فِقْهُ نَهْجُ البَلاغة عَلَی المَذاهِبِ السَّبعَةِ المجلد 1

هوية الکتاب

فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة الامامي - الزيدي -الحنفي - المالكي -الشافعي - الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث

ISBN 9789933582470 رقم الإيداع في دارالكتب والوثائق العراقية ببغداد 3579 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة: IO-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP193.1.A2 H3 2020: LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مؤلف.

العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي -الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة. الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 697).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية: 18).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية. تبصرة محتويات: الجزء 1: اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب.

مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاريخ. مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي). مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي).

اسم شخص اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ISBN 9789933582470 رقم الإيداع في دارالكتب والوثائق العراقية ببغداد 3579 لسنة 2019 م مصدر الفهرسة: IO-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP193.1.A2 H3 2020: LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مؤلف.

العنوان: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة: الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي - الشافعي -الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة 2020 / 1441 للهجرة. الوصف المادي: 12 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 697).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 176) سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية، وحدة الدراسات الفقهية: 18).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية. تبصرة محتويات: الجزء 1: اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره - الجزء 2: نشوء المذاهب الفقهية وتطورها - الجزء 3: مقدمة العبادات - الجزء 4: الطهارات - الجزء 5: الصلاة - الجزء 6: الزكاة - الجزء 7: الصيام والحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر - الجزء 8: الجهاد - الجزء 9: التجارة والشركة - الجزء 10: الوقف والقصاص - الجزء 11: القضاء والشهادات - الجزء 12: الفهارس.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة 40 - للهجرة - حديث.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. مصطلح موضوعي: الفقه الاسلامي - مذاهب.

مصطلح موضوعي: المذاهب الدينية - تاريخ. مصطلح موضوعي: العبادات (فقه اسلامي). مصطلح موضوعي: المعاملات (فقه اسلامي).

اسم شخص اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث العلمية (18) وحدة الدراسات الفقهية فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة الامامي - الزيدي - الحنفي - المالكي -الشافعي - الحنبلي - الأباضي وبيان القواعد الفقهية والمعارف الاخلاقية وشروح الاحاديث دراسة بینیة الجزء الأول أثر المدرسة الإمامية في نشوء الفقه وتطوره تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة (176)

ص: 3

للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1441 ه / 2020 م العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com موبایل : 07815016633 - 07728243200

ص: 4

الإهداء إلى الفقيه الأول مفهوماً ومصداقاً وقولاً وعملاً إلى أول مظلوم ولم يزل..

إلى الناصر الأبذل.. في النفس والمال والولد..

إلى حكيم الهاشميين.. ورمز العلويين..

إلى ابن شيبة الحمد وكفى به حمداً إلى سيدي وجدي أبي طالب رضوان الله تعالى عليه أهدي كتابي هذا..

خادمكم وولدكم نبيل

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) صدق الله العلي العظيم

ص: 7

ص: 8

المقدمة العلمية أثر المدرسة الإمامية في نشوء علم الفقه وتطوره منذ عصر النبوة

ص: 9

ص: 10

يتضمن الباب:

الفصل الأول: مصطلحات الكتاب ومادته

• المبحث الأول: مادة الدراسة ومراحلها.

* المسألة الأولى: الفقه لغة.

* المسألة الثانية: الفقه اصطلاحاً.

* المسألة الثالثة: أقسام الحكم الشرعي.

* المسألة الرابعة: أنواع الفقه.

* المسألة الخامسة: القواعد الفقهية.

* المسألة السادسة: مراحل أنجاز هذه الدراسة.

* المسألة السابعة: معوقات الدراسة.

* المسألة الثامنة: المصادر الفقية المعتمدة في هذه الدراسة.

* المسألة التاسعة: منهاج البحث المعتمدة في الدراسة.

• المبحث الثاني: خصوصية كتاب نهج البلاغة وأثره في التراث الإسلامي والإنساني.

* المسألة الأولى: ائتلاف الشريف الرضي ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده في في عوالم نهج البلاغة.

* المسألة الثانية: صاحب الشرف الرضي المتشرف بجمع كلام الوصي (عليه السلام).

* المسألة الثالثة: مقایسة النص الوارد في نهج البلاغة بشواهد الكتاب والسنة وانحسار التشكيك فيه.

ص: 11

الفصل الثاني: جهود الإمام علي والحسن والحسين (علیهم السلام) في حفظ الشريعة ونمو الفقه وتطوره

• المبحث الأول: أثر التدوين في ظهور علم الفقه وغيره من العلوم.

* المسألة الاولى: متى ظهر التدوين عند العرب والمسلمين في الحجاز.

* المسالة الثانية: أسبقية مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) في التدوين والتصنيف في مختلف العلوم.

* المسالة الثالثة: تصانیف مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) في عصر النبوة.

* المسالة الرابعة: تصانیف مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

• المبحث الثاني: جهود الإمام علي (علیه السلام) في حفظ الشريعة ورجوع الصحابة وكبار التابعين إليه بعد منع الخلفاء التدوين.

* المسألة الأولى: حال الصحابة حينما تعرض عليهم المسألة في الفقه وغيره.

* المسألة الثانية: منهاج الإمام علي (علیه السلام) في إرجاع الناس إلى هدي رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) والتمسك بسنته.

• المبحث الثالث: جهود أئمة أهل البيت (علیهم السلام) في حركة الفقه ونموه في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة (40 - 100 ه).

* المسألة الاولى: جهود الإمام أبي محمد الحسن المجتبی (علیه السلام) في نمو الفقه و حفظ الشريعة.

* المسألة الثانية: جهود الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي (علیه السلام) في نمو الفقه وحفظ الشريعة.

* المسالة الثالثة: جهود الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) في نمو الفقه وحفظ الشريعة.

ص: 12

مقدمة الكتاب

«الحمدُ لِلَّهِ الَّذی لَا یَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ، وَ لَا یُحْصِی نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ، وَ لا یُؤَدّی حَقَّهُ الُمجْتَهِدُون، الّذِی لا یُدْرِکُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ، وَلا یَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ، الَّذی لَیْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَ لا نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَ لا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَ لا أَجَلٌ مَمْدُودٌ»(1).

و «الْحَمدُ لِلَّهِ عَلی ما أَنْعمَ، وَلَهُ الشُّکْرُ عَلی مَا أَلْهَمَ، وَالثَّنَاءُ بِما قَدَّمَ، مِن عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَاها، وَسُبُوغِ آلاءٍ أَسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإِحْصاءِ عَدَدُها، وَنَأی عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِدْراكِ أَبَدُها»(2).

والصلوات التامات و الزاكيات الطيبات على النبي الأمجد والرسول المسدد أبي القاسم محمد عبده ورسوله، «اَرْسَلَهُ بالدّینِ المَشْهُورِ وَالْعَلَمِ المأثورِ، وَالکِتابِ المَسطورِ وَالنُّورِ السّاطِعِ، وَ الضّیاءِ اللاّمِعِ والأمرِ الصّادِعِ، اِزاحَةً للِشّبُهاتِ وَاحْتِجاجاً بِالبَیّناتِ، وَ تَحذِیراً بالآیاتِ وتَخوِیفاً بِالمَثُلات»(3).

وعلى آله «مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ، بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ»(4).

ما أشرقت شمس، وأضاء قمر، وأسفر صبح، وأنجلا ليل، وسلّم عليه وعليهم تسليماً كثيرا بعدد ما أحاط به علمه، أمين يا رب العالمين.

ص: 13


1- نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده، الخطبة الأولى، ج 1 ص 14
2- الاحتجاج للطبرسي: خطبة الزهراء (عليها السلام)، ج 1 ص 132
3- نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، الخطبة الثانية، ج 1 ص 27
4- المصدر السابق، ج 1 ص 29 - 30

وبعد: فإن من حقوق القارئ الكريم أن يطلع على هوية الكتاب، ومادته، وغاياته، وثماره، وللوصول إلى أداء هذا الحق، فلا بد من المرور والتوقف عند بعض المسائل والتي سنخصص لها مباحثاً نفرد فيها البحث حول ما جاء في هذه الدراسة.

إلا أننا هنا، أي: في هذه المقدمة، سنورد أولا: بيان فضل علم الفقه وشرفه على العلوم.

وثانياً: الغاية التي كانت من وراء كتابة هذا الكتاب والتشرف بخدمة نصوص نهج البلاغة، وهي كالاتي:

أولاً- شرف علم الفقه.

أن من السنن التي أجراها الله تعالى في خلقه إن جعل لكل شيء شرفاً، فاشرف ما خلق الله حبيبه المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأشرف الأديان الإسلام، قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في وصيته لأبنه محمد بن الحنفية.

«يا بني لاَ شَرَفَ أَعْلَی مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ لاَ کَرَمَ أَعَزُّ مِنَ اَلتَّقْوَی...»(1).

وأشرف الشهور، شهر رمضان، وأشرف الليالي ليلة القدر، وأشرف الأيام يوم الجمعة وأشرف البقاع ما عبد الله فيها حق عبادته، وأشرف البيوت بیت الله.

وقد ورد في الروايات الشريفة، ما يظهر هذه السنة التي أجراها الله سبحانه:

ص: 14


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 385

1- روى الكليني (عليه رحمة الله ورضوانه) عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام)، عن أبائه (صلوات الله عليهم أجمعين) قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«مجالسة أهل الدین شرف الدنيا والآخرة»(1).

2- وروي أيضاً، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:

«شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس»(2).

وأن أشرف العلوم، وأفضلها (بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه، فإنه الناظم الأمور المعاش والمعاد، وبه يتم كمال الإنسان، وهو الكاسب لكيفية شرع الله تعالى، وبها يستحق الثواب، فهو أفضل من غيره)(3).

وقال الله تعالى: «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ....»(4).

وروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال:

«دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسجد، فإذا جماعة قد طافوا برجل، فقال:

ما هذا؟

فقيل: علآمة؛ قال: وما العلّامة؟

ص: 15


1- الكافي: ج 1 ص 39
2- الكافي: ج 2 ص 148
3- تحرير الأحكام للعلامة الحلي: ج 1 ص 40 «مقدمة العلامة للكتاب»
4- التوبة: 122

فقالوا: إنه أعلم الناس بإنساب العرب، ووقائعها، وأيام الجاهلية والأشعار العربية، قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

ذاك العلم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إنما العلم ثلاثة: علم آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين».

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من حفظ من أمتي أربعين حديثاً ينتفعون به، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً»(2).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لداود:

«یا داود: إنه لا يصلح المرء المسلم إلا ثلاثة: التفقة في الدين، والصبر على النائبة، وحسن التقدير في المعيشة»(3).

وقال أبو عبيدة الحذّاء: لقد سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

«والله، إن أحب أصحابي إلي: أورعهم، وأفقههم، وأكتمهم لحديثنا»(4).

ص: 16


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 32
2- ثواب الاعمال للصدوق: ص 143
3- الكافي: ج 5 ص 87، حدیث 4؛ باب: اصلاح المال
4- الكافي: ج 2 ص 223، حدیث، كتاب الإيمان والكفر

وقال الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام):

«إنا لنحب من كان عاقلاً، فهماً، فقيها، حليماً، مدارياً، صبوراً»(1).

وقال الإمام العسكري (عليه السلام):

«فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لإمر مولاه فللعوام أن يقلدوه»(2).

وفي هذه الأحاديث كفاية في بيان شرف علم الفقه وفضله وثماره.

إلا أن لكل عمل غاية، وأن غايتي من هذا العمل، والتشرف بخدمة کتاب نهج البلاغة، وتتبع ما تيسر لي من مطالبة الفقهية، ما يلي:

ثانياً- الغاية والدافع من وراء هذا العمل.

إن الغاية من هذا العمل والدافع وراء هذه الدراسة ومدارها الذي أرتشف منها قلم الباحث فأروى ظمأه، هو اظهار أمر لطالما غفل عنه الباحثون، وتناساه الدارسون، فساقه الله لنا بفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن بخدمة هذا الكتاب الشريف، حينما كنت موفور الحظ في التشرف بخدمة روضة القدس البضعة النبوية، وحسبي بها شرافة، وأجلالاً أن تكون بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها) حينما كنت مشغولاً بكتاب: (فاطمة في نهج البلاغة)، فأكرمتني مولاتي روح النبي وقلبه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالانتقال من خدمة النص الوارد في حقها عند قول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه):

ص: 17


1- الكافي: ج 2 ص 46، حدیث 3، کتاب الإيمان والكفر
2- تفسير العسكري (عليه السلام): ص 141

«فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ».

إلى الالتفات لنفحة رحمانية، وأنوار نبوية، نبهتني إلى ایراده (عليه الصلاة والسلام) لعنوانین فقهيين، وههما:

(الوديعة، والرهينة) فساقني اللطف الإلهي بما يتفضل به خير البرية (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جمع المطالب الفقهية في كتاب نهج البلاغة، فعزمت على ذلك، متوكلا على الله تعالى، سائلاً منه اللطف والتيسير، وتذليل ما هو عسير، مع ما بي من تكاثر الاشغال، واعتلال الحال، وصعوبة المقال في جمع مادة الكتاب واستقراء عناوينه، وتتبع مطالبه في الموسوعات الفقهية في المذاهب الإسلامية السبعة، واستخلاص مطالبها الغاية في نفس، وهي:

إن يصل هذا الكتاب الشريف الذي صنّفه الشریف (عليه الرحمة والرضوان) إلى الفقهاء وطلاب العلم في المذاهب السبعة.

فضلاً عن: المبلغين، والخطباء، والقرّاء، والباحثين في المؤسسات الدينية، والاكاديمية.

فكان هذا الكتاب الموسوم ب (فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة) بأجزاءه، وابوابه، وفصوله، ومباحثه، ومسائله، التي تنوعت فيها المطالب الفقهية، والفكرية، والعقدية، والاخلاقية، وذلك بمقتضى نوع الدراسة التي اعتمدتها في الكتاب، وهي: الدراسة البينية التي تسهم بشكل أساس في الاثراء المعرفي والفكري، لا سيما بعد التسارع الهائل في انتقال المعلومة.

ص: 18

فضلا عن: تنوع الاختصاصات، وتشعب الحقول المعرفية، وممازجة الثقافات وتثاقفها، فلم يعد بالإمكان - وفي كثير من الاحيان - إفراز الأصيل من الدخيل، والصحيح من العليل، والمشتكي إلى الرب الجليل.

وان خير ما يفصح عما يجول في خاطري ما قاله العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان) في مقدمته الشريفة الانيقة، لكتابه منتهى المطلب، فالله دره حيث يقول:

(لمّا رأينا انّ الغالب على النّاس في هذا الزّمان الجهل، وطاعة الشّهوة والغضب والرّفض، لإدراك المعاني القدسيّة، وترك الوصول إلى أنفس المعارج العلويّة، واقتنائهم لرذائل الأخلاق، واتّصافهم بالاعتقادات الباطلة على الإطلاق، والتّشنيع على من سمت همّته عن درجتهم، وطلبت نفسه الصّعود عن منزلتهم، حتّى انّا في مدّة عمرنا هذا، وهو اثنان وثلاثون سنة لم نشاهد من طلَّاب الحقّ إلَّا من قلّ، ومن القاصدين للصّواب إلَّا من جلّ، أحببنا إظهار شيء من فوائد هذا العلم عسى [أن] يحصل لبعض النّاس مرتبة الاقتداء، ويرغب في الاقتفاء وذلك من أشرف فوائد وضع هذا الكتاب، لما فيه من السّنّة المقتدي بها، الفائز صاحبها بالسّهم المعلَّى من السّعادة، والمتخلَّص من مراتب الشّقاوة).

واي سعادة أحضى من أتباع هدي إمام نهج البلاغة، واي شقاوة أعتی من التخلف عن سفينة نجاة الأمة، وباب حطتها، وصراطها المستقيم، وعروتها الوثقی.

ص: 19

ولذا:

عزمنا على العمل في استخراج النصوص الشريفة المتعلقة بأحكام الشريعة في كتاب نهج البلاغة، ودراسة مطالبها في المذاهب الفقهية السبعة التي يتعبد بها المسلمون اليوم، وبیان آراء الفقهاء فيها. وتمييز ما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه، وما أجمعوا، وانفردوا، فجمعت اقوالهم في هذه الدراسة، بما لم يجمع في غيرها في المسألة الواحدة.

وتحقق عبرها أن الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) محله في الشريعة محل القطب من الرحی، وحسبك من ذلك إقرار الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، انه (عليه السلام) مرجعهم الأول في معرفة حكم قتال الخوارج - کما سیمر عليك في كتاب الجهاد - ولو انصفوا انفسهم لوجدوه المرجع في أصول الشريعة وفروعها.

فالحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا، أولا وآخرا، على فضله وفضل رسوله، الذي وفقنا لهذا العمل، وصلى الله على خير خلقه أجمعين إبي الزهراء محمد وآله الطيبين الطاهرين.

نبيل الحسني الكربلائي

ص: 20

الفصل الأول : مصطلحات الكتاب ومادته

اشارة

ص: 21

ص: 22

المبحث الأول مادة الدراسة ومراحلها

المسألة الأولى: الفقه لغة.

تناول اللغويون المفردة في المعاجم اللغوية، وابدوا لها جملة من المعاني، وهي كالاتي:

1- إنّ الأصل في الكلمة هو: الشق، قال الزمخشري:

(الفقه حقيقة الشق والفتح، والفقيه الذي يشتق الأحكام ويفتش عن حقائقها، ويفتح ما استغلق منها)(1).

وقال ابن الأثير:

(الفقه في الأصل: الفهم، واشتقاقه من الشق والفتح، يقال: فقهِ الرجل بالكسر يفقه فقها إذا فهم وعلم، وفُقه بالضم يفقه: إذا صار فقيهاً عالما)(2).

2- وقد أرجع معنى المفردة إلى ما ورد في محكم التنزيل، و منه أخذ، فهو:

أ- العلم بالشيء والفهم له(3)؛ وهو ما ورد، اي: المعنى في قوله تعالى:

«قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ»(4).

ص: 23


1- الفائق في غريب الحديث: ج 3 ص 45
2- النهاية في غريب الحديث: ج 3 ص 465
3- لسان العرب لابن منظور: ج 13 ص 522
4- هود: 91

ب- فهم الشيء الدقيق، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى:

«وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»(1).

3- ولهذا خصص أهل اللغة أسم الفقه بالعلوم النظرية، فانه مطلق يتناول فهم الأشياء الواضحة كما يتناول فهم الأشياء الدقيقة وهو مأخوذ من قوله تعالى:

«فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا»(2).

المسألة الثانية: الفقه اصطلاحاً.

جاء معنى الفقه في الاصطلاح ضمن مراحل فقد (أُطلق الفقه أوّلاً على ما يرادف لفظ الشرع فكان علم الفقه هو العلم بكل ما جاء من قبل الله سبحانه وتعالى في الدين سواء ما يتعلق بأُصول الدين أو الأخلاق أو أفعال الجوارح أو معرفة النفس أو القرآن وعلومه، وهو الذي أوجبته الآية الشريفة:

«فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ...»(3). وقد سمّي بالفقه الأكبر، إلّا انّه بالتدريج قد دخله تخصيص كثير فاستبعد علم العقائد وجعل علماً مستقلاً برأسه مسمّى بعلم التوحيد أو علم الكلام، واستبعد علم الأخلاق ومعرفة النفس والسلوك وسمّي بعلم الأخلاق وعلم العرفان والسلوك، واستبعد ما يتعلّق بالقرآن الكريم فسمّي بعلم التفسير وعلوم القرآن، واستبعد ما يتعلّق بأُصول الفقه فجعل علماً مستقلاً يبحث عن

ص: 24


1- الأسراء: 44
2- النساء: 78
3- التوبة: 122

منهج الاستدلال الفقهي أو الأدلّة المشتركة في الفقه. فاختص تعريف الفقه الاصطلاحي بالعلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيليّة.

والمقصود من الفرعية الأحكام المتعلقة بأفعال المكلّفين وتروكهم - فيخرج أُصول الدين وأُصول الفقه - سواء كانت تكليفية كالوجوب والحرمة أو وضعية كالملكية والطهارة وسواء كانت متعلقة بالفرد في سلوكه الشخصي أو بالأُسرة والعائلة أو بالمجتمع والدولة والسلوك العام. والمقصود بكونها عن أدلّة تفصيلية اخراج الفقه التقليدي أي علم المقلَّد بفتاوى مقلَّده، فإنّه ليس من الفقه الاصطلاحي، فيختص علم الفقه بالإجتهادي كما يختص عنوان الفقيه بالمجتهد)(1).

المسألة الثالثة: أقسام الحكم الشرعي.

تناول الشهيد الأول (أبو عبد الله محمد مكي العاملي) (عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 786 ه) في قواعده بيان تعريف الفقه في الشريعة ومنه انتقل إلى بيان أقسام الحكم الشرعي، فقال:

(الفقه: شرعاً: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.

فخرج: العلم بالذوات، والعلم بالأحكام العقلية، وعلم أصول الفقه، وعلم المقلد إذا استند إلى دليل إجمالي، فإنه يقول في كل مسألة: هذا ما أفتاني به المفتي، وكل ما يفتي به المفتي فهو حكم الله تعالى في حقي. فإنه ينتج: هذا حكم الله تعالى في حقي.

ص: 25


1- موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)؛ مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي: ج 1 ص 18

قاعدة [2] الحكم الشرعي ينقسم إلى الخمسة المشهورة، وربما جعل السبب والمانع، والشرط، مغايرا لها، كالدلوك الموجب للصلاة، والنجاسة المانعة منها، والطهارة المصححة لها.

وكل ذلك ينحصر في أربعة أقسام: العبادات، والعقود، والايقاعات والأحكام.

ووجه الحصر: أن الحكم الشرعي إما أن تكون غايته الآخرة، أو الغرض الأهم منه الدنيا، والأول: العبادات. والثاني: إما أن يحتاج إلى عبارة، أو لا، والثاني: الأحكام. والأول: إما أن تكون العبارة من اثنين - تحقيقا أو تقديرا - أو لا، والأول: العقود، والثاني: الايقاعات)(1).

المسألة الرابعة: أنواع الفقه.

لقد فرض علم الفقه بشرافته و منزلته على العلوم تنوعاً في عرض مسائله، وتحقيقها تفرد فيها بعض الفقهاء في المذاهب الإسلامية، فأضافوا بما كتبوا حقولاً معرفية وفنوناً فقهية جديدة، منها:

أولاً- علم الأشباه والنظائر.

وهو علم تفرع من علم الفقه العام أبتكره جملة من الفقهاء، فكان قصب السبق فيه للفقيه الإمامي (يحيى بن سعيد الحلي)، (المتوفى سنة 689 ه) فهو أول من أسس هذا الفن من الفقه، فكان شيخ الإمامية في وقته، وهو مصنّف الجامع للشرايع وغيره من التصنيفات العديدة.

ص: 26


1- القواعد والفوائد: ج 1 ص 31

2- الطرسوسي الحنفي (ت 758 ه).

أبو أسحاق، إبراهيم بن علي بن أحمد، بن القاضي عماد الدين، كان من مشاهير الحنفية بالشام، صنّف في هذا العلم من الفقه، وأسماه ب (ذخيرة الناظر في الأشباه والنظائر).

3- الصرصري الحنبلي (ت 716 ه).

ابو الربيع الطوفي، سليمان بن عبد القوي، من فقهاء الحنابلة، أصولياً، شاعراً، صنّف في هذا العلم، وأسماه ب (الرياض النواظر في الأشباه والنواظر).

4- الأسنوي المصري الشافعي (ت 772 ه).

أبو محمد عبد الرحمن بن الحسن بن علي بن عمر الأموي، شيخ الشافعية ومفتيهم ومدرسهم، ولد في صعيد مصر، وانتقل إلى القاهرة، ولمع فيها نجمه، صنّف في هذا العلم، واسماه ب (الأشباه والنظائر).

5- تاج الدين السبكي الشافعي(ت 771 ه).

أبو نصر، عبد الوهاب، بن علي، بن عبد الكافي، الخزرجي، الشافعي، كان فقيها، أصولياً، شاعراً، مناظراً، صنّف في هذا العلم، واسماه ب (الأشباه والنظائر في الفقه)، وغيرهم من الفقهاء.

ويعني هذا العلم بجمع:

(الموضوعات المختلفة، المشتركة في الحكم المعين، في موضع واحد، وجمع الأحكام المتعددة والمتباينة لموضوع واحد في محل واحد. وهذا الفن يستدعي من الفقيه حضور الذهن، وسرعة الخاطر، والإحاطة التامة بكل الأبواب، حتى يتمكن من جمع الأشباه والمتماثلات في الحكم، والنظائر والمتحدات في

ص: 27

الموضوع ويقف عليها بنظرة واحدة، فيمكنه من خلال الوحدات الوقوف على العناصر المشتركة فيما بينها، من خلال القواعد وتطبيقها على مفرداتها بسهولة تامة. وفي ذلك كله من الفوائد التمرينية للطالب ما لا يخفى)(1).

ثانیاً- علم المسائل المشكلة.

ويعني هذا العلم ب: (المسائل التي تكون في ظاهرها معقدة، لما عليه من اختلاف الأحكام المرتبطة بموضوع معين، اختلافا إلى حد التنافي والتناقض، مع وحدة الموضوع ظاهريا. أو وحدة الحكم في موضوعات متعددة مختلفة متباعدة في النظر الأولي، بما يدعو إلى الاستغراب والدهشة في ظاهر الحال. وهذه المسائل كانت ترصد عادة لاختبار الفقهاء، وقياس ذكائهم، وحضور خواطرهم، ولمعرفة مدى استيعابهم لمسائل الفقه، ووقوفهم على دقائق الشريعة وخباياها، وسيطرتهم على حل عقدها ومشاكلها.

وقد يستفاد من ذلك في معرفة حال من يدعي الفقه، أو بهت المعاندين كما خصل في قضية الإمام الجواد (عليه السلام) مع يحيى بن أكثم قاضي الدولة، وقد ورد في المسألة من كتابنا هذا. ويدخل في هذا الفن - أيضا - المسائل القضائية المعقدة، التي تقتضي من الفقيه دقة فائقة لحلها، كتلك التي حصلت في عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقضى فيها بأقضيته الشهيرة، وعن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام).

وهذه المسائل المشكلة تشبه «الألغاز» أحيانا، وتشبه ما يسمي ب «الحیل»(2).

ص: 28


1- العويص، للشيخ المفيد: ص 3 مقدمة التحقيق
2- العويص، للشيخ المفيد: ص 5 مقدمة التحقيق

ثالثاً- علم العويص من الفقه.

وهذا العلم قد ابتكره وأبدع فيه الشيخ المفيد (رضوان الله تعالى عليه).

فكلمة (العويص، هي من عاص الأمر، يعوص عوصاً، يعني: التوى فحفى وصعب، وعاص الكلام: خفي معناه، وصعب فهمه، فهو: عويص.

(وقد صنّف الشيخ المفيد فيه كتابه والموسوم ب (العويص).

وقد جمع فيه الشيخ المفيد من المسائل ما هو من نوع الأحكام المتماثلة في الموضوع الواحد، وكذلك من الموضوعات المتناظرة في الحكم الواحد.

فأبدى بطولة فائقة في الاجابة على هذه المسائل، وتحديد تخريجاتها الفقهية، وتعيين ابوابها، وحل معضلاتها؛ فكان أهلا لتسنم المرجعية في عصره)(1) فكان كتابه هذا فريداً في مجاله).

أما كتابنا هذا الموسوم ب (فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة) فهو من صنف فقه الخلاف والإتلاف، وهو كالاتي:

رابعاً- علم الخلاف والإئتلاف.

يعد هذا النوع من علوم الفقه أحد أهم العلوم التي شغلت حيزاً مهماً لدى الفقهاء مما دعاهم الى الكتابة فيه منذ القرن الثاني للهجرة النبوية وإلى عصرنا هذا؛ لا سيما المباحث الخلافية الفقهية، ومنه أخذت هذه الدراسة (فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة) حقلها البحثي والمعرفي مقروناً بأحدث الدراسات العلمية المعاصرة، ألا وهو الدراسة البينية، والتي سيمر

ص: 29


1- العويص، للشيخ المفيد: ص 6 مقدمة التحقيق

بيانها في المسألة التاسعة.

وللوقوف على أهمية هذا النوع من العلوم الفقهية، وبيان اهتمام فقهاء المذاهب الإسلامية فيه، فلا بد من إيراد بعض النقاط، وهي كالاتي:

ألف- تعريف علم الخلاف والائتلاف.

إنّ اهتمام الفقهاء بهذا الحقل المعرفي ومنذ القرن الثاني للهجرة النبوية دعى إلى وضع جملة من التعاريف لهذا العلم، منها:

أ- عرّفه ابن خلدون (ت 808 ه)، وأن كان قوله أقرب إلى بيان تاريخ نشوء هذا العلم من التعريف العلمي له، فقال:

(أن هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافا لا بد من وقوعه لما قدمناه واتسع في الملة اتساعا عظيما وكان للمقلدين أن يقلدوا من شاءوا منهم؛ ثم لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار وكانوا بمكان من حسن الظن بهم اقتصر الناس على تقليدهم، ومنعوا من تقليد سواهم لذهاب الاجتهاد لصعوبته وتشعب العلوم التي هي مواده باتصال الزمان وافتقاد من يقوم على سوى هذه المذاهب الأربعة فأقيمت هذه المذاهب الأربعة أصول الملة).

(وأجري الخلاف بين المتمسكين بها والآخذين بأحكامها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية والأصول الفقهية وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه تجري على أصول صحيحة وطرائق قويمة يحتج بها كل على مذهبه الذي قلده وتمسك به وأجريت في مسائل الشريعة كلها وفي كل باب من أبواب الفقه فتارة يكون الخلاف بين الشافعي ومالك وأبو حنيفة

ص: 30

يوافق أحدهما، وتارة بين مالك وأبي حنيفة والشافعي يوافق أحدهما، وتارة بين الشافعي وأبي حنيفة ومالك يوافق أحدهما؛ وكان في هذه المناظرات بیان مآخذ هؤلاء الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم، كان هذا الصنف من العلم يسمى بالخلافيات)(1).

ب- عرّفه حاجي خليفة (ت 1067 ه)، فقال:

(عِلمٌ يُعرَفُ به کيفية إيراد الحجج الشرعية، ودفع الشبه، وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية وهو الجدل الذي هو قسم من المنطق الا انه خص بالمقاصد الدينية وقد يعرف بأنه علم يقتدر به على حفظ أي وضع كان بقدر الامكان ولهذا قيل الجدلي اما مجيب يحفظ وضعا أو سائل يهدم وضعا وقد سبق في علم الجدل)(2).

باء- تنوع التأليف في فقه الخلاف والإئتلاف.

إن اهتمام كثير من الفقهاء بفقه الخلاف دفعهم إلى تعدد التأليف وتنوعه، مما أدى إلى غزارة الكتابة في بعض فروعه، ونزرته في البعض الآخر، فكان مما کتب.

1- فقه الخلاف بين فقهيين فقط.

وهذا المجال من التأليف ذكره بعض الفقهاء في كتبهم وأشار إليه بعض أعلام المسلمين.

ومثال ذلك:

ص: 31


1- تاریخ ابن خلدون: ج 1 ص 456 - 457
2- کشف الظنون: ج 2 ص 721

أ- رسالة مالك بن أنس إلى ليث بن سعد و جوابه رداً على هذه الرسالة؛ فقد أشار إليها ابن القيم(1).

ب- ذكر الشافعي في كتابه (الأم) بعض هذه الخلافات والمراسلات مع بعض الفقهاء، كاختلافه مع مالك(2)، ورده على محمد بن الحسين الشيباني(3)، وفقيه الشام الأوزاعي(4).

ج- ذكر الحافظ السبكي في طبقات الشافعية بعض هذه الكتب، کمناظرة أبي الطيب الطبري مع أبي الحسن الطالقاني الحنفي(5).

2- فقه الخلاف بين مذهبين من المذاهب الفقهية.

وهذا النوع من فقه الخلاف اقتصر على إيراد المسائل الخلافية بين مذهبين، ومنها:

کتاب الاختلاف بين أبي حنيفة والشافعي، تأليف أبي بكر الشافعي البيهقي (ت 548 ه)(6).

3- فقه الخلاف بين أئمة المذاهب وفقهاء المسلمين عامة.

ولعل من أفضل ما كتب في هذا الصنف هو کتاب اختلاف الفقهاء للفقيه المفسر والمؤرخ الكبير ابن جرير الطبري (ت 310 ه)؛ وقد تعددت

ص: 32


1- أعلام الموقعين: ج 3 ص 94 - 100
2- کتابه الام: ج 7 ص 177 - 249
3- نفس المصدر السابق: ج 7 ص 277 - 303
4- نفس المصدر: ج 7 ص 303
5- طبقات الشافعية: ج 2 ص 183
6- تاريخ التراث العربي لفؤاد سکرین: ج 2 ص 33

الكتب في هذا الفن في الدفاع عن المذاهب واراء أئمتها؛ وسيمر عليك إيها القارئ الكريم بيان نشوء المذاهب وظهور ابرز فقهائها في المباحث اللاحقة من هذه المقدمة العلمية.

4- فقه الخلاف بين المذاهب.

ويعد هذا الصنف من أغزر الاصناف كتابة وانتشاراً حتى عصرنا الحاضر؛ وقد نشط هذا النوع من فقه الخلاف في القرن الرابع الهجري حيث برز فيه أعلام المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) وهم: الشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والشريف المرتضى، ومن المذهب الحنفي برز السرخسي. ثم تلاهم في القرن الخامس، والسابع وإلى عصرنا الحاضر بعض الفقهاء فصنفوا في هذا النوع من فقه الخلاف، وهي كالاتي:

أ- أبرز من كتب في فقه الخلاف بين المذاهب في القرن الرابع الهجري.

1- الشيخ المفيد في كتابه الموسوم ب (العويص) وهو علم خاص من علوم الفقه، وقد مرت الاشارة إليه آنفاً.

2- شيخ الطائفة الطوسي (عليه رحمة الله ورضوانه). (المتوفي سنة 460 ه).

فقد كتب موسعتين فقهيتين في الفقه الاستدلالي، الأولى خصصها في فقه الخلاف والموسومة ب (الخلاف).

وهي بحد ذاتها مكتبة في الفقه الاستدلالي الخلافي، جمع فيه أراء أئمة المذاهب وغيرهم من الفقهاء الذين سبقوهم من المذاهب المنقرضة، وفقهاء الصحابة والتابعيين، فاظهر الأدلة على صحة ما ذهب إليه الإمامية (أعلى الله شأنهم) في المسائل الخلافية.

ص: 33

ويفصح الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) عن الدافع والقصد في كتابة هذا السفر القيم المبارك، فيقول:

(سألتم أيدكم الله، إملاء مسائل الخلاف بيننا وبين من خالفنا من جميع الفقهاء من تقدم منهم ومن تأخر. وذكر مذهب کل مخالف على التعيين، و بيان الصحيح منه وما ينبغي أن يعتقد. وأن أقرن كل مسألة بدلیل نحتج به على من خالفنا، موجب للعلم من ظاهر قرآن، أو سنة مقطوع بها، أو إجماع، أو دليل خطاب، أو استصحاب حال - على ما يذهب إليه كثير من أصحابنا - أو دلالة أصل، أو فحوى خطاب. وأن أذكر خبرا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي يلزم المخالف العمل به، والانقياد له. وأن أشفع ذلك بخبر من طريق الخاصة المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام). وإن كانت المسألة مسألة إجماع من الفرقة المحقة، ذكرت ذلك. وإن كان فيها خلاف بينهم أومأت إليه. وأن أتعمد في ذلك الإيجاز والاختصار، لأن ذلك يطول، وربما مل الناظر فيه)(1).

أما الموسوعة الثانية، فكانت أعم من الأولى، والموسومة ب (المبسوط).

فكانت بحق وإنصاف أسم على مسمى، فقط بسط فيها الشيخ الطوسي (روّح الله روحه بالجنان) البحث والدراسة والتحقيق في الحكم الشرعي، ومتعلقاته ومقدماته، فذكر أقوال فقهاء المسلمين من المذاهب الإسلامية. وأظهر ما ذهب إليه المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم).

ص: 34


1- الخلاف، مقدمة المؤلف: ص 45

3- الشريف المرتضى (عليه الرحمة والرضوان) (المتوفي سنة 436 ه).

وقد كتب في هذا العلم في كتابه الموسوم ب (الإنتصار) فانتصر فيه المذهب أئمة الهدى وسبيل الرشاد لرب العباد، فقال في مقدمته:

(فإني ممتثل ما رسمته الحضرة السامية الوزيرية العميدية أدام الله سلطانها، وأعلا أبدا شأنها ومكانها من بيان المسائل الفقهية التي شنع بها على الشيعة الإمامية، وادعي عليهم مخالفة الإجماع وأكثرها موافق فيه الشيعة غيرهم من العلماء والفقهاء المتقدمين أو المتأخرين وما ليس لهم فيه موافق من غيرهم فعليه من الأدلة الواضحة والحجج اللائحة ما يغني عن وفاق الموافق ولا يوحش معه خلاف المخالف، وأن أبين ذلك وأفصله وأزيل الشبهة المعترضة فيه وها أنا ذا مبتدئا بذلك ومعتمدا من الإيجاز والاختصار ما لا يخل بمهم وإن كان خارجا عن إكثار يفضي إلى إملال وإضجار وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و به استعنت واعتصمت. ومما يجب تقديمه - فهو الأصل الذي عليه يتفرع ما نحن بسبيله ومنه يتشعب - أن الشناعة إنما تجب في المذهب الذي لا دليل عليه يعضده، ولا حجة لقائله فيه فإن الباطل هو العاري من الحجج والبينات البري من الدلالات فأما ما عليه دليل يعضده وحجة تعمده فهو الحق اليقين ولا يضره الخلاف فيه وقلة عدد القائل به، كما لا ينفع في الأول الاتفاق عليه وكثرة عدد الذاهب إليه، وإنما يسأل الذاهب إلى مذهب عن دلالته على صحته وحجته القائدة له إليه لا عمن يوافقه فيه أو يخالفه)(1).

ص: 35


1- الانتصار، مقدمة المؤلف: ص 75 - 76

4- ومن أبرز من كتب في فقه الخلاف بين المذاهب، من المذهب الحنفي هو محمد بن أحمد بن سهل السرخسي (المتوفي سنة 483 ه)، والموسوم ب (المبسوط) وكان قد كتبه في ظروف خاصة حيث ألقي في سجن (أوزکند).

ب- أبرز من كتب في فقه الخلاف في القرن الخامس الهجري.

وقد برز فيه الفقيه الكبير والمفسر المدقق أبي علي، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، (عليه رحمة الله ورضوانه) (المتوفي سنة 548 ه) في موسوعته الفقهية الموسومة ب (المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف).

ويمتاز هذا الكتاب عن غيره مما صنف في هذا النوع من علوم الفقه أنه تعرض لبيان مسائل الائتلاف بين الفقهاء في المذاهب الفقهية، وهو ما صرّح به في مقدمة كتابه فقال:

(فإني لما تصفحت کتاب مسائل الخلاف للشيخ الأوحد السعيد، والفذ في دهره الفريد، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه، وجدته قد عول في أكثر مسائله على الاستدلال بإجماع الفرقة المحقة، إذ هو [الأصل] المرجوع إليه، المعتمد عليه، المذكور وجه الاستدلال به في كتب أصول الفقه. ثمَّ إن كان في المسألة خلاف بين الطائفة أومأ إليه، وما لم يكن فيه إجماع أشار إلى طريق آخر في الاستدلال عليه من ظاهر قرآن أو سنة مقطوع بها أو دلیل خطاب [أو استصحاب حال - على ما يذهب إليه كثير من أصحابنا أو دلالة أصل أو فحوى خطاب]. وذكر في [بعض] مواضع أخبارا من کتب العامة يلزمهم الانقياد لها والعمل بها.

فرأيت تكرار ذكر إجماع الفرقة مما لا طائل فيه سوى إطالة الكتاب،

ص: 36

فأثبتت رؤوس المسائل والخلاف فيها على أوجز الوجوه، فكل مسألة عول فيها على إجماع الفرقة لم أذكر استدلاله إلا إذا اقترن بذلك الإجماع شيء سواه ما أريد ذكراه فأذكره وإياه، وان لم يكن في المسألة إجماع للفرقة أشرت إلى ما ذكره من الأدلة [الأربعة] أو بعضها. وأسقطت من بعض مودعات أدلته ما لم أجد فيه كثير فائدة أو يكون معادا ليس في إعادته مزید عائدة)(1).

ج- أبرز من كتب في فقه الخلاف في القرن السابع الهجري.

تصدى بعض الفقهاء في القرن السابع الهجري للكتابة في فقه الخلاف والائتلاف، والظاهر أن المذهب الإمامي هو المتصدي للكتابة في هذا القرن. فكان من أبرزهم، ما يلي:

1- الصيمري البحراني (المتوفي في القرن السابع للهجرة).

كتب الشيخ الصيمري في هذا العلم فاسماه ب (تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف وقد اعتمد فيه على كتاب الخلاف للشيخ الطوسي (روَّحَ الله روحه) فلخص وأضاف، وأفاد، وقد صرّح في مقدمة كتابه بمنهجه فقال:

(شيء من المسائل بل بعض الأقوال والدلائل، فأذكر مذهب الشيخ ومن وافقه من المخالفين، ومذهب من خالفه من الأربعة دون التابعين لهم والسابقين، إلا أن يكون لبعضهم مذهب على انفراده، فلا بد من ذكره وإيراده، لئلا يفوت على الطالب معرفة شيء من المذاهب. واقتصر من الدلالات على بعض شيء من التعليلات وإجماع الفرقة دون الروايات لان الغرض من هذا الكلام معرفة مذاهب الإسلام، ومعرفة مسائل الإجماع

ص: 37


1- المؤتلف من المختلف: ص 3 من مقدمة المؤلف

وما وقع فيه النزاع، وهو يحصل بما قلناه ويعلم ما ذكرناه وما أسقطناه من الزوائد لا يخل بشيء من الفوائد. ثم أذكر ما أعتمد من النقل عليه، ليصير أصلا أعمل به وأرجع إليه...)(1).

2- علي بن محمد القمي (ت: في القرن السابع الهجري).

أهتم القمي بمسائل الائتلاف اكثر من اهتمامه بالخلافيات، كما صرح بذلك في مقدمة كتابه(2)، وقد استعان، بل كان معتمده في هذا العلم على کتاب الخلاف لشيخ الطائفة (عليه الرحمة والرضوان).

وقد أسماه ب (جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق).

3- العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان) (ت: 726 ه).

وهو من أبرز علماء المذهب الإمامي وفقهائهم، ومرجع الإفتاء والمناظرة في زمانه، فكتب في كثير من المعارف والعلوم وأبدع في علم الفقه فصنّف فيه العديد من الموسوعات الاستدلالية، ومنها موسوعته المعرفية في فقه الخلاف والائتلاف، والموسومة ب (تذكرة الفقهاء) فكانت مدرسته في الفقه، ومنهلاً رياً من مناهل المذاكرة والمدارسة والتحقيق.

قال (روّح الله روحه وجعل الجنة مثواه) في مقدمة كتابه:

(وقد عزمنا في هذا الكتاب الموسوم ب «تذکرة الفقهاء على تلخيص فتاوى العلماء، وذكر قواعد الفقهاء، على أحق الطرائق وأوثقها برهانا،

ص: 38


1- تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف: مقدمة المؤلف: ج 1 ص 19
2- جامع الخلاف والوفاق، مقدمة المؤلف: ص 13

وأصدق الأقاويل وأوضحها بيانا - وهي طريقة الإمامية الآخذين دينهم بالوحي الإلهي، والعلم الرباني، لا بالرأي والقياس، ولا باجتهاد الناس - على سبيل الإيجاز والاختصار، وترك الإطالة والإكثار. وأشرنا في كل مسألة إلى الخلاف، واعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الإنصاف)(1).

د- أبرز من كتب في فقه الخلاف بين المذاهب في الوقت المعاصر.

يبدوا أن تطور الفقه ونموه واتساع رقعته على مستوى نشوء المدارس الدينية والجامعات قد أبعد هذا النوع من علوم الفقه اي الخلاف والائتلاف عن الكتابة والبحث، إذ توجه العديد من طلبة العلوم الشرعية إلى تدارس ما درجوا عليه من مباني مذاهبهم واصولها فضلاً عن الانشغال بالمستجد من المسائل و مستحدثات العصر.

إلا أننا يمكن أن نورد ما اشتهر من الكتابة في فقه الخلاف بين المذاهب في العصر الحاضر فكان من أبرزها وأشهرها:

1- موسوعة عبد الناصر.

وقد احتوت هذه الموسوعة - التي لم تكتمل - على اراء المذاهب الثمانية، الإمامي والحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والظاهري، والزيدي، والإباضي، وقد صدر الجزء الأول منها عام 1386 ه، في مصر لدائرة المعارف.

2- الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري.

تأليف الشيخ عبد الرحمن الجزيري، وقد أفصح عن القصد في كتابته لهذا الكتاب، فيقول:

ص: 39


1- تذكرة الفقهاء، مقدمة المؤلف: ج 1 ص 4

(إن أصل وضع الكتاب كان الغرض منه تسهیل مواضع الفقه الإسلامي على أئمة المساجد العلماء، وهؤلاء عليهم أن يوضحوا ما يقف في سبيلهم من مجمل أو مبهم...)(1).

وقد قام السيد محمد الغروي، والشيخ ياسر مازح بإعادة طبع هذا الكتاب مع إضافة رأي الإمامية إلى مسائله في عام 1996 م.

3- الفقه على المذاهب الخمسة المغنية.

ومن الفقهاء المعاصرين الذين كتبوا في فقه الخلاف والوفاق الشيخ محمد جواد مغنية (المتوفي 1400 ه).

ويتكون الكتاب من جزئيين، احتوى الأول على العبادات، وهي: الطهارة، والصلاة، والصوم، والزكاة، والخمس، والحج، واحتوى الجزء الثاني على الأحوال الشخصية، وهي: الزواج، والطلاق، والوصایا، والمواريث، والوقف، والحجر.

فهذا ما توفر لدينا من المعلومات حول الكتابة في هذا الفرع من علم الفقه، وهو: علم الاختلاف والائتلاف، والله المسدد للصواب.

وله الحمد على فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن وفقنا للكتابة فيه وشرّفنا بخدمة كتاب نهج البلاغة على صاحبه صلوات الله وسلامه، وعلى مصنّفه نفحات الجنان ورضوان الرحمن.

ص: 40


1- الفقه على المذاهب الأربعة، مقدمة المؤلف: ص 55

المسألة الخامسة: القواعد الفقهية.

أهتم كثير من الفقهاء بالكتابة في قواعد الفقه، والتي يعود تاريخ ظهورها إلى القرن الرابع للهجرة النبوية برزت خلال تاريخها بعض المصنّفات التي حظيت بالاهتمام والعناية والتدريس.

وقد اشتملت هذه الدراسة على جملة من القواعد الفقهية التي اتصلت ببعض المسائل فاستعنا ببيانها لتكامل دائرة البحث المعرفية لدى القارئ الكريم.

وقبل التعرض لبيانها ومن صنّف فيها من فقهاء المذاهب، نبدأ أولاً بتعريف القواعد الفقهية.

أولاً- تعريف القواعد الفقهية.

عرّفها بعض الفقهاء اللذين كتبوا فيها، وانتجوا للمكتبة الإسلامية من ثمارها، فقالوا:

1- هي: (أحكام كلية يندرج تحت كل منها مجموعة من المسائل الشرعية المتشابهة من أبواب شتى)(1).

2- وقيل هي: المسائل الباحثة عن الأحكام والوظائف العملية الشرعية، وما يؤول إليها، وعن موضوعاتها الشرعية).

3- وعرّفها الشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله)، فقال:

(هي أحكام كلية تندرج تحتها تطبيقات متشابهة لمصاديقها وجزئياتها، وقد تكون هذه القواعد خاصة بكتاب واحد من كتب الفقه مثل قواعد

ص: 41


1- القواعد والفوائد، مقدمة التحقيق، د. عبد الهادي الحكيم: ج 1 ص 3

الإرث والديات والحدود. وقد تكون القاعدة تسري في أكثر من كتاب مثل قواعد العبادات وقواعد المعاملات، وقد تسري القاعدة في أكثر من قسم مثل قاعدة الضرر فهي تجري في العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام. ويستند الفقيه على هذه القواعد لمعرفة الأحكام الشرعية، ولا غنى للفقيه عن معرفة هذه القواعد والقدرة على تطبيقها في مواردها وتشخيص موارد تطبيقها عن غيرها)(1).

وفي هذا المقدار كفاية إذ لا طائل من الاسهاب في ايراد التعريفات فهو خارج تخصص الكتاب لا سيما وان الفقهاء قد (اختلفوا في تعريف القاعدة الفقهية، وذكروا لبيان حدودها كلمات كلها خالية عن الإيراد والإجمال، فهنا خلاف بين مدرسة الإمامية، ومدرسة العامة، كما وقع الخلاف بين علماء كل واحد من المدرستين نفسيهما)(2).

ثانياً- الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية.

كثر البحث والتحقيق في هذه المسألة لا سيما من كتب من الفقهاء في علم الأصول، حيث دارت رحى البحث في تعريفه، ثم البحث في الفوارق بين القاعدة الفقهية والأصولية.

وممن تناولها الشيخ فاضل اللنكراني (رضوان الله عليه) (ت 1393 ه)، فقال:

(يستفاد من كلمات الاصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) وجوه شتى:

ص: 42


1- أصول الفقه: ج 1 ص 7
2- القواعد الفقهية الشيخ ناصر مکارم: ج 1 ص 23

الوجه الأوّل: ما يستفاد من بعض كلمات الشيخ الأعظم(1) وتبعه المحقّق النائيني(2) من أن نتيجة المسألة الأُصولية نافعة للمجتهد فقط بخلاف القاعدة الفقهية فإنها نافعة للمقلّد أيضاً وبعبارة أخرى اعمال القاعدة الفقهية مشترك بين المجتهد والمقلَّد.

وقد أورد عليه المحقّق الخوئي: بانا نسلَّم كون النتيجة في المسألة الأُصولية نافعة بحال المجتهد فقط ولكن لا نسلَّم اشتراك النتيجة بين المجتهد والمقلَّد في القاعدة الفقهية فمثلًا ان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده من أي طريق يعلم المقلَّد ان البيع مثلًا من العقود الَّتي يكون في صحيحها الضمان ومثلًا قاعدة الصلح جائز بين المسلمين الَّا ما خالف كتاب الله، فمن أي من سبيل يتوجه المقلَّد ان هذا الشرط هل هو موافق للكتاب أو مخالف له.

والظاهر عدم ورود الإشكال لأن المقصود من كون النتيجة نافعة للمقلَّد، انه قادر على التطبيق ومعنى هذا ان المقلَّد بعد السؤال والفحص عن أن البيع العقود الَّتي يكون في صحيحها الضمان، يقدر على تطبيق القاعدة ويحكم بان في فاسدها أيضاً الضمان. وبعبارة أخرى انّه قدّس سرّه يعتقد بان القواعد الفقهية من باب تطبيق المضامين ومن الواضح ان التطبيق غير مختص بالمجتهد.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقّق النائيني قدّس سرّه(3) من أن القواعد الأُصولية متضمنة للأحكام الكلية الَّتي لا ربط لها بالعمل بلا واسطة بخلاف القاعدة الفقهية فإنها وإن كانت قد تكون متضمنة للحكم الكلي الَّا

ص: 43


1- فوائد الأُصول في ابتداء بحث الاستصحاب
2- فوائد الأُصول، الجزء الأوّل ص 19 من طبع جماعة المدرسين
3- فوائد الأُصول، الجزء الأوّل ص 19 من طبع جماعة المدرسين

إنها تصلح لاستفادة الأحكام الجزئية منها في الموارد الجزئية فمثلًا قاعدة ما يضمن تكون صالحة لاستفادة الضمان منها في البيع الشخصي المعين الفاسد وبعبارة أخرى ان الفرق بينهما من باب الفرق بين الكلية بمعنى عدم التعلق بالعمل بلا واسطة والجزئية بمعنى التعلق بالعمل بلا واسطة.

وفيه:

أن اللازم بيان الفرق بين القاعدة الأُصولية والفقهية وما ذكره من الجزئية شامل للمسألة الفقهية أيضاً وبعبارة أخرى لسنا في مقام الفرق بين القاعدة الأُصولية والفقهية فقط بل في مقام الملاك لكون القاعدة فقهية وما ذكره جار في المسألة الفقهية مع أنها ليست بقاعدة فقهية فتدبر! هذا مع تفسير الكلية والجزئية بالمعنى الَّذي ذكر على خلاف ما هو الظاهر منهما مضافاً إلى أن بعض المسائل الأُصولية قد تكون صالحاً للأحكام الجزئية كالاستصحاب فتأمّل.

الوجه الثالث: ما ذهب إليه المحقّق الخوئي قدّس سرّه من أن استفادة الأحكام الشرعية من المسألة الأُصولية يكون على نحو التوسيط والاستنباط بخلاف القاعدة الفقهية فإن الأحكام الشرعية تستفاد منها على نحو التطبيق أي تطبيق الكلى على الجزئي.

وأشكل عليه الشهيد الصدر قدّس سرّه(1) بإشكالين:

الإشكال الأوّل: ان مسألة الاستنباط موجودة في بعض القواعد الفقهية ولا تختص بالقواعد الأُصولية ولم يذكر قدّس سرّه له مثالًا.

ص: 44


1- بحوث في علم الأُصول: 1/ 22

الإشكال الثاني: لو كان ملاك الفرق بينهما من هذه الجهة للزم ان يكون الخلاف بينهما ناشئاً من اختلاف كيفية طرح البحث في قاعدة فمثلًا قاعدة أن النهي عن الشيء هل يقتضي الفساد لو طرحت بعنوان البحث عن الاقتضاء لكان البطلان مستنبطاً من الاقتضاء وأما لو صيغت بأنه هل العبادة المنهي عنها باطلة أم لا فتأتي مسئلة التطبيق، فهذا الإيراد يدلَّنا على أن الفرق الجوهري بينهما شيء آخر والاستنباط والتطبيق يكونان من آثاره. فتبيّن ان هذا الوجه أيضاً غير تام.

الوجه الرابع: ان القاعدة الأُصولية يتم الاستعانة بها في جميع أبواب الفقه بخلاف القاعدة الفقهية.

وفيه: ان بعض القواعد الفقهية مرتبط بجميع أبواب الفقه فمثلاً قاعدة ان علل الشرع معرفات بناء على كونها قاعدة فقهية وأيضاً قاعدة لا ضرر تجري في العبادات والمعاملات والعقود والإيقاعات نعم بعض القواعد الفقهية مختص بباب واحد.

الوجه الخامس: ما يستفاد من كلمات السيد المحقّق الإمام الخميني قدّس سرّه(1) من أن القواعد الأُصولية آلية بخلاف القاعدة الفقهية فإنها استقلالية. وهذا الفرق متين جدّاً ولكن لا يستفاد منه الملاك في كون القاعدة فقهية فتأمّل. الوجه السادس: ان الاستنتاج في القاعدة الأُصولية غير متوقّف على القاعدة الفقهية بخلافها فإنها متوقّفة على القاعدة الأُصولية. هذا وهنا فروق أيضاً بينهما من جهة المصدر والمدرك)(2).

ص: 45


1- تهذيب الأُصول: ج 1
2- نفس المصدر السابق: ج 1 ص 16 - 19

ثالثاً- مراحل نمو الكتابة في القواعد الفقهية وتطورها.

ألف- مراحل النمو في المذاهب الأربعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلمي).

اختلفت مراحل نمو الكتابة في القواعد الفقهية بين المذاهب، حيث أول من كتب في القواعد وأسس لها كان أبو طاهر الدباس، أحد فقهاء المذهب الحنفي.

وذلك (أن طبيعة فقههم واتجاههم نحو الرأي ووجود الفقه الافتراضي بينهم وتوسعهم في الفروع بناء على ذلك جعلهم يعملون على إيجاد قواعد كلية تحكم هذه الفروع المتنافرة.

وقد جمع أبو طاهر الدباس فقيه الرأي بالعراق أهم قواعد المذهب في سبع عشرة قاعدة كلية، ثم أضاف إليها الفقيه الكرخي (المتوفى سنة 340 ه) والمعاصر للدباس بعض ما يمكن اعتباره قواعد حتى أوصلها إلى سبع وثلاثين، ثم جاء الدبوسي الحنفي (المتوفى سنة 430 ه) فألف كتاب (تأسيس النظر) وجعله مشتملا على ست وثمانين قاعدة.

ثم وضع العز بن عبد السلام الفقيه الشافعي (المتوفى سنة 660 ه) كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) كما وضع القرافي المالكي (المتوفى سنة 684 ه) كتاب (الفروق)، ثم جاء السبكي (المتوفى سنة 756 ه) فوضع كتابه (التاج).

ثم ابن رجب الفقيه الحنبلي (المتوفى سنة 795 ه) فوضع كتابه (القواعد الفقهية) ثم جاء السيوطي الفقيه الشافعي (المتوفى سنة 911 ه) من بعد هؤلاء فوضع كتابه (الأشباه والنظائر) ثم جاء ابن نجم المصري الفقيه

ص: 46

الحنفي (المتوفى سنة 970 ه) فوضع كتابا أيضا أسماه (الأشباه والنظائر)، ثم جاء أبو سعيد الخادمي (المتوفى حوالي 1154 ه) فسرد في خاتمة كتابه (مجامع الحقائق) مجموعة كبيرة من القواعد الفقهية مرتبة ترتيبا أبجديا)(1).

ولم يقتصر الأمر على ابي طاهر الدباس في حصره المذهب الحنفي بسبعة عشر قاعدة، فها هو الفقيه الشافعي القاضي حسين جمع المذهب إلى أربع قواعد، وهي:

الأولى: اليقين لا يزال بالشك.

الثانية: لثانية: المشقة تجلب التيسير.

الثالثة: الضرر يزال.

الرابعة: العادة محكمة.

وقد ضم بعضهم إلى هذه الأربع قاعدة خامسة، وهي: الأمور بمقاصدها(2).

وأرجع الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمي الشافعي (المتوفى سنة 660 ه) الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد(3).

وأرجع تاج الدين السبكي الفقه كله على نحو الاجمال إلى اعتبار المصالح، فان درء المفاسد من جملتها(4).

وقال بعضهم - وهو يعقب على من أرجع الفقه كله إلى القواعد الأربع

ص: 47


1- منهاج الاجتهاد في الإسلام، للدكتور محد سلام مدكور: ص 38 - 39 الطبعة الأولى 1393 - جامعة الكويت - الكويت
2- ينظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 8
3- قواعد الأحكام: 1/ 11
4- ينظر: السيوطي / الأشباه والنظائر: 8

السابقة - : «في كون هذه الأربع دعائم الفقه كله نظر، فان غالبه لا يرجع إليها إلا بواسطة وتكلف»(1).

وإضافة القاعدة الخامسة إليها لا يعطيها استيعاب تمام الفقه. كما أن ارجاع الفقه كله إلى قاعدة واحدة أوضح في التمحل والتكلف، كما هو لا يخفى)(2).

باء- مراحل النمو في كتابة القواعد الفقهية في المذهب الإمامي.

اختلفت المنطلقات والمعطيات والثوابت التي استند إليها فقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) عن بقية المذاهب الأخرى؛ سواء في نمو كتابة القواعد الفقيهة أو غيرها من علوم الفقه.

وذلك: (أن الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) هم الذين وضعوا أصولاً كلية، وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها؛ قال الإمام الرضا (عليه السلام):

(علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع)(3).

(ويعتبر هذا الأمر واضحا في الآثار الفقهية الإمامية، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد.

ص: 48


1- نفس المصدر السابق
2- القواعد والفوائد، مقدمة التحقيق: ج 1 ص 5
3- وسائل الشيعة: ج 27 ص 62؛ وقد علق عليه الحر العاملي (رحمه الله) فقال: (هذان الخبران تضمنا جواز التفريع على الأصول المسموعة منهم، والقواعد الكلية المأخوذة عنهم (عليهم السلام) لا على غيرها وهذا موافق لما ذكرنا، اي في الباب الرابع من هذه الابواب)

وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي (601 -698 ه) في تصنيف الأشباه والنظائر، وأسمى كتابه (نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر). هذا إذا قلنا بدخول الأشباه والنظائر في حقل القواعد الفقهية.

قال الشهيد الأول في إجازته لابن الخازن:

فمما صنعته كتاب القواعد والفوائد مختصر يشتمل على ضوابط كلية: أصولية و فرعية، تستنبط منها الأحكام الشرعية، لم يعمل الأصحاب مثله، ونظرا لامتياز كتاب الشهيد هذا بالتبويب المنظم والبيان الجيد، فقد صار محل اهتمام المحافل العلمية، فتناولوه بالشرح والبيان، حتى وصل عدد الشروح و الحواشي اثنى عشر كتابا. وقد قام عدة من الفقهاء بتنقيح هذا الكتاب وتهذيبه، منهم:

1- أبو عبد الله الفاضل المقداد السيوري (ت: 826 ه) ويعد من أبرز تلامذة الشهيد، فقد عمل - للوهلة الأولى - على تهذيب القواعد وحذف الزيادات منه، و أسماه جامع الفوائد في تلخيص القواعد ثم رتبه على نسق الفروغ الفقهية، وأسماه نضد القواعد الفقهية على مذهب أهل البيت.

2- تقى الدين إبراهيم بن علي الحارثي الكفعمي 1 (ت: 900 ه) له كتاب مختصر قواعد الشهيد.

3- زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (ت: 965 ه) له كتاب تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع فوائد الأحكام الشرعية، على أن تصنيف القواعد الفقهية وجمعها استمر بعد الشهيد من قبل جمع من الفقهاء، ومن المصنفات في هذا المجال:

ص: 49

1- الأقطاب الفقهية على مذهب الإمامية، تأليف محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف ب «ابن أبي جمهر» المتوفي في حدود 901 ه. وقد طبع هذا الكتاب من قبل مكتبة آية الله المرعشي في قم.

2- القواعد الستة عشر، تأليف الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت: 1227 ه)، وقد طبع مع كتاب «الحق المبين» لنفس المؤلف سنة 1306 في قم.

3- الأصول الأصلية والقواعد الشرعية، تأليف السيد عبد الله شر، والكتاب مطبوع.

4- عوائد الأيام من مهمات أدلة الأحكام، تأليف الموالي أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني (ت: 1245 ه) وقد اشتمل هذا الكتاب على 88 عائدة، وكل عائدة تعد قاعدة فقهية تركز عليها البحث والاستدلال، وقد تم قريبا تحقيق هذا الكتاب وإصدار من قبل مركز الأبحاث والدراسات الاسلامية التابع لمكتب الاعلام الاسلامي.

5- المقاليد الجعفرية في القواعد الاثني عشرية: تأليف محمد جعفر الاسترآبادي المعروف ب «شريعتمدار» المتوفي سنة 1263 ه، وتوجد لهذا الكتب أربع نسخ خطية في مكتبة آية الله مرعشي، وأرقامها (3857) (3858) (3883) (3882).

6- عناوين الأصول، تأليف سيد عبد الفتاح بن علي الحسيني المراغي (ت: 1274 ه) كتبه مؤلفه بعد سنة واحدة من كتابة «عوائد الأيام» ويشتمل على 93 قاعدة فقهية.

7- خزائن الأحكام، تأليف آغا بن عابد الشيرواني الدربندي (ت: 1285 ه).

ص: 50

8- مناط الأحكام، تأليف ملا نظر على الطالقاني (ت: 1306 ه).

9- بلغة الفقيه، تأليف السيد محمد بحر العلوم الطباطبائي (ت: 1326 ه) وقد طبع على الحجر مرتين، وفي الثالثة بالطباعة الحديثة ونشر في النجف الأشرف في أربع مجلدات.

10- مستقصى قواعد المدارك ومنتهى ضوابط الفوائد، تأليف ملا حبيب الكاشاني(ت: 1340 ه) اشتمل على خمسمائة قاعدة فقهية مع شرح مختصر لكل منها.

11- القواعد الفقهية، تأليف مهدي بن حسين بن عزيز الخالصي الكاظمي (ت: 1343 ه) طبع هذا الكتاب في مجلدين.

12- تحرير المجلة، تأليف الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1294 - 1373 ه).

13- القواعد المحسنية، تأليف سيد حسن القمي الحائري، وهو تقريرات لدرس الميرزا الشيرازي في إطار بعض القواعد الفقهية)(1).

14- القواعد الفقهية، تأليف السيد محمد حسن الموسوي البجنوردي (ت: 1396 ه).

15- القواعد الفقهية، تأليف الشيخ فاضل اللنكراني (ت: 1396 ه).

16- القواعد الفقهية، تأليف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

هذا فضلاً عن كثير من العلماء الذين كتبوا في القواعد ضمن افراد كتاب مستقلاً لبعضها، كقاعدة لا ضرر ولا ضرر للسيد علي السيستاني؛ وكتب فيها أيضاً السيد الخلخالي (ت 1361 ه)؛ والشيخ محمد باقر الخالصي ب (رفع

ص: 51


1- القواعد الفقهية، مقدمة التحقيق: ج 1 ص 10 - 12

الغر عن قاعدة لا ضرر) وغيرهم.

المسألة السادسة: مراحل أنجاز هذه الدراسة.

مرَّ العمل بحمد الله وسابق لطفه وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدة مراحل، وهي كالاتي:

1- المرحلة الأولى: استقراء كتاب نهج البلاغة.

فلقد حاولنا جاهدين أن نستخرج النصوص التي اشتملت على العناوين الفقهية فكانت على قسمين:

القسم الأول: الأحكام الظاهرة.

الأحاديث الشريفة البينة والظاهرة في العنوان الفقهي كقوله (عليه الصلاة والسلام) في العبادات وضميمية النية:

«وأعملوا بغير رياء، ولا سمعة، فإن من عمل لغير الله، وكلّه الله إلى من عمل له».

وقوله (عليه الصلاة والسلام) في فريضة الصلاة وتحديد مواقيتها:

«أما بعد: فصلوا بالناس الظهر حتى تفيئ الشمس من مربض العنز... الخ» وغيرها من النصوص في أحكام الصلاة التي ستمر.

وقوله (عليه الصلاة والسلام) في فريضة الزكاة:

«وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة».

وغيرها من النصوص في أحكام الزكاة التي ستمر في الكتاب فضلاً عن الصيام، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و التجارة،

ص: 52

والقضاء، والوقف، والشركة، والشهادات، والقصاص.

القسم الثاني: الأحكام المضمرة.

وهو ما كان من الأحاديث التي احتوت على المضمرات من الأحكام كقوله (عليه الصلاة والسلام):

«إِنَّ قَوْماً اُسْتُشْهِدُوا فِی سَبِیلِ اَللَّهِ مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ وَ لِکُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّی إِذَا اُسْتُشْهِدَ شَهِیدُنَا قِیلَ سَیِّدُ اَلشُّهَدَاءِ، وَ خَصَّهُ رَسُولُ اَللَّهُ (صلی الله علیه و آله وسلم) بِسَبْعِینَ تَکْبِیرَةً»(1).

فقد دارت رحى الفقهاء في المذاهب السبعة في صلاة الجنازة وعدد التكبيرات، والصلاة على الشهيد، واختصاص حمزة (عليه السلام) بالتكبيرات بين النفي والاثبات، فضلاً عن عدد تلك التكبيرات التي كبَّرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وكقوله (عليه الصلاة والسلام):

«مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ إِنَّ اَلنِّسَاءَ نَوَاقِصُ اَلْإِیمَانِ، نَوَاقِصُ اَلْحُظُوظِ، نَوَاقِصُ اَلْعُقُولِ، فَأَمَّا نُقْصَانُ إِیمَانِهِنَّ، فَقُعُودُهُنَّ عَنِ اَلصَّلاَةِ وَ اَلصِّیَامِ فِی أَیَّامِ حَیْضِهِنَّ، وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنِّ فَشَهَادَةُ إِمْرَأَتَیْنِ کَشَهَادَةِ اَلرَّجُلِ اَلْوَاحِدِ، وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ، فَمَوَارِیثُهُنَّ عَلَی اَلْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِیثِ اَلرِّجَالِ، فَاتَّقُوا شِرَارَ اَلنِّسَاءِ وَ کُونُوا مِنْ خِیَارِهِنَّ عَلَی حَذَرٍ، وَ لاَ تُطِیعُوهُنَّ فِی اَلْمَعْرُوفِ حَتَّی لاَ یَطْمَعْنَ فِی اَلْمُنْکَرِ»(2).

ص: 53


1- نهج البلاغة: ج 3 ص 31 بشرح محمد عبده
2- نهج البلاغة، صبحي صالح: الخطبة 80، ص 105 - 106

وعليه:

فإن صعوبة هذه المرحلة كانت تكمن في مضمرات الأحكام التي وردت في نصوص كتاب نهج البلاغة.

ولو كان لدينا الوقت الكافي لوفقنا الله تعالى إلى الكثير من هذه المواطن والمطالب الفقهية، ولكن هذا مقدار رزقنا، قال تعالى:

«وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ»(1).

فمرة يترائي للإنسان انه عامل الوقت، ومرة تكدر الحال، وأخرى عوارض الليل والنهار، فيغفل الإنسان عن الدعاء والمسألة إلى الله، والتضرع له ولرسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتفضل على عبده فيرزقه من فضله، قال تعالى:

«وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ»(2).

اللهم إنا اليك راغبون، ومن فضلك وفضل رسولك (صلى الله عليه وآله وسلم) سائلون.

2- المرحلة الثانية: استقراء كتب الفقهاء في المذاهب السبعة.

وهي أصعب من الأولى فقد استوجب قراءة العديد من المصنفات الفقهية في المذهب الواحد بغية الوصول إلى عنوان الحكم ومتعلقه، وتشخيصه، وفرزه، ونسخه، فمرة نورد قولين لفقهيين من كل مذهب من المذاهب،

ص: 54


1- الحجر: 21
2- التوبة: 59

ومرة نورد ثلاثة أقوال أو أربعة لفقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم).

حيث كان القصد من ذلك، أي: الاستشهاد بثلاثة أقوال من فقهاء الإمامية هو لاطلاع الفقهاء في المذاهب الأخرى، وطلاب العلوم الدينية والاكاديمية على قوة استدلال الفقيه الإمامي وعذوبة عبارته، وسلاسة مطلبه، وسعة فهمه، ومدار مداركه، وغزارة علمه، فتأنس بالجلوس بين يديه، فيضفي عليك من علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتحفك بدررهم، ويملئ قلبك بأنوار حديثهم، فتستنشق نسمات كلماتهم، وعبق مفرداتهم فيخال لك انك في روضات الجنان.

ولست في معرض الثناء عليهم، وان كانوا أهلاً للشرف والعزة والكرامة، ولكن ستقرأ أيها القارئ الكريم حديثهم، وحديث فقهاء المذاهب الستة، وستحكم بنفسك، وتشخص بعقلك، كيف يعالج الفقهاء مطالب الفقه، وكيف يناقشوا ويحاور بعضهم، وكيف يستدلوا ويجتهدوا في الأحكام، وأن كان لكل منهم فضل في نشر مذهبه، وخدمة علمه وجهده واجتهاده.

3- المرحلة الثالثة: خلاصة ما أورده فقهاء المذاهب السبعة في المسألة الواحدة.

ولم تخلوا هذه المرحلة من الجهد، والصعوبة، واستلزام الدقة، والتأمل، وتكرار القراءة، واستقراء المصادر التي لم يتم إيرادها وعرضها في صفحات هذه الدراسة، وذلك بغية الوصول إلى خلاصة القول في المسألة الواحدة، كي يسهل على القارئ الكريم التعرف على أراء الفقهاء واجتهاداتهم في الحكم الواحد.

ص: 55

4- المرحلة الرابعة: استقراء كتب القواعد الفقهية.

وفي هذه المرحلة كان البحث في كتب القواعد الفقهية لاسيما المذهب الامامي وقد اعتمدنا بشكل اساس على كتاب القواع والفوائد للشهيد الاول العاملي (عليه رحمة الله ورضوانه) وذلك لسعت استقصائه لموارد الاحكام التي اتكئت على القواعد الفقهية فضلا عن ايراده للكثير من الفوائد العلمية التي انفتقت من اكمام القواعد.

فضلا عن ایراد بعض القواعد من مضانها الاخرى كالقواعد الفقهية للسيد البجنوردي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 1395 ه)، والقواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والشيخ فاضل اللنكراني، وغيرها.

5- المرحلة الخامسة: استقراء شروح نهج البلاغة في النص المعتمد في المسألة.

لما كان القصد والغاية أيصال علوم هذا الكتاب الشريف إلى اكبر عدد من أهل الاختصاصات في العلوم المختلفة التي اكتنزها نهج البلاغة، فهذا حديث باب مدينة علم النبوة، فقد اقتضى العمل على إيراد ما جاء به شراح نهج البلاغة من البيان والدلالة في معارف النص الشريف ما يحقق منفعة جليلة لطلاب العلم لا سيما المبلغين والخطباء وأهل الشأن في العلوم التربوية والاخلاقية، والاجتماعية والاقتصادية وهو ما تضمنه كتاب مقدمة العبادات، والجهاد، والتجارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقضاء المنكر، والقضاء سيمر بيانه بين يدي القارئ الكريم بأذن الله تعالى وسابق لطفه وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 56

5- المرحلة السادسة: استقراء الأعلام والرجال والترجمة لهم.

وقد استلزم ذلك جهداً ووقتاً بغية التعريف بالفقهاء الذين وردت أسمائهم في الكتاب.

6- المرحلة السابعة: مرحلة المراجعة والتدقيق والمتابعة.

ربما كانت المراجعة لبعض الابواب والفصول من الكتاب مرات عدة خوفاً من السهو أو السقط أو عدم تمام المطلب أو الاسهاب، فضلاً عن المراجعة الفنية من التنضيد والاخراج والخطوط المستخدمة، ومستلزمات الطباعة.

7- المرحلة الثامنة: الكشف العلمي.

وقد تضمنت هذه المرحلة في الاساس على مشروعين؛ الأول: ما تعلق بالمقدمة العلمية للكتاب التي تكونت من جزئين خصص الاول لدراسة اثر المدرسة الامامية في نشوء الفقه وتطوره، واشتمل على بيان المصطلحات العلمية، وتاخر التدوين، وبيان جهود ائمة اهل البيت (عليهم السلام).

وأشتمل الجزء الثاني من المقدمة تاريخ نشوء المذاهب الفقهية الستة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والزيدي، والإباضي) وأبرز فقهائها، وما سبقها من بروز مدرسة العترة النبوية، وجهود أئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) منذ عصر النبوة وإلى وفاة الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث اكتفينا بذلك لخصوصية هذه المرحلة التي ظهرت فيها المذاهب الفقهية الأخرى.

ص: 57

والمشروع الثاني: هو تنظيم الفهارس من الآيات الكريمة والمصادر التي اعتمدنا عليها، ومحتويات الكتاب، وتركنا فهارس الأعلام على أهميته، وذلك لكثرتها في الكتاب مما سيأخذ جيزاً.

المسألة السابعة: معوقات الدارسة.

1- أننا لا ندعي الكمال فيما أنجزناه في هذه الدارسة، فلقد فاتنا بعض العناوين الفقهية ومطالبها التي اكتنزها كتاب نهج البلاغة، فلم نوفق إليها، فهذا مقدار رزقنا، فنسأل الله ان يوفقنا لاستدراك ما فات، وتدارك ما لم يكتمل.

2- إن بعض الأحاديث الشريفة، والمطالب العديدة في الفقه لم يتناولها فقهاء المذاهب الستة، أو أن بعضها تحدث الفقهاء عنه، وخصصوا له موضعاً في أبواب الفقه، مما استلزم نزولاً عند ضرورات المنهج العلمي ومقتضيات العنوان: إن يكون المطلب الواحد يتوافر ذكره في الموسوعات الفقهية للمذاهب السبعة، فاضطررت إلى تركه لوروده في مذهب واحد، وهو المذهب الإمامي؛ أو لوروده في مذهبين، أو ثلاثة، وهو ما لا يتناسب مع منهج الكتاب.

3- ليس من اليسير الوصول إلى أصول المطالب الفقهية في الموسوعات، لا سيما وان كثيراً منها اشتمل على شروحات وتعليقات تداخل فيها قول المصنف مع الشارح، أو المعلق، أو المحشي، مما تعذر أيرادها كي يستطيع القارئ الاطلاع على ما تضمنته هذه الموسوعات الفقهية.

4- قلة توفر بعض المصادر التي بين ايدينا لا سيما في المذهب الزيدي والإباضي، ومن ثم اقتصر نا على أشهرها واكثرها تداولاً في المذهبين كما سيلحظ القارئ.

ص: 58

5- إيراد بعض الفقهاء اراء متعددة لفقهاء المذهب ومناقشتها والتعليق عليها أو ردها، فضلاً عن أيراد أقوال أئمة المذاهب الأخرى في المسألة الواحدة، مما شكل عائقاً في أنجاز العمل ضمن فترات محددة، بغية الوصول إلى اكمال الدراسة تحسباً من عوارض الزمان؛ والله المستعان.

المسألة الثامنة: المصادر الفقية لمعتمدة في هذه الدراسة.

أعتمدنا في هذه الدراسة على أمات الكتب الفقهية لا سيما الموسوعات الاستدلالية، لدى المذاهب السبعة، منذ القرن الرابع الهجري وإلى يومنا هذا، فكانت وبحسب تسلسلها الزمني، كالاتي:

أولاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الإمامي.

إبتدئنا في عرض المسائل الفقهية في هذه الدراسة بالمذهب الإمامي، مما استلزم اعداد دراسة ببلوغرافية حول المصادر والمراجع الفقهية المتوفر في المكتبات بنّسخها الورقية والالكترونية، وكان السبب في هذه المنهج، اي: الابتداء ببيان أقوال فقهاء المذهب الإمامي (أعلى الله شأنهم) ثم نتبعه بأقوال فقهاء المذاهب الأخرى، وهو لما يلي:

1- إن المدرسة الإمامية هي أساس علم الفقه منذ نشوءها في عصر النبوة، - وإلى يومنا هذا؛ كما سيمر بيانه لاحقاً في دراسة تاريخ نشوء المذاهب الفقهية في الإسلام - ضمن الجزء الثاني من المقدمة -.

2- لورود كثير من نصوص كتاب نهج البلاغة في هذه الموسوعات، والمصنفات الفقهية لا سيما الاستدلالية منها في حين أنه أمر يتعذر وجوده

ص: 59

في المصادر الفقهية للمذاهب الأخرى، عدا بعض الشواهد هنا أو هناك، أو تعرضهم، أي فقهاء المذاهب الأخرى بالدرجة الأساس كما في كتاب الجهاد، في عنوان قتال الخوارج، واعتادهم جمعياً في مبنى الأحكام على أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام)، كما سيمر بيانه مفصلاً انشاء الله تعالى.

3- لتجني بعض المخالفين للإمامية على هذه المدرسة وادعائهم بهتاناً وزوراً فجلوها من أئمة الفقه والحديث واللغة وغيرها من العلوم، كقوله ابن طاهر البغدادي (المتوفي سنة 429 ه) ومن أخذ بقوله وسار على نهجه قديماً وحديثاً، إذ يقول:

(ولم يكن في الروافض قط إمام في الفقه، ولا إمام ف رواية الحديث ولا إمام في اللغة...)(1).

ويبدوا أن هذه الإفتراءات كانت تدار في ذلك الوقت بنحو ملحوظ ويردده أهل البغض والحسد في محافلهم ومجالسهم كوسيلة من وسائل الإعلام المضلل للناس الذي أسس له الأولون منذ أن مني بهم الإسلام في النبوة فكانوا لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرباً، قال تعالى:

«لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ».

ولم يزل هذا حالهم في تقليب الأمور على العترة النبوية والصفوة المحمدية وإلى عصرنا هذا.

عصر ومما يدل عليه:

ص: 60


1- الفرق بين الفرق: ص 282

ما أورده شیخ الطائفة الطوسي (عليه رحمة الله ورضوانه) (ت 460 ه) في مقدمة كتابه الموسوم ب (المبسوط) والذي كان معاصراً لابن طاهر البغدادي، إذ يقول (رحمه الله) مظهراً للغاية والقصد الذي كان وراء تصنيفه كتاب المبسوط فكان بحق اسم على مسمى، فقد بسط فيه البحث والدراسة و التحقيق في الحكم الشرعي، ومتعلقاته، ومقدماته ومبانيه، فكان هذا السفر القيم المبارك انموذجاً في الفقه الإستدلالي، فيقول:

(فإني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع، يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية، ويستنزرونه، وينسبونه إلى قلة الفروع، وقلة المسائل، ويقولون أنهم أهل حشو ومناقضة).

إلى أن يقول (عليه الرحمة والرضوان):

(وهذا جهل منهم بمذهبنا، وقله تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا، وفقهنا لعلموا أن جلَّ ما ذكروه من المسائل موجوده في أخبارنا، ومنصوص عليه تلويحاً عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إما عموماً أو تصريحاً، أو تلويحاً...)(1).

وعليه:

فقد اعتمدنا في هذه الدراسة على جملة من المصادر الفقهية من المذهب الأمامي منذ القرن الرابع الهجري، فكانت كالاتي:

1- الخلاف. تأليف الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان).

ص: 61


1- المبسوط: ج 1 ص 2 من المقدمة

2- المبسوط.

تأليف الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان)(ت 460 ه).

3- النهاية في مجرد الفقه والفتاوي.

تأليف الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان).

4- النهاية ونكتها.

وهم کتابان لعلمين من أعلام المذهب وأساطينه وأعاظمه:

الأول: كتاب النهاية؛ تصنیف شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي.

الثاني: نکت النهاية؛ تصنيف ابي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي المعروف ب (المحقق الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

5- المهذب.

تأليف: القاضي سعد الدين (ابو القاسم) بن عبد العزيز بن نحریر (عليه الرحمة والرضوان)، المعروف ب (ابن البراج) قاضي طابلس (المتوفي سنة 480 ه).

6- المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف.

تأليف: لفقيه المفسر، (أبي علي) الفضل بن الحسن، الطبرسي، (عليه الرحمة والرضوان) (المتوفي سنة 548 ه).

7- الوسيلة إلى نيل الفضيلة.

تأليف: أبو جعفر، محمد بن علي الطوسي، (عليه الرحمة والرضوان) المعروف ب (ابن حمزة)، من أعلام القرن السادس الهجري.

ص: 62

8- سلوة الحزين، المعروف ب (الدعوات).

تأليف: الفقيه المحدث، والمفسر الكبير، سعید بن هبة الله (عليه الرحمة والرضوان)، المعروف ب (قطب الدين الراوندي).

9- المختصر النافع في فقه الإمامية.

تأليف: أبو القاسم نجم الدين، جعفر بن الحسن، الحلي، (عليه الرحمة والرضوان) والمعروف ب (المحقق)، المتوفي (سنة 676 ه).

10- المعتبر.

تأليف: المحقق الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

11- شرائع الإسلام.

تأليف: المحقق الحلي (عليه الرحمة والرضوان)

12- الجامع للشرایع.

تأليف: أبو زکریا، نجیب الدين يحيى بن أحمد، الشهير ب (يحيى بن سعيد) (عليه الرحمة والرضوان المتوفي سنة 690 ه.

13- نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر.

تأليف: یحیی بن سعید الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

14- کشف الرموز في شرح المختصر النافع.

تأليف: أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه الرحمة والرضوان) والمعروف ب (الفاضل الآبي) (توفي سنة 690 ه).

15- إرشاد الاذهان.

ص: 63

تأليف: أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (عليه الرحمة والرضوان) المعروف ب (العلامة الحلي).

16- تحرير الأحكام.

تأليف: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

17- تذكرة الأحكام.

تأليف: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

18- قواعد الأحكام.

تأليف: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

19- مختلف الشيعة:

تأليف: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

20- منتهى المطلب.

تأليف: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

21- نهاية الأحكام.

تأليف: العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان).

22- الالفية والنفلية.

تأليف: الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (المتوفي سنة 786 هت).

23- البيان تأليف: الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي (المتوفي سنة 786 ه).

ص: 64

24- الدروس الشرعية في فقه الإمامية.

تأليف: الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي.

25- اللمعة الدمشقية.

تأليف: الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي.

26- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة.

تأليف: الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي.

27- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع.

تأليف: الفقيه المتبحر، الأصولي المتكلم جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحالي، (المتوفي سنة 826 ه).

28- المهذب البارع في شرح المختصر النافع.

تأليف: العلامة جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلي، (المتوفي سنة 841 ه).

29- جامع المقاصد في شرح القواعد.

تأليف: المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي، (المتوفي سنة 940 ه).

30- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية.

تأليف: الشهيد الثاني، زين الدين البجعي العاملي، (المتوفي سنة 965 ه).

31- الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية.

تأليف: زين الدين البجعي العاملي، المعروف ب (الشهيد الثاني).

ص: 65

32- مسالك الأفهام إلى تنقیح شرائع الإسلام.

تأليف: الشهيد الثاني، زين الدين البجعي العاملي.

33- مجمع الفائدة والأذهان في شرح إرشاد الأذهان.

تأليف: الفقيه المحقق، المولى أحمد الأردبيلي (المتوفي سنة 993 هت).

34- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام.

تأليف: الفقيه المحقق محمد بن علي الموسوي العاملي، (المتوفي سنة 1009 ه)

35- كفاية الفقه، المشتهر ب (كفاية الأحكام).

تأليف: الفقيه المحقق المولى محمد باقر السبزواري، (المتوفي سنة 1090 ه).

36- کشف اللثام عن قواعد الأحكام.

تأليف: بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني، المعروف ب الفاضل الهندي، (المتوفي سنة 1137 ه).

37- الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة (عليهم السلام).

تأليف: العامل الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني، (المتوفي سنة 1186 ه).

38- سداد العباد ورشاد العباد.

تأليف: الشيخ حسين بن الشيخ محمد آل عصفور الدرازي البحراني، (المتوفي سنة 1216 ه).

ص: 66

39- غائم الأيام في مسائل الحلال والحرام.

تأليف: الفقيه المحقق الميرزا أبو القاسم القمي، (المتوفي سنة 1221 ه.).

40- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة.

تأليف: السيد محمد جواد الحسيني العاملي، (المتوفي سنة 1226 ه).

41- رياض السائل.

تأليف: الفقيه المحقق المدقق السيد علي الطباطبائي، (المتوفي سنة 1231 ه).

42- منهاج الأحكام. تأليف: الفقيه المحقق الأصولي الميرزا ابو القاسم القمي، (المتوفي سنة 1231 ه.).

43- مستند الشيعة في أحكام الشريعة.

تأليف: العلامة الفقيه: أحمد بن محمد مهدي النراقي، (المتوفي سنة 1245 ه).

44- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام.

تأليف: شیخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي، (المتوفي سنة 1226 ه.).

45- كتاب الزكاة.

تأليف: الشيخ الأعظم استاذ الفقهاء والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري، (المتوفي سنة 1281 ه).

ص: 67

46- كتاب الطهارة.

تأليف: الشيخ مرتضى الأنصاري.

47- کتاب المكاسب.

تأليف: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري.

48- مصباح الفقيه.

تأليف: الفقيه المحقق الشيخ رضا بن محمد هادي الهمداني، (المتوفي سنة 1322 ه).

49- العروة الوثقی.

تأليف: السيد محمد کاظم الطباطبائي اليزدي، (المتوفي سنة 1337 ه).

50- مستمسك العروة الوثقى. تأليف: السيد محسن الحكيم، (المتوفي سنة 1390 ه).

51- مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى.

تأليف: الشيخ محمد تقي الأملي، (المتوفي سنة 1319 هت).

52- اقتصادنا.

تأليف: السيد محمد باقر الصدر، (المتوفي سنة 1400 ه).

53- الفقه على المذاهب الأربعة.

تأليف: عبد الرحمن الجزيري الغروي.

54- جامع المدارك في شرح المختصر النافع.

تأليف: السيد أحمد الخوانساري.

ص: 68

55- القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد.

تأليف: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، (المتوفي سنة 1411 ه).

56- منهاج المؤمنين.

تأليف: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، (المتوفي سنة 1411 ه).

57- کتاب الزكاة.

تأليف: السيد الخوئي، (المتوفي سنة 1413 ه).

58- كتاب الطهارة.

تأليف: السيد الخوئي، (المتوفي سنة 1413 ه).

59- محاضرات في أصول الفقه.

تأليف: الشيخ اسحاق الفياض.

60- مهذب الأحكام.

تأليف: السيد عبد الأعلى السبزواري، (المتوفي سنة 1414 ه).

61- النجعة في شرح اللمعة.

تأليف: الشيخ محمد تقي التستري، (المتوفي سنة 1416 ه).

62- شرح العروة.

تأليف: السيد محمد باقر الصدر ، (المتوفي سنة 1400 ه).

63- القواعد الفقهية.

تأليف: الشيخ ناصر مکارم الشيرازي.

64- مباني العروة.

ص: 69

تأليف: مباني العروة للتبريزي، (المتوفي سنة 1427 ه).

65- التهذيب في مناسك العمرة.

تأليف: الشيخ میرزا جواد التبريزي، (المتوفي سنة 1427 ه).

ثانياً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الزيدي.

1- مسند زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، (المتوفي سنة 122 ه).

2- کتاب الأحكام في الحلال والحرام.

تأليف: إمام الزيدية يحیی بن الحسين، (المتوفي سنة 298 ه).

3- شرح الأزهار.

شرح: إمام الزيدية أحمد المرتضى، (المتوفي سنة 840 ه).

ويرجع تأليف: كتاب الأزهار الإمام الزيدية المهدي؛ وشرحه كثير من فقهاء الزيدية إلا أن الشرح الذي انتخب للدراسة هو شرح ابن مفتاح المسمى ب (المنتزع المختار).

(عبد الله بن أبي القاسم) أبو الحسن الزيدي، من موالي بني الحجي.

ثالثاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الشافعي.

1- كتاب الأم.

تأليف: محمد بن إدريس الشافعي، إمام المذهب، (المتوفي سنة 204 ه).

2- مختصر المزني.

ص: 70

تأليف: أبو إبراهيم اسماعيل بن يحيى المزني، (المتوفي سنة 264 ه).

3- فتح العزيز شرح الوجيز.

تأليف: عبد الكريم بن محمد الرافعي، (المتوفي سنة 623 ه).

4- المجموع شرح المهذب.

تأليف: أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي، (المتوفي سنة 676 ه).

5- روضة الطالبين.

تأليف: محي الدين بن شرف النووي.

6- فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب.

تأليف: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، (المتوفي سنة 977 ه).

7- الإقناع في حل ألفاظ ابي شجاع.

تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني، (المتوفي سنة 977 ه).

8- مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج.

تأليف: محمد الشربيني، (المتوفي سنة 977 ه).

9- فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين.

تأليف: زين الدين بن عبد العزيز المليباري الهندي الفناني، (المتوفي سنة 987 ه).

10- حواشي الشيرواني والعبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن

ص: 71

حجر الهيثمي.

شرح: الشيخ عبد الحميد الشيرواني، وأحمد بن قاسم العبادي، من أعلام القرن الثاني عشر للهجرة.

رابعاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب المالكي.

1- المدونة الكبرى.

تأليف: إمام المالكية، مالك بن أنس، (المتوفي سنة 179 ه).

2- رسالة أبي زيد القيرواني، (المتوفي سنة 179 ه).

3- مختصر خليل.

تأليف: خليل بن اسحاق الجندي، (المتوفي سنة 767 ه).

4- تنویر الحوالك.

تأليف: جلال الدين السيوطي، (المتوفي سنة 911 ه).

5- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل.

تأليف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي، بالحطاب الرعيني، (المتوفي سنة 954 ه).

6- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير.

تأليف: شمس الدين محمد عرفة الدسوقي، (المتوفي سنة 1230 ه).

7- الشرح الكبير.

تأليف: أبي البركات، أحمد الدردير، (المتوفي سنة 1302 ه).

8- الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة أبي زيد القيرواني.

ص: 72

تأليف: الشيخ صالح عبد السمع الآبي الأزهري المتوفي سنة 1330 ه.

خامساً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الحنفي.

1- المبسوط. تأليف: شمس الدين السرخسي، (المتوفي سنة 483 ه).

2- تحفة الفقهاء.

تأليف: علاء الدين السمرقندي، (المتوفي سنة 539 ه).

3- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع.

تأليف: علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي، الملقب بملك العلماء، (المتوفي سنة 587 ه).

4- الجوهر النقي.

تأليف: علاء الدين بن عبي بن عثمان المارديني، الشهير بابن التركماني، (المتوفي سنة 745 ه).

5- البحر الرائق شرح كنز الدقائق.

تأليف: أبي البركات عبدالله بن أحمد بن محمود، المعروف بحافظ الدين النسفي، (المتوفي سنة 720 ه).

شرح: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، المعروف بابن نجیم المصري الحنفي، المتوفي سنة 970 ه

6- الدر المختار شرح تنویر الأبصار للحفصكي، (المتوفي سنة 1088 ه).

تأليف: محمد بن أمين الشهير بابن عابدین، (المتوفي سنة 1252 ه).

ص: 73

7- حاشية رد المحتار على الدر المختار.

لابن عابدين، (المتوفي سنة 1252 ه).

سادساً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الحنبلي.

1- المغني.

تأليف: أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المتوفي سنة 620 ه.

2- الشرح الكبير.

تأليف: ابن قدامة المقدسي.

3- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج.

تأليف: ابي العباس احمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي، الشهيد الشافعي الصغير، (المتوفي سنة 1004 ه)

4- كشف القناع.

تأليف: الشيخ منصور يونس البهوتي، (المتوفي سنة 1051 ه).

سابعاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الإباضي.

1- الإيضاح.

تأليف: أبي ساكن الشاخي، (المتوفي سنة 792 ه).

2- شرح کتاب النيل وشفاء العليل.

تصنيف: ضياء الدين بن عبد العزيز الثميني (ت 1233 ه).

شرح: محمد أطفيش، (المتوفي سنة 1332 ه).

ص: 74

فهذه جملة المصادر الفقهية التي اعتمدنا عليها في هذه الدراسة وذلك للوقوف على أقوال فقهاء المذاهب السبعة فيا أوردوه في المسائل الفقهية التي اكتنزها کتاب نهج البلاغة، والذي سنتناول بيان خصوصيته في التراث الإسلامي والإنساني، وبيان جانب من شخصية جامعه ومصنفه الشريف الرضي (عليه الرحمة والرضوان)، وذلك عبّر المبحث الثاني من مباحث هذه المقدمة العلمية.

أما ما تبقى من مسائل المبحث الأول، فهو ما يلي:

المسألة التاسعة: منهاج البحث المعتمدة في الدراسة.

تضمن منهج البحث في هذه الدراسة على أحد أهم المناهج العلمية التي سارت عليها الدراسات الاكاديمية في العلوم الإنسانية، وهو:

أولاً- المنهج الاستقرائي.

وهو من اكثر المناهج العلمية المتبعة في الدراسات الإسلامية والتربوية والاجتماعية، فكان ضمن الخطوات التي مرت الأشارة اليها في مراحل انجاز الدراسة بشكل مفصل، ونوردها هنا اختصارا:

1- تضمنت الدراسة ابتداءناً باستقراء کتاب نهج البلاغة واستخراج النصوص التي كانت متعلقة بالأحكام الشرعية، وقد مرَّ في المسألة السادسة بیان مراحل الدراسة بشكل مفصل.

2- استقراء أقوال فقهاء المذاهب الإسلامية السبعة في المسألة الفقهية الواحدة.

ص: 75

3- استقراء ما أورده فقهاء المذاهب السبعة في المسألة موضع البحث وبيان ما ورد فيها من ائتلاف وتوافق أو خلاف ضمن علم الخلاف الذي سنعرض له لا حقاً.

4- استقراء القواعد الفقهية.

5- استقراء أشهر شروح نهج البلاغة وبيان ما أوردوه الشراح في الحديث وبيان الدلالات العلمية المختلفة والمتنوعة.

5- استقراء أقوال علماء الاخلاق لبيان ما تعلق بالأحاديث الشريفة من مباحث و مسائل في التربية والأخلاق.

ثانياً- المنهج البيني.

أعتمد الباحث في هذه الدراسة على أهم الطرق العلمية في بناء النتائج المعرفية والفكرية. إذ تعد الدراسات البينية من أهم ما توصلت إليه المناهج العلمية في طرق جمع المعلومة وإعادة بلورتها في نتاج معرفي جديد، يرتكز على الممازجة والمزاوجة بن الحقول المعرفية المتعددة، للوصول إلى نتاج معرفي وفكري جديد، يمكن الباحثين والدارسين من فهم مادة البحث، سواء كان الإنسان وما يصدر عنه أو ما يختلج في مكنون نفسه ضمن العلوم الإنسانية، أو ما ارتبط بالعلوم الأساسية والتطبيقية والاجتماعية.

إذ تهدف الدراسات البينية إلى (تعظيم الاستفادة من التوجهات الفكرية للتخصصات المشاركة، وتحقيق الإبداع في طرق التفكر والتكامل في المعرفة

ص: 76

وليس وحدتها)(1)

ولذا:

فقد اعتمدنا على هذا المنهج العلمي بغية تقديم تكامل معرفي في دائرة الحديث الواحد من احاديث نهج البلاغة في الفقه وفنونه ومناهجه المتعددة لا سيما في علم الخلاف والإئتلاف، وفقه الأخلاق والتربية والاجتماع والاقتصاد والسياسة والمعارف الحكمية والعقدية وذلك عبر ابواب الكتاب المتعددة، كما سيمر بيانه.

والله الموفق والمسدد للكل خير، فله الحمد أولاً وآخراً.

ص: 77


1- تزاوج الاختصاصات: ثراء معرفي ومهني، نجيب عبد الواحد؛ 3 يونيو 2017؛ الدراسات البينية / التعليم العالي

ص: 78

المبحث الثاني خصوصية كتاب نهج البلاغة واثره في التراث الإسلامي والإنساني

قليلة هي النتاجات العلمية والفكرية التي تركت اثراً بالغاً في المحافل العلمية والاروقة الثقافية، والمجالس الادبية بمعنى: أن دلالة هذه القلة ومصداقها تكمن في أن أغلب النتاجات الفكرية تأخذ مجالها واستحقاقها فيما تناولته من حقل معرضي محدد، فمن كتب في التاريخ أخذ اثره في حقل التاريخ، ومن كتب في الفقه أخذ اثره في الفقه، ومن كتب في العلوم التطبيقية أخذت هذه الكتابات اثرها في حقولها المعرفية المحددة والتخصُّصيّة إما أن يكون هناك كتاب يقصده طلاب العلم والمعرفة في مختلف من المجالات والتخصصات والعلوم فهذا ما يتعذر وجوده إلا فيمن كانت لكلامه أثار رحمانية وأنفاس نبوية تفتح للعالم والطالب والاستاذ منافذاً للمعرفة وابوابة للعلم يفتح منه ألف باب(1).

ص: 79


1- وهو الحديث المشهور عنه (عليه الصلاة والسلام) «علمني رسول الله ألف باب من العلم...» وقد أخرجه الفريقان بألفاظ وطرق متعددة لا سيما ما أخرجه ابن فروخ الصفار (رحمه الله) في بصائر الدرجات وقد افرد له باباخاص تحت الرقم 16:ص 322 - 327

من هنا:

كان لكتاب نهج البلاغة الجامع لبعض من كلام مولى الموحدين وأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) خصوصية خاصة ظهرت في عدد الناهلين من معين هذا الكتاب من طلاب العلم وأهله وفي مختلف من التخصصات فجعلوا من الكتاب مادتهم العلمية ومدادهم الفكرية والمعرفية فابدعوا واجادوا، فلم يملكوا اقلامهم من النقش على صفحات افئدتهم حب علي (عليه السلام) فعجزوا عن تكميمها من البوح بفضله وشرفه وجلالة قدره ومنزلته.

فكانت كتابتهم عن كتاب نهج البلاغة أو عن صاحبه (عليه السلام) تفوح عطراً وشذى تتجاذب إليه طلاب المعرفة في شرق الأرض وغربها سواء كانوا من دين علي (عليه السلام) أو من غير دينه، وهو ما سنتناوله في المسائل الأنية:

المسألة الأولى: ائتلاف الشريف الرضي ومفتي الدير المصرية الشيخ محمد عبده في عوالم نهج البلاغة.

لم يشأ اي أمرئ إن يتفلت من سحر نهج البلاغة أكان من أهل البيان، ف «إنّ من البيان سحراً»(1).

أو من أهل التدين موافقاً لعلي (عليه السلام) او مخالف. أو من أهل الكلام أو التصوف أو الحكم والسلطان والسياسة. أو الاقتصاد والتجارة أو التربية والاجتماع، أو الحقوق للبشر أو الشجر أوالحجر والحيوان.

ص: 80


1- حديث نبوي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرجه العديد من اصحاب الصحاح والسنن، ينظر: «صحيح البخاري، كتاب النكاح: ج 6 ص 137»

فكل قاصد لا يتفلت من سحر نهج البلاغة وتأثره به، فهو لأهل الحق والعقل نسیم، ولأهل الباطل والجهل جحيم.

فمن سحره أنه جمع الشريف الرضي والشيخ محمد عبده في بعض عوالمه فائتلافا إيما ائتلاف وكأنهما توأمين سكنا هذه العوالم، فانظر ماذا يقول الشريف الرضي (عليه رحمة الله) عن عوالم نهج البلاغة الذي أسرته وسحرته بمشاهدها واحوالها.

فيقول:

(ومن عجائبه (عليه السلام) التي إنفرد بها وأمن المشاركة فيها أن كلامه (عليه السلام) الوارد في الزهد والموعظ والتذكير والزواجر إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المتفکر وخلع من قلبه أنه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملکه لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لا حفظ له في الزهادة ولا شغل له بغير العبادة، وقد قبع في كسر بيت أو انقطع في سفح جبل. لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه ولا يكاد يوقن بأنه كلام من يتغمس في الحرب مصلتا سيفه فيقطع الرقاب ويجدل الأبطال ويعود به ينطف دما ويقطر مهجا.

وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال. وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد، وألف بين الأشتات.

وكثيرا ما أذكر الإخوان بها واستخرج عجبهم منها. وهي موضوع للعبرة بها والفكرة فيها)(1).

ص: 81


1- نهج البلاغة، بشرح الشيخ محمد عبده: ج 1 ص 13

وهذه العوالم التي هي موضوع للعبرة بها والفكرة فيها، قد شغلت لب مفتي الديار المصرية.

قائلاً:

«كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع أحس بتغير المشاهد. وتحول المعاهد فتارة كنت أجدني في عالم يغمره من المعاني أرواح عالية. في حلل من العبارات الزاهية تطوف على النفوس الزاكية. وتدنو من القلوب الصافية: توحي إليها رشادها. وتقوم منها مرادها. وتنفر بها عن مداحض المزال. إلى جواد الفضل والكمال.

وطورا كانت تتكشف لي الجمل عن وجوه باسرة(1)، وأنياب کاشره. وأرواح في أشباح النمور، ومخالب النسور. قد تحفزت للوثاب، ثم انقضت للاختلاب فخلبت القلوب عن هواها، وأخدت الخواطر دون رماها. واغتالت فاسد الأهواء وباطل الآراء.

وأحيانا كنت أشهد أن عقلا نورانيا، لا يشبه خلقا جسدانیا، فصل عن الموكب الإلهي، واتصل بالروح الإنساني.

فخلعه عن غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى. ونما به إلى مشهد النور الأجلي. وسکن به إلى عمار جانب التقديس. بعد استخلاصه من شوائب التلبيس(2).

وآنات كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة، وأولياء أمر

ص: 82


1- باسرة: عابسة
2- التلبيس: التخليط التدليس

الأمة، يعرفهم مواقع الصواب ويبصرهم مواضع الارتياب ويحذرهم مزالق الاضطراب. ويرشدهم إلى دقاق السياسة. ويهديهم طرق الكياسة، ويرتفع بهم إلى منصات الرئاسة ويصعدهم شرف التدبير، ويشرف بهم على حسن المصير»(1).

ولعل غيرهما اي الشريف الرضي ومفتي الديار المصرية ممن دخل إلى هذه العوالم، وأنس بهذه المواطن، فائتلفت نفسه إلى نفسيهما، وأنست بما يرون ويشاهدون.

ومن هذه المواطن التي تعددة في كتاب نهج البلاغة هي المسائل الشرعية والأحكام الفقهية فما اكثرها و تنوعها، قد قصرت عن قطافها يداي، فتركت في نفسي حسرة وشوقاً.

فاسأل الله أن يجعلها من الرزق المقسوم ويزيدني من فضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

المسألة الثانية: صاحب الشرف الرضي التشرف بجمع كلام الوصي (عليه السلام).

1- اسمه ونسبه الشريف.

أبو الحسن، محمد بن الحسين، بن موسی بن محمد، بن موسی بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (عليهما السلام)، العلوي الموسوي، البغدادي، الملقب بالشريف الرضي.

ص: 83


1- نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده: ج 1 ص 4

2- مشايخه وطلبه للعلم.

نبغ الشريف الرضي منذ صغره، وابتداء ينظم الشعر وهو في العاشرة من عمره.

(قرأ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، هو وأخوه المرتضى، وأخذ النحو، والفقه، والحديث وغيرها، عن جمع من المشايخ، منهم:

أبو سعيد السيرافي النحوي (المتوفي سنة 368 ه)؛ وأبو علي الفارسي النحوي (المتوفي سنة 377 ه)، وأبو الفتح عثمان بن جنی، والقاضي عبد الجبار المعتزلي، والفقيه أبو بكر محمد بن موسی الخوارزمي، وابو القاسم عیسی بن علي بن عيسى بن داود الجراح وابو محمد هارون بن موسی التلعکبري، وعلي بن عيسى الرّبعي، وآخرون)(1).

3- الراوون عنه.

روى عنه جماعة، منهم: (أحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري، وجعفر بن محمد الدوريستي، والقاضي أحمد بن علي بن قدامة؛ ومحمد بن عل الحوائي، واخرون)(2).

4- فقهه.

كان الشريف الرضي من فقهاء الإمامية، وعلمائها وشعرائها، عالماً فاضلاً، متبحراً في علوم القرآن والفقه، والنحو، واللغة.

ص: 84


1- موسوعة طبقات الفقهاء - مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام): ج 5 ص 293
2- موسوعة طبقات الفقهاء - مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام): ج 5 ص 293

وله جملة من التصنيفات في علم الفقه، والقرآن، والسيرة، منها.

1- حقائق التأويل.

2- خصائص الأئمة (عليهم السلام) الذي أشرف منه کتاب نهج البلاغة.

3- المجازات النبوية.

4- تلخيص البيان في مجازات القرآن.

5- تعليق خلاف الفقهاء.

6- معاني القرآن.

7- الزيادات في شعر أبي تمام.

8- الحسن من شعر الحسين ابن الحجاج البغدادي

9- أخبار قضاة بغداد.

10- ديوان شعره.

11- جمعه للمأثور من كلام أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) الموسوم ب نهج البلاغة وغيرها من الكتب العلمية القيمة كالأجزاء التسعة التي فقدت من كتاب حقائق التأويل ولم تحض المكتبة الا بالجزء الخامس)(1).

5- قصده وغايته في اخراج كتاب نهج البلاغة.

إن من أصدق البيان في معرفة الغاية في اخراج کتاب نهج البلاغة، ما كان ناتجاً عن صاحب الكتاب، و من خطت يداه كلماته، وجمعت ألفاظه بمداده

ص: 85


1- ينظر حقائق التأويل، المقدمة: ص 3

ودواته، فقال:

(فإني كنت في عنفوان السن(1)، وغضاضة الغصن، ابتدأت بتأليف کتاب خصائص الأئمة عليهم السلام يشتمل على محاسن أخبارهم و جواهر كلامهم: حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب وجعلته أمام الكلام. وفرغت من الخصائص التي تخص أمير المؤمنين عليا (عليه السلام). وعاقت عن إتمام بقية الكتاب محاجزات الزمان(2) ومماطلات الأيام.

وكنت قد بوبت ما خرج من ذلك أبوابا. وفصلته فصولا فجاء في آخرها فصل يتضمن محاسن ما نقل عنه (عليه السلام) من الكلام القصير في المواعظ والحكم والأمثال والآداب دون الخطب الطويلة والكتب المبسوطة.

فاستحسن جماعة من الأصدقاء والإخوان ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره معجبين بدائعه ومتعجبين من نواصعه(3) وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار کلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وآداب علما أن ذلك يتضمن عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة وجواهر العربية وثواقب الكلم الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعا في كلام ولا مجموع الأطراف في کتاب.

إذ كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها. ومنه (عليه السلام) ظهر مكنونها. وعنه أخذت قوانينها

ص: 86


1- عنفوان السن أولها
2- محاجزات الزمان ممانعاته ومماطلات الأيام مدافعاتها
3- النواصع الخالصة، وناصع كل شئ خالصه

وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب وبكلامه استعان كل واعظ بليغ. ومع ذلك فقد سبق وقصروا. وتقدم و تأخروا. لأن كلامه (عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي. فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالما بما فيه من عظيم النفع ومنشور الذكر ومذخور الأجر

واعتمدت به أن أبين من عظيم قدر أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الفضيلة مضافة إلى المحاسن الدائرة والفضائل الجمة. وأنه (عليه السلام) انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد.

وأما كلامه فهو من البحر الذي لا يساجل، والجسم الذي لا يحافل وأردت أن يسوغ لي التمثل في الافتخار به (عليه السلام) بقول الفرزدق :

أولنك آباني فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع)(1)

6- کرائم صفاته وسجاياه.

کثرت في مدحه (عليه رحمة الله ورضوانه) أقوال الأعلام لا سيما من صف في تراجم الرجال وسيّرهم، فكان منهم:

أ- ترجم له ابن عنبة النسابة (ت 828 ه) وأجاد فيما جمع، وأنصف فيما قرأ وسمع، فقال:

ص: 87


1- نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، المقدمة : ج 1 ص 10 - 12

(الشريف الاجل الملقب بالرضى ذو الحسبین یکنی أبا الحسن نقیب النقباء وهو ذو الفضائل الشائعة والمكارم الذائعة، كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة، ولى نقابة الطالبيين مرارا، وكانت إليه إمارة الحاج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب، ثم تولى ذلك بعد وفاته مستقلا وحج بالناس مرات، وهو أول طالبي جعل عليه السواد وكان أحد علماء عصره قرأعلى أجلاء الأفاضل)(1).

وشعره مشهور وهو أشعر قریش وحسبك أن يكون أشعر قبيلة في أولها مثل الحارث بن هشام، وهبيرة بن أبي وهب، وعمر بن أبي ربيعة، وأبی ذهیل ویزید بن معاوية، وفي آخرها مثل محمد بن صالح الحسني، وعلي بن محمد الحماني وابن طباطبا الأصفهاني، وعلي بن محمد صاحب الزنج عند من يصح نسبه، وإنما كان أشعر قريش لان المجيد منهم ليس بمكثر، والمكثر ليس بمجيد، والرضى جمع بين الاكثار والإجادة.

قال أبو الحسن العمري: وكان يقدم على أخيه المرتضى والمرتضى أكبر لمحله في نفوس العامة والخاصة، ولم يكن يقبل من أحد شيئا أصلا.

وحكى أبو إسحاق محمد بن إبراهيم بن هلال الصابي الكاتب قال: كنت عند الوزير أبي محمد المهدی ذات يوم فدخل الحاجب واستأذن للشريف المرتضى فاذن له، فلما دخل قام إليه وأكرمه وأجلسه معه في دسته وأقبل عليه يحدثه حتى فرغ من حکایته ومهماته، ثم قام فقام إليه وودعه وخرج، فلم تكن إلا ساعة حتى دخل الحاجب واستأذن للشريف الرضى

ص: 88


1- عمدة الطالب: ص 207

وكان الوزير قد ابتدأ بكتابة رقعة فألقاها، وقام کالمندهش حتی استقبله من دهليز الدار وأخذ بيده وأعظمه وأجلسه في دسته ثم جلس بين يديه متواضعا وأقبل عليه بمجامعه، فلما خرج الرضى خرج معه وشيعه إلى الباب ثم رجع، فلما خف المجلس قلت:

أيأذن الوزير أعزه الله تعالى أن أسأله عن شيء؟ قال: نعم، وكأني بك تسأل عن زيادتي في إعظام الرضى على أخيه المرتضى والمرتضى أسن وأعلم؟ فقلت: نعم أيد الله الله الوزير. فقال إعلم إنا أمرنا بحفر النهر الفلاني وللشريف المرتضى على ذلك النهر ضيعة فتوجه عليه من ذلك ستة عشر درهما أو نحو ذلك فكاتبني بعدة رقاع يسأل في تخفيف ذلك المقدار عنه، وأما أخوه الرضى فبلغني ذات يوم أنه ولد له غلام فأرسلت إليه بطبق فيه ألف دينار فرده وقال: قد علم الوزير أني لا أقبل من أحد شيئا.

فرددته إليه وقلت: إني إنما أرسلته للقوابل. فرده الثانية وقال: قد علم الوزير أنه لا تقبل نساءنا غريبة. فرددته إليه وقلت: يفرقه الشريف على ملازميه من طلاب العلم. فلما جاءه الطبق وحوله طلاب العلم قال: ها هم حضور ليأخذ كل أحد ما يريد فقام رجل وأخذ دينارا فقرض من جانبه قطعة وأمسكها ورد الدينار إلى الطبق فسأله الشريف عن ذلك فقال: احتجت إلى دهن السراج ليلة ولم يكن الخازن حاضرا فاقترضت من فلان البقال دهنا فأخذت هذه القطعة لادفعها إليه عوض دهنه، وكان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضى في دار قد اتخذها لهم سماها (دار العلم) وعين لهم جميع ما يحتاجون إليه، فلما سمع الرضى ذلك أمر في الحال بأن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة ويدفع إلى كل منهم مفتاح ليأخذ ما يحتاج إليه ولا ينتظر خازنا

ص: 89

يعطيه، ورد الطبق على هذه الصورة فكيف لا أعظم من هذا حاله)(1).

ب- ترجم له ابن أبي الحديد المعتزلي، (ت 656 ه) فقال:

وحفظ الرضي (رحمه الله) القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة في مدة يسيرة، وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا. وكان رحمه الله عالما أديبا، وشاعرا مغلقا، فصیح النظم، ضخم الألفاظ، قادرا على القريض، متصرفا في فنونه، إن قصد الرقة في النسيب أتي بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح أتی بما لا يشق فيه غباره، وإن قصد في المراثي جاء سابقا والشعراء منقطع أنفاسها على أثره. وكان مع هذا مترسلا ذا كتابة قوية، وكان عفیفا شریف النفس، عالي الهمة، ملتزما بالدين وقوانينه، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة، حتى أنه رد صلات أبيه، وناهيك بذلك شرف نفس، وشدة ظلف.

فاما بنو بويه فإنهم اجتهدوا على قبوله صلاتهم فلم يقبل. وكان يرضى بالاكرام وصيانة الجانب وإعزاز الاتباع والأصحاب، وكان الطائع(2) أكثر میلا إليه من القادر(3)، وكان هو أشد حبا وأكثر ولاء للطائع منه للقادر، وهو القائل للقادر في قصيدته التي مدحه بها، منها:

ص: 90


1- عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب: ص 208 - 210
2- هو أبو بكر عبد الكريم الطائع لأمر الله، بويع بالخلافة له سنة 363، ثم خلع، وقبض عليه الديلم سنة 381، وبويع لأخيه القادر، فحمل إليه الطائع، وبقي عنده إلى أن توفي سنة 393. الفخري 254، وابن الأثير حوادث سنة 381
3- هو أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر، المعروف بالقادر، بويع له بالخلافة بعد خلع أخيه، وتوفي سنة 422. الفخري 254

عطفا أمير المؤمنين فإننا *** في دوحة العلياء لا نتفرق(1)

ما بيننا يوم الفخار تفاوت ***

إلا الخلافة شرفتك فإنني *** أنا عاطل منها وأنت مطوق

فيقال أن القادر قال له على رغم أنف الشريف.

وذكر الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في التاريخ في وفاة الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي، قال: كان شيخ الشهود المعدلين ببغداد ومتقدمهم، وسمع الحديث الكثير، وكان كريما مفضلا على أهل العلم، قال:

وعليه قرأ الشريف الرضي (رحمه الله) القرآن، وهو شاب حدث السن، فقال له يوما: أيها الشريف أين مقامك؟ قال: في دار أبى، بباب محول، فقال: مثلك لا يقيم بدار أبيه، قد نحلتك داري بالكرخ المعروفة بدار البركة. فامتنع الرضي من قبولها وقال له: لم أقبل من أبى قط شيئا، فقال إن حقي عليك أعظم من حق أبيك عليك، لأني حفظتك كتاب الله تعالى فقبلها.

وكان الرضي لعلو همته تنازعه نفسه إلى أمور عظيمة يجيش بها خاطره، وينظمها شعره، ولا يجد من الدهر عليها مساعدة، فيذوب كمدا، ويفني وجدا، حتى توفي ولم يبلغ غرضا.

ص: 91


1- ديوانه لوحة 40

فمن ذلك قوله:

ما أنا للعلياء إن لم يكن *** من ولدي ما كان من والدي(1)

ولا مشت بي الخيل إن لم أطأ *** سرير هذا الأصيد الماجد(2)

ومنه قوله:

متی تراني مشيحا في أوائلهم *** يطفوبي النقع أحيانا ويخفيني

لتنظرني مشيحا في أوائلها *** يغيب بي النقع أحيانا ويبديني

لا تعرفوني إلا بالطعان وقد *** أضحى لثامي معصوبا بعرنيني

ومنه قوله - يعني نفسه:

فواعجبا مما يظن محمد *** وللظن في بعض المواطن غدار

يؤمل أن الملك طوع يمينه *** ومن دون ما يرجو المقدر أقدار

لئن هو أعفى للخلافة لمة *** لها طرر فوق الجبين واطرار

ورام العلا بالشعر والشعر دانبا *** ففي الناس شعر خاملون وشعار

واني أرى زندا تواتر قدحه *** ويوشك يوما أن تكون له نار

ص: 92


1- ديوانه، لوحة 89
2- ديوانه «الأغلب الماجد»

ومنه قوله:

لا هم قلبي بركوب العلا *** يوما ولا بلت يدي بالسماح

إن لم أنلها باشتراط كما *** شئت على بيض الظبي واقتراح

أفوز منها باللباب *** الذي يعبي الأماني نيله والصراح

فما الذي يقعدني عن مدى *** ما هو بالبسل ولا باللقاح

يطمح من لا مجد يسمو به *** إني إذا أعذر عند الطماح

أما فتى نال المنى فاشتفى *** أو بطل ذاق الردى فاستراح!

وفي هذه القصيدة ما هو أخشن مسا، وأعظم نكاية، ولكنا عدلنا عنه وتخطيناه، كراهية لذكره. وفي شعره الكثير الواسع من هذا النمط)(1).

ج- ترجم له الثعالبي (ت 429 ه)، فقال:

(وهو اليوم أبدع أبناء الزمان وأنجب سادة العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين كالجماني، وابن طباطبا، وابن الناصر، وغيرهم ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلاسة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مدها.

ص: 93


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 33 - 36

فأما أبوه أبو أحمد فمنظور علوية العراق مع أبي الحسن محمد بن عمر بن يحيى وكان قديما يتولى نقابة الطالبيين والحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الأعمال كلها إلى ولده أبي الحسن هذا وذلك في سنة ثمانين وثلاثمائة فقال أبو الحسن قصيدة يهنئ بها أباه ويشكره على تفويضه أكثر هذه الأعمال إليه:

انظر إلى الأيام كيف تعود *** وإلى المعالي الغر كيف تزيد

وإلى الزمان نبا وعاود عطفه *** فارتاح ظمآن وأورق عود

قد عاود الأيام ماء شبابها *** فالعيش غض والليالي عيد

إقبال عز كالأسنة مقبل *** يمضي وجدفي العلاء جديد

وعلا لأبلج من ذؤابة هاشم *** يثني عليه السؤدد المعقود

قد فات مطلوبا وأدرك طالبا *** ومقارعوه على الأمور قعود

ما السؤدد المطلوب إلا دون ما *** يرمي إليه السؤدد المولود

فإذا هما اتفقا تكسرت القنا *** إن غالبا وتضعضع الجلمود

الكامل وله من قصيدة في أبيه ويذكر حجه بالناس:

دعيني أطلب الدنيا فإني *** أرى المسعود من رزق الطلابا

ومن أبقى لأجله حديثا *** ومن عانى لعاجله اكتسابا

ص: 94

وما المغبون إلا من دهته *** فلا مجدا ولا جدة أصابا

ونصل السيف تسلم شفرتاه *** وتخلق كل أيام قرابا

وأيام تجوز عليك بيض *** وقد فتحت من الإقبال بابا

وكم يوم كيومك قدت فيه *** على الغرر المقانب والركابا

إلى البلد الأمين مقومات *** تماطلها التعجل والإيابا

بحيث تفرغ الكوم المطايا *** حقانبها وتحتقب الثوابا

معالم إن أجال الطرف فيها *** مسيء القوم أقلع أو أنابا(1)

7- شعره.

يكفي في بيان أثر شعره في المكتبة الادبية واللغوية، أن قيل فيه:

أشعر قريش، وأشعر الطالبيين، وغيرها كما مرّ بيانه؛ إلا اننا هنا نورد بعض أشعاره في جوانب محدودة، وهي كالاتي:

أ- غديريه الشريف الرضي، وقد أوردها العلامة الأميني (عليه رحمة الله ورضوانه) فيقول فيها مبتدأ:

نطق اللسان عن الضمير *** والبشر عنوان البشير

ألان أعفيت القلوب *** من التقلقل والنفور

وانجابت الظلماء عن *** وضع الصباح المستنير

ص: 95


1- يتيمة الدهر: ج 3 ص 155 - 157

إلى أن قال:

(غدر السروربنا وكان *** وفاؤه يوم الغدير

يوم أطاف به الوصي *** وقد تلقب بالأمير

فتسل فيه ورد عارية *** الغرام إلى المعير

وابتز أعمار الهموم *** بطول أعمار السرور

فلغيرقلبك من يعلل *** همه نطف الخمور

لا تقنعن عند المطالب *** بالقليل من الكثير

فتبرض الأطماع مثل *** تبرض الثمد الجرور

هذا أوان تطاول الحاجات *** والأمل القصير

فانفح لنا من راحتيك *** بلا القليل ولا النزور

لا تجن إلى العصاب *** وأنت في الضرع الدرور

آثار شكرك في فمي *** وسمات ودك في ضميري

وقصيدة عذراء مثل *** تألق الروض النضير

فرحت بمالك رقها *** فرح الخميلة بالغدير(1)

ب- في بيان عزة نفسه وسجاياه.

ص: 96


1- الغدير: ج 4 ص 180 - 181

قال (عليه رحمة الله ورضوانه):

عذيري من العشرين يغمزن صعدتي *** ومن نوب الأيام يقرعن مروتي

ألا لا أعد العيش عيشا مع الأذى ***

لأن رفيق الذل حي كميت

تخوفني بالموت والموت راحة *** لمن سل عزمي قلبه مثل همتي

وكم بين ذي أنف حمى وحامل *** موار قد عودن حمل الأحشة

الطويل

وقال:

أكابرنا والسابقون إلى العلا *** ألا تلك أساد ونحن شبولها

وإن أسودا كنت شبلا لبعضها *** لمحقوقة أن لا يذل قبيلها

الطويل

وقال:

حذفت فضول العيش حتى رددتها *** إلى دون ما يرضى به المتعفف

وأملت أن أجري خفيفا إلى العلا *** إذا شئتم أن تلحقوا فتخففوا

حلفت برب البدن تدمی نحورها *** وبالنفر الأطوار لبوا وعرفوا

لأبتذلن النفس حتى أصونها *** وغيري في قيد من الذل يرسف

ص: 97

فقد طالما ضيعت في العيش فرصة *** وهل ينفع الملهوف ما يتلهف

وان قوافي الشعر ما لم أكن لها *** مسفسفة فيها عتيق ومقرف

أنا الفارس الوثاب في صهواتها *** وكل مجيد جاء بعدي مردف

الطويل

وقال:

(بنو هاشم عين ونحو سوادها *** على رغم من يأبى وأنتم قذاتها

وأعجب ما يأتي به الدهر أنكم *** طلبتم علا ما فيكم أدواتها

وأملتم أن تدركوها طوالعا *** دعوها سيسعى للمعالي سعاتها

غرست غروسا كنت أرجو لقاحها *** وآمل يوما أن تطيب جناتها

فإن أثمرت لي غير ما كنت أملا *** فلا ذنب لي إن حنظلت نخلاتها(1)

وأسرع إليه الشيب في العشرين من عمره، وقد ورد عليه أمر أهمه وأقلقه، فقال :

(عجلت يا شيب على مفرقي *** وأي عذر لك أن تعجلا

فكيف أقدمت على عارض *** ما استغرق الشعر ولا استكملا

كنت أرى العشرين لي جنة *** من طارقات الشيب إن أقبلا

ص: 98


1- يتيمة الدهر: ج 3 ص 166 - 168

فالآن سيان ابن أم الصبا *** ومن تسدى العمر الأطولا

یا زائرا ما جاء حتى مضى *** وعارضا ما جاد حتى انجلی

وما رأى الراؤون من قبلنا *** زرعا ذوي من قبل أن يسبلا

ليت بياضا جاءني آخرا *** فدى بياض كان لي أولا

ولیت صبحا ساء ني ضوؤه *** زال وأبقى ليله الأليلا

یا ذابلا صوح فينانه *** قد آن للذابل أن يختلى

خط برأسي يققا أبيضا *** كأنما خط به منصلا

هذا ولم أعد مجال الصبا *** فكيف من جاوز أومن علا

من خوفه كنت أهاب السرى *** شحا على وجهي أن يبذلا

فليتني كنت تسربلته *** في طلب العز ونيل العلا

قالوا دع القاعد يزري به *** من قطع الليل وجاب الفلا

قل لعذولي اليوم عد صامتا *** فقد كفاني الشيب أن أعذلا

طبت به نفسا ومن لم يجد *** إلا الردى أذعن واستقتلا(1)

ج- رثائه لجده الإمام الحسين (عليه السلام).

كثر رثائه (عليه رحمة الله ورضوانه) في جده الإمام السبط الشهيد

ص: 99


1- يتيمة الدهر: ج 3 ص 164 - 165

السلام) قتيل ابناء البغايا، وأشياع بني سفيان، وبقايا الاحزاب، ومن هذا الرثاء:

هي المنازل بالغميم فنادها *** واسكب سخي العين بعد جمادها

إلى أن يقول:

(لم يبق ذخر للمدامع عنكم *** كلا ولا عين جرى لرقادها

شغل الدموع عن الديار بكاؤنا *** لبكاء فاطمة على أولادها

لم يخلفوها في الشهيد وقد رأى *** دفع الفرات يزاد عن أورادها

أترى درت أن الحسين طريدة *** لقنا بني الطرداء عند ولادها؟!

كانت مآتم بالعراق تعدها *** أموية بالشام من أعيادها

ما راقبت غضب النبي وقد غدا *** زرع النبي مطنة لحصادها

باعت بصائر دينها بضلالها *** وشرت معاطب غيها برشادها

جعلت رسول الله من خصمائها *** فلبنس ما ذخرت ليوم معادها

نسل النبي على صعاب مطيها *** ودم النبي على رؤوس صعادها

وا لهفتاه لعصبة علوية *** تبعت أمية بعد عز قيادها

جعلت عران الذل في آنافها *** وعلاط وسم الضيم في أجيادها

زعمت بأن الدين سوغ قتلها *** أوليس هذا الدين عن أجدادها؟!

ص: 100

طلبت تراث الجاهلية عندها *** وشفت قدیم الغل من أحقادها

واستأثرت بالأمر عن غيابها *** وقضت بما شات على شهادها

الله سابقكم إلى أرواحها *** وكسبتم الآثام في أجسادها

إن قوضت تلك القباب فإنما *** خرت عماد الدين قبل عمادها

إن الخلافة أصبحت مزوية *** عن شعبها ببياضها وسوادها

طمست منابرها علوج أمية *** تنزو ذنابهم على أعوادها

هي صفوة الله التي أوحى لها *** وقضى أوامره إلى أمجادها

أخذت بأطراف الفخار فعاذر *** أن يصبح الثقلان من حسادها

الزهد والأحلام في فتاكها *** والفتك لولا الله في زهادها

عصب يقمط بالنجاد وليدها *** ومهود صبيتها ظهور جيادها

تروي مناقب فضلها أعداؤها *** أبدا وتسنده إلى أضدادها

یا غيرة الله اغضبي لنبيه *** وتزحزحي بالبيض عن أغمادها

من عصبة ضاعت دماء محمد *** وبنیه بین یزیدها وزيادها

صفدات مال الله ملء أكفها *** وأكف آل الله في أصفادها

ضربوا بسيف محمد أبناءه *** ضرب الغرائب عدن بعد ذیادها)(1)

ص: 101


1- الغدير: ج 4 ص 215 - 216

2- وقوله في قصيدة، كان مطلعها:

(راحل انت والليالي تزول *** ومضربك البقاء الطويل

لاشجاع يبقى فيعتنق البيض *** ولا آمل ولا مأمول

غاية الناس في الزمان فناء *** وكذا غاية الغصون الذبول

إنما المرء للمنية مخبوء *** وللطعن تستجم الخيول

من مقيل بين الضلوع إلى *** طول عناء وفي التراب مقیل

فهو كالغيم ألفته جنوب *** يوم دجن ومزقته قبول

عادة للزمان في كل يوم *** يتناء خل وتبكي طلول

فالليالي عون عليك مع البين *** كما ساعد الذوابل طول

ربما وافق الفتى من زمان *** فرح غیره به متبول

هي دنيا إن واصلت ذا *** جفت هذا ملالا كأنها عطبول

كل باك يبكى عليه وان *** طال بقاء والثاكل المثكول

والأماني حسرة وعناء *** للذي ظن أنها تعليل

ما يبالي الحمام أين ترقي *** بعد ما غالت ابن فاطم غول

أي يوم أدمى المدامع فيه *** حادث رائع وخطب جليل

یوم عاشور الذي لا أعان *** الصحب فيه ولا أجار القبيل

ص: 102

يا ابن بنت الرسول ضيعت *** العهد رجال والحافظون قليل

ما أطاعوا النبي فيك وقد *** مالت أرواحهم إليك الذحول

وأحالوا على المقادير في *** حربك لو أن عذرهم مقبول

واستقالوا من بعد ما أجلبوا *** فيها أألآن أيها المستقيل؟!

إن أمرا قنعت من دونه *** السيف لمن حازه لمرعى وبيل

يا حساما فلت مضاربه الهام *** وقد فله الحسام الصقيل

يا جوادا أدمى الجواد *** من الطعن وولى ونحوه مبلول

حجل الخيل من دماء الأعادي *** يوم يبدو طعن وتخفى حجول

يوم طاحت أيدي السوابق في النقع *** وفاض الونى وعاض الصهيل

أتراني أعير وجهي صونا *** وعلى وجهه تجول الخيول!؟

أتراني ألذ ماء ولما *** يرو من مهجة الإمام الغليل؟!

قبلته الرماح وانتضلت *** فيه المنايا وعانقته النصول

والسبايا على النجائب تستاق *** وقد نالت الجيوب الذيول

من قلوب يدمي بها ناظر *** الوجد ومن أدمع مراها الهمول

قد سلبن القناع عن كل وجه *** فيه للصون من قناع بديل

وتنقين بالأنامل والد مع *** على كل ذي نقاب دليل

ص: 103

وتشاكين والشكاة بكاء *** وتنادين والنداء عويل

لايغب الحادي العنيف ولا *** يفتر عن رنة العديل العديل

يا غريب الديار صبري غريب *** وقتیل الأعداء نومي قتیل

بي نزاع يطغى إليك وشوق *** وغرام وزفرة وعويل

ليت أني ضجيع قبرك أو *** أن ثراه بمدمعي مطلول

لا أغب الطفوف في كل يوم *** من طراق الأنواء غيث هطول

مطر ناعم وريح شمال *** ونسيم غض وظل ظليل

با بني أحمد إلى كم سناني *** غائب عن طعانه ممطول؟؟

وجيادي مربوطة والمطايا؟؟ *** ومقامي يروع عنه الدخيل؟؟

كم إلى كم تعلو الطغاة؟! و كم *** يحكم في كل فاضل مفضول؟؟

قد أذاع الغليل قلبي ولكن *** غير بدع إن استطب العليل

ليت إني أبقى فأمترق *** الناس وفي الكف صارم مسلول

وأجر القنالثارات يوم *** لطف يستلحق الرعيل الرعيل

صبغ القلب حبكم صبغة الشيب *** وشيبي لولا الردي لا يحول

أنا مولاكم وإن كنت منكم *** والدي (حيدر) وأمي (البتول)

وإذا الناس أدركوا غاية الفخر *** شاهم من قال جدي الرسول)(1)

ص: 104


1- الغدير: ج 4 ص 219 - 221

د- وفاته وموضع قبره.

توفي الشريف الرضي (عليه رحمة الله ورضوانه) في يوم الاحد ببغداد، وبها مولده، و منشائه، ووفاته، في بكرة يوم الأحد سنة 406 للهجرة النبوية.

(وعند وفاته حضر إلى داره الوزير أبو غالب فخر الملك وسائر الوزراء والأعيان والأشراف والقضاة حفاة ومشاة وصلى عليه فخر الملك ودفن في داره الكائنة في محلة الكرخ بخط مسجد الأنباريين ولم يشهد جنازته أخوه الشريف المرتضى ولم يصل عليه ومضى من جزعه عليه إلى الإمام موسی بن جعفر عليهما السلام لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته، ومضى فخر الملك بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى بالمشهد الكاظمي فألزمه بالعود إلى داره.

ذكر كثير من المؤلفين نقل جثمانه إلى كربلاء المشرفة بعد دفنه في داره بالكرخ فدفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى، ويظهر من التاريخ أن قبره كان في القرون الوسطى مشهورا معروفا في الحائر المقدس.

قال صاحب (عمدة الطالب): وقبره في كربلاء ظاهر معروف. وقال في ترجمة أخيه المرتضی: دفن عند أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة.

وقال الرفاعي (المتوفي 880 ه) في (صحاح الأخبار): نقل المرتضى إلى مشهد الحسين بكربلاء كأبيه وأخيه ودفن هناك وقبره ظاهر معروف.

وهذا قريب إلى الاعتبار لأن بني إبراهيم المجاب قطنوا الحائر المقدس و جاوروا الإمام السبط سلام الله عليه فدفن فيه إبراهيم المذكور بمقربة مما يلي رأس قبر الإمام (عليه السلام) فاتخذ بنوه تربته مدفنا لهم، وكان من قطن منهم بغداد أو البصرة كبني موسى الأبرش ينقل بعد موته إلى تربة جده،

ص: 105

وقد ثبت أن والد الشريف المترجم نقل إلى الحائر المقدس قبل دفنه ودفن بها، م - أو دفن في داره أولا ثم نقل إلى مشهد الحسين كما في (المنتظم) لابن الجوزي.

وصح أيضا نقل جثمان الشريف علم الهدى المرتضى إلى الحائر بعد دفنه في داره، وكانت تولية تلك التربة المقدسة بيدهم، وما كان يدفن هناك أي أحد إلا بإجازة منهم.

ه- رثاء الشعراء له.

وقد رثى الشريف الرضي غير واحد من عاصروه وفي مقدمهم أخوه علم الهدى بقوله:

يا للرجال لفجعة جذمت يدي *** ووددت لو ذهبت علي برأسي

ما زلت أحذر وقعها حتى أتت *** فحسوتها في بعض ما أنا حاسي

ومطلتها زمنا فلما صممت *** لم يجدني مطلي وطول مكاسي

لا تنكروا من فيض دمعي عبرة *** فالدمع غير مساعد ومواسي

لله عمرك من قصير طاهر *** ولرب عمر طال بالأدناس

وممن رئاه تلميذه في الأدب مهيار الديلمي المترجم في شعراء القرن الخامس رثاه بقصيدتين إحديهما ذات 70 بيتا توجد في ديوانه ج 3 ص 366 مستهلها.

ص: 106

من جب غارب هاشم وسنامها؟! *** ولوی لویا فاستزل مقامها؟!

وغزا قريشا بالبطاح فلفها *** بید؟! وقوض عزها وخيامها؟؟

وأناخ في مضر بكلكل خسفه *** یستام واحتملت له ما سامها؟!

من حل مكة فاستباح حريمها *** والبيت يشهد واستحل حرامها؟؟

ومضى بيثرب مزعجا ما شاء من *** تلك القبور الطاهرات عظامها؟؟

يبكي النبي ويستنيح لفاطم *** بالطف في أبنانها أيامها

الدين ممنوع الحمى، من راعه؟؟ *** والدار عالية البناء من رامها؟!

أتناكرت أيدي الرجال سيوفها *** فاستسلمت أم أنكرت إسلامها؟؟

أم غال ذا الحسبين حامي ذودها *** قدر أراح على الغدوسوامها)(1)

فعليه من الله الرحمة والغفران ولروحه الجنة والرضوان في جوار أبيه الكرار وجه المختار (صلى الله عليه وآله وسلم).

المسألة الثالثة: مقايسة النص الوارد في نهج البلاغة بشواهد الكتاب والسنة وانحسار التشكيك فيه.

قيل: إن الثمار الناضجة هي التي ترمي بالحجارة، وجاء في محکم التنزيل وهو خير دليل، وكاشف بلا تضليل عن الدوافع في من قال أو قيل بالتشكيك بكتاب نهج البلاغة، فقال عز وجل:

ص: 107


1- الغدير: ج 4 ص 210 - 212

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ».

فها هو دیّدن من كان الحسد قائده، والبغض والنفاق سمته في محاربة ما هو متصل بالعترة النبوية (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ومنه التشكيك في أقوالهم وصحة نسبة النص الوارد في كتاب نهج البلاغة إلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه).

ولقد تناول كثير من العلماء، والفقهاء، والمفكرين، وأهل اللغة والأدب قديماً وحديثاً، الرد على هذه الأقوال المغرضة والنفوس المريضة، ولذا: سنكتفي بشاهد واحد من هذه الردود العلمية ففيها الغرض والكفاية في اظهار حقيقة هذه النسبة، وهي كالاتي:

جاء في تقرير بحث سماحة السيد علي الحسيني السيستاني لقاعدة لا ضرر ولا ضرار في التنبيه الثاني: في تحقيق مضمون الحديث على أساس شواهد الكتاب والسنة، فقال:

(أن الاعتبار السندي على المختار لا يكفي في حجية الخبر، بل لا بد في تحقیق مضمون الخبر من مقایسته بشواهد الكتاب والسنة ونقده نقدا داخليا وذلك من جهتين:

الأولى: أن لا يكون مضمون الخبر مخالفا للمعارف المسلمة في الاسلام مما ورد في الكتاب والسنة كأن يكون هادما لما بناه الاسلام أو بانيا لما هدمه الاسلام. واعتبار هذا الشرط من قبيل القضايا التي قياساتها معها كما هو واضح.

الثانية: أن يكون مضمونه موافقا مع الكتاب والسنة توافقا روحيا بمعنی

ص: 108

أن يتسانخ مع المبادئ الثابتة من الشريعة الاسلامية من خلال نصوصها القطعية ولو في مستوى التناسب والاستئناس.

ومبنى اعتبار هذا المعنى في قبول الخبر دخالته في الوثوق به عقلاء، بناء على ما هو الصحيح من حجية الخبر الموثوق به دون خبر الثقة على ما أوضحناه في بحث حجية خبر الواحد من علم الأصول، فإنه كلما كانت هناك مجموعتان منسوبتان إلى شخص أو جهة وكانت إحداهما مقطوعة الانتساب والأخرى مشكوكة، فإنه لا بد في الوثوق بالمجموعة الثانية من الرجوع إلى المجموعة الأولى باعتبارها السند الثابت في الموضوع.

وملاحظة روحها وخصائصها العامة، ثم عرض تلك المجموعة على تلك المبادئ المستنبطة فما وافقها قبل وما خالفها رد. وربما تداول إجراء مثل هذه الطريقة في تحقيق الكتب أو الاشعار المشكوكة النسبة ونحوها فإنها تقارن بما ثبت عن الشخص ثبوتا قطعيا، بعد درس مميزاته وخصائصه ثم يحكم فيها على ضوء ذلك فلو فرضنا إن شعرا نسب إلى مثل الرضي أو مهيار الديلمي أو إلى حافظ أو سعدي، وهو لا ينسجم مع ما عرف به من أسلوب ومن صفات نفسية ومميزات فكرية فإنه لا تقبل النسبة لان كان الذي نسبه إليه رجل ثقة.

وبمثل ذلك أبطل بعضهم دعوى قوم أن بعض نهج البلاغة مصنوع ومختلق، ففي شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة عن مصدق بن شبيب الواسطي إنه قال قلت لأبي محمد عبد الله ابن احمد المعروف بابن الخشاب - في كلام عن الخطبة الشقشقية -:

ص: 109

(أتقول: إنها منحولة! فقال: لا والله، وإني لاعلم أنها كلامه كما أعلم أنك مصدق. قال فقلت له: إن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضي (رحمه الله) فقال:

إن للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب. قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر)(1).

وقال ابن أبي الحديد نفسه في إبطال هذه الدعوى:

(إن من أنس بالكلام والخطابة وشدا طرفا من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح وبين الفصيح والأفصح وبين الأصيل والمولد. وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط فلا بد أن يفرق بين الكلامين ويميز بين الطريقتين.

ألا ترى أنا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام نفسه وطريقته ومذهبه في القريض، ألا ترى إن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر وكذلك حذفوا من شعر أبي نواس كثيرا لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة).

ص: 110


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/ 205

وقال: (وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماء واحدا و نفسا واحدا وأسلوبا واحدا كالجسم البسيط الذي لا يكون بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الابعاض في الماهية وكالقرآن العزيز أوله کوسطه وأوسطه كآخره، وكل سورة منه وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور. ولو كان بعض نهج البلاغة منحولا وبعضه صحيحا لم يكن ذلك كذلك فقد ظهر لك بالبرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليه السلام)(1).

والسر في هذا المعنى: أن كل مقتن أو مؤلف أو شاعر لا محالة يجمع شتات ما يصدر منه مبادئ عامة سارية في مختلف آثاره تشترك فيها وتتسانخ بحسبها.

وقد نبه على اعتبار هذا الشرط في حجية الخبر جملة من الروايات حيث اعتبرت في قبوله موافقة الكتاب والسنة، وأمرت بطرح ما خالفهما فإن المقصود بذلك على التفسير المختار لها - التوافق أو التخالف الروحي بينه وبينهما على ما تشهد به قرائن داخلية وخارجية - وإن كان المعروف تفسيرها بالتوافق أو التخالف في المؤدی ولنذكر بعض هذه الأخبار المستفيضة:

منها: ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى، فقال: (يا أيها الناس ما جاء کم مني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاء کم يخالف كتاب الله فلم أقله)(2).

ص: 111


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10/ 128 و 129
2- جامع أحاديث الشيعة 1/ 2059 / ح 441

ومنها: ما عنه (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه)(1).

و الحقيقة هي: الراية والمعنى أن على كل حق راية وعلى كل صواب وضوح وراية الحق هي الموافقة مع القرآن الكريم.

ومنها معتبرة أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

(كل حدیث مردود إلى الكتاب والسنة و كل شئ لا يوافق كتاب الله فهو زخرف)(2).

وغير ذلك.

ولو أريد بالتوافق في هذه الأخبار التوافق في المؤدي على أن يكون مضمون الحديث مفادا بإطلاق أو عموم کتابي لزم من ذلك عدم جواز الأخذ بالمخصصات فهذا قرينة واضحة على أن المعني بها التوافق الروحي. وقد ورد إعمال هذا المنهج في بعض الأخبار، وهو قرينة على إرادة التوافق الروحي في الأخبار السابقة:

منها: ما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

(إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله) ثم قال: في بعض حديثه:

ص: 112


1- جامع أحاديث الشيعة 1: 257 / 434
2- جامع أحادیث الشيعة 1: 258 / 435

(إن رسول الله صلى الله عليه وآله) نهی عن القيل، والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال). فقيل له: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أين هذا من كتاب الله؟ فقال:

(إن الله عزّ وجل قال:

(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس).

وقال: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا»(1).

وقال: «لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(2).)(3)

ومنها: ما في صحيحة الفضل بن العباس قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):

«إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسه جافا فاصبب عليه الماء، قلت: لم صار بهذه المنزلة؟ قال: لان النبي صلى الله عليه وآله أمر بقتلها»(4).

فإن السؤال سواء كان عن سبب الحكم ثبوتا أو عن دليله إثباتا لا يكون الجواب عنه بذلك إلا من باب الاستئناس، باعتبار أن الامر بقتلها يدل على مدى مبغوضيتها شرعا فيسانخ ذلك مع الحكم بالغسل أو الصب، إلى غير ذلك)(5).

ص: 113


1- النساء: 5
2- المائدة: 101
3- الكافي - الأصول - باب الرد إلى الكتاب والسنة - الحديث 5: 48 - 49
4- جامع الأحاديث - كتاب الطهارة - أبواب النجاسات - ج 2: 105/ 1439
5- قاعدة لا ضرر ولا ضرار - تقرير بحث السيد السيستاني: ص 212 - 216

ص: 114

الفصل الثاني : «جهود الإمام علي والحسن والحسين وزين العابدين (علیهم السلام) في حفظ الشريعة ونمو الفقه وتطوره»

اشارة

ص: 115

ص: 116

المبحث الأول أثر التدوين في ظهور علم الفقه وغيره من العلوم

للوقوف على تاريخ الفقه والفقهاء، ونمو هذا العلم، فلا بد من دراسة تاريخ التدوين أولاً وأثر ذلك على كافة العلوم والمدارس الفكرية والاتجاهات المعرفية في العلوم المختلفة، والتي امتازت بها المنظومة المعرفية في الإسلام، لا سيما علم الفقه.

وذلك لشرافة هذا العلم وإلتصاقه بقدسية الحكم الشرعي، والناطقون به وحملته، والأمناء عليه، وهم: الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمة (عليهم السلام) اللذين خصهم الله بلطفة وسابق عنايته واجتباهم لشرعه.

وعليه:

تضمن هذا المبحث مجموعة من المسائل التي تأصل لظهور التدوين والتصنيف في العلوم، لا سيما علم الحديث والسيرة والتفسير وهذا العلم الشريف وحملته، اي الفقه؛ وهي كالاتي:

المسألة الأولى: متى ظهر التدوين عند العرب والمسلمين في الحجاز.

لم تتمكن الدراسات التاريخية من تحديد الوقت الذي ظهر فيه أمر التدوين عند العرب بشكل دقيق، على الرغم من أن الدراسات التي تناولت هذا الموضوع كانت منذ أكثر من مائة عام.

ص: 117

(وهي كثيرة بالقياس إلى الأبحاث التي تمت في أكثر المجالات الأخرى للتراث العربي، ومع هذا كله، ونظرا لأن الآراء في هذا الموضوع لا تزال مختلفة متضاربة، فإنه يكاد يصبح متعذرا على المؤرخ أن يقدم عرضا إجماليا لهذا الموضوع بنفسه، وأن يخضع النتائج التي توصل إليها الباحثون للفحص النقدي من جديد)(1).

وتدور أغلب الدراسات التاريخية حول محورين، المحور الأول: يذهب إلى أن الحديث كان يتداول أساسا بالرواية الشفوية، بمعنى: انعدام التدوين في القرن الأول ومطلع القرن الثاني الهجري وأن الأحاديث والأخبار کانت تنقل بالأسانید.

ويدور المحور الثاني: حول وجود کتب قديمة سبقت مرحلة التدوين التي ظهرت في القرن الثاني(2) الهجري، أي بمعنی، وجود کتب دونت فيها الأحداث والوقائع التاريخية، ولاسيما فيما يختص بحياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنها كانت المادة الأساس التي نقل عنها الطبري وغيره.

والظاهر أن السبب في اختلاف هذه الدراسات، وعدم تمكنها من تحديد ظاهرة التدوين يعود إلى رأيين:

الرأي الأول: هو الاعتقاد بوجود التدوين قبل الإسلام وبعده.

وأصحاب هذا الاعتقاد يرجعون إلى مجموعة شواهد وهي كالآتي:

ص: 118


1- تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: ج 2، ص 6
2- تذكرة الحفاظ لشمس الدين الذهبي: ج 1، ص 151 و 229؛ النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: ج 1، ص 351؛ تاریخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي: ص 261

أولا: وجود مجموعة شواهد تؤكد وجود ظاهرة التدوين عند العرب حتى قبل مجيء الإسلام، فقد ورد في عدد من الأخبار ما يفيد (بأن دواوین الشعراء قبل بدء الإسلام بفترة قصيرة وفي السنوات الأولى للإسلام كانت تردد شفهيا عن طريق الرواة مع أنها كانت مكتوبة مدونة)(1).

ثانياً: ورود نصوص قرآنية تأمر المسلمين بالكتابة في عقد (الدين) لإثبات حقوق صاحب المال؛ قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ»(2).

وهذا يستلزم وجود عدد لا بأس من الذين يقرؤون ویکتبون، کما يستلزم وجود ظاهرة التدوين في المجتمع المكي.

ثالثاً: قيام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ببعث بعض الرسائل إلى الحكام والملوك الذين عاصروه؛ كقيصر الروم وکسرى الفرس.

رابعاً: كتابة قريش الصحيفة التي اتفقوا فيها على فرض الحصار الاقتصادي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن آمن به من المسلمين، وحصارهم في شعب أبي طالب، وتعليق هذه الصحيفة على جدار الكعبة.

خامساً: كتابة بنود صلح الحديبية بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل مكة.

ص: 119


1- تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: ج 2، ص 3
2- البقرة: 282

سادساً: رواية بعض الصحابة وصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتبه المكتوبة؛ كرسالته التي يرويها عمرو بن حزم بن زيد، والتي يبين فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفرائض والزكاة والديات(1).

سابعاً: رواية الصحابة الكتب التي تحمل أوامر الخلفاء إلى الولاة، كما هو حال الكتاب الذي بعثه عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري عن الصلاة(2).

ثامناً: رجوع بعض الصحابة إلى ابن عباس في عرض بعض المدونات التي لديهم(3).

تاسعاً: امتلاك بعض الصحابة صحائف خاصة بهم، يدونون بها الحديث؛ كالصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري(4).

عاشراً: وجود عدد كبير من الصحائف والكتب عند مجموعة من الصحابة، وأنها منعت من الظهور إلا بعد وفاتهم بسنين فأصبحت جزءا من میراث أبنائهم وأحفادهم، وهم الذين كشفوها فيما بعد لأسباب ستمر الإشارة إليها، ومما يدل عليه قول أبناء الصحابة: (وجدت في كتاب آبائي) أو (وجدت في كتاب أبي)(5).

حادي عشر: روي عن أبي هريرة قوله للحسن بن عمرو بن أمية الضمري وهو يسأله عن حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 120


1- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: ج 2، ص 1264
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5، ص 59
3- الإصابة لابن حجر عن ميمون بن مهران عن ابن عباس: ج 2، ص 809
4- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5، ص 467
5- الإصابة لابن حجر: ج 2، ص 162

فأجابه أبو هريرة قائلا:

(إن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي، فأخذ بيدي إلى بيته فأرانا كتبا كثيرة من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوجد ذلك الحديث، فقال: قد أخبرتك إن كنت حدثتك به فهو مكتوب عندي)(1).

ثاني عشر: فضلا عمّا تقدّم فما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بكتابة العلم وتدوینه لخير دليل على كتابة بعض الصحابة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته مع تدوينهم رسائل وصحائف في الفرائض وأحكامها.

وقد روى الحفاظ قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قيدوا العلم بالكتاب».

من طرق عدة.

الطريق الأول: عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قيدوا العلم».

قلت يا رسول الله وما تقییده؟. قال: «الكتاب»(2).

والطريق الثاني: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

ص: 121


1- جامع بیان العلم وفضله لابن عبد البر: ج 1، ص 74
2- مستدرك الحاكم: ج 1، ص 106. جامع بیان العلم لابن عبد البر: ج 2، ص 27

«قيّدوا العلم بالکتاب»(1).

والطريق الثالث: عن أنس بن مالك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قيدوا العلم بالکتاب»(2).

فضلا عمّا روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من ألفاظ أخرى تأمر المسلمين بالكتابة:

1- فعن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال:

كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأريد حفظه فنهتني قريش وقالوا تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر يتكلم في الرضا والغضب، قال: فأمسكت فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

«أكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق وأشار بيده إلى فيه»(3).

2- عن عقيل بن خالد، عن عمرو بن شعيب: إن شعيبا حدثه ومجاهدا أن عبد الله بن عمرو حدثهم أنه قال:

یا رسول الله أكتب ما أسمع منك؟ قال:

ص: 122


1- الحد الفاصل لرامهرمزي: ص 365
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 1، ص 246؛ ناسخ الحديث لعمر بن شاهين: ص 576؛ مسند الشهاب لابن سلامة: ج 1، ص 370
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 1، ص 106

«نعم».

قلت: عند الغضب والرضا؟. قال:

«نعم، إنه لا ينبغي لي أن أقول إلا حقا»(1).

وقريب منه ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:

«قيدوا العلم بالكتابة»(2).

فهذه الشواهد وغيرها كونت لدى الباحثين الاعتقاد بوجود التدوين حتی قبل مجيء الإسلام، وأن المؤرخين والمحدثين والفقهاء كانوا يرجعون إلى كتب مدونة فيها أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحياته وحياة أصحابه إلا أن ظهورها تأخر ثلاثة قرون لأسباب عديدة، مما خلقت عند البعض الآخر من الباحثين اعتقادا مخالفا لهذا الرأي، وهو عدم وجود ظاهرة التدوين في القرن الأول الهجري ومنتصف القرن الثاني لأسباب عدة، منها:

الرأي الثاني: عوامل نشوء الاعتقاد بتأخر التدوين إلى منتصف القرن الثاني للهجرة.

لقد ظهرت لدى بعض الباحثين مجموعة من الشواهد قادتهم إلى الاعتقاد بتأخر نشوء التدوين وظهوره في القرنين الأولين من عمر الإسلام، وهي كالآتي:

ص: 123


1- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 1، ص 105
2- الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي: ص 278

أولا: نهي النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عمر بن الخطاب عن كتابة أحاديث اليهود مما انعكس سلبا فيما بعد حينما تولى الخلافة، فمنع كتابة حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب اجتهاده.

فقد روى ابن الأثير: (إن عمر بن الخطاب قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

إنا نسمع أحاديث من ميهود تعجبنا! أفترى أن نكتبها؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أمتهوکون کما تھوکت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية»)(1).

والحديث واضح الدلالة في نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتابة أحاديث اليهود، كي لا تدخل الإسرائيليات وما حرف من كتاب التوراة وشرائع اليهود إلى الإسلام، ولذا علل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لقد جئتكم بها بيضاء نقية».

في حين أن الحديث يدل أيضا على وجود حالة التدوين في هذا الوقت في الإسلام.

ثانيا: ويظهر من الروايات أن عمر بن الخطاب كان له أكثر من محاولة في إدخال أحادیث اليهود إلى الشريعة الإسلامية، والنبي الأعظم (صلى الله عليه

ص: 124


1- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 5، ص 282. لسان العرب لابن منظور: ج 12، ص 400

وآله وسلم) يمنع ذلك.

ففي رواية أخرى: (أن عمر بن الخطاب جاء بجوامع من التوراة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:

مررت على أخ لي في قريظة فكتب لي جوامع من التوراة أفلا أعرض عليك؟.

فتغير وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال الأنصاري: أما تری ما بوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!.

قال عمر: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا؛ فذهب ما بوجه رسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«والذي نفسي بيده لو أن موسى أصبح فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم في التبيين»)(1).

فالحديث يظهر نهي النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتابة شرائع اليهود التي حرفت خوفا منه على الأمة من الوقوع في الظلال والانحراف و تحریم ما أحل الله و تحليل ما حرم الله، ولم يكن نهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حرفة الكتابة والتدوين للعلوم الإسلامية.

ويبدو أيضا أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرى أن المسلمين حدثو العهد بالإسلام، ومن السهل على كثير منهم أن يتسرب إلى فكره وعقيدته ما هو باطل أو مخلوط، بباطل وما أكثر الشبهات! ولذا منع ذلك.

ص: 125


1- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 1، ص 174

ثالثا: إقدام أبي بكر على حرق أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي كانت قد كتبت على صحائف کما یروي الذهبي في روايتين.

1- عن عائشة أنها قالت:

جمع أبي الحديث عن رسول الله وكانت خمس مائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت فغمني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟.

فلما أصبح، قال:

أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.

فقلت: لم أحرقتها؟!.

قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت (به) ولم یکن کما حدثني فأكون قد نقلت ذلك(1).

والحديث واضح الدلالة على أن الصحابة كانت تكتب حدیث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا كيف لعائشة أن تجمعها فيحرقها أبوها ما لم تكن مكتوبة في صحائف.

کما بدل الحديث على نشوء ظاهرة منع الحديث النبوي جملة وتفصيلا، من خلال قيام أبي بكر بحرق جميع هذه الأحاديث دون النظر فيها لدفع ما كان يتخوف منه، بمعنى لو كان الدافع في حرقها هو احتواءها على بعض من لم يثق به الخليفة للزم منه عزلها وإبقاء التي فيها من يثق بهم لا أن تحرق جميعها. ولذلك تركت هذه الحادثة شعوراً عند البعض في منع كتابة الأحاديث الشريفة وروايتها مهما تكن رتبتها صحيحة أو ضعيفة أو مكذوبة على رسول الله (صلى

ص: 126


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 5

الله عليه وآله وسلم).

2- عن ابن أبي مليكة قال:

(إن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدکم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا! فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه)(1).

والحادثة تدل على تعميم المنع لرواية أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتحديث بها، وهذا يلزم أن يمتنع الناس عن كتابة هذه الأحاديث للحد من نشرها، كما يلزم إتلافها وحرقها امتثالا لما قام به الخليفة، وبکلا الحالتين تركت هذه الحادثة شعورا لدى بعض الباحثين بانعدام التدوين عند العرب، وتأخر نشأته إلى ما بعد مائة وخمسين سنة من الهجرة.

رابعا: ومما عظم الاعتقاد بانعدام التدوين عند العرب، وتخلفهم عن الكتابة هذه السنين هو اعتمادهم على ما قام به عمر بن الخطاب من حرق جميع الكتب التي كانت عند الصحابة، والتي احتوت على أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تؤكده روایات، منها:

1- روي: «أنه لما بلغه - أي: عمر بن الخطاب - أنه قد ظهرت في أيدي الصحابة، کتب استنكرها و کرهها وقال: أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها على الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي.

ص: 127


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 32

فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب»(1).

وهذا يدل على أن الصحابة كانوا يكتبون أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدلالة قوله:

«فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به».

2- عن يحيى بن جعدة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار من كان عنده شيء فليمحه(2).

ومن البديهي أن يكون فعل المحو من لوازم الكتابة فلو لم يكن عند المسلمين من غير أهل المدينة - وهم الذين عبر عنهم ب (الأمصار) أي في المدن الإسلامية الأخرى - كتب مدون فيها أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما طلب منهم أن يمحوا ما كتبوه من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

3- وروي أيضا «أنه قد أستشار الصحابة في تدوين أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأشاروا عليه بأن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال:

«إني كنت أردت أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما کانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها، فتركوا كتاب الله تعالى، وإني لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا»(3).

ص: 128


1- تاريخ الإسلام للذهبي: ج 7، ص 221؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5، ص 188؛ سیر أعلام النبلاء للذهبي: ج 5، ص 59
2- تقييد العلم: ص 53؛ حجية السنة: ص 395؛ من حياة الخليفة عمر بن الخطاب للبكري: ص 274
3- تقييد العلم: 49

ويدل الحديث على وجود حالة التدوين وكتابة الكتب قبل مجيء الإسلام عند العرب لكن قیام عمر بن الخطاب بمنع التدوين مرة، وبحرق الكتب التي كتبت فيها أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة، وبتعميم الأمر إلى المسلمين في المدن المختلفة كافة بمحو هذه الأحاديث النبوية مرة أخرى؛ خلق اعتقادا عند بعض الباحثين بعدم وجود الكتابة عند العرب وتأخر نشوء التدوين ما يقارب القرنين.

والسؤال الذي يرد في البحث هو: كيف تسنى للحفّاظ اعتماد التدوين بعد مائة وخمسين عاما من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتبين لهم خطأ الشيخين في حرق سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنع کتابتها فعمدوا إلى تصحيح هذا الخطأ؟ أم أنهم قاموا بمخالفة سنة الشيخين فعمدوا إلى كتابة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.

أم أنهم أكرهوا على فعل ذلك؟.

ومما يدل عليه:

ما روي عن الزهري، أنه قال:

(کنا نکره کتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا ألا نمنعه أحدا من المسلمين)(1).

والظاهر من قول الزهري أن السبب في كتابة العلم هو إكراه الأمراء لحملة الأحاديث في تدوينها، وحيث أن الأمراء لا تتحرك من وحي الحفاظ على سنة

ص: 129


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، ص 389. جامع بیان العلم لابن عبد البر: ج 1، ص 76. المصنف للصنعاني: ج 11، ص 258

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقدر ما تندفع للحفاظ على كرسي الحكم، فقد بدا أن الغرض من إكراه الزهري وجماعته على كتابة الأحاديث هو: (تمكين الحكام الأمويين بتقديم مادة عقيدية وسيلة تخدم مصالح أسرتهم الحاكمة) وهو الأمر الذي فهمه جولدتسهير من قول الزهري»(1).

بقي أن نقول:

إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أخبر عن تعرض السنة إلى الحرق والمحو والمنع من نشرها وتدوينها حيث قال:

«يوشك الرجل متكئ على أريكته يحدث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ومن حرام حرّمناه»(2).

وفي لفظ آخر قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

«يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه إلا وان ما حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل ما حرم الله»(3).

فهذه الشواهد في (أولا و ثانيا) قد خلقت عند الباحثين رأيين، فذهب أصحاب الرأي الأول إلى الاعتقاد بوجود التدوين عند العرب من قبل مجيء الإسلام، وأنهم كانوا يكتبون أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 130


1- تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: ج 2، ص 7
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 133؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 6؛ سنن أبي داوود: ج 4، ص 200؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 9، ص 331
3- مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 132

بينما ذهب أصحاب الرأي الثاني إلى الاعتقاد بتأخر الكتابة والتدوين إلى ما يقارب القرنين من الهجرة النبوية.

وعليه: «فإذا أراد الباحث تقدير قيمة المواد المتعلقة بالقرنين الأول والثاني الهجريين في المصادر التي وصلت إلينا اعتمادا على الإسناد، فعليه أن يتحرر من الآراء القائلة بأن هذه الأخبار ظلت تتداول شفاها على مدى مائة وخمسين عاما، أو أن المحدثين قد اخترعوا الإسناد في نهاية القرن الثاني للهجرة أو في القرن الثالث للهجرة (وأضافوه) إلى الأخبار فدونت به بعد ذلك.

وعليه أن ينظر إلى هذه المؤلفات بوصفها كتبا مجموعة من مصادر مدونة تعود بدورها إلى مصادر مدونة أقدم، فالأسماء الواردة في الأسانيد تعطي - في مجموعها أو معظمها - أسماء المؤلفين أو أسماء عدد من الرواة والمؤلف»(1).

وقد تناول الباحثون عبارات الطبري التي تشير إلى نقله روایات من مصادر متعددة أشار إليها بألفاظ مختلفة كقوله:

1- (حُدّثتُ عن هشام بن محمد بن أبي مخنف، قال: حدّثني الصقب بن زهير)(2).

وهو بهذا يكون قد نقل من كتاب هشام بن محمد الكلبي.

2- (حُدّثتُ عن الواقدي، قال: سألت ابن أبي سيرة)(3).

وهو بهذا يكون قد نقل عن کتاب مغازي الواقدي.

ص: 131


1- تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: ج 2، ص 8
2- تاريخ الطبري: ج 1، ص 1810
3- تاريخ الطبري: ج 1، ص 1812

3- (حُدّثتُ عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع)(1).

وبهذا الإسناد یکون قد نقل عن كتاب تفسير القرآن للربيع بن أنس البكري (المتوفي 139 ه/ 756 م)(2).

وهذه الشواهد تدل على وجود كتب عن الصحابة، وأن مجموعة منها قد حفظت ولم يستجب أصحابها إلى دعوة الشيخين في إحراقها أو محوها؛ ولاسيما الكتب التي دونها طلاب مدرسة العترة النبوية الطاهرة (عليهم السلام).

إلا أن الحرب التي كانت تشن ضد هذه المدرسة منذ حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - کما أظهرته بضعة النبي الأعظم فاطمة (عليها السلام) في السنن التاريخية - وتعاظم هذه الحرب بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما بعد يوم، جعل كثير من الباحثين في حالة فراغ من الإحاطة بنشأة التدوين لمختلف العلوم، و تطوير هذه الظاهرة. بل قد انعكس ذلك سلبا عند كثير من الباحثين المستشرقين، فذهبوا إلى الاعتقاد بتخلف العرب عن تدوین علومهم، وأنهم كانوا يعتمدون على النقل الشفوي؛ مما يجعل الحدث التاريخي أو الأثر أو الحديث في معرض الخطأ والتداخل ونسب ما ليس من الشريعة إليها، وما أكثر الشواهد على ذلك!.

فمنها ما ذهب إليه المفكر الفرنسي روجيه جارودي بعد أن أسلم فيقول: (قرأت القرآن الكريم، وأعدت قراءته مرات كثيرة، ولا أدري إن كنت قد

ص: 132


1- تاريخ الطبري: ج 1، ص 315
2- تاريخ التراث العربي: ج 2، ص 10

فهمته جيداً بالطريقة التي يجب على الإنسان أن يفهمه بها أم لا، فقد بدا لي أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بدين عظيم هو أساس الأديان، لم ينكر فيه الأنبياء السابقين، بل جاءت رسالته متممة ومكملة للرسالات السابقة، ثم شرعت في قراءة الأحاديث النبوية، وعندما أتيح لي السفر إلى المدينة المنورة قمت بشراء واقتناء مجموعة من الأحاديث في كتب البخاري ومسلم، فرأيت شيئا آخر أعبر عنه بهذه العبارة الصريحة: رأيتني وكأنني أمام دين آخر ونشأ في نفسي انطباع من قراءتي للحديث الشريف أنني أمام دین تقليدي.

فكل ما وجدته في كتب الأحاديث، وكل ما رأيت للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدث عنه أو يشير النبي فعله يتعلق بلبس الثياب أو كيفية الدخول للمكان والخروج منه وأشياء أخرى من هذا القبيل، لا كما رأيت في القرآن الكريم من الأساسيات التي تدل على كمال الدين الإسلامي)(1).

فهذا الانطباع بل والتحول في الرؤية والقراءة للدين الإسلامي كان من أسبابها محاربة مدرسة القرآن النبوية (عليهم السلام)، وفرض الحصار على نتاجها الفكري والعلمي، بل وسعي كثيرين ممن تصدوا للفتيا لتشويه صورة هذه المدرسة وطلابها.

فعلى سبيل الاستشهاد لا الحصر نذكر ما أفتى به البعض من فتاوی تفرض بمجملها حصارا وحربا على مدرسة العترة النبوية (عليهم السلام) وطلابها الشيعة.

ص: 133


1- أحاديث أم المؤمنين عائشة لمرتضى العسكري: ج 2، ص 381

1- قال ابن تيمية في منهاجه عند بيان التشبه بالشيعة:

(ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات، إذ صار شعاراً لهم - أي الشيعة - فإنه وإن لم يترك واجبا لذلك، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميز السني من الرافضي، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة ذلك المستحب)(1).

2- وقال مصنف الهداية:

(إن المشروع التختم باليمين، ولكن لما اتخذته الرافضة جعلناه في اليسار)(2).

3- وقال الغزالي إن تسطيح القبور هو المشروع - أي أن يجعل لها بناء وسطح - ولكن لما جعلته الرافضة شعارا لها، عدلنا إلى التسنیم(3).

4- وقال ابن عبد الرحمن:

(السُنة في القبر التسطیح، وهو أولى على الراجح من المذهب الشافعي)(4).

5- وقال أبو حنيفة وأحمد:

التسنيم أولى، لأن التسطيح صار شعارا للشيعة، أي على الرغم من كونه سنة، وهو المشروع إلا أن الحرب المعلنة على مدرسة آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلتهم يعدلون عن السنة(5).

ص: 134


1- منهاج السنة لابن تيمية: ج 2، ص 143، (التشبه بالروافض)
2- الغدير للعلامة الأميني: ج 10، ص 210
3- نهج الحق للعلامة الحلي: ص 451؛ الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج 3، ص 206
4- الغدير: ج 10، ص 210
5- ينظر فتح الباري لابن حجر: ج 3، ص 204؛ تحفة الأحوذي: ج 4، ص 130 وفيها: عوض الشيعة وأهل البدع، وقالا: يرجحان التسطيح على التسنیم؛ رحمة الأمة للدمشقي: ج 1، ص 88

6- ذكر الزرقاني في المواهب اللدنية في صفة عمّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - أي العمامة - على رواية علي (عليه السلام) في إسدالها على منكبيه حين عممه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ذكر قول الحافظ العراقي: إن ذلك أصبح شعار كثير من فقهاء الإمامية ينبغي تجنبه لترك التشبه بهم(1).

كل ذلك وغيره قد انعكس سلبا على إعطاء صورة غير حقيقية لواقع الرسالة المحمدية ودورها القيادي للبشرية، ناهيك عن تكوّن رؤی و آراء (130) وقراءات سلبية ومشوشة عن الإسلام ونبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

7- قال الفخر الرازي:

روى البيهقي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله يجهر في الصلاة ب (بسم الله الرحمن الرحيم) وكان علي - (عليه السلام) يجهر بالتسمية وقد ثبت بالتواتر، وكان علي بن أبي طالب يقول:

«یا من ذكره شرف للذاکرین، ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعى في إخفائه».

وقالت الشيعة: السنة، هي الجهر بالتسمية، سواء أكانت في الصلاة الجهرية أم السرية، وجمهور الفقهاء يخالفونهم - إلى إن قال: أن علياً كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر،

ص: 135


1- شرح المواهب للزرقاني: ج 5، ص 13

سعيا في إبطال آثار علي - عليه السلام-(1).

إذن: اتجهت مدرسة العترة النبوية الطاهرة - على الرغم من محاربتها - إلى تصنيف كثير من الكتب التي شملت مختلف العلوم الإسلامية في الحديث والتفسير والفقه والتاريخ والسيرة النبوية، وكانت هذه الكتب هي أقدم بكثير مما اكتشفه الباحثون عن بعض المقاطع هنا وهناك في النصوص التاريخية التي احتواها تاريخ الطبري، أو الطبقات لابن سعد، أو المغازي للواقدي، أو ما جمعه الزهري وغيره)(2).

المسألة الثانية: أسبقية مدرسة أهل البيت (عليهم السلام في التدوين والتصنيف في مختلف العلوم.

أن معرفة هذه الحقيقة وهي أسبقية مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في التدوين والتصنيف في مختلف العلوم على بقية المدارس الفكرية الأخرى يستلزم الرجوع إلى قراءة حياة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة فضلاً عن تاريخ ظهور هذه المدارس؛ إذا السؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا: هل كانت هذه المدارس الفكرية لها وجود في الأساس کي تستطيع ان تدون أو تصنف في علم من العلوم)؟

ولكي يعلم الباحث المتتبع والقارئ الكريم هذه الحقيقة، أي أسبقية مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في تدوين العلوم والتصنيف فيها؛ فعليه أن يقارن بين قول الحافظ الذهبي (ت 748 ه) الذي يحدد بدأ تاريخ

ص: 136


1- مفاتیح الغيب للفخر الرازي: ص 90
2- الشيعة والسيرة النبوية للمؤلف: ص 127

التدوين والكتابة والذي يدل على تأخر الكتابة في العلوم لا سيما أهمها أي: السيَّر والمغازي والتفسير والحديث والفقه وبين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الذي انطلق فيها التدوين والتصنيف فمنذ حياة النبي الأكرم (صلی الله عليه وآله وسلم) - کما سیر بیانه - وفي مختلف العلوم لا سيما علم الفقه.

قال الذهبي في احداث سنة ثلاث وأربعين ومائة للهجرة النبوية(1) شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث، والفقه والتفسير، فصنف ابن جریح بمكة، ومالك (ابن أنس) الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان بالكوفة، وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هشيم والليث (بن سعد) وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت کتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس، وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة)(2).

ولم يشر الذهبي إلى هذه الصحف غير المرتبة عند من کانت؛ لاسيما وأن الشيخين قد جمعا السنة وأحرقاها، ومنعا تدوين الحديث النبوي الشريف والسيرة، وما زال الناس على هذا المنهج حتى أكرههم حكام بني أمية على الرواية والكتابة - کما مر بيانه عن الزهري - .

ص: 137


1- تاريخ الإسلام: ج 9 ص 13؛ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري: ج 1 ص 351؛ تاریخ الخلفاء للسیوطی: ص 284
2- تذكرة الحفاظ لشمس الدين الذهبي: ج 1، ص 151 و 229؛ النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: ج 1، ص 351

وهذا يدل على أن هذه الصحف، وبالأحرى الكتب هي مما خرج من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، التي كانت لا ترى رأي الشيخين، فعمدت إلى التدوين والتصنيف منذ عهد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأُخذ عنها ظاهرة التدوين والتصنيف، فذهب أولئك الذين عدّهم الذهبي في تدوين ما بقي في ذاكرة التابعيين وأبنائهم من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كعبد الله بن عروة بن الزبير، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص ناهيك عن أن هؤلاء الرموز في نقل الرواية كان آباؤهم أقطاب الجبهة المعارضة لأهل البيت (عليهم السلام).

وعليه:

فإن التصنيف في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) كان قد بدأ منذ عصر النبوة - على صاحبها وآله آلاف الصلاة والسلام - وإن التصنيف عند غيرهم بدأ بعد مائة وخمسين عاما، وإنه قد اختلف في أول من صنف(1) بعد مرور هذه السنين.

المسألة الثالثة: تصانیف مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) في عصر النبوة.

لقد بدأت مرحلة التصنيف في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقد أشارت الروايات إلى أن الإمام علياً (عليه السلام) هو أول من صنف کتابا في الإسلام، وكان ذلك في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن هذا الكتاب كان من إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبخط

ص: 138


1- مرآة الكتب للتبريزي: ص 23

الإمام علي (عليه السلام)، وكان عند أولاده المعصومين، وفيه علم ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش، ويعد هذا الكتاب من حيث التصنيف في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الكتاب الأول.

وقد أوقف الأئمة (عليهم السلام) بعض شیعتهم عليه، ورووا عنه في موارد شتي، بل كان له (عليه السلام) کتب متعددة كما تدل عليه الأخبار، وقد نص الأئمة (عليهم السلام)، أن هذا الكتاب فيه ما يحتاج إليه الناس من الحلال والحرام.

ففي كتاب البصائر بإسناده عن محمد بن مسلم، قال:

سألته أي الإمام الصادق (عليه السلام) عن ميراث العلم ما بلغ؟ أجوامع هو من العلم، أم فيه تفسير كل شيء من هذه الأمور التي يتكلم فيها الناس من الطلاق والفرائض؟.

فقال (عليه السلام):

إن عليا (عليه السلام) کتب العلم كله القضاء والفرائض، فلو ظهر أمرنا لم يكن فيه شيء إلا وفيه سنة يمضيها(1).

وفيه أيضا: بإسناده عن عبد الله بن أيوب عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

«ما ترك علي شيعته وهم محتاجون إلى أحد في الحلال والحرام، حتى أنا وجدنا في كتابه أرش الخدش».

قال: ثم قال:

ص: 139


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 164

«أما إنك إن رأيت كتابه لعلمت أنه من كتب الأولين»(1).

ومما يدل على أن الأئمة (عليهم السلام) قد أوقفوا شيعتهم عليه ما في البصائر عن عبد الملك، قال:

دعا أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب علي فجاء به جعفر (عليه السلام) مثل فخذ الرجل مطوي، فإذا فيه: إن النساء ليس لهن من نهار الرجل إذا هو توفي عنها شيء. فقال أبو جعفر (عليه السلام):

هذا والله إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطه علي بيده عليه السلام»(2)

فإن قيل: ما فائدة الكتاب دون نشره بين الناس.

قلنا: هو منشور بين الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وقد رووا منه كثيرا من الأحكام، حتى وإن لم يشيروا إليه وهذا أولا.

وثانياً: لو أمِن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أذى الناس لأذاعوا علم هذا الكتاب بينهم، ولكن الحال الذي كان عليه الأئمة من إعلان الحرب عليهم ومحاصرتهم - کما مرّ بیانه - لتغني اللبيب عن المضي في نشر علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بين عامة الناس.

ثالثاً: نضيف إلى ذلك أن الكلام في (أول ما صنف لا أول ما ظهر في الناس وشاع)(3).

ص: 140


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 165
2- المصدر السابق
3- مرآة الكتب للتبريزي: ص 33

رابعاً: (إن شهرة الكتاب لا يلزم أن يكون عند جميع الناس، وإلا فيجب عدم ذكر ما لم يشتهر نسخته)(1).

خامساً: إن من الموانع التي منعت نشر الكتاب هو الخوف من أخذه قسرا منهم كما طلب بنو العباس مواريث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منهم والفرق بين ذلك الكتاب وسائر المواريث كالفرق بين الظاهر المشهور من الأئمة والغائب منهم)(2)، وغيرها من الأسباب.

إذن؛ يكون هذا الكتاب الذي كتبه الإمام علي (عليه السلام) في حياة رسول الله وبإملائه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الكتاب الأول.

الكتاب الثاني: كتاب في علوم القرآن الكريم.

هذا الكتاب من إملاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد ذكر فيه ستين نوعا من أنواع علوم القرآن.

والكتاب رواه الحافظ أبو العباس، أحمد بن محمد بن سعيد، بن عقدة الكوفي (المتوفى سنة 333 ه)، بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام)(3).

وللكتاب طرق أخرى تعود لكبار محدثي الإمامية، وهي كالآتي:

1- أبو القاسم سعد بن عبد الله أبي خلف الأشعري القمي (المتوفى 346 ه) تحت عنوان آخر وهو: (ناسخ القرآن ومنسوخه)(4).

ص: 141


1- المصدر السابق
2- المصدر السابق
3- أعيان الشيعة لمحسن الأمين: ج 1، القسم 1، ص 321؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 93، ص 3
4- رجال النجاشي: ص 177 برقم 467؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 1، ص 15 و 32 - ج 92، ص 40 - ج 84، ص 382؛ الذريعة للطهراني: ج 24، ص 8

2- محمد بن إبراهيم بن أبي زينب، الكاتب البغدادي، (المتوفى 360 ه) وهو أحد تلاميذ الشيخ الكليني رحمه الله، تحت عنوان: (تفسير النعماني)(1).

3- السيد الشريف المرتضى رحمه الله، علي بن الحسين الموسوي (المتوفى 346 ه) تحت عنوان: (المحكم والمتشابه في القرآن)(2).

الكتاب الثالث: كتاب الجامعة.

أما الكتاب الثالث الذي صنف في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو (كتاب الجامعة) وهو أيضا للإمام علي (عليه السلام) کما دلت عليه الأخبار.

1- روى الصفار عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): سمعته يقول وقد ذكر ابن شبرمة في فتياه(3)، فقال (عليه السلام):

«أين هو من الجامعة، أملى رسول الله وخطه علي بيده، فيها جميع الحلال والحرام حتى أرش الخدش فيه»(4).

2- وعن أبي شيبة، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

«ضل علم ابن شبرمة عن الجامعة، أن الجامعة لم تدع لأحد كلاما، فيها

ص: 142


1- مستدرك الوسائل للنوري: ج 3، ص 365؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 93، ص 3
2- الذريعة للطهراني: ج 20، ص 154 و 155
3- هو عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن حسان الضبي الكوفي، فقيه العراق، وقاضي الكوفة المتوفى سنة 144 (مشاهير علماء الأمصار: ص 65. سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 6، ص 347. شذرات الذهب: ج 1، ص 215
4- البصار للصفار: ص 148

الحلال والحرام»(1).

ولا يتوهم البعض بأن كتاب الجامعة هو الكتاب الأول، لاشتماله على علوم أخرى، حسبما يظهر من الكتاب الذي كتبه الإمام الرضا (عليه السلام) في العهد الذي كتبه المأمون لولايته (عليه السلام من أن الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك(2)، الذي قد سمعت تقسيمهم إياه إلى الجامعة وغيرها.

الكتاب الرابع: كتاب الجفر.

استفاضت الأخبار في وجود كتاب الجفر عند أئمة العترة النبوية (عليهم السلام)؛ والذي يفهم من هذه الأخبار أن للجفر إطلاقين، تارة يطلق على الوعاء الذي كالجراب وأمثاله، فيه بعض المواريث، وتارة يطلق على الجلد الذي كتب عليه العلوم.

والإطلاق الأول، كما دلت عليه الأخبار هو أحمر وأبيض، أما الأحمر ففيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما الأبيض ففيه كتب وصحائف(3).

ومن الروايات التي تحدثت عن هذا الكتاب هي:

1- عن الحسين بن أبي العلاء، قال: سمعت أبا عبد الله يقول:

«إِنَّ عِندِي الجَفرَ الأَبيَضَ.

ص: 143


1- بصائر الدرجات: ص 149
2- مرآة الكتب للتبريزي: ص 34
3- مرآة الكتب للتبريزي: ص 35

قَالَ: قُلتُ: فَأَيُّ شَيءٍ فِيهِ؟ قَالَ:

زَبُورُ دَاوُدَ وَتَوْرَاهُ مُوسَی وَإِنْجِیلُ عِیسَی وَصُحُفُ إِبْرَاهِیمَ (علیه السلام) وَالْحَلالُ وَالْحَرَامُ وَمُصْحَفُ فَاطِمَهَ علیها السلام مَا أَزْعُمُ أَنَّ فِیهِ قُرْآناً وَفِیهِ مَا یَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَیْنَا وَلاَ نَحْتَاجُ إِلَی أَحَدٍ حَتَّی فِیهِ الْجَلْدَهُ وَنِصْفُ الْجَلْدَةِ وَرُبُعُ الْجَلْدَةِ وَأَرْشُ الْخَدْشِ. وَعِنْدِی الْجَفْرَ الأَحْمَرَ.

قَالَ قُلْتُ: وَأَیُّ شَیْءٍ فِی الْجَفْرِ الأَحْمَرِ؟ قَالَ:

السِّلاَحُ وَذَلِكَ إِنَّمَا یُفْتَحُ لِلدَّمِ یَفْتَحُهُ صَاحِبُ السَّیْفِ لِلْقَتْلِ»(1).

أي إشارة إلى ظهور مهدي آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، کا ملئت ظلا وجورا.

2- وعن الصادق (عليه السلام)، من جملة كلام له مع عبد الله الحسن، قال الإمام (عليه السلام):...

«وأما قوله في الجفر، فإنما هو جلد ثور مذبوح كالجراب، فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة من حلال وحرام إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطه علي (عليه السلام) بيده»(2).

والذي يفهم من هذا الحديث هو أن الجفر جلد ثور كالجراب فيه كتب، أي يحتوي على بعض الكتب، كما أنه هو نفسه مكتوب عليه علم ما يحتاج الناس إليه من حلال وحرام.

ص: 144


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 240، ح 3. شرح أصول الكافي لمولى محمد صالح المازندراني: ج 5، ص 339، ح 3. شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 28، ص 519
2- بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 176، جامع الأحاديث في الجزء الثاني، الباب 14. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله : ج 26، ص 42، ح 74

الكتاب الخامس: كتاب الديات.

هذا الكتاب من تصنيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد روى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، بعضا منه، وكل ما نقله رواة هذه المدرسة عن أصل ظريف بن ناصح(1) في الديات فهو مستند إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)(2).

الكتاب السادس: كتاب الصحيفة.

لقد نصّ كثير من المدارس الإسلامية على ذكر كتاب الصحيفة للإمام علي (عليه السلام)، وبهذا يكون الكتاب من تصنيف الإمام علي (عليه السلام) أيضا.

فقد أخرج البخاري بإسناده عن أبي جحيفة، قال: قلت لعلي (عليه السلام): هل عندكم كتاب؟ قال:

«لا، إلا كتاب الله، أو فهماً أعطيه رجلاً مسلماً، أو ما في هذه الصحيفة.

قال، قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال:

العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر»(3).

وبهذا يكون الكتاب قد جمع أحكاما في القضاء.

ص: 145


1- ترجم له النجاشي في رجاله قائلاً: «أصله كوفي، نشأ ببغداد، وكان ثقة في حديثه، صدوقاً، له كتب، منها: كتاب الديات، رواه عدة من أصحابنا وذكر له من الكتب أيضاً (الحدود، الجامع للحلال والحرام)، «رجال النجاشي، باب الظاء: ص 290»
2- مرآة الكتب للتبريزي: ص 51
3- صحیح البخاري: ج 1، کتاب العلم، ص 36. فتح الباري لابن حجر: ج 4، ص 73، باب حرم المدينة

3- وروى ابن أبي ليلى (المتوفى سنة 82 ه/ 701 م)، أنه سأل الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) عن رأي والده في الخيار، أي: أولي الفضل؟.

فأمر بصندوق وأخرج منه صحيفة صفراء تضم آراء علي في ذلك(1).

فهذا هو مجموع الكتب التي صنفت في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت من نتاج مدرسة العترة النبوية (عليهم السلام)، أما الكتب التي صنفت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مدرسة العترة النبوية (عليهم السلام) فكانت ثلاثة وخمسين كتابا خلال قرن ونصف، أي منذ عام (11 ه إلى 151 ه) وهي السنة التي توفي فيها محمد ابن إسحاق فيكون هذا النتاج الفكري قد ابتدأ بتصنيف مصحف فاطمة (عليها السلام) وختم بتصنيف السير والمغازي لابن إسحاق رحمه الله وهو ما سنتناوله في المسألة الآتية:

المسألة الرابعة: تصانيف مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

الكتاب الأول: مصحف فاطمة (عليها السلام).

وهو أول الكتب التي صنفت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومصحف فاطمة (عليها السلام) كثر الحديث عنه في كثير من المدارس الإسلامية بين النفي والسخرية والاتهام بنبذ كتاب الله.

وخير ما يمكن معرفته عن هذا المصحف هو ما ورد عن أهل هذا المصحف، أما عدا هذا البيان فهواء في شبك وتجن على آل رسول الله (صلى

ص: 146


1- العلل لأحمد بن حنبل: ج 1، ص 316

الله عليه وآله وسلم).

فمن هذه الأحاديث ما رواه الصفار عن حماد بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

«تَظْهَرُ الزَّنَادِقَةُ فِی سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِینَ وَمِائَةٍ وَذَلِکَ أَنِّی نَظَرْتُ فِی مُصْحَفِ فَاطِمَهَ عليها السلام.

قَالَ قُلْتُ وَمَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ؟ قَالَ:

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی لَمَّا قَبَضَ نَبِیَّهُ (صلی الله علیه و آله وسلم) دَخَلَ عَلَی فَاطِمَةَ علیها السلام مِنْ وَفَاتِهِ مِنَ الْحُزْنِ مَا لَا یَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَیْهَا مَلَکاً یُسَلِّی غَمَّهَا وَیُحَدِّثُهَا، فَشَکَتْ ذَلِكَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام).

فَقَالَ إِذَا أَحْسَسْتِ بِذَلِكِ وَسَمِعْتِ الصَّوْتَ قُولِی لِی.

فَأَعْلَمَتْهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) یَکْتُبُ کُلَّ مَا سَمِعَ حَتَّی أَثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ مُصْحَفاً، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَیْسَ فِیهِ شَیْءٌ مِنَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامِ وَلَکِنْ فِیهِ عِلْمُ مَا یَکُونُ»(1).

وقد يبدو الحديث غريبا على عقول البعض من لا يرون فضلا لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستهجان تحديث الملائكة لبضعة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. في حين أن القرآن الكريم يعطي صورا كثيرة حول تحديث الملائكة لأشخاص عديدين، كمريم بنت عمران (عليها السلام).

ص: 147


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 177، الباب 14، ح 18، ط منشورات الأعلمي، طهران - إيران. الكافي للكليني رحمه الله : ج 1، ص 240، ط دار الكتب الإسلامية، طهران - إيران

«وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(1).

وفي زوجة إبراهيم (عليه السلام) قال تعالى:

«وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»(2).

وفي أم موسى قال تعالى:

«وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى»(3).

وغيرها من الآيات الكريمة التي تتحدث عن حقيقة تحديث الملائكة لمن خصهم الله بفضله ومنّه.

الكتاب الثاني: كتاب الصحابي المنتجب سلمان المحمدي (الفارسي) رضي الله عنه.

والكتاب يتضمن رواية سلمان رضي الله عنه في خبر الجاثليق الروحي الذي بعثه ملك الروم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(4).

الكتاب الثالث: كتاب الصحابي المنتجب أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.

وهو كتاب صنفه الصحابي المنتجب أبو ذر الغفاري الذي عرف بتشيعه

ص: 148


1- آل عمران: 42
2- هود: 71 - 73
3- القصص: 7
4- فهرست الشيخ الطوسي: ص 80

لعلي وأهل بيته، ويتضمن الكتاب على خطبة لأبي ذر يشرح فيها الأمور التي حدثت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

الكتاب الرابع: كتاب الصحابي المنتجب أبي رافع(2) مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

عده النجاشي من السلف الصالح، وقال:

«أبو رافع مولى رسول الله، واسمه أسلم وكان للعباس بن عبد المطل رحمه الله فوهبه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا بشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسلام العباس أعتقه.

وقيل: إن اسمه (إبراهيم)، وكان أبو رافع قد أسلم قديما بمكة وهاجر إلى المدينة، وشهد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مشاهده ولزم أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده، وكان من خيار الشيعة، وشهد معه حروبه، وكان صاحب بيت ماله بالكوفة، وابناه «عبد الله، وعلي» كاتبا أمير المؤمنين؛ ولما خرج معاوية بن أبي سفيان وطلحة والزبير لحرب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قام أبو رافع فباع منزله وأرضه بخيبر وخرج مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وهو يومئذ شيخ كبير له خمس وثمانون سنة(3).

قال النجاشي: (ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا، وساق

ص: 149


1- فهرست الشيخ الطوسي: ص 57
2- ينظر معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره: ج 1، ص 159 - 162، بعنوان (إبراهيم أبو رافع)
3- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 1، ص 159 - 162

إسناده إلى محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أبي رافع، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): أنه كان إذا صلى قال في أول الصلاة... وذكر الكتاب إلى آخره، وهو يشتمل على أبواب عديدة في الفقه، كباب الصلاة، والصوم، والحج، والقضاء.

وروی هذه النسخة من الكوفيين أيضا زيد بن محمد بن جعفر المبارك، يعرف ب (ابن أبي الياس) عن الحسين بن الحكم الحبري، قال: حدثنا حسن بن حسين بإسناده)(1). وروى ابن سعد عن سلمى زوجة أبي رافع: (أن عبد الله بن عباس قد كتب عن زوجها أبي رافع الصحابي بعض أعمال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم على ألواح)(2).

الكتاب الخامس: كتاب الصحابي الشهيد حجر بن عدي الكندي رضي الله عنه.

كان رمزاً من رموز التشيع(3)، وأحد أعمدة الجهاد من أجل العقيدة، وصاحب أول رأس ينصب في الإسلام في مدينة دمشق، وفد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشهد معركة القادسية قتله معاوية بن أبي سفيان في مرج عذارى الذي كان قد فتحه الله على يديه.

وهو القائل حينما عرض عليه جند معاوية البراءة من علي بن أبي طالب (عليه السلام)(4) مقابل الإفراج عنه:

ص: 150


1- رجال النجاشي: ج 1، ص 61 - 65
2- الطبقات لابن سعد: ج 2، ص 123
3- الأصابة لابن حجر: ج 2، ص 33؛ الغارات للثقفي: ج 2، ص 812
4- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 12، ص 218

«لا تطلقوا عني حديداً ولا تغسلوا عني دما وادفنوني في ثيابي، فإني لاق معاوية بالجادة وإني مخاصمه»(1)، وقال:

(الحمد لله، أما والله، إني لأول مسلم نبح كلابها(2) في سبيل الله، ثم أتى بي اليوم إليها مصفودا)(3).

فقتل رحمه الله صبرا، ومضى إلى ربه شهيدا، مع ولده وأصحابه. وأرسلت رؤوسهم إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام.

وكان ثقة معروفا - بالورع والتقوى، ولم يرو عن غير الإمام علي (عليه السلام) شيئا، وكانت عنده صحيفة فيها حديث علي (عليه السلام)(4).

الكتاب السادس: كتاب التابعي علي بن أبي رافع رضي الله عنه.

تابعي من خيار الشيعة، كانت له صحبة من أمير المؤمنين (عليه السلام)(5)، وكان كاتبا له، وحفظ كثيرا، وجمع كتابا في فنون من الفقه:

ص: 151


1- الاستذكار - ابن عبد البر: ج 5، ص 121؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 470؛ الإصابة - ابن حجر: ج 2، ص 33؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 1، ص 231؛ تاريخ الطبري: ج 4، ص 191؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 3، ص 488
2- الضمير يعود على قرية عذارى التي استشهد فيها حجر بن عدي الكندي (رضي الله عنه)، (انظر: الغارات: ج 2، ص 81)
3- الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي: ج 2، ص 810. الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد: ج 6، ص 219، ط دار صادر، بيروت - لبنان. تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 12، ص 218، ط دار الفكر، بيروت - لبنان
4- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 6، ص 220
5- ينظر رجال العلامة الحلي: ص 102. مجمع الرجال: ج 4، ص 159. نقد الرجال للتفرشي: ص 225. جامع الرواة للأربلي: ج 1، ص 551. طرائف المقال لعلي البروجردي: ج 2، ص 100

الوضوء، والصلاة، وسائر الأبواب(1).

الكتاب السابع: كتاب التابعي عبد الله بن أبي رافع رضي الله عنه.

ذكره النجاشي في ترجمة أبيه، أبي رافع، وساه (عبيد الله)(2).

وقد ذكر له الشيخ الطوسي رحمه الله كتابين، الأول هو (كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام).

والثاني: (كتاب تسمية من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفين والنهروان)(3).

الكتاب الثامن: كتاب التابعي الشهيد ميثم التمار رضي الله عنه (توفي سنة 60 ه).

من أعلام مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين ضربوا أروع صور التمسك بالعقيدة والصبر والجلادة على تحمل العذاب؛ دون أن يأخذ منه الظالمون عشر مثقال ما يأملون، على الرغم من قطعهم يديه ورجليه وصلبه على جذع نخلة. فكان ينادي من أراد أن يتعلم علوم آل محمد فليأت إِليّ، فكان طلاب العلم يجتمعون حول الجذع وهو مصلوب عليه، فمنهم من ينسخ ما يقول، ومنهم من أجره المنظر على حفظ ما يسمع. فلما رأى الظالمون منه هذا الصنيع جاءوا إليه فقطعوا لسانه، وبقروا بطنه برمح(4)، فرحمه الله، وأسلافه،

ص: 152


1- رجال النجاشي: ج 1، ص 62
2- رجال النجاشي: ج 1، ص 62. نقد الرجال للتفرشي: ص 214
3- الفهرست للطوسي: ص 107
4- بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 41، باب اخباره (عليه السلام) بشهادة ميثم وصلبه، ص 346، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان

ومن سار على نهجه.

أما كتابه الذي صنفه في الحديث فقد نقل عنه الكشي في رجاله، والطوسي في الأمالي(1)، والطبري في بشارة المصطفى، وكثيرا ما يقول: (وجدت في كتاب ميثم التمار)(2).

الكتاب التاسع: كتاب التابعي أبي الأسود الدؤلي رضي الله عنه.

واسمه (ظالم بن ظالم)، عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسن والحسين وعلي بن الحسين (عليهم السلام) قائلا: (ظالم بن عمرو، ويكنى أبو الأسود الدولي)(3).

وكتابه الذين صنفه بالنحو معروف عند المسلمين(4).

الكتاب العاشر: كتاب التابعي المجاهد سليم بن قيس الهلالي رضي الله عنه (توفي سنة 70 ه).

قال الكشي والشيخ الطوسي:

هو سليم بن قيس الهلالي ثم العامري الكوفي صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعده من أصحاب الباقر (عليه السلام) أيضا، وكناه بأبي صادق(5).

ص: 153


1- الأمالي للطوسي: ج 1، ص 147
2- تأسيس الشيعة: ص283. مرآة الكتب للتبريزي: ص 52. نفس الرحمن لميرزا حسين النوري: ص 326
3- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره: ج 10، ص 186 - 187
4- مرآة الكتب للتبريزي: ص 44
5- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 9، ص 227

وعده البرقي من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، وأبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام)، وأصحاب علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)(1).

شهد سليم بن قيس الأحداث التي عصفت بالإسلام بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسجل هذه الأحداث وجاور فيها كلاً من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وسلمان (الفارسي) وأبي ذر الغفاري، ودوّن شهاداتهم وتفسيراتهم لما جرى من أحداث، دون أن يعلم به حكام عصره.

(وبعد أن تسلط بنو أمية وأخذوا يطاردون شيعة علي (عليه السلام) - وبخاصة حينما - كان الحجاج يتتبع من بقي من أصحاب علي (عليه السلام) ليقتلهم، اختفى سليم وتنقل من بلد إلى بلد ما بين نجد ومكة والمدينة والكوفة والبصرة؛ ولشدة حرصه على كتابه كان يحمله معه في أسفاره.

ثم عبر إلى أرض فارس ووصل إلى نوبند جان، وهناك في بيت أحد أصدقائه «أبان بن أبي عياش» حط به المرض وجاءه الأجل، وكان لابد من البوح بالسر وإيصال الأمانة إلى أهلها، فأخذ على أبان الأيمان، وكشف له حقيقة أحداث عاشها وشاهدها وسجلها، وقرأ عليه الكتاب، وأودعه عنده، ليوصله إلى أهله.

وقد حافظ أبان على الأمانة، وحمل الكتاب بعد وفاة سليم إلى علماء البصرة، فنسخه بعض الرواة والعلماء رغم تلك الظروف الصعبة وانتشرت

ص: 154


1- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 9، ص 227

نسخه منهم عبر الأجيال.. حتى وصل إلينا)(1).

أما الكتاب الذي صنفه سليم بن قيس فقد (اشتهر هذا الكتاب منذ القرن الأول وإلى يومنا هذا ب (كتاب سليم بن قيس الهلالي)، وكثيرا ما يعبر عنه اختصارا ب (كتاب سليم)، وربما يسمى «بأصل سليم»، و «كتاب السقيفة» وأول من سمى الكتاب به الإمام الصادق (عليه السلام)، وجرى ذكر الكتاب بهذا الإسم على لسان القدماء كالنعماني، والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، وابن شهر آشوب رحمهم الله جميعاً.

وكذلك المتأخرين كالعلامة الحلي، والشهيد الثاني، والمير داماد، والقاضي التستري، والشيخ الحر العاملي، والعلامة المجلسي، والبحراني، والمير حامد حسين، والمحدث النوري، والعلامة الطهراني رحمهم الله جميعاً.

كما كان يعرف بنفس الاسم في ألسنة علماء - الجماعة - كالقاضي السبكي رحمه الله، وابن أبي الحديد، والفيض آبادي، وغيرهم)(2).

الكتاب الحادي عشر: كتاب التابعي محمد ابن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروف بابن الحنفية (توفي سنة 73 ه).

الظاهر في الرواية التي أوردها ابن سعد إن لمحمد ابن الإمام علي (عليه السلام) كتابا صنف فيه مجموعة من الأحاديث، وإن ما كان يرويه عبد الرحمن بن مهدي عنه إنما هو من هذا الكتاب لا عن طريق السماع والمشافهة(3).

ص: 155


1- کتاب سلیم بن قیس، تحقیق محمد باقر الأنصاري: المقدمة ص 13
2- کتاب سلیم بن قیس، تحقیق محمد باقر الأنصاري: المقدمة ص 21
3- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5، ص 77 وج 6، ص 233. تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 6، ص 94

الكتاب الثاني عشر: كتاب التابعي الحارث الهمداني رضي الله عنه.

له كتاب السنن والقضايا والأحكام الذي رواه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(1).

ويظهر من خلال بعض الروايات، أنه كان يحمل معه الدواة والقلم، فيكتب مباشرة، أو أنه كان لا يترك ما يحفظ، فسرعان ما يكتب، ومما يدل عليه:

ما رواه عند أبي إسحاق السبيعي أنه قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوما خطبته بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته، وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله.

قال أبو إسحاق: فقلت للحارث: أو ما حفظتها؟.

قال: قد كتبتها.

فأملاها علينا من كتابه(2).

الكتاب الثالث عشر: كتاب التابعي ثابت بن دينار (أبو حمزة الثمالي).

كان من وجوه الشيعة في زمانه، صحب الإمامين علي بن الحسين زين العابدين وولده الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام).

ذكره ابن النديم، فقال: (من النجباء الثقات، وله كتاب التفسير)(3).

الكتاب الرابع عشر: كتاب التابعي الشهيد سعيد بن جبير (توفي سنة 94 ه).

ص: 156


1- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 5، ص 172
2- كتاب التوحيد للصدوق: ص 31، باب التوحيد ونفي التشبيه، ح 1، ط منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم - إيران
3- الفهرست لابن النديم: ص 36

من أبرز رموز التشيع، وكان مستجاب الدعوة، وهو آخر من قتلهم الحجاج من شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان قد دعا الله أن لا يقتل أحدا من بعده، كما دعى الله أن يقتل الحجاج بنفس الطريقة التي يقتله فيها فكان كما دعا.

فكان:

«مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ»(1).

فهو أحد الذين اختاروا الشهادة على البراءة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

کما كان رضوان الله تعالى عليه من أبرز تلاميذ عبد الله بن عباس، شديد الاهتمام بكتابة الحديث وتدوينه.

ومما يدل عليه:

1- روى ابن سعد، عنه (رحمه الله)، أنه قال:

(ربما أتيت ابن عباس، فكتبت في صحيفتي حتى أملأها، وكتبت في نعلي حتى أملأها، وكتبت في كفي، وربما أتيته فلم أكتب حديثا حتى أرجع، لا يسأله أحد عن شيء)(2).

2- وروى الدارمي في سننه، عنه، أنه قال: (كنت أكتب عند ابن عباس في صحيفة، وأكتب في نعلي)(3).

ص: 157


1- الأحزاب: 23
2- الطبقات لابن سعد: ج 6، ص 257
3- سنن الدارمي: ج 1، ص 105، ح 506

3- وقال رحمه الله: (كنت أسير مع ابن عباس، في طريق مكة، ليلا وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الراحلة، فأصبح فأكتبه)(1).

أما كتابه الذي صنفه فهو في تفسير القرآن الكريم كما ذكر ابن النديم(2)، وابن سعد(3)، وغيرهما(4).

الكتاب الخامس عشر: كتاب التابعي الحسن بن محمد بن الحنفية (توفي 100 ه).

ذكر له ابن سعد: كتابا في الإرجاء(5).

وله كتاب آخر في: الجبر، وقد رد عليه يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق الزيدي (توفي سنة 98 ه) في كتاب سماه كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد وأورد نص كتاب ابن محمد بن الحنفية في كل مسألة، ثم رد عليها(6).

الكتاب السادس عشر: كتاب التابعي زيد بن وهب الجهني (توفي 96 ه).

ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: زيد بن وهب له كتاب خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر في

ص: 158


1- سنن الدارمي: ج 1، ص 105، ح 501 و 505. جامع بيان العلم: ج 1، ص 72
2- الفهرست لابن النديم: ص 37
3- الطبقات لابن سعد: ج 6، ص 179 و 186
4- ينظر تهذيب التهذيب لابن حجر، ترجمة عطاء بن دينار: ج 7، ص 198. تقريب التهذيب: ج 2، ص 21، رقم 188. جامع التحصيل للعلائي: ص 237، رقم 519
5- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5، ص 328. تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: ج 1، ص 237
6- رسائل العدل والتوحيد لمحمد عمارة: ج 2، ص 117 - 303

الجمع والأعياد وغيرها(1).

وع-ده البرقي رحمه الله في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)(2)، ولقد روى عنه الصدوق في الخصال في أبواب الاثني عشر، الحديث.

الكتاب السابع عشر: كتاب التابعي أصبغ بن نباتة المجاشعي رضي الله عنه (توفي سنة 100 ه).

قال السيد الخوئي قدس سره: (من سلفنا الصالحين، ذكره النجاشي وقال: الأصبغ بن نباتة المجاشعي، كان من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعمر بعده، وروى عنه عهد الأشتر ووصيته (عليه السلام) إلى محمد ابنه.

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله: كان الأصبغ من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) روى عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) لما ولاه مصر، وروى وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ابنه محمد بن الحنفية.

وله كتاب آخر - رواه عباس - وهو (مقتل الإمام الحسين عليه السلام)(3).

وبهذا يكون الأصبغ بن نباتة قد صنف ثلاثة كتب) فضلا عن ذلك فقد صنف الإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام الصادق (عليهم السلام) أربعة وثلاثين كتاباً في العلوم المختلفة كما سيمر بيانه.

ص: 159


1- الفهرست للطوسي: ص 97، رقم 303
2- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 8، ص 374
3- الفهرست للطوسي: ص 86

وعليه:

يكون مجموع ما تم تصنيفه من الكتب في مدرسة العترة النبوية (عليهم السلام) حتى عام (148 ه) واحداً وخمسين عنواناً مصنفة في مختلف العلوم؛ وبهذا يتضح ان لهذه المدرسة الفضل على العرب والمسلمين عموماً في حفظ الإسلام وعلومه، فضلاً عن العلوم الأخرى.

بل لها الفضل على ظهور العلوم عند المسلمين في كل مراحله منذ بدء التدوين والتصنيف في عصر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان أول رواده الإمام علي (عليه السلام)، وهو ما سيمر بيانه في المبحث القادم، والذي نتناول فيه بيان حال الصحابة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد منع التدوين واحرقت الأحاديث النبوية ومحيت السنة، وكيف واجهه الإمام علي (عليه السلام) هذه المرحلة العسيرة.

ص: 160

المبحث الثاني جهود الإمام علي (علیه السلام) في حفظ الشريعة ورجوع الصحابة وكبار التابعين إليه بعد منع الخلفاء التدوين

قد لا يخال المرء حال الأمة والصحابة والتابعين لهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما مروا به في ظل الاجراءات التي اتخذها الشيخان - کما مرّ بيانه - في منع التدوين واحراق السنَّة ومحوها في الامصار ومنع التحديث عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بدأ التدوين، أي: منتصف القرن الثاني للهجرة النبوية فشرع الناس وحملة العلم في تدوينه وتصنيفه وهم مكرهين من الامراء على ذلك كما قال ابن شهاب الزهري: (فراینا الا نمنعه المسلمين)(1).

ومما لا ريب فيه أن ذلك كان له اثاراً متعددة وبالأخص على علم الفقه ومعرفة المسلمين بالفرائض والسنن.

المسألة الأولى: حال الصحابة حينما تعرض عليهم المسألة في الفقه وغيره.

تكشف النصوص في التراث الإسلامي أن حال الصحابة وابنائهم في ظل الاجراءات التي اتخذتها الخلافة وعدم الجرئة في التعلم والتعليم تخوفاً من هذه

ص: 161


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، باب كتابة العلم، حدیث (20486)؛ ج 11 ص 258 بتحقيق حبیب الرحمن الاعظمي

الاجراءات عن حجم المسؤولية والجهود العظيمة التي بذلها أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في حفظ الفرائض والسنن النبوية ولعل ایرادنا لثلاثة من النصوص تغني المنصف اللبيب من الاسهاب في الموضوع، وهي كالاتي:

1- اخرج ابن سعد (ت 230 ه) والدرامي (ت 255 ه) وابن عبد البر (ت 463 ه) عن عطاء بن السائب، قال:

سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، يقول

(أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذا سُئل أحدهم عن المسألة أجب أن يكفيه غيره)(1)

2- واخرج الدارمي (ت 255 ه) وابن عساکر (ت 571 ه) عن داود، أنه قال:

(على الخبير وقعت كان إذا سُئل الرجل قال لصاحب: أفتهم فلا يزال حتی یرجع إلى الأول)(2).

3- أخرج الدارمي (ت 255 ه) وابن عبد البر (463 ه) عن حماد بن زید المنقري عن أبيه قال:

(جاء رجل يوماً إلى ابن عمر فسألة عن شيء لا أدري ما هو، فقال له ابن عمر:

ص: 162


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 6 ص 109؛ سنن الدرامي: ج 1 ص 53؛ جامع بیان العلم: ج 2 ص 163
2- سنن الدرامي: ج 1 ص 53، مطبعة الاعتدال بدمشق لسنة 1349 ه؛ تاریخ: ج 25 ص 365 طبع دار الفکر بیروت بتحقيق علي شبري

لا تسأل عما لم يكن فانس سمعت عمر بن الخطاب يلعن من عما لم يكن)(1).

فهذا هو حال الصحابة في تعليم الناس وإرشادهم إلى أمور دينهم.

أما حال من يقدم للمدينة من المسلمين لكي يتعلم ويسأل عن أمور دینه فان حاله يرثى له، بل إنه ليّحرم على نفسه ألا يعود إلى المدينة حتى يلقي ملك الموت!!؟ كما دلت عليه الحادثة الآتية:

أخرج الدارمي في سننه عن سليمان بن يسار: (أن رجلا قدم المدينة يقال له ضبيع - وهو من أهل البصرة - فجعل يسأل عن تشابه القرآن، فأرسل إليه عمر بن الخطاب - فأعدله عراجين النخل، فقال: من أنت؟.

قال: أنا عبد الله، ضبيع. قال: وأنا عبد الله، عمر.

فضربه حتی دمی رأسه، فقال - ضبيع: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة)(2).

وعن سعيد بن المسيب: (فأمر به عمر فضرب مائة سوط، فلما برئ دعاه فضربه مائة أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى: حرّم على الناس مجالسته)(3). وذكر السائب بن یزید: (وكتب - عمر - إلى أبي موسى، يأمره أن يحرم على الناس مجالسته، وإن يقوم في الناس خطيبا، ثم يقول: إن

ص: 163


1- سنن الدارمي: ج 1 ص 50 ؛ أخرجه ابن عبد البر عن طاووس عن ابن عمر، ج 2 ص 139
2- سنن الدارمي: ج 1، ص 54. نصب الراية للزيلعي: ج 3، ص 118. الدراية لابن حجر: ج 2، ص 98. الدر المنثور للسيوطي: ج 2، ص 7. فتح القدير للشوكاني: ج 1، ص 319. تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 23، ص 411
3- الإصابة لابن حجر: ج 3، ص 371

ضبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه.

فلم يزل - الرجل - وضيعا في قومه حتى هلك)(1)!.

وقد كشف ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) أن ضبیعاً البصري كان قد سأل ابن الخطاب عن معنى قوله تعالى

«وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا»(2).

والنص كما يلي:

(جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إن ضبیعاً التميمي لقينا فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن، فقال: اللهم مكني منه.

فبينما عمر يوماً جالس يغدى الناس إذ جاءه الضبيع وعليه ثياب وعمامة فتقدم فأكل حتى إذا فرغ، قال: يا أمير ما معنى قوله تعالى:

«وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا»؟.

قال: ويحك أنت هو؟

فقام إليه فحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتی سقطت عمامته، فإذا له ضفيرتان، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ثم أمر به فجعل في بيت، ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة فإذا برأ أخرجه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب وسيره إلى البصرة...)(3).

ص: 164


1- کنز العمال للمتقي الهندي: ج 2، ص 334. الغدير للأميني: ج 6، ص 292
2- الذاريات: 1 - 2
3- فتوح مصر وأخبارها: ص 191 دار الفکر بیروت ط 1؛ لسنة 1416 ه - 1996 م، بتحقيق: محمد الحجيري

وأن كان ابن أبي الحديد قد تكتم عن هوية الرجل الذي اخبر عمر بن الخطاب عن ضبيع البصري؛ فقد كشف عنه عبد الرحمن بن أعين القريشي المصري (ت 257 ه)، کشف ايضاً عن أن ضبيعاً كان يتنقل في بلاد المسلمين طلباً للعلم يسأل عن اشياء من القرآن الكريم، فيقول:

(حدثني الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر: أن ضبيعاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه، قال: أين الرجل؟ قال في الرجل؛ فقال عمر أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني العقوبة الموجعة، فاتاه به، فقل له عمر عمَّ تسأل؟ فحدثهُ؛ فاسل عمر إلى رطائب الجريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبره، ثم تركه حتى برأه ثم عادله ثم ترکه حتی برأ، ثم عاد به ليعود له؛ فقال طبيع يا أمير إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلاً، وأنت كنت تريد أن تداويني فقد والله قد برأت؛ فإذن له إلى أرضه.

وعليه:

إذا كان هذا هو حال الصحابة والناس سواء في الحجاز او العراق أو مصر، وإذا كان هذا حال من يسأل عن القرآن و معنی آیاته فكيف يكون حال من يسأل عن السنة، بل كيف يكون حال من يسأل عن شؤون الحكم والخلافة ولو من قبيل الاحاطة بمعرفة شؤون الراعي والرعية وحجيه طاعة أولي الأمر، ومن هم اولئك الذين يلزم طاعتهم شرعاً.

ص: 165

من هنا:

تلمس حجم الجهد الكبير الذي ألقى على عاتق امير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) و بذله في حفظ الإسلام والمسلمين وتبصيرهم بدينه من فرائض وسنن رغم تلك الموانع والمتهديدات الخطيرة التي كانت تحيط بالصحابة وعامة الناس كضبيع البصري وغيره.

المسألة الثانية: منهاج الإمام علي (علیه السلام) في إرجاع الناس إلى هدي رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) والتمسك بسنته.

يرتكز منهاج الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في ارجاع الناس عامة والصحابة والتابعين خاصة إلى هدي النبوة والتمسك بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسرته المباركة على ركيزتين أساسيتين، الأولى: بذل النصح والجود بما علمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من علومه، وهو القائل (عليه الصلاة والسلام):

«علمني رسول الله الف باب من العلم، يفتح لي من كل باب الف باب»(1).

فلم يرد سائلاً عن مسألة، ولم يتعذر عن معضلة، ولم يسكت عن عويصة، ولم يمنعه اغتصا بحقوقه ونهب ميراثه عن إداء مسؤولياته اتجاه الإسلام وأهله، وهو القائل في شقشقته التي هدرت تطحن صوامع الضلال التقر في ساحة القدس والقلوب الطاهرة:

ص: 166


1- رواه الفخر الرازي في تفسيره: ج 8 ص 23؛ وأعقبة بقوله: (فإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

«أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلانٌ وَإنَّهُ لِیعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَی، ینْحَدِرُ عَنِّی السَّیلُ وَلا یرْقَی إلَی الطَّیرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَطَوَیتُ عَنْهَا کَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِی بَینَ أَنْ أَصُولَ بِیدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَی طَخْیةٍ عَمْیاءَ، یهْرَمُ فِیهَا الْکَبِیرُ، وَیشِیبُ فِیهَا الصَّغِیرُ، وَیکْدَحُ فِیهَا مُؤْمِنٌ حَتَّی یلْقَی رَبَّهُ. فَرَأَیتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَی هَاتَا أَحْجَی، فَصَبَرْتُ وَفِی الْعَینِ قَذیً وَفِی الْحَلْقِ شَجاً أَرَی تُرَاثِی نَهْباً حَتَّی مَضَی الْأَوَّلُ لِسَبِیلِهِ، فَأَدلَی بِهَا إلی فُلَانٍ بَعدَه»(1).

فكان يتعامل مع جميع الصحابة والناس بخلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأحتاجوا إليه جمعياً، ولم يحتج إلى أحد منهم في اي شأن من شؤون الدين والدنيا؛ وكيف بذلك حكماً وقولاً فصلاً في إمامته وخلافته لسيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفظ شريعة ورسوله.

والركيزة الثانية: إرشادهم إلى هدي النبوية بعد توليه الشؤون الخلافة الإسلامية فكان منهاج ضمن اسلوبين الأول - ارجاعهم إلى الفرائض والسنن وبين رسول الله وسمته والثاني: تذكرهم بمقامه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و منزلته لديه، وهو كما يلي:

أولاً- بذل النصح والجود بما علمه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من العلوم لكافة الناس لا سيما الصحابة.

إن من الأمور التي عملت عليها أهل الساسة منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى يومنا هذا هو التضليل الاعلامي وتزيف الحقائق وذر الرماد في العيون كي لا يبصر الناس النور وطريق الحق واهله

ص: 167


1- نهج البلاغة، ص 48، بتحقيق صبحي الصالح

فيسلكون طريقهم ويتبعون هديهم.

ومن ثم ليس من الغريب قديما وحديثاً أن يتبع هذا المنهج لا سيما في جميع ما يخص أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام)، ومن ذلك دوره في هذه الفترة الزمنية التي أعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقد ذهبت بعض الدراسات إلى (أن مؤسس المدرسة العليمة لمختلف فروع العلم في المدينة هو عبد الله بن عباس)(1)، والظاهر أن هذه الدراسة اعتمد في ذلك على ما رواه ابن سعد في الطبقات وغيره في ترجمة ابن عباس الذي ولد قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاث عشرة سنة.

وهذا يعني أنه قد غاب عنه أهم الأحداث، بل قد غاب عنه من عمر الرسالة اكثرها ومن ثم كان بحاجة ماسة إلى من لزم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ونشأ في حجر ونهل من علومه ودرج على محاسن اخلاقه وتطبع بطباعه، أي الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام).

فكان ما جناه ابن عباس حتى توفاه الله في الطائف سنة 78 للهجرة النبوية النبوية مرده إلى الإمام علي (عليه السلام)، فوصف بأبرز فقهاء المدينة، واوسعهم اطلاعاً وعلماً، وكان يسمى البحر لا لكثرة علمه في الفقه فحسب، ولكن في الأخبار الماضية أيضا، والنسب، بجانب الشعر واللغة وتفسير القرآن والحساب والفرائض.

ص: 168


1- المنصف بعد الرزاق الصنعاني: ج 10 ص 304 برقم (19190)، سنن الدرامي: ج 2 ص 366، باب: الكلالة؛ تخريج الاحادیث جامع البيان للطبري: ج 3 ص 376؛ الكشف والبيان للثعلبي: ج 3 ص 269

وقد روى ابن سعد في الطبقات: (إن عبد الله بن عباس كان يجلس يوما ما يذكر فيه إلا الفقه ويوما التأويل ويوما المغازي، ويوما الشعر ويوما أيام العرب)(1).

وهذه الدراسة وإن كانت أنصفت ابن عباس رحمه الله إلا أنها لم تنصف أستاذه ومعلمه ومصدر علمه وهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي لزمه ابن عباس أكثر من نصف قرن.

وخير ما یستدل به العاقل على مستوى الطالب العلمي هو وثيقة تخرجه أو حديثه هو عن معلمه، والمدرسة التي تعلم بها ونهل علومه منها، وفي هذا الصدد فإن عبد الله بن عباس رحمه الله له رأي آخر غير الذي جاءت به الدراسة وذلك من خلال الروايات الآتية:

1- روى الشيخ المفيد رحمه الله، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال:

(سمعت رجلا يسأل عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له ابن عباس: إن علي بن أبي طالب صلى القبلتين وبايع البيعتين، ولم يعبد صنما، ولا وثنا، ولا يضرب على رأسه بزلم ولا قدم، ولد على الفطرة، ولم يشرك بالله طرفة عين.

فقال الرجل: إني لم أسألك عن هذا، وإنما سألتك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفا، ثم سار إلى الشام فلقي مواجب العرب فضربهم ببعض حتى قتلهم، ثم أتى النهروان وهم مسلحون فقلتهم عن آخرهم؟

ص: 169


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، قسم 2، ص 121 و 122

فقال ابن عباس: علي أعلم عندك أم أنا؟.

فقال: لو كان علي أعلم عندي منك لما سألتك!.

قال: فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه، ثم قال: ثكلتك أمك علي علمني، كان علمه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علمه الله من فوق عرشه، فعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و علم علي من النبي، وعلمي من علم علي وعلم أصحاب محمد کلهم في علم علي (عليه السلام) كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر)(1).

2- وروى ابن عبد البر عن الضحاك بن مزاحم، عن عبد الله بن عباس، قال:

(والله لقد أعطى علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارککم في العشر العاشر)(2).

3- وروی طاووس عنه أيضا قال: (كان علي والله قد ملئ علما وحلما)(3).

4- وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به)(4).

ص: 170


1- أمالي المفيد: ص 236. أمالي الشيخ الطوسي: ص 12. مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 310. سعد السعود لابن طاووس: ص 285. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 32، ص 350. ينابيع المودة لذوي القربي للقندوزي الشافعي: ج 1، ص 215
2- الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 1105. دلائل الإمامة للطبري الإمامي: ص 22. المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 311. فتح الملك العالي للمغربي: ص 72
3- الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 40. فتح الملك العلي أحمد بن الصديق المغربي: ص 72
4- فتح الملك العلي للمغربي: ص 73. الغدير للأميني: ج 3، ص 91

أما ما روي من شهادات في رجوع مدرسة المدينة إلى معلمها الأول بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكثيرة هي، منها:

ألف- علمه (عليه السلام بالسنة.

عن جابر، عن عائشة زوج النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالت: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟.

قالوا: علي. قالت: أما إنه أعلمكم بالسنة(1).

باء- علمه (عليه السلام) بالفرائض.

عن سعيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود: (أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب عليه السلام)(2).

جیم- علمه (عليه السلام بالقرآن.

عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن)(3).

دال- علمه (عليه السلام) بالقضاء.

عن ابن أبي ملكية، عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا)(4)، وفي

ص: 171


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 114، فتح الملك العلي للمغربي: ص 73
2- فتح الملك العلي للمغربي: ص 72. الغدير للأميني: ج 3، ص 91
3- حلية الأولياء للإصفهاني: ج 1، ص 65. فتح الملك العلي للمغربي: ص 72
4- الاستیعاب لابن عبد البر: ج 2، ص 461، ط حیدر آباد

لفظ آخر أخرجه البخاري عنه، أنه قال: (أقرؤنا اُبي، وأقضانا علي)(1)، وقد اشتهر عنه قوله: (لولا علي لهلك عمر)(2).

هاء - علمه (عليه السلام بجميع العلوم.

1- عن الأسود بن يزيد النخعي، قال: لما بويع علي بن أبي طالب على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر:

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا *** أبوحسن ما نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس انه *** أطب قریش بالكتاب والسنن

2- ذكر ابن عبد البر: أن سعید بن عمرو بن سعید بن العاص، قال: قلت العبد الله بن عياش بن أحمد بن أبي ربيعة، یاعم لم كان صفو الناس إلى علي؟.

قال: يا ابن أخي إن عليا (عليه السلام) كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشرة، والقدم في الإسلام، والصهر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والفقه في السنة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون.

3- وذكر ابن عبد البر أيضا: أن معاوية بن أبي سفيان كان يكتب فيما ينزل به ليسأل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما بلغه قتله قال: (ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب).

ص: 172


1- صحيح البخاري: ج 6، ص 187، ط بولاق
2- الاستیعاب: ج 3، ص 39. الرياض النظرة للطبري: ص 194. فتح الملك العلي للمغربي: ص 71. الغدير للعلامة الأميني: ج 3، ص 91

فقال له عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام.

فقال له معاوية: دعني عنك(1).

واو- شهادة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) له في حيزة العلوم كافة.

ويكفي الباحث في الدراسات التاريخية وغيرها من الأدلة على أن مؤسس مدرسة المدينة لمختلف العلوم ومعلمها أن يرجع إلى شهادة سيد الأنبياء والمرسلين ومعلم الإنسانية الأول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه، فقال:

1- أخرج أحمد بن حنبل من حديث معقل بن يسار، أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لابنته فاطمة (عليها السلام):

«أما ترضين أنّي زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما»(2).

2- سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن علي (عليه السلام)؟.

فقال:

«قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزءا واحدا»(3).

ص: 173


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 2، ص 463
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 5، ص 26. المعجم الكبير للطبراني: ج 1، ص 94
3- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 312. العمدة لابن البطريق: ص 379. فيض القدير للمناوي: ج 3، ص 60. فتح الملك العالي للمغربي: ص 69. شواهد التنزيل للحاکم الحسكاني: ج 1، ص 135. تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 42، ص 384. مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: ص 172. حلية الأولياء للأصفهاني: ج 1، ص 65. ينابيع المودة للقندوزي: ج 1، ص 215

ناهيك عن حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتِ الباب»(1).

وقوله (عليه السلام) عن نفسه:

«علمني رسول الله ألف باب من العلم»(2).

وعليه:

كان الصحابة عامتهم وخاصتهم يرجعون إليه في معرفة حلال الله وحرامه، حتى من أبغضه أو أنكر إمامته ومنزلته في القرآن والسنة أو جحد فضله، أو حسده لعلمه وورعه وتقواه.

ولعل تتبعنا للشواهد والحوادث التي سجلها التاريخ ورواها الرواة، وتحدث بها أهل الحديث والتدوين لأخرجنا عن موضوع الكتاب ولكن سنورد ما يقتضيه منهج البحث في بيان الحجة، وهو كالاتي.

ثانيا- استدراكه لإجتهادات ابي بكر وعمر وعثمان وتصحيحها.

سنورد هنا بعض الشواهد لبيان جهوده (عليه الصلاة والسلام) في حفظ شريعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيان أحكامه، والتي تدل على انه كان ولم يزل إمام الفقه والفرائض والسنن بعد خاتم الانبياء

ص: 174


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 126. الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 1103. الفايق في غريب الحديث للزمخشري: ج 2، ص 16. المعجم الكبير للطبراني: ج 11، ص 55. مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 114. ينابيع المودة: ج 2، ص 74
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 315. وأخرجه الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: ج 1، ص 239. الأمالي للصدوق: ص 737. تاريخ الإسلام للذهبي: ج 11، ص 226. ينابيع المودة: ج 1، ص 231. الفضائل لابن شاذان: ص 102

(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وهي كالاتي:

إلف- استدراكه (علیه السلام) الإجتهادات أبي بكر وتصحيحها.

ونورد في ذلك ثلاثة شواهد فقط، وهي كالاتي:

1- روى الشيخ المفيد الحادثة مظهراً لاستدراك أمير المؤمنين (عليه السلام) في حين بترها غيره من ابناء العامة:

(سئل أبو بكر عن الكلالة؟ فقال: أقول فيها برأي، فأن أصبت فمن الله، وان اخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، اراه ما خلا الوالد والولد.

فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:

«ما أغناه عن الرأي في هذا المكان! أما علم أن الكلالة هم الاخوة والاخوات من قبل الأب والأم، ومن الأب على انفراده، ومن قبل الأم أيضاً على حدتها؛ قال الله عز وجل:

«يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ»(1).

وقال جلت عظمته:

«وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ»(2))(3).

ص: 175


1- النساء: 176
2- النساء: 12
3- الارشاد للمفيد: ج 1 ص 201؛ بحار الانوار للمجلسي: ج 30 ص 247؛ نهج الایمان لابن جبر: ص 369

2- روى الشيخ المفيد (عليه رحمة الله ورضوانه) مبتدأ الرواية بقوله:

(فمن ذلك ما جاء الخبر به عن رجال من العامة والخاصة أن رجلا رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فاراد أن يقيم عليه الحد، فقال له. إنني شربتها ولا علم لي بتحريمها، لأني نشأت بين قوم يستحلونها، ولم أعلم بتحريمها حتى الآن.. فارتج(1) على أبي بكر الأمر بالحكم عليه، ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من حضره أن يستخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«مر ثقتين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار، ويناشدانهم الله هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبه وخل سبيله».

ففعل ذلك أبو بكر، فلم يشهد عليه أحد من المهاجرين والأنصار أنه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلى سبيله، وسلم لعلي (عليه السلام) في القضاء)(2).

3- وروى ابن شهر آشوب (ت 588 ه) وغيره:

(أن أبا بكر سئل عن قوله تعالى: «وَفَاكِهَةً وَأَبًّا»(3)؟ فقال:

ص: 176


1- ارتج عليه وارتج عليه: استبهم عليه. (لسان العرب - رتج - ج 2: 280)
2- الإرشاد للمفيد: ج 1 ص 199؛ المستجاد في الارشاد للعلامة الحلي: ص 115؛ بحار الأنوار: ج 7 ص 159؛ نهج الإيمان لابن جبر: ص 368
3- عبس: 31

(اي سماء تظلني، أو أية ارض تقلني، أم أين أذهبن ام كيف أصنع إذا قلت في كتاب الله بما لم أعلم أما الفاكهة فأعرفها، وأما الاب فالله أعلم)(1).

وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنه بلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال:

«إن الأب هو الكلأ والمرعى، وأن قوله «وَفَاكِهَةً وَأَبًّا» اعتداد من الله على خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولإنعامهم مما يحيي به أنفسهم»(2).

باء- استدراكه (علیه السلام) لإجتهادات ابن الخطاب وتصحيحها.

ونكتفي بذكر ثلاثة شواهد فقط، وهي:

1- أخرج الشيخ الكليني (ت 329 ه)، والشيخ الصدوق (ت 381 ه) وغيرهما، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال:

(اني عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر فشهد عليه رجلان أحدهما خصي وهو عمرو التميمي والآخر المعلى بن الجارود فشهد أحدهما أنه رآه يشرب وشهد الآخر أنه رآه يقي الخمر فأرسل عمر إلى أناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما تقول يا أبا الحسن؟ فإنك

ص: 177


1- تناقلت كثير من المصادر هذا القول لابي بكر دون أن تورد قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام)، منها: تفسير السمرقندي (ت 383 ه): ج 1 ص 36؛ الكشف والبيان للثعلبي (ت 427 ه): ج 10 ص 134؛ تفسير الكشاف للزمخشري (ت 538 ه): ج 4 ص 220؛ تفسير القرطبي (ت 671 ه): ج 1 ص 34؛ تفسیر ابن کثیر (774 ه): ج 1 ص 6؛ وغيرها
2- المناقب لابن شهر آشوب: ج 2 ص 180؛ المستجاد من الارشاد للعلامة الحالي: ص 116؛ البحار للمجلسي: ج 40 ص 247

الذي قال فيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت أعلم هذه الأمة وأقضاها بالحق، فإن هذين قد اختلفا في شهادتهما قال: ما اختلفا في شهادتهما وما قاء ها حتى شربها فقال: هل تجوز شهادة الخصي؟ قال: ما ذهاب لحيته إلا كذهاب بعض أعضائه)(1).

2- روى الشيخ المفيد وابن شهر آشوب.

(أن مجنونة على عهد عمر فجر بها رجل، فقامت البينة عليها بذلك، فأمر عمر بجلدها الحد، فمر بها على أمير المؤمنين (عليه السلام) لتجلد فقال: (ما بال مجنونة آل فلان تعتل)؟(2)

فقيل له: أن رجلا فجر بها وهرب، وقامت البينة عليها، فأمر عمر بجلدها، فقال لهم:

(ردوها إليه وقولوا له: أما علمت أن هذه مجنونة آل فلان! وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق! إنها مغلوبة على عقلها ونفسها).

فردت إلى عمر، وقيل له ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: فرج الله عنه لقد كدت أن أهلك في جلدها. ودرأ عنها الحد)(3).

ص: 178


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 7 ص 401؛ علل الشرائع للصدوق: ج 2 ص 539؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 3 ص 42 تهذیب الاحکام للشيخ الطوسي: ج 6 ص 281؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 28 ص 239
2- تعتل: تجذب جذبا عنيفا. (الصحاح - عتل - 5: 1758)
3- الأرشاد للمفيد: ج 1 ص 204؛ المناقب لابن شهر آشوب؛ المستجاد من الارشاد للعلامة الحلي ص 118

3- روى الشيخ المفيد، وابن شهر آشوب، والعلامة الحلي، وغيرهم:

إنّ عمر بن الخطاب (أتي بحامل قد زنت فأمر برجها؛ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):

«هب لك سبيل عليها، أي سبيل لك على ما في بطنها والله تعالى يقول:

«وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(1).

فقال عمر: لا عشت المعضلة لا يكون لها أبو حسن؛ فقال فيا أضع بها؟ قال:

«أحتط عليها حتى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأتم الحد عليها».

فسري بذلك عمر، وعول في الحكم به على أمير المؤمنين عليه السلام)(2).

وفي غيرها الكثير جداً لا يسع المقام لإيراده.

جیم- استدراكه (علیه السلام) الإجتهادات عثمان بن عفان وتصحيحها.

وأما ما روي في حله للمسائل الشرعية العويصة التي يعجز عنها كل فقیه وقد وقعت في حكومة عثمان بن عفان، فكان منها ما يلي:

روى الشيخ المفيد (عليه رحمة الله ورضوانه) قائلاً:

(ومن ذلك ما رواه نقلة الآثار من العامة والخاصة: أن امرأة نكحها شیخ کبیر فحملت، فزعم الشيخ أنه لم يصل إليها وأنكر حملها، فالتبس الأمر على عثمان، وسأل المرأة هل افتضك الشيخ؟ وكانت بكرا فقالت: لا،

ص: 179


1- الأنعام: 164
2- الإرشاد للمفيد: ج 1 ص 204؛ المناقب لابن شهر: ج 2 ص 184؛ المستجاد من الإرشاد للعلامة الحلي: ص 118؛ بحار الانوار للعلامة المجلسي: ج 30 ص 678

فقال عثمان: أقيموا الحد عليها. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«إن للمرأة سمين: سم المحيض وسم البول، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سم المحيض فحملت منه، فاسألوا الرجل عن ذلك».

فسئل فقال: قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالاقتضاض، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«الحمل له، والولد ولده، وأری عقوبته على الإنكار له».

فصار عثمان إلى قضائه بذلك وتعجب منه(1).

ورووا: أن رجلا كانت له سرية فأولدها، ثم اعتزلها وأنكحها عبدا له، ثم توفي السيد نعتقت بملك ابنها لها، فورث ولدها زوجها، ثم توفي الابن فورثت من ولدها زوجها، فارتفعا إلى عثمان يختصمان تقول: هذا عبدي، ويقول: هي امرأتي ولست مفرجا عنها، فقال عثمان. هذه قضية مشكلة، وأمير المؤمنین حاضر فقال:

«سلوها هل جامعها بعد میراثها له؟» فقالت: لا، فقال:

«لو أعلم أنه فعل ذلك لعذبته، إذهبي فإنه عبدك ليس له عليك سبيل، إن شئت أن تسترقيه أو تعتقيه أو تبيعيه فذاك لك»(2).

ورووا: أن مكاتبة زنت على عهد عثمان وقد عتق منها ثلاثة أرباع، فسأل عثمان أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:

«يجلد منها بحساب الحرية، ويجلد منها بحساب الرق».

ص: 180


1- مناقب آل أبي طالب 2: 370، ونقله العلامة المجلسي في البحار 40: 256/ 29
2- مناقب آل أبي طالب 2: 371، ونقله العلامة المجلس في البحار 40: 257/ ضمن ح 29

وسأل زيد بن ثابت فقال: تجلد بحساب الرق، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):

«كيف تجلد بحساب الرق وقد عتق منها ثلاثة أرباعها؟ وهلا جلدتها بحساب الحرية فإنها فيها أكثر!».

فقال زيد: لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب الحرية فيها، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام):

(أجل ذلك واجب).

فأفحم زيد، وخالف عثمان أمير المؤمنين (عليه السلام) وصار إلى قول زيد، ولم يصغ إلى ما قال بعد ظهور الحجة عليه)(1).

ثالثاً- إرشاد الناس إلى هدي النبوة بعد توليه شؤون الخلافة.

بدأ هذا الدور مع انتقال الإمام علي (عليه السلام) إلى الكوفة حينما بويع بالخلافة سنة 36 للهجرة النبوية، اي: بعد مرور خمسة وعشرين عاماً على وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وانتقال جل الصحابة معه إلى العراق، مما أعطى زخماً علمياً كبيراً من صحب الإمام علي (عليه السلام) وسمع مقاتله في القران والحجاز وغيرها في الاطلاع على هدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته المباركة وسنته الشريفة لا سيما في الفرائض والسنن، والآداب، وغيرها مما ارتبط بشؤون الدين والدنيا، ناهيك عن امتياز هذه المرحلة بظهور تيارات عقدية

ص: 181


1- الارشاد للشيخ المفيد: ج 1 ص 210 - 212

مخالفة لهدي النبوة والقرآن، ممثلة بثلاثة تيارات اساسية هددت وجود الامة وروحها وعقيدتها، وهي:

1- الناكثون للبيعة: وهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وعائشة، ومن أتبعهم.

2- القاسطون: وهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومن تشیع لهم.

3- المارقون: وهم الخوارج أشياع عبد الرحمن بن ملجم وغيره.

وهذا يستلزم تتبع دقيق لأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته وهديه كي يتمكن المسلم من النجاة وإتباع السبيل الذي ارتضاه الله تعالى، ولذلك نجده (عليه السلام) اتخذ منهجا لهذه المرحلة الحساسة في الأمة الإسلامية فكانت من خلال الأمور الآتية:

ألف- تذكيره (علیه السلام) بسمة رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) وهديه وسيرته.

ويتضح هذا الجهد بتنقية السيرة الصحيحة من السقيمة والسنة من البدعة، مبتدئاً بعمود الدين، وهي الصلاة فنادى الصلاة جامعة، فصفهم في مسجد الكوفة وفيهم جمع من أهل بدر وحنين كعمار بن ياسر وأبي بن كعب وغيرهما مما لا حصر لهم في هذا الموضع من البحث - وصف معهم أهل الكوفة فصلى بهم، فكانت النتيجة لهذه الصلاة مدونة في صحاح المسلمين ومساندهم وعلى لسان مطرف بن الشخير قائلا: (كنت مع عمران بن حصين بالكوفة فصلى بنا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فجعل يكبر كلما سجد، وكلما رفع رأسه، فلما فرغ قال عمران: صلى بنا هذا مثل رسول الله

ص: 182

صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وفي رواية، أنه قال:

(فلما انصرفنا قال عمران: ما صليت منذ حين أو قال منذ كذا وكذا أشبه بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الصلاة، يعني صلاة علي رضي الله تعالى عنه)(2).

وفي لفظ آخر أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، عن مطرف، قال:

(صليت أنا وعمران صلاة خلف علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما سلم أخذ عمران بيدي فقال: لقد صلى بنا هذا صلاة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو قال: لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم)(3).

والسؤال الذي يفرض نفسه في ساحة البحث: إذا كان المسلمون قد نسوا كيف هي صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي من المفروض أنها تصلى في اليوم خمس مرات، فكيف بهم يتذكرون بقية سنته وسيرته وأفعاله وأقواله!؟.

ص: 183


1- مسند أحمد بن حنبل: حديث عمران بن حصين، ج 4، ص 428
2- مسند أحمد بن حنبل: حديث عمران بن حصين، ج 4، ص 429. مصنف الصنعاني لعبد الرزاق الصنعاني: باب التكبير، ج 2، ص 63، ح 2498
3- صحيح البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب المكث بين السجدتين: ج 1، ص 200. صحيح مسلم: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، ج 2، ص 8. سنن أبي داود: باب تمام التكبير، ج 1، ص 192. سنن النسائي: باب الاعتدال في الركوع، ج 2، ص 204

وأنى لهم ذلك وسنته قد أمر بها الشيخان أبو بكر وعمر، فأحرقت، ومحيت، ومنعت من التدوين، ولذا؛ كان لزاما على علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعيد السنة والسيرة النبوية إلى مسارها الصحيح، وأن تدون هذه السيرة الصحيحة بعد أن أحرقت ومحيت وغيرت، ومما يدل على أنها غيرت وبدلت ولم يبق منها شيء سواء التي أخرجها أهل البيت (عليهم السلام) إلى الناس ما يأتي:

1- روى مالك بن أنس - إمام المذهب المالكي - عن عمه سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه قال: (ما أعرف شيئا مما أدركت الناس عليه إلا النداء للصلاة، أي: الأذان)(1).

2- أخرج الشافعي عن طريق وهب بن كيسان، قال: رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: (كل سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قد غيرت حتى الصلاة)(2).

3- قال الزهري - وهو الذي تنسب إليه أوائل تدوين السيرة النبوية -: (دخلنا على أنس بن مالك بدمش وهو وحده يبكي، قلت: ما يبكيك!؟.

قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وقد ضيعت)(3).

4- قال الحسن البصري: (لو خرج عليكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عرفوا منكم إلا قبلتكم)(4).

ص: 184


1- الموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك: ج 1، ص 93. شرح الموطأ للزركاني: ج 1، ص 221
2- کتاب الأم للشافعي: ج 1، ص 208
3- جامع بيان العلم: ج 2، ص 244
4- المصدر السابق

5- وروي عن عبد الله بن عمر و بن العاص: أنه قال: (لو أن رجلين من - أوائل هذه الأمة خلو بمصحفيهما في بعض الأودية، لأتيا الناس اليوم، ولا يعرفان شيئا مما كانا عليه)(1).

6- وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال:

«لا والله، ما هم على شيء مما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا استقبال القبلة فقط»(2).

7- وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:

«لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن الدين إلا رسمه»(3).

ومما قام به أمير المؤمنين (عليه السلام) في تطوير علم السيرة هو:

باء- تذكيره بحال العرب قبل مبعث النبي الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم).

إنّ مما قام به الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو تذكير الصحابة بما قام به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهود عظيمة لتغييرهم وتعليمهم، أي إعادة تسجيل هذه السيرة في أذهان الناس، وهم الصحابة الذين قدموا معه إلى الكوفة، مع أخباره أهل الكوفة بتفاصيلها، بوصفهم كانوا الأبعد جغرافيا عن المدينة المنورة، فكان من خطبه في إحياء السيرة النبوية وتذكيره بحال العرب قبل الإسلام وبعده ما يأتي:

ص: 185


1- الزهد والرقاق: ص 61. الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر مرتضى: ج 1، ص 142
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 68، ص 91
3- الصحيح من سرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر مرتضى العاملي: ج 1، ص 143

1- قال (علیه السلام):

«وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ،

تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ»(1).

2- وقال (عليه السلام):

«بَعَثَهُ - صلی الله علیه و آله وسلم - وَالنَّاسُ ضُلَّالٌ فِی حَیْرَةٍ، وَحَاطِبُونَ فِی فِتْنَةٍ، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْکِبْرِیَاءُ، وَاسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلیُّةُ الْجَهْلَاءُ؛ حَیَارَی فِی زَلْزَالٍ مِنَ الأمْرِ، وَبَلَاءٍ مِنَ الْجَهْلِ»(2).

3- وقال (عليه السلام):

«أَلاَ وَإِنَّکُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَیْدِیَکُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ، وَثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللهِ الْمَضْرُوبَ عَلَیْکُمْ بِأَحْکَامِ الْجَاهِلِیَّةِ، فَإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ امْتَنَّ عَلَی جَمَاعَةِ هذِهِ الاْمَّةِ فِیمَا عَقَدَ بَیْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هذِهِ الاُلْفَةِ الَّتی یَنْتَقِلُونَ فِی ظِلِّهَا، وَیَأْوُونَ إِلَی کَنَفِهَا، بِنِعْمَة لاَ یَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمُخْلُوقِینَ لَهَا قِیمَةً لاِنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ کُلِّ ثَمَن وَأَجَلُّ مِنْ کُلِّ خَطَر.

وَاعلَمُوا أَنَّکُمْ صِرْتُمْ بعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً، وَبَعْدَ الْمُوَالاَةِ أَحْزَاباً، مَا تَتَعَلَّقُونَ

ص: 186


1- نهج البلاغة، محمد عبده: من خطب الإمام علي عليه السلام، ص 66. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 18، ص 226، ح 68. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 2، ص 19
2- نهج البلاغة: خطب الإمام علي عليه السلام، ج 1، ص 186، برقم 95. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 18، ص 219، ح 51. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 7، ص 66، برقم 94

مِنَ الاْسْلاَمِ إِلَّا بِاسْمِهِ، وَلاَ تَعْرِفُونَ مِنَ الاْیمَانِ إِلَّا رَسْمَهُ»(1).

وفي نهجه لبيان سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه قد اتخذ في ذلك أسلوبين:

الأسلوب الأول: إظهار منزلته وقربه ومعرفته برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي بمعنى: إرجاع الناس إلى المصدر العلمي والدقيق والوافي عن كل ما يتعلق بحياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشريعته.

فيقول (عليه السلام):

«وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله عليه وآله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمُنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْل»(2).

وقال عليه السلام:

«وَ لَقَدْ کُنْتُ أَتْبَعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِیلِ أَثَرَ أُمِّهِ یَرْفَعُ لِی فِی کُلِّ یَوْمٍ عِلْماً مِنْ أَخْلاَقِهِ وَ یَأْمُرُنِی بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ»(3).

ص: 187


1- نهج البلاغة: من خطب الإمام علي عليه السلام، ج 2، ص 154. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله : ج 14، باب 31، ص 474. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 13، ص 179
2- نهج البلاغة، من خطب الإمام علي عليه السلام، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. شرح أصول الكافي لمولى محمد صالح المازندراني: ج 2، ص 298. العمدة لابن البطريق: ص تقدیم 10
3- نهج البلاغة: من خطب الإمام علي عليه السلام، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. العمدة لابن البطريق: ص 11. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاووس: ص 415

الاسلوب الثاني: إظهار ما يتعلق بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ أن كان فطيما، ثم تعبده في غار حراء، ثم بعثه، ثم تبليغه رسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جرى بينه وبين المشركين، فيقول (عليه السلام):

«وَلَقَدْ قَرَنَ الله بِهِ (صلی الله علیه و آله وسلم) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ»(1).

وقال عليه السلام:

«وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله وسلم وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلی الله علیه و آله وسلم) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟

فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ. إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ»(2).

وفي جهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تبليغ الرسالة فيقول (عليه السلام):

ص: 188


1- نهج البلاغة: من خطب الإمام علي عليه السلام، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 2، ص 28. الغدير للشيخ الأميني: ج 3، ص 240
2- نهج البلاغة: من خطب الإمام علي عليه السلام، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 157. نهج السعادة للشيخ المحمدي: ج 7، ص 145. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 13، ص 197. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 14، ص 475، باب 31

«وَلَقَدْ کُنْتُ مَعَهُ صلی الله علیه وآله وسلم لَمَّا أتَاهُ المَلأ مِنْ قُرَیش، فَقَالُوا لَهُ: یا مُحَمّدُ إنَّكَ قَدِ ادَّعَیتَ عَظِیماً لَمْ یدَّعِهِ آباؤُكَ وَلا أحَدٌ مِنْ بَیتكَ، وَنَحْنُ نَسْألُكَ أمْراً إنْ أجَبْتَنَا إلَیه وَأرَیتَنَاهُ عَلمنَا أنَّكَ نَبِی وَرَسُولٌ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أنَّكَ سَاحِرٌ کَذَّابٌ.

فَقَالَ صلی الله علیه وآله: وَمَا تَسْألُونَ؟

قَالُوا: تَدْعُو لَنَا هِذِه الشَّجَرَةَ حَتَّی تَنْقَلِعَ بِعُرُوقهَا وَتَقفَ بَینَ یدَیكَ.

فَقَال (صلی الله علیه و آله وسلم):

«إنَّ اللَّهَ عَلَی کُلِّ شیء قَدِیرٌ، فَإنْ فَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ ذلِكَ أتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالحَقِّ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: فَإنِّی سَأُرِیکُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وَإنِّی لأعْلَمُ أنَّکُمْ لا تَفِیئُونَ إلی خَیرِ، وإنَّ فِیکُمْ مَنْ یطرَحُ فِی القَلیب(1)، وَمَنْ یحَزِّبُ الأحْزَابَ(2).

ثُمَّ قَالَ (صلی الله علیه وآله وسلم):

یا أیتُهَا الشَّجَرَةُ إنْ کُنتِ تُؤمنِینَ باللهِ والیومِ الآخِرِ وَتَعْلمین أنِّی رسول الله فَانْقَلعِی بِعُرُوِقك حَتَّی تَقِفی بَینَ یدَی بإذْنِ اللهِ.

فوَالَّذی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لانْقَلَعتْ بِعُرُوقهَا وَجَاءَتْ وَلَها دَوِی شَدِیدٌ وَقَصْفٌ کَقَصْفِ أجْنِحَة الطَّیرِ حَتَّی وَقَفَتْ بین یدی رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) مُرَفْرفَةً وألْقَتْ بِغُصنَها الأعْلَی عَلَی رسول الله صلی الله علیه و آله

ص: 189


1- القليب: البئر، وقد أشار (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ما ستؤول إليه نهايتهم في معركة بدر الكبرى، فقد أسّر المسلمون منهم مجموعة فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ب (21) مشركا فقتلوا وألقوا في القليب، أي البئر، ومنهم عقبة بن أبي معيط
2- وهو أشار إلى أبي سفيان الذي حزب الأحزاب في معركة الخندق

وسلم) وَبِبَعْضِ أغْصَانِهَا عَلَی مَنْکبِی، وَکنْتُ عَنْ یمینِه (صلی الله علیه و آله وسلم)، فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إلَی ذلكَ قَالوُا - عُلُوَّاً وَاُسْتکْبَاراً - فَمُرْها فَلْیأتِكَ نِصْفُهَا وَیبْقَی نِصْفُهَا، فَأمَرَهَا بِذَلِكَ، فَأقْبَلَ إلَیهِ نِصْفُهَا کَأعْجَبِ إقْبَال وَأشَدِّهِ دَوِیاً، فَکَادَتْ تَلتَفُّ برسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)، فَقَالُوا - کُفْراً وَعُتُوَّاً - فَمُرْ هَذا النِّصْفَ فَلْیرْجِعِ إلَی نِصْفِهِ کَمَا کَانَ، فَأمَرَه صلی الله علیه و آله وسلم فَرَجَعَ.

فَقُلْتُ أنَا: لا إلهَ إلا اللهُ، فَإنِّی أوَّلُ مُؤْمِن بِكَ یا رَسُولَ اللهِ، وَأوَّلُ مَنْ أقَرَّ بأنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأمْرِ اللهِ تَعَالی تَصْدیقاً بِنُبُوَّتِكَ وَإجْلالاً لِکَلِمَتكَ.

فَقَالَ القَوْمُ کُلُّهُمِّ: بَلْ سَاحِرٌ کَذَّابٌ، عَجِیبُ السِّحْرِ خَفِیفٌ فیهِ، وَهَلْ یصَدِّقُكَ فی أمْرِكَ إلّا مِثُلُ هذَا (یعْنُونَنی) وَإنِّی لَمِنْ قَوْم لا تَأُخُذُهُمْ فی اللَّهِ لَوْمَةُ لأئم سِیماهم سیماءُ الصِّدِّیقینَ، وَکَلامُهُمْ کَلامُ الأبْرَارِ، عُمَّارُ اللَّیلِ وَمَنَارُ النَّهارِ، مُتَمَسِّکُوَن بِحَبْلِ الْقُرآنَ، یحْیونَ سُنَنَ اللهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ، لا یسْتَکْبِرُونَ وَلا یعْلُونَ وَلا یغُلُّونَ، وَلا یفْسِدُونَ: قُلُوبُهُمْ فی الجْنَانِ، وَأجْسادُهُمْ فی الْعَمَلِ»(1).

أذن:

هكذا كان عمله (عليه الصلاة والسلام) وجهده وجهاده، وبذله النصح للامة لا سيما من تصدوا للحكومة و السلطة وبشؤون الدين والدنيا وحرصة على حفظ الشريعة التي نزل بها الروح الأمين (عليه السلام) على سيد

ص: 190


1- نهج البلاغة: من خطب الإمام علي عليه السلام، الخطبة القاصعة، ج 2، ص 158 - 159، برقم 192، ط دار الذخائر، قم - إيران. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاووس: ص 415، ط مطبعة الخيام، قم - إيران. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 38، ص 321، ح 33، ط مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان

الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبضه الله إليه شهیداً مخضباً شيب رأسه بشيب لحيته کما اخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولطالما كان ينتظر هذا اليوم ويتمنى وقوعه لشدة ما لاقي من هذه الأمة وما يراه من تفرقها وابتعادها عن هدي النبوة، فيتأوه متفجعاً له في جده إبراهيم الخيل أسوة.

أواه حلیم فیقول:

«متى يبعث أشقاها ليخضب هذه من هذه».

فينتقل إلى جوار ربه ومصاحبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في داره التي اختارها الله لها، وهو المخاطب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد صاحبه الحزن و لازمه السهر والهم منذ أن فجع بفقد الرسول وقتل بضعته الزهراء البتول فيقول وهو واقف عند قبره (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قل يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري؛ بلى وفي كتاب الله لي انعم القبول، انا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، واخذت الرهينة، وأخلست الزهراء، فما اقبح الخضراء والغبراء.

یارسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، وهم لا يبرح من قلبي؛ أو يختار الله دارك التي انت فيها مقيم...)(1).

ص: 191


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459

فسار على نهج وهدية اولاده الأئمة المهداة حجج الله على خلقه وأمناؤه على شرعه يدفعون عنه شبهات المتأولين ومحدثات المبطلين فنمت على اصولهم الشريعة وانیعت على فروعهم الفرائض والسنن على الرغم من تعدد الآراء واختلاف الاجتهادات ونمو الفقه وظهور الفقهاء، وهو ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 192

المبحث الثالث جهود ثمة أهل البيت (علیهم السلام) في حركة الفقه ونموه في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة (40 - 100 ه)

قد لا يتبادر إلى مسامع الكثير من القراء والباحثين ما بذله أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في تعليم الناس شؤون دينهم ودنياهم على الرغم من المصائب والظلم والمحاربة التي لاقوها من السلطة والمنافقون والجاحدون والحاسدون.

ولعل ایراد ما أخرجه الدارمي (المتوفي عام 255 ه) في بيان حال الصحابة وسعيهم لطلب العلم ومقارنته مع ما كان يبذله الإمام (عليه السلام) وتلامذته وابنائه ليغني المنصف للبيب عن السعي في الاسهاب والاستشهاد بالنصوص والحوادث لأدراك هذه الحقيقة، وهي:

لولا جهود ائمة العترة النبوية (عليهم السلام) لما أحسن المسلم الوضوء والطهارات فما بالك بأحكام المعاملات.

(فعن ابن عباس قال:

ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة، حتی قبض، كلهن في القرآن؛ منهنّ:

ص: 193

(يسألونك عن الشهر الحرام) (ويسألونك عن المحيض) ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم)(1).

وأضاف الطبراني (المتوفي عام 360 ه) بقية الرواية التي فيها كلام ابن عباس:

(ويسألونك عن الخمر والميسر)، (يسألونك عن الانفال)، (ويسألونك ماذا ينفقون)(2).

وعليه:

مثلما جهد الإمام علي (عليه السلام) في حفظ شريعة المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم) حتى قبضه الله تعالى إليه شهيداً فكذاك هو حال الأئمة من بعده (عليهم السلام) من الإمام الحسن إلى الإمام الصادق وظهور المذاهب الإسلامية والمدارس الفقهية وابتدأ عصر جديد في الإسلام تنوعت فيه الآراء واختلفت فيه الاجتهادات کما سیمر بیانه خلال فصول الكتاب في أبواب الفقه المتعددة.

ومن ثم: لتبدأ أيضا مهام عظيمة ومسؤوليات جسيمة أتجاه بقية الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) في الحفاظ على ما جاء به جدهم المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) و ابائهم الماضين (عليهم السلام) إلى الوقت الذي اختاره الله عز وجل في الرجوع إلى فقهاء المذهب.

ص: 194


1- سنن الدارمي، باب كراهة الفتيا؛ ج 1 ص 51؛ الفخر الرازي في تفسيره: ج 6 ص 32؛ تفسير القرطبي: ج 6 ص 333
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 11 ص 359

ولذا:

سنتناول في المبحث دراسة الجهود التي بذلها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حتى ظهور المذاهب الأربعة ونمو علم الفقه وتخرج مجموعه من الفقهاء وانتشارهم في المدن الإسلامية.

وتختص هذه المدة الزمنية بجهود ثلاثة أئمة من أئمة العترة (عليهم السلام) وهم:

الإمام الحسن، والإمام الحسين، وولده الإمام زين العابدین (صلوات الله عليهم اجمعين).

وما رافق ذلك من ظهور الفقهاء الذين تصدوا للفتيا الشرعية واخذوا عن الأئمة (عليهم السلام) وهو كالاتي:

المسألة الأولى: جهود الإمام أبي محمد الحسن المجتبى (علیه السلام) في نمو الفقه وحفظ الشريعة.

قبل الحديث عن جهوده (عليه السلام) نقف عند بيان شخصيته وشطراً من سيرته:

فهو: الإمام الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وريحانته من الدنيا، وسيد شباب أهل الجنة، وثاني أئمة العترة النبوية، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؛ وأوجب مودتهم رب العباد، وألزم التمسك بهم خير البرية (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولد: بالمدينة ليلة النص من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجيء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأذن في أذنه اليمني (واقام في اليسرى،

ص: 195

وعق عنه بكبش، وسماه حسناً وكناه: بأبي محمد.

وكان شبيه جده المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وخصه النبي واخاه الإمام الحسين (عليهم السلام) بحب وحنان غامر، ورويت في حقه احاديث كثيرة، منها.

1- قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه:

«اللهم إنّي أُحبُّه، فأَحِبَّه وأحِبَّ من يُحبُّه».

2- وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين (عليهم السلام):

«هما ريحانتي من الدنيا».

روى: الإمام الحسن (عليه السّلام) عن: جدِّه المصطفی (صلَّی الله عليه وآله وسلَّم) وعن أبيه، وأُمّه «عليهما السلام».

روى عنه: ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غَفَلة، وأبو الحوراء السعدي، والشَّعبي، وأصبغ بن نباتة، والمسيّب بن نَجَبة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ومحمد بن سیرین، وجماعة.

وكان يجلس في مجلس رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يحدّث فيه، ويجتمع الناس حوله، وكان إذا تكلَّم أخذ بمجامع قلوب سامعيه، وودّوا أن لا يسكت، وكان معاوية يقول لمن يريد أن يخاصم الحسن (عليه السّلام): لا تفعل فإنّهم قوم ألهموا الكلام(1).

وقد نُقلت عنه خطب و کلمات و حکم ووصایا ورسائل، وله احتجاجات ومناظرات تدلّ على بعد نظره وثاقب فكره، وعمق وعيه للأمور والقضايا.

ص: 196


1- وفيات الأعيان: 2 - 68

وكان معتَمداً عند أبيه (عليه السّلام)، حائزاً على محبّته وثقته، متفانياً في سبيل قضيته(1)، وكان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يحيل إليه بعض المسائل التي ترد عليه، ويبتدره هو بالأسئلة أحياناً، ليُظهرَ فضله وعلمه وعلوَّ مقامه(2) وكان يُرسله في المهام الجليلة، فينجزها على أحسن وجه، فقد بعثه مراراً إلى عثمان بن عفان لما اشتكى الناس إلى عليّ (عليه السّلام) أمره، وبعثه إلى الكوفة، وبعث معه عمار بن یاسر، فعزل أبا موسى الأشعري الذي كان يثبّط الناس عن أمير المؤمنين في قتال أصحاب الجمل، واستنفر الناس للجهاد، فنفروا، وجاء إلى أبيه بعشرة آلاف مقاتل.

وكان الإمام الحسن (عليه السّلام) من أوسع الناس صدراً وأسجحهم خلقاً، زاهداً، عابداً، عظيم الخشوع، وكان أحد الأجواد المشهورين، حجّ خمساً وعشرين حجة ماشياً، والنجائب تُقاد معه، وخرج من ماله مرتين، وقاسم الله تعالى مالَه ثلاث مرات، وكان إذا توضأ ارتعدت فرائصه، واصفرّ لونه.

وكان شجاعاً، مقداماً، خاض مع أبيه حروب الجمل وصفين والنهروان، واقتحم بنفسه الأخطار، حتى قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) وقد رآه يتسرّع إلى الحرب في بعض أيام صفين:

«أملكوا عني هذا الغلام لا يهدّني، فإني أنفس بهذين يعني الحسن

ص: 197


1- قال الإمام علي - عليه السّلام - في وصيته للإمام الحسن - عليه السّلام -: «ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلَّي، حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني)
2- جعفر مرتضى العاملي: الحياة السياسية للإمام الحسن - عليه السّلام -: 101 - 106، وتهذيب الكمال: 6 - 238 وفيه أسئلة علي - عليه السّلام -

والحسين «عليهما السلام» على الموت، لئلَّا ينقطع نسل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)».

ولما استشهد الإمام علي (عليه السّلام) في شهر رمضان سنة أربعين للهجرة، صعد الإمام الحسن (عليه السّلام) المنبر، وخطب الناس، وتحدّث عن فضائل أبيه، ثم قام ابن عباس بين يديه، فقال:

معاشر الناس، هذا ابن نبيّكم، ووصىّ إمامكم، فبايعوه، فاستجاب الناس، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة، ثم نزل من المنبر، فرتّب العمال وأمّر الأُمراء، وزاد المقاتلة مائة مائة، ثم كتب إلى معاوية بالشام يدعوه إلى الدخول في البيعة، وترك البغي والشقاق، من أجل صلاح المسلمين، وحقن دمائهم، فلم يُجب معاوية إلى ذلك.

بل أصرّ على المجابهة، وقاد جيشاً عظيماً، وقصد العراق، فلما بلغ ذلك الإمام الحسن (عليه السّلام)، حثّ الناس على الجهاد، وسار بجيشه لملاقاة معاوية، ثم جرت أحداث بعد ذلك، لا يسع المجال ذكرها، وآل الأمر بالإمام الحسن (عليه السّلام) إلى عقد الصلح مع معاوية اضطراراً، وقد بسط العلماء والكتّاب البحث في تحليل أسباب الصلح وأهدافه، ونتائجه، فلتراجع في مظانها.

ولكون هذا الصلح من القضايا المهمة في تاريخ المسلمين، وبسبب ما أُثير حوله من شبهات من بعض المغرضين، يحسن بنا أن نُشير إلى ما ذكره ابن الأثير في الكامل، لعله يكشف جانباً من الواقع السيئ الذي أكره الامام (عليه السّلام) على قبول الصلح.

ص: 198

قال: لما راسل معاوية الحسن في تسليم الامر إليه، خطب (عليه السلام)، فقال:

«إنّا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنّما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع.. ألا إنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عزّ وجلّ بضبي السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم الرضى، فناداه الناس من كل جانب: البقية البقية»(1).

ولما تم الصلح أقام الحسن (عليه السّلام)، بالكوفة أياماً، ثم خرج إلى المدينة، فأقام بها إلى أن توفي، وكانت مدة خلافته ستة أشهر وأياماً.

ومما أُثر عن الامام (عليه السّلام) من المواعظ والحكم: قال وقد دعا بنيه وبني أخيه:

«يا بَنيّ وبني أخي، إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار آخرین فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويَه أو يحفظه، فليكتبه، ويجعله في بيته»(2).

وقال: «من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ أنّه في غير الحالة التي اختارها الله تعالى له»(3).

وقال: (مَن أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة،

ص: 199


1- الكامل في التأريخ: 3 - 406 سنة 41 ه)
2- تهذیب تاریخ دمشق: 4 - 222
3- تحف العقول: 236، مختصر تاریخ دمشق: 7 - 29

وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، و كلمة تدلّ على الهدى، أو تردّه عن ردی، وترك الذنوب حياءً، وخشية).(1)

توفّي: (عليه السّلام) مسموماً سنة خمسين، وقيل: تسع وأربعين، وقيل غير ذلك، ودفن بالبقيع.

قال ثعلبة بن أبي مالك: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البقيع لوطرحت إبرة ما وقعت إلَّا على إنسان(2) روي أنّ معاوية لما أراد البيعة لابنه يزيد، لم يكن شيء أثقل من أمر الحسن ابن علي وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سماً فماتا منه. وكان الذي تولى ذلك من الحسن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قیس)(3).

أولاً- جهوده (علیه السلام) في حفظ الشريعة.

ترتكز جهوده (عليه الصلاة والسلام) في حفظ الشريعة في امرين أساسيين:

الأول - في كف القتل عن اتباع أهل البيت (عليهم السلام) بنحو خاص وأبناء الصحابة والتابعين بنحو عام، وذلك عبر المهادنة التي أجراها مع معاوية بن سفيان والتي كشف فيها عن الدوافع والأسباب التي كانت وراء هذا العمل - کما سیمر -.

ص: 200


1- تحف العقول: 238
2- تهذيب الكمال: 6 - 256
3- موسوعة طبقات الفقهاء - اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام): ج 1 ص 21 - 25

والامر الثاني: في انمائه للمسألة الشرعية وتعليم الناس احکام شريعة المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث سنورد بعض الشواهد في ذلك كما سيأتي في الفقرة جيم.

أما ما يخص جهده وجهاده (عليه السلام) في حفظ الدين واطلاع الدنيا فكان جلياً من خلال جملة من النصوص التي أوردها المصنفون في المصادر الإسلامية، فكان منها:

ألف- سعيه (عليه السلام) لحفظ ابناء الصحابة والتابعين لهم من ذَل السلطة وسلب حقوقهم الحياتية.

وهذه الحقيقة كشف عنها النص الذي أخرجه الشيخ الصدوق (رحمه الله) (ت 381 ه)؛ إذ يفيد النص التاريخي إن بعض أهل العراق عزموا على قتل الإمام الحسن (عليه السلام)، أو أسره وأرساله إلى معاوية لغرض الحصول على المال والجاه والسلطة كما كان معاوية يبث ذلك بين الناس.

دس معاوية إلى عمرو بن حريث، والأشعث بن قيس، وإلى حجر بن الحجر وشبث بن ربعي، دسیسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه انك ان قتلت الحسن ابن علي فلك مائتا ألف درهم، وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي.

فبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك فاستلام ولبس درعا وكفرها، وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة فلما صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر فأمر (عليه السلام) أن يعدل به إلى بطن جريحي وعليها عم المختار بن أبي عبيد مسعود بن قيلة.

ص: 201

فقال المختار لعمه: تعال حتى نأخذ الحسن ونسلمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق، فبدر بذلك الشيعة من قول المختار لعمه فهموا بقتل المختار فتلطف عمه لمسألة الشيعة بالعفو عن المختار ففعلوا.

فقال الحسن (عليه السلام):

(ویلکم والله ان معاوية لا يفي لاحد منكم بما ضمنه في قتلى واني أظن انی وان وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) واني أقدر أن أعبد الله وحدي ولكني كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون فبعدا وسحقا لما كسبته أيديكم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب يقلبون).

فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه، فكتب الحسن (عليه السلام) من فوره ذلك إلى معاوية:

(أما بعد: فان خطبي انتهى إلى اليأس من حق أحييه وباطل اميته وخطبك خطب من انتهى إلى مراده، وإنني اعتزل هذا الامر وأخليه لك وإن كان تخليتي إياه شرا لك في معادك ولي شروط أشرطها لا تبهظنك ان وفيت لي بها بعهد ولا تخف ان غدرت وكتب الشرط في كتاب آخر فيه يمينه بالوفاء وترك الغدر وستندم یا معاوية كما ندم غيرك من نهض في الباطل أو قعد عن الحق حين لم ينفع الندم والسلام)(1).

ويكشف قوله (عليه الصلاة والسلام) عن نقاط اساسية في حفظه

ص: 202


1- علل الشرائع : ج 1 ص 221؛ البحار للمجلسي: ج 44 ص 33

لشريعة جده (صلى الله عليه وآله وسلم).

1- إن معاوية لن يفي لأحد من الناس فغاية ما يهدف إليه هو قتل الإمام الحسن (عليه السلام)؛ وهذا الأمر لم يكن غائباً عن الإمام الحسن (عليه السلام)؛ ولذا: لا بد من تفويت الفرصة عليه كي لا تقع الأمة في التيه والضلال لخلو الأرض من حجة.

2- إن الهم الأساس الذي كان يهمله الإمام الحسن (عليه السلام) هو: أن يدين الناس بدین جده (صلى الله عليه وآله وسلم) وانه لقادر أن سالم معاوية أن يتركه يدين بهذا الدين، لكن الأمر لا يتعلق به وحده وانما بهذه الأمة التي ستخسر دينها ودنياها لحلول نقمة الله وعذابه عليهم لفسادهم في الأرض کما جرى في الأمم السالفة، وما قوم موسى وعيسى عنهم ببعيد.

ولذا؛ خاطبهم (عليه السلام) بقوله:

«إني وإن وضعت يدي في يديه فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وإني أقدر أن أعبد الله وحدي؛ ولكن كأني أنظر إلى ابناءكم...»

3- وهذه الرؤية إلى حال الأئمة وإلى من بقي من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتابعين لهم هي التي كانت وراء اقدامه على المهادنة والمسالمة مع معاوية، فيقول:

«ولكن كأني أنظر إلى ابناء کم واقفين على أبواب ابناءهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون، ولا يطعمون؛ فبعداً وسحقاً لما كسبته أيديكم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

ص: 203

باء- تصحيحه لمفهوم الخلافة وفرقها عن السلطة والحكومة منذ أن توفي رسول لله (صلی الله علیه و آله وسلم).

يرشدنا النص التاريخي عند قدوم معاوية إلى العراق بعد الوصول إلى اتفاق حول الصلح ومهادنة الإمام الحسن (عليه السلام) وايقاف القتال؛ إن معاوية أرتقى المنبر وقد أجتمع أهل العراق والشام على أرض النخيلة قرب الكوفة؛ ليخطب معاوية بالناس فيبين لهم سبب هذا الصلح مع الإمام الحسن (عليه السلام)؛ فقال:

(إن الحسن بن علي رأني للخلافة أهلاً، ولم ير نفسه أهلاً)(1).

وقد تكرر من معاوية هذا القول مرة أخرى حينما بلغه أن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا تراه للخلافة أهلاً، فقال للإمام الحسن عليه السلام: (يا أبا محمد ألا أعجبك من عائشة تزعم أني لست للخلافة أهلاً)(2).

وهذا المدعي الذي ادعاه معاوية يشتمل على أمور تتعلق بالأمن الفكري والأمن الإنساني في آن واحد وهي كالآتي:

1- إن معاوية آثر استخدام لفظ (الخلافة) ليثبت للناس أن توليه هذا المنصب سيكون تحت عنوان الخليفة، ومن ثم يترتب على الناس التسليم له بما ناله الخلفاء من قبله من شأنية وحقوق وطاعة.

ص: 204


1- الامالي للطوسي: ص 559؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 8؛ بحار الانوار: ج 44 ص 22
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 187؛ المستطرف للأبشيهي: ج 1، ص 273

2- إن هذه الخلافة هي الخلافة الإلهية التي خص الله تعالى بها علي بن أبي طالب وولده الإمام الحسن (عليهما السلام) ومن ثم يعد اكتسابه لهذا المنصب اکتساباً شرعياً له ما لعلي والإمام الحسن (عليه السلام).

3- ضربه للمرتكزات التي قامت عليها خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) في أذهان الناس وهي التعيين بالنص الإلهي والنبوي وإنه غير مؤهل لهذا المنصب ومن ثم لا صحة لما وقع في بيعة الغدير.

4- إسقاط الموالاة بالإمامة للإمام الحسن (عليه السلام) وإشراكها مع منصب الحكم والخلافة حينما تنازل منها لمعاوية.

وهذا في خصوص انهيار الأمن الفكري للمسلمين، أما ما يتعلق بالأمن الإنساني فيكمن فيما يلي:

1- لا شك إن هذا الجهد الذي بذله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي أشرنا إليه في مصاديق الأمن الإنساني في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما قام به أمير المؤمنين (عليه السلام) من جهد خلال هذه السنوات في دفع الضرر عن الإسلام ومحاربة الفساد أصبح اليوم منهاراً، فقد انتقل المسلمون إلى حياة مختلفة وذلك إن الإمام الحسن (عليه السلام) كان يمثل هذا الصرح القرآني والنبوي وقد وجد معاوية أهلاً لحياة جديدة وعلى الناس نسيان الماضي والاستعداد لحياة أخرى يقودها معاوية.

2- إن كل الذي قام به معاوية خلال توليه الحكم في زمن عمر بن الخطاب فكان واليه على الشام وما نتج منه من متغيرات في الحياة وسفك للدماء في صفين والتحريض في وقوع الجمل وما نتج عن التحكيم بين أهل

ص: 205

الشام وأهل الكوفة وافرازاته في ظهور الخوارج وقتالهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد اكتسب صفة الصواب، ومن ثم ما سيترتب عليه من متغيرات حياتية ينهار فيها الأمن الإنساني سيكون الملوم فيها هو الإمام الحسن (عليه السلام) - والعياذ بالله - لأنه كما يدعي معاوية قد وجده (للخلافة أهلاً). ولذلك: هذا الكم من الشبهات العقدية والانحرافات الفكرية والحياتية يقتضي من الإمام الحسن (عليه السلام) أن يبددها من أذهان الناس ويعيد الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح.

ولذا: يفيد النص التاريخي الذي أخرجه الشيخ الطوسي (رحمه الله) أن الإمام الحسن (عليه السلام) انتظر أن ينتهي معاوية من كلامه، وقد كان جالساً عنه بمرقاة من المنبر فلما نزل صعد الإمام الحسن (عليه السلام) المنبر فخطب بالناس رداً على هذه الافتراءات والشبهات، فقال: (عليه السلام) بعد أن حمد الله تعالى بما هو أهله فابتدأ بذكر آية المباهلة، فقال:

«فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النساء بأمي وكنا أهله، ونحن له، وهو منا ونحن منه.

ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في کساء لأم سلمة (رضي الله عنها) خيبري، ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»، فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وأمي، ولم يكن أحد يجنب في المسجد ويولد له فيه إلا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبي، تكرمة من الله تعالى لنا، وتفضيلا منه لنا.

ص: 206

وقد رأيتم مکان منزلنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمر بسد الأبواب فسدها، وترك بابنا، فقيل له في ذلك، فقال:

«أما إني لم أسدها وأفتح بابه، ولكن الله عز وجل أمرني أن أسدها وأفتح بابه».

وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، وتوثب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع أمنا ما جعل لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأقسم بالله لو أن الناس بایعوا أبي حين فارقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها یا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتی یرجعوا إلى ما تركوا». وقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسی (علیه السلام) فيهم واتبعوا السامري، وقد تركت هذه الأمة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله

ص: 207

وسلم) يقول:

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة».

وقد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصب أبي يوم غدیر خم، وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب، وقد كف أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يغث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا، وكذلك أبي.

وأنا في سعة من الله حين خذلتنا الأمة وبايعوك يا معاوية، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا. أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوه، وإني قد بايعت هذا «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(1)»(2).

جيم- لولا الصلح لما بقي احد من اتباع أهل البيت (علیهم السلام) على قيد الحياة.

لم يكتف الإمام الحسن (عليه السلام) ببيانه يوم التقى الجمعان للحق وكشف الشبهات وانما اتبعه ببيانات وايضاحات عديدة لعلة هذا العمل وجهاده من اجل حفظ شريعة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومما روي في ذلك:

ص: 208


1- الأنبياء: 111
2- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 560 حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 2، ص 480؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 44، ص 63

أ- روى الشيخ الصدوق (ت 381 ه) والطبرسي (رحمهما الله) (ت 458 ه) عن أبي سعيد عقيصي، قال:

(لما صالح الحسن بن علي بن ابي طالب (عليه السلام) معاوية بن ابي سفیان، دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عليه السلام):

«ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة علیکم وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي؟ قالوا: بلى، قال:

أما علمتم أن الخضر (عليه السلام) لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطا لموسی بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا، أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عیسی بن مریم (عليه السلام) خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير)(1).

ب- وفي رواية أخرى، أنه قال (عليه الصلاة والسلام):

«ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل»(2).

ص: 209


1- کمال الدين واتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص 316؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 9؛ بحار الانوار: ج 44 ص 19
2- علل الشرائع للصدوق: ج 1 ص 211

دال- إن الهدف هو الابقاء على الأمة من الهلاك.

أ- روى ابن اعثم اعتراض المسيب بن نجية الفزاري.

قال: (عليه السلام) مخاطباً المسيب بن نجبة الفزاري، وقد اعترض على الصلح لما رأى معاوية قد نقض البيعة، وانكر العهود، ومزق الوثيقة ووضعها تحت قدمه، فرد عليه قائلاً:

«یا مسيب إن الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه، ولو أني أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر مني على اللقاء، ولا أثبت عند الوفاء، ولا أقوى على المحاربة إذا استقرت الهيجاء. ولكني أردت بذلك صلاحكم، وكف بعضكم عن بعض، فارضوا بقضاء الله، وسلموا الأمر لله حتى يستريح بر، ويستراح من فاجرٍ»(1).

ب- وروى ابن اعثم الكوفي أيضاً اعتراض الصحابي حجر بن عدي على الصلح، فخاطبه الإمام الحسن (عليه السلام) قائلاً:

«یا حجر، اني قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كل إنسان يحب ما تحب، ولا رأية كرأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم، والله تعالى كل يوم في شأن»(2).

ثانياً- جهوده (علیه السلام) في حركة الفقه ونموه وتعليم الناس أحكام الشريعة.

تناولت الكثير من مصادر الحديث والفقه ما روي عنه (عليه الصلاة والسلام) في بيان الاحکام ومما يرشد إلى جهوده (عليه السلام) في تعليم

ص: 210


1- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4 ص 294 - 295
2- المصدر السابق

الناس ما يحتاجون إليه من شؤونهم الدينية والدنيوية.

ومما جاء في ذلك الكثير، نورد بعض الشواهد.

1- روى الطبراني في المعجم الكبير عن مسلم بن عیاض قال:

(سألت الحسن بن علي (عليه السلام) عن ركعتي الجمعة؟ فقال:

«هما قاضيتان عما سواهما»(1).

2- روى الطبرسي، عن عمیر بن مأمون، وكانت ابنته تحت الإمام الحسن (عليه السلام) قالت:

(دعا ابن الزبير الحسن إلى وليمة، فنهض الحسن (عليه السلام) و كان صائماً، فقال له ابن الزبير کن کما انت حتى نتحفك بتحفة الصائم، فدهن لحيته وجمر ثيابه.

وقال الحسن (عليه السلام):

«وكذلك تحفة المرأة تمشط وتجمل ثوبها»(2).

3- روى الطبراني في المعجم الكبير، عن حبيب بن أبي ثابت، عن الحسن بن علي، قال:

«کلاً قد فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أهل حين استوت به راحلته، وقد أهل وهو بالبيداء بالأرض قبل أن تستوي به راحلته»(3).

4- روى الشيخ الكليني عن محمد بن مسلم قال:

ص: 211


1- المعجم الكبير: ج 3 ص 70، برقم 2689
2- مکارم الاخلاق: ص 40 ص بحار الأنوار: ج 76 ص 143
3- المعجم للطبراني: ج 3 ص 89، ح 2752

السمعت أبا جعفر، وأبا عبد الله (عليهما السلام) يقولان:

«بَیْنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ (علیهما السلام) فِی مَجْلِسِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) إِذْ أَقْبَلَ قَوْمٌ فَقَالُوا یَا بَا مُحَمَّدٍ أَرَدْنَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع قَالَ وَ مَا حَاجَتُکُمْ قَالُوا أَرَدْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ وَ مَا هِیَ تُخْبِرُونَّا بِهَا فَقَالُوا امْرَأَةٌ جَامَعَهَا زَوْجُهَا فَلَمَّا قَامَ عَنْهَا قَامَتْ بِحُمُوَّتِهَا فَوَقَعَتْ عَلَی جَارِیَةٍ بِکْرٍ فَسَاحَقَتْهَا فَأَلْقَتِ النُّطْفَةَ فِیهَا فَحَمَلَتْ فَمَا تَقُولُ فِی هَذَا فَقَالَ الْحَسَنُ ع مُعْضِلَةٌ وَ أَبُو الْحَسَنِ لَهَا وَ أَقُولُ فَإِنْ أَصَبْتُ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ إِنْ أَخْطَأْتُ فَمِنْ نَفْسِی فَأَرْجُو أَنْ لَا أُخْطِئَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ یُعْمَدُ إِلَی الْمَرْأَهِ فَیُؤْخَذُ مِنْهَا مَهْرُ الْجَارِیَةِ الْبِکْرِ فِی أَوَّلِ وَهْلَةٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا یَخْرُجُ مِنْهَا حَتَّی یَشُقَّ فَتَذْهَبَ عُذْرَتُهَا ثُمَّ تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ وَ یُنْتَظَرُ بِالْجَارِیَةِ حَتَّی تَضَعَ مَا فِی بَطْنِهَا وَ یُرَدُّ إِلَی أَبِیهِ صَاحِبِ النُّطْفَةِ ثُمَّ تُجْلَدُ الْجَارِیَةُ الْحَدَّ قَالَ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ مِنْ عِنْدِ الْحَسَنِ ع فَلَقُوا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ مَا قُلْتُمْ لِأَبِی مُحَمَّدٍ وَ مَا قَالَ لَکُمْ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ لَوْ أَنَّنِی الْمَسْئُولُ مَا کَانَ عِنْدِی فِیهَا أَکْثَرُ مِمَّا قَالَ ابْنِی»(1).

وفي قضائه في زمن ابيه (عليهما السلام) قد ورد الكثير فمن اراد المزيد فعليه الرجوع إلى مضانه.

ثالثاً- أبرز اسماء من اخذوا عنه وعن اخية الإمام الحسين (علیهما السلام) الفقه وتصدوا للفتيا.

لقد أخذ مجموعة من الصحابة والتابعيين والموالي الفقه من الإمام الحسن واخيه الإمام الحسين (عليهما السلام) وذلك لكونها عاشا في فترة زمنية

ص: 212


1- الكافي: ج 7 ص 203؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 28 ص 168

واحدة وهي بنصف القرن الأول من الهجرة النبوية، وكان لهؤلاء اثراً كبيراً في نمو الفقه والإفتاء وقد قام بجمعهم الشيخ السبحاني في مقدمة موسوعة طبقات الفقهاء، وهم كالاتي:

1- عبد الله بن عباس، الملقب بحبر الأمة.

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي(1) المكّي(2)، المكنّى بأبي العبّاس، ابن عم النَّبي (صلَّى الله عليه وآله) والإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، ومن صحابتهما وصحابة الإمامين الحَسَنَين (عليهما السَّلَام)، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين(3)، من رواة الحديث عن النَّبي (صلَّى الله عليه وآله) وعن الإمام عَلِيّ والحَسَن والحُسَين (عليهم السَّلَام)، فكان يسمى البحر وحبر الأمة وترجمان القرآن، لسعة علمه ودعا له رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلّم) بالفهم في القرآن.

وهو أحد المكثرين من الصَّحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصَّحابة(4)، هو أول من املي في تفسير القرآن عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)(5)، ومن الموالين لأهل البيت (عليهم السَّلَام)، فلم يفارق الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) حتی شهادته، وبايع الإمام الحَسَن (عليه السَّلَام) ودعا النَّاس إلى مبايعته منوهًا بفضل أهل البيت (عليهم السَّلام).

ص: 213


1- عمدة القاريء، العيني: ج 1، ص 70
2- التّعديل والتّجريح، ابن أيوب الباجي المالكي: ج 2، ص 897
3- تحفة الأحوذي، المباركفوري: ج 8، ص 372
4- ينظر: تاریخ دمشق، ابن عساکر : ج 29، ص 285، وتقريب التّهذیب، ابن حجر: ج 1، ص 504
5- أعيان الشيعة، السَّيِّد مُحسن الأمين: ج 8، ص 55

2- عمرو بن دینار.

هو أبو محمد الجمحي، الحافظ الإمام عالم الحرم، مولاهم المكّي(1)، أحد أئمة الدين ورواة الحديث والفقهاء والمجتهدين، سمع ابن عباس وابن عمر وجابراً وبجالة بن عبدة وأنس بن مالك وعبيد ابن عمير وعبد الرّحمن بن مطعم وأبا الشعثاء وأبا سلمة وسعيد بن جبير وطاوسًا وخلقًا سواهم(2)، حدّث عنه شعبة وابن جريج والحمادان والسفيانان وورقاء وخلق سواهم(3).

وإن الكثير من العلماء قالوا فيه فمنهم:

قال الذهبي: الإمام الكبير، أحد الأعلام، وشيخ الحرم في زمانه، وقال الحاكم: هو من كبار التَّابعين، وكان من الحفّاظ المقدّمين(4).

وكان ينزل إلى أبي جَعفَر البَاقِر (عليه السَّلَام) ونحوه، وكان من أوعية العلم وأَئِمَّة الاجتهاد(5).

قال عبد الله بن أبي نجيع: ما رأيت أحداً قط أفقه من عمرو بن دینار....(6)

وقال ابن أبي نجيع: لم يكن بأرضنا أعلم من عمرو بن دينار، ولا في جميع الأرض.

ص: 214


1- تذكرة الحفاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 113
2- ينظر: تاريخ الإسلام، الذّهبي: ج 8، ص 117، وطبقات الحفاظ، السيوطي: ج 1، ص 50
3- تذكرة الحفاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 113
4- تذكرة الحفاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 113
5- ينظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي: ج 5، ص 301، و دراسات فقهيَّة في مسائل خلافية، الشيخ نجم الدين الطبسي: 67
6- المتفق والمتفرق، الخطيب البغدادي: ج 3، ص 1689

وجاء في مستدركات أعيان الشيعة عن ابن عيينة قال: ما كان عندنا أحدٌ أفقه من عمرو بن دينار، ولا أعلم، ولا أحفظ منه وقال أيضًا: عمرو ثقة، ثقة، ثقة، أفتى بمكة ثلاثين سنة وكان من اوعية وأئمة الاجتهاد(1)، وغير ذلك ممّن قال فيه.

أمَّا روايته لحديث العترة الطَّاهرة (عليهم السَّلَام)، فأخرج ابن سعد في طبقاته عن محمد بن عمر، عن إبراهيم بن یزید الجوزي، عن عمرو بن دینار، عن الحسن بن مُحمَّد بن عَلِيّ:

(أَنّ فَاطِمَّة (عليها السَّلَام) بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عقّت عن حَسَن [(عليه السَّلَام)] بجزور، وحلقت رأسه فتصدقت بزنته ذهبًا وفُضَّة على المساكين)(2).

وعن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دینار، عن أبي جعفر (عليه السَّلَام):

«إنَّ فَاطِمَة [(عليها السَّلَام)] وزنت شعر الحَسَن والحُسَين (عليهما السَّلام)، فتصدقت بوزن ذلك فُضّة»(3).

أما ما قيل فيه، فأخرج عبد الله الدارمي في سننه، عن عبد العزيز بن رفيع: قال سئل عطاء عن شيء قال لا أدري قال قيل له ألا تقول فيها برأيك قال إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي(4)، وغير ذلك من الآراء التي قيلت فيه.

ص: 215


1- مستدركات أعيان الشيعة، حسن الأمين: ج 3، ص 107 - 108
2- ترجمة الإمام الحَسَن (عليه السَّلَام) من طبقات ابن سعد، ابن سعد: ص 31
3- المصدر نفسه: ص 32
4- سنن الدارمي، عبد الله بن رحمن الدارمي: ج 1، ص 47

وقال محمد بن عبد الله الديباج: ما رأيت مفتياً خيراً من عطاء بن أبي رباح، إنّما كان مجلسه ذكر الله لا يفتُر، وهم يخوضون، فإن تكلَّم وسئل عن شيء أحسن الجواب(1).

أمَّا وفاته فقد توفي رحمه الله تعالى سنة (115 ه)(2).

3- عبد الرحمن بن أبي ليلى.

وهو بِلالِ بنِ بُلَيلِ بن أحيحة بن الجلاح من بني عمرو بن عوف لأنصاري، المدني، الفقيه المقرئ، الكوفي(3)، ويُكنَّى بأبي عيسی ويقال: أبو محمد(4)، ولد نحو سنة ثمان عشرة(5)، وروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السّلام)، وعن الإمامين الحَسَنَين (عليهما السَّلَام) وعن أبيه، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وأبي ذر الغفاري، وأُمّ هانئ بنت أبي طالب، وغيرهم(6).

روى عنه: ابنه عیسی، وابن ابنه عبد الله بن عيسى، وعمرو بن میمون الأودي، ويحيى بن الجزّار، والمنهال بن عمرو، والشعبي، وآخرون، وقرأ القرآن على الإمام عَلَيّ (عليه السَّلَام).

ص: 216


1- الطبقات الکبری، ابن سعد: ج 5، ص 469
2- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج 2، ص 43
3- ينظر: الطبقات الکبری، بن أبي سعد: 6/ 123، 168، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 424
4- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 424
5- المصدر نفسه: ج 1، ص 425
6- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء (المقدمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج 2، ص 136 - 137، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 425

قال عبد الملك بن عمير: أدركت ابن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من الصحابة منهم البراء بن عازب يستمعون لحديثه، وينصتون له.

وروي عطاء بن السائب عن ابن أبي ليلى قال: أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ما فيهم أحد يسأل عن شيء إلَّا أحبّ أن يكفيه صاحبه الفتيا، وأنّهم هاهنا يتوثّبون على الأُمور توثّباً(1).

فمن الرّوايات التي رواها عن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، هي ممَّا أخرجه القاضي النعمان المغربي في كتابه: شرح الأخبار: عن أبي ليلى، عن الإمام الحُسَين بن الإمام عَلِيّ (عليهما السَّلَام)، أنَّه قال:

(قال رسول الله: الزموا مودتنا أهل البيت، فإنّه من لقي الله يوم القيامة وهو يودّنا دخل الجنَّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إِلَّا بمعرفته بحقنا)(2).

وقيل: لأبي ليلی دار بالكوفة في جهينة خَرَجَ مَعَ مَن خَرَجَ عَلَى الحَجَّاجِ مع عبد الرّحمن بن محمد بن الأشعث، وَأَنَّه قُتِلَ بِدُجَيلٍ(3)، سنة ثَلاثَ وَثَمَانِينَ(4).

4- عبد الله بن عبيد بن عمير.

ص: 217


1- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 425
2- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 487 - 488
3- الطبقات الکبری، بن أبي سعد: 6/ 123، 168
4- التاريخ الأوسط، بن المغيرة البخاري: 1/ 180

هو عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، كنيته أبو هاشم، عداده في أهل مكة، يروي عن بن عمر وأبيه روى عنه الزّهري والناس وهو والد محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، ومات عبد الله بن عبيد سنة ثلاث عشرة ومائه، وكان مستجاب الدّعوة كانت السَّحابة ربما مرّت به أقسمت عليك ألّا تمطرين فتمطر(1).

وروي عن الإمام الحُسَين بن الإمام عَلِيّ (عليهما السَّلَام)، فمن تلك الرّوایات، ما أخرجه ابن أبي سعد في طبقاته: عن يعلى بن عبيد، قال: حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: (حجَّ الحُسَين بن عَلِيّ [(عليها السَّلَام)] خمسًا وعشرين حجَّة ماشیًا، و نجائبه تقاد معه)(2).

5- حبابة الوالبية.

وهي حبابة بنت جعفر، من أسد بن خزيمة بن مدركة، من بني سعد بن بکر بن زيد مناة، کنیتها أم النّدي، وتلقَّب بالوالبيَّة(3).

فكانت قد عاصرت وروت عن الإمام عَلِيّ والحَسَن والحُسَين والسَّجَّاد والباقر والصَّادق والكاظم والرّضا (عليهم السَّلَام)، وكانت من الموالين لآل البيت (عليهم السَّلام) وقال عنها الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام):

(وكانت امرأة شديدة الاجتهاد وقد يبس جلدها على بطنها من العبادة).(4)

ص: 218


1- الثّقات، ابن حيان: ج 5، ص 10 - 11
2- الطّبقات الکبری، ابن سعد: ج 1، ص 401
3- ينظر: الثّاقب في المناقب، ابن حمزة الطُّوسي: ص 562
4- بصائر الدرجات، بن فروخ الصَّفَّار: ص 191

کما اشتهرت بصاحبة الحصاة بسبب معجزة صدرت لها على يد أئمَّة الشِّيعة (عليهم السَّلَام) في الدّلالة على الإمامة، وذلك بختم حصاة بخاتم أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وبقاء أثر الخاتم عليها، وكذلك ختم الإمام الحَسَن والإمام الحُسَين (عليهما السَّلَام)(1)، فأخرج الشَّيخ الصّدوق في كتابه کمال الدين وغيره من المصنفين: أنَّها بعد أن ختم لها الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) على الحصاة، قالت: (انصرفت حتی قبض أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) فجئت إلى الحَسَن (عليه السَّلَام) وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه، فقال لي:

«یا حبابة الوالبية!». فقلت: نعم يا مولاي: فقال (عليه السَّلام): «هاتي ما معك»، قلت: فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)(2).

وكذلك من المعجزات الأخرى هي ردّ شبابها إليها وكان عمرها مائة وثلاث عشرة سنة، على يد الإمام عَلِيّ السَّجَّاد (عليه السَّلَام)(3).

وبقيت حبابة صاحبة الحصاة التي خُتمت من أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) في الدّلالة على الإمامة إلى أن أدركت الإمام الرِّضا (عليه السَّلَام)، وقال لها: من طبع فيها فهو إمام وبقيت إلى أيام الرضا (عليه السَّلَام) فطبع فيها، وقد شهدت من تقدم من آبائه (عليهم السَّلَام) وطبعوا فيه، وهو (عليه السَّلَام)

ص: 219


1- ينظر: کمال الدین وتمام النّعمة، الشَّيخ الصّدوق: ص 536 - 537
2- کمال الدین وتمام النّعمة، الشَّيخ الصَّدُوق: 536
3- ينظر المصدر نفسه: ص 537

آخر من لقيتهم، وماتت بعد لقائها إيَّاه (عليه السَّلام) وكفنها في قميصه(1).

6- عمیر بن مأمون.

هو عُمَير بنِ مَأمُونِ بنِ زَرَارَةَ(2) العطاردي(3)، هو رضيع الحَسَن المُجتبی (عليه السَّلَام)، سمع الإمامين الحَسَن والحُسَين (صلوات الله عليهما) وروی عنهم(4)، وروى عنه سعيد بن طريف، فمن الروايات التي رواها عن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن سعید بن طريف عَنه عَنِ الإمام الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ (عليهما السَّلَام): سَمِعتُ النَّبِيَّ (صَلَى اللهُ عَلَيهِ [وآله] وَسَلَّمَ) يَقُولُ:

(مَنْ أَدْمَنَ اَلاِخْتِلاَفَ إِلَی اَلْمَسَاجِدِ أَصَابَ أَخاً مُسْتَفَاداً فِی اَللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) أَوْ عِلْماً مُسْتَطْرَفاً أَوْ کَلِمَهً تَدُلُّهُ عَلَی هُدًی أَوْ أُخْرَی تَصْدّهُ عَنِ اَلرَّدَی أَوْ رَحْمَةً مُنْتَظَرَةً أَوْ تَرَكَ اَلذَّنْبَ حَیَاءً أَوْ خَشْیَهً)(5).

7- البهزي.

هو كعب بن مرة من بني سليم بن منصور بن عكرمة، المشهور بالبهزي(6)، له صحبة(7)، وكان يسكن الأردن، وهو الَّذِي رَوَي عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ [(وآله)] وَسَلَّمَ) فِي عثمان مثل ما روی عبد الله بن حوالة، ومات سنة سبع

ص: 220


1- الغيبة، الشَّيخ الطّوسي: ص 75 - 76
2- الكامل، عبد الله بن عدي الجرجاني: ج 3، ص 350
3- مستدرکات علم الرجال، الشّيخ علي النمازي الشاهرودي: 6/ 134
4- ينظر: المصدر نفسه: 6/ 134
5- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 14، ص 91 - 92
6- ينظر: المعجم الكبير، الطبراني، ج 1، ص 552
7- الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم، ج 7، ص 160

وخمسين(1)، روى عنه شرحبيل بن السمط، وأبو الاشعث الصنعاني وأبو صالح الخولاني، وعبد الله بن شقيق(2)، كُرَيبٍ السَّحُولِيِّ(3)، وغيرهم.

وروى عن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، فأخرج عنه الطبراني معجمه الكبير، قال: سألت الحُسَين بن عَلِيّ [(عليهما السَّلَام) عن تشهّد عَلِيّ [(عليه السَّلَام)] فقال:

(هو تشهّد رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) قال: التّحيّات لله والصَّلوات والغاديات والرَّائحات والزَّاكيات والنَّاعمات المتتابعات الطَّاهرات الله)(4).

8- إبراهيم الرافعي.

وأبوه، وجدّه، من الرّواة الذين رووا الحديث عن الإمامين الحَسَنَين (عليهما السَّلَام)، والذي قام بالرّواية عنهما عن طريق أبيه عن جدّه(5)، فجاء في ارشاد المفيد: روى إبراهيم الرَّافعي، عن أبيه، عن جدّه قال: (رأيت الحَسَن والحُسَين [(عليهما السَّلَام)] يمشيان إلى الحج فلم يمرا براكب إِلَّا نزل يمشي، فثقل ذلك على بعضهم، فقال سعد بن أبي وقاص للحَسَن (عليه السَّلَام): يا أبا مُحمد أنّ المشي قد ثقل على جماعة ممن معك من الناس إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا، فلم ما ركبتما؟ فقال الحَسَن [(عليه السَّلَام)]:

ص: 221


1- الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج 7، ص 290
2- الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم، ج 7، ص 160
3- معجم الصَّحابة، لابن قانع، ج 3، ص 57
4- المعجم الكبير، الطبراني، ج 3، ص 134
5- موسوعة طبقات الفقهاء، (المقدّمة)، الشيخ السبحاني: ج 2، ص 173

«لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام على أقدامنا ولكنا نتنكب عن الطريق»، فأخذا جانبا من الناس(1)، وكذلك مثله في مناقب ابن شهر آشوب(2).

9- بشير بن غالب الأسدي الكوفي.

يعد في الكوفيين، صحابي من قَبيلة بني أسد وكان من حكمائهم وأشرافهم اعتنق الإسلام وهو كبير في العمر وعندما ادعى طليحة بن خويلد الأسدي النبوة أنحاز عنه واعتزله وبقي على الإسلام وكان معه الصحابي غسان بن حبيش الأسدي، وقد ذكره وَثِيمَةُ فِي كتاب الردة(3).

روى عن أخيه بشر وروى عنه يزيد بن أبي زياد(4)، وروى عن الإمام الحُسَين بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام)، فمن الروايات التي رواها عنه (عليه السَّلَام)، ممّا أخرجه الكليني في الكافي: عن مُحَمَّدُ بنُ يَحيَى عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عِيسَى عَن عَلِيِّ بنِ الحَكَمِ أَو غَيرِه عَن سَيفِ بنِ عَمِيرَةَ عَن رَجُلٍ عَن جَابِرٍ عَن مُسَافِرٍ عَن بِشرِ بنِ غَالِبٍ الأَسَدِيِّ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ (عليه السَّلَام) قال:

(«مَنْ قَرَأ آیهً مِنْ کِتابِ اللهِ (عَزَّوَجَلَّ) فی صَلاتِهِ قائِماً یکْتَبُ لَهُ بِکُلِّ حَرْفٍ مِائَةُ حَسَنَةٍ فَاِذا قَرَأها فی غَیرِ صَلاةٍ کَتَبَ اللهُ لَهُ بِکُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَناتٍ وَ إِنْ إِسْتَمَعَ الْقُرْآنَ کَتَبَ اللهُ لَهُ بِکُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةً، وَ إِنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ

ص: 222


1- الإرشاد، الشيخ المفيد: ج 2، ص 128 - 129
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج 3، ص 168
3- ينظر: غالب بن بشر الأسدي نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين
4- الجرح والتعديل، ابن ابي حازم الرازي، ج 2، ص 377

لَیلاً صَلَّتْ عَلَیهِ الْمَلائِکَةُ حَتّی یصْبِحَ وَ إِنْ خَتَمَهُ نَهاراً صَلَّتْ عَلَیهِ الْحَفَظَةُ حَتّی یمْسِی وَ کانَتْ لَهُ دَعْوَهٌ مُجابَةٌ، وَ کانَ خَیراً لَهُ مِمَّا بَینَ السَّماءِ وَالأرْضِو»، قُلتُ: هَذَا لَمِن قَرَأَ القُرآنَ فَمَن يَقرَأ؟ قال (عليه السَّلَام):

«قال: یا أَخا بَنی أَسَدٍ، إِنَّ اللهَ جَوادٌ ماجِدٌ کَریمٌ إِذا قَرَأ ما مَعَهُ أَعْطاهُ اللهُ ذلِكَ»(1).

وأخرج الجرجاني في الكامل: عن أحمد بن الحسين الصوفي حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا يونس بن بکیر عن زياد بن المنذر، عن بشير بن غالب، عن الحُسَين بن عَلِيّ [(عليهما السَّلَام)] قال:

(رأيت رسول الله صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يشرب قائما)(2).

10- عطاء بن أبي رباح.

هو عطاء بن أسلم بن صفوان من ولد الجند (باليمن)(3)، وكان، یکنی: بأبي محمد(4)، مولى ل (بني فهر)(5)، القُرشي بالولاء، المكّي ويقال: ولاؤه لبني جُمح، نشأ في مكة، وكان ومن أجلاء العلماء والفقهاء الفضلاء والتَّابعين كثير الحديث وأحد ورواته في مكة، ومن مفتي أهلها و محدثهم(6)، وتفقّه

ص: 223


1- الكافي، الشَّيخ الكُليني، ج 2، ص 611
2- الكامل، عبد الله بن عدي الجرجاني، ج 3، ص 190
3- ينظر: المعارف، ابن قتيبة الدّينوري: ج 1، ص 444، والأعلام، الزركلي: ج 4، ص 235
4- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر: ج 4، ص 408
5- تاريخ أبي زرعة الدمشقي، ابي زرعة الدمشقي: 449
6- ينظر: الأعلام، الزركلي: ج 4، ص 235، تذکرة الفقهاء، العلَّامة الحليّ: ج 1، ص 108، موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 460 - 461

عطاء على عبد الله بن عباس(1)، روى عن: أُمّ سلمة، وأُم هاني، وعائشة، وابن عباس، وزيد ابن أرقم، وابن الزبير، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وابن الحنفية، ومجاهد.

وأرسل عن النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وعن أبي بكر والفضل بن العباس، وطائفة، روى عنه: مجاهد بن جَبر، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير، ومالك بن دينار، والأعمش، وأيوب السّختياني، وأيوب بن موسى، وبُديل ابن مَيسرة، وبُرد بن سنان، وعِسل بن سفيان، ومسلم البطين، وآخرون(2).

فقام برواية حديث الكساء ونزول آية التَّطهير عن أم سلمة، بحق الإمام عَلِيّ والحَسَن والحُسَين والسَّيِّدة فاطمة (عليهم السَّلَام)، فأخرج الطّبراني في معجمه عن حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، ثنا جعفر الأحمر، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عن أم سلمة أنّ فَاطِمَة جاءت بطعيم لها إلى أبيها وهو على منامة له في بيت أم سلمة، قالت: قال:

«اذهبي فادعي ابني وابن عمك»، فجاءوا فجللهم بكساء، ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»)، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال:

«أنت زوج النبي صلى الله عليه وسلم وإلى - أو على - خير»)(3).

ص: 224


1- تهذيب الأسماء واللغات، أبو زكريا النووي: ج 1، ص 19
2- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 461
3- المعجم الكبير، الطّبراني: ج 3، ص 54

11- عامر بن شراحيل الشعبي.

عامر بن شراحيل الشّعبي الحميري، أبو عمر الكوفي قاضي الكوفة من شعب همدان، وإليها ينسب، تابعي جليل ثقة، كان علَّامة أهل الكوفة، إمامًا حافظًا، ذا فنون، وقد أدرك خلقًا من الصَّحابة فقال: أدركت خمسمائة من الصّحابة، وروى عنهم ومنهم: الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) وزيد بن ثابت، وسعيد بن زيد وغيرهم، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي، والأعمش، وسعيد بن عمر(1) وغيرهم، فولد في سنة ست وثلاثين(2).

وروى أيضًا عن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، فأخرج ابن شهر آشوب في مناقبه: روى أبو مخنف عن الشعبي: انّه صلب رأس الحسين بالصيارف في الكوفة فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله: (انّهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى فلم يزدهم إلا ضلالًا). وفي أثر انّهم لما صلبوا رأسه على الشّجرة سمع منه:

(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، وسمع أيضا صوته بدمشق يقول:

(لا قوة إلا بالله) وسمع أيضا يقرأ: (ان أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)، فقال زيد بن أرقم: أمرك أعجب يا ابن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)(3).

ص: 225


1- ينظر: تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني: ج 5، ص 65، والجواهر الحسان في تفسير القُرآن، الثّعالبي: ج 1، ص 77 - 78
2- الانتصار، الشَّريف المرتضى: ص 566
3- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج 3، ص 218

وممَّا روي عن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) أيضًا: ما جاء في موسوعة كلمات الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) عن عامر الشعبي: (أنّ الحُسَين بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام) [لمّا رأى الفسطاط] قال: «لَمِن هذَا الفُسطاطُ؟» فقيل: لعبيد الله بن الحرّ الجعفي.

قال (عليه السَّلام): «أُدعُوهُ لي»، وبعث إليه، فلمّا أتاه الرَّسول، قال له: هذا الحُسَين بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام) يدعوك، فقال عبيد الله بن الحرّ: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والله! ما خرجت من الكوفة إلّا كراهة أن يدخلها الحُسَين (عليه السَّلَام) وأنا بها، والله ! ما أريد أن أراه ولا يراني.

فأتاه الرّسول فأخبره، فأخذ الحُسَين (عليه السَّلَام) نعليه فانتعل، ثمّ قام حتّى دخل عليه فسلّم وجلس، ثمّ دعاه إلى الخروج معه، فأعاد عليه ابن الحرّ تلك المقالة، فقال له الحُسَين (عليه السَّلَام):

«فَإِلاّ تَنْصُرْنا فَاتَّقِ اللّهَ أَنْ لا تَكُونَ مِمَّنْ يُقاتِلُنا، فَوَاللّهِ! لا يَسْمَعُ واعِيَتَنا أَحَدٌ ثُمَّ لَمْ يَنْصُرْنا إِلاّ هَلَكَ»، قال: أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله تعالى ثمّ قام الحُسَين (عليه السَّلَام) من عنده حتّى دخل رحله)(1).

12- أبو سعید دینار بن عقیصا التميمي.

هو: دینار أبو سعيد التيمي الكوفي ولقبه عقیصا، من صحابة أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، روى عَن أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، وحضر معه صفين، وورد الأنبار أيضًا في صحبته

ص: 226


1- موسوعة كلمات الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام): ص 445

عند عوده من صفين، وحدث عَن عبد الله بن عَبَّاس، روى عنه سليمان الأعمش، والحارث بن حصيرة، وفضيل بن مرزوق(1)، وكان شيعياً(2)، ورأى الإمامين الحَسَن والحُسَين (عليهما السَّلَام) وروى عنهما، فأخرج الطبراني في معجمه ممَّا رواه عن الحَسَنَين (عليهما السَّلَام): حدثنا عبد الله بن النعمان القزاز البصري حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن فضيل بن الاستثناء عن أبي سعيد التّيمي قال سمعت الحَسن والحُسَين [(عليهما السَّلَام)] يقولان:

«قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) من لبس مشهورًا من الثياب أعرض الله عنه يوم القيامة»(3).

وكذلك مما أخرجه عنه الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان القزاز ثنا سفيان بن وكيع ثنا إسماعيل بن أبان الوراق عن زياد بن المنذر عن أبي سعيد التيمي عن [الإمامين] الحَسَن والحُسَين [(عليهما السَّلَام)] عن النَّبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلّم)] نحوه(4).

13- مستقيم بن عبد الملك.

هو عثمان بن عبد الملك المكّي يُعد في أهل الحجاز مؤذن الكعبة، ومستقيم: هو لقبه، توفي في القرن الثَّاني للهجرة، وكان من رواة الحديث، فروى عن المُسيَّب المخزومي، وسالم بن عبد الله بن عمر العدوي، وعطاء

ص: 227


1- ينظر: تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج 14، ص 251
2- يُنظر: ميزان الاعتدال، الذّهبي: ج 3، ص 88
3- المعجم الكبير، الطّبراني: ج 3، ص 134
4- المصدر نفسه: ج 3، ص 134

بن اسلم النّوبي، وغيرهم، وروى عنه عطاء بن السَّائب الثقفي، ومُحمَّد بن ربيعة الكلابي، وأبو عاصم نبيل الضَّحَّاك بن مخلَّد الشيباني(1) وغيرهم.

ورأى مستقيم بن عبد الملك الإمامين الحَسَنَين (عليهما السَّلَام)(2)، وروى عنهم، فأخرج الهيثمي في مجمع الزَّوائد عنه قال: (رأيت على الحَسَن والحُسَين [(عليهما السَّلَام)] جوارب خز من صور ورأيتهما يركبان البراذين التحارية)(3).

وجاء في معجم الطّبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضر مي حدثنا جمهور بن منصور، حدثنا محمد بن ربيعة عن مستقيم بن عبد الملك قال: (رأيت الحَسَن والحُسَين [(عليهما السَّلَام)] شابًا وما يخضّبان)(4).

14- عبيد الله بن الحر الجعفي.

هو عبيد الله بن الحر بن المجمع بن حزيم الجعفي من أشراف أهل الكوفة(5)، فارس فاتك شجاع له وقائع عظيمة هائلة وأخباره في الشجاعة مشهورة(6)، من أعلام القرن الأوَّل الهجري، عاصر الإمام عَلِيّ والحَسَن

ص: 228


1- ينظر: الجرح والتعديل، للرازي: ج 6، ص 158، ولسان الميزان، ابن حجر العسقلاني: ج 7، ص 384، والحُسَين (عليه السَّلَام) والتشريع الاسلامي، دائرة المعارف الحُسَينيَّة: ج 6، هامش ص 227
2- تهذيب الكمال، المزّي: ج 19، ص 435
3- مجمع الزوائد، الهيثمي: ج 5، ص 144
4- المعجم الكبير، الطَّبراني: ج 3، ص 22
5- ذوب النضار، ابن نما الحليّ: 72
6- ينظر: المستطرف في كلّ فن مستظرف، الأبشيهي: ج 1، ص 365، نقد الرجال، التفريشي: ج 3، ص 180

والحُسَين (عليهم السَّلَام) وغيرهم، وكان ممَّن تخلَّف عن نصرة الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) في يوم الطَّف، وقد تندَّم وتأسَّف بعد ذلك(1)، ويروى عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، روى عنه سلیمان بن يسار(2)، وروي عن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) منها ما أورده النجاشي في رجاله: عن جابر، عن عمرو بن حریث، عن عبيد الله بن الحر: أنه سأل الحُسَين بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام) عن خضابه فقال (عليه السَّلَام):

«أما إنّه ليس كما ترون، إنَّما هو حناء وكتم»(3).

15- عبد الرحمن بن بزرج.

بن بزرج الفارسي، مولى أم حبيبة زوج النَّبيّ (صلَّى الله عليه [وآله])(4)، من رواة الحديث، فروى عن أبي هريرة(5)، وروى عنه سعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة(6).

ورأى الإمامين الحَسَنَين (عليهما السَّلَام)، وروى عنهما(7)، فأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن عبد الرحمن بن بزرج قال: (رأيت الحَسَن والحُسَين [(عليهما السَّلَام) ابني فَاطِمَة [(عليها السَّلَام)] يخضّبان بالسَّواد وكان

ص: 229


1- ينظر: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 37، ص 419 - ص 420
2- ينظر: الثقات، ابن حبان: ج 5، ص 66، والكامل في التَّاريخ: ج 4، ص 287
3- فهرست اسماء مصنفي الشّيعة (رجال النّجاشي)، النّجاشي: 9
4- إكمال الكمال، ابن ماكولا: ج 1، ص 256
5- المعجم الأوسط، الطَّبراني: ج 8، ص 359
6- الجرح والتعديل، الرازي: ج 5، ص 216
7- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشيخ جعفر السبحاني: ج 2، ص 138

الحُسَين (عليه السَّلَام) يدع العنفقة)(1).

16- عبد الله بن أبي زهير.

هو عبد الله بن أبي زهير النّخعي، مولى الإمام الحَسَن بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام)(2)، من رواة الحديث الذين رأوا الإمامين الحَسنَين (عليهما السَّلَام) ورووا الحديث عنهم، فأرج ابن حبان في الثقات عن شريك عنه أنَّه قال: (رأيت الحُسَين بن عَلِيّ (عليهما السَّلَام)] يخضّب بالوسمة)(3).

17- العيزار بن حريث العبدي(4).

من أعلام القرن الأول الهجري، من رواة الحديث، فسمع وروى الحديث عن ابن عباس، وروى عن أبي بصير وزيد بن صوحان(5)، وعن أم الحصين الأحمسية(6) وغيرهم الكثير، وحدث عنه يونس بن أبي إسحاق(7) واسماعيل بن أبي خالد(8)، عاصر الإمامين الحَسَنَين (عليهما السَّلَام) وروى عنه الحديث، فأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن العيزار بن حريث قال:

(رأيت الحَسَن والحُسَين [(عليهما السَّلَام)] يخضبان بالحناء والكتم)(9)،

ص: 230


1- مجمع الزَّوائد، الهيثمي: ج 5، ص 163
2- المعجم الكبير، الطّبراني: ج 3، ص 21 - 22
3- الثقات، ابن حبَّان: ج 8، ص 521
4- ينظر: المصنف، ابي شيبة الكوفي: ج 7، ص 567، ومسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل: ج 1، ص 182
5- السنن الكبرى، البيهقي: ج 2، ص 169، ج 3، ص 68، وج 4، ص 17
6- السّنَّة، ابن أبي عاصم: ص 492
7- مسند الحميدي، عبد الله بن الزبير الحميدي: ج 1، ص 174
8- المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي: ج 1، ص 411
9- مجمع الزوائد، الهيثمي: ج 5، ص 163

وأخرج ابن أبي شيبة الكوفي في المصنف، عن أبي بكر قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حریث قال: (كان الحُسَين بن عَلِيّ [(عليهما السَّلَام) ] يخضب بالحناء والكتم)(1).

المسألة الثانية: جهود الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي (علیهما السلام) في نمو الفقه وحفظ الشريعة.

أولاً- التعريف بشخصه (علیه السلام) وشطراً من سيرته.

تناولت الكثير من المصادر الإسلامية سيرته (عليه الصلاة والسلام) ولم تقل هذه السيرة عن سرة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو: (الأمام الثالث الحسين الشهيد (عليه السّلام) ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عبد الله القرشي الهاشمي، المدني، ثالث أئمة أهل البيت الطاهر، سبط الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة.

ولد في الثالث أو الخامس من شعبان سنة أربع للهجرة، وجئ به إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فأذّن في أُذنه اليمني، وأقام في اليسرى، وعقّ عنه بكبش، وسمّاه حسيناً.

أحبّه جدُّه المصطفی (صلَّی الله عليه وآله وسلَّم) حبًّا جمّاً، وغمره بعطفه وحنانه.

وقد رويت في حقّه أحاديث كثيرة، منها: قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

ص: 231


1- المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي: ج 6، ص 51

(حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسیناً، حسین سبط من الأسباط(1) وقال وقد أخذ بيد الحسن والحسين: هذان ابناي، فمن أحبّهما فقد أحبّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني).(2)

وقد تقدم في ترجمة أبيه علي، وأُمّه فاطمة، وأخيه الحسن (عليهم السلام) أحاديث تضمنت ذكره (عليه السّلام).

روى الإمام الحسين (عليه السّلام) عن: جدّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأبيه، وأُمّه، وأخيه الحسن (عليهم السلام).

روى عنه: ابنه علي زين العابدین (عليه السّلام)، وابنتاه: فاطمة، وسكينة، وابن أخيه زید بن الحسن، وثویر بن أبي فاخته، وبشر بن غالب الأسدي، والفرزدق الشاعر، وعامر الشَّعبي، وآخرون.

وكان الفرزدق قد لقي الحسين (عليه السّلام) وهو خارج من مكة إلى العراق، فسأله عن أشياء من نذور ومناسك(3) وكان الحسين (عليه السّلام) حيث يوجد يلتفّ حوله الناس كالحلقة، هذا يستفتيه في أمر دينه، وهذا يأخذ من فقهه، وهذا يستمع إلى روايته، وهذا يسأله لحاجته، وقد وصفه معاوية لبعض من سأله عنه، فقال:

إذا وصلت مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فرأيت حلقة

ص: 232


1- الترمذي (3775)، وتهذيب الكمال: 6 - 402، وسير أعلام النبلاء: 3 - 283
2- مختصر تاریخ دمشق: 7 - 120، وسير أعلام النبلاء: 3 - 284
3- والفرزدق هو القائل للحسين - عليه السّلام -، لما سأله عن الأوضاع في العراق: قلوب الناس معك، وأسيافهم عليك. بغية الطلب: 6 - 2613، و في رحاب أئمة أهل البيت: المجلد 2 - 90

فيها قوم كأنّ على رؤسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبد الله.

روي عن ابن عباس أنّه بينما هو يحدّث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق، فقال له: يا ابن عباس، تفتي الناس في النملة والقملة، صف لي إلهك الذي تعبد؟ فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله، وكان الحسين بن علي جالساً ناحية، فقال: (إليّ يا ابن الأزرق)، قال: لست إياك أسأل.

قال ابن عباس: يا ابن الأزرق إنّه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم.

فأقبل نافع نحو الحسين، فقال له الحسين:

(یا نافع، إنّ من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، سائلًا ناکباً عن المنهاج، طاعناً بالاعوجاج، ضالًا عن السبيل، قائلًا غير الجميل، يا ابن الأزرق: أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأُعرِّفه بما عرَّف به نفسه، لا يُدرك بالحواس، ولا يُقاس بالناس، قریب غير ملتصق، بعید غير منتقص، يوحد ولا يُبعَّض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلَّا هو الكبير المتعال).

فبكى ابن الأزرق، وقال: يا حسين ما أحسن كلامك!.. ثم قال ابن الأزرق بعد حوار جرى بينهما: لقد كنتم منار الإسلام، ونجوم الاحکام يعني علياً والحسن والحسين (عليهم السلام)(1)

وللإمام الحسين (عليه السّلام) خطب ووصايا وأدعية وحكم واحتجاجات ورسائل رواها المؤرخون والمحدثون وأرباب المقاتل في كتبهم.

ص: 233


1- مختصر تاریخ دمشق: 7 - 130، وبغية الطلب: 6 - 2585

وله روايات في الفقه، وفي التفسير(1) وكان موصوفاً بالفصاحة والبلاغة، خطب في يوم عاشوراء، وفي أشد الساعات بلاءً، فيما تزعزع ولا اضطرب، بل خطب في جموع أعدائه بجنان قوي، ولسان طلق، حتى قال قائد الجيش عمر بن سعد: ويلكم كلَّموه فإنّه ابن أبيه، والله لو وقف فیکم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حص.

ولقد جمع الحسين (عليه السّلام) أكرم الصفات وأحسن الاخلاق وأجل الفضائل علماً وزهادة وعبادة وشجاعة وسماحة وسخاءً وإباءً للضيم ومقاومة للظلم.

قال ابن أبي الحديد وهو يتحدث عن الحسين (عليه السّلام):

سيّد أهل الاباء الذي علَّم الناس الحمية، والموت تحت ظلال السيوف اختیاراً له على الدنيّة.

وقال السيد علي جلال المصري: ومع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصور بين فئته القليلة وجيش ابن زیاد في العدد والمدد، فقد كان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته تحيّر الألباب، ولا عهد للبشر بمثلها، كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها.

ومن أقوال الإمام الحسين (عليه السّلام):

ص: 234


1- وردت رواياته - عليه السّلام - في كتب كثيرة منها: أمالي الصدوق، معاني الأخبار، أمالي الطوسي، الأشعثيات (الجعفريات)، وغيرها. ثم إنّ كثيراً من الروايات التي رويت عن الامامين الباقر والصادق «عليهما السلام»، إنّما يرويانها بسندهما إلى الحسين - عليه السّلام -.

«الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه مادرت معايشهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء، قلّ الدیّانون».

وقال:

«لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهی عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي».

وقال للوليد بن عتبة: (أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبناختم، وزید فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله).(1)

وقد رثى الشعراء الإمام الحسين (عليه السّلام) فأكثروا، وجمع السيد محسن العاملي كتاباً في مختار مراثیه (عليه السّلام) من شعر المتقدمين والمتأخرين الموسوم ب «الدر النضيد في مراثي السبط الشهید» بلغ عدد أبيات الطبعة الثالثة منه نحواً من ستة آلاف بیت.

وممّن رثاه سلیمان بن قتَّة العدوي، فإنّه مرّ بكربلاء بعد قتل الحسين (عليه السّلام) بثلاث، فنظر إلى مصارعهم، وقال:

ص: 235


1- قال ابن كثير في البداية والنهاية: 8 - 233: وكان فيه أيضاً يعني يزيد إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب الأوقات، ونقل في ص 222 من نفس الجزء عن ابن الزبير أنّه كان يقول في خطبته: یزید القرود، وشارب الخمور، تارك الصلوات، منعكف على القينات

مررتُ على أبيات آل محمد *** فلم أرها أمثالها حين حلَّت

فلا يُبعد الله البيوت وأهلها *** وإن أصبحت عنهم برغمي تخلَّت

وكانوا رجاء ثم عادوا رزيّة *** لقد عظمت تلك الرزایا وجلَّت

وإن قتيل الطفّ من آل هاشم *** أذلّ رقاباً من قريش فذلَّت

ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضةً *** لفقد حسين والبلاد اقشعرّت

وقد أعولت تبكي السماء لفقده *** وأنجمها ناحت عليه وصلَّت)(1)

ثانياً- جهوده في حفظ الشريعة المحمدية وجهاده بنفسه وولده وصحبه وماله.

لعل الحديث عن ذلك كمن أراد أن يتحدث للناس عن الشمس ونورها، وهو وهم في يوم مشمس قد اخذهم حر الشمس وهجير الصحراء فاراد أن يبين لهم ذلك.

وعليه:

لا يمكن لعاقل أن ينكر جهاده (عليه الصلاة والسلام) و جهوده في حفظ شريعة جده المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم) وقد شهدت ارض کربلاء ما لم تشهده امة من الأمم فلولا رأسه المرفوع على شاهقة الرمح يتلوا القرآن ويردد سورة الكهف مصلوب على أبواب المدن في الكوفة ودمشق وفي الازقة والطرقات لما سمع الأذان في مساجد المسلمين

ص: 236


1- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام): ج 1 ص 26 - 33

بل: لما كانت لديهم مساجد حينها!!!(1).

ثالثًا- جهوده (علیه السلام) في نمو الفقه وتعليم الناس أحكام الشريعة.

ألف- أسماء أبرز من أخذ عنه الفتيا.

تناولت الكثير من المصادر التي تعنى بالحديث والتفسير والفقه ما روي عنه (عليه السلام) في انماء علم الفقه وتعليم الناس احکام دينهم ودنياهم في التربية والاخلاق والآداب والسنن، بل لم يخلو التعليم والارشاد ما يحتاج إليه الإنسان في مطعمه ومشربه ونومه ويقظته.

وعليه:

سنورد بعض مما روي عنه (عليه الصلاة والسلام) في بيان الاحکام الشرعية وغيرها.

فمما روي في ذلك في باب الطهارات:

1- روى المتقي الهندي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام):

إن حسناً و حسیناً دخل الفرات وعلى كل واحد منهما إزار، ثم قالا:

«إنّ للناء ساكناً»(2).

2- روی الحر العاملي وغيره قائلاً:

(سئل الحسين بن علي عليهما السلام): ما حد الغائط؟

ص: 237


1- لمزيد من الاطلاع ينظر: اغتيال التوحيد في ضوء الأنثروبولوجيا العقدية والبنائية الوظيفية لخطاب الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء للمؤلف؛ و: أثر رأس الإمام الحسين (عليه السلام) في احياء التوحيد وتوحيد الفكر للمؤلف أيضاً
2- کنز العمال: ج 9 ص 547 حدیث 27355

قال (عليه السلام):

«لا تستقبل القبلة، ولا تستدبرها، ولا تستقبل الريح، ولا تستدبرها»(1).

3- اخرج النسائي في سننه:

(إن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال:

(دعاني أبي علي بوضوء فقربته له، فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثم مضمض ثلاثا، واستنثر [استنشق] ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثا، ثم اليسرى كذلك. من فضل وضوئه قائما فعجبت، فلما رآني قال: لا تعجب؟ فإني رأيت أباك النبي (صلى الله عليه وآله) يصنع مثل ما رأيتني صنعت، يقول لوضوئه هذا، ويشرب [ليشرب] فضل وضوئه قائما)(2).

ومما روي عنه في باب الصلاة:

1- فقد روي عنه انه (عليه السلام) سئل عن الأذان؟ فقال:

«الوحي يتنزل علی نبیکم وتزعمون أنه أخذ الأذان عن عبد الله بن زید، والأذان وجه دینکم!؟ وغضب (عليه السلام) ثم قال: بل سمعت أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: أهبط الله عز وجل ملكا، حتى عرج برسول

ص: 238


1- وسائل الشيعة: ج 1 ص 252، الحدیث: 3؛ المعتبر للعلامة الحلي: ج 2 ص 13
2- السنن 1: 69 باب صفة الوضوء، جامع الأصول 8: 74، کنز العمال 9: 445 ح 26895. هذه الرواية مرسلة لا يعتمد عليها لمخالفتها لجل الروايات الواردة من طرق أهل البيت (عليهم السلام) في كيفية الوضوء

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ...» - وذكر حديث الإسراء بطوله، اختصرناه نحن ها هنا - قال فيه:

«فبعث الله ملكا لم ير في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فأذن مثنی وأقام مثنی، وذكر كيفية الأذان، وقال جبرائيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمد! هكذا أذن للصلاة»(1).

2- روي عن الحسين بن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استحباب القنوت في كل صلاة، وقال:

«رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقنت في صلاته كلها، وانا يومئذ ابن ست سنين»(2).

3- روى الطبراني، عن الهزي، قال:

(سألت الحسين بن علي (عليهما السلام) عن تشهد علي (عليه السلام)؟ قال:

«هو تشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)»؛ قلت:

فتشهد عبد الله؟ قال:

«أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجب أن يخفف على امته»، قلت: كيف تشهد علي بتشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: «التحيات لله، والصلوات والطيبات الغاديات الرائحات الزاكيات المباركات الطاهرات لله»)(3).

ص: 239


1- دعائم الإسلام 1: 142، مستدرك الوسائل 4: 17 ح 4062، جامع الأحاديث 4: 623 ح 1914
2- مستدرك الوسائل: ج 4 ص 396 ح 5
3- المعجم الكبير للطبراني: ج 3 ص 134 ح 2905؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 2 ص 141

وفي هذه اليسير كفاية من البيان، ومن اراد المزيد فعليه بمضانه في كتب الحديث والفقه.

باء- ابرز الفقهاء الذين تخرجوا من مدرسة الإمام الحسين واخيه الإمام الحسن (علیهما السلام).

لقد بذل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) جهوداً جبارة - بالنظر إلى ما احاط بهم من ظروف مرَّ بیان بعضها - في حفظ شريعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانماء الفقه وتدريسه.

ولذا:

فقد التحق بهذه المدرسة مجموعة من الفقهاء كان لهم الأثر الأعظم في نقل علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس ومنهم من درس عند الإمام علي (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) نورد اسماء بعضاً منهم ممن توفوا عام (60 ه) إلى عام (80 ه)، وهم كالاتي:

1- الحارث بن قيس الجعفي:

(ت قبل 60 ه) التابعي الكبير، كان من أصحاب علي (عليه السلام) وصفه الذهبي العابد الفقيه، وقال: كان كبير القدر، ذا عبادة وتأله(1).

2- جعدة بن هبيرة المخزومي:

ابن أخت علي أمير المؤمنين (عليه السلام) (ت 60 ه) ولد في عام الفتح وقيل: قبل الفتح وهو في عداد التابعين، كان فقيهاً، فارساً شجاعاً، ولي

ص: 240


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 287، تاريخ البخاري 2/ 279، حلية الأولياء 4/ 132، تاریخ بغداد 8/ 206، سير أعلام النبلاء 4/ 75، تهذيب التهذيب 2/ 154، رجال الشيخ: 38 رقم 8

خراسان لأمير المؤمنين(1).

3- علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي:

(ت 61 ه) التابعي الكبير، وصفه الذهبي بفقيه الكوفة وعالمها ومقرئها، الإمام الحافظ، المجود، المجتهد الكبير، الفقيه، وهو عم الأسود بن يزيد وأخيه عبد الرحمن، خال إبراهيم النخعي، كان من ثقات علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهد صفين، وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها، واستشهد أخوه أبي بن قيس ف صفين، خرج له الستة(2).

4- محمد بن عمرو بن حزم:

أبو عبد الملك الأنصاري النجاري (ت 63 ه) ولد سنة عشرة من الهجرة وسماه وکناه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واستشهد يوم الحرة، وعداده في التابعين، شهد مع علي (عليه السلام) مشاهده كلها، وكان من أشد الناس على عثمان، وصفه ابن الأثير بأنه كان فقيهاً فاضلاً من فقهاء المسلمين، روى المدائني أن بعض أهل الشام رأى في منامه أنه يقتل رجلاً اسمه محمد، فيدخل بقلته النار، فلما سیر یزید الجيش إلى الحرة خرج معهم فلم يقاتل خوفاً، مما رأى، فلما انقضت الحرب رأی محمداً جريحاً فسب الشامي فقتله، ثم ذكر الرؤيا، ثم سأل عنه، فعرف من هو فكاد الشامي

ص: 241


1- ينظر: طبقات ابن سعد 6/ 536، تاريخ البخاري 2/ 239، الثقات - لابن حبان - 4/ 115، الاستیعاب 1/ 240، شرح ابن أبي الحديد 10/ 77، تهذيب التهذيب 2/ 81، رجال الشيخ: 14 و 37
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 207، تاریخ البخاري 7/ 41، المعارف: 245، حلية الأولياء 2/ 98، تاریخ بغداد 12/ 296، طبقات الشيرازي: 76، سير أعلام النبلاء 4/ 53، تهذیب التهذيب 7/ 276، رجال الكشي 1/ 317

يموت غیظاً(1).

5- عمرو بن شرحبيل:

أبو میسرة الهمداني الكوفي (ت 63 ه) من كبار التابعين، ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهد معه صفين، كان فقيهاً، زاهداً، عابداً، خرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي(2).

6- الحارث بن عبد الله:

بن کعب بن أسد الهمداني الأعور (ت 65 ه) التابعي الكبير، وصفه الذهبي بالعلامة الإمام، وأنه كان فقيهاً كثير العلم ومن أوعية العلم، ومن الشيعة الأول، وقال أبو بكر بن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي (عليه السلام)، وثقه يحيى بن معين، والنسائي، وخرج له الأربعة، وكذبه الشعبي لتشيعه فحسب، قال ابن عبد البر: أظن الشعبي عوقب - لأن إبراهيم النخعي كذب الشعبي - لقوله في الحارث الهنداني: حدثني الحارث وكان أحد الكذابين، ولم يبن من الحارث كذب، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على غيره، ومن هاهنا والله أعلم كذبه الشعبي؛ لأن الشعبي يذهب إلى تفضيل أبي بكر وإلى أنه أول من أسلم. وقال ابن حبان: كان الحارث غالباً في التشيع(3).

ص: 242


1- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 72، التاريخ الكبير 1/ 189، الاستیعاب 3/ 1374، أسد الغابة 4/ 330، رجال الشيخ: 29 رقم 37
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 226، تاريخ البخاري 6/ 341، الجرح والتعدیل 6/ 237، مشاهير علماء الأمصار: 168 رقم 782، حلية الأولياء 4/ 141، سير أعلام النبلاء 4/ 135، تهذيب التهذيب 8/ 47
3- ينظر: تاريخ البخاري 2/ 273، المعارف: 341، الأعلام النفسية: 219، جامع بیان العلم 2/ 189، طبقات الشيرازي: 77، سير أعلام النبلاء 4/ 152، تهذيب التهذيب 2/ 145، رجال البرقي: 4، رجال الكشي 1/ 299

7- رفاعة بن شداد:

بن عبد الله بن قيس البجلي الفتياني (ت 66 ه) التابعي الكبير من أصحاب علي والحسين (عليهم السلام) قتل مع المختار طلباً بثأر الحسين (عليه السلام)، كان فقيهاً، قارئاً، شاعراً من خيار أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، خرج له النسائي وابن ماجة(1).

8- قبيصة بن جابر:

بن وهب بن مالك الأسدي الكوفي (ت 69 ه) التابعي الكبير، يعد في الطبقة الأولى من فقهاء أهل الكوفة وكان يعد من أصحاب علي (عليه السلام) و شهد معه الجمل وصفين وأبلى البلاء الحسن فيهما، وهو القائل الأميرالمؤمنين (عليه السلام) يوم صفين: يا أمير المؤمنين إن استهانة النفوس في الحرب أبقى لها، والقتل خير لها في الآخرة، عده اليعقوبي من الفقهاء في أيام بعد الملك بن مروان، كان يعد من الفصحاء(2).

9- أبو الأسود ظالم بن عمرو الدولي التابعي الكبير:

(ت 69 ه) الفقيه، المحدث، الأديب، النحوي، وصفه الذهبي بالعلامة

ص: 243


1- ينظر: التاريخ الكبير 3/ 322، الجرح والتعديل 3/ 493، الثقات - لابن حبان - 4/ 240، مشاهير علماء الأمصار: 172 رقم 807، أنساب السمعاني 4/ 346، تهذيب التهذيب 3/ 281، رجال الشيخ: 41، 68
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 266، التاريخ الكبير 7/ 175، تاريخ الثقات - للعجلي -: 388 رقم 1376، تاريخ اليعقوبي 2/ 204، وقعة صفين: 311، الثقات - لابن حبان - 5/ 318، مشاهير علماء الأمصار: 171 رقم 800، تهذيب التهذيب 8/ 344

الفاضل، قاضي البصرة، وقال: كان من وجوه الشيعة، ومن أكملهم عقلاً ورأياًن، كان من المنقطعين إلى علي (عليه السلام) وشهد مشاهده، وهو غني عن التعريف، خرج له الستة(1).

10- عبيدة بن عمرو:

وقيل: قيس السلماني المرادي الهمداني التابعي الكبير (ت 72 ه وقيل: قبل 70 ه) عده البرقي من أولياء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وشهد معه النهروان، وصفه الذهبي بالفقيه، أحد الأعلام، قال محمد بن سیرین: أدركت أهل الكوفة وهم يقدمون خمسة، من بدأ بالحارث الأعور، ثنی بعبيدة السلماني، ومن بدأ بعبيدة، ثني بالحارث، ثم علقمة، ثم مسروق، ثم شريح، وقال أبو إسحاق الشيرازي: كان يقال: ليس بالكوفة أعلم بالفريضة من عبيدة والحارث الأعور، وكان عبيدة يجلس في المسجد، فإذا ورد على شریح فريضة فيها حد رفعها إلى عبيدة ففرض، خرج له الستة(2).

11- عبد الله بن حبيب:

أبو عبد الرحمن السلمي (ت 74 ه) وصفه الذهبي بمقرئ الكوفة، الإمام العلم، وعده البرقي من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذ القراءة عنه، قال ابن قتيبة: من أصحاب علي كان مقرئاً ويحمل عنه الفقه،

ص: 244


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 98، تاريخ البخاري 6/ 334، الجرح والتعدیل 4/ 503، تاریخ دمشق 25/ 176، سير أعلام النبلاء 4/ 81، تهذيب التهذيب 12/ 10، رجال الشيخ: 46
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 213، تاريخ البخاري 6/ 82، المعارف: 242، الاستیعاب 3/ 1023، تاریخ بغداد 11/ 117، طبقات الشيرازي: 77، سير أعلام النبلاء 4/ 40، تهذيب التهذيب 7/ 84، رجال البرقي: 4

خرج له الستة(1).

12- سوید بن غفلة:

بن عوسجة الجعفي الكوفي التابعي الكبير (ت 75 ه) كان فقيهاً عابداً قانعأ كبير القدر، وكان من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام)، وشهد معه صفين، وصفه الذهبي بالإمام القدوة، خرج له الستة(2).

13- عبد الرحمن بن غنم الأشعري:

(ت 78 ه) من أصحاب علي (عليه السلام) ومن كبار التابعين، وصفه الذهبي بالفقيه الإمام بعثه عمر إلى الشام بفقه الناس، قال ابن عبد البر: وهو الذي عاتب أبا هريرة وأبا الدرداء بحمص إذ انصرفا من عند علي (عليه السلام) رسولين لمعاوية، وكان مما قال لهما: عجباً منکما، كيف جاز عليكما ما جئتما به، تدعوان علياً أن يجعلها شوری وقد علمتا أنه قد بايعه المهاجرون والأنصار، وأهل الحجاز والعراق.

وأن من رضيه خير ممن كرهه، ومن بایعه خير ممن لم يبايعه وأي مدخل لمعاوية في الشورى، وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة، وهو وأبوه من رؤوس الأحزاب، فعندما على مسيرهما وتابا منه بين يديه. قال ابن قتيبة وغيره: ففشا قوله وقولها، فهم معاوية بقتله، ثم راقب فيه عشيرته، خرج

ص: 245


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 291، التاريخ الكبير 5/ 72، المعارف: 294، حلية الأولياء 4/ 191، تاریخ بغداد 9/ 430، سير أعلام النبلاء 4/ 267، تهذيب التهذيب 5/ 183، رجال البرقي: 548
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 190، تاريخ البخاري 4/ 142، الاستیعاب 2/ 679، حلية الأولياء 4/ 174، الثقات - لأبن حبان - 4/ 321، سير أعلام النبلاء 4/ 69، تهذیب التهذيب 4/ 278، رجال البرقي: 4، الاختصاص: 3

له الستة سوى البخاري(1).

14- خيثمة بن عبد الرحمن:

بن أبي سبرة الجعفي الكوفي (ت بعد 80 ه) الفقيه التابعي الكبير، لأبيه ولجده صحبة، وكان من العلماء العباد، روى عنه الستة(2).

15- محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية:

(ت 81 ه) وصفه الذهبي بالسيد الإمام، كان فقيهاً كثير العلم، وكان فارساً شجاعاً مقداماً، وهو غني عن التعريف، روى عنه الستة(3).

المسألة الثالثة: جهود الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) في نمو الفقه وحفظ الشريعة.

أولاً- التعريف بشخصه وشطر من سيرته (علیه السلام).

وهو: الإمام الرابع من أئمة العترة النبوية، (علي زين العابدين عليه

ص: 246


1- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 444، تاريخ البخاري 5/ 247، الإمامة والسياسة 1/ 128 - 129، الفتوح - لابن اعثم - 3/ 60، الجرح والتعدیل 5/ 274، مشاهير علماء الأمصار: 180 رقم 851، الاستیعاب 2/ 850، سير أعلام النبلاء 4/ 45، تهذيب التهذيب 6/ 250، رجال الشيخ 25 رقم 89
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 403، تاريخ البخاري 3/ 215، حلية الأولياء 4/ 113، سیر أعلام النبلاء 4/ 320، تهذيب التهذيب 3/ 178، رجال البرقي: 15، رجال الشيخ: 120
3- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 93، تاريخ البخاري 1/ 182، مشاهير علماء الأمصار: 103 رقم 419، حلية الأولياء 3/ 174، طبقات الشيرازي: 56، سير أعلام النبلاء 4/ 110، تهذيب التهذيب 9/ 354

السلام، ابن الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب، الطاهر، أبو محمد القريشي، الهاشمي، العلوي.

ولد: بالمدينة المنورة في الخامس من شعبان، وقيل غير ذلك، سنة ثمان وثلاثين وقيل سبع وثلاثين، وكان له من العمر حين قام بأعباء الإمامة بعد استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام) اثنان وعشرون عاماً أو ثلاثة وعشرون.

ومن ألقابه: زین العابدين والسّجاد، وذو الثفنات، وأشهرها زين العابدين وبه كان يُعرف.

قال أبو الزبير: كنا عند جابر، فدخل عليه علي بن الحسين، فقال: کنت عند رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل عليه الحسين بن علي، فضمه إليه، وقبّله، وأقعده إلى جنبه، ثم قال:

«يولد لابني هذا ابن يقال له علي، إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ من

ص: 247

بطنان العرش: ليقم سيد العابدین، فيقوم هو».

وجاء في تذکرة الخواص لابن الجوزي إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمأه بهذا الاسم. وجاء في تسميته بذي الثفنات عن الباقر (عليه السلام) قال:

«كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة يقطعها في كل سنة من طول سجوده، وكثرته».

نشأته: نشأ زین العابدين في بيت النبوة، الذي توالت عليه المصائب، والنكبات، وكان (عليه السلام) على صلة وثيقة بالأحداث التي أعقبت تربع یزید بن معاوية على كرسي الحكم، والذي اعتبر تحدياً للإسلام وإهانة للمسلمين، ممّا دعا الإمام الحسين إلى الثورة لمواجهة الخطر، فقاد (عليه السلام) موكب الثائرين ضد الفساد والطغيان، وكان زين العابدين في ذلك الموكب الحسيني الثائر، ورأى بأم عينيه - وأنصارهم على صعيد کربلاء، وشهد تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت بحقهم.

أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) سجّل موقفاً بطولياً، بإراقة دمه، ودماء أهل بيته، وأصحابه، من أجل إحياء مفاهيم الرسالة، وإيقاظ إرادة الأمّة، فجاءت الثورة دامية، باعتبارها الاسلوب الأنجع في تحريك الإرادة المهزومة، وإيقاظ الضمائر الميتة.

ويأتي دور زین العابدين لإكمال عملية التغيير الثورية، فاتخذ المواقف التي تملأ النفوس غضباً مقدّساً على الحكم الظالم، ولم يترك مناسبة دون أن يذكر بالمصائب التي حلت بأهل البيت، حملة الإسلام المخلصين، مما أدى

ص: 248

إلى تحفيز وإلهاب الشعور بالإثم الذي أحسه المسلمون عقب مقتل الحسين (عليه السلام)، لتقاعسهم عن نصرته، وموقفهم المتخاذل منه.

وبدافع هذا الشعور، انطلقت الثورات فكانت ثورة المدينة، وثورة التوابين بالكوفة، وتوالت الثورات حتی زعزعت أركان الحكم الأموي، وأسقطته في نهاية المطاف.

توفي: شهیداً مسموماً في الخامس والعشرين من المحرم، سنة أربع وتسعين، وقيل: خمس وتسعين ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، إلى جوار ضریح عمد الإمام الحسن المجتبى عليهم السلام).

ثانياً- جهوده في حفظ شريعة جده (صلی الله علیه و آله وسلم) وجهاده في تعليم الناس وانقاذهم من الضلال.

ترتكز جهود الإمام في حفظ شریعة المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم) بعد أن عصفت بالأمة فاجعة كربلاء فهدت ارکان الهدى في ارجاع الناس إلى الله تعالى وتهذيب النفوس على الدعاء والمناجات فكان ملاذ كل خائف ومأوى كل شارد وملجئ كل هارب يلتمس نفحات التوبة ويتوق إلى ریاض الرحمان ورضارب الجنان؛ فكانت الصحيفة السجادية.

وهذه الصحيفة التي عالجت مختلف أدواء النفس البشرية، وتضمنت حلًا لكثير من المشاكل الاجتماعية، وزخرت بالعديد من الأساليب التربوية، كل ذلك في أسلوب رائع يشدّ الانسان إلى خالقه، ويعمّق ارتباطه الروحي به.

وقد أرسل أحد الاعلام نسخة من الصحيفة مع رسالة إلى العلامة الشيخ الطنطاوي (المتوفي عام 1358 ه) صاحب التفسير المعروف، فكتب في

ص: 249

جواب رسالته: ومن الشقاوة إنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيّم الخالد في مواريث النبوة، وأهل البيت، وإنّي كلَّما تأملتها رأيتها فوق کلام المخلوق، ودون کلام الخالق).

قال محمود البغدادي:

وصحيفة كانت طليعة ثورةٍ *** كبري، ودربَ سیاسةٍ وحلولِ

وصحيفة كانت لآل محمّدٍ *** إنجيلهم .. لله من إنجيلِ

وصحيفة ملءَ الهدايةِ صاغها *** ظلُّ النبوّة لانتشالِ الجيل

كالشمس في إعطائها والسيف في *** ضرباته لملفّق ودخيلِ

كالروض إلَّا أنّها قد أورقت *** حرًّا وقرّا دونما تعطيلِ)(1)

ثالثاً- جهوده (علیه السلام) في نمو علم الفقه وتطوره.

ترتكز جهوده (عليه الصلاة والسلام) في انماء علم الفقه في ثلاثة أمور:

الأول: وضعه للعديد من التصانيف في الدعاء، والحديث، والفقه، وتهذيب النفس، والاخلاق کرسالة الحقوق التي احتوت على نظام للحياة والعلاقات الفردية والجماعية.

والثاني: في تأسيسه لأول مدرسة فقهية في داره خصصها للموالي بعد قيامه بشرائهم وجذب من وجدوا في المدينة إلى هذه المدرسة وتعليمهم

ص: 250


1- موسوعة طبقات الفقهاء، الشيخ جعفر السبحاني: ج 1 ص 257

الفرائض والسنن وابواب الفقه ومسائله ثم يقوم بعتقهم وتحميلهم الاموال والمؤنات كي يستعينوا على نشر الشريعة في بلدانهم وبين قومهم أو في المدينة ومكة والعراق والشام، فانتشر علم الفقه وراج بين الناس لا سیما بين الموالي.

الأمر الثالث: تتلمذ على يديه مجموعة من الصحابة والتابعيين في الفقه فكانوا من أبرز أهل الفتيا في زمانهم وهي كالاتي:

ألف- تصانیفه لجملة من العلوم.

لقد مر سابقا بیان ابتداء مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) بالتدوين والتصيف في العلوم منذ عصر النبوة واستمرت هذه الحركة العلمية في هذه المدرسة، فكان للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) مجموعة من الكتب في العلوم المختلفة، وهي كالاتي:

1- الصحفية السجادية:

وقد مرّ انفاً الحديث عنها وبيان منزلتها واثارها في العقيدة والتربية والنفس، والاجتماع، والاسرة وغيرها من علوم الحياة.

2- رسالة الحقوق.

أما مايخص رسالة الحقوق (التي تشتمل على خمسين مادة، بيّن فيها حق الله تعالى، على الإنسان وحقوق نفسه عليه، وحقوق اعطائه من اللسان، والسمع والبصر، والرجلين، واليدين، والبطن والفرج، ثم يذكر حقوق الافعال من الصلاة والصوم والحج، والصدقة، والهدي وحق الوالد، وحق

ص: 251

الولد، وحق المعلم، ثم يذكر حقوق الأئمة والرعية وغيرها من الحقوق)(1)؛ وقد رواها الحسن بن شعبة(2)، والشيخ الصدوق(3). والمجلسي(4) وغريهم(5).

3- کتاب مناسك الحج.

وهي رسالة ضمت أحكام الحج، وتتكون من ثلاثين باباً، وقد رواها عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ثلاثة من ابنائه وهم الإمام محمد الباقر (عليه السلام) وزيد الشهيد، وحسين الاصغر.

4- كتاب الزهد.

وهو كتاب رواه عنه أبو حمزة الثمالي (ثابت ابن ابي المقدام، وقد قرأه على الإمام في حياته (عليه السلام).

قال رحمه الله:

(قرأت صحيفة فيها كلام زهد، من كلام علي بن الحسين (عليه السلام)، وكتب ما فيها، ثم أتيت علي بن الحسين (صلوات الله عليه)، عرضت ما بها عليه، فعرفه وصححه)(6).

ص: 252


1- موسوعة طبقات الفقهاء - اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام؛ المقدمة: ج 2 ص 122
2- تحق العقول: ص 55 - 272
3- الخصال، أبواب الخمسين: ص 564 - 571
4- بحار الأنوار: ج 71 ص 3 - 22
5- مستدرك الوسائل للمحدث النووي:ج 11 ص 155 - 171
6- الفهرست للشيخ الطوسي: ص 67، برقم 138؛ الكافي للكليني: ج 8 ص 14 - 17؛ الشيعة والسيرة النبوية للمؤلف: ص 154

5- کتاب الجامع في الفقه.

وقد رواه عنه أبو حمزة الثمالي، وعبد الله بن إبراهيم بن الحسين الاصغر بن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)(1).

6- كتاب الأحاديث.

ويشتمل على أحاديث الإمام زين العابدین (عليه السلام)، وقد جمعه ابو سليمان الدهقان الكوفي، وهو (داود بن يحيى بن بشير)(2).

باء- مدرسته العلمية.

وأما مدرسته في الفقه والحديث، فقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله الرواق عنه (عليه السلام) ورتبها على حروف المعجم فكانوا ينهلون من معينه، فبلغوا مائة وخمس وسبعون، وهم بين صحابي وتابعي(3).

ومن أبرز من حدث عنه: سعید بن المسيب، وسعيد بن جبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وابو الزناد، ويحيى ابن أم الطويل، وعمرو بن دینار، والزهري، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد الأنصاري)(4) وطائفة كبيرة غير هؤلاء.

وكان (عليه السلام) يتتبع احوالهم، ويتفقد احتياجاتهم، ويحنو عليهم کالأب العطوف المشفق، وهذا هو شأن الإمامة اتجاه الرعية ويكفي في ذاك

ص: 253


1- رجال النجاشي: ص 116؛ برقم 298
2- رجال النجاشي: ص 157 برقم 415
3- رجال الطوسی: ص 81 - 102
4- موسوعة طبقات الفقهاء - اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام؛ المقدمة: ج 2 ص 122

أنه كان المنقذ لابن شهاب الزهري حينما قتل شخصاً خطأً، فهام على وجهه وترك أهله، وضرب قسطاطاً، وقال:

لا يظلني سقف بيت، فمرَّ به زین العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) فقال:

«يا ابن شهاب، قنوطك أشد من ذنبك، فاتق الله، وأستغفره، وابعث إلى أهله بالدية، وارجع إلى أهلك».

فكان الزهري يقول:

(علي بن الحسين اعظم الناس عليَّ منّة)(1)

وقال ايضاً: (ما رأيت أفقه من علي بن الحسين)(2).

ومما لا ريب فيه ان تعظيم ابن شهاب الزهري واقراره بفضله وعلمه في الحلال والحرام وشريعة خير الأنام (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن تملقاً ولا تزلفاً وانما هو واقع الحال الذي كانت عليه المدينة ومكة وبلاد المسلمين فمن أفقه من رابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) آنذاك لا سيما وان ابن شهاب كان بصيراً برواة حديث جمهور المسلمين وأهل العلم في زمانه کما دل عليه حديثه مع عبد الملك بن مروان حينما سأله عن أهل الفتيا ومن تصدی لها في البلاد.

فقد روى الحاكم النيسابوري، وابن عساكر الدمشقي، وابن الصلاح والمزي، والذهبي، والدميري، عن أبي شهاب الزهري:

ص: 254


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5 ص 214
2- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1 ص 75

قال: (قدمت على عبد الملك بن مروان، فقال لي: من این قدمت یا زهري؟ قالت: من مكة، قال: فمن خلفت يسود أهلها؟ قال:

قلت: عطاء بن أبي رباح(1)، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي قال: وبم سادهم؟ قالت قلت: بالديانة والرواية قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا، فمن يسود أهل اليمن؟ قال:

قلت: طاووس بن كيسان(2)، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: وبم سادهم؟ قال قلت: بما سادهم به عطاء، قال: إنه لينبغي، فمن يسود أهل مصر؟ قال:

ص: 255


1- عطاء بن أبي رباح أسلم المكي (ت 114 ه) تابعي، أحد رجال الصحيح وفقيه مكة في حينه عند الجمهور، روی عن عائشة وأبي هريرة وأخذ عنه أبو حنيفة، قال يحيى بن سعيد القطان: مرسلات مجاهد أحب إلينا من مرسلات عطاء بكثير، كان عطاء يأخذ من كل ضرب. وقال أحمد بن حنبل: ليس في المرسل أضعف من مرسل الحسن وعطاء، كان يأخذان عن كل أحد، وقال علي بن المديني: كان عطاء بآخرة قد ترکه ابن جريج، وقيس بن سعد، وروى الأثرم عن أحمد ما يدل على أنه كان يدلس. ولم يكن يحسن العربية، روی العلاء بن عمرو الحنفي، عن عبد القدوس، عن حجاج، قال عطاء: وددت أني أحسن العربية، قال: وهو يومئذ ابن تسعين سنة. انظر: تاريخ البخاري 6/ 463، الجرح والتعدیل 6/ 330، میزان الاعتدال 5/ 90 رقم 5647، سير أعلام النبلاء 5/ 86 - 88 رقم 29، تهذيب التهذيب 7/ 202 - 203 رقم 384
2- طاووس بن کیسان، أبو عبد الرحمن الفارسي الجندي (ت 106 ه) عالم اليمن في حينه وأحد رجال الصحيح، كان من أبناء الفرس الذين جهزهم کسرى لأخذ اليمن له، سمع من زید بن ثابت، وعائشة، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وابن عباس ولازمه مدة، وروی عنه عطاء، ومجاهد، وجماعة من أقرانه. قال ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أحمد قال: قلت اليحيى بن معين: سمع طاووس من عائشة شيئا؟ قال: لا أراده. انظر: المراسيل - لابن أبي حاتم -: 99 رقم 154، تاریخ البخاري 4/ 365، طبقات الفقهاء - للشيرازي-: 69، سير أعلام النبلاء 5/ 38، تهذيب التهذيب 5/ 8 رقم 14

قلت: يزيد بن أبي حبيب(1)، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال:

قلت: مکحول(2)، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي عبد نوبي اعتقته امرأة من هذيل، قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قال:

قلت: میمون بن مهران(3)، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت:

ص: 256


1- يزيد بن أبي حبيب واسمه سوید، أبو رجاء الأزدي مولاهم المصري (ت 128 ه)، وقيل: كان أبوه مولى امرأة مولاة لبني حسل، وأمه مولاة لتجيب، كان مفتي الديار المصرية، وهو من صغار التابعين، ومن رجال الصحيح، روى عن عبد الله بن الحارث بن جزء، وأبي الطفيل، وأسلم بن يزيد وغرهم. انظر: الجرح والتعدیل 9/ 267، سير أعلام النبلاء 6/ 31 رقم 10، تهذيب التهذيب 11/ 318 رقم 614، شذرات الذهب 1/ 175
2- مکحول الدمشقي واسم أبيه شهراب، أبو عبد الله (ت 113 ه) مفتي الشام وعالمهم، خرج له مسلم والأربعة ولم يروي عنه البخاري، كان أعجمياً من سبي فارس، وقيل: من سبي کابل، وقيل: أصله من هراة، رأى أبا أمامة وأنسا وسمع من واثلة. قال ابن سعد: كان ضعيفاً في حديثه وروايته وقال الذهبي: هو صحاب تدليس، وقد رمى بالقدر، وعداده في أواسط التابعين. انظر: طبقات ابن سعد 9/ 456، طبقات الشيرازي: 70، میزان الاعتدال 6/ 50 - 510 رقم 8756، سير أعلام النبلاء 5/ 155 رقم 57، تهذيب التهذیب 10/ 289 رقم 509
3- میمون بن مهران، أبو أيوب الجرزي الرقي (ت 117 ه) عالم الجزيرة و مفتيها، أصله من اصطخر، اعتقته امرأة من بني نصر بن معاوية بالكوفة، فنشأ بها ثم سكن الرقة، روي عن أبي هريرة، وعائشة وابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وصفية بنت شيبة، وأم الدرداء، خرج له مسلم والأربعة، ولي خراج الزيرة وقضاءها، وكان يحمل على علي. ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 483، الجرح والتعدیل 8/ 233، تاريخ الثقات - للعجلي -: 445 رقم 1669، طبقات الشيرازي: 73، سير أعلام النبلاء 5/ 71 رقم 28، تهذیب التهذیب 10/ 390 رقم 703

من الموالي، قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال:

قلت: الضحاك بن مزاحم(1)، قال: فمن العرب أم الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال:

قلت: الحسن بن أبي الحسن(2)، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي قال: ويلك، فمن يسود أهل الكوفة؟ قال:

قلت: إبراهيم النخعين(3) قال فمن العرب أم الموالي قال:

ص: 257


1- الضحاك بن مزاحم، أبو القاسم الخراساني المفسر (ت 105 ه)، روي عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأنس، وخرج له أصحاب السنن الأربعة، روی شعبة عن عبد الملك بن میسرة أنه قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، إنما لقي سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه التفسير، وقال يحيى بن سعيد القطان: والضحاك عندنا ضعي، وقيل: إنه حملت به أمه عامين. انظر: طبقات ابن سعد 8/ 417 رقم 3198، الأعلاق النفسية - لابن رسته -: 226، الكامل في الضعفاء 4/ 95 رقم 944، میزان الاعتدال 3/ 446 رقم 3947، سير أعلام النبلاء 4/ 598 رقم 238، تهذيب التهذيب 4/ 453 رقم 784
2- الحسن بن أبي الحسن البصري (ت 110 ه) مولی زید بن ثابت، وقيل مولى أبي اليسر کعب بن عمرو السلمي، كان أبوه من سبي ميسان وأمه مولاة لأم سلمة سبيت من میسان وهي حامل به، وولدته بالمدينة، رأى علياً وطلحة وعائشة، وكتب للربيع بن زیاد والي خراسان في عهد معاوية، يعد من كبار التابعين، ومن رجال الصحيح، قال ابن حبان: يدلس، وقال الذهبي: كان الحسن كثير التدليس، وكان يقول بالقدر وذكره ابن أبي الحديد في المنحرفين عن علي (عليه السلام) وأنه كان يبغضه ويذمه. انظر: طبقات ابن سعد 9/ 157، طبقات الشيرازي: 84، میزان الاعتدال 2/ 281 رقم 1971، تهذيب التهذيب 2/ 263 رقم 488، شرح بن أبي الحديد 4/ 95
3- إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، أبوعمران الكوفي الفقيه (ت 96 ه) من رجال الصحيح، روى عن خاليه الأسود وعبد الرحمن ابني يزيد، ومسروق، وعلقمة، وشریح القاضي، وجماعة، قال العجلي رأي عائشة رؤيا، وكان مفتي أهل الكوفة وكان رجلاً صالحاً فقيهاً متوقياً قليل التكلف، ومات وهو مختف من الحجاج، قال ابن معين: مراسيل إبراهيم أحب إلي من مراسيل الشعبي، وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: هو مكثر من الإرسال وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وهو في عداد الشيعة كما عن ابن قتيبة. انظر: طبقات ابن سعد 8/ 388، تاريخ يحيى بن معين - برواية الدوري - 2/ 14 رقم 2899، تاريخ الثقات - للعجلي -: 56 رقم 45، المعارف: 262، سير أعلام النبلاء 4/ 520 رقم 213، تهذيب التهذيب 1/ 177

قلت: من العرب، قال ويلك يا زهري، فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها، قال قلت: يا أمير المؤمنين! إنما هو أمر الله ودينه من حفظه ساد ومن ضيعه سقط)(1).

وأخرج ابن عبد ربه الأندلسي عن ابن أبي ليلى أنه قال:

قال لي عیسی بن موسی وكان جائراً شديد العصبية -: من كان فقيه البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن، قال ثم من؟

قلت: محمد بن سیرین، قال فما هما؟ قلت: موليان، قال: فمن كان فقيه مكة؟

قلت: عطاء بن أبي رباح و مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وسلیمان بن يسار، قال فما هؤلاء؟ قلت: موالي، قال فمن فقهاء المدينة؟

قلت: زيد بن أسلم ومحمد بن المنكدر ونافع بن أبي نجيح، قال: فما هؤلاء؟ قلت: موالي، فتغير لونه، ثم قال: فمن أفقه أهل قباء؟

قلت: ربيعة الرأي وأبو الزناد، قال فما كانا؟ قلت: من الموالي، فأربد وجهه، ثم قال: فمن كان فقيه اليمن؟ قلت: طاووس وابنه وهمام بن منبه،

ص: 258


1- ينظر: معرفة علوم الحديث للحاكم -: 198، تاریخ دمشق 40/ 393 و ج 56/ 305، مقدمة ابن الصلاح: 244، تهذيب الكامل 13/ 51 - 52، سير أعلام النبلاء 5/ 85، حياة الحيوان الكبرى 2/ 89

قال: فما هؤلاء؟

قلت: من الموالي، فانتفخت أوداجه وانتصب قاعداً، ثم قال: فمن كان فقیه خراسان؟ قلت: عطاء بن عبد الله الخراساني، قال: فما كان عطاء هذا؟

قلت: مولى، فازداد وجهه تربداً واسود اسوداداً حتى خفته، ثم قال: فمن كان فقيه الشام؟ قلت: مکحول، قال فما كان مکحول هذا؟

قلت: مولى، فازداد تغيظاً وحنقاً، ثم قال: فمن كان فقيه الجزيرة؟ قلت: میمون بن مهران، قال: فما كان؟

قلت: مولى، قال: فتنفس الصعداء، ثم قال: فمن كان فقيه الكوفة؟ قال: فوالله لولا خوفه، لقلت: الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، لكن رأيت فيه الشر فقلت، إبراهيم والشعبي قال فما كانا؟ عربیان، قال الله أكبر، وسكن جأشه)(1).

أقول:

ولا يخفى على الباحث والقارئ الكريم إن الذي منع ابن شهاب الزهري من بيان أثار سيد الفقهاء وإمام مدرسة العترة النبوية في زمانه، اي: الإمام زین العابدین (عليه السلام) هو لمعرفته بردة فعل عبد الملك بن مروان الذي استشاط غضباً من سماعه لأسماء الموالي وعنصريته للعرب وتعصبه لهم دون أن يلحظ بفعل هذه العصبية أن المعيار في منزلة المسلم هو تقواه وعلمه وورعه کا ورد في القرآن والسنة.

ومن ثم: كيف لابن شهاب أن يذكر الإمام زین العابدین (عليه السلام)

ص: 259


1- العقد الفرید 2/ 545

والعداء له ولإبائه وابنائه سنة في عقيدة حكام بني أمية ومواليهم واشياعهم في كل زمان، لا يحاد عنها قيد أنملة.

وعليه:

فإن هؤلاء الفقهاء الذين تصدوا للفتيا في بلدان المسلمين، وإن كان بعضهم يأخذ عن كل راوو، ويعتمد على المراسيل، وبعضهم مخالفاً للإمام علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) إلا أنهم تأثروا بمدرسة الإمام زین العابدین (عليه السلام) ومن تخرج منها:

كطاووس اليماني، و إبراهيم النخعي، وغيرهم من الفقهاء، وهو ما سنتناوله في الامر الثالث الذين نتدارس فيه تراجم اولئك الفقهاء، فضلاً عمن أخذ عنه الفتيا من جمهور المسلمين من الصحابة والتابعين.

جیم- أبرز الفقهاء الذين أخذوا عنه الفقه وتصدوا للفتيا من الصحابة والتابعين.

للوقوف على معرفة هؤلاء الفقهاء ومن تصدى للفتيا، فروا عنه بعض المسائل الشرعية فقد تم تقسميهم إلى فئتين:

الأولى: الفقهاء الذين تتلمذوا على يديه، والثانية: اهل الفتيا الذين افتوا عنه (عليه السلام)، وهم كالاتي:

أولا- الفقهاء الذين تخرجوا من مدرسة العترة في زمان الإمام زين العابدین (عليه السلام) فكانوا من أعلام الشيعة.

إن كثيراً من الفقهاء الذين التحقوا بمدرسة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) كانوا قد التحقوا ايضاً بمدرسة الإمام زين العابدين (عليه

ص: 260

السلام)، ولذا: سنورد بعض هذه الاسماء الذين توفوا من العام (80 ه) إلى العام (120 ه) مما يكشف عن ان بعضهم كان من تلامذة الإمام الباقر (عليه السَّلَام) ایضاً، وهم كالاتي:

1- زيد بن وهب، أبو سليمان الجهني الكوفي (ت حدود 80 ه).

التابعي الكبير، وصفه الذهبي بالإمام الحجة، وكان فقيهاً، محدثاً مؤرخاً، له کتاب خطب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها، صحب علياً وشهد معه مشاهده كلها، وكان ممن احتج على أبي بكر في تولي الخلافة. وثقه الأعمش، وابن معين، والعجلي، وابن سعد، وابن خراش، وابن حبان، وخرج له أصحاب الصحاح الستة، ولم يغمز فيه إلا يعقوب بن سفيان الفسوي؛ لأنه روي عن حذيفة حديث:

«إن خرج الدجال تبعه من كان يحب عثمان، وإن كان قد مات آمن به في قبره».

قال الذهبي: ولم يصب الفسوي(1).

2- یحیی بن یعمر العدواني الوشقي البصري (ت 89 ه).

وصفه الذهبي بالفقيه العلامة المقرئ، وقال: كان من أوعية العلم وحملة الحجة، وكان عالماً بالقرآن والحديث، لغوياً، فصيحاً، أخذ عن أبي الأسود الدولي، وكان من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، أراد الحجاج أن يقتله يوم العيد لقوله:

ص: 261


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 403، تاريخ البخاري 3/ 215، حلية الأولياء 4/ 113، سیر أعلام النبلاء 4/ 320 ن تهذيب التهذيب 3/ 178، رجال البرقي: 15، رجال الشيخ: 120

إن الحسن والحسين (عليهما السلام) من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقال له: لألقين الأكثر منك شعراً أو لتخرجن من ذلك، قال: فهو أماني إن خرجت؟ قال: نعم، فقرأ:) ووهبنا له إسحاق ويعقوب...) إلى قوله: (ویحیی وعیسی)(1)، قال: وما بين عيسي و إبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين (عليهما السلام)؟

فقال له الحجاج: ما أراك إلا قد خرجت، قال الشعبي - وكان حاضراً -: كأني لم أسمع بالآية تلك الساعة، خرج له الستة(2).

3- الحصين بن جندب بن عمرو، أبو ظبيان الجنبي الكوفي (ت 89 ه).

من علماء الكوفة وفقهائهم، ويعد من أصحاب علي (عليه السلام)، وثقه جماعة خرج له الستة(3).

4- إبراهيم بن یزید النخعي (ت 96 ه) (ولد سنة 50 أو 47 ه).

وصف بالإمام الحافظ، فقيه العراق، وهو في عداد أهل الاجتهاد ومن أئمة المذاهب المنقرضة، عده ابن قتيبة وابن رسته من الشيعة، وعده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام زين العابدین (عليه السلام)، طلبه الحجاج

ص: 262


1- الأنعام 6: 84 - 85
2- ينظر طبقات ابن سعد 9/ 372، التاريخ الكبير 8/ 311، مشاهير الأمصار: 203 رقم 990، فهرست النديم: 65، کنز الفوائد - للكراجكي - 1/ 357، معجم الأدباء 5/ 638، وفيات الأعيان 9/ 173، سير أعلام النبلاء 4/ 441، طبقات القراء 2/ 381
3- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 344، تاریخ البخاري 3/ 3، الجرح والتعدیل 3/ 190، الثقات 4/ 156، سير أعلام النبلاء 4/ 362، تهذيب التهذيب 2/ 379، رجال البرقي: 6، رجال الشيخ: 38 رقم 10

واختفى، فلما وصله خبر موته سجد لله شكراً ویکی من الرح، وكان يبغض المرجئة ويشنع عليهم، ولا يأخذ بحديث أبي هريرة، فكان الأعمش يعرض عليه الحديث فإذا كان فيه عن أبي هريرة يقول: دعني من أبي هريرة، خرج اله الستة(1).

5- الحسن بن محمد بن الحنفية الهاشمي العلوي (ت 99 ه).

الفقيه الكبير، قال عمرو بن دینار: ما رأيت أحداً أعلم بما اختلف فيه الناس من الحسن بن محمد، ما کان زهریکم إلا غلاماً من غلمانه، روی عنه الستة، وعده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام زين العابدین (عليه السلام)(2).

6- أسعد بن سهل بن حنیف، أبو أمامة الأنصاري الأوسي (ت 100 ه).

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصفه الذهبي الفقيه الحجة، وقال الزهري: كان من عليه ال أنصار وعلمائهم، وولاء بني حنيفة العلي (عليه السلام) مشهور(3).

ص: 263


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 388، تاريخ البخاري 1/ 33، تاريخ الثقات - للعجلي - 514 رقم 2061، المعارف: 341، الأعلاق النفسية: 219، حلية الأولياء 4/ 219، طبقات الشيرازي: 79، تاریخ دمشق 67/ 360، سير أعلام النبلاء 4/ 520، تهذيب التهذيب 1/ 177
2- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 322، تاريخ البخاري 2/ 305، الثقات 4/ 122، طبقات الشيرازي: 58، سير أعلام النبلاء 4/ 130، تهذيب التهذيب 2/ 320، رجال الشيخ: 86
3- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 48، مشاهير علماء الأمصار: 52 رقم 139، الاستیعاب 1/ 82، سير أعلام النبلاء 3/ 517، تهذيب التهذيب 1/ 263، رجال الشيخ: 65

7- الأصبغ بن نباتة بن الحارث بن عمرو بن فاتك التميمي المجاشعي (ت بعد 101 ه).

من كبار التابعين ومن خواص علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان (عليه السلام) يضن به على الحرب والقتال، شهد معه الجمل وصفين والنهروان، كان فقيهاً، محدثاً، مفسراً، ناسكاً، عابداً، شاعراً، وثقه العجلي وغيره، وضعفه جماعة، ولا يخفى أن سبب تضعيفه شدة حبه لعلي، قال ابن حبان: فتن بحب علي، فأتي بالطامات فاستحق الترك، له کتاب «مقتل الحسين عليه السلام» و کتاب «عجائب أمير المؤمنين»(1).

8- سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي (ت 105 ه).

كان محدثاً فقيهاً، وثقه جمع من الأئمة وخرج له مسلم والأربعة، وولاء بريدة وآله لأهل البيت (عليهم السلام) معروف(2).

9- القاسم بن محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة التيمي (ت 108 ه).

أحد فقهاء المدينة، من أصحاب الإمامين زین العابدين والباقر، وهو أبو أم فروة أم الإمام الصادق (عليه السلام)، كان من ثقات الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) ونقل الحميري أنه كان متحققاً من هذا الأمر - يعني

ص: 264


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 345، تاريخ البخاري 22/ 35، تاريخ الثقات: 71 رقم 109، میزان الاعتدال 1/ 436، تهذيب التهذيب 1/ 361، رجال البرقي: هن رجال النجاشي: 8 رقم 5، فهرست الشيخ: 88 رقم 119
2- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 220، تاريخ البخاري 4/ 4، الجرح والتعدیل 4/ 102، سیر أعلام النبلاء 5/ 52، تهذيب التهذيب 4/ 174

التشيع - خرج له الستة(1).

10- عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي (ت 115 ه).

مولده سنة 15 ه وكان توأماً لأخيه سليمان، وصفه الذهبي بالحافظ الإمام، كان فقيهاً، محدثاً، ولي قضاء مرو، وثقه الجمهور، وخرج له الستة، ولم يتوقف فيه سوى أحمد، قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله: ابنا بريدة؟ قال: أما سلیمان، فليس في نفسي منه شيء، وأما عبد الله، ثم سكت والظاهر أن سبب هذا السكوت، هو لشدة ولائه لآل البيت (عليهم السلام)(2).

11- عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

الملقب بالباهر لجماله (ت حدود 120 ه) كان فقيهاً فاضلاً، ولي صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صدقات أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، روى عن أبيه زین العابدین (عليه السلام) وحدث الناس عنه وحملوا عنه الآثار، ذكره ابن حبان في الثقات، وخرج له الترمذي والنسائي(3).

12- سعید بن الحارث بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري (ت حدود 120 ه).

ص: 265


1- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 186، تاريخ البخاري 7/ 157، مشاهير علماء الأمصار: 105 رقم 427 طبقات الشيرازي: 53، سر أعلام النبلاء 5/ 53 تهذيب التهذيب 8/ 333، رجال الشيخ: 100 و 133، قرب الإسناد: 358 رقم 1278
2- ينظر: طبقات ابن سعد 9/ 220، تاريخ البخاري 5/ 51، الجرح والتعديل 5/ 13، تاریخ دمشق 27/ 125، سير أعلام النبلاء 5/ 50، تهذيب التهذيب 5/ 157
3- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 318، تاريخ البخاري 5/ 148، الجرح والتعدیل 5/ 114، الثقات 7/ 2، إرشاد المفيد 2/ 169، رجال الشيخ: 95، تهذيب التهذيب 5/ 324

الفقيه المدني المجمع على وثاقته، من أصحاب الإمام زين العابدین (عليه السلام)، خرج له الستة(1).

13- سلمة بن کھیل بن حصين الحضرمي التنعي الكوفي (ت 122 ه).

وصفه الذهبي بالإمام الثبت الحافظ، وكان فقيهاً من أصحاب الأئمة، زین العابدين، والباقر، والصادق (عليهما السلام)، قال سفيان: کان رکناً من الأركان، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت على تشیعه، ومثله عن العجلي(2).

14- زید بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) (ت 122 ه).

كان أفضل أخوته بعد الإمام الباقر (عليه السلام)، وكان عالماً كبيراً، فقيهاً، متکلماً، زاهداً، عابداً، ورعاً، أبياً، شجاعاً، قال فيه الإمام الصادق (عليه السلام):

(كان عالماً، وقال الإمام الرضا (عليه السلام) كان من علماء آل محمد).

وقال أبو حنيفة: ما رأيت في زمانه أفقه منه، ولا أسرع جواباً، ولا أبين قولاً، وهو غني عن التعريف(3).

ص: 266


1- ينظر: تاريخ البخاري 3/ 463، الجرح والتعدیل 4/ 12، الثقات - لابن حبان - 4/ 282، سير أعلام النبلاء / 164، تهذيب التهذيب 4/ 15، رجال الشيخ: 93
2- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 434، تاريخ البخاري 4/ 74، المعارف: 341، الجرح والتعديل 4/ 170، مشاهير علماء الأمصار: 177 رقم 839، سير أعلام النبلاء 5/ 298، تهذیب التهذيب 4/ 155، رجال البرقي: 6، 8، 9، رجال الشيخ: 91،43 ، 124، 211
3- ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 319، تاريخ البخاري 3/ 403، مقاتل الطالبيين: 124، تاریخ دمشق 19/ 450، سير أعلام النبلاء 5/ 389، تهذيب التهذيب 3/ 419، أعيان الشيعة 7/ 107

وهو احد الرواة الفقهاء الذين رووا عن أبيه الامام زین العابدین و ابائه المعصومين (عليهم الصلاة والسلام)، وستمر ترجمته مفصلا في الجزء الثاني من المقدمة العلمية للكتاب عند دراسة نشوء المذاهب الفقهية في الاسلام.

15- سماك بن حرب بن أوس، أبو المغيرة الذهلي البكري الكوفي (ت 123 ه).

من أصحاب الإمام زین العابدین (عليه السلام)، وصفه الذهبي بالحافظ الإمام، وكان يعد من الفقهاء، خرج له الستة سوى البخاري(1).

دال- أبرز أسماء أهل الفتيا الذين اخذوا عنه (علیه السلام).

لم تزل مدرسة العترة النبوية مشرعة أبوابها لكل قاصد للعلم وطالباً له، فمثلما تخرج من هذه المدرسة العلماء في الحديث والتفسير، تخرج منها فقهاء تصدوا للفتيا بين الناس، وان كانوا على هوى أخرى وميول عقدية مخالفة العقيدة آل البيت (عليهم السلام).

فكان ممن اخذ الفتيا من ابناء العامة وجمهور المسلمين من مدرسة الإمام زین العابدین (عليه السلام) ما يلي:

1- عمر بن عَلي (عليهما السَّلَام).

هو عمر بن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهيد بن الإمام عَلِي بن أبي طالب (عليهم السَّلَام)، وهو أخو زيد الشهيد لامّه وأبيه وأسن منه،

ص: 267


1- ينظر: طبقات ابن سعد 8/ 440، التاريخ الكبير 4/ 173، الجرح والتعدیل 4/ 279، مشاهير علماء الأمصار: 177 رقم 840، الثقات 4/ 339، تاریخ بغداد 9/ 214، سیر أعلام النبلاء 5/ 245، تهذيب التهذيب 4/ 232، رجال الشيخ: 92 رقم 13

ويكنى بأبي عَلِيّ(1)، وقيل: أبا جعفر(2)، ولقبه الأشرف.(3)

فكان فخم السّيادة، جلیل القدر والمنزلة في الدولتين معا الأموية والعباسية وكان ذا علم(4)، فروى أبو الجارود زیاد بن المنذر، قال: قيل لأبي جعفر البَاقِر (عليه السَّلَام): أي إخوتك أحب إليك وأفضل؟ فقال (عليه السلام):

(أما عبد الله فيدي التي أبطش بها - وكان عبد الله أخاه لأبيه وأُمّه (عليهما السَّلَام) وأَمَّا عمر فبصري الذي أبصر به، وأما زيد فلساني الذي أنطق به...)(5).

وكان عمر الأشرف من رواة الحديث، فروى عن أبيه الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، فأخرج الترمذي في سننه: عن ابن الهاد عن عمر بن عَلِيّ بن الحُسَين [(عليهم السَّلَام)] عن سعيد بن مرجانة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يقول:

«من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله منه بكل عضو منه عضوا من النار، حتی يعتق فرجه بفرجه»(6).

وأخرج الشيخ الكُليني في الكافي: عَن عَلِيِّ بنِ الحَكَمِ عَن مُثَنَّی بنِ

ص: 268


1- ينظر: عمدة الطَّالب في أنساب آل أبي طالب، أحمد بن علي الحُسَيني (ابن عنبة): ص 305
2- معجم رجال الحدیث، السَّيِّد الخوئي: ج 14، ص 53
3- عمدة الطَّالب في أنساب آل أبي طالب، أحمد بن علي الحُسَيني (ابن عنبة): ص 305
4- ينظر: الناصريات، الشريف المرتضى: 63
5- الناصريات، الشريف المرتضى: 64
6- سنن الترمذي، الترمذي: ج 3، ص 49

الوَلِيدِ الحَنَّاطِ عَن فِطرِ بنِ خَلِيفَةَ عَن عُمَرَ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عَن أَبِيه (عليه السَّلَام):

قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلَّى الله عليه وآله): (مَن رَدَّ عَن قَومٍ مِنَ المُسلِمِينَ عَادِيَةَ مَاءٍ أَو نَارٍ أُوجِبَت لَه الجَنَّةُ)(1).

وروى عنه الحديث: ابن أخيه الحسين بن زید الشَّهِيد(2)، فطر بن خليفة(3)، و ابن الهادِ(4)، وآخرون.

2- أبو حمزة الثمالي (ت 150 ه).

أبو حمزة ثابت بن أبي صفية(5) دينار(6) وقيل: سعيد الأزدي الثمالي الكوفي(7)، فكانت ولادته في حدود سنة (30 - 40 ه)(8)، ذو مكانة علمية فذة ويُعد من شيوخ ومحدثي الامامية الثقات، ومن خيار الشيعة ومعتمديهم في الرواية والحديث، فكان عارفاً بالتفسير والحديث، وله مجموعة من التأليف مثل كتاب (الزهد)، و (تفسير القرآن)، و (النوادر)، و (رسالة الحقوق).

وكان من أصحاب الشأن عند الأئمة (عليهم السَّلام) منقطعًا إليهم،

ص: 269


1- الكافي، الشَّيخ الكُلَيني: ج 2، ص 164
2- المحاسن، البرقي: ج 2، ص 420
3- الوافي، الفيض الكاشاني: ج 5، ص 537
4- المحلى، ابن حزم: ج 10، ص 85
5- تاریخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج 11، ص 99
6- تفسير أبو حمزة الثمالي، أبو حمزة الثمالي: ص 59
7- الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام)، عبد الحُسَين الشبستري: ج 1، ص 265
8- ينظر: تفسير أبو حمزة الثالي، أبو حمزة الثمالي: ص 16

كثير السّماع منهم، فهو ممَّن عاصر وصحب الإمام السَّجَاد (عليه السَّلَام) وروي عنه(1)، وصحب الباقر والصَّادق والكاظم (عليهم السَّلَام)(2)، و إنَّه سمع أبا جعفر مُحَمَّد بن عَلِيّ (عليهم السَّلَام)(3)، وحدّث عنه، وعن وسعيد بن جبیر، روی عنه سفيان الثوري، وابن عيينة ووكيع(4).

فمن الأحاديث والروايات التي رواها الثمالي، ما جاء في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي (رحمه الله):

روى أبو حمزة الثمالي قال: (كان عَلِيّ بن الحُسَين سيِّد العابدین (صلوات الله عليهما) يصلَّي عامّة اللّيل في شهر رمضان فإذا كان السّحر...)(5).

ومما جاء عنه في كتاب: سلوة الحزين القطب الدّين الرَّاوندي قال: قال عَلِيّ بن الحُسَين (عليه السَّلَام):

(خرجت فاعتمدت على حائطي هذا، فإذا رجل ينظر في وجهي، عليه ثوبان أبيضان، فقال: يا عَلِيّ بن الحُسَين، ما لي أراك كئيبًا حزينًا؟ أعلى الدّنيا؟ فهو رزق حاضر يأكل منه البر والفاجر، فقلت: ما على الدّنيا حزني وأن القول لكما تقول.

قال: فعلى الآخرة حزنك؟ فهو وعدصادق يحكم به ملك قاهر، فقلت:

ص: 270


1- تاریخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج 11، ص 99، موسوعة طبقات الفقهاء (المقدمة)، الشيخ السبحاني: ج 2، ص 139
2- ينظر: الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام)، عبد الحُسَين الشبستري: ج 1، ص 266
3- الكنى والأسماء، النيسابوري: ج 1، ص 246
4- ينظر: فتح الباب في الكنى والألقاب، ابن منده الأصبهاني: ج 1، ص 261
5- مصباح المتهجد، الشيخ الطّوسي: ص 582

ولا على الآخرة حزني وأن القول لكما تقول، قال لي: فعلى ما حزنك يا عَلِيّ بن الحُسَين؟ فقلت: لما أتخوف من فتنة ابن الزبير، فضحك، ثم قال: يا عَلِيّ بن الحُسَين فهل رأيت أحدا خاف الله فلم ينجه؟ فقلت: لا.

قال: هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه؟ فقلت: لا (فقال يا عَلِيّ بن الحُسَين، فهل رأيت أحدا توكل على الله فلم يكفه؟ فقلت: لا، فنظرت فلم أر أحدا)(1).

توفي (رحمه الله تعالى في حدود سنة (150 ه)(2).

3- الحكم بن عتيبة.

الحكم بن عتيبة بن النهاس من بني عدي، مولى امرأة من كندة، یکنی بأبي مُحمد(3)، ويقال أبو عبد الله الكوفي(4)، كان من فقهاء الكوفة وعلمائها(5)، كثير الحديث، وقد وثّقه أهل الحديث واثنوا عليه(6).

وولد الحكم بن عتيبة في سنة خمسين للهجرة، وتوفي في سنة خمس عشرة ومائة(7)، وإنَّه عُدّ أصحاب الأئِمَّة: الإمام عَلِيّ بن الإمام الحُسَين زين

ص: 271


1- الدّعوات سلوة الحزين، قطب الدّين الرَّاوندي: ص 131 - 132
2- موسوعة ابن دريس الحلي، ابن إدريس الحلي: ص 139
3- ينظر: مشاهير علماء الأمصار، ابن حبان: ص 177
4- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 156
5- الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة، الذهبي: ج 1، ص 344، أصل الشيعة وأصولها، الشیخ محمد کاشف الغطاء: ص 343
6- ينظر: تأريخ اربل، ابن المستوفي: ج 2، ص 541، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 157
7- مشاهير علماء الأمصار، ابن حبان: ص 177

العابدين، والإمام مُحَمَّد البَاقِر، والإمام جَعفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق (عليهم السَّلام)، وروى عنهم(1).

روی عن: أبي جُحَيفة السُّوائي، وشريح القاضي، وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاووس(2)، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، و إبراهيم النخعي، وخلق سواهم(3).

وروى عنه: منصور بن المعتمر، وإسماعيل الشعيري، وسلیمان الأعمش، وأبان بن تغلب، ومعاوية بن عمار الدهني، وزياد بن سوقة، ومعاوية بن ميسرة، وآخرون(4).

فمن الأحاديث والرّوايات التي رواها عن الإمام زين العابدین (عليه السَّلَام)، ممّا أخرجه عبد الله بن عدي الجرجاني في كتابه الكامل:

حدثنا ابن صاعد حدثنا أحمد بن عبيد بن إسحاق العطار حدثنا أبي حدثنا أبو إسرائيل، عن الحكم بن عتيبة، عن [الإمام] عَلِيّ بن [الإمام] الحُسَين [(عليهما السَّلَام)]، عن جابر بن عبد الله قال: قيل: یا رسول الله أي الصلاة أفضل؟ قال:

(صلَّى الله عليه وآله): (طول القنوت)(5).

ص: 272


1- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): ج 2، ص 157
2- تهذيب التّهذیب، ابن حجر: ج 2، ص 372
3- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): ج 2، ص 157
4- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلمية في مؤسّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 157
5- الكامل، عبد الله بن عدي الجرجاني: ج 1، ص 470

4- الزّهري (ت: 124 ه).

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث ابن شهاب بن زهرة بن کلاب(1)، المدني الزّهري(2)، وقيل: القرشي(3)، المكنَّى بأبي بكر(4)، والمشتهر: بابن شهاب الزهري(5)، المولود سنة اثنتين وخمسين(6).

والمتوفّى (124 ه)(7)، وهو أحد التَّابعين الفقهاء الحفّاظ بالمدينة، والمحدثين والعلماء الاعلام المشار إليه في صفة علم الشريعة، و نزل الشام واستقر بها(8).

وكان من رواة الحديث، فروى عن: الإمام عَلِيّ زين العابدين بن الإمام الحُسَين (عليه السّلام) وعن جابر الأنصاري، وأنس، وسهل بن سعد، وأبي الطفيل عامر، وسعيد بن المسيب، وطائفة.

وروي عنه: عطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز، وعمرو بن دینار، وقتادة بن دعامة، وآخرون(9).

ص: 273


1- الأبواب (رجال الطوسی)، الشّيخ الطّوسي: ص 294
2- ينظر: سنن الترّمذي، الترمذي: ج 1، ص 8، والإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، الشَّيخ السبحاني: ج 1، ص 147
3- موسوعة طبقات الفقهاء اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 524
4- خلاصة عبقات الأنوار، السِّیِّد حامد النّقوي: ج 7، ص 228
5- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي: ج 4، ص 385
6- نقد الرجال، التفرشي: ج 4، ص 324
7- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدمة)، الشيخ السبحاني: ج 2، ص 42
8- ينظر: مناقب أهل البيت (عليهم السَّلَام)، المولى حيدر الشيرواني: ص 68، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 524
9- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام): ج 1، ص 524

فمن الروايات التي رواها عن الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، ممَّا أخرجه الشَّيخ الصدوق في الهداية: روي عن الزهري أنه قال:

(دخلت على [الإمام] عَلِيّ بن [الإمام] الحُسَين (عليه السَّلام) فقال:

«یا زهري، من أين جئت؟» فقلت: من المسجد، فقال (عليه السَّلَام)، «فيم كنتم؟» قلت: تذاكرنا أمر الصَّوم، فاجتمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس شيء من الصّوم واجب إِلَّا صوم شهر رمضان.

فقال (عليه السَّلَام):

«یا زهري، ليس كما قلتم، إن الصوم على أربعين وجها: فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهن حرام، وأربعة عشر وجّها منها صاحبها فيها بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الإباحة، وصوم السفر، وصوم المرض».

فقلت: فسرهن لي، فقال (عليه السَّلَام):

«أما الواجب: فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يومًا من شهر رمضان عمدًا متعمدًا، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق، قال الله تبارك وتعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين»)(1).

ص: 274


1- الهداية، الشيخ الصَّدُوق: 198 - 199

5- زيد بن أسلم.

أبو عبد الله العدوي بالولاء، المدني، الفقيه(1)، وكناه أبا أُسامة، تابعي جلیل، مخرج له في الستَّة(2)، وكان ثقة من أهل الفقه والعلم وكان عالماً بتفسير القرآن له كتاب فيه تفسير القرآن(3).

فقال عنه أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها أدني خصلة فينا التّواسي بما في أيدينا وما رأيت فيه متمارين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا(4)، وقال بن عيينة: كان زيد بن أسلم رجلا صالحًا...(5)

وكان من رواة الحديث الثقات، فروى عن: والإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام)(6)، وعن والده أسلم، وعن عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، وابن المسيب، وخلق(7)، وعُدَّ من أصحاب الإمامين: الإمام السَّجَّاد والإمام الصَّادق (عليهما السَّلَام)، وكان الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام) يجالسه كثيراً(8).

ص: 275


1- ينظر: تأريخ الإسلام، الذهبي: ج 8، ص 428، موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 356
2- التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، شمس الدين السخاوي: ج 1، ص 364
3- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر: ج 19، ص 282
4- تذكرة الحفاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 132
5- تهذيب التَّهذيب، ابن حجر العسقلاني: ج 3، ص 342
6- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السَّبحاني: ج 2، ص 139
7- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 356
8- ينظر: المصدر نفسه: ج 1، ص 357

روى عنه: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وهشام بن سعد، وأولاده: أُسامة، وعبد الله وعبد الرحمن، وآخرون، وكان له حلقة في مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)(1).

فمن الرّوايات التي رواها عن الإمام زين العابدین (عليه السَّلَام)، ممَّا أخرجه أبو الحُسيَن البغدادي في فوائد الدقَّاق: عَن أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ عَن زَيدِ بنِ أَسلَمَ عَن عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عَن سَعِیدِ بنِ مرجانة عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَن النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:

«َنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اَللَّهُ بِهَا بِکُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْهُ مِنَ اَلنَّارِ حَتَّى فَرجَهُ بِفَرجِهِ»(2).

6- یحیی بن سعید.

هو يحیی بن سعید بن قيس الأنصاري(3)، الحافظ شيخ الإسلام(4) المدني، التَّابعي، من بني مالك بن النَّجار، أسنَدَ عَنهُ(5)، يكنّى أبا سعيد(6).

وكان رجلًا صالحًا ثقة وكان له فقه، ويُعد من أصحاب الإمام جعفر بن مُحَمَّد الصَّادق (عليهما السَّلَام)(7)، وكان من القضاة، فتولى القضاء بالمدينة

ص: 276


1- ينظر: التّحفة اللّطيفة في تاريخ المدينة الشرَّيفة، شمس الدِّين السَّخاوي: ج 1، ص 364، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 356
2- فوائد الدقَّاق، أبو الحُسَين البغدادي: ص 20
3- الأبواب (رجال الطوسي)، الشيخ الطوسي: ص 321
4- منتهى المقال في أحوال الرجال، الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني: ج 7، ص 23
5- رجال ابن داوود، ابن داوود الحلّيِّ: ص 203
6- خلاصة الأقوال، العلامة الحلّیِّ: ص 416
7- ينظر: معرفة الثقات، العجلي: ج 2، ص 352، وخاتمة المستدرك، ميرزا حسين النوري الطبرسي: ج 9، ص 202

المنورة في عهد الوليد بن عبد الملك المرواني، وفي عهد جعفر الدوانیقي، كان قاضيَّاً في مدينة الهاشمية، بعد أن أقدمه أبو الدوانيقي العراق وولَّاه القضاء بالهاشمية، وقيل: إنّه تولى القضاء ببغداد، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة(1)، أو أربع وأربعين ومائة بالعراق، وقيل سنة ست وأربعين ومائة(2).

وقيل: كان يحيى بن سعيد خفيف الحال فاستقضاه أبو جعفر، وارتفع شأنه، فلم يتغير حاله، فقيل له في ذلك فقال: من كانت نفسه واحدة لم يغيره المال(3).

فكان من رواة الحديث، فروي عن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين (عليهما السَّلَام)(4)، وعن انس بن مالك وسعيد بن المُسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر(5)، وغيرهم، وروى عنه: هشام بن عروة، ومالك بن أنس، وابن جريج، وشعبة، والثوري، والحمادان، وليث بن سعد وسفيان بن عيينة، وأبو أسامة، وعبد الله بن نمير، ويزيد بن هارون(6)، وآخرون.

فمن الروايات التي رواها يحيى بن سعيد عن الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، ممَّا أخرجه مُحمَّد بن أحمد الدُّولابي في كتابه: الذّريَّة الطَّاهرة النَّبويَّة: عن عبد السَّلَام بن حرب، عن يحيى بن سعيد قال: كنت عند علي بن

ص: 277


1- ينظر: عمدة القارئ، العيني: ج 7، 221، الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (عليه السَّلام)، عبد الحسين الشبستري: ج 3، ص 430
2- الثقات، ابن حبَّان، ج 5، ص 521
3- تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج 14، ص 107
4- ينظر: المعجم الكبير، الطبراني: ج 3، ص 128
5- ينظر: التأريخ الكبير، البخاري: ج 8، ص 276، الثقات، ابن حبَّان، ج 5، ص 521
6- تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج 14، ص 106

حسين فجاءه نفر من الكوفيين فقال عَلِيّ بن الحُسَين [(عليهما السَّلَام)]:

(يا أهل العراق، أحبونا حب الإسلام، فإني سمعت أبي يقول: قال رَسُولَ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها النَّاس، لا ترفعوني فوق حقّي، فإنّ الله (عزَّ وجل) قد اتّخذني عبداً قبل أن يتّخذني نبيًّا)(1).

7- سعيد بن المسيب.

هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة(2)، المخزومي، وقيل: القرشي، المدني(3)، المكنى بأبي محمد(4)، ولد بالمدينة سنة ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة(5).

فسعید بن المسيب، من أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار(6)، فقيل إنَّه: أفقه أهل الحجاز واعبر النّاس للرؤيا، مانودي بالصَّلاة أربعين سنة إلَّا وسعيد في المسجد ينتظرها(7)، فكان من سادات التابعين فقهاً و دیناً وورعاً وعلماً وعبادةً وفضلاً(8)، وكان ممَّن عاصر الإمام عَلِيّ والحَسَن

ص: 278


1- الذّريَّة الطَّاهرة النَّبويَّة، مُحمَّد بن أحمد الدُّولابي: ص 128
2- الطبقات الکبری، ابن سعد: ج 5، ص 119
3- ينظر: الابواب (رجال الطّوسي)، الشَّيخ الطّوسي: ص 114، موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج 2، ص 183
4- الابواب (رجال الطّوسي)، الشَّيخ الطّوسي: ص 114
5- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 375
6- تحفة الأحوذي، المبار كفوري: ج 1، ص 90
7- الثقات، ابن حبَّان: ج 4، 274
8- إكليل المنهج في تحليل المطلب، محمد الخراساني الكرباسي: 569

والحُسَين والسَّجَّاد والباقر والصَّادق (عليهم السَّلَام أجمعين)، فربَّاه مولانا أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، وذلك لأنَّ جدّه حزن أوصى به إلى أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)(1)، وتوفي في إمامة الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلام)، في سنة (93 ه)(2).

من رواة الحديث الثقات، فقيل: إنَّه كان من ثقات الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين (عليهما السَّلَام)(3)، وصحبه وسمع منه وروى عنه (عليه السَّلَام)(4)، فعدّه الإمام الكاظم (صلوات الله عليه)، من حواري الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)(5)، وروى عن: عثمان، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وكان زوج ابنته، وعائشة، وأُمّ سلمة، وأسماء بنت عمیس، وابن عباس، وآخرين، وروى عنه: ابنه محمّد، والزهري، وقتادة، وشريك، وإدريس بن صبيح، وعبد الكريم الجزري، وعلي بن جدعان، وآخرون(6).

ومن الأحاديث والروايات التي رواها سعيد بن المسيب عن الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، هو ممَّا أخرجه العياشي في تفسيره: عن سعيد بن المسيب عن الإمام عَلِيّ بن الإمام الحُسَين (عليهما السَّلَام) في قوله تعالى:

ص: 279


1- يُنظر: مستدرکات علم رجال الحديث، الشَّيخ علّي النّمازي الشَّاهرودي: ج 4، ص 80
2- التأريخ الكبير، البخاري: ج 3، ص 510
3- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج 2، ص 183
4- ينظر: الابواب (رجال الطّوسي)، الشَّيخ الطّوسي: ص 114
5- مستدرکات علم رجال الحديث، الشَّيخ علّي النّمازي الشَّاهرودي: ج 4، ص 80
6- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 375 - 376

«وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»(1) فأولئك هم أولياؤنا من المؤمنين ولذلك خلقهم من الطينة الطيبة، أما تسمع لقول إبراهيم: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ»(2) إيانا عني بذلك وأوليائه وشیعته وشيعة وصيه فمن كفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره إلى عذاب النار، عني بذلك والله من جحد وصيه ولم يتبعه من أمته، وكذلك والله حال هذه الأمة)(3).

وكذلك مما جاء في الجواهر السنية للحر العاملي: عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن زيد عن سعيد بن المُسيّب عن عَلِيّ بن الحُسَين (عليهما السَّلَام)، عن أبيه (عليه السَّلَام)، عن النّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، عن جبرئيل عن الله تعالى أنّه قال:

(ما من عبد من عبادي آمن بي وصدّق بك وصلَّى في مسجدك على خلاء من النّاس، إلَّا غفرت له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر)(4).

8- أبان بن تغلب.

أبان بن تغلب بن رباح البكري الجُريري، أبو سعيد الكوفي، أوّل مصنِّف في غريب القرآن.

أخذ الفقه والتفسير عن أئمة أهل البيت (عليهم السَّلَام)، فقد حضر عند الإمام زين العابدین (عليه السَّلَام)، ومن بعده عند الإمام الباقر (عليه

ص: 280


1- هود، الآيتان: 118 - 119
2- البقرة: 126
3- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي: ج 2، ص 164 - 165
4- الجواهر السَّنيَّة، الحر العاملي: ص 168

السَّلَام)، ثم عند الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام)، فهو من كبار أصحابهم والثّقات في رواياتهم.(1)

وكان محدثاً، فقیهاً، قارئاً، مفسراً، لغوياً، من الرجال المبرّزين في العلم، ومن حملة فقه آل مُحَمَّد (صلَّی الله عليه وآله وسلَّم)، وكان لعظم منزلته إذا دخل المدينة تقوّضت إليه الحِلَق، وأُخليت له سارية النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان له عند الأَئمّة من آل مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) منزلة وقدم(2).

وكان أبان من الشخصيات الإسلامية التي امتازت باتقاد الذهن، وبُعد الغور، والاختصاص بعلوم القرآن، وهو من أجمعوا على قبول روایته وصدقه(3)، فهو من خريجي مدرسة الإمامين الباقر والصَّادق (عليهما السَّلَام)، فروي عن الإمام السَّجَّاد(4) والباقر والصَّادق (عليهم السَّلَام)(5).

وروي عن أبي حمزة الثمالي، وزرارة بن أعين، وسعيد بن المسيب(6).

روى عنه: أبان بن عثمان الأحمر، و إبراهيم بن الفضل الهاشمي،

ص: 281


1- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 17 - 18
2- المصدر نفسه: ج 2، ص 18
3- المصدر نفسه: ج 2، ص 18
4- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج 2، 139
5- ينظر: جواهر الفقه، القاضي بن البراج: 12، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 18
6- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 18

وحفص بن البختري، وجميل بن درّاج النخعي، وسيف بن عميرة، وسعدان بن مسلم، وعبد الله بن سنان، وعبد الله بن مُسكان، وعبد الرحمن بن الحجاج البجلي، وعلي بن رئاب، ومالك بن عطية الأحمسي، ومعاوية بن عمار الدهني، ومنصور بن حازم، وهشام بن سالم الجواليقي، وآخرون(1).

فمما رواه أبان بن تغلب عن الإمام زين العابدي (عليه السَّلَام)، ممَّا أخرجه الشَّيخ الصَّدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه: روی أبان بن تغلب، عن زيد العابدین (عليه السَّلَام) انّه سال عن رجل أوصي بشيء من ماله، فقال:

(الشيء في كتاب عَلِيّ (عليه السَّلَام) من ستّة)(2).

9- مسلم البطين.

هو مسلم بن أبي عمران الكوفي، المكنَّى بأبي عبد الله، الملقَّب: بالبطين(3)، من رواة الحديث الثقات، فروى الحديث عن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام)(4)، وسعيد بن جبير(5)، وروى عنه الأعمش وأبو عمرو، وأبو فزارة سلمة بن كهيل، وداود الضبي(6)، وغيرهم.

ص: 282


1- المصدر نفسه: ج 2، ص 18
2- من لا يحضره الفقيه، الشَّيخ الصَّدُوق: ج 4، ص 204
3- يُنظر: العلل، الإمام أحمد بن حنبل: ج 2، ص 526، والتّعديل والتّخريج، سلیمان بن خلف بن سعد المالكي: ج 2، ص 791
4- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج
5- المصنف، ابن أبي شيبة الكوفي: ج 1، ص 134
6- ينظر: مسند أبي داوود الطيالسي، سُلَيمان بن داوود الطَّيالسي: ص 342، المصنف، عبد الرزاق الصنعاني: ج 1، ص 463، و ج 3، ص 153، و ج 7، ص 56، والمصنّف، ابن أبي شيبة الكوفي: ج 1، ص 134

فمن الأحاديث والرّوايات التي رواها عن الإمام عَلِيِّ السَّجاد (عليه السَّلام)، ممَّا أخرجه النّسائيّ في سننه: عن مسلم البطين، عن [الإمام] عَلِيّ بن [الإمام] الحَسَين (عليهما السَّلَام)، عن مروان بن الحكم، قال: كنت جالسًا عند عثمان فسمع عَلِيًّا [(عليه السَّلَام)] يلبّي بعمرة وحجّة فقال: ألم تکن تنهی عن هذا؟ قال [(عليه السَّلَام)]:

«بلی، ولكنّي سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يلبي بهما جميعًا فلم أدع قول رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلم) لقولك»)(1).

10- القعقاع بن حکیم بن أبي يونس.

مولى عائشة(2)، القعقاع بن حكيم، الكناني، المدني(3).

روی عن: الإمام عَلِىّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام)(4)، وعن أبي هريرة وابن عمر وجابر وعائشة وعدة وروى عنه سعيد المقبري وعمرو بن دینار وآخرون(5).

وعنه: سمي، وسهيل بن أبي صالح، وزيد بن أسلم، وابن عجلان(6).

عن القعقاع بن حكيم عن علي بن الحسين (عليهما السَّلَام) قال:

(كان بن جعفر يقول: علمني أبي يعني: - عَلِيًّا - وكانت أمه تحت علي قال علمني كلمات زعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علمه

ص: 283


1- السّنن الكبرى، النّسائي: ج 4، ص 41
2- استخراج المرام من استقصاء الإفحام، السيد علي الحسيني الميلاني: ج 1، ص 137
3- بحر الدم، ابن المبرد: 131
4- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج 2، ص 140
5- اسعاف المبطأ برجال الموطأ، جلال الدين السيوطي: ص 89
6- تأريخ الإسلام، الذهبي: ج 7، 224

إياهن يقولهن عند الكرب إذا نزل به)(1).

11- هشام بن عروة.

هو هشام بن عروة الزَّبير بن العوام القرشيّ، المدني(2) الأسدي، المكنَّي بأبي المنذر، ولد سنة إحدى وستين للهجرة(3)، وكان فقيهاً، كثير الحديث، مشهوراً، وقد عُدّه من أصحاب الإمام الصَّادِق (عليه السَّلَام)، وزار الكوفة فسمع منه أهلها، وأنكر عليه بعض العلماء انبساطه في الرواية فيها، وإرساله عن أبيه أشياء مما كان قد سمعه من غير أبيه عن أبيه(4).

قال عنه عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قال: هشام بن عروة كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقًا تدخل أخباره في الصَّحيح(5).

وروى هشام عن: الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام)(6)، وعن صالح بن أبي صالح السّمّان، وعبد الله بن ذكوان، وعبد الرحمن ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبيه عروة بن الزبير، والزهري، وابن المنكدر، وآخرين.

وروي عنه: أبو إسحاق الفزاريّ، وإسرائيل بن يونس، وأيوب السختيانيّ، وجعفر بن سليمان الضَّبُعي، وحفص بن غیاث، وحمّاد بن زید،

ص: 284


1- السنن الكبرى، النسائي: ج 6، ص 160 - 161
2- خاتمة المستدرك، الميرزا حسين النوري الطبرسی: ج 9، ص 188
3- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 2، ص 604 - 605
4- ينظر: ج 2، ص 605
5- تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج 14، ص 40
6- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدّمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج

وسفيان الثوري، وعبد الله بن نمير، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومحمد بن عجلان، ومَعمَر بن راشد، وطائفة(1).

فمن رواياته عن الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، فجاء في كتاب الحديقة الهلاليَّة للشَّيخ البهائي العاملي: أنَّ هشام بن عروة قال: (كان عَلِيّ بن الحُسَين [(عليه السَّلَام)] يخرج على راحلته إلى مكة، ويرجع، لا يقرعها)(2).

توفّي ببغداد سنة ست وأربعين ومائة، وقيل: سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة سبع(3).

سمع جابر بن عبد الله الأنصاري، حدث عن ابن عباس وابن عمر وجابر وأبي الطفيل وسعيد ابن جبير وعائشة وعدة، وعنه أيوب وشعبة وسفيان و حماد بن سلمة ومالك والليث و خلق خاتمتهم سفيان بن عيينة.

قال ابن سعد: وكان ثقة كثير الحديث إلا أن شعبة تركه لشيء، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال ابن معين: ثقة صالح الحديث ووثقه النسائي وقال ابن المديني: ثقة ثبت.

روی عن جابر وأبي الطفيل والعبادلة الأربعة وعائشة وسعيد بن جبير وجماعة، وعن عطاء وهو من شيوخه والزهري والأعمش وسلمة بن کھیل وجماعة من السلف(4).

ص: 285


1- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (علیه السلام): ج 2، ص 605
2- الحديقة الهلاليَّة، الشَّيخ البهائي العاملي: ص 15
3- يُنظر: مشاهير علماء الأمصار، ابن حبَّان: ص 131، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): ج 2، ص 605
4- الإكمال في أسماء الرّجال، الخطيب التبريزي: ص 196

12- أبو حازم الأعرج.

سلمة بن دینار، يكنى أبا حازم الأعرج، ويعرف بالأقرن القاص(1)، مدني مولى الأسود بن سفيان المخزومي(2)، من عباد أهل المدينة وزهادهم من كان يتقشف ويلزم الورع الخفي والتخلي بالعبادة ورفض الناس وما هم فيه، أصله من فارس وكان يقص بالمدينة، ومات سنة خمس وثلاثين ومائة(3)، وكان من أصحاب الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام)(4)، وروى الحديث عنه (عليه السَّلَام)، وعن سهل بن سعد السَّاعدي، سهل بن دینار(5).

وروى عنه: ابنه عبد العزيز ابن أبي حازم، وحمد بن جعفر بن أبي كثير، إسماعيل بن قيس الزيدي الأنصاري(6).

فمَّما رواه عن الإمام زين العابدین (عليه السَّلَام)، هو ممَّا جاء في كتاب: وسائل الشِّيعة (آل البيت عليهم السَّلَام) للحر العاملي: عن عبد العزيز بن أبي حازم قال: سمعت أبا حازم يقول: (ما رأيت هاشميًّا أفضل من عَلِيّ بن الحُسَين (عليه السَّلَام)، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة حتى خرج

ص: 286


1- الأبواب (رجال الطّوسّي)، الشَّيخ الطُّوسّي: ص 114
2- التأريخ الكبير، البخاري: ج 4، ص 78
3- مشاهير علماء الأمصار، ابن حبَّان: ص 129
4- يُنظر: نقد الرّجال، التفرشي: ج 2، ص 350
5- ينظر: الموطأ، الإمام مالك: ج 1، ص 163، عمدة القارئ، العيني: ج 13، ص 270
6- ينظر: تأريخ مدينة دمشق، ابن عساکر: ج 26، ص 306، وعمدة القاريء، العيني: ج 13، ص 270

بجبهته وآثار سجوده مثل کرکرة البعير)(1).

13- حبيب بن أبي ثابت.

ويقال: اسم أبي ثابت: قیس بن دینار، ويقال: قيس بن هند، ويقال: هند، فقيه الكوفة القُرشي، الأسدي، المكنَّى بأبي: يحيى، مولى بني أسد بن عبد العزى(2).

فقال عنه أحمد العجلي: كوفي تابعي ثقة، كان مفتي الكوفة قبل حماد بن أبي سليمان(3)، ورُوي عن أبي بكر بن عياش، قال: كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم رابع: حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحماد، وكان هؤلاء الثلاثة أصحاب الفتيا، ولم يكن بالكوفة أحد إلا يذل لحبيب(4).

وكان من رواة الحديث، فكان يروى أحاديث كثيرة عن النّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بالواسطة، وعن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) وعن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، کما روی مباشرة عن الأئمة: السجاد، والباقر، والصادق (عليهم السَّلَام)(5)، وروي عن ابن عباس، وأُمّ سلمة، وقيل: لم يسمع منهما، وحدّث عن: أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وأبي وائل، وآخرين، وروی عنه: عطاء بن أبي رباح، وحُصين، والأعمش، وأبو الزبير، وابن جُریج،

ص: 287


1- وسائل الشِّيعة (آل البيت عليهم السَّلَام)، الحر العاملي: ج 4، ص 98 - 99
2- ينظر: تهذيب الكمال، المزّي: ج 5، ص 358، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 320
3- سير أعلام النّبلاء، الذَّهبي: ج 5، ص 289
4- تهذيب الكمال، المزّي: ج 5، ص 361
5- ينظر: موسعة المُصطَفَی (صلَّی الله عليه وآله)، والعترة (عليهم السَّلَام)، الحاج حسين الشَّاكري: ج 8، ص 423

وشعبة، والثوري، والمسعودي، وحمزة الزّيَّات، وآخرون، عُدّ من أصحاب الإمام عَلِيّ بن الحُسَين، والبَاقِر، والصَّادِق (عليهم السَّلَام)(1).

فمن الروايات التي رواها حبيب عن الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، ممَّا أخرجه الشَّيخ الكُلَيني في الكافي: عَن عَامِرِ بنِ السِّمطِ عَن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ عَن عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ (عليهما السَّلَام) قَالَ:

«لَمْ یُدْخِلِ اَلْجَنَّةَ حَمِیَّةٌ غَیْرُ حَمِیَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَ ذَلِكَ حِینَ أَسْلَمَ غَضَباً لِلنَّبِیِّ (صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ) فِی حَدِیثِ اَلسَّلَی اَلَّذِی أُلْقِیَ عَلَی اَلنَّبِیِّ (صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ)»(2)، وقد توفي حبيب بن أبي ثابت في سنة (119 ه)(3).

14- عاصم بن عمر.

بن قتادة بن النعمان(4) الظفري المدني(5)، الأنصاري الأوسي، كان علامة بالمغازي، يكنى أبا عمر(6)، وقد قيل: كنيته أبو محمد(7).

ص: 288


1- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 321
2- الكافي، الشَّيخ الكُلَيني: ج 2، ص 308
3- موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسَّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلّام): ج 1، ص 320
4- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدمة)، الشَّيخ السّبحاني: ج 2، ص 139
5- المحلىَّ، ابن حزم: ج 8، ص 13، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، الخزرجي الأنصاري اليمني: ص 183
6- سنن الدَّارمي، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: ج 2، ص 366، وعمدة القارئ، العيني: ج 17، ص 166، ج 21، ص 233
7- الثقات، ابن حبان: ج 5، ص 235

وثّقه ابن معين و ابن سعد وقال: كان له علم بالسير(1)، وتوفي سنة تسع عشرة ومائة وقد قيل: سنة عشرين ومائة، وقيل: سنة سبع وعشرين(2).

كان من رواة الحديث، فروي عن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين (عليهما السَّلَام)(3)، وروي عن أبيه وجابر وانس و محمود بن لبيد، وروى عنه بکیر بن الأشج وزيد بن أسلم، محمد بن إسحاق، وعمرو بن أبي عمرو، ومحمد بن عجلان(4).

فممَّا رواه عن الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، ممَّا محمد بن یزید القزويني أخرجه في سنن ابن ماجة: عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عَلِيّ بن الحُسَين [(عليهما السَّلَام)]، عن عائشة، قالت:

«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب أحدًا، ولا يطوى له ثوب»(5).

15- عبد الله بن مسلم بن هرمز المكّي(6).

كان من الحدّثين والرّواة، الذين رووا الحديث عن العترة الطَّاهرة، فروی عن الإمام زين العابدين عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام).

ص: 289


1- ينظر: التأريخ الكبير، البخاري: ج 6، ص 478
2- ينظر: الثقات، ابن حيَّان: ج 5، ص 235، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال، الخزرجي الأنصاري اليمني: ص 183
3- سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني: ج 2، ص 1177
4- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال، الخزرجي الأنصاري اليمني: ص 183
5- سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني: ج 2، ص 1177
6- الكامل، عبد الله بن عدي الجرجاني: ج 4، ص 157

وإنّه روى أيضًا: عن مجاهد وابن سابط وأبيه، وسعيد بن جبير(1)، وروى عنه الثّوري وعبد الله بن نمير، وعیسی بن يونس، وأبو عاصم النّبيل وإبراهيم بن حميد(2).

فمن الروايات التي رواها عبد الله بن مسلم، ممَّا أخرجه ابن عبدويه الشافعي البغدادي في كتاب الفوائد (الغيلانيات): عن عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن عَلِيّ بن الحُسَين [(عليهما السَّلَام)] قال: «لا حجّ لمن لم يستلم، لأنّه يمين الله في عباده»(3).

16- مُحمَّد بن الفرات التميمي الكوفي(4).

ويقال: الجرمي، المكنَّى بأبي علي، قدم بغداد وكان من رواة الحديث، فروى عن: الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين بن عَلِيّ بن أبي طالب (عليهم السَّلَام)، وأبيه الفرات التّميمي، ومحارب بن دثار، حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وسعيد ابن لقمان، وأبي إسحاق السّبيعي، وأبي سلمة بن عبد الرَّحمن.

روى عنه: إسماعيل بن بهرام الوشاء، وأمية بن خالد، وجبارة بن مغلس الحماني، والحَسَن بن عبد الله بن حرب العبديّ، وأبو توبة الربيع بن نافع، وسريج بن يونس، وسهل ابن حماد أبو عتاب الدلال، وأمية بن خالد

ص: 290


1- التَّأريخ الكبير، البخاري: ج 5، ص 190
2- العلل، أحمد بن حنبل: ج 2، ص 491
3- ينظر: کتاب الفوائد (الغيلانيات)، ابن عبدويه الشافعي البغدادي: ج 1، ص 136، والجرح والتَّعدیل، ابن أبي حاتم الرَّازي: ج 5، ص 164
4- الجرح والتَّعديل، الرَّازي: ج 7، ص 59

القيس، وعاصم بن علي التّميمي(1).

وقال يحيى بن يحيى، عن محمد بن الفرات التميمي: (جلست إلى جنب عَلِيّ بن الحُسَين [(عليها السَّلَام)] یوم الجمعة، فسمع ناسًا يتكلمون في الصَّلَاة، فقال لي:

«ما هذا؟» قلت: شيعتكم لا يرون الصَّلَاة خلف بني أمية، قال:

«هذا، والذي لا إله غيره، أبدع، من قرأ القرآن واستقبل القبلة، فصلوا خلفه، فإن يكن محسنا فله حسنته وإن يكن مسيئا فعليه»)(2).

17- سعید بن جبير.

سعید بن جبير الوالبي الأسدي مولاهم الكوفي المقرى الفقيه، المكنَّى بأبي محمد وأبي عبد الله، أحد الأعلام الرواة الذين سمع ابن عباس وعدي ابن حاتم وعبد الله بن مغفل وطائفة، وری عنه جعفر بن أبي المغيرة وأبو بشر جعفر بن ایاس وأيوب والأعمش و عطاء بن السَّائب و خلق(3)، وكان من التابعين(4) ولّاه الحجاج القضاء في الكوفة(5)، وكان يقال لسعيد بن جبير جهبذ العلماء(6).

ص: 291


1- يُنظر: غنية الملتمس ایضاح الملتبس، الخطيب البغدادي: ج 1، ص 360، وتهذيب الكمال، المزي: ج 26، ص 269 - 270
2- تهذيب الكمال، المزي: ج 20، ص 396 - 397
3- ينظر: تذكرة الحفاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 76
4- تذكرة الفقهاء، العلَّامة الحلي: ج 5، ص 46
5- تاريخ الكوفة، السَّيِّد البراقي: ص 262
6- الإحتجاج للشيخ الطبرسي: ج 1، ص 355

قتله الحجاج قاتله الله في شعبان سنة خمس وتسعين وله تسع وأربعون سنة على الأشهر، كان قتل الحجاج له، لكونه قاتله مع ابن الأشعث، وقيل: بل عاش بضعًا وخمسين سنة، وقيل: كان ابن عباس إذا حج أهل الكوفة وسألوه يقول أليس فیکم سعيد بن جبير؟

فأخرج الرَّازي في تأريخه: عن حمزة بن حمران، عن أبيه عن سعيد بن جبير، عن الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام) قال:

«القائم منّا تخفى ولادته على الناس حتَّى يقولوا لم يولد بعد ليخرج حين يخرج، وليس لأحد في عنقه بيعة»(1).

18- أبو الزناد.

هو عبد الله بن ذكوان(2)، المدني القرشي بالولاء المكنَّى بأبي عبد الرحمن ويُلقب بأبي الزّناد، مولده في نحو سنة خمس وستين(3)، أخو أبي لؤلؤة الذي قتل عمر(4).

حدّث عن: أنس بن مالك، والإمام عَلِيّ بن الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، وعُدّ من أصحابه، وعن وأبان بن عثمان، وعبد الرَّحمن الأعرج،

ص: 292


1- تاریخ آل زرارة، أبو غالب الزراري: ص 23
2- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدمة)، الشيخ السبحاني: ج 2، 42
3- ينظر: عمدة القاري، العيني: ج 11، ص 56، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): ج 1، ص 434
4- موسوعة طبقات الفقهاء (المقدمة)، الشيخ السبحاني: ج 2، ص 42، وموسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): ج 1، ص 434

وعائشة بنت سعد، ومجالد بن عوف، وغيرهم.

روى عنه: ابنه عبد الرحمن، وابن أبي مُليكة مع تقدّمه، ومحمد بن عبد الله ابن الحسن، وابن عجلان، والليث بن سعد، ومالك، وخلقٌ سواهم.

ورُوي عن الليث ابن سعد، قال: رأيت أبا الزّناد، وخلفه ثلاثمائة تابع من طالب فقه، وعلم، وشعر، وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة، توفّي في رمضان سنة ثلاثين ومائة، وقيل: إحدى وثلاثين، وقال عنه الذهبي: إنَّه كان من علماء الإسلام، ومن أئمّة الاجتهاد(1).

فمن رواياته التي رويت عنه عن الإمام عَلِيّ بن الإمام السَّجَّاد (عليه السَّلَام)، ممَّا جاء في صحيح مسلم المسلم النّيسابوري: عن أبي الزناد: عن عَلِي بن الحُسَين [(عليهما السَّلَام)]، عن عائشة:

(أنّ النّبيّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) كان يقبل وهو صائم)(2).

19- أبو الزبير المكي.

محمد بن مسلم بن تدرس(3) القرشي الأسدي المكي مولى حكيم بن حزام(4)، الحافظ المكثر، في الطبقة الثانية، تابعي من أهل مكة، مات سنة خمس وعشرين ومائة(5).

ص: 293


1- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللّجنة العلميَّة في مؤسّسة الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام): ج 1، ص 434 - 435
2- صحیح مسلم، مسلم النِّيسابوري: ج 3، ص 136
3- تذكرة الحفَّاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 126
4- تفسير أبي حمزة، أبو حمزة الثمالي: 34
5- ينظر: الإكمال في أسماء الرّجال، الخطيب التبريزي: ص 196، وتذكرة الحفَّاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 126

سمع جابر بن عبد الله الأنصاري، حدث عن ابن عباس وابن عمر وجابر وأبي الطفيل وسعيد ابن جبير وعائشة وعدة، وعنه أيوب وشعبة وسفيان وحماد بن سلمة ومالك والليث و خلق خاتمتهم سفيان بن عيينة(1).

قال ابن سعد: وكان ثقة كثير الحديث إلا أن شعبة تركه لشيء، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال ابن معين: ثقة صالح الحديث وثَّقه النّسائي وقال ابن المديني: ثقة ثبت.

روی عن جابر وأبي الطفيل والعبادلة الأربعة وعائشة وسعيد بن جبير وجماعة، وعن عطاء، وهو شيوخه والزهري والأعمش وسلمة بن کھیل وجماعة من السَّلف(2).

20- علي بن جدعان.

علي بن زید بن جدعان أبو الحسن البصري، من رواه مسلم في صحيحه، والبخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن، شيعي ثقة صدوق(3).

روى الحديث عن: الإمام عَلِيّ السَّجَّاد بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام) وعن عمار بن أبي عمار، وعبد الرَّحمن بن أبي بكرة، وروى عنه حماد بن سلمة(4).

فمن الروايات التي رواها علي بن جدعان عن الإمام عَلِيّ بن الإمام الحُسَين الشَّهِيد (عليهما السَّلَام)، مما جاء في كتاب المحلَّی لابن حزم: عن

ص: 294


1- وتذكرة الحفَّاظ، الذَّهبي: ج 1، ص 126
2- الإكمال في أسماء الرّجال، الخطيب التبريزي: ص 196
3- الغدير، الشيخ الأميني: ج 10، ص 144
4- المحلى، ابن حزم: ج 8، ص 57، وج 9، ص 512، وج 11، ص 259، ج 11، ص 371

عَلِيّ بن زید بن جدعان عن عَلِيّ بن الحُسَين [(عليهما السَّلَام)]:

«أن أبا لبابة ربط نفسه إلى سارية وقال: لا أحل نفسي حتى يحلني رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) أو تنزل توبتي، فجاءت فَاطِمّة [(عليها الصَّلَاة والسَّلَام) تحلّه فأبى إِلَّا أن يحلّه رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (إِنَّ فَاطِمَة بُضعَة مِنِّيّ)»(1).

تم بحمد الله وسابق لطفه وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه واله) ويليه الجزء الثاني من المقدمة العلمية للكتاب والموسوم ب (نشوء المذاهب الفقهية وتطورها حتى نهاية القرن الثالث الهجري) انشاء الله تعالى فله الحمد اولا واخرا.

ص: 295


1- ينظر: المصدر نفسه: ج 8، ص 57

ص: 296

المحتويات

المقدمة العلمية أثر المدرسة الإمامية في نشوء علم الفقه وتطوره منذ عصر النبوة

مقدمة الكتاب...13

الفصل الأول مصطلحات الكتاب ومادته

المبحث الأول: مادة الدراسة ومراحلها...23

المسألة الأولى: الفقهُ لغةً...23

المسألة الثانية: الفقه اصطلاحاً...24

المسألة الثالثة: أقسام الحكم الشرعي...25

المسألة الرابعة: أنواع الفقه...26

أولاً- علم الأشباه والنظائر...26

ص: 297

ثانياً- علم المسائل المشكلة...28

ثالثاً- علم العويص من الفقه...29

رابعاً- علم الخلاف والإئتلاف...29

ألف- تعریف علم الخلاف والائتلاف...30

باء- تنوع التأليف في فقه الخلاف والإئتلاف...31

المسألة الخامسة: القواعد الفقهية...41

أولاً- تعريف القواعد الفقهية...41

ثانياً- الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية...42

ثالثاً- مراحل نمو الكتابة في القواعد الفقهية وتطورها...46

ألف- مراحل النمو في المذاهب الأربعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي)...46

باء- مراحل النمو في كتابة القواعد الفقهية في المذهب الإمامي...48

المسألة السادسة: مراحل أنجاز هذه الدراسة...52

1- المرحلة الأولى: استقراء کتاب نهج البلاغة...52

2- المرحلة الثانية: استقراء كتب الفقهاء في المذاهب السبعة...54

3- المرحلة الثالثة: خلاصة ما أورده فقهاء المذاهب السبعة في المسألة الواحدة...55

4- المرحلة الرابعة: استقراء كتب القواعد الفقهية...56

5- المرحلة الخامسة: استقراء شروح نهج البلاغة في النص المعتمد في المسألة...56

5- المرحلة السادسة: استقراء الأعلام والرجال والترجمة لهم...57

6- المرحلة السابعة: مرحلة المراجعة والتدقيق والمتابعة...57

ص: 298

7- المرحلة الثامنة: الكشاف العلمي...57

المسألة السابعة: معوقات الدارسة...58

المسألة الثامنة: المصادر الفقية المعتمدة

في هذه الدراسة...59

أولاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الإمامي...59

ثانياً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الزيدي...70

ثالثاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الشافعي...70

رابعاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب المالكي...72

خامساً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الحنفي...73

سادساً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الحنبلي...74

سابعاً- المصادر الفقهية المعتمدة من المذهب الإباضي...74

المسألة التاسعة: منهاج البحث المعتمدة في الدراسة...75

أولاً- المنهج الاستقرائي...75

ثانياً- المنهج البيني...76

المبحث الثاني: خصوصية كتاب نهج البلاغة وأثره في التراث الإسلامي والإنساني...79

المسألة الأولى: ائتلاف الشريف الرضي ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده في عوالم نهج البلاغة...80

المسألة الثانية: صاحب الشرف الرضي المتشرف بجمع كلام الوصي (عليه السلام)...83

1- اسمه ونسبه الشریف...83

2- مشايخه وطلبه للعلم...84

3- الراوون عنه...84

ص: 299

4- فقهه...84

5- قصده وغايته في اخراج کتاب نهج البلاغة...85

6- کرائم صفاته وسجاياه...87

7- شعره...95

المسألة الثالثة: مقایسة النص الوارد في نهج البلاغة بشواهد الكتاب والسنة وانحسار التشكيك فيه...107

الفصل الثاني جهود الإمام علي والحسن والحسين وزين العابدين (علیهم السلام) في حفظ الشريعة ونمو الفقه وتطوره

المبحث الأول: أثر التدوين في ظهور علم الفقه وغيره من العلوم...117

المسألة الأولى: متى ظهر التدوين عند العرب والمسلمين في الحجاز...117

الرأي الأول: هو الاعتقاد بوجود التدوين قبل الإسلام وبعده...118

الرأي الثاني: عوامل نشوء الاعتقاد بتأخر التدوين إلى منتصف القرن الثاني للهجرة...123

المسألة الثانية: أسبقية مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في التدوين والتصنيف في مختلف العلوم...136

المسألة الثالثة: تصانیف مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) في عصر النبوة...138

المسألة الرابعة: تصانیف مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)...146

المبحث الثاني: جهود الإمام علي (عليه السلام) في حفظ الشريعة ورجوع الصحابة وكبار التابعين إليه بعد منع الخلفاء التدوين...161

المسألة الأولى: حال الصحابة حينما تعرض عليهم المسألة في الفقه وغيره...161

ص: 300

المسألة الثانية: منهاج الإمام علي (علیه السلام) في إرجاع الناس إلى هدي رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) والتمسك بسنته...166

أولاً- بذل النصح والجود بها علمه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من العلوم لكافة الناس لا سيما الصحابة...167

ألف- علمه (علیه السلام) بالسنة...171

باء- علمه (علیه السلام) بالفرائض...171

جیم- علمه (علیه السلام) بالقرآن...171

دال- علمه (علیه السلام) بالقضاء...171

هاء- علمه (علیه السلام) بجميع العلوم...172

واو- شهادة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) له في حيازة العلوم كافة...173

ثانيا- استدراكه لإجتهادات ابي بكر وعمر وعثمان وتصحيحها...174

الف- استدراکه (علیه السلام) لإجتهادات أبي بكر وتصحيحها...175

باء- استدراکه (علیه السلام) لإجتهادات ابن الخطاب وتصحيحها...177

جیم- استدراکه (علیه السلام) لإجتهادات عثمان بن عفان وتصحيحها...179

ثالثاً- إرشاد الناس إلى هدي النبوة بعد توليه شؤون الخلافة...181

ألف- تذكيره (علیه السلام) بسمة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) وهديه وسيرته...182

باء- تذكيره بحال العرب قبل مبعث النبي الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم)...185

المبحث الثالث: جهود أئمة أهل البيت (علیهم السلام) في حركة الفقه ونموه في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة (40 - 100 ه)...193

المسألة الأولى: جهود الإمام أبي محمد الحسن المجتبى (علیه السلام) في نمو الفقه وحفظ

ص: 301

الشريعة...195

أولاً- جهوده (علیه السلام) في حفظ الشريعة...200

ألف- سعيه (علیه السلام) لحفظ ابناء الصحابة والتابعين لهم من ذل السلطة وسلب حقوقهم الحياتية...201

باء- تصحيحه لمفهوم الخلافة وفرقها عن السلطة والحكومة منذ أن توفي الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم)...204

جیم- لو لا الصلح لما بقي احد من اتباع أهل البيت (علیهم السلام) على قيد الحياة...208

دال- إن الهدف هو الابقاء على الأمة من الهلاك...210

ثانياً- جهوده (علیه السلام) في حركة الفقه ونموه وتعليم الناس أحكام الشريعة...210

ثالثاً- أبرز اسماء من اخذوا عنه وعن اخية الإمام الحسين (علیه السلام) الفقه وتصدوا للفتيا...212

المسألة الثانية: جهود الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي (علیهما السلام) في نمو الفقه وحفظ الشريعة...231

أولاً- التعريف بشخصه (علیه السلام) و شطراً من سيرته...231

ثانياً- جهوده في حفظ الشريعة المحمدية وجهاده بنفسه وولده وصحبه وماله...236

ثالثاً- جهوده (علیه السلام) في نمو الفقه وتعليم الناس أحكام الشريعة...237

ألف- أسماء أبرز من أخذ عنه الفتيا...237

باء- ابرز الفقهاء الذين تخرجوا من مدرسة الإمام الحسين واخيه الإمام الحسن (علیهما السلام)...240

المسألة الثالثة: جهود الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) في نمو الفقه و حفظ الشريعة...246

أولاً- التعريف بشخصه وشطراً من سيرته (علیه السلام)...246

ثانياً- جهوده في حفظ شريعة جده (صلی الله علیه و آله وسلم) وجهاده في تعليم الناس وانقاذهم من الضلال...249

ص: 302

ثالثاً- جهوده (علیه السلام) في نمو علم الفقه وتطوره...250

الف- تصانیفه لجملة من العلوم...251

باء- مدرسته العلمية...253

جیم- أبرز الفقهاء الذين أخذوا عنه الفقه وتصدوا للفتيا من الصحابة والتابعين...260

دال- أبرز أسماء أهل الفتيا الذين اخذوا عنه (علیه السلام)...267

ص: 303

ص: 304

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.