فِقْهُ نَهْجُ البَلاغة عَلَی المَذاهِبِ السَّبعَةِ المجلد 5

هوية الکتاب

بسم الله الرحمن الرحیم فقه نهج البلاغة علی المذاهب السبعة الإماميّ - الزّیديّ - الحنفيّ - المالکي الشَّافِعيّ - الحَنبَليّ - الإِباضِيّ وَبَیَانُ القَواعِدِ الفِقهِیَّةِ وَالمَعَارِفِ الأَخلاَقِیَّةِ وَشُروحِ الأحَادِیثِ

بحر العلم ومدار الحقِّ رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3586 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف LC: BP193.1.A2 H3 2020 المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - - مؤلف.

العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي - الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة.

الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 697).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية؛ 18).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

تبصرة محتويات: الجزء 1: اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب.

مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاريخ.

مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي).

مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي).

اسم شخص اضافي: شرح ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 -406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضاف: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة.

جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

بحر العلم ومدار الحقِّ رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3586 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف LC: BP193.1.A2 H3 2020 المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - - مؤلف.

العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي - الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة.

الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 697).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية؛ 18).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

تبصرة محتويات: الجزء 1: اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب.

مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاريخ.

مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي).

مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي).

اسم شخص اضافي: شرح ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 -406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضاف: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة.

جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث العلمية وحدة الدراسات الفقهية فقه نهج البلاغة عَلَ المَذَاهِبِ السَّبعَةِ الإِمامِيّ - الزَّیديّ - الحَنَفيّ - المَالِکي الشَّافِعيّ - الحَنبَليّ - الإِباضِيّ وبَیَانُ القَواعِدِ الفِقهِیَّةِ وَالمَعَارِف الأخلاقِیَّةِ وَشُروحِ الأَحادِيثِ دِرَاسَة بَینیَّة الجُزءُ الخَامِسُ الصَّلاة تَأليف السَّیِّد نَبیل الحَسَنيّ الکَربَلائيّ اِصدَار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة (176)

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1441 ه / 2020 م العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633 - 07728243600

ص: 4

الباب الثالث «كتاب الصلاة»

ص: 5

ص: 6

يتضمن الباب:

الفصل الأول: مقدمات فريضة الصلاة.

• المبحث الأول: معنى الصلاة في اللغة والاصطلاح والفقه.

٭ المسألة الأولى: معنى الصلاة في اللغة والاصطلاح.

٭ المسألة الثانية: معنى الصلاة عند فقهاء الإمامية.

٭ المسألة الثالثة: معنى الصلاة في المذاهب الاخرى.

٭ المسألة الرابعة: خلاصة القول فيها أورده فقهاء المذاهب الإسلامية في معنى الصلاة.

• المبحث الثاني: في تحريم إضاعة الصلاة ووجوب المحافظة عليها.

٭ المسألة الأولى: فضل الصلاة في المذهب الإمامي ووجوب المحافظة عليها.

٭ المسألة الثانية: فضل الصلاة في المذاهب الاخرى ووجوبها.

٭ المسألة الثالثة: خلاصة القول فيها أورده فقهاء المذاهب السبعة.

٭ المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

• المبحث الثالث: في استحباب الابتداء بالنوافل.

٭ المسألة الأولى: استحباب التقرب بالنوافل مع الفرائض في المذهب الإمامی.

٭ المسألة الثانية: استحباب الابتداء بالنوافل والتقرب بها في المذاهب الأخرى.

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب.

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

ص: 7

• المبحث الرابع: جواز ترك النوافل لعذر أو لغيره ٭ المسألة الأولى: أقوال فقهاء الإمامية في جواز ترك النوافل عند ادبار القلب.

٭ المسألة الثانية: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

• المبحث الخامس: كراهة النافلة في وقت الفريضة غير الرواتب ومع الرواتب في وقت الفضيلة للفريضة ٭ المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي ٭ المسألة الثانية: خلاصة القول فيما أورده الفقهاء في المسألة ٭ المسألة الثالثة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة ٭ المسألة الرابعة: قاعدة المشقة: موجبة لليسر الفصل الثاني: أوقات الصلوات اليومية.

المبحث الأول: أوقات الصلوات اليومية في المذهب الإمامي.

٭ المسألة الأولى: ما أورده العلامة ابن المطهر الحلي عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 726 ه).

٭ المسألة الثانية: ما أورده السيد محمد كاظم اليزدي (عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 1337 ه) في مواقيت الصلوات اليومية.

المبحث الثاني: أوقات الصلوات اليومية عند فقهاء المذاهب الستة.

٭ المسألة الأولى: المذهب الزيدي.

٭ المسألة الثانية: المذهب المالكي.

٭ المسألة الثالثة: المذهب الحنفي.

ص: 8

٭ المسألة الرابعة: المذهب الشافعی.

٭ المسألة الخامسة: المذهب الحنبلی.

٭ المسألة السادسة: المذهب الإباضي.

• المبحث الثالث: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في مواقيت الصلاة في ودليل الإمامية في المسألة وتفرعاتها.

٭ المسألة الأولى: تطابق الوقت والفعل في وقت الرفاهية للفرائض اليومية.

٭ المسألة الثانية: لكل صلاة وقتان في المذهب الإمامي (الفضيلة والإجزاء).

٭ المسالة الثالثة: الإختلاف في عدد أوقات الصلاة في المذاهب الأخرى.

٭ المسألة الرابعة: معنى الدلوك في المذهب الإمامي.

٭ المسالة الخامسة: معنى الدلوك في المذاهب الاخرى.

٭ المسألة السادسة: تحقق دخول وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس.

٭ المسألة السابعة: ما يختص بصلاة الظهر من الوقت ومقدار ما يشترك معها من صلاة العصر.

٭ المسألة الثامنة: أول وقت العصر وما يشترك معها من وقت الظهر.

٭ المسألة التاسعة: تحديد وقت فضيلة العصر.

٭ المسألة العاشرة: أول وقت المغرب الذي تتعلق به الفريضة، ووقت فضيلتها.

٭ المسألة الحادية عشر: تحديد وقت فريضة العشاء وفضيلتها.

٭ المسألة الثانية عشر: وقت الغداة.

٭ المسألة الثالثة عشر: بيان الفجر الثاني ووقت فضيلة صلاة الصبح.

• المبحث الرابع: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

٭ المسألة الأولى: ما أورده قطب الدين الراوندي (رحمه الله) (ت: 573 ه).

٭ المسألة الثانية: ما أورده ابن میثم البحراني (ت 679 ه).

ص: 9

الفصل الثالث: استحباب تخفيف الإمام صلاته وبيان حكم السفر يوم الجمعة.

• المبحث الأول: استحباب تخفيف الإمام صلاته.

٭ المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي.

٭ المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى.

٭ المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

٭ المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

• المبحث الثاني: حكم السفر يوم الجمعة قبل الفجر وبعده وبعد الزوال.

٭ المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي.

٭ المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى.

٭ المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسالة.

٭ المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة

ص: 10

الفصل الأول : «مقدمات فريضة الصلاة»

اشارة

ص: 11

ص: 12

قال أمير المؤمنين الإمام علي (علیه السلام):

«تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصّلَاةِ، وَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَتَقَرّبُوا بِهَا، فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً...».

ص: 13

ص: 14

توطئة:

لقد احتوى كتاب نهج البلاغة على بعض المسائل الشرعية التي انضوت تحت عنوان الصلاة؛ وللوقوف على آراء الفقهاء في هذه المسائل في المذاهب الفقهية السبعة، وما ارتبط بها من قواعد فقهية، وشروح للأحاديث التي تعلقت بها هذه المسائل من شروح نهج البلاغة، وذلك لتقديم دراسة علمية بينية في المسألة الواحدة.

سنتناول أولاً معنى الصلاة في اللغة واصطلاح الفقهاء، ثم نعرج إلى ما استطعنا جمعه من مسائل حول فريضة الصلاة في كتاب نهج البلاغة.

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»

ص: 15

ص: 16

المبحث الاول معنى الصلاة في اللغة واصطلاح الفقهاء

المسألة الأولى: معنى الصلاة في اللغة والاصطلاح:

ورد لفظ (الصلاة) في اللغة بمعان عدة، أوردها ابن منظور في معجمه، فكان منها:

1 - الصلاة: الركوع والسجود.

2 - الدعاء والاستغفار، قال الأعشى:

وصهباء طاف يهوديها ٭٭٭ وأبرزها وعليها ختم وقابلها الريح في دنها ٭٭٭ وصلى على دنها وأرتسم 3 - والصلاة من الله تعالى: الرحمة.

4 - وصلاة الله على رسوله: رحمته له وحسن ثنائه عليه.

5 - وكل داعٍ فهو مصلّ؛ ومنه قوله الأعشى:

عليك مثل الذي صليت فأغتمضي ٭٭٭ نوماً فإن لجنب المرء مضطجعاً 6 - ومن الصلاة بمعنى الاستغفار، حديث سودة أنها قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا متنا صلى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا، فقال لها:

ص: 17

«إن الموت أشد مما تُقدَّرين».

قال شمر: قولها صلى لنا، اي: أستغفر لنا عند ربه، وكان عثمان مات حين قالت سودة ذلك.

قال ابن الاعرابي: الصلاة من الله عليه الرحمة و، ومن المخلوقين الملائكة والأنس والجن، القيام والركوع والسجود، والدعاء والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام التسبيح(1).

المسالة الثانية: معنى الصلاة عند فقهاء الإمامية.

تناول فقهاء المذهب الإمامي والمذاهب الاخرى معنى الصلاة في الشريعة فكانت أقوالهم ترشد إلى أنها تلك الافعال والاذكار المنصوص عليها والمخصوصة بها.

(وهي في اصطلاح الفقهاء: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة، وهذا التعريف يشمل كل صلاة مفتتحة بتكبيرة الاحرام، ومختتمة بالسلام، ويخرج عنه سجود التلاوة، وهو سجدة واحدة عند سماع آية من القرآن المشتملة على ما يترتب عليه ذلك السجود من غير تكبير، أو سلام، كما سيأتي في مبحثه، فهذا السجود لا يقال له: صلاة عند الحنفية والشافعية)(2).

وعليه:

ص: 18


1- لسان العرب: ج 14، ص 465
2- الفقه على المذاهب الاربعة ومذهب أهل البيت (عليهم السلام)، للجزيري الغروي: ج 1، ص 266

فان معنى الصلاة لدى فقهاء المذهب الإمامي كانت كالاتي:

أولاً: المحقق الحلي (ت 676 ه)

قال (عليه رحمة الله ورضوانه):

(وهي في الشرع عبارة عن عبادة مخصوصة، تارة تكون ذكراً ((محضاً)) كالصلاة بالتسبيح، وتارة فعلاً مجرداً كصلاة الأخرس، وتارة تجمعها كصلاة الصحيح، ووقوعها على هذه الموارد وقوع الجنس على أنواعه، وفي وقوعها بالحقيقة على صلاة الجنائز تردد، أشبهه أنه على الحقيقة اللغوية، والمجاز الشرعي؛ إذ لا يفهم عند الإطلاق ذات الركوع والسجود، وما قام مقامهما.

أما صلاة الجنازة إلاّ فهي دعاء للميت، كدعاء الإنسان لأخيه الحي، فكما ليس هذا صلاة شرعية بالإطلاق، فكذا ذلك)(1).

ثانيا - الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1228 ه):

قال (عليه الرحمة والرضوان) في بيان معنى الصلاة:

(ولها معان كثيرة، ك الرحمة و، والاستغفار، والمدح، والثناء، والدعاء، على وجه الاشتراك لفظياً أو معنوياً، في حد ذاتها أو باعتبار المتعلق. وبين الجميع والمعنى الجديد علاقة المجاز المرسل فيمكن ملاحظة كل واحد منها على وجه النقل من الشخص متحدا أو متعددا أو الجنس إلى المعنى الجديد، وأظهر معانيها في اللغة الدعاء، ولعله هو الملحوظ بالنسبة إلى وضع الشرع، بل هي من مبدأ شريعة سيد المرسلين، بل شرائع الأنبياء السالفين، بل منذ

ص: 19


1- المعتبر: ج 2، ص 9

خلق القرآن المبين من أوضاع رب العالمين.

ثم وضعت وضعا أصليا تعيّنيا لا هجريا تعينيا لعمود الأعمال الدينية وأول أصول الفروع الشرعية والعبادة المشروطة بالطهارة طبيعتها أو باستقبال فاعلها أو فاعل ما يسمى باسمها أو ما يتبعها القبلة أو ما كان الركوع والسجود من أركانها أو ما كانت القراءة من واجباتها بالأصالة أو ما اشتملت على الأقوال والافعال وتفصيلاتها المعلومة أو ما كان التكبير ابتدائها والتسليم ختامها إلى غير ذلك من مميزاتها المعلومة والتقييد بوصف الصحة داخل في حقيقتها دون القيد وهي المقومة لها كيف كانت أفعالها وهيئتها.

ولذلك يدور الاطلاق مدارها فيصدق على ما اجتمعت جميع الأركان أو بعضها الاسم مرة مع اجتماع الواجبات فقط أو مع المندوبات وقد يصدق على مجرد الأركان ومرة على بعض الأركان حتى تنتهي إلى تكبيرة عوض الركعة ويكتفى مع الصحة عن ركوعها وسجودها في صحة اطلاقها بتغميض العينين؛ ويدور عليها حكم الفاعل والتارك وغيرهما من الأعمال ولا شك في دخولها تحت الاسم معها وعدم دخولها مع عدمها ويجري مثل هذا الكلام في جميع العبادات الصرفة كما لا يخفى فليست عبارة عن الأركان ولا مطلق الواجبات ولا مجموع ما بين التكبير والتسليم من الواجبات والمستحبات وليست باقية على الوضع الأول والافعال خوارج ولا مع التقييد بالأعمال حتى يدخل التقييد وتخرج القيود ولا مجازا في المعاني الجديدة المتكررة ولا حقيقة بنحو الوضع الهجري التعيني على نحو غيرها من العبادات المشهورة المتكررة.

فقد اتضح بهذا ان ألفاظ العبادات من المجملات الموضوعة في الشرع

ص: 20

لمعان جديدة يتوقف بيانها على تعريف الشارع كالأحكام الشرعية؛ كما أن الموضوعات النحوية والصرفية والبيانية والنجومية والحسابية والموضوعات في جميع الصناعات معرفتها ومعرفة احكامها موقوفة على بيان مؤسسها ثم البيان قد يكون بالقول كما في الوضوء والتيمم وقد يكون بالفعل مقصودا به التعلم كصلاته (عليه السلام) لتعليم حماد أو غير مقصود به ذلك متبوع بالقول كقوله (صلى الله عليه وآله):

«صلوا كما رأيتموني أصلي، وحجوا كما رأيتموني أحج».

أو غير متبوع كما إذا رأيناه (صلى الله عليه وآله) قد عمل عملا أو نقل عنه بطريق معتبر فإنه يقوم مقام القول إلا أن يقوم دليل على الخلاف أو بالتقرير كما إذا كان العمل بحضوره فارتضاه أو سكت عنه في مقام لا ينبغي السكوت عنه وفي حكم ذلك ما قضى به جمع جميع ما ذكر في الروايات وكلام الأصحاب من الأجزاء والشروط والموانع فيحكم لذلك بنفي ما عداها وهذا النحو مجمع عليه والسيرة قاضية به لا بأصل عدم شغل الذمة المردود بأصالة بقائه بعد اليقين (ولأنه في حكم تعدد الافراد المتفاوتة ولوضوح الفرق بين الأجزاء والجزئيات) ولا بأصل (لا تثبت) عدم تحققه ولا بأصل عدم دخول شيء في الاسم الا ما علم دخوله فيه فيكون موضوعا للمعلوم دون غيره لان اللغة الا بطرق خاصة وليس أصل لعدم منها فليس حالنا الا كحال العبيد في الاهتداء إلى طرق معرفة إرادة مواليهم وكحال الصدر الأول يتلقى الأحكام الشرعية وموضوعاتها على نحو تلقيهم ولا يجب معرفة حقيقتها على المكلفين ولا الفرق بين واجبها وندبها كما لا تلزم معرفة حقيقة غيرها من العبادات ولا يتوقف عليها صحة النية ولولا ذلك

ص: 21

لفسدت أكثر عبادات المكلفين إذ لا يعرف حقيقة الصلاة والصيام والحج والعمرة والاحرام سوى الأوحدي من الناس.

وإذا تتبعت كلمات أهل الفن وجدتها مختلفة في بيان معانيها أشد اختلاف فلو جاء العامل بأحد هذه الأعمال من غير علم بداخلها وخارجها وندبها وواجبها لم يكن عليه باس ويجرى نحو ما حررناه بداية ونهاية في تكليف كل مطاع با وضع له اسما وعين معناه فيجرى فيه وجوب الاحتياط وادخال ما يحتمل دخوله)(1).

ثالثا: الميرزا القمي (ت 1231 ه)

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(فالصلاة في اصطلاح المتشرعة: هو مجموع الافعال والصور المعهودة في سنة المتشرعة، المشروط صحتها بالقبلة والقيام؛ أو أنها مجموع المذكورات، مع شرائطها التي لا يصح إلا بها أو نقول: إنها مجموع المذكورات، مع كونها ذات رکوع وسجود والأظهر ذلك، مع الاعتبار الاول من الاعتبارین، فكيون إدراج صلاة الاموات بعنوان المجاز.

ويؤيده قولهم (عليه السلام):

«لا صلاة إلا بطهور»(2)و «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»(3).

ص: 22


1- کشف الغطاء: ج 2، ص 11
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 33، ح 67
3- عوالي اللآلي: ج 3، ص 82، ح 65

وهذا هو صريح العلامة في التذكرة(1)، وظاهر المحقق في المعتبر(2)؛ ظاهر بعضهم، كالشهيد في جملة من كتبه كونها حقيقة فيها(3)، والنزاع في ذلك قليل الجدوى؛ والحق؛ أن ذلك، كذلك عند الشارع ايضاً، سيما في زمان الصادقين ومن بعدهما (عليهم السلام)(4).

المسالة الثالثة: معنى الصلاة في المذاهب الاخرى.

أولا: معنى الصلاة في المذهب الزيدي.

قال إمام الزيدية أحمد المرتضى (ت: 840 ه) في بيان معنى الصلاة في الشرع: هي (عبادة ذات أذكار وأركان تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)(5).

ثانيا - معنى الصلاة في المذهب المالكي.

قال الخطاب الرعيني (ت 954 ه) في بيان معنى الصلاة:

(وأما في الشرع، فقال في المقدمات: هي واقعة على دعاء مخصوص في اوقات محدودة تقترن بها افعال مشروعة.

وقال بعضهم: هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة)(6).

ص: 23


1- تذكرة الفقهاء: ج 2، ص 25
2- المعتبر: ج 2، ص 9
3- ذكرى الشيعة، ج 2، ص 7
4- مناهج الاحكام - الميرزا القمي: ص 12
5- شرح الأزهار: ج 1، ص 167
6- مواهب الجليل: ج 2، ص 3

ثالثا: معنى الصلاة في المذهب الحنفي.

قال السرخسي (ت 484 ه) في معنى الصلاة في الشريعة:

(وفي الشريعة: عبادة عن أركان مخصوصة، كان فيها الدعاء أو لم يكن، فالاسم شرعي ليس فيه معنى اللغة)(1).

رابعا: معنى الصلاة في المذهب الشافعي.

قال النووي (ت 676 ه) في بيان معنى الصلاة شرعاً:

(الصلاة في اللغة الدعاء، وسميت الصلاة الشرعية صلاة لاشتمالها عليه هذا هو الصحيح، وبه قال الجمهور في أهل اللغة وغيرهم من أهل التحقيق)(2).

خامسا: معنى الصلاة في المذهب الحنبلي.

قال ابن قدامة المقدسي في بيان معنى الصلاة:

(وهي في الشرع عبارة عن الافعال المعلومة فإذا ورد في الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق عليها أنصرف بظاهرة إلى الصلاة الشرعية)(3).

سادسا: معنى الصلاة في المذهب الإباضي.

قال الشيخ محمد أطفيش (ت: 2331 ه) في بيان معنى الصلاة شرعاً:

ص: 24


1- المبسوط: ج 1، ص 4
2- المجموع: ج 3، ص 2
3- المغني: ج 1، ص 376

(قربة ذات إحرام وتسليم أو سجود، فدخلت صلاة الجنازة، وسجود التلاوة)(1).

المسألة الرابعة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب الإسلامية في معنى الصلاة.

اختلف فقهاء المذهب الإمامي في بيان معنى الصلاة وتعدد الأقوال والتعريفات في ذلك.

ولا يمكن جمعها في أطار واحد تتحدد فيه المفاهيم.

ذهب الشافعية إلى أنها (دعاء) وجزموا في صحته؛ وتبعهم في هذا المعنى المالكية مقرون بالوقت والأفعال المخصوصة.

وقال الزيدية والحنفية: إنها عبادة ذات أركان مخصوصة ولا مدخلية للدعاء في معناها.

وقال الإباضية: بأنها قربة أو سجود.

وقال الحنابلة: إنها عبارة عن أفعال معلومة أو حکم معلق عليها.

فهذه أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية في بيان معنى الصلاة شرعاً؛ أما ما يتعلق بمباحث الصلاة التي وردت في كتاب نهج البلاغة فسنوردها فيما يأتي.

ص: 25


1- شرح كتاب النيل وشفاء العليل: ج 2، ص 5

ص: 26

المبحث الثاني في تحريم إضاعة الصلاة ووجوب المحافظة عليها قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام):

«تَعَاهَدُوا أَمْرَ اَلصَّلاَةِ وحَافِظُوا عَلَیْهَا - واِسْتَکْثِرُوا مِنْهَا وتَقَرَّبُوا بِهَا - فَإِنَّهَا «كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا»، أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَی جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِینَ سُئِلُوا «مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٭ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ - وتُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ الرِّبَق، وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللّه (صلى الله عليه وآله) بِالْحَمَّةِ تَکُونُ عَلَی بَابِ الرَّجُلِ - فَهُوَ یَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْیَوْمِ وَاللَّیْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ - فَمَا عَسَی أَنْ یَبْقَی عَلَیْه مِنَ الدَّرَنِ - وقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ - الَّذِینَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِینَةُ مَتَاعٍ ولَا قُرَّةُ عَیْنٍ - مِنْ وَلَدٍ ولَا مَالٍ - یَقُولُ اللّهَّ سُبْحَانَه: «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ»(1). وکَانَ رَسُولُ اللّه (صلی اللّه علیه وآلهِ) نَصِباً بِالصَّلَاةِ بَعْدَ التَّبْشِیرِ لَه بِالْجَنَّةِ لِقَوْلِ اللّهَّ سُبْحَانَهُ: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(2)؛ فَکَانَ یَأُمُرُ بَهِا أَهْلَه ویَصْبِرُ عَلَیْهَا نَفْسَهُ»(3).

يكشف الحديث الشريف عن مكانة الصلاة في الإسلام وبيان فضلها،

ص: 27


1- النور: 38
2- طه: 132
3- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 316

ووجوب المحافظة عليها، وأثرها في تحديد مصير الإنسان في يوم القيامة، وقد تناول الفقهاء في المذاهب الإسلامية السبعة فريضة الصلاة وأحكامها في كتبهم مستدلين في ذلك على جملة من النصوص الخاصة في الصلاة، فكانت اقوالهم کالاتي:

المسألة الاولى: فضل الصلاة في المذهب الأمامي ووجوب المحافظة عليها.

زخرت کتب فقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) في بيان فضل الصلاة واثارها الدنيوية والأخروية وأحكامها الكثيرة جداً، ويكفي في ذاك دلالة على اهتمام فقهاء الإمامية بالصلاة، کتاب الألفية والنفلية(1)للشهيد الأول شمس الدين محمد بن مكي العاملي (ت 786 ه).

أما ما يخص المسالة فسنورد من أقوال فقهاء المذهب قولين فقط لبيان فضل الصلاة التي ورد في قوله (عليه السلام) مورد البحث، فكانت هذه الاقوال كالاتي:

أولاً: المحقق البحراني (ت 1186 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في فضل الصلوات اليومية.

الذي يجمع فيه النصوص الشريفة عن أئمة العترة النبوية (عليهم

ص: 28


1- قال المحقق الشيخ اغا بزرك الطهراني (عليه الرحمة والرضوان) في وصف الكتاب: (ألفية الشهيد، المشتملة على ألف واجب في الصلاة للشيخ أبي عبد الله بن محمد بن مكي الشامي العاملي الجزيني الشهيد سنة (786 ه)، مرتبة على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة؛ وطبعت مکررا، وعليها حواشي وتعليقات كثيرة، ينظر: الألفية والنفلية: ص 29 من المقدمة التحقيقية لمركز التحقيقات الإسلامي؛ تحقيق الشيخ علي الفاضل القاشيني النجفي

السلام)؛ فضلاً عن أقوال علماء الطائفة (أعلى الله شأنهم)؛ فيقول:

(إنها أفضل الاعمال الدينية وأن قبول سائر الاعمال موقوف على قبولها، وانه لا يقبل منها إلا ما أقبل عليه بقلبه، وانه يجب المحافظة عليها في أوائل أوقاتها والاتيان بحدودها، وأن من أستخف بها كان في حكم التارك لها، وينتظم ذلك في فصول:

روی ثقة الإسلام والصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب، قال:

سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى الله تعالى ما هو؟ فقال:

«ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ألا ترى أن العبد الصالح عیس بن مریم قال: «وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ»(1)».

وزاد في الكافي «وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا».

وروى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب(2). أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم؟ فقال:

«ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلاة».

قال المحقق البحراني:

بیان: في هذا الخبر الشريف فوائد يحسن التنبيه عليها والتعرض إليها لأن كتابنا هذا کما يبحث عن الأحكام الفقهية يبحث أيضا عن تحقيق معاني الأخبار المعصومية:

ص: 29


1- مریم: 32
2- رواه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض

(الفائدة الأولى) - يحتمل أن يكون المراد بالمعرفة في الخبر معرفة الله عز وجل ويحتمل الحمل على معرفة الإمام (عليه السلام) فإن هذا المعنى مما شاع في الأخبار كما تكاثر في أخبارهم من اطلاق العارف على ما قابل المخالف، ويحتمل الأعم منهما بل ومن سائر المعارف الدينية والأصول اليقينية والأول يستلزم الأخيرين غالبا، وفي كتاب الفقه الرضوي(1):

«واعلم أن أفضل الفرائض بعد معرفة الله عز وجل الصلوات الخمس».

وهو ظاهر في تأييد المعنى الأول، والمراد بالصلوات هي اليومية والإشارة بهذه إنما هو إليها لأنها الفرد المتعارف المتكرر المنسق إلى الذهن عند الاطلاق، وفي العدول إلى الإشارة عن التسمية تنبيه على مزيد التعظيم وتمييز بذلك لهذا الفرد أكمل تمييز كما قرر في محله من علم المعاني.

(الثانية) - ظاهر الخبر يقتضي نفي أفضلية غير الصلاة عليها والمطلوب ثبوت أفضليتها على غيرها وأحدهما غير الآخر فإن نفى وجود الأفضل منها لا يمنع المساواة ومعها لا يتم المطلوب، قال شيخنا البهائي زاده الله بهاءً وشرفا في كتاب الحبل المتين:

(ما قصده (عليه السلام) من أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال وإن لم يدل عليه منطوق الكلام إلا أن المفهوم منه بحسب العرف ذلك كما يفهم من قولنا ليس بين أهل البلد أفضل من زيد أفضليته عليهم، وإن كان منطوقه نفى أفضليتهم عليه وهو لا يمنع المساواة). انتهى.

أقول: ويؤيده أن السؤال في الخبر عن أفضلية ما يتقرب به العبد وأحبه

ص: 30


1- عيون اخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق: ص 6

إلى الله عز وجل فلو لم يحمل على المعنى الذي ذكره شيخنا المشار إليه للزم عدم مطابقة الجواب للسؤال.

(الثالثة) - ظاهر الخبر أن الصلاة أفضل مطلقا سواء كانت في أول وقتها أو في وقت الاجزاء إلا أنه روي عنه (صلى الله عليه وآله)(1):

«أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها».

فيجب أن يقيد به إطلاق هذا الخبر عملا بقاعدة وجوب حمل المطلق على المقيد وعلى هذا لا يتم المدعى. وأجيب بأن الخبر الأول دل على أنها أفضل مطلقا وقعت في أول الوقت أو آخره والخبر الآخر دل على كونها في أول الوقت أفضل الأعمال ولا منافاة بينهما ليحتاج إلى الحمل المذكور فإن الصلاة مطلقا إذا كانت أفضل من غيرها من العبادات كان الفرد الكامل منها أفضل الأعمال قطعا بالنسبة إلى باقي أفرادها وإلى غيره.

(الرابعة) - قال بعض مشايخنا (قدس سره) في جعله (عليه السلام) قول عیسى (عليه السلام) على نبينا (صلى الله عليه وآله) وأوصاني بالصلاة.. الآية(2). مؤيدا لأفضلية الصلاة بعد المعرفة على غيرها نوع خفاء، ولعل وجهه ما يستفاد من تقديمه (عليه السلام) ما هو من قبيل الاعتقادات في مفتتح كلامه ثم اردافه ذلك بالأعمال البدنية والمالية وتصديره لها بالصلاة مقدما لها على الزكاة، ولا يبعد أن يكون التأييد لمجرد تفضيل الصلاة على غيرها من الأعمال من غير ملاحظة تفضيل المعرفة عليها ويؤيده عدم ايراده

ص: 31


1- رواه السيوطي في الجامع الصغير ج 1 ص 48
2- مریم، 31

(عليه السلام) صدر الآية في صدر التأييد، والآية هكذا قال: «إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا»(1). انتهى كلامه زید مقامه.

وروى في الكافي عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2)قال: سمعته يقول:

«أحب الأعمال إلى الله تعالى الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء فما أحسن من الرجل أن يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحى حيث لا يراه أنيس فيشرف عليه وهو راكع أو ساجد، أن العبد إذا سجد فأطال السجود نادی إبليس يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت». ورواه في الفقيه مرسلا(3).

قال في الوافي في بعض نسخ الكافي إبليس مكان أنيس وهو تصحيف وفي بعض نسخ الفقيه أنسي وفي بعض نسخه فيشرف الله عليه باثبات لفظ الجلالة ولكل وجه وإن كان اثبات الجلالة والانسي أوجه والمستتر في يشرف بدون الجلالة يعود إلى الأنسي أو الأنيس، والغرض على التقادير البعد عن شائبة الرياء.

وروى في الكافي عن الوشاء(4)قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول:

«أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد وذلك قوله: «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ»(5)».

ص: 32


1- مریم، 30 - 31
2- رواه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض
3- رواه عنه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض
4- رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب السجود
5- العلق، 19

وعن یزید بن خليفة(1)قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا قام المصلي إلى الصلاة نزل عليه الرحمة ومن أعنان السماء إلى أعنان الأرض وحفت به الملائكة وناداه ملك لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل».

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام)(2). قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه، أو قال: أقبل الله عليه حتی ينصرف وأظلته الرحمة ومن فوق رأسه إلى أفق السماء والملائكة تحفه من حوله إلى أفق السماء ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول له أيها المصلي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفت ولا زلت من موضعك أبدا».

وروى المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن أبي عبد الله (عليه السلام)(3). قال:

«صلاة فريضة خير من عشرين حجة، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنی». وفي بعضها خال من قوله (مملوء)، وفي بعض (حتى لا يبقى منه شيئ) عوض يفنی.

بیان: الحجة المرة من الحج بالكسر على غير قياس والجمع حجج، کسدرة وسدر، قال ثعلب قياسه الفتح ولم يسمع من العرب.

أقول: وهذا الخبر بحسب ظاهره لا يخلو من اشكالات: منها - أن الحجة مشتملة على صلاة فريضة وهي ركعتا الطواف وإن كانت الحجة ندبة فإن

ص: 33


1- رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض
2- رواه في الوسائل في الباب 8 من أعداد الفرائض
3- رواه في الوسائل في الباب 10 من أعداد الفرائض

الصلاة فيها واجبة فيلزم تفضيل الشيء على نفسه بمراتب. ومنها - أنه قد ورد أن الحج أفضل من الصلاة(1).

ومنها - أنه قد ورد «أفضل الأعمال أحمزها»(2).

ثانیاً - السيد اليزدي (ت: 1337 ه):

قال (علية رحمة الله ورضوانه):

(اعلم أن الصلاة أحب الاعمال إلى الله تعالى، وهي آخر وصايا الانبياء (عليهم السلام)، وهي عمود الدين، إذا قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحت نظر في عمله، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله، ومثلها كمثل النهر الجاري، فكما أن من اغتسل فيه كل يوم خمس مرات لم يبق في بدنه شيء من الدرن كذلك كلما صلى صلاة كفر ما بينهما من الذنوب، وليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا أن يترك الصلاة، وإذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد، فأول شيء يسأل الصلاة، فإذا جاء بها تامة وإلا ذخ في النار.

وفي الصحيح قال مولانا الصادق (علیه السلام):

«ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى ابن مريم (عليه السلام) قال: وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا».

ص: 34


1- رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب وجوب الحج
2- هو حديث ابن عباس كما في نهاية ابن الأثير ومجمع البحرين مادة (حمز)

وروى الشيخ في حديث عنه (عليه السلام) قال:

«وصلاة فريضة تعدل عند الله ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات».

وقد استفاضت الروايات في الحث على المحافظة عليها في أوائل الأوقات، وأن من استخف بها كان في حكم التارك لها.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«ليس مني من استخف بصلاته».

وقال: «لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته».

وقال: «لا تضيعوا صلاتكم، فإن من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان، وكان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين».

وورد: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلى، فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال (عليه السلام):

«نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني».

وعن أبي بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام)، فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت:

(يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجبا، فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة»، قالت: فما تركنا أحدا إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال:

«إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة».

ص: 35

وبالجملة: ما ورد من النصوص في فضلها أكثر من أن يحصى، ولله در صاحب الدرة حيث قال:

(تنهی عن المنكر والفحشاء *** أقصر فهذا منتهى الثناء)(1)

المسألة الثانية: فضل الصلاة في المذاهب الأخرى ووجوبها.

أولاً - المذهب الزيدي.

قال إمام الزيدية أحمد المرتضى (ت 840 ه):

(ووجوبها على الاجمال معلوم من الدين ضرورة فالاستدلال عليه فيه نوع مناقضة ان قصد أثباتها به؛ فأما على وجه تبين المستند في علم ذلك فلا بأس، وذلك نحو قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ» «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ» وقوله (صلى الله عليه واله):

«بني الإسلام على خمسة أركان» الخبر)(2).

ثانيا: المذهب المالكي.

قال الخطاب الرعيني (ت 954 ه):

(والصلاة أفضل العبادات بعد الايمان بالله تعالى، وقد ورد في فضلها والحث على اقامتها والمحافظة عليها ومراعاة حدودها الباطنة، آیات واحاديث كثيرة مشهورة، وحكمة مشروعيتها التذلل والخضوع بين يدي الله

ص: 36


1- العروة الوثقی: ج 2 ص 242
2- شرح الأزهار: ج 1 ص 167

عز وجل المستحق للتعظيم، ومناجاته تعالى بالقراءة والذكر والدعاء وتعمير القلب بذكره واستعمال الجوارح في خدمته)(1).

ثالثاً: المذهب الحنفي.

قال السرخسي (ت 483 ه):

(الصلاة من أقوى الاركان بعد الايمان بالله تعالى، قال الله تعالى:

«فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ»؛ وقال (صلى الله عليه وآله): - «الصلاة عماد الدين».

فمن أراد نصب خيمة بدأ بنصب العماد. والصلاة من أعلى معالم الدين ما خلت عنها المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وقد سمعت شيخنا الحلواني يقول في تأويل قوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي».

أي: لأني ذكرتها في كل كتاب منزل على لسان كل نبي مرسل؛ وفي قوله عز وجل: «مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» ما يدل على وكادتها؛ فحين وقعت بها البداية، دل على انها في القوة بأعلى النهاية)(2).

وفي وجوبها قال:

(فالدلائل من الكتاب والسنة على فرضيته مشهورة يكثر مقدارها)(3).

ص: 37


1- مواهب الجليل: ج 2 ص 8
2- المبسوط: ج 1 ص 4
3- المصدر السابق

رابعاً: المذهب الشافعي.

قال إمام المذهب الشافعي:

(أصل فرض الصلاة، قال الله تبارك وتعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا»، وقال: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»، الآية مع عدد آي فيه ذكر فرض الصلاة.

قال: وسأل رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - عن الإسلام فقال:

«خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال السائل: هل علىَّ غيرها؟ قال:

«لا، إلا أن تطوع»)(1).

خامساً: المذهب الحنبلي:

جاء بيان وجوبها في الفقه الحنبلي ما اورده ابن قدامة المقدسي، ، قائلاً:

(وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى:

«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»(2).

وأما السنة فما روى ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله، وأقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا». منتفق عليه، أي وأخبار كثيرة

ص: 38


1- کتاب الام: ج 1 ص 50
2- التوبة: 31

نذكر بعضها في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى.

وأما الاجماع فقد اجمعت الامة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة)(1).

سادساً: المذهب الإباضي.

ذهب فقهاء الإباضية إلى بيان حكمها بقولهم: (الصلاة المفروضة ((من أركان الدين))، أي: من جوانبه القوية)(2).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب السبعة.

ذهب فقهاء الإمامية (أعلى الله شأنهم) في بيان وجوب المحافظة على الصلاة و تحریم اضاعتها وتعظيمها عبرَّ ثلاثة أمور:

الأول: في فضلها، ويكفي من ذاك البيان هو الرجوع إلى الحديث الشريف الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام):

((ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة...)).

والثاني : في المحافظة على أدائها في أول وقتها.

والثالث: في أن حكم المستخف بها كالتارك لها.

وقال الزيدية: إن وجوبها - على الإجمال - معلوم من الدين ضرورة كقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاة»...، وقوله (صلى الله عليه وآله): ((بني الإسلام على خمسة أركان...)).

ص: 39


1- المغني لابن قدامة ج 1 ص 276
2- کتاب شرح النيل وشفاء العليل، محمد أطفيش: ج 2، ص 5

وقال المالكية: بإنها أفضل العبادات بعد الإيمان بالله تعالى.

وقد ورد في الحث على إقامتها والمحافظة عليها أحاديث وآيات كثيرة.

وقال الحنفية: بإنها أقوى الأركان بعد الإيمان بالله تعالى.

وقال الشافعية: أصل فرضها في القران والسنة، كقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاة»...، وقوله (صلى الله عليه وآله) في جوابه للسائل عن الإسلام؟ فقال: ((خمس صلوات...))

وقال الحنابلة: أنها واجبة بالكتاب، والسنة، والإجماع.

وقال الإباضية: أنها ركن من أركان الدين، أي جوانبه القوية.

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

تناول شراح كتاب نهج البلاغة هذا الحديث وبينوا دلالات الالفاظ ومعانيها، فكانت وبحسب القدم الزمني، كالاتي:

أولاً: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655):

جاء في شرحه للنهج: (ألحت: نشر الورق من الغصن، وانحات، أي تناثر، وقد جاء هذا اللفظ في الخبر النبوي بعينه.

والربق: جمع ربقة، وهي الحبل، أي تطلق الصلاة الذنوب كما تطلق الحبال المعقدة اي: تحمل ما أنعقد على المكلف من ذنوبه؛ وهذا من باب الاستعارة.

ويروي: (تعهدوا أمر الصلاة) بالتضعيف: بالتضعيف، وهو لغة، يقال: تعاهدت ضيعتي وتعهدتها وهو القيام عليها، وأصله من تجديد العهد بالشيء،

ص: 40

والمراد المحافظة عليه، وقوله تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا»(1). أي واجبا، وقيل موقوتا، أي منجما كل وقت لصلاة معينة، وتؤدى هذه الصلاة في نجومها.

وقوله: (كتابا) أي فرضا واجبا، كقوله تعالى:

«كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»(2). أي أوجب.

والحمة: الحفيرة فيها الحميم وهو الماء الحار، وهذا الخبر من الأحاديث الصحاح، قال (صلى الله عليه وآله):

(«أيسر أحدكم أن تكون على بابه حمة يغتسل منها كل يوم خمس مرات، فلا يبقى عليه من درنه شيء»! قالوا نعم، قال: «فإنها الصلوات الخمس»).

والدرن: الوسخ. والتجارة في الآية، إما أن يراد بها: لا يشغلهم نوع من هذه الصناعة عن ذكر الله.

ثم أفرد البيع بالذكر، وخصه وعطفه على التجارة العامة، لأنه أدخل في الإلهاء، لان الربح في البيع بالكسب معلوم، والربح في الشراء مظنون، وإما أن يريد بالتجارة الشراء خاصة إطلاقا لاسم الجنس الأعم على النوع الأخص، كما تقول رزق فلان تجارة رابحة، إذا اتجه له شراء صالح، فأما إقام الصلاة فإن التاء في (إقامة) عوض من العين الساقطة للإعلال، فإن أصله (إقوام) مصدر أقام، كقولك: أعرض إعراضا، فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التعويض، فأسقطت التاء.

ص: 41


1- النساء: 103
2- الأنعام: 3

قوله عليه السلام: «وكان رسول الله صلى الله عليه وآله نصبا بالصلاة أي تعبا، قال تعالى: «مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى»(1).

وروى أنه عليه السلام قام حتى تورمت قدماه مع التبشير له بالجنة.

وروى أنه قيل له في ذلك فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا!».

ويصبر نفسه من الصبر، ويروى: (ويصبر عليها نفسه) أي يحبس، قال سبحانه:

«وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ»(2). وقال عنترة يذكر حربا كان فيها:

فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع)(3).

ثانياً: ابن ميثم البحراني (ت 679 ه):

قال: (وحاصل الفصل الوصية بالمحافظة على أمور ثلاثة والحثّ عليها:

أوّلها: الصلاة فأمر بتعاهد أمرها والمحافظة عليها وذلك بافتقار الإنسان لأحوال نفسه حال الصلاة ومراقبتها حذرا أن تشوبها نزعات الشيطان برياء فيها أو التفاوت عنها. ثمّ بالمحافظة على أوقاتها وأداء أركانها كما هي ثمّ بالاستكثار منها والتقرّب بها إلى الله لكونها أفضل العبادات والقرب إليه. ثمّ أشار إلى فضيلتها ووجه وجوبها:

أحدها: قوله: فإنّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وهو لفظ القرآن

ص: 42


1- طه: 2
2- الكهف: 28
3- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 204

الكريم. وموقوتا: مفروضاً، وقيل منجّما في كلّ وقت صلاة معيّنة.

الثاني: التحذير لتاركها بالتنبيه على استلزام تركها لدخول النار بقوله: لا تسمعون. إلى قوله: من المصلَّين.

الثالث: أنّها تحتّ الذنوب حتّ الورق، وهو تشبيه للمعقول بالمحسوس ووجه الشبه ظاهر، وكذلك وتطلقها إطلاق الربق: أي وتطلق أعناق النفوس من أغلالها كما تطلق الربقة من عنق الشاة.

الرابع: تشبيه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لها بالجمّة تكون على باب الرجل. وصورة الخبر عنه (صلَّى الله عليه وآله): أيسّر أحدكم أن يكون على بابه جمّة يغتسل منها كلّ يوم خمس مرّات فلا يبقى عليه من درنه شيء فقالوا: نعم. قال: فإنّها الصلوات الخمس. الخامس: تنبيهه بذکر عرفان رجال من المؤمنين وهم الموصوفون في الآية بقدرها.

السادس: نصب الرسول (صلَّى الله عليه وآله) فيها وأمر الله تعالى بالمواظبة عليها بعد تبشّره له بالجنّة وذلك في قوله: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»، وامتثاله لذلك الأمر في نفسه وأمره أهله، وروى أنّه (صلَّى الله عليه وآله) قام في الصلاة حتّى تورمت قدماه.

فقيل له في ذلك. فقال: أفلا أكون عبدا شكورا، وذلك من أوضح الدلائل على كثرة فوائدها وقوّة فضيلتها)(1).

ص: 43


1- شرح نهج البلاغة: ج 3 ص 464

ثالثاً: السيد حبيب لله الخوئي (ت: 1324 ه):

جاء في شرحه لنهج البلاغة، أنه قال:

«تعاهدوا أخر الصلاة»: (وروى تعهّدوا بدله يقال تعهّدت الشيء وتعاهدته تردّدت إليه وتفقّدته وأصلحته، وحقيقته تجديد العهد به، وفى الدّعاء عند الحجر الأسود: ميثاقي تعهّدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة، وفي رواية العلل عن أبي عبد الله عليه السّلام تعاهدته بدله، أي جدّدت العهد به، قال الفيومي: قال الفارابي: تعهّدته أفصح من تعاهدته، وقال ابن فارس ولا يقال تعاهدته، لأنّ التعاهد لا يكون إلَّا من اثنين ويردّه كلام أمير المؤمنين عليه السّلام على رواية السيّد، ودعاء الحجر على رواية العلل وما في الحديث من قوله: تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم.

و (حتّ) الرّجل الورق من الشجر حتا من باب مدّ أسقطه وأزاله، وتحاتت الشّجرة تساقط ورقها و (الرّبق) وزان عنب جمع ربق بالكسر وزان حمل حبل فيه عدّة عرى يشدّ به البهم، وكلّ عروة ربقة و (الحمة) بفتح الحاء المهملة كلّ عين فيها ماء حارّ ينبع يستشفى بها الأعلاء، وفي بعض النّسخ بالجيم وهي البئر الكثيرة الماء و (الدّرن) محركة الوسخ.

و (أقام الصّلاة) أصله إقوام مصدر أقوم مثل أكثر أكرم إكراما، والتّاء في إقامة عوض من العين السّاقط بالأعلال، فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التّعويض و (نصب) نصبا كتعب وزنا ومعنى فهو نصب.

و (يصبّر عليها نفسه) بالتثقيل أي يأمرها بالصّبر من صبّرته أي حملته على الصّبر بوعد الأجر، وقلت له: اصبر ويروى بالتّخفيف أي يحبس عليها

ص: 44

نفسه و (القربان) كفرقان اسم لما يتقرّب به إلى الله من أعال البرّ.

وقوله (فلا يتبعنّها) بنون التّوكيد مثقّلة من اتبعت فلانا لحقته قال تعالى «فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ» أي لحقهم و (العيان) بالكسر المعاينة يقال لقاه عيانا أي معاينة لم يشك رؤيته إياه)(1).

ص: 45


1- منهاج البراعة: ج 12 ص 319

ص: 46

المبحث الثالث في استحباب الابتداء بالنوافل

قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة السلام)

«اَلصَّلاَهُ قُرْبَانُ کُلِّ تَقِیٍّ»(1).

نتناول في هذا المبحث موضوع التقرب إلى الله تعالى بالنوافل وبيان ما ورد عن فقهاء المذاهب الإسلامية، وهو كالاتي:

المسألة الاولى: استحباب التقرب بالنوافل مع الفرائض في المذهب الإمامي.

أورد فقهاء المذهب الإمامي الحديث في استحباب التقرب إلى الله تعالى بالنوافل فكانت اقوالهم في ذلك كثيرة لكثرة ما كتب في الصلاة، ولذلك سنورد أقوال علمين من أعلام المذهب الإمامي (عليهما الرحمة والرضوان) ففيهما الكفاية لبيان استحباب التقرب بالنوافل والتعريف بها واوقاتها وعددها، فكانت كالاتي:

أولاً: العلامة الحلي (ت 726 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في بيان النوافل التابعة للفرائض:

ص: 47


1- نهج البلاغة: بتحقيق الشيخ قيس العطار الحكمة 129 ص 736 ط العتبة العلوية، وبتحقيق صبحي الصالح، الحكمة: 136، ص 494

(والنوافل إما راتبة أو غير راتبة، ثم الراتبة إما أن تتبع الفرائض أو لا، فالتابعة للفرائض عندنا ثلاث وعشرون ركعة: قبل الصبح ركعتان، وقبل الظهر ثمان، وكذا قبل العصر، وبعد المغرب أربع، وبعد العشاء ركعتان من جلوس يعدان بركعة لقول الصادق (عليه السلام):

«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي من التطوع مثلي الفرض، ويصوم من التطوع مثلي الفرض».

وقال عليه السلام:

«كان النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي ثماني ركعات للزوال، وأربعا الأولى، وثماني بعدها، وأربعا العصر، وثلاثا المغرب، وأربعا بعدها، والعشاء أربعا، وثماني صلاة الليل، وثلاثا الوتر، وركعتي الفجر، وصلاة الغداة وركعتين».

وفي خبر آخر:

وركعتين بعد العشاء، وسأل البزنطي أبا الحسن عليه السلام عن النوافل فقال: «أنا أصلي واحدة وخمسين ثم عد بأصابعه حتى قال: وركعتين من قعود يعدان بركعة من قيام»(1).

وقال: النوافل الغير تابعة للفرائض:

(وغير التابعة للفرائض، منها: صلاة الليل وفيها فضل كثير، نل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله فقال له: «يا جبرئيل عظني»؟

قال: (يا محمد عشت ما شئت فإنك ميت، واحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه

ص: 48


1- تذكرة الفقهاء: ج 2، ص 261

كف الأذى عن الناس)(1).

وقال الصادق (علیه السلام):

«إن البيوت التي يصلي فيها بالليل بتلاوة القران تضيئ لأهل السماء كما تضيئ نجوم السماء لإهل الارض»(2).

ومدح الله تعالى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقيام الليل بقوله عز وجل:

«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ»(3).

وآناء الليل ساعاته؛ وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر:

«يا أبا ذر احفظ وصية تنفعك، من ختم له بقيام الليل ثم مات فله الجنة»(4).

والمشهور عندنا أن صلاة الليل أحدى عشرة ركعة: ثمان صلاة الليل، وثنتان للشفع، ويوتر بواحدة)(5).

ثانياً: الشهيد الاول (محمد بن مكي العاملي) (ت: 786 ه):

وقد جمع ما يتعلق بالصلاة في كتاب خاص افرد له جميع ما يتعلق بالصلاة من أحكام في الوجوب والندب والمكروهات فكان مفخرة من مفاخر المكتبة الإمامية الفقهية بنحو خاص والمكتبة الإسلامية بنحو عام.

ص: 49


1- من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 263
2- التهذيب للطوسي: ج 2، ص 122
3- الزمر: 9
4- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 300
5- تذكرة الفقهاء: 2، ص 261 - 263

ومما جاء فيه بخصوص النوافل فقال(عليه الرحمة والرضوان):

(فالصلاة المندوبة افعال غير محتومة، تحريهما التكبير، والتسليم، تقرباً إلى الله تعالى، وثوابها عظيم.

قال الله تعالى: «الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ»(1).

ثم قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ»(2).

قال الامام أبو جعفر الباقر (عليه الصلاة والسلام):

«الآية الاولى في النافلة، والثانية في الفريضة»(3).

وهو(4)؛ أولى من اتحاد الموضع(5)؛ وحمل الدوام على المواظبة على الأداء(6)

والمحافظة على الشرائط والأركان، لكثرة الفائدة بتغاير الموضوع).

وعن النبي (صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله):

«الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقل(7) ومن شاء استكثر»(8).

وعن الباقر (عليه السلام): «إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها، وثلثها،

ص: 50


1- المعارج،: 23
2- المعارج،: 34
3- وسائل الشيعة: ج 3، ص 51 حديث 1
4- اي قول الإمام
5- أي موضوع الآيتين، بمعنى أن يكون المراد بما وضع له هاتان الآيتان جميعا في الفريضة
6- الفرائض
7- هذا الحديث يدل على الندبية، لأن الازدياد والاستقلال لا يكون في الفريضة
8- بحار الأنوار 82: 307 ح 3

وربعها، و خمسها، ولا يرفع له إلا ما أقبل منها بقبلة(1) وإنما أمروا بالنوافل ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة»(2).

وقال الصادق (علیه السلام):

«إن الرجل ليصلي الركعتين يريد بها وجه الله فيدخله الله الجنة»(3).

ثم النوافل قسمان: راتبة، وهي أربع وثلاثون ركعة حضرا، ونصفها سفرا وما رواه عبد الله بن سنان(4) عن الصادق (عليه السلام): أنها سبع وعشرون(5) ويحيى بن حبيب عن الرضا (عليه السلام): أنها تسع وعشرون)(6). بنقص العصرية ستا(7) أو أربعا(8) والوتيرة محمول على المؤكد منها. وأفضل الرواتب راتبة الفجر، ثم الوتر، ثم الزوال ثم راتبة المغرب، ثم نافلة الليل، ثم النهار، وقيل(9) أفضلها الليلية، وقصرها تابع لقصر الفريضة. والقسم الثاني: مطلقة، وهي خمسة:

ص: 51


1- يعني لو كان حين الاستقبال همته وإرادته بالصلاة الكاملة مع الشرائط والأركان، فيرفع له ذلك، وإلا يرفعه ما كان به همته وإرادته
2- الوسائل 3: 52 ح 3 و 5: 335 ح 1
3- الوسائل 1: 44 ح 8
4- عبد الله بن سنان بن طريف. كان خازنا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد
5- الوسائل 3: 43 ح 4
6- الوسائل 3: 43 ح 5
7- بناء على الرواية الأولى
8- بناء على الرواية الثانية
9- القائل ابن أبي عقيل كا في الفوائد الملية / 11

الأول: المتعلقة بالأشخاص، كصلاة النبي (صلى الله عليه وآله)(1)، وصلاة على(2)، وفاطمة(3)، وأبنائهما، وجعفر، والأعرابي(4).

الثاني: المشروعة بسبب خاص، كالاستسقاء، والزيارة، والشكر، والاستخارة والحاجة، والنذر المندوب(5)، وندب الطواف، والتحية.

الثالث: المتعلقة بالأزمان، كنافلة شهر رمضان، والمبعث(6)، والغدير(7)، ونصفي رجب وشعبان، والكاملة،(8) والعيد ندبا.

الرابع: المتعلقة بالأحوال، كإعادة الجماعة(9)، والكسوف والجنائز، والاحتياط في موضع الغني(10).

ص: 52


1- ذكرها المحدث القمي في المفاتيح / 39
2- صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) أربع ركعات بتسليمين، في كل ركعة الحمد مرة، والتوحيد خمسين مرة
3- صلاة فاطمة (عليها السلام) أربع ركعتان في الأولى بعد الحمد القدر مائة مرة، وفي الثانية بعد الحمد الإخلاص مائة مرة
4- تقرأ عند ارتفاع النهار، وهي عشر ركعات تصلى كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في الأولى الحمد مرة، والعلق سبع مرات، وفي الثانية الحمد مرة، والناس سبع مرات
5- النذر المندوب يحصل بأمور ثلاثة: أما أن يكون حال كفره، فيستحب له الوفاء به بعد الإسلام، أو يكون نذر بالضمير، أو من غير تلفظ بالجلالة
6- وهو السابع والعشرون من رجب
7- وهو الثامن عشر من ذي الحجة
8- أي نافلة الكاملة وهي أربع ركعات يوم الجمعة، فإنها مختصة بيوم الجمعة قبل وجه تسميتها كاملة لتكرار الحمد في كل ركعة منها عشر مرات، ولم ينقل ذلك في غيرها
9- أي إعادة الصلاة لأجل الجماعة
10- وهي المواضع الأربعة أعني: مكة، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جامع الكوفة، والحائر بحضرة الحسين الشهيد (عليه السلام) فإنه إذا شك في أحد هذه المواضع بين الاثنين والأربع يستحب له الاحتياط

الخامس: ما عدا ذلك كابتداء النافلة، فإن الصلاة قربان كل تقي. ويشبه التمرين لست(1) مطلقا(2)، ووقتها حين الإرادة ما لم يكن وقت فريضة مطلقا(3)، ويجوز إيقاع الرواتب لأوقاتها في وقت الفريضة الموسع، وكذا سنة الإحرام، والأقرب جواز إيقاع ذوات الأسباب(4) بحيث لا يضر بالفرائض، وهو مروي في نافلة شهر رمضان(5) وركعتي الغفيلة(6).

ورواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): صلاة في وقت صلاة(7). محمولة على ما يضربها، كعند تكامل الصفوف، وحضور الإمام. الوتر بتسليمة، وصلاة الأعرابي كالصبح، والظهرين والمعادة تابعة(8)، والبواقي ركعتان بتسليمة، إلا قضاء العيد في قول(9). وشروطها وأفعالها كالواجبة، إلا أنه ينوي النفل، والسبب المخصوص، والقيام والقرار(10) من

ص: 53


1- أي لست سنين
2- ذكرا كان أو أنثى
3- أي أداءا وقضاءا
4- كتحية المسجد وصلاة الزيارة والشكر وغيرها
5- أي يجوز إيقاعها في وقت الفريضة حيث لا تضر الفرائض، فإنه يصلي ثمان منها بعد المغرب قبل العشاء الآخرة، ويصلي اثنى عشر ركعة بعد العشاء الآخرة
6- أي فيما بين صلاة المغرب إلى صلاة العشاء
7- الوسائل 2: 808 ح 3
8- للمتبوعة في الهيئة والكيفية والعدد
9- القائل هو علي بن بابويه كما في الفوائد الملية / 14 يعني ليس قضاء لعيد بركعتين بتسليمة، بل أربع ركعات بتسليمة، وإنما قال على قول لأنه قيل يقضي ركعتين
10- أي قرار الأعضاء

مكملاتها(1)، إلا الوتيرة، فيجوز السنن قعودا، وركوبا، والاستقبال شرط في غير السفر، والركوب على الأصح، ولا تتعين السورة فيها، ويكره القرآن، والاحتياط فيها البناء على اليقين، ولا جماعة فيها إلا في العيدين، والاستسقاء، والإعادة(2)، والغدير في قول الشيخ أبي الصلاح(3) ولا أذان فيها، ولا إقامة، ويكره ابتدائها(4) عند طلوع الشمس. وغروبها وقيامها(5)، وبعد صلاة الصبح والعصر، وفي التوقيع الشريف لا يكره(6) وقيل بكراهة غير المبتدأة أيضا بل روي نادرا كراهة قضاء الفريضة فيها(7) ولم يثبت)(8).

ثالثاً: السيد اليزدي (ت 1337 ه) مع بيان بعض تعليقات الفقهاء.

قال (عليه رحمه الله ورضوانه) في العروة الوثقى في كتاب الصلاة:

(وأما النوافل فهي كثيرة، اكدها الرواتب اليومية، وهي في غير يوم الجمعة أربع وثلاثون ركعة(9): ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان ركعات قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء من جلوس تعدان بركعة،

ص: 54


1- لا من شروطها فلو تركها المتنفل لم يضر
2- يعني في موضع يستحب إعادة الصلاة فيه يجوز أن يصليها بجماعة
3- الكافي / 160 لأبي الصلاح تقي الدين بن نجم الدين (374 - 447 ه)
4- أي النوافل
5- إلى نصف النهار
6- الوسائل 3: 172 ح 8
7- الوسائل 3: 177 ح 19
8- الألفية والنفلية: ص 82 - 247
9- كل ركعتين بسلام ولا يرتبط بعضها ببعض، فيجوز له مثلا من نافلة الظهر الإتيان بأربع ركعات أو ركعتين وهكذا وله من الأجر بحسابها قلة وكثرة. (كاشف الغطاء)

ويجوز فيهما القيام(1) بل هو الأفضل، وإن كان الجلوس أحوط(2) وتسمى بالوتيرة، وركعتان قبل صلاة الفجر، وإحدى عشر ركعة: صلاة الليل، وهي ثمان ركعات، والشفع ركعتان، والوتر ركعة واحدة، وأما في يوم الجمعة فيزاد على الست عشر، أربع ركعات، فعدد الفرائض سبعة عشر ركعة، وعدد النوافل ضعفها بعد عد الوتيرة بركعة، وعدد مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون، هذا ويسقط في السفر(3) نوافل الظهرين والوتيرة على الأقوى(4).

(مسألة 1): يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين إلا الوتر، فإنها ركعة.

ويستحب في جميعها القنوت حتى الشفع على الأقوى في الركعة الثانية(5) وكذا يستحب في مفردة الوتر.

(مسألة 2): الأقوى(6) استحباب الغفيلة، وهي ركعتان بين المغرب والعشاء(7) ولكنها ليست من الرواتب(8) يقرأ فيها في الركعة الأولى بعد

ص: 55


1- فيه إشكال، بل الأظهر عدم جوازه. (الخوئي)
2- لا يترك. (البروجردي)
3- وهل تسقط في المواضع الأربعة مطلقا أو لا تسقط مطلقا أو تتبع الفريضة فإن أتم صلاها وإن قصر سقطت؟ وجوه أقواها الأول. (كاشف الغطاء)
4- في سقوط الوتيرة إشكال لإطلاق دليله وضعف سند مقابله. (آقا ضياء)
5- الأحوط الإتيان به برجاء المطلوبية. (الحكيم)
6- القوة نظر لضعف سند الرواية واحتمال انطباقه على نافلة المغرب، فالأحوط أن يأتي بهما على خصوصيتهما بقصد ما في الذمة لا بقصد كونه نافلة المغرب أو غفيلة، وهكذا الأمر في صلاة الوصية. (آقا ضياء)
7- قبل ذهاب الشفق الغربي على الأحوط، وكذا صلاة الوصية. (البروجردي)
8- لكن يجوز إتيان نافلة المغرب على هذه الكيفية ولا يبعد إجزائها عنهما، بل الأحوط ذلك وإن كان الأقوى جواز الإتيان بها مستقلا والأحوط الأولى حينئذ الإتيان بها رجاء وكذلك صلاة الوصية والاحتياط فيها أكد

الحمد: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وفي الثانية بعد الحمد: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ويستحب أيضا بين المغرب والعشاء صلاة الوصية(1) وهي أيضا ركعتان، يقرأ في أولاهما بعد الحمد ثلاثة عشر مرة سورة إذا زلزلت الأرض زلزالها، وفي الثانية بعد الحمد سورة التوحيد خمسة عشر مرة)(2).

فهذه ثلاثة اقوال لبعض فقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) رتبت بحسب التسلسل الزمني وقد ظهر فيها تفصيل النوافل الراتبة وغير الراتبة واهمية الاتيان بها من خلال الاستشهاد بالروايات الشريفة الكاشفة عن اثارها الدنيوية والاخروية.

أما بقية المذاهب الأخرى، فقد تناول فقهائها موضوع النوافل والتقرب بها إلى الله تعالى في مصنفاتهم، كما في المسالة القادمة.

المسالة الثانية: استحباب الابتداء بالنوافل والتقرب بها في المذاهب الاخرى.

نورد في المسالة اقوال بعض فقهاء المذاهب الإسلامية في استحباب الابتداء بالنوافل والتقرب بها إلى الله تعالى وما تعلق بعددها واوقاتها

ص: 56


1- الأحوط الإتيان بها رجاء. (الإصفهاني)
2- العروة الوثقی: ج 2، ص 244 - 247

وتفضيلها، وهي كالاتي:

اولا: أقوال فقهاء المذهب الزيدي.

1- يحيى بن الحسين (298 ه)

ذهب يحيى بن الحسين إلى القول بوجوب نافلة الوتر كوجوب أصل الصلاة المكتوبة والزكاة لا فرق بينهما، فقال:

(وفي أن الليل كله وقت لصلاة الليل من المغرب والعشاء الآخرة ما يقول الله لنبيه (صلى الله عليه واله):

«يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا»(1) فكان ذلك من الله عز وجل توقيتا لما افرض من الصلاة في الليل من المغرب والعتمة فرضا، والدليل علي أنه عنى بذلك الفرض قول الله سبحانه من بعد ذلك «وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»(2).

فدل سبحانه بقوله «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» على أن ذلك من الصلاة فرض كفرض إيتاء الزكاة إذ ضمه إليها، ولو كانت صلاة النافلة لم يضمها إلى الزكاة المؤكدة، وكذلك وجدنا الله سبحانه يقول في كل ما ذكر فيه الصلاة والزكاة من القرآن، فلم يذكر صلاة مع زكاة إلا وهي صلاة فريضة

ص: 57


1- المزمل: 3،2،1، 4
2- المزمل: 20

مؤكدة كتأكيد الزكاة، فدل بذلك على أنها صلاة الفريضة المفترضة، ولو كان ذلك ذكر نافلة لذكر الله سبحانه أمرها، كما ذكر أمر غيرها من النوافل، وما جعل لنبيه بها وفيها من القربة إليه فقال سبحانه:

«وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا»(1) فجعل تبارك وتعالى بين أمره بالفريضة والنافلة والإباحة فصولا بينة، وحدودا واضحة)(2).

2- الشيخ أحمد المرتضى (ت 840 ه).

ذهب إمام الزيدية أحمد المرتضى إلى القول بوجوب الوتر وانه أفضل النوافل ثم يليه من حيث الفضل الرواتب اليومية مستدلا بذلك على حملة من اقوال الفقهاء واستدلالهم ثم بينَّ ان صلاه التراويح هي بدعة؛ وغريها من اوقات النوافل ووقت ادائها؛ فجاء قوله في شرح الازهار، بما يلي:

(والمسنون النفل في عرف أهل الشرع هو ما لازمه الرسول (صلى الله عليه واله) وأمر به وذلك كرواتب الفرائض، وغيرها مما ورد فيه أثر يخصه بعينه وان يرد فيه أثر خاص له (فمستحب) لأنه قد ورد في النوافل على سبيل الجملة ما يقضی بندبها وهو قوله (صلى الله عليه وآله):

«الصلاة خير موضوع يستكثر منه من شاء».

والنفل (أقله مثنى فلا تجزى الركعة الواحدة وأما أكثره ففي الانتصار ان زاد على أربع في النهار بطلت وأما في الليل فيجوز أن يحرم بست أو ثمان

ص: 58


1- الاسراء: 79
2- الاحكام ليحيى بن الحسين: ج 1 ص 90 - 91

ولا تجوز الزيادة على الثمان واختلف في الأفضل من النافلة هل هي مثنى مثنى أو رباع. فروى النيروسي عن القاسم (عليه السلام) أن النوافل مثنى مثنى وسواء صلاة الليل والنهار، وقال هذا ما صح عندنا عن النبي (صلى الله عليه وآله).

وقالت الحنفية: صلاة الليل مثنى وصلاة النهار رباع؛ وقد يؤكد النفل من الصلوات وذلك (كالرواتب) التي مع الفرائض وهي الوتر وسنة الفجر وسنة المغرب وسنة الظهر وكصلاة الكسوفين والاستسقاء في قول، والعيد في قول، فهذه جملة السنن المؤكدة.

واختلف في تعيين الأفضل منها فقال في مهذب الشافعي ما سن له الجماعة فهو أفضل وأفضله صلاة العيدين ثم الكسوف ثم الاستسقاء وهذا بناء على مذهبهم في العيدين والاستسقاء والمذهب في هذه التي ليست مضافة أنها أكد من المضافة.

قال في الانتصار: وقيل الرواتب أفضل لأنها تكرر * نعم وأفضل الرواتب الوتر ثم ركعتا الفجر ثم ركعتا المغرب ثم ركعتا الظهر * وقيل: ان سنة الظهر أكد من سنة المغرب.

(تنبيه) اختلف في حكم صلاة الوتر وعددها؛ أما حكمها فعندنا أنها سنة وقيل: أنها واجبة غير فرض؛ وروى ذلك عن الناصر أيضا وعندنا ان الواجب والفرض بمعنى واحد وعند الحنفية ان الواجب ما ثبت وجوبه بدليل ظني والفرض ما ثبت وجوبه بدليل قطعي؛ قيل والفرض يكفر مستحل تركه ويفسق المخل به ويجب قضاؤه؛ والواجب عكسه في جميع ذلك.

ص: 59

وأما عددها فعدنا أنها ثلاث ركعات متصلة يسلم في آخرها وقيل: أقله ركعة واحدة وأكثره إحدى عشرة والأفضل أن يسلم بين كل ركعتين وان وصل جاز وقالت الإمامية هو ثلاث ركعات لكن يسلم على ركعتين ثم ركعة قال في الانتصار وقد حكى ذلك عن علي بن الحسين والصادق والباقر - (عليه السلام)..

ومما ورد فيه أثر مخصوص ركعات (مكملات) لصلاة اليوم والليلة حتى تبلغ جملة صلاة اليوم والليلة (الخمسين ركعة فالفرائض سبع عشرة؛ وثمان قبل الفجر وثمان قبل الظهر وهي صلاة الأوابين وأربع بعد الظهر بسنته وأربع قبل العصر وأربع بعد المغرب بسنته والوتر وسنة الفجر.

(فأما) صلاة (التراويح جماعة) فبدعة عند القاسم والناصر وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من ليالي رمضان؛ وقال زيد بن علي، وعبد الله بن الحسن، وعبد الله بن موسى بن جعفر : أنها سنة، وهو قول الفقهاء، واختاره في الانتصار قوله جماعة يعني وأما فرادى فمستحب.

وصلاة (الضحى) وهي من ركعتين إلى ثمان ووقتها من زوال الوقت المكروه إلى قبل الزوال إذا صلاه المصلى (بنيتها) أي بنية كونها سنة (فبدعة) وقال في الانتصار المختار أنها سنة كما هو رأى علي بن الحسين زيد العابدين والباقر (عليهما السلام). وإدريس بن عبد الله.

(فائدة:

قال المصنف ويكره عند أئمة الآل النوم بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى غروب الشمس وفي الانتصار كان (صلى الله عليه

ص: 60

وآله يكره النوم قبل العشاء والكلام بعده الا بخير)(1).

ثانيا: أقوال فقهاء المذهب المالكي .

1- الحطاب الرعيني (ت 954 ه).

قال في مواهب الجليل:

(النفل: ما زاد على الفرائض والسنن المؤكدة من الصلوات فحكمه الندب، اي الاستحباب ومنه ما يتأكد استحبابه كما اشار إليه بقوله: (وتأكد بعد مغرب كظهر وقبلها كعصر بلا حد).

ولم يذكر العشاء اكتفاء بما يذكره في الشفع والوتر وعد صاحب الوغليسية مع المواضع المذكورة بعد العشاء.

قال الشيخ زروق: وأما ما قبل العشاء فلم يرد فيه شيء معين لكن قوله (عليه الصلاة والسلام): ((بين كل أذانين صلاة)).

الحديث في مسلم والمراد بالأذانين الأذان والإقامة لأنهما إعلامان، وقيل تغليبا، أو المغرب مستثناة من ذلك على المشهور والله أعلم. وأما الصبح فمعلوم أنه لا نفل بعدها ولا قبلها إلا ركعتي الفجر)(2).

2- الأبي الأزهري (ت: 1330 ه).

قال في الثمر الداني بعد بيان صفة صلاة الصبح وما يلحق بها من أمور كالابتداء بصلاة الفجر والتعقيب إلى أن يصل إلى صلاة الظهر، فيقول:

ص: 61


1- شرح الازهار: ج 1 ص 392 - 399
2- مواهب الجليل: ج 2 ص 370

(ويتنفل بعدها، أي بعد صلاة الظهر ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين) لقوله (عليه الصلاة والسلام):

«من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار»، أي فتكون المداومة المذكورة سببا في عدم ارتكاب الكبائر، وحينئذ يحرم جسده على النار.

والحديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن أي الترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود، فإن قلت حيث ورد الحث بالمحافظة على أربع قبل وأربع بعد فلم اقتصر المصنف على أربع بعد قلت: تنبيها على المخالفة بينها وبين العصر، فإنه إنما يتنفل قبلها فقط، ذكره التتائي (ويستحب له) أي للمصلي (مثل ذلك) التنفل بأربع ركعات بعد صلاة الظهر أن يتنفل بأربع ركعات (قبل صلاة العصر) لما صح أنه (عليه الصلاة والسلام) قال:

«رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» جملة خبرية لفظا إنشائية معنى، أي اللهم ارحم الخ، ولا شك أن دعاءه مستجاب.

(ويفعل في) صلاة (العصر) كما وصفنا في صفة الظهر

سواء لا يستثنى منه شيء (لا أنه يقرأ في الركعتين الأولتين مع أم القرآن بالقصار من السور مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما) فلو افتتحها بسورة من طوال المفصل تركها وقرأ سورة قصيرة.

(وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأولتين منها) فقط ويسر في الثالثة (ويقرأ في كل أربعة منهما) أي الأولتين (بأم القرآن وسورة من السور القصار) لان العمل استمر على ذلك، وما روي بخلافه فمؤول أي، فقد

ص: 62

روى النسائي وأبو داود أن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) كان يقرأ في المغرب بالأعراف، فأول بأنه محمول على أنه عرف أن من خلفه لا يتضررون بذلك، وإلا فالذي استمر عليه العمل التخفيف.

(و) يقرأ (في الثالثة بأم القرآن فقط) أي قط بمعنى حسب، أي والفاء لتزيين اللفظ، وقط التي بمعنى حسب مفتوحة الفاء ساكنة الطاء، فإذا كانت بمعنى الزمن الماضي فهي مضمومة الطاء مع التشديد، تقول: ما فعلته قط بالفعل الماضي.

وقول العامة لا أفعله قط لحن، كما قال ابن هشام.

والحاصل أن قط مضمومة الطاء مع التشديد تختص بالنفي تقول ما فعلته قط مشتقة من قططته أي قطعته، فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع من عمري لان الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى إذ المعنى مذ أن خلقت إلى الآن، وعلى حركة لئلا يلتقي ساكنان وكانت الضمة تشبيها بالغايات وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاءه في الضم، وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها، ذكره ابن هشام.

(و) إذا رفع رأسه من سجود الركعة الثالثة (يتشهد) ويصلي على النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ويدعو (و) بعد ذلك (يسلم) على الصفة المتقدمة (ويستحب) له (أن يتنفل بعدها) أي بعد صلاة المغرب أي بعد فراغه من الذكر عقبها (بركعتين) أي على جهة الأكدية لقوله وما زاد على الركعتين فهو خير.

ص: 63

ودليل الاستحباب فعله (عليه الصلاة والسلام).

(وما زاد) على الركعتين (فهو خير) له لقوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ»(1)، (وإن تنفل) بعدها (بست ركعات فحسن) أي مستح لقوله (صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسو سوء - أي حرام - عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنة».

رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي والذي في التتائي عن صحيح ابن خزيمة عدلن بعبادة الخ قال بعضهم: من عبادة بني إسرائيل.

وفي معجات الطبراني مرفوعا: ((من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)) أي رغوته.

(والتنفل بعد المغرب والعشاء مرغب فيه)

قال الغزالي: سئل رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم عن قوله تعالى: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» فقال: الصلاة بين العشاءين).

ومعنى تتجافى أي ترتفع وتتنحى جنوبهم عن المضاجع، الفرش ومواضع النوم، وعنه (عليه الصلاة والسلام): أنه قال:

«عليكم بالصلاة بين العشاءين فإنها تذهب بملاغات - بضم الميم - النهار وتهذب آخره».

الملاغات جمع ملغاة من اللغو، أي تطرح ما على العبد من الباطل، أي

ص: 64


1- الزلزلة: 7

تطرح ما اقترفه من مكروه قولا أو فعلا بحيث لا يلام عليه أو لا يجره إلى فعل محرم أو من ذنب صغير إلى كبيرة أو يكون سببا في العفو عن كبيرة كما مقرر، ومعلوم أن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله)(1). الى ان يقول:

(ثم) بعد أن (يصلي) العشاء يصلي بعدها (الشفع) ركعتين، وهل يشترط أن يخصهما بنية أو يكتفي بأي ركعتين كانتا؟ قولان.

الظاهر منهما الثاني لما صح أنه (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال:

«صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم صلاة الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى».

(و) بعد أن يصلي ركعتي الشفع يصلي (الوتر) بفتح الواو وكسرها وبتاء مثناة فوق، وأما بالمثلثة مع كسر الواو فالفراش للوطئ ومع فتحها ماء الفحل يجتمع في رحم الناقة إذا أكثر الفحل ضرابها ولم تلقح، ذكره التنائي، وهو سنة آكد السنن على المشهور، أي سنة مؤكدة على المشهور، وقيل بوجوبه(2).

ثالثاً: أقوال فقهاء المذهب الحنفي.

1- أبو بكر الكاشاني (ت 587 ه)

قال أبو بكر الكاشاني في بيان فضل النوافل ووقتها وعددها وترتيبها:

(أما الأول: فوقت جملتها، وقت المكتوبات لأنها توابع للمكتوبات

ص: 65


1- الثمر الداني: ص 132 - 135
2- المصدر السابق: ص 139

فكانت تابعة لها في الوقت ومقدار جملتها اثنا عشر ركعة ركعتان وأربع وركعتان وركعتان وركعتان في ظاهر الرواية.

وأما مقدار كل واحدة منها ووقتها على التفصيل فركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر لا يسلم الا في آخرهن وركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء كذا ذكر محمد في الأصل وذكر في العصر والعشاء ان تطوع بأربع قبله فحسن.

وذكر الكرخي هكذا الا أنه قال في العصر وأربع قبل العصر وفى العشاء وأربع بعد العشاء.

وروى الحسن عن أبي حنيفة وركعتان قبل العصر والعمل فيما روينا على المذكور في الأصل والأصل في السنن ما روى عن عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال:

«من ثابر على أثني عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر وأربع قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء».

وقد واظب رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) عليها ولم يترك شيئا منها الا مرة أو مرتين لعذر وهذا تفسير السنة)(1).

وأما في بيان فضل صلاة الوتر وكيفية أدائها، فقال:

(فالكلام في الوتر يقع في مواضع في بيان صفة الوتر أنه واجب أم سنة؟

وفي بيان من يجب عليه وفي بيان مقداره وفي بيان وقته وفي بيان صفة

ص: 66


1- بدائع الصنائع: ج 1، ص 284

القراءة التي فيه ومقدارها وفي بيان ما يفسده وفي بيان حكمه إذا فسد أو فات عن وقته وفي بيان القنوت.

أما الأول فعند أبي حنيفة فيه ثلاث روايات روى حماد بن زيد عنه أنه فرض.

وروی یوسف بن خالد السمتي أنه واجب.

وروى نوح بن أبي مريم المروزي في الجامع عنه أنه سنة، وبه أخذ أبو يوسف ومحمد والشافعي وقالوا إنه سنة مؤكدة أكد من سائر السنن المؤقتة واحتجوا بما روى عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال:

«ثلاث كتبت عليَّ ولم تكتب عليكم الوتر والضحى والأضحى».

وفى رواية: «ثلاث كتبت عليَّ وهي لكم سنة الوتر والضحى والأضحى».

وعن عبادة بن الصامت عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال: «إن الله كتب عليكم في كل يوم وليلة خمس صلوات»

وقال (صلى الله عليه [وآله] وسلم): في خطبة الوداع «صلوا خمسكم».

وكذا المروى في حديث معاذ أنه لما بعثه إلى اليمن قال له:

«أعلمهم ان الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ولو كان الوتر واجبا لصار المفروض ست صلوات في كل يوم وليلة».

ولان زيادة الوتر على الخمس المكتوبات نسخ لها لان الخمس قبل الزيادة كانت كل وظيفة اليوم والليلة وبعد الزيادة تصير بعض الوظيفة فينسخ وصف الكلية بها ولا يجوز نسخ الكتاب والمشاهير من الأحاديث بالآحاد ولان علامات السنن فيها ظاهرة فإنها تؤدى تبعا للعشاء والفرض

ص: 67

ما لا يكون تابعا لفرض آخر وليس لها وقت ولا أذان ولا إقامة ولا جماعة ولفرائض الصلوات أوقات وأذان وإقامة وجماعة.

ولذا يقرأ في الثلاث كلها وذا من امارات السنن.

ولأبي حنيفة ما روى خارجة بن حذافة عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال

«إن الله تعالى زادكم صلاة الا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر».

والاستدلال به من وجهين:

أحدهما: إنه أمر بها ومطلق الامر للوجوب.

والثاني: إنه سماها زيادة والزيادة على الشيء لا تتصور الا من جنسه؛ فأما إذا كان غيره فإنه يكون قرانا لا زيادة ولان الزيادة إنما تتصور على المقدر وهو الفرض فأما النفل فليس بمقدر فلا تتحقق الزيادة عليه ولا يقال إنها زيادة على الفرض لكن في الفعل لا في الوجوب لأنهم كانوا يفعلونها قبل ذلك الا ترى أنه قال الا وهي الوتر ذكرها معرفة بحرف التعريف ومثل هذا التعريف لا يحصل الا بالعهد ولذا لم يستفسروها ولو لم يكن فعلها معهودا لاستفسروا فدل أن ذلك في الوجوب لا في الفعل ولا يقال إنها زيادة على السنن لأنها كانت تؤدى قبل ذلك بطريق السنة.

وروى عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال:

«أوتروا يا أهل القرآن فمن لم يوتر فليس منا».

ومطلق الامر للوجوب وكذا التوعد على الترك دليل الوجوب.

ص: 68

وروى أبو بكر أحمد بن علي الرازي بإسناده عن أبي سليمان بن أبي بردة عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«أنه قال الوتر حق واجب فمن لم يوتر فليس منا».

وهذا نص في الباب وعن الحسن البصري أنه قال اجمع المسلمون على أن الوتر حق واجب وكذا حكى الطحاوي فيه اجماع السلف ومثلهما لا يكذب ولأنه إذا فات عن وقته يقضى عندهما وهو أحد قولي الشافعي ووجوب القضاء عن الفوات لا عن عذر يدل على وجوب الأداء ولذا لا يؤدى على الراحلة بالإجماع عند القدرة على النزول وبعينه ورد الحديث وذا من أمارات الوجوب والفرضية ولأنها مقدرة بالثلاث والتنفل بالثلاث ليس بمشروع.

وأما الأحاديث: اما الأول ففيه نفى الفرضية دون الوجوب لان الكتابة عبارة عن الفرضية ونحن به نقول إنها ليست بفرض ولكنها واجبة وهي آخر أقوال أبي حنيفة.

والرواية الأخرى محمولة على ما قبل الوجوب ولا حجة لهم في الأحاديث الاخر لأنها تدل على فرضية الخمس والوتر عندنا ليست بفرض بل واجبة وفي هذا حكاية وهو ما روى أن يوسف بن خالد السمتي سأل أبا حنيفة عن الوتر فقال: هي واجبة؛ فقال يوسف: كفرت يا أبا حنيفة وكان ذلك قبل أن يتلمذ عليه كأنه فهم من قول أبي حنيفة أنه يقول إنها فريضة؛ فزعم أنه زاد على الفرائض الخمس.

فقال أبو حنيفة ليوسف أيهولني اكفارك إياي وأنا أعرف الفرق بين الواجب والفرض كفرق ما بين السماء والأرض.

ص: 69

ثم بين له الفرق بينهما فاعتذر إليه وجلس عنده للتعلم بعد أن كان من أعيان فقهاء البصرة وإذا لم يكن فرضا لم تصر الفرائض الخمس ستا بزيادة الوتر عليها وبه تبين ان زيادة الوتر على الخمس ليست نسخا لها لأنها بقيت بعد الزيادة كل وظيفة اليوم والليلة فرضا أما قولهم إنه لا وقت لها فليس كذلك بل لها وقت وهو وقت العشاء الا ان تقديم العشاء عليها شرط عند التذكر وذا لا يدل على التبعية كتقديم كل فرض على ما يعقبه من الفرائض ولهذا اختص بوقت استحسانا فان تأخيرها إلى آخر الليل مستحب وتأخير العشاء إلى آخر الليل يكره أشد الكراهة وذا أمارة الأصالة إذ لو كانت تابعة للعشاء لتبعته في الكراهة والاستحباب جميعا وأما الجماعة والأذان والإقامة فلأنها من شعائر الإسلام فتختص بالفرائض المطلقة ولهذا لا مدخل لها في صلاة النساء وصلاة العيدين والكسوف وأما القراءة في الركعات كلها فلضرب احتياط عند تباعد الأدلة عن ادخالها تحت الفرائض المطلقة على ما نذكر.

(فصل) وأما بيان من تجب عليه فوجوبه لا يختص بالبعض دون البعض كالجمعة وصلاة العيدين بل يعم الناس أجمع من الحر والعبد والذكر والأنثى بعد أن كان أهلا للوجوب لان ما ذكرنا من دلائل الوجوب لا يوجب الفصل.

(فصل) وأما الكلام في مقداره فقد اختلف العلماء فيه قال أصحابنا الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة

في الأوقات كلها وقال الشافعي هو بالخيار ان شاء أوتر بركعة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو أحد عشر في الأوقات كلها.

ص: 70

وقال الزهري في شهر رمضان ثلاث ركعات وفى غيره ركعة احتج الشافعي بما روى عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنه قال:

«من شاء أوتر بركعة ومن شاء أوتر بثلاث أو بخمس».

ولنا ما روى عن ابن مسعود وابن عباس وعائشة انهم قالوا كان رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يوتر بثلاث ركعات.

وعن الحسن قال اجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا سلام الا في آخرهن ومثله لا يكذب ولان الوتر نفل عنده والنوافل اتباع الفرائض فيجب أن يكون لها نظيرا من الأصول والركعة الواحدة غير معهودة فرضا وحديث التخيير محمول على ما قبل استقرار امر الوتر بدليل ما روينا)(1).

2- ابن عابدين (ت 1252 ه)

ذهب ابن عابدين في بيان فضل النوافل إلى أن أفضلها هي نافلة الفجر، وذلك لما في الصحيحين عن عائشة، انها قالت:

(لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر)(2).

رابعاً: أقوال فقهاء المذهب الشافعي.

نكتفي في بيان هذه المسألة بما قاله الحافظ النووي (ت 676 ه) في فضل النوافل، وبعده نورد ما قاله المليباري الفناني (ت: 987 ه).

ص: 71


1- بدائع الصانع ج 1، ص 270 - 272
2- حاشية رد المختار: ج 2 ص 15

1- النووي (ت 676):

(أختلف اصحابنا في حد التطوع والنافلة والسنة، على ثلاثة أوجه (أحدها) أن تطوع الصلاة ما لم يرد فيه نقل بخصوصيته بل يفعله الإنسان ابتداء والذاهبون إلى هذا قالوا ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام (سنن) وهي التي واظب عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ومستحبات) وهي التي فعلها أحيانا ولم يواظب عليها (وتطوعات) وهي التي ذكرنا أولا والوجه الثاني أن النفل والتطوع لفظان مترادفان معناهما واحد وهما ما سوى الفرائض والوجه الثالث أن السنة والنفل والتطوع والمندوب والمرغب فيه والمستحب ألفاظ مترادفة وهي ما سوى الواجبات قال العلماء التطوع في الأصل فعل الطاعة وصار في الشرع مخصوصا بطاعة غير واجبة.

قال المصنف:

(أفضل عبادات البدن الصلاة لما روى عبد الله بن عمر و بن العاص عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«استقيموا واعلموا ان خير أعمالكم الصلاة».

ولا يحافظ على الوضوء الا مؤمن ولأنها تجمع من القرب ما لا يجمع غيرها من الطهارة واستقبال القبلة والقراءة وذكر الله تعالى والصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات وتزيد عليها بالامتناع من الكلام والمشي وسائر الأفعال وتطوعها أفضل التطوع)(1).

ص: 72


1- المجموع للنووي: ج 4، ص 2

وفي الوتر قال النووي:

(الوتر سنة عندنا بلا خلاف وأقله ركعة بلا خلاف وادنى كماله ثلاث ركعات، واكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع ثم أحدى عشرة ركعة وهي اكثره على المشهور في المذهب وبه قطع المصنف والاكثرون)(1).

2- المليباري الفناني الهندي:

(وصلاة النفل قسمان: قسم لا تسن له جماعة كالرواتب التابعة للفرائض، وهي ما تأتي آنفا.

(يسن) للأخبار الصحيحة الثابتة في السنن (أربع ركعات قبل عصر)، وأربع قبل (ظهر) وأربع بعده، (وركعتان بعد مغرب) وندب وصلهما بالفرض. ولا يفوت فضيلة الوصل بإتيانه قبلهما الذكر المأثور بعد المكتوبة.

(و) بعد (عشاء) ركعتان خفيفتان (وقبلهما)، إن لم يشتغل بهما عن إجابة المؤذن. فإن كان بين الأذان والإقامة ما يسعهما فعلهما، وإلا أخرهما.

(و) ركعتان قبل (صبح)، ويسن تخفيفهما.

وقراءة الكافرون والاخلاص فيهما، لخبر مسلم وغيره، وورد أيضا فيهما «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ»(2)، و «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ»(3)، وأن من داوم على قراءتهما فيهما زالت عنه علة البواسير، فيسن الجمع فيهما بينهن لتتحقق الاتيان بالوارد، أخذا مما قاله النووي في: إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا.

ص: 73


1- المجموع: ج 4، ص 12
2- الانشراح: 1
3- الفيل: 1

ولم يكن بذلك مطولا لهما تطويلا يخرج عن حد السنة والاتباع، كما قاله شيخنا ابن حجر وزياد.

ويندب الاضطجاع بينهما وبين الفرض إن لم يؤخرهما عنه، ولو غير متهجد. والأولى كونه على الشق الأيمن، فإن لم يرد ذلك فصل بنحو كلام أو تحول.

(تنبيه) يجوز تأخير الرواتب القبلية عن الفرض وتكون أداء.

وقد يسن كأن حضر والصلاة تقام أو قربت إقامتها بحيث لو اشتغل بها يفوته تحرم الإمام فيكره الشروع فيها، لا تقديم البعدية عليه لعدم دخول وقتها، وكذا بعد خروج الوقت على الأوجه.

والمؤكد من الرواتب عشر، وهو ركعتان قبل صبح وظهر وبعده وبعد مغرب وعشاء)(1).

خامساً: أقوال فقهاء المذهب الحنبلي.

وذهب فقهاء المذهب الحنبلي إلى تقسيم النوافل إلى قسمين وادراجهما تحت عنوان التطوع وفي ذلك يقول:

3- ابن قدامة المقدسي (620 ه):

والتطوعات قسمان:

(أحدهما) ما تسن له الجماعة وهو صلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح ونذكرها إن شاء الله في مواضعها.

ص: 74


1- فتح المعين: ج 1، ص 284 - 287

(والثاني) ما يفعل على الانفراد وهي قسمان سنة معينة ونافلة مطلقه فأما المعينة فتتنوع أنواعا (منها) السنن الرواتب مع الفرائض وهي عشر ركعات - ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر.

وقال أبو الخطاب وأربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا». رواه أبو داود.

وقال الشافعي قبل الظهر أربع لما روى عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله (صلى الله عليه واله) فقالت: كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ثم يصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين رواه مسلم.

ولنا ما روى ابن عمر قال حفظت عن رسول الله (صلى الله عليه واله) عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين. متفق عليه، ولمسلم بعد الجمعة سجدتين، ولم يذكر ركعتين قبل الصبح.

وروى الترمذي عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه واله) مثل ذلك وقال: هو حديث صحيح وقوله رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا ترغيب

ص: 75

فيها ولم يجعلها من السنن الرواتب بدليل أن ابن عمر رواية ولم يحفظها عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وحديث عائشة قد اختلف فيه فروي عنها مثل رواية ابن عمر)(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب.

أولاً: في استحباب النوافل.

ذهب الإمامية: الى تقسم النوافل إلى قسمين، الأول: الرواتب اليومية والثاني: غير الرواتب، ويستحب الإتيان بالرواتب اليومية استحباباً موكداً.

وقال الزيدية: يستحب اتيان الرواتب اليومية، وبوجوب الوتر، وببدعة صلاة التراويح.

وقال المالكية: حكم النفل، الاستحباب، ويتأكد في الظهر والعصر، والوتر.

وقال الحنفية: مستحبة، ولكن الوتر واجب، وقيل: إنها فريضة.

وقال الشافعية: بإنها سنة.

وقال الحنابلة: إنها مستحبة؛ ويتأكد الاستحباب في صلاة الوتر ويكره تركها، وقد أسقط أحمد بن حنبل شهادة تارك صلاة الوتر لأنه ((رجل سوء)).

ص: 76


1- الغني لابن قدامة: ج 1، ص 762 - 763

ثانياً: في عدد النوافل وترتيبها.

1- قال فقهاء الإمامية:

إن عدد النوافل الرواتب هو أربع وثلاثون ركعة، وهي ثمان قبل الظهر، وثمان قبل العصر، وأربعة بعد المغرب، واثنان من جلوس بعد العشاء، وهي صلاة الوتيرة، وتعد بركعة واحدة؛ واثنان بعد الفجر، واحد عشر ركعة بعد منتصف الليل: وهي صلاة الليل، منها ثمان ركعات نافلة الليل واثنان صلاة الشفع، وركعة واحدة هي الوتر؟ وأفضل الرواتب صلاة الليل ثم الفجر.

2- قال فقهاء الزيدية:

أفضل النوافل: الرواتب اليومية لأنها تتكرر، وأفضل الرواتب الوتر ثم ركعتا الفجر، ثم المغرب ثم الظهر.

وأما عددها: فهي مثنى مثنى لا يزيد في النهار على أربع، وفي الليل على ثمانية.

وعدد ركعات صلاة الوتر، هي ثلاثة ركعات متصلة يسلم في أخرها، وأقل صلاة الوتر ركعة واحدة وأكثرها أحد عشر ركعة يسلم في كل ركعتين.

أما ترتيبها:

ثمان ركعات قبل الفجر، وثمان قبل الظهر، وهي صلاة الأوابين، وأربع بعد الظهر بسنته، وأربع قبل العصر، وأربع بعد المغرب، بسنته والوتر، وستة الفجر.

ص: 77

3- قال فقهاء المالكية:

وهي أربع ركعات بعد الظهر، والمغرب بعدها باثنين، وقيل: بأربع وقيل بستة وهو الاحسن عندهم.

وقيل العصر بأربع، ولم يرد عنهم شيء في العشاء، واما الصبح فمعلوم انه لا نفل بعدها ولا قبلها الا ركعتي الفجر وصلاة الليل قيل أحد عشر ركعة وقيل ثلاثة عشر كما عن عائشة في الموطأ وثناً مثنا، منها ركعتا الشفع وبعدها الوتر، وقيل: ان الوتر ثلاثة ركع.

ووقتها بعد صلاة العشاء؛ وقيل: بوجوب الوتر.

4- قال فقهاء الحنفية:

وعددها أثنى عشر ركعة، وترتيبها اثنان قبل صلاة الفجر، واربعة قبل الظهر لا يسلم الا في أخرهنَّ، وركعتان قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.

وأما صلاة الليل.

فقد ذهب أبو حنيفة إلى وجوب الوتر، وقبل ذلك كان يقول بفريضة الوتر؛ أما عددها فقيل: أنها ثلاث ركعات بتسلميه واحدة واجمعوا عليه.

واما وقتها، فوقت العشاء ويشترط تقديم العشاء عليها، ويستحب تأخيرها إلى آخر الليل.

5- قال فقهاء الشافعية:

إن صلاة النفل تنقسم إلى قسمين، الأول: لا تسن له جماعة كالرواتب

ص: 78

التابعة للفرائض، والثاني: ما تسن له الجماعة كالتراويح.

أما الرواتب فهي أربع ركعات قبل الظهر، وأربعة بعده، وأربعة بعد العصر، واثنان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح.

أما صلاة الوتر فاقله ركعة واحدة، وفي كهله ثلاثة ركعات، واعمل منه خمس، ثم سبع، ثم أحد عشرة ركعة، وهو المشهور عندهم.

6- قال فقهاء الحنابلة:

تنقسم النوافل عند المذهب الحنبلي إلى قسمين، الأول ما تسن له الجماعة کالاستسقاء، والتراويح، والثاني: ما لا يسن له الجماعة كالرواتب اليومية.

وأما عددها فعشرة، ركعتان قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح؛ واما صلاة الوتر فركعة واحدة.

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

نورد في هذه المسألة بعض الاقوال في بيان معنى الحديث الشريف ودلالاته التي تناولها شراح نهج البلاغة وذلك اعماماً للفائدة واحاطة بما تضمنه الحديث من فقه الاخلاق والسلوك، فكانت هذه الاقوال كالاتي:

1- علي بن زيد البيهقي (ت: 565 ه).

قال البيهقي (رحمه الله) بعد أن أورد الحديث الشريف:

(اعلم أن الصلوة مثل شخص، وآدابها كالحواس، وفرايضها كالاعضاء، وروحها الخشوع والخضوع والمقصود من الصّلوة استقامة القلب وتجديد

ص: 79

ذكر الله على سبيل الهيبة والتعظيم، قال الله تعالى: «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ».

ومن كان قلبه حاضرا في وقت التكبير فحسب كان كشخص به رمق. فتفكَّر من الاذان في نداء القيامة، حيث قال قوم يسمعون الصّيحة بالحقّ. ومن القيام في حال الوقوف في حالة السؤال حيث قال: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ».

ومن التّشهّد في قوله: «وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً». ومن الرّكوع في قوله، تعالى: «نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ». ومن فرح عند سماع الاذان، ابتهج عند نداء القيامة).

والقُربان: بالضم ما تقربت به إلى الله، ومنه قربة لله قرباناً)(1).

2- السيد حبيب لله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)

جاء في منهاج البراعة بيان آخر للحديث الشريف فقد قال السيد الله الخوئي:

(قرب، قرباناً من الشيء: دنا منه؛ والمعنى - للحديث هو أن - الهدف الغائي من العبادات ردع النفوس من الشهوات والتوجه إلى المادّيات وتوجيهها إلى حضره القدس الألهية وحظيرة الانس الربانية، فروح العبادة التقرب إلى الله والانخلاع عن ظلات الطبيعة الكامنة في الغرائز البشرية.

واكمال العبادات وعمودها الصلاة فإنها شرعت لقيام العبد بين يدي ربه والاشتغال بالمناجاة معه بنفسه من دون وسيط وحاجب، ولكنها تؤثر في

ص: 80


1- معارج نهج البلاغة: ص 425

التقرّب باعتبار حضور القلب والتوجّه إلى الله بالعبودية والاخلاص وقطع النظر عن الناس والاتّقاء من كلّ ما يوجب التشويش والوسواس من الخنّاس، فالتقوى شرط جوهريّ لقبول العبادة وقد قال الله تعالى:

«إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» فتأثير الصّلاة في التقرّب إليه تعالى مشروط بالتقوى)(1).

ونكتفي بهذين القولين في بيان معنى الحديث ودلالته العرفانية والتربوية في إثر الصلاة على الإنسان المؤمن لا سيما من بلغ درجة المتقين فهو موضع قربه من الله تعالى ومحل أنسه وبهجته.

ص: 81


1- منهاج البراعة: ج 21، ص 209

ص: 82

المبحث الرابع جواز ترك النوافل لعذر أو لغیره

قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام):

«إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَ إِدْبَاراً، فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ، وَ إِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْصُرُوهَا عَلَى الْفَرَائِضِ»(1).

وقال عليه الصلاة والسلام:

«قَلِیلٌ تَدُومُ عَلَیْهِ أَرْجَی مِنْ کَثِیرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ»(2).

أختلف عنوان الحكم في الحديثين الشريفين في المذهب الإمامي عنه في بقية المذاهب الإسلامية، فقد حصر فقهاء المذاهب العذر في ترك النوافل بالسفر وهو ما سنتناوله في المسالة القادمة .

المسألة الاولى: أقوال فقهاء الإمامية في جواز ترك النوافل عند إدبار القلب عن العبادة لتوارد الهموم.

يدل الحديثان وعنوان المسألة: إن الإمامية تنفرد به عن بقية المذاهب الإسلامية فقد ذهب إمام الشافعية إلى أن عنوان ترك النافلة مرتكزاً على نهي النبي (صلى الله عليه واله) في أوقات محددة:

ص: 83


1- نهج البلاغة، الحكمة: 312، ص 530
2- نهج البلاغة، الحكمة: 278، ص 525

(وان المراد بالنهي هو النوافل، وذلك أنه لا يكون أن يجعل المرء مدركاً لصلاة في وقت نهي فيه عن الصلاة)(1).

وعند المذهب الحنفي: (بانه لا يأثم بترك النافلة وهو الصحيح فلا يكون مانع بخلاف صلاة الفرض فإنه يأثم بترکها)(2).

وعليه:

سنورد بعض اقوال فقهاء الامامية (أعلى الله شأنهم) في جواز ترك النوافل إذا كانت لعذر کورود الهموم على القلب أو مطلق الجواز لغير عذر إلا أن ذلك قطعاً اي بدون عذر سيؤدي إلى حرمان المؤمن عن الثواب الكثير المخصوص بأداء النوافل.

ولكن ما هو في غاية الاهمية تفرد الامامية بتنظيم العلاقة القلبية بين العبد ومولاه عزّ شأنه فلو أكره الإنسان نفسه على التنفل وقلبه مثقل بالهموم والغموم وقد اعرض عن الاقبال على الله تعالى سيؤدي إلى نتيجة عكسية تظهر اثارها في اداء الفريضة فيقبل عليها العبد إما مرغما لأسقاط ما ألزم به نفسه أو متثاقلاً فيحرم الثواب في ادائها في أوقاتها فضلاً عن انشغال القلب آنذاك عن الصلاة وحرمانه من الخشوع و توابع الامر من اداء التعقيبات وغيرها بعد الفريضة.

من هنا:

كانت کلمات فقهاء الامامية في مصنفاتهم الفقهية تظهر العلة في الحكم

ص: 84


1- الرسالة: ص 323
2- البحر الرائق لابن نجم المصري: ج 3، ص 268

ودلالة الحديث الشريف ومراده، وهو كالاتي:

أولاً: المحقق البحراني (ت: 1244 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في الحدائق:

(المفهوم من كلام جملة من الاصحاب (رضوان الله عليهم) ترك النافلة لعذر ومنه الهم والغم، واستدلوا على ذلك برواية علي بن أسباط عن عدة من أصحابنا(1) أن أبا الحسن موسی (علیه السلام) كان إذا اهتم ترك النافلة.

وعن معمر بن خلاد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(2)، أن أبا الحسن (عليه السلام) كان إذا اغتم ترك الخمسين قال في التهذيب: يريد به تمام الخمسين لأن الفرائض لا يجوز تركها على حال.

واعترضهم في المدارك بأن في الروايتين قصورا من حيث السند، قال والأولى ألا تترك النافلة بحال للحث الأكيد عليها في النصوص المعتمدة.

وقال أبي جعفر الصادق (علیه السلام)(3): «وأن تارك هذا ليس بكافر» - یعني النافلة - ولكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه.

وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان الواردة في من فاته شيء من النوافل(4):

ص: 85


1- رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض
2- رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض
3- رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض
4- التهذيب ج 1 ص 136 وفي الوسائل في الباب 18 من أعداد الفرائض

«إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه وإن كان شغله لدنيا يتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله عز وجل مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)».

أقول: فيه (أولا) إن ما طعن به في الخبرين المذكورين فهو لا يقوم حجة على المتقدمين كما سلف بيانه في غير موضع.

و (ثانيا) - إنه مما يؤيد هذين الخبرين أيضا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن أحدهما (عليهما السلام)(1): قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «إن للقلوب اقبالا وادبارا فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة».

ومثله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب نهج البلاغة(2):

قال: «إن للقلوب اقبالا وادبارا فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض» ولا ريب أن الهم والغم موجبان لإدبارها.

و (ثالثا) - أن ما ذكره من الخبرين معارض بما تكاثر في الأخبار من أن من لقي الله عز وجل بالفرائض الخمس لم يسأله عما سواهن.

وقد تقدم الكلام في ذلك قريبا وذكرنا وجه الجمع بين الأخبار بأحد وجهين، ونزيد هنا وجها ثالثا ولعله الأقرب وهو حمل أخبار جواز ترك النافلة على ظاهرها وحمل أخبار الذم وجعلها معصية يستحق عليها العذاب على مجرد التأكيد، فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بأخبارهم (عليهم السلام) أنهم كثيرا ما يؤكدون في المستحبات على وجه يكاد يلحقها بالواجبات وفي

ص: 86


1- رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض
2- رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض

النهي عن المكروهات بما یکاد يدخلها في حيز المحرمات، ويؤيد هذا التوجيه سوق الصلاة في قرن الصوم الواجب والزكاة الواجبة في تلك الأخبار الدالة على الجواز مع أن تارك الصوم المستحب والزكاة المستحبة بأي نحو كان لا يكون مؤاخذا فإنه لم يرد فيهما ما يدل على أن تركهما معصية أو يكون موجبا لاستحقاق العقاب وحينئذ فذكر ذلك في الصلاة دونهما محمول على مجرد التأكيد والحث على النوافل، والله العالم)(1).

ثانياً: المحقق العراقي (ت 1244 ه):

قال (عليه الرحمة والرضوان) في مستند الشيعة في المسألة الثامنة من مسائل النوافل اليومية:

(قد صرّح جملة من الاصحاب بترك النافلة لعذر، ومنه الهم والغم؛ وليس مرادهم عدم استحبابها حينئذ، للإجماع على أن فاعلها مع ذلك آت بالمستحب مثاب ولا أن بدون العذر لا يجوز تركها للأجماع على الجواز أيضا.

بل المراد نقصان التأكيد الوارد في حقها - حتى إنه جعل تركها معصية، تأكيدا في فعلها - وأقلية المطلوبية حينئذ. وهو كذلك، لما في الرواية: «إن للقلوب إقبالا إدبارا، فإذا أقبلت فتنفلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة»(2).

والمروي في النهج: «اِنَّ لِلقُلُوبِ اِقبالاً واِدْباراً - فإذا اَقبَلَتْ فَاحْمِلُوها عَلَى

ص: 87


1- الحدائق الناظرة: ج 6، ص 51
2- الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 16، الوسائل 4 : 69 أبواب أعداد الفرائض و نوافلهاب 16 ح 58

النّوافِلِ - وَإذا اَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِها عَلَى الفَرائِضِ»(1).

وفي رواية علي بن أسباط: إن أبا الحسن (عليه السلام) إذا اغتم ترك النافلة)(2).

ثالثاً: الشيخ حسين آل عصفور (ت: 1216 ه).

يذهب الشيخ حسين آل عصفور (عليه الرحمة الرضوان) إلى القول بكراهة اتيان نافلة حال ورود الهموم على القلب، فقد قال:

(فالصلاة خير موضوع فمن شاء أستقل ومن شاء استكثر، لكن يکره للعبد أن يأتي من النوافل ما يورثه السامة والضجر وما يضر بالفرائض؛ فإن للقلوب أقبالاً وادباراً، فإن أقبلت فلتحمل على النوافل وعند أدبارها فليقتصر على الفرائض، وأحب الأعمال ما داوم عليه العبد وأن كان قليلاً، وأقله سنة)(3).

فهذا بعض اقوالهم (رضوان الله عليهم) فيما جاء في المسألة أما ما يخص الحديث من شروح وبيان في فقه الاخلاق والتربية، وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

تناول شراح کتاب نهج البلاغة الحديث الشريف مظهرين مكنونه الأخلاقي والتربوي فكان مما ورد عنهم (عليهم الرحمة والرضوان) ما يلي:

ص: 88


1- نهج البلاغة 3: 228 / 312، الوسائل 4: 70 أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ب 16 ح 11
2- مستند الشيعة، ج 5، ص 428
3- سداد العباد: ص 138

أولاً: قطب الدين الرواندي (ت: 573 ه).

قال (رحمه الله) في منهاج البراعة:

وقوله (عليه السلام):

«إن للقلوب إقبالاً وإدباراً» يعني:

(إنها تقبل بالنشاط بالطاعات مرة وربما أدبرت فإذا كانت مقبلة فاحملوها على النوافل اي، كقوله وأدعوها، اي فعل النوافل؛ والنافلة من العبادات الزائدة على الواجبات؛ والفرائض هي الواجبات السمعية)(1).

ثانياً: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه).

قال الشارح المعتزلي في شرحه في بيان معنى الحديث ودلالته:

(لا ريب أن القلوب تمل كما تمل الأبدان، وتقبل تارة على العلم وعلى العمل، وتدبر تارة عنهما.

«فإذا رأيتموها مقبلة ونشطة وارتاحت للعمل فأحملوها على النوافل، ليس يعني اقتصروا بها على النافلة، بل أدوا الفريضة وتنفلوا بعد ذلك؛ واذا رأيتموها قد ملت العمل وسئمت فاقتصروا بها على الفرائض، فإنه لا انتفاع بعمل لا يحضر القلب فيه)(2).

ثالثاً: الشيخ محمد جواد مغنية (ت 1400 ه).

قال الشيخ مغنية (رحمه الله) في شرحه للنهج في بيان معنى الحديث فكان

ص: 89


1- منهاج البراعة: ج 3، ص 390
2- شرح نهج البلاغة: ج 9، ص 219

کالاتي:

(المراد بالأقبال هنا حضور القلب وتصوّر الموت وسكراته، والقبر ووحشته، وهول الموقف غدا وحسابه، والخوف من الله وعظمته، والهيبة من مخاطبته، والمراد بالإدبار الذهول عن ذلك والانصراف إلى دنيا شاغلة لاهية.

وفي المناجاة والعبادة نكهة وحلاوة لا يحسها أحد كائنا من كان إلا مع هذا الإقبال تماما كالطعام الطيب لا تشعر بلذته إلا مع الهوى فيه. ويقول الإمام: إذا صادفتك ساعة رحمانية، تصورت فيها مصيرك وآخرتك، وخفت من عذاب الله، ورجوت ثوابه - فاغتنم هذه الفرصة الذهبية، وأكثر من ذكر الله، وادعه وناجه، واتل من آیاته، وصلّ النوافل وعقّب وسبّح، ولا تقتصر على الفريضة وحدها.. وإذا كنت في مشغلة شاغلة عن الله وناره وجنته فلا تتعب نفسك بحركات جافة جامدة لا تدفع عنك ضرا، ولا تجلب لك نفعا. ولكن إياك والتهاون في الفريضة مقبلا کنت أم مدبرا، لأن الله أمر بها بلا قيد الإقبال، ولا بد من الطاعة على كل حال.

ويتفق هذا مع قول الفقهاء بأن العبادة على قسمين: عبادة تؤديها على شرطها، ولكن بلا إقبال، وهذه صحيحة مجزية كافية، ولكنها غير مقبولة أي تسقط عنك التكليف وتحررك من العقاب والمسئولية، ولكن لا تستحق الثواب عليها.

وعبادة تجمع كل ما يعتبر فيها مع الإقبال التام، وهذه صحيحة ومجزية ومقبولة أيضا أي تستحق عليها الأجر والثواب من الله تعالى)(1).

ص: 90


1- في ظلال نهج البلاغة: ج 4، ص 403

المبحث الخامس كراهة النافلة في وقت الفريضة غير الرواتب ومع الرواتب في وقت الفضيلة للفريضة

قال (عليه الصلاة والسلام):

«لاَ قُرْبَهَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ»(1).

يتضح من خلال البحث في المسألة إن الإمامية تنفرد في هذا التفصيل والبيان الحكم المسألة.

ولذا:

سنورد بعض اقوال فقهاء الإمامية ثم نردفها بما جاء في شروح النهج الشريف من بيان عند الشراح في فقه التربية والاخلاق بمضامين الحديث.

المسألة الأولى: أقوال فقهاء للذهب الإمامي.

أولاً: الميرزا القمي (ت: 1231 ه).

قال الميرزا القمي (عليه الرحمة والرضوان) في كتاب الصلاة، المواقيت في المبحث العاشر وقد عنونه (المشهور تحریم النافلة في وقت الفريضة غير

ص: 91


1- نهج البلاغة، الحكمة 39، ص 475

الرواتب) مستنداً في ذلك الى:

(عموم الروايات المستفيضة، مثل صحيحة زرارة المروية في الذكري في مباحث الفوائت عن الباقر (عليه السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه واله):

«إذا ادخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة » الحديث.

وصحيحته الأُخرى المرويّة في التهذيب، وفي آخرها:

«ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة»(1).

ورواية محمّد بن مسلم(2)، ورواية أديم بن الحرّ عن الصادق (عليه السلام):

«لا يتنفِل الرجل إذا دخل وقت الفريضة» قال، وقال:

«إذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها»(3) إلى غير ذلك من الروايات، خرج من عمومها النوافل الرواتب وبقي الباقي.

والأولى حمل تلك الأخبار على الكراهة وتعميمها للرواتب کما يظهر من جماعة من المتأخّرين(4) مع تخصيص الوقت بوقت الفضيلة.

ص: 92


1- التهذيب 2: 172 ح 685، وص 266: 1059، وانظر الكافي 3: 292 ح 3، والاستبصار 1: 286 ح 1046، والوسائل 3: 206 أبواب المواقیت ب 61 ح 3
2- الكافي 3: 289 ح 5، الوسائل 3: 167 أبواب المواقیت ب 36 ح 2
3- التهذيب 2: 167 ح 663، الوسائل 3: 165 أبواب المواقیت ب 35 ح 6
4- کالشهيد في الدروس 1: 142

ويستفاد ذلك من ملاحظة مجموع الروايات مثل حسنة محمّد بن مسلم قال، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال:

«إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة، وإنّما أُخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين»(1).

وصحيحة زرارة المتقدّمة في وقت نافلة الفجر المشتملة على المقايسة(2) وما في معناها(3).

وقد مرّت الأخبار الدالة على وسعة وقت النافلة وأنّها بمنزلة الهديّة قُبلت متى أتيت بها(4).

وظهر من ملاحظة الأخبار المتقدّمة في مباحث الأوقات أنّ تلك التحدیدات للمتنفّلين، مثل صحيحة زرارة قال، قال لي:

(أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟» قال، قلت: لِمَ؟ قال: «لمكان الفريضة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ الفيء ذراعاً، فإذا بلغ الفيء ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة»(5).

ص: 93


1- الكافي 3: 289 ح 5، الوسائل 3: 167 أبواب المواقیت ب 36 ح 2، 3
2- التهذيب 2: 133 ح 513، الاستبصار 1: 283 ح 1031، الوسائل 3: 192 أبواب المواقيت ب 50 ح 3
3- روض الجنان: 184، مستدرك الوسائل 3: 160 أبواب المواقیت ب 46 ح 3
4- الوسائل 3: 168 أبواب المواقیت ب 37
5- التهذيب 2: 265 ح 974، الاستبصار 1: 249 ح 893، علل الشرائع: 349 ح 2، الوسائل 3: 106 أبواب المواقیت ب 8 ح 20

فبملاحظة تلك الروايات منضمّاً إلى الأخبار المانعة تظهر کراهة الرواتب بعد خروج أوقاتها المحدودة أيضاً.

وتؤيّده رواية منهال قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوقت الذي لا ينبغي لي إذا جاء الزوال، قال:

«الذراع إلى مثله»(1).

والظاهر أنّ المراد بالزوال نافلته.

وموثّقة سماعة عنه (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله، أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع ؟ فقال:

«إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة، وهو حقّ الله، ثم ليتطوّع بما شاء»(2).

وفي تتمّة هذه الرواية في الكافي و في غيرها من الروايات الفرق بين الجماعة والمنفرد، وأنّ الأفضل للمنفرد تقديم الفريضة.

ويظهر منها عدم کراهة المبادرة بالنافلة في وقت فضيلة الفريضة أيضاً إذا كان منتظراً للجماعة(3).

ص: 94


1- الكافي 3: 288 ح 2، الوسائل 3: 167 أبواب المواقیت ب 36 ح 4
2- الكافي 3: 288 ح 3، الفقيه 1: 257 ح 1165، التهذیب 2: 264 ح 1051، الوسائل 3: 164 أبواب المواقیت ب 35 ح 1
3- الكافي 3: 289 ح 4، التهذیب 2: 264 ح 1052، الوسائل 3: 165 أبواب المواقيت ب 35 ح 2

ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً صحيحة زرارة المرويّة في الذكرى، فإن في آخرها في حكاية فعل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من قضاء النافلة قبل قضاء فريضة الفجر حين نام عنها، فقد قال الباقر (عليه السلام) تعليماً لزرارة في ردّ حکم بن عتيبة وأصحابه حيث ردّوا عليه ذلك وأخذوا عليه بالتناقض حيث روى ذلك بعد ما روى ما ذكرنا في أوّل الحدیث، فقال: «يا زرارة، إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان»(1).

وبالجملة الحكم بالحرمة في غاية الإشكال إلَّا ما كان مفوّتاً للفريضة رأساً، فإن أردت حمل أخبار المنع على التحريم فلا بد من إرادة ذلك.

وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:

«لاَ قُرْبَهَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ»(2).

وقال (عليه السلام):

«إذا أضرّت النوافل بالفرائض فارفضوها»(3).

ثانياً: الشيخ الجواهري (ت: 1266 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) وقد أغني في البيان والاستدلال في (جواز قضاء الفرائض الخمس في وقت ما لم يتضیق وقت الفريضة الحاضرة) نصاً واجماعاً. فقال:

وكذا (يصلي بقية الصلوات المفروضات) لوجود المقتضى وارتفاع المانع)؛

ص: 95


1- الذكرى: 134، الوسائل 3: 207 أبواب المواقیت ب 61 ح 6
2- نهج البلاغة: 475 قصار الحكم رقم 39
3- غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرم / ج 2 ص 195 - 197

و (تصلي النوافل مالم يدخل وقت الفريضة وكذا قضاؤها)، وقد أفاد في المسألة فقال:

(بلا خلاف ولا إشكال، أي: في صلاة النوافل مالم يدخل وقت الفريضة وكذا قضاؤها لإطلاق الأدلة وعمومها أما إذا دخل فالأقوى في النظر جوازه أيضا وفقاً للشهيد، والمحقق الثاني، والكاشاني، والخراساني، وظاهر القاضي فيما حكي عنه، والمدارك وربما مال إليه في كشف اللثام، بل لعله مذهب الكليني وغيره ممن روی أخبار الجواز، بل في الدروس أنه الأشهر، بل عن التذكرة نفي العلم بالخلاف عن عدم کراهية التنفل قبل العصر والصبح لمن لم يصلهما، ولعله من التطوع وقت الفريضة.

بل قيل إنه قد يفهم ذلك من اجماع الخلاف هناك وشهرة المنتهى القريبة من الاجماع، وستسمعه إن شاء الله، للأصل واطلاق الأمر بها(1) وعمومات(2) قضاء الرواتب منها متى شاء التي اعترف في الرياض بتكثرها كثرة قريبة من التواتر، وأن فيها الصحاح وغيرها، ولإشعار التعريض(3) بين النفل والاتمام في صلاة الاحتياط.

بل قد تتمحض للأول كما إذا ظهر التمام في أثنائها، ولكثير من النصوص المتفرقة في الأبواب وكتب الأدعية في خصوص بعض نوافل في أوقات

ص: 96


1- الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من کتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب - 18 - من أبواب أعداد الفرائض من کتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 3 و 2 من كتاب الصلاة

الفرائض، مثل الصلوات الواردة(1) بين الظهرين خصوصا يوم الجمعة، وبين المغرب والعشاء مطلقا كالغفيلة(2) وغيرها مما عرفت، أو في بعض الأزمنة کشهر رمضان(3) وليالي الجمع(4) وغيرها كثرة يعسر استقصاؤها، ويبعد معها دعوی اختصاصها ككثير من النصوص المتقدمة سابقا في الرواتب، و مزاحمتها للفرائض، خصوصا مع اختلافها في تحديد أوقاتها والأمر بها في أوقات الفرائض من دون تحديد بأمر منضبط صالح لإناطة الحرمة.

وغير ذلك مما يظهر منه التسامح والتساهل فيه ظهورا تاما، ضرورة عدم اعتيادهم (عليهم السلام) أمثاله في الحرمة، ولا الاكتفاء في بيانها بنحو ما ستعرفه مما هو في نفسه غير صالح لإفادتها، فضلا عنه بملاحظة معارضة، خصوصا مثل الحرمة في المقام التي ربما يستغر بها أذهان العوام من جهة جواز تأخير الفريضة للاشتغال ببعض المباحات بل المكروهات وعدمه للاشتغال بالنوافل التي ورد(5) الحث الشديد والترغيب البالغ والتأكيد على فعلها أداء وقضاء، وأنها من الصلاة التي هي خير موضوع، و قرة عين النبي (صلى الله عليه وآله) وخير العمل، وأفضل ما يتقرب به العبد، وغير ذلك مما إذا سمعه المكلف لم يخطر في باله المنع عنها بوجه من الوجوه، بل أذهان الخواص أيضا.

ص: 97


1- مصباح المتهجد - ص 264
2- الوسائل - الباب - 20 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب - 7 - من أبواب نافلة شهر رمضان من كتاب الصلاة
4- الوسائل - الباب - 45 - من أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة
5- الوسائل - الباب - 17 و 18 و 19 - من أبواب أعداد الفرائض

ولذا: استدل في كشف اللثام على الجواز هنا بالأولوية، قال: ولجواز التأخير من غير اشتغال بصلاة، فمعها أولى، وإن كان في دعوى القطع بالأولوية المزبورة كي تكون مثمرة نظر واضح، اللهم إلا أن يدعى حصوله بملاحظة ما ذكرنا وغيره من القرائن الكثيرة التي منها أنه لو كان الحكم كذلك لاشتهر بين جميع المتشرعة الرواة والمتفقهة والمقلدة وأتباعهم غاية الاشتهار، بل كانت الخطباء خطبت به على رؤوس المنابر، وحذرت منه، لأنه مظنة وقوع الناس فيه.

بل من المقطوع به بسبب ما اشتهر من أمر الصلاة والحث عليها کما هو واضح، ولأن سماعة(1) سأل الصادق (عليه السلام) في موثقة المروي في الكتب الثلاثة (عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال:

«إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة، وهو حق الله، ثم ليتطوع بما شاء الأمر موسع أن يصلي الإنسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة، والفضل إذا صلى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها، ليكون فضل أول الوقت للفريضة، وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت».

وهو دال على المطلوب من وجوه حتى صدره مع التأمل، فلا يقدح فيه حينئذ احتمال کون قوله (عليه السلام): (والفضل) إلى آخره من الكليني،

ص: 98


1- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من کتاب الصلاة

مع أنه خلاف الظاهر.

وابن مسلم في الحسن کالصحیح(1) قال للصادق (عليه السلام) أيضا:

(إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو ابدأ بالفريضة قال:

«إن الفضل أن تبدأ بالفريضة» الحديث.

والمناقشة فيه بأن الفضل يجامع الوجوب إذ هو غير الأفضل کما تری، وقال (عليه السلام) أيضا في خبر عمار(2):

«إذا أردت أن تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصل شيئا حتی تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة، ثم اقض ما شئت».

ولخبر منهال(3) قال:

(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوقت الذي لا ينبغي لي إذا جاء الزوال - أي نافلته كما أطلق كذلك في غيره - قال:

«ذراع أو مثله».

فإن في قوله فيه (لا ينبغي) اشعارا بالجواز مع تقرير الإمام (عليه السلام) إياه، بل وفي ترديده (عليه السلام) بين الذراع والمثل، وإن قال في الوافي : أراد به ما يقرب منه، فإنه يتفاوت بتطويل النافلة وتقصيرها.

ص: 99


1- الوسائل - الباب - 36 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من کتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب - 36 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 من كتاب الصلاة وفيه «الذراع إلى مثله»

و ومثله صحیح عمر بن یزید(1) سأل الصادق (عليه السلام) (عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت ؟ قال:

«إذا أخذ المقيم في الإقامة»، فقال له: إن الناس يختلفون في الإقامة، قال:

«المقيم الذي تصلي معه».

بل مقتضاه أن أصل الرواية بلفظ (لا ينبغي) أو بمعناه المشعر بعدم الحرمة، وليس المراد من قوله: (یروون) العامة، إذ الظاهر کما يستفاد من غيره من الأخبار عدم وجود رواية لهم بهذا المعنى، على أن في تحديد ذلك کخبر إسحاق بن عمار(2) المتقدم في ركعتي الفجر بما إذا أخذ المقيم المختلف غاية الاختلاف کما اعترف به السائل ایماء ظاهرا إلى عدم الحرمة، بل وفي جوابه (عليه السلام) أخيرا بأنه المقيم الذي تصلي معه، وهو غير مضبوط أيضا في نفسه باعتبار الأحوال والأوقات، مع اقتضائه اختلاف التحديد بحسب اختلاف المكلفين فيمن يصلون معه.

ولموثق إسحاق بن عمار(3) (قلت: أصلي في وقت فريضة نافلة، قال:

«نعم في أول الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» بناء على إرادته وقت فضيلة الفريضة بعد مضي وقت النافلة کما هو المعهود من هذا الاطلاق في غيره من النصوص، بل ينبغي الجزم بها هنا بملاحظة تفصيله في الجواب، أو يريد نافلة غير الراتبة کما یومي إليه تنکیرها.

ص: 100


1- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 من كتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب - 52 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 من كتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من کتاب الصلاة

ولموثق أبي بصير(1) عن الصادق (عليه السلام):

«إن فاتك شيء من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس، وبعد الظهر عند العصر، وبعد المغرب، وبعد العتمة، ومن آخر السحر» بل لعله قرينة على إرادة التطوع من صلاة النهار.

أيضا في صحيح ابن مسلم(2) (سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال:

«يقضيها إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء» والحسن کالصحيح(3) سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل فاتته صلاة النهار متي يقضيها؟ قال:

«متى شاء، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء» بل ينبغي الجزم به بناء على المضايقة في قضاء الفرائض وترتب الحواضر عليها، للقطع حينئذ بعدم إرادته منهما، على أن في ترك الاستفصال فيه كفاية، ولخبر علي بن جعفر(4) المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى (عليهما السلام) (سألته عن رجل نسي صلاة الليل والوتر ويذكر إذا قام في صلاة الزوال قال:

«ابتدأ بالظهر، فإذا صلى صلاة الظهر صلي صلاة الليل، وأوتر ما بينه وبين صلاة العصر أو متى أحب».

ولصحيح سليمان بن خالد(5) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن

ص: 101


1- الوسائل - الباب - 57 - من أبواب المواقيت - الحديث 10 من کتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 من کتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب 39 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 7 من كتاب الصلاة
4- الوسائل - الباب 49 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
5- لوسائل - الباب 56 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 من كتاب الصلاة

رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال: «فليصل ركعتين، ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوعا».

وللصحيح(1) عن الصادق (عليه السلام):

«إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين، وإن كانت العصر فليجعل الأولين نافلة والأخيرتين فريضة».

قال في كشف اللثام: فإن هذه النافلة إما قضاء أو ابتداء، فإذا جاز ابتداء النافلة وقت الفريضة فقضاؤها أولى، ثم قال: وفيه أنه لإدراك فضيلة الجماعة مع التجنب عن التنفل بعد العصر لكراهته، ثم النافلة ليست إلا الفريضة المعادة، لكن قد يناقش بأطلاق الخصم المنع، وكراهة العبادة لا تقدم على الحرمة، وكون النافلة ليست إلا الفريضة المعادة - لأن الفرض بقاء العصر على المسافر وقد جعلها في الركعتين الأخيرتين، فما صلاه من الركعتين الأولين نفلا ليس إلا الفريضة المعادة، لعدم صلاحية الجماعة في غيرها، وإلا كان من الشواذ التي يجب طرحها - لا يقتضي تخصيصا لأدلة حرمة التطوع في وقت الفريضة بعد أن أطلقت الفتوى بمضمونها.

وما في الرياض - من أنه لا ربط لهذا الصحيح في المقام بناء على إرادة الفريضة المعادة، كما لا ربط للصحيح الذي قبله به أيضا، لكون هذه النافلة مستثناة اجماعا كما سيأتي في محله إن شاء الله - يدفعه أنه لا اجماع قطعا على

ص: 102


1- الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4 من كتاب الصلاة

خصوص مضمون الصحيح المزبور، وضرورة أن ما ذكروه في بحث الجماعة من استحباب الإعادة لمن صلى وحده أعم من ذلك ومما لا يستلزم تطوعا في وقت فریضة، کما إذا كان قد صلى الفرضين، أو أنه جعل ما فعله منفردا نافلة على أحد الوجهين المذكورين هناك، أو غير ذلك.

على أنك قد عرفت اطلاق المانع، وعدم إشعار في كلامه باستثناء مثل ذلك، كما أنه لا اشعار في الأدلة الدالة على الجواز کهذين الصحيحين(1) وغيرهما به أيضا، فجعلهما مخصصين ليس بأولى ما ستسمعه من حمل النهي عن التطوع على بيان المرجوحية ونحوها مما لا ينافيهما، بل هذا أولى قطعا.

كما أن تلك النصوص الدالة على مشروعية جملة من النوافل في أوقات الفرائض التي أشرنا إليها في أول البحث كذلك أيضا، فما في الرياض - من أنها لا ربط لها بالمقام أيضا، لأنه ارتضاها الأصحاب واستثنوها بالخصوص - کما ترى.

على أن أكثرها لم يتعرض لها الأصحاب في كتب الفقه، وما تعرضوا له كالغفيلة ربما شكك فيها بعضهم، على أن خلو هذه الأدلة وغيرها مع تعددها وكثرتها عن الإشارة بوجه من الوجوه إلى التخصيص، وأنه مستثنی من تلك الكلية أكبر شاهد عند الفقيه الماهر على عدمه وعدم إرادة المنع من هذا النهي والنفي، خصوصا مع عدم صراحة شيء مما ذكر في أدلة المنع فيه کي يرتكب لأجله أمثال ذلك، إذ هو ليس إلا أخبار(2) الذراع والذراعين

ص: 103


1- الوسائل - الباب - 56 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 والباب 18 الحديث 4 من کتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 18 و 19

المتقدمة في نوافل الزوال التي لا صراحة فيها في الحرمة، لاحتمال کون التقدير لرفع الكراهة، وللجمع بين فضيلتي الفريضة والنافلة، ومفهوم قوله في بعضها(1): (فإن لك) إلى آخره.

مع أنه ضعيف جدا يمكن إرادة الرخصة المجردة عن تفویت فضيلة أول وقت الفريضة وعن المرجوحية منه، وإلا بعض النصوص المتقدمة في ركعتي الفجر التي قد عرفت معارضته فيها بما هو أقوى منه، وأنه لم يفت به هناك إلا النادر، بل هي عند التأمل الجيد شاهدة للمختار هنا، ضرورة موافقة مضمونها للنصوص المذكورة هنا حتى في معظم الألفاظ كقوله (عليه السلام)(2):

«لا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة».

وغيره من أمر المقايسة ونحوها، والفرض إرادة الكراهة منها هناك حتى من الخصم، إذ لم يحك الفتوى بها إلا من الإسكافي والشيخ، بل قد عرفت أن الطباطبائي نفی الخلاف هناك أصلا، فليكن المراد الكراهة هنا كذلك. ومنه يعلم حال استدلالهم هنا بالمروي(3) عن حبل المتين وغيره الموصوف بالصحة وإن لم نتحققها عن زرارة قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال:

«لا، إنه لا يصلي نافلة في وقت فریضة، أرأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان كان لك أن تتطوع حتى تقضيه»؟ قال: قلت: لا، قال: «فكذلك

ص: 104


1- الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 من کتاب الصلاة وليس فيه لفظة «فإن»
2- الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 من کتاب الصلاة
3- المستدرك - الأبواب 46 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من کتاب الصلاة

الصلاة»، قال: فقایسني وما كان يقایسني).

إذ هو مثل صحيحه المتقدم في ركعتي الفجر الذي قد عرفت تنزيله على غير الحرمة عند أكثر الأصحاب وأن المقايسة تعليما الزرارة كيفية البحث معهم لو أرادوا انكار المرجوحية، أو أرادوا لزوم الاتيان ببعض النوافل في أوقات الفرائض کنافلة الفجر، أو نحو ذلك، بل لعله هو ذلك الخبر، ورواه هؤلاء بالمعنی کما یومي إليه عدم وجوده في الكتب الأربع.

فدعوی صراحة هذين الصحيحين في الحرمة من جهة المقايسة والتنظير بما هي معلومة فيه - بل في الرياض الاجماع عليها فيه على وجه لا يمكن

حملها على الكراهة - في غاية الغرابة بعد أن وافق في ركعتي الفجر اللتين ورد فيها أحد هذين الصحيحين على جواز وقوعها بعد الفجر، خصوصا والمعلوم أن المراد بهذا القياس الذي بطلانه من ضروریات مذهبهم مجرد الالزام به، وأن مقتضاه الحرمة على مذاقهم.

بل لعل المراد التبكيت به في بادئ النظر، وإلا فالمقيس النافلة في وقت الفريضة الظاهرة في الحاضرة سيها مع قرينة السؤال، والمقاس عليه التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان، وكان الذي ينبغي قياس الشق الأول من السؤال عليه.

اللهم إلا أن یرید به من دخل عليه نفس شهر رمضان کما فهمه في الذخيرة مع حمل القضاء فيه على مطلق الفعل والتأدية على ما هو المعروف في النصوص لا المقابل للأداء المشهور في لسان المتشرعة، لكن فيه حينئذ أنه أيضا غير تام باعتبار عدم التمكن من الجمع بين النفل والفرض في أيام

ص: 105

شهر رمضان بخلاف ما نحن فيه من الصلاة، ومن هنا يعلم كون المراد منه الالزام في بادئ النظر، والله أعلم.

وسوی موثق ابن مسلم(1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر مالي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت: إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فریضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع).

وهو - مع قراءة ما بعد (لا) فعلا لا اسما منصوبا کما يشهد له السياق - لا صراحة فيه بالحرمة، بل ولا ظهور، بل لو قرئ اسما كان المراد منه بمعونة السياق أيضا ذلك، مضافا إلى تعارف هذا التركيب في نفي الكمال، وإلى إرادته من دخول الوقت شروع المؤذن في الأذان، وهو لا يقول به الخصم، كما أنه لا يقول في شمول النهي لمثل الرواتب التي هي المراد على الظاهر بهذا الخبر قبل مضي أوقاتها، وليس هو المانع هنا، بل شروع المؤذن في الأذان، مع أنه جعل الحد لركعتي الفجر في خبر إسحاق ابن عمار المتقدم(2) قول المؤذن: (قد قامت الصلاة) فتأمل جيدا وسوى بعض النصوص(3) التي ستعرف حالها في التطوع لمن عليه فائتة.

ومن ذلك كله يعلم الحال في خبر أبي بكر(4) عن جعفر بن محمد (عليهما

السلام):

ص: 106


1- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من کتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من کتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب - 61 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
4- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 6 من کتاب الصلاة

«إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع».

بل وخبر أدیم بن الحر(1) عن الصادق (عليه السلام):

«لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة» - إلى أن قال: إذا دخل وقت

فريضة فابدأ بها).

إذ هما مع قصور سندیها غير صريحين أيضا، فلا بأس بحمل النهي والأمر فيهما وفي غيرهما كصحیحي زرارة(2) أيضا المروية أحدهما في مستطرفات السرائر خصوصا بقرينة ما ذكرناه من الأدلة على الكراهة والندب الذين هما من أشهر المجازات فيهما.

بل ادعي مساواتهما للحقيقة، ويكون الحاصل ترجیح مراعاة فضل أول الوقت للفريضة الذي هو كفضل الآخرة على الدنيا، بل خير للمؤمن من ماله وولده، بل لا يقابله شيء أبدا، مع أنه لا بدل له، إذ غيره أما أدنى منه فضلا، أو لا فضل فيه أصلا على النافلة التي لها بدل، وهو القضاء، بل لعله أرجح منها ببعض الاعتبارات التي لا تنافي قاعدة رجحان الأداء على القضاء ولهذا أمر أبو جعفر (عليه السلام) نجبة بهما(3) قال: قلت له: تدركني الصلاة فابدأ بالنافلة فقال: «لا، ولكن أبدأ بالمكتوبة واقض النافلة».

ص: 107


1- الوسائل - الباب 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 6 من کتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 8 والباب 61 الحديث 3 من كتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 1 - 4 من كتاب الصلاة

ولعل هذا وشبهه هو السر في النهي عن التطوع في أوقات الفرائض کما صرح به في الجملة موثق سماعة المتقدم(1) بل يومي إليه ظهور نصوص المنع أو أكثرها في إرادة الوقت الفضيلي من وقت الفريضة لا ما يشمل الأجزائي، وهو مضعف آخر لدلالتها على ما يقول الخصم.

بل قد يومي إليه زيادة على ذلك وعلى خبر نجبة المتقدم آنفا خبر زیاد

بن أبي عتاب(2) قال: (سمعت الصادق (عليه السلام) يقول:

«إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها، فلا يضرك أن تترك ما قبلها من النوافل».

إذ الظاهر منه إرادة إمكان جبر ضرر الترك بالقضاء، بخلاف عدم البدأة بالمكتوبة في أول الوقت، فإنه ضرر لا جابر له، بل لعل في هذا التعليل في الخبر المزبور اشعارا أيضا بالمختار، بل ماعن أمير المؤمنين (عليه السلام)(3) في النهج:

«لا قربة بالنوافل إذا أضرت بالفرائض».

وقوله (عليه السلام)(4) أيضا:

«إذا أضرت النوافل بالفرائض فارفضوها» مبني على ذلك أو نحوه.

فمن العجيب بعد ذلك كله المبالغة في الانكار من فاضل الرياض لهذا القول، فتارة بدعوى الاجماع الممنوع أشد المنع عليه على خلافه، مع أنه لم

ص: 108


1- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
2- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 1 - 4 من كتاب الصلاة
3- الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 8 من کتاب الصلاة
4- الوسائل - الباب 61 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 8 من کتاب الصلاة

يدعه أحد قبله، نعم ظاهر المعتبر نسبته إلى علمائنا مشعرابه، مع أن الظاهر عدم إرادته منه ذلك، بل مقصوده ذکر الشيخين وابني حمزة وإدريس إياه، کما حکی عنهم غيره ذلك أيضا، وزاد نسبته له وللفاضل في أكثر كتبه، ومن المعلوم عدم بلوغ ذلك حد الشهرة فضلا عن الاجماع كما هو واضح.

وأخرى بحمل نصوصه على التقية مستنبطا لها من صحيحي المقايسة(1) وموثق ابن مسلم المتقدمة التي هي في غاية البعد بالنسبة إلى أخبارهم كما اعترف هو بذلك في ركعتي الفجر، وأنها لا ترتكب إلا عند الضرورات، مع امکان دعوی قرائن هنا تنفيها أيضا، وأنهم (عليهم السلام) لم يستعملوا التقية كما أومأ إليه موثق ابن مسلم(2) المزبور.

إما لظهور القياس الذي يمكن أن يفحم به الخصم أو لغيره، على أنه یمکن کون مذهبهم في ذلك الجواز من غير كراهة، وأنه لا فرق بينهما في وقت الفريضة وعدمها، فتأبی حینئذ الحمل عليها، ضرورة صراحة بعضها وظهور آخر بخلافه، وثالثة بدعوى القصور في أسانيد البعض الذي هو غير قادح مع التعاضد المزبور وكفاية البعض الآخر، ورابعة بدعوى عدم مقاومتها لأدلة المنع من وجوه کالشهرة ونحوها، وقد عرفت أنها أولى منها بعدم المقاومة من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا أو بعضه، لا أقل من اقتضاء العمل بتلك طرح هذه أو كالطرح بخلاف

ص: 109


1- الوسائل - الباب - 50 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من کتاب الصلاة؛ والمستدرك - الباب 46 - من أبواب المواقيت - الحدیث 3
2- الوسائل - الباب - 35 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة

العكس، فإن الكراهة مجاز شائع)(1). المسألة الثانية: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

نورد في هذه المسألة قولين من أقوال شراح نهج البلاغة، ونبتدأ في ذلك بالبحراني ثم نردفه بقول السيد حبيب الله الخوئي (عليهما رحمة الله ورضوانه) وهي كالاتي:

أولاً: ابن میثم البحراني (ت 679 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في شرحه للحديث:

(الإضرار بالفراض: تنقيص بعض أركانها وشرائطها، وقد يفعل الإنسان ذلك لتعبة بالاشتغال بالنافلة أو لما يريد أن يستقبله منها؛ ولا قربة فيما يستلزم ترك الواجب لاستلزامه المعصية والعقاب ومنافاتهما للقربة)(2).

ثانياً: السيد حبيب الله الخوئي (ت 1324 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان في بيان معنى الحديث:

(النافلة، النوافل ما تفعله مما لم يفرض ولم يجب عليك) وقد ردَّ على ابن أبي الحديد المعتزلي في قوله (بعد جواز التنفل لمن عليه فائته عند الإمامية) فرد قالاً: (ونسبة عدم جواز التنفل لمن عليه فائته إلى مذهب الإمامية محل اشکال، قال العلامة المجلسي (عليه الرحمة والرضوان) في شرحه على فروع الكافي في باب التطوع في وقت الفريضة في شرح الحديث الأول من هذا الباب:

ص: 110


1- جواهر الكلام: ج 7 ص 241 - 251
2- شرح نهج البلاغة : ج 5 ص 263

وأختلف الاصحاب في جواز التنفل لمن عليه فريضة فقيل: بالمنع،

وذهب ابن بابويه وابن الجنيد إلى جواز، أنتهى)(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده الفقهاء في المسألة.

قد مرَّ بيان تفصيل المسألة في كتب الفقهاء لا سيما ما آورده الشيخ الجواهري في الجواهر فضلا عن ذلك؛ فالضرر المتوقع في هذه النوافل سواء كانت في الصلاة أو الصيام فهو ضرر الغفلة عن ابراء الذمة في الفرائض أو الاشغال بالثواب اليسير والغفلة عن الثواب الجزيل في ابراء الذمة مما كلفت بادئه .

ولعل مدار حديث الفقهاء بما يمليه مفهوم الفقه ومصداقه هو البحث في التزاحم في المواقيت المخصوصة بالرواتب والفرائض إداءاً وقضاءاً، ولا يخفي أن دائرة كلام المعصوم واسعة الاثار متعددة المقاصد؛ ومن المقاصد دخول الحديث الشريف في التأصيل لقاعدة:

(المشقة موجبة لليسر) كما سيمر بيانه في المسألة القادمة.

المسألة الرابعة: قاعدة للشقة: موجبة لليسر.

إن من المقاصد التي يرشد إليها النص الشريف، أي قوله (عليه الصلاة

والسلام):

«إذا أضرت النوافل بالفرائض فرفضوها».

وكذا قوله (عليه الصلاة والسلام):

ص: 111


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج 21 ص 75

«إن للقلوب اقبالاً وادباراً فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت

فاقتصروا بها على الفرائض».

هو التأصيل للقاعدة الفقهية: (المشقة موجبة لليسر).

وذلك إن حمل القلوب على التنفل وقد اثقلت بالهموم والغموم لما يعترض الإنسان من شؤون حياة مختلفة تدفع بالإنسان إلى النفور من العبادة والتثاقل من اداء الواجب مما ينعكس سلباً على علاقة الإنسان بالله تعالى. أو يحلقه، اي الإنسان ضررا نفسياً، أو في أداء التزاماته المعيشية رغبة في التنفل، أو يحلق في الاصل ضرراً في الفريضة من حيث التزاحم في اوقاتها أو قضاء ما في الذمة والذي يقتضي ابراءها من التكاليف الشرعية التي هي أقرب إلى الله تعالى.

وعليه:

فقد تناول الفقهاء هذه القاعدة وبينوا أصلها وما ارتبط في أثارها وفوائدها لا سيما ما اجاد به الشهيد الأول (ت: 687 ه)، فقال (عليه الرحمة والرضوان): (المشقة موجبة لليسر؛ لقوله تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»(1)، «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(2).

وقول النبي (صلى الله عليه وآله):

ص: 112


1- الحج: 78
2- البقرة: 185

«بعثت بالحنفية السمحة السهلة»(1).

وقوله (صلى الله عليه وآله):

«لا ضرر ولا ضرار»(2)، بكسر الضاد وحذف الهمزة.

وهذه القاعدة تعود إليها جميع رخص الشرع كأكل الميتة في المخمصة، ومخالفة الحق للتقية قولا وفعلا، لا اعتقادا، عند الخوف على النفس أو البضع، أو المال، أو القريب، أو بعض المؤمنين، كما قال الله تعالى:

«لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً»(3).

بل يجوز إظهار كلمة الكفر عند التقية. والأقرب أنه غير واجب هنا لما

في قتله من اعزاز الإسلام، وتوطئة عقائد العوام.

ومن هذه القاعدة: شرعية التيمم عند خوف التلف من استعمال الماء، أو

الشين، أو تلف حيوانه أو ماله.

ومنها: إبدال القيام عند التعذر في الفريضة، ومطلقا في النافلة، وصلاة

الاحتياط غالبا.

ومنها: قصر الصلاة والصوم، وإن كان فرض السفر مستقلا في نفسه.

ص: 113


1- ورده بهذا النص المحقق الحلي في: معارج الأصول: ورقة: 53 / أ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف برقم 371)، ورواه أحمد مجردا عن لفظه (السهلة). انظر: مسند أحمد: 5 / 266
2- انظر: سنن ابن ماجة: 2 / 784، باب 17 من أبواب الأحكام، حديث: 2341
3- آل عمران: 28

ومنها: المسح على الرأس والرجلين بأقل مسماه. ومن ثم أبيع الفطر جميع الليل بعد أن كان حراما بعد النوم(1). وكل ذلك للترغيب في العبادات وتحبيبها إلى النفس.

ومن الرخص ما يخص، كر خص السفر، والمرض، والاكراه، والتقیة. ومنها ما يعم، كالقعود في النافلة. وإباحة الميتة عند المخمصة تعم عندنا الحضر والسفر. ومن رخص السفر: ترك الجمعة، والقصر، وسقوط القسم

بين الزوجات لو تركهن، بمعنى عدم القضاء بعد عوده، وسقوط القضاء للمتخلفات لو استصحب بعضهن. والظاهر أن سقوط القسم تابع لمطلق السفر وإن لم تقصر فيه الصلاة.

ومن الرخص: إباحة كثير من محظورات الاحرام مع الفدية، وإباحة الفطر للحامل، والمرضع، والشيخ، والشيخة، وذي العطاش، والتداوي بالنجاسات والمحرمات عند الاضطرار، وشرب الخمر لإساغة اللقمة، وإباحة الفطر عند الاكراه عليه مع عدم القضاء، سواء وجر في حلقه أو خوف حتى أفطر في الأصح.

ولو أكره على الكلام في الصلاة فوجهان، مع القطع بعدم الاثم. والقطع بالبطلان لو أكره على الحدث. اما الاستدبار وترك الستارة استعمال النجاسة فكالكلام.

ومنه: الاستنابة في الحج للمعضوب والمريض المأيوس من برئه، وخائف العدو، والجمع بين الصلاتين في السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والاعذار،

ص: 114


1- انظر: القرافي / الفروق: 2 / 187

بغير كراهية.

ومنه(1): إباحة نظر المخطوبة المجيبة للنكاح، وإباحة أكل مال الغير مع بذل القيمة مع الامكان، ولا معها مع عدمه، عند الاشراف على الهلاك. ومنه: العفو عما لا تتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته، وعن دم القروح والجروح التي لا ترقا. وعد منه الشيخ(2): دم البراغيث - بناء على نجاسته - وما لا يدركه الطرف من الدم في الماء القليل. وطرده بعض الأصحاب(3) في كل نجاسة غير مرئية.

ومنه: قصر الصلاة في الخوف، كمية وكيفية، وفعلها مع الحركات الكثيرة

المبطلة مع الاختيار، وقصر المريض الكيفية.

ثم التخفيف قد يكون لا إلى بدل كقصر الصلاة، وان استحب الجبر بالتسبيح، وترك الجمعة والظهر فرض قائم بنفسه، وصلاة المريض وقد يكون إلى بدل كفدية الصائم وبعض الناسكين في بعض المناسك كبدنة عرفة، وشاة المزدلفة، وشاة مبيت منى.

وعد الشيخ من التخفيف: تعجيل الزكاة المالية قبل الحول، والبدنية قبل الهلال(4). والرخصة قد تجب، كتناول الميتة عند خوف الهلاك، والخمر عند

ص: 115


1- أي من التخفيف. وفي (م) هنا وما يأتي بعد ذلك: منها، فالضمير على هذا يرجع إلى القاعدة أو الرخص
2- انظر: الشيخ الطوسي / المبسوط، 1 / 35
3- انظر: المصدر السابق: 1 / 7
4- ذهب الشيخ الطوسي إلى عدم جواز تقديم الزكاة المالية قبل حلول وقتها إلا على سبيل القرض، وجوز ذلك في البدنية. انظر: النهاية: 183، 191

الاضطرار إلى الإساغة به، وقصر الصلاة في السفر والخوف، وقصر الصيام في السفر عندنا.

وقد تستحب، كنظر المخطوبة. وقد تباح كالقصر في الأماكن الأربعة(1). والابراد(2) بالظهر في شدة الحر (محتمل للاستحباب) والإباحة.

وهنا فوائد:

الأولى: المشقة الموجبة للتخفيف هي ما تنفك عنه العبادة غالبا، أما ما لا تنفك عنه فلا، كمشقة الوضوء والغسل في السبرات، وإقامة الصلاة في الظهيرات، والصوم في شدة الحر وطول النهار، وسفر الحج، ومباشرة

الجهاد، إذ مبنى التكليف على المشقة، إذ هو مشتق من الكلفة، فلو انتفت

انتفى التكليف، فتنتفي المصالح المنوطة به، وقد رد الله على القائلين: «لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ»(3) بقوله «قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا»(4).

ومنه: المشاق التي تكون على جهة العقوبة على الجرم وإن أدت إلى تلف النفس، كالقصاص والحدود بالنسبة إلى المحل والفاعل وإن كان قريبا يعظم ألمه باستيفاء ذلك من قريبه، لقوله تعالى: «وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»(5).

ص: 116


1- وهي: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومسجد الكوفة، والحائر الحسيني. انظر: الشهيد الأول: اللمعة الدمشقية / طبعت مع الروضة البهية للشهيد الثاني: 1 / 375
2- الابراد لغة: انكسار الوهج والحر. انظر: ابن الأثير / النهاية، 1 / 71 باب الباء مع الراء، مادة (برد)
3- التوبة: 81
4- التوبة: 81
5- النور: 2

والضابط في المشقة ما قدره الشارع. وقد أباح الشرع حلق المحرم

للقمل، كما في قصة كعب بن عجرة(1) سبب نزول الآية(2).

وأقر النبي (صلى الله عليه وآله عمرا(3) على التيمم لخوف البرد(4)، فلتقاربهما المشاق في باقي محظورات الاحرام، وباقي مسوغات التيمم. وليس ذلك مضبوطا بالعجز الكلي بما فيه تضييق على النفس، ومن ثم قصرت الصلاة، وأبيح الفطر في السفر ولا كثير مشقة فيه ولا عجز غالبا. فحينئذ يجوز الجلوس في الصلاة مع مشقة القيام وإن أمكن تحمله على عسر شديد، وكذا باقي مراتبه. ومن ثم تحلل المصدود والمحصور وإن أمكنهما المصابرة لما في ذلك من العسر.

الثانية: يقع التخفيف في العقود كما يقع في العبادات.

ومراتب الغرر فيها ثلاث(5):

إحداها: ما يسهل اجتنابه، كبيع الملاقيح والمضامين، وغير المقدور

ص: 117


1- جاء في صحيح مسلم: 2 / 860 - 861، باب 10 من كتاب الحج، حديث: 82، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وقف عليه ورأسه يتهافت قملا فقال: أيؤذيك هوامك؟ قلت: نعم. قال: فاحلق رأسك..)
2- وهو قوله تعالى: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» البقرة: 196
3- هو أبو محمد عمرو بن العاص القرشي. كان واليا على مصر في خلافة عمر. مات سنة 43 ه
4- انظر: الحاكم النيسابوري / المستدرك على الصحيحين: 1 / 177، والبيهقي / السنن الكبرى: 1 / 225
5- ذكرها ابن عبد السلام في / قواعد الأحكام: 2 / 11

على تسليمه، وهذا لا تخفيف فيه، لأنه أكل مال بالباطل.

وثانيها: ما يعسر اجتنابه وإن أمكن تحمله بمشقة، كبيع البيض في قشره، والبطيخ والرمان قبل الاختبار، وبيع الجدار وفيه الاس وهذا يعفي عنه تخفيفا.

وثالثها ما توسط بينهما، كبيع الجوز واللوز في القشر الاعلى، وبيع

الأعيان الغائبة بالوصف، والظاهر صحته لمشاركته في المشقة.

ومنه: الاكتفاء بظاهر الصبرة المتماثلة، وبظهور مبادئ النضج في بدو

الصلاح وإن لم ينته.

ومن التخفيف: شرعية خيار المجلس لما كان العقد قد وقع بغتة فيتعقبه الندم، فشرع ذلك ليتروى. ثم لما كان مدة التروي قد تزيد على ذلك جوز خيار الشرط بحسبه وأن زاد على ثلاثة أيام، ليتدارك فيه ما عساه يحصل فيه من غبن يشق تحمله.

ومنه: شرعية المزارعة والمساقاة والقراض وإن كانت معاملة على معدوم،

لكثرة الحاجة إليها.

ومنه: إجارة الأعيان، فان المنافع معدومة حال العقد. ومنه: جواز تزويج المرأة من غير نظر ولا وصف، دفعا للمشقة اللاحقة للأقارب بذلك، (وإيثار الحياء)، وسد باب التبرج على النساء، بخلاف المبيع وإن كان أمة، لعدم المشقة فيه.

ومن ذلك: شرعية الطلاق والخلع، دفعا لمشقة المقام على الشقاق، وسوء

ص: 118

الأخلاق. وشرعية الرجعة في العدة غالبا، ليتروى كما قال الله تعالى:

«لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا»(1).

ولم يشرع في الزيادة على المرتين، دفعا للمشقة عن الزوجات.

ومنه: شرعية الكفارة في الظهار، والحنث، تيسيرا من الالزام بالمشقة،

لاستعقابه الندم غالبا.

ومنه: التخفيف عن الرقيق بسقوط كثير من العبادات(2)، لئلا يجتمع علیه مع شغل العبودية أمر. ومنه: شرعية الدية بدلا عن القصاص مع التراضي كما قال الله تعالى:

«ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ»(3).

فقد ورد: أن القصاص كان حتما في شرع موسى على نبينا وعليه السلام، كما أن الدية كانت حتما في شرع عيسى على نبينا وعليه السلام(4)، فجاءت الحنيفية بتسويغ الامرين، طلبا للتخفيف، ووضعا للآصار(5)، وصيانة للدماء عن أيدي الموسرين الفجار.

الثالثة: التخفيف على المجتهدين إما اجتهادا جزئيا كما في الوقت، والقبلة،

ص: 119


1- الطلاق: 1
2- كالجهاد، وصلاة الجمعة، والزكاة، والحج. انظر: الشهيد داالأول / اللمعة الدمشقية طبعت مع الروضة البهية للشهيد الثاني: 1 / 302، 2 / 12، 962، 382
3- البقرة: 178
4- انظر: الشيخ الطوسي / تفسير التبيان: 2 / 103
5- الأصار: جمع إصر، وهو الثقل والذنب. انظر: ابن منظور / لسان العرب: 4 / 23، حرف الراء، فصل الألف، مادة (أصر)

والتوخي في الأشهر عند الصوم، واجتهاد الحجيج في الوقوف فيخطئون بالتأخير، دفعا للحرج في ذلك. قيل: بالقضاء(1).

أما لو غلطوا بالتقديم، فالفضاء، لندوره، إذ يندر فيه الشهادة زورا في

هلال رمضان. وهلال شوال، وذلك قليل الوقوع.

وإما اجتهادا كليا، كالعلماء في الأحكام الشرعية، فلا إثم على غير المقصر وإن أخطأ، ويكفيهم الظن الغالب المستند إلى إمارة معتبرة شرعا، وذلك تسهيل.

ومنه: اكتفاء الحكام بالظنون في العدالة والأمانة.

الرابعة: الحاجة قد تقوم سببا مبيحا في المحرم لولاها، كالمشقة - كما قلنا - في نظر المخطوبة، ومحله: الوجه، والكفان، والجسد من وراء الثياب. ونظر المستامة من الإماء فينظر إلى ما يرى من العبيد.

وقيل(2): ينظر إلى ما يبدو حال المهنة. وقيل(3): يقتصر على الوجه والكفين، كالحرة. ويجوز النظر إلى المرأة للشهادة عليها، أو المعاملة إذا احتاج إلى معرفتها، ويقتصر على الوجه. والفرق بينه وبين النظر المباح على الاطلاق

من وجهين:

أحدهما: تحريم التكرار في ذلك بخلافه هنا، فإنه ينظر حتى يستثب

ويحرم الزائد.

ص: 120


1- انظر: العلامة الحلي / تذكرة الفقهاء: 1 / 373
2- انظر: ابن قدامة / المغني: 6 / 560، وشمس الدين الرملي / نهاية المحتاج: 6 / 185
3- هو قول للشافعية ذكره الغزالي في : الوجيز: 2 / 2

والثاني: أن ذلك قد يصدر من غير قصد حتى قيل(1): بتحريمه مع القصد، بخلافه هنا. ولو خاف الفتنة حرم مطلقا.

ومنه: نظر الطبيب والفاصد إلى ما يحتاج إليه بحيث لا يعد المتكشف فيه هتكا للمرأة، ويعذر فيه لأجل هذا السبب عادة، وهو مطرد في جميع الأعضاء. نعم في السوءتين مزید تأكيد في مراعاة الضرورة. والظاهر جواز نظر الشهود إلى العورتين ليتحملوا الشهادة على الزنا، وإلى فرج المرأة لتحمل الولادة، وإلى الثدي لتحمل الارضاع)(2).

فهذه الموارد الكثيرة كلها تنضوي تحت مظلة هذه القاعدة الفقهية ومنها

جواز ترك النافلة إذا أضرت بالفريضة كما مرَّ البحث.

ص: 121


1- ينظر: الشيرازي / المهذب: 2 / 34، والنووي / منهاج الطالبين: 78، وابن قدامة / المغني: 6 / 558 - 559
2- القواعد والفوائد: ج 1 ص 123 - 132

ص: 122

الفصل الثاني : «أوقات الصلوات اليومية»

اشارة

ص: 123

ص: 124

قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام):

«أَمَّا بَعْدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ،

وصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ حِینَ يُسَارُ

فِيهَا فَرْسَخَانِ، وصَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حِینَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ، ويَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَی

مِنًى، وصَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِنَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وصَلُّوا بِهِمُ

الْغَدَاةَ والرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْه صَاحِبِه، وصَلُّوا بِهِمْ صَاَةَ أَضْعَفِهِمْ ولَ تَكُونُوا

فَتَّانِنَ»(1).

تناول فقهاء المذاهب الإسلامية مواقيت الصلاة وبحثوا في تحقيق وجوبها عند دخول وقتها، وبينوا وقت الفضيلة، ووقت اجزائها، وتحقق البراءة في ادائها.

کما انهم اختلفوا في مصادیق هذه الأوقات المرتبطة بهذه الفرائض اليومية

کما سیمر بيانه في المسائل انشاء الله تعالى.

ص: 125


1- نهج البلاغة، من كتاب له إلى امراء البلاد في معنى الصلاة: ص 426

ص: 126

المبحث الأول

أوقات الصلوات اليومية في المذهب الإمامي.

إن الناظر إلى مصنفات الإمامية في الفقه يجد أن الفقهاء (اعلى الله شأنهم) قد استفاضوا في البيان والتحقيق والتفصيل في المسألة فجزاهم الله كل خير، وسنورد بعض هذه الاقوال بحسب التسلسل الزمني لينظر الباحث عمق الاستدلال ووضوح البينة، وهو كالاتي: المسألة الأولى: ما أورده العلامة ابن المطهر الحلي (ت 729 ه):

قال (عليه الرحمة والرضوان) في التذكرة في أوقات الصلوات من كتاب

الصلاة من المسالة 32 إلى المسألة، 73 وقد جاء فيها ما يلي:

أولاً: وقت الفضيلة ووقت الإجزاء

(لكل صلاة وقتان: أول وآخر، فالأول: وقت الفضيلة، والاخر وقت الأجزاء، وبه قال المرتضی، وابن الجنيد(1)؛ لقول الباقر (عليه السلام):

«أحب الوقت إلى الله حين يدخل وقت الصلاة؛ فإن لم تفعل فإنك في

وقت منها حتى تغيب الشمس»(2).

وقال الشيخان: الأول وقت من لا عذر له، والثاني لمن له عذر(3)، وبه

ص: 127


1- حکی قولهما المحقق في المعتبر: ص 134
2- التهذيب للطوسي: ج 2، ص 24
3- المقنعة: ص 14، المبسوط للطوسي: ج 1، ص 72

قال الشافعي(1)، لقول الصادق (عليه السلام):

«لكل صلاة وقتان، وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر»(2)؛ وهو محمول على الفضيلة الدلالة قوله: أول الوقت أفضله و (أفعل) يقتضي التشريك في الجواز.

ثانياً: وقت صلاة الظهر:

قال (رحمه الله) في المسألة 42: أول وقت الظهر زوال الشمس بإجماع علماء

الإسلام لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«وقت الظهر زوال الشمس»(3).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر»(4).

ومعنى زوالها: ميلها عن كبد السماء، فإن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص ظل طويل في جانب المغرب، وكلما ارتفعت الشمس انتقص الظل، فإذا استوت انتهی نقصانه، وقد لا يبقى منه شيء في بعض البلاد في أطول أيام السنة، فإن الظل ينتفي بمكة قبل أن ينتهي طول السنة بستة وعشرين

ص: 128


1- فتح العزيز: ج 3، ص 3، المغني: ج 1، ص 414 - 415، الشرح الكبير: ج 1، ص 464
2- الكافي: ج 3، ص 274 / 3، التهذيب: ج 2، ص 39 40 / 124، الاستبصار: ج 1، ص 244 / 870
3- سنن الترمذي: ج 1، ص 283 / 151، سنن الدار قطني: ج 1، ص 262 / 22، مسند أحمد: ج 2، ص 223
4- الكافي: ج 3، ص 276 / 2، التهذيب: ج 21، ص 57، الاستبصار: ج 1، ص 250، 898

يوما، وكذا بعدما انتهی بستة وعشرين يوما، وقد يبقى، ويختلف باختلاف البلاد والفصول، فإذا مالت الشمس إلى المغرب زاد الظل الباقي وتحول إلى المشرق ويحدث شيء من الظل مائلا إلى المشرق حيث لم يبق شيء عند الاستواء، وذلك هو الزوال.

والفيء عند الزوال يقل في الصيف، ویکثر في الشتاء، لقرب الشمس

من سمت الرأس وبعدها عنه، وكل يوم يزيد الظل أو ينقص.

وقد روي عن الصادق (عليه السلام) تقدير ذلك في أوساط الشهور

فقال:

«تزول الشمس في نصف حزيران على نصف قدم، وفي النصف من تموز وأيار على قدم ونصف، وفي النصف من آب و نیسان على قدمين ونصف، وفي النصف من أيلول وآذار وزاد على ثلاثة ونصف، وفي النصف من تشرين الأول وشباط على خمسة ونصف، وفي النصف من تشرين الثاني و كانون الآخر على سبعة ونصف، وفي النصف من كانون الأول على تسعة ونصف»(1).

وقال بعض الفضلاء:

الشمس تزول في حزيران على قدم وثلث وهو أقل ما يزول عليه

الشمس، وفي نصف تموز ونصف أيار على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب و نیسان على ثلاثة أقدام، وفي نصف آذار وأيلول على أربعة أقدام ونصف، وهو وقت استواء الليل والنهار، وفي نصف تشرين الأول وشباط على ستة أقدام ونصف، وفي نصف تشرين الثاني وكانون الثاني على تسعة أقدام، وفي

ص: 129


1- الفقيه: ج 1، ص 144 / 672، التهذيب: ج 2، ص 276 / 1096، الخصال: ج 3، ص 460

نصف كانون الأول على عشرة أقدام وسدس، وهذا أنهي ماتزول عليه الشمس في إقليم العراق والشام وماسامتها من البلدان(1).

ولا تنافي بينهما، لاحتمال أن یکون قصد الصادق (عليه السلام) بلد المدينة.

ثالثاً: في معنى الدلوك.

قال (رحمه الله) في المسألة 25: (الدلوك في الآية هو الزوال ويطلق على الغروب والمراد الأول في قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ»(2) وهو قول أكثر العلماء(3)، لأن ابن عمر قال:

دلوك الشمس میلها، وكذا عن ابن عباس، وأبي هريرة(4)؛ ولأنه لنظم

جميع الصلوات، ولأن الدلوك الانتقال والتحويل.

وقال عبد الله بن مسعود: (الدلوك الغروب)، ونقله الجمهور عن علي (عليه السلام)(5) لاقتضاء الآية إقامة الصلاة من الدلوك إلى غسق الليل فيحمل على الغروب لأن إقامة الصلاة لا يمكن من الزوال إلى الغسق الوجود النهي عن الصلاة عند اصفرار الشمس، والنهي إنما يتناول الندب.

ص: 130


1- المغني: ج 1، ص 414، الشرح الكبير: ج 1، ص 463
2- الإسراء: 78
3- تفسير القرطبي: ج 10، ص 303، أحكام القرآن لابن العربي: ج 3، ص 1219
4- المجموع: ج 3، ص 25، تفسير القرطبي: ج 10، ص 303، أحكام القرآن لابن العربي: ج 3، ص 1219، أحكام القرآن للجصاص: ج 2، ص 266، المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 161
5- المجموع: ج 3، ص 25، تفسير القرطبي: ج 10، ص 303، أحكام القرآن لابن العربي: ج 3، ص 1219

رابعاً: في وقت الفضيلة للظهر:

قال (رحمه الله) في المسألة 26: آخر وقت الفضيلة للظهر إذا صار ظل كل شيء مثله، وآخر وقت الأجزاء إذا بقي للغروب قدر العصر، وهو اختیار المرتضى وابن الجنيد(1) وبه قال مالك، وطاوس(2) لقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»(3) والغسق الظلمة فجعل الزمان ظرفا للصلاة، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهرين في الحضر(4) ومن طريق الخاصة قول الباقر (عليه السلام):

«أحب الوقت إلى الله عز وجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فإن لم تفعل

فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس»(5).

وقال الشيخ: آخر وقت المختار إذا صار ظل كل شيء مثله(6).

وتحقيقه: أن الفيء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس من الظل بقدر الشخص فذلك آخر وقت الظهر، ومعرفته بأن يضبط ما زالت عليه الشمس وهو الظل الذي بقي بعد تناهي النقصان، ثم ينظر قدر الزيادة

ص: 131


1- الناصريات: ص 229 المسألة 72، وحكى المحقق قول ابن الجنيد في المعتبر: ص 135
2- المغني: ج 1، ص 416، الشرح الكبير: ج 1، ص 465
3- الإسراء: 78
4- صحیح مسلم: ج 1، ص 489 - 490 / 750، سنن النسائي: ج 1، ص 290، سنن الترمذي: ج 1، ص 355 / 187، مسند أحمد: ج 1، ص 223، الموطأ: ج 1، ص 144 / 4، سنن البيهقي: ج 3، ص 166
5- التهذيب: ج 2، ص 24 / 69، الاستبصار: ج 1، ص 260 / 935
6- المبسوط للطوسي: ج 1، ص 72

عليه فقد انتهى وقت الظهر، وقد قيل:

إن مثل الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه، فإذا أردت أن تعتبر المثل فقدر الزيادة من الفيء بقدمك بأن تقف في موضع مستو من الأرض، وتعلم على الموضع الذي انتهى إليه الفيء، وتعرف قدر ما زالت عليه الشمس ويقدر فيه بالأقدام، فيضع قدمه اليمني بين يدي قدمه اليسرى ويلصق عقبة بإبهامه، فإذا مسحه بالأقدام أسقط منه القدر الذي زالت عليه الشمس، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل، فإذا بلغ ذلك فقد خرج وقت الظهر، وما زاد عليه فهو من وقت العصر.

وبه قال الشافعي، والأوزاعي، والليث بن سعد، والثوري، وأحمد، وأبو یوسف(1) لأن ابن عباس روی أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

«أمني جبرئيل عند البيت مرتين فصلي بي الظهر الأول منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصيام، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حین برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم، وصلى في المرة الثانية الظهر حين صار ظل كل شيء مثله كوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت جبرئیل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك،

ص: 132


1- المجموع: ج 3، ص 21، أحكام القرآن للجصاص: ج 2، ص 269، المغني: ج 1، ص 416، الشرح الكبير: ج 1، ص 465

والوقت فيما بين هذين»(1).

ومعنى قوله: (حين كان الفيء مثل الشراك) أنه إذا حدث الظل أو زاد

وإن كان قليلا مثل الشراك فقد زالت الشمس.

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«أتی جبرئیل (عليه السلام) بالمواقيت فأمر النبي (صلى الله عليه وآله)

أن يصلي الظهر حين زالت الشمس، والعصر حين زاد الظل قامة، والمغرب حين غربت الشمس، والعشاء حين سقط الشفق.

ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة فأمره فصلى الظهر، ثم لما زاد قامتين أمره فصلى العصر، ثم لما غربت الشمس أمره فصلى المغرب والعشاء حين ذهب ثلث الليل»، وقال: «ما بينهما وقت»(2).

ولا دليل فيه إذ وصف ذلك بكونه وقتا، وكذا ما بينهما لا يدل على نفي ما زاد إلا بدليل الخطاب، أو يحمل على الفضيلة.

وقال أبو حنيفة: يبقى وقت الظهر إلى أن يصير الفيء مثليه(3) لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

«إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم کما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس في النهار، وإنما مثلكم ومثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل

ص: 133


1- سنن الترمذي 1: 279 / 149، سنن أبي داود 1: 107 / 393
2- التهذيب: ج 2، ص 252 / 1001، الاستبصار: ج 1، ص 257 / 922
3- المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 142، فتح العزيز: ج 3، ص 9 - 10، المغني: ج 1، ص 417، الشرح الكبير: ج 1، ص 465، المحلی: ج 3، ص 175

استأجر أجيرا فقال: من يعمل لي من الغداة إلى نصف النهار بقيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من الظهر إلى صلاة العصر بقيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي إلى آخر النهار بقيراطين؟ فعملتم أنتم، فغضب اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملا وأقل أجرا. فقال: هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»(1).

قالوا: وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب(2) ونحمله على وقت الفضيلة.

وقال عطاء: لا يفرط بتأخيرها حتى تدخل في الشمس صفرة(3).

وقال المزني، وأبو ثور، وإسحاق، وابن جرير: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر ولم يخرج وقت الظهر حتى يمضي قدر أربع ركعات يشترك فيهما الوقتان(4) لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: «صلي بي جبرئيل الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله قدر العصر بالأمس»(5) فدل على اشتراك الوقتين، وهو محمول على أنه فرغ منها.

خامساً: آخر وقت الظهر.

قال (رحمه الله) في المسألة 72: الأكثر على أن المعتبر بزيادة الظل قدر

ص: 134


1- صحيح البخاري: ج 4، ص 207، سنن الترمذي: ج 5، ص 153 / 2871
2- المغني: ج 1، ص 417، الشرح الكبير: ج 1، ص 465
3- المغني: ج 1، ص 416، الشرح الكبير: ج 1، ص 465، حلية العلماء: ج 2، ص 14
4- المجموع: ج 3، ص 21، فتح العزيز: ج 3، ص 11 - 12، المغني: ج 1، ص 418، الشرح الكبير: ج 1، ص 469، حلية العلماء: ج 2، ص 14
5- سنن الترمذي: ج 1، ص 279 / 149، سنن أبي داود: ج 1، ص 107 / 393

الشخص المنصوب لأن يزيد بن خليفة قال للصادق عليه السلام: إن عمر بن حنظلة نبأنا عنك بوقت، فقال:

«إذن لا يكذب علينا».

قلت: ذكر أنك قلت: إذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة، وهو آخر الوقت، ثم لا تزال في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء، قال:

«صدوق»(1).

وعن الصادق (عليه السلام) قال:

«إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا صار مثليك فصل العصر»(2).

وقال الشيخ: المعتبر قدر الظل الأول لا قدر الشخص(3)، لأن يونس روی عن بعض رجاله، عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عما جاء في الحديث أن: (صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين، وذراعا وذراعين، وقدما وقدمين) كيف هذا وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال:

«إنما قال: ظل القامة، ولم يقل: قامة الظل، وإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة، وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين، فهذا تفسير القامة والقامتين،

ص: 135


1- الكافي: ج 3، ص 275 / 1، التهذيب: ج 2، ص 20 / 56، الاستبصار: ج 1، ص 260 / 932
2- التهذيب: ج 2، ص 22 / 62، الاستبصار: ج 1، ص 248 / 891
3- المبسوط للطوسي: ج 1، ص 73

والذراع والذراعين»(1). والرواية مرسلة، وفي طريقها صالح بن سعيد، وهو مجهول.

سادساً: في أول وقت صلاة العصر.

قال (رحمه الله) في المسألة 82: أول وقت العصر عند الفراغ من فريضة

الظهر، والتحقيق أنه إذا زالت الشمس اختص الوقت بالظهر إلى أن يمضي مقدار أربع ركعات في الحضر، وركعتين في السفر وهو قدر أدائها، ثم يشترك الوقتان إلى أن يبقى للغروب مقدار العصر إما أربع ركعات أو ركعتان فيختص بها، ذهب إليه أكثر علمائنا(2) - وبه قال مالك في رواية(3) لأن أبا أمامة قال: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس وهو يصلي العصر فقلنا: يا أبا عمرة ما هذه الصلاة؟! قال: العصر وهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كنا نصلي معه(4).

ولا يحتمل وقوعها بعد الظل، لانتفاء الموجب للتعجب حينئذ، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر(5)،

ص: 136


1- الكافي: ج 3، ص 277 / 7، التهذيب: ج 2، ص 24 / 67
2- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1، ص 72، وسلار في المراسم: ص 62، وابن إدريس في السرائر: ص 39، والمحقق في شرائع الإسلام: ج 1، ص 60
3- المغني: ج 1، ص 416، حلية العلماء: ج 2، ص 14
4- صحيح البخاري: ج 1، ص 144 و ص 145
5- صحیح مسلم: ج 1، ص 489 / 705 وص 491 / 54، سنن الترمذي: ج 1، ص 355 / 187، سنن النسائي: ج 1، ص 290، سنن البيهقي: ج 3، ص 166، الموطأ: ج 1، ص 144 / 4

ولأنه يجوز الجمع بينهما في السفر، ولو لم يكن وقتا لهما لما جاز، كما لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب في وقت إحداهما.

وقال ابن عباس: ألا أخبركم بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السفر؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال، وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر(1).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«صلی رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر والعصر حين زالت

الشمس في جماعة من غير علة»(2).

وقال بعض علمائنا: إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن الظهر

قبل العصر(3) وبه قال ربيعة(4) لقول العبد الصالح (عليه السلام):

«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(5).

وقال الشافعي: أول وقت العصر من حين الزيادة على المثل متصلا بوقت الظهر فلا يدخل الوقت إلا بعد أن يصير ظل كل شيء مثله(6) لحديث

ص: 137


1- سنن البيهقي: ج 3، ص 163
2- الكافي: ج 3، ص 286 / 1، التهذيب: ج 2، ص 19 / 53
3- الفقيه: ج 1، ص 139 / 947
4- المغني: ج 1، ص 418، الشرح الكبير: ج 1، ص 469
5- التهذيب : ج 2، ص 244 / 966، الاستبصار: ج 1، ص 246 / 876
6- المجموع: ج 3، ص 21، الأم: ج 1، ص 73، فتح العزيز: ج 3، ص 16 و 19، المغني: ج 1، ص 417، الشرح الكبير: ج 1، ص 469

جبرئیل علیه السلام(1) وهو يدل على الأفضلية.

وقال أبو حنيفة: يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه وزاد عليه أقل زیادة لقوله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار)(2) ولو كان وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله كان وسط النهار(3).

ويضعف بأن الطرف إن قصد الحقيقي فهو آخر النهار کما يذهب إليه، وإن كان ما تراخي عن الوسط لم يبطل به قول الشافعي.

سابعاً: آخر وقت فضيلة العصر.

قال (رحمه الله) في المسألة 29: آخر وقت العصر للفضيلة إذا صار ظل كل شيء مثليه، وللأجزاء إلى الغروب عند أكثر علمائنا(4) وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة(5) لقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ»(6).

وقوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ»(7).

ص: 138


1- سنن الترمذي: ج 1، ص 279 / 149، سنن أبي داود: ج 1، ص 107 / 393، سنن البيهقي: ج 1، ص 366
2- هود: 114
3- المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 142، المغني: ج 1، ص 417، الشرح الكبير: ج 1، ص 469، المحلی: ج 3، ص 165
4- منهم: المرتضى في الناصريات: ص 229 المسألة 72، ابن زهرة في الغنية: ص 494، والمحقق في المعتبر: ص 137، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: ص 60
5- المجموع: ج 3، ص 21، كفاية الأخبار: ج 1، ص 51، بدائع الصنائع: ج 1، ص 123، حلية العلماء: ج 2، ص 15
6- الإسراء: 78
7- هود: 114

وقوله (عليه السلام):

«من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(1).

ومن طريق الخاصة قول الباقر (عليه السلام):

«وقت العصر إلى غروب الشمس»(2).

وقال الشيخ في الخلاف: إذا صار ظل كل شئ مثليه للمختار، وللمعذور

إلى الغروب(3)، وهو وجه الشافعي(4).

وقال أبو سعيد الأصطخري: إذا جاوز المثلين فقد خرج وقت العصر - وبه قال مالك، والثوري، وأحمد في رواية(5) لحديث جبرئیل (عليه السلام):

«أنه صلى العصر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم قال:

الوقت فيما بين هذين الوقتين»(6).

ومن طريق الخاصة قول أبي الحسن (عليه السلام):

ص: 139


1- صحیح مسلم: ج 1، ص 424 / 608، الموطأ: ج 1، ص 6 / 5، سنن النسائي: ج 1، ص 258، سنن ابن ماجة: ج 1، ص 229 / 699 وص 700، سنن الدارمي: ج 1، ص 278، سنن الترمذي: ج 1، ص 353 / 186، مسند أحمد: ج 2، ص 462، سنن أبي داود: ص 112 / 412
2- التهذيب: ج 2، ص 25 / 71، الاستبصار: ج 1، ص 261 / 937
3- الخلاف 1: 259 مسألة 5 و 271 مسألة 13 وانظر المبسوط للطوسي 1: 72
4- المجموع 3: 27، عمدة القارئ 5: 33، المهذب للشيرازي 1: 59، حلية العلماء 2: 15
5- بداية المجتهد 1: 94، القوانين الفقهية: 50، مقدمات ابن رشد 1: 105، المغني 1: 418 و419، الشرح الكبير 1: 470، المجموع 3: 25 و26
6- سنن الترمذي 1: 279 - 280 / 149، سنن أبي داود 1: 107 / 393، سنن الدارقطني 1: 256 / 1

«كما أن رجلا لو أخر العصر إلى قرب أن تغيب الشمس لم تقبل منه»(1) وهما محمولان على الأفضلية.

قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء

نقية فقد صلاها في وقتها(2).

وقال أحمد في رواية: آخر وقتها اصفرار الشمس - وبه قال أبو ثور، وأبو يوسف، ومحمد، والأوزاعي(3) لقول النبي (صلى الله عليه وآله):

«وقت العصر ما لم تصفر الشمس»(4).

ويحمل على الفضيلة لأنه مجهول فلا يناط به الفعل.

ثامناً: أول وقت المغرب.

قال (رحمه الله) في المسألة 30: أول وقت المغرب غروب الشمس بإجماع العلماء، واختلف علماؤنا في علامته فالمشهور - وعليه العمل - إذا ذهب الشفق المشرقي لقول النبي (صلى الله عليه وآله):

«إذا أقبل الليل من هنا، وأدبر النهار من هنا، وغربت الشمس، أفطر

الصائم»(5).

وقول الصادق (عليه السلام):

ص: 140


1- التهذيب 2: 26 / 74، الإستبصار 1: 258 - 259 / 926
2- المغني 1: 419، الشرح الكبير 1: 470
3- المغني 1: 419، الشرح الكبير 1: 470
4- سنن أبي داود 1: 109 / 396، سنن النسائي 1: 260، مسند أحمد 2: 210 و 223
5- صحيح مسلم 2: 772 / 1100، سنن أبي داود 2: 304 / 2351، سنن البيهقي 4: 216

«وقت المغرب إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة وقبل أن تشتبك

النجوم»(1).

وعنه (عليه السلام): «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»(2).

وقال بعضهم: سقوط القرص(3) وهو ظاهر في الصحارى، وأما في العمران والجبال فيستدل عليه بأن لا يبقى شيء من الشعاع على رؤوس الجدران، وقلل الجبال، وعليه الجمهور كافة(4).

تاسعاً: آخر وقت فضيلة المغرب.

قال (رحمه الله) في المسألة 31: وآخره للفضيلة إلى ذهاب الشفق، وللأجزاء

إلى أن يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء، لأن عبد الله بن عباس قال: الحائض تطهر قبل طلوع الفجر فتصلي المغرب والعشاء(5)، ولو لم يكن الوقت ممتدا الماوجب، لأن عذرهاقدعم الوقت. ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«إن الله افترض أربع صلوات، صلاتان أول وقتها من عند زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه واثنتان وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف

ص: 141


1- التهذيب 2: 257 / 1024
2- الكافي 3: 278 / 1، التهذيب 2: 29 / 83، الإستبصار 1: 265 / 959، علل الشرائع: 349 باب 60 الحديث 1
3- قاله الشيخ في المبسوط: ج 1، ص 74
4- المجموع: ج 3، ص 29، فتح العزيز: ج 3، ص 20 و 21، المغني: ج 1، ص 424، الشرح الكبير: ج 1، ص 472، بداية المجتهد: ج 1، ص 95
5- سنن البيهقي: ج 1، ص 376

الليل إلا أن هذه قبل هذه»(1).

ولأن وقت العشاء ممتد إلى الانتصاف فتكون المغرب مساوية لها لأنهما

صلاتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر والعصر.

وقال الشيخ، والمرتضى، وابن أبي عقيل: آخره للمختار إلى ذهاب الشفق، وللمضطر إلى الانتصاف بقدر العشاء(2) وفي قول آخر للشيخ: آخره ثلث الليل(3) وفي رواية إلى ربع الليل(4)، وبه قال ابن الجنيد، وهو قول

للمرتضى(5).

وللمضطر إلى أن يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء.

وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وأبو ثو، وابن المنذر، والزهري: آخره غيبوبة الشفق المغربي، وحكاه أبو ثور عن الشافعي(6)، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

(وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق)(7) وثور الشفق هو انتشار الشفق، وقال الشافعي في الجديد والقديم: إن لها وقتا واحدا - وهو قول مالك -

ص: 142


1- التهذيب: ج 2، ص 25 / 72، الاستبصار: ج 1، ص 261 / 938
2- المبسوط: ج 1، ص 74 - 75 وحكاه عنهم المحقق في المعتبر: ص 137
3- لم نجده في المصادر المتوفرة لدينا
4- التهذيب: ج 2، ص 31 / 94، الاستبصار: ج 1، ص 267 / 964
5- حکي قولها المحقق في المعتبر: ص 137
6- اللباب: ج 1، ص 56، المغني: ج 1، ص 424، الشرح الكبير: ج 1، ص 472، المنتقی: ج 1، ص 14، المجموع: ج 3، ص 290، حلية العلماء: ج 2، ص 16
7- صحیح مسلم: ج 1، ص 427 / 172، سنن أبي داود: ص 109 / 396، سنن النسائي: ج 1، ص 260

وهو يدخل بسقوط جميع القرص(1).

واختلفت الشافعية في قدره، فبعضهم قال: قدره بقدر الطهارة، ولبس الثياب، والأذان والإقامة، وفعل ثلاث ركعات بسور قصار، والسنة ركعتين خفيفتين، فإذا جاز ذلك فقد خرج وقت المغرب وصارت قضاء.

وقال آخرون: مقدار الأذان والإقامة، وخمس رکعات قصار، فأما الطهارة، ولبس الثياب فيمكن تقديمها على الوقت فلا يكون قدر إمكانهما من الوقت(2) لأن جبریل (عليه السلام) صلى المغرب في اليومين في وقت واحد(3).

وقال مالك: يمتد وقتها إلى طلوع الفجر - وبه قال عطاء، وطاوس(4) كما يقول في الظهر والعصر.

عاشراً: أول وقت العشاء.

قال (رحمه الله) في المسألة 32: أول وقت العشاء عند الفراغ من فريضة

المغرب، لكن الأفضل تأخيرها إلى سقوط الشفق، وهو اختيار المرتضى في الجمل، وابن الجنيد(5) لما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي (صلى

ص: 143


1- المجموع: ج 3، ص 29 و 34، فتح العزيز: ج 3، ص 23، المنتقى: ج 1، ص 14، المغني: ج 1، ص 474، الشرح الكبير: ج 1، ص 472، سنن الترمذي: ج 1، ص 305 ذيل الحديث 164
2- المجموع: ج 3، ص 31 و 32، فتح العزيز: ج 3، ص 23 و 24، كفاية الأخيار: ج 1، ص 52، حلية العلماء: ج 2، ص 16
3- سنن أبي داود: ج 1، ص 107 / 393
4- مقدمات ابن راشد: ج 1، ص 106، المجموع: ج 3، ص 34، المغني: ج 1، ص 474، الشرح الكبير: ج 1، ص 472
5- حكاه عنهما المحقق في المعتبر: ص 138 ويوجد قول السيد في الجمل: ص 30 (ضمن المجموع الرائق)

الله عليه وآله) جمع بين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر(1)، وفي رواية أخرى: من غير خوف ولا مطر(2).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه

قبل هذه»(3).

وعن الصادق (عليه السلام)

«صلی رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب والعشاء قبل الشفق من غير علة في جماعة»(4).

وللشيخ قول آخر: إن أول وقتها سقوط الشفق - وهو قول آخر للمرتضی(5)، وقول الجمهور كافة(6) لأن جبرئيل أمر النبي (صلى الله عليه

ص: 144


1- صحیح مسلم: ج 1، ص 489 / 705، سنن النسائي: ج 1، ص 290، الموطأ: ج 1، ص 144 / 4، سنن البيهقي: ج 3، ص 166
2- سنن النسائي: ج 1، ص 290، سنن الترمذي: ج 1، ص 355 / 187، سنن البيهقي: ج 3، ص 167
3- الكافي: ج 3، ص 281 / 12، التهذيب: ج 2، ص 27 / 78، الاستبصار: ج 1، ص 262 / 941
4- الكافي: ج 3، ص 286 / 1، التهذيب: ج 2، ص 263 / 1046، الاستبصار: ج 1، ص 271 / 981
5- المبسوط للطوسي: ج 1، ص 75، النهاية: ص 59، الخلاف: ج 1، ص 262، المسألة 7، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): ص 229، المسألة 74
6- المجموع: ج 3 / 38، فتح العزيز: ج 3، ص 27، المغني: ج 1، ص 426، الشرح الكبير: ج 1، ص 474، بداية المجتهد: ج 1، ص 96

وآله) أن يصلي العشاء حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(1). وهو محمول على الاستحباب.

حادي عشر: في معنى الشفق.

قال (رحمه الله) في المسألة 33: واختلفوا في الشفق، فذهب أصحابنا إلى أنه الحمرة لا البياض، وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، و مجاهد، وسعيد بن جبير، والزهري، ومالك، والشافعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وأبو يوسف، و محمد(2) لقول النبي (صلى الله عليه وآله):

«الشفق: الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة»(3).

وقال أبو حنيفة، وزفر، والأوزاعي، والمزني: إنه البياض(4) لأن أبا مسعود الأنصاري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق(5). ولا حجة فيه لأنه إذا غابت الحمرة اسود الأفق، لأن البياض ينزل ويخفي، على أنه يجوز تأخيرها إلى ذلك.

ص: 145


1- سنن النسائي: ج 1، ص 263، سنن الترمذي: ج 1، ص 279 / 149، سنن أبي داود: ج 1، ص 107 / 393، سنن الدار قطني: ج 1، ص 256
2- الأم: ج 1، ص 74، المجموع: ج 3، ص 38 و 42 و43، عليه الرحمة والأمة: ج 1، ص 37 و38، المغني: ج 1، 426، الشرح الكبير: ج 1، ص 473، الهداية للمرغيناني: ج 1، ص 39
3- سنن البيهقي: ج 1، ص 373، سنن الدار قطني: ج 1، ص 269 / 3
4- المجموع: ج 3، ص 43، المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 144، الهداية للمرغيناني: ج 1، ص 39، المغني: ج 1، ص 426، الشرح الكبير: ج 1، ص 473
5- سنن أبي داود: ج 1، ص 108 / 394، سنن الدار قطني: ج 1، ص 250 / 1

وحكي عن أحمد: أن الشفق: البياض في الحضر، لأن في الحضر قد تنزل

الحمرة فتواريها الجدران، فإذا غاب البياض علم الدخول(1).

ثاني عشر: آخر وقت الفضيلة للعشاء.

قال (رحمه الله) في المسألة 34: وآخر وقت العشاء للفضيلة إلى ثلث الليل، وللأجزاء إلى نصفه - وهو قول المرتضى، وابن الجنيد(2)، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال ابن المبارك، والثوري، وأبو ثور، وأحمد في رواية(3) لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص (ووقت العشاء إلى نصف الليل)(4)، وعن أنس قال:

أخر النبي (صلى الله علیه و آله) العشاء إلى نصف الليل(5).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«أول وقت العشاء ذهاب الحمرة، وآخر وقتها غسق الليل»(6). وهو نصف الليل.

وللشيخ قول آخر: أنه ثلث الليل)(7)، وهو القول الثاني للشافعي - وبه

ص: 146


1- المغني: ج 1، ص 425، مسائل أحمد: ص 27
2- حکي قولهما في المعتبر: ص 138
3- المجموع: ج 3، ص 39، فتح العزيز: ج 3، ص 28، المغني: ج 1، ص 428، الشرح الكبير: ج 1، ص 474
4- صحیح مسلم: ج 1، ص 427 / 172
5- صحيح البخاري: ج 1، ص 150
6- الفقيه: ج 1، ص 161 / 657، التهذيب: ج 2، ص 30 / 88، الاستبصار: ج 1، 264 / 953
7- النهاية: ص 59

قال أبو هريرة، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، وأحمد في رواية(1) لأن جبريل (عليه السلام) صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(2) ولأن الثلث متیقن، والزائد عليه مشكوك فيه فلا يصار إليه.

وقال أبو حنيفة: آخره طلوع الفجر(3) وهو رواية لنا(4) لقوله (عليه السلام):

(لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت أخرى)(5) ونحن نقول بموجبه إذ بعد نصف الليل يدخل وقت صلاة الليل، ولم يتعرض في الحديث للوجوب.

واختلفت الشافعية فقال بعضهم: إذا خرج النصف، أو الثلث فقد خرج وقت الاختيار، ووقت الأداء باق إلى طلوع الفجر(6)، وعلى قياس قول أبي سعيد يخرج الوقت(7)، وقال أبو حامد: إذا خرج ثلث الليل فات الوقت(8).

ص: 147


1- المجموع: ج 3، ص 39، فتح العزيز: ج 3، ص 28، الوجيز: ج 1، ص 33، المهذب للشيرازي: ج 1، ص 59، بداية المجتهد: ج 1، ص 97، القوانين الفقهية: ص 50، أقرب المسالك: ص 12، المغني: ج 1، ص 427، الشرح الكبير: ج 1، ص 474
2- سنن الترمذي: ج 1، ص 279 / 149، سنن أبي داود: ج 1، ص 107 / 393، سنن الدار قطني: ج 1، ص 256 / 1
3- المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 145، شرح فتح القدير: ج 1، ص 197، الهداية للمرغیناني: ج 1، ص 39، شرح العناية: ج 1، ص 196، بدائع الصنائع: ج 1، ص 124، اللباب: ج 1، ص 57
4- التهذيب: ج 2، ص 270 / 1076
5- المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 145
6- المجموع: ج 3، ص 39 - 40، الوجيز: ج 1، ص 33، كفاية الأخيار: ج 1، ص 52
7- المجموع: ج 3، ص 39
8- انظر الوجيز: ج 1، ص 33

ثالث عشر: أول وقت الغداة.

قال (رحمه الله) في المسألة 35: أول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني - وهو البياض المعترض في أفق السماء - ويسمى الصبح الصادق، لأنه صدقك عن الصبح، وسمي صبحا لأنه جمع بين حمرة وبياض، ولا عبرة بالأول الكاذب

الخارج مستدقا صاعدا كذنب السرحان، ويسمى الخيط الأسود - وهو قول

دار العلماء كافة - ولا يتعلق بالفجر الأول حكم بحال.

قال الباقر (عليه السلام):

«الفجر هو الخيط الأبيض، وليس هو الأبيض صعدا، ولا تصل في سفر

ولا حضر حتى تتبينه»(1).

رابع عشر: آخر وقت الفضيلة لصلاة الصبح.

قال (رحمه الله) في المسألة 36: وآخر وقتها للفضيلة حين يسفر الصبح، وللأجزاء إلى طلوع الشمس - وبه قال أبو حنيفة(2) لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:|

«وقت الفجر مالم تطلع الشمس»(3) ومن طريق الخاصة قول الباقر

ص: 148


1- التهذيب: ج 2، ص 36 - 37 / 115، الاستبصار: ج 1، ص 274 / 994، والكافي: ج 3، ص 282 / 1 وفيه عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)
2- بدائع الصنائع: ج 1، ص 122، بداية المجتهد: ج 1، ص 97
3- صحیح مسلم: ج 1، ص 427 / 172، سنن أبي داود: ج 1، ص 109 / 396، سنن البيهقي: ج 1، ص 378

(عليه السلام): «وقت الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»(1).

وقال الشيخ: وقت المختار إلى أن يسفر الصبح، وللمضطر إلى طلوع الشمس(2)، وبه قال الشافعي وأحمد(3) لأن جبرئیل (عليه السلام) صلى الصبح في اليوم الثاني حين أسفر(4)، وهو يدل على الأفضلية)(5).

المسألة الثانية: ما أورده السيد محمد كاظم اليزدي (عليه رحمة الله

ورضوانه) (ت1337 ه) في مواقيت الصلاة المفروضة.

قال (عليه الرحمة والرضوان في العروة في كتاب الصلاة، في أوقات اليومية ونوافلها: جامعاً لأحكامها في أحد عشرة مسالة، فقد اوردتها مع بیان تعليقات جملة من علياء المذهب وهي كالاتي:

أولاً: وقت الظهرين والعشائين والصبح، والجمعة والفضيلة لهذه الصلوات.

قال (رحمه الله): (وقت الظهرين ما بين الزوال والمغرب(6) ويختص الظهر بأوله بمقدار أدائها بحسب حاله، ويختص العصر بآخره كذلك. وما بين المغرب ونصف الليل وقت للمغرب والعشاء، ويختص المغرب بأوله بمقدار

ص: 149


1- التهذيب: ج 2، ص 36 / 114، الاستبصار: ج 1، ص 275 / 998
2- الخلاف: ج 1، ص 267 المسألة 10
3- المجموع: ج 3، ص 43، المغني: ج 1، ص 629
4- سنن الترمذي: ج 1، ص 280 / 149، سنن أبي داود: ج 1، ص 107 / 393
5- تذكره الفقهاء: ج 2، ص 300 - 316
6- قال السيد الخوئي: الأحوط إن لم يكن أقوى عدم جز از تأخير الظهرين عن سقوط الفرض

أدائه، والعشاء بآخره كذلك(1) هذا للمختار.

وأما المضطر لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك(2) من أحوال الاضطرار فيمتد وقتهما إلى طلوع الفجر(3) ويختص العشاء من آخره(4) بمقدار أدائها دون المغرب من أوله، أي ما بعد نصف الليل، والأقوى أن العامد في التأخير إلى نصف الليل أيضا كذلك، أي يمتد وقته(5) إلى الفجر وإن كان آثما بالتأخير، لكن الأحوط أن لا ينوي(6) الأداء والقضاء، بل الأولى(7) ذلك في المضطر أيضا.

وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح. ووقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظل مثل الشاخص فإن أخرها عن ذلك مضى وقته، ووجب عليه الإتيان بالظهر. ووقت فضيلة الظهر من الزوال(8) إلى بلوغ الظل الحادث بعد الانعدام، أو بعد الانتهاء مثل الشاخص. ووقت

ص: 150


1- اشتراك الوقت في الفرائض الأربع لا يخلو من قوة. (الجواهري)
2- في إلحاق غير الأعذار الثلاثة بها نظر لعدم الدليل. (آقا ضیاء)
3- فيه إشكال، وكذا في العامد فلا يترك الاحتياط بالإتيان بعده بقصدما في الذمة. (الخميني)
4- الأحوط إتيانها رجاء وقضاؤها بعد المغرب، وكذلك العامد في التأخير. (الحائري)
5- فيه نظر لظهور رواية فرقد في انتهاء وقتها بنصف الليل. (آقا ضیاء)
6- لا يترك الاحتياط. (الفيروزآبادي)
7- لا يترك، وفي آخر الوقت يقدم العشاء ثم يقضيها بعد قضاء المغرب احتیاطا. (الگلپایگاني)
8- بل الأولى والأحوط لمن أراد الفضل تأخير الظهر عن الزوال بمقدار نافلتها. (آل یاسین)

فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على المشهور(1) ولكن لا يبعد أن یکون من الزوال إليهما(2). ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق، أي الحمرة المغربية. ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل، فيكون لها وقتا إجزاء قبل ذهاب الشفق، وبعد الثلث إلى النصف. ووقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث الحمرة في المشرق(3).

ثانياً: في معرفة الزوال وتحديده.

قال (رحمه الله) في (المسألة 1): يعرف الزوال بحدوث ظل الشاخص المنصوب معتدلا في أرض مسطحة بعد انعدامه، كما في البلدان التي تمر الشمس على سمت الرأس كمكة في بعض الأوقات، أو زيادته بعد انتهاء نقصانه کما في غالب البلدان ومكة في غالب الأوقات، ويعرف أيضا بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب، لكن هذا التحديد تقریبی کما لا يخفى. ويعرف أيضا بالدائرة الهندية، وهي أضبط وأمتن.

ويعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية(4) عن سمت الرأس(5) والأحوط

ص: 151


1- وهو الأحوط. (الفيروزآبادي)
2- بل لا يخلو عن بعد. (آل ياسين)
3- ولعل حدوث تلك الحمرة مساوق لزمان التجلل والأسفار وتنور الصبح المنصوص بها. (الخميني)
4- والأحوط إتيان الظهر والعصر قبل سقوط القرص، وإن كان الأقوى ما في المتن. (الحائري)
5- بل يعرف بزوال الحمرة المشرقية، وأما الذهاب عن سمت الرأس فلا لأنها لا تمر عن سمت الرأس بل تزول عن جانب المشرق بعد ارتفاعها مقدارا وتحدث حمرة أخرى مغربية محاذية لمكان ارتفاع المشرقية تقريبا، ولا تزال تنخفض عكس المشرقية، فالحمرة المشرقية لا تزول عن سمت الرأس إلى المغرب، ومرسلة ابن أبي عمير لا تخلو من إجمال، ويمكن تطبيقها على ذلك. (الخميني)

زوالها من تمام ربع الفلك من طرف المشرق. ويعرف نصف الليل بالنجوم(1) الطالعة أول الغروب إذا مالت عن دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب، وعلى هذا فيكون المناط نصف ما بين غروب الشمس وطلوعها، لكنه لا يخلو عن إشكال(2) لاحتمال أن يكون نصف(3) ما بين الغروب وطلوع الفجر، کما عليه جماعة(4). والأحوط(5) مراعاة الاحتياط هنا وفي صلاة الليل التي [أول] وقتها بعد نصف الليل. ويعرف طلوع الفجر(6) باعتراض البياض الحادث في الأفق المتصاعد في السماء الذي يشابه ذنب السرحان، ویسمی بالفجر الكاذب، وانتشاره على الأفق وصيرورته القبطية البيضاء وكنهر سوري بحيث كلما زدته نظرا أصدقك بزيادة حسنه، وبعبارة [أخرى] انتشار البياض على الأفق(7) بعد کونه متصاعدا في السماء.

ثالثاً: اختصص أول الوقت وآخره.

قال (رحمه الله) في (المسألة 2): المراد باختصاص أول الوقت بالظهر

ص: 152


1- هذا إنما يتم فيها إذا كان مدار النجم متحدا مع مدار الشمس. (الخوئي)
2- الظاهر أنه لا إشكال فيه، ورعاية الاحتياط أولى. (الخوئي)
3- هذا هو الأقوى، وأنها يدل انحدار النجوم على سبق الانتصاف لا على حدوثه حينه، فيجوز الإتيان بصلاة الليل عنده لكن لا يجوز تأخير العشاء إليه. (البروجردي)
4- قولهم لا يخلو عن قوة. (الجواهري)
5- لا يترك. (الخميني)
6- وهو الأظهر. (الفيروزآبادي)
7- ويعتبر التأخير ليالي القمر حتى يقهره ضوء الفجر ولا يكفي التقدير. (کاشف الغطاء)

وآخره بالعصر وهكذا في المغرب والعشاء عدم صحة الشريكة(1) في ذلك الوقت، مع عدم أداء صاحبته، فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه، كما إذا أتی بقضاء الصبح أو غيره من الفوائت في أول الزوال، أو في آخر الوقت. وكذا لا مانع من إتيان الشريكة إذا أدى صاحبة الوقت(2) فلو صلى الظهر قبل الزوال بظن دخول الوقت فدخل الوقت في أثنائها ولو قبل السلام حيث إن صلاته صحيحة لا مانع من إتيان العصر(3) أول الزوال، وكذا إذا قدم العصر على الظهر سهوا وبقي من الوقت مقدار أربع ركعات لا مانع من إتيان الظهر في ذلك الوقت، ولا تكون قضاء(4)، وإن كان الأحوط عدم التعرض(5) للأداء والقضاء بل عدم التعرض لكون ما يأتي به ظهرا

ص: 153


1- مع إتيانها فيه. (الفيروزآبادي)
2- بل قد تصح مع عدم أدائها أيضا کما لو زعم أنه صلى الظهر فأتي بالعصر ثم تبين أنه لم يصل الظهر وأن العصر وقع في الوقت المختص بالظهر ولكن وقع جزء منها في المشترك، أو زعم أنه صلى العصر قبل الظهر سهوا فأتي بالظهر في الوقت المختص بالعصر قضاء على القول به ثم تبين أنه لم يصل العصر فإن الأقوى صحتها ويأتي بالشريكة بعدهما أداء أو قضاء. (البروجردي)
3- لا يخلو من شبهة وإشكال. (الحكيم)
4- أقول: ذلك مبني على حمل الاختصاص على الاختصاص بالنسبة إلى من لم يأت بالفريضة بشهادة أنه لو أتی ولو بجزء منه في أول الوقت يجوز أن يأتي بالعصر بعده مع أن مضي هذا المقدار غير كاف لو لم يأت به أصلا، وهكذا الأمر في صورة السهو من أفعاله وأمثالهما، ولكن الحمل المزبور خلاف الإطلاق، والاستشهاد المذكور أيضا في غاية الفساد، ولقد شرحناه في كتاب الصلاة فراجع. (آقا ضیاء)
5- يعني تفصيلا وإن كان لا بد من قصد ما في الذمة إذا أريد رعاية الاحتمال المزبور، ولكن ذلك الاحتمال بعيد جدا. (الأصفهاني)

أو عصرا، لاحتمال احتساب العصر المقدم ظهرا(1) وكون هذه الصلاة عصرا(2).

رابعاً: وجوب تأخير اللاحقة على السابقة.

قال (رحمه الله) في (المسألة 3): يجب تأخير العصر عن الظهر والعشاء عن المغرب، فلو قدم إحداهماعلى سابقتها عمدا بطلت، سواء كان في الوقت المختص(3) أو المشترك ولو قدم سهوا فالمشهور(4) على أنه إن كان في الوقت المختص بطلت، وإن كان في الوقت المشترك فإن كان التذكر بعد الفراغ صحت، وإن كان في الأثناء عدل بنیته إلى السابقة إذا بقي محل العدول، وإلا کما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء بطلت(5) وإن كان الأحوط الإتمام(6) والإعادة بعد الإتيان بالمغرب. وعندي فيما ذكروه إشكال بل الأظهر في العصر المقدم على الظهر [سهوا] صحتها واحتسابها ظهرا(7) إن

ص: 154


1- هذا الاحتمال غير معتمد عليه. (الخميني)
2- وهو الذي جعله أظهر القولين في المسألة الآتية لكنه مشکل جدا. (آل یاسین)
3- أي: المختص بالأولى. (الخميني)
4- الأقوى هو صحة الصلاة، ولو وقعت في الوقت المختص وتحسب عصرا وعشاء لو تذکر بعد الفراغ فيصلي الظهر والمغرب ويسقط الترتيب، لكن الأحوط الذي لا ينبغي ترکه بل لا يترك فيما إذا وقعت في الوقت المختص بجميعها ولم تقع كلا أو بعضا في الوقت المشترك معاملة بطلان العصر والعشاء فيأتي بها بعد إتيان الظهر والمغرب. (الخميني)
5- الأظهر الصحة. (الحكيم)
6- لا يترك الاحتياط. (الحائري)
7- أي قهرا على خلاف قصده، ولا دليل على هذا إلا ما أعرض الأصحاب عنه، وهو موهون كما قرر في محله فيكشف عن عدم إرادة ظاهر النص، وكلما زاد صحة زاد وهنا وكلما زاد ظهورا زاد خفاء. (الفيروزآبادي)

كان التذكر بعد الفراغ لقوله (عليه السلام):

«إنما هي أربع مكان أربع» في النص الصحيح(1)

لكن الأحوط الإتيان بصلاة أربع ركعات(2) بقصد ما في الذمة من دون تعيين أنها ظهر أو عصر، وإن كان في الأثناء عدل من غير فرق في الصورتين بين كونه في الوقت المشترك أو المختص(3) وكذا في العشاء إن كان بعد الفراغ صحت، وإن كان في الأثناء عدل إن بقي محل العدول(4) على ما ذكروه، لكن من غير فرق بين الوقت المختص والمشترك(5) أيضا.

وعلى ما ذكرنا يظهر فائدة(6) الاختصاص فيما إذا مضى من أول الوقت مقدار أربع ركعات فحاضت المرأة فإن اللازم حينئذ قضاء خصوص الظهر، وكذا إذا طهرت من الحيض، ولم يبق من الوقت إلا مقدار أربع ركعات، فإن

ص: 155


1- يشكل ذلك مع إعراض الأصحاب عنه، نعم لا بأس بالاحتياط المذكور. (الحائري)
2- هذا الاحتياط لا يترك. (الشيرازي)
3- يعني المختص بالظهر، وإلا ففي فرض اختصاص الوقت بالعصر لا مجال للعدول إلى الظهر بل يصح عصرا بناء على ما ذكرنا من عدم اختصاص الاختصاص بمن أتی بالفريضة. (آقا ضیاء)
4- وإذا تعدى عن محل العدول مضى وصحت کا تقدم. (الحكيم)
5- في المختص إذا ذكر قبل دخول الوقت المشترك بطلت ولا مجال للعدول کما تقدم. (الحكيم)
6- يلزم على القول بالاختصاص بطلان الظهر لوصلاها سهوا في الوقت المختص بالعصر ولم يكن صلى العصر، وكذا لو صلى المغرب سهوا في الوقت المختص بالعشاء وقد بقي منه مقدار ثلاث ركعات، وما ذكره من فوائد الاختصاص يمكن أن يكون من فوائد الترتيب. (الجواهري)

اللازم حينئذ إتيان العصر فقط. وكذا إذا بلغ الصبي ولم يبق إلا مقدار أربع رکعات، فإن الواجب عليه خصوص العصر فقط.

وأما إذا فرضنا عدم زيادة الوقت المشترك عن أربع ركعات فلا يختص بأحدهما(1)، بل يمكن أن يقال بالتخيير بينهما(2) کما إذا أفاق المجنون الأدواري في الوقت المشترك مقدار أربع ركعات، أو بلغ الصبي في الوقت المشترك ثم جن أو مات بعد مضي مقدار أربع ركعات ونحو ذلك.

خامساً: في تضايق وقت الظهرين إلى المغرب.

قال (رحمه الله) في (المسألة 4): إذا بقي [مقدار] خمس رکعات إلى الغروب قدم الظهر، وإذا بقي(3) أربع ركعات أو أقل قدم العصر. وفي السفر إذا بقي ثلاث رکعات قدم الظهر، وإذا بقي ركعتان قدم العصر. وإذا بقي إلى نصف الليل خمس رکعات قدم المغرب، وإذا بقي أربع أو أقل قدم العشاء(4) وفي السفر إذا بقي أربع ركعات قدم المغرب، وإذا بقي أقل قدم العشاء ويجب المبادرة إلى المغرب بعد تقديم العشاء إذا بقي بعدها ركعة أو أزيد، والظاهر أنها(5) حينئذ أداء، وإن كان الأحوط عدم نية الأداء والقضاء.

ص: 156


1- الأظهر اختصاصه بالظهر فلو بلغت الصبية ثم مضى مقدار أربع ركعات ثم حاضت قبل أن تصلي فعليها قضاء خصوص الظهر. (الأصفهاني)
2- بل الأقوى تعين الظهر أو المغرب إن كان بمقدار الثلاثة حفظا للترتيب. (آقا ضیاء)
3- الأظهر تقديم المغرب. (الجواهري)
4- ويحتمل وجوب الشروع في المغرب بمقدار يبقى من الوقت ركعتان فيشرع في العشاء وبعد إتمامهايتم ما بقي من المغرب. (الأصفهاني)
5- فيه ما تقدم من الإشكال. (آقا ضیاء)

سادساً: عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة، والعكس جائز.

قال (رحمه الله) في (المسألة 5): لا يجوز العدول من السابقة [إلى اللاحقة]، ويجوز العكس، فلو دخل في الصلاة بنية الظهر ثم تبين له في الأثناء أنه صلاها لا يجوز له(1) العدول إلى العصر بل يقطع ويشرع في العصر، بخلاف ما إذا تخيل أنه صلى الظهر فدخل في العصر ثم تذكر أنه ما صلى الظهر فإنه يعدل إليها(2).

سابعاً: في تضايق الوقت للمسافر وتردده في نية الإقامة في الصلاة.

قال (رحمه الله) في (المسألة 6): إذا كان مسافرا وقد بقي من الوقت أربع رکعات فدخل في الظهر بنية القصر ثم بدا له في الإقامة فنوى الإقامة(3) بطلت صلاته، ولا يجوز له(4) العدول إلى العصر، فيقطعها ويصلي العصر، وإذا كان في الفرض ناويا للإقامة فشرع في الصلاة بنية العصر لوجوب تقديمها حينئذ ثم بدا له فعزم على عدم الإقامة فالظاهر أنه يعدل بها إلى الظهر قصرا(5).

ص: 157


1- لا يبعد جواز العدول. (الجواهري)
2- فيما إذا بقي من الوقت بمقدار يمكن إدراك رکعة من العصر منه، وإلا فلا يجوز. (الخميني)
3- لكن في جواز هذه النية إشكال. (الخميني)
4- جواز العدول غير بعيد أيضا (الجواهري)
5- لا يخلو من إشكال. (الحكيم)

ثامناً: استحباب التفريق بين الظهرين والعشائين.

قال (رحمه الله) في (المسألة 7): يستحب التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت كالظهرين و العشاءين، ويكفي مسماه(1) وفي الاكتفاء به بمجرد فعل النافلة وجه(2) وإن كان لا يخلو عن إشكال(3).

تاسعاً: الأحوط في إدراك الفضيلة.

قال (رحمه الله) في (المسألة 8): قد عرفت أن للعشاء وقت فضيلة وهو من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل، ووقتا إجزاء من الطرفين، وذكروا أن العصر أيضا كذلك، فله وقت فضيلة وهو من المثل إلى المثلين، ووقتا إجزاء من الطرفين، لكن عرفت نفي البعد(4) في كون ابتداء وقت فضيلته هو الزوال(5) نعم الأحوط(6) في إدراك الفضيلة الصبر إلى المثل.

عاشرًا: استحباب إدراك وقت الفضيلة والإجزاء.

قال (رحمه الله) في (المسألة 9): يستحب التعجيل في الصلاة في وقت الفضيلة، وفي وقت الأجزاء، بل كلما هو أقرب إلى الأول يكون أفضل، إلا

ص: 158


1- فيه تأمل. (الخمینی)
2- وجيه لا بأس به. (الجواهري)
3- بل الأقوى عدمه، والأفضل من التفريق ما كان على أوقات الفضيلة. (النائيني)
4- وقد عرفت أنه لا يخلو عن البعد. (آل یاسین)
5- تقدم الكلام فيه. (الخمینی)
6- بل الأحوط أن يصلي بعد الذراعين لكن الأقوى أن وقت الفضيلة يدخل بعد الذراع. (النائيني)

إذا كان هناك معارض كانتظار الجماعة أو نحوه.

حادي عشر: استحباب أداء صلاة الصبح في الظلمة.

قال (رحمه الله) في (المسألة 10): يستحب الغلس بصلاة الصبح أي

الإتيان بها قبل الإسفار في حال الظلمة.

ثاني عشر: من أدرك ركعة في آخر وقت الفريضة.

قال (رحمه الله) في المسألة 11): كل صلاة أدرك من وقتها في آخره مقدار ركعة فهو أداء، ويجب الإتيان به، فإن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت(1) لكن لا يجوز التعمد في التأخير إلى ذلك)(2).

والمتتبع لهذه الأقوال يجددقة التفصيل وسعة البحث في المسألة، وكيف لا والفقه الامامي ينهل من الثقلين اللذان لن يفترقا حتی یردا على رسول الله (صلى الله علیه واله) الحوض وسيجد الباحث ما هو أعظم في المسائل القادمة من أبواب الفقه.

ص: 159


1- كله أداء لا قضاء ولا ملفقا، والمدار على إدراك ركعة صحيحة بحسب ما هو مكلف به في ذلك الوقت من الطهارة المائية أو الترابية لو اقتضى تكليفه ذلك لا لضيق الوقت بل لمرض ونحوه، أما لو كان تكليفه من حيث هو الطهارة المائية ولكن أدرك من الوقت ما يسع ركعة مع الترابية لم يشرع له التيمم بل يجب الوضوء والصلاة ولو قضاء خارج الوقت. (کاشف الغطاء)
2- العروة الوثقی: ج 2، ص 248 - 263

ص: 160

المبحث الثاني: أوقات الصلوات اليومية عند فقهاء المذاهب الأخرى

نتناول في هذه المسألة أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية الاخرى وهي

كالاتي:

المسألة الأولى: الذهب الزيدي.

جاء في كتاب شرح الازهار لأحمد المرتضى (ت: 840 ه) في باب الأوقات:

أولاً - وقت الظهر.

اختيار الظهر أي الوقت الذي ضرب لتأدية صلاة الظهر مقدر (من الزوال أي زوال الشمس.

وعلامته زيادة ظل كل منتصب في ناحية المشرق بعد تناهيه في النقصان.

قال المصنّف: هكذا جاء في كلام أهل المذهب.

واختلف المتأخرون في تفسيره فقيل: المراد زيادة الظل إلى ناحية المشرق

بعد تناهيه في النقصان من جهة المغرب.

قال المصنّف: وفي هذا ضعف لأنه لو أريد ذلك كان يكفيه أن يقول زيادة

ظل كل منتصب في ناحية المشرق ولا يحتاج إلى قوله بعد تناهيه في النقصان.

وقيل: المراد بعد تناهيه في النقصان من ناحية الشام وذلك في الشتاء فحسب لان الشمس فيه تكون في جهة اليمن والظل إلى نحو الشام فكيفما

ص: 161

ارتفعت الشمس نقص الظل حتى تستوي الشمس وفي حال نقصانه ينتقل الظل إلى المشرق فعند تحميل الشمس إلى المغرب يزيد الظل في ناحية المشرق لأنه قد انتقل إليها ونظر ذلك.

قال المصنّف من وجهين: أحدهما أن المراد ذکر علامة الزوال في كل وقت وهذا الذي ذكر يختص الشتاء والوجه الثاني ذكره في الغيث وقيل المراد بعد تناهية في النقصان من ناحية المشرق أيضا وان جهة الزيادة والنقصان واحدة وذلك لأنه ذكر أن الشمس عند زوالها يزيد الظل إلى ناحية المشرق ثم يقهقر فينقص ثم يزيد بعد القهقري فالزيادة الأولى لا عبرة بها لأنها تنقص بعد وإنها علامة الزوال بعد ذلك النقصان.

قال المصنّف: وقد حکی بعض معاصرينا عن بعض الثقات أنه رصد الشمس عند زوالها فوجدها كذلك وهذا ان صح هو الملائم للكلام الا أن في ذلك اشکالا من وجوه ثلاثة كرها المصنّف في الغيث.

ثم قال في آخر كلامه فالأولى حمل الكلام على ما ذكره أهل القول الأول وهو أن المراد بعد تناهية في النقصان من جهة المغرب لأنه الظاهر قال وأبلغ ما یکون أن يتضمن تكرارا من جهة المعني فذلك واقع في كثير من الكلام اما لزيادة في ایضاح التقرير في الذهن أو غيرهما نعم فوقت اختيار الظهر ممتد من الزوال وآخره مصير ظل الشيء المنتصب مثله سوى فيء الزوال واختلف في تقدير المثل في القامة فقيل إذا بلغ الظل ستة أقدام ونصفا سواء القدم التي قام عليها فذلك قدر القامة.

وقال أبو جعفر: الاعتبار بالمثل دون الاقدام وهذا هو ظاهر المذهب

ص: 162

فكأن الاقدام ليست الا تقريبا وذكر الناصر في كتابه الكبير أنه يعتبر بالإقدام فكأنه جعلها تحقيقا.

ثانياً: وقت العصر:

وفائدة الخلاف فيمن قدم ستة أقدام ونصفا هل يصلي العصر من دون نظر في مساواة ذلك الظل للقامة أو لابد منه؛ فمن أعتبر الاقدام قال ما عليه إلا ذلك ومن اعتبر المثل قال عليه النظر في الماثلة ومصر ظل الشيء مثله سواء في الزوال هو أول وقت اختيار العصر وآخر المثلان أي مثلا المنتصب سوي فيء الزوال.

وقيل ان أول اختيار العصر بعد أن يزيد الظل على المثل أدنى زیادة ووقت الاختيار للمغرب ابتداؤه من رؤية كوكب ليلى لا نهاري والنهاري هي الزهرة والمشتري والشعري وهي علب. قال القاضي محمد بن حمزة هذه المجمع عليها والخلاف في السماك وقيل: إن المختلف فيه المريخ وقيل الساك الأعزل نعم فلا يدخل وقت المغرب في الصحو حتى يظهر کوكب ليلي وتحصل رؤيته أو ما في حكمها والذي في حكم الرؤية تقليد المؤذن خبر المخبر بظهوره والتحري في الغيم.

ثالثاً: وقت المغرب.

وقال زيد بن علي، وأحمد بن عيسى، والفقهاء واختارها الإمام إن أول

اختيار المغرب سقوط قرص الشمس ويعرف بتواريها الحجاب. قال مولانا فأما من في بطن واد أو في أوهاط الأرض فلعلهم يقولون يعتبر

ص: 163

بذهاب شعاعها عن رؤوس الجبال (وآخره ذهاب الشفق الأحمر فإذا ذهب

فذلك آخر اختيار المغرب.

رابعاً: وقت العشاء.

آخره ذهاب الشفق الأبيض وكذا في شرح الإبانة عن الباقر وذهاب الشفق الأحمر هو أول وقت اختيار العشاء الآخرة وآخره ذهاب ثلث الليل فللشافعي قولان الجديد إلى الثلث والقديم إلى النصف.

خامساً: وقت الصبح.

وأول وقت الاختيار للفجر من طلوع النور المنتشر في ناحية المشرق لا النور الأول المستطيل إلى بقية تسع ركعة كاملة قبل طلوع الشمس قوله كاملة يعني بقرائتها.

سادساً: وقت الاضطرار.

وقيل من غير قراءة ووقت اضطرار الظهر أي الوقت الذي ضرب للمضطر أن يصلي فيه الظهر وسيأتي تعيين المضطر إن شاء الله تعالى وذلك الوقت ابتداؤه من آخر اختياره وهو مصير ظل الشيء مثله ويمتد إلى بقية من النهار تسع العصر والى هنا للانتهاء فلا يدخل الحد في المحدود وللعصر وقتان اضطراريان:

الأول اختيار الظهر جميعه الا ما يسعه أي يسع الظهر عقيب الزوال فإنه

يختص بالظهر.

والثاني من وقتي اضطرار العصر ابتداؤه من آخر اختياره وهو مصير

ص: 164

ضاع الشيء مثليه حتى لا يبقى من النهار ما يسع ركعة وهذا أجود؟ من

عبارة التذكرة لأنه قال فيها إلى قبل الغروب بركعة لان إلى لا تستقيم هنا

للانتهاء ولا بمعنی مع وكذلك المغرب والعشاء.

أي هما في الاضطرار نظير الظهر والعصر في التقدير وتحقيق ذلك أن وقت الاضطرار للمغرب من آخر اختياره إلى بقية من الليل تسع العشاء ويكفي مايسع ركعة بعد المغرب.

وللعشاء وقتان اضطراریان الأول وقت اختيار المغرب جميعه الا قدرا منه يسع المغرب وعقیب غروب الشمس فإنه يختص المغرب.

الوقت الثاني: من اضطرار العشاء ابتداؤه من آخر اختياره وآخره بقية من الليل تسع ركعة ووقت الاضطرار للفجر هو ادراك ركعة منه كاملة قبل طلوع الشمس)(1).

المسألة الثانية: المذهب المالكي.

روى الحطاب الرعيني، والسيوطي في وقت الصلاة فقالا:

(إن جبرائیل جاء إلى النبي (صلى الله عليه واله) حين دلكت الشمس فقال: «يا محمد صل الظهر، فصلى، ثم جاءه حين كان ظل كل شيء مثله، فقال: يا محمد صل العصر، فصلى، ثم جاءه حين غربت الشمس، فقال: يا محمد صل المغرب فصلى، ثم جاءه حين غاب الشفق، فقال: يا محمد صل العشاء، فصلى ثم جاءه حين انشق الفجر، فقال: يا محمد صل الصبح فصلی،

ص: 165


1- شرح الأزهار: ج 1، ص 141 - 209

ثم جاءه الغد حين كان ظل كل شيء مثله، فقال: يا محمد صل الظهر، فصلى ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه، فقال: يا محمد صل العصر فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس، فقال: يا محمد صل المغرب فصلى، ثم أتاه حين ذهب ساعة من الليل، فقال يا محمد صل العشاء فصلى، ثم أتاه حين أضاء الفجر وأسفر، فقال: يا محمد صل الصبح فصلى، ثم قال: ما بين هذين وقت يعني أمس واليوم)(1).

وروي ايضاً:

(إن سائلاً سأل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) عن مواقيت الصلاة فلم يرد عليه شيئا حتى أمر بلالا فأقام الفجر حين انشق الفجر ثم أمر بلالا فأقام الظهر حين زالت الشمس ثم أمر بلالا فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة فأمر بلالا فأقام المغرب حين غابت الشمس وأمر بلالا فأقام العشاء حين غاب الشفق فلما كان الغد صلى الفجر فانصرف فقلت أطلعت الشمس وأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله وصلى العصر وقد اصفرت الشمس وقال: أمسى وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وصلى العشاء إلى ثلث الليل ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة: الوقت فيما بين هذين)(2).

المسألة الثالثة: المذهب الحنفي.

تناول السرخسي (ت: 483 ه) مواقيت الصلاة في المبسوط فقال:

(إن الصلاة فرضت لأوقاتها، قال الله تعالى:

ص: 166


1- تنوير الحوالك: ص 17 مواهب الجليل: ج 2 ص 12
2- الصدر السابق: ص 21

«أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ».

ولهذا تكرر وجوبها بتكرار الوقت وتؤدي في مواقيتها، قال الله تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا»، أي فرضا مؤقتا.

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من حافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها كان له عند الله عهدا يغفر

له يوم القيامة وتلا قوله تعالى: «إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا».

وللمواقيت إشارة في كتاب الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون أي صلوا الله فقوله حين تمسون المراد به العصر وعند بعضهم المغرب وحين تصبحون الفجر وعشيا العشاء وحين تظهرون الظهر.

وقال الله تعالى:

«أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ»، قال ابن عباس: دلوك الشمس الزوال فالمراد به الظهر.

وقال ابن مسعود: دلوكها غروبها والمراد المغرب إلى غسق الليل العشاء وقرآن الفجر صلاة الفجر وقال الله تعالى: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى» وهو العصر.

وقال الله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ».

وقال الحسن الفجر وزلفا من الليل قال محمد بن كعب المغرب والعشاء.

أولاً: وقت الفجر.

ثم بدأ الباب ببيان وقت الفجر لأنه متفق عليه لم يختلفوا في أوله ولا في آخره.

ص: 167

قال (وقت صلاة الفجر من حين يطلع الفجر المعترض في الأفق إلى طلوع

الشمس) والفجر فجران کاذب تسميه العرب ذنب السرحان وهو البياض الذي يبدو في السماء طولا ويعقبه ظلام والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الأفق فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة ولا يحرم الأكل على الصائم ما لم يطلع الفجر الصادق لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا يغرنکم الفجر المستطيل ولكن كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير». يعني المنتشر في الأفق وقال الفجر هكذا ومد يده عرضا لا هكذا ومد يده طولا.

والأصل حديث ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أمنى جبریل (عليه السلام) عند البيت فصلي بي الفجر في اليوم الأول حين طلوع الفجر وفي اليوم الثاني حين أسفر جدا ثم قال ما بين هذين وقت لك ولامتك وهو وقت الأنبياء قبلك».

وفي حديث أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ان للصلاة أولا وآخرا وان أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وآخره

حين تطلع الشمس».

وفي حديث أبي موسى أن رجلا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مواقيت الصلاة فلم يجبه ولكنه صلى الفجر في اليوم الأول حين طلع الفجر وفي اليوم الثاني حين كادت الشمس تطلع ثم قال:

«أين السائل عن الوقت؟ الوقت بين هذين والدليل على أن آخر الوقت حين تطلع الشمس قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أدرك ركعة من

ص: 168

الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك».

وفي حديث جرير بن عبد الله قال، قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فان استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم تلا قوله تعالى: «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِهَا».

ثانياً: وقت الظهر والعصر.

قال (ووقت الظهر من حين تزول الشمس إلى أن يكون ظل كل شيء مثله) في قول أبي يوسف ومحمد.

وقال أبو حنيفة لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين ولا خلاف في أول وقت الظهر أنه يدخل بزوال الشمس الا شيء نقل عن بعض الناس إذا صار الفيء بقدر الشراك لحديث أمامة جبريل (عليه السلام) قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«صلى بي الظهر في اليوم الأول حين صار الفيء بقدر الشراك».

ولكنا نستدل بقوله تعالى: «لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» أي لزوالها.

والمراد من الفيء مثل الشراك الفيء الأصلي الذي يكون للأشياء وقت الزوال وذلك يختلف باختلاف الأمكنة والأوقات فاتفق ذلك القدر في ذلك الوقت وقد قيل لابد أن يبقى لكل شيء فيء عند الزوال في كل موضع الا بمكة والمدينة في أطول أيام السنة فلا يبقى بمكة ظل على الأرض وبالمدينة تأخذ الشمس الحيطان الأربعة وذلك الفيء الأصلي غير معتبر في التقدير

ص: 169

بالظل قامة أو قامتين بالاتفاق وأصح ما قيل في معرفة الزوال.

قول محمد بن شجاع أنه يغرز خشبة في مكان مستو ويجعل على مبلغ الظل منه علامة فما دام الظل ينقص من الخط فهو قبل الزوال وإذا وقف لا يزداد ولا ينتقص فهو ساعة الزوال وإذا أخذ الظل في الزيادة فقد علم أن

الشمس قد زالت.

واختلفوا في آخر وقت الظهر فعندهما إذا صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر وهو رواية محمد عن أبي حنيفة وإن لم يذكره في الكتاب نصا في خروج وقت الظهر وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يخرج وقت الظهر حتى يصير الظل قامتين.

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا صار الظل قامة يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وبينها وقت مهمل وهو الذي تسميه الناس بين الصلاتين كما أن بين الفجر والظهر وقتا مهملا.

واستدل بحديث امامة جبريل (صلوات الله وسلامه عليه) فإنه قال:

«صلى بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله وصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله أو قال حين صلى العصر بالأمس وهكذا».

في حديث أبي هريرة وأبي موسى في بيان المواقيت قولا وفعلا وأبو حنيفة

استدل بالحديث المعروف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرا فقال

ص: 170

من يعمل لي من الفجر إلى الظهر بقيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من الظهر إلى العصر بقيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى المغرب بقيراطين فعملتم أنتم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا قال الله تعالى فهل نقصت من حقكم شيئا قالوا لا قال فهذا فضلي أوتيه من أشاء بين أن المسلمين أقل عملا من النصارى».

فدل أن وقت العصر أقل من وقت الظهر وإنما يكون ذلك إذا امتد وقت الظهر إلى أن يبلغ الظل قامتين.

وقال (صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«أبردوا بالظهر فان شدة الحر من فيح جهنم».

وأشد ما يكون من الحر في ديارهم إذا صار ظل كل شيء مثله وأنا عرفنا دخول وقت الظهر بيقين ووقع الشك في خروجه إذا صار الظل قامة الاختلاف الآثار واليقين لا يزال بالشك.

والأوقات ما استقرت على حديث امامة جبریل (عليه السلام) ففيه أنه

صلى الفجر في اليوم الثاني حين أسفر والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس وفيه أيضا أنه صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى بعده.

وقال مالك إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى بقدر ما يصلى فيه أربع ركعات دخل وقت العصر فكان الوقت مشتركا بين الظهر والعصر إلى أن يصير الظل قامتين لظاهر حديث إمامة جبریل (عليه السلام) فإنه ذكر أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى العصر في اليوم

ص: 171

الأول وهذا فاسد عندنا فان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«لا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت صلاة أخرى».

وتأویل حدیث امامة جبريل صلي بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله أي قرب منه وصل بي العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله أي تم وزاد عليه وهو نظير قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن أي قارب بلوغ أجلهن وقال تعالى فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أي تم انقضاء عدتهن.

وحكى أبو عصمة عن أبي سليمان عن أبي يوسف قال خالفت أبا حنيفة في وقت العصر فقلت أوله إذا زاد الظل على قامة اعتمادا على الآثار التي جاءت به وهو إشارة إلى ما قلنا فأما آخر وقت العصر غروب الشمس عندنا.

وقال الحسن بن زياد عنه تغير الشمس إلى الصفرة وهو قول الشافعي لحدیث امامة جبريل عليه السلام وصلى في العصر في اليوم الثاني حين كادت الشمس تتغير.

(ولنا) قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك». أي أدرك الوقت ولكن يكره تأخير العصر إلى أن تتغير الشمس لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم):

«تلك صلاة المنافقين يقعد أحدهم حتى إذا كانت الشمس بين قرني الشيطان قام ينقر أربعا لا يذكر الله تعالى فيها الا قليلا».

وقال ابن مسعود ما أحب أن يكون لي صلاة حين ما تحمر الشمس بفلسين.

ص: 172

واختلفوا في تغير الشمس أن العبرة للضوء أم للقرص فكان النخعي يعتبر تغير الضوء والشعبي يقول العبرة لتغير القرص وهذا أخذنا لان تغير الضوء يحصل بعد الزوال فإذا صار القرص بحيث لا تحار فيه العين فقد تغيرت.

ثالثاً: وقت المغرب.

قال (ووقت المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق عندنا).

وقال الشافعي ليس للمغرب الا وقت واحد مقدر بفعله فإذا مضى بعد غروب الشمس مقدار ما يصلى فيه ثلاث ركعات خرج وقت المغرب لحديث امامة جبریل (عليه السلام) فإنه صلى المغرب في اليومين في وقت واحد.

(ولنا) حديث أبي هريرة قال رسول (الله صلى الله عليه وآله وسلم):

«إن أول وقت المغرب حين تغيب الشمس وآخره حين يغيب الشفق».

وتأویل حدیث امامة جبريل عليه السلام أنه أراد بیان وقت استحباب الأداء وبه نقول إنه یکره تأخير المغرب بعد غروب الشمس الا بقدر ما يستبرئ فيه الغروب رواه الحسن عن أبي حنيفة لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء».

وأخر ابن عمر عنهما أداء المغرب يوما حتى بدا نجم فأعتق رقبة وعمر

عنه رأى نجمين طالعين قبل أدائه فأعتق رقبتين فهذا بيان كراهية التأخير.

فأما وقت الادراك يمتد إلى غيبوبة الشفق والشفق البياض الذي بعد الحمرة في قول أبي حنيفة وهو قول أبي بكر وعائشة وإحدى الروايتين عن

ص: 173

ابن عباس وفي قول أبي يوسف محمد والشافعي الحمرة التي قبل البياض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود عنهم وإحدى الروايتين عن ابن عباس وهكذا روی أسد بن عمرو عن أبي حنيفة.

ووجه هذا أن الطوالع ثلاثة والغوارب ثلاثة ثم المعتبر لدخول الوقت الوسط من الطوالع وهو الفجر الثاني فكذلك في الغوارب المعتبر لدخول الوقت الوسط وهو الحمرة فبذهابها يدخل وقت العشاء وهذا لان في اعتبار البياض معنى الحرج فإنه لا يذهب الا قريبا من ثلث الليل.

رابعاً: وقت العشاء

(وقال) الخليل بن أحمد راعيت البياض بمكة فما ذهب الا بعد نصف الليل وقيل لا يذهب البياض في ليالي الصيف أصلا بل يتفرق في الأفق ثم يجتمع عند الصبح فلدفع الحرج جعلنا الشفق الحمرة وأبو حنيفة قال الحمرة أثر الشمس والبياض أثر النهار فما لم يذهب كل ذلك لا يصير إلى الليل مطلقا وصلاة العشاء صلاة الليل كيف وقد جاء في الحديث وقت العشاء إذا ملا الظلام الظراب وفي رواية إذا أدلهم الليل أي استوى الأفق في الظلام وذلك لا يكون الا بعد ذهاب البياض فبذهابه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء.

فأما آخر وقت العشاء فقد قال في الكتاب إلى نصف الليل والمراد بیان وقت إباحة التأخير فأما وقت الادراك فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني حتى إذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل طلوع الفجر فعليه صلاة العشاء وهذا عندنا وقال الشافعي آخر وقت العشاء حين يذهب ثلث الليل لحدیث امامة جبریل (عليه الصلاة والسلام) وصلى بي العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل.

ص: 174

(ولنا) حديث أبي هريرة قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «و آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وصلاة العشاء صلاة الليل فيبقى وقتها ما بقي الليل».

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى» دليل لنا أيضا أن ثبت هذا اللفظ ولكنه شاذ والمشهور اللفظ الذي روینا)(1).

المسألة الرابعة: المذهب الشافعي.

تناول الشافعي مواقيت الصلاة في كتاب الأم مبتدأ المسألة بقوله:

(أحكم الله عز وجل كتابه أن فرض الصلاة موقوت والموقوت والله أعلم

الوقت الذي يصلي فيه وعددها فقال عز وجل:

«إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا».

وقد ذكرنا نقل العامة عدد الصلاة في مواضعها ونحن ذاكرون الوقت؛ أخبرنا سفيان عن الزهري قال: آخر عمر بن عبد العزيز فقال له عروة إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «نزل جبريل فأمني فصليت معه ثم نزل فأمني فصليت معه ثم نزل فأمني فصليت معه حتى عد الصلوات الخمس.

فقال عمر بن عبد العزيز اتق الله ياعروة وانظر ما تقول فقال عروة أخبرنيه بشير بن أبي مسعود عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن

ص: 175


1- المبسوط للسرخسی: ج 1، ص 141 - 145

بن الحارث عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«أمنى عن جبريل عند باب الكعبة مرتين فصلى الظهر حين كان الفيء

مثل الشراك ثم صلى العصر حين كان كل شيء بقدر ظله وصلى المغرب حين أفطر الصائم ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الصبح حين حرم

الطعام والشراب على الصائم ثم صلي المرة الآخرة الظهر حين كان كل شيء قدر ظله قدر العصر بالأمس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه ثم

صلى المغرب القدر الأول لم يؤخرها ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ثم صلى الصبح حين أسفر ثم التفت فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين».

(قال الشافعي) وبهذا نأخذه وهذه المواقيت في الحضر فاحتمل ما وصفته من المواقيت أن يكون للحاضر والمسافر في العذر وغيره واحتمل أن يكون لمن كان في المعنى الذي صلى فيه جبريل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحضر وفي غير عذر فجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة غير خائف فذهبنا إلى أن ذلك في مطر وجمع مسافرا فدل ذلك على أن تفريق الصلوات كل صلاة في وقتها إنما هو على الحاضر في غير مطر فلا يجزئ حاضرا في غير مطر أن يصلي صلاة إلا في وقتها ولا يضم إليها غيرها إلا أن ينسى فيذكر في وقت إحداهما أو ينام فيصليها حينئذ قضاء ولا يخرج أحد كان له الجمع بين الصلاتين من آخر وقت الآخرة منهما ولا يقدم وقت الأولى منهما والوقت حد لا يجاوز ولا يقدم ولا تؤخر صلاة العشاء عن الثلث الأول في مصر ولا غيره، حضر ولا سفر.

ص: 176

أولاً: وقت الظهر:

(قال الشافعي) وأول وقت الظهر إذا استيقن الرجل بزوال الشمس عن وسط الفلك وظل الشمس في الصيف يتقلص حتى لا يكون لشيء قائم معتدل نصف النهار ظل بحال وإذا كان ذلك فسقط للقائم ظل ما كان الظل فقد زالت الشمس وآخر وقتها في هذا الحين إذا صار ظل كل شيء مثله فإذا جاوز ظل كل شيء مثله بشيء ما كان فقد خرج وقتها ودخل وقت العصر لا فصل بينهما إلا ما وصفت والظل في الشتاء والربيع والخريف مخالف له فيما وصفت من الصيف وإنما يعلم الزوال في هذه الأوقات بأن ينظر إلى الظل ويتفقد نقصانه فإنه إذا تناهی نقصانه زاد فإذا زاد بعد تناهی نقصانه فذلك الزوال وهو أول وقت الظهر ثم آخر وقتها إذا علم أن قد بلغ الظل مع خلافه ظل الصيف قدر ما يكون ظل كل شيء مثله في الصيف وذلك أن تعلم ما بين زوال الشمس وأول وقت الظهر أقل مما بين أول وقت العصر والليل فإن برز له منها ما يدله وإلا توخی حتی یری أنه صلاها بعد الوقت و احتاط.

(قال الشافعي) فإن كان الغيم مطبقا راعى الشمس واحتاط بتأخيرها ما بينه وبين أن يخاف دخول وقت العصر فإذا توخی فصلى على الأغلب عنده فصلاته مجزئة عنه وذلك أن مدة وقتها متطاول حتی یکاد یحیط إذا احتاط بأن قد زالت وليست كالقبلة التي لا مدة لها إنها عليها دليل لا مدة وعلى هذا الوقت دلیل من مدة وموضع وظل فإذا كان هكذا فلا إعادة عليه حتى يعلم أن قد صلى قبل الزوال فإذا علم ذلك أعاد وهكذا إن توخی بلا غيم

(قال) وعلمه بنفسه وأخبار غيره ممن يصدقه أنه صلى قبل الزوال إذا

ص: 177

لم ير هو أو هم يلزمه أن يعيد الصلاة فإن كذب من أعلمه أنه صلى قبل الزوال لم يكن عليه إعادة والاحتياط له أن يعيد وإذا كان أعمى وسعه خبر من يصدق خبره في الوقت والاقتداء بالمؤذنين فيه وإن كان محبوسا في موضع مظلم أو كان أعمى ليس قربه أحد توخي وأجزأت صلاته حتى يستيقن أنه صلى قبل الوقت والوقت يخالف القبلة لان في الوقت مدة فجعل مرورها کالدليل وليس ذلك في القبلة فإن علم أنه صلى بعد الوقت أجزأه وكان أقل أمره أن یکون قضاء.

(قال الشافعي) و إذا کان کما وصفت محبوسا في ظلمة أو أعمى ليس قربه أحد لم يسعه أن يصليها بلا تأخ على الأغلب عنده من مرور الوقت من نهار وليل وإن وجد غيره تأخی به وإن صلى على غير تأخ أعاد كل صلاة صلاها على غير تأخ ولا يفوت الظهر حتى يجاوز ظل كل شيء مثله فإذا جاوزه فهو فائت وذلك أن من أخرها إلى هذا الوقت جمع أمرين، تأخيرها عن الوقت المقصود، و حلول وقت غيرها. تعجيل الظهر وتأخيرها.

(قال الشافعي) وتعجيل الحاضر الظهر إماما ومنفردا في كل وقت إلا في شدة الحر فإذا اشتد الحر أخر إمام الجماعة الذي ينتاب من البعد الظهر حتى يبرد بالخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم. وقد اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضافأذن لها بنفسين نفس في

ص: 178

الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر من حرها وأشد ما تجدون من البرد من زمهریرها».

أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قال إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم».

أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم».

(قال الشافعي) ولا يبلغ بتأخيرها آخر وقتها فيصليها جميعا معا ولكن الابراد ما يعلم أنه يصليها متمهلا وينصرف منها قبل آخر وقتها ليكون بين انصرافه منها وبين آخر وقتها فصل فأما من صلاها في بيته أو في جماعة بفناء بيته لا يحضرها إلا من بحضرته فليصلها في أول وقتها لأنه لا أذى عليهم في حرها.

(قال الشافعي) ولا تؤخر في الشتاء بحال وكلما قدمت كان ألين على من صلاها في الشتاء ولا يؤخرها إمام جماعة ينتاب إلا بلادها حر مؤذ کالحجاز، فإذا كانت بلاد لا أذى لحرها لم يؤخرها لأنه لا شدة لحرها يرفق على أحد بتنحية الأذى عنه في شهودها.

ص: 179

ثانياً: وقت العصر:

(قال الشافعي) ووقت العصر في الصيف إذا جاوز ظل كل شيء مثله

بشيء ما كان وذلك حين ينفصل من آخر وقت الظهر وبلغني عن بعض أصحاب ابن عباس أنه قال معنی ما وصفت وأحسبه ذکره عن ابن عباس وأن ابن عباس أراد به صلاة العصر في آخر وقت الظهر على هذا المعنى أنه صلاها حين كان ظل كل شيء مثله

يعني حين تم ظل كل شيء مثله ثم جاوز ذلك بأقل ما يجاوزه و حدیث ابن عباس محتمل له وهو قول عامة من حفظت عنه وإذا كان الزمان الذي لا يكون الظل فيه هكذا قدر الظل ما كان ينقص فإذا زاد بعد نقصانه بذلك زواله ثم قدر ما لو كان الصيف بلغ الظل أن يكون مثل القائم فإذا جاوز ذلك قليلا فقد دخل أول وقت العصر ويصلى العصر في كل بلد وكل زمان و امام جماعة ينتاب من بعد وغير بعد ومنفرد في أول وقتها لا أحب أن يؤخرها عنه.

وإذا كان الغيم مطلقا أو كان محبوسا في ظلمة أو أعمی ببلد لا أحد معه فيها صنع ما وصفت يصنعه في الظهر لا يختلف في شيء ومن أخر العصر

حتى تجاوز ظل كل شيء مثليه في الصيف وقدر ذلك في الشتاء فقد فاته وقت الاختيار ولا يجوز عليه أن يقال قد فاته وقت العصر مطلقا کما جاز على الذي أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شيء مثله مطلقا لما وصفت من أنه تحل له صلاة العصر في ذلك الوقت وهذا لا يحل له صلاة الظهر في هذا الوقت وإنما قلت لا يتبين عليه ما وصفت من أن مالكا أخبرنا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بشر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة

ص: 180

أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن

أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر».

(قال الشافعي) فمن لم يدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد فاتته العصر والركعة ركعة بسجدتين وإنما أحببت تقديم العصر لان محمد بن إسماعيل أخبرنا عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي العصر والشمس صاحية ثم يذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة.

أخبرنا محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن نوفل بن معاوية الديلي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من فاته العصر فكأنما وتر أهله وماله».

ثالثاً: وقت المغرب:

(قال الشافعي): لا وقت للمغرب إلا واحد ذلك حين تجب الشمس وذلك بين في حديث إمامة جبريل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي غيره، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عمر و بن علقمة عن أبي نعيم عن جابر قال:

كنا نصلى المغرب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نخرج

نتناضل حتى نبلغ بيوت بني سلمة ننظر إلى مواقع النبل من الأسفار.

أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد

ص: 181

المقبري عن القعقاع ابن حكيم قال دخلنا على جابر بن عبد الله فقال جابر: كنا نصلي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ثم نصرف فتأتي بنى

سلمة فنبصر مواقع النبل.

أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن زید بن خالد الجهني قال: كنا نصلى مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المغرب ثم نصرف فنأتي السوق ولو رمى بنبل لرؤى مواقعها.

(قال الشافعي) وقد لا قيل تفوت حتى يدخل أول وقت صلاه العشاء قبل يصلى منها ركعة كما قيل في العصر ولكن لا يجوز لان الصبح تفوت بأن تطلع الشمس قبل يصلى منها ركعة فإن قيل فتقيسها على الصبح قيل لا أقيس شيئا من المواقيت على غيره وهي على الأصل والأصل حديث إمامة جبريل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ما جاء فيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة دلالة أو قاله عامة العلماء لم يختلفوا فيه.

(قال الشافعي) ولو قيل تفوت المغرب إذا لم تصل في وقتها كان والله أعلم أشبه بما قال ويتأخاها المصلى في الغيم والمحبوس في الظلمة والأعمى

کما كما وصفت في الظهر ويؤخرها حتى يرى أن قد دخل وقتها وقت العشاء.

رابعاً: وقت العشاء.

(قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة ابن عبد

الرحمن عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«لا يغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم هي العشاء إلا أنهم يعتمون

بالإبل».

ص: 182

(قال الشافعي) فأحب أن لا تسمى إلا العشاء کما سماها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأول وقتها حين يغيب الشفق والشفق الحمرة التي في المغرب فإذا ذهبت الحمرة فلم ير منها شيء حل وقتها ومن افتتحها وقد بقي عليه من الحمرة شيء أعادها وإنما قلت الوقت في الدخول في الصلاة فلا يكون لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد دخول وقتها وإن لم يعمل فيها شيء إلا بعد الوقت ولا التكبير لان التكبير هو مدخله فيها فإذا أدخله التكبير فيها قبل الوقت أعادها وأخر وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل فإذا مضى ثلث الليل الأول فلا أراها إلا فائتة لأنه آخر وقتها ولم يأت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها شيء يدل على أنها لا تفوت إلا بعد ذلك الوقت (قال) المواقيت كلها كما وصفت لا تقاس ويصنع المتأخي لها في الغيم وفي الحبس المظلم والأعمى ليس معه أحد كما وصفته يصنعه في الظهر والتأخي في الليل أخف من التأخي لصلاة النهار لطول المدة وشدة الظلمة وبيان الليل.

خامساً: وقت الفجر:

قال الله تبارك وتعالى: «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا». وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من أدرك ركعة من الصبح والصبح الفجر فلها اسمان الصبح والفجر لا أحب أن تسمى إلا بأحدهما وإذا بان الفجر الأخير معترضا حلت صلاة الصبح ومن صلاها قبل تبين الفجر الأخير معترضا أعاد ويصليها أول ما يستيقن الفجر معترضا حتى يخرج منها مغلسا».

(قال الشافعي). وأخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن عمرة

ص: 183

بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت إن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله

وسلم) ليصلى الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس ولا تفوت حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها ركعة والركعة ركعة بسجودها فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع الشمس فقد فاتته الصبح لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح»(1).

المسألة الخامسة: المذهب الحنبلي.

أولاً: صلاة الظهر.

تناول أبن قدامة المقدسي اوقات الفرائض اليومية في كتابه المغني متبدأ هذه الأوقات بصلاة الظهر فقال:

(وإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها؛ يعني: إذا زاد على ما زالت عليه الشمس قدر ظل طول الشخص فذلك آخر وقت الظهر، قال الاثرم:

قال: أن يصير الظل مثله قيل له فمتى يكون الظل مثله؟ قال: إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال مثله فهو ذاك. ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ثم تنظر الزيادة عليه فإن كانت قد بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر.

ومثل شخص الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه أو يزيد قليلا فإذا أردت اعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ثم أسقطت

ص: 184


1- الکتاب الأم: ج 1، ص 89 - 93

منه القدر الذي زالت عليه الشمس فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر.

وبهذا قال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي ونحوه قال أبو يوسف ومحمد وأبو ثور وداود، وقال عطاء: لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس

صفرة.

ثانياً: وقت العصر، وإنها الصلاة الوسطى.

وقال طاوس:

وقت الظهر والعصر إلى الليل، وحكي عن مالك وقت الاختيار إلى أن يصر ظل كل شيء مثله ووقت الأداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدى فيه العصر لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر في الحضر. وقال أبو حنيفة وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيرا فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضب اليهود والنصارى وقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء: قال هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا؟ قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء». أخرجه البخاري.

وهذا يدل على أن من الظهر إلى العصر أكثر من العصر إلى المغرب ولنا

ص: 185

أن جبریل (عليه السلام) صلى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر حين كان الفيء مثل الشراك في اليوم الأول. وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله ثم قال: «الوقت ما بين هذين».

وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض، وما احتج به أو حنيفة لا حجة له فيه لأنه قال: إلى صلاة العصر، وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط على أن أحاديثنا قصد بها بيان الوقت وخبرهم قصد به ضرب المثل فالأخذ بأحاديثنا أولى قال ابن عبد البر: خالف أبو حنيفة في قوله هذا الآثار والناس وخالفه أصحابه.

(مسألة) قال: (وإذا زاد شيئا وجبت العصر) وجملته أن وقت العصر من حين الزيادة على المثل أدني زيادة متصل بوقت الظهر لا فصل بينهما. وغير الخرقي قال: إذا صار ظل الشيء مثله فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وهو قریب مما قال الخرقي وبهذا قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة: إذا زاد على المثلين لما تقدم من الحديث ولقوله تعالى:

«وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ» ولو كان على ما ذكرتموه لكان وسط النهار.

وحكي عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس. وقال إسحاق. آخر وقت الظهر أول وقت العصر يشتركان في قدر الصلاة فلو أن رجلين يصليان معا أحدهما يصلي الظهر والآخر العصر حين صار ظل كل

شيء مثله كان كل واحد منهما مصليا لها في وقتها.

وحكي ذلك عن ابن المبارك لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في

ص: 186

حديث ابن عباس: صلى بي الظهر لوقت العصر بالأمس ولنا ما تقدم في حدیث جبريل عليه السلام.

وقوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ» لا ينفي ما قلنا فإن الطرف ما تراخى عن الوسط وهو موجود في مسألتنا وقول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم):

«لوقت العصر بالأمس».

أراد مقاربة الوقت يعني أن ابتداء صلاته اليوم العصر متصل بوقت انتهاء صلاة الظهر في اليوم الثاني أو مقارب له لأنه قصد به بيان المواقيت وإنما تبين أول الوقت بابتداء فعل الصلاة وتبين آخره بالفراغ منها وقد بينه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث عبد الله بن عمر و وقت الظهر ما لم يحضر وقت العصر رواه مسلم وأبو داود.

وفي حديث رواه أبو هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«ان للصلاة أولا وآخرا وأن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر

وقتها حين يدخل وقت العصر». أخرجه الترمذي.

(مسألة) قال (وإذا صار ظل كل شيء مثليه خرج وقت الاختيار) اختلفت الرواية عن أحمد في آخر وقت الاختيار فروي حين يصر ظل كل شيء مثليه وهو قول مالك والثوري والشافعي لقوله في حدیث ابن عباس وجابر: الوقت ما بين هذين.

وروي عن أحمد أن آخره ما لم تصفر الشمس وهي أصح عنه حكاه عنه جماعة منهم الأثرم قال: سمعته يسأل عن آخر وقت العصر، فقال هو تغير

ص: 187

الشمس. قيل ولا تقول بالمثل والمثلين؟ قال لا هذا عندي أكثر، وهذا قول أبي ثور وأبي يوسف ومحمد ونحوه عن الأوزاعي لحديث عبد الله ابن عمرو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«وقت العصر ما لم تصفر الشمس» رواه مسلم.

وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم:

«وان آخر وقتها حين تصفر الشمس».

وفي حديث بريدة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى العصر في اليوم الثاني والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة، قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها، وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم استحباب ولعلهما متقاربان يوجد أحدهما قريبا من الآخر.

(فصل) ولا يجوز تأخير العصر عن وقت الاختيار لغیر عذر لما تقدم من الاخبار، وروى مسلم وأبو داود بأسنادهما عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

«تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان - أو على قرني شيطان - قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليه وجعله علامة النفاق.

(مسألة) قال (ومن أدرك منها ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها مع الضرورة) وجملة ذلك أن من أخر الصلاة ثم أدرك منها ركعة قبل

ص: 188

غروب الشمس فهو مدرك لها ومؤد لها في وقتها سواء أخرها لعذر أو لغير عذر إلا أنه إنا يباح تأخيرها لعذر وضرورة كحائض تطهر أو كافر يسلم أو صبي يبلغ أو مجنون يفيق أو نائم يستيقظ أو مريض يبرأ وهذا معنى قوله مع الضرورة.

فأما إدراكها بادراك ركعة منها فيستوي فيه المعذور وغيره وكذلك سائر الصلوات یدرکها بادراك ركعة منها في وقتها لقول النبي (صلى الله علیه و آله وسلم):

«من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» متفق عليه.

وفي رواية «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك

العصر» متفق عليه ولا أعلم في هذا خلافا.

(فصل) وهل يدرك الصلاة بادراك ما دون ركعة فيه روايتان:

(إحداهما) لا يدركها بأقل من ذلك وهو ظاهر کلام الخرقي ومذهب مالك لظاهر الخبر الذي رويناه فإن تخصیصه الادراك بركعة يدل على أن الادراك لا يحصل بأقل منها ولأنه إدراك للصلاة فلا يحصل بأقل من ركعة کادراك الجمعة.

(والثانية) يدركها بادراك جزء منها أي جزء کان، قال القاضي: ظاهر کلام أحمد أنه يكون مدركا لها بادراکه. وقال أبو الخطاب: من أدرك من الصلاة مقدار تكبيرة الإحرام قبل أن يخرج الوقت فقد أدركها وهذا مذهب أبي حنيفة، وللشافعي قولان كالمذهبين ولان أبا هريرة روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

ص: 189

«من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته» متفق

عليه.

وللنسائي فقد أدركها ولان الادراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها كادراك الجماعة وادراك المسافر صلاة المقيم. ولفظ الحديث الأول يدل بمفهومه والمنطوق أولى منه والقياس يبطل بادراك ركعة

دون تشهدها.

(فصل) وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغيرهم منهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأبو هريرة وأبو أيوب وأبو سعيد وعبيدة السلماني والحسن والضحاك وأبو حنيفة وأصحابه.

وروي عن زيد بن ثابت وعائشة أنها صلاة الظهر وبه قال عبد الله ابن

شداد لما روي عن زيد بن ثابت قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها فنزلت

«حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» رواه أبو داود.

وروت عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قرأ:

«حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح.

وقال طاوس وعطاء وعكرمة ومجاهد والشافعي. هي الصبح لقول

ص: 190

الله تعالى: «وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» والقنوت طول القيام وهو مختص بالصبح ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين ولهذا اختصت بالوصية وبالمحافظة عليها، وقال الله تعالى: «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ» يعني صلاة الفجر والعصر.

وروى جرير بن عبد الله قال: كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه

وآله وسلم) إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال:

«أما انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» متفق عليه.

وللبخاري «فافعلوا» ثم قرأ جرير (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون.

وقال النبي (صلى الله وآله عليه وسلم):

«من صلى البردين دخل الجنة» يريد هاتين الصلاتين.

وقال (صلى الله وآله عليه وسلم):

«لو يعلمون ما في صلاة العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا» متفق على هذه الأحاديث، وقيل هي المغرب لأن الأولى هي الظهر فتكون المغرب الثالثة والثالثة من كل خمس هي الوسطى ولأنها وسطى في عدد الركعات ووسطى في الأوقات لأن عدد ركعاتها ثلاث فهي وسطى بين الأربع والاثنين ووقتها

ص: 191

في آخر النهار وأول الليل وخصت من بين الصلاة بأنها وتر والله وتر يحب الوتر وبأنها تصلى في أول وقتها في جميع الأمصار والاعصار. ويكره تأخيرها عنه وكذلك صلاها جبريل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اليومين لوقت واحد ولذلك ذهب بعض الأئمة إلى أنها ليس لها إلا وقت واحد لذلك.

وقال: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

«لا تزال أمتي - أو قال - هذه الأمة بخير - أو قال - على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم».

رواه أبو داود. وقيل هي العشاء لما روى ابن عمر قال: مكثنا ليلة ننتظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده وقال:

«انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غير كم ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة؟ وقال ان أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداء والعشاء الآخرة ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا» متفق عليهما.

ولنا ما روي عن علي [عليه السلام] قال: قال رسول الله (صلى الله عليه

[وآله] وسلم):

«يوم الأحزاب شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملا الله بيوتهم

وقبورهم نارا» متفق عليه.

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«صلاة الوسطى صلاة العصر».

ص: 192

وعن سمرة مثله قال الترمذي في كل واحد منهما: هذا حديث حسن صحيح. وهذا نص لا يجوز التعريج معه على شيء يخالفه، ولان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«الذي يفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» متفق عليه، وقال: «من فاتته صلاة العصر حبط عمله» رواه البخاري وابن ماجة وقال: «ان هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد» - يعني النجم - رواه البخاري.

وما ذكر في صلاة الصبح فقد شاركته صلاة العصر في أكثره. ورواية

عائشة وصلاة العصر فالواو زائدة كالواو في قوله تعالى:

«وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» وفي قوله: «وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ» وقوله «وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» به فالقنوت قیل هو الطاعة أي قوموا لله مطيعين. وقيل القنوت السكوت.

قال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت «وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» فأمرنا بالسكوت و نهينا عن الكلام، ثم ما روينا نص صريح فكيف يترك بمثل هذا الوهم أو يعارض به.

ثالثاً: وقت المغرب.

(مسألة) قال (وإذا غابت الشمس وجبت المغرب ولا يستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق) أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم لا نعلم بينهم خلافا فيه والأحاديث دالة عليه وآخره مغيب الشفق وبهذا

ص: 193

قال الثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وبعض أصحاب الشافعي.

وقال مالك والأوزاعي والشافعي: ليس لها إلا وقت واحد عند مغيب الشمس لأن جبريل (عليه السلام) صلاها بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اليومين لوقت واحد في بيان مواقيت الصلاة.

وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجم ولان

المسلمين مجمعون على فعلها في وقت واحد في أول الوقت».

وعن طاوس لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر ونحوه عن عطاء لما

ذكرناه في الظهر والعصر. ولنا حديث بريدة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق، وفي لفظ رواه الترمذي فأخر المغرب إلى أن يغيب الشفق، وروى أبو موسى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق، رواه مسلم وأبو داود، وحديث عبد الله بن عمرو أن

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«وقت المغرب ما لم يغب الشفق» رواه مسلم.

وفي حديث أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«ان للصلاة أولا وآخرا، وان أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وان

آخر وقتها حين يغيب الأفق». رواه الترمذي.

وهذه نصوص صحيحة لا يجوز مخالفتها بشيء محتمل، ولأنها إحدى

ص: 194

الصلوات فكان لها وقت متسع كسائر الصلوات، ولأنها إحدى صلاتي جمع فكان وقتها متصلا بوقت التي تجمع إليها كالظهر والعصر ولان ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لابتدائها كأول وقتها وأحاديثهم محمولة على الاستحباب والاختيار وكراهة التأخير ولذلك قال الخرقي ولا يستحب تأخيرها، فإن الأحاديث فيها تأكيد لفعلها في أول وقتها وأقل أحوالها تأكيد الاستحباب وان قدر أن الأحاديث متعارضة وجب حمل أحاديثهم على أنها منسوخة لأنها في أول فرض الصلاة بمكة وأحاديثنا بالمدينة متأخرة فتكون ناسخة لما قبلها مما يخالفها والله أعلم.

رابعاً: وقت العشاء.

(مسألة) قال (فإذا غاب الشفق وهو الحمرة في السفر، وفي الحضر البياض لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران فيظن أنها قد غابت

فإذا غاب البياض فقد تقن ووجبت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل).

لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق وإنما اختلفوا في الشفق ما هو فمذهب إمامنا أن الشفق الذي يخرج به وقت المغرب ويدخل به وقت العشاء هو الحمرة وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والزهري ومالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق وصاحبي أبي حنيفة.

وعن أنس وأبي هريرة الشفق البياض وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وابن المنذر لأن النعمان بن بشير قال:

أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء كان رسول الله (صلى

ص: 195

الله عليه وآله وسلم) يصليها لسقوط القمر الثالثة. رواه أبو داود.

وروي عن ابن مسعود قال:

رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق ولنا ما روت عائشة قالت: أعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعشاء حتی ناداه عمر بالصلاة نام النساء والصبيان فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «ما ينتظرها أحد غيركم».

قال: ولا يصلى يومئذ الا بالمدينة وكان يصلون فيما بين أن يغيب الشفق

الأول إلى ثلث الليل، رواه البخاري.

والشفق الأول هو الحمرة وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق» رواه أبو داود. وروي (ثور الشفق) وفور الشفق فورانه وسطوعه وثوره ثوران حمرته وإنما يتناول هذا الحمرة، وآخر وقت المغرب أول وقت العشاء.

وروي عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

«الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء» رواه الدار قطني.

وما رووه لا حجة لهم فيه فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤخر الصلاة عن أول الوقت قليلا وهو الأفضل والأولى ولهذا روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لبلال:

«اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والمتوضئ من وضوئه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته» إذا ثبت هذا فإنه إن كان في مكان يظهر له الأفق ويبين له مغيب الشفق فمتى ذهبت الحمرة وغابت دخل

ص: 196

وقت العشاء وإن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجدران والجبال استظهر

حتى يغيب البياض ليستدل بغيبته على مغيب الحمرة فيعتبر غيبة البياض

لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه.

(مسألة) قال (فإذا ذهب ثلث الليل ذهب الاختيار ووقت الضرورة مبقى إلى أن يطلع الفجر الثاني وهو البياض الذي يرى من قبل المشرق فينتشر ولا ظلمة بعده).

اختلفت الرواية في آخر وقت الاختيار فروي عن أحمد أنه ثلث الليل نص عليه أحمد في رواية الجماعة وهو قول عمر بن الخطاب وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز ومالك لأن في حديث جبريل أنه صلى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المرة الثانية ثلث الليل وقال الوقت ما بين هذين.

وفي حديث بريدة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاها في اليوم الثاني ثلث الليل وعن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«صلوا فيها بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل».

وفي حديثها الآخر وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل، ولان ثلث الليل يجمع الروايات والزيادة تعارضت الاخبار فيها فكان ثلث الليل أولى.

(الرواية الثانية) ان آخره نصف الليل وهو قول الثوري وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي لما روي عن أنس بن مالك قال: أخر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة العشاء إلى نصف الليل»، رواه البخاري.

ص: 197

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى

شطر الليل». رواه أبو داود والنسائي.

وفي حديث عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«وقت العشاء إلى نصف الليل». رواه أبو داود.

والأولى - إن شاء الله تعالى - ألا يؤخرها عن ثلث الليل وان أخرها إلى

نصف الليل جاز وما بعد النصف وقت ضرورة الحكم فيه حكم وقت الضرورة في صلاة العصر على ما مضى شرحه وبيانه ثم لا يزال الوقت ممتدا حتى يطلع الفجر الثاني.

(فصل) وتسمى هذه الصلاة العشاء ولا يستحب تسميتها العتمة.

وكان ابن عمر إذا سمع رجلا يقول العتمة صاح وغضب وقال: إنما هو

العشاء، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

«لا تغلبنكم الاعراب على اسم صلاتكم فإنها العشاء وانهم يعتمون بالإبل».

وعن أبي هريرة مثله رواهما ابن ماجة. وإن سماها العتمة جاز فقد روى أبو داود بإسناده عن معاذ أنه قال: أبقينا يعني انتظرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاة العتمة ولان هذا نسبة لها إلى الوقت الذي تجب فيه فأشبهت صلاة الصبح والظهر وسائر الصلوات.

ص: 198

خامساً: وقت الصبح.

(مسألة) قال (وإذا طلع الفجر الثاني وجبت صلاة الصبح والوقت مبقى إلى ما قبل أن تطلع الشمس، ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع فقد أدركها وهذا مع الضرورة) وجملته أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعا.

وقد دلت عليه أخبار المواقيت وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك، والصبح ما جمع بياضا وحمرة ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح. فأما الفجرب الأول فهو البياض المستدق صعدا من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم ويسمى الفجر الكاذب ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار لما تقدم في حديث جبريل وبريدة وما بعد ذلك وقت عذر وضرورة حتى تطلع الشمس لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث عبد الله بن عمر:

«ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع

الشمس كان مدركا لها» وفي إدراكها بما دون ذلك اختلاف قد ذكرناه.

وقال أصحاب الرأي: فيمن طلعت الشمس وقد صلى ركعة تفسد

صلاته لأنه صار في وقت نهي عن الصلاة فيه. وهذا لا يصح لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» متفق عليه.

وفي رواية «من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس

ص: 199

فليتم صلاته» متفق عليه.

ولأنه أدرك ركعة من الصلاة في وقتها فكان مدركا لها في وقتها كبقية الصلوات وإنما نهي عن النافلة، فأما الفرائض فتصلى في كل وقت بدليل أن قبل طلوع الشمس وقت نهي أيضا ولا يمنع من فعل الفجر فيه)(1).

المسألة السادسة: المذهب الإباضي.

تناول الشماخي مواقيت الصلاة لدى المذهب الإباضي فقال:

أولاً: تحديد مواقيت الصلاة عبر صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

(وقد بينها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل لكل صلاة وقتا وبلغنا (أن جبريل (عليه السلام) أتى النبي - (صلى الله عليه وآله وسلم) - في وقت فاء الفيء قدر الشراك صلى به الظهر، ثم صلى به العصر في وقت كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى به العتمة حين غاب الشفق، ثم صلى به الغداة حين طلع الفجر، ثم جاءه مرة أخرى فصلى به الظهر في وقت كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى به العصر في وقت كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى به المغرب عند غياب الشفق، ثم صلى به العتمة عند ثلث الليل، ثم صلى به الغداة عندما احمر الفجر ودنا وقت طلوع الشمس)(2).

ص: 200


1- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 382 - 396
2- حديث جابر المشهور: رواه حمد والنسائي والترمذي وقال البخاري: هو اصح شيء في المواقيت

روي (أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله عن الأوقات فأمره أن يصلي معهم، فصلی به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر حين زالت الشمس، ثم صلى به العصر حين ذهب وقت الظهر، ثم صلى به حيث غابت الشمس، ثم صلى به العتمة حين غاب الشفق، ثم صلى به الفجر حين انفجر الصبح، وفي اليوم الثاني صلى به الظهر حين أبرد وكاد وقت الظهر يفوت، وصلى العصر قبل غروب الشمس، وصلى به المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى به العتمة قبل ثلث الليل أو نصفه، وصلى به الفجر قبل أن تطلع الشمس، ثم قال للسائل: الصلاة ما بين الوقتين)(1).

ثانياً: وقت الظهر.

ولحديث إمامة جبريل المتقدم الذي صلى به (عليه السلام) الظهر في اليوم الأول حين مالت الشمس قدر الشراك، والزوال هو انحطاط الشمس عن كبد السماء إلى جانب الغربي، وكبد السماء وسطها الذي تقوم فيه الشمس عند الزوال، ويقال عند انحطاطها زالت ومالت، وأما قوله حين مالت الشمس قدر الشراك يريد أنها زالت فصار للشخص فيء يسير قدر الشراك، وليس يكون هذا في كل بلد وانما يكون في البلدان التي ينتقل فيها الظل عند زوال الشمس ولا يكون للشخص فيء أصلاً، وأحسب الحجاز وما يليها كذلك قال الشاعر:

إذا زفا الحادي المطي اللغبا *** وانتقل الظل فصارجوربا

ص: 201


1- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي

وقال الأعرابي:

«خرجنا حفاة والشمس في قلب السماء حين انتقل كل شيء ظله وما

زادنا إلا التوكيل وما مطايانا إلا الأرجل حتى لحقنا القوم».

وأما البلدان التي تزول فيها الشمس وللشخص ظل فإنه يعرف قدر الظل الذي زالت عليه الشمس، فإذا زاد عليه مثل ظل الشخص فذلك آخر وقت الظهر فإن زاد عليه مثلاً طول الشخص فذلك آخر وقت العصر ويستدل على دخول وقت الظهر أيضاً في الشتاء أن تستقبل القبلة وتغمض عينك اليمنى فإن لم ير الشمس فصل الظهر، واستقبال القبلة هو أن تجعل بنات نعش الصغرى بين كتفيك، وتستقيل القبلة.

ويستدل أيضا على وقت الظهر في الشتاء بقطع الشمس من السماء الأكثر في مسيرها وأما العصر فإنه يستدل علیه إذا استقبل القبلة فضربته الشمس في العظم الذي قدام الأذن في الشتاء، وفي الصيف في العظم الذي خلف الأذن لأن الشمس في الشتاء، هابطة في الجنوب وفي الصيف بخلافه، ويستدل أيضا على العصر إن استقبل الشمس وضربته حرارتها بين الحاجبين سواء هذا في الشتاء والصيف والله أعلم.

وهذا كله عندي على التقريب، وأقرب من هذا كله عندي أن تأخذ عوداً معتدلاً وتوقفه في مكان مستو وتنظر إلى ظله ما دام ينتقص فإذا وقف ظله ولم ينتقص فخط على طرفه خطا مستديراً به أعني بالعود، فإذا رأيت طرف الظل قد نزل في الخط خارجاً منه فصل الظهر، وإذا زاد الظل على هذا المقدار سبعة أقدام وهو طول القامة فصل العصر لحديث إمامة جبريل المتقدم.

ص: 202

وعندي والله أعلم أنه يجوز أن يصلي الظهر على أربعة أقدام في النصف من (أيلول - سبتمبر) ثم تزيد قدما واحداً في كل خمسة عشر يوماً حتى تصلي على عشرة أقدام في النصف من (كانون الأول - ديسمبر) وذلك حين ترجع الشمس ويأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان، ثم بعد ذلك تنقص في كل خمسة عشر يوماً قدماً واحداً حتى تصلي على أربعة أقدام في النصف من (آذار - مارس) وذلك حين يستوي الليل والنهار.

ثم بعد ذلك تنقص في كل شهر قدماً واحداً في النصف من (حزيران - يونيه) وذلك عند رجوع الشمس، ويأخذ الليل من النهار، ثم تزيد في كل شهر قدماً واحداً حتى تصلي الظهر على أربعة أقدام في النصف من (أيلول - سبتمبر) کما قدمنا.

وإن شئت أن تعرف ما يزيد وماينقص في كل يوم فاقسم القدم على اثني عشر إصبعا وقسم الإصبع على خمس حبات واعط لكل يوم في الشتاء أربع حبات ولكل يوم في الصيف حبتين أعني من الخمسة عشر يوماً في الشتاء ومن الشهر في الصيف والله أعلم.

ثالثاً: وقت العصر:

وأما آخر وقت العصر فإنهم اختلفوا فيه، قال بعضهم: إذا صار ظل كل شيء مثليه بعد القدر الذي زالت عليه الشمس لحديث إمامة جبريل المتقدم، وقال آخرون: إن وقت العصر عند اصفرار الشمس لما روي أنه قال (صلی الله عليه وآله) في العصر: «مالم تصفر الشمس».

ولما روي من طريق عائشة (أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان

ص: 203

يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر)(1) أي قبل أن تخرج، وظاهر هذا الحديث أنه كان (صلى الله عليه وآله):

«يصلي العصر قبل أن تصفر الشمس»(2).

وقال آخرون اصفرار الشمس غیوب قرن منها واستدلوا بحديث أبي

هريرة أن النبي (صلى الله عليه واله) قال:

«من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(3).

واستدلو أيضاً بقوله تعالى:

«وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ»(4).

وقوله طرفي النهار يدل على بقاء وقتها إلى غيوب الشمس والله أعلم وقال بعض أصحابنا: الظهر والعصر مشتركان في وقت، وكذلك في المغرب والعشاء، والدليل على هذا القول حديث ابن عباس قال: (صلی رسول الله صلى الله عليه وآله):

«الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر ولا

سحاب ولا مطر»(5).

ص: 204


1- رواه أبو داود والنسائي
2- متفق عليه
3- متفق عليه
4- هود: 114
5- رواه مسلم من طريق ابن عباس

ويؤيد هذا الحديث ما روي أنه قال (صلى الله عليه وآله) في قوله عز

وجل «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» قال:

«يعني بدلوك الشمس الظهر والعصر إلى غسق الليل يعني المغرب

والعشاء وقرآن الفجر يعني صلاة الفجر»(1).

هذا ما روي عنه (صلى الله عليه واله) دليل على اشتراك وقت الظهر، فكذلك المغرب والعشاء، والدليل أيضاً قوله تبارك وتعالى: «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ» معناه فصل بأمر ربك قبل طلوع الشمس يعني صلاة الصبح (وقبل غروبها) يعني صلاة العصر، والأولى ذكرهما جميعاً لأنها مقرونتان في الوقت.

(ومن آناء الليل) يعني ساعة الليل (فسبح) يقول: فصل له المغرب والعشاء، فذكرهما جميعاً و (أطراف النهار) يعني صلاة الصبح والعصر كرر عليهما والله أعلم.

رابعاً: وقت المغرب.

وأما وقت المغرب فمن حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر،

الدليل ما روي أنه قال (صلى الله عليه وآله):

«المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق»(2).

وقال آخرون: المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأبيض، وسبب اختلافهم اشتراك اسم الشفق في لسان العرب، وذلك أنه

ص: 205


1- رواه أبو داود
2- متفق عليه

يقع على الأحمر ويقع على الأبيض، كما أن الفجران الأبيض والأحمر كذلك الشفق شفقان، والصحيح أن وقت المغرب مالم يغرب الشفق الأحمر، لأنه لو أراد الثاني وهو الأبيض لقال الشفقان، والدليل أيضا أنه أراد الأحمر، ما روي أنه قال (صلى الله عليه وآله):

«المغرب ما لم يذهب حمرة الشفق»(1).

وقال آخرون: وقت المغرب غير موسع وله وقت واحد، ويدل على هذا ماروي (أن عمر ابن الخطاب قعد بها حتى كانت ثلاثة أنجم فأعتق ثلاثة أعبد).

ويدل أيضاً على هذا ما روي أنه قال (صلى الله عليه وآله):

«لا تزال طائفة من أمتي على الفطرة ماصلوا صلاة المغرب قبل أن يروا

النجوم»(2).

ويستدل على وقت المغرب بطلوع الليل من المشرق وتعرضه إلى القبلة أو إذا لم يعرف موضع مغيب الشمس من غيره أو إذا نظرت إلى القمر وله شعاع أو إذا كان للنار في البيت ضوء والله أعلم.

خامساً: وقت العشاء.

وأما وقت العشاء فمن حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل لحديث إمامة جبريل المتقدم، وقال آخرون: آخر وقت العشاء نصف الليل، لما روي أنه

ص: 206


1- رواه مسلم
2- رواه أحمد وأبو داود من طريق عقبة بن عامر

(صلى الله عليه وآله):

«صلى العشاء من حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل»(1) أو قال: (الى نصف

الليل).

وقال آخرون: وقت العشاء طلوع الفجر، والدليل ما روي أنه قال (صلى الله عليه وآله):

«ليس في النوم تفریط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر إحدى الصلوات

حتى يأتي وقت الاخرى»(2).

وأهل هذا الرأي قالوا اتفق الجميع أن طلوع الفجر يخرج به وقت العشاء واختلفوا هل يخرج قبله فتمسكا بما أجمعوا عليه عند التعارض، ويقال لأهل هذا الرأي فنحن أولى بالإجماع منکم وذلك أنا قد اجمعنا نحن وأنتم أن من صلى قبل ثلث الليل أو نصفه فقد صلي في الوقت المأمور فيه، واختلفنا فيمن صلى بعد نصف الليل هل صلي في الوقت أم لا؟ فنحن على ما أجمعنا عليه والله المستعان، وقال آخرون: المغرب والعشاء مشتركان في الوقت کما قدمن في الأول والعصر والله أعلم.

سادساً: وقت الصبح.

وأما وقت صلاة الصبح فمن حين يطلع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، لما روي أنه قال (عليه السلام):

ص: 207


1- رواه النسائي من طريق عائشة
2- رواه مسلم عن أبي قتادة

«صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس»(1).

إعلم أن الفجر فجران:

الفجر الأول هو المستطيل الذي يشبه بذنب السرحان، وإنما يشبه بذنب السرحان لأنه مستدق صاعد في غير اعتراض، وهو الفجر الكاذب الذي لا

يحلل شيئا ولا يحرمه.

والفجر الثاني هو المستطير الصادق سمي مستطيراً لأنه منتشر في الأفق،

وكل شيء انتشر فقد استطار قال حسان الشاعر:

لها على سراة بني لؤي *** حريق بالفويرة مستطير

ويقال للفجر الثاني الصادق والمصدق لأنه صدقك على الصبح وبينه

لك، قال أبو ذؤيب:

شغف الكلاب الضاريات فؤاده *** فإذا رأى الصبح المصدق يفزع

سابعاً: الوقت المختار من أوقات الصلوات.

اعلم أن الوقت المختار من هذه الأوقات أول الوقت بدليل قوله (صلى الله

عليه وآله):

«أول الوقت رضوان الله وأوسطه رحمة والله وآخره عفو الله»(2).

وهذا الحديث يدل على أن المستحب أول الوقت.

وقال بعضهم: يستحب تأخير وقت الظهر في وقت الحر الشديد إلى

ص: 208


1- رواه الحاكم من حديث جابر
2- اخرجه الدارقطني عن ابي محذورة، واسمه (أوس)، وكان مؤذن النبي (صلى الله عليه وآله) عام الفتح

الإبراد، ودليلهم ما روي من طريق أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله)

قال:

«إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم»(1) وما روي (انه كان (صلى الله عليه وآله) يعجل بالظهر في وقت الشتاء الشديد، ويؤخر في الحر الشديد ويبرد بها إلى وسط الوقت)(2) وكذلك العتمة عندهم يستحب تأخيرها لما روي أنه قال (صلى الله عليه وآله):

«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير صلاة العتمة»(3) لأنه روي عنه

(صلى الله عليه وآله) قال:

«إنكم لفي صلاة منحين انتظرتموها ولو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم

بتأخيرها إلى ثلث الليل أو نصف الليل»(4).

يعني العتمة فكان هذا تخصيص للحديث الأول والله أعلم)(5).

ص: 209


1- رواه الجماعة
2- رواه النسائي والبخاري نحوه
3- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي
4- رواه أحمد وأبو داود
5- كتاب الإيضاح للشماخي: ج 1، ص 371 - 378

ص: 210

المبحث الثالث: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في مواقيت الصلاة ودليل الإمامية في المسألة وتفرعاتها

إن خير ما يمكن الرجوع إليه بعد عرض هذه الاقوال التي أوردها أئمة المذاهب وفقهائها ما خلص إليه الشيخ الطوسي في الخلاف والعلامة الحلي في التذكرة (عليهما الرحمة والرضوان) فضلاً عما أوردناه عن فقهاء المذاهب

السبعة وهو كالاتي:

المسألة الأولى: تطابق الوقت والفعل في وقت الرفاهية للفرائض اليومية.

قال العلامة الحلي (عليه الرحمة والرضوان):

(لا خلاف في جواز تطابق الوقت والفعل؛ كالصوم، ومنع القصور عند

العدلية إلا مع قصد القضاء.

واختلف في جواز تطابق الوقت والفعل؛ فمنعه جماعة منهم أبو حنيفة وجعل الوجوب مختصاً في توسيع الوقت(1) وآخرون بأوله(2)، وآخرون أي - الشافعية والحنابلة - قالوا: إن بقي عليه صفة المكلفين إلى آخر الوقت، فما فعله واجب وإلا كان نفلاً(3).

ص: 211


1- المجموع: ج 3 ص 47؛ فتح العزيز: ج 3 ص 41
2- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 415: بدائع الصنائع لابي بكر الكاشاني: ج 1 ص 95
3- المجموع: ج 3 ص 47؛ المغني ج 1 ص 414

والكل خطأ نشأ بسبب الجهل بمعنى الواجب الموسع، والتحقيق أنه كالواجب المخير، فإن الله تعالى أوجب على المكلف الإتيان به في هذا الوقت،

لا بمعنى شغل جميع الوقت بالفعل، ولا اختصاص بجزء معين لانتفاء المرجح.

بل بمعنى وجوب الإتيان بهذا الفعل في أي جزء كان من الوقت ولا يجوز اخلائه عنه؛ وأختلف مثبتوه، فالسيد المرتضى على وجوب العزم، ليقع الفصل بينه وبين الندب والتحقيق أن وجوب العزم من أحكام الايمان لا باعتبار التوسعة، والفرق بينه وبين الندب ظاهر)(1).

المسألة الثانية: لكل صلاة وقتان في المذهب الإمامي (الفضيلة والإجزاء).

ذهب الإمامية (أعلى الله شانهم) إلى أن لكل صلاة وقتان: أول وآخر وهو ما جاء في التذكرة(2)، والاول: وقت الفضيلة والآخر وقت الأجزاء، وبه قال المرتضى، وابن الجنيد(3)، لقول الامام الباقر (عليه السلام):

«أحب الوقت إلى الله حيث يدخل وقت الصلاة، فإن لم تفعل فإنك في

وقت منها حتى تغيب الشمس»(4).

وقال الشيخان - أي المفيد والطوسي - الاول وقت من لا عذر له، والثاني

لمن له عذر(5) وبه، اي بهذين الوقتين قال الشافعي ايضاً(6).

ص: 212


1- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 299 - 300
2- تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي: ج 2 ص 300
3- حكى قولها المحقق الحلي في المعتبر: ص 134
4- التهذيب للطوسي: ج 2 ص 24
5- المقنعة للشيخ المفيد: ص 14، المبسوط للطوسي: ج 1 ص 72
6- فتح العزيز: ج 3 ص 3

لقول الامام الصادق (عليه السلام):

«لكل صلاة وقتان، وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر»(1).

وهو محمول على الفضيلة لدلالة قوله: أول الوقت أفضله، و(أفضل) يقتضي التشريك في الجواز.

المسالة الثالثة: الإختلاف في عدد أوقات الصلاة في المذاهب الأخرى.

أولا: المذهب الحنبلي.

ذهب الحنابلة إلى إنّ لكل صلاة ثلاثة أوقات، وقت فضيلة، ووقت جواز، ووقت ضرورة(2).

ثانيا: المذهب الشافعي.

ذهب فقهاء الشافعية إلى أن وقت فضيلة جميع الصلوات أول أوقاتها(3).

ثالثا: المذهب المالكي.

وذهب المالكية إلى أن الوقت المختار ينقسم إلى وقت فضيلة ووقت توسعة، ويقع وقت الفضيلة مطلقا في أول أوقاتها لقوله تعالى «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ».

ص: 213


1- الكافي: ج 3 ص 274؛ التهذيب : ج 2 ص 39
2- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 397
3- فتح العزيز للرافعي: ج 3، ص 19

ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها(1).

المسألة الرابعة: معنى الدلوك في المذهب الإمامي.

أولا: تحقيق الشيخ الطوسي (رحمه الله).

قال الشيخ الطوسي في معنى الدلوك الذي ورد في قوله تعالى:

«أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ».

قال:

(الدلوك عندنا هو الزوال، وبه قال ابن عباس، وابن عمر، وابو هريرة، والشافعي واصحابه ورووا عن علي (عليه السلام) وابن مسعود انها قالا: الدلوك هو الغروب.

والآية عندنا محمولة على صلاة الظهر، وعند من خالف على صلاة المغرب.

دليلنا:إجماع الفرقة واخبارهم)(2).

ثانيا: تحقيق العلامة الحلي والشيخ الجواهري.

أقول:

ص: 214


1- مواهب الجليل للحطاب الرعيني: ج 2، ص 38
2- المجموع للنووي: ج 3 ص 25، الأم للشافعي: ج 1 ص 68

وقد أورد العلامة الحلي والشيخ الجواهري (عليها الرحمة والرضوان) الكثير من هذه النصوص الشريفة كما مرّ بيانه سابقاً ومن ثم فلا حاجة للاستشهاد بها مرة أخرى.

المسالة الخامسة: معنى الدلوك في المذاهب الاخرى.

أولا: المذهب الزيدي.

قال فقهاء الزيدية في بيان قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ»:

(فرضاً لصلاة الظهر، ودلوكها زوالها).

ثانيا: المذهب الشافعي.

(دلوكها زوالها)(1).

ثالثا: المذهب المالكي.

ذهب فقهاء المالكية في معنى الدلوك إلى القول بأن: (المراد به زوال الشمس وميلها عن وسط السماء مغربة)(2).

رابعاً: المذهب الحنفي.

ص: 215


1- الأحكام ليحيى بن الحسين: ج 1، ص 87
2- مواهب الجليل للرعيني: ج 2، ص 17

وقال فقهاء الحنفية: (إنه زوال الشمس)(1).

خامساً: المذهب الحنبلي.

أورد فقهاء الحنابلة ثلاثة أقوال للدلوك وهي: (غروبها، طلوعها، إذا فاء

الفيء) وهو ما رواه ابن عباس واختاره الحنابلة(2).

المسألة السادسة: تحقق دخول وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس.

أولاً: تحقيق الشيخ الطوسي وبيان اقوال المذاهب الأخرى.

وقد حقق في المسألة الشيخ الطوسي (عليه رحمة الله ورضوانه) وبيَّن دلیل

الإمامية في دخول وقت صلاة الظهر وإذا زالت الشمس، فقال:

(لم يقع الخلاف بين المذاهب الإسلامية في هذه المسألة فقد (قال به جميع الفقهاء، وفي الناس من قال: لا يجوز الصلاة حتى يصير الفيء مثل الشراك بعد الزوال حكي ذلك عن مالك وأنه قال: أحب أن يؤخر الظهر بعد الزوال(3) مقدار ما يزيد الظل ذراعا(4). وهذا الذي ذكره مالك مذهبنا في

ص: 216


1- المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 162
2- کشف القناع للبهوتي: ج 1، ص 293
3- الأم: 1: 72، والأم (مختصر المزني): 11، والأصل 1: 144، والهداية 1: 38، والتف 1: 53، وأحکام القرآن للجصاص 2: 298، و مقدمات ابن رشد 1: 105، ومغني المحتاج 1: 121، وشرح فتح القدير 1: 152، و مختصر العلامة خليل: 23، والمنهج القويم 1: 106، والمجموع 3: 18 والمغني لابن قدامة 1: 371، والمبسوط 1: 371، والمبسوط 1: 142
4- قال مالك في المدونة الكبرى 1: 55، «وأحب أن يصلي الناس الظهر في الشتاء والصيف والفيء ذراع»

استحباب تقديم النوافل إلى الحد الذي ذكره، وإذا صار كذلك بدأ بالفرض. دليلنا: على دخول الوقت عند الزوال: إجماع الفرقة، وأما الأخبار التي

رويت في هذا المعنى فأكثر من أن تحصى)(1).

ثانياً: فضلاً عماحققه الشيخ الطوسي في المسالة.

فأقول:

وذهب فقهاء الزيدية: إلى أن اختيار وقت صلاة الظهر مقدور من الزوال، أي من زوال الشمس وعلامته، أي الزوال: زيادة ظل كل منتصب في ناحية المشرق بعد تناهيه في النقصان(2).

وذهب الإباضية: في تحديد وقت صلاة الظهر بالزوال، وهو (وقت فاء

الفيء)(3).

المسألة السابعة: ما يختص بصلاة الظهر من الوقت ومقدار ما يشترك معها من صلاة العصر.

أولاً: تحقيق العلامة ابن المطهر الحلي (رحمه الله) وبيان اقوال المذاهب الاخرى.

أختلف فقهاء المذاهب الإسلامية في هذه المسألة.

وقد بحثها وحققها العلامة ابن المطهر الحلي (عليه رحمة الله ورضوانه) مستعرضاً لأقوال فقهاء المذاهب الخمسة، أي: الإمامي، والحنفي، والشافعي،

ص: 217


1- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 256 - 257
2- کتاب شرح الأزهار، لأحمد المرتضى: ج 1، ص 141
3- كتاب الإيضاح للشماخي: ج 1، ص 376

والمالكي، والحنبلي؛ فضلاً عن أقوال بعض الفقهاء من العامة، ومن ثم سنتبع ما أورده العلامة بأقوال المذهب الزيدي والإباضي التزاماً بمنهج الكتاب، فقال (رحمه الله) وقد ابتدأ بقول فقهاء الامامية (أعلى الله مقامهم) في مقدار وقت صلاة الظهر هو:

(مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات، ثم بعد ذلك مشترك بينه وبين العصر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، فإذا صار كذلك خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر(1).

وقال قوم: آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله، ويعتبر الزيادة من موضع زيادة الظل لا من أصل الشخص بلا خلاف. فإذا زاد على ذلك زيادة يسيرة خرج وقت الظهر، وبه قال الشافعي، والأوزاعي، والليث بن سعد والثوري، والحسن بن صالح بن حي، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، و أحمد بن حنبل إلا أنهم قالوا: لا يدخل وقت العصر إلا بعد أن يخرج وقت الظهر الذي هو ظل كل شئ مثله(2).

وقال قوم: وقت الظهر ممتد من حين الزوال إلى غروب الشمس. وبه

ص: 218


1- في جميع النسخ زيادة عبارة نصها: «إلى أن يبقى من النهار مقدار أربع ركعات فيختص بالعصر» وليس لها معنى في هذا الموضع
2- الأم 1: 72، وبداية المجتهد 1: 89 و 91، والمنهج القويم 1: 107، ومغني المحتاج 1: 122. والمغني لابن قدامة 1: 374. المجموع 3: 21، وفي الإقناع «من خروج وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه». أحكام القرآن للجصاص 2: 269

قال عطاء وطاووس ومالك(1) واختاره المرتضى من أصحابنا رضي الله عنه(2) وذهب إليه قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا. وقال ابن جرير وأبو ثور والمزني: إذا صار ظل كل شئ مثله فقد دخل وقت العصر، ولم يخرج وقت الظهر إلى أن يمضي من الوقت مقدار ما يصلي أربع ركعات، ثم يخرج وقت الظهر ويكون باقي النهار إلى غروب الشمس وقت العصر(3).

وعن أبي حنيفة ثلاث روایات:

إحداها وهي المشهورة رواها أبو يوسف وغيره وعليها يناظرون: إن آخر وقتها إذا صار ظل كل شئ مثليه، ثم ما بعد ذلك وقت العصر(4).

وروى أبو يوسف في رواية شاذة: آخر وقت الظهر دون أن يصير ظل كل شئ مثليه، ولم يجد ذلك المقدار(5). وروى الحسن بن زیاد اللؤلؤي(6)

ص: 219


1- المجموع 3: 21. وقال في النتف 1: 53 ما لفظه: «وفي قول مالك والشافعي إلى غروب الشمس، و زعموا أن وقت الظهر والعصر واحد «، وفي مقدمات ابن رشد 1: 105 ما نصه: «وللضرورة إلى غروب الشمس»، وأحکام القرآن للجصاص 2: 299
2- اختاره في جمل العلم والعمل: 61، والناصريات في المسألة 72، وقال العلامة الحلي قدس سره في تذكرة الفقهاء 75: وهو اختيار المرتضى وابن الجنيد
3- المجموع 3: 21
4- الهداية: 1: 38، وشرح معاني الآثار 1: 159، والنتف 1: 53، وبداية المجتهد 1: 89، وشرح فتح القدير 1: 102
5- في أحكام القرآن للجصاص 2: 269 وقال أبو يوسف و محمد وزفر والحسن بن زیاد والحسن بن صالح والثوري والشافعي هو أن يصير ظل كل شيء مثله
6- الحسن بن زیاد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي، من أصحاب أبي حنيفة النعمان بن ثابت، له كتاب أدب القاضي وغيره ولي القضاء في الكوفة سنة 194 هجرية، وأخذ عنه محمد بن ساعة و محمد بن شجاع، واختلف في وثاقته. توفي سنة (204 ه) الفوائد البهيمة في تراجم الحنفية: 60، الفهرست لابن النديم: 258، والأنساب للسمعاني 497 / أ

رواية ثالثة: إن آخر وقت الظهر أن يصر ظل كل شيء مثله(1) كقولنا، إلا أنه لا يجعل ما بعد ذلك من وقت العصر بل يقول أن أول وقت العصر إذا

صار ظل كل شيء مثليه، وما يكون بينها ليس بوقت لواحدة من الصلاتين. دليلنا: على صحة ما ذهبنا إليه: أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه وقت للظهر وهو ما بين الزوال إلى أن يصر ظل كل شيء مثله وما زاد عليه ليس على كونه وقتا دليل، فوجب الاحتياط والأخذ بما قلناه)(2)، - انتهى كلام العلامة عليه الرحمة والرضوان-.

ثانياً: فضلاً عما حققه العلامة ابن المطهر الحلي (رحمه الله)

فأقول:

وقد أفاد (رضوان الله تعالى عليه) في بيان مقدار اختصاص وقت صلاة الظهر في السفر فقال: (إذا زالت الشمس أختص الوقت بالظهر إلى أن يمضي مقدار أربع ركعات في الحضر، وركعتين في السفر وهو قدر إدائها)(3).

أما ما ورد عن فقهاء المذهب الزيدي والإباضي فهو كالاتي:

المذهب الزيدي.

وذهب فقهاء الزيدية في تقرير وقت صلاة الظهر بقولهم: (فقولهم اختيار

ص: 220


1- المجموع 3: 21. وقال في النتف 1: 53 ما لفظه : «وفي قول مالك والشافعي إلى غروب الشمس، و زعموا أن وقت الظهر والعصر واحد»، وفي مقدمات ابن رشد 1: 105 ما نصه: «وللضرورة إلى غروب الشمس»، وأحكام القرآن للجصاص 2: 269
2- الخلاف للطوسي: ج 1 ص 257 - 259
3- تذكرة الفقهاء: للعلامة الحلي ج 2 ص 306

الظهر ممتد من الزوال، وآخره مصير ظل الشيء المنتصب مثله، سوى فيء الزوال، واختلف في تقدير المثل في القامة. فقيل: إذا بلغ الظل ست اقدام ونصفا سواء القدم التي قام عليها،

فذلك قدر القامة).

المذهب الإباضي:

ذهب الإباضية في تحديد وقت صلاة الظهر إلى القول من (وقت فاء

الفيء، قدر الشراك إلى أن يصر ظل كل شيء مثله)(1).

المسألة الثامنة: أول وقت العصر وما يشترك معها من وقت الظهر.

أولاً: تحقيق الشيخ الطوسي (رحمه الله) في المسألة وبيان اقوال المذاهب الاخرى.

أختلف فقهاء المذاهب في المسألة وقد تناولها الشيخ الطوسي (رضوان الله تعالى عليه) في فقه الخلاف مستعرضاً لأقوال فقهاء المذاهب ومبيناً لدليل الإمامية في تحديد وقت صلاة العصر وما يشترك معها من وقت الظهر.

فيقول: (أول وقت العصر اذا مضى من الزوال مقدار ما يصلي من الظهر أربع ركعات، وآخره إذا صار ظل كل شيء مثليه، وفي أصحابنا من قال: إنه ممتد إلى غروب الشمس، وهو اختيار المرتضى (قدس الله روحه)(2)، وبه قال مالك في إحدى الروايتين(3)، والرواية الأخرى إن أول وقت العصر إذا صار

ص: 221


1- كتاب الإيضاح للشماخي: ج 1، ص 376
2- جمل العلم والعمل: 61، والناصريات: مسألة 72
3- قال ابن رشد في مقدماته 1: 105 « وآخر وقت العصر للضرورة إلى غروب الشمس»، والمجموع 3: 21 و 26

ظل كل شيء مثله(1)، وقال الشافعي وأصحابه: إذا صار ظل كل شيء مثله، وزاد عليه أدنى زيادة خرج وقت الظهر، ودخل وقت العصر ثم لا يزال وقت العصر للمختار إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، فإذا جاوز ذلك خرج وقت المختار ويبقى وقت الجواز إلى أن تصفر الشمس(2)، وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد ومالك والحسن بن صالح وأبو يوسف ومحمد(3).

وقال أبو حنيفة: أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه وآخره إذا اصفرت الشمس(4).

دليلنا على ما قلناه من أول وقت العصر: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن الشمس إذا زالت فقد وجبت الصلاتان، إلا أن الظهر قبل العصر، وإنما الخلاف في آخر الوقت.

وأما ما روي من أخبار القدم، والقدمين، والذراع، والقامة وغير ذلك

والمجموع 3: 21 و 26.

ص: 222


1- مقدمات ابن رشد 1: 105، ومختصر العلامة خليل: 23، وبدایة المجتهد 1: 91، والمجموع 3: 21 وعمدة القاري 5: 29 - 33
2- الأم 1: 72 - 73، والأم (مختصر المزني): 11، ومغني المحتاج 1: 122، والمجموع 3: 25، وعمدة القاري 5: 33، وبداية المجتهد 1: 91، والمنهج القويم 1: 107، والمغني لابن قدامة: 1: 376
3- الأصل 1: 145، وعمدة القاري 5: 29 و 33، ومراقي الفلاح: 29، ومقدمات ابن رشد 1: 105، وبداية المجتهد 1: 91، والمجموع 3: 21، وفتح الرحيم 1: 62، والمغني لابن قدامة 1: 376، ومختصر العلامة خليل: 23
4- الأصل: 1: 145، والهداية 1: 38، وأحكام القرآن للجصاص 2: 272، والنتف 1: 53، وشرح فتح القدير 1: 153، ومراقي الفلاح: 29، والمجموع 3: 28، وعمدة القاري 5: 29 و 33، وشرح العناية 1: 153، وبداية المجتهد 1: 91

فقد بينا الوجه فيها في الكتابين المقدم ذكرهما(1)، وبينا أن ذلك تقدير للنوافل لا للفريضة فكأنهم قالوا: يجوز النوافل ذلك القدر فإذا خرج وجبت البدأة بالفرض. دليلنا على أن آخر الوقت ما قلناه: هو أن ما قلناه مجمع على أنه من وقت العصر، وما ذكروه ليس على كونه وقتا للأداء دليل)(2).

ثانياً: تحقيق العلامة الحلي (رحمه الله) في أول وقت العصر وبيان أقوال المذاهب الاخرى.

وقال العلامة الحلي في بيان أول وقت العصر:

(بعد الانتهاء من صلاة الظهر في الحضر والسفر وهو قدر ادائها اربعاً في

الحضر واثنان في السفر ثم يشترك الوقتان إلى ان يبقى للغروب مقدار العصر؛ اما اربع رکعات او ركعتان فيختص بها، ذهب اليه اكثر علمائنا)(3).

وبه قال مالك في رواية(4) لأن أبا أمامه قال: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس وهو يصلي العصر فقلنا: يا أبا عمرة ما

هذه الصلاة؟! قال:

العصر وهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله التي كنا نصلي معه(5). ولا يحتمل وقوعها بعد الظل، لانتفاء الموجب للتعجب حينئذ، ولأن

ص: 223


1- التهذيب 2: 18 - 27، والاستبصار 1: 258 - 262
2- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 261
3- منهم: الشيخ الطوسي في المبسوط: ج 1 ص 72؛ وسلار في المراسم: ص 62؛ والمحقق الحلي في الشرائع: ج 1 ص 60
4- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 416
5- صحيح البخاري 1: 144 و 145

النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر(1)، ولأنه يجوز الجمع بينهما في السفر، ولو لم يكن وقتا لهما لما جاز، كما لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب في وقت إحداهما.

وقال ابن عباس: ألا أخبركم بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السفر؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال، وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في

وقت العصر(2).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (علیه السلام):

«صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر والعصر حين زالت

الشمس في جماعة من غير علة»(3).

وقال بعض علمائنا: إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن الظهر

قبل العصر(4) - وبه قال ربيعة(5) - لقول العبد الصالح (عليه السلام):

«إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(6).

وقال الشافعي: أول وقت العصر من حين الزيادة على المثل متصلا

ص: 224


1- صحيح مسلم 1: 489 / 705 و 491 / 54، سنن الترمذي 1: 355 / 187، سن النسائي 1: 290، سنن البيهقي 3: 166، الموطأ 1: 144 / 4
2- سنن البيهقي 3: 163
3- الكافي 3: 286 / 1، التهذيب 2: 19 / 53
4- الفقيه 1: 139 / 647
5- المغني 1: 418، الشرح الكبير 1: 469
6- التهذيب 2: 244 / 966، الإستبصار 1: 246 / 876

بوقت الظهر فلا يدخل الوقت إلا بعد أن يصير ظل كل شيء مثله(1) لحديث جبرئيل (عليه السلام)(2) وهو يدل على الأفضلية. وقال أبو حنيفة: يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه وزاد عليه أقل زيادة لقوله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ»(3) ولو كان وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله كان وسط النهار(4).

ويضعف بأن الطرف إن قصد الحقيقي فهو آخر النهار كما يذهب إليه،

وإن كان ما تراخى عن الوسط لم يبطل به قول الشافعي)(5).

المسألة التاسعة: تحديد وقت فضيلة العصر.

أولاً: تحقيق العلامة الحلي (رحمه الله) وبيان أقوال المذاهب الاخرى.

تناول العلامة الحلي (رضوان الله تعالى عليه) في التذكرة هذه المسالة

فقال:

(آخر وقت العصر للفضيلة اذا صار كل شيء مثليه، وللاجزاء إلى

ص: 225


1- المجموع 3: 21، الأم 1: 73، فتح العزيز 3: 14 و 19، المغني 1: 417، الشرح الكبيرا: 469
2- سنن الترمذي 1 : 279 / 149، سنن أبي داود 1: 107 / 393، سنن البيهقي 1: 366
3- هود: 114
4- المبسوط للسرخسي 1: 142، المغني 1: 417، الشرح الكبير 1: 469، المحلى 3: 165
5- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 308

الغروب عند اكثر علمائنا(1)، وبه قال الشافعي وابو حنيفة(2) لقوله تعالى:

«وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ».

ثانياً: فضلاً عماحققه العلامة.

فأقول:

بقي أن نورد ما ذهب إليه فقهاء المذهب الزيدي والإباضي في أول وقت

صلاة العصر ووقت فضيلتها، وهو كالآتي:

المذهب الزيدي.

ذهب فقهاء الزيدية إلى معرفة الزوال عبر أمرين:

الأول: مصير ظل الشيء المنتصب مثله.

الثاني: في تحديد المثل، فقيل: إذا بلغ الظل سنة أقدام ونصفاً.

وفي تحديد وقت صلاة العصر، قالوا:

فمن أعتبر الإقدام، قال: ما عليه إلا ذلك ومن أعتبر المثل، قال عليه النظر في المماثلة ومصير ظل الشيء مثله سواء في الزوال هو أول وقت اختيار العصر، وآخر المثلان، أي: مثلاً المنتصب سوي فيء الزوال. وقيل: إن أول اختيار العصر بعد أن يزيد الظل على المثل أدنى زيادة)(3).

المذهب الإباضي.

ص: 226


1- منهم: المرتضى في الناصريات: ص 229، المسالة 72؛ ابن زهرة في الغنية: ص 494؛ المحقق الحلي في المعتبر: ص 137؛ الجامع في الشرائع: ص 60
2- المجموع للنووي: ج 3 ص 21؛ بدائع الصنائع: ح 1 ص 123
3- شرح الأزهار لأحمد المرتضى: ج 1، ص 206

ذهب الإباضية إلى تحديد وقت العصر: إذا زاد على الظل مثليه فهو آخر

وقتها، وإذا زاد الظل على قامة الشخص سبعة أقدام فصل العصر.

وقيل: إن وقت العصر عند اصفرار الشمس.

وقيل: إن الظهر والعصر مشتركان في وقت، وكذلك في المغرب والعشاء وأستدلوا بحديث ابن عباس (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعاً من غیر خوف ولا سفر، ولا سحاب ولا مطر) وقوله عز وجل:

«أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ».

فهذا يدل على اشتراك وقت الظهر والعصر، فكذلك وقت المغرب

والعشاء)(1).

المسألة العاشرة: أول وقت المغرب الذي تتعلق به الفريضة، ووقت

فضيلتها.

تُعدُ هذه المسألة في أوقات الصلاة من أكثر المسائل اختلافاً بين فقهاء المذاهب الإسلامية، وقد جمع الشيخ الطوسي والعلامة الحلي (عليهما الرحمة والرضوان) بعض هذه الأقوال وتحقيقها وهي كالاتي:

أولاً: تحقيق الشيخ الطوسي في المسألة وبيان اقوال المذاهب الاخرى.

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(أول وقت المغرب اذا غابت الشمس، وآخره اذا غاب الفق وهو

ص: 227


1- كتاب الإيضاح للشماخي: ج 1، ص 374

الحمرة، وبه قال ابو حنيفة، والثوري، واحمد، واسحاق بن راهويه، وأبو

ثور، وابو بكر بن المنذر(1) في ختياره، وحكى أبو ثور هذا المذهب عن الشافعي، ولم يصححه أصحابه(2)، إلا أن أبا حنيفة قال: الشفق هو البياض، لكنه كره تأخير المغرب(3).

وقال الشافعي وأصحابه: إن وقت المغرب وقت واحد، وهو إذا غابت الشمس، وتطهر وستر العورة وأذن وأقام فإنه يبتدئ بالصلاة في هذا الوقت، فإن أخر الابتداء بها عن هذا الوقت فقد فاته(4).

وقال أصحابه: لا يجئ على مذهبه غير هذا. وبه قال الأوزاعي(5).

وذهب مالك إلى أن وقت المغرب ممتد إلى طلوع الفجر الثاني، كما أن وقت الظهر ممتد إلى المغرب(6)، وفي أصحابنا من قال بذلك، ومنهم من قال:

ص: 228


1- ابو بكر محمد بن المنذر النيسابوري من اصحاب الوجوه عند الشافعية، روى عن محمد بن سيمون ومحمد بن اسماعيل الصائغ وغيرهما، وروى عنه ابن المغري والدمياطي وغيرهم وله الاشراف على مناهب الجناب: ج 2 ص 261 وغيره، توفي سنة (310 ه) «طبقات الشافعية: ج 2 ص 126؛ مرآة الجنان: ج 3 ص 261
2- قال الشوكاني في نيل الأوطارا: 402 «ونقل عنه أبو ثور إن لها وقتين، الثاني منهما ينتهي إلى مغيب الشفق». وانظر مغني المحتاج 1: 122، والمنهج القويم 1: 108، وبداية المجتهد 1: 92
3- الأصل 1: 145، وشرح معاني الآثار 1: 155، والهداية 1: 38، وأحكام القرآن للجصاص 2: 274، وشرح فتح القدير 1: 154
4- الأم: 1: 73، والمجموع 3: 28، ومغني المحتاج 1: 123، والسراج الوهاج 1: 34
5- المجموع 3: 34
6- مقدمات ابن رشد 1: 106، وفتح الرحيم 1: 62، ومختصر العلامة خليل: 23، وأحكام القرآن للجصاص 2: 274 والمجموع 3: 34، ونيل الأوطار 1: 403

أن وقته ممتد إلى ربع الليل(1).

دليلنا: إن ما اعتبرناه مجمع عليه بين الفرقة المحقة أنه من الوقت، وإنما

اختلفوا في آخره)(2).

ثانياً: تحقيق العلامة الحلي (قدس) في المسألة:

اختلف علماؤنا في علامة المغرب، فالمشهور عليه - وعليه العمل - إذا ذهب الشفق المشرقي لقول النبي (صلى الله عليه واله):

«اذا اقبل الليل من هنا، وغربت الشمس، افطر الصائم»(3).

وقول الصادق (عليه السلام): «وقت المغرب إذا تغيرت الحمرة في الأفق

وذهبت الصفرة وقبل أن تشتبك النجوم»(4).

وعنه (عليه السلام):

ص: 229


1- ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة: 14، مقيد إياه بالسفر حيث قال: (والمسافر إذا جد به السير عند المغرب فهو في سعة من تأخيرها إلى نصف الليل)، ومال إليه الصدوق في الفقيه 1: 141 مع التقييد حيث قال: (ووقت المغرب لمن كان في طلب المنزل في سفر إلى ربع الليل، والمفيض من عرفات إلى جمع كذلك). وقال علم الهدى السيد المرتضى في الناصريات مسألة 74 ما نصه: «وآخر وقتها مغيب الشفق... وروي ربع الليل». ولعله إشارة إلى خبر عمر بن يزيد المروي في التهذيب 2: 31 حديث 94، والاستبصار 1: 267 حديث 964 وغيره. وذهب إليه أيضا أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 137 حيث قال: «وآخر وقت المضطر ربع الليل»
2- الخلاف للطوسي: ج 1 ص 262
3- صحیح مسلم: ج 2 ص 772
4- التهذيب 2: 257 / 1024

«وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق»(1).

وقال بعضهم: سقوط القرص(2) وهو ظاهر في الصحارى، وأما في العمران والجبال فيستدل عليه بأن لا يبقى شيء من الشعاع على رؤوس الجدران، وقلل الجبال، وعليه الجمهور كافة)(3).

أما وقت الفضيلة، فقد قال:

(واخره للفضيلة إلى ذهاب الشفق وللأجزاء إلى ان يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء، لأن عبد الله بن عباس قال: الحائض تطهر قبل طلوع الفجر فتصلي المغرب والعشاء(4)، ولو لم يكن الوقت ممتدا لما وجب، لأن عذرها قد عم الوقت.

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«إن الله افترض أربع صلوات، صلاتان أول وقتها من عند زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه واثنتان وقتها من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه»(5).

ولأن وقت العشاء ممتد إلى الانتصاف فتكون المغرب مساوقة لها لأنها

صلاتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر والعصر.

ص: 230


1- الكافي 3: 278 / 1، التهذيب 2: 29 / 83، الإستبصار 1: 265 / 959، علل الشرائع: 349 باب 60 الحديث 1
2- قاله الشيخ في المبسوط 1: 74
3- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 310
4- سنن البيهقي 1: 376
5- التهذيب 2: 25 / 72، الإستبصار 1: 261 / 938

وقال الشيخ، والمرتضى، وابن أبي عقيل: آخره للمختار إلى ذهاب الشفق، وللمضطر إلى الانتصاف بقدر العشاء(1) وفي قول آخر للشيخ: آخره ثلث الليل(2) وفي رواية إلى ربع الليل(3)، وبه قال ابن الجنيد، وهو قول للمرتضى(4). وللمضطر إلى أن يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء.

وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وداود، وأبو ثور، وابن المنذر، والزهري: آخره غيبوبة الشفق المغربي، وحكاه أبو ثور عن الشافعي(5)، لأن النبي (صلى الله عليه واله) قال:

«وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق»(6)

وثور الشفق هو انتشار الشفق، وقال الشافعي في الجديد والقديم: إن لها وقتا واحدا - وهو قول مالك - وهو يدخل بسقوط جميع القرص(7).

واختلفت الشافعية في قدره، فبعضهم قال: قدره بقدر الطهارة، ولبس الثياب، والأذان والإقامة، وفعل ثلاث ركعات بسور قصار، والسنة ركعتين خفيفتين، فإذا جاز ذلك فقد خرج وقت المغرب وصارت قضاء.

ص: 231


1- المبسوط 1: 74 - 75 وحكاه عنهم المحقق في المعتبر: 137
2- لم نجده في المصادر المتوفرة لدينا
3- التهذيب 2: 31 / 94، الإستبصار 1: 267 / 964
4- حكى قولها المحقق في المعتبر: 137
5- اللباب 1: 56، المغني 1: 424، الشرح الكبير 1: 472، المنتقى 1: 14، المجموع 3: 290، حلية العلماء 2: 16
6- صحیح مسلم 1: 427 / 172، سنن أبي داود 109 / 396، سنن النسائي 1: 260
7- المجموع 3: 29 و 34، فتح العزيز 3: 23، المنتقى 1: 14، المغني 1: 424، الشرح الكبير 1: 472، سنن الترمذي 1: 305ذيل الحديث 164

وقال آخرون: مقدار الأذان والإقامة، وخمس رکعات قصار، فأما الطهارة، ولبس الثياب فيمكن تقديمهما على الوقت فلا يكون قدر إمكانهما من الوقت(1) لأن جبریل (عليه السلام) صلى المغرب في اليومين في وقت واحد(2).

وقال مالك: يمتد وقتها إلى طلوع الفجر - وبه قال عطاء، وطاووس(3) - کما يقول في الظهر والعصر)(4).

ثالثاً: فضلاً عما حققه الشيخ الطوسي والعلامة.

فأقول:

أما حكم المسألة في المذهب الزيدي والإباضي ، فهي:

المذهب الزيدي:

ذهب فقهاء الزيدية في تحديد وقت صلاة المغرب فيبتدأ من رؤية كوكب

ليلي لا نهاري، والنهاري هي الزهرة، والمشتري، والشعري، وهي علب.

وقيل: إن الذي عليه مشهور فقهاء الزيدية، إن أول اختبار المغرب سقوط

قرص الشمس، ويعرف بتواريها الحجاب.

فأما من في بطن واد أو في أوهاط الأرض فلعلهم يقولون يعتبر بذهاب شعاعها عن رؤوس الجبال، وآخره ذهاب الشفق الأحمر فإذا ذهب فذلك

ص: 232


1- المجموع 3: 31 و 32، فتح العزيز 3: 23 و 24، كفاية الأخيارا: 52، حلية العلماء 2: 16
2- سنن أبي داود 1: 107 / 393
3- مقدمات ابن راشد 1: 106، المجموع 3: 34، المغني 1: 424، الشرح الكبير 1: 472
4- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 311 - 312

آخر اختيار المغرب)(1).

المذهب الإباضي:

حدد فقهاء المذهب الإباضي وقت صلاة المغرب، فقالوا:

(من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر.

وقال آخرون: المغرب من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأبيض، وسب اختلافهم اشتراك اسم الشفق في لسان العرب في أنه يقع على الأحمر والأبيض.

وقيل: إن الصحيح هو ذهاب الشفق الأحمر.

وقال آخرون: إن وقت المغرب غير موسع وله وقت واحد.

وقيل: يستدل على وقت المغرب بطلوع اليل من المشرق وتعرضه إلى القبلة.

أو إذا لم يعرف موضع مغيب الشمس من غيره أو إذا نظرت إلى القمر وله

شعاع، أو إذا كان لنار في البيت ضوء، والله أعلم)(2).

المسألة الحادية عشر: تحديد وقت فريضة العشاء وفضيلتها.

أولاً: تحقيق العلامة الحلي (رحمه الله) في المسالة وبيان أقوال فقهاء المذاهب الأخرى:

أورد العلامة الحلي (عليه الرحمة والرضوان) في التذكرة أقوال فقهاء

ص: 233


1- شرح الأزهار لأحمد المرتضى: ج 1، ص 207
2- کتاب الإيضاح الشماخي: ج 1، ص 370

الإمامية والمذاهب الاخرى في بيان وقت العشاء الذي يتعلق فيه الحكم في وجوب الفريضة.

فقال:

(أول وقت العشاء عند الفراغ من فريضة المغرب، لكن الأفضل تأخيرها إلى سقوط الشفق، وهو اختيار المرتضى في الجمل، وابن الجنيد(1) لما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر(2)، وفي رواية أخرى: من غير خوف ولا مطر(3).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه

قبل هذه»(4).

وعن الصادق (عليه السلام):

«صلی رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب والعشاء قبل الشفق من

غير علة في جماعة»(5).

ص: 234


1- حكاه عنهما المحقق في المعتبر: 138 ويوجد قول السيد في الجمل: 30 (ضمن المجموع الرائق)
2- صحیح مسلم 1: 489 / 705، سنن النسائي 1: 290، الموطأ 1: 144 / 4، سنن البيهقي 3: 166
3- سنن النسائي 1: 290، سنن الترمذي 1: 355 / 187، سنن البيهقي 3: 167
4- الكافي 3: 281 / 12، التهذیب 2: 27 / 78، الإستبصار 1: 262 / 941
5- الكافي 3: 286 / 1، التهذيب 2: 263 / 1046، الإستبصار 1: 271 / 981

وللشيخ قول آخر: إن أول وقتها سقوط الشفق - وهو قول آخر للمرتضى(1)، وقول الجمهور كافة(2) - لأن جبرئيل أمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يصلي العشاء حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(3). وهو محمول على الاستحباب

واختلفوا في الشفق، فذهب أصحابنا إلى أنه الحمرة لا البياض، وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والزهري، ومالك، والشافعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وأبو يوسف، ومحمد(4) لقول النبي (صلى الله عليه وآله):

«الشفق: الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة»(5).

وقال أبو حنيفة، وزفر، والأوزاعي، والمزني: إنه البياض(6) لأن أبا مسعود الأنصاري قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي هذه الصلاة حين

ص: 235


1- المبسوط للطوسي 1: 75، النهاية: 59، الخلاف 1: 262، المسألة 7، المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 229، المسألة 74
2- المجموع 3: 38، فتح العزيز 3: 27، المغني 1: 426، الشرح الكبير 1: 474، بداية المجتهد 1: 96
3- سنن النسائي 1: 293، سنن الترمذي 1 : 279 / 169، سنن أبي داود 1: 107 / 393، سنن الدارقطني 1: 256
4- الأم 1: 74، المجموع 3: 38 و 42 و 43، عليه الرحمة والأمة 1: 37 و 38، المغني 1: 426، الشرح الكبير 1: 473، الهداية للمرغیناني 1: 39
5- سنن البيهقي 1: 373، سنن الدارقطني 1: 269 / 3
6- المجموع 3: 43، المبسوط للسرخسي 1: 144، الهداية للمرغيناني 1: 39، المغني 1: 426، الشرح الكبير 1: 473

يسود الأفق(1). ولا حجة فيه لأنه إذا غابت الحمرة اسود الأفق، لأن البياض ينزل ويخفي، على أنه يجوز تأخيرها إلى ذلك.

وحكي عن أحمد: أن الشفق: البياض في الحضر، لأن في الحضر قد تنزل

الحمرة فتواريها الجدران، فإذا غاب البياض علم الدخول)(2).

واما وقت فريضة العشاء:

فقال (عليه الرحمة والرضوان):

(وآخر وقت العشاء للفريضة إلى ثلث الليل، وللاجزاء إلى نصفه - وهو قول المرتضی، وابن الجنيد(3)، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال ابن المبارك، والثوري، وأبو ثور، وأحمد في رواية(4) - لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص (ووقت العشاء إلى نصف الليل)(5)، وعن أنس قال: أخر النبي (صلى الله عليه وآله):

«العشاء إلى نصف الليل»(6).

ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام):

«أول وقت العشاء ذهاب الحمرة، وآخر وقتها غسق الليل»(7).

ص: 236


1- سنن أبي داود 1: 108 / 394، سنن الدارقطني 1: 250 / 1
2- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 312
3- حكى قولهما في المعتبر: 138
4- المجموع 3: 39، فتح العزيز 3: 28، المغني 1: 428، الشرح الكبير 1: 474
5- صحیح مسلم 1: 427 / 172
6- صحيح البخاري 1: 150
7- الفقيه 1: 141 / 957، التهذیب 2: 30 / 88، الإستبصار 1: 264 / 953

وهو نصف الليل.

وللشيخ قول آخر: أنه ثلث الليل(1)، وهو القول الثاني للشافعي - وبه قال أبو هريرة، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، وأحمد في رواية(2) لأن جبريل (عليه السلام) صلى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(3) ولأن الثلث متیقن، والزائد عليه مشكوك فيه فلا يصار إليه.

وقال أبو حنيفة: آخره طلوع الفجر(4) - وهو رواية لنا(5) - لقوله (عليه

السلام):

«لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت أخرى»(6)

ونحن نقول بموجبه إذ بعد نصف الليل يدخل وقت صلاة الليل، ولم يتعرض في الحديث للوجوب.

واختلفت الشافعية فقال بعضهم: إذا خرج النصف، أو الثلث فقد خرج وقت الاختيار، ووقت الأداء باق إلى طلوع الفجر(7)، وعلى قياس قول أبي

ص: 237


1- النهاية: 59
2- المجموع 3: 39، فتح العزيز 3: 28، الوجيز 1: 33، المهذب للشيرازي 1: 59، بداية المجتهد 1: 97، القوانين الفقهية: 50، أقرب المسالك: 12، المغني 1: 627، الشرح الكبير 1: 474
3- سنن الترمذي 1: 279 / 169، سنن أبي داود 1: 107 / 393، سنن الدارقطني 1: 209 / 1
4- المبسوط للسرخسي 1: 145، شرح فتح القدير 1: 197، الهداية للمرغیناني 1: 39، شرح العناية 1: 196، بدائع الصنائع 1: 124، اللباب 1: 57
5- التهذيب 2: 270 / 1076. 6) المبسوط للسرخسي 1: 145
6- المبسوط للسرخسي 1: 145
7- المجموع 3: 39 - 40، الوجیز 1: 33، كفاية الأخيار 1: 52

سعيد يخرج الوقت(1)، وقال أبو حامد: إذا خرج ثلث الليل فات الوقت)(2).

ثانياً: فضلاً عما حققه العلامة (رحمه لله).

فأقول:

أما تحديد وقت صلاة العشاء في المذهب الزيدي والإباضي، فهو ما يلي: المذهب الزيدي.

ذهب فقهاء الزيدية إلى أن العشاء (وقتان اضطراریان، الأول: وقت اختيار المغرب جميعه إلا قدراً منه يسع المغرب، وعقیب غروب الشمس فإنه يختص المغرب.

الوقت الثاني: من اضطرار العشاء ابتداؤه من آخر اختیار، وآخره بقية من الليل تسع ركعة ووقت الاضطرار لفجر هو إدراك ركعة منه كاملة قبل

طلوع الشمس)(3).

المذهب الإباضي. حدد فقهاء الإباضية وقت صلاة العشاء:

(من حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل. وقال آخرون: آخر وقت العشاء نصف الليل.

وقال آخرون: آخر وقت العشاء طلوع الفجر.

ص: 238


1- المجموع 3: 36
2- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 313 - 314
3- شرح الأزهار لأحمد المرتضی: ج 1، ص 209

واجمعوا على أن من صلى قبل ثلث اليل أو نصفه فقد صلي في الوقت

المأمور فيه.

وقال آخرون: المغرب والعشاء مشتركان في الوقت، والله أعلم)(1).

ثالثاً: الدليل على ما ذهب إليه الامامية (أعلى لله شانهم) في تحديد وقت صلاة العشاء ووقت الفضيلة.

وقد تناول الشيخ الطوسي (رحمه الله) المسالة في فقه الخلاف فقال:

(إن ما أعتبرناه من ذلك لا خلاف بين الطائفة المحقة أنه من الوقت وليس هاهنا إجماع على أن ما قبله وقت فوجب الاحتياط لئلا يصلي قبل دخول الوقت)(2).

المسألة الثانية عشر: وقت الغداة.

وهذه المسألة أتفق عليها أغلب فقهاء المذاهب الإسلامية لا سيما المذهب الإمامي، فقد أتفق فقهاء الامامية (أعلى الله شأنهم) على أن أول وقت الغداة هو ما يسمى بالصبح الصادق أو بالفجر الثاني.

وقال العلامة الحلي (ت 726 ه):

(أول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني وهو البياض، المعترض في أفق السماء - ویسمی بالصبح الصادق، لأنه صدقك عن الصبح، وسمي صبحاً لأنه جمع بين حمرة وبياض، ولا عبرة بالأول الكاذب الخارج مستدقا صاعدا كذنب

ص: 239


1- کتاب الایضاح للشماخي: ج 1، ص 376
2- الخلاف: ج 1 ص

السرحان، ويسمى الخيط الأسود. وهو قول العلماء كافة - ولا يعلق بالفجر الأول حكم بحال.

قال الإمام (عليه السلام):

«الفجر هو الخيط الأبيض وليس هو الابيض صعداً ولا تصل في سفر

ولا حضر حتی تتبینه»(1).

المسألة الثالثة عشر: بيان الفجر الثاني ووقت فضيلة صلاة الصبح.

أولاً: الرد على من خالف الإجماع ودليل ماقال به الإمامية.

وهذه المسألة لم تشهد خلافاً يعتد به بين فقهاء المذاهب إلا من ذهب منهم إلى القول بأن ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ليس من الليل ولا من النهار، وهو زمان منفصل.

وقال آخرون: إن أول النهار طلوع الشمس وما قبل ذلك من الليل.

وقد تناول الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) هذه الأقوال وأبطلها في فقه الخلاف فقال:

(الفجر الثاني هو أول النهار وآخر الليل فينفصل به الليل من النهار وتحل به الصلاة ويحرم به الطعام والشراب على الصائم وتكون الصلاة الصبح من صلاة النهار، وبه قال عامة أهل العلم(2).

وذهبت طائفة إلى أن ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ليس

ص: 240


1- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 316
2- أحكام القرآن للجصاص 2: 269

من الليل ولا من النهار، بل هو زمان منفصل بينهما(1).

وذهبت طائفة إلى أن أول النهار هو طلوع الشمس وما قبل ذلك من الليل، فتكون صلاة الصبح من صلاة الليل، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم إلى طلوع الشمس ذهب إليه الأعمش(2) وغيره، وروي ذلك عن حذيفة(3).

دليلنا: على فساد قول الفرقة الأولى: قوله تعالى:

«يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ»(4).

وهذا ينفي أن يكون بينها فاصل، ويدل على فساد قول الأعمش قوله تعالى:

«وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ»(5).

ص: 241


1- حكاه النووي في المجموع 3: 45 عن الشيخ أبي حامد في تعليقه عن قوم أنهم قالوا: (ما بين طلوع الشمس والفجر لا من الليل ولا من النهار بل زمن مستقل فاصل بينهما قالوا: وصلاة الصبح لا في الليل ولا في النهار). وانظر الهداية للمرغيناني 1: 38، والمبسوط 1: 141، وشرح فتح القدير 1: 152
2- الأعمش: أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي مولاهم الكوفي معروف بالفضل والثقة والجلالة والتشيع والاستقامة، عده الشيخ في الرجال من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، وذكره السمعاني في أنسابه بعنوان الكاهلي وأثنى عليه علاء العامة وأقروا بفضله وثقته وجلالته مع اعترافهم بتشيعه. قال ابن حجر في تهذيبه: (قال العجلي: كان ثقة ثبتا... وكان فيه تشيع. توفي سنة 148 ه.) رجال الطوسي: 206، الكنى والألقاب 2: 45، وتنقيح المقال 2: 65، والأنساب للسمعاني: 473، وتهذيب التهذيب 4: 222
3- المجموع 3: 45
4- الحج: 61
5- هود: 114

ولم يختلفوا أن المراد بذلك صلاة الصبح والعصر، فلما كانت صلاة الصبح تقام بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس دلّ ذلك على أن هذا الوقت طرف النهار وعنده أنه من الليل.

وأيضا أجمعت الفرقة المحقة على تحريم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر الثاني، وقد بينا أن ذلك حجة على أن هذا الخلاف قد انقرض، وأجمع عليه المسلمون(1) فلو كان صحيحا لما انقرض)(2).

ثانياً: وقت فضيلة صلاة الفجر في المذاهب الاخرى.

وقد تناوله العلامة (عليه الرحمة والرضوان) في التذكرة، فقال:

(وآخر وقتها للفضيلة حين يسفر الصبح، وللإجزاء إلى طلوع الشمس -

وبه قال أبو حنيفة(3) - لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

«وقت الفجر ما لم تطلع الشمس»(4).

ومن طريق الخاصة قول الباقر (عليه السلام):

«وقت الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»(5).

وقال الشيخ: وقت المختار إلى أن يسفر الصبح، وللمضطر إلى طلوع

ص: 242


1- قال النووي في المجموع 6: 305: (هو مذهبنا ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، قال ابن المنذر: وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعلماء الأمصار وبه نقول)
2- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 266 - 267
3- بدائع الصنائع 1: 122، بداية المجتهد 1: 97
4- صحيح مسلم 1: 427 / 172، سنن أبي داود 1: 109 / 396، سنن البيهقي 1: 378
5- التهذيب 2: 36 / 114، الإستبصار 1: 275 / 998

الشمس(1)، وبه قال الشافعي وأحمد(2) لأن جبرئيل عليه السلام صلى الصبح في اليوم الثاني حين أسفر(3)، وهو يدل على الأفضلية)(4).

ص: 243


1- الخلاف 1: 267 المسألة 10
2- المجموع 3: 43، المغني 1: 429
3- سنن الترمذي 1: 280 / 149، سنن أبي داود 1: 107 / 393، سنن
4- تذكرة الفقهاء: ج 2 ص 316

ص: 244

المبحث الرابع: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة

تناول شراح نهج البلاغة الحديث الشريف - موضع الدراسة - في شروحهم وبينوا معاني الالفاظ ودلالات النص، فكانت كالاتي:

المسألة الأولى: ما أورده قطب الدين الراوندي (رحمه الله) (ت: 573 ه)

قال (عليه الرحمة والرضوان) بعد أن تناول بيان المراد من كلامه (عليه

الصلاة والسلام) في هذه الخطبة حتى وصل إلى قوله (عليه السلام):

«فصلوا بالناس الظهر».

قال: ثم بین أوقات الصلات للمتآمرين على الكناية إذا جمعوا، فقال

صلوا الظهر حين تفيء الشمس: أي ترجع وتزول.

وقوله امثل مربض العنز» إشارة إلى أن رحل رسول اللهَّ (صلى الله عليه وآله) كان طوله ذراعا فلما وقع ظله مثله فذلك آخر وقت المختار للظهر.

وقوله «وصلوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار» كناية عجيبة، أي صلوا بهم هذه الصلاة والحال أن الشمس بيضاء لم تصفر بعد، ولم يرض بذلك حتى قال «وهي حية» أي وللشمس قوة، وزاد التعجيل بقوله «في عضو من النهار» أي يبقى كثير من النهار، وزاد المبالغة في سرعة أدائها بأن قال «حين يسار فيها فرسخان».

وإذا أنعمت النظر كان على ما حدوا عليهم السلام في الفقهيات للمختار

ص: 245

إذا صار ضل كل شيء مثليه عصرا.

«وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم»: أي حين وقوع القرص وغيبوبة الشمس حتى يفيض الحاج من عرفات يوم عرفة، وذلك إذا سقط قرص الشمس وغاب عن العيون في تلك الآفاق.

«وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق»: أي إذا غابت الحمرة التي تقلصت من جانب المشرق قليلاً قليلا في المغرب، وذلك لمن يجمع بالناس. وهو على سبيل الأفضل، ولو صلى قبل ذلك أو بعده منفردا لم يكن به بأس، وكذا في الجماعة إلى أن يذهب من الليل ثلثه.

«وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه»: وذلك إذا طلع الفجر الصادق، ليكتب مرتين يكتبها ملائكة الليل وملائكة النهار، ولا تكونوا للناس فتنة بأن تطيلوا الصلاة إذا صليتم بالناس جماعة، فأما إذا صليتم فرادى فأطيلوها إذا شئتم(1).

المسألة الثانية: ما أورده ابن ميثم البحراني (ت 679 ه).

قال:

(بيّن - أي: الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) - في هذا الكتاب أوقات

الصلاة المفروضة:

فالأول: وقت الظهر وحده بوقت فيء الشمس أي رجوعها وميلها إلى المغرب ثمّ نبّه بتقديره بمربض العنز وهو أوّل وقت الظهر وذلك ممّا يختلف

ص: 246


1- منهاج البراعة للراوندي: ج 3، ص 163 - 164

باختلاف البلاد.

الثاني: وقت العصر وقدّره ببقاء الشمس بيضاء لم تصفر للمغيب، وحيّة.

واستعار لفظ الحياة لظهورها على الأرض لمكان المشابهة، وفي عضو من النهار، وأراد القسم والقطعة منه. ثم قدر ذلك العضو بمقدار أن يسافر فيه فرسخان السير المعتاد.

الثالث: وقت المغرب وعرفه بأمرين: أحدهما: حين يفطر الصائم، وذلك عند سقوط القرص. والثاني: حين يدفع الحجّاج ويفيض من عرفات. ولشهرة هاتين العلامتين وتعارفهما مع المخاطبين عرّفه بهما.

الرابع: وقت العشاء الآخرة عرّفه بتواري الشفق وذلك من ناحية المغرب، وحدّ آخره بثلث الليل، وإنّما حد آخر هذا الوقت دون أوقات سائر الفرائض لأنّ الفرائض يتبيّن آخر كلّ وقت منها ببيان أوّل وقت الأخرى. ولا كذلك آخر وقت العشاء الآخرة لاتّصاله بالليل الخالي عن الفرائض، وأمّا آخر وقت الصبح فحدّه بطلوع الشمس أيضا ظاهر.

الخامس: وقت صلاة الغداة، وحده بحين يعرف الرجل وجه صاحبه، وذلك حين طلوع الفجر الثاني وهو الحمرة المعترضة من ناحية المشرق، والعلامة التي ذكرها أوضح لسائر الناس. ثمّ أوصاهم بفعل وترك: أمّا الفعل فأن يصلَّوا بالناس صلاة أضعفهم، وهو أن لا يطيلوا في القراءة وفي الفرائض كقراءة البقرة والسور الطوال فإنّ ذلك لا يستطيع القيام به كلّ الناس فيؤدّي ذلك إلى المشقّة وعجز بعضهم عن أداء الفريضة في الجماعة وهو ضرر منفىّ في الدين، وأمّا الترك فأن لا يكونوا فتّانين بإطالة الصلاة، ووجه

ص: 247

الفتنة هنا أنّهم يكونون صارفين للناس عن الاتّفاق والتساعد على الجماعة بإطالتها المستلزمة لتخلَّف العاجزين والضعفاء. والله أعلم)(1).

ص: 248


1- شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 5 ص 134

الفصل الثالث : استحباب تخفيف الإمام صلاته وبيان حكم السفر يوم الجمعة

اشارة

ص: 249

ص: 250

المبحث الأول: استحباب تخفيف الإمام صلاته

قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في عهده لمالك الاشتر:

«صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً ولَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِه الْعِلَّةُ ولَه الْحَاجَةُ وقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وآله) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ: «صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً»(1).

أتفق فقهاء المذاهب الإسلامية على استحباب تخفيف الامام صلاته

وخاصة إذا كان فيهم الضعیف والمريض وصاحب الحاجة، وهذه بعض أقوالهم في المسألة.

المسألة الاولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي.

أولاً: العلامة الحلي (ت: 726 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في التذكرة:

(ولا يستحب له التطويل كثيراً فيشق على من خلفه، لقوله (صلى الله

عليه واله):

«من أم الناس فليخفف»(2).

وللمنفرد الإطالة؛ ولو عرض عارض لبعض المأمورين يقتضي خروجه

ص: 251


1- كتابه (عليه السلام) إلى مالك الاشتر: ص 440 تحقيق صبحي الصالح
2- صحيح البخاري: ج 1 ص 180

استحب للإمام التخفيف، قال (عليه السلام):

«إني لأقوم في صلاة وأنا أريد أن أطول فيها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز

فيها كراهية أن يشق على أبيه»(1)(2).

وقال في المنتهي:

(يستحب للإمام أن يكمل افعال صلاته من القيام والجلوس والركوع

والسجود، ويخفّف أذكارها.

وهو إجماع أهل العلم.

روى الجمهور عن أنس بن مالك قال: ما صلَّيت خلف أحد قطَّ أخفّ [صلاة] ولا أتمّ صلاة من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)(3).

وعن أبي هريرة أنّ النبيّ صلَّى الله عليه وآله قال:

«من صلَّى للناس فليخفف، فإنّ فيهم السقيم والضعيف، فإذا صلَّى

لنفسه فليطل ماشاء»(4).

ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ(5) عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد

الله (عليه السلام) قال:

ص: 252


1- سنن ابي داوود: ج 1 ص 209، ح 789
2- تذكرة الفقهاء: ج 3 ص 157
3- صحيح البخاريّ 1: 181 بتفاوت في اللفظ، صحیح مسلم 1: 342 الحديث 469، مسند أحمد 3: 276، سنن البيهقيّ 3: 114
4- صحيح البخاريّ 1: 180، صحیح مسلم 1: 341 الحدیث 467، سنن أبي داود 1: 211 الحدیث 794، 795، سنن النسائيّ 2: 94، الموطَّأ 1: 134 الحدیث 13، سنن البيهقيّ 3: 115 و 117، مسند أحمد 2: 486
5- غ بزيادة: في الصحيح

«ينبغي للإمام أن تكون صلاته على أضعف من خلفه»(1).

ولحديث جابر وقد تقدّم(2)، لأنّه ربّما كان في الجماعة من يتأذّى بالتطويل لمرض أو حاجة تفوت، فيحصل الأذى بالتطويل، فكان الإسراع مشروعا)(3).

ثانياً: المحقق البحراني (ت: 1186 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في الحدائق في آداب صلاة الجماعة:

(ومنها ت أن الأفضل للإمام أن يصلي بصلاة أضعف من خلفه، والاخبار به مستفيضة ومنها ما رواه الشيخ والصدوق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)(4) قال:

«ينبغي للإمام أن تكون صلاته على صلاة أضعف من خلفه».

وما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) - ورواه الصدوق مرسلا عن علي (عليه السلام)(5) - قال: آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك». الحديث.

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي

ص: 253


1- التهذيب 3 : 274 الحديث 795، الوسائل 5: 469 الباب 69 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
2- يراجع: ص 302
3- منتهى المطلب: ج 6 ص 304
4- الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
5- الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة

عبد الله (عليه السلام)(1) قال:

«صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر فخفف الصلاة في الركعتين الأخيرتين فلما انصرف قال له الناس یا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدث في الصلاة شيء؟

قال: وما ذاك؟ قالوا:

خففت في الركعتين الأخيرتين؟ فقال لهم أما سمعتم صراخ الصبي؟ ورواه في كتاب عدة الداعي(2) ثم قال: وفي حديث آخر خشيت أن يشتغل به خاطر أبيه».

وقال في كتاب الفقيه(3): كان معاذ يؤم في مسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويطيل القراءة وأنه مر به رجل فافتتح سورة طویلة فقرأ الرجل لنفسه وصلى ثم ركب راحلته فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فبعث إلى معاذ فقال:

«يا معاذ إياك أن تكون فتانا عليك بالشمس وضحاها وذواتها».

وفي كتاب نهج البلاغة(4) في عهده (عليه السلام) للأشتر (رضي الله عنه):

«إذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فإن في الناس من به العلة وله الحاجة وقد سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم؟ فقال صل بهم كصلاة أضعفهم وكن

ص: 254


1- الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
2- مستدرك الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
3- الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
4- الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة

بالمؤمنين رحیما» .

وقال في كتاب الفقه الرضوي(1):

«إذا صلیت فخفف بهم الصلاة وإذا كنت وحدك فثقل فإنها العبادة».

وقال في الذكرى: يستحب للإمام تخفيف الصلاة والاقتصار على السور

القصار والتسبيح في الركوع والسجود ثلاثا لا أزيد.

ثم نقل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة. ثم قال: ولو أحس بشغل لبعض المأمومين استحب التخفيف أزيد من ذلك.

ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان في بكاء الصبي. وبالجملة فالحكم المذكور اتفاقي نصا وفتوى، واستثني بعض الأصحاب من ذلك ما إذا علم منهم حب التطویل ولا بأس به، لأن الظاهر من الأخبار هو مراعاة حالهم في الاستعجال لأغراضهم وحوائجهم وأمراضهم فإذا أحبوا ذلك فلا منافاة فيه لما دلت عليه النصوص المذكورة)(2).

ثالثاً: السيد محمد كاظم اليزدي (ت: 1337 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في مستحبات الجماعة ومكروهاتها:

(الثامن: أن يصلي الإمام بصلاة أضعف من خلفه، بأن لا يطيل في أفعال الصلاة من القنوت والركوع والسجود إلا إذا علم حب التطويل من جميع المأمومين)(3).

ص: 255


1- ص 14
2- الحدائق الناضرة: ج 11 ص 171
3- العروة الوثقی: ج 3 ص 195

رابعاً: التعليق على قول السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان):

(إلا إذا علم حب التطويل من جميع المأمومين).

أقول: بحمد الله تعالى، قد أورد السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان) في المستحبات المناطة بالإمام التخفيف في الصلاة لاحتمال أن يكون في المصلين الضعيف والسقيم وصاحب الحاجة.

وفي حال حصول العلم بحب المأمومين للإطالة فينقل الاستحباب من التخفيف إلى الاطالة.

لكن السؤال المطروح: كيف يتحقق العلم من الجميع وفيهم من يلتحق بالجماعة بعد تكبيرة الاحرام أو في الركعة الأولى والثانية وهو ضعيف البدن او له حاجة كفوات الرفقة أو ترك الدكان مفتوحاً او تعلق الصبي بابيه وغيرها.

لا شك أن هذا العلم متعذر حصوله وقد دخل الامام في الصلاة، بل متعذر حتى قبل دخوله لما قد يحلق الإمام من تسرب الرياء أو العجب أو السمعة وتلبس العمل بالنية وتبعيته له؛ وعليه:

1 - يقتضي الاستحباب: التوسط في التخفيف لوجود الضعيف الذي قد يضره الاسراع والتخفيف أيضاً في الوقت نفسه؛ وذلك لصعوبة الركوع والسجود والنهوض، كما يضره القنوت والركوع والسجود.

2 - ويقتضي الاستحباب التوسط في الإطالة لوجود من يحب اطالة القنوت والدعاء والركوع والسجود.

إلا أن النصوص الشريفة ترشد إلى استحباب التخفيف والاعتدال في

ص: 256

وقت القراءة والركوع والسجود.

ولذا: قد استثنى هذا الاستحباب، اي الإطالة لحب المصلين ورغبتهم فيه كثير من الفقهاء وذلك (لقصور النصوص عن شمول ذلك)(1) کما علق السيد محسن الحكيم (عليه الرحمة والرضوان).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى.

لم يختلف فقهاء المذاهب في استحباب تخفيف الصلاة في الجماعة والاطالة

للمنفرد؛ وهذه اقوالهم:

أولاً: المذهب الحنفي.

ذهب فقهاء الحنفية إلى كراهة التطويل إلا في صلاة الكسوف وصلاة

الفجر، ويستحب التخفيف لوجود الاضعف.

قال ابن نجم المصري (ت 970 ه):

(وكره للإمام تطويلها للحديث: «إذا أم أحدكم الناي فليخفف» واستثنى المحقق في فتح القدير صلاة الكسوف فإنه السنة فيها التطويل حتى تنجلي الشمس. وأراد بالتطويل ما زاد على القدر المسنون كما في السراج الوهاج لا كما قد يتوهمه بعض الأئمة فيقرأ يسيرا في الفجر كغيرها.

وفي المضمرات شرح القدوري: أي لا يزيد على القراءة المستحبة ولا يثقل

على القوم ولكن يخفف بعد أن يكون على التمام والاستحباب اه.

وذكره في فتح القدير بحثا وعلل له بأنه (صلى الله عليه وآله) نهى عن

ص: 257


1- مستمسك العروة الوثقى: ج 7 ص 357

التطويل وكانت قراءته هي المسنونة فلا بد من کون مانهی عنه غير ما كان دأبه إلا لضرورة کما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قرأ بالمعوذتين في الفجر، فلما فرغ قيل له أو جزت؟ قال:

«سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتتن أمه».

وفي منية المصلي: ويكره للإمام أن يعجلهم عن إكمال السنة، والظاهر أنها في تطويل الصلاة كراهة تحريم للأمر بالتخفيف وهو للوجوب إلا لصارف ولإدخال الضرر على الغير.

وأطلقه فشمل ما إذا كان القوم يحصون أو لا رضوا بالتطويل أو لا لإطلاق الحديث. وأطلق في التطویل فشمل إطالة القراءة أو الركوع أو السجود أو الأدعية واختار الفقيه أو الليث أنه يطيل الركوع لإدراك الجائي إذا لم يعرفه فإن عرفه فلا، وأبو حنيفة منع منه مطلقا لأنه شرك أي رياء)(1).

ثانيا: المذهب المالكي.

ذهب مالك ابن انس إلى كراهة الاطالة واستحباب التخفيف للإمام في صلاته واختلفوا في اطالة ركوع الأمام إذا أحسن بمجيئ أحد المصلين کي يلحق بالصلاة؛ کما یستحب الاطالة للمنفرد.

قال الخطاب الرعيني (ت: 954 ه):

(ولا يطال ركوع لداخل، قال في توضيحه: ولا يطيل الإمام لإدراك أحد. قال في النوادر من العتبية من سماع ابن القاسم: ولا ينتظر الامام من رآه

ص: 258


1- البحر الرائق: ج 1 ص 614

أو أحسه مقبلا. قال ابن حبيب: إذا كان راكعا فلا يمد في ركوعه.

وكذلك قال اللخمي: ومن وراءه أعظم عليه حقا ممن يأتي. انتهى.

وجوز سحنون الإطالة واختاره عياض. وحديث من يتصدق على هذا وتخفيفه عليه الصلاة والسلام من أجل بكاء الصغير والوقوف في صلاة الخوف لأجل إدراك الطائفة الثانية يدل له. وانظر هل تجوز إطالة الصلاة كلها لهذا أم لا؟ انتهى كلام التوضيح.

ففهم الشيخ أن كلام ابن حبيب مفسر لسماع ابن القاسم وكذا ابن عرفة قال: وفي مد الامام ركوعه لمن أحس بدخول نفل الصقلي عن سحنون في السليمانية قائلا. ولو طال. والشيخ عن ابن حبيب ولم يحك غيره مع سماعه ابن القاسم ففسره ابن رشد بالكراهة. قال: وأجازه بعض العلماء في اليسير الذي لا يضر بمن معه. قلت: ويقوي الأول إن كانت الأخيرة. انتهى. وفهم الشارح بهرام أنها ثلاثة أقوال وصرح بها في شامله والله أعلم.

وقال البرزلي في مسائل الصلاة قال أبو محمد بن أبي زيد فيمن يرى رجلا مقبلا يريد الدخول معه في الصلاة فيطيل القراءة أو يبطئ بها ولولا انتظاره ما فعل ذلك: إنه أخطأ في فعله ولا يعيد وتصح صلاته.

قال البرزلي: المسألة المختلف فيها هي من أتى والامام راكع وأحس به، هل يطيل في ركوعه حتى يدرك مع الركعة؟ قال ابن يونس عن سحنون: إنه يجوز أن ينتظره ولو طال.

وعن ابن حبيب وهو في سماع ابن القاسم: لا ينتظره. ابن رشد: ومحمله عندي على الكراهة وأجازه بعض العلماء في اليسير الذي لا يضر بمن معه.

ص: 259

وحمل المازري قول ابن حبيب على المنع واختار إن كانت الركعة الأخيرة جاز وإلا لم يجز فيحتمل أن يتخرج هذا الخلاف في صورة السؤال من باب أحرى لأن الركوع ليس بمحل الإطالة، فإذا جاز فيه فهو في حال القيام والقراءة أجوز. ويحتمل أن يتخرج الخلاف فيه من وجه آخر وهو من أنصب لمخبر يخبره وفي صحة صلاته قولان)(1).

ثالثاً: المذهب الحنبلي.

يرى فقهاء المذهب الحنبلي كراهة الاطالة للإمام وتستحب للمفرد

وللإمام لوجود الضعيف بين المصلين.

قال ابن قدامة (ت 026 ه):

(ولا يستحب له التطويل كثيراً فيشق على من خلفه لقول النبي (صلى

الله عليه واله):

«من أم الناس فليخفف».

وأما المتفرد فله الإطالة في ذلك كله ما لم يخرجه إلى حاله يخاف السهو فتكره الزيادة عليه، فقد روي عن عمار بن ياسر، انه صلى صلاة أوجز فيها فقیل له في ذلك؟ فقال: (أنا أبادر الوسواس).

ويستحب للإمام إذا عرض عارض لبعض المأمومين يقتضي خروجه ان

يخفف فقد جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله)، انه قال:

«إني لا أقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز

ص: 260


1- مواهب الجليل: ج 2 ص 405؛ حاشية الدسوقي: ج 1 ص 247

كراهية أن أشق على أمه»(1).

رابعاً: المذهب الشافعي.

وذهب الشافعي إلى الاستحباب في التخفيف، وفي ذلك يقول النووي

(ت: 676 ه):

(ويستحب أن يخفف في القراءة والأذكار لما روي أبو هريرة عن النبي

(صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«إذ صلي أحدكم للناس فليخفف فان فيهم السقيم والضعيف والكبير وإذا صلى لنفسه فليطول ماشاء فان صلى بقوم يعلم أنهم يؤثرون التطويل لم يكره التطويل لان المنع لأجلهم وقد رضوا».

(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ورويناه أيضا عن جماعة من الصحابة غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض روایاتهم وذا الحاجة قال الشافعي والأصحاب يستحب للإمام أن يخفف القراءة والأذكار بحيث لا يترك من الأبعاض والهيئات شيئا ولا يقتصر على الأقل ولا يستوفي الأكمل المستحب للمنفرد من طوال المفصل وأوساطه وأذكار الركوع والسجود. قال صاحب التتمة وآخرون التطویل مکروه وقد أشار إليه المصنف بقوله ان آثروا التطویل لم يكره.

وقد نص عليه الشافعي في الأم قال في الأم في باب ما على الامام من التخفيف قال وأحب للإمام أن يخفف الصلاة ويكملهافان عجل عما أحببت من الاكمال أو زاد على ما أحببت من الاكمال كرهت ذلك له ولا

ص: 261


1- المغني لابن قدامة : ج 1 ص 587

إعادة عليه ولا على من خلفه إذا جاء بأقل مما عليه قال أصحابنا فان صلي بقوم محصورین یعلم من حالهم أنهم يؤثرون التطويل لم يكره التطویل بل قال أبو إسحاق المروزي والشيخ أبو حامد وغيرهما أنه يستحب التطویل حينئذ وعليه تحمل الأحاديث الصحيحة في تطويل النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في بعض الأوقات فان جهل حالهم أو كان فيهم من يؤثر التطويل وفيهم من لا يؤثره لم يطول اتفق عليه أصحابنا.

ويؤيده الأحاديث الصحيحة منها حديث أنس أن النبي (صلى الله عليه

وآله وسلم) قال:

«إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في

صلاتي كراهة أن أشق على أمه» رواه البخاري ومسلم.

وإن كانوا يؤثرون التطويل ولكن المسجد مطروق بحيث يدخل في الصلاة من حضر بعد دخول الامام فيها لم يطول وفي فتاوى الشيخ أبی عمرو بن الصلاح أن الجماعة لو كانوا يؤثرون التطويل إلا واحدا أو اثنين ونحوهما فان لا يؤثره لمرض ونحوه فإن كان ذلك مرة ونحوها خفف وإن کثر حضوره طول مراعاة لحق الراضين ولا يفوت حقهم لهذا الفرد الملازم وهذا الذي قاله تفصيل حسن متعين)(1).

المسالة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة.

اتفق فقهاء المذاهب الإسلامية على استحباب التخفيفي في صلاة الجماعة التوارد النصوص في ذلك عن النبي (صلى الله عليه واله)؛ والعترة النبوية التي

ص: 262


1- المجموع: ج 4 ص 229

تأخذ بأعناق الامامية (اعلى الله شأنهم) واختلفوا في الاطالة فذهب الامامية إلى الاستحباب إذا علم الامام ان المأمومين يحبون الاطالة، وذهب المالكية والحنابلة والحنفية إلى كراهة الاطالة؛ واختلفوا في الاطالة في الركوع لإدراك المحبين إلى الجماعة بين الجواز والحرمة لأنها تجر إلى الرياء وهو الشرك وتبطل به الصلاة.

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

تتناول شراح نهج البلاغة هذا الجزء من عهده لمالك الأشتر (رضوان الله تعالى عليه) وبينوا ما ينبغي للوالي مراعاته مع العامة من الآداب، ومنها صلاة الجماعة، وهو كالاتي:

أولاً: ابن میثم البحراني (ت: 679 ه):

قال (عليه الرحمة والرضوان) في المورد العاشر من شرح العهد الشريف

وبيان معانيه:

(من الآداب الراجعة إلى حال الإمامة بالناس في الصلاة أن يكون متوسّطا في صلاته بين المطوّل المنفّر للناس بتطويله وبين المقصّر المضيّع لأركان الصلاة وفضيلتها، واحتجّ لنفى التثقيل والتطويل بالمعقول والمنقول: أمّا المعقول فضمير صغراه: قوله: فإنّ في الناس. إلى قوله: الحاجة. وتقدير كبراه: وكلّ من كان فيه من ذكر فيجب أن يرفق به ويخفّف عنه، وأمّا المنقول فما رواه عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من الخبر، ووجه التشبيه بصلاة الأضعف تخفيف الصلاة بعد حفظ أركانها وواجباتها)(1).

ص: 263


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم: ج 5 ص 173

ثانيا - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه):

(لما فرغ (عليه السلام) من وصيته بأمور رعيته، شرع في وصيته بأداء الفرائض التي افترضها الله عليه من عبادته، ولقد أحسن (عليه السلام) في قوله: وإن كانت كلها لله، أي أن النظر في أمور الرعية مع صحة النية وسلامة الناس من الظلم من جملة العبادات والفرائض أيضا.

ثم قال له: کاملا غير مثلوم، أي لا يحملنك شغل السلطان على أن تختصر الصلاة اختصارا بل صلها بفرائضها وسننها وشعائرها في نهارك وليلك، وإن أتعبك ذلك ونال من بدنك وقوتك.

ثم أمره إذا صلى بالناس جماعة ألا يطيل فينفرهم عنها، وألا يخدج الصلاة وينقصها فيضيعها(1). ثم روی خبرا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو قوله (عليه السلام) له:

«صل بهم كصلاة أضعفهم»، وقوله: «وكن بالمؤمنين رحيما»

يحتمل أن يكون من تتمة الخبر النبوي، ويحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، والظاهر أنه من كلام أمير المؤمنين من الوصية للأشتر، لان اللفظة الأولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر)(2).

ص: 264


1- د: فيضعفها
2- شرج نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 17 ص 90

المبحث الثاني: حكم السفر يوم الجمعة قبل الفجر وبعده، وبعد الزوال

قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة السلام) في كتاب إلى الحارث الهمداني:

ولَا تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ - إِلَّا فَاصِلًا فِي سَبِيلِ اللهَّ أَوْ فِي

أَمْرٍ تُعْذَرُ بِه»(1).

اختلفت المذاهب الإسلامية في حكم السفر في يوم الجمعة قبل الفجر وبعده، وقبل الزوال بين الجواز والكراهة والحرمة، وتفصيل المسألة كما يلي: المسألة الأولى: أقوال فقهاء للمذهب الإمامي.

أولاً: العلامة الحلي (ت 726 ه):

بحث العلامة المسألة في التذكرة واظهر موارد الجواز وعدمه لمن اراد

السفر يوم الجمعة قبل الزوال وبعده لمن وجبت عليه، وهو كما يلي:

قال (عليه الرحمة والرضوان):

لا يجوز إنشاء السفر لمن وجبت عليه الجمعة، واستكملت الشرائط فيه بعد الزوال قبل أن يصليها عند علمائنا أجمع؛ لقول النبي (صلى الله عليه واله):

«من سافر من دار إقامة من يوم الجمعة دعت عليه الملائكة، لا يصحب

ص: 265


1- نهج البلاغة، تحقیق صحبي الصالح: ص 460

في سفره، ولا يعان على حاجته»(1).

والوعيد لا يلحق المباح؛ ولان ذمته مشتغلة فلا يجوز له الاشتغال بما

يمنع عنها كاللهو والتجارة)(2).

وقد فرّع العلامة المسألة إلى فروع أربعة، وهي:

1 - لا يجوز السفر بعد الزوال لأجل الجهاد إلا مع الضرورة.

2 - يجوز السفر بعد الزوال لأصحاب الأعذار المتجددة بعد الوجوب، کمرید الصحبة إذا خاف فوتها مع ضرورته إليها، لأنها تسقط الوجوب، وبالجملة كل ما يخاف معه على نفسه أو ماله فهو عذر، وكذا لو ضل له ولد أو رفيق أو حيوان.

3 - يجوز السفر قبل الزوال بعد الفجر، لكنه مكروه عند علمائنا.

4 - لا يكره السفر ليلة الجمعة اجماعاً(3).

ثانياً: الشيخ الجواهري (ت: 1266 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان):

(إذا زالت الشمس لم يجز السفر ونحوه قبل أدائها لتعين الجمعة عليه بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكي عن القطب الراوندي من الكراهة، ولا ريب في ضعفه، بل يمكن إرادة الحرمة منها كما يومي إليه عدم تعارف نقل خلافه،

ص: 266


1- کنز العمال للمتقي الهندي: ج 6 ص 715 الحديث 17540
2- تذكرة الفقهاء: ج 4 ص 17
3- تذكره الفقهاء: ج 4 ص 17 - 19

بل حتى الاجماع عليه غير واحد، بل يمكن تحصيله، وهو الحجة بعد ظهور الآية(1) وما شابهها من النصوص(2) في الأمر بترك سائر المنافيات لفعلها، ضرورة عدم الخصوصية للسعي والبيع ونحوهما في الترك، وخصوصا مع ملاحظة مجموع الآية والاتفاق المزبور معها وما تسمعه، فليس الحرمة حينئذ مبنية على مسألة الضد التي على القول بها تكون دليلا آخر بناء على إرادة مطلق المفوت من الضد لا خصوص المنافي عقلا ولو من الشرع كالصلاة بالنسبة إلى إزالة النجاسة إن قلنا بحرمة إبطالها في هذا الحال أيضا، وحرمة السفر بأول وقتها وإن لم نقل بتضيقها فيه، لأنه مانع من إقامتها في دوامه ففيه إسقاط للواجب بعد حصول سببه، وفي الذكرى ولأن التضيق غير معلوم، فإن الناس تابعون للإمام، ووقت فعله غير معلوم.

كما أن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة(3):

«لا تسافر يوم جمعة حتى تشهد الصلاة إلا ناضلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به» والنبوي(4): «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته» وقول الصادق (عليه السلام)(5):

«إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد فلا تخرج

حتى تشهد ذلك العيد».

ص: 267


1- الجمعة - 9
2- الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الصلاة الجمعة
3- الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 6
4- المستدرك - الباب 44 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 2 مع الاختلاف في اللفظ
5- الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1

بناء على أولوية حرمة السفر بعد الزوال يوم الجمعة منها بعد الفجر في العيد، وغيرها من النصوص التي سمعتها في الكراهة قبل الزوال دلیل آخر ولو بالانجبار سندا ودلالة بما سمعت، وإن كان مع ذلك لا يخلو من نظر إلا أنا في غنية عنه بما عرفت، کما أن به يستغني عن إثبات الحرمة بالنهي عن الضد كي يرد عليه منع الاقتضاء أولا، وأنه يلزم من تحريمه عدمه ثانيا، إذ لا مقتضي لتحريم السفر إلا استلزامه لفوات الجمعة كما هو المفروض)(1).

ثالثاً: السيد أحمد الخونسري (ت 1405 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في جامع المدارك في لواحق مسائل صلاة

الجمعة:

(الاولى: إذا زالت الشمس وهو حاضر، حرم السفر لتعين الجمعة ويکره بعد الفجر؛ الظاهر عدم الخلاف في حرمة السفر بعد الزوال واستدل عليه بأنه بعد الزوال قد تنجز التكليف بالجمعة فلا يجوز إيجاد ما يكون سببا لفوتها وفيه نظر لأنه بعد خروج المسافر عن الحكم لم يكن المسافرة موجبة لتفويت الواجب، وما يقال من انصراف ما دل على عدم وجوب الجمعة على المسافر عن هذه الصورة بعید کما لا يخفى لازمه وجوبها على من طرأ له أحد العناوين المخرجة كالعمى والمرض بعد الزوال ولا أظن أن يلتزم به.

والحاصل أن المسلم تنجز التكليف على الواجد للعناوين المعتبرة في تعلق الوجوب من أول الزوال إلى مقدار أداء الجمعة لا تنجزه بمجرد دخول الوقت ثم إنه يقع الاشكال في حرمة السفر لولا الإجماع من جهة أنه لا نجد وجها

ص: 268


1- جواهر الكلام: ج11 ص 282 - 283

لها إلا المضادة بين السفر والحضر والمضادة لا تقتضي الحرمة، وعلى فرض الحرمة فإن قلنا بانصراف الأدلة إلى خروج المسافر الغير المحرم الموجب للقصر فيلزم من الحرمة عدم الحرمة و استدل أيضا ببعض الروايات الناهية عن السفر يوم الجمعة مثل النبوي:

«من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في

سفره ولا يعان على حاجته»(1).

والمروي في نهج البلاغة(2):

«ولا تسافر في يوم جمعه حتى تشهد الصلاة إلا فاصلا في سبيل الله(3) أو في أمر تعذر به». واستدل بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج

حتى تشهد ذلك العيد»(4).

بدعوى أولوية حرمة بعد الزوال يوم الجمعة منها بعد الفجر في العيد. واستشكل في الجميع أما الاستدلال بالروايتين فمن جهة أنه بعد تسليم السند ليس تخصيصهما بها بعد الزوال أولى من الحمل على الكراهة.

وأما خبر أبي بصير فعلى فرض الالتزام بظاهره فهو حكم تعبدي

ص: 269


1- المستدرك ج 1 ص 425 باب كراهة السفر بعد طلوع الفجر يوم الجمعة
2- قسم الكتب والرسائل تحت رقم 69 من کتاب له (عليه السلام) إلى الحارث الهمداني
3- أي خارجا ذاهبا في سبيل الله تعالى
4- الوسائل أبواب صلاة العيد ب 27 ح 1

مخصوص بمورده، وإلحاق الجمعة به قیاس لا نقول به فالعمدة عدم الخلاف، والاجماع إن تم ولم يناقش فيه باحتمال کون نظر القائلين بالحرمة إلى الجهة العقلية المذكورة ومعه لا يستكشف رضا المعصوم صلوات الله عليه، وأما الكراهة بعد طلوع الفجر فيدل عليها رواية السري عن أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) قال:

(يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة من أجل الصلاة، فأما

بعد الصلاة فجائز يتبرك به)(1).

وعن مصباح الكفعمي عن الرضا (عليه السلام) قال:

(ما يؤمن من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله في سفره ولا يخلفه في أهله ولا يرزقه من فضله)(2) ويحتمل أن يكون المراد من هذه الرواية کراهة السفر يوم الجمعة قبل الصلاة ولو لم يكن مؤديا لصلاة الجمعة)(3).

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الأخرى.

أختلف فقهاء المذاهب في حكم السفر بعد الزوال بين الجواز والحرمة،

وهو كما يلي:

اولاً: المذهب الحنفي.

ذهب فقهاء المذهب الحنفي إلى جواز السفر بعد الفجر أو الزوال.

ص: 270


1- الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 51 ح 1 و 5
2- الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 51 ح 1 و 5
3- جامع المدارك: ج 1 ص 532 - 533

قال ابن عابدين (ت: 2521 ه) في الحاشية في بيان شروط وجوب صلاة

الجمعة:

(قوله: (تختص بها) إنما وصف التسعة بالاختصاص لان المذكور في المتن

أحد عشر، لكن العقل والبلوغ منها ليسا خاصين كما نبه عليه الشارح.

قوله: (إقامة) خرج به المسافر)(1).

اي: لم يجعل السفر بعد الزوال محرماً لأنه خارج عن الشروط.

ثانيا: المذهب الشافعي.

ذهب فقهاء المذهب الشافعي إلى عدم جواز السفر بعد الزوال من يوم الجمعة وتحريمه ما بين طولع الفجر والزوال؛ قال النووي (ت: 676 ه) في

المجموع:

(في مذاهب العلماء في السفر يوم الجمعة وليلتها:

أما ليلتها قبل طلوع الفجر فيجوز عندنا وعند العلماء كافة.

وأما السفر يوم الجمعة بعد الزوال إذا لم يخف فوت الرفقة ولم يصل

الجمعة في طريقه فلا يجوز عندنا.

وأما السفر بين الفجر والزوال فقد ذكرنا أن الأصح عندنا تحريمه، وبه قال عمر وعائشة والنخعي وجوزه عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وأبو عبيدة والحسن وابن سيرين ومالك وابن المنذر، واحتج لهم بحديث ابن

ص: 271


1- حاشية رد المختار: ج 2 ص 165؛ المجموع للنووي: ج 4 ص 499

رواحة وهو حديث ضعيف جداً وليس في المسالة حديث صحيح)(1).

ثالثاً: المذهب المالكي:

يرى فقهاء المذهب المالكي أن السفر يوم الجمعة بعد الفجر مکروه

ويجوز قبله اي قبل الفجر، أما السفر بعد الزوال فهو حرام(2).

رابعاً: المذهب الحنبلي.

ذهب فقهاء المذهب الحنبلي إلى عدم جواز السفر لمن وجبت عليه الجمعة،

اي بعد دخول وقتها ويراد به الزوال؛ وعلى الجواز مطلقاً قبل الزوال.

قال ابن قدامة (ت 620 ه):

(ومن تجب عليه الجمعة لا يجوز له السفر بعد دخول وقتها، وبه قال الشافعي واسحق وابن المنذر. وقال أبو حنيفة يجوز، وسئل الأوزاعي عن مسافر يسمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته فقال ليمض في سفره لأن عمر رضي الله عنه قال الجمعة لا تحبس عن سفر؛ ولنا ما روی ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

«من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته». رواه الدارقطني في الأفراد، وهذا وعيد لا يلحق بالمباح، ولان الجمعة قد وجبت عليه فلم يجز له الاشتغال بما يمنع

ص: 272


1- المجموع: ج 4 ص 499 - 500
2- مختصر خليل الخليل بن اسحاق الجندي: ص 38؛ مواهب الجليل للخطاب الرعيني: ج 2 ص 549؛ الشرح الكبير لابي البركات: ج 1 ص 387

منها كاللهو والتجارة، وما روي عن عمر فقد روي عن ابنه وعائشة أخبار تدل على كراهية السفر يوم الجمعة فتعارض قوله ثم نحمله على السفر قبل الوقت (فصل) وان سافر قبل الوقت فذكر أبو الخطاب فيه ثلاث روایات:

إحداها المنع لحديث ابن عمر، والثانية الجواز وهو قول الحسن وابن سيرين وأكثر أهل العلم لقول عمر ولان الجمعة لم تجب فلم يحرم السفر كالليل.

(والثالثة: يباح للجهاد دون غيره وهذا الذي ذكره القاضي لما روى ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) وجه زید بن حارثة وجعفر بن أبي طالب - عليه السلام - وعبد الله بن رواحة في جيش مؤتة فتخلف عبد الله فرآه النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:

(ما خلفك؟) قال الجمعة ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):

«لروحة في سبيل الله - أو قال: غدوة - خير من الدنيا وما فيها».

قال فراح منطلقا رواه الإمام أحمد في المسند. والأولى الجواز مطلقا لأن

ذمته بريئة من الجمعة فلم يمنعه امکان وجوبها علیه کما قبل يومها))(1).

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء الذاهب في المسالة.

نورد في هذه المسالة خلاصة القول الذي يختزل ما تكلم فيه فقهاء المذاهب الإسلامية ثم نردفه بيان ما ورد عن شراح نهج البلاغة بغية اتمام المنفعة وتحصيلاً للأجر: في خدمة العلم وأهله.

ص: 273


1- المغني: ج 2 ص 217 - 218

1 - أجمع فقهاء الامامية: على عدم جواز السفر بعد الزوال من يوم الجمعة إلا لأصحاب الاعذار المتجددة بعد الوجوب وهو كل ما يخاف معه على نفسه أو ماله فهو عذر.

2 - أجمع فقهاء الامامية: على جواز السفر قبل الزوال بعد الفجر لكنه

مكروه.

3 - ذهب فقهاء المذهب (الشافعي، والمالكي، والحنبلي): إلى عدم جواز

السفر بعد الزوال يوم الجمعة

4 - اما المذهب الحنفي: فقد خالف في ذاك المذاهب الاربعة (الامامية

والمالكية والشافعية والحنبلية).

فقد قال فقهاء المذهب الحنفي بجواز السفر بعد الزوال يوم الجمعة.

المسالة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة.

تناول شراح نهج البلاغة الحديث الشريف ببيان معانيه واظهار دلالته،

ومنهم:

أولا: الشيخ ابن ميثم البحراني (ت 679 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) (ومن كتاب له (عليه السلام) إلى الحار

الهمداني:

«وتمسك بحبل القرآن وانتصحه واحل حلاله وحرم حرامه.....» إلى ان

يقول (عليه الصلاة والسلام):

«ولا تسافر يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلا فاصلا في سبيل الله أو في

ص: 274

أمر تعذر به؛ واطع الله في جميع اموك....» إلى اخر الوصية الشريفة.

وقد وصفها ابن میثم بقوله (هذا فصل من كتاب طويل إليه، وقد امره فيه بأوامره، وزجره بزواجره، مدارهاعلی تعلیم مکارم الاخلاق و محاسن الآداب.

وفيما يخص موضع المسألة، اي النهي عن السفر بعد الزوال وبيان الاثر

التربوي لصلاة الجمعة على الإنسان المؤمنين يقول ابن میثم البحراني:

(و سره - اي: سر النهي عن السفر بعد الزوال يوم الجمعة - إنّ صلاة الجمعة عظيمة في الدين وهو محل التأهب لها والعبادة فوضعه للسفر وضع للشيء في غير موضعه)(1).

ثانيا: السيد حبيب الله الخوئي (ت 1324 ه).

قال (عليه الرحمة والرضوان) في بيان ما احتواه الكتاب على منهج قيمي

وتربوي وتقوائي عام دون التفصيل في مقرراته، فقال:

(وقد جمع (عليه السلام) في هذا الفصل كلما يلزم لمسلم معتقد إلهيّ في الرابطة بينه وبين الله تعالى من التمسّك بالقرآن وملازمة أحكامه من الحلال والحرام وفي المواجهة مع الدنيا والاعتبار عن فنائها وعدم الركون عليها والاتّعاظ بها سلف منها وفي التوجه إلى الموت والتهيّؤ لما بعده بادّخار

الأعمال الصالحة والاجتناب عن الأعمال المهلكة.

ثمّ نظم وصایا اجتماعيّة في الروابط بين المسلم وسائر إخوانه وأبناء

ص: 275


1- شرح نهج البلاغة لابن میثم البحراني: ج 5 ص 220

نوعه وحذّر عن الاستئثار بما یکره سائر الناس ويضرّهم وعن النفاق، وأمر بصيانة العرض وحفظ اللسان عن حكاية الكذب بأعمّ معانيها إلى أن بلغ الوصاية بالتضحية في سبيل الله، والاجتناب عن المعاشرة والصحابة مع الفسّاق وضعفاء الرأي والسكونة في الأمصار للإلحاق بجامعة المسلمين - إلى آخر ما أفاده عليه السّلام)(1).

وبهذا نكون قد أتممنا کتاب الصلاة وما جاء فيه من فصول و مباحث و مسائل من فقه نهج البلاغة. فلله الحمد على فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله).

«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»

وصلى الله على خير خلقه أبي القاسم محمد واله الطيبين الطاهرين

ص: 276


1- منهاج البراعة: ج 20 ص 319

المحتويات

الباب الثالث

كتاب الصلاة

الفصل الأول

مقدمات فريضة الصلاة

توطئة:...15

المبحث الاول: معنى الصلاة في اللغة واصطلاح الفقهاء...17

المسألة الأولى: معنى الصلاة في اللغة والاصطلاح:...17

المسالة الثانية: معنى الصلاة عند فقهاء الإمامية...18

أولاً: المحقق الحلي (ت 676 ه):...19

ثانيا - الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1228 ه):...19

ثالثا: الميرزا القمي (ت 1231 ه)...22

المسالة الثالثة: معنى الصلاة في المذاهب الاخرى...23

أولا: معنى الصلاة في المذهب الزيدي...23

ثانيا: معنى الصلاة في المذهب المالكي...23

ثالثا: معنى الصلاة في المذهب الحنفي...24

رابعا: معنى الصلاة في المذهب الشافعي...24

ص: 277

خامسا: معنى الصلاة في المذهب الحنبلي...24

سادسا: معنى الصلاة في المذهب الإباضي...24

المسألة الرابعة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب الإسلامية في معنی الصلاة... 25

المبحث الثاني: في تحريم إضاعة الصلاة ووجوب المحافظة عليها...27

المسألة الأولى: فضل الصلاة في المذهب الأمامي ووجوب المحافظة عليها...28

أولاً: المحقق البحراني (ت 1186 ه)...28

ثانياً - السيد اليزدي (ت: 1337 ه):...34

المسألة الثانية: فضل الصلاة في المذاهب الاخرى ووجوبها...36

أولاً - المذهب الزيدي...36

ثانيا: المذهب المالكي...36

ثالثاً: المذهب الحنفي...37

رابعاً: المذهب الشافعي...38

خامساً: المذهب الحنبلي:...38

سادساً: المذهب الإباضي...39

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيها أورده فقهاء المذاهب السبعة...39

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...40

أولاً: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655):...40

ثانياً: ابن میثم البحراني (ت 679 ه):...42

ثالثاً: السيد حبيب الله الخوئي (ت: 1324 ه):...44

المبحث الثالث: في استحباب الابتداء بالنوافل...47

المسألة الأولى: استحباب التقرب بالنوافل مع الفرائض في المذهب الإمامي...47

ص: 278

أولاً: العلامة الحلي (ت 726 ه)...47

ثانياً: الشهيد الأول (محمد بن مكي العاملي) (ت: 786 ه):...49

ثالثاً: السيد اليزدي (ت 1337 ه) مع بيان بعض تعليقات الفقهاء...54

المسالة الثانية: استحباب الابتداء بالنوافل والتقرب بها في المذاهب الأخرى...56

اولا: أقوال فقهاء المذهب الزيدي...57

1 - یحیی بن الحسين (298 ه)...57

2 - الشيخ أحمد المرتضى (ت 840 ه)...58

ثانياً: أقوال فقهاء المذهب المالكي...61

1 - الخطاب الرعيني (ت 954 ه)...61

2 - الآبي الأزهري (ت: 1330 ه)...61

ثالثاً: أقوال فقهاء المذهب الحنفي...65

1 - أبو بكر الكاشاني (ت 587 ه)...65

2 - ابن عابدین (ت 1252 ه)...71

رابعاً: أقوال فقهاء المذهب الشافعي...71

1 - النووي (ت 676):...72

2 - المليباري الفناني الهندي:...73

خامساً: أقوال فقهاء المذهب الحنبلي...74

3 - ابن قدامة المقدسي (620 ه):...74

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيها أورده فقهاء المذاهب...76

أولاً: في استحباب النوافل...76

ثانياً: في عدد النوافل وترتيبها...77

ص: 279

1 - قال فقهاء الإمامية:...77

2 - قال فقهاء الزيدية:...77

3 - قال فقهاء المالكية:...78

4 - قال فقهاء الحنفية:...78

5 - قال فقهاء الشافعية:...78

6 - قال فقهاء الحنابلة:...79

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...79

1 - علي بن زيد البيهقي (ت: 565 ه)...79

2 - السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324 ه)...80

المبحث الرابع: جواز ترك النوافل لعذر أو لغيره...83

المسألة الاولى: أقوال فقهاء الإمامية في جواز ترك النوافل عند إدبار القلب عن العبادة لتوارد الهموم...83

أولاً: المحقق البحراني (ت: 1244 ه)...85

ثانياً: المحقق النراقي (ت 1244ه):...87

ثالثاً: الشيخ حسين آل عصفور (ت: 1216 ه)...88

المسألة الثانية: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...88

أولاً: قطب الدين الرواندي (ت: 573 ه)...89

ثانياً: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه)...89

ثالثاً: الشيخ محمد جواد مغنية (ت 1400 ه)...89

المبحث الخامس: كراهة النافلة في وقت الفريضة غير الرواتب...91

ومع الرواتب في وقت الفضيلة للفريضة...91

ص: 280

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي...91

أولاً: الميرزا القمي (ت: 1231 ه)...91

ثانياً: الشيخ الجواهري (ت: 1266 ه)...95

المسألة الثانية: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...110

أولاً: ابن میثم البحراني (ت 679 ه)...110

ثانياً: لسيد حبيب الله الخوئي (ت 1324 ه)...110

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده الفقهاء في المسألة...111

المسألة الرابعة: قاعدة المشقة: موجبة لليسر...111

الفصل الثاني

أوقات الصلوات اليومية

المبحث الأول: أوقات الصلوات اليومية في المذهب الإمامي...127

المسألة الأولى: ما أورده العلامة ابن المطهر الحلي (ت 726 ه):...127

أولاً: وقت الفضيلة ووقت الإجزاء...127

ثانياً: وقت صلاة الظهر:...128

ثالثاً: في معنى الدلوك...130

رابعاً: في وقت الفضيلة للظهر:...131

خامساً: آخر وقت الظهر...134

سادساً: في أول وقت صلاة العصر...136

سابعاً: آخر وقت فضيلة العصر...138

ثامناً: أول وقت المغرب...140

تاسعاً: آخر وقت فضيلة المغرب...141

ص: 281

عاشراً: أول وقت العشاء...143

حادي عشر: في معنى الشفق...145

ثاني عشر: آخر وقت الفضيلة للعشاء...146

ثالث عشر: أول وقت الغداة...148

رابع عشر: آخر وقت الفضيلة لصلاة الصبح...148

المسألة الثانية: ما أورده السيد محمد کاظم اليزدي (عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 1337 ه) في مواقيت الصلاة المفروضة...149

أولاً: وقت الظهرين والعشائين والصبح، والجمعة والفضيلة لهذه الصلوات... 149

ثانياً: في معرفة الزوال وتحديده...151

ثالثاً: اختصاص أول الوقت وآخره...152

رابعاً: وجوب تأخير اللاحقة على السابقة...154

خامساً: في تضايق وقت الظهرين إلى المغرب...156

سادساً: عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة، والعكس جائز...157

سابعاً: في تضايق الوقت للمسافر وتردده في نية الإقامة في الصلاة...157

ثامناً: استحباب التفريق بين الظهرين والعشائين...158

تاسعاً: الأحوط في إدراك الفضيلة...158

عاشرًا: استحباب إدراك وقت الفضيلة والإجزاء...158

حادي عشر: استحباب أداء صلاة الصبح في الظلمة...159

ثاني عشر: من أدرك ركعة في آخر وقت الفريضة...159

المبحث الثاني: أوقات الصلوات اليومية عند فقهاء المذاهب الأخرى...161

المسألة الأولى: المذهب الزيدي...161

أولاً - وقت الظهر...161

ص: 282

ثانياً: وقت العصر:...163

ثالثاً: وقت المغرب...163

رابعاً: وقت العشاء...164

خامساً: وقت الصبح...164

سادساً: وقت الاضطرار...164

المسألة الثانية: المذهب المالكي...165

المسألة الثالثة: المذهب الحنفي...166

أولاً: وقت الفجر...167

ثانياً: وقت الظهر والعصر...169

ثالثاً: وقت المغرب...173

رابعاً: وقت العشاء...174

المسألة الرابعة: المذهب الشافعي...175

أولاً: وقت الظهر:...177

ثانياً: وقت العصر:...180

ثالثاً: وقت المغرب:...181

رابعاً: وقت العشاء...182

خامساً: وقت الفجر:...183

المسألة الخامسة: المذهب الحنبلي...184

أولاً: صلاة الظهر...184

ثانياً: وقت العصر، وإنها الصلاة الوسطى...185

ثالثاً: وقت المغرب...193

رابعاً: وقت العشاء...195

ص: 283

خامساً: وقت الصبح...199

المسألة السادسة: المذهب الإباضي...200

أولاً: تحديد مواقيت الصلاة عبر صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)...200

ثانياً: وقت الظهر...201

ثالثاً: وقت العصر:...203

رابعاً: وقت المغرب...205

خامساً: وقت العشاء...206

سادساً: وقت الصبح...207

سابعاً: الوقت المختار من أوقات الصلوات...208

المبحث الثالث: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في مواقيت الصلاة ودليل الإمامية في المسألة وتفرعاتها...211

المسألة الأولى: تطابق الوقت والفعل في وقت الرفاهية للفرائض اليومية...211

المسألة الثانية: لكل صلاة وقتان في المذهب الإمامي (الفضيلة والإجزاء)...212

المسالة الثالثة: الإختلاف في عدد أوقات الصلاة في المذاهب الاخرى...213

أولا: المذهب الحنبلي...213

ثانيا: المذهب الشافعي...213

ثالثا: المذهب المالكي...213

المسألة الرابعة: معنى الدلوك في المذهب الإمامي...214

أولا: تحقيق الشيخ الطوسي (رحمه الله)...214

ثانيا: تحقيق العلامة الحلي والشيخ الجواهري...214

المسالة الخامسة: معنى الدلوك في المذاهب الاخرى...215

أولا: المذهب الزيدي...215

ص: 284

ثانيا: المذهب الشافعي...215

ثالثا: المذهب المالکی...215

رابعاً: المذهب الحنفي...215

خامساً: المذهب الحنبلي...216

المسألة السادسة: تحقق دخول وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس...216

أولاً: تحقيق الشيخ الطوسي وبيان اقوال المذاهب الاخرى...216

ثانياً: فضلاً عما حققه الشيخ الطوسي في المسالة...217

المسألة السابعة: ما يختص بصلاة الظهر من الوقت و مقدار مايشترك معها من صلاة العصر...217

أولاً: تحقيق العلامة ابن المطهر الحلي (رحمه الله) و بیان اقوال المذاهب الاخرى...217

ثانياً: فضلاً عما حققه العلامة ابن المطهر الحلي (رحمه الله)...220

المسألة الثامنة: أول وقت العصر وما يشترك معها من وقت الظهر...221

أولاً: تحقيق الشيخ الطوسي (رحمه الله) في المسألة وبيان اقوال المذاهب الأخرى...221

ثانياً: تحقيق العلامة الحلي (رحمه الله) في أول وقت العصر وبيان أقوال المذاهب الاخرى...223

المسألة التاسعة: تحديد وقت فضيلة العصر...225

أولاً: تحقيق العلامة الحلي (رحمه الله ) وبيان أقوال المذاهب الاخرى...225

ثانياً: فضلاً عما حققه العلامة...226

المسألة العاشرة: أول وقت المغرب الذي تتعلق به الفريضة، و وقت فضيلتها...227

أولاً: تحقيق الشيخ الطوسي في المسألة وبيان اقوال المذاهب الاخرى...227

ثانياً: تحقيق العلامة الحلي (قدس) في المسألة:...229

ثالثاً: فضلاً عمّا حققه الشيخ الطوسي والعلامة...232

ص: 285

المسألة الحادية عشر: تحديد وقت فريضة العشاء و فضيلتها...233

أولاً: تحقيق العلامة الحلي (رحمه الله) في المسالة وبيان أقوال فقهاء المذاهب الأخرى...233

ثانياً: فضلاً عما حققه العلامة (رحمه الله)...238

ثالثاً: الدليل على ما ذهب إليه الامامية (أعلى الله شانهم) في تحديد وقت صلاة العشاء ووقت الفضيلة...239

المسألة الثانية عشر: وقت الغداة...239

المسألة الثالثة عشر: بيان الفجر الثاني ووقت فضيلة صلاة الصبح...240

أولاً: الرد على من خالف الإجماع ودليل ما قال به الإمامية...240

ثانياً: وقت فضيلة صلاة الفجر في المذاهب الاخرى...242

المبحث الرابع: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...245

المسألة الأولى: ما أورده قطب الدين الراوندي (رحمه الله) (ت: 573 ه)...265

المسألة الثانية: ما أورده ابن میثم البحراني (ت 679 ه)...246

الفصل الثالث استحباب تخفيف الإمام صلاته وبيان حكم السفر يوم الجمعة

المبحث الأول: استحباب تخفيف الإمام صلاته...251

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي...251

أولاً: العلامة الحلي (ت: 726 ه)...251

ثانياً: المحقق البحراني (ت: 1186 ه)...253

ثالثاً: السيد محمد کاظم اليزدي (ت: 1337 ه)...255

رابعاً: التعليق على قول السيد اليزدي (عليه الرحمة والرضوان):...256

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الأخرى...257

ص: 286

أولاً: المذهب الحنفي...257

ثانيا: المذهب المالكي...258

ثالثاً: المذهب الحنبلي...260

رابعاً: المذهب الشافعي...261

المسالة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسألة...262

المسألة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...263

أولاً: ابن میثم البحراني (ت: 679 ه):...263

ثانیا - ابن ابي الحديد المعتزلي (ت: 656 ه):...264

المبحث الثاني: حكم السفر يوم الجمعة قبل الفجر وبعده، وبعد الزوال...265

المسألة الأولى: أقوال فقهاء المذهب الإمامي...265

أولاً: العلامة الحلي (ت 726 ه):...265

ثانياً: الشيخ الجواهري (ت: 1266 ه)...266

ثالثاً: السيد أحمد الخونساري (ت 1405 ه)...268

المسألة الثانية: أقوال فقهاء المذاهب الاخرى...270

اولاً: المذهب الحنفي...270

ثانيا: المذهب الشافعي...271

ثالثاً: المذهب المالكي:...272

رابعاً: المذهب الحنبلي:...272

المسألة الثالثة: خلاصة القول فيما أورده فقهاء المذاهب في المسالة...273

المسالة الرابعة: ما ورد في الحديث من شروح نهج البلاغة...274

أولا: الشيخ ابن میثم البحراني (ت 679 ه)...274

ثانيا: السيد حبيب الله الخوئي (ت 1324 ه)...275

ص: 287

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.