارت الخمسة عادة لتكررها ، وكذا لو انعكس ، ويحتمل عدم العادة فيهما ، لأنه لم يوجد لها أيام سواء.

الرابع : ليس من شرط العادة التي ترد إليها المستحاضة أن تكون عادة طهر وحيض صحيحي بالاستحاضة ، بل قد تكون كذلك وقد تكون بالتمييز وهي مستحاضة ، كما لو رأت المبتدئة خمسة سوادا ، ثم خمسة وعشرين هكذا مرارا ، ثم استمر السواد أو الحمرة في بعض الشهور ، فقد عرفت بما سبق من التمييز أن حيضها خمسة من أول كل شهر ، وصار ذلك عادة ، فترد هنا إليها ، ويحكم بالاستحاضة في الباقي.

ولو رأت في بعض الأدوار عشرة سوادا وباقي الشهر حمرة ، ثم استمر السواد في الدور الذي بعده ، فالأقرب تحيضها بالعشرة في ذلك الدور ، اعتمادا على صفة الدم ، مع احتمال ردها إلى الخمسة.

وعلى الأول هل ترد في الدور المستمر إلى الخمسة أو العشرة؟ إشكال ، أقربه الأول اعتبارا بالعادة. ويحتمل الثاني ، لأنها عادة تمييزية فنسخها مرة واحدة.

ولو كانت ترى الدم خمسة سوادا في أول الشهر وباقية حمرة ، فرأت في شهر الخمسة الأولى حمرة ، والخمسة الثانية سوادا ، ثم عادت الحمرة ، فعلى الأول تتحيض بخمسة الحمرة ، استنادا إلى العادة المستفادة من التمييز ، وعلى الثاني بالثانية بناء على التمييز.

الخامس : قد عرفت أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ، وفي

ص: 144

أيام الطهر طهر للخبر(1). والصفرة شي ء كالصديد يعلوه اصفرار ، والكدرة شي ء كدر ، وليستا على ألوان الدماء.

ولا خلاف في كونهما حيضا في أيام العادة ، لأن الوقوع في أيام العادة يقتضي غلبة الظن بكون الأذى الموجود منه هو الحيض المعهود ، وأما فيما وراءها إذا انقطع على الأكثر ، فإنه بحكم الحيض أيضا ، لقوله تعالى ( قُلْ هُوَ أَذىً ) (2) والصفرة والكدرة أذى ، ولأنها أيام الحيض ، سواء سبق دم قوي من سواد أو حمرة أو لا.

أما المبتدئة : فإذا رأتهما ثم انقطع على العشرة فما دون إلى الثلاثة ، فالأقوى أنه كذلك ، لأنها أيام الحيض لو كان أسود ، فإن الظاهر أن المراد بأيام الحيض زمان إمكانه.

السادس : العادة قد تكون متفقة ، كما إذا كانت عادتها خمسة في كل شهر ، فإذا تجاوز العشرة ردت إلى الخمسة. وقد تكون مختلفة : إما مرتبة أو لا ، فالأول كما لو رأت في الأول ثلاثة ، وفي الثاني أربعة ، وفي الثالث خمسة ، ثم عادت إلى ثلاثة ثم أربعة ثم خمسة وهكذا ، فإذا تجاوز العشرة في شهر تحيضت بنوبته ، ثم على تاليه على العادة.

فإن نسيت نوبته ، فالوجه جلوسها أقل الحيض ، لأنه المتيقن ، ثم تعمل ما تعمله المستحاضة باقي الشك ، وتغتسل عند كل صلاة ، لاحتمال الانقطاع عندها إلى آخر الشك ، ثم تعمل ما تعمله المستحاضة باقي الشهر.

ولو تيقنت الزيادة على الثلاثة ، جلست أربعة ، لحصول الشك في الخامس ، ثم تجلس في الأخيرين ثلاثة ثلاثة ، لاحتمال أن يكون ما حيضناها بالأربعة فيه شهر الخمسة والتالي له شهر ثلاثة ، وأن يكون شهر الأربعة (3)

ص: 145


1- وهو صحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، فقال : لا تصلي حتى تنقضي أيامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت. وسائل الشيعة1. 540 ح 1 و 9.
2- سورة البقرة : 222.
3- في « س » فالتالي شهر الثالثة لهما في الرابع إلخ.

والتالي لتالية شهر الثلاثة ، أما في الرابع فتتحيض بأربعة ثم يعود إلى الثلاثة ، وهكذا إلى وقت الذكر ، وتتحيض في زمان ثلاثة وتقضي خمسة. والثاني كما إذا رأت في الأول ثلاثة وفي الثاني خمسة وفي الثالث أربعة ، فإن أمكن ضبطه واعتاد فهو كالمتقين ، وإلا جلست الأقل.

القسم الخامس: ( أن تكون ذات عادة منسية ولها تمييز )

فإنها ترجع إلى التمييز ، لتعذر الرجوع إلى العادة ، فتأخذ بدلالة التمييز. كيف؟ وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى التمييز مع إمكان الرجوع إلى العادة ، وفي هذه الحالة لا تحير ولا إشكال ، كما في المبتدئة ذات التمييز.

القسم السادس: ( ذات عادة منسية لا تمييز لها )
اشارة

وأقسامها ثلاثة :

الأول: ( أن تكون ناسية العدد ووقته معا )

وتسمى « متحيرة » لتحيرها في أمرها ومحيرة ، لأنها تحير الفقيه في شأنها ، والأقرب أنها كالمبتدأة ، لأن العادة المنسية لا يمكن الرد إليها ، لعدم إمكان استفادة الحكم منها ، كما أن التمييز إذا فات بعض شرائطه صار كالعدم ، وتشبهها بالمبتدئة في عدد الأيام خاصة لا في الرجوع إلى النساء.

وللشيخ قول : إنها مأمورة بالاحتياط ، فتفعل من أول الشهر إلى آخره ما تفعله المستحاضة ، وتغتسل بعد الثالث لكل صلاة يحتمل انقطاع الدم عندها ، وتصلي وتصوم شهر رمضان ، إذ ما من زمان بعد الثلاثة إلا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، فإن ردت إلى المبتدئة تحيضت بستة أو سبعة ، أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر وبالأقل على ما تقدم.

ص: 146

وإن قلنا بالاحتياط ردت إليه في أمور سبعة :

الأول : أن لا يجامعها زوجها أصلا ولا مالكها ، لاحتمال كل زمان أن تكون حيضا ، فإن فعل عصى ، ولا كفارة وأن أوجبناها في الحائض ، لعدم العلم به وأصالة البراءة ، وعليها الغسل من الجنابة ، فإن استوعب الشهر الوطي ، فعله ثلاث كفارات إن اتحد الزمان ، وإلا فكفارتان.

الثاني : لا تلبث في المساجد.

الثالث : لا تقرأ العزائم لا في صلاة نافلة ولا غيرها.

الرابع : تجب عليها الصلوات المفروضات ، إذ كل وقت يفرد بالنظر يجوز كونها طاهرا فيه ، فتأخذ بالاحتياط ، والأقرب أن لها التنقل ، كالمتيمم يتنفل مع بقاء حدثه ، ولأن النوافل من مهمات الدين ، فلا تمنع عنها سواء الرواتب وغيرها. وكذا الصوم المندوب والطواف.

ثم يلزمها الاغتسال لكل فريضة ، لاحتمال الانقطاع قبلها. ويجب أن توقع الغسل في الوقت ، لأنها طاهرة ضرورية فأشبهت التيمم. ولو أوقعته قبل الوقت(1)، فإن انطبق أول الصلاة(2)على أول الوقت وآخر الغسل جاز ، والأقرب وجوب المبادرة إلى الصلاة عقيب الغسل الذي تفعله لأجل الاستحاضة ، كما في وضوئها ، لا عقيب الغسل الذي تفعله ، لاحتمال الانقطاع ، بل تبادر عقيب الوضوء.

وإنما أوجبنا البدار إلى الصلاة عقيب الوضوء تقليلا للحدث ، والغسل إنما يؤمر به لاحتمال الانقطاع. ولا يمكن تكرر الانقطاع بين الغسل والصلاة. ولو بادرت أيضا ، فمن المحتمل أن يقع غسلها في الحيض وانقطع بعده ، فلا مدفع لهذا الاحتمال.

ويمكن الفرق بأن أصل الاحتمال وإن لم يمكن دفعه ، لكن الاحتمال في الزمان الطويل أظهر منه في القصير ، ومع المبادرة يقل الاحتمال ، وحينئذ لو

ص: 147


1- كذا في « ر » و « س » وفي « ق » أول الوقت.
2- في « س » الوضوء.

أخرت لزمها لتلك الصلاة وضوء آخر ، لأن المستحاضة لا تؤخر الصلاة عن الطهارة.

الخامس : يلزمها صوم شهر رمضان بأجمعه ، لاحتمال أن يكون طاهرا فيه أجمع ، ثم لا يجزيها ذلك بل يجزيها عشرة ، لاحتمال أن تحيض في أول الشهر عشرة وتطهر عشرة ، ثم تحيض باقي الشهر فإن الغالب أنه لا بد وأن يكون لها في الشهر طهر صحيح ، وغاية امتداد الحيض ما قلناه ، فيقع صوم عشرة في الطهر.

ويحتمل أنه لا يجزيها إلا تسعة ، لاحتمال ابتداء الحيض في انتهاء نهار ، ويمتد عشرة فينقطع في أثنائها(1)، فتبسط العشرة على أحد عشر ويفسد صومها.

ولو عرفت أن انقطاع دمها ليلا صحت ، أما قضاء الصلاة التي فعلتها فلا يجب للحرج ، بخلاف الصوم. ولأنها إن كانت طاهرا وقت الصلاة المؤداة أجزأها ما فعلت وإلا فلا صلاة عليها. ويحتمل وجوب القضاء ، لجواز انقطاع الحيض في أثناء الصلاة.

فإذا سلكنا طريق الاحتياط وجب سلوكه في جميع جهات الاحتمال ، فإذا اغتسلت في أول الصبح وصلت ، اغتسلت بعد طلوع الشمس مرة أخرى وتعيد ، لاحتمال وقوع الأولى في الحيض وانقطع بعده ، فيلزمها الصبح. وبالمرتين تخرج عن العهدة يقينا ، لأنها إن كانت طاهرا في الأولى ، فهي صحيحة ، وإلا فإن انقطع في الوقت أجزأتها الثانية ، وإن لم ينقطع فلا شي ء عليها.

ولا يشترط البدار إلى المرة الثانية بعد خروج الوقت ، بل متى قضتها قبل انقضاء العشرة من أول وقت الصبح خرجت عن العهدة ، ولأن الانقطاع إن كان في الوقت لم يعد إلى عشرة.

ص: 148


1- في « س » في أثناء نهار.

ولا يشترط تأخير جميع الصلاة في المرة الثانية عن الوقت ، بل لو وقع في آخر الوقت جاز ، بشرط أن يكون دون ركعة ، لأن الانقطاع إن كان قبل الثانية ، فقد اغتسلت وصلت والانقطاع لا يتكرر. وإن كان في أثنائها ، فلا شي ء عليها في الفرض المذكور.

وينبغي أن يعتبر زمان الغسل أيضا ، فإن المرة الثانية يتقدمها الغسل ، فإذا وقع بعضها في الوقت والغسل سابق ، جاز وقوع الانقطاع في أثناء الغسل ، ويكون الباقي من وقت الصلاة من حينئذ قدر ركعة ، فيجب أن تنظر إلى زمان الغسل ، سواء الجزء الأول منه وإلى الجزء الواقع فيه الصلاة من الوقت. فإن كان دون ما يلزم به الصلاة جاز ، وإلا فلا ، ولا يقصر النظر على جزء الصلاة خاصة ، هذا في الصبح.

وكذا في العصر والعشاء. أما الظهر والمغرب ، فلا يكفي وقوعهما في المرة الثانية في أول وقت العصر وأول وقت العشاء ، لأنها لو أدركت قدر خمس لزمها الظهران والعشاءان ، ومن الجائز انقطاع حيضها في الوقت المفروض ، فتجب إعادة الظهر في الوقت الذي تجوز إعادة العصر فيه ، وذلك بعد وقت العصر ، وإعادة المغرب في الوقت الذي تجوز إعادة العشاء فيه وذلك بعد وقت العشاء. ثم إذا(1)عادت الظهرين بعد المغرب ، فإن قدمتها على أداء المغرب ، فعليها أن تغتسل للظهر وتتوضأ للعصر وتغتسل للمغرب.

وإنما يكفي لهما غسل واحد ، لأن دمها إن انقطع قبل المغرب فقد اغتسلت بعده ، وإن انقطع بعده فليس عليها ظهر ولا عصر. وإنما وجب إعادة الغسل للمغرب ، لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر أو العصر أو عقيبهما ، وكذا إذا قضت المغرب والعشاء قبل أداء الصبح بعد الفجر ، فتكون قد صلت الفرائض الخمس بثمانية أغسال ووضوءين إن قلنا بالجمع في الوضوء وإلا فبعشر.

ولو أخرت الظهرين عند أداء المغرب ، كفاها غسل المغرب ، لأن الانقطاع إن كان قبل المغرب ، فلا يعود إلى آخر مدة الظهر. وإن كان بعده لم

ص: 149


1- في « ق » إن.

يكن عليها ظهر ولا عصر ، لكن تتوضأ لكل منهما كالمستحاضة. وكذا المغرب والعشاء لو أخرتهما عن أداء الصبح ، وحينئذ تكون قد أدت الخمس مرتين بستة أغسال.

وإذا أخرت القضاء ، خرجت عن عهدة الفرائض الخمس. وإن قدمته على المغرب والصبح خرجت عن عهدة ما سواهما ، وأما هما فلا ، لأنها إذا أخرت الصلاة عن أول الوقت حتى مضى ما يسع الغسل وتلك الصلاة ، لم يكف فعلها مرة أخرى في آخر الوقت أو بعده على ما صورناه ، لجواز أن تكون طاهرا في أول الوقت ثم يطرأ الحيض ، فتلزمها الصلاة ، فتكون المرتان قد وقعتا في الحيض.

بل تحتاج إلى فعلهما مرتين آخرتين بغسلين ، بشرط أن تكون إحداهما بعد انقضاء وقت الرفاهية والضرورة ، وقبل تمام العشرة من افتتاح الصلاة المرة الأولى والثانية في أول الحادي عشر من آخر الصلاة المرة الأولى ، فتخرج عن العهدة بيقين ، لأن العشرة المتخللة إن كانت كلها طهرا صحت الثانية ، وإن كانت حيضا صحت الأولى أو الثانية ، أو يكون آخرها طهرا فيكون شي ء(1)مما بعدها طهرا أيضا ، فإن انتهى إلى آخر المرة الثالثة فهي واقعة في الطهر ، وإلا فالثانية واقعة فيه ، أو يكون أولها طهرا ، فيكون شي ء مما قبلها طهرا أيضا.

فإن كان افتتاحه قبل المرة الأولى ، فهي في الطهر. وإن كان في أثناء الأولى كانت الثانية في الطهر ، وبعد هذا كله لو اقتصرت على أداء الصلوات في أوائل أوقاتها ولم تقض شيئا حتى تمضي عشرة أيام ، فلا يجب عليها لكل عشرة إلا قضاء صلوات يوم كامل ، لأن القضاء إنما يجب لاحتمال الانقطاع ، ولا يتصور الانقطاع في العشرة إلا مرة. ويجوز أن يجب به تدارك صلاتي جمع ، وهما الظهران أو العشاءان.

فإذا أشكل الحال أوجبنا قضاء صلوات ثلاثة أيام عن الشهر(2)، لأن

ص: 150


1- في « س » شيئا.
2- في « س » لكن.

احتمال الانقطاع لا يتطرق إلى الثلاثة الأولى ، لأنها ابتداء الحيض فرضا ، وإنما يتطرق فيما عداها. فإن أوجبنا في المنسي تعيينها الخمس فكذا هنا ، وإلا وجب أربع صلوات عن كل عشرة أيام.

ولو كانت تصلي في أوساط(1)الأوقات ، لزمها أن تقضي لعشرين صلاة صلوات يومين وليلتين ، لجواز أن يطرأ الحيض في وسط صلاة فتبطل ، وينقطع في وسط أخرى فتجب. ويجوز أن يكونا مثلين.

ومن فاتته صلاتان متماثلتان ولم تعرف عينهما ، وجب عليه صلاة يومين وليلتين ، بخلاف ما إذا كانت تصلي في أول الوقت ، فإنه لو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصلاة لما وجبت ، لأنها لم تدرك في الوقت ما يسع لها ، بخلاف المنسي تعيينها ، حيث اكتفى في المتماثلين منها بست. بل تجب العشرة ، لأن الابتداء إن كان بعد مضي وقت ركعتي صبح الأول(2)، فالانتهاء بعد انقضاء مثله من الرابع ، فيجب الفرضان ، وكذا باقي الصلوات ، ولا يجب ما بينهما.

السادس : إذا أرادت قضاء صوم يوم ، فعلى اختيار الأصحاب تصوم يومين : إحداهما أي يوم شاءت ، والثاني الحادي عشر من ذلك اليوم. وعلى ما اخترناه تضيف إليهما الثاني والثاني عشر ، لأنها إما طاهر في اليوم الأول فيحصل الغرض به ، وإما حائض فإما أن تكون حائضا في جميعه أو في بعضه ، فإن كانت حائضا في جميعه ، احتمل أن يكون أول الحيض فيصح الحادي عشر ، أن يكون أخيره فيصح الثاني ، وأن يكون بين الأول والأخير ، فيصح الحادي عشر.

وإن كانت حائضا في بعضه ، فإن كانت حائضا في أوله وانقطع فيه ، صح الثاني ، وإن كانت في آخره وابتداء فيه ( صح ) (3)فغايته أول الحادي عشر ، فتصح الثاني عشر.

ص: 151


1- في « س » أوسط.
2- في « س » ركعتين صح الأول.
3- الزيادة من « ق ».

فعلى كل التقادير يقع يوم في الطهر ، ولا يتعين الثاني للصوم الثاني ، ولا الحادي عشر للثالث ، لأنا أوجبنا الحادي عشر على تقدير أن يكون الأول أول الحيض ، أو بين الأول والأخير ، وحينئذ يصح لها صوم الثاني عشر والثالث عشر. وأوجبنا الثاني على تقدير أن يكون آخر الحيض ، وحينئذ يصح لها صوم الثالث إلى آخر الحادي عشر ، والقضاء إنما هو يوم واحد ، والزائد وجب بالتبعية كالصلاة المنسي تعيينها.

والحق ما قلناه في التذكرة ، وهو الاكتفاء بالأول والثاني عشر ويوما ما بين الثاني والحادي عشر.

ولو أرادت قضاء يومين ، ضعفت ما عليها وزادت يومين ، ثم تصوم نصف المجموع على التوالي متى شاءت ، وتصوم مثل ذلك من أول الحادي عشر ، وتخرج عن العهدة. فإذا صامت أي يوم شاءت وما بعده وتاليه ، ثم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ( خاصة )(1)لأنها في الأولين إن كانت طاهرا ، صح صومها. وإن كانت حائضا في جميعهما ، فإن كان الأول أول الحيض فغايته إلى العاشر ، فيصح الحادي عشر والثاني عشر ، وإن كان أول الحيض آخر الأول ، فغايته أول الحادي عشر ، فيصح الثاني عشر والثالث عشر. وإن كان أول الثاني آخر الحيض ، صح الثاني والحادي عشر. وإن كانت ظاهرا في أحدهما ، فإن كانت في الأول ، صح مع الثالث.

ولو كانت تقضي ثلاثة أيام ، صامت أربعة ولاء ، ثم أربعة من أول الحادي عشر ، وعلى هذا.

ولو كانت تقضي عشرة ، ضاعفتها متوالية ، فيبقى يوم فتحتاج إلى إضافة آخرين إليه على هيئة ما قلناه في التذكرة.

ولو صامت ما عليها ولاء متى شاءت من غير زيادة ، وأعادت من أول

ص: 152


1- الزيادة من « ق ».

الثاني عشر ، وصامت بينهما يومين مجتمعين أو متفرقين متصلين بالصوم الأول أو الثاني أو غير متصلين ، خرجت عن العهدة.

ولو قضت صوما متتابعا بنذر وشبهه ، فإن كان قدر ما يقع في شهر ، صامت على الولاء ، ثم مرة أخرى قبل الثاني عشر ، ثم مرة أخرى من الثاني عشر. فلو قضت يومين متتابعين صامت يومين وتصوم الثاني عشر والثالث عشر ، وتصوم بينهما يومين متتابعين.

ولو كانت عليها شهران متتابعان ، صامت مائة وسبعة وثلاثين يوما على التوالي أربعة أشهر لأربعة وخمسين يوما وسبعة عشر يوما لستة أيام. فإن دام طهرها شهرين ، صح ، وإلا فقدر شهرين من هذه المدة صحيح قطعا ، وتخلل الحيض لا يقطع التتابع. ولو عرفت حصول التتابع في أيام النقاء ، وجب على إشكال.

ولو أرادت قضاء فريضة واحدة وأداء منذور ، اغتسلت أي وقت شاءت لاحتمال الانقطاع ، وتوضأت وصلت ، ثم تمهل زمانا يسع الغسل وتلك الصلاة ، ثم تعيدها بغسل آخر ووضوء ، بحيث تقع في العشرة من أول الصلاة بالمرة(1)الأولى ، وتمهل من أول الحادي عشر قدر الإمهال الأول ، ثم تعيدها بغسل آخر قبل تمام عشرين من المرة الأولى. ويشترط أن لا تؤخر الثالثة عن أول الحادي عشر أكثر من الزمان المتخلل بين آخر المرة الأولى وأول الثانية.

ولو زادت الصلاة على الواحدة ، فعلت كالواحدة ، فتصليها على الولاء ثلاث مرات كما قلنا في الواحدة ، وتغتسل في كل مرة للصلاة الأولى ، وتتوضأ لكل واحدة بعدها إن كان الدم قليلا. ولا فرق بين أن تكون الصلوات متفقة كخمسة أصباح ، أو مختلفة كفريضة يوم.

ولها طريق آخر : بأن تنظر فيما عليها من العدد إن لم يكن فيه اختلاف ، فتضعفه وتزيد عليه صلاتين أبدا ، وتصلي نصف الجملة ولاء ، ثم النصف

ص: 153


1- في « ر » المرة وفي « س » للمرة.

الآخر في أول الحادي عشر من أول الشروع في النصف الأول ، فتضعف خمسة أصباح وتزيد صبحين ، ثم تصلي ستة متى شاءت وستة في أول الحادي عشر.

وإن كان فيه اختلاف ، صلت ما عليها من الصلوات بأنواعه على الولاء متى شاءت ، ثم تصلي صلاتين من كل نوع مما عليها ، بشرط أن تقعا في العشرة من أول الشروع ، وتمهل من أول الحادي عشر زمانا يسع للصلاة المفتتح بها ، ثم تعيد ما عليها على ترتيب فعلها في المرة الأولى ، كما لو وجب صبح وظهران ، تصلي الخمس متى شاءت ، ثم تصلي بعدها في العشرة صبحين وظهرين ، وتمهل في الحادي عشر ما تسع لصبح وتعيد العشر كما فعلت أولا ، وتفتقر هنا في كل صلاة إلى غسل.

والطواف كالصلاة واحدا كان أو كثيرا ، وتصلي مع كل طواف بركعتيه. ولا بد لها من غسل ووضوء للطواف ، وكذا للركعتين.

أما إذا حيضناها كالمبتدأة بالستة أو السبعة ، فإن غاية حيضها حينئذ تكون سبعة أيام ، وأقصى ما يفرض انبساطه على ثمانية أيام ، فيصح لها من الشهر الكامل اثنان وعشرون يوما ، وكذا في قضاء الصلاة والصوم ، فيكفيها حينئذ عن قضاء يوم أن تصوم يومين بينهما سبعة أيام.

السابع : إذا طلقت انقضت عدتها بثلاثة أشهر ، لأن الغالب أن المرأة ترى في كل شهر حيضة ، ولا تكلف الصبر إلى سن اليأس من حيث احتمال تباعد الحيض ، لما فيه من المشقة العظيمة ، وللرواية (1) الدالة على اعتبار السابق من الأمرين.

ويحتمل إلحاقها بالمسترابة ، فإذا أراد طلاقها طلقها في يوم ما وما بعد ثانية إلى العاشر ، وفي حادي عشرة بعد مضي إيقاع الطلاق الأول من وقت وقوعه بقدر إيقاعه. فابتداء العدة بالنسبة إلى رجعة الزوج من بعد الإيقاع الأول ، وبالنسبة إلى تزويجها من بعد إيقاع الثالث ، وفي النفقة إشكال.

ص: 154


1- وسائل الشيعة : 15 - 411.
الثاني: ( أن تكون ناسية العدد خاصة وتذكر الوقت )

فيحكم بجميع أحكام الحيض في كل زمان تيقن فيه الحيض ، وبأحكام الطهر في كل زمان تيقنه فيه ، لكن بها حدث دائم. وكل زمان يحتمل فيه الأمران يحكم فيه بالأشق احتياطا ، ففي الاستمتاع وقضاء الصوم كالحائض ، وفي لزوم العبادات كالطاهر.

ثم إن احتمل ذلك الزمان الانقطاع أيضا ، كان عليها الاغتسال لكل فريضة ، فإذا تيقنت أن أول حيضها كان أول الشهر ، فثلاثة أيام حيض بيقين لأنه أقله ، وبعده يحتمل الثلاثة : الحيض ، والطهر ، والانقطاع إلى آخر العاشر ، وبعده إلى آخر الشهر طهر بيقين.

والمراد من الشهر في هذه المسائل الأيام التي تعينها لا الشهر الهلالي.

ولو تيقنت انقطاعه آخر كل شهر ، فالأول إلى آخر العشرين طهر بيقين ، لأن غاية الممكن افتتاح الحيض من ليلة الحادي والعشرين ، وبعده يحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع إلى آخر السابع والعشرين ، والثلاثة الباقية والليلة السابقة حيض بيقين.

الثالث: ( أن تكون ناسية للوقت ذاكرة للعدد )

وهذه إنما تخرج عن التحير المطلق لو حفظت مع العدد قدر الدور وابتداءه ، إذ لو قالت : حيضي خمسة أضللته في دوري ولا أعرف غير ذلك ، فلا فائدة فيما حفظت إلا في نقصان العدد وزيادته عن الروايات ، لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في كل زمان.

وكذا لو قالت : حيضي خمسة ودوري ثلاثون ولا أعرف ابتداءه. وكذا لو قالت : حيضي خمسة ودوري يبتدأ يوم كذا ولا أعرف قدره. وإذا حفظتهما معا مع القدر ، فإشكال الحال حينئذ إنما يكون لإضلال الحيض.

ص: 155

والإضلال قد يكون في جميع الدور وفي بعضه ، فإن استوعب فالجميع يحتمل الحيض والطهر. وقدر الحيض من أول الدور لا يحتمل الانقطاع ، وبعده يحتمل(1)أيضا ، كما لو قالت : دوري ثلاثون ابتداؤها كذا ، وحيضي عشرة أضللتها في الثلاثين ، فعشرة من أولها لا يحتمل الانقطاع والباقي يحتمله ، والكل يحتمل الحيض والطهر.

ولو عرفت مع ذلك شيئا آخر ، احتاطت بمقتضى الحال ، كما لو قالت : حيضي إحدى عشرات ولا أعرف عينها ، فإنها تفارق الصورة الأولى في أن احتمال الانقطاع بعد العشرة الأولى قائم إلى آخر الشهر ، وهنا لا يحتمل الانقطاع إلا في آخر كل عشرة من العشرات.

وإن كان الإضلال في بعض الدور ، كما لو قالت : أضللت عشرة في عشرين من أول الشهر ، فالعشرة الأخيرة طهر بيقين ، والعشرون من أوله يحتمل الحيض والطهر ، ولا يمكن الانقطاع في العشرة الأولى ويمكن في الثانية.

قاعدة :

كل ما كان القدر الذي أضلته زائدا على نصف محل الضلال ، كان لها حيض بيقين من وسطه. وقدره ضعف القدر الزائد من الحيض على نصف محل الضلال ، وإن قصر أو ساواه فلا حيض لها بيقين.

فلو قالت : حيضي ستة في العشر الأول ، فالخامس والسادس حيض بيقين ، لاندراجهما تحت تقدير تقديم الحيض وتأخيره وتوسطه(2).

ولو قالت : سبعة فالرابع والسابع وما بينهما حيض بيقين. ولو كان خمسة من التسعة الأولى ، فالخامس حيض. ولو كان خمسة من العشرة أو أربعة ، فلا حيض معلوم لها ، فتعمل في العشرة ما تعمله المستحاضة ، وبعد الخمسة تغتسل لكل صلاة تصليها ، لجواز انقطاع الدم عندها.

ص: 156


1- في « ق » يحتمله.
2- في « ق » ووسطه.
فروع :

الأول : لو قالت : حيضي عشرة والثاني عشر حيض بيقين ، فالأولان والتسعة الأخيرة طهر بيقين ، تعمل فيه ما تعمله المستحاضة ، وتعمل فيما بينهما كذلك إلا الثاني عشر ، ثم تغتسل في آخره مستمرا عند كل صلاة إلى آخر الحادي والعشرين للانقطاع ، ورده إلى القاعدة أن الثاني عشر يحتمل أن يكون أول الحيض وآخره ، فيحصل الاشتباه في تسعة عشر يوما ، وهو يقصر عن العدد بنصف يوم ، فيكون الحيض يوما كاملا والباقي مشكوك فيه.

ولو قالت : حيضي خمسة وأعلم طهر السادس إن كنت حائضا يوم السادس والعشرين ، وحيضه إن كنت طاهرا فيه ، فالأول ومن أول العشر الثاني إلى آخر الحادي والعشرين طهر قطعا ، ثم تغتسل في آخر السادس إلى آخر العاشر ، ومن آخر السادس والعشرين إلى آخر الشهر عند كل صلاة ، لاحتمال الانقطاع ، ولا توطأ ولا تطلق في أيام الاشتباه ، وتقضي صوم العدد بعد الزمان الذي تفرض عادتها في جملته.

الثاني : لو قالت : لي في كل شهر حيضتان كل واحدة ثمانية ، فمن الأول إلى آخر الرابع طهر مشكوك فيه ، وكذا من التاسع إلى آخر الثاني عشر ، ومن التاسع عشر إلى آخر الثاني والعشرين ، ومن السابع والعشرين إلى آخر الشهر.

ولها حيضتان بيقين من أول الخامس إلى آخر الثامن ، ومن الثالث والعشرين إلى آخر السادس والعشرين. ولها طهر بيقين من أول الثالث عشر إلى آخر الثامن عشر.

الثالث : المزج المطلق أن تقول : كنت أمزج شهرا بشهر حيضا ، أي كنت آخر كل شهر وأول ما بعده حائضا ، فلحظة من آخر كل شهر ولحظة من أوله حيض بيقين ، ومن اللحظة الأخيرة من العاشر إلى اللحظة الأولى من الحادي والعشرين طهر بيقين ، واللحظتان حيض بيقين والباقي مشكوك فيه.

ولو قالت : كنت أمزج الشهر بالشهر وكنت يوم الخامس حائضا ،

ص: 157

فلحظة من آخر الشهر إلى آخر خمسة أيام من الثاني حيض بيقين ، ولحظة من آخر العاشر إلى آخر الخامس والعشرين طهر بيقين ، وما بينهما مشكوك فيه.

الرابع : لو قالت : حيضي عشرة وكنت أمزج العشر بالعشر بيوم ، فالأول والآخر طهر قطعا ، فتعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل في آخر الحادي عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين والتاسع والعشرين ، للانقطاع. ولا حيض لها بيقين ، لنقصان عدد أيامها ، وهي عشرة عن نصف الزمان ، وهو ما بين الأول والآخر ، وتقضي صوم عشرة خاصة.

ولو مزجت بيومين ، فالأولان والأخيران طهر قطعا ، وتعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل آخر الثاني عشر والثامن عشر والثاني والعشرين والثامن والعشرين ، للانقطاع.

ولو كان المزج لخمسة ، فلا حيض بيقين أيضا ، لمساواة العدد نصف الزمان المشكوك فيه.

أما لو علمت هذه طهر الأول ومزج أربعة من الأول إن كان الحيض فيه ، فالسادس عشر حيض بيقين.

ولو علمت مزج أربعة من الأخير إن كان الحيض فيه ، فالخامس عشر حيض بيقين ، لنقص الزمان عن العدد بنصف يوم. ولو علمت طهرها(1)ومزج أربعة في الأول والآخر ، فهو والسادس عشر حيض بيقين. ولو مزجت ذات الخمسة إحدى العشرات بالأخرى بيوم ، فالستة الأولى والأخيرة(2)والخامس عشر والسادس عشر طهر قطعا.

الخامس : لو مزجت ذات العشرة إحدى النصفين بصاحبه بيوم ، فستة من أول الشهر وستة من آخره طهر قطعا ، والخامس عشر والسادس عشر حيض قطعا ، لزيادة عدد أيامها عن نصف المشكوك فيه ، وهو ما بين السادس

ص: 158


1- في « ق » طهرهما.
2- في « ر » و « س » الأواخر.

والخامس والعشرين ، فتعمل ما تعمله المستحاضة فيما عدا اليومين ، ثم تغتسل آخر السادس عشر والرابع والعشرين للانقطاع. وقول الشيخ : تعمل ما تعمله المستحاضة من يوم الخامس عشر إلى آخر الرابع والعشرين (1). ليس بجيد.

ولو مزجت بيومين ، فسبعة من أوله وسبعة من آخره طهر قطعا ، ومن الرابع عشر إلى آخر السابع عشر حيض قطعا ، والباقي مشكوك فيه.

السادس : لو مزجت ذات تسعة ونصف إحدى العشرات بالأخرى بيوم والكسر في الأول ، فالتسعة الأخيرة من الشهر طهر قطعا ، وكذا الأول ونصف الثاني ونصف الثاني عشر ، وتعمل في الباقي ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل آخر الحادي عشر وآخر الحادي والعشرين للانقطاع.

ولو قالت الكسر في العشر الثاني ، فالتسعة الأولى طهر قطعا ، وكذا النصف الأخير من التاسع عشر ، والنصف الأخير من التاسع والعشرين واليوم [ الأول و ](2)الأخير والباقي مشكوك فيه ، تعمل ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل آخر النصف الأول من التاسع عشر ، وآخر النصف الأول من التاسع والعشرين.

ولو مزجت إحدى النصفين بالآخر والكسر من الأول ، فلا تحير هنا بل ستة ونصف طهر بيقين ، ومن نصف السابع إلى آخر السادس عشر حيض بيقين ، ثم إلى آخر الشهر طهر بيقين. وينعكس الحكم بانعكاس الفرض.

القسم السابع: ( ذات عادة مضطربة ولها تمييز )

فإنها تعمل عليه ، لعدم إمكان الرجوع إلى العادة المضطربة ، لعدم ضبطها ، ووجود دلالة مضبوطة ، فتكون أولى بالاعتبار.

ص: 159


1- المبسوط 1 - 56.
2- الزيادة من « ق ».
القسم الثامن: ( ذات عادة مضطربة ولا تمييز لها )

كما إذا كانت ترى الدم تارة خمسة ، وأخرى أربعة ، ثم ترى ثلاثة ، ثم أربعة ، ثم خمسة ، ثم أربعة ، ثم خمسة ، ثم ثلاثة. وبالجملة لا يتسق(1)الحيض على نهج واحد ، لكن لا يزيد على الخمسة.

فإذا استحيضت في بعض الأشهر ، فالأقوى أنها ترد إلى الثلاثة لأنه المتيقن ، ثم تغتسل في آخرها لاحتمال الانقطاع ، ثم تعمل ما تعمله المستحاضة إلى آخر الخمسة ، وتغتسل عند كل صلاة لاحتمال الانقطاع ، وهل تعمل إلى آخر العاشر كذلك ، أو كما تعمله المستحاضة؟ الأحوط الأول لقيام المقتضي للاحتياط.

كلام كلي في الانتقال ، وهو قسمان :

انتقال عدد : بأن ترى زيادة على أيام عادتها ، كذات الثلاثة إذا رأت خمسة وانقطع ، فالجميع حيض. فإذا استحيضت فيما بعد فإنها ترد إلى الثلاثة ، لعدم الانتقال بالمرة ، فإن العادة مأخوذة من العود ، والعادة السابقة دليل على أيامها الذي اعتادت ، فلا يبطل حكم هذا الدليل إلا بدليل مثله.

أما لو رأته بعد الخمسة خمسة في آخر ، ثم استحيضت فيما بعد ، فإنها تحيض بالخمسة. وكذا لو نقصت كذات الخمسة لو رأت في دور أربعا ، ثم استحيضت في الشهر اللاحق.

ولو رأت ذات الخمسة في دور ستة ، وفي دور عقيبه سبعة ، ثم استحيضت ، فالأقرب الرد إلى الستة ، لأن التكرار(2)قد حصل فيها ، لوجودها مرة منفردة وأخرى مندرجة في السبعة. ويحتمل ردها إلى خمسة

ص: 160


1- في « ق » لا يتفق.
2- في « د » التكرر وفي « ق » المتكرر.

العادة ، ويتساقط العددان في الدورين الأخيرين ، لأن واحدا منهما لم يتكرر على حياله.

وانتقال زمان : بأن يتقدم ويتأخر ، فلو كانت عادتها الخمسة الأولى فلم تر فيها ورأت في الخمسة الثانية ، تحيضت بها ، لأنه دم حيض في وقت إمكانه فكان حيضا. وقد تغير وقت حيضها ، وصار دورها المتقدم على هذه الخمسة بتأخر الحيض خمسة وثلاثين ، خمسة منها حيض والباقي طهر.

فإن تكرر هذا الدور عليها ، بأن رأت الخمسة الثانية دما فطهرت ثلاثين ، ثم عاد الدم في الخمسة الثالثة في الشهر الآخر وعلى هذا مرارا ، ثم استحيضت فهي مردودة إليه ، فتتحيض من أول الدم الدائم خمسة وتطهر ثلاثين ، وعلى هذا أبدا.

وإن لم يتكرر هذا الدور ، كما إذا استمر الدم المتأخر المبتدأ من الخمسة الثانية وصارت مستحاضة ، فإنها تتحيض بخمسة من الدم الذي ابتدأ من الخمسة الثانية.

وهل يحكم بطهر خمسة وعشرين بعدها لأنه المتكرر من أطهارها(1)أو تطهر باقي الشهر خاصة ، وتحيض الخمسة الأولى من الشهر الأخير ، وتراعي عادتها القديمة قدرا ووقتا؟ الأقرب الثاني.

ولو رأت الخمسة الثانية دما وانقطع وطهرت بقية الشهر وعاد الدم ، فقد صار دورها خمسة وعشرين ، فإن تكرر ذلك بأن رأت الخمسة الأولى من الشهر بعده دما ، وطهرت عشرين وهكذا مرارا ، ثم استحيضت ، ردت إليه. وإن لم تتكرر كما إذا عاد في الخمسة الأولى واستمر ، فإن الخمسة الأولى حيض وخمسة وعشرين طهر.

ولو كانت المسألة بحالها وطهرت بعد خمستها المعهودة عشرين ، وعاد الدم في(2)الخمسة الأخيرة ، فهذه قد تغير وقت حيضها بالتقدم ، وصار دورها خمسة

ص: 161


1- في « س » طهارتها.
2- في « ق » إلى.

وعشرين. فإن تكرر هذا الدور بأن رأت الخمسة الأخيرة دما وانقطع وطهرت عشرين وهكذا مرارا ، ثم استحيضت ، ردت إليه.

ولو لم يتكرر كما إذا استمر الدم العائد ، فالأقرب أنها تتحيض خمسة من أوله وتطهر عشرين وهكذا أبدا. ويحتمل أنها تتحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين ، وأنها تتحيض عشرة وتطهر خمسة وعشرين ، ثم تحافظ على الدور القديم ، وأن الخمسة الأخيرة استحاضة ، وتحيض من أول الدور خمسة ، وتطهر خمسة وعشرين على عادتها السابقة.

ولو كانت عادتها الخمسة الأولى ، فرأت آخر الخمسة يوما أو يومين فيها والباقي بعدها ، فالجميع حيض. وكذا لو رأت في عادتها ما لا يمكن أن يكون حيضا بيوم وأربعة بعدها ، فالخمسة حيض.

ولو رأت قبلها يوما أو يومين وخمستها ، أو يوما أو يومين قبلها وثلاثة من خمستها ، فالجميع حيض إجماعا.

ولو رأت عادتها متقدمة ، أو أربعة منها ، أو ثلاثة ولم تر في عادتها شيئا ، كان ما رأته حيضا ، لأنه في زمان إمكانه. وكذا لو رأت قبل العادة ثلاثة ويوما في العادة ، أو رأت قبل العادة يوما أو يومين وفي العادة يوم أو يومين.

ولو رأت قبل العادة ما يمكن أن يكون حيضا وفيها ما يمكن أن يكون حيضا ، وكذا بعدها ولم يتجاوز الأكثر ، فالجميع حيض عندنا. ولو تجاوز ، فالعادة حيض ، والطرفان استحاضة.

تذنيب :

يحتمل تخيير ناسية الوقت في تخصيص عددها بأي وقت شاءت. وكذا المبتدئة والمضطربة إذا ردتا إلى ست أو سبع.

ولو ذكرت بعد جلوسها في غير عادتها العادة ، رجعت إليها.

ولو عرفت ترك الصلاة في غير عادتها ، لزمها إعادتها وقضاء ما صامت في الفرض في عادتها.

ص: 162

فلو كانت عادتها ثلاثة في آخر الشهر ، فجلست السبعة السابقة ، ثم ذكرت ، قضت ما تركت من الصلاة والصيام في السبعة ، وقضت ما صامت الفرض في الثلاثة ، لظهور بطلان ما فعلت.

تتمة: ( يتعلق بالمستحاضة في النفاس )

إذا جاوز دم النفاس العشرة ، فقد دخلت الاستحاضة في النفاس ، فإن كانت ذات عادة في الحيض ردت إليها للرواية (1).

ويحتمل جعل جميع العشرة نفاسا والزائد استحاضة ، بخلاف الحيض لأن الحيض محكوم به ظاهرا لا قطعا ، فجاز أن تنتقل عنه إلى طهر آخر ، والنفاس مقطوع به للعلم بالولادة ، فلا تنتقل عنه إلى غيره إلا بيقين وهو مجاوزة الأكثر.

وعلى التقديرين يجعل ما بعد النفاس استحاضة إلى تمام طهرها المعتادة ، ثم ما بعده حيض.

والأقرب أن الحيض لا يتعقب النفاس من غير تخلل طهر كامل بينهما.

وإن كانت مبتدئة في الحيض ، حكم لها بنفاس عشرة مع استمرار الدم ، ولا ترجعان إلى عادة النفاس.

خاتمة: ( في التلفيق )

الظاهر عند علمائنا اشتراط التوالي في الثلاثة ، وقيل : بعدمه. بل قد تكون ملفقة بشرط أن تكون الثلاثة من جملة العشرة. فلو انقطع الدم فرأت الأول والخامس والعاشر ، فالثلاثة حيض على هذا القول لا غير.

ولو رأت عوض العاشر الحادي عشر ، فلا حيض إجماعا. وكل واحد من أيام الدم ليس حيضا تاما ، لكن جميع الدماء حيض كاملا. وكذا أيام

ص: 163


1- وسائل الشيعة 2 - 612.

النقاء كل واحد منها ليس طهرا كاملا ، بل الجميع حتى أن العدة لا تنقضي بعود الدم ثلاث مرات. ولو كان كل قدر من النقاء طهرا كاملا ، خرجت العدة بعد ثلاثة أطهار.

وكما تلفق الأيام ، فكذا تلفق الساعات ، وأيام النقاء طهر ملفق. ويقع الطلاق في أيام النقاء ، ويخرج عن كونه بدعيا ، ويحكم فيها بالطهر في الصلاة والصوم والاغتسال ونحوها.

والفرق بينه وبين ساعات الفترة بين دفعات الدم ، أن دم الحيض يجتمع في الرحم ، ثم الرحم يقطره شيئا فشيئا ، فالفترة ما بين ظهور دفعه وانتهاء أخرى من الرحم إلى المنفذ ، فإذا زاد على ذلك فهو النقاء.

ولا فرق بين أن يكون قدر الدم أكثر من قدر النقاء أو بالعكس أو يتساويا. فإذا رأت صفرة أو كدرة بين سوادين ، فالجميع حيض إن لم يتجاوز الأكثر ، وليس ذلك من صورة المنقطع.

ولو رأت الدم يوما وانقطع ، لم يجب الغسل ، إلا مع غمس القطنة ، لأنه إن لم يعد لم يكن له حكم الحيض ، وإن عاد ظهر أن الزمان زمان الحيض ، وليس للغسل في زمن الحيض حكم إن قلنا إن أيام النفاس حيض ، بل نأمرها بالوضوء والصلاة.

ولو رأت ثلاثة وانقطع ، ثم رأت العاشر ، فالعشرة حيض إن انقطع عليه ، لأن العاشر في أيام الحيض ، فكان حيضا ، وما بينهما ليس طهرا ، إذ أقله عشرة.

أما لو تجاوز بعد العاشر ، فالأول حيض كامل ، والثاني دم فساد ، والنقاء طهر ، وبعد الثلاثة تدخل القطنة ، فإن خرجت نقية اغتسلت وصلت وصامت ، فإذا عاود يوم العاشر وانقطع ، قضت صوم أيام النقاء ، لظهور أنها من الحيض ، إذ شأن الدم أن ينقطع تارة ويسيل أخرى.

وإذا انقطع على العاشر ، فالكل حيض كما تقدم ، سواء زاد على العادة أو ساواها ، كما لو استمر وانقطع على العشرة.

ص: 164

ولو كانت عادتها عشرة ، فرأتها متفرقة وتجاوز ، تحيضت بعادتها واحتسبت النقاء من الحيض ، بشرط أن يتقدمه حيض صحيح عندنا ، ومطلقا عند القائلين بالتلفيق.

ولو رأت ثلاثة دما وستة نقاء وثلاثة دما ، رجعت ذات العادة إليها ، والمبتدئة إلى الروايات. وإنما ينسحب حكم الحيض على النقاء بشرط كون النقاء محتوشا بدمين في العشرة ، يثبت لها حكم الحيض ، ثم ينسحب على ما بينهما ، فالنقاء الذي لا يقع بين دمين فإنه طهر قطعا.

فلو رأت ثلاثة دما وتسعة نقاء ، ورأت في العاشر دما ، فالتسعة طهر ، إذ ليس بعدها دم يحكم فيه بالحيض حتى ينسحب حكمه على النقاء.

ولو قصر الأول عن الثلاثة ، لم يكن لها حيض أصلا. ولا يقتصر الطهر على التسعة وما بعدها ، بل يعم الكل.

ولو رأت ثلاثة دما أو يوما دما عند الآخرين ويوما نقاء ويوما دما ويوما نقاء إلى الثامن ولم يعد الدم في العاشر ، فالتاسع والعاشر طهر ، لأن النقاء فيهما غير محتوش بدمين في العشرة. ويحتمل على قول التلفيق كون النقاء المتخلل بين أقل أيام الحيض والعاشر كأيام الطهر.

فلو رأت ثلاثة متوالية وانقطع ، ثم رأت الخامس ثم السابع ثم التاسع ، كان النقاء المتخلل طهرا ، وكون النقاء المتخلل بعد حصول أقل الحيض متفرقا حيضا.

فلو رأت الأول والثالث والخامس وهكذا إلى العاشر ، كان الحيض أيام الدم ، والأيام المتخللة بين الخامس والعاشر.

ولو رأت نصف يوم دما ، ومثله نقاء إلى آخر العاشر ، فعلى التلفيق حيضها أنصاف الدم خمسة.

والمبتدئة إذا انقطع تؤمر بالعبادة في الحال ، وللزوج أن يغشاها ، لأن الظاهر استمرار العدم ، ثم إذا عاد الدم تركت الصوم والصلاة وامتنعت عن الوطي.

ص: 165

فإذا وجد شرط السحب ، عرفنا وقوع الوطي والعبادات في الحيض ، لكن لا تأثم بالوطي ، وتقضي الصوم والطواف دون الصلاة. وإن لم نقل بالسحب ، فالماضي صحيح ولا قضاء.

وإذا جاوز الدم بصفة التلفيق الأكثر ، فقد صارت مستحاضة كغير ذات التلفيق ، ولا قائل بالالتقاط من جميع الشهر. وإن لم يزد مبلغ الدم على الأكثر ، فإذا صارت مستحاضة واحتاجت إلى الفرق بين حيضها واستحاضتها ، رجعت إلى العادة أو التمييز ، كما في غير التلفيق.

ويحتمل ذلك إن اتصل الدم المجاوز بالدم في آخر العشرة ، وأما إن انفصل بنقاء متخلل ، فالمجاوز استحاضة وجميع ما في العشرة من الدماء ، إما وحدها أو مع النقاء المتخلل إن سبق أقل الحيض حيض ، فالمتصل كما إذا رأت أربعة دما وأربعة نقاء وأربعة دما ، فالدم متصل من آخر العاشر وأول الحادي عشر ، والمنفصل كما إذا رأت يومين دما ويومين نقاء وتجاوز هكذا ، فإنها ترى الدم في العاشر وتكون نقية في الحادي عشر.

فإن كانت المستحاضة حافظة لعادتها ، فكل عادة ترد إليها عند الإطباق ، والمجاوزة ترد إليها عند التقطع. والمجاوزة فإن حصل شرط السحب ، وهو سبق أقل الحيض ، كان كل دم يقع في أيام العادة وكل نقاء متخلل بين دمين فيها حيض ، والنقاء الذي لا يتخلل بين دمين فيها لا يكون حيضا ، وأيام العادة هنا بمثابة العشرة عند عدم المجاوزة.

وعلى التلفيق لو لم يتقدم أقل الحيض أزمنة النقاء طهر ، وفي أيام الحيض وجهان :

أحدهما : أن قدر عادتها من الدماء الواقعة في العشرة حيض ، وإن لم يبلغ الدماء في العشرة قدر عادتها ، جعلت الموجودة حيضا ، لأن المعتادة ترجع إلى عادتها عند الإطباق ، وقد أمكن ردها هاهنا إلى قدر العادة ، فيصار إليه.

والثاني : أن حيضها ما يقع من الدماء في أيام العادة خاصة إن بلغ أقل الحيض ، لأن حكم الحيض عند الإطباق إنما يثبت للدماء الموجودة في أيام العادة ، فكذا هنا.

ص: 166

فلو كانت تحيض خمسة متوالية من كل ثلاثين ، فجاءها دور تقطع فيه الدم والنقاء يوما ويوما ، وجاوز العشرة ، فلا سحب هنا عندنا ولا عند القائلين بالتلفيق من علمائنا ، إذ شرط السحب تقدم أقل الحيض مع احتماله ، فعلى الاحتمال حيضها خمسة من أول الدور ، وما فيها من النقاء محتوش بالدم في أيام العادة ، فينسحب عليه حكم الحيض. وعلى التلفيق حيضها الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع وتجاوز أيام العادة محافظة على القدر ، ويحتمل أن يكون حيضها الأول والثالث والخامس لا غير.

ولو كانت تحيض ستة على التوالي ، ثم استحيضت والدم منقطع يوما ويوما ، فعلى السحب لا ترد إلى الستة ، لأن النقاء في السادس غير محتوش بدمين في أيام العادة. وعلى التلفيق حيضها الأيام الخمسة الواقعة في العشرة ، ويحتمل الأول والثالث والخامس خاصة.

ولو انتقلت عادتها بتقدم أو تأخر ثم استحيضت ، كما لو كانت عادتها خمسة من ثلاثين ، فرأت في بعض الشهور يوم الثلاثين دما والذي بعده نقاء. وهكذا انقطع دمها وتجاوز الأكثر ، فالأقرب أن يوم الثلاثين حيض ، لأن العادة قد تتقدم ، والثاني والرابع إن لم يتجاوز أيام العادة ، وإن جاوزتا ضممنا إليها السادس والثامن.

ولو رأت اليوم الأول نقاء ، ثم تقطع الدم والنقاء من اليوم الثاني وتجاوز الأكثر ، فقد تأخرت العادة ، فحيضها الثاني والرابع والسادس إن لم يتجاوز العادة ، وإن كان السادس خارجا عن العادة القديمة ، لأنها بالتأخر قد انتقلت عادتها وصار أول الخمسة الثاني وآخرها السادس ، وإن جاوزتا أضافت الثامن والعاشر ، وصار طهرها السابق على الاستحاضة ستة وعشرين ، وفي صورة التقدم أربعة وعشرين.

ولو لم يتقدم ولا تأخر لكن تقطع الدم والنقاء عليها يومين يومين ، فإن لم تجاوز العادة فحيضها الأول والثاني والخامس خاصة ، وإن جاوزتا ضممنا إليها السادس والسابع.

ص: 167

وإذا عرفتا قدر حيض هذه المستحاضة ، فلتعتبر أيام طهرها بعد الحيض إلى استيناف حيضة أخرى.

فنقول : إن كان التقطع بحيث ينطبق الدم على أول الدور ، فهو ابتداء الحيضة الأخرى. وإن لم ينطبق ، فابتداء حيضها أقرب [ من ] نوب الدماء إلى أول الدور ، تقدمت أو تأخرت. فإن استويا في التقدم والتأخر ، فابتداء حيضها النوبة المتأخرة.

ثم قد يتفق التقدم أو التأخر في بعض أدوار الاستحاضة دون بعض ، فإذا أرادت أن تعرف هل ينطبق الدم على أول الدور ، فخذ نوبة دم ونوبة نقاء ، واطلب عددا صحيحا يحصل من ضرب مجموع النوبتين فيه مقدار دورها ، فإن وجدته فاعرف انطباق الدم على أول الدور ، وإلا فاضربه في عدد يكون قائمة أقرب إلى دورها ، زائدا كان أو ناقصا ، واجعل حيضها الثاني أقرب الدماء إلى أول الدور.

فإن استوى طرفا الزيادة والنقصان ، فلا اعتبار بالزائد ، كما لو كانت عادتها خمسة من ثلاثين وانقطع الدم والنقاء يوما يوما في بعض الأدوار وجاوز ، فنوبة الدم ونوبة النقاء مثله ، وأنت تجدد عددا لو ضربت الاثنين فيه كان الحاصل ثلاثين وهو خمسة عشر ، فالدم ينطبق على أول دورها أبدا ما دام التقطع بهذه الصفة.

ولو تقطع الدم والنقاء يومين يومين ، فلا عدد يحصل من ضرب أربعة فيه ثلاثون ، فاطلب ما يقرب الحاصل من الضرب فيه من ثلاثين ، وهنا عددان سبعة وثمانية ، وحاصل ضرب الأربعة في سبعة ثمانية وعشرون ، وفي ثمانية اثنان وثلاثون ، والتفاوت في طرفي الزيادة والنقصان واحد ، فخذ الزيادة واجعل أول الحيضة الأخرى الثالث والثلاثين.

فإن جاوزتا أيام العادة ، فحيضها في الدور الثاني والثالث والرابع والسابع والثامن والحادي عشر ، وإن لم يتجاوز فحيضها الثالث والرابع والسابع خاصة. ثم في دور الثالث ينطبق الدم على أول الدور ، وفي الرابع يتأخر الحيض ، وعلى هذا أبدا.

ص: 168

ولو رأت ثلاثة دما وأربعة نقاء ، فالمجموع سبعة تضرب في أربعة ، ليحصل ثمانية وعشرون ، وتجعل أول الحيضة الثانية التاسع والعشرين ولا تضربه في خمسة ، لأنه يبلغ خمسة وثلاثين ، وذلك أبعد في الدور. وحينئذ يتقدم الحيض على أول الدور.

ولو كانت عادتها قديما ستة من ثلاثين ، وانقطع الدم في بعض الأدوار ستة ستة واستحيضت ، ففي الدور الأول حيضها الستة الأولى ، وفي الدور الثاني رأت ستة نقاء من أوله وهي أيام عادتها ، وحيضها الستة الثانية.

هذا كله إذا لم ينقص الدم الموجود في زمان العادة عن أقل الحيض ، أما إذا نقص كما لو كانت عادتها ثلاثة ، فرأت في بعض الأدوار يومين دما ويوما نقاء واستحيضت ، احتمل على القول بالتلفيق أنه لا يكون لها حيض ، لأن إتمام الدم بالنقاء ممتنع ، لأنه غير محتوش بالدم في وقت العادة ، ولا يمكن الاقتصار على اليومين ، ولا تكمله بالرابع ، فإن مجاوزة العادة متعذر. والأقرب أنا نحيضها اليومين الأولين والرابع ، وليس فيه إلا زيادة حيضها ، وهو أقرب من عدمه مع رؤية الدم شطر دهرها على صفة الحيض.

ولو كانت عادتها القديمة منقطعة ، ثم استحيضت مع التقطع ، فإن كان التقطع السابق على الاستحاضة على صفة المنقطع بعدها ردت إليها ، كما لو كانت عادتها ثلاثة دما وأربعة نقاء وثلاثة دما وتطهر عشرين ، ثم استحيضت والمنقطع بهذه الصفة ، فهنا يحكم بالسحب ، فتكون حيضها عشرة قبل الاستحاضة وبعدها.

وإن اختلف التقطع ، كما لو انقطع في بعض الأدوار يوما يوما واستحيضت ، فلا سحب هنا ، بل يحكم باللفظ. فإن لم يتجاوز أيام العادة ، فحيضها الأول والثالث والتاسع ، إذ ليس لها في القديم حيض في غيرها. وإن جاوزتا ضممنا إليها الخامس والسابع.

ولو كانت مبتدئة ويقطع الدم والنقاء يوما يوما وتجاوز دمها بصفة التقطع العشرة ، فإن قلنا بردها إلى الأقل ، فحيضها الأول والثالث والخامس إن لم

ص: 169

تجاوز العادة ، وإن جاوزناها ورددناها إلى ست فكذلك. وإن رددناها إلى سبع ، ضممنا اليوم السابع إلى هذه الأيام.

ثم إذا كانت تصلي وتصوم أيام النقاء ، وتركهما أيام الدم حتى جاوز الأكثر ، فإنها تقضي صيام أيام الدم بعد الرد ، وصلاتها لأنها تركتها رجاء للانقطاع قبل العشرة ، فإذا جاوزها الدم تبين الطهر في تلك الأيام. وأما صلوات أيام النقاء وصيامها ، فلا حاجة إلى القضاء.

أما لو رأت ثلاثة متوالية ثم انقطع يوما يوما ، فهنا يحكم بالسحب ، فلا حاجة إلى قضاء صلاة أيام النقاء ، لأنها إما طاهر فقد صلت ، وإما حائض فلا صلاة عليها. أما صومها فالأقوى ذلك أيضا ، ويحتمل قضاؤه ، لأنها صامت على تردد في صحته وفساده فلا يجزيها ، بخلاف الصلاة فإن الصلاة إن لم تصح لم يجب قضاؤها ، كما لو صلى خنثى خلف امرأة وأمرناه بالقضاء ، فلم تقض حتى بان كونه امرأة ، فإن العبادة في الصورتين مؤداة على وجه التردد في الصحة والبطلان ، والفرق ظاهر ، فإن الأصل طهارة أيام النقاء ، فكانت مخاطبة بالصوم فيها.

ولو كانت المبتدئة مميزة ، وهي بأن ترى يوما دما قويا أسود ، ويوما ضعيفا أحمر ، ووجدت شرائط التمييز ، فإن استمرت الحمرة بعد العشرة ، احتمل جعل العشرة حيضا ، لأن الضعيف لو استمر وانقطع عليها لكان حيضا ، والنقاء(1)أيام القوي ، فيكون حيضها خمسة. أما لو استمر التقطع(2)، فهي فاقدة شرط التمييز.

ولو كانت ناسية لعادتها من كل وجه وهي المتحيرة ، فكالمبتدئة. وإن أمرناها بالاحتياط ، فإن وجد شرط السحب ، بأن يتوالى الدم أولا ثلاثة أيام ثم ينقطع ، فإنها تحتاط في أزمنة الدم بعد الثلاثة ، كما قلنا حالة الإطباق ، لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع. وتحتاط في أزمنة النقاء أيضا ، إذ ما من نقاء إلا ويحتمل أن يكون حيضا.

ص: 170


1- كذا في « س » وفي « ق » و « ر » النقاط.
2- في « س » وانقطع عليها.

نعم لا يجب الغسل وقت النقاء ، لأن وجوبه للانقطاع ، والانقطاع حالة انتفاء الدم ، وكما لا تؤمر بتجديد الغسل ، فكذا لا تؤمر بتجديد الوضوء ، لأن ذلك إنما يجب لتجدد الحدث ، ولا تجدد في وقت النقاء ، فيكفيها لزمان النقاء الغسل عند انقضاء كل نوبة من نوب الدماء. وإن لم يوجد شرط السحب وقلنا باللفظ ، احتاطت أيام الدم وعند كل انقطاع ، وهي طاهر أيام النقاء في الجماع وسائر الأحكام.

ولو كانت ناسية من وجه ، كما لو قالت : أضللت خمسة في العشرة الأولى من الشهر ، وقد تقطع الدم والنقاء يوما يوما واستحيضت ، فإن لم يتجاوز أيام العادة ، فاليوم العاشر طهر ، لأنه نقاء لم يتخلل بين دمي حيض ، ولا غسل عليها في الخمسة الأولى ، لتعذر الانقطاع ، بل تغتسل بعد انقضائها ، ولا تغتسل بعدها في أيام النقاء ، وتغتسل في آخر التاسع والسابع ، لجواز الابتداء في أول الخامس والثالث ، وليس لها هنا حيض بيقين ، وإن كان الإضلال في تسعة ، لأن العاشر نقاء حكم فيه بالطهر ، وقد زاد قدر الحيض وهو خمسة على نصف التسعة.

بخلاف حالة الإطباق ، لأن إضلال الخمسة في التسعة المنقطعة يوجب التردد في قدر الحيض ، إذ بتقدير تأخر الحيض إلى الخمسة الأخيرة لا تكون حائضا إلا في ثلاثة أيام منها ، لأن السادس نقاء لم يتخلل بين دمي حيض كالعاشر ، وفي حالة الإطباق لا تردد في قدره ، فافترقا في تيقن الحيض ، وإن جاوزتا أيام العادة ، حيضناها خمسة أيام ، وهي الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع ، بتقدير إطباق الحيض على الخمسة الأولى ، وبتقدير تأخرها إلى الخمسة الثانية. فليس لها هنا في الخمسة الثانية سوى يومي دم ، هما السابع والتاسع ، فيضم إليهما الحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر ، فهي إذن حائض في السابع والتاسع بيقين ، لدخولهما في ذلك على كل تقدير.

ص: 171

الفصل السادس: ( في غسل مس الأموات )
اشارة

يجب الغسل على من مس ميتا من الناس ، بعد برده بالموت ، وقبل تطهيره بالغسل على الأقوى ، لقوله علیه السلام : من غسل ميتا فليغتسل (1). ومثله عن الصادق علیه السلام (2). ولقول أحدهما علیهماالسلام : الغسل في سبعة عشر موطنا قال : وإذا غسلت ميتا وكفنته أو مسسته بعد ما يبرد (3).

وكذا يجب الوضوء بمسه ، وكذا كل أسباب الغسل أسباب الوضوء إلا الجنابة ، فإن غسلها كاف عنه ، وغسل الميت ، فإنه كاف عن فرضه.

أما بعد الغسل فإنه طاهر ، فلا يجب بمسه شي ء. وقبل البرد طاهر ، لعدم انتقال الروح عنه بالكلية ، ولقول الصادق علیه السلام : وإن مسه ما دام حارا فلا غسل عليه (4).

قال الشيخ : لو مسه قبل البرد لم يجب الغسل ، ويغسل يده (5). وفي وجوبه نظر.

ص: 172


1- وسائل الشيعة : 2 - 930 ح 14.
2- وسائل الشيعة : 2 - 930 ح 15.
3- وسائل الشيعة : 2 - 930 ح 17.
4- وسائل الشيعة : 2 - 930 ح 14.
5- المبسوط : 1 - 179.

ولا غسل بمس الشهيد عملا بالمفهوم. وكذا المقتول قودا ، أو رجما ، أو حدا ، إذا فعل ما أمر به من الغسل على الأقوى. ولو لم يفعل وجب.

ولو مات حتف أنفه بعد الغسل قبل القتل ، وجب إعادة الغسل عليه ، ويجب على من مسه الغسل عملا بالعموم السالم عن معارضة القتل.

ويجب الغسل بمس قطعة أبينت من حي أو ميت ، كما يجب بمس الميت إن كانت ذات عظم ، لأن المس المعلق عليه الوجوب يصدق بمس الجزء والكل ليس مقصودا والانفصال لا يغير حكما. ولو كانت خالية من العظم ، لم يجب الغسل بمسها ، بل يجب غسل ما مسها به خاصة.

والسقط الذي لدون(1)أربعة أشهر لا يجب بمسه الغسل ، لأنه لا يسمى ميتا ، لعدم سبق الحياة ، نعم يجب غسل اليد.

ويجب الغسل بمس الكافر ، لأنه نجس في حياته ولا يزول ذلك الحكم بموته ، وللعموم ، مع احتمال العدم ، لمفهوم « قبل تطهيره ».

ولو يمم الميت ، وجب على من مسه بعده الغسل ، لتقييد التطهير في النص بالغسل.

وإذا مس الميت رطبا ، نجس نجاسة عينية ، لأن الميت عندنا نجس. وإن مسه يابسا فظاهر كلام الأصحاب ذلك ، مع احتمال كون النجاسة حكمية. فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميت رطبا ، لم يؤثر في تنجيسه ، لأصالة الطاهرة السالمة عن دلالة التنجيس.

ولو مس ميتا من غير الناس ، أو قطعة أبينت من حي أو ميت مأكول اللحم أو غيره ، لم يجب الغسل ، بل غسل ما مسه به ، لقول الصادق علیه السلام : ولكن يغسل يده (2). ولو كانت الميتة غير ذات نفس سائلة ، لم تنجس ، فلا تؤثر في التنجيس.

ص: 173


1- في « س » : له دون.
2- وسائل الشيعة : 2 - 935 ح 4.

ولا فرق في إيجاب غسل اليدين أن تكون الميتة رطبة أو يابسة ، ولو مس الصوف المتصل بها أو الشعر أو الوبر ، فالوجه عدم النجاسة كالمجزور ، مع احتمالها للاتصال المقتضي للاندراج في الاسم.

ولو كمل غسل الرأس فمسه قبل إكمال الغسل ، لم يجب ، لتطهير الممسوس بالغسل.

ولو مس الصبي أو المجنون ، فالأقرب وجوب الغسل عند البلوغ أو الإفاقة.

ثم إن حكمنا بالنجاسة الحكمية لم ينجس ما يلاقيه الماس برطوبة ، والأنجس. أما لو مس يابسا ، فالأقرب عدم التنجيس.

تذنيب :

لو اغتسل ثم أحدث حدثا أصغر ، توضأ من غير أن يعيد غسله. ولو توضأ أولا ثم أحدث ، أعاد الوضوء واغتسل. ولو أحدث في أثناء الغسل ، أتمه وتوضأ.

خاتمة: ( في الأغسال المندوبة )

وهي إما أن تستحب للوقت ، أو المكان ، أو الفعل. والأول أقسام :

الأول : غسل الجمعة ، وليس واجبا على الأصح ، لقوله علیه السلام : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل (1). وقول الكاظم علیه السلام : إنه سنة وليس بفريضة (2). والأخبار الدالة على الوجوب متأولة بتأكيد الاستحباب.

ووقته : للمختار من طلوع الفجر ، لأنه يضاف إلى اليوم ، ويمتد إلى

ص: 174


1- سنن ابن ماجة 1 - 347 الرقم 1091.
2- وسائل الشيعة : 2 - 944 ح 9.

الزوال ، لقول الصادق علیه السلام : كانت الأنصار تعمل في نواضحها وأموالها ، فإذا كان يوم الجمعة جاءوا ، فيتأذى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم ، فأمرهم النبي صلی اللّه علیه و آله بالغسل يوم الجمعة ، فجرت بذلك السنة (1). وكلما قرب من الزوال كان أفضل ، لزيادة المعنى وقت الحاجة إليه.

فإن فاته قبل الزوال ، قضاه بعده. ولو فاته يوم الجمعة ، قضاه يوم السبت ، لأنها عبادة موقتة فات وقتها ، فاستحب قضاؤها كغيرها من العبادات الموقتة ، ولقول الصادق علیه السلام في رجل فاته الغسل يوم الجمعة : يغتسل ما بينه وبين الليل ، فإن فاته اغتسل يوم السبت (2). وفي استحباب قضاؤه ليلة السبت إشكال.

ولو فاته يوم السبت ، لم يستحب قضاؤه بعده ، للأصل السالم عن معارضة النص.

ولو ظن يوم الخميس فقدان الماء يوم الجمعة ، استحب له تقديمه يوم الخميس ، لأنه طاعة في نفسه فلا يؤثر فيه الوقت ، ولأن الغاية قد تحصل أكثرها ، وهو التنظيف يوم الجمعة ، ولأن الصادق علیه السلام أمر أصحابه بذلك (3). وكذلك الكاظم علیه السلام (4).

فلو اغتسل يوم الخميس ثم وجد الماء يوم الجمعة ، استحب له الإعادة ، لأن البدل إنما يجزي مع تعذر المبدل ، أما لو وجده بعد الزوال ، فالأقرب عدم الإعادة ، لفوات الوقت ، والقضاء كالتقديم في البدلية ، وكذا السبت.

ولو خاف الفوات يوم الجمعة دون السبت ، احتمل استحباب التقديم ، للعموم وللمسارعة إلى الطاعة. وعدمه ، لأن القضاء أولى من التقديم ، كصلاة الليل للشاب.

ص: 175


1- وسائل الشيعة : 2 - 945 ح 15.
2- وسائل الشيعة 2 - 950 ح 4.
3- وسائل الشيعة : 2 - 949 ح 1 ب 9.
4- وسائل الشيعة : 2 - 949 ح 3 ب 9.

ولا يشترط استصحابه ، فلو أحدث بعده لم يبطل غسله ، لأنه أتى بالمأمور به ، فيخرج عن العهدة ، ولأن الغرض التنظيف وقد حصل ، والحدث لا يضاده.

ولا بد فيه من النية ، لأنه عبادة. ولا بد من ذكر السبب والتقرب. ويستحب الدعاء ، قال الصادق علیه السلام : إذا اغتسلت يوم الجمعة فقل : اللّهم طهر قلبي من كل آفة تمحق ديني وتبطل بها عملي ، اللّهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين (1).

وهو مستحب(2)للرجال والنساء ، الحاضر والمسافر ، والحر والعبد ، لآتي الجمعة وغيره ، المريض والصحيح ، لأن الكاظم علیه السلام سئل عن النساء عليهن غسل الجمعة؟ قال : نعم (3).

الثاني : الغسل يوم الفطر ويوم الأضحى ، لوجود المقتضي لثبوته في الجمعة ، وهو التنظيف للاجتماع ، ولقول الصادق علیه السلام : وغسل يوم الفطر ويوم الأضحى سنة لا أحب تركها (4).

ووقته بعد طلوع الفجر ، لأنه مضاف إلى اليوم ، وإنما يطلق على ما بعد الفجر ، والأقرب امتداده بامتداد اليوم ، لكن الأقرب أولويته عند الصلاة. ولو فات ، لم يستحب قضاؤه ، لتعلق الأمر باليوم ، فلا يتعدى إلى غيره إلا بنص.

ويستحب للنساء ومن لا يحضن ، لقول أحدهما علیهماالسلام : يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها (5). والأقرب عدم استحبابه للصبيان ، لانتفاء التكليف عنهم. ولا بد فيه من النية ، وكذا باقي الأغسال. ولو أحدث بعده أجزأه.

ص: 176


1- وسائل الشيعة : 1 - 520 ح 1.
2- في « س » يستحب.
3- وسائل الشيعة : 2 - 944 ح 8.
4- وسائل الشيعة : 2 - 956 ح 2.
5- وسائل الشيعة : 1 - 536 ح 1 و 2 - 963.

الثالث : ويستحب ليلة الفطر.

الرابع : أول ليلة من شهر رمضان.

الخامس : ليلة نصفه.

السادس : ليلة سبع عشرة منه.

السابع : ليلة تسع عشرة منه.

الثامن : ليلة إحدى وعشرين منه.

التاسع : ليلة ثلاث وعشرين منه.

العاشر : ليلة نصف رجب.

الحادي عشر : يوم السابع والعشرين منه.

الثاني عشر : ليلة نصف شعبان.

الثالث عشر : يوم الغدير.

الرابع عشر : يوم المباهلة.

الخامس عشر : يوم عرفة.

السادس عشر : يوم التروية.

السابع عشر : يوم نيروز الفرس. للروايات (1).

والثاني أقسام :

الأول : غسل دخول الحرم.

الثاني : دخول المسجد الحرام.

الثالث : دخول الكعبة.

الرابع : ومسجد النبي صلی اللّه علیه و آله .

الخامس : ومشاهد الأئمة علیهم السلام . للروايات (2).

والثالث أقسام :

الأول : غسل الإحرام للحج أو العمرة.

ص: 177


1- راجع وسائل الشيعة : 2 - 959 - 961.
2- راجع وسائل الشيعة : 2 - 960 - 962.

الثاني : غسل الطواف.

الثالث : زيارات النبي والأئمة علیهم السلام ، وكل ذلك مستحب للرجال والنساء.

الرابع : الغسل للتوبة عن كفر أو فسق ، سواء كان الكفر ارتدادا أو أصليا ، اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل ، ولو وجد منه سبب وجوب الغسل حال كفره ، وجب عليه الغسل بعد إسلامه عند علمائنا ، لوجود المقتضي ، ولا يكفي غسله حال كفره لو فعله.

وليس هذا الغسل واجبا ، لأن خلقا كثيرا أسلموا ولم يأمرهم النبي صلی اللّه علیه و آله بالغسل ، وأمر به ثمامة الحنفي وقيس بن عاصم ، فدل على استحبابه. ووقته بعد الإسلام ، لأنه علیه السلام أمرهما به بعده ولا سبيل إلى تأخير الإسلام بحال ، وسواء كان الفسق عن كبيرة أو صغيرة.

الخامس : لصلاة الاستسقاء ، لوجود المقتضي وهو الاجتماع.

السادس : عند صلاة الاستخارة.

السابع : عند صلاة الحاجة.

الثامن : غسل المولود وقت ولادته ، لأنه خرج من محل الخبث فاستحب غسله ، وليس واجبا على الأصح للأصل.

التاسع : لقضاء صلاة الكسوف إذا تركها متعمدا ، مع استيعاب الاحتراق للرواية(1). وليس واجبا على الأصح ، لأصالة البراءة ، والأقرب استحبابه لجاهل وجوب الصلاة أيضا.

العاشر : قال ابن بابويه : روي أن من قتل وزغا فعليه الغسل. وحكي

ص: 178


1- وهي مرسل صدوق عن أبي جعفر علیه السلام قال : الغسل في سبعة عشر موطنا إلى أن قال : وغسل الكسوف ، إذا احترق القرص كله ، فاستيقظت ولم تصل ، فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة. وسائل الشيعة :1. 938 ح 4.

عن بعض مشايخنا : أن العلة فيه أنه يخرج من ذنوبه ، فيغتسل منها (1).

الحادي عشر : من قصد إلى مصلوب لينظر إليه بعد ثلاثة أيام ، استحب له الغسل عقوبة ، وليس واجبا على الأصح.

الثاني عشر : الأقرب عندي استحباب الغسل عن الإفاقة من الجنون ، لما قيل : أن من زال عقله أنزل ، فإذا أفاق اغتسل احتياطا. وليس واجبا ، لأصالة الطهارة فيستصحب ، والناقض غير معلوم ، ولأن النوم لما كان مظنة الحدث شرعت الطهارة منه.

فروع :

الأول : لو اجتمعت أسباب الاستحباب ، فالأقرب التداخل ، للرواية(2).

الثاني : لا ترفع هذه الأغسال الحدث ، خلافا للمرتضى ، لمجامعة غسل الإحرام الحيض.

الثالث : ما يستحب للفعل عند التوبة والمكان يقدم عليهما. وما يستحب للوقت يفعل بعد دخوله.

الرابع : ما كان للفعل يستحب أن يوقع الفعل عليه ، فلو أحدث استحبت إعادته. وما كان للوقت ، كفاه وإن أحدث.

الخامس : لو نوى بالغسل الواحد الواجب والندب ، لم يجزيه عنهما معا ، لتضاد الوجوه ، خلافا للشيخ(3).

ص: 179


1- من لا يحضره الفقيه : 1 - 44 - 45.
2- وهي صحيح زرارة قال : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والحجامة وعرفة والحلق والذبح والزيارة ، فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد الحديث. وسائل الشيعة :2. 536.
3- قال في المبسوط [ 1 - 40 ] : وإذا اجتمع غسل جنابة وغسل يوم الجمعة وغيرها من الأغسال المفروضات والمسنونات أجزأ عنها غسل واحد إذا نوى به ذلك.

السادس : لا عوض لهذه الأغسال المندوبة ، فلا يجزي الوضوء ولا التيمم وإن تعذر الماء ، بل يسقطا ، لأن الأمر يناول الغسل فلا يتعداه.

وقال الشيخ : التيمم بدل عن غسل الإحرام عند فقد الماء (1).

السابع : كيفية هذه الأغسال مثل كيفية غسل الجنابة ، فلو نذر غسل الجمعة وجب الترتيب.

ص: 180


1- المبسوط : 1 - 414.

الباب الثالث: ( في التيمم )

اشارة

وفيه فصول :

ص: 181

ص: 182

الفصل الأول: ( في مسوغاته )
اشارة

وهي مع الكثرة ترجع إلى شي ء واحد ، وهو عدم القدرة ، والمراد منه تعذر استعمال الماء عليه ، أو تعسره لخوف ضرر ظاهر.

وللعجز أسباب :

السبب الأول: ( عدم الماء )
اشارة

قال اللّه تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (1) ويجب معه الطلب ، إذ لا يقال : لم يجد ، إلا إذا فقد بعد الطلب.

ويجب الطلب من الجهات الأربع ، غلوة سهم في الحزنة ، وسهمين في السهلة من كل جهة ، لزيادة المشقة مع الزيادة.

فلو أخل بالطلب ، لم يعتد بتيممه ، لأنه سبب للطهارة ، فيلزمه الاجتهاد في تحصيله بالطلب والبحث عند الإعواز كالقبلة. ولأن التيمم طهارة ضرورية ، ولا ضرورة مع إمكان الطهارة بالماء.

ولو ضاق الوقت عن الطلب بتفريطه ، لم يسقط الصلاة ، بل وجب

ص: 183


1- سورة النساء : 43 وسورة المائدة : 6.

التيمم والصلاة. وفي الإعادة إشكال ، ينشأ : من الامتثال لأمر الصلاة حينئذ ، ومن إيقاع المأمور به أولا لا على وجهه.

ولو ظن وجود الماء في أبعد وتمكن من المصير إليه ، وجب.

ولو تيقن عدم الماء حواليه ، فالأقرب سقوط الطلب ، لأنه عبث ، لا مع ظنه لجواز كذبه. ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت ، لحصول الضرورة حينئذ.

ويجوز الطلب بنفسه وبغيره ممن يوثق به على الأقوى. فلو بعث الركب واحدا لطلب الماء أجزأ عنهم. وهل يسقط بطلب من لم يأمره ولم يأذن له فيه؟ الوجه العدم ، لانتفاء الامتثال.

ويسقط الطلب بخوفه على نفسه وماله أو رفيقه لو فارق مكانه ، لأن الخوف مسقط(1)عند وجود الماء ، فعند عدم تيقنه أولى.

وينبغي أن يطلب الماء في رحله أولا ، ثم مع أصحابه ، ثم ما يقتضي العادة بالماء عنده ، كالخضر واجتماع الطيور ، فيختص ذلك بمزيد الاحتياط ، وإن زاد على القدر مع الظن. ولو كان بقربه قرية ، طلبها. ولو كان هناك ربوة ، أتاها.

فروع :

الأول : لو طلب ولم يجد الماء ، ثم حضرت صلاة أخرى ، فالأقرب وجوب إعادة الطلب إن جوزنا الوجدان ، وإلا فلا.

الثاني : لو علم وجود الماء ، لزم السعي إليه ما دام الوقت باقيا والمكنة حاضرة ، سواء كان قريبا أو بعيدا ، مع انتفاء المشقة ، تحصيلا للامتثال.

الثالث : لو ظن قرب الماء منه وجب الطلب ، وكذا لو كان في رفقة ،

ص: 184


1- في « ق » يسقط.

وجب البحث عنهم إلى أن يستوعبهم ، أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا ما يسع لتلك الصلاة ، ويحتمل إلى أن يبقى ما يسع لركعة.

ولو كان البعد قد انتهى إلى حيث لا يجد الماء في الوقت ، لم يجب طلبه لعدم فائدته.

الرابع : لو وهب منه الماء ، وجب قبوله ، لأنه حينئذ متمكن من الطهارة الاختيارية ، فلا يجزيه البدل المشروط بالعجز. ولو عرف أن مع أصحابه ماء ، وجب عليه استيهابه منهم ، لأنه ليس في هبة الماء كثير منة ، أما لو وهب الثمن ، لم يجب قبوله. وكذا البحث في الآلة لا يجب قبول اتهابها ولا اتهاب ثمنها.

الخامس : لا فرق بين المسافر والحاضر إذا انقطع الماء عنه أو حبس ، فإنه يجب عليه التيمم والصلاة ، ولا قضاء عليه عند علمائنا لعموم الآية ، ولقوله علیه السلام : الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج (1). وقول الصادق علیه السلام : إن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (2). والمشابهة تستلزم التساوي.

ولو كان واجد الماء وخاف فوت الوقت لو توضأ ، أو كان في سطح وتضيق الوقت عن النزول والوضوء ، فالأقرب وجوب التيمم والصلاة ، قضاء لحرمة الوقت ، ثم يعيد إن فرط بتأخيره ، وإلا فلا.

السادس : لو زادت مسافة الطلب على غلوة سهم أو سهمين ولم يبلغ إلى حد خروج الوقت ، لم يجب عليه السعي إلا مع تيقن وجدان الماء في الوقت من غير مشقة ، لتمكنه من امتثال الأمر بالطهارة ، فلا يخرج عن العهدة بدونه. ولا فرق بين جوانب المنزل وصوب المقصد.

فإن جوزنا التيمم ، فالأولى التأخير ، ليصلي بالوضوء إن تيقن وجود الماء آخر الوقت ، فإن تأخير الصلاة بالوضوء أفضل من تقديمها بالتيمم ، لجواز

ص: 185


1- جامع الأصول 8 - 154.
2- وسائل الشيعة : 2 - 996 ح 2 ب 24.

تأخير الصلاة إلى آخر الوقت مع القدرة على أدائها في أوله ، ولا يجوز التيمم مع القدرة على الماء.

وإن لم يتيقن وجود الماء في آخره ، فالأفضل التأخير أيضا ، هذا إن جوزنا التيمم في أول الوقت ، لأن تأخير الظهر عند شدة الحر مأمور به ، لئلا يختل معنى الخشوع ، فلإدراك الوضوء أفضل ، وكذا التأخير لحيازة الجماعة أفضل من التقديم منفردا.

السابع : لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت ، تيمم وصلى ، فإن وجد الماء في رحله أو مع أصحابه أعاد.

الثامن : لو تنازع الواردون على الماء ، وعلم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت ، تيمم وصلى ولا إعادة. وكذا لو تناوب العراة على ثوب ، أو المجتمعين في سفينة ، أو مكان ضيق لا يسع الصلاة أكثر من واحد قائم ، صلوا عراة وجلوسا ، ولا يصبر إلى انتهاء النوبة إليه بعد الوقت ، رعاية لحرمة الوقت.

التاسع : لو وجد من الماء ما لا يكفيه لوضوئه ، لم يجب استعماله بل تيمم ، كما لو وجد بعض الرقبة لا يجب إعتاقه عن الكفارة ، بل يعدل إلى الصوم ، ولأنه لا يفيد استباحة. أما المجنب فيحتمل مساواته للمحدث. ووجوب صرف الماء إلى بعض أعضائه ، لجواز وجود ما يكمل طهارته. والموالاة ساقطة هنا ، بخلاف المحدث.

ولو اشتمل الغسل على الوضوء كالحيض ووجد ما يكفي أحدهما ، تخير بين الغسل به والتيمم عوضا عن الوضوء. وبين الوضوء وصرف الباقي إلى بعض أعضاء الغسل ، ثم التيمم عوضا عن الغسل.

وهل يجب تقديم استعمال الماء ليصدق عدم الوجدان؟ الأقرب المنع إلا في تبعيض الغسل فيجب تقديمه. ولو لم يجد ترابا يتيمم به ، لم يجب استعمال الماء في بعض أعضاء الوضوء ، وفي الغسل الوجهان.

ص: 186

العاشر : لو فوت الماء الذي عنده بالإراقة أو الشرب أو التنجيس أو غيرها واحتاج لذلك إلى التيمم تيمم إجماعا ، لأنه فاقد في الحال ، فإن فعل ذلك قبل دخول الوقت ، فلا قضاء ، سواء فعله لغرض أو لا إذ لا فرض عليه ما لم يدخل الوقت [ وكذا إن كان بعده الغرض ](1).

وكذا لو اشتبه أحد الإناءين ، فصبهما أو جمع بينهما وتيمم ، فإنه معذور ، لأن فيه غرضا ، وهو أن لا يكون مصليا بتيمم وعنده طاهر بيقين إن أوجبنا إراقة المشتبه.

وإن لم يكن لغرض ، فالأقوى عدم الإعادة ، لاقتضاء الأمر الإجزاء ، وهو حين تيمم فاقد فيكفيه البدل ، كما لو قتل عبده أو أعتقه وكفر بالصوم. ويحتمل الإعادة لأنه عصى بالصب ، والتيمم رخصة فلا يناط بالمعاصي ، بخلاف الصب قبل الوقت أو بعده لغرض ، لانتفاء العصيان.

ولو مر على ماء في الوقت فلم يتوضأ ، ثم بعد عنه وصلى بالتيمم ، فلا قضاء ، لأنه لم يصنع شيئا ، وإنما امتنع من التحصيل والتقصير في تفويت الحاصل أشد منه في الامتناع من تحصيل ما ليس بحاصل.

الحادي عشر : لو وهب الماء في الوقت من غير حاجة للمتهب ، أو باعه من غير حاجة إلى ثمنه ، احتمل البطلان ، لأن البدل حرام عليه فهو غير قادر على تسليمه شرعا. والصحة ، لأنه مالك نافذ التصرف ، والمنع لا يرجع إلى سبب يختص بالعقد ، ولا يؤثر في فساد البيع. والتفصيل ، وهو الصحة إن كان الوقت متسعا ، والبطلان مع التضيق ، وهو الأقوى.

وعلى تقدير الصحة فنحكم بقضاء(2)الصلاة على الواهب والبائع ما تقدم في الصب ، لأنه فوته بإزالة الملك عنه.

وعلى تقدير عدمها لا يصح تيممه ما دام الماء في يد المشتري ، وعليه

ص: 187


1- الزيادة من « س » كذا.
2- في « ق » فحكمه قضاء الصلاة.

الاسترجاع إن قدر ، فإن عجز وتيمم قضى على إشكال ، وإن تلف في يده وتيمم فكذلك. وإذا أوجبنا القضاء ، وجب قضاء الواحدة التي فوت الماء في وقتها ، ويحتمل قضاء أغلب ما يؤديه بوضوء واحد.

السبب الثاني: ( الخوف على النفس أو المال من لص أو سبع )

فيسقط عنه السعي وإن كان بقرب الماء وتيمم ، سواء كان المال قليلا أو كثيرا ، لقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) وكذا راكب السفينة إذا خاف من الاستقاء ، أو الخوف على الأعضاء كالخوف على النفس.

ولو خاف الوحدة أو الانقطاع عن الرفقة لو سعى إلى الماء وكان عليه ضرر في التفرد ، لم يجب السعي وتيمم ، لقول الصادق علیه السلام : لا تطلب الماء ولكن تيمم ، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع (2).

ولو انتفى الضرر ، فالأقرب وجوبه. ولو كان الماء عند مجمع الفساق ، فخافت على نفسها المكابرة ، لم يجب السعي ووجب التيمم ، لما فيه من التعرض للزنا وهتك عرضها. وكذا لو خاف على أهله أو صاحبه لو تركه وسعى. ولو خاف جنبا لا عن سبب موجب للخوف ، فالأقرب أنه كالخائف بسبب(3).

السبب الثالث: ( الحاجة إلى الماء المملوك أو المباح لعطشه )

فله التيمم دفعا للضرر ، فإن توضأ به فالأقرب الإجزاء لامتثال أمر

ص: 188


1- سورة الحج : 78.
2- وسائل الشيعة : 2 - 964 ح 1.
3- كذا في « ر » وفي « ق » لسبب ، وغير موجودة في « س ».

الوضوء ، مع احتمال عدمه لمخالفة النهي عن استعماله. ولا فرق بين الحاجة المتأخرة والمتوقعة ، فلو استغنى عنه بوجه واحتاج في غده ، فإن ظن فقدانه في الغد تيمم وحفظه ، وإن علم وجوده في الغد توضأ به ، وإن ظن فالأقرب إلحاقه بالعالم ، مع احتمال الأول ، لأصالة العدم.

ولا فرق بين الخوف على النفس ، أو عطش الرفيق ، أو الحيوان المحترم. لوجود المقتضي في النفس ، وهو رعاية حفظ النفس من التلف. وكذا المال. وحرمة الرفيق والعبد والأمة ، كحرمة نفسه ، وحرمة دوابه كحرمة ماله.

وإذا احتاج رفيقه أو حيوان محترم للعطش ، دفعه إليه مجانا أو بعوض وتيمم ، وللعطشان قهره عليه لو لم يبذله ، لأولوية حفظ النفس على المال في نظر الشرع ، وغير المحترم من الحيوان ، كالحربي والمرتد والكلب العقور والخنزير والفواسق الخمس وما في معناها.

ولو قدر على التطهير به وجمعه في وعاء للشرب وكفاه وجب ، جمعا بين مصلحة الصلاة بطهارة ودفع ضرر العطش. ولا فرق بين أن تكون الحاجة متأخرة أو متوقعة في رفيقه كنفسه ، إذ لا فرق بين الزوجين في الحرمة.

فروع :

الأول : لو وجد خائف العطش ماء طاهرا ونجسا ، تحفظ بالطاهر للشرب وتيمم ، ولم يستعمل النجس في الشرب ، لأن رخصة التيمم أوسع من رخصة استعمال النجس ، ولأنه غير قادر على ما يجوز الوضوء به ولا على ما يجوز شربه سوى هذا الطاهر ، فجاز حبسه للشرب ، كما لو لم يكن معه سواه.

الثاني : لو وجدهما وهو عطشان ، شرب الطاهر وأراق النجس مع الاستغناء ، سواء كان في الوقت أو قبله لأنه محتاج إلى الشرب ، دفعا لضرورة العطش الناجز ، وشرب النجس مع وجود الطاهر حرام.

الثالث : لو مات صاحب الماء وخاف رفقاؤه العطش ، شربوا الماء وغرموا ثمنه ويمموه ، رعاية لحفظ المهجة التي لا عوض لها ، والتجاء إلى التيمم

ص: 189

الذي هو عوض الغسل ، والثمن الذي هو عوض العين.

وهل يجب المثل أو القيمة؟ إشكال ينشأ : أنه مثلي ، ومن كون دفع المثل إسقاط لحق الورثة ، إذ لا قيمة له في البلد.

الرابع : لو احتاج إلى ثمن ما معه من الماء للنفقة ، جاز له بيعه والتيمم ، لأن ما استغرقته حاجة الإنسان يجعل كالمعدوم شرعا.

الخامس : لو خاف على حيوان الغير التلف ، ففي وجوب سقيه إشكال ، فإن أوجبناه احتمل رجوعه على المالك بالثمن ، وإن تولى هو السقي ، لأنه كنائب المالك.

السادس : لو أوصى بمائه لأولى الناس به ، أو وكل رجلا يصرف ماءه إلى أولى الناس به ، فحضر جماعة محتاجون ، كالجنب والميت والمحدث ، والماء يكفي أحدهم خاصة ، أو وردوا على ماء مباح ، قيل : يخص به الجنب ، ويؤمم الميت ، وتيمم المحدث ، للرواية عن الكاظم علیه السلام (1).

وقيل : الميت ، لفوات أمره ، فليختم بأكمل الطهارتين ، والأحياء يقدرون عليه في ثاني الحال ، ولأن القصد من غسل الميت التنظيف وتكميل حاله والتراب لا يفيده ، وغرض الحي استباحة الصلاة وإسقاط الفرض عن الذمة ، وهو يحصل بالتيمم كحصوله بالغسل.

ولو كان عوض المحدث حائضا ، قال الشيخ بالتخيير (2) ، لأنها فروض اجتمعت ولا أولوية لأحدها.

ص: 190


1- وهي صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر علیهماالسلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر : أحدهم جنب ، والثاني ميت ، والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال : يغتسل الجنب ، ويدفن الميت بتيمم ، ويتيمم الذي هو على غير وضوء ، لأن غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميت سنة ، والتيمم للآخر جائز. وسائل الشيعة :1. 987 ح 1.
2- المبسوط : 1 - 34.

وورد خبرين : يدل أحدهما على تخصيص الميت(1)، وآخر على تخصيص الجنب(2). ويحتمل تقديم الجنب ، لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء ، والميت قد سقط عنه الفرض بالموت ، ولأن الطهارة في حق الحي تفيد فعل الطاعة على الوجه الأكمل.

ولو اجتمع محدث وجنب ، فإن كفى الماء للوضوء دون الغسل ، فالمحدث أولى تحصيلا لكمال الطهارة ، بخلاف الجنب لبقاء الحدثين ، وهي رواية عن الصادق علیه السلام (3). سواء أوجبنا على الجنب استعمال الماء الناقص أو لا ، لارتفاع حدث المحدث بكماله.

وإن لم يكف أحدهما ، فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله لغلظ حدثه ، وإلا فكالمعدوم.

وإن كفى كل واحد منهما ، فإن فضل شي ء من الوضوء ولم يفضل من الغسل ، فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص ، لأنه لو استعمله المحدث ضاع الباقي ، وإن أوجبنا الناقص احتمل أولوية الجنب لغلظ حدثه ، وأولوية المحدث بقدر الوضوء والباقي للمجنب ، مراعاة للجانبين. وإن فضل من كل واحد منهما شي ء أو لم يفضل شي ء من واحد منهما ، فالجنب أولى.

ولو كفى الغسل دون الوضوء ، بأن يكون الجنب صغير(4)الخلقة عديم الأعضاء ، والمحدث ضخما عظيم الأعضاء ، فالجنب أولى ، لحصول كمال طهارته دون الآخر.

ص: 191


1- وهو مرسل محمد بن علي عن أبي عبد اللّه علیه السلام : قال قلت له : الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلا بقدر ما يكتفي به أحدهما أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال يتيمم الجنب ، ويغتسل الميت بالماء. وسائل الشيعة :1. 988 ح 5.
2- وهو خبر الحسين بن النضر الأرمني قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن القوم يكونون في السفر ، فيموت منهم ميت ومعهم جنب إلى أن قال : يغتسل الجنب ، ويدفن الميت الحديث. وسائل الشيعة :2. 988 ح 4.
3- راجع وسائل الشيعة : 2 - 988 ح 2 خبر أبي بصير.
4- في « ق » رقيق.

ولو اجتمع حائض وجنب ، احتمل تخصيص الحائض لغلظ حدثها ، فإن الحيض يحرم الوطي(1)ويسقط خطاب الصلاة. والجنب لما تقدم. والتساوي لتعارض المعنيين. فإن طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة ، فالقرعة أولى مع تخصيص أحدهما ، والقسمة مع التساوي إن أوجبنا استعمال الناقص ، وإلا فالقرعة. ولو اتفقا على القسمة ، جاز إن أوجبنا استعمال الناقص ، وإلا حرم لما فيه من التضييع.

ولو اجتمع ميت ومن على بدنه نجاسة ، احتمل تقديم الميت لما تقدم ، وصاحب النجاسة لوجود البدل في طهارة الميت بخلافه ، وكذا هو أولى من الجنب والمحدث والحائض. ولو كان على بدن الميت نجاسة ، فهو أولى.

ولا يشترط في استحقاق الميت أن يكون هناك وارث يقبل عنه ، كما لو تطوع بتكفينه.

ولو اجتمع ميتان والماء يكفي أحدهما خاصة ، فإن كان موجودا قبل موتهما ، فالسابق في الموت أولى.

ولو ماتا معا أو وجد الماء بعد موتهما ، فالأفضل أولى ، فإن تساويا فالقرعة. هذا إن عين الموصي المكان وقال : اصرفوه إلى الأولى في هذه المفازة ، ولو أطلق بحث عن المحتاجين في غير ذلك المكان ، كما لو أوصى للأعلم ، لم يختص بذلك الموضع. نعم حفظ الماء ونقله إلى مفازة أخرى مستبعد.

ولو انتهى هؤلاء المحاويج إلى ماء مباح واستوى في إحرازه وإثبات اليد عليه ، ملكوه على السواء ، لاستوائهم في سبب الملك ، وكل واحد أحق بملك نفسه من غيره ، وإن كان ذلك الغير أحوج إلى الماء وكان حدثه أغلظ. ولا يجوز لكل واحد بذل ملكه لغيره وإن كان ناقصا ، إلا إذا قلنا لا يجب استعمال الناقص ، ولا يحصل الملك بالانتهاء إلى الماء المباح ، بل بالاستيلاء والإحراز ، فيستحب لغير الأحوج ترك الإحراز والاستيلاء.

ص: 192


1- في « ق » محرم للوطي.

ولو وجد جماعة متيممون ما يكفي أحدهم من المباح ، انتقض تيمم الجميع ، لصدق وجود الماء في حق كل واحد. وكذا لو قال المالك : ليستعمله من شاء منكم. أما لو ملكوه على الجميع أو أباحهم كذلك ، لم ينتقض تيمم أحد. ولو مر المتيمم على الماء ولم يعلم به ، لم ينقض تيممه.

ولو أمكن الجمع وجب ، بأن يتوضأ ويجمع ماء الوضوء ، ثم يغتسل الجنب الخالي بدنه عن النجاسة ، ثم يجمع ماءه في الإناء ، ثم يغسل به الميت ، لأن الماء عندنا باق على حاله بعد الاستعمال(1).

السبب الرابع: ( العجز عن الوضوء )

فلو لم يجد الماء إلا بالثمن وعجز عنه ، وجب التيمم ، لأنه فاقد ولا يجوز المكابرة عليه ، إذ الغصب لا يقع طاعة. ولو وهب منه ، وجب قبوله لأنه واجد ، والمسامحة غالبة في الماء ، فلا مشقة في قبوله ، مع احتمال عدمه لأنه نوع تكسب للطهارة ، فلا يلزم كما لا يلزم اكتساب ثمن الماء.

ولو أعير الدلو أو الرشاء ، وجب قبوله ، لأن الإعارة لا تتضمن المنة ، والقادر على قبولها لا يعد فاقدا للماء.

ولو شرط الضمان ، فإن لم تزد قيمة المستعار على ثمن مثل الماء ، وجب القبول وإلا فلا ، لأنها قد تتلف فيحتاج إلى غرامة ما فوق ثمن الماء.

ولو أقرض منه الماء ، وجب قبوله ، لأن المطالبة إنما تتوجه عند المكنة ، فيتمكن من الخروج عن العهدة.

ولو بيع منه الماء وهو عاجز عن الثمن لكنه وهب منه ، فالأقرب عدم وجوب القبول ، لاشتماله على ثقل المنة ، كما لا يلزم العاري قبول هبة الثوب. ولا فرق بين هبة الأب من الابن أو عكسه وبين الأجنبي.

ص: 193


1- في « ق » الاغتسال.

ولو أقرض منه الثمن ، فإن كان معسرا ، لم يجب الاقتراض ، وإن كان موسرا والمال غائب عنه ، فالوجه الوجوب.

ولو بيع منه الماء نسيئة - وهو موسر - لزمه الشراء. ولو ملك الثمن وكان حاضرا عنده ، ولكنه محتاج إليه لدين مستغرق أو لنفقته أو لنفقة رفيقه ، أو حيوان محترم ، أو يكون محتاج إليه في سفره(1)في ذهابه وإيابه ، لم يجب الشراء.

ولو فضل عن الحاجة ، وجب أن يبيع بثمن المثل ، لأنه قادر على الماء. وإن بيع بغبن ، فالأقرب ذلك ، للقدرة ، ولقول الكاظم علیه السلام : وقد سئل عمن وجد قدر ما يتوضأ بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها أيشتري؟ قال : قد أصابني مثل هذا واشتريت وتوضأت (2). ويحتمل العدم كما لو تلف شي ء من ماله لو سعى إلى الماء المباح. ويمكن الفرق بحصول الثواب هنا والعوض هناك.

ولو كان البيع نسيئة وزيد بسبب التأجيل ما يليق به ، فهو بيع بثمن المثل ، وإن زاد على ثمن مثله نقدا ، والاعتبار(3)بثمن المثل في ذلك الموضع في تلك الحالة.

ولو بيع آلات الاستقاء كالدلو والرشاء بثمن المثل مع الحاجة ، وجب الشراء كالماء. وكذا لو آجرها بأجرة المثل. ولو باعها أو آجرها بأكثر من ثمن المثل وأجرته ، فكالماء ، ويحتمل وجوبه وإن قلنا بعدم الوجوب هناك ما لم يتجاوز الزيادة ثمن مثل الماء ، لبقاء الآلة المشتراة واحتمال تلف ثمن الماء.

ولو لم يجد إلا ثوبا وقدر على شده في الدلو ليستقي ، وجب.

ولو لم يجد دلوا وأمكن إنزال الثوب وبله وعصره وكفاه ، وجب.

ولو لم يصل إلى الماء وأمكن شقه وشد البعض في البعض ليصل ، وجب ، هذا إذا لم ينقص ثمنه ، ولو نقص بما لم يزد على(4)أكثر الأمرين من ثمن الماء وأجرة مثل الحبل ، أو مطلقا على إشكال.

ص: 194


1- في « ق » أو لمؤن سفره.
2- وسائل الشيعة : 2 - 997 ح 1.
3- في « ق » ولا اعتبار.
4- في « س » عن أكثر.

ولو امتنع من اتهاب الماء ، لم تصح صلاته ما دام الماء باقيا في يد الواهب المقيم على الهبة.

ولو فقد الثمن وقدر على التكسب والشراء(1)، فالوجه الوجوب ، لأنه متمكن من الطهارة فيجب.

ولو وجد ماء موضوعا في الفلاة في حب أو كوز أو نحوه للسابلة ، جاز له الوضوء ولم يسغ له التيمم ، لأنه واجد ، إلا أن يعلم أو يظن وضعه للشرب. ولو كان كثيرا دلت الكثرة على تسويغ الوضوء منه.

ولو غصب آلة الاستقاء واستقى الماء ، فعل حراما وصحت طهارته ، بخلاف ما لو غصب الماء ووجب عليه الأجرة.

السبب الخامس: ( العجز بسبب المرض )
اشارة

يبيح التيمم مع وجود الماء ، لقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى ) (2) ولا فرق بين أن يخاف فوت الروح باستعمال الماء ، وفوت عضو ، أو منفعة عضو ، أو مرضا مخوفا ، أو شدة الضرر ، أو زيادة العلة ، أو بطء البر ، أو بقاء الشين ، أو حرا أو بردا يتألم بهما في الحال ألما شديدا وإن أمن من العاقبة ، لعموم قوله علیه السلام : (لا ضرر ولا ضرار) (3). وإن لا يوجب السعي حراسة للمال وإن قل ، ومعلوم أن الضرر هنا أشد ، ولأن ترك الصوم وترك الصلاة لا يعتبر فيه خوف التلف ، بل مطلق المرض.

ولا فرق بين شدة قبح الشين وضعفه ، سواء استند في معرفة ذلك إلى ما يجده من نفسه ، أو إلى إخبار عارف عدل.

ولو كان صبيا أو فاسقا حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى ، فالوجه القبول مع

ص: 195


1- في « ق » بالشراء.
2- سورة النساء : 43.
3- سنن ابن ماجة 2 - 784 الرقم 2341.

الظن بصدقه. ولا يشترط العدد ، ولا فرق بين الطهارتين ، لقول أحدهما علیهماالسلام : في الرجل تكون به القروح في جسده فيصيبه الجنابة ، تيمم (1).

فروع :

الأول : قال الشيخ : لو تعمد الجنابة ، وجب الغسل وإن لحقه برد ، إلا أن يبلغ حدا يخاف على نفسه التلف (2). وهو ممنوع ، لعموم الآية والخبر ، والروايات المعارضة متأولة ببرد لا يخاف معه المرض والشين.

الثاني : لو كان المريض أو الجريح لا يخاف من استعمال الماء ، لا يجوز له التيمم ، لأنه واحد متمكن كالصحيح.

الثالث : لو خاف من شدة البرد ، وأمكنه تسخينه أو استعماله على وجه يأمن الضرر وجب ، كأن يغسل عضوا عضوا ويستره ، فإن عجز تيمم.

الرابع : لو احتاج إلى شراء حطب ، أو استيجار من يسخنه وتمكن وجب ، وكان حكمه حكم ثمن الماء.

الخامس : لو تمكن الجريح من غسل بعض جسده ، أو بعض أعضاء الوضوء ، لم يجب وساغ التيمم ، لتعذر كمال الطهارة ، وبالبعض لا يحصل الإجزاء ، والجمع بين البدل والمبدل غير واجب ، كالصيام والإطعام في الكفارة ، ولعموم الأمر بالتيمم للحرج.

قال الشيخ : فإن غسلها ثم تيمم كان أحوط (3). فإن قصد(4)في الغسل فجيد وإن قصد في الوضوء فممنوع.

السادس : لو كان الجرح يتمكن من شده وغسل باقي الأعضاء ومسح

ص: 196


1- وسائل الشيعة 2 - 968 ح 9.
2- النهاية ص 46.
3- المبسوط 1 - 35.
4- في « ق » فقد.

الخرقة التي عليه ، وجب ولا تيمم ، وإلا تيمم.

السابع : لو كان الجرح في غير الأعضاء وخاف من استعمال الماء في الأعضاء ، سقط ووجب التيمم. ولو كان الصحيح لا يمكن غسله إلا بالوصول إلى الجريح(1)، كان حكمه حكمه في جواز المسح.

الثامن : العجز عن الحركة التي تحتاج إليها في تحصيل الماء مبيح للتيمم ، فلو احتاج إلى حركة عنيفة وعجز عنها لمرض أو كبر أو ضعف قوة فكالمريض.

ولو وجد من يناوله بأجرة ، وجب مع القدرة.

التاسع : العجز بسبب ضيق الوقت مبيح للتيمم ، كما لو خاف فوات الوقت لو اشتغل بتحصيله لتعذر الماء فوجب البدل.

العاشر : لو خاف فوت العبد ، جاز له التيمم ، لوجود المقتضي وهو تعذر الاستعمال ، أما الجنازة فلا يشترط فيها الطهارة لكن يستحب. ولو خاف فوتها ، استحب التيمم.

الحادي عشر : خائف الزحام كخائف فوت الوقت. فلو كان في الجامع يوم الجمعة فأحدث ولم يقدر على الخروج لأجل الزحام ، تيمم وصلى ولا يعيد على الأقوى للامتثال.

الثاني عشر : لو وجد بعض الماء ، وجب شراء الباقي أو اتهابه ، فإن تعذر تيمم.

الثالث عشر : غسل النجاسة عن الثوب والبدن أولى من الوضوء ، مع القصور عنهما ، فإن خالف فالأقوى الإجزاء ، لامتثال عموم الأمر بالطهارة ، مع احتمال عدمه ، لأنه لم يفعل الواجب. وغسل النجاسة عن البدن أولى من غسلها عن الثوب ، فإن خالف صحت صلاته قطعا.

ص: 197


1- في « ق » الجرح.
الفصل الثاني: ( في ما يتيمم به )
اشارة

إنما يصح التيمم عند علمائنا بالتراب الخالص ، أو الممزوج بما لا يسلبه إطلاق الاسم أو الأرض أو الحجر ، بشرط الطهارة ، لقوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (1) قال ابن عباس : أي ترابا طاهرا (2). والملك والإباحة ، لبطلانه بالمغصوب.

ولو ضرب باليد على حجر صلد لا تراب عليه ، احتمل الإجزاء ، لأنه من جنس الأرض ، ولقول أهل اللغة : الصعيد وجه الأرض (3). وسئل الباقر علیه السلام عن التيمم؟ فضرب بيده الأرض (4). ولأنه تراب اكتسب رطوبة فأفادته استمساكا. والمنع ، لعدم صدق التراب عليه.

وكذا يجوز بالوحل على كراهية. وكذا الأرض السبخة وإن لم يكن عليها تراب. ولا فرق بين الحجر المطبوخ بالنار وغيره. وكذا الخزف. ولو دقهما(5)جاز التيمم بهما.

ص: 198


1- سورة النساء 43 والمائدة : 6.
2- تفسير ابن عباس المطبوع على هامش الدر المنثور 1 - 323.
3- مصباح المنير 1 - 364.
4- وسائل الشيعة 2 - 979 ح 5.
5- في « ر » دقها.

ويجوز التيمم بتراب القبر منبوشا كان أو غير منبوش ، إلا مع العلم بممازجة شي ء من النجاسة له. وبالتراب المستعمل في التيمم ، وهو المجتمع من التراب المتساقط من أعضاء التيمم ، لوجود الشرائط فيه.

ولا يختص التراب بلون ، بل يصح بالأعفر ، وهو الذي لا يخلص بياضه ، والأصفر والأسود والأحمر(1)، وهو طين الأرمني المتخذ للدواء ، والأبيض وهو الذي يؤكل سفها. والسبخ وهو الذي لا ينبت. أما الذي يعلوه ملح ، فإن كان من التراب صح وإلا فلا. والبطحاء وهو التراب اللين في مسيل الماء ، وتيمم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بتراب(2)المدينة وفيها سبخة.

ولا يجوز التيمم بالمعادن كلها ، ولا ما يشبه التراب في نعومته وانسحاقه كالرماد ، والنبات المسحوق كالأشنان الدقيق والقوارير المسحوقة والزرنيخ والنورة ، ولا بأس بأرضها وأرض الجص.

ولا يجوز بالنجس ، سواء أصابه مائع نجس ، أو اختلط به أجزاء يابسة نجسة ، لأنه باستعماله يصل إلى بعض أجزائه ترابا طاهرا والآخر نجسا.

والممتزج بالزعفران والدقيق والرماد ونحوها ، لا يجوز له التيمم به وإن خرج عن اسم التراب ، وإلا جاز.

ولو أحرق التراب حتى صار رمادا ، فالأقرب جواز التيمم ، بخلاف الرماد من الشجر. ولا فرق في المنع بين كون ما ليس بأرض متصلا بها ، أو لم يكن ، وسواء كان من جنسها ، أو لم يكن.

ويستحب التيمم من العوالي ، لأنها أبعد من ملاقاة النجاسات.

فروع :

الأول : لو فقد التراب نفض ثوبه ، أو لبد سرج دابته ، أو عرفها وتيمم

ص: 199


1- في « س » ومنه.
2- في « س » من تراب.

بغباره ، لأنه تراب وللرواية(1). ويشترط في التيمم(2)من هذه عدم التراب على الأقوى ، لأن الصعيد هو التراب الساكن الثابت. ويشترط كون الغبار مما يصح التيمم من جنسه ، كغبار التراب لا غبار الأشنان.

الثاني : لو لم يجد إلا الوحل ، فإن تمكن من تخفيفه وتركه حتى يحصل تراب وجب وتيمم منه ، وإن لم يتمكن أو ضاق الوقت وجب التيمم ، لأنه ممتزج من المطهرين ، فلا يخرج عن حكمها ، ولأن الرضا علیه السلام : سئل عمن لا يجد الماء والتراب أيتيمم بالطين؟ فقال : نعم صعيد طيب وماء طهور (3). ولا يحل له تأخير الصلاة.

ولا يعدل إلى الوحل إلا مع فقد المطهرين وغبار الثوب واللبد.

ويشترط في الوحل كونه مما يصح التيمم منها ، وإلا كان فاقدا.

الثالث : لو لم يجد إلا الثلج ، فإن تمكن من وضع يديه عليه باعتماد حتى ينتقل من الماء ما يسمى به غاسلا وجب ، لتمكنه من طهارة اختيارية ، ولا يجوز التيمم بالتراب حينئذ. وإن لم يتمكن تيمم بالتراب ، فإن فقده توضأ بالثلج أو اغتسل به ، بأن يضع يديه على الثلج باعتماد حتى تتنديا ، ثم يمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى محاذر شعر ذقنه. وكذا باقي أعضاء الوضوء.

ويستوعب في الغسل جميع البدن بالمسح بالنداوة ، لقول الباقر علیه السلام : إذا مس الماء جلدك فحسبك (4). وسئل الصادق علیه السلام يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ فلا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال : نعم (5) ولأنه جزء الواجب فلا يسقط بفوات صاحبه.

ص: 200


1- وهي صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر علیه السلام أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته ، فإن فيها غبارا ويصلي. وسائل الشيعة1. 972 ح 1.
2- في « س » المتيمم.
3- وسائل الشيعة 2 - 973 ح 6.
4- وسائل الشيعة : 1 - 341 ح 3.
5- وسائل الشيعة : 2 - 975 ح 2.

فإن لم يحصل نداوة ، فالأقوى إمساس أعضاء الطهارة بالثلج. وقيل : يتيمم به مطلقا. وقيل : إن لم يحصل نداوة أخر الصلاة. ولو لم يتمكن للبرد فكالفاقد.

والأقرب هنا أنه ينوي الاستباحة ، لأنه ليس وضوءا تاما ، وإن قلنا ينوي رفع الحدث إن أوجبنا الاستيعاب ، ففي الإعادة لو وجد الماء إشكال. ولو قلنا بالتيمم به نوى الاستباحة خاصة. وهل يجب إعادته لو وجد التراب إشكال ، أقربه ذلك ، إذ استعماله مشروط بفقدان التراب ، وقد فات شرطه.

ولو فقد الماء والتراب الطاهر ، سقطت الصلاة أداء وقضاء على الأقوى ، لفوات شرط الأداء وتبعية القضاء له. نعم يستحب الأداء لحرمة الوقت وللخلاص من الخلاف.

وقيل : يجب القضاء لعموم الأمر به. ولو صلى في الوقت ، لم تسقط الإعادة إن أوجبناها ، وعلى تقدير الأمر بالأداء لا يباح غيرها ، كحمل المصحف وقراءة العزائم للجنب ، والجماع للحائض.

ولو قدر على أحد المطهرين في الأثناء ، بطلت صلاته.

الرابع : لو اشترى الماء أو التراب بثمن مغصوب ، فإن كان بالعين بطل الشراء ، وإلا صح.

ولو كانت الآنية مغصوبة دون الماء أو التراب ، صحت الطهارة ، للامتثال السالم عن معارضة الفساد الناشي بغصبية ما يتطهر به ، والتصرف بأخذ الماء أو التراب من الآنية منهي عنه ، ولا يتوجه إليه فساد ، لأنه ليس عبادة ، وصرف الماء أو التراب إلى الأعضاء تصرف فيهما لا في الآنية.

الخامس : لو أصاب التراب بول أو ماء نجس ، لم يجز التيمم به وإن لم يتغير رائحته ، لأنه ليس طيبا ، فإن جف هذا التراب بالشمس طهر وجاز التيمم منه ، وإلا فلا.

ص: 201

الفصل الثالث: ( في كيفيته )
وفروضه ستة :
الأول: ( نقل التراب )

فلو تعرض لمهب الريح فسفت(1)عليه التراب ، فأمر اليد عليه لم يصح ، سواء نوى عند الوقوف أو لم ينو ، لقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً ) (2) والتيمم القصد. ولو يممه غيره ، فإن كان مع العجز صح للضرورة ووجب ، وإلا فلا ، لأنه لم يأت بالمأمور به وهو القصد.

ولو كان على وجهه تراب فردده بالمسح ، لم يجز ، إذ لا نقل. أما لو أخذه منه ثم نقله ، فالأقرب الصحة ، لأنه بالانفصال انقطع حكم ذلك العضو عنه. ولو نقله من عضو من أعضائه ، صح ، سواء كان من الأعضاء الممسوحة أو لا.

ولو تمعك في التراب فوصل إلى وجهه ويديه ، أو معك وجهه وكفيه ، صح

ص: 202


1- سفي سفيا وأسفى إسفاء الريح التراب : ذرته أو حملته.
2- سورة المائدة : 6.

مع العذر ، وإلا فلا ، لأنه لم ينقل التراب إلى أعضاء التيمم ، بل نقل العضو إليه.

ولو سفت الريح ترابا على كمه ، فمسح وجهه به ، أو أخذ التراب من الهواء حالة إثارة الريح إياه ، فالأقرب الجواز.

وليس النقل جزءا من التيمم ، فلو أحدث بعد أخذ التراب قبل المسح ، لم يبطل ما فعله كما لو أحدث بعد أخذ الماء في كفه ، وحينئذ لو غربت النية بعد النقل قبل المسح ، وجبت إعادتها.

ولو يممه غيره لعجزه وأحدث أحدهما بعد الضرب وأخذ التراب ، لم يضر.

الثاني: ( النية )

وهي واجبة هنا إجماعا ، قال علیه السلام : ليس للمرء من عمله إلا ما نواه (1). وهي القصد إلى الفعل على وجهه لوجوبه أو ندبه ، متقربا إلى اللّه تعالى.

وفي وجوب نية الاستباحة إشكال ، أقربه ذلك ، فينوي استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح إلا بالطهارة. ولا يشترط نية استباحة صلاة معينة ، بل له الإطلاق. ويستبيح به ما يستبيح بالوضوء. ولو عين واحدة ، جاز له أن يصلي غيرها.

وإذا نوى فريضة جاز له النقل وبالعكس ، قبل الفريضة وبعدها ، قبل خروج الوقت وبعده ، وأن يؤدي غيرها من الفرائض المنذورة واليومية. وبالجملة حكمه كالوضوء والغسل في ذلك.

ولو نوى استباحة عدة فرائض ، صح ، لأنه يحصل له الزيادة وإن لم ينوها.

ص: 203


1- وسائل الشيعة : 1 - 34 ما يشبه ذلك.

ولو ظن أن عليه فائتة ، فنوى استباحتها في غير وقت فريضة ، ثم ظهر كذب الظن ، فالأقوى البطلان ، كما لو عين إماما وأخطأ ، بخلاف الوضوء لأن نية الاستباحة فيه غير لازمة.

ولو نوى استباحة فائتة ظهر ، ثم ظهر أن التي عليه العصر ، فالأقوى صحة التيمم ، لأن التعيين غير لازم ، فلا يضر الخطأ مع وجوب مطلق الصلاة. وكذا لو تيمم في الأول في وقت فريضة.

ولو نوى بتيممه حمل المصحف ، أو قراءة العزائم ، أو مس كتابة القرآن ، أو الطواف ، صح الدخول به في الصلاة. وكذا لو نوى الجنب الاعتكاف ، أو اللبث في المساجد ، أو نوت الحائض استباحة الوطي إن قلنا بإباحة ذلك للمتيمم.

ولو تيمم لصلاة الجنازة ، فالأقرب عدم الدخول به في الصلاة ، لأنه لم يرفع حدثا ، ولم يستبح ما كان ممنوعا.

ولو نوى فريضة التيمم ، أو إقامة التيمم المفروض من غير تعرض للاستباحة ، فالأقرب الجواز.

ولو نوى رفع الحدث احتمل الصحة ، لتضمنه الاستباحة ، ونية الملزوم تستلزم نية اللازم. وعدمها ، لاستحالة رفع الحدث ، وإلا لما بطل إلا بعروض الحدث ، فلا يصح التيمم بنيته ، كما لو نوى شيئا لا يقبل(1)التيمم.

ولا يجوز تقديمها على أول جزء من التيمم ، وأول أفعاله المفروضة الضرب باليدين على الأرض ، لكن لا يتضيق عنده بل يجوز تأخيرها إلى أول المسح ، ولا يجوز تأخيرها عن أول فعل واجب.

ولا يشترط بقاؤها حقيقة بل حكما ، فلو قارنت النية أول الفعل ثم غربت قبل مسح شي ء من الوجه ، فالأقوى الصحة. ولو غربت في أثناء المسح ، صح قطعا.

ص: 204


1- في « س » لا يفيده

ولو بلغ الصبي المتيمم نفلا لإحدى الصلوات الخمس ، جاز له الدخول في الصلاة الواجبة ، إن قلنا أن عبادته شرعية.

ولو تيمم لقضاء فريضة ، فلم يصلها حتى دخل وقت أخرى ، جاز أن يصليها به.

الثالث: ( استيعاب الجبهة )

بالمسح من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى ، ولا يجب استيعاب الوجه على الأقوى ، لقوله تعالى ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ) (1) والباء للتبعيض ، قال الباقر علیه السلام : فعرفنا حين قال « برءوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء (2). ولأن الباقر علیه السلام مسح جبهته (3).

ويجب الابتداء من قصاص الشعر ، والانتهاء إلى طرف الأنف ، فلو نكس أعاد ، كالوضوء المبدل ، والأصل المساواة.

ولا يجب مسح ما تحت شعر الحاجبين بل ظاهره كالوضوء ، ولو قلنا بوجوب الاستيعاب لم يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور ، وإن خفت أو كانت بارزة لعسره ، ولا مسح المسترسل من شعر اللحية كالوضوء.

الرابع: ( مسح الكفين )

من الزند إلى أطراف الأصابع ، لقوله تعالى ( وَأَيْدِيَكُمْ ) (4) والمراد الكف قضية للتبعيض المستند إلى الباء ، ولأن الباقر علیه السلام مسح كفيه (5).

ص: 205


1- سورة النساء : 43.
2- وسائل الشيعة : 2 - 980 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 2 - 981 ح 3.
4- سورة النساء : 43.
5- وسائل الشيعة : 2 - 976 ح 3 و 5.

ولا يجب الاستيعاب إلى المرفقين على الأقوى ، لقوله علیه السلام لعمار : يكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين (1).

ويبتدأ من الكوع إلى أطراف الأصابع ، فإن نكس استأنف. ولو قلنا بالاستيعاب بدأ بالمرفق.

ويجب استيعاب ظاهر الكفين بالمسح ، فلو أخل بشي ء لم يجز. ولو كان له زائد أو إصبع(2)زائدة ، وجب مسحه كالوضوء.

ولو أخل ببعض الفرض ، مسح عليه وعلى ما بعده ، ولا يجب مسح باطنها ولا تخليل الأصابع. ولو استوعبنا ، وجب مسح ظاهر الذراعين وباطنهما كالوضوء.

الخامس: ( الترتيب )

فيجب أن يبدأ بمسح الوجه ، ثم اليد اليمنى ، ثم اليسرى ، لدلالة الأحاديث (3) بلفظة « ثم » عليه. فلو نكس ، أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

السادس: ( المباشرة )

لتعلق الأمر به ، فلو تولاه غيره لم يجز إلا مع العذر.

وصورة التيمم : أن يضرب بيديه(4)على الأرض ناويا ، مفرجا أصابعه ، ثم ينفضهما مستحبا ، ثم يمسح بهما وجهه ، ثم يمسح ظهر يده اليمنى ببطن يده اليسرى ، ثم ظهر يده اليسرى ببطن يده اليمنى ، لأنه علیه السلام ضرب بيديه

ص: 206


1- جامع الأصول 8 - 148.
2- في « ق » أو أصابع.
3- وسائل الشيعة : 2 - 979 ح 5.
4- في « س » بيده.

على الأرض ، ثم نفضهما ومسح بهما وجهه وكفيه (1). وكذا فعل الباقر علیه السلام (2).

ولا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة ، لأنه علیه السلام نفض يديه.

ولو كان مقطوع اليدين من الزند ، سقط مسحهما لفوات محله ، لكن يستحب مسح شي ء من الذراعين.

قال الشيخ : ولو كان مقطوعهما من المرفق ، استحب مسح ما بقي(3)، ولا يسقط مسح الجبهة.

ولو كان مقطوعا من الزند ، احتمل وجوب مسح موضع القطع ، لأن الرسغين في التيمم كالمرفق في الوضوء. والعدم لتعلق الفرض بالكف.

ولو أوصل التراب إلى محل الفرض بخرقة أو خشبة أو غيرهما ، لم يجز.

ولو كان على محل الفرض جبائر يتمكن من نزعها ، وجب ، وإلا مسح عليها للضرورة كالماء. فلو نزعها لم يجب إعادة الصلاة ، لأنه أوقعها على الوجه المأمور به ، أما إعادة التيمم فالإشكال كالوضوء.

واختلف في عدد الضربات ، فالمشهور التفصيل للوضوء ضربة واحدة للوجه والكفين ، وللغسل ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين ، لأن الباقر علیه السلام ضرب بيديه الأرض ثم نفضهما ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة (4) وقال الباقر علیه السلام : في تيمم الغسل مرة للوجه ومرة لليدين (5).

ص: 207


1- وسائل الشيعة : 2 - 999 ح 1 ب 29.
2- وسائل الشيعة : 2 - 976 ح 3.
3- قال في المبسوط [ 1 - 33 ] : وإذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم ، ويستحب أن يمسح ما بقي.
4- وسائل الشيعة : 2 - 976 ح 3.
5- وسائل الشيعة : 2 - 978 ح 4.

ولو ضرب فيما هو بدل من الوضوء مرتين ، فإشكال ينشأ : من وجوب الموالاة ، ومن كونه غير مخل بها لقصر زمانه. أما لو ضرب فيما هو بدل من الغسل مرة ، لم يجزيه.

والوجه في الأغسال غير الجنابة تعدد التيمم ، لتعدد الواجب ، فتضرب مرة للوجه والكف عوضا عن الوضوء ، ومرتين عوضا عن الغسل ، ولا يكفي ثلاث ضربات متفرقة على الأعضاء. وفي رواية : مساواة تيمم الجنب والحائض (1).

والموالاة هنا واجبة ، لقوله ( فَتَيَمَّمُوا ) (2) والفاء للتعقيب ، ولأنه بدل عما يجب فيه الموالاة. أما الغسل ، فكذلك إن قلنا بوجوب التضييق ، وإلا فإشكال ينشأ : من أصالة البراءة ، ومن قول الباقر علیه السلام وقد سئل كيف التيمم؟ هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة (3).

ولا بد من نزع الخاتم وشبهه. وفي إجزاء مسح الوجه بكف واحد إشكال. ولو قلنا أن مس الفرج حدث لو ضرب يده (4) على فرج امرأة عليه تراب ، صح التيمم ن لأن أول الأركان المسح لا النقل.

ص: 208


1- وسائل الشيعة : 2 - 979 ح 7.
2- سورة النساء : 43.
3- وسائل الشيعة : 2 - 978 ح 4.
4- في « س » بيديه.
الفصل الرابع: ( في الأحكام )
وهي ثلاث مطالب :
المطلب الأول: ( إلى متى تباح العبادة بالتيمم )

وتمتد غاية إباحته إلى وجود حدث ، أو ما يمكن من استعماله ، لقوله علیه السلام : التراب ( الطاهر ) طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يحدث أو يجد الماء (1) وقول الصادق علیه السلام في رجل تيمم : يجزيه ذلك أن يجد الماء (2).

ورخصة التيمم إما مع وجود الماء كالمريض ، فلا يبطل برؤيته ، بل بالتمكن من استعماله. وإما لا معها كفاقد الماء والمحتاج إليه والخائف من الاستقاء وشبهه ، فيبطل تيممه بوجود ما يتمكن من استعماله ، فلو وجد ماء مع غير باذل فكالفاقد.

ولو تمكن ورآه خارج الصلاة ، بطل تيممه إجماعا ، لقوله علیه السلام

ص: 209


1- جامع الأصول 8 - 155.
2- وسائل الشيعة : 2 - 990 ح 1.

لأبي ذر : إذا وجدت الماء فامسسه جلدك (1). ولأنها طهارة ضرورية وقد زالت الضرورة ، فيزول الترخص المنوط بها ، فإن عدم الماء قبل استعماله ، استأنف التيمم.

ولا ينتقض بتوهم وجود الماء ، كما لو طلع عليه ركب ، أو رأى خضرة ، أو أطبقت السماء بالقرب منه غمامة ، وإن وجب الطلب ، لأنه على يقين من الطهارة ، فلا ينتقض بالشك ، ووجود الطلب ليس بناقض ، لعدم النص ومعناه.

ولو وجده في أثناء الصلاة ، فإن كان بعد ركوع الثانية ، لم يلتفت وأتم صلاته إجماعا. وإن وجده بعد ركوع الأولى ، أو فيه ، فكذلك على الأصح ، أو بعد القراءة ، أو بعد تكبيرة الإحرام على الأقوى ، سواء كانت الصلاة غير معينة عن القضاء ، كالمتعمد للجنابة وخائف الزحام إن قلنا بالإعادة ، أو لم يكن لأنه شرع في الصلاة بطهور أمر باستعماله ، فيتمها محافظة على حرمتها ، ثم يتوضأ ويعيد.

فإن فقد ، لم يتيمم للإعادة ، بل ينتظر وجود الماء ، ويقضي وإن خرج الوقت ، ويحتمل الإعادة بالتيمم كغيرها. ويحتمل البطلان مع أمر الإعادة ، لوجوب الإعادة بعد الفراغ عند وجود الماء ، فليعد عند وجوده في الأثناء والمعينة عن القضاء أولى.

ولأنه بشروعه في الصلاة قد تلبس بالمقصود ، ووجدان الأصل بعد التلبس بمقصود البدل لا يبطل حكم البدل ، كما لو شرع في الصيام ثم وجد الرقبة.

فإن أوجبنا الخروج ، وجب استيناف الصلاة ، لأن الطهارة شرط وقد فاتت ببطلان التيمم ، ولا يكفي البناء. وهل يسوغ الخروج منها ليتطهر ويستأنف؟ الأقرب ذلك لجوازه لناسي الأذان وسورة الجمعة وطلب الجماعة ،

ص: 210


1- جامع الأصول : 8 - 155.

فهنا أولى ، سواء كان في الأولى أو الثانية. وهل هو أولى؟ الأقرب ذلك إن كان في الأولى ليخرج من الخلاف ، فإن من علمائنا من حرم الاستمرار. ويحتمل المنع للنهي عن إبطال العمل.

والأولى عدم أولوية الخروج المطلق ، بل قلب الفرض نفلا ويسلم عن ركعتين ، صيانة للعبادة عن الإبطال ، وأداء الفريضة بأكمل الطهارتين.

أما مع تضيق الوقت ، فلا يجوز الخروج قطعا ، وإذا لم يخرج منها وأتم الفريضة ، بطل تيممه حين الإتمام إن كان الماء باقيا ، حتى أنه يحتمل أن لا يسلم التسليمة الثانية ، لأنه بالتسليمة الأولى كملت صلاته إن أوجبناه ، وإلا فبالصلاة على النبي وآله علیهم السلام .

وإن لم يكن الماء باقيا ولم يعرفه المصلي حتى فرغ فكذلك ، وإن عرفه وعرف فواته وهو بعد في الصلاة ، أو لم يعرف فواته ، احتمل البطلان في الصلوات(1)المتجددة دون ما هو فيها لحرمتها ، لأن وجود الماء مع التمكن مبطل ، والمنع الشرعي لا يبطل المكنة الحقيقية. وعدمه ، لأنه غير متمكن من استعماله شرعا ، والمنع الشرعي كالمنع الحسي في الحكم.

أما لو رآه في نافلة ، فالأقرب أنه يبطل بالنسبة إليها ، ويبطل أيضا بالنسبة إلى المتجددة من فريضة أو نافلة ، لقصور حرمتها عن حرمة الفريضة ، فإنها لا تلزم بالشروع بخلاف الفريضة. ويحتمل عدم البطلان كالفريضة.

فإن شرع في نافلة من غير تعيين عدد ، لم يزد على ركعتين ، لأن الأولى في النوافل أن يكون مثنى. وإن نوى ركعة أو ركعتين ، لم يزد ، لأن الزيادة كافتتاح نافلة بعد الماء. ويحتمل الزيادة مطلقا ، لأن حرمة تلك الصلاة باقية ما لم يسلم ، بخلاف ما إذا سلم. ولو نوى زائدا عن ركعتين ، استوفى ما نواه ، لأنه عقد الإحرام لذلك العدد.

وهل ينزل الصلاة على الميت منزلة التكبير(2)إشكال ، الأقرب المنع ،

ص: 211


1- في « س » الصلاة.
2- في « ق » وهل يترك الصلاة على الميت من التكبير.

فيجب الغسل ، وفي إعادة الصلاة حينئذ إشكال ، أقربه العدم ، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

وإنما يبطل التيمم بوجود ما يصح استعماله في الطهارة وإن كان مكروها كسور الحمار ( وإن كان مشتبها )(1)لا كالمشتبه بالنجس والمغصوب والمشتبه بالمضاف إلا مع حضورهما ، وإن أوجبنا الوضوء والتيمم لو انفرد.

المطلب الثاني: ( في ما يباح به التيمم )

ويباح به كلما يباح بالطهارة المائية ، فيجوز الجمع بين الفرائض المتعددة ، اتفق نوعها كاليومية أو اختلف ، وبينها وبين النوافل ، لقوله علیه السلام : الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين (2). وسئل الصادق علیه السلام عن رجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال : لا هو بمنزلة الماء (3). ولأنها إحدى الطهارتين فاشتبهت الأخرى.

ولا فرق بين الفرائض المؤداة والقضاء ، وكذا بين الصلاة والطواف المفروض وركعتيه. وبالجملة حكمه حكم المائية في ذلك.

ولا يبطل التيمم بخروج وقت الصلاة ، ولا بدخول وقتها ، ولا بنزع العمامة والخف.

ولو وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة وإزالة النجاسة بل لإحداهما ، لم ينتقض تيممه ، سواء تجددت النجاسة بعد التيمم وقبله. وهل يستحب تجديد التيمم إشكال ، ينشأ : من عدم النص ، ومن اندراجه تحت العلة ، وهو تجويز إغفال شي ء في(4)في المرة الأولى. فيستظهر بالثانية ، وكذا في الاغتسال.

ص: 212


1- الزيادة من « ق ».
2- جامع الأصول : 8 - 155.
3- وسائل الشيعة : 2 - 990 ح 3.
4- في « ق » من.

فلو نذر تجديد التيمم لكل صلاة ، وجب إن قلنا باستحبابه ، فلو نذر تعدده بتعدد الفريضة اليومية ، صح.

فإن أراد قضاء منسية التعيين ، وجب ثلاث صلوات أو خمس على الخلاف ، وهل يكفيه تيمم واحد للجميع ، أو يفتقر لكل صلاة إلى تيمم ، إشكال ينشأ : من أن الواجب فعله من الفرائض اليومية هنا واحد بالقصد الأول ، وما عداه كالوسيلة إليه. ومن وجوب كل واحدة بعينها ، فأشبهت الواجبة بالأصالة.

ولو نسي صلاتين من يوم وأوجبنا الخمس ، احتمل تعدد التيمم لكل صلاة تيمم ، وإن قلنا بعدم تعدده في الأول اقتصر هنا على تيممين وزاد في عدد الصلوات ، فيصلي بالتيمم الأول الفجر والظهرين والمغرب ، وبالثاني الظهرين والعشاءين ، فيخرج عن العهدة ، لأنه صلى الظهر والعصر والمغرب مرتين بتيممين. فإن كانت الفائتتان من هذه الثلاث ، فقد تأدت كل واحدة بتيمم. وإن كانت الفائتتان الفجر والعشاء ، فقد تأدى الفجر بالتيمم الأول والعشاء بالثاني. وإن كانت إحداهما من الثلاث والأخرى من الآخرتين فكذلك. ولا بد من زيادة في عدد الصلوات.

والضابط : أن يزيد في عدد المنسي فيه عددا لا ينقص عما يبقى من المنسي فيه بعد إسقاط المنسي ، وينقسم المجموع صحيحا على المنسي صلاتان ، والمنسي فيه خمسة تزيد عليه ثلاثة ، لأنها لا تنقص عما يبقى من الخمسة بعد إسقاط الاثنين بل تساويه ، والمجموع وهو ثمانية ينقسم على الاثنين على صحة ، ولو صلى عشرا ، كان أولى.

ويبتدأ من المنسي فيه بأية صلاة شاء ، ويصلي بكل تيمم ما يقتضيه القسمة ، لكن يشترط في خروجه عن العهدة بالعدد المذكور أن يترك في كل مرة ما ابتدأ به في المرة التي قبلها ، ويأتي في المرة الأخيرة بما بقي من الصلوات.

فلو صلى في المثال بالتيمم الأول الظهرين والعشاءين ، وبالثاني الغداة والظهرين والمغرب ، فقد أخل بالشرط إذ لم يترك في المرة الثانية ما ابتدأ به في

ص: 213

المرة الأولى ، وإنما ترك ما ختم به في المرة الأولى ، فيجوز أن يكون ما عليه الظهر والعصر أو المغرب مع العشاء ، فبالتيمم الأول صحت تلك الصلاة ولم يصح العشاء بالتيمم ، وبالثاني لم يصل العشاء ، فلو صلى العشاء بعد ذلك بالتيمم الثاني خرج عن العهدة.

ولو نسي ثلاث صلوات من يوم ، اقتصر على ثلاث تيممات وزاد في عدد الصلوات ، فيضم إلى الخمس أربعا ، لأنها لا تنقص عما بقي من الخمسة بعد إسقاط الثلاثة ، بل يزيد عليه ، وينقسم المجموع وهو تسعة صحيحا على الثلاثة.

ولو ضم إلى الخمسة اثنين أو ثلاثة لما انقسم ، ثم يصلي بالتيمم الأول الصبح والظهر والعصر ، وبالثاني الظهر والعصر والمغرب ، وبالثالث العصر والمغرب والعشاء.

ولو صلى بالأول العصر ثم الظهر ثم الصبح ، وبالثاني المغرب ثم العصر ثم الظهر ، وبالثالث العشاء ثم المغرب ثم العصر ، لم يخرج عن العهدة ، لجواز أن يكون التي عليه الصبح والعشاء والثالثة الظهر أو العصر ، فيتأدى بالأول الظهر أو العصر وبالثالث العشاء ويبقى الصبح ، فيحتاج إلى تيمم رابع له.

ولو كان المنسي صلاتين متفقتين من يومين فصاعدا ، يكفيه تيممان يصلي بكل واحدة منهما الخمس ، ولا يكفي هنا ثمان صلوات بتيممين كما في الاختلاف ، لأنه لو فعل ذلك لم يأت بالصبح إلا مرة واحدة بالتيمم الأول ، ولا بالعشاء إلا مرة واحدة بالتيمم الثاني ، ويجوز أن يكون ما عليه صبحان أو عشاءان.

ولو لم يعلم أن فائتته متفقتان أو مختلفتان ، أخذ بالأسواء وهو الاتفاق ، فيحتاج إلى عشر صلوات بتيممين.

واعلم أن نذر التجديد عند(1)كل صلاة وإن صح ، فإنها تفيد وجوب

ص: 214


1- في « س » لكل.

الكفارة مع المخالفة ، لا إعادة الصلاة ، سواء كان المنذور وضوءا أو غسلا أو تيمما ، لحصول رفع الحدث أو الاستباحة بالأول.

ولو صلى منفردا بتيمم ثم أدرك جماعة وأراد إعادتها معهم ، فإن قلنا المعاد سنة كفاه تيمم واحد ، وإن قلنا الفرض أحدهما لا بعينه ، فكذلك على الاحتمال.

ولو صلى الفرض بتيمم على وجه يحتاج إلى قضائه وأراد القضاء بالتيمم ، فإن قلنا الواجب هو المعاد أو كلاهما ، افتقر إلى تيمم آخر ، وإن قلنا الفرض الأول فلا حاجة إلى إعادة التيمم ، وإن قلنا الفرض أحدهما لا بعينه فالاحتمال.

ويجوز التيمم لكل ما يتطهر له من فريضة ونافلة ، ومس مصحف ، وقراءة عزائم ، ودخول مساجد وغيرها ، لقول الصادق علیه السلام : فإن اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (1).

وإذا تعذر تغسيل الميت بالماء ، لفقده أو لشدة برد ، وجب أن يؤمم كما يؤمم الحي ويؤمم من يؤممه ثم يدفن. ولو وجد الماء بالثمن ، وجب أن يشترى من تركة الميت ، لأنه كالكفن.

ويجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ، لأنها غير مشروطة بالطهارة ، ولا يدخل به في غيرها من الصلوات.

وهل يجب على الجنب إذا تعذر عليه الغسل قبل الفجر(2)أو الحائض أو المستحاضة إشكال. ولو انقطع دم الحيض وأوجبنا الغسل للوطي فتعذر ، جاز التيمم له ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن المرأة إذا تيممت من الحيض هل تحل لزوجها؟ قال : نعم (3). والاستدلال به لا يخلو من دخل في المتن والراوي.

ص: 215


1- وسائل الشيعة : 2 - 994 ح 1.
2- في « ق » وقت العجز.
3- وسائل الشيعة : 2 - 565 ح 2 ب 31.

ولا يحتاج كل وطي إلى تيمم وإن أوجبنا الغسل. ولو تيممت للوطي فأحدثت أصغر ، احتمل تحريم الوطي لبقاء الحيض.

ويباح بالتيمم الإمامة على كراهية من غير تحريم على الأصح ، لأنها صلاة صحيحة والنقص يثمر الكراهة.

ولو تيمم لنافلة ندبا دخل به في الفريضة. وكذا لو تيمم لفائتة قبل وقت الحاضرة ، دخل به فيها بعد دخول وقتها. ولا يباح به الصلاة للحاضرة لو وقع قبل دخول وقتها إجماعا ، لأنها طهارة ضرورية ولا ضرورة قبل الوقت. وهل يقع النفل؟ الوجه المنع ، لأنه لم ينوه.

وكما لا يتقدم التيمم للمؤداة على وقتها ، كذا لا يقدم للفائتة على وقتها ، وهو تذكرها.

ولو تيمم لفائتة ضحوة ، جاز أن يؤدي به حاضرة الظهر وإن لم يقض الفائتة.

ويصح عند التضيق إجماعا. وهل يشترط؟ إشكال ، أقربه ذلك إن كان العذر مما يمكن زواله في الوقت ، لأنها طهارة ضرورية ولا ضرورة في أول الوقت ، ولأنه كما استحب(1)تأخير الصلاة لشدة الحر طلبا لزيادة الخشوع ، ولطلب فضيلة الجماعة المندوبين ، كذا يجب التأخير طلبا لتحصيل الشرط الواجب ، ولقول أحدهما علیهماالسلام : إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت (2). وفي حديث آخر : فأخر التيمم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم يفتك الأرض (3).

وهل التضيق شرط في دوام الإباحة كما هو في ابتدائها؟ إشكال ، ينشأ : من أنه متطهر ، ومن وجود المقتضي. فلو تيمم لفائتة قبل الوقت ، أو لحاضرة

ص: 216


1- في « ق » يستحب.
2- وسائل الشيعة : 2 - 982 ح 3.
3- نفس المصدر.

عند التضيق ، ثم دخل أخرى ولما يحدث ، ففي الصلاة به في أول الوقت نظر ، فإن منعناه لم نوجب تيمما آخر عند التضيق.

ويتيمم للنوافل الموقتة في آخر أوقاتها ، وللعيدين كذلك ، وللخسوف والكسوف بابتدائهما وإن ظن الاستمرار ، لأنه يكذب كثيرا. وللاستسقاء باجتماع الناس لها في الصحراء ، وللجنازة بحضورها.

ولو تيمم لنافلة في وقت كراهة(1)أدائها ، ففي صحته إشكال ، ينشأ : من أنه ليس وقتا لها. ومن تسويغ الوضوء في تلك الحال ، فكذا بدله. ويحمل الوقت على الجواز لا الاستحباب.

ولا يشترط طهارة اليدين(2)عن النجاسة ، فلو تيمم وعلى يديه(3)نجاسة ، صح تيممه إن فقد المزيل ، وإلا فلا إن كان العذر مما يمكن زواله والوقت متسع لهما. وإزالة النجاسة عن البدن أولى من التيمم ، ومن إزالتها عن الثوب. وإزالتها عن الثوب أولى من التيمم ، لأن التيمم بدل الطهارة بخلاف الإزالة. والوضوء أولى من استنجاء يجزي فيه الحجر مع وجود المزيل ، بخلاف المتعدي والبول. ولو قصر عن إزالة النجاسة أو الاستنجاء وكفاه للوضوء ، توضأ به وصلى من غير تيمم ولا إعادة.

المطلب الثالث: ( في حكم القضاء )

إذا صلى بالتيمم المأمور به ، لم يعد صلاته مطلقا على الأقوى ، لأنه فعل المأمور به على وجهه ، فخرج عن عهدة التكليف.

ولو كان محبوسا فصلى بتيممه ، لم يعد بعد الوقت ، لتعذر الماء عليه فأشبه المسافر.

ص: 217


1- في « س » كراهية.
2- كذا في « ق » وفي « ر » و « س » البدن.
3- كذا في « ق » و « ر » وفي « س » بدنه.

ولو كان محبوسا بدين قادر على قضائه ، لم يكن عذرا وصار كما لو كان الماء قريبا منه ويمكن من استعماله حتى ضاق الوقت ، بحيث لا يتمكن من المضي إليه واستعماله والصلاة ، فإن أوجبنا الصلاة والإعادة هنا فكذا ثم. ولا فرق بين أن يكون العذر نادرا أو غالبا.

ولو سوغنا التيمم في أول الوقت ، فتيمم لفقد الماء ، ثم وجده في الأثناء ، فإن كان حاضرا أو يتمكن من الوصول إلى الماء أعاد ، لأنه أخل بما وجب عليه ، وإلا فلا يعيد وإن وجده في الوقت.

لأن رجلين خرجا في سفر ، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ، فتيمما وصليا ثم وجدا الماء في الوقت ، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ، ثم أتيا النبي صلی اللّه علیه و آله فذكرا له ذلك ، فقال للذي أعاد : لك الأجر مرتين ، وللذي لم يعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك (1).

ولو كان السفر معصية ، فتيمم وصلى فإشكال ، ينشأ : من وجوب الصلاة عليه حينئذ ، والماء متعذر ، فوجب بدله ، فخرج(2)عن العهدة بالامتثال. ومن كون سقوط الفرض رخصة فلا يناط بسفر المعصية.

ولو تعذر استعمال الماء لجراحة فيه ، تيمم ولا إعادة ، لأصالة البراءة. ولو كان به عذر يمنع من استعمال الماء في بعض محل الطهارة دون بعض فتيمم ، لم يعد صلاته. وكذا ذو الجبيرة إذا تعذر مسحها بالماء ، فتيمم وصلى لم يعد.

ولو تيمم لشدة البرد وصلى ، لم يعد ، سواء كان مسافرا أو حاضرا يعجز عن تسخينه ، وسواء كان محدثا أو جنبا ، وسواء تعمد الجنابة أو لا.

ولو منعه زحام يوم الجمعة عن الوضوء فتيمم وصلى ، أو كان على جسده أو ثوبه نجاسة لا يتمكن من غسلها فتيمم وصلى ، لم يعد للامتثال. وكذا لا يعيد لو أراق الماء في الوقت أو قبله.

ص: 218


1- جامع الأصول 8 - 158.
2- في « س » فيخرج.

أما لو نسي الماء في رحله ثم وجده ، أو مع أصحابه بعد أن صلى بتيممه ، فإنه يستأنف لتفريطه بترك الطلب.

ولو ضل عن رحله ، أو عن بئر كان يعرفها ، فتيمم وصلى ثم وجدهما ، لم يعد لأصالة البراءة.

ويجوز للفاقد الجماع وإن كان معه ما يكفيه للوضوء خاصة قبل الوقت ، لعموم « فَأْتُوا » (1) وليس مكروها لأصالة العدم.

ولو دخل الوقت ومعه ماء يكفيه للوضوء خاصة ، احتمل تحريم الجماع عليه حتى يصلي ، لما فيه من تفويت الواجب ، وهو الصلاة بطهارة الماء. ولو لم يكن معه ماء جاز ، لعدم وجوب المائية عليه حينئذ ، والتراب كما قام مقام الصغرى كذا يقوم مقام الكبرى.

ولو كان على طهارة ، فدخل الوقت ثم فقد الماء وعلم استمراره ، وجب عليه فعل الصلاة بتلك الطهارة ، وحرم عليه نقضها قبل الفعل مع التمكن.

ولو كان الثوب نجسا ولا ماء معه ، نزعه وصلى عاريا بتيمم ولا إعادة عليه. ولو لم يتمكن من نزعه صلى فيه ولا إعادة أيضا للامتثال ، ورواية (2) الإعادة محمولة على الاستحباب.

ومتعمد الجنابة إن أوجبنا عليه الإعادة وجبت عند وجود الماء ، والتمكن من استعماله ، لحصول الصلاة بالتيمم ، ولقول الصادق علیه السلام : فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة (3). والأقرب عدم إجزاء إعادتها بتيمم أخرى ، لحصول المصلحة الناشئة من فعلها بالتيمم أولا. فإن فقد الماء بعد تمكنه فالأقرب(4)الإجزاء.

ص: 219


1- سورة البقرة : 223.
2- وسائل الشيعة : 2 - 1000.
3- وسائل الشيعة : 2 - 982 ح 6.
4- كذا في « ق » وفي « ر » و « س » الأولى.

أما لو أوجبنا الإعادة على المصلي في الثوب النجس ، فإنه يكفيه الإعادة بتيمم ، لكن بعد غسل الثوب ، أو الصلاة في غيره ، أو عاريا عند تمكنه.

ولو نسي الجنابة فتيمم للحدث ، فإن ساوينا بينهما فالأقرب الإجزاء ، وإلا أعاد التيمم والصلاة.

ويكفي تيمم غسل الجنابة عن الوضوء بخلاف غيره ، فلو تيمم بدلا عن الجنابة ، أو عنها وعن الحدث ، أو الاستباحة ، أو الجنابة دون الحدث ارتفعا.

ولو أحدث المتيمم في صلاته حدثا أصغر ووجد الماء ، قال الشيخان : توضأ وبنى على ما مضى من صلاته إن كان ناسيا ، ما لم يتكلم أو يستدبر القبلة(1).

ولو تعمد الحدث أو فعل أحدهما استأنف. والرواية (2) الصحيحة الدالة على الوضوء والبناء على ما مضى من صلاته ، محمولة على صلاة قد كملت دون هذه ، لانتقاضها بالحدث ، فأشبهت المائية. ولأن الوضوء ونيته فعل كثير تخلل بين أفعالها مع إمكان تركهما ، لوجود الحدث مع التيمم والصلاة ، فالمتجدد سهل.

ولا يجب التيمم إلا من حدث يوجب إحدى الطهارتين أو كليهما ، فلو كان على بدنه نجاسة ولم يتمكن من غسلها بالماء ، صلى إن كان على طهارة من غير تيمم ، وإن كان العجز لعدم الماء أو لخوف الضرر باستعماله ، إذ القصد من غسل النجاسة إزالتها ، وهو لا يحصل بالتيمم.

ولا يصح تيمم الكافر بنية الإسلام ، فلو أسلم بعده وجب إعادته ، لأن النية شرط. ولا يصح من الكافر وكذا المرتد. ولا يبطل التيمم بالارتداد.

ص: 220


1- قال الشيخ المفيد في المقنعة [8] : ولو أن متيمما دخل في الصلاة ، فأحدث ما ينقض الوضوء من غير تعمد ووجد الماء ، لكان عليه أن يتطهر ويبني على ما مضى من صلاته ، ما لم ينحرف عن الصلاة إلى استدبارها ، أو يتكلم عامدا بما ليس من الصلاة. واستدل عليه الشيخ الطوسي (ره) في التهذيب1. 204.
2- تهذيب الأحكام 1 - 205 ح 68.

ولو لم يجد الجنب الماء إلا في المسجد غير المسجدين ، جاز الدخول والأخذ من الماء والاغتسال خارجا. ولو كان كثيرا ، جاز أن يغتسل فيه.

ولو تيمم المجنب بدلا عن الجنابة ، ثم أحدث ما يوجب الوضوء ، أعاد تيممه بدلا من الغسل لا الوضوء على الأصح ، لعدم ارتفاع حدثه بالتيمم.

ص: 221

ص: 222

المقصد الثاني: ( في المياه )

اشارة

وفيه فصول :

ص: 223

ص: 224

الفصل الأول: ( في المطلق )

وهو الباقي على أوصاف خلقته ، أو الممتزج بما لا يسلبه الإطلاق. وبالجملة ما يصدق عليه إطلاق اسم الماء من غير إضافة ، ولا يمكن سلبه عنه ، وهو المطهر خاصة من الحدث خاصة إجماعا ، لقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (1) ولو كان غيره مطهرا لم يحسن تخصيص الامتياز ، ولقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (2) ولو لا اختصاص الوضوء بالماء لما نقل إلى التراب إلا بعد. ومن الخبث على الأصح ، لورود الغسل بالماء.

ولا فرق بين المياه المطلقة الطاهرة في ذلك ، سواء نزل من السماء ، أو نبع من الأرض ، أو كان بحرا. قال علیه السلام : البحر هو الطهور ماؤه (3). وتوضأ عليه من بئر بضاعة.

وإذا مازج المطلق طاهر ولم يسلبه الإطلاق فهو باق على حكمه ، وإن كان خليطا مستغنى عنه ، كالممتزج بقليل الزعفران والدقيق ونحوها. وكذا لو تغير أحد أوصافه بما يجاوره ولا يخالطه ، كالعود ونحوه من الدهن والشمع وما أشبهه في عدم الممازجة. وكذا ما لا يمكن صون الماء عنه ، كالطين والطحلب (4)

ص: 225


1- سورة الأنفال : 11.
2- سورة النساء : 43 وسورة المائدة : 6.
3- سنن ابن ماجة 2 - 1081 الرقم 3246.
4- طحلب الماء : علاه الطحلب ، وطحلب الأرض : اخضرت بالنبات.

والكبريت والنورة ، والمتغير بطول المكث ، وتوضأ علیه السلام من بئر بضاعة وكان ماؤها نقاعة (1).

وذلك التغير ليس بالنجاسة ، فإن كان بنفسه فالمطلوب ، وإن كان بغيره فبنفسه أولى.

والمسخن باق على طهوريته لبقاء الإطلاق ، ولأنهم تطهروا بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله به ولم ينكر. نعم يكره استعماله في تغسيل الأموات ، لقول الصادق علیه السلام : لا تعجل له النار (2). فإن احتاج الغاسل إليه لشدة البرد ، زالت الكراهة.

والمشمس باق على الطهورية ، لكن تكره الطهارة به ، لأنه يورث البرص ، فإن عللناه بذلك احتمل اشتراط أمرين : كون المشمس في الأواني المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس ، لأن الشمس إذا أثرت فيها استخرجت منها زهومة تعلوا الماء ، ومنها يتولد المحذور عدا الذهب والفضة لصفاء جوهرهما. واتفاقه في البلاد المفرطة الحارة دون الباردة والمعتدلة ، لضعف تأثير الشمس فيها.

ولا فرق بين أن يقع ذلك قصدا أو اتفاقا ، لعدم اختلاف المحذور.

ويحتمل عموم الكراهية في الأواني المنطبعة وغيرها كالخزفية ، وفي البلاد الحارة وغيرها ، لعدم توقف الكراهية على خوف المحذور ، عملا بإطلاق النهي ، والتعرض للمحذور إشارة إلى حكمته ، ولا يشترط حصولها في كل صورة.

ولا يكره في الحياض والبرك والأنهار والأدوية إجماعا.

ولا يخرج الممتزج عن حكمه وإن زالت صفاته الثلاثة التي هي مدار الطهورية ، وهي اللون والطعم والرائحة ، مع بقاء إطلاق اسم الماء.

وما طرح فيه التراب قصدا لا يخرج عن الطهورية ، إلا مع سلب

ص: 226


1- جامع الأصول 8 - 11.
2- وسائل الشيعة 2 - 693 ح 3 ب 10.

الإطلاق ، وإن تفاحش تغيره. وكذا ما طرح فيه الملح المائي والجبلي. ولو سلبه إطلاق الاسم استويا في رفع الطهورية عنه ، فإن المائي أصله الأرض أيضا ، لأن المياه تنزل من السماء عذبة ، ثم تختلط بها أجزاء السبخة فتنعقد ملحا ، ولهذا لا يذوب في الشمس ، ولو كان منعقدا من الماء لذاب كالجمد.

ولو تناثرت الأوراق في الماء وتروح بها ، فهو باق على حكمه ما دام الإطلاق ، سواء تعفن أو لا ، سواء الربيعي والخريفي.

ولو اختلط الماء بمائع يوافقه في الصفات ، كماء الورد المنقطع الرائحة وماء الشجر ، احتمل اعتبار الأجزاء ، لتعذر اعتبار الصفات ، فإن كان الماء غالبا فهو طهور وإلا فلا. واعتبار بقاء الاسم أو عدمه على تقدير المخالفة ، فإن كان تغير الاسم لو خالفه خرج عن الطهورية ، وإلا فلا ، لأن الإخراج عن الاسم سالب للطهورية ، وهذا الممازج لا يخرج عن الاسم بسبب الموافقة في الأوصاف ، فيعتبر تغيره ليحصل ما طلبناه ، كما تفعل ذلك في حكومات الخراج.

وإن حكم ببقاء الطهورية ، إما لقلة الممازجة(1)على التقدير الأول ، أو لتفاقده(2)عن الإخراج على الثاني مع تقدير المخالفة ، جاز استعمال جميعه ، لاستهلاك الممازج فيه وإطلاق الاسم عليه.

فلو قصر المطلق عن الطهارة من الحدث أو الخبث ومعه مضاف لو كمل لكفاه مع بقاء الاسم ، وجب ولم يسغ له التيمم ، والماء على أصل خلقته طاهر كغيره من الأعيان بالإجماع. فإن وقع فيه نجاسة انفعل إن كان قليلا أو تغير بها ، وإلا فلا.

ص: 227


1- في « ق » الممازج.
2- كذا في « س » وفي « ر » لتقاعده ، وفي « ق » لتباعده.

الفصل الثاني: ( في الجاري )

كل المياه في أصلها على الطهارة كما تقدم ، فإن تغيرت بالنجاسة نجس ، أي ماء كان لقهر النجاسة إياه ، لقوله علیه السلام : خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (1). ولقول الصادق علیه السلام : فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب (2).

وإن لم يتغير ، فالجاري لا ينفعل عنها ولا شي ء من أجزائه ، سواء كان كثيرا أو نهرا صغيرا ، إذا زاد على الكر ، وسواء قلت النجاسة أو كثرت ، وسواء كانت جامدة أو مائعة ، وسواء جرت مع الماء أو جرى عليها وهي واقفة.

ولا فرق بين ما فوقها وهو الذي لا يصل إلى النجاسة وما تحتها ، وهو الذي لم تصل إليه النجاسة ، وما جرى عليها [ الماء ](3)وما على جنبيها أو في سمتها ، وسواء قل الجاري عليها أو لا ، وسواء اغترف من القريب منها بل الملاصق أو البعيد عنها ، فإن الجريان(4)المارة على النجاسة الواقفة طاهرة لاتحادها ، وإن قلت عن الكر مع التواصل ، لعموم الأدلة.

ص: 228


1- وسائل الشيعة 1 - 101 ح 9.
2- وسائل الشيعة : 1 - 102 ح 1.
3- الزيادة من « س ».
4- كذا في « ر » وفي « ق » و « س » الجريات.

ولو تغير الجاري كله ، نجس أجمع. وإن تغير بعضه ، اختص المتغير بالتنجيس دون ما قبله و [ ما ](1)بعده.

ولو وافقت النجاسة الجاري في صفاته ، اعتبر بالمخالف ، فإن كان تغيره نجس وإلا فلا ، ويعتبر ما هو الأحوط ، ولا يعتبر هنا كثرة الأجزاء. وكذا الواقف الكثير ، بخلاف المضاف الطاهر لو مازجه ، لغلظ أمر النجاسة.

ولو قل الجاري عن الكر ، نجس ، لعموم نجاسة القليل ، سواء ورد على النجاسة أو وردت عليه. ولو كان القليل يجري على أرض منحدرة ، كان ما فوق النجاسة طاهرا.

والماء الواقف في جانب النهر المتصل بالجاري ، حكمه حكم الجاري ، لاتحاده بالاتصال ، فإن تغير بعضه اختص المتغير بالتنجيس.

وماء المطر حال تقاطره كالجاري لا ينجس إلا بالتغير وإن قل ، لقول الصادق علیه السلام في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر ، فاختلطا فأصاب ثوب رجل : لم يضره ذلك (2). ولا يشترط الجريان من الميزاب ، بل التقاطر من السماء كاف.

ولو انقطع التقاطر واستقر على وجه الأرض ثم لاقته نجاسة ، اعتبر فيه ما يعتبر(3)في الواقف ، لانتفاء غلبة الجريان.

وماء الحمام في حياضه الصغار كالجاري حال إجراء المادة عليه ، لقول الصادق علیه السلام : هو بمنزلة الجاري (4) ، وللضرر بالاحتراز عنه ، لكثرة الحاجة إليه ، ولأنه بجريانه عن المادة يشبه الجاري ، وشرطنا المادة لقول الباقر علیه السلام : ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة (5). ولأنه بوجودها يقهر النجاسة ، فلا تساوي حال عدمها.

ص: 229


1- الزيادة من « س ».
2- وسائل الشيعة : 1 - 109 ح 4.
3- في « س » اعتبر.
4- وسائل الشيعة : 1 - 111 ح 1.
5- وسائل الشيعة : 1 - 111 ح 4.

ويشترط في المادة الكرية ، لأن الناقص مساو له فلا يفيد حكما ليس له. ولو كان الحوض الصغير في غير الحمام وله مادة ، فالأقرب إلحاقه بالحمام ، لمساواته في المعنى والحكمة(1)وهي الحاجة.

وإذا نجس الحوض الصغير من الحمام ، لم يطهر بإجراء المادة إليه ، ما لم يغلب عليه بحيث يستولي عليه ، لأن الصادق علیه السلام جعله كالجاري(2). ولو نجس الجاري ، لم يطهر إلا بالاستيلاء.

ص: 230


1- في « س » الحكم.
2- في قوله علیه السلام : هو بمنزلة الجاري. المتقدم.

الفصل الثالث: ( في الراكد )

اشارة

وهو قسمان : ماء بئر وغير ماء بئر ، وغير ماء البئر قسمان : قليل وكثير ، فهنا مطالب :

المطلب الأول: ( في القليل )

وهو ما نقص عن الكر ، وهو على أصل الطهارة ، فإن لاقته نجاسة نجس ، سواء تغير بالنجاسة أو لا على الأصح ، لقول الرضا علیه السلام وقد سئل عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة يكفي الإناء(1). وقول الصادق علیه السلام : إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي ء (2). ولأن النجاسة امتزجت بالماء وشاعت أجزاؤها في أجزائه ، ويجب الاحتراز عن أجزاء النجاسة ، ولا يمكن إلا بالاحتراز عن الجميع. ولا ينتقض بالكثير لقهره إياها.

ولا فرق بين النجاسة القليلة والكثيرة ، وإن كانت دما لا يدركه الطرف للعموم ، خلافا للشيخ(3).

ص: 231


1- وسائل الشيعة : 1 - 114 قال في القاموس : كفأه كمنعه ، كبه وقلبه ، كأكفاه. والمراد إراقة مائه ، وهو كناية عن التنجيس.
2- وسائل الشيعة : 1 - 117.
3- قال الشيخ في المبسوط [ 1 - 7 ] : وذلك - أي القليل - ينجس بكل نجاسة تحصل فيها ، إلا ما لا يمكن التحرز منه ، مثل رءوس الإبر من الدم وغيره ، فإنه معفو عنه ، لأنه لا يمكن التحرز منه انتهى.

ولا فرق بين الثوب والبدن والماء ، ولا بين الدم وغيره ، كنقطة الخمر والبول التي لا تبصر ، والذبابة تقع على النجاسة ، لأن الظواهر المقتضية للاجتناب عامة ، يتناول ما يدركه الطرف وما لا يدركه.

ولو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا ، واعتبرت الكرية فيهما مع الساقية جميعا. ولو كان أحدهما أقل من كر ولاقته نجاسة ، فوصل بغدير بالغ كرا ، قيل : لا يطهر ، لامتيازه عن الطاهر والوجه الطهارة.

ولو شك في بلوغ الكرية فالوجه التنجيس ، لأصالة القلة ، وأصالة عدم الانفعال معارضة بالاحتياط. ولا فرق بين ماء الغدير والقليب(1)والآنية والحوض وغيرها.

المطلب الثاني: ( في الكثير )
اشارة

الكثير ما بلغ كرا فصاعدا ، ولا ينجس إلا بالتغير في أحد أوصافه الثلاثة تحقيقا أو تقديرا ، وإلا لزم الحرج ، لعدم انفكاك الماء من ملاقاة النجاسة ، وللأصل ، ولقوله علیه السلام : إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي ء (2). وفي رواية : لم يحمل خبثا (3). وقول الصادق علیه السلام مثله (4).

وله حد مساحة ووزن ، فالمساحة ما كان كل واحد من أبعاده الثلاثة ثلاث أشبار ونصف على الأشهر ، لقول الصادق علیه السلام : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذاك الكر من

ص: 232


1- القليب : البئر ، وقيل : العادية القديمة منها ، مطوية كانت أم غير مطوية ، سميت به لأنها قليب الأرض بالحفر.
2- وسائل الشيعة : 1 - 117 و 118.
3- جامع الأصول : 8 - 12.
4- وسائل الشيعة : 1 - 117.

الماء (1). وفي رواية : لا بأس بها (2) حذف النصف. فعلى الأول حده تكسير اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر ، وعلى الثاني سبعة وعشرون.

والوزن ألف ومائتا رطل بالعراقي على الأقوى ، لقول الصادق علیه السلام : الكر من الماء الذي لا ينجسه شي ء ألف ومائتا رطل (3). وحمل على العراقي الذي وزنه مائة وثلاثون درهما ، لأن السائل من العراق فأجابه عليه بما يعهده. وقيل : بالمدني ، وقدره مائة وخمسة وتسعون درهما ، حوالة على موضع السؤال.

والاعتبار في الأشبار(4)بالغالب دون النادر. والتقدير تحقيق لا تقريب ، لأنه تقدير شرعي تعلق به حكم شرعي فيناط به.

فروع :

الأول : لو تغير بعض الزائد على الكر ، فإن كان الباقي كرا فصاعدا ، اختص المتغير بالتنجيس ، لوجود المقتضي فيه دون غيره ، لأصالة الطهارة السالمة عن وجود مقتضى التنجيس. وإن كان أقل من كر ، عم التنجيس الجميع ، لأنه ماء أقل من كر لاقى نجسا فلحقه حكمه.

الثاني : لو اغترف ماء من الكر المتصل بالنجاسة المتميزة ، كان المأخوذ طاهرا ، لأنه جزء من الطاهر ، والباقي نجسا ، لأنه أقل من كر فيه نجاسة.

ولو أخذت النجاسة مع المغترف انعكس الحال. ولو لم تكن متميزة كان الباقي طاهرا أيضا. ويجوز استعمال جميع ذلك الماء ، سواء بقي قدر النجاسة أو لا.

الثالث : لو وقع في الكثير من النجاسة ما يوافقه في الصفات ، فالأولى الحوالة على التقدير ، فينجس لو تغيرت إحدى الصفات على تقدير المخالفة كما

ص: 233


1- وسائل الشيعة : 1 - 122 ح 6.
2- وسائل الشيعة : 1 - 118 ح 7.
3- وسائل الشيعة : 1 - 123 ح 1.
4- كذا في « ر » وفي « ق » و « س » بالأشبار.

تقدم ، لأن التغير إنما أثر لغلبة النجاسة على الماء وقهرها لا لذاته ، فإذا وجد لا معه أثر.

الرابع : النجاسة إذا جاورت الماء ولم تتصل به ، فتغير بالمجاورة ، لم يلحقه حكم التنجيس ، لأصالة الطهارة السالمة عن ملاقاة النجاسة.

الخامس : لو وجد نجاسة في الكر ، وشك في وقوعها قبل بلوغ الكرية أو بعدها ، رجع إلى أصالة الطهارة المتيقنة ، مع سلامتها عن ظن المزيل فضلا عن تيقنه. أما لو شك في بلوغ الكرية ، فإنه ينجس(1)، لأصالة عدم البلوغ.

السادس : لو بلغ الجامد كرا ، فالأقرب انفعاله بالنجاسة الملاقية وإن لم تغير أحد أوصافه ، لاعتضاد بعض أجزاء المائع ببعض واتصاله به عند التصادم.

السابع : يجوز استعمال جميع الماء الكثير مع ملاقاته للنجاسة المتميزة. ولا يجب التباعد حد الكثرة ، فإن اغترف النجاسة بالآنية كان باطنها وما فيه نجسين ، والماء وظاهر الآنية طاهران إن دخلت النجاسة في الآنية مع أول جزء من الماء. وإن دخلت أخيرا ، فالجميع نجس.

ولو لم يدخل النجاسة في الآنية ، فالماء الذي فيها وباطنها طاهران [ وظاهرا ](2)وباقي الماء نجسان إن حصلت الآنية تحت الماء ، وإلا فالجميع نجس ، لأن الماء يدخل الآنية شيئا فشيئا ، والذي يدخل فيها أخيرا نجس ويصير ما في الآنية نجسا.

الثامن : لو بال في الراكد الكثير ، لم ينجس ، وجاز الوضوء به له ولغيره.

ص: 234


1- في « س » نجس.
2- الزيادة من « س ».
المطلب الثالث: ( في ماء البئر )

وهو على أصل الطهارة كغيره من المياه ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، فإن وقعت فيه وغيرت أحد أوصافه الثلاثة نجس إجماعا ، لانقهار قوته المطهرة بقوة النجاسة المغيرة.

وإن لم يتغير شي ء من أوصافه فخلاف ، وأقربه البقاء على أصالة الطهارة ، ولقول الرضا علیه السلام : ماء البئر واسع لا يفسده شي ء ، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه (1). ولأنها لو نجست لما طهرت ، إذ طريقه النزح إجماعا ، ولا بد وأن يتساقط من المنزوح شي ء ، فيعود التنجيس.

ولا تكره الطهارة بماء البئر ، ويستوي في ذلك ماء زمزم وغيرها للأصل.

ويستحب التباعد بين البئر والبالوعة بقدر خمس أذرع إن كانت الأرض صلبة ، أو كانت البئر فوق البالوعة ، وإلا فسبع حذرا من وصول مائها إليها ، وللرواية(2).

ولا يحكم بنجاسة البئر مع التقارب ، إلا مع علم وصول ماء البالوعة إليها ، مع التغير عندنا ، ومطلقا عند آخرين.

ص: 235


1- وسائل الشيعة : 1 - 126 ح 6.
2- هي رواية قدامة بن أبي زيد الجماز عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه ، قال : سألته كم أدنى ما يكون بين البئر : بئر الماء والبالوعة؟ فقال : إن كان سهلا فسبع أذرع ، وإن كان جبلا فخمس أذرع الحديث وسائل الشيعة : 1 - 145 ح 2.

الفصل الرابع: ( في المضاف )

وهو كل ما يفتقر صدق الماء عليه إلى قيد ، ويصح سلبه عنه ، سواء اعتصر من جسم ، أو استخرج منه ، أو مزج به مزجا يسلبه إطلاق الاسم ، كماء الورد والمرق.

وهو على أصل الطهارة كغيره من الأجسام الطاهرة للأصل. ولا يرفع حدثا إجماعا وإن كان نبيذ التمر ، سواء الحدث الأكبر والأصغر. ولا يزيل الخبث على الأصح ، لعموم الأمر بالغسل بالماء ، وإنما ينصرف الإطلاق إلى المطلق.

وينجس بكل ما يلاقيه من النجاسات ، قلت أو كثرت ، غيرت أحد أوصافه أو لا ، قل أو كثر ، لأنه علیه السلام سئل عن فأرة وقعت في سمن؟ فقال علیه السلام : إن كان مائعا فلا تقربوه (1). وترك الاستفصال يدل على العموم في القليل والكثير ، ولأنه قاصر عن دفع النجاسة ، فإنه لا يطهر غيره ، فلا يدفعها عن نفسه كالقليل.

فإن مزج طاهره بالمطلق اعتبر إطلاق الاسم ، فإن كان باقيا فهو مطلق ، وإلا فمضاف.

ص: 236


1- وسائل الشيعة : 1 - 149 ح 1 مع تفاوت في الألفاظ.

ولو تغير المطلق بطول مكثه وخرج عن صدق إطلاق اسم الماء عليه ، فهو مضاف.

ولو نجس المضاف ثم امتزج بالمطلق الكثير ، فغير أحد أوصافه ، فالمطلق على طهارته لأن التغير ليس بالنجاسة ، بل بالنجس ، وبينهما فرق. خلافا للشيخ (1).

ولو وافقت النجاسة صفات المضاف ، ثم امتزج بالمطلق فغير صفته ، اعتبر التغير التقديري.

ولو مزج المضاف النجس بالمطلق ، فسلبه إطلاق الاسم ، خرج عن كونه مطهرا ، وفي الخروج عن كونه طاهرا إشكال ، أقربه ذلك.

ص: 237


1- المبسوط 1 - 5.

الفصل الخامس: ( في الأسئار )

الأسئار : بقية ما يشرب منه الحيوان ، وهي تابعة له في الطهارة والنجاسة ، فسؤر كل حيوان طاهر طاهر ، وسؤر النجس نجس ، فالآدمي إن كان مسلما أو بحكمه فسؤره طاهر ، وإن كان كافرا أو بحكمه فسؤره نجس ، والغلاة ومن يظهر العداوة لأهل البيت علیهم السلام أنجاس.

وغير الآدمي كالآدمي ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن سؤر اليهودي والنصراني؟ قال : لا (1). وسئل عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال : اغسل الإناء (2). وتعجب الصحابة من إصغاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الإناء للهرة فقال : إنها ليست بنجسة إنها من الطوافة عليكم (3). جعل طهارة العين علة لطهارة السؤر.

وسئل الصادق علیه السلام عن السنور؟ قال : لا بأس أن يتوضأ من فضلها ، إنما هي من السباع (4).

وسئل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن الحياض في الفلوات وما ينوبها

ص: 238


1- وسائل الشيعة : 1 - 165 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 1 - 162 ح 3.
3- سنن ابن ماجة 1 - 131 الرقم 367.
4- وسائل الشيعة : 1 - 164 ح 3.

من السباع؟ فقال : لها ما حملت في بطونها وما أبقت فهو لنا شراب وطهور (1). وقال الباقر علیه السلام : لا بأس بسؤر الفأرة (2).

فروع :

الأول : منع بعض علمائنا من سؤر ولد الزنا ، والوجه الكراهية ، لأصالة الطهارة ووقوع الخلاف.

الثاني : حكم الشيخ بنجاسة المجبرة والمجسمة (3). وابن إدريس بنجاسة غير المؤمن (4). والوجه عندي الطهارة.

الثالث : لو تنجس فم الهرة بسبب ، كأكل فأرة وشبهه ، ثم ولغت في ماء قليل ، ونحن نتيقن نجاسة فمها ، فالأقوى النجاسة ، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة ، والاحتراز يعسر عن مطلق الولوغ ، لا عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم.

ولو غابت عن العين واحتمل ولوغها في ماء كثير وجار لم ينجس ، لأن الإناء معلوم الطهارة ، فلا يحكم بنجاسته بالشك.

الرابع : يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير ، إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة ، للأصل ، ولأن الأحاديث عامة في استعمال سؤر الطيور والسباع ، وهي لا تنفك عن تناول ذلك عادة ، فلو كان مانعا لوجب التنصيص عليه.

الخامس : يكره سؤر الحائض المتهمة ، عملا بأصالة الطهارة ، وصرف النهي إلى الكراهة.

ص: 239


1- وسائل الشيعة 1 - 164 ما يدل على ذلك.
2- وسائل الشيعة : 1 - 173 ح 8.
3- المبسوط : 1 - 14.
4- السرائر ص 13.

السادس : منع الشيخ (1) من سؤر الطيور الجلالة. وليس بجيد ، لأصالة الطهارة. وحيوان الحضر منع الشيخ (2) من استعمال سؤره إلا ما لا يمكن التحرز منه ، كالفأرة والهرة والحية.

وليس بجيد لما تقدم ، ولأن الصادق علیه السلام سئل عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم يترك السائل شيئا إلا سأله عنه ، فقال : لا بأس ، حتى انتهى إلى الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء (3).

السابع : سؤر مكروه اللحم مكروه ، كالبغال والحمير والدواب ، لأن فضلات الفم الذي لا تنفك عنها تابع للحم.

وكذا يكره سؤر الدجاج ، لعدم انفكاك منقارها غالبا من النجاسة. وكذا يكره سؤر الفأرة والحية.

ص: 240


1- المبسوط 1 - 10.
2- نفس المصدر.
3- وسائل الشيعة : 1 - 163 ح 4.

الفصل السادس: ( في الماء المستعمل )

وفيه مطلبان :
المطلب الأول: ( في المستعمل في رفع الحدث )

الماء المستعمل في الوضوء ، وهو الذي جمع من المتقاطر من الأعضاء ، طاهر مطهر ، لعموم قوله علیه السلام : « خلق الماء طهورا لا ينجسه شي ء إلا ما غير طعمه أو ريحه » (1) ولا تغيير هنا ، ولم يحترز أحد من المطهرين عما يتقاطر إليهم وإلى ثيابهم ، ولأنه باق على إطلاقه فأشبه غيره.

سواء تأدت به عبادة مفروضة ، كالمستعمل في الوضوء الواجب. أو مندوبه كالمستعمل في الوضوء المندوب والمجدد والمرة الثانية ، إذ ليس الحدث شيئا محققا يفرض من انتقاله من البدن إلى الماء.

وأما المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، كغسل الجنابة والحيض مع خلو البدن عن النجاسة ، فإنه طاهر عند علمائنا أجمع للأصل ، ومطهر على الأصح لبقاء الإطلاق ، وقوله علیه السلام : الماء ليس عليه جنابة (2).

ص: 241


1- وسائل الشيعة : 1 - 101 ح 9.
2- سنن ابن ماجة 1 - 132.

وقول الشيخ : إنه طاهر غير مطهر (1). ضعيف ، مع أنه وافق على جواز إزالة الخبث به ، فزوال الحدث الأصغر أولى.

ولو بلغ المستعمل في الأكبر كرا ، زال عنه حكم المنع عنده ، وتردد في الخلاف (2).

وإذا حصل الجنب عند غدير أو قليب وخشي أن نزل فساد الماء ، فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ، ثم يأخذ كفا كفا يغتسل به ، وهذا على الاستحباب للرواية(3).

ولو انغمس الجنب في ماء قليل ونوى ، فإن نوى بعد تمام الانغماس(4)فيه واتصل الماء بجميع البدن ، ارتفع حدثه وصار مستعملا للماء ، وهل يحكم باستعماله في حق غيره؟ يحتمل ذلك ، لأنه مستعمل في حقه ، فكذا في حق غيره. وعدمه ، لأن الماء ما دام مترددا على أعضاء المتطهر لا يحكم باستعماله ، فعلى الأول لا يجوز لغيره رفع الحدث به عنده ويجوز على الثاني.

ولو خاص جنبان ونويا معا بعد تمام الانغماس ، ارتفع حدثهما. ولو نوى قبل تمام الانغماس ، إما في أول الملاقاة ، أو بعد غمس بعض البدن ، احتمل أن لا يصير مستعملا ، كما لو ورد الماء على البدن ، فإنه لا يحكم بكونه مستعملا بأول الملاقاة ، لاختصاصه بقوة الورود ، وللحاجة إلى رفع الحدث ، وعسر إفراد كل موضع بماء جديد ، وهذا المعنى موجود ، سواء كان الماء واردا أو هو.

ولو لم يرتمس بل اغتسل مرتبا ، فتساقط الماء من رأسه أو من جانبه عليه ، صار مستعملا ، فليس له استعمال الباقي على قول الشيخ.

ص: 242


1- المبسوط : 1 - 11.
2- الخلاف 1 - 46 مسألة - 127.
3- وهي خبر ابن مسكان قال : حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، فيريد أن يغتسل وليس معه إناء والماء في وهدة ، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال : ينضج بكف بين يديه ، وكفا من خلفه ، وكفا عن يمينه ، وكفا عن شماله ، ثم يغتسل. وسائل الشيعة :3. 157 ح 2.
4- في « س » انغماسه.

ولو غسل رأسه خارجا ثم أدخل يده ليأخذ ما يغسل به جانبه ، ففي كونه مستعملا نظر. ولو نوى غسل يده صار مستعملا.

والمستعمل في الأغسال المندوبة ، أو في غسل الآنية والثوب الطاهرين ، ليس مستعملا.

ولو نوى غسل يده من الطعام أوله ، لم يكن مستعملا. وكذا لإزالة الوسخ.

ولو صرف البلل الذي على العضو في لمعة لم يصبها ماء الجنابة ، صح عندنا ، ويجي ء على قول الشيخ المنع ، لأنه لم يشترط في المستعمل الانفصال.

ولو اغتسل من جنابة مشكوك فيها واجبا ، كواجد المني في ثوبه المختص ، فكالمتيقن لها. والغسل إذا شك في السابق ، أو من حيض مشكوك فيه ، كالناسية للوقت أو العدد ، يحتمل أن لا يكون مستعملا ، لأنه طاهر في الأصل لم يعلم زوال الطهورية عنه. وأن يكون ، لأنه استعمل في غسل الجنابة وأزال مانعا من الصلاة ، فانتقل المنع إليه.

ويجوز للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وماء غسلها من حيضها للأصل وللرواية(1). ويكره إن كانت متهمة تحرزا من النجاسة.

وكذا يجوز للمرأة أن تستعمل فضل وضوء الرجل وغسله من جنابة وغيرها.

المطلب الثاني: ( في المستعمل في رفع الخبث )

الماء القليل المستعمل في إزالة النجاسة إن تغير بها ، نجس إجماعا ، لقوله « إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته » (2).

ص: 243


1- وسائل الشيعة 1 - 101 ح 9.
2- لم أعثر عليها في مظانها.

وإن لم يتغير احتمل أن يكون حكمه حكم المحل الذي انفصل عنه بعد الغسل ، إن كان طاهرا فطاهر ، وإن كان نجسا فنجس ، لأن البلل الباقي في المحل بعضه ، والماء الواحد القليل لا يتبعض في الطهارة والنجاسة ، ولأنه قد كان نجسا في المحل ، فلا يخرجه العصر إلى التطهير ، لعدم صلاحيته له.

وأن يكون نجسا مطلقا ، سواء انفصل من الغسلة المطهرة للمحل أو لا ، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة فانفعل عنها كغيره.

فإن قلنا بالأول فتقاطرت قطرة من الماء الذي يجب فيه تعدد الغسل من النجاسة ثلاثا أو سبعا من الغسلة الأولى على ثوب ، وجب غسله مرتين أو ستا ، لأنه حكم المحل المغسول بعد تلك الغسلة. وعلى الثاني يغسل ثلاثا أو سبعا كالمحل قبل الغسل.

وهل زيادة الوزن تجري مجرى التغير؟ الأقرب ذلك ، فلو غسل به النجاسة ، فإن زاد وزنه فكالمتغير إن كان قليلا وإلا فلا. والمستعمل في مندوب الإزالة طهور.

ولا يجوز رفع الحدث بماء تزال به النجاسة عند القائلين بالتنجيس ، ولقول الصادق علیه السلام : الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا تتوضأ منه (1).

وعفي عن ماء الاستنجاء إذا سقط منه شي ء على ثوبه أو بدنه ، سواء وقع على الأرض الطاهرة أو لا. وهو طاهر مطهر ما لم يتغير ، أو يقع على نجاسة خارجة ، لعسر التحرز عن هذه المياه ، كما عسر التحرز عن الكثير الملاقي للنجاسة ، فسقط اعتبار ملاقاة النجاسة هنا ، كما سقط هناك ، لقول الصادق علیه السلام وقد سئل أخرج من الخلاء وأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال : لا بأس به (2). وفي رواية : أينجس ذلك ثوبه؟ فقال : لا (3).

ص: 244


1- وسائل الشيعة : 1 - 155 ح 13.
2- وسائل الشيعة : 1 - 160 ح 1 ب 13.
3- وسائل الشيعة : 1 - 161 ح 5.

ولا فرق في الاستنجاء بين الفرجين. والظاهر اختصاص الحكم بالمخرج منهما من بول أو غائط دون المني والدم ، لندورهما فلا مشقة.

وغسالة الحمام وهي الماء المستنقع لا يجوز استعمالها ، ما لم يعلم خلوها من النجاسة على الأقوى ، لعدم انفكاكها من النجاسة غالبا ، ولقول الكاظم علیه السلام : ولا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمام ، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم (1). وفي رواية : لا بأس (2). وتعتضد بالأصل.

ولا فرق في نجاسة الماء بعد انفصاله عن المحل بين وروده على النجاسة وورود النجاسة عليه ، لوجود الملاقاة فيهما.

ص: 245


1- وسائل الشيعة : 1 - 158 ح 1 و 3.
2- وسائل الشيعة : 1 - 153 ح 3.

الفصل السابع: ( في حكم الماء النجس )

يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة الصغرى والكبرى ، بمعنى عدم الاعتداد بهما في رفع الحدث ، لا تعلق الإثم بذلك ، لانفعال الملاقي للنجس به ، فكيف يرفع النجاسة الوهمية.

وكذا في إزالة النجاسة ، لأنه يزيدها. ولا فرق بين كون نجاسة الماء خفيفة أو ثقيلة ، فلا يزيل خفته ثقل نجاسة المحل. ولا فرق بين الضرورة والاختيار في ذلك.

أما الأكل والشرب ، فلا يجوز استعماله فيهما حالة الاختيار إجماعا. ويجوز عند الضرورة والخوف من تلف النفس ، سواء كانت نجاسته ذاتية أو عارضية.

ولو تطهر بالنجس ، لم يرتفع حدثه ، فلو صلى به أعاد الطهارة والصلاة ، سواء كان عالما بالنجاسة والحكم ، أو جاهلا بهما أو بأحدهما ، لفوات شرط الصلاة.

أما لو غسل ثوبه أو بدنه به من نجاسة أو للتنظيف ، ثم صلى عامدا عالما ، فإنه يعيد الصلاة إجماعا ، لفوات الشرط. وإن كان جاهلا بالنجاسة أعاد في الوقت خاصة على الأقوى ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه. فإن (1)

ص: 246


1- في « س » فلو.

خرج الوقت فالأقوى سقوط القضاء ، لاحتياجه إلى دليل مغاير للأمر. ولو علم ثم نسي وصلى ، فالأولى(1)إلحاقه بالعلم ، لتفريطه بالنسيان.

وهل يقوم ظن النجاسة مقام العلم به؟ إشكال ، ينشأ : من عموم نقض اليقين إلا بمثله. ومن إلحاق الظن بالعلم في أكثر الأحكام الشرعية ، والأقرب إلحاقه إن استند إلى سبب ، وإلا فلا.

ولو عجن بالماء النجس ، لم يطهر بالخبز ، بل باستحالته رمادا على الأقوى. وروي يبيعه على مستحل الميتة أو دفنه(2).

ص: 247


1- في « س » فالأقوى.
2- وهو صحيح ابن أبي عمير عن حفص بن البختري قال : قيل لأبي عبد اللّه علیه السلام : في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال : يباع ممن يستحل أكل الميتة. وفي رواية أخرى عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : يدفن ولا يباع وسائل الشيعة : 1/ 174.

الفصل الثامن: ( في الماء المشتبه )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في المشتبه بالنجس )

إذا اشتبه عليه ماء طاهر بماء نجس ، إما في إناءين أو غديرين ، لم يجز استعمال أحدهما في رفع الحدث ولا إزالة الخبث ، سواء زاد عدد الطاهر أو نقص ، وسواء كان المشتبه بالطاهر نجسا أو نجاسة ، وينتقل فرضه إلى التيمم عند علمائنا أجمع.

ولا يجوز له التحري ، لقول الصادق علیه السلام : يهريقهما جميعا ويتيمم (1). ولأن الصلاة بالماء النجس حرام فالإقدام على ما لا يؤمن معه أن يكون نجسا إقدام على ما لا يؤمن معه فعل الحرام ، فيكون حراما ، ولأنه لو جاز الاجتهاد هنا لجاز بين الماء والبول ، أو المطلق والمضاف ، وفي الميتة والمذكاة ، والمحرم والأجنبية. ولا فرق بين أن يكون هناك أمارة تدل على طهارة أحدهما أو لا.

ص: 248


1- وسائل الشيعة 2 - 966 ب 4.

ولا يشترط في التيمم إلى إراقتهما ، بل قد يحرم عند الحاجة للعطش ، وليس هنا وجدان ماء ، لعدم تمكنه من استعماله شرعا.

ولو انقلب أحدهما ، لم يجز التحري أيضا ، ويقين النجاسة وإن زال عنه ، لكنه لم يزل عما كان قبل الإراقة. ويحتمل وجوب استعمال أحدهما في غسل النجاسة عن الثوب والبدن مع عدم الانتشار ، لأولوية الصلاة مع شك النجاسة عليها مع تعينها(1)، ومع الانتشار إشكال.

فإن أوجبنا استعمال أحدهما في إزالة النجاسة فهل يجب الاجتهاد أم يستعمل أيهما شاء؟ الأقوى الأول ، فلا يجوز له أخذ أحدهما إلا بعلامة تقتضي ظن طهارة المأخوذ ونجاسة المتروك ، لتعارض أصل الطهارة ويقين النجاسة ، وعرفنا أن ذلك الأصل متروكا إما في هذا أو ذاك ، فيجب النظر في التعيين ، ويحتمل عدمه ، لأن الذي يقصده بالاستعمال غير معلوم النجاسة ، والأصل الطهارة. وإنما منعناه للاشتباه ، وهو مشترك بينهما.

ولو شك في نجاسة الواقع ، بنى على أصل الطهارة ، لاعتضاده بأصالة طهارة الواقع ، وإن زالت جزئيات النجس منه على جزئيات طاهرة.

المطلب الثاني: ( في المشتبه بالمغصوب )

الماء المغصوب لا يجوز الطهارة به من الحدث والخبث ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، وهو قبيح عقلا ، فإن استعمله في رفع الحدث لم يرتفع مع العلم بالغصبية ، سواء جهل الحكم على إشكال ، أو علمه ، للتنافي بين الأمر والنهي مع اتحاد المحل.

فإن أذن له المالك في الاستعمال جاز ، سواء علم بالإذن أو جهل على إشكال ، ينشأ : من إقدامه على طهارة يعتقد بطلانها ولا يصح منه التقرب بها. ومن امتثال الأمر ، ولا اعتبار بالظن الكاذب.

ص: 249


1- في « س » مع يقينها.

ولو أذن لغير الغاصب ، لم يتعد الإذن إليه. وكذا لو أذن مطلقا ، لأن شاهد الحال في الغاصب يعارض عموم الإذن ، فيبقى على أصالة المنع من مال الغير.

ولو أذن بعد الاستعمال ، لو يؤثر في رفع الحدث ، بل يجب عليه الإعادة ، ولا في سقوط المثل أو القيمة عنه.

ولو جهل الغصبية ، ارتفع حدثه ، لامتثال الأمر بالطهارة بما لا يعلم غصبيته ، إذ لا يشترط العلم بانتفاء الغصب.

ولو غصب أرضا فحفر بها بئرا ، فإن قلنا الماء مملوك وهو الأصح ، لم ينتقل إلى الغاصب بالإحياء ، لأنه منهي عنه فلا يثمر الملكية ، وإن قلنا لا يملك صح الوضوء.

ولو ساق إليها الماء المباح ، فإن حصل في ملكه أولا لم يكن مغصوبا ، وكذا إن لم يحصل إن قلنا إن المالك لا يملكه بحصوله في ملكه اتفاقا.

ولو استعمل المغصوب في رفع الخبث ، أثم وارتفع حكم النجاسة عن المحل ، سواء كان ثوبا أو بدنا ، وصحت الصلاة ، لأن إزالة النجاسة ليست عبادة ، ويجب عليه المثل أو القيمة. وغسل الميت إن قلنا إنه عبادة كالوضوء ، وإلا فكغسل الثوب.

ولو اشتبه المباح بالمغصوب ، وجب اجتنابهما جميعا ، إذ هو طريق كل مشتبه بالحرام ، لقبح الإقدام على ما لا يؤمن معه الضرر ، فإن تطهر بهما فالأقوى البطلان ، لأنه منهي عن استعمال كل واحد منهما ، فلا يقع مجزيا عن المأمور به ، وطهارته بماء مملوك لا يكفي ، لأنها لم يقع على وجهها المطلوب شرعا ، ولا يسوغ له الاجتهاد هنا مطلقا.

المطلب الثالث: ( في المشتبه بالمضاف )

قد بينا أن المضاف لا يرفع حدثا ولا يطهر خبثا على الأصح ، فإن تطهر

ص: 250

به أو زال نجاسة لم يؤثر حكما ، سواء كان عالما بكونه مضافا أو جاهلا ، وسواء كان عالما بالحكم أو جاهلا به ، لرجوع النهي إلى وصف ملازم ، لا إلى علم أو جهل.

وكما لا يجوز رفع الحدث بالمضاف ، كذا لا يجوز بالمشتبه به. فلو اشتبه إناء المطلق بإناء المضاف لم يتطهر بأحدهما عند بعض علمائنا ، والوجه عندي وجوب استعمالهما معا ، بأن يتطهر بكل واحد منهما طهارة كاملة ، ثم يصلي بالطهارتين معا.

ولو كان المزج لا يسلب الإطلاق ، فإن قلنا بوجوبه وجب ، ويحتمل التخيير ، وإن قلنا بعدمه فكذلك. ولا فرق بين كون المضاف ماء سلب إطلاقه ، أو استخرج من الأجسام. ولا يجوز له التحري هنا ، لإمكان التوصل إلى العلم ، فلا يقتنع بالظن.

ولو انقلب أحدهما ، احتمل وجوب التيمم خاصة ، لعدم تمكنه من طهارة مائية يخرج به عن العهدة. ووجوبه والوضوء بالباقي ، لاحتمال أن يكون مطلقا ، فلا يجوز له التيمم ، وأن يكون مضافا فلا يجوز استعماله وإنما يخلص عن الحرام بالمجموع وهو الأقوى ، وكذا يصلي في الباقي من الثوبين وعاريا مع احتمال الثاني خاصة لو حصل الإبهام في الثوبين.

ولو تعددت الأواني ، وجب استعمال ما زاد على عدد المضاف بواحد. ولا فرق بين أن يصلي عقيب كل طهارة الصلاة الواحدة ، وبين أن يصليها في آخر الطهارات ، وليس له أن يصلي بأحدهما صلاة وبالأخرى أخرى ، ثم بالآخر الأول وبالأول الأخرى مع وجوب الترتيب ، فإن فعل احتاج إلى الأخرى ثالثة.

أما المشتبه بالنجس ، فيحتمل وجوب أن يتطهر بأحدهما ويصلي ، ثم يغسل أعضاءه الملاقية للماء الأول ، ويتطهر بالآخر ثم يعيد الصلاة ، لأنه يخرج عن العهدة بيقين. وعدمه ، لأصالة البراءة ، وليس له هنا أن يجمع بين طهارتين لصلاة واحدة.

ص: 251

ولو اتحد الإناء فاشتبه أنه طاهر أو نجس ، أو أنه مطلق أو مضاف ، فإن احتمل اندراجه تحت متيقن المنع ، لم يجز استعماله إن كان نجسا ، وجاز مع التيمم إن كان مضافا.

ولا يجوز إزالة النجاسة بالمشتبه بالمضاف أيضا ، لجواز أن يكون المستعمل مضافا ، فلا يؤثر شيئا ، بل يجب إزالتها بهما معا ، بأن يغسله بأحدهما ثم يغسله بالآخر ، فإن تعذر غسله بهما ، إما لحاجته إلى الآخر ، أو لانقلابه ، أو لقهره عليه ، وجب غسله بالآخر إن لم ينتشر ، أو استوعبت النجاسة ، وفي الانتشار إشكال ينشأ : من أولوية شك النجاسة في الجميع على تيقنها في البعض وعدمه. وهل يجب الاجتهاد حينئذ؟ الأقرب ذلك. ولو اتحد الإناء ، فكتعذر الآخر.

المطلب الرابع: ( في الاجتهاد )

وهو استفراغ الوسع في تحصيل أمارة يغلب معها الظن بطهارة أحد المشتبهين ونجاسة الآخر ، أو بكونه مما يسوغ به الطهارة بخلاف الآخر. ولا يشترط فيه زيادة عدد الطاهر أو المطلق ، وكذا يجتهد في الثياب لو تعذر عليه الصلاة المتعددة.

ومحل الاجتهاد إنما هو الاشتباه المستند إلى الحس واليقين دون الظن ، بل يبنى على يقين الطهارة. فلو أخبره عدل بنجاسة أحد الإناءين على الإبهام أو على اليقين ثم اشتبه عليه ، لم تقبل شهادته.

وهل تقبل من العدلين؟ الأقرب ذلك ، لوجوب رد النجس على البائع ، خلافا للشيخ ويحتمل مع إخبار العدل الواحد بنجاسة إناء بعينه وجوب التحرز عنه إن وجد غيره ، كما تقبل روايته والشهادة في الأمور المتعلقة بالعبادة كالرواية.

ولو لم يوجد غيره ، فالأقوى عدم الرجوع إليه ، لما فيه من تخصيص

ص: 252

عموم الكتاب ، فإن أوجبنا الرجوع إليه وجب الاجتهاد مع الإبهام وإلا فلا. ولا فرق بين أن يستند العدل النجاسة إلى سبب أو يطلق.

ولو أخبر الفاسق بطهارة مائه ، قبل. وكذا لو أخبر بنجاسته على إشكال.

ولو شهد عدلان بنجاسة أحد الإناءين ، وآخران بنجاسة الآخر ، فإن أمكن الجمع وجب اجتنابهما معا ، وإلا ألحق بالمشتبه.

ولو تعذر استعمال أحد الإناءين في إزالة النجاسة ، إما بالانصباب ، أو بتقاطر شي ء من الآخر إليه ، لم يجب الاجتهاد في الباقي ، لوجوب الإزالة به على الأول وامتناعه على الثاني ، لأنه حينئذ يستعمل النجس.

وما لا يعلم نجاسته يبنى الأمر فيه على الأصل وهو الطهارة ، كما في الأحداث ، فثياب مدمني الخمر وأوانيهم والقصابين والصبيان الذين لا احتراز لهم ، وطين الشوارع ، وأواني الكفار ، طاهرة عملا بالأصل ، لكن يستحب الاحتراز عنها ، وورد في طين الطريق استحباب إزالته بعد ثلاثة أيام(1). لمشقة الإزالة قبلها ، وعدم انفكاكه من النجاسة غالبا بعدها.

ولو رأى نجاسة في ماء متغير وشك في استناد التغير إليها ، فالوجه البناء على أصل الطهارة. ولو استند ظن النجاسة إلى سبب ، فالأقرب إلحاقه بمعلومها. فلو اشتبه إناء طاهر بماء الغالب في مثله النجاسة كان كما لو اشتبه بمتيقن النجاسة ، فيحتاج إلى الاجتهاد. ولو اشتبه بمتيقن النجاسة فإن أوجبنا استعماله لو انفرد في إزالة متيقن النجاسة ، وجب الاجتهاد ، وإلا فلا.

وللاجتهاد شرائط :

الأول : أن يكون للعلامة فيه مجال في المجتهد فيه ، فيجوز في الثياب

ص: 253


1- وهو مرسل محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن علیه السلام في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلا أن يعلم أنه قد نجسه شي ء بعد المطر ، فإن أصابه بعد ثلاثة أيام فاغسله الحديث وسائل الشيعة 2 - 1096.

والأواني لوجود العلامات ، بخلاف المحرم بنسب أو رضاع إذا اشتبهت بأجنبية أو أجنبيات محصورات فليس له الاجتهاد ، بل يحرم الجميع ، لانتفاء العلامة المميزة.

ولو اشتبه عليه ميتة ومذكاة اجتنبا ، وروي أنه لو وجد لحما ولم يعلم أذكي هو أم ميت : يطرحه على النار فإن انقبض فهو ذكي ، وإن انبسط فهو ميت (1).

فإن ثبت فهل يثبت في المشتبه مع التعدد إشكال ، ينشأ : من الاقتصار على مورد النص ، ووجوب الاحتياط بالاجتناب. ومن جعل ذلك علامة فهنا أولى ، لاتحاد المحل هناك.

وكذا يجتنب لبن المحرمة والمحللة كالبقرة والخنزير مع الاشتباه.

ولو ذبح المشرف على الموت ، واشتبه هل حركته عند الذبح حركة المذبوح أو مستقر الحياة؟ احتمل وجوب الاجتناب ، وجواز التناول ، لأصالة بقاء الحياة.

الثاني : أن يعجز عن الوصول إلى اليقين ، فلو كان معه إناء ثالث متيقن الطهارة ، لم يجز الاجتهاد ، بل وجب الإعراض عن المشتبه واستعمال المتيقن. وكذا لو كان أحد نصفي الكر نجسا والآخر طاهرا ، وقلنا بطهارته لو مزجا ، وجب المزج ولم يجز الاجتهاد. وكذا لو اشتبه المضاف بالمطلق واحتاج إلى أحدهما ، ولو مزجا بقي الإطلاق ، وجب ولم يجز الاجتهاد.

ولا يشترط تأيد الاجتهاد باستصحاب الحال ، فلو اشتبه البول بالماء ، أو ماء الورد بالمطلق ، مع تعذر استعمالهما معا ، جاز الاجتهاد وإن انتفت أصالة طهارة أحدهما وإطلاقه.

الثالث : أن تظهر علامة النجاسة ، فلو علم أن سبب النجاسة ولوغ الكلب ، ثم رأى نقصان أحد الإناءين ، أو حركته ، أو ابتلال طرف الإناء ، أو قرب أثر قدم الكلب من أحدهما ، حصل ظن اختصاصه بالولوغ.

ص: 254


1- وسائل الشيعة 16 - 370 ح 1 ب 37.

ولو انتفت الأمارة ، فلا اجتهاد ، بل يستعمل أحدهما في إزالة متيقن النجاسة ويتيمم للصلاة ، ولا قضاء عليه ، سواء صبهما أو لا. ولا يجب الصب.

وعلى قول الشيخ بوجوبه هل هو لكونه واجدا للماء أو للأمر؟ احتمال ، فعلى الأول لا يصح التيمم قبله ، فإن تيمم وصلى احتمل القضاء ، لأنه تيمم مع وجود ماء طاهر ، ومع الصب سقط ذلك ، بخلاف ما لو صب الماء عبثا إن قلنا بالقضاء فيه ، لأن الصب في الأول يعذر فيه لدفع(1)القضاء.

وهل يجتهد الأعمى؟ يحتمل ذلك ، لأنه يعرف باللمس اعوجاج الإناء واضطراب الغطاء. وعدمه كالقبلة. فهل يقلد؟ احتمال.

وإذا غلب على ظنه طهارة أحد الإناءين استعمله ، ولا يستحب إراقة الآخر ، فإذا غسل ثوبه بأحدهما ثم تغيره اجتهاده ، احتمل وجوب إعادة الغسل عملا بالظن الطاري ، وعدمه لحصول العارض بالأول ، وهو الانتقال من نجاسة متيقنة إلى مشكوك فيها.

أما لو صلى في أحد الثوبين الظهر باجتهاد ثم تغير ، صلى في الآخر العصر ، إذا لم يتمكن من النزع وتعدد الصلاة. وكذا لو احتاج إلى ماء أحد الإناءين المشتبه بالمضاف ، وأوجبنا استعمال أحدهما وتغير الاجتهاد ، وجب الوضوء والتيمم من الثاني مع تجدد الاستغناء.

ولا تجوز الصلاة في المشتبه مع وجود متيقن الطهارة ، ولا في متيقن النجاسة مع وجود المشتبه. وكذا حكم الماء.

ولو اجتهد أحد الشخصين في طهارة أحد الثوبين ، والآخر في الآخر ، أو في كون أحد الإناءين مضافا والآخر مطلقا ، ففي جواز ايتمام أحدهما بالآخر إشكال ، ينشأ : من صحة صلاة كل منهما في نظره. ومن كون المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام في صورة المضاف. أما الثوب فلا ، إلا إذا أبطلنا صلاة المأموم لو علم نجاسة ثوب إمامه دون الإمام.

ص: 255


1- في « س » يرفع.

ولو خاف العطش أمسك أي الإناءين شاء ، لاستوائهما في المنع ، لأنه يجوز له إمساك النجس فالمشتبه به أولى. وله أن يشرب أيهما شاء. وهل يلزمه الاجتهاد؟ إشكال ، أقربه ذلك. ولو لم يكونا مشتبهين ، شرب الطاهر وتيمم.

ولو علم بالنجاسة بعد الطهارة وشك في سبقها عليها ، فالأصل الصحة. ولو علم سبقها وشك في بلوغ الكرية ، فالأصل عدم البلوغ.

وينجس القليل بموت ذي النفس السائلة لما يأتي من نجاسة الميتة ، وإن كان من حيوان الماء كالتمساح ، دون ما لا نفس له فيه.

ولو خرج صيدا فمات في ماء قليل واشتبه استناد موته إلى الجرح أو الماء ، احتمل العمل بالأصلين ، من طهارة الماء وتحريم الأكل ، والحكم بنجاسة الماء عملا بالاحتياط ، لاستحالة اجتماع الحكمين المتنافيين ، والعمل بالأصلين إنما يصح لو أمكن ، وليس بممكن هنا ، فإنه كما يستحيل اجتماع الشي ء مع نقيضه ، كذا يستحيل اجتماع الشي ء مع نقيض لازمه ، وموت الحيوان تستلزم نجاسة الماء ، فلا يجامع الحكم بطهارته ، كما لا يجامع تذكيته.

ويكره التداوي بالمياه الحارة التي تشم منها رائحة الكبريت ، وما مات فيه الوزغ والعقرب أو خرجتا منه للرواية(1).

ص: 256


1- وهي ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن الاستشفاء بالحمات وهي : العيون الحارة التي تكون في الجبال التي توجد منها رائحة الكبريت ، فإنها من فوح جهنم. وسائل الشيعة1. 160.

الفصل التاسع: ( في تطهير المياه النجسة )

- وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في تطهير القليل )

القليل إذا تنجس بوقوع النجاسة فيه لم يطهر ، إلا بإلقاء كر عليه دفعة ، ولا يطهر بإتمامه كرا على الأصح ، لأن القاصر عن الكر ينفعل بالنجاسة. فلا يدفعها عن غيره ، ولأنه بملاقاته للقليل ينجس ، إذ لا فرق في نجاسته بين ملاقاته للنجاسة أو للنجس ، ولأن يقين النجاسة حاصل قبل البلوغ ، فلا يؤثر في العمل به الشك عنده. ولا فرق بين ورود الكر عليه أو وروده على الكر.

ولو نبع من تحته ، فإن كان على التدريج لم يطهره ، وإلا تطهر(1)، وعند السيد المرتضى رحمه اللّه يطهر بالإتمام. فلو جمع نصفا كر نجسان طهرا ، وحينئذ لا يشترط خلوه من نجاسة عينية ، بل خلوه من التغيير.

وإنما يطهر الماء المطلق فلو كوثر القليل بماء ورد لم يطهر ، وكذا بماء الورد وإن قل وبقي الإطلاق. أما لو تمم المطلق كرا بماء ورد ، ثم وقعت فيه نجاسة ، لم يؤثر إن بقي الإطلاق.

ص: 257


1- في « س » طهر.

وإن نجس بالتغير ، لم يكف إلقاء الكر عليه ما لم يزل التغير ، فإن بقي التغير وجب كر آخر لا دونه ، وإن أزال التغير ، خلافا للمرتضى.

ولو غمس كوز فيه ماء نجس في ماء طاهر ، فإن كان قليلا نجس ولم يطهر الكوز ، وإن كان كثيرا طهر إذا دخل الماء فيه ، سواء كان الإناء ضيق الرأس إن قلنا يكفي الاتصال ، أو واسعه ، من غير مضي زمان ما لم يكن متغيرا. ويشترط مضي ما يظن فيه زواله.

المطلب الثاني: ( في تطهير الكثير )

أما الجاري إذا تغير بالنجاسة ، لم يطهر إلا بزواله ، بتدافعه أو تكاثر الماء عليه ، حتى يزول التغير. وأما الواقف فإنما يطهر بزوال التغير بإلقاء كر عليه ، فإن زال وإلا وجب إلقاء كر آخر ، وهكذا إلى أن يزول تغيره ، ولا يكفي زوال تغيره بما دون الكر كالقليل.

ولا يطهر بزوال التغير من نفسه على إشكال ، لاختصاص التطهير بالمياه غالبا. ويحتمل الطهارة ، لزوال مقتضي النجاسة. ولا بوقوع أجسام طاهرة فيه غير الماء ، سواء كانت مزيلة أو ساترة ، فإن زال بذلك وجب إلقاء كر ليطهر ، لأنه ماء نجس فلا يطهر غيره ، وإن قصر الكر عن الإزالة لو بقي التغير.

ولو تغير بعض الكثير ، طهر بزوال التغير بتموجه إن كان الباقي كرا فصاعدا ، لأنه كالإلقاء. وكذا يطهر لو زال التغير من قبل نفسه ، أو بوقوع أجسام مزيلة للتغير ، سواء كانت نجسة أو طاهرة. أما لو كانت ساترة ، كالمسك في متغير الرائحة ، والعسل في متغير الطعم ، والزعفران في متغير اللون إلى ما يوافق صفاته ، فالأقوى عدم الطهارة.

وأما المضاف إذا تنجس ، فإنه إنما يطهر بإلقاء كر عليه دفعة ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، وسواء تغير المطلق بصفاته أو لا ، ما لم يسلبه الإطلاق ،

ص: 258

فيخرج عن كونه طهورا ، وهل يخرج عن كونه طاهرا؟ إشكال. وأما (1) التغير بالنجاسة ، فيخرج عن الطهارة.

المطلب الثالث: ( في تطهير ماء البئر )
اشارة

قد بينا أن الأقوى أنها لا تنجس إلا بالتغير ، فإذا حصل لم تطهر إلا بالنزح. وهل يشترط نزح الجميع؟ أم يكفي المزيل للتغير؟ الأقوى الثاني ، لزوال المقتضي للنجاسة ، ولقول الصادق علیه السلام : فإن غلبت الريح نزحت حتى تطيب (2).

وهل يطهر لو زال التغير باتصال نهر أو ساقية بها؟ الأقرب ذلك ، وكذا لو زال بإلقاء الكر على إشكال.

والقائلون بالنجاسة بمجرد الملاقاة أوجبوا نزح الجميع بوقوع المسكر ، أو الفقاع ، أو المني ، أو دم الحيض ، أو الاستحاضة ، أو النفاس ، أو موت بعير ، فإن تعذر تراوح عليها أربع رجال يوم ، كل اثنين دفعة.

وينزح كر لموت الدابة ، أو الحمار ، أو البقرة ، وسبعين دلوا لموت الإنسان. وخمسين للعذرة الرطبة ، والدم الكثير كذبح الشاة ، غير الدماء الثلاثة. وأربعين لموت الثعلب ، أو الأرنب ، أو الخنزير ، أو السنور ، أو الكلب ، أو لبول الرجل. وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب. وعشرة للعذرة اليابسة ، والدم القليل كذبح الطير ، والرعاف القليل. وسبع لموت الطير ، كالحمامة والنعامة وما بينهما ، وللفأرة مع التفسخ أو الانتفاخ ، ولبول الصبي ، واغتسال الجنب ، ولخروج الكلب منها حيا ، وخمسة لذرق جلال الدجاج ، وثلاث للفأرة والحية ، ويستحب للوزغة والعقرب

ص: 259


1- في « س » أو يمكن التغير.
2- وسائل الشيعة 1 - 126 - 127.

للطلب. ودلو للعصفور وشبهه ، وبول الصبي قبل اغتذائه بالطعام ، للروايات (1) ، وقول أكثر الأصحاب.

وعندي أن ذلك كله مستحب.

فروع :

الأول : لو وقع فيها نجاسة لم يرد فيها نص ، قيل : ينزح الجميع ، لأنه ماء محكوم بنجاسته ، فلا يطهر إلا بزواله. وقيل : ينزح أربعين لرواية كردويه.

الثاني : جزء الحيوان مساو له في الحكم عملا بالاحتياط ، ولا يقتضي الحكمة الأكثر. ولا فرق بين الصغير والكبير والذكر والأنثى. ولا بين كون الإنسان مسلما أو كافرا. أما لو وقع الكافر حيا وأوجبنا نزح الجميع بما لم يرد فيه نص ، وجب الجميع. ولو وقع ميتا وجب السبعون ، لأن نجاسة الكفر قد زالت بزواله.

الثالث : الحوالة في الدلو على المعتاد ، لعدم التقدير الشرعي به. فلو اتخذ آلة تسع العدد ، فالأقرب الاكتفاء ، إذ الاعتبار بالقدر المخرج.

الرابع : لو تغير البئر بالجيفة ، حكم بالنجاسة حين الوجدان ، لأصالة الطهارة المعتضدة بأصالة عدم سبق الوقوع.

الخامس : لا تجب النية في النزح ، فيجوز أن يتولاه الصبي والكافر مع عدم المباشرة ، لأنه إزالة نجاسة.

السادس : لو تعددت النجاسات(2)المتساقطة في البئر ، تداخل النزح مع اختلاف النجاسة. وعدمه ، لصدق الامتثال مع التداخل.

السابع : إنما يجزي العدد بعد إخراج النجاسة أو استحالتها [ إلا العذرة

ص: 260


1- راجع وسائل الشيعة : 1 - 131 - 143.
2- في « س » النجاسة.

اليابسة ، فإنه يجب مع الاستحالة الخمسون ](1)إذ مع وجود العين يبقى الحكم.

الثامن : لو غار الماء سقط النزح ، لتعلقه بالماء ، فإن عاد كان طاهرا لأنه غيره.

التاسع : لو زال تغيرها بغير النزح واتصال الجاري أو حكمه ، فالأقرب وجوب نزح الجميع ، لأنه ماء محكوم بنجاسته فيجب إخراجه ، ولو زال التغير ببعض النزح لو كان باقيا على إشكال.

العاشر : لا ينجس جوانب البئر ما يصيبها من المنزوح للمشقة. ولا يجب غسل الدلو والرشاء ، ويحكم بالطهارة عند مفارقة آخر الدلاء لوجه الماء ، والمتساقط معفو عنه للمشقة.

الحادي عشر : لو صب الدلو المنزوح في بئر طاهرة ، فالأقوى عدم التجاوز عن عدد الواجب في تلك النجاسة ، سواء الأول والآخر وما بينهما ، وكذا لو رمي الأخير في المنزوحة.

الثاني عشر : لو ارتمس الجنب الطاهر العين في البئر قال الشيخ : لا يطهر (2). والوجه عندي عدم نجاسة البئر هنا ، وإن منعنا من المستعمل في الكبرى ، والنزح هنا تعبد. وهل يكون مستعملا؟ الأقرب ذلك إن نوى الاغتسال ، ويرتفع حدثه حينئذ.

ولو وقع حيوان غير مأكول اللحم وخرج حيا ، لم ينجس ، لأن المخرج ينضم انضماما شديدا لخوفه ، فلا يحصل ملاقاة الماء لموضع النجاسة.

ص: 261


1- الزيادة من « ق ».
2- المبسوط : 1 - 12.

ص: 262

المقصد الثالث: ( في النجاسات )

اشارة

وفيه فصلان :

ص: 263

ص: 264

الفصل الأول: ( في أصنافها )

الأشياء كلها على أصالة الطهارة إلا عشرة أصناف حكم الشرع بنجاسة أعيانها :

الأول والثاني : البول والغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم ، سواء كان التحريم عارضا كالجلال ، أو أصليا كالسباع ، لقوله علیه السلام في الذي مر به وهو يعذب في قبره أنه كان لا يستبرئ من بوله (1). وقال علیه السلام : تنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر من البول (2). وقال الصادق علیه السلام : اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه (3). ولأنها من الخبائث ، فيكون محرمة ، والإجماع على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه وروثه.

ولا فرق بين بول الآدمي ورجيعه وبين غيره ، ولا بين المسلم والكافر ، وبول الجلال ورجيعه نجسان ، فإن زال الجلل زالت النجاسة عن المتجدد بعد الزوال ، واستثنى الشيخ (4) بول الطيور كلها عدا(5)الخشاف لقول الصادق عليه

ص: 265


1- سنن أبي داود 1 - 6.
2- سنن ابن ماجة 1 - 125.
3- وسائل الشيعة : 2 - 1008 ح 2.
4- النهاية ص 51.
5- في « س » غير.

السلام : كل شي ء ، يطير فلا بأس بخرئه وبوله (1). والمشهور الأول ، والرواية متأولة.

ولا بأس ببول ما ليس له نفس سائلة ورجيعه ، للأصل ، وتعذر التحرز منه ، وعدم الخبث فيه.

وبول ما يؤكل لحمه ورجيعه طاهران للأصل ، ولأنه صلی اللّه علیه و آله أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل (2).

والنجس لا يؤمر بشربه ، وقوله علیه السلام : ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله (3). وقول الباقر والصادق علیهماالسلام : لا تغسل ثوبك من بول شي ء يؤكل لحمه (4).

ويكره أبوال البغال والحمير والدواب على الأصح ، لأنها مأكولة اللحم. ولأن الصادق علیه السلام لم يأمر بغسل ما أصابته. وقال : لا بأس بروث الحمير (5). ويصرف النهي إلى الكراهة جمعا بين الأدلة.

والأقرب طهارة ذرق الدجاج غير الجلال ، لأنه مأكول اللحم. وقال الصادق علیه السلام : كل ما أكل فلا بأس بما يخرج منه (6). ويحمل النهي على الكراهة أو الجلال.

ولو خرج الحب من بطن ما لا يؤكل لحمه ، لم يستحل وكانت صلابته باقية بحيث لو زرع لم يكن نجسا ، بل يغسل ظاهره ، لعدم تغيره إلى فساد ، فصار كما لو ابتلع نواة. وإن زالت صلابته كان نجسا. ولو نبت الحب في النجاسة كان طاهرا ، لكن يجب غسل ما لاقته النجاسة رطبا منه.

ص: 266


1- وسائل الشيعة 2 - 1013 ح 1.
2- جامع الأصول 8 - 333.
3- وسائل الشيعة 2 - 1011 ح 10.
4- وسائل الشيعة 3 - 1010 ح 4.
5- وسائل الشيعة 2 - 1009 ح 1.
6- وسائل الشيعة 2 - 1011 ح 12.

وكذا الشجرة إذا سقيت بماء نجس(1)، كانت ثمرتها طاهرة. وكذا الأغصان والأوراق.

وكذا لو كان في البحر حيوانا له نفس سائلة ، كان رجيعه نجسا ، دون رجيع السمك.

والأقرب نجاسة بول النبي صلی اللّه علیه و آله وغائطه ، للعموم. وروي أن أم أيمن شربت بوله ، فقال : إذن لا تلج النار بطنك (2).

الثالث : المني من كل حيوان ذي نفس سائلة نجس ، سواء الآدمي وغيره ، مما لا يؤكل لحمه ، أو يؤكل عند علمائنا كافة ، لقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ - إلى قوله - وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) (3).

قال المفسرون : والمراد أثر الاحتلام ، ولقوله علیه السلام (4) سبعة يغسل الثوب منها : البول والمني. وعن الصادق علیه السلام ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول (5). ولأنه خارج ينقض الطهر ويوجب الطهارة ، فأشبه البول.

ولا فرق بين مني الرجل والمرأة ، والأقرب في مني ما لا نفس له سائلة الطهارة ، لطهارة ميتته.

وأما المذي : وهو ماء لزج رقيق يخرج عقيب الشهوة على طرف الذكر. والودي : وهو ماء أبيض يخرج عقيب البول خاثر. فإنهما طاهران عند علمائنا للأصل. ولقول ابن عباس : الوذي بمنزلة البصاق وما نقوله إلا توفيتا (6). وسئل الصادق علیه السلام عن المذي يصيب الثوب؟ قال : لا بأس (7). ولأنه

ص: 267


1- وفي « ق » ماء نجسا.
2- راجع منتهى المطلب 1 - 164.
3- سورة الأنفال : 11.
4- بدائع الصنائع للكاشاني 1 - 60.
5- وسائل الشيعة 2 - 1022 ح 2.
6- راجع منتهى المطلب 1 - 162.
7- وسائل الشيعة 2 - 1023 ح 2.

مما يعمم به البلوى ، فلو كان نجسا لتواتر واشتهر. ورطوبة فرج المرأة طاهرة ما لم يعلم أنه مني.

الرابع : الدم المسفوح من كل حيوان له نفس سائلة ، أي يكون خارجا بدفع من عرق. وهو نجس إجماعا ، ولأنه علیه السلام عده مما يغسل.

وأوجب الصادق عليه غسله (1).

ولا فرق بين دم الآدمي وغيره ، ولا بين مأكول اللحم وغيره. وأما دم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فالأقرب أنه كذلك ، للعموم ، وروي أن أبا ظبية الحاجم شرب دمه فلم ينكر عليه (2). وروي أنه قال : لا تعد. ودم ما لا نفس له سائلة طاهر ، لطهارة ميتته ، وسئل الصادق علیه السلام في دم البراغيث؟ فقال : لا بأس (3). ودم السمك طاهر ، لأنه لا نفس له سائلة ، وقوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ) (4).

والعلقة نجسة ، لأنها دم. وإن كانت في البيضة والمشيمة التي يكون فيها الولد نجسة ، لانفصالها عن الحي ، وقال علیه السلام : ما أبين من حي فهو ميت (5).

والصديد وهو ماء الجرح المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة ، والقيح وهو المدة لا يخالطها ، قال الشيخ : إنهما طاهران (6). للأصل. والوجه في القيح ذلك. وأما الصديد فإن مازجه دم خالص كان نجسا وإلا فلا.

ولو اشتبه الدم الذي(7) في الثوب هل هو طاهر أو نجس؟ فالأصل الطهارة.

ص: 268


1- وسائل الشيعة 2 - 1026 ح 1.
2- راجع منتهى المطلب 1 - 164.
3- وسائل الشيعة 2 - 1027 ح 7.
4- سورة المائدة : 96.
5- وسائل الشيعة 2 - 931 ح 1.
6- راجع منتهى المطلب 1 - 163 ، المبسوط 1 - 38.
7- في « س » المرئي.

والدم المتخلف في الذبيحة مما لا يدفعه المذبوح طاهر مباح ، لعدم وصف كونه مسفوحا.

الخامس : الميتة من ذي النفس السائلة نجسة إجماعا ، سواء الآدمي وغيره ، مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل ، لقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (1) وتحريم ما ليس بمحترم ولا فيه ضرر كالسم يدل على نجاسته. ولا فرق بين جلده ولحمه وكل جزء منه.

ولا ينجس ميتة ما لا نفس له سائلة كالذباب وغيره ، لقوله علیه السلام في السمك والجراد : أحلت لنا ميتتان (2). ولو كانا نجسين لكانا محرمين ، وقوله علیه السلام : إذا سقط الذباب في إناء أحدكم فامقلوه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء (3). وقد يفضي المقل إلى الموت ، بل هو الغالب خصوصا في الطعام الحار ، ويعسر الاحتراز ، ولأنها لا تستحيل بالموت ، ولأن الاستحالة إنما تأتي من قبل انحصار الدم واحتباسه بالموت في العروق واستحالته وتغيره ، وهذه الحيوانات لا دم فيها ، ورطوبتها كرطوبة النبات ، لكن يحرم أكله في الطعام وغيره ، كالقمل في الطعام ، والدود في الثمار وغيرها ، لأنها من الخبائث.

ويلحق بالميتة ما قطع من أجزائها ، ومن أجزاء الحي ذي النفس السائلة ، لقوله علیه السلام : ما أبين من حي فهو ميت (4).

وما لا تحله الحياة كالصوف ، والشعر ، والوبر ، والظفر ، والظلف ، والعظم ، والريش ، ليس بنجس من حي أو ميت ، إذا لم يكن الأصل نجس العين ، كالكلب والخنزير والكافر ، للأصل السالم عن كونه ميتة ، إذ ما لا حياة فيه لا موت له. ولأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أمر بشراء سوارين من عاج لفاطمة علیهاالسلام .

ص: 269


1- سورة المائدة : 3.
2- سنن ابن ماجة 2 - 1073 الرقم 3218.
3- نهاية ابن الأثير 4 - 347 ، جامع الأصول 1 - 260.
4- وسائل الشيعة 2 - 931 ح 1.

وما يؤخذ بالنتف من الصوف والشعر والوبر من الميتة ، يغسل موضع الاتصال منه. وشعر الكلب والخنزير نجس على الأصح ، لعموم الاحتراز عن الكلب. وكذا العظم والإنفحة من الميتة طاهرة ، وهي أن يستحيل في جوف السخلة ، وإن كانت ميتة للحاجة.

أما اللبن من الميتة المأكولة بالتذكية ، فالأصح النجاسة ، لأنه مائع لاقى نجسا(1)فانفعل عنه ، وفي رواية : أنه سئل الصادق علیه السلام عن الإنفحة تخرج من الجدي الميت؟ قال : لا بأس به. قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت؟ قال : لا بأس به (2). ويعارض بما روي عن علي علیه السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن؟ فقال : ذلك الحرام محضا (3).

وأما اللبن من الحي فإنه تابع للحيوان في الطهارة والنجاسة ، ثم إن كان مأكولا شرب لبنه وإلا فلا.

والبيضة في الدجاجة الميتة طاهرة إجماعا ، إذا اكتسبت الجلد الفوقاني الصلب ، لأنها صلبة القشر لاقت نجاسة ، فلم تكن نجسة في نفسها بل بالملاقاة. ولقول الصادق علیه السلام . إن كانت قد اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها (4). ولو لم تكن تكتسي القشر الأعلى فهي نجسة.

وأما بيض الجلال وما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة ، فالأقوى فيه النجاسة. ولو جعلت تحت طائر فخرجت فرخا فهو طاهر إجماعا.

وفأرة المسك إذا انفصلت عن الظبية في حياتها أو بعد التذكية طاهرة ، وإن انفصلت بعد موتها ، فالأقرب ذلك أيضا للأصل. وما لا يؤكل لحمه مما يقع عليه الذكاة كالسباع إذا ذكي ، كان جلده ولحمه طاهران للأصل.

والوسخ المنفصل عن بدن الآدمي والعرق وسائر الفضلات ، طاهر مع

ص: 270


1- خ ل : نجاسة.
2- وسائل الشيعة 16 - 366 ح 10.
3- وسائل الشيعة 16 - 367 ح 11.
4- وسائل الشيعة 16 - 365 ح 6.

إسلامه لا مع كفره. والأقرب طهارة مثل ما ينفصل من النبور والثؤلول وشبههما من الأجزاء الصغيرة ، لعدم إمكان التحرز عنهما وللرواية(1). والدود المتولد من الميتات والأعيان النجسة طاهر. وكذا بذر القز ودوده.

وكل ما ينفصل من الحيوان الطاهر العين مما ليس له اجتماع واستحالة في الباطن ، وإنما يرشح رشحا كاللعاب والدمع والعرق ، فإنه طاهر ، لأنه علیه السلام سئل أيتوضأ بما أفضلت الحمير؟ فقال : نعم. وبما أفضلت السباع كلها (2).

وطهارة السؤر تدل على طهارة اللعاب ، وركب (3) علیه السلام فرسا معرورا لأبي طلحة وركضه ولم يحترز عن العرق.

والمسك طاهر وإن قلنا بنجاسة فأرته المأخوذة من الميتة كالإنفحة ، ولم ينجس بنجاسة الطرف للحرج.

السادس والسابع : الكلب والخنزير ، وهما نجسان عينا ولعابا ، لأنه علیه السلام دعي إلى دار فأجاب ، وإلى أخرى فامتنع ، فطلبت العلة منه فقال : إن في دار فلان كلبا فقيل ، ففي دار فلان هرة فقال : الهرة ليست بنجسة (4). وقوله تعالى ( أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) (5) ولأنه أشد حالا من الكلب في التنجيس ، ولأنه أسوأ منه ، ولهذا استحب قتله. وقال الصادق علیه السلام إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله (6). وكذا قال الكاظم علیه السلام في الخنزير (7).

والمتولد منهما نجس ، لأنه بعضهما وإن لم يقع عليه اسم أحدهما على إشكال ، منشؤه الأصالة السالمة عن معارضة النص.

ص: 271


1- وهي خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام راجع وسائل الشيعة 2 - 1082 ب 63.
2- راجع منتهى المطلب 1 - 169.
3- راجع منتهى المطلب 1 - 169.
4- راجع منتهى المطلب 1 - 166.
5- سورة الأنعام : 145.
6- وسائل الشيعة 2 - 1015 ح 1.
7- وسائل الشيعة 2 - 1017 ح 1.

أما المتولد من أحدهما وآخر طاهر ، فالوجه عندي اعتبار الاسم ، إن سمي بأحدهما فهو نجس ، وإلا فلا.

وكلب الماء طاهر ، لانصراف الإطلاق إلى المتعارف وسائر أجزاء الكلب والخنزير وإن لم تحلها الحياة ولعابهما ورطوبتهما ، سواء انفصلت من حي أو ميت.

الثامن : الخمر نجس على الأصح ، لأنه تعالى سماها رجسا(1)، والرجس هو النجس ، لقوله تعالى ( فَاجْتَنِبُوهُ ) (2) وهو يعم ، ولأنه محرم على الإطلاق ، فكان نجسا كالميتة والبول ، ولأنه محرمة التناول لاحترام وضرر ظاهر والناس مشعوفون بها ، فيحكم بالنجاسة تأكيدا للزجر ، كما حكم الشارع بنجاسة الكلاب ، لما نهى عن مخالطتها مبالغة في المنع ، ولقول الصادق علیه السلام : لا تصل في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل (3).

وكذا النبيذ وكل مسكر ، لأنها ملحقة بالخمر في التحريم ، فتلحق به في النجاسة ، وللرواية (4). والخمر المستحيل في بواطن حبات العنب نجس للعموم.

والعصير إذا غلا واشتد وإن لم يبلغ حد الإسكار نجس ، سواء غلا من نفسه أو بالنار أو الشمس ، إلا أن يذهب ثلثاه.

التاسع : الفقاع حكمه حكم الخمر في التحريم والنجاسة عند علمائنا أجمع ، لقول الصادق علیه السلام : إنه خمر مجهول (5).

أما المسكرات الجامدة من طبيعتها ، فإنها طاهرة ، وإن مزجت بالماء لم تخرج عن الطهارة ، كما أن الخمر لو جمد لم يطهر مع بقاء الخمرية.

ص: 272


1- في قوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ) .
2- سورة المائدة : 90.
3- وسائل الشيعة 17 - 302 ح 2 و 2 - 1056 ح 7.
4- وسائل الشيعة 2 - 1055 ح 3.
5- وسائل الشيعة 2 - 1056 ح 5.

وبصاق شارب الخمر طاهر ما لم يكن متلوثا بالنجاسة ، ولقول الصادق علیه السلام : في بصاق شارب الخمر يصيب الثوب ليس بشي ء (1). ولأنه ليس بخمر. وكذا دمع المكتحل بالنجس ما لم يكن متلوثا بالكحل ، أو مستصحبا له.

ولو رمي في العصير قبل اشتداده أو بعده أو في الخمر جسم طاهر ، كان بحكمه في الطهارة والنجاسة قبل الانقلاب وبعده ، سواء استهلكت عينه أو كانت باقية.

وإذا انقلبت الخمر طهرت بالإجماع ، لزوال المقتضي ، ولا فرق عندنا بين أن ينقلب من نفسه أو بعلاج ، وليس محرما ، لقول الرضا علیه السلام فقد سئل عن العصير يصير خمرا ، فيصب عليه الخل أو شي ء يغيره حتى يصير خلا لا بأس به (2). لكن يستحب ترك العلاج لينقلب بنفسه للرواية (3).

ولو طرح في الخمر نجس ، أو كان المعتصر لها كافرا ، لم يطهر ، لأن الانقلاب إنما يطهر نجاسة الخمرية لا غيرها. ولو خرج النبيذ عن الإسكار ، لم يطهر بذلك للاستصحاب.

العاشر : الكافر نجس العين عند علمائنا كافة ، لقوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (4) ( وكَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) (5) ولأن أبا ثعلبة قال : قلت يا رسول اللّه : أنا بأرض أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ فقال علیه السلام : إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها (6). وقال علیه السلام : المؤمن ليس بنجس (7). والتعليق على الوصف المناسب يشعر بالعلية ، وسئل أحدهما علیهماالسلام عن

ص: 273


1- وسائل الشيعة 2 - 1058 ح 1.
2- وسائل الشيعة 17 - 297 ح 8.
3- وسائل الشيعة 17 - 296.
4- سورة التوبة : 28.
5- سورة الإنعام : 125.
6- وسائل الشيعة 16 - 385 ما يدل على ذلك.
7- سنن ابن ماجة 1 - 178.

رجل صافح مجوسيا؟ فقال : يغسل يده ولا يتوضأ (1). وكذا قال الباقر علیه السلام في مصافحة اليهودي والنصراني (2).

ونعني بالكافر كل من خرج عن ملة الإسلام ، أو انتحله وجحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة ، سواء كان كافرا أصليا أو مرتدا.

والخوارج والغلاة والناصب ، وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت علیهم السلام أنجاس.

والأقرب في أولاد الكفار التبعية لهم.

ولو تاب المرتد عن فطرة لم تقبل توبته ، بل يجب قتله(3). وهل يخرج عن النجاسة إشكال. ولو أسلم طهر ، لزوال المقتضي. وما باشره برطوبة حال كفره نجس يجب غسله وإن كان ثوبه الذي أسلم فيه. وأما الرطوبة التي عليه حال الكفر(4)، كالعرق والبصاق قبل انفصاله عنه ، فالأقرب الطهارة ، لأنه قبل الانفصال كالجزء منه.

وأواني الكفار وثيابهم طاهرة ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة ، للأصل.

وهنا مسائل :

الأول : السباع كلها طاهرة ، وكذا باقي الحيوانات عدا الكلب والخنزير والكافر للأصل ، وكذا لعابها وعرقها وسائر رطوبتها عدا البول والغائط والمني ، وقد سئل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أيتوضأ بما أفضلت الحمير؟ فقال : نعم وبما أفضلت السباع (5).

الثاني : الأقوى طهارة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة وسائر الحشرات للأصل ومشقة الاحتراز.

ص: 274


1- وسائل الشيعة 2 - 1019 ح 5.
2- وسائل الشيعة 2 - 1018 ح 3.
3- في « ق » بل يقتل حدا.
4- خ ل : كفره.
5- راجع منتهى المطلب 1 - 169.

الثالث : عرق الجنب من الحرام ، وعرق الإبل الجلالة ، طاهران على الأقوى ، لطهارة بدنهما ، ولقوله علیه السلام : الحيض والجنابة حيث جعلهما اللّه تعالى ليس في العرق ، فلا يغسلان ثوبهما (1). وللشيخ قول بنجاستهما (2).

ولا فرق بين كون الجنب رجلا أو امرأة ، ولا بين كون الجنابة من زنا أو لواط ، أو وطي بهيمة ، أو وطي ميتة وإن كانت زوجته ، وسواء كان مع الجماع إنزال أو لا. والاستمناء باليد كالزنا. أما الوطي في الحيض أو الصوم ، فالأقرب فيه الطهارة. وفي المظاهرة إشكال.

ولو وطئ الصغير أجنبية وألحقنا به حكم الجنابة بالوطي ، ففي نجاسة عرقه إشكال ، ينشأ : من عدم التحريم في حقه. ولا فرق بين الفاعل والمفعول.

والأقرب اختصاص الحكم في الجلال بالإبل ، اقتصارا على مورد النص ، مع أصالة الطهارة. وبدن الجنب من الحرام والإبل الجلالة طاهر ، فلو مسى ببدنهما الخالي من عرق رطبا ، فالأقرب الطهارة.

الرابع : الأقرب طهارة المسوخ ولعابها ، خلافا للشيخ (3).

وقد روي عن الرضا علیه السلام : الفيل مسخ كان ملكا زناء ، والذئب كان أعرابيا ديوثا ، والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل حين نزلت المائدة على عيسى بن مريم علیهماالسلام لم يؤمنوا فتاهوا ، فوقعت فرقة في البحر ، وفرقة في البر ، والفأرة هي الفويسقة ، والعقرب كان نماما ، والدب والوزغ والزنبور كان لحاما يسوق في الميزان (4). وعن الصادق علیه السلام : الغراب فاسق (5).

ص: 275


1- وسائل الشيعة 2 - 1038 ح 9.
2- المبسوط 1 - 37.
3- المصدر.
4- وسائل الشيعة 16 - 314 ح 7.
5- وسائل الشيعة 16 - 328 ح 2.

الخامس : القي ليس بنجس على الأصح. والنخامة طاهرة إجماعا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله يوم الحديبية ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه (1) ، سواء خرج قبل الاستحالة أو بعدها ما لم يستحل غائطا ، فيكون نجسا ، وفي البعض قول.

ولا فرق بين ما نزل من الرأس ، أو يخرج من الصدر من البلغم في الطهارة للعموم. والمرة الصفراء طاهرة للأصل.

السادس : طين الطريق طاهر ما لم يعلم نجاسته للأصل ، فإن علمت فيه نجاسة فهو نجس.

ولو سقط عليه ماء من ميزاب لا يعلم حاله بنى على أصل الطهارة ، ولا يجب عليه البحث ، لقول علي علیه السلام : ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم (2).

ص: 276


1- راجع منتهى المطلب 1 - 170.
2- وسائل الشيعة 2 - 1054 ح 5.

الفصل الثاني: ( في إزالة النجاسات )

اشارة

وفيه مطالب :

المطلب الأول: ( الكيفية )

النجس : إما نجس العين ، ولا يطهر بالغسل ، بل بالانقلاب إن كان خمرا ، أو بانقلاب صورته على إشكال ، ولا يكفي تغير صفاته ، والكافر يطهر بالإسلام. وفي المرتد عن فطرة إشكال. ولا يطهر جلد الميتة بالدباغ على الأصح ، والعلقة والمضغة والدم في وسط البيضة تطهر إذا استحالت حيوانا.

وإما نجس بالعرض ، وينقسم : إلى ما نجاسته حكمية ، ونعني بها هنا ما زالت عين النجاسة عنه ، ولا ينجس بها مع تعين وجودها ، كالبول إذا جف عن المحل ، وكالخمر والماء النجس إذا لم يوجد له رائحة ولا أثر.

ويجب غسله مرة للامتثال ، وزوال مقتضى التنجس. ولا بد في الثوب من عصره ، لأن بقايا أجزاء ماء الغسل قد نجست بملاقاة النجاسة ، فيجب إزالتها ، والباقي بعده معفو عنه للحرج ، ولقول الصادق علیه السلام : تصب الماء عليه ثم تعصره (1). وغير الثوب مما لا يمكن عصره ، كالبدن والأجسام

ص: 277


1- وسائل الشيعة 2 - 1002 ب ح 1 ب 3.

الصلبة يجب دلكه ، للاستظهار في إزالة النجاسة ، ولقول الصادق علیه السلام في القدح : لا يجزيه حتى يدلكه بيده (1).

والبسط التي يعسر عصرها إن تنجس ظاهرها دلك باليد ، وإلا كفى التقليب. والدق عن العصر للضرورة. ولو أخل بالعصر فيما يجب فيه ، لم يطهر ، لنجاسة ماء الغسالة.

ويكفي في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام صب الماء عليه ، لخفة نجاسته ، ولقول الصادق علیه السلام : يصب عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا (2). وفي رواية : لا بد من العصر (3). وبال الحسين علیه السلام في حجر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقالت لبابة بنت الحارث : البس ثوبا آخر ، وأعطني إزارك حتى أغسله ، قال : إنما يغسل من بول الأنثى ، وينضح من بول الذكر (4).

أما بول الصبية فلا يكفي الصب ، بل لا بد من الغسل ، اقتصارا بالرخصة على موردها ، ولقول علي علیه السلام : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين (5).

وهذا التخفيف متعلق بمن لم يأكل وإن زاد على السنين ، لا على من أكل وإن نقص عنها على الأصح ، لتعلق الحكم بالأكل. وسئل الرضا علیه السلام عن خصي يبول ، فيلقى من ذلك شدة ، ويرى البلل بعد البلل؟ فقال : يتوضأ وينضح ثوبه في النهار مرة واحدة (6).

وهل يجب العدد؟ إشكال ، ينشأ : من أصالة البراءة ، وحصول

ص: 278


1- وسائل الشيعة 2 - 1074 ح 1.
2- وسائل الشيعة 2 - 1003 ح 2.
3- وسائل الشيعة 2 - 1002 ح 1 ب 3.
4- جامع الأصول 8 - 22 - 23.
5- وسائل الشيعة 2 - 1003 ح 4.
6- وسائل الشيعة 1 - 201 ح 8.

المقتضي للطهارة. ومن قول الصادق علیه السلام في البول يصيب الجسد : اغسله مرتين. وكذا قال في الثوب (1).

ولو رمي الثوب أو الآنية في الماء الكثير أو الجاري ، حتى لاقى جميع أجزاء محل النجاسة ، فالأقوى عندي الطهارة من غير عصر ولا دلك ولا عدد.

وإلى ما نجاسته عينية ، ولا يكفي إجراء الماء أو العصر ، بل لا بد من محاولة إزالتها وإزالة أوصافها أو ما وجد منها ، ليحصل يقين الإزالة حتى يعارض يقين الثبوت.

ولو بقي طعم ، لم يطهر ، سواء بقي مع غيره من الصفات أو منفردا ، لسهولة إزالة الطعم.

ولو بقي اللون منفردا ، فإن سهل زواله وجب ، وإن عسر كدم الحيض استحب صبغه بما يستره ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله سألنه عن دم الحيض يصيب الثوب ، وذكرنا له أن لون الدم يبقى؟ فقال : الطحن بزعفران (2). وعن الصادق علیه السلام : صبغه بمشق (3).

ولو بقيت الرائحة كرائحة الخمر وهي عسرة الإزالة ، فالأقرب الطهارة ، كاللون يجامع مشقة الإزالة.

ولو بقي اللون والرائحة وعسر إزالتهما ، ففي الطهارة إشكال ، ينشأ : من قوة دلالة بقاء العين. ومن المشقة المؤثرة مع أحدهما ، فتعتبر معهما. ويستحب الحت والقرص في كل يابسة كالمني لقوله علیه السلام لأسماء : حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه (4). وليس واجبا ، لحصول امتثال الإزالة بدونه.

ولا يكفي إزالة عين النجاسة بغير الماء كالفرك. ولا بد في الغسل من ورود الماء على النجس ، فإن عكس نجس الماء ولم يطهر المحل.

ص: 279


1- وسائل الشيعة 2 - 1001.
2- جامع الأصول 8 - 34.
3- وسائل الشيعة : 2 - 1033.
4- جامع الأصول 8 - 32.

ولو كان الجسم صقيلا كالسيف ، لم يطهر بالمسح ، خلافا للمرتضى ، لأن النجاسة حكم شرعي ، فيقف زواله عليه.

المطلب الثاني: ( في المحل )

يجب إزالة النجاسة : عن البدن والثوب ، لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (1) قال المفسرون : هو الغسل بالماء للصلاة والطواف ، إذ لا يصحان معها إلا في موضع الاستثناء الآتي. ولدخول المساجد ، لقوله علیه السلام : جنبوا مساجدكم النجاسة (2). وعن الأواني لاستعمالها ، لا وجوبا مستقرا في الثوب والآنية ، بل بمعنى تحريم الصلاة والطواف. ودخول المساجد في هذا الثوب قبل غسله ، واستعمال الآنية فيما يتعدى النجاسة إليه قبله ، سواء قلت النجاسة أو كثرت ، لعموم الأمر بالغسل عدا الدم ، وسيأتي تفصيله.

وكل نجاسة لاقت البدن أو الثوب رطبا ، وجب غسل موضع الملاقاة ، لانفعاله عنها. وإن كان يابسا استحب رش الثوب بالماء ومسح البدن بالتراب إن كانت النجاسة كلبا أو خنزيرا ، لقول الصادق علیه السلام : إذا مس ثوبك كلب ، فإن كان يابسا فانضحه ، وإن كان رطبا فاغسله (3). ونحوه روي عن الكاظم علیه السلام في الخنزير (4). ولأن الإصابة مع اليبوسة غير مؤثرة ، فلا توجب غسلا(5)، لكن قوبلت بالمماثل وهو المماسة بالمطهر استحبابا لا وجوبا ، لأصالة البراءة.

وإذا غسل بعض الثوب النجس ، طهر المغسول خاصة ، لوجود علة التطهير.

ص: 280


1- سورة المدثر : 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 504 ح 2.
3- وسائل الشيعة 2 - 1034 ح 3.
4- وسائل الشيعة 2 - 1035 ح 6.
5- في « س » غسل.

وإنما يطهر بالغسل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه ، لا ما لا يمكن كالمائعات كالدهن والصابون والعجين ، وإن أمكن إيصال الماء إلى أجزائه بالضرب.

أما السمسم والحنطة إذا انتقعا في الماء النجس ، فالأقوى قبولهما للطهارة. وكذا اللحم إذا نجست مرقته.

ويجوز إطعام الدواب العجين النجس ، لعدم التكليف في حقها ، ولقوله علیه السلام للقوم الذين احتبروا من آبار الذين مسخوا : علفوه النواضح (1).

وأن يطعم لما يؤكل في الحال ولما يحلب لبنه وقت الأكل وبعده.

ولو صب الدهن النجس في كر فما زاد ، ومازجت أجزاؤه أجزاء الماء بالتصويل ، فالأقرب الطهارة. وإذا كان حصول النجاسة في الثوب أو البدن معلوما ، وجب غسله ، ولو كان مشكوكا ، استحب نضحه بالماء. لقول الكاظم علیه السلام : يغتسل ما استبان أنه أصابه ، وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه (2).

وإذا علم الموضع ، وجب غسله. وإن اشتبه ، وجب غسل محل الاشتباه ، وكل ما يحتمل ملاقاة النجاسة له. ولو اشتبه الجميع ، وجب غسل جميع الثوب. ولا يجوز له التحري ، لأنه مع التنجيس متيقن للمانع من الدخول في الصلاة ، وبغسل البعض لا يحصل يقين رفعه ، ولقول الصادق علیه السلام : في المني يصيب الثوب : إن عرفت مكانه فاغسله ، فإن خفي عليك مكانه فاغسله كله (3).

ولو اشتبه الثوب النجس بالطاهر ، وجب غسلهما معا ، فإن تعذر صلى في كل واحد منهما الصلاة مرتين على الأقوى ، ليخرج عن العهدة بيقين ،

ص: 281


1- راجع منتهى المطلب 1 - 180.
2- وسائل الشيعة 2 - 1054 ح 1 ب 37.
3- وسائل الشيعة 2 - 1006 ح 1 و 7.

ولقول الكاظم علیه السلام : يصلي فيهما جميعا (1) ، فإن ضاق الوقت أو تعذر التكرار نزعهما وصلى عريانا. ويحتمل تسويغ الصلاة فيه ، لأن الشرطين قد تعارضا ، وهو ستر العورة وطهارة الثوب ، بل الأقوى الصلاة في أحدهما ، لعدم اليقين بفوات الشرط.

ولو اضطر إلى الصلاة في أحدهما ، فالأقوى الاجتهاد ، ويحتمل التخيير ولا إعادة ، للخروج عن العهدة بالامتثال.

ولو تعددت النجسة (2) صلى بعددها وزاد على ذلك العدد ، ولو صلى في أحدهما الظهرين ثم كذا في الآخر صحتا معا ، أما لو صلى في أحدهما الظهر ، وفي الآخر العصر والظهر ، ثم في الأول العصر ، صحت الظهر خاصة ، ووجب عليه إعادة العصر في الثاني.

ولو اشتبه أحد الكمين ، لم يجب التحري ، ووجب نزعهما معا ، أو نزعه ويصلي عريانا مع العجز عن الغسل ، ولو تمكن من غسل أحدهما ، وجب ، ولا يجوز الصلاة فيه حينئذ ما لم يغسل الآخر.

ولو غسل أحد الثوبين ، لم يجز الصلاة في الآخر ، فإن تعذر الصلاة في الطاهر ، فالأقوى الصلاة في الآخر ولا إعادة. ولو جمعهما وصلى فيهما ، لم يصح صلاته ، سواء غسل أحدهما أو لم يغسل.

ولو كان معه ثوب متيقن الطهارة ، تعينت الصلاة فيه دون الثوبين. ولو كان أحدهما طاهر والآخر نجس نجاسة معفو عنها تخير فيهما ، والأولى الطاهر. وكذا لو كانت إحدى النجاستين المعفو عنهما في الثوب أقل من الأخرى.

المطلب الثالث: ( في الترخص )
اشارة

وهي إما أن يتعلق بالمحل أو بالحال ، فهنا بحثان :

ص: 282


1- وسائل الشيعة 2 - 1082 ب 60.
2- في « ق » النجاسة.
البحث الأول: ( ما يتعلق بالمحل )

وقد عفا الشارع عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا من الملابس ، كالتكة والجورب والخف والقلنسوة والنعل ، بأن يصلي فيه وإن كان نجسا ، لقول الصادق علیه السلام وقد سئل في الرجل يصلي في الخف الذي أصابه القذر؟ فقال : إن كان مما لا يتم الصلاة فيه فلا بأس (1).

وهل يتناول الرخصة غير هذه الأصناف المذكورة مما يتناسبها ، كالخاتم والسوار والدملج والسبر؟ الأقرب ذلك ، لأن إيماء الصادق علیه السلام يشعر به.

وأما غير الملابس ، فلا يتعلق به الرخصة ، لانتفاء الحاجة ، وعدم النص المخرج عن عموم المنع. فلو كان معه دراهم نجسة أو غيرها لم تصح صلاته ، وكذا السكين والسيف ونحوهما.

وهل يشترط كونها في محالها؟ يحتمل ذلك ، وإلا لم يبق فرق بين الملبوس وغيره ، فلا تصح الصلاة والتكة على عاتقه إذا كانت نجسة ، أو الجورب في يده. ويحتمل عدمه للعموم ، ولقول الصادق علیه السلام : كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة وحده ، فلا بأس أن يصلي فيه. وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعلين والخفين وما أشبه ذلك (2).

ولا فرق بين كون النجس واحدا من هذه أو الأكثر أو الجميع للعموم. أما لو كان نجاسة كجلد الميتة ، فإنه لا يجوز ، لقول الصادق علیه السلام في الميتة : لا تصل في شي ء منه ولا في شسع (3).

ولو حمل حيوانا غير مأكول اللحم وصلى صحت صلاته ، بخلاف

ص: 283


1- وسائل الشيعة 2 - 1045 ح 2.
2- وسائل الشيعة 2 - 1046 ح 5.
3- وسائل الشيعة 3 - 249 ح 2.

القارورة المضمومة المشتملة على النجاسة ، لأن الحسن والحسين علیهماالسلام ركبا ظهر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في سجوده.

ولو كان وسطه مشدودا بطرف حبل طرفه الآخر مشدودا في نجاسة ، صحت صلاته وإن تحركت بحركته ، لأنه ليس حاملا للنجاسة.

والبواطن لا تقبل النجاسة وإن أمكن غسلها ، كداخل الأنف والفم والعين للمشقة ، فرطوبات هذه طاهرة ، وإن لاقت نجاسة كالدم وغيره في الباطن مما لم تتلون بها. ومحل الاستجمار بالأحجار بعده طاهرة.

ولا فرق بين جميع النجاسات الحاصلة فيما لا يتم الصلاة فيه منفردا ، سواء كانت مغلظة كالمني ودم الحيض ، أو مخففة كالدم وبول الصبي للعموم.

وأضاف ابن بابويه العمامة ، فإن كانت مما لا يتم الصلاة فيها بانفرادها صح وإلا فلا.

ولو جبر عظمه بعظم نجس العين كالكلب والخنزير ، فإن تمكن من نزعه وجب ، فإن لم يفعل بطلت صلاته ، وإن لم يتمكن لم يجب قلعه ، وتصح صلاته ، لقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) سواء خاف التلف أو الألم الكثير أو الشين على إشكال. ولو لم يقلعه مع المكنة قلعه السلطان ، فإن مات قبل قلعه لم يقلع ، لأنه صار ميتا.

ويكره للمرأة أن تصل شعرها بشعر غيرها ، رجلا كان أو امرأة أو حيوانا طاهر العين ، وقد روي أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لعن (2) الواصلة ، وهي التي تصل شعرها بغيره أو شعر غيرها. والمستوصلة ، وهي الموصول شعرها بإذنها ، والنامصة ، وهي التي تنتف الشعر من الوجه. والمتنمصة ، وهي المنتوف شعرها بأمرها. والواشرة ، وهي التي تبرد الأسنان لتحدها وتفلجها. والمستوشرة التي يفعل بها ذلك بإذنها. والواشمة ، وهي التي تغرز جلدها بإبرة ثم تحشوه كحلا. والمستوشمة التي يفعل بها ذلك بإذنها.

ص: 284


1- سورة الحج : 78.
2- وسائل الشيعة 12 - 94 ح 3.

وهل يجب فيما تناوله اختيارا من الخمر والميتة؟ إشكال. ولو أدخل لحما تحت جلده فنبت عليه لحمه ، وجب نزعه مع المكنة.

البحث الثاني: ( في ما يتعلق بالحال )

الدم : إن كان دم حيض أو نفاس أو استحاضة ، وجب إزالة قليله وكثيره عن الثوب والبدن ، لقوله علیه السلام لأسماء عن دم الحيض ، اقرصيه ثم اغسليه بالماء (1). وهو يتناول القليل والكثير.

وإن كان غيرها ، فإن كان من نجس العين ، كالكلب والخنزير والكافر ، فالأقرب أنه كدم الحيض ، لملاقاته بدن نجس العين. وإن كان من غير نجس العين ، فإن كان مما يشق إزالته ، وهو دم القروح الدامية والجراح اللازمة ، كان عفوا في البدن والثوب معا ، لا يجب إزالته للمشقة ولقول الباقر علیه السلام : إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ (2). ويجوز الصلاة فيه قل أو كثر ، سواء البدن والثوب ، لثبوت المقتضي للرخصة فيهما.

ولو لم يشق إزالة بعضه عنهما ، ففي وجوبها إشكال ، سواء كان الباقي أقل من الدرهم أو لا على إشكال ، ولا يخرج بالعفو عن النجاسة.

وإن كان مما لا يشق إزالته ، وجب إزالته عن الثوب والبدن معا إن كان أزيد من سعة الدرهم البغلي ، لقول الباقر علیه السلام : وإن كان أكثر من الدرهم وكان يراه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته (3). وإن كان أقل لم يجب إزالته إجماعا منا ، لقول الباقر علیه السلام : إن كان أقل من الدرهم فلا تعيد الصلاة (4). ولا يخرج بذلك عن النجاسة.

ص: 285


1- جامع الأصول 8 - 32.
2- وسائل الشيعة 2 - 1029 ح 1.
3- وسائل الشيعة 2 - 1026 ح 2.
4- وسائل الشيعة 2 - 1026 ح 2.

وإن كان بقدر الدرهم فالأقرب وجوب إزالته ، لقوله علیه السلام : تعاد الصلاة من قدر الدرهم (1). وقول الباقر والصادق علیهماالسلام : فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم (2). ولأن الأصل وجوب الإزالة ، والقلة مظنة المشقة بخلاف الدرهم فما زاد ، ولأن ضبط الدرهم عسر ، فربما زاد وإن لم يحس الزيادة ، فاقتضى الاحتياط إزالة ما يظن أنه درهم.

والمربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد ويصيبه البول في كل وقت ، يجتزي بغسله في اليوم مرة واحدة ، لأنه يتكرر فيشق إزالته ، فيعفى عنه كالقروح السائلة. ولقول الصادق علیه السلام : يغسل القميص في اليوم مرة ، وقد سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ (3).

فروع :

الأول : يستحب لصاحب القروح والجروح اللازمة غسل ثوبه في اليوم مرة ، لما فيه من التطهير مع انتفاء المشقة ، ولأن سماعة سأله عن الرجل به القرح أو الجرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه؟ قال : يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة ، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة (4). وهل يجب مع المكنة؟ الأقرب العدم ، لمنافاته الرخصة.

الثاني : لو تمكن من إبدال الثوب ، فالأقوى الوجوب ، لانتفاء المشقة فينتفي الترخص.

ولو تمكن من إبداله بما فيه أقل مما يزيد على الدرهم ، فإشكال أقربه عدم الوجوب.

الثالث : لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثوب أو البدن ، بأن لمس

ص: 286


1- راجع منتهى المطلب 1 - 172.
2- وسائل الشيعة 2 - 1026 ح 4.
3- وسائل الشيعة 2 - 1004.
4- وسائل الشيعة 2 - 1029.

بالسليم من بدنه دم الجرح(1)، أو بالطاهر من ثوبه ، ففي الترخص إشكال ، أقربه العدم ، فنجب إزالته لانتفاء المشقة. وكذا لو ترشش عليه من دم غيره.

الرابع : لا يخرج عن النجاسة بالعفو ، لا في محل المشقة ولا في غيره. وفي سريان العفو إلى ما لاقاه إشكال ، أقربه المنع ، فلو لاقاه جسم رطب تنجس ، وكذا ملاقي الملاقي.

الخامس : ما نقص عن الدرهم من غير المغلظ وغير الجروح والقروح ، نجس وإن عفي عنه ، فإن لاقى جسما رطبا أو ماء تنجس. وهل يعفى عنهما؟ الأقرب ذلك ، لأن نجاستهما ليس ذاتية ، بل باعتبار نجاسة الدم المعفو عنه ، فلا يزيد عليه. ويحتمل المنع.

السادس : اعتبار الدرهم في المجتمع ، أما المتفرق فقيل : لا تجب إزالته مطلقا ، إذ كل واحد منه معفو. وقيل : لا تجب إلا أن يتفاحش ويكثر. والأقرب اعتبار الدرهم لو جمع ، فإن بلغه مجتمعا وجب إزالته ، أو إزالة ما يحصل به النقصان ، وإلا فلا ، لأن الحكم معلق على بلوغ الدرهم ، ويصدق على المجتمع والمفترق ، ولأن الأصل وجوب الإزالة للآية ، عفي عن القاصر عن الدرهم لكثرة وقوعه ، إذ لا ينفك المزاول للأعمال عنه غالبا ، فلا يتعدى الرخصة إلى المتفرق النادر.

السابع : لو أصاب الدم نجاسة مغلظة ، لم يعف عنه وإن قل.

الثامن : في مساواة الثوب المصحوب للملبوس إشكال ، فلو كان الدم اليسير في ثوب غير ملبوس ، أو في متاع ، أو آنية ، أو آلة ، فأخذ ذلك بيده وصلى وهو حامل له ، احتمل الجواز ، لعموم الترخص. والمنع لانتفاء المشقة.

التاسع : لو تنجس الماء وشبهه بالدم ثم أصاب ثوبا ، احتمل اعتبار الدرهم ، إذ لا يزيد عرضي النجاسة عن ذاتيها. وعدمه ، لأنه نجس ليس بدم ، فتجب إزالته بالأصل السالم عن المشقة المستندة إلى كثرة الوقوع.

ص: 287


1- في « ر » الجروح.

ولو زالت عين الدم بما لا يطهرها ، فالأقرب جواز الصلاة ، لجوازها مع بقاء العين ، وبزوالها يخف الحكم فيكون أولى.

العاشر : لو أصاب الدم أحد وجهي الثوب فاتصل بالآخر ، فهما نجاسة واحدة. أما لو لم يتصلا بل حال بينهما شي ء لم يصبه الدم ، تعددتا وكان كالمتفرق.

الحادي عشر : المربي للصبي كالمربية في اعتبار الغسلة في اليوم الواحد ، لوجود المشقة فيهما.

الثاني عشر : المراد بالصبي هنا الذكر لا الأنثى ، اقتصارا في الرخصة على المنصوص ، وللفرق فإن بول الصبي كالماء ، وبول الصبية أصفر ثخين وطبعها أحر قبولها ألصق بالمحل.

الثالث عشر : إنما تكفي الغسلة لو لم يكن لها إلا ثوب واحد ، أما لو كان لها ثوبان فما زاد ، فإنه لا تكفي المرة. وهل يجب الزائد على المرتين؟ الوجه ذلك بحيث تصلي الخمس في ثوب طاهر ، سواء تعدد الصبي أو اتحد ، ولا يترخص ولا في صلاة واحدة.

الرابع عشر : الاكتفاء إنما هو فيما يصيب الثوب من بول الصبي دون غائطه ، لكثرة الأول بخلاف الثاني على إشكال.

أما لو تنجس ببول غيره أو بغير بوله ، وجب غسله ، وإن كان لولاه لصلت فيه نجسا.

الخامس عشر : اليوم اسم للنهار والليل. وهل تصلي فيه قضاء؟ إشكال ، أقربه الجواز للتساوي في الشرط ووجود المشقة فيهما.

السادس عشر : الأقرب وجوب عين الغسل ، فلا يكفي الصب مرة واحدة ، وإن كفى في بوله قبل أن يطعم الطعام عند كل نجاسة. ولا فرق في الاكتفاء بالمرة بين أن يأكل الطعام أو لا يأكل.

ص: 288

المطلب الرابع: ( في أنواع المطهرات )

الأول : الماء المطلق الطاهر مطهر لكل نجاسة يمكن(1)إزالتها به مع انفصاله عن أجزاء محلها للآية(2).

وهل يزيل ما نجاسته مخففة غلظ النجاسة؟ إشكال ، فإن قلنا به وقلنا بخفة نجاسة الماء بقليل الدم ، وبطهارة المحل عند زوال عين النجاسة ، واضطر إلى الصلاة فيه ، احتمل وجوبه.

فلو كان في(3)ثوبه أو على جسده مني أو دم حيض أو بول ، وهناك ما لاقاه دم أقل من سعة الدرهم ، وجب غسله به ، لأنه أزال المانع من الدخول في الصلاة ، فكان واجبا كالطاهر. وعدمه ، لبقاء حكم النجاسة المغلظة وإن زالت العين.

وإنما يطهر الماء لو غسل المحل به ، إلا بول الرضيع فإنه يكفي الرش فيه. ويشترط أن يصيب الماء جميع موضع البول.

ومراتب إيراد الماء ثلاث : النضح المجرد ، ومع الغلبة ، ومع الجريان. ولا حاجة في الرش إلى الدرجة الثالثة قطعا ، وهل يحتاج إلى الثانية؟ الأقرب ذلك. ويفترق الغسل والرش بالسيلان والتقاطر.

ويستحب النضح في مواضع :

الأول : شكل النجاسة ، لقول الكاظم علیه السلام : وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه (4).

الثاني : في المذي عن الصادق علیه السلام (5).

ص: 289


1- في « س » أمكن.
2- وهي قوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) .
3- في « ق » على.
4- وسائل الشيعة 2 - 1054 ح 1 ب 37.
5- وسائل الشيعة 2 - 1023 ح 1 و 2.

الثالث : في الكلب إذا أصاب الثوب يابسين ، والخنزير كذلك.

الرابع : الفأرة إذا لاقت الثوب وهي رطبة.

الخامس : بول الدواب والبغال والحمير.

السادس : الثوب يصيبه عرق الجنب.

السابع : بول البعير والشاة.

الثاني : الأرض والبواري والحصر والأبنية والأشجار إذا وقع عليها بول ، أو ماء نجس وشبهه ، وجفت بالشمس ، طهرت على الأقوى ، لتعذر غسل هذه الأشياء ، فكان طهارتها بزوال عين النجاسة ، لزوال المعلول بزوال علته ، وإزالة الحكم بالماء فيما يمكن غسله ، أما ما لا يمكن فلا ، ولقول الباقر علیه السلام : ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر (1). وقيل : إنه نجس وتجوز الصلاة عليه.

ولو جف بالأهوية أو غيرها غير الشمس ، لم يطهر عندنا عملا بالاستصحاب ، والأقرب مساواة الخمر للبول. ولا يطهر غير ما لا ينقل ويحول كالأواني والثياب ، بل ما لا ينقل كالنبات والبناء ، دون الثمرة في الأشجار.

ولا يطهر الأرض من البول بإلقاء قليل الماء وإن زال الأوصاف على الأقوى ، بل بإجراء الكثير عليها ، لأن قليل الماء ينجس بالملاقاة ، فلا يطهر غيره. ورواية الذنوب (2) معارضة بما روي. خذوا ما بال عليه من التراب ، وأهريقوا على مكانه ماء (3). أو أنه جف بغير الشمس ، فأمر بإلقاء ذنوب عليه ليجف بالشمس ، فيطهر حينئذ.

ولو وقع قليل المطهر طهرها. ولو كانت النجاسة جامدة أزيلت عينها. ولو خالطت أجزاء التراب ، لم يطهر إلا بإزالة الجميع.

ص: 290


1- وسائل الشيعة 2 - 1043 ح 5.
2- عمدة القارئ في شرح البخاري 1 - 884.
3- كنز العمال 5 - 84 الرقم 1753.

ولو بقيت رائحة البول ، أو لونه لم يطهر ، لأن وجودهما دليل على بقاء النجاسة ، ما لم يعلم أن الرائحة باعتبار المجاورة.

الثالث : النار تطهر ما أحالته رمادا من الأعيان النجسة بالذات أو بالعرض ، لأنها أقوى إحالة من الماء. ولو لم يستحل ، لم يطهر ، وإن تغيرت صفاته.

ولو كان اللبن مضروبا في الطين النجس الممتزج بالبول وشبهه ، فاحترق أجزاء أو خزفا ، طهر.

الرابع : تطهر الأرض أسفل الخف والنعل والقدم دون غيرها ، لقوله علیه السلام : إذا وطئ أحدكم الأذى يخفه ، فطهورها التراب (1). ولأن الصادق علیه السلام سئل عن رجل يطأ برجله على الموضع الذي ليس بنظيف ، ثم يطأ بعده مكانا نظيفا؟ قال : لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك (2). ولعدم انفكاك النعل وشبهه عن ملاقاة النجاسة ، فلو اقتصر في تطهيره على الماء لزم الحرج.

ولا فرق بين ذلك النعل والقدم قبل جفاف أو بعده مع زوال العين ، ولا بين الدلك بأرض رطبة أو يابسة إذا عرف زوال العين. أما لو وطئ وحلا ، فالأقرب عدم الطهارة.

ولو دلك النعل بالأرض والتراب وأزال العين من غير مشي ، فالأقرب الطهارة. ولو دلكهما بالأجسام الصلبة كالخشب ، أو مشى عليها ، فإشكال. والأقرب عدم التخطي إلى وجه الشمشك وجوانبه ، للاقتصار(3)بالرخص على مواردها.

الخامس : الإسلام يطهر الكافر الأصلي والمرتد عن غير فطرة ، وعنها إشكال.

ص: 291


1- كنز العمال 5 - 88 الرقم 1879.
2- وسائل الشيعة 2 - 1046 ح 1.
3- في « ق » اقتصارا.

السادس : انقلاب الخمر مطهرها لها(1)، سواء كان بعلاج أو غيره. أما النبيذ فإشكال ، ينشأ : من زوال علة التنجيس التي هي الإسكار. ومن عدم التنصيص عليه بالخصوصية. ولو استحال الدبس النجس إلى الخل ، لم يطهر.

والعصير إذا غلى واشتد لحقه حكم التنجيس ، ويطهر بانقلابه خلا ، أو ذهاب ثلثيه. وانقلاب النطفة والعلقة إلى الإنسان مطهر. وكذا الدم إذا صار قيحا أو صديدا.

ولو وقع الخنزير وشبهه في ملاحة فاستحال ملحا ، أو العذرة في البئر فاستحالت حماة ، لم يطهر ، لقيام النجاسة بالأجزاء لا بالصفات والأجزاء باقية ، ولأن النجاسة لم يحصل بالاستحالة فلا تزول بها.

ولو استحالت الأعيان النجسة ترابا ، فالأقرب الطهارة ، لقوله علیه السلام : وترابها طهورا.

خاتمة :

كل نجاسة عينية لاقت محلا طاهرا ، فإن كانا يابسين ، لم يتغير المحل عن حكمه ، لأن مجرد المجاورة لا يوجب الانفعال ، إلا الميتة فإنه ينجس الملاقي لها مطلقا على إشكال.

ودخان الأعيان النجسة ورمادها طاهران ، للاستحالة المقتضية للطهارة. ولو استصحب الدخان شيئا من أجزاء النجاسة ، باعتبار الحرارة المقتضية للصعود ، فهو نجس ، ولهذا نهي عن الاستصباح بالدهن النجس تحت الظلال ، لعدم انفكاك ما يستحيل من الدخان عن استصحاب أجزاء دهنية اكتسبت حرارة أوجبت ملاقاة الظل. ويجوز تحت السماء.

ص: 292


1- في « ق » يطهرها.
المطلب الخامس: ( في تطهير الأواني )

إذا ولغ الكلب في الإناء ، نجس الماء وأهريق ، وغسل ثلاث مرات أولاهن بالتراب ، لقول الصادق علیه السلام : عن الكلب رجس نجس لا تتوضأ بفضله (1). ولا يجب غسله سبع مرات ، لقوله علیه السلام : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات (2). وقول الصادق علیه السلام : واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين(3).

وهل يقوم الصابون والأشنان والجص وأشباهها مقامه؟ يحتمل ذلك مطلقا ، لأنه كان أبلغ في الإزالة من التراب. والمنع مطلقا ، لأنها طهارة متعلقة بالتراب ، فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم ، والجواز مع فقد التراب ، إقامة لغيره مقامه للضرورة.

وهل يكفي الماء ثلاث مرات؟ يحتمل ذلك ، لأن القصد التطهير والماء أبلغ فيه. والعدم لأنها طهارة مغلظة جمع فيها بين جنسين ، فلا يجوز الاقتصار على أحدهما ، والجواز عند فقد التراب وشبهه.

ولا يجزي التراب النجس ، لأن النجس لا يطهر غيره ، ويحتمل الإجزاء ، لأن المقصود الاستعانة على القلع بشي ء آخر ، فكان كالدبغ بالنجس.

وهل يفتقر إلى مزجه بالماء أم يكفي ذره على المحل؟ إشكال ، ينشأ : من افتقاره إلى إيصال التراب إلى جميع أجزاء المحل ، ولافتقار صدق الغسل إليه. ومن أصالة البراءة. فإن قلنا بالأول لم يقتصر على غير الماء ، بل يجوز المضاف كالخل وماء الورد ، إذا المقصود من تلك الغسلة التراب على إشكال ، ينشأ من

ص: 293


1- وسائل الشيعة : 2 - 1015 ح 2.
2- سنن البيهقي 1 - 240.
3- وسائل الشيعة : 2 - 1015 ح 2 وليس فيه كلمة « مرتين ».

أنه غير مطهر ، ولأن قوله علیه السلام : فليغسله ثلاثا أولاهن بالتراب (1). معناه : فليغسله بالماء ثلاثا ، وإلا لجاز الغسل بغير الماء.

والأصل فيه : أن التعفير إن ثبت تعبدا تبع فيه ظاهر النقل ، فلا يجوز غير التراب ، وإن كان ماء. ولا التراب النجس ولا الممتزج بالمائعات وإن ثبت استظهارا في القلع بغير الماء فيجوز استعمال غير التراب من الأشنان وشبهه ، والمزج بسائر المائعات والتراب النجس ولا يجزي الماء. وإن ثبت جمعا بين نوعي الطهور ، وجب عين التراب الطاهر.

وإن قلنا بالثاني وجب مسحه بالتراب ودلكه به بحيث تقلع الأجزاء اللعابية من الإناء.

ولو حصل اللعاب بغير الولوغ ، فالأقوى إلحاقه به ، إذا المقصود قلع اللعاب من غير اعتبار السبب.

وهل يجزي عرقه وسائر رطوباته وأجزائه وفضلاته مجرى لعابه؟ إشكال ، الأقرب ذلك ، لأن فمه أنظف من غيره ، ولهذا كانت نكته أطيب من غيره من الحيوانات لكثرة لهثه.

ولو خيف فساد المحل باستعمال التراب ، فهو كالفاقد. ولو تكرر الولوغ ، كفت الثلاثة ، اتحد الكلب أو تعدد ، لأن جنس النجاسة واحد ، فلا فرق بين قليلها وكثيرها.

ولو أدخل يده أو رجله أو غيرهما من أجزائه ، كان كغيره من النجاسات ، وقيل : بمساواته للولوغ.

والمتولد من(2)الكلب وغيره يتبع الاسم.

ص: 294


1- كنز العمال 5 - 89.
2- في « ق » بين.

ولو وقع فيه نجاسة بعد غسله بعض العدد ، فإن كانت ذات عدد مساو للباقي كفى ، وإلا تداخلت في الباقي وغسل الزائد ، وكذا قبل غسله إلا أن التراب لا بد منه للولوغ. ثم إن افتقرت إلى الغسل ثلاثا ، وجبت الثلاث غير التراب.

ولو غسله بالتراب ثم بالماء مرة ، ثم ولغ فيه ثانيا ، وجب الاستيناف.

ولو وقع إناء الولوغ في ماء قليل ، نجس ولم يحتسب بغسله. ولا يجب في إناء الماء غسله بالتراب ، بل بالماء ، وهل يجب مرتان؟ الأقرب العدم ، وكذا ماء غسل الولوغ ، والأقرب إلحاق ماء الولوغ به ، لوجود الرطوبة اللعابية غالبا.

ولو وقع في إناء فيه طعام جامد ، ألقى ما أصابه فمه وانتفع بالباقي ، كالفأرة إذا ماتت في سمن جامد ، ولا يجب الغسل إن لم يصب فمه أو لعابه الإناء.

وألحق الشيخ رحمه اللّه الخنزير بالكلب(1). وليس بجيد ، بل الأولى غسل الإناء من ولوغه سبعا ، لقول الكاظم علیه السلام : وقد سئل عن خنزير شرب في إناء كيف يصنع به؟ يغسل سبع مرات (2).

وهل يعتبر العدد في غير الولوغ إشكال ، الأقرب اعتبار زوال عين النجاسة وأثرها. وللشيخ (3) قول بغسل الإناء من الخمر سبع مرات. لقول الصادق علیه السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : يغسله سبع مرات (4). وفي رواية وقول له ثلاثا (5). والأقرب ما تقدم ، لزوال المقتضي ، ولقول

ص: 295


1- قال في المبسوط [ 1 - 15 ] وما ولغ فيه الخنزير حكمه حكم الكلب سواء ، لأنه يسمى كلبا.
2- وسائل الشيعة : 2 - 1017 ح 1.
3- المبسوط 1 - 15.
4- وسائل الشيعة : 17 - 294 ح 2.
5- وسائل الشيعة : 17 - 294 ح 1.

الصادق علیه السلام عن الدن فيه الخمر إذا غسل فلا بأس (1). ولم يعتبر العدد ، وحمل العدد على الاستحباب.

وكذا يستحب في موت الجرذ الغسل سبع مرات. وكذا الفأرة ، لقول الصادق علیه السلام : اغسل الإناء الذي يصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات (2). ويستحب الثلاث من باقي النجاسات ، وقيل : بالوجوب.

والعدد في الولوغ وغيره إنما هو إذا صب الماء في الإناء وقلب منه ، أما لو وقع في ماء كثير ، فالأقوى عندي الطهارة بمجرد وصول الماء إلى جميع أجزاء المحل إن كانت النجاسة حكمية ، وإن كانت عينية فعند زوالها من غير اعتبار عدد وتراب ، خلافا للشيخ.

وأواني المشركين طاهرة ، للأصل ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة ، أو ملاقاة نجاسة ، لقوله علیه السلام : فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها (3). وقول الباقر علیه السلام في آنية أهل الذمة والمجوس : لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم الذي يشربون فيها (4). ولو جهل مباشرتهم لها ، كره استعمالها للاحتياط.

وتطهر بالغسل من الخمر الأواني الصلبة التي لا تشرب بأجزائه ، كالرصاص والصفر والنحاس والزجاج والخزف المطلي إجماعا. وأما ما كان من الخشب والخزف غير المعصور والقرع ، فالأقرب الكراهة بعد الاستظهار في إزالة العين ، وإن بقي اللون لعسر إزالته.

ولو كان في إناء بول أو ماء نجس ، أريق وغسل. ولو رمى فيه ماء الغسل قبل الإراقة ، لم يطهر ، إلا أن يتصل بالجاري أو بكثير الواقف.

ص: 296


1- نفس المصدر.
2- وسائل الشيعة : 2 - 1076 ب 53.
3- راجع منتهى المطلب 1 - 190.
4- وسائل الشيعة : 2 - 1092 ح 2.
المطلب السادس: ( في بقايا مباحث الأواني )
اشارة

أقسام الأواني ثلاثة :

الأول : ما يتخذ من الذهب أو الفضة ، وهو محرم الاستعمال في أكل وشرب وغيره ، لقوله علیه السلام : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها (1). ولقول الصادق علیه السلام : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة (2). ولما فيه من السرف والخيلاء وانكسار قلوب الفقراء ، ووضعها لغير ما خلقت له ، وهو الانتفاع بها في المعاوضات. ويستوي في المنع الرجال والنساء ، وإن جاز للنساء التحلي تزينا.

وكذا يحرم سائر وجوه استعمالها ، كالتوضي والأكل بملعقة الفضة ، والتطيب بماء الورد من قارورة الفضة ، والتجمر بمجمرة الفضة إذا احتوى عليها أو قصد. ولا بأس بإتيان الرائحة من بعد ، لما فيه من الخيلاء ، وكسر قلوب الفقراء ، ولأن الباقر علیه السلام نهى عن آنية الذهب والفضة (3). والنهي عن الأعيان ينصرف إلى المنع من جميع وجوه الانتفاعات.

وهل يحرم اتخاذ الأواني منهما لغير الاستعمال كتزيين المجالس وغيره؟ الوجه ذلك ، لقوله علیه السلام : إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (4). ولحديث الباقر علیه السلام (5) ولأن تحريم استعمالها مطلقا يستلزم تحريم اتخاذها على هيئة الاستعمال كالطنبور ، ولأن فيه تعطيلا للمال وهو يناسب إتلافه المنهي عنه.

ص: 297


1- صحيح مسلم 3 - 1638 الرقم 2067.
2- وسائل الشيعة : 2 - 1083 ح 2.
3- وسائل الشيعة : 2 - 1084 ح 3.
4- صحيح مسلم 3 - 1637.
5- المتقدم آنفا.

ولو اتخذ إناء من أحد الجوهرين مموهة بنحاس أو رصاص ، حرم استعماله ، لاندراجه تحت العموم ، والسرف موجود فيه وإن لم يظهر.

ولا يحرم اتخاذها من غير الجوهرين وإن غلت أثمانها ، كالفيروزج والياقوت والزبرجد وغيرها من الجواهر النفيسة ، سواء قلنا إن تحريم النقدين لعينهما ، كاختصاصهما بتقويم الأشياء ووجوب حق الزكاة وجعلهما رأس مال القراض ونحو ذلك. أو لمعنى فيهما هو السرف والخيلاء ، لظهوره فيهما للفقراء وخفاء نفاسة غيرهما ، بحيث لا يدركهما إلا الخواص ، فليست في معنى النقدين.

وأما المفضض فالأقرب الكراهة دون التحريم ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله انكسر قدحه فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. وقول الصادق علیه السلام : لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح المفضض ، واعزل فاك عن موضع الفضة (1). والكراهية للخلاص من الخلاف ، وقول الصادق علیه السلام : إني أكره الشرب في الفضة وفي القداح المفضضة (2).

فروع :

الأول : لو توضأ من الآنية أو اغتسل ، صحت طهارته ، لأن فعل الطهارة وماؤها لا يتعلقان بشي ء من ذلك ، والطهارة تحصل بعد النزع المحرم ، وكذا لو جعلها مصبا لماء الوضوء ينفصل عن أعضائه إليه ، لحصول رفع الحدث قبل الاستعمال.

الثاني : لو اتخذ إناء من حديد أو غيره ، ومموهة بالذهب أو الفضة ، فإن كان يحصل فيهما شي ء بالعرض على النار ، منع(3)من استعماله ، وإلا فإشكال ينشأ : من ظهوره للفقراء فلا يحصل الخيلاء. ومن المشابهة لآنية الذهب والفضة.

ص: 298


1- وسائل الشيعة : 2 - 1086 ح 5.
2- وسائل الشيعة 2 - 1085 ح 2.
3- في « س » يمنع.

الثالث : لو كان مفضضا أو مضببا بفضة أو ذهب ، وجب عزل الفم عنها ، لقول الصادق علیه السلام : واعزل فاك عن موضع الفضة (1). ولا فرق بين كون الضبة كثيرة أو صغيرة ، على قدر الحاجة كإصلاح موضع الكسر والتوثيق أو فوقها.

الرابع : لا فرق بين المضبب بالفضة أو الذهب في ذلك ، لتساويهما في المنع والعلة.

الخامس : لو اتخذ من قدر الضبة المجوزة إناء صغير ، كالمكحلة والظرف الغالية لم يجز ، لوقوع اسم الآنية عليه.

السادس : الأقرب جواز اتخاذ حلقة من فضة وذهب ، وسلسلة ، ورأس منهما ، وأنف الذهب ، وما يربط به أسنانه. وفي تحريم الآلات كالميل والصنجة والمرآة والصفائح في قائم السيف إشكال ، أقربه عدم المنع ، لأصالة الإباحة.

الثاني : ما يتخذ من الجلود ، ويشترط طهارة أصولها والتذكية ، سواء أكل لحمها أو لا ، عملا بأصالة الطهارة. فلو اتخذ إناء من جلد نجس العين ، لم يجز وإن دبغ. ولا يشترط الدباغ بالأصل ، لكن يستحب لإزالة الزهومات.

الثالث : المتخذ من العظام ، وإنما يشترط فيه طهارة الأصل خاصة دون التذكية ، لأنه لا ينجس بالموت إذ لا تحلها الحياة. ولو كان من نجس العين كالكلب والخنزير ، لم يجز ، لنجاسته تبعا لهما.

وأما المتخذ من غير هذه من جميع الأجسام الطاهرة بالأصل ، فإنه يجوز استعماله في جميع الأشياء وإن غلت أثمانها ، لعموم « قُلْ مَنْ حَرَّمَ » (2).

ص: 299


1- وسائل الشيعة : 2 - 1086 ح 5.
2- سورة الأعراف : 32.
المطلب السابع: ( في كلام في الجلود )

جلد الميتة من ذي النفس السائلة نجس لا يطهر بالدباغ ، سواء كان أصله مأكول اللحم أو لا ، وسواء كان طاهرا في حال الحياة أو لا عند علمائنا ، لقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (1) وقول علیه السلام : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (2). وسأل محمد بن مسلم أحدهما علیهم السلام عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : لا ولو دبغ سبعين مرة (3). ولأن النجاسة بالموت ، وهي لازمة لدوام معلولها. ولا ينتفع به في اليابسات على الأقوى.

أما الشعر والوبر والصوف والريش ، فإنها لا تحلها الحياة ، فلا تنجس بالموت. وهي نجسة من نجس العين ، لأنها جزءا منه.

والكلب والخنزير والآدمي لا تقع عليها الذكاة ، ولا تطهر جلودها بالدباغ ، فإن الدباغ كالحياة بل هو أنقص ، لأن غايته نزع الفضلات ودفع الاستحالات ، والحياة أبلغ في ذلك من الدباغ ، فإذا لم تفد الحياة طهارة الكلب والخنزير لنجاسته قبل الموت ، فالدباغ أولى بعدم الطهارة ، والآدمي لا يطهر به ، لما فيه من الامتهان.

وأما باقي الحيوانات الطاهرة حال الحياة مما لا يؤكل لحمه ، فإنه يقع عليه الذكاة كالسباع ، ويطهر الجلود بها وإن لم يدبغ ، لقوله تعالى ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (4) وقوله علیه السلام : دباغ الأديم ذكاته (5). وفي آخر ذكاة الأديم دباغه (6). أقام كلا مقام الآخر.

ص: 300


1- سورة المائدة : 3.
2- سنن ابن ماجة 2 - 1194 الرقم 3613.
3- وسائل الشيعة : 3 - 249 ح 1.
4- سورة المائدة : 3.
5- راجع منتهى المطلب 1 - 192.
6- راجع منتهى المطلب 1 - 192.

والشيخ رحمه اللّه شرط في استعمال ما لا يؤكل لحمه الدباغ (1). والقصد بالدبغ نزع الفضلات بالأشياء الحريفة ، بحيث يطيب الجلد ولا يعود إلى الفساد والنتن لو وقع في الماء.

ويجوز الدباغ بالأشياء الطاهرة كالشب (2) والقرط والعفص وقشر الرمان وغيرها. وهل يجوز بالنجس نجاسة ذاتية كذرق الطائر غير المأكول أو نجاسة عرضية؟ الأقرب ذلك ، لحصول الطهارة عندنا بالتذكية. ويجب الغسل بملاقاتها. وعلى رأي الشيخ يحتمل عدم الطهارة لتوقفها عليه ، فاشتبه الاستجمار بالنجس. والطهارة ، لأن الغرض إخراج الجلد عن التعرض للعفونة والاستحالة.

ولا يكفي التجميد بالإلقاء في التراب والشمس ، لأن الفضلات لا تزول ، لعود الفساد لو رمي في الماء.

ولا يشترط الماء في الدباغ. ولا يجب غسل الجلد ، سواء دبغ بطاهر أو لم يدبغ أصلا. ولا فرق بين ظاهر الجلد وباطنه في الطهارة بالتذكية عندنا ، وبالدباغ عند الشيخ.

ولا يفتقر الدبغ إلى فعل ، فلو وقع المدبوغ في مدبغة فاندبغ طهر ، كالآنية إذا وقعت في كثير الماء.

ص: 301


1- المبسوط 1 - 82.
2- الشب : ملح معدني قابض لونه أبيض.

ص: 302

كتاب الصلاة

اشارة

وفيه مقاصد :

ص: 303

ص: 304

المقصد الأول: ( في المقدمات )

اشارة

وفيه فصول :

ص: 305

ص: 306

الفصل الأول: ( في أعدادها )

مقدمة :

الصلاة لغة : الدعاء والمتابعة. وشرعا : ذات الركوع والسجود ، فصلاة الجنائز مجاز شرعي ولغوي. وهي من أفضل الطاعات بعد المعرفة ، وأهم العبادات في نظر الشرع.

قال الصادق علیه السلام : لا أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلاة (1).

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إن عمود الدين الصلاة ، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم ، فإن صحت نظر في عمله ، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله (2).

وقال علیه السلام : لا يزال الشيطان ذعرا عن أمر المؤمن هائبا له ما حافظ على الصلوات الخمس ، فإذا ضيعهن اجترأ عليه (3).

وعن الباقر علیه السلام : قال : أتى رجل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : ادع اللّه أن يدخلني الجنة ، فقال : أعني بكثرة السجود (4).

ص: 307


1- وسائل الشيعة 3 - 25 ح 1.
2- وسائل الشيعة 3 - 23 ح 13.
3- وسائل الشيعة 3 - 18 ح 2.
4- وسائل الشيعة 4 - 978 ح 2.

وقال الصادق علیه السلام : صلاة فريضة خير من عشرين حجة ، وحجة خير من بيت من ذهب يتصدق منه حتى يفنى (1). والأخبار في ذلك كثيرة.

( في أعدادها )

الصلاة : إما واجبة ، أو مندوبة. فالواجبات تسع : الفرائض اليومية ، والجمعة ، والعيدان ، والكسوف ، والزلزلة ، والآيات ، والطواف ، والمنذور ، وشبهه. والمندوب ما عداه. والفرائض اليومية خمس : الظهر أربع ركعات ، والعصر كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء كالظهرين ، والصبح ركعتان. وتنتصف الرباعيات خاصة في السفر ، بغير خلاف في ذلك.

والنوافل الراتبة أربع وثلاثون ركعة : ثمان ركعات للظهر بعد الزوال قبلها ، وثمان للعصر قبلها ، وأربع للمغرب بعدها ، وركعتان من جلوس تعدان بركعة واحدة للعشاء بعدها وبعد كل صلاة يريد فعلها ، وثمان ركعات صلاة الليل ، وركعتا الشفع ، وركعة واحدة للوتر ، وركعتا الفجر. ويسقط في السفر نوافل الظهرين والعشاء.

وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم عدا الوتر وصلاة الأعرابي.

ص: 308


1- وسائل الشيعة 3 - 26 ح 4.

الفصل الثاني: ( في الأوقات )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في تعينها )
وفيه بحثان :
البحث الأول: ( في تعيين وقت الفرائض اليومية )

لكل صلاة وقتان : أول وهو وقت الرفاهية والفضيلة ، وآخر وهو وقت الإجزاء على الأقوى للآية (1) ولقول الباقر علیه السلام : أحب الوقت إلى اللّه تعالى حين يدخل وقت الصلاة ، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس (2).

فأول وقت الظهر زوال الشمس بإجماع العلماء ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : أمني جبرئيل علیه السلام عند باب البيت مرتين ، فصلى بي الظهر

ص: 309


1- قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) سورة الإسراء : 78.
2- وسائل الشيعة 3 - 87 ح 5.

حتى زالت الشمس ، وصلى بي العصر حين كان كل شي ء بقدر ظله ، وصلى بي المغرب حتى أفطر الصائم ، وصلى بي العشاء حتى غاب الشفق ، وصلى بي الفجر حتى حرم الطعام والشراب على الصائم ، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان كل شي ء بقدر ظله ، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شي ء مثليه ، وصلى بي المغرب للقدر الأول لم يؤخرها ، وصلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل ، وصلى بي الفجر حين أسفر. ثم التفت فقال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت فيما بين هذين الوقتين (1).

وقول الصادق علیه السلام : أتى جبرئيل بالمواقيت ، فأمر النبي صلی اللّه علیه و آله أن يصلي الظهر حين زالت الشمس ، والعصر حين زاد الظل قامة ، والمغرب حين غربت الشمس ، والعشاء حين سقط الشفق. ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة ، فأمره فصلى الظهر ، ثم لما زاد الظل قامتين أمره فصلى العصر ، ثم لما غربت الشمس أمره فصلى المغرب ، والعشاء حين ذهب ثلث الليل ، وقال : ما بينهما وقت (2).

وآخر وقت الفضيلة إذا صار ظل كل شي ء مثله ، وللآخر حتى يبقى للغروب قدر أداء العصر فتختص به ، لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (3) والغسق : الظلمة ، ولحديث الباقر علیه السلام (4).

وأول وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر.

وآخر وقت الفضيلة إذا صار ظل كل شي ء مثليه ، وللإجزاء إلى الغروب ، ولقول الصادق علیه السلام أحب الوقت إلى اللّه عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة ، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس (5).

ص: 310


1- جامع الأصول 6 - 147.
2- وسائل الشيعة 3 - 115 ح 5.
3- سورة الإسراء 78.
4- وسائل الشيعة 3 - 92.
5- وسائل الشيعة 3 - 87 ح 5.

وأول وقت المغرب غروب الشمس بالإجماع ، وآخره للفضيلة إلى ذهاب الشفق الذي هو الحمرة ، لقوله علیه السلام : الشفق الحمرة (1). لأنه علیه السلام قرأ الأعراف في المغرب. فلا يتقدر وقت الفضيلة بثلاث ركعات.

وللإجزاء إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار العشاء ، لقول الصادق علیه السلام : إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه (2). وقوله علیه السلام : إن اللّه افترض أربع صلوات : صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها ، إلا أن هذه قبل هذه واثنتان : أول وقتهما غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلا أن هذه قبل هذه (3).

وأول وقت العشاء بعد الفراغ من فريضة المغرب ، وآخره للفضيلة إلى ثلث الليل ، وللإجزاء إلى انتصاف الليل ، لما تقدم.

وأول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني المعترض في الأفق ، وهو الصبح الصادق لا الكاذب ، ويسمى « صبحا » لأنه جمع بين بياض وحمرة ، و « صادقا » لأنه صدقك عن الصبح. وآخره للفضيلة طلوع الحمرة المشرقية.

وللإجزاء إلى أن تطلع(4)الشمس ، لقول الباقر علیه السلام : وقت الغداة بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (5).

البحث الثاني: ( في تعيين وقت النوافل اليومية )

وقت نافلة الظهر بعد الزوال بلا فصل ، لإضافتها إليها ، فلا تثبت قبل المضاف إليه ، وتمتد إلى أن تبلغ زيادة الظل قدمين ، أو إلى أن يصير الفي ء مثل الشخص ، لقول الصادق علیه السلام كان حائط مسجد رسول اللّه صلى اللّه

ص: 311


1- وسائل الشيعة 3 - 149 ح 1.
2- وسائل الشيعة 3 - 132 ح 24.
3- وسائل الشيعة 3 - 115 ح 4.
4- في « س » إلى طلوع الشمس.
5- وسائل الشيعة 3 - 152 ح 6.

عليه وآله قامة ، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر ، وإذا مضى ذراعان صلى العصر ، ثم قال : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ [ قلت : لم جعل ذلك؟ قال : ] (1) لمكان الفريضة ، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة (2).

والمراد بلوغ المثل والمثلين ، لأن التقدير أن الحائط ذراع ، لقول الصادق علیه السلام : في كتاب علي علیه السلام القامة ذراع ، وسئل كم القامة؟ قال : ذراع ، إن قامة رحل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كانت ذراعا (3).

ووقت نافلة العصر بعد الفراغ من فريضة الظهر إلى أن يصير الفي ء على أربعة أقدام ، أو يصير ظل كل شي ء مثليه ، كما تقدم.

ووقت نافلة المغرب بعد الفريضة إلى أن تذهب الحمرة المغربية ، لأنه وقت فضيلة المغرب ، فتخرج بخروجه ، ولأنه أول دخول وقت الفضل للعشاء ، فلا يقع فيه نافلة غيرها ، لقول الصادق علیه السلام : إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع (4).

ووقت ركعتي الوتيرة بعد العشاء إلى انتصاف الليل ، لأنها تقع بعدها ، فتمتد بامتداد وقتها.

ووقت صلاة (5) الليل بعد انتصافه ، وكلما قرب من الفجر كان أفضل ، لأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان ينام أول الليل ويحيي آخره.

وعن الصادق علیه السلام : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه لا يصلي إلى بعد انتصاف الليل (6).

ص: 312


1- الزيادة من الوسائل.
2- وسائل الشيعة 3 - 103 ح 3 و 4.
3- وسائل الشيعة 3 - 106 ح 16.
4- وسائل الشيعة 3 - 166 ح 7.
5- في « س » نافلة.
6- وسائل الشيعة 3 - 180 ح 4.

وسئل الرضا علیه السلام عن ساعات الوتر؟ قال : أحبها إلي الفجر الأول ، وسئل عن أفضل ساعات الليل؟ قال : الثلث الباقي (1).

وسئل الصادق علیه السلام متى أصلي صلاة الليل؟ قال : صلها آخر الليل (2).

ويكره النوم بعدها ، لقول الرضا علیه السلام : إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ، ولكن ضجعة بغير نوم ، فإن صاحبه لا يحمل على ما قدم من صلاته (3).

ووقت ركعتي الفجر بعد الفراغ من الوتر ، وتأخيرها حتى يطلع الفجر الأول أفضل ، وتمتد وقتها حتى تطلع الحمرة ، لقول الباقر علیه السلام : إنها من صلاة الليل (4).

المطلب الثاني: ( في أوقات المعذورين )
اشارة

العذر : إما أن لا يسقط القضاء ويجب معه الصلاة على حسب الإمكان ، كالمتيمم يصلي في آخر الوقت إن رجا زوال عذره ، والأقرب إلحاق المستحاضة وصاحب السلس به ، وإلا ففي أوله. وإما أن يسقط ، كالجنون والإغماء والصبي والحيض والنفاس والكفر وعدم المطهر على رأي.

وأقسامه ثلاثة تشتمل على(5)مباحث :

ص: 313


1- وسائل الشيعة 3 - 197 ح 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 197 ح 3.
3- وسائل الشيعة 4 - 1062 ح 1 ب 35.
4- وسائل الشيعة 3 - 192.
5- كذا في « ق » وفي « س » و « ر » عليها.
البحث الأول: ( أن يخلو عنها آخر الوقت )

إذا وجد أحد الأعذار المسقطة للقضاء في أول الوقت وخلى آخره عنه ، كما لو طهرت أو أسلم أو أفاق أو بلغ آخر الوقت ، فإن بقي مقدار ركعة فصاعدا ، لزمه فرض الوقت ، لقوله علیه السلام : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر (1).

والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه. وهل يعتبر بحاله أو بأي من كان؟ إشكال ، فثقيل اللسان بطي ء الحركات يفتقر إلى زمان أطول من مقابله في إدراك الركعة.

وإنما يلزم فرض الوقت بشرط امتداد السلامة عن الموانع قدر الطهارة وتلك الصلاة ، فلو عاد مانع قبله فلا ، كما لو بلغ الصبي قبل آخر الوقت ثم جن ، أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه ، أو طهرت حائض ثم جنت ، أو أفاقت المجنونة ثم حاضت ، فإن مضى في حال السلامة قدر أداء تلك الصلاة بعد الطهارة لزمه أداؤها ، ومع الإهمال القضاء ، وإلا فلا.

ولو قصر الوقت عن ركعة سقطت ، ويستحب لو أدرك أقل ولو تكبيرة الإحرام ، ولا يجب ، لأن الإدراك في الخبر منوط بمقدار ركعة ، فصار (2) ، كما لو أدرك في الجمعة دون ركعة ، فإنه لا يكون مدركا لها ، نعم لو كان مأموما فالأقرب الوجوب ، لإدراكه الركعة بإدراك الركوع ، ويحتمل العدم ، لأنه وقت لا يجب به في حق غيره ، فكذا في حقه لعدم الفرق.

ولا يلزمها (3) الظهر بما يلزم به العصر ، ولا المغرب بما يلزم به العشاء ،

ص: 314


1- جامع الأصول 6 - 162 ، وسائل الشيعة 3 - 158 ح 5.
2- كذا في النسخ والظاهر : فصاعدا.
3- في « ق » ولا يلزمه.

بل لو أدركت مقدار أربع للغروب أو للانتصاف ، وجبت العصر خاصة والعشاء خاصة. أما لو زاد مقدار ركعة على الأربع في البابين لزمها الفرضان.

ثم الأربع تقع في مقابلة الظهر أو العصر احتمال ، ينشأ : من كون الظهر سابقة ، ولأنه لو لم يدرك إلا قدر ركعة لم يلزمه الظهر ، وإذا زاد على الأربع لزمه الظهر. ومن كون الظهر هنا تابعة للعصر في الوقت واللزوم ، فإذا اقتضى الحال الحكم بإدراك الصلاتين ، فالأكثر في مقابلة المتبوع ، والأقل في مقابلة التابع ، والحق الأخير لما روي : أنها لو أدركت قبل الانتصاف بقدر أربع لزمها العشاء لا غير (1). فلو كانت الأربع للظهر كانت الثلاث للمغرب ، والأخيرة للعشاء ، فيجبان معا ، وموضع الفائدة هنا لا هناك.

والأقرب اعتبار مدة الطهارة ، لأن الصلاة إنما تمكن بعد تقديم الطهارة. ويحتمل عدمه ، لأن الطهارة لا تختص بالوقت ، فلا تشترط في الإلزام ، وإنما تشترط في الصحة ، فإن الصلاة تلزم على المحدث ويعاقب على تركها.

هذا إذا كان زوال العذر قبل أداء وظيفة الوقت من الصبي ، فكذا حال غيره ، فإنها كما تمنع الوجوب تمنع الصحة. أما لو أدى الصبي الوظيفة ثم بلغ وقد بقي من الوقت مقدار الصلاة أو ركعة ، فالأقرب وجوب الإعادة ، لأن المفعول حال الصغر وقع حالة النقصان ، فلا يجزي عن الفرض بعد حصول الكمال في الوقت ، ولأنه لم يكن مخاطبا بالعبادة والآن هو مخاطب. وأداء وظيفة الوقت وإن صح فعله ، كالأمة إذا صلت مكشوفة الرأس ، لم يقع على جهة الوجوب بخلافها.

ويحتمل العدم ، لأنه من أهل الفرض ، لأنه مأمور بالصلاة مضروب على تركها ، ولا يعاقب إلا على ترك الفرض ، والأقوى الأول ، لأن الضرب هنا لطف في التمرين لا لأنه فرض.

ولو بلغ في أثناء الصلاة احتمل وجوب الاستيناف ، لأنها غير مجزية لو وقعت كاملة فكذا أبعاضها. ووجوب الإتمام ، لأنها صلاة صحيحة قد أدرك

ص: 315


1- وسائل الشيعة 3 - 134.

الوجوب فيها فيلزمه(1)إتمامها. وقد تكون العبادة تطوعا في الابتداء ثم تجب إتمامها ، كحج التطوع ، وكما لو نذر إتمام المندوب.

هذا إذا بقي للوقت مقدار ركعة لو أبطلها ، أما لو بقي أقل فالأقوى استحباب الإتمام ، مع احتمال وجوبه.

أما لو بلغ بعد أداء الظهر نفلا ثم أدرك الجمعة ، فإنه يجب عليه أداؤها كغيرها ، ولأن الجمعة أكمل من الظهر ، فإنها تتعلق بأهل الكمال ، بخلاف المسافر والعبد إذا صليا الظهر ، ثم أقام المسافر وعتق العبد وأدرك الجمعة لا تلزمهما ، لأنهما حين صليا الظهر كانا من أهل الفرض.

ولو ظنت بقاء أربع بعد الطهارة فصلت العصر ثم ظهرت الزيادة ، فإن بلغت ما يتسع للظهر أيضا لا غير ، احتمل اختصاصها بالعصر ، إذ الأولى قد كان للظهر ولم يدخل وقت العصر ، وهو في شي ء منها ، وصلاة الظهر ، لاشتراك الوقت بين الفرضين ، ووجوب تقديم الظهر إنما هو مع القدرة ، ولا قدرة مع خطاب الشرع بخلافه.

ولو لم يبلغ صحت العصر ، إما لوقوعها في المشترك ، أو لدخول الوقت وهو في أثناء الصلاة. وهل تجب الظهر؟ الأقرب القضاء ، لأن التفريط منه حيث بنى على ظن كاذب. ويحتمل العدم ، لأنه معذور حيث امتثل ، ومدرك الركعة يكون مؤديا للجميع على الأقوى ، لدلالة الخبر(2).

البحث الثاني: ( أن يخلو أول الوقت )

إذا خلا أول الوقت عن الأعذار ، ثم طرأ في آخره بعضها ، كالحيض والنفاس والجنون والإغماء ، إلا الصبي لعدم إمكان تجدده ، ولا الكفر إذ لا يسقط القضاء.

ص: 316


1- في « ق » فلزمه.
2- وهو ما روي عن النبي صلی اللّه علیه و آله أنه قال : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. وسائل الشيعة2. 158 ح 4.

فإن مضى من أول الوقت ما يتسع للطهارة وأداء الصلاة ، استقرت في ذمته(1)، وعليه القضاء لو أهمل ، لأنه أدرك ما يمكن فيه فعل الفرض ، فلا يسقط بما يطرأ بعده. ولا يشترط في وجوب الصلاة إدراك آخر الوقت.

والمعتبر أخف ما يمكن من الصلاة خالية عن الأفعال المندوبة ، حتى لو طولت صلاتها فحاضت في أثنائها والماضي من الوقت يتسع تلك الصلاة لو خففتها ، لزمها القضاء.

ولو طرأ على المسافر جنون بعد مضي وقت المقصورة ، لزمه القضاء.

وهل يعتبر مع إمكان فعل الصلاة قدر زمان إمكان الطهارة من الوقت؟ إشكال ، ينشأ : من توقف صحتها عليها. ومن إمكان تقديمها على الوقت ، إلا إذا لم يجز تقديم طهارته كالمتيمم والمستحاضة. ولو كان الماضي يتسع لتلك الصلاة دون الطهارة وهو متطهر ، فالوجه وجوب القضاء لو أهمل.

ولو كان الماضي لا يتسع لتلك الصلاة لم يلزم ، وإن أدرك أكثر من ركعة ، لأن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وهو منفي هنا ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق ، بخلاف آخر الوقت لإمكان البناء على ما وقع فيه بعد(2)خروج الوقت.

ولو أدرك من أول الزوال مقدار خمس ركعات ، وجبت الظهر خاصة.

ولو أدرك من وسط الوقت مقدار الطهارة والصلاة ، وجبت أداء ، ومع الإهمال القضاء.

البحث الثالث: ( أن يعم العذر الوقت )

وإذا عم العذر المسقط للقضاء جميع الوقت فلا قضاء إجماعا. فلو استوعب الحيض الوقت ، سقطت الصلاة أداء وقضاء لا الصوم. والكافر

ص: 317


1- في « ق » و « ر » الذمة.
2- كذا في « ق » وفي « ر » أوقعه فيه وفي « س » لإمكان البناء على أربعة بعد خروج الوقت.

الأصلي وإن خوطب بالشرائع ، لكنه إذا أسلم لم يجب عليه قضاء صلوات أيام الكفر وصيامها إجماعا ، لقوله تعالى ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) (1) ولأن إيجاب القضاء منفر(2)عن الإسلام.

ولا تلتحق الردة به ، بل يجب على المرتد قضاء زمان ردته وما تقدمها لو تركها ، لأنه التزم بفرائض الإسلام ، فلا تسقط بالردة كحقوق الآدميين.

والصبي لا قضاء عليه ، لعدم وجوب الأداء ، قال علیه السلام : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق (3). ولا يؤمر من لا يجب عليه الصلاة بفعلها ، سوى الصبي ، فإنه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشرا ، لقوله علیه السلام : مروا أولادكم بالصلاة ، وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع (4).

فيجب على الآباء والأمهات تعليمهم الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع ، والضرب على تركها بعد العشر ، لأنه زمان احتمال البلوغ بالاحتلام ، فربما بلغ ولا يصدق ، ويؤمر بالصيام مع القدرة.

وأجرة تعليم الفرائض في مال الطفل ، فإن لم يكن له مال فعلى الأب ، فإن لم يكن فعلى الإمام ، لأنه من المصالح. وفي جواز إعطاء الأجرة من مال الطفل على ما سوى الفاتحة والسورة والفرائض من القرآن والأدب وغيرهما من العلوم إشكال.

وأما المجنون فلا صلاة عليه للخبر(5). ولا قضاء ، لأنه تابع. خولف في الساهي والنائم لقوله علیه السلام : إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها ، فليقضها إذا ذكرها (6).

ص: 318


1- سورة الأنفال 38.
2- في « ق » ينفر.
3- وسائل الشيعة 1 - 32 ح 11.
4- وسائل الشيعة 3 - 12 ح 5 ، جامع الأصول 6 - 133.
5- الخبر المتقدم عنه علیه السلام : وعن المجنون حتى يفيق. وسائل الشيعة5. 32 ح 11.
6- وسائل الشيعة 5 - 348 ح 1 ، جامع الأصول 6 - 134.

والإغماء كالجنون ، ويستوي قليله وكثيره في الإسقاط ، مع استيعاب الوقت ، وإن لم يرد على يوم وليلة.

ولا يسقط القضاء بزوال العقل بسبب محرم ، كشرب مسكر أو دواء مزيل له ، لأنه غير معذور. ولو جهل كون المشروب ، أو كون الدواء مزيلا ، فلا قضاء كالإغماء.

ولو علم إسكار جنسه لكن ظن عدم الإسكار لقلته لم يعذر ، ولو وثب من موضع الحاجة ، فزال عقله ، فلا قضاء ، ولو فعله عبثا قضى.

ولو ارتد ثم جن ، وجب قضاء زمان الردة دون أيام الجنون ، لسقوط التكليف فيها. ولو سكر ثم جن ، قضى أيام السكر خاصة.

ولو ارتدت ثم حاضت أو سكرت ثم حاضت ، لم تقض أيام الحيض. وكذا لو شربت دواء حتى حاضت ، سقط أيام الحيض ، بخلاف ما لو شربت دواء أزال العقل ، لأن سقوط القضاء عن الحائض ليس من الرخص والتخفيفات بل هو عزيمة ، فإنها مكلفة بترك الصلاة. والمجنون ليس مخاطبا بترك الصلاة ، كما ليس هو مخاطبا بفعلها ، وإنما أسقط القضاء عنه تخفيفا ، فإذا فعلت ما يوجب الإغماء لم يستحق التخفيف.

ولو شربت دواء حتى ألقت الجنين ونفست ، لم يجب قضاء الصلوات ، لأن سقوط الصلاة عن النفساء عزيمة لا رخصة.

والحاصل أن من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء ، فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ، ومن أمر بالترك فامتثل لا يؤمر به إلا صوم الحائض.

المطلب الثالث: ( في الأوقات المكروهة )

الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها خمسة : وقتان تتعلق النهي فيهما بالفعل : بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

ص: 319

ووجه تعلق النهي بالفعل : أن صلاة التطوع فيهما مكروهة لمن صلى الصبح والعصر دون من لم يصليهما. ومن عجلهما في أول الوقت طال في حقه وقت الكراهة ، وإن أخرهما قصر.

وثلاثة للزمان : عند طلوع الشمس حتى ترتفع ويستولي سلطانها بظهور شعاعها ، فإنه في الابتداء ضعيف. وعند استوائها حتى تزول ، إلا يوم الجمعة.

وعند اصفرارها حتى يتم غروبها ، لقوله علیه السلام : إن الشمس تطلع ومعها قرن شيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، ثم إذا استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها (1). ومعنى قرن الشيطان قومه ، وهم عبدة الشمس يسجدون لها في هذه الأوقات. وقيل : إن معناه أن الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ، ليكون الساجد للشمس ساجدا له.

ويحتمل اختصاص الكراهة بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع كمال قرص الشمس ، لقول الصادق علیه السلام : لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ، ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس (2). وهذا النهي إنما يتوجه إلى صلاة لا سبب لها ، أي لم يخصها الشارع بوضع وشرعية(3)، بل هي التي يأتي بها الإنسان ابتداء ، أو أنها لا سبب لها متقدم على هذه الأوقات ولا مقارن لها.

فلا يكره قضاء الفرائض ، لعموم « من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها » (4) فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره ، ويستوي في زوال الكراهة قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي اتخذها وردا له.

ص: 320


1- وسائل الشيعة 3 - 171 - 172 ، جامع الأصول 7 - 176.
2- وسائل الشيعة 3 - 171 ح 2.
3- في « س » وشرعته.
4- وسائل الشيعة 5 - 348 ح 1 جامع الأصول 6 - 134.

ولا صلاة الجنازة ، لقوله علیه السلام : يا علي لا تؤخر أربعا وذكر الجنازة إذا حضرت (1).

ولا تحية المسجد وإن اتفق دخوله في هذه الأوقات لا لفرض ، لعموم « إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين » (2). ولو دخل في هذه الأوقات ليصلي التحية لا غير ، فالأقرب عدم الكراهية.

ولا ركعتا الطواف المندوب ، لوجود سببهما في هذه الأوقات.

ولا صلاة الاستسقاء ، لدعو الحاجة إليها في الوقت.

ولا الصلاة الواجبة كالخسوف والكسوف ، لأنها ربما تفوت.

ولا ركعتا الإحرام ، لحاجته إلى الإحرام في هذه الأوقات.

ولا سجود التلاوة. ولا سجود الشكر ، لأن سببه السرور الحادث.

وفي كراهة قضاء النوافل قولان.

ولا يكره التنفل بركعتين حالة(3)الاستواء يوم الجمعة ، لأنه علیه السلام : نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (4). أما باقي الأوقات الخمسة فلا يستثنى يوم الجمعة ، لأن الناس عند الاجتماع يوم الجمعة يشق عليهم مراعاة الشمس ، والتمييز بين حالة الاستواء وغيرها ، فخفف الأمر عليهم حينئذ ، ولأنهم يباكرون فيغلبهم النعاس فيطردوه بالتنفل ، لئلا يبطل وضوؤهم ، ومكة كغيرها ، لأنه معنى يمنع من التنفل ، فاستوت فيه مكة وغيرها كالحيض ، ولعموم النهي ، وليس النهي للتحريم بل للكراهة.

ولو دخل في النافلة وقت الكراهة ، احتمل الانعقاد كالصلاة في الحمام. والمنع كصوم يوم العيد.

ص: 321


1- وسائل الشيعة 2 - 797 ما يدل على ذلك.
2- جامع الأصول 7 - 162.
3- في « ق » و « ر » حال.
4- جامع الأصول 7 - 182.

فلو نذر النافلة في هذه الأوقات ، صح على الأول دون الثاني. فإن صححناه ، احتمل التخصيص بما نذره والمصير إلى غيره ، كما لو نذر أن يضحي شاة بسكين مغصوبة ، فإنه يصح نذره ويذبحها بغيرها.

ولو نذر صلاة مطلقا ، جاز إيقاعها في الأوقات المكروهة ، لأنها ذات سبب وواجبة كالفائتة.

المطلب الرابع: ( في القضاء )
اشارة

وسببه فوات الفريضة أو النافلة على المكلف ، وتجب قضاء الفريضة على كل من أخل بها إذا لم يكن ذا عذر مسقط ، سواء تركها عمدا أو سهوا ، يقظة ونوما ، أو بارتداد عن فطرة وغيرها ، أو بشرب مسكر أو مرقد ، لا بأكل الغذاء المؤدي إلى الإغماء ، لقوله علیه السلام : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها (1). وأمر المعذور بالقضاء يستلزم أولوية أمر غيره.

وينبغي القضاء على الفور محافظة على الصلاة وإبراء الذمة. وفي الوجوب قولان : أقربهما المنع ، لعدم اختصاص القضاء بوقت ، وإلا لزم قضاء القضاء. ولا خلاف في أن أول وقتها حين الذكر(2)، والأقرب امتداده بامتداد العمر.

ويجب القضاء كالأداء ، فلو تعددت ترتبت ، لأنه علیه السلام فاتته أربع صلوات يوم الخندق وقضاها على الترتيب (3) فيجب المتابعة ، لقوله علیه السلام : صلوا كما رأيتموني أصلي (4).

فلو فاته صلاة يوم ، وجب أن يبدأ في القضاء بصبحه قبل ظهره ، ثم بظهره قبل عصره وهكذا.

ص: 322


1- وسائل الشيعة 5 - 348 ح 1 جامع الأصول 6 - 134.
2- في « س » حين يذكرها.
3- جامع الأصول 6 - 142.
4- صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة.

ولو فاته عصر يوم وظهر آخر متأخر ، وجب قضاء العصر السابق أولا ثم الظهر ، لقوله علیه السلام : من فاتته صلاة فريضة فليصلها كما فاتته (1). ولأن القضاء هو الإتيان بعين الغائب في غير الوقت. ولا فرق بين كثرة الفرائض الفائتة وقلتها.

وهذا الترتيب شرط ، لو أخل به عمدا بطلت صلاته لا سهوا. وترتيب الحواضر كالفوائت إجماعا ، فيصلي ظهر يومه الحاضر بعد صبحه وقبل عصره ، وهكذا في الباقي(2). وترتيب الفوائت على الحاضرة استحبابا لا وجوبا ، تعددت أو اتحدت ، لعموم ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (3).

ولو تضيق وقت الحاضرة لم يجز القضاء ، بل وجبت الحاضرة إجماعا. ولو دخل في الحاضرة والوقت متسع عامدا ، صحت صلاته عندنا وفعل مكروها. وإن كان ناسيا استحب له أن يعدل بنيته إلى الفائتة ما دام العدول ممكنا.

ولو دخل في المتأخرة الحاضرة من العصر أو العشاء ناسيا قبل السابقة ، عدل بنيته مع الإمكان ولو قبل التسليم.

فلو ذكر سبق المغرب وقد ركع في الرابعة من العشاء ، فإن كان في الوقت المشترك ، صحت وأعاد المغرب بعدها ، وكذا الظهر. وإن كان في المختص ولم يدخل المشترك قبل التسليم ، استأنفها(4)مرتبا.

أما القضاء فلو ذكر السابقة وهو في اللاحقة ، فإن أمكنه العدول وجب ، وإلا أكملها ، وقضى الفائتة.

ولو فاتته صلاة من يوم ونسي تعيينها ، وجب عليه صبح وأربع ينوي بها ما في ذمته إما ظهرا أو عصرا أو عشاء ، ومغرب ، ويكتفي المسافر ثنائية ينوي

ص: 323


1- وسائل الشيعة 5 - 359 ح 1 ما يشبه ذلك ، عوالي اللئالي 3 - 107.
2- في « س » وهكذا البواقي.
3- سورة الإسراء : 78.
4- في « ق » استأنفهما.

بها إحدى الأربع ، وبمغرب. وقيل : الخمس. والوجه الأول ، لأصالة البراءة ، وقول الصادق علیه السلام : صلى ركعتين وثلاثا وأربعا (1).

فروع :

الأول : لو تلبس بنافلة ، فذكر(2)أن عليه فريضة ، أبطلها واشتغل بالفريضة ، وليس له العدول إليها ولا الإتمام ، لفوات الشرط ، وهو نية الفرض وحصول النهي عن التطوع بعد دخول الفريضة.

الثاني : لو ذكر فائتة وهناك جماعة في حاضرة ، دخل معهم بنية الفائتة إذا توافق (3) النظم.

الثالث : لو شرع في الفائتة على ظن السعة ، فظهر التضيق ، عدل مع الإمكان ، فإن تعذر قطعها وصلى الحاضرة إن بقي من الوقت مقدار ركعة. ولو كان أقل أتم وقضى الحاضرة.

الرابع : لو فاته ظهر وعصر من يومين وجهل السابق ، فالأحوط الترتيب ، ليحصل يقين البراءة ، فيصلي الظهر مرتين بينهما العصر أو بالعكس. ويحتمل سقوطه ، لأصالة البراءة من الزائدة.

ولو كان معهما مغرب من ثالث ، صلى الظهر ، ثم العصر ، ثم الظهر ، ثم المغرب ، ثم الظهر ، ثم العصر ، ثم الظهر ، وكذا الزائدة.

الخامس : لو فاته مغربا من يومين ، نوى تقديم السابق ، وكذا لو فاته أيام متعددة.

السادس : لو فاته صلوات سفر وحضر ، وجهل السابق ، صلى عدد الأيام ، ويصلي مع كل رباعية صلاة قصر ، سواء تعدد أو اتحد أحدهما.

ص: 324


1- وسائل الشيعة 5 - 365 ح 1 ب 11.
2- في « س » ثم ذكر.
3- في « ق » إذا اتفق.

السابع : لا ترتيب بين فوائت اليومية وغيرها من الواجبات ، ولا بين الواجبات أنفسها ، فلو فاته كسوف وخسوف بدأ بأيهما شاء ، ويحتمل الترتيب.

الثامن : الاحتياط يترتب بترتب المجبورات ، وكذا الأجزاء المنسية كالسجدة والتشهد ، سواء كانت من صلاة واحدة أو متعددة ، وسواء اتحد جنس المتروك أو اختلف.

التاسع : الأقوى عدم انعقاد النافلة لمن عليه فريضة ، لعموم : لا صلاة لمن عليه صلاة (1).

العاشر : لا يعذر جاهل الترتيب في تركه ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة.

الحادي عشر : لو نسي تعيين الرباعية ، كفاه العدد مرة واحدة ، وسقط الجهر والإخفات.

الثاني عشر : لو كان عليه منذورة وفائتة وصلى إحداهما ونسيه ، فإن اتفقتا عددا كفاه بنية واحدة مشتركة ، وإلا صلاهما معا.

الثالث عشر : لو ذكر في الأثناء التعيين ، عدل بنية الإطلاق إليه في الرباعية ، وبنية المعين إلى الفائتة إن خالفت ، مع إمكان العدول.

الرابع عشر : لو فاتته صلوات معلومة التعيين غير معلومة العدد ، صلى من تلك الصلوات إلى أن يغلب في ظنه الوفاء ، لعدم حصول البراءة من دونه. وكذا لو كانت واحدة غير معلومة العدد.

ويحتمل إلزامه بقضاء المشكوك فيه ، فلو قال : تركت ظهرا في بعض شهري وصليتها في الباقي ، وأعلم أن الذي صليته عشرة أيام ، كلف قضاء عشرين ، لاشتغال الذمة بالقرض ، فلا يسقط إلا بيقين ، وإلزامه بقضاء المعلوم تركه. فلو قال : أعلم ترك عشرة وصلاة عشرة ، وأشك في عشرة ، كلف العشرة المعلومة الترك ، بناء على أن ظاهر المسلم لا يفوته الصلاة.

ص: 325


1- أورد الرواية في الجواهر 7 - 254 ، وسائل الشيعة 3 - 206 ح 3 ما يدل على ذلك.

ولو علم ترك صلاة واحدة في كل يوم ولا يعلم عددها ولا عينها ، صلى اثنتين وثلاثا وأربعا مكررا حتى يظن(1)الوفاء.

ولو علم أن الفائت الصلوات الخمس ، صلى صلوات أيام حتى يظن الوفاء.

ولو فاتته صلاة سفر حضر وجهل التعيين ، صلى مع كل رباعية صلاة قصر ، ولو اتحدت إحداهما.

الخامس عشر : يستحب قضاء النوافل المؤقتة ، لأنها عبادة فاتت ، فشرع قضاؤها كالفرائض ، وللرواية (2). فإن تعذر القضاء ، استحب أن يتصدق عن كل صلاة ركعتين بمد ، فإن تعذر فعن كل يوم ، فإن تعذر فمد لصلاة الليل ومد لصلاة النهار ، فإن تعذر فمد لهما للرواية (3). ولا يتأكد القضاء لو فاتت بمرض.

السادس عشر : القضاء تابع للفوائت في الهيئة والعدد ، فيقضي الحاضر ما فاته سفرا قصرا ، والمسافر ما فاته حضرا تماما ، لأنه إنما يقضي ما فاته ، والفائت عدد مخصوص فلا يزيده ولا ينقصه ، لقوله « فليقضها كما فاتته » (4) وكذا يجب الإتيان بالجهر والإخفات على حسب الفائت.

ولا يستحب الإتيان بالنافلة التابعة لها ، لأن براءة الذمة من الفريضة شرط في النافلة. نعم يستحب بعد الفريضة قضاء النافلة وإن كانت متقدمة في الأداء.

ولا يجوز المساواة في كيفية قضاء صلاة الخوف أو شدته حال الأمن بل في الكمية ، وإن كانت في الحضر إن استوعب الخوف الوقت ، وإلا فتمام. وكذا لا يجوز المساواة في كيفية صلاة المريض.

ص: 326


1- في « ق » يغلب.
2- وسائل الشيعة : 5 - 350 ح 4.
3- وسائل الشيعة : 3 - 56.
4- عوالي اللئالي 3 - 107 ح 150.

السابع عشر : المريض والخائف يصليان القضاء على ما يتمكنان منه كالحاضرة ، نعم لا يقصر الخائف في قضائه وإن قصر في أدائه. ولا يجب عليهما التأخير إلى زوال العذر ، بل ولا يستحب ، لما في المبادرة من المسارعة إلى فعل الطاعات.

المطلب الخامس: ( في اللواحق )

وهي مباحث :

الأول : لا يتحقق معنى الجمع عندنا ، لأن لكل صلاة وقتين(1): مختص ومشترك ، فالمختص بالظهر من الزوال إلى انقضاء قدر أدائها. وبالعصر قدر أدائها في آخر الوقت. والمشترك ما بينهما. وبالمغرب قدر أدائها بعد الغروب.

وبالعشاء قدر أدائها آخر الوقت. والمشترك ما بينهما.

ومن خصص من علمائنا كلا بوقت ، جوز الجمع عند العذر. ويتخير بين تقديم الثانية وتأخير الأولى. ولا يشترط نية الجمع ، ولا استيعاب العذر وقتهما ، ولا الموالاة ، بل يجوز أن يتنفل بينهما ، ولا طول السفر.

الثاني : الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا ، فلا يأثم بتأخيرها إلى آخره ، لقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (2). ولو أداها في أول الوقت أو وسطه أو آخره ، يكون مؤديا للواجب.

ولو أخر من غير عذر ومات في أثناء الوقت ، قضي عنه ، لأنه ترك الواجب ، لكنه لا يأثم ما لم يظن الموت ، ويؤخر مع المكنة.

وإنما تجب القضاء إذا استقر الوجوب بإمكان الأداء ، فلا تجب القضاء لو قصر عن الكمال ، ولا يكفي إدراك ركعة. فإذا زالت الشمس دخل وقت الظهر للمختار ، وللمعذور بأول جزء أدركه بعد زوال عذره ، وإذا زال المانع

ص: 327


1- في « ق » وقتان.
2- سورة الإسراء : 78.

من التكليف - كالحيض والجنون - في أثناء الوقت أو آخره بمقدار ركعة ، وجبت الصلاة.

الثالث : يستحب تقديم الصلاة في أول الوقت ، إلا للمفيض من عرفة ، فإنه يستحب له تأخير المغرب إلى المزدلفة وإن تربع الليل. والمتنفل يؤخر الفرض لأداء سبحته. وقاضي الفرائض يؤخر الحاضرة إلى آخر وقتها. ومصلي الظهر جماعة في الحر يؤخرها ليبرد الحر. والمستحاضة تؤخر الظهر. وكذا أصحاب الأعذار يؤخرون لرجاء زوال عذرهم.

والعشاء تؤخر حتى يسقط الشفق. والإبراد بالظهر أفضل ، للأمر به. ويحتمل كونه رخصة ، فلو تكلف القوم المشقة وصلوا في الأول فهو أفضل ، وكذا الجمعة لوجود المقتضي.

والأفضل في العشاء تعجيلها بعد غيبوبة الشفق للمبادرة. وفي المغرب التعجيل ، لأن جبرئيل علیه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد (1). وفي العصر التعجيل بعد مضي أربعة أقدام ، وفي الصبح التغليس(2)للمبادرة. وفي الظهر والمغرب يوم الغيم التأخير للاستظهار.

الرابع : لا يجوز تقديم الصلاة على وقتها ، فلو صلى قبله عمدا أو سهوا أو جهلا ، لم يصح صلاته ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة.

ولو ظن الدخول فشرع في الصلاة قبله ، فإن دخل وهو في شي ء منها صحت صلاته ، لأن المأمور به التعويل على الظن مع تعذر العلم ، وإلا بطلت واستأنف لظهور كذب الظن.

الخامس : لا يجوز التعويل على الظن مع إمكان العلم ، لإمكان الخطإ. فإن تعذر العلم اكتفي بالظن المستند إلى الاجتهاد ، ولتعذر العلم فينتفي

ص: 328


1- جامع الأصول 6 - 147.
2- الغسل : محركة ظلمة آخر الليل.

التكليف به ، فإن صلى بالظن واستمر أو ظهرت صحته أجزأ ، وإلا أعاد إن لم يدخل الوقت وهو في شي ء منها.

وإن دخل وهو في الأثناء ولو قبل التسليم ، أجزأ على الأقوى ، لقول الصادق علیه السلام : إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت ، فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك (1). ولو قلنا باستحباب التسليم ، فالأقوى اشتراط غيره ، حتى الصلاة على الأول.

ولو علم عدم الدخول وهو في الأثناء استأنف ، وإن علم الدخول قبل الإكمال لو أكمل. ولو ظن الدخول فصلى ، ثم ظن وقوع الجميع قبله ، ففي نقض الاجتهاد بمثله إشكال. ولو اختلف اجتهاد شخصين ، لم يجز لظان عدم الدخول الايتمام بالآخر.

ولو ظن الزوال أو الغروب فصلى ، ثم دخل الوقت متلبسا ، فإن قلنا بالاشتراك من حين الزوال إلى الغروب ، أو جعلنا التخصيص منوطا بالمكلف ، صح التعقيب بالعصر والعشاء ، وإلا وجب ارتقاب المشترك.

السادس : لا يجوز التعويل على شك مع تعذر العلم والظن ، بل يصبر حتى يحصل أحدهما ، لأصالة البقاء.

ويجوز للأعمى والمحبوس التقليد في الدخول ، ولو تمكن من الظن بعمل راتب أو درس مثلا لم يجز التقليد. وللأعمى والمحبوس تقليد المؤذن الثقة العارف.

ولو صلى قبل دخول الوقت ، لم يصح على ما قلناه. وهل يقع نفلا؟ الأقرب المنع ، لأنه لم يقصده. وتجب معرفة الوقت ، لتوقف الامتثال عليها.

السابع : لا فرق في المنع من التقديم على الوقت بين الفرائض والنوافل الموقتة ، إلا نوافل الظهر يوم الجمعة ، فإنه يجوز تقديمها على الزوال ، لشرفه فتساوت أجزاؤه ، وللشروع في الخطبة والتأهب لها واستماعها. وصلاة الليل

ص: 329


1- وسائل الشيعة 3 - 150 ح 1 ب 25.

لشاب تمنعه رطوبة رأسه ، أو مسافر يصده سيره. وقضاؤها لهما أفضل ، وقضاء صلاة الليل بالنهار أفضل ، وكذا قضاء نوافل النهار بالليل للمبادرة.

الثامن : لو طلع الفجر وقد صلى من نوافل الليل أربعا ، أتمها وزاحم بها الفريضة ، لقول الصادق علیه السلام : إذا صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر ، فأتم الصلاة ، طلع أو لم يطلع (1).

ولو صلى من نوافل الظهرين ركعة ثم خرج الوقت ، أتمها وزاحم بها الفريضتين ، لقول الصادق علیه السلام : فإن مضى قدمان قبل أن تصلي ركعة بدأ بالأولى (2).

ولو خرج وقت المغرب قبل إكمال نافلتها ، صلى العشاء وقضاها بعدها.

ولو نسي ركعتين من صلاة الليل وذكرهما بعد الوتر ، قضاهما وأعاد الوتر.

التاسع : وقت الوتر بعد صلاة الليل ، لقوله علیه السلام : الوتر ركعة من آخر الليل (3). ويجوز تقديمه على الانتصاف ، ولو من أول الليل لمن تقدم صلاة الليل ، وقضاؤه أفضل ، وآخر الوتر طلوع الفجر.

العاشر : صلاة الصبح من صلوات النهار ، لأن أوله طلوع الفجر الثاني. والصلاة الوسطى صلاة الظهر ، لقول الباقر علیه السلام : والصلاة الوسطى هي صلاة الظهر (4). ولأنها وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة والعصر ، وقيل : العصر ، لقول علي علیه السلام لما كان يوم الأحزاب صلينا العصر بين المغرب والعشاء ، فقال النبي صلی اللّه علیه و آله : شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ اللّه قلوبهم وأجوافهم نارا (5).

ص: 330


1- وسائل الشيعة 3 - 189 ح 1 ب 47.
2- وسائل الشيعة 3 - 109 ح 31 ما يدل على ذلك.
3- جامع الأصول 7 - 32.
4- وسائل الشيعة 3 - 14.
5- صحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ص 437.

الحادي عشر : قال الشيخ رحمه اللّه : يكره تسمية العشاء بالعتمة (1). لما روي عنه علیه السلام : لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها العشاء ، فإنهم يعتمون بالإبل ، فإنهم كانوا يؤخرون الحلب إلى أن يعتم الليل ، ويسمون الحلبة العتمة (2). قال : ويكره تسمية الصبح بالفجر ، بل تسمى بما سماه اللّه ( فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) (3).

الثاني عشر : لو ظن تضيق الوقت ، عصى بالتأخير إن استمر الظن ، فإن انكشف بطلانه فلا إثم. ولو ظن الخروج صارت قضاء ، فإن كذب ظنه كان الأداء باقيا.

ولو صلى عند الاشتباه من غير ظن ، لم يصح ، وإن وقعت في الوقت. ولو تمكن من اليقين احتمل وجوبه ، ليحصل يقين البراءة. وعدمه لعدم قدرته على اليقين حالة الاشتباه.

الثالث عشر : قد بينا أن من أدرك ركعة من آخر الوقت ، وجب عليه تلك الصلاة ، والأقرب أنها أداء بأجمعها اعتبارا بأول الصلاة ، ولقوله علیه السلام : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح (4). ويحتمل كون الكل قضاء اعتبارا بالآخر ، فإنه وقت سقوط الفرض بما فعل ، ولأن الأجزاء بإزاء الأفعال ، وكون الواقع في الوقت أداء والخارج قضاء ، كما لو أوقع الجميع في الوقت أو خارجه.

ولو غاب الجدار وخفي الأذان وقد بقي مقدار ركعة ، فإن قلنا الجميع أو البعض قضاء أتم ، وإلا قصر إن اعتبرنا حالة الأداء.

ولا يجوز تأخير الصلاة إلى حد يخرج بعضه عن الوقت ، سواء قلنا إنها مقضية أو بعضها ، أو أنها مؤداة.

ص: 331


1- المبسوط 1 - 75.
2- جامع الأصول 7 - 171.
3- المبسوط 1 - 75 ، والآية سورة الروم : 17.
4- جامع الأصول 7 - 162.

ولو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسع الجميع لكن مدها بطول القراءة حتى خرج الوقت ، فالأقرب أنه يأثم ، لأن إيقاعها في الوقت واجب ، فلا يترك بالمندوب ، وفي الصحة إشكال ، أقربه المنع إن علم أو ظن الخروج قبله ، لأنه منهي عنه ، فلا يخرج عن عهدة التكليف به.

الرابع عشر : روي أنه علیه السلام قال : أول الوقت رضوان اللّه ، وآخر الوقت عفو اللّه (1). وفيه لطيفة فإن الرضوان إنما يكون للمحسنين ، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين.

وتحصل فضيلة الأولية بالاشتغال بأسباب الصلاة ، كالطهارة والأذان وستر العورة حين دخوله ، ولا يعد حينئذ متوانيا ولا مؤخرا.

ولا يشترط تقديم ما يمكن تقديمه من الأسباب على الوقت ، لينطبق العقد على أول الدخول ، فلا يشترط تقديم الستر والطهارة على الدخول ، والشغل الخفيف كأكل لقمة وكلام قصير لا يمنع إدراك الفضيلة. ولا يكلف العجلة على خلاف العادة.

ولو نذر إيقاع الصلاة في أول الوقت ، احتمل قويا وجوب تقديم الطهارة وستر العورة على دخول الوقت ، تحصيلا للنذر. وعدمه ، لأنه يتبع وجوب الفعل ، فلا تجب الطهارة ولا الستر على من لم تجب عليه الصلاة.

الخامس عشر : قد بينا استحباب الإبراد بالظهر ، وهو أن يؤخر إقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد الذي يأتيه الناس من بعد ، إلى أن يقع للحيطان ظل يمشي فيه الساعون إلى الجماعة ، فلا ينبغي التأخير عن النصف الأول من الوقت.

ولو كانت منازلهم قريبة من المسجد ، أو حضر جمع في موضع ولا يأتيهم غيرهم ، أو أمكنهم المشي إلى المسجد في كن (2) أو في ظل ، أو كان يصلي

ص: 332


1- جامع الأصول 6 - 175.
2- كن كنا وكنونا الشي ء : ستره في كنه وغطاه وأخفاه وصانه من الشمس.

منفردا في بيته ، فلا إبراد ، لزوال المقتضي وهو المشقة والتأذي بالحر ، إذ لا كثير مشقة في هذه المواضع. ويحتمل ثبوته للخبر (1). والأقرب اختصاص الاستحباب بالبلاد الحارة ، لقلة المشقة في غيرها. ويحتمل عدمه ، لأن التأذي في إشراق الشمس حاصل في البلاد المعتدلة ، بخلاف النهي عن استعمال المشمس ، فإنه يختص بالبلاد الحارة على الأقوى ، لأن المحذور الطبي لا يتوقع مما(2)يشمس في البلاد المعتدلة.

السادس عشر : لو اجتهد في موضع الاشتباه وصلى ، فإن لم يتبين الحال ، أو ظهر إيقاعها في الوقت ، أو قبله ودخل وهو في الأثناء ، صح فعله. وإن ظهر إيقاعها قبله ولم يدخل حتى فرغ استأنف. وإن ظهر إيقاعها بعد الوقت : احتمل وجوب الإعادة ، لأنه مأمور بالقضاء ولم يوقعه على وجهه. وعدمه للامتثال ، إذ هو مأمور بالاجتهاد فأشبه الصوم.

وهل يكون ما فعله قضاء أو(3)أداء؟ إشكال ، ينشأ : من أنه فعله بعد وقته ، فأشبه غيره حالة الاشتباه. ومن أنه قائم مقام الواقع في الوقت ، لمكان العذر. ولو أوقع قبل الوقت أعاد ، وإن خرج الوقت.

السابع عشر : زوال الشمس ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ، وذلك أن الشمس إذا طلعت وقع لكل شي ء شاخص ظل في جانب المغرب طويلا ، ثم ينقص بنسبة ارتفاع الشمس ، حتى إذا بلغ كبد السماء ، - وهي حالة الاستواء - انتهى النقصان.

وقد لا يبقى له ظل أصلا في بعض البلاد ، كمكة وصنعاء اليمن في أطول أيام السنة ، ولا يكون إلا في يوم واحد. وإذا بقي فهو مختلف المقدار باختلاف البلاد والفصول.

ثم إذا مالت الشمس إلى جانب المغرب ، فإن لم يبق ظل عند الاستواء ،

ص: 333


1- وسائل الشيعة 3 - 104.
2- في « س » فيما.
3- في « ق » أم.

حدث الآن في جانب المشرق. وإن بقي زاد الآن وتحول إلى المشرق. فحدوثه أو زيادته هو الزوال.

ثم إذا صار ظل الشخص مثله من أصل الشاخص إن لم يبق شي ء من الظل عند الاستواء ، أو من نهاية القدر الباقي في حالة الاستواء إن بقي شي ء منه ، خرج وقت الظهر.

ويعرف زيادة الظل بأن ينصب مقياس وبقدر ظله ، ثم يصبر قليلا ، ثم بقدره ثانيا. فإن كان دون الأول لم تزل ، وإن زاد أو لم ينقص فقد زالت.

والضابط : في معرفة ذلك الدائرة الهندسية وصفتها ، أن ينوي موضعا من الأرض خاليا من ارتفاع وانخفاض ، ويدير عليه دائرة بأي بعد شاء ، وينصب على مركزها مقياس مخروط محدد الرأس ، يكون نصف قطر الدائرة بقدر ضعف المقياس على زاوية قائمة.

ومعرفة ذلك : بأن يقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من ثلاثة مواضع ، فإن تساوت الأبعاد فهو عمود. ثم نرصد ظل المقياس قبل الزوال حين يكون خارجا عن محيط الدائرة نحو المغرب ، فإن انتهى رأس الظل إلى محيط الدائرة يريد الدخول فيه ، يعلم عليه علامة ، ثم يرصده بعد الزوال قبل خروج الظل من الدائرة ، فإذا أراد الخروج عنه علم عليه علامة ، ويصل ما بين العلامتين بخط مستقيم ، وينصف ذلك الخط ويصل بين مركز الدائرة ومنتصف الخط ، فهو خط نصف النهار. فإذا ألقى المقياس ظله على هذا الخط الذي قلنا إنه خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل. فإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه ، فقد زالت الشمس. وبهذا يعرف القبلة أيضا.

وقد يزيد الظل وينقص ويختلف باختلاف الأزمان والبلدان ، ففي الشتاء يكثر الفي ء عند الزوال ، وعند الصيف يقل ، وقد يعدم بالكلية ، كما قلنا في مكة ، فإنه يعدم قبل أن ينتهي طول النهار بستة وعشرين يوما ، وكذا بعد انتهائه بستة وعشرين يوما.

وقد روي عن الصادق علیه السلام قال : تزول الشمس في النصف من

ص: 334

حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تموز على قدم ونصف ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيلول على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من تشرين الأول على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأول على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيار على قدم ونصف (1).

واعلم أن المقياس قد يقسم مرة باثني عشر قسما ، فتسمى(2) الأقسام « أصابع ». ومرة بسبعة أقسام ، أو ستة ونصف ، وتسمى الأقسام « أقداما » فيهما. ومرة بستين قسما ، وتسمى الأقسام « أجزاء ». وقيل في الهيئة : أطول ما يكون الظل المنبسط في ناحية الشمال ظل أول الجدي ، وأقصره أول السرطان ، وهو يناسب ما روي عن الصادق علیه السلام (3).

وقد يعرف الزوال : بالتوجه إلى الركن العراقي لمن كان بمكة ، فإذا وجد الشمس على حاجبه الأيمن ، علم أنها قد زالت.

الثامن عشر : قال الشيخ : المعتبر في زيادة الظل قدر الظل الأول ، لا قدر الشخص المنصوب (4). وقال غيره : قدر الشخص ، لقول الصادق علیه السلام : إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر ، وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر (5).

والشيخ عول على رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادق علیه السلام قال : سألته عما جاء في الحديث أن صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين ، وذراعا وذراعين ، وقدما وقدمين ، فكيف يكون هذا؟ وقد يكون

ص: 335


1- وسائل الشيعة 3 - 120 ح 3.
2- في « س » فيقسم.
3- المتقدم آنفا.
4- المبسوط 1 - 73.
5- وسائل الشيعة 3 - 105 ح 13.

الظل في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال : إنما قال : ظل القامة ، ولم يقل قامة الظل ، وذلك أن ظل القامة مرة يكثر ، ومرة يقل ، والقامة قامة أبدا لا تختلف.

ثم قال : ذراع وذراعين وقدم وقدمين ، وصار ذراعا أو ذراعان تفسيرا للقامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين ذراعين. فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين ، مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به ، فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل ، وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين.

فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين (1).

وفي طريقها ضعف(2)مع إرسالها.

التاسع عشر : ظهر مما تقدم أن الوقت المختص بالظهر من الزوال إلى أن يمضي قدر أربع ركعات للحاضر ، وللمسافر قدر ركعتين ، ثم يشترك الوقت مع العصر إلى أن يبقى من النهار قدر أداء العصر ، فيختص بالعصر.

وقد بينه الصادق علیه السلام فقال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر ، حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس (3). وكذا البحث في العشاءين.

العشرون : عند غروب الشمس تجب المغرب ويحل الإفطار ، وعلامته سقوط الحمرة المشرقية على الأصح ، لقول الصادق علیه السلام : وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق (4).

ص: 336


1- وسائل الشيعة 3 - 110 ح 34.
2- وهو صالح بن سعيد ، وهو مجهول.
3- وسائل الشيعة 3 - 92 ح 7.
4- وسائل الشيعة 3 - 127 ح 3.

وقيل : غيبوبة القرص ، لقول الباقر علیه السلام : وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة (1). والأول أحوط.

وعلى الثاني يعتبر سقوط قرصها ، وهو ظاهر في الصحاري ، أما في العمران وقلل الجبال ، فالاعتبار بأن لا يرى من شعاعها شي ء على أطراف الجدران وقلل الجبال ، وتقبل الظلام من المشرق.

الحادي والعشرون : أول صلاة الغداة طلوع الفجر الثاني إجماعا.

وتحقيقه : أن ضوء النهار من نور الشمس وإنما يستضي ء بها ما هو كمد في نفسه كثيف في جوهره ، كالأرض والقمر وأجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة كالهيئات وغيرها ، وكل جسم يستضي ء وجهه من الشمس ، فإنه يقع له ظل من ورائه.

وقد قدر اللّه تعالى بلطيف حكمته جعل الشمس دائرة حول الأرض بفلكها المحيط بها الخارج مركزه عن مركزها ، وباعتبار هذا الاختلاف تختلف المغارب والمشارق.

فإذا كانت الشمس تحت الأرض وقع ظلها فوقها على شكل مخروط قاعدته ، عند سطح الأرض الظاهر ، ورأسه عند منتهى الظل ، وليس له أثر عند الفلك الخامس. فيكون الهواء المستضي ء بضياء الشمس محيطا بجوانب المخروط ، فيستضي ء حواشي الظل بذلك الهواء المضي ء ، لكن ضوء النهار ضعيف ، لأنه مستفاد ، فلا يتعد كثيرا في أجزاء المخروط ، بل كل ما ازداد بعدا ازداد ضعفا ، فإذن الكائن في وسط مخروط الظل يكون في أشد الظلام.

فإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس ، وقربت الأجزاء المستضيئة من حواشي الظل بضياء الهواء من التغير وفيه أدنى قوة ، فيدركه البصر عند قرب الصباح.

ص: 337


1- وسائل الشيعة 3 - 130 ح 17.

وعلى هذا كل ما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد مخروط الضوء ، فيزداد الضوء من حواشي إلى أن تطلع الشمس ، وأول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح ، يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود ، ويسمى « الصبح الكاذب » ويشبه ذنب السرحان لدقته واستطالته ، ويكون ضعيفا دقيقا.

ويبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ، ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا وعرضا ، فينبسط في عرض الأفق كنصف دائرة ، وهو الصادق ، فيمتلي أفق المشرق ضياء ونورا ويبلغ إلى وسط السماء.

ولا يزال يزداد ذلك الضوء إلى أن تحمر الأفق ، ثم تطلع الشمس. والحال في أمر الشفق كالحال في أمر الفجر لكن على العكس ، لأن الشمس متى غربت احمر الأفق في ناحية المغرب ، فيكون الهواء مضيئا بضياء واضح ، مثل ما كان قبل طلوع الشمس ، ثم يأخذ الضياء في الضعف إلى أن تغيب الحمرة ، ويبقى البياض مثل بياض الصبح الصادق.

ثم يزداد ضعفه شيئا فشيئا إلى أن يغيب ، ثم يتبعه خط البياض المستطيل ، لكن أقل ما يدرك ذلك ، لأنه وقت النوم ، ويدرك ظهوره عند الصباح ، لانتظار الناس إياه ، لانتشارهم في معايشهم.

الثاني والعشرون : تارك الصلاة عمدا مستحلا ، فإن كان مسلما ولد على الفطرة ، قتل من غير استنابة ، لأنه مرتد ، ولو تاب لم يسقط عنه القتل. ولو كان أسلم عن كفر ، فهو مرتد لها عن فطرة يستتاب ، فإن تاب قبلت توبته ، وإن لم يتب قتل. ولو كان كافرا ذميا لم يقتل. ولو كان قريب العهد بالإسلام ، أو نشأ في بادية وزعم أنه لا يعرف وجوبها عليه ، قبل منه وعرف الوجوب.

وإن كان غير مستحل لم يكن مرتدا ، بل يعزر على تركها ، فإن امتنع ، وإلا عزر ثانيا ، فإن امتنع وإلا عزر ثالثا ، فإن رجع وإلا قتل في الرابعة ، وقيل : في الثالثة.

ويطالب بها إلى أن يخرج الوقت ، فإذا خرج أنكر عليه وأمر بقضائها ، فإن لم يفعل عزر ، فإن انتهى وصلى برئت ذمته. وإن أقام على ذلك حتى ترك ثلاث

ص: 338

صلوات وعزر فيها ثلاث مرات ، قتل في الرابعة. ولا يقتل حتى يستتاب ، ويكفن ، ويصلى عليه ، ويدفن في مقابر المسلمين ، وميراثه لورثته المسلمين.

ولو اعتذر(1)عن الترك بمرض أو كسل ، لم يقبل عذره ، وطولب المريض بالصلاة على حسب حاله قائما ، أو جالسا ، أو مضطجعا ، أو مستلقيا ، فإن الصلاة لا تسقط عنه بحال. ولا يحل قتله بمرة واحدة ولا بما زاد ما لم يتخلل التعزير ثلاثا ، فإن عزر ثلاثا قتل بالسيف. ويحتمل أن يضرب حتى يصلي أو يموت.

ولو اعتذر عن الترك بالنسيان أو بعدم المطهر ، قبل عذره إجماعا ، ويؤمر بالقضاء ، ولا يضيق عليه ، لجواز تأخيره مدة العمر.

ولا فرق بين ترك الصلاة ، أو ترك شرط مجمع عليه ، كالطهارة والقبلة. وكذا الجزء كالركوع. أما المختلف فيه كإزالة النجاسة وقراءة الفاتحة والطمأنينة ، فلا يوجب القتل ، فإن تركه معتقدا وجوبه ، وجب عليه إعادة الصلاة ، ولا يقتل بذلك ، لأنه مختلف فيه.

وصلاة الكافر ليست إسلاما عندنا مطلقا ، لأنه عبارة عن الشهادتين. ولا فرق بين دار الحرب والإسلام في ذلك.

ص: 339


1- كذا في « ق » وفي « س » عند الترك وفي « ر » على الترك.

الفصل الثالث: ( في المكان )

ومطالبه أربعة :
المطلب الأول: ( في شرائطه )
اشارة

وهي اثنان : الأول الملك. الثاني الطهارة ، فهنا بحثان :

البحث الأول: ( الملك )

ولا يشترط أصالته ، بل لو ملك المنفعة كالمستأجر والمستعير صح ، بل ولو لم يملك لكن جاز له التصرف ، كالمواضع المباحة المشتركة بين المسلمين ، صحت الصلاة فيه.

ولا يحل في المكان المغصوب إجماعا ، لقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه. وتبطل صلاته فيه مع العلم بالغصبية والاختيار عند علمائنا أجمع ، لأن النهي في العبادات يدل على الفساد. والنهي في الأماكن المكروهة ليس عن الصلاة ، ولا عن شي ء من أجزائها ولوازمها ، بل عن وصف منفك ، كالتعرض للسيل ، وملاقاة النجاسة في الحمام والمزابل والمذابح ، وكنفار الإبل ، وبطون الأودية.

ص: 340

ولا فرق بين غصبية رقبة الأرض بأخذها ، أو دعوى(1)ملكيتها. وبين غصب المنافع بادعاء الإجارة ظلما ، أو وضع يده عليها ، أو يخرج روشنا أو ساباطا في موضع لا يحل له ، أو يغصب راحلة ويصلي عليها ، أو سفينة أو لوحا فيجعله في سفينة ويصلي عليه.

ولا فرق بين الجمعة وغيرها ، وكذا العيد والجنازة.

ولا فرق بين الغاصب وغيره في بطلان الصلاة ، سواء أذن له الغاصب أو لا. ويصح للمالك الصلاة فيه.

ولو أذن المالك اختص المأذون وإن كان الغاصب. ولو أطلق للإذن انصرف إلى غير الغاصب عرفا.

ولو أذن له في الدخول إلى داره والتصرف ، جاز أن يصلي ، وكذا لو علم بشاهد الحال.

وتجوز الصلاة في البساتين والصحاري وإن لم يحصل الإذن ، ما لم يكره المالك للعادة. ولو كانت مغصوبة لم تصح إلا مع صريح الإذن.

وجاهل الحكم غير معذور ، أما الناسي فيحتمل إلحاقه به لتفريطه بالنسيان. وعدمه ، لرفع القلم عنه. ويعذر جاهل الغصب ، إذ الظاهر صحة تصرفات المسلم.

ولو أمره بالخروج بعد إذن الكون وجبت المبادرة ، فإن صلى قاطنا حينئذ بطلت صلاته ، سواء كان الوقت متسعا أو ضيقا. ولو صلى خارجا صح إن كان الوقت ضيقا يخاف فوته مع الخروج ، وإلا فلا. ويجب عليه مع التضييق الجمع بين الخروج والصلاة ، وإن كان إلى غير القبلة للضرورة. فإن تمكن من القهقرى وجب. وكذا الغاصب.

ولو أمره بالكون فصلى جاز. فإن أمره بالخروج في الأثناء ، فإن كان

ص: 341


1- في « ر » و « س » دعواه.

الوقت ضيقا خرج مصليا ، فإن أتم قاطنا فالأقرب البطلان ، ويحتمل الصحة لمشروعية الدخول. ولو كان الوقت متسعا احتمل الإتمام لذلك. والقطع لأنه غير مأذون له في الصلاة صريحا ، وقد وجد المنع صريحا. والخروج مصليا كالتضيق ، للمنع من قطع عبادة مشروعة ، فأشبهت المضيق.

أما لو أذن له في الصلاة ، فشرع فيها ، ثم أمره بالخروج ، فالأقرب الإتمام. ويحتمل الأخيرين مع السعة ، والخروج مصليا مع التضييق. ولا فرق بين الفرائض والنوافل في ذلك كله.

أما الصوم في المكان المغصوب فإنه سائغ ، إذ ليس الكون في المكان جزءا منه ولا لازما.

ولو نذر قراءة القرآن ، لم يجز في المكان المغصوب. وكذا أداء الزكاة. ويجزي أداء الدين. والطهارة كالصلاة في المنع.

والمشتبه بالمغصوب حكمه حكمه.

البحث الثاني: ( الطهارة )

ويشترط طهارة المكان من النجاسات المتعدية إليه غير المعفو عنها إجماعا ، لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (1). وأما ما لا يتعدى إليه كاليابسة ، فلا يشترط إلا طهارة موضع الجبهة دون غيرها من مساقط أعضاء السجود على الأصح ، وغيرها عملا بالأصل ، ولقول الصادق علیه السلام : لا بأس ، لما سئل عن الشاذكونة يصلى عليها وقد أصابتها الجنابة (2).

ولا يشترط طهارة السقف وإن كان يحتك به ، ولا الجدار الملتصق به. ولو صلى على بساط وتحته نجاسة ، أو على طرف منه آخر نجاسة ، أو على سرير قوائمه على النجاسة ، صح ، سواء تحرك بحركته أو لا.

ص: 342


1- سورة المدثر : 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 469 ح 3.

ولو كان على رأسه عمامة وطرفها يسقط على نجاسة ، صحت صلاته. ولو كان ثوبه يمس شيئا نجسا ، كثوب من إلى جانبه صحت.

ولا يشترط طهارة موضع الجبهة بكمالها على الأقوى ، بل لو كان القدر المجزي طاهرا والباقي نجسا صح. ولو كان بين جبهته وبين النجاسة حائل صحت صلاته ، بخلاف المغصوب. وهل يكون مكروها؟ إشكال.

ولو اشتبه المكان النجس بالطاهر ، فإن كان الموضع محصورا كالبيت والبيتين ، لم تجز الصلاة عليه ، وإلا جاز دفعا للمشقة. ولا يجوز التحري عندنا. ولو اضطر إلى الصلاة في المشتبه ، وجب عليه التكرير والزيادة بصلاة واحدة على ما وقع الاشتباه فيه.

فلو نجس بيت واشتبه بآخر ، وجبت صلاتان. ولو نجس بيتان واشتبه بثالث ، وجبت ثالثة. وهكذا كالثياب. ولو ضاق الوقت ، احتمل التخيير والتحري ، فيجتهد سواء اتحد البيت أو تعدد.

المطلب الثاني: ( في الأمكنة المكروهة )
اشارة

نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن الصلاة في سبعة مواطن (1) : المزبلة ، والمجزرة ، وقارعة الطريق ، وبطن الوادي ، والحمام ، وفوق ظهر بيت اللّه تعالى ، وأعطان الإبل (2). وقد روى علماؤنا أزيد من ذلك.

ويشتمل على مسائل :

الأول : النهي عن المزبلة والمجزرة ، لعدم انفكاكهما عن النجاسات. فلو وضع تحت جبهته شيئا طاهرا وصلى ، صحت صلاته على كراهية.

الثاني : قارعة الطريق ، وهي التي تقرعها الأقدام ، ففاعل بمعنى مفعول ،

ص: 343


1- في « س » مواضع.
2- جامع الأصول 6 - 312.

لغلبة النجاسة في الطريق ، ولأن مرور الناس يشغله عن الصلاة ، ولأنه يمنع المارة من السلوك ، ولقول الصادق علیه السلام : فأما على الجواد فلا (1).

ولا فرق بين البراري وغيرها ، ولا بأس بالصلاة على الظواهر التي بين الجواد ، للأصل ، ولقول الصادق علیه السلام : ولا بأس أن تصلي في الظواهر التي بين الجواد (2). ولا فرق بين أن يكون في الطريق سالك أو لم يكن.

وتكره الصلاة في الشوارع لوجود المقتضي.

الثالث : بطن الوادي يخاف فيه السيل فيسلب الخشوع ، فلهذا كرهت الصلاة فيه. فإن أمن السيل ، احتمل بقاء الكراهة ، اتباعا لظاهر النهي. وعدمها لزوال موجبها. وتكره الصلاة في مجرى الماء لذلك أيضا.

الرابع : الحمام تكره الصلاة فيه إن علمت طهارته أو جهلت ، لقول الصادق علیه السلام : عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومارة(3)الطرق ، وقرى النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجرى الماء ، والسبخ ، والثلج (4). ولكثرة النجاسات والأشياء المستقذرة فيه ، ولأنه مأوى الشيطان.

فإن جعلنا العلة النجاسة ، لم يكره في المسلخ. وإن قلنا إنه مأوى الشيطان لكشف العورة فيه كره ، وهو أقرب ، لأن دخول الناس يشغله.

وتصح الصلاة فيه وفي باطن الحمام.

الخامس : تكره الصلاة فوق الكعبة للرواية (5) ، فإن فعل صح ، بشرط أن يبرز بين يديه شيئا من السطح ، لئلا يجعل القبلة خلفه ، فيكون مستدبرا.

ص: 344


1- وسائل الشيعة 3 - 445 ح 2.
2- نفس المصدر.
3- وفي « س » ومسان الطرق ، كما في الوسائل.
4- وسائل الشيعة 3 - 441 ح 6 و 7.
5- وسائل الشيعة 3 - 248 ب 19 ح 1.

ولا يشترط نصب سترة بين يديه ، كما لو صلى خارج العرصة إليها متوجها إلى هواء البيت. ويصلي قائما يستقبل أي جهة شاء ، مع إبراز بعض السطح.

وقد روي : أنه يستلقي على قفاه ويصلي بالإيماء متوجها إلى البيت المعمور (1). فإن قلنا بالرواية شرطنا الضرورة.

وتكره الفريضة خاصة جوف الكعبة. ويستحب النافلة ، لأنه بالصلاة فيها ربما يتعذر عليه الجماعة ، ولأنه باستقبال أي قبلة أراد يستدبر أخرى. ولقول أحدهما علیهماالسلام : لا تصل المكتوبة في الكعبة (2).

ولو صلى فيها صحت صلاته ، ويستقبل أي جدرانها شاء ، وإن كان إلى بابها المفتوح ، وليس له عتبة مرتفعة.

السادس : تكره [ الصلاة ] في معاطن الإبل وهي مباركها ، سواء خلت عن أبوالها أو لا ، لأنها طاهرة عندنا ، لقوله علیه السلام : إذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن الإبل ، فاخرج منها وصل ، فإنها جن من جن خلقت ، ألا ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها (3). والصلاة تكره في مأوى الجن والشياطين. ولهذا قال علیه السلام : اخرجوا من هذا الوادي فإنه فيه شيطانا (4). ولأنه قد يخاف من نفارها ، وهو يبطل الخشوع.

ولا تكره في مرابض الغنم للأصل ، ولقوله علیه السلام : إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم ، فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة (5).

السابع : المقابر تكره الصلاة فيها ، لقوله علیه السلام : الأرض كلها مسجدا إلا المقبرة والحمام (6). فإن صلى صحت كغيرها ، سواء استقبل القبر

ص: 345


1- وسائل الشيعة 3 - 248 ح 2.
2- وسائل الشيعة 3 - 245 ح 1.
3- كنز العمال 4 - 74 ح 1484.
4- مستدرك الوسائل أبواب مكان المصلي ح 2 ب 12 ما يشبه ذلك.
5- جامع الأصول 6 - 311.
6- وسائل الشيعة 3 - 454 ح 7.

أو لا على كراهية. فإن جعل بينه وبينه حائلا ولو عنزة ، أو بعد عشرة أذرع عن يمينه ويساره وقدامه ، زالت الكراهة. وروي جواز الصلاة إلى قبور الأئمة علیهم السلام في النوافل خاصة (1).

قال الشيخ : والأحوط الكراهة (2). ويكره أن يصلى على القبر ، سواء تكرر الدفن فيه ونبش أو لا ، إلا أن يمازجه نجاسة متعدية.

الثامن : بيوت الغائط تكره الصلاة فيها ، لعدم انفكاكها من النجاسة غالبا ، فإن صلى صحت ما لم تتعدى نجاستها إليه ، ويصح على سطحها.

التاسع : تكره الصلاة في بيوت النيران ، حذرا من التشبيه بعبادها.

العاشر : بيوت المجوس تكره فيها الصلاة ، لعدم انفكاكها عن النجاسة ، فإن رش الأرض زالت الكراهة ، لأن الصادق علیه السلام قال : رش وصل ، لما سئل عن الصلاة في بيوت المجوس (3).

ولا بأس بالبيع والكنائس مع الطهارة ، لعموم « أينما أدركتني الصلاة صليت » (4) ولقول الصادق علیه السلام : صل فيها (5). وإن كان في الكنائس صور كرهت الصلاة فيها.

الحادي عشر : بيوت الخمور ، لعدم انفكاكها من النجاسة ، وقول الصادق علیه السلام : لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر (6).

الثاني عشر : قرى النمل ، لعدم انفكاكه من أذاها ، أو قتل بعضها.

الثالث عشر : مرابط الخيل والبغال والحمير ، لعدم انفكاكها من أبوالها

ص: 346


1- وسائل الشيعة 3 - 454 ح 1 و 2.
2- المبسوط 1 - 85.
3- وسائل الشيعة 3 - 438 ح 2.
4- جامع الأصول 6 - 319.
5- وسائل الشيعة 3 - 438 ح 3.
6- وسائل الشيعة 3 - 449 ح 1 ب 21.

وأرواثها وهي مكروهة ، وقول الصادق علیه السلام : فأما مرابط الخيل والبغال فلا (1).

الرابع عشر : الأرض السبخة ، لعدم تمكين الجبهة من الأرض ، وقد أشار الصادق علیه السلام إلى هذه العلة في قوله : لأن الجبهة لا تقع مستوية. ولو كان فيها أرض مستوية فلا بأس (2).

الخامس عشر : أرض الثلج ، لعدم التمكين أيضا ، ولا يجوز السجود عليه ، لقول الكاظم علیه السلام : إن أمكنك ألا تسجد عليه فلا تسجد عليه ، وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه (3).

السادس عشر : أرض الخسف ، كالبيداء وذات الصلاصل وضجنان وغيرها من المواضع التي سخط عليها الرب تعالى ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قال لأصحابه يوم مر بالحجر : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم(4). وعبر علي علیه السلام من أرض بابل إلى موضع ردت له الشمس فيه وصلى (5).

السابع عشر : وادي الشقرة ، بفتح الشين وكسر القاف ، واحد الشقر ، وهو شقائق النعمان. وقيل : موضع مخصوص خسف به. وقيل : ما فيه شقائق النعمان. لئلا يشتغل النظر فيه. قال الصادق علیه السلام : لا تصل في وادي الشقرة (6).

الثامن عشر : يكره أن يصلي وفي قبلته نار مضرمة ، لئلا يتشبه بعباد النار. قال الكاظم علیه السلام : لا يصلح أن يستقبل المصلي النار (7).

ص: 347


1- وسائل الشيعة 3 - 443 ح 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 448 ح 7.
3- وسائل الشيعة 3 - 457 ح 3.
4- سنن البيهقي 2 - 451 مع اختلاف يسير.
5- وسائل الشيعة 3 - 468 ح 1 و 2 ، جامع الأصول 6 - 314.
6- وسائل الشيعة 3 - 452 ح 2.
7- وسائل الشيعة 3 - 459 ح 1.

التاسع عشر : يكره أن يصلي إلى التماثيل والصور ، لما فيه من شغل النظر ، وزوال الخشوع. قال محمد بن مسلم قلت : أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها؟ فقال : لا ، اطرح عليها ثوبا (1).

العشرون : يكره أن يصلي إلى باب مفتوح ، أو إنسان مواجه ، لاستحباب السترة بينه وبين ممر الطريق. وكذا يكره أن يصلي وفي قبلته مصحف مفتوح ، لئلا يشتغل بالنظر عن الإقبال على العبادة وللرواية (2). والأقرب تعدي الحكم إلى كل شاغل من كتاب ونقش وغيره.

الحادي والعشرون : يكره أن يكون في حائط ينز من بالوعة يبال فيها ، لما فيه من التعظيم لشعائر اللّه ، وقول الصادق علیه السلام : إن كان ينز من بالوعة فلا تصل فيه ، وإن كان من غير ذلك فلا بأس (3). وفي التعدي إلى الماء النجس والخمر وشبههما إشكال.

الثاني والعشرون : يكره في أرض الرمل المنهال ، لعدم تمكنه من السجود الكامل. وكذا أرض الوحل وحوض الماء إذا تمكن من استيفاء الواجبات ، ومع عدمه يحرم إلا مع الضرورة.

الثالث والعشرون : يكره أن يصلي إلى سيف مشهور ، أو غيره من السلاح ، ولا يحرم على الأصح ، للأصل. وقال الصادق علیه السلام : لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد (4).

خاتمة :
اشارة

تشتمل على بحثين :

ص: 348


1- وسائل الشيعة 3 - 461 ح 1.
2- وسائل الشيعة 3 - 456 ب 27.
3- وسائل الشيعة 3 - 444 ح 2.
4- وسائل الشيعة 3 - 459 ح 2.
( البحث الأول ): موقف المرأة والرجل في الصلاة

الأقرب في المذهب كراهية أن يصلي الرجل وإلى جانبه أو قدامه امرأة تصلي من غير بطلان على الأقوى ، للأصل ، ولأنها لو كانت غير مصلية لم تبطل وإن لم تكن مستورة ، فكذا لو كانت مصلية.

وقيل : تبطل صلاتهما معا ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في بيت المرأة(1)عن يمين الرجل بحذاه؟ قال : لا ، حتى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه (2). ولا دلالة فيه.

ولا فرق بين المحرم والأجنبية ، ولا بين المنفردة والمصلية بصلاته. وعلى البطلان لو صلت في ضيق ، بطلت صلاة من على جانبها ومن يحاذيها من خلفها. ولو صلت عن جانب الإمام ، بطلت صلاته وصلاة المأمومين في الصف الأول.

قال الشيخ رحمه اللّه : دون المأمومين الذين هم وراء الصف الأول (3).

ولو كانت بين يديه أو إلى جانبه قاعدة لا تصلي ، أو نائمة مستورة ، أو غير مستورة ، أو من خلفه وإن كانت تصلي ، لم تبطل صلاة واحد منهما.

ولو اجتمعا في محمل ، صلى الرجل أو لا. ولو كان بينهما ساترا أو بعد عشرة أذرع ، صحت صلاتهما وإن كانت متقدمة.

والأقرب اشتراط صحة صلاة المرأة لولاه في بطلان الصلاتين ، فلو كانت حائضا أو محدثة وإن كان نسيانا ، لم تبطل صلاته ، وفي الرجوع إليها حينئذ إشكال.

وليس المقتضي للتحريم أو الكراهة النظر ، لجواز الصلاة وإن كانت

ص: 349


1- في الوسائل : في بيت واحد.
2- وسائل الشيعة 3 - 427 ح 3.
3- المبسوط 1 - 86.

قدامه عارية ، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه. ولو صلت خلف الرجل صحت صلاتها معه.

البحث الثاني: ( السترة )

ويستحب أن يصلي إلى سترة ، فإن كان في مسجد أو بيت ، صلى إلى حائطه أو سارية. وإن صلى في فضاء أو طريق ، صلى إلى شي ء شاخص بين يديه ، أو ينصب بين يديه عصا أو غيره ، أو رحلا ، أو بعيرا معقولا إجماعا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يترك له الحربة ويصلي إليها ، ويعقل(1)البعير فيصلي إليه ، وركز له العنزة فصلى الظهر ركعتين ، ويمر بين يديه(2)الحمار والكلب ولا يمنع (3).

والأولى أن يكون قدر الذراع فما زاد. ولا حد لها في الغلظة والرقة ، فيجوز بالسهم والخشبة والحائط ، والأعرض أولى. ويجوز أن يستر بالبعير والحيوان والدابة.

ولو لم يجد سترة خط على الأرض خطا وصلى إليه ، إذ القصد بالسترة إظهار حريم لصلاته ، ليضطرب فيه في حركاته وانتقالاته ، ولا يزاحمه غيره ، ولا يشغله عن صلاته. ولو كان معه عصاء لا يمكنه نصبها ألقاها بين يديه عرضا.

ويستحب أن يدنو من سترته ، لأنه أصون لصلاته ، وأبعد من حيلولة المار به. فإن بعد فهو كغير المستتر. وليست السترة واجبة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى بمكة ليس بينه وبين الطواف سترة. وصلى علي علیه السلام بمنى إلى غير جدار ، وأتى نادي العباس فصلى إلى غير سترة.

ص: 350


1- في « ر » و « س » يعرض.
2- في « ق » يدي.
3- راجع وسائل الشيعة 3 - 436 ب 12.

وسترة الإمام سترة لمن خلفه ، لأنه علیه السلام صلى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى.

ولو كانت السترة مغصوبة لم يأت بالمأمور به شرعا.

ويكره أن يمر بين المصلي وسترته ، وللمصلي دفعه ، وليس له ضربه عليه. ولو لم يجعل بين يديه سترة ، لم يكن له دفع المار على إشكال. ولا يجب على المدفوع الامتثال ، لعدم تحريمه. ولو لم يجد المار سبيلا سواه ، جاز المرور ولا يدفعه المصلي عنه.

ولا فرق بين مكة وغيرها في استحباب السترة.

المطلب الثالث: ( في المساجد )

يستحب اتخاذ المساجد استحبابا مؤكدا ، لما فيه من الحث على الاجتماع في الصلوات والخشوع ، قال اللّه تعالى ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ ) (1) الآية. وقال الصادق علیه السلام : من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنة (2).

ولا يجوز اتخاذها في المواضع المغصوبة ، ولا الطرق المسلوكة. ولا بأس على بئر الغائط إذ طم وانقطعت رائحته.

ويستحب اتخاذها جما. ويكره أن يكون مشرفة ، لأن عليا علیه السلام رأى مسجدا قد شرف ، فقال : كأنه بيعة ، وقال : إن المساجد تبنى جما (3).

ويكره تظليلها ، لأن الحلبي سأله عن المساجد المظللة يكره القيام فيها؟ قال : نعم ، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم ، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك (4).

ص: 351


1- سورة التوبة : 18.
2- وسائل الشيعة 3 - 486 ح 2.
3- وسائل الشيعة 3 - 494 ح 2.
4- وسائل الشيعة 3 - 488 ح 2.

وقال الصادق علیه السلام بنى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مسجده ، فاشتد الحر عليهم ، فقالوا : يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فظلل فقال : نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر ، فعاشوا فيه حتى أصابهم المطر ، فجعل المسجد يكف عليهم ، فقالوا : يا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فطين ، فقال لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لا عريش كعريش موسى علیه السلام ، فلم يزل كذلك حتى قبض صلی اللّه علیه و آله (1).

ويكره اتخاذ المحاريب فيها ، لأن عليا علیه السلام كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ، ويقول : كأنها مذابح اليهود (2).

ويستحب وضع الميضاة على أبوابها في الخارج لا داخلها ، لئلا يتأذى برائحتها ، ولقوله علیه السلام : واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم (3).

وينبغي وضع المنارة على حائطها لا في وسطها ، لما فيه من التوسعة وعدم الحجاب. ولا ترفع عليه ، لأن عليا علیه السلام مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ، ثم قال : لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد (4). ولما فيه من الشرف على عورات الجيران.

ويستحب الإتيان إلى المساجد ، إذ المقصد الأقصى بعمارتها إيقاع العبادة فيها ، واجتماع الناس في الصلوات.

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في اللّه ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو يسمع كلمة تدله على الهدى ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة ترده عن ردى ، أو يترك ذنبا خشية أو حياء (5).

ص: 352


1- وسائل الشيعة 3 - 487 ح 1.
2- وسائل الشيعة 3 - 510 ح 1 ب 31.
3- وسائل الشيعة 3 - 505 ح 3.
4- وسائل الشيعة 3 - 505 ح 2.
5- وسائل الشيعة 3 - 480 ح 1.

وقال الصادق علیه السلام : من مشى إلى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة (1).

وعن الباقر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لجبرئيل : يا جبرئيل أي البقاع أحب إلى اللّه تعالى؟ قال : المساجد ، وأحب أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا منها (2).

وهذا الحكم مختص بالرجال دون النساء ، لأنهن أمرن بالاستتار. وقال الصادق علیه السلام : خير مساجد نسائكم البيوت (3).

وأفضل المساجد المسجد الحرام ، لقول الباقر علیه السلام : صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره من المساجد (4).

وعن النبي صلی اللّه علیه و آله : صلاة في مسجدي تعدل عشرة آلاف في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام ، فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة (5).

وقال الصادق علیه السلام : مكة حرم اللّه وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب علیه السلام ، الصلاة فيها مائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم. والمدينة حرم اللّه وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب علیه السلام ، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم. والكوفة حرم اللّه وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب علیه السلام ، الصلاة فيها بألف صلاة وسكت عن الدرهم (6).

وعن علي علیه السلام : صلاة في بيت المقدس ألف صلاة ، وصلاة في مسجد الأعظم مائة صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة ،

ص: 353


1- وسائل الشيعة 3 - 483 ح 1 ب 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 554 ح 2.
3- وسائل الشيعة 3 - 510 ح 2 و 4.
4- وسائل الشيعة 3 - 536 ح 4.
5- وسائل الشيعة 3 - 536 ح 5.
6- وسائل الشيعة 3 - 524 ح 12.

وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشر صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة (1).

وقصد زين العابدين علیه السلام مسجد الكوفة من المدينة ، فأناخ راحلته وصلى فيه ، ثم خرج وركب راحلته وعاد إلى المدينة ، فقال له رجل : لم أتيت يا بن رسول اللّه؟ فقال : لما رأيت (2).

ويستحب قصد مسجد السهلة بالكوفة ، قال الصادق علیه السلام : بالكوفة مسجد يقال له : مسجد السهلة لو أن عمي زيدا أتاه فصلى فيه واستجار اللّه جار له عشرين سنة ، فيه بيت إدريس الذي كان يحيط فيه ، وهو الموضع الذي خرج منه إبراهيم علیه السلام إلى العمالقة ، وهو الموضع الذي خرج منه داود علیه السلام إلى جالوت ، وتحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كل نبي خلقه اللّه عز وجل ، ومن تحته أخذت طينة كل شي ء ، وهو موضع الراكب ، فقيل له : وما الراكب؟ قال : الخضر علیه السلام (3).

وعن الباقر علیه السلام : قال : بالكوفة مساجد ملعونة ومساجد مباركة ، فأما المباركة فمسجد غني واللّه إن قبلته لقاسطة ، وأن طينته لطيبة ، ولقد وضعه رجل مؤمن ، ولا تذهب الدنيا حتى ينفجر الدنيا عنده عينان ، ويكون عليه جنتان وأهله ملعونون ، وهو مسلوب عنهم. ومسجد بني ظفر وهو مسجد السهلة. ومسجد بالحمراء ومسجد جعفي ، وليس هو مسجدهم اليوم. قال : وأما المساجد الملعونة : فمسجد ثقيف ، ومسجد الأشعث ، ومسجد جرير ، ومسجد سماك ، ومسجد بالحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة (4).

وعن الباقر علیه السلام : جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين علیه السلام : مسجد الأشعث ، ومسجد جرير ، ومسجد سماك ، ومسجد شبث بن ربعي (5).

ص: 354


1- وسائل الشيعة 3 - 551 ح 2.
2- وسائل الشيعة 3 - 523 ح 5.
3- وسائل الشيعة 3 - 533.
4- وسائل الشيعة 3 - 519 ح 1.
5- وسائل الشيعة 3 - 520 ح 2.

وعن الصادق علیه السلام : إن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قبا (1).

وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : صلى بنا علي علیه السلام ببغداد بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة ألف رجل ، فنزل نصراني من صومعته فقال : من عميد هذا الجيش؟ فقلنا : هذا ، فأقبل إليه فسلم عليه ، ثم قال : يا سيدي أنت نبي؟ فقال : لا ، النبي سيدي قد مات قال : فأنت وصي نبي؟ قال : نعم ، ثم قال له : اجلس كيف سألت عن هذا؟ قال : بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا ، قرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بهذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي ، وقد جئت أسلم فأسلم وخرج معنا إلى الكوفة ، فقال له علي علیه السلام : فمن صلى هاهنا؟ قال : صلى عيسى بن مريم وأمه ، فقال له علي علیه السلام : فأخبرك من صلى هاهنا؟ قال : نعم ، قال : الخليل علیه السلام (2).

وعن الباقر علیه السلام : صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبي (3).

ويستحب أن يقدم الداخل إلى المساجد رجله اليمنى ، والخارج اليسرى للتناسب. وأن يتعاهد نعله احتياطا في تطهيرها ، قال علیه السلام : تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم. ونهى أن يتنعل الرجل وهو قائم (4).

ويستحب الدعاء حالة الدخول والخروج قال الباقر علیه السلام : إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهرا ، وإذا دخلت فاستقبل القبلة ، ثم ادع اللّه واسأله وسم حين تدخله ، واحمد اللّه وصل على النبي صلی اللّه علیه و آله (5). وينبغي أن تدعو في الدخول فتقول : بسم اللّه

ص: 355


1- وسائل الشيعة 3 - 548 ح 2.
2- وسائل الشيعة 3 - 549 ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 - 534 ح 1.
4- وسائل الشيعة 3 - 504 ح 1.
5- وسائل الشيعة 3 - 516 ح 3.

والسلام على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وصلاة ملائكته على محمد وآل محمد ، والسلام عليهم ورحمة اللّه وبركاته ، رب اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك ، فإذا خرج قال مثل ذلك (1).

ويستحب الإسراج فيها وكنسها ، لاشتماله على نفع المترددين من التنظيف والإضاءة المحتاج إليها ، ولقوله علیه السلام : من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة ، فأخرج من ترابه ما يذر في العين غفر اللّه له (2).

وعنه علیه السلام : من أسرج في مسجد من مساجد اللّه سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج (3).

وتجنب البيع والشراء ، لأن وضعها للعبادة.

وتجنب المجانين والصبيان ، لأنهما مظنتا النجاسة ، لعدم احترازهما عنها. والأحكام ، لاشتمالها على التنازع المقتضي للكذب. وتعريف الضوال ، لما فيه من الاشتغال عن الذكر. وإقامة الحدود كذلك. ورفع الصوت فيها ، لمنافاته التذلل والخضوع.

ولقول الصادق علیه السلام : جنبوا مساجدكم البيع والشراء ، والمجانين والصبيان ، والأحكام ، والضالة ، والحدود ، ورفع الصوت (4).

ويكره دخولها لآكل المؤذيات كالثوم والبصل ، لئلا يتأذى به غيره. قال أمير المؤمنين علیه السلام : من أكل شيئا من المؤذيات فلا يقرب المسجد (5).

ويكره إخراج الحصاء منها ، فإن أخرج شيئا ، أعيد إليه ، أو إلى غيره من المساجد ، لقول الباقر علیه السلام : إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد

ص: 356


1- وسائل الشيعة 3 - 516 ح 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 511 ح 1 ب 32.
3- وسائل الشيعة 3 - 513 ح 1 ب 34.
4- وسائل الشيعة 3 - 507 ح 1.
5- وسائل الشيعة 3 - 502 ح 6.

فليردها مكانها ، أو في مسجد آخر فإنها تسبح (1).

ويكره البصاق في المسجد ، فإن غطاه بالتراب ، لأنه نوع استقذار ، فيجنب مجتمع الناس للعبادة. ولقول أمير المؤمنين علیه السلام : البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها (2).

وكذا يكره أن يقصع شيئا من القمل ، لما فيه من الاستقذار ، فإن فعل غطاه بالتراب.

ويكره الوضوء من حدث الغائط والبول فيه ، لأن الصادق علیه السلام كرهه من الحدثين (3). والأقرب التعدية إلى ما هو أغلظ كالاستحاضة. أما الأدون كالنوم والريح ، فالأقرب زوال الكراهية.

ويكره النوم في المساجد ، لأنه مظنة الحدث والجنابة ، ولأنها مواطن عبادة. وسئل الصادق عليه عن قوله تعالى ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (4) قال : سكر النوم (5).

وتتأكد الكراهية في المسجدين مكة والمدينة ، لقول الباقر علیه السلام وقد سئل عن النوم في المسجد : لا بأس إلا في المسجدين (6). وليس بمحرم ، لأن معاوية سأل الصادق علیه السلام عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : نعم ، أين ينام الناس (7).

ويكره إنشاد الشعر فيها ، لقوله علیه السلام : من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد ، فقولوا : فض اللّه فاك ، إنما نصبت المساجد للقرآن (8).

ص: 357


1- وسائل الشيعة 3 - 506 ح 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 499 ح 4.
3- وسائل الشيعة 1 - 345 ح 1 ب 57.
4- سورة النساء 43.
5- تفسير نور الثقلين 1 - 483.
6- وسائل الشيعة 3 - 497 ح 2.
7- وسائل الشيعة 3 - 496 ح 1.
8- وسائل الشيعة 3 - 493 ح 1 ب 14.

ويكره عمل الصنائع في المساجد ، لأنه وضع للعبادة لا لأمور الدنيا.

ويكره سل السيف وبري النبل ، لأنه علیه السلام نهى عن سل السيف وبري النبل وقال : إنما بني لغير ذلك (1).

ويكره كشف العورة فيه ، لأنه مناف لتعظيمه. وكذا كشف السرة والركبة والفخذ ، لأنه علیه السلام قال : كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة (2).

وتكره تعلية المساجد ، لما فيه من التشرف على العورات ، ولأن مسجده علیه السلام كان قدر قامة ، واتباعه أولى.

ويحرم إدخال النجاسة إليها ، لقوله علیه السلام : جنبوا مساجدكم النجاسة (3). وغسل النجاسة فيها. وهل يحرم الإدخال مع التلطخ؟ إشكال.

ويحرم أن يؤخذ شي ء من المساجد في ملك أو طريق ، لأنه غصب ، لاختصاصه بالعبادة العامة ، قال اللّه تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (4).

ويحرم نقشها وزخرفتها ، لأنه بدعة لم تفعل في زمانه علیه السلام .

وكذا يحرم تصويرها ، لأن الصادق علیه السلام كره الصلاة في المساجد المصورة (5).

ويحرم أخذ آلتها للتملك ، لأنه وقف على مصلحة ، فلا يجوز صرفه إلى غيرها. ولو استهدم جاز أخذ آلته لعمارة غيره من المساجد ، لاتحاد المالك وهو اللّه تعالى. وكذا لو فضل شي ء من آلته عن عمارته ، جاز أن يعمر به غيره من المساجد.

ص: 358


1- وسائل الشيعة 3 - 495.
2- وسائل الشيعة 3 - 515.
3- وسائل الشيعة 3 - 504.
4- سورة البقرة : 114.
5- وسائل الشيعة 3 - 493 ح 1.

ولو خلقت حصره أو انكسرت أجذاعه ولم ينتفع به فيه ولا في غيره من المساجد ، جاز بيعه وصرف الثمن في عمارته ، أو عمارة غيره من المساجد. ولا يجوز نقض شي ء من المساجد إلا إذا استهدم ، فإن استهدم وزالت بنيته لم يجز لأحد إجارته ولا أخذه.

ولا يجوز أن يدفن في شي ء من المساجد ، لما فيه من التضيق على المصلين. ولا يجوز هدم شي ء من البيع والكنائس إذا بنيت في أرضهم ، إلا مع اندراس أهلها ، أو إذا كانت في دار الحرب. ويجوز أخذ آلتها إذا استهدمت لعمارة المساجد للرواية (1) ، ولأنها مواطن العبادة فجاز عمارتها بها كإنقاض المساجد.

ويكره رمي الحصى فيها خذفا ، لئلا يتأذى الغير ، ولأن النبي صلی اللّه علیه و آله أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد ، فقال : ما زالت تلعن حتى وقفت ، ثم قال : الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط علیه السلام ، ثم تلا علیه السلام ( وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) (2) قال : هو الخذف (3).

وتكره المخاطبة بلسان العجم فيه ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى عن رطانة الأعاجم المساجد (4).

ويكره الاتكاء فيه ، لقوله علیه السلام : الاتكاء في المساجد رهبانية العرب ، المؤمن مجلسه مسجده وصومعته بيته (5).

ويكره أن يجعل المسجد طريقا لغير ضرورة لما فيه من ترك التعظيم.

قال الصدوق : ينبغي أن تجتنب المساجد تعليم العلم فيها ، للتأديب فيها. وجلوس الخياط فيها للخياطة ، لأنهما من الصنائع. وقد تقدم كراهتها.

ص: 359


1- وسائل الشيعة 3 - 491 ح 2.
2- سورة العنكبوت : 29.
3- وسائل الشيعة 3 - 514 ح 1.
4- وسائل الشيعة 3 - 495 ح 1 ب 16.
5- وسائل الشيعة 3 - 509 ح 4.

وإذا اتخذ في منزله مسجدا لنفسه وأهله ليصلي فيه ، جاز له توسيعه وتضييقه وتغييره وأخذه بالكلية ، لأنه لم يخرج عن ملكه ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن المسجد يكون في الدار وفي البيت ، فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه ، أو يحولوه إلى غير مكانه ، فقال : لا بأس بذلك (1). والأقرب أنه لا تثبت فيه حرمة المساجد ما لم يجعله وقفا ، فلا يختص به حينئذ.

وصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل ، والنافلة بالعكس ، خصوصا نافلة الليل ، لما في أداء الفرائض فيها من المحافظة على الجماعة.

ولا يجوز تمكين أحد من الكفار دخول المساجد مطلقا ، ولا يحل للمسلم الإذن فيه ، لقوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا ) (2) وقوله علیه السلام : جنبوا مساجدكم النجاسة (3). مع قوله ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (4).

المطلب الرابع: ( في ما يسجد عليه )

أجمع علماؤنا كافة على أنه لا يجوز السجود إلا على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض. لا في جميع الأعضاء ، بل في القدر المجزي من السجود على الجبهة ، لقوله علیه السلام : لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره اللّه ، ثم يسجد ممكنا جبهته من الأرض (5). وقال خباب : شكونا إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حر الرمضاء في جباهنا وأكفتنا ، فلم يشكنا (6). ولو ساغ السجود على الفرش لما شكوا.

ص: 360


1- وسائل الشيعة 3 - 488 ح 1.
2- سورة التوبة : 28.
3- وسائل الشيعة 3 - 504.
4- سورة التوبة : 28.
5- وسائل الشيعة 4 - 961 ما يدل على ذلك.
6- صحيح مسلم 1 - 433 كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

وقال الصادق علیه السلام : لا يجوز السجود إلا على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض (1).

ويشترط فيه أمور :

الأول : أن لا يكون مما يؤكل أو يلبس ، فلا يجوز السجود على ما يؤكل أو يلبس ، وإن كان مما تنبت من الأرض عند علمائنا ، لأن الصادق علیه السلام سئل عن الرجل يصلي على البساط من الشعر والطنافس؟ قال : لا تسجد عليه وإن قمت عليه وسجدت على الأرض فلا بأس ، وإن بسطت عليه الحصير وسجدت على الحصر فلا بأس (2).

ويجوز في حال الضرورة وضع الجبهة على الثوب من الصوف وغيره لاتقاء الحر. وكذا يجوز عند التقية ، لأن الكاظم علیه السلام سئل عن السجود على المسح والبساط؟ فقال : لا بأس في حال التقية (3). ولا تجب الإعادة. لاقتضاء الأمر الإجزاء.

ولا يشترط إلا في موضع الجبهة دون باقي مساقط الأعضاء. ولا يشترط وقوع الجبهة بأجمعها ، بل ما يتمكن به الجبهة ، وقدره بعضهم بالدرهم.

ولا يجوز على الثياب وإن كانت معمولة من نبات الأرض ، كالقطن والكتان ، لقول الصادق علیه السلام : لا يجوز السجود إلا على الأرض ، أو ما أنبته الأرض إلا ما أكل أو لبس (4).

وكذا لا يجوز على المأكول ، لقول الباقر علیه السلام : لا تسجد على الثوب الكرسف ، ولا الصوف ، ولا على شي ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي ء من الثمار ، ولا على شي ء من الرياش (5).

ص: 361


1- وسائل الشيعة 3 - 592 ح 3.
2- وسائل الشيعة 3 - 594 ح 4.
3- وسائل الشيعة 3 - 596 ح 1 ب 3.
4- وسائل الشيعة 3 - 591 ح 1 ب 1.
5- وسائل الشيعة 3 - 594 ح 1.

وإنما يحرم على المأكول والملبوس بالعادة ، فلو اتخذ من الليف أو الخوص أو ما لا يلبس عادة من نبات الأرض ثوبا ، لم يمنع من السجود عليه. ولو مزج المعتاد بغيره ففي السجود عليه إشكال. ولو كان مأكولا لا بالعادة ، جاز السجود عليه. ولو كان مأكولا عند قوم دون آخرين عم التحريم.

ويجوز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، لأن القشر حاجز بين المأكول والجبهة. وكذا يجوز السجود على فصيلهما ، لأنهما ليسا مأكولين بالعادة وإن كانا قد يؤكلان.

والكتان قبل غزله أو القطن الأقرب جواز السجود عليهما. أما الغزل فالأقرب فيه المنع ، لأنه عين الملبوس والزيادة في الصفة.

ولو قطع الثوب قطعا صغارا جدا لم يجز السجود عليها ، لأنها من جنس الملبوس.

والقرطاس إن كان متخذا من النبات جاز السجود عليه. ويكره إن كان مكتوبا ، لاشتغال النظر عن الخشوع ، ولقول الصادق علیه السلام : يكره السجود على قرطاس فيه كتابة (1). والأقرب الجواز في الأعمى. ولو اتخذ من الإبريسم لم يجز السجود عليه.

الثاني : الطهارة فلا يجوز وضع الجبهة على النجس ، سواء تعدت النجاسة أو لا. ولو وضع(2)القدر المجزي من الجبهة على طاهر لم يضر وقوع الباقي(3)على النجس غير المتعدي.

ولو سجد على دم أقل من درهم ، أو كان على جبهته ذلك فسجد عليه خاصة ، فالأقرب عدم الإجزاء مع تمكن الإزالة.

والمشتبه بالنجس كالنجس في المنع ، مع انحصار الموضع كالبيت ، لا مع انتشاره كالصحاري.

ص: 362


1- وسائل الشيعة 3 - 601 ح 3.
2- في « ق » و « ر » وقع.
3- في « ق » العليا.

ولو وضع على النجس شيئا طاهرا وسجد عليه جاز.

الثالث : الملك أو حكمه كالمباح والمأذون فيه. فلا يجوز على المغصوب مع علم الغصبية ، وإن جهل الحكم لم يعذر ، بل تجب الإعادة. ولا على مال الغير إذا لم يعلم منه الإباحة ، لأصالة منع التصرف في مال الغير بغير إذنه.

والمشتبه بالمغصوب كالمغصوب. والناسي كالعامد على الأقوى ، ويحتمل كالجاهل ، وكذا في النجس.

الرابع : تمكن الجبهة منه ، فلا يجوز السجود على الوحل مع الاختيار. وفي حال الضرورة يومي للسجود ، فإن أمن التلطخ ، فالوجه وجوب إلصاق الجبهة إذا لم يتمكن من الاعتماد عليه.

الخامس : ألا يخرج عن الأرض بالاستحالة كالمعادن ، جامدة كانت كالعقيق والملح والياقوت ، أو سائلة كالقير والنفط ، لقول الصادق علیه السلام : السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض (1). وبالاستحالة خرج عن أحدهما. ولو لم يخرج بالاستحالة عنها ، كالسبخة والرمل وأرض الجص والنورة ، جاز على كراهية.

ولا يجوز السجود على الزجاج ، لما فيه من الاستحالة ، ولا على الرماد قاله الشيخ (2) رحمه اللّه . والخمرة إن كانت معمولة بالسيور ، بحيث يعم موضع الجبهة ، لم يجز السجود عليها ، ويجوز لو كانت معمولة بالخيوط ، أو كان المجزي من الجبهة تقع على ما يصح السجود عليه.

ولا يجوز على الصهروج لأنه خرج بالاستحالة.

قال الشيخ : لا يجوز السجود على ما يكون حاملا له كطرف الرداء أو كور العمامة (3). وهو حق إن كان مما لا يجوز السجود عليه ، فإن كان مما يجوز السجود ، فالوجه الجواز.

ص: 363


1- وسائل الشيعة 3 - 591 ح 1 ب 1.
2- في المبسوط 1 - 89.
3- المبسوط : 1 - 90.

ولا يجوز على بعضه ككفه ، لأنه ليس بأرض ولا نابت منها. ويجوز في حال الحر إذا لم يكن معه ثوب ، أن يسجد على كفه.

ص: 364

الفصل الرابع: ( في اللباس )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في ستر العورة )
وفيه بحثان :
البحث الأول: ( في العورة )

عورة الرجل القبل والدبر على الأقوى ، وليس الفخذ منها ، لأن أنسا قال رأيت النبي صلی اللّه علیه و آله يوم خيبر كشف الإزار عن فخذه حتى كأني أنظر إلى بياض فخذه (1). ولقول الصادق علیه السلام : الفخذ ليس من العورة (2). ولأنه ليس مخرج الحدث فلم يكن عورة كالساق. وكذا ما بين السرة والركبة على الأقوى.

ولا السرة والركبة ، لأنه علیه السلام كان يقبل سرة الحسين علیه السلام .

ص: 365


1- جامع الأصول 6 - 299.
2- وسائل الشيعة : 1 - 364 ح 1 و 4.

ولا فرق بين الحر والعبد ولا بين البالغ وغيره.

أما الحرة البالغة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين ، لقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) (1) قال ابن عباس : الوجه والكفين (2). وقال الباقر علیه السلام : المرأة تصلي في الدرع والمقنعة (3).

البحث الثاني: ( في وجوب الستر )
اشارة

يجب ستر العورة عن العيون ، لقوله علیه السلام : لعن اللّه الناظر والمنظور إليه (4). سواء الصلاة وغيرها. ولا يجب في الخلوة في غير الصلاة إجماعا ، للأصل ، ولعدم من يستر عنه.

وستر العورة شرط في الصلاة ، فلو صلى مكشوف العورة متمكنا من سترها ، في خلوة(5)أو غيرها ، في ليل أو نهار ، في ضوء أو ظلمة ، بطلت صلاته ، لقوله علیه السلام : لا يقبل اللّه صلاة حائض إلا بخمار (6). وقول الباقر علیه السلام وقد سئل ما ترى للرجل يصلي في قميص واحد؟ قال : إذا كان كثيفا فلا بأس به (7). وهو يعطي ثبوته مع عدم الكثافة.

والذي يجب ستره على الرجل القبل والدبر خاصة.

أما الحرة البالغة فجميع جسدها ورأسها عدا الوجه والكفين والقدمين.

ويجوز للأمة والصبية أن تصليا مكشوفتي الرأس ، لقول الباقر عليه

ص: 366


1- سورة النور : 31.
2- الدر المنثور 5 - 41.
3- وسائل الشيعة : 3 - 294 ح 2.
4- وسائل الشيعة 1 - 364 ح 5.
5- في « ق » صلاة.
6- وسائل الشيعة 3 - 294 ح 4 و 13.
7- وسائل الشيعة 3 - 282 ح 1.

السلام : ليس على الأمة قناع (1). ولأنه ظاهر في أكثر الأوقات ، فأشبه وجه الحرة.

ويستحب للرجل ستر جميع بدنه بقميص وإزار وسراويل ، لقوله علیه السلام : إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فإن اللّه تعالى أحق أن يتزين له (2). وأن يصلي في أحسن ما عنده(3)من ثيابه ، ويتعمم ، ويتقمص ، ويرتدي.

فإن اقتصر على ثوبين ، فالأفضل قميص ورداء ، أو قميص وسراويل. فإن اقتصر على واحد فالقميص أولى ، ثم الإزار ، ثم السراويل. ولأن الإزار أولى ، لأنه يتجافى.

وتصلي المرأة في قميص سائغ وخمار ، وتتخذ جلبابا كثيفا فوق ثيابها لتتجافى عنها ، فلا يظهر حجم أعضائها.

ويستحب التحنك للرجل ، لقول الصادق علیه السلام : من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له ، فلا يلومن إلا نفسه (4).

ويجزي الثوب الواحد ، لأن الباقر علیه السلام صلى فيه (5). وأن يصلي في ثوب يأتزر ببعضه ويرتدي بالآخر للرواية (6).

وأن يصلي عاريا ساتر العورة خاصة ، لكن يستحب أن يجعل على عاتقه شيئا ولو كالخيط ، وليس بواجب ، لأنه ليس من العورة ، فلا يجب ستره. ولو لم يجد ساترا لم يسقط عنه الصلاة إجماعا.

ولو وجد ورق الشجر وتمكن من الستر به وجب ، وكذا لو وجد طينا يمكنه الستر به وجب ، لقول الصادق علیه السلام : النورة سترة (7). ولو وجد وحلا ، أو ماء كدرا يستر العورة لو نزله ، وجب مع انتفاء الضرر.

ص: 367


1- وسائل الشيعة 3 - 297 ح 1.
2- وسائل الشيعة 3 - 331.
3- في « ق » ما يجده.
4- وسائل الشيعة 3 - 291 ح 1 و 2.
5- وسائل الشيعة 3 - 283 ح 1.
6- وسائل الشيعة 3 - 283 ح 4.
7- وسائل الشيعة 1 - 378 ح 1.

ولو وجد حفرة تستره ، وجب نزولها وصلى قائما مع أمن المطلع.

ولو لم يجد ساترا أصلا ، فإن كان في موضع يأمن المطلع فيه صلى قائما ، لأن القيام ركن ، فلا يسقط بالعجز عن الشرط كالصلاة.

وهل يركع ويسجد؟ إشكال ، أقربه الإيماء بهما ، لأنه أقرب إلى الستر وأبعد عن الهيئة المستنكرة في الصلاة. ويحتمل إتمام الركوع والسجود ، لأنهما ركنان ، فلا يسقط بعدم الشرط ، وستر العورة اعتبر زينة وكمالا للأركان ، فلا يجوز ترك الأركان لها ، وإن لم يأمن المطلع صلى قاعدا ويومي بركوعه وسجوده ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، لقول الصادق علیه السلام فإن رآه أحد صلى جالسا (1).

فروع :

الأول : لا فرق بين الأمة القن ، وبين المدبرة ، والمكاتبة المشروطة ، وغير المؤدية ، وأم الولد. ولو انعتق بعضها فكالحرة ، مراعاة للأحوط تغليبا للحرية.

ولو أعتقت في أثناء الصلاة وهي مكشوفة الرأس ، فإن أمكنها ستره من غير فعل كثير وجب ، وإن افتقرت إلى فعل كثير ، فإن خافت فوت الصلاة أتمت ، لأن في حفظ الشرط وإبطال المشروط منافاة للحكمة. وإن لم تخف استأنفت.

ولو وجدت الستر واحتاجت إلى زمان طويل للانتظار ولم تخف فوت الوقت ، احتمل وجوبه لأنه انتظار واحد. والبطلان ، لأنها صلت في زمان طويل مع إمكان الستر فلم يصح.

الثاني : لو أعتقت ولم تعلم حتى فرغت صحت صلاتها ، لأنها امتثلت الأمر ، وهو البناء على الظاهر ، سواء أعتقت في الأثناء أو قبل الشروع. ولو علمت ولم تقدر على الستر ، مضت في صلاتها ، ولم يلزمها الإعادة.

ص: 368


1- وسائل الشيعة 3 - 326 ح 3.

والصبية الحرة كالأمة في تسويغ كشف الرأس. ولو بلغت في الأثناء بغير المبطل ، فكالأمة إذا أعتقت فيه ، لكن الصبية متى تمكنت من الاستيناف وجب ، لأن المفعول أولا لم يكن واجبا.

الثالث : لو انكشفت بعض العورة في الصلاة ، بطلت قل أو كثر ، لبطلان المشروط عند زوال الشرط ، سواء الرجل والمرأة ، سواء قل عن الدرهم أو كثر.

وللشيخ قول : إن العورة لو انكشفت في الصلاة سترها ولم تبطل صلاته (1).

الرابع : لو لم يعلم بانكشاف عورته ، فالوجه صحة صلاته ، كطهارة ثوبه ، ولقول الكاظم علیه السلام : لا إعادة عليه وقد تمت صلاته (2).

الخامس : لو وجد ما يستر بعض عورته وجب ستره به. ولو كان الموجود يكفي إحداهما خاصة ، فستر القبل أولى ، لظهوره واستقبال القبلة به.

ولو كان في ثوبه خرق ، فجمعه وأمسكه بيده ، فصلاته صحيحة. ولو وضع يده على موضع الخرق وستره بيده ، احتمل الإجزاء لحصول الغرض. وعدمه ، لأن إطلاق السترة على ما يعطي العورة من غير البدن.

السادس : لو صلى قاعدا مع خوف المطلع ، لم تجب الإعادة ، لأنه فعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة.

السابع : لو كان محبوسا في موضع نجس لو سجد لسجد على نجاسة لا يتم السجود. وهل يجب بلوغ الغاية في أدنى الجبهة من الأرض؟ إشكال.

ولو وجد ما يستر عورته مما يصح السجود عليه لو فرشه لبقي عاريا ، فإن كان في موضع الخوف من المطلع ، ستر به العورة وأومأ بالسجود ، إذ مع فرشه يومي أيضا ، فيحصل مع الستر بالشرط ، وإن كان في موضع الأمن وقلنا

ص: 369


1- المبسوط : 1 - 87.
2- وسائل الشيعة : 3 - 293.

بالإيماء فكذلك. وإن أوجبنا كمال السجود ، احتمل وجوب فرشه ، وتجويز الستر به ، للتعارض بين إكمال السجود وتحصيل الشرط.

الثامن : الخنثى المشكل ملحق بالمرأة ، تحصيلا ليقين البراءة. ولو صلت كالرجل فالأقرب الإعادة ، لاشتغال الذمة بفرض الصلاة والشك في براءتها.

ويحتمل عدمها ، لأن كون الزيادة عورة مشكوك فيه.

التاسع : لو لم يجد الثوب إلا بالثمن ، وجب شراؤه ، لوجوب ما لا يتم الواجب المطلق إلا به ، سواء زاد عن ثمن المثل أو لا ، وكذا لو آجره. ولو لم يكن معه ثمن أو أجرة ، أو احتاج إليهما ، لم يجب الشراء ، دفعا للضرر المنفي بالأصل.

ولو وجد المعير وجب القبول ، لتوقف الامتثال عليه.

ولو وهب فالأقوى وجوب القبول ، لتمكنه من إيقاع ما أمر به على وجهه ، فلا يخرج عن العهدة بدونه.

العاشر : لو وجد السترة في أثناء صلاته ، فإن تمكن من الستر بها من غير فعل كثير وجب ، وإن احتاج إلى مشي خطوة أو خطوتين. ولو احتاج إلى فعل كثير أو استدبار القبلة ، أبطل صلاته إن اتسع الوقت ولو لركعة ، ليوقع الفعل على وجهه. ولو ضاق الوقت عن ركعة استمر.

الحادي عشر : ولو لم يجد إلا ثوب حرير ، صلى عاريا ، لفقد الشرط. فإن خاف البرد ، أو سوغنا له لبسه للحرب ، أو القمل ، صلى فيه ولا إعادة.

الثاني عشر : لا يسقط استحباب الجماعة عن العراة ، بل يستحب لهم ، ذكرانا كانوا أو أناثا ، لعموم الأمر بالجماعة ، ولقول الصادق علیه السلام : يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، يومي الإمام بالركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم (1).

ص: 370


1- وسائل الشيعة : 3 - 328 ح 2.

والشيخ عمل على هذه الرواية(1). وهي متأولة ، للمنع من استيفاء الركوع والسجود مع خوف المطلع ، بل يتقدمهم إمامهم بركبتيه ويومي بالركوع والسجود ، وكذا يومي المأمومون ، لأنه أستر.

ويجوز أن يصلوا أكثر من صف ، لسقوط القيام حينئذ. وللنساء أن يصلين جماعة مع فقد الساتر ، فتقعد إمامهن وسطهن ، وتجلسن خلفه ، ويومين للركوع والسجود.

الثالث عشر : لو كان مع العراة مكتسي ، وجب أن يصلي في ثوبه ، وليس له إعارته والصلاة عريانا. نعم يستحب له إعارته بعد صلاته أو قبلها ثم يصلي فيه. ولو أعاره وصلى عريانا ، بطلت صلاته ، لتمكنه من السترة ، وتبطل صلاة المستعير في آخر الوقت لا قبله.

الرابع عشر : لو بذل للعراة ثوب والوقت متسع ، وجب على كل واحد الستر به ويصلي منفردا ، وليس للآخر الايتمام به ، لوجوب الصبر عليه ، ولا له الايتمام بغيره ، لبطلان صلاة الإمام. ولو خافوا فوت الوقت ، لم يجب الانتظار ، بل صلوا عراة للضرورة.

ولو لم يعرهم وأراد أن يصلي بهم ، قدم إن كان بشرائط الإمامة مستحبا ، وليس له أن يأتم بالعاري ، لأن قيام الإمام شرط في إمامة القائم.

ولو أوصى بثوبه لأولى الناس به في ذلك الموضع ، فالمرأة أولى ، ثم الخنثى المشكل ، ثم الأفضل.

الخامس عشر : لو اجتمع الرجال والنساء وقلنا بتحريم المحاذاة ، وجب تأخرهن بصف ، وإلا وقفن(2)في صفهن. ولو كان معهم مكتس استحب له إعارة النساء ، لأولوية الستر في حقهن ، ولا يجب لأصالة البراءة.

السادس عشر : الأقرب جواز الصلاة للعاري في أول الوقت ، لعدم الوثوق بالبقاء ، وإن كان مظنونا ، ولتحصيل فضيلة أول الوقت. وأوجب

ص: 371


1- قال في المبسوط [ 1 - 88 ] : وإن أرادوا أن يصلوا جماعة ، جلس إمامهم وسطهم ، ولا يتقدمهم إلا بركبتيه.
2- في « س » وقف.

المرتضى التأخير كالمتيمم.

السابع عشر : ليس ستر العورة شرطا في صلاة الجنازة ، لأنها دعاء.

الثامن عشر : لو كان على مرتفع يرى عورته من أسفل ، لم يصح صلاته. وهل يصح لو لم يوجد الناظر؟ الأقرب المنع.

التاسع عشر : لو صلى في قميص واسع الجيب ترى عورته منه حالة الركوع أو السجود ، بطلت صلاته حينئذ لا قبلها. فلو نوى المأموم الانفراد حينئذ ، صحت صلاته.

ولو كان شعر رأسه أو لحيته يمنع ، فالأقرب الجواز ، كما لو ستره بمنديل. ويحتمل المنع ، لأن الساتر يجب مغايرته للمستتر ولا يجوز أن يكون بعضه لباسا له. ولا يكفي في الستر إحاطة الفسطاط الضيق به ، لأنه غير لابس.

العشرون : لو لم يجد إلا الثوب النجس نزعه وصلى عاريا ، لقول الصادق علیه السلام : يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا يصلي ويومي إيماء (1). فإن لم يتمكن من نزعه لبرد أو ضرورة ، صلى فيه ، للحرج ، ولا إعادة فيهما ، للامتثال ، فيخرج عن العهدة.

المطلب الثاني: ( في الساتر )
وفيه بحثان :
البحث الأول: ( في جنسه )

تجوز الصلاة في كل ثوب يتخذ من النبات ، كالقطن والكتان والقنب ، وسائر أنواع الحشيش ، إجماعا. وكذا في جلد ما يؤكل لحمه بشرط التذكية عند

ص: 372


1- في وسائل الشيعة 3 - 1068 ح 4.

علمائنا. فلا تحل في الميتة وإن دبغ ، لقوله علیه السلام : لا تستنفعوا من الميتة بإهاب ولا غصب (1).

وقول الصادق علیه السلام : لا تصل في شي ء من الميتة ولا شسع (2).

وسئل الباقر علیه السلام عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة؟ قال : لا ، ولو دبغ سبعين مرة (3).

ويكفي في الحكم بالتذكية عدم العلم بموته ، ووجوده في يد مسلم لا يستحل جلد الميتة ، أو في سوق المسلمين ، أو في بلد الغالب فيه المسلمون. لقول الكاظم علیه السلام : لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني وفيما صنع في دار الإسلام ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ، قال : إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس (4).

وشرطنا في المسلم عدم استباحته للميتة ، ليحصل ظن التذكية(5)إذ الأصل الموت ، ولا معارض له حينئذ. أما غير المستبيح فإن اعتقاده يمنعه من الإقدام على المحرم غالبا. ولو جهل إسلامه لم يجز استباحته ، عملا بأصالة الموت السالمة عن المعارض. ولو جهل حال المسلم ، فالأقرب أنه كذلك. ويحتمل الإباحة ، لأن الإسلام مظنة التصرفات الصحيحة.

وأما جلد ما لا يؤكل لحمه ، فلا يجوز الصلاة فيه وإن ذكي ودبغ عند علمائنا أجمع ، سواء كان هو الساتر أو لا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى عن جلود السباع (6). وقول الرضا علیه السلام لما سئل عن جلود السباع؟ : لا تصل فيها (7).

ص: 373


1- وسائل الشيعة 16 - 368 ح 2.
2- وسائل الشيعة 3 - 249 ح 2.
3- وسائل الشيعة 3 - 249 ح 1.
4- وسائل الشيعة 3 - 332 ح 3.
5- في « ق » لأن.
6- وسائل الشيعة 16 - 368.
7- وسائل الشيعة 3 - 257 ح 1.

وأما الصوف والشعر والريش والوبر ، فإنها تابعة لأصولها ، فإن كانت مما يؤكل لحمه ، صحت الصلاة فيها ، وإلا فلا ، سواء كانت مذكاة أو لا ، وسواء كانت طاهرة أو لا. ولا بأس بالصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب والأرانب وفوقه ، لأنه طاهر.

ولو مزج صوف ما يؤكل لحمه مع صوف ما لا يؤكل ، ونسج منهما ثوب ، لم تصح الصلاة فيه. أما المنسوج من الكتان والحرير فلا بأس. وكذا لو خيط ما لا يؤكل لحمه مع قطع صغار لا تستر العورة مما لا يؤكل لحمه لم يصح.

ولا فرق بين أخذ الصوف والشعر والوبر والريش من حي أو مذكي أو ميت ، جزا أو قلعا إذا غسل موضع الاتصال من الميت والحي ، لقول الصادق علیه السلام : لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة (1). ولأنه لا تحله الحياة فلا يلحقه حكم الميت.

ولو عمل من جلد ما لا يؤكل لحمه أو صوفه أو شعره ، قلنسوة أو تكة ، فالأقرب المنع من الصلاة فيه ، لعموم المنع. وفي رواية عن العسكري علیه السلام وقد سئل عن تكة من وبر الأرانب : إذا كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه (2).

وتجوز الصلاة في الخز الخالص غير المغشوش بوبر الأرانب والثعالب إجماعا ، لأن الرضا عليه سئل عن الصلاة في الخز قال : صل فيه (3). وكسى النبي صلی اللّه علیه و آله رجلا عمامة خز. ولبس الحسن علیه السلام (4) ومحمد بن الحنفية الخز. وهو دابة بحرية ذات أربع تصاد من الماء ، فإذا فقدته ماتت.

ص: 374


1- وسائل الشيعة 3 - 333 ح 1.
2- وسائل الشيعة 3 - 272 ح 4.
3- وسائل الشيعة 3 - 261 ح 5.
4- وسائل الشيعة 3 - 265 ح 12.

ولا فرق بين كونه ميتا أو مذكى ، لقول الصادق علیه السلام : إن اللّه أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها (1).

والأقرب جواز الصلاة في جلده ، لأن الرضا علیه السلام سئل عن جلود الخز قال : هو ذا نلبس ، قلت : ذاك الوبر جعلت فداك قال : إذا حل وبره حل جلده (2). ولا تجوز الصلاة في المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ، لقول الصادق علیه السلام : أما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه (3).

ولو مزج بالحرير المحض صحت الصلاة فيه ، لأن الباقر علیه السلام نهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن (4).

أما السنجاب فالأقوى فيه المنع ، لقول الصادق علیه السلام : إن كل شي ء حرام أكله ، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شي ء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة (5).

وقيل : بالجواز لقول الرضا علیه السلام وقد سئل عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب؟ لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب ، فإنه دابة لا تأكل اللحم (6) ، فإن سوغناه شرطنا التذكية.

أما الفنك والسمور فالأشبه فيهما المنع ، للعموم ، وفي رواية عن الهادي علیه السلام جواز الصلاة في الفنك لا السمور (7).

وأما الحرير المحض فإنه يحرم لبسه للرجال بالإجماع ، ولا تصح الصلاة

ص: 375


1- وسائل الشيعة 3 - 261 ح 4.
2- وسائل الشيعة 3 - 266 ح 14.
3- وسائل الشيعة 3 - 262 ح 1.
4- وسائل الشيعة 3 - 271 ح 5.
5- وسائل الشيعة 3 - 250 ح 1.
6- وسائل الشيعة 3 - 252 ح 2.
7- وسائل الشيعة 3 - 254.

فيه ، لدلالة النهي على الفساد ، وقد قال علیه السلام : حرم لباس الحرير على ذكور أمتي وأحل لأناثهم (1). وسئل العسكري هل يصلي في قلنسوة حرير أو ديباج؟ فكتب : لا تحل الصلاة في الحرير المحض (2). ولا فرق بين كونه ساترا للعورة أو لا.

ويجوز حال الضرورة ، كالبرد الشديد إذا اضطر إلى لبسه ولا يعيد. وكذا يجوز حالة الحرب ، لمنفعة تقوية القلب ، ولقول الصادق علیه السلام : أما في الحرب فلا بأس (3). ولأن علة المنع الخيلاء ، وهي مطلوبة في الحرب. وكذا يجوز لبسه للقمل والمريض المنتفع به وصاحب الحكة للحاجة ، لأن الزبير وعبد الرحمن بن عوف (4) شكوا القمل إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فأباح لهما لبسه (5).

وهل يجوز لبس التكة والقلنسوة وشبههما من الحرير المحض؟ إشكال ، ينشأ : من اختلاف الرواية (6).

ولا بأس بافتراش الحرير والوقوف عليه والنوم ، للأصل السالم عن معارضة اللبس ، ولقول الصادق علیه السلام : يفرشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه (7).

ولو كان الحرير ممتزجا بغيره كقطن أو كتان ، صحت الصلاة فيه ، لقول ابن عباس : إنما نهى النبي صلی اللّه علیه و آله عن الثوب المصمت من الحرير ، وأما المعلم وسدى الثوب فليس به بأس (8). وقال الصادق علیه السلام : لا بأس بالثوب أن يكون سداه وعلمه وزره حرير وإنما كره الحرير المبهم

ص: 376


1- وسائل الشيعة 3 - 276.
2- وسائل الشيعة 3 - 267 ح 2.
3- وسائل الشيعة 3 - 270 ح 3.
4- وسائل الشيعة 3 - 270 ح 4.
5- صحيح مسلم 3 - 1646.
6- وسائل الشيعة 3 - 267 ح 2.
7- وسائل الشيعة 3 - 274 ح 1.
8- جامع الأصول 11 - 289.

للرجال (1). ولا فرق حينئذ بين أن يكون السدى من الإبريسم واللحمة من غيره ، أو بالعكس. ولا بين أن يكون أحدهما أكثر أو يتساويا ما لم يخرج إلى اسم الحرير ، فيحرم.

أما المكفوف بالإبريسم المحض ، فيصح الصلاة فيه ، بأن يجعل الإبريسم في رءوس الأكمام والذيل وحول الزيق ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (2).

ولو خيط الحرير بكتان أو قطن لم يزل التحريم عنه. وكذا لو جعل بطانة الثوب أو ظاهره ، أو حشى به غيره.

ولا يحرم على الصبي لبسه ، ولا على الولي تمسكه من لبسه ، لعدم التكليف في حقه.

والثوب المموه بالذهب ، أو الخاتم المموه به ، يحرم على الرجال لبسهما والصلاة فيهما. ويجوز للنساء لبسهما والصلاة فيهما. والخنثى المشكل ملحق بالرجال.

البحث الثاني: ( في شرائطه )
اشارة

وهي ثلاثة : الأول الملك. الثاني الطهارة. الثالث الإخفاء.

النظر الأول: ( الملك )

ولا يشترط حقيقته ، بل جواز التصرف فيه ، إما بملك الرقبة ، أو المنفعة بالإجارة ، أو العارية ، أو الإذن والإباحة ، إما صريحا ، أو فحوى.

ص: 377


1- وسائل الشيعة 3 - 272 ح 6.
2- صحيح مسلم 3 - 1643 ، جامع الأصول 11 - 290.

فلا تصح الصلاة في الثوب المغصوب مع علم الغصبية عند علمائنا أجمع ، لأنه ممنوع من التصرف فيه. واللبس في الصلاة أحد أنواعه ، فيندرج تحت النهي ، فلا يكون مأمورا به.

ولا فرق بين أن يكون هو الساتر أو غيره ، بل لو كان معه خاتم أو درهم أو غيرهما مغصوب وصلى مستصحبا له ، بطلت صلاته. وكذا لو كان غاصبا لشي ء غير مستصحب له ، لكن هنا لو صلى آخر الوقت صحت صلاته ، بخلاف المصاحب على إشكال. ولا فرق بين أن يكون لابسا له ، أو قائما عليه ، أو على بعضه ، أو ساجدا.

ولو كان جاهلا بالغصب لم تبطل صلاته ، لارتفاع النهي عنه ، وحصول الامتثال منه. ولو علم الغصب وجهل الحكم لم يعذر. ولو جهل كون التصرف المخصوص غصبا ، فالأولى إلحاقه بجاهل الحكم ، ويحتمل الغصب.

ولو نسي الغصب فالأقوى الإعادة ، لتفريطه بالنسيان.

ولو أذن المالك للغاصب أو لغيره صحت صلاته. ولو أطلق الإذن جاز لغير الغاصب ، عملا بظاهر الحال. ولا فرق بين الغاصب وغيره في المنع.

ولو اشترى الثوب فاسدا ، أو استأجره كذلك ، فالأقوى صحة الصلاة فيه ، مع الجهل بالفساد أو الحكم. أما العالم بهما فالوجه البطلان إن لم يعلم المالك بالفساد. ويحتمل الصحة عملا بالإذن.

النظر الثاني: ( الطهارة )
اشارة

النجاسة قسمان : الأول التي لا تقع في مظنة العفو والعذر. الثاني التي تقع فيها.

أما الأول : فيجب الاحتراز عنه في ثلاثة أشياء : الثوب ، والبدن ، والمكان ، لقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (1) وقوله علیه السلام : حتيه ، ثم

ص: 378


1- سورة المدثر : 4.

اقرصيه ، ثم اغسليه بالماء ، ثم صلي فيه (1). وقول الصادق علیه السلام : إن أصاب ثوب الرجل الدم وعلم قبل أن يصلي فيه ونسي وصلى فيه فعليه الإعادة (2).

ثم إن عرف الموضع من الثوب وجب غسله. ولو قطع موضع النجاسة حصل الغرض ، ويجب ذلك لو تعذر الغسل ، وأمكن ستر العورة بالظاهر ، سواء نقص من قيمته بالقطع أكثر من أجرة مثل الثوب لو استأجر أو لا ، ما لم يتضرر به ، فيصلي فيه ، أو ينزعه على التفصيل.

ولو جهل موضعها ، فإن جوزه في كل جزء منه ، وجب غسل الجميع ، تحصيلا ليقين البراءة ، وكذلك في البدن.

ولا يجوز التحري بغسل البعض. ولو قصر الماء عن غسل الجميع ، احتمل وجوب التحري في غسل(3)البعض ، ثم لا يطهر بذلك إلا ما غسله ، وتكون الفائدة تقليل النجاسة لو اضطر إلى الصلاة فيه ، أو تجويز ما يزيل الباقي خاصة.

أما لو فضل الماء فإن التحري لا يجوز وإن أفاد الشك في نجاسة الباقي ، لأن حصول النجاسة في هذا الثوب متيقن ، واليقين لا يرفع بالشك ، وكذا لو شقه بنصفين لم يجز التحري.

ولو أصاب شي ء رطب طرفا من هذا الثوب ، ففي الحكم بنجاسته إشكال ، ينشأ : من عدم يقين نجاسة موضع الإصابة. ومن إجراء المشتبه مجرى النجس.

ولو نجس الثوب بأجمعه ، فغسل أحد نصفيه طهر ، فإن غسل النصف الثاني ، فالأقرب أنه إن غسل مع النصف الثاني ما يحاوره من الأول طهر الكل ، وإلا طهر الطرفان وبقي المنتصف نجسا.

ص: 379


1- صحيح مسلم 1 - 240 باب نجاسة الدم وكيفية غسله.
2- وسائل الشيعة 2 - 1060 ح 7.
3- في « ق » بغسل.

ولو نجس أحد الكمين وجب غسلهما ولم يجز التحري. ولو نجس أحد الثوبين فكذلك. ولا يجوز له أن يصلي في أحدهما بالاجتهاد ، نعم يصلي في كل واحد منهما الصلاة الواحدة على الأقوى ، لقول الكاظم علیه السلام : يصلي فيهما جميعا (1). لحصول يقين البراءة وأداء العبادة على وجهها.

ولو زاد على الثوبين وجب أن يزيد صلاة على الصلوات المتساوية لعدد النجس ، ولو ضاق الوقت أو عجز عن التعدد صلى عاريا. ويحتمل قويا الاجتهاد ، فيصلي فيما يظنه طاهرا ولا يعيد ، لأن فوات السترة متيقن وفوات الطهارة مشكوك. وكذا لو لم يؤد اجتهاده إلى طهارة أحدهما ، تخير في الصلاة فيهما ، ولا يجوز له جمعهما في صلاة واحدة إلا مع الضرورة.

ولو فقد أحد الثوبين احتمل الصلاة عاريا ، وتعدد الصلاة عاريا ولابسا. ولو ضاق الوقت أو عجز فالوجهان.

فروع :

الأول : لو وجد المتيقن طهارته مع الثوبين المشتبهين ، صلى في المتيقن. وهل له أن يصلي متعددا في الثوبين؟ الأولى المنع ، لأن المتعدد إنما شرع لتحصيل المأمور به على وجهه.

الثاني : لو جهل عدد النجس ، صلى فيما يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر. فإن ضاق الوقت أو عجز فالوجه التحري ، دفعا للمشقة ومصيرا إلى الراجح. ولو ضاق الوقت عن الجميع ، صلى متعددا إلى أن يضيق الوقت عن ركعة.

الثالث : لو كان عليه عمامة فأرسل طرفها النجس ، بحيث لا يكون حاملا له ، صحت صلاته وإن تحرك بحركته ، إذ الملبوس طاهر. أما لو ارتفع شي ء من الملبوس بقيامه ، فإنه لا يجوز ، لأنه حامل نجاسة.

ولو ألقى طرف عمامته ، أو شيئا من ثوبه على أرض نجسة أو غير

ص: 380


1- وسائل الشيعة 2 - 1082 ج 1 ب 64.

نجسة ، لم تبطل صلاته. ولو كان قميصه طويلا ونجس ذيله ، فإن ارتفع بقيامه لم تصح الصلاة فيه ، وإلا جاز.

ولو قبض طرف حبل أو ثوب وطرفه الآخر على نجاسة أو نجس ، أو مشدود في كلب ، صحت صلاته وإن تحرك بحركته.

الرابع : البدن يجب تطهيره من النجاسات كالثوب.

ومن جبر عظمه بعظم نجس ، فإن احتاج إليه ولم يجد عظما طاهرا فهو معذور للضرورة ، ثم إن تمكن من نزعه من غير ضرر وجب ، فإن لم يفعل جبره السلطان عليه ، فلا تصح صلاته ، لأنه حامل نجاسة يمكن إزالتها وقد تعدى بحملها. ولو لحقه يسير ألم لم يعذره. ولا فرق بين أن يكسي اللحم أو لا.

ولو خاف من نزعه هلاكا ، أو إتلاف عضو ، أو مرضا ، أو شيئا ، لم يجب نزعه ، سواء فرط بجعله أو لا.

ولو مات قبل النزع لم يجب نزعه ، لما فيه من المثلة وهتك حرمة الميت ، ولأن غاية النزع تحصيل شرائط الصلاة ، وهي منتفية هنا.

الخامس : لو داوى الجرح بالدواء النجس ، أو خاطه بخيط نجس ، فكما لو جبر بعظم نجس. وكذا لو شق موضعا من بدنه وجعل فيه دما.

أما لو وسم يده أو بعض جوارحه بالعظم وشبهه ، فالأقرب الطهارة وإن نجس عند الغرز.

السادس : الشعر النجس - وهو شعر الكلب والخنزير - لا يجوز وصله بالشعر ، لئلا يستصحب النجس في الصلاة. وكذا الادهان بالدهن النجس إلا بعد غسله.

ويجوز الامتشاط بمشط العاج ، لأن العظم لا تحله الحياة ، فلا ينجس بالموت.

ص: 381

أما الشعر الطاهر فالأقرب كراهة وصله ، إلا مع الغش فيحرم ، والأقرب عدم تحريم النظر إليه وإلى العضو المبان من الأجنبية ، لأنه ليس محل الشهوة.

ويجوز للمرأة أن تصل شعرها بشعر غير الآدمي ، سواء كانت شابة أو شيخة ذات زوج أو لا على كراهية. وتحمير الوجه إن اشتمل على غش حرم ، وإلا فلا.

ويجوز الخضاب بالسواد وتطريف الأصابع ، والخضاب بالحناء مطلقا ، وتسوية الأصداغ(1)، وحف الشعر.

وأما النجاسة المخففة فسيأتي البحث عنها.

النظر الثالث: ( في الإخفاء )

يجب أن يكون الساتر حائلا بين الناظر ولون البشرة ، فلو حكى الثوب ما تحته من لون ، كسواد البشرة أو بياضها ، لم تجز. وكذا لو كان غليظا ذا فرج تظهر العورة من فرجه ، لانتفاء المقصود من الستر.

ولا يجب إخفاء الحجم ، فلو ستر اللون ووصف الحجم فلا بأس ، كما لو لبس ثوبا صفيقا ووقف في الشمس وكان حجم الأعضاء يبدو من ورائه.

ولو وقف في ماء صاف لم تصح صلاته ، لأنه لا يحول بين الناظر ولون البشرة ، إلا مع الإخفاء بغلبة الخضرة لتراكم الماء ، بأن خاض فيه إلى عنقه ومنعت الخضرة من رؤية اللون.

ولو كان الماء راكدا يمنع من المشاهدة ، فالأقوى عدم الإجزاء ، لأنه لا يعد ساترا. ويحتمل الإجزاء لأنه يمنع المشاهدة ، فأشبه ورق الشجر ، فيصح لو قدر على الركوع والسجود على الأرض ، أو كان في صلاة الجنازة وشرطنا الستر فيها.

ص: 382


1- الصدغ جمع أصداغ : ما بين العين والأذن ، وهما صدغان : الشعر المتدلي على هذا الموضع.

ولو طين عورته واستتر اللون أجزأه وإن قدر على الثوب على إشكال ، ولو فقده وجب.

المطلب الثالث: ( في حكم الصلاة في الثوب النجس )
اشارة

تجب إزالة النجاسة المغلظة(1)عن الثوب ، إلا ما لا يتم الصلاة فيه منفردا. والبدن ، وموضع الجبهة. فإن صلى وعلى ثوبه أو بدنه أو مسجده نجاسة مغلظة عالما مختارا ، بطلت صلاته ووجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه إجماعا ، لأنه لم يفعل المأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف.

ولو لم يعلم بالنجاسة لا حال الصلاة ولا قبلها ، فقولان : أقربهما الإعادة في الوقت لا خارجه ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيجب عليه الإعادة. وأما القضاء فإنما يجب بأمر جديد ولم يحصل.

وقيل : لا تجب الإعادة ، لقول أمير المؤمنين علیه السلام : ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم (2). ولأنه علیه السلام خلع نعله في الصلاة ، فخلع الناس نعالهم ، فلما قضى صلاته قال : ما حملكم على صنيعكم؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا ، فقال : إن جبرئيل علیه السلام أتاني فأخبرني أن فيها قذرا (3). ولم يستأنف ، ولا حجة فيه عندنا.

ولا يعذر جاهل الحكم ، ويعذر المضطر كالمكره على الصلاة فيه ، وخائف البرد إذا لم يجد غيره ، وغير المتمكن من نزعه. ولا إعادة في الجميع للامتثال.

أما لو سبقه العلم قبل الصلاة ونسي حال الصلاة فصلى فيه ، فالأقوى الإعادة في الوقت وخارجه ، لتفريطه بالنسيان. وقيل : تجب الإعادة لا

ص: 383


1- في « ق » الغليظة.
2- وسائل الشيعة 2 - 1054.
3- جامع الأصول 6 - 296.

القضاء. وقيل : لا تجبان ، لأن ما عذر فيه بالجهل عذر بالنسيان ، بل هو أولى لورود النص فيه بالعفو.

وإذا أوجبنا الإعادة أعاد كل صلاة تيقن أنه صلاها مع تلك النجاسة. ولو احتمل تجديدها بعد الصلاة لم تجب إعادتها.

والأصل في الخلاف أن خطاب الشرع انقسم إلى خطاب تكليف بالأمر أو النهي والنسيان يؤثر فيه ، فإن الناسي لا يأثم بترك المأمور به ، ولا يفعل المنهي لانتفاء التكليف عنه والتحاقه بالمجنون. وإلى خطاب إخبار ، وهو ربط الأحكام بالأسباب ، وجعل الشي ء شرطا أو مانعا ، ويسمى « خطاب الوضع ».

فإذا قال : إذا لم يوجد كذا في كذا فهو غير معتد به كان شرطا ، والنسيان لا يؤثر فيه. ولهذا يجب(1)الضمان على من أتلف مال غيره ناسيا لقوله « من أتلف ضمن » (2).

فإن جعلنا استصحاب النجاسة من قبيل المناهي في الصلاة ، كان النسيان عذرا ، ولا يعيد مقصرا ولا مخالفا ، فلا تجب الإعادة. وإن جعلنا الطهارة من قبيل الشروط فلا يؤثر النسيان ، كما في طهارة الحدث ، وقد ورد النهي في قوله تعالى ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (3) وقوله علیه السلام : تنزهوا عن البول (4). والشرط لقوله علیه السلام : تعاد الصلاة من قدر الدرهم (5).

ولا يصح أن يصلي في الثوب النجس ، سواء كان هو الساتر أو غيره ، لأن علة تشريف المساجد جعلها وقفا على الصلاة ، وقد أمر بتنزيه المسجد عن النجاسة ، فالعلة أولى.

ص: 384


1- في « ق » ولقد استحسن الضمان.
2- وسائل الشيعة 18 - 239.
3- سورة المدثر : 5.
4- جامع الأصول 8 - 47 ما يدل على ذلك.
5- وسائل الشيعة 2 - 1026.

وكذا لا يصح أن يصلي وهو حامل للنجاسة وإن كانت مستورة ، كالقارورة المضمومة المشتملة على نجاسة ، وإن كانت مضمومة بالرصاص.

ولو حمل حيوانا حيا طاهرا صحت صلاته وإن لم يكن مأكول اللحم. والنجاسة الباطنة فيه معفو عنها لأنها في معدتها كالمصلي. وقد صلى النبي صلی اللّه علیه و آله والحسن والحسين علیهماالسلام يركبانه.

ولو كان مذبوحا وقد غسل موضع الدم منه ، فإن كان مأكول اللحم صحت صلاته ، وإلا فلا. لأن باطن الحيوان الحي لا حكم له ، أما الميت فحكمه حكم القارورة.

ولو شاهد النجاسة على ثوبه في أثناء الصلاة ، رماها عنه وأتم صلاته ، لعدم العلم بالسبق. فإن تعذر إلا بنزع الثوب نزعه ، فإن لم يكن عليه غيره واحتاج إلى فعل كثير في لبس غيره ، أو في نزعه ، استأنف الصلاة في ثوب طاهر ، تحصيلا للشرط.

ولو وقعت عليه نجاسة وهو في الصلاة ، ثم زالت عنه وهو لا يعلم ثم علم ، استمر على حاله أو استأنف على الخلاف.

ولو أخبره الغير بنجاسة ثوبه بعد الصلاة لم يعد ، للأصل ، ولقول الصادق علیه السلام وقد سئل عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ، ثم إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلى فيه ، قال : لا يعيد شيئا من صلاته (1).

ولو حمل المصلي من استجمر صحت صلاته ، لأن محل الاستجمار عندنا طاهر للرواية ، وإن قلنا إنه نجس معفو عنه ، فالأقرب أنه كذلك ، كما يعفى عن الحامل. ويحتمل المنع ، لأن العفو للحاجة ، فاختصت به لا بالغير ، إذ لا حاجة به إلى حمله. وكذا لو حمل من على ثوبه نجاسة معفو عنها. وكذا لو عرق وتلوث بمحل النجو. لكن الأقوى هنا العفو ، لعدم الاحتراز إن قلنا بالنجاسة.

ص: 385


1- وسائل الشيعة 2 - 1069 ح 4.

ولو حمل بيضة صار حشوها دما لم تصح صلاته كالقارورة ، بخلاف الحيوان ، لأن للحياة أثر في دفع النجاسات ، فإنها لو زالت نجس جميع الأجزاء. وكذا تبطل لو حمل عنقودا استحال باطن حباته خمرا. وكذا كل استتار خلقي.

تتمة :

طين الطريق إن علم اختلاطه بالنجاسة ، وجب اجتنابه ولا يعفى عنه ، سواء قل أو كثر. وكذا لو غلب على الظن ذلك.

ولو اشتبه بني على أصل الطهارة ، عملا بالاستصحاب السالم عن معارضة ظن النجاسة ويقينها. لكن يستحب إزالته بعد ثلاثة أيام ، لعدم انفكاكها عن ملاقاة نجاسة فيها غالبا.

ويجوز أن يصلي في ثوب عمله المشرك إذا لم يعلم مباشرته له برطوبة ، عملا بالاستصحاب ، ولقول الصادق علیه السلام : لا بأس بالصلاة في الثياب التي تعملها المجوس والنصارى واليهود (1). وللشيخ قول بالمنع (2). حسن لغلبة الظن بالمباشرة مع الرطوبة. وفي رواية : يستحب رشه (3). ولو علم مباشرتهم بالرطوبة وجب غسله ، وإلا استحب. وتجوز الصلاة في ثياب الصبيان ، لأنه صلی اللّه علیه و آله حمل أمامة بنت أبي العاص في الصلاة. وكذا يجوز في ثوب الحائض ، لقوله صلی اللّه علیه و آله لعائشة : ليس حيضك في ثوبك (4). وفي ثوب يجامع فيه ما لم يعلم أو يظن ملاقاة النجاسة له.

ويستحب غسل ما أعاره من ثيابه لمن لا يتقي النجاسة ، لقول الصادق علیه السلام : لا تصل فيه حتى تغسله (5).

ص: 386


1- وسائل الشيعة 2 - 1093 ح 2.
2- المبسوط 1 - 84.
3- وسائل الشيعة 2 - 1093 ح 3.
4- جامع الأصول 8 - 219.
5- وسائل الشيعة 2 - 1095 ح 2.

وعفي عن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا وإن كانت النجاسة مغلظة. وعما نقص عن الدرهم البغلي من الدم في الثوب والبدن ، عدا الدماء الثلاثة ودم نجس العين. وعفي عن نجاسة ثوب المربية للصبي ببوله ورجيعه إذا غسلته في اليوم مرة واحدة ، وقد تقدم ذلك كله.

المطلب الرابع: ( في ما تكره الصلاة فيه )

وهي أربعة عشرة :

الأول : تكره الصلاة في الثياب السود ، ما عدا العمامة والخف ، لقوله علیه السلام : البسوا ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم (1). واختصاص الأمر به يشعر باختصاصه بالفضيلة ، فيكون أشد الألوان معاندة له مكروها. وقال الصادق علیه السلام : يكره السواد إلا العمامة والخف والكساء (2).

الثاني : يكره للرجل المعصفر والمزعفر ، لقوله علیه السلام لابن عمر وكان عليه ثوبان معصفران : هذه من ثياب الكفار (3). وقال الصادق علیه السلام : يكره الصلاة في المشبع بالعصفر والمضرج بالزعفران (4).

الثالث : الثوب الأحمر المشبع بالصبغ ، لقول الصادق علیه السلام : تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم (5) والمفدم - بسكون الفاء - المصبوغ بالحمرة.

الرابع : اشتمال الصماء إجماعا ، لقول الباقر علیه السلام لزرارة : إياك والتحاف الصماء ، قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد (6).

ص: 387


1- وسائل الشيعة 3 - 355.
2- وسائل الشيعة 3 - 278.
3- جامع الأصول 11 - 281 الرقم 8289.
4- وسائل الشيعة : 3 - 336 ح 3.
5- وسائل الشيعة : 3 - 336 ح 2.
6- وسائل الشيعة 3 - 290 ح 1.

الخامس : قيل : يكره السدل ، وهو أن يلقي طرفي الرداء من الجانبين ، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر ولا يضم طرفيه بيده.

السادس : يكره أن يأتزر فوق القميص ، لأن فيه تشبيها بأهل الكتاب ، وقد نهى علیه السلام عنه (1). وقال الصادق علیه السلام : لا ينبغي أن يتوشح بإزار فوق القميص إذا صليت ، فإنه من زي الجاهلية (2).

السابع : يكره أن يؤم بغير رداء ، وهو الثوب الذي يجعل على المنكبين ، لأن الصادق علیه السلام قال لما سئل عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء : لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء ، أو عمامة يرتدي بها (3).

الثامن : استصحاب الحديد ظاهرا ، ولا يكره مع الستر للرواية (4). وكذا يكره في خاتم حديد ، لقوله علیه السلام : لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد (5).

التاسع : تكره الصلاة في ثوب يتهم صاحبه فيه ، إما بعدم التوقي من النجاسة ، أو الغصب. وليس محرما ، للأصل.

العاشر : يكره في ثوب فيه تماثيل أو صور ، لقوله علیه السلام : إن جبرئيل أتاني فقال : إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تمثال جسد (6). ونفور الملائكة يدل على الكراهية.

الحادي عشر : يكره التصليب في الثوب ، لأنه علیه السلام كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه (7) يعني قطعه. ولأن فيه تشبيها بالنصارى.

ص: 388


1- وسائل الشيعة 3 - 287 ح 2.
2- وسائل الشيعة 3 - 287 ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 - 329 ح 1.
4- وسائل الشيعة 3 - 303.
5- وسائل الشيعة 3 - 303 ح 1.
6- وسائل الشيعة 3 - 464 ح 1.
7- نهاية ابن الأثير 4 - 76.

الثاني عشر : الصلاة في خاتم فيه صورة ، لقول الصادق علیه السلام في الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك ، لا تجوز الصلاة فيه (1).

الثالث عشر : صلاة المرأة في خلخال له صوت ، لاشتغالها فيه ، وفي التعدية إلى الجلجل وكل ما فيه تصويت إشكال.

الرابع عشر : الصلاة في القباء المشدود في غير الحرب ، لمنافاته هيئة الخشوع. خاتمة :

لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ، كالشمشك والنعل السندي وغيره مما ليس له ساق ، لأن النبي علیه السلام لم يفعله. ولا بأس بما له ساق إجماعا كالخف والجرموق ، لقول الصادق علیه السلام : وصل فيها (2).

وتستحب في النعل العربية ، اقتداء بالرسول وأهل بيته علیه السلام ، قال معاوية بن عمار : رأيت الصادق علیه السلام يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط (3).

ولا يجوز أن يصلي الرجل وعليه لثام يمنعه من القراءة أو سماعها. وكذا النقاب للمرأة إن منعها ذلك ، لما فيه من ترك الواجب.

ولو كان بين يديه وسادة عليها تمثال ، طرح عليها ثوبا وصلى ، للرواية (4).

والأقرب أنه لا يجب إعلام المصلي الجاهل بنجاسة ثوبه.

ويجوز أن يصلي وعليه البرطلة ، للرواية (5) المعتضدة بالأصل وعدم

ص: 389


1- وسائل الشيعة 3 - 322 ح 3.
2- وسائل الشيعة 3 - 310 ح 2.
3- وسائل الشيعة 3 - 308 ح 4.
4- وسائل الشيعة 3 - 461 ح 1.
5- وسائل الشيعة 3 - 315 ب 43.

المعارض. وأن يصلي في الثوب المشتمل على تمثال إذا غيرت(1)الصورة ، أو وضعه تحت رجليه. وأن يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة ، للأصل والرواية (2).

وأن يلبس الخز لأن زين العابدين علیه السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء ، فإذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه ، وكان يقول : إني لأستحيي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللّه فيه (3). وقال أمير المؤمنين علیه السلام : لا تصلي المرأة عطلى (4).

ويجوز أن يصلي الرجل والمرأة وهما مختضبان ، أو عليهما خرقة الخضاب مع الطهارة للأصل ، وسئل الكاظم علیه السلام عن المختضب إذا تمكن من السجود والقراءة أيصلي في حنائه؟ قال : نعم إذا كانت خرقته طاهرة (5).

ويجوز أن يصلي الرجل ويده تحت ثيابه ، وإن أخرجها كان أفضل للرواية (6) ولا ينبغي أن يصلي الرجل وهو محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار ، لئلا تبدو عورته ، وللرواية (7).

ص: 390


1- في « س » غيب.
2- وسائل الشيعة : 3 - 325 ح 1.
3- وسائل الشيعة : 3 - 265 ح 13.
4- وسائل الشيعة : 3 - 335 ح 1 ب 58.
5- وسائل الشيعة 3 - 312 ح 2.
6- وسائل الشيعة 3 - 313 ح 1.
7- وسائل الشيعة 3 - 285 ح 3.

الفصل الخامس: ( في القبلة )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( الماهية )

القبلة كانت أولا بيت المقدس ، وكان علیه السلام يحب التوجه إلى الكعبة ، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم علیه السلام فكان علیه السلام بمكة يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فيتوجه إليهما. فلما انتقل إلى المدينة تعذر ذلك ، فبقي سبعة عشر شهرا يصلي إلى بيت المقدس ، فدعا اللّه تعالى أن يحول قبلته إلى الكعبة ، فكان يقلب وجهه إلى السماء ينتظر الوحي ، فأنزل اللّه تعالى ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) الآية. وكان الناس بناحية قبا في صلاة الصبح ، فأتاهم من أخبرهم أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة (1).

والقبلة : هي الكعبة مع المشاهدة إجماعا ، كقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (2) ولأنه علیه السلام صلى قبل الكعبة وقال : هذه

ص: 391


1- وسائل الشيعة : 3 - 218 ح 12.
2- سورة البقرة : 149.

القبلة (1). ومن كان في حكم المشاهد يجري مجراه ، فمن كان بمكة وبينه وبين الكعبة حائل فهو كالمشاهد ، لتمكنه من العلم ، وكذا الأعمى.

وأما من بعد فالواجب عليه الاستقبال إلى جهتها ، لقوله تعالى ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (2) والمراد هنا ما يظن به الكعبة ، حتى لو ظن خروجه عنها لم يصح.

وقال الشيخ رحمه اللّه : الكعبة قبلة من كان في المسجد الحرام ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الدنيا ، لقول الصادق علیه السلام : إن اللّه جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا (3).

والمصلي : إما أن يقف في جوف الكعبة ، فله أن يستقبل أي جدرانها شاء ، وتصح صلاته فرضا ونفلا ، لأنه متوجه إلى بعض أجزاء الكعبة ، فتصح كالنافلة ، وكما لو توجه إليها من خارج ، لكنه مكروه ، لما فيه من الاستدبار.

ويجوز أن يستقبل الباب ، سواء كان مردودا أو مفتوحا ، وسواء كانت له عتبة مرتفعة قدر مؤخر الرجل وهو ثلاث ذراع إلى ذراع تقريبا ، ليكون في سجوده يسامت بمعظم بدنه الشاخص أو أقل ، أو لا يكون له عتبة أصلا.

ولو انهدمت الكعبة - والعياذ باللّه - فإن وقف خارج العرصة وصلى إليها جاز ، لأن التوجه إلى هواء البيت ، فأشبه من صلى على جبل أبي قبيس. وإن صلى فيها صح إذا أبرز بين يديه شيئا من العرصة ، سواء كان بين يديه شاخص يستقبله أو لا ، وكذا لو صلى على سطحها.

وإما أن يقف خارجها في المسجد الحرام ، فله أن يستقبل أي جدرانها شاء ، لأنها كلها قبلة. ويجوز أن يستقبل الحجر ، لأنه عندنا من الكعبة.

ويجب أن يستقبلها بجميع بدنه ، فلو وقف على بعض الأركان واستقبله

ص: 392


1- وسائل الشيعة : 3 - 215 ح 3.
2- سورة البقرة : 150.
3- وسائل الشيعة : 3 - 220 ح 1.

ببعض بدنه والباقي خارج ، لم تصح صلاته ، لصدق عدم الاستقبال ، وأنه إنما استقبلها ببعضه.

ولو خرج بعض الصف عن المحاذاة ، بطلت صلاة الخارج خاصة. ولو تراخى الصف الطويل ووقف في آخر باب المسجد فكذلك ، وتحتمل صحة صلاة الجميع ، لأن الواجب اسم الاستقبال ، وهو يختلف بالقرب والبعد ، ولهذا يزول اسم المستقبل عن القريب بالانحراف اليسير ، ولا يزول عن البعيد بمثله ، والأصل فيه أن الجرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازدادوا له محاذاة.

وإما أن يقف خارج المسجد بمكة ، فإن كان يعاين الكعبة ، كمن يصلي على جبل أبي قبيس ، صلى إليها بالمعاينة ، وإذا وضع محرابه بناء على المعاينة ، صلى إليه دائما ، لأنه يتيقن الإصابة ، ولا يحتاج في كل صلاة إلى معاينة الكعبة ، وكذا حكم من نشأ بمكة وعلم إصابة الكعبة ، وإن لم يشاهدها حين يصلي.

ولو لم يعاين الكعبة ولا تيقن الإصابة ، فلا يجوز له الاعتماد على الاجتهاد ، مع تمكنه من العيان ، بل يجب عليه الترقي إلى سطح الدار لو احتاج إليه إذا أمكنه العيان.

وإما أن يقف بمدينة الرسول علیه السلام فإنه ينزل محراب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في حقه منزلة الكعبة. ولا يجوز له الاجتهاد في التيامن والتياسر ، لأنه لا يقر أحد على الخطإ ، فهو صواب قطعا ، فمن يعاينه يستقبله ويسوي محرابه عليه. وكذا جميع البقاع التي صلى فيها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إذا عرف المحراب.

وكذا المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين ، وفي الطريق التي هي جادتهم يتوجه إليها. ولا يجب عليه الاجتهاد فيها ، ما لم يعلم أنها بنيت على الخطإ. ولو اجتهد فأداه اجتهاده إلى خلافها ، فإن كانت قد بنيت على القطع ، لم يجز العدول إلى اجتهاده ، وإلا جاز.

ص: 393

وكذا القرية الصغيرة التي نشأ فيها قرون متعاقبة من المسلمين ، ولا عبرة بالعلائم المنصوبة في القرية الخربة. وقبلة الكوفة صواب قطعا ، لأن عليا علیه السلام نصبها وفعله حق. أما قبلة البصرة فقيل : نصبها عقبة بن غزوان ، فيجوز فيها الاجتهاد.

المطلب الثاني: ( في الأمارات )

قد سبق أنه لا يجوز الاجتهاد للقادر على اليقين ، وإنما يسوغ لو لم يتمكن ، فحينئذ يجب عليه الاجتهاد في إصابة القبلة. وقد وضع الشارع لكل قوم من البلاد النائية ركنا يستقبلونه ويتوجهون إليه.

فالركن العراقي لأهل العراق ومن والاهم. والشامي لأهل الشام ومن والاهم. والغربي لأهل الغرب ومن والاهم. واليماني لأهل اليمن ومن والاهم.

ولا تحصل القدرة على الاجتهاد إلا بمعرفة أدلة القبلة ، وهي كثيرة ، وقد صنفوا لها كتبا مفردة. وأضعفها الرياح ، لأنها تختلف. وأقواها القطب ، وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين. والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى ، كان مستقبلا للقبلة بناحية العراق وما والاها.

وعلامة العراق : جعل الجدي خلف منكبه الأيمن ، والفجر موازيا لمنكبه الأيسر ، والشفق لمنكبه الأيمن ، وعين الشمس عند الزوال على طرف حاجبه الأيمن مما يلي الأنف.

وعلامة الشام : جعل بنات نعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى ، والجدي وقت طلوعه خلف الكتف اليسرى ، ومغيب سهيل على العين اليمنى ، وطلوعه بين العينين ، والصبا على الخد الأيسر ، والشمال على الكتف الأيمن.

وعلامة المغرب : جعل الثريا على اليمنى ، والعيوق على اليسار ، والجدي على صفحة الخد الأيسر.

ص: 394

وعلامة اليمن : جعل الجدي وقت طلوعه بين العينين ، وسهيل وقت غيبوبته بين الكتفين ، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى.

وآكد العلامات النجوم ، لإمكان ضبطه. وآكده القطب الشمالي ، وهو النجم الصغير الذي تقدم حوله أنجم دائرة في أحد طرفيها الفرقدان وفي الآخر الجدي ، وبين ذلك أنجم صغار ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل ، تدور حول القطب في كل يوم وليلة دورة واحدة ، فيكون الجدي عند طلوع الشمس مكان الفرقدين عند غروبها ، وحولها مما يلي الفرقدين بنات نعش تدور حولها.

والقطب لا يتغير عن مكانه إلا شيئا لا يبين للحس ، وهو نجم خفي يراه حديد النظر ، إذا استدبر في أرض الشام كان مستقبلا للقبلة ، وينحرف في دمشق وما قاربها إلى المشرق قليلا ، وكلما قرب إلى الغرب كان انحرافه أكثر ، وإن كان نجران وما قاربها اعتدل ، وجعل القطب خلف ظهره معتدلا من غير انحراف. وفي العراق بجعله بحذاء ظهر أذنه اليمنى على علوها ، فيكون مستقبلا باب الكعبة إلى المقام.

والشمس تطلع في المشرق ، وتغرب في المغرب ، وتختلف مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها ، والسر فيه عناية اللّه تعالى بالعالم الإنسي ، وتربية الحيوان والنبات ، حيث اقتضت حكمته تركبها من العناصر ، واحتياجها إلى حر وبرد معتدلين ، فلو دام الحر حصل الاحتراق وفسد المزاج ، وكذا لو دام البرد.

فاقتضت الحكمة الإلهية جعل الشمس دائرة حول مركز خارج عن مركز العالم في فلك خاص بها ، يسمى الفلك الخارج « المركز » يحصل بسببه القرب والبعد والمسامتة والانحراف ، ليحصل بهما الحر والبرد على اعتدال لائق بالأمزجة ، جلت حكمته وتعالت عظمته ، فتكون في الشتاء حال توسطها في قبلة المصلي ، وفي الصيف محاذية لقبلته.

وأما القمر ، فإنه يبدو أول ليلة من الشهر هلالا في المغرب عن يمين المصلي ، ثم يتأخر كل ليلة نحو المشرق منزلا ، حتى يكون ليلة السابع وقت

ص: 395

المغرب في قبلة المصلي ، أو مائلا عنها يسيرا ، ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا تاما ، وليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلي أو قريبا منها وقت الفجر.

وقد روي أنه يستحب لأهل العراق التياسر قليلا إلى يسار المصلي (1) ، وهو بناء على أن التوجه إلى الحرم ، لقول الصادق علیه السلام وقد سئل لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال : لأن الكعبة ستة حدود : أربعة منها على يسارك ، واثنان منها على يمينك ، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار (2).

ومسألة المفضل بن عمر عن السبب في تحريف أصحابنا ذات اليسار؟ فقال : إن الحجر الأسود لما أنزل من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال ، كله اثنا عشر ميلا ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة ، لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة (3).

المطلب الثالث: ( في الاجتهاد )

القادر على معرفة القبلة لا يجوز له البناء على الظن والاجتهاد ، لإمكان الخطإ ، ففي استقبال الحجر لمشاهد الكعبة إشكال ، ينشأ : من كونه من الكعبة بالاجتهاد لا بالنص ، والأقرب الجواز لأنه منها.

وإن عجز عن اليقين ، وجب الرجوع إلى الاجتهاد إن كان من أهله ، ويأخذ بأمارات القبلة السابقة. ولا يجوز له التقليد مع قدرته على الاجتهاد وتمكنه من الاستدلال بمواقع النجوم وغيرها ، سواء قلد من يخبره عن علم أو

ص: 396


1- وسائل الشيعة : 3 - 221.
2- وسائل الشيعة 3 - 221 ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 - 222 ح 2 ب 4.

اجتهاد. وكذا الذي لا يعرف أدلة القبلة ، لكنه إذا عرف عرف ، لتمكنه من العلم. بخلاف العامي حيث لم يوجب عليه تعليم الفقه ، لما فيه من المشقة وطول الزمان. بخلاف أدلة القبلة.

وإن كان عاجزا عن الاجتهاد والتعليم ، فهو والأعمى سواء ، يجوز له التقليد والرجوع إلى قول الغير ، لتعذر العلم والظن عن اجتهاد ، فوجب التقليد كغيره من الأحكام الشرعية.

وللشيخ قول بالمنع (1) ، والرجوع إلى الصلاة المتعددة والأصل البراءة.

ويحتمل الرجوع إلى العدل إذا أخبره عن علم ، كما إذا روى خبرا فإنه يؤخذ به ، وهو الأقوى عندي ، لأنه من باب الرواية ، وليس من التقليد في شي ء. ويشترط في المخبر أن يكون عدلا ، ويستوي فيه الرجل والمرأة والحر والعبد ، ولا يقبل خبر الفاسق ، ولا الصبي وإن كان مميزا ، ولا الكافر.

والأخبار إما صريح ، أو دلالة ، كنصب المحاريب في المواضع التي تعتمد عليها. ولا فرق بين المجتهد وغيره ، فللأعمى الاعتماد على المحراب إذا عرفه باللمس ، وكذا البصير في الظلمة.

ولو اشتبه عليه صبر حتى يخبره العدل ، أو يصلي إلى أربع جهات. ولو صبر فضاق الوقت وجب عليه أن يصلي ، لئلا يفوته الوقت. وهل يجوز الصبر إلى أن يضيق الوقت إلا عن واحدة؟ إشكال ، أقربه المنع ، بل تجب المبادرة إذا تضيق الوقت إلا عن أربع صلوات إلى أربع جهات ، فيصلي إلى أربع جهات.

ولو صبر حتى ضاق الوقت إلا عن واحدة ، صلى إلى أي جهة شاء. وهل تجب الإعادة؟ يحتمل ذلك مطلقا ، سواء تبين الخطأ أو لا. وإذا أوجبنا الإعادة قبل تبين الخطإ ، صلى إلى الجهات الثلاث الباقية. ويحتمل وجوبها مع تبين الخطإ. وعدمها مطلقا ، بناء على جواز الصبر.

ولو لم يجد من يخبره عن علم بل عن اجتهاد ، فإن كان مجتهدا وتمكن

ص: 397


1- المبسوط 1 - 80.

منه ، وجب الرجوع إلى الاجتهاد دون التقليد كالأحكام الشرعية. فإن فعل لزمه القضاء ، إلا أن يخاف فوات الوقت بالاجتهاد ، فإن الأقوى الرجوع إلى اجتهاد الغير. ويحتمل إذا تضيق الوقت أن يصلي كيف اتفق ثم يجتهد ، وإن لم يكن مجتهدا احتمل الرجوع إلى الغير.

ولو لم يجد الغير ، أو كان مجتهدا وخفيت الأمارات : إما لتغيم اليوم ، أو لكونه محبوسا في ظلمة ، أو لتعارض الدلائل عنده ، صلى كل فريضة أربع مرات إلى أربع جهات. فإن ضاق الوقت إلا عن ثلاث أو واحدة ، تخير في الساقطة والمفعولة ولا قضاء. ولو كان بتفريطه ، فالأقوى وجوب القضاء إلى البواقي إن استمر الاشتباه ، وإلا صلى واحدة إلى ما علم أنه القبلة أو ظنه ، إن لم يكن شي ء من المفعول أولا إليها.

والعاجز عن الاجتهاد إن لم يتمكن من تعلم الأدلة كالأعمى ، يجوز له التقليد على الأقوى على ما تقدم كالعامي في الأحكام ، وإنما يجوز له تقليد المسلم العدل العارف بأدلة القبلة. ولا فرق بين الرجل والمرأة والحر والعبد.

والتقليد هو قبول قوله المستند إلى الاجتهاد ، فلو أخبره بصير بمحل القطب(1)منه وهو عالم بدلالته ، أو قال : رأيت الخلق الكثير من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة ، كان الأخذ بمقتضاه قبول خبر لا تقليد.

ولو وجد مجتهدين واختلف اجتهادهما ، قلد من شاء منهما على التساوي. ويحتمل وجوب الأربع ووجوب اثنتين. ولو تفاوتوا تعين قبول الأفضل الأعدل.

وإن تمكن من التعلم لم يجز الإهمال ، لأنه من فروض الأعيان ، كأركان الصلاة وشرائطها. فإن أهمل التعليم وصلى ، وجب القضاء ، سواء كان مستقبلا أولا ، لأنه صلى صلاة يعتقد فسادها ، فيبقى في عهدة التكليف.

ولو ضاق الوقت عن التعليم ، فإن اتسع لأربع صلوات وجبت ، ويحتمل التقليد ، وإن لم يسع فالتقليد.

ص: 398


1- في « ق » القبلة.
المطلب الرابع: ( في خلل الاجتهاد )
اشارة

المصلي بالاجتهاد إن تبين الإصابة أو جهلها واستمر حاله ، صحت صلاته ، لأنه فعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة ، وإن ظهر له الخطأ في اجتهاده ، فإن كان قبل شروعه في الصلاة ، فإن تيقن الخطأ في اجتهاده أعرض عن مقتضاه وتوجه إلى الجهة التي يعلمها أو يظنها جهة الكعبة.

وإن ظن الخطأ في اجتهاده ، فإن ظن الصواب في أخرى ، وكان دليل الاجتهاد الثاني أوضح من الأول ، أعرض عن الأول. وإن كان دليل الأول أوضح ، اعتمد على مقتضاه. وإن تساويا احتمل إلحاقه بغير المجتهد ، فيصلي كل صلاة أربع مرات إلى الجهات المتعددة ، وإلزامه بصلاتين إلى الجهتين لا غير ، لدلالة الاجتهادين على انتفاء القبلة في الباقيتين.

ولو ظن خطأ الأول ولم يحصل له ظن الصواب ، احتمل إلحاقه بغير المجتهد ، فيصلي أربع مرات ، وإلزامه بثلاث إلى ثلاث جهات ، إذ لا فرق بالعمل في الاجتهادين بين الفعل والترك والصواب والخطإ. فإن كان بعد فراغه من الصلاة - فإن ظهر الخطأ يقينا - فإن كان قد استدبر ، أعاد الصلاة في الوقت وخارجه على الأقوى ، لأنه قد تيقن الخطأ فوجب القضاء ، كالحاكم إذا وجد النص بخلاف حكمه.

وقيل : يعيد في الوقت لا خارجه ، لقول الصادق علیه السلام : إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة فأعد ، وإن فاتك فلا تعد (1). والإطلاق يتناول الاستدبار ولأصالة البراءة ، ولأن القضاء إنما يجب بأمر جديد ولم يثبت ، والأصل أنه أن كلف بالاجتهاد خاصة لم يجب القضاء ، وإن كلف بالاستقبال وجب. فإن كان بين المشرق والمغرب فلا إعادة ، لقوله علیه السلام : ما بين المشرق والمغرب قبلة (2).

ص: 399


1- وسائل الشيعة 3 - 229 ح 1.
2- وسائل الشيعة 3 - 227 ح 2.

وإن كان إليهما احتمل الإعادة في الوقت وخارجه كالاستدبار ، وفي الوقت خاصة ، لأصالة البراءة ، ولقول الصادق علیه السلام لما سئل عن الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم ، فيصلي إلى غير القبلة كيف يصنع؟ إن كان في وقت فليعد صلاته ، فإن مضى الوقت فحسبه اجتهاده (1).

هذا إذا تيقن الصواب مع تيقن الخطإ ، وأما إذا تيقن الخطأ ولم يتيقن الصواب فكذلك أيضا من غير فرق ، لظهور بطلان ما فعله. وإن ظهر الخطأ ظنا ، لم يجب القضاء ، لأنه صلى عن اجتهاد ، فلا ينقضه بمثله ، كما لا ينقض الحاكم الاجتهاد بمثله.

فلو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات ، لم يجب عليه قضاء واحدة ، لأن كل واحدة قد صليت باجتهاد لم يتيقن فيه الخطأ ، ويحتمل قضاء الجميع ، لأن الخطأ متيقن في ثلاث صلوات منها ، وإن لم يتعين ، فأشبه ما لو فسدت صلاة من صلوات ، وقضا ما سوى الأخيرة. ويجعل الاجتهاد الأخير ناسخا لما قبله.

وكذا لو صلى صلاتين أو ثلاثا باجتهادات متعددة إلى الجهات ، يحتمل قضاء الكل وما عدا الأخيرة. وعدم قضاء شي ء.

وإن كان في الأثناء : فإن ظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطإ ، فإن كان الانحراف يسيرا ، حول وجهه إلى ما ظهر له الصواب فيه ، احتسابا بما مضى من صلاته ، كما يحتسب بجميع صلاته لو تيقن الخطأ بعد الفراغ. ولو كان الخطأ بالاجتهاد انحرف وبنى ، لأن الاستيناف نقض لما أدى من الصلاة بالاجتهاد ، والاجتهاد لما ينقض بمثله.

فلو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات لم يعد. ولو لم يظهر له الصواب مع ظهور الخطإ ، فإن عجز عن إدراك الصواب بالاجتهاد على القرب ، بطلت صلاته ، إذ لا سبيل إلى الاستمرار على الخطإ ، ولا يتمكن من درك(2)الصواب لينحرف.

ص: 400


1- وسائل الشيعة 3 - 231 ح 6.
2- في « س » : إدراك.

وإن قدر على القرب انحرف إلى الصواب ، مثاله : إذا عرف أن قبلته يسار المشرق والسماء متغيمة ، فتوجه إلى جهة ظن أنها اليسار ، وانجاب الغيم بحذائه وظهر كوكب قريب من الأفق ، فقد يعلم الخطأ يقينا إذا ظهر له أنه مشرق أو مغرب.

ثم قد يعرف الصواب على القرب ، بأن يرتفع الكوكب ، فيعلم أنه مشرق أو ينحط فيعلم أنه مغرب ، ويترتب على ذلك معرفة القبلة ، وقد يعجز بأن يستمر انطباق الغيم.

هذا كله إذا كان بين التيامن والتياسر. وأما إذا كان مستدبرا فإنه يستأنف الصلاة ، لئلا يجمع في صلاة واحدة إلى جهتين.

فروع :

الأول : إذا صلى بالاجتهاد ، ثم دخل عليه وقت أخرى ، أو أراد قضاء فائتة ، احتمل وجوب تجديد الاجتهاد واختاره الشيخ سعيا في إصابة الحق ، فإن الاجتهاد الثاني إن وافق الأول تأكد الظن ، وإن خالفه فكذلك ، لأن تغير الاجتهاد لا يكون إلا لأمارة أقوى من الأمارة الأولى ، وآكد الظنين أقرب إلى اليقين. ويحتمل عدمه ، إذ الأصل استمرار الظن الأول ، فيجري عليه إلى أن يظهر خلافه.

وكذا الاحتمالان في طلب الماء في التيمم ، وفي المفتي إذا استفتى عن واقعة فاجتهد وأجاب ، ثم استفتى مرة أخرى عنها. وفرق بين تجديد الطلب وتجديد الاجتهاد ، فإن تجديد الطلب مخصوص بما إذا لم يبرح من مكانه ، فإن الطلب في موضع لا يفيد معرفة العدم في آخر ، ولا يختص تجديد الاجتهاد بذلك المكان ، لأن أكثر أدلة القبلة سماوية لا تختلف بالمسافات القريبة.

الثاني : لو أدى اجتهاد رجلين إلى جهتين ، عمل كل على اجتهاده ، ولا يقتدي أحدهما بالآخر ، لأن كل واحد منهما مخطئ عند صاحبه.

ولو اتفق اجتهادهما فأم أحدهما صاحبه ، ثم تغير اجتهاد المأموم في الأثناء ،

ص: 401

فعليه أن يفارقه وينحرف إلى الجهة الثانية ، ولا يستأنف إلا مع الاستدبار. ولو تغير اجتهاد الإمام ، انحرف أو استأنف على التفصيل ، وفارقه المأموم مستمرا على حاله.

ولو اختلف اجتهادهما في التيامن والتياسر والجهة واحدة ، فإن أوجبنا على المجتهد استقبال عين الكعبة ، فكالاختلاف في الجهة ، فلا يقتدي أحدهما بصاحبه ، وإن اكتفينا باتحاد الجهة فلا بأس.

الثالث : لو شرع المقلد في الصلاة بالتقليد ، فقال له عدل : أخطأ بك من قلدته ، فإن كان قوله عن اجتهاد ، استمر ، إن كان قول الأول أرجح ، إما بزيادة عدالته أو معرفته بأدلة القبلة ، فإن الأقوى لا يرفع بالأضعف. وإن تساويا أو جهل الترجيح استمر ، وهل له الرجوع إلى الثاني؟ إشكال. وإن كان قول الثاني أرجح فهو كتغير اجتهاد البصير.

ولو أخبره بعد الفراغ لم يلزمه الإعادة وإن كان قوله أرجح ، كما لو تغير اجتهاده بعد فراغه. وإن كان قوله عن علم ، وجب الرجوع إليه ، لاستناده إلى اليقين ، واعتماد الأول على الاجتهاد. ولا فرق بين أن يكون قول الثاني أصدق عنده أو لا.

الرابع : لو قال للأعمى : أنت مستقبل للشمس أو مستدبر. والأعمى يعرف أن قبلته ليست صوب المشرق ولا المغرب ، فيجب قبول قوله ، ويكون بمنزلة ما لو تيقن المجتهد الخطأ في أثناء الصلاة ، فيلزمه الاستيناف.

ولو قال له الثاني : إنك على الخطإ قطعا ، فكذا يجب قبول قوله ، لأن قبول قطعه أرجح من ظن الأول ، فجرى مجرى الأخبار عن محسوس. وهذا القاطع بالخطإ قد يخبر عن الصواب قاطعا به ، وقد يخبر عنه مجتهدا.

وعلى التقديرين يجب الرجوع إليه ، لبطلان تقليد الأول بقطعه ، ولا يمكن أن يكون قطعه بالخطإ عن اجتهاد ، فإن الاجتهاد لا يفيد القطع.

ولو أخبره الثاني عن الخطإ ولم يخبره عن الصواب هو ولا غيره ، فهو كتخيير المجتهد في أثناء الصلاة.

ص: 402

الخامس : لو اجتهد فأدى اجتهاده إلى جهة ، فصلى إلى غيرها ، لم تصح صلاته ، وإن ظهر أنها القبلة ، لأنه مأمور على اجتهاده ولم يفعل ، فيبقى في عهدة التكليف.

السادس : لو صلى باجتهاد ، فعمي في الأثناء استمر ، لأن اجتهاده أولى من اجتهاد غيره ، فإن استدار استدرك إن تمكن ، وإلا أبطلها وبحث وقلد.

وإن شرع فيها وهو أعمى ، فأبصر في أثنائها ، فإن ظهر له الصحة أو خفي الأمر استمر ، لأنه دخل مشروعا. ولو ظهر البطلان استدار إن كان يسيرا ، وإلا استأنف.

السابع : ذو الرأسين والبدنين ولو اختلف وضعاهما ، احتمال تعدد الصلاة عليهما ، ليوقع كل واحد منهما الصلاة مستقبلا مع المكنة. وعدمه ، لأصالة البراءة ، وإن كانا اثنين. أما في الجمعة ، فلا يجب التعدد قطعا.

المطلب الخامس: ( في ما يستقبل له )
اشارة

الاستقبال للقبلة منه واجب في مواضع : الأول فرائض الصلاة. الثاني بالذبيحة عند الذبح. الثالث بالميت عند احتضاره وتغسيله والصلاة عليه ودفنه. ومنه مستحب ، كالجلوس للقضاء والدعاء. ومنه حرام عند البول والغائط.

والبحث هنا عن الأول ، ولا خلاف في وجوب الاستقبال مع التمكن في فرائض الصلاة على كل مكلف. ويسقط حالة الخوف. وهل يجب الاستقبال في النافلة؟ إشكال ، أقربه ذلك. ويسقط حالة الخوف والسفر. ولا فرق بين جميع الفرائض ، كالصلوات اليومية والطواف والكسوف والنذر والقضاء والجنائز.

ولا يجب في سجود التلاوة ، وسجود الشكر ، بل في قضاء السجدة وسجدتي السهو.

ولا تجوز الفريضة على الراحلة مع اختلال الاستقبال إجماعا ، سواء تمكن من استيفاء الأفعال أو لا.

ص: 403

ولو استقبل فالأقرب الجواز للامتثال. ويحتمل المنع ، لعموم النهي عن الصلاة على الراحلة.

وكذلك لا تجوز صلاة الجنائز على الراحلة ، لأن الركن الأعظم فيها القيام ، والأقرب صحة الفريضة على بعير معقول ، أو أرجوحة معلقة بالحبال ، كما تجوز في السفينة الجارية. والحركات الكثيرة ليست صادرة عنه ، لأنه حركة بالعرض.

ولا فرق في سقوط الاستقبال في النافلة بين المسافر سفرا طويلا أو قصيرا ، ولو في البلد ، لاحتياج المقيم إلى التردد في دار إقامته. ولا بين الراكب والماشي ، جمعا بين المصلحة الناشئة من مداومة الطاعة وقضاء الوطر في المهام والمصالح.

وتجوز الفريضة على الراحلة مع الضرورة لغير الخوف ، لأنه علیه السلام صلى الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر (1). ولا تجب الإعادة للامتثال المسقط لما في الذمة. وكذا المريض العاجز عن الحركة ، لقول الصادق علیه السلام : لا يصلي على الدابة إلا مريض (2).

وإذا صلى على الراحلة فرضا مع الضرورة ، وجب أن يستقبل القبلة ما أمكنه ، ويحرف الدابة لو انحرفت مع المكنة ، فإن عجز عنه ولم يتمكن من النزول ، صلى إلى أي جهة تمكن للضرورة. ولا تجب الإعادة ، لأصالة البراءة ، ويجب عليه في كل حال من أحوال الصلاة الاستقبال مع المكنة.

وإن صلى نفلا مع الاختيار ، توجه إلى حيث توجهت دابته وإن تمكن من الاستقبال ، لسقوط فرضه حينئذ ، ولأنه علیه السلام كان يصلي في السفر على راحلته ، حيث توجهت به (3) ، وكان أمير المؤمنين علیه السلام يوتر على راحلته (4).

ص: 404


1- وسائل الشيعة 3 - 238 ح 8.
2- وسائل الشيعة 3 - 236 ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 - 243 ح 22 و 24.
4- وسائل الشيعة 3 - 243 ح 21.

ولو اضطر إلى الفريضة على الراحلة ، والدابة إلى القبلة ، فحرفها عمدا لا لحاجة ، بطلت صلاته ، لأنه ترك الاستقبال اختيارا. وإن كان لجماع(1)الدابة ، فإن لم يتمكن من الانحراف ، لم يبطل وإن طال ، سواء انحرف يسيرا أو كثيرا أو استدبر.

ولو صلى نفلا وصرف وجه الدابة عن الطريق عمدا لم يبطل صلاته وإن كان لا لغرض.

ولو ركب مقلوبا واستقبل القبلة ، صح في الفرض والنفل ، بل يجب مع المكنة.

ولا فرق في النوافل بين الرواتب وغيرها ، فيجوز أن يصلي العيدين نفلا ، والاستسقاء والطواف نفلا على الراحلة.

ولا فرق بين الدابة والسفينة ، فيجوز أن يتنفل في السفينة حيث توجهت ، وإن تمكن من الاستقبال. أما لو كان في كنيسة على دابة أو هودج وتمكن من الاستقبال ، فإنه لا يجب في النفل.

فروع :

الأول : المفترض على الراحلة للضرورة يستقبل القبلة ما أمكنه ، فإن لم يتمكن استقبل بتكبيرة الإحرام ، ليكون ابتداء الصلاة على صفة الكمال ، فإن عجز سقط.

والمتنفل كذلك استحبابا ولا يجب ، لأن تكليف الاستقبال يشق عليه ويشوش سيره.

الثاني : إذا لم يتمكن من الاستقبال ، جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة ، لأن المصلي لا بد من أن يستمر على جهة واحدة لئلا يتوزع فكره ، وجعلت تلك الجهة جهة الكعبة لشرفها ، فإذا عدل عنها لحاجة السير ، فليلزم الجهة التي قصدها ، محافظة على المعنى المقتضي للاستمرار على الجهة الواحدة.

ص: 405


1- جمح جمحا وجموحا الفرس : تغلب على راكبه وذهب به.

ثم الطريق في الغالب لا يستمر على نهج واحد ، بل لا بد فيه من معاطف يلقاها السالك يمنة ويسرة ، فيتبعه كيف كان للحاجة.

الثالث : راكب التعاسيف وهو الهائم الذي يستقبل تارة ويستدبر أخرى ، يتنفل كغيره كيف شاء.

الرابع : لو انحرف عن صوب الطريق ، أو حرف الدابة عنه عمدا قصدا لم يبطل تنفله ، لسقوط فرض الاستقبال حالة الركوب. وجعله مستقبلا لجهة المقصد(1)إرفاقا به ، إذا لا مائز بين ما عدا القبلة من الجهات. وهل صوب المقصد في الفريضة كالقبلة؟ إشكال.

الخامس : المصلي إلى القبلة لو أماله إنسان عنها قهرا وطال الزمان ، احتمل البطلان ، لفقد الشرط. والصحة ، لزوال التكليف عند الإكراه ، فأشبه الراكب.

السادس : من ترك الاستقبال عمدا ، بطلت صلاته ، وأعاد في الوقت وخارجه بإجماع العلماء ، لانتفاء الشرط. ولو صلى ظانا ثم ظهر الخطأ ، فإن كان بين المشرق والمغرب وهو في الصلاة استدار ، وإن تبين بعده لم يعد إجماعا ، لقوله علیه السلام : ما بين المشرق والمغرب قبلة (2).

وإن ظهر أنه صلى إلى المشرق أو المغرب ، أعاد في الوقت ، للإخلال بالشرط مع بقاء الوقت ، ولا يعيد خارجه ، لأن القضاء تكليف ثان والأصل عدمه.

أما الناسي فقد ألحقه الشيخ رحمه اللّه بالظان في وجوب الإعادة في الوقت لا خارجه ، والأقرب إلحاقه بالعامد ، لتفريطه بالنسيان.

السابع : تجوز الصلاة في السفينة الواقفة والسائرة فرضا وفضلا ، والأفضل الشرط مع التمكن. فإن صلى فيها وجب القيام والاستقبال مع

ص: 406


1- في « ق » القصد.
2- وسائل الشيعة : 3 - 228 ح 1.

المكنة ، فإن تعذر صلى جالسا كيف اتفق. ولو تعذر أحدهما ، سقط ووجوب الآخر.

فإذا تمكن من الاستقبال فدارت السفينة ، فليدر معها ويستقبل القبلة. فإن تعذر استقبل بتكبيرة الإحرام ، ثم يصلي كيف ما دارت.

ويجوز التنفل إلى رأس السفينة عند تعذر الاستقبال ، لقول الصادق علیه السلام : تصلي النافلة مستقبل صدر السفينة ، وهو مستقبل القبلة إذا كبر ، ثم لا يضره حيث دارت (1).

الثامن : المصلي على الدابة إذا تمكن من استيفاء(2)الأركان من قيام وركوع وسجود ، وجب في الفريضة امتثالا للأمر. ولو تنفل صلى كذلك مستحبا. فإن أومأ بالركوع والسجود ، كان كالمصلي على الأرض بالإيماء.

ولو لم يتمكن من استيفاء الأفعال أومأ بالركوع والسجود. ولا يجب عليه وضع الجبهة على عرف الدابة أو السرج ، لما فيه من المشقة وخوف الضرر من نفور الدابة.

ويجعل السجود أخفض من الركوع واجبا عند التمكن ، والأقرب أنه لا يجب أن يبلغ غاية وسعه في الانحناء.

التاسع : لو اضطر إلى الصلاة فرضا ماشيا جاز للضرورة ، ويستقبل ويأتي بالأركان من الركوع والسجود مع المكنة واجبا ، لتمكنه من أداء الواجب على وجهه ، فلا يخرج عن العهدة بدونه. وعن أي حالة عجز سقطت دون غيرها(3).

ولو عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما كالراكب للضرورة. وكذا يتشهد ماشيا مع الحاجة.

ص: 407


1- وسائل الشيعة : 3 - 234.
2- في « س » استقبال.
3- في « س » : فإن.

ولو عجز عن الاستقبال استقبل بتكبيرة الافتتاح(1)، ثم صلى إلى مقصده وإن كان مستدبرا للضرورة.

ولو تنفل ماشيا جاز وكان حكمه حكم المتنفل راكبا.

العاشر : يجب على الماشي التحرز عن ملاقاة النجاسة. فلو مشى عليها قصدا ، بطلت صلاته ، إلا أن يلاقيها بخفه أو جرموقه(2)فلا بأس.

ولو انتهى إلى نجاسة ولا معدل له عنها واضطر إلى السلوك فيها جاز ، لكثرة النجاسات في الطرق(3)، وتكليف التحفظ يشوش عليه غرض السير.

الحادي عشر : لا يجب عليه الاحتراز عن الأفعال التي لا يحتاج إليها ، فلو ركض الدابة لغير عذر ، أو كان ماشيا فعدى لغير ضرورة ، فالوجه الجواز ، لأنه نوع من المشي والركوب ، وهما سائغان مطلقا.

الثاني عشر : المربوط إلى الخشبة ومن شد وثاقه على الأرض ، يصلي على حسب حاله بالإيماء ولا يعيد للامتثال. وكذا الغريق.

ص: 408


1- في « س » : الإحرام.
2- الجرموق : ما يلبس فوق الخف الصغير ليقيه من الطين ، وتسميه العامة « الكالوش ».
3- في « س » : الطريق.

الفصل السادس: ( في الأذان والإقامة )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( الحكم )

الأذان لغة : الإعلام. وشرعا أذكار معروفة مخصوصة تتضمن الإعلام بأوقات الصلوات والدعاء إليها.

وليس من فروض الأعيان بالإجماع ، بل من فروض الكفايات عند أكثر علمائنا ، لأنه للإعلام والدعاء إلى الصلاة ، فصار كقوله « الصلاة » في العيدين. ولأنه علیه السلام جمع بين الصلاتين وأسقط الأذان من الثانية (1) والجمع سنة ، فلو كان الأذان واجبا لما تركه للسنة.

ولقول الباقر علیه السلام لما سئل في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في صلاته : فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة (2). ولأنه مما تعم به البلوى فلو كان واجبا لاشتهر ، ولوقع الإنكار على تاركه في جميع الأعصار.

ص: 409


1- وسائل الشيعة 4 - 622 ح 6.
2- وسائل الشيعة 4 - 656 ح 1.

وللسيد قول : بوجوب الأذان والإقامة على الرجال خاصة دون النساء ، في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر. ويجبان عليهم جماعة وفرادى في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة ، ويجب عليهم الإقامة في باقي الصلوات المكتوبات.

وعند الشيخ : إنهما واجبان في صلاة الجماعة. نعم لو داوم أهل بلد على تركه ، قوتلوا على ذلك إن لم يمتثلوا الأمر به ، على إشكال. لأنه من شعائر الإسلام.

وفيه فضل كثير وثواب جزيل.

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة (1).

وقال علیه السلام : ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة ، يغبطهم الأولون والآخرون : رجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة. ورجل يأم قوما وهم به راضون. وعبد أدى حق اللّه وحق مواليه (2).

وقال علیه السلام : من أذن اثنا عشر سنة وجبت له الجنة ، وكتب له بكل أذان ستون حسنة ، وبكل إقامة ثلاثون حسنة (3).

وقال علیه السلام : من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة ، وجبت له الجنة (4).

وقال الباقر علیه السلام : من أذن سبع سنين احتسابا ، جاء يوم القيامة ولا ذنب له (5).

والإمامة أفضل من التأذين ، لأنه علیه السلام فعل الإمامة ولم يشتغل بالأذان والإقامة ، بل قام بهما غيره (6).

ص: 410


1- وسائل الشيعة 4 - 616 ح 21 ، صحيح مسلم 1 - 290.
2- وسائل الشيعة 4 - 615 ح 12 و 2.
3- سنن ابن ماجة 1 - 241.
4- وسائل الشيعة 4 - 613 ح 1.
5- وسائل الشيعة 4 - 613 ح 3.
6- وسائل الشيعة 4 - 659 ح 2.

ويبعد أن يترك الأفضل لغيره. ولأن الإمام يحتاج إلى معرفة أحوال الصلاة. والقيام بما يحتاج إليه الإمامة(1)وتحصيل الفضيلة. ولهذا قيل : إنه ضامن والمؤذن أمين ، والضامن أكثر عملا من الأمين ، فيكون ثوابه أكثر.

والإقامة أفضل من الأذان ، لشدة تأكيد استحباب الطهارة والاستقبال والقيام وغير ذلك في الإقامة على الأذان.

واعلم : أن الأذان وحي من اللّه تعالى عند أهل البيت علیهم السلام على لسان جبرئيل علیه السلام ، لقول الصادق علیه السلام : لما هبط جبرئيل بالأذان على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان رأسه في حجر علي علیه السلام ، فأذن جبرئيل وأقام ، فلما انتبه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : يا علي سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت قال : نعم ، قال : ادع بلالا فعلمه ، فدعى علي علیه السلام بلالا وعلمه (2).

ولأنه أمر مشروع وعبادة مؤيدة مستفادة من النبي صلی اللّه علیه و آله ، وقال تعالى ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (3).

المطلب الثاني: ( في صفاته )

الأذان عند علمائنا ثمانية عشر فصلا : التكبير من أوله أربع مرات ، ثم باقي الفصول مثنى ، فيعقب التكبير بالشهادة بالتوحيد مرتين ، ثم بالشهادة بالرسالة مرتين ، ثم بالدعاء إلى الصلاة مرتين ، ثم بالدعاء إلى الفلاح مرتين ، ثم بالدعاء إلى خير العمل مرتين ، ثم بالتكبير مرتين ، ثم بالتهليل مرتين. لأن أبا محذورة قال قلت : يا رسول اللّه علمني سنة الأذان؟ قال تقول : اللّه أكبر ، فذكر أربع مرات (4).

ص: 411


1- في « س » الإقامة.
2- وسائل الشيعة 4 - 612 ح 2.
3- سورة النجم : 3.
4- جامع الأصول 6 - 191.

وتواتر النقل عن أهل البيت علیهم السلام في وصف الأذان بما ذكرناه ، وهم أعرف بكيفيات العبادات ، لأن الوحي في بيتهم نزل ، وأمر النبي صلی اللّه علیه و آله بلالا بأن يشفع الأذان. يدل على تثنية التهليل ، وقول الصادق علیه السلام لما وصف الأذان : لا إله إلا اللّه ، لا إله إلا اللّه (1). ولأنه كغيره من الفصول ، فكان مثنى بخلاف التكبير في أوله ، لوقوعه ابتداء حالة الغفلة ، ولشدة الاهتمام بالتكبير ، ولهذا جعلت فصوله مكررة في أوله وآخره.

والإقامة عند علمائنا سبعة عشر فصلا ، كالأذان مثناة ، إلا أنه يسقط من التكبير في أولها مرتان ، ومن التهليل في آخرها مرة ، ويزاد بعد « حي على خير العمل » « قد قامت الصلاة » مرتان ، لقول أبي محذورة : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله علمه الإقامة سبعة عشرة كلمة (2) ، وقول الصادق علیه السلام : الإقامة مثنى مثنى (3).

وقد ورد استحباب التكبير في آخر الأذان أربع مرات ، وفي أول الإقامة كذلك ، وفي آخرها أيضا ، وتكرار التهليل في آخرها مرتين.

ولا يجوز قول « إن عليا ولي اللّه » و « آل محمد خير البرية » في فصول الآذان ، لعدم مشروعيته.

ويجوز في حال الاستعجال والسفر إفراد الفصول ، لما فيه من الجمع بين فضيلة الأذان وقضاء مهام السفر. قال الحذاء : رأيت الباقر علیه السلام يكبر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال : لا بأس به إذا كنت مستعجلا (4).

وقال الباقر علیه السلام : الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة الآذان واحدا واحدا والإقامة واحدة (5).

ص: 412


1- وسائل الشيعة 4 - 644 ح 9.
2- وسائل الشيعة 4 - 642 ح 1 ، جامع الأصول 6 - 191.
3- وسائل الشيعة 4 - 642 ح 4.
4- وسائل الشيعة 4 - 650 ح 4.
5- وسائل الشيعة 4 - 650 ح 2.

وتثنية الإقامة أفضل من أفراد الأذان والإقامة ، لأنها تكون عبادة تامة ، ولأن الإقامة أفضل ، فكذا آحاد الفصول. وقال الصادق علیه السلام : لئن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا (1).

والترتيب شرط في الأذان والإقامة ، فلو أخل به لم يأت بالمأمور به ، لأن جبرئيل علیه السلام نزل به مرتبا ، والنبي صلی اللّه علیه و آله علمه(2)مرتبا فيتبع ، ولأنه لو لم يكن لها ترتيب خاص لا ورث اختلال الإعلام والإبلاغ. فلو عكس الكلمات لم يعتد بها معكوسة ، ويبنى على القدر المنتظم.

ولو أخل بالترتيب ناسيا فكالعامد ، لأنه لا وجود للمشروط بدون شرطه كترك الطهارة ، ولقول الصادق علیه السلام : من سها في الأذان فقدم أو أخر ، أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره (3). ولو ترك بعض الكلمات من خلاله أتى به وأعاد ما بعده.

ولو نذر الأذان والإقامة ، فلم يرتب فيهما ، لم يخرج عن العهدة ووجب عليه الإعادة ، وكما أن فصول الأذان والإقامة مرتبة. فكذا الأذان متقدم على الإقامة.

ويشترط الموالاة ، لبطلان غرض الإعلام بطول الفصل ، ويظن السامعون أنه لعب أو تعليم. ولا يضر سكوت لا يفوت الغرض معه.

ولا يبطل الأذان بالكلام في خلاله ، لأنه ليس بأكثر(4)من الخطبة ، وهي لا تبطل به ، لكن ينظر إن كان يسيرا لم يضر ، كما في الخطبة ، وكما في السكوت اليسير ، سواء رفع الصوت به أو لا. ولو تكلم طويلا فكالسكوت الطويل.

ولو أغمي عليه ، أو نام في خلاله ، فإن كان يسيرا وزال عن قرب ، لم

ص: 413


1- وسائل الشيعة 4 - 649 ح 2.
2- في « ق » عمله.
3- وسائل الشيعة 4 - 662 ح 1.
4- في « س » و « ر » بآكد.

يضر وجاز البناء عليه. وإن طال بطل. ويحتمل في الإغماء الاستيناف وإن قصر ، لخروجه عن التكليف.

ولو ارتد في الأثناء ، لم يجز البناء عليه في الردة ، لعدم الاعتداد بأذان الكافر. ولو عاد إلى الإسلام ، فالأقوى عدم جواز البناء ، لأنهما عبادة واحدة ، فتبطل بعروض الردة كالصلاة وغيرها. ويحتمل الجواز ، لأن الردة إنما تمنع من العبادة في الحال ، ولا تبطل ما مضى إلا إذا اقترن بها الموت ، والصلاة لا تقبل الفصل.

وكل موضع لا يحكم ببطلان الأذان فيه يجوز البناء على أذانه ، ويجوز لغيره البناء عليه ، لأنه يجوز صلاة واحدة بإمامين ، ففي الأذان أولى.

ولو ارتد بعد الفراغ من أذانه ثم أسلم وأقام جاز ، لكن يستحب أن لا يصلي بأذانه وإقامته ، بل يعيد غيره الأذان والإقامة ، لأن ردته تورث شبهة في حاله.

ولو تكلم في خلال الإقامة استأنفها ، لوقوع الصلاة عقيبها بلا فصل ، فكان لها حكمها ، ولقول الصادق علیه السلام : لا تتكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة.

ويشترط فيه النية ، لأنها عبادة فتفتقر إليها.

ويكره أشياء :

الأول : الترجيع وهو تكرار الشهادتين مرتين أخيرتين(1)، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : الأذان مثنى (2).

ولم يذكر الترجيع عبد اللّه بن زيد الذي استندوا الأذان إليه. ولأن الباقر والصادق علیهم السلام حكيا الأذان ولم يذكرا الترجيع.

ص: 414


1- في « ق » و « س » آخرين.
2- وسائل الشيعة 4 - 643.

ولو أراد المؤذن تنبيه غيره أو إشعاره جاز له ، لقول الصادق علیه السلام : لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة ، أو في « حي على الصلاة » أو في « حي على الفلاح » المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس (1).

الثاني : التثويب عندنا بدعة ، وهو قول « الصلاة خير من النوم » في صلاة الغداة وغيرها ، لأن عبد اللّه بن زيد لم يحكه في الأذان الذي تعلمه من النبي صلی اللّه علیه و آله ، ولا أهل البيت علیهم السلام حكوه لما وصفوا أذان الملك علیه السلام .

الثالث : لا يستحب أن يقول بين الأذان والإقامة « حي على الصلاة ، حي على الفلاح » لأنه لم يثبت في زمن النبي صلی اللّه علیه و آله ، وقال : كل محدث بدعة.

الرابع : الكلام مكروه خلال الأذان ، ويتأكد في الإقامة ، لئلا ينقطع توالي ألفاظه ، فإن تكلم في الأذان لم يعيده ، عامدا كان أو ناسيا ، إلا أن يخرج عن مظنة الموالاة. ولا يكره لو كان لمصلحة الصلاة ، لأنه سائغ في الإقامة ، ففي الأذان أولى.

الخامس : لا إعراب أواخر الفصول في الأذان والإقامة ، لقول الباقر علیه السلام . الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر (2). وقال النخعي : شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة. ولاستحباب الترتيل فيه ، فيؤذن ذلك بالوقوف في مواضعه. وكل فصل منفرد بنفسه غير متعلق بغيره ، فيستحب الوقوف عليه ، ولا إعراب مع الوقف.

ويستحب في الأذان أمور :

الأول : رفع الصوت به ، لقوله علیه السلام ، يغفر للمؤذن مد صوته ،

ص: 415


1- وسائل الشيعة 4 - 652.
2- وسائل الشيعة 4 - 639 ح 2.

ويشهد له كل رطب ويابس (1). ولأن القصد فيه الإعلام ، وهو يكثر برفع الصوت ، فيكون النفع به أتم ، ولا يجهد نفسه للمشقة.

ثم إن كان يؤذن لنفسه لم يتأكد الاستحباب في المبالغة ، لأن الغرض منه الذكر دون الإعلام. ولا يقتصر على إسماع النفس ، لأنه يمنع من كون المأتي به أذانا وإقامة ، فليزد عليه قدر ما يسمع من عنده لو حضر.

وقد ورد أن رفع الصوت بالأذان في المنزل ينفي العلل والأسقام ويكثر النسل ، فإن هشام بن إبراهيم شكا إلى الرضا علیه السلام سقمه ، وأنه لا يولد له ، فأمره برفع صوته بالأذان في منزله قال : ففعلت فأذهب اللّه عني سقمي وكثر ولدي (2). قال محمد بن راشد وكنت دائم العلة ما أنفك منها في نفسي وجماعة خدمي ، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به ، فأذهب اللّه عني وعن عيالي العلل.

وإن كان يؤذن للجماعة رفع الصوت أكثر ، فإن كانوا غيابا ازداد في الرفع. فإن أسر به فالأولى استحباب إعادته ، وكذا لو أسر ببعض فصوله. والرفع في الإقامة دون الرفع فيه ، لأنها للحاضرين.

وهذا الاستحباب في حق الرجال دون النساء ، صونا لصوتهن عن السماع.

الثاني : الترتيل في الأذان ، بأن يتمهل فيه. مأخوذ من قولهم : جاء فلان على رسله ، أي على هيئته من غير عجلة ، ولقوله علیه السلام : إذا أذنت فرتل (3). وأما الإقامة فيستحب فيه الإحدار ، لأن المقصود إعلام الحاضرين بافتتاح الصلاة ، ولقول الباقر علیه السلام والإقامة حدر (4).

الثالث : يستحب الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة ، أو سجدة ، أو

ص: 416


1- وسائل الشيعة 4 - 615 ح 11.
2- وسائل الشيعة 4 - 641 ح 1.
3- وسائل الشيعة 4 - 652 ح 3.
4- وسائل الشيعة 4 - 639 ح 2.

سكتة ، أو خطوة ، إلا المغرب فإنه يفصل بينهما بخطوة أو سكتة أو تسبيحة ، لضيق وقتها. وفي الظهرين يجوز بصلاة ركعتين ، لقوله علیه السلام لبلال : اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته (1).

وقال الصادق علیه السلام : بين كل أذانين قعدة ، إلا المغرب فإن بينهما نفسا (2). وكان الصادق والكاظم علیهماالسلام يؤذن للظهر على ست ركعات ، ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر (3). ولأن الأذان للإعلام فيستحب الانتظار ، ليدرك الناس الصلاة وتحصل غايته.

الرابع : الدعاء إذا فصل بغير الصلاة والسكوت بما روي أنه يقول : إذا جلس بعد الأذان « اللّهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا واجعل لي عند قبر رسول اللّه قرارا ومستقرا » (4).

المطلب الثالث: ( في محله )

لا يستحب الأذان والإقامة لشي ء من النوافل ، سواء كانت راتبة أو لا ، وسواء سن فيها الجماعة كالعيدين مع اختلال الشرائط والاستسقاء أو لا ، لعدم النقل عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فإنه صلاها من غير أذان وإقامة.

لكن ينادي لصلاة العيدين والكسوف والاستسقاء « الصلاة » ثلاثا. وهل يستحب هذا النداء في صلاة الجنازة؟ إشكال ، ينشأ : من عموم الأمر به ، ومن الاستغناء بحضور المشيعين.

وكذا لا يؤذن في شي ء من الفرائض غير الخمس ، كالمنذورة والعيدين مع الشرائط والجنازة والكسوف لما تقدم.

ص: 417


1- جامع الأصول 6 - 200.
2- وسائل الشيعة 4 - 632 ح 7.
3- وسائل الشيعة 4 - 667 ح 5.
4- وسائل الشيعة 4 - 634 ح 1 ب 12.

ولو أذن في هذه المواضع كان مبدعا.

ومحله ليس إلا لصلوات الخمس اليومية والجمعة ، سواء المنفرد والجامع ، لقوله علیه السلام لأبي سعيد الخدري : إنك رجل تحب الغنم والبادية ، فإذا دخل وقت الصلاة فأذن وارفع صوتك ، فإنه لا يسمع صوتك حجر ولا شجر ولا مدر إلا شهد لك يوم القيامة (1). وهو على إطلاقه يتناول رجاء حضور جمع أولا.

ولا فرق بين الأداء والقضاء ، لقوله علیه السلام : من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته (2). ولأن ما يسن للصلاة في أدائها يسن في قضائها كسائر الأذكار.

ويتأكد الاستحباب في الأداء ، وآكد منه فيما يجهر فيه بالقراءة ، ومنه الغداة والمغرب ، لقول الصادق علیه السلام : لا تدع الأذان في الصلوات كلها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنه ليس فيهما تقصير (3).

وقال الباقر علیه السلام : إن أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة ، وتفتتح النهار الأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان (4).

ولو كان عليه قضاء صلوات كثيرة لم يتأكد استحباب تكرير الأذان ، بل يجوز أن يؤذن لأول ورده ويقيم ، ثم يكرر الإقامة مع كل صلاة.

ولو اقتصر في الإقامة على الجميع أجزأه.

ولو جمع بين صلاتين أذن للأولى منهما وأقام ، ويقيم للثانية خاصة ، سواء كان في وقت الأولى أو الثانية ، وفي أي موضع كان ، لأن الصادق علیه السلام روى أن النبي صلی اللّه علیه و آله جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين (5).

ص: 418


1- وسائل الشيعة 4 - 640 ما يدل على ذلك.
2- عوالي اللئالي 3 - 107.
3- وسائل الشيعة 4 - 624 ح 3.
4- وسائل الشيعة 4 - 623 ح 1.
5- جامع الأصول 6 - 184.

ويسقط الأذان للعصر يوم الجمعة ، لأن الجمعة تجمع صلاتاها ، وتسقط ما بينهما من النوافل ، ولقول الباقر علیه السلام : إن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله جمع بين الظهرين بأذان وإقامتين وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين (1).

وكذا يسقط لو جمع بين الظهرين بعرفة والعشاءين بمزدلفة ، لقول الصادق علیه السلام : السنة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان (2).

ولأن الأذان للإعلام بدخول الوقت ، فإذا صلى في وقت الأولى أذن لوقتها ثم أقام للأخرى ، لأنه لم يدخل وقت تحتاج إلى الإعلام به. وإن جمع في وقت الثانية ، أذن لوقت الثانية وصلى الأولى ، لترتب الثانية عليها ، ثم لا يعاد الأذان للثانية.

ويسقط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الجماعة الأولى عن المسجد ، لأنهم مدعوون بالأذان الأولى وقد أجابوا بالحضور ، فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان. ومع التفرق تصير كالمستأنفة ، ولقول الصادق علیه السلام : إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان الصف تفرق أذن وأقام (3).

ويستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن وتقيم ، لكن لا يسمع الرجال ، لأن عائشة كانت تؤذن وتقيم. ولقول الصادق علیه السلام : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأن محمدا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لما سئل عن المرأة تؤذن (4). ولأنه ذكر في جماعة فاستحب كالرجال ، لكنه في حق الرجال آكد. ويجوز للمنفردة أيضا ويجزيها التكبير والشهادات.

ص: 419


1- وسائل الشيعة 4 - 665 ح 2.
2- وسائل الشيعة 4 - 665 ح 1.
3- وسائل الشيعة 4 - 653 ح 2.
4- وسائل الشيعة 4 - 637 ح 1.

ولو أذنت للرجال لم يعتد به ، لأنه عورة ، فالجهر به منهي عنه ، والنهي يدل على الفساد. ولو كانوا أقارب فالوجه الجواز. ولا تؤذن الخنثى المشكل للرجال ، لجواز أن تكون امرأة.

ولا يسقط استحباب الإقامة ، لأنها استفتاح للصلاة واستنهاض للحاضرين ، فاستوى فيها الرجال والنساء.

ولو سمع الإمام أذان منفرد ، جاز أن يستغني به عن أذان الجماعة ، لأن الباقر علیه السلام صلى جماعة بغير أذان ولا إقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزأني ذلك (1).

أما لو أذن بنية الانفراد ، ثم أراد أن يصلي جماعة ، يستحب له الاستيناف ، لقول الصادق علیه السلام : ولكن يؤذن ويقيم (2).

المطلب الرابع: ( في المؤذن )

صفات المؤذن تنقسم : إلى ما هي شرط ، وإلى ما هي مستحبة فيه. فالشرط أمور :

الأول : العقل فلا يصح أذان المجنون المطبق ، ولا من يعتوره حالة الجنون(3)، لأنه ليس أهلا للعبادة. ولو طرأ الجنون في الأثناء فالأقرب جواز البناء لو عاد عقله سريعا ، ولغيره أن يبني على ما تقدم ، لوقوعه على وجهه. والمغمى عليه كالمجنون.

أما السكران المخبط فالأقرب إلحاقه بالمجنون ، تغليظا للأمر عليه. ولو كان في أول النشوة ومبادئ النشاط ، صح أذانه كسائر تصرفاته ، لانتظام قصده وفعله.

ص: 420


1- وسائل الشيعة 4 - 659 ح 2.
2- وسائل الشيعة 4 - 655 ح 1 ب 27.
3- في « ق » و « ر » جنونه.

الثاني : الإسلام فلا يصح أذان الكافر ، لأنه ليس من أهل العبادة ، ولأنه لا يعتقد مضمون الكلمات ، ولا الصلاة التي هي دعاء إليها ، ففعله ضرب من الاستهزاء ، ثم من الكفار من يستمر كفره مع الإتيان بالأذان ، وهم العيسوية فرقة من اليهود ، يقولون محمد رسول اللّه إلى العرب خاصة ، فلا ينافي لفظ الأذان مقالتهم. ومنهم سائر الكفار.

ولا يحكم بإسلامهم بكلمتي الشهادتين في الأذان ، لأنه قد يأتي به على سبيل الحكاية. ويحتمل الحكم ، فعلى هذا لا يستمر كفر هؤلاء مع الإتيان بالأذان ، لكن يعتد بأذانهم ، لوقوع أوله في الكفر. والمرتد كالكافر.

الثالث : الذكور ، فليس للمرأة ولا الخنثى المشكل الأذان للرجال الأجانب ، ولهما أن يؤذنا للنساء دون الخناثى ، لأن صوت المرأة عورة ، ولقول الصادق علیه السلام : لا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف (1).

ولا يشترط الحرية ، بل يعتد بأذان العبد إجماعا ، لدلالة الألفاظ على عموم الأمر ، ويشترط إذن مولاه ، لأن له منعه من العبادات المندوبة ، إلا أن لا يمنع شيئا من حقوق السيد ، فالأقرب عدم الاشتراط حينئذ. والمدبر وأم الولد والمكاتب كالقن.

وأما الصفات المستحبة فأمور :

الأول : البلوغ لأنه أكمل وأعرف وإسلامه حقيقي ، وليس شرطا إجماعا ، بل يجوز من المميز ويعتد به ، لاجتماع الشرائط فيه ، ولقول أمير المؤمنين علیه السلام : لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم (2). أما غير المميز فلا عبرة بأذانه لعدم رشده ، فأشبه المجنون.

الثاني : العدالة إجماعا ، لقوله علیه السلام : يؤذن لكم خياركم (3). ولأنه مخبر عن الوقت ، فيشترط في قبول إخباره العدالة ، وليست شرطا ، فيعتد

ص: 421


1- وسائل الشيعة 4 - 655.
2- وسائل الشيعة 4 - 661 ح 3.
3- سنن أبي داود 1 - 195 الرقم 499 وتيسير الوصول 1 - 210 ووسائل الشيعة 4 - 640 ح 3.

بأذان الفاسق ، لأنه ذكر بالغ فاعتد بأذانه كالعدل. ويقبل أذان مستور الحال ، لأنه أرفع حالا من الفاسق.

ولا يصح أذان الملحن ، للنهي عنه فلا يجزي عن المشروع ، وكان له علیه السلام مؤذن يطرب فقال علیه السلام : إن الأذان سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن (1).

الثالث : أن يكون مبصرا ، فإن الأعمى لا يعرف الوقت ، وليس شرطا. فلو أذن الأعمى اعتد بأذانه ، فإن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلی اللّه علیه و آله بعد بلال (2). لكن ينبغي ألا يؤذن إلا بعد أذان غيره من العارفين العدول ، أو بعد أن يعرف دخول الوقت إما بإخبار عدل ، أو بعلامة له ، أو بغير ذلك.

الرابع : أن يكون بصيرا بالأوقات ، لأنه وضع للإعلام بدخولها ، فإذا جهل حالها لم يؤمن الغلط بالتقدم تارة وبالتأخر أخرى.

الخامس : أن يكون صيتا ليعم النفع به ، ولقوله علیه السلام لعبد اللّه بن زيد : ألقه على بلال فإنه أندى منك (3). أي أرفع. وينبغي أن يكون حسن الصوت ، لأنه أوقع في النفس وأقرب إلى السماع.

السادس : أن يكون متطهرا ، لقوله علیه السلام : حق وسنة ألا يؤذن واحدا إلا وهو طاهر (4). ولأنه من سنن الصلاة فاستحب فيه الطهارة كالتوجه ، ولأنه يدعو إلى الصلاة فينبغي أن يكون هو بصفة يمكنه أن يصلي ، وإلا لكان واعظا غير متعظ.

وليس واجبا للأصل ولدلالة لفظ السنة عليه ، ولقول الصادق علیه السلام : لا بأس أن تؤذن وأنت على غير طهر ، ولا تقيم إلا وأنت على

ص: 422


1- وسائل الشيعة 4 - 653 ح 3 ما يدل على ذلك.
2- جامع الأصول 6 - 200.
3- جامع الأصول 6 - 190.
4- جامع الأصول 6 - 201 ما يشبه ذلك.

وضوء (1). فلو أذن وهو محدث أو جنب ، احتسب به ، لحصول مقصوده وكونه أهلا ، والجنابة أشد كراهية من الحدث ، لأنها أغلط الحدثين ، ولاحتياجه في تمكنه من الصلاة فوق ما يحتاج إليه المحدث.

والإقامة مع أي الحدثين اتفقت أشد كراهية من الأذان مع ذلك الحدث ، لأن الصلاة تتعقبها وتكون بعد حضور القوم ، فإن انتظروه ليتطهر ويعود شق عليهم ، وإن لم يعد اتهم بالكسل في الصلاة.

فإن أذن الجنب في المسجد وهو عابر سبيل جاز. ولو كان مقيما فالأقرب عدم الاعتداد به للنهي عنه ، فلا يجامع الاستحباب.

ولو أحدث في أثناء الأذان تطهر وبنى. ولو أحدث في خلال الإقامة استحب له استينافها ، كالصلاة للقرب منها.

السابع : أن يكون مستقبل القبلة بالأذان إجماعا ، لأن مؤذني الرسول علیه السلام كانوا يستقبلون القبلة ، فإن أذن غير مستقبل جاز لحصول الغرض. والاستقبال في الإقامة أشد ، وأوجبه المرتضى رحمه اللّه وهو ممنوع ، لأصالة البراءة.

ويكره الالتفات به يمينا وشمالا في جميع فصوله ، سواء كان في المأذنة أو على الأرض ، لما فيه من فوات الاستقبال ، ولأنه ذكر شرع قبل الصلاة ، فلا يستحب فيه إلا الالتفات كالخطبة.

الثامن : وضع إصبعيه حالة الأذان في أذنيه ، لقول الصادق علیه السلام : السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان (2).

التاسع : أن يكون قائما إجماعا لقوله علیه السلام يا بلال قم فناد بالصلاة (3) وقول الباقر علیه السلام : لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض (4).

ص: 423


1- وسائل الشيعة 4 - 627 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 641 ح 2.
3- وسائل الشيعة 4 - 640 ح 7.
4- وسائل الشيعة 4 - 636 ح 11.

ولأنه أبلغ لصوته. وليس واجبا للأصل ، ولقول محمد بن مسلم قلت : يؤذن الرجل وهو قاعد؟ قال : نعم (1). والقيام في الإقامة أشد ، لقول الكاظم علیه السلام ولا يقيم إلا وهو قائم (2).

العاشر : أن يكون على مرتفع إجماعا ، لأنه أبلغ لصوته وقول الصادق علیه السلام قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان ، فإن اللّه تعالى قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء ، فإن الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا : هذه أصوات أمة محمد صلی اللّه علیه و آله بتوحيد اللّه عز وجل ويستغفرون لأمة محمد صلی اللّه علیه و آله حتى يفرغوا من تلك الصلاة (3).

قال الشيخ : ويكره الأذان في الصومعة. (4).

ويجوز أن يؤذن راكبا وماشيا ، وتركه أفضل خصوصا الإقامة. فإن أذن كذلك استحب أن يستقبل حال التشهد ، لقول أحدهما علیهماالسلام حين سئل عن الرجل يؤذن وهو يمشي وعلى ظهر دابته وعلى غير طهور؟ نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس (5).

ويجوز أن يقيم وهو ماش إلى الصلاة ، كما يجوز أن يتقدم خطوة في الصلاة ، وسئل الصادق علیه السلام أقيم وأنا ماش؟ فقال : نعم ماش إلى الصلاة (6).

ص: 424


1- وسائل الشيعة 4 - 635 ح 5.
2- وسائل الشيعة 4 - 635 ح 5.
3- وسائل الشيعة : 4 - 640 ح 7.
4- المبسوط : 1 - 96.
5- وسائل الشيعة : 4 - 635 ح 7.
6- وسائل الشيعة : 4 - 635 ح 9.
المطلب الخامس: ( في اللواحق )

وهي :

الأول : لا يختص الأذان بقبيل ولا بنسل من كان من مؤذني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، بل يستحب لجامع الصفات ، لإطلاق الأخبار الدالة على الحث عليه ، فلا يتقيد إلا بدليل.

ولو تشاح اثنان في الأذان ، قدم الجامع للصفات على فاقد بعضها ، وجامع الأكثر على جامع الأقل ، فيقدم الأعلى(1)صوتا ، أو الأبلغ في معرفة الوقت والأشد محافظة عليه ، ومن يرتضيه الجيران ، والأعف عن النظر. فإن تساووا أقرع.

ويجوز أن يؤذن جماعة في وقت واحد كل واحد في زاوية ، ولا ينحصر في أربعة للعموم. ولو أذن واحد بعد آخر كره ، لما فيه من تأخير الصلاة عن وقتها ، نعم لو احتيج إليه لانتظار الإمام ، أو كثرة المأمومين جاز.

ويكره التراسل بأن يبني أحدهما على أذان الآخر. ولا ينبغي أن يسبق الراتب ، بل يؤذن بعده.

الثاني : يجوز أن يؤذن واحد ويقيم آخر غيره ، لأن بلالا أذن وأقام عبد اللّه بن زيد ، روي أن الصادق علیه السلام ، كان يقيم بعد أذان غيره ، ويؤذن ويقيم غيره (2).

ويجوز أن يفارق موضع أذانه ثم يقيم ، لاستحباب الأذان في المواضع المرتفعة ، والإقامة في موضع الصلاة. ولا يقيم حتى يأذن له الإمام ، لأن عليا علیه السلام قال : المؤذن أملك بالأذان ، والإمام أملك بالإقامة (3).

ص: 425


1- في « س » الأبلغ.
2- وسائل الشيعة : 4 - 660 ح 1.
3- سنن الترمذي 1 - 392.

الثالث : لا يجوز الأذان قبل دخول وقت الصلاة في غير الصبح إجماعا ، لأنه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا يقع قبله. ويجوز في الصبح تقديمه رخصة ، لكن يعاد بعد طلوعه ، لقوله علیه السلام : أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. (1). وقول الصادق علیه السلام : إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة (2).

وأما السنة فإنها تتأدى من طلوع الفجر ، ولأن فيه تنبيها للنائمين ، ومنعا للصائمين عن التناول ، واحتياطهم(3)في الوقت ، فبالأول يعلم به قرب الوقت ، وبالثاني دخوله.

ولا ينبغي تقديمه بزمان طويل ، لئلا يفوت المقصود فيه وهو الاستعداد للصلاة. ولا يشترط أن يكون معه مؤذن آخر ، بل لو كان واحدا استحب له إعادة أذانه. ولو أراد الاقتصار على المرة أذن بعد الفجر.

ولو نذر الأذان المستحب لم يبرأ بالمتقدم على الفجر ، بل بالمتأخر على إشكال.

ويستحب الأذان في أول وقت ليعلم الناس دخوله ، فيتبادروا إلى الصلاة في أول الوقت ، ولو أخر وأذن جاز.

الرابع : قد بينا أن الأذان والإقامة مستحبان ، فلو تركهما عمدا وصلى استمر على حاله ، ولا يعيد صلاته ، لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (4) ولو كان سهوا تداركهما ما لم يركع ، ويستقبل صلاته استحبابا لا وجوبا. لأنه قد يرغب إلى إحراز(5)فضيلة الأذان ، ولا يحصل بدونه ، والنسيان عذر ، فجاز أن يستدركه قبل الركوع. ومع الركوع يحصل أكثر أركان الصلاة ، فلا تبطل بعده.

ص: 426


1- وسائل الشيعة : 4 - 625 ح 2.
2- وسائل الشيعة : 4 - 626 ح 7.
3- في « ق » واحتفاظهم.
4- سورة محمد « ص » 33.
5- في « ق » إدراك.

ولقول الصادق علیه السلام : إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ، ثم ذكرت قبل أن تركع ، فانصرف فأذن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت ركعت فأتم صلاتك (1) وللشيخ قول بالضد.

الخامس : يستحب للمؤذن التطوع بالأذان ، لقوله علیه السلام : من أذن سبع سنين محتسبا كتب له براءة من النار (2). فإن لم يتطوع وطمع في شي ء ، جاز أن يأخذ المؤذن من بيت المال من مال المصالح لأنه منها ، فقد يحتاج المسلمون إليه. ويجوز أن يعطيه الإمام من خاصته ، وكذا آحاد الرعايا. ولا يجوز أن يعطيه من الصدقات ، ولا من الأخماس ، لأن المستحق لها قوم معينون.

وإذا وجد المتطوع الأمين لم يرزق(3)أحدا ، ولو وجد المتطوع الفاسق جاز أن يرزق الأمين الذي لا يتطوع ، ولو وجد أمينا متطوعا وهناك آخر أحسن صوتا منه ، ففي جواز رزقه احتمال.

ولو تعددت المساجد في البلد ولم يمكن جمع الناس في واحد ، رزق عددا من المؤذنين يحصل بهم الكفاية ويتأدى الشعار. ولو أمكن احتمل الاقتصار على رزق مؤذن واحد نظرا لبيت المال ، ورزق الكل لئلا يتعطل المساجد. ولو قصر بيت المال بدأ بالأهم ، وهو رزق مؤذن الجامع. وأذان صلاة الجمعة أهم من غيره ، وإذا رزق الإمام أو بعض الرعية من خاصته ، فلا حجر في رزق كم شاء ومتى شاء.

ويحرم أخذ الأجرة على الأذان ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قال لعثمان بن أبي العاص : اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا (4). وعن علي علیه السلام قال : آخر ما فارقت حبيبي أن قال : يا علي إذا صليت فصل

ص: 427


1- وسائل الشيعة : 4 - 657 ح 3.
2- وسائل الشيعة : 4 - 615 ح 9 و 3.
3- في « ق » يؤذن.
4- جامع الأصول 6 - 201.

صلاة أضعف من خلقك ، ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا (1). ولأنه عمل يعود نفعه إلى الأجير.

ولا يصح الاستيجار عليه ، كالاستيجار على القضاء. وكرهه المرتضى للأصل ، ولأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه ، فيجوز أخذ الأجرة عليه ككتبة المصاحف ، وحينئذ لا يختص الجواز بالإمام ، بل يجوز لكل واحد ، بخلاف الرزق ، لأنه من المصالح العامة ، والإمام هو القائم بها.

وإذا استأجره افتقر إلى بيان المدة ، ولا يكفي أن يقول : استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة في كل شهر بكذا. ولا تدخل الإقامة في الاستيجار للأذان.

ولا يجوز الاستيجار على الإقامة ، إذ لا كلفة فيها ، بخلاف الأذان فإن فيه كلفة لمراعاة الوقت.

السادس : الأفضل أن يتولي الإقامة المؤذن ، لأنه علیه السلام أمر زياد بن الحارث الصيداوي في صلاة الفجر فأراد بلال أن يقيم فقال علیه السلام : إن أخاك قد أذن ومن أذن فهو يقيم (2) وإذا كثر المؤذنون وأذنوا على الترتيب ، فالأول أولى بالإقامة لهذه الرواية.

هذا إذا لم يكن مؤذن راتب ، أو كان السابق هو المؤذن الراتب ، فأما إذا سبق غير الراتب احتمل استحقاقه ولاية الإقامة لإطلاق الحديث. وعدمه لإساءته بالتقدم. وفي القصة المذكورة كان بلال غائبا وأذن زياد بإذنه علیه السلام . وإذا قلنا ولاية الإقامة للمؤذن السابق ، فليس على سبيل الاستحقاق ، بل لو أذن غيره اعتد به.

ولو أذنوا دفعة فإن اتفقوا على إقامة واحدة وإلا أقرع.

ص: 428


1- وسائل الشيعة : 4 - 666 ح 1 ب 38.
2- جامع الأصول 6 - 199 ، سنن أبي داود 1 - 146.

والأقرب أنه يجوز أن يقيم اثنان وأكثر مع حصول الكفاية بواحد ، إلا أن يؤدي إلى التشويش.

السابع : وقت الأذان منوط بنظر المؤذن ، لا يحتاج فيه إلى مراجعة الإمام. ووقت الإقامة منوط بنظر الإمام ، يقيم المؤذن عند إشارته ، لقوله علیه السلام : المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة (1). ولأن الإقامة سنتها أن تتعقبها الصلاة على الاتصال ، والصلاة إلى الإمام ، فينبغي أن يكون عازما على الشروع عند تمامها.

الثامن : يستحب الحكاية لسامع الأذان إجماعا ، لقوله علیه السلام : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن (2). وقول الباقر علیه السلام : ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر اللّه عز وجل وقل كما يقول (3) المؤذن.

قال الصدوق : روي أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه (4).

ولو كان يقرأ القرآن قطعه وحكاه للعموم ، ولأن القراءة لا تفوت والقول مع المؤذن يفوت.

ولو كان مصليا فرضا أو نفلا لم يحك الأذان واشتغل بصلاته ، لأنها أهم ، ولو حكاه جاز ، إلا أنه لا يقول « حي على الصلاة » ولا « حي على الفلاح » ولا « حي على خير العمل » لأنه دعاء وليس بتحميد ولا تكبير ، بل هو كلام يدعى به إلى الصلاة ، فإن قال بدلا من ذلك « لا حول ولا قوة إلا باللّه » لم تبطل صلاته.

وإنما تستحب حكاية الأذان المستحب ، فأذان العصر يوم عرفة أو الجمعة

ص: 429


1- سنن الترمذي 1 - 392.
2- وسائل الشيعة : 1 - 221 ح 2.
3- وسائل الشيعة 4 - 671 ح 2.
4- من لا يحضره الفقيه 1 - 189 ح 42.

لا تستحب حكايته. والأقرب استحباب حكاية الأذان الأول في الصبح قبله وإن استحب إعادته بعده.

وكذا لا تستحب حكاية الأذان الثاني في يوم الجمعة ، لأن الأمر بالحكاية ينصرف إلى المشروع. وكذا أذان المرأة.

ويستحب حكاية أذان من أخذ عليه أجرة وإن حرمت ، دون أذان المجنون والكافر ، لعدم العبرة به.

التاسع : يستحب لمن سمع المؤذن يقول « أشهد أن لا إله إلا اللّه » أن يقول : « وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، رضيت باللّه ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وبالأئمة الطاهرين أئمة » ويصلي على النبي وآله علیهم السلام ، ويقول : « اللّهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أعط محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة ».

وقال الصادق علیه السلام : من قال حين يسمع أذان الصبح : اللّهم إني أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعائك أن تتوب علي ، إنك أنت التواب الرحيم. وقال مثل ذلك حين يسمع أذان المغرب ، ثم مات من يومه أو ليلته مات تائبا (1).

العاشر : لو نقص المؤذن استحب له إتمام ما نقصه ، تحصيلا لكمال السنة ، ولقول الصادق علیه السلام : إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي ، بأذانه ، فأتم ما نقص هو من أذانه (2).

الحادي عشر : ليس من السنة أن يلتفت الإمام بعد الفراغ من الإقامة يمينا وشمالا ، ولا يقول : استووا يرحمكم اللّه لعدم دليله.

الثاني عشر : لو أحدث في الصلاة أعادها دون الإقامة ، إذ الطهارة ليست شرطا فيها ، فلا توجب إعادتها فقدانها. أما لو تكلم أعاد الإقامة

ص: 430


1- وسائل الشيعة : 4 - 669 ح 1 ب 43.
2- وسائل الشيعة : 4 - 659 ح 1.

والصلاة ، لقول الصادق علیه السلام : لا تتكلم إذا أقيمت الصلاة ، فإنك إذ تكلمت أعدت الإقامة (1).

الثالث عشر : لو صلى خلف من لا يقتدى به ، أذن لنفسه وأقام ، ولو خاف فوت الصلاة معه ، أو خشي أن يركع الإمام ، اقتصر على تكبيرتين وقد قامت ، لأن ذلك أهم فصول الإقامة ، وللرواية (2).

قال الشيخ رحمه اللّه : وقد روي أنه يقول ما تركه من قول « حي على خير العمل » (3).

الرابع عشر : إذا قال المؤذن « قد قامت الصلاة » قام المصلون ، لأنه وقت المبالغة في الاستدعاء إلى القيام ، كما في إيجاب البيع.

ص: 431


1- وسائل الشيعة : 4 - 629 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 663 ح 1.
3- النهاية ص 66.

ص: 432

المقصد الثاني: ( في أفعال الصلاة )

اشارة

وفيه فصول :

ص: 433

ص: 434

الفصل الأول: ( في الأفعال الواجبة )

وفيه مطالب :
المطلب الأول: ( في مقدمة ذلك )

العلم بأفعال الصلاة واجب ، لتوقف الواجب المطلق وهو الإتيان بها عليه ، وكما يجب العلم بها كذا يجب العلم بوجهها من وجوب أو ندب ، إذ الامتثال إنما يحصل لو وقع الفعل على الوجه المأمور به شرعا ، وللقصود والدواعي تأثير في الوجوه التي تقع الأفعال عليها. والعلم بذلك كله إنما يريد به الاعتقاد الشامل للعلم القطعي والظني ، لأنه كاف في باب الأوامر السمعية ، لكن يشترط استناده إلى دليل أو تقليد من له أهلية التقليد.

ويجب إيقاع الأفعال على الوجوه المطلوبة شرعا ، فيوقع الواجب لوجوبه والندب لندبه ، فلو لم يعلم الواجب من الندب وأوقع الجميع على وجه الوجوب ، أو الندب ، أو لم يوقعه على وجهه ، لم تصح صلاته.

ولو أوقع المندوب على وجه الوجوب ، فإن كان ذكرا بطلت صلاته ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فليس من الصلاة ، وإن كان فعلا كثيرا فكذلك ، وإلا فلا.

ص: 435

واعلم أن الأفعال الواجبة في الصلاة سبعة : الأول القيام. الثاني النية.

الثالث تكبيرة الإحرام. الرابع القراءة. الخامس الركوع. السادس السجود. السابع التشهد.

والأركان منها خمسة : القيام ، والنية ، وتكبيرة الافتتاح ، والركوع ، ومجموع السجدتين من ركعة ، وأسقط بعضهم الأول ، وألحق آخرون القراءة.

وكل واحد من هذه يشتمل على أفعال ، وهيئات ، كل منهما واجب ومندوب ، وسيأتي بيان ذلك كله مفصلا إن شاء اللّه تعالى.

المطلب الثاني: ( في القيام )
ومباحثه خمسة :
البحث الأول: ( في ماهيته )

القيام ركن في الصلاة الواجبة ، تبطل الفريضة بالإخلال به عمدا وسهوا ، لقوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (1) أي مطيعين ، وقوله علیه السلام لرافع بن خديج : « صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب » (2) وقول الصادق علیه السلام في المريض : يصلي قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا (3). ولأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه حالتي العمد والسهو ، فيبقى في العهدة.

ويعتبر في حد القيام أمران :

ص: 436


1- سورة البقرة : 238.
2- وسائل الشيعة : 4 - 692 ح 15.
3- وسائل الشيعة : 4 - 691 ح 13.

الأول : الإقلال ، ونعني به أن يكون غير مستند إلى شي ء ، ولا متكئا على جدار أو غيره ، فلو اتكأ في قيامه من غير حاجة أو ضرورة ، بطلت صلاته وإن كان منتصبا. والأقرب اشتراط السقوط لولاه. ولو اتكأ اتكاء يسلب القيام ويصير بحيث لو رفع قدميه عن الأرض ( لأمكنه )(1)كان معلقا نفسه بشي ء ، لم يكن قائما.

ولو لم يقدر على الإقلال انتصب متكئا ، فإن الانتصاب مقدور فلا يسقط بما يعجز عنه. والأقرب وجوب ذلك حال القراءة ، فيجوز له الاتكاء حالة القنوت.

الثاني : الانتصاب ، يعتبر فيه نصب الفقار ، فليس للقادر عليه أن يميل يمينا وشمالا زائلا عن سنن القيام ، ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين ، ولا يخل به إطراق الرأس. ولو انحنى ولم يبلغ حد الراكعين ، فالأقرب عدم الجواز ، لعدم صدق اسم القيام.

ويستحب أن يستقبل بأصابع رجليه القبلة ، لعموم استحباب الاستقبال.

البحث الثاني: ( في العاجز )

القادر على القيام لا يجوز له في الفرائض القعود ، سواء عجز عن الركوع والسجود لعلة بظهره يمنعه من الانحناء أو لا ، لعموم « صل قائما » (2) ولأن العجز عن ركن لا يقتضي سقوط غيره. ثم يومي بهما فينحني صلبه بقدر الإمكان ، فإن عجز حتى رقبته ورأسه ، فإن احتاج فيه إلى الاعتماد على شي ء ، أو إلى الميل إلى جنب ، وجب ، فإن لم يطق الانحناء أومأ بهما.

ولا يجب القيام في النوافل ، بل يجوز من جلوس مع التمكن.

ص: 437


1- الزيادة من « ر » و « س ».
2- جامع الأصول 6 - 214.

وإذا عجز في الفرائض عن الانتصاب ، بأن(1)تقوس ظهره لكبر(2)أو غيره وصار على هيئة الراكع ، وجب عليه القيام ولم يجز له القعود. فإذا أراد أن يركع قيل : يجب أن يزيد في الانحناء مع القدرة ، ليفرق بين الركوع والقيام. ويحتمل عدم الوجوب ، لأن الواجب في الركوع ما هو عليه ، وقد سقط القيام لعجزه ، فلا يجب عليه زيادة تكليف في الركوع.

ولا نعني بالعجز عن القيام عدم القدرة والثاني(3)لا غير ، بل الشامل له ، ولخوف الهلاك ، وزيادة المرض ، ولخوف المشقة الشديدة ، وخوف الغرق ، ودوران الرأس في راكب السفينة ، وخوف رؤية العدو لو قام. ولا تجب الإعادة.

ولو قدر على القيام بعض الصلاة ، وجب بقدر مكنته ، لاستلزام وجوب الجميع وجوب الأجزاء.

وإذا قعد المعذور لم يتعين للقعود هيئة ، بل يجزيه جميع هيئات القعود ، لإطلاق الخبر. لكن يكره الإقعاء في هذا القعود وفي جميع قعدات الصلاة ، لأنه علیه السلام نهى أن يقعي الرجل في صلاته وقال : لا تقعوا إقعاء الكلب (4). وهو أن يفرش رجليه ويضع أليته على عقبيه.

لكن يستحب له أن يتربع حال القراءة ، فإذا ركع ثنى رجليه ، فإذا تشهد تورك ، لقول أحدهما علیهماالسلام : كان أبي علیه السلام إذا صلى جالسا تربع ، فإذا ركع ثنى رجليه (5).

والقادر على القيام لا يجوز له أن يأتم بقاعد ، ولا يسقط القيام مع القدرة عليه بجهل القراءة والذكر ، بل يجب عليه القيام. ولو افتقر إلى القيام إلى

ص: 438


1- في « ق » و « س » بل.
2- في « ر » لكسر.
3- كذا في « ق » و « س » وفي « ر » الباقي.
4- نهاية ابن الأثير 4 - 89 ما يشبه ذلك ، وسائل الشيعة 4 - 957.
5- وسائل الشيعة : 4 - 703 ح 4.

معاون وجب ، فإن لم يجد المتبرع استأجر وجوبا مع المكنة ، وإن زاد عن أجرة المثل ، فإن عجز صلى جالسا.

ولو صلى الكمين في وهده جلوسا ، صحت صلاتهم مع تسويغ القتال ، لأن لهم غرضا ، وهو التوصل إلى قهر العدو. ولو تمكن من القيام منفردا وعجز عن الجماعة لتطويل الإمام ، وجب الانفراد.

البحث الثالث: ( في مراتب العجز )

وهي ثلاث :

الأول : العجز عن القيام ، فيصلي قاعدا. فإن تمكن من القيام في البعض وجب على ما تقدم.

ولو عجز عن القيام في شي ء من الأفعال وقدر على الارتفاع عند الركوع إلى حد الراكعين عن قيام ، وجب. لأن الركوع حينئذ مقدور عليه ، فلا يسقط بالعجز عن غيره.

ولو قدر على ذلك حال القراءة أو بعضها وجب.

ولو قدر على ذلك زمانا لا يسعه للقراءة والركوع ، فالأولى تقديم حال القراءة ، فيقوم إلى حد الراكعين.

فإذا عجز جلس ويركع عن جلوس ، لأنه حال القراءة غير عاجز عما يجب عليه ، فإذا انتهى الحال إلى الركوع صار عاجزا. ولو عجز عن الارتفاع ، صلى جالسا وركع كذلك وسجد.

ويجب في حال الركوع الانحناء ، حتى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب كالراكع قائما بالإضافة إلى القائم المنتصب ، فيعرف النسبة بين حال الانتصاب وبين الركوع قائما وبقدر كان المائل من شخصه عند القعود هو قدر قامته ، فينحني بمثل تلك النسبة.

ص: 439

ويحتمل أن ينحني إلى حد يكون النسبة بينه وبين السجود ، كالنسبة بينهما في القيام ، بمعنى إن أكمل الركوع عند القيام أن ينحني بحيث يستوي ظهره ورقبته ويمدهما ، وحينئذ يحاذي جبهته موضع سجوده.

وأقله أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه ، وحينئذ يقابل وجهه أو بعضه ما وراء ركبتيه في الأرض ، ويبقى بين الموضع المقابل وموضع السجود مسافة ، فيراعى هذه النسبة في حال القعود.

فأقل ركوع القاعد أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما وراء ركبتيه من الأرض ، والأكمل أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده ، وهما متقاربان.

وأما السجود فلا فرق بينه وبين القادر على القيام. ولو عجز عنهما أتى بالقدر الممكن من الانحناء.

ولو قدر على الركوع وعجز عن وضع الجبهة للسجود على الأرض ، وجب أن ينحني له أخفض منه للركوع.

ولو كان يقدر على الانحناء إلى حد أقل الركوع أعني ركوع القاعدين ، ولا يقدر على الزيادة عليه ، فلا يجوز أن يقسم المقدور عليه من الانحناء إلى الركوع والسجود ، بأن يصرف بعضه إلى الركوع وتمامه إلى السجود ، بل يأتي بالمقدور عليه مرة للركوع وأخرى للسجود وإن استويا.

ولو قدر على أكمل ركوع الراكعين من غير زيادة ، فله أن يأتي به مرتين ، ولا يلزمه الاقتصار للركوع على حد الأقل ، حتى يظهر التفاوت بينه وبين السجود ، لبعد المنع من الإتيان بإتمام الركوع حالة الركوع.

ولو قدر على أكمل الركوع وزيادة ، وجب الفرق بأن يجعل انحناء السجود أقصى ما يقدر عليه ، حتى لو أمكنه أن يسجد على صدعه أو عظم رأسه الذي فوق الجبهة ، وعلم أنه إذا فعل ذلك كانت جبهته أقرب إلى الأرض ، لزمه.

الثاني : أن يعجز عن القعود ، فيصلي مضطجعا على أحد جانبيه ، والأفضل الأيمن مستقبلا بوجهه ومقدم بدنه القبلة ، كما يضجع الميت في

ص: 440

اللحد. ثم إن قدر على الركوع والسجود ، وجب عليه الإتيان بهما.

ولو عجز أومأ بهما منحنيا ، وقرب جبهته من الأرض بحسب الإمكان ، وجعل السجود أخفض من الركوع. فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه.

الثالث : أن يعجز عن الاضطجاع ، فيصلي مستلقيا على ظهره ، ويجعل رجليه إلى القبلة ، بحيث إذا رفع وسادته قليلا كان وجهه إلى القبلة. ثم إن تمكن من الركوع والسجود وجبا ، وإن عجز أومأ برأسه ، فإن عجز أومأ بأجفانه.

فإذا أراد الركوع غمض عينيه ، وإذا قام فتحهما ، وإذا سجد غمضهما ، فإذا قعد فتحهما ، فإذا أراد السجود ثانيا غمضهما ، فإذا أراد القعود فتحهما ، لقوله علیه السلام : فإن لم يستطع صلى مستلقيا على قفاه ورجلاه في القبلة وأومأ بطرفه (1).

وقول الصادق علیه السلام : يكبر ثم يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح ، فإذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم سبح ، فإذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ، ثم يتشهد وينصرف (2). ولا تسقط الصلاة لا مع وجوب القضاء ولا مع عدمه.

ولو عجز عن الإيماء بطرفه أجرى أفعال الصلاة على قلبه ، وحرك لسانه بالقراءة والذكر ، فإن لم يقدر أخطرها بالبال على قصد الفعل. ويسقط بذلك القضاء.

والأعمى ووجع العين يكتفيان بإجراء الأفعال على القلب وإيقاع الأذكار باللسان ، لقوله علیه السلام : إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه بما استطعتم (3). ولو

ص: 441


1- وسائل الشيعة 4 - 693 ح 18.
2- وسائل الشيعة 4 - 691 ح 13.
3- السنن الكبرى للبيهقي 4 - 326.

كان به رمد لا يبرأ إلا بالاضطجاع ، جاز الاضطجاع وإن قدر على القيام ، للضرورة ، كما يجوز العدول بذلك إلى التيمم والإفطار.

البحث الرابع: ( في الانتقال )

ويجوز الانتقال في الصلاة في طرفي القدرة والعجز إلى حالهما من غير استيناف ، فلو كان قائما فعجز عن القيام قعد وبنى ، وكذا لو كان قاعدا فعجز عنه اضطجع ، ولو كان مضطجعا فعجز استلقى.

ولو عجز في القيام عنه وعن القعود اضطجع ، فإن اتفق في أثناء الفاتحة ، وجب عليه في هويه ، لأن حالته حينئذ أعلى من حالة القعود.

ولو كان تبدل الحال من النقصان إلى الكمال ، كما لو قدر القاعد على القيام لخفة المرض ، وجب عليه الانتقال. وكذا المضطجع لو قدر على القعود في أثناء الصلاة ، أو المستلقي يقدر على الاضطجاع.

ولا يجب الاستيناف ، لاقتضاء الأمر الإجزاء ، ولأن المطلوب حينئذ التخفيف فينافي وجوب الاستيناف. نعم لو انتفت المشقة فالأولى عندي استحباب الاستيناف.

فإن اتفق ذلك قيل : قرأ إذا استوى قائما. وكذا إن كان في أثناء القراءة ، يقوم ساكتا ويقرأ باقي الفاتحة عند الانتصاب ، وليس له أن يقرأ حالة النهوض ، فلو قرأ بعض الفاتحة في نهوضه لم يحسب وعليه أن يعيده ، لأن حالة النهوض أدون من حالة القيام ، وقد قدر على أن يقرأ في أكمل الحالين ، ولا يعيد ما قرأ حالة جلوسه.

ولو قدر بعد القراءة وقبل الركوع لزمه القيام أيضا ، ليهوي منه إلى الركوع ، ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام ، فإنه غير مقصود لنفسه ، بل الغرض منه الهوي إلى الركوع لا غير.

ص: 442

ولو وجد الخفة في ركوعه قاعدا ، فإن وجدها قبل الطمأنينة ، لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ، ولا يجوز له أن ينتصب قائما ثم يركع ، لئلا يزيد ركوعا. وإن وجدها بعد الطمأنينة قبل الذكر فكذلك. وإن كان بعده ، فقد تم ركوعه ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين. ولو كان في أثناء الذكر فكابتدائه.

وإذا خف بعد الذكر وجب القيام للاعتدال ، إما مستويا ، أو منحنيا كيف شاء ، فإذا ارتفع منحنيا فقد أتى بصورة ركوع القائمين في ارتفاعه الذي لا بد له منه ، ولا يمنع عنه. بخلاف ما لو انتصب قائما ثم ركع ، فإنه يزيد ركنا.

ولو خف في الاعتدال عن الركوع قاعدا ، فإن كان قبل أن يطمئن لزمه القيام للاعتدال ويطمئن فيه. بخلاف ما لو خف بعد القراءة فقام للهوي إلى الركوع ، فإنا لم نوجب الطمأنينة فيه لما تقدم ، وإن كان بعد الطمأنينة ، ففي وجوب القيام ليسجد عن قيام إشكال. أما لو قلنا بالقنوت الثاني في الجمعة بعد الركوع ، احتمل أن يقوم ليقنت. ولو قنت جالسا فإشكال ، ينشأ : من مخالفة الهيئة المطلوبة للشرع مع القدرة عليها ، ومن استحباب القنوت ، فجاز أن يفعله جالسا لعذر.

البحث الخامس: ( في القيام في النوافل )

يجوز التنفل جالسا بإجماع العلماء ، مع القدرة على القيام ، لكن الثواب يكون على النصف من ثواب القائم لقوله علیه السلام : من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد (1).

فحينئذ ينبغي أن تحتسب كل ركعتين من جلوس بركعة من قيام ، لأن

ص: 443


1- جامع الأصول 6 - 214.

أجره نصف أجر القائم ، فاستدرك فائت أجر القائم بتضعيف العدد. وقول الصادق علیه السلام : يضعف ركعتين بركعة (1). ولو احتسب بركعتين جاز ، أما مع العذر فيجوز ، ويحتسب الركعة بركعة ، لأن الباقر علیه السلام قال : ما أصلي النوافل إلا قاعدا منذ حملت هذا اللحم (2).

ولو صلى جالسا لغير عذر ، استحب القيام بعد القراءة ليركع عن قيام ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يصلي الليل قائما ، فلما أسن كان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحو من ثلاثين آية أو أربعين ثم ركع (3).

وقال الكاظم علیه السلام : إذا أردت أن تصلي وأنت جالس فاقرأ وأنت جالس ، فإذا كنت في آخر السورة فقم وأتمها واركع تحسب لك بصلاة قائم (4).

وهل يجوز الاضطجاع مع القدرة على القيام أو القعود؟ الأقرب الجواز للأصل ، ويحتمل المنع لانمحاء صورة الصلاة حينئذ ، بخلاف القعود لأنها تبقى منظومة معه ، لكن الأقرب الأول. وحينئذ فالأقرب جواز الإيماء في الركوع والسجود. وهل يجوز الاقتصار في الأذكار كالتشهد والقراءة والتكبير على ذكر القلب؟ الأقرب ذلك.

ولا فرق بين النوافل الراتبة وغيرها ، كالاستسقاء والعيد المندوب ، في جواز الاقتصار على الاضطجاع.

المطلب الثاني: ( في النية )
اشارة

وفيه مباحث :

ص: 444


1- وسائل الشيعة 4 - 697 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 696 ح 1.
3- جامع الأصول 6 - 216.
4- وسائل الشيعة 4 - 701 ح 3.
البحث الأول: ( في الماهية )

وتبطل الصلاة بالإخلال بها عمدا وسهوا إجماعا ، لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ ) (1) وقوله علیه السلام « إنما الأعمال بالنيات » (2) « وإنما لكل امرئ ما نوى » (3) وهو يتناول العامد والساهي وقول الرضا علیه السلام : لا عمل إلا بالنية (4). ولأن وقوع الأفعال على جهات مختلفة بعضها غير مراد للشارع ، فلا تختص بإرادة الشارع إلا بالقصد.

وهل هي ركن أو شرط؟ إشكال ، ينشأ : من أنها تتعلق بالصلاة فتكون خارجة عنها ، وإلا لتعلقت بنفسها وافتقرت إلى نية أخرى. ومن مقارنتها للتكبير وانتظامها مع سائر الأركان. ولا استبعاد في كونها من الصلاة وتتعلق بسائر الأركان ، ويكون قول الناوي : أصلي عبادة بلفظ الصلاة عن سائر الأركان ، تسمية للشي ء باسم أكثره.

والنية عبارة عن القصد الحال في القلب ، ولا عبرة فيها باللسان ، لأن سبب التخصيص بالوجوه والاعتبارات هو القصد والداعي ، ولا أثر للألفاظ في ذلك.

ولو تعذر عليه القصد إلا باللفظ وجب ، توصلا إلى أداء الواجب ، ولا يكفي النطق مع غفلة القلب ، ولا يضر عدم النطق بخلاف ما في القلب ، كما إذا قصد الظهر وسبق لسانه إلى العصر.

ص: 445


1- سورة البينة : 5.
2- وسائل الشيعة 1 - 34 ح 10.
3- نفس المصدر.
4- وسائل الشيعة 1 - 34 ح 9.
البحث الثاني: ( في صفتها )

الصلاة قسمان : فرائض ونوافل ، أما الفرائض فيعتبر فيها قصد أمور سبعة :

الأول : فعل الصلاة ، ليمتاز عن سائر الأفعال ، ولا يكفي إخطار نفس الصلاة بالبال مع الغفلة عن الفعل.

الثاني : تعيين الصلاة المأتي بها من ظهر أو عصر أو جمعة أو غير ذلك ، ليمتاز عن سائر الصلوات ، لما عرفت من أن المائز إنما هو القصود والدواعي.

وهل يجزيه نية فريضة الوقت عن نية الظهر مثلا؟ إشكال ، أقربه ذلك إن لم يكن عليه فائتة ، ليتميز الفعل بالإضافة إلى الوقت حينئذ. أما لو كان عليه فائتة فلا ، إذ وقت الفائتة غير الظهر وقت الذكر ، وإن كان وقت الظهر ، لقوله علیه السلام : فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها وليست بظهر (1).

ولا تصح الظهر بنية الجمعة ، ولا الجمعة بنية الظهر المقصورة ، لأنها فرض مستقل برأسه. ولا بنية مطلق الظهر.

الثالث : تعيين الفريضة أداء كانت أو قضاء ، لأن الظهر قد تقع من المتطوع ، كالصبي ، ومن أعادها في جماعة. وكل فعل يقع على وجهين لا بد في تخصيصه بأحدهما من مخصص ، وهو القصد إليه.

الرابع : الإضافة إلى اللّه تعالى ، بأن يقول « لله » أو « فريضة اللّه » أو « قربة إلى اللّه » ليتحقق معنى الإخلاص.

الخامس : التعرض للقضاء والأداء ، ليمتاز كل واحد منهما عن الآخر ، لأن الظهر مشترك بينهما ، فلا بد من المائز. فلو نوى القضاء في الأداء لم يصح ، إلا أن يعني بالقضاء الأداء ، كما في قوله تعالى ( فَإِذا قَضَيْتُمْ

ص: 446


1- جامع الأصول 6 - 134.

مَناسِكَكُمْ ) (1) أي أديتم ، فالأقرب الجواز ، إذ القصد في النية بالمعنى.

ولا يجب التعرض للاستقبال ، ولا لعدد الركعات ، لأن الظهر إذا لم تكن قصرا لا تكون إلا أربعا ، ولا التمام والقصر وإن تخير.

السادس : يجب أن يقصد إيقاع الواجب لوجوبه والمندوب لندبه أو لوجههما ، لا للرئاء وطلب الثواب وغيرها.

السابع : يجب أن يقصد إيقاع الصلاة ، وهو يستلزم إخطار أفعالها بالبال ليوقعها على وجهها. ولا يجب تفصيل كل فعل فعل إلى ما اشتمل عليه ، بل يكفي القصد الإجمالي إليه.

وأما النوافل : فأما مطلقة ويكفي فيها نية فعل الصلاة ، لأنها أدنى درجات الصلاة ، فإذا قصد الصلاة ، وجب أن تحصل له. ولا بد من التعرض للنفلية على إشكال ، ينشأ : من الأصالة والشركة. ولا يشترط التعرض لخاصيتها ، وهي الإطلاق والانفكاك عن الأسباب والأوقات.

وإما معلقة بوقت أو سبب ، والأقرب اشتراط نية الصلاة والتعيين والنفل ، فينوي صلاة الاستسقاء والعيد المندوب وصلاة الليل وراتبة الظهر على إشكال.

ولا بد في النوافل كلها من الإضافة إلى اللّه تعالى ، والتعرض في الموقتة بالأداء والقضاء لاستحبابه ، فافتقر إلى المميز(2).

البحث الثالث: ( في وقتها )

وقت النية عند التكبير مقارنة له ، فلو تقدمت عليه ولو بزمن يسير لم تصح صلاته ، لأن التكبير أول أفعال الصلاة ، فتجب مقارنة النية له ، كالحج

ص: 447


1- سورة البقرة : 2.
2- في « س » التمييز.

وغيره من العبادات ، بخلاف الصوم. لما في اعتبار المقارنة من عسر مراقبة الفجر.

ولا نعني بالمقارنة أن تبتدأ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان ، ويفرغ منها مع الفراغ منه ، لأن التكبير من أول الصلاة ، فلا يجوز الإتيان بشي ء منه قبل تمام النية. وعلى تقدير التوزيع يكون أول التكبير خاليا عن تمام النية المعتبرة ، بل المراد الشروع في ابتداء التكبير حال الفراغ من كمال النية ، ولا يفصل بينهما بسكوت قليل أو كثير ، ولا بكلام طويل أو قصير.

ولو عقب النية بقوله « إن شاء اللّه » لم يصح ، سواء قصد التبرك للفعل أو الشك. وكذا لو عقب قوله « قربة إلى اللّه » بقوله « تعالى » أو « عز وجل » وغير ذلك على إشكال.

ولو قدم النية على التكبير ، فإن استصحبها فعلا كان الاعتبار للمتأخرة ، وإلا بطلت صلاته.

وهل يجب استصحاب النية إلى تمام التكبير؟ الأقرب ذلك ، لأن النية مشروطة بالانعقاد ، ولا يحصل الانعقاد إلا بتمام التكبير. ولهذا لو رأى المتيمم الماء قبل تمام التكبير ، بطل تيممه. ويحتمل العدم ، لأن ما بعد أول التكبير في حكم الاستدامة.

ولا يجب استصحاب النية في دوام الصلاة. ولا يجوز تأخيرها عن أول جزء من التكبير ، لئلا يخلو بعض الصلاة عن النية.

البحث الرابع: ( في الاستصحاب )

لا يجب استصحاب النية فعلا إلى آخر الصلاة إجماعا ، فلو نوى وعقب بالتكبير ثم غربت النية عن خاطره ، لم يضره في صحة صلاته ، لأن الغفلة عارضة للإنسان في أكثر أحواله ، فتكليف الحضور بالفعل في جميع الصلاة عسر ، بل الواجب أن يقرن النية بالتكبير ، بحيث يحضر في القلب صفات الصلاة ، ويقرن القصد إلى هذا المعلوم بأول التكبير.

ص: 448

ويجب استصحاب النية حكما ، وهو الامتناع عن كل ما يناقض جزم النية. فلو قصد ببعض الأفعال ، كالقيام أو الركوع أو السجود غير الصلاة ، بطلت صلاته. ولو نوى الخروج من الصلاة في الحال ، بطلت صلاته ، لأن هذه النية تناقض قصده الأول.

ولو تردد في أنه يخرج أو يستمر فكذلك ، للمنافاة بين التردد والجزم ، ونعني بالتردد طريان الشك الناقض للجزم واليقين. ولا عبرة بما يجري في القلب أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال ، فإن ذلك ما يبتلى به الموسوس ، وقد يقع ذلك في الإيمان باللّه تعالى.

ولو نوى الخروج في الركعة الثانية ، أو علقه بما يوجد في صلاته قطعا ، احتمل البطلان في الحال ، لقطع موجب النية ، وهو الاستمرار على الصلاة إلى انتهائها. وعدم البطلان في الحال ، فلو رفض هذا التردد قبل الانتهاء إلى الغاية المفروضة ، صحت على الثاني خاصة.

ولو علق الخروج بما يجوز حصوله كدخول زيد ، احتمل البطلان في الحال ، كما لو قال : إن دخل تركت الإسلام ، فإنه يكفر في الحال ، وكما لو شرع في الصلاة على هذه النية ، لا تنعقد صلاته. وعدم البطلان في الحال ، لإمكان أن لا يوجد المعلق عليه.

فإذا دخل احتمل عدم البطلان ، إذ لو بطلت لبطلت في الحال ، لقيام التردد ، فإذا لم تبطل لم يكن لهذا التردد وقع ، ولأن وجوده وعدم وجوده بمثابة واحدة. والبطلان عند الدخول ، عملا بمقتضى التعليق. وعلى هذا التقدير يحتمل البطلان من وقت التعليق ، لأن بوجود الصفة يعلم أن التعليق خالف مقتضى النية المعتبرة في الصلاة ومن وقت وجود الصفة.

ولو عزم على فعل ما ينافي الصلاة من حدث أو كلام ، ثم لم يفعل ، لم تبطل صلاته ، لأنه ليس رافعا للنية الأولى. ويحتمل البطلان للمنافاة بين إرادتي الضدين.

ص: 449

البحث الخامس: ( في النقل )

لا يجوز نقل النية بعد الشروع في الصلاة إلى غيرها ، إلا في المواضع التي شرعها الشارع. فلو صرفها إلى غيرها ، بطلت الصلاة المشروع فيها ، حيث قطع حكمها. ولا تصير تلك الصلاة ما نقل النية إليه إلا في المواضع المستثناة ، لأنه لم ينوه في أول صلاته ، أما في المواضع المستثناة فيحصل ما نقل النية إليه.

فلو شرع في الظهر فذكر أن عليه عصرا فائتا ، جاز النقل إليه ، للحاجة إلى(1)استدراك فعل الفائت قبل الحاضر. وكما يؤثر النقل في صيرورة الباقي إلى ما نقل إليه ، كذا يؤثر في الأول ، لامتناع تبعيض الصلاة. ولو نقل إلى عصر متأخر ، بطلت الصلاتان معا.

وإن كان قد دخل في الظهر ، فظن أنه لم يصلها ، ثم ظهر له في الأثناء فعلها [ عدل ](2)على إشكال ، ينشأ : من أنه دخل دخولا مشروعا فجاز العدول به إلى ما هو فرض عليه.

ولو نقل من فرض إلى تطوع ، جاز في مواضع الإذن ، كطالب الجماعة وناسي الأذان وسورة الجمعة. ولا يجوز في غيره ، فلو نقل لم يصر نفلا وبطلت صلاته ، لأنه منهي عنه.

وكذا لو دخل في نافلة فنقل بنيته إلى الفرض ، لم يصح الفرض وبطل النقل لعدوله عنه. ولو نقل إلى الرياء بجميع صلاته أو بعضها بطلت ، لأنه منهي عنه ومناف للقربة(3)التي هي شرط ، سواء نوى بالأفعال الواجبة أو الأذكار المندوبة ، أو الأفعال المندوبة ، بشرط الكثرة. وكذا زيادة على الواجب من الهيئات كالطمأنينة.

ص: 450


1- في « ق » إليه استدراكا لفعل الفائت.
2- كذا في هامش « س ».
3- في « ق » للنية.

ولو نوى المحبوس الأداء مع ظنه بالبقاء ، فبان الخروج أجزأ ، لأنه مبني(1)على الأصل. ولو بان عدم الدخول أعاد ، لمشروعية القضاء دون السبق ، وليس له النقل لوقوعها فاسدة في الابتداء. ولو ظن الخروج فنوى القضاء ، ثم ظهر البقاء ، احتمل الإجزاء مع خروج الوقت ، أما مع بقائه فالأقرب الإعادة.

البحث السادس: ( في الشك )

لو شك هل يخرج من الصلاة أم لا؟ فالأقرب البطلان ، لعدم الجزم حينئذ ، وهو مناف لثبوته ، ومنافاة الشرط كمنافاة الفعل.

أما الصوم فالأقرب عدم البطلان فيه. ولو جزم بالخروج فيه فإشكال ، ينشأ : من مضي زمان خال عن نية الصوم ، فيبطل كالصلاة ، ومن الفرق بينه وبين الصلاة ، لأن الصلاة تتعلق تحرمها وتحللها بقصد الشخص واختياره ، بخلاف الصوم فإن الناوي ليلا يصير شارعا في الصوم بطلوع الفجر ، وخارجا منه بغروب الشمس ، وإن لم يشعر بهما.

فتأثر الصلاة بضعف النية فوق تأثر الصوم ، ولهذا جاز تقديم النية على أول الصوم ، وتأخيرها في الجملة في أوله بخلاف الصلاة ، وسببه أن الصلاة أفعال والصوم ترك ، والفعل إلى النية أحوج من الترك.

ولو شك في صلاته هل أتى بالنية المعتبرة في ابتدائها ، سواء شك في أصلها ، أو في بعض شروطها. فإن كان في الحال ، استأنف النية ، بناء على أصالة العدم. وإن كان قد انتقل إلى ركن آخر كالتكبير أو أزيد لم يلتفت ، بناء على أصالة صحة المأتي به بعد النية ، فلو فعل ركنا آخر على التقدير الأول بطل.

ص: 451


1- في « ق » بنى.

ولو شك هل نوى ظهرا أو عصرا أو فرضا أو نفلا ، فإن كان في موضعه استأنف ، لما تقدم من أصالة عدم الواجب. وإن تجاوز فإن كان يعلم ما عليه فعله ، استمر عملا بالأصل ، وإلا استأنف ما يريد ، لعدم الأولوية بأحد وجوه ما شك فيه.

ولو فاتته صلاة نسي تعينها ، صلى ركعتين بنية الصبح ، وثلاثا بنية المغرب ، وأربعا ينوي ما في ذمته إن ظهرا فظهرا وإن عصرا فعصرا وإن عشاء للضرورة ، وقيل : يجب الخمس.

ولو فاتته رباعية وشك بين الظهر والعصر ، كفاه أربع بنية مترددة بينهما. ولو نواهما جميعا في صلاة واحدة ، لم يجزيه ، إذ الفعل الواحد لا يقع على وجهين متضادين.

ولو دخل بنية إحداهما ثم شك فلم يدر أيتهما نوى ، لم يجزيه عن إحداهما. ولو شك هل دخلها(1)بنية ، ثم ذكرها قبل أن يحدث عملا أجزأه ، أما لو عمل بعد الشك فقد عرى عن النية.

ولو صلى الظهر والعصر وذكر نسيان النية في إحداهما أو تعينها ، وجب عليه إعادة رباعية ينوي بها عما في ذمته.

المطلب الثالث: ( في تكبيرة الإحرام )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( الماهية )

عن النبي صلی اللّه علیه و آله : مفتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (2). والتكبير متعين لا يجوز العدول عنه مع القدرة

ص: 452


1- في « س » دخلهما.
2- وسائل الشيعة 4 - 715 ح 10.

عليه. وصورته « اللّه أكبر » لقوله علیه السلام : لا يقبل اللّه صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه ، ويستقبل القبلة فيقول : اللّه أكبر (1).

ولا يجوز العدول إلى معنى التكبير دون لفظه ، كقوله « الرحمن أجل » و « الرب أعظم » ولا « الرحمن أكبر » وغير ذلك من الألفاظ الدالة على التعظيم والثناء. ولأن النبي صلی اللّه علیه و آله داوم عليه إلى أن فارق الدنيا ، وهو يدل على منع العدول عنه.

ولا يجزيه الترجمة مع القدرة ، ولا التسبيح والتهليل وسائر الأذكار. ولو عرف « أكبر » لم يصح ، لأنه علیه السلام كان يبتدأ الصلاة بقوله « اللّه أكبر » وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (2). ولاختلال المعنى ، فإنه مع التكبير يكون فيه إضمار أو تقدير « من » بخلاف المعرف(3).

ولو فصل بين لفظة الجلالة و « أكبر » بشي ء من الصفات الجليلة ، كقوله « اللّه الجليل أكبر » و « اللّه تعالى أكبر » لم يصح ، سواء طال الكلام بحيث يخرج عن اسم التكبير ، كقوله « اللّه الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم أكبر » أو قصر. لتغير النظم ، وكذا لو فصل بسكتة طويلة ، ولا بأس بالفصل للتنفس.

ولو غير الترتيب فقال « أكبر اللّه » لم ينعقد ، لأنه علیه السلام داوم على صيغته ، فلا يجوز التعدي. ولو أضاف « أكبر » إلى أي شي ء كان ، أو قرنه لمن كذلك وإن عمم وإن كان هو المقصود ، بطلت.

البحث الثاني: ( الإخلال )

لا يجوز الإخلال بحرف منه ، فلو حذف الراء أو التشديد لم يصح ، عمدا كان أو سهوا. وكذا لا يجوز الزيادة ، فلو قال « أكبار » لم يجز ، لأنه جمع

ص: 453


1- صحيح مسلم 1 - 298 مع تفاوت يسيرة.
2- صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر ج 1 ص 124.
3- في « ق » العرف وفي « ر » المعروف.

كبر وهو الطبل ، فتبطل لو قصده وإلا فلا. ولا يجوز مد الهمزة في لفظة الجلالة ، ولا لفظة « أكبر » وإلا كان استفهاما.

والتكبير ركن في الصلاة ، لو أخل به عمدا أو سهوا بطلت صلاته ، لقول الصادق علیه السلام : يعيد ، في الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح (1).

ولا بد فيه من التلفظ ، فلو نواه لم يصح ، لأن الصلاة يعتبر الذكر في وسطها وآخرها ، فاعتبر في أولها ، بخلاف الصوم. ولو أخل بهيئة التركيب بأن قال على حد تعديد أسماء العدد بطل ، فإن قصد التعظيم إنما يتم بهيئة التركيب.

ويجب أن يقصد بالتكبير الافتتاح ، فلو صرفه إلى غيره لم ينعقد صلاته. ولو نوى به المسبوق الهوي للركوع ، لم تصح صلاته ، لأنه أخل بالركن ، ولقول الصادق علیه السلام في الرجل يصلي ولم يفتتح بالتكبير هل يجزيه تكبيرة الركوع؟ قال : لا بل يعيد صلاته (2). ولو نواهما معا لم تصح ، لاختلاف الوجه. وكذا لو نواهما بعد نذر تكبيرة الركوع ، لاستقلال كل من الافتتاح والركوع بالعلية ، فتغاير المعلول ، ولا تنعقد صلاته نفلا ، لأنه لم ينوه.

ويجب النطق به بحيث يسمع نفسه ، فلو حرك لسانه ولم يسمع نفسه لم يصح ، لأن اللفظ شرط وغير المسموع خاطر لا لفظ. والتكبير جزء من الصلاة ، لقوله علیه السلام : إنما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن (3). ولأن العبادة إذا افتتحت بالتكبير كان منها كالأذان ، بخلاف الخطبة لعدم افتقارها إلى النية. ولو زاد بين اللفظين واو ساكنة أو متحركة لم يجزيه ، لأنه عطل المعنى. ويجب أن يكبر قائما حيث يلزمه القيام.

ص: 454


1- وسائل الشيعة 4 - 716 ح 1.
2- وسائل الشيعة 4 - 718 ح 1.
3- صحيح مسلم 1 - 382 باب تحريم الكلام في الصلاة.
البحث الثالث: ( في العاجز )

قد بينا أنه لا يجوز العدول عن صيغة(1)التكبير إلى معناه. ولا إلى الترجمة ، سواء كان بالعجمية أو بغيرها ، بل يجب النطق بالصيغة العربية ، اقتداء به علیه السلام ، وامتثالا لأمره بالصلاة كصلاته.

وأما العاجز عن جميع كلمة التكبير أو بعضها ، فله حالتان :

الأول : أن لا يتمكن من كسب القدرة عليها. فإن كان لخرس ونحوه ، حرك لسانه وأشار بإصبعه ، أو شفته ولهاته(2)مع العجز عن حركة اللسان بالتكبير بحسب القدرة ، لأن التحريك جزء من النطق ، فلا يسقط بسقوطه. ولو كان مقطوع اللسان من أصله وجب استحضاره على الترتيب.

ولو كان ناطقا لا يطاوعه لسانه على هذه الكلمة ، وجب أن يأتي بترجمتها ، لأنه ركن عجز عنه ، فلا بد له من بدل ، والترجمة أولى ما يجعل بدلا عنه لأدائها معناه. ولا يعدل إلى سائر الأذكار ، وترجمة التكبير بالفارسية « خداي بزرگتر » ، فلو قال « خداي بزرك » وترك صيغة التفضيل لم يجز ، كقوله « اللّه الكبر ».

وجميع اللغات في الترجمة سواء ، فيتخير بينها. ويحتمل أولوية السريانية والعبرانية ، لأنه تعالى أنزل بهما كتبا ، فإن أحسنهما لم يعدل عنهما ، والفارسية بعدهما أولى من الهندية والتركية.

الثاني : أن يتمكن من التعليم ، إما من إنسان ، أو مراجعة موضع كتبت هذه الصيغة عليه ، فيلزمه ذلك. والبدوي وغيره إذا لم يجد في موضعه من يعلمه وجب عليه المسير إلى بلد أو قرية للتعليم ، لأنه قادر على المسير والتعليم ، بخلاف المتيمم حيث لا يجب عليه المسير للطهارة ، لأنه بالتعلم يعود

ص: 455


1- في « س » صفة.
2- اللّهاة جمع لهوات ولهيات ولهاء : اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.

إلى موضعه وينتفع به طول عمره ، واستصحاب الماء للمتنقل غير ممكن ، ويجب عليه الصبر إلى آخر الوقت لرجاء التعليم.

ولا يجوز له الصلاة بالترجمة في أول الوقت حينئذ. فإن علم انتفاء التعليم في الوقت ، جاز أن يصلي بالترجمة في أول الوقت. ولو أخر التعليم مع القدرة لم تصح صلاته ، بل يجب عليه الإعادة بعد التعليم. فإن ضاق الوقت صلى بالترجمة لحرمة الوقت ، ويجب القضاء لتفريطه بالتأخير.

وباقي الأذكار الواجبة كالقراءة والتشهد والذكر كالتكبير في اعتبار لفظ العربية.

ويستحب للأب تعليم ولده الصغير ، وليس واجبا. أما الولي فيحرم عليه المنع من التعليم ، والألثغ(1)يجب عليه بقدر الإمكان.

ويجب الإتيان بالتكبير قائما بكماله(2)، فلو شرع فيه وفي القيام ، أو ركع قبل انتصابه بطل ، وكذا النية على الأقوى.

البحث الرابع: ( في سننه )

وهي خمسة :

الأول : رفع اليدين عند التكبير في كل صلاة فرض ونفل ، لأنه علیه السلام فعله ، وليس واجبا على الأصح للأصل. وكذا يستحب الرفع في كل تكبيرات الصلاة ، مثل تكبير الركوع والسجود والرفع منه ، لأنه علیه السلام رفع في هذه المواضع ، ولا يضم كفيه حالة الرفع ، بل يبسطهما إجماعا ، قال الصادق علیه السلام : إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا (3).

ص: 456


1- الألثغ جمع لثع : من يرجع لسانه إلى الثاء والعين.
2- في « ق » إلى كمال القيام.
3- وسائل الشيعة 4 - 723 ح 1.

ويستقبل بباطن كفيه القبلة ، لأن الاستقبال مأمور به ، والصادق علیه السلام فعله (1).

ويضم الأصابع ، لقول الصادق علیه السلام : أرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه (2).

وقال المرتضى وابن الجنيد : يجمع الأربع ويفرق الإبهام.

ولو كانت يده تحت الثياب رفعهما ، لأن الصحابة كانوا يرفعون أيديهم في الشتاء في ثيابهم. واستحباب الرفع عام للمرأة والرجل والإمام والمأموم والقائم والقاعد ، ويرفعهما إلى حذاء أذنيه ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يرفع يديه حيال أذنيه (3). ورفع الصادق علیه السلام يديه حيال وجهه حين استفتح (4).

ولو كان بيده عذر لا يتمكن من استيفاء الرفع أتى بالممكن المقدور. ولو قدر على الرفع فوق الأذنين ودون المنكبين فالأول أولى ، لأن فيه إتيانا بالمسنون. ومقطوع الكفين يرفع ساعديه ، ومقطوع الذراعين يرفع عضديه ، ومقطوع إحداهما يرفع الأخرى.

ويكره أن يتجاوز بهما رأسه ، لقول الصادق علیه السلام : فلا تجاوز أذنيك (5). وقال ابن سنان : رأيت الصادق علیه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (6). وهو يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع وانتهائه عند انتهائه.

وفي عبارة بعض علمائنا يكبر عند الإرسال ولو فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس ، أتم الباقي. وإن فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع. ولو

ص: 457


1- وسائل الشيعة 4 - 726 ح 6.
2- وسائل الشيعة 4 - 674.
3- وسائل الشيعة 4 - 727 ح 12.
4- وسائل الشيعة 4 - 725 ح 3.
5- وسائل الشيعة 4 - 728 ح 3.
6- وسائل الشيعة 4 - 725 ح 3.

ترك رفعهما حتى أتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي ، وإن أتمه لم يرفع بعد ذلك.

الثاني : أن لا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ، ولا يمططه(1)، وهو أن يبالغ في مده ، بل يأتي به متينا والأولى فيه الجزم ، لقوله علیه السلام : التكبير جزم والتسليم جزم (2) ، أما تكبيرات الانتقالات ، فالأولى فيها المد ، لئلا يخلو باقي انتقاله عن الذكر إلى أن يصل إلى الذكر الثاني ، وهنا الأذكار مشروعة على الاتصال بالتكبير.

الثالث : يستحب التوجه بسبع تكبيرات بينها ثلاثة أدعية ، واحدة منها واجبة ، وهي تكبيرة الإحرام ، يكبر ثلاثا ويدعو ، ثم يكبر اثنين ويدعو ، ثم يكبر اثنين ويتوجه ، ويتخير أيتها شاء جعلها تكبيرة الإحرام ، فيوقع السنة عندها ، والأفضل الأخيرة. فإن جعلها الأولى جاز الدعاء بعد تكبيرة الإحرام مع باقي التكبيرات وكذا الوسطى.

قال الصادق علیه السلام : إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ، ثم ابسطهما بسطا ، ثم كبر ثلاث تكبيرات ، ثم قل : اللّهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت إلى آخره ، ثم كبر تكبيرتين ثم قل : لبيك إلى آخره ، ثم كبر تكبيرتين ثم قل : وجهت وجهي إلى آخره (3).

ولو كبر للافتتاح انعقدت صلاته ، فإن كبر ثانيا ، بطلت هذه للنهي عنها ، والأولى لأنه زاد في الصلاة ركنا ، إن لم ينو الخروج من الصلاة قبل الثانية. فإن كبر ثالثا انعقدت ، فإن نوى الخروج قبل الثانية ، بطلت الأولى وصحته الثانية ، وصار حكم الثالثة مع الثانية حكم الثانية مع الأولى.

الرابع : استحباب التوجه بسبع تكبيرات في سبعة مواطن : الأول في أول كل فريضة. الثاني أول صلاة الليل. الثالث الوتر. الرابع أول نافلة

ص: 458


1- مط في الكلام : مده ولون فيه.
2- وسائل الشيعة 4 - 639.
3- وسائل الشيعة 4 - 723 ح 1.

الزوال. الخامس أول نوافل المغرب. السادس أول ركعتي الإحرام. السابع الوتيرة.

وعمم بعض علمائنا الاستحباب. والمأموم يكبر بعد الإمام أو معه ، لقوله علیه السلام : فإذا كبر فكبروا (1) ، وكماله أن يركع معه ، كذا التكبير. فإن كبر المأموم أولا قطعه بتسليمة ثم كبر معه أو بعده ، لأنه ائتم بمن ليس في الصلاة.

الخامس : يستحب للإمام إسماع المأمومين خلفه التكبير ، ما لم يحتج إلى شدة العلو ، فيكبر وسطا.

المطلب الرابع: ( في القراءة )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في ما يتقدمها من السنن )

للقراءة سنتان سابقتان عليها :

الأول : الاستفتاح فإذا كبر المصلي استحب له قبل القراءة أن يدعو بدعاء الاستفتاح ، فيقول : وجهت وجهي إلى آخره. لأن عليا علیه السلام قال : كان إذا استفتح النبي صلی اللّه علیه و آله كبر ثم قال : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (2). لأنه علیه السلام أول مسلمي هذه الأمة ، أما نحن فنقول : وأنا من المسلمين.

ص: 459


1- جامع الأصول 6 - 399.
2- سنن أبي داود 1 - 201.

قال الشيخ رحمه اللّه : وإن قال : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي حنيفا مسلما إلى آخر الكلام كان أفضل (1).

ولو ترك الاستفتاح عمدا أو سهوا حتى تعوذ وشرع في الفاتحة ، لم يعد إليه ولا يداركه في سائر الركعات.

ولو أدرك الإمام في التشهد الأخير ، كبر وقعد ، فسلم الإمام لما قعد ، قام وقرأ من غير استفتاح ، لفوات وقته بالقعود ، ولو سلم الإمام قبل قعوده لا يقعد ويدعو للاستفتاح.

وهذا الدعاء مستحب في فرائض الصلوات ونوافلها الأداء والقضاء.

الثاني : يستحب بعد دعاء الاستفتاح التعوذ ، لقوله تعالى ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) (2) ولأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة فيقول : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم (3). وقول الصادق علیه السلام : ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ، ثم تقرأ فاتحة الكتاب (4).

وصورتها : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، لأنه لفظ القرآن. ويجوز : أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم.

ويستحب الإسرار ولو في الجهرية ، لأنه ذكر مشروع بين التكبير والقراءة فسن فيه الإسرار كدعاء الاستفتاح عندهم.

وإنما يستحب في الركعة الأولى خاصة ، لأن الصلاة فعل واحد ، فيكفي فيه الاستعاذة الواحدة كالتوجه ، ولأنه علیه السلام كذا فعل. ولو تركه في الأولى عمدا أو سهوا لم يتداركه في الثانية ، لفوات محله.

ص: 460


1- النهاية ص 70.
2- سورة النحل : 98.
3- وسائل الشيعة : 4 - 801 ح 6.
4- وسائل الشيعة 4 - 800 ح 1.
البحث الثاني: ( في الماهية )

وتتعين الفاتحة في فرائض الصلوات حالة القيام ، أو ما يقع بدلا عنه. ولا يقوم مقامها شي ء من القرآن ، لقوله علیه السلام : لا صلاة لمن لم يقرأ في صلاته بفاتحة الكتاب (1). وسأله محمد بن مسلم عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ فقال : لا صلاة له إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات (2).

ولأن القراءة جزء من الصلاة ، فكانت متعينة كالركوع والسجود.

وتجب سورة أخرى بعد الفاتحة في الأوليين من كل فريضة ، لأنه علیه السلام كان يقرأ في الظهر في الأولتين بأم الكتاب وسورتين ، وفي الأخيرتين بأم الكتاب (3). وقال علیه السلام : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها (4). وأوجب الباقر علیه السلام الإعادة لو ترك السورة بعد الحمد (5).

وقيل : لا تجب السورة بعد الحمد للخبر (6) ، وهو محمول على حال الضرورة والاستعجال ، لقول الصادق علیه السلام : يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها (7). وسئل الصادق علیه السلام : أيجزي عني أن أقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي ء؟ فقال : لا بأس (8).

وكذا يجوز الاقتصار على بعض سورة بعد الحمد عند الضرورة أو الاستعجال ، لأنه أولى من ترك الجميع.

ص: 461


1- صحيح مسلم 1 - 295 باب وجوب قراءة الفاتحة ، جامع الأصول 6 - 223.
2- وسائل الشيعة 4 - 732.
3- جامع الأصول 6 - 229.
4- جامع الأصول 6 - 225.
5- وسائل الشيعة 4 - 746 ح 6.
6- وسائل الشيعة 4 - 735.
7- وسائل الشيعة 4 - 734 ح 5.
8- وسائل الشيعة 4 - 734 ح 4.

والبسملة آية من الفاتحة ، لأنه علیه السلام قرأ فاتحة الكتاب فقرأ ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وعدها آية منها (1). وقال علیه السلام : إذا قرأتم فاتحة الكتاب فاقرءوا ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فإنها أم القرآن والسبع المثاني ، وأن ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) آية منها (2). وسأل معاوية بن عمار الصادق علیه السلام إذا قمت إلى الصلاة أقرأ ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في فاتحة القرآن؟ قال : نعم ، قلت : إذا قرأت فاتحة القرآن اقرأ ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) مع السورة؟ قال : نعم (3).

وقد أثبتها الصحابة في أوائل السور بخط المصحف ، مع تشددهم في كتبه ما ليس من القرآن فيه ، ومنعهم من النقط والتغير ، ولا يكفر جاحدها للشبهة. وكذا باقي سور القرآن ، فإن البسملة آية منها عند علمائنا أجمع إلا « براءة » وفي سورة « النمل » آية وبعض آية.

البحث الثالث: ( في الكيفية )

ويجب في القراءة أمور :

الأول : أن يقرأ بالعربية بصورة المنزل ، ولا يجزي الترجمة بالعربية وغيرها ، لأنها ليست قرآنا ، فيلزم إخلاء الصلاة عن القراءة الواجبة ، فلا يكون إتيانا لمأمور به على وجهه.

الثاني : الترتيب بين آيات الفاتحة وبين آيات السورة أيضا فتجب رعايته ، لأن الإتيان بالنظم المعجز مقصود ، فإن النظم والترتيب هو مناط لإبلاغه(4)والإعجاز ، فلو قدم مؤخرا أو أخر مقدما عامدا ، بطلت قراءته

ص: 462


1- وسائل الشيعة 4 - 747 ح 10.
2- وسائل الشيعة 4 - 747 ح 10.
3- وسائل الشيعة 4 - 746 ح 5.
4- في « ر » البلاغة.

وعليه الاستيناف ، لإخلاله بالجزء الصوري. وإن كان ساهيا عاد إلى الموضع الذي أخل منه بالترتيب فقرأ منه.

الثالث : الترتيب بين الحمد والسورة ، فيقرأ الحمد أولا ثم السورة ، فلو عكس عامدا بطلت صلاته ، لأنه فعل المنهي عنه في العبادة. وإن كان ناسيا استأنف القراءة.

الرابع : الإتيان بالجزء الصوري ، لأن الإعجاز فيه ، فلو قرأ مقطعا كأسماء العدد لم يجز.

الخامس : الموالاة بين الكلمات. فلو أخل بها عامدا ، فإن طالت مدة السكوت بطلت قراءته ، لأنه علیه السلام كان يوالي في قراءته وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (1). وكذا لو قرأ في أثنائها ما ليس منها عمدا. ولو كان سهوا أتمها من حيث انتهى.

وإن قصرت مدة السكوت ، لم يؤثر ، وكذا لو كان السكوت الطويل سهوا ، أو لاشتباه الآيات حتى يتذكر ، أو قرأ من غيرها سهوا.

ولو نوى قطع القراءة وسكت قصيرا ، فالأقرب وجوب استيناف القراءة ، لاقتران الفصل بنية القطع.

ولو سكت لا بنية القطع ، أو نواه ولم يسكت صحت ، لأن الاعتبار بالمجموع لا بنية المنفردة ، بخلاف ما لو نوى قطع الصلاة ، فإنها تبطل وإن لم يقطع ، لاحتياج الصلاة إلى نية ، فتبطل بتركها ، بخلاف القراءة ، ولأن النية ركن في الصلاة تجب إدامتها حكما ، ولا يمكن إدامتها حكما مع نية القطع ، وقراءة الفاتحة لا تحتاج إلى نية ، فلا تؤثر فيها نية القطع.

ولو سبح أو هلل في أثنائها ، أو قرأ آية أخرى ، بطلت الموالاة مع الكثرة. ولو كرر آية من الفاتحة لم تبطل قراءته.

ص: 463


1- صحيح البخاري ، كتاب الأذان ، باب أذان المسافر إذا كانوا جماعة.

وكذا لا تبطل الموالاة بسؤال الرحمة عند آيتها ، والتعوذ من النقمة عند آيتها ، ولا بفتح المأموم على الإمام ، ولا بالحمد على العطسة ، للأمر بذلك كله. فالاشتغال بها عند عروض أسبابها لا يجعله قادحا فيها. قال حذيفة : صليت خلف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ذات ليلة ، فقرأ سورة البقرة فكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ (1).

ولو أخل بالموالاة سهوا ، لم تبطل قراءته وبنى ، بخلاف ما لو نسي القراءة ، فإنه يأتي بها في محلها ، لأن الموالاة هيئة في الكلمات تابعة لها ، فإذا ترك القراءة فقد ترك التابع والمتبوع. وإذا ترك الموالاة ، فقد ترك التابع دون المتبوع ، فكأن النسيان عذر هنا بخلاف ذلك. إذ لا يلزم من جعل النسيان عذرا في أضعف المعتبرين ، جعله عذرا في أقواهما.

السادس : يجب الإتيان بكل حرف ، لأن الفاتحة عبارة عن الكلمات المنظومة المركبة من الحروف المسموعة ، فقوله علیه السلام « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (2) يقتضي إيقاف الصلاة على جملتها ، والموقوف على المجموع يعدم عند عدم بعضه ، لتقدم الجزء على الكل في الوجود. فإذا أخل بحرف واحد عمدا ، بطلت صلاته.

والتشديد حرف ، فلو خفف مشددا فقد أخل بحرف ، لأن المشدد حرفان متماثلان أو لهما ساكن ، فإذا خفف أسقط أحدهما. وفي الحمد أربعة عشر تشديدا. ولا تستحب المبالغة في التشديد بحيث يزيد على قدر حرف ساكن ، لأنه في كل موضع أقيم مقام حرف ساكن.

السابع : يجب إخراج الحروف من مواضعها مع القدرة ، فلو أبدل حرفا بحرف فقد ترك الواجب. وإبدال الضاد بالظاء من هذا الباب كغيرهما من الحروف. فإن فعل ذلك عمدا ، بطلت صلاته. والجاهل غير معذور ، أما من لا يمكنه التعلم والناسي ، فإنهما معذوران.

ص: 464


1- وسائل الشيعة 4 - 753 ما يشبه ذلك.
2- جامع الأصول 6 - 223.

الثامن : الإعراب شرط في القراءة على الأقوى ، فلو لحن عمدا أعاد ، سواء كان عالما أو جاهلا ، وسواء غير المعنى مثل أن يكسر كاف « إياك » أو يضم تاء « أنعمت » أو لا ، مثل أن ينصب « اللّه » أو يرفعه ، وسواء كان خفيفا (1) أو لا ، لأنه ليس بقرآن ، ولقوله علیه السلام « صلوا » وقد أعرب.

التاسع : يجب أن يقرأ بالمتواتر من القراءة وهي السبعة ، ولا يجوز أن يقرأ بالشاذ ولا بالعشرة.

وأن يقرأ بالمتواتر من الآيات ، فلا يقرأ بمصحف ابن مسعود ، اتصلت به الرواية أو لا ، لأن الآحاد ليس بقرآن.

والمعوذتان من القرآن يجوز أن يقرأ بهما ، ولا اعتبار بإنكار ابن مسعود ، للشبهة الداخلة عليه بأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يعوذ بهما الحسن والحسين علیهماالسلام ، إذ لا منافاة ، فإن القرآن صالح للتعوذ به لشرفه وبركته ، وصلى الصادق علیه السلام المغرب فقرأهما فيها ، وقال : اقرأ المعوذتين في المكتوبة (2).

العاشر : يجب ترك التأمين آخر الحمد ، فلو قال « آمين » عقيبها بطلت صلاته عند علمائنا أجمع ، سواء كان منفردا أو إماما أو مأموما ، لقوله علیه السلام : إن هذه الصلاة لا تصلح فيها شي ء من كلام الآدميين (3). والتأمين من كلامهم. وقال علیه السلام : إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن (4). و « إنما » للحصر.

ولأن جماعة من الصحابة نقلوا صفة صلاته علیه السلام ، منهم أبو حميد الساعدي قال : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قالوا : أعرض علينا ، ثم وصف إلى أن قال : ثم يقرأ ثم يكبر (5). ولنهي الصادق

ص: 465


1- في « ر » خفيا.
2- وسائل الشيعة 4 - 786 ح 3.
3- جامع الأصول 6 - 322.
4- جامع الأصول 6 - 322.
5- جامع الأصول 6 - 209.

علیه السلام عن قولها (1). فلو كانت من الصلاة لم يجز النهي. والكلام غير السائغ مبطل إجماعا ، ولأن معناه « اللّهم استجب » ولو نطق به أبطل صلاته ، لعدم سبق الدعاء ، وكذا ما قام مقامه ، ولا يستدعي سبق دعاء.

ولا يتحقق إلا مع قصده ، ولأن التأمين إنما يجوز مع قصد الدعاء. وليس ذلك شرطا إجماعا ، أما عندنا فللمنع مطلقا ، وأما عندهم فللاستحباب مطلقا.

وهي مبطلة سواء وقعت بعد الحمد أو بعد السورة ، أو في أثنائها ، للنهي عن قولها مطلقا ، وكذا لو دعا وقالها عقيبه ، لأنها ليست بدعاء ، وإنما هي اسم له ، والاسم مغاير للمسمى ، ولا يلزم من تسويغ شي ء تسويغ ما غايره إذا لم يكن ملازما. ويجوز قولها حالة التقية.

البحث الرابع: ( في ما يمنع من قراءته )

لا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من العزائم الأربع عند علمائنا أجمع ، لقول الصادق علیه السلام : لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم (2). فإن السجود زيادة في المكتوبة ، ولأن سجود التلاوة واجب ، وزيادة السجود في الصلاة مبطلة ، وهما متنافيان. فإن قرأ عزيمة في فريضة عمدا ، بطلت صلاته ، ويجي ء على قول الشيخ جواز إسقاط آية السجود.

وإن كان سهوا رجع عنها ما لم يتجاوز النصف وجوبا ، فإن تجاوزه احتمل الرجوع والإتمام ، ويومي بالسجود أو يقضيه بعد الفراغ ، لأن عمار سأل الصادق علیه السلام عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال : إذا بلغ موضع السجود فلا يقرأها ، وإن أحب أن يرجع فيقرأ غيرها

ص: 466


1- وسائل الشيعة 4 - 752 ح 1.
2- وسائل الشيعة 4 - 779 ح 1.

ويدع التي فيها السجدة رجع إلى غيرها (1). ولو استمع في الفريضة أو سمع وأوجبناه به ، أومأ أو سجد بعد الفراغ.

ويجوز أن يقرأ العزيمة في النافلة ، فيجب السجود ، ثم يقوم فيتم القراءة. ولو كانت السجدة في آخر السورة ، استحب له بعد القيام قراءة الحمد ، ليركع عن قراءة للرواية (2).

وقال الشيخ : يقرأ الحمد وسورة أو آية معها.

وحكم الاستماع حكم القراءة ، ولا بأس به في النافلة ، والأقرب تحريمه في الفريضة كالقراءة.

ولو نسي السجدة حتى ركع ، سجدها إذا ذكر ، لأن محمد بن مسلم سأل أحدهما علیهماالسلام عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد؟ قال : يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم (3).

ولو كان مع إمام ولم يسجد إمامه ولم يتمكن من السجود أومأ ، لقول الصادق علیه السلام : إن صليت مع قوم فقرأ الإمام ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) أو شيئا من العزائم ، وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماء (4).

ولا يجوز أن يقرأ في الفريضة ما يفوت الوقت بقراءته ، لاستلزامه الإخلال بالواجب.

ولو ضاق الوقت عن ركعة بأخف سورة ، وتمكن من إدراكها بالفاتحة خاصة ، احتمل وجوب القضاء ، وفعلها أداء بالحمد خاصة ، لتسويغ الاقتصار عليها حالة الاستعجال. أما لو ضاق عن كمال الفاتحة وجب القضاء.

ولا يقرن بين سورتين في ركعة من الفريضة ، لأن محمد بن مسلم سأل

ص: 467


1- وسائل الشيعة 4 - 779 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 777 ح 1.
3- وسائل الشيعة 4 - 778 ح 1 ب 39.
4- وسائل الشيعة 4 - 778 ح 1 ب 38.

أحدهما علیهماالسلام أيقرأ الرجل السورتين في ركعة قال : لا ، لكل سورة ركعة (1). ولأنه علیه السلام هكذا صلى. وهل هو حرام أو مكروه؟ خلاف. ولو كرر السورة الواحدة فهو قارن على إشكال ، وكذا لو كرر الحمد ، ولا يجوز تكريرها عن السورة ، ولأن الفاتحة في الركعة واجبة على التعيين ، والشي ء الواحد لا يؤدي به المعين والمخير.

ويجوز أن يكرر السورة الواحدة في الركعتين. وأن يقرأ فيهما بسورتين متساويين أو مختلفين. والضحى وأ لم نشرح سورة واحدة عند علمائنا ، وكذا الفيل ولإيلاف ، فلا يجوز له أن يقرأ أحدهما منفردة عن الأخرى في الفريضة. لأن الصادق علیه السلام صلى الفجر فقرأ الضحى وأ لم نشرح في ركعة واحدة (2). وقد بينا أنه حرام أو مكروه ، فلا يقع من الإمام علیه السلام إلا وهو واجب. وتعاد البسملة بينهما على الأصح ، لثبوتها في المصحف.

ويجوز أن يقرن في النوافل بين سورتين وأكثر ، بل يستحب.

البحث الخامس: ( في المحل )

القراءة واجبة في كل صلاة صادرة من مكلف مفترض ، إمام أو منفرد عارف أو متمكن. وشرط في الصلاة عند علمائنا أجمع ، لقوله علیه السلام : لا صلاة إلا بقراءة (3).

وليست ركنا على الأصح ، لعموم « رفع القلم عن أمتي الخطأ والنسيان » (4) والجهل ليس عذرا.

وإنما تجب في الفرائض حالة القيام في كل ركعة مرة قبل الركوع. ويجب

ص: 468


1- وسائل الشيعة 4 - 741 ح 1.
2- وسائل الشيعة 4 - 743 ح 1 ب 10.
3- جامع الأصول 6 - 225.
4- الخصال ص 377 ط النجف الأشرف.

الحمد والسورة الكاملة في كل ثنائية ، وفي الأولتين من غيرهما. ولا يقرأ في الثالثة والرابعة من الثلاثية والرباعية زيادة على الحمد ، لأن عليا علیه السلام كتب إلى شريح أن اقرأ في الركعتين الأولتين بأم القرآن وسورة ، وفي الأخيرتين بأم القرآن (1).

ويجب عين الفاتحة في الأولتين ، فلا يجزي غيرها من قراءة أو تسبيح. ولا يجب في الأخيرتين من الرباعية والثالثة من الثلاثية عينا ، بل مخير فيهما بينها وبين التسبيح ، لا بينها وبين غيرها من القرآن عند علمائنا ، لأن عليا علیه السلام قال : اقرأ في الأولتين ، وسبح في الأخيرتين (2). ولأنها لو وجبت في باقي الركعات لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين.

وروي أن التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة (3). وروي العكس (4). وروي التساوي (5). وروي أفضلية التسبيح للمأموم والقراءة للإمام (6).

وهل يسقط التخيير لو نسي القراءة في الأولتين؟ قيل : نعم ، لئلا تخلو الصلاة عن الفاتحة. وقيل : لا للعموم. ولا تتبع القراءة في الجهر والإخفات.

واختلف في كيفيته ، والأقوى إجزاء مرة واحدة « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » ولأن زرارة سأل الباقر علیه السلام ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : أن يقول : سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ويكبر ويركع (7).

ص: 469


1- وسائل الشيعة 4 - 794 ما يدل على ذلك.
2- وسائل الشيعة 4 - 792 ح 5.
3- وسائل الشيعة 4 - 792 ح 3.
4- وسائل الشيعة 4 - 794 ح 10.
5- وسائل الشيعة 4 - 794 ح 11.
6- وسائل الشيعة 4 - 794 ح 12.
7- وسائل الشيعة 4 - 782 ح 5.

وقيل : يجب تكرار هذا ثلاث مرات. وقيل : تجب الثلاث ويسقط التكبير إلا في الثالثة. وقيل : وفي الثالثة أيضا ، والأقرب وجوب هذا الترتيب.

وتسقط القراءة عن المأموم في الجهرية وجوبا واستحبابا ، لأنه علیه السلام انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال : هل قرأ معي أحد منكم؟ فقال رجل : نعم يا رسول اللّه. فقال : ما لي أنازع بالقرآن فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه بالقراءة (1).

وهل تحرم القراءة أو تكره؟ الأقرب الأول ، لقول علي علیه السلام : من قرأ خلف إمام يقتدى به مات على غير الفطرة (2). ولو خفي عنه قراءة الإمام حتى الهمهمة جاز له أن يقرأ ، لمساواتها الإخفاتية حينئذ. وفي الأصم إشكال. أما صلاة الإخفات فوجهان : كراهة القراءة ، واستحباب الفاتحة للروايات (3).

ولو جهر الإمام في صلاة السر أو بالعكس ، فالاعتبار بالهيئة المشروعة في الصلاة لا بفعل الإمام.

والموضع الذي ليس للمأموم القراءة ليس له التعوذ فيه ، وفي غيره إشكال. وإذا سوغنا القراءة للمأموم لا يجهر بحيث يغلب جاره ، بل يقرأ بحيث يسمع نفسه.

البحث السادس: ( في الجهر والإخفات )
اشارة

وفيه مقامان :

ص: 470


1- جامع الأصول 6 - 415.
2- وسائل الشيعة 5 - 422 ح 4.
3- وسائل الشيعة 5 - 422 ح 5.
المقام الأول: ( الماهية )

وهما كيفيتان متضادتان واجبتان في الصلاة على الأصح ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يفعلهما ، وقال « صلوا كما رأيتموني أصلي » (1).

وقال الباقر علیه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : إن فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي ء عليه وقد تمت صلاته (2).

ولأن الواقعة بيانا لا بد وأن تكون على إحدى الهيئتين وأيهما كانت وجبت ، لكن العكس ليست بواجب ولا مستحب إجماعا ، بل مكروه أو محرم ، فتعين الآخر ، فيجب اتباعه فيه.

والواجب في الجهر أن يسمع نفسه تحقيقا أو تقديرا ، فلو همهم بالقراءة من غير أن يسمع نفسه لو كان سميعا خاليا عن العارض. أو تخيل الحروف من غير نطق ، بطلت صلاته. لأنه لا يسمى حينئذ قارئا.

ولو أخل بالجهر أو الإخفات في موضعه عامدا عالما ، أعاد الصلاة ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة. وإن كان ناسيا أو جاهلا ، فلا شي ء عليه وصحت صلاته ، لرواية الباقر علیه السلام (3).

المقام الثاني: ( في محلهما )

إنما يجبان في القراءة في الصلاة خاصة دون غيرها من الأذكار. فالجهر

ص: 471


1- صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر ص 124.
2- وسائل الشيعة 4 - 766 ح 1 ب 26.
3- وسائل الشيعة 4 - 766 ح 2.

يجب في صلاة الصبح ، وأولتي المغرب ، وأولتي العشاء. والإخفات يجب في الظهرين ، وثالثة المغرب ، والأخيرتين من العشاء ، اتباعا لفعله علیه السلام .

والتسمية تابعة للقراءة في وجوب الجهر لا الإخفات ، بل يستحب الجهر بها في مواضع الإخفات ، في أول الحمد وأول السورة ، لأنها بعض السورة فيتبعها في وجوب الجهر. وأما استحبابه في الإخفات فلأن أم سلمة قالت : إن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى فقرأ ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (1) وهو إخبار عن السماع ، ولا معنى للجهر إلا إسماع الغير.

قال صفوان : صليت خلف الصادق علیه السلام أياما وكان يقرأ في فاتحة الكتاب ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ب- ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وأخفى ما سوى ذلك (2).

وإنما يجب الجهر على الذكر ، فلا يجب على الأنثى وإن خلت بنفسها إجماعا ، لأن صوتها عورة ، ولا تخافت دون إسماع نفسها. وما لا يتعين فيه القراءة ، لا يسقط استحباب الجهر بالبسملة فيه على الأقوى.

واعلم : أن كل صلاة لا تختص بالنهار ولا نظير لها ليلا ، فالسنة فيه الجهر كالصبح. وكل صلاة تختص بالليل ولا نظير لها نهارا فالسنة فيه الجهر كالمغرب. وكل صلاة تفعل نهارا ولها نظير بالليل فما يفعل نهارا فالسنة فيه الإخفات كالظهرين ، وما يفعل ليلا فالسنة الجهر كالعشاء.

وصلاة الجمعة والعيدين سنتهما الجهر ، لأنهما يفعلان نهارا ولا نظير لهما ليلا ، وأصله قوله علیه السلام صلاة النهار عجماء وصلاة الليل إجهار (3).

وكسوف الشمس يستحب فيها الإسرار ، لأنها تفعل نهارا ولها نظير بالليل وهي صلاة خسوف القمر ، ويجهر في الخسوفين.

ص: 472


1- جامع الأصول 6 - 221.
2- وسائل الشيعة 4 - 757 ح 1.
3- نهاية ابن الأثير 3 - 187.

وأما صلاة الاستسقاء فعندنا كصلاة العيد ونوافل النهار يسر فيها ، ونوافل الليل يجهر.

والقضاء كالفوات ، ولا اعتبار بوقت فعلها ، لقوله علیه السلام : فليقضها كما فاتته (1). وناسي تعيين الفاتحة يسقط عنه الجهر والإخفات في الرباعية ، للأصل ، ولا فرق بين الإمام والمنفرد.

ويستحب الجهر في صلاة الجمعة وظهرها على الأقوى.

البحث السابع: ( في العجز )

إذا لم يقدر الإنسان على القراءة ، وجب عليه اكتساب القدرة عليها ، إما بالتعليم أو بالتوسل إلى مصحف يقرأها منه ، سواء قدر عليه بالشراء أو الاستيجار أو الاستعارة.

ولو كان ليلا أو في ظلمة ، فعليه تحصيل المصباح عند الإمكان. فإن امتنع عن ذلك مع إمكانه ، وجب عليه إعادة كل صلاة صلاها مع المكنة.

ولو تعذر العلم عليه أو تأخر ، لضيق الوقت أو بلادته ، وتعذرت القراءة من المصحف ، لم يجز الترجمة ، بخلاف التكبير حيث يعدل العاجز عن العربية إلى ترجمتها ، لأن نظم القرآن معجز وهو المقصود ، فيراعى ما هو أقرب منه ، والتكبير ليس معجزا ، ومعظم الغرض معناه ، فالترجمة أقرب إليه.

فإن أحسن من القرآن شيئا غير الفاتحة ، وجب عليه أن يقرأ بقدر الفاتحة ، ولا يجوز له العدول إلى الذكر حينئذ ، للمشابهة بين أبعاض القرآن ، ولا يجوز النقص عن سبع آيات وإن كانت أطول ، لمراعاة العدد في قوله تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ) (2) على إشكال.

ص: 473


1- عوالي اللئالي 3 - 107.
2- سورة الحجر : 87.

والأقرب وجوب مساواة الحروف لحروف الفاتحة أو الزيادة عليها ، لأنها معتبرة في الفاتحة فتعتبر في البدل مع إمكانه كالآيات. ويحتمل العدم ، كما لو فاته صوم يوم طويل يجوز قضاؤه في يوم قصير من غير نظر إلى الساعات. ولا يجب أن يعدل حروف كل آية بآية من الفاتحة ، بل يجوز أن يجعل آيتين مكان آية.

ثم إن أحسن سبع آيات متوالية ، لم يجز العدول إلى المتفرقة ، فإن المتوالية أشبه بالفاتحة. وإن لم يحسنها أتى بها متفرقة ، ولو كانت الآيات المفردة لا تفيد معنى منظوما إذا قرئت وحدها كقوله ( ثُمَّ نَظَرَ ) (1) ، احتمل أن لا يؤمر بقراءة هذه الآيات المتفرقة ، ويجعل بمنزلة من لا يحسن شيئا ، والأقرب الأمر لأنه يحسن الآيات.

ولو كان يحسن ما دون السبع ، احتمل أن يكررها حتى يبلغ قدر الفاتحة ، والأقوى أنه يقرأ ما يحسنه ويأتي بالذكر الباقي. ولو لم يحسن شيئا البتة ، وجب أن يأتي بالذكر ، كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، ولا يكفيه الوقوف ساكتا ، لقوله علیه السلام : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمر اللّه ، فإن كان لا يحسن شيئا من القرآن فليحمد اللّه وليكبره (2).

ويجب أن يأتي بالذكر بقدر زمان القراءة ، لوجوب الوقوف ذلك الحد والقراءة ، فإذا لم يتمكن من القراءة ، عدل إلى بدلها في مدته.

وهل يجب الترتيب؟ فيقول : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » إشكال ، ينشأ : من إطلاق الأمر المقتضي للتخيير. ومن كون هذا الذكر بدلا عن الفاتحة في الأخيرتين ، لمساواتها إياها في المصالح المطلوبة شرعا ، فلتكن بدلا من الأوليين للعجز. وعلى الأول لا يتعين هذه الأذكار ، ويتعين هذا الذكر في الأخيرتين على جاهل الحمد.

ص: 474


1- سورة المدثر : 21.
2- وسائل الشيعة 4 - 735 ح 1 ما يشبه ذلك.

وإن عرف غيرها من القرآن فلا يجزيه قراءة غير الفاتحة فيهما ، بل يجب الذكر ، كما لا يجزي الذكر للعارف بشي ء من القرآن في الأولتين ، بل يجب القراءة وإن كان بغير الفاتحة.

ولا يجب أن يأتي جاهل القراءة بأكثر من هذا الذكر ، ولا بتكريره ، ويشترط أن لا يقصد بالذكر المأتي به شيئا سوى البدلية في حق الجاهل في الأولتين ، وفي العارف والجاهل في الأخيرتين. ولا يشترط قصد البدلية فيهما ولا غيرهما من الأذكار على إشكال ، والأدعية المحضة ليست كالأثنية(1)على الأقوى ، سواء تعلقت بأمور الآخرة أو الدنيا.

ولو لم يعرف شيئا من القرآن ولا من الأذكار ، وجب عليه التعلم ما دام الوقت متسعا ، فإن ضاق الوقت قبله أو تعذر المرشد ، وجب أن يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع ، إذ لا يلزم من سقوط واجب سقوط غيره.

ولو كان يحسن بعض الفاتحة ، فالأقرب قراءته والإتيان بالبدل عوض الباقي ، لأنه علیه السلام علم السائل وفيها ( الْحَمْدُ لِلّهِ ) وهي من جملة الفاتحة ، ولم يأمره بتكريرها. ويحتمل تكرر الأول ، لأن البعض أقرب إلى الباقي من غيره ، فهو أولى من غيره بالبدلية ، وصار كما لو أحسن غيرها من القرآن ولا يعدل إلى الذكر.

ولو لم يحسن من القرآن إلا ذلك البعض ، فالأقوى أنه يكرره ، ولا يأتي بالذكر عوض الباقي ، لأن القرآن أشبه بمثله ، ويحتمل البدل. ولو لم يحسن الباقي بدلا من القرآن ولا الذكر ، تعين تكرر ما يحسنه.

ولو أحسن النصف الثاني ، فإن أوجبنا البدل وجب أن يقدمه(2)إما الذكر أو القراءة ، ثم يأتي بالنصف الثاني رعاية للترتيب ، كما يجب في المبدل. وإن أوجبنا التكرير ، قرأ النصف الثاني مرتين.

ص: 475


1- هذه العبارة كذا في النسخ الثلاثة.
2- في « ق » يقدم.

ولو تعلم الفاتحة في أثناء الصلاة بأن لقنه إنسان ، أو أحضر مصحفا وتمكن من القراءة فيه ، فإن كان قبل الشروع في قراءة البدل ، فعليه أن يقرأ الفاتحة. وإن كان بعد قراءة البدل والركوع ، لم يجز الرجوع وقد مضت تلك الركعة. وإن كان بعد القراءة وقبل الركوع ، فالأقوى وجوب قراءة الفاتحة ، لأن محلها باق وقد قدر عليها. ويحتمل عدمه ، لأن البدل قد تم وتأدى الغرض به ، فأشبه ما لو كفر بالبدل ثم قدر على الأصل ، أو صلى بالتيمم ثم قدر على الماء. ولو كان في الأثناء وجب العدول لبقاء محل القراءة.

ولو لم يحسن العربية ، لم يجزيه الترجمة ، بل يعدل إلى الذكر. ولو لم يحسن الذكر بالعربية ، وجب أن يأتي بالترجمة فيه. والأقرب أن ترجمة القرآن أولى من ترجمة الذكر لجاهل العربية فيهما.

وهذا الذكر عوض الفاتحة لا السورة. ولو عرف الفاتحة خاصة ، اكتفى بها ووجب عليه التعلم في المستقبل. ولو عرف بعض السورة ، وجب أن يقرأ بعد الحمد ، ولا يجب عليه ذكر يكون بدلا عن الباقي.

البحث الثامن: ( في المسنونات في القراءة )

وهي عشرة : الأول : الترتيل في القراءة ، لقوله تعالى ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) (1) وقال الصادق علیه السلام : ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل قراءته (2). وكذا يستحب في التسبيح والتشهد ، ليلحقه من خلفه ممن يثقل لسانه.

ونعني به بيان الحروف وإظهارها ، ولا يمده بحيث يشبه الغناء. ولو أدرج ولم يرتل وأتى بالحروف بكمالها ، صحت صلاته.

الثاني : تعمد الإعراب ، لأنه كالحرف فاستحب إظهاره.

ص: 476


1- سورة المزمل 4.
2- وسائل الشيعة 4 - 753 ح 1.

الثالث : الوقوف في مواضعه ، تحصيلا للفائدة من الاستماع. ولا يستحب له التطويل كثيرا فيشق على من خلفه ، قال علیه السلام : من أم الناس فليخفف (1). ويستحب للمنفرد الإطالة.

ولو عرف الإمام عروض أمر لبعض المأمومين يوجب خروجه ، استحب له التخفيف ، لقوله علیه السلام : إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها كراهة أن يشق على أمه (2).

الرابع : يستحب في القراءة سكتتان(3)قليلا بعد الحمد وبعد السورة ، لأن الباقر علیه السلام : قال : إن رجلين اختلفا في صلاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كم كان له من سكتة فأتيا أبي بن كعب فقال : كان له سكتتان : إذا فرغ من القرآن وإذا فرغ من السورة (4).

الخامس : يستحب أن يقرأ في الظهرين والمغرب بقصار المفصل ، كالتوحيد والقدر. وفي العشاء بمتوسطاته كالأعلى والغاشية والطارق. وفي الصبح بمطولاته ، كالمزمل والمدثر للرواية (5).

السادس : يستحب أن يقرأ في ظهري الجمعة بالجمعة والمنافقين ، سواء الجامع والمنفرد والحاضر والمسافر ، لقول الباقر علیه السلام : إن اللّه أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول اللّه « ص » بشارة لهم ، والمنافقين توبيخا للمنافقين. فلا ينبغي تركهما (6). وليستا واجبتين في الجمعة على الأصح ، لقول الكاظم علیه السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ فقال : لا بأس (7).

ص: 477


1- وسائل الشيعة 4 - 470 ح 6.
2- وسائل الشيعة 5 - 470 ح 7.
3- في « س » أن يسكت.
4- جامع الأصول 6 - 242 ، وسائل الشيعة 4 - 785.
5- وسائل الشيعة 4 - 787 ح 1.
6- وسائل الشيعة 4 - 815 ح 3.
7- وسائل الشيعة 4 - 817 ح 1.

السابع : يستحب أن يقرأ في غداة يوم الجمعة الجمعة والتوحيد. وروي المنافقين (1). وفي مغرب ليلة الجمعة وعشائها بالجمعة والأعلى ، وفي رواية التوحيد في المغرب (2).

الثامن : يستحب أن يقرأ في غداة الاثنين والخميس « هل أتى ».

التاسع : يستحب أن يقرأ الجحد في سبعة مواضع : في أول ركعة من ركعتي الزوال. وأول ركعة من نوافل المغرب. وأول ركعة من صلاة الليل.

وأول ركعة من ركعتي الإحرام. والفجر والغداة إذا أصبح بها. والطواف للرواية (3). وفي الثانية من هذه المواضع بالتوحيد. وفي أخرى يستحب قراءة التوحيد في الأولى من السبع وفي الثانية الجحد (4).

العاشر : يستحب أن يقرأ في الركعتين الأولتين من صلاة الليل ثلاثين مرة « قل هو اللّه أحد » في كل ركعة ، وفي باقي صلاة الليل بالسور الطوال ، كالأنعام والكهف مع السعة ، فإن تضيق الوقت خفف القراءة.

البحث التاسع: ( في اللواحق )

يجوز للمصلي بعد قراءة الحمد وقراءة نصف السورة أو أقل ، أن يعدل إلى سورة أخرى لغرض وغيره.

وقد يجب إذا تعذر عليه إتمام ما شرع فيه ، إلا في سورة الإخلاص والجحد ، فلا يجوز العدول عنهما وإن قرأ منهما مهما كان ، إلا إلى الجمعة والمنافقين يوم الجمعة ، لقول الصادق علیه السلام : يرجع من كل سورة إلا « قل هو اللّه أحد » و « قل يا أيها الكافرون » (5).

ص: 478


1- وسائل الشيعة 4 - 788 ح 1.
2- وسائل الشيعة 4 - 789 ح 4.
3- وسائل الشيعة 4 - 751 ح 1 ب 15.
4- وسائل الشيعة 4 - 751 ح 2.
5- وسائل الشيعة 4 - 814 ح 3.

أما مع تجاوز النصف فلا ، لأنه يكون قد قرأ معظم السورة ، ومعظم الشي ء يعطي حكمه ، كما لا يجوز القران بين سورتين فكذا بين السورة ومعظم الأخرى ، ولما تقاصرت درجة النصف عن حكم الشي ء فلا تفيده ألحقت بالعدم ، فبقى التخيير إلا في الجحد والإخلاص لشرفهما ، حيث اشتملا على التوحيد.

ولو توقفت عليه آية من السورة وتعذر إتمامها ، وجب العدول إلى غيرها ، توصلا إلى تحصيل الواجب وإن تجاوز النصف للضرورة. وإذا رجع من السورة ، وجب أن يعيد البسملة ، لأنها آية من كل سورة ، فالمأتي بها أولا آية منها ، فلا يجزي عن المنتقل إليها. وكذا من سمى بعد الحمد من غير قصد سورة معينة ثم قصد المعينة ، فإنه يجب عليه إعادتها. ولو نسي آية ثم ذكرها بعد الانتقال إلى أخرى ، قرأها وأعادها بعدها وإن أكمل السورة.

ويجوز أن يقرأ من المصحف ، سواء كان عارفا أو غيره ، والأقرب الاكتفاء به عن التعلم للجاهل ، لحصول الامتثال لأمر القراءة. ولو افتقر ذلك إلى فعل كثير ، لم يجز للعارف ، والأقرب أن الجاهل كذلك وينتقل إلى الذكر ، لعدم اجتماع الضدين.

والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ، ويعقد بها قلبه ، لأن المجموع مع الإتيان بالحروف نطقا واجب مع القدرة ، فلا يسقط المقدور بسقوط غيره.

وإذا أراد المصلي التقدم خطوة أو خطوتين ، أو التأخر كذلك ، سكت عن القراءة إلى أن ينتهي إلى مطلبه ، لأن المشي ليس حالة القيام ، وهل هو واجب أو مستحب؟ إشكال.

المطلب الخامس: ( في الركوع )
اشارة

وفيه مباحث:

ص: 479

البحث الأول: ( الماهية )

الركوع لغة : الانحناء. وشرعا : كذلك مختص بالرأس والظهر في الصلوات. وهو واجب في الصلوات إجماعا ، ولقوله تعالى ( وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ ) (1) وعلم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الأعرابي (2) وهو أيضا ركن فيها بلا خلاف ، تبطل الصلاة بتركه عمدا وسهوا ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى في العهدة ، وقول الصادق علیه السلام في الرجل ينسي الركوع حتى يسجد ويقوم قال : يستقبل (3).

ومحله : في كل ركعة مرة بعد انتهاء القراءة إلا في الكسوف والآيات ، فلو شرع في الركوع قبل إكمال القراءة الواجبة عمدا ، بطلت صلاته ، ولا شي ء على الناسي. والجهل عمد.

ويجب الإتيان به قائما ، فلو جلس وركع لم يجزيه ، إلا للعجز. والقائم على هيئة الراكع لكبر أو مرض ، يزيد انحناء يسيرا للفرق ، والإيماء على مراتبه قائم مقامه مع العجز.

الباحث الثاني: ( في واجباته )

وهي خمسة :

الأول : يجب فيه الانحناء إلى حد تبلغ راحتاه ركبتيه ، ولا يكفي مطلق الانحناء مع القدرة ، لقوله علیه السلام : إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك (4). وسيأتي عدم وجوب الوضع ، فيبقى(5)الانحناء واجبا ، ولأنه لا

ص: 480


1- سورة البقرة : 43.
2- جامع الأصول 6 - 243.
3- وسائل الشيعة 4 - 933 ح 1.
4- وسائل الشيعة 4 - 949.
5- في « ق » فبقي.

يخرج عن حد القيام إلا بذلك.

ولو لم ينحن بل انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب ، لم يكن ذلك ركوعا ، ولو صار بحيث لو مد يده لنالت راحتاه ركبتيه ، لأن النيل لم يكن بالانحناء ، ولو مزج الانحناء بهذه الهيئة وكان التمكن من وضع الراحتين على الركبتين بهما جميعا ، لم يعتد بما فعله ركوعا.

والعاجز عن كمال الانحناء يأتي بالممكن للضرورة. ولو تعذر مطلقا أومأ ، لأنه القدر الممكن فيقتصر عليه.

وطويل اليدين وقصيرهما ينحنيان كما ينحني مستوى الخلقة ، فلا يكفي الأول ما نقص عن الأقل ، ولا يجب على الثاني الزيادة عليه.

الثاني : الطمأنينة بعد انتهاء الانحناء ، وهو السكون بحيث تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع ، وينفصل هويه عن ارتفاعه منه ، لأن رجلا دخل المسجد ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه ، فقال صلی اللّه علیه و آله : ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع فصلى ثم جاء وقال له مثل ذلك ، فقال : علمني يا رسول اللّه ، فقال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا (1).

ولا تقوم زيادة الهوي مقام الطمأنينة ، فلو جاوز حد أقل الركوع وزاد في الهوي ، ثم ارتفع والحركات متصلة فلا طمأنينة.

والطمأنينة ليست ركنا في الصلاة ، لعموم « رفع عن أمتي » وقدرها قدر الذكر الواجب ، لوجوب الذكر فيه ، فلا بد من السكون بقدر أدائه.

الثالث : يجب أن لا يقصد بهويه غير الركوع ، فلو قرأ آية سجدة فهوى ليسجد ، ثم بلغ حد الراكعين ، فأراد أن يجعله ركوعا لم يجز ، بل يعود إلى القيام ثم يركع ، لأن الركوع الانحناء ولم يقصده.

ص: 481


1- سنن أبي داود 1 - 226.

ولا فرق بين العامد والساهي على إشكال. وكذا لو نسي الركوع في قيامه فهوي ليسجد ، فلما بلغ حد الراكعين ذكر.

ولو عجز عن الركوع إلا بما يعتمد عليه وجب. ولو عجز وتمكن من الانحناء على أحد جانبيه وجب. ولو عجز عن الطمأنينة سقطت ، وكذا الرفع منه.

ولو لم يضع راحتيه على ركبتيه ، فشك بعد القيام هل بلغ حد الركوع المجزي؟ فالأقرب عدم الالتفات للانتقال.

الرابع : يجب في الركوع بعد كمال الانحناء الذكر ، لقوله علیه السلام : لما نزل « ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) » ضعوها في ركوعكم (1). والأمر للوجوب ، ولقول الصادق علیه السلام يقول في الركوع : « سبحان ربي العظيم » وفي السجود « سبحان ربي الأعلى » الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والأفضل السبع (2). ولأنه هيئة في كون ، فيجب فيه الذكر كالقيام.

وهل يتعين التسبيح؟ الأقوى المنع ، لقول الصادق علیه السلام وقد سأله هشام بن الحكم وهشام بن سالم يجزي أن نقول مكان التسبيح في الركوع والسجود « لا إله إلا اللّه واللّه أكبر »؟ فقال : نعم ، كل هذا ذكر (3). علل علیه السلام بالذكر. وبعض علمائنا أوجب التسبيح وهو « سبحان ربي العظيم وبحمده » ثلاثا ، وبعضهم مرة ، أو ثلاث مرات « سبحان اللّه ».

ويجب أن يأتي بالذكر حال الطمأنينة ، فلو شرع فيه حال قبل انتهائه إلى الهوي الواجب ، أو شرع في الرفع قبل إكماله عمدا ، بطلت صلاته.

الخامس : الرفع من الركوع بعد انتهاء الذكر في الطمأنينة ، والاعتدال في القيام والطمأنينة فيه ، فلو انحط إلى سجوده من ركوعه عامدا ، بطلت صلاته ، لقوله علیه السلام للمسي ء في صلاته : ثم ارفع حتى تعتدل قائما (4).

ص: 482


1- سنن أبي داود 1 - 230.
2- وسائل الشيعة 4 - 923 ح 1.
3- وسائل الشيعة 4 - 929 ح 1 و 2.
4- سنن أبي داود 1 - 226.

وقول الصادق علیه السلام : إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك ، فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه (1). ولأنه ركن هو خفض فالرفع منه فرض كالسجود.

والمصلي قاعدا يعود بعد الركوع إلى القعود. والحاصل بالواجب عوده بعد الركوع إلى الهيئة التي كان عليها قبله مطمئنا. فلو ركع عن قيام وسقط في ركوعه ، فإن لم يطمئن في الركوع ، فعليه أن يعود إليه ويعتدل منه ، وإن اطمأن اعتدل قائما وسجد.

ولو رفع الراكع رأسه ثم سجد وشك في أنه هل تم اعتداله ، لم يلتفت.

ولو عجز عن الانتصاب لعلة فسجد ، وزالت العلة قبل بلوغ جبهته الأرض ، فإنه يرفع وينتصب ويسجد ، لزوال العلة قبل الركن. ولو زالت بعد الوضع سقط ، لشروعه في السجود.

ولو ترك الاعتدال عن الركوع والسجود في صلاة النفل عمدا ، لم تبطل صلاته ، لأنه ليس ركنا في الفرض ، فكذا في النفل.

البحث الثالث: ( في مسنوناته )

وهي عشرة :

الأول : التكبير له قائما ، لأنه علیه السلام كان يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود (2). وإيقاعه حالة القيام قبل الهوي ، لأن الصادق علیه السلام رفع يديه حيال وجهه وقال : « اللّه أكبر » وهو قائم ثم ركع (3). ولأنه شروع في ركن فيقدم(4)التكبير كالافتتاح.

ص: 483


1- وسائل الشيعة 4 - 939 ح 2.
2- وسائل الشيعة 4 - 921 ح 2.
3- وسائل الشيعة 4 - 675 ح 2.
4- كذا في « ق » وفي « ر » و « س » فيتقدمه.

ولا يمد التكبير ، لقوله علیه السلام : التكبير جزم (1). ولأنه لو حاوله لم يؤمن جعله في غير موضعه ، فيغير المعنى. بأن يجعله على الهمزة فيصير استفهاما.

الثاني : رفع اليدين بالتكبير اتباعا له علیه السلام . وليس التكبير ولا الرفع واجبا ، خلافا لبعض علمائنا فيهما ، للأصل ولأن الصادق علیه السلام سئل عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة؟ قال : تكبيرة واحدة (2). ولو صلى قاعدا أو مضطجعا ، رفع يديه ، وينتهي إلى حيال وجهه. وفي رواية : إلى أذنيه (3).

ويبتدي بالرفع عند ابتداء التكبير ، وينتهي عند انتهائه ، ثم يرسلهما بعد ذلك ، إذ لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا كذلك.

الثالث : وضع يديه على عيني ركبتيه وأخذهما بهما ، ويفرج أصابعه حينئذ ، لأنه علیه السلام كان يمسك راحتيه على ركبتيه في الركوع كالقابض عليهما ويفرج أصابعه (4). وكذا فعل الصادق علیه السلام (5).

ولو تعذر وضع إحداهما لقطع أو علة وضع الأخرى ، ولو لم يتمكن من وضعهما أرسلهما.

ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه ، لأنه علیه السلام فعله (6). بخلاف المرأة لأنه أستر لها ، والخنثى كالمرأة.

الرابع : تسوية الظهر ، ولا يتباذخ به فيخرج صدره ، ويطأ من ظهره فيكون كالسرج. ولا يحدودب فيعلي ظهره. لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان

ص: 484


1- وسائل الشيعة 4 - 639 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 723 ح 9.
3- وسائل الشيعة 4 - 725 ح 1.
4- جامع الأصول 6 - 244.
5- وسائل الشيعة 4 - 674.
6- جامع الأصول 6 - 253.

إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك. ويمد ظهره وعنقه كالصفحة الواحدة ، لأنه علیه السلام كان يستوي في الركوع بحيث لو صب الماء على ظهره لاستمسك (1).

الخامس : رد ركبتيه إلى خلفه ، ولا ينصبهما ، لأن الصادق علیه السلام رد ركبتيه إلى خلفه (2).

السادس : الدعاء أمام التسبيح ، قال علیه السلام : أما الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فتمن أن يستجاب لكم(3).

وقال الباقر علیه السلام : وقل : « رب لك ركعت ولك أسلمت ولك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي وعصبي وما أقلت قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر ثم تسبح (4).

السابع : الزيادة في التسبيح على المرة الواحدة ، فيستحب الثلاث ، والأفضل الخمس والسبع فما زاد أكمل. قال أبان بن تغلب دخلت على الصادق علیه السلام وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة (5).

وينبغي للإمام التخفيف بعدم الزيادة على الثلاث إذا لم يرض القوم بالتطويل ، فإن رضوا به جاز استيفاء أتم الكمال.

ويكره قراءة القرآن في الركوع والسجود ، لأن عليا قال : إن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : ألا إني قد نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا ، أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء ، فإنه تمن أن تستجاب لكم (6).

ص: 485


1- جامع الأصول 6 - 253 ، وسائل الشيعة 4 - 674.
2- وسائل الشيعة 4 - 674.
3- وسائل الشيعة 4 - 930 ح 2 وفيه : فإنه تمن أن يستجاب لكم.
4- النهاية ص 81.
5- وسائل الشيعة 4 - 926 ح 1.
6- وسائل الشيعة 4 - 930 ح 2.

الثامن : إبراز يديه أو جعلهما في الكم ، لأنه أنسب بالخشوع. ولو جعلهما تحت ثيابه ، لم تبطل صلاته.

التاسع : قول « سمع اللّه لمن حمده » بعد رفعه من الركوع إماما كان أو مأموما أو منفردا ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يفعله (1). وقال الباقر علیه السلام : ثم قل « سمع اللّه لمن حمده » وأنت منتصب (2). ولو قال : « من حمد اللّه سمع له » لم يأت بالمستحب ، لأنه خلاف المنقول. وهو مستحب لا واجب ، لأنه علیه السلام لم يعلمه المسي ء في صلاته (3).

العاشر : الدعاء بعد ذلك فيقول : الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت. إماما كان أو مأموما أو منفردا ، لأنه علیه السلام كان يقوله. ولأن قوله « سمع اللّه لمن حمده » إذكار(4)بالحمد وجبت عليه فيستحب. ولو قال : « ربنا ولك الحمد » جاز. لكن الأفضل ما روي عن أهل البيت علیهم السلام ، لأنهم أعرف.

ولو عطس فقال : « الحمد لله رب العالمين » ونوى المستحب بعد الرفع جاز ، إذ لا يتغير شي ء من المقصود بضم هذه النية. ولا يستحب رفع اليدين عند الرفع من الركوع ، بل عند التكبير للسجود.

المطلب السادس: ( في السجود )
اشارة

وفيه مباحث :

ص: 486


1- سنن أبي داود 1 - 223.
2- وسائل الشيعة 4 - 920 ح 1.
3- سنن أبي داود 1 - 226.
4- في « ق » إذا كان.
البحث الأول: ( الماهية )

وهو لغة : الانحناء. وشرعا : وضع الجبهة على الأرض وشبهها. وهو واجب بالنص والإجماع.

ومحله : بعد الرفع من الركوع. ويجب تعدده في كل ركعة سجدتان.

هما معا ركن ، تبطل الصلاة بالإخلال بهما معا ، عمدا أو سهوا إجماعا ، أما الواحدة فإنها واجبة وليست ركنا ، فلو أخل بها عمدا بطلت صلاته ، لا سهوا ، والجهل عمد.

ولا يجوز أن يقصد بهويه غير السجود ، فلو سقط لا له لم يجزيه ، والأقرب البطلان ، لأنه تغيير لهيئة الصلاة. ولو أراد السجود من غير قصد أجزأه إرادته السابقة ، لعدم وجوب تجديد القصود والدواعي للأفعال عند إيقاعها. ولو لم تسبق نية السجود ، أجزأه أيضا.

ولو هوى ليسجد فسقط على بعض جسده ، ثم انقلب على وجهه فماست جبهته الأرض ، فالأقوى الإجزاء.

البحث الثاني: ( في واجباته )

وهي عشرة :

الأول : يجب وضع الجبهة على مكان السجود مع القدرة ، فلا يجزي الأنف عنها ، لقوله علیه السلام : إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا ينقر نقرا (1). ولقول الصادق علیه السلام : سبع منها فرض وعد الجبهة (2).

ص: 487


1- جامع الأصول 6 - 249 ، سنن أبي داود 1 - 227.
2- وسائل الشيعة 4 - 954 ح 1 وح 8.

ولا يجب استيعاب الجبهة بالوضع ، بل يكفي المسمى مع التمكن ، لأنه علیه السلام سجد بأعلى جبهته. وقال الصادق علیه السلام : ما بين قصاص شعرك إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك (1). واشترط بعض علمائنا قدر الدرهم. وكذا باقي المساجد يكفي الملاقاة ببعضها ، والأفضل الاستيعاب.

ولا يجزي وضع الجبينين عن وضع الجبهة ، وهما جانبا الجبهة.

الثاني : يجب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين على مكان السجود عند علمائنا أجمع ، لقوله علیه السلام : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم :

الجبهة ، والركبتين ، وإبهامي الرجلين ، وأطراف القدمين (2). وسجد الصادق علیه السلام على ثمانية أعظم : الكفين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف قال : سبع منها فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنة (3).

فلو أخل بواحد منها عمدا بطلت صلاته وإن كان جاهلا ، والساهي لا يعيد ، لعدم وجوبه حينئذ. والاعتبار في اليدين بباطن الكفين ، وفي الرجلين بأطراف الأصابع.

الثالث : يجب وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، وهو الأرض وما ينبت منها مما لا يؤكل أو يلبس وقد تقدم ، دون باقي الأعضاء ، لكن يستحب في اليدين ، ويسقط مع الضرورة كالحر وشبهه.

الرابع : يجب تساوي الأعالي والأسافل ، أو انخفاض الأعالي. فلو كان موضع جبهته أعلى من مرفقه بالمعتد عمدا مع القدرة ، لم تصح صلاته ، لأن اسم السجود لا يقع على هذه الهيئة ، وسأل ابن سنان الصادق علیه السلام عن موضع جبهة الساجد تكون أرفع من مقامه؟ فقال : لا ، ولكن يكون مستويا (4).

ص: 488


1- وسائل الشيعة 4 - 962 ح 2.
2- جامع الأصول 6 - 256.
3- وسائل الشيعة 4 - 674.
4- وسائل الشيعة 4 - 963 ح 1.

ويجوز بغير المعتد ، وهو مقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها ، لأنه لا يعد علوا ، ولعدم التمكن من الاحتراز عنه ، لغلبة علو ذلك ، ولقول الصادق علیه السلام : إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع يديك قدر لبنة فلا بأس(1).

ولو عجز عن التنكس إلى أن يستعلي الأسافل على أعاليه لمرض أو غيره ، وجب وضع وسادة ونحوها ليقع الجبهة عليها. ولا يكفي إنهاء الرأس إلى الحد الممكن من غير وضع الجبهة على شي ء ، لوجوب هيئة التنكس ووضع الجبهة ، فإذا تعذر أحدهما وجب الثاني محافظة على الواجب بقدر الإمكان.

ولو عجز عن وضع الجبهة على الأرض ، وقدر على وضعها على وسادة مع رعاية هيئة التنكس ، وجب عليه ذلك إجماعا.

ولو عجز عن الانحناء أشار بالرأس ثم بالطرف.

وهل يجب رفع الوسادة ، أو الخمرة ، أو شبهها إليه ليضع جبهته عليها؟ الأقرب ذلك ، لقول الصادق علیه السلام : إن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد (2).

الخامس : يجب الاعتماد على موضع السجود ، فلا يتحامل عنه بنقل رأسه وعنقه. ولو كان يسجد على قطن أو حشيش نقل عليه حتى ينكس ويمكن جبهته عليه.

والأقرب الاكتفاء بإرخاء رأسه ، وأن لا يقله من غير حاجة إلى التحامل ، لأن الغرض أبدا هيئة التواضع ، وهو لا يحصل بمجرد الإمساك ، فإنه ما دام يقل رأسه كالضنين بوضعه ، فإذا أرخى حصل الغرض ، بل هو أقرب إلى هيئة التواضع من تكلف التحامل ، ولهذا كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في سجوده كالخرقة البالية.

ص: 489


1- وسائل الشيعة 4 - 964 ح 1 وفيه : بدنك مكان يديك.
2- وسائل الشيعة 4 - 976 ح 1.

السادس : يجب أن يجافي بطنه على الأرض ، فلو أكب على وجهه ومد يديه ورجليه وموضع جبهته على الأرض منبطحا لم يجزيه ، لأنه لا يسمى سجودا. ولو لم يتمكن إلا على هذا الوجه أجزأه.

وهل يجب أن يلقي الأرض ببطون راحتيه ، أو يجزيه إلقاء زنديه؟ ظاهر كلام علمائنا الأول ، إلا المرتضى فإن ظاهر كلامه الثاني.

ولو ضم أصابعه إلى كفه وسجد عليها ففي الإجزاء إشكال ، أقربه المنع ، لأنه علیه السلام جعل يديه مبسوطتين حالة السجود. ولو قلب كفيه وسجد على ظهر راحتيه لم يجزيه ، لمنافاته فعله علیه السلام . والأقرب إجزاء وضع الأصابع دون الكف وبالعكس.

السابع : تجب الطمأنينة في كل واحد من السجدتين ، لقوله علیه السلام للمسي ء في صلاته : ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا (1).

ولو عجز عن الطمأنينة لم يسقط وجوب وضع الجبهة. ولو تمكن من أحدهما ، وجب الوضع.

الثامن : يجب في كل منهما الذكر ، لقوله علیه السلام لما نزل « سبح اسم ربك الأعلى » اجعلوها في سجودكم (2). وقال الصادق علیه السلام يقول في السجود : « سبحان ربي الأعلى » (3) والفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنة ثلاث ، والفضل في سبع.

وهي يتعين التسبيح؟ قيل : نعم عملا بهذه الرواية. والأقوى إجزاء مطلق الذكر ، لما تقدم في الركوع.

التاسع : تجب الطمأنينة بقدر الذكر في كل واحد منهما ، وإيقاع الذكر مطمئنا ، فلو شرع فيه قبل وصول الجبهة للأرض ، أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده.

ص: 490


1- سنن أبي داود 1 - 226.
2- سنن أبي داود 1 - 230.
3- وسائل الشيعة 4 - 675.

العاشر : رفع الرأس منه بعد إكمال الذكر في السجدة الأولى ، والطمأنينة في الجلوس بين السجدتين ، لقوله علیه السلام للأعرابي : ثم ارفع رأسك حتى تطمئن (1). ولأن الصادق علیه السلام فعله (2). ولأنه أحد الرفعين فيجب إلى الاعتدال كالرفع من الثانية.

ولو أخل بالطمأنينة عمدا ، بطلت صلاته ، فإذا اطمأن في جلوسه ، سجد الثانية وفعل فيها كالأولى ، ثم رفع رأسه إما للقيام أو للتشهد.

البحث الثالث: ( في مسنوناته )

وهي ستة عشر :

الأول : يستحب إذا أراد السجود الأول أن يكبر له ، لأنه علیه السلام كان يكبر حين يسجد (3). وقال الباقر علیه السلام : إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا (4). ولأنه انتقال إلى ركن فشرع فيه التكبير.

وقال بعض علمائنا بوجوبه. وهو ممنوع بالأصل.

الثاني : رفع اليدين بالتكبير إلى حيال وجهه ، لقول الباقر علیه السلام : إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير (5). وليس واجبا للأصل ، خلافا للمرتضى.

ويستحب التكبير قائما ، فإذا فرغ منه أهوى إلى السجود ، لأن الصادق علیه السلام كذا فعل ، ويأتي به جزما.

ص: 491


1- سنن أبي داود 1 - 226.
2- وسائل الشيعة 4 - 674.
3- وسائل الشيعة 4 - 674.
4- وسائل الشيعة 4 - 921.
5- وسائل الشيعة 4 - 726 ح 7.

الثالث : يلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه عند علمائنا ، لقوله علیه السلام : إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه (1). وقول الباقر علیه السلام : وابدأ بيديك فضعهما قبل ركبتيك (2) :

الرابع : الاتكاء على اليدين عند النهوض ، ورفع ركبتيه أولا للرواية (3). ولأن اليدين كما تقدم وضعهما تأخر رفعهما.

الخامس : مساواة موضع الجبهة للموقف ، لأنه أنسب بالاعتدال المطلوب في السجود ، وأمكن للمساجد ، ولقول الصادق علیه السلام : إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي (4). فإذا كان أخفض فكذلك.

وإن كان أرفع بقدر لبنة ، جاز لكن يستحب جر الجبهة إلى المعتدل ، وليس له الدفع حينئذ ، لئلا يزيد سجدة. ولو كان أزيد من لبنة جاز الرفع ولم يكن زيادة ، لأن الوضع الأول ليس بسجود وكذا التفصيل لو سجد على ما يكره السجود عليه أو يحرم.

السادس : الدعاء أمام التسبيح إجماعا ، قال الصادق علیه السلام : إذا سجدت فكبر وقل : اللّهم لك سجدت ، ولك آمنت ، وعليك توكلت ، وأنت ربي ، سجد وجهي للذي خلقه ، وشق سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمين ، تبارك اللّه أحسن الخالقين ، ثم قل : « سبحان ربي الأعلى » ثلاث مرات (5).

السابع : التسبيح في كل واحدة من السجدتين ثلاثا أو خمسا أو سبعا فما زاد ، كما في الركوع.

الثامن : التخوية ، وهي إلقاء الخوا بين الأعضاء ، بأن يفرق بين فخذيه

ص: 492


1- جامع الأصول 6 - 254.
2- وسائل الشيعة 4 - 950 و 983 ح 2.
3- وسائل الشيعة 4 - 951.
4- وسائل الشيعة 4 - 964 ح 2.
5- وسائل الشيعة 4 - 951 ح 1.

وساقيه ، وبين بطنه وفخذيه ، وبين جنبيه وعضديه ، وبين عضديه وساعديه ، وبين ركبتيه ومرفقيه ، وبين رجليه للرجل خاصة ، اتباعا لفعله علیه السلام . أما المرأة فلا يستحب في حقها ، بل تضم بعض الأعضاء إلى بعض.

التاسع : الاعتدال في السجود ، لقوله علیه السلام : اعتدلوا في السجود (1).

العاشر : التورك في الجلوس ، بأن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه معا ، ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، ويفضي بمقعدته إلى الأرض لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يجلس كذلك (2) ، وكذا الصادق علیه السلام . وقال الصادق علیه السلام : إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك واجلس على يسارك (3).

الحادي عشر : التكبير إذا استوى جالسا عقيب الأولى للرفع منها ، ثم يكبر للثانية قاعدا ، ثم يسجد ، ثم يكبر بعد جلوسه من الثانية ، لأن الصادق علیه السلام لما استوى جالسا قال : « اللّه أكبر » ثم قعد على فخذه الأيسر ووضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : أستغفر اللّه ربي وأتوب إليه ، ثم كبر وهو جالس وسجد ثانية وقال كما قال في الأولى (4).

الثاني عشر : الدعاء حال جلوسه بين السجدتين ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان يقول : اللّهم اغفر لي وارحمني وأجرني وارزقني واهدني السبيل الأقوم وعافني (5).

وقال الصادق علیه السلام : إذا رفعت رأسك بين السجدتين فقل :

ص: 493


1- جامع الأصول 6 - 244 ، سنن ابن ماجة 1 - 288.
2- جامع الأصول 6 - 269.
3- وسائل الشيعة 4 - 956 ح 4.
4- وسائل الشيعة 4 - 674.
5- سنن أبي داود 1 - 224.

« اللّهم اغفر لي وارحمني وأجرني وعافني ، إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، تبارك اللّه رب العالمين » (1) ولأنها حالة لبث في الصلاة فلا تخلو من ذكر.

الثالث عشر : جلسة الاستراحة مستحبة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله قال : « اللّه أكبر » ثم ثنى رجليه وقعد واعتدل ثم نهض (2). وقال الصادق علیه السلام : إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم (3). وقال علیه السلام : إن هذا من توفير الصلاة (4).

وليست واجبة ، خلافا للمرتضى ، لأن الباقر والصادق علیهماالسلام قاما إلى الثانية بغير جلوس (5).

الرابع عشر : يستحب الاعتماد على يديه سابقا برفع ركبتيه عند القيام من السجدة الثانية ، أو من جلسة الاستراحة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله لما رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى واستوى قاعدا قام واعتمد على الأرض (6). وكذا الصادق علیه السلام (7). ولأنه أشبه بالتواضع وأعون للمصلي.

الخامس عشر : رفع اليدين بالتكبير الذي للسجود الأول والثاني ، والرفع منهما ، وقد تقدم.

السادس عشر : ترك الإقعاء في الجلوس ، لأن الإقعاء مكروه ، ولقوله علیه السلام : لا تقع بين السجدتين (8). وكذا قال الصادق علیه السلام (9).

ص: 494


1- وسائل الشيعة 4 - 951 ح 1.
2- جامع الأصول 6 - 248 ما يشبه ذلك.
3- وسائل الشيعة 4 - 956 ح 3.
4- وسائل الشيعة 4 - 956 ح 5.
5- وسائل الشيعة 4 - 956 ح 2.
6- سنن أبي داود 1 - 231.
7- وسائل الشيعة 4 - 950 ح 1.
8- جامع الأصول 6 - 254.
9- وسائل الشيعة 4 - 957 ح 1.

وليس محرما ، لقول الصادق علیه السلام : لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين (1).

البحث الرابع: ( العجز )

وإذا عجز عن الانحناء إلى حد وضع الجبهة ، انحنى إلى حد ما يقدر عليه ، ثم يرفع ما يسجد عليه ويضع جبهته عليه.

ولو كانت في جبهته دمل لا يتمكن من وضعها على الأرض ، حفر حفيرة ليقع الدمل فيها ويقع السليم على الأرض وجوبا مع القدرة ، تحصيلا للواجب. وسجد مصادف على جانب فقال له الصادق علیه السلام : ما هذا؟ قلت : لا أستطيع أن أسجد لمكان الدمل ، فقال : احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تضع جبهتك على الأرض (2).

فإن استوعب الجبهة ، أو تعذرت الحفيرة ، سجد على أحد الجبينين ، لأنه أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء ، والإيماء سجود مع التعذر على الجبهة ، فهذا أولى.

فإن تعذر سجد على ذقنه ، وهو مجمع اللحيين ، لقوله تعالى ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (3) وصدق اسم السجود عليه يستلزم الإجزاء في حال الضرورة ، ولقول الصادق علیه السلام : يضع ذقنه على الأرض (4).

فإن تعذر ذلك كله أومأ. ولو عجز في إحدى السجدتين لم تسقط الأخرى. والمريض إذا صلى قاعدا ، وبالجملة كل من يومي لركوعه وسجوده ، يجب أن يزيد في السجود مزيد انخفاض في الإيماء عن الركوع ، ليقع الفصل بينهما.

ص: 495


1- وسائل الشيعة 4 - 957 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 965 ح 1.
3- سورة الإسراء : 107.
4- وسائل الشيعة 4 - 965 ح 2.
البحث الخامس: ( في السجدات الخارجة عن الصلاة )
اشارة

وهي ثلاثة : الأول سجدة التلاوة. الثاني سجدة الشكر. الثالث سجدة السهو ، وستأتي في بابه. فهنا مقامان :

المقام الأول: ( في سجود التلاوة )

وهي في خمسة عشر موطنا : الأعراف ، الرعد ، النحل ، بني إسرائيل ، مريم ، الحج في موضعين منه ، الفرقان ، النمل ، سجدة لقمان وهي الم تنزيل ، ص ، حم السجدة ، النجم ، الانشقاق ، اقرأ باسم ربك.

ثلاث منها في المفصل ، وهي النجم والانشقاق واقرأ ، لأن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال : أقرأني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خمسة عشر سجدة : ثلاث في المفصل ، وسجدتان في الحج (1).

وموضع السجود في حم عند قوله تعالى ( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) (2).

ويجب هذا السجود في أربعة مواضع منها وهي : العزائم الأربع عند علمائنا أجمع على القارئ والمستمع ، وفي السامع خلاف. وباقي السجدات مستحب ، لقول علي علیه السلام : عزائم السجود أربع (3).

وهذا السجود ليس جزءا من الصلاة ، فلا يشترط فيه ما يشترط فيها من الطهارة والاستقبال وستر العورة وغيرها ، لقول الصادق علیه السلام : إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار (4).

ص: 496


1- جامع الأصول 6 - 361.
2- سورة فصلت : 37.
3- وسائل الشيعة 4 - 881.
4- وسائل الشيعة 4 - 880 ح 2.

ولا تفتقر إلى التكبير ، ولا بد من النية ، لاشتراكها مع غيرها فلا بد من المائز. ويستحب التكبير عند الرفع منها ، لقول الصادق علیه السلام : إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك (1).

وليس فيها ذكر ، لأصالة البراءة ، لكن يستحب. ولا تشهد فيها ولا تسليم عند علمائنا ، لأن أمر السجود لا يتناول غيره ، والأقرب وجوب وضع الجبهة ، وفي الباقي إشكال. ولا يقوم الركوع مقامه ، لأنه أقل من الواجب ، فلا يكون مجزيا.

وإذا وجد السبب في الأوقات المكروهة ، وجب أو استحب ، لإطلاق الأمر بالسجود ، فيتناول جميع الأوقات بإطلاقه. ولا يشترط في سجود المستمع سوى الاستماع للعموم ، سواء كان التالي مما يصلح أن يكون إماما للمستمع أو لا.

فلو تلت المرأة فاستمع وجب ، وكذا الأمي للقارئ والصبي. ولو كان الإمام مرضيا وقرأ العزيمة ناسيا ، أومأ بالسجود عند آيته ، وكذا المأموم. وإن كان في نافلة يجوز فيها الجماعة ، سجد هو والمأموم.

ولو كان ممن لا يقتدى وقرأ العزيمة في فرضه لم يتابعه فيه في السجود لو فعله بل يومي. ولو كان التالي في غير الصلاة والمستمع فيها ، فالأقرب تحريم الاستماع ، ثم إن كانت فريضة أومأ ، ويحتمل الصبر حتى يتم ويسجد.

ولو قرأ السجدة ماشيا ، سجد ، فإن لم يتمكن أومأ. وإن كان راكبا سجد على دابته إن تمكن ، والأوجب النزول والسجود ، فإن تعذر أومأ ، وقيل : يكره احتضار السجود ، فقيل : هو أن ينتزع آيات السجدات فيتلوها ويسجد فيها ، وقيل : هو أن يسقطها من قراءته.

ولو فاتت قال الشيخ في المبسوط : يجب قضاؤها (2). ويحتمل أداؤها دائما لعدم التوقيت ، نعم يجب على الفور.

ص: 497


1- وسائل الشيعة 4 - 880 ح 3.
2- المبسوط 1 - 114.

ولو كرر السجدة في مجلس واحد ولم يسجد للأولى ، احتمل الاكتفاء بالواحدة ، ووجوب التكرار وهو الأقوى.

المقام الثاني: ( في سجدة الشكر )

وهي مستحبة عقيب الفرائض ، وعند تجدد النعم ودفع النقم ، لأنه علیه السلام كان إذا جاءه شي ء يسره خر ساجدا (1). وسجد علیه السلام يوما فأطال فسئل فقال : أتاني جبرئيل علیه السلام فقال : من صلى عليك مرة ، صلى اللّه عليه عشرا ، فخرت شكرا لله (2). وسجد علي علیه السلام شكرا يوم النهروان لما وجدوا ذا الثدية (3).

وقال الصادق علیه السلام : سجدة الشكر واجبة على كل مسلم ، يتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين الملائكة وبين العبد (4).

ويستحب فيها التعفير ، لأنها وضعت للتذلل والخضوع ، والتعفير أبلغ فيه ، قال محمد بن سنان : رأيت موسى بن جعفر علیهماالسلام يفعل ذلك في الحجر في جوف الليل (5).

ويستحب الدعاء بالمنقول وأن يقول : « شكرا شكرا » مائة مرة. ويجوز أن يقول : « عفوا عفوا ».

ويستحب السجود عند تذكر النعمة وإن لم يكن متجددة ، لأن دوام النعمة نعمة متجددة.

ص: 498


1- جامع الأصول 6 - 367.
2- وسائل الشيعة 4 - 1070 ما يشبه ذلك.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 - 205 ط القاهرة.
4- وسائل الشيعة 4 - 1071 ح 5.
5- وسائل الشيعة 4 - 1075 ح 2.

وليس فيها تكبير افتتاح ولا تشهد ولا تسليم. ويستحب التكبير للرفع منه. ولو تجددت النعمة في الصلاة ، سجد بعد فراغه منها لا فيها. وإذا رأى مبتلى ببلية أو بمعصية ، سجد شكرا لله ، ويظهره للفاسق دون المبتلي لئلا يتأذى به ، ولئلا يتخاصما.

ويجوز التقرب بسجدة ابتداء من غير سبب ، وكذا بالركوع على إشكال.

المطلب السابع: ( في التشهد )
اشارة

ومباحثه ثلاثة(1):

البحث الأول: ( الماهية )

وهي الشهادة بالتوحيد والرسالة والصلاة على النبي وآله ، فيقول : « أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا رسول اللّه اللّهم صل على محمد وآل محمد » هذا هو الواجب. لا تصح الصلاة بترك شي ء منه ، لأنه علیه السلام فعل ذلك وداوم عليه ، وكذا الأئمة علیهم السلام ، ولقول الباقر علیه السلام وقد سئل ما يجزي من التشهد في الأخيرتين؟ قال : الشهادتان (2).

والإجزاء إنما تصح في الواجب ، وقال النبي صلی اللّه علیه و آله : لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة علي (3). وقال علیه السلام : من صلى صلاة ولم يقل فيها « علي وعلى أهل بيتي » لم يقبل منه (4).

ص: 499


1- كذا في النسخ الثلاثة ، وهي أربعة.
2- وسائل الشيعة 4 - 992 ح 1.
3- سنن ابن ماجة ج 1 ح 271 - 274.
4- وسائل الشيعة 4 - 999 ما يدل على ذلك.

وهل يجب قول « وحده لا شريك له » عقيب « أشهد أن لا إله إلا اللّه »؟ إشكال ، ينشأ : من أصالة البراءة ، ومن قول الصادق علیه السلام : إذا استويت جالسا فقل : « أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله » (1).

ولو أسقط الواو في الثاني ، أو اكتفى به ، أو أضاف الآل إلى المضمر ، فالوجه الإجزاء. ولو حذف لفظ الشهادة ثانيا والواو لم يجزيه. ولا بد من الإتيان بلفظ الشهادة ، فلو قال : أعلم ، أو أخبر عن علم لم يجز. وكذا لو قال : أشهد أن اللّه واحد.

ولو أتى عوض حرف الاستثناء بغيره مما يدل عليه كغير وسوى ، فالوجه المنع ، اقتصارا على صورة المنقول.

ولو قال : « صلى اللّه على محمد وآله » أو قال : « صلی اللّه علیه و آله » أو « صلى اللّه على رسوله وآله » فالأقرب الإجزاء ، لحصول المعنى.

البحث الثاني: ( المحل )
اشارة

الصلاة الواجبة إما ثنائية ، أو زائدة عليها ، ففي الأول يجب تشهد واحد في آخر الصلاة ، وفي الثانية يجب تشهدان : أحدهما بعد الثانية ، والثاني آخر الصلاة. إما الثالثة أو الرابعة ، عند علمائنا أجمع ، لأنه علیه السلام داوم على ذلك ، فلو لا وجوبه لأخل به في بعض الأوقات ليعرف ندبته وقال ابن مسعود : علمني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله التشهد في وسط الصلاة وآخرها (2). وعنهم علیهم السلام التشهد تشهدان في الثالثة والرابعة.

ولا فرق بين التشهد الأول والثاني في الوجوب والهيئة الواجبة.

ص: 500


1- وسائل الشيعة 4 - 992 ح 4.
2- سنن أبي داود 1 - 256.

وليسا ولا واحد منهما بركن في الصلاة ، نعم تبطل الصلاة بالإخلال بهما أو بإحداهما أو بأبعاضهما عمدا لا سهوا.

والواجب في التشهدين معا الشهادتان والصلاة على النبي وآله علیهم السلام .

ولو نذر ركعة واحدة ، وجب التشهد في آخرها كالثنائية. ويجب أيضا التشهد في سجدتي السهو على ما يأتي. ومحله من الصلاة : بعد جلوسه من السجدة الثانية حالة الجلوس. ولو شرع قبل إكمال جلوسه ، أو نهض قبل إكماله متعمدا ، بطلت صلاته لا سهوا. ويقع في غير حالة الجلوس وقوعه في حاله.

البحث الثالث: ( في واجباته )

وهي :

الأول : التعدد فيما زاد على الثنائية ، والوحدة فيها ، فلو عكس عمدا بطلت صلاته ، لأنه خلاف المنقول.

الثاني : الجلوس فيه بقدره مطمئنا في الأول والثاني. فلو شرع فيه قبل انتهاء رفعه من السجدة ، أو شرع في النهوض قبل إكماله متعمدا ، بطلت صلاته.

وعلى أي هيئة جلس أجزأه ، للامتثال بكل نوع ، لكن الأفضل التورك فيهما ، لأنه علیه السلام كان يجلس وسط الصلاة وآخرها متوركا (1). وقول الباقر والصادق علیهماالسلام : إذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما. وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض ، وطرف إبهام اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك ، فلا تصبر للتشهد والدعاء (2).

ص: 501


1- سنن أبي داود 1 - 253.
2- وسائل الشيعة 4 - 676 ذيل ح 3.

الثالث : الشهادتان والصلاة على النبي وآله علیهم السلام في التشهدين معا ، وقد تقدم. ومن لا يحسنه يجب عليه التعلم ، فإن ضاق الوقت أو عجز ، أتى بالممكن. ولو عجز سقط. ولا يجزي بغير العربية ، لقوله علیه السلام : صلوا كما رأيتموني أصلي (1). فإن تعذر تعلم ، فإن ضاق الوقت أو عجز ، أجزأت الترجمة ، وكذا الأذكار الواجبة. أما الدعاء فتجوز بغير العربية.

الرابع : يجب الترتيب ، فيبدأ بالشهادة بالتوحيد ، ثم بالنبوة ، ثم بالصلاة على النبي ، ثم بالصلاة على آله. فإن عكس لم يجزه.

الخامس : يجب فيه التتابع ، فلو تركه لم يجزيه.

السادس : يجب في الصلاة ذكر اسم الرسول ، فلو قال : اللّهم صل على الرسول. فالأقرب عدم الإجزاء ، لأنه سئل كيف نصلي عليك؟ فقال : قولوا « اللّهم صل على محمد وآل محمد » (2).

البحث الرابع: ( في مستحباته )

وهي :

الأول : الزيادة في الأذكار بما نقل عن أهل البيت علیهم السلام لأنهم أعرف.

الثاني : التحيات ، وتتأكد في التشهد الأخير ، وهي بعد الشهادتين ، فيقول : « التحيات لله الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ، ما طاب وزكى وطهر ، وما خلص وصفا ، فلله أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، ويعيد التشهد بعدها (3).

ص: 502


1- صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان للمسافر ص 124.
2- سنن أبي داود 1 - 258.
3- راجع وسائل الشيعة 4 - 989 ح 2.

الثالث : تقديم التسمية على التشهد للروايات (1).

الرابع : إسماع الإمام من خلفه الشهادتين وجميع الأذكار ، وليس على المأموم ذلك ، وقال أبو بصير : صلينا خلف الصادق علیه السلام ، فلما كان في آخر تشهده رفع صوته حتى سمعنا ، فلما انصرف قلت : كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه؟ قال : نعم (2).

الخامس : يجوز الدعاء في التشهد وفي جميع أحوال الصلاة ، كالقنوت والركوع والسجود والقيام قبل القراءة وبعدها ، بالمباح من أمور الدين والدنيا ، عند علمائنا أجمع ، سواء كان مما ورد به الشرع أو لا.

قال علیه السلام : إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من أربع : من عذاب النار ، وعذاب القبر ، وفتنة المحيا وفتنة الممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ثم يدعو لنفسه بما بدا له (3). والدعاء أفضل من تطويل القراءة.

ولا ينبغي للإمام التطويل فيه إرفاقا بالمأمومين ، وهو مستحب في التشهد الأول كالثاني. ويجوز الدعاء لمن شاء من إخوانه المؤمنين ، وكذا الدعاء على الظالمين.

المطلب الثامن: ( التسليم )

واختلف في وجوبه جماعة من علمائنا ، لقوله علیه السلام : تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (4). ولأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة ، فكان واجبا كالتكبير.

ص: 503


1- وسائل الشيعة 4 - 989.
2- وسائل الشيعة 4 - 994 ح 3.
3- سنن أبي داود 1 - 258.
4- سنن أبي داود 1 - 16 باب فرض الوضوء ، وسائل الشيعة 4 - 1003 ح 1.

والأقوى استحبابه للأصل ، وسئل الباقر علیه السلام عن رجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم؟ قال : تمت صلاته (1). ولو كان واجبا لبطلت. ولأنه علیه السلام لم يعلم المسي ء في صلاته.

وتجزي التسليمة الواحدة ، لعدم اقتضاء الأمر التكرار ، فالمنفرد يسلم تسليمة واحدة إلى القبلة ، ويومي بمؤخر عينيه إلى يمينه ، وكذا الإمام ، لكن يومي بصفحة وجهه. والمأموم كالإمام إن لم يكن على يساره أحد ، وإن كان سلم اثنين بوجهه يمينا وشمالا ، لقول الصادق علیه السلام : إن كنت إماما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن لم يكن على يسارك أحد سلم واحدة ، وإذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك (2).

وله صفتان(3): « السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين » أو « السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته » لوقوع اسم التسليم عليهما ، ولقولهم علیهم السلام : وتقول « السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين » فإذا قلت ذلك انقطعت الصلاة (4). وسئل الصادق علیه السلام « السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته انصراف هو؟ قال : لا ، ولكن إذا قلت « السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين » فهو انصراف (5).

وأجمع العلماء على أن العبارة الثانية انصراف أيضا ، وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا ، وكذا الأول عندنا.

ولو بدأ بالترجمة أو نكس فقال : « السلام على عباد اللّه الصالحين وعلينا » فالأقرب عدم الإجزاء عند الموجبين له ، لأنه خلاف المأمور به ، فيبقى في العهدة. وكذا لو نكس فقال « عليكم السلام » أو أسقط حرفا فقال : « السلام عليك » أو قال : « سلام عليكم » بغير تنوين لم يجزيه ، والأقرب إجزاء المنون ، لأن عليا علیه السلام كان يقول : « سلام عليكم » عن يمينه وشماله.

ص: 504


1- وسائل الشيعة 4 - 1011 ح 2.
2- وسائل الشيعة 4 - 1007.
3- في « ق » و « ر » : صيغتان.
4- وسائل الشيعة 4 - 1012 ح 1.
5- وسائل الشيعة 4 - 1012 ح 2.

ويستحب أن يضيف « ورحمة اللّه وبركاته » وينبغي أن ينوي الخروج من الصلاة ، وبالثانية السلام على الملائكة ، أو على من على يساره. وهل يجب نية الخروج؟ الأقرب المنع ، لأنه فعل من أفعال الصلاة ، فأشبه سائر الأفعال.

ويستحب إذا فرغ من التسليم أن يكبر اللّه تعالى ثلاث مرات ، يرفع بها يديه إلى حذاء شحمتي أذنيه ، ثم إن كان له حاجة انصرف في جهتها.

ويستحب أن ينصرف في جهة اليمين ، لقول الصادق علیه السلام : إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك (1).

ويستحب للإمام أن لا ينصرف من مكانه حتى يتم المسبوق صلاته ، وإن لم يكن فيهم مسبوق ذهب حيث شاء.

ص: 505


1- وسائل الشيعة 4 - 1008.

الفصل الثاني: ( في مندوبات الصلاة )

اشارة

وقد تقدم ذكر بعضها ، وتزيد هنا أمور تشتمل على مباحث :

البحث الأول: ( وضع اليدين )

يستحب وضعهما حالة القيام على فخذيه ، مضمومتي الأصابع ، محاذيا بهما عيني ركبتيه ، لأنه أبلغ في الخضوع ، ولقول الباقر علیه السلام : أرسل يديك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك (1). وأرسل الصادق علیه السلام يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه (2).

ولا يجوز التكفير عند علمائنا ، وهو وضع اليمين على الشمال.

ويستحب وضعهما حالة الركوع على عيني الركبتين مفرجات الأصابع ، لأنه علیه السلام كذا فعل وركع (3).

ومنع بعض علمائنا من جواز التطبيق ، وهو أن يطبق يديه ويجعلهما بين ركبتيه حالة الركوع. ويحتمل الكراهة.

ص: 506


1- وسائل الشيعة 4 - 710 ح 2.
2- وسائل الشيعة 4 - 710 ح 1.
3- وسائل الشيعة 4 - 674.

ووضعهما حالة السجود حيال منكبيه ، مضمومتي الأصابع ، مبسوطتين موجهتين إلى القبلة إجماعا ، لأنه علیه السلام كان إذا سجد ضم أصابعه وجعل يديه حذو منكبيه (1).

ووضعهما حالة الجلوس للتشهد وغيره على فخذيه ، مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله كان إذا قعد يدعو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويده اليسرى على فخذه اليسرى (2).

وجعلهما حالة القنوت حيال وجهه مبسوطتين ، لقول الصادق علیه السلام : وترفع يديك في الوتر حيال وجهك (3).

البحث الثاني: ( في شغل النظر )

يستحب أن يشغل نظره في أحوال الصلاة بما لا يمنعه عن الاشتغال بالصلاة. فينظر حال قيامه إلى موضع سجوده ، وحال ركوعه إلى ما بين رجليه ، وفي سجوده إلى طرف أنفه ، أو بغمضهما ، وفي جلوسه إلى حجره ، وحالة القنوت إلى باطن كفيه ، لقول علي علیه السلام : لا يتجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك (4). وقول الباقر علیه السلام وليكن نظرك إلى ما بين قدميك (5). يعني حالة الركوع.

ويكره النظر إلى السماء ، لقول الباقر علیه السلام : اجمع بصرك ، ولا ترفعه إلى السماء (6).

ص: 507


1- وسائل الشيعة 4 - 675.
2- سنن أبي داود 1 - 251.
3- وسائل الشيعة 4 - 912 ح 1 ب 12.
4- وسائل الشيعة 4 - 709 ح 2.
5- وسائل الشيعة 4 - 676 ح 3.
6- وسائل الشيعة 4 - 709 ح 3.
البحث الثالث: ( في القنوت )

وهو مستحب في كل صلاة مرة واحدة إلا الجمعة ، فإن فيها قنوتين ، وكذا الوتر. سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا ، أداء أو قضاء ، وآكده ما يجهر فيه بالقراءة ، ولقوله علیه السلام : ثم تضع يديك ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك ، فتقول : يا رب يا رب (1). وقال البراء بن عازب : كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها (2).

وهو مستحب لا واجب ، لأصالة البراءة ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله تركه تارة وفعله أخرى (3). وقال الباقر علیه السلام : إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت (4). لكنه شديد الاستحباب ، لقول الصادق علیه السلام : من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له (5).

ويستحب فيها الجهر ، لقول الباقر علیه السلام : القنوت كله جهار (6). وقال المرتضى : إنه تابع للقراءة ، لأنه ذكر فيتبع القراءة. ومحله : في الركعة الثانية من الثنائية وغيرها بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع ، عند علمائنا أجمع ، لأنه علیه السلام قنت قبل الركوع (7). وقال الباقر علیه السلام : القنوت في كل صلاة في الثانية قبل الركوع (8).

وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعده على الأقوى ، لقول الصادق علیه السلام : كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة ، فإن القنوت

ص: 508


1- سنن ابن ماجة 1 - 374.
2- سنن ابن ماجة 1 - 374 ما يدل على ذلك.
3- سنن أبي داود 2 - 68.
4- وسائل الشيعة 4 - 901 ح 1.
5- وسائل الشيعة 4 - 897 ح 11.
6- وسائل الشيعة 4 - 918 ح 1 ب 21.
7- سنن ابن ماجة 1 - 374.
8- وسائل الشيعة 4 - 900 ح 1.

في الأولى قبل الركوع ، وفي الأخيرة بعد الركوع (1).

وفي الوتر يستحب قبل الركوع وبعده ، لأن الكاظم علیه السلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال : هذا مقام من حسناته نعمة منك إلى آخر الدعاء (2).

ولو نسيه في الثانية قبل الركوع قضاه بعده ، لقول الصادق علیه السلام في الرجل ينسى القنوت حتى يركع ، قال : يقنت بعد الركوع (3). فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا شي ء عليه.

ولو لم يذكر حتى يركع في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة ، لفوات محله وهو الثانية ، وقول الصادق علیه السلام : إذا سها الرجل في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس (4).

وإذا قنت الإمام تبعه المأموم. ويستحب الدعاء فيه بالمنقول عن أهل البيت علیهم السلام .

البحث الرابع: ( في التكبيرات )

إنما يجب من التكبير تكبيرة الافتتاح خاصة. وما عداها مستحب ، فمنها ما هو خارج عن الصلاة ، وهي ست متقدمة ، وثلاث بعد التسليم. ومنها ما هو في الصلاة. وأجمع علماؤنا على أربع وتسعين تكبيرة مستحبة في الصلوات(5)الخمس ، تكبيرة الركوع والسجودين والرفع منهما.

واختلف الشيخان في تكبيرة أخرى ، وأصله أن المفيد يقوم إلى الثالثة

ص: 509


1- وسائل الشيعة 4 - 905 ح 12.
2- البحار 87 - 229.
3- وسائل الشيعة 4 - 916 ح 1.
4- وسائل الشيعة 4 - 915 ح 2.
5- في « س » الصلاة.

بالتكبير ويسقط تكبير القنوت ، والشيخ يعكس القول ويقوم « بحول اللّه أقوم وأقعد » كغيرها ، فيزيد على قول الشيخ واحدة.

وهو أقوى ، لقول الصادق علیه السلام : التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمس (1). وقال الصادق علیه السلام : إذا جلست في الركعتين الأولتين فتشهدت ثم قمت فقل « بحول اللّه وقوته أقوم وأقعد » (2).

البحث الخامس: ( التعقيب )

وهو مستحب عقيب الصلوات بإجماع العلماء ، لأن البراء جاء إلى النبي صلی اللّه علیه و آله فقال : ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضول أموال يحجون بها ، ويعتمرون ويتصدقون ، فقال : ألا أحدثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم به من سبقكم ، ولم يدرككم أحد بعدكم ، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم ، ألا من عمل مثله ، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين (3).

وقال الصادق علیه السلام : التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد (4).

وهو أفضل من التنفل بعد الفريضة ، لقول الباقر علیه السلام : الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة نفلا (5).

ص: 510


1- وسائل الشيعة 4 - 719 ح 1 ب 5.
2- وسائل الشيعة 4 - 1003 ح 1 ب 14.
3- صحيح مسلم 1 - 416 باب استحباب الذكر بعد الصلاة.
4- وسائل الشيعة 4 - 1014 ح 1.
5- وسائل الشيعة 4 - 1020.

ويستحب الدعاء بالمنقول عن أهل البيت علیهم السلام ، وأفضله تسبيح الزهراء علیهاالسلام قال أمير المؤمنين علیه السلام لرجل من بني سعد : ألا أحدثكم عني وعن فاطمة أنها كانت عندي ، فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك حر شديد.

فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل.

فأتت النبي صلی اللّه علیه و آله فوجدت عنده حداثا فاستحيت فانصرفت ، فعلم علیه السلام أنها جاءت لحاجة ، فغدا علينا ونحن في لحافنا فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا ، فإن أذن له وإلا انصرف ، فقلنا : وعليك السلام يا رسول اللّه ادخل ، فدخل وجلس عند رءوسنا.

ثم قال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد ، فخشيت إن لم تجبه أن يقوم ينصرف ، فأخرجت رأسي فقلت : أنا واللّه أخبرك يا رسول اللّه ، أنها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها ، وجرت الرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادما بكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل.

قال : أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين.

فأخرجت فاطمة علیهاالسلام فقالت : رضيت عن اللّه وعن رسوله ، رضيت عن اللّه وعن رسوله (1).

والمشهور أنه يبدأ بالتكبير ، ثم بالتحميد ، ثم بالتسبيح ، لأن الصادق

ص: 511


1- وسائل الشيعة 4 - 1026 ح 2. ومن لا يحضره الفقيه1. 211.

علیه السلام وصفه فقال : « اللّه أكبر » أربعا وثلاثين مرة ، ثم قال : « الحمد لله » حتى بلغ سبعا وستين ، ثم قال : « سبحان اللّه » حتى بلغ مائة (1).

ويستحب قول « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » ثلاثين مرة. فقد روي : أنهن يدفعن الهدم والغرق والحرق ، والتردي في البئر ، وأكل السبع ، وميتة السوء ، والبلية التي تنزل على العبد في ذلك اليوم (2).

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : من أحب أن يخرج من الدنيا وقد خلص من الذنوب ، كما يتخلص الذهب الذي لا كدر فيه ، ولا يطلبه أحد بمظلم ، فليقل في دبر الصلوات الخمس نسبة الرب تبارك وتعالى اثنى عشر مرة ،

ثم يبسط يده فيقول : « اللّهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم أن تصلي على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، يا مطلق الأسارى ، يا فكاك الرقاب من النار ، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعتق رقبتي من النار ، وأن تخرجني من الدنيا آمنا ، وتدخلني الجنة سالما ، وأن تجعل دعائي أوله فلاحا ، وأوسطه نجاحا ، وآخره صلاحا ، إنك علام الغيوب (3).

والأدعية في ذلك كثيرة ، فليطلب في(4)مظانها.

ص: 512


1- وسائل الشيعة 4 - 1024 ح 1 ب 10.
2- وسائل الشيعة 4 - 1031.
3- وسائل الشيعة 4 - 1056 ح 1.
4- في « ر » و « س » : من.

الفصل الثالث: ( في التروك )

وفيه مطلبان :
المطلب الأول: ( في التروك الواجبة )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( الحدث )

الحدث مناف للصلاة ، سواء وقع عمدا أو سهوا ، مختارا أو مضطرا. فإن أحدث ما يوجب الوضوء أو الغسل عمدا ، بطلت صلاته إجماعا.

ولو شرع في الصلاة وهو محدث ، لم ينعقد صلاته ، سواء كان عامدا أو ساهيا ، ظانا أو شاكا.

ولو شرع متطهرا ثم أحدث ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها ، بطلت صلاته إجماعا إذا كان عن اختياره.

ولو أحدث بغير اختياره ، كما لو سبقه الحدث ، بطلت طهارته إجماعا.

ص: 513

وهل تبطل صلاته؟ الأقوى ذلك ، لقوله علیه السلام : إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة (1). ولقول الباقر والصادق علیهماالسلام : لا تقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والريح ، والصوت (2).

وللشيخ والمرتضى قول باستيناف الوضوء والبناء ، لرواية قاصرة عن الدلالة (3). فإن قلنا به ، فالأقرب أنه لا فرق بين الحدثين ، كما لو غلبه النوم في صلاته فاحتلم ، فإنه يغتسل ويبني. ويحتمل الفرق لندوره ، فلا يتسامح فيه بما يتسامح في الغالب. وإذا توضأ عاد إلى الركن الذي كان فيه ، إن لم يكن قد فعله كملا حال الطهارة.

ولو سبقه الحدث في الركوع ، عاد إليه إن لم يكن قد اطمأن فيه ، وإن كان قد اطمأن ، فالأقرب أنه لا يعود إليه ، لأن ركوعه تم في الطهارة. ويحتمل العود إليه لينتقل إلى الركن الذي بعده ، فإن الانتقال من الركن إلى ركن واجب.

ويجب على المصلي إذا سبقه الحدث وأراد أن يتوضأ ويبني أن يسعى في تقريب الزمان وتقليل الأفعال بحسب الإمكان ، فليس له أن يعود إلى الموضع الذي كان يصلي فيه بعد ما تطهر إن قدر على الصلاة في موضع أقرب ، إلا لغرض بأن يكون إماما لم يستخلف ، أو مأموما ينعى فضيلة الجماعة. ولا بأس بما لا يستغني عنه من السعي إلى الماء والاستقاء وشبه ذلك ، ولا يؤمر بالعدو.

ويشترط أن لا يتكلم وإن احتاج إليه في تحصيل الماء. وأن لا يكمل الحدث عمدا ، فلو سبقه البول فخرج فاستتم الباقي ، فالأقوى استيناف الصلاة إن أمكنه التماسك.

ولو شرع في الصلاة على مدافعة الأخبثين ، وهو يعلم أنه لا يبقى له قوة

ص: 514


1- وسائل الشيعة 4 - 1242.
2- وسائل الشيعة 4 - 1240 ح 2.
3- وسائل الشيعة 4 - 1242 ح 9.

التماسك في أثنائها ووقع ما علمه ، فالأقوى إبطال الصلاة ، لتقصيره بالدخول.

ولو حدث المنافي في الصلاة بغير اختياره ولا بتقصير منه ، فإن أمكن إزالته على الاتصال بحدوثه ، كما لو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفض ثوبه وسقطت في الحال ، لم يقدح في صحة الصلاة. وكذا لو ألقى الثوب الذي وقعت عليه في الحال ، فإن احتاج إلى فعل كثير ، أبطل الصلاة.

ولو طيرت الريح ثوبه ، أو انكشفت عورته ، فرد الثوب في الحال ، فالأقرب الإبطال ، لفقدان الشرط ، ويجي ء على البناء مع الحدث البناء هنا.

البحث الثاني: ( الكلام )

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شي ء من كلام الآدميين ، إنما هي التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن (1).

والكلام إن تضمن دعاء أو تسبيحا أو غيره من أنواع الذكر والقرآن ، لم تبطل به الصلاة. وإن كان بغير ذلك من أنواع الكلام ، فإن كان حرفا واحدا ، لم تبطل به أيضا ، لأنه ليس من جنس الكلام ، لأن أقل ما يبنى عليه الكلام حرفان. وإن كان مفهما ، ففي الإبطال إشكال ، ينشأ : من اشتماله على مقصود الكلام والإعراض به عن الصلاة. ومن أنه لا يعد كلاما إلا ما انتظم من حرفين.

والحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء. ولو نطق بحرفين ، أبطل الصلاة وإن لم يكن مفهما ، بل كان من المهملات. وفي الحرف بعد مده إشكال ، ينشأ : من أنه قد يتيقن لإشباع الحركة فلا يعد حرفا. ومن حيث إنها أحد حروف العلة ، وهي حروف مخصوصة ، فضمها إلى الحرف كضم حرف آخر إليه.

ص: 515


1- جامع الأصول 6 - 322.

ولا بأس بالتنحنح وإن كان فيه حرفان ، لأنه ليس من جنس الكلام ، ولا يكاد يبين منه حرف محقق فأشبه الصوت.

وكذا البكاء والنفخ ، أما الأنين بحرف واحد فلا بأس به. ولو كان بحرفين ، بطلت صلاته. والبكاء إن كان لأمر الآخرة ، فلا بأس به وإن ظهر منه حرفان. وإن كان لأمور الدنيا ، بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرف (1).

ولو سبق لسانه إلى الكلام من غير قصد ولا عمد ، لم تبطل ، لأن الناسي لا تبطل صلاته ، فهذا أولى ، لأن الناسي يتكلم قاصدا إليه ، وإنما غفل عن الصلاة ، وهذا غير قاصد إلى الكلام.

ولو تكلم ناسيا للصلاة ، لم تبطل صلاته وسجد للسهو ، لعموم « رفع عن أمتي » (2) ولقول الباقر علیه السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم قال : يتم ما بقي من صلاته (3). ولا فرق بين أن يطول كلام الناسي أو يقصر.

ولو أكره على الكلام ، فالأقوى الإبطال ، لأنه مناف للصلاة ، فاستوى فيه الاختيار وعدمه كالحدث.

والجهل بتحريم الكلام ليس عذرا ، سواء كان قريب العهد بالإسلام ، أو بعيدا عنه. وكذا لو علم التحريم دون الإبطال.

ولا فرق في الإبطال بين أن يتكلم لمصلحة الصلاة أو لا. والكلام الواجب تبطل الصلاة ، كإجابة النبي صلی اللّه علیه و آله . وكذا الكلام لتنبيه الأعمى ، إذا خاف عليه التردي في البئر ، أو الصبي ، وكذا رد الوديعة ، وتفريق الزكاة.

وكما أن الكلام مبطل ، فكذا السكوت الطويل إذا خرج عن كونه مصليا.

ص: 516


1- في « س » بحرفين.
2- الخصال ص 387.
3- وسائل الشيعة 5 - 308 ح 5.

ويجوز التنبيه على الحاجة ، سواء تعلقت بمصلحة الصلاة أو لا ، إما بتلاوة القرآن ، أو بالتصفيق ، كما لو أراد الإذن لقوم فقال ( ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) (1) أو لمن أراد التخطي على البساط بنعله ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ ) (2) أو أراد إعطاء كتاب لمن اسمه يحيى ( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) (3) أو يأتي بتسبيح أو تهليل أو غيرهما من الأذكار يحصل به التنبيه.

لأن عليا علیه السلام قال : كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فإن كان في الصلاة سبح وذلك إذنه ، وإن كان في غير الصلاة أذن (4). وسئل الصادق علیه السلام أضرب الحائط لأوقظ الغلام؟ قال : نعم (5). ولأنه قصد الإعلام بشي ء مشروع في الصلاة فلا يضر ، كما لو فتح على الإمام.

والمرأة تنبه بالتصفيق ، لأن صوتها عورة. ويجوز بالقرآن والتسبيح وشبهه للمحارم. وإذا صفقت ضربت بطن كفها الأيمن على ظهر الكف الأيسر ، أو بطن الأصابع على ظهر الأصابع الأخرى. ولا ينبغي أن تضرب البطن على البطن ، لأنه لعب. ولو فعلته على الوجه اللعب ، بطلت صلاتها ، وفي القلة إشكال ، ينشأ : من تسويغ القليل ، ومن منافاة اللعب الصلاة.

ولو قال : « آه » من خوف النار ، بطلت صلاته. ولو أتى بكلمات لا توجد في القرآن على نظمها وتوجد مفرداتها ، مثل « يا إبراهيم سلام كن » بطلت صلاته ، ولم يكن لها حكم القرآن.

والإشارة المفهمة من الأخرس بمنزلة عبارة الناطق في العقود ، والأقرب عدم بطلان الصلاة بها.

ص: 517


1- سورة الحجر : 46.
2- سورة طه : 12.
3- سورة مريم : 12.
4- وسائل الشيعة 4 - 1257 ما يدل على ذلك.
5- وسائل الشيعة 4 - 1256 ح 5.

ولو لم يقصد بالقرآن والتسبيح وغيرهما إلا التفهيم ، احتمل بطلان الصلاة ، لأنه لم يقصد القرآن فلم يكن قرآنا ، وعدمه ، فإن القرآن لا يخرج عن كونه قرآنا بعدم القصد.

وإذا سلم عليه وهو في الصلاة ، وجب الرد لفظا ، لقوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (1) الدال بمطلقه على المتنازع فيه. وقال الباقر علیه السلام : إن عمارا سلم على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فرد علیه السلام (2).

ودخل محمد بن مسلم على الباقر علیه السلام وهو في الصلاة فقال : السلام عليك ، فقال له : السلام عليك ، فقال : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلما انصرف قالت له : أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال : نعم مثل ما قيل له (3).

ولا يكره السلام على المصلي ، لعموم ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (4) وإذا سلم بقوله « سلام عليكم » رد مثله ولا يقول « وعليكم السلام » لأنه عكس القرآن ، ولقول الصادق علیه السلام يقول « سلام عليكم ولا تقل « وعليكم السلام » (5).

ولو سلم عليه بغير هذا اللفظ ، فإن سمى تحية ، جاز رد مثله ، لعموم ( فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ) (6) وإن لم يسم تحية وتضمن الدعاء ، جاز مع قصده لا قصد رد التحية. ولو قال « عليكم السلام » ففي الرد بمثله إشكال.

ولو خاف تقية رد فيما بينه وبين نفسه ، تحصيلا لثواب الرد ودفعا لضرر التقية ، ولقول الصادق علیه السلام : رد عليه خفيا (7).

ص: 518


1- سورة النساء : 86.
2- وسائل الشيعة 4 - 1266 ح 6.
3- وسائل الشيعة 4 - 1265 ح 1.
4- سورة النور : 61.
5- وسائل الشيعة 4 - 1265 ح 3.
6- سورة النساء : 86.
7- وسائل الشيعة 4 - 1365 ح 3.

ويجوز تسمية العاطس ، بأن يقول للمصلي « رحمك اللّه » لتضمنه الدعاء ، وأن يحمد اللّه تعالى لو عطس هو أو غيره ، لأن أبا بصير سأل الصادق علیه السلام أسمع العطسة فأحمد اللّه وأصلي على النبي عليه وآله السلام وأنا في الصلاة؟ قال : نعم ، ولو كان بينك وبين صاحبك البحر (1).

ولا يجوز الدعاء بالمحرم في الصلاة فيبطلها ، أما الدعاء بالمباح فجائز. ولو جهل تحريم المطلوب ، أو تحريم الدعاء ، لم يعذر. ولو قصد الدعاء بشي ء ، أو التسبيح ، أو قراءة آية ، أو سورة ، فسبق لسانه إلى دعاء بشي ء آخر ، أو التسبيح أو القراءة كذلك ناسيا ، فالأقرب أن عليه سجود السهو.

البحث الثالث: ( الضحك )

القهقهة في الصلاة عمدا مبطلة لها ، سواء غلب عليه الضحك أو لا ، لقوله علیه السلام : من قهقه فليعد صلاته (2). وقول الباقر علیه السلام : القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة (3).

ولا يبطل بها الوضوء وإن وقعت في الصلاة على الأصح ، لحديث الباقر علیه السلام . ولو قهقه ناسيا ، لم تبطل صلاته إجماعا ولو تبسم ، وهو ما إذا لم يكن له صوت ، لم تبطل صلاته إجماعا.

وأما البكاء : فإن كان خوفا من اللّه تعالى وخشية من عقابه ، كان مستحبا غير مبطل ، وإن نطق فيه بحرفين ، كالصوت لا كالكلام. وإن كان لأمور الدنيا ، كفقد قريب ، أو حدوث مصيبة ، أو إتلاف مال ، بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرفين ، لقوله تعالى ( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) (4).

ص: 519


1- وسائل الشيعة 4 - 1268 ح 4.
2- وسائل الشيعة 4 - 1253 ما يدل على ذلك.
3- وسائل الشيعة 4 - 1253 ح 1 ب 7.
4- سورة مريم : 58.

وقال أبو مطرف : أتيت النبي صلی اللّه علیه و آله وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل (1). والأزيز غليان صدره وحركته بالبكاء.

وسأل أبو حنيفة الصادق علیه السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال علیه السلام : إن كان لذكر جنة أو نار فذلك أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة (2).

وسواء كان معلوما أو لم يكن. ولو ظهر فيه حرفان ، لم يكن فيه بأس ، لأن الشمس كسفت على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فلما كان في السجدة الأخيرة جعل ينفخ في الأرض ويبكي (3). ولأنه لا يسمى كلاما. أما النفخ بحرفين ، أو التأوه ، أو الأنين كذلك ، فإنه مبطل ، لقول علي علیه السلام : من أن في صلاته فقد تكلم (4).

البحث الرابع: ( في الفعل الكثير )

الفعل الكثير إن كان من الصلاة لم يبطلها ، بل هو مستحب ، كزيادة التسبيح والطمأنينة ذاكرا فيها.

وإن لم يكن من أفعال الصلاة ، فإن كان من جنسها وفعله ساهيا ، عذر ولم تبطل صلاته ، كما لو صلى الظهر خمسا ، ثم يجب (5) عليه السجود للسهو. وإن كان عمدا بطلت صلاته ، سواء قل أو كثر كركوع أو سجود ونحوهما ، لما فيه من التلاعب بالصلاة والإعراض عن نظام أركانها.

وإن لم يكن من جنسها ، فإن كان قليلا لم تبطل به الصلاة ، عمدا كان

ص: 520


1- جامع الأصول 6 - 291.
2- وسائل الشيعة 4 - 1251 ح 4.
3- جامع الأصول 7 - 119.
4- وسائل الشيعة 4 - 1275.
5- في « ق » لم يجب.

أو سهوا ، لقوله علیه السلام : اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب (1). وأخذ علیه السلام بأذن ابن عباس وهو في الصلاة ، فأداره من يساره إلى يمينه. ولعسر الثبات على هيئة واحدة في زمان طويل ، بل لا يخلو عن حركة واضطراب.

ولا بد للمصلي من رعاية التعظيم والخشوع ، فعفي عن القدر الذي لا يحمل(2)على الاستهانة بهيئة الخشوع. بخلاف الكلام ، فإنه يجب الاحتراز عن قليله وكثيره لسهولته.

وأما الكثير من الأفعال ، فإنه مبطل إن وقع عمدا إجماعا ، لمنافاته الخشوع ، إلا حالة شدة الخوف ، وإلا القراءة من المصحف ، فإنه لا يضر ، بل يجب ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة ، ولو قلب الأوراق أحيانا ، لم يضر إذا كان يسيرا.

ولو كان ينظر في غير القرآن وتردد في نفسه ما فيه ، فالأقوى عدم البطلان ، لأن النظر لا يشغل بالإعراض عن الصلاة. وحديث النفس معفو عنه.

والمرجع في الفرق بين القليل والكثير إلى العادة ، فما يعده الناس قليلا لا بأس به ، كالإشارة بالرأس ، وتصفيق اليد ، وضرب الحائط ، وخلع النعل ، ولبس الثوب الخفيف ونزعه ، والخطوتين ، ودفع المار بين يديه. فالفعلة الواحدة كالخطوة والضربة قليل ، وكذا الفعليان. وأما الثلاث فكثير.

وإنما يبطل الكثير إذا وجد على التوالي ، أما المتفرق كما لو خطا خطوة أو ضرب ضربة ، ثم بعد زمان فعل أخرى وهكذا ، ففي الإبطال إشكال ، أقربه ذلك اتباعا للاسم.

والفعلة الواحدة إذا أفرطت ، أبطلت على إشكال كالوثبة الفاحشة. والثلاث إذا خفت لم تبطل ، كحركة الأصابع في سبحة ، أو حكة أو عقد وحل ، لأنها لا تخل بهيئة الخشوع ، فهي مع الكثرة بمثابة فعل واحد.

ص: 521


1- جامع الأصول 6 - 329.
2- في « ق » لا يحتمل الاستهانة.

ويجوز عد الركعات والتسبيحات بأصابعه ، أو بشي ء يكون معه من الحصى والنوى مع عدم التلفظ ، من غير كراهة. وعلم النبي صلی اللّه علیه و آله العباس صلاة التسبيح وأمره في كل ركن بتسبيحات مقدرة (1). وليس الضبط بالقلب ، لتعذره واشتغاله به عن الخشوع ، وإنما يكون بعقد الأصابع.

أما الأكل والشرب فالأقرب إلحاقهما بالأفعال الكثيرة ، إذ تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال متعددة وكذا المشروب ، ولأنه ينافي هيئة الخشوع ، ويشغل بالإعراض عن الصلاة. أما لو كان قليلا ، كما لو كان بين أسنانه شي ء ، أو نزلت نخامة من رأسه فابتلعها ، فإنه غير مبطل.

ولو أكل ناسيا أو مغلوبا ، بأن نزلت النخامة ولم يمكنه إمساكها ، لم تبطل ، والجاهل بالتحريم عامد.

ولو وصل شي ء إلى جوفه من غير أن يفعل فعلا من ابتلاع ومضغ ، بأن يضع في فمه سكرة فتذوب وتسوغ مع الريق ، فالأقرب عدم البطلان ، لأنه لم يوجد فيه مضغ وازدراد. ولو مضغ علكا فكالأكل ، ولو وضع في فمه من غير مضغ فلا بأس.

ولا فرق في ذلك كله بين الفرائض والنوافل ، إلا أنه قد ورد رخصة في شرب الماء في دعاء الوتر إذا أصبح صائما وخاف العطش للحاجة فلا يتعدي الحكم.

البحث الخامس: ( في باقي المبطلات )

وهي شيئان :

الأول : الالتفات إلى ما ورائه مبطل مع العمد دون النسيان ، لأن الاستقبال شرط والالتفات بجملته مفوت له ، ولقول الباقر علیه السلام : إذا

ص: 522


1- سنن ابن ماجه 1 - 442.

استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة ، فتفسد صلاتك ، إن اللّه تعالى يقول لنبيه في الفريضة ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (1).

وقال الباقر علیه السلام : الالتفات تقطع الصلاة إذا كان بكله (2). أما الالتفات يمينا وشمالا فإنه مكروه غير مبطل ، لدلالة مفهوم قوله « إذا كان بكله » عليه.

الثاني : التكفير مبطل ، وهو وضع اليمين على الشمال للإجماع ، قاله الشيخ والمرتضى ، لأنه فعل كثير ، ونهى الصادق علیه السلام عنه (3). ويجوز للتقية ، قاله الشيخ (4).

ولا فرق بين وضع اليمنى على الشمال وعكسه ، ولا بين كونه فوق السرة وتحتها ، وكذا لا فرق بين أن يكون بينهما حائل أو لا.

وفي تحريم وضع الكف على الساعد إشكال. وقال الشيخ : لا يجوز التطبيق في الصلاة ، بأن يطبق إحدى يديه إلى الأخرى ويضعهما بين ركبتيه.

المطلب الثاني: ( في التروك المندوبة )
اشارة

وقد تقدم بعضها وهي أمور :

الأول : نفخ موضع السجود ، لاشتماله على الشغل عن الخضوع وتأذي الغير به ، ولقوله علیه السلام : أربع من الجفاء : أن ينفخ في الصلاة ، وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة ، وأن يبول قائما ، وأن يسمع المنادي فلا يجيبه (5).

ص: 523


1- وسائل الشيعة 3 - 227 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 1248 ح 3.
3- وسائل الشيعة 4 - 1264 ح 2.
4- النهاية ص 73.
5- وسائل الشيعة 4 - 959 ما يدل على ذلك.

الثاني : فرقعة الأصابع ، لقوله علیه السلام لعلي علیه السلام : لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي (1). وقول الصادق علیه السلام : إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي اللّه ، فإن كنت لا تراه فاعلم أنه يراك ، فأقبل قبل صلاتك فلا تمتخط ولا تبصق ولا تنقض أصابعك ، فإن قوما عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة (2).

الثالث : العبث ، لما فيه من سلب الخشوع.

الرابع : التثاؤب والتمطي ، للاشتغال بهما عن الخشوع ، ولما فيه من تغير هيئة الصلاة.

الخامس : التنخم والبصاق ، لأنه علیه السلام كان يأخذ النخامة في ثوبه وهو يصلي (3).

السادس : مدافعة الأخبثين أو الريح ، لاشتغاله عن الصلاة ، ولقوله علیه السلام : لا صلاة لحاقن ولا حاقنة (4).

السابع : لبس الخف الضيق ، لشغله عن الصلاة.

الثامن : التورك وهو أن يعتمد بيديه على ركبتيه ، وهو التخصر ، لأنه علیه السلام نهى عن التخصر في الصلاة (5). وقال الصادق علیه السلام : ولا تتورك (6).

التاسع : السدل ، لما فيه من الخيلاء ، وهو وضع الثوب على الرأس أو الكتف وإرسال طرفيه.

ص: 524


1- وسائل الشيعة 4 - 1263 ح 3.
2- وسائل الشيعة 4 - 678 ح 9.
3- جامع الأصول 6 - 329.
4- جامع الأصول 6 - 346.
5- نهاية ابن الأثير 2 - 36 ، جامع الأصول 6 - 254.
6- وسائل الشيعة 4 - 678 ح 9.
خاتمة :

تشتمل على مباحث :

الأول : يحرم قطع الصلاة لغير حاجة ، لقوله تعالى ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (1) ويجوز للحاجة ، لخوف فوت الدابة ، أو الغريم ، أو ضياع المال ، أو غرق الغلام ، أو الطفل ، أو سقوطه.

لقول الصادق علیه السلام : إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حية تخافها على نفسك ، فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو الغريم واقتل الحية (2).

الثاني : لا تقطع الصلاة ما يمر بين يدي المصلي ، سواء الكلب الأسود والحمار والمرأة ، لأن الفضل بن عباس قال : أتانا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ونحن في بادية ، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه ، فما بالي ذلك. وكان يصلي صلاته من الليل وعائشة معترضة بينه وبين القبلة (3). وقال الصادق علیه السلام : لا تقطع الصلاة كلب ولا حمار ولا امرأة (4).

الثالث : لا تقطع الصلاة رعاف ، ولا قي ء ، ولو عرض الرعاف في الصلاة أزاله وأتم ، ما لم يحتج إلى فعل كثير ، أو كلام ، أو استدبار ، فيستأنف.

الرابع : حكم المرأة في جميع الأحكام حكم الرجل ، لكن لا جهر عليها ، ولا أذان ، ولا إقامة ، فإن أذنت وأقامت خافتت فيهما.

ويستحب لها إذا قامت في الصلاة أن تجمع بين قدميها ، ولا تفرج بينهما ، وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثديها ، وإذا ركعت وضعت يديها فوق

ص: 525


1- سورة محمد : 33.
2- وسائل الشيعة 4 - 1274 ح 1 ب 21.
3- جامع الأصول 6 - 234.
4- وسائل الشيعة 4 - 1250 ح 1 ب 4.

ركبتيها على فخذيها ، لئلا يتطأطأ كثيرا ، فإذا جلست فعلى أليتيها كما يفعل الرجل ، فإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ، ثم تسجد لاطئة بالأرض ، وإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها ، فإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا ، للرواية (1) وللستر.

ص: 526


1- وسائل الشيعة 4 - 676 ح 4.

الفصل الرابع: ( في الخلل الواقع في الصلاة )

اشارة

الخلل الواقع في الصلاة إما عن عمد ، أو سهو ، أو شك ، فهنا مطالب :

المطلب الأول: ( في العمد )

كل من أخل بشي ء من واجبات الصلاة عمدا ، بطلت صلاته ، لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة ، سواء كان ما أخل به شرطا ، كالطهارة والاستقبال وستر العورة. أو جزءا ، كركوع أو سجود أو قراءة ، أو تسبيح ركوع أو تسبيح سجود ، أو كيفية ، كطمأنينة وإعراب قراءة ، أو تركا كالالتفات إلى خلف وكلام بلا خلاف.

وكذا لو فعل ما يجب تركه ، أو ترك ما يجب فعله عمدا جاهلا بوجوبه. أو بكونه مبطلا ، فإن الجهل ليس عذرا إلا في الجهر والإخفات ، فقد جعل الجهل بهما عذرا.

ولو جهل غصبية الثوب الذي يصلي فيه ، أو المكان ، أو نجاسة الثوب ، أو البدن ، أو موضع السجود ، لم يعد.

ص: 527

ولو جهل غصبية الماء الذي توضأ به ، لم يعد الوضوء ولا الصلاة الذي صلى به ، لأن اطلاع على حقائق الأشياء عسر ، فيكون منفيا ، ويصير المطلوب شرعا عدم العلم بالغصبية. ولو علم قبل الطهارة ، أعادها مع الصلاة.

ولو لم يعلم أن الجلد ميتة وصلى فيه ، ثم علم. فإن كان قد أخذه من مسلم غير مستحل للجلد المدبوغ ، أو شراه من سوق المسلمين غير المستحلين ، صحت صلاته ، بناء على الظاهر من صحة تصرف المسلم. ولو أخذه من غير مسلم ، أو من مسلم مستحل لجلد الميتة ، أو وجده مطروحا ، أعاد. لأن الأصل عدم التذكية. ولو لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه ، أعاد.

المطلب الثاني: ( في السهو )
وفيه بحثان :
البحث الأول: ( في السهو عن الركن )

قد بينا أن أركان الصلاة التي تبطل الصلاة بتركها عمدا خمسة على الأظهر ، فمن أخل بركن منها أعاد ، سواء تعمد أو سها ، كمن أخل بالقيام حتى نوى ، أو بالنية حتى كبر ، أو بتكبيرة الإحرام حتى قرأ ، أو بالركوع حتى سجد ، أو بالسجدتين معا حتى ركع فيما بعد ، أعاد الصلاة ، لأن الكاظم علیه السلام سئل عن الرجل ينسى التكبير حتى قرأ؟ قال : يعيد الصلاة (1).

ولا فرق بين الأولتين والأخيرتين في ذلك على الأقوى ، لأنه أخل بركن من الصلاة ، فأبطلها كالأولتين ، ولأنه أخل بركن حتى دخل في آخر ، فسقط الثاني. فلو أعاد الأول لزاد ركنا ، ولو لم يأت به نقص ركنا ، وكلاهما مبطل ،

ص: 528


1- وسائل الشيعة 4 - 716.

ولقول الصادق علیه السلام : إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع ، استأنف الصلاة (1). وهو يدل بإطلاقه على الجميع.

وللشيخ قول آخر (2) : إن ترك الركوع أو السجدتين ، إن كان في الأولتين بطلت صلاته ، وإن كان في الأخيرتين ، حذف الزائد وأتى بالفائت ولفق. فلو ترك ركوع الثالثة حتى سجد السجدتين ، أسقطهما وأعاد السجدتين. وكذا لو ترك السجدتين حتى ركع في الرابعة أسقط الركوع وسجد للثالثة ثم أتى الرابعة للرواية (3). وهي محمولة على النفل ، وبعض علمائنا لفق مطلقا.

ولو ترك ركوعا ولم يدر من أي الركعات هو ، أعاد إجماعا ، أما عندنا فظاهر ، وأما عند الشيخ فلاحتمال أن يكون من الأولتين. ولو تيقن سلامتهما ، أضاف إليهما ركعة ، وعلى مذهب من لفق مطلقا يضيف الركعة. وكذا لو ترك السجدتين.

أما لو لم يعلم أهما من ركعة أو ركعتين ، فإنه يعيد مراعاة للاحتياط ، ويحتمل قضاؤهما والسجود للسهو ، لأنه شك في شي ء بعد التجاوز عن محله.

وكما أن نقصان الركن مبطل ، فكذا زيادته مبطلة ، سواء العمد والسهو ، إلا زيادة (4) القيام سهوا. فلو زاد ركوعا أو سجدتين دفعة أعاد ، لأنه فعل كثير ، ولقول الصادق علیه السلام : لا تعيد الصلاة من سجدة وتعيدها من ركعة (5).

ولو زاد ركعة على العدد الواجب عمدا ، بطلت صلاته. ولو كان سهوا ، فإن كان قد جلس عقيب الرابعة بقدر التشهد ، صحت صلاته وتشهد

ص: 529


1- وسائل الشيعة 4 - 933 ح 3.
2- المبسوط 1 - 120.
3- وسائل الشيعة 4 - 969 ح 3.
4- في « ق » لزيادة.
5- وسائل الشيعة 4 - 968 ما يدل على ذلك.

وسلم وسجد للسهو ، لقول الباقر علیه السلام في رجل استيقن أنه صلى الظهر خمسا فقال : إن كان علم أنه جلس في الرابعة فصلاته الظهر تامة ، ويضيف إلى الخامسة ركعة ، ويسجد سجدتين ، فتكون نافلة ولا شي ء عليه (1).

ولأن نسيان التشهد غير مبطل. فإذا جلس قدره يكون قد فصل بين الفرض والزيادة. ولو لم يجلس كانت الزيادة مغيرة لهيئة الصلاة ، فتكون مبطلة ، لقول الصادق علیه السلام : من زاد في صلاته فعليه الإعادة (2).

ولو ذكر الزيادة قبل الركوع ، جلس وتشهد وسلم وسجد للسهو ، لأنه لم يأت بركن مغير لهيئة الصلاة.

ولو ذكرها بعد السجود وكان قد جلس بعد الرابعة ، سلم وسجد للسهو ، ويحتمل إضافة أخرى إلى الخامسة ، لتكونا نافلة للرواية (3).

ولو ذكرها بعد الركوع قبل السجود ، احتمل الجلوس والتشهد والتسليم ويسجد(4)للسهو ، لأنه واجب بعد الركعة ، فبعد بعضها أولى. والبطلان ، لأن السجود زيادة ركن وتركه زيادة ركوع.

ولو نقص من عدد صلاته ناسيا وسلم ، ثم ذكر ، تدارك إكمال صلاته وسجد للسهو ، سواء فعل ما يبطلها كالكلام أو لا.

أما لو فعل المبطل عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار إن ألحقنا به ، فإنها تبطل لعدم إمكان الإتيان بالفائت من غير خلل في هيئة الصلاة ، ولقول أحدهما علیهماالسلام : إذا حول وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا (5).

ولو فعل المبطل عمدا ساهيا وتطاول الفصل ، فالأقرب عدم البطلان ويحتمله ، لخروجه عن كونه مصليا ، فحينئذ يرجع في حد التطاول إلى العرف.

ص: 530


1- وسائل الشيعة 5 - 333 ح 5.
2- وسائل الشيعة 5 - 332 ح 2.
3- وسائل الشيعة 5 - 333 ح 5.
4- في « ق » سجد.
5- وسائل الشيعة 3 - 227 ، وسائل الشيعة 5 - 315 ح 2.

ولو ذكر بعد أن شرع في صلاة أخرى وتطاول الفصل ، صحت الثانية وبطلت الأولى. وإن لم يطل عاد إلى الأولى وأتمها. وهل تبنى الثانية على الأولى؟ فيه احتمال ، فيجعل ما فعله من الثانية تمام الأولى ، ويكون وجود التسليم(1)كعدمه ، لأنه سهو معذور فيه. والنية والتكبير ليستا ركنا في تلك الصلاة ، فلا تبطلها. ويحتمل بطلان الثاني ، لأنه لم يقع بنية الأولى ، فلا يضر بعد عدمه منها. ولو كان ما شرع فيه ثانيا نفلا ، فالأقرب عدم البناء ، لأنه لا يتأدى الفرض بنية النفل.

ولو نوى المسافر القصر ، فصلى أربعا سهوا ، ثم نوى الإقامة ، لم يحسب له بالركعتين ، بل يصلي ركعتين بعد نية الإتمام ، لأن وجوب الركعتين بعد الفراغ من الزيادة ، فلا يعتد بهما. وإذا أراد البناء على صلاته ، لم يحتج إلى النية ولا إلى التكبير ، لأن التحريمة الأولى باقية ، فلو كبر ونوى الافتتاح ، بطلت صلاته ، لأنه زاد ركعتين. ولو كان قد قام من موضعه ، لم يعد إليه ، بل يبني على الصلاة في موضع الذكر.

ولو شك بعد التسليم هل ترك ركعة أو لا ، لم يلتفت. لأن الشك لا يؤثر بعد الانتقال.

ولو سلم عن ركعتين ، فأخبره إنسان بذلك ، فإن حصل له شك ، احتمل عدم الالتفات للأصل. والإتمام ، لأن إخبار المسلم على أصل الصحة ، فإن اشتغل بجوابه ثم ذكر ، فأراد العود إلى صلاته جاز ، لأن الكلام وقع ناسيا. ولو لم يشك فأجابه وقال : بل أتممت ، ثم ذكر النقصان ، فإنه يبني أيضا.

ولا فرق بين الثنائية وغيرها ، فلو توهم أنه صلى ركعتين فتشهد وسلم ، ثم ذكر أنه صلى ركعة ، قام فأتم صلاته وسلم وسجد للسهو.

ص: 531


1- في « ق » و « د » السلام.
البحث الثاني: ( في السهو عن غير ركن )
وأقسامه ثلاثة :
القسم الأول: ( ما لا حكم له )

وهو صور :

الأول : من نسي القراءة حتى ركع ، مضى في صلاته ، ولا يتدارك القراءة بعد الركوع ولا بعد الصلاة. وكذا أبعاضها كالحمد أو السورة ، لأنه عذر فيسقط معه التكليف.

ولأن منصور بن حازم سأل الصادق علیه السلام صليت المكتوبة ونسيت أن أقرأ في صلاتي كلها؟ فقال : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ فقال له : بلى ، قال : تمت صلاتك (1).

الثاني : لو نسي الجهر والإخفات حتى فرغ من القراءة ، مضى في صلاته ، ولا يستأنف القراءة وإن لم يكن قد ركع ، لأن النسيان في أصل القراءة عذر ، ففي كيفيتها أولى.

الثالث : لو نسي الذكر في الركوع أو السجود ، حتى انتصب منهما لم يلتفت ، لأن عليا علیه السلام سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا؟ قال : تمت صلاته (2). وسئل الكاظم علیه السلام عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه وسجوده؟ قال : لا بأس بذلك (3).

الرابع : ترك الطمأنينة في الركوع أو السجود ، ولم يذكر حتى ينتصب لم يلتفت. وكذا لو ترك الطمأنينة في الرفع من الركوع ، أو في الرفع من

ص: 532


1- وسائل الشيعة 4 - 769 ح 2.
2- وسائل الشيعة 4 - 939 ح 1 ب 15.
3- وسائل الشيعة 4 - 939 ح 2 ب 15.

السجدتين ، أو في الجلوس من التشهد ، أو ترك عضوا من السبعة لم يسجد عليه فما زاد سهوا ، أو الرفع من الركوع ، أو من السجود ، ولم يذكر حتى ينتقل. أما لو كان في محله فإنه يأتي به.

الخامس : لا حكم للسهو في السهو ، لأنه لو تداركه لأمكن أن يسهو ثانيا ويدوم التدارك ، وهو مشقة عظيمة ، ولقول الصادق علیه السلام : ليس على السهو سهو (1).

وفسر بأمرين : أن يسهو عن السهو فيقول : لا أدري سهوت أم لا. أو يسهو فيما يوجب السهو ، كما لو شك هل أتى بسجدة من سجدتي السهو أو بهما ، فإنه يبني على أنه فعل ما شك فيه.

السادس : لا حكم للسهو إذا كثر وتواتر ، بل يبنى على وقوع ما شك فيه ، ولا يسجد للسهو ، لما في وجوب تداركه من الحرج ، ولقول الصادق علیه السلام : إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك (2). وكذا قال الباقر علیه السلام وزاد : فإنه يوشك أن يدعك ، فإنما هو الشيطان (3).

والمرجع إلى العرف في الكثرة ، إذ عادة الشرع رد الناس إلى المتعارف بينهم فيما لم يقدره.

وقيل : أن يسهو في فريضة واحدة أو شي ء واحد ثلاث مرات. أو يسهو في أكثر الخمس كالثلاث ، فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الرابعة. وقيل : أن يسهو ثلاث مرات متوالية.

ولو كان السهو فيما يوجب التدارك ، كما لو سها في القراءة وهو قائم ، أو في سجدة وهو جالس وقد بلغ حد الكثرة ، لم يلتفت أيضا ، عملا بالإطلاق. فإن تدارك ، احتمل البطلان ، لأنه فعل ما ليس من الصلاة فيها.

ص: 533


1- وسائل الشيعة 5 - 340 ح 1.
2- وسائل الشيعة 5 - 329 ح 3.
3- وسائل الشيعة 5 - 329 ح 1.

السابع : لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه المأموم ، وبالعكس ، للأصل ، ولقوله علیه السلام : ليس على من خلف الإمام سهو (1). ولقول الرضا علیه السلام : الإمام يحفظ أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح (2).

وهل ينسحب إلى غيرهما لو حفظ عليه الثقة؟ الأقرب ذلك إن أفاد الظن وإلا فلا.

ولو اختص المأموم بالسهو ، فإن كان بالزيادة ، مثل أن يتكلم ناسيا ، أو يقوم في موضع قعود الإمام ناسيا ، أو بالعكس ، فالوجه عندي اختصاصه بموجبه من السجود له للعموم. وإن كان بالنقصان ، فإن كان في محله أتى به ، لأنه مخاطب بفعله ولم يحصل ، فيبقى في العهدة.

وإن تجاوز ، فإن كان ركنا بطلت صلاته ، لأنه كما لو سها عن الركوع وذكر بعد سجوده مع الإمام. وإن لم يكن ركنا كالسجدة ، قضاها بعد التسليم. ولو كان مما لا يقضى كالذكر في الركوع والسجود ، فلا سجود عليه للسهو عند أكثر علمائنا ، والوجه عندي وجوبه فيما يجب فيه على المنفرد ، لقول أحدهما علیهماالسلام : ليس على الإمام ضمان (3).

ولو انفرد الإمام بالسهو لم يتابعه المأموم في سجوده له ، لانتفاء سببه عنه ، خلافا للشيخ.

ولو لم يسجد الإمام له ، لم يسجد المأموم ، ويجي ء على قول الشيخ السجود.

ولو سها الإمام ، لم يجب على المسبوق بعد السهو متابعته في سجوده ، سواء قلنا إن السجود قبل التسليم أو بعده ، بل ينوي المأموم الانفراد ويسلم ، أو ينتظر إمامه ليسلم معه ، لأنه ليس موضع سجود للسهو في حق المأموم ، ولو انفرد هذا المسبوق فيما انفرد به سجد له.

ص: 534


1- وسائل الشيعة 5 - 338 ح 3.
2- وسائل الشيعة 5 - 338 ح 2.
3- وسائل الشيعة 5 - 433 ح 2.

ولو اشترك السهو بينهما ، فإن سجد الإمام تبعه المأموم بنية الايتمام ، أو الانفراد إن شاء. ولو لم يسجد الإمام ، سجد المأموم وبالعكس.

ولو قام الإمام إلى الخامسة ساهيا ، فسبح به المأموم فلم يرجع ، جاز أن ينوي الانفراد ، وأن يبقى على الايتمام ، فلا يجوز له متابعته في الأفعال ، لأنها زيادة في الصلاة غير مبطلة باعتبار السهو ، بل ينتظره قاعدا حتى يفرغ من الركعة ويعود إلى التشهد ويتشهد معه. فإن سجد الإمام للسهو ، لم يسجد المأموم. وإن لم يسجد الإمام ، لم يسجد المأموم أيضا.

ولو كان المأموم مسبوقا بركعة وقام الإمام إلى الخامسة ، فإن علم المأموم أنها خامسة ، لم يكن له المتابعة ، وإن لم يعلم وتابع ، احتسب له الركعة.

ولو صلى ركعة فأحرم الإمام بالصلاة ، فنوى الاقتداء به ، احتمل البطلان والصحة ، فحينئذ إن سها المأموم فيما انفرد فيه ثم سها أمامه فيما(1)تبعه فيه ، فلما فارق الإمام وأراد السلام ، وجب عليه أربع سجدات إن قلنا بالمتابعة ، وإلا فسجدتان عما اختص به.

ولو ترك الإمام سجدة وقام سبح به المأموم ، فإن رجع ، وإلا سجد ثم تابعه ، لأن صلاة الإمام صحيحة.

ولو ظن المأموم أن الإمام قد سلم ، فسلم ، ثم بان أنه لم يسلم بعد ، احتمل خروجه من الصلاة ، لأنه استوفى الأفعال وخطاؤه ليس بمفسد. وأن يسلم مع الإمام ، فيسجد إن قلنا به فيما ينفرد به ، وإلا فلا ، لأنه سهو في حال الاقتداء به.

ولو سلم [ إلى ](2)الإمام ، فسلم المسبوق ناسيا ، ثم ذكر ، بنى على صلاته وسجد للسهو ، لأن سلامه وقع بعد انفراده.

ولو ظن المسبوق أن الإمام سلم لصوت سمعه ، فقام ليتدارك ما عليه

ص: 535


1- في « س » فيها.
2- الزيادة من « ق ».

وفعله وجلس ، ثم علم أن الإمام لم يسلم ، احتسب ما فعله ، لأنه بقيامه نوى الانفراد وله ذلك. ولو قلنا بالتحمل كالشيخ ، فإنما يكون لو كانت صلاة الإمام صحيحة ، فلو تبين كون الإمام جنبا لم يسجد لسهوه ، ولا يتحمل هو عن الإمام.

ولو عرف أن الإمام مخطئ فيما ظنه من السهو ، لا يوافقه إذا سجد ، وكل موضع يلحقه سهو الإمام فإنه يوافقه. فإن تركه عمدا ففي إبطال الصلاة نظر.

ولو رأى إمامه قد سجد آخر صلاته سجدتين ، تابعه حملا على أنه قد سها وإن لم يعرف سهوه.

ولو اعتقد الإمام سبق التسليم على سجدتي السهو فسلم ، واعتقد المأموم خلافه لم يسلم ، بل يسجد ولا ينتظر سجود إمامه ، لأنه فارقه بالتسليم.

ولو سجد الإمام آخر صلاته عن سهو ، اختص به بعد اقتداء المسبوق ولم يتبعه(1)على الأقوى ، ويتبعه على الآخر ، لأن عليه متابعته. فإن تابعه فهل يعيد في آخر صلاته؟ يحتمل ذلك ، لأن المأتي به كان للمتابعة وقد تعدى الخلل إلى صلاته بسهو إمامه ، ومحل الجبر بالسجود آخر الصلاة. والعدم ، لأنه لم يسه ، والمأتي به سبب المتابعة ، وقد ارتفعت بسلام الإمام.

ولو اشترك الإمام والمأموم في نسيان التشهد أو سجدة ، رجعوا ما لم يركعوا. فإن رجع الإمام بعد ركوعه لم يتبعه المأموم ، لأنه خطأ فلا يتبعه فيه ، وينوي الانفراد.

ولو ركع المأموم أولا قبل الذكر ، رجع الإمام وتبعه المأموم إن نسي سبق ركوعه. وإن تعمد استمر على ركوعه ، وقضى السجدة وسجد للسهو. وإذا قضى المسبوق ما فاته مع الإمام لا يسجد للسهو لانتفاء سببه.

ص: 536


1- في « ق » لم يتابعه.

الثامن : لا حكم للسهو في النافلة ، فلو شك في عددها بنى على الأقل استحبابا ، ويجوز على الأكثر ، ولا يجبر سهوه بركعة ولا سجود ، لأنها لا تجب بالشروع ، فيقتصر على ما أراد.

القسم الثاني: ( ما يجب تلافيه من غير سجود )
اشارة

وهو أقسام :

الأول : من نسي قراءة الحمد حتى قرأ سورة ولم يركع ، رجع فقرأ الحمد ثم استأنف السورة أو غيرها ، لبقاء المحل.

الثاني : لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد ، قام فركع ثم سجد ، لبقاء المحل.

الثالث : من ترك السجدتين أو إحداهما وذكر قبل الركوع ، رجع فتلافاه ، ثم قام ففعل ما يجب من قراءة أو تسبيح ثم ركع.

الرابع : لو سها عن التشهد ، فذكر قبل أن يركع ، رجع فتشهد ثم قام فاستأنف ، وكذا أبعاض التشهد ، كالصلاة على النبي صلی اللّه علیه و آله ، أو على آله علیهم السلام ، أو إحدى الشهادتين ، سواء التشهد الأول والثاني.

القسم الثالث: ( ما يجب تلافيه مع سجدتي السهو )

وهو من ترك سجدة ولم يذكر حتى يركع ، فإنه يمضي في صلاته ، لفوات محلها ، ويقضيها لأنها جزءا من الصلاة لم يأت به ، فيبقى في عهدة الأمر به ، ويسجد للسهو.

وكذا لو ترك التشهد ولم يذكر حتى يركع ، فإنه يقضيه بعد الفراغ من الصلاة ، ويسجد للسهو.

ص: 537

قال الصادق علیه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام قال : فليسجد ما لم يركع (1).

ولو نسي السجدة الثانية ثم ذكر ، ففي وجوب جلسة الفصل إن لم يكن قد جلس عقيب السجدة الأولى إشكال ، ينشأ : من عدم النص ، وقيام القيام مقامها في الفصل ، وأصالة البراءة. ومن أنها واجبة فيأتي بها.

ولو ترك أربع سجدات من أربع ركعات ، فإن ذكر قبل التسليم سجد واحدة عن الأخيرة ، لبقاء محلها ، ثم يعيد التشهد ويسلم ويقضي باقي السجدات ، لفوات محلها ، وسجد سجدتين لكل سهو. ولو ذكر بعد التسليم قضى الأربع ولاء ، وسجد لكل واحدة سجدتين.

المطلب الثالث: ( في الشك )
وفيه مباحث :
البحث الأول: ( في قواعد كلية )

كل شاك في فعل ، أو ساه عنه ، إذا كان محله باقيا فإنه يأتي به ، لأصالة العدم. وإن انتقل ، لم يلتفت في الشك ، ولا يجب به شي ء بناء على أصالة الصحة ، واستيفاء الأفعال ، ودفعا للحرج ، فإن الشك مما يعتور الإنسان في أغلب أحواله.

فلو شك في النية وقد كبر ، أو في تكبيرة الافتتاح وقد قرأ ، أو في القراءة وقد ركع ، أو في الركوع وقد سجد ، أو في السجود أو التشهد وقد قام ، لم يلتفت.

ص: 538


1- وسائل الشيعة 4 - 968 ح 1.

وكل شك يعرض للإنسان إذا غلب الظن على أحد طرفيه ، إما الفعل أو الترك ، فإنه يبنى على الغالب كالعلم ، لاستحالة العدول عن الراجح إلى المرجوح ، ولقول الصادق علیه السلام : ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف (1).

البحث الثاني: ( في الشك في الأبعاض )

إذا شك في ركوع أو سجود أو ذكر فيهما ، أو طمأنينة ، أو قراءة ، فإن كان في محله أعاده ، وإلا مضى لسبيله.

ولو شك وهو قائم في الركوع ، وجب أن يركع. فإن ذكر في حال ركوعه أنه كان قد ركع ، أرسل نفسه ولا يرفع رأسه ، قال الشيخ والمرتضى ، لأن ركوعه مع هويه لازم فلا يعد زيادة. وقال ابن أبي عقيل : يعيد ، لأنه زاد ركنا. والأقرب أنه إن استوفى واجب الركوع ، استأنف ، وإلا أرسل نفسه.

وهل يحصل الانتقال عن محل السجود والتشهد باستيفاء القيام؟ خلاف ، الأقرب العدم ، كما في حالة السهو.

فلو شك في سجدة أو سجدتين أو في تشهد ، وهو قائم قبل الركوع ، رجع وفعل ما شك فيه ، ثم قام فأعاد ما فعله ، لأن القيام والقراءة ليستا ركنين عند الشيخ ، فيكون في حكم ركن السجود ، ولقول الصادق علیه السلام في رجل نهض من سجوده ، فشك قبل أن يستوي قائما ، فلم يدر سجد أو لم يسجد قال : يسجد (2).

وقيل : لا يلتفت بخلاف الذكر ، لأنه قد انتقل إلى ركن القيام ، ولقول الصادق علیه السلام : إن شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شي ء شك وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (3). والفرق ظاهر بين الذكر والشك ،

ص: 539


1- وسائل الشيعة 5 - 316 ح 1.
2- وسائل الشيعة 4 - 972 ح 6.
3- وسائل الشيعة 4 - 971 ح 4.

فجاز اختلاف الحكم ، ونقول بموجب الرواية الأولى ، لأنه قبل استكمال القيام يجب الرجوع ، لأنها حالة السجود.

البحث الثالث: ( في الشك في العدد )

الصلاة : إما ثنائية ، أو ثلاثية ، أو رباعية ، فالأولى إذا شك في عددها ، بطلت صلاته ، وكذا الثانية.

فلو شك هل صلى ركعة أو اثنتين في الصبح أو الجمعة أو العيدين أو الكسوف ، أو في الثلاثة هل صلى ركعة أو ركعتين ، أو هل صلى ركعتين أو ثلاثا ، أعاد الصلاة عند علمائنا إلا الصدوق ، لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا يخرج عن العهدة إلا به.

ولقول الصادق علیه السلام لما سأله العلاء عن الشك في الغداة : إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها (1). وسأل محمد بن مسلم أحدهما علیهم السلام عن السهو في المغرب؟ قال : يعيد حتى يحفظ ، أنها ليست مثل الشفع (2).

وحكم الأولتين في الرباعية حكم الثنائية ، فلو شك فيهما فلم يدر هل صلى ركعة أو ركعتين أعاد الصلاة ، لأنها كالثنائية ، ولقول الصادق علیه السلام : إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك (3).

ولو شك في جزء منهما لا في العدد ، كالركوع أو السجود أو القراءة أو الذكر ، أو في كيفية كالطمأنينة ، كان حكم الشك فيهما كالشك في الأخيرتين عند أكثر علمائنا ، لأصالة البراءة.

ص: 540


1- وسائل الشيعة 5 - 302 ح 18.
2- وسائل الشيعة 5 - 304 ح 4.
3- وسائل الشيعة 5 - 301 ح 13.

وقال الشيخان : يعيد ، لقول الصادق علیه السلام : إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك (1). وتحمل على العدد عملا بالمشهور.

ولا فرق بين الركن وغيره في الحكمين ، ويحتمل البطلان ، لأن ترك الركن مبطل وإن كان سهوا كالعمد. ولا فرق بين الشك في فعل الركعة وعدمه ، وبين الشك في فعلها على وجه الصحة والبطلان.

أما ثالثة المغرب فلم ينص علماؤنا على مساواته للأولتين في شك أفعالها ، ويحتمل إجراء الثالثة مجرى الثانية في الشك عددا ، فكذا كيفية.

ولو شك في ركعات الكسوف ، أعاد على قول الشيخين ، وعلى ما اخترناه من الفرق بين الركن وغيره.

أما على المساواة فإنه يأتي به ، لأنه لم يتجاوز محله إن شك في العدد مطلقا ، أو في الأخير. أما لو شك في سابق ، كما لو شك هل ركع عقيب قراءة التوحيد؟ وكان قد قرأها أو لا ، فإنه لا يلتفت لانتقاله عن محله.

ولو شك في عدد الثنائية ، ثم ذكر قبل فعل المبطل ، أتم صلاته على ما ذكره ، وإلا بطلت.

ولو شك فلا يدري كم صلى أعاد ، إذ لا طريق إلى البراءة سواه ، ولقول الصادق علیه السلام : إذا لم تدر في ثالث أنت أم في اثنيين أم في واحدة أو أربع فأعد ، ولا تمض على الشك (2). ولأنه شك في الأولتين ، وقد بينا أنه مبطل.

ولو شك في الرباعية بين الاثنين فما زاد ، وجب الاحتياط.

البحث الرابع: ( في ما يوجب الاحتياط )

إنما يجب الاحتياط إذا أحرز عدد الأولتين وشك في الزائد من الرباعية.

ص: 541


1- نفس المصدر.
2- وسائل الشيعة 5 - 328 ح 2.

فلو شك في الأولتين ، بطلت على ما تقدم. وكذا لو شك في الزائد من الثلاثية.

أما لو شك في الزائد من الرباعية ، فإن غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه ، بنى عليه وسقط الاحتياط.

فلو شك بين الثلاث والأربع وغلب في ظنه الثلاث ، بنى عليه وأكمل صلاته بركعة أخرى وتشهد وسلم ، فإن استمر الحال ، وإلا أعاد إن لم يكن جلس عقيب الرابعة. وإن لم يغلب في ظنه أحد الطرفين ، بنى على الأكثر واحتاط بالفائت.

ولو شك بين الاثنتين والثلاث ، بنى على الثلاث وأكمل صلاته وتشهد وسلم ، ثم صلى ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس. فإن كان قد صلى ثلاثا ، فالركعة أو الركعتين نافلة ، وإن كان قد صلى اثنتين ، كانت تمام صلاته.

وكذا لو (1) شك بين الثلاث والأربع ، بنى على الأربع وتشهد وسلم ، ويفعل ما قلناه.

ولو شك بين الاثنتين والأربع ، بنى على الأربع ، وصلى ركعتين من قيام.

وإن شك بين الاثنتين والثلاث والأربع ، بنى على الأربع ، وصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، ويقدم أيهما شاء. فإن كان قد صلى أربعا فالجميع نفل ، وإن كان قد صلى ثلاثا ، فالركعتان من جلوس تمام الصلاة والآخرتان نفل.

وقال الصدوق : يتخير في الكل بين ذلك ، وبين البناء على الأقل ، لقول الرضا علیه السلام : يبني على يقينه وسجد سجدتي السهو (2). ولأصالة عدم الإتيان به. وللشاك بين الاثنتين والثلاث والأربع أن يصلي ثلاث ركعات. لكن يسلم في اثنتين.

ص: 542


1- في « ف » إن.
2- وسائل الشيعة 5 - 325 ح 2 ب 13.

ولو شك بين الأربع والخمس ، بنى على الأربع وتشهد وسلم ، وسجد سجدتي السهو. لقوله علیه السلام : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى خمسا أو أربعا ، فليطرح الشك وليبن على اليقين ، ثم سجد سجدتين (1). وقول الصادق علیه السلام : إذ كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا ، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثم سلم بعدهما (2).

والمراد بقولنا « بين كذا وكذا » الشك في الزائد على العدد الأول بعد تيقن إكماله. فلو قال : لا أدري قيامي لثانية أو ثالثة ، بطلت صلاته ، لأنه شك في الأولتين.

ولو قال : لثالثة أو رابعة فهو شك بين الاثنتين والثلاث ، فيكمل الرابعة ويتشهد ويسلم ويصلي ركعتين من قيام أو ركعتين من جلوس.

ولو قال : لرابعة أو خامسة ، فهو شك بين الثلاث والأربع ، فيجلس ويتشهد ويسلم ، ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، ويسجد للسهو إن أوجبناه على القائم في حال قعود.

ولو قال : لثالثة أو خامسة ، قعد وسلم وصلى ركعتين من قيام ، وسجد للسهو.

ولو قال قبل السجود : لا أدري قيامي من الركوع لثانية أو ثالثة ، فالأقوى البطلان ، لأنه لم يحرز الأولتين. ويحتمل الصحة إقامة للأكثر مقام الجميع.

ولو قال : لرابعة أو خامسة ، بطلت صلاته ، إذ مع الأمر بالإتمام يحتمل الزيادة المبطلة ، وبعدمه يحتمل النقصان المبطل. وإنما تصح الصلاة لو صحت قطعا على أحد التقديرين. وكذا لو قال : لثالثة أو خامسة.

أما لو قال : لثالثة أو رابعة ، فإنه يتم الركعة ويتشهد ويسلم ، ويصلي ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس.

ص: 543


1- وسائل الشيعة 5 - 326.
2- وسائل الشيعة 5 - 314 ح 2.

ولو أعاد صلاته من يجب عليه الاحتياط ، فالأقرب عدم الإجزاء ، لأنه غير المأمور به.

البحث الخامس: ( في كيفية الاحتياط )

يجب الاحتياط بعد إكمال الصلاة والتشهد والتسليم ، لأنه في معرض الزيادة ، فلا يجوز فعلها في الصلاة.

ويجب إيقاعه في وقتها ، فإن خرج ولما يصلي عمدا ، فإن أبطلنا بتخلل الحدث بطلت وإلا فلا. وكذا السهو على الأقوى. ويجوز التراخي إن لم تبطل بتخلل الحدث. فإن كان احتياط فائتة ، جاز دائما.

وتجب فيه النية وتكبيرة الإحرام ، لأنها صلاة منفردة فعلت بعد التسليم ، فيجب فيها ذلك كغيرها.

ويجب الفاتحة عينا ، لأنها صلاة منفردة ، وقال علیه السلام : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (1). وقيل : يتخير بينها وبين التسبيحات(2)، لأنها بدل عن الأخيرتين ، فلا يزيد حكمها على حكم مبدلها ، ولا تجب الزيادة على الفاتحة إجماعا.

ويجب في النية التعيين ، فيقول : أصلي ركعة أو ركعتين احتياطا لوجوبه قربة إلى اللّه. وهل تجب نية الأداء أو القضاء؟ إشكال. فإن أوجبناه ، فإن كان احتياط مؤداة في وقتها ، نوى الأداء وبعده القضاء ، إن لم نبطلها بخروج الوقت. وإن كان احتياط فائتة ، نوى احتياطها ولا ينوي القضاء.

ولو أحدث قبل الاحتياط قيل : بطلت الصلاة وسقط الاحتياط ، لأنه في معرض التمام ، وكما تبطل الصلاة بتخلل الحدث بين أجزائها ، فكذا تبطل

ص: 544


1- جامع الأصول 6 - 223.
2- في « ق » و « ر » التسبيح.

بتخلله بين الصلاة وبين ما يقوم مقام الإجزاء ، ويحتمل أن يكون جزءا. وقيل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة ولا يلزم من البدلية المساواة في كل الأحكام.

أما السجدة المنسية ، أو التشهد المنسي ، أو الصلاة على النبي وآله علیهم السلام ، فإنه متى تخلل الحدث بينه وبين الصلاة ، بطلت الصلاة ، لأنه جزء حقيقة ، ويشترط في السجدة المنسية وغيرها من الأجزاء الطهارة والاستقبال والأداء في الوقت. وإن خرج قبل فعلها عمدا ، بطلت صلاته ، وإن كان سهوا قضاها ، ويتأخر عن الفائتة السابقة.

ولو شك فيما يوجب الاحتياط ، لم يجز له إبطال الصلاة واستينافها ، لعموم النهي عن إبطال العمل ، فإن أبطلها استأنف الصلاة وبرئت ذمته من الاحتياط.

ولو ذكر بعد الاحتياط النقصان لم يلتفت ، سواء كان الوقت باقيا أو لا ، لاقتضاء الأمر الإجزاء وقد امتثل ، فيخرج عن العهدة. ولو ذكره قبله أكمل الصلاة ، وسجد للسهو ما لم يحدث ، لأنه ساه في فعله. فلا تبطل صلاته إلا بالحدث. ولو ذكره في أثناء الصلاة ، استأنف الصلاة ، لأنه ذكر النقصان بعد فعل كثير قبل خروجه عن العهدة. ويحتمل الصحة ، لأنه مأمور به وهو من الصلاة.

ولو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فذكر بعد الركعتين من جلوس أنها ثلاث ، صحت صلاته وسقط الباقي ، لانكشاف بطلان شكه فيما يوجبه. ولو ذكر أنها اثنتان ، بطلت ، لأنه ذكر النقصان قبل فعل الجبران. ولو بدأ بالركعتين من قيام ، انعكس الحكم ، فتبطل صلاته لو ذكر الثلاث ، وتصح لو ذكر الاثنتين.

ولو ذكر الثلاث بعد أن رفع رأسه من السجدة الثانية ، احتمل أن يتشهد ويسلم ، لأن الاحتياط المساوي قد فعله وهو الركعة ، والتشهد ليس من

ص: 545

الأصل ، بل يجب(1)لكونه جزءا من كل صلاة. والبطلان ، لأن التشهد جزء من الجبران ولم يأت به.

ولو شك بين الاثنتين والثلاث ، فبنى على الثلاث وصلى أخرى ، فشك بين الثلاث والأربع ، بنى على الأربع وصلى ركعتين من قيام مفصولات بتشهدين وتسليمين ، أو أربع ركعات من جلوس كل ركعتين بتشهد وتسليم ، أو ركعة من قيام وركعتين من جلوس. فإن شك في الثاني بين الأربع والخمس ، بنى على الأربع وتشهد وسلم وصلى ركعة الاحتياط ، ثم سجد سجدتي السهو.

البحث السادس: ( في سجدتي السهو )
وفيه مقامان :
المقام الأول: ( السبب )

قال الشيخ : لا يجب سجود السهو إلا في أربعة مواطن : من تكلم في الصلاة ناسيا ، ومن سلم في غير موضعه ناسيا ، ومن نسي سجدة ولم يذكر حتى يركع ، ومن نسي التشهد حتى يركع في الثالثة (2).

ولا يجب في غير ذلك ، فعلا كان أو قولا ، زيادة أو نقصانا ، متحققة أو متوهمة وعلى كل حال.

وفي أصحابنا من قال : يجب سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان. وله قول آخر : إنه لو شك بين الأربع والخمس وجبت السجدتان.

ص: 546


1- في « ق » وجب.
2- المبسوط 1 - 123.

وأوجب المرتضى على من قام في حال قعوده ، أو قعد في حال قيام فتلافاه.

والأقرب عندي وجوبهما لكل زيادة ونقصان ، لقول الصادق علیه السلام : يسجد للسهو في كل زيادة ونقصان (1).

ولا سجود لترك المندوب ، لجواز تركه مطلقا ، فلا يستعقب تركه تكليفا. فلو ترك القنوت ، أعاده بعد الركوع استحبابا ولا يسجد. ولو زاد فعلا مندوبا ، أو واجبا في غير محله نسيانا سجد للسهو ، فلو قنت في الأول ساهيا سجد.

ولو زاد في غير موضعه عمدا ، بطلت صلاته ، كما لو قنت في الأولى عامدا ، لأنه ذكر غير مشروع ، فيكون قد تكلم في الصلاة عامدا. وكذا لو تشهد قائما متعمدا ، لأن التشهد فرض في محله وقد أخل به عمدا.

ولو عزم أن يفعل فعلا مخالفا للصلاة أو يتكلم عامدا ولم يفعل ، لم يلزمه سجود لأن حديث النفس مرفوع عن أمتنا وإنما السجود في عمل البدن.

ولو سهى في سجود السهو ، فإن ظن ترك سجدة وقلنا بفعله في الصلاة فسجد ، ثم ذكر أنه لم يتركها وأن سجوده لسهو كان سهوا في الصلاة ، لم يسجد ، لأنه لا سهو في سهو.

ولو سهى بعد سجود السهو إذا جعلناه في الصلاة ، بأن فرغ من السجود قبل أن يسلم تكلم ناسيا ، أو قام على ظن أنه رفع رأسه من سجدات الصلاة ، سجد ثانيا لوجود السبب ، وسجود السهو يجبر ما قبله لا ما بعده.

ولا سجود فيما ترك عمدا ، لأنه إن كان واجبا بطلت صلاته ، وإن كان ندبا لم يجبر بشي ء.

ولو صلى المغرب أربعا قال الشيخ : يعيد وأطلق. والوجه أنه إن كان قدم

ص: 547


1- وسائل الشيعة 5 - 346 ح 3.

عقيب الثالثة بقدر التشهد أجزأه وقعد وتشهد وسلم وسجد سجدتي السهو ، وإلا استأنف.

المقام الثاني: ( في الكيفية )

وهي سجدتان يجب الفصل بينهما بجلسة تامة وطمأنينة ، لأن التعدد في صلب الصلاة إنما يحصل بذلك ، فكذا هنا.

ويجب فيهما النية ، لأنهما عبادة. والسجود على الأعضاء السبعة ، والطمأنينة فيهما وفي الرفع ، فإن المتبادر في عرف الشرع ذلك. والأقرب وجوب الطهارة والاستقبال ، سواء قلنا بوجوبهما في صلب الصلاة أو خارجها.

ويجب فيهما الذكر ، لأن الحلبي سمع الصادق علیه السلام يقول في سجدتي السهو « بسم اللّه وباللّه اللّهم صل على محمد وآل محمد ». ثم سمعه مرة أخرى يقول : « بسم اللّه وباللّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته » (1).

ولا منافاة بين هذه الرواية وبين أصول المذهب من امتناع تطرق السهو إلى الإمام علیه السلام كما توهمه بعض علمائنا ، لأن المراد سماعه في هذا الفرض ، كما يقال : سمعته يقول في النفس المؤمنة مائة من الإبل.

ويجب التشهد بعدهما ، بقول الصادق علیه السلام : واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، يتشهد فيهما تشهدا خفيفا (2). ويسلم عقيبه ، لقول الصادق علیه السلام : ثم سلم بعدهما (3).

قال الشيخ : ويفتتح بالتكبير ويسجد عقيبه (4). وفي وجوبه إشكال ، ينشأ

ص: 548


1- وسائل الشيعة : 5 - 334 ح 1.
2- وسائل الشيعة : 5 - 334 ح 2 و 327 ح 4.
3- وسائل الشيعة : 5 - 326 ح 1 و 3.
4- المبسوط 1 - 125.

من أصالة البراءة ، وقول الصادق علیه السلام لما سأله عمار عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال : لا إنما هما سجدتان فقط (1).

والسجدتان بعد التسليم مطلقا عند أكثر علمائنا ، لقوله علیه السلام : لكل سهو سجدتان بعد أن تسلم (2). وقول علي علیه السلام : سجدتا السهو بعد السلام وقبل الكلام (3). ولأنه فعل كثير ليس من الصلاة.

وقيل : إنهما في الصلاة مطلقا. وقيل : إن كان للنقصان ففي الصلاة ، وإن كان للزيادة فبعد التسليم.

وإذا تعدد السهو في الصلاة الواحدة ، تعدد جبرانه ، سواء اختلف أو تجانس ، لاستقلال كل واحد بالسببية ، ولا يجتمع على معلول واحد علتان ، ولقوله علیه السلام : لكل سهو سجدتان (4). ولو تعددت الصلوات تعدد إجماعا. ولا يكفي الاحتياط عن سجود الجبران لو اجتمعا.

ولو ترك سجدتين من ركعتين ، قضاهما ولاء ، ثم سجد لكل سجدة سجدتان. وفي جواز الفصل بسجدتي السهو إشكال.

ولو كان السهو لزيادة ونقصان ، كالكلام ونسيان سجدة ، فإنه يبدأ بقضاء السجدة. وهل يجب تقديم جبرانها على جبران الزيادة وإن تأخرت عن الزيادة؟ إشكال ، ينشأ : من أنها كالتتمة من السجدة المنسية التي هي من صلب الصلاة ، ومن أصالة البراءة.

وإذا قلنا إنه قبل التسليم ، فإنه يسجد إذا فرغ من التشهد قبل التسليم ، فإذا سجدهما تشهد تشهدا آخر خفيفا لهما ثم سلم. ولو نسي السجود فسلم ثم ذكر سجد ، لوجود المقتضي. ولا يسجد لهذا السهو على إشكال.

ص: 549


1- وسائل الشيعة : 5 - 334 ح 3.
2- جامع الأصول 6 - 356.
3- وسائل الشيعة : 5 - 314 ح 3.
4- جامع الأصول 6 - 356.

وسجدتا السهو واجبتان ، قال الشيخ : وهما شرط في صحة الصلاة ، والثاني ممنوع. فلو لم يسجدهما وجب عليه الإتيان بهما دائما ، سواء خرج الوقت أو لا. وكذا لو نسيهما فإنه يفعلهما متى ذكر ، لقول الصادق علیه السلام في الرجل نسي سجدتي السهو : يسجدهما متى ذكر (1).

ولو تحقق السهو وشك هل سجد أم لا؟ سجد ، لأصالة العدم. أما لو شك هل سجد واحدة أو اثنتين ، فإنه لا يلتفت ، إذ ليس على السهو سهو. ولو توهم أنه في آخر الصلاة ، فسجد قبل التسليم ، ثم ذكر نفيه ، أعاد السجود.

والمسافر إذا فرغ من التشهد فسجد للسهو ، فاتصلت السفينة بدار إقامته ، أو نوى المقام ، لزمه إتمام الصلاة وإعادة السجود آخر الصلاة.

نكت متفرقة

الأول : الاعتدال عن الركوع واجب قصير ، أمر المصلي فيه بالتخفيف ، ولهذا لم يسن تكرير الذكر المشروع فيه ، بخلاف التسبيح في الركوع والسجود.

وليس مقصودا لنفسه وإن كان فرضا ، وإنما الغرض منه الفصل بين الركوع والسجود. ولو كان مقصودا لذاته لشرع فيه ذكر واجب ، لأن القيام هيئة معتادة ، فلا بد من ذكر يصرفها عن العادة إلى العبادة ، كالقيام قبل الركوع والجلوس أوسط الصلاة وآخرها ، ولما كان كل واحد منهما هيئة تشترك فيه العادة والعبادة ، وجب فيهما شي ء من الذكر.

والغرض منه وإن كان هو الفصل ، لكن الطمأنينة وجبت ، ليكون على سكينة. فإن تناهي الحركات في السرعة تخل بهيئة الخشوع والتعظيم ، فلو أطاله عمدا لسكوت أو تذكر قال الشيخ : تبطل صلاته. ويحتمل العدم ، لأن النبي صلی اللّه علیه و آله صلى ليلة وقرأ البقرة والنساء وآل عمران في قيامه ، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه ، ثم رفع رأسه وقام من ركوعه ، ثم سجد.

ص: 550


1- وسائل الشيعة 5 - 346 ح 2.

أما لو طوله بقنوت ، فالأقرب البطلان. وعلى قول الشيخ لو طوله ناسيا ، احتمل السجود.

الثاني : لو نقل واجبا ذكريا(1)عن موضعه إلى ركن آخر طويل ، كما لو قرأ الفاتحة في الركوع أو السجود ، فالأقرب البطلان ، لأنه غير مشروع.

والجلوس بين السجدتين واجب قصير ، لو طوله فيه سهوا ، فإن قلنا أن عمده مبطل سجد ، لأن المصلي أمر بالتحفظ في صلاته وإحضار ذهنه ، حتى لا يتكلم ولا يريد في صلاته ما ليس فيها. فإذا غفل وطول الواجب القصير ، فقد ترك الأمر المؤكد عليه وغير شعار الصلاة ، فاقتضى الجبر بالسجود ، كترك التشهد والسجدة.

الثالث : لو شك في السجدة أو التشهد بعد قيام ، فخلاف : قيل : يرجع. وقيل : يستمر. فإن منعنا الرجوع فرجع عمدا ، بطلت صلاته ، لما فيه من تغير هيئة الصلاة ، وإن عاد ناسيا لم تبطل. وهل يقوم أو يسجد أو يتشهد؟ احتمال ، فإن قلنا يقوم سجد للسهو ، لأنه قعد في حال قيامه ساهيا. وكذا لو قلنا يسجد.

ولو عاد جاهلا فهو عامد ، لتقصيره بترك التعلم. ويحتمل الصحة كالناسي ، لأنه مما يخفى على العوام ، ولا يمكن تكليف كل واحد تعلمه.

والمراد بالقيام الاعتدال والاستواء. ويحتمل أن يصير إلى حالة هي أرفع من حد الركوع.

الرابع : لو كان يصلي قاعدا لعجزه ، فافتتح القراءة بعد الركعتين على ظن أنه قد تشهد ، وجاء وقت الثالثة ثم ذكر تشهد ، ثم عاد إلى استيناف القراءة وسجد ، فلو سبق لسانه إلى القراءة وهو عالم بأنه لم يتشهد ، رجع إلى التشهد أيضا وسجد.

ص: 551


1- في « س » ذكرا.

الخامس : لو جلس في الركعة الأخيرة ظانا أنه سجد السجدتين وتشهد ، ثم ذكر ترك السجدتين بعد التشهد ، تدارك السجدتين ، لأنه في محله ، وأعاد التشهد وسجد للسهو.

وكذا لو قعد في الأولى فتشهد ناسيا ، فإنه يسجد السجدتين ويقوم إلى الثانية ثم يسجد للسهو.

ولو كان في الثانية فتشهد قبل السجدتين ، سجد وأعاد التشهد ، ثم أتم صلاته وسجد سجدتي السهو.

السادس : لو جلس عن قيام ولم يتشهد ، ثم ذكر أنه لم يسجد ، اشتغل بالسجدتين وبما بعدهما ، ثم إن طال جلوسه ، سجد للسهو إن أوجبنا الإعادة بتعمده.

السابع : لا سجود بالشك إلا في موضع واحد ، وهو الشك بين الأربع والخمس. فلو شك في ترك مأمور ، لم يسجد للسهو لأنه إن كان في محله فالأصل أنه لم يفعله ، بناء على قاعدة كثيرة التكرار. وهي أنه لو تيقن وجود شي ء أو عدمه ، ثم شك في تغيره وزواله عما كان ، فإنه يستصحب اليقين الذي كان ويطرح الشك ، وإن انتقل لم يلتفت بناء على الصحة.

الثامن : لو ظن أن سهوه كلام فسجد له ، ثم ظهر أنه كان سلاما في غير موضعه ، سجد له أيضا.

وكذا لو ظن أنه ترك سجدة فسجدها ثم سجد السجدتين ، ثم ظهر أنه ترك تشهدا ، لأنه قصد بالأول جبر ما لا حاجة إلى جبره وبقي الخلل بحاله.

التاسع : الإمام لا يتحمل سهو المأموم على الأصح ، فلو اختص بالسهو سجد له دون إمامه. وكذا لا يتحمل سجود التلاوة. فلو قرأ المأموم آية سجدة ، سجد دون إمامه. ولا يتحمل دعاء القنوت.

ويتحمل الجهر ، فإن المأموم لا يجهر لو سوغنا له القراءة. ويتحمل عنه القراءة أيضا. ويتحمل عنه اللبث في القيام لو كان مسبوقا دون أصل القيام ، فإنه لا بد له من إيقاع النية والتكبيرة في حد القيام.

ص: 552

ولا يتحمل التشهد الأول عن المسبوق ، بل يجلس مع الإمام ولا يتشهد ، لأنه غير موضعه ، بل إذا رفع الإمام رأسه من السجود الثاني في الركعة الثالثة ، جلس المأموم وتشهد تشهدا خفيفا ، ثم لحق إمامه قبل ركوعه في الرابعة.

ولو سهى المأموم بعد سلام الإمام ، لم يتحمله إجماعا ، لانقطاع رابطة الاقتداء. وكذا لو سها المنفرد في صلاته ثم دخل في جماعة إن سوغناه ، لم يتحمل إمامه إجماعا.

ولو سلم الإمام فسلم المسبوق سهوا ، ثم ذكر ، بنى على صلاته وسجد للسهو ، لأن سلامه وقع بعد انفراده.

ولو ظن المسبوق أن الإمام سلم ، بأن سمع صوتا ظنه ذلك ، فقام ليتدارك ما عليه فأتى به وجلس ، ثم علم أن الإمام لم يسلم بعد ، احتمل عدم الاعتداد بهذه الركعة ، لأنها فعلت في غير موضعها ، فإن وقت التدارك ما بعد انقطاع القدوة ، إما لخروج الإمام عن الصلاة ، أو لقطع المأموم القدوة ، ولم يوجد(1)أحدهما ، وإنما ظن زوال القدوة فظهر خلافه.

فحينئذ إذا سلم الإمام يقوم إلى التدارك ، ولا يسجد للركعة التي سها فيها ، لبقاء حكم القدوة. والأقوى الصحة ، لأن ظن التسليم والقيام عقيبه يستلزم نية قطع القدوة. فإن قلنا بالأول فسلم الإمام في قيامه ، احتمل أن يعود إلى القعود ثم يقوم ، وأنه يمضي ويستأنف القراءة.

ولو سلم الإمام في قيامه ولم ينتبه حتى أتم الركعة ، فإن جوزنا المضي ، حسبت له الركعة ولا يسجد للسهو ، وإن أوجبنا القعود ، لم يحسب ويسجد للسهو.

ولو ظهر في القيام أن الإمام لم يسلم بعد ، تخير بين القعود والاستمرار قائما حتى يسلم الإمام ، وله أن يقصد الانفراد حينئذ ، فلا يجب عليه

ص: 553


1- في « ق » ولم يقصد.

الرجوع ، لأن الانتهاض ليس بمقصود(1)لعينه ، بل المقصود لذاته نفس القيام وما بعده.

العاشر : المأموم لا يتابع الإمام في سجود السهو ، إلا إذا وجد سببه له على الأصح.

وقيل : يجب إلا أن يتبين له كون الإمام جنبا فلا يسجد لسهوه ، أو يعرف سبب سهو الإمام وتيقن أنه مخطئ في ظنه ، كما لو ظن ترك السجدة والمأموم يعلم أنه لم يتركها ، فلا يوافق الإمام إذا سجد ، وفي غيرهما يتابعه على هذا القول ، لقوله علیه السلام : إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به (2). وسواء عرف المأموم سهوه أو لا.

فإذا سجد سجدتين آخر صلاته قبل التسليم ، إن أوجبناه في الصلاة تابعه المأموم ، حملا على أنه سها وإن لم يطلع المأموم على سهوه. بخلاف ما لو قام إلى خامسة لا يتابعه. ولو لم يسجد إلا سجدة واحدة ، سجد المأموم أخرى ، حملا على أنه نسي.

ولو ترك الإمام السجود لسهوه وسلم ، سجد المأموم ، لأن صلاة المأموم تكمل بالاقتداء ، فإذا تطرق نقص إلى صلاة الإمام تعدى إلى صلاة المأموم.

ولو سلم الإمام ثم عاد إلى السجود ، فإن سلم المأموم معه ناسيا يوافقه في السجود ، فإن لم يفعل لم تبطل صلاته.

ولو سلم عمدا مع ذكر السهو لم يلزمه متابعته. ولو لم يسلم المأموم وعاد الإمام ليسجد ، فإن عاد بعد أن سجد المأموم للسهو لم يتابعه ، لأنه قطع صلاته عن صلاة الإمام بالسجود. وإن عاد قبل أن يسجد المأموم ، احتمل أن يسجد منفردا ، وأن يتابعه.

ولو اعتقد الإمام وجوب السجدتين بعد السلام والمأموم قبله ، فسلم

ص: 554


1- في « ق » و « ر » مقصودا.
2- جامع الأصول 6 - 400.

الإمام قبل أن يسجد للسهو ، لم يسلم معه المأموم ، بل يسجد قبل السلام ولا ينتظر سجود الإمام ، لأنه قد فارقه بسلامه.

ولو سها إمام المسبوق فيما ينفرد به وقلنا بالمتابعة وجعلنا السجود في آخر صلاته ، ثم سها هو في تداركه ، وجب عليه قبل التسليم أربع سجدات عن سهو الإمام وسهوه.

ولو صلى منفردا ركعة من رباعية وسها فيها ، ثم اقتدى بمسافر وقلنا به وسها إمامه ، ثم قام إلى ركعة الرابعة فسها فيها ، سجد في آخر صلاته ست سجدات ، فإن سجد إمامه لم يتابعه ، لئلا يزيد ركنا في الصلاة.

الحادي عشر : قد بينا أن الأصح جعل السجدتين بعد التسليم ، سواء كان عن زيادة أو نقصان. وقيل : قبل التسليم مطلقا. وقيل : بالتفصيل. فعلى الثاني لو سلم قبل السجود عمدا ، فالأقوى أنه يسجد قضاء عما فوته بالتسليم ، حيث قطع الصلاة به. وكذا إن سلم ناسيا ، سواء طال الزمان أو لا ، لأنه جبران عبادة ، فجاز تراخيه ، كجبرانات الحج.

وعلى ما اخترناه من أنه خارج الصلاة ، ينبغي أن يأتي به على الفور ، فإن طال الفصل سجد ، ولو خرج وقت الصلاة فكذلك. وهل يكون قضاء؟ الأقرب ذلك ، وهل تبطل الصلاة لو كان عن نقصان أو مطلقا أو لا تبطل مطلقا؟ الأقرب الأخير. وإذا سجد بعد طول الفصل أعاد الصلاة.

ص: 555

ص: 556

فهرس الكتاب

الجزء الأول

حياة المؤلف... 5

مقدمة الكتاب... 17

الباب الأول

في الوضوء

الفصل الأول : في فروضه... 27

وجوب النية ... 27

وقت الوقت ... 28

كيفية النية... 29

أحكام غسل الوجه ... 35

أحكام غسل اليدين ... 37

أحكام مسح الرأس ... 41

أحكام مسح الرجلين ... 44

وجوب الترتيب في الوضوء... 46

اعتبار الموالاة في الوضوء... 48

لزوم المباشرة في أفعال الوضوء... 49

الفصل الثاني : في سننه... 51

ص: 557

استحباب السواك ... 51

كيفية وضع الإناء والاغتراف منها ... 53

غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء... 53

استحباب التسمية ... 54

استحباب المضمضة والاستنشاق ... 55

الدعاء عند غسل الأعضاء ومسحها ... 57

كيفية بدأة الرجل والمرأة بغسل اليدين ... 57

استحباب التوضي بمد ... 57

استحباب ترك التمندل ... 58

الفصل الثالث : في الشك... 59

الفصل الرابع : ( في طهارة المضطر )... 64

أحكام وضوء الجبيرة ... 64

حكم المسلوس والمبطون ... 67

الفصل الخامس في موجباته... 69

ما يوجب الوضوء ... 69

في الخارج من السبيلين ... 71

في النوم وشبهه ... 72

في الاستحاضة القليلة ... 73

حكم المس ... 74

ما يمنع الحدث منه ... 77

الفصل السادس : في الاستنجاء... 78

آداب الاستنجاء... 78

في ما يستنجى عنه ... 86

في ما يستنجى به ... 87

كيفية الاستنجاء ... 91

ص: 558

الباب الثاني

في الغسل

الفصل الأول : في الجنابة... 95

في علة الجنابة... 95

الجماع ... 95

الإنزال ... 98

حكم الجنابة ... 101

كيفية الغسل ... 105

في واجباته ... 105

في سننه ... 108

في لواحق الجنابة... 111

الفصل الثاني : في الحيض... 115

في دم الحيض وماهيته... 115

في وقته ومدته... 116

أحكام الحيض ... 118

الفصل الثالث في دم الاستحاضة... 125

في دم الاستحاضة وماهيته... 125

أحكام الاستحاضة... 126

الفصل الرابع : في النفاس... 130

الفصل الخامس : في المستحاضات... 134

مبتدأة ذات تمييز ... 134

مبتدأة لا تمييز لها ... 137

ذات عادة مضبوطة وتمييز ... 141

ذات عادة مضبوطة لا تمييز لها ... 142

أن تكون ذات عادة منسية ولها تمييز ... 146

ذات عادة منسية لا تمييز لها ... 146

ص: 559

أن تكون ناسية العدد ووقته معا ... 146

أن تكون ناسية العدد خاصة وتذكر الوقت ... 155

أن تكون ناسية للوقت ذاكرة للعدد ... 155

ذات عادة مضطربة ولها تمييز ... 159

ذات عادة مضطربة ولا تمييز لها ... 160

يتعلق بالمستحاضة في النفاس ... 163

في التلفيق ... 163

الفصل السادس... 172

في غسل مس الأموات ... 172

في الأغسال المندوبة... 174

الباب الثالث

في التيمم

الفصل الأول : أحكام التيمم ومسوغاته... 183

عدم الماء ... 183

الخوف على النفس أو المال من لص أو سبع ... 188

الحاجة إلى الماء المملوك أو المباح لعطشه ... 188

العجز عن الوضوء ... 193

العجز بسبب المرض ... 195

الفصل الثاني : في ما يتيمم به... 198

الفصل الثالث : كيفية التيمم... 202

نقل التراب ... 202

النية ... 203

استيعاب الجبهة ... 205

مسح الكفين ... 205

ص: 560

الترتيب... 206

المباشرة... 206

الفصل الرابع : في الأحكام... 209

إلى متى تباح العبادة بالتيمم... 209

في ما يباح به التيمم... 212

في حكم القضاء... 217

المقصد الثاني

في المياه

الفصل الأول : الماء المطلق... 225

الفصل الثاني : الماء الجاري... 228

الفصل الثالث : الماء الراكد... 231

الماء القليل... 231

الماء الكثير... 232

أحكام ماء البئر... 235

الفصل الرابع : أحكام ماء المضاف... 236

الفصل الخامس : في الأسئآر... 238

الفصل السادس : في الماء المستعمل... 241

الماء المستعمل في رفع الحدث... 241

الماء المستعمل في رفع الخبث... 243

الفصل السابع : حكم الماء النجس... 246

الفصل الثامن : في المشتبه... 248

حكم الماء المشتبه بالنجس... 248

حكم الماء المشتبه بالمغصوب... 249

حكم الماء المشتبه بالمضاف... 250

ص: 561

الاجتهاد في المشتبه... 252

الفصل التاسع : في تطهير المياه النجسة... 257

كيفية تطهير القليل... 257

تطهير الكثير... 258

تطهير ماء البئر... 259

المقصد الثالث

في النجاسات

الفصل الأول : أصناف النجاسات... 265

الفصل الثاني : في ازالة النجاسات... 277

الكيفية ازالة النجاسات... 277

في المحل... 280

في الترخص عن النجاسة... 282

في ما يتعلق بالمحل... 283

ما يتعلق بالحال... 285

أنواع المطهرات... 289

تطهير الأواني... 293

بقايا مباحث الأواني... 297

كلام في الجلود... 300

كتاب الصلاة

المقصد الأول : في المقدمات

الفصل الأول : أعدادها... 307

الفصل الثاني : في الأوقات... 309

تعيين وقت الفرائض اليومية... 309

تعيين وقت النوافل اليومية... 311

ص: 562

أوقات المعذورين أقسامها... 313

أن يخلو عنها آخر الوقت... 314

أن يخلو أول الوقت... 316

أن يعم العذر الوقت... 317

الأوقات المكروهة... 319

أحكام القضاء... 322

في اللواحق... 327

الفصل الثالث : في المكان... 340

ما يشترط في مكان المصلي... 340

الملك... 340

الطهارة... 342

الأمكنة المكروهة... 343

موقف المرأة والرجل في الصلاة... 349

السترة... 350

أحكام المساجد... 351

ما يسجد عليه... 360

الفصل الرابع : في اللباس... 365

ستر العورة في الصلاة... 365

وجوب الستر... 366

ما يشترط في الساتر في جنسه... 372

اشتراط الملكية في اللباس... 377

اشتراط الطهارة في اللباس... 378

اشتراط الاخفاء في الساتر... 382

حكم الصلاة في الثوب النجس... 383

ما تكره الصلاة فيه... 387

خاتمة :... 389

ص: 563

الفصل الخامس : في القبلة... 391

أحكام القبلة ، الماهية... 391

الامارات الدالة على القبلة... 394

الاجتهاد في تحصيل القبلة... 396

حكم خلل الواقع في الاجتهاد... 399

فيما يستقبل له... 403

الفصل السادس : في الآذان والاقامة... 409

أحكام الآذان والاقامة... 409

في صفاته... 411

في محله... 417

في المؤذن... 420

في اللواحق... 425

المقصد الثالث

في أفعال الصلاة

الفصل الأول : في الافعال الواجبة... 435

مقدماتها... 435

ما يعتبر في القيام... 436

حكم العاجز عن القيام... 437

بيان مراتب العجز... 439

في الانتقال... 442

القيام في النوافل... 443

أحكام النية وماهيتها... 444

في الماهية... 445

في صفتها... 446

في وقتها... 447

ص: 564

في الاستصحاب... 448

في النقل... 450

في الشك... 451

أحكام تكبيرة الإحرام وماهيتها... 452

حكم الاخلال بها... 453

في العاجز عنها... 455

في سننه... 456

أحكام القراءة... 459

ما يتقدمها من السنن... 459

ماهية القراءة... 461

ما يجب في القراءة... 462

ما يمنع من قراءته... 466

محل القراءة... 468

الجهر والإخفات وماهيتهما... 470

محل الجهر والاخفات... 471

في العاجز عن القراءة... 473

المسنونات في القراءة... 476

اللواحق... 478

أحكام الركوع وماهيته... 479

واجبات الركوع... 480

مسنونات الركوع... 483

احكام السجود وماهيته... 486

واجبات السجود... 487

مسنونات السجود... 491

حكم العاجز عن السجود... 495

السجدات الخارجة عن الصلاة... 496

سجود التلاوة... 496

ص: 565

سجدة الشكر... 498

أحكام التشهد وماهيته... 499

محل التشهد... 500

واجبات التشهد... 501

مستحبات التشهد... 502

أحكام التسليم... 503

الفصل الثاني : مندوبات الصلاة... 506

وضع اليدين... 506

شغل النظر... 507

القنوت... 508

التكبيرات... 509

التعقيب... 510

الفصل الثالث : في التروك... 513

التروك الواجبة... 513

الحدث... 513

الكلام... 515

الضحك... 519

الفعل الكثير... 520

باقي المبطلات... 522

التروك المندوبة... 523

خاتمة :... 525

الفصل الرابع : الخلل الواقع في الصلاة... 527

عمداً... 527

حكم السهو عن الركن... 528

حكم السهو من غير ركن أقسامه... 532

ص: 566

ما لا حكم له... 532

ما يجب تلافيه من غير سجود... 537

ما يجب تلافيه مع سجدتي السهو... 537

قواعد كلية في الشك... 538

حكم الشك في الأبعاض... 539

حكم الشك في العدد... 540

ما يوجب الاحتياط... 541

كيفية الاحتياط... 544

أسباب سجدتي السهو... 546

كيفية سجدتي السهو... 548

ص: 567

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.