فِقْهُ نَهْجُ البَلاغة عَلَی المَذاهِبِ السَّبعَةِ المجلد 6

هوية الکتاب

فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي -الشافعي - الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث

ISBN 9789933582470 رقم الإيداع في دارالكتب والوثائق العراقية ببغداد 3587 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة: IO-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP193.1.A2 H3 2020: LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مؤلف.

العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي -الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة. الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 697).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية: 18).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية. تبصرة محتويات: الجزء 1: اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب.

مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاريخ. مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي). مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي).

اسم شخص اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ISBN 9789933582470 رقم الإيداع في دارالكتب والوثائق العراقية ببغداد 3587 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة: IO-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP193.1.A2 H3 2020: LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مؤلف.

العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي -الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة. الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 697).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية: 18).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية. تبصرة محتويات: الجزء 1: اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب.

مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاريخ. مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي). مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي).

اسم شخص اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث العلمية (18) وحدة الدراسات الفقهية

فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي -الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث دراسة بينية الجزء السادس الزکاة تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1441 ه/ 2020 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com 077282436 موبايل: 07815016633 - 07728243600

ص: 4

الباب الرابع «كتاب الزكاة»

ص: 5

ص: 6

يتضمن الباب

الفصل الأول: في تعريف الزكاة وأصل وجوبها وحرمة منعها

• المبحث الأول: تعريف الزكاة في اللغة واصطلاح المتشرعة.

* المسألة الأولى: تعريف الزكاة لغة.

* المسألة الثانية:تعريف الزكاة في المذهب الإمامي.

* المسألة الثالثة: تعريف الزكاة في المذاهب الأخرى.

• المبحث الثاني: أصل وجوب الزكاة عند الفقهاء في المذاهب الإسلامية.

* المسألة الاولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في وجوب الزكاة.

* المسالة الثالثة: خلاصة القول فيما آورده فقهاء المذاهب في المسالة.

* المسالة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

• المبحث الثالث: حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها.

* المسألة الاولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أروده فقهاء المذاهب في المسألة.

* المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

•المبحث الرابع: اشتراط الملك والتمكن من التصرف في وجوب الزكاة

* المسألة الاولى: أقوال فقهاء الأمامية في اشتراط الملك والتمكن من التصرف في تحقق وجوب الزكاة كالدين والمال الغائب.

ص: 7

* المسألة الثانية: اقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في اشتراط التمليك في تحقق وجوب الزكاة.

* المسألة الثالثة۔ خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب السبعة.

* المسألة الرابعة: قاعدة فقهية: ازدحام حقوق الله وحقوق العباد.

* المسألة الخامسة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

الفصل الثاني: ما تعلق بالساعي والمصدق من أحكام.

• المبحث الأول: هل يجب على الإمام بعث الساعي في كل عام، وهل الوجوب مطلق أم مقيد.

* المسألة الأولى: أقوال فقهاء الإمامية في المسألة.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

• المبحث الثاني: شروط العامل على الزكاة.

* المسألة الأولى: شروط العامل في إخراج الزكاة عند فقهاء الإمامية.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى في شروط العامل والمصدق.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

• المبحث الثالث: قبول قول المالك لو ادعى الإخراج أو قال لم يحل عليّ الحول، أو تلف مني.

* المسألة الأولى: إجماع فقهاء الإمامية في المسألة.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى في قول المالك إذا أدعى الاخراج وغيره.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

* المسألة الرابعة: قاعدة فقهية (الحكم بالنكول) وعدم تحققه في دعوى الإخراج.

ص: 8

• المبحث الرابع: لا يجوز للساعي التسلط على أرباب المال.

* المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى في تسلط الساعي على أرباب المال.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

* المسألة الرابعة: تبعية المسألة لقاعدة (التسلط) وقاعدة (حجية قول ذي اليد).

• المبحث الخامس: هل الخيار للمالك أو للساعي في اختيار العين؟.

* المسألة الأولى: المذهب الإمامي.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

• المبحث السادس: شروط أخذ فريضة الزكاة وما يمنع منها.

* المسألة الأولى: المذهب الامامي والقول فيما يمتنع أخذه من الفريضة.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في شروط أخذ فريضة الزكاة وما يمنع منها.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

• المبحث السابع: إخراج الزكاة وتفرقاتها أهي للإمام أم الساعي أم المالك؟.

* المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في المسألة.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في اخراج الزكاة وتفرقتها.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

• المبحث الثامن: أجرة الساعي.

* المسألة الأولى - المذهب الإمامي.

* المسألة الثانية: أجرة الساعي في المذاهب الإسلامية الاخرى.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

ص: 9

• المبحث التاسع: أصناف المستحقين للزكاة.

* المسألة الأولى: المذهب الإمامي.

* المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

• المبحث العاشر: ما ورد الحديث من شروح نهج البلاغة.

* المسألة الأولى: وصيته (علیه السلام) إلى السعات الذين كان يبعثهم على الصدقات.

* المسألة الثانية: من عهد له (علیه السلام) إلى بعض عماله، وقد بعثه على الصدقة.

الفصل الثالث: أحكام الصدقة المندوبة.

• المبحث الأول: تحريم الصدقة الواجبة (الزكاة) على بني هاشم.

* المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في صرف الزكاة للهاشمي.

* المسألة الثانية - حكم صرف الزكاة أو الصدقة الواجبة على بني هاشم عند المذاهب الاخرى.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول في ما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

* المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

• المبحث الثاني: الصدقة المندوبة.

* المسألة الأولى: الصدقة في اللغة والشريعة.

* المسألة الثانية: الصدقة المندوبة في المذهب الإمامي.

* المسالة الثالثة - أحكام الصدقة المندوبة في المذاهب الاخرى.

* المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

* المسألة الرابعة: قاعدة فقهية (في كون السبب فعليا غير منصوب من الشارع بالأصالة ولكن دلّ عليه القرائن الحالية والمقالية).

* المسألة الخامسة: ما ورد في الأحاديث من شروح نهج البلاغة.

ص: 10

الفصل الأول : «في تعريف الزكاة وأصل وجوبها وحرمة منعها»

اشارة

ص: 11

ص: 12

المبحث الأول تعريف الزكاة في اللغة واصطلاح المتشرعة

نتناول في هذا المبحث تعريف الزكاة في اللغة والشرع، ثم نعرّج بعد ذلك على تمكنا من إحصائه من نصوص لمولى الموحدين وأمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في كتاب نهج البلاغة ضمن فريضة الزكاة.

المسألة الاولى: تعريف الزكاة لغة:

يعود لفظ (الزكاة) إلى جذر (زکا) وهي عند أهل اللغة بمعنى: النماء والتطهير والازدياد والصلاح؛ إلا انها تكون من حيث النماء ألصق، ومن حيث التطهير ألصق بالبدن والمال، ومن حيث الصلاح ألصق بالنفس والسلوك.

قال الفراهيدي (ت 175 ه):

(الزكوات: جمع الزكاة؛ وزكاة المال تطهيره، والزكاة: الصلاح، تقول: رجل زكي، (تقي)؛ ورجال أزکياء: أتقياء. وزكا الورع یزکو زکاء: ازداد ونما، وكل شيء ازداد ونما فهو یزکو زكاء)(1).

ص: 13


1- کتاب العين: ج 5 ص 394

وقال ابن سيدة (ت 485 ه):

(حقيقة الزكاة الزيادة، يقال زكا، يزكو، زکاءً، وزکی تزکی وزکَّاه)(1).

وقال ابن منظور (ت: 711 ه):

(زكا: ممدود، - أي بالألف الممدود - النّماء والربَّعُ، زكا يزكو زكاء وزكوا؛ وفي حديث علي - (عليه السلام):

«المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق».

فاستعار له الزكاء وإن لم يك ذا جرم، وقد زكاه الله وأزكاه.

والزّكا: ما اخرجه الله من الثمر.

وأرض زكية: طيِّبةٌ سمينة؛ حكاه أَبو حنيفة.

زكا، والزَّرع يَزكو زَكاء، ممدود، أَي نما.

وأَزكاه الله، وكلُّ شيء يزداد ويَنمي فهو يَزكو زكاء وتقول: هذا الأَمر لا يَزكو بفلان زَكاء أَي لا يليق به؛ وأَنشد:

والمالُ يَزكوبك مُستَكبراً *** يَختال قد أَشرق للناظِر(2)

ابن الَأنباري في قوله تعالى: «وحَناناً مِن لَدُنَّا وزَكَاةً» معناه وفعلنا ذلك رحمةً لأَبويه وتَزكِيةً له؛ قال الأَزهري: أَقام الاسم مُقامَ المصدر الحقيقي.

والزَّكاةُ: الصلاحُ.

ورجل تقيٌّ زَكِيٌّ أَي زاكٍ من قوم أَتقياء أَزكِياء، وقد زَكا زَكاء وزُکُوّاً

ص: 14


1- المخصص: ج 4 ق 1 (السفر الثالث عشر) ص 89
2- قوله [أشرق] كذا في الأصل بالقاف، وفي التهذيب بالفاء

وزَكِيَ وتَزَکَّی، وزَکَّاه الله، وزَکَّی نفسَه تَزكِيةً: مدَحها.

وفي حديث زينبَ: كان اسمُها بَرَّةَ فغيَّره وقال تُزَكِّي نفسَها.

وزَکَّی الرجل نفسَه إِذا وصفها وأَثنى عليها.

والزَّكاةُ: زَكاةُ المال معروفة، وهو تطهيره، والفعل منه زَکَّی یُزَکِّی تَزكِيةً إِذا أَدّى عن ماله زَكاته غيره: الزَّكاة ما أَخرجته من مالك لتهطره به، وقد زَکَّی المالَ.

وقوله تعالى:

«وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»

قالوا: تُطهِّرُهم.

قال أَبو علي: الزَّكاةُ صفوةُ الشيء.

وزَکَّاه إِذا أَخذ زَكاتَه.

وتَزَكَّى أي تصدَّق.

وفي التنزيل العزيز: «وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ»

قال بعضُهم: الذين هم للزكاة مُؤتُون، وقال آخرون: الذين هم للعمل الصالح فاعِلُون، وقال تعالى: خيراً منه زَكاةً؛ أَي خيراً منه عملاً صالحاً، وقال الفراء: زَكاةً صلاحاً، وكذلك قوله عز وجل: «وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً» قال: صلاحاً.

أَبو زيد النحوي في قوله عز وجل: «وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ»

ص: 15

وقرئ ما زَکَّی منکم، فمن قرأَ ما زَکا فمعناه ما صلح منكم، ومن قرأَ ما زَکَّی فمعناه ما أَصلح، ولكن الله يُزَکِّي من يشاء أَي يُصلح، وقيل لما يُخرَج من المال للمساكين من حقوقهم زَكاةٌ لأَنه تطهيرٌ للمال وتَثميرٌ وإِصلاحٌ ونماء، كل ذلك قيل، وقد تكرر ذكر الزكاۃِ والتَّزكِيةِ في الحديث، قال: وأَصل الزكاة في اللغة الطهارة والنَّماء والبَركةُ والمَدح وكله قد استعمل في القرآن والحديث، ووزنها فَعَلةٌ كالصَّدَقة، فلما تحرَّكت الواو وانفتحُ ما قبلها انقلبت أَلفاً، وهي من الأَسماء المشتركة بين المُخرَج والفعل، فيطلق على العين وهي الطائفة من المال المُزَكَّی بها، وعلى المَعنى وهي التَّزكِيَة؛ قال: ومن الجهل بهذا البيان أَتی من ظلم نفسَه بالطعن على قوله تعالى:

«وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ» ذاهباً إِلى العين، وإِنما المراد المعنى الذي هو التَّزكِيةُ، فالزَّكاة طُهرةٌ للأَموال وزَكاةُ الفِطرِ طهرةٌ للأَبدان.

وفي حديث الباقر - (عليه السلام) - أَنه قال:

«زَكاةُ الأَرض یُبسُها»، يريد طَهارَتهَا من النجاسة كالبول وأَشباهه بأَن يجف ويذهب أَثرُه)(1).

المسألة الثانية: تعريف الزكاة في المذهب الإمامي.

اختلف الفقهاء في تعريف الزكاة وابدى كل واحد منهم تعریفاً لها، وفي ذلك يقول المحقق البحراني (ت: 1186 ه):

(أختلف الفقهاء في تعريفها بما لا يكاد يسلم واحد منها في المناقشة،

ص: 16


1- لسان العرب ج 14 ص 358

وليس في التعرض لها نريد فائدة، والأمر في التعريف هين بعد وضوح المعرَّف في حد ذاته)(1).

ولكن التزاماً بمنهج الكتاب لا بد من ذكر تعريفها عند فقهاء المذاهب الإسلامية واقتطاف ثمار جهودهم العلمية فكانت كالاتي:

أولاً: الشيخ الطوسي (ت 460 ه):

قال (عليه رحمة الله ورضوانه):

(الزكاة في اللغة: هي النمو، يقال زكى الزرع إذا نمى، وزكى الفرد إذا صار زوجاً فشُبة في الشرع اخراج بعض المال زكاة؛ مما يؤول إليه من زيادة الثواب.

وقيل ايضاً: إن الزكاة هي التطهير لقوله تعالى: «أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً» أي: طاهرة من الذنوب، فشبه اخراج المال زكاة من حيث تُطهر ما بقي، ولا ذلك لكان حراماً من حيث أن فيه حقاً للمساكين.

وقيل: تطهر المالك من مآثم مالها)(2).

ثانيا: العلامة الحلي (ت 726 ه):

قال (عليه رحمة الله ورضوانه):

(الزكاة، شرعاً: الحق الواجب في المال الذي يعتبر فيه النصاب، وسمي

ص: 17


1- الحدائق الناظرة: ج 12 ص 3
2- المبسوط: ج 1 ص 190

زكاة لازدياد الثواب والثماره وطهارته من حق المساكين)(1).

ثالثا - الشهيد الاول (محمد بن مكي العاملي)(ت 786 ه):

قال (عليه رحمة الله ورضوانه) في معنى الزكاة:

(وهي مصدر زكا إذا نما، فإن اخراجه يستجلب بركة في المال وتنمية، وللنفس فضيلة الكرم، أو من زكا بمعنى: طهر فإنها تطهر المال من الخبث والنفس من البخل.

وشرعاً: قدر معين يثبت في المال، أو في الذمة للطهارة والنماء)(2).

وقال في الدروس: (وهي الصدقة المقدرة بالأصالة ابتداءً)

رابعا - الشيخ الجواهري (محمد حسن النجفي)(ت 1266 ه):

قال (عليه رحمة الله ورضوانه) في معنى الزكاة:

(هي لغة: الطهارة، ومنه: «أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً»؛ «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا».

والنمو، ومنه: «ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ»، لأولوية التأسيس من التأكيد.

وعن الشهيد أنها قد تطلق على العمل الصالح؛ قلت: لعل منه

ص: 18


1- تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 5
2- البيان (ط ج): ص 273

«وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا»(1). «خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً»(2). «مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً»(3).

إلا أن الظاهر كون ذلك على جهة المجاز، شرعاً على وجه الحقيقة بناء على الأصح من ثبوتها مطلقاً، أو فيها وفي أختها وما شابههما أو جهة المجاز الشرعي أسم لحق يحب في المال يعتبر في وجوبه النصاب کما في المعتبر والتذكرة.

أو صدقة مقدرة بأهل الشرع ابتداء كما في المسالك والدروس؛ أو في صدقه متعلقة بنصاب بالأصالة كما في كنز العرفان؛ أو قدر معين يثبت فيه المال أو في الذمة للطهارة والنماء کما في البيان.

وقيل: إنها اخراج بعض المال لينمو الباقي وتزيد لصاحبه الدرجات ويطهر المال من الحرام وصاحبه من المذام)(4).

فهذه مجموعة من اقوال فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) في تعريف الزكاة ويليها اقوال فقهاء المذاهب الإسلامية الاخرى، وهي كالاتي:

المسألة الثالثة: تعريف الزكاة في المذاهب الاخرى:

أولا: المذهب الزيدي.

قال أحمد المرتضى (ت: 840 ه) في تعريف الزكاة:

(هي في اللغة مأخوذة من الزكاة الذي هو الزيادة لما يحصل من الثواب

ص: 19


1- مریم: 31
2- الكهف: 81
3- مریم: 31
4- جواهر الكلام: ج 15 ص 2

وبركة المال، وإن كانت نقصان جزء منه ولهذا يقال زكا الزرع إذا نما، وقيل مأخوذة من التزكية التي هي التطهير لما كان تطهر صاحبها من المأثم.

وفي الشرع: اخراج جزء معلوم من مال مخصوص مع شرائط)(1).

ثانيا: تعريف الزكاة في المذهب الشافعي:

1- ذكر الحافظ النووي (ت: 676 ه) في المجموع:

فقال: (قال أبو الحسن الواحدي: الزكاة تطهير للمال واصلاح له وتمييز وانماء كل ذلك قد قيل، قال: والأظهر أن اصلها من الزيادة، يقال: زكا الزرع يزكو زكاء ممدود وكل شيء ازداد فقد زكا قال والزكاة أيضا الصلاح وأصلها من زيادة الخير يقال رجل زكي أي زائد الخير من قوم أزكياء وزكي القاضي الشهود إذا بين زيادتهم في الخير وسمي ما يخرج من المال للمساكين بإيجاب الشرع زكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه وتوفره في المعنى وتقيه الآفات هذا كلام الواحدي.

(وأما) الزكاة في الشرع فقال صاحب الحاوي وآخرون: هو اسم لأخذ شيء مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة.

(وأعلم) ان الزكاة لفظة عربية معروفة قبل ورود الشرع مستعملة في اشعارهم وذلك أكثر من أن يستدل له قال صاحب الحاوي وقال داود الظاهري لا أصل لهذا الاسم في اللغة وإنما عرف بالشرع قال صاحب الحاوي وهذا القول وإن كان فاسدا فليس الخلاف فيه مؤثرا في أحكام الزكاة:

ص: 20


1- شرح الازهار: ج 1 ص 447

قال المصنف رحمه الله:

(الزكاة ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه، والأصل فيه قوله عز وجل:

«وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»، وروى أبو هريرة قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالسا؛ فأتاه رجل فقال يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال:

«الإسلام: أن تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم شهر رمضان»، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«ردوا على الرجل»؛ فلم يروا شيئا؛ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم».

الشرح:

هذا الحديث رواه البخاري ومسلم، وتقدم بيان اللغات في جبريل في مواقيت الصلاة، وقوله عز وجل:

«وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ»، قال العلماء:

اقامتها ادامتها والمحافظة عليها بحدودها، يقال قام بالإمر واقامه إذا أنى به موفيا حقوقه.

قال أبو علي الفارسي: أشبه من أن تفسر بيمونها والمراد جنس الصلاة الواجبة، وذكر أصحابنا في كتب الأصول والفروع خلافا في هذه هل هي مجملة أم لا؟؛ فقالوا قال أبو إسحاق المروزي وغيره من أصحابنا: هي مجملة.

ص: 21

قال البندنيجي: هذا هو المذهب؛ لإن الزكاة لا تجب إلا في مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا ويجب قدر مخصوص وليس في الآية بيان شيء من هذا فهي مجملة بينتها السنة إلا أنها تقتضي أصل الوجوب.

وقال بعض أصحابنا: ليست مجملة بل هي عامة بل كل ما تناوله اسم الزكاة؛ فالآية تقتضي وجوبه والزيادة عليه تعرف بالسنة.

قال القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون من أصحابنا فائدة الخلاف إنا إذا قلنا مجملة فهي حجة في أصل وجوب الزكاة ولا يحتج بها في مسائل الخلاف، وإن قلنا ليست مجملة كانت حجة في صل وجوب الزكاة وفى مسائل الخلاف تعلقا بعمومها والله أعلم.

(وأما) قوله (صلى الله عليه وآله) «وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة» فخالف بين اللفظين لقول الله تعالى:

«إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ».

وثبت في أحاديث كثيرة وصف الصلاة بالمكتوبة لحديث: خمس صلوات كتبهن الله وحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وسمي الزكاة مفروضة لأنها مقدرة ولأنها تحتاج إلى تقدير الواجب ولهذا سمي ما يخرج في الزكاة فرائض.

وفى الصحيحين فرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدقة الفطر، وفي صحيح البخاري في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذه فريضة الصدقة، وقيل غاير بين اللفظين لئلا يتكرر اللفظ والفصاحة والبلاغة تمنع

ص: 22

تكريره والله أعلم)(1).

2- أحمد الشربيني (ت 977 ه):

قال:الزكاة: (شرعاً اسم لقدر مخصوص من مال مخصوص يجب صرفه لأصناف مخصوصة بشرائط، وسميت بذلك لإن المال ينمو ببركة إخراجها ودعاء الآخذ لها، ولأنها تطهر مخرجها من الأثم وتمدحه حتى تشهد له بصحة الايمان)(2).

ثالثا: تعريف الزكاة في المذهب المالكي.

قال الحطاب الرعيني (ت 954 ه):

في مناسبة المعنى اللغوي الشرعي (من حيث كونه سبيا لنمو المال المخرج منه وطهرة للمخرج من الاثم.

وفي الشرع، قال ابن عرفة: الزكاة اسم جزء من المال شرطه لمستحقه ببلوغ المال نصاباً، ومصدر اخراج جزء إلى آخر)(3).

رابعا: تعريف الزكاة في المذهب الحنفي.

قال السرخسي الحنفي (ن 483 ه):

(سميت الزكاة، زكاة لأنها سبب زيادة المال بالخلف في الدنيا والثواب في الآخرة، قال الله تعالى: «وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ».

ص: 23


1- المجموع للنووي: ج 5 ص 324 - 326
2- الاقناع في حل ألفاظ ابي شجاع: ج 1 ص 195
3- مواهب الجليل للحطاب الرعيني: ج 3 ص 80

وقيل ايضاً: انها عبارة عن الطهر، قال الله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»(1).

خامسا: تعريف الزكاة في المذهب الحنبلي.

قال ابن قدامة المقدسي (ت: 620 ه):

(الزكاة: في الزكاء والنماء والزيادة، سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه؛ يقال: زكا الزرع إذا كثر ريعه، وزكت النفقة إذا بورك فيها، وهي في الشريعة:

حق يجب في المال، فعند اطلاق لفظها في موارد الشريعة ينصرف إلى ذلك)(2).

سادسا: تعريف الزكاة في المذهب الإباضي.

قال محمد أطفيش (ت: 1332 ه) في تعريف الزكاة شرعاً:

(ما يخرج من مال أو بدن على وجه مخصوص لطائفة مخصوصة بالنية)(3).

فهذه جملة من التعاريف الواردة في كتب فقهاء المذاهب السبعة حول الزكاة والتي يتعذر الخروج عبرها بتعريف جامعٍ مانعٍ للزكاة يحظى بموافقة الجميع.

أما مسألة وجوبها في الشريعة فكانت لهم فيها أقوال متعددة نوردها بحسب السياق الذي اتبعناه في منهج الكتاب وهو ما سنتناوله في المبحث الاتي:

ص: 24


1- المبسوط للسرخسي: ج 2 ص 150
2- المغني لابن قدامة: ج 2 ص 433
3- شرح كتاب النيل وشفاء العليل: ج 3 ص 5

المبحث الثاني أصل وجوب الزکاة عند الفقهاء في المذاهب الإسلامیة

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«ثُمَّ إِنَّ اَلزَّکَاةَ جُعِلَتْ مَعَ اَلصَّلاَةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ، فَمَنْ أَعْطَاهَا طَیِّبَ اَلنَّفْسِ بِهَا، فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ کَفَّارَةً، وَ مِنَ اَلنَّارِ حِجَازاً وَ وِقَایَةً، فَلاَ یُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ، وَ لاَ یُکْثِرَنَّ عَلَیْهَا لَهَفَهُ، فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَیْرَ طَیِّبِ اَلنَّفْسِ بِهَا، یَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، مَغْبُونُ اَلْأَجْرِ، ضَالُّ اَلْعَمَلِ، طَوِیلُ اَلنَّدَمِ»(1).

والحديث الشريف يكشف عن وجوب الزكاة وآثارها في الدنيا والآخرة وما تعود به على صاحبها؛ وقد تناول فقهاء المذاهب الإسلامية أصل وجوبها في كتبهم الفقهية فكانت أقوالهم على النحو الآتي:

المسألة الاولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي.

نورد بعض أقوال فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) في أصل وجوب الزكاة ثم نتبعها بأقوال بقية المذاهب الإسلامية في المسالة القادمة من المبحث،

ص: 25


1- نهج البلاغة، الخطبة 199، ج 2 ص 488 بتحقيق الشيخ قيس العطار، العتبة العلوية المقدسة، وبتحقيق صبحي الصالح: ص 317

فكانت بعض أقوالهم على النحو الآتي:

أولاً: الشهيد الأول (محمد بن مكي العاملي) (ت: 786 ه):

قال (رحمه الله) في وجوب الزكاة:

(ووجوبها بالكتاب، والسنة، والإجماع؛ ويكفر مستحل تركها إلا أن يدعي الشبهة المحتملة.

ويقاتل مانعها لا مستحلها حتى يدفعها ولا تباح أمواله وذريته، ولا يؤخذ منه زيادة على الواجب.

وقول الصادق (علیه السلام):

«من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم»(1).

محمول على المستحل أو على نفي كمال الايمان والإسلام، بناء على إطلاقهما على الأعمال، وثوابها عظيم.

قال النبي (صلى الله عليه وآله):

«من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخي الناس»(2).

وقال الصادق (عليه السّلام):

«إن أحب الناس إلى الله عزّ وجلّ أسخاهم كفاً، وأسخى الناس من أدّى زكاة ماله»(3).

ص: 26


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1 ص 34 حدیث 137
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 34 حدیث 137
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 4 حديث 6

وقال الكاظم (عليه السّلام):

«من أخرج زكاة ماله تاماً فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله»(1). وعقاب تركها عظيم.

روى أبو ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله):

«ما من رجل له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها، إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما يكون واسمنه، تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أوليها حتى يقضى بين الناس»(2).

وقال الصادق (عليه السّلام):

«ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله، إلا حبسه الله الله يوم القيامة بقاع قرقر - أي أملس - وسلَّط عليه شجاعاً أقرع فيقضم يده ثم يصير طوقاً في عنقه. وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر، يطؤه كل ذات ظلف، وتنهشه كل ذات ناب. وما من ذي نخل أو كرم أو زرع منع زكاته، إلا طوّقه الله عزّ وجلّ ريعة أرضه إلى سبع أرضين»(3).

ثانياً: العلامة الحلي (ت: 726 ه):

قال في وجوب الزكاة:

(ووجوبها معلوم من الكتاب والسنة والاجماع.

ص: 27


1- الكافي: ج 3 ص 504 حديث 9
2- صحیح مسلم: ج 2 ص 686 حديث 990، وفيه تقديم وتأخير في الألفاظ
3- الكافي: ج 3 ص 505 حديث 19، من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 5 حديث 10

قال الله تعالى: «وَآتُوا الزَّكَاةَ»(1).

ولما بعث النبي (صلى الله عليه وآله) معاذا إلى اليمن، فقال:

«أعلمهم من الله ان الله افترض عليهم صدقة تؤاخذ من أغنياهم فترد في فقرائهم».

وأجمع المسلمون كافة على وجوبها في جميع الامصار، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة.

فمن أنكر وجوبها من ولد على الفطرة ونشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل من غير أن يستتاب وان لم يكن عن فطرة، بل أسلم عقيب كفر أستتيب - مع علم وجوبها - ثلاثاً، فإذ تاب وإلا فهو مرتد وجب قتله.

وإن كان ممن يخفى وجوبها عليه، لأنه نشا بالبادية، أو كان قريب العهد بالإسلام عُرّف وجوبها عليه ولم يحكم بكفره)(2).

ثالثاً: السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 ه):

قال (عليه رحمة الله ورضوانه) في تعليقته على العروة الوثقى:

(قال السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان): (ووجوبها من ضروريات الدين، ومنكره مع العلم كافر)(3).

فجاء تعلقيه (قدس سره) على هذا القول:

ص: 28


1- البقرة 43
2- تذكرة الفقهاء (ط ج) للعلامة: ج 5 ص 8
3- العروة الوثقى للسيد اليزدي: ج 4 ص 6

(لا اشكال لما لا خلاف بين المسلمين في وجوب الزكاة على كل مكلف مع استجماع الشرائط الآتية في الجملة، وقد نطق به الكتاب العزيز، بل قورنت الزكاة في غير واحد من الآيات الكاشفة عن مزيد العناية والاهتمام الأكيد بشأنها، والاخبار بها متظافرة، بل متواترة، بل قد عدت بعضها من مباني الإسلام على حد الصلاة والصيام، فهي إذا من ضروريات الدين الموجب لإندراج منكره في سلك الكافرين)(1).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في وجوب الزكاة.

جاءت أقوال الفقهاء في المذاهب الإسلامية متباينة من حيث السعة والاختصار وقد اجمعوا جميعا على وجوبها إلا ان الفارق فيما اوردوه هو التيمن في الاستشهاد بالآيات والأحاديث النبوية المباركة ومن ثم فتح الباب لطلبة العلوم الشرعية في كيفية الرجوع إلى القران والأحاديث الشريفة في الاحكام فكانت اقوالهم كالاتي:

أولاً- المذهب الزيدي.

1- قال إمام الزيدية يحيى بن الحسين (ت: 298 ه) في وجوب فريضة الزكاة:

(بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - (عليه السلام) - أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«لا تتم صلاة إلا بزكاة ولا تقبل صدقة من غلو».

ص: 29


1- کتاب الزكاة السيد الخوئي: شرح ص 5

وبلغنا عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«مانع الزكاة وآكل الربا حرباي في الدنيا والآخرة».

وبلغنا عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه دعا ابنه الحسن حين حضره الموت فقال:

«أوصيك بإتاء الزكاة عند محلها فإنه لا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة».

وبلغنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«الزكاة هي قنطرة الإسلام».

قال يحيى بن الحسين: الزكاة فرض من الله عز وجل على كل إنسان كفرض الصلاة لا يتم لاحد الايمان إلا بأدائها، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ»(1)؛ وقال عز وجل:

«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»(2). وقال:

«وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»(3).

فسماهم المشركين لتركهم لأداء زكاتهم ولرفض إخراج ما أمرهم الله بإخراجه من أموالهم ثم أمر تبارك وتعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) بالأخذ للصدقة من أموالهم فقال:

«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ

ص: 30


1- البقرة 43
2- السنة 5
3- فصلت 6 - 7

سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1) فأوجب الله بذلك على النبي (صلى الله عليه وآله) أخذها وعلى المؤمنين إخراجها ودفعها؛ ثم قال:

«وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2).

فوجب على الأمة بذلك قبول ما أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) به، وفعل ما أمرهم بفعله، ثم فسر (صلى الله عليه وآله) عن الله تبارك وتعالى ما أوجب على الأمة في الزكاة من فرضها، وبين في كم يؤخذ، ومتى يؤخذ، ومن كم يؤخذ، وعفی عن القليل ألا أن يبلغ الحد الذي حده (صلى الله عليه وآله) وجعله، وعفی عن الأوقاص وهي ما بين الفريضتين إلى مبلغ العددين من الحيوان)(3).

2- قال الشيخ احمد المرتضى (ت: 840 ه) في الدليل على وجوبها:

(والدليل عليها من الكتاب قوله تعالى: «وَآتُوا الزَّكَاةَ»، ومن السنة بني الإسلام على خمس....» الخبر.

والاجماع منعقد على وجوبها على سبيل الجملة)(4).

ثانيا: المذهب المالكي.

قال الخطاب الرعيني (ت: 954 ه) في مواهب الجليل في أصل وجوب الزكاة:

ص: 31


1- التوبة 103
2- الحشر 7
3- الأحكام ليحیی بن الحسين: 169 - 170
4- شرح الأزهر لاحمد المرتضى: ج 1 ص 447

(وعلم وجوبها لغير حديث الإسلام ضروري)(1).

ثالثا: المذهب الحنفي.

1- السرخسي (ت: 483 ه).

قال السرخسي في المبسوط في أصل وجوب الزكاة:

(وهي فريضة مكتوبة وجبت بإيجاب الله تعالى فإنها في القرآن ثالثة الايمان قال الله تعالى:

«فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ».

وفي السنة هي من جملة أركان الدين الخمس، قال (صلى الله عليه وآله):

«بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا».

فاصل الوجب ثابت بإيجاب الله تعالى، وسبب الوجوب ما جعله الشرع سبب وهو المال؛ قال الله تعالى:

«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً»، ولهذا يضاف الواجب إليه فيقال زكاة المال، والواجبات تضاف إلى أسبابها؛ ولكن المال سبب باعتبار غني المالك.

قال النبي (صلى الله عليه وآله) لمعاذ:

«أعلمهم ان الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم».

والغني لا يحصل إلا بمال مقدر؛ وذلك هو النصاب الثابت بیان صاحب

بدم مه ملال

ص: 32


1- مواهب الجليل: ج 3 ص 80

الشرع، والنصاب إنما يكون سببا باعتبار صفة النماء فان الواجب جزء من فضل المال.

قال الله تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ»، أي الفضل فصار السبب النصاب التامي ولهذا يضاف إلى النصاب والى السائمة يقال زكاة السائمة وزكاة التجارة والدليل عليه أن الواجب يتضاعف بتضاعف النصاب فان قيل الزكاة تتكرر في النصاب الواحد بتكرر الحول ثم الحول شرط وليس بسبب قلنا التكرر باعتبار تجدد النمو فان النماء لا يحصل الا بالمدة فقدر ذلك | الشرع بالحول تيسيرا على الناس فيتكرر الحول بتجدد معنى النمو ويتجدد وجوب الزكاة باعتبار تجدد السبب)(1).

2- السمرقندي (ت: 539 ه).

قال السمرقندي في تحفة الفقهاء في أصل وجوب الزكاة:

(إنها تثبت فرضيتها في الكتاب، والسنة، والاجماع)(2).

رابعاً: المذهب الشافعي.

1- النووي (ت: 676 ه).

قال الحافظ النووي في المجموع في أصل وجوب الزكاة:

(الزكاة ركن من اركان الإسلام وفرض من فروضه والأصل فيه قوله عز وجل (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وروى أبو هريرة قال:

ص: 33


1- المبسوط: ج 2 ص 149 - 150
2- تحفة الفقهاء: ج 1 ص 263

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالسا فأتاه رجل فقال یا رسول الله ما الإسلام؟ قال:

(«الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان» ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ردوا على الرجل فلم يروا شيئا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم»).

(الشرح): هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وتقدم بيان اللغات في جبريل في مواقيت الصلاة وقوله عز وجل (وأقيموا الصلاة) قال العلماء اقامتها ادامتها والمحافظة عليها بحدودها يقال قام بالامر واقامه إذا أنی به موفیا حقوقه قال أبو علي الفارسي أشبه من أن تفسر بیتمونها والمراد جنس الصلاة الواجبة وذكر أصحابنا في كتب الأصول والفروع خلافا في هذه هل هي مجملة أم لا فقالوا قال أبو إسحاق المروزي وغيره من أصحابنا هي مجملة قال البندنيجي هذا هو المذهب لان الزكاة لا تجب إلا في مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا ويجب قدر مخصوص وليس في الآية بيان شئ من هذا فهي مجملة بينتها السنة الا أنها تقتضي أصل الوجوب وقال بعض أصحابنا ليست مجملة بل هي عامة بل كل ما تناوله اسم الزكاة فالآية تقتضي وجوبه والزيادة عليه تعرف بالسنة قال القاضي أبو الطيب في تعليقه وآخرون من أصحابنا فائدة الخلاف انا إذا قلنا مجملة فهي حجة في أصل وجوب الزكاة ولا يحتج بها في مسائل الخلاف وان قلنا ليست مجملة كانت حجة في صل وجوب الزكاة وفي مسائل الخلاف تعلقا بعمومها والله أعلم.

ص: 34

(وأما) قوله (صلى الله عليه وآله) وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة فخالف بين اللفظين لقول الله تعالى:

«إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»

وثبت في أحاديث كثيرة وصف الصلاة بالمكتوبة لحديث خمس صلوات كتبهن الله وحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وسمي الزكاة مفروضة لأنها مقدرة ولأنها تحتاج إلى تقدير الواجب ولهذا سمي ما يخرج في الزكاة فرائض وفي الصحيحين فرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) صدقة الفطر.

وفي صحيح البخاري في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه فريضة الصدقة وقيل غایر بين اللفظين لئلا يتكرر اللفظ والفصاحة والبلاغة تمنع تكريره والله أعلم.

(وأما) قول المصنف الزكاة ركن وفرض فتوکيد وبيان لكونه يصح تسمية الزكاة ركنا وفرضا وقد استعمل المصنف مثل هذه العبارة في الصوم والحج والله أعلم.

واما حكم المسألة فالزكاة فرض ورکن بإجماع المسلمين وتظاهرت دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة على ذلك والله أعلم)(1).

2- زكريا الأنصاري (ت 936 ه).

قال زكريا الأنصار في أصل وجوب الزكاة:

ص: 35


1- المجموع: ج 5 ص 325 - 326

والأصل في وجوبها قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: «وَآتُوا الزَّكَاةَ»، «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً».

وأخبار خبر: «بني الإسلام على خمس....»(1).

خامساً: المذهب الحنبلي.

1- ابن قدامة المقدسي (ت 620 ه).

قال ابن قدامة المقدسي في أصل وجوب الزكاة:

(وهي واجبة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - (صلى الله عليه وآله) - وجماع أمته؛ أما الكتاب فقول الله تعالى: «وَآتُوا الزَّكَاةَ».

وأما السنة، فان النبي (صلى الله عليه وآله) بعث معاذاً إلى اليمن فقال:

«علمهم أن الله أقترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياهم فترد في فقرائهم».

متفق عليه ي آية واخبار سوى هذين، واجمع المسلمون في جميع الاعصار على وجوبها)(2).

2- الشافعي الصغير (ت 1004 ه).

قال الشافعي الصغير في أصل وجوب الزكاة:

(وأصل وجوبها قبل الاجماع آیات، قوله تعالى: «وآتوا الزكاة» واخبار، خبر: «بني الإسلام على خمس»، ومن ثم كانت أحد أركان الإسلام)(3).

ص: 36


1- فتح الوهاب: ج 1 ص 179
2- المغني: ج 2 ص 4333 - 434
3- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ج 3 ص 3

والمسروق، وغيرها من العديد من مسائلها وأحكامها، ونحن في هذا الكتاب نلتزم بما ورد في كتاب نهج البلاغة حصراً ومقارنته مع اقوال فقهاء المذاهب الإسلامية.

سادساً: المذهب الإباضي.

قال الشماخي:

(والزكاة فريضة واجبة من التنزيل، مقرونة بالصلاة ثم بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) قسمتها وما تجب فيه من الأموال، وكم تجب، ومن کم تجب، ومتى لا تجب.

أما الكتاب فقول الله تعالى:

«وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»(1)

وقوله تعالى:

«فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ»(2).

قيل: أنها الزكاة، ومن السنة ما روي من طريق ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

«مانع الزكاة يقتل».

روى أبو عبيدة عن جابر بن زيد، قال:

ص: 37


1- النساء: 77
2- الماعون: 4، 5، 6، 7

(بلغني أن أبا بكر قال: لو منعوا عني عقالاً مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه حتى ألحق بالله).

وأما الاجماع فإنه لم ينقل إلينا في ذلك من أحدٍ خلاف علمناه)(1).

المسالة الثالثة: خلاصة القول فيما اورده فقهاء المذاهب في الاسالة.

يتضح من أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية:

1- إن الاصل في وجوبها هو ما جاء من نصوص صريحة في القران والسنة فكان نتيجة طبيعية لتحقيق الاجماع على وجوبها.

2- إلا أن الخلاف وقع في تكفير منكر الزكاة:

أ- فعند الامامية منكره مع العلم كافر، ولا يحكم بكفره المانع مع اعتقاد وجوبها.

ب- وقال أحمد: انه يكفر لقتاله عليها.

ج- وبه قال: الإباضية، واستندوا في ذلك لفعل ابي بكر في قتاله مانعي الزكاة، کما سیمر تفصيله في المبحث القادم.

ولذا:

تقتصر هنا على ما جاء في أصل وجوبها ثم نعرجّ إلى بيان ما جاء في شرح هذا النص الشريف عند شراح نهج البلاغة وذلك سيراً مع منهج الكتاب الذي اتبعناه، فكانت بعض هذه الشروح، كالاتي:

ص: 38


1- کتاب الايضاح: ج 2 ص 5 - 6

المسالة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

ونبدأ أولاً: بالمعتزلي ثم نتبعه بحبيب الله الخوئي.

وهي كالاتي:

أولاً: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه).

بسط المعتزلي القول في شرح النص الشريف وبيان معانيه، مصدراً ذلك بعنوان أسماه ب (ذكر الاثار الواردة في فضل الزكاة والتصدق) فجاء فيه قوله:

(وقد جاء في فضل الزكاة الواجبة وفضل صدقة التطوع الكثير جداً، ولو لم يكن إلا أن الله تعالى قرنها بالصلاة في أكثر المواضع التي ذكر فيها الصلاة لكفي.

وروى بريدة الأسلمي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

«ما حبس قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر».

وجاء في الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونهما في سبيل الله ما جاء في الذكر الحكيم، وهو قوله تعالى:

«يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ...»(1) الآية، قال المفسرون: إنفاقها في سبيل الله إخراج الزكاة منها.

وروى الأحنف قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملا من قريش، إذ جاء رجل خشن الجسد، خشن الثياب، فقام عليهم، فقال:

ص: 39


1- التوبة: 35

بشر الكانزین برضف(1) يحمي عليها في نار جهنم، فتوضع على حلمة ثدي الرجل حتى تخرج من نغض(2). كتفه، ثم توضع على نغض كتفه حتی تخرج من حلمة ثديه، فسألت عنه فقيل: هذا أبو ذر الغفاري، وكان يذكره ويرفعه. ابن عباس يرفعه: (من كان عنده ما یزکی فلم يزك، وكان عنده ما يحج فلم يحج سأل الرجعة، يعني قوله: (رب ارجعون).

أبو هريرة: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله): أي الصدقة أفضل؟ فقال:

«أن تعطى وأنت صحیح، شحيح، تأمل البقاء، وتخشى الفقر، ولا تمهل، (حتى إذ بلغت الحلقوم) قلت: لفلان كذا ولفلان كذا»(3).

وقيل للشبلي: ما يجب في مائتي درهم؟ قال: أما من جهة الشرع فخمسة، وأما من جهة الاخلاص فالكل.

أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعض نسائه أن تقسم شاة على الفقراء فقالت: يا رسول الله، لم يبق منها غير عنقها، فقال (عليه السلام): كلها بقي غير عنقها. أخذ شاعر هذا المعنى فقال:

يبكي على الذاهب من ماله *** وإنما يبقى الذي يذهب

السائب: كان الرجل من السلف يضع الصدقة ويمثل قائما بين يدي السائل الفقير ويسأله قبولها، حتى يصير هو في صورة السائل.

ص: 40


1- الرضف: الحجارة المحياة
2- النغص: أعلى الكتف، وقيل هو العظم الرقيق الذي على طرفه
3- ساقط من ب

وكان بعضهم يبسط كفه ويجعلها تحت يد الفقير، لتكون يد الفقير العليا.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله):

«ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله إليه في محلفيه».

وعنه (صلى الله عليه وآله):

«الصدقة تسد سبعين بابا من الشر».

وعنه (صلى الله عليه وآله):

«اذهبوا مذمة السائل ولو بمثل رأس الطائر من الطعام».

كان النبي (صلى الله عليه وآله): (لا يكل خصلتين إلى غيره: لا يوضئه أحد، ولا يعطي السائل إلا بيده).

بعض الصالحين: الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه بغير إذن.

الشعبي: من لم ير نفسه أحوج إلى ثواب الصدقة من الفقير إلى صدقته، فقد أبطل صدقته، وضرب بها وجهه.

كان الحسن بن صالح إذا جاءه سائل، فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن، أعطاه زيتا أو سمنا أو نحوهما مما ينتفع به، فإن لم يكن، أعطاه کحلا، أو خرج بإبرة وخيط وخاط(1) بها ثوب السائل، أو بخرقة يرقع بها ما تخرق من ثوبه.

ووقف مرة على بابه سائل ليلا، ولم يكن عنده ما يدفعه إليه، فخرج

ص: 41


1- ا: (يخيط)

إليه بقصبة في رأسها شعلة، وقال: خذ هذه وتبلغ بها إلى أبواب ناس لعلهم يعطونك)(1).

ثانياً: السيد حبيب الله الخوئي (ت: 1324 ه).

جاء بیانه (رحمه الله) للحديث الشريف وشرفه له في منهاج البراعة فقال:

(كما جعل الله سبحانه الصلاة قرباناً للمسلمين يتقربون بها إليه تعالى، جعل الزكاة أيضا قربانا لهم مثلها.

ويدلّ على ذلك أنّه سبحانه عقّب الأمر بإقام الصّلاة في أكثر آیات کتابه العزيز بالأمر بإيتاء الزّكاة، فجعل الزكاة تالي الصلاة في المطلوبيّة.

ويشهد به أيضا ما في الوسائل عن الصّدوق بإسناده عن المجاشعي عن الرضا (عليه السّلام) عن آبائه عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال:

«بني الإسلام على خمس خصال: على الشّهادتين، والقرينتين، قيل له: أمّا الشهادتان فقد عرفناهما، فما القرينتان قال: الصّلاة والزّكاة، فانّه لا يقبل إحداهما إلَّا بالأخرى، والصيام وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا، وختم ذلك بالولاية».

وقد مضي الكلام في فضلها وعقوبة تاركها وأقسامها في شرح الخطبة المأة والتاسعة بما لا مزيد عليه فليراجع ثمّة.

ولما ذكر كونها قربانا لأهل الإسلام نبّه على شرط قربانیّتها وهو کون اتيانها عن وجه الخلوص وطيب النفس، وسرّ ذلك ما قدّمناه في شرح الخطبة

ص: 42


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 208 - 210

الَّتي أشرنا اليه، ومحصل ما قدّمناه أنّ الإسلام موقوف على توحيد الربّ عزّ وجلّ وكمال توحیده عبارة عن الاخلاص له، ومعنى الاخلاص إفراده بالمعبوديّة والمحبوبيّة واخلاء القلب عن محبّة ما سواه فلا يجتمع محبة المال مع محبّته تعالى.

(ف) علم من ذلك أنّ (من أعطاها طيّب النفس بها) حبّا له تعالى وامتثالا لأمره وابتغاء مرضاته وتقرّبا إليه عزّ وجلّ (فإنها) حينئذ تقرّبه إليه وتوجب حبّه تعالى له والقرب والزّلفي لديه و (تجعل له) من الذّنوب (كفارة ومن النار حجازا ووقاية) أي حاجزا مانعا من النار ووقاية من غضب الجبار.

کما يشهد به ما رواه في الفقيه عن الصادق (عليه السّلام) قال:

«خیارکم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الايمان البرّ بالإخوان، والسعي في حوائجهم، وانّ البارّ بالإخوان ليحبّه الرّحمن، وفي ذلك مرغمة للشيطان، وتزحزح عن النيران ودخول الجنان»

ثمّ قال (عليه السّلام) لجميل: «يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك».

قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي:

قال (عليه السلام): «هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر» ثمّ قال:

«يا جميل اعلم أنّ صاحب الكثير يهوّن عليه ذلك وإنما مدح الله في ذلك صاحب القليل فقال في كتابه «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ»».

» وبعد ذلك (ف) اللَّازم أن (لا يتبعنها أحد) من المعطين لها (نفسه ولا يكثرنّ عليها لهفه) و تحسّره، لأنّ اتباع النّفس وإكثار اللهف كاشف عن محبّته

ص: 43

لها وهو ينافي محبّته تعالى فكيف يتقرّب باعطائها إليه ويبتغي القرب والزّلفي لديه (فانّ من أعطاها) على وجه الاكراه (غير طيّب النّفس بها) والحال أنّه (یرجو) ويتوقّع (بها ما هو أفضل منها) من رضوان الله تعالى والخلد في جنانه (فهو) کاذب في دعوى المحبّة (جاهل بالسّنة) لأنّ السّنة في أدائها أن يكون بطيب النفس، ولذلك مدح الله الباذلين للمال كذلك بقوله:

«وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ».

وقوله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا».

(مغبون الأجر) لأنّ الأجر مترتّب على العمل، فإذا كان العمل لا على وجه الرّضا یکون الجزاء المترتّب عليه كذلك، ومن هنا قيل: کما تدین تدان، وقد قال سبحانه:

«وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ».

(ضالّ العمل) حيث أتابه على غير الوجه المطلوب شرعا (طويل النّدم) في الآخرة على ما فوّته على نفسه من الأجر الجزيل والجزاء الجميل)(1).

ثالثاً: الشيخ محمد جواد مغنية (ت: 1400 ه).

قال (رحمه الله) في بيان معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام):

«ثم أن الزكاة جعلت مع الصلاة قرباناً، إلخ....).

ص: 44


1- منهاج البراعة: ج 12 ص 331 - 332

اي يتقرب بها إلى الله سبحانه؛ حث الإسلام على الزكاة تماما كما حث على الصلاة، لأنه يحرص كل الحرص على الأخوة والتعاون بين الناس، وأقام هذا التعاون على أسس قوية وثابتة، منها أو من أهمها العمل لصالح الأغلبية العظمى التي تتكون من الفقراء والمستضعفين، وتقديمه على صالح الأفراد، والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات. ومن البداهة ان الزكاة ضرب من التعاون و أساس له، ولذا أطلق عليها في عصرنا اسم العدل الاجتماعي أو العدالة الاجتماعية. وكثير من الفقهاء يتجاوزون النسبة المئوية المحددة في الزكاة ويوجبون في أموال الأغنياء كل ما يحتاجه الفقراء.

وقد اشتهر القول عن ابن حزم: «ان للسلطان أن يجبر الأغنياء على أن يقوموا بحاجة الفقراء إن لم تقم الزكاة بهم، فإذا رفض الأغنياء أجبرهم السلطان وحاربهم، وإذا رفض السلطان ذلك حاربهم الفقراء أنفسهم، وكانوا أصحاب حق، وكان السلطان والأغنياء الفئة الباغية». ومعنى هذا ان للفقراء حق الثورة على الأغنياء، وأخذ ما يحتاجون اليه من أموالهم بالقهر والغلبة وبلا ضمان وعوض أيضا. وليس هذا ببعيد عن روح الإسلام الذي قال: ما آمن بالله من بات شبعانا وأخوه جائع. وقال سبحانه:

«وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ»(1).

ص: 45


1- النساء،: 75

ص: 46

المبحث الثالث حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِی أَمْوَالِ اَلْأَغْنِیَاءِ أَقْوَاتَ اَلْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِیرٌ إِلاَّ بِمَا مَنَعَ غَنِیٌّ، وَ اَللَّهُ سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ»(1).

سنتناول انشاء الله تعالى أقوال الفقهاء في المذاهب الإسلامية في حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها، ثم نُعرّج على أقوال شراح نهج البلاغة للوقوف على الجوانب الحكمية والاخلاقية والمعرفية في قوله (عليه الصلاة والسلام) - موضع البحث - فكان كالاتي:

المسألة الاولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها.

تناول فقهاء الإمامية حرمة منع الزكاة في مصنفاتهم وأشبعوها بحثا واستدلالاً وتقصيا؛ وقد أخترنا ثلاثة أقوال بحسب التسلسل الزمني لهؤلاء الفقهاء (عليهم الرحمة والرضوان) فكانت كالاتي:

ص: 47


1- نهج البلاغة، قصار الحكم، الحكمة 319، ص 780 بتحقيق الشيخ قيس العطار، ط العتبة العلوية المقسة، وبتحقيق مع اختلاف في اللفظ صحبي الصالح: ص 533، برقم 328

أولاً: العلامة الحلي (جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي (ت: 726 ه).

جاء قوله (عليه الرحمة والرضوان) في التذكرة في كتاب الزكاة في مقدمة الكتاب مستعرضاً حرمة منعها، وحكم المانع لها، في المسائل الثلاثة الاولى من مسائل المقدمة، وقد تعرض لبيان اقوال بعض المذاهب، فكانت كالاتي:

(مسألة 1: ولو أعتقد وجوبها، ومنعها فهو فاسق يضيف الإمام عليه ويقاتله حتى يدفعها، لأنه حق واجب عليه، فإن أخفى ماله حبسه حتى يظهره، فإذا ظهر عليه أخذ منه قدر الزكاة لا أزيد عند علمائنا أجمع، بل يعزره - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد(1) - لقوله (عليه السلام):

«ليس في المال حق سوى الزكاة»(2).

ولأن منع العبادة لا يوجب عليه مالا كسائر العبادات والكفارات.

وقال الشافعي - في القديم - وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن عبد العزيز: يأخذ مع الزكاة شطر ماله(3)، لقوله (عليه السلام):

«ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل

ص: 48


1- المجموع 5: 336 - 337، المغني 2: 434، الشرح الكبير 2: 668، حلية العلماء 3: 11، الشرح الصغير 1: 236، فتح العزيز 5: 314، المنتقى - للباجي - 2: 94
2- سنن ابن ماجة 1: 570/ 1789، سنن البيهقي 4: 84
3- المهذب للشيرازي: 148، المجموع 5: 334 و 337، حلية العلماء 3: 12، المغني 2: 434 الشرح الكبير 2: 668

محمد فيها شيء»(1).

ولو سلم، فإنه منسوخ فإن العقوبات في ابتداء الإسلام كانت في المال ثم نسخ.

مسألة 2: ولا يحكم بكفر المانع مع اعتقاد وجوبها عند علمائنا، وبه قال عامة أهل العلم(2).

وقال أحمد في رواية: إنه يكفر لقتاله عليها(3). وهو لا يدل على الكفر بل على ارتكاب المحرم، ولأن الزكاة من فروع الدين فلا يكفر تارکها کالحج.

وقال عبد الله بن مسعود: ما تارك الزكاة مسلم(4). وهو محمول على الترك مستحلا.

وعليه يحمل قول الصادق (عليه السلام):

«من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم»، وهو قوله عز وجل: «قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ»(5) وفي رواية أخرى: لا تقبل له صلاة(6).

مسألة 3: ومنعها مع المكنة واعتقاد التحريم يشتمل على إثم كبير، ولا

ص: 49


1- سنن أبي داود 2: 101 / 1575، سنن النسائي 5: 16 - 17 و 25، سنن البيهقي 4: 105، مسند أحمد 5: 2 و 4، المستدرك للحاکم 1: 398
2- المغني 2: 434 و 435، الشرح الكبير 2: 668 و 669، المجموع 5: 334
3- المغني 2: 435، الشرح الكبير 2: 669
4- المغني 2: 435، الشرح الكبير 2: 669
5- المؤمنون: 99 و 100
6- لتهذيب 4: 11/ 326، الكافي 3: 503 ذيل الحديث 3، الفقيه 2: 7/ 19، المقنعة: 43

تقبل صلاته في أول الوقت.

قال الباقر (عليه السلام):

«بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد إذ قال: «قم يا فلان، قم یا فلان، حتى أخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون»(1).

وقال الصادق (عليه السلام):

«ما من رجل منع درهما في حقه إلا أنفق اثنين في غير حقه، وما من رجل يمنع حقا في ماله إلا طوقه الله عز وجل حية من نار يوم القيامة».

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«ما حبس عبد زكاة فزادت في ماله»(2).

وقال الصادق (عليه السلام):

«صلاة مكتوبة خير من عشرين حجة، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا ينفقه في بر حتى ينفد - ثم قال - ولا أفلح من ضيع عشرین بیتا من ذهب بخمسة وعشرين درهما فقيل له: وما معنى خمسة وعشرين قال: من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي»(3).

وقال (عليه السلام):

«ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بتضييع الزكاة، ولا يصاد من الطير إلا

ص: 50


1- التهذيب 4: 111/ 327، الكافي 3: 553/ 2، والفقيه 2: 7/ 52
2- التهذيب: 112/ 329، الكافي 3: 506/ 25
3- الكافي 3: 554/ 12، الفقيه 2: 7/ 22، التهذيب: 112/ 330

ما ضيع تسبيحه»(1).

وقال الباقر (عليه السلام):

«ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، وهو قول الله عز وجل: «سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(2)». يعني ما بخلوا به من الزكاة(3).

وقال الصادق (عليه السلام):

«ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر، وسلط عليه شجاعا أقرع بریده وهو يحيد عنه، فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل، ثم يصير طوقا في عنقه، وذلك قول الله عز وجل: «سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر يطأه كل ذات ظلف بظلفها، وينهشه كل ذات ناب بنابها، وما من ذي مال نخل أو کرم أو زرع يمنع زكاة ماله إلا طوقه الله عز وجل ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة»(4).

ص: 51


1- الكافي 3: 505/ 15، الفقيه 2: 7/ 23
2- آل عمران: 180
3- الكافي 3: 502/ 1، الفقيه 2: 6/ 14، ثواب الأعمال: 278/ 1
4- تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 8 - 11

ثانياً: الشهيد الاول (ت 786 ه).

قال (عليه رحمة الله ورضوانه) في البيان:

(ویکفر مستحل ترکها إلا أن يدعى الشبهة المحتملة، ويقاتل مانعها لا مستحلا حتى يدفعها، ولا تباح أمواله وذريته، ولا يؤخذ منه زيادة على الواجب، وقول الصادق (عليه السلام):

«من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم».

محمول على المستحل أو على نفی کمال الايمان والإسلام بناء على اطلاقهما على الأعمال وثوابها عظيم.

قال النبي (صلى الله علیه و آله):

«من أدى ما افترض الله عليه فهو أسخى الناس».

وقال الصادق (عليه السلام):

«إن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا وأسخي الناس من إدا زكاة ماله».

وقال الكاظم (عليه السلام):

«من اخرج زكاة ماله تاما فوضعها في موضعها لم يسال من أين اكتسب ماله».

وعقاب ترکها عظیم وروى أبو ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله):

«ما من رجل له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها الا اتي بها يوم القيامة أعظم ما یکون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت اخر منها ردت عليه أولها حتى يقضى بين الناس».

ص: 52

وقال الصادق (عليه السلام):

«ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع ذكوة ماله الا بعثه الله يوم القيامة بقاع قرقرا أي أملس وسلط عليه شجاعا أقرع فيقصم بده ثم يصير طوقا في عنقه وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة الا حبسه الله يوم القيمة بقاع قرقر تطؤه كل ذات ظلف وتنهشه كل ذات ناب وما من ذي نخل أو کرم أو زرع منع زکاته طوقه الله عز وجل زيعة أرضه إلى سبع أرضين»(1).

ثالثاً: السيد محمد كاظم اليزدي (ت 1337 ه).

قال السيد اليزدي (عليه رحمة الله ورضوانه) في كتاب الزكاة من العروة الوثقى في بيان حكم منکرها:

(ومنکره - أي منكر فرض الزكاة - مع العلم به کافر؛ بل في جملة من الاخبار أن مانع الزكاة کافر)(2).

وفي بيان المناط في كفر منكر الزكاة، ومانعها، علق العلماء بما يلي:

1- قال الشيخ آقا ضياء الدين العراقي (ت: 1361 ه):

(بمناط تكذيب النبي (صلى الله عليه واله) الراجع إليه انکار سائر الضروريات؛ نعم ربما تكون ضرورية المسألة بالنسبة إلى المنتحلين بالإسلام طريقاً عرفياً بل شرعياً إلى الاعتقاد و التكذيب وعليه أيضا يحمل اطلاق كلامهم على موجبية الإنكار المزبور للكفر بلا احتیاج إلى

ص: 53


1- البيان (ط. ق): ص 164 - 165
2- العروة الوثقی: ج 4 ص 6

إحراز بمناط تكذيب النبي (صلى الله عليه واله) من الخارج لا أن مثل هذه الجهة من اسباب الارتداد في نفسه واقعاً بلا ملاحظة جهة أخرى كما لا يخفی)(1).

2- وجاء في شرح العروة للسيد الخوئي (عليه رحمة الله ورضوانه):

(إن إنكار الضروري بمجرده ومن حيث هو لا يستوجب الكفر والإرتداد، إلا إذا ادى إلى إنكار الرسالة و تكذيب النبي (صلى الله عليه واله) فيما جاء به، فيختص بالعالم دون من استند انکاره إلى شبهة أو جهل، کمن کان جدید عهد بالإسلام ولم يكن له مزيد اطلاع بالأحكام.

وأما الإنكار العملي بالامتناع عن دفع الزكاة، فلا ينبغي الاشكال في عدم كونه موجبا للكفر وان أطلق عليه هذا اللفظ في بعض النصوص، إن ترك الزكاة کافر)(2).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الأخرى في حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها.

نتناول في هذه المسألة بعض الاقوال الواردة في كتب فقهاء المذاهب الإسلامية الاخرى ونبتدأ بالمذهب الزيدي ثم نعرّج على البقية، وهي كالاتي:

ص: 54


1- الوسائل: ج 6 ص 17 باب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ح 1 - 9
2- شرح العروة الوثقی - الزكاة (موسوعة الإمام الخوئي) تقرير بحث السيد الخوئي للبروجردي، ج 23 ص 4

اولاً: المذهب الزيدي.

1- يحيي بن الحسين (ت: 298 ه).

قال يحيى بن الحسين في كتاب الزكاة في استدلاله على فرض الزكاة فأورد قوله تعالى: «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» فيأخذ حكماً منها في بيان حرمة منعها وحكم المانع لها فيقول:

(فسماهم المشركين لتركهم لأداء زكاتهم ولرفض خراج ما أمرهم الله بإخراجه من اموالهم)(1).

2- أحمد المرتضى (ت: 840 ه).

قال في شرح الأزهار في بيان حكم منكر الزكاة:

(فمن أنكر كفر، ومن تركها غير منکر فسق؛ قال في الانتصار إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ في بادية لا يعرف وجوبها لم يكفر، لكن يعرف الوجوب)(2).

ثانيا: المذهب المالكي.

قال الخطاب الرعيني (ت: 954 ه) في مواهب الجليل نقلاً عن ابن رشد في حكم منكر الزكاة: (جاحدها کافر)(3).

ص: 55


1- الأحكام: ج 1 ص 169
2- شرح الأزهار: ج 1 ص 448
3- مواهب الجليل : ج 1 ص 80

ثالثا: المذهب الحنفي.

قال أبو بكر الكاشاني في بدائع الصانع في بيان حكم مانع الزكاة:

(إن من لم يؤد الزكاة لم تقبل شهادته)(1).

رابعاً: المذهب الشافعي.

قال الشربيني (977 ه) في الاقناع:

(یکفر جاحدها وأن أتی بها)(2).

وقال الرافعي (623 ه) (ومن منعها وهو معتقد لوجوبها أخذت منه قهرًا، فإن لم يكن في قبضته الإمام، وامتنع القوم قاتلهم الإمام على منعها)(3).

خامساً: المذهب الحنبلي.

قال ابن قدامة (ت 620 ه) في المغني:

(واتفق الصحابة على قتل مانعيها) وقد استدل بفعل أبي بكر في قتاله لمنعهم لمنع اعطائه الزكاة لما جلس على كرسي الخلافة؛

وعليه:

لم يتضح اتفاق الصحابة على قتالهم بعلة اثبات فرض الزكاة وانما اتبعوا أمر الحاكم في قتال من منع اعطائها وهذا لا يكشف عن نكرانهم للفرض او جحدهم له، وإنما الاعتراض على مجلس الخليفة.

ص: 56


1- بدائع الضانع: ج 2 ص 3
2- الإقناع في حل ألفاظ لابي شجاع: ج 1 ص 195
3- فتح العزيز لعبد الكريم الرافعي: ج 5 ص 313

وقال ابن قدامة:

(فمن انكر وجوبها جهلا به وكان ممن يجهل ذلك اما لحدثة عهده بالإسلام أو نشأ ببادية نائية عن الامصار عرّف وجوبها ولا يحكم بكفره لانه معذور؛ وان كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه احکام المرتدين ويستتاب ثلاثاً؛ فان تاب والا قتل وجوب الزكاة ظهرة في الكتاب والسنة واجماع الأمة فلا تكاد تخفى على احد من هذه حاله، فإذا جحدها فلا يكون الا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما)(1).

سادسا: المذهب الإباضي.

قال الشماخي في بيانه لضابطة قتل مانع الزكاة: (وما كان يستحل أبو بکر سفك دمائهم على غير واجب)(2).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أروده فقهاء للذاهب في المسألة

أولا: حكم منكر الزكاة والجاحد لها:

1- قال الإمامية: ومنكر فرض الزكاة لا يستوجب الكفر والارتداد الا اذا ادى إلى انکار الرسالة و تكذيب النبي (صلى الله عليه واله) فهو يختص اي هذا الانكار بالعالم دون الجاهل او من هو جديد عهد باحكام الإسلام.

2- وقال الزيدية: من أنکر کفر.

3- وقال المالكية: إنّ جاحدها كافر.

ص: 57


1- المغني لابن قدامة: ج 2 ص 453
2- کتاب الايضاح: ج 2 ص 6

4- وقال الحنفية: من لم يؤدي الزكاة لم تقبل شهادته.

5- وقال الشافعية: يكفر جاحدها وإن أتى بها.

6- وقال الحنابلة: إن من أنکرها بعد العلم مرتد، تجري عليه أحكام المرتدين؛ ويستتاب ثلاثاً؛ فإن تاب وإلا قتل.

ثانيا: حكم المانع للزكاة:

1- قال الإمامية: إنّ مانع الزكاة، وهو الإنكار العملي لا يعد موجبا للكفر.

2- وقال الزيدية: إن الله سمی مانعي الزكاة مشركين.

3- وقال الشافعية: ومن منعها وهو معتقد لوجوبها اخذت منه قهرًا؛ فإن لم يكن في قبضة الإمام وامتنع القوم قاتلهم الإمام على منعها.

4- وقال الحنابلة: واتفق الأصحاب على قتل مانعيها وقد استدلوا بفعل أبي بكر في قتاله لمالك بن نويره وقومه.

5- وقال الإباضية: في قتال مانع الزكاة وحلية دمه.

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

جاء في شروح نهج البلاغة جملة من اقوال الشرّاح في بيان دلالة الحديث الشريف وأثاره الاخلاقية والتربوية والاجتماعية مظهرين بذلك ترابط الاعمال بالاعتقاد باليوم الاخر وهو الأمر الذي نبه عليه الحديث الشريف وحذّر منه وهو أمر في غاية الاهمية لما له من ضبط في السلوك وبناء الفرد والمجتمع.

وهو كما يلي:

ص: 58

1- ابن میثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679 ه).

قال ابن میثم البحراني في شرحه للنهج وبيانه لمعنى الحديث:

(أراد بذلك الفرض الزكاة، وظاهر أنّ جوع الفقير إنما يكون بما يمنعه الغنيّ من القوت أو ما هو وسيلة إليه، ورّهب الاغنياء بقوله:

((والله سائلهم عن ذلك)) وهو صغری ضمير تقدير كبراه: وكلّ من سائله الله فينبغي أن يحذّر سؤاله)(1).

2- ابن ابي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه).

قال المعتزلي في شرحه نهج البلاغة عن هذا الموضع فجاء فيه:

(ورد في الأخبار الصحيحة، أن ابا ذر قال:

أنتهيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال:

«الأخسرون ورب الكعبة».

فقلت: من هم؟ قال: «هم الأكثرون اموالاً»، إلى من؟

قال: «هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه، ومن يمينه، وعن شماله، وقليل ما هم، ما من صاحب أبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها الاجاءت يوم القيامة اعظم ما كانت واسمنه تنطحه بقرونها، وتطأه بأظلافها، كلما

ص: 59


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم: ج 5 ص 405

نفدت أخراها ادت عليه أولاها حتى يقضي الله بين الناس...»(1).

3- السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي (رحمه الله) (ت: 1324 ه).

قال السيد حبيب الله الخوئي في بيان مراد الحديث الشريف ومعناه:

(الظاهر إن أقوات الفقراء التي جعلت في اموال الاغنياء هي الزكاة المفروضة على الوجه المقرر في بابها، فلو منعت كان عليه مسؤولا عند الله، وقد صرح في غير واحد من الاخبار أن مقدار الزكاة المفروضة كاف لرفع حاجة الفقراء.

کما روي في باب: العلة لوضع الزكاة؛ بسنده عن حسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السلام):

(لأي شيء جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كل الف ولم يجعلها ثلاثين؟ فقال (عليه السلام): «إن الله عز وجل جعلها خمسه وعشرين، أخرج من أموال الاغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء، ولو اخرج الناس زكاة أموالهم ما احتاج أحد»)(2).

ص: 60


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 19 ص 240
2- منهاج البراعة للخوئي ج 21 ص 416

المبحث الرابع اشتراط الملك والتمكن من التصرف في وجوب الزكاة

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

« إِنَّ اَلرَّجُلَ إِذَا کَانَ لَهُ اَلدَّیْنُ اَلظَّنُونُ، یَجِبُ عَلَیْهِ أَنْ یُزَکِّیَهُ لِمَا مَضَی إِذَا قَبَضَهُ»(1).

نتناول في هذا المبحث فيمن تجب عليه الزكاة واشتراط الملك والتمكن من التصرف، وقد تباينت أقوال المذاهب الفقهية في اشتراط الملك والتمكن من التصرف في وجوب الزكاة كما سيمر علينا، وهو كالاتي:

المسألة الاولى: أقوال فقهاء الإمامية في اشتراط الملك والتمكن من التصرف في تحقق وجوب الزكاة كالدين والمال الغائب.

ونورد هنا بعض اقوال فقهاء الامامية (أعلى الله شأنهم) في اشتراط الملك والتمكن من التصرف في وجوب الزكاة وتعلقها بالذمة؛ وهي كالاتي:

1- العلامة ابن المطهر الحلي (ت: 726 ه).

ص: 61


1- نهج البلاغة، الحديث 6 ص 519

قال (عليه الرحمة والرضوان) في التذكرة وضمن المسالة: (11):

(يشترط في وجوب الزكاة تمامية الملك، واسباب النقص ثلاثة: منع التصرف، وتسلط الغير، وعدم قرار الملك، فلا تجب الزكاة في المغصوب، ولا الضال، ولا المجحود بغير بينة، فإذا عاد صار كالمستفاد يستقبل به حولا من حين عوده)(1).

2- الشهيد الأول (ت: 786 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في الدروس:

(يشترط ايضاً في وجوبها الملك، فلا زكاة على العبد وأن قلنا بملكه، لعدم التمكن من التصرف، ولو صرفه مولاه فهو تصرّف متزلزل، ولو تحرّر بعضه وجب في نصيب الحرّيّة. ولا تجب في مال بيت المال ولا في الموهوب قبل القبض، ولا الوصيّة قبل الموت والقبول، ولا الغنيمة قبل القسمة والقبض وعزل الإمام كاف فيه على قول.

وإمكان التصرّف، فلا زكاة في الوقف وإن كان خاصّا، والمبيع بخيار للبائع يجري في الحول من حين العقد على الأصحّ، والصداق من حين عقد النكاح، والخلع من حين البذل والقبول، والأُجرة من حين العقد وإن كان ذلك في معرض الزوال، ولا في الرهن مع عدم التمكَّن من فكَّه إمّا لتأجيل الدين أو لعجزه، ولا يكفي في الرهن المستعار تمكَّن المستعير من الفكّ.

ولا يجب في المال المغصوب والضالّ والمجحود مع عدم الوصلة إليه، ولا

ص: 62


1- تذكره الفقهاء: ج 5 ص 19

في المال الغائب ما لم يكن في يد وکيله، ولو عادت هذه إليه استحبّ زكاتها لسنة، ولا في النفقة المخلَّفة لعياله مع الغيبة ويجب مع الحضور، وقول ابن إدريس(1) بعدم الفرق مزيّف.

ولا يمنع الدين من وجوبها ولو لم يملك سوى وفائه، ولا الكفر، نعم لو أسلم استأنف الحول، أمّا الردّة فإن كانت عن فطرة انقطع الحول، وإلَّا فلا ما لم يقتل أو يمت، وفي المبسوط(2): أو ينتقل إلى دار الحرب. وليس المنع من التصرّف هنا مانعا کما لا يمنع حجر السفه والمرض، وقال الشيخ(3): يمنع حجر المفلَّس(4).

وفي وجوبها في الدين مع استناد التأخير إلى المدين قولان: أقربهما السقوط، نعم يستحبّ زكاته لسنة بعد عوده. ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض فالوجه بطلان الشرط، والأقرب إبطال الملك أيضا، ولو تبرّع المقرض بالإخراج عن المديون فالوجه اشتراط إذنه في الأجزاء.

وإمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب الإسلام، فلو تلف النصاب قبل التمكَّن من الأداء فلا ضمان، ولو تلف البعض فبالنسبة، وكذا لو تلف قبل الإسلام أو بعده ولم يحل الحول. ولا تسقط الزكاة بالموت بعد الحول، وفي سقوطها بأسباب الفرار قولان: أشبههما السقوط)(5).

ص: 63


1- السرائر: ج 1 ص 447
2- المبسوط: ج 1 ص 204
3- المبسوط: ج 1 ص 224
4- في «م»: الفلس
5- الدروس الشرعية في فقه الامامية : ج 1 ص 230 - 231

3- السيد اليزدي (ت: 1337 ه)

قال (عليه الرحمة والرضوان) في العروة في كتاب الزكاة عند بيان شرائط وجوبها في المسألة العاشرة:

(إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ولم يفعل لم يجب عليه إخراج زكاته؛ بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف اختياراً مسامحة أو فراراً من الزكاة والفرق بينه وبين ما ذكر من المغصوب ونحوه أن بخلاف الدين فإنه لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه)(1).

وقد علق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (عليه الرحمة والرضوان) على قول السيد اليزدي في عدم وجوب الزكاة عند تمكن استيفاء الدين بسهوله ولم يفعل؛ فقال:

(محل نظر لما عرفت من صدق التمكن عرفاً، والدين وان كان لا يدخل في الملك إلا بعد قبضه، اي بعد قبض فرده، ولكنه في حكم المقبوض عرفاً أما الكلي في في الذمة فهو مملوك للمقرض ولكن الزكاة لا تتعلق إلا بالأعيان الخارجية أو الكلي المعين كما لو اشترى أحدا وأربعين شاة من هذا القطيع ولكن لما كان يمكن الاستيفاء بسهولة فهو فينظر العرف مالك لفرد من أموال المقترض غير معين والاخبار الخاصة في الدين الذي يقدر على استيفائه طائفتان مثبته ونافية ولعل الترجيح للنافية عند المشهور والعمومات ترجح المثبتة بل في بعض الاخبار استحباب دفع الزكاة حتى عن الدين الذي لا يقدر على استيفائه إذا كان مؤجلاً على ثقة فإنه يستحب أن يزكية بعد قبضه

ص: 64


1- العروة الوثقى للسيد اليزدي (رحمه الله) ج 4 ص 17

لكل ما مرّ به من النسين)(1).

فهذه اقوال فقهاء الإمامية (عليهم الرحمة الرضوان) في المسألة؛ أما أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية الاخرى فهي كالاتي:

المسألة الثانية: اقوال فقهاء المذاهب الأخرى في اشتراط التمليك في تحقق وجوب الزكاة.

تباينت اقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في المسألة، وهي كالاتي:

اولاً: المذهب الزيدي.

قال يحيى بن الحسين (ت: 298 ه) في الأحكام في باب القول: الرجل يكون له غلة وعليه دين أو يكون معه مال يجب في مثله الزكاة وعليه مثله ديناً.

وقد جاء قوله في بيان هذه المسالة يكشف عن تعلق الزكاة فيما بيده وليس في الدين زكاة، فقال:

(من كان عليه وسقان من طعام وخرج له من ارضه خمسة اوسق طعاماً فانه يزكي الخمسة الأوسق ولا يحتسب في غلته بما يجب عليه من دينه، لأنه لو أخرج من ذلك ما عليه لم يبق له من غلته ما تجب فيه الزكاة ولكن الزكاة، ثم الدين من بعد ما يجب الله في أرضه.

وكذلك إن كانت غلته عشرة أوسق وعليه عشرة أوسق أخرج الزكاة

ص: 65


1- تعليقة الشيخ كاشف الغطاء مع مجموعة من العلماء (رحمهم الله) العروة الوثقى: ج 4 ص 18

من جميع ذلك ثم قضى الدين، وكذلك من كان عليه عشرون دينارا، وفي ملکه عشرون دينارا، فعليه أن يزكي مايملكه، وإن كان عليه مثلها دينا ولا يلتفت إلى قول من قال بغير ذلك من المرخصين لأنه لا يخلوا من أن تكون هذه الدنانير له ملكا يملكها وإن كان عليه من الدين مثلها، أو لا تكون له ولا في ملکه، بما زعموا عليه من دينه، فإن كانت له وفي ملكه جاز له أن يتصدق منها وينكح فيها ويأكل ويشرب، فإذا جاز له ذلك منها وجب عليه الزكاة فيها، وإن كان لا يجوز له أن ينكح فيها ولا يتصدق ولا يأكل ولا يشرب منها فلا يجب عليه الزكاة فيها وهذا فلا أعلم بين من حسن علمه وجاد قياسه وفهمه اختلافا في أنه يأكل منها وينكح فيها. وكذلك من كان عليه مائتا درهم وله مائتا درهم فإذا حال الحول عليها وجبت عليه فيها الزكاة، ولا ينظر إلى ما هو عليه من الدين)(1).

ثانياً: المذهب المالكي.

قال إمام المالكية في المدونة في زكاة المديان، في بابا الزكاة في الدين وقد سأله سلیمان يسار، عن رجل له مال وعليه دين مثله، أعليه زكاة؟ فقال: لا.

قال مالك: الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الدين، أن صاحبه لا يزكيه حتى يقبضه؛ وان اقام عند الذي هو عليه لسنين ذوات عدد؛ ثم قبضه صاحبه لم تجب عليه إلا زكاة واحدة، فان قبض منه شيئاً لا تجب فيه الزكاة(2).

(لو أن رجلًا كانت له مائة دينار في يديه وعليه مائة دينار وله مائة دينار

ص: 66


1- الاحکام: ج 1 ص 203 - 204
2- المدونة الكبرى: ج 1 ص 253

دينا رأيت ان يزكي المائة الناضة التي في يديه ورأيت أن يجعل ما عليه من الدين في الدين الذي له ان كان دينا يرتجيه وهو على ملئ)(1).

وقال أيضاً:

(الأمر عندنا في الرجل يكون عليه دين، وعنده من العروض ما فيه وفاء لما عليه من الدين، ويكون عنده من الناض سوى ذلك ما تجب عليه الزكاة، فإنه يزكي ما بيده من ناض تجب فيه الزكاة، وان لم يكن عنده من العروض والنقد إلا وفاء دينه، فلا زكاة عليه حتى يكون عنده من الناض عن دينه، ما تحب فيه الزكاة في فعليه أن يزكيه)(2).

ثالثاً: المذهب الحنفي.

ذهب فقهاء الحنفية في شرائط الزكاة ان لا يكون على المسلم دين مطالب، جاء ذلك في قول أبي بكر الكاشاني (ت 587 ه) في بدائع الصانع، قائلاً:

(ومنها، - اي من الشرائط - إن لا يكون عليه دين مطالب به من سن جهة العباد، عندنا، فإن كان، فإنه يمنع وجوب الزكاة بقدره حالاً كان أو مؤجلاً)(3).

رابعاً: المذهب الشافعي.

وتجب الزكاة في الدين عند الشافعي إذا حال الحول عليها وقد كمل

ص: 67


1- المدونة الكبرى: ج 1 ص 274
2- المدونة الكبرى: ج 1 ص 254
3- بدائع الصانع: ج 2 ص 6

نصابها وأنها لا تجب إذا لم يحل الحول، جاء ذلك في قوله:

(فإذا كانت لرجل مائتا درهم وعليه دين مائتا درهم فقضى من المائتين شيئاً قبل حلول المائتين او أستعدى عليه السلطان فبل محل حول المائتين فقضاها فلا زكاة عليه لان الحول حال وليست مائتين.

قال وإن لم يقض لعيه بالمائتين إلا بعد حولها فعليه أن يخرج منها خمسة دراهم ثم يقضي عليه السلطان بما بقي منها (قال الشافعي) وهكذا لو استعدى عليه السلطان قبل الحول فوقف ماله ولم يقض عليه بالدين حتى يحول عليه الحول كان عليه أن يخرج زكاتها ثم يدفع إلى غرمائه ما بقي.

(قال الشافعي): ولو قضى عليه السلطان بالدين قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقبضه الغرماء لم يكن عليه فيه زكاة، لان المال صار للغرماء دونه قبل الحول، وفيه قول ثان أن عليه فيه الزكاة من قبل أنه لو تلف كان منه ومن قبل أنه لو طرأ له مال غير هذا كان له أن يحبس هذا المال وأن يقضى الغرماء من غيره (قال الشافعي) وإذا أوجب الله عز وجل عليه الزكاة في ماله فقد أخرج الزكاة من ماله إلى من جعلها له فلا يجوز عندي والله أعلم)(1).

خامساً: المذهب الحنبلي.

ذهب فقهاء الحنابلة إلى ثلاثة أقوال في تعلق الزكاة في المال المديون، فالقول الاول: بوجوب الزكاة في الاموال الظاهرة وهي المواشي والحبوب؛ والقول الثاني: بعدم تعلقها في الاموال غير الظاهرة، والقول الثالث: بعدم

ص: 68


1- کتاب الام: ج 2 ص 53 - 54

التعلق مطلقاً، جاء ذلك في قول ابن قدامة المقدسي في المغني، قائلاً:

(وإن لم يكن له مال يقضي به الدين ويبقی بعد قضائه نصاب ففيه روايتان إحداهما تجب الزكاة أيضاً ولا يمنع وجوب الدين الزكاة في الأموال الظاهرة وهي المواشي والحبوب قاله في رواية الأثرم قال لأن المصدق لو جاء فوجد إبلا وغنما لم يسأل صاحبها أي شيء عليك من الدين ولكنه يزكيها والمال ليس كذلك وهذا ظاهر کلام الخرقي هاهنا لأن كلامه عام في كل ماشية وذلك لأن وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة آكد لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها لرؤيتهم إياها ولان الحاجة إلى حفظها أشد ولان الساعي يتولى أخذ الزكاة منها ولا يسأل عن دین صاحبها والرواية الثانية لا تجب الزكاة فيها ويمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال كلها من الظاهرة والباطنة قال ابن أبي موسى الصحيح من مذهبه أن الدين يمنع وجوب الزكاة على كل حال وهو مذهب أبي حنيفة وروي ذلك عن ابن عباس و مکحول والثوري وحكى ذلك ابن المنذر عنهم في الزرع إذا استدان عليه صاحبه لأنه أحد نوعي الزكاة فيمنع الدين وجوبها كالنوع الآخر ولان المدين محتاج والصدقة إنما تجب على الأغنياء لقوله (عليه السلام):

«أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائهم فأردها في فقرائهم».

وقوله (عليه السلام):

«لا صدقة الا عن ظهر غنی».

وروي أبو عبيد في كتاب الأموال عن السائب بن يزيد قال سمعت عثمان بن عفان يقول هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتی

ص: 69

تخرجوا زكاة أموالكم ومن لم يكن عنده زكاة لم يطب منه حتى يأتي تطوعا قال إبراهيم النخعي أراه يعني شهر رمضان)(1).

سادساً: المذهب الإباضي.

هو ذهب الإباضية إلى اشتراط الملك والتصرف في المال حتى تجب فيه الزكاة، جاء ذلك في قولهم:

(وأما المال الذي في الذمة أعني ذمة الغير وليس هو بيد المالك وهو الدين، فإنهم اختلفوا فيه، فقال بعضهم: زكاة الدين على صاحبه الذي له، وقال بعضهم: زكاته على الذي هو بيده، ويشبه أن يكون سبب اختلافهم هل كانت المراعات في ذلك الملك مع التصرف لم تجب على صاحبه زكاته حتى يقبضه وهو الملك التام، والقول الأول: أصح وهو قول أبي عبيدة، والعامة من فقهائنا، ما لم يكن على مقياس....)(2).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

يتضح من أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية:

1- إنّ فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) يرجعون إلى شرط تحقق الملك والتمكن وان الدين لا يدخل في الملك إلا بعد قبضه، وعليه استندوا في الروايات الشريفة عن العترة النبوية (عليهم الصلاة والسلام)، ومنها قول الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

ص: 70


1- المغني لابن قدامة: ج 2 ص 544 - 546
2- کتاب الایضاح: ج 2 ص 8،7

«إن الرجل إذا كان له الدين الظنون....» موضع الدراسة

2- ويخالفهم في ذلك الشافعي فهي، اي الزكاة في الدين متعلقة في ذمة المسلم

3- وعند المذهب الحنفي والزيدي فهي، أي الزكاة لا تجب في الدين.

4- أما المالكي فقد اختلفوا فيما بينهم فذهب مالك إلى عدم الوجوب في الدين؛ وخالفه الحطاب الرعيني فيقول بالوجوب، فيقول:

(من أخذ مالاً قراضاً فاشتری به غنم فتم حولهما وهي بيد المعارض فزكاتها على رب المال في رأس ماله ولا شيء على العامل)(1).

4- وأما الحنبلي فقد اختلف في المسألة على ثلاثة اقوال:

الاول: بالوجوب في الاموال الظاهرة، والثاني: بعدم الوجوب في الاموال الغير ظاهرة؛ والثالث: بعدم وجوبها مطلقاً في الدين سواء كان المال ظاهراً ام غير ظاهر.

5- وأما الإباضية فقد ذهبوا في المسألة إلى قولين، الأول: زكاة الدين على صاحبه الذي له. والثاني: زكاته على الذي هو بيده، والقول الأول أصح عند عامة فقهائهم.

المسألة الرابعة: قاعدة فقهية: ازدحام حقوق الله وحقوق العباد.

إن من القواعد الفقهية الداخلة في زكاة الدين هي قاعدة: (ازدحام حقوق الله وحقوق العباد) والمسالة السابقة وأن كانت خارجة عن متعلق الحكم، فالدين لا يتحقق فيه الملك والتمكين، إلا أن معرفة تعلق الزكاة في الذمة من

ص: 71


1- مواهب الجليل: ج 3 ص 194

جهة كونها حق الله تعالى وكذلك تعلق الدين في الذمة من جهة كونها حق العباد فيه فائدة جليلة، وذلك لالتقائهما معاً، اي الزكاة والدين في الاصل في حق العباد؛ بمعنى أن الاصل في وجوبها أنها حق الفقراء ومن ثم يدور مدارها مع الدين من حيث جهة التعلق وهم العباد ولذلك نشأ التزاحم فيما بينهما والاقرب في حل المسألة هو التوزيع. وفي ذلك يقول الشهيد الاول (عليه الرحمة والرضوان) (ت 786 ه):

(ولو مات وعليه دين وزكاة أو خمس، أو هما مع الدين فالأقرب التوزيع؛. ونقل بعض الأصحاب(1) تقديم الزكاة، لقول النبي (صلى الله عليه وآله):

«فدين الله أحق أن يقضى»(2)

وتقديم الدين، لان حق العباد مبني على التضييق وحق الله تعالى على المسامحة.

ويشكل: بما أن في الزكاة حقا للعباد فهي مشتملة على الحقين، وكذلك الخمس. هذا إذا كانت الزكاة مرسلة في المال بأن يكون قد فرط في النصاب حتى تلف وصارت في ذمته، أو كانت زكاة الفطرة، أو كان الخمس من المكاسب إن قلنا بثبوته في الذمة. أما لو كان متعلق الزكاة والخمس باقيا، فالأقرب تقديمهما على الدين، لسبق تعلقها على تعلق الدين)(3).

ص: 72


1- انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1/ 203. وهو قول للشافعية. انظر: الشيرازي / المهذب: 1 / 175
2- انظر: صحیح مسلم: 2/ 804، باب 27 من أبواب الصيام، حديث: 155
3- القواعد الفوائد: ج 1 ص 330 - 331

المسألة الخامسة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

أولاً: الشريف الرضي (عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 406 ه)

إن أول الشروح التي وردت على الحديث هو قول الشريف الرضي (عليه الرحمة والرضوان) الذي أورده في النهج ومزجه مع الحديث الشريف؛ فقال عقب قوله (عليه السلام) دون فاصلة، فلاحظ المزج في الحديث:

«إِنَّ اَلرَّجُلَ إِذَا کَانَ لَهُ اَلدَّیْنُ اَلظَّنُونُ - یَجِبُ عَلَیْهِ أَنْ یُزَکِّیَهُ لِمَا مَضَی إِذَا قَبَضَهُ».

فالظنون الذي لا يعلم صاحبه أيقبضه من الذي هو عليه أم لا فكأنه الذي يظن به فمرة يرجوه ومرة لا يرجوه وهذا من أفصح الكلام كذلك كل أمر تطلبه ولا تدري على أي شيء انت منه فهو ظنون.

وعلى ذلك قال الاعشي:

ما جعل الجد الظنون الذي *** جنب صوب اللجب الماطر

مثل الفراتي إذا ما طما *** يقذف بالبوصي والماهر

والجد البئر العادية في الصحراء والظنون التي لا يعلم هل فيها ماء ام لا)(1).

ثانياً: ابن میثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679 ه).

تناول ابن میثم (رحمه الله) الحديث فبينَّ معناه، فقال: (يقول عليه السلام):

«إذا كان لك مثلا عشرون دينارا دینا على رجل، وقد أخذها منك

ص: 73


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 519

ووضعها كما هي من غير تصرّف فيها وأنت تظنّ إن استرددتها منه ردّها إليك فإذا مضى عليها أحد عشر شهرا واستهلّ هلال الثاني عشر وجبت زكاتها عليك».

واللجب في قول الأعشى هو السحاب المصوّت ذو الرعد، وأراد بالفراتيّ الفرات، والياء للتأكيد كقولهم: والدهر بالإنسان دواريّ: أي دوّار، ويحتمل أن يريد نهر الفراتيّ.

والبوصيّ: ضرب من صغار السفن، والماهر: السابح، ومراده أنّه لا يقاس البئر الَّذي يتشكَّك هل فيه ماء أم لا لبعده بالفرات إذا ما طما. وهو كالمثل لعدم مساواة البخيل للكريم)(1).

ثالثاً: السيد حبيب الله الخوئي (رحمه الله) (ت: 1324 ه)

يتناول السيد حبيب الله الخوئي الهاشمي في شرحه للحديث وبيان معناه الرد على ابن أبي الحديد المعتزلي فقد اعترض على قول الشريف الرضي (رحمه الله) في تفسيره الحديث واستدلاله بقول الاعشى فيقول (رحمه الله):

(قال الشارح المعتزلي: فأما ما ذكره الرضيّ من أن الجدّ هي البئر العادية في الصحراء فالمعروف عند اهل للغة أنّ الجدّ البئر التي تكون في موضع كثير الكلاء ولا تسمّى البئر العادية في الصحراء الموات جدّا، وشعر الأعشى لا يدلّ على ما فشره الرّضى، لأنّه إنّما شبّه علقمة بالبئر والكلاء يظن أنّ فيها ماء لمكان الكلاء، ولا يكون موضع الظنّ، هذا هو مراده ومقصوده، ولهذا

ص: 74


1- شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 5 ص 374

قال: الظنون ولو كانت عادية في بيداء مقفرة لم تكن ظنونا، بل كان يعلم أنه لا ماء فيها، فسقط عنه اسم الظنون.

أقول: في كلامه اضطراب، واعتراضه على الرّضى مبهم، فانّه رحمه الله فسّر الجدّ بالبئر في الصحراء ولم يقيّده بالمقفرة حتى ينافي قول أهل اللغة بتقييده بكونه كثير الكلاء، والبئر العادية في الصحراء ولو كان كثير الكلاء لا يعلم بوجود الماء فيها إلَّا بعد الفحص، كما أنه إذا كانت البئر في بيداء مقفرة لا يعلم فقد الماء فيها إلَّا بعد الفحص، وما أفهم وجه الاعتراض على الرّضي رحمه الله.

وأما فقه الحديث، قال المعتزلي: قال أبو عبيدة: في هذا الحديث من الفقه أنّ من كان له دين على الناس فليس عليه أن يزكَّيه حتى يقبضه، فإذا قبضه زکَّاه لما مضى وإن كان لا يرجوه، قال: وهذا يردّه قول من قال: إنما زكاته على الَّذي هو عليه إلخ.

وقال ابن ميثم: يقول (عليه السّلام):

«إذا كان لك مثلا عشرون دينارا دينا على رجل وقد أخذها منك ووضعها کما هي من غير تصرّف فيها وأنت تظنّ إن استرددتها ردّها إليك فإذا مضى عليها أحد عشر شهرا واستهلّ هلال الثاني عشر وجبت زكاتها عليك».

أقول: المشهور بين فقهاء الإمامية بل كاد أن يكون إجماعا عدم وجوب الزكاة في الدّين مطلقا إلَّا بعد قبضه وحلول الحول عليه في يده، وحملوا ما دلّ على وجوب الزكاة في الدّين على الاستحباب أو التقية، لأنه مذهب العامّة فالأظهر حمل كلامه على الاستحباب، حيث إنّ وصول الدّين كان مرجوا لا

ص: 75

قطعيا، فبعد وصوله يستحبّ إخراج زكاته شکرا، فهو من قبيل إرث من لا يحتسب الذي يجب فيه الخمس عند بعض الفقهاء، والقول بوجوب زكاة الدّين الظنون بعد قبضه لا يخلو من وجه، اعتمادا على قوله عليه السّلام وجعله مخصّصا للعمومات النافية لتعلَّق الزكاة بالدّين قبل قبضه.

وأمّا ما ذكره ابن میثم في تفسير كلامه عليه السّلام فلا يوافق ظاهر کلامه، ولا يوافق ما ذكره كلام الفقهاء، فان ظاهره وجوب زكاة الدّين مع عدم قبضه عن المديون، فتدبّر)(1).

ص: 76


1- منهاج البراعة: ج 21 ص 338 - 339

الفصل الثاني : ما تعلق بالساعي والمصدق من أحكام

اشارة

ص: 77

ص: 78

1- قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في وصية كتبها لمن يستعمله على الصدقات جاء فيها:

«انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ لَا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً، وَ لَا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً، وَ لَا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَ الْوَقَارِ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَ لَا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اللَّهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَ خَلِيفَتُهُ، لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَا فَلَا تُرَاجِعْهُ، وَ إِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ - أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ، وَ لَا عَنِيفٍ بِهِ، وَ لَا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَ لَا تُفْزِعَنَّهَا، وَ لَا تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا، وَ اصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعَرَّضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعَرَّضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ، وَفَاءٌ لِحَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ فَاقْبِضْ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ، فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلًا، حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ، وَ لَا تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَ لَا هَرِمَةً وَ لَا مَكْسُورَةً وَ لَا مَهْلُوسَةً وَ لَا ذَاتَ عَوَارٍ، وَ لَا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ، رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ، وَ لَا تُوَكِّلْ بِهَا إِلَّا نَاصِحاً شَفِيقاً وَ أَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعَنِّفٍ وَ لَا مُجْحِفٍ وَ لَا مُلْغِبٍ وَ لَا مُتْعِبٍ، ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ، نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ، بِه فَإِذَا

ص: 79

أَخَذَهَا أَمِينُكَ، فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَ بَيْنَ فَصِيلِهَا، وَ لَا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا، وَ لَا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً، وَ لْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَ بَيْنَهَا، وَ لْيُرَفِّهْ عَلَى اللَّاغِبِ، وَ لْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَ الظَّالِعِ، وَ لْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ، وَ لَا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ، وَ لْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، وَ لْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَ الْأَعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِينَا بِإِذْنِ اللَّهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ، غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَ لَا مَجْهُودَاتٍ، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه وآله)، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ، وَ أَقْرَبُ لِرُشْدِكَ»(1).

والحديث الشريف له تتمة أوردها الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) وهي كالآتي:

«وأقرب لرشدك ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولإمامه إلا كان معنا في الرفيق الاعلى»(2).

2- وعن عهد له إلى بعض عماله - وقد بعثه على الصدقة، فقال (عليه الصلاة والسلام):

«آمره بتقوى الله في سرائر أمره وخفيات عمله حَیْثُ لَاشَهِیدَ غَیْرُهُ وَلَا وَکِیلَ دُونَهُ، وَأَمَرَهُ أَلَّا یَعْمَلَ بِشَیْءٍ مِنْ طَاعَهِ اللّهِ فِیمَا ظَهَرَ، فَیُخَالِفَ إِلَی غَیْرِهِ فِیمَا أَسَرَّ، وَمَنْ لَمْ یَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَعَلَانِیَتُهُ، وَفِعْلُهُ وَمَقَالَتُهُ، فَقَدْ أَدَّی الْأَمَانَهَ أَخْلَصَ

ص: 80


1- نهج البلاغة، الخطبة (25) ص 380 - 381 بتحقيق صبحي الصالح، ص 577 - 579 بتحقيق الشيخ قيس العطار، ط العتبة العلوية
2- الكافي للكليني: ج 3 ص 537 - 538

الْعبَادَةَ، وَآمَرَهُ أَلاَّ يَجْبَهَهُمْ وَلاَ يَعْضَهَهُمْ، وَلاَ يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلاً بِالاْمَارَةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمُ الاْخْوَانُ فِي الدِّينِ، وَالاْعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ. وَإِنَّ لَكَ في هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً، وَحَقّاً مَعْلُوماً، وَشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ وَضَعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ، إِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبُؤْساً لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالسَّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ وَالْغَارِم وَابْنُ السَّبِيلِ، وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالاْمَانَةِ وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُنَزِّهَ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا الْخِزْيَ وَهُوَ فِي الاْخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى. وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الاْمَّةِ، وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الاْئِمَّةِ، وَالسَّلاَم»(1).

إن الناظر إلى هذه الكلمات يتجسد أمام عينيه هيكل التقوى وصرحها، وعنوانها، وهيئتها، فكيف لا وهو إمام المتقين وأديب رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله).

وإننا لنقف بين قواميس عديدة من الحقوق والواجبات، فبين حق الله تعالى في هذه الأموال، وحق الأمة والرعية، وحق الإمام والوالي على الأمة، وحق مخرج الزكاة وصاحب المال، وحق الساعي في اخراجها، والاعجب بل الافرد في جمع قواميس الحضارة الإنسانية هو إيراده (عليه الصلاة والسلام) حق الحيوان والرفق به والشفقة عليه.

فضلاً عن ذلك بناء الإنسان والمجتمع، وذلك إن الساعي في اخراج الزكاة والصدقات هو حلقة الوصل بين الإمام والرعية وكلاهما يكشفان

ص: 81


1- نهج البلاغة: بتحقيق صبحي الصالح: ص 382، خطبة (26)، وبتحقيق قيص العطار: ص 580

عن الدين الذي يدينان به ونسبة تدينهما؛ فكانت التقوى والمعرفة بالحقوق والواجبات هي الوسيلة التي رّسخها مولي الموحدين (عليه السلام) فيجمع مفاصل حياته (صلوات الله وسلامه عليه).

أما ما يرتبط بالنص الشريف من أحكام فقهية فهي عديده إلا أن فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) لم يستثمروا تقطيع النص للاستدلال به في مسائل الزكاة والتي نحاول أن نستقصيها ونسأله تعالى أن يوفقنا للوقوف عليها فهذا حد رزقنا وتوفيقنا:

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ».

ص: 82

المبحث الأول هل يجب على الإمام بعث الساعي في كل عام، وهل الوجوب مطلق ام مقيد؟

المسألة الأولى: أقوال فقهاء الإمامية في المسألة.

قال بهذه المسالة فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) وتناولوا البحث فيها في مصنفاتهم وأداروا الحديث بين إطلاق الوجوب کما عند الشيخ الطوسي، والعلامة الحلي، وبين تقیده کما عند المحقق الحلي (عليهم الرحمة والرضوان).

1- فقد قال الشيخ الطوسي (عليه رحمة الله ورضوانه) في المبسوط:

(وعلى الإمام أن يبعث الساعي في الزرع إذا أشتد، وفي الثمار إذا بدء صلاحها، كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) بخيبر)(1).

2- وممن قال بالوجوب العلامة الحلي (عليه رحمة الله ورضوانه) فقد جاء في التذكرة:

مسألة 167: يجب على الإمام أن يبعث ساعياً في كل عام لتحصيل الصدقات من أربابها، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يبعثهم في كل عام، فيجب إتباعه، ولان تحصيل الزكاة غالبا إنما يتم به، وتحصيل الزكاة واجب فيجب ما لا يتم به.

ص: 83


1- المبسوط: ج 1 ص 198

إذا ثبت فينبغي للإمام أن يوصيه كما وصى أمير المؤمنين (عليه السلام) عامله.

قال الصادق (عليه السلام):

(بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدقاً من الكوفة إلى جادتيها، فقال له: «يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له....») إلى آخر الحديث الشريف مورد الدراسة.

3- أما القول بتقيد الوجوب فقد ذهب إليه المحقق الحلي (عليه الرحمة والرضوان) فقال في المعتبر:

(إذا علم - الإمام - أنها لا تجمع إلا به - وجب - أما لو عرف أن قبيلا يؤدونها لم تجب بعثه إليهم)(1).

وقال (قدس الله روحه) في المنتهى:

(وما ذكره الشيخ جيد إذا عرف الإمام أو غلب على ظنه أن الصدقة لا تجتمع إلا بالعامل، أما لو علم من قوم أدوها إليه أو إلى المستحقين، والاقرب عندي عدم الوجوب)(2).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى.

تناول بعض المذاهب الإسلامية القول بوجوب أن يبعث الامام الساعي لجمع الزكاة، ومنهم من لم يتناولها بالذكر، ومن القائلين بالمسألة:

أولاً: المذهب الشافعي.

ص: 84


1- المعتبر للمحقق الحلي: ج 1 ص 259
2- المختصر النافع: ص 60

قال الحافظ النووي (ت: 676 ه):

ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة لان النبي (صلى الله عليه وآله) والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة ولان في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه ومنهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ)(1).

ثانيًا: المذهب الحنبلي.

قال البهوتي (ت: 1051 ه).

(ويجب على الإمام أن يبعث السعاة عند قرب زمن الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر وهو السائمة والزرع والثمار لان النبي (صلى الله عليه وآله) والخلفاء من بعده كانوا يفعلونه؛ ومن الناس من لا يزكي، ولا يعلم ما عليه ففي اهمال ذلك ترك للزكاة)(2).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة:

1- ذهب فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) في مسألة وجوب أن يبعث الإمام الساعي في كل عام إلى قولين، الأول: الإطلاق في الوجوب، وبه قال: الشيخ الطوسي والعلامة الحلي (عليهما رحمة الله)، والثاني: التقييد في الوجوب، وبه قال المحقق الحلي (رحمه الله): (إذا علم - الإمام - أنها لا تجمع إلا به - وجب -).

2- وذهب إلى القول بالوجوب فقهاء الحنابلة والشافعية.

ص: 85


1- المجموع: ج 6 ص 167
2- کشاف القناع: ج 2 ص 310

ص: 86

المبحث الثاني شروط العامل على الزكاة

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ لَا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً، وَ لَا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً، وَ لَا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ. فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَ الْوَقَارِ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَ لَا تُخْدِجِ التَّحِيَّةَ لَهُمْ»(1).

وهذا الجزء من النص الشريف أشتمل على شروط العامل أو المصدق في اخراج الزكاة والتي تناولها فقهاء المذاهب الإسلامية واختلفوا في بعضها، وهي كالاتي:

المسألة الأولى: شروط العامل في إخراج الزكاة عند فقهاء الإمامية.

اختلف فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) في عدد هذه الشروط؛ فقد ذهب الشيخ الطوسي في المبسوط إلى انها ستة(2)، وكذلك المحقق الحلي في

ص: 87


1- نهج البلاغة، الخطبة (25) ص 380 بتحقيق صبحي الصا 380
2- المبسوط: ج 1 ص 248

المعتبر(1) وجعلها في الشرائع أربعة(2) وذلك لتردده في الحرية والفقه كما سيمر، وقال العلامة الحلي في التحرير: إنها ستة(3) وأوردها السيد اليزدي في العروة(4).

وهذه أقوالهم في المسألة:

أولاً: الشيخ الطوسي (ت 460 ه):

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(وإذا أراد الإمام أن يولي رجلاً على الصدقات أحتاج أن يجمع ست شرائط: البلوغ، والعقل، والحرية، والإسلام، والأمانة، والفقه؛ فإن أخل بشيء منها لم يجز ان يوليه)(5).

ثانيًا: المحقق الحلي (ت 676 ه):

قال في المبسوط: يشترط في العامل شروط ستة: الأول البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والإسلام، والامانة، والفقه، ولو أختل احدها لم يصلح)(6).

وتردد (رضوان الله عليه) في اشتراط الحرية والفقه في العامل(7)، وذلك أن الغرض يحصل بأذن المولي وسؤال العلماء.

ص: 88


1- المعتبر: ج 2 ص 571
2- شرائع الإسلام: ج 1 ص 121
3- تحرير الأحكام: ج 1 ص 396
4- العروة الوثقی: ج 4 ص 110
5- المبسوط: ج 1 ص 248
6- المعتبر: ج 2 ص 571
7- المصدر السابق

ثالثًا: العلامة الحلي (ت 726 ه):

(يشترط في اعمال شروط ستة: البلوغ، والعقل، والحرية، عل اشکال، والإسلام، والعدالة، والفقه فيها على أشكال)(1).

رابعًا: السيد اليزدي (ت 1337 ه):

قال (عليه الرحمة والرضوان) في العروة:

(ويشترط فيهم التكليف بالبلوغ والعقل والایمان بل العدالة والحرية ايضاً على الأحوط، نعم لا بأس بالمكاتب ويشترط ایضا المسائل المتعلقة بعملهم اجتهاداً او تقلیداً)(2).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء للمذاهب الاخرى في شروط العامل والصدق.

ورد ذكر المسألة، أي شروط العامل في المذاهب الإسلامية الاخرى على النحو الاتي:

أولاً: المذهب الحنفي.

لم يرد عند فقهاء المذهب الحنفي - بحسب ما توفر لدي من مصادر - أن ذكروا عدد هذه الشروط وانما ذكروا الحرية، والإسلام؛ إذ لا يصح تولية العبد والكافر.

قال ابن عابدين (ت: 1252 ه):

ص: 89


1- تحرير الأحكام: ج 1 ص 396
2- العروة الوثقی: ج 4 ص 110

(قوله: (حر مسلم) فلا يصح ان يكون عبد لعدم الولاية، ولا يصح ان يكون كافرا لأنه لا يلي على المسلم بالآية. بحر عن الغاية. والمراد بالآية قوله تعالى: «وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»(1).

قوله: (بهذا الخ) أي باشتراط الإسلام للآية المذكورة، زاد في البحر: ولا شك في حرمة ذلك أيضا اه: أي لان في ذلك تعظيمه، وقد نصبوا على حرمة تعظيمه، بل قال في الشرنبلالية: وما ورد من ذمه: أي العاشر فمحمول على من يظلم كزماننا، وعلم مما ذكرناه حرمة تولية الفسقة فضلا عن اليهود والكفرة.

قلت: وذكر في شرح السير الكبير أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص: ولا تتخذ أحدا من المشركين كاتبا على المسلمين، فإنهم يأخذون الرشوة في دينهم ولا رشوة في دين الله تعالى. قال:

وبه نأخذ، فإن الوالي ممنوع من أن يتخذ كاتبا من غير المسلمين لقوله تعالى: «لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ»(2).

قوله: (لما فيه من شبهة الزكاة) أي وهو من جملة المصارف، فيعطي كفايته منه نظر عمله، ولذا لو هلك ما جمعه لا شيء له كما صرح به في الزيلعي، فکان فيه شبه الأجرة وشبه الصدقة)(3).

ص: 90


1- النساء: 141
2- آل عمران: 118
3- حاشية رد المختار: ج 2 ص 337

ثانياً: المذهب الشافعي.

اتفق فقهاء المذهب الشافعي على أربعة شرائط في الساعي للزكاة، وقد بينّ ذلك الحافظ النووي في مجموعه، فقال:

(أتفقوا - أصحابنا - على أنه يشترط في كونه مسلماً حراً عدلاً فقيهاً في أبواب الزكاة؛ ولا يشترط فقه في غير ذلك؛ قال أصحابنا هذا إذا كان التفويض للعامل عاما في الصدقات فأما إذا عين له الإمام شيئاً يأخذه فلا يعتبر فيه الفقه)(1).

ثالثاً: المذهب الحنبلي.

ذهب أحمد بن حنبل وفقهاء المذهب الحنبلي إلى الاتفاق على شرائط ثلاثة في العمال وهي: (البلوغ، والعقل، والامانة) واختلفوا في الإسلام) وكونه من ذوي القربی.

فجوزوا ان يكون الساعي كافراً، ولأحمد بن حنبل في ذلك روايتين في الجواز وعدمه کما أسقط فقهاء المذهب شرط (الحرية) و (الفقه) و (الغنی).

قال ابن قدامة المقدسي (ت: 620 ه) وغيره:

(ومن شرط العامل ان يكون بالغاً عاقلاً أمينا لأن ذلك ضرب من الولاية والولاية تشترط فيها هذه الخصال ولان الصبي والمجنون لا قبض لها والخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه على أربابه ويشترط إسلامه واختار هذا القاضي وذكر أبو الخطاب وغيره انه لا يشترط إسلامه لأنه إجارة على

ص: 91


1- المجموع: ج 1 ص 168

عمل فجاز أن يتولاه الكافر کجباية الخراج.

وقيل عن أحمد في ذلك روايتان ولنا أنه يشترط له الأمانة فاشترط له الإسلام كالشهادة، ولأنه ولاية على المسلمين فلم يجز أن يتولاها الكافر کسائر الولايات ولان من ليس من أهل الزكاة لا يجوز أن يتولى العمالة كالحربي ولان الكافر ليس بأمين ولهذا قال عمر لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى وقد أنكر عمر على أبي موسى توليته الكتابة نصرانيا فالزكاة التي هي ركن الإسلام أولى، ويشترط كونه من غير ذوي القربى الا أن يدفع إليه أجرته من غير الزكاة.

وقال أصحابنا يجوز له الاخذ منها لأنها أجرة على عمل تجوز للغني فجازت لذوي القربی كأجرة النقال والحافظ وهذ أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا حديث الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حين سألا النبي (صلى الله عليه واله) أن يبعثهما على الصدقة فأبى أن يبعثهما وقال:

«إنما هذه الصدقة أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد».

وحديث أبي رافع أيضا وهذا ظاهر في تحريم أخذهم العمالة فلا تجوز مخالفته، ويفارق النقال والحمال والراعي فإنه يأخذه أجرة لحمله لا لعمالته، ولا يشترط كونه حرا لأن العبد يحصل منه المقصود کالحر فجاز أن يكون عاملا كالحر، ولا كونه فقيها إذا كتب له ما يأخذه وحده کما کتب النبي (صلى الله عليه واله) لعماله فرائض الصدقة وكما كتب أبو بكر لعماله أو بعث معه من يعرفه ذلك، ولا كونه فقيرا لأن الله تعالى جعل العامل صنفا غير

ص: 92

الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط معناه فيهما)(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

أولاً: الشروط التي وردت على لسان الفقهاء.

يمكن أجمال القول في مسألة شروط عامل الزكاة بما يلي:

1- إن جميع فقهاء المذاهب الإسلامية اختلفوا في عدد هذه الشروط بين كونها أربعة شرائط أو ستة.

2- أختلف الفقهاء ايضاً في مفهوم بعض الشروط ومن ثم أسقط بعضها.

3- فقد تردد المحقق الحلي (عليه الرحمة الرضوان) في شرط (الحرية) و (الفقه).

وكذلك أشكل العلامة الحلي (عليه الرحمة والرضوان) في (الحرية) و (الفقه) وإن عد الشرائط بانها ستة.

أما السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان) فقد احتاط ب (الحرية) وحصر الفقه في محمل السعات للزكاة (أجتهاداً، أو تقليداً).

4- أشترط فقهاء المذهب الحنفي في عامل الزكاة: (الحرية) و (الإسلام)، فلا يجوز عندهم تولية العبد والكافر.

5- أما الحنابلة فقد جوزوا أن يكون العامل: (كافراً، وعبداً، وفقيراً،

ص: 93


1- المغني: ج 7 ص 318؛ الشرح الكبير لابن قدامة: ج 2 ص 694 - 695؛ كشاف القناع للبهوتي: ج 2 ص 316؛ الانصاف للمرداوي: ج 3 ص 223

ومن ذوي القربى، أي هاشمياً، وجاهلاً في فقه الزكاة).

5- أتفق فقهاء المذهب الشافعي على أنها أربعة فقط: (الإسلام، والحرية، والعدل، والفقه في ابواب الزكاة خصراً).

ثانياً: الشروط التي وردت عنه (عليه الصلاة والسلام) ولم يذكرها الفقهاء.

أما النص الشريف فقد دل على مجموعة من الشرائط:

1- (تقوى الله): وهو أول شرط اظهره النص الشريف، لقوله (عليه لا الصلاة والسلام) للعامل:

«أنطلق على تقوى الله».

2- (الفضائل الاخلاقية).

وهي جملة من الآداب والصفات الحميدة التي لم يتناول فقهاء المذاهب الإسلامية اي منها وهو امر في غاية الغرابة ويكشف عن بعد المذاهب الإسلامية عن وصی رسول الله (صلى الله عليه واله) فقد اكتنز النص الشريف على جملة من الفضائل الاخلاقية اللازم توفرها في عامل الزكاة.

3- (الفقه).

وقد تضمن النص الشريف على مجموعة من المسائل الفقهية الكاشفة عن تحقق هذا الشرط سواء عن طريق الاجتهاد أو التقلید، کما أفاد السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان) في العروة في صفة هذا الشرط.

ص: 94

المبحث الثالث قبول قول المالك لو أدعي الإخراج أو قال لم يحل عليَّ الحول، أو تلف مني

إن مما جاء في النص الشريف قوله (عليه الصلاة والسلام) للعامل:

«ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللَّهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَ خَلِيفَتُهُ، لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ لِلَّهِ فِ أَموَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ، فَلاَ تُرَاجِعْهُ، وَ إِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ...».

المسألة الأولى: إجماع فقهاء الإمامية في المسألة.

تناول هذه المسألة فقهاء الامامية (أعلى الله شانهم) ولم يختلفوا فيها، وقد أوردها المحقق الحلي (ت: 676 ه) (عليه الرحمة والرضوان) في المختصر(1)، والفاضل الآبي (ت: 690 ه) في الكشف(2)، والعلامة الحلي (ت: 726 ه) (رحمه الله) في المنتهى(3)، والمقداد السيوري (ت: 826 ه) في التنقيح(4) وابن فهد

ص: 95


1- المختصر النافع: ص 60
2- کشف الرموز: ج 1 ص 259
3- منتهی المطلب: ج 2 ص 989
4- التنقيح الرائع: ج 1 ص 326

الحلي (ت: 821 ه) في المهذب(1)، والسيد اليزدي في العروة(2).

وممن فضّل القول في المسألة فضلا عما مر ذكرهم:

أولاً: السيد علي الطباطبائي (رحمه الله) (ت: 1231 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(ويقبل قول المالك لو أدعي الاخراج بنفسه، ولا يكلف يميناً، ولا بينة بغير خلاف اجده، وقيل:

لان ذلك حق له كما هو حق عليه ولا يعلم إلا من قبله وجاز احتسابه من دین وغيره مما يتعذر، الاشهاد عليه. ويدل عليه أيضا جملة من النصوص الواردة في آداب المصدق.

ففي الصحيح وغيره، خطابا له:

(قل: يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله تعالى في أموالكم، فهل لله تعالى في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه، فإن قال لك قائل، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه)(3) الحديث.

وكذا يقبل دعواه عدم الحول، وتلف المال، وماينقص النصاب مالم يعلم كذبه، ذكر ذلك شيخنا في الروضة قال: ولا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلا مع الحصر لأنه نفي)(4).

ص: 96


1- المهذب البارع: ج 1 ص 537
2- العروة الوثقی: ج 4 ص 53، المسالة (15)
3- وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب زكاة الأنعام ح 7 ج 6 ص 91
4- ریاض المسائل: ج 5 ص 188

ثانياً: الشيخ محمد تقي الأملي (رحمه الله) (ت: 1391 ه).

جاء ذلك في تعليقاته على العروة الوثقى(1) ضمن المسألة (15):

(إذا قال رب المال لم يحل على مالي الحول، يسمع منه بلا بينة ولا يمين وكذا لو أدعي الاخراج، أو قال تلف مني ما أوجب النقص عن النصاب.

أو قال: أختل بعض الشرائط في أثناء الحول أو نحو ذلك، بل ولو قال إجمالا لاحق بالفعل على في مالي قبل منه جميع ذلك ما لم يعلم كذبه بلا خلاف فيه منا، كما في الجواهر نسبة اعترافه في الجملة إلى البعض، ويدل عليه الأصل في بعض موارده مثل مورد دعوى عدم حلول الحول، أو دعوی الإجمالي عدم الحق الفعلي على المال، وكون الإخراج حقاله کما هو حق عليه، وكونه مما لا يعلم الا من قبله لعدم انحصار المستحق حتى يستعلم منه، وجواز احتساب الزكاة من الدين أو غيره مما يتعذر الاشهاد عليه، ولأنه عبادة يقبل قوله في أدائها، وقول أمير المؤمنين عليه السّلام في خبر برید بن معاوية وفيه قال (عليه السّلام) لمصدقه:

«ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لأخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤده إلى وليه فان قال لك قائل لا فلا تراجعه فان أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير ان تخيفه أو تعده الا خيرا».

وفي معناه أخر، وتدل تلك الاخبار على عدم الحاجة إلى البينة أو اليمين أيضا مضافا إلى ان ولاية إخراج الزكاة وتبديلها بالقيمة وصرفها إلى مستحقيها

ص: 97


1- العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي (رحمه الله): ج 4 ص 53

وتخصيصها ببعض المستحقين دون بعض بيد المالك وليس لأحد معارضته في شيء من ذلك، ولا لهذا الحق مستحق خاص كي يعارض مع المالك في شيء من ذلك، ويرفع الأمر إلى الحاكم حتى يطالب منه اليمين أو البينة.

هذا ولكن عن الدروس التفصيل بين تصديقه في دعوى عدم الحول وبين تصديقه في دعوى التلف بالحاجة إلى اليمين في الأخير دون الأول، ووجه بموافقة الأول مع الأصل دون الأخير ولازم ذلك لزوم اليمين في كلما كان من قبيل الأخير مخالفا مع الأصل مثل دعوى الإخراج ونحوها وهو ضعيف جدا، هذا كله فيما إذا لم يعلم كذبه، ولو علم كذبه وبقاء الحق في ما له يكون للحاكم وغيره إلزامه بالإخراج من باب الأمر بالمعروف ومع امتناعه عنه يستوفيه من ماله من باب الحسبة.

وقال المصنف (قده) في المسألة الخامسة من الفصل الذي عقده في بقية أحكام الزكاة: ومع التهمة لا بأس بالتفحص والتفتيش عنه، أقول وهو لا يخلو عن بعد، بعد إطلاق قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في النهي عن مراجعته لا سيما إذا استلزم هتکه، نعم لو لم يوجب التهتك ولا إخافته لا بأس به کما قال (قده) الا انه ليس بلازم على كل حال، بل في الجواهر انه ربما توهم قبول قوله مع العلم بكذبه عملا بإطلاق النص المذكور لكنه مدفوع بالقطع بعدم إرادة ما يشمل ذلك من النص قطعا)(1).

ص: 98


1- مصباح الهدى في شرح العروة الوثقی: ج 9 ص 456

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى في قول المالك إذا أدعي الاخراج وغيره.

في هذه المسألة خالف فقهاء المذاهب الإسلامية قول أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في قبول قول المالك إذا أدعي الإخراج أو قوله: لم يحل عليه الحول وغيرها، وهي كالاتي:

أولاً: المذهب المالكي.

جاء في المدونة الكبرى، في دفع الصدقة إلى الساعي:

(قلت: أرأيت إذا كان مصدقاً يعدل عن الناس فأتي المصدق إلى رجل له ماشية تجب في مثلها الزكاة فقال له الرجل: قد أديت صدقاتها إلى المساكين؟

فقال: لا يقبل قوله هذا)(1).

والعلة في عدم قبول قول المالك هو أن الحاكم أو الامام عادلاً وهذا حجة واهية ومخالفة لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو اعدل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعلمهم بالسنة المحمدية وبإقرار الصاحبة بذلك، لكنه (عليه السلام) مع عدالته وانه ولي الله امر الساعي بقبول قول المالك.

فضلاً عن ذلك فإن المالكي تراجع عن هذه الحجة وذهب إلى لزوم اخراج الزكاة إلى الحاكم عادلاً كان ام جائراً مستدلاً بذلك بما يرويه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمره المسلمين بأداء الزكاة إلى الحكام قائلاً:

«أما والله لو لا أن الله قال:

ص: 99


1- المدونة الكبری: ج 1 ص 327 - 328

«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا» ما تركتها جزية عليکم تؤخذون بها بعدي ولكن ادوها إليهم، فلكم برها وعليهم اثمها» ثلاث مرات.

واخبرني رجال من أهل العلم أن عبد الله بن عمر وبن العاص، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وسعد بن ابي وقاص وحذيفة بن اليمان، وانس بن مالك وابا قتادة وابا سعيد الخدري، وأبا هريرة، وعائشة وام سلمة - وحمد بن کعب الكرظي ومجاهدا و القعقاع بن حکیم وغيرهم من اهل العلم كلهم يأمر بدفع الزكاة إلى السلطان ويدفعونها إليهم)(1).

ثانيًا: المذهب الشافعي.

ذهب الشافعية إلى آخذ اليمين على المالك في اخراج الزكاة فمنهم من قال بالاستحباب واوجبه بعضهم.

قال الشافعي في كتاب الأم:

(وإذا كانت له أربعون شاة ببلد، فقال الساعي آخذ منها شاة فاعلمه، - اي المالك - إنما عليه نصف شاة، فعلى الساعي أن يصدقه وأن أتهمه احلفه وقبل قوله ولا يزيده على أن يحلفه بالله تعالى)(2).

وقال النووي في دعوى رب المال الاخراج للزكاة:

(إذا جاء الساعي مطالبا صدّق رب المال في اخراجها بيمينه واليمين مستحبة، وقيل واجبة)(3).

ص: 100


1- المصدر السابق
2- کتاب الأم: ج 2 ص 20
3- المجموع: ج 6 ص 166

ثالثًا: المذهب الحنفي.

ذلك ذهب الحنفي إلى اخذ اليمين على المالك وعدم قبول قوله دون اليمين، بل ويطالب بالبينة، وإذا اخرجها بنفسه لم يصدق وتؤخذ منه الزكاة مرة اخرى.

قال السرخسي (ت: 483 ه) في المبسوط:

(فإن حضر المصدق فقال: لم يحل الحول على السائمة او قال: علي دين يحيط بقيمتها، أو قال ليست هذه السائمة لي وحلف صدق على جميع لأنه أمين فيما يجب عليه من الزكاة فإنها عبادة خالصة لله تعالى كل أمين مقبول القول في العبادات التي تجب لحق الله تعالى فإذا أنكر وجوب الزكاة عليه بما ذكر من الأسباب وجب على الساعي تصديقه ولكن يحلفه على ذلك الا في رواية عن أبي يوسف قال لا يمين عليه لان في العبادات لا يتوجه اليمين كما لو قال صمت أو صليت يصدق في ذلك من غير يمين وفى ظاهر الرواية قال القول قول الأمين مع اليمين وفي سائر العبادات إنما لا يتوجه اليمين لأنه ليس هناك من يكذبه وهنا الساعي مكذب له فيما يخبر به فلهذا يحلف على ذلك.

(قال): وان قال أخذها منى مصدق آخر وحلف على ذلك فإن لم يكن في تلك السنة مصدق آخر لا يقبل قوله لان الأمين إذا أخبر بما هو محتمل كان مصدقا وإذا أخبر بما هو مستنكر لم يكن مصدقا وهذا أخبر بما هو مستنكر وإن كان في تلك السنة مصدق آخر فالقول قوله أتى بالبراءة أولم يأت بها هكذا ذكره في المختصر وهو رواية الجامع الصغير.

وفي كتاب الزكاة يقول وجاء بالبراءة وفيه إشارة إلى أن المجيء بالبراءة

ص: 101

شرط لتصديقه وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وجهه أنه أخبر بخبر ولصدقه علامة فان العادة ان المصدق إذا أخذ الصدقة دفع البراءة فان وافقته تلك العلامة قبل خبره وإلا فلا كالمرأة التي أخبرت بالولادة فان شهدت القابلة بها قبلت وإلا فلا ووجه الرواية الأخرى وهو أصح أن البراءة خط والخط يشبه الخط وقد لا يأخذ صاحب السائمة البراءة غفلة منه وقد تضل البراءة منه بعد الاخذ فلا يمكن أن تجعل حكما فبقي المعتبر قوله مع يمينه (قال) فان قال دفعتها إلى المساكين لم يصدق وتؤخذ منه الزكاة عندنا)(1).

بل ذهبوا إلى عدم براءة ذمة المكلف في ذلك وان كان صادقاً في اخراجها إلى الفقراء، ولذا تأخذ منه مرة ثانية وذلك ان اخراجها يجب ان يكون من خلال الحاكم وعامله.

قال السرخسي:

(وأن علم صدقه فيما يقول يؤخذ منه ثانياً ولا يبرأ بالأداء إلى الفقير)(2).

رابعاً: المذهب الحنبلي.

ذهب الحنابلة إلى الرجوع إلى المالك مع يمينه إذا اختلف مع الساعي في المال المخلوط، بل على الساعي ان يأتي إلى الصدقات فيأخذها منها لا أن يسأل المالك: اي شيء لك.

قال ابن قدامة نقلاً عن أحمد بن حنبل في المغني:

(قال أحمد: إنما يجيء المصدق فيجد المشية فيصدقها ليس يجيء فيقول:

ص: 102


1- المبسوط: ج 2 ص 161
2- المصدر السابق: ج 2 ص 162

أي شيء لك؟

وانما يصدق ما يجده والخليط قد ينفع وقد يضر. قال الهيثم ابن خارجة لأبي عبد الله: أنا رأيت مسكينا كان له في غنم شاتان فجاء المصدق فأخذ إحداهما والوجه في ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله):

(ما كان من خليطين فإنها يتراجعان بالسوية) وقوله:

(لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)

وهما خشيتان: خشية رب المال من زيادة الصدقة، وخشية الساعي من نقصانها، فليس لأرباب الأموال أن يجمعوا أموالهم المتفرقة التي كان الواجب في كل واحد منها شاة ليقل الواجب فيها، ولا أن يفرقوا أموالهم المجتمعة التي كان فيها باجتماعها فرض ليسقط عنها بتفرقتها. وليس للساعي أن يفرق بين الخلطاء لتكثر الزكاة، ولا أن يجمعها إذا كانت متفرقة لتجب الزكاة، ولان المالين قد صارا كالمال الواحد في وجوب الزكاة فكذلك في اخراجها ومتى أخذ الساعي الفرض من مال أحدهما رجع على خليطه بقدر قيمة حصته من الفرض، فإذا كان لأحدهما ثلث المال وللآخر ثلثاه فأخذ الفرض من مال صاحب الثلث رجع بثلثي قيمة المخرج على صاحبه وان أخذه من الآخر رجع على صاحب الثلث بثلث قيمة المخرج والقول قول المرجوع عليه مع يمينه إذا اختلفا وعدمت البينة لأنه غارم فكان القول قوله كالغاصب إذا اختلفا في قيمة المغصوب بعد تلفه)(1).

ص: 103


1- الغني لابن قدامة: ج 2 ص 488

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة:

أولا: أتفق فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) على:

قبول قول المالك، سواء قال بإخراج الزكاة أو لم يحل على مالي الحول، أو تعرض المال للتلف فلم يتحقق النصاب وغيرها، ولا يكلف البينة أو اليمين، وذلك لأنه مكلف بأداء الفريضة كالصلاة أو الصوم وغيرها، فالقول قوله، ولا يطالب باليمين على أنه: صام أو صلى أو زكى.

ثانيا: وخالفهم بقية المذاهب الإسلامية الاخرى، وهي كالاتي:

1- فقد ذهب إمام المذهب المالكي إلى: عدم قبول قول المالك معللاً ذلك إلى وجود الامام، وهو الحاكم العادل، ثم تراجع عن العدالة في الحاكم، بل تعطى إلى الساعي والحاكم مطلقاً، محتجاً في ذلك بما ينسب إلى النبي (صلى الله عليه واله):

«أدوها إليهم، فلكم برها، وعليهم أثمها».

2- وذهب فقهاء المذهب الشافعي إلى:

أ- عدم قبول المالك وإلزامه باليمين استحباباً وقيل: بالوجوب(1).

ب- وذهبوا الى: المطالبة في اجتهاد المالك في المغشوش من الذهب والفضة بان يأتي بشاهدين(2).

ج- وقالوا: بتغرير المالك لو قام بإخفاء الزكاة عند مطالبة الإمام أو

ص: 104


1- المغني للنووي: ج 6 ص 10
2- المصدر نفسه: ج 6 ص 166

الساعي(1).

د- وقالوا بعدم جواز الامتناع من اداء القدر الواجب لو طالب الساعي بالزيادة وذلك خوفاً من مخالفة ولاة الأمر(2).

ه- وقالوا: بقتال مانعي الزكاة لو طلبها الحاكم(3).

3- وذهب فقهاء المذهب الحنفي إلى: عدم قبول المالك، بل يطالب بالبينة ويؤخذ عليه اليمين.

وإذا أخرجها بنفسه لا يقبل منه وتؤخذ منه الزكاة مرة ثانية.

4- وذهب فقهاء المذهب الحنبلي إلى: عدم قبول قول المالك ولا يصدق إلا باليمين.

وإذا جاء الساعي إلى المال المخلوط فعليه اخراج الزكاة في هذا المال دون الرجوع إلى المالك فيسأله: اي شيء لك.

وهذه الاقوال التي أفتى بها فقهاء المذاهب الاخرى كلها مخالفة لقول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام) في المسألة - موضع البحث - قال (عليه الصلاة والسلام):

«فإن قال قائل: لا، فلا تراجعه، وأن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعسفه أو ترهقه».

ص: 105


1- المغني: ج 6 ص 173
2- المغني: ج 6 ص 167
3- المغني: ج 6 ص 166

المسألة الرابعة: قاعدة فقهية (الحكم بالنكول) وعدم تحققه في دعوى الإخراج.

تدخل هذه المسالة، أي (دعوى اخراج الزكاة) من صاحب المال في نطاق القاعدة الفقهية بعدم الحكم في النكول والتي أوردها الشهيد الأول مكي العاملي (عليه الرحمة والرضوان) (ت: 786 ه) في القواعد ضمن المورد الاول المتعلق بهذه القاعدة، فقال:

(لا يحكم بالنكول على الاقوى في عشرة مواضع: الاول:

دعوى المالك أبدال النصاب أو الاخراج، أو عدم الحول، الأصح أنه مسموع بغير يمين. ولو قلنا باليمين، فنكل أخذ منه الحق، فهو إما قضاء بالنكول، واما قضاء عند النكول، لان قضية ملك النصاب اداء الزكاة، فإذا لم يأت بحجة أخذت منه.

وقال بعضهم: إذا كان المستحقون محصورين، وقلنا بتحريم النقل، حلفوا واخذت منه، وهو بعيد.

وقيل منذ نكوله يحسب حتى يقر او يحلف.

وقيل: بلى يخلى.

وقيل: إن كان بصوره المدعي كقوله: أخرجت، أو بادلت، أخذت منه عند النكول، وأن كان بصورة النكر كقوله: لم يحل الحول، أو ما في يدي لكاتبي ترك)(1).

ص: 106


1- القواعد والفوائد: ج 1 ص 413

المبحث الرابع لا يجوز للساعي التسلط على أرباب المال

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«وَ إِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ، فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَ لاَ عَنِيفٍ بِهِ، وَ لاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَ لاَ تُفْزِعَنَّهَا، وَ لاَ تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا»(1).

وقال (عليه الصلاة والسلام) في وصية اخرى:

«أَمَرَهُ أَلَّا یَجْبَهَهُمْ، وَلَا یَعْضَهَهُمْ، وَلَا یَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا بِالْإِمَارَةِ عَلَیْهِمْ، فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِی الدِّینِ، وَالْأَعْوَانُ عَلَی اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ»(2).

إن مما أشتمل عليه النص الشريف من مسائل متعلقة بالعامل على الزكاة، مسألة: عدم جواز تسلط العامل على اسباب الاموال والتي تعرض لذكرها وبيانها فقهاء المذاهب الإسلامية واختلفوا في الجواز وعدمه کما سيمر بيانه انشاء الله تعالى.

ص: 107


1- نهج البلاغة، الخطبة (25) بتحقيق صبحي الصالح: ص 380
2- المصدر السابق، الخطبة (26) ص 382

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي.

أجمع فقهاء الإمامية على عدم جواز تسلط الساعي على أرباب الزكاة، وخالفهم في المسألة فقهاء المذاهب الإسلامية، وهي كالاتي:

أولًا: العلامة الحلي (رحمه الله) (ت: 726 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان): إن عدم الجواز في المسألة يتضح بشكل دقيق في عمل الساعي هو ما أورده العلامة الحلي (عليه الرحمة والرضوان) في التذكرة، فقال:

(وإذا بعث الإمام الساعي لم يتسلط على أرباب المال، بل يطلب منهم الحق إن كان عليهم، فإن قال المالك أخرجت الزكاة، أو لم يحل على مالي الحول، أو أبدلته، صدّقه في غير يمين خلافاً للشافعي على ما تقدم)(1)، انتهى قوله (رحمه الله).

أقول:

أما قوله (عليه الرحمة والرضوان): (خلافاً للشافعي على ما تقدم)، أي: ما تقدَم ذكره في المسألة الثالثة: (قبول قول المالك لو أدعى الاخراج...) وقد بينا في (ثانيا) أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية الاخرى والتي خالفوا فيها المذهب الإمامي في عدم قبول قول المالك الا أذا حلف وقد أوجب بعضهم أخذ اليمين، وبعضهم قال:

بالاستحباب، وقالوا: بالنسبة مع اليمين كما عند المالكية، في حين ذهب

ص: 108


1- تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 318، المسألة (229)

الشافعية إلى تعزير المالك في المغشوش في المعدنين وعليه: لم يكن الشافعي هو الوحيد الذي خالف المذهب الإمامي، بل بقية المذاهب الإسلامية الاخرى.

ثانيًا: المحقق الحلي (رحمه الله) (ت: 676 ه).

إن السبب في تقديم قول العلامة على قول المحقق (عليه الرحمة والرضوان) هو لعنونة المسألة عند العلامة وإفرادها في مسائل الزكاة.

أما قول المحقق (عليه رحمه الله ورضوانه) فقد قال بعدم جواز تسلط الساعي على المالك فيما (اذا أجتمع في مال الأمران، كالمائتين، فالخيار إلى المالك في أخراج أربع حقات او خمس بنات لبون، لأن الامتثال يتحقق بإخراج أحدهما، فلا يتسلط على المالك)(1).

ثالثًا: الشيخ مرتضى الانصاري (ت: 1281 ه).

وقد بحث المسألة، أي (عدم التسلط) في مواضع عدة من كتاب الزكاة، منها:

1- في عدم وجوب الزكاة في المال المغصوب، والمال الغائب، والدين وان اختلف المناط بينهما إلا ان المعيار في الكل واحد وهو العجز عن الاخذ(2)، وعدم تحقق الشرط في الوجوب وهو (التمكن في المال) فإذا حصل التمكن حصل عندها التسلط والتصرف به ومنه اخراج الزكاة.

وهذا يدل أن حق التسلط والتصرف يكون لرب المال وليس للساعي

ص: 109


1- المعتبر: ج 2 ص 501
2- کتاب الزكاة: ص 44

فهو غير مالك ولا متمكن فلا يجوز له التصرف.

2- وأوردها (رحمه الله) في مسألة عدم وجوب الزكاة في مال العبد لعدم تحقق المقتضى وهو تمام الملكية قال (رحمه الله):

(إن الثابت من الادلة - من غير عارض - هو تسلط المولى على جميع ما في يد العبد في أنواع التصرفات، وليس هذا منافيا لملكية العبد بأن يترتب على ما في يده أحكام الملك، من جواز العتق عن نفسه، وجواز الصدقة لنفسه، ونحو ذلك بعد الإذن من المولى، فيجمع بين الأخبار، ويحكم بأن ما في يد العبد ملك حقيقي لنفسه، وفي حكم الملك في السلطنة عليه لمولاه. ويمكن العكس بأن يحكم بالملك الحقيقي للمولى، وأن ما في يده بعد الإذن عموما في التصرف في حكم الملك للعبد.

ويمكن ترجيح الثاني من وجهين:

أحدهما: إنا لا نعقل من الملك عرفا وشرعا إلا كون الشيء بحيث يكون للشخص التسلط على الانتفاع به ويبدله، وهذا المعنى موجود في المولى، وبعد الإذن من للعبد، وإن كان موجودا في العبد أيضا إلا أن ملاحظة تسبب ذلك عن رخصة الغير ودورانه مداره يوجب صحة سلب الملك حقيقة عنه.

الثاني: عموم ما دل على تسلط الناس على أموالهم(1)، وأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه(2) والحجر على الصغير والمجنون والسفيه لمصلحة لا لتسلط الغير عليه، فحجرهم تقوية لتملكهم بحفظ أموالهم عن

ص: 110


1- عوالي اللآلي 1: 222، الحدیث 99، و 1: 457، الحديث 198
2- عوالي اللآلي 2: 113، الحدیث 309

معارض التلف وموارد الخسارة، فالولي نائب عن هؤلاء في السلطنة، لا أنه قاهر لهم ورافع لسلطنتهم، ولا تضعيف ورفع لسلطنتهم. فالعمومات المذكورات تدل على أن ما في يد العبد ليس ملكا له، لانتفاء لازمه - الذي التسلط وحرمته للغير بغير طيب النفس - وأدلة استقلال الولي لا تخصص هذه العمومات إلا بعد ثبوت الملكية للعبد من الخارج، وأدلة ثبوت الملكية له إن كانت ما أطلق فيه المال على ما في يد العبد، فهي معارضة بالأخبار الكثيرة الدالة على أن ما في يده لمولاه)(1).

3- وأورد في اشتراط التمكن من التصرف وجعله من لوازم توقف الوجوب بعد حلول الحول على المال في يده.

قال (رحمه الله):

(إن الشارع جعل مجرد حلول الحول على المال في يد المالك - بمعنى أن يكون في يده تمام الحول - علة مستقلة لوجوب الزكاة، فإن كان المراد من كونه في يده هو ما ذكرنا من تسلطه على التصرف في العين بالدفع والاقباض، ثبت المطلوب، وهو اعتبار كونه كذلك تمام الحول، وإن كان المراد منه ما دون ذلك، أعني: التسلط في الجملة ولو لم يكن مسلطا على الدفع والاقباض، لزم توقف الوجوب بعد حلول الحول على المال في يده على شيء آخر، وهو كون المال بحيث يتمكن من دفع بعضه إلى المستحق، ويلزم منه عدم استقلال ما فرضناه مستقلا في العلية)(2).

ص: 111


1- کتاب الزكاة: ص 105
2- کتاب الزكاة: ص 117

وهذا كله ينص على أن حق التسلط مرهون بالملك والتمكن وهو مالا يمكن تحققه في الساعي ومن ثم لا يجوز له التسلط على أرباب المال، وسنورد مزيد في البيان في القواعد الفقهية المرتبطة بالمسألة وهما قاعدة (التسلط) وقاعدة (اليد) وكلاهما يمنعان الجواز تحكم الساعي وتسلطه على ارباب المال کما نص الحديث الشريف عن سيد الأوصياء (عليه الصلاة والسلام).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى في تسلط الساعي على أرباب المال.

أولاً: المذهب المالكي:

اختلف مالك بن انس مع المذهب الإمامي في تسلط الساعي على أرباب المال، فقد قال: بجواز تصرف الساعي في أخذ الصدقة من المالك جبراً؛ قال في المدونة وقد سُأل عن: رجل أجبر قوماً وكان سعياً عليهم على أن يأخذ منهم دراهم فيما وجب عليهم من صدقتهم؟

فقال: (أرجو أن يجز عنهم إذا كان فيها وفاء لقيمة ما وجب عليهم وكانت عند محلها.

قال سحنون: وإنما أجرأ ذلك عنهم لان الليث ذكر عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول: من الناس من يكره اشتراء صدقة ماله ومنهم من لا يرى به بأساً فكيف بمن أكره)(1).

ويتضح من ذلك أن للساعي التسلط على أرباب المال وأن له أن يجبرهم على أخذها.

ص: 112


1- المدونة الكبرى: ج 1 ص 339

ثانيًا: المذهب الشافعي.

وقد ذهب فقهاء الشافعية إلى القول بتسلط الساعي على ارباب الاموال، وللساعي الحق في ان يأخذ الزكاة جبرا(1).

قال النووي:

(إذا ملك اربعين شاة فحال عليها الحول ولم يخرج زكاتها حتى حال عليها حول آخر فان حدث منها في كل حول سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف وان لم يحدث فعليه شاة عن الحول الأول (وأما) الثاني فان قلنا تجب الزكاة في الذمة وكان يملك سوى الغنم ما يفي بشاة وجب شاة للحول الثاني فإن لم يملك غير النصاب انبني على الدين هل يمنع وجوب الزكاة أم لا (إن قلنا) يمنع لم يجب للحول الثاني شيء.

(وإن قلنا) لا يمنع وجبت الشاة للحول الثاني (وإن قلنا) تتعلق بالعين تعلق الشركة لم يجب للحول الثاني شيء لان الفقراء ملكوا شاة فنقص النصاب ولا تجب زكاة الخلطة لان جهة الفقراء لا زكاة فيها فمخالطتهم لا تؤثر كمخالطة المكاتب والذمي.

(وإن قلنا) تتعلق بالعين تعلق الأرش أو الرهن قال إمام الحرمين وغيره من المحققين هو كالتفريع على قول الذمة وقال الصيدلاني هو كقول الشركة (والصحيح) قول الإمام وموافقيه قال الرافعي لكن يجوز أن يقدر خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الساعي على المال بقدر الزكاة.

ص: 113


1- تحفة الفقهاء للسمرقندي: ج 1 ص 312

(وإن قلنا) الدين لا يمنع الزكاة قال وعلى هذا التقدير يجرى الخلاف على قول الذمة أيضا ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا حولين ولا نتاج فان علقنا الزكاة بالذمة وقلنا الدين لا يمنعها أو كان له مال آخر يفي بها فعليه بنتا محاض.

(وإن قلنا) بالشركة فعليه للحول الأول بنت محاض وللثاني أربع شاه وتفريع قول الرهن والأرش على قياس ما سبق، ولو ملك خمسا من الإبل حولين بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين لكن سبق حكاية وجه ان قول الشركة لا يجئ إذا كان الواجب من غير الجنس فعلى هذا يكون الحكم في هذا على الأقوال كلها كالحكم في الأولتين تفريعا على قول الذمة والله أعلم)(1).

ثالثًا: المذهب الحنفي.

يرى فقهاء المذهب الحنفي:

(إن للساعي أن يجبر - المالك - على الاداء بالحبس فيؤديه بنفسه، لأن الاكراه لا ينافي الاختيار، فيتحقق الفعل عن ختياره فيجوز)(2).

رابعًا: المذهب الحنبلي.

لم يختلف فقهاء المذهب الحنبلي في تسلط الساعي على ارباب المال عن غيرهم من فقهاء المذهب المالكي والحنفي والشافعي وحجتهم في ذلك: (إن الساعي نائب الامام، وفعله كحكمه)(3).

ص: 114


1- المجموع: ج 5 ص 380 - 381
2- تحفة الفقهاء للسمرقندي: ج 1 ص 312
3- كشاف القناع للبهوتي: ج 2 ص 232

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

أولا: أختلف فقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) مع بقية فقهاء المذاهب الإسلامية في المسألة فقد أجمع فقهاء الامامية على عدم جواز تسلط الساعي على أرباب المال؛ في حين جوزّ فقهاء المذاهب الاخرى ذلك، كلاً بحسب رأيه واجتهاده، متبعين في ذلك أراء أئمتهم واجتهاداتهم.

ثانيا: وهذا يكشف عن مخالفة المذاهب الإسلامية قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهيه الساعي عن التسلط على أرباب المال.

ثالثا: فضلاً عن ذلك فإن الفقهاء الامامية ما ارتكزوا عليه في المسألة من قواعد فقهية تحول دون جواز (التسلط) على ارباب المال، وهو ما سنتناوله فيما يلي:

المسألة الرابعة: تبعية المسألة لقاعدة (التسلط) وقاعدة (حجية قول ذي اليد).

إن مما كشفته الابحاث الفقهية عند المذهب الإمامي هو تبعية عدم جواز تسلط الساعي على ارباب المال لقاعدتين فقهيتين، وهما: قاعدة (التسلط) وقاعدة (ذي اليد) وهي كما يلي:

أولاً - قاعدة (التسلط) (الناس مسلطون على أموالهم.

إن ممن بحث القاعدة وبسط فيها القول الشيخ ناصر مکارم الشيرازي فبين نسبة القاعدة مع الواجبات المالية؛ موضحاً إن جریان القاعدة يجري مع ثبوت الملكية وان هذه الملكية خارجة عن مقدار الزكاة، والخمس؛ قال

ص: 115

في الفقرة الرابعة:

(4- نسبة قاعدة التسلط مع الواجبات المالية:

يبقى الكلام في النسبة بين هذه القاعدة وما دل على وجوب الزكاة والخمس في اموال الناس وما دل على ان للميت حق في ثلث ماله اذا أوصوى به، وكذا ما دل على حجر المفلس بحكم الحاكم وغير ذلك من اشباهها.

لا ينبغي الشك في ورود بعض ما ذكر - اي الزكاة والخمس وثلث الميت اذا أوصى وغيرها - على قاعدة التسلط؛ فإن تشريك الله ورسوله وذوي الحقوق الآخر في أموال الناس ينفي ملكية المالك بالنسبة إلى هذا المقدار، وإذا انتفت الملكية انتفت السلطنة.

وقال الله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»(1).

وقال: «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(2) بناء على كونه ناظرا إلى الحقوق الواجبة.

وكذا ما دل على أن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم و «لو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير»(3).

فان ظاهره ان الزكاة ليست واجبا تكليفيا فقط، بل هو حكم وضعي

ص: 116


1- الأنفال: 41
2- الذاريات: 19
3- الوسائل أبواب الزكاة الباب 1 الحديث 2

وحق للفقراء في أموال الأغنياء فقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» وان كان ظاهرا في أن المال لهم ولكن كونهم مالكين انما هو بحسب الظاهر وقبل فرض الزكاة، لا أقول انهم شركاء على نحو الإشاعة، بل أقول إن لأرباب الزكاة حقا وضعيا فيها، وقد أوضحنا حال هذا الحق وآثاره في أبواب الزكاة، وانه حق لا كسائر الحقوق له أحكام خاصة واخترنا هذا القول من بين الأقوال الثمانية الموجودة في المسألة في كيفية تعلق حق الفقراء بأموال الأغنياء.

اما إذا لم يكن من هذا القبيل فلا شك ان أدلة تعلق هذه الواجبات المالية حاكمة على قاعدة التسلط لأنها ناظرة إليه، فلا يبقى شك في تخصيصها بها ولو لم تكن النسبة بينهما عموما وخصوصا مطلقا)(1)، انتهى كلامه.

أقول:

إلا أننا يمكن أن نستدرك على قوله (رحمه الله) بأمور أرتبطت بمسألة تسلط الساعي على أرباب المال، ولذلك أتفق عليه علماء الإمامية (أعلى الله شأنهم)، وهي ما يلي:

الأمر الأول - إن انتفاء الملكية في المقدار المتعلق فيه الواجب الشرعي كالزكاة والخمس لا يجيز للساعي التسلط على رب المال وذلك لمقتضى قول قوله المالك كما مرّ بيانه سابقاً.

الأمر الثاني - إن خروج الملكية في المقدار المعين قد يوهم الساعي بان له حق التصرف بلحاظ انها حق الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وذوي القربى كما في الخمس وحجب الزكاة عن ذوي القربى وانتقالها إلى حق الفقراء

ص: 117


1- القواعد الفقهية، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج 2 ص 41 - 42

والمساكين وغيرهم من بقية الاصناف.

ولذا: منعه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذا الوهم أو أن تسوول له نفسه بذاك (بهذا اللحاظ).

الأمر الثالث - إن انتفاء الملكية في مقدار الزكاة إنما يكون ظاهراً وذلك المقتضى قاعدة وضع اليد التي سيمر بیانها.

ولذلك نجد أن الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (عليه الرحمة والرضوان) (ت: 786 ه) لم يورد الزكاة والخمس في أسباب التسلط على ملك الغير، ضمن قاعدة الوسائل الخمسة، في الوسيلة الثانية والتي حددها بخمسة اسباب تجيز التسلط على ملك الغير، وهي كالاتي:

(الأول: ما يسلط عليه بالتملك قهراً، کالشفعة، والمقاصة للمماطل، وبيع مال الممتنع عن الحق الواجب ورجوع البائع في عين ماله للتفليس مطلقا، وللموت إن كان في المال وفاء، وفسخ البائع بخياره، إن قلنا بانتقال المبيع بالعقد، وهو الأصح.

الثاني: ما يسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المتصرف خاصة كالعارية.

الثالث: ما يسلط على ملك الغير بالتصرف لمصلحة المالك خاصة، کالوديعة المأذون في نقلها وإخراجها، والوكالة المتبرع بها.

الرابع: ما يسلط لمصلحتهم، كالشركة، والقراض، والوكالة يجعل.

الخامس: ما يسلط على ملك الغير بمجرد وضع اليد، کالوديعة غير

ص: 118

المأذون له فيها إذا لم يحتج إلى النقل)(1)، انتهى كلامه (عليه الرحمة والرضوان).

الأمر الرابع - إن الساعي غير متمكن من التصرف لانتفاء الملكية، وانما المتصرف هو الإمام فوظيفة الساعي ايصال الزكاة والصدقات إلى الإمام وهو يتصرف فيها بإيصالها إلى المستحقين لها. ولذا، اقتضى فيه شرط الأمانة والتقوى التي جعلها الامام امير المؤمنين (عليه السلام) من صفات الساعي. وشروط تعينه في هذه الوظيفة.

ثانيا: قاعدة حجية قول ذي اليد.

والمراد بالقاعدة أن يكون للإنسان سلطنة على شيء من (جهة الملك، أو الامانة، أو الاج-رة، أو العارية، أو غير ذلك، بل ولو كان التسلط من ناحية التربية كسلطة الاب والام على الطفل، بالنسبة إلى اخبارهم عن طهارته ونجاسته وغير ذلك مما يمس به)(2).

وقد استدل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي على هذه القاعدة في اقوال فقهاء المذاهب الامامي (أعلى الله شأنهم) ومنها:

قول العلامة في التذكرة:

(إذا بعث الامام الساعي لم يتسلط على أرباب المال). والتي مرَّ بيانها في هذه المسألة مورد البحث والدراسة وعليه:

يتضح من ذلك أن لا سلطة للساعي على أرباب المال لحجية قول ذي

ص: 119


1- القواعد والفوائد: ج 1 ص 37
2- القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج 2 ص 103

اليد، ولعدم التمكن من التصرف، وانتقال الملكية في مقدار الزكاة والخمس عند إخراج رب المال لهذا وانتقاله إلى يد الإمام ليفرقه على مستحقيه.

ص: 120

المبحث الخامس هل الخيار للمالك أم للساعي في اختيار العين؟

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«وَ اصدَعِ المَالَ صَدعَينِ، ثُمّ خَيّرهُ، فَإِذَا اختَارَ فَلَا تَعرِضَنّ لِمَا اختَارَهُ، ثُمّ اصدَعِ الباَقيِ َ صَدعَينِ، ثُمّ خَيّرهُ، فَإِذَا اختَارَ فَلَا تَعرِضَنّ لِمَا اختَارَهُ، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتّي يَبقَي مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقّ اللّهِ فِي مَالِهِ، فَاقبِض حَقّ اللّهِ مِنهُ، فَإِنِ استَقَالَكَ فَأَقِلهُ، ثُمّ اخلِطهُمَا، ثُمّ اصنَع مِثلَ ألّذِي صَنَعتَ أَوّلًا حَتّي تَأخُذَ حَقّ اللّهِ فِي مَالِهِ».

والنص الشريف واضح الدلالة على أن الخيار للمالك في إخراج عين الزكاة على تفصيل تناوله فقهاء المذاهب الإسلامية واختلفوا فيه أيضاً.

فقد أجمع فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) على أن الخيار للمالك وليس للساعي، وذهب الشافعية إلى أن الخيار للساعي، وبه قال مالك، وخالفوا في ذلك فقهاء الحنفية، كما سيمر بيانه.

المسألة الأولى: المذهب الإمامي.

أجمع فقهاء الامامية (أعلى الله شأنهم) على أن الخيار للمالك وليس للساعي ولا له أن يختار الأجود، لكنه في المقابل لا يأخذ المعيوب، كما أن للمالك أن يدفع شاة أخرى من غير التي تعين فيها النصاب، وله الوسطية في القيمة.

ص: 121

وقد تناول الفقهاء هذه المسألة من الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) إلى يومنا هذا وسنورد بعض أقوالهم في المسألة الا أن خير من توسع في المسألة وجمع أقوال الفقهاء هو الشيخ مرتضى الانصاري (عليه الرحمة والرضوان)، وأما الشيخ الجواهري (عليه الرحمة والرضوان)؛ فقد تبتع الروايات الشريفة في المسألة، وأما السيد اليزدي (عليه الرحمة الرضوان) فقد أجزل العبارة في المسألة، ولذا سنكتفي بإيراد هذه الاقوال:

أولا: الشيخ مرتضى الانصاري (رحمه الله) (ت: 1281 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في كتاب الزكاة(1)، في كيفية عد ما زاد على المائة والعشرين وهل الاختيار للمالك أم للساعي:

(إذا زاد الإبل على مائه وعشرين فهل يتخير بين عدده بالخمسين والاربعين مطلقاً فله أن يعد المائة والواحدة والعشرين بخمسين، فيكون فيه حقتان، وأن يعد المائة والخمسين بأربعين فيكون فيه ثلاثة بنات لبون، أم لا يتخير إلا إذا أمكن العد بكل من العددين كالمائتين مثلا. وإلا ففي المثال الأول يتعين العد بالأربعين، وفي الثاني بالخمسين، وفي المائة والثلاثين بكليهما، فيعطي حقه وابنتي لبون؟ ظاهر الفاضلين(2)، والشهيدين(3)، والمحقق الثاني(4)، بل المشهور - كما في الحدائق(5)-: الثاني، بل عن المنتهى: أن في المائة

ص: 122


1- اعتمدنا النسخة المحققة الصادرة بمناسبة المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
2- الشرائع 1: 146، والمعتبر 2: 500 و 501، والتذكرة 1: 207
3- الدروس 1: 234، الروضة البهية 2: 18، والمسالك 1: 40
4- جامع المقاصد 3: 15
5- الحدائق 12: 49 - 50

وواحدة والعشرين ثلاث بنات لبون، عند علمائنا(1) وكذا ظاهر المحكي عن الناصريات سيما بملاحظة ما ذكر في الانتصار(2) بل هو ظاهر عبارة المعتبر(3) أيضا كما سيظهر، وعن شرح الروضة أنه صريح الأصحاب(4) وعن الشهيد في فوائد القواعد(5): الأول، وحكي عنه نسبته إلى ظاهر الأصحاب والأخبار(6)، واختاره سبطه في المدارك(7)، وتبعه جملة ممن تأخر عنه، منهم: صاحب الحدائق(8)، والرياض(9). والمعتمد ما عليه المشهور، ونسبة هذا القول إلى ظاهر الأصحاب غير مقرون بالصواب، وكذا نسبته إلى ظاهر الأخبار.

أما الأول فلأن ظاهر الوسيلة(10)، والشرائع(11) والقواعد(12) والبيان(13)،

ص: 123


1- الناصريات (الجوامع الفقهية): 241
2- الإنتصار: 82
3- المعتبر 2: 500
4- المناهج السوية (مخطوط): 18 وفيه: وقد صرح بهذا الحكم الأصحاب من غير نقل خلاف
5- وهو شرحه على القواعد (مخطوط) نقل عنه في المدارك 5: 58 والجواهر 15: 81، والمستند 2: 20
6- مفتاح الكرامة 3: 60 (كتاب الزكاة)
7- مدارك الأحكام 5: 58
8- الحدائق 12: 50
9- الرياض 1: 265
10- الوسيلة: 124
11- الشرائع 1: 146
12- القواعد 1: 53
13- البیان: 173

وصريح الشهيد(1) والمحقق(2) الثانيين، بل حكي عن المبسوط(3)، والسرائر(4) أيضا مدعيا ثانيهما عليه الاتفاق، وستسمع عن الناصريات(5)، والمنتهى(6) والتذكرة(7) دعوى الاجماع أيضا.

والظاهر أن منشأ النسبة اشتهار التعبير في كلام الأصحاب عن النصاب الأخير للإبل بأن في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، تبعا للأخبار المعبرة بهذا التعبير - نسبه في المختلف إلى المشهور(8)، وفي محكي المعتبر إلى علمائنا(9)، وفي محكي الناصريات إلى الاجماع(10). وأنت خبير بأن هذه العبارة لا يريدون منها التخيير المطلق، ولا دلالة فيها على ذلك.

أما أنهم لا يريدون به ذلك، فلأن جماعة من عبر بهذا التعبير، بل نسبه إلى المشهور - كالعلامة في المختلف(11)، أو إلى علمائنا - كالمحقق في المعتبر(12)،

ص: 124


1- الروضة البهية 2: 18، والمسالك 1: 40
2- جامع المقاصد 3: 15
3- المبسوط 1: 192
4- السرائر 1: 449
5- الناصريات (الجوامع الفقهية): 241
6- المنتهى 1: 480
7- التذكرة 1: 207
8- المختلف 1: 175
9- المعتبر 2: 500
10- الناصريات (الجوامع الفقهية): 241
11- المختلف 1: 175
12- المعتبر 2: 500

أو إلى الاجماع - كالسيد في الناصريات(1)، كلامهم كالصريح في تعيين(2) ثلاث بنات لبون في المائة وواحدة والعشرين، بل أكثر هؤلاء القائلين عبروا بالعبارة المذكورة، فلاحظ كلماتهم في هذا المقام:

ففي الناصريات، ادعى الاجماع على العبارة المذكورة وذكر موافقة الشافعي له من العامة وقد حكي عن الشافعي في الانتصار(3) تعيين ثلاث بنات لبون في المائة والواحد والعشرين. والعلامة في التذكرة(4) نسب وجوب ثلاث بنات لبون إلى علمائنا إلا السيد في الانتصار(5)، وحكي عن الناصريات(6) موافقته، وذكر موافقة الشافعي أيضا.

وكيف كان فلا يرتاب أحد في كون هذا القول هو المشهور، وأنه لم يعرف(7) القول الأول ممن تقدم على الشهيد الثاني في فوائد القواعد(8)، وقد ذكره في الروضة احتمالا غير منسوب إلى محتمل غیره(9).

والواجب صرف الكلام إلى بيان دلالة الفقرة المشهورة في الفتوى والنص، أعني قوله: في كل خمسين حقه، وفي كل أربعين بنت لبون(10).

ص: 125


1- الناصريات (الجوامع الفقهية): 241
2- في «م»: بتعين
3- الإنتصار: 81
4- لم نقف على ما أفاده في التذكرة، نعم هو موجود في المنتهى 1: 480
5- الإنتصار: 84
6- الناصريات (الجوامع الفقهية): 241
7- في «ف»: لا يعرف
8- تقدم في الصفحة 131 و 132، وانظر الهامش (2) هناك
9- الروضة البهية 2: 17
10- الوسائل 6: 73 و 74 الباب 5 من أبواب الزكاة، الحديث 1 و 3 و 6

فنقول: مقتضى(1) ظاهر اللفظ أن المراد من الخمسين والأربعين في هذا الكلام هو نظير الواحد في قولنا: كل واحد من هذا العدد أريد به العدد الخاص المنتشر، فكل فرد حصل في الخارج من الخمسين بافراز مفرز من هذه الإبل المجتمعة ففيها حقة، وكذا كل أربعين أفرز منه ففيه بنت لبون، ولا يتوهم من ذلك لزوم وجوب حقق كثيرة في المائتين مثلا، باعتبار كثرة أفراد الخمسين المتصورة فيه، بسبب ضم بعضها إلى بعض كما لا يخفى، ضرورة أن المراد بالعام هنا أليس إلا(2) القطعات المفرزة، من عدد الإبل، وكثرة الأفراد تحصل من تداخل الأفراد من حيث ضم الأجزاء بعضها في بعض، فالمائتان ليس فيها إلا أربعة أفراد من الخمسين، فيها أربع حقق وإن كان الأفراد المتداخلة أكثر بمراتب.

وحينئذ فنقول: إذا فرضنا مائة وأربعين، وعلمنا بقوله (عليه السلام): في كل خمسين حقة(3) فيبقى بعد المائة: أربعون، وهي قطعة مفرزة من العدد داخلة في النصاب الآخر، وهو قوله (عليه السلام): في كل أربعين بنت لبون(4). وهذا لا إشكال فيه، ولا أظن القائلين بالتخيير المطلق ينكرون هنا(5) وجوب حقتين وبنت لبون، ولذلك فصل بعض مشايخنا المعاصرين بين ما لو بقي بعد العد بأحدهما مصداق تام للآخر(6)، وبعبارة أخرى:

ص: 126


1- ليس في «م»: مقتضي وفي «ع»: مقتضى هذا اللفظ
2- ليس في «ف» و «ع» و «ج»: إلا
3- الوسائل 6: 73 و 74 الباب 2 من أبواب الزكاة، الحديث 1 و 3 و 6
4- نفس المصدر
5- ليس في «ج» و «ع»: هنا
6- لم نقف عليه بالذات، ولعله يلوح من كلام صاحب الجواهر، انظر الجواهر 15: 81

يكون(1) بحيث يمكن(2) تطبيق مجموع العدد على أحد النصابين كالمائة والأربعين أو الثلاثة(3)، فيجب في مثلهما(4) رعاية ما هو المنطبق على الكل، وبين ما لا ينطبق تمام العد على أحدهما(5) كالمائة والواحد والعشرين، فلا يجب العد بالأكثر.

ولو كانت مائة وثلاثين فنقول: مقتضى الفقرة المذكورة وجوب بنتي لبون في ثمانين منها، ويبقى خمسون وفيه حقة بمقتضى قوله عليه السلام: في كل خمسين حقة. ولو عزل مائة منها فجعل فيها حقتان، وأسقط الثلاثين عفوا لزم طرح قوله عليه السلام: في كل أربعين بنت لبون من غير تخصيص(6)، إذ لو عمل به لم يكن الثلاثون عفوا، بل كان جزء(7) من النصاب، وهو الأربعون. ويظهر من كلام السيد في الانتصار(8) أن ثبوت الحقة وبنتي لبون هنا(9) مما لا خلاف فيه، وكذا الكلام لو كانت مائة وإحدى وعشرين، فإن مقتضى الفقرة المذكورة: وجوب ثلاث بنات لبون فيها، ولا يلزم من ذلك طرح قوله (عليه السلام): في كل خمسين حقة(10) وإنما انتفى مورده إذ مع ملاحظة العدد ثلاث

ص: 127


1- ليس في «ف» و «ع»: يكون
2- في «ف» و «ج» و «ع»: يتمكن
3- كذا في النسخ، والظاهر: أو الثلاثين
4- في «ج» و «ع» مثلها
5- في «ج»: أحدها
6- في «م»: تخصص
7- في «م»: ضربا
8- الإنتصار: 81
9- لم ترد في «م»
10- الوسائل 6: 73 و 74 البابا 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 3 و 6

مصاديق للأربعين لا يبقى محل للافراز(1)، بخلاف العكس.

والحاصل: أن الخمسين والأربعين نصابان متبادلان لما عرفت من أن المراد أن كل قطعة أفرزت من الإبل إذا كانت خمسين فيها حقة، وإذا كانت أربعين فيها بنت لبون، وبعد إفراز القطعات الثلاث - التي هي مصاديق للأربعين - لا يبقى ما يفرز منه جملة يصدق عليها الخمسين، حتى يكون فيها حقة.

والمعارضة بأن العدد المذكور إذا قطع منها قطعتان خمسين، خمسين، فلا يبقى جملة يصدق عليها الأربعين ليكون فيها شيء، مدفوعة بأنا لا نريد إثبات بنت لبون مضافا إلى الحقتين حتى يحتاج إلى قطعة أخرى تبلغ بنفسها أربعين، ويكون انضمام بعض المائة إلى الجملة الباقية موجبا للتدارك(2) في الأفراد المفروزة، بل نقول: إن الجملة الباقية بعد انضمام غيرها إليها تصدق عليها أربعون، ففيها بنت لبون، والباقي أيضا مصداقان للأربعين، ففيهما(3) بنتا لبون، فمقتضى نصابية الأربعين: عدم وجود العفو عنها، فبقاء العفو لا يكون إلا مع إهمال نصابية الأربعين، وسببيته الثابتة بمقتضى العموم.

وكذا لو كانت مائة وخمسين، فإذا أفرزنا منه قطعات ثلاث، كل منها أربعين، يبقى ثلاثون يمكن أن تضم إلى عشرين، فتصير خمسين، فيها حقة، والباقي من القطعات بعد الضم قطعتان كل منها خمسون فيه(4) حقتان:

ص: 128


1- في «ج» و «ع»: محل الافراز
2- في «ج» و «ع»: للتداخل
3- في «ف» و «م»: ففيها
4- في «ج» وفي «م»: ففيها:

فالعمل هنا بقوله: في كل خمسين حقة لا يلزم منه طرح الفقرة الأخرى، بل لا مورد لها(1)، بخلاف ما لو عمل بقوله: في كل أربعين بنت لبون، فإن يلزم طرح الفقرة الأخرى بالنسبة إلى الثلاثين الباقي(2) وجعله عفوا. فحصل من جميع ذلك: أنه لا محيص هنا عن العمل بخمسين كما لا محيص في سابقة عن العمل بأربعين(3).

نعم لو كان العدد قابلا لكليهما فلا ريب في التخيير، كما لو كانت مائتين فإنه قابل لخمس مصاديق للأربعين، وأربع مصاديق للخمسين ففيها أربع حقق، أو خمس بنات لبون، فالتخيير هنا عقلي نظرا إلى أنه إذا استقر في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، وهذا يقال له: أربع خمسينيات وخمس أربعينيات، فهو مصداق لكل منهما، ففيها أحد الأمرين: من أربع حقق، وخمس بنات لبون.

ولا يتوهم أن اللازم من كونه مصداقا لكل منهما أن تكون فيه أربع حقق وخمس بنات لبون معا، لما عرفت من أن المراد من الفقرتين: ثبوت الفريضة في القطعات المفرزة، ولا ريب أنه لا يمكن هنا إلا افراز قطعات أحد النصابين فليس فيها إلا إحدى الفريضتين.

والحاصل: أن ثبوت الفريضة والعدد على نحو ثبوت مصاديق النصاب، فإن تعددت بحسب الافراز تعددت الفريضة، وإن تعددت باعتبار القابلية

ص: 129


1- في «ج» و «ع» و «م»: له
2- كذا في النسخ، والظاهر: الباقية
3- في «ج» و «ع» و «م»: بالأربعين

واتحدت بحسب الوجود الفعلي(1)، فالفريضة كذلك واحدة قابل(2) للأمرين، واحد فعلا. فعلم من ذلك أن الفقرتين ليستا محمولتين على التخيير الشرعي حتى يقال: إن التخيير فيها مطلق غير بصورة دون أخرى، وإنما التخيير في مقام التخيير سيجي(3) من حكم العقل، وإلا فمعنى(4) كل فقرة: أن في هذا النصاب استقرت هذه الفريضة.

ومن هنا تبين أنه لا وجه للاستدلال على التخيير المطلق بقول (عليه السلام) - في صحيحتي عبد الرحمن وأبي بصير -:

«فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة»(5)

لأن هذه الرواية غير باقية على ظاهرها قطعا، لأن ظاهرها تدل على انحصار النصاب الأخير في الخمسين، والفريضة الأخيرة في الحقة، وهو خلاف الاجماع، فهو محمول على بيان أحد النصابين، وهو(6) وإن استلزم تأخير(7)

ص: 130


1- في «م»: العقلي
2- كذا في النسخ
3- كذا في النسخ، والظاهر: يجئ
4- في «ف» و «ج» و «ع»: ففي
5- الوسائل 6: 72 و 73 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2 و 4
6- لم ترد في «ف»
7- من هنا إلى آخر المسألة غير موجود في «ف» وإنما ورد ذلك في ذيل المسألة 16 الآتية بعد قوله: ومن صدق حلوله على الأربعين، وكتب الناسخ في الهامش: «هذا آخر الصفحة اليمنى من المنتسخ الأصلي الذي كان بخطه الشريف»، وكتب في هامش الصفحة اليسرى ما يلي: «تتمه صفحه سابقة در ورق سوم بعد از صفحه يسرى، وتصفحت فما وجدت» وأما في النسخة ما يلي: «وهو وإن استلزم.. تتمه أين مطلب در چهار ورق بعد در صفحه یسری باید ملاحظة شود». ثم ذكر التتمة في ذيل المسألة [16]

البيان في موارد عدم إمكان العد بخمسين إلا أنه عن وقت الخطاب لا الحاجة.

ودعوى أنه يحمل على إرادة لوجوب التخييري حيث تغدر العيني، للإجماع على عدمه، وحينئذ فيكون حاصله: أنه يكفي في كل خمسين حقة. فيستدل بإطلاقه على إطلاق التخيير، غلط، إذ ليس هنا ما يكون ظاهرا في الوجوب حتى يقبل الكلام صرفه إلى التخيير، لأن ظاهر کلام أنه يستقر في كل خمسين حقة، وهذا الوجوب المستفاد من الاستقرار لا يمكن إرادة التخيير منه حتى يصير معناه: أنه يكفي في كل خمسين حقة، لأن الثابت في الخمسين ليس أمرا تخییریا بين الحقة وغيرها، بل الحقة بنفسها في كل خمسين - إجماعا - طريقة. مع أنه لا داعي إلى صرف الكلام عن ظاهره، بل يبقى على ظاهره، وهو: أن كل خمسين تفرز من الإبل ففيه الحقة، وكل أربعين تفرز منه ففيه بنت لبون.

غاية الأمر أن في بعض المقامات لا يجتمع افراز أحدهما مع إفراز الآخر، وفي بعض المقامات يجتمع. فعند الاجتماع يحكم بالتخيير عقلا، لتحقق النصابين على البدل من حيث السببية لتحقق الفريضة(1)، فيتحقق الفريضتان أيضا على البدل من حيث السببية لتحقق الفريضة، فيتحقق الفريضتان أيضا على البدل. وعند عدم الاجتماع يطرح ما يجتمع مع الآخر لعدم تحقق موضوعه، لا لطرح حکمه.

ومما ذكرنا ظهر فساد ما ربما يتوهم: من أن المشهور حملوا الفقرتين على

ص: 131


1- في «م»: لتعلق الفريضة

التخيير، ثم خصصوه بموضع إمكان(1) أخذ النصابين فأورد عليهم: أن هذه الأدلة واردة في مقام زيادة الواحدة على المائة والعشرين، فكيف يمكن عدم الحكم بالتخيير(2) هنا، بل الحكم هنا بتعين الأربعين.

وفيه: - مع ما مر - أن قوله:

(فإذا زادت واحدة ففي كل خمسين حقة.. إلى آخره)(3)

عدول إلى بيان نصاب آخر كلي، وليس في مقام بيان حكم خصوص و قوله: فإذا زادت واحدة، والمراد أنه إذا زادت واحدة فلا يتعلق النصاب بخصوص عدد المجموع، بل لا بد من ملاحظة العدد، خمسين خمسين، أو أربعين أربعين، فافهم وتدبر.

ومما ذكرنا تبين أن وجوب ثلاث بنات لبون في المائة والواحدة والعشرين ليس لأجل مراعاة مصلحة الفقراء، لأنه أغبط لهم - کما(4) ذكره بعض(5) إذا لا وجه لوجوب هذه المراعاة، بل من جهة اقتضاء سببية الأربعين لعدم العفو عن أفراد وأجزائها، وأن العفو عن فرد منه كما في المائة والأربعين، أو عن جزء فرد منه كما في المثالين(6) مناف لسببية كل فرد منه.

ومما يؤيد ما ذكرنا: ما اتفق عليه في نصاب البقر من وجوب العد بأقل

ص: 132


1- في «ف» و «ع» و «ج»: بامكان
2- ليس في «ف» و «ع» و «ج»: بالتخيير
3- الوسائل 6: 75 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6
4- في «م»: مما
5- مسالك الأفهام 1: 40
6- في «م»: الثلاثين

النصابين عفوا - کمذهب المشهور - مع أن الرواية الواردة فيه أيضا: في كل ثلاثين(1) تبيع حولي، وفي كل أربعين مسنة(2).

ومما يلزم أيضا على التخيير المطلق: أن يكون في المائتين والخمسين خمس حقاق معينا، وفي المائتين وستين يجوز أربع [حقاق وبنت لبون](3)، فيكون زيادة العشرة موجبة لنقص الفريضة.

ثم التخيير في مقامه هل هو إلى المالك، أو إلى الساعي؟ الأقوى الأول، بل عن العلامة في التذكرة(4) والمنتهی(5) نسبته إلى العلماء، لأن الساعي إنما يستحق بعد تكليف المالك بالإعطاء فإذا كان تكليفه تخییریا فله أن يدفع إلى الساعي ما شاء، إذ ليس للساعي إلا أن يقول له: ادفع إلي ما أمر الله به، وهو أحدهما(6) على سبيل التخيير، فالساعي إنما يطالب(7) ما طلب الله.

هذا مضافا إلى ما يظهر من آداب المصدق(8) المروية عن سيد الأوصياء (عليه السلام) من تغيير المالك في غير ما ألزمه الله تعالى والرفق معه)(9).

ص: 133


1- في «ف» و «ع» و «ج»: خمسين، والظاهر أنه سهو
2- الوسائل 6: 77 الباب 4، من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول
3- محل ما بين المعقوفتين في «ف» بياض وكتب الناسخ تحته: قد قرض الدود الورقة في هذا المكان والظاهر أن العبارة هكذا: أربع حقاق وبنت لبون، وجاءت العبارة في باقي النسخ کما في المتن
4- التذكرة 1: 207
5- المنتهی 1: 481
6- في «ف» و «م» و «ج»: أحدها
7- في «ف»: يطلب
8- في «ع»: التصدق
9- كتاب الزكاة: ص 131 - 141

ثانيًا: السيد محمد كاظم اليزدي (رحمه الله) (ت 1377 ه)

قال السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان) في المسألة الخامسة من زكاة الأنعام:

(أقل أسنان الشاة(1) التي تؤخذ في الغنم والإبل من الضأن الجذع ومن المعز الثني، والأول ما كمل له سنة واحدة(2) ودخل كذا في الأصل، والأنسب: وفي الغنم والشاة بين المعز والضأن. الثانية والثاني ماكمل له سنتان(3) ودخل في الثالثة ولا يتعين عليه أن يدفع الزكاة من النصاب، بل له أن يدفع شاة أخرى، سواء كانت من ذلك البلد أو غيره، وإن كانت أدون(4) قيمة من أفراد ما في النصاب، وكذا الحال في الإبل والبقر، فالمدار في الجميع الفرد الوسط(5) من المسمى لا الأعلى ولا الأدنى(6) وإن كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن وزاد خيرا، والخيار للمالك لا الساعي أو الفقير فليس لهما الاقتراح عليه، بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة(7) بالقيمة

ص: 134


1- على الأحواط وان كان الاكتفاء بمسمى الشاة عرفاً فيما يؤخذ من الإبل لا يخلوه عن قوة ((الشيخ محمد رضا ال یاسین))
2- على الأحوط فيه وفيما بعده وإن كان كون الأول ما كمل له سبعة أشهر والثاني ما كمل له سنة لا يخلو من قوة. (الإصفهاني)
3- ويكفي ما كمل له سنة. (الفيروزآبادي)
4- فيه إشكال فلا يترك الاحتياط عند الإعطاء من غير النصاب بإعطائها من باب القيمة. (الگلپایگاني)
5- فيه إشكال لشبهة إطلاق النص وإن كان أحوط. (آقا ضیاء)
6- جواز الاكتفاء بالأدني غير بعيد. (الخوئي)
7- إخراج غير الجنس فيما عدا الدرهم والدينار محل تأمل إلا إذا كان خيرا للفقراء وإن كان الجواز لا يخلو من وجه. (الخميني)

السوقية من النقدين أو غيرهما(1) (وإن كان الإخراج من العين أفضل)(2).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الأخرى.

أولاً: المذهب الزيدي.

ذهب فقهاء الزيدية إلى أن الخيار في الصعود والنزول والأجود من غيره في زكاة الأنعام إلى المالك وليس للساعي.

قال أحمد المرتضى في شرح الازهار.

(ويجوز للمالك اخراج الجنس والافضل مع امكان العين في الصورتين جميعاً.

مثال اخراج الجنس أن يجب عليه بنت مخاض وهي موجودة في إبله فإنه لا يجب عليه اخراج هذه الموجودة في إبله بعينها بل يجوز أن يشتري بنت مخاض أخرى ويخرجها واما الأفضل فمثاله ان يجب عليه بنت مخاض وهي موجودة في إبله فيخرج بنت لبون فإن ذلك جائز بل أفضل (و) إذا وجب على المالك سن ليس بموجود في ملكه وإنما يجد غيره جاز له اخراج الموجود في ملكه عن ذلك السن الذي ليس بموجود على جهة القيمة سواء كان الموجود أعلى أم أدنی (ویترادان الفضل).

أي: إذا كان الموجود أفضل رد المصدق أو الفقير قدر ذلك الفضل وإن كان دون زاد المالك عليه حتى يفي مثال ذلك أن يجب على المالك بنت مخاض ولا يجد في إبله الا بنت لبون فإنه يخرجها ويرد له المصدق الفضل وهو ما بين

ص: 135


1- الأحوط الاقتصار على النقدين. (الإصفهاني)
2- العروة الوثقی: ج 4 ص 37

قیمتها وقيمة بنت مخاض وهكذا لو كان الواجب عليه بنت لبون ولا يجد في ملكه الا بنت مخاض أو حقة فإنه يخرج بنت المخاض ويوفي عليها حتى تفي بقيمة بنت لبون أو يخرج الحقة ويأخذ الفضل وهو ما بين قيمتها وقيمة بنت اللبون و ظاهر ما في اللمع أن المالك محير في اخراج الاعلى أو الأدنى وقال في الانتصار في ذلك وجهان أحدهما ان الخيار للمالك والثاني للساعي والمذهب في تقدير الفضل بين السنين يرجع فيه إلى تقويم المقومين)(1).

ثانيًا: المذهب المالكي.

یری مالك بن أنس أن الخيار للساعي وليس لرب المال، بل ذهب مالك إلى القول بان الساعي له أن يجبر رب المال بالدفع، وهو ما يلي:

قال في المدونة:

(قلت: أرأيت أن أراد رب المال أن يدفع ابن لبون ذكر إذا لم يوجد في المال بنت مخاض ولا بان لبون؟ قال:

ذلك إلى الساعي أن أراد أخذه وإلا ألزمه بنت مخاض وليس له أن يمتنع من ذلك قال مالك في الإبل مثل أن يكون للرجل المائتا بعير فيكون فيها خمس بنات لبون أو أربع حقاق فقال لي مالك إذا كان السنان في الإبل كان المصدق مخيرا في أي السنين شاء أن يأخذ أخذ ان شاء خمس بنات لبون وان شاء أخذ أربع حقاق فإذا لم يكن إلا سن واحدة لم يكن للساعي غيرها ولم يجبر رب المال على أن يشتري له السن الأخرى (قال مالك) وإذا لم يكن في المال السنان جميعا فالساعي مخير أي ذلك شاء كان على رب المال أن يأتيه به

ص: 136


1- شرح الازهار: ج 1 ص 489 - 490

على ما أحب رب الإبل أو کره ويجبر على ذلك قال والساعي في ذلك محير ان شاء أخذ أربع حقاق وان شاء خمس بنات لبون وكذلك قال مالك)(1).

ثالثًا: المذهب الحنفي.

ذهب السرخسي الحنفي في المبسوط إلى القول بأن الخيار لصاحب المال وليس للساعي وذلك لأجل التخفيف عليه.

فقال:

(إن ظاهر ما ذكره في الكتاب يدل على أن الخيار في هذه الاشياء إلى المصدق يعين إليهما شاء وليس كذلك بل الخيار إلى صاحب المال أن شاء أدى القيمة وأن شاء أدی سناً دون الواجب و فضل القيمة، وأن شاء أدى سناً فوق الواجب واسترد فضل القيمة حتى إذا عين شيئاً فليس للساعي أن يأبى ذلك لان صاحب الشرع اعتبر التيسير على أرباب الاموال وانما يتحقق ذلك إذا كان الخيار لصاحب المال)(2).

رابعًا: المذهب الشافعي.

ذهب فقهاء الشافعية تبعاً لإمامهم إن الخيرة في تعيين الشاتين او الدراهم فالخيرة فيه لدافعه واما في الصعود والنزول فإن الخيرة ففيه وجهان وقد اختلفوا في الاصح منها، وقد جاء ذلك في المجموع وغيره، قال النووي:

(وأما تعيين الشاتين أو الدراهم فالخيرة فيه لدافعه سواء كان الساعي أو

ص: 137


1- المدونة الكبرى: ج 1 ص 306
2- المبسوط: ج 2 ص 157

رب المال هكذا نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور وذکر امام الحرمين والسرخسي وغيرهما فيما إذا كان الدافع هو رب المال طريقين (أصحهما) هذا.

(والثاني) أن الخيرة للساعي والمذهب الأول لظاهر حديث أنس السابق في أول الباب قال أصحابنا فإن كان الدافع هو الساعي لزمه دفع ما دفعه أصلح للمساكين وإن كان رب المال استحب له دفع الأصلح للمساكين ويجوز له دفع الآخر (أما) الخيرة في الصعود والنزول إذا فقد السن الواجبة ووجد أعلى منها وأنزل ففيه وجهان مشهوران ذکرهما المصنف والأصحاب واختلفوا في أصحهما فأشار المصنف إلى أن الأصح أن الخيرة للمالك وهو الذي صححه امام الحرمين والبغوي والمتولي والرافعي وجمهور الخراسانيين وقطع به الجرجاني من العراقيين في كتابه التحرير وصحح أكثر العراقيين أن الخيرة للساعي وهو المنصوص في الأم ثم إن الأصحاب أطلقوا الوجهين کما ذكرنا الا صاحب الحاوي فقال:

أن طلب الساعي النزول والمالك الصعود فان عدم الساعي الجبران فالخيرة له والا ففيه الوجهان قال أصحابنا فان خيرنا الساعي لزمه اختیار الأصلح للمساكين قال امام الحرمين وغيره الوجهان فيما إذا أراد المالك دفع غير الأنفع للمساكين فان أراد دفع الأنفع لزم الساعي قبوله بلا خلاف لأنه مأمور بالمصلحة وهذا مصلحة قال الامام وان استوى ما يريده هذا وذاك في الغبطة فالأظهر اتباع المالك هذا كله إذا كانت الإبل سليمة فإن كانت معيبة أو مريضة فأراد أن يصعد إلى سن مريض ويأخذ معه الجبران لم يجز.

هكذا قطع به المصنف والأصحاب في طريقتي العراق وخراسان واتفقوا

ص: 138

عليه ونقله امام الحرمين عن الأصحاب مطلقا ثم قال: والذي يتجه عندي أنّا أن قلنا الخيرة للمالك في الصعود والنزول فالأمر على ما ذكره الأصحاب وان قلنا الخيرة للساعي فرآه غبطة للمساكين فالوجه القطع بجوازه قال وهذا واضح وهو مراد الأصحاب قطعا وان قلنا الخيرة للمساكين لم يجز لأنه إنما يستحق الجبران المسمى بدلا عنا بين السنين السليمتين ومعلوم أن الذي بين المعيبين دون ذلك وهذه الصورة مستثناة من اطلاق الوجهين فيمن له الخيرة ولو أراد النزول وهي معيبة ويبذل الجبران قبل منه لأنه متبرع بزيادة هكذا ذكره المصنف والأصحاب واتفقوا عليه.

قال أصحابنا: وإنما يجئ الصعود والنزول إذا عدم السن الواجبة أو وجدها وهي معيبة أو نفيسة فأما ان وجدها وهي سليمة معتدلة وأراد النزول أو الصعود مع جبران فليس له ذلك بلا خلاف ولا يجوز ذلك للساعي أيضا بلا خلاف فان وجدها وهي معيبة فكالمعدومة وان وجدها وهي نفيسة بأن تكون حاملا أو ذات لبن أو أكرم إبله لم يلزمه اخراجها.

ولا يجوز للساعي اخذها بغير رضاء المالك فإن لم يسمح بها المالك فهي كالمعدومة وينتقل إلى سن أعلى أو أسفل بلا خلاف صرح به الماوردي والبغوي وغيرهما ولم يذكروا فيه الوجه السابق فيما إذا ألزمه بنت مخاض وإبله مهزولة ولم يجد بنت مخاض الا نفيسة انها لا تكون كالمعدومة. قال أصحابنا وحيث قلنا ينزل فنزل ودفع الجبران أجزأه سواء كان السن الذي نزل إليه مع الجبران يبلغ قيمة السن الذي نزل عنه أم لا ولا نظر إلى التفاوت

ص: 139

لان هذا جائز بالنص)(1).

خامسًا: المذهب الحنبلي.

لم يختلف فقهاء المذهب الحنبلي عن الشافعي في جعل الخيار للساعي والمالك محل خلاف وذلك بحسب الصعود والنزول فكان الخيار فيهما للمالك، وفي اخذ الأغبط فالخيار للساعي.

قال الشافعي الصغير في النهاية:

(والخيار في الشاتين والدراهم لدافعها مالكا كان أو ساعياً لظاهر خبر أنس نعم يلزم الساعي رعاية الأصلح للمستحق کما یلزم نائب الغائب وولي المحجور رعاية الأنفع للمنوب عنه ويسن للمالك إذا كان دافعا اختيار الأنفع لهم وفي الصعود والنزول الخيرة فيهما للمالك في الأصح لأنهما شرعا تخفيفا عليه لئلا يتكلف الشراء فناسب تخييره.

والثاني أن الاختيار للساعي ليأخذ الأغبط للمستحقين ومحل الخلاف عند دفع المالك غير الأغبط فإن دفع الأغبط لزم الساعي أخذه قطعا ومعنى لزمه مراعاة الأصلح لهم على الأول مع أن الخيرة للمالك أنه يطلب منه ذلك فإن أجابه فذاك وإلا أخذ منه ما يدفعه له إلا أن تكون إبله معيبة بمرض أو غيره فلا خيرة له في الصعود لأن واجبه معيب والجبران للتفاوت بين السليمين وهو فوق التفاوت بين المعيبين و مقصود الزكاة إفادة المستحقين لا الاستفادة منهم فلو رأى الساعي مصلحة في ذلك فالأوجه المنع أيضا لعموم كلامهم)(2).

ص: 140


1- المجموع: ج 5 ص 405 - 407
2- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ج 3 ص 53

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

اختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في أن الخيار للمالك أو الساعي في عين الزكاة، وهي كما يلي:

1- أجمع فقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) على أن الخيار للمالك ولا يتعين عليه، أي على المالك أن يدفع الزكاة من عين النصاب بل يمكن للمالك ان يدفع شاة أخرى كأن تكون من غير البلد الذي هو فيه، ولا تدخل القيمة السوقية للشاة في هذا البلد او ذاك، أو أن الشاة المخرجة هي أقل قيمة من التي في النصاب إذ المناط في الامر الوسطية في القيمة سواء كان في الشياه أو الإبل أو البقر.

فالخيار هنا للمالك وليس للساعي أو الفقير أن يقترحا عليه فيما يخرج، إذ يمكنه إن يخرج من غير جنس الفريضة ما يساوي القيمة السوقية لها، كأن يكون ذلك من النقود.

2- أما فقهاء المذهب الزيدي والحنفي فقد ذهبا إلى القول: بان الخيار للمالك وليس للساعي في الصعود او النزول أو الجودة والرداءة أو في اخراج القيمة وذلك تخفيفاً على رب المال.

3- أما فقهاء المذهب الشافعي والحنبلي فقد ذهبا إلى: ان المسألة خلافية تتحد فيها الخيرة للمالك أو الساعي بحسب موردها، ففي الخيار بين الشاتين أو الدراهم فالخيار للمالك عند الشافعية وفي الاجود والأردء فالخيار فيه وجهان وقد اختلفوا في الاصح منهما.

4- أما الحنابلة فقد جعلوا الخيار في الصعود والنزول للمالك، أما الساعي

ص: 141

فله الخيار في أخذ الأغبط.

5- وخالف مالك بن انس جميع المذاهب: أذيرى أن الخيار للساعي وليس لرب المال، بل ذهب إلى القول بان للساعي الحق في ان يجبر المالك ويلزمه الدفع في الصعود أو النزول أو أخذ الأغبط أو إخراج القيمة عن الجنس وغير ذلك.

ص: 142

المبحث السادس شروط أخذ فريضة الزكاة وما يمنع منها

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«وَ لَا تَأخُذَنّ عَوداً، وَ لَا هَرِمَةً، وَ لَا مَكسُورَةً، وَ لَا مَهلُوسَةً، وَ لَا ذَاتَ عَوَارٍ».

يجدد هذا الجزء من النص الشريف وظيفة الساعي في اخذ عين الزكاة في الماشية ضمن مجموعة من الصافات المنهي عنها والتي تعلقة بثلاث جهات المستحق والساعي والمالك، فمن جهة المستحق فنها تحل في تمام المنفعة للمستحقين، اما من جهة الساعي لاحتمال عودها بالضرر عليه فيما لو تلفت الهرمة او المكسورة أثناء سوقها وايصالها إلى الأمام.

وأما من جهة المالك فأنها تعود عليه في صفاء النية وتقديم ماله ولي حق الله تعالى المنعم المتفضل عليه بهذا الخير فضلاً عن انصراف النفس إلى الوقوع في المنّة فيما يخرج المعيوب هذه الصفات والاحتفاظ بالصحيح فيما يكون الغالب على الماشية الصحيح.

أما إذا كان الغالب عليها انها غير صحيحة فلا يرهي المالك.

وبهذه المسالة وسابقاتها في تغيير المالك، وقبول قوله، وعدم التسلط عليه، نجد أن النص الشريف يخلق حالة من التوازن في الحقوق والواجبات ومراعاة الجوانب الرحمانية في رب المال، والساعي، والمستحق، بل حتى الحيوان الذي أخرج وتعلقت فيه الفريضة إذله من الحقوق ما يجعل الإنسان ينحني

ص: 143

إجلالاً لهذا النظام الدقيق في موازنة الحقوق والواجبات والتربية النفسية والايمانية التي لا يمكن أن تجدها إلا عند ربيب النبوة والوحي وباب مدينة علمها، فسلام الله وصلواته عليه، يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.

أما أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في المسألة، فهي كالاتي:

المسألة الأولى: الذهب الامامي والقول فيما يمتنع أخذه من الفريضة.

لم يخرج فقهاء المذهب الامامي (أعلى الله شأنهم) عن تلك الضوابط التي جاءت بها النصوص الشريفة الواردة عن القرآن والعترة النبوية، ومنها هذا النص الشريف مورد البحث.

فقد تناول الفقهاء هذه المسألة في كتب الفقه من الشيخ الصدوق (ت: 381 ه) (عليه الرحمة والرضوان) في المقنعة(1) والى يومنا هذا، وهي كالاتي:

أولاً: العلامة ابن المطهر الحلي (رحمه الله) (ت: 726 ه)

قال (رحمه الله) في التذكرة في المسألة (59) وقد استعرض أقوال بعض المذاهب في المسألة:

(ولا تؤاخذ مريضة من الصحاح، ولا هرمة، ولا ذات عوار، اي ذات عيب، لقوله تعالى: «وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»(2).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله):

ص: 144


1- المقنعة، باب زكاة الابل: ص 158، الهداية للصدوق: ص 172
2- البقرة: 267

«لا تخرج في اصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الا ماشاء المصدق»(1).

أي: العامل فقيل: التيس لا يؤخذ، لنقصه، وفساد لحمه، وكونه ذكرا(2).

وقيل لفضيلته، لأنه فحلها(3).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«ولا تؤخذ هرمة، ولا ذات عوار، إلا أن يشاء المصدق، يعد صغيرها وكبيرها»(4).

ثم ينتقل العلامة إلى تفريع المسألة إلى مجموعة فروع، وهي كالاتي:

ألف- لو كانت الأبل كلها مراضاً جاز أن يأخذ مريضة، ولا تجب صحيحة، لأن المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب الخيار من الردئ كالحبوب.

لو كانت كلها مراضاً إلا مقادر الغرض تخير بين إخراجه وشراء مريضة، ولو كان النصف صحيحاً، والنصف مريضاً أخرج بقيمة المريضة.

باء- لو كانت كلها مراضاً، والغرض صحيح لم يجز أن يعطي مريضا؟ لأن في الفرض صحيحا، بل يكلف شراء صحيح بقيمة الصحيح والمريض، فإذا كانت بنت لبون صحيحة في ست وثلاثين مراض كلف بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستة وثلاثين جزءا من صحيحة، وخمسة وثلاثين جزءا من مريضة.

ص: 145


1- صحيح البخاري: ج 2 ص 147
2- المغني: ج 2 ص 464
3- المصدر السابق
4- تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 112

تاء- لو كان المال كله صحاحا، والفرض مريض لم يجز أخذه، وكان له الصعود والنزول مع الجيران، أو يشتري فرضا بقيمة الصحيح والمريض.

جیم- لو كانت كلها مراضا وليس فيها الفرض فأراد أن يصعد ويطلب الجبران لم يكن له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وآله جعل الجبران بين الفرضين الصحيحين(1)، فلا يدفعه بين المريضين، لأن قيمتهما أقل من قيمة الصحيحين، وكذلك قيمة ما بينهما.

ولو أراد النزول ودفع الجبران جاز، والمعيب كالمريض في ذلك كله.

حاء- لو كان عليه حقتان، ونصف ماله مريض، ونصفه صحيح كان له إخراج حقة صحيحة وحقة مريضة، لأن النصف الذي يجب فيه إحدى الحقتين مريض كله.

وقال أحمد: لا تجزئ، لأن في ماله صحيحا ومريضا فلا يملك إخراج مريضة، كما لو كان نصابا واحدا

دال- لو كانت كلها صغارا أخرج منها، وبه قال الشافعي(2)

وقال مالك: تجب كبيرة(3).

زاء- لو كان الصحيح دون قدر الواجب کمائتي شاة ليس فيها إلا صحيحة أجزأ إخراج صحيحة ومريضة، وهو أصح وجهي الشافعية.

ص: 146


1- أنظر: صحيح البخاري 2: 145، سنن الدارقطني 2: 113 - 114/ 2، وسنن البيهقي 4: 85 (2) المغني 2: 466 - 467، الشرح الكبير 2: 511
2- المهذب للشيرازي 1: 155، المجموع 5: 423، فتح العزيز 5: 380، حلية العلماء 3: 54
3- حلية العلماء 3: 54، فتح العزيز 5: 383

والثاني لهم: إلزامه بصحيحتين، لأن المخرجتين كما تزكيان الباقي تزكي كل واحدة منهما الأخرى فيلزم أن تزكي المريضة الصحيحة وهو ممتنع(1).

ونمنع كون كل منها تزكي الأخرى.

طاء- لو كان له أربعون بعضها صحيح، وبعضها مريض أخرج صحيحة قيمتها ربع عشر الأربعين التي يملكها؟ لأن الواحد ربع عشر الأربعين.

ولو كان عنده مائة وإحدى وعشرون منقسمة أخرج صحيحتين قيمتهما قدر جزءين من مائة وإحدى وعشرين جزءا من قيمة الجملة وهو يغني عن النظر في قيمة آحاد الماشية.

ويحتمل التقسيط بالنسبة، فلو كان نصف الأربعين صحاحا، ونصفها مراضا، وقيمة كل مريضة دينار، وقيمة كل صحيحة ديناران أخرج صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وهي دينار ونصف.

ظاء- لو كان المال كله معيبا أخذت معيبة، ولو كان فيها سليم طولب بسليمة تقرب قيمتها من ربع عشر ماله، وإن كان الكل معيبا، وبعضها أردأ أخرج الوسط مما عنده.

ولو ملك ستا وعشرين معيبة وفيها بنتا محاض إحداهما أجود ما عنده لم يلزمه إخراجها، وفي وجه للشافعي: وجوبه(2).

والعيب المعتبر في هذا الباب ما يثبت الرد في البيع أو ما يمنع التضحية،

ص: 147


1- المجموع 5: 419 - 420، فتح العزيز 5: 371
2- فتح العزیرہ: 372 - 373، المجموع 5: 421

والوجهان للشافعية(1)، والأقرب: الأول.

هاء - لو كانت ماشيته ذكرانا كلها أجزأ أن يخرج منها ذكرا - وهو أحد وجهي الشافعي - كالمريضة، وفي الآخر: لا يجوز - وبه قال مالك - لورود النص بالإناث(2).

وقال بعضهم: إن أدى أخذ الذكر في الإبل إلى التسوية بين نصابين لم هو يؤخذ وإلا أخذ، فلا يؤخذ ابن لبون من ست وثلاثين، لأنه مأخوذ من ست وعشرين فيؤدي إلى التسوية، ويؤخذ حق من ست وأربعين، وجذع من إحدى وستين، وابن مخاض من ست وعشرين(3).

والوجه عندي في ذلك اتباع النص، فلا يجزئ في ست وعشرين ابن مخاض، ولا في ست وأربعين حق، ولا جذع في إحدى وستين، لورود النص بالأنثى، ويجزئ في غير ذلك كالغنم.

ياء- لا يجزئ الصغار عن الكبار، لورود النص بالسن، نعم لو كانت كلها صغارا أجزأ الواحد منها - وهو متعذر في أكثر المواشي عند أكثر الجمهور، لاشتراط حولان الحول فيخرج إلى حد الأجزاء(4)، ويتأتى على مذهبنا، ومذهب أبي حنيفة(5)، لأن الحول إنما يبتدأ من وقت زوال الصغر -

ص: 148


1- المجموعه 5: 420، فتح العزيز 5: 373
2- المجموعه 5: 421، الوجيزا: 82، فتح العزيز 5: 374 - 376، المنتقى - للباجي - 2: 130
3- فتح العزيز 5: 376
4- راجع: فتح العزيز 5: 379، والمجموع 5: 423
5- وهو: عدم انعقاد الحول على الصغار. راجع: بدائع الصنائع 2: 31 - 32، وفتح العزيزه 5: 379

وهو أحد وجهي الشافعي(1).

ويتصور على مذهبه(2) بأن يحدث من الماشية نتاج في الحول، ثم تموت الأمهات، ويبقى من النتاج النصاب فتجب الزكاة في النتاج إذا تم حول الأصل - وبه قال مالك - أو يمضي على صغار المعز حول فتجب فيها الزكاة وإن لم تبلغ سن الأجزاء عنده على الأظهر، لأن سن إجزاء المعز سنتان(3).

وفي الثاني: لا يجوز أخذ الصغيرة عن الصغار(4). ومنهم من سوغ في الغنم، وفي الإبل والبقر ثلاثة أوجه:

الأول: المنع، لما فيه من التسوية بين ست وعشرين من الإبل وإحدى وستين وما بينهما من النصابين في أخذ فصيل، وبين ثلاثين من البقر وأربعين في أخذ عجل.

الثاني: المنع من أخذ صغيرة من إحدى وستين فما دونها، لأن الواجب واحد، وفيما جاوز ذلك يعتبر العدد کالغنم.

وألزم على هذا أن الواجب في إحدى وتسعين حقتان، وفي ست وسبعين بنتا لبون، فالأولى على هذا أن يقال: إن أدى أخذ الصغيرة إلى التسوية لم تؤخذ وإلا أخذت.

ص: 149


1- فتح العزيز 5: 380، المجموع 5: 423
2- أي: مذهب الشافعي
3- فتح العزيز 5: 379 - 380، المجموع 5: 423
4- فتح العزيز 5: 379 - 380، المجموع 5: 423

الثالث - وهو الأظهر -: جواز(1) أخذها كما يؤخذ من الغنم(2).

يب- الأقرب جواز إخراج ثنية من المعز عن أربعين من الضأن، وجذعة من الضان عن أربعين من المعز - وهو أحد وجهي الشافعي - لاتحاد الجنس.

والثاني: المنع، فيؤخذ الضأن من المعز دون العكس، لأن الضأن فوق المعز(3).

ولو اختلف النوع جاز إخراج مهما شاء المالك، وهو أحد وجهي الشافعي، وأظهرهما: التقسيط، وله آخر: التخيير إذا لم يمكن إخراج الصنفين، فإن أمكن كمائتين من الإبل نصفها مهرية(4)، ونصفها عربية، تؤخذ حقتان من هذه، وحقتان من هذه، وله رابع: الأخذ من الأجود، وخامس: أن يؤخذ الوسط)(5).

ثانيًا: الشيخ مرتضى الانصاري (رحمه الله) (ت 1281 ه).

قال (عليه رحمة الله ورضوانه):

(اعلم إنه لا خلاف ظاهراً في أنه لا يجوز أخذ المريضة في الفريضة مطلقا، ولا الهرمة - وهي البالغة أقصى الكبر(6) - ولا ذات العوار. ويدل على الأخرى - مضافا إلى ما دل على الأولى: من أنه مقتضى إشاعة الفريضة

ص: 150


1- ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية: عدم جواز... وما أثبتناه من المصادر
2- المجموع 5: 423 - 424، فتح العزيز 5: 380 - 381
3- المجموع 5: 424، فتح العزيز 5: 384، مغني المحتاج 1: 374
4- إبل مهرية: نسبة إلى قبيلة مهرة بن خيدان. لسان العرب 5: 186
5- تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 112 - 116
6- مقدار ما بين المعقوفتين بياض في النسخ، وما أثبتناه من المدارك 5: 94

في النصاب - صحيحة(1) أبي بصير في حديث الإبل: ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق، ويعد صغيرها وكبيرها(2).

والظاهر أن المراد بالاستثناء ما إذا رأى الساعي المصلحة في أخذها. أو ما إذا أراد المصدق - بالكسر -. أخذها. أو المصدق - بالفتح - دفعها من باب القيمة، لا أن جواز أخذها مفوض إلى مشيئة المصدق، إذ ليس له أن يأخذ إلا ما شاء الله. ثم إنه لو كان جميع النصاب موصوفا بأحد الثلاثة لم يلزم المالك بشراء السليم، ولو كان ملفقامن الاثنين أو الثلاثة لا يؤخذ الأخس(3)، والظاهر أنه لا خلاف في عدها من النصاب، کما لا خلاف في عدم عد الربی بضم الراء وتشديد الباء على وزن فعلی - إذا فسرناه بما يربى في البيت لأجل لبنه..(4) لأنه حينئذ من الدواجن، وليس فيها شيء لكونها معلوفه.

وفي رواية زرارة المحكية عن التهذيب: نفي ثبوت الزكاة في الدواجن(5). کما لا خلاف في عدها(6) إذا فسرناها بما هو المشهور في تفسيرها: من أنها الوالدة مطلقا، أو القريبة العهد من الولادة. ولا في أنه لا تؤخذ في الفريضة، إما لكونها نفساء فهي مريضة ولذا لا يقام الحد على النفساء، وإما للزوم الاضرار بولدها، وإما للأضرار بالمالك، وإما للتعبد بقوله عليه السلام - في

ص: 151


1- في «ج»: لصحيحة
2- الوسائل 6: 85 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3
3- في «ج» و «ع»: الآخر
4- محل النقط بياض بمقدار كلمة
5- تهذیب الأحکام 4: 21 الحديث، و 4: 41 الحديث 16، والوسائل 6: 73 الباب من أبواب زكاة الأنعام، ذيل الحديث 3
6- في «ج» و «ع»: كالأخذ في عدها

موثقة سماعة -: لا تؤخذ الأكولة - والأكولة: هي الكبيرة من الشاة تكون في الغنم - ولا والدة، ولا كبش الفحل(1).

والظاهر من الوالدة: القريبة العهد بالولادة، نعم في رواية ابن الحجاج - المروية في الفقيه -: ليس في الأكلية ولا في الربی - التي تربي اثنين - ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة(2)، إلا أن المقيد - هنا - لا يعارض المطلق.

ثم ظاهر الروايتين إطلاق المنع حتى لو رضي المالك، فلو دفعها لم تجز، إلا أن ظاهر الرواية الثانية - كما سيجي(3) ورودها في مقام الترخيص والتسهيل.

وأما الأكولة، وفحل الضراب المحتاج إليه، فظاهر المحكي عن الفاضلين في النافع(4) والارشاد(5) والشهيدين في اللمعتين(6): أنهما لا يعدان في النصاب، خلافا للحلبي في الأخير(7). ولعله لرواية ابن الحجاج المتقدمة(8) الدالة على نفي الصدقة فيهما. وفيه إشكال، لأن الظاهر من الرواية - ولو بقرينة ذكر الربی - عدم جواز الأخذ تشبيها له بعدم تعلق الزكاة بها. وهذا أولى من حمل الرواية على ظاهرها، وطرح الرواية بالنسبة إلى حكم الربی وشاة اللبن.

ص: 152


1- الوسائل 6: 84 الباب من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2
2- الفقيه 2: 28، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة، الحديث 1608، والوسائل 6: 84 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام الحديث الأول
3- يجئ في الصفحة التالية
4- المختصر النافع 1: 56
5- إرشاد الأذهان 1: 281
6- اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 2: 27
7- الكافي في الفقه: 167
8- المتقدمة في الصفحة السابقة

إلا أن يراد من الربی: المعلوفة لأجل كونها مربية للاثنين(1) ويراد من شاة اللبن التفسير الأول المتقدم للربی.

وكيف كان فرفع اليد عن العمومات مثل قوله: يعد صغيرها وكبيرها(2) وقوله: في كل خمسين حقة(3) ونحوهما، بهذه الرواية - وإن ضعف سندها(4) مشکل.

ثم(5) لو دفع المالك الأكولة وفحل الضراب فظاهر الرواية الأولى وإن كان عدم الجواز، إلا أن ظاهر الثانية بيان العفو کما عن المنتهی: عدم الخلاف في جواز إعطائها وإعطاء الربی لو تطوع المالك(6). وهو كذلك لأن الظاهر من الرواية إرادة التسهيل على المالك، وأن هذه الأربعة كأن لم يتعلق بها الفريضة، فتخرج أولا من الأنعام، ثم يقسم الباقي ويؤخذ منه الحق. ولا ينافي ذلك ثبوت هذا التسلط للمالك بالنسبة إلى أي شاة أراد إفرازها قبل القسمة، بل له أن لا يدفع شيئا ويدفع الفريضة من الخارج، لأن بيان الخاص لا ينافيه بيان العام مع عدم العلم بسبق علم المصدق بهذه الكلية، فلعله بين له أولا عدم التسلط على هذه بالخصوص للاهتمام بشأنه، ثم بين عموم نفي

ص: 153


1- في «ف»: لاثنين
2- الوسائل 6: 85 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3
3- الوسائل 6: 72 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام الحديث الأول، وفيه: ففي كل خمسين حقة
4- كذا في «ف» و «ج» و «ع» وشطب عليه في «م» وكتب عليه: «صحت» ولعل الصحيح: وإن صح سندها
5- في «ج» و «ع»: نعم
6- المنتهى 1: 485

التسلط، أو لم يبينه لهذا الشخص أصلا لعلمه بعدم احتياجه)(1).

ثالثًا: السيد كاظم اليزدي (رحمه الله) (ت 1337 ه).

تناول السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان) الحكم في المسألة الثامنة من الشرط الأول في الشرائط العامة، فقال:

(لا فرق بين الصحيح والمريض، والسليم والمعيب والشاب والهرم في من الدخول في النصاب والعد منه، لكن إذا كانت كلها صحاحا لا يجوز دفع المريض وكذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب، ولو كانت كل منها شابا لا يجوز دفع الهرم، بل مع الاختلاف أيضا الأحوط إخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط، نعم لو كانت كلها مراضا أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها)(2).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء للذاهب الإسلامية في شروط أخذ فريضة الزكاة وما يمنع منها.

أولاً: المذهب الزيدي.

قال يحيى بن الحسين (ت 298 ه) في شروط أخذ الزكاة:

(ولا تأخذ المصدق فحل الغنم ولا هرمة ولا ذات عوار؛ قال يحيى بن الحسین یرید رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله:

«ذلك أن لا يأخذ المصدق خيار الغنم ولا شراها، ويأخذ من أوساطها ما

ص: 154


1- کتاب الزكاة للشيح الأنصاري: ص 194 - 197
2- العروة الوثقی: ج 4 ص 40

لا عيب فيه منها»(1).

ثانيًا: المذهب المالكي.

أعتمد المالكي (ت 179 ه) في زكاة الغنم وشروط أخذ الفريضة فيها على ما رواه أبن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي بكر أخبره أن هذا کتاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) - لعمر و بن حزم في صدقة الغنم؛ ليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغت أربعين شاة ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا كانت احدى وعشرين ومائة ففيها شاتان إلى مائتي شاة فإذا كانت شاة ومائتي شاة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة شاة فلما زاد ففي كل مائة شاة ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)(2).

ثالثًا: المذهب الحنفي.

قال ابن نجم المصري (ت: 970 ه) في البحر الرائق في شروط أخذ الزكاة، فقال:

(ويؤخذ الوسط: أي في الزكاة لقوله - (صلى الله عليه واله وسلم) -:

«لا تأخوا من حزرات أموال الناس - اي کرائمها. وخذوا من حواشي أموالهم أي من أوساطها ولان فيه نظرا من الجانبين». كذا في الهداية.

ص: 155


1- الأحكام: ج 1 ص 173
2- المدونة الكبرى: ج 1 ص 314

والجزرات جمع حزرة بتقديم الزاي المنقوطة على الراء المهملة. وفي الخانية ولا تؤخذ الربا والأكولة والماخض وفحل الغنم لأنها من الكرائم وقد نهينا عن أخذ الكرائم، ولا تؤخذ الهرم ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق.

والأكولة الشاة السمينة التي أعدت للاكل، والربا بضم الراء المشددة وتشديد الباء مقصورة وهي التي تربي ولدها. كذا في المغرب. والماخض التي في بطنها ولد)(1).

رابعًا: المذهب الشافعي.

تناول عبد الكريم الرافعي (ت: 623 ه) كيفية أخذ الساعي الفريضة وما يمنعه من اخذها مما يعتريها من عيوب فقال:

(النظر الخامس في صفة المخرج في الكمال والنقصان، خمسة:

الأول المرض، فإن كان كل المال مراضاً أخذ منه مريضة وإن كان فيها صحيح لم يؤخذ إلا صحيحة نقرب قيمتها من ربع عشر ماله إذا كان ماله أربعين شاة).

هذا النظر لا يختص بزكاة الإبل ومقصوده الكلام في صفة المخرج في الكمال والنقصان ومن الصفات ما يعد في هذا الباب نقصانا وهو كمال في غيره كالذكور لان الإناث في مظنة الدر والنسل فهي أرفق بالفقراء ثم جعل أسباب النقصان خمسة:

(أحدها) المرض فإن كانت ماشيته كلها مراضا لم يكلفه الساعي إخراج

ص: 156


1- البحر الرائق: ج 2 ص 387

صحيحة وعن مالك انه يكلفه ذلك لنا ان ماله ردئ فلا يلزمه إخراج الجيد کما في الحبوب ثم المأخوذ من المراض الوسط جمعا بين الحقين ولو انقسمت الماشية إلى صحاح ومراض فإما أن يكون الصحيح منها قدر الواجب فصاعدا أو كان دونه فإن كان قدر الواجب فصاعدا لم يجز اخراج المريضة لما روى أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: (لا تؤخذ في الزكاة هرمة ولا ذات عوار).

فإن كانت المريضة ذات عوار فالنص مانع منها والا فهي مبنية عليها وقضية ذلك أن لا تؤخذ المريضة أصلا)(1).

خامسًا: المذهب الحنبلي.

قال البهوئي (ت 1051 ه) في زكاة الغنم:

ولا يؤخذ تیس؛ وأجرأ الذكر لنقصه وفساد لحمه، إلا فحل الضراب فيؤخذ لخيرة برضا ربه حيث يؤخذ ذكر بان كان النصاب کله ذكوراً؛ ويجزئ أخذه إذن؛ ولا تؤخذ هرمة اي كبيرة طاعته في السن ولا ذات عوار بفتح العين المهملة؛ وهي المعيبة بذهاب عضو أو غير عيب يمنع التضحية بها لقوله تعالى:

«وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ».

وفي كتاب ابي بكر: ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار؛ ولا تیس إلا ماشاء المصدق ولا تؤخذ الربي، وهي التي لها ولد تربیه....)(2).

ص: 157


1- فتح العزيز: ج 5 ص 370
2- کشاف القناع: ج 2 ص 223 - 224

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

1- لم يكن هناك اختلاف بين فقهاء المذاهب الإسلامية في المنع من أخذ (الهرمة ولا ذات العوار) لقوله عز وجل «وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ»(1).

ولقوله (صلى الله عليه وآله):

«لا تخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الا ما شاء المصدق»(2).

ولقول أمير المؤمنين (عليه السلام) - مورد البحث - وغيره من أحاديث العترة النبوية (عليهم السلام).

2- وفصلوا القول في المريضة بنسبة وجودها إلى النصاب وفي الأبل لو كانت كلها مريضة فجاز أخذ المريضة وبه قال: الإمامية، والشافعي، وأحمد، وخالف في ذلك مالك فقال: تجب الصحيحة من غير المال.

3- قالوا: بجواز أخراج حقة مريضة واخرى صحيحة لو كان عليه حقتان وكان نصفها مريض ونصفها صحيح، وعند الإمامية، الأحوط إخراج الصحيحة. وقد خالف في ذلك احمد بن حنبل فقال: لا تجزئ.

4- لو كانت الفريضة صغيرة بلحاظ أن النصاب كله صغير، أخرج منها، وبه قال الإمامية، والشافعية، وخالف المالكية، فقالوا: تجب كبيرة.

5- إذا كانت الماشية كلها ذكراناً جاز اخراج الذكر منها وهو قول فقهاء الامامية .

ص: 158


1- البقرة،: 267
2- صحيح البخاري: ج 2 ص 147

6- وقال فقهاء الشافعية: فيه قولان، الأول انه يجزء، وقيل: لا يجزئ، الورود النص بالإناث. وهو قول المالكي أيضاً.

7- إذا كان النصاب كله كباراً فلا يجزئ اخراج الفريضة صغاراً وهو مذهب الإمامية، والحنفية، وأحد وجهي الشافعية.

ص: 159

ص: 160

المبحث السابع إخراج الزكاة وتفرقتها أهي للإمام أم الساعي أم المالك؟

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«ثُمّ احدُر إِلَينَا مَا اجتَمَعَ عِندَكَ، نُصَيّرهُ حَيثُ أَمَرَ اللّهُ بِهِ. فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ فَأَوعِز إِلَيهِ: أَلّا يَحُولَ بَينَ نَاقَةٍ وَ بَينَ فَصِيلِهَا، وَ لَا يَمصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرّ فَيُضِرّ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا، وَ لَا يَجهَدَنّهَا رُكُوباً، وَ ليَعدِل بَينَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَ بَينَهَا، وَ ليُرَفّه عَلَي اللّاغِبِ، وَ ليَستَأنِ بِالنّقِبِ وَ الظّالِعِ، وَ ليُورِدهَا مَا تَمُرّ بِهِ مِنَ الغُدُرِ، وَ لَا يَعدِل بِهَا عَن نَبتِ الأَرضِ إِلَي جَوَادّ الطّرُقِ، وَ ليُرَوّحهَا فِي السّاعَاتِ، وَ ليُمهِلهَا عِندَ النّطَافِ وَ الأَعشَابِ، حَتّي تَأتِيَنَا بِإِذنِ اللّهِ بُدّناً مُنقِيَاتٍ، غَيرَ مُتعَبَاتٍ وَ لَا مَجهُودَاتٍ، لِنَقسِمَهَا عَلَي كِتَابِ اللّهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ (علیه السلام) فَإِنّ ذَلِكَ أَعظَمُ لِأَجرِكَ، وَ أَقرَبُ لِرُشدِكَ، إِن شَاءَ اللّهُ».

تناول فقهاء المذاهب الإسلامية مسألة اخراج الزكاة وتفرقتها بحسب صنفيها الظاهرة والباطنة، ويراد بالظاهرة: الماشية، والذهب، والفضة، ودار الكلام بين الفقهاء في الاموال الباطنة وفي عدم وجوب دفعها إلى الإمام، بل صاحب المال مخيّر في أن يعطيها للإمام أو يفرقها بنفسه.

أما الأموال الظاهرة فقد اختلفوا في جواز إخراج صاحب المال لها بنفسه

ص: 161

من عدمه، وإن إخرجها هل تسقط عنه أم لا؟ ومن ثم فهل عليه الإعادة؟ هذا ما سنتناوله في المبحث ضمن المسائل الاتية.

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في المسألة.

أولًا: تفرقة الساعي للزكاة بنفسه.

أنفرد فقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) في جواز تفرقة أموال الزكاة بيد الساعي وعدمه عن بقية المذاهب الإسلامية الاخرى، لا سيما الفقهاء المتقدمين منهم كالعلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

فقد أفرد لهذه المسألة في تحرير الأحكام في المطلب الثاني من الفصل الثامن (فيما يستحب فيه الزكاة) من المقصد الثالث في (وقت الاخراج والمتولي له) فقال (عليه رحمه الله ورضوانه):

(العاشر: ليس للساعي تفرقة الزكاة بنفسه من دون أذن الإمام ولا بيعها إلا مع الحاجة أو العذر.

فلو باع لا لضرورة لم يصح البيع، وتستعاد العين، ويعرف، وأرشها من المشتري إن نقصت عنده، والمثل إن كانت تالفة أو القيمة.

وينبغي أن يعرف أهل الصدقات بأنسابهم وحلاهم، ويعرف قدر حاجتهم، فإن عنده، شخصاً كتبه وحلاه، ولا ينبغي له أن يؤخر التفرقة إلا مع الأذن)(1).

ص: 162


1- تحریر الاحکام: ج 1 ص 197 برقم (1354)

ثانيًا: تفريق المالك للزكاة بنفسه.

ذهب فقهاء الامامية قديماً وحديثاً إلى: (جواز صرف المالك للزكاة بنفسه في المال الظاهر والباطن، والافضل صرفها إلى الإمام العادل، ولو كان غائباً فالأفضل دفعها إلى الفقيه المأمون من الإمامية)(1).

ثالثًا: لو طلب الإمام وجب في المال الظاهر.

ذهب فقهاء الإمامية إلى: وجوب دفع الزكاة في الاموال الظاهرة إلى الامام لو طلب بها وفي المطالب جاز للمالك الاخراج، وسقط عنه فرضها ولو فرقها بعد مطالب الامام لم يجزه ولكن ليس عليه الإعادة(2).

فهذه أقوال فقهاء الإمامية في المسالة وقد خالفهم بقية ائمة المذاهب الإسلامية الاخرى كما سيمر بيانه في المسألة الثانية:

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في اخراج الزكاة وتفرقتها.

تناول فقهاء المذاهب الإسلامية الاخرى مسألة تفريق الزكاة بيد المالك وجوازه من عدمه وفي وجوب الاعادة وعدمها لو لم يقبضها الإمام أو الساعي لإشغال الذمة بالفريضة، هذه الاقوال وغيرها سنعرض لها كما يلي:

أولًا: المذهب المالكي.

مما جاء في المدونة: (قال مالك إذا كان الإمام يعدل لم يسع الرجل أن يفرق زكاه ماله الناض ولا غير ذلك ولكن يدفع زكاة الناض إلى الإمام، وأما

ص: 163


1- تحریر الاحکام ج 1 ص 197 برقم (1345 ه)
2- ينظر كتاب الخلاف للشيخ الطوسي: ج 4 ص 225

ما كان من الماشية وما أنبت الارض فإن الامام يبعث في ذلك)(1).

ثانيًا: المذهب الحنفي.

ذهب فقهاء الحنفية إلى: عدم جواز اخراج المالك لزكاته في الاموال الظاهرة(2) بنفسه والعلة فيه إن الاخراج من حق السلطان، وتؤخذ منه ثانية لو قال المالك بالإخراج بنفسه.

(فان قال - المالك - دفعها إلى المساكين لم يصدق وتؤخذ منه الزكاة عندنا، ولنا أن هذا حق مالي يستوفيه الامام بولاية شرعية فلا يملك من عليه إسقاط حقه الاستيفاء كم عليه الجزية إذا صرف بنفسه.

ثم تقرير هذا الكلام من وجهين احدهما أن الزكاة محض حق الله تعالى فانما يستوفيه من يعين نائباً في استيفاء حقوق الله تعالى، وهو الامام فلا تبرأ ذمته إلا بالصرف ألية، وعلى هذا نقول وان علم صدقه فيما يقول يؤخذ منه ثانياً ولا يبرأ بالأداء إلى الفقير فيما بينه وبين ربه وهو اختيار بعض مشايخنا، أن للإمام رأياً في اختيار المصرف فلا يكون له ان يبطل رأى الامام بالأداء بنفسه.

والطريق الآخر أن الساعي عامل للفقير وفى المأخوذ حق الفقير ولكنه مولى عليه في هذا الاخذ حتى لا يملك المطالبة بنفسه ولا يجب الأداء بطلبه فيكون بمنزلة دين لصغير دفعه المديون إليه دون الوصي وعلى هذا الطريق يقول يبرأ بالأداء فيما بينه وبين ربه وظاهر قوله في الكتاب لم يصدق في ذلك إشارة إلى ذلك وهو أنه إذا علم صدقه لم يتعرض له وهذا لان الفقير من أهل

ص: 164


1- المدونة الكبرى: ج 1 ص 285
2- بدائع الصانع لابي بكر الكاشاني: ج 2 ص 37

أن يقبض حقه ولكن لا يجب الايفاء بطلبه فجعل الساعي نائبا عنه كان نظرا من الشرع له فإذا أدى من عليه من غير مطالبة إليه حصل به ما هو المقصود بخلاف الصبي فإنه ليس من أهل أن يقبض حقه فلا يبرأ بالدفع إليه)(1).

ثالثًا: المذهب الزيدي.

ذهب فقهاء المذهب الزيدي إلى أن الولاية في اموال الزكاة ظاهرة ام باطنة إلى الامام، ولا ولاية لرب المال فيها مع وجود الإمام، فلا يجوز تصرّف المالك بفريضة الزكاة فإن ذلك من حق الإمام ولا فرق بين أن يكون الامام قد طالب بها أم لم يطالب، أو أن يكون المالك ضمن حدود ولايته أم خرجها، و أذا أخرجها المالك بنفسه لزمه اعادتها سواء كان جاهلاً بالحكم حال الاخراج أو جاهلاً بمطالبة الإمام فإن الاخراج غير مجزء.

جاء ذلك في شرح الازهار لإحمد المرتضى (ت: 840 ه):

(وولايتها إلى الإمام ظاهرة وباطنة، ولا ولاية لرب المال فيها مع وجود الإمام العال فالظاهرة زكاة المواشي والثمار ومثلها الفطرة والخراج والخمس والجزية والصلح ونحوها والباطنة زكاة النقدين وما في حكمها وأموال التجارة وقال: ان أمر الظاهرة إليه دون الباطنة فإلى أربابها وهو قديم قولي الشافعي.

وقال الشافعي في أخير قوليه ان أمر الزكاة إلى أربابها ظاهرة كانت أم باطنة قیل ف يحتمل ان هذا الخلاف إنما هو مع عدم مطالبة الإمام فأما مع

ص: 165


1- المبسوط للسرخسي: ج 161 - 162

مطالبته فذلك اجماع أعني ان تسليمها إليه لازم نعم وإنما تثبت ولايتها إليه (حيث تنفذ أوامره) ونواهيه وذلك في الموضع الذي استحكمت وطأته عليه وأما في الموضع الذي لا تنفذ فيه أوامره فلا ولاية له.

قال في الياقوتة: والأفضل دفعها إلى الإمام. وقال (م بالله وص بالله): بل الولاية إليه عموما حيث تنفذ أو امره وحيث لا تنفذ فلا يجوز لرب المال تفريقها الا بأمر منه لمقاتلته إياهم عليها.

قال (عليه السلام): وهو قوى وإذا ثبت ان امر الزكاة إلى الإمام (فمن اخرج) زكاته إلى غير الإمام (بعد) أن وقع (الطلب من الإمام (لم يجزه؟) التي أخرجها ولزمه اعادتها (ولو) كان حال الاخراج (جاهلا لكون أمرها إلى الإمام أو جاهلا بمطالبته ذكره ط قال لان جهله بالواجب لا يكون عذرا في الاخلال به.

قال مولانا (عليه السلام): هذا إذا كان الواجب مجمعا عليه فأما المختلف فيه فالجهل فيه كالاجتهاد لكن ط بنى على أن الخلاف في كون امر الزكاة إلى الإمام إنما هو مع عدم الطلب من الإمام فأما مع مطالبته فأمرها إليه بالإجماع وقال ع بل تجزيه مع الجهل قال عليه السلام وفيه نظر قال ولعله بنى على أن الخلاف ثابت مع مطالبة الإمام أيضا والله أعلم)(1).

رابعًا: المذهب الشافعي.

ذهب فقهاء المذهب الشافعي إلى جواز أن يباشر المالك أداء الزكاة في الاموال الباطنة بنفسه، وأما الاموال الظاهرة ففيها عندهم قولان، أصحهما

ص: 166


1- شرح الازهار لإحمد المرتضى: ج 1 ص 527 - 529؛ المجموع للنووي: ج 5 ص 332 - 333

الجواز ايضاً وهو قول جديد عندهم واما قديماً فقيل بعدم الجواز.

وقد تناول الرافعي هذه الاقوال فقال:

(ثم أداء الزكاة يفتقر إلى وظيفتين فعل الاداء يفرض على ثلاثة أوجه:

(أحدهما) أن يباشره بنفسه وهو جائز في الأموال الباطنة لما روى عن عثمان أنه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله) والأموال الباطنة هي الذهب والفضة وعرض التجارة والركاز وزكاة الفطر ملحقة بهذا النوع وأما الأموال الظاهرة وهي المواشي والمعشرات والمعادن فهل يجوز أن يفرق زكاتها بنفسه فيه قولان (أصحهما) وهو الجديد نعم كزكاة الأموال الباطنة.

(والثاني) وهو القديم ومذهب أبي حنيفة رحمه الله ويروى عن مالك أيضا انه لا يجوز بل يجب صرفها إلى الامام لقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»، ولأنه مال للإمام المطالبة به فيجب دفعه إليه كالخراج هذا إذا كان الامام عادلا فإن كان جائرا فوجهان:

(أحدهما) يجوز ولا يجب خوفا من أن لا يوصله إلى المستحقين (وأصحهما) انه يجب لنفاذ حكمه وعدم انعزاله بالجور وعلى هذا القول لو فرق بنفسه لم يحسب وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجيء الساعي فإذا أيس فرق بنفسه.

(والثاني) أن يصرف إلى الامام وهو جائز فان نائب المستحقين (وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء بعده يبعثون السعاة لأخذ الزكاة).

(والثالث) أن يوكل بالصرف إلى الامام أو بالتفرقة على المستحقين حيث

ص: 167

يجوز له التفرقة بنفسه وهو جائز أيضا لأنه حق مالي فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين (وأما) الأفضل من هذه الطرق فلا خلاف في أن تفرقة الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل بها لأنه على يقين من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل وبتقدير أن يجوز لا يسقط الفرض عن الموكل وله على الوكيل غرم ما أتلف وفي الأفضل من الطريقين الأولين في الأموال الباطنة وجهان:

(أحدهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق ان الصرف إلى الامام أولى لأنه أعرف بأهل السهمان واقدر على التفرقة بينهم ولأنه إذا فرق الامام كان على يقين من سقوط الفرض بخلاف ما لو فرق بنفسه لجواز ان أن يسلم إلى من ليس بصفة الاستحقاق وهو يظنه بصفة الاستحقاق.

(والثاني) أن الأولى أن يفرقها بنفسه لأنه يفعل نفسه أوثق ولينال اجر التفريق وليخص به أقاربه وجيرانه وهذا الوجه هو المذكور في التهذيب والعدة ومن قال به تعلق بقوله في المختصر وأحب أن يتولى الرجل قسمتها بنفسه ليكون على يقين من أداءها عنه والأول هو الأظهر عند أكثر الأئمة من العراقيين وغيرهم ولم يذكر الصيدلاني غيره وحملوا قول الشافعي على أنه أولى من التوكيل ومنهم من قال أراد به في الأموال الغير الظاهرة.

وأما في الأموال الظاهرة فالأولى الصرف إلى الامام ليخرج عن شبهة الخلاف ومنهم من أطلق الخلاف من غير فرق بين الأموال الباطنة والظاهرة وهكذا فعل صاحب الكتاب في قسم الصدقات وعبر عن هذا الخلاف بالقولين على خلاف المشهور ورأيت المحاملي صرح في القولين والوجهين بطرد الخلاف فليكن قوله والصرف إلى الأمام في الأموال الظاهرة أولي معلما

ص: 168

بالواو وحيث قلنا الصرف إلى الامام أولى فذلك إذا كان الامام عادلا فإن كان جائرا فوجهان:

(أحدهما) انه كالعادل ويحكى ذلك عن صاحب الافصاح لما روى أن سعد ابن أبي وقاص وأبا هريرة وأبا سعيد سئلوا عن الصرف إلى الولاة الجائرين فأمروا به وأصحهما وهو الذي ذكره في الكتاب في قسم الصدقات ان التفريق بنفسه اولي من الصرف إليه لظهور جوره وخيانته بل حكى الحناطي وجها انه لا يجوز الصرف إلى الجائر فضلا عن الأفضلية)(1).

خامسًا: المذهب الحنبلي.

ذهب فقهاء المذهب الحنبلي إلى استحباب ان يتول المالك تفرقة الزكاة بنفسه سواء كان ذلك في الاموال الظاهرة ام الباطنة.

(يستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة قال الإمام أحمد أعجب إلي أن يخرجها وان دفعها إلى السلطان فهو جائز وقال الحسن، ومكحول، وسعيد بن جبير، وميمون بن مهران يضعها رب المال في موضعها وقال الثوري احلف لهم واكذبهم ولا تعطهم شيئا ولا تعطهم شيئا إذا لم يضعوها موضعها وقال لا تعطهم وقال عطاء أعطهم إذا وضعوها مواضعها فمفهومه انه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك.

وقال الشعبي وأبو جعفر إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل

ص: 169


1- فتح العزيز: ج 5 ص 520 - 522

الحاجة من أهلها. وقال إبراهيم ضعوها في موضعها فإن أخذها السلطان أجزاك. وقال سعيد أنبأنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قال أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها ثم مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي ردها فضعها مواضعها وقد روي عن أحمد أنه قال أما صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان واما زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين)(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

يمكن أن نجمل القول في المسألة ضمن النقاط الآتية.

أولًا: الأموال الظاهرة.

1- ينفرد فقهاء الإمامية (أعلى الله شانهم) في بحث جواز تفرقة الساعي لأموال الزكاة بنفسه من عدمه فقالوا بعدم الجواز، وقيدوا الجواز بأذن الإمام، وكذا بيعها؛ واستثنوا البيع مع العذر أو الحاجة، وبخلافه لم يصح البيع ويلزم استعادة العين وارشها من المشتري إن نقصت عنده، ومثل العين إذا تلفت، أو دفع القيمة.

وعلى الساعي أن يعرف أهل الصدقات بأنسابهم وحلاهم، وقدر حاجتهم؛ وينبغي بالساعي إذا أعطى شخصاً كتبه وحلاه، ولا ينبغي له تأخير تفرقة اموال الزكاة إلا مع إذن الإمام.

2- اختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في جواز تفرقة المالك الزكاة بنفسه

ص: 170


1- المغني لابن قدامة: ج 2 ص 208

في الاموال الظاهرة، وهي (المواشي والغلاة) على ما يلي:

أ- قال فقهاء الإمامية قديماً وحديثاً بلا خلاف بجواز اخراج المالك للزكاة في الاموال الظاهرة وتفرقتها بنفسه. ولكن لو طالب بها الإمام وجب دفعها إليه، وفي عدم المطالب يفضل حملها إليه.

ب- وخالفهم في ذلك المالكية فقالوا بعدم جواز اخراج المالك للأموال الظاهرة وتفرقتها.

ج- وتبعهم أيضاً فقهاء المذهب الحنفي، فقالوا بعدم الجواز

د- وأما الشافعية فقد ذهب قدماء المذهب إلى عدم الجواز ايضاً، أما جديداً فقد قالوا بالجواز.

ه- وأما فقهاء المذهب الزيدي فقالوا بعدم الجواز لانحصار الولاية سواء كانت هذه الأموال ظاهرة ام باطنة.

ي- وقال الحنابلة بالجواز، بل بالاستحباب.

3- ذهب فقهاء الإمامية في حال أخرج المالك الأموال الظاهرة وفرقها بعد مطالبة الإمام فليس عليه الإعادة؛ وخالفهم في ذلك بقية فقهاء المذاهب الإسلامية، وهي كما يلي.

أ- فقد ذهب فقهاء المالكية إلى إعادة إخراجها.

ب- وقال الشافعية بلزوم الضمان لأنه مال الإمام فيه حق المطالبة.

ج- وقال الزيدية بلزوم الإعادة لأن الاخراج كان غير مجزء.

د- وقال الحنابلة بعدم الإعادة لأنه (دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فاجزاه).

ص: 171

ه- وقال الحنفية بالأخذ من المالك مرة ثانية (لو قال بالإخراج بنفسه) (وإن علم صدقه).

ثانيًا: الأموال الباطنة.

اختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في جواز تفرقة المالك للأموال الباطنة بنفسه، وهي كما يلي:

1- ذهب فقهاء الإمامية إلى جواز تفرقة المالك للاموال الباطنة بنفسه، وهو مخير بين أن يعطيها إلى الإمام أو يخرجها بنفسه.

2- وقال الشافعية بالجواز أيضاً قولاً واحدا.

3- وقال الزيدية بعدم الجواز.

4- وقال الحنابلة بالجواز.

5- وقال الحنفية بعدم الجواز.

فهذه اقوالهم في المسألة، والتي تباينت بين الجواز وعدمه، والإجزاء ونفيه.

ثالثا: دليل فقهاء الإمامية في المسألة.

تناول الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) في بيان دليل فقهاء الإمامية (أعلى الله شانهم) ألى: الجواز وأنه مجزء، ومبرء للذمة، مستدلين بذلك بما يلي:

1- إجماع الفرقة.

ص: 172

2- إنه متى أخرجها المالك بنفسه فقد أمتثل الآية؛ ومن قال: لا يجزية فعليه الدلالة.

3- ويدل عليه أيضاً، قوله تعالى:

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ».

4- وأما الذي يدل على وجوب الدفع إذا طلبه الإمام فقوله تعالى:

«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً» فأمره بالأخذ، وأمره على الوجوب، فوجب أن يلزم الدفع(1).

ص: 173


1- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 4 ص 226

ص: 174

المبحث الثامن أجرة الساعي

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«وَإِنَّ لَكَ فِی هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِیباً مَفْرُوضاً، وَحَقّاً مَعْلُوماً، وَشُرَکَاءَ أَهْلَ مَسْکَنَةٍ، وَضُعَفَاءَ ذَوِی فَاقَةٍ، وَإِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ».

تناول فقهاء المذاهب الإسلامية مسألة أجرة الساعي في مصنفاتهم وبحثوا المسألة من حيث جهة الصرف، فمن أين يعطى الساعي من صدقات الزكاة ام من بيت المال؟

وهل يجوز استئجار غير المسلم في العمل كالكافر أو الذمي، وهل يصح أن يكون الساعي من بني هاشم أم لا؟ وغير ذلك من الأمور المرتبطة بعمل الساعي، وهو كالاتي.

المسألة الأولى: المذهب الإمامي.

تعرّض للمسألة فقهاء الإمامية (رضوان الله تعالى عليهم) منذ الشيخ الصدوق والى يومنا هذا كما سيمر - لا سيما في الموسوعات الفقهية في المدرسة الإمامية، فكان من أقوالهم (عليهم الرحمة والرضوان) ما يلي:

ص: 175

أولًا: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 726 ه).

قال (رحمه الله) في التذكرة: فيما يستحقه الساعي من الأجرة أو الزكاة، وفي موارد سقوط حق العامل:

(إذا تولى الرجل اخراج الزكاة بنفسه سقط حق العامل منها، لأنه إنما يأخذ بالعمل، وكذا لو تولى الإمام أو الولي من قبله قسمتها لم يستحق شيئا، لأنه يأخذ رزقه من بيت المال، لأنه يتولى أمور المسلمين، وهذا من جملة المصالح. أما الساعي فإن رأى الإمام أن يجعل له أجرة من بيت المال لم يستحق شيئا من الصدقة، وإن لم يجعل له شيئا كان له نصيب من الزكاة. ويتخير الإمام بين أن يستأجره لمدة معلومة بأجرة معلومة، أو يعقد له جعالة، فإذا عمل ما شرط عليه، فإن كان أجر مثله أقل كان الفاضل من الثمن من الصدقة مردودا على أهل السهمان، وإن كان السهم أقل من أجرته جاز للإمام أن يعطيه الباقي من بيت المال، لأنه من المصالح، وهو أحد قولي الشافعی(1).

ويجوز أن يعطيه من باقي الصدقة ويقسم الفاضل عن أجرته بين باقي المستحقين، لأن الفاضل لما رد عليهم كان الناقص عليهم، وهو القول الثاني للشافعي(2). وله ثالث: تخيير الإمام بينهما(3) كما قلناه. وله رابع: أنه يأخذ من سهم المصالح إذا لم يفضل عن أهل السهان فضل، وإن فضل أخذ من

ص: 176


1- المهذب للشيرازي 1: 178، المجموع 6: 188، حلية العلماء 3: 149
2- المهذب للشيرازي 1: 178، المجموع 6: 188، حلية العلماء 3: 149
3- المهذب للشيرازي 1: 178، المجموع 6: 188، حلية العلماء 3: 149

الصدقة(1). والوجه: أنه لا يشترط تقدير الأجرة أو السهم؟ لأن له نصيبا بفرضه تعالى، فلا يشترط في استعماله غيره. ولقول الصادق (عليه السلام) وقد سأله الحلبي ما يعطى المصدق؟ قال:

«ما يرى الإمام، ولا يقدر له شيء»(2))(3).

ثانيًا - قال المحقق البحراني (الشيخ يوسف الدرازي (عليه رحمة الله ورضوانه)، (ت: 1186 ه):

(الظاهر أن الاختيار إلى الإمام بين أن يجعل لهم أجرة معينة أو يعطيهم ما يراه ويدل على الثاني صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)(4) قال: قلت له ما يعطى المصدق؟ قال:

«ما يرى الإمام ولا يقدر له شئ والظاهر أن المراد من آخر الخبر أنه ليس له سهم مقدر مفروض لا يحتمل الزيادة والنقصان. ثم إنه قد ذكر جمع من الأصحاب: منهم الشهيد في البيان والمحقق الشيخ على في حاشية الشرائع أنه لو عين له أجرة فقصر السهم عن أجرته أتمه الإمام من بيت المال أو من باقي السهام، ولو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقين. ولا يخفى ما فيه فإن هذا إنما يتم على القول بوجوب البسط على الأصناف بالسوية وهو غير معمول عليه عندنا»(5).

ص: 177


1- المهذب للشيرازي 1: 178، المجموع 6: 188، حلية العلماء 3: 149
2- الكافي للكليني: ج 3 ص 563؛ التهذيب للطوسي: ج 4 ص 108 حدیث 311
3- تذكرة الفقهاء: ج 5 ص 248 - 249
4- الوسائل الباب 1 من المستحقين للزكاة
5- الحدائق الناضرة: ج 12 ص 174 - 175

ثالثًا: قال السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان) (ت: 1390 ه) في اجرة العامل على الزكاة.

(فإن العامل يستحق منها سهماً في مقابل عمله وان كان غنياً، ولا يلزم استئجاره من الأول أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة، بل يجوز أيضاً أن يعين له ويعطيه بعد ذلك ما يراه)(1).

فهذه بعض اقوال فقهاء الامامية (عليهم رحمة الله ورضوانه) في أجر عامل الزكاة والسعات الذين يبعثهم الامام لجمعها، وقد تناول بقية الفقهاء في المذاهب الإسلامية هذه المسألة ايضاً وتباينت فيها الاقوال، وهي كما يأتي في ثانياً.

المسألة الثانية: أجرة الساعي في المذاهب الإسلامية الاخرى .

أولًا: المذهب الزيدي.

قال أحمد المرتضى (ت: 840 ه) في شرح الأزهار في باب: من تصرف فيه الزكاة:

(العامل وهو من باشر جمعها من أرباب الأموال وكان عمله ذلك بامر محق إمام أو محتسب وله من الزكاة التي يعمل عليها ما فرض له سواء كان الإمام أو غير وإذا فرض له الإمام شيئاً فليس يستحقه بمجرد الفرض وانما يستحق منه حسب العمل فقط فلو فرض له الإمام فرضاً وأجرة مثل عمله دون ذلك الذي فرض الإمام لم يجز للعامل أن يأخذ ما فرضه الإمام

ص: 178


1- العروة الوثقى: ج 4 ص 109

وانما يأخذ قدر أجرة مثله لان العمل هنا بمنزلة الإجارة الفاسدة، والاجارة الفاسدة يستحق عليها أجرة المثل ويستحق بالعمل)(1).

ثانيًا: المذهب المالكي.

قال أبو البركات (أحمد بن محمد الدردير) (ت 1302 ه) في شروط عامل الزكاة، اي الساعي:

(وأن يكون بالغاً فيعطي وأن كان غنياً لإنها أجرته فلا تنافي الغني وبدى به، اي بالعامل ويدفع له جميعها إن كانت قدر عمله فأقل، وأخذ العامل الفقير بوصفيه أي وصف الفقر والعمل، إن لم يغنه حظ العمل)(2).

ثالثًا: المذهب الحنفي.

قال السمرقندي (علاء الدين) (ت 539 ه) في تحفة الفقهاء، باب: من يوضع فيه الصدقة:

(وأما العامل فيما يعطي له، فهو أجر عمله، لا بطريق الزكاة، فإنه ينبغي للإمام أن يعطي الساعي مقدار ما يكفيه، ويكفي أعوانه، ولهذا قلنا بانه يعطي العامل الغني؛ ولهذا صاحب المال إذا حمل الزكاة بنفسه إلى الإمام، فانه لا يعطي العاملين على الصدقات من ذلك شيئاً.

ولهذا قلنا: إن حق العامل فيا في يده من الصدقات حتى لو هلك ما في يده من الصدقات تسقط أجرته، وهو ننفقه المضارب في مال المضارب اذا

ص: 179


1- شرح الازهار: ج 1 ص 513
2- الشرح الكبير: ج 1 ص 495

هلك مال المضارب سقطت نفقته)(1).

رابعًا: المذهب الشافعي.

قال النووي (ت 676 ه) في المجموع في باب: قسم الصدقات:

(الإمام بالخيار، إن شاب بعث العامل من غير شرط واعطاه بعد مجيئه أجرة المثل من الزكاة وان شاء استأجره بأجرة معلومة من الزكاة وكلاهما جائز باتفاق الأصحاب.

(أما) الأول فللأحاديث الصحيحة في ذلك ولان الحاجة تدعوا إليه لجهالة العمل فتؤخر الأجرة حتى يعرف عمله فيعطي بقدره.

(وأما الثاني) فهو القياس والأصل ولا شك في جوازه قال أصحابنا وإذا له شيئا فان شاء سماه إجارة وان شاء جعالة ولا يسمي أكثر من أجرة المثل فان زاد فوجهان حكاهما جماعة منهم الدارمي (أصحهما) تفسد التسمية وله أجرة المثل من الزكاة (والثاني) لا تفسد بل يكون قدر أجرة المثل من الزكاة والباقي يجب في مال الإمام لأنه صحيح العبارة والالتزام)(2).

خامسًا: المذهب الحنبلي.

قال ابن قدامة المقدسي (ت: 620 ه) في المغني، في باب: قسمة الفيء والغنيمة والصدقة:

(والامام مخير بين ان يستأجر العامل اجارة صحيحة باجر معلوم أما

ص: 180


1- تحفة الفقهاء: ج 1 ص 299
2- المجموع للنووي: ج 1 ص 299

على مدة معلومة واما على عمل معلوم وبين ان يجعل له جعلا معلوما على عمله فاذا علمه استحق المشروط وان شاء بعثه من غير تسمية ثم اعاه فان عمر قال بعثني النبي (صلى الله عليه واله) على الصدقة فلما رجعة عملني فقلت اعطه من هو احوج مني؛ وذكر الحديث.

فإن تلفت الصدقة في يده قبل وصولها إلى أربابها من غير تفريط فلا ضمان عليه ويستحق أجرة من بيت المال وان لم تتلف أعطي أجر عمله منها وإن كان أكثر من ثمنها أو أقل ثم قسم الباقي على أربابه لأن ذلك من مؤنتها فجری مجری علفها ومداواتها. وان رأي الإمام أعطاه أجرة من بيت المال أو يجعل له رزقا في بيت المال ولا يعطيه منها شيئا فعل وان تولى الإمام أو الوالي من قبله أخذ الصدقة و قسمتها لم يستحق منها شيئا لأنه يأخذ رزقه من بيت المال)(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

أولاً- ذهب فقهاء الإمامية (أعلى الله شانهم) إلى أن الإمام مخير بين أن يعطي العامل أجرة من الصدقات أو أن يجعل له أجرة من بيت المال ولا يجمع له الصدقات والإجرة على عمله.

وبه قال: الشافعية، والزيدية، والحنفية، والحنابلة.

وخالفهم في ذاك المالكية فقالوا: بجواز الجمع بين أجرة العمل وسهم الفقراء.

ثانياً: قال الإمامية: يحق للإمام ان یری مقدار الأجرة والمدة، ويجوز

ص: 181


1- المغني لابن قدامة: ج 7 ص 319

استئجار الغني، وبه قال بقية فقهاء المذاهب الإسلامية.

ثالثًا: وأما جواز أن يكون العامل من ذوي القربى، أي: هاشمياً أو من مواليهم؛ فقد تباينت فيه الأقوال من حيث الاستئجار ومصدر الأجرة، وهو كالاتي:

فإن كان من الصدقات فلا يجوز العامل أن كان هاشمياً، وبه قالت جميع المذاهب.

وأما إذا فرض له الإمام أجرة من بيت المال، فقيل: بالجواز.

وهذا ما سنتناوله في مبحث الصدقة بعد الانتهاء من هذا الفصل.

ص: 182

المبحث التاسع أصناف المستحقين للزكاة

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«وبؤسي لمن خصمه عند الله، الفقراء، والمساكين، والسائلون، والمدفوعون، والغارمون، وابن السبيل»(1).

يعرض النص الشريف أصناف المستحقين للزكاة والذين امتازوا بحق التخاصم في يوم القيامة، وأن المخاصم الأول في هذه الحقوق يوم القيامة هم الإمام والمسلم الذي يمتنع من إخراجها والسعات والعاملون على جمعها، فهم بين حق الإمام في أداء الأمانة إليه فيما يجمع من هذه الأموال، وبين حق المستحقين فيها، وهم:

(الفقراء، والمساكين، والسائلون، والمدفوعون، والغارمون، وابن السبيل).

ولم يورد (عليه الصلاة والسلام) صنف (المؤلفة قلوبهم)، و (سبيل الله)، و (والرقاب)، فهي متعلقة بحق الإمام فهو الذي يسأل عنها يوم القيامة، وهو الذي يرى تقدير المصلحة فيها، ويحدد مواردها، وتقديم الاولوية فيها كإستمالة قلوب الكفار، أو بناء المساجد والمدراس والجسور وغيرها من أعمال الخير، أو مساعدة العبيد بأصنافهم الثلاثة (المكاتبون، والعبيد الذين تحت الشدة، والعبد يشتري ويعتق).

(183

ص: 183


1- من عهد بعثه إلى بعض عماله، وقد بعثه على الصدقات: 382

فهذه الأمور تعلق عنوان صرفها، وعنوان تقديم الأصلح بالإمام، فهذا أحد الأوجه في ذكره هذه الأصناف دون غيرها.

والوجه الآخر:

أنه (عليه السلام) قد يكون أوكل إلى هذا العامل تحديداً تفريق الزكاة لهذه الأصناف التي مرَّ ذكرها في النص الشريف بقرينة المقدمة التي تصدرت الكتاب أو الوصية بقوله (عليه الصلاة والسلام):

«أَمَرَهُ بِتَقْوَی اللَّهِ فِی سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَ خَفِیَّاتِ أَعمَالِهِ، حَیْثُ لاَ شَهِیدَ غَیْرُهُ، وَ لاَ وَکِیلَ دُونَهُ...».

فاقتضى المقام هنا تحذيره من شدة الموقف يوم القيامة في مخاصمة هؤلاء له.

وعليه:

سنورد أقوال الفقهاء في المذاهب الإسلامية في أصناف المستحقين للزكاة والتعريف بهم، وهي كالآتي:

المسألة الأولى: الذهب الإمامي.

أولاً: العلامة ابن المطهر الحلي (ت: 726 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في المقصد الرابع، في المستحق: الفصل الأول: في الأصناف من قواعد الاحکام:

وهم ثمانية:

(الأول والثاني: الفقراء والمساكين ويشملهما من قصر ماله عن مؤونة السنة له ولعيالة.

ص: 184

وأختلف في أيهما اسوأ حالاً؟ فقيل: الفقير(1)، للابتداء بذكره(2)، الدال على الاهتمام، ولقوله:

«أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ»(3).

ولتعوذ النبي (صلى الله عليه وآله) منه(4)، وسؤال، المسكنة(5)، وقيل(6): المسكين للتأكيد به، ولقوله تعالى : أو مسکینا ذا متربة(7).

ويمنع القادر على تكسب المؤنة بصنعة وغيرها، وصاحب الخمسين إذا قدر على الاكتفاء بالمعاش بها(8).

ويعطي صاحب ثلاثمائة مع عجزه، وصاحب دار السکنی، وعبد الخدمة، وفرس الركوب، وثياب التجمل، ولو قصر التكسب جاز أن يعطي أكثر من

ص: 185


1- من القائلين بد: الشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1 ص 246، والقاضي ابن البراج في المهذب: ج 1 ص 169، وابن حمزة الطوسي في الوسيلة: ص 128، وابن ادريس الحالي في السرائر: ج 1 ص 456
2- في آية الزكاة: التوبة، 60: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ....»
3- الكهف: 79
4- عوالي اللآلي: ج 1 ص 39 ح 36
5- والي اللآلي: ج 1 ص 39 ح 36 و ح 37، مستدرك الوسائل: ب 20 من أبواب الصدقة ح 15 ج 7 ص 203، سنن البيهقي: ج 7 کتاب الصدقات ص 12، ونقلهما في المعتبر: ج 2 ص 564 قال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم أحيني مسكينا واحشرني مع المساكين، ونعوذ بالله من الفقر»
6- من القائلين به: ابن الجنيد - کما نقله عنه في المختلف: ج 1 ص 180، والمفيد في المقنعة: ص 241، وسلار في المراسم: ص 132، والشيخ في النهاية: ص 184
7- البلد: 16
8- ويراد به: الخمسون درهما إذا كانت بيد الفقير تامة

التتمة على رأي.

ويصدق مدعي الفقر فيه من غير يمين وإن كان قويا أو ذا مال قديم، إلا مع علم كذبه، فإن ظهر استعيدت منه، ومع التعذر فلا ضمان على الدافع، مالكا كان أو إماما أو ساعيا أو وكيلا، وكذا لوبان كافرا، أو واجب النفقة، أو هاشميا، ولا يجب إعلامه بأنها زكاة.

الثالث: العاملون، وهم السعاة في جباية الصدقة، ويتخير الإمام بين الجعالة والأجرة عن مدة معينة.

الرابع: المؤلفة، وهم قسمان: کفار يستمالون إلى الجهاد أو إلى الإسلام، ومسلمون إما من ساداتهم لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب النظراء في الإسلام، وإما سادات مطاعون پر جی بعطائهم قوة إيمانهم ومساعدة قومهم في الجهاد، وإما مسلمون في الأطراف إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول وإما مسلمون إذا أعطوا أخذوا الزكاة من مانعيها.

وقيل(1): المؤلفة الكفار خاصة.

الخامس: في الرقاب، وهم ثلاثة المكاتبون، والعبيد تحت الشدة، والعبد يشتري للعتق مع عدم المستحق.

ويعطي مدعي الكتابة من غير بينة ولا يمين مع انتفاء التكذيب، ويجوز الدفع قبل النجم(2)، ولو صرفه في غيره ارتجع إلا أن يدفع إليه من سهم

ص: 186


1- والقائل به هو الشيخ في المبسوط: ج 1 ص 249
2- النجم: زمان يحل بانتهائه أو ابتدائه قدر معين من مال الكتابة أو مال الكتابة كله، وكانت العرب توقت بطلوع النجم، لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب، وإنما كانوا يحفظون أوقات السنة بالأنواء، وكانوا يسمون الوقت الذي يحل فيه الأداء نجما، ثم توسعوا حتى سموا الوظيفة نجما. / مجمع البحرین: مادة «نجم»

الفقراء. ويدفع السيد الزكاة إلى المكاتب ثم يدفعها إليه، ويجوز إعطاء سید المكاتب. والأقرب جواز الإعتاق من الزكاة وشراء الأب منها.

السادس: الغارمون، وهم المدينون في غير معصية، والأقوى في المجهول حالة الاستحقاق، وله أن يدفع إلى من أنفق في معصيته(1) من سهم الفقراء ثم يقضي هو، ويجوز المقاصة.

ولو كان الغارم میتا جاز القضاء عنه، والمقاصة، وإن كان واجب النفقة جاز القضاء عنه حيا وميتا، والمقاصة. ولو صرف ما أخذه في غير القضاء ارتجع، ويقبل قوله في الغرم من غير يمين إذا تجرد عن تكذيب الغريم.

السابع: في سبيل الله، وهو كل مصلحة كبناء القناطر، وعمارة المساجد، وإعانة الزائر والحاج، ومساعدة المجاهدين، وقيل(2): يختص الأخير، ولو أعطي الغازي منه(3) فصرفه في غيره استعيد. ويسقط سهم المؤلفة والساعي والغازي حال الغيبة إلا مع الحاجة إلى الجهاد، ولا يشترط في الغازي والعامل الفقر.

الثامن: ابن السبيل، وهو المنقطع به وإن كان غنيا في بلده، وكذا الضيف، ولا يزاد على قدر الكفاية، فإن فضل أعاده)(4).

ص: 187


1- كذا في النسخة المعتمدة، وفي المطبوع والنسخ: «في معصية»
2- قال به: المفيد في المقنعة: ص 241، والشيخ في النهاية: ص 184، وسلار في المراسم: ص 133، قالوا: (في سبيل الله: وهو الجهاد)
3- في (أ) و (ج) و (د): «فيه»
4- قواعد الاحکام: ج 1 ص 347 - 350

ثانيًا: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (ت 1411 ه).

قال في منهاج المؤمنين، في أصناف المستحقين للزكاة ومصارفها، وقد بسط فيها البحث، فقال:

(وهم ثمانية (الأول والثاني: الفقير والمسكين).

والثاني أسوء حالاً من الأول، والفقير الشرعي من لا يملك مؤنة السنة له ولعياله، والغني الشرعي بخلافه، فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك، تقوم بكفايته وعياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة، وكذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤنته، أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه وعياله، وان كان لسنة واحدة.

2- ولا يجوز من كان ذا صنعة أو كسب يحصل منهما مقدار مؤنته ان يعطى له الزكاة، والأحوط عدم إعطاء أزيد من مؤنة السنة دفعة للفقير.

3- ودار السكنى والخادم والفرس ونحوها من المركوب المحتاج إليها

بحسب حاله، ولو لعزة وشرفه، لا يمنع من إعطاء الزكاة وأخذها، بل ولو كانت متعددة مع الحاجة إليها. وكذا الثياب والألبسة الصيفية والشتوية والسفرية والحضرية، ولو كانت للتجمل وأثاث البيت من الفروش والظروف وسائر ما يحتاج اليه، فلا يجب بيعها في المؤنة، بل لو كان فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها.

4- وكذا يجوز أخذ الزكاة لشراء الدار والخادم وفرس الركوب والكتب العلمية ونحوها، مع الحاجة إليها. نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته فعليه بيعها، ولا يجوز أخذ الزكاة، بل إذا كانت عنده

ص: 188

دار تزيد عن حاجته بأقل منها قيمة، فالأحوط بيعها وشراء الأدون، وكذا في العبد والجارية والفرس.

5- وإذا كان يقدر على التكسب، لكن ينافي شأنه، أو كان عسرا ومشقة من جهة كبر أو مرض أو ضعف، فلا يجب عليه التكسب وجاز له أخذ الزكاة.

6- وإذا كان صاحب حرفة وصنعة، ولكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب، جاز له أخذ الزكاة.

7- ولو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه، يجوز له أخذ الزكاة إذا كان مما يجب تعلمه عينا أو كفاية، وكذا إذا كان مما يستحب تعلمه كالتفقه في الدين اجتهادا أو تقليدا، وان كان مما لا يجب ولا يستحب کالفلسفة والنجوم والرياضيات والعروض والأدبيات لمن لا يريد التفقه في الدين فالجواز غير بعيد.

8- والمدعي للفقر ان عرف صدقه أو كذبه عوامل به، وان جهل الأمرين فمع سبق فقره یعطی من غير يمين، ومع سبق الغني أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء إلا مع الظن بالصدق، أن حصل الاطمئنان والوثوق والا ففيه اشکال.

9- ولو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، ولا يجب إعلامه ان المدفوع اليه زكاة، بل لو كان ممن يترفع ويدخله الحياء منها وهو مستحق، يستحب دفعها اليه على وجه الصلة ظاهرا والزكاة واقعا.

10- ولو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبأن كون القابض غنيا، فان كانت

ص: 189

العين باقية ارتجعها، وكذا مع تلفها إذا كان القابض عالما بكونها زكاة، وان كان جاهلا بحرمتها للغني، بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة، فإنه لا ضمان عليه، ولو تعذر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه، ولم يتمكن الدافع من أخذ العوض كان ضامنا فعليه الزكاة مرة أخرى، إذا لم يكن الدفع باذن الشرع.

نعم لو كان الدافع هو المجتهد وكان دفعه ولاية لا بإذن المالك أو الوكالة عنه أو المأذون منه لاضان عليه، ولا على المالك الدافع اليه، حيث لم يكن تفريط في البين.

11- الثالث: العاملون عليها: وهم المنصوبون من قبل الإمام أو نائبه الخاص أو العام، لأخذ الزكوات وضبطها وحسابها وإيصالها اليه، أو إلى الفقراء على حسب اذنه، فان العامل يستحق منها سهما في مقابل عمله، وان كان غنيا.

12- ويشترط فيهم التكليف بالبلوغ والعقل والایمان، والأقوى كفاية الأمانة والوثوق ومعرفة المسائل المتعلقة بعملهم اجتهادا أو تقليدا، وان لا يكونوا من بني هاشم.

13- الرابع: المؤلفة قلوبهم: من الكفار الذين يراد من إعطائهم ألفتهم وميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفار أو الدفاع.

ومن المؤلفة قلوبهم ضعفاء العقول من المسلمين، بل ضعفاء الاعتقاد لتقوية اعتقادهم أو لاستمالتهم إلى المعاونة في الجهاد والدفاع.

14- الخامس: الرقاب، وهم: العبيد وهم ثلاثة أصناف كما هو مذكور في المفصلات.

15- السادس: الغارمون: وهم الذين ركبتهم الديون، وعجزوا عن

ص: 190

أدائها وان كانوا مالكين لقوت سنتهم، ويشترط ان لا يكون الدين مصروفا في المعصية والا لم يقض من هذا السهم.

16- ولا فرق بين أقسام الدين من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك، وإذا كان دينه مؤجلا فلا يترك الاحتياط في عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول اجله.

17- ولو ادعى انه مدیون فإن أقام بينة قبل قوله، والا فالأحوط عدم تصديقه، وان صدقه الغريم فضلا عما لو كذبه أو لم يصدقه.

18- وإذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثم صرفه في غيره ارتجع منه.

19- والمناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة.

20- السابع: سبيل الله: وهو جميع سبل الخير، كبناء القناطر والمدارس والحانات والمساجد وتعميرها، وتخليص المؤمنين من يد الظالمين ونحو ذلك من المصالح العامة.

21- الثامن: ابن السبيل: وهو المسافر الذي نفدت نفقته، أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب، وان كان غنيا في وطنه، بشرط عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك، وبشرط ان لا يكون سفره في معصية، فيدفع اليه بقدر الكفاية اللائقة بحاله، من الملبوس والمأكول والمركوب أو ثمنها أو أجرتها، إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره، أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة والبيع أو نحوهما، ولو فضل مما

ص: 191

اعطى شيء ولو بالتضييق على نفسه إعادة على الأقوى.

22- وإذا علم استحقاق شخص للزكاة، ولكن لم يعلم من أي الأصناف هو، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف)(1).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى:

أولاً: المذهب الزيدي:

قال إمام الزيدية يحيى بن الحسين، (ت: 298 ه) في الأحكام من كتاب الزكاة، باب: القول في من تجب الصدقات له، ومن تحرم عليه....، فقال:

(تجب الصدقات لمن سمى الله تبارك وتعالى من عباده وذلك قوله سبحانه:

«إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(2).

فهي بين ثمانية أصناف، کلما استغني صنف منهم رجعت حصته على أحوج من فيهم، فإن رأى إمام المسلمين أن يصرف ذلك كله في صنف واحد ممن سمى الله عز وجل، صرفه، من غير إجحاف، ولا إجاحة لاحد ممن سمي الله تعالى من هذه الجماعة. فأما الفقراء فهم الذين لا يملكون إلا المنزل والخادم وثياب الأبدان فهؤلاء هم الفقراء.

والمساكين الذين نحب لهم أن يأخذوا من الصدقة فهم أهل الحاجة

ص: 192


1- منهاج المؤمنين: ج 1 ص 264 - 268
2- التوبة 60

والفاقة والاضطرار إلى أخذها. والعاملون عليها فهم الجباة لها، المستوفون لكيلها من أيدي أربابها و أخذها. والمؤلفة قلوبهم فهم أهل الدنيا المائلون إليها الذين لا يتبعون المحقين إلا عليها ولا غنى بالمسلمين عنهم ولا عن تألفهم إما ليتقوى بهم على عدوهم وإما تخذيلا لهم، وصدا عن معاونة أضدادهم کما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ويجب على الإمام أن يتألفهم لذلك و عليه، وینیلهم بعض ما يرغبون فيه. وأما الرقاب فهم المكاتبون الذين يكاتبون مواليهم على شئ معلوم، فيجب على الإمام أن يعينهم في ذلك بقدر ما يرى على قدر ضعف حيلتهم وقوتها. وأما الغارمون فهم الذين قد لزمتهم الديون من غير سرف ولا سفه ولا إنفاق في معصيته، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ما عليهم من ديونهم، ويعطيهم من بعد ذلك ما يقيمهم ويحييهم ويقوتهم ويكفيهم.

وأما السبيل فهو أن يصرف جزء السبيل في التقوية للمجاهدين والاستعداد بالقوة للظالمين، مما يتقوى به من الخيل والسلاح والآلات عليهم، وذلك ما أمر الله سبحانه فيهم فقال:

«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ»(1).

وأما ابن السبيل فهو مار الطريق، المسافر الضعيف،(2) فيعان بما يقويه ويكفيه من قليل أو كثير، يدفع إليه الإمام مما له في يده ما يقوم به في كراءه

ص: 193


1- الأنفال 60
2- في نسخة فيعاونه

و ونفقته، وما یکون إن كان عاريا في كسوته، حتى ينتهي ويصل إلى بلده)(1).

ثانيًا: المذهب المالكي.

قال أبو البرکات (ت: 1302 ه) في باب الزكاة في بيان من تصرف له الزكاة وما يتعلق بذلك:

(فقير، لا يملك قوت عامه، ومسكين، وهو أحوج من الفقير لكونه الذي لا يملك شيئاً بالكلية (وصدقا) في دعواهما الفقر والمسكنة (إلا لريبة) تكذبهما بأن يكون ظاهرهما يخالف دعواهما فلا يصدقان إلا ببينة (إن أسلم) كل منهما، فلا تعطى لكافر ولا تجزئ كأهل المعاصي إن ظن أنهم يصرفونها فيها وإلا جاز الاعطاء لهم (وتحرر) فلا تعطى لمن فيه شائبة رقية (وعدم) كل منهما (كفاية بقليل) الباء للتعدية متعلقة بكفاية وهو صادق بأن لا يكون عنده قليل أصلا وهو المسكين أو يكون عنده قليل لا يكفيه عامه وهو الفقير.

فإن كان عنده قليل يكفيه عامه فلا يعطي ولا تجزئ ولو حذف هذا ما ضر (أو) عدم كفاية ب (إنفاق) عليه من نحو والد أو بيت المال بأن كان له فيه مرتب لا يكفيه من أكل وكسوة، فمن لزمت نفقته مليئا لا يعطي منها (أو صنعة) عطف على قليل أي عدم كفاية بصنعة أي كسب فيعطى تمام کفایته وصدق إن ادعی کسادها.

(وعدم بنوة لهاشم) ثاني أجداده (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فهو أبو عبد المطلب (لا المطلب) أخو هاشم وهما شقيقان وأمهما من بني مخزوم

ص: 194


1- الأحكام: ج 1 ص 194 - 196

وهما ولدا عبد مناف، وأما عبد شمس ونوفل فالصحيح أنهما ليسا ولدي عبد مناف وإنما هما ابنا زوجته وأمهما من بني عدي و كانا تحت كفالته فنسبا إليه ففرعهما ليس بآل قطعا، وفرع هاشم آل قطعا، وفرع المطلب لیس بال على المشهور، وأما نفس هاشم والمطلب فليس بآل كما هو ظاهر، والمراد ببنوة هاشم كل من هاشم عليه ولادة من ذكر أو أنثی بلا واسطة أو بواسطة غير أنثی، فلا يدخل في بني هاشم ولد بناته.

وشبه في عدم الاجزاء المستفاد من مفهوم الشرط قوله: (كحسب) أي کما لا يجزئ أن يحسب دينه الكائن (على) مدين (عديم) ليس عنده ما يجعله في الدين بأن يقول له: أسقطت ما عليك في زكاتي لأنه هالك لا قيمة له أو له قيمة دون.

وقال أشهب: يجزئ وعلى المشهور فالظاهر عدم سقوط الدين عن المدين لأنه معلق على شئ لم يحصل، وأما من عنده ما يجعله في دينه أو بيد رب الدين رهن فيجوز حسبه عليه أن دينه ليس بهالك.

(وجاز) إعطاؤها (لمولاهم) أي لعتيق بني هاشم ولذا جمع الضمير (و) جاز دفعها لصحيح (قادر على الكسب) ولو ترکه اختیارا (ومالك نصاب) أو أكثر حيث لا يكفيه لعامه.

(و) جاز (دفع أكثر منه) أي من النصاب (و) دفع (كفاية سنة)، فالمدار على كفاية سنة ولو أكثر من نصاب فلا يعطى أكثر من كفاية سنة ولو أقل من نصاب. (وفي جواز دفعها لمدين) عدیم (ثم أخذها( منه في دينه (تردد) محله حيث لم يتواطأ على ذلك. وأشار إلى الصنف الثالث وهو العامل عليها

ص: 195

بقوله: (وجاب ومفرق) هو القاسم، وكذا کاتب وحاشر، وهو الذي يجمع أرباب الأموال للاخذ منهم لا راع وحارس.

وأشار لشروط العامل بقوله: (حر) فلا يستعمل عليها عبد (عدل) المراد به هنا ضد الفاسق أي عدالة كل أحد فيما ولي فيه، فعدالة الجابي في جبيها، وعدالة المفرق في تفرقتها، وليس المراد عدل الشهادة وإلا لم يحتج إلى الحر وغير الكافر واقتضى أنه يشترط فيه أن يكون ذا مروءة بترك غير لائق إلى آخر ما يعتبر فيه وليس كذلك ولا عدل رواية وإلا كان قوله غير كافر مکررا أيضا، ولم يصح قوله حر لأن العبد عدل رواية (عالم بحكمها) لئلا يأخذ غير حقه أو يضيع حقا أو يمنع مستحقا (غير هاشمي) لحرمتها على آل البيت لأنها أوساخ الناس وهي تنافي نفاستهم (و) غير (کافر) ولا بد أن يكون ذکرا کما أشعر به تذكير الأوصاف، وأن يكون بالغا فيعطى (وإن) كان (غنيا) لأنها أجرته فلا تنافي الغني (وبدئ به) أي بالعامل ويدفع له جميعها إن كانت قدر عمله فأقل کما یأتي.

(وأخذ) العامل (الفقير بوصفيه) أي وصف الفقر والعمل إن لم يغنه حظ العمل، وكذا كل من جمع بين وصفين فأكثر (ولا يعطى حارس) زكاة (الفطرة منها) بل من بيت المال وكذا حارس زكاة المال أي من حيث الحراسة وأما بغيره كالفقر فيعطی.

وأشار للصنف الرابع بقوله: (ومؤلف) قلبه وهو (کافر) يعطي منها (ليسلم) وقيل مسلم حديث عهد بإسلام ليتمكن إسلامه (وحكمه) وهو تأليفه بالدفع إليه (باق) لم ينسخ. وأشار للصنف الخامس بقوله:

ص: 196

(ورقيق مؤمن ولو بعيب) کثیر کرمن (يعتق منها) بأن يشتري منها ويكفي عتق ما ملکه بغير شراء منها على الراجح (لا عقد حرية فيه) کمکاتب و مدبر، فإن فعل لم يجزه (وولاؤه) أي المعتق منها (للمسلمين) لأن المال لهم (وإن اشترطه) المزكي أي اشترط الولاء (له) أي لنفسه فشرطه باطل وعتقه عن الزكاة صحيح والولاء لهم فهو مبالغة في كون الولاء لهم، ويحتمل أن يكون استئنافا و جوابه قوله: لم يجزه الآتي.

وعليه: فالضمير البارز للعتق لا للولاء، واللام في له بمعنی عن بأن يقول: أنت حر عني وولاؤك للمسلمين فلا يجزئه العتق عن زكاته ولكنه يمضي والولاء له إذ الولاء لمن أعتق، ويكون قوله: (أو فك) بها (أسيرا) معطوفا على اشترطه وجوابهما قوله: (لم يجزه) وعلى الاحتمال الأول يكون معمولا لمقدر أي أوان فك إلخ. وأشار للصنف السادس بقوله:

(ومدين) يعطي منها ما يوفي به دينه إن كان حرا مسلما غير هاشمي (ولو مات) المدين فيوفي دينه منها. ووصف الدين بقوله: (يحبس) أي شأنه أن يحبس (فيه) فيدخل دين الولد على والده والدين المعسر، وخرج دین الكفارات والزكاة وعطف على مقدر تقديره واستدان في مصلحة شرعية.

قوله: (لا في فساد) کشرب خمر وقمار (ولا) إن استدان (لاخذها) كأن يكون عنده ما يكفيه وتوسع في الانفاق بالدين لأجل أن يأخذ منها فلا يعطى منها لأنه قصد مذموم، بخلاف فقیر تداين للضرورة ناويا الأخذ منها فإنه يعطي منها لحسن قصده (إلا أن يتوب) عما ذكر من الفساد والقصد الذميم فإنه يعطى (على الأحسن) وإنما يعطي المدين (إن أعطى) لرب الدين (ما

ص: 197

بيده من عين) وفضلت عليه بقية (و) من (فضل غيرها) أي غير العين كمن له دار تساوي مائة وعليه مائة وتكفيه دار بخمسين فلا يعطى حتى تباع ويدفع الزائد في دينه، فلو كان الفاضل يفي بدينه فإنه يعطى بوصف الفقر لا الغرم، وظاهره أنه لا بد من إعطاء ما بيده بالفعل وليس كذلك بل المدار على إعطائه منها ما بقي عليه على تقدير إعطاء ما بيده.

وأشار للسابع بقوله: (ومجاهد) أي المتلبس به إن كان ممن يجب عليه لكونه حرا مسلما ذكرا بالغا قادرا، ولا بد أن يكون غير هاشمي ويدخل فيه المرابط (وآلته) کسیف ورمح تشتري منها. (ولو) كان المجاهد (غنيا) حين غزوه (كجاسوس) يرسل للاطلاع على عورات العدو ويعلمنا بها فيعطى ولو كافرا (لا) تصرف الزكاة في (سور) حول البلد ليتحفظ به من الكفار (و) لا في عمل (مرکب) يقاتل فيها العدو.

وأشار للصنف الثامن وهو ابن السبيل بقوله: (وغریب) حر مسلم غير هاشمي (محتاج لما يوصله) لبلد ولو غنيا فيها لا إن كان معه ما يوصله تغرب في غير معصية) وإلا لم يعط ما لم يتب ولو خشي عليه الموت (ولم يجد مسلفا) في غربته (وهو ملي ببلده) الواو للحال أي لم يجد مسلفا في هذه الحالة بأن لم يجد رأسا أو وجد وهو عديم ببلده، فلو وجد وهو ملئ بهالم يعط (وصدق) في دعواه الغربة وظاهره بلا يمين (وإن جلس) أي أقام بعد الاعطاء في بلد الغربة (نزعت منه) إلا أن يكون فقيرا ببلده)(1).

ص: 198


1- الشرح الكبير: ج 1 ص 494 - 196

ثالثًا: المذهب الحنفي.

قال السرخسي (ت: 483 ه) في المبسوط:

(وأعلم أن مصارف العشر والزكاة ما يتلى في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين، الآية، وللناس كلام في الفرق بين الفقير والمسكين فروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن الفقير هو الذي لا يسأل والمسكين هو الذي يسأل قال الله تعالى في صفة الفقراء لا يسألون الناس إلحافا قيل لا إلحافا ولا غير إلحاف وفي المسكين قال الله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا وقد جاء يسأل وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن الفقير هو الذي يسأل ويظهر افتقاره وحاجته إلى الناس قال الله تعالى وأنتم الفقراء. والمسكين هو الذي به زمانة لا يسأل ولا يعطى له قال الله تعالى أو مسکینا ذا متربة أي لاصقا بالتراب من الجوع والعري.

فالحاصل أن المذهب عندنا أن المسكين أسوأ حالا من الفقير وعند الشافعي رحمه الله تعالى الفقير أسوأ حالا من المسكين وبين أهل اللغة فيه اختلاف ومن قال بان المسكين أسوأ حالا قال الفقير الذي يملك شيئا ولكن لا يعنيه، قال الراعي أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد والمسكين من لا يملك شيئا ومن قال الفقير أسوأ حالا من المسكين قال المسكين من يملك مالا يغنيه قال الله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وقال الراجز هل لك في أجر عظیم تؤجره تغیث مسکینا كثيرا عسکره عشر شياه سمعه وبصره والفقير الذي لا يملك شيئا

ص: 199

مشتق من انكسار فقار الظهر والحديث يشهد لهذا وهو ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

«اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين».

وفائدة هذا الخلاف إنما تظهر في الوصايا والأوقاف أما الزكاة فيجوز صرفها إلى صنف؟؟ حد عندنا فلا يظهر هذا الخلاف. والعاملين عليها وهم الذين يستعملهم الامام على جمع الصدقات ويعطيهم مما يجمعون كفايتهم وكفاية أعوانهم ولا يقدر ذلك بالثمن عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى لأنهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء کانت کفایتهم في مالهم ولهذا يأخذون مع الغني ولو هلك ما جمعوه قبل أن يأخذوا منه شيئا سقط حقهم كالمضارب إذا هلك مال المضاربة في يده بعد التصرف وكانت الزكاة مجزية عن المؤدين لأنهم نائبون عن الفقراء بالقبض.

وأما المؤلفة قلوبهم فكانوا قوما من رؤساء العرب كأبي سفيان بن حرب وصفوان ابن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس وكان يعطيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفرض الله سهما من الصدقة يؤلفهم به على الإسلام فقيل كانوا قد أسلموا وقيل كانوا وعدوا أن يسلموا، فان قيل كف يجوز أن يقال بأنه يصرف إليهم وهم كفار.

قلنا: الجهاد واجب على الفقراء من المسلمين والأغنياء لدفع شر المشركين فكان يدفع إليهم جزأ من مال الفقراء لدفع شرهم وذلك قائم مقام الجهاد في ذلك الوقت ثم سقط ذلك السهم بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هكذا قال الشعبي انقضى الرشا بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 200

وروى أنهم في خلافة أبي بكر عنه استبذلوا الخط لنصيبهم فبذل لهم وجاؤا إلى عمر فاستبذلوا خطه فأبى ومزق خط أبی بکر رضی الله تعالى عنه وقال هذا شئ كان يعطيكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تأليفا لكم وأما اليوم فقد أعز الله الدين فان ثبتم علي الإسلام والا فبيننا وبينكم السيف فعادوا إلى أبي بكر عنه وقالوا له أنت الخليفة أم عمر بذلت لنا الخط ومزقه عمر فقال هو ان شاء ولم يخالفه.

وأما قوله تعالى «وَفِي الرِّقَابِ» فالمراد إعانة المكاتبين على أداء بدل الكتابة بصرف الصدقة إليهم عندنا. وقال مالك رحمه الله تعالى المراد أن يشترى بالصدقة عبدا فيعتقه وهذا فاسد لان التمليك لابد منه وما يأخذه بائع العبد عوض عن ملكه والعبد يعتق على ملك المولى فلا يوجد التمليك والدليل عليه ما روى أن رجلا قال أي رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فقال فك الرقبة وأعتق النسمة قال أو ليسا سواء یا رسول الله قال لا فك الرقبة أن تعين في عتقه. وأما قوله تعالى والغارمين فهم المديونون الذين لا يملكون نصابا فاضلا عن دينهم.

وقال الشافعي رحمه الله تعالى المراد من تحمل غرامة في اصلاح ذات البين واطفاء الثائرة بين القبيلتين.

وأما قوله تعالى: «فِي سَبِيلِ اللَّهِ»؛ فهم فقراء الغزاة هكذا قال أبو يوسف. وقال محمد هم فقراء الحاج المنقطع بهم. لما روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحمل عليه الحاج وأبو يوسف يقول الطاعات كلها في سبيل الله تعالى ولكن عند اطلاق

ص: 201

هذا اللفظ المقصود بهم الغزاة عند الناس. ولا يصرف إلى الأغنياء من الغزاة عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى.

واستدل بقوله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لا تحل الصدقة لغنى الا لخمسة وذكر من جملتهم الغازي في سبيل الله تعالى ولكنا نقول المراد الغنی بقوة البدن والقدرة على الكسب إنما تكون بالبدن لا بملك المال بدلیل الحديث الآخر وردها في فقرائهم.

وأما ابن السبيل فهو المنقطع عن ماله لبعده منه والسبيل الطريق فكل من يكون مسافرا على الطريق يسمى ابن السبيل كمن یكون فقيرا أو غنيا يسمى ابن الفقر وابن الغني وابن السبيل غنى ملكا حتى تجب الزكاة في ماله ويؤمر بالأداء إذا وصلت يده إليه وهو فقير يدا حتى تصرف إليه الصدقة للحال لحاجته)(1).

رابعًا: المذهب الحنبلي.

قال البهوتي (ت: 1051 ه) في كشاف القناع في أصناف المستحقين للزكاة، فأسهب في ایراد اقوال فقهاء المذهب، ولذا اقتصرنا على ذكر الاصناف فبدئنا بالفقراء؛ فقال:

(الفقراء - بدأهم أتباعاً للنص، ولشدة حاجتهم؛ وهم أسوأ حالاً من المساكين لبداءة الله بهم؛ وانا يبدأ بالاهم فالأهم؛ والفقير: من لا يجد شيئاً ألته، أو يجد شيئاً يسيراً من الكفاية دون نصفها من كسب او غيره(2).

ص: 202


1- المبسوط: ج 3 ص 8 - 10
2- المصدر نفسه

(الثاني): (المساكين)؛ الماسكين: من يجد معظم الكفاية او نصفها من کسب او غير.

(الثالث): (العاملون عليها): للنص، کجاب للزكاة وكاتب على الجابي (وقاسم) للزكاة بين مستحقيها، (وحاشر) أي جامع (المواشي، وعدادها، وكيال، ووزان، وساع) يبعثه الامام لاخذها (وراع وجمال، وحاسب، وحافظ، ومن يحتاج إليه فيها) أي في الزكاة لدخولهم في مسمى العامل (غير قاض ووال، ويأتي) لاستغنائهما بمالهما في بيت المال. (وأجرة كلیها ووزنها في أخذها) أي حال تسليمها (ومؤنة دفعها على المالك) لأن تسليمها عليه. فكذلك مؤنته، وأما مؤنة ذلك حال الدفع إلى أهل الزكاة فمن سهم العمال)(1).

(الرابع): (المؤلفة قلوبهم) قال البهوتي:

(للنص، وحكمهم باق لأن النبي (صلى الله عليه وآله) أعطى المؤلفة من المسلمين والمشركين. فيعطون عند الحاجة، ويحمل ترك عمر وعثمان وعلي - (عليه الصلاة والسلام) - إعطاءهم على عدم الحاجة إلى اعطائهم في خلافتهم، لا لسقوط سهمهم.

فان الآية من آخر ما نزل، وأعطى أبو بكر عدي بن حاتم، والزبرقان بن بدر؛ ومنع وجود الحاجة على ممر الزمان واختلاف احوال النفوس في القوة والضعف، لا يخفى فساده)(2).

(الخامس): (الرقاب)، قال البهوتي:

ص: 203


1- كشاف القناع: ج 2 ص 316
2- المصدر نفسه: ج 2 ص 320

(للنص، وهم المكاتبون المسلمون الذين لا يجدون وفاء مايؤدون ولو مع القوة والكسب، نص عليه؛ لعموم قوله تعالى: «وَفِي الرِّقَابِ». قال في المبدع: لا يختلف المذهب انهم، أي: المكاتبون من الرقاب)(1).

(السادس): (الغارمون)؛ قال البهوتي:

(للنص، وهو المدينون، كذا فسره الجوهري، المسلمون وهم ضربان:

أحدهما من عزم لإصلاح ذات البين.

الثاني: من ضربي الغارم، من عزم لإصلاح نفسه في مباح؛ کمن استدان في نفقته نفسه وعياله، أو كسوتهم)(2).

(السابع): (في سبيل الله، قال البهوتي:

(للنص، وهم الغزاة، لان السبيل عند الاطلاق هو الغزو؛ ولقوله:

«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا»، وقوله: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» إلى غير ذلك، ولا خلاف في استحقاقهم، وبقاء حكمهم إذا كانوا متطوعة)(3).

(الثامن): (ابن السبيل):

(للنص، والسبيل الطريق، وسمي المسافر أبناله: لملازمته له، كما يقال: ولد الليل، إذا كان يكثر الخروج فيه، وهو المسافر المنقطع به في سفر طاعة او سفر مباح دون المنشئ للسفر من بلده)(4).

ص: 204


1- المصدر السابق: ج 2 ص 321
2- المصدر السابق: ج 2 ص 325
3- المصدر السابق: ج 2 ص 326
4- المصدر السابق: ج 2 ص 327

خامسا: المذهب الشافعي.

قال زكريا الأنصاري (977 ه):

(والأصل في - الزكاة - قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» واضاف فيها الصدقات إلى الاصناف الاربعة بلام الملك، والى الاربعة الاخيرة بفي الظرفية للاشعار باطلاق الملك في الاربعة الاولى و تقييده في الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها، استرجع بخلافه في الأولى على ما يأتي (هي) أي الزكاة لثمانية:

(الفقير) وهو (من لا مال له ولا كسب لائق) به (يقع) جميعهما أو مجموعهما، (موقعا من کفایته) مطعما و ملیسا و مسکنا وغيرها، مما لا بدله منه على ما يليق بحاله وحال مونه.

كمن يحتاج إلى عشرة، ولا يملك أو لا يكسب إلا در همين أو ثلاثة وسواء أكان ما يملكه نصابا أم أقل أم أكثر، (ولو غير زمن ومتعفف) عن المسألة القوله تعالى:

«وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(1).

أي غير السائل، ولظاهر الاخبار.

(والمسكين) وهو (من له ذلك) أي مال أو کسب لائق به يقع موقعا من كفايته، (ولا يكفيه) كمن يملك أو يكسب سبعة أو ثمانية ولا يكفيه إلا عشرة.

ص: 205


1- الذاریات: 19

والمراد أنه لا يكفيه العمر الغالب، وقيل سنة وخرج بلائق کسب لا يليق به، فهو كمن لا كسب له (ويمنع فقر الشخص ومسکنته) والتصريح بها من زيادتي، (کفایته بنفقة قريب أو زوج) لأنه غير محتاج کمکتسب كل يوم قدر کفایته، (واشتغاله بنوافل) والكسب يمنعه منها (لا) اشتغاله (بعلم شرعي) يتأتى منه تحصيله (والكسب يمنعه) منه لأنه فرض كفاية، وقولي شرعي من زيادتي.

(ولا مسكنه وخادمه وثياب و کتب) له (يحتاجها) وذكر الخادم والكتب مع التقييد بالاحتياج من زيادتي. (و) لا (مال له غائب بمرحلتين أو مؤجل) فيعطي ما يكفيه إلى أن يصل إلى ماله، أو يحل الأجل، لأنه الآن فقير أو مسكين.

(والعامل) على الزكاة (كساع) يجبيها (وكاتب) يكتب ما أعطاه أرباب الأموال (و قاسم وحاشر) يجمعهم أو يجمع ذوي السهمان والأصل اقتصر على أولهما، وقولي كساع أولى من قوله، ساع إلى آخره، لان العامل لا ينحصر فيما ذكره، إذ منه العريف والحاسب وأما أجرة الحافظ للأموال والراعي بعد قبض الامام ففي جملة السهمان لا في سهم العامل والكيال والوزان والعداد إن ميزوا الزكاة من المال، فأجرتهم على المالك لا من سهم العامل أو ميزوا بين أنصباء المستحقين فهي من سهم العامل وما ذكر أولا محله إذا فرق الامام الزكاة ولم يجعل للعامل جعلا من بيت المال فإن فرقها المالك، أو جعل الامام للعامل ذلك سقط سهم العامل كما سيأتي، (لا قاض ووال)، فلا حق لهما في الزكاة، بل رزقهما في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة. إن لم يتطوعا بالعمل لان عملها عام، (ولمؤلفة) إن قسم الامام واحتيج لهم

ص: 206

وهم أربعة، (ضعيف إسلام أو شريف) في قومه (يتوقع) بإعطائه (إسلام غيره أو كاف) لنا (شر من يليه من كفار أو ما نعي زكاة) وهذا في مؤلفة المسلمین کما يعلم مما يأتي وفي كلامي هنا إشارة إليه.

أما مؤلفة الكفار: وهم من يرجى إسلامه أو يخاف شره فلا يعطون من زكاة ولا غيرها، لان الله تعالى أعز الإسلام، وأهله، وأغني عن التأليف، وقولي أو كاف إلى آخره من زيادتي.

(والرقاب) وهم (مکاتبون)، كتابة صحيحة بقيد زدته بقولي، (لغير مزك) فيعطون ولو بغير إذن ساداتهم أو قبل حلول النجوم ما يعينهم على العتق، إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم، أما مکاتب المزكي فلا يعطي من زکاته شيئا لعود الفائدة إليه مع كونه ملکه.

(والغارم) وهو ثلاثة: (من تداین لنفسه في مباح) طاعة كان أولا، وإن صرفه في معصية وقد عرف قصد الإباحة، (أو) في (غيره) أي المباح كخمر، (وتاب) وظن صدقه في توبته وإن قصرت المدة، (أو صرفه في مباح). فيعطي (مع الحاجة) بأن يحل الدين، ولا يقدر على وفائه، بخلاف ما لو تداین لمعصية، وصرفه فيها ولم يتب. ومالو لم يحتج فلا يعطى. وقولي أو صرفه في مباح من زيادتي. (أو) تداین (لاصلاح ذات البين)، أي الحال بين القوم. كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا في قتيل، لم يظهر قاتله فتحمل الدية تسکینا للفتنة فيعطى (ولو غنيا) إذ لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة، (أو) تداین (لضمان) فيعطى (أن أعسر مع الأصيل)، وإن لم يكن متبرعا بالضمان (أو) أعسر (وحده وكان متبرعا) بالضمان. بخلاف ما إذا ضمن بالاذن،

ص: 207

والثالث من زيادتي.

(ولسبيل الله) وهو (غاز متطوعا) بالجهاد، فيعطى (ولو غنيا) إعانة له على الغزو، وبخلاف المرتزق الذي له حق في الفئ فلا يعطى من الزكاة. وإن لم يوجد ما يصرف له من الفئ وعلى أغنياء المسلمين إعانته حينئذ.

(ولابن سبیل) وهو (منشئ سفر) من بلد مال الزكاة، (أو مجتاز) به في سفره (إن احتاج ولا معصية) بسفره سواء أكان طاعة كسفر حج، وزيارة أم مباحا كسفر تجارة، وطلب آبق ونزهة. فإن كان معه ما يحتاجه في سفره، ولو بوجدان مقرض أو کان سفر معصية، لم يعط وألحق به سفر لا لغرض صحیح کسفر الهائم)(1).

سادسا: المذهب الإباضي.

وذهب فقهاء المذهب الإباضي - كما ذهب غيرهم من بقية المذاهب الستة - إلى أن أصناف المستحقين هم ثمانية أصناف، وهم الذين جاء ذكرهم في كتاب الله تعالى(2). قال محمد أطفيش:

(وتعطى لثمانية اصناف، اي لفرد او اكثر من صنف او اكثر من تلك الاصناف، ولا يجب تفريقها على الاصناف الثمانية، ولا سيما إن لم يوجد بعضها، خلافا لمن أوجب ذلك، نص الله عليها في (انما الصدقات للفقراء).

واما الفقراء والمساكين، فقيل سواء، وقيل الفقير من لا يسال، والمسكين من يخضع بالسؤال، ويدل للقولینانه نسب للفقير مال ونسب للمسكين، اما

ص: 208


1- فتح الوهاب لزكريا الأنصاري: ج 2 ص 45 - 47
2- کتاب الايضاح: ج 2 ص 104 - 115، باب: (في معرفة من تحب له الزكاة)

المسكين فكقوله تعالى (اما السفينة فكانت لمساكين)

واما الفقير فكقول الشاعر:

اما الفقير الذي كانت حلويته *** وفق العيال فلم يتك له سبدا

وقيل الفقير احسن حالا، لان له بلغة والمسكين لا بلغة له، وهو ساکن کالميت، وقیل عکسه، وهو ان المسكين احسن لان له بلغة والفقير من لا بلغة له، وكان فقار ظهره مکسورة(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسالة.

تباينت أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في صفات مستحقي الزكاة وهم الذين حثت عليهم الآية، وورد ذكرهم في النص الشريف - مورد البحث - ومن ثم اختلفت منافذ الإنفاق وتفريق الزكاة، لاختلاف تعلق الحكم وعنوانه؛ وكانت أقوالهم كالآتي:

أولاً: الفقراء والمساكين.

أختلفوا في الأسوء حالاً بين الفقير والمسكين.

فقال فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم):

إن الفقير أسوأ حالاً من المسكين، لأن الفقير هو الذي لا شيء له، أو معه شيء يسير لا يعتد به؛ والمسكين: الذي له شيء فوق ذلك، غير أنه لا يكفيه لحاجته ومونته(2).

ص: 209


1- شرح کتاب النيل وشفاء العليل: ج 3 ص 218 - 220
2- لخلاف للشيخ الطوسي: ج 4 ص 229؛ المبسوط للشيخ الطوسي: ج 246؛ منهاج المؤمنين للسيد المرعشي: ج 1 ص 264

واستدلوا بقوله تعالى: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ»(1).

أ- وبهذا المعنى قال الشافعية والحنابلة،

ب- في حين ذهب إلى القول بان المسكين أسوأ حالاً من الفقير: الحنفية، والمالكية، والزيدية والإباضية.

ثانيًا: العاملون عليها.

قال فقهاء الإمامية: أن الإمام مخير بين أن يعطي العامل من الصدقات أو من بيت المال فيجعل له جعالة.

کما مرَّ بیانه في المسالة السابقة في أجرة الساعي أو العامل، فإن أعطاه من بیت المال سقط حقه من الصدقات؛ وإن لم يجعل له شيئاً من بیت المال كان له نصيب من الزكاة.

1- وذهب إلى ذلك الشافعية.

2- وقال الزيدية: بتخصيص حقهم من الصدقات.

3- وقال المالكية: بأن العامل يعطي من الزكاة وإن كان غنياً، ويجوز أن يجمع له حقان، حق العمل وحق الفقر إذا كان فقيراً.

4- وقال الحنفية: بتخصيص حقهم من صدقات الزكاة وإن كان العامل غنياً لأنه يأخذ عن عمله.

ص: 210


1- الكهف،: 79

5- وقال الحنابلة: بتخصيص حقهم من صدقات الزكاة بشرط أن لا يكون العامل (قاضياً ووالياً) لانهما يأخذان من بيت المال.

6- وقال الإباضية: بالاخذ من الزكاة (لانهم أنزلوا العامل منزلة الأجير يعطي من الصدقة على قدر عناه ولو كان غيناً).

ثالثًا: في عمل الهاشمي في الزكاة.

1- اتفق جميع فقهاء المذاهب الإسلامية الستة: (الزيدية، والمالكية، والحنفية، والشافعية، والحنابلة، والإباضية) على عدم جواز أن يكون العامل في الزكاة من بني هاشم، وذلك أن مصرف أجر العامل عندهم من الصدقات وهي محرمة على بني هاشم - کما سیمر بیانه مفصلاً في الفصل القادم.

2- وقال الإمامية إذا حدد الإمام أجرة العامل من بيت المال جاز أن يكون هاشمياً لانه يأخذ عوضاً عن عمله، فيجعل له جعالة من بيت المال.

3- أما إذا كان الأجر من الصدقات، فقيل: بعدم جواز عمله.

4- إذا كانت الصدقات من بني هاشم خاصة، ولم يختلط بها زكاة غيرهم جاز أن يأخذ العامل.

رابعًا: سهم المؤلفة قلوبهم.

ألف: في سقوط هذا السهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) وبقاءه.

1- ذهب الإمامية إلى سقوط هذا السهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) أو بقاءه إلى قولين:

ص: 211

الاول: قيل بالسقوط، والثاني قيل: بالبقاء إلى زمن الغيبة وبعدها سقط هذا السهم(1).

2- واختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في بقاء سهم المؤلفة قلوبهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) عن عدم بقائه:

فقال المالكية، والحنابلة، والزيدية: بالبقاء، بل ذهب الزيدية إلى الوجوب المتعلق بذمة الإمام فعليه أن يتألفهم لذلك، وعليه أن يسلهم بعض ما يرغبون فيه.

3- ذهب الشافعية إلى قولين، منهم من قال: بالسقوط، ومنهم من قال بالبقاء.

4- وقال الحنفية: بالسقوط واستندوا في ذلك بقول الشعبي: (أنقضى الرشا بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

5- وقال الإباضية: بالسقوط (ما دام الإسلام عنهم قوياً وعنهم غنياً) واستثنوا السقوط لقوم نزلوا في الإسلام بمنزلة خافوا عليه الضعف فيتألفوا.

باء: في أختصص عنوان (المؤلفة) بالمشركين والكفر فقط أم يختص به بعض المسلمين.

1- ذهب فقاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) إلى ثلاثة أقوال في اختصاص عنوان المؤلفة قلوبهم، وهو ما حققه السيد محسن الحكيم (عليه الرحمة والرضوان) في المستمسك على العروة، فقال:

ص: 212


1- العروة الوثقى للسيد اليزدي (قدس سره) مع تعليقات المراجع الطائفة (عليهم الرحمة والرضوان): ج 4 ص 112 بتحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين - قم

(المحكي عن المبسوط والخلاف وغيرهما؛ بل أستظهر أنه المشهور اختصاص المؤلفة بالكفار؛ بل عن ظاهر المبسوط وصريح الخلاف: الإجماع عليه.

قال في محكي المبسوط، (المؤلفة قلوبهم عندنا: هم الكفار الذين يستمالون بشئ من مال الصدقات إلى الإسلام، ويتألفون على قتال أهل الشرك، ولا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام..).

وعن المفيد وجماعة: أنهم ضربان، مسلمون، ومشركون. وقال في الشرائع: (والمؤلفة قلوبهم: هم الكفار الذين يستالون إلى الجهاد، ولا نعرف مؤلفة غيرهم..).

وعن الإسكافي: اختصاصه بالمنافقين. قال في محكي كلامه: (المؤلفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه، وأعان المسلمين وإمامهم بيده، وكان معهم الأقلية..). وتبعه عليه في الحدائق وغيرها. وعن السرائر والنافع وجملة من کتب العلامة وغيرها: أنهم مسلمون، وكافرون. ولعله مراد المفيد في عبارته السابقة، فتكون الأقوال ثلاثة.

والذي يظهر من أكثر النصوص هو القول الثاني، ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): (سألته عن قول الله عز وجل:

«وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ...»، قال (عليه السلام):

«هم قوم وحدوا الله عز وجل، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله عز وجل، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) فأمر الله نبيه أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم، ويثبتوا على دينهم الذي

ص: 213

دخلوا فيه وأقروا به.

وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم حنين تألف رؤوساء العرب من قریش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب، وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس، فغضبت الأنصار»(1).

ويخلص السيد الحكيم (قدس سرة) بعد إيراده الاقوال و مناقشة قول صاحب الجواهر (عليه الرحمة والرضوان) إلى القول:

(باشكال تعميم المؤلفة للكفار، بل للمسلمين الذين يقصد من اعطائهم المعاونة على الجهاد)(2).

2- وقال الشافعية: بان المؤلفة قلوبهم ضربان: مسلمون ومشركون، فأما المشركون فضربان، الاول: من كانت له نية حسنة بالمسلمين وظهرت منه رسول إلى الإسلام.

والاخر: من لم يظهر له ميل إلى الإسلام ولم تكن لهم نية حسنة بالمسلمين فيخاف منهم فيعطوا ليكفوا شرهم.

وأما المؤلفة من المسلمين فهم أربعة أضرب، وهم:

(اشراف مطاعون في قومهم نياتهم ضعيفة في الإسلام.

والثاني: اشراف مطاعون في قومهم علم صدقهم في الإسلام.

والثالث: قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف من المسلمين لهم قوة وطاقة بمن يليهم من المشركين.

ص: 214


1- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 246 - 247
2- المصدر نفسه: ج 9 ص 249

والرابع: مسلمون من الاعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإسلام بازاهم قوم من أهل الصدقات لا يؤدون الزكاة إلا خوفاً من هؤلاء).

3- وقال الزيدية في تعريفهم: بانهم أهل الدنيا المائلون إليها الذين لا يتبعون المحقين إلا عليها ولا غنى بالمسلمين عنهم ولا عن تألفهم إما ليتقوى بهم على عدوهم وأما تحذيلاً لهم، وصداً عن معاونة اضرارهم.

4- وذهب المالكية إلى: ان المؤلفة قلوبهم هم: من المشركين والمسلمين، وبه قال الحنابلة.

5- وذهب الحنفية إلى: أنحصاره بالمشركين ولذا: سقط هذا السهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

خامسًا: سهم الرقاب.

1- ذهب فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) إلى أن الرقاب هم صنفان (المكاتبون، والعبيد الذين تحت الشدة، والعبد يشتري ويعتق).

2- وقال الشافعي: الرقاب: هم المكاتبون؛ وبه قال: الحنفية والزيدية.

3- وقال المالكية والحنابلة: هم العبيد فحسب يشترون ويعتقون من سهم الصدقات.

4- وقال الإباضية وقد خالفوا في ذلك جميع المذاهب الإسلامية بأنهم: (ليسوا بعبيد، هم احرار، ولهم فرض الصدقة مع اصحابهم الأحرار، لان الله تعالى لم يفرض الصدقة للعبد ولو انا دفعنا صدقاتنا لعبيدنا لم نجتزیها ولا يحل لنا ذلك).

ص: 215

سادسًا: الغرمون.

1- قال الإمامية: الغارم، هو الذي عليه الدين و أنفقه في طاعة أو مباح لا يعطي من الصدقة مع الغني، وهم بذلك صنفان، الأول: من استدان في مصلحته ونفقته في غير معصية، عجز عن أدائه، وكان فقيراً، وان كان غنياً لم يجز أن يعطی.

والصنف الثاني: يأخذ لعموم الآية.

2- وذهب الشافعية إلى انه المديون الذي أنفق دينه في طاعة ومباح فلم يقدر على تسديد دينه لفقره؛ وإن كان غنياً فقالوا بالجواز وعدمه على تفصيل في المسألة.

3- واشترط المالكية قضاء دين المدين أن يكون حراً مسلماً غير هاشمي، ولو مات المدين فيوفي دينه منها، وان يكون استدان مصلحة شرعية، ولا يعطي اذا قصد التوسعة في الانفاق وعنده ما يكفيه.

4- وذهب الحنفية إلى عموم الدين، فالغارصين هم المديونون الذين لا يملكون نصاباً فاضلاً عن دينهم.

5- وذهب الحنابلة إلى أنهم ضربان، الاول: من عزم لإصلاح ذات البين؛ والآخر: من عزم لإصلاح نفسه في مباح، کمن استدان في نفقته ونفسه وعياله، أو كسوتهم.

6- وعرفهم الزيدية: الذين قد لزمتهم الديون من غير سرف ولا سفه ولا انفاق في معصيته واوجبوا على الامام ان يقضي عنهم ما عليهم من دونهم، ويعطيهم من بعد ذلك ما يقيمهم ويحيهم ويقوتهم ويكفيهم.

ص: 216

7- وقد عرفهم الإباضية بأنهم (الذين لحقهم الدين من غير فساد، فعلى هذا يأخذ الرجل الصدقة ليقظي بها ما كان عليه من تباعة تلزمه فيما بينه وبين الله، كذلك إذا اراد ان يحتاط لهذه الوجوه التي ذكرن)(1).

سابعًا: ابن السبيل.

1- اشترط فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) في ابن السبيل أموراً، وعرفوه: بانه المسافر الذي نفذت نفقته او تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب وان كان غنياً في وطنه.

أما الشروط اللازم تحققها فيه كي يستحق اخذ سهم ابن السبيل، فهي:

1- عدم تمكنه من الاستدانة او بيع ما يملکه او نحو ذلك.

2- أن لا يكون سفره في معصية.

وحينها يعطي إليه بقدر الكفاية اللائقة بحال من الملبوس والمأكول والمركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره، أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة والبيع أو نحوهما، ولو فضل مما أعطى شيء ولو بالتضييق على نفسه أعاده.

وفي إعادة ما فضل من المال ذهب السيد اليزدي (قدس سره) وكثير من المراجع والعلماء إلى القوة في ذلك؛ في حين أحتاط السيد الكلبایکاني، والشيخ آل ياسين في إعادة ما فضل من المال(2).

ص: 217


1- کتاب الايضاح للشماخي: ج 2 ص 113
2- العروة الوثقی: ج 4 ص 122

2- أما الزيدية، فقد عرفوا ابن السبيل: (فهو مار الطريق، المسافر الضعيف) فيهان بما يقويه ويكفيه من قليل او كثير، يدفع إليه الإمام ما يقوم في كراءه و نفقته وكسوته ان کان عارياً حتى ينتهي ويصل إلى بلده.

3- وقال الشافعية: هم الذين يريدون السفر من غير معصية فيعجزون عن بلوغ سفرهم إلا بمعونة على سفرهم، واذا قدروا على السفر بدون مونة فلا يعطون.

4- وذهب إمام المالكية: إلى أن ابن السبيل يعطي وان كان غنياً في بلده إذا أحتاج، والعله في ذلك انه مثل الغازي في سبيل الله وان كان غنياً وكذلك الحاج المنقطع به فهو عند مالك بن أنس: أبن سبيل يعطي وان كان غنياً(1).

5- وقال الحنفية: بالإطلاق في تعريف ابن السبيل بلحاظ ان معنى السبيل هو الطريق لكل من يكون مسافرا على الطريق، فهو سمي ابن السبيل.

واشترطوا على الغني اذا وصلت يده إلى ماله برد ما أخذ من سهر ابن السبيل، أما علة صرفهاله فهو فقير يداً.

6- وعرّفه الحنابلة ب: ابن الطريق، وسمى المسافر ابناً له لملازمته له، وهو بذاك يكون: المسافر المنقطع به في سفره؛ واشترطوا: أن يكون سفره في طاعة، أو مباح، غیر مستثنى للسفر لهذا الاسهم من الزكاة.

7- وعرّفه الإباضية: (المنقطع به عن أهله يعطی من صدقات المسلمين قدر ما يبلغه، وأن كان غيناً في بلاده؛ واذا وصل إلى بلده وأهله وبقي في يده شيء أنفقه على فقراء المسلمين، وقال بعض: يمسكه، فعند أصحاب هذا

ص: 218


1- المدونة الكبرى: ج 1 ص 299

القول أخذها کما تحل له فلا نیاعة عليه بعد ذلك؛ وفي بعض الاثار: وابن السبيل يعني المسافر المحتاج اذا كانت به حاجة شديدة فإذا احتاج إليها أخذها وهو غني في بلده، فإذا وصل إلى بدله أغرمها)(1).

ص: 219


1- کتاب الايضاح: ج 2 ص 113

ص: 220

المبحث العاشر ما ورد الحديث من شروح نهج البلاغة

تناول شراح کتاب نهج البلاغة هذا النص الشريف الذي ابتدأه (عليه الصلاة والسلام) بقوله:

«أنطلق على تقوى الله وحده لا شريك له» والنص الاخر الذي ابتدأه (عليه الصلاة والسلام) بقوله:

«أمره بتقوى الله في سرائر امره وخفيات عمله» و بینوا معاني ألفاظه ودلالة كلاته ومغازي عبارته.

وقد اشار بعضهم إلى ما جاء فيهما من بعض العناوين والاحكام الفقيهة موجزين هذه الإحكام، ومن ثم سيجد الباحث والقارئ بعد أن نورد هذه الشروحات مادة علمية متعددة المعارف ومنها ما سبق من احکام في هذا المبحث من بحوث الزكاة ومقارنتها مع المذاهب الفقهية السبعة. شرح ابن میثم البحراني وابن ابي الحديد المعتزلي فقط بينا هذه المطالب التي مرّ ذكرها وهي كالاتي:

المسألة الأولى: وصيته (عليه السلام) إلى السعات الذين كان يبعثهم على الصدقات.

أولاً: ابن میثم البحراني (ت: 679 ه).

قال (رحمه الله) في بيان النص الأول وشرحه بعد أن أورده کما عنون له

ص: 221

الشريف الرضي (عليه الرحمة والرضوان)، فقال:

(ومن وصية له (عليه السلام) كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات، وانما ذكرنا وإنما ذكرنا هنا جملا منها ليعلم بها أنه كان يقيم عماد الحق، ويشرع أمثلة العدل: في صغير الأمور وكبيرها، ودقیقها وجليلها:

«انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ لَا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَ لَا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً، وَ لَا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَ الْوَقَارِ، حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَ لَا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اللَّهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَ خَلِيفَتُهُ، لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَا فَلَا تُرَاجِعْهُ، وَ إِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ، أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ، وَ لَا عَنِيفٍ بِهِ، وَ لَا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَ لَا تُفْزِعَنَّهَا، وَ لَا تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا، وَ اصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعَرَّضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ، ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعَرَّضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ، وَفَاءٌ لِحَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ فَاقْبِضْ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلًا، حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ، وَ لَا تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَ لَا هَرِمَةً وَ لَا مَكْسُورَةً وَ لَا مَهْلُوسَةً وَ لَا ذَاتَ عَوَارٍ، وَ لَا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ، رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ، وَ لَا تُوَكِّلْ بِهَا إِلَّا نَاصِحاً شَفِيقاً وَ أَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعَنِّفٍ وَ لَا مُجْحِفٍ وَ لَا مُلْغِبٍ وَ لَا مُتْعِبٍ، ثُمَّ

ص: 222

احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ، نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ، فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ، فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَ بَيْنَ فَصِيلِهَا، وَ لَا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِوَلَدِهَا، وَ لَا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً، وَ لْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَ بَيْنَهَا، وَ لْيُرَفِّهْ عَلَى اللَّاغِبِ، وَ لْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَ الظَّالِعِ، وَ لْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ، وَ لَا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ، وَ لْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، وَ لْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَ الْأَعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِينَا بِإِذْنِ اللَّهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ، غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَ لَا مَجْهُودَاتٍ، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ، وَ أَقْرَبُ لِرُشْدِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».

قال ابن میثم:

(أقول: روعه: أفزعه. ولا تخدج بالتحيّة: أي لا تنقضها. وروي يخدج.

التحيّة: من أخدجت السحابة إذا قلّ قطرها. وأنعم له: أي قال: نعم. والعسف: الأخذ بشدّة وعلى غير وجه. والإرهاق: تكليف العسر. والماشية: الغنم والبقر. والعنيف: الَّذي لا رفق له. وصدعت المال صدعين: قسّمت بقسمين. والعود: المسنّ من الإبل وهو الَّذي جاوز في السنّ البازل. والهرمة: العالية السنّ. والمكسورة: الَّتي انكسرت إحدى قوائمها. والمهلوسة: الَّتي بها الهلاس وهو السلّ. والعوار - بالفتح -: العيب، وقد يضمّ.

والمجحف: الَّذي يسوق المال سوقا عنيفا يذهب بلحمه والملعب: المتعب. واللغوب: الإعياء. وأوعزت إليه بكذا: أي أمرته به. وحال بين الشيئين: حجز. والمصر: حلب كلّ ما في الضرع من اللبن، والتمصّر: حلب بقايا اللبن فيه. والترفيه: الإراحة واستأن: أي ارفق. والنقب: البعير الَّذي

ص: 223

رقّت أخفافه. والغدر: جمع غدير الماء. والنطاف: المياه القليلة: والأعشاب: جمع عشب وهو النبات. والبدن: السمان، الواحد بادن. والمنقيات: الَّتي صارت من سمّها ذات نقي وهو مخّ العظام وشحم العين. والنقو: كلّ عظم ذي مخّ.

وهذه الوصية مشتملة على تعليم عامله على جباية الصدقات قوانین العدل في أخذها من أهلها. ومداره وأمره له على الشفقّة عليهم والرفق بهم. واعلم أنّ الرفق بالرعيّة وإن كان من أهمّ المطالب للشارع صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لاستلزامه تألَّف قلوبهم واجتهاعها عليه وعلى ما جاء به من الحقّ إلَّا أنّه هاهنا أهمّ والحاجة إليه أشدّ، وذلك أنّ الغرض هنا أخذ بعض ما هو أعزّ المطالب عند الناس من أيديهم وهو المال و مشاركتهم فيه فقلوبهم هنا أقرب إلى النفار ممّا يدعون إليه من سائر التكاليف وهم إلى المداراة والرفق أشدّ حاجة فلذلك أكَّد عليه السّلام وصيّة العامل بالرفق بهم والمساهلة منهم حفظا لقلوبهم.

وفي الوصيّة مواضع:

الأوّل: أمره بالانطلاق معتمدا على تقوى الله غير مشرك في تقواه غيره ولا موجّه نیّته في انطلاقه إلى سواه لأنّ حركته هذه حركة دينيّة من جملة العبادات فيجب توجيهها إليه بالإخلاص.

الثاني: لا يفزع مسلما کما هو عادة الولاة الظالمين، وأن لا تختارنّ عليه کارها: أي لا تختار شيئا من إبله أو ماشيته وهو كاره لاختياره، وروى ولا يجتازنّ بالجيم: أي ولا يمرّنّ على أرض إنسان ومواشيه وهو كاره لمرورك

ص: 224

عليها وبها. وانتصب کارهاعلى الحال من الضمير المجرور.

الثالث: أمره إذا نزل بقبيلة أن ينزل بمائهم لأنّ من عادة العرب أن تكون میاههم بارزة عن بيوتهم، وأن لا تخالط بيوتهم لما في ذلك من المشقّة عليهم والتكلَّف له.

الرابع: قوله: ثمّ امض إليهم. إلى قوله: ولا تسوءنّ صاحبها. فيها تأدیب له بما ينبغي أن يفعله في حقّهم ممّا يستلزم المصلحة، وتعليم الأسباب الشفقّة عليهم من الأفعال كالسكينة والوقار والقيام فيهم من الأقوال کالسلام وأداء الرسالة وأحوال الأقوال كإتمام التحيّة والرفق في القول، ومن التروك كان لا يخيف المسلم ولا يتوعّده ولا يعسفه ولا يرهقه عسرا ولا يدخل إبله وماشيته من غير إذنه ولا يدخلها دخول متسلَّط ولا جبّار ولا عنيف وأن لا ينفرّ بهيمة ولا يفزعها ولا يسوء صاحبها فيها بضرب ونحوه لما في ذلك كلَّه من أذى صاحبها وتنفير قلبه المضادّ لمطلوب الشارع.

الخامس: أنّه علَّل نهيه عن دخولها بغير إذن صاحبها بأنّ أكثرها له. والكلام في قوّة صغرى قياس ضمير من الشكل الأوّل يستلزم حسن هذا النهي. وتقدير کبراہ: وكلّ من كان أكثر المال له فهو أولى بالتصرّف والحكم والمال فيلزم أن لا يصحّ تصرّف غيره فيه ودخوله إلَّا بإذنه.

السادس: قوله: واصدع المال. إلى قوله: في ماله. تعليم لكيفيّة استخراج الصدقة الَّتي في الإبل والماشية، وهو أن يفرّق الإبل والماشية عند اختلاط الكلّ فرقتين ثمّ يخيّره فإن اختار قسما فلا ينازعه فيه وليس له أن يستأنف فيه نظرا آخر، وكذلك يقسم الصدع الباقي بنصفين ولا يزال يفعل كذلك

ص: 225

حتّى ينتهي أحد الصدعين إلى مقدار الواجب من حقّ الله تعالى في ذلك المال أو فوقه بقليل فيؤخذ منه مقدار الواجب أو دونه بيسير فيتمّم ويجعل لربّ المال اختيار أحد الصدعين، والإقالة إن استقال من أخذ تلك القسمة تسکینا القلبه وجبرا من تنقّص ماله.

السابع: نهاه أن يأخذ في مال الله ما كان بأحد الصفات المذكورة كالعود والهرمة والمكسورة والمهلوسة والمعيبة بكباد و نحوه مراعاة لحقّ الله تعالى وجبرا لحال مصارفه وهم الأصناف الثمانية الَّذين عدّدهم الله تعالى في كتابه الكريم من الفقراء والمساكين وغيرهم.

وقال قطب الدين الراوندي - رحمه الله - الظاهر من كلامه (عليه السّلام) أنّه كان يأمر بإخراج كلّ واحد من هذه الأصناف المعيّنة من المال قبل أن يصدع بصدعين.

الثامن: أنّه نهاه أن يأمن عليها ويوکَّل بحفظها وسوقها إلَّا من يثق بدينه وأمانته واثقا من نفسه بحفظه حتّی يسلَّمه إلى وليّهم یعنی نفسه (عليه السّلام) ويكون ناصحا: أي لله ولرسوله، شفیقا: أي على ما يقوم عليه، أمينا حفيظا عليه غير ضعيف ولا مجحف ولا متعب له. وذلك من الأمور اللازمة في حفظ الواجب في حق الله تعالى.

التاسع: أمره أن يحمل إليه ما يجتمع معه ولا يؤخّره لأمرين:

أحدهما. الحاجة إلى صرفه في مصارفه.

الثاني: الخوف من تلفه بأحد أسباب التلف قبل الانتفاع به.

العاشر: أنّه عاد إلى الوصيّة بحال البهائم وهو أن يأمر أمينه عند تسلیم

ص: 226

المال أن لا يحول بين ناقة وفصيلها، ولا يحلب جميع لبنها، لأنّ الأمرين يضرّان بالولد، ولا يجهدنّها ركوبا وتخصّصها به دون صواحباتها لأنّ ذلك ممّا يضرّبها والعدل بينها في ذلك ممّا يقلّ معه ضرر الركوب وهو من الشفقّة الطبيعيّة، وكذلك الترفيه على اللاعب والتأنّي بالناقب والظالع، وكذلك أن يوردها فيما يمرّ به من الماء والکلاء، وأن يروّجها في ساعات الرواح للغاية الَّتي ذکرها وهو أن يأتي بحال السمن والراحة. وإنّما قال: لنقسمها على كتاب الله وسنّة نبيّه وإن كان ذلك أمرا معلوما من حاله عليه السّلام لأنّه لمّا بالغ في الوصيّة بحالها فربّما سبق إلى بعض الأوهام الفاسدة أنّ ذلك لغرض يختصّ به يخالف الكتاب و السنّة.

ثمّ رغبَّه في ذلك بكونه أعظم لأجره عند الله وأقرب لهداه ورشده لطريق الله وهو ظاهر: أمّا أنّه أعظم أجره فلكونه أكثر مشقّة وأكثريّة الثواب تابعة لأكثريّة المشقّة، وأمّا أنّه أقرب لرشده فلسلوكه في ذلك على أثره عليه السّلام واقتدائه بهداه الَّذي لم يكن عارفا به وبالله التوفيق)(1) انتهى كلامه (رحمه الله).

ثانيًا: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه).

يبتدأ الشارح المعتزلي النص الشریف بمقدمة عقدية في غاية الأهمية فكانت إشارة موفقة، وذلك حينما نبه القارئ إلى أن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) قد كرر أمر تقسيمها على كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) معللاً سبب ذلك إلى دفع الظنة به بعد أن عمل عثمان بن عفان

ص: 227


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم البحراني: ج 4 ص 410 - 415

بفيء المسلمين والزكاة ما عمل.

في حين أن الأمر لم يكن بهذه البساطة، أي (أنه أراد دفع الظنة عن نفسه).

بل: إن النص الشريف يرشد إلى أمور كثيرة، منها:

1- إنّ الولاة من قبله، أي أبي بكر وعمر، ومن سيأتي من بعده ممن جلسوا مجلس الخلافة وحكموا المسلمين لم يعملوا بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) بل اجتهدوا بأرائهم وسنوا للمسلمين سنتهم الجديدة التي رفضها أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجلس الشورى العمرية حينما جعلت شرطاً على مبايعته بعد ابن الخطاب فألت الخلافة بهذا الرفض والبراءة إلى عثمان.

2- إنه (عليه الصلاة والسلام) أعلم الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) وهو مورد الأمن والنجاة من الضلالة ومخالفة شرع الله تعالى.

3- إن هذا العلم بالكتاب والسنة يقتضي كونه الوصي والخليفة الشرعي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

فقد أراد ابن أبي الحديد تحريك الأذهان والأشجان بما حلَّ بالإسلام والمسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبتدأ شرحه للخطبة، قائلاً:

وقد كرر (عليه السلام) قوله:

«لِنَقْسِمَهَا عَلَی کِتَابِ اللّهِ وَسُنَّهِ نَبِیِّهِ (صلى الله عليه وآله)» في ثلاثة مواضع من هذا الفصل:

ص: 228

الأول، قوله:

«حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ».

الثاني، قوله (عليه السلام):

«نصيره حيث أمر الله به».

الثالث، قوله (عليه السلام):

«لِنَقْسِمَهَا عَلَی کِتَابِ اللّهِ»

(والبلاغة لا تقتضي ذلك، ولكن أظنه أحب أن يحتاط، وأن يدفع الظنة(1) عن نفسه، فإن الزمان كان في عهده قد فسد، وساءت ظنون الناس، لا سيما مع ما رآه من عثمان واستئثاره بمال الفئ.

ونعود إلى الشرح. قوله (عليه السلام):

«على تقوى الله»، على ليست متعلقة بأنطلق، بل بمحذوف تقديره: مواظبا.

قوله: «ولا تروعن»:

أي لا تفزعن، والروع الفزع، رعته أروعه، ولا تروعن بتشديد الواو وضم حرف المضارعة، من روعت للتكثير.

قوله (عليه السلام): «ولا تجتازن علیه کارها»:

أي لا تمرن ببيوت أحد من المسلمين يكره مرورك. وروي: ولا تختارن عليه، أي لا تقسم ماله و تختر أحد القسمين، والهاء في عليه ترجع إلى مسلما

ص: 229


1- الظنة: التهمة

وتفسير هذا سيأتي في وصيته له أن يصدع المال ثم يصدعه، فهذا هو النهى عن أن يختار على المسلم.

والرواية الأولى هي المشهورة.

قوله (عليه السلام): «فأنزل بمائهم»:

وذلك لان الغريب محمد منه الانقباض، ويستهجن في القادم أن يخالط في بيوت الحي الذي قدم عليه فقد يكون من النساء من لا تليق رؤيته، ولا يحسن سماع صوته، ومن الأطفال من يستهجن أن يرى الغريب انبساطه على أبويه وأهله، وقد يكره القوم أن يطلع الغريب على مأكلهم ومشربهم وملبسهم وبواطن أحوالهم، وقد يكونون فقراء فيكرهون أن يعرف فقرهم فيحتقرهم، أو أغنياء أرباب ثروة كثيرة فيكرهون أن يعلم الغريب ثروتهم فيحسدهم.

ثم أمره أن يمضي إليهم غير متسرع ولا عجل ولا طائش نزق، حتی يقوم بينهم فيسلم عليهم ويحييهم تحية كاملة غير مخدجة، أي غير ناقصة، أخدجت الناقة إذا جاءت بولدها ناقص الخلق، وإن كانت أيامه تامة، وخدجت ألقت الولد قبل تمام أيامه. وروي: ولا تحدج بالتحية والباء زائدة.

ثم أمره أن يسألهم: هل في أموالهم حق الله تعالى؟ يعني الزكاة، فإن قالوا: لا، فلينصرف عنهم، لان القول قول رب المال، فلعله قد أخرج الزكاة قبل وصول المصدق إليه.

قوله: «وأنعم لك»، أي قال: نعم.

«ولا تعسفه»، أي لا تطلب منه الصدقة عسفا، وأصله الأخذ على غير الطريق.

ص: 230

«ولا ترهقه»: لا تكلفه العسر والمشقة.

ثم أمره أن يقبض ما يدفع إليه من الذهب والفضة، وهذا يدل على أن المصدق كان يأخذ العين والورق کما يأخذ الماشية، وأن النصاب في العين والورق تدفع زكاته إلى الإمام ونوابه، وفي هذه المسألة اختلاف بين الفقهاء.

قوله: «فإن أكثرها له»:

كلام لا مزيد عليه في الفصاحة والرياسة والدين، وذلك لان الصدقة المستحقة جزء يسير من النصاب، والشريك إذا كان له الأكثر حرم عليه أن ( يدخل ويتصرف إلا بإذن شریکه، فكيف إذا كان له الأقل.

قوله: «فلا تدخلها دخول متسلط عليه»:

قد علم (عليه السلام) أن الظلم من طبع الولاة، وخصوصا من يتولى قبض الماشية من أربابها على وجه الصدقة، فإنهم يدخلونها دخول متسلط حاکم قاهر، ولا يبقى لرب المال فيها تصرف، فنهى (عليه السلام) عن مثل ذلك.

قوله: «ولا تنفرن بهيمة ولا تفزعنها»:

وذلك أنهم على عادة السوء بهجهجون(1) بالقطيع حتی تنفر الإبل، وكذلك بالشاء إظهارا للقوة والقهر، وليتمكن أعوانهم من اختيار الجيد، ورفض الردئ.

قوله: «ولا تنسون صاحبها فيها»:

ص: 231


1- يقال: هجهج بالسبع: صاح به، وبالجمل زجره

أي لا تغموه ولا تحزنوه، يقال: سؤته في كذا سوائية ومسائية.

قوله: «واصدع المال صدعين وخیره»:

أي شقه نصفين ثم خيره، فإذا اختار أحد النصفين فلا تعرضن لما اختار، ثم اصدع النصف الذي ما ارتضاه لنفسه صدعين وخيره، ثم لا تزال تفعل هكذا حتى تبقى من المال بمقدار الحق الذي عليه، فاقبضه منه، فإن استقالك فأقله، ثم اخلط المال، ثم عد لمثل ما صنعت حتى يرضى، وينبغي أن يكون المعيبات الخمس وهي المهلوسة والمكسورة وأخواتهما يخرجها المصدق من أصل المال قبل قسمته ثم يقسم وإلا فربما وقعت في سهم المصدق إذا كان يعتمد ما أمره به من صدع المال مرة بعد مرة.

والعود: المسن من الإبل، والهرمة: المسنة أيضا، والمكسورة: التي أحد قوائمها مكسورة العظم أو ظهرها مكسور، والمهلوسة: المريضة قد هلسها المرض وأفنی لحمها، والهلاس: السل. والعوار: بفتح العين: العيب وقد جاء بالضم.

والمعنف: ذو العنف بالضم وهو ضد الرفق. والمجحف: الذي يسوق المال سوقا عنيفا فيجحف به أي مهلكه أو يذهب كثيرا من لحمه ونقيه(1).

والملعب: المتعب، واللغوب: الإعياء. وحذرت السفينة وغيرها - بغير ألف أحدرها بالضم.

قوله: «بين ناقة وبين فصيلها»:

الأفصح حذف بين الثانية، لان الاسمين ظاهران، وإنما تكرر إذا جاءت

ص: 232


1- النقي، بكسر النون وسكون القاف: المخ

بعد المضمر، كقولك: المال بيني وبين زيد وبين عمرو، وذلك لان المجرور لا يعطف عليه إلا بإعادة حرف الجر والاسم المضاف، وقد جاء: المال بين زيد وعمرو، وأنشدوا:

بين السحاب وبين الريح ملحمة *** قعاقع وظبي في الجو تخترط(1)

وأيضا:

بين الندى وبين برقة ضاحك *** غيث الضريك وفارس مقدام(2)

ومن شعر الحماسة:

وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمي لمختلف جدا(3)

وليس قول من يقول: إنه عطف بين الثالثة على الضمير المجرور بأولى من قول من يقول: بل عطف بين الثالثة على بين الثانية، لان المعنى يتم بكل واحد منها.

قوله (عليه السلام):

«ولا تحصر لبنها المصر حلب ما في الضرع جميعه»:

نهاه من أن يحلب اللبن كله فيبقى الفصيل جائعا، ثم نهاه أن يجهدها رکوبا، أي يتعبها ويحملها مشقة، ثم أمره أن يعدل بين الركاب في ذلك، لا يخص بالركوب واحدة بعينها، ليكون ذلك أروح لهن، ليرفه على اللاعب،

ص: 233


1- الملحمة: الحرب، والقعاقع: حكاية أصوات الترسة في الحرب. والظبي: جمع ظبة، وهو حد السيف
2- برقة ضاحك: موضع بعينه
3- ديوان الحماسة 30: 172، والبيت للمقنع الكندي

أي ليترکه وليعفه عن الركوب ليستريح.

والرفاهية: الدعة والراحة.

والنقب: ذو النقب، وهو رقة خف البعير حتی تکاد الأرض تجرحه: أمره أن يستأني بالبعير ذي النقب، من الأناة، وهي المهلة.

والظالع: الذي ظلع، أي غمز في مشيه.

والغدر: جمع غدير الماء. وجواد الطريق: حيث لا ينبت المرعي.

والنطاف: جمع نطفة، وهي الماء الصافي القليل.

والبدن بالتشديد: السمان، واحدها بادن.

ومنقيات: ذوات نقي، وهو المخ في العظم، والشحم في العين من السمن، وأنقت الإبل وغيرها: سمنت وصار فيها نقي، وناقة منقية، وهذه الناقة لا تنقي)(1).

المسألة الثانية: من عهد له (عليه الصلاة والسلام) إلى بعض عماله، وقد بعثه على الصدقة.

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«أَمَرَهُ بِتَقْوَی اللَّهِ فِی سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَ خَفِیَّاتِ عَمَلِهِ، حَیْثُ لاَ شَاهِدَ شَهِیدَ غَیْرُهُ وَ لاَ وَکِیلَ دُونَهُ، وَ آمُرُهُ أَمَرَهُ أَلاَّ یَعْمَلَ بِشَیْءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِیمَا ظَهَرَ، فَیُخَالِفَ إِلَی غَیْرِهِ فِیمَا أَسَرَّ، وَ مَنْ لَمْ یَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَ عَلاَنِیَتُهُ وَ فِعْلُهُ وَ مَقَالَتُهُ، فَقَدْ أَدَّی الْأَمَانَةَ وَ أَخْلَصَ الْعِبَادَةَ، وَ آمُرُهُ أَلاَّ یَجْبَهَهُمْ وَ لاَ یَعْضَهَهُمْ، وَ لاَ یَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلاً

ص: 234


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15 ص 152 - 157

بِالْإِمَارَةِ عَلَیْهِمْ، فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِی الدِّینِ، وَ الْأَعْوَانُ عَلَی اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ، وَ إِنَّ لَكَ فِی هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِیباً مَفْرُوضاً وَ حَقّاً مَعْلُوماً، وَ شُرَکَاءَ أَهْلَ مَسْکَنَةٍ وَ ضُعَفَاءَ ذَوِی فَاقَةٍ، وَ إِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَ إِلاَّ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَکْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً یَوْمَ الْقِیَامَةِ، وَ بُؤْسَی لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ وَ الْمَسَاکِینُ، وَ السَّائِلُونَ وَ الْمَدْفُوعُونَ وَ الْغَارِمُونَ وَ ابْنُ السَّبِیلِ، وَ مَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَ رَتَعَ فِی الْخِیَانَةِ، وَ لَمْ یُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَ دِینَهُ عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَ الْخِزْیَ فِی الدُّنْیَا، وَ هُوَ فِی الآْخِرَةِ أَذَلُّ وَ أَخْزَی، وَ إِنَّ أَعْظَمَ الْخِیَانَةِ خِیَانَةُ الْأُمَّةِ، وَ أَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ وَ السَّلاَمُ».

أولاً: ابن میثم البحراني رحمه الله) (ت: 679).

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(أقول: يقال: جبهته بالمكروه: إذا استقبلته به. وعضهته عضها: رميته بالبهتان والكذب. والفاقة والبؤس والفظع: الشدّة.

وقد أمر عليه السّلام بأوامر بعضها يتعلَّق بأداء حقّ الله تعالى وبعضها يتعلَّق بأحوال الرعيّة والشفقّة عليهم لغاية نظام حالهم وتدبير أمورهم. فالَّذي يتعلَّق بحقّ الله تعالى أمران:

أحدهما: أن يتّقيه فيما يسرّ من أموره ويخفي من أعماله وهى التقوى الحقّة المنتفع بها.

وقوله: حيث.

إشارة إلى موضع إسرار العمل وإخفاء الأمور. وأتي بقوله: لا شهيد غيره ولا وكيل دونه:

ص: 235

في معرض الوعدله والتخويف باطَّلاعه تعالى على سرائر العباد وخفيّات أعمالهم وتولَّيه لها دون غيره. ونبّه بكونه هو الشهيد دون غيره على عظمته مع الردّ لما عسى أن يحكم به الوهم مطلقا من أنّ السرائر والأمور الخفيّة لا يطَّلع عليها غير من هي له.

الثاني: أن يوافق في طاعته لله تعالى بين ما أظهره وما أبطنه، ويخلص أعماله الظاهرة من الرياء والسمعة، وذلك قوله: وأمره أن لا يعمل. إلى قوله: فيما أسرّ:

و - ما - في قوله: فيما. بمعنى الَّذي ويحتمل أن تكون مصدريّة. وفيما ظهر: أي للناس من طاعة الله.

وقوله: ومن لم يختلف. إلى قوله: العبادة:

ترغیب له فيما أمره به من عدم اختلاف السريرة والعلانية والفعل والقول بكون ذلك مستلزما لإخلاص عبادة الله ولأداء أمانته الَّتي كلَّفها عباده على ألسنة رسله وأئمّة دينه، وظاهر كون ذلك مستلزما لثواب الله والأمن من سخطه.

وأمّا ما يتعلَّق بأحوال الرعيّة والشفقّة عليهم فمنها ما يتعلَّق بحال أرباب الأموال الَّتي يستحقّ عليهم الصدقة، ومنه ما يتعلَّق بأرباب الصدقة المستحقّين لها:

أمّا الأوّل: فأن لا يلقاهم بمكروه ولا يرميهم ببهتان وكذب وأن لا ينقبض عنهم ويترفّع عليهم تفضيلا لنفسه بالإمارة. وانتصب تفضيلا على المفعول له.

ص: 236

وقوله: وإنّهم الإخوان. إلى قوله: الحقوق:

إشارة إلى احتجاج بقياس ضمير من الشكل الأوّل يستلزم حسن الانتهاء عمّا أمر بالانتهاء عنه ووجوبه، والمذكور في قوّة صغرى، وتقدير الكبرى: وكلّ من كان أخا في الدين وعونا على استخراج الحقوق فيجب أن لا يفعل في حقّه شيء ممّا أمرت بالانتهاء عنه، وأمّا أنّهم الأعوان على استخراج الحقوق فلأنّ الحقوق المطلوبة منهم إنّما تحصل بواسطتهم، وحصولها منهم إنّما يتمّ بالشفقّة عليهم وأن لا يفعل معهم شيء ممّا نهی عنه عليه السّلام فإنّ كلّ تلك الأمور ممّا ينفّر طباعهم ويشتّت نظام شملهم ومنه يكون قلَّة مال الصدقة المستحقّة عليهم، ويحتمل أن يدخل في هؤلاء الجند أيضا، وأمّا ما يتعلَّق بالمستحقّين للصدقة فأن يوفّيهم حقوقهم منها، وأشار إلى الحجّة على وجوب ذلك عليه بقوله: وإنّ لك إلى قوله: وإنّا موّفوك حقّك:

وهو في قوّة صغری ضمير من الشكل الأوّل، و تقدیر کبراہ: وكلّ من كان له نصیب مفروض وحقّ معلوم في شيء وله شركاء فيه بصفة الفقر والمسكنة وهو مستوف لحقّه منه فواجب عليه أن يوفّی شرکاؤه حقوقهم: أمّا الصغرى فظاهره. وأمّا الكبرى فأشار إلى بيانها بقياس آخر من الشكل الأوّل مرکَّب من متّصلين. فأشار إلى الصغرى بقوله: وإلَّا. إلى قوله: إلى يوم القيامة.

ونبّه على الكبرى بقوله: ولو شاء إلى قوله: وابن السبيل. وهي في قوّتها إذ الأصناف المذكورون من مستحقّي الصدقة هم الخصوم وهم أكثر الناس وكان الأوسط متّحدا، وصار تقدير القياس وإن لا توفّهم حقّهم فإنّك ممّن خصومه أكثر الناس: أي الفقراء والمساكين وسائر الأصناف يوم القيامة،

ص: 237

وكلّ من كان خصومه أكثر الناس وهم الأصناف المذكورة فبؤساله عند الله يوم القيامة، وينتج متّصلة مركَّبة من مقدم الصغرى وتالي الكبرى وهي إن لا توفّهم حقوقهم فبؤسا لك، وهو في معرض التهديد والتنفير له عن ظلمهم والاستبداد عليهم بشيء من الصدقة، وشركاء عطف على قوله: حقّا معلوما. وأهل المسكنة صفة له، وبؤسا نصب على المصدر.

وأمّا الأصناف المستحقّين للصدقات فهم الثمانية المعدودة في القرآن الكريم بقوله: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» إلى قوله «وَابْنِ السَّبِيلِ» فأمّا الفقير فقال ابن عبّاس و جماعة من المفسرين:

إنّه المتعفّف الَّذي لا يسأل، والمسكين هو الَّذي يسأل وعن الأصمعي أنّ الفقير هو الَّذي له ما يأكل والمسكين هو الَّذي لا شيء له، وأمّا العاملون عليهم فهم السعاة في جباية الصدقات. ويعطيهم الإمام منها بقدر أجور أمثالهم، وأمّا المؤلَّفة قلوبهم فكانوا قوما من أشراف العرب يتألَّفهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وسلَّم في مبدء الإسلام ويعطيهم سهما من الزكاة ليدفعوا عنه قومهم ويعينوه على العدوّ کالعبّاس بن مرداس وعيينة بن الحصن وغيرهما ثمّ استغنى المسلمون عن ذلك عند قوّتهم، وأمّا في الرقاب: أي في فداء الرقاب.

فقال ابن عبّاس: يريد المكاتبين وكانوا يعطون سهما ليعتقوا به، وأمّا الغارمون فهم الَّذين لزمتهم الديون في غير معصية ولا إسراف، وأمّا في سبيل الله فهم الغزاة والمرابطون، وأمّا ابن السبيل فهو المنقطع به في السفر ويعطى من الصدقة. وإن كان غنيّا في بلده.

ص: 238

وقد ذكر عليه السّلام هاهنا في معرض إيجاب الشفقّة والرحمة له خمسة وهم الفقراء والمساكين ويدخل فيه السائلون ثمّ المدفوعون ويشبه أن يريد بهم العاملين عليها وسمّاهم مدفوعين باعتبار أنّهم يدفعون لجباية الصدقات أو لأنّهم إذا أتوا إلى من لا زكاة عليه فسألوه هل عليه زكاة أم لا دفعهم عن نفسه. ذكرهم هنا بهذا الوصف لكونه وصف ذلّ وانقهار وكونه عليه السّلام في معرض الأمر بالشفقّة عليهم.

قال بعض الشارحين: أراد بهم الفقراء السائلين لكونهم يدفعون عند السؤال. ثمّ الغارم وابن السبيل. وإنّما ذكر هؤلاء الخمسة أو الأربعة لكونهم أضعف حالا من الباقين.

وقوله: ومن استهان. إلى قوله: وأخرى:

يشبه أن یکون کبری قیاس ضمیر احتجّ به في معرض الوعيد والتخويف من الخيانة على لزوم الذلّ والخزي له في الدارين على تقدير أن لا يوفّيهم حقوقهم وتقدير القياس وإن لا توفّهم حقوقهم تكن مستهينا بالأمانة رابعا في الخيانة غير منزّه نفسك ودينك عنها، وكلّ من كان كذلك فقد أحلّ بنفسه في الدنيا الذلّ وهو في الآخرة أذلّ وأخزى، وروى أخلّ بنفسه: أي ترك ما ينبغي لها، وروي أحتل نفسه: أي أباحها.

والذلّ على هاتين الروايتين مبتدأ خبره في الدنيا. والخيانة أعمّ من الغشّ وهي رذيلة التفريط من فضيلة الأمانة. والغشّ رذيلة تقابل فضيلة النصيحة وهما داخلتان تحت رذيلة الفجور.

وقوله: وإنّ أعظم الخيانة. إلى آخره:

ص: 239

تنبيه على عظم الخيانة هاهنا. إذ كانت خيانة كلَّيّة عامّة الضرر لأكثر المسلمين، ومستلزمة لغشّ الإمام الَّذي هو أفضل الناس وأولاهم بالنصيحة فإذا كان مطلق الخيانة ولو في حقّ أقلّ الخلق وأحقر الأشياء منهيّا عنها ويستحقّ العقاب والخزي عليها فبالأولى مثل هذه الخيانة العظيمة. وكلّ ذلك في معرض الوعيد والتنفير عن الخيانة والاستهانة بالأمانة. وبالله التوفيق)(1).

ثانيًا: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه).

يبتدأ ابن أبي الحديد شرحه للنص الشريف بصفة الشهودية وآثارها يوم القيامة، في حين أن المراد من قوله (عليه الصلاة والسلام):

«حيث لا شاهد غيره ولا وکیل دونه».

التربية القيمية وتهذيب النفس وترويضها بالإيمان بالغيب، واستحضار هذه الصفة الربوية بأن الله هو الشاهد على السرائر، وهو المحاسب لا غيره.

وعليه: نورد قوله کما جاء في شرحه للنص الشريف، فيقول:

(الشرح: «حيث لا شهيد ولا وکیل دونه» بمعنى: يوم القيامة.

قوله:

«ألا يعمل بشيء من طاعة الله فيما أظهر»:

أي: لا ينافق فيعمل الطاعة في الظاهر.

والمعصية في الباطن.

ص: 240


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم البحراني: ج 4 ص 415 - 419

ثم ذكر أن الذين يتجنبون النفاق والرياء هم المخلصون.

«وألا يجبههم»: لا يواجههم بما يكرهونه، وأصل الجبه لقاء الجبهة أو ضربها، فلما كان المواجه غيره بالكلام القبيح كالضارب جبهته به سمى بذلك جبها.

قوله: «ولا يعضههم»:

أي لا يرميهم بالبهتان والكذب، وهي العضيهة، وعضهت فلانا عضها، وقد عضهت يا فلان، أي جئت بالبهتان.

قوله: «ولا يرغب عنهم تفضلا»:

يقول: لا يحقرهم ادعاء لفضله عليهم، وتمييزه عنهم بالولاية والإمرة، يقال فلان يرغب عن القوم، أي يأنف من الانتماء إليهم، أو من المخالطة لهم.

وكان عمر بن عبد العزيز يدخل إليه سالم مولى بنى محزوم وعمر في صدر بيته فيتنحى عن الصدر، وكان سالم رجلا صالحا، وكان عمر أراد شراءه وعتقه، فأعتقه مواليه، فكان يسميه: أخي في الله، فقيل له: أتتنحى لسالم! فقال: إذا دخل عليك من لا ترى لك عليه فضلا فلا تأخذ عليه شرف المجلس. وهم السراج ليلة بأن يخمد، فوثب إليه رجاء بن حياة ليصلحه، فأقسم عليه عمر بن عبد العزيز، فجلس، ثم قام عمر فأصلحه، فقال له رجاء: أتقوم أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

ص: 241

«لا ترفعوني فوق قدري فتقولوا فيَّ ما قالت النصارى في ابن مريم، فإن الله عز وجل اتخذني عبدا قبل أن يتخذني رسولا».

ثم قال: إن أرباب الأموال الذين تجب الصدقة عليهم في أموالهم إخوانك في الدين، وأعوانك على استخراج الحقوق، لان الحق إنما يمكن العامل استيفاؤه بمعاونة رب المال واعترافه به، ودفعه إليه، فإذا كانوا بهذه الصفة لم يجز لك عضههم وجبههم وادعاء الفضل عليهم.

ثم ذكر أن لهذا العامل نصيبا مفروضا من الصدقة، وذلك بنص الكتاب العزيز، فكما نوفيك نحن حقك يجب عليك أن توفي شركائك حقوقهم، وهم الفقراء والمساكين والغارمون وسائر الأصناف المذكورة في القرآن، وهذا يدل على أنه عليه السلام قد فوضه في صرف الصدقات إلى الأصناف المعلومة، ولم يأمره بأن يحمل ما اجتمع إليه ليوزعه هو (عليه السلام) على مستحقيه کما في الوصية الأولى، ويجوز للإمام أن يتولى ذلك بنفسه، وأن يكله إلى من يثق به من عماله.

وانتصب أهل مسكنة لأنه صفة شركاء وفي التحقيق أن شركاء صفة أيضا موصوفها محذوف، فيكون صفة بعد صفة.

وقال الراوندي: انتصب أهل مسكنة لأنه بدل من شركاء، وهذا غلط، لأنه لا يعطي معناه ليكون بدلا منه.

وقال أيضا: بؤسى، أي عذابا وشدة، فظنه منونا وليس كذلك، بل هو بؤسى على وزن فعلى كفضلى ونعمى، وهي لفظة مؤنثة، يقال بؤسى لفلان، قال الشاعر:

ص: 242

أرى الحلم بؤسى للفتى في حياته *** ولا عيش إلا ما حباك به الجهل

والسائلون: هاهنا هم الرقاب المذكورون في الآية، وهم المكاتبون يتعذر عليهم أداء مال الكتابة، فيسألون الناس ليتخلصوا من ربقة الرق. وقيل: هم الأسارى يطلبون فكاك أنفسهم، وقيل: بل المراد بالرقاب في الآية الرقيق، يسأل أن يبتاعه الأغنياء فيعتقوه. والمدفوعون:

هاهنا هم الذين عناهم الله تعالى في الآية بقوله: (وفي سبيل الله)، وهم فقراء الغزاة، سماهم مدفوعين لفقرهم. والمدفوع والمدفع: الفقير، لان كل أحد يكرهه ويدفعه عن نفسه.

وقيل: هم الحجيج المنقطع بهم، سماهم مدفوعين لأنهم دفعوا عن إتمام حجهم، أو دفعوا عن العود إلى أهلهم.

فإن قلت: لم حملت كلام أمير المؤمنين عليه السلام على ما فسرته به؟

قلت: لأنه (عليه السلام) إنما أراد أن يذكر الأصناف المذكورة في الآية فترك ذكر المؤلفة قلوبهم لان سهمهم سقط بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقد كان يدفع إليهم حین الإسلام ضعيف، وقد أعزه الله سبحانه، فاستغنى عن تأليف قلوب المشركين، وبقيت سبعة أصناف، وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل.

فأما العاملون عليها فقد ذكرهم (عليه السلام) في قوله: وإن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا، فبقيت ستة أصناف أتى (عليه السلام) بألفاظ القرآن في أربعة أصناف منها، وهي:

ص: 243

الفقراء، والمساكين، والغارم، وابن السبيل، وأبدل لفظتين وهما الرقاب وفي سبيل الله بلفظتين وهما السائلون والمدفوعون.

فإن قلت: ما يقوله الفقهاء في الصدقات؟ هل تصرف إلى الأصناف كلها أم يجوز صرفها إلى واحد منها؟

قلت: أما أبو حنيفة فإنه يقول: الآية قصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة فهي مختصة بها لا تتجاوزها إلى غيرها، كأنه تعالى قال: إنما هي لهم لا لغيرهم، كقولك: إنما الخلافة لقريش، فيجوز أن تصرف الصدقة إلى الأصناف كلها، ويجوز أن تصرف إلى بعضها، وهو مذهب ابن عباس وحذيفة وجماعة من الصحابة والتابعين. وأما الشافعي فلا يرى صرفها إلا إلى الأصناف المعدودة كلها، وبه قال الزهري وعكرمة.

فإن قلت: فمن الغارم وابن السبيل؟

قلت: الغارمون الذين ركبتهم الديون ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب. وقيل:

هم الذين يحملون الحمالات فدينوا فيها وغرموا، وابن السبيل: المسافر المنقطع عن ماله، فهو - وإن كان غنيا حيث ماله موجود - فقير حيث هو بعيد.

وقد سبق تفسير الفقير والمسكين فيما تقدم.

قوله: فقد أحل بنفسه الذل والخزي:

أي جعل نفسه محلا لهما، ويروى: فقد أخل بنفسه بالخاء المعجمة، ولم يذكر الذل والخزي أي جعل نفسه مخلا، ومعناه جعل نفسه فقيرا، يقال:

ص: 244

خل الرجل: إذا افتقر، وأخل به غيره، وبغيره أي جعل غيره فقيرا، وروي: أحل بنفسه بالحاء المهملة، ولم يذكر الذل والخزي. ومعنى أحل بنفسه أباح دمه، والرواية الأولى أصح، لأنه قال بعدها: وهو في الآخرة أذل وأخزى.

وخيانة الأمة: مصدر مضاف إلى المفعول به، لان الساعي إذا خان فقد خان الأمة كلها، وكذلك غش الأئمة، مصدر مضاف إلى المفعول أيضا، لان الساعي إذا غش في الصدقة فقد غش الامام)(1).

ص: 245


1- شرح ابن ابي الحديد: ج 15 ص 159 - 163

ص: 246

الفصل الثالث : أحكام الصدقة المندوبة

اشارة

ص: 247

ص: 248

المبحث الأول تحريم الصدقة الواجبة (الزكاة) على بني هاشم

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(1).

تناول فقهاء المذاهب الإسلامية موضوع تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم في عنوان مستحق الزكاة واجمعوا على حرمة صرفها لبني هاشم وكذا حرمة أخذ الهاشمي لها من العامي؛ وجوازها فيما بينهم، وتباينت الأقوال لدى المذاهب في موالي بني هاشم وبني عبد المطلب، وفي صرف صدقة التطوع، وفي عنوان الساعي وجواز أن يكون العامل هاشمياً، أو ان يقيد الجواز بعنوان الأجرة، كما سيمر بيانه في المبحث، وهو كالاتي:

ص: 249


1- نهج البلاغة خطب الإمام علي (عليه السلام) تحقيق صحبي الصالح، من كلام له (عليه السلام) يبرأ من الظلم: ص 347

المسألة الأولى: أقوال فقهاء الذهب الإمامي في صرف الزكاة للهاشمي.

نتناول في هذه المسألة عرض ما أورده المحقق النراقي والسيد اليزدي وما علق به السيد محسن الحكيم على العروة في المسألة، وهو كالآتي:

أولا: المحقق النراقي (ت: 1244 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في أوصاف المستحقين للزكاة في الفقرة رابعاً:

(أن لا يكون هاشميا إن كان المزكي غير هاشمي).

باتفاق الفريقين(1)، له، وللمستفيضة من النصوص: منها صحيحة العيص: إنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألوه بأن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله تعالى للعاملين عليها، فنحن أولى به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«یَا بَنِی عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ إِنَّ اَلصَّدَقَهَ لاَ تَحِلُّ لِی وَ لاَ لَکُمْ»(2) الحديث.

وفي صحيحة محمد، وزرارة، وأبي بصير:

«إِنَّ اَلصَّدَقَهَ لاَ تَحِلُّ لِبَنِی عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ»(3).

وصحيحة ابن سنان:

ص: 250


1- المغني لابن قدامة 2: 517، نيل الأوطار 4: 240
2- التهذيب 4: 58 / 154، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 1
3- التهذيب 4: 58/ 155، الإستبصار 2: 35/ 106، الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3

«لاَ تَحِلُّ اَلصَّدَقَهُ لِوُلْدِ اَلْعَبَّاسِ وَ لاَ لِنُظَرَائِهِمْ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ»(1).

وحسنة المعلى:

«لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس، ولا لأحد من ولد على عليه السلام، ولا لنظرائهم من ولد عبد المطلب»(2)، إلى غير ذلك.

وأما موثقة أبي خديجة:

«أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم، فإنها تحل لهم، وإنما تحرم على النبي وعلى الإمام الذي بعده وعلى الأئمة»(3).

فشاذة مطروحة، أو على حال الضرورة أو الصدقات المندوبة محمولة، ولا يضطر النبي والإمام إليها، مع أن المخاطبين غير معلومين، فلعلهم من بني هاشم.. ويمكن عدم حلية صدقاتهم للنبي والإمام أيضا. وإن كان المزكي هاشميا، لا يشترط له دفع زكاته إلى غير الهاشمي، بل يجوز له دفعها إلى مثله، بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا(4)، والنصوص المروية مستفيضة(5).

وكذا يجوز دفعها إليه عند اضطراره، لافتقاره وعدم كفاية الخمس له،

ص: 251


1- التهذيب 4: 59/ 158، الإستبصار 2: 35/ 109، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 3
2- التهذيب 9: 158/ 651، الوسائل 19: 238 أبواب أحكام الهبات ب 6 ح 4، (وفيه صدر الحديث)
3- الكافي 4: 59 / 6، الفقيه 2: 19/ 40، التهذيب 4: 60/ 161، الإستبصار 2: 36/ 110، الوسائل 9: 269 أبواب المستحقين للزكاة ب 29 ح 5
4- انظر الخلاف 4: 240، والمنهى 1: 524، والرياض 1: 285
5- الوسائل 9: 273 أبواب المستحقين للزكاة ب 32

للاجماع، وإباحة المحظورات عند الضرورات.

وموثقة زرارة: «والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا، ويكون ممن تحل له الميتة»(1).

وهل يتقدر القدر المدفوع إليه حينئذ بقدر الضرورة، أم لا؟ فعن الشيخ والمنتهى والتحرير والنهاية والبيان والدروس(2) وجمع من المتأخرين(3): الأول، لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولأنه المفهوم من الموثقة.

وفيه نظر، لأنها تدل على أنة إذا كان ممن تحل له الميتة تحل له الصدقة، لا على أنه تحل له من الصدقة ما تحل من الميتة. وعن المختلف والسيدين والشرائع والنافع(4) - بل الأكثر كما في الأول -: الثاني، للأخبار الدالة على جواز إعطائها إلى أن يحصل الغنى(5).

وفيها: أن المتبادر منها غير المسألة.

والأولى: أن يستدل له بالأصل، لأن الاستثناء في الموثقة خصص أخبار حرمة الصدقة على الهاشمي فارتفع في حقه المانع، والأصل عدم التقدير،

ص: 252


1- التهذيب 4: 59/ 159، الاستبصار 2: 36، الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33 ح 1
2- الشيخ في التهذيب 4: 59، والاستبصار 2: 36، والمبسوط 6: 285، المنتهى 1: 526، التحرير 1: 69، نهاية الإحكام 2: 399، البيان: 316، الدروس 1: 243
3- كالشهيد الثاني في الروضة 2: 52، وصاحب المدارك 5: 524، والسبزواري في الذخيرة: 461
4- المختلف: 185، السيد في الإنتصار: 85، والجمل (رسائل المرتضى 3): 79، وابن زهة في الغنية (الجوامع الفقهية): 568، الشرائع 1: 163، النافع: 60
5- انظر: الوسائل 9: 276 أبواب المستحقين للزكاة ب 33

فهو الأظهر، لذلك.

ثم اختلف المقدرون في قدر الضرورة، فعن كشف الرموز: أنه ما يسد الرمق(1).

وعن المهذب والمسالك وحواشي النافع للشهيد الثاني: أنه قوت يوم وليلة(2).

وقيل: إنه قوت السنة له ولعياله الواجبي النفقة.

وعن المحقق الشيخ علي في حواشي الشرائع والارشاد: أنه قوت اليوم والليلة، إلا مع توقع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه قوت السنة، فيدفع إليه.

وعنه في حواشي القواعد عكس ذلك، فيدفع إليه قوت السنة، إلا أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة، فيعطى تدريجا(3).

والاقتصار على القدر المجمع عليه إن قلنا بالتقدير يقتضي المصير إلى الأقل، وكذا الاستناد إلى الانفهام من الموثقة.

فروع:

أ: لا يختص تحريم الصدقة على بني هاشم بسهم الفقراء، بل يحرم عليهم مطلقا، للاطلاقات.

ونقل في المبسوط والسرائر عن قوم: جواز استعمالهم على الصدقات

ص: 253


1- کشف الرموز 1: 258
2- المهذب البارع 1: 536، المسالك 1: 61
3- جامع المقاصد 3: 33

وإعطائهم من سهم العاملين(1).

والظاهر - كما في المختلف م أنهم من العامة(2)، ويؤكده ما في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف من دعوى إجماعنا على عدم الجواز، ونسبة الجواز إلى بعض من أصحاب الشافعي(3). وكيف كان فترده الاطلاقات، وخصوص صحيحة العيص المتقدمة.

ب: لا تحرم الصدقات غير الواجبة على الهاشمي ولو من غيره، ومن الواجبة غير الزكاة.

أما الأول، فعلى الحق الأشهر كما في التذكرة(4)، بل بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة(5)، بل مطلقا كما في المفاتيح(6)، بل عند علمائنا كما عن المبسوط والمنتهى(7)، بل بالاجماع كما عن الخلاف(8).

وأما ما في التذكرة من قوله: روى الجمهور، عن الصادق، عن أبيه الباقر (عليهما السلام):

«إنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقيل له: أتشرب من

ص: 254


1- المبسوط 1: 248، السرائر 1: 457
2- المبسوط 1: 248، السرائر 1: 457
3- الخلاف 4: 232
4- التذكرة 1: 235
5- الذخيرة: 461
6- المفاتيح 1: 232
7- المبسوط 3: 302، المنتهى 1: 525
8- الخلاف 4: 240

الصدقة؟! فقال: إنما حرم علينا المفروضة»(1)، حيث إن ظاهره تفرد العامة بالرواية.

فإنما هو في حق الإمام خاصة، فإنه صرح: أن الصدقة المندوبة محرمة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: إن حكم الأئمة في ذلك أيضا حكمه، ووافقه في المسالك(2) وجمع آخر(3).

وبالجملة: فكلامه إنما هو في خصوص الإمام، فلا ينافي إدعاءه الشهرة على الجواز في المندوبة لبني هاشم.

وأما الثاني، فعلى الأظهر أيضا، كما هو ظاهر المدارك والذخيرة(4)، بل لم أعثر فيه أيضا على مخالف سوى ما في التذكرة من احتمال المنع(5).

ويدل على الأول - مضافا إلى ظاهر الاجماع - قوية الهاشمي: أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال:

«إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، وأما غير ذلك فليس به بأس»(6)

ص: 255


1- التذكرة 1: 235
2- المسالك 1: 61
3- نقله عن كتاب الأربعين للشيخ البهائي في الحدائق 12: 218، وفصل في المفاتيح 1: 232 بين الصدقة العامة فجوزها وبين الخاصة فحرمها
4- المدارك 5: 256، الذخيرة 461
5- التذكرة 1: 235
6- الكافي 4: 59/ 3، التهذيب 4: 62/ 166، المقنعة: 243، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 3

وعلى الثاني روايته: عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم، ما هي؟ فقال: «هي الزكاة»(1).

وعليهما رواية الشحام: عن الصدقة التي حرمت عليهم، قال:

«هي الزكاة المفروضة»(2).

وبهذه الأخبار تخصص مطلقات تحريم الصدقة على بني هاشم. وصحيحة البجلي:

«لو حرمت علينا الصدقة لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة، لأن كل ما بين مكة والمدينة فهو صدقة»(3)، دلت على عدم حرمة مطلق الصدقة، فإما يفسر بما ذكرنا بشهادة ما مر، أو يكون مجملا تخرج به المطلقات عن الحجية في غير موضع الاجماع، وهو الزكاة المفروضة.

ج: الهاشميون هم بنو عبد المطلب، والموجود منهم في هذه الأزمنة أولاد أمير المؤمنين عليه السلام والعباس وأبي لهب، وقيل: الحارث أيضا(4).

وفي الاختصاص بالمتقرب بالأب أو الأعم منه ومن المتقرب بالأم أيضا، وجهان..

(الحق: هو الأول، كما صرح به في مرسلة حماد، وفيها: «ومن كانت أمه

ص: 256


1- التهذيب 4: 58/ 156، الإستبصار 2: 35/ 107، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 5
2- التهذيب 4: 59/ 157، الإستبصار 2: 35/ 108، الوسائل 9: 274 أبواب المستحقين للزكاة ب 32 ح 4. (6) بدل ما بين القوسين في (ق) ويأتي تحقيقه في موضعه
3- التهذيب 4: 61/ 165، الوسائل 9: 272 أبواب المستحقين للزكاة ب 31 ح 1
4- كما في المنتهى 1: 525

من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له، وليس له من الخمس شيء»(1)، ويأتي تحقيقه في بحث الخمس أيضا)(2).

ثانيًا: السيد اليزدي وما أورده السيد الحكيم في تعليقاته على العروة.

قال (عليه الرحمة والرضوان) في تعليقه على العروة الوثقى في حرمة الزكاة الواجبة على بني هاشم، وقد أوردنا قوله بين معقوفتين كي يطلع القارئ على هذه التعليقات الشريفة، وهي كالاتي:

قال السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان):

أن لا يكون هاشمياً أذا كانت الزكاة من غيره:

فعلق السيد الحكيم (عليه الرحمة والرضوان):

[بلا خلاف أجده بين المؤمنين، بل وبين المسلمين، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحك-ي منه متواتر، كالنصوص الدالة عليه: صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «لا تحل الصدقة لولد العباس، ولا لنظرائهم من بني هشام»(3)، ومصحح الفضلاء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«إن الصدقة أوساخ أيدي الناس، وإن الله تعالى قد حرم علي منها ومن غيرها ما قد حرمه، وإن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب»(4).

ص: 257


1- التهذيب 4: 128/ 366، الإستبصار 2: 56/ 186، الوسائل 9: 271 أبواب المستحقين للزكاة ب 30 ح 1
2- مستند الشيعة للمحقق النراقي: ج 9 ص 317 - 324
3- الوسائل باب: 33 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1
4- الوسائل باب: 32 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4

وخبر إسماعيل ابن الفضل الهاشمي:

(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصدقة التي حرمت علي بني هاشم، ما هي؟ قال (عليه السلام): «هي الزكاة». قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (عليه السلام): «نعم»(1))(2) مع عدم الاضطرار.

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(لا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام حتى سهم العاملين وسبيل الله. نعم لا بأس بتصرفه في الخانات والمدارس وسائر الاوقاف المتخذة من سهم سبيل الله).

فعلق السيد الحيكم (قدس سره):

[كما عن جماعة التصريح به ويقتضيه أطلاق معاقد الإجماعات، بل عن صريح كتاب القسمة من الخلاف:

ودعوى الاجماع على عدم الجواز مطلقاً، وفي صحيح العيص عن ابي عبد الله (عليه السلام):

«إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه، أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عز وجل للعاملين عليها، فنحن أولى به. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا بني عبد المطلب (هاشم، خ ل)، إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم، ولكني قد وعدت الشفاعة.. (إلى أن قال): أتروني مؤثرا عليكم غير كم؟..».

ص: 258


1- مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم (قدس سره): ج 9، ص 303
2- وسائل الشيعة، باب: 32 من أبواب المستحقين للزكاة حديث (5)

وعن كشف الغطاء: التأمل في حرمة سهم سبيل الله وسهم المؤلفة والرقاب، مع فرضهما بارتداد الهاشمي. أو كونه من ذريه أبي لهب، ولم يكن في سلسلة مسلم. وبتزويجه الأمة واشتراط رقية الولد عليه، على القول به. وكأنه للتعليل في بعض النصوص: بأنها أوساخ أيدي الناس، الدال على أن منعهم إياها تكريم لهم. وهو غير منطبق على سهم المؤلفة، لعدم استحقاقهم هذا الكريم، ولا على سهم الرقاب، لعدم تصرفهم فيه بوجه وإنما يدفع إلى المالك عوضا عن رقابهم. وأما تأمله في سهم سبيل الله فلأجل قيام السيرة على تصرفهم فيه كغيرهم في جملة من الموارد. لكن كان عليه التأمل أيضا في سهم الغارمين، لأن إفراغ ذمته كفك رقبته](1).

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(أما زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له، من غير فرق بين السهام أيضا، حتى سهم العاملين فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم)

فعلق السيد الحيكم قائلاً:

[اجماعاً بقسميه أيضاً كما في الجواهر، والنصوص به مستفيضة منها خبر الهاشمي المتقدم](2).

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(وكذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له، مع الاضطرار إليها).

فعلق السيد الحكيم قائلا:

ص: 259


1- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 304
2- مستمسك العروة الوثقى: ج 9، ص 305

[جماعا صريحا، وظاهرا محكيا عن جماعة. ويشهد له: موثق زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

«إنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلي إلى صدقة. إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم».

ثم قال:

((إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة، والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا، ويكون من يحل له الميتة، والصدقة لا تحل لاحد منهم إلا أن يجد شيئاً ويكون من يحل الميتة))](1).

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(وعدم كفاية الخمس وسائر الوجوه).

قال السيد الحكيم (قدس سره):

[ذا تفسير للضرورة المسوغة لدفع الزكاة إليه، والذي يقتضيه الموثق بقرينة تشبيه الزكاة بالميتة، وما في ذيله من قوله (عليه السلام):

«ويكون من يحل» الظاهر عطفه على «لا يجد»، فالمعنى حينئذ: والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن يكون من تحل له الميتة اعتبار الضرورة المسوغة لأكل الميتة.

((والمصرح به في كلام جماعة بل هو المشهور تفسيرها: بعدم التمكن من الخمس بل ادعى عليه جماعة الاجماع صريحا وظاهراً.

ص: 260


1- الوسائل للحر العاملي: باب: 33 من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 1

قال السيد (رحمه الله) في الانتصار: (ومما انفردت به الإمامية القول بأن الصدقة إنما تحرم علي بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضا عن الصدقة وإذا حرموه حلت الصدقة لهم، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه: الاجماع المتردد.

ويقوى هذا المذهب بظاهر الأخبار:

بأن الله تعالى حرم الصدقة علي بني هشام وعوضهم بالخمس منها، فإذا سقط ما عوضوه به لم تحرم عليهم الصدقة..).

وفي الغنية في شرائط المستحق والمظنون: أن الصدر هو الكلام الوارد في مقام بيان التحليل، وقد تم عند قوله (عليه السلام): «سعتهم»، وأن الكلام بعد ذلك كان كلاما منفصلا عن الأول، صدر لأمر ما، وليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة؛ وكيف كان فالاعتماد على الاجماعات المحكية في كلام الأساطين قوي جداً](1).

قال السيد اليزدي (قدس سره):

ولكن الأحوط حينئذ وأن لا يكون من بني هاشم، المستحقين للخمس، المتمكنين من أخذه بدليل الاجماع المتكرر؛ وفي الخلاف: تحل الصدقة لآل محمد (صلى الله عليه وآله) عند فوت خمسهم، أو الحيلولة بينهم وبين ما يستحقون من الخمس.

وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي. وقال الباقون من أصحابه: إنها لا تحل لهم، لأنها إنما حرمت عليهم تشريفا وتعظيما، وذلك حاصل مع

ص: 261


1- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 305 - 306

منعهم الخمس. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم؛ وفي المعتبر:

(قال علماؤنا: إذا منع الهاشميون من الخمس حلت لهم الصدقة، وبه قال الإصطخري. (إلى أن قال): لنا أن المنع إنما هو لاستغنائهم بأوقر المالين، فمع تعذره يحل لهم الآخر ..). وعن المنتهى: (إن فتوى علمائنا أجمع على جواز تناول الزكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم..). وفي الحدائق:

(لا خلاف بين الأصحاب على ما نقله غير واحد في جواز إعطائهم من

الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم..). ونحوها عن غيرها.

وعليه: فإن جاز الاعتماد على مثل هذه الاجماعات لم يكن وجه لاعتبار عدم كفاية سائر الوجوه.

اللهم إلا أن يكون ذكر الخمس في كلماتهم من باب المثال لكل مال يصح لهم أخذه، ومن زكاة الهاشمي، والصدقات المندوبة، ونحو ذلك. وذكره بالخصوص، لأنه الغالب. لكن يأباه التعليل في كلام السيد المرتضى وغيره، وإن كان المستند الموثق فظاهره كما سبق اعتبار الضرورة بنحو يحل له أكل الميتة، ولا يكفي قصور الخمس وغيره من الوجوه عن المؤنة. نعم صدره ظاهر في كفاية قصور الخمس وحده عنها. والجمع بين الصدر والذيل لا يخلو من إشكال. لكن البناء على ظاهر الذيل خلاف المقطوع به، فضلا عن أن يكون مخالفا للاجماع. بل الحل عند حل الميتة مما لا يحتاج إلى بيان، ولا يتفق وقوعه إلا نادرا، فكيف يمكن حمل النص عليه؟. الاقتصار على قدر

ص: 262

الضرورة يوماً فيوماً مع الامكان)(1).

قال السيد الحكيم (قدس سره):

[وعن بعض: أنه يأخذ كفاية السنة، إلا أن يرجى حصول الخمس في الأثناء، والذي يظهر من معاقد الاجماعات المتقدمة: أن ما يجوز أخذه من الصدقة مشروط بقصور الخمس وحينئذ فإن أحرز القصور وفي تمام السنة جاز أخذ مؤنة السنة، وإن لم يحرز ذلك اقتصر على المقدار المحرز فيه الشرط لا غير.

فلو أخذ أكثر لم يملكه ووجب رده، إلا أن ينكشف الاحتياج إليه].

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة).

فعلق السيد الحكيم (قدس سره) قائلاً:

[ما عن العلامة في القواعد، والمقداد في التنقيح، والمحقق الثاني في جامع المقاصد، والشهيد الثاني في الروضة والمسالك، والسيد في المدارك وغيرهم؛ وعن السيد والشيخ والمحقق والعلامة في جملة من كتبه:

عموم الحكم لمطلق الصدقة الواجبة، وربما يستظهر من الإنتصار والخلاف والمعتبر الاجماع عليه؛ واستشهد له: باطلاق النصوص المحرمة للصدقة. وفيه: أن الاجماع ولا سيما بملاحظة خلاف من عرفت ممنوع جداً.

وكذلك التمسك باطلاق النصوص، فإنه أيضا غير ظاهر، لاشتمال بعضها على التعليل بأنها أوساخ الناس؛ وذلك مختص بالزكاة، كما يشير إليه

ص: 263


1- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 307

قوله تعالى:

«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»(1).

فإن ذلك مقيداً للإطلاق؛ مضافاً إلى ما في جملة من النصوص من تخصيص المنع بها، مثل خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال (عليه السلام):

«هي الزكاة المفروضة، ولم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض»(2).

وخبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصدقة التي حرمت علي بني هاشم ما هي؟ فقال (عليه السلام):

«هي الزكاة». قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (عليه السلام): «نعم»(3).

ومصحح جعفر ابن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام): قلت له: أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال (عليه السلام):

«إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، هذه المياه عامتها صدقة»(4).

بناء على أن الظاهر من الصدقة الواجبة على الناس هي الزكاة، لأنها لكثرتها، وكثرة الابتلاء بها ترى كأنها واجبة على جميع الناس. ولذا ورد

ص: 264


1- التوبة، 103
2- وسائل الشيعة للحر العاملي، باب: 32 من ابواب المستحقين للزكاة، حديث: 4
3- وسائل الشيعة للحر العاملي، باب: 32 من ابواب المستحقين للزكاة، حديث: 5
4- وسائل الشيعة للحر العاملي، باب: 31 من ابواب المستحقين للزكاة: حديث 3

كثيرا في الكتاب والسنة إطلاق وجوبها، بخلاف غيرها من الصدقات الواجبة التي تجب على نوع خاص من الناس، مثل الكفارات الواجبة عند حدوث أسبابها، فلا يحسن التعبير عنه بمثل ذلك. والانصاف أن دعوى ظهورها في خصوص الزكاة غير بعيدة. ومنها يظهر ضعف التمسك بالرواية على دعوى المنع في مطلق الصدقة الواجبة، الشامل للكفارات وغيرها. ولو سلم عمومها لها أمكن الخروج عنه بالروايتين المتقدمتين، بناء على انجبار ضعف سندهما بالعمل من عرفت، المعتضدتين بما سبق، من تعليل تحريم الصدقة بأنها أوساخ الناس.

ثم إنه لو بني على الأخذ بعموم الرواية للصدقة الواجبة فالظاهر خروج المنذورة والموصى بها والصدقة بمجهول المالك ونحوها، مما لم يتعلق الوجوب فيه بالصدقة وإنما تعلق بعنوان آخر، وكانت الصدقة بعنوانها موضوعا للأمر الندبي لا غير، فإن الوجوب في الصدقة المنذورة تعلق بالوفاء بالنذر، وفي الموصى بها بالعمل بالوصية، وفي مجهول المالك بالنيابة عنه في الصدقة، وعنوان الصدقة في هذه الموارد ليس إلا موضوعا للأمر الندبي. ولذا لا يظن من أحد الالتزام بأن الصدقة على الهاشمي مستحبة، وأنه لا يجوز نذرها، ولا الوصية بها، فإن التعبد في هذه الموارد إنما يكون بالأمر الندبي الثابت قبل النذر الذي لا يزول بالنذر، لامتناع اقتضاء المعلول انتفاء العلة.

وفي مجهول المالك إنما يقصد المتصدق امتثال الأمر الندبي المتوج-ه إلى المالك. ولذا كان ذلك نحوا من الايصال إليه. وكذا الحال فيما لو وكله على الصدقة المندوبة، فإن الوجوب ليس متعلقا بالصدقة، وإنما يتعلق بعنوان آخر يكون لأجله داعيا إلى امتثال الأمر الندبي، الذي وكل على امتثاله

ص: 265

بالتصدق. وليس كذلك الحال في الكفارات والفطرة، فإن الوجوب ثابت فيهما بعنوان الصدقة، فيدخلان في الرواية على تقدير عمومها لغير الزكاة. ومما ذكرنا تعرف الاشكال فيما ذكره شيخنا الأعظم (رحمه الله)، من الفرق بين الصدقة الموصى بها والمنذورة وأن الثانية واجبة بالعرض دون الأولى](1).

قال السيد اليزدي (قدس سره): في بيان المحرم من الصدقات على بني هاشم من غير الهاشمي: (وزكاة الفطرة)(2).

فعلق السيد محسن الحكيم (قدس سره) قائلاً:

[إجماعا على المنع فيها، لعموم ما دلّ على المنع من الزكاة، الشامل لها.

بل في بعض الأخبار: أن أول زمان تشريع الزكاة لم تكن الزكاة حينئذ إلا زكاة الفطرة](3) (4).

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(وأما الزكاة المندوبة - ولو زكاة مال التجارة - وسائر الصدقات المندوبة فليست محرمة عليه، بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضا، كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء، والكفارات ونحوها - كالمظالم - إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين. وأما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشميا فلا إشكال أصلا. ولكن الأحوط في الواجبة عدم

ص: 266


1- مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم: ج 9 ص 307 - 309
2- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 309، المسألة: 21 في رابعا، من اصناف المستحقين
3- وسائل الشيعة، باب: 1 من ابواب زكاة الفطرة، حديث: 1
4- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 309

الدفع إليه. وأحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة)(1).

فعلق السيد الحكيم (قدس سره) قائلاً:

[فإنه وإن نفي الخلاف في عدم تحريمها كما في طهارة شيخنا الأعظم (رحمه الله)؛ وفي الجواهر: (الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه صريح وظاهرا فوق الاستفاضة، كالنصوص..) مشيرا بالنصوص إلى مصحح جعفر بن إبراهيم الهاشمي، وخبري الشحام وإسماعيل المتقدمة وغيرها فقد احتمل أو قيل بالمنع فيها أيضا، لاطلاق تحريم الصدقة علي بني هاشم لكن لا يصلح لمعارضة ما سبق. وما في نهج البلاغة من قوله (عليه السلام):

«أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ - فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ..»(2).

ظاهر في تحريم الصدقة المقابلة للزكاة على خصوص أهل البيت (عليهم السلام) - كما هو أحد القولين في الصدقة المندوبة لا مطلق الهاشمي. لكن في المعتبر: (قال علماؤنا: لا تحرم. وعلى ذلك أكثر أهل العلم.. (إلى أن قال): لنا: قوله (عليه السلام): «كل معروف صدقة».

وقد كان يستقرض، ويهدى له المال وكل ذلك صدقة. وربما فرق قوم بين ما يخرج على سبيل سد الخلة ومساعدة الضعيف طلبا للأجر، وبين ما جرت العادة بالتردد، كالقرض والهدية..) لكن من القريب أن يكون المراد من الصدقة في المقام الفداء المقصود به دفع البلاء.

وأما خبر إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري: (كنا نمر ونحن صبيان

ص: 267


1- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 310
2- نهج البلاغة ج 2 شرح محمد عبدة صفحة: 244

ونشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة، فدعانا جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال:

«يا بني لا تشربوا من هذا الماء واشربوا من مائي..»(1).

فليس للحرمة قطعا، لعدم بلوغ المخاطبين، ولا بد أن يكون للارشاد إلى أمر هناك].

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(في صدقة المالك المجهول الذي يدفع عنه إذا كان هاشميناً فقد ذهب إلى عدم الاشكال فيه اصلاً، لكنه (قدس سره) أحتاط في الزكاة الواجبة فقال بعدم الدفع إليه، واحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة)(2).

فعلق السيد الحكيم (قدس سره) قائلاً:

[كأن وجه الخصوصية وجود القول المعتد به في وجوبها، فتكون من الزكاة المفروضة](3).

قال السيد اليزدي (قدس سره):

(وأحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة، خصوصاً مثل زكاة مال التجارة)(4).

فعلق السيد الحكيم (قدس سره) في خصوص الاحتياط في زكاة مال

ص: 268


1- الوسائل باب: 31 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2
2- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 310
3- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 311
4- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 311

التجارة) فقال:

[لعموم دلیل حجیتھا، کا تقدم تقريبه في المياه](1).

المسألة الثانية: حكم صرف الزكاة أو الصدقة الواجبة على بني هاشم عند المذاهب الاخرى.

اتفق فقهاء المذاهب الإسلامية على حرمة صرف الزكاة لبني هاشم واختلفوا في شمول الحكم بني عبد المطلب، وموالي بني هاشم، وموالي مواليهم، وهي كالاتي:

أولاً: المذهب الزيدي.

ذهب فقهاء المذهب الزيدي إلى القول: بحرمة الزكاة الواجبة على بني هاشم عن غيرهم أو فيما بينهم، والحال يجري مجراه في مواليهم، وموالي ومواليهم؛ واختلفوا في حلية الصدقة المستحبة، لا في صدقة موالي بني هاشم، وقيل بعدم الحلية وانه مجمع على ذلك.

أما ما يخص العامل منهم في الزكاة فقيل: بجواز أخذ الاجرة وبجواز أن يعطى منها لغرض أن يؤلف قلبه، وجواز إعطائها للمضطر منهم، ولحقت الحرمة زكاة الفطرة والكفارات.

قال أحمد المرتضى (ت 840 ه) في كتاب شرح الأزهار:

(لا تحل في الهاشميين ومواليهم وموالي مواليهم ما تدارجوا وفى أحد وجهي أصش أنها تحل لمواليهم، وهو قول مالك. وروى عن الحقيني:

ص: 269


1- مستمسك العروة الوثقی: ج 9 ص 311

(ولو) كانت (من هاشمي)؛ وحكي في الشفاء عن زيد بن علي وابني الهادي والقاسم ابن علي العياني: انه يجوز صرف صدقات بني هاشم بعضهم في بعض؛ وحمله زيد على صدقة النفل، قال الأمير:

وهذا الحمل على خلاف الظاهر وإن كان الأولى عندي التحريم. قيل: ويأتي هذا الخلاف في صدقة بني هاشم لمواليهم، وفي صدقة مواليهم لمواليهم لا في صدقة موالي بني هاشم لبني هاشم، لان العلة تنزيههم عن منة الغير.

(ويعطى العامل والمؤلف) إذا كانا هاشميين أو من مواليهم (من غيرها) أي من غير الزكاة لأنها لا تجوز لهم بحال.

وقال الناصر: أنه يجوز أن يعطى الهاشمي على عمالته من الزكاة وقال الإمام يحيى والإمام علي بن محمد: أنه يجوز تأليف الهاشمي من الزكاة، قال مولانا (عليه السلام): وهو قوى من جهة القياس أن لم يصادمه اجماع.

(والمضطر من بني هاشم وهو الذي خشي التلف من الجوع أو نحوه إذا وجد الميتة والزكاة فإنه (يقدم) أكل (الميتة) ولا يأكل الزكاة مهما وجد الميتة فإن كان تناول الميتة يضره فإنه يتناول من الزكاة على سبيل الاستقراض ويرد ذلك متى أمكنه.

قال مولانا (عليه السلام): وظاهر كلام الهادي يقتضى بأن تقديم الميتة واجب وقيل: له بل هو على الاستحباب. وقال م بالله: له الميتة خير بينها وبين الزكاة، قال في التقرير: ولا يتأتى هذا الا إذا كانت الزكاة في يد الإمام أو المصدق لأنها في يد مالكها ليست بزكاة وفي يد الفقير قد خرجت عن كونها زكاة.

ص: 270

قال مولانا (عليه السلام): بل قد يتأتى ذلك في غير الإمام وذلك نحو أن يستهلك المالك تسعة أجزاء من الطعام ويبقى الجزء العاشر بنية الزكاة فإنه قد تعين للفقراء قبل اخراجه فقد صار زكاة وإن كان في يد المالك وكذا لو لم ينو المالك كونه زكاة.

(ويحل لهم ماعدا الزكاة والفطرة والكفارات) أما الزكاة والفطرة فواضح وأما الكفارات فقد دخل تحتها كفارة اليمين والظهار وكفارة افساد الحج وكفارة الصوم ودماء الحج كلها الا النفل ودم القران والتمتع لان ماعدا هذه الثلاثة تسمى كفارة ولو قد غلب على بعضها تسميته فدية وجزاء فهو في التحقيق كفارة لما ارتكب من محظورات الإحرام (و) يحل للهاشميين (أخذ ما أعطوه) أي أعطاهم أحد شيئا والتبس عليهم الحال هل هو زكاة أم هدية جاز لهم أخذه (ما لم يظنوه إياها أي ما لم يظنوا کون ذلك زكاة أو فطرة أو كفارة وسواء كان المعطي عالما كونه هاشميا أم غير عالم فلا عبرة الا بظن المستعطي)(1).

ثانياً: المذهب الشافعي.

أجمع فقهاء الشافعية على حرمة دفع الزكاة إلى هاشمی و مطلبي واختلفوا في مواليهم على قولين احدهما يدفع إليهم، والآخر لا يدفع إليهم.

وفي دفع الزكاة حين منع الخمس عنهم قالوا: بالجواز ايضاً.

أما في بعث الهاشمي والمطلبي للسعي في جمع الزكاة فقد ذهبوا إلى قولين، الأول: بُعد الجواز، والثاني بالجواز، وذلك لان ما يأخذه عوض عن العمل.

ص: 271


1- شرح الأزهار لأحمد المرتضى: ج 1 ص 521 - 524

وجاء ذلك في بيان الحافظ النووي للمسألة في المجموع، فقال:

(لا يجوز دفع الزكاة إلى هاشمي لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«نحن أهل البيت لا تحل لنا الصدقة».

ولا يجوز دفعها إلى مطلب، لقوله (صلى الله عليه وآله):

«ان بني هاشم وبني المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه».

ولأنه حکم واحد يتعلق بذوي القربی فاستوى فيه الهاشمي والمطلبي کاستحقاق الخمس؛ وقال أبو سعيد الإصطخري: إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم، لأنهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم.

والمذهب: الأول، لان الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس. وفي مواليهم وجهان (أحدهما) يدفع إليهم (والثاني) لا يدفع إليهم وقد بينا وجه المذهبين في سهم العامل).

(الشرح) الحديث الأول رواه البخاري ومسلم بمعناه ولفظ روایتهما عن أبي هريرة أن الحسن ابن علي (عليهما السلام) أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه؛ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كخ کخ». ليطرحها ثم قال: «أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة».

وفي رواية لمسلم: «إنا لا تحل لنا الصدقة».

وفي رواية البخاري: «أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة».

وعن المطلب بن ربيعة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

ص: 272

«إنّ هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» رواه مسلم وسبق بيانه بطوله في أول هذا الباب في بعث الامام للسعاة .

(واما) الحديث الآخر «إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد» وشبك بين أصابعه؛ فرواه البخاري في صحيحه من رواية جبیر بن مطعم (وقوله) (صلى الله عليه وآله وسلم): «شيء واحد». روی بشين معجمة مفتوحة وهمز آخره؛ وروي سي بسين مهملة مكسورة وياء مشددة بلا همز، والسين بالمهملة المثل.

(وأما) الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس قال:

بعث بي أبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إبل أعطاه إياها من الصدقة يبدلها (فجوابه) من وجهين أجاب بهما البيهقي:

أحدهما أن يكون قبل تحريم الصدقة علي بني هاشم ثم صار منسوخا بما ذکرناه (والوجه الثاني) أن يكون قد اقترض من العباس للفقراء إبلا، ثم أوفاه إياها من الصدقة. وقد جاء في رواية أخرى ما يدل على هذا وبهذا الثاني أجاب الخطابي والله تعالى أعلم.

أما قوله: وقد بينا وجه المذهبين في سهم العامل فمراده أنه بينه في أول الباب في فصل بعث السعاة ولم يذكره في سهم العامل وعبارته موهمة ولو قال في أول الباب لكان أجود.

(أما) الأحكام فالزكاة حرام على بني هاشم وبني المطلب بلا خلاف الا ما سبق فيما إذا كان أحدهم عاملا والصحيح تحريمه؛ وفي مواليهم وجهان (أصحهما) التحريم، ودليل الجميع في الكتاب ولو منعت بنوا هاشم وبنوا

ص: 273

المطلب حقهم من خمس الخمس هل تحل الزكاة فيه الوجهان المذكوران في الكتاب (أصحهما) عند المصنف والأصحاب لا تحل.

(والثاني): تحل وبه قال الإصطخري، قال الرافعي: وكان محمد ابن يحيى صاحب الغزالي يفتي بهذا، ولكن المذهب الأول وموضع الخلاف إذا انقطع حقهم من خمس الخمس لخلو بيت المال من الفئ والغنيمة أو لاستيلاء الظلمة واستبدادهم بهما والله تعالى أعلم)(1).

وقال النووي في حكم اعطاء الزكاة للعامل إذا كان هاشمياً:

(ولا يبعث هاشميناً ولا مطلبياً، ومن أصحابنا من قال: يجوز، لان ما يأخذه على وجه العوض والمذهب الأول لما روى أن الفضل بن العباس سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوليه العمالة على الصدقة فلم يوله، وقال:

«أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس».

وفي وفي مواليهم وجهان (أحدهما) لا يجوز لما روى أبو رافع قال (ولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلا من بنی مخذوم على الصدقة فقال اتبعني تصب منها فقلت حتى اسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألته فقال لي:

«إنّ مولي القوم من أنفسهم، وانا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة».

(والثاني) يجوز لان الصدقة إنما حرمت علي بني هاشم وبني المطلب للشرف بالنسب وهذا لا يوجد في مواليهم وهو بالخيار بين أن يستأجر

ص: 274


1- المجموع: ج 6 ص 227 - 228

العامل بأجرة معلومة ثم يعطيه ذلك من الزكاة وبين أن يبعثه من غير شرط ثم يعطيه أجرة المثل من الزكاة)(1).

ثالثًا: المذهب المالكي.

أجمع فقهاء المالكية على حرمة اعطاء الزكاة إلى الهاشمي في جميع أصناف مستحقي الزكاة، وقالوا في جواز اعطاؤها لبني عبد المطلب؛ وقالوا بجواز اعطائها لبني هاشم إذا منعوا حقهم، وقيده بعضم لو وصل الحال إلى اكل الميتة، وقيل: إنّ الظاهر خلافه، وانهم يعطون عند الاحتياج؛ أما الصدقة المستحبة جائز.

قال الدسوقي: (ت: 1230 ه)

(وعدم بنوة هاشم شرط في الجميع)(2)، و (لا يشترط في أخذ الزكاة عدم بنوة المطلب فیجوز أعطاؤها لمن للمطلب عليه ولادة.

قوله: (أخو هاشم)، أي: هو أبو عبد المطلب، فعبدالمطلب ابن اخي المطلب و كان عبد المطلب اسمه شيبة الحمد و كان في لونه سمرة ومات هاشم أبوه وهو صغير فكفلة عمه المطلب، وكان يردفه خلفه فظن لسمرة لونه أنه عبده فقيل عبد المطلب)(3) أنتهي قوله.

أقول:

أما في حال عدم اعطائهم حقهم فقد اختلفوا في حد الجواز في أخذ

ص: 275


1- المجموع: ج 6 ص 167
2- حاشية الدسوقي : ج 1 ص 492
3- حاشية الدسوقي: ج 1 ص 493

الزكاة الواجبة إلى قولين، الأول: اشترطوا فيه أن يكون حال الهاشمي من الضرر ان يأكل الميته، والقول الآخر بخلاف الأول، أي عدم شرطية وصول الحال إلى أكل الميتة، وهو الأظهر عند المالكية.

قال الدسوقي:

(أن محل عدم اعطاء بني هاشم منها إذا أعطوا ما يستحقونه من بیت المال؛ فإن لم يعطوا وأضر بهم الفقر أعطوا منها؛ وعطاؤهم حينئذ أفضل من إعطاء غيرهم؛ وقيده الباجي: بما أذا وصلوا لحالة يباح لهم فيها أكل الميتة لا مجرد ضرر، والظاهر خلافه، أنهم يعطون عند الاحتياج ولو لم يلوا لحالة إباحة أكل الميتة إذا اعطاؤهم أفضل من خدمتهم لذمي أو ظالم)(1).

أقول:

أما صدقة التطوع فقد ذهبوا إلى جواز أعطائها لبني هاشم ولكن قید بالكراهة، وقال بعضهم بالحرمة ايضاً.

قال الدسوقي:

(وأما صدقة التطوع فيجوز لهم أخذها مع الكراهة على المعتمد، وما يأتي في الخصائص من حرمتها عليهم ايضاً فهو ضعيف)(2).

رابعاً: المذهب الحنفي.

ذهب فقهاء الحنفية إلى القول بحرمة الزكة على بني هاشم، وكذلك

ص: 276


1- حاشية الدسوقي: ج 1 ص 493
2- حاشية الدسوقي : ج 1 ص 493

حرمة أن يكون الساعي هاشمياً.

قال السرخسي (ت: 483 ه):

(إن في أداء الصدقة معنى التطهير والتنزيه، وفي الأخذ تلويث وقد سمی رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصدقة أوساخ الناس، وسماها غسالة، فقال:

«يا معشر بني هاشم إنّ الله تعالى كره لكم غسالة الناس». يعني الصدقة ويدل عليه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يباشر الاعطاء بنفسه، وكان أخذ الصدقة لنفسه حراما عليه كما قال (صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«لا تحل الصدقة لمحمد وآل محمد».

وتكلم الناس في حق سائر الأنبياء عليهم فمنهم من يقول ما كان يحل أخذ الصدقة لسائر الأنبياء عليهم السلام ولكنها كانت تحل لقراباتهم ثم إن الله أكرم نبینا (صلى الله عليه وآله وسلم) بان حرم الصدقة على قرابته إظهارا الفضله لتكون درجتهم في هذا الحكم كدرجة الأنبياء (عليهم السلام).

وقيل بل كانت الصدقة تحل لسائر الأنبياء وهذه خصوصية لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيفما كان يجوز أن يقال في تحريم الصدقة عليه أعلى الدرجات معنى الكرامة والخصوصية له فلو كان الاخذ أفضل من الاعطاء بحال لما كان في تحريم الاخذ عليه وعلى أهل بيته معنی الخصوصية والكرامة)(1)

ص: 277


1- المبسوط للسرخسي: ج 30 ص 274 - 275

وفي عدم جواز أن يكون العامل في الزكاة هاشمياً؛ قال ابو بكر الكاشني (ت: 587 ه):

(ولو كان العامل هاشميا لا يحل له عندنا، وعند الشافعي يحل واحتج بما روى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث عليا (عليه السلام) إلى اليمن مصدقا وفرض له ولو لم يحل للهاشمي لما فرض له ولان العمالة أجرة العمل بدليل انها تحل للغنی فیستوي فيها الهاشمي وغيره، ولنا ما رويَ: أن نوفل بن الحارث بعث ابنيه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليستعملهما على الصدقة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا تحل لكما الصدقة، ولا غسالة الناس».

ولأن المال المجبي صدقة ولما حصل في يد الامام حصلت الصدقة مؤداة حتى لو هلك المال في يده تسقط الزكاة عن صاحبها وإذا حصلت صدقة والصدقة مطهرة لصاحبها فتمكن الخبث في المال فلا يباح للهاشمي لشرفه صيانة له عن تناول الخبث تعظيما لرسول الله (صلى الله عليه وآله مسلم).

أو نقول للعمالة شبهة الصدقة وانها من أوساخ الناس فيجب صيانة الهاشمي عن ذلك كرامة له وتعظيما للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا المعنى لا يوجد في الغنى وقد فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية والغنى لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل انه يباح له وإن كان غنيا ملكا فكذا هذا، وقوله إن الذي يعطي للعامل أجرة عمله ممنوع وقد بينا فساده.

وأما حديث علي (عليه السلام) فلا حجة فيه لان فيه أنه فرض له وليس فيه بيان المفروض انه من الصدقات أو من غيرها فيحتمل أنه فرض له من

ص: 278

بیت المال لأنه كان قاضيا والله أعلم)(1).

خامساً: المذهب الحنبلي.

أجمع فقهاء المذهب الحنبلي على حرمة الصدقة على بني هاشم؛ أما في كون العامل في الزكاة هاشمياً فقد اختلفوا فيه إلى قولين، الأول: بعدم الجواز، والثاني: بالجواز بلحاظ أنها أجرة عمله.

- أما صدقة التطوع، فقيل: بالجواز.

قال ابن قدامة المقدسي (ت 620 ه):

(لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة؛ وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله):

«إنّ لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس». أخرجه مسلم.

وعن أبي هريرة، قال:

((أخذ الحسن - عليه السلام - تمرة من تمر الصدقة، قال النبي (صلى الله عليه وآله): ((کخ، کخ)) ليطرحها؛ وقال:

«أما شعرت إنا لا ناكل الصدقة» - متفق عليه -)

أقول:

أما في إعطاء الزكاة المفروضة لموالي بني هاشم، فقد ذهب الحنابلة إلى قولين، الأول بالحرمة والثاني: بالجواز؛ قال ابن قدامة:

(ولا لمواليهم؛ يعني: أن موالي بن هاشم، وهم من اعتقهم هاشم لا

ص: 279


1- بدائع الصانع لابي بكر الكاشاني: ج 2 ص 44

يعطون من الزكاة، وقال اكثر العلماء: يجوز لانهم ليسوا بقرابة النبي (صلى الله عليه وآله). فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس، ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس فانهم لا يعطون منه فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس.

ولنا ما روى أبو رافع أن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: أصحبني كيما تصيب منها؟ فقال: لا، حتی آتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسأله، فانطلق إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله، فقال:

«إنّا لا تحل لنا الصدقة، وإن موالي القوم منهم».

أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم وقولهم انهم ليسوا بقرابة قلناهم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«الولاء لحمة كلحمة النسب»

وقوله: «موالي القوم منهم».

وثبت فيهم حكم القرابة من الإرث والعقل والنفقة فلا يمتنع ثبوت حکم تحريم الصدقة فيهم)(1).

أقول:

أما اعطاء الزكاة لبني المطلب فقد اختلفوا على قولين، الأول بالجواز والثاني بالحرمة.

ص: 280


1- المغني لابن قدامة: ج 2 ص 519

قال ابن قدامة:

(فأما بنو المطلب فهل لهم الاخذ من الزكاة؟ على روايتين (إحداهما) ليس لهم ذلك نقلها عبد الله بن أحمد وغيره لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«انا وبنو المطلب لم نفرق في جاهلية ولا إسلام إنا نحن وهم شئ واحد».

وفي لفظ رواه الشافعي في مسنده: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» وشبك بين أصابعه، ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فلم يكن لهم الاخذ كبني هاشم، وقد أكد ذلك ما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علل منعهم الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس فقال «أليس في خمس الخمس ما يغنيكم؟».

(والرواية الثانية) لهم الاخذ منها وهو قول أبي حنيفة لأنهم دخلوا في عموم قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ» الآية، لكن خرج بنو هاشم لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد».

فيجب أن يختص المنع بهم، ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأشرف وهم آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل أن بنى عبد شمس وبني نوفل يساوونهم في القرابة ولم يعطوا شيئا، وإنما شاركوه بالنصرة أو بهما جميعا والنصرة لا تقتضي منع الزكاة)(1).

ص: 281


1- المغني: ج 2 ص 519 - 520

أقول:

وأما في العمالة في الزكاة فقيل: بجواز اخذها بعنوان الأجرة، وذهب بعض فقهائهم إلى عدم الجواز.

قال المقدسي:

(وظاهر قول الخرقي ههنا أن ذري القربى يمنعون الصدقة وإن كانوا عاملين، وذكر في باب قسم الفي والصدقة ما يدل على إباحة الاخذ لهم عمالة وهو قول أكثر أصحابنا لأن ما يأخذونه أجر فجاز لهم أخذه كالمحال وصاحب المخزن إذا أجرهم مخزنه، ولنا حديث أبي رافع وقد ذكرناه وما روی مسلم باسناده أنه اجتمع ربيعة الحارث والعباس ابن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا ما يصيب الناس، فبينما هما في ذلك إذ جاء علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوقف عليهما فذكرا له ذلك، قال علي:

«لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل» فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال:

والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، قال فألقى علي رداءه ثم اضطجع ثم قال:

«أنا أبو الحسن والله لا أريم مكاني حتى يرجع اليكما ابنا كما بخبر ما بعثتما به إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)» فذكر الحديث - إلى أن قال - فأتيا رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالا: يا رسول الله: أنت أبر الناس وأصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات

ص: 282

فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصیب کما يصيبون، فسکت طويلا ثم قال:

«إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس».

وفي لفظ أنه قال: «إن الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنما لا تحل لحمد ولا لآل محمد»(1).

أقول:

أما صدقة التطوع فذهب الحنابلة إلى القول: بجواز أخذ صدقة التطوع وصرفها على بني هاشم.

قال المقدسي:

(لا يجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع؛ قال أحمد في رواية ابن القاسم:

إنما لا يعطون من الصدقة المفروضة فأما التطوع فلا. وعن أحمد رواية أخرى أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضا لعموم قوله (صلى الله عليه وآله): «انها لا تحل لنا الصدقة» والأول أظه، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«المعروف كله صدقة» متفق عليه.

وقال الله تعالى: «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» وقال تعالى: «فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي والعفو عنه وإنظاره.

ص: 283


1- المغني: ج 2 ص 520 - 521

وقال أخوة يوسف: «وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا» والخبر أريد به صدقة الفرض لأن الطلب كان لها والألف والام تعود إلى المعهود.

وروی جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقلت له أتشرب من الصدقة، فقال:

«إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة». ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ومن النذور، لأنهما تطوع فأشبه ما لو وصى لهم، وفي الكفارة وجهان (أحدهما) يجوز لأنها ليست بزكاة، ولا هي أوساخ الناس فأشبهت صدقة التطوع (والثاني) لا يجوز لأنها واجبة أشبهت الزكاة)(1).

سادساً - المذهب الإباضي.

أجمع فقهاء المذهب الإباضي على حرمة الزكاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى بني هاشم، وبني المطلب؛ وذلك لوجوب هذه الحرمة وتنزيه منصب النبي (صلى الله عليه وآله) من أوساخ أموال الناس، ويحلق بهذه العلة تحريم صدقة التطوع عليه أيضاً لأنها مقارنة الخضوع لها ولصاحبها ممن يأخذها.

وفي عنوان الساعي للزكاة ذهب الإباضية إلى حرمة كون آله (عليهم السلام) عمالاً، وحرمة صرف النذر والكفارة إليهم، أما صرف صدقة التطوع اليهم فجائز.

قال محمد بن يوسف أطفيش:

ص: 284


1- المغني: ج 2، 521

(ولا يجوز اعطاء الزكاة لبني هاشم وبني المطلب، ولا لمولاهم إلا إن منعوا من الخمس من الغنيمة كهذا الزمان)(1).

(وحرمة الصدقة، أي الزكاة عليه وعلى آله - (صلى الله عليه وآله) - بني هاشم وبني المطلب أما وجوباً وأما تنزيها صيانة لمنصبه من أوساخ أموال الناس والصحيح تحريم صدقة التطوع عليه ايضاً، أي غير الزكاة لأنها: هي ما قارنة الخضوع لها ولصاحبها ممن يأخذها، ومنصب النبوة أعلى عن ذلك.

وذُكر أن الصحيح تحريم كون آله عمالاً على الزكاة وصرف النذر والكفارة إليهم، وأن الصحيح صرف صدقة التطوع إليهم)(2).

المسألة الثالثة: خلاصة القول في ما أورده فقهاء المذاهب الإسلامية في المسألة.

أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية السبعة على حرمة الزكاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله، وبني هاشم، وكذا الصدقات الواجبة كالنذور والكفارات، وأحلت لهم صدقة التطوع.

أما سريان الحرمة في الصدقة المفروضة على بني عبد المطلب وموالي بني هاشم، وموالي مواليهم، واباحتها فيما بين بني هاشم، وفي حال منعهم الخمس؛ أو اتخاذهم في العمل والسعي لجمع الزكاة، فقد اختلفت أقوال الفقهاء في ذلك.

ص: 285


1- شرح كتاب النيل وشفاء العليل: ج 3 ص 228، نشر مكتبة الارشاد. جدة ودار الفتح بيروت، الطبعة الثانية لسنة 1973 م
2- شرح كتاب النيل لمحمد اطفيش: ج 6 ص 11

وهي كالاتي:

أولاً: ذهب فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) إلى: حرمة الزكاة على بني هاشم حصراً ولا تختص الحرمة في صرف الزكاة إلى بني عبد المطلب، ولا موالي بني هاشم أو مواليهم، فيجوز صرفها لهم.

ووافقهم في ذلك المالكية فقد حصروا الحرمة في صرف الزكاة لبني هاشم فقط.

وبه قال الحنفية ايضاً.

ثانيًا: ذهب الشافعية والإباضية (بالأجماع) إلى حرمة الزكاة على بني هاشم وبني عبد المطلب.

ثالثًا: أما في حرمة الزكاة على موالي بني هاشم، وبني عبد المطلب، وموالي مواليهم، فقد قال به: الزيدية.

وذهب الشافعية إلى قولين أحدهما: الحرمة، والآخر: بالجواز في الموالي.

وقال أكثر فقهاء الحنابلة: بجوازها على الموالي.

رابعًا: وفي حرمة زكاة الفطرة من غير الهاشمي، فقد قال به: فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) وأجمعوا على ذلك، وبه قال بقية المذاهب الستة.

خامسًا: وفي حرمة بقية الصدقات الواجبة كالنذور والكفارات، فقد قال بالحرمة في صرفها لبني هاشم وبني عبد المطلب: الزيدية، والإباضية، والحنفية، فقد قالوا: بالإطلاق لكونها أوساخ الناس، وبه قال: المالكية، والحنابلة.

سادسًا: وفي جواز صرف الزكاة فيما بين بني هاشم فقد أنفرد به الإمامية.

ص: 286

سابعًا: وتحل الزكاة على الهاشمي والمطلبي إذا منعوا الخمس وبه قال الإمامية، والزيدية، والإباضية، والشافعية.

واختلف المالكية على قولين، كان الأظهر: الجواز.

وسكت عن المسألة الحنابلة.

وذهب الحنفية إلى جوازها في بني عبد المطلب فقط إذا منعوا الخمس، وحرمتها في بني هاشم ولو مع الاضطرار.

ثامنًا: وفي حلية صدقة التطوع وجواز صرفها لبني هاشم، فقد قال فقهاء الأمامية بالجواز، والاحوط العدم.

واختلف الزيدية على قولين، أحدهما عدم الحلية وأنه مجمع على ذلك عندهم؛ وقال المالكية بالحلية المقيدة بالكراهة، وقیل بالحرمة.

وقال الحنفية: بالحرمة.

وذهب الحنابلة إلى جواز صرف صدقة التطوع.

وقال الإباضية بحليتها على بني هاشم، وحرمتها على النبي (صلى الله عليه وآله).

تاسعًا- وفي سهم العاملين وجواز عمالة الهاشمي والسعي في الزكاة فقد تباينت أقوال فقهاء المذاهب السبعة، وهي كما يلي:

أ- فقد ذهب الإمامية إلى القول بالجواز، ولكن قيد العمل في جباية صدقات بني هشام.

ب- وقال الزيدية بالجواز واخذ الاجرة على ذلك.

ص: 287

ج- واختلف الشافعية على قولين، الأول: بالحرمة، والثاني: بالجواز لكونه عوض عن العمل؛ وكذا الحال في موالي بني هاشم وبني عبد المطلب: فقيل بعدم الجواز في ارسالهم لجمع الزكاة، وقيل: يجوز.

د- وقال فقهاء الحنفية: بحرمة أن يكون الساعي هاشمياً، فلا يحل له العمل في الزكاة.

ه- واختلف الحنابلة في المسألة على قولين، الأول: الجواز، والثاني: الحرمة.

ي- وذهب الإباضية إلى القول بالحرمة.

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ، أَمْ زَكَاةٌ، فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ».

تناول شرح نهج البلاغة هذا النص الشريف واظهروا ما ورد فيه من معان ودلالات ومعارف عديده، فكانت أقوالهم كالاتي:

أولاً: أبن ميثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(وقوله: وأعجب من ذلك. إلى قوله: أم تهجر:

أي وأعجب من عقيل وحاله طارق طرقنا، والطارق: الآتي ليلا، وكنّى بالملفوفة في وعائها عن الهديّة. وقيل: كان شيئا من الحلواء كالفالوذج أو

ص: 288

الحنبص ونحوه، ونبّه بقوله: شنئتها:

على بعضه للأمور اللذيذة الدنيويّة ونفرته عنها زهدا فيها، ووجه تشبيهها بما عجن بريق الحيّة أو قيئها هو ما في تصوّره في قبولها من الفساد وما قصد بها مهديها في طلب الميل إليه المستلزم للظلم والجور عن سبيل الله فإنّ القصد الذي اشتمل عليه كالسمّ المهلك، وأمّا كون وجه كون المهدى أعجب من عقیل فلأنّ عقيلا جاء بثلاث وسایل كلّ منها يستلزم العاطفة عليه: وهی الأخوّة والفاقة وكونه ذا حقّ في بيت المال، وهذا المهدى إنّما أدلى بهديّته.

فأمّا قوله في جوابه: فقلت له. إلى قوله: أهل البيت:

فإنّه أراد به حصر وجوب البرّ في العرف لأنّ التقرّب إلى الله ببذل المال لعباده إمّا صلة رحم أولا، والثاني فإمّا على وجه الصدقة أو الزكاة الواجبة ولم يذكر الهديّة لأنّه لم يكن في وهم عاقل قبول عليّ (عليه السّلام) لها خصوصا زمان خلافته، وذلك أنّ مطلوب العاقل منه بالهديّة إمّا حقّ أو باطل، والحقّ لا يحتاج فيه إلى الهديّة والباطل لا يفعله بوجه، ولذلك لمّا قال له الطارق: إنّها هديّة. دعا عليه ونسبه إلى الجنون والهذيان، ولمّا قسّم عليه وجوب البرّ أبطل قسمين منها بقوله: فذلك محرّم علينا أهل البيت: وأراد الصدقة والزكاة.

وأمّا صلة الرحم فلم يحتجّ إلى إبطالها لأنّ الطارق لم يكن ذا رحم له، وقول الطارق: لا هذا ولا ذاك. يجري في مجرى إبطال الحصر بإبراز قسم رابع هو الهديّة)(1).

ص: 289


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم: ج 4 ص 86

ثانيا: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه).

قال في بيان النص الشريف:

(قوله: (قوله (بملفوفة في وعائها):

كان أهدى له الأشعث بن قيس نوعا من الحلواء تأنق فيه وكان عليه السلام يبغض الأشعث لان الأشعث كان يبغضه وظن الأشعث انه يستميله بالمهاداة لغرض دنيوي كان في نفس الأشعث وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفطن لذلك ويعلمه ولذلك رد هدية الأشعث ولولا ذلك لقبلها لان النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الهدية.

وقد قبل علي (عليه السلام) هدايا جماعة من أصحابه ودعاه بعض من كان يأنس إليه إلى حلواء عملها يوم نوروز، فأكل، وقال:

«لم عملت هذا» فقال لأنه يوم نوروز فضحك، وقال:

«نورزوا لنا في كل يوم إن استطعتم».

وكان (عليه السلام) من لطافة الأخلاق وسجاحة الشيم على قاعدة عجيبة جميلة ولكنه كان ينفر عن قوم كان يعلم من حالهم الشنان له وعمن يحاول إن يصانعه بذلك عن مال المسلمين وهيهات حتى يلين لضرس الماضغ الحجر. وقال بملفوفة في وعائها لأنه كان طبق مغطى.

ثم قال: (ومعجونة شنئتها):

أي أبغضتها ونفرت عنها كأنها عجنت بريق الحية أو بقيئها وذلك أعظم الأسباب للنفرة من المأكول. وقال الراوندي وصفها باللطافة فقال كأنها

ص: 290

عجنت بريق الحية وهذا تفسير أبعد من الصحيح.

قوله: (اصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت):

الصلة العطية لا يراد بها الاجر بل يراد وصلة التقرب إلى الموصول وأكثر ما تفعل للذكر والصيت والزكاة هي ما تجب في النصاب من المال. والصدقة هاهنا هي صدقة التطوع وقد تسمى الزكاة الواجبة صدقة الا انها النافلة.

هي فإن قلت: كيف قال: (فذلك محرم علينا أهل البيت):

وإنما يحرم عليهم الزكاة الواجبة خاصة ولا يحرم عليهم صدقة التطوع ولا قبول الصلات قلت أراد بقوله:

(أهل البيت) الاشخاص الخمسة محمدا وعليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم السلام) فهؤلاء خاصه دون غيرهم من بني هاشم محرم عليهم الصلة وقبول الصدقة واما غيرهم من بني هاشم فلا يحرم عليهم الا الزكاة الواجبة خاصة.

فإن قلت: كيف قلت إن هؤلاء الخمسة يحرم عليهم قبول الصلات وقد حسن وحسين (عليهم السلام) يقبلان صلة معاوية؟

قلت: كلا لم يقبلا صلته ومعاذ الله أن يقبلاها وإنما قبلا منه ما كان يدفعه إليهما من جملة حقهما من بيت المال فان سهم ذوي القربى منصوص عليه في الكتاب العزيز ولهما غير سهم ذوي القربى سهم آخر للإسلام من الغنائم)(1).

ص: 291


1- شرح نهج البلاغة: ج 11 ص 248 - 249

ثالثاً: السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) بعد أن أورد حديث المعتزلي فقال:

(أقول: أمّا الصلاة فلم يقل أحد بحرمتها عليهم عليهم السّلام ولا على غيرهم من الهاشميّين، وأمّا الصدقة المندوبة فكذلك على مذهب المشهور من أصحابنا، فلا بدّ في رفع الاشكال من جعل المشار إليه بقوله فذلك أحد الأخيرين أعنى الزّكاة والصدقة أو الصدقة المستحبّة مع البناء على مذهب بعض الأصحاب من تحريمها عليهم أيضا وجعل المراد بالصدقة الكفّارات الواجبة.

ويؤيّد ذلك أعنى كون الإشارة إلى أحد الأخيرين فقط جواب الأشعث بقوله: لا ذا ولا ذاك، حيث نفي الاثنين من الثلاث دون الثلاث جميعا، فيكون قوله: ولكنّها هدّية بمعنى أنّها صلة.

وعلى كون المشار إليه جميع الثلاث فاللَّازم حمل الصّلة على ما كان على وجه المصانعة والرّشوة، وعلى كون المراد بالصدقة صدقة التّطوع والبناء على مذهب المشهور فلا بدّ من ارتكاب المجاز في التّحريم، وحمل قوله (عليه السّلام): محرّم على ما يعمّ الكراهة والحرمة المصطلحة، فافهم جيّدا)(1).

وعليه: فهذا آخر ما تعلق بمبحث الصدقة الواجبة، اما صدقة التطوع، فهي كالاتي:

ص: 292


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج 14 ص 296

المبحث الثاني الصدقة المندوبة

قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في الحث على الصدقة المندوبة وبيان فضلها وأثارها:

1- في وصيته لولده الحسن (علیه السلام)، قال:

«وَ إِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْفَاقَةِ مَنْ یَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَی یَوْمِ اَلْقِیَامَةِ، فَیُوَافِیكَ بِهِ غَداً حَیْثُ تَحْتَاجُ إِلَیْهِ، فَاغْتَنِمْهُ وَ حَمِّلْهُ إِیَّاهُ، وَ أَکْثِرْ مِنْ تَزْوِیدِهِ وَ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَیْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ، وَ اِغْتَنِمْ مَنِ اِسْتَقْرَضَكَ فِی حَالِ غِنَاكَ، لِیَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِی یَوْمِ عُسْرَتِكَ»(1).

2- وقال عليه الصلاة والسلام:

«اِسْتَنْزِلُوا اَلرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ»(2).

3- وقال عليه الصلاة والسلام:

«إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللَّهَ بِالصَّدَقَةِ»(3).

4- وقال عليه الصلاة والسلام:

ص: 293


1- نهج البلاغة، بتحقيق صبحي الصالح: من وصية له للحسن (علیه السلام): ص 398
2- الحكمة: 137
3- الحكمة: 258

«مَنْ أَیْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِیَّةِ»(1).

5- وقال عليه الصلاة والسلام:

«تَنْزِلُ اَلْمَعُونَهُ عَلَی قَدْرِ اَلْمَئُونَةِ»(2).

6- وقال عليه الصلاة والسلام:

«اَلصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ»(3).

7- وقال عليه الصلاة والسلام:

«مَنْ یُعْطَ بِالْیَدِ اَلْقَصِیرَةِ یُعْطَ بِالْیَدِ اَلطَّوِیلَةِ»(4).

8- وقال عليه الصلاة والسلام:

«وَصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ، وَصَدَقَةُ الْعَلاَنِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ»(5).

9- وقال عليه الصلاة والسلام:

«لاَ تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِیلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ»(6).

10- وقال عليه الصلاة والسلام:

«إِنَّ اَلْمِسْکِینَ رَسُولُ اَللَّهِ فَمَنْ مَنَعَهُ فَقَدْ مَنَعَ اَللَّهَ وَ مَنْ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَی اَللَّهَ»(7).

ص: 294


1- الحكمة: 138
2- الحكمة: 139
3- الحكمة: 7
4- الحكمة: 232
5- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ومن خطبة له في أركان الدين، رقم 10
6- الحكمة: 67
7- الحكمة: 304

اهتمت المدارس الفقهية لا سيما مدرسة الإمامية (أعلى الله شأنهم) بالصدقة المندوبة أو صدقة التطوع، وذلك لما ورد فيها من أحاديث شريفة كثيرة عن ائمة العترة النبوية الطاهرة ابتداءً من أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وانتهاءً بالإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري (سلام الله عليهم أجمعين).

مما يكشف عن اهتمامهم (عليهم السلام) الكبير بالصدقات المندوبة، والحث عليها، وبيان فضلها واهميتها واثارها الاخروية والدنيوية في التواصل، والتراحم، والتعاون على البر، وصلة الرحم، وانعكاس ذلك على التعايش المجتمعي وبناء النسيج الاجتماعي؛ فضلاً عن أثارها على المستوى الشخصي في استنزال الرزق والعافية، ودفع البلاء بشتى أنواعه وأشكاله، وإنهاء الصفات النفسية الكريمة.

إما بقية المدارس الفقهية فقد تفاوتت في حجم الاهتمام والحث على الصدقة حتى تكاد لا تذكر، كما في المذهب الحنفي، والمالكي، إلا بشيء يسير كما سيمر بيانه.

أما المذهب الشافعي، والحنبلي، والزيدي، فقد أفرد الفقهاء باباً للصدقة المندوبة أو صدقة التطوع والحث عليها وبيان احكامها.

وعليه:

فقد كانت أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في كتاب الصدقة المندوبة على النحو الآتي: الذي سنورده في المسألة الثانية.

ص: 295

المسألة الأولى: الصدقة في اللغة والشريعة.

أولاً: الصدقة لغة:

ورد لفظ (الصدقة) في اللغة بمعنى أقرب ما يكون إلى الاصطلاح فقال ابن منظور (ت: 711 ه):

(والصَّدقة: ما تصدَّقت به على الفقراء؛ والصَّدقة: ما اعطيته في ذات الله للفقراء.

والمُتصدّق: الذي يعطي الصدقة.

والصَّدقة ما تصدَّقت به على مسكين، وقد تصدق عليه؛ وفي التنزيل: وتصدق علينا، وقيل: معنى تصدق ههنا تفضل بما بين الجيّد والرديء كأنهم يقولون اسمح لنا قبول هذه البضاعة على رداءتها أو قلّتها)(1).

وتناولها الزبيدي (ت: 1205 ه) بمزيد من البيان، فقال:

(والصّدقة: محركة: ما اعطيته في ذات الله تعالى للفقراء؛ وفي الصحاح: ما تصدقت به على الفقراء؛ وفي المفردات: الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزّكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به، والزكاة تقال للواجب.

وقيل يسمى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبه الصدق في فعله.

قال الله عز وجل:

ص: 296


1- لسان العرب لابن منظور: ج 10 ص 196

«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً»(1)، وكذا قوله تعالى:

«إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ»(2)، ...)(3).

ثانياً: تعريف الصدقة في الشريعة.

لم اعثر على تعريف للصدقة في مصنفات فقهاء المذاهب الستة - بما توفر لدي من مصادر - سوى المذهب الإمامي.

فقد عرّفها الشهيد الأول (ت: 786 ه) فقال:

(وهي العطية المتبرع بها بالإصالة من غير نصاب للقربة)(4).

وقال ابن ادريس الحلي (ت: 598 ه) في السرائر؛ والعلامة الحلي (ت: 726 ه) (عليها الرحمة والرضوان) في التحرير:

(الهبة والهداية والصدقة بمعنى واحد، غير أنه إذا قصد الثواب والتقرب بالهبة إلى الله تعالى سميت صدقة؛ فإذا قبضها لا يجوز له الرجوع فيها بعد الإقباض على كل من تصدق عليها بها؛ وإذا قصد بها التودد والمواصلة لا التقرب إلى الله تعالى سميت هدية وهبة)(5).

ص: 297


1- التوبة،: 103
2- التوبة،، 60
3- تاج العروس: ج 13 ص 264
4- الدروس الشرعية: ج 1 ص 254
5- السرائر لابن ادريس الحلي: ج 3 ص 172؛ تحرير الاحكام للعلامة الحلي: ج 3 ص 273؛ المناهل للسيد محمد بن علي الطباطبائي (رحمه الله): ص 482

المسألة الثانية: الصدقة المندوبة في المذهب الإمامي.

ونكتفي في بيان ما ورد فيها من أحكام في المذهب الإمامي بقول السيد محمد كاظم اليزدي، ثم نعرّج إلى بقية المذاهب الاخرى؛ وهي كالاتي:

السيد اليزدي (ت 1337 ه):

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(الصدقة: بالمعنى الأخصّ والمشهور المدّعى عليه الإجماع كما عن ظاهر جماعة(1): أنّها تفتقر إلى إيجاب وقبول، بل عن بعضهم(2): أنّه يعتبر فيها ما يعتبر في العقد اللازم، والأقوى عدم اعتبار اللفظ فيها، بل عدم اعتبار القبول، فلا يلزم في تحقّقها أن يعلم الآخذ أنّها صدقة فيقبلها بهذا القصد، وأيضاً تصحّ بدسّها في ماله وتصحّ بالدفع إلى الطفل والمجنون فهي إعطاء شيء مجّاناً بقصد القربة، ويمكن حمل كلام المشهور على صدقة مثل الدار والبستان ونحوهما لا مثل درهم وأزيد وكسرة خبز ونحوهما من الجزئيّات، مع أنّه أيضاً لا دليل عليه ولا إشارة في شيء من الأخبار على اعتبار اللفظ فيها على كثرتها، فما أدري من أين اشترطوا فيها الإيجاب والقبول وجعلوها من القيود.

ويشترط فيها القربة فلو أعطى لا بقصدها لم تكن صدقة. ويشترط أيضاً

ص: 298


1- منهم المحقق في الشرائع 2: 222، والحلي في الجامع للشرائع: 367، والسبزواري في كفاية الأحكام: 142 س 38
2- منهم الحلي في السرائر 3: 177، والعلّامة في القواعد 2: 404، والكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 231، المفتاح 262

القبض، والمشهور اعتبار كونه بإذن المتصدّق، لكن لا دليل عليه، وكونه منهيّاً عنه على فرضه لا يدلّ على فساده، ولا يجوز الرجوع فيها بعد القبض، وخلاف المبسوط(1) ضعيف، مع أنّه رجع عنه(2).

ولا يشترط الفقر في المتصدّق عليه، ولا الإسلام، فيجوز التصدّق على الكافر غير الحربي. ويظهر من بعض الأخبار عدم جوازه على من عرف بالنصب(3) ويظهر من الوسائل الفتوى به(4).

ويجوز على مجهول الحال بلا إشكال. ولا يجوز التصدّق بالمال الحرام، ولو نوى الرياء فيه بطل، لأنّه يعتبر فيه القربة. ويجوز على الهاشمي وإن كان واجباً بنذر أو كفّارة، إذ المحرّم عليه خصوص الزكاة من غير الهاشمي. ويكره التصدّق بجميع المال. ويكره تملّك ما تصدّق به بالشراء ونحوه، وقيل: يحرم(5) وهو الأحوط، لجملة من الأخبار(6).

والأخبار في فضلها والحثّ عليها والترغيب فيها أكثر من أن تحصى ولو كانت بشيء جزئي.

ففي الخبر:

«تَصَدَّقُوا ولَو بِصَاعٍ مِن تَمرٍ ولَو بِبَعضٍ ضَاعٍ ولَو بِقَبضَةٍ ولَو بِبَعضِ

ص: 299


1- المبسوط 3: 314
2- النهاية 3: 135
3- الوسائل 6: 287، الباب 21 من أبواب الصدقة
4- الوسائل 6 : 287، الباب 21 من أبواب الصدقة
5- قاله في الحدائق 22: 267، 269
6- الوسائل 13: 318، الباب 12 من أبواب الوقوف والصدقات

قَبضَةٍ ولَو بِشِقِّ تَمرَةٍ فَمَن لَم يَجِد فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»(1)، وفي آخر:

«کلّ معروف صدقة إلى غنيّ أو فقير فتصدّقوا ولو بشقّ التمرة»(2).

وفيها أنّها تقضي الدين وتخلف البركة وتزيد في المال كثرة وتنفي الفقر وتزيد في العمر وتدفع عن صاحبها سبعين ميتة السوء وهي دواء المريض، ففي الخبر: «داووا مرضاكم بالصدقة»(3). وهي التجارة مع الله، ففي الخبر «إذا أملقتم تاجروا الله بالصدقة»(4) وفي آخر «أنّها خير الذخائر»(5).

وفي جملة من الأخبار:

«إنّ الله تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتّى يلقاها يوم القيامة كجبل عظيم أو كجبل أُحد وأنّها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل»(6). ولذا يستحبّ تقبيل اليد بعد الصدقة.

ويستحبّ الصدقة في أوّل كلّ يوم لدفع نحوسته، وفي أوّل كلّ ليلة لدفع نحوستها، وعند الخروج للسفر للأمن من السرق ونحوه، وعند توقّع البلاء والخوف من الأسواء.

ويتأكّد استحبابها في الأوقات الشريفة كيوم جمعة ويوم عرفة وشهر رمضان.

ص: 300


1- الوسائل 6: 264، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح 1
2- الوسائل 6: 265، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح 5
3- الوسائل 6: 258، الباب 1 من أبواب الصدقة، ح 8
4- الوسائل 6: 259، الباب 1 من أبواب الصدقة، ح 20
5- الوسائل 6: 258، الباب 1 من أبواب الصدقة، ح 14، نحوه
6- الوسائل 6: 265، 303، الباب 7 و 29 من أبواب الصدقات

ويستحب المبادرة بها في الصحّة قبل المرض.

ويستحبّ دفعها بيده وأمر الطفل أن يعطي بيده ولو بمثل الكسرة والقبضة.

ويستحبّ أن تكون الصدقة بأطيب المال وأحلّه وأحبّه إليه.

ويستحبّ تقديم الأرحام على غيرهم بل يكره خلافه، ففي الخبر: «لا صدقة وذو رحم محتاج»(1).

ويستحبّ أيضاً اختيار التوسعة على العيال على الصدقة، ففي الخبر: «ابدأ بمن تعول، الأدنى فالأدنى»(2).

ويتأكّد استحبابها على ذي الرحم الكاشح، ففي الخبر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (عليه السلام):

«سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أيّ الصدقة أفضل؟ فقال (صلى الله عليه وآله): على ذي الرحم الكاشح»(3).

ويستحبّ الإسرار بالصدقة، ففي الخبر:

«تعطها بيمينك لا تعلم بها يسارك»(4).

ويستحبّ إذا عزل شيئاً للصدقة أن لا يردّه إلى ماله، وإذا لم يكن مستحقّ عند إرادتها فليعزلها ليعطي بعد ذلك.

ص: 301


1- الوسائل 6: 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، ح 4
2- الوسائل 6: 302، الباب 28 من أبواب الصدقة، ح 8
3- الوسائل 6: 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، ح 1
4- الوسائل 6: 278، الباب 13 من أبواب الصدقة، ح 12

ويستحبّ التوسّط في إيصال الصدقة إلى المستحقّ، ففي الخبر، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبة له:

«ومن يتصدّق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثمّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل، وما عند الله خير وأبقى للّذين اتّقوا وأحسنوا لو كنتم تعلمون»(1).

وفي خبر عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«لو جرى المعروف على ثمانين كفّاً لأُوجروا كلّهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئاً»(2)، والحمد لله أوّلا وآخراً، وظاهراً وباطناً والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين)(3).

المسالة الثالثة: أحكام الصدقة المندوبة في المذاهب الاخرى.

أولا: المذهب الزيدي.

1- قال يحيى بن الحسين:

(صدقة السر تطفئ غضب الرب، وان أفضل الصدقات لما كان في السنين المسنات وذلك الحال ما جعله الله عقبة لا ينالها إلا الصابرون، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى:

«فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ

ص: 302


1- الوسائل 6: 297، الباب 26 من أبواب الصدقة، ح 3
2- الوسائل 6: 296، الباب 26 من أبواب الصدقة، ح 1
3- العروة الوثقى للسيد اليزدي: ج 6 ص 406، 410

ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ»(1).

2- قال أحمد المرتضى (ت 840 ه) في بيان أحكامها:

الأول: نيابة القبض عن القبول؛ فإذا قال القائل تصدقت عليك بكذا فقبضه ملكه وإن لم يقل قبلته بخلاف ما لو قال: وهبت لك كذا، فإنه لا يملك بمجرد القبض بل لا بد من القبول باللفظ.

والحكم الثاني: عدم اقتضاء الثواب ممن تصدق عليه وهو العوض فلو أدعى المتصدق أنه أراد العوض لم يكن القول قوله بخلاف الهبة فإنها تقتضي الثواب، وهو الأظهر من مذهب أصحابنا، وقال في الابانة أن قول عامة أهل البيت إنها لا تقتضي الثواب.

الحكم الثالث: امتناع الرجوع فيها بخلاف الهبة، وتكره مخالفة التوريث فيهما؛ فإذا وهب أو تصدق على ورثته بشيء فالمندوب فيه أن يجعل ذلك على حسب التوريث)(2).

ثالثاً: المذهب الشافعي.

ذهب الحافظ النووي إلى بسط القول في الصدقة المندوبة وخصص باباً وعنونه ب (صدقة التطوع) واشتمل على المسائل الاتية:

(لا يجوز أن تصدق بصدقة التطوع وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته أو نفقة عياله لما روى أبو هريرة، أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:

ص: 303


1- الاحكام ليحيى بن الحسين: ج 2 ص 543
2- شرح الازهار: ج 3 ص 446 - 448

یا رسول الله عندي دينار فقال:

«أنفقه على نفسك» قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على ولدك» قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على أهلك»؛ قال عندي آخر؟ قال: «أنفقه على خادمك»؛ قال عندي آخر؟ قال: «انت أعلم به».

وقال: (صلى الله عليه وآله): «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت».

ولا يجوز لمن عليه دين وهو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه لأنه حق واجب فلم يجز تركه بصدقة التطوع كنفقة عياله.

أما الأحكام ففيه مسألتان:

إحداهما: إذا كان محتاجا إلى ما معه لنفقة نفسه أو عياله هل يتصدق صدقة التطوع فيه ثلاثة أوجه (أحدها) لا يستحب ذلك ولا يقال مكروه وبهذا قطع الماوردي والغزالي وجماعة من الخراسانيين وتابعهم الرافعي فقال لا يستحب له التصدق وربما قيل يكره.

وقال الماوردي صدقة التطوع قبل أداء الواجبات من الزكوات والكفارات وقيل الانفاق على من تجب نفقتهم من الأقارب والزوجات غير مستحبة ولا مختارة هذا لفظه.

(والثاني) يكره ذلك وبه قطع المتولي.

(والثالث) وهو الأصح لا يجوز وبه قطع المصنف هنا وفى التنبيه وشيخه القاضي أبو الطيب والدارمي وابن الصباغ والبغوي وصاحب البيان وآخرون وظاهر نص الشافعي إشارة إلى الوجه الأول لأنه قال في مختصر المزني أحب أن يبدأ بنفسه ثم بمن يعول لان نفقة من يعول فرض والفرض أولى به من

ص: 304

النفل ثم بقرابته ثم من شاء)(1).

المسألة الثانية: إذا أراد صدقة التطوع وعليه دين فقد أطلق المصنف وشيخه أبو الطيب وابن الصباغ والبغوي وآخرون انه لا تجوز صدقة التطوع لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه وقال المتولي وآخرون يكره وقال الماوردي والغزالي وآخرون لا يستحب وقال الرافعي لا يستحب وربما قيل يكره هذا كلامه والمختار انه إن غلب على ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى فلا بأس بالصدقة وقد تستحب وإلا فلا تحل وعلى هذا التفصيل يحمل كلام الأصحاب المطلق)(2).

والمستحب أن يخص بالصدقة الأقارب لقوله (صلى الله عليه وآله) لزينب امرأة عبد الله بن مسعود:

«زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم»، وفعلها في السر أفضل لقوله عزوجل:

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ».

أما أحكام الصدقة ففيها مسائل:

(إحداها): أجمعت الأمة على أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب والأحاديث في المسألة كثيرة مشهورة.

قال أصحابنا ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على القريب وتقديمه على الأجنبي بين أن يكون القريب من يلزمه نفقته أو غيره قال البغوي

ص: 305


1- المجموع للنووي: ج 6 ص 235
2- المجموع للنووي: ج 6 ص 235

دفعها إلى قريب يلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي.

(وأما) ترتيب الأقارب في التقديم فقد سبق بيانه واضحا في آخر باب قسم الصدقات حيث ما ذكره المصنف، قال أصحابنا: ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيت يجوز دفعها إليهم كما قلنا في صدقة التطوع ولا فرق بينهما وهكذا الكفارات والنذور والوصايا والأوقاف وسائر جهات البر يستحب تقديم الأقارب فيها حيث يكونون بصفة الاستحقاق والله تعالى اعلم.

قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا: يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه أشدهم له عداوة ليتألف قلبه ويرده إلى المحبة والألفة ولما فيه من مجانبة الرياء وحظوظ النفوس.

(الثانية) يستحب الاخفاء في صدقة التطوع، لما ذكره المصنف ولحديث أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله» فذكر منهم «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» رواه البخاري ومسلم.

(وأما) الزكاة فيستحب اظهارها باتفاق أصحابنا وغيرهم من العلماء، كما أن صلاة الفرض يستحب اظهارها في المسجد والنافلة يندب اخفاؤها وقد سبقت المسألة قريبا في آخر قسم الصدقات.

(الثالثة) تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف فيجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها ولكن المحتاج أفضل قال أصحابنا ويستحب للغنى التنزه عنها ويكره التعرض لأخذها.

ص: 306

قال صاحب البيان: ولا يحل للغني اخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة وهذا الذي قاله صحيح وعليه حمل الحديث الصحيح: (إن رجلا من أهل الصفة مات فوجد له ديناران فقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم): «كيتان من نار». والله أعلم.

(وأما) إذا سأل الغنى صدقة التطوع فقد قطع صاحب الحاوي والسرخسي وغيرهما بتحريمها عليه، قال صاحب الحاوي: إذا كان غنيا عن المسألة بمال أو بضيعة فسؤاله حرام وما يأخذه محرم عليه هذا لفظه؛ وقال الغزالي وغيره من أصحابا في كتاب النفقات في تحريم السؤال على القادر على الكسب وجهان: قالوا وظاهر الاخبار تدل على تحريمه وهو كما قالوا ففي الأحاديث الصحيحة تشديد أكيد في النهى عن السؤال وظواهر كثيرة تقتضي التحريم.

(وأما) السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرام ولا مكروه صرح به الماوردي وهو ظاهر والله تعالى اعلم.

(الرابعة) هل تحل صدقة التطوع لبني هاشم وبني المطلب فيه طريقان:

(أصحهما) وبه قطع المصنف والأكثرون تحل.

(والثاني) حكاه البغوي وآخرون من الخراسانيين فيه قولان: (أصحهما) تحل، (والثاني) تحرم.

(واما) صدقة التطوع للنبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ففيها قولان مشهوران حكاهما الشيخ أبو حامد امام العراقيين وغيره منهم القفال والمروزي امام الخراسانيين وغيرهم منهم (أصحهما): التحريم؛ فحصل في صدقة التطوع في حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحق بني هاشم

ص: 307

وبني المطلب ثلاثة أقوال: (أصحها) تحل لهم دونه صلى الله عليه [وآله] وسلم (والثاني) لهم وله؛ (والثالث) تحرم عليه وعليهم والله تعالى اعلم)(1).

رابعاً - المذهب المالكي.

تناول الحطاب الرعيني (ت: 954 ه) أحكام الصدقة المندوبة ضمن كتاب الهبة، فقال:

(الهبة تمليك بلا عوض يريد ولم تتمخض لثواب الاخرة وذلك أعم من أن تكون لوجه المعطي ميته السوء)(2).

خامساً: المذهب الحنفي.

ذهب فقهاء المذهب الحنفي كالسرخسي (ت 483 ه) إلى أن:

(الصدقة بمنزلة الهبة في المشاع وغير المشاع وحاجتها إلى القبض).

وقد بينا اختلاف ابن أبي ليلي فيها إلا أنه لا رجوع في الصدقة إذا أتمت لان المقصود بها نيل الثواب وقد حصل وإنما الرجوع عند تمكن الخلل فيما هو المقصود، ويستوي ان تصدق على غنى أو فقير في أنه لا رجوع له فيها.

ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول الصدقة على الغنى والهبة سواء إنما يقصد به العوض دون الثواب ألا ترى ان في حق الفقير جعل الهبة والصدقة سواء في أن المقصود الثواب فكذلك في حق الغنى الهبة والصدقة سواء فيما هو المقصود ثم له أن يرجع في الهبة فكذلك في الصدقة ولكنا نقول ذكره لفظ الصدقة يدل

ص: 308


1- المجموع للنووي: ج 6 ص 238 - 240
2- مواهب الجليل للحطاب الرعيني: ج 8 ص 4

على أنه لم يقصد العوض ومراعاة لفظه أولى من مراعاة حال المتملك.

ثم التصدق على الغنى يكون قربة يستحق بها الثواب فقد يكون غنيا يملك نصابا ولكن عيال كثيرة والناس يتصدقون على مثل هذا لنيل الثواب ألا ترى ان عند اشتباه الحال يتأدى الواجب من الزكاة بالتصدق عليه ولا رهن ولا رجوع فيه بالاتفاق فكذلك عند العلم بحاله لا يثبت له حق الرجوع عليه.

قال (رجل تصدق على رجل بصدقه وسلمها إلیه ثم مات المتصدق علیه والمتصدق وارثه فورثه تلك الصدقة فلا بأس عليه فيها).

بلغنا في الأثر عن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إن رجلا تصدق بصدقة ثم مات المتصدق عليه فورثه النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم من تلك الصدقة.

والحديث فيه ما روى أن طلحة تصدق على أمه بحديقة ثم ماتت قال (صلى الله عليه [وآله] وسلم): «إن الله تعالى قبل منك صدقتك ورد عليك حديقتك».

وفي المشهور إن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال:

«لا تحل الصدقة لغني الا بخمسة» وذكر من جملتها «رجلا تصدق بصدقة ثم مات المتصدق عليه فورث ثلث الصدقة».

قال (رجل قال في صحته جعلت غلة داري هذه صدقة للمساكين ثم مات، أو قال داري هذه صدقة في المساكين ثم مات قال: هي ميراث عنه) لأنها صدقة لم تتصل بهذا القبض ولان هذا اللفظ منه بمنزلة النذر سواء

ص: 309

التزم الصدقة بعينها أو بغلتها والمنذور لا يزول عن ملكه قبل تنفيذ الصدقة فيه وإنما عليه الوفاء بنذره حقا لله تعالي ولهذا يفتي به ولا يجبر عليه في الحكم ومثله لا يمنع الإرث فلا يبقى بعد الموت وإن كان حيا وتصدق بقيمتها أجزأه لان ما لزمه من التصدق في عين مال بالتزامه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه وهو الزكاة والواجب هناك يتأدى بالقيمة كما يتأدى بالعين فهذا مثله لان المقصود في حق المتصدق عليه اغناؤه وسد خلته.

قال (فإن قال جميع ما أملك صدقة في المساكين فعليه أن يتصدق ب بجميع ما يملك من الصامت وأموال السوائم وأموال الزكاة ولا يتصدق بالعقار والرقيق وغير ذلك استحسانا) وفي القياس عليه أن يتصدق بجميع ذلك وهو قول زفر وزعم بعض مشايخنا ان في قوله جميع ما أملك يتصدق بالكل قياسا واستحسانا وإنما القياس والاستحسان في قوله مالي صدقة أو جميع مالي صدقة والأصح انهما سواء وجه القياس ان اسم الملك حقيقة لكل مملوك له واسم المال لكل ما يتموله الإنسان ومال الزكاة في ذلك وغير مال الزكاة سواء ألا ترى أن في الإرث والوصية بالمال يستوى فيه ذلك كله وهذا لان اللفظ معمول به في حقيقته ما أمكن ولكنه استحسن فقال إنما ذكر المال والملك عند ذكر الصدقة فيختص بمال الزكاة بدليل شرعي وهو ان ما يوجبه علي نفسه معتبر بما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه والله تعالي أوجب الحق في المال ولذلك يختص بمال الزكاة فكذلك ما يوجبه على نفسه بخلاف الوصية وهذا لان الصدقة شرعا إنما تكون عن غنى قال صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«لا صدقه إلا عن ظهر غنى».

ص: 310

والغنی شرعا يختص بمال الزكاة حتى لا يكون مالك العقار والرقيق لغير التجارة غنيا شرعا فلهذا الدليل تركنا اعتبار حقيقة اللفظ وأو جبنا عليه التصدق بمال الزكاة وبخلاف الوصية والميراث فان ذلك خلافه والحاجة إليه في مال الزكاة وغير مال الزكاة سواء ثم يمسك من ذلك قوته فإذا أصاب شيئا بعد ذلك تصدق بما أمسك لان حاجته في هذا القدر مقدمة إذ لو لم يسمك احتاج أن يسأل الناس ولا يحسن أن يتصدق بماله ثم يسأل الناس من ساعته ولم يبين في الكتاب مقدار ما يسمك لان ذلك يختلف بقلة عياله وكثرة عياله.

وقيل: إن كان محترفا فإنما يمسك قوت يوم وإن كان صاحب غلة امسك قوت شهر وإن كان صاحب ضياع أمسك قوت سنة لان يد الدهقان إلى ما ينفق إنما تتصل سنة فسنة ويد صاحب الغلة شهرا فشهرا ويد العامل يوما فيوما)(1).

سادسا: المذهب الحنبلي.

قال ابن قدامة المقدسي (ت 620 ه) في باب صدقة التطوع:

(وهي مستحبة في جميع الاوقات لقوله تعالى:

«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً»

وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها، وروي أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«مَن تَصَدَقَ بِعَدلِ تَمرَةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ ولا يَصعَدُ إلى الله إلاَّ الطَّيِّبُ فإنَّ

ص: 311


1- المبسوط للسرخسي: ج 12 ص 92 - 93

الله يَقبَلُها بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصاحِبِهِ كما يُرَبِّي أحَدُكُم فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَلِ». متفق عليه.

وصدقة السر أفضل من صدقة العلانية لقول تعالى:

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ».

60 وروى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها حتى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه». متفق عليه.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ان صدقة السر تطفئ غضب الرب» ويستحب الاكثار منها في أوقات الحاجات لقول الله تعالى:

«أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ».

وفي شهر رمضان لأن الحسنات تضاعف فيه، ولان فيه إعانة أداء الصوم المفروض، ومن فطر صائما كان له مثل أجره وتستحب الصدقة على ذي القرابة لقول الله تعالى: «يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ»، وقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» وهذا حديث حسن.

وسألت زينب امرأة عبد الله بن مسعود رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) هل ينفعها أن تضع صدقتها في زوجها وبني أخ لها يتامى؟ قال (نعم

ص: 312

لها أجران: أجر القرابة وأجز الصدقة) رواه النسائي.

وتستحب الصدقة على من اشتدت حاجته لقول الله تعالى:

«مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ».

(فصل) والأولى أن يتصدق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول» متفق عليه.

وان تصدق بما ينقص عن كفاية من تلزمه مؤنته ولا كسب له أثم لقول النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«كفى بالمرء إنما أن يضيع من يمون».

ولان نفقة من يمونه واجبة والتطوع نافلة، وتقديم النفل على الفرض غير جائز، فإن كان الرجل وحده أو كان لمن يمون كفايتهم فأراد الصدقة ماله وكان ذا مكسب أو كان واثقا من نفسه بحسن التوكل والصبر على الفقر والتعفف عن المسألة فحسن لأن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال «جهد من مقل إلى فقير في السر»(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

1- أتفق فقهاء المذاهب الإسلامية على فضل الصدقة المندوبة أو صدقة التطوع لما ورد فيها من نصوص شرعية في القرآن والسنة الشريفة، والحث عليها؛ وأن صدقة السر أفضل من صدقة العلن، وعلى ذي الرحم القريب

ص: 313


1- المغني لابن قدامة: ج 2 ص 700 - 709

من البعيد، وعلى المعسر المحوج، وذي المرؤات والورع، وفي شهر رمضان من غيره.

2- ذهب الإمامية إلى إنها تملك بالايجاب والقبول والقبض، وإن كان بالفعل، ولا بد فيها من نية القربة.

وبه قال الزيدية.

وقال الحنفية: بأنها بمنزلة الهبة.

وقال المالكية: بأنها تمليك بقصد الثواب.

3- ذهب الإمامية والحنفية والزيدية إلى:

عدم صحة الرجوع في الصدقة؛ وذلك أن القصد فيها هو القربة.

وقال بعض فقهاء الحنفية كابن أبي ليلى: بإمكانية الرجوع إذا وقع الخلل في القصد.

4- ذهب الإمامية إلى استحباب الصدقة بالمحبوب، وأن التوسعة على العيال من أعظم الصدقات، والضيافة من أفضل الصدقة، وسقي الماء، والحج عن الميت وخصوصاً الرحم، وبذل الجاه، والكلمة اللينة، وعلى الرحم والعلماء، والاموات، وذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكافئه ويشفع له، وانظار المعسر، والإهداء إلى الإخوان، والبدأة بها قبل السؤال، وتعجيلها وتصغيرها وسترها.

وقال الشافعية والحنبلية: باستحباب بعض هذه الموارد.

5- قال الإمامية: بكراهة أن يتصدق بجميع ماله إلا مع وثقه بالصبر ولا عيال له؛ وصدقة المديون بالمجحف والصدقة مع التضرر بها، والمنّ بها؛

ص: 314

وقال الشافعية: بعدم الجواز لمن هو محتاج به لنفقته ونفقة عياله، ولمن هو محتاج إلى قضاء دينه، وقيل بالكراهة.

6- وقال الإمامية: بجوازها على الذمي وإن كان أجنبياً، وعلى المخالف إلا الناصب العداء لإل محمد (صلى الله عليه وآله).

وفي المجهول حاله: من وقعت له الرحمة في قلب المتصدق.

المسألة الرابعة: قاعدة فقهية (في كون السبب فعليا غير منصوب من الشارع بالأصالة ولكن دل عليه القرائن الحالية والمقالية).

تدخل صدقة التطوع في القاعدة الفقهية المتعلقة بالسبب وهي:

(قد يكون السبب فعلياً منصوباً ابتداءً كما في القتل، والزنا، واللواط؛ وقد يكون فعليا غير منصوب من الشارع بالأصالة ولكن دل عليه القرائن الحالية والمقالية، كتقديم الطعام إلى الضيف، فإنه مبيح للأكل وان لم يأذن بالقول على الأصح. وتسليم الهدية إلى المهدى إليه وإن لم يحصل الايجاب القولي، لظاهر فعل الخلف والسلف. وكذلك صدقة التطوع، وكسوة القريب والصاحب، وجوائز الملوك من كسوة ومركوب وغيرهما. وعلامة الهدي، كغمس النعل في دمه وجعله عليه، أو كتابة رقعة عنده. وشد المال على اللقيط وإركابه الدابة ووضعه في الخيمة أو الفسطاط. والوطئ في مدة الخيار من البائع أو المشتري. والوطئ في الرجعية قطعا، وفي الاختيار إذا أسلم أكثر من الأربع مع الزوج. وكذا التقبيل في الرجعية قطعا، وفي الاختيار على قول والمعاطاة في السلعة تفيد إباحة التصرف، لا الملك، وإن كان في الحقير، عندنا)(1).

ص: 315


1- القواعد والفوائد للشهيد الأول: ج 1 ص: 49 - 50

المسألة الخامسة: ما ورد في الأحاديث من شروح نهج البلاغة.

تناول شراح نهج البلاغة الأحاديث الواردة في فضل الصدقة المندوبة فكانت أقوالهم كالاتي والتي سنوردها بحسب تسلسلها الذي جاء في مقدمة المبحث، وهي:

أولاً - قال عليه الصلاة والسلام في ضمن وصيته لولده الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) فقال:

«وإِذَا وَجَدتَ مِن أَهلِ الفَاقَةِ مَن يَحمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِه غَداً حَيثُ تَحتَاجُ إِلَيه فَاغتَنِمه وحَمِّله إِيَّاه، وأَكثِر مِن تَزوِيدِه وأَنتَ قَادِرٌ عَلَيه، فَلَعَلَّكَ تَطلُبُه فَلَا تَجِدُه، واغتَنِم مَنِ استَقرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ، لِيَجعَلَ قَضَاءَه لَكَ فِي يَومِ عُشرَتِكَ»(1).

ولبيان معنى الحديث ودلالته نورد شرح ابن ميثم البحراني، وابن ابي الحديد المعتزلي، وهما كالاتي:

1- ابن ميثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679 ه).

قال (رحمه الله) في بيان معنى هذه الوصية ودلالة ألفاظها وقد قسم الوصية إلى اجزاء، فقال (الثالث: التنبيه على وجوب إنفاق المال في وجوه الصدقة البر لمن يحتاج غليه من أهل الفاقة، وذلك قوله:

((وإذا وجدت)) إلى قوله ((عسرتك))؛ وجذبه وأعدّه لذلك بأمرين:

أحدهما: كون ذلك زادا يحمله ذو الفاقة إلى يوم القيامة، ويلقاه به هناك

ص: 316


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، ومن وصية له لولده الحسن عليهما السلام: 291

في موضع الحاجة إليه. واستعار لفظ الزاد هنا لما يحصل من فضيلة السخاء والكرم بالإنفاق، ووجه الاستعارة كونه سببا لسلامة النفس من الهلاك في طريق الآخرة ووسيلة إلى السعادة الباقية كالزاد المخلص للمسافر في طريقه والمبلَّغ له إلى مطالبه.

واستعار للمتصدّق علیه وصف الحامل لذلك الزاد باعتبار أنّه سبب لحصول الفضيلة بتلك الصدقة ووصول ثوابها إلى المتصدّق يوم القيامة فوجدانه لتلك الفضيلة وظهورها في صحيفة أعمال المتصدّق يوم القيامة هو المشار إليه بالموافات بها غدا. ثمّ أمره أن يغتنم ذا الفاقة عند وجدانه، وأن يحمله ذلك الزاد ویکثر من تزويده وتحميله للزاد حينما هو قادر على تحصيله، وجذب إلى اغتنامه والمسارعة إلى الصدقة بقوله: (فلعلَّك تطلبه فلا تجده).

لأنّ الوسيلة إلى أمر عظيم إذا كان في معرض أن يطلب فلا توجد ثمّ وجدت في وقت فمن الواجب أن يغتنم تحصيلها ولا تهمل.

الثاني: كون الصدقة. على ذي الفاقة قرضا للمتصدّق في حال غناه بالمال يقضي له يوم عسرته وفقره، واستعار وصف المستقرض هنا لله باعتبار أنّه هو المجازي بالثواب من أنفق ماله في طاعته، وإليه الإشارة بقوله تعالى:

«إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ» ونبّه بكون القرض في حال الغناء، والقضاء في حال العسرة ليكون القضاء أفضل فيرغب في القرض لغاية الربح المطلوب)(1).

2- ابن ابي الحديد المعتزلي (ت: 656 م).

ص: 317


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم البحراني: ج 5 ص 32 - 33

قال المعتزلي في شرحه لهذا الجزء من وصيته لولده الإمام الحسن (عليهما السلام):

(أمره في هذا الفصل بإنفاق المال والصدقة والمعروف، فقال: إن بين يديك طريقا بعيد المسافة، شديد المشقة، ومن سلك طريقا فلا غنى له عن أن يرتاد لنفسه، ويتزود من الزاد قدر ما يبلغه الغاية، وأن يكون خفيف الظهر في سفره ذلك، فإياك أن تحمل من المال ما يثقلك، ويكون وبالا عليك، وإذا وجدت من الفقراء والمساكين من يحمل ذلك الثقل عنك فيوافيك به غدا وقت الحاجة فحمله إياه، فلعلك تطلب مالك فلا تجده. جاء في الحديث المرفوع:

«خمس من أتى الله بهن أو بواحدة منهن أوجب له الجنة: من سقى هامة صادية، أو أطعم كبدا هافية، أو كسا جلدة عارية، أو حمل قدما حافية، أو أعتق رقبة عانية».

قيل لحاتم الأصم لو قرأت لنا شيا من القرآن! قال: نعم، فاندفع فقرأ:

«الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» يكنزون، فقالوا: أيها الشيخ ما هكذا أنزل! قال: صدقتم، ولكن هكذا أنتم)(1).

ثانيا - قال (عليه الصلاة والسلام):

ص: 318


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 16 ص 86

«استَنزِلُوا الرِّزقَ بِالصَّدَقَةِ»(1).

ولبيان معنى الحديث ودلالته نورد شرح البيهقي والخوئي، وهما كالاتي:

1- علي بن زيد البيهقي (ت: 565 ه):

قال علي بن زيد البيهقي (رحمه الله) في شرح لنهج البلاغة، فكان بيانه كالاتي:

قوله (عليه السلام):

«استَنزِلُوا الرِّزقَ بِالصَّدَقَةِ».

من ادّعى محبّة الله فرضا به، بذل المال بالصدقة، فانّ المال ايضا محبوب، والصديق يفدى ما يملكه، ويرى الفقراء المحاويج عياله. والدرجة السّفلى ان يعطى من عشرين دينار نصف دينار. ومن منع الصّدقة والزّكوة، فقد اظهر انّ المال احبّ اليه من الله. والزّكوة شكر من النّعمة، ومن شكر استحقّ المزيد.

لذلك قال: «استَنزِلُوا الرِّزقَ بِالصَّدَقَةِ»، والدليل على انّ الزّكوة شكر النّعمة انّ الغنىّ يرى غيره فقيرا محتاجا اليه، فيودّى زكوة ماله البتة شكرا لله، تعالى، على انه اغناه وما احوجه إلى غيره)(2).

2- السيد حبيب الله الخوئي الهاشمي (ت: 1324 ه).

قال (رحمه الله) في بيان معنى هذا الحديث ودلالته:

قد ورد في أخبار كثيرة أنّ الرزق مقسوم ومقدّر من الله لكلّ أحد، وقال

ص: 319


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: الحكمة رقم 137
2- معارج البلاغة للبيهقي: ص 427

تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ»(1) أي لا رازق غيره ولكن وصول هذا الرزق المقسوم مشروط بالتكسّب والاستنزال، وهو على قسمين:

1- ما هو المتعارف بين النّاس من طلبه بالأشغال والمكاسب المتعارفة.

ما قرّر في الشرع من وسائل طلب الرزق ومنها بذل الصدقة للمستحقّ و بقصد القربة، وقد قال الله تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ» وقد قرّره الله تعالى من أربح المزارعة الَّتي تكون وسيلة ناجحة لطلب الرزق عند الناس فقال:

«مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ»(2))(3).

ثالثاً - قال (عليه الصلاة والسلام):

«إِذَا أَملَقتُم فَتَاجِرُوا الله بِالصَّدَقَةِ»(4).

ولبيان معنى الحديث ودلالته نورد قول البحراني والمعتزلي وهما كالاتي:

1- قال ابن میثم البحراني:

(الإملاق: الفقر.

وقد مرّ أنّ الصدقة تعدّ للمزيد من فضل الله. فأمر الفقراء أن يتصدّقوا بما

ص: 320


1- الذاريات: 58
2- البقرة: 261
3- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج 21 ص 211
4- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، الحكمة: 258

عساه يقع في أيديهم ولو بشقّ تمرة ليستعدّوا بذلك لإفاضة فضل الله، ورغَّبهم في ذلك بذکر التجارة وهي استعارة لاستعاضة ما يحصل عمّا يبذل. والفقراء أولى باستجلاب الرزق بالصدقة من الأغنياء لانفعال القلوب لهم ورقّتها عليهم ولما يسبق إلى أذهان الخلق أنّ ذلك منهم عن إخلاص دون الأغنياء)(1).

رابعاً - قال (عليه الصلاة والسلام):

«تَنزِلُ المَعُونَةُ عَلَى قَدرِ المَئُونَةِ»(2).

1- قال علي بن زيد البيهقي (رحمه الله) (ت: 565 ه) في بيان معنى الحديث ودلالته:

إمداد ألطاف الله تعالى يتصل بالعبد على موجب ما يطلب به من الاشغال)(3).

2- قال السيد حبيب الله الخوئي الهاشمي (رحمه الله) (ت 1324 ه) في بيان دلالته:

(المئونة: تهمز ولا تهمز وهي فعولة، وقال الفراء: هي مفعلة من الأين وهو التعب والشدّة ويقال: مفعلة من الأون وهو الخروج عن العدل لأنّه ثقل على الإنسان، كذا قال الجوهري، مجمع البحرين.

المعنى الظاهر أنّ المراد من المئونة المصارف المالية كما ورد في الحديث: الخمس بعد المئونة، ومن يصرف مالا أكثر على عياله أو غيرهم فيكسب منهم

ص: 321


1- شرح نهج البلاغة للبحراني: ج 5 ص 370
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي، الحكمة: 139
3- معارج نهج البلاغة للبيهقي: ص 427

الإعانة على أموره، فكلَّما كان المصرف أكثر كان جلب الإعانة بمقدارها، وإن كان المئونة في سبيل الله وعلى وجه التصدّق تندرج في الحكمة السابقة، ويؤيّده لفظة: تنزل)(1).

خامساً - قال (عليه الصلاة والسلام):

«الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنجِحٌ»(2).

ولبيان معنى الحديث ودلالته نورد قول البيهقي والبحراني وهما كالاتي:

1- قال علي بن زيد البيهقي (رحمه الله) (ت 565 ه):

قوله عليه السلام: «الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنجِحٌ» مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وآله:

«داووا مرضاكم بالصدقة».

قال بقراط مقدم الأطباء:

(من الإمراض علاجه القرابين والصدّقات؛ وإذا كان الشافي في الحقيقة هو الله، فطلب الشفاء منه بالصدقات أولى؛ وهذا دواء ينفع، ودواء الطبيب ربّما لا يفيد ولا ينفع، ويقال لهذا الدواء: الطب الألهيّ.

فلذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنجِحٌ»(3).

2- قال ابن ميثم البحراني (رحمه الله) (ت 679 ه):

ص: 322


1- منهاج البراعة: ج 21 ص 211
2- نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح، الحكمة: 7
3- معارج نهدج البلاغة لبيهقي: ص 400

(استعار لفظ الدواء النافع للصدقة لمشابهتها الدواء أمّا في الدنيا فلقوله (صلَّى الله عليه وآله):

«داووا مرضاكم بالصدقة». وسرّ ذلك أنّها تستجلب الهمم وتطابق القلوب على محبّة المتصدّق والرغبة إلى الله سبحانه في دفع المكاره عنه لبقائه فهي في ذلك سبب للشفاء كالدواء، وأمّا في الآخرة فلأنّها سبب لدفع المكاره الأخرويّة كما سبق بيانه)(1).

أقول:

لما مرض الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) زارهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحينها نذر أمير المؤمنين والبضعة النبوية فاطمة (عليهما الصلاة والسلام) الله عز وجل الصيام ثلاثة أيام لطلب الشفاء لولديهما فاستجاب الله لهما وشفي الحسنين (عليهما السلام) ليجري بعد ذلك التصدق بطعام الإفطار وبشكل متوالي للإيام الثلاثة فينزل الله عز وجل فيها سورة كاملة، وهي سورة الدهر.

والحادثة ترشد إلى قضية واقعية في أثر الصدقة والنذر وغيرها في استنزال الشفاء من الله تعالى؛ في حين لم يكن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بعاجزٍ عن وصف الدواء لهما وقد ورد في السنة العديد من الأحاديث التي تكشف عن مراجعة الصحابة للنبي (صلى الله عليه وآله) في اثناء المرض لغرض وصف الدواء وكذا هو الحال بالنسبة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وبقية أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

ص: 323


1- شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 5 ص 242

مما يكشف عن حقيقة مهمة وهو أثر الصدقة في التداوي والشفاء من الامراض بإذن الله تعالى. وانحصار العلاج والتداوي بها لبعض الإمراض.

بمعنى: أن بعض الإمراض لا ينفع معها الدواء وان كان الطبيب حاذقاً بطبه، ولذا: أطلق الحديث النبوي الشريف:

«داووا مرضاكم بالصدقة» وقول أمير المؤمنين (عليه السلام):

«الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنجِحٌ».

فعلى كل مريض إن يلتفت إلى هذا الدواء الذي يعجز عنه الاطباء فهو من بيده الشفاء (عزّ شأنه).

سادساً - قال (عليه الصلاة والسلام):

«مَن يُعطِ بِاليَدِ القَصِيرَةِ يُعطَ بِاليَدِ الطَّوِيلَةِ»(1).

لبيان هذا الحديث نورد ما جاء عن الشريف الرضي (عليه الرحمة والرضوان) حينما جمع كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فعبد أن أورد هذه الحكمة، قال:

ومعنى ذلك أن ما ينفقه المرء من ماله في سبيل الخير والبر وإن كان يسيرا فإن الله تعالى يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا واليدان هاهنا عبارة عن النعمتين ففرق (عليه السلام) بين نعمة العبد ونعمة الرب تعالى ذكره بالقصيرة والطويلة فجعل تلك قصيرة وهذه طويلة لأن نعم الله أبدا تضعف على نعم المخلوق أضعافا كثيرة إذ كانت نعم الله أصل النعم كلها فكل نعمة إليها

ص: 324


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، الحكمة: 232

ترجع ومنها تنزع)(1).

سابعاً - قال (عليه الصلاة والسلام):

«وصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا وتطفئ غضب الربّ، وصَدَقَةُ العَلَانِيَةِ فَإِنَّها تَدفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ»(2).

ولبيان معنى الحديث ودلالته نورد قول ابن ميثم البحراني وحبيب الله الخوئي، وهما كالاتي:

1- قال ابن ميثم البحراني (رحمه الله):

صدقة السرّ، وذكر من فوائدها كونها تكفّر الخطيئة، وإنّما خصّها بذلك مع أنّ سائر العبادات كذلك لكونها أبعد عن الرياء ومخالطة ما لا يراد به إلَّا وجه الله تعالى فكان الإخلاص فيها لله أتمّ فكانت أولى بالتقريب من الله وبمحو الخطيئة.

صدقة العلانية، وذكر من فوائدها أنّها تدفع ميتة السوء، وبيان ذلك أنّ صدقة العلانية تستلزم الشهرة بفعل الخيرات وتوجب الذكر الجميل للمتصدّق، ولمّا كانت ميتات السوء كالحرق والغرق والصلب والقتل ونحو ذلك من الأحوال الشنيعة الَّتي تكثر نفرة الناس عن الموت عليها. وكان قليلا ما يقع شيء منها بقصد من الناس لمن أحبّوه واشتهر بالرحمة واستجلاب قلوب الفقراء بالصدقة والإيثار. فلا جرم كانت تلك الصدقة

ص: 325


1- البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 509
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح 163

مظنّة الدفع لميتات السوء)(1).

2- قال السيد حبيب الله الخوئي (رحمه الله):

الصدقة وهي على قسمين:

أحدهما: (صدقة السرّ فإنها تکفّر الخطيئة) وتطفي غضب الرّبّ سبحانه، وإنما خصّها بذلك مع كون ساير العبادات كذلك لكونها أبعد من الرّياء وتضمّنها من الخلوص والتقرّب ما ليس في غيرها.

روى في الكافي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهکا السلام) قالا:

«قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): صدقة السرّ تطفى غضب الرّب تبارك وتعالى».

وعن عمار السّاباطي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السّلام):

«يا عمار الصّدقة والله في السّر أفضل من الصّدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السّر أفضل منها في العلانية».

وعن معلَّى بن خنيس قال: (خرج أبو عبد الله (عليه السّلام) في ليلة قد رشت وهو يريد ظلَّة بني ساعدة فاتّبعته فإذا قد سقط منه شيء فقال:

«بسم الله اللهمّ ردّ علينا»، قال: فأتيته فسلَّمت عليه فقال (عليه السّلام): «معلَّی» قلت : نعم، جعلت فداك، فقال لي:

التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إليّ

فإذا أنا بخبز منتشر كثير فجعلت أدفع عليه ما وجدت فإذا أنا بجراب

ص: 326


1- شرح نهج البلاغة للبحراني: ج 3 ص 81

أعجز عن حمله من خبز، فقلت: جعلت فداك أحمله على رأسي «عاتقي خ» فقال:

«لا، أنا أولى به منك ولكن امض معي»

قال: فأتينا ظلَّة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نام، فجعل يدسّ الرغيف والرّغيفين حتى أتى على آخر هم ثمّ انصرفنا، فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق فقال:

«لو عرفوه لو اسيناهم بالدّقة والدّقة هي الملح إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق شيئا إلَّا وله خازن يخزنه إلَّا الصدقة فانّ الرّب يليها بنفسه وكان أبي عليه السّلام إذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل ثمّ ارتدّه منه فقبّل وشمّه ثمّ ردّه في يد السّائل، إنّ صدقة اللَّيل تطفى غضب الرّب وتمحو الذّنب العظيم وتهوّن الحساب، وصدقة النهار تثمر المال وتزيد في العمر، إنّ عيسى بن مريم (عليهما السلام) لما أن مر على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريّين يا روح الله وكلمته لم فعلت هذا وانما هو من قوتك قال عليه السّلام: «فعلت هذا لدابة تأكله من دواب الماء وثوابه عند الله عظيم»).

والثّاني: «صدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السّوء» كالغرق والحرق والهدم ونحوها.

ويدلّ عليه روايات أخر مثل ما رواه ثقة الإسلام الكلينيّ عطَّر الله مضجعه بإسناده عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول:

ص: 327

«إنّ الصّدقة باليد تقى ميتة السّوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفكّ عن لحى سبعين شيطانا كلَّهم يأمره ألا يفعل».

وعن أبي ولَّاد قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول:

«بكروا بالصّدقة وارغبوا فيها، فما من مؤمن يتصدّق بصدقة يريد بها ما عند الله ليدفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السّماء إلى الأرض في ذلك اليوم إلَّا وقاه الله شرّ ما ينزل في ذلك اليوم».

وعن السّكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

«إنّ الله لا إله إلَّا هو ليدفع بالصّدقة الدّاء والدّبيلة والحرق والغرق والهدم والجنون وعدّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم سبعين بابا من السّوء».

وعن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:

«مرّ يهودي بالنبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال:

السّلام عليك، فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): عليك، فقال أصحابه انما سلَّم عليك بالموت، فقال الموت عليك قال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): وكذلك رددت، ثمّ قال النّبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إنّ هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله، قال: فذهب اليه-ودي فاحتطب حطبا كثيرا فاحتمله ثمّ لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ضعه، فوضع الحطب، فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود، فقال: يا يهودي أي شيء عملت اليوم قال: ما عملت عملا إلَّا حطبي هذا احتملته وجئت به فكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدّقت بواحدة

ص: 328

على مسكين، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): بها دفع الله عنك، فقال: إنّ الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان».

وعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال:

«إنّ الصّدقة لتدفع سبعين بلية من بلايا الدّنيا مع ميتة السوء، إنّ صاحبها لا يموت ميتة السوء أبدا مع ما يدخر لصاحبها من الأجر في الآخرة»(1).

ثامناً - قال (عليه الصلاة والسلام):

«لَا تَستَحِ مِن إِعطَاءِ القَلِيلِ فَإِنَّ الحِرمَانَ أَقَلّ مِنه»(2).

ولبيان معنى الحديث ودلالته نورد قول السيد حبيب الله الخوئي وابن أبي الحديد المعتزلي، وهما كالاتي:

1- قال السيد حبيب الله الخوئي (رحمه الله):

(العطاء وإن كان قليل خير من تركه رأسا، سواء كان مسبوقا بالسؤال وإظهار الحاجة كما يشعر به لفظ الحرمان، أم كان ابتداء، وتعبيره (عليه السّلام) بأنّ الحرمان أقلّ، استعارة لطيفة في استعمال لفظة أقلّ حيث إنّ القلَّة في العطية صارت سببا لتركها استحياء، فيقول (عليه السّلام):

«إن كانت القلَّة موجبة للحياء فتركها رأسا أولى بالحياء لأنّه يعتبر أقلّ منه»(3).

2- قال ابن ابي الحديد المعتزلي:

(هذا نوع من الحث على الأفضال والجود لطيف، وقد استعمل كثيرا في

ص: 329


1- منهاج البراعة: ج 7 ص 435 - 437
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، الحكمة: 67
3- منهاج البراعة ج 21 ص 102

الهدية والاعتذار لقلتها، وقد تقدم منا قول شاف في مدح السخاء والجود.

وكان يقال: أفضل على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره. وسئل أرسطو : هل من جود يستطاع أن يتناول به كل أحد؟ قال: نعم، أن تنوي الخير لكل أحد)(1).

تاسعاً - قال (عليه الصلاة والسلام):

«إِنَّ المِسكِينَ رَسُولُ الله فَمَن مَنَعَخ فَقَد مَنَعَ الله ومَن أَعطَاه فَقَد أَعطَى الله»(2).

ولبيان معنى الحديث ودلالته نورد ما جاء عن البيهقي والبحراني في شرحها لنهج البلاغة، وهو كالاتي:

1 - قال علي بن زيد البيهقي (رحمه الله):

(المعنى: أن الأمر بالصدقة هو الله، وهو الذي قرض الناس قرضا حسناً، وهو الذي وضع قوت الفقير في يد الغني، فكأن الفقير رسول من الله إلى الغني، ولذلك قال الله تعالى: «يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ»(3).

2- قال ابن ميثم البحراني (رحمه الله):

(رغَّب في إعطاء المسكين بضمير صغراه ما ذكر، واستعار له لفظ رسول الله باعتبار أنّه طالب الله وبأمر الله وتقدير الكبرى: وكلّ من كان كذلك فيجب إعطاؤه وأرضاه)(4).

ص: 330


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 18 ص 212
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، الحكمة: 304
3- شرح نهج البلاغة للبيهقي: 451
4- شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 5 ص 396

وبهذا نكون قد انتهينا من كتاب الزكاة بفضل الله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله وسلم)

«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(1) «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»(2)

والحمد الله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ص: 331


1- البقرة: 127
2- هود: 88

ص: 332

المحتويات

الباب الرابع كتاب الزكاة

الفصل الأول في تعريف الزكاة وأصل وجوبها وحرمة منعها

المبحث الأول: تعريف الزكاة في اللغة واصطلاح المتشرعة...13

المسألة الأولى: تعريف الزكاة لغة:...13

المسألة الثانية: تعريف الزكاة في المذهب الإمامي...16

أولاً: الشيخ الطوسي (ت 460 ه):...17

ثانيا: العلامة الحلى (ت 726 ه):...17

ثالثا: الشهيد الأول (محمد بن مكي العاملي)(ت 786 ه):...18

رابعا - الشيخ الجواهري (محمد حسن النجفي (ت 1266 ه):...18

المسألة الثالثة: تعريف الزكاة في المذاهب الاخرى:...19

أولا: المذهب الزيدي...19

ثانيا: تعريف الزكاة في المذهب الشافعي:...20

1- ذكر الحافظ النووي (ت: 676 ه) في المجموع:...20

2- أحمد الشربيني (ت 977 ه):...23

ثالثا: تعريف الزكاة في المذهب المالكي...23

رابعا: تعريف الزكاة في المذهب الحنفي...23

ص: 333

خامسا: تعريف الزكاة في المذهب الحنبلي...24

سادسا: تعريف الزكاة في المذهب الإباضي...24

المبحث الثاني: أصل وجوب الزكاة عند الفقهاء...25

في المذاهب الإسلامية...25

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي...25

أولاً: الشهيد الأول (محمد بن مكي العاملي) (ت: 786 ه):...26

ثانياً: العلامة الحلي (ت: 726 ه):...27

ثالثاً: السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 ه):...28

المسألة الثانية : أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في وجوب الزكاة...29

أولاً - المذهب الزيدي...29

1- قال إمام الزيدية يحیی بن الحسين (ت: 298 ه) في وجوب فريضة الزكاة:...29

2- قال الشيخ احمد المرتضى (ت: 840 ه) في الدليل على وجوبها:...31

ثانيا: المذهب المالكي...31

ثالثا: المذهب الحنفي...32

1- السرخسي (ت: 483 ه)...32

2- السمرقندي (ت: 539 ه)...33

رابعاً: المذهب الشافعي...33

1- النووي (ت: 676 ه)...33

2- زكريا الأنصاري (ت 936 ه)...35

خامساً: المذهب الحنبلي...36

1- ابن قدامة المقدسي (ت 620 ه)...36

2- الشافعي الصغير (ت 1004 ه)...36

ص: 334

سادسا: المذهب الإباضي...37

المسالة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسالة...38

المسالة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...39

أولاً: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه)...39

ثانياً: السيد حبيب الله الخوئي (ت: 1324 ه)...42

ثالثاً: الشيخ محمد جواد مغنية (ت: 1400 ه)...44

المبحث الثالث: حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها...47

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها...47

أولاً: العلامة الحلي (جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي) (ت: 726 ه)...48

ثانياً: الشهيد الاول (ت 786 ه)...52

ثالثاً: السيد محمد کاظم اليزدي (ت 1337 ه)...53

1- قال الشيخ آقا ضیاء الدين العراقي (ت: 1361 ه):...53

2- وجاء في شرح العروة للسيد الخوئي (عليه رحمة الله ورضوانه):...54

المسألة الثانية : أقوال فقهاء المذاهب الأخرى في حرمة منع الزكاة وحكم المانع لها...54

اولاً: المذهب الزيدي...55

1- یحیی بن الحسين (ت: 298 ه)...55

2- أحمد المرتضى (ت: 840 ه)...55

ثانيا: المذهب المالكي...55

ثالثا: المذهب الحنفي...56

رابعاً: المذهب الشافعي...56

خامساً: المذهب الحنبلي...56

ص: 335

سادسا: المذهب الإباضی...57

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أروده فقهاء المذاهب في المسألة...57

أولا: حكم منكر الزكاة والجاحد لها:...57

ثانيا: حكم المانع للزكاة:...58

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...58

1- ابن میثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679 ه)...59

2- ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه)...59

3- السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي (رحمه الله) (ت: 1324 ه)...60

المبحث الرابع : اشتراط الملك والتمكن من التصرف...61

في وجوب الزكاة...61

المسألة الأولى: أقوال فقهاء الإمامية في اشتراط الملك والتمكن من التصرف في تحقق وجوب الزكاة كالدين والمال الغائب...61

1- العلامة ابن المطهر الحلي (ت: 726 ه)...61

2- الشهيد الأول (ت: 786 ه)...62

3- السيد اليزدي (ت: 1337 ه)...64

المسألة الثانية: اقوال فقهاء المذاهب الأخرى

في اشتراط التمليك في تحقق وجوب الزكاة...65

اولاً: المذهب الزيدي...65

ثانياً: المذهب المالكي...66

ثالثاً: المذهب الحنفي...67

رابعاً: المذهب الشافعي...67

خامساً: المذهب الحنبلي...68

ص: 336

سادسا: المذهب الإباضي...70

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...70

المسألة الرابعة: قاعدة فقهية: ازدحام حقوق الله و حقوق العباد...71

المسألة الخامسة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...73

أولاً: الشريف الرضي (عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 406 ه)...73

ثانياً: ابن میثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679 ه)...73

ثالثاً: السيد حبيب الله الخوئي (رحمه الله) (ت: 1324 ه)...74

الفصل الثاني ما تعلق بالساعي والمصدق من أحكام

المبحث الأول: هل يجب على الإمام بعث الساعي في كل عام، وهل الوجوب مطلق ام مقید؟...83

المسألة الأولى: أقوال فقهاء الإمامية في المسألة...83

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى...84

أولاً: المذهب الشافعي...84

ثانياً: المذهب الحنبلي...85

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة:...85

المبحث الثاني: شروط العامل على الزكاة...87

المسألة الأولى: شروط العامل في إخراج الزكاة عند فقهاء الإمامية...87

أولاً: الشيخ الطوسي (ت 460 ه):...88

ثانياً: المحقق الحلي (ت 676 ه):...88

ثالثاً: العلامة الحلي (ت 726 ه):...89

رابعاً: السيد اليزدي (ت 1337 ه):...89

ص: 337

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى في شروط العامل والمصدق...89

أولاً: المذهب الحنفي...89

ثانياً: المذهب الشافعي...91

ثالثاً: المذهب الحنبلي...91

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...93

أولاً: الشروط التي وردت على لسان الفقها...93

ثانياً: الشروط التي وردت عنه (عليه الصلاة والسلام) ولم يذكرها الفقهاء...94

المبحث الثالث: قبول قول المالك لو أدعي الإخراج...95

أو قال لم يحل عليَّ الحول، أو تلف مني...95

المسألة الأولى: إجماع فقهاء الإمامية في المسألة...95

أولاً: السيد علي الطباطبائي (رحمه الله) (ت: 1231 ه)...96

ثانياً: الشيخ محمد تقي الآملي (رحمه الله) (ت: 1391 ه)...97

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الأخرى في قول المالك إذا أدعي الاخراج وغيره...99

أولاً: المذهب المالكي...99

ثانياً: المذهب الشافعي...100

ثالثاً: المذهب الحنفي...101

رابعاً: المذهب الحنبلي...102

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة:...104

أولا: أتفق فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) على:...104

ثانيا: وخالفهم بقية المذاهب الإسلامية الأخرى، وهي كالاتي:...104

المسألة الرابعة: قاعدة فقهية (الحكم بالنكول) وعدم تحققه في دعوى الإخراج...106

المبحث الرابع: لا يجوز للساعي التسلط على أرباب المال...107

ص: 338

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي...108

أولاً: العلامة الحلي (رحمه الله) (ت: 726 ه)...108

ثانياً: المحقق الحلي (رحمه الله) (ت: 676 ه)...109

ثالثاً: الشيخ مرتضى الأنصاري (ت: 1281 ه)...109

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى في تسلط الساعي على أرباب المال...112

أولاً: المذهب المالكي:...112

ثانياً: المذهب الشافعي...113

ثالثاً: المذهب الحنفي...114

رابعاً: المذهب الحنبلي...114

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...115

المسألة الرابعة: تبعية المسألة لقاعدة (التسلط) وقاعدة (حجية قول ذي اليد)...115

أولاً - قاعدة (التسلط) (الناس مسلطون على أموالهم)...115

ثانيا: قاعدة حجية قول ذي اليد...119

المبحث الخامس: هل الخيار للمالك أم للساعي في اختيار العين؟...121

المسألة الأولى: المذهب الإمامي...121

أولا: الشيخ مرتضى الأنصاري (رحمه الله) (ت: 1281 ه)...122

ثانياً: السيد محمد کاظم اليزدي (رحمه الله) (ت 1377 ه)...134

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الأخرى...135

أولاً: المذهب الزيدي...135

ثانياً: المذهب المالكي...136

ثالثاً: المذهب الحنفي...137

رابعاً: المذهب الشافعي...137

ص: 339

خامساً: المذهب الحنبلي...140

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...141

المبحث السادس: شروط أخذ فريضة الزكاة وما يمنع منها...143

المسألة الأولى: المذهب الامامي والقول فيما يمتنع أخذه من الفريضة...144

أولاً: العلامة ابن المطهر الحلي (رحمه الله) (ت: 726 ه)...144

ثانياً: الشيخ مرتضى الأنصاري (رحمه الله) (ت 1281 ه)...150

ثالثاً: السيد كاظم اليزدي (رحمه الله) (ت 1337 ه)...154

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في شروط أخذ فريضة الزكاة وما يمنع منها...154

أولاً: المذهب الزيدي...154

ثانياً: المذهب المالكي...155

ثالثاً: المذهب الحنفي...155

رابعاً: المذهب الشافعي...156

خامساً: المذهب الحنبلي...157

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...158

المبحث السابع: إخراج الزكاة وتفرقتها أهي للإمام...161

أم الساعي أم المالك؟...161

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في المسألة...162

أولاً: تفرقة الساعي للزكاة بنفسه...162

ثانياً: تفريق المالك للزكاة بنفسه...163

ثالثاً: لو طلب الإمام وجب في المال الظاهر...163

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في اخراج الزكاة وتفرقتها...163

ص: 340

أولًا: المذهب المالكي...163

ثانيًا: المذهب الحنفي...164

ثالثا: المذهب الزيدي...165

رابعًا: المذهب الشافعي...166

خامسًا: المذهب الحنبلي...169

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...171

أولًا: الأموال الظاهرة...170

ثانيا: الأموال الباطنة...172

ثالثا: دليل فقهاء الإمامية في المسألة...172

المبحث الثامن: أجرة الساعي...175

المسألة الأولى: المذهب الإمامي...175

أولًا: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 726 ه)...176

ثانياً: قال المحقق البحراني (الشيخ يوسف الدرازي (عليه رحمة الله ورضوانه)، (ت: 1186 ه):...177

ثالثاً: قال السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان) (ت: 1390 ه) في اجرة العامل على الزكاة...178

المسألة الثانية: أجرة الساعي في المذاهب الإسلامية الاخرى...178

أولًا: المذهب الزيدي...178

ثانيًا: المذهب المالکي...179

ثالثاً: المذهب الحنفي...179

رابعًا: المذهب الشافعي...180

خامسًا: المذهب الحنبلي...180

ص: 341

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...181

المبحث التاسع: أصناف المستحقين للزكاة...183

المسألة الأولى: المذهب الإمامي...184

أولًا: العلامة ابن المطهر الحلي (ت: 726 ه)...184

ثانياً: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي(ت 1411 ه)...188

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى:...192

أولًا: المذهب الزيدي:...192

ثانيًا: المذهب المالكي...194

ثالثاً: المذهب الحنفي...199

رابعًا: المذهب الحنبلي...202

خامسا: المذهب الشافعي...205

سادسا: المذهب الإباضي...208

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسالة...209

أولًا: الفقراء والمساكين...209

ثانيًا: العاملون عليها...210

ثالثًا: في عمل الهاشمي في الزكاة...211

رابعًا: سهم المؤلفة قلوبهم...211

ألف: في سقوط هذا السهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) وبقاءه...211

باء: في أختصاص عنوان (المؤلفة) بالمشركين والكفار فقط أم يختص به بعض المسلم ین...212

خامسًا: سهم الرقاب...215

سادسًا: الغارمون...216

ص: 342

سابعًا: ابن السبيل...217

المبحث العاشر: ما ورد الحديث من شروح نهج البلاغة...221

المسألة الأولى: وصيته (علیه السلام) إلى السعات الذين كان يبعثهم على الصدقات...221

أولًا: ابن ميثم البحراني (ت: 679 ه)...221

ثانيا: ابن ابي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه)...227

المسألة الثانية: من عهد له (عليه الصلاة والسلام) إلى بعض عماله، وقد بعثه على الصدقة...234

أولًا: ابن ميثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679)...235

ثانيًا: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه)...240

الفصل الثالث أحكام الصدقة المندوبة

المبحث الأول: تحريم الصدقة الواجبة (الزكاة)...249

على بني هاشم...249

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي في صرف الزكاة للهاشمي...250

أولًا: المحقق النراقي (ت: 1244 ه)...250

ثانيًا: السيد اليزدي وما أورده السيد الحكيم في تعليقاته على العروة...257

المسألة الثانية: حكم صرف الزكاة أو الصدقة الواجبة على بني هاشم عند المذاهب الاخرى...269

أولاً: المذهب الزيدي...269

ثانياً: المذهب الشافعي...271

ثالثاً: المذهب المالكي...275

رابعاً: المذهب الحنفي...276

ص: 343

خامساً: المذهب الحنبلي...279

المسألة الثالثة: خلاصة القول في ما أورده فقهاء المذاهب الإسلامية في المسألة...285

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...288

أولاً: أبن ميثم البحراني (رحمه الله) (ت: 679 ه)...288

ثانيا: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه)...290

ثالثاً: السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)...292

المبحث الثاني: الصدقة المندوبة...293

المسألة الأولى: الصدقة في اللغة والشريعة...296

أولاً: الصدقة لغة:...296

ثانياً: تعريف الصدقة في الشريعة...297

المسألة الثانية: الصدقة المندوبة في المذهب الإمامي...298

المسالة الثالثة: أحكام الصدقة المندوبة في المذاهب الاخرى...302

أولا: المذهب الزيدي...302

1- قال يحيى بن الحسين:...302

2- قال أحمد المرتضى (ت 840 ه) في بيان أحكامها:...303

ثالثاً: المذهب الشافعي...303

رابعاً- المذهب المالكي...308

خامساً: المذهب الحنفي....308

سادساً: المذهب الحنبلي...311

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...313

المسألة الرابعة: قاعدة فقهية (في كون السبب فعليا غير منصوب من الشارع بالأصالة ولكن دلّ عليه القرائن الحالية والمقالية)...315

المسألة الخامسة: ما ورد في الأحاديث من شروح نهج البلاغة...316

ص: 344

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.