فِقْهُ نَهْجُ البَلاغة عَلَی المَذاهِبِ السَّبعَةِ المجلد 2

هوية الکتاب

فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي - الحنبلي - الإباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الأحاديث

ISBN 9789933582470 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3083 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP193.1.A2 H3 2020 LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مؤلف. العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي - الحنبلي - الإباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الأحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبع: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة.

الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة: 697). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة: 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية: 18). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية. تبصرة محتويات الجزء 1:اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث. موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب. مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاریخ. مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي). مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي). اسم شخص اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ISBN 9789933582470 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3083 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP193.1.A2 H3 2020 LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مؤلف. العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي - الحنبلي - الإباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الأحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبع: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة.

الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة: 697). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة: 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية: 18). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية. تبصرة محتويات الجزء 1:اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث. موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب. مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاریخ. مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي). مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي). اسم شخص اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث العلمية وحدة الدراسات الفقهية (18) فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي - الحنبلي - الإباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الأحاديث دراسة بینیة الجزء الثاني نشوء المذاهب الفقهیة وتطورها تألیف السید نبیل الحسني الکربلائي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسینیة المقدسة (176)

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1441 ه/ 2020 م العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633 - 07728243600

ص: 4

المقدمة العلمية نشوء المذاهب الفقهية وتطورها حتى نهاية القرن الثالث للهجرة النبوية

ص: 5

ص: 6

يتضمن الجزء

الفصل الأول: جهود أئمة أهل البيت (علیهم السلام) في حفظ الشريعة وانماء الفقه في النصف الأول من القرن الثاني (100 - 150 ه)

• المبحث الأول: جهود الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وجهاده في حفظ الشريعة وإنماء الفقه.

* المسألة الأولى: التعريف بشخصه وشطراً من سيرته.

* المسألة الثانية: مدرسته العلمية .

• المبحث الثاني: جهود الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وجهاده في حفظ الشريعة وإنماء الفقه.

* المسألة الأولى: التعريف بشخصه وشطرٌا من سيرته (عليه السلام).

* المسألة الثانية: مدرسته العلمية.

الفصل الثاني: ظهور المذاهب الإسلامية واستقلاليتها الاجتهادية وأبرز رموزها.

• المبحث الأول: عائدية مذهب الإمامية إلى عصر الرسالة المحمدية تأسيساً وتأصيلاً.

• المبحث الثاني: المذهب الحنفي ومرجعيته الفقهية.

* المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب.

المسألة الثانية: آرائه الفقهية وفتاويه التي تفرد بها عن بقية المذاهب السبعة.

* المسألة الثالثة: اسماء ابرز اهل الفتيا الذين انتسبوا إلى مدرسة الرأي والقياس حتى العام 250 ه.

• المبحث الثالث: المذهب المالكي

* المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب.

* المسألة الثانية: أبرز فقهاء المذهب المالكي حتى نهاية القرن الثالث الهجري.

ص: 7

• المبحث الرابع: المذهب الشافعي.

* المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب.

* المسألة الثانية: أسماء أبرز الفقهاء حتى منتصف القرن الثالث للهجرة النبوية.

• المبحث الخامس: المذهب الحنبلى.

* المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب.

* المسألة الثانية: أسماء أبرز فقهاء المذهب الحنبلي منتصف القرن الثالث للهجرة.

• المبحث السادس: المذهب الزيدي.

* المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب وشطراً من سيرته.

* المسألة الثانية: موقف علماء الإمامية من زید الشهيد (عليه السلام).

* المسألة الثالثة: أسماء أبرز فقهاء المذهب الزيدي حتى نهاية القرن الرابع الهجري.

• المبحث السابع: المذهب الإباضي.

* المسألة الأولى: الإختلاف فيمن أسس المذهب، وحقيقة نسبته لعبد الله بن إباض.

* المسألة الثانية: أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي (ت 93 ه) وحقيقة نسبة المذهب إليه.

* المسألة الثالثة: مسلم بن ابي کريمة إمام الإباضية وفقيههم (المتوفي نحو 145 ه؛ وقيل سنة 135 ه).

* المسألة الرابعة: أبو عمرو الربيع بن حبیب و مسنده الموسوم ب (الجامع الصحیح) (ت حدود 180 ه).

ص: 8

الفصل الأول :جهود ثمة أهل البيت (علیهم السلام) في حفظ الشريعة وإنماء الفقه في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة النبوية

اشارة

ص: 9

ص: 10

توطئة: مستويات نمو الفقه عند التابعيين واتباعهم.

تمتاز هذه المدة الزمنية بتجلي جهود الإمامين الباقرين الصادقين، الإمام أبي جعفر الباقر، وولده الإمام أبي عبد الله الصادق (عليهما السلام) والتي أعقبها ظهور المذاهب الإسلامية الأربعة، اي: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والتي سنتناول دراستها في الفصل القادم.

فضلاً عن دراسة نشوء المذهب الزيدي والإباضي، والتنويه إلى بعض أئمة المذاهب التي لم يكتب لها النمو والانتشار فذهبت بذهاب أصحابها.

وعليه:

فقد شكلت هذه المرحلة، أي منذ العام (100 ه) إلى العام (150) للهجرة النبوية مرحلة مفصلية في تاريخ الفقه ونموه وانتشاره وذلك ضمن مستويين:

الأول: نمو الفقه في المدن الإسلامية وظهور العديد من الفقهاء الذين اخذوا عن الصحابة فمنهم من كان من التابعيين ومنهم من اخذ عنهم.

والثاني: ظهور المذهب الحنفي والمالكي وما تبعه من ظهور المذهب الشافعي والحنبلي، والمذاهب السبعة المنقرضة، والمجتهدون المستقلون، فضلا عن ظهور المذهب الزيدي والإباضي.

وهذه المذاهب الفقهية المتعددة برز فيها فقهاء أعلام بذلوا جهداً كبيراً في تدعيم مذاهبهم والدفاع عنها، والذي نعني به في هذا الفصل دراسة جهود الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وجهادهما في حفظ شريعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ضمن المستوى الثاني.

ص: 11

أما المستوى الأول لنمو الفقه الذي برز فيه جملة من التابعيين واتباع التابعين حتى العام (152) للهجرة النبوية فهو كالاتي:

1- سعيد بن جبیر، أبو عبد الله الكوفي الوالبي مولاهم (ت 95 ه) وصف بالإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد، أحد الأعلام، كان على عطاء الخيل زمن الحجاج ثم قتله بعد مشاركته في ثورة ابن الأشعث(1).

2- سالم بن أبي الجعد الكوفي مولى غطفان (ت 100 ه) وصف بالفقيه، وأنه كان من نبلاء الموالي وعلمائهم، وكان كثير الحديث إلا أنه صاحب تدلیس، روى عنه الستة(2).

3- مسلم بن يسار، أبو عبد الله البصري، مولى بني أمية، وقيل: مولى طلحة بن عبيد الله (ت 100 ه) وصفة الذهبي بالقدوة الفقيه الزاهد، وقال فيه ابن عون: كان لا يفضل عليه أحد في زمانه، وقال فيه قتادة: مسلم بن يسار خامس خمسة من فقهاء البصرة، وهو ممن خرج مع ابن الأشعث، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجة(3).

4- شراح یل بن آده، وقيل: بن شرحبيل، أبو الأشعث الصنعاني (ت 100 ه)

ص: 12


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 374، تاريخ البخاري 3/ 461، الإيضاح: 45، الجرح والتعديل 4/ 9، حلية الأولياء 4/ 272، طبقات الشيرازي: 79، سير أعلام النبلاء 4/ 321، تهذيب التهذيب 4/ 11
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 408، تاريخ البخاري 4/ 107، الجرح والتعديل 4/ 181، سير أعلام النبلاء 5/ 108، تهذيب التهذيب 3/ 432
3- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 185، تاريخ البخاري 7/ 275، طبقات الشيرازي: 86، سير أعلام النبلاء 4/ 10، تهذيب التهذيب 10/ 140

من أبناء الفرس الذين وجههم كسرى مع سيف بن ذي يزن، نزل دمشق ومات بها وصفه الذهبي بأنه من كبار علماء دمشق، خرج له مسلم والأربعة(1).

5- الضحاك بن مزاحم، أبو القاسم الخراساني المفسر (ت 105 ه).

6- طاووس بن كيسان أبو عبد الرحمن الفارسي الجندي (ت 106 ه).

7- سليمان بن يسار المدني مولى ميمونة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل: كان مكاتباً لأم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، عنهُ الستة، وفضله بعضهم على سعيد بن المسيب، قال قتادة: قدمت المدينة فسألت من أعلم أهلها بالطلاق؟ قالوا: سليمان بن يسار، وهو أخو عطاء، وعبد وعبد الله، وعبد الملك بني يسار(2).

8- محمد بن سيرين، أبو بكر البصري (ت 111 ه-) مولى أنس بن مالك، وكان أبوه من سبي جرجرايا، تملكه أنس، ثم كاتبه على ألوف من المال، فواه وعجل له مال الكتابة قبل حلوله، فتمنع أنس من أخذه لما رأى سيرين كثر ماله من التجارة وامل أن يرثه، فحاكمه إلى عمر، فألزمه تعجيل المؤجل، وصفه الذهبي بالإمام شيخ الإسلام، ووصفه ابن جرير بالفقيه العالم، روى عنه الستة(3).

ص: 13


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 96، تاريخ البخاري 4/ 255، طبقات الشيرازي: 69، تاريخ دمشق 22/ 436، سير أعلام النبلاء 4/ 357، تهذيب التهذيب 4/ 319
2- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 172، تاريخ البخاري 4/ 41، المعرفة والتاريخ - للفسوي - 1/ 303، طبقات الشيرازي: 54، سير أعلام النبلاء 4/ 444، تهذب التهذيب 4/ 228
3- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 192، تاريخ البخاري 1/ 9، طبقات الشيرازي: 85، سير أعلام النبلاء 4/ 606، تهذيب التهذيب 9/ 214

9- مكحول بن شهراب، أبو عبد الله الدمشقي (ت 113 ه).

10- عطاء بن أبي رباح أسلم المكي (ت 114 ه).

11- الحكم ن عتيبة مولى امرأة من (ت 115 ه) وصف بالفقيه والإمام الكبير، عالم أهل الكوفة، روى عنه الستة، وكان الشعبي يصفه بالصعافقة، وهم الذين يشهدون السوق من دون رأس مال، وأراد بأن ليس له علم ولا فقه(1).

12- میمون بن مهران، أبو أيوب الرقي الجرزي (ت 117 ه).

13- نافع مولى عبد الله بن عمر (ت 117 ه) كان من أهل أبرشهر أصابه عبد الله في غزاته وقيل: نيسابوري، وقيل: ديلمي، وصفه الذهبي بالإمام المفتي الثبت عالم المدينة، روى عنه الستة، وكان فيه لكنة وعجمة، قال إسماعيل بن أمية: كنا نرد على نافع اللحن فيأبى، ويقول: لا، إلا الذي سمعته، وقال فيه ميمون بن مهران: كبر وذهب عقله(2).

14- حبيب بن أبي ثابت الكوفي مولى لبني كاهل (ت 119 ه) وصفه الذهبي بالإمام الحافظ، فقيه الكوفة، روى عنه الستة، قال العجلي: كان مفتي الكوفة قبل ماد بن أبي سليمان، وذكره الدولابي في الضعفاء(3).

ص: 14


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 450، تاريخ البخاري الصغير 1/ 276، الجرح والتعديل 3/ 123، طبقات الشيرازي: 80، سير أعلام النبلاء 5/ 208
2- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 423، تاريخ البخاري 8/ 84، الجرح والتعديل 8/ 451، أعلام النبلاء 5/ 95، تهذيب التهذيب 10/ 412
3- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 438، تاريخ البخاري 2/ 313، تاريخ الثقات: 105 رقم 244، الجرح والتعديل 3/ 107، طبقات الشيرازي: 80، سیر اعلام النبلاء 5/ 288

15- سليان بن موسى الأشدق مولى آل معاوية بن أبي سفيان (ت 119 ه) وصف بالإمام الكبير، مفتي دمشق، وفيقيه أهل الشام في وقته قبل الأوزاعي، روى عنه الأربعة ومسلم في المقدمة، قال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: هو احد الفقهاء، وليس بالقوي في الحديث، وقال مرة: في حديثه شيء(1).

16- حماد بن أبي سليمان الكوفي (ت 120 ه) مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، أصله من أصفهان، روى عن أنس وتفقه بإبراهيم النخعي، وتتلمذ عليه أبو حنيفة، خرج له مسلم والأربعة، وصفه الذهبي بالعلامة الإمام فقيه العراق، كان رأساً في الإرجاء، وقال جماعة بعدم وثاقته وكان يصرع(2).

17- عمر و بن دينار المكي الأثرم مولى باذام (ت 126 ه) كان من أبناء الفرس، وصف بالإمام الكبير الحافظ فقيه مكة، وشيخ الحرم، أفتى بمكة ثلاثين سنة، قال أبو زرعة: كان من أوعية العلم، وأئمة الاجتهاد، روى عنه الستة(3).

18- ثابت بن أسلم البناني مولاهم البصري (ت 127 ه) وصفه الذهبي بالإمام القدوة شيخ الإسلام، روى عنه الستة، وكان يلبس الثياب الثمينة والطيالس(4).

ص: 15


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 460، تاريخ البخاري 4/ 38، الجرح والتعديل 4/ 141
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 451، تاريخ البخاري 3/ 18، الجرح والتعديل 3/ 146، الضعفاء الكبير - للعقيلي - 1/ 301 رقم 375، طبقات الشيرازي: 80، ميزان الاعتدال 2/ 364، رقم 2256، سير أعلام النبلاء 5/ 231
3- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 40، تاريخ البخاري 6/ 328، الجرح والتعديل 6/ 231، طبقات الشيرازي: 65، سير أعلام النبلاء 5/ 300
4- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 231، تاريخ البخاري 6/ 195، الجرح والتعديل 2/ 449

19- عبد الكريم بن مالك الجرزي الحراني (ت 127 ه) مولى بني أمية، وأصله من اصطخر، وصفه الذهبي بالإمام الحافظ، عالم الجزيرة، خرج له الستة(1).

20- بكير بن عبد الله بن الأشج المدني المصري مولى بني محزوم (ت 127 ه) وصف بالإمام الثقة وأنه أحد الأعلام، خرج له الستة(2).

21- يزيد بن أبي حبيب، أبو رجاء الأزدي مولاهم المصري (ت 128 ه).

22 - عبد الله بن ذكوان، أبو الزناد المدني مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة زوجة عثمان (ت 130 ه) وكان ذكوان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر، ولي خراج المدينة، وكان كاتباً لبني أمية، وصف بالإمام الفقيه، وعده بعضهم بأنه أفقه أهل المدينة، وقال فيه أحمد بن حنبل: إنه أعلم من ربيعة الرأي، وكان سفيان الثوري يسميه: أمير المؤمنين - يعني في الحديث - وقال أبو حاتم: ثقة فقيه صالح الحديث صاحب سنة(3) وهو من تقوم به الحجة، روى عنه الستة(4).

23- أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري مولى عنزة (ت 131 ه)، وصفه شعبة بسيد الفقهاء، ووصفه الذهبي بسيد العلماء، روى عنه الستة(5).

ص: 16


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 486، تاريخ البخاري 6/ 88، الجرح التعديل 6/ 58
2- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 504، تاريخ البخاري 2/ 113، الجرح والتعديل 2/ 403، طبقات الشيرازي 74، سير أعلام النبلاء 6/ 170
3- راجع: الإيمان والكفر: 74 في بيان معنى صاحب سنة
4- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 508، تاريخ البخاري 5/ 83 رقم 228، طبقات الشيرازي: 60، سير أعلام النبلاء 5/ 445، تهذيب التهذيب 5/ 203 رقم 351
5- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 246، حلية الأولياء 3/ 3، طبقات الشيرازي: 87، سير أعلام النبلاء 6/ 15، تهذيب التهذيب 1/ 397

24- عبد الله بن أبي نجيح المكي مولى ثقيف (ت 131 ه)، كان مفتي مكة بعد عطاء، ووصف بالإمام الثقة المفسر، روى عنه الستة، وكان يقول بالقدر(1).

25- إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر الشامي مولى بني مخزوم (ت 132 ه) وصفه الذهبي بالإمام الكبير، ومفقه أولاد عبد الملك الخليفة، ومن ثقات العلماء، روى عنه الستة سوى الترمذي(2).

26- المغيرة بن مقسم الكوفي مولى ضبة (ت 133 ه) وصف بالإمام العلامة الفقية، قال أبو بكر بن عياش: كان مغيرة من أفقههم، ما رأيت أحداً أفقه منه، فلزمته، خرج له الستة، قال ابن فضيل: كان مغيرة يدلس، وكان يمل على علي(3).

27- داود بن الحصين المدني مولى بني أمية (ت 135 ه) وصفه الذهبي بالفقيه، وخرج له الستة، ضعفه بعضهم ولينه أبو زرعة، وتكلم الترمذي في حفظه(4).

ص: 17


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 44، تاريخ البخاري 5/ 233، الجرح والتعديل 5/ 203، طبقات الشيرازي: 66، سير أعلام النبلاء 6/ 125
2- ينظر: تاريخ البخاري 1/ 366، الجرح والتعديل 2/ 182، سير أعلام النبلاء 5/ 213، تهذيب التهذيب 1/ 317
3- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 456، تاريخ البخاري 7/ 322، تاريخ الثقاة - للعجلي -: 437 رقم 1622، الجرح والتعديل 8/ 228، سير أعلام النبلاء 6/ 10، تهذيب التهذيب 10/ 263
4- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 508، تاريخ البخاري 3/ 231، الجرح والتعديل 3/ 408، سير أعلام النبلاء 6/ 106، تهذيب التهذيب 3/ 181

28- عطاء بن أبي مسلم الخراساني نزيل الشام مولى المهل بن أبي صفرة (ت 135 ه) أصله من بلخ، كان محدثاً واعظاً معروفاً بالفتوى، خرج له الستة، واتهم بالتدليس(1).

29- برد بن سنان، أبو العلاء الدمشقي، نزيل البصرة مولى قريش (ت 135 ه) وصفه الذهبي بالفقيه، ومن كبار العلماء، ضعفه ابن المديني، وكان يقول بالقدر، روى عنه الأربعة(2).

30- زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش المخزومي (ت 135 ه) من مشايخ دمشق في وقته، وصفه الذهبي بالفقيه الرباني، خرج له مسلم والترمذي وابن ماجة، كان صديقاً لعمر بن عبد العزيز، وكان فيه عجمة، قال مالك: وكان قد أعانه الناس على فكاك رقبته(3).

31- عبيد الله بن أبي جعفر المصري الكناني مولاهم، وقيل: مولى بني أمية (ت 135 ه) وصف بالإمام الحافظ، فقيه مصر، خرج له الستة، وقال فيه أحمد ليس بالقوي(4).

32- سعيد بن أبي هلال، أبو العلاء الليثي مولاهم المصري (ت 135 ه)

ص: 18


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 373، تاريخ البخاري 6/ 474، الجرح والتعديل 6/ 334، طبقات الشيرازي: 91: سير أعلام النبلاء 6/ 140، تهذيب التهذيب 7/ 212
2- ينظر: تاريخ البخاري 2/ 134، الجرح والتعديل 2/ 422، ميزان الاعتدال 2/ 11، أعلام النبلاء 6/ 151، تهذيب التهذيب 1/ 428
3- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 300، المعرفة والتاريخ 1/ 374، الجرح والتعديل 3/ 532، سير أعلام النبلاء 5/ 456، تهذيب التهذيب 3/ 367
4- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 520، الجرح والتعديل 5/ 310، سر أعلام النبلاء 6/ 8، تهذيب التهذيب 7/ 5

وصفه الذهبي بالإمام الحافظ الفقيه، خرج له الستة، وقال فيه ابن حزم: ليس بالقوي(1).

33- زيد بن أسلم المدني مولى عمر بن الخطاب (ت 136 ه)، وصف بالإمام الحجة القدوة الفقيه، كان له حلقة للعلم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر ابن عبد البر ما يدل على تدليسه، خرج له الستة(2).

34- ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ، المعروف بربيعة الرأي مولى آل المنكدر التيميين (ت 136 ه) وصفه الذهبي بالإمام، مفتي المدينة، وعالم الوقت، ومن أئمة الاجتهاد، وفضله بعضهم على الحسن البصري وابن سيرين، وعنه أخذ مالك، روى عنه الستة، وذكره ابن حبان في ذيل الضعفاء(3).

35- خصيف بن عبد الرحمن الجزري الحراني مولى بن أمية (ت 137 ه) وصفه الذهبي بالإمام الفقيه، وروى عنه الأربعة، قال أحمد: ليس بقوي، تكلم في الإرجاء، وكان على بيت المال(4).

ص: 19


1- ينظر: تاريخ البخاري 3/ 519، الجرح والتعديل 4/ 71، سير أعلام النبلاء 6/ 303، ميزان الاعتدال 3/ 236، تهذيب التهذيب 4/ 94
2- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 507، تاريخ البخاري 3/ 387، الجرح والتعديل 3/ 555، سير أعلام النبلاء 5/ 236، تهذيب التهذيب 3/ 395
3- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 509، تاريخ البخاري 3/ 286 رقم 976، تاريخ بغداد 8/ 420، طبقات الشيرازي: 60، ميزان الاعتدال 3/ 68، رقم 2756، سير أعلام النبلاء 6/ 89، تهذيب التهذيب 3/ 258 رقم 491
4- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 487، تاريخ البخاري 3/ 228، ميزان الاعتدال 2/ 442، سير أعلام النبلاء 6/ 145، تهذيب التهذيب 3/ 143

36- زيد بن واقد الدمشقي مولى قريش (ت 138 ه) وصفه الذهبي بالفقيه، خرج له البخاري، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه(1).

37- یونس بن عبيد بن دينار البصر مولى بعد القيس(ت 139 ه) وصف بالإمام القدرة الحجة، خرج له الستة(2).

38- داود بن أبي هند الخراساني البصري مولى بني قشير (ت 139 ه) وصف بالإمام الحافظ، مفتي أهل البصرة، قال حماد بن زيد ما رأيت أحداً أفقه من داود بن أبي هند، خرج له البخاري في التعاليق ومسلم والأربعة، قال الفلاس: سمعت ابن أبي عدي يقول: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله(3).

39- صالح بن كيسان المدني ( 140 ه) مولى بني غفار، وقيل مولى امرأة دوسية من آل معيقيب، وصف بالإمام الحافظ الثقة، الجامع من الحديث والفقه، خرج له الستة وكان مؤدباً لولد الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، وكان ممن لا يرى كتابة الحديث ويعد ذلك من السنة(4).

40- أشعث بن عبد الملك، أبو هاني الحمراني البصري مولى حمران مولى

ص: 20


1- ينظر: تاريخ البخاري 3/ 407، الجرح والتعديل 3/ 574، ميزان الاعتدال 3/ 157، سیر أعلام النبلاء 6/ 296، تهذيب التهذيب 3/ 426
2- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 259، تاريخ البخاري الصغير 2/ 49، الجرح والتعديل 9/ 242، طبقات الشيرازي 87، سير أعلام النبلاء 6/ 288، تهذيب التهذيب 11/ 442
3- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 254، تاريخ البخاري 3/ 231، الجرح والتعديل 3/ 411 طبقات الشيرازي: 88، سير أعلام النبلاء 6/ 376، تهذيب التهذيب 3/ 204
4- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 513، تاريخ البخاري 4/ 288، الجرح والتعديل 4/ 410

عثمان بن عفان (ت 142 ه) وصفه الذهبي بالإمام الفقيه الثقة، خرج له الأربعة، وكان صاحب سنة(1).

41- عثمان البتّي، أبو عمر البصري مولى بني زهرة (ت 143 ه) وصفه الذهبي بفقيه البصرة، وقال ابن سعد: كان صاحب رأي وفقه، ضعفه ابن معين، وخرج له الأربعة(2).

42- عمرو بن میمون بن مهران الجزري مولى الأزد (ت 145 ه) وصف بالإمام الحافظ الفقيه، خرج له الستة(3).

43- عبد الله بن يزيد بن هرمز الأصم مولى بني ليث الدوسيين (ت 148 ه) كان أبوه على الموالي يوم الحرة، وصفه الذهبي بفقيه المدينة وأحد الأعلام، وأنه كان بصيراً بالكلام، يرد على أهل الأهواء، وكان أعلم الناس بذلك، وعنه أخذ مالك الفقه، قال مالك: كان أعلم الناس بما اختلف الناس فيه من هذه الأهواء، وقال: أبو حاتم: ليس بقوي(4).

44- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي الأنصاري صابح الرأي (ت 148 ه) واسم أبي ليلى يسار وقيل: داود، وصف بالعلامة الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها، وكان نظيراً لأبي حنيفة في الفقه، ادعى أنه من ولد أحيحة

ص: 21


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 276، تاريخ البخاري 1/ 431، الجرح والتعدیل 2/ 275
2- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 256، تاريخ البخاري 6/ 215، الجرح والتعديل 6/ 145
3- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 487، تاريخ البخاري 6/ 367، الجرح والتعديل 6/ 258
4- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 512، تاریخ البخاري الكبير 5/ 224، رقم 733، تاریخ البخاري الصغير 2/ 90، الجرح والتعديل 5/ 199، رقم 924، طبقات الشيرازي: 61، سير أعلام النبلاء 6/ 379

بن الجلاح، إلا أنه طعن في نسبه وممن طعنه الخليفة المهدي، وفيه يقول عبد الله بن شبرمة:

وكيف ترجی لفصل القضاء *** ولم تصب الحكم في نفسكا

فتزعم أنك لابن الجلاح *** وهيهات دعواك من أصلکا

وقال أبو العيناء: كان يدّعي أنه من العرب. ولي القضاء لبني أمية وبني العباس، وهو الذي استتاب أبي حنيفة من قوله بخلق القرآن، ضعفه جمع من أئمة الجرح والتعديل، وروى عنه الأربعة(1).

45- محمد بن عجلان المدني (ت 148 ه) مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وصفه الذهبي بالإمام القدوة، وقال: كان فقيهاً مفتياً، عابداً صدوقاً، كبير الشأن وروي أنه حملت به أمه ثلاث سنين، وقال ابنه: حمل بأبي أكثر من ثلاث سنين. خرج له البخاري في التعاليق، و مسلم والأربعة(2).

46- عمرو بن الحارث بن يعقوب، أبو أمية الأنصاري المصري مولى قیس بن سعد بن عبادة (ت 148 ه) عالم الديار المصرية و مفتيها، قال ابن وهب: اهتدينا في العلم بأربعة: اثنان بمصر، واثنان بالمدينة، وعمرو بن الحارث والليث بن سعد بمصر، ومالك وابن الماجشون بالمدينة، لولا هؤلاء الكانا ضالين، خرج له الستة(3).

ص: 22


1- ينظر: أخبار القضاء - لوکیع -: 3/ 108 - 109 و ص 129، المعارف - لابن عتيبة - 277، الفهرست - للنديم-: 343، تاریخ بغداد 7/ 83، طبقات الشيرازي: 81، سیر أعلام النبلاء 6/ 310، تهذيب التهذيب 9/ 301
2- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 525، تاريخ البخاري 1/ 196، الجرح والتعدیل 8/ 49
3- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 522، تاريخ البخاري 6/ 320، الجرح والتعديل 6/ 225

47- سعيد بن أبي أيوب مقلاص المصري مولي خزاعة (ت 149 ه وقيل: 161 ه) وصفه الذهبي بالإمام الحافظ الثقة الفقيه، وأنه كان من أوعية العلم، خرج له الستة(1).

48- عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى بني أمية (ت 150 ه) وصفه الذهبي بالإمام، العلامة، الحافظ، شیخ الحرم، صاحب التصانيف، وأول من دون العلم بمكة، قال طلحة بن عمرو المكي: قلت لعطاء: من نسأل بعدك يا أبا محمد؟ قال: هذا الفتى إن عاش - يعني ابن جريج - وكان يرى المتعة، قال الشافعي: استمتع ابن جريج بتسعين امرأة، خرج له الستة(2).

49- عبد الله بن عون بن أرطبان البصري مولى مزينة (ت 151 ه) وصف بالإمام القدوة، عالم البصرة، الحافظ، وأنه كان من أئمة العلم والعمل، خرج له الستة، كان عثمانياً، ويستغفر للحجاج، ولا يسلم على القدرية، وكان جده أرطبان شماساً في بيعة ميسان فوقع في سهم عبد الله ب ندرة المزني ضربه بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري بالسياط؛ لأنه كان تزوج امرأة عربية(3).

50- هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي الربعي البصري مولى لبني سدوس (ت 152 ه) وصفه الذهبي بالحافظ الحجة الإمام، وقال: كان من الأئمة لولا ما شاب علمه بالقدر. وكان أبو داود الطيالسي يقول: كان هشام

ص: 23


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 522، تاريخ البخاري 3/ 458، مشاهير علماء الامصار - لابن حبان -: 302 رقم 1532، سير أعلام النبلاء 7/ 22، تهذيب التهذيب 4/ 7
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 53، تاريخ البخاري 5/ 422، الجرح والتعدیل 5/ 356
3- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 261، تاريخ البخاري 5/ 163، الجرح والتعديل 5/ 130

الدستوائي أمير المؤمنين، خرج له الستة(1).

وقد اعتمد هؤلاء - وبالنظر إلى ما مرّ بيانه في الجزء الأول من بيان لحال الصحابة في التأمل مع المسألة الشرعية والفتيا فضلاً عن تأخر التدوين ومنعه وظهور المدرسة الإمامية منذ عصر النبوة في مختلف العلوم لا سيما الفقه، ممثلاً ذلك بجهود الإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام) وطلابهم وتلامذتهم في إنماء الفقه ونموه-.

ومن ثم فقد اعتمد هؤلاء الفقهاء من التابعيين وأتباعهم على الأحاديث النبوية دون اخضاعها إلى التمحيص في صحة نسبتها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثلما جرى في المدرسة الإمامية واعتمدوا أيضاً على آثار الصحابة وعملهم، والشهرة، وما أجمع عليه الصحابة.

وعليه: يبقى الحكم معلقاً بما ينقيه من الشوائب ويطابقه مع الواقع الذي أراده المشرع جل شأنه وهذا ما لا يمكن تحققه إلا بالعترة النبوية الذين جعلهم الله أئمة يهدون بأمره. وهو ما مرّ بيانه وسيمر في المبحث القادم.

ص: 24


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 279، تاريخ البخاري 8/ 198، الجرح والتعدیل 9/ 59

المبحث الأول جهود الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وجهاده في حفظ الشريعة وإنماء الفقه

إن من أهم السمات التي تلازمت مع هذا الجهد والجهاد الذي بذله الإمام الباقر (عليه السلام) هو معايشته لفترة زمنية اضطربت فيها المدن الإسلامية وشهدت تحولات عصيبة سالت فيها الكثير من دماء المسلمين، لا سيما في مدينة الكوفة على يد الحجاج الثقفي، فضلا عن المجريات التي تتابعت بعد حركة عبد الله بن الزبير في مكة، وانتهاك حرمة بيت الله في سفك الدماء في الحرم المكي ولينتهي الأمر بحرق بيت الله تعالى بمجانيق جيش الشام وتهديمه على يد الحجاج.

أما إذا جئنا إلى حال المسلمين و فرائضهم وسننهم وتكاليفهم الشرعية فنجد ما لا يصدقه مسلم، فقد (منع عبد الملك بن مروان الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الاقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها، كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم)(1).

ص: 25


1- البداية والنهاية لابن كثير: ج 8 ص 308

وكان السبب في هذا الفعل الذي اقدم عليه الحاكم الأموي هو حينما بلغه أن عبد الله بن الزبير يحدث الناس بمثالب بني أمية وبني مروان، وأنهم ملعونون على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وان مروان وابيه هما ممن طردهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من المدينة.

فإذا بهم اليوم الحكام على المسلمين يشرعون لهم دينهم، ويسنّون لهم فرائضهم!!.

ومن ثم: كيف سيكون أثر هذا الأمر الذي أصدره الحاكم الأموي على شريعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف استطاع أهل العلم الصمود أمام هذه الشريعة الجديدة، وبمن تراهم لاذوا، وإلى من التجئوا في معرفة الفرائض والسنن؟

ومما لا ريب فيه ولا شك: أنه الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فهو الذي ردّ الناس إلى شريعة جده المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم) وبين لهم الحدود والفرائض والسنن بعد أن هدمت كعبة المسلمين، وشرعوا الحكام بسفك الدماء، وقرآنهم يصرخ:

«وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا»(1).

وعليه:

فإن التعريف بهذا الجهد والجهاد الذي بذله الإمام الباقر (عليه الصلاة والسلام) يلزم منا البحث في جملة من الأمور، وهي كالاتي:

ص: 26


1- آل عمران،: 97

المسألة الأولى: التعريف بشخصه وشطراً من سيرته:

أبو جعفر، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) الهاشمي القرشي المدني.

ولد: في المدينة المنورة في الأول من شهر رجب الأصب، سنة سبع وخمسين، وقيل: ست وخمسين.

یکنی: بأبي جعفر، ولقب القاب عدة كان أشهرها: الباقر، وقد جاء في بیان معناه ما رواه عدة من أهل العلم، منهم:

1- أخرج الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن جابر بن یزید الجعفي، وقد سأله عمرو بن شمر: لم سمي الباقر: باقراً؟

قال: لأنه بقر العلم بقراً، أي شقهُ شقاً، واظهره اظهاراً؛ ولقد حدثني جابر بن عبد الله الانصاري، انه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

«يا جابر إنك ستبقى حتى تلقي ولدي محد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، المعروف في التوراة بباقر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام».

فلقيه جابر بن عبد الله الأنصاري في بعض سكك المدينة فقال له يا غلام من أنت؟ قال: انا محمد بن علي بن الحسین ابن علي بن أبي طالب، قال له جابر یا بني إقبل فاقبل ثم قال له إدبر فأدبر، فقال:

شمائل رسول الله ورب الكعبة، ثم قال یا بنی رسول الله يقرؤك السلام فقال على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السلام ما دامت السماوات والأرض وعليك يا جابر بما بلغت السلام فقال له جابر یا باقر أنت الباقر

ص: 27

حقا أنت الذي تبقر العلم بقرا ثم کان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه وربما غلط جابر فيما يحدث به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيرد عليه ويذكره فيقبل ذلك منه ويرجع إلى قوله وكان يقول یا باقر یا باقر یا باقر أشهد بالله إنك قد أوتيت الحكم صبيا)(1).

2- وفي رواية اليعقوبي: (فلما كبرت سن جابر، وخاف الموت، جعل يقول: باقر، یا باقر، این انت؟ حتی رآه فوقع عليه يقبل يديه ورجليه، ويقول: بابي وامي شبيه ابيه رسول الله، أن أباك يقرئك السلام)(2).

3- وقال الحافظ النووي (ت 676 ه) في ذكره (عليه السلام):

(المعروف بالباقر، لأنه بقر العلم، أي: شقه وفتحه فعرف أصله، وتمكن فيه)(3).

4- وقال الحافظ العيني (ت 855 ه):

(الباقر: سمي به لأنه بقر العلم، أي: شقه بحيث عرف حقائقه)(4).

5- وقال مطهر بن يحيى الكحلاني (ت 1377 ه) في حواشي شرح الأزهار الأحمد المرتضى إمام الزيدية (ت 840 ه).

(وقيل لمحمد بن علي الباقر لأنه بقر العلم، أي شقه، ووسع فيه؛ ولله القائل:

ص: 28


1- علل الشرائع: ج 1 ص 233 - 234
2- تاريخ اليعقوبي: ج 3 ص 320
3- شرح صحیح مسلم: ج 1 ص 102
4- عمدة القارئ: ج 3 ص 52

یا بقار العلم لأهل التقى *** وخیر من یمشي علی الأرجلي

6- وروى ابن عساكر الدمشقي؛ والذهبي، واللفظ لابن عساکر:

وله يقول مالك ابن أعين الجهني (ت 148 ه):

إذا طلب الناس علم القرآن *** كانت قريش عليه عيالاً

وإن قيل إني ابن بنت الرسول *** نلت بذلك فرعا طويلاً

نجوم تهلل للمدلجين *** جبال تورث علماً جبالاً)(1)

المسألة الثانية: مدرسته العلمية

يمكن أن نشخّص جهده (عليه الصلاة والسلام) في الحفاظ على شريعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانماء الفقه خاصة وبقية العلوم عامة في ثلاثة أمور؛ الأول في تصانيفه العلمية، والاخر في مدرسته التي انضم إليها المئات من التابعيين وابنائهم فضلاً عن الموالي الذين عايشوا المدينة وعرفوا منابع العلم فيها، وهي كالاتي:

الف: تصانيفه (عليه السلام).

لقد ترك لنا الإمام الباقر (عليه السلام) مجموعة من العلوم التي صنّفها ودوّنها في وقت كان الصحابة والتابعيون قد منعوا منه وعلى الرغم من المحنة الكبرى التي عاشها الإمام الباقر (عليه السلام)، ومرت (على أهل البيت في كربلاء، وقتل فيها جده الإمام الحسين (عليه السلام) واخوته، وانصاره

ص: 29


1- تاریخ ابن عساکر: ج 54 ص 271؛ سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 404

(عليهم السلام) و شاهد بعدها المصائب التي حلَّت بأهل البيت، ومحبيهم من الحكام الطغاة الذين اتّبعوا الشهوات، واستباحوا الحرمات، وعلَؤا في الأرض، وأفسدوا فيها.

فاتجه الإمام في ذلك الجو المشحون بالظلم إلى الدفاع عن مبادئ الإسلام، ونشر تعاليمه، فالتفّ حول الامام الآلاف من العلماء، وطلاب العلم لدراسة الفقه، والحديث، والتفسير، والفلسفة، والكلام، وغير ذلك من العلوم حتى أُطلق على تلك الحلقات التي كانت تجتمع في مسجد المدينة اسم الجامعة، التي نمت وتكاملت في عهد ولده الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام) وقيل: شاء الله لمذهب أهل البيت وفقههم، فقه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) الذي أخذه عن الرسول بلا واسطة، أن ينسبا إلى حفيده جعفر بن محمد الصادق، الذي اشترك مع أبيه في تأسيسها، واستقل بها بعد وفاته، لا لَانّ له رأياً في أُصول المذهب أو فقهه، يختلف فيهما عن آبائه وأحفاده، وهو القائل:

«حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث رسول الله».

وحديث رسول الله هو قول الله، لا لذلك، بل لأنه وأباه تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما، واستطاعا في تلك الفترة القصيرة المشحونة بالأحداث التي كانت كلَّها لصالحهما، أن يملآ شرق الأرض وغربها، بآثار أهل البيت وفقههم، ويحقّقا ما لم يتيسر تحقّقه لمن سبقهما، ومن جاء بعدهما، لذلك نُسبا إلى الإمام الصادق، كما يبدو ذلك لكل من تتبع آراء أهل البيت في فقههم ومعتقداتهم.

ص: 30

وقد أُخذ معظم فقه أهل البيت (عليهم السلام) من الإمامين الباقر وولده الصادق (عليهما السلام)، وجهد الإمام الباقر (علیه السّلام) على تربية جماعة، فغذّاهم بفقهه، وعلومه، فكانوا من مراجع الفتيا في العالم الإسلامي ومن مفاخر هذه الأُمة)(1).

وهؤلاء الفقهاء منهم من انتسب إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم من كان قد انتسب إلى جمهور العامة واخذ عن كل راوو؛ لكن باب الإمام مفتوحة لكل وارد من طلاب العلم کما سیمر بیانه لاحقاً في معرض الحديث عن الأمر الثاني.

لكننا هنانورد ما نقلته المصادر في تصانيفه (عليه الصلاة والسلام) فكانت كالاتي:

1- تفسير القرآن الكريم.

وقد رواه عنه زیاد بن المنذر، وأبو الجارود العبدي(2).

2- مجموعة من أحاديثه (عليه السلام) في العلوم المختلفة.

وقد ذكره النجاشي في رجاله، وقال رواها عنه خالد بن ابي کريمة(3).

3- كتاب في الحديث برواية زرارة الشيباني.

ص: 31


1- موسوعة طبقات الفقهاء، للجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام): ج 1 ص 262 - 263
2- الفهرست لابن النديم: ص 36؛ تأسيس الشيعة للسيد عبد الحسین شرف الدين: ص 327؛ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج 1 ص 112 ق 1
3- تأسيس الشيعة لشرف الدين: ص 286

رواه عنه زرارة بن أعين الشيباني الكوفي(1).

4- كتاب برواية عبد المؤمن الأنصاري.

رواه عنه عبد المؤمن بن القاسم، الانصاري الكوفي(2).

5- رسالته (عليه السلام) إلى سعد بن عبد الملك الاموي.

وهو صاحب نهر سعد برحبه الكوفة، وقد رواها عنه الشيخ بسندين(3).

باء: أبرز الفقهاء الذين انتسبوا إلى مدرسته من شيعة آل البيت (عليهم السلام).

لقد مرَّ بيان انتماء هؤلاء الفقهاء إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في حياة الأئمة الذين سبقوا الإمام الباقر (عليهم السلام جميعاً) بمعنى: أن بعض هؤلاء الفقهاء قد تتلمذ على يد أكثر من إمام وتفقه على ايديهم، ولذا: قد وردت اسمائهم في مدرسة الباقر والصادق (عليهما الصلاة والسلام)، وبعضهم في مدرسة الإمام الكاظم والرضا (عليهما الصلاة والسلام).

وعليه: سنورد ذكرهم (عليهم رحمة الله ورضوانه) بحسب تاريخ وفاتهم، وهم كالاتي:

1- الكميت بن زيد بن خنيس أبو المستهل الأسدي الكوفي (ت 126 ه).

من أصحاب الإمامين، علي زين العابدين، ومحمد الباقر (عليهما السلام)، كان فقيهاً، متكلماً، قارئاً، ولكن شهرته كشاعر طغت على كل ذلك، روى ابن

ص: 32


1- المصدر السابق
2- تأسيس الشيعة لشرف الدين: 385
3- الكافي: ج 8، ص 52 - 55

عساكر عن العتابي قال: كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر، كان خطيب أسد، وفقيه الشيعة، وحافظ القرآن، وثبت الجنان، وكان كاتباً حسن الحظ، وكان نسابه، وكان جدلاً، وكان أول من ناظر في التشيع، وكان رامياً لم يكن في أسد أرمى منه بنبل، وكان فارساً، وكان شجاعاً، وكان سخياً ديناً.

وكانت بنو أسد تقول: فينا فضيلة لست في العالم، ما دخل أحد منزل أحد مناولا محلة من محالنا إلا وجد فيها بركة وراية الكميت؛ لأنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في النوم، فقال له: أنشدني: طربت... فأنشده، فقال له:

(بوركت وبورك قومك). وقال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم. وقال فيه الهرّاء: إنه أشعر الأولين والآخرين. وقد رزق دعاء الأئمة (عليهم السلام) وضل متمسكاً بموالاته لأهل البيت (عليهم السلام) إلى أن مات شهيداً)(1).

2- عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي الهمداني (ت 127 ه).

شيخ الكوفة، وعالمها، ومحدثها، وفقيهها، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، وعدّه اليعقوبي من الفقهاء في أيام عمر بن عبد العزيز، وعده ابن قتيبة وابن رسته والشهرستاني في رجال الشيعة، خرج له الستة(2).

ص: 33


1- ينظر: الأغاني 17/ 3، رجال الكشي 2/ 461، تاريخ دمشق 50/ 229، سير أعلام النبلاء / 388، رجال العلامة: 135
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 431، تاريخ البخاري 6/ 247، المعارف: 341، تاريخ اليعقوبي 2/ 236، الأعلام النفسية: 219، حلية الأولياء 4/ 338، الملل والنحل 1/ 197، سير أعلام النبلاء 5/ 392، تهذيب التهذيب 8/ 63، رجال الشيخ: 246 رقم 375

3- عمار بن معاوية وقيل بن أبي معاوية.

وقيل: بن خباب - أبو معاوية الدهني العبدي الكوفي (ت 132 ه) وهو من دهن عبد القيس وله ولاء تحالفي مع دُهن من بجيلة، ودهن عبد القيس غير دهن بجيلة، من أصحاب الصادق (عليه السلام) كان ثقة وجهاً، وصفه الذهبي بالإمام المحدث، وعده النديم من فقهاء الشيعة، قال ابن عيينة: قطع بشر بن مروان عرقوبيه في التشيع، وثقه أحمد وجماعة، وخرج له مسلم والأربعة(1). وستمر ترجمته في حياة الامام الصادق (عليه السلام)

4- منصور بن المعتمر بن عتاب السلمي (ت: 132 ه).

عده الشيخ من أصحاب الباقر والصادق (عليهم السلام)، وعده ابن قتيبة وابن رسته في رجال الشيعة، وصفه الذهبي بالحافظ الثبت القدرة، أحد الأعلام، كان فقيهاً حافظاً صواماً وقوماً، وكان غائباً عندما قتل زید بن علي، فصام سنة يرجو أن يكفر ذلك عنه تأخره، أجمع الجمهور على وثاقته، وخرج له الستة(2).

ص: 34


1- ينظر: تاريخ البخاري 7/ 28، الجرح والتعدیل 6/ 390، الثقات لابن حبان - 5/ 268، فهرست النديم: 367، میزان الاعتدال 5/ 205 - 206، تهذيب التهذيب 7/ 406
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 456، تاريخ البخاري 7/ 346، تاريخ الثقات - للعجلي -: 440 رقم 1639، تاریخ یحیی بن معین - برواية الدوري - 1/ 194 رقم 1240 و ص 326 رقم 2189، المعارف: 341، الأعلام النفسية: 219، مشاهير علماء الأمصار: 263 رقم 1321، مقاتل الطالبين: 140، حلية الأولياء 5/ 40 ن طبقات الفقهاء - لأبي إسحاق الشيرازي -: 80، سير أعلام النبلاء 5/ 402، تهذيب التهذیب 10/ 312، رجال الشيخ 312 رقم 530

5- عبد الله بن محمد أبو بكر الحضرمي الكوفي (ت حدود 140 ه).

التابعي المتكلم، المحدث، الفقيه، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام) أخذ عنهما الفقه والحديث، وكان منقطعاً لأهل البيت (عليهم السلام) هو وأخوه علقمة، وعده ابن شهر آشوب من خواص أصحاب الصادق (عليه السلام)(1).

6- أبان بن تغلب الكندي الربعي الجريري الكوفي التابعي الكبير (ت: 141 ه).(2)

7- عبد الله بن شبرمة الضبي (ت 144 ه).

وصفه الذهبي بالإمام العلامة، فقيه العراق، وع-ده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمامين زين العابدين والصادق (عليهم السلام)، قال العجلي: كان عفيفاً، صارماً، عاقلاً، فقيهاً يشبه النساك، ثقة في الحديث، شاعراً حسن الخلق، جواداً.

وعده ابن شهر آشوب من شعراء أهل البيت المتقين، ومن أصحاب زين العابدين (عليه السلام) روى عنه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، مات متخفياً من المنصور(3).

ص: 35


1- ينظر: رجال الكشي 2/ 714 - 716، رجال الشيخ: 224 رقم 25، مناقب ابن شهر آشوب 4/ 303، رجال ابن داود: 211 رقم 881 و ص 393 رقم 12، رجال العلامة: 110
2- وردت ترجمته في ص 176
3- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 469، التاريخ الكبير 5/ 117، تاريخ الطبقات - للعجلي -: 259 رقم 821، مشاهير علماء الأمصار: 265 رقم 1333، طبقات الشيرازي: 80، سير أعلام النبلاء 6/ 347، تهذيب التهذيب 5/ 250، رجال الشيخ : 97، معالم العلماء: 152

8- حجاج بن أرطأة بن ثور النخعي الكوفي (ت 145 ه).

عده الشيخ من أصحاب الصادق (عليه السلام) وعده الأربلي من أصحاب الباقر (عليه السلام)، قال له الإمام الباقر:

«یا حجاج کیف تواسیکم»؟

قلت: صالح يا أبا جعفر، قال:

«يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إليه»؟

قلت: أما هذا فلا، فقال: «أما لو فعلتم ما احتجتم»

وصفه الذهبي بالإمام العلامة، مفتي الكوفة، روى عنه البخاري في الأدب، ومسلم، والأربعة(1).

9- إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي الجعفي الكوفي (ت قبل 148 ه).

لأبيه وجده صحبة، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وعندما مات ترحم الإمام الصادق (عليه السلام) كان فقيهاً، محدثاً، ثقة، أحد وجوه رجال الشيعة(2).

10- سلیمان بن خالد النخعي البجلي، أبو الربيع الأقطع (ت قبل 148 ه).

وهو من النخع وله ولاء تحالفي مع بجيلة، وكانت أخته متزوجة منهم،

ص: 36


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 479، تاريخ البخاري 2/ 378، الجرح والتعديل 3/ 154، تاريخ بغداد 8/ 230، سير أعلام النبلاء 7/ 68، تهذيب التهذيب 2/ 196، رجال الشيخ: 179، کشف الغمة 2/ 121
2- ينظر: رجال البرقي: 12، رجال النجاشي: 110 رقم 281، رجال الشيخ: 104 رقم 15 و ص 147 رقم 84، رجال ابن داود: 57 رقم 185، رجال العلامة: 8

صحب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وأخذ عنهما، وكان فقيهاً، مقرئاً، محدثاً ثقة، له کتاب(1).

11- الفضيل بن يسار النهدي (ت قبل 148 ه).

من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) كان فقيهاً، كبيراً، محدثاً ثقة، وهو أحد الفقهاء الأعلام، المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، ومن العصابة التي أجمعت الشيعة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه، له كتاب يرويه جماعة(2).

12- عقبة بن خالد الأسدي الكوفي (ت قبل 148 ه).

من أصحاب الصادق (عليه السلام) أخذ عنه الحديث والفقه، وكانت له منزلة عنده، له كتاب(3).

13- زياد بن أبي رجاء عيسى، أبو عبيدة الحذاء الكوفي (ت قبل 148 ه).

صحب الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام) وكان حسن المنزلة عندهما وأخذ عنهما الفقه والحديث، وكان ثقة صحيح الحديث، له کتاب يعد من الأصول(4).

ص: 37


1- ينظر: رجال البرقي: 13 و 32، رجال الكشي 2/ 644 - 669، رجال النجاشي: 183 رقم 484، رجال الشيخ: 208 رقم 76، رجال العلامة: 77
2- ينظر: رجال الكشي 2/ 507 رقم 431، رجال النجاشي: 309 رقم 846، رجال الشيخ: 132، رجال العلامة: 132
3- ينظر: رجال البرقي: 45، رجال الكشي 2/ 634 رقم 636، رجال النجاشي: 299 رقم 814، فهرست الشيخ: 339 رقم 533، رجال الشيخ: 261 رقم 674، معالم العلماء: 87 رقم 606
4- ينظر: رجال البرقي: 13 و 18، رجال الكشي 2/ 637 رقم 647، رجال النجاشي: 170 رقم 449، رجال الشيخ: 122 و 198 و 202، رجال ابن داود: 162 رقم 644، رجال العلامة: 74

14- عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي الكوفي (ت قبل 148).

عجلي وله ولاء تحالفي مع بني تيم اللات بن ثعلبة، من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، كان فقيهاً كبيراً، محدثاً ثقة، وعده الشيخ المفيد أحد الرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، له الكتاب المعروف بالفقه الذي عرضه على الإمام الصادق فاستحسنه وصححه(1).

15- بريد بن معاوية بن أبي حكيم العجلي (ت قبل 148 ه، وقيل 150 ه).

الفقيه المحدث، أحد الستة من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام) الذين أجمعت الشيعة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه، كان من أوعية العلم وأركان الدين، وصفه الإمام الصادق (عليه السلام):

«بأحد أوتاد الأرض وأعلام الدين».

وأنه من القوامين بالقسط، والقائلين بالصدق(2).

16- عمرو بن خالد، أبو خالد الواسطي (ت قبل 148 ه).

من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، كان فقيهاً محدثاً ثقة، عده النديم من فقهاء الشيعة، له كتاب كبير(3).

ص: 38


1- ينظر: رجال البرقي: 23، الرد على أهل العدد والرؤية: 44، رجال النجاشي: 230 رقم 612، فهرست الشيخ: 305 رقم 467، رجال الشيخ: 229 رقم 104، رجال العلامة: 112
2- ينظر: رجال البرقي: 14 و 17، رجال الكشي 2/ 507 - 508، رجال النجاشي: 112 رقم 17، 287، رجال الشيخ: 109 و 158، رجال العلامة: 26، لسان الميزان 2/ 10
3- ينظر: رجال البرقي: 11، فهرست النديم: 367، رجال النجاشي: 288 رقم 771، فهرست الشيخ: 536 رقم 872، رجال الشيخ: 131 رقم 69

17- علي بن عبد العزيز المعروف بابن غراب الأزدي، أبو الحسن الكوفي (ت 148 ه).

من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام) كان فقيهاً، محدثاً ثقة، وثقه ابن معين، والنسائي، وابن أبي شيبة، وابن قانع، والدارقطني، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وطعن فيه الجوزجاني، قال الخطيب: أظن إبراهيم - يعني الجوزجاني- طعن عليه لأجل مذهبه، فإنه كان يتشيع، خرج له النسائي وابن ماجة(1).

18- محمد بن علي بن أبي شعبة الحلبي (ت حدود 148 ه).

من أصحاب الصادق، (عليه السلام)، كان فقيهاً مرجوعاً إليه في القول، مفسراً، محدثاً ثقة، من وجوه الشيعة له كتب، منها: كتاب (التفسير) وكتاب (مبوب في الحلال والحرام)(2).

19- عمر بن الربيع، أبو أحمد البصري (ت حدود 148 ه).

من أصحاب الصادق (عليه السلام) كان فقيها محدثاً ثقة، ذكره النديم في فقهاء الشيعة و ذكر كتابه، وعده الشيخ المفيد أحد الأعلام المأخوذ عنهم

ص: 39


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 514، الجرح والتعديل 6/ 200، فهرست النديم: 366، تاريخ بغداد 12/ 45، ميزان الاعتدال 5/ 180، تهذيب التهذيب 7/ 371، رجال البرقي: 25، مشيخة الفقيه: 128، رجال النجاشي: 276 رقم 725، فهرست الشيخ: 280 رقم 412، رجال الشيخ: 130 و 243
2- ينظر: رجال البرقي: 20، رجال النجاشي: 325 رقم 885، رجال الشيخ 136 و 295، فهرست الشيخ: 385 رقم 588، معالم العلماء: 94 رقم 651، رجال العلامة: 143

الحلال والفتيا والأحكام(1).

20- ليث بن البختري، أبو بصير المرادي (ت حدود 148 ه).

من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام) كان فقياً كبيراً، محدثاً ثقة، وهو من العصابة التي اجمعت الشيعة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه، وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم الإمام الصادق (عليه السلام):

«أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، ولولا هؤلاء انقطعت أثار النبوة واندرست».

وهم برید بن معاوية العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة، له کتاب رواه جماعة(2).

21- منصور بن حازم البجلي، أبو أيوب الكوفي (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهم السلام) كان فقيهاً، متکلماً، محدثاً ثقة، عده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام له کتاب منها: (أصول الشرائع) وکتاب (الحج)(3). ستمر ترجمته في حياة الامام الصادق (عليه السلام).

ص: 40


1- ينظر: فهرست النديم: 366، الرد على أهل العدد والرؤية: 31، رجال النجاشي: 284 رقم 756، فهرست الشيخ: 326 رقم 508، رجال الشيخ: 253 رقم 474، معالم العلماء: 85 رقم 580
2- ينظر: رجال الكشي 1/ 398 و ج 2/ 507، رجال النجاشي: 321 رقم 876، رجال الشيخ: 134 و 278 و 358، فهرست الشيخ: 382 رقم 587، معالم العلماء: 94 رقم 650
3- ينظر: رجال البرقي: 39، رجال الكشي 2/ 718 رقم 795، الرد على أهل العدد والرؤية: 32، رجال النجاشي: 413 رقم 1101، فهرست الشيخ: 458 رقم 730، رجال العلامة: 167

22- معاوية بن میسرة بن شريح الكندي الكوفي (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، أخذ عنه الفقه والحديث، اله کتاب(1).

23- غياث بن إبراهيم التميمي الأسدي (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الصادق (عليه السلام) - وكان مختصاً به - أخذ عنه الحديث والفقه، وروي عن الكاظم، له کتاب مبوب في الحلال والحرام، وكتاب (مقتل أمير المؤمنين)(2).

24- حدید بن حكيم، أبو علي الأزدي المدائني (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهم السلام) كان ثقة، وجهاً، فقيهاً، محدثاً، متکلماً، جلیل القدر، مشهوراً بالفضل، له کتاب(3).

25- محمد بن حمران النهدي الكوفي (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) أخذ عنه الحديث والفقه وروى عنه كثيرا، له کتاب رواه جماعة(4).

ص: 41


1- ينظر: رجال البرقي: 33، رجال النجاشي: 410 رقم 1093، رجال الشيخ: 310 رقم 484، فهرست الشيخ: 465 رقم 743، معالم العلماء: 122 رقم 820
2- ينظر: رجال البرقي: 42، رجال النجاشي: 305 رقم 833، رجال الشيخ: 270 رقم 16، فهرست الشیخ 355 رقم 561، معالم العلماء: 89 رقم 64
3- ينظر: رجال البرقي: 45، رجال النجاشي: 168 رقم 385، رجال الشيخ 181، فهرست الشيخ: 193 رقم 252، تاریخ بغداد 8/ 280، معالم العلماء: 44 رقم 287، رجال ابن داود: 101 رقم 383، رجال العلامة: 64 رقم 9
4- ينظر: رجال البرقي: 19، رجال النجاشي: 359 رقم 965، رجال الشيخ: 285، رجال العلامة: 158 رقم 121

26- حریز بن عبد الله الأزدي الكوفي (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، كان فقيهاً، محدثاً، كثير الرواية، صنف کتباً كلها تعد من الأصول، منها كتاب (الصلاة) وهو کبیر، کتاب الزكاة) كتاب (الصوم) کتاب (النوادر)، ذكره الدارقطني في (المؤتلف والمختلف).

وقال: من شيوخ الشيعة، وذكره النديم في فقهاء الشيعة، كان يكثر السفر والتجارة إلى سجستان فعرف بها، وكان ممن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان، ولم يقبل مه الإمام ذلك، فحجبه ثم رضي عنه بعد أن تاب، وعندما علم الخوارج بأمره قتلوه بسجستان(1).

27- إبراهيم بن عيسى، أبو أيوب الخزاز الكوفي (ت بعد 148 ه).

الفقيه المحدث من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهم السلام) ثقة، كبير المنزلة، له كتاب يعد من الأصول، وكتاب في الصلاة، وعده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق الذم واحد منهم(2). وستمر ترجمته في حياة الامام الصادق (عليه السلام)

ص: 42


1- ينظر: رجال الكشي 2/ 627 و 680، فهرست النديم: 367، رجال النجاشي: 144 رقم 375، رجال الشيخ: 181، فهرست الشيخ: 162 رقم 249، رجال العلامة: 63، لسان الميزان 2/ 186
2- ينظر: رجال البرقي: 27 - 28، رجال الكشي 2/ 661، الرد على أهل العدد والرؤية - للمفيد -: 43، رجال النجاشي: 20 رقم 25، رجال الشيخ: 146 رقم 79، فهرست الشيخ: 18 رقم 13، معالم العلماء: 6 رقم 12، رجال العلامة: 5 رقم 13، لسان الميزان 1/ 88

28- مسمع بن عبد الملك بن مالك بن مسمع، أبو سيار القيسي السعدي الملقب کردین (ت بعد 148 ه).

شیخ بكر بن وائل بالبصرة ووجها وسيد المسامعة، من أصحاب الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، أختص بالإمام الصادق (عليه السلام) ووری عنه الكثير، وقال له:

«إني لأعدك لأمر عظيم يا أبا السيار»

كان فقيهاً، محدثاً ثقة، مؤرخاً أخبارياً، له کتاب(1).

29- عبد الله بن غالب الأسدي (ت بعد 148 ه).

الشاعر الفقيه المحدث الثقة، روى عن الأئمة الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، له كتاب تكثر الرواة عنه(2).

30- الحسين بن شداد بن رشيد الجعفي الكوفي (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، قال علي بن الحكم: كان أفقه أهل الكوفة وأصحهم حديثاً(3).

31- سيف بن عميرة النخعي الكوفي (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) كان فقيهاً محدثاً ثقة، له

واه عنه .

ص: 43


1- ينظر: رجال البرقي: 45، رجال الكشي 2/ 598 رقم 560، رجال النجاشي: 420، رقم 1124، فهرست الشيخ: 377 رقم 585، رجال الشيخ: 136، و 321، رجال العلامة: 171
2- ينظر: رجال البرقي: 17، رجال الكشي 2/ 630، رجال النجاشي: 222 رقم 582، رجال الشيخ: 131 و 227، رجال ابن داود: 209 رقم 874، رجال العلامة: 104
3- ينظر: رجال الشيخ: 170، لسان الميزان 2/ 287

کتاب، عده النديم من فقهاء الشيعة، ووثقه ابن حبان، النجاشي، والشيخ الطوسي(1).

32- الحارث بن المغيرة النصري البصري، من بني نصر بن معاوية (ت بعد 148 ه).

من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام)، كان فقيهان محدثاً، عالماً، جلیل القدر، كبير الشأن، رفيع المنزلة، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يوصي بالرجوع إليه والأخذ بأقواله، له كتاب يعد من الأصول(2).

33- ثابت بن أبي صفية دينار الطائي، أبو حمزة الثمالي الأزدي الكوفي (ت بعد 148 ه أو قبلها).

من أصحاب الأئمة: زین العابدين والباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)، له ولاء تحالفي مع الأزد، قال الشيخ الصدوق: وهو من طي من بني ثعل ونسب إلى ثمالة، لأن داره كانت فيهم، كان شيخ الشيعة في وقته، وكان فقيهاً، مفسراً، محدثاً، ثقة، معتمد في الرواية والحديث، ومن ضعفه فإنما ضعفه لتشيعهن روى عنه الثوري، وشريك، وحفص بن غیاث، وأبو أسامة، وعبد الملك بن أبي سليمان، وأبو نعيم، ووكيع، وعبيد الله بن موسی وعدة،

ص: 44


1- ينظر: الثقات - لابن حبان - 8/ 299، رجال البرقي: 41، فهرست النديم: 367، رجال النجاشي: 189 رقم 504، رجال الشيخ: 215 و 351، فهرست الشيخ 224 رقم 333، معالم العلماء: 56 رقم 377، رجال العلامة: 82، تهذيب التهذيب 4/ 296
2- ينظر: رجال البرقي: 39، رجال الكشي 2/ 627 - 628، رجال النجاشي: 139 رقم 361، رجال الشيخ: 117 و 179، فهرست الشيخ: 169 رقم 265، معالم العلماء: 46 رقم 301، لسان الميزان 2/ 160

وخرج له الترمذي، وابن ماجة، والنسائي في مسند علي، وصفه الإمام الصادق (عليه السلام) بلقمان زمانه، له كتاب (تفسير القرآن)، وكتاب (النوادر) وله (رسالة الحقوق) عن الإمام زین العابدین (عليه السلام)، وأبنائه: علي، محمد، والحسين كلهم ثقات فاضلون(1).

34- يحیی بن أبي القاسم، أبو بصير الأسدي (ت 150 ه).

من أصحاب الباقر والصادق (عليهم السلام) الفقيه المحدث الثقة الوجيه، وهو ممن أجمعت الشيعة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه، له کتاب (يوم وليلة) وکتاب (مناسك الحج)(2). وستمر ترجمته فيمن افتی من اصحاب الامام الصادق (عليه السلام).

جیم: أبرز اسماء الذين أفتوا عنه من فقهاء جمهور المسلمين.

لعل من بين أهم السمات الكاشفة عن جهاد الإمام أبي جعفر الباقر (عليه الصلاة والسلام) في ايصال العلوم إلى اهلها وحفظ الشريعة هو الرواية التي أجاب فيها (عليه السلام) على سؤال توجه به أحد أصحابه والتي يكشف فيها ايضاً عن المعاناة والظلم والقهر الذي لقيه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم على ايدي الحكومات التي تعاقبت منذ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى زمانه (عليه السلام) فقال:

ص: 45


1- ينظر: رجال البرقي: 8 و 9، رجال الكشي 2/ 458، مشيخة الفقيه: 36، رجال النجاشي: 115 رقم 296، رجال الشيخ: 84 و 110 و 160، فهرست الشيخ: 105رقم 138، تهذيب التهذيب 2/ 7
2- ينظر : رجال البرقي: 17، رجال الكشي 2/ 772، رجال النجاشي: 441 رقم 1187، فهرست الشيخ: 504 رقم 798، رجال الشيخ: 140

«یا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا وما لقى شيعتنا ومحبونا من الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض وقد أخبر انا أولى الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الامر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قریش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ولم يزل صاحب الامر في صعود کئود حتى قتل فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ونهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حق قليل ثم بايع الحسين (عليه السلام) من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه ثم المنزل - أهل البيت - نستذل ونستضام ونقصي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاه السوء وعمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة و كان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السلام) ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتله وأخذهم بكل ظنه وتهمة حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة على وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة

ص: 46

من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع»(1).

والرواية خير دليل على بيان جهاده و جهاد آبائه (صلوات الله عليهم اجمعین) وشيعتهم في حفظ شریعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمنعهم ذلك من بسط ایدیهم لكل طالب علم وبذل العلوم إليه، فكان ممن حضر عنده (عليه السلام) ومن أهل الفتيا ما يلي:

1- عطاء بن أبي رباح.

عطاء بن أسلم بن صفوان من ولد الجند (باليمن)(2)، (یکنی: بأبي محمد(3)، مولى ل (بني فهر)(4)، القُرشي بالولاء، المكّي ويقال: ولاؤه لبني جُمح، نشأ في مكة، وُلد في سنة (27 ه)، وكان من أجلاء العلماء والفقهاء الفضلاء والتَّابعين كثير الحديث وأحد ورواته في مكة، ومن مفتي أهلها و محدثهم(5)، وتفقّه عطاء على عبد الله بن عباس(6)، روی عن: الإمام مُحَمَّد بن عَلّيَ الباقِر،

ص: 47


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 11 ص 43 - 44؛ بحار الانوار للمجلسي: ج 4 ص 68 - 69
2- ينظر: المعارف، ابن قتيبة الدّينوري: ج 1، ص 444، والأعلام، الزركلي: ج 4، ص 235
3- يُنظر: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 40، ص 408
4- تاريخ أبي زرعة الدمشقي، ابي زرعة الدمشقي: 449
5- ينظر: الأعلام، الزركلي: ج 4، ص 235، تذکرة الفقهاء، العلَّامة الحلي: ج 1، ص 108، موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 460 - 461
6- تهذيب الأسماء واللغات، أبو زكريا النووي: ج 1، ص 19

والإمام أبي عبد الله جَعفَر بن مُحَمَّد الصَّادق (عليهم السَّلَام)(1) أُمّ سلمة، وأُم هاني، وعائشة، وابن عباس، وزید ابن أرقم، وابن الزبير، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وابن الحنفية، ومجاهد.

وأرسل عن النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وعن أبي بكر والفضل بن العباس، وطائفة، روى عنه: مجاهد بن جَبر، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير، ومالك بن دينار، والأعمش، وأيوب السّختياني، وأيوب بن موسی، وبُدیل ابن مَيسرة، وبُرد بن سنان، وعِسل بن سفيان، ومسلم البطين، وآخرون(2).

عن زياد بن محمد بن سوقة، عن عطاء، عن أبي جَعفَر (عليه السَّلَام) قال: (قلت له جعلت فداك إن عَلَيَّ دينًا إذا ذكرته فسد عَلَيَّ ما أنا فيه، قال (عليه السَّلَام):

«سبحان الله وما بلغك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يقول في خطبته: من ترك ضياعاً فَعَلَيَّ ضياعه، ومن ترك دينا فَعَلَىَّ دينه، ومن ترك مالًا فأكله فكفالته رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ميّتاً ككفالته حيًّا وكفالته حيًّا ككفالته ميّتًا»، فقال الرَّجل: نفسّت عنّي جعلني الله فداك)(3).

أما وفاته فكانت في سنة أربع عشرة ومائة، وقيل: خمس عشرة)(4).

ص: 48


1- ينظر: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقیه، محمد تقي المجلسي (الأول): ج 12، ص 7، والوافي، الفيض الكاشاني: ج 18، ص 137
2- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): ج 1، ص 461
3- الوافي، الفيض الكاشاني: ج 18، ص 137
4- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلاَم): ج 1، ص 461

2- ربيعة الرأي:

ربيعة بن أبي عبد الرحمن مولى التيميين واسم أبي عبد الرحمن فروخ(1)، أبو عثمان المدني(2)، مات ربيعة الرأي بالأنبار(3) مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة(4).

وكان من فقهاء أهل المدينة وحفاظهم وعلمائهم بأيام الناس وفصحائهم، وكان قد أدرك بعض أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، والأكابر من التَّابعين، وكان صاحب الفتوى بالمدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس بالمدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتمًّا، وعنه أخذ مالك الفقه(5).

مجتهداً بصيراً بالرأي فلقب (ربيعة الرأي)، روي عنه أنّه قال: رأيت الرأي أهون علىّ من تبعة الحديث، وكان يفتي بالمدينة، وله فيها حلقة(6).

عُدّ من أصحاب الأَئِمَّة: السَّجَّاد والبَاقِر والصَّادِق (عليهم السَّلَام)(7).

روی عن: أنس، والسائب بن یزید، وابن المسيّب، والقاسم بن مُحمَّد بن

ص: 49


1- الثقات، ابن حبَّان: ج 4، ص 231 - 232
2- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلام): ج 1، ص 345
3- تاریخ ابن معين، الدوري، يحيى بن معين : ج 1، 153
4- الثقات، ابن حبَّان: ج 4، ص 232
5- ينظر: مشاهير علماء الأمصار، ابن حبَّان: ص 132، تهذيب الكمال، المزي: ج 9، ص 128
6- ينظر: مشاهير علماء الأمصار، ابن حبَّان: ص 132، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسة الإمام الصاق (عليه السَّلام): ج 1، ص 345
7- يُنظر: المسائل المستحدثة، السيد محمد صادق الروحاني: ص 200، موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلمية في مؤسَّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلام): ج 1، ص 345

أبي بكر، وروى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وسليمان التّيمي، وسفيان الثّوري، والليث بن سعد، ومالك وعدّة.(1)

4- ابن جریج (عبدالملك بن عبد العزيز)(2)

5- حجاج بن أرطأة(3):

6- الأعمش:

سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي الكوفي، المكنَّى بأبي محمد، الملقَّب: بالأعمش، الحافظ الكبير، مولده عام استشهاد الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) سنة إحدى وستين، وتوفي في سنة (148 ه)، وقدموا به الكوفة طفلًا، وقيل: حملًا، وقرأ القرآن على يحيى بن وثّاب.

وقد وصفه جماعة من أعلام أهل السنة بالفضل والوثاقة والاستقامة والتشيع، وأنه كان عالما بالفقه، لقي كبار التَّابعين.

وقد عُدّ الأعمش من أصحاب الإمام أبي عبد الله الصَّادِق (عليه السَّلَام)، بل من خواص أصحابه، وكان محدّثا، مقرئاً، فقيهاً، مُفتياً، عالماً بالفرائض، وكان إذا حدّث يتخشّع، ويعظّم العلم، وقال العجلي: كان ثقة ثبتاً في الحديث، وكان فيه تشيّع. وذُكر أنّ تشيّعه من المتسالم عليه بين الفريقين، وقد روى في فضائل أهل البيت (عليهم السَّلَام)، وفي فضائل أمير المؤمنين

ص: 50


1- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلمية في مؤسّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 345
2- ستمر ترجمته لاحقاً
3- وردت ترجمته في ص 199

(عليه السَّلام) خاصَّة، أحاديث كثيرة.

وثّقه: النّسائي، وابن معين، وغيرهما، وقال ابن المديني: حفظ العلم على أُمَّة مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ستّة، فذكر فيهم الأعمش.

فروى الحديث عن: وأبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليه السَّلَام)، إبراهيم النخعي، وأبو وائل، وحبيب بن أبي ثابت، سعيد المقبريّ، والحكم بن عتيبة، و زُبید اليامي، وزيد بن وهب الجهني، وسعيد بن جبير، وسلمة بن کھیل، وعديّ بن ثابت، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن السائب، وعطية بن سعد العوفي، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي الزبير محمد بن مسلم المكي، ومسلم البطين، وطائفة.

وروى عنه: أبان بن تغلب، وإسرائيل بن يونس، وحفص بن غیاث، وسفيان الثوري، وسفيان بن عُيينة، وشريك النخعي، وعبد الله بن إدريس، وأبو نُعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، ويحيى القطَّان، وأبو بكر بن عياش، وخلق كثير.

فمَّا رواه الأعمش الإمام أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليهم السَّلَام)، ممَّا جاء في كتاب ما وراء الفقه، للسَّيِّد مُحمَّد الصَّدر: عن سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي جَعفَر بن مُحَمَّد بن علي (عليهم السَّلَام) في حديث شرائع الدِّين، يقول (عليه السَّلَام) فيه:

«واستعمال التَّقيَّة في درا التَّقيَّة واجب».

7- الاوزاعي:

ص: 51

عبد الرحمن بن عمرو بن یُحمد الأوزاعي، المكنَّی: بأبي عمرو(1)، والاوزاع: بطن من ذي الكَلاع من اليمن، وقيل: بطن من همدان، واسمه مرثد بن زید، وقيل: الأوزاع قرية بدمشق، نزل فيهم أبو عمرو فنسب إليهم وهو من سبي اليمن.

فهو أحد الأعلام أحد اتباع التَّابعين، وُلد ببعلبكَّ سنة ثمان وثمانين، وقيل غير ذلك، ومنشؤه بالبقاع، ثم نقلته أُمّه إلى بيروت، فسكنها مرابطّا إلى 52) أن مات في سنة سبع وخمسين ومائة(2).

روي عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليهم السَّلَام)، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، وربيعة القصير، وخلق كثير(3).

حدّث عنه: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن أبي كثير وهما من شيوخه وسفيان الثوري، وإسماعيل بن عياش، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.

وكان فقيه أهل الشَّام في عصره، وله مذهب مستقلّ عمل به فقهاء الشام والأَندلس، ثم اندرس(4).

فمّما رواه عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليه السَّلَام)، ممَّا جاء في

ص: 52


1- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، الشيخ السبحاني: ج 2، ص 45
2- ينظر: عمدة القارئ، العيني: ج 2، ص 75، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 303
3- يُنظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 303
4- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 304

كتاب الوسائل للحرّ العاملي عن القاسم بن عبد الرحمن، عن مُحَمَّد بن عَلِيّ، عن أبيه عن الحُسَين بن عَلِيّ، (عليهما السَّلَام) - في حديث -:

«إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) نهى عن خصال تسعة): عن مهر البغي، وعن عسيب الدَّابة - يعني: كسب الفحل -، وعن خاتم الذهب، وعن ثمن الكلب، وعن مياثر الأرجوان»(1).

8- يحيى بن أبي كثير:

يحيى بن أبي كثير الإمام الحافظ، أحد الإعلام، المكنَّى بأبي نصر الطَّائِيّ، مولاهم اليماميّ(2)، وقيل: مولاهم العطَّار(3)، واسم أبي كثير: صالح، وقيل يسار، وقيل: نشيط(4).

من رواة الحديث والحفَّاظ الثقات، فوثَّقه شعبة، فقال عنه: هو أحسن حديثًا من الزّهري، وقال أحمد بن حنبل إذا خالفه الزّهري، فالقول قول يحيى وقال: أبو حاتم ثقة إمام لا يروي إلا عن ثقة(5).

فروى عن الإمام أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليهم السَّلَام)(6)، روايته عن أبي امامة الباهلي في صحيح مسلم وروايته عن انس في صحيح

ص: 53


1- وسائل الشيعة (آل البيت عليهم السَّلَام)، الحرّ العاملّي: ج 17، ص 95 - 96
2- سير أعلام النبلاء، الذهبي: ص 885
3- التَّعديل والتَّجريح، سُليمان بن خلف بن سعد، ابن أيوب الباجي المالكي: ج 3، ص 1398
4- يُنظر: سير أعلام النّبلاء، الذهبي: ص 885
5- ينظر: تذكرة الحفاظ، الذهبي: ج 1، ص 128
6- يُنظر: مشيخة ابن البخاري، أحمد بن محمَّد الظَّاهري الحنفي: ص 184

النّسائي، وذلك مرسل(1).

وروي عن حفص بن عبيد الله بن أنس، وعكرمة، و عبد الله بن أبي قتادة(2).

وروي عنه: ابن عمر، عمر بن راشد، معاوية بن سلام، وغيرهم(3).

وممَّا رواه عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليهم السَّلَام)، ممَّا جاء وفي مشيخة ابن البخاري لأحمد بن مُحَّمد الظَّاهري الحنفي: عن يحيى بن أبي كثير، عن مُحَمَّد بن عَلِيّ [(عليهما السَّلَام)]، عن أبي هريرة، قال:

«قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلّم): ثلاث دعوات مستجابات:

دعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم»(4).

9- ليث بن أبي سليم:

ليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي أبو بكر الكوفي مات سنة (148 ه)(5)، أصله من أبناء فارس، واسم أبي سليم أنس، ويقال: واسم أبي سليم أيمن، ويقال: زيادة، ويقال: عیسی(6)، كان مولده بالكوفة، وكان مُعلِّماً بها(7)،

ص: 54


1- تذكرة الحفَّاظ، الذَّهبي: ج 1، ص: 128
2- يُنظر: کتاب الأم، الإمام الشافعي: ج 1، ص 20، والجمع بين الصَّلَاتين، عبد اللّطيف البغدادي: ص 287، والنَّفي والتَّغريب، الشَّيخ نجم الدِّين الطّبسي: ص 312
3- يُنظر: المجموع، النَّووي: ج 12، ص 26، وفتاوی السبكي، السبكي: ج 1، ص 410، وحي على خير العمل، محمد سالم عزان: ص 54
4- مشيخة ابن البخاري، أحمد بن مُحمَّد الظَّاهري الحنفي: ص 184
5- معجم الرّجال والحديث، محمّد حياة الأنصاري: ج 1، ص 190
6- ينظر: المجروحين، ابن حبَّان: ج 2، ص 231، وتهذيب الكمال، المزيّ: ج 2، ص 280
7- المجروحين، ابن حبَّان: ج 2، ص 231

أحد العلماء والنّسّاك، من رجال الصّحاح غير البخاري وهو في التّاريخ، صدوق أحد العباد، صاحب سنّة(1)، وهو حسن الحديث(2).

يروي عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام)(3)، وعن طاووس، ومجاهد وعطاء، وعكرمة، ونافع، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي الزبير المكي، وأبي بردة ابن موسى، وأشعث بن أبي الشعثاء، وشهر بن حوشب و ثابت بن عجلان وعبد الله بن الحسن بن الحسن(4)، روى عنه روى عنه الثوری، وشعبة، وزائدة، وشريك، وزهير بن معاوية، والحسن بن صالح، وإسماعيل بن علية، وأبو إسحاق الفزاری(5).

فمَّما روي عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ البَاقِر (عليهم السَّلَام)، مَا جاء في كتاب بحار الانوار للعلَّامة المجلسي (رحمه الله تعالى): عن ليث بن أبي سلیم، عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام) قال:

«حدثني جابر بن عبد الله أن عَلِيًّا (عليه السَّلَام) حمل الباب يوم خيبر، حتَّى صعد المسلمون عليه فاقتحموها ففتحوها، وإنه حرك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً»(6).

10- قرة بن خالد:

ص: 55


1- ينظر: لسان الميزان، ابن حجر: ج 7، ص 347، وسيرتنا وسنتنا، الشيخ الأميني: ص 94
2- المسانيد، محمد حياة الأنصاري: ج 2، ص 433
3- يُنظر: بحار الانوار، العلَّامة المجلسي: ج 21، ص 4
4- تهذيب التَّهذیب، ابن حجر العسقلاني: ج 8، ص 417
5- تهذيب الأسماء واللّغات، النَّووي: ج 2، ص 74
6- بحار الانوار، العلَّامة المجلسي: ج 21، ص 4

قرة بن خالد بن خالد السّدوسي(1)، البصريّ المُكنَّى بأبي مُحمَّد(2)، الحافظ الحُجّة من رجال الصحاح الستة(3)، مات قرة سنة أربع وخمسين ومئة(4).

فكان من رواة الحديث الثّقات، فقال عمه يحيى بن سعيد: كان قرة عندنا من أثبت شيوخنا(5).

عن يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن قرة، وجرير بن حازم، فقال: قرة أحب إلي، قرة ثبت عندي(6).

وروى قرة بن خالد عن: قرة بن خالد، عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ بن الحُسَين (عليهم السَّلَام)(7)، محمد بن سيرين، والحسن، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، وأبي رجاء العطاردي، ومعاوية بن قرة، وحميد بن هلال، وسيار أبي الحكم، وعمر و بن دينار، وقتادة، والضّحاك، وآخرون(8).

وروى عنه: يحيى القطان، وبشر بن المفضل، وابن مهدي، ومعاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث، وحرمي بن عمارة، وأبو عامر العقدي، وأبو عاصم(9).

ص: 56


1- الكُنى والاسماء، القشيري النيسابوري: ج 1، ص 281
2- عمدة القارئ، العيني: ج 17، ص 165
3- معجم رجال الحديث، مُحمَّد حياة الأنصاري: ج 1، ص 185
4- سير أعلام النّبلاء، الذَّهبي: ج 6، ص 534
5- تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني: ج 8، ص 372
6- سير أعلام النّبلاء، الذَّهبي: ج 7، ص 96
7- ينظر: مسند الشّهاب، مُحمَّد بن سلامة القضاعي: ج 1، ص 93
8- ينظر: سير أعلام النبلاء، الذَّهبي: ج 7، ص 95 - 96
9- يُنظر: المصدر نفسه: ج 7، ص 96

فمَّا رواه قرة بن خالد، عن الإمام البَاقِر (عليه السَّلَام)، مَّما أخرجه مُحمَّد بن سلامة القضاعي في مسند الشّهاب: عن أبي جَعفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ بن الحُسَين (عليهم السَّلَام)، قال:

«قلت لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: حدثنا شيئاً سمعته من رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) قال سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يقول: صدقة السّر تطفئ غضب الرَّب»(1).

وغيرهم الكثير، وهؤلاء ممن عرفوا بالفتيا بين أهل زمانهم أما غيرهم من التفسير والحديث وبقية العلوم فيمكن التعريف عليهم في تاريخ هذه العلوم وروادها.

وقد ختم الإمام الباقر (عليه السلام) هذه الجهود والجهاد منتقلاً إلى جوار ربه شهيداً على يد الحكومة في زمانه التي اغتالته غدراً بالسم في سابع ذي الحج سنة اربع عشرة ومائة فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

ص: 57


1- مسند الشهاب، مُحمَّد بن سلامة القضاعي: ج 1، ص 93

ص: 58

المبحث الثاني جهود الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وجهاده في حفظ الشريعة المحمدية

استاذ الفقهاء في زمانه وشيخ أئمة المذاهب، وإليه ينسب الفقه الجعفري وبه سما مذهب البيت النبوية ابي عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم وعلى جدهم وأمهم وابنائهم المعصومين) الذين طهرهم الله من كل أثم فجعلهم أوعية العلم وأساطين الحلم فقد لزم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) نهج جده (صلى الله عليه وآله وسلم) وبضعته النبوية فاطمة وآبائه الأئمة الميامين في حفظ شريعة رب العالمين؛ فها هو ذا يكافح وينافح عن بسط العلم وبيان الفقه فتتلمذ على يديه المئات من أهل الفضل، وروى عنه الآلاف من الحديث والعلوم المختلفة، وكثر فيه زمانه التصنيف والتدوين بعد أن أطلق له العنان الحكام - کما روى الزهري آنفاً - وتعددت المدارس والمشارب، وكثر الرواة واختلفت الروايات وتعددت الآراء والاجتهادات، فضلاً عن الوافدات من الثقافات في العلوم الجديدة في الفلسفة، والمنطق، والطب، والكيمياء، والفلك، والهيئة وغيرها.

وعليه:

ص: 59

لابد من المرور ببعض الأمور كي يطلع القارئ، ويتابع الباحث جهود الإمام الصادق (عليه السلام) وجهاده في حفظ شريعة جده المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم) ونشر العلوم وانماء الفقه وتطوير تعليمه، وهي كالاتي:

المسألة الأولى: التعريف بشخصه وشطر من سيرته (عليه السلام).

ولد (عليه الصلاة والسلام) في يوم السابع عشر من شهر ربيع الاول، سنة ثمانين للهجرة النبوية، وقيل سنة ثلاث وثمانين.

وقد عاش الامام الصادق (عليه السلام) شطراً من حياته في العصر الأُموي، وهو يتلوىّ من الألم على مصير الإسلام وعلى ما حلّ بالمسلمين من الويلات والمصائب، فقد رأى بعينيه الكارثة التي حلَّت بعمه زید بن علي زين العابدين، الذي خرج ثائراً على هشام بن عبد الملك، فقتل، ثم نبش قبره، وصلب جثمانه الطاهر، ورأى مقتل ابنه يحيى بن زید من بعده، وكان الإمام (عليه السّلام) يتحيّن الفرص المؤاتية لَاداء رسالته، ونشر علومه، بعد أن حرص الأُمويون وبكل الوسائل على طمس آثار أهل البيت وفقههم، حتى إذا وجد الدولة الأُموية ينتابها الضعف، وتسير نحو الانهيار، نهض (عليه السّلام) بكل إمكانياته، لنشر أحاديث جده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلوم آبائه، فتوافد عليه العلماء وطلاب العلم حتى بلغت الجامعة التي أسّسها أبوه الباقر (عليه السّلام) قبله، بلغت في عصره أوج نشاطها وازدهارها، ولقد أحصى أصحاب الحديث أسماءَ الرواة عنه فكانوا أكثر من أربعة آلاف رجل، وأدرك منهم الحسن بن علي الوشاء (وكان من أصحاب الرضا - عليه السّلام) تسعمائة شيخ.

ص: 60

فممّن روى عنه: أبان بن تغلب، ومعاوية بن عمار الدهني، والسفيانان، والحسن بن صالح بن حي، وعبد العزيز الدراوردي، ويحيى القطان، ومسلم الزَّنجي، وشعبة بن الحجاج، وحفص بن غياث.

ولم يكن نشاط الإمام (عليه السلام) مقصوراً على تدريس الفقه الإسلامي، وأدلَّة التشريع، بعد أن اتّسم ذلك العصر بظهور الحركات الفكرية، ووفود الآراء الاعتقادية الغريبة، ودخول الفلسفة المتأثّرة بالفكر الهندي واليوناني، بل نجد الإمام (عليه السّلام) قد تحدث في التوحيد وأركانه، والعدل، والقدر، وإرادة الإنسان، وغير ذلك، وتحدّث أيضاً في طبائع الأشياء، وخواص المعادن، وفي سائر الكونيات.

قال الشيخ محمد أبو زهرة: وكان يتخذ من ذلك ذريعة لمعرفة الله تعالى، وإثبات وحدانيته، وهو في ذلك يتبع منهاج القرآن الكريم الذي دعا إلى التأمل في الكون وما فيه.

وقد تضافرت أقوال علماء التأريخ على صلته بجابر بن حيان، وتتلمذ جابر له في الاعتقاد وأُصول الإِيمان.

قال ابن خلکان: وكان تلميذه أبو موسی جابر بن حیان الصوفي الطرسوسي قد ألَّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق، وهي خمسمائة رسالة.

وللإمام الصادق (عليه السّلام) مناظرات مع الزنادقة والملحدين في عصره، والمتقشفين من الصوفية، وهي في حد ذاتها ثروة علمية تركها الامام (عليه السّلام).

ص: 61

قال الشيخ المفيد: ونقل الناس عنه من العلوم ماسارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، ولا لقى أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الاخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله. وقد برز بتعليمه من الفقهاء والأفاضل جم غفير، منهم: زرارة بن أعين، وأخواه بکیر وحمران، وجميل بن صالح، وجميل بن دراج النخعي، ومحمّد بن مسلم الطائفي، وبُرید بن معاوية العجلي، وهشام بن سالم الجواليقي، وأبو بصير الأسدي، وغيرهم من أعيان الفضلاء. وأخذ عنه مالك بن أنس، وانتفع من فقهه وروايته، وكان أبو حنيفة يروي عنه أيضاً.

قال مالك بن أنس: لقد كنت آتي جعفر بن محمد فكان كثير التبسم، فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تغيّر لونه، وقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلَّا على إحدى ثلاث خصال، إمّا مصلَّياً وإمّا صائماً وإمّا يقرأ القرآن، وما رأيته يحدّث عن رسول الله إلَّا وهو على طهارة ولا يتكلَّم فيما لا يعنيه، وكان من العّباد الزهاد الذين يخشون الله تعالى.

وذكر أبو القاسم البغّار في مسند أبي حنيفة: قال الحسن بن زیاد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل: من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ، فقال: يا أبا حنيفة إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ لي من مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته.

فدخلت عليه، وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرت به، دخلني من الهيبة لجعفر مالم يدخلني لَابي جعفر، فسلَّمت عليه، فأومأ إليّ فجلست، ثم

ص: 62

التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.

قال: «نعم أعرفه» ثم التفت إلىّ فقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول: «أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا»، فربما تابعنا وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعاً حتى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخلّ منها بشيء.

ثم قال أبو حنيفة : أليس أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس وقال الشيخ محمد أبو زهرة: لا نستطيع في هذه العجالة أن نخوض في فقه الإمام جعفر، فإنّ أُستاذ مالك وأبي حنيفة وسفيان بن عيينة، لا يمكن أن يدرس فقهه في مثل هذه الالمامة.

وعن أبي بحر الجاحظ (مع عدائه لأهل البيت): جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه، ويقال: إنّ أبا حنيفة من تلامذته، وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب.

أمّا فضائل الإمام (عليه السّلام) فقد بلغ فيها الذروة، وارتفع بها في جيله حتی نَفَس عليه الخلفاء منزلته، فقد أتصف (عليه السّلام) بنبل المقصد، وشرف الغاية، والتجرد في طلب الحقيقة من كل هوى. وكان جواداً يسر العطاء في كثير من الأحيان ولا يعلنه.

جاء في «الخلية»: كان جعفر بن محمد يعطي حتى لا يبقي لعياله شيئاً.

وكان صابراً خاشعاً قانتاً عابداً، سمحاً كريماً لا يقابل الإساءة بمثلها، بل يقابلها بالتي هي أحسن.

وكان رفيقاً مع كل من يعامله من عشراء وخدم، ويروى في ذلك أنّه

ص: 63

بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ فخرج يبحث عنه فوجده نائماً فجلس عند رأسه، وأخذ يروح له حتى انتبه فقال له: «ما ذاك لك، تنام الليل والنهار! لك الليل ولنا منك النهار».

قال محمد بن طلحة الشافعي في وصفه (عليه السّلام): هو من عظماء أهل البيت وساداتهم (عليهم السّلام) ذو علوم جمّة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة).

وتلاوة كثيرة، يتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحر جواهره، ويستنتج عجائبه.

وقال الشهرستاني في الملل والنحل: كان أبو عبد الله الصادق ذا علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة وزهد في الدنيا، وورع تام عن الشهوات.

أمّا عن علاقة الأمام بحكام عصره فقد ذُكر أنّه (عليه السّلام) واجه في أيام المنصور من المحن والشدائد ما لم يواجهه في العهد الأُموي، وكان وجوده ثقيلاً عليه، لأنه أينما ذهب وحيثما حل يراه حديث الجماهير، ويرى العلماء وطلاب العلم يتزاحمون من كل حدب وصوب على بابة في مدينة الرسول، وهو يزودهم بتعاليمه، ويلقي عليهم من دروسه وإرشاداته، وكانت الدعوة إلى الحقّ، ومناصرة العدل ومساندة المظلوم واجتناب الظلمة الذين تسلطوا على الأُمّة واستبدّوا بمقدّراتها وكرامتها، واستهتروا بالقيم والاخلاق، كانت هذه النواحي تحتل المكانة الأُولى في تعاليمه وإرشاداته.

وكان المنصور يدعوه إلى لقائه كلما ذهب إلى الحج، ويتّهمه بما يساوره من ریب وظنون حول تحرّك الإمام (عليه السّلام)، ولقد دعاه مرة إلى بغداد

ص: 64

عندما بلغه أنّه يجبي الزكاة من شيعته وأنّه كان يمدّ بها إبراهيم ومحمداً وَلَدي عبد الله بن الحسن عندما خرجا عليه.

وكان (عليه السّلام) إذا التقى بالمنصور يقول الحقّ تصريحاً وتلميحاً.

روي أن المنصور استدعاه إليه يعاتبه على قطيعته له، وكان قد زار المدينة ولم يدخل عليه الإمام الصادق فيمن زاره من الوجوه والاشراف، فقال له: لمَ لم تغشنا کما یغشانا الناس، فأجابه الإمام (عليه السّلام):

«ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوه منك، ولا أنت في نعمة نهنئك بها، ولا في نقمة فنعزيك».

فقال له المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فرد عليه الإمام بقوله:

«إنّ من يريد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك».

ومن كلمات الإمام (عليه السّلام) و حكمه قال:

«ثلاثة لا يصيبون إلَّا خيراً: أُولو الصمت، وتاركوا الشر، والمكثرون من ذكر الله».

وقال: «إيّاكم والخصومة فإنّها تشغل القلب، وتورث النفاق، ومن زرع العداوة حصد ما بذر، ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله».

وقال: «إيّاك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنّك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقاً».

وقال: «امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها من عدونا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها».

ص: 65

وقال: «لا يتم المعروف إلَّا بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره»(1).

المسألة الثانية: مدرسته العلمية.

للوقوف على دارسة جهود الإمام الصادق (عليه السلام) في انماء الفقه ونشره وتدريسه في أمور ثلاثة، الأول - تصانيفه (عليه السلام)، والثاني: ابرز الفقهاء الذين انتسبوا إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وتتلمذوا على يديه، والثالث: بيان أبرز اسماء من اخذوا عنه افتيا من جمهور المسلمين، وهي كالاتي:

أولاً: تصانيفه (عليه السلام) في العلوم المختلفة.

تعددت عنه التصانيف في العلوم المختلفة كالعقائد، والكلام، والفقه، والحديث، والاخلاق، وغيرها فضلاً عن العلوم التي نقلت عنه وصنّف فيها تلميذه جابر بن حیان، وغيره من العلماء کابن إسحاق صاحب السير والمغازي.

أما تصانیفه (عليه السلام) فهي كالاتي:

1- كتاب التوحيد.

وهو الكتاب الذي أملاه الإمام الصادق (عليه السلام) على المفضل بن عمر، ومنه سمي هذا الكتاب بتوحيد المفضل، وهو كتاب احتوى على مباحث في عقيدة التوحيد(2).

ص: 66


1- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام): ج 2 ص 6 - 11
2- رجال النجاشي: خ 416، برقم 113، کتاب الذريعة للطهراني: ج 4 ص 483؛ برقم 2156

2- کتاب الإهليلجة في التوحيد.

ويتضمن الكتاب ردوداً على بعض الملحدين المنكرين للربوبية، وقد بعثه الإمام إلى المفضل بن عمر(1).

3- کتاب الأهوازية.

يتضمن الكتاب ردوداً على مجموعة من الاسئلة التي بعثها والي الاهواز عبد الله النجاشي في مواضيع اخلاقية(2).

4- کتاب الجعفريات.

ويكشف عنوان الكتاب عن نسبته للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وهو مجموعة من احاديث في ابواب الفقه، وهي مرتبة على أبواب، وقد رواه عنه حفيده اسماعیل بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).

كما أن هذا الكتاب يمتاز بميزة فريدة، وهي أن أسانيده كلها متصلة عنه، آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

رواه عنه - ایضاً - محمد بن الاشعث الكوفي المصري، عن موسی بن اسماعیل بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، ولهذا السبب سمي الكتاب ب (الاشعثيات) أيضاً(3).

ص: 67


1- الذريعة للطهراني: ج 2 ص 484، برقم 1901؛ بحار الانوار للعلامة المجلسي: ج 3 ص 152 - 196
2- خاتمة المستدرك للنوري: ج 3 ص 146، الذريعة للطهراني: ج 2 ص 485
3- خاتمة المستدرك للنوري: ج 1 ص 9 و ص 15

5- وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

رواه عنه جملة من الرواة، وذكرها ابن حيان الأندلسي(1).

6- کتاب الحج.

اخرجه عنه النجاشي في رجاله(2).

7- کتاب مناسك الحج وفرائضه.

وقد أخرجه عنه النجاشي بثلاثة اسانید(3)

8- کتاب: ابواب في الحلال والحرام.

وقد أخرجه وعنه النجاشي(4)

9- کتاب برواية اليربوعي البصري.

وقد أخرجه النجاشي برواية عباد بن صهيب اليربوعي(5).

10- کتاب برواية القاسم بن إبراهيم بن اسماعيل.

وهو من احفاد الإمام الصادق (عليه السلام) وقد اخرجه النجاشي(6).

11- كتاب النوادر.

وهو برواية خالد بن يزيد العكلي الكوفي، وقد أخرجه النجاشي(7).

ص: 68


1- الفهرسة لابن حيان الأندلسي: ص 277 و 138
2- رجال النجاشي: ص 14 برقم 9
3- رجال النجاشي: جبرقم 751 ص 283
4- رجال النجاشي: برقم 12 ص 15
5- رجال النجاشي: ص 293 برقم 719
6- رجال النجاشي: ص 314 برقم 859
7- رجال النجاشي: ص 152 برقم 859

12- کتاب برواية داود بن عطاء المدني.

وقد أخرجه النجاشي في رجاله(1).

13- کتاب برواية مولاه عباس بن زید المدني.

أخرجه النجاشي في رجاله(2).

14- کتاب برواية محمد بن إبراهيم الإمام.

أخرجه النجاشي في رجاله(3).

15- کتاب برواية ابن هراسة.

وهو إبراهيم بن رجاء الشيباني الجحدري، ابن هراسة، وقد أخرجه النجاشي(4).

16- کتاب برواية الفضيل بن عياض البصري، وقد أخرجه النجاشي(5).

17- کتاب برواية سفيان بن عينية.

أخرجه عنه النجاشي في رجاله(6).

18- کتاب رواه ابن أبي أويس.

ص: 69


1- رجال النجاشي: ص 157 برقم 412
2- رجال النجاشي: ص 872 برقم 750
3- رجال النجاشي: ص 355 برقم 951
4- رجال النجاشي: ص 16 برقم 16
5- رجال النجاشي: ص 310 برقم 847
6- رجال النجاشي: ص 190 برقم 506

وهو عبد الله بن ابي أويس الاصبحي، وقد أخرجه النجاشي(1).

19- کتاب برواية الزهري القرشي.

وهو مطلب بن زیاد الزهري القرشي المدني، وقد أخرجه النجاشي في رجاله(2).

فضلاً عن ذلك، فقد صنّف تلامذته (عليه الصلاة والسلام) العشرات من الكتب في العلوم المختلفة، الذين وصفهم الحسن بن علي الوشاء البجلي الكوفي الصيرفي، وهو من أصحاب الإمام علي بن موسی الرضا (عليهم السلام) بقوله:

«أدركت تسعمائة شيخ من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) بمسجد الكوفة كل يقول حدثني جعفر بن محمد عليه السلام)(3).

ولقد قام الإمام الصادق (عليه السلام) ضمن فترة قياسية بإنشاء مدرسة الكوفة العلمية، التي كانت تدرس العلوم الدينية والطبيعية، كالرياضيات والفلك والكيمياء وغيرها، فكان من ثمارها العالم الكيميائي(4) جابر بن حيان الصوفي صاحب المصنفات الكثيرة في علم الكيمياء(5) ک (کتاب علل

ص: 70


1- رجال النجاشي: ص 224، برقم 586
2- رجال النجاشي: ص 432 برقم 736
3- رجال النجاشي: ص 40، الذريعة للطهراني: ج 5 ص 18؛ معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره): ج 6 ص 38
4- تفسير الألوسي: ج 20، ص 118، وقد ساه ب (إمام في هذه الصنعة) أي الكيمياء
5- الفهرست لابن النديم: ص 420؛ معجم المطبوعات لألياس سرکیس: ج 1، ص 665

المعادن)(1) و (کتاب الحدود في الكيمياء)(2)، وكتب كذلك في الفلك والنجوم فصنف كتابا باسم (الفهرست)(3) وصنف في العلوم الغريبة(4)، وغيرها.

وذكر له الياس سرکیس مجموعة من الكتب منها:

1- أسرار الكيمياء، أو كشف الأسرار وهتك الأستار، لم يطبع من هذا الكتاب إلا ترجمات باللغة اللاتينية، وطبع قسم منه باللغة العربية ضمن كتاب الأستاذ برتولوا المسمى (La Chimie au Moyen age Vol paris .(31893_ (( 71

2- کتاب الحجر.

3- کتاب النور.

4- رسالة في الإيضاح.

5- کتاب اسطقس الاس.

6- کتاب اسطقس الاس الثاني.

7- کتاب اسطقس الاس الثالث.

8- تفسیر کتاب اسطقس.

9- كتاب التجريد.

10- كتاب الرحمة.

ص: 71


1- کشف الظنون لحاجي خليفة: ج 2، ص 1160
2- إيضاح المكنون لإسماعيل باشا البغدادي: ج 2، ص 288
3- فرج المهموم للسيد ابن طاووس: ص 146
4- هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي: ج 1، ص 249

وجميع هذه الكتب في علم الإكسير الأعظم.

11- كتاب الملك: طبع حجر بمبي: 1892، ص 35.

12- كتاب المكتسب: موسوم بنهاية الطلب مع شرحه للجلدكي وهو باللغة الفارسية، طبع حجر بمبي 1307.

13- کتاب السموم: وهو كتاب نفيس في السموم مخطوط في الخزانة التيمورية، نقل عنه المرحوم الدكتور صروف عدة مقالات، ذات فائدة عظيمة في مجلة المقتطف الجزء 58 و(1) 59.

14- كما يوجد في الخزانة التيمورية مخطوطة فيها خمس وخمسون رسالة في الكيمياء لجابر بن حيان، وأصلها سبعون رسالة، وقيل: إن من هذه المجموعة نسخة خطية في خزانة المرحوم نور الدين بن مصطفى(2).

بل قد ذكر البعض أن لجابر بن حيان من الكتب ما مجموعه (232) کتابا(3).

وعلى الرغم من سفره رحمه الله وتنقله إلاّ أنه لم ينقطع عن المراسلة مع الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)(4).

ومن ثمار هذه المدرسة التي أسسها الإمام الصادق (عليه السلام) في الكوفة أيضا شیخ کتاب السيرة النبوية محمد بن إسحاق المطلبي صاحب

ص: 72


1- معجم المطبوعات العربية لإلياس سرکیس: ج 1، ص 665
2- معجم المطبوعات العربية، لإلياس سرکیس: ج 1، ص 665، (الهامش)
3- هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي: ج 1، ص 249
4- مستدرك الوسائل للنوري: ج 1، ص 432 وج 16، ص 445. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 59، ص 186

المغازي والسير التي اطلع عليها الإمام الصادق عليه السلام أثناء قدومه الكوفة)(1).

ثانياً: أسماء أبرز فقهاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الذين تتلمذوا على يديه (عليه السلام.

يعد كثير من الفقهاء الذين التحقوا بمدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) کانوا أنفسهم من تلامذة الإمام الباقر (عليه السلام) وذلك لقصر السنين التي بقي فيها الإمام الصادق بعد أبيه (عليها السلام)، والبالغة أربع وعشرون سنة.

وعليه:

قد ترد بعض الأسماء التي مرَّ ذكرها في مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً، وهي كالاتي نوردها بحسب سنوات وفاتهم (رحمهم الله):

1- أبو بصير، یحیی بن أبي القاسم (ت 150 ه):

من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) الفقيه، المحدث، الثقة، الوجيه وهو من أجمعت الشيعة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه له کتاب (یوم وليلة) وکتاب (مناسك الحج)(2).

2- محمد بن مسلم بن ریاح الطائفي الثقفي الكوفي (ت 150 ه).

ص: 73


1- الشيعة والسيرة النبوية للمؤلف: ص 160 - 163
2- ينظر في ترجمته (رحمه الله) رجال البرقي: ص 17؛ رجال الكشي: ج 2 ص 772؛ رجال النجاشي: ص 441، برقم 1187؛ فهرست الشيخ الطوسي: ص 504 رقم 798؛ رجال الشيخ الطوسي: ص 140

عده البرقي في أصحاب الباقر والصادق (عليهم السلام)، قال في الموضع الأول: محمد بن مسلم الثقفي، طائفي، وفي الثاني: محمد بن مسلم بن ریاح، ثم الثقفي الطائفي، ثم انتقل إلى الكوفة، عربي، والعامة تروي عنه. وعده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، وهو من الجماعة الذين أجمعت الشيعة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه، وثقه يحيى بن معين، وابن مهدي، والعجلي، وأبو داود، ويعقوب بن سفيان، وابن حبان وغيرهم، خرج له مسلم والأربعة والبخاري في التعاليق، له كتاب يسمى (الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام))(1).

3- هارون بن حمزة الغنوي الكوفي (ت حدود 150 ه).

من أصحاب الباقر والصادق (عليهم السلام) كان فقيهاً، محدثاً ثقة، عیناً، عده المفيد من الفقهاء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، له کتاب رواه جماعة(2).

4- محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريقة البجلي الكوفي.

ص: 74


1- ينظر: تاریخ یحیی بن معین - برواية الدوري - 1/ 61 رقم 304، تاريخ البخاري 1/ 223، تاريخ الثقات - للعجلي -: 414 رقم 1503، الثقات - لابن حبان - 7/ 399، مشاهير علياء الأمصار: 234 رقم 1176، الجمع بين رجال الصحيحين 2/ 476 رقك 1846، رجال البرقي: 9، 17، رجال الكشي 2/ 507، الرد على أهل العدد والرؤية: 27، رجال الشيخ: 135 و 300 و 358
2- ينظر: رجال البرقي: 30، الرد على أهل العدد والرؤية: 40، رجال النجاشي: 437 رقم 1177، رجال الشيخ: 139، فهرست الشيخ: 496 رقم 786، معالم العلماء: 129 رقم 866

أبو جعفر الأحول المعروف عند الشيعة بمؤمن الطاق وعند الجمهور بشيطان الطاق (ت نحو 160 ه) عده البرقي من أصحاب الصادق (عليه السلام) وقال: محمد الأحول أبو جعفر ابن النعمان مؤمن الطاق، عربي كوفي، له ولاء تحالفي مع بجيلة، كان فقيهاً، عالما بالحديث، حاذقاً في صناعة الكلام، سريع الخاطر والجواب، لم يعهد عنه أن تفوق عليه أحد من خصومه في المناظرة والجدل، وكان مصاحباً لأبي حنيفة رغم ما بينهما من اختلاف في المذهب، له مصنفات عديدة منها:

کتاب ((الإمامة))، وكتاب ((الرد على المعتزلة في غمامة المفضول))، وكتاب ((المعرفة))، وكتاب ((إثبات الوصية))، وكتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة، وكتاب مجالسه مع أبي حنيفة والمرجئة، وكتاب كلامه على الخوارج، وكتاب ((إفعل لا تفعل))، وأخباره مشهورة(1).

5- عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن فهد أبو مريم الأنصاري الكوفي (ت حدود 160 ه).

من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام) كان فقيها محدثاً مكثراً ثقة، وثقه النجاشي، وأثنى عليه شعبة وابن عقدة وقال: لم أر أحفظ منه، وقال أيضاً: لونشر علم أبي مريم وخرج حديثه لم يحتج الناس إلى شعبة.

أما تضعيف من ضعفه فمرجعه إلى تشیعه، ولأنه كان يتكلم في عثمان،

ص: 75


1- ينظر: رجال البرقي: 17 ن رجال الكشي 2/ 423 - 435، فهرست النديم: 308، رجال النجاشي: 325 رقم 886، رجال الشيخ: 302، فهرست الشيخ: 388 رقم 595، معالم العلماء: 95 رقم 658، سير أعلام النبلاء 10/ 553، لسان الميزان 5/ 300

له کتاب رواه جماعة(1).

6- عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن أذنيه بن سلمة بن الحارث العبدي البصري (ت حدود 169 ه).

من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهم السلام)، كان فقيهاً محدثاً ثقة، قال النجاشي عنه: شيخ أصحابنا البصريين ووجههم، له کتاب ((الفرائض)) وغيره(2).

7- هشام بن الحكم الكندي الشيباني (ت 179 ه وقيل: 199).

واسط، ثم انتقل إلى بغداد، كان متکلماً حاذقاً، ومناظراً قديراً، وهو ممن فتق الكلام في الإمامة، وذهب المذهب بالنظر، لم يناظر أحداً إلا قطعه، ويكفيه فضلاً قول الإمام الصادق (عليه السلام) له: مثلك فليكلم الناس، ووصفه الذهبي بالمتكلم البارع، وكان أيضاً مبرزاً في التفسير، والحديث وأصوله، الفقه وأصوله وعده الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، له مصنفات كثيرة في الكلام وغيره، ذكر جملة منها النديم، والنجاشي(3).

ص: 76


1- ينظر: تاريخ البخاري 6/ 122، الجرح والتعدیل 6/ 53، الكنى والأسماء 2/ 110، رجال البرقي: 17، رجال الكشي 2/ 469، رجال النجاشي: 246 رقم 649 و ص 249 رقم 655، رجال الشيخ: 99 و 129 و 237، معالم العلماء: 138 رقم 953، لسان الميزان 4/ 42
2- ينظر: رجال البرقي: 47، رجال النجاشي: 283 رقم 752، فهرست الشيخ: 324 رقم 504، معالم العلماء: 85 رقم 585
3- ينظر: رجال البرقي: 35، رجال الكشي 2/ 526، الكافي 1/ 173 ح 4، مروج الذهب 4/ 21، فهرست النديم: 307، الرد على أهل العدد والرؤية: 45، رجال النجاشي،: 433 رقم 1164، رجال الشيخ: 329، فهرست الشيخ: 493 رقم 783، معالم العلاء: 128 رقم 862، سير أعلام النبلاء 10/ 543 لسان الميزان 6/ 194

8- یزید بن سليط أبو عمارة الزيدي (ت حدود 183 ه).

أدرك الإمام الصادق (عليه السلام)، وكان من خواص أصحاب الإمام موسی بن جعفر (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته(1).

9- حميد بن المثنى، أبو المغرا العجلي الكوفي (ت قبل 183 ه).

من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهم السلام) كان فقيهاً، محدثاً عالماً، كثير الحديث، جلیل القدر، قال الشيخ الصدوق: عربي كوفي ثقة، وله كتاب، ووثقه النجاشي والشيخ الطوسي، وكتابه يعد من الأصول(2).

10- ظریف بن ناصح.

أبو الحسن الكوفي ثم البغدادي المتوفي (قبل 183 ه) من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) كان فقيهاً، محدثاً ثقة، له کتب منها: کتاب ((الحدود)) وكتاب ((الديات)) وكتاب ((النوادر))(3).

11- إسحاق بن جریر بن یزید بن جریر بن عبد الله البجلي الكوفي.

(ت حدود 183 ه) من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهم

ص: 77


1- ينظر: رجال البرقي: 48، رجال الكشي 2/ 748، إرشاد المفيد 2/ 248، رجال الشيخ: 363، رجال العلامة: 265
2- ينظر: مشيخة الفقيه: 65، رجال النجاشي: 133 رقم 340، رجال الشيخ: 179، فهرست الشيخ: 154 رقم 236، رجال ابن داود: 135 رقم 528، رجال العلامة: 58
3- ينظر: رجال النجاشي: 209 رقم 553، رجال الشیخ 127، فهرست الشيخ: 259 رقم 373، معالم العلماء: 61 رقم 420، رال العلامة: 91، لسان الميزان 3/ 216

السلام)، ومن الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، له کتاب، وأخوه خالد بن جرير من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً(1).

12- زکریا بن محمد، أبو عبد الله المؤمن الأزدي.

(ت بعد 183 ه) روي عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهم السلام) ولقي الإمام الرضا (عليه السلام)، كان محدثاً فقيهاً له کتاب(2).

13- جميل بن دراج بن عبد الله النخعي الكوفي.

(ت بعد 183 هت) الفقيه الكبير، المحدث الثقة، من وجوه علماء الشيعة، وهو أحد الستة من أحداث أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) الذين أجمعت الشيعة على تصديقهم وتصحيح ما يصح عنهم والإقرار هم بالفقه، وأفقههم جميل، وهو أخو نوح بن دراج القاضي(3).

14- أبان بن عثمان.

أبان بن عثمان بن يحيى اللؤلؤي الأحمر بصري - مولى بجيلة، سکن الكوفة - من التابعين الفضلاء، روي عن الإمامين الصادق والكاظم (كان من الناووسية ثم صار من الإمامية واختص بالإمام الصادق، (له کتب

ص: 78


1- ينظر: رجال البرقي: 28، رجال النجاشي: 71 رقم 170، رجال الشيخ: 149 و 343، فهرست الشيخ: 39 رقم 53، معالم العلماء: 26 رقم 134، لسان الميزان 1/ 358
2- ينظر رجال البرقي: 42، فهرست النديم: 367، رجال النجاشي: 172 رقم 453، رجال الشيخ: 377 و 441، فهرست الشيخ: 206 رقم 306، معالم العلماء: 52 رقم 347
3- ينظر: رجال البرقي: 41، رجال الكاشي 2/ 673 رقم 705، رجال النجاشي: 126 رقم 328، فهرست الشيخ: 114 رقم 154، رجال ابن داود: 92 رقم 342، رجال العلامة: 34 رقم 1

منها كتاب حسن كبير يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردة، مات بعد الأربعين والمائة.

روی أبان بن عثمان، عن الصادق (عليه السلام) عن الرجل يخرج يشيع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة، فقال: (إن كان في شهر رمضان فليفطر، فسئل أيهما أفضل يصوم أو يشیعه؟ قال: يشیعه، إن الله - عز وجل - وضع الصوم عنه إذا شیعه).

وعن أبان بن عثمان قال: دعاني الصادق (عليه السلام) فقال:

(باع فلان أرضه؟ فقلت: نعم، فقال: (مكتوب في التوراة أنّه مَن باع أرضاً أو ماءً ولم يضعه في أرض وماء ذهب ثمنه محقاً).

15- أبو أيوب الخزاز.

هو إبراهيم بن عيسى الحزاز، وقيل: إبراهيم بن عثمان، روى عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)، (ثقة كبير المنزلة، له کتاب نوادر، کثير الرواة عنه)(1).

قول الصادق (عليه السلام) وقد سأله أبو أيوب الخزاز: حدثني عن العقيق أوقت وقته رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو شيء صنعه الناس؟ فقال (عليه السلام):

«إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ووقت لأهل المغرب الجحفة، وهي عندنا مكتوبة مهيعة، ووقت لأهل اليمن يلملم،

ص: 79


1- مستطرفات السرائر: هامش ص 287

ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل نجد العقيق وما أنجدت»(1).

وعن أبي أيّوب الخزّاز قال: أردنا أن نخرج فجئنا نسلَّم على أبي عبد الله (عليه السّلام)، فقال: «كأنّكم طلبتم بركة الاثنين؟» قلنا: نعم، قال: «فأيّ يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين، فقدنا فيه نبيّنا صلَّى الله عليه وآله، وارتفع الوحي عنّا، لا تخرجوا يوم الاثنين واخرجوا يوم الثلاثاء»(2).

16- أبو الصباح الكناني، إبراهيم بن نعيم العبدي.

إبراهيم بن نُعيم العَبديّ، الفقيه أبو الصباح الكناني، نزل فيهم فنُسب إليهم.

روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) حديثاً يسيراً، وروي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) و أكثر عنه، وكان أبو عبد الله (عليه السّلام) يسميه الميزان لثقته، وروي عن أبي الحسن الكاظم (عليه السّلام).

وروى أيضاً عن: جابر الجعفي، وأبي بصير.

روى عنه: أبان بن عثمان الأحمر، وحماد بن عثمان، وسيف بن عميرة النخعيّ، وعبد الله بن المغيرة، وابنه محمد، ومحمد بن الفضيل كثيراً، ويحيى الحلبي، والحسن ابن محبوب، وحنان بن سدير الصيرفي، وصفوان بن يحيی البجلي، ومعاوية بن عمار الدهني، وآخرون.

وكان من ثقات المحدّثين، وأعلام الفقهاء الذين يؤخذ عنهم الحلال

ص: 80


1- تذكرة الفقهاء (ط. ج)، العلامة الحلي: ج 7، ص 189
2- الفقيه: ج 2، ص 174 الحديث 777؛ الوسائل: ج 8، ص 254 الباب 4 من أبواب آداب السفر إلى الحجّ الحديث 1؛ منتهى المطلب (ط. ج)، العلامة الحلي: ج 10، هامش ص 33

والحرام والفتيا والاحكام.

له كتاب يُعد من الأصول وكتب أُخرى غير أُصول.

أمّا الأصل فرواه عنه صفوان بن يحيى ومحمد بن الفضيل، وأمّا غير الأصول فرواها عنه عثمان بن عيسى، وظريف بن ناصح، وغيرهما.

كما وقع في إسناد كثير من الروايات عن أئمّة العترة الطاهرة (عليهم السّلام) تبلغ ثلاثمائة وعشرة موارد في الكتب الأَربعة، روى جلَّها عن الإمام الصادق (عليه السلام).

توفي بعد السبعين والمائة وهو ابن نيف وسبعين سنة.

قاله ابن داود(1)، قال له الصادق عليه السلام: أنت ميزان لا عين فيه(2)، من أصحاب الباقر(3) والصادق(4) (عليهما السلام)، كما يستفاد من رواية بريد العجلي، قال: كنت أنا وأبو الصباح الكناني عند أبي عبد الله (عليه السلام)

ص: 81


1- ينظر: مدارك تحرير الوسيلة، الشيخ مرتضى بني فضل: ج 2، ص 249؛ موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 42
2- كان يسمى الميزان من ثقته، له أصل، رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع ومحمد ابن الفضيل وأبو محمد صفوان بن يحيى بياع السابري الكوفي عنه، وروى عنه غير الأصول عثمان بن عيسى وعلي بن الحسن بن رباط ومحمد بن إسحاق الخزاز وظريف بن ناصح وغيرهم وممن روى عنه - أبو الصباح، عن أبي عبد الله عليه السلام -: صابر ومنصور بن حازم وابن أبي يعفور. محمد بن مسعود قال: قال علي بن الحسن: أبو الصباح الكناني ثقة. وذكر أخبارا في علو قدره. انظر رجال الكشي: 350/ 654 - 658
3- رجال الكشي: ج 2، ص 123
4- المصدر نفسه: ج 33، ص 156

فقال:

«كان أصحاب أبي خيراً منكم، كان أصحاب أبي ورقاً لا شوك فيه، وأنتم اليوم شوك لا ورق فيه، فقال أبو الصباح الكناني: جعلت فداك، فنحن أصحاب أبيك، قال عليه السلام: كنتم يومنذ خيراً منكم اليوم»(1).

17- إسماعيل بن أبي زياد السكوني. إسماعيل بن أبي زياد، واسمه: مسلم السكونيّ الشعيريّ، الكوفيّ.

كان كثير الرواية، واسع الحديث، وقد رُوي له في الكتب الأَربعة زهاء لف ومائة واثنين وعشرين مورداً.

روى جميعها إلَّا القليل منها عن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام). وروى أيضاً عن: محمد بن مسلم الطائفي، وضرار بن عمر، والشمشاطي، والحكم بن عتيبة. وله كتاب كبير، وكتاب النوادر.

روى عنه: عبد الله بن المغيرة، وفضالة بن أيّوب، والجهم بن الحكم المدائني، وجميل بن درّاج النخعيّ، ومحمّد بن سعيد بن غزوان، ومحمد بن عیسی.

وأكثر عنه الحسين بن يزيد النوفليّ، فروى عنه زهاء ثمانمائة وخمسة وعشرين مورداً من الموارد التي ذكرناها.

ذكر الشيخ الطوسي أنّ الأصحاب عملت بروايات السكونيّ، ذكر ذلك لكونه على مذهب الجمهور(2).

ص: 82


1- شعب المقال في درجات الرجال، ميرزا أبو القاسم النراقي: ص 44
2- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 71

إسماعيل بن أبي زياد السكوني - بفتح السّين منسوب إلى قبيلة من العرب عرب اليمن وهو عامي المذهب بغير خلاف - وشيخنا أبو جعفر موافق على ذلك(1)، قائل به ذكره في فهرست المصنّفين(2)، وله كتاب يعد في الأصول وهو عندي بخطي، كتبته من خط ابن اشناس البزاز، وقد قرئ على شيخنا أبي جعفر، وعليه خطه إجازة وسماعاً لولده أبي عليّ ولجماعة رجال غيره(3).

روى إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) قال:

«سبعة لا يقصرون الصلاة: الأمير الذي يدور في إمارته، والجابي الذي يدور في جبايته، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر، والراعي، والمحارب الذي يخرج لقطع السبل، والذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا»(4).

في رواية إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: (في رجل يصلي ويري الصبي يحثو إلى النار أو الشاة تدخل البيت تفسد الشيء قال: (فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما لم يتكلم)(5).

18- ثعلبة بن ميمون أبو إسحاق النحوي.

ص: 83


1- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني: ج 2، 121
2- الفهرست: ص 36
3- السرائر: ج 5، ص 440
4- الخلاف الشيخ الطوسي: ج 1، ص 576
5- المعتبر، المحقق الحلي: ج 2، ص 259

ثعلبة بن ميمون مولى بني أسد، كان وجهاً في أصحابنا، قارئاً، فقيهاً، لغوياً، راوية، وكان حسن العمل كثير العبادة والزهد(1).

(كان حياً - بعد 170 ه) الأسدي بالولاء، ثم مولى بني سلامة، الفقيه الفاضل الثقة أبو إسحاق النحوي، الكوفي.

روى عن: بُريد بن معاوية العجلي، وحُمران بن أعين، ومحمد بن مسلم، وزرارة بن أعین، وعُبيد بن زرارة، ويعقوب بن سالم الأحمر، ومعاوية بن عمار، ومحمد بن مضارب، ومعمر بن يحيى، وعمران بن علي الحلبي، وعمار الساباطي، وعُبيد الله بن علي الحلبي، والحارث بن المغيرة، وعبد الله بن هلال، وحمزة بن محمد الطيار، وسعيد بن عمر و الجعفي (الخثعمي)، ومالك الجُهَني، وأبي أمية يوسف ابن ثابت بن أبي سعدة، وآخرين.

روى عنه: أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، والحسن بن علي بن فضال، ومحمد بن خالد الأصم، وظريف بن ناصح، وعبد الله بن الحجال، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع، والحسن بن علي الوشاء، وأبو داود المسترق، وغيرهم.

وكان أحد وجوه الشيعة، قارئاً، فقيهاً، لغوياً، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد.

أخذ العلوم والمعارف عن الإمام أبي عبد الله الصادق، وولده الامام أبي الحسن الكاظم (عليهما السّلام) وروى عنهما، وقد وقع في اسناد كثير من الروايات عن الأَئمّة (عليهم السّلام)، تبلغ مائتين واثني عشر مورداً وله محمد

ص: 84


1- معجم رجال الحديث: ج 3، ص 404

كتاب يرويه عنه جماعة منهم عبد الله بن محمد المزخرف الحَجّال.

رُوي عن علي بن أسباط، قال: لمّا أن حج هارون الرشيد، مرّ بالكوفة، فصار إلى الموضع الذي يعرف بمسجد (سمال) وكان ثعلبة ينزل في غرفة على الطريق، فسمعه هارون وهو في الوتر، وهو يدعو، وكان فصيحاً، حسن العبارة، فوقف يسمع دعاءه، ووقف من قدّامه ومن خلفه، وأقبل يتسمّع، ثم قال للفضل بن الربيع: ما تسمع ما أسمع؟ ثم قال: إنّ خيارنا بالكوفة.

روى الشيخ الكليني بسنده عن ثعلبة بن ميمون عن إبراهيم السندي عن يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول:

«قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر، إن أيسَر قضاك، وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة»(1).

وعن ثعلبة بن ميمون قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن خلف المخالفين، فقال: «ما هم عندي إلَّا بمنزلة الجدر»(2).

19- زيد الشحام، أبو أسامة الأزدي.

(كان حياً بعد 148 ه) زيد بن يونس، وقيل: ابن موسى، الفقيه أبو أُسامة الازديّ، الشحام، الكوفيّ.

اختصّ بالإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام)، وأخذ عنه الحديث والفقه وروى عنه كثيراً، وجاءت فيه بعض المرويات التي تشهد بسموّ

ص: 85


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 90
2- التهذيب: ج 3، 266 الحديث 754؛ الوسائل: ج 5، 388 الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1

منزلته وجلالة قدره.

وكان أبو أُسامة قد أدرك الامام أبا جعفر الباقر (عليه السّلام) وروى عنه، وقيل: روى عن الامام أبي الحسن الكاظم (عليه السّلام).

وله روايات عن أجلاء أصحاب الأَئمّة منهم: أبو بصير، وحمران بن أعين، وعبد الله بن سنان، ومحمد بن مسلم الطائفي.

روى عنه: أبان بن عثمان الأحمر، وعمر بن أُذينة، وعبد الله بن مسكان، و إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي، و إبراهيم بن عمر اليماني، والحسين بن المختار القلانسي، وحماد بن عثمان، وسيف بن عميرة النخعيّ، وعبد الرحمن بن الحجاج البجليّ، ومحمد بن أبي عمير، ومحمد بن سنان، وأبو جميلة المفضل بن صالح، وصفوان بن يحيى، وآخرون.

وكان أحد الفقهاء الاعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام، ثقة عيناً.

وقد وقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، تبلغ أكثر من مائتين وثلاثة وخمسين مورداً، وصنّف كتاباً رواه عنه صفوان بن يحيى(1).

عن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل صام أحد من آبائك شعبان؟ فقال:

«نعم، كان آبائي يصومونه، وأنا أصومه، وآمر شيعتي بصومه.

فمن صام منكم شعبان حتى يصله بشهر رمضان كان حقا على الله أن

ص: 86


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 226 - 228

يعطيه جنتين، ويناديه ملك من بطنان العرش عند إفطاره كل ليلة: يا فلان طبت، وطابت لك الجنة، كفى بك إنك سررت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موته»(1).

وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له التاجر يسوف الحج؟ قال:

«إذا سوفه، وليس له عزم، ثم مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»(2).

20- سماعة بن مهران الحضرمي.

سماعة بن مهران الحضرمي الكوفي يكنى أبا محمد بياع القزمات بالمدينة مولى حضر موت ويقال مولى خولان كوفي(3).

روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، مات بالمدينة، وله حديث كثير في الفقه وروى كثيراً من زيارات الأئمة ومن دعاء الصادق (عليه السلام)، وله كتاب رواه عنه ثقات الرواة، ومنهم جماعة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وقد نسبوه إلى الوقف ولم يثبت، وعلى أي حال فهو ثقة في الرواية من دون ريب(4).

ص: 87


1- الوسائل: ج 7، الباب 29 من أبواب الصوم المندوب، ح 32، ص 377 - 378 نقلا عن الكتاب؛ المقنعة، الشيخ المفيد: ص 374
2- الوسائل: ج 8، الباب 6 من أبواب وجوب الحج، ح 6 ص 18 مع تفاوت؛ المقنعة: ص 385
3- طرائف المقال، السيد علي البروجردي: ج 1، ص 484
4- الإمام الصادق (عليه السلام)، الشيخ محمد حسن المظفر: ج 2، ص 155

له كتاب روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)، واقفي ثقة، الا أن أحمد الغضائري ذكر أنه مات سنة خمس وأربعين بعد المائة في حياة الصادق (عليه السلام) وهذا مناف للوقف ولروايته عن فترد الحكاية، عنه عثمان بن عیسی(2).

وعده البرقي أولا في أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلا: (سماعة بن مهران مولى خولان، كوفي، حضرمي).

وثانيا في أصحاب الكاظم (عليه السلام) من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام).

قائلا: (سماعة بن مهران مولى حضر موت ويقال: مولى خولان، كوفي)، وعده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الاعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم.

وروى الديلمي في محكيّ إرشاده مرسلا، قال (سماعة): دخلت على الصادق (عليه السلام) فقال: يا سماعة، مَن شرّ الناس؟ قلت: نحن يا بن رسول الله.

فغضب حتّى احمرّت وجنتاه ثمّ استوى جالساً وكان متّكئاً فقال: يا سماعة، مَن شرّ الناس عند الناس؟ فقلت: ما كذبتك يا بن رسول الله، نحن شرّ الناس عند الناس، سمّونا كفّاراً ورافضة، فنظر إليّ ثمّ قال: كيف بكم إذا

ص: 88


1- جامع الرواة، محمد علي الأردبيلي: ج 1، ص 384
2- طرائف المقال، السيد علي البروجردي: ج 1، ص 484

سيق بكم إلى الجنّة وسيق بهم إلى النار فينظرون إليكم فيقولون:

ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدّهم من الأشرار، يا سماعة بن مهران، إنّ مَن أساء منكم إساءة مشينا إلى الله بأقدامنا فَنُشَفَّع فيه فنشفع، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات وأكمدوا أعدائكم بالورع)(1).

عن سماعة بن مهران، قال: كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر (عليه السلام) في منزله بمكة، فقال محمد بن عمران: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نحن اثنا عشر محدثا، فقال له أبو بصیر سمعت من أبي عبد الله (عليه السلام)؟ فحلفه مرة أو مرتين أنه سمعه، فقال أبو بصير: لكني سمعته من أبي جعفر (عليه السلام)(2).

21- سيف بن عميرة النخعي.

سيف بن عميرة بفتح العين النخعي الكوفي، وثقه الشيخ في الفهرست والعلامة في الخلاصة وابن شهر آشوب في المعالم غير أن الأخير قال بوقفه، وقد حكى عن الشهيد (رحمه الله) أنه قال في شرحه على الارشاد: (ربما ضعف بعضهم سيفا والصحيح أنه ثقة) وله كتاب والطريق إليه فيه الحسين بن سيف وهو مهمل(3).

ص: 89


1- موسوعة المصطفى والعترة (عليهم السلام)، الحاج حسين الشاكري: ج 10، ص 385
2- الكافي: ج 2، کتاب الحجة 4، باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) 126، الحدیث 20
3- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج 4، هامش ص 492

من أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام) كوفي عربي، له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا كمحمد بن خالد الطيالسي وعلي بن الحكم وغيرهما(1).

عن ابن عيسى، عن علي بن سيف، عن أخيه الحسين، عن أبيه سيف بن عميرة النخعي، عن خثيمة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ».

قال: دينه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) دين الله ووجهه وعينه في عباده، ولسانه الذي ينطق به، ويده على خلقه، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية.

قلت: وما الروية؟ قال: الحاجة، فإذا لم يكن الله فيهم حاجة رفعنا إليه فصنع ما أحب)(2).

22- عاصم بن حميد الحناط.

أبو الفضل عاصم بن حميد الحنّاط الكوفي مولى بني حنيفة.

قال النجاشي: «عاصم بن حميد الحنّاط الحنفي أبو الفضل، مولى كوفي ثقة عن صدوق، روى عن أبي عبد الله (عليه السّلام».

وجاء في رسالة أبي غالب أحمد بن محمد الزراري (ت / 368 ه): «وكان

ص: 90


1- قال النجاشي في ص: 135 أنه كوفي ثقة؛ وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج 19، هامش ص 376
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج 4، ص 7

جدّي أبو طاهر أحد رواة الحديث، قد لقي محمد بن خالد الطيالسي فروی عنه كتاب عاصم بن حميد وكتاب سیف بن عميرة وكتاب العلاء بن رزین».

أسند إليه النجاشي والطوسي في فهرسيهما.

من آثاره:

کتاب تنتهي النسخ الموجودة منه إلى نسخة الآبي المؤرخة 374 ه، ومنها مخطوطة الهمداني المؤرخة 1347 ه ونسخة المشكاة، وطبع مع الأصول الستة عشر باهتمام الشيخ حسن المصطفوي بطهران 1371 ه، ولاختلاف النسخ(1).

والسند في نسختنا هكذا: «حدثني أبو الحسن محمد بن الحسن بن الحسين بن أيوب القمي أيده الله، قال: حدثني أبو محمد هارون بن موسی التلعکبري أيده الله تعالى.

قال: حدثنا...».

وفيها أيضا: «أبو محمد هارون بن موسی بن أحمد التلعکبري، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب قال: حدثنا أبو القاسم حمید بن زیاد في سنة 309 ه، قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن مساور وسلمة، عن عاصم بن حميد».

«نسخة منصور بن الحسن الآبي من أصل أبي الحسن محمد بن الحسن القمي أيّده الله في ذي الحجة لليلتين مضتا منه سنة 374 ه يوم الأحد، وهذه الكلمات - کما عن ظاهر الشيخ الحر - بخط الملا رحيم الجامي شيخ

ص: 91


1- ينظر: الذريعة: ج 2، ص 135

الإسلام».

وقد استنسخها الشيخ الهمداني سنة 1374 ه عن نسخة السيد أبي القاسم الأصفهاني سنة 1339 ه عن نسخة السيد نصر الله الحائري(1).

عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الخمس؟ قال (عليه السلام):

«هو لنا، هو لإيتامنا ولمساکیننا ولابن السبيل منّا، وقد يكون ليس فينا يتيم ولا ابن السبيل، وهو لنا»(2).

وعن كتاب عاصم بن حمید الحناط عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «ولنا الأنفال، قال: قلت له: وما الأنفال؟ قال: المعادن منها، والآجام، و كل أرض لا رب لها، ولنا ما لم يوجف عليه بخيل ولا رکاب، وكانت فدك من ذلك»(3).

23- عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي الملقب بكرّام.

عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي مولاهم، کوفي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، ثم وقف على أبي الحسن [عليه السلام]، كان ثقة ثقة عينا، يلقب کراما.

له کتاب پرویه عدة من أصحابنا. أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال:

ص: 92


1- ينظر: فهرست التراث، محمد حسين الحسيني الجلالي: ج 1، ص 151 - 152
2- مستدرك الوسائل، کتاب الخمس، ب 1 من أبواب قسمة الخمس، ح 7؛ کتاب الخمس، تقرير بحث المحقق الداماد للآملي: ص 358
3- مستدرك الوسائل - باب 1 من الأنفال، الحديث 1 ؛ محاضرات في فقه الإمامية (الخمس)، السيد محمد هادي الميلاني، ص 199

حدثنا علي بن حاتم قال: حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: حدثنا القاسم بن محمد بن الحسين بن خازم قال: حدثنا عبيس عن کرام بکتابه(1).

قال حمدويه: سمعت أشياخي يقولون: إن كراما هو عبد الكريم بن عمرو، واقفي، رجال الكشي(2).

ومثل صحيح کرام (عبد الكريم) ابن عمرو بن صالح الخثعمي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: قلت: له أرأيت من ابتلي بالرّفث والرّفث هو الجماع ما عليه قال (عليه السلام):

«يسوق الهدي إلى آخره».(3)

24- عبد الله بن بکیر بن أعين الشيباني.

قال عنه المفيد في رسالته العددية: من الفقهاء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.

روی محمد بن أبي عبد الله، عن معاوية بن حکیم، عن عبد الله بن المغيرة، قال: سألت عبد الله بن بكير عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ تركها حتى بانت منه ثمّ تزوجها؟ قال: هي معه كما كانت في التزويج.

قال: قلت: فإنّ رواية رفاعة إذا كان بينهما زوج؟ فقال لي عبد الله: هذا

ص: 93


1- فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): ص 245؛ خلاصة الأقوال العلامة الحلي: ص 381
2- الفهرست: ص 109/ 480
3- براهين الحج للفقهاء والحجج، المدني الكاشاني: ج 3، هامش ص 68

زوج وهذا ممّا رزق الله من الرأي(1).

عن عبد الله بن بکیر بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السّلام)، قال:

«صم للرؤية وأفطر للرؤية، وليس رؤية الهلال أن يجيء الرجل والرجلان فيقولان: رأيناه، إنّما الرؤية أن يقول القائل: رأيت، فيقول القوم صدق»(2).

25- عبد الله بن أبي يعفور العبدي: (131 ه)

العبدي، واسم أبي يعفور واقد، وقيل: وقدان، الفقيه أبو محمد الكوفي.

روی عن: أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور، وأبي الصامت.

روى عنه: أبان بن عثمان الأحمر، وثابت بن شریح، وعبد الله بن مُسکان، وإسحاق بن عمار، وجابر المكفوف، وحبيب الخثعمي، والحسن بن علي بن مهران، والحسين بن المختار القلانسي، وحماد بن عثمان، وحماد بن عیسی الجُهني، وعبد الكريم بن عمرو الخثعمي، وعبد الله بن سنان، وعلي بن رئاب السّعديّ، والعلاء ابن رُزین، وفضالة بن أيوب، ومنصور بن حازم البجلي، وهشام بن سالم الجواليقي، وموسى بن أكيل النُّميري، وآخرون.

وكان محدثاً، فقيهاً، قارئاً، ثقة ثقة، جلیل القدر.

أخذ الحديث والفقه عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) وروی عنه، وكان من خواص أصحابه، کریماً عليه.

ص: 94


1- الكافي: ج 2، ص 103؛ تهذیب الأحکام: ج 8، ص 30 ح 8؛ الاستبصار: ج 3، ص 271 ح 6؛ موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 199
2- التهذيب: ج 4، ص 164 الحديث 464؛ الوسائل: ج 7، ص 210 الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 14

وقد وقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت - عليهم السلام -، تبلغ مائتين وستة وعشرين مورداً(1) وله كتاب يرويه عنه عدّة من الاعلام منهم: ثابت بن شریح.

وكان ابن أبي يعفور يقرأ في مسجد الكوفة.

روى الشيخ الكليني بسنده عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام):

«كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع»(2).

وروى أيضاً بسنده عنه قال: سألت أبا عبد الله - عليه السّلام عن الرجل يقطع صلاته شيء ممّا يمرّ بين يديه؟ فقال:

«لا يقطع صلاة المؤمن شيء، ولكن ادرؤا ما استطعتم»(3).

روي عن عبد الله بن أبي يعفور أنّه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام): بم تُعرف عدالة الرجل بين المسلمين، حتی تُقبل شهادته لهم وعليهم؟ قال:

ص: 95


1- وقع بعنوان (عبد الله بن أبي يعفور) في اسناد ثانية وسبعين مورداً، و بعنوان (ابن أبي يعفور) في اسناد مائة وثانية وأربعين مورداً
2- الكافي: ج 2، کتاب الإيمان والكفر، باب الصدق وأداء الأمانة، الحديث 10
3- الكافي: ج 3، کتاب الصلاة، باب ما يستتر به المصلي، الحديث 3، وفيه: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله - عليه السّلام - قال: لا يقطع الصلاة شيء لا كلب ولا حمار ولا مرأه ولكن استتروا بشيء، فإن كان بين يديك قدر ذراع رافعاً من الأرض فقد استترت، قال الكليني [والفضل في هذا أن تستتر بشيء وتضع بين يديك ما تتّقي به من المارّ فإن لم تفعل فليس به بأس، لَانّ الذي يصلَّي له المصلَّي أقرب إليه ممن يمرّ بين يديه، ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها

«أن تعرفوه بالستر والعفاف و كفّ البطن والفرج واليد واللسان، ويُعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار، من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك، والدلالة على ذلك كلَّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه.. ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن، وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، وألا يتخلَّف عن جماعتهم في مصلَّاهم إلَّا من علَّة..» إلى آخر الحديث. وهو طویل(1).

توفّي ابن أبي يعفور في حياة الإمام الصادق (عليه السلام) سنة الطاعون(2) وروي أنّه (عليه السّلام) ترحّم عليه، وقال: إنّه كان يصدق علينا(3).

26- العلاء بن رزين القلّاء:

العلاء بن رزين القلاء، الثقفي وقيل اليشكري بالولاء، الكوفي.

من ثقات محدثي الأمامية، وكان جلیل القدر معظما، ومن وجوه الشيعة في وقته، وله كتاب (الصلاة).

عرف بالقلاء لأنه كان يقلي السويق.

روى عنه الحسن بن محبوب، ومحمد بن خالد الطيالسي، والحسن بن علي ابن فضال وغيرهم(4).

وروي أيضاً عن: أبي عبيدة الحذاء، وعبد الله بن أبي يعفور العبديّ، وعبد

ص: 96


1- وسائل الشيعة: ج 18، کتاب الشهادات، باب ما يُعتبر في الشاهد من العدالة، الحديث 1
2- المراد به طاعون سلمة، وكان في سنة (131 ه). انظر قاموس الرجال: ج 5، ص 383
3- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، 355 - 357
4- الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، عبد الحسين الشيستري: ج 2، ص 383

الله بن سنان، وسدير الصيرفيّ، وعبد الله بن بکیر بن أعين الشيباني، وغيرهم.

روى عنه: أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطيّ، والحسن بن محبوب السرّاد، والحسن بن علي بن فضّال، و صفوان بن يحيى البجلي، وعبد الرحمن بن أبي نجران، وعبد الله بن جبلة الكنانيّ، وعليّ بن أسباط، وعليّ بن الحكم، ومحمد بن سنان، ومحمد بن عبد الله بن هلال، ويونس بن عبد الرحمن، وجعفر بن بشير البجليّ، وجماعة.

وكان من بحور الرّواية، غزير العلم، وجها،ً جلیل القدر، ضبطاً متقناً، روى الكثير من حدیث وفقه أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، حيث وقع في اسناد أكثر من تسعمائة وسبعة عشر مورداً(1) عنهم (عليهم السّلام) في الكتب الأَربعة.

روی سبعمائة واثنين وستين مورداً منها عن محمد بن مسلم.

قال ابن بطَّة: العلاء بن رزين أكثر رواية من صفوان بن يحيی(2).

وروي عن الصادق (عليه السلام) وكان وجهاً جلیل القدر ضبطاً متقناً

ص: 97


1- وقع بعنوان (العلاء بن رزین) في اسناد ثلاثمائة واثنين وتسعين مورداً، و بعنوان (العلاء بن رزين القلاء) و (العلاء القلاء) في اسناد سبعة موارد لكل منهما، ووقع بعنوان (العلاء) في اسناد خمسمائة وأربعة وتسعين مورداً روی منها خمسمائة وأحد عشر مورد عن محمد بن مسلم. قال السيد الخوئي: العلاء هذا مشترك بين جماعة والتميز إنّما هو بالراوي والمروي عنه وإن كان المراد به في أكثر الموارد العلاء بن رزین کما إذا كان المروي عنه محمد بن مسلم. المعجم: ص 11 - برقم 7753
2- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 386

لم يرد غمز فيه من أحد، بل متّفق على جلالته ووثاقته، صحب محمّد بن مسلم وتفقَّه عليه، وله كتب رواها عنه أعيان الثقات من الرواة، وبعضهم من أصحاب الإجماع(1).

له کتاب وهو أربع نسخ، منها رواية الحسن بن محبوب، ومنها رواية محمد بن خالد الطيالسي، ومنها رواية محمد بن أبي الصهبان، ومنها رواية الحسن بن علي بن فضال(2).

عن العلاء بن رزين القلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (عليه السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها غرفا في الجنة يسكنها أحقابا»(3).

وعن العلاء بن رزين القلاء، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القائم إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: «بسيرة ما سار به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يظهر، الإسلام قلت: وما كانت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أبطل ما كان في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم إذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس، ويستقبل بهم العدل»(4).

27- عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبّي:

ص: 98


1- الإمام الصادق (عليه السلام)، الشيخ محمد حسن المظفر: ج 2، ص 163
2- استقصاء الاعتبار في شرح الإستبصار، محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني: ص 192
3- کامل الزیارات، جعفر بن محمد بن قولویه: ص 207
4- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي: ج 15، ص 77

(كان حياً قبل 148 ه) عمران(1) بن علي بن أبي شعبة الحلبيّ، أبو الفضل الكوفيّ، كان أبوه عليّ بن أبي شعبة يتّجر هو وأبناؤه: محمد، وعبيد الله، وعمران، وعبد الأعلى إلى حلب فغلب عليهم النسبة إلى حلب.

وآل أبي شعبة أُسرة علمية بالكوفة، معروفة بالتمسك والولاء للأَئمّة (عليهم السلام)، فارتبطت بهم، ونهلت من علومهم، واستضاءت بهديهم، فكانت مثالًا للصدق والورع والأمانة في نقل الحديث.

صحب عمران الامام الصادق (عليه السّلام)، وروى عنه كما في الكتب الأَربعة واحداً وثلاثين مورداً، وروي عن أبي بصير مورداً واحداً(2) روى عنه: ابنه يحيى بن عمران، والفقيه ثعلبة بن میمون، والقاسم بن عروة، والنضر بن سويد، وحماد بن عثمان، وحماد بن عيسى الجهنيّ.

وكان أحد أعلام الفقهاء الذين يؤخذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام.

روى الشيخ الصدوق بسنده عن عمران الحلبي أنّه قال: سئل أبو عبد الله (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم إلى أهله، قال: (يبعث بدم)(3).

ص: 99


1- وكنيته أبو الفضل، فقيه. مشيخة الفقيه: ج 4، ص 102، وفيه: وكنيته أبو اليقظان
2- وقع بعنوان (عمران الحلبي) في اسناد اثنين وعشرين مورداً، و بعنوان (عمران بن عليّ الحلبيّ) في اسناد تسعة موارد و بعنوان (عمران بن علي) في اسناد مورد واحد. (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 420)
3- من لا يحضره الفقيه: ج 2، باب ما يجب من الصوم على المتمتع إذا لم يجد ثمن الهدي، الحديث 1511؛ موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 421

28- محمد بن علي بن أبي شعبة (في حدود 148 ه)

الحلبي، الفقيه المفسّر أبو جعفر الكوفي، كان يتجر هو وإخوته(1) إلى حلب، فغلب عليهم النسبة إلى حلب، وآل أبي شعبة الحلبيون خير شعبة من شعب الشيعة، وأوثق بیت اعتصم بعرى أهل البيت المنيعة.

روی جدهم (أبو شعبة) عن الامامين الحسن والحسين - عليهما السّلام -، وكانوا جميعاً ثقات.

روى أبو جعفر عن: أخيه عبيد الله بن علي الحلبي، وزُرارة بن أعين.

روى عنه: أبان بن عثمان الأحمر، ومنصور بن حازم البجلي، وإسحاق بن عمّار، ومنصور بن يونس، وعبد الرحمن بن الحجاج البجليّ، وأيوب بن الحُرّ، وعبد الله بن مُسكان، وآخرون. وكان أحد وجوه الشيعة، فقيهاً، ثقة، مرجوعاً إليه في القول.

أخذ العلم عن الامام أبي عبد الله الصادق(2) (عليه السّلام) وروى عنه، ووقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) تبلغ مائة وواحداً وعشرين مورداً(3) وله كتب منها: كتاب التفسير، وكتاب

ص: 100


1- وهم: عبيد الله، وعمران، وعبد الأعلى. (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2 ص 513)
2- وعدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر (عليه السّلام). (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 513)
3- وقع بعنوان (محمد بن علي الحلبي) في أسناد احدى وأربعين رواية، وبعنوان (محمد الحلبي) في أسناد ثمانین رواية، کما وقع بعنوان (الحلبي) في أسناد ألف وخمسمائة وسبعين رواية، ولكن من دون تعيين، علماً أنّ (الحلبي) يُطلق على جماعة، أشهرهم محمد بن علي، وبعده أخوه عبيد الله. (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 514)

مبوَّب في الحلال والحرام.

روي أنّ محمّد الحلبي توفّي في حياة أبي عبد الله (عليه السّلام)، غير أنّ في سند الرواية نصر بن الصباح، وهو ممن لا يعتمد على قوله فيما قيل(1).

ومن صحيحة محمّد بن عليّ بن أبي شعبة الحلبي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ فقال: «هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يُخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: لا يصلح إلاّ أن تشري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها، قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يردّ عليه رأس ماله وله ما أكل من غلّتها بما عمل»(2).

29- مؤمن الطاق - محمد بن علي بن النعمان:

ابن أبي طريفة البجلي بالولاء، المتكلَّم المناظر الفقيه أبو جعفر الأحول، الصيرفي، الكوفي، یُلقب: (مؤمن الطاق) و (صاحب الطاق)، وإنّما سمّي بالطاق لأنه كان صيرفياً في (طاق المحامل) من أسواق الكوفة.

روی عن: سلام بن المستنير، وأبي الورد، وإسماعيل بن الفضل، وغالب بن هذيل، وأبي عبيدة الحذاء، وزكريا النقاض، وغيرهم.

روى عنه: صفوان بن يحيى، والحسن بن محبوب، وأبان بن عثمان، ومحمد بن أبي عمير، ويونس بن عبد الرحمن، وأبو الفضل المكفوف النحوي، وآخرون.

ص: 101


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 514
2- الوسائل: الباب 21 من أبواب عقد البيع: ج 12، ص 274 الحديث 4؛ الولاية الإلهية الإسلامية (الحكومة الإسلامية)، الشيخ محمد المؤمن القمي: ج 2، ص 287

وكان رأساً في العلم والعمل، ثقة، كبير الشأن.

صحب الامام أبا عبد الله الصادق (عليه السّلام)، وأخذ عنه العلوم والمعارف، وروى عنه، کما عدّ من أصحاب الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام).

وقد وقع في اسناد جملة من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) تبلغ ثمانية وثلاثين مورداً(1) وكان من أحذق أصحاب الصادق (عليه السّلام)، ومن أحبّ الناس إليه، وقد صحّ عنه (عليه السّلام) أنّه كان يقول: أربعة أحبّ الناس إلىّ أحياءً وأمواتاً: بُرید بن معاوية البجلي، وزرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأبو جعفر الأحول.

وكان أبو جعفر كثير العلم، متفوّقاً في معارفه، قوياً في حجته، تعددت فيه نواحي العبقرية والنبوغ، فهو عالم بالفقه والكلام والحديث ذكره ابن النديم، فقال: كان حسن الاعتقاد والهدى، حاذقاً في صناعة الكلام، سریع الخاطر والجواب.

وعدّه المرزباني في شعراء الشيعة، وأورد له بعض الأبيات، وقال: كان من الفصحاء البلغاء، ومَن لا يطاول في النظر والجدال في الإمامة.

قال أبو خالد الكابلي: رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في

ص: 102


1- وقع بعنوان (محمد بن النعمان) في أسناد (14) مورداً، و بعنوان (أبي جعفر الأحول) في أسناد (12) مورداً، و بعنوان (محمد بن النعمان الأحول) في أسناد (6) موارد، و بعنوان (محمد بن النعمان الأحول أبي جعفر) في أسناد ثلاثة موارد، و بعنوان (محمد بن علي بن النعمان) و (محمد بن النعمان الأحول أبي جعفر صاحب الطاق)، و (أبي جعفر الأحول الطاقي) في أسناد رواية واحدة لكل عنوان

الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره، وهو دائب يجيبهم ويسألونه، فدنوت منه فقلت: إنّ أبا عبد الله ينهانا عن الكلام.

فقال: أمرك أن تقول لي؟ فقلت: لا والله، ولكن أمرني ألا أُكلَّم أحداً، قال: فاذهب إليه وأطعه فيما أمرك.

فدخلت على أبي عبدا (عليه السلام) فأخبرته بقصة صاحب الطاق، وما قلت له، وقوله لي: اذهب فأطعه فيما أمرك، فتبسّم أبو عبد الله (عليه السّلام) وقال: يا أبا خالد إنّ صاحب الطاق يكلَّم الناس فيطير وينقض، وأنت إن قصوك لن تطير.

وكان مؤمن الطاق يتمتع بشخصية فذة، ذا فهم ثاقب وفطنة وذكاء، وكان معروفاً بعلم الكلام وقوة الحجّة، وكثرة المناظرة وخاصة في مسألة الإمامة، حيث كان محبّاً لأهل البيت منقطعاً إليهم، مجاهراً برغم قسوة الظروف وجور الحكام في القول بفضلهم، وكان يتفوّق دائماً في مناظراته لما عُرف به من سرعة الجواب، وقوة العارضة وقد ذكر له ابن النديم والخطيب البغدادي وغيرهما عدة مناظرات، فمن أرادها فليرجع إلى كتبهم(1) وقد ألَّف مؤمن الطاق كتاباً في مناظراته مع أبي حنيفة، كما ألَّف كتباً أُخرى، منها: کتاب

ص: 103


1- وقد دَوّنت بعض كتب المناقب هذه المناظرات بصورة معكوسة وجعلت مؤمن الطاق هو المغلوب فيها، كما فعل ابن البزاز الكردري (ت: 627 ه) والخوارزمي (ت: 568 ه) ولكن الذين ذكروا هذه المناظرات على وجهها الصحيح كانوا سبقوا هؤلاء في تدوينها بسنين متمادية كابن النديم (ت: 385 ه) الذي ذكرها في «الفهرست» والخطيب البغدادي (ت: 463 ه) الذي ذكرها في «تاریخ بغداد: ج 13 ص 409. انظر الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 2 - 73

الإمامة، کتاب المعرفة، کتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول، کتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة، كتاب في إثبات الوصية، کتاب افعل لا تفعل.

توفّي مؤمن الطاق في قول الزركلي نحو - سنة (160 ه) وقيل: توفّي - بعد سنة (180 ه)(1).

عن مؤمن الطاق، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:

«لا يسع الناس حتى يسألوا ويتفقهوا ويعرفوا إمامهم ويسعهم أن يأخذوا بما يقول وإن كانت تقية»(2).

عن مؤمن الطاق، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

«كفى بالموت موعظة وكفى باليقين غنی و کفی بالعبادة شغلا»(3).

30- محمد بن قيس البجلي:

البجلي، الفقيه أبو عبد الله الكوفيّ، صاحب کتاب قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام)، و (محمد بن قیس) اسم لعدّة(4) أشخاص، والمشهور منهم رجلان: محمد ابن قیس البجليّ، ومحمد بن قيس أبو نصر الأسدي.

قيل: ولا شك في انصراف محمد بن قيس عند الإطلاق إلى أحدهما دون

ص: 104


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 518
2- الوافي، الفيض الكاشاني: ج 1، ص 180
3- المصدر نفسه: ج 4، ص 356
4- منهم: محمد بن قيس، أبو أحمد الأسدي، وهو ضعيف، ويُعرف برواية يحیی بن زکریا عنه. ومحمد بن قيس، أبو عبد الله الأسدي، وهو ممدوح

الآخرين غير المعروفين.

وكان أبو عبد الله البجلي من عيون الشيعة وثقاتها، ومن أجلَّة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام)، روى عنه وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السّلام).

وهو أحد الفقهاء الاعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام. روی له أصحاب الكتب الأَربعة كثيراً(1) وصنّف کتاب قضايا أمير المؤمنين المعروف(2) يرويه عنه عاصم بن حُميد الحنّاط، ويوسف بن (105) عقيل، وعبيد ابنه.

ولمحمد بن قيس أيضاً أصل يرويه عنه ابن أبي عمير(3).

عن محمّد بن قيس البجلي بقرينة عاصم بن حميد عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنّه قال في رجل طلَّق امرأته وأشهد شاهدين، ثمّ أشهد على رجعتها سرّاً منها، واستكتم الشهود، فلم تعلم المرأة بالرجعة حتى انقضت

ص: 105


1- وقع بعنوان (محمد بن قيس) في اسناد ثلاثمائة وتسعة وخمسين مورداً، وهذا العنوان مشترك بين البجلي، وأبي نصر الأسدي، وذكر السيد الخوئي في معجمه أنّ البجلي يمتاز برواية يوسف بن عقيل وعبید ابنه، ويمتاز الأسدي برواية ابن عمير عنه، وأمّا إذا كان الراوي شخصاً آخر مثل عليّ ابن رئاب، وثعلبة بن میمون، وغيرهما فهو مردّد بين البجليّ والأَسدي، ولا أثر لهذا التردد لثبوت وثاقة كل منهما
2- وهو كتاب مشهور ذكره علماء التراجم في كتب الرجال، وقد قام الشيخ بشير المحمدي المازندراني بجمع وتنسيق روایات محمد بن قيس البجلي حول قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) التي كانت مبعثرة في الكتب وجعلها في كتاب سمّاه «مُسند محمد بن قیس البجلي»
3- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 519 - 520

عدّتها، قال:

«تُخيّر المرأةُ، فإن شاءت زوجها وإن شاءت غير ذلك، وأيّا تزوّجت قبل أن تعلم بالرجعة التي أشهد عليها زوجها فليس للذي طلَّقها عليها سبيل، وزوجها الأخير أحقُّ بها»(1).

وعن محمد بن قيس البجليّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من باع سلعة فقال إن ثمنها كذا وكذا يدا بيد، وثمنها كذا وكذا نظرة، فخذها بأي ثمن شئت واجعل صفقتها واحدة فليس له إلا أقلهما وإن كانت نظرة»(2).

31- الهّراء، معاذ بن مسلم بن أبي سارة: (187 - 190 ه)

ابن أبي سارة الهَرّاء، الأنصاري بالولاء(3) الكوفي، النحوي، كان يكنى أبا مسلم فولد له ولد سماه علياً فصار یکنی به، وهو ابن عمّ أبي جعفر الروَاسي.

وآل أبي سارة(4) من أجل بيوت الشيعة بالكوفة، وهم أهل بيت فضل

ص: 106


1- الكافي: ج 6، ص 75/ 3؛ الرسائل الأحمدية، الشيخ أحمد آل طعان البحراني القطيفي: ج 2، ص 379
2- الوسائل: ج 12، 367 رواية (2) باب (2) من أبواب أحكام العقود
3- كان مولى محمد بن کعب القرظي، والهَرّاء: بفتح الهاء وتشديد الراء، هو الذي يبيع الثياب الهروية
4- وهم الحسن بن أبي سارة، وأخوه مسلم وابنه محمد بن الحسن المعروف بالروَاسي، وابنا أخيه عمر بن مسلم، ومعاذ بن مسلم الهراء، وكان الروَاسي محدّثاً نحوياً، روى عن الباقر والصادق - عليهما السّلام -، وله مصنفات، منها: كتاب إعراب القرآن، انظر ترجمته في «رجال النجاشي» برقم 884

وأدب، وعلى معاذ والرواسي تفقه الكسائي(1) علم العرب واللسان.

وكان الهرّاء من شيوخ أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين(2) کما عُدّ من أصحاب الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السّلام).

روي عن الإمام الصادق (عليه السّلام)، وعن عمار بن موسی الساباطي، وغيرهما، ووقع في اسناد جملة من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، تبلغ ثلاثين مورداً(3) روى عنه: عبد الله بن المغيرة، ومعاوية بن وهب، وعبد الله بن سنان، وأبو الفرج القمّي، وحمّاد بن أبي طلحة، وحذيفة بن منصور، ومرازم بن حکیم، وآخرون.

وكان نحوياً، شاعراً، عارفاً بالقراءات والفتيا والاحكام، وكان يفتي الناس في المسجد.

روى الكشي بسنده عن معاذ، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السّلام):

ص: 107


1- هو أبو الحسن علي بن حمزة الكوفي البغدادي المقرئ النحوي، أحد القرّاء السبعة، كان إماماً في النحو واللغة والقراءات، قرأعلى معاذ وروى عنه. توفي بالري سنة 189 وقيل 179
2- قاله الشيخ المفيد في معاذ بن كثير الكسائي، وصّرح الصدوق قدّس سرّه انّ معاذ بن کثیر يقال له: معاذ بن مسلم الهرّاء
3- وقع بعنوان (معاذ بن مسلم) في أسناد خمس روایات، وبعنوان (معاذ بن كثير) في أسناد ثماني روايات، وبعنوان (معاذ بياع الأكسية) و (معاذ بن كثير بيّاع الأكسية) و (معاذ الفراء) في أسناد روايتين لكل عنوان، و بعنوان (معاذ صاحب الأكسية) في أسناد رواية واحدة، علماً أنّه وقع بعنوان (معاذ الهراء) بدل (معاذ الفراء) في نسخ أُخرى من كتب الحديث، وهو الصحيح، فإطلاق الفرّاء على معاذ بن مسلم اشتباه بالهرّاء. انظر «معجم رجال الحدیث»

(بلغني عنك أنّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إنّي أقعد في الجامع فیجیئني الرجل أعرفه بحبکم ومودتكم، فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو، فأقول: جاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك، قال: فقال لي: اصنع كذا فاني كذا أصنع.

وفي رواية أُخرى قال: رحمك الله هكذا فاصنع.

قال ابن النجار في ذیل تاریخ بغداد: كان (أي معاذ) من أعيان النحاة، أخذ عنه أبو الحسن الكسائي وغيره، وصنّف في النحو، وروى الحديث عن جعفر الصادق.

وقال السيوطي في المزهر: هو نحوي مشهور، وهو أوّل من وضع علم التصريف، وكان الهراء معمّراً، مات أولاده وأحفاده، وهو باق، وفيه يقول أبو السري سهل بن أبي غالب الخزرجي الشاعر المشهور:

إنّ معاذ بن مسلم رجل *** ليس لميقات عُمره أمَدُ

قد شاب رأسُ الزمان واكتهل الدهرُ *** وأثوابُ عمره جُدُد

قُل لِمُعاذ إذا مررتَ بهِ *** قد ضجّ من طول عمرك الابَدُ

یا بِكرَ حواءَ كم تعيش وكم *** تسحبُ ذيلَ البقاء یا لُبدُ(1)

وكان معاذ صديقاً للكميت الشاعر المعروف، ونقل ابن خلكان حكاية

ص: 108


1- قيل: إنّ هذه الأبيات لم تقل في المترجَم له، وإنّما قيلت في غيره وهي لمحمد بن مناذر قالها في معاذ الحاجب صاحب معاذ بن عبد الله الأسدي، والأَبيات في «الحيوان» منسوبة إلى محمد بن مناذر، وبغير نسبة في «عيون الأخبار»

عنهما تدلُّ على تشيع معاذ ومؤاخاته للكميت.

ومن شعر معاذ:

من يرتجي في العيش من قد طوى *** من عمره الذاهب تسعينا

أفنى بنيه وبنيهم فقد *** جرّعهُ الدهر الامرّینا

لا بد أن يشرب من حوضهم *** وان تراخي عمره حينا

توفي - سنة تسعين ومائة، وقيل في السنة التي نُكبت فيها البرامكة وهي - سنة سبع وثمانين ومائة، وهو الصحيح فيما قيل(1).

32- معاوية بن وهب البجلي:

(كان حياً قبل 183 ه) البجليّ، الفقيه أبو الحسن، وقيل: أبو القاسم الكوفيّ، وهما ابناه، أمّا الحسن فقد روي عن أبيه، وأمّا القاسم فهو والد المحدّث الجليل موسی بن القاسم بن معاوية البجلي.

سمع معاوية الحديث من الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام)، وروى عنه فقهاً كثيراً، وذكر النجاشيّ روايته عن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السّلام).

وروي أيضاً عن: أبي بصير، وأبي حمزة الثمالي، وإسحاق بن عمار الصيرفيّ، وزرارة بن أعين الشيباني، وأبي أُسامة زيد الشحام، وعبيد بن زرارة بن أعين، ومعاذ بن مسلم الهرّاء، و میمون القداح، وإسماعيل بن نجيح الرماح، وسعيد السمان، وغيرهم.

ص: 109


1- ينظر، موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 538 - 541

روى عنه: أحمد بن الحسن الميثمي، والحسن بن محبوب، وأبو عبد الله المؤمن زكريا بن محمد، وعبد الرحمن بن أبي نجران، وعبد الله بن جندب البجليّ، وعبد الله ابن جبلة الكناني، وحماد بن عيسى الجهني، وابنه الحسن بن معاوية، ومحمد بن أبي عمير، ومعمر بن خلَّاد، ويونس بن عبد الرحمن، وعبد الله بن المغيرة، وفضالة بن أيوب الأزدي، وعليّ بن الحكم النخعي، وجماعة.

وكان أحد ثقات المحدّثين، وأعلام الفقهاء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحکام، كثير الرواية، حسن الطريقة.

صنّف كتباً منها: کتاب فضائل الحج رواه عنه محمد بن أبي عمير.

ووقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، تبلغ زهاء مائتين وخمسين مورداً(1) روى العلامة الكليني بسنده عن معاوية بن وهب قال: قلت له(2): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وخلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: (تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فو الله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون

ص: 110


1- بعنوان (معاوية بن وهب) في مائتين وسبعة وأربعين مورداً، و بعنوان (معاوية بن وهب البجليّ) في موردين، ووقع بعنوان (معاوية) في أربعة وخمسين مورداً، وهذا العنوان مشترك بين جماعة والتمييز إنّما هو بالراوي والمروي عنه. (ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، هامش ص 551)
2- أي للإمام الصادق - عليه السّلام - كما يظهر، لاَنّ كل الروايات التي رواها المترجَم عن الامام - عليه السّلام - مشافهة، إنّما هي عن الصادق - عليه السّلام -: (ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، هامش ص 551)

جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم)(1).

وروى أيضاً بسنده عنه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول:

«اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلَّمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقکم»(2))(3).

33- المفضل بن عمرو الجعفي: (نحو 100 ه - قبل 183 ه)

الجعفي، الفقيه المحدث أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد الكوفي.

ولد بالكوفة في نهاية القرن الأوّل، في أيام الإمام محمد الباقر - عليه السّلام.

روی عن: أبي أيوب العطار، وإسماعيل بن أبي فديك، وأبي حمزة ثابت الثمالي، وجابر بن یزید الجعفي، ويونس بن ظبيان، وغيرهم.

روى عنه: عبد الرحمن بن سالم الأشل، وعبد الله بن حماد الأنصاري، وعبد الله القلاء، وعثمان بن سلیمان النحاس، وعمر بن أبان الكلبي، ومحمد بن سنان، والمعلَّی بن خنیس، وموسى الصيقل، ومنصور بن يونس، والمفضل بن زائدة، و إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي، وبکار بن کردم، وآخرون.

وكان من كبار العلماء، ومن فقهاء الرواة، أخذ العلوم عن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) وروى عنه وعن الإمام موسى الكاظم (عليه

ص: 111


1- الكافي: ج 2 - کتاب 4، باب 1، الحديث 4
2- الكافي: ج 1 - کتاب 2، باب 5، الحديث 1
3- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 550 - 552

السّلام)، ووقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) تبلغ مائة وأحد عشر مورداً(1) وصنّف عدّة كتب منها: کتاب «یوم وليلة» وكتاب «فكر»، وكتاب «بدء الخلق والحث على الاعتبار» وكتاب «علل الشرائع».

واتّهمه جماعة بالغلو وبغير ذلك، إلَّا أنّ كثيراً من العلماء رجّح وثاقته، بل جلالة قدره، ونفوا عنه هذه التهم فقد عدّه الشيخ المفيد من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السّلام) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين.

وذكره الشيخ الطوسي في السفراء الممدوحين، حيث روي أنّ الإمام الصادق - عليه السّلام جعله وكيله بعد وفاة عبد الله بن أبي يعفور.

کما رویت فيه عدة روايات عن الأَئمّة (عليهم السّلام)، تشير إلى أنّه كان محموداً عندهم، فعن يونس بن يعقوب، قال: أمرني أبو عبد الله (عليه السّلام) أن آتي المفضل وأعزّيه بإسماعيل وقال: اقرأ المفضل السلام وقل له:

«إنّا قد أُصبنا بإسماعيل فصَبَرنا فاصبر کما صبرنا، إذا أردنا أمراً وأراد الله عزّ وجلّ أمراً فسلًّمنا لأمر الله عزّ وجلّ».

وعن موسی بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن (عليه السّلام)، ولم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلَّا من ناحية المفضل بن عمر ولربّما رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه ويقول: أوصله إلى المفضل.

ص: 112


1- وقع بعنوان (المفضل بن عمر) في أسناد مائة وست روایات، و بعنوان (المفضل بن عمر الجعفي) في أسناد ثلاث روایات، و بعنوان (المفضل الجعفي) في أسناد روايتين. (ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 566)

وروي أنّ الإمام الكاظم (عليه السّلام) ترحّم عليه، وقال: أما إنّه قد استراح.

قيل: يكفي في جلالة المفضل تخصيص الإمام الصادق (عليه السّلام) إياه بكتابه المعروف بتوحيد المفضل، وهو الذي سماه النجاشي بكتاب «فكر» وفي ذلك دلالة واضحة على أنّ المفضل كان من خواص أصحابه و مورد عنایته.

وكتاب «التوحيد» هذا هو مجموعة من الدروس، أملاها عليه الإمام الصادق (عليه السّلام)، ومنها من حكم الاسرار، وأسرار الحكم ما خفي على الكثير علمها، حيث ذكر فيها (عليه السّلام) من بدائع خلق الله تعالى وغرائب صُنعه في الإنسان والحيوان والنبات والشجر وغير ذلك ما يدل على قدرة الله تعالى في خلقه، وتدبيره، وإرادته(1) وللمفضل بن عمر وصية قيمة حافلة بأخلاق أهل البيت (عليهم السّلام) وآدابهم وسيرتهم، أوصى بها إخوانه، وهي طويلة، نكتفي بذكر بعض فقراتها: أُوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وشهادة أن لا إله إلَّا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، اتقوا الله وقولوا قولًا معروفاً، وابتغوا رضوان الله، واخشوا سخطه، وحافظوا على سنّة الله، ولا تتعدّوا حدود الله، وراقبوا الله في جميع أُموركم، وارضوا بقضائه

ص: 113


1- سمع المفضل ابن أبي العوجاء وإلى جانبه رجل من أصحابه في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهما يتناجيان في ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم انتقلا إلى ذكر الأصل فأنكر وجوده ابن أبي العوجاء، وزعم أنّ الأشياء ابتدأت بإهمال، فردّ عليه المفضل في مناظرة جرت بينهما، ثم قام المفضل ودخل على الإمام الصادق - عليه السّلام - فأخبره بما سمعه من الدهريين وبما ردّ عليهما، فألقى الأمام - عليه السّلام - عليه هذا الكلام. انظر «الإمام الصادق» للشيخ محمد الحسين المظفر، ص 149.؛ موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 568

فيما لكم وعلیکم.

عليكم بالفقه في دين الله والورع عن محارمه، وحسن الصحبة لمن صحبکم برّاً كان أو فاجراً.

ألا وعلیکم بالورع الشديد فانّ ملاك الدين الورع، صلوا الصلوات المواقيتها وأدّوا الفرائض على حدودها.

ألا ولا تقصروا فيما فرض الله علیکم، وبما يرضى عنكم، فإنّي سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول:

«تفقهوا في دين الله ولا تكونوا أعراباً، فانّه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة».

علیکم بولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أصلحوا ذات بينكم، ولا يغتب بعضكم بعضاً، تزاوروا و تحابّوا ولیُحسن بعضكم إلى بعض.

لا تغضبوا من الحق إذا قيل لكم، ولا تبغضوا أهل الحق إذا صدعوكم به، فإنّ المؤمن لا يغضب من الحق إذا صدع به)(1).

34- منصور بن حازم البجلي:

(كان حياً بعد 148 ه) البجلي، الفقيه أبو أيّوب الكوفي.

روی عن: أبان بن تغلب، وأبي بصير الأسدي، وعبد الله بن أبي يعفور العبدي، وهشام بن سالم الجواليقي، وأبي الربيع الشامي، وعنبسة بن مصعب، ومحمد بن علي الحلبي، وسالم الأشل، وبكر بن حبيب، وعبد الرحمن بن

ص: 114


1- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 566 - 569

سیابة، والمثنی بن عبد السلام، وعمر بن حنظلة، وغيرهم.

روى عنه: أبان بن عثمان الأحمر البجليّ، وجميل بن درّاج النخعيّ، وحفص ابن البختري، وسيف بن عميرة النخعيّ، وصفوان بن يحيى، وعاصم بن حميد الحناط، وعبد الله بن مسكان، وعبد الرحمن بن الحجاج البجلي، وعلي بن رئاب، وعبد الله بن المغيرة، ومحمد بن الحسين الطائي، ويونس بن عبد الرحمن، وجعفر ابن بشير، ومحمد بن أبي عُمير، ويونس بن يعقوب، ومحمد بن حُمران، وعلي بن الحسن بن رباط، وآخرون.

وكان من أجلَّاء الشيعة، ومن عيون الفقهاء ثقة، صدوقاً، أخذ العلم عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام)، وروى عنه، وعن الإمام موسی بن جعفر الكاظم (عليه السّلام)(1)، وهو أحد الفقهاء الاعلام المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا، والاحكام.

وقد وقع منصور بن حازم في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ ثلاثمائة وستين مورداً، وله كتب منها: «أصول الشرائع» وكتاب «الحجّ».

روى الشيخ الكليني (قدس سره) بسنده عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قلت: أي الاعمال أفضل؟ قال:

«الصلاة لوقتها، وبرّ الوالدين، والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ»(2).

ص: 115


1- وروي أيضاً عن الإمام أبي جعفر الباقر - عليه السّلام - وقد عدّه الشيخ الطوسي في النسخة المطبوعة من أصحاب الباقر - عليه السّلام - وبقية النسخ خالية عن ذكره
2- الكافي: ج 2 - كتاب الإيمان والكفر، باب البر بالوالدين، الحديث 4

وروى أيضاً بسنده عن منصور بن حازم قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام):

«لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا بأكثر»(1))(2).

35- يعقوب بن سالم الأحمر:

الأحمر، الكوفيّ، أخو أسباط بن سالم.

روی عن: أبي بصير، ومحمد بن مسلم، وإسحاق بن عمار، وداود بن فرقد، وأبي بكر الحضرميّ، وغيرهم.

روى عنه: إبراهيم بن عبد الحميد، وأبو إسحاق ثعلبة بن میمون، وحماد بن عثمان، وعبد الله بن مسکان، وابن أخيه عليّ بن أسباط، وآخرون.

وكان أحد الفقهاء الاعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام، أخذ العلم عن الإمام الصادق (عليه السّلام) وروى عنه، کما عدّ في أصحاب الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام)، وقد وقع في إسناد جملة من الروايات عن الأَئمّة الطاهرين (عليهم السّلام) تبلغ خمسة وستين مورداً(3) وله كتاب مبوّب في الحلال والحرام، يرويه عنه ابن أخيه عليّ بن أسباط(4).

عن يعقوب بن سالم، عن رجل، عن جابر بن یزید، عن أبي جعفر

ص: 116


1- الكافي: ج 3 - کتاب الصلاة، باب قراءة القرآن، الحديث 12
2- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 570 - 572
3- وقع بعنوان (يعقوب الأحمر) في أسناد اثنين وعشرين مورداً، و بعنوان (یعقوب بن سالم) في أسناد تسعة وثلاثين مورداً، و بعنوان (يعقوب بن سالم الأحمر) في أسناد أربعة موارد (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، هامش ص 642)
4- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 642

(عليه السلام)، قال:

«من شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمدا رسول الله، كتب الله له عشر حسنات، فإن شهد ان محمدا رسول الله، كتب له ألفا ألف حسنة»(1).

عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، رفعه إلى علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«إذا نزلتم فسطاطا أو خباء فلا تخرجوا، فإنكم على غرة»(2).

36- جميل بن صالح الأسدي:

(كان حياً قبل 183 ه) الاسديّ، الكوفي.

أخذ العلم عن الامام أبي عبد الله الصادق - عليه السّلام، وروى عنه حديثاً كثيراً في الفقه وغيره، کما روي عن الإمام أبي الحسن الكاظم - عليه السّلام.

وروي أيضاً عن: أبي بصير، وأبي خالد الكابليّ، وأبي عبيدة الحذاء، وبرید ابن معاوية العجلي، و بکیر بن أعين، وحمزة بن حمران، وذريح بن محمد المحاربي، وزرارة بن أعين، وزياد بن سوقة، وسدير الصيرفيّ، وعبد الله بن غالب، والفضيل ابن يسار النّهديّ، ومحمد بن مسلم الطائفيّ، وجماعة.

روى عنه: الحسن بن محبوب كثيراً، وعليّ بن رئاب، والحارث بن محمد بن النعمان صاحب الطاق، وحماد بن عثمان، ومحمد بن أبي عمير کثيراً، والقاسم بن محمد الجوهري، وعليّ بن حديد، وآخرون.

ص: 117


1- المحاسن، البرقي: ج 1، ص 33
2- المصدر نفسه: ج 2، ص 347

وكان أحد وجوه المحدثين، ثقة، كثير الرواية، له نسخة رواها عنه الحسن بن محبوب، ومحمد بن أبي عمير، وعلي بن حديد.

وقد وقع المترجَم في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) تبلغ أكثر من مائة وثمانية وأربعين مورداً(1) في الكتب الأربعة(2).

عن جميل بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:

«إن أبي كان يقول: أي شيء أقر للعين من التقية ان التقية جنة المؤمن»(3).

37- يحيى بن سعيد الأنصاري:

(قبل 70 - 143 ه) ابن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد: قاض، محدث، فقیه، من أهل المدينة.

مولده قبل السبعين.

روی عن: أنس بن مالك، وعلي بن الحسين زين العابدین (عليه السّلام)، والقاسم ابن محمد بن أبي بكر، وأبي أُمامة بن سهل، وعُبيد بن حنين، وطائفة.

روى عنه: الزهري، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، ومالك، وشعبة، ويحيى القطان، وآخرون.

ص: 118


1- وقع بعنوان (جميل بن صالح) في اسناد مائة وثمانية وأربعين مورداً، و بعنوان (جميل) في اسناد ثلاثمائة واثنين وسبعين مورداً. وهو مشترك بين المترجم وبين جميل بن دراج. (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، هامش ص 104)
2- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 104
3- الحديث 24 من الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف من كتاب الوسائل

وعُدّ من أصحاب الإمام جعفر الصادق - عليه السّلام.

ولي القضاء بالمدينة في زمن بني أُمية، ثم رحل إلى العراق حيث ولَّاه المنصور العباسي قضاء الحيرة، وقيل: قضاء الهاشمية من الأنبار.

نقل عنه الشيخ الطوسي في «الخلاف» فتوی واحدة، وهي: لا تثبت الشفعة بالجوار، وإنّما تثبت للشريك المخالط(1) توفيّ بالهاشمية - سنة ثلاث، وقيل أربع وأربعين ومائة)(2)

38- معاوية بن عمار الدهني:

معاوية بن عمار بن أبي معاوية خباب البَجَلي الدُّهني، أبو القاسم الكوفي.

روی عن: أبي بصير، وأبي حمزة الثمالي، وزيد الشحام، و إبراهيم بن میمون، وإسماعيل بن يسار، والحارث بن المغيرة، وعمرو بن عكرمة، وأبي الصباح، وحفص الأعور، وميسر، ونجم بن حطيم الغنوي، وآخرين.

روى عنه: محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وفضالة بن أيوب، وعبد الله بن المغيرة، وثعلبة بن میمون، وجعفر بن بشير البجلي، والحسن بن علي بن فضال، والحسن بن محبوب السرّاد، وحماد بن عثمان، وحماد بن عیسی، ويونس بن عبد الرحمن، وسعدان بن مسلم، ويونس بن يعقوب،

ص: 119


1- وهو ما ذهب إليه فقهاء الإمامية، وبه قال عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وربيعة ومالك والشافعي والأَوزاعي، وغيرهم. وذهب أهل الكوفة إلى أنّها تثبت بالشركة والجواز لكن الشريك أحق، فإن ترك فالجار أحق. ذهب إليه ابن شبرمة، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وعبد الله بن مبارك. (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 1، هامش ص 550)
2- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: ج 1، ص 549 - 550

وزکریا المؤمن، و إبراهيم بن أبي البلاد، وأبو إسماعيل السراج، وعبد الله بن جبلة الكناني، ومحمد بن الحسن الميثمي، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وآخرون.

وكان أحد وجوه الشيعة، مقدماً عندهم، كبير الشأن، عظيم المحل، ثقة .

صحب الامامين أبا عبد الله جعفر الصادق، وأبا الحسن موسی بن جعفر الكاظم (عليهما السّلام)، فكان من حملة علومهما، وعدّه (ابن شهر آشوب) من خواص أصحاب الصادق (عليه السّلام).

وقد وقع معاوية بن عمار في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، تبلغ تسعمائة وأربعة وستين مورداً.

صنّف کتباً منها: الصلاة، يوم وليلة، الحج، الزكاة، الطلاق، الدعاء، ومزار أمير المؤمنين (عليه السّلام).

ذكره ابن حبان في كتاب «الثقات».

وقال الذهبي وابن حجر: صدوق.

واحتجّ به مسلم والنسائي، وحديثه في الحجّ من صحيح مسلم عن أبي الزبير، وروى عنه عند مسلم یحیی بن یحیی، وقتيبة بن سعيد، وله روایات عن أبيه، وروى عنه إسماعيل بن أبان الوراق، وصالح بن عبد الله الترمذي، و عیسی بن القاسم الثقفي، ومحمد بن عيسى الطباع، و سوید بن سعيد

ص: 120

الحدثاني، وغيرهم. توفّي - سنة خمس وسبعين ومائة(1))(2).

روی معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

«ربما توضأت فنفذ الماء، في فهؤلاء ابرز الفقهاء (عليهم رحمه الله) الذين تتلمذوا على يدي الإمام الصادق والباقر (عليهما السلام) وانتسبوا على مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). دعوت الجارية فأبطأت علیَّ بالماء، ويجف وضوئي؟ قال: أعد»(3).

فهؤلاء ابرز الفقهاء (عليهم رحمه الله) الذين تتلمذوا على يدي الإمام الصادق والباقر (عليهما السلام) وانتسبوا على مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

ثالثاً: أسماء أبرز أهل الفتيا الذين رووا عن الإمام الصادق (علیه السلام) من جمهور المسلمين.

لعل من أبرز أهل الفتيا الذين اخذوا عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) من فقهاء جمهور المسلمين هم:

إمام المذهب الحنفي، وإمام المذهب المالكي.

ص: 121


1- ورجّح الزركلي في «الإعلام» وفاته في سنة (145 ه) معلَّلاً ذلك بروايته عن سعید بن جبير (ت: 95 ه) ورواية سفيان الثوري (ت: 161 ه) عنه. وهذا وهم، فالذي روى عن سعيد بن جبير وروى عنه الثوري هو أبو معاوية عمار الدهني (ت: 133 ه) وليس المترجم له. (موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، هامش ص 548)
2- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 547 - 548
3- التهذيب: ج 1، ص 88، 98 حدیث 231، 256؛ الكافي: ج 3، ص 35 حدیث 8؛ الاستبصار: ج 1، ص 72 حدیث 221

واللذان سنتناول دراستهما في المبحث القادم، ولكننا نورد بعض الاسماء التي اشتهرت بالفتيا بين جمهور العامة، وهم كالاتي:

1- سفيان بن عينية:

أبو أحمد. وهو تابعي، اتفقوا على إمامته وجلالته. قال: قرأت القرآن وأنا أبن سبع سنين. ولد سنة 107)(1).

كان إماما في علوم القرآن والسنة وحديث الحجازيين، ثقة حجة، ولكنه و تغير في آخر عمره، انتقل من الكوفة إلى مكة ومات بها سنة 198 ه ودفن بالحجون(2).

عن سفيان بن عينيه، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:

«النّيّة أفضل من العمل، ألا وإنّ النّيّة هي العمل. ثمّ تلا قوله - تعالى -: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ»، يعني: على نيّته»(3).

عن سفيان بن عينية قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: (وجدت علوم الناس كلهم في أربعة، أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك)(4).

ص: 122


1- تهذيب الأسماء: ج 1، ص 225
2- الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي: ج 1، ص 38
3- تفسیر کنز الدقائق وبحر الغرائب، الشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي: ج 7، ص 499
4- المحاسن، البرقي: ج 1، ص 233

2- عبد الملك بن عبد العزيز: (80 - 150 ه).

وردت ترجمته في موسوعة طبقات الفقهاء:

ابن جُريج الأُموي بالولاء، أبو خالد وأبو الوليد المكَّيّ، أصله رومي.

مولده سنة ثمانين.

روی عن: أيوب السختياني، وجعفر بن محمد [الصادق] - عليه السّلام وحبيب بن أبي ثابت، وزيد بن أسلم، وصالح بن کیسان، وصَفوان بن سُليم، وابن طاوس، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دینار، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وموسى بن عُقبة، والزهريّ، وطائفة.

روى عنه: إسماعيل بن زياد السّكوني، وثور بن یزید الحمصيّ، وحفص بن غیاث، وحمّاد بن زید، وحمّاد بن سَلَمة، وحمّاد بن عیسی الجهني، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق بن همّام الصنعانيّ، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله ابن وهب، ويحيى القطان، وخلق كثير.

وكان فقيهاً، مفتياً، مصنفاً، تفقّه علیه مسلم بن خالد الزنجيّ، وتفقّه بالزّنجيّ، أبو عبد الله الشافعي.

وكان لابن جريج محبة ومیل شديد لأهل البيت (عليهم السّلام)، وقد عُدّ من أصحاب الإمام الصادق - عليه السّلام، ونقل عنه الشيخ الطوسي في «الخلاف» ثلاث فتاوی.

وقدم ابن جريج بغداد على أبي جعفر المنصور، وحدّث بالبصرة.

رُوي عن جرير الضّبيّ أنّه قال: كان ابن جريج يرى المتعة، تزوّج بستين امرأة. ورُوي عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي أنّه قال: سألت أبا عبد الله

ص: 123

(عليه السلام) عن المتعة، فقال:

«إلق عبد الملك بن جريج فسله عنها، فإنّ عنده منها علماً جمّاً، فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها»(1).

توفّي ابن جريج سنة - خمسين، وقيل تسع وأربعين ومائة(2).

3- حاتم بن إسماعيل: (187 - 186 ه)

المدني، المحدّث أبو إسماعيل، مولى بني عبد الدار بن قصىّ، وقيل: مولى عبد المَدان من بني الحارث بن کعب.

كان أصله من الكوفة ولكنّه انتقل إلى المدينة فنزلها.

حدث كما في سير أعلام النبلاء عن: هشام بن عروة، ويزيد بن أبي عبيد، وجعفر الصادق، وخثيم بن عراك، والجُعيد بن عبد الرحمن، ومعاوية بن أبي مُزَرِّد، وعمران القصير، وعنه: القعنبي، وقتيبة، وإسحاق، وهنّاد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، وعدد كثير.

وكان من أصحاب الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام)، ورواياته عنه في الكتب الأَربعة تبلغ خمسة موارد ورواها عن أبي إسماعيل: مثنی الحناط، وسعدان ابن مسلم، وابن العرزمي.

له كتاب عن الصادق (عليه السّلام) يرويه عنه عدّة من أصحابنا، کما ذکر أبو العباس النجاشي والشيخ الطوسي.

ص: 124


1- الكافي: ج 5، کتاب النکاح، أبواب المتعة، باب إنهنّ بمنزلة الإماء وليست من الأربع، الحديث 6؛ وسائل الشيعة: ج 14، ص 447؛ موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 368
2- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 367 - 368

وثّقه العجلي وابن معين والدارقطني، وغيرهم.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن حاتم عن أبي عبد الله - عليه السّلام عن أبيه أنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول:

«إن شاء الرجل أعتق أُمّ ولده وجعل عتقها مهرها»(1).

4- حفص بن غياث: (117 - 194 ه)

وردت ترجمته في موسوعة طبقات الفقهاء:

ابن طَلق بن معاوية النخعي، القاضي أبو عمر، وقيل: أبو عمرو الكوفي.

مولده سنة سبع عشرة ومائة.

روی عن: عاصم الأحول، وسليمان التَّيمي، ويحيى بن سعيد، والأعمش، وهشام بن حسان، وجدّه طلق، وغيرهم.

روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وابن عمّه طَلق بن غَنَّام، وابنه عمر بن حفص، وعمرو الناقد، وابن نُمير، وآخرون.

وكان حافظاً، محدّثاً، فقيهاً، ولًّاه الرشيد قضاء الجانب الشرقي ببغداد، ثم نقله إلى قضاء الكوفة.

وقد عُدّ من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السّلام)، ووقع في اسناد جملة من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، تبلغ سبعة وثمانين مورداً، رواها عن الصادق والكاظم (عليهما السّلام)، وعن ليث والحجاج والزهري، ورواهاعن حفص: الحسن ابن محبوب،

ص: 125


1- تهذیب الأحکام: ج 8، باب السراري وملك الأيمان، الحديث 708

ومحمد بن خالد البرقي، وجميل بن درّاج، وعلي بن شجرة، وسليمان بن داود المنقري، وغيرهم.

ولحفص بن غیاث كتاب عن الامام أبي عبد الله الصادق - عليه السّلام، وهو سبعون ومائة حديث أو نحوها.

وقد عمل الشيعة بروایات حفص، وعُدّ کتابه من الكتب المعتمدة، حيث ذُكر أنّ العدالة المعتبرة في الراوي أن يكون ثقة متحرزاً في روايته عن الكذب، وإن كان مخالفاً في الاعتقاد.

رُوي عن يحيى القطان قال: حفص أوثق أصحاب الأعمش.

وقال العجلي: ثقة مأمون فقيه.

كان وكيع ربّما يُسأل عن الشيء، فيقول: اذهبوا إلى قاضينا، فاسألوه، وكان شيخاً عفيفاً مسلماً.

رُوي عن حفص قال: مررت بطاق اللحّامين فإذا بُعلیَّان جالسٌ، فسمعته يقول: مَن أراد سرور الدنيا وحُزن الآخرة، فليتمنّ ما هذا فيه.

فوالله لقد تمنيتُ أنّي كنتُ متُّ قبل أن أليَ القضاء.

روى الذهبي بسنده عن حفص، عن..، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ذنبان يُعجّلان ولا يُغفران: البغي وقطيعة الرَّحِم»(1).

وروى الكليني بسنده عن حفص عن أبي عبد الله - عليه السّلام قال:

ص: 126


1- سير أعلام النبلاء: ج 9، ص 32

«من تعلَّم العلم وعمل به وعلَّم الله دُعي في ملكوت السماوات عظیماً، فقيل: تعلَّم الله وعمل الله وعلَّم الله»(1))(2).

5- حریز بن عبد الله السجستاني.

أبو محمد الأزدي من أهل الكوفة. أكثر السفر والتجارة إلى سجستان، فعرف بها، وكانت تجارته في السمن والزيت.

قيل: روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).

وقيل: لم يسمع من أبي عبد الله (عليه السلام) إلا حديثين.

وقيل: روى عن أبي الحسن موسی (علیه السلام) ولم يثبت ذلك.

وكان ممن شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان، في حياة أبي عبد الله (عليه السلام) روى أنه جفاه، وحجبه عنه.

له کتاب الصلاة، كبير، وآخر ألطف منه. وله كتاب النوادر.

وما رواه حریز بن عبد الله، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام):

(عن السورة تصلي في الركعتين من الفريضة؟ فقال: نعم إذا كانت ست آیات نصفها في الركعة الأولى، والنصف الآخر في الركعة الثانية).

وما رواه حریز بن عبد الله، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما (لك قد أبق أو غریما) لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع لصلاة واتبع الغلام أو الغريم

ص: 127


1- الكافي: ج 1، کتاب فضل العلم، باب ثواب العالم والمتعلَّم، الحديث 6
2- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2، ص 151 - 153

واقتل الحية».

فهذه ابرز اسماء أهل الفتيا الذين اخذوا عن الإمام الصادق (عليه السلام) و كانوا من ابناء العامة الذين توسعت على ايديهم وايدي غيرهم المدرسة الفقهية واعتمدت فتاواهم لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الفقه الإسلامي، وهو ظهور المذاهب الإسلامية الفقهية وانتشارها في عموم البلاد المسلمين؛ وهو ماسنتناوله في المبحث القادم انشاء الله تعالى.

ص: 128

الفصل الثاني : ظهور المذاهب الإسلامية واستقلاليتها الاجتهادية وأبرز رموزها

اشارة

ص: 129

ص: 130

المبحث الأول عائدية مذهب الإمامية إلى عصر الرسالة المحمدية تأسيسا وتأصيلاً

بعد أن تناولنا خلال المباحث السابقة حركة التدوين والتصنيف وبيان الجهود التي بذلها أئمة العترة النبوية من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم ولداه الإمامان الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين ثم ولده الإمام محمد الباقر، ثم ولده الإمام جعفر الصادق (صلوات الله عليهم أجمعين) وفي عصره وحياته ظهرت المدارس الفقهية واخذت في بناء نفسها واستقلاليتها في الفتيا والاجتهاد.

الا أن الذي يحسب للمذهب الإمامي من امتیازات، هو:

1- انطلاقه من حيث التأسيس والتأصيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك في جملة من النصوص النبوية الشريفة المتلازمة في منطوقها ومفهومها ومصداقها ومنهجها مع كتاب الله تعالى في جملة من الآيات المباركة كآية التطهير، والمودة، المباهلة، والاعتصام، والصادقين، وغيرها لكثير جداً لا يسع المقام لإيرادها فهذه النصوص النبوية، أي: حديث الثقلين، والمولاة، والسفينة، وباب حطة، وغيرها في العموم والخصوص في سنام العترة النبوية وشيخها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

ص: 131

(عليه السلام) ما يعجز عن ایراده القلم.

وعليه:

فهذه الميزة في التأصيل والتأسيس إلى عصر النبوة وشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي حظيت بها المدرسة الإمامية لم يكن لاحد من المذاهب الفقهية.

2- إن هذه الملاصقة والملازمة ترشد إلى ميزة صحة الحكم الشرعي المأخوذ من صاحب الشريعة فها هو الإمام علي (عليه السلام) باب مدينة علم النبوة، الذي علّمه رسول الله ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب، ومن ثم لم يكن لاحدٍ من المذاهب الفقهية تأسيساً واساتذة وتلاميذ مثلما للمدرسة الإمامية من العلوم.

3- ديمومية الدرس الفقهي منذ عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى يومنا هذا فقد جمعت المدرسة الإمامية أثنی عشر إماماً نص عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصى كل إمام منهم إلى الذي يليه من بعده في تولي المنصب الذي اختاره الله لهم واجتباهم له، وهو منصب الإمامة.

«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(1).

ومن ثم: فقد أنتجت هذه المدرسة عبر أربعة عشر قرناً الالف من الفقهاء والطلبة، وصنّف في الفقه عبر هذه السنين ما لا يعلمه إلا الله تعالى.

ص: 132


1- الأنبياء،: 73

4- الاجماع فيما يخرج عن أئمة العترة (عليهم السلام) وهو ما لم يكن مشاهدته في بقية المذاهب الاخرى لا سيما المذاهب الفقهية الستة المعتمدة عند جمهور المسلمين فكانت مرجعهم في معرفة احكام دينهم وأئمتهم الذين يقدمون معهم على الله يوم القيامة.

وهو ما سنتناوله في فصول هذه الدراسة ومباحثها ومسائلها وتباین الاراء والاجتهادات في الحكم الشرعي، بل في دلالة اللفظ ومعناه.

ولذا:

فأننا سنتوقف عند ذكر جهود الإمام الصادق (عليه السلام) وجهاده في حفظ شريعة جده صلى الله عليه وآله وسلم وانماء الفقه وتدريسه ونشره.

وذلك إن متابعة البحث في بيان جهود بقية الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، اي:

1- الإمام موسی بن جعفر الكاظم (عليه السلام).

2- الإمام علي بن موسی الرضا (عليه السلام).

3- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام).

4- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام).

5- الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).

6- الإمام المهدي المنتظر بن الحسن العسكري (عجل الله تعالی فرجه).

سيأخذ - البحث والدراسة - في جهودهم مجالاً واسعاً وحيزاً من هذا الفصل الذي خصص للتعريف بتاريخ الفقه والتعريف بالمذاهب الإسلامية، ومن ثم سيؤدي إلى الخروج عن المقدار المخصص لهذا الفصل.

ص: 133

وعليه:

فقد ظهرت المذاهب الإسلامية ظهوراً استقلالياً بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) فكان أولها المذهب الحنفي ثم المالكي الذي تزامن من حيث التأسيس مع المذهب الحنفي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي فضلا عن ظهور المذهب الزيدي، والإباضي؛ فهذه هي المذاهب المعتمدة عند عامة المسلمين والتي سنتناول الحديث عنها في المباحث القادمة من هذا الفصل، وهي كالاتي:

ص: 134

المبحث الثاني المذهب الحنفي ومرجعيته الفقهية

المسألة الأولى: التعريف بإمام الذهب.

يرجع المذهب الحنفي تأسيساً وتأصيلاً إلى أبي حنفية النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه، مولی تیم بن ثعلبة المتوفي عام (150 ه).

نشأ أبو حنيفة في الكوفة. وأخذ الفقه من أهلها، فلذا فهو كوفي، (أشتغل منذ البداية بعلم الكلام، ثم تحول إلى الفقه، وتربى على يدي حماد بن أبي سليمان الكوفي (المتوفي 120 ه) وكان له وراء ابي حنفية تلاميذ يعلمهم الفقه.

لقد استقى أبو حنيفة فقهه من أستاذه حمّاد وهو بدوره ورث الفقه من أعلام الصحابة والتابعين الذين جاءوا الكوفة و نزلوا بها وتعلّم منهم الناس فقههم، وفي مقدّمتهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) (المتوفّى 40 ه) وعبد الله بن مسعود (المتوفّی 32 ه) وعلقمة بن قيس (المتوقى 92 ه) ومسروق بن الأجدع (المتوفّى 53 ه) وأخيراً إبراهيم النخعي (المتوفّى 96 ه) وعامر بن شراحيل الشعبي (المتوفي 104 ه).

يقول الكوثري: أصبحت الكوفة لا مثيل لها بعد أن اتّخذها علي بن أبي طالب (کرم الله وجهه) عاصمة الخلافة، فكبار أصحاب علي وابن مسعود

ص: 135

بها لو دونت تراجمهم في كتاب خاص لأتی کتاباً ضخماً، وليس هذا موضع سرد لأسمائهم، وقد جمع شتات علوم هؤلاء، إبراهيم بن یزید النخعي، وقد جمع أبو حنيفة علوم هؤلاء ودوّنها بعد أخذ وردّ شديدين في المسائل بينه وبين أفذاذ أصحابه في مجمع فقهي کيانه من أربعين فقيهاً من نبلاء تلاميذه(1).

روی الخطيب البغدادي عن أبي مطيع قال: قال أبو حنيفة: دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين، فقال لي: يا أبا حنيفة عن اخترت العلم؟ قال: قلت: عن حماد، عن إبراهيم، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس.(2) فقد تحمّل حمّاد فقه هؤلاء، وورّثه تلميذه أبا حنيفة، ومن لطيف الكلام انّه كان فقيهاً وفي الوقت نفسه يتّجر، ويلمس ما يجري في الأسواق من بيع وشراء وعقود ومعاملات(3).

(وقد غلب على فقهه القياس والرأي، ولم يصح عنده إلا سبعة عشر حديثاً، وكان يرد أحاديث بعض الصحابة ولا يأخذ بها ويضعفها وينهي عن الاخذ بها منهم ابو هريرة، وأنس بن مالك، وسمرة بن جندب، وغيرهم)(4).

أما ما ورد فيه من أقوال من اتباعه ومخالفيه فكثيرة غلب عليها التباين مدحاً و قدحاً، وغالي فيه بعض أتباعه.

أما رأي أهل الحديث في إمام المذهب الحنفي فيمكن معرفته عبر ما أورده

ص: 136


1- مقالات الكوثري: 221، بتلخيص
2- تاریخ بغداد: 13 / 334
3- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدمة) للشيخ السبحاني: ج 2 ص 61 - 63
4- المنابع المذهبية، لعبد الله ابو زید، ص 108

ابن حبان (ت 354 ه) وغيره من أئمة الجرح والتعديل، وهي.

1- قال ابن حبان:

(كان رجلا جدلا ظاهر الورع لم يكن الحديث صناعته، حدث بمائة وثلاثين حديثا مسانید ماله حديث في الدنيا غيرها أخطأ منها في مائة وعشرين حديثا. إما أن يكون أقلب إسناده أو غير متنه من حيث لا يعلم فلما غلب خطؤه على صوابه استحق ترك الاحتجاج به في الأخبار.

ومن جهة أخرى لا يجوز الاحتجاج به لأنه كان داعيا إلى الارجاء والداعية إلى البدع لا يجوز أن يحتج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا على أن أئمة المسلمين وأهل الورع في الدين في جميع الأمصار وسائر الأقطار جرحوه وأطلقوا عليه القدح إلا الواحد بعد الواحد، قد ذكرنا ما روی فيه من ذلك في كتاب التنبيه على التمويه فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب غير أني أذكر منها جملا يستدل بها على ما وراءها.

من ذلك ما حدثنا زکریا بن يحيى الساجي بالبصرة قال: حدثنا بندار ومحمد بن علي المقدمي قال: حدثنا معاذ بن معاذ العنبري قال: سمعت سفيان الثوري يقول: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين. أخبرنا أحمد بن یحیی بن زهير بتستر قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي قال حدثنا الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف قال: أول من قال القرآن مخلوق أبو حنيفة - يريد بالكوفة.

أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال: حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا حنيفة

ص: 137

يقول: القرآن مخلوق قال: فكتب إليه ابن أبي ليلى: إما أن ترجع وإلا لأفعلن بك. فقال: قد رجعت فلما رجع إلى بيته قلت يا أبي أليس هذا رأيك؟ قال: نعم يا بني وهو اليوم أيضا رأيي ولكن أعيتهم التقية.

أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى بالموصل قال: حدثنا أبو نشيط محمد بن هارون قال: حدثنا محبوب بن موسى عن يوسف بن أسباط قال قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاخذ بكثير من قولي وهل الدين إلا الرأي الحسن. أخبرنا علي بن عبد العزيز الأبلي قال: حدثنا عمرو بن محمد الانس عن أبي البختري قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: اللهم إنا ورثنا هذه النبوة عن أبينا إبراهيم خليل الرحمن وورثنا هذا البيت عن أبينا إسماعيل ابن خليل الرحمن وورثنا هذا العلم عن جدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فاجعل لعنتي ولعنة آبائي وأجدادي على أبي حنيفة.

أخبرنا محمد بن القاسم بن حاتم قال: حدثنا الخليل بن هند قال: حدثنا عبد الصمد ابن حسان قال: كنت مع سفيان الثوري بمكة عند الميزاب فجاء رجل فقال: إن أبا حنيفة مات. قال: اذهب إلى إبراهيم بن طهمان فأخبره فجاء الرسول فقال: وجدته نائما قال: ويحك اذهب فأنبهه وبشره فإن فتان هذه الأمة مات. والله ما ولد في الإسلام مولود أشام عليهم من أبي حنيفة ووالله لكأن أبو حنيفة أقطع لعروة الإسلام عروة عروة من قحطبة الطائي بسيفه.

أخبرنا آدم بن موسى قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا

ص: 138

نعیم ابن حماد قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري قال: سمعت سفيان الثوري وجاء نعی أبو حنيفة فقال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه لقد كان ينقض الإسلام عروة عروة)(1).

2- ونقل ابن عدي (365 ه): جملة من أقوال الجرح في أبي حنيفة يطول ذكرها(2).

3- وقال أبو نعيم الأصبهاني (ت 435 ه):

(النعمان بن ثابت، أبو حنيفة، مات ببغداد سنة خمسين ومائة، قال بخلق القرآن و استتيب من كلامه الردي غير مرة كثير الخطأ والأوهام)(3).

وغيرها من الأقوال التي وردت في مصنفات العلماء في الجرح والتعديل.

المسألة الثانية: ارائه الفقهية وفتاويه التي تفرد بها عن بقية للذاهب السبعة.

انفرد إمام المذهب الحنفي ومن سار بمنهجه وأصوله في الفقه بجملة من المسائل والفتاوى التي ينفرد بها عن بقية المذاهب، وقد تناولها غير واحد ممن كتب في تاريخ الفقه(4)، فضلاً عن الفقه المقارن، فكان من هذه المسائل ما يلي:

ص: 139


1- المجروحين لابن حبان: ج 3 ص 61 - 64
2- الكامل في الضعفاء: ج 7 ص 5 - 13
3- الضعفاء، ابي نعيم الأصبهاني: ص 154
4- المنابع المذهبية لعبد الله ابو زيد: ص 117 - 119

1- العفو عن مقدار درهم من النجاسات، والأئمة يوافقونه في الدم(1).

فقال أبو حنيفة:

(إذا أصاب الخف أو النعل روث فرس أو حمار أو اي روث كان، فغن كان اكثر من قدر الدرهم البغلي لم يجز أن يصلي به، وكذلك أن اصابهما عذرة إنسان أو دم أو مني فإن كان قدر الدرهم البغلي فاقل اجزأت الصلاة به)(2).

2- عدم النية في الوضوء والطهارة.

قال ابن قدامة (ت 620 ه):

(قال الثوري وأصحاب الرأي: لا تشترط النية في طهارة الماء، وانما تشترط في التيمم)(3).

3- جواز التوضؤ بنبيذ التمر. بل قال: بالوجوب.

قال السرخسي (ت 483 ه):

(نبيذ التمر طهور من لا يجد الماء، والقياس يترك بالسنة، ويقول الصحابي إذا كان فقيهاً، فأما آية التيمم تتناول حال عدم الماء، وهذا ماء شرعاً کما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) وماء طهور، وانما جمع بنيهما محمد لان الآية توجب التيمم، والخبر يوجب التوضؤ بالنبيذ فيجمع بينهما احتياطاً)(4).

ولمن اراد متابعة أقوال فقهاء المذهب في بقية المسائل التي انفرد بها

ص: 140


1- المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 60
2- المحلي لابن حزم: ج 1 ص 94
3- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 91
4- المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 88

المذهب هي:

4- الخروج من الصلاة بما ليس منه(1).

5- عدم الطمأنينة في الصلاة، الا ما رواه أبو يوسف(2).

6- القول طهارة جلد الكلب بالدباغة(3)، وقال ابو يوسف ان جلد الخنزير يطهر بالدباغة(4).

7- جواز الربا في دار الحرب(5).

8- إن للمرأة ولآية النكاح(6).

9- قتل النفس بالنفس مطلقاً(7).

10- عدم جواز الوقف في المنقول؛(8) وسيمر بيان المسألة في كتاب الوقف من الكتاب.

11- عدم القضاء على الغائب(9).

ص: 141


1- المحلي لابن حزم: ج 3 ص 276؛ المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 170
2- الهداية شرح بداية المبتدئ للمرغيناني (ت 593 ه) ط / دار الحديث القاهرة 1415 ه - 1995 م
3- المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 202
4- المصدر السابق
5- المغني لابن قدامة: ج 4 ص 162
6- المحلي لابن حزم: ج 9 ص 455؛ المبسوط للسرخسي: ج 5 ص 10
7- المبسوط للسرخسي: ج 26 ص 131
8- الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني: ج 4 ص 407
9- المحلي لابن حزم: ج 9 ص 366

12- ميراث الذين عقدت إيمانكم(1).

وغيرها من المسائل والفتاوى الفقهية التي انفر بها المذهب الحنفي، وقد تخرج من المدرسة التي أسسها أبو حنيفة العديد من الفقهاء الذين انتشروا في البلاد، ولذا: سنورد بعض الاسماء التي انتسبت إلى هذه المدرسة إلى العام (250 ه) ولمن اراد التعرف على المزيد فعليه بالرجوع إلى مضان المسألة.

المسالة الثالثة: أسماء أبرز أهل الفتيا الذين انتسبوا إلى مدرسة الرأي والقياس حتى العام (250) للهجرة.

امتازت المدرسة بتخرج جملة من الفقهاء الذين اتخذوا من منهج ابي حنفية النعمان في الاجتهاد ونحن هنا نورد بعض الاسماء حتى منتصف القرن الثاني للهجرة، ففي ذلك الكفاية لبيان ابرز الفقهاء خلال مائة عام بعد وفاة إمام المذهب الحنفي، وهم كالاتي:

1- نوح بن أبي مريم يزيد بن جعونة، أبو عصمة المروزي (ت 173 ه).

لقب بالجامع؛ لأنه أول من جمع فقه أبي حنيفة، كان أبوه مجوسياً اسمه ما بنه، ولي قضاء مرو زمن المنصور، وكان شديداً على الجهمية، قال فيه البخاري: ذاهب الحديث جداً، وقال مسلم وغيره: متروك الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما أوردت له لا يتابع عليه، وقال الحاكم: وضع أبو عصمة حديث فضائل القرآن الطويل، خرج له الترمذي، وابن ماجة في التفسير(2).

ص: 142


1- الحاوي الكبير لابي الحسن الماوردي (ت 450 ه) ط دار الفكر بيروت 1994 م
2- ينظر: تاريخ البخاري 8/ 111، الجرح والتعديل 8/ 484، ميزان الاعتدال 7/ 55، تهذيب التهذيب 10/ 486، تاريخ التراجم: 146 رقم 81، الجواهر المضية 2/ 7 رقم 393

2- حماد بن أبي حنيفة النعمان (ت 176 ه).

وصف بالإمام ابن الإمام، تفقه على أبيه وأفتى في زمانه وهو من طبقة يوسف، وممد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد، ضعفه ابن عدي وغيره(1).

3- حفص بن عبد الرحمن البلخي النيسابوري الحنفي (ت 197 ه).

وصف بالإمام الفقيه، مفتي خراسان، ويعد من أفقه أصحاب أبي حنيفة الخراسانية، ولي قضاء نيسابور، قال أبو حاتم: مضطرب الحديث، وأحتج به النسائي في سننه(2).

4- موسى بن سليمان، أبو سليمان الجوزجاني (ت بعد 200 ه).

صاحب الرأي، أخذ عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وعرض عليه المأمون القضاء فأبى، وكان يكفر من يقول بخالق القرآن(3).

5- الجارود بن يزيد النيسابوري الحنفي (ت 203 ه).

وصف بالفقيه الكبير، قال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، لا يكتب حديثه كذاب، قوال

ص: 143


1- ينظر الجرح والتعديل 3/ 149، طبقات الشيرازي: 129، میزان الاعتدال 2/ 359، الجواهر المضية 2/ 153 رقم 542
2- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 375، تاريخ البخاري 2/ 367، الجرح والتعديل 3/ 176، سير أعلام النبلاء 9/ 310، الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2/ 137 رقم 529
3- ينظر: الجرح والتعديل 8/ 145، تاريخ بغداد 13/ 36، طبقات الشيرازي: 130، الجو المضية 3/ 518 رقم 1714

النسائي: متروك الحديث(1).

6- الحسن بن زياد اللؤلؤي مولى الأنصار، صاحب أبي حنيفة (ت 204 ه).

وصف بالعلامة، فقيه العراق، نزل بغداد، وصنف، وتصدر للفقه، وكان رأساً في الفقه، قال فيه يحيى بن معين،: كذاب، وقال أبو داود: كذاب غير ثقة، وقال ابن المديني: لا يكتب حديث، وقال النسائي وأبو حاتم: ليس بثقة ولا مأمون وقال الدار قطني: ضعيف متروك(2).

7- خلف بن أيوب البلخي الحنفي (ت 205 ه).

وصف بالإمام المحدث الفقيه، مفتي الشرق، عالم أهل بلغ، ضع يحيى بن معين، وخرج له الترمذي، وكان مرجئاً(3).

8- معلى بن منصور الرازي، أبو يعلى الحنفي نزيل بغداد ومفتيها (ت 211 ه).

ص: 144


1- ينظر: تاریخ ابن معين - برواية الدوري - 2/ 274 رقم 4761، تاريخ البخاري 2/ 237، الجرح والتعديل 2/ 525، الضعفاء والمتروكين - للنسائي -: 72 رقم 102، سير أعلام النبلاء 9/ 424، الجواهر المضية 2/ 6 رقم 391
2- ينظر: تاريخ يحيى بن معين - برواية الدوري - 1/ 267 رقم 1765، الضعفاء والمتروكين - للنسائي-: 89 رقم 158، الضعفاء الكبير 1/ 227 رقم 276، الجرح والتعديل 3/ 15، تاريخ بغداد 7/ 314، طبقات الفقهاء - للشيرازي -: 129، ميزان الاعتدال 2/ 239، سير أعلام النبلاء 9/ 543، الجواهر المضية 2/ 56 رقم 448
3- ينظر طبقات ابن سعد 9/ 378، تاريخ البخاري 3/ 196، الضعفاء الكبير 2/ 24 رقم 443، الجرح والتعديل 3/ 370، ميزان الاعتدال 2/ 449، سير أعلام النبلاء 9/ 541، الجواهر المضية 2/ 170 رقم 562، تهذيب التهذيب 3/ 147

وصف بالحافظ الفقيه، وكان صاحب سنة واتباع كذبه أحمد بن حنبل، وخرج له الستة(1).

9- إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة (ت 212 ه).

وصف بالإمام بلا مدافعة تفقه على أبيه حماد، والحسن بن زياد ولم يدرك جده، ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد، وقضاء البصرة والرقة، صنف من الكتب: ((الجامع)) و ((الرد على القدرية)) و ((الإرجاء)) وغيرها، ضعفه جماعة(2).

10- بشر بن أبي الأزهر يزيد، القاضي أبو سهل النيسابوري (ت 213 ه).

الفقيه الحنفي، تفقه على أبي يوسف، قال الحاكم: من أعيان الفقهاء الكوفيين وأدبائهم ومفتيهم وزهادهم(3).

11- أحمد بن حفص الكبير البخاري الحنفي (ت 217 ه).

وصف بالفقيه العلامة، شيخ ما وراء النهر، فقيه المشرق وهو والد العلامة شيخ الحنفية محمد بن أحمد مفتي بخارى وعالمها، وهو الذي نهى البخاري صاحب الصحيح عن الإفتاء في بخارى فلم ينته، حتى سئل عن

ص: 145


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 344، تاريخ البخاري 7/ 395، الضعفاء الكبير 4/ 215 رقم 1803، الجرح والتعديل 8/ 334، تاریخ بغداد 13/ 188،طبقات الشيرازي: 130، ميزان الاعتدال 6/ 476، سير أعلام النبلاء 10/ 365، الجواهر المضية 3/ 492 رقم 1680، تهذيب التهذيب 10/ 238
2- ينظر الجرح والتعديل 2/ 165، تاريخ بغداد 6/ 243، طبقات الشيرازي: 130 ن ميزان الاعتدال 1/ 382، الجواهر المضية 1/ 400 رقم 328، تهذيب التهذيب 1/ 290
3- ينظر: الجواهر المضية 1/ 456 رقم 375، الطبقات السنية 2/ 242 رقم 569

صبيين شربا من لبن شاة، فأفتى البخاري بثبوت الحرمة، فاجتمع الناس وأخرجوه(1).

12- علي بن معبد بن شداد الرقي نزل مصر، المروزي الأصل (ت 218 ه).

وصف بالإمام الحافظ الفقيه، وأنه من كبار الأئمة، يذهب في الفقه مذهب أبي حنيفة، خرج له أبو داود والنسائي(2).

13- هشام بن عبيد الله الرازي السنّي (ت 221 ه).

وصف بالفقيه، أحد أئمة السنة، وأنه من بحور العلم، كان من أصحاب الرأي، تفقه على أبي يوسف ومحمد بن الحسن ومات محمد بن الحسن في منزله الري ودفن بمقبرتهم، له كتاب ((النوادر)) ليّنه ابن حبان وذهب إلى عدم الاحتجاج به(3).

14- عيسى بن أبان بن صدقة بن عدي بن مردانشاه، أبو موسى (ت 221 ه).

من أهل فسا من مدن فارس، وصف بالإمام الكبير، فقيه العراق،

ص: 146


1- ينظر: سير أعلام النبلاء 10/ 157، الجواهر المضية 1/ 166، تاريخ التراجم: 94 رقم 15، الطبقات السنية 1/ 342 رقم 186
2- ينظر الجرح والتعديل 6/ 205، ميزان الاعتدال 5/ 190، سير أعلام النبلاء 10/ 631، الجواهر المضية 2/ 614، تهذيب التهذيب 37/ 384
3- ينظر: الجرح والتعديل 9/ 67، المجروحين والضعفاء 3/ 90، طبقات الشيرازي: 130، ميزان الاعتدال 7/ 83، سير أعلام النبلاء 10/ 440، تذكرة الحافظ 1/ 387، الجواهر المضية 3/ 569

قاضي البصرة، وصاحب محمد بن الحسن، قيل: ليس في الإسلام قاض أفقه منه(1).

15- إبراهيم بن يوسف ميمون البلخي الماكياني مولى باهلة (ت 239 ه).

وما يكان قرية من قرى بلخ، وصف بالفقيه، الإمام المشهور، شيخ بلخ وعالمها، رمي بالإرجاء، وخرج له النسائي(2).

16- محمد بن مقاتل الرازي (ت 243 ه).

الفقيه الحنفي، قاضي الري، من أصحاب محمد بن الحسن، تكلم في بعضهم(3).

ص: 147


1- ينظر: فهرست النديم: 346، تاريخ بغداد 11/ 157، طبقات الشيرازي: 130، سیر أعلام النبلاء 10/ 440، الجواهر المضية 2/ 678 رقم 1086
2- ينظر الجرح والتعديل 2/ 148، ميزان الاعتدال 1/ 206، سير أعلام النبلاء 11/ 62، لجواهر المضية 1/ 119 رقم 62، تهذيب التهذيب 1/ 184، الطبقات السنية 1/ 254 رقم 110
3- ينظر: طبقات الشيرازي: 131، ميزان الاعتدال 6/ 344، الجواهر المضية 3/ 372 رقم 1546، تهذيب التهذيب 9/ 469

ص: 148

المبحث الثالث المذهب المالكي

يرجع أتباع المذهب إلى إمامهم مالك بن أنس وهو ثاني مذاهب ابناء العامة من المسلمين؛ وللوقوف على معرفة إمام المذهب وأبرز فقهائهم والمسائل الفقهية التي أمتاز بها، فلا بد من المرور بالنقاط الاتية:

المسالة الاولى: التعريف بإمام المذهب.

تباينت الآراء والأقوال في إمام المذهب المالكي مدحاً وقدحاً، وذهب كل فريق من القائلين إلى بث الكثير من المنامات والأحاديث التي تثبت مدعاهم، وهو أمر لا يخلو منه ذكر أئمة المذاهب الأربعة، ولذا: لم نورد منه شيئاً، وذكرنا ما وجدناه متطابقاً مع منهج الكتاب وهو كالاتي:

1- اسمه ونسبه:

هو: مالك بن أنس، بن أبي عامر الأصبحي، مولى بن تيم (المتوفي سنة 179 ه).

وقد اختلف في نسبه إلى بني تيم أو إلى أصبح.

فقال شيخ مالك وأستاذه ابن شهاب الزهري: بانه مولى التيميين، وقد جاء ذلك في الرواية التي أخرجها البخاري عن الزهري، أنه قال:

ص: 149

حدثني ابن ابي أنس مولى التيميين أن أباه حدثه عن أبي هريرة(1).

وقد شكل هذا الطعن في نسبه إلى خلاف بين إمام المذهب وبعض معاصريه وأدت إلى المعادات فيا بينه وبينهم، ومن أولئك

أ- محمد بن إسحاق المطلبي (ت 151 ه) مصنف السيرة النبوية الأول.

فقد بلغ النزاع فيما بينه وبين مالك بن أنس إلى قيام إمام المذهب بإعلان الحرب عليه ونفيه من المدينة بالقوة لا سيما وقد صرّح بذلك.

(فعن ابن إدريس، قال: كنت عند مالك، فقال رجل:

كنت بالري عند ابي عبيد الله زير المهدي، فقال ابن إسحاق: هاتوا أعرضوا علي علوم مالك، فاني أنا بيطارها؛ فقال مالك:

(دجال الدجاجلة يقول هذا)!(2)؛ (نحن نفيناه من المدينة)(3).

وكان من أسباب نفي مالك بن انس لمحمد بن إسحاق هو طعنه في نسب مالك، فضلاً عن الخلاف العقدي فيما بينهما(4).

ب- سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.

وقد نقل ابن حجر سبب الخلاف فيما بينه وبين إمام المذهب، فقال:

ص: 150


1- صحيح البخاري: ج 4 ص 251، الحديث 84؛ سنن النسائي: ج 4 ص 127
2- سير اعلام النبلاء للذهبي: ج 7 ص 50
3- الجرح والتعديل للرازي: ج 1 ص 20 ط دار التراث العربي، اريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 1 ص 239؛ سیر اعلام النبلاء: ج 7 ص 50
4- لمزيد من الاطلاع على مجريات الخلاف واسبابه، ينظر: ((الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد؛ للسيد نبيل الحسني: ص 324 - 327

حدثني أحمد بن محمد، سمعت أحمد بن حنبل يقول: سعد ثقة؛ فقيل له: ان مالكا لا يحدث عنه؟ فقال: من يلتفت إلى هذا سعد ثقة رجل صالح. ثنا أحمد بن محمد سمعت المعيطي يقول لابن معين كان مالك يتكلم في سعد سید من سادات قریش ويروي عن ثور وداود بن الحصين خارجيين خبيثين قال الساجي ومالك انما ترك الرواية عنه فاما أن يكون يتكلم فيه فلا احفظه وقد روى عنه الثقات والأئمة وكان دینا عفيفا. وقال: أحمد بن البرقي سألت يحيي عن قول بعض الناس في سعد انه كان يرى القدر وترك مالك الرواية عنه فقال لم يكن يرى القدر وانما ترك مالك الرواية عنه لأنه تكلم في نسب مالك فكان مالك لا يروي عنه وهو ثبت لا شك فيه)(1).

وهذه التهمة، أي أن سعد بن إبراهيم كان يرى القدر لم يكن هو الوحيد الذي أتهمه بها مالك بن أنس، بل كانت طريقته في من يختلف معه لا سيما في نسبه وهو ما حدث أيضاً مع محمد بن إسحاق فقد أتهمه مالك أيضاً بالقدر.

ج- إبراهيم بن أبي يحيي المدني شيخ الشافعي، وكان بن أنس يعاديه؛ وذلك أن إبراهيم كان يقو إن مالك بن أنس من موالي أصبح، في حين كان مالكاً يقول: أنني منهم(2).

2- والدته ومدة حمله.

أختلف في أمه، فقيل هي: العالية بنت شريك بن عبد الرحمن الأزدية

ص: 151


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: ج 3 ص 403 - 404
2- طبقات المعتزلة، لابن المرتضى (ت 840 ه): ص 42، طبع دار مكتبة الحياة / بيروت

وقيل: إنها طلحة مولاة عبيد الله بن معمر.

وحملت به ثلاث سنين على المعروف، وقبل سنتين(1).

3- نشوء المذهب المالكي بإمر من الخليفة العباسي المنصور.

إن من الحقائق التي تحدث عنها إمام المذهب المالكي، هي: بيانه للأسباب التي أدت إلى نشوء مذهبه والعلة في انتشاره بين المسلمين وحمل الناس قهراً وعلى الأخذ به.

وتكشف الرواية التاريخية أن الحكومة العباسية قد دبرت الأمر وحاكت له من قبل لا سيما وأن إمام المذهب المالكي کشف - کما سیمر - عن دراية الحاكم العباسي (المنصور) بمذاهب الفقهاء وتحركاتهم وآرائهم مما يدل على أن الأمر الأساس والغاية المقصودة هي مواجهة مذهب الإمامية بعد انتشاره في البلاد الإسلامية واتساع مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) وتزاحم الرواة والفقهاء فيها کما مرَّ بيانه في المبحث السابق.

وعليه:

فان الأمر لم یکن محض صدفة أن يتعرض إمام المذهب المالكي إلى الاعتقال والتعذيب على يدي جعفر بن سليمان والي المدينة (سنة 146 ه)، فقد جرد مالكاً، ومده وضربه بالسياط حتى أنخلعت كتفاه(2) ومن ثم يبعث إليه المنصور ليعتذر إليه مما جرى ويطلب منه أن يكتب علمه وينشره

ص: 152


1- المدونة الكبرى - لمالك بن أنس: ج 6 ص 468؛ الثقات لابن حبان: ج 7 ص 459؛ التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة لشمس الدين السخاوي: ج 2 ص 399
2- تاريخ الإسلام للذهبي: ج 11 ص 324

بين الناس؛ وستقوم السلطة بإلزام الناس عامهم وخاصهم بالأخذ به.

ومما لا ريب فيه: إن هذه السياسية من الترهيب والتعذيب إلى الاعتذار والترغيب والتهديدي بالسياط لمن يأبى أن يأخذ بأقوال مالك بن أنس، هي في حد ذاتها رسالة إلى نفس مالك بن أنس وقد ذاق طعم سياط العباسيين فيما لو رفض أن يمتثل لأمر المنصور.

واليك أيها القارئ الكريم ما تحدث به مالك بن أنس عن اللقاء والحوار الذي دار بينه وبين الخليفة العباسي المنصور کما يخرجها ابن قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، قائلاً:

(وذكروا: أن مالكاً حج سنة ثلاث وستين ومائة، ثم وافي أبا جعفر بمنی أيام منی، فذكروا أن مطرفاً أخبرهم، وكان من كبار أصحاب مالك، قال: قال لي مالك: لما صرت بمنى أتيت السرادقات، فأذنت بنفسي، فأذن لي، ثم خرج إلى الأذن من عنده فأدخلني.

فقلت للأذن: إذا انتهيت بي إلى القبة التي يكون فيها أمير المؤمنين فأعلمني، فمر بي من سرادق إلى سرادق، ومن قبة إلى أخرى، في كلها أصناف من الرجال بأيديهم السيوف المشهورة، والأجزرة(1) المرفوعة، حتى قال لي الأذن: هو في تلك القبة، ثم تركني الآذن وتأخر عني، فمشيت حتى انتهيت إلى القبة التي هو فيها فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلى البساط الذي دونه، وإذا هو قد لبس ثيابا قصدة(2)، لا تشبه ثياب مثله، تواضعا

ص: 153


1- الأجرزة: جمع جرز بضم الجيم وهو عمود الحديد
2- قصدة: غير فخمة ولا غالية الثمن

لدخولي عليه، وليس معه في القبة إلا قائم على رأسه بسيف صليت(1)، فلما دنوت منه، رحب بي وقرب.

ثم قال: هاهنا إلي، فأوميت للجلوس. فقال: هاهنا، فلم يزل يدنيني حتى أجلسني إليه، ولصقت ركبتي بركبتيه. ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان، ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إذ بلغني (يعني الضرب).

قال مالك: فحمدت الله تعالى على كل حال، وصليت على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم نزهته عن الأمر بذلك، والرضا به. ثم قال: يا أبا عبد الله، لا يزال أهل الحرمين بخير ما کنت بين أظهرهم، وإني إخالك أمانا لهم من عذاب الله وسطوته، ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، فإنهم ما علمت أسرع الناس إلى الفتن، وأضعفهم عنها، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وقد أمرت أن يؤتي بعدو الله من المدينة على قتب، وأمرت بضيق مجلسه، والمبالغة في امتهانه، ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه. فقلت له: عافي الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه، لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم منك.

قال أبو جعفر: وأنت فعفى الله عنك ووصلك. قال مالك. ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس، ثم فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روى، واعيا لما سمع، ثم قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا

ص: 154


1- السيف الصليت: المعد للقطع أو القتل

العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك، ونبثها في الأمصار، وتعهد إليهم أن لا يخالفوها، ولا يقضوا بسواها.

فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها، فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلى المدينة، ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله.

قال مالك: فبينما نحن قعود إذ طلع بني له صغير من قبة، بظهر القبة التي كنا فيها. فلما نظر إلى الصبي فزع، ثم تقهقر فلم يتقدم. فقال له أبو جعفر: تقدم يا حبيبي، إنما هو أبو عبد الله فقيه أهل الحجاز، ثم التفت إلى فقال: يا أبا عبد الله، أتدري لم فزع الصبي ولم يتقدم؟ فقلت: لا. فقال: والله استنكر قرب مجلسك مني إذ لم ير به أحدا غيرك قط، فلذلك قهقر.

قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عینا ذهبا، وكسوة عظيمة، وأمر الابني بألف دينار، ثم استأذنته فأذن لي، فقمت فودعني ودعا لي، ثم مشيت منطلقا، فلحقني الخصي بالكسوة فوضعها على منكبي، وكذلك يفعلون بمن کسوه، وإن عظم قدره، فيخرج بالكسوة على الناس فيحملها، ثم يسلمها إلى غلامه، فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها بمنكبي، كراهة

ص: 155

احتمالها، وتبرؤا من ذلك، فناداه أبو جعفر: بلغها رحل أبي عبد الله)(1).

(وذكروا: أن مالك بن أنس لما أخذ في تدوين كتبه، ووضع علمه، قدم عليه المهدي بن أبي جعفر، فسأله عما صنع فيما أمره به أبو جعفر، فأتاه بالكتب، وهي كتب الموطأ، فأمر المهدي باستنساخها، وقرئت على مالك؛ فلا أتم قراءتها: أمر له بأربعة الاف دينار، ولابنه بألف دينار)(2).

4- قربه من المنصور العباسي جعل الولاة يهابونه کهیبتهم من المنصور.

إن تقرب إمام المذهب من الحاكم العباسي ترك أثراً كبيراً في نفوس الناس، وانعكس على الخاصة منهم لا سيما الولاة في مكة والمدينة والطائف وغيرها، وهو أمر لم يكن بالخفي على من تتبع تاريخ المذاهب وسيرة أثمتها.

ومما يدل على هذا الواقع ما رواه إمام المذهب الشافعي وقد أخذ كتاباً من والي مكة وذهب ليوصله إلى والي المدينة ليوصله إلى مالك بن أنس فيقول:

(دخلت إلى والي مكة فأخذت كتابه إلى والي المدينة وإلى مالك بن أنس قال فقدمت المدينة وأبلغت الكتاب إلى الوالي فلما أن قرأه قال والله يا فتى إن مشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيا راجلا أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس فإني لست أرى الذل حتى أقف على بابه.

فقلت: أصلح الله الأمير إن رأى الأمير أن يوجه إليه ليحضر فقال هيهات ليتني إذا ركبت أنا معك ومن معي وأصابنا من تراب العقيق نلنا حاجتنا قال فواعدته العصر وركبنا جميعا فوالله لقد كان كما قال لقد أصابنا

ص: 156


1- الإمامة والسياسة: ج 2 ص 149 - 151 بتحقيق الزميني
2- الإمامة والسياسة: ج 2 ص 149 - 151 بتحقيق الزميني

من تراب العقيق قال فتقدم رجل فقرع الباب فخرجت إلينا جارية سوداء فقال لها الأمير قولي لمولاك إني بالباب فدخلت فأبطأت ثم خرجت فقالت إن مولاي يقرئك السلام ويقول إن كانت مسألة فارفعها في رقعة يخرج إليك الجواب وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس فانصرف.

فقال لها قولي له معي کتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة قال فدخلت ثم خرجت وفي يدها كرسي فوضعت ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار وهو شيخ طوال مسنون(1) اللحية فجلس وهو متطلس(2) فدفع الوالي الكتاب من يده ثم قال يا سبحان الله وصار علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤخذ بالرسائل)(3).

5- المسائل التي أختص بها المذهب المالكي.

مثلما أمتاز المذهب الحنفي ببعض المسائل التي تفرد بها عن بقية المذاهب، كذا هو الحال بالنسبة للمذهب المالكي أو غيره کما سیمر لاحقاً.

فقد أمتاز المذهب بعض المسائل وهي كالاتي:

1- طهارة الكلب(4).

2- جواز القراءة للحائض خوف النسيان(5).

ص: 157


1- مسنون اللحية: طويلها
2- متطلس: اي لابس الطيلسان، وهو کساء مدور أخضر لا أسفل له
3- تاریخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 51 ص 286
4- المدونة الكبرى: ج 1 ص 5 ط دار الفکر بیروت، لسنة 1411 ه - 1991 م؛ المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 48
5- بداية المجتهد لابن رشيد: ج 1 ص 542، ط دار الكتب العلمية بيروت لسنة 1316 ه - 1996 م

3- عدم التوقيت للمسح على الخفين(1).

4- قتل المرتد من غير استتابة(2).

5- وجوب الغسل للجمعة(3).

6- تفضيل المدينة على مكة(4).

7- تجاوز الميقات بلا إحرام إذا عليه ولم يكن له(5).

المسألة الثانية: أبرز فقهاء المذهب المالكي حتى نهاية القرن الثالث الهجري.

من بين الفقهاء الذين برزوا في المذهب المالكي نورد بعضاً منهم حتی نهاية القرن الثالث الهجري ومن اراد التعرف على المزيد منهم فيمكن الرجوع إلى مضاها في المكتب الإسلامية وهي كالاتي:

1- معن بن عیسی:

بن یحیی بن دینار، أبو يحيى المدني القزاز مولى أشجع (ت 198 ه).

وصف بالإمام الحافظ الثبت، وكان ربيب مالك، قال علي بن المديني: أخرج إلينا معن بن عیسی أربعين ألف مسألة سمعها من مالك، خرج له الستة(6).

ص: 158


1- بداية المجتهد: ج 1 ص 424
2- الحاوي الكبير لابي الحسن الماوردي:ج 16 ص 408، ط دار الفکر بیروت لسنة 1414 ه - 1994 م
3- المحلي لابن حزن: ج 2 ص 8
4- شير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن لابن الجوزي (ت 597 ه): ص 258، ط دار الكتب العلمية - بيروت لسنة 1416 ه - 1996
5- المبسوط للسرخسي: ج 4 ص 170
6- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 615، تاريخ البخاري 7/ 390، الجرح والتعدیل 8/ 277، طبقات الشيرازي: 140، ترتيب المدارك 1/ 367، سير أعلام النبلاء 9/ 304، تهذیب التهذیب 10/ 252

2- إسحاق بن الفرات:

أبو نعيم المصري مولى معاوية بن حديج الكندي تلميذ مالك (ت 204 ه) وصف بالإمام الكبير، فقيه الديار المصرية وقاضيها، قال فيه الشافعي: ما رأيت أحداً أعلم باختلاف العلماء من إسحاق بن الفرات، وقال ابن عبد الحكم: ما رأيت فقياً أفضل منه، ضعفه بعضهم، وخرج له الستة(1).

3- عبد الله بن نافع الصائغ:

مولی بن مخزوم (ت 206 ه) من كبار فقهاء المدينة، ومن أصحاب مالك وكان لا يقدم عليه أحداً، قال فيه أحمد: لم يكن صاحب حدیث، كان ضعيفاً فيه، ولينه أبو حاتم، خرج له مسلم والأربعة(2).

4- عیسی بن دینار الغافقي القرطبي:

مولى يزيد العتبي (ت 212 ه) وصف بالإمام، فقيه الأندلس ومفتيها، وكان ابن وضاح يقول: هو الذي علم أهل الأندلس الفقه(3).

ص: 159


1- ينظر: الجرح والتعدیل 2/ 231، ترتيب المدارك 1/ 459، میزان الاعتدال 1/ 348، سیر أعلام النبلاء 9/ 503، تهذيب التهذيب 1/ 246
2- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 616، تاريخ البخاري 5/ 213، الجرح والتعدیل 5/ 183، ترتيب المدارك 1/ 356، میزان الاعتدال 4/ 213، سير أعلام النبلاء 10/ 371، تهذیب التهذيب 6/ 51
3- ينظر: أخبار الفقهاء والمحدثين - للخشني -: 205 رقم 352، ترتيب المدارك 2/ 16، سیر أعلام النبلاء 10/ 439، الديباج المذهب: 279 رقم 362، شذرات الذهب 2/ 28

5- عبد الملك بن عبدالعزيز، ابن الماجشون المدني:

مولى بن تیم (ت 213 ه) وصف بالعلامة الفقيه ابن الفقيه، مفتي المدينة، دارت عليه الفتوى في أيامه إلى موته، ضعفه الساجي والأردي، وسئل عنه أحمد فقال: هو كذا وكذا، ومن يأخذ عنه؟ خرج له النسائي وابن ماجة(1).

6- عبد الله بن عبد الحكم المصري المالكي:

مولى عميرة امرأة من موالي عثمان (ت 214 ه) وصف بالإمام الفقيه، مفتي الديار المصرية، وأنه أعلم أصحاب مالك، أفضت إليه الرئاسة بمصر بعد أشهب، قال الساجي: كذبه يحيى بن معين، وخرج له النسائي(2).

7- عبد الملك بن مسلمة، أبو مروان الأموي:

مولاهم (ت 224 ه) كان فقيهاً من أصحاب مالك، ضعفه ابن يونس، وابن حبان(3)

8- أصبغ بن الفرج المصري المالكي:

مولى بن أمية (ت 225 ه) وصف بالشيخ الإمام الكبير، مفتي الديار

ص: 160


1- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 620، تاريخ البخاري 5/ 424، الجرح والتعديل 5/ 358، طبقات الشيرازي: 139، ترتيب المدارك 1/ 360، میزان الاعتدال 4/ 403، سير أعلام النبلاء 10/ 359، تهذيب التهذيب 6/ 407
2- ينظر: تاريخ البخاري 5/ 142، الجرح والتعديل 5/ 105، طبقات الشيرازي: 142، ترتیب المدارك 1/ 523، سير أعلام النبلاء 10/ 220، تهذيب التهذيب 5/ 289
3- ينظر :الجرح والتعديل 5/ 371، المجروحين والضعفاء - لابن حبان - 2/ 134 ن ترتیب المدارك 1/ 530، میزان الاعتدال 4/ 411، سير أعلام النبلاء 10/ 445

المصرية وعاملها، وكان صاحب سنة، كان بينه وبين ابن عبد الكم مباعدة، وكان أحدهما يزي الأخر بالبهتان، وقال ابن وزير: كان أصبغ خبيث اللسان، خرج له البخاري، والترمذي، والنسائي(1).

9- عبد الرحمن بن دينار القرطبي:

مولى يزيد العتبي (ت 227 ه) كان فقيهاً عالماً حافظاً، وهو الذي ادخل الكتب المعروفة بالمدينة إلى المغرب(2).

10- يحيى بن عبد الله بن بكير، أبو زكريا المصري:

مولى بني مخزوم (ت 231 هت) وصف بالإمام الحافظ، فقيه الفقهاء بمصر في زمانه ضعفه النسائي ويحيى بن معين، وخرج له البخاري ومسلم وابن ماجة(3).

11- يحيى بن يحيى بن كثير بن سلاس بن شملال بن منغايا المصمودي البربري القرطبي الأندلسي:

مولى بن ليث (ت 234 ه) وصف بالإمام الكبير، فقيه الأندلس، من تلامذة مالك، نال من الرئاسة والحرمة ما لم يبلغه أحد(4).

ص: 161


1- ينظر: تاريخ البخاري 2/ 36، الجرح والتعديل 2/ 321 طبقات الشيرازي: 144، ترتيب المدارك 1 م 561، سير أعلام النبلاء 10 / 656، تهذيب التهذيب 1/ 361
2- ينظر: ترتيب المدارك 2/ 15، الدياج المذهب: 243 رقم 310
3- ينظر: تاريخ البخاري 8/ 285، الجرح والتعديل 9/ 165، ترتيب المدارك 1/ 528، سيرا أعلام النبلاء 10/ 612، تهذيب التهذيب 11/ 237
4- ينظر: أخبار الفقهاء والمحدثين: 261 رقم 493، طبقات الشيرازي: 143، ترتيب المدارك 1/ 534، سير أعلام النبلاء 10/ 519، الديباج المذهب: 434، تهذيب التهذيب 11/ 300

12- عبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين، أبو عثمان المصري:

من موالي عثمان (ت 237 ه) وصف بالفقيه الأوحد، وهو أو محمد مفتي مصر، اتهم بودائع لعلي بن الجردي فسجن وعذب حتى مات في السجن، وكان المتوكل أمر بمصادرة أموال بني عبد الحكم وألزمهم بأكثر من ألف ألف دينار، فنهبت دورهم ثم أمر بإطلاق سراحهم ورد بعض أموالهم عليهم(1).

13- محمد بن إبراهيم:

بن عبدوس (ت 260 ه) أصبه من العجم، وهو من موالي قريش، وصف بفقيه أهل المغرب، وإمام وقته، ومن كبار أصحاب سحنون(2).

14- إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زید القاضي، أبو إسحاق البصري:

مولى الأزد (ت 282 ه) وصف بالإمام العلامة الحافظ، وشيخ الإسلام، فقيه المالكية بالعراق، صاحب التصانيف(3).

15- یحیی بن عمر بن يوسف الأندلسي:

(ت 289 ه) من موالي بني أمية، وصف بالإمام، الفقيه، شیخ المالكية،

ص: 162


1- ينظر: الجرح والتعدیل 6/ 36، ترتيب المدارك 2/ 60، سير أعلام النبلاء 11/ 162، الديباج المذهب: 268، لسان المیزان 3/ 393
2- ينظر: طبقات الشيرازي 148، ترتيب المدارك 2/ 119، سير أعلام النبلاء 13/ 63، الديباج المذهب: 335
3- ينظر: الجرح والتعدیل 2/ 158، فهرست النديم: 340، تاریخ بغداد 6/ 284، طبقات الشيرازي: 153 سير أعلام النبلاء 13/ 339، الديباج المذهب: 151

من كبار أصحاب سحنون، كان حافظاً للفروع(1).

16- عبيد الله بن يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس، أبو مروان الليثي مولاهم الأندلسي (ت 298 ه) وصف بالفقيه، الإمام مسند قرطبة)(2).

17- إبراهيم بن محمود بن حمزة، أبو إسحاق النيسابوري:

(ت 299 ه) الفقيه، شيخ المالكية بنيسابور، تلمیذ ابن عبد الحكم(3).

18- جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض، أبو بكر الفريابي القاضي:

(ت 301 ه) وصف بالإمام الحافظ الثبت، شیخ الوقت، أحد أوعيه العلم، صاحب التصانيف، منها ((السنن)) و ((فضائل القرآن))(4).

ص: 163


1- ينظر: طبقات الشيرازي: 152، سير أعلام النبلاء 13/ 462، الديباج المذهب: 432، لسان الميزان 6/ 270
2- ينظر: سير أعلام النبلاء 13/ 531، الديباج المذهب: 238، شذرات الذهب 2/ 231
3- ينظر: الإكمال - لابن ماکولا - 6/ 395، تاریخ دمشق 7/ 218، سير أعلام النبلاء 14/ 79
4- ينظر: فهرست النديم: 382، تاریخ بغداد 7/ 199، ترتيب المدارك 2/ 187، تذکرة الحفاظ 2/ 692، سير أعلام النبلاء 14/ 96، الديباج المذهب: 169

ص: 164

المبحث الرابع المذهب الشافعي

و ويعود تأسيسه إلى محمد بن إدريس؛ وهو ثالث مذاهب ابناء العامة من المسلمين؛ وللوقوف على معرفة شخصية إمام المذهب، والمسائل التي تميز بها، وبرز فقهاء المذهب حتى منتصف القري الثالث الهجري، فلا بد من المرور بالنقاط الأتية:

المسألة الأولى: التعريف بإمام الذهب.

لم تخلو سيرة إمام المذهب الشافعي من الأحاديث والأقوال المتباينة في مدحه والقدح فيه، حيث أدعى كل فريق بما لديه، الا أننا نورد هنا بعض النقاط التي تنسجم مع منهج الكتاب، وهي كالاتي:

1- اسمه ونسبه.

هو: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي الشافعي (المتوفي سنة 204 ه)، کنیته: أبو عبد الله، وقد أشتهر انه من قريش إلا أن الفقيه الحنفي الجرجاني قد طعن في هذا النسب ونفى أن يكون الشافعي من قريش فقال:

إن أصحاب مالك لا يسلمون أن نسب الشافعي من قریش، بل يزعمون أن شافعاً كان مولى لابي لهب، فطلب من عمر أن يجعله من موالي قريش،

ص: 165

فأمتنع، فطلب من عثمان ذلك ففعل، فعلى هذا التقدير يكون الشافعي من موالي قريش لا من أنفسهم(1).

2- مولده وتنقله في البلاد.

ولد إمام المذهب الشافعي بغزة من فلسطين، وقيل بعسقلان، وقيل باليمن، سنة خمسين ومائة، ونشأ يتيماً فحمل إلى مكة و كان عمرة أنذاك سنتين، وفي مكة حفظ القرآن، ثم خرجت به أمه إلى البادية فلازم هذيلاً وبقي فيها سنين عديدة.

3- طلبه للفقه والحديث.

عاد محمد بن إدريس من الابدية إلى مكة فطلب بها الفقه والحديث فاخذ عن مسلم بن خالد الزنجي، ثم رحل إلى المدينة، ولازم مالك بن انس وقد حفظ الموطأ وقراءه على مالك، وأخذ عنه، وكان مالك يهتم بشؤونه، وقد مرت الاشارة إلى ذلك انفاً - فلما توفي مالك بن أنس ذهب إلى اليمن وبقي فيها خمس سنوات وقد أوكل إليه والي اليمن العديد من المهام. ذهب إلى بغداد مرتين والتقى بكثير من علمائها، وحدث بها؛ ومن بغداد سافر إلى مصر وأنشأ بها مذهبه الجديد، وترك مذهبه القديم ونهی عن الأخذ به إلا أن الفقهاء اللذين خلفوه كان يعرضون آراءه.

4- شعره في مدح آل البيت (عليهم السلام) أحدث خلافا في نسبه إلى التشيع ونفيه.

أشتهر إمام المذهب الشافعي بإظهار حبه لآل البيت (عليهم السلام)

ص: 166


1- مناقب الإمام الشافعي: للفخر الرازي: ص 24 نشر مكتبة الكليات الأزهرية - مصر، لسنة 1406 ه - 1986 م

وانشاده الشعر فيهم، ومما روي عنه في ذلك واعقبه بتهمة التشيع ونفيه عنه هو شمس الدين الذهبي، فقد قائلاً.

(حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حججنا مع الشافعي، فما أرتقى شرفاً، ولا هبط وادياً، إلا وهو يبكي، وينشد:

يا راكبا قف بالمحصب من منى *** واهتف بقاعد خيفنا والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى *** فيضا كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضا حب آل محمد *** فليشهد الثقلان أني رافضي

قال الذهبي: قلت: من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر، لا يدري ما يقول؛ لو كان شيعياً وحاشاه من ذلك لما قال الخلفاء الراشدون خمسة.....)(1).

ونفى أحمد بن حنبل عنه التشيع وقد سئل عن الشافعي، فقال: (لقد من الله علينا به، لقد كان تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم، حتى قدم علينا، فلما سمعنا كلامه، علينا أنه أعلم من غيره، وقد جالسناه الإيام والليالي، فما رأينا منه إلا خيراً.

، فقيل له يا أبا عبد، كان يحيى وأبو عبيد لا يرضيناه - يشير إلى التشيع وانهما نسباه إلى ذلك - فقال:

ما ندري ما يقولان: والله ما رأينا منه إلا خيراً)(2).

أما من قال بتشيعه فهم بعض فقهاء الزيدية.

فقد جاء في شرح الأزهار:

ص: 167


1- سير أعلام النبلاء: 10 ص 59
2- المصدر السابق

(وأما تشيعه فظاهر وهو أحد دعاة الإمام يحيى بن عبد الله، وأمتحن بسبب ذلك، وله أشعار تدل على ذلك)(1).

أقول:

إن رواية الشعر وحدها لا تدل على التشيع نهجاً وعقيدة وفقهاً وسيرة وسلوكاً وبراءة وموالاة والأمر غير خفي على المتتبع لمدرسة العترة النبوية وما أنتجته من فکر، وفقه، وعقيدة، وأخلاق تصدى لحمله أتباع هذه المدرسة وعليه فلا الشعر كاشف عن التشيع، وعدم ذكر الخلفاء الراشدون الخمسة نافياً له کما استدل به الذهبي.

5- بعض المسائل التي تميز بها المذهب الشافعي.

أمتاز المذهب الشافعي ببعض المسائل التي انفرد بها عن بقية المذاهب، وهي كالاتي:

1- وجوب قراءة الفاتحة على المأموم(2).

2- زواج البنت من الزنا(3).

3- اتخاذ أواني الذهب والفضة من غير أستعال(4).

4- لعب الشطرنج(5).

5- نجاسة الأبوال مطلقاً.

ص: 168


1- شرح الأزهار لأحمد المرتضى: ج 1 ص 33 من المقدمة
2- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 605؛ المحلي لابن حزم: ج 3 ص 239
3- کتاب الأم للشافعي: ج 5 ص 42، وج 7 ص 238؛ المبسوط للسرخسي: ج 4 ص 206
4- الحاوي الكبير للماوردي: ج 1 ص 84
5- كتاب الأم للشافعي: ج 6 ص 298 ط دار الكتب العليمة - بيروت لسنة 1413 ه - 1993 م

المسألة الثانية: أسماء أبرز الفقهاء حتى منتصف القرن الثالث للهجرة النبوية.

1- يوسف بن يحيى، أبو يعقوب البويطي المصري القرشي مولاهم (ت 231 ه).

وصف بالإمام العلامة، سيد الفقهاء، صاحب الشافعي، لازمه مدة وتخرج به، حمل إلى بغداد بسبب محنة خلق القرآن وسجن ومات في السجن(1).

2- حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران المصري.

أبو حفص التجيبي مولى بني زميلة بطن من تجيب (ت 243 ه) وصف بالإمام الفقيه من أصحاب الشافعي، وعده بعضهم صاحب مذهب بنفسه، وكان أعلم الناس بابن وهب، ضعفه ابن عدي، وقال فيه أبو حاتم: لا يحتج ب، خرج له مسلم والنسائي، وابن ماجه(2).

3- الحسين بن علي بن يزيد، أبو علي الكرابيس المهلبي مولى لهم (ت 248 ه).

ص: 169


1- ينظر: الجرح والتعدیل 9/ 235، فهرست الندیم: 356 ن تاریخ بغداد 14/ 299، طبقات الشيرازي: 97، الأنساب - للسمعاني - 1/ 417، وفيات الأعيان 7/ 61، طبقات الشافعية - للإسنوي - 1/ 22 رقم 4، طبقات الشافعية - للسبكي - 2/ 162، سير أعلام النبلاء 12/ 58، النجوم الزاهرة 2/ 316
2- ينظر: تاريخ البخاري 3/ 69، الجرح والتعديل 3/ 274، الكامل - لابن عدي - 2/ 458، طبقات الشيرازي: 98، الأنساب - للسمعاني - 3/ 165، تذكرة الحافظ 2/ 486، میزان الاعتدال 2/ 215، سير أعلام النبلاء 11/ 389، تهذيب التهذيب 2/ 229، طبقات ابن قاضي شهبة: 112 رقم 17

وصف بالعلامة، فقيه بغداد، من بحور العلم، صاحب التصانيف كان متكلماً وهو في عداد المجبرة، وكان من أصحاب الرأي ثم تفقه على الشفعي، وكان بغمز علياً (عليه السلام) وينال منه، وهو القائل في أحمد بن حنبل: أي شيء نعمل بهذا الصبي؟ إن قلنا: مخلوق، قال: بدعة، وإن قلنا: غير مخلوق، قال: بدعة، فغضب لأحمد أصحابه، ونالوا منه(1).

4- الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني (ت 259، وقيل: 249، وقيل: 260 ه).

وصف بالإمام العلامة، شيخ الفقهاء والمحدثين، قرأ الشافعي كتابه القديم، وخرج له الستة سوى مسلم(2).

5- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أبو عبد الله المصري من موالي عثمان (ت 268 ه).

وصف بالإمام، شيخ الإسلام، فقيه أهل مصر، عالم الديار المصرية ومفتيها، انتهت إليه الرئاسه - في العلم - بمصر قال ابن الجوزي: كذبه الربيع بن سليمان، وخرج له النسائي(3).

ص: 170


1- ينظر: فهرست النديم: 315، تاريخ بغداد 8/ 64، طبقات الشيرازي: 101، الأنساب - للسمعاني - 5/ 42، سير أعلام النبلاء 12/ 79، طبقات السبكي 2/ 117، تهذيب التهذيب 2/ 359
2- ينظر: الجرح والتعديل 3/ 36، فهرست النديم: 354، تاريخ بغداد 7/ 407، طبقات الشيرازي: 99، أنساب السمعاني 3/ 153، سير أعلام النبلاء 12/ 262، طبقات الشافعية - للسبكي - 2/ 114، تهذيب التهذيب 2/ 318
3- ينظر: الجرح والتعديل 7/ 300، طبقات الشيرازي: 98، ميزان الاعتدال 6/ 219، سير أعلام النبلاء 12/ 497، طبقات الشافعية - للسبكي -: 2/ 67 ، تهذيب التهذيب 9/ 260

6- الربيع بن سليمان، أبو محمد بالمصري المؤذن مولى مراد (ت 270 ه).

صاحب الإمام الشافعي وناقل علمه، وصف بالإمام المحدث، الفقيه الأكبر، بقية الأعلام، روى عنه الأربعة(1).

7- إسحاق بن أبي عمران موسی، أبو يعقوب الإسفراييني (ت 284 ه).

شیخ خراسان وأحد أئمة الشافعية، وصف بالإمام الفقيه الحافظ(2).

8- عبدان بن محمد بن عيسى، أبو محمد الجنوجردي المروزي الشافعي (ت 293 ه).

وصف بالإمام الكبير، فقیه مرو، صنف کتاب ((الموطأ)) وغير ذلك، وهو الذي أظهر مذهب الشفعي بمرو(3).

9- محمد بن أحمد بن نصر، أبو جعفر الترمذي (ت 295 ه).

شيخ الشافعية بالعراق في وقته، وصف بالإمام العلامة(4).

10- أحمد بن عمر بن سريج، أبو العباس القاضي الشافعي (ت 306 ه).

وصف بالإمام، شيخ الإلام، فقيه العراقيين، صاحب المصنفات، وبه

ص: 171


1- ينظر: الجرح والتعديل 3/ 464، تذکرة الحفاظ 2/ 586 سير أعلام النبلاء 12 م 587، طبقات السبكي 2/ 132، تهذيب التهذيب 3/ 245
2- ينظر: تاريخ الجرجاني: 518، تاریخ دمشق 8/ 292، سير أعلام النبلاء 13/ 456، طبقات الشافعية - للسبكي - 2/ 258
3- ينظر: تاریخ بغداد 11/ 135 ، أنساب السمعاني 2/ 98، تذكر الحافظ 2/ 687، سیر أعلام النبلاء 14/ 13، طبقات الشافعية - للسبكي - 2/ 297
4- ينظر: تاریخ بغداد 1/ 365، طبقات الشيرازي: 102، سير أعلام النبلاء 13/ 545، طبقات الشافعية - للسبكي - 2/ 187، لسان الميزان 5/ 46

أنتشر مذهب الشافعي ببغداد، وعدوه على رأس المجددين في المائة الثالثة، كان جده سريج عجمياً لا يعرف بالعربية شيئاً، وذكروا أنه رأى الباري عز وجل في النوم و حادثه بالعجمية وقال له في الآخر: يا سريج طلب کن، فقال: يا خذا سَر بَسر، قالها ثلاثاً. ومعناه: يا سريج اطلب، فقال: يارب رأس برأس(1).

11- عبد الملك بن محمد بن عدي، أبو نعيم الجرجاني الأستراباذي (ت 323 ه).

الفقيه الشافعي، وصف بأحد أئمة المسلمين، ومن الحفاظ لشرائع الدین(2).

12- عبد الله بن محد بن زیاد، أبو بكر النيسابوري مولى بني أمية (ت 324 ه).

وصف بالإمام الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام، صاحب التصانيف، كان إمام الشافعيين في عصره بالعراق(3).

13- أحمد بن أبي أحمد، ابن القاص أبو العباس الطبري (ت 335 ه).

صاحب کتب ((المفتاح)) و ((أدب القاضي)) و ((المواقيت)) و

ص: 172


1- ينظر: فهرست الندیم 357، تاریخ بغداد 4/ 287، طبقات الشيرازي: 105، وفيات الأعيان 1/ 66، سير أعلام النبلاء 14/ 201، طبقات الشافعية - للسبكي - 3/ 21
2- ينظر: تاريخ الجرجاني: 276، تاریخ بغداد 10/ 428، طبقات الشيرازي: 102، سیر أعلام النبلاء 14/ 541، طبقات الشافعية - للسبكي - 3/ 335
3- ينظر: تاریخ بغداد 10/ 120، طبقات الشيرازي: 108، سير أعلام النبلاء 15/ 65، طبقات الشافعية - للسبكي - 3/ 310، طبقات الحافظ: 343

((التلخيص))، وصف بالإمام، الفقيه، شيخ الشافعية(1).

14- إبراهيم بن أحمد، أبو إسحاق المروزي (ت 340 ه).

وصف بالإمام الكبير، شيخ الشافعية، فقیه بغداد، شرح المذهب ولخصه، وانتهت إليه رئاسة المذهب، انتقل في أواخر عمره إلى مصر وتوفي بها(2).

15- أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد، أبو بكر النيسابوري الصبغي (ت 342 ه).

وصف بالإمام، العلامة، المنفي، المحدث، شيخ الإسلام، صاحب التصانيف(3).

16- محمد بن محمد بن يوسف، أبو النصر الطوسي (ت 344 ه).

شيخ الشافعية بخراسان، وصف بالإمام الحافظ، الفقيه، العلامة القدوة، شيخ الإسلام، جمع وصنف وعمل مستخرجاً على صحيح مسلم(4).

17- الحسن بن الحسين بن أبي هريرة، أبو علي القاضي (ت 345 ه).

وصف بالإمام شيخ الشافعية، انتهت إليه رئاسة المذهب(5).

ص: 173


1- ينظر: طبقات الشيرازي: 107، وفيات الأعيان 1/ 68، سير أعلام النبلاء 15/ 371، طبقات السبكي 3/ 59
2- ينظر: تاریخ بغداد 6/ 11، وفيات الأعيان 1/ 26، سير أعلام النبلاء 15/ 429
3- ينظر أنساب السمعاني 3/ 521، سير أعلام النبلاء 15/ 483، طبقات الشافعية - اللسبكي - 3/ 9
4- ينظر: تذكرة الحافظ 3/ 893، سير أعلام النبلاء 15/ 490، طبقات الحفاظ: 366
5- ينظر: تاریخ بغداد 7/ 298، طبقات الشيرازي: 108، سير أعلام النبلاء 15/ 430، طبقات السبكي 3/ 256، شذرات الذهب 2/ 370

18- حسان بن محمد، أبو الوليد النيسابوري (ت 349 ه).

وصف بالإمام الأوحد، الحافظ، المفتي، شيخ خراسان، مصنف ((الأحكام)) على مذهب الشافعي، و ((المستخرج على صحيح مسلم))(1).

19- الحسن بن القاسم، أبو علي الطبري (ت 350 ه).

وصف بالإمام، شیخ الشافعية، صاحب ((الإفصاح)) و ((المحرر في النظر)) وغيرها(2).

ص: 174


1- ينظر: تذكرة الحفاظ 3/ 895، سير أعلام النبلاء 15/ 492، طبقات السبكي 3/ 226
2- ينظر: تاریخ بغداد 8/ 87، طبقات الشيرازي:: 110 وفيات الأعيان 2/ 76، سير أعلام النبلاء 16/ 62، طبقات السبكي 3/ 280

المبحث الخامس المذهب الحنبلي

ويعود تأسيسه إلى أحمد بن حنبل(1)، وهو رابع مذاهب أبناء العامة من المسلمين؛ وللوقوف على معرفة شخصية إمام المذهب، والمسائل التي تميز بها، وأبرز فقهاء المذهب حتى نهاية القرن الثالث الهجري، فلا بد من المرور ببعض النقاط، وهي كالاتي:

المسألة الأولى: التعريف بإمام الذهب.

مثلما جرى المدح والقدح في شخصية أئمة المذاهب الثلاثة السابقة، کذاك هو حال إمام المذهب الحنبلي فقد قيل فيه من المنامات والكرامات ما يتعارض بعضها مع البعض الآر مما لا طائل في ذكره ولا له فائدة في التعريف بشخصيته ومنهجه وسيرته العلمية.

وعليه: سنورد ما له علاقة مع منهج الكتاب في التركيز على أثره في تأسيس المذهب فقهاً وعقيدة، وهو كما يلي:

ص: 175


1- لمزيد من الاطلاع، ينظر الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 7 ص 354، معرفة الرجال لابن معين: ج 2 ص 142؛ التاريخ الكبير: ج 2 ص 5 برقم 1505 المعرفة والتاريخ: ج 1 ص 212، تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 472؛ الكنى والاسماء للرولابي: ج 2 ص 53؛ الجرح والتعدیل: ج 2 ص 68 برقم 126

1- أسمة ونسبه.

هو أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله الشيباني المروزي، المتوفي (سنة 241 ه).

وقيل: ولد في مدينة مرو بخراسان، وقيل: قدمت به أمه إلى بغداد وهي حامل به، فولد بها بعد وفاة أبيه.

أما بالنسبة إلى نسبه، فقد وقع الخلاف بين أهل التحقيق في صحة نسبه إلى بني شيبان فقد ذكر الدميري أن عمه كان أحد وجوه القادة الخراسانية في خلافة المعتصم العباسي مما شكل حافزاً لدى المعتصم في عدم قتل إمام المذهب الحنبلي في المحنة التي أمتحن بها(1).

وقد أورد الذهبي في السير ما يكشف عن إن إمام المذهب من أهل خراسان وله فيها أرحام وأقارب(2).

2- رحلته لطلب العلم وتصانيفه.

نشأ أحمد بن حنبل في مدينة بغداد، وكان لها الأثر الكبير في طلب العلم فسمع من شيوخها، ثم أنتقل منها إلى الكوفة، ومنها إلى البصرة، واليمن، والشام، والحجاز، وقد سمع من شيوخ الحدیث و حفظته في هذه المدن.

أ- فسمع من:

إسماعيل بن عُلية، وهُشيم بن بشير، ومنصور بن سلمة، الخزاعي، وابي

ص: 176


1- حياة الحيوان الكبرى للدميري: ج 1 ص 79، ط دار الفكر - بيروت
2- سر أعلام النبلاء: ج 11 ص 217 - 218

داود الطبالسي، وحماد بن خالد الخياط وابي النضر هاشم بن القاسم، ويحيى بن سعيد القطَّان، ومحمد بن جعفر غندر، وروح بن عبادة، وأبي معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح، وسفيان بن عينية، ومحمد بن إدريس الشافعي، وابي مسهر الدمشقي، وعبد الرزاق بن همام

ب- روى عنه:

روى عنه الكثير من شيوخ الحديث مثلما أخذ عن الكثير، منهم ولداه عبد الله وصالح، ومحمد بن إسماعيل البخاري (صاحب الصحيح) و مسلم بن الحجاج النيسابوري (صاحب الصحيح)، وابو داود السجستاني صحاب السنن، وابو زرعة، وأبو حاتم الرازي (صاحب الجرح والتعديل)، و إبراهيم الحربي، وعبد الله بن محمد البغوي (صاحب معالم التنزیل)، موسی بن هارون.

ج- تصانيفه:

صنف إمام المذهب الحنبلي عدداً من الكتب، وهي:

1- کتاب المسند وهو من أشهر تصانیفه، يحتوي على (27100) حديث.

2- فضائل الصحابة.

3- المسائل.

4- العلل والرجال.

5- الناسخ والمنسوخ.

6- التفسير.

7- التأريخ.

ص: 177

وغيرها من التصانيف مما يكشف عن قوة حفظه فقد أتقن الرواية والحديث فعزز ذلك كونه محدثاً اكثر من كونه فقهياً، وهو ما سنتناوله فيما يلي:

3- ما قيل في فقه إمام المذهب الحنبلي.

لم يجد بعض أهل العلم أن أحمد بن حنبل كان فقيهاً، وانما هو من أئمة وفي الحديث، حفظاً ورواية، ومنهم:

1- ابن جرير الطبري (ت 310 هت).

وهو أحد أعلام المسلمين في الفقه والتفسير والحديث والتاريخ، وكان قد صنف كتاباً في الفقه يعد من أجل الكتب الفقهية، فقد ذكر ابن الاثير في وصف الكتاب وراي ابن جرير في فقه أحمد بن حنبل، فقال: (أنّ الطبري جمع کتاب ذكر فيه اختلاف الفقهاء لم يصنف مثله، ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل، فقيل له في ذلك؟

فقال:

لم يكن فقيهاً، وإنما كان محدثاً!!

فأشتد ذلك على الحنابلة، وكانوا لا يحصون كثرة في بغداد، وشغبوا عليه)(1).

أقول:

لعل المراد من قول ابن الأثير في وصف کتاب اختلاف الفقهاء: (لم

ص: 178


1- الكامل في التاريخ: ج 8 ص 134

يصنف مثله) هوي زمان ابن جرير الطبري، فضلاً عن أن ذلك فهو محصور في حدود علم ابن الأثير.

وعليه:

فقد صنف الشيخ الطوسي (عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 460 ه) کتابه الخلاف جمع فيه المسائل الفقهية واقوال الفقهاء في المسألة الواحدة، ثم بیان الدليل على صحة ما ذهب إليه الإمامية (أعلى الله شأنهم).

2- أبن حزم الأندلسي (ت 456 ه).

تعرض ابن حزم الاندلسي إلى بيان أئمة المذاهب لأهل السنة والجماعة، فعد ثلاثة منه وانكر ان يكون الرابع فقيهاً، وهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة(1).

3- الخطيب البغدادي (ت 463 ه).

في الرموز التي لم تعد أحمد بن حنبل من الفقهاء، هو الخطيب البغدادي فقد عده من المحدثين(2).

4- ما قيل في عقيدة إمام المذهب.

لم يحتج البحث في عقيدة إمام المذهب الحنبلي إلى الاستدلال بأقوال أهل العلم، فقد صرّح بذلك وأسس لهذه الأصول التي آمن بها وأعتقدها، وكتب فيها وحددها في ثلاثة أصول ليسير عليها من جاء من بعده، وهذه الثلاثة، هي:

ص: 179


1- الاحکام في أصول الأحكام: ج 1 ص 192 ط دار الكتاب العلمية
2- تاریخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 6 ص 67، ط مطبعة السعادة - مصر لسنة 1349 ه - أو فسیت / دار الكتب العلمية - بيروت

1- الجبر.

2- التجسیم.

3- التشبيه.

وقد بيّن هذه الأصول الثلاثة، في رسالته (السنّة)، وهي كالاتي:

أ- الجبر:

وقد قال فيه:

(والقدر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومرّه، و محبوبه ومكروهة، وحسنه وسيئة، وأوله وآخره، من الله عز وجل؛ قضى قضائه على عباده لا يجاوزون قضاءه، بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له، واقعون فيما قدر عليهم لا محالة، وهو عدل منه عزّ وجل.

والزنى، والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، واكل مال الحرام، والشرك بالله عز وجل، والذنوب والمعاصي، كلها بقضاء وقدر من الله عز وجل، من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة، بل لله عز وجل الحجة البالغة على خلقه و«لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»، وعلم الله عزم وجل ماضٍ في خلقه بمشيئة منه، قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه - من لدن عصاه إبليس إلى أن تقوم الساعة - المعصية وخلقهم لها، وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها، فكل يعمل بما خلق له، وصائر إلى ما قضى الله عليه منه، لا يعدو أحد منهم قدر الله عز وجل ومشيئته، والله الفعال لما یرید.

ومن زعم أن الله عز وجل شاء لعباده الذين عصوا الخير والطاعة، وأن العباد شاؤا لأنفسهم الشر والمعصية، فعملوا على مشيئتهم، فقد زعم أن مشيئة

ص: 180

العباد أغلب من مشيئة الله عز وجل، فأي افتراء على الله أكبر من هذا؟

ومن زعم ان الزنی لیس بقدر، قيل له: رأيت هذه المرأة حملت من الزنى، وجاءت بولد، هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد؟ وهل مضى هذا في سابق علمه؟ فإن قال: لا، فقد زعم أن مع الله تعالى خالقاً، وهذا هو الشرك صريحاً.

ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء، فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره وهذا يضارع قول المجوسي، بل كل رزقه الله وقضى الله عز وجل أن يأكله من الوجه الذي أكله.

ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل، فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله، وأي كفر أوضح من هذا؟ بل كان ذلك بقضاء الله عز وجل وقدره، وكل ذلك بمشيئة في خلقه، وتدبيره فيهم، وما جرى من سابق علمه فيهم، وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد، ومن أقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر والقمأ.

ب- التجسیم

وفي عقيدته بالتجسيم فقد قال:

(ولله تعالى عرش، وللعرش حملة يحملونه، والله عز وجل على عرشه، والله تعالی سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حلیم وينظر ويبصر، ويضحك ويفرح، ويحب ويكره ويبغض، ويرضى ويغضب ويسخط، ويرحم يعفو، ويعطي ويمنح، وينزل تبارك وتعالى، كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف يشاء «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» وقلوب

ص: 181

العباد بين إصبعين من أصابع الرب عز وجل، يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد. وخلق الله عز وجل آدم (عليه السلام) بيده، والسماوات والأرض يوم القيامة في كفه، ويخرج قوماً من النار بيده، وينظر أهل الجنة إلى وجهه، ویرونه فیکر مهم ويتجلى لهم فيعطيهم، ويعرض عليه العباد يوم الفصل والدين، ويتولى حسابهم بنفسه، لا يولي ذلك غيره عز وجل...

وكلم الله موسی تکلیماً، من الله سمع موسى يقيناً، وناوله التوراة من يده، ولم ينزل الله متكلماً عالماً، تبارك الله أحسن الخالقين. والرؤيا من الله عز وجل حق، إذا رأى صاحبها شيئاً في منامه يقصها على عالم، وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحياً(1).

ج- التشبيه.

وقد ساق أحمد بن حنبل جملة من الأحاديث التي يستدل بها على التشبيه في معرض رده على الجهمية، منها:

1- عن أبي هريرة قال: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فان الله خلق آدم على صورته.

2- وعنه أيضاً: (إن الله خلق آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً).

3- عن عمر بن الخطاب، قال: (إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد.

وغيرها من الأحاديث(2).

ص: 182


1- السنة لأحمد بن حنبل: ص 46 - 50 نشي - السلفية
2- المزيد من الاطلاع، ينظر کتاب: السنة لأحمد بن حنبل: ص 454 - 470، تحقيق الدكتور سعيد القحطاني، ط دار ابن القيم، لسنة 1406 ه - 1986 م الدمام / السعودية

ومما لا ريب فيه أن هذه العقيدة قد رد عليها الكثر من أهل العلم منذ صدورها وإلى يومنا هذا وقد أحتملها ودافع عنها الكثير أيضاً، والأمر لا يخفى على الباحث المتبع في ذلك.

5- المسائل الفقهية التي أمتاز بها المذهب الحنبلي.

أمتاز المذهب الحنبلي ببعض المسائل الفقهية عن بقية المذاهب الإسلامية السابقة، وهي كالاتي:

1- وجوب المضمضة والاستنشاق(1).

2- وجوب غسل اليدين عند القيام من النوم(2).

3- الاقتصار على المفصل في اليد في مسح التيمم قياساً على السرقة(3).

4- مؤاخذ المقر بإقراره، وإن استثنی أنه أعطى فلا يقبل منه، وان كانت البينة(4).

المسألة الثانية: أسماء أبرز فقهاء المذهب الحنبلي حتى متصف القرن الثالث للهجرة.

اشتهر بعض الفقهاء الذين تتلمذوا في المدرسة الحنبلية وتخرجوا منها، منهم:

1- أحمد بن الحسن بن جنیدیب، أبو الحسن الترمذي الكبير (ت قبل 250 ه).

ص: 183


1- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 102
2- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 80؛ بداية المجتهد لابن رشد: ج 1 ص 350
3- المغني لابن قدامة: ج 1 ص 102
4- المجموع شرح المهذب للنووي: ج 20 ص 289، ط مطبعة التضامن / مصر لسنة 1344 ه

وصف بالإمام الحافظ المجود الفقيه، بأحمد بن حنبل وروى عنه البخاري والترمذي(1).

2- إسحاق بن منصور بن بهرام، أبو يعقوب الكوسج المروزي النيسابوري (ت 251 ه).

وصف بالإمام الفقيه، الحافظ الحجة، وهو الذي دون عن أحمد بن حنبل المسائل في الفقه، روى عنه الستة سوى أبي داود(2).

3- محمد بن عبد الملك بن زنجويه، أبو بكر الغزال (ت 258 ه).

وصف بالحافظ الإمام الفقيه، صاحب أحمد بن حنبل، خرج له الأربعة(3).

4- أحمد بن محمد بن هاني، أبو بكر الأثرم الإسكافي (ت 260 ه).

تلميذ الإمام أحمد وصاحب السنن، وصف الإمام الحافظ العلامة قال يحيى بن معين: كان أحد أبوي الأثرم جنيّاً، وقال ابن حبان: أصله من خراسان، روى عنه النسائي(4).

5- محمد بن مسلم بن عثمان، ابن وارة عبد الله الرازي (ت 270 ه).

وصف بالحافظ الإمام المجود، أحد الأعلام، وكان يضرب له المثل في

ص: 184


1- ينظر: الجرح والتعدیل 2/ 47، طبقات الحنابلة 1/ 39، سير أعلام النبلاء 12/ 156، تذكرة الحفاظ 2/ 536، تهذيب التهذيب 1/ 24
2- ينظر: تاريخ البخاري 1/ 404، الجرح والتعدیل 2/ 234، تاریخ بغداد 6/ 362، طبقات الحنابلة 1/ 106 رقم 133، سير أعلام النبلاء 12/ 258، تذکرة الحفاظ 2/ 524
3- ينظر: الجرح والتعدیل 8/ 5، تاریخ بغداد 2/ 345 طبقات الحنابلة 1/ 283 رقم 429، سير أعلام النبلاء 12/ 346، تهذيب التهذيب 9/ 315
4- ينظر: الجرح والتعدیل 2/ 72، الثقات - لابن حبان - 8/ 36، فهرست النديم: 379، طبقات الشيرازي 159، طبقات الحنابلة 1/ 65، سير أعلام النبلاء 12/ 623، تهذیب التهذيب 1/ 78، طبقات الحفاظ: 259

الحفظ، على حمق فيه وتیه، روى عنه النسائي(1).

6- أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو بكر المروذي (ت 273 ه).

صاحب الإمام أحمد، كان والده خوارزمياً وأمه مروذية، وصف بالإمام، القدوة الفقيه، المحدث، شيخ الإسلام(2).

7- عبد الملك بن عبد الحميد الميموني الرقي مولى بني أسد (ت 274 ه).

كان حده میمون بن مهران شیخ الجزيرة أعتقته امرأة من بني نصر بن معاوية بالكوفة، وصف بالإمام العلامة، الحافظ الفقيه، عالم الرقة ومفتيها في زمانه، روى عنه النسائي(3).

8- إسحاق بن إبراهيم بن هاني النيسابوري (ت 275 ه).

وصف بالفقيه، وأنه من العلماء العاملين له عن أحمد سؤالات في مجلدة(4).

9- حرب بن إسماعيل الكرماني (ت 280 ه).

ص: 185


1- ينظر: الجرح والتعدیل 8/ 79، تاریخ بغداد 3/ 256، طبقات الحنابلة 1/ 299، تاریخ دمشق 55/ 388، سير أعلام النبلاء 13/ 28
2- ينظر: تاریخ بغداد 4/ 423، طبقات الشيرازي: 159، طبقات الحنابلة 1/ 57، تذکرة الحفاظ 2/ 631، سير أعلام النبلاء 13/ 173
3- ينظر: الجرح والتعديل 5/ 358، طبقات الحنابلة 1/ 202، تذکرة الحفاظ 2/ 603 ن سير أعلام النبلاء 13/ 89، تهذيب التهذيب 6/ 400
4- ينظر: تاریخ بغداد 6/ 376، طبقات الحنابلة 1/ 102، سير أعلام النبلاء 13/ 19

تلميذ أحمد بن حنبل وصاحب كتاب ((المسائل)، وصف بالإمام، العلامة، الفقيه(1).

10- إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الحربي وأصله من مرو (ت 285 ه).

وصف بالإمام الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام، صاحب التصانيف، قاسه بعضهم بأحمد بن حنبل(2).

11- أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر الخلال (ت 311 ه).

صاحب کتب ((العلل)) و ((السنة)) و ((أحكام أهل الملل)) أصله من مرو وهو غني عن التعريف(3).

12- الحسن بن علي بن خلف، أبو محمد البربهاري (ت 323 ه).

شیخ الحنابلة، وصف بالفقيه القدوة، الإمام كان مجبراً، مجسماً، مشبهاً، وله أتباع كثر، غالباً ما يثيرون الفتن والمشاغبات، حتى طلبه السلطان، فاختفى مدة وأوقع بأصحابه(4).

ص: 186


1- ينظر: الجرح والتعديل 3/ 253، طبقات الحنابلة 1/ 136، تاریخ دمشق 12/ 309، تذكرة الحفاظ 2/ 613، سير أعلام النبلاء 13/ 244
2- ينظر: فهرست النديم: 381، تاریخ بغداد 6/ 27، طبقات الشيرازي: 160، طبقات الحنابلة 1/ 83، تذكرة الحفاظ 2/ 584، سير أعلام النبلاء 13/ 356، طبقات الحفاظ: 263
3- ينظر: تاریخ بغداد 5/ 112، طبقات الشيرازي: 160، طبقات الحنابلة 2/ 11، تذکرة الحفاظ 3/ 785، سير أعلام النبلاء 14/ 297
4- ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 16 رقم 588، المنتظم 8/ 207، سير أعلام النبلاء 15/ 90، شذرات الذهب 2/ 319

13- أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل، أبو بكر النجاد (ت 328 ه).

وصف بالإمام الحافظ، الفقيه، المفتي، شيخ العراق، صاحب ((مسند عمر)) كان مجسماً حشوياً(1).

14- عبدالعزيز بن جعفر بن يزداد، أبو بكر غلام الحلال (ت 363 ه).

شیخ الحنابلة، صاحب کتب ((الشافي)) و ((المقنع)) و ((الخلاف مع الشافعي)) و ((مختصر السنة)) وصف بالإمام العلامة(2).

ص: 187


1- ينظر: تاریخ بغداد 4/ 189، طبقات الشيرازي: 161، میزان الاعتدال 1/ 238، سیر أعلام النبلاء 15/ 502، طبقات الحنابلة 2/ 7
2- ينظر: تاریخ بغداد 10/ 459 ن طبقات الشيرازي: 161، سير أعلام النبلاء 16/ 143 ن شذرات الذهب 3/ 45

ص: 188

المبحث السادس المذهب الزيدي

ويرجع اتباع المذهب الزيدي إلى إمام المذهب الشهيد زيد بن الإمام علي بن الحسین زین العابدین (عليهم السلام) وللوقوف على معرفة سيرة إمام المذهب وأبرز الفقهاء حتى القرن الرابع الهجري، وهي كالاتي:

المسألة الأولى: التعريف بشخصيته وشطراً من سيرته.

1- اسمة وكنيته.

هو: زید بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، یکنی بابي الحسين، الثائر على الباطل، الشهيد على أيدي أشياع أمية بأمر هشام بن عبد الملك الأموي.

2- ولادته ونشأته.

ولد (عليه السلام) في حجر أبيه الإمام السجاد، وتتلمذ على يديه وعلى يدي أخيه الإمام الباقر (عليهم السلام) فكان فقيهاً، قارئاً، مناظراً، خطیباً، معروفاً بالفصاحة، وسرعة الجواب، ووضوح البيان، واللقاء الحجة.

3- الراوون عنه.

روى عنه: الأجلح بن عبد الله الكندي، وإسماعيل بن عبد الرحمن

ص: 189

السّدي، وبسام الصيرفي، وأبو حمزة ثابت بن أبي صيفة الثالي، وابناه الحسين وعيسی، وزبيد اليامي، وسليمان الأعمشي، وشبعة بن الحجاج وعمرو بن خالد الواسطي، وكثير النوّاء، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وهارون بن سعد العجلي، وهاشم بن البريد، وغيرهم(1).

4- بعض ما قيل فيه.

كثيرة هي الأقوال التي قيلت في شخصه وسجاياه الحميدة، لا سيما ما ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي كالاتي:

1- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام الحسين (عليه السلام):

«يخرج من صلبك رجل، يقال له: زيد يتخطا هو واصحابه رقاب الناس يدخلون الجنة بغير حساب»(2).

2- وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإمام الحسين (عليه السلام):

«إنه يخرج من ولده رجل يقال له زيد: يقتل بالكوفة ويصلب بالكناسة، يخرج من قبره نبشا، تفتح لروحه ابواب السماء، يبتهج به أهل السماوات»(3).

3- قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، وقد وقف على موضع صلبه بالكوفة فبکی و بکی أصحابه، فقالوا له: ما الذي أبكاك؟!

ص: 190


1- موسوعة طبقات الفقهاء - اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام: ج 2 ص 223
2- عیون اخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 1 ص 326
3- الأمالي للصدوق: ص 94

قال:

«إن رجلاً من ولدي يصلب في هذا الموضع، من رضي أن ينظر إلى عورته اكبه الله على وجهه في النار»(1).

4- قال الإمام الباقر (عليه السلام):

«لقد أنجبت أمّ ولدتك یا زید، اللهم أشدد أزري بزيد»(2).

5- ودخل عليه يوماً فلما رآه، تلا:

«یا ایها اللذين كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ثم قال: انت والله يا زيد من أهل ذلك»(3).

6- قال الإمام الصادق (عليه السلام):

«فإن زيد كان عالماً، وكان صدوقاً ولم يدعكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو ظهر لوفي بما دعاكم إليه انما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه»(4).

7- قال الإمام علي بن موسی الرضا (عليه السلام):

«إنه كان من علماء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) غضب الله عز وجل فجاهد أعدائه حتى قتل في سبيله»(5).

ص: 191


1- الملاحم والفتن لابن طاووس: ص 244
2- الاغاني لابي الفرج الأصفهاني: ج 2 ص 258
3- الغدير: 3/ 70
4- الكافي للكليني: ج 8 ص 264
5- عیون اخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق: ج 1 ص 225

المسألة الثانية: موقف علماء الإمامية من زيد الشهيد (عليه السلام).

لقد تحدث علماء الإمامية عن زید الشهيد وجهاده وواجهوا الافتراءات التي قيلت فيه، وفي موقفهم منه والتي أطلقها اشياع بني أمية قال العلامة الاميني (عليه الرحمة والرضوان في بيان موقف علماء الإمامية (أعلى الله شأنهم) وشعرائهم في زيد الشهيد:

(وأما نصوص العلماء فدونك كلمة الشيخ المفيد في إرشاده، والخزار القمي في كفاية الأثر، والنسابة العمري في المجدي، وابن داود في رجاله، والشهيد الأول في قواعده، والشيخ محمد بن الشيخ صاحب المعالم في شرح الاستبصار، والأسترآبادي في رجاله، وابن أبي جامع في رجاله، والعلامة المجلسي في مرآة العقول، ومیرزا عبد الله الأصبهاني في رياض العلماء، والشيخ عبد النبي الكاظمي في تكملة الرجال، و الشيخ الحر العاملي في خاتمة الوسائل، والسيد محمد جد آية الله بحر العلوم في رسالته، والشيخ أبي علي في رجاله، وشيخنا النوري في خاتمة المستدرك، وشيخنا المامقاني في تنقيح المقال.

إلى كثيرين من أمثالهم فقد اتفقوا جميعا على معنی واحدهو تنزیه ساحة زيد عن أي عاب وشية، وإن دعوته کانت إلهية، وجهاده في سبيل الله. ويعرب عن رأي الشيعة جمعا، قول شيخهم بهاء الملة والدين العاملي في رسالة إثبات وجود الإمام المنتظر: إنا معشر الإمامية لا نقول في زيد بن علي إلا خيرا، والروايات عن أئمتنا في هذا المعنى كثيرة. وقال العلامة الكاظمي في التكملة: اتفق علماء الإسلام على جلالة زيد وورعه وفضله.

وأما شعراء الشيعة فللكميت من هاشمياته قصيدة يرثي بها زيد بن علي

ص: 192

وابنه الحسين ويمدح بني هاشم مطلعها:

ألا هل عم في رأيه متأمل؟! *** وهل مدبر بعد الإساءة مقبل؟؟

وله قوله في زيد:

يعز على أحمد بالذي *** أصاب ابنه أمس من يوسف(1)

خبيث من العصبة الأخبثين *** وإن قلت: زانين. لم أقذف

وقال سديف بن میمون في قصيدة له:

لا تقبلن عبد شمس عثارا *** واقطعوا كل نحلة وغراس

واذكروا مصرع الحسين وزيد *** وقتيلا بجانب المهراس(2)

وقال أبو محمد العبدي الكوفي:

حسبت أمية أن ستضی هاشم *** عنها ويذهب زيدها وحسينها

كلا ورب محمد والهه *** حتى تباع سهولها وحزونها

وتذل ذل حليلة لحليلها *** بالمشرفي وتستد دیونها

وقال السيد الحميري:

بت ليلي مسهدا *** ساهر الطرف مقصدا

و لقد قلت قولة *** وأطلت التبلدا

لعن الله حوشبا *** وخراشا ومزيدا

و يزيدا فإنه *** كان أعتى وأعندا

ألف ألف ألف ألف *** من اللعن سرمدا

ص: 193


1- يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام على العراق وهو قاتل زيد
2- ماء بجبل أحد والقتيل بجنبه حمزة بن عبد المطلب سلام الله عليهما

إنهم حاربوا الاله *** وآذوا محمدا

شركوا في دم المطهر *** زید تعندا

ثم عالوه فوق جذع *** صريعا مجردا

یا خراش بن حوشب *** أنت أشقى الورى غدا(1)

ورثاه الفضل بن عبد الرحمن بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (المتوفی 129 ه) بقصيدة أولها:

ألا يا عين لا ترقي وجودي *** بدمعك ليس ذا حين الجمود

غداة ابن النبي أبو حسين *** صليب بالكناسة فوق عود

وأبو ثميلة صالح بن ذبيان الراوي عن زيد بقصيدة مستهلها:

أأبا الحسين أعارفقدك لوعة *** من يلق ما لاقيت منها يكمد

والوزير الصاحب بن عباد بمقطوعة أولها:

بدي من الشيب في رأسي تفاريق *** وحان للهو تمحيق وتطليق

هذا فلا هو من هم يعوقني *** بيوم زيد وبعض الهم تعویق

وقال أبو الحسن ابن حماد:

ودليل ذلك قول جعفر عندما *** عزي بزيد قال كالمستعبر

لو كان عمي ظافرا لوفي بما *** قد كان عاهد غيران لم يظفر

والشيخ صالح الكواز في قصيدة يرثي بها الإمام السبط قوله:

ص: 194


1- يقال: إن خراش بن حوشب هو الذي أخرج جسد زيد الشهيد من مدفنه الشريف

وزيد وقد كان الآباء سجية *** لآبائه الغر الكرام الأطايب

كان عليه القي الشيخ الذي *** تشكل فيه شبه عيسي لصالب

وقال الشيخ يعقوب النجفي (المتوفي) 1329:

يبكي الإمام لزید حين يذكره *** وإن زيدا بسهم واحد ضربا

فكيف حال علي بن الحسين وقد *** رأى ابنه لنبال القوم قد نصبا؟؟

وللشیخ میرزا محمد علي الأوردبادي قصيدة في مدحه ورثائه أولها:

أبت علياؤه إلا الكرامة *** فلم تقبر له نفس مضامه

وللسيد مهدي الأعرجي قصيدة في رثائه مطلعها:

خليلي عوجابي على ذلك الربع *** لأسقيه إن شح الحيا هاطل الدمع

ورثاه السيد علي النقي النقوي اللكهنوي بقصيدة استهلها:

أبي الله للاشراف من آل هاشم *** سوى أن يموتوا في ضلال الصوارم

وللشيخ جعفر نقدي قصيدة في رثائه أولها:

یا منزل بالبلاغيين أرسمه *** يبكيه شجوا على بعد متيمه

وأفرد غير واحد من أعلام الإمامية تأليفا في زيد وفي فضله ومآثره، فمنهم:

1- إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي (المتوفی 283)، له كتاب أخبار زيد.

2- محمد بن زکریا مولى بني غلاب المتوفی 298، له كتاب أخبار زيد.

3- الحافظ أحمد بن عقدة، له كتاب من روی أخبار زيد ومسنده.

ص: 195

4- عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفي 368، له كتاب أخبار زيد.

5- محمد بن عبد الله الشيباني المتوفي 372، له کتاب فضایل زيد.

6- الشيخ الصدوق أبو جعفر القمي المتوفي 381، له كتاب في أخباره.

7- میرزا محمد الاسترآبادي صاحب الرجال الكبير.

8- السيد عبد الرزاق المقّرم.

فهذا زيد ومقامه وقداسته عند الشيعة جمعاء، فلست أدري أين يكون إذن مقيل قول ابن تيمية من مستوى الحقيقة: إن الرافضة رفضوا زید بن علي بن الحسين ومن والاه وشهدوا عليه بالكفر والفسق؟!(1) وتبعه على هذه الهفوة السيد محمود الآلوسي في رسالته المطبوعة في كتاب (السنة والشيعة) وقال:

الرافضة مثلهم كمثل اليهود الرافضة يبغضون كثيرا من أولاد فاطمة رضي الله عنها بل يسبونهم كزید بن علي، وقد كان في العلم والزهد على جانب عظيم. وأخذ عنه القصيمي هذه الأكذوبة وذكرها في كتابه (الصراع بن الإسلام والوثنية).

ذکر هؤلاء عزوهم المختلق هذا إلى الشيعة في عداد مساويهم فشنوا عليهم الغارات، ألا من يسائلهم عن أن الشيعة متی لهجت بهذه؟! ومن ذا الذي حكاها؟! وعلى أي کتاب تستند مزعمتهم؟! ومن ذا الذي شافههم بها حيث خلت عنها الكتب؟!.

نعم: لم يقصدوا إلا إسقاط محل الشيعة بهذه السفاسف فكشفوا عن سوءة إفكهم وإذا كان الكاتب عن أي أمة لا يعرف شيئا من معالمهم وأحوالهم، أو

ص: 196


1- منهاج السنة 2 ص 126

يعرفها ثم يقلبها ظهرا لبطن، يكون مثل هؤلاء الكتبة موردا للمثل: حن قدح ليس منها. وكأن هؤلاء المدافعون عن ساحة قدس زيد يحسبون القراء جهلاء بالتاريخ الإسلامي، وأنهم لا يعرفون شيئا منه، وتخفى عليهم حقيقة هذا القول المزور. ألا من مسائل هؤلاء عن أن زيدا إن كان عندهم وعند قومهم في جانب عظيم من العلم والزهد فبأي كتاب أم بأية سنة حاربه أسلافهم وقاتلوه وقتلوه وصلبوه و وأحرقوه وداروا برأسه في البلاد؟!

أليس منهم ومن قومهم أمير مناوئيه وقاتله: يوسف بن عمر؟!

أو ليس منهم صاحب شرطته: العباس بن سعد؟!.

أو ليس منهم قاطع رأسه الشريف: ابن الحكم بن الصلت؟!

أو ليس منهم مبشر يوسف بن عمر بقتله: الحجاج بن القاسم؟!

أو ليس منهم خراش بن حوشب الذي أخرج جسده من قبره؟!

أو ليس من خلفائهم الآمر بإحراقه: وليد أو هشام بن عبد الملك؟!

أو ليس منهم حامل رأسه إلى هشام: زهرة بن سليم؟!

أو ليس من خلفائهم هشام بن عبد الملك وقد بعث رأس زيد إلى مدينة الرسول فنصب عند قبر النبي يوما وليلة؟!

أو ليس هشام بن عبد الملك كتب إلى خالد القسري يقسم عليه أن يقطع لسان الكميت شاعر أهل البيت ويده بقصيدة رثی ها زید بن علي وابنه ومدح بني هاشم؟!

أو ليس عامل خليفتهم بالمدينة: محمد بن إبراهيم المخزومي، كان يعقد حفلات بها سبعة أيام ويخرج إليها ويحضر الخطباء فيها فيلعنون هناك عليا

ص: 197

وزیدا وأشياعهم؟!

أو ليس من شعراء قومهم الحكيم الأعور؟! وهو القائل:

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة *** ولم نر مهديا على الجذع يصلب

وقستم بعثمان عليا سفاهة *** وعثمان خیرمن علي وأطيب

أو ليس سلمة بن الحر بن الحكم شاعرهم هو القائل في قتل زید؟!

وأهلكنا جحاجح من قريش *** فأمسى ذكرهم كحديث أمس

وکنا أس ملکهم قدیما *** وما ملك يقوم بغير أس

ضمنا منهم نکلا وحزنا ولكن لا محالة من تأس أو ليس منهم من يقول بحيال رأس زيد وهو مصلوب بالمدينة؟!:

ألا يا ناقض الميثاق *** أبشر بالذي ساكا

نقضت العهد والميثاق *** قدما كان قدماكا

لقد أخلف إبليس الذي *** قد كان مناکا

هذه حقيقة الحال، فاقض ما أنت قاض.

«أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ»(1)، انتهى كلامه رحمه الله)(2).

المسألة الثالثة: أسماء أبرز فقهاء المذهب الزيدي حتى نهاية القرن الرابع الهجري

برز مجموعة من فقهاء المذهب الزيدي منذ منتصف القرن الأول الهجري؛

ص: 198


1- النجم: 60 - 61
2- الغدير: ج3 ص 69 - 76

فكان كثيراً منهم قد تتلمذ على أيدي أئمة العترة النبوية كالباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)

وسأوردهم زمنياً حتى نهاية القرن الرابع للهجرة النبوية، وهم كالاتي:

1- أبو الجارود (ت 150 ه).

هو زياد بن المنذر الهمداني الخارفي، ويقال الثقفي، الكوفي، الأعمى، أحد فقهاء الزيدية، وإليه تنسب الجارودية

صحب الامام أبا جعفر الباقر (عليه السّلام)، وروى عنه كثيراً، وروی أيضاً عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام)، وعن أبي إسحاق السبيعيّ، وأبي سعيد عقیصا التميمي، والأصبغ بن نباتة.

وقد وقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، تبلغ زهاء المائة مورد(1) روى عنه: محمد بن سنان كثيراً، والحسن بن محبوب، وعبد الله بن مسكان، وأبان بن عثمان الأحمر، وحريز بن عبد الله، وأبو إسحاق ثعلبة بن میمون الفقيه، وعبد الله بن المغيرة البجليّ، ومالك بن عطية الأحمسي، ومحمد بن سليمان الازديّ، وربعي بن عبد الله، وآخرون.

وفي تهذيب التهذيب: روی عن عطية العوفي، وأبي الجحاف داود بن أبي عوف، وأبي الزبير، والأصبغ بن نباتة، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي جعفر الباقر،.. وعنه: مروان بن معاوية الفزاري، ويونس بن بکیر، وعلي بن هاشم البريد.. وروى له الترمذي حديثاً واحداً. صنّف أبو الجارود کتاب تفسير القرآن الكريم، رواه عن الإمام الباقر (عليه السلام)، وله كتاب

ص: 199


1- بعنوان (أبي الجارود) في اثنين وتسعين مورداً، والباقي بعنوان (زياد بن المنذر)

أصل. توفي - سنة مائة وخمسين، ونُسب إلى البخاريّ أنّه ذكره في فصل من مات من الخمسين إلى الستين ومائة)(1).

2- الحسن بن صالح(2) (ت 169 ه).

هو: الحسن بن صالح، ابن حي الهمداني الثوري، الفقيه المتكلم، أبو عبد الله الكوفي.

ولد في سنة مائة.

عُدّ من أصحاب الإمامين: محمد الباقر وجعفر الصادق (عليهما السّلام)، وروي عنهما، وعن شهاب بن عبد ربّه.

روى عنه الحسن بن محبوب، وعلي بن محمد بن سليمان النوفلي(3) وقد

ص: 200


1- موسوعة طبقات الفقهاء - اللجنة العلمية بأشراف الشيخ جعفر السبحاني: ج 2 ص 219 - 220
2- الطبقات الكبرى لابن سعد 6 - 375، التأريخ الكبير 2 - 295، المعارف 284، المعرفة والتاريخ 2 - 805، الضعفاء الكبير للعقيلي 1 - 229، مشاهير علماء الأمصار 268، الثقات لابن حبان 6 - 164، الفهرست لابن الندیم 267، حلية الأولياء 7 - 327، طبقات الفقهاء للشيرازي 85، المنتظم 8 - 313، الكامل في التأريخ 6 - 76، تهذیب الكمال 6 - 177، سير أعلام النبلاء 7 - 361، العبر 1 - 190، میزان الاعتدال 1 - 496، تهذيب التهذيب 2 - 285، تقريب التهذيب 1 - 167، طبقات الحفاظ 98، شذرات الذهب 1 - 262، جامع الرواة 1 - 204، أعيان الشيعة 5 - 119، تنقیح المقال 1 - 285، معجم رجال الحديث برقم 2872، 2873، قاموس الرجال 3 - 180، معجم المؤلفين 3 - 231
3- روى المترجَم عن الإمام الباقر والصادق - عليهما السلام - كما في الكتب الأَربعة عند الإمامية عدّة روایات تبلغ سبعة وأربعين مورداً، وروي عن شهاب بن عبد ربّه في مورد واحد. انظر معجم رجال الحديث

عُدّد أيضاً من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السّلام).

وروى الحسن کما في تهذيب الكمال عن: جابر بن یزید الجعفي، وسلمة ابن کھیل، وشعبة بن الحجّاج، وعاصم الأحول، وعطاء بن السائب، ومنصور بن المعتمر، وأبي إسحاق السبيعي، وغيرهم.

وروي عنه: عبد الله بن المبارك، وأخوه علي بن صالح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، ومصعب بن المقدام، ويحيى بن أبي بُكير، وآخرون.

وكان فقيهاً، محدّثاً، عابداً، من كبار الشيعة الزيدية.

قال وكيع: كان الحسن بن صالح وأخوه وأُمّهما قد جزّأوا الليل ثلاثة أجزاء، فكل واحد منهم يقوم ثلثاً، فماتت أُمهما، فاقتسما الليل، ثم مات علي، فقام الحسن الليل كلَّه.

وثّقه أبو حاتم والنسائي وغيرهما.

وقال أبو زرعة: اجتمع فيه اتقان وفقه، وعبادة وزهد.

وقد طعن فيه جماعة لما كان يراه من الخروج بالسيف على أئمة الجور، ولترکه الجمعة، فأمّا الخروج بالسيف فأجاب عنه ابن حجر بقوله: ((وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحرَّة، ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبّر، وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته..)).

قال السيد محسن العاملي في تعقيبه على كلام ابن حجر: واستقرار الامر على ترك ذلك لا يفهم له معنى، فلو استقر الأمر على ترك واجب لم يسقط

ص: 201

وجوبه وكان تارکوه مأثومين، وإذا كان أهل وقعة الحرّة لم ينجحوا لمخامرة بعضهم أو لغير ذلك لم يسوّغ ذلك للناس أن يستقرّ أمرهم على ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقاومة الظلم.

وأمّا ترك الجمعة فقد قال فيه ابن حجر: ((ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلَّي خلف فاسق ولا يصحّح ولاية الامام الفاسق..)).

وللحسن بن صالح کتب منها: التوحيد، إمامة ولدعلي من فاطمة، والجامع في الفقه.

وله أصل(1) لا يرويه عنه الحسن بن محبوب.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن الحسن بن صالح عن أبي عبد الله - عليه السّلام قال: إنّ علياً أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمر قنبر أن يضرب رجلًا حداً فغلط قنبر فزاده على الثمانين ثلاثة أسواط، فأقاده أمير المؤمنين (عليه السّلام) من قنبر فجلد قنبر ثلاثة أسواط.

توفي الحسن بن صالح بالكوفة سنة ثمان، وقيل - تسع وستين ومائة، وكان اختفاؤه مع عیسی بن زید بن علي بن الحسين (عليه السّلام) في موضع واحد سبع سنين، والمهدي العباسي جادٌّ في طلبهما)).

3- وکیع بن الجراح (ت 197 ه).

ص: 202


1- قال السيد محسن العاملي: ويُحتمل کونه (يعني الأصل) هو الجامع في الفقه بعينه. أعيان الشيعة: 5 - 123

هو: ابن مليح بن عدي الروَاسي، أبو سفيان الكوفي.

ولد سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين.

روی عن: سليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الرحمن الأوزاعي، وسفيان الثوري، وشريك النخعي، وخلق كثير.

روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن مَعين، وهشام بن عمار الدمشقي، وعدّة.

وكان حافظاً، محدثاً، فقیهاً، مفتياً، قدم بغداد وحدث بها، وأراد الرشید أن يوليه قضاء الكوفة فامتنع ورعاً، وذكر أحمد بن حنبل يوماً وكيعاً، فقال: ما رأت عيناي مثله قط، يحفظ الحديث جيداً، ويذاكر بالفقه فيحسن مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحدٍ.

روي أنّ رجلًا أغلظ له، فدخل بيتاً، فعفّر وجهه ثم خرج إلى الرجل، فقال: زِد وکیعاً بذنبه، فلولاه ما سُلِّطتَ عليه.

وقد نص ابن المديني على أنّ في وكيع تشيعاً، وعدّه ابن قتيبة في رجال الشيعة، وكان مروان بن معاوية لا يرتاب في أن وكيعاً (رافضي)، دخل عليه

ص: 203

يحيى ابن مَعين مرةً فوجد عنده لوحاً فيه فلان كذا، وفلان كذا، ومن جملة ما كان فيه، وكيع رافضي، فقال له ابن معين: وكيع خير منك، قال: منّي؟ فقال له: نعم.

وقد عَدّه بعضهم في رجال الشيعة الزيدية «1» ومن كتب وكيع: تفسير القرآن، السنن، المعرفة والتاريخ، والزهد.

ومن كلامه: إنّما العاقل من عقل عن الله أمره، ليس من عقل أمر الدنيا.

وقال: مَن لم يأخذ أهبة الصلاة قبل وقتها لم يكن وقّرها.

وسئل عن أدوية الحفظ، فقال: ترك المعاصي، ما جرّبت مثله للحفظ.

توفي بَفيد وهي بُليدة في نصف طريق مكة من الكوفة قافلًا من الحج - سنة سبع وتسعين ومائة، وقيل: ثمان وتسعين)(1).

4- القاسم الرسي (ت 246 ه).

هو: القاسم بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد العلوي، المعروف ب (الرَّسِّي).

ص: 204


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 2 ص 112 - 613

أحد أئمة الزيدية روى عن: أبيه، وإسماعيل بن أبي أُويس، وأبي سهل المقرئ وآخرين.

روى عنه: أولاده محمد، والحسن، والحسين، وسلیمان، وداود، ومحمد بن منصور المرادي، وجعفر النيروسي، وغيرهم أقام بمصر عشر سنين، فاشتدّ عليه الطلب من عبد الله بن طاهر(1) فغادرها إلى بلاد الحجاز وبثّ دعاته في الأمصار والبلدان، وبايعه كثيرون، فانتشر خبره، فوُجِّهت في طلبه الجيوش، فانحاز إلى حيّ من البدو، واستخفى فيهم، ولم يزل على تلك الحال، متغرباً، متردداً في النواحي، حتی تهیأت مقدمات ظهوره، فبويع البيعة الجامعة في منزل محمد بن منصور المرادي بالكوفة وذلك في سنة (219 ه)، إلَّا أن دعوته فشلت، فانتقل إلى الرسّ (جبل أسود بأطراف المدينة بالقرب من ذي الخليفة) في آخر أيامه، وتوفي بها سنة - ست وأربعين ومائتين(2) وكان فقيهاً، عالماً، زاهداً، عفيفاً، ذكره المرزباني في الشعراء، وأورد له شعراً.

صنَّف کتباً في الفقه والكلام، منها: الفرائض والسنن، الطهارة، الأشربة، العدل والتوحيد، الدليل الكبير، الدليل الصغير، الردّ على النصاری، والناسخ والمنسوخ وذكر أبو العباس النجاشي في رجاله أنّ له كتاباً يرويه عن أبيه وغيره، عن الإمام الصادق (عليه السلام) ورواه هوعن الإمام

ص: 205


1- عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي: أمير خراسان، ومن أشهر الولاة في العصر العباسي، ولي إمرة الشام مدة، ونقل إلى مصر سنة (211 ه)، فأقام سنة، ونقل إلى الدينور، ثم ولَّاه المأمون خراسان، توفي سنة (230 ه). الاعلام: 4 - 93
2- ينظر بحوث في الملل والنحل: 7 - 393

الكاظم (عليه السلام)(1).

5- محمد منصور (ت 290 ه).

هو: محمد بن منصور، ابن يزيد المُراديّ، أبو جعفر الكوفيّ، أحد كبار الزيدية روي عن ابن جريج، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وأبي کریب، وعن جماعة من أئمّة الزيدية منهم: القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن المثني ابن الحسن السبط، وعبد الله بن موسی بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن (عليه السلام)، وأحمد بن عیسی بن زید الشهيد أخذ عنه الناصر للحق كثيراً وكان فقيهاً، مؤرخاً، مفسّراً صنّف كتباً كثيرة، وهي اثنان وثلاثون کتاباً، منها: الطهارة، الصلاة، وغير ذلك على تلاوة كتب الفقه وله أيضاً كتاب التفسير الكبير، وكتاب التفسير الصغير، وكتاب سيرة الأَئمّة العادلة توفّي سنة - نيف وتسعين ومائتين)(2).

6- الهادي إلى الحق (ت 298 ه)

هو: يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب - عليه السلام - الهاشمي الحسني العلوي الرسِّي، الهادي إلى الحق، أحد أئمّة الزيدية ولد بالمدينة سنة عشرين ومائتين، وكان يسكن «الفرع» من أرض الحجاز.

وكان فقيهاً عالماً ورعاً ذا شجاعة وبطولة دعاه أبو العتاهية (من ملوك اليمن إلى بلاده، فقصدها، ونزل ب (صعدة)(3) سنة 283 ه في أيام

ص: 206


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 3 ص 437 - 438
2- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 3 ص 561
3- مدينة باليمن بينها وبين صنعاء ستون فرسخاً. معجم البلدان: 3 - 406

المعتضد، وبايعه أبو العتاهية وعشائره وبعض قبائل خولان وبني الحارث بن کعب وبني عبد المدان خوطب ب (أمير المؤمنين)، وتلقّب بالهادي إلى الحق، وفتح نجران(1) وأقام بها مدةً، ثم قاتله عمّال بني العباس، فظفر بعد حروب وملك صنعاء سنة (288 ه) وامتدّ ملکهُ، فخُطب له بمكة سبع سنين، وضُربت السکَّةُ باسمه وفي أيّامه ظهر علي بن الفضل القرمطي(2) وقصد الكعبة ليهدمها، فقاتله الهادي إلى الحق، إلَّا أنّ الوفاة عاجلته، ثم قام بعده ولده محمد الملقب ب (المُرضي)، وقيل انّ أكثر مَن ملك اليمن بعده من أئمّة الزيدية هم من ذريّته له کتب منها: الجامع(3) المسالك في ذکر الناجي من الفرق والهالك، تثبيت الإمامة، درر الأحاديث النبوية بالأسانید اليحيوية وله رسائل كثيرة منها: الرد على أهل الزيغ، العرش والكرسي، خطايا الأنبياء، الرد على من زعم أنّ القرآن قد ذهب بعضه، الأمالي، الرد على المجبّرة والقدرية، وصية (من كلامه) توفّي بصَعدة سنة - ثمان وتسعين ومائتين. ودُفن بجامعها)(4).

7- أحمد بن إبراهيم الحسني (ت 353 ه).

هو: أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن سلیمان بن داود بن الحسن بن الحسن المجتبى (عليه السلام) أبو العباس

ص: 207


1- مدينة باليمن من ناحية مكّة. معجم البلدان: 5 - 266
2- وهو أحد المتغلبين على اليمن، ملك ملكاً ضخمًا وقتل خلقاً كثيراً، ادّعى النبوة ثم الألوهية، وسمّه طبيب اسمه شريف من أهل بغداد، دام حكمه 13 سنة، وتوفي سنة 303. الأعلام للزركل: 4 - 319
3- وهو كتاب الأحكام في الحلال والحرام والسنن والأحكام
4- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 3 ص 616 - 617

الهاشمي، الحسني.

حدث عنه: أبي زید عیسی بن محمد العلوي، وعبدالرحمن بن أبي حامد، ويحیی بن محمد الهادي، وكان فقيهاً، مناظراً.

قال الجنداري: وكان أمامياً ثم رجع إلى مذهب الزيدية، و قيل لم يرجع.

له مؤلفات، منها: شرح الاحکام، سلسل الأحاديث، شرح الإبانة والمصابيح.

توفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة(1).

8- ابن عقدة (ت 332 ه)

هو: أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن، الفقيه، أبو العباس الكوفي، المعروف بابن عقدة، أحد مشاهير الحفاظ، وعقدة لقب لأبيه النحوني محمد بن سعيد، ولقب بذلك لتعقيده في التصريف.

ولد سنة تسع وأربعين ومائتين.

وروي عن الحسن بن مُكرم، ويحيى بن أبي طالب، وعبد الله بن روح المدائني، وإسماعيل بن إسحاق القاضي، ومحمد بن أحمد بن الحسن القَطَواني، وعبد الله بن أحمد بن المستورد، وأحمد بن يحيى الصوفي، و إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وطائفة.

روى عنه: أبو أحمد الحاكم، وأبو بكر الجعابي، وأبو عبيد الله المرزباني، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص بن شاهين،

ص: 208


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 4 ص 32

وأحمد بن محمد ابن الصلت الأهوازي، وعبد الله بتلن عدي الجرجاني، وغيرهم كثير.

وكان من بحور العلم، وأحد أعلام الحديث، مشهوراً بالحفظ، ذائع الصيت، كثير التصانيف.

وقد رويت أخبار كثيرة في حفظه وسعة روايته.

قال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن سعيد يقول: أحفظ لاَهل البيت ثلاثمائة ألف حديث وقال الدارقطني: كان أبو العباس بن عقدة يعلم ما عند الناس، ولا يعلم الناس ما عنده. وكان ابن عقدة من علماء الشيعة الزيدية، إلَّا أنّه اختلط كثيراً بعلماء الامامية، وروی عنهم كثيراً. وكان يملي في جامع براثا ببغداد، وكان قد دخلها ثلاث مرات.

روی له الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» والشيخ الطوسي في «تهذیب الأحکام» و «الإستبصار»، نحو خمسة وخمسين مورداً من روایات فقه أهل البيت (عليهم السلام) رواها ابن عقدة عن: أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي، وجعفر بن عبد الله المحمدي العلوي، وجعفر بن مالك الفزاري، وعلي بن الحسن ابن فضال، وغيرهم.

ورواها عنه: محمد بن أحمد بن داود القمّي، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر الموسوي، وأبو محمد هارون بن موسى التلعکبري، وأحمد ابن محمد بن الصلت الأهوازي، وآخرون.

وصنّف كتباً كثيرة في التأريخ والرجال والحديث منها: التأريخ وذكر من روی الحدیث، من روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، مَن روى عن

ص: 209

فاطمة (عليها السلام) من أولادها، من روى عن الحسن والحسين (عليمها السَّلام)، من روى عن علي بن الحسين (زین العابدین) (عليه السلام)، مَن روى عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، مَن روى عن زيد بن علي ومسنده، أخبار أبي حنيفة ومسنده، الولاية ومن روی غدیر خمّ، الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، الشيعة من أصحاب الحدیث، صلح الحسن (عليه السلام) ومعاوية، تفسير القرآن، رآه النجاشي ووصفه بأنّه كتاب حسن، مسند عبد الله بن بکیر بن أعين السنن، وحديث الراية، وغيرها.

وصنّف كتاب الرجال، وهو كتاب من روی عن جعفر الصادق (عليه السَّلام)، دوّن فيه من رجاله المعروفين من الفريقين أربعة آلاف رجل، وأخرج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه)(1).

9- المرتضى لدين الله (ت 310 ه).

هو: محمد بن يحيى (الهادي إلى الحق) بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، العلوي، الحسني، الملقب بالمرتضى لدين الله، من أئمة الزيدية باليمن.

ولد سنة ثمان وسبعين ومائتين.

وأخذ عن والده كتبه.

وكان فقيهاً، أُصولياً، خطیباً، شاعراً، قام بالأمر بعد وفاة والده في سنة ثمان وتسعين ومائتين وأقام بصَعدة وفي يده بلاد همدان، ونجران، وخولان، وسير جنوده لقتال القرامطة، واستقامت له الأُمور، ثمّ تخلى عن الحكم بعد سنتين.

ص: 210


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 4 ص 77 - 80

لأخيه الناصر بعد أن رأى أشياء ساءته من عشيرته.

صنّف کتباً في الفقه منها: الإيضاح، النوازل و جواب مسائل ابن مهدي.

وله قصيدة مطلعها:

یا حیّ همدان إنّ الله فضّلكم بنصر آل رسول الله في الكتب)(1).

10- المؤيد باللهن (ت 411 ه)

هو: أحمد، بن هارون بن الحسن بن محمد بن القاسم بن الحسن، بن زید بن الحسن المجتبى (عليه السلام) بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

أبو الحسين، الحسني، الهاروني، أحد أئمة الزيدية، الملقب بالمؤيد بالله.

ولد: بامل طبرستان، سنة اثنتين أو ثلاثين وثلاثمائة، واخذ فقه الزيدية، والكلام عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن محمد الحسني وأخذ فقه الزيدية والحنفية عن أبي الحسين عليّ بن إسماعيل بن إدريس.

وكان كثير العلم، فقیهاً، أُصولياً، متکلماً، صاحب تصانیف.

بويع له بالديلم وخرج أولاً سنة ثمانين وثلاثمائة، فهزمه أبو الفضل الناصر، وأخذه أسيراً، وحمله إلى بغداد.

ثم خُلِّي عنه، فعاد إلى آمل، ثم ملك بعد ذلك، إلى أن توفي في سنة - إحدى عشرة وأربعمائة، وكانت مدة ملكه عشرين سنة.

وقد صنّف المؤيد بالله عدّة كتب، منها: شرح التجريد في فقه الزيدية، البلغة، الإفادة، إعجاز القرآن، الأمالي، وسياسة المريدين.

ص: 211


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 4 ص 473

وكان عارفاً باللغة والنحو، شاعراً، وله قصيدة في مدح الصاحب بن عباد، أوردها حسام الدين المحلي في كتابه «الحدائق الوردية»)(1).

وغيرهم من الفقهاء الذين يرجع إليهم اتباع المذهب الزيدي.

ص: 212


1- موسوعة طبقات الفقهاء: ج 5 ص 23 - 24

المبحث السابع المذهب الإباضي

المسألة الأولى: الاختلاف فيمن أسس المذهب، وحقيقة نسبته لعبد الله بن إباض.

(اختلف الإباضيون في النسبة إلى مؤسس المذهب بين رجلين، وهما عبد الله بن إباض وجابر بن یزید، وعلى هذا الاختلاف ذهبت احدى الدراسات إلى أن: عبد الله بن إباض المقاعسي المري التميمي المتوفي حدود سنة 86 ه هو رأس الإباضية التي تنتشر اليوم في عمان وزنجبار والجزائر وليبيا والمغرب وغيرها من مدن شمال القارة الأفريقية وشرقها، وان أسم الإباضية، أسم للتميز وليس للتشريع)(1).

ويقول أحد الباحث المعاصرين:

(الإباضيون منسوبون إلى إمامهم في الدين عبد الله بن إباض بن تيم اللات بن ثعلبة التميمي من بني مرة بن عبيد، رهط الأخنف بن قيس، وهو الذي فارق جميع الفرق (الضالة) عن الحق، وهم المعتزلة والقدرية، والصفانية والجهمية، والخوارج، والروافض، والشيع؛ وهو أول من بين مذاهبهم ونقض

ص: 213


1- موسوعة طبقات الفقهاء - اللجنة العلمية في مؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 1 ص 428

فساد اعتقاداتهم بالحجج الظاهرات والآيات المحكمات النيرات الشاهرات، نشأ في زمان معاوية بن أبي سفيان، وعاش إلى زمان عبد الملك بن مروان، وكتب إليه بالسيرة المشهورة، والنصائح المعروفة)(1). أنتهى كلامه.

أولا: حقيقة احتجاجه على جميع الفرق ونقض اعتقاداتها.

في حين أنني بذلت جهداً مضنياً في البحث عن هذه الحجج التي وصفها الكاتب بانها (ظاهرات، والآيات المحكمات النيرات، الشاهرات) في أمات التراث الإسلامي الذي عليه جميع الفرق والمذاهب الإسلامية والمتداول اليوم فيما بين الناس فلم أعثر عليه، فلو كان له وجود لتم نشره للناس في تنوع الفكر الإسلامي وتعدد ارائه لا سيما في العقيدة.

فضلاً عن ذلك فإن مدعاه أن عبد الله بن أباض قد فارق الخوارج - ومن ثم يلزم ان يكون اتباعه على نهجه وعقيدته وفكره - لا يستند إلى الصحة فها هو الكاتب يصف الخوارج الذين أعلنا الحرب على الإمام علي (عليه السلام) وشهروا السيوف والرماح بوجهه بأنهم: (أهل الشوكة، والفضل، والزهد، والثقات)(2).

وها هو الشماخي(3) (ت 928 ه) الذي يعد من كبار علماء الإباضية في

ص: 214


1- العقود الفضية في أصول الإباضية، للشيخ سالم بن حمد الحارثي العماني، مراجعة إبراهيم بن محمد العساکر: ص 131، الطبعة الثانية بعع وزارة التراث القومي والثقافي - سلطنة عمان - لسنة 1438 ه - 2017 م
2- العقود الفضية في أصول الإباضية لسالم الحارثي: ص 44
3- أحمد بن أبي عثمان، سعید بن عبد الواحد، بن سعيد بن أبي الفضل الشاخي، وهو من أسرة ابي ساكن عامر بن علي بن عامر الشاخي (صاحب كتاب الإيضاح)، وله غير كتاب السير بعض الكتب، منها ((مختصر العدل والإنصاف)) و ((شرح مرج البحرین)) توفي في مدينة نفوسه بلیباسنة 928 للهجرة، ينظر: (کتاب السير، المقدمة)

المغرب العربي وشمال افريقيا يصف أهل حروراء والنهروان بانهم: (خيار أهل الأرض يومئذ وقراؤهم وزهادهم)(1).

وعليه:

لو وصلت احتجاجات أبن أباض إلى بدر الدين الشماخي لأظهرها واحتج بها في اثبات أن الذين حاربوا الإمام علي (عليه السلام) هم خير أهل الأرض ولا أعلم من أين جاءت الخيرية لأهل النهروان وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في كل يوم يأتي إلى بيت علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) حيناً من الزمن، ويجللهم بالكساء، حيناً آخر، وهو يخاطبهم کما یروي ابن أبي شيبة الكوفي(2) (المتوفي سنة 235 ه)، والترمذي(3)، (المتوفي سنة 275 ه) وابن ماجه (المتوفي 272 ه)(4) وصححه ابن حبان(5) (المتوفي سنة 354 ه) والحاكم النيسابوري(6) في المستدرك على الصحيحين (المتوفي سنة 405 ه) عن زيد بن أرقم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وفاطمة وحسن وحسين

«إنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم».

ص: 215


1- کتاب السير: ص 47
2- المصنف: ج 7 ص 512
3- سنن الترمذي: ج 5 ص 36
4- سنن بن ماجة: ج 1 ص 52
5- صحیح ابن حبان: ج 15 ص 534
6- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 149

وبلفظ آخر أخرجه إمام الحنابلة(1) (ت 241 ه)، والمحاملي(2) (ت 330 ه)، والطبراني(3) (ت 360 ه)، عن زيد بن أرقم، وأبي هريرة، واللفظ لأحمد بن حنبل، يرفعه:

(نظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال:

«أنا حرب لمن حاربکم، وسلم لمن سالمکم».

فحسبك في كاشفية هذه الخيرية المدعاة أنهم حرب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو حرب لهم.

ثانيا: ما يؤكد انتساب الإباضية إلى عبد الله بن إيض.

ان مما يؤكد هذه النسبة، أي: إن الإباضية يعودون في مذهبهم إلى عبد الله بن أباض ما نص عليه جملة من المصنفين في التاريخ والجرح والتعديل والطبقات، والفرق والمذاهب واللغة، وهم كالاتي نوردهم بحسب التسلسل الزمني:

1- ابن قتيبة الدينوري (المتوفي سنة 276 ه)، قال:

الإباضية: من الخوارج؛ ينسبون إلى عبد الله بن إباض)(4)، قال:

2- أحمد بن يحيى البلاذري (المتوفي سنة 279 ه):

ص: 216


1- مسند أحمد: ج 2 ص 442
2- أمالي المحاملي: ص 447
3- المعجم الاوسط: ج 3 ص 179
4- المعارف ص 622

قال في ترجمة عبد الله بن يحيى وأخباره:

(الإباضية وهم أصحاب عبد الله بن أباض التميمي)(1).

3- الجوهري (المتوفي سنة 393 ه)، قال:

(الإباضية: فرقة من الخوارج، أصحاب عبد الله بن إباض التميمي)(2).

4- عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن الغدادي (المتوفي سنة 429 ه)، قال:

(أجمعت الإباضية على القول بإمامة عبد الله بن أباض)(3).

5- ابن عبد البر (المتوفي سنة 463 ه)، قال في بيان معنی اسم الخوارج:

(إنما قيل لهم خوارج لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه يخرج فيكم، ومعنى قوله: فيكم، اي علیکم کما قال الله تعالى:

«فِي جُذُوعِ النَّخْلِ»(4).

وكان خروجهم ومروقهم في زمن الصحابة فسموا الخوارج، وسموا المارقة بقول في هذا الحديث:

«يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«تقتل طائفتان من أمتي تمرق منهما مارقة تقتلها أولى الطائفتين بالحق».

ص: 217


1- أنساب الأشراف: ج 9 ص 285
2- الصحاح: ج 3 ص 1063
3- الفرق بين الفرق: ص 103
4- طه،: 17

فهذا أصل ما سميت به الخوارج والمارقة، ثم أستمر خروجهم على السلاطين فاكدوا الاسم، ثم افترقوا فرقاً لها أسماء منهم الإباضية أتباع عبد الله بن إباض...)(1).

6- الشهرستاني (المتوفي سنة 548 ه)، قال:

(الإباضية، أصحاب عبد الله بن إباض)(2).

7- ابن منظور (المتوفي سنة 711 ه)، قال:

(والإباضية: قوم من الحرورية، لهم هوى ينسبون إليه، وقيل: الإباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن إباض التميمي)(3).

8- ابن حجر العقلاني (المتوفي سنة 852 ه)، قال:

عبد الله بن إباض التميمي الإباضي، رأس الإباضية من الخوارج، وهم فرقة كبيرة؛ وكان هو فيما قيل: رجع عن بدعته فتبرأ أصحابه منه واستمرت نسبتهم إليه)(4).

وغيرهم ممن أثبت نسبتهم إلى عبد الله بن إباض في حين ذهب بعض الإباضية إلى أن أصل المذهب يعود إلى جابر بن زيد، وهو ما سنتناوله فيما یلي

ص: 218


1- الإستذکار: ج 2 ص 498
2- الملل والنحل: ج 1 ص 134
3- لسان العرب: ج 7 ص 111
4- لسان الميزان: ج 3 ص 248

المسألة الثانية: أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي (ت 93 ه).

أرجع بعض علماء الإباضية نسبت المذهب إلى التابعي جابر بن زید وليس إلى عبد الله بن إباض، فقد قال الشماخي (ت 927 ه) في السير في ذكر رموز الخوارج:

(ومنهم جابر بن زيد الأزدي، بحر العلم، وسراج الدين، أصل المذهب وأسه الذي أقامت عليه أطامه، صاحب ابن عباس)(1).

في المقابل حينما ذكر عبد الله بن إباض، قال:

(ومنهم عبد الله بن أباض إمام أهل التحقيق، والعمدة عند شغب أولى التفريق...)(2) ومن الواضح انه لم يعده إماماً للمذهب وأصله ومرجعه.

أولا: أسمه وروايته.

هو: جابر بن زيد الأزدي، اليحمدي، الجوفي، البصري(3)، والجوف ناصية في عمان وأما نسبته إلى الأزد انه كان ينزل البصرة في الأزد(4).

روی عن: أبن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، والحكم بن عمر، ومعاوية بن ابي سفيان، وعكرمة، وغيرهم روی عنه: قتادة، وعمرو بن دينار، ويعلي بن مسلم، وایوب السجستاني، وعمر و بن هرم، وجماعة(5).

ص: 219


1- كتاب السير: ص 67
2- المصدر السابق: ص 72
3- تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 2 ص 34
4- الثقات لابن حبان: ج 1 ص 101
5- المصدر السابق: ج 2 ص 34

ثانيا: تبرئه من الإباضية ونفي إنتسابهم إليه.

إن هذه النسبة التي أدعاها الإباضية في أرجاع تأسيس المذهب وأصله وقيامه إلى جابر بن زید الازدي، نسبة غير صحيحة، بل مخالفة للواقع الذي نقله علماء المسلمين والذي يدل على إقرار جابر بن زيد وتصريحه لمن يسأله عن دعوى الإباضية في انتسابهم إليه فيرد قائلاً: أبرا إلى الله من ذلك

ومما يدل عليه ما يلي:

1- فقد روى ابن سعد (ت 230 ه) قائلاً:

(كان بريئاً مما يقولون، اي جابر بن زید مما يقولون، وكانت الإباضية ينتحلونه)(1).

2- وقال ابن حبان (ت 354 ه) وابن معين (ت 233 ه) (وكانت الإباضية تنتحله، وكان هو يتبرأ من ذلك)(2).

3- وقال ابن سعد، في دخول الحسن وثابت البناني على ابي الشعثاء وهو يحتضر، فقال له الحسن - وهو أحد أخوته - ( إن الإباضيه تتولاك؟ قال، فقال: أبرأ إلى الله منهم قال: فما تقول في أهل النهر؟ قال، فقال: (ابرأ الله منهم)(3).

4- وقال ابن أبي حاتم (ت 327 ه) عن عزرة، قال (دخلت على جابر بن زيد، فقلت هؤلاء القوم يتنحلونك، يعني الإباضية، قال:

أبراء إلى الله من ذلك)(4).

ص: 220


1- الطبقات: ج 7 ص 181
2- الثقات: ج 1 ص 101؛ تاریخ ابن معين: ج 1 ص 120
3- الطبقات: ج 7 ص 182
4- الجرح والتعدیل: ج 2 ص 495؛ تهذيب التهذيب لابن جحر: ج 2 ص 34؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 4 ص 436

5- وروى ابن عساکر (ت 571 ه) في ترجمة هند بنت المهلب بن ابي صفرة وهي ممن روی من جابر بن زيد قال: (ذكروا عندها جابر بن زيد، قالوا: انه كان إباضياً؟ قالت: كان جابر بن زيد أشد الناس انقطاعاً إليّ وإلى أمي، فما أعلم شيئاً كان يقربني إلى الله الا أمرني به ولا شيئاً يباعدني عن الله إلا نهاني عنه، وما دعاني إلى الإباضية قط ولا أمرني بها(1).

وهو ما يكشف إن رجوع الإباضية إلى عبدالله بن أباض وجابر بن زيد هي نسبة غير ثابته؛ بل هي دعوي يدعيها الإباضية، فلا هم متفقون ويجمعون على ارجاع المذهب في أصله وتأسيسه إلى عبد الله بن إباض ولا إلى جابر بن زید الجوفي ثم البصري ولا هو يقر بذلك، بل يبرأ إلى الله منه .

ولعل مرد هذه الدعوى إلى أمرين:

الأول: إن الفكر الإباضي والعقدي يرجع إلى عبد الله بن إباض الذي تضافرت النصوص بانه أحد زعماء الخوارج کما مر بیانه آنفاً - ومن ثمَّ: فالنسبة هي عقدية.

الأمر الثاني: إن دعوى النسبة إلى التابعي جابر بن زید مردها إلى أنه عماني وأن التجاء الإباضية إلى عمان سهل إلصاق المذهب به على الرغم من أنه قضى حياته في البصرة فكان من اشهر فقهائها واهل الفتيا فيها ولعلهم كانوا يأتون إلى حلقته في أخذ الفتيا والفقه(2)، لكن تبرأ من عقائدهم ولم يكن على مذهبهم، وهو ما سنتناوله فيما يلي:

ص: 221


1- تاریخ دمشق: ج 70 ص 192
2- موسوعة طبقات الفقهاء، بأشراف الشيخ السبحاني: ج 1 ص 305

ثالثا: مخالفته لنهج الخوارج وفكرها.

أشارت بعض الدراسات إلى أن جابر بن زيد لم يكن على نهج الخوارج بفرقها المتعددة ولم يخرج على سلطان او يخالفه، بل كان متفرغاً للفقه والفتيا في البصرة وقد أسس حلقة لذلك تقيده أهل البصرة ومن جاورها، وقدم إليها.

(ولم يعرف عه أنه كان ضمن الذين خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو اعتزلوه، أو تمردوا عليه، ولم يسمع أحد شيئاً عنه الا بعد انتهاء هذه الأحداث، اي احداث تمرد الخوارج بعد التحكيم، ومعركة النهروان لحوالي اربعين عاماً عندما أتی الحجاج الثقفي إلى العراق والياً عليه من قبل عبد الملك بن مروان عام (75 ه).

ولم يكن ضمن هؤلاء الذين رفعوا السيف في وجه الدولة؛ بل كان يأتلف معها، فقد كان يأخذ عطاءه من الحجاج ويحضر مجلسه، ويصلي خلفه، وعرض عليه الحجاج أن يوليه القضاء؛ فرفض)(1).

إنّ أدعاء الإباضية انتسابهم إليه فقها وعقيدة قد أدى إلى اتهامه بالانتحال لمذهب الخوارج فأثار الظنون من حوله لا سيما عند زياد بن أبيه، فقد حبسه على هذه التهمة وهو ما صرّح به جابر بن زید حينما أشكل على زياد بن أبيه الحكم في الخنثى فقيل له سل جابر بن زید فبعث إليه واخرج من السجن؛ کما یروي سعید بن منصور (المتوفي سنة 227 ه) في سننه بسنده، عن جابر بن زید، قال:

ص: 222


1- موسوعة طبقات الفقهاء، بأشراف الشيخ السبحاني: ج 1 ص 306

(أن زيادا كان حبسة في الظنة، فاختصم إلى زياد في الخنثى، فأرسل زياد إلى جابر يسأله كيف يورثه؟ فقال جابر:

(يتهمونا ويحبسونا، ويسئلونا عما ينزل بهم من أمر دينهم، فأرسل إليه: أن يورثه من قبل مباله)(1).

وهذا الحكم لم يكن جابر ين زيد هو أول من أفتى به وحل معضلهُ، بل هو: مولى الموحدين وامير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام)، فقد اخرج سعيد بن منصور بطريقين.

الأول: عنه، عن هشيم، عن حجاج، عن شيخ من فزارة قال:

(سمعت عليا يقول:

«الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عما نزل به من أمر دينه، إن معاوية كتب إلي يسألني عن الخنثى، فكتبت إليه أن يورثه من قبل مباله»(2).

والآخر عنه، عن هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي، عن علي (عليه: السلام) مثل ذلك(3).

وبهذا السند اخرج الدارمي(4) (ت 255 ه) في سنته؛ وابن ابي شيبة الكوفي (ت 235 ه) في مصنفه(5).

ص: 223


1- سنن سعید بن منصور: ج 1 ص 62، برقم (123)
2- سنن سعید بن منصور: ج 1 ص 63، برقم (125)
3- المصدر السابق
4- سنن الدارمي: ج 2 ص 365، من باب: الكلالة
5- المصنف لابن ابي شيبة: الخنثى يموت كيف يورث؛ ج 7 ص 374

المسألة الثالثة: مسلم بن ابي كريمة إمام الإباضية وفقيههم (التوفي نحوه 145 ه؛ وقيل سنة 135 ه).

بعد بيان الاختلاف في حقيقة مؤسس المذهب الإباضي وإمامهم في الفقه بين عبد الله بن إباض، وجابر بن زيد العماني البصري، وعدم ثبوت هذه النسبة إلى اي منهما سوى ما ثبت في كونهم من الخوارج فكراً وعقيدة فانتسبوا إلى أبن إباض وشاع ذلك بين المسلمين فسموا ب (الإباضية) بقي السؤال قائماً: وهو لمن يعود المذهب الإباضي في أصول الفقهية؟

فظهر: إن إمامهم في الفقه هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة؛ فمن هو؟

أولا: أسمة وكنيته.

مسلم بن أبي كريمة التميمي بالولاء، البصري، أبو عبيدة(1).

وقيل أسمة مسلم بن کرزین(2)؛ ويقال له: القفاف(3)، وكان أعور.

ثانيا: مرجع الإباضية في الفقه.

ذهب الإباضية إلى أن مسلم ابن أبي كريمة هو (ثالث الإركان، وحامل لواء العلم والإمامة للمذهب الإباضي للمغرب، وحضرموت، وعمان)(4).

والمقصود بالأركان، هم: عبد الله بن أباض، وجابر بن زيد، والثالث

ص: 224


1- الأعلام للزركلي: ج 7 ص 222
2- البيان والتبين للجاحظ: ص 183
3- الأعلام للزركلي: ج 7 ص 222؛ كتاب السير للشماخي: ص 78
4- العقود الفضية في أصول الإباضية، تأليف سالم الحارثي: ص 149

هو: أبو عبيدة.

قال الشماخي (ت 927 ه):

(تعلم العلوم وعلمها، ورتب روايات الحديث وأحكمها)(1).

وقال الحارثي العماني:

(أخذ العلم من جابر بن زید، وزملاء زيد، وتلامذته كضمام بن السائب العبدي، وجعفر بن السماك العبدي، ويقال أنه أخذ من هذين اكثر مما أخذهم من جابر، وأخذ أيضاً من صحار بن العباس)(2).

وقال الزركلي:

(فقيه، من علماء الإباضية، أخذ المذهب عن جابر بن زید؛ ثم صار مرجعا فيه تشد إليه الرحال)(3).

وقال الجاحظ:

(ومن الخوارج، من علمائهم، ورواتهم، أبو عبيدة، وكان أباضياً)(4).

وقد صرح أبو عبيدة في مرجعيته الفقيهة فقال:

(کل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال، فلولا أن الله تعالى من علينا بجابر بن زيد لضللنا)(5).

ص: 225


1- السير: ص 78
2- العقود الفضية: ص 149
3- الأعلام: ج 7 ص 222
4- البيان والتبين: ص 183
5- العقود الفضية للحارثي: ص 150

وتدل هذه الأقوال على ما يلي:

1- إن الشاع الذي لحق بجابر بن زيد في كونه إباضياً مرجعه إلى أبي عبيدة فقد أخذ عنه الفقه وأفتى بإسمه، ونسب إليه الحكم والحديث فسرى ذلك بين الناس لا سيما في البصرة بأنه إباضياً، مما دعاه إلى أن ينفي التهمة وهذه النحلة عن نفسه كما مرَّ بيانه سابقاً - وهو يكرر ذلك إلى آخر لحظات حياته حينما دخل عليه أخوه الحسن بن زيد.

2- إنّ الترويج لابي عبيدة ونشر مذهبه الإباضي مع براءة جابر بن زيد منه وتنزيه عنه، فضلاً عن أن ابا عبيدة ابن ابي كريمة قد عاش حياته متخفيا - كما سيمر - ليطرح العديد من الأسالة في رواج المذهب الإباضي، أو جعله مذهباً بين الناس يسير جنباً إلى جنب مع المذاهب الستة الاخرى، أي: الإمامية، والحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية والزيدية.

فضلاً عن اختلاف الإباضية - وهي احد فرق الخوارج - مع جميع المذاهب الفكرية والعقدية وتدينهم بالخروج على السلاطين مما جعل دائرة تحركاتهم ضيقة جداً؛ ومن ثم فإن السؤال الاساس في البحث: كيف انتشر المذهب الإباضي من بين فرق الخوارج فعدَّ أحد المذاهب الفقهية السبعة في الإسلام؟

هذا ما سنتناوله فيما يلي:

ثالثا: هل كان لابي جعفر المنصور يداً في ظهور المذهب الإباضي.

إن مما جاء في سيرة ابي عبيدة بن ابي كريمة انه (عاش زماناً طويلاً متخفياً في غار خوفاً على نفسه وعلى الدين أن يذهب، وكان طلبة العلم يتهافتون

ص: 226

عليه كالنحل، فقد أقبل بعضهم من القيروان، وبعضهم من عمان، وبعضهم من مصر، وبعضهم من خراسان، وبعضهم من المدينة كمحمد بن سلمة، ومحمد بن حبيب، وبعضهم من حضرموت، فهذا صادر وهذا وارد...)(1)؛ وقيل: (وأخذ عنه خلق كثير، وعنه حمل العلم إلى المغرب، وإلى المشرق)(2).

فهذه السيرة التي يرويها الإباضيون عن ابي عبيدة لتثير جملة من الاسئلة والاستفهامات، وهي:

1- لم تعرف أرض البصرة انها كانت تحتوي على جبال كي يلتجئ إلى أحدها ابو عبيدة فيتخفى في غار؟!

2- إنّ هذا التخفي الذي عبرَّ عنه منتج النص بانه (زماناً طويلاً) كيف امكنه من الحضور في حلقة جابر بن زید التي أنشئها في البصرة ليأخذ عنه الفقه ويتعلم الفتيا لا سيما وانه كان خائفاً على نفسه؟!

3- لماذا قيد بقاء الدين بشخص ابي عبيدة، أهو مطلق الدين، أم دين الإباضية؟! فإن كان مطلق الدين فيان يكون بقية المذاهب الإسلامية، وما هو تصنيفها عند منتج النص؟

4- إنّ اغرب ما ورد في سيرة ابي عبيدة انه مع كونه متخفياً في غار في احد الجبال التي لم يعرف في اي أرض هي ولزمانٍ طويلٍ، لكنّه مع هذا، هو معروف و مشهور في مدن الشرق والغرب والجنوب، فمن القيروان في بلاد المغرب العربي إلى جنوب البصرة ثم عمان، وإلى الشمال الغربي في مصر،

ص: 227


1- العقود الفضية في أصول الإباضية، للحارثي العماني، ص 155
2- کتاب السيرة للشاخي: ص 80

إلى أقصى الشرق في خراسان، ثم إلى الغرب في دار الهجرة وموضع الروضة النبوية على ساكنها وآله صلوات الله وملائكته وانبيائه وعبادة المؤمنين.

ثم إلى الجنوب الغربي للبصرة في مدينة حضرموت، ومن ثم فقد عُرف هذا الرجل في معضم البلاد الإسلامية لا سيما بين طبقة طلاب العلم وانه يشد إليه الرحال في كل مكان.

وعليه:

كيف يتناسب الخوف على النفس والدين والعيش في الجبال والالتجاء إلى غار فيها مع هذه الشهرة والحضور لطلبة العلم (فهذا صادر وهذا وارد) وهم (کالنحل) کما وصفهم منتج النص؟! من ثم: فنحن أمام أمرين لا ثالث لهما:

الأول: إما أن تكون هذه السيرة من نسيج خيال الكاتب فلم يلتفت إلى أنها متضاربة يضرب بعضها بعضاً ومتعارضة فتسقط جميعها.

الثاني: إن هذه الشخصية لم تكن متخفيه بالمعنى الذي صاغه منتج النص بكونه (خائف على نفسه وعلى الدين)، بل هي محل اعتناء من السلطة العباسية وان بينها وبين مع هذا التخفي وسيط ينقل إليه اهتمام ابي جعفر المنصور واجلاله له ودعمه لنشر مذهبه في جميع بلاد الإسلامية من خراسان إلى القيروان، ومن حضرموت إلى مصر.

لاسيما وأن الحاكم العباسي المنصور قد عرف عنه تتبعه الدقيق لمجالس العلم وأهل الفتيا، وقد مرَّ في المبحث عند حديثنا عن المذهب المالكي كيف أصبح إمام المذهب المالكي مهاباً من الولاة والناس لا سيما والي المدينة الذي

ص: 228

وقف ذليلاً بباب مالك ابن انس يلتمس منه الرد على رسالة السلطة.

ولان الحاكم العباسي المنصور لم يكن غافلا على الخلافة بين عقيدة الخوارج وفكرهم وبقية المذهب والفرق الإسلامي فشاء ان يكون هذا الدعم مستتراً بين ابي عبيدة وبينه عبر حاجبه، وهو ما كشفه النص الاتي:

قال الحارثي العماني:

(قال أبو سفيان: وقع غلام كان لحاجب عند ابي جعفر المنصور، فسأله لم كان؟

فقال: لحاجب، وكان عالماً به وبأبي عبيدة، فدخل عليه يوماً فرأه حزيناً، فسأله؟ فقال: مولاي الذي كنت له مات، يعني حاجب، فرّجع أبو جعفر فقال: رحم الله حاجباً.

ثم دخل عليه بعد ذلك فراه حزيناً فقال مالي اراك حزيناً؟ فقال،:

مات صديق لمولاي، يقال له ابو عبيدة الأعور، قال:

انه قد مات؟!!، قال: نعم.

فرّجع وقال: ذهبت الإباضية)(1).

وترشد مقاصدية النص إلى جملة من الأمور، وهي:

1- إن ما اشتهر بين المؤرخين - لا سميا - ما روي عن إمام المذهب - المالكي حينما بعث إليه المنصور الدوانيقي إن يلقاه في موسم الحج بعد أن تعرض للضرب والجلد والتعذيب على يد والي المدينة، وسوقه، اي مالك ابن

ص: 229


1- العقود الفضية في أصول الإباضية: ص 155

أنس لمجريات الذهاب وكيف يصف حال المنصور الدوانیقي في كثرة الحرس ودخوله في خيم عدة حتى وصل إلى مجلس الحاكم العباسي ليضع العديد من السمات في بيان حال هذا الحاكم وشدة بأسه وسطوته.

ومن ثم فإن اهتمامه بحال غلام كان لحاجبه كل هذا الاهتمام فيتفقد أموره ويسأل عن أحواله لإمر غریب مع حال ابي جعفر المنصور إلا أن يكون هذا الغلام موضع اهتمام لما يؤدية للحكومة العباسية من مهام خاصه تستحق هذه التتبع والاهتمام، ولعلها هي: تلك النافذة التي يطلع من خلالها الحاكم العباسي على شأن أبي عبيدة الأعور.

2- ورد في النص لفظ: (كان عالماً به وبابي عبيدة) وهذا ليثبت حقيقة متابعة المنصور العباسي لأحوال أبي عبيدة وصاحبه حاجب، ومما لا ريب فيه إن الحكام لا يهتمون إلا باثنين، الأول: من يكون في خدمة السلطان ودوام سلطانه، والآخر: من يكون معارضا أو يشكل تهديداً على السلطات والسلطنة؛ وإلا فعامة الناس، أو أهل العلم الذين صرفوا حياتهم خدمة للعلم وطلابه فهم أبعد الناس عن السلاطين، وإلا فمن ثبت أنه وقف على بابهم فهو من وعاظهم الذين باعوا الآخرة بالدنيا.

3- ورد في النص (استفهام المنصور العباسي من الغلام وهو متافجئ لما سمع أن ابا عبيدة قد مات، فقال: (وإنه قد مات) وكأنه يفقد صديقاً حمياً أو عزيزاً موافقاً فيرد الغلام: نعم ويؤكد للمنصور إن أبي عبيدة الأعور قد مات، فحينها يسترجع مردداً: إنا لله وإنا إليه راجعون وهي كلمة لا تقال - وبحسب النص القرآني - إلا إذا أصيب الإنسان بمصيبة، فأي مصيبة نزلت

ص: 230

بابي جعفر المنصور الذي تقطر من سيوف سلطانه دماء المسلمين ولم يعرف عنه التاريخ مواطن الرحمة بالرعية.

4- فإذا كان ابو عبيدة الأعور من السالكين لنهج الخوارج وحمل على اكتافه المذهب الإباضي الذي سلك بعض رجالاته الخروج على الحاكم كيف له أن يحضى بهذه المنزلة من ابي جعفر المنصور حتى يسترجع عند سماعه خبر موته.

5- إن الشهادة التي شهد بها ابو جعفر المنصور بقول: (ذهبت الإباضية) بموت أبي عبيدة الأعور لتدل على حقيقة قيام المذهب الإباضي على يد أبي عبيدة الأعور، وأن قيامه كان باهتمام أبي جعفر المنصور ورعايته ومتابعته كما كان مهتماً بإمام المالكية واجبر الناس على الأخذ به ضرباً بالسياط على ظهورهم كما صرح بنفسه لمالك بن أنس کما مرّ بيانه.

عليه:

فقد مات أبو عبيدة الأعور في خلافة المنصور الدوانيقي، لكن مذهبه الإباضي لم يذهب کما يقول الراوي نقلاً عن المنصور، فقد قيل إنه نقل فتاواه، وآرائه وحديثه إلى تلميذه (ابو عمرو الربيع بن حبيب) وهو ما سنتناوله في ثالثاً.

المسألة الرابعة: أبو عمرو الربيع بن حبيب ومسنده الموسوم ب (الجامع الصحیح) (ت حدود 180 ه).

يعد الربيع بن حبيب الشخصية الثالثة التي اقيم على أيديها المذهب الإباضي، وقد ترجم له الإباضية في كتبهم، أما ابناء العامة والجماعة فلم يرو له ذکر عندهم لا في الرجال ولا التراجم ولا الحديث ولا الجرح والتعديل

ص: 231

کما سیمر بیانه - سوى ما أورده الزركلي نقلاً عن الإباضية، ومن ثم يبقى الرجل محصوراً في التراث الإباضي فقط، وهو كالاتي:

أولا: أسمه وسيرته.

لعل من أفضل ما كتب عنه من شيوخ الإباضية هو الحارثي العماني في عقوده الفضية، فقال:

(أبو عمرو، الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي، الطود الاشم والبحر و الخضم، أصله في فراهيد من غضفان، ونزل البصرة في محله يقال لها الحربية لم يتحقق معنا مولده وموته في اي شهر، وفي اي سنة.

إلا أن الثابت وجوده في زمان جابر بن زيد المتوفي عام ثلاث وتسعين هجرية؛ إذ أدركه والربيع شاب، وروى عنه في المسند حدیثاً وصلى عليه موسی بن زید ابي جابر (المتوفي عام 181 ه)، فهو ما بين هاذين التاريخين.

وشيوخه كثير يبلغ عددهم خمسة وعشرين شيخاً؛ وغالب رواياته عن ضمام بن السائب العماني، وأبو عبيدة مسلم)(1).

ثانيا: مسنده.

فهو عمدة المذهب الإباضي، وإليه تعود أحكامهم في أصولها وفروعها؛ إلا أنه محل خلاف وجدل واسع بين النفي والإثبات، ولعل من الغرابة أن يعرض عن ذكره الشماخي (ت 928 ه) في ترجمته لرجال الإباضية وهو يعلم محل هذا الكتاب عند الإباضية واكتفى بقول أبي عبيدة الأعور في الثناء على الربيع بن حبيب وتوثيقهن وقد ذكروا الربيع عنده، فقال:

ص: 232


1- العقود الفضية في أصول الإباضية: ص 161

(تقينا، وأميننا، وثقتنا)(1).

على الرغم من أن الشماخي قد تعرض لذكر بعض فتاوي الربيع بن حبيب، لكنه لم يورد حتى أسم المسند.

أما الحارثي العماني فقد تحدث عن مسند الربيع، فقال:

(عمدة المذهب الإباضي، - فيه - من رواية الربيع عن أبي عبيدة ثمانية وثمانون حديثاً، وجملة ما في الجزئيين الأولين من المسند ستمائة وأربعه وخمسون حديثاً؛ منها مائه وخمسون حديثاً لابن عباس، وحديث ابي سعيد الخدري ستون حديثاً، وروی مراسیل جابر بن زید التي تبلغ أربعاً وثمانين ومائة حديثاً، وهذا كله غير ما رواه عن ابي ايوب، وعبادة بن الصامت، وأبي مسعود، وعلي بن ابي طالب - [عليه السلام] - هذا جميع ما في المسند المتداول بایدي رجال المذهب الإباضي)(2).

وقد الحق بالسند أحادیث جمعها أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني المغربي، كما يقول الحارثي:

(أحاديث واثار أحتج بها الربيع على مخالفيه في مسائل الاعتقاد وغيرها، جعلها في الجزء الثالث من الكتاب، ثم أنه ضم إلى ذلك روایات محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة القرشي عن الربيع، ورايات أفلح بن عبد الوهاب الرستمي عن ابي غانم بشر بن غانم الخراساني، ومراسیل جابر، وجعل الجميع في الجزء الرابع من الكتاب، فكانت اجزاء الكتاب أربعة،

ص: 233


1- السير: ص 95
2- العقود الفضية: 161

الأولان في احكام الشريعة من أولها إلى أخرها بالسند العالي)(1).

ووصفت هذه الأحاديث من احد مشايخ الإباضية بأنها (أحاديث صحاح يعترف الخصم بصحتها)(2)

1- لم يصرح القائل، وهو نور الدين السالمي من هم الخصوم الذين اعترفوا بصحة هذه الأحاديث.

2- إن الظاهر من هذا القول إن الخصوم هم من أهل الاختصاص بالحديث والرجال وإلا لا يمكن الحكم على هذه الأحاديث من اناس هم بعيدين عن علم الحديث والرجال والجرح والتعديل وعليه:

فلنأخذ أحد هؤلاء الخصوم وننظر ماذا يقول في هذه الأحاديث التي وردت في مسند الربيع

قال الألباني (ت 1420 ه) في مسند الربيع:

1- (مشحون بالأحاديث المنكرة والباطلة، التي تفرد بها هذا المسند، دون العشرات، بل الالوف من كتب الستة المطبوعة منها والمخطوطة، والمشهور مؤلفوها بالعدالة والثقة والحفظ، بخلاف الربيع هذا فانه لا يعرف مطلقاً إلا في بعض كتب الإباضية المتأخرة التي بينها وبين الربيع قرون، ومع ذلك فليس فيها ترجمة عنه وافيه نقلاً عمن كانوا معاصرين أو قريباً من عصره من الحفاظ المشهورين)(3).

ص: 234


1- العقود الفضية: ص 162
2- المصدر السابق: ص 162 - 163
3- سلسلة الأحاديث الضعيفة واثرها السيء في الأمة: ج 13 ص 106

2- (لا لهذا المسند ذكر في شيء من كتب الحديث والتخاريج التي تعدو إلى كتب قديمة لا يزال الكثير منها في عالم المخطوطات، أو عالم الغيب، وكذلك لم يذكرها هذا المسند في كتب المسانيد التي ذكرها الشيخ الكناني في الرسالة المستطرقة، وهي اكثر من مئة)(1).

3.-وقال فيما قام به أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني من إضافة الأحاديث إلى منسد بن الربيع في الجزء الثالث والرابع، وشرحه الشيخ السالمي(2). فکذر في مقدمة المسند (ص 4) هذه المسألة، اي: ما قام به ابو يعقوب الورجلاني من إضافة للمسند، فقال الالباني معلقاً:

(يبدوا جلياً لكل متأمل أن الشيخ نفسه لا يعلم الروي ل (مسند الربيع)، وإلا لذكرہ کما ذکر الراوي محبوباً للضميمة وهي تشمل الجزء الثالث والرابع منه، و محبوب هذا مجهول عندنا، وبل عندهم فيما أظن، وإذا كان كذلك: فلا يحق لنا أن نتسأل: أفلا يجوز أن يكون الراوي ل ((المسند)) في جزءه الاول والثاني منه، روایاکمحبوب هذا: مجهولاً أو أسوء؟ فكيف يصح الاعتماد عليه، بل أن يقال هو أصح كتاب بعد القرآن - كما قال الشيخ المذكور من مقدمة صفحته المذكورة؟! تالله ان هذا هو التعصب الاعمى مهما كان شأن قائله فضلاً وعلماً))(3).

ص: 235


1- المصدر السابق
2- نور الدين السالمي الضبي ال عماني، محقق وشاعر، ومؤرخ من شيوخ القرن التاسع عشر الميلادي
3- سلسلة الأحاديث الضعيفة: ج 13 ص 106

إذن:

لم يعترف خصوم الإباضية بصحة الأحاديث الواردة في مسند الربيع؛ بل: لم يقروا بوجود صاحب المسند من الاساس فعدوه من المجاهيل الذين لم تلدهم أرحام الناس، ولم يثبت عند الإباضية تاريخ مولده ووفاته؛ ولم يقوم احد من رجال الجرح والتعديل والتراجم والحديث بتوثيق شیخ الربيع بن حبیب، ابو عبيدة مسلم بن ابي کريمة، وهذه بعض أقوالهم:

1- ابن ابي حاتم الرازي (ت 327 ه)

(روی عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) سمعت ابي يقول ذلك، ويقول هو: مجهول)(1).

2- شمس الدين الذهبي (ت 748 ه):

أورده في الضعفاء بالرقم (6221 ه)(2).

وقال في الميزان:

(مجهول)(3).

3- ابن مجر العسقلاني (ت 852 ه)

(مجهول)(4).

أما ابن حبان فيبدوا أنه قد أثبته وذلك لقوله:

ص: 236


1- الجرح والتعدیل: ج 8 ص 193
2- المغني: ج 2 ص 404
3- میزان الاعتدال: ج 4 ص 106
4- لسان الميزان: ج 6 ص 32

(اني لا اعتمد عليه لأجل التشيع)(1) والرجل أبعد الناس عن التشیع ککا لا يخفی.

وعليه:

فإن المذهب الإباضي لم يكن له رجال معروفون بالفقه والاجتهاد والفتيا إلا فيما بينهم، منذ نشوء المذهب وإلى يومنا هذا وأما أئمة المذاهب الإسلامية الستة، أي: الإمامي، والحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والزيدي فلم يأخذوا عنهم شيئاً كما هو حال ابي حنيفة والمالكي اللذان أخذا عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام)، وأخذ الشافعي عنهما وأخذ أحمد عن الشافعي، وأخذ زيد بن علي عن أبيه وأخيه وعن جده الإمام الحسين وأخيه الحسن ووالدهما علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولعل مرد ذلك إلى أمور:

1- الإختلاف الفكري والعقدي بين أئمة الإباضية وبقية أئمة المذاهب الإسلامية الستة، إذ أطلق الإباضية على مذهبهم سمة (أهل الاستقامة) ومن ثم يتعذر عليهم وجود من هم بهذه السمة التي وسموا بها مذهبهم وجماعتهم.

2- تلاشي هذه السير مع رجالها وذلك إما لقلة النسخ، بل: الكتابة والتدوين من الأساس کما مرَّ بيانه في البحث الأول، أو لإنشغالهم بالفتن منذ مروقهم وتمردهم على أمير المؤمنين مولی الموحدين الإمام علي بن ابي طالب

ص: 237


1- المصدر السابق

(عليه الصلاة والسلام) و حربهم له(1). وتفرقهم إلى فرق عدة حتى استقر بهم النوى في عمان والمغرب العربي، فكان أهل المغرب من الإباضية الاكثر حرصاً واهتماماً ومتابعة لرجال المذهب الإباضي، وفي ذلك يقول المفتي العام لسلطنة عمان، الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:

(وإن مما يدعوا إلى الأسف أن يكون هذا الجانب من الثقافة لم ينل عناية كافية من اصحابنا - أهل الإستقامة - فقد ضاع كثير من تراجم علمائهم المحققين وأئمتهم الصالحين، وقادتهم الملهمين إما لإهمال هذه التراجم ذاتها حرصاً على هضم النفس، والبعد عن المفاخرة، والإشتغال بالعمل لا بالقول.

وإما لتلاشي ما دون من ذلك، إما بقلة النسخ، وإما بعوامل الفتن، فأصبح الذي يريد أن يكتب عن حياة أحد هؤلاء الأعلام يجد العسر والمشقة ما ليس بعده.

ولعل اخواننا من أهل المغرب هم أوفر نصيباً في العناية بهذا الجانب، واكثر حظاً في بقاء ما دونه في هذا الباب)(2).

لم يكن الإباضية في المغرب هم الاوفر نصيباً من العمانيين في كتاب السيرَّ، بل الاوفر في كتابة الفقه أيضاً، فلولا أبو يعقوب الورجلاني في جمع مسند

ص: 238


1- لم يزل كثير من مشايخ الإباضية يترضون ويترحمون على أهل النهروان وحروراء ويصفونهم بخير أهل الأرض کما مرَّ بيانه في البحث ولم يزل موقفهم من الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) کما هو سواء من صوّب المحكمة الأول أو من خطئها
2- کتاب السير للشماخي أحمد بن سعيد بن عبد الواحد، تحقيق أحمد بن سعود السيابي ص: أ - ب من المقدمة، نشر وزارة التراث القومي والثقافي سلطنة عمان لسنة 1407 - 1987 م

الربيع وإضافة جزئيين اخرين إليه ما عرف الإباضيون هذا المسند، ولم يكن لتراه أعينهم بغض النظر عن القدح فيه وفي الربيع بن حبيب.

ولولا أبو ساكن الشماخي وتدوينه للإيضاح لما اطلع الإباضيون على فقههم.

بل: ولولا الشيخ محمد أطفيش الجزائري لماعرف الإباضيون أول الموسوعات الفقهية فكانت محل اعتمادهم؛ ومرجعٍ اساس في التشريع لدى الإباضية في عمان والمغرب.

وبناءً عليه:

تم اعتمادهم، اي کتابي الإيضاح وشرح کتاب النيل في هذه الدراسة التي بين ايدينا.

ص: 239

ص: 240

المبحث الثامن مذاهب لم يكتب لها الدوام

ومن المذاهب التي ظهرت في الإسلام وبرز لها أئمة في الفقه لكنها يكتب لها الدوام فانتهت في القرن السادس الهجري لأسباب لم يسعنا الوقت في دراستها والتحقيق فيها.

إلا أن الذي يهمنا في هذا المبحث هو بيان هذه المذاهب وذكر ائمتها لارتباطها بموضوع الكتاب ومنهج الدراسة ،فكانت كالاتي:

المسألة الاولى: المذاهب السبعة المنقرضة.

أولا: مذهب الاوزاعي (ت 157 ه).

وهو: عبد الرحمن بن عمروا بن يحمد الأوزاعي فقيه أهل الشام (ت 157 ه) كان من سبي أهل اليمن وأصله من السند، وكان من أئمة المذاهب وأصحاب الرأي والاجتهاد وبقي مذهبه معمولاً به حتى سنة 302 ه، قال أبو إسحاق الفزاري: لو خيرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي، وهو أول من صنف بالشام، خرج له الستة(1).

مرت ترجمته في حياة الإمام الباقر (عليه السلام) في الفقرة جيم (اسماء

ص: 241


1- ينظر: تاريخ البخاري الكبير 5/ 326، تاريخ البخاري الصغير 2/ 124 - 125، مشاهير علماء الأمصار: 285 رقم 1425، طبقات الشيرازي: 71، تاريخ دمشق 35/ 147، سير أعلام النبلاء 7/ 107، تهذيب التهذيب 6/ 238

الذين افتوا عنه من فقهاء الجمهور).

ثانيا: مذهب سفيان الثوري (ت 161 ه).

(97 - 161 ه) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من بني ثور بن عبد مناة، أبو عبد الله الكوفي.

ولد سنة سبع وتسعين، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده سعيد الذي يعد من صغار التابعين، وكان جده مسروق قد شهد وقعة الجمل مع الإمام علي (عليه السّلام).

روي سفيان عن: إسماعيل السُّدّي، وأيوب السَّختياني، وأبي إسحاق السَّبيعي، وصفوان بن سُليم، وسلمة بن كُهيل، وعمار الدُّهني، وحمران بن أعين، وجابر الجعفي، ومنصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وزيد بن أسلم، وخلق كثير.

ص: 242

ويقال: إنّ عدد شيوخه ست مائة شيخ. وقد عُدّ من أصحاب الإمام الصادق - عليه السّلام وروى عنه(1): جرير بن عبد الحميد، وحماد بن عيسى الجهني، وعبد الله بن المبارك، وعبيد الله بن موسى، وعلي بن الجعد، وأبو نُعيم الفضل بن دكين، ومالك ابن أنس، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن زُرَيع، ويحيى القطان، وطائفة. وكان حافظاً، محدثاً، فقيهاً.

وقد عُدّ في أصحاب الرأي قال ابن خلكان: وهو أحد الأَئمّة المجتهدين. روي أنّ عاصم بن أبي النجود كان يجيء إليه يستفتيه ويقول: يا سفيان أتيتنا صغيراً وأتيناك كبيراً.

وذكر أنّه كان يُبيح النبيذ الذي كثيره مسكر. ويقال: رجع عن ذلك.

رُوي عن ابن مهدي قال: يزعمون أنّ سفيان كان يشرب النبيذ، أشهد لقد وُصف له دواء، فقلت: نأتيك بنبيذ؟ فقال: لا، ائتني بعسل وماء.

قال الذهبي في «سيره»: وفيه تشيع يسير، كان يثلِّث بعليّ وكان ينكر على الملوك، ولا يرى الخروج أصلًا، وكان يدلَّس في روايته، وربّما دلَّس عن الضعفاء. وكان المنصور قد راود سفيان على القضاء فأبى، وخرج من الكوفة فسكن مكة والمدينة، ثم طلبه المهدي، فتوارى وانتقل إلى البصرة، فمات بها مستخفيا. له من الكتب: «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير» كلاهما في الحديث، وكتاب في «الفرائض». ومن كلام سفيان: اصحب من شئت، ثم أغضبه، ثم دُسّ إليه من يسأله عنك.

ص: 243


1- أي: كان يفضل علياً - عليه السّلام - على عثمان، علماً أن أرباب المعاجم الشيعية لم يعدوا سفيان في رجال الشيعة

وقال: ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمال والثياب، فان نوزع الرئاسة، حامي عليها وعادى. توفي - سنة إحدى وستين ومائة، ولم يُعقِب)(1).

ثالثاً: مذهب الليث بن سعد (ت 175 ه):

(94 - 175 ه) ابن عبد الرحمن الفهمي بالولاء، عالم الديار المصرية أبو الحارث. ولد بَقرقَشَندة(2) سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين.

ويقال: إنّ أصله من أصبهان.

روى عن: بكير الاشجّ، وربيعة الرأي، وسعيد المَقبُري، وصفوان بن سُليم، وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان، وعبد الملك بن جريج، وعبد العزيز

ص: 244


1- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام - قم المقدسة: ج 2 ص 241 - 243
2- وهي قرية بأسفل مصر، بينها وبين القاهرة مقدار ثلاثة فراسخ

الماجشون، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة بن دعامة السّدوسي، وغيرهم.

روی عنه: محمد بن عجلان شيخه، وعبد الله بن لهيعة، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن مسلمة، القعنبي، وعلي بن نصر الجهضمي، وهشيم بن بشير، ووهب ابن جرير بن حازم، وآخرون.

وكان أحد كبار الفقهاء، يُحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث، وكان من الكرماء الأجواد. وقد قدم بغداد وحدّث بها. وأراده المنصور أن يلي إمرة مصر فامتنع.

قال الشافعيّ: الليث أفقه من مالك إلَّا أنّ أصحابه لم يقوموا به.

وقال يحيى بن بكير: الليث أفقه من مالك، ولكن الحظوة لمالك.

وقيل: كان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير مَن بها في عصره، بحيث إنّ القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته.

وكان الليث يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته.

توفّي بمصر - سنة خمس وسبعين ومائة)(1).

رابعاً: مذهب سفيان بن عينية (ت 198 ه)

(107 - 198 ه) ابن أبي عمران، واسمه: ميمون الهلالي بالولاء، أبو محمد الكوفي. ولد بالكوفة سنة سبع ومائة، وسكن مكة ومات بها.

ص: 245


1- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام - قم المقدسة: ج 2 ص 471 - 472

روى عن أبان بن تغلب، وإسماعيل بن أبي خالد، وأيوب السَّختياني، وثور بن يزيد الحمصي، وجابر بن يزيد الجعفي، وزيد بن أسلم، وسفيان الثوري، وأبي حازم سلمة بن دينار، وعبد الملك بن أعين، وعطاء بن السائب، وفطر بن خليفة، وطائفة.

روى عنه: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والحسن بن صالح بن حيّ، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق بن همّام الصنعاني، وعلي بن المديني، وأبو نُعيم الفضل بن دكين، وهشام بن عمار الدمشقي، ويحيى بن سعيد القطان، وخلق كثير.

وكان كثير الحديث، فقيهاً، مفسّراً.

له من الكتب: «الجامع» في الحديث، وكتاب في «التفسير».

وقال النجاشي: له نسخة عن جعفر بن محمد [الصادق (عليه السلام)].

روي عنه أنّه قال: ما كتبت شيئاً إلّا حفظته قبل أن أكتبه.

ولسفيان في الكتب الأَربعة عند الإمامية اثنتين وعشرين رواية، رواها

ص: 246

عن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام)، وعن عمار الدهني، ومسعر بن كدام، والزهري، والسندي، ورواها عن سفيان: أبو محمد الجوهري، وسليمان بن داود المنقري.

قال ابن حجر: نسبه ابن عديّ إلى شيء من التشيع، ولكن العلَّامة الحلي وهو أحد كبار علماء الشيعة قال: إنّه ليس من أصحابنا.

وقال الذهبي: وقد كان سفيان مشهوراً بالتدليس، عَمدَ إلى أحاديث رُفعت إليه من حديث الزهري، فيحذف اسم من حدّثه، ويدلّسها، إلا إنه لا يدلَّس إلّا عن ثقة عنده.

روي أنّ سفيان بن عيينة قال للامام أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام): إنّه يروى أنّ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) كان يلبس الخشن من الثياب، وأنت تلبس القوهي(1) المروي.

قال: ويحك إنّ علياً (عليه السّلام) كان في زمان ضيّق فإذا اتسع الزمان فأبرار الزمان أولى به(2) روى الشيخ الكليني بسنده عن سفيان بن عيينة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقو: وجدت علم الناس كلَّه في أربع: أوّلها أن تعرف ربّك، والثاني أن تعرف ما صنع ما بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك(3) وروى أيضاً

ص: 247


1- القوهيّ: ثياب بيض تنسج بقوهِستان وهو تعريف كوهستان، ومعناه موضع الجبال، والمشهور بهذا الاسم الجبال التي بين هراة ونيسابور. و «المرويّ»: نسبة إلى مر و من بلاد قوهستان. معجم البلدان: 4 - 416
2- وقد رويت هذه الحكاية في سفيان الثوري لا في سفيان بن عيينة
3- الكافي: ج 1: كتاب فضل العلم، باب النوادر، الحدیث 11

بسنده عن أبي عيينة، عن أبي عبد الله - عليه السّلام قال: إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كل أربعة دنانير عُشر دينار ومن كلام سفيان: الزهد في الدنيا: الصبر وارتقاب الموت.

وقال: من رأى أنّه خير من غيره فقد استكبر، ثم ذكر إبليس.

وروي أنّ الناس اجتمعوا إليه فقال: من أحوج الناس إلى العلم؟ فسكتوا، ثم قالوا: تكلَّم يا أبا محمد، قال: أحوج الناس إلى العلم العلماء، وذلك أنّ الجهل بهم أقبح، لأَنّهم غاية الناس، وهم يُسألون. توفّي - سنة ثمان وتسعين ومائة)(1).

خامساً: مذهب اسحاق بن راهوية (ت 238 ه)

(161 - 238 ه) إسحاق بن إبراهيم بن مَخلَد بن إبراهيم التميمي الحنظلي، أبو يعقوب المَروزي المعروف ب (ابن راهويه)، لُقِّب أبوه بذلك

ص: 248


1- موسوعة طبقات الفقهاء،لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 2 ص 243 - 246

لَانَّه فيما قيل وُلد في طريق مكة، فقالت المراوزة: راهويه(1) وُلد سنة احدى وستين ومائة، ورحل إلى العراق سنة أربع وثمانين ومائة، وإلى الحجاز، والشام، واليمن، وإلى بغداد غير مرّة، وجالس حُفّاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان فاستوطن نيسابور إلى أن توفّي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين سمع من: جرير بن عبد الحميد الرازي، وإسماعيل بن عُليّة، وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وأبي معاوية، وبقيّة بن الوليد، وعبد الرزاق الصنعاني، وعبد العزيز الدراوردي، وأبي نُعيم الفضل بن دُكين، وطائفة روى عنه: محمد بن إسماعيل البخاري، وإسحاق بن منصور الكوسج، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، ومحمد بن نصر المروزي، وأبو عيسى الترمذي، وأحمد بن سلمة، ومن أقرانه أحمد بن حنبل، ومن شيوخه يحيى بن آدم وبقيّة بن الوليد، وآخرون وكان فقيهاً، حافظاً، كثير الحفظ، مفتياً، مفسّراً قال محمد بن أسلم الطوسي: لو كان سفيان الثوري في الحياة، لاحتاج إلى إسحاق عُدِّ في أصحاب الشافعي، وكان قد ناظره في مسألة جواز بيع دور مكَّة.

رُوي أنّ الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حين دخل نيسابور(2) كان في قبة مسوّرة على بغلة شهباء، فعرض له خلائق لا يُحصون من طلبة العلم وأهل الحديث والرواية، منهم إسحاق بن راهويه، وسألوه أن يريهم وجهه الميمون وأن يحدّثهم حديثاً عن آبائه عن جده محمد (صلَّى الله عليه

ص: 249


1- و (راه) معناه الطريق بالفارسية، و (ويه) معناه وُجِدَ. وفيات الأعيان
2- مر - عليه السلام - بنيسابور في طريقه إلى مرو، حين أشخصه المأمون العباسي من لمّا جعله وليّ عهده

وآله وسلَّم)، يذكرونه به، فحدّثهم (عليه السلام) بالحديث الذي يُعرف بسلسلة الذهب.

قال أبو نعيم الأصبهاني (بعد أن روى حديث سلسلة الذهب): هذا حديث ثابت مشهور بهذا الاسناد من رواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين، وكان بعض سلفنا من المحدّثين إذا روى هذا الاسناد قال: لو قرىَ هذا الاسناد على مجنون لَافاق(1) صنّف ابن راهويه: المسند، السنن في الفقه، والتفسير توفي سنة - ثمان وثلاثين ومائتين، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته وفي مولده 809 إسحاق بن بكر(2))(3).

سادساً: مذهب داود بن علي الظاهري: (ت 270 ه)

داود بن على بن خلف، أبو سليمان، الأَصبهاني، البغدادي، المعروف بالظاهريّ، أوّل من أظهر انتحال الظاهر، وهو عراقي وإنّما قيل له

ص: 250


1- حلية الأولياء: 3 - 192 برقم 241
2- التأريخ الكبير 1 - 383 برقم 1224، الجرح والتعديل 2 - 214، ثقات ابن حبان 8 - 113، تهذيب الكمال 2 - 413 برقم 343، تاريخ الإسلام (سنة 211 220) ص 63 برقم 30، العبر 1 - 294، الوافي بالوفيات 8 - 407 برقم 3856، تهذيب التهذيب 1 - 227 برقم 420، تقريب التهذيب 1 - 56، شذرات الذهب 2 - 44
3- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 3 ص 114 - 116

الأَصبهاني، لَانّ أمّه أصبهانية، وقيل: هو أصبهاني الأصل ولد بالكوفة سنة مائتين، وقيل: سنة اثنتين ومائتين، ونشأ ببغداد، وأخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وكان قد رحل إليه إلى نيسابور وأبي ثور الكلبيّ، وسمع منهما، ومن: سليمان بن حرب، والقعنبي، ومسدّد بن مسرهد، وغيرهم.

روى عنه: ابنه محمد، وزكريا بن يحيى السّاجي، ويوسف بن يعقوب الداودي، والعباس بن أحمد المذكر، وآخرون وكان من المتعصبين للشافعي، وصنّف في مناقبه كتابين، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع کثیر يُعرفون بالظاهرية، وقد سميت بذلك لَاخذها بظاهر الكتاب والسنّة، فالمصدر الفقهي عندهم هو النصوص، وإذا لم يكن النص موجوداً أخذوا بالإباحة الأصلية وقد ناقش العلَّامة الشيخ السبحاني هذا المذهب، وبسط الكلام في الردّ عليه بأسلوب واضح قائم على الحجج.

ص: 251

وللظاهري تصانيف جمّة، أورد ابن النديم أسماءها، منها: الطهارة، الحيض، الصلاة، القبلة، السهو، الزكاة، النكاح، الطلاق، البيوع، الضمان، الحدود، الطب، الجهاد، سهم ذوي القربی، المتعة، إبطال القياس، خبر الواحد، الفرائض، الغصب، إبطال التقليد، والإِيضاح، وغيرها توفّي ببغداد سنة - سبعين ومائتين) موسوعة طبقات الفقهاء)(1).

سابعاً: مذهب ابن جرير الطبري: (ت 310 ه) ص: 252


1- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 3 ص 241 - 243

محمد بن جریر بن یزید بن کثیر(1) بن غالب، أبو جعفر الطبري الأملي(2)، الفقيه المجتهد، المفسر، المؤرّخ المشهور، صاحب كتاب «تاریخ الأُمم والملوك» المعروف بتاريخ الطبري. ولد سنة أربع وعشرين ومائتين بآمل، وطلب العلم بعد الأربعين ومائتين، وأكثر الترحال، وأدرك الأسانید العالية بمصر، والشام، والعراق، والكوفة، والبصرة، والري.

أخذ فقه الشافعي عن الربيع بن سليمان المزني بمصر، والحسن بن محمد الزعفراني ببغداد وأخذ فقه مالك عن يونس بن عبد الأعلى، ومحمد وعبد الرحمن وسعد بني عبد الحكم.

وأخذ فقه أبي حنيفة عن أبي مقاتل بالري.

وسمع من: ابن أبي الشوارب، ويعقوب الدورقي، وأحمد بن منيع البغوي، ومحمد بن حُميد الرازي، وأبي سعيد الأشج، وعمرو بن علي الفلَّاس، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وكثير غيرهم.

حدّث عنه: أحمد بن كامل القاضي، ومحمد بن عبد الله الشافعي، ومخلَّد

ص: 253


1- وفي فهرست ابن النديم: خالد، بدل كثير
2- نسبة إلى آمل: أكبر مدينة في طَبرَستان، في السهل، لاَنّ طبرستان سهل وجبل. معجم البلدان: 1 - 57

بن جعفر، وأبو القاسم الطبراني، وأبو شعيب الحرّاني، وأبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني، وأحمد بن القاسم الخشّاب، وآخرون.

استوطن بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته.

وكان قد جمع علوماً شتّى، وتفنّن بعدة معارف، فهو حافظٌ لكتاب الله، بصيرٌ بمعانيه، فقيه في أحكامه، عالم بالسنن، وطرقها، عارفٌ بأقوال الصحابة والتابعين ومَن بعدهم ممّن خالفهم في الاحكام، عارفٌ بأيّام الناس وأخبارهم وتواريخهم.

وهو إلى ذلك كلَّه مضطلع باللغة والنحو والشعر والأَدب.

وكان مجتهداً مطلقاً، له مذهب في الفقه، و مسائل تفرّد بها.

وللطبري تصانیف کثيرة، منها: التأريخ المشهور، التفسير، تهذيب الآثار، واختلاف الفقهاء.

وله كتابان جامعان في الفقه:

الاوّل: لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو مذهبه الذي اختاره، وجوّده واحتج له، وقيل هو ثلاثة وثمانون کتاباً.

والثاني: البسيط، ولم يتمّه، لكن الذي خرج منه عدّة كتب، منها: الشروط، المحاضر والسجلَّات، الوصايا، أدب القاضي، الطهارة، الصلاة، والزكاة.

وصنّف کتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ.

قال الذهبي في سيره: جمع طرق حدیث غدیر خمّ، في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سَعَةُ رواياته، وجزمتُ بوقوع ذلك.

ص: 254

وقال ابن كثير في البداية والنهاية: رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدیر خمّ في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه طرق حديث الطير.

وممّا يروى له من الشعر، قوله:

إذا أعسرتُ لم أُعلِم رفيقي *** وأستغني فيستغني صديقي

حياني حافظٌ لي ماء وجهي *** ورفقي في مطالبتي رفيقي

ولو أنّي سمحتُ ببذل وجهي *** لكنتُ إلى الغني سهل الطريق

وله أيضاً:

خُلقانِ لا أرضى طريقهما *** بَطَرُ الغِني ومذلَّةُ الفَقرِ

فإذا غَنِيتَ فلا تكن بَطِراً *** وإذا افتقرتَ فَتِه على الدَّهرِ

توفِّي في شوّال سنة عشر وثلاثمائة، وحضر تشييعه والصلاة عليه خلق كثير)(1).

المسألة الثانية: الفقهاء السبعة المجتهدون والمستقلون:

1- أبو محمد البياني القرطبي (ت: 276 ه):

(ابن القاسم بن محمد بن سيّار الأُمويّ بالولاء، أبو محمد البيّاني(2)

ص: 255


1- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 4 ص 375 - 378
2- نسبةً إلى (بيّانة) من مدن الأندلس. معجم البلدان: 1 - 518

الأندلسي القرطبي رحل وسمع من: الحارث بن مسكين، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وأبي طاهر السرح، وإبراهيم بن محمد الشافعي، ويونس بن عبد الأعلى، وأبي إبراهيم المزني، وجماعة ولزم محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبا إبراهيم المُزَنيّ، وتفقّه بهما روی عنه: سعید بن عثمان الاعناقي، وأحمد بن خالد بن الحُباب، ومحمد بن عمر بن لُبابة، وابنه محمد بن القاسم، ومحمد بن عبد الملك بن أعين، وجماعة وكان مُحدِّثاً فقيهاً، يذهب إلى الحجّة والنظر، وترك التقليد، ويميل إلى مذهب الشافعي.

وله تحقّق بهذا المذهب، ومؤلفات في الردّ على مخالفيه، منها: کتاب «الإيضاح» في الرد على المقلِّدين، وكتاب في الردّ على يحيى بن إبراهيم بن مُزَین وعبد الله بن خالد والعُتبيّ، وله كتاب في خبر الواحد توفّي بقرطبة سنة - ستٍ وسبعين ومائتين، وقيل غير ذلك)(1).

2- أبو عبد الله المروزي (ت: 279 ه):

(محمد بن جابر ابن حمّاد، أبو عبد الله المَروزيّ سمع من: هدبة بن خالد، وعلي بن المديني، وشيبان بن فروخ، وأحمد بن حنبل، وأبي مصعب الزهري، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن صالح، وغيرهم حدّث عنه: ابن خزيمة، وأبو العبّاس الدغولي، وأبو العباس المحبوبي، وأبو حامد ابن الشرقي، وآخرون)(2).

ص: 256


1- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 3 ص 441 - 442
2- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 3 ص 484 - 485

3- القاضي ابو اسحاق النّسفي(1) (ت: 295 ه):

(إبراهيم بن معقل ابن الحجاج، أبو إسحاق النَّسفي، و «نَسَف» مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند، وهي نَخشَب نفسها رحل فسمع من: قتيبة بن سعد، وهشام بن عمار الدمشقي، وأحمد بن منيع، وغيرهم حدث عنه: علي بن إبراهيم الطغامي، وعبد المؤمن بن خلف، ومحمد بن زکریا، وآخرون وكان فقيهاً، حافظاً، عارفاً باختلاف العلماء، ولي قضاء نسف، وكتب الكثير، وصنف «المسند» و «التفسير» وغير ذلك توفي سنة - خمسة وتسعين ومائتين)(2).

4- يوسف بن يعقوب القاضي(3) (ت: 297 ه):

(یوسف بن يعقوب(4) بن إسماعيل بن حماد بن زید بن درهم الأزدي

ص: 257


1- مختصر تاریخ دمشق 4 - 163 برقم 167، تاريخ الإسلام ( سنة 300291) ص 102 برقم 107، سير أعلام النبلاء 13 - 493 برقم 241، العبر1 - 428، الوافي بالوفيات 6 - 149 برقم 2593، النجوم الزاهرة 3 - 164، طبقات الحفّاظ 302، طبقات المفسّرين للداودي 1 - 24، کشف الظنون 1 - 80، شذرات الذهب 2 - 218، هدية العارفين 1 - 4، الأعلام للزركلي 1 - 74، معجم المؤلفين 1 - 114
2- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 3 ص 53 - 54
3- تاریخ بغداد 16 - 310 برقم 7630، المنتظم لابن الجوزي 13 - 103 برقم 2049، الكامل في التأريخ 8 - 59، تاريخ الإسلام للذهبي (سنة 300291) 327 برقم 560، سير أعلام النبلاء 14 - 85 برقم 45، العبر 1 - 434، تذکرة الحفاظ 2- 660 برقم 680، دول الإسلام 1 - 132، مرآة الجنان 2 - 230، البداية والنهاية 11 - 119، النجوم الزاهرة 3 - 171، طبقات الحفاظ 291، شذرات الذهب 2 - 227، الأعلام للزركلي 8 - 258، معجم المؤلفين 13 - 344
4- كان قاضي المدينة

بالولاء، أبو محمد البصري ثم البغدادي سمع من: مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن كثير، ويحيى بن حبیب بن عربي، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن عبيد الله بن حساب، ومسدَّد، وهدية بن خالد، وأبي الربيع الزهراني، وجماعة روى عنه: أبو عمرو بن السمّاك، وأبو سهل بن زیاد، وعبد الباقي بن قانع، وإسماعیل بن علي الخطبي، ودعلج بن أحمد، وأبو بكر الشافعي، وأبو محمد ابن ماسي، وغيرهم)(1).

5- محمد بن داود بن علي الظاهري(2): (ت: 297 ه):

محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري، أبو بكر، الأَصبهاني الأصل، البغداديّ، وهو ابن داود الذي يُنسب إليه المذهب الظاهري ولد ببغداد سنة أربع وخمسين ومائتين.

وحدّث عن: أبيه، وعباس الدوري، وأبي قِلابة الرَّقاشي، وأحمد بن أبي خيثمة، ومحمد بن عيسى المدائني، وغيرهم حدّث عنه: نفطويه، والقاضي

ص: 258


1- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 3 ص 633 - 634
2- مروج الذهب 5 - 196 برقم 3404 و 3405 و 3430، فهرست ابن الندیم 319، تاریخ بغداد 5 - 256 برقم 2750، طبقات الفقهاء للشيرازي 175، المنتظم لابن الجوزي 13 - 98 برقم 2042، الكامل في التأريخ 8 - 59، وفيات الأعيان 4 - 259 برقم 604، تاریخ الإسلام ( سنة 300291) 263 برقم 414، سير أعلام النبلاء 13 - 109 برقم 56، تذکرة الحفّاظ 2 - 660 ذيل رقم 680، العبر 1 - 433، الوافي بالوفيات 3 - 58 برقم 952، مرآة الجنان 2 - 228، البداية والنهاية 11 - 117، کشف الظنون 2 - 962 و 1394 و 1399 و، شذرات الذهب 2 - 226، ایضاح المكنون 1 - 620، هدية العارفين 2 - 22، الأعلام للزركلي 6 - 120، معجم المؤلفين 9 - 296

أبو عمر محمد بن يوسف، و محمد بن موسی البربري، وابنه القاسم، وجماعة وكان فقيهاً مجتهداً لا يقلَّد أحداً، وشاعراً فصيحاً، وعالماً مناظراً وكان يناظر الفقيه الشافعي أبا العباس بن سريج، وخَلَف أباه في حلقته قال أبو العباس الخُضَري: كنت جالساً عند أبي بكر محمد بن داود، فجاءته امرأة، فقالت: ما تقول في رجل له زوجة، لاهو يُمسكها، ولا هو يُطلَّقها؟ فقال أبو بكر: اختلف في ذلك أهل العلم، فقال قائلون: تُومَر بالصبر والاحتساب ويبعث على التطلَّب والاكتساب، وقال قائلون: يؤمر بالانفاق، وإلَّا حُمل على الطلاق، فلم تفهم المرأة قوله، فأعادت سؤالها عليه، فقال: يا هذه قد أجبتك.. ولستُ بسلطان فأمضي، ولا قاضٍ فأقضي، ولا زوجٍ فأرضي، انصرفي رحمك الله قال: فانصرفت المرأة ولم تفهم جوابه وحُكي أنّ رجلًا جاء إلى مجلس محمد بن داود ورفع له رقعة، فتأمّلها طويلًا، وظنّ تلامذته أنّها مسألة، فكتب عليها وردّها إلى صاحبها، فإذا الرجل ابن الرومي الشاعر المشهور، وإذا في الرقعة:

يا ابن داود یا فقيه العراق *** أفتِنا في قواتل الأحداقِ

هل عليهن في الجروحِ قصاصٌ *** أم مُباح لها دمُ العشّاقِ

وإذا الجواب:

كيف يفتيكمُ قتيلٌ صريعٌ *** بسهام الفراقِ والاشتياقِ

وقتیل التلاقِ أحسن حالًا *** عند داود من قتيل الفراق

صنّف المترجم كتباً منها: اختلاف مسائل الصحابة، الوصول إلى معرفة الأُصول، الفرائض، المناسك، والتقصّي في الفقه.

ص: 259

وصنّف كتاب «الزهرة»(1) في الآداب والشعر توفيّ ببغداد سنة - سبع وتسعين ومائتين)(2).

6- ابن المنذر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري(3) (ت: 318 ه):

(محمد بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوري، نزیل مکَّة. ولد في حدود سنة إحدى وأربعين ومائتين. وروى عن: الربيع بن سليمان، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ومحمد ابن إسماعيل، ومحمد بن میمون، وعلي بن عبد العزيز، وغيرهم.

حدّث عنه: محمد بن يحيى بن عمّار الدمياطي، وأبو بكر بن المقرئ، والحسن والحسين ابنا علي بن شعبان. وكان حافظاً، عارفاً بالحديث، مجتهداً لا يقلَّد مذهباً بعينه.

ذكر السُّبكي في طبقاته الكبرى: أنّ ابن المنذر هو أحد المحمّدين الأَربعة الَّذين بلغوا درجة الاجتهاد المطلق، ولم يُخرجهم ذلك عن كونهم من أصحاب الشافعي، لوفاق اجتهادهم اجتهاده.

ثمّ قال: فإنهم وإن خرجوا عن رأي الإمام الأعظم (الشافعي) في كثير من المسائل، فلم يخرجوا في الأغلب، فاعرف ذلك، واعلم أنّهم في أحزاب

ص: 260


1- قيل إنّه صنّف هذا الكتاب من أجل وهب بن جامع الصيدلاني، وكان محمد بن داود قد أحبّه وشُغف به، حتى مات من حُبّه. سير أعلام النبلاء: 13 - 115
2- موسوعة طبقات الفقهاء، لمؤسسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 3 ص 499 - 501
3- فهرست ابن الندیم 316، طبقات الفقهاء للشيرازي 108، تهذيب الأسماء واللغات 2 - 196 برقم 301، وفيات الأعيان 4 - 207، تاريخ الإسلام (حوادث 320) 568301 برقم 386، سير أعلام النبلاء 14 - 490 برقم 275، میزان الاعتدال 3 - 450 برقم 7123، تذکرة الحفاظ 3 - 782 برقم 775، الوافي بالوفيات 1 - 336 برقم 210، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3 - 102 برقم 117، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1 - 98 برقم 44، لسان الميزان 5 - 27 برقم 104، طبقات الحفّاظ 330 برقم 746، طبقات الشافعية لابن هداية الله 59، کشف الظنون 1 - 103، شذرات الذهب 2 - 280، ایضاح المكنون 1 - 349، الاعلام 5 - 294، معجم المؤلفين 8 - 330

الشافعية معدودون.. إلى آخر كلامه.

أقول: إنّ في كلامه تهافتاً ظاهراً، فإنّ لازم كونه مجتهداً مطلقاً كونه مطلق المذهب أيضاً، غير معدود في عداد مذهب بعينه، ولا ينافي ذلك كونه ممّن أخذ الفقه عن أصحاب الشافعي أو غيرهم قبل اجتهاده، ولا ينافي أيضاً موافقة اجتهاده لاجتهاد الشافعي أو غيره في النتائج.

هذا، وقد صنّف ابن المنذر كتباً، منها: الاجماع، المبسوط، خ الاشراف في اختلاف العلماء. توفِّي سنة - ثماني عشرة وثلاثمائة، وقيل غير ذلك)(1).

7- ابن حزم الأندلسي(2) (ت: 456 ه)

علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأُموي بالولاء، أبو محمد الأندلسي القرطبي، الفارسي الأصل، مروِّج المذهب الظاهري، ومنقّحه، والمحامي عنه، وناشره في الغرب بعد انحساره عن الشرق.

ولد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.

وولع بالأدب والشعر والمنطق والفلسفة، وتولى الوزارة کا وليها أبوه

ص: 261


1- موسوعة طبقات الفقهاء، المؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 4 ص 336 - 338
2- الصلة 2 - 605 برقم 898، معجم الأدباء 12 - 235، وفيات الأعيان 3 - 325، سیر أعلام النبلاء 18 - 184، تذكرة الحفاظ 3 - 1146، مرآة الجنان 3 - 79، البداية والنهاية 12 - 98، لسان الميزان 4 - 198، النجوم الزاهرة 5 - 75، طبقات الحفاظ 435 برقم 981، نفح الطيب 2 - 77، کشف الظنون 1 - 466، شذرات الذهب 3 - 299، هدية العارفين 1 - 690، الاعلام 4 - 254، معجم المؤلفين 8 - 16، بحوث في الملل والنحل للسبحاني 3 - 157

من قبل للمستظهر بالله، والمعتمد بالله، ثم زهِد فيها، وأقبل على طلب العلم، فتفقّه أولاً للمذهب الشافعي، ثم عدل إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي، فخدمه، ووضع الكتب في بسطة.

وكان أبو محمد فقيهاً، حافظاً، باحثاً، ذا باع طويل في الآداب والشعر.

سمع من: يحيى بن مسعود بن وجه الجنة، وأحمد بن محمد بن الجسور، ويونس بن عبد الله بن مغيث، وابن عبد البر، وأبي عمر الطلمنكي، وعبد الله بن ربيع التميمي، وغيرهم.

حدّث عنه: ابنه الفضل، و أبو عبد الله الحُميدي، وأبو الحسن شُریح بن محمد، وآخرون.

وصنّف كتباً كثيرة، منها: المحلَّي في أحد عشر جزءاً في الفقه، الفصل في الملل والأَهواء والنحل، جمهرة الانساب، حجة الوداع، التقريب لحد المنطق والمدخل إليه، فضائل الأندلس، والاحكام لأصول الاحکام(1) وله رسائل كثيرة، منها: طوق الحمامة، أسماء الخلفاء، الغناء الملهي، الإمامة، مداواة النفوس، الرد على الكندي الفيلسوف(2) وكان كثير الانتقاد للعلماء والفقهاء (ويقال إنّه كان سليط اللسان) فتمالئوا على بغضه، وأجمعوا على تضليله، وحذّروا سلاطينهم من فتنته، فأقصته الملوك وطاردته، فرحل إلى

ص: 262


1- وجميع هذه الكتب مطبوعة، وله أيضاً مخطوطة، كما أُحرقت بعض كتبه
2- وللدكتور إحسان عباس «رسائل ابن حزم الأندلسي» أربعة أجزاء، جمع فيه (22) رسالة

بادية (لَبلَة) فتوفي بها في سنة - ست وخمسين وأربعمائة.

ولابن حزم آراء شاذة، تصدّى لها العلماء بالمناقشة(1) منها: إفتاؤه ببطلان الاجتهاد في استخراج الاحكام الفقهية، مستدلًا بقوله سبحانه: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»(2). ومن شعره:

هل الدهرُ إلَّا ما عَرفنا وأَدرَكنا *** فجانعُه تُبقى، ولذاتُه تفنى

إذا أمكنت فيه مسرّة ساعةٍ *** تولَّت کَمَرِّ الطَرفِ واستخلَفت حُزنا

كان الذي كنا نُسَرُّ بكونه *** إذا حقّقتهُ النفسُ لفظٌ بلا معنی(3)

ص: 263


1- انظر على سبيل المثال: بحوث في الملل والنحل للسبحاني
2- الأنعام: 38
3- موسوعة طبقات الفقهاء المؤسسة الامام الصادق عليه السلام: ج 5 ص 229 - 231

ص: 264

ختامه مسك

وفي نهاية الحديث فان خير ما نختم به هذه المقدمة العلمية هو قول أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام):

«فَيَا عَجَباً ومَا لِيَ لَا أَعجَبُ مِن خَطَإِ هَذِه الفِرَقِ، عَلَى اختِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا، لَا يَقتَصُّون أَثَرَ نَبِيٍّ ولَا يَقتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ، ولَا يُؤمِنُونَ بِغَيبٍ ولَا یَعِفُّونَ عَن عَيبٍ، يَعمَلُونَ فِي الشُّبُهَاتِ ويَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ، المَعرُوفُ فِيهِم مَا عَرَفُوا والمُنکَرُ عِندَهُم مَا أَنکَرُوا، مَفزَعُهُم فِي المُعضِلَاتِ إلى أَنفُسِهِم، وتَعوِيلُهُم فِي المُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِم، كَأَنَّ كُلَّ امرِئٍ مِنهُم إِمَامُ نَفسِه، قَد أَخَذَ مِنهَا فِيمَا یَرَی بِعُرًی ثِقَاتٍ وأَسبَابٍ مُحکَمَاتٍ»(1).

وقال أمير المؤمنین و مولی الموحدين الإمام علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام):

«الحق جديد وإن طالت عليه الأيام والباطل مخذول وإن نصره أقوام»(2).

«رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»(3).

«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(4).

ونسأله برحمته وسابق لطفه أن يمن علينا بالمزيد من فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و بهذا نكون قد انتهينا من المقدمة العلمية

ص: 265


1- نهج البلاغة الخطبة: 88، ص 121، بتحقيق صبحي الصالح؛ الكافي للكليني: ج 8 ص 64
2- وسائل الشيعة للعاملي: ج 17 ص 245، أبواب: احياء الموات، باب: 17 ح 3
3- البقرة: 250
4- البقرة: 127

للكتاب ويليه بعون الله تعالى الباب الأول من أبواب فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة، وهو: مقدمة العبادات.

والحمد لله رب العالمين.

«إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ»(1)

«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»(2).

نبيل السيد قدوري السيد حسن الحسني الكربلائي 17 - صفر الخير - 1441 ه الموافق 17 - 10 - 2019 م كربلاء الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)

ص: 266


1- الأعراف: 196
2- يونس: 129

المحتويات

المقدمة العلمية نشوء المذاهب الفقهية وتطورها حتى نهاية القرن الثالث للهجرة النبوية

الفصل الأول جهود ثمة أهل البيت (علیهم السلام) في حفظ الشريعة وإنماء الفقه في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة النبوية

توطئة: مستويات نمو الفقه عند التابعيين واتباعهم...11

المبحث الأول: جهود الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وجهاده في حفظ الشريعة وإنماء الفقه...25

المسألة الأولى: التعريف بشخصه وشطراً من سيرته:...27

المسألة الثانية: مدرسته العلمية:...29

الف: تصانيفه (عليه السلام)...29

باء: أبرز الفقهاء الذين انتسبوا إلى مدرسته من شيعة آل البيت (عليهم السلام)...32

ص: 267

جیم: أبرز اسماء الذين أفتوا عنه من فقهاء جمهور المسلمين...45

المبحث الثاني: جهود الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وجهاده في حفظ الشريعة المحمدية...59

المسألة الأولى: التعريف بشخصه وشطر من سيرته (عليه السلام)...60

المسألة الثانية: مدرسته العلمية...66

أولاً: تصانیفه (عليه السلام) في العلوم المختلفة...66

الفصل الثاني ظهور المذاهب الإسلامية واستقلاليتها الاجتهادية وأبرز رموزها

المبحث الأول: عائدية مذهب الإمامية إلى عصر الرسالة المحمدية تأسيساً وتأصيلاً...131

المبحث الثاني: المذهب الحنفي ومرجعيته الفقهية...135

المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب...135

المسألة الثانية: آرائه الفقهية وفتاويه التي تفرد بها عن بقية المذاهب السبعة...139

المسالة الثالثة: أسماء أبرز أهل الفتيا الذين انتسبوا إلى مدرسة الرأي والقياس حتى العام (250) للهجرة...142

المبحث الثالث: المذهب المالكي...149

المسالة الأولى: التعريف بإمام المذهب...149

1- اسمه ونسبه:...149

ص: 268

2- والدته ومدة حمله...151

المسألة الثانية: أبرز فقهاء المذهب المالكي حتى نهاية القرن الثالث الهجري...158

المبحث الرابع: المذهب الشافعي...165

المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب...165

المسألة الثانية: أسماء أبرز الفقهاء حتى منتصف القرن الثالث للهجرة النبوية...169

المبحث الخامس: المذهب الحنبلي...175

المسألة الأولى: التعريف بإمام المذهب...175

المسألة الثانية: أسماء أبرز فقهاء المذهب الحنبلي حتى منتصف القرن الثالث للهجرة...183

المبحث السادس: المذهب الزيدي...189

المسألة الأولى: التعريف بشخصيته وشطراً من سيرته...189

1- اسمة وكنيته...189

2- ولادته ونشأته...189

3- الراوون عنه...189

4- بعض ما قيل فيه...190

المسألة الثانية: موقف علماء الإمامية من زید الشهيد (عليه السلام)...192

المسألة الثالثة: أسماء أبرز فقهاء المذهب الزيدي حتى نهاية القرن الرابع الهجري...198

المبحث السابع: المذهب الإباضي...213

ص: 269

المسألة الأولى: الاختلاف فيمن أسس المذهب، وحقيقة نسبته لعبد الله بن إباض...213

أولا: حقيقة احتجاجه على جميع الفرق و نقض اعتقاداتها...214

ثانيا: ما يؤكد انتساب الإباضية إلى عبدا لله بن إباض...216

المسألة الثانية : أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي (ت 93 ه)...219

أولا: أسمه وروايته...219

ثانيا: تبرئه من الإباضية ونفي إنتسابهم إليه...220

ثالثا: مخالفته لنهج الخوارج وفكرها...222

المسألة الثالثة: مسلم بن ابي کريمة إمام الإباضية وفقيههم (المتوفي نحو 145 ه وقيل سنة 135 ه)...224

أولا: أسمة وكنيته...224

ثانيا: مرجع الإباضية في الفقه...224

ثالثا: هل كان لابي جعفر المنصور يداً في ظهور المذهب الإباضي...226

المسألة الرابعة: أبو عمرو الربيع بن حبیب و مسنده الموسوم ب (الجامع الصحيح) (ت حدود 180 ه)...231

أولا: أسمه وسيرته...232

ثانيا: مسنده...232

المبحث الثامن: مذاهب لم يكتب لها الدوام...241

المسألة الاولى: المذاهب السبعة المنقرضة...241

أولا: مذهب الاوزاعي (ت 157 ه)...241

ص: 270

ثانيا: مذهب سفيان الثوري (ت 161 ه)...242

ثالثاً: مذهب الليث بن سعد (ت 175 ه):...244

رابعاً: مذهب سفيان بن عينية (ت 198 ه)...245

خامساً: مذهب اسحاق بن راهوية (ت 238 ه)...248

سادساً: مذهب داود بن علي الظاهري: (ت 270 ه)...250

سابعًا: مذهب ابن جرير الطبري: (ت 310 ه)...252

المسألة الثانية: الفقهاء السبعة المجتهدون والمستقلون:...255

ختامه مسك:...265

ص: 271

ص: 272

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.