الخیارات (محمد علی اراکی)

اشارة

سرشناسه:اراکی، محمدعلی، 1373 - 1273

عنوان و نام پدیدآور:الخیارات / تالیف محمدعلی الاراکی

مشخصات نشر:1414ق. = 1372.

مشخصات ظاهری:ص 632

شابک:5000ریال ؛ 5000ریال

یادداشت:عربی

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع:خیارات

موضوع:فقه جعفری -- قرن 14

رده بندی کنگره:BP190/2/الف 4خ 9 1372

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 72-4013

ص :1

اشارة

الخیارات

تالیف محمدعلی الاراکی

ص :2

مقدمتان

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد للّه ربّ العالمین و الصلاة و السلام علی محمد و آله الطاهرین و اللعن علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین البحث فی الخیار و أقسامه و أحکامه و لنقدّم مقدّمتین،أولیهما:فی بیان حقیقة الخیار،و الثانیة:فی تقریر الأصل عند الشک و أنّه اللزوم أو عدمه.

أمّا المقدّمة الأولی: فی بیان حقیقة الخیار

فی بیان حقیقة الخیار،اعلم أنّه یتصوّر کونه حقّا متعلّقا بالعین،أثره جواز استرداده بردّ بدله،و کونه متعلّقا بالفسخ بأن یکون والیا علیه،و کونه متعلّقا بالعقد بمعنی الولایة علیه بالفسخ أو الإمضاء.

و لازم الأوّل هو السقوط بتلف العین،و لازم الثانی و الثالث عدمه و یفترقان فیما لو تعدّد صاحب الخیار من جانب واحد،فعلی الأوّل لو أمضی واحد کان حقّ الثانی بحاله فله الردّ أو الإمضاء،و علی الثانی حال الإمضاء کالردّ فکما أنّ الردّ مسقط للعقد عن قابلیة إجازة الثانی فکذلک الإمضاء و سیجیء تحقیق المسألة فیما

ص:3

بعد إن شاء اللّه.

و یمکن أن یقال:الظاهر بحسب اعتبار العرف فی موارد حکمهم بالخیار هو عدم کونه حقّا علی العین لأنّهم یعتبرون الرجوع فی المعاملة،و أمّا الوجهان الآخران فیمکن تأیید الثانی منهما أوّلا:بأنّه لا معنی لحقّ الإنسان علی فعل نفسه، و ثانیا:ظاهر قوله:«فإنّ ذلک رضی منه» (1)أنّ الرضی بنفسه موجب لسقوط الخیار،لا لأجل کشفه عن الإسقاط،و علی الوجه الأوّل لا بدّ من التزام ذلک و هو خلاف الظاهر لأنّ الظاهر أنّ هذا العنوان موضوع لا معرّف.

و إذن فنقول إذا کان طرف الحقّ التخییری أحد الأمرین من الإمضاء و الردّ، فأیّا منهما اختاره ذو الخیار سقط حقّه لأنّه بذلک استوفی حقّه کما لو فسخ.

هذا و یمکن أن یقال فی باب الفضولی أیضا بانطباق عدم فائدة الإمضاء بعد الردّ علی القاعدة علی هذا المبنی،بأن یقال هناک أیضا بثبوت حقّ للمالک تخییری بین الأمرین کما فی المقام،و یستفاد ذلک من قوله-علیه السّلام-فی بعض أخبار نکاح العبد بدون إذن سیّده:«إن شاء السیّد أجاز و إن شاء ردّ» (2)بضمیمة عدم الفصل بین النکاح و سائر العقود فیقال إنّه بالردّ قد استوفی حقّه و سقط کما فی کلّ حکم تخییریّ أو وضعی هذا.

أمّا المقدّمة الثانیة:

اعلم أنّه استدلّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف- علی أصالة اللزوم بوجوه:منها قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3).و منها قوله تعالی:

ص:4


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.
2- 2) المصدر نفسه:الجزء 14،الباب 24 من أبواب نکاح العبید و الإماء،ص 523 ح 1.المستدرک: الجزء 15،الباب 18 من أبواب نکاح العبید و الإماء ص 15 ح 1.
3- 3) المائدة:1.

أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ (1).و منها قوله تعالی تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (2)بتقریب أنّ التصرّف المنافی للمعاملة بعد الفسخ مشمول للآیات الثلاث فیکون حراما و ترکه واجبا،و یستکشف من هذا فساد الفسخ کما أنّ مقتضی إطلاق الأخیرتین نفوذ البیع و التجارة عن تراض بعد الفسخ أیضا.

و منها قوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ (3).و قوله-علیه السّلام- :«لا یحل مال امرئ إلاّ بطیب نفسه»،و قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«الناس مسلّطون علی أموالهم»، و قوله:«المؤمنون عند شروطهم» (4).

تقریب الاستدلال بالأخیر ما تقدّم فی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (5)و أمّا ما سبق فبأنّ نفس الفسخ و الاسترجاع أکل للمال بالباطل و تصرّف بغیر طیب نفس المالک و مخالف للسلطنة.

و منها الأخبار المستفیضة الدالّة فی خصوص البیع علی أنّ«البیعان بالخیار ما لم یفترقا» (6)و أنّه«إذا افترقا وجب البیع» (7)و أنّه«لا خیار لهما بعد الرضا» (8).

هذا جملة ما تمسّک به-قدّس سرّه-من الأدلّة الاجتهادیّة (9).

و استشکل فی الکلّ شیخنا الأستاذ،أمّا فی الأخیر فبأنّه حکم حقیقی

ص:5


1- 1) البقرة:275.
2- 2) النساء:29.
3- 3) النساء:29.
4- 4) الوسائل:الجزء 15،الباب 20 من أبواب المهور،ص 30 ح 4.الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار ص 353 الحدیث 1 و 2.
5- 5) المائدة:1.
6- 6) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346 ح 3.
7- 7) المصدر نفسه:ح 4.
8- 8) المصدر نفسه:ح 3.
9- 9) المکاسب:215.

و القدر المتیقّن منه تحدید شخص الخیار المذکور،و أمّا فیما تقدّم فهنا اشکال عام و إشکالات خاصّة بالبعض.

أمّا الإشکال العام فهو أنّه لا شبهة فی أنّه کما أنّ العرف یحکمون بحصول المبادلة فی بعض الموارد و بعدم حصولها فی بعض آخر و الشارع قد أمضی طریقتهم فی بعض الموارد،کذلک یحکمون أیضا بکون المعاملة قابلة للرجوع تارة و غیر قابلة له،و أنّ الرجوع ظلم و صادر عن غیر الحقّ و علی وجه الباطل أخری.

و فی المورد الأوّل لیس الأکل أکلا بالباطل و لا أکلا لمال الناس بلا رضاهم و لا مزاحمة لسلطنة الملاّک علی أموالهم،لأنّ هذه العناوین بعد فرض وجود الحقّ لیست مصادفة عندهم،کما أنّه لا بیع بعد الرجوع بل صار منحلاّ منفصما.

و فی المورد الثانی یحکمون بصدق جمیع هذه العناوین و بکون البیع باقیا بحاله،و هنا موارد مشکوکة الحال یتوقّف العرف فیها عن الحکم بالصحّة و البطلان و الانحلال و اللابیعیة و العدم.

إذا عرفت ذلک فنقول:کما أنّا نحمل ألفاظ الشارع من قوله:البیع کذا و الصلح کذا،و هکذا علی ما یصدق علیه هذه العناوین بنظر العرف،کذلک فی بقاء هذه المصادیق و ارتفاعها أیضا المنبع هو العرف فما دامت باقیة عندهم نحکم بإطلاق حکم الشارع،و إذا زالت زال الحکم،و لو صار مشکوک الحال سقط الحکم عن الإطلاق لأنّه فرع إحراز الموضوع.

و إذن فنقول:أمّا فی موارد الشک فتسقط جمیع الأدلّة المذکورة عن التمسّک،لما عرفت من الشک فی صدق عنوان البیع و العقد و التجارة عن تراض بحسب البقاء،و کذلک فی صدق عنوان الباطل و الأکل لمال الغیر و رفع سلطنته، لا یقال:إنّما یصحّ ذلک لو کان العقد بوجوده الأعمّ من الحدوث و البقاء

ص:6

موضوعا بأن کان طبیعة الأثر مسبّبا عن طبیعة العقد حدوثا و بقاء نظیر الحرارة المسبّبة عن النار کذلک،و أمّا إذا کان الموضوع هو العقد بالوجود الحدوثی فهو أبدا محرز لأنّ الحدوث أمر غیر قابل للارتفاع.

لأنّا نقول:لا شبهة فی أنّ الفسخ متعلّق بعین ما هو موضوع الأثر إذا لا أثر لحلّ غیره،فإن کان المؤثر هو البقاء کان الفسخ،واردا علیه و إن کان الحدوث کان الفسخ أیضا واردا علیه.

و أمّا قولک:کیف یمکن فسخ الأمر الماضی؟فجوابه:أنّه عند العرف أمر ممکن فکما یوردون الإمضاء من اللاحق إلی الأمر السابق کذلک یعتبرون ذلک فی جانب الفسخ،فیکون الأمر السابق فی هذا الحین مفسوخا و تکون الآثار منفیّة من هذا الحین.

و بالجملة:القول بأنّ منشأ الآثار هو الحدوث و مورد الفسخ هو البقاء لیس له وجه،هذا حال موارد الشک.

و أمّا موارد القطع باللزوم العرفی فلا حاجة إلی الأدلّة المذکورة لوجود الارتکاز و السیرة القطعیة و هی بضمیمة عدم الردع حجّة شرعیّة،نعم هذه الأدلّة علی فرض تمامیّة إطلاقها یصیر إمضاء للسیرة و لکن لسنا محتاجین إلی تجشّم إثبات إطلاقها إذ الغرض قطع العرف ببقاء البیع و باطلیّة الرجوع و کونه أخذا لمال الناس بنحو الظلم فحکمها غیر محتاج إلی جعل الشرع،بل هی من قبیل نفس الظلم ممّا یقطع العرف به و یتمّ بضمیمة عدم ردع الشارع،کما أنّه فی موارد القطع بالجواز العرفی أیضا لا تصلح هذه الأدلّة رادعة لما قرّر فی محلّه من عدم کفایة العموم أوّلا و لما مرّ آنفا من عدم الموضوع لها ثانیا.

ثمّ موارد حکم الشارع علی المصادیق العرفیّة لهذه العناوین بخلاف

ص:7

حکمها عند العرف،مثل الحکم بفساد بیع الخمر،و حلّیة أکل المارة تختلف حالها تخصیصا و تخصّصا باختلاف المبنیین فی کیفیة الخطابات الشرعیة المعلّقة علی العناوین العرفیة هل هی متعلّقة بلحاظ المصادیق العرفیّة لا بنحو التقیید بل بنحو یتکلّم نفس العرف واحد منهم واحدا،أو متعلّقة بالمصادیق الواقعیة النفس الأمریة؟غایة الأمر لما کان الشارع بمقام البیان و ألقی قضیّة إلی العرف مع خطائهم فی نظره بدون نصب قرینة تدلّهم علی خطائهم کان هذا دلیلا علی مساعدته لهم،لا أنّ القضیّة مستعملة فی المصادیق العرفیّة بل فی الواقعیّة و إنّما جعل نظرهم طریقا إلی التشخیص.

فإن قلنا بالمبنی الأوّل کان خروج تلک الموارد تخصیصا،لأنّ الموضوع العرفی محفوظ بعد البیان أیضا کما نشاهد فی بیع الخمر و أکل المارّة.

و إن قلنا بالثانی کان تخصّصا و ذلک لکشف حکم الشارع عن عدم أصل الموضوع و إلاّ فمع وجوده فالحکم ضروری غیر قابل للارتفاع فلا یمکن صیرورة الباطل الواقعی حلالا و لا البیع الواقعی حراما،لکن علی هذا یصیر التمسّک فی موارد الشکّ فی حکم الشارع تمسّکا فی الشبهة الموضوعیّة،و التمسّک بطریقیة النظر خروج عن التمسّک بالعام،نظیر التمسّک بالاستصحاب المنقّح للموضوع حیث لا یعدّ من التمسّک بالعام فی شیء.

و بالجملة:کون الخارج قبل تبیّن خروجه تخصیصا نتمسّک فی رفعه بنفس الأدلّة،بلا حاجة إلی ضمّ شیء آخر،و بعده تخصّصا کما یظهر ذلک من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-لا ینطبق علی شیء من الوجهین،و هذا إشکال آخر غیر ما ذکرنا من عدم الحاجة إلی التمسّک بها فی موارد القطع و عدم فائدتها فی موارد الشکّ.هذا هو الإشکال العام.

ص:8

و أمّا الإشکال الخاص بآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فأمران الأوّل:المراد بالعقد علی ما یظهر من تفسیره فی بعض الروایات و صریح بعض أهل اللغة بمعنی العهد،و لا یعهد عند أحد من أهل العرف کون المعاملات السوقیّة معاهدات بین أهالی السوق.

و الثانی:أنّ الخارج عن تحت الآیة أکثر من الداخل فیها إذ البیوع العرفیة التی یحکم العرف فیها بالصحّة و الشرع بالفساد بحدّ یکون الباقی تحته علی قدر البشاعة و الاستهجان من القلّة،و هذا یدلّ إمّا علی قرینة متّصلة فی الآیة سقطت و لم یلزم معها هذا الاستهجان،و إمّا أنّ المراد بها أمر آخر غیر مرتبط بباب المعاملات أصلا مثل العهود الإلهیّة،اللّهمّ إلاّ أن یقال بإمکان إصلاح هذه الجهة بتمسّک المشهور کما یقال فی دلیل القرعة و نحوه.

و أمّا الخاص بالآیتین بعده:فهو أنّهما بمقام الإهمال نظیر قول القائل فی مقام الردع عن المساهلة فی معالجة المرض:لا تسامح و اشرب الدواء.فهنا أیضا فی مقام الردع عن الأکل بالباطل أرشد إلی التجارة عن تراض،فکما لا یمکن أخذ الإطلاق من قول القائل فی المثال:«اشرب الدواء»کذلک فی المقام من قوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (1).

و أمّا آیة أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (2).

فهو فی مقابل ما قالوا فی مقام استیحاشهم إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا (3)فقال:کیف یتماثلان و الحال أنّ اللّه أحلّ البیع و حرّم الربا؟فلیس المقام إلاّ مقام تقابل الطبیعتین فی الحکم و لا یصحّ أخذ الإطلاق من هذا المقام کما هو واضح.

ص:9


1- 1) النساء:29.
2- 2) البقرة:275.
3- 3) البقرة:275.

هذا حاصل الکلام فی الأدلّة الاجتهادیة الثمانیة.

بقی الکلام فی الأصل المرجوع إلیه عند الانقطاع عن الدلیل و قد عرفت ممّا سبق أنّ موارد الشکّ فی حال المعاملة عند العرف من هذا القبیل.

فاعلم أنّ استصحاب ملک الطرف بعد الفسخ جار،إلاّ أنّه قد یورد علیه بأنّ هنا استصحابا حاکما علی هذا الاستصحاب،و تقریب الحاکم بأحد وجوه ثلاثة.

الأوّل:أن یقال:إنّ المالک الأصلی قد بقی من علاقة ملکه فی موارد ثبوت الخیار علقة ضعیفة نظیر اللون الضعیف المتخلّف عن اللون الشدید،و کان من أثر بقاء هذه العلقة جواز الفسخ و الاسترداد،و علی هذا فعند الشکّ یستصحب بقاء أصل العلاقة کما یستصحب أصل السواد عند احتمال تخلّف الضعیف.

و الجواب:أنّ هذا مجرّد فرض و مقام الإثبات یکون الدلیل علی خلافه،فإنّ البائع و المشتری حسب ما هو مفاد انشاءیهما قد نقلا تمام مالهما من العلاقة فی العین إلی صاحبه و لم یبق منه لنفسه شیئا،و إمضاء الشرع أیضا لحق هذا.

الثانی:أن یقال:إنّ الخیار فی موارد ثبوته حقّ جدید یستحدث بالعقد إمّا متعلّقا بالعین أوّلا،أو بتبع العقد،و علی هذا فعند الشک یحتمل بقاء جامع العلاقة المشترکة بین علاقة الملک و هذه العلاقة،کما یستصحب وجود الإنسان فی الدار عند القطع بذهاب زید و احتمال دخول فرد مقارنا لذهابه،و استصحاب عدم الفرد لا یغنی عن استصحاب بقاء الکلیّ،لأنّ الترتّب عقلی فکلّ منهما جار بلا مزاحمة للآخر.

و الجواب:أوّلا:لا أثر لهذا الجامع،بل الأثر لکلّ من الخاصّین أعنی:

علاقة الملک و علاقة الخیار.

ص:10

و ثانیا:سلّمنا وجود الأثر له لکن نقول:فرق بین ما إذا کان الخاص الذی نحکم بثبوته أو بنفیه بالاستصحاب من الموضوعات الخارجیة کزید،و بین ما کان من قبیل مجعولات الشرع کما فی الوجوب،ففی الأوّل ما ذکرت من حدیث الترتّب العقلی صحیح،و أمّا فی الثانی فکما أنّ إثبات الخاص لا ینفک عن أصل الجامع، لأنّ جعل الأمر المجعول تکوینه حقیقة،و لا یعقل تکوین الفرد بدون الجامع، کذلک نفی جمیع الأفراد أیضا لا ینفکّ عن نفی الجامع کما فی مقام التکوین الذی یکون المقام منه حقیقة،و إذن فیتعارض استصحاب نفی الفرد مع استصحاب وجود الجامع.

الثالث:أنّه لا شبهة فی حدوث حقّ الخیار فی البیع ما دام المجلس،و نشکّ فی بقائه بعد انقضائه و مقتضی الأصل البقاء.

و الجواب:أنّه بحسب مقام الثبوت هنا أنحاء الأوّل:أن یکون المسبّب و هو حقّ الخیار متعدّدا بتعدّد أسبابه،و الثانی:أن یکون متّحدا و تکون الأسباب متداخلة و حینئذ إمّا نقول بکونه حقیقة ذات تشکیک فتختلف مرتبته بتعدّد السبب کالوجوب،أو نقول بعدم ذلک أیضا.

فالقسم الأوّل أیضا یحتمل کون الحقّ الآخر موجودا مع حقّ خیار المجلس من أوّل الأمر و الثانی أن یکون حادثا بزواله،فاستصحاب کلّی الحقّ علی الأوّل من القسم الأوّل من القسم الثالث لاستصحاب الکلیّ،و علی الثانی من القسم الثانی منه.

و علی کلّ حال،الکلام فی القسم الأوّل بقسمیه ما تقدّم فی استصحاب الجامع بین الملک و العلاقة حرفا بحرف فلا نطیل بالإعادة.

و أمّا القسمان الأخیران حیث یکون المستصحب نفس الشخص لا الکلّی

ص:11

فیمکن دفعه أوّلا:بأنّا و إن قلنا قوله:«فإذا افترقا وجب البیع» (1)حکم حیثیتی لکنّه یفهم منه عرفا أنّه لیس هنا و لو بعنوان عارضی خیار لا ینفکّ عن البیع.

و ثانیا:أنّ المسبّب و إن کان شخصا واحدا علی فرض البقاء لکن لا شبهة فی احتیاجه إلی سبب آخر،إذ السبب الأوّل و هو المجلس قطعی الارتفاع بالدلیل فیحتاج إلی جعل آخر،فیکون مقتضی الاستصحاب عدم هذا الجعل الآخر فیعارض مع استصحاب الشخص.و بعد التعارض فی جمیع الأقسام نرجع إلی استصحاب الملک الذی هو المحکوم.

فإن قلت:لا تصل النوبة إلیه بل هنا استصحاب حاکم آخر بعد الحاکمین المتعارضین السابقین و هو استصحاب مؤثّریة الفسخ الثابتة حال المجلس بعد انقضائه.

قلت:هو أیضا غیر جار لعدم اتّحاد القضیتین،فإنّ الفسخ أمر کلّی و لا شبهة فی تعدّد موضوع هذا الکلّی باختلاف اعتباره مع وصف الاجتماع و الافتراق،فالمتیقّن مؤثّریة الفسخ المقرون بالاجتماع فی المجلس و المشکوک الفسخ المقترن بالافتراق فلم تتحد القضیتان.

هذا ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حکی (2)عن مختلف العلاّمة (3)أنّه جعل الأصل فی مسألة(أنّ المسابقة لازمة أو جائزة)هو الجواز و عدم اللزوم و لم یرده من تأخّر عنه إلاّ بعموم قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4)و لم یتعرض أحد

ص:12


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار الحدیث 4 ص 348.
2- 2) حکی عنه-ره-فی المکاسب:216.
3- 3) المختلف:
4- 4) المائدة:1.

لنفس هذا الأصل و أنّه ما المراد منه.

نعم فی خصوص المسابقة و شبهه ممّا لا یتضمّن تملیکا أو تسلیطا یمکن تقریر هذا الأصل،بأن یقال بعد فسخ أحدهما بدون رضی الآخر:الأصل بقاء ملک المالک الأصلی للسبق بعد سبق غیره،و هذا تقریر أصل الأصل و إن کان فعلا غیر جار إمّا لحکومة الأدلّة الاجتهادیة،و إمّا لحکومة أصل حاکم آخر و هو أصالة بقاء الأثر الحادث بعقد المسابقة قبل حصول السبق و هو ملکیّة السابق،لا بمعنی أنّه فعلا مالک،بل بمعنی أنّه لا تنتظر مالکیته إلاّ حصول سبقه و لم یکن هذا قبل العقد،إذ لو کان یسبق سابقا لما یملک و هذا حاکم علی استصحاب ملک المالک الأصلی.

و الحاصل:مقصود شیخنا-قدّس سرّه-بیان أصل جریان الأصل لا فعلیّته و الاعتماد علیه،کیف و لو لم یکن أصل آخر کانت العمومات بمذاقه-قدّس سرّه- حاکمة،فلا یرد علیه-قدّس سرّه-ما ربّما یورد علیه من حکومة الأصل الذی ذکرنا علی الأصل الذی ذکره-قدّس سرّه.

ثم إنّ استصحاب الملک کما یجری فی الشبهة الحکمیّة کذلک یجری فی الشبهة الموضوعیة،نعم ربّما یکون فی الشبهة الموضوعیة أصل منقّح للموضوع إمّا مثبت للزوم،و إمّا للجواز فیکون حاکما علی الأصل الحکمیّ و هذا واضح بحسب الکبری.و لکن شیخنا العلاّمة المرتضی-قدّس سرّه-جعل من صغریاته ما إذا تردّد العقد الواقع بین کونه هبة أو صدقة،فجعل الأصل عدم قصد القربة فیثبت الهبة الجائزة (1).قال شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاداته العالیة-:جریان هذا الأصل و عدم مثبتیّته یتوقّف علی أمرین:

ص:13


1- 1) المکاسب:216.

الأوّل:مأخوذیّة عدم القربة فی الهبة علی وجه الجزئیة و الترکیب دون القیدیّة و التقیید،بأن کان حقیقتها عبارة عن تملیک مجانی و عدم داع إلهیّ،لا التملیک المجانی الغیر الناشی عن الداعی الإلهی أو الناشی عن غیره و إلاّ لم یفد هذا الأصل إثبات المقید،بل الأصل هو عدم المقیّد،فیعارضه أصالة عدم المقیّد الآخر فیکون أثر الأوّل عدم جواز تملّک المال بالفسخ،و أثر الثانی عدم اللزوم فیتنافیان فی المؤدّی فیتساقطان فیرجع إلی الاستصحاب الحکمی.

الثانی:عدم مأخوذیّة العدم الذی هو الجزء فی فرض الفراغ عن الجزء الآخر،بأن اعتبر فی فرض الفراغ عن وجود التملیک المجانی أمران:وجود القربة و عدمها،فالأوّل:صدقة،و الثانی:هبة،و یحتمل أن تکون الهبة نفس التملیک المجانی،فالصدقة قسم منه،إذ علی هذا أیضا یکون الأصل عدم تحقّق هذا الجزء العدمیّ لکونه مسبوقا بالعدم الأزلی،فیعارضه استصحاب عدم تحقّق الجزء الوجودی فیتعارضان و نرجع إلی الأصل الحکمی،هذا و إثبات الأمرین فی غایة الإشکال،بل لا یبعد استظهار الخلاف مع أنّ الشکّ کاف فی عدم جریان الاستصحاب لکون الشک فی بقاء الموضوع.

ثمّ فی مورد جریان الأصل الحکمی فی الشبهة الموضوعیّة و إن کان یثبت اللزوم لکن لا یثبت عنوان العقد اللازم لو کان له أثر،بل نرجع فی ذلک الأثر إلی أصل آخر جار فی ذلک المقام و هذا بحسب الکبری واضح،و لکن جعل منه شیخنا العلاّمة-قدّس سرّه-ما إذا تردّد الأمر بین کون العقد الواقع هبة أو بیعا فاستصحاب الملک بعد الفسخ یثبت اللزوم.و أمّا الشکّ فی اشتغال الذمّة بالعوض فنرجع فیه إلی استصحاب البراءة،و استشکل علیه السیّد الطباطبائی -قدّس سرّه الشریف-بالعلم الإجمالی بعد الفسخ بأنّه إمّا یجب علیه ردّ العین،أو یکون مکلّفا بأداء العوض و هو جیّد.

ص:14

القول فی أقسام الخیار

الأوّل:خیار المجلس

و تنقیح مباحث هذا الخیار یحصل برسم مسائل

مسألة:لا إشکال فی ثبوته للمالکین المتعاقدین،
اشارة

إنّما الإشکال فی ثبوته للوکیل فنقول:جهة الإشکال صدق البیّعین (1)علیهما و العدم،و تنقیح المقام یحتاج إلی تقدیم مقدّمة هی:أنّ إسناد الفعل إلی المباشر بحیث یکون قوّة الفاعل بدون توسیط آلة فی البین،هو المؤثّر فی الإیجاد لا شبهة فی کونه حقیقیا،و کذلک إذا کانت الواسطة من قبیل الآلة الصرفة کالمنشار و المنحت،حیث إنّ الفعل یحصل أیضا بقوّة الفاعل و الآلة شأنها إیصال القوّة فیکون الفعل مسندا إلی الفاعل بالحقیقة.

و أمّا إذا کانت الواسطة أیضا فاعلا و کان الصادر من ذیها هو التسبیب فإن کانت فاعلا بلا شعور سواء کان فاعلا بالطبیعة کالنار أم بالإرادة کالسبع -و بعبارة أخری کان ضعیفا بحیث یعدّ کالآلة-،فالفعل بالحقیقة مسند إلی الواسطة،فالإحراق فعل النار و لیس قوّة الملقی أبدا دخیلا فی حصوله،و کذلک الإتلاف فعل السبع من غیر دخالة قوّة الملقی و لکن یصحّ الإسناد إلی الملقی إسنادا مجازیّا کالحقیقة،بمعنی أنّ الإطلاق لا ینصرف عنه فإذا قیل:من أحرق کذا،أو من أتلف کذا،کان شاملا لهذا القسم أیضا.

و إن کانت الواسطة فاعلا قویّا لا یعدّ کالآلة فالإسناد مجازیّ لا یجوز حمل

ص:15


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1،من أبواب الخیار،ص 345،ح 1.

الإطلاق علیه،و من هذا القبیل قوله تعالی یا هامانُ ابْنِ لِی (1)،و قولک:فتح الأمیر المدینة.

فتحصل:أنّ الإطلاق یشمل کلا قسمی المباشرة و القسم الأوّل من التسبیب دون الثانی منه.

إذا تحقّق هذا فنقول:الوکیل علی ثلاثة أقسام:الأوّل:الوکیل فی مجرد إجراء الصیغة.الثانی:الوکیل فی العقد دون ما یترتب علیه و یتفرّع علیه.و الثالث:

الوکیل فی العقد و ما یتفرّع علیه مطلقا.

لا إشکال فی صدق البیّع علی المالک الموکّل فی القسم الأوّل،لأنّ الوکیل بمنزلة الآلة له،و لا فی عدم انصراف الإطلاق إلی نفسه،لأنّه بمنزلة الصغیر الذی أعطیت مال الغیر إیّاه فأتلفه،حیث لا یحکم بضمانه بل بضمانک.کما لا إشکال فی عدم صدق البیّع علی المالک فی القسمین الأخیرین و صدقه علی الوکیل فیهما لکونه فاعلا قویّا.

و حینئذ فنقول:الحقّ أنّ قوله-علیه السّلام-:«البیّعان بالخیار ما لم یفترقا» (2)-بملاحظة اقترانه فی بعض الأخبار بقوله:«و المشتری للحیوان بالخیار إلی ثلاثة أیّام» (3)حیث لا یلزم الفقیه بثبوته للوکیل مطلقا و بملاحظة حکمة الخیار حیث إنّه للإرفاق بالمالک-یکون منصرفا إلی المالک و لا یشمل الوکیل کما حکی ذلک عن جامع المقاصد،و إذن فلا یثبت الخیار لجمیع أقسام الوکیل بأن یکون ذا حقّ خیاری.

ص:16


1- 1) غافر:36.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار ص 346 ح 3.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349 ح 1،2،3،4،5.

و أمّا المالک:ففی القسم الأوّل قد عرفت کونه بیعا،و أمّا فی القسمین الأخیرین فیمکن إثبات الخیار له لا من جهة کونه بیعا،بل من جهة أنّ فعل الوکیل بنظر العرف و الشرع بمنزلة فعل الموکّل،و الفرق بینه و بین النائب أنّ الثانی یحتاج صیرورة فعله بمنزلة فعل المنوب عنه إلی قصد النیابة،و أمّا الأوّل ففعله بحسب الذات یعدّ فعلا للموکّل،فیفید هذا التنزیل ترتیب کلّ أثر کان لفعل الموکّل علی فعل الوکیل،و من جملة الآثار أنّ الموکّل لو صدر منه البیع کان له عند حضوره مجلس البیع الخیار،فیترتّب هذا الأثر ببیع وکیله فلو کان حاضرا فی المجلس کان له الخیار.

و أمّا مع غیابه،فإن قلنا:بأنّ دلیل التنزیل یجعل حضور الوکیل أیضا بمنزلة حضوره کان له الخیار أیضا،و إن قلنا:بعدم الشمول لمثل هذا و إلاّ لزم القول بثبوت الخیار للمالکین لو باشرا العقد تفرّقا عن المجلس مع حضور وکیلیهما المطلقین فی جمیع أمورهما فیه،و لا یمکن الالتزام به،فالخیار منحصر بحالة الحضور.هذا حال المالک.

و أمّا الوکیل،فقد عرفت عدم شمول الدلیل له إمّا لعدم صدق البیّع علیه لغة و إمّا انصرافا،نعم یمکن فی حق القسم الأخیر الذی فرض کونه وکیلا مطلقا مباشرة الفسخ أو الإمضاء من باب الوکالة عن المالک إذا کان المالک حاضرا فی المجلس دون القسمین الأوّلین.

هذا کلّه علی تقدیر تسلیم الانصراف الذی ادّعیناه من وحدة السیاق و ملاحظة حکمة الخیار کما هو الحق،و أمّا علی تقدیر إنکاره و أنّ الحکم ثابت للبیّع کائنا من کان،فاللازم الحکم بثبوت الخیار للقسمین الأخیرین من الوکیل لما عرفت من صدق البیّع علیهما و یکون هذا حقّا لهما،و إن منع المالک عن إعماله

ص:17

فلا تأثیر لمنعه إذ لم یلحظ فی جعله غبطة المالک،إذ الفرض أنّه حقّ الوکیل لا المالک فالاختیار مع الوکیل لا المالک.

و أمّا ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:من أنّ المستفاد من أدلّة الخیار إثبات سلطنة ذی الخیار علی المال المنتقل عنه بعد الفراغ عن سلطنته علی المنتقل إلیه فلا تفید تخصیص دلیل سلطنة المالک الموکّل من حیث تجویز إخراج ماله الجدید عن ملکه بدون رضاه،فاللازم التفصیل بین القسمین الأوّلین من الوکیل و بین القسم الأخیر بعدم الخیار للأوّلین و ثبوته للأخیر (1).

ففیه:أنّه بعد تسلیم صدق البیّع علی الوکیل کما هو المفروض و کون الحکم فعلیّا لا حیثیّتیا نظیر حلّیة لحم الغنم-و إلاّ لزم التوقّف فی مورد الشک عند عروض عارض حتّی بالنسبة إلی المالک أیضا و الرجوع إلی الأصل العملی-و عدم ندرة الوکیل علی نحو القسم الثانی بل شیوعه لا وجه لهذه الدعوی فإنّ الظاهر أنّ البیّعیّة علّة تامّة لثبوت الخیار الفعلی.

و حاصل ما ذکر:أنّا إمّا أن نقول بانصراف البیّع بمناسبة المقام-حیث إنّه بمقام الامتنان علی المالک-إلی صاحب المال و أنّ وصف کونه بیعا یلغی،و إنّما الموضوع تحقّق بیع مضاف إلی صاحب المال و لو لم یکن بمباشرته بلسانه،و لهذا قلنا بکفایة التسبیب فیما کانت الواسطة کالآلة.

و إمّا أن نقول بعدم إلغاء وصف البیعیة و نجعله الموضوع التام بلا انصراف إلی المالک.

فعلی الأوّل لا یثبت الخیار فی القسمین الأخیرین من الوکیل لعدم کونهما مالکین،و مقتضی ذلک و إن کان عدم الثبوت للمالکین أیضا-لعدم إضافة البیع

ص:18


1- 1) المکاسب:216.

إلیهما-لکن کفانا مؤنة ذلک التنزیل العرفی الممضی شرعا فی باب الوکالة.

و حاصله:أنّ کلّ أثر کان ثابتا لإضافة الفعل إلی صاحب المال بالأعم من مباشرته بجوارحه أو بنحو التسبیب،فهذا التصرّف إذا صدر من وکیله یکون عند العرف بمنزلة الفعل المضاف إلیه،فیقولون:بیع هذا بیع ذاک،و صلح هذا صلح ذاک و هکذا،یعنی یترتّب ذلک الأثر الثابت للإضافة،و المفروض فی المقام أنّ البیع إذا تحقّق نسبته إلی المالک و لو لم یکن هو المباشر بجوارحه یترتّب علیه أثر ثبوت الخیار فبالتنزیل المحقّق للنسبة یتحقّق هذا الأثر.

و هذا التنزیل و إن لم یثمر لوصف البیّعیّة لکن عرفت أنّ الموضوع حسب المناسبة المقامیّة لیس إلاّ نسبة البیع إلی صاحب المال،و إن شئت قلت:البیع المنتسب إلی صاحب المال،فإنّ المناسبة المقامیة تنقص من الکلام و تزید علیه، هذا بناء علی الانصراف.

و أمّا بناء علی العدم،فاللازم الحکم بثبوته للوکیلین دون الموکّلین،أمّا الأوّل:

فواضح،و أمّا الثانی:فلعدم الصدق لا حقیقة و لا تنزیلا.

أمّا الأوّل فواضح،و أمّا الثانی:فلأنّ التنزیل إنّما یفید فی ترتّب الآثار التی یکون لإضافة الفعل إلی شخص الموکّل دخل فی ترتّبها،و أمّا ما کان نسبتها إلیه و إلی الوکیل علی حدّ سواء فإنّ کلاّ منهما لو تلبّس بوصف البائعیّة کان له هذا الأثر و لا مزیّة لأحدهما فی ذلک علی الآخر فلا یفید شیئا.

و بعبارة أخری:بناء علی هذا یکون الخیار مسبّبا عن إضافة البیع إلی البائع و لو لم یکن مالکا،و التنزیل یفید الإضافة إلی الذات لا بوصف أنّه بائع فیقال:

هذا البیع بیع زید مثلا،و لا یقال:هو بیع زید البائع و المفروض موضوعیة الثانی.

هذا و قد تحصّل أنّ ثبوت الخیار لکلّ من الموکّل و الوکیل کما اختاره شیخنا

ص:19

المرتضی فی الوکیل المستقل بمعنی کون کلّ ذا حقّ لا یستقیم علی شیء من المبنیین،نعم یثبت للوکیل المستقل بمعنی جواز مباشرته للفسخ أو الإمضاء بعنوان الوکالة عن صاحب الحقّ.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-بعد أن اختار ذلک قال:فقد یتحقّق فی عقد واحد الخیار لأشخاص کثیرة من طرف واحد أو من الطرفین،فکلّ من سبق من أهل الطرف الواحد إلی إعماله نفذ و سقط خیار الباقین بلزوم العقد أو بانفساخه،و لیس المقام من تقدیم الفاسخ علی المجیز فإنّ تلک المسألة فیما إذا ثبت للجانبین و هذا فرض من جانب واحد (1).انتهی کلامه الشریف-قدّس سرّه.

قال شیخنا الأستاذ-أطال اللّه أیّام إفاضاته الشریفة-:مبنی ما ذکره -قدّس سرّه-علی أخذ البیّع باعتبار صرف الوجود،إذ علی هذا کلّ من سبق فقد انطبق علیه الصرف،فبإسقاطه یسقط الخیار،و بإلزامه یلزم العقد و لا أثر لفسخ أو إمضاء من یلحقه لعدم انطباق الصرف علی ثانی الوجود و هذا واضح.

و بالجملة:موضوع الحقّ علی هذا هو الطبیعی الموجود فی المعیّن کموضوع الکلمة و لا ربط له بالأشخاص،و لکنّک خبیر بأنّ هذا غیر ملازم مع کون التعدّد من جانب أو من جانبین،فیمکن فرض الوجود الساری مع التعدّد فی الجانب الواحد کما فی الوارث بناء علی القول به فیجئ فیه مسألة تقدیم الفاسخ علی المجیز هذا،و أمّا بناء علی أخذ البیع فی المقام باعتبار الوجود الساری کما یشهد به اعتباره کذلک بالنسبة إلی البیوع المتعدّدة فلا یستقیم ما ذکره،إذ کلّ من سبق بالإمضاء فقد سقط حقّه و لا ربط له بحقّ من عداه من أهل طرفه.

هذا بناء علی ما اختاره-قدّس سرّه-من أنّ الإمضاء مرجعه إلی الإسقاط،

ص:20


1- 1) المکاسب:217.

و أمّا بناء علی أنّه کالفسخ أحد عدلی الحقّ التخییری فللکلام فیه محلّ آخر.

فرع:لو مات الموکّل و کان الوکیل حاضرا فی المجلس أو بالعکس،

فعلی ما ذکره من اعتبار صرف الوجود لا إرث،لأنّ الصرف لم یمت،و هذا نظیر ما تقدّم فی بیع الصاع الکلّی من الصبرة حیث إنّه لو تلف إلاّ صاعا بقی حقّ المشتری و هذا واضح.

إنّما الکلام فیما لو ماتا دفعة فی المجلس فهل ینتقل إلی جامع وارث الصرف أو لا؟یبتنی علی القول بأنّ أدلّة الإرث هل تشمل الصرف أو أنّها متعرّضة لحال موت الأشخاص؟فعلی الأول ینتقل إلی ورّاث الموکّل و الوکیل کما کان لهما،یعنی یتعلّق بالجامع فیما بینهم،ینطبق علی السابق منهم،و علی الثانی ینتفی الحقّ بانتفاء الموضوع.

ثمّ بناء علی ثبوت الخیار للموکّل و الوکیل بل و الوکیل فی التوکیل و إن طالت السلسلة،فهل العبرة بتفرّق أیّ من الموکل و الوکیل؟الظاهر اختلاف الحال بناء علی اختیار صرف الوجود و اختیار الوجود الساری،فعلی الأوّل یبتنی المسألة علی أنّ التعبیر بعدم التفرّق من باب الأصالة أو من باب الکنایة عن الاجتماع.

فإن قلنا بالأوّل فالمعتبر حصول التفرّق مضافا إلی جنس البیع و هو محقّق بأوّل مصداق تحقّق له،فواحد من أهل السلسلة لو خرج عن المجلس سقط خیار جمیع أهل السلسلة لصدق تفرق البیع.

لا یقال:التفرّق أمر عدمی بمعنی عدم اجتماع البیّع،لأنّا نقول أوّلا:هو أمر وجودی مثل الاجتماع فکما أنّه عبارة عن هیئة خاصّة فکذا هذا.و ثانیا:سلّمنا أنّه عدمیّ لکنّه من باب العدم و الملکة نظیر العمی،فإنّه لیس عبارة عن مطلق

ص:21

عدم الاجتماع و لو بعدم الموضوع کما أنّ العمی لیس عدم البصر کذلک بل عدم الاجتماع عن الموضوع القابل،و إذن فحاله کالوجودی.

و إن قلنا بالثانی کما ربّما یشهد له نظائره فی العرف حیث یفهمون من جعل شیء غایة للحکم أنّ الموضوع ما قبله مثل«صم إلی اللیل»یعنی:صم فی النهار و«کلّ شیء طاهر حتی تعلم»یعنی ما دام الشکّ،فهنا أیضا الخیار ثابت ما دام الاجتماع حاصلا،فالمعیار صدق اجتماع جنس البیّع مع جنس البیّع و هو یتحقّق و لو بوجود وکیل من طرف و أصیل من آخر فی المجلس.

هذا بناء علی صرف الوجود،و أمّا علی اعتبار الوجود الساری فالاعتبار بالترکیب الثنائی الحاصل من کلّ فرد من طرف مع کلّ فرد من الطرف الآخر،فإذا فرض زید و عمرو فی طرف و بشر و خالد فی آخر،فترکیب زید مع بشر فرد للدّلیل و ترکیه مع خالد فرد آخر و هکذا عمرو،فإذا خرج بشر مثلا عن المجلس فالخیار للثلاثة محفوظ،و لو خرج زید أیضا فالخیار للاثنین الباقیین محفوظ.

و بالجملة:یتّحد الحال نتیجة مع القول بصرف الوجود بناء علی جعل عدم الافتراق کنایة و لا یحصل هنا فرق بین جعله کنایة أو أصالة.

هذا و لکنّ الذی یقتضیه النظر الدقیق کما نبّه علیه شیخنا و ملاذنا الأستاذ- أطال اللّه عمره و أیّام إفاداته الشریفة-عدم الفرق بین اختیار صرف الوجود و الوجود الساری فی أنّ النتیجة حصول الغایة بالنسبة إلی من خرج و بقاء الخیار لمن بقی ما دام بقی من کلّ طرف واحد.

بیان ذلک:أنّ الحکم و لو تعلّق بحسب الصورة بالطبیعة بأحد الاعتبارین و الذی جعل شرطا أو غایة خارج عن موضوع الحکم،و لهذا یفرق بین قولنا:«إذا

ص:22

أهانک الإنسان فأهنه»أو«إذا دخل الزوال فاجلس»و بین قولنا:«الإنسان المهین لک فأهنه»و«الجلوس الکائن فیما بعد الزوال ائت به»فی باب الاستصحاب و باب أخذ المفهوم فیقال:الموضوع بعد زوال الإهانة و انقضاء وقت الزوال باق بناء علی الاعتبار بموضوع الدلیل بناء علی الأوّل،و أنّه غیر باق بناء علی الثانی،و کذلک یکون الموضوع فی جانب المفهوم محفوظا،فیکون من باب مفهوم الشرط علی الأوّل بخلاف الثانی فإنّه من باب مفهوم الوصف فیبتنی علی القول به.

و لکن بحسب اللب لا فرق بین التعبیرین فان المستفاد تنویع الطبیعة و تقسیمها إلی واجد الشرط و فاقده،و إعطاء کلّ حکما خاصا به،فیقال:«الإنسان المهین یجب إهانته»لا أنّه إذا تحقّق فرد من الإهانة من فرد من الإنسان یجب الإهانة للإنسان و لو فی ضمن فرده الغیر المهین،و هکذا یقال:الجلوس المقیّد بما بعد الزوال واجب،لا أنّه بمحض دخول الزوال یتساوی نسبة الوجوب إلی جمیع أفراد الجلوس من المتقیّد بهذا الوقت و المتقیّد بأوقات أخر،فإنّ هذا و إن کان أمرا ممکنا لکنّه ممّا لا یکاد یفهمه العرف من القضیة الشرطیّة أو الغائیّة،فالشرط و الغایة و إن کانا راجعین إلی الهیئة حسب الصورة لکنّهما راجعان إلی المادة حسب المعنی و اللّب.

لا یقال:هذا فی ما إذا اعتبر الطبیعة بالوجود الساری صحیح،و أمّا لو اعتبر بنحو صرف الوجود فلا یتصوّر قسمان للطبیعة بهذا الاعتبار-قسم واجد و قسم فاقد للشرط أو الغایة-مثلا إذا اتّصف صرف وجود الإنسان بوصف الإهانة فلا یمکن نسبة عدم الإهانة إلی الصرف و لو صحّ إلی الفرد،للفرق بین الإعراض الوجودیّة و الأعراض التی من قبیل الوجود و العدم،فالأولی تسری من

ص:23

الفرد إلی الصرف،و لکن الثانیة لا تسری عدمیّاتها إلاّ بعد اتّصاف تمام الأفراد بذلک العدم و إلاّ فاتّصاف فرد واحد بوجود تلک الصفة کاف فی صحّة النسبة إلی الصّرف و عدم صحّة السلب عنه و إن اتّصف جمیع ما عدا ذلک الفرد بسلب تلک الصفة.

لأنّا نقول حال الطبیعة علی ما ذکرنا کحالها فی القضیّة التوصیفیة مثل:

«الإنسان المهین کذا»إذا أرید صرف الوجود،فإنّه لا إشکال أنّه من باب تقسیم الإنسان إلی المهین و غیره و ملاحظة الصرفیّة بعد هذا من مجموع الموصوف و الصفة لا اعتبارها فی الموصوف و إیراد الصفة علی الصرف.

و الذی یرد علیه ما ذکرت هو الثانی لا الأوّل ضرورة أنّه کما یصحّ اعتبار صرف الوجود فی الإنسان العالم کذلک یصحّ اعتباره فی الإنسان الغیر العالم،فإذا تحقّق فی الخارج فردان اتّصف أحدهما بالعالمیّة و الآخر بعدمها تحقّق الصرفان فی زمان واحد و یترتّب علیهما حکمهما،نعم لو اعتبر الصرفیّة فی الموصوف،أعنی:

الإنسان،امتنع تحقّق الحالتین،أعنی:العالمیة و عدمها فیه فی زمان واحد.

و علی هذا فنقول:طبیعة البیّع قد قسمت علی قسمین،مفترق و غیره فالخیار ثبت لصرف وجود البیّع الغیر المفترق و عدمه لصرف وجود البیّع المفترق هذا.

ثمّ إنّه قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-:إنّه لا یجوز للموکّل تفویض الأمر إلی الوکیل بحیث یصیر ذا حقّ خیاری،لأن المتیقّن من الدلیل ثبوت الخیار للعاقد فی صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده،نعم یمکن توکیله فی الفسخ أو مطلق التصرّف فسخا أو التزاما (1)انتهی.

لا شبهة فی ما ذکره-قدّس سرّه-،لأنّه إن أراد صیرورة الوکیل بدلا لنفسه

ص:24


1- 1) المکاسب:217.

فی أصل ثبوت الحقّ له دون نفسه فهذا تشریع،و إن أراد إثبات السلطنة المطلقة له حتّی یشمله الدلیل فالدلیل قاصر عن شمول مثله بناء علی ما ادّعاه-قدّس سرّه- من انصرافه إلی مورد الفراغ عن ثبوت السلطنة عند العقد فلا یشمل ما إذا ثبتت بعده،هذا.

و أمّا نقله الحقّ مستقلا من نفسه إلی الأجنبی مجانا أو مع العوض،فقد یقال بإمکان تطبیقه علی القواعد نظرا إلی أنّ عموم الهبة أو الصلح مثلا شامل لکلّ مال أو حق قابل للانتقال،و هو و إن کان ساکتا عن إعطاء القابلیة لکن یمکن استفادتها من تسلّم إرث هذا الحقّ.

و أمّا احتمال تخصیص العموم المذکور مع وجود القابلیة فمضافا إلی دفعه بالأصل،مدفوع بمخالفته لعموم قاعدة السلطنة أیضا،فإنّها و إن کانت حیثیّة و لکن بالنظر إلی الأسباب الشرعیّة مثل الصلح و الهبة حکم فعلی.

و فیه:أنّ الإرث لا یفید إلاّ إیجابا جزئیا،و من المحتمل أن یکون المقام من قبیل حقّ المضاجعة حیث یقبل الانتقال إلی الضرّة و لا یقبله بالنسبة إلی الأجنبیة مع أنّه لیس تخصیصا فی دلیل الهبة و الصلح إلاّ أن یقال بالفرق بین المقامین بأنّ موضوع المضاجعة هو الزوجة،فلا یتحقّق فی حقّ الأجنبیة،کحقّ الشفعة المتقوّم بالشریک،و الإرث کاشف عن عدم التقوّم بشخص المورّث.

لکن فیه مع ذلک أنّ باب الإرث لیس باب النقل و الانتقال،بل هو من باب تنزیل الوارث منزلة المورّث فکأنّه بنفسه صاحب الحقّ و ذلک بادّعاء الارتکاز العرفی فی حقیقة الإرث و أنّه هذا التنزیل.

و یظهر الثمرة بین الوجهین فیما إذا لم یکن للمیّت مال أصلا،فعلی الأول:

لا وجه لفسخ الوارث،إذ لا ملک للمیت حتّی یخرج معادل العوض أو نفسه عن

ص:25

کیسه،و یدخل المعوّض فی کیسه فیتلقّاه الوارث منه.

و أمّا علی الثانی:فنفس الوارث یتصدّی للإدخال فی کیسه و الإخراج منه بما هو نائب مناب المیّت من دون تلقّیه المال من المیت،و کذا یظهر فی حقّ الزوجة إذا کان ما انتقل عن المیّت عقارا کما هو واضح.

ثمّ إنّک عرفت الکلام فی الوکیل و الموکّل،و أمّا الکلام فی الفضولی و المجیز فعدم ثبوت الخیار للأوّل علی ما تقدّم منّا واضح،و ثبوته للثانی یحتاج إلی إثبات أحد أمرین:

الأوّل:أن یقال بکون نفس الإجازة عقدا و بیعا مستقلا.

و الثانی:أن یقال بأنّه و إن لم یکن کذلک لکنّها توجب إضافة البیع الصادر من الفضولی إلی نفسه،و حینئذ و إن کان لا یصدق فی حقّه أنّه باع لأنّ المتبادر منه إیجاد أصل العمل لا إضافة العمل المفروغ عن وجوده لکن یصدق علیه أنّه بیع.

و أمّا علی مبنی شیخنا-قدّس سرّه-فالحال فی المالک کما تقدّم،و أمّا فی الفضولی فالبیّع و إن کان عبارة عمّن انتسب إلیه المعنی المسبّبی العرفی لا الشرعی -و لهذا نقول بثبوته للبیّعین فی الصرف و السلم قبل القبض-لکن الظاهر عدم تحقّق البیع العرفی فی بیع الفضولی حتی بالنسبة إلی الغاصب البائع لنفسه،فإنّ العرف أیضا حاکم بتوقّف حصول البیع علی رضی المالک،نعم بعد تحقّق الرضی من المالک مع بقاء المجلس لا مانع من القول بثبوت الخیار للفضولیّین لأنّهما بالرضی یصیران بیّعین فإن قلت:بل البیّع حینئذ هو المالک لأنّ الفعل یستند إلی الجزء الأخیر من العلّة و هو المالک لأنّه موجد الشرط،فهو فاعل المبادلة.

قلت:فرق بین الفاعل و موجد الشرط أو رافع المانع،فلا یقال لمن جفّف

ص:26

المحلّ بعد ملاصقة النار له إنّه فاعل الإحراق،و کذا لو رفع الحائل،ألا تری أنّه لا یقال للمشتری أنّه بائع،مع أنّ للقبول مدخلا فی تحقّق المبادلة،فبیّعیة المالک فی المقام متوقّفة علی إثبات أحد الأمرین المتقدمین،و للکلام فیهما محلّ آخر.

مسألة:لا إشکال علی المبنی الذی تقدّم منّا فی صورة قیام البائع و المشتری
اشارة

بشخص واحد،

فإنّه یعتبر حضور المالکین فی المجلس حتّی یثبت لهما الخیار،و أمّا بناء علی ما تقدّم عن الشیخ-قدّس سرّه-فهل یثبت لنفس هذا المتصدّی لطرفی العقد إذا لم یکن فی المجلس غیره أو لا؟ فاعلم أنّ

المانع أحد أمور ثلاثة:
الأوّل:أنّ الموضوع هو البیّعان،

و هو بمقتضی کونه تثنیة یدلّ علی مدخلیّة الاثنینیّة فلا یثبت للواحد،و کذا هیئة ما لم یفترقا.

و الثانی:أنّ الافتراق و الاجتماع غیر ممکنین فی حقّ الشخص الواحد

و لا الجسدین المتلاصقین و الغایة ظاهرة فی إمکانها فی حقّ الموضوع.

و الثالث:أنّا و إن سلّمنا أنّ الغایة أعمّ من الممکنة و المستحیلة

کما فی:

حَتّی یَلِجَ الْجَمَلُ (1)و کما فی:«علی الید ما أخذت حتی تؤدّی»حیث نقول بثبوت الضمان بعد التلف مع أنّ الغایة غیر ممکنة،و معنی غائیّتها أنّه لو عادت العین بنفس عیسویّ مثلا و ردّها کانت الغایة حاصلة.

و لکن نقول:مادّة الافتراق لا تناسب مع الواحد،نعم تناسب مع الجسدین المتلاصقین،غایة الأمر عدم الإمکان،فإذن لا بدّ من الفرق بینهما فإنّ الغایة مخصّصة للحکم نظیر العلّة.

و الحاصل:أنّا نسلّم کون الغایة غیر ظاهرة فی الممکنة،و لهذا نقول بالثبوت

ص:27


1- 1) الأعراف:40.

فی المتلاصقین،و لکن لا بدّ من إمکان الفرض و لا یمکن الافتراق فی الجسد الواحد و لو فرض قطعة قطعة،و أمّا الجسدان فلو فرض عدم تلاصقهما جاء فیهما الافتراق و الاجتماع.

و حینئذ نقول:الغایة تخصّص الحکم بالموضوع الممکن فیه فرض تحقّق الغایة،فیکون غیر الممکن فیه فرضه خارجا عن عموم اللفظ،فیحتاج إثبات الحکم فیه إلی تنقیح المناط،و من هنا تبیّن عدم المانعیّة فی المانع الثانی المتوهّم مانعیّته.

و أمّا المانع الأوّل:فالتثنیة و إن کان ظاهرا فی الاثنینیّة الخارجیّة دون العنوانیّة لکنّ الظاهر منه فی هذا المقام أنّه من باب التغلیب من قبیل القمرین و الشمسین، و تکون کنایة عن عنوانی البائع و المشتری،فکأنّه قیل:البائع و المشتری کلّ منهما بالخیار حتّی التفرّق،فلا مانعیّة من قبل الموضوع بالنسبة إلی الجسم الواحد لصدق العنوانین علیه حقیقة،کصدق العالم و الهاشمیّ علی الفرد المجمع لهما، و إنّما المانع من قبل قوله:حتّی التفرّق حیث یستظهر منه التضیّق فی الموضوع لکونه ممّا یقبل فرض التفرّق و لیس هکذا الجسم الواحد.

إن قیل:لم لا یمکن فرض الغایة فی الواحد و الحال أنّ المذکور فی الدلیل قوله:ما لم یفترقا و هذا الأمر العدمیّ ممکن فی الواحد کالجدار و إنّما الغیر الممکن هو الافتراق.

قیل:إن کان المقصود عدم تحقق الافتراق فی العالم،صحّ ما ذکرت لکنّ اللازم منه القول بالخیار فی البیّعین المتعدّدین إذا لم یجمعهما مجلس واحد من أوّل الأمر أیضا إذ یصدق فی حقّهما أنّهما لم یفترقا یعنی لم یحدث منهما التفرق و إنّما بقی التفرّق السابق،فإنّ الظاهر من هذا العنوان عدم الحدوث و لکن هذا خلاف

ص:28

الظاهر،بل الظاهر هو عدم التفرّق ممّن من شأنه التفرّق،و هذا لا یصدق فی حقّ الواحد لعدم الشأنیة،و لا حقّ المتعدّد المفترق من الابتداء لعدم تحقّق الحدوث فی حقّهما.

إن قیل:یمکن القول بثبوت الخیار للواحد و بجعل الغایة خروجه عن المجلس لأنّ انقضاء المجلس فی حقّه هذا،کما أنّ انقضاءه فی حقّ الاثنین تارة بخروج أحدهما و أخری بخروج الاثنین معا و مفارقتهما عن مجلس البیع.

قیل:لو کان الغایة فی الدلیل مفارقة المجلس کان ما ذکر حقّا و لکنّها افتراق البیّعین،و لهذا نقول ببقاء الخیار فی الاثنین لو خرجا عن المجلس علی هیئتهما الاجتماعیّة بدون افتراق بینهما فی الطریق.

فرع:لو مات أحد المتبایعین فی المجلس أو کلاهما فهل هذا افتراق بینهما

فلا یورّث خیار المجلس فإنّ المیّت قد فارق الدنیا فکیف بصاحبه؟أو أنّ العبرة باجتماع البدنین و هو حاصل فیوّرث؟ و حینئذ هل الموروث هو الحقّ المطلق الغیر المغیّی بشیء،أو أنّه أیضا مغیّی؟و حینئذ فهل الغایة افتراق بدن المیّتین أو المیّت و الحیّ من المتبایعین؟أو أنّها افتراق الوارثین من مجلس العقد؟الظاهر هو الوجه الثالث،أمّا الوجه الأوّل و هو عدم الإرث فمبنیّ علی أحد أمرین:

الأوّل:المناقشة فی صدق البیّعین علی المیّتین و هو محلّ منع،فإنّه کما یطلق عرفا أنّ هذا أبو زید مثلا و زوج هند،کذلک یقال:هذا مشتر أو بائع و لیس الإطلاق بنحو ینصرف عنه الإطلاق.

و الثانی:المناقشة فی عدم تحقّق الغایة و هو أیضا کذلک،فإنّه یطلق أیضا بلا عنایة أنّ الزید و أباه ما افترقا.و السرّ أنّ الاختیاریة غیر دخیلة فی الحکم کما فی:

ص:29

اغسل ثوبک من النجاسة،حیث إنّ الغسل یراد به مطلق وصول الماء إلی الثوب و لو لم یکن عن مباشرة اختیاریّة،فکذلک العرف یفهم فی المقام أیضا أنّ العبرة بالکون فی نقطة و الکون فی نقطتین،فلو حصل الافتراق بینهما سهوا أو فی حال النوم کفی فی صدق الغایة.

و إذن فبعد فرض صدق البیّعین علی المیّتین یصیر الحکم فی حقّهما مغیّی بالکون فی نقطتین،و هذا أمر لم یتحقق ما داما فی محلّ واحد.

و أمّا الوجه الثانی:و هو التوریث بلا غایة فلا وجه له،إذ المتروک کان ذا أمد فلیس بعد انقضاء الأمد متروک حتّی یورّث کما فی خیار ثلاثة الحیوان.

و أمّا الوجه الأخیر:و هو کون الغایة افتراق الوارثین،فلا وجه له أیضا فإنّ غائیة الافتراق من قبیل الحکم لا الحقّ فلا یورّث هو،و لیس هنا أیضا دلیل نزل افتراق الوارثین منزلة افتراق مورّثهما،فتعیّن الوجه الثالث و هو کون الغایة افتراق المیّتین.

مسألة:قد یستثنی بعض أشخاص المبیع عن عموم ثبوت هذا الخیار
اشارة

منها:من ینعتق علی أحد المتبایعین،و المشهور کما قیل:عدم الخیار مطلقا، بل عن ظاهر المسالک أنّه محلّ وفاق،و احتمل فی الدروس ثبوت الخیار للمالک، و الکلام فیه مبنیّ علی قول المشهور من عدم توقّف الملک علی انقضاء الخیار و إلاّ فلا إشکال فی ثبوت الخیار،و الظاهر أنّه لا إشکال فی عدم ثبوت الخیار بالنسبة إلی نفس العین لأنّ مقتضی الأدلّة الانعتاق بمجرّد الملک و الفسخ بالخیار من حینه لا من أصله،و لا دلیل علی زواله بالفسخ مع قیام الدلیل علی عدم زوال الحریّة بعد تحقّقها.

و الحاصل:یقع الکلام-بعد مسلمیّة أصل صحّة البیع و حصول الانعتاق

ص:30

و عدم زواله بعد التحقّق-فی ثبوت الخیار بالنسبة إلی القیمة و عدمه،فقد یقال:

إنّه مقتضی الجمع بین أدلّة الخیار و دلیل عدم عود الحرّ إلی الرقیّة،فیفرض المعتق کالتالف فلکلّ من الطرفین الفسخ و الرجوع إلی القیمة.

و قد یستند فی عدم الثبوت عند العلم بالانعتاق إلی أنّ الإقدام علی البیع أو الشراء إتلاف للعبد و سیجیء سقوط الخیار بالإتلاف بل بأدنی تصرف فعدم ثبوته به أولی.

و لکن فیه أولا:أنّه لیس إتلافا فإنّه عرفا إقدام علی البیع و الشراء،و الانعتاق حکم شرعی،فالمتلف حقیقة هو الشارع.

و ثانیا:سلّمنا لکنّ الدلیل علی مسقطیّة التصرّف عموم التعلیل المستفاد من قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فذلک رضی بالبیع»و ظاهره المفروغیة عن وجود البیع فلا یشمل مثل هذا الذی هو مقارن له.

فالعمدة فی المقام هو النظر فی کیفیة الفسخ عند التلف الحقیقیّ،ثمّ فی جریانها فی المقام و عدمه فنقول-و علی اللّه التوکّل

هنا وجوه متصوّرة
اشارة

(1)

الأوّل:أن یکون من آثار الفسخ عند وجود العین استرجاعها و عند عدمها

استرجاع البدل،

و فیه أنّ الخیار حقّ متعلّقه العقد لا العین و هذا الوجه یناسب الثانی.

و الثانی:أن یکون الفسخ حلاًّ للعقد و جعله کأن لم یقع

من أوّل الأمر نظیر الکشف الحکمیّ فی الإجازة،فإنّ اللازم حینئذ أن یکون العین التالفة فی ید المفسوخ علیه بمنزلة المال التالف من الفاسخ فی ید المفسوخ علیه.

ص:31


1- 1) سیأتی ما یرتبط بالمقام فی الصفحة:610،منه دام ظله العالی.

و فیه:أنّ اللازم الرجوع بالنماءات المتجدّدة بین العقد و الفسخ أیضا کما هو الحال فی الکشف الحکمی و لا یلتزمون به.

و الثالث:أن یکون الفسخ حلاًّ للعقد أیضا لکن من حین الفسخ

لا من أوّل الأمر،لکن معنی الحلّ هو عکس العقد،فکما کان العقد مبادلة بین المالین فالحلّ عبارة عن عکس هذه المبادلة بعنوان حلّها،و لازمه انتقال المثمن إلی البائع و الثمن إلی المشتری.

ثمّ إنّ العوض التالف یعود إلی مالکه الأصلی بما هو علیه من العوارض، فلو تجدّد له بیاض عند المالک الجدید،انتقل ببیاضه إلی المالک الأصلی،فمن العوارض التی اتّصف بها عند المالک الجدید هو وصف التالفیّة فلا بدّ أن ینتقل هکذا إلی الأصلی.

و منها أیضا:کون هذا التلف واردا خسارته علی کیس المالک الجدید،فلو کان مقوّما بالعشرین لتلف من مالیّته عشرون و هکذا فلا بدّ أن ینتقل إلی الأصلی أیضا بهذا الوصف،فلو لم تشتغل ذمّة الجدید بعد انتقال التالف إلی الأصلی بعوضه الواقعی لخرج عن وصف کون تلفه علیه لأنّ الفرض جبران خسارته برجوع عوضه المسمّی إلیه،فمعنی بقائه علی الأوصاف السابقة الحاصلة له فی ید المالک الجدید هو اشتغال ذمّته للمالک الأصلی بعوضه الواقعی عند انتقال عوضه الجعلی إلیه حتی لا یلزم انقلاب وصف التالفیّة علیه بالتالفیة علی المالک الأصلی.

و حینئذ نقول:اللازم من هذا البیان عدم ثبوت الخیار فی مسألتنا المفروض فیها بقاء العین و زوال صفة المالیة،فإنّ الخسارة و إن کانت کما فی صورة تلف العین واردة علی المفسوخ علیه لکن مجرّد هذا لا یصحّح النقل و الانتقال و اعتبار إضافة الملک،فإنّه خاص بموضوع المال،فیعتبر فی صحّة اعتبار هذه الإضافة أمران

ص:32

الأوّل:المالیة و هی قائمة بالعین فی حالتی وجودها و عدمها،فالحنطة مثلا مال فکما نحمل علیها موجود و معدوم و هو فی کلّ حال حنطة فکذلک متّصفة بالمالیّة.

و الثانی:کون الخسارة فی موضوع المال التالف علی غیر من اعتبر إضافة الملکیة بالنسبة إلیه.

فالأمر الثانی و إن کان فی مقامنا متحقّقا کما فی صورة تلف العین لکنّ الأمر الأوّل مفقود،فإنّ الحرّ لا مال عرفا و شرعا،و هذا هو الفارق بین المقامین و المائز بین المسألتین،و لکن لا یخفی أنّ لازم هذا البیان عدم جواز الفسخ مع طروّ العتق،أو صفة أخری مخرجة عن المالیة بعد تحقّق العقد الخیاری و مضیّ زمان علیه هذا.

و الرابع:أن یکون الفسخ أیضا حلاًّ للعقد من حینه و لکن لیس معناه

صرف إعدام العقد

و تبدیله بالنقیض،بل یدعی أنّ معناه عرفا ما یسمّی بالفارسیة (واتاباندن)،و معنی ذلک أن یکون مثل العقد فی جمیع الجهات إلاّ فی تبدیل العوضین فنقول:إنّ العقد مشتمل علی أمرین:

الأوّل:إنشاء المبادلة و هذا مدلوله المطابقی.و الثانی:تعهّد کل من الطرفین بتسلیم ما ملکه إلی صاحبه،و هذا مدلوله الالتزامی المفهوم منه عرفا و علی هذا ینطبق أصل الضمان قبل القبض علی القاعدة،نعم اللازم علی هذا هو الضمان بالعوض الواقعی فالضمان بالمسمّی الذی هو انحلال العقد و انفساخه یکون بالتعبّد،و وجه کون أصل الضمان علی طبق القاعدة أنّ کون عین الحنطة الشخصیة مثلا علی عهدة البائع للمشتری معناه کون المشتری مستحقا لمطالبة هذا العین من البائع،و وفاء البائع عند الوجود بردّ نفسها و عند العدم بردّ ما هو

ص:33

أقرب الأشیاء إلیها و هو فی المثلی المثل و فی القیمی القیمة.

و علی هذا فمعنی الفسخ عکس هذه المبادلة و عکس هذا التعهد،فإذا کانت الحنطة حین الفسخ تالفة عند المشتری فمعنی الفسخ جعل الحنطة فی عهدة المشتری منتقلة إلی البائع بإزاء الثمن کذلک،و معنی ذلک صیرورة البائع ذا حقّ علی المشتری بمطالبته بنفس الحنطة المبیعة،و حیث إنّها تالفة فخروج المشتری عن عهدتها بدفع مثلها.

لا یقال:علی هذا یلزم صحّة بیع العین التالفة حین البیع أیضا بهذا الوجه.

لأنّا نقول:حال العین بهذا الوجه حال المنفعة فکما أنّها مال و مع ذلک لا تقبل اعتبار البیع فکذلک العین التالفة.

و لازم هذا الوجه أنّه لو کانت العین موجودة و لکن انتقلت إلی ملک غیر المفسوخ علیه بنقل لازم و أمکنه الاسترداد منه بعقد جدید و لو ببذل مال کثیر، وجب علیه ذلک لأنّ الانتقال إلی البدل إنّما هو بعد تعذّر العین و الأصل،و کذلک اللازم منه أنّه لو کانت العین موجودة حال الفسخ و لکن تلفت قبل الردّ إلی الفاسخ کانت مضمونة علی المفسوخ علیه کما کان هو الحال فی نفس العقد قبل القبض.

هذا کلّه حال التلف الحقیقی من غیر فرق بین تلف ذات المال أو وصف المالیّة،و أمّا حال مسألتنا،و هی الانعتاق القهری فیمکن أن یقال بأنّه حیث عرفت ابتناء الأمر فی مسألة التلف الحقیقی علی التعهّد بالتسلیم یمکن القول بعدم الخیار فی مسألتنا بملاحظة أنّه لا تعهد بعد صیرورة العین خارجة عن سلک الأموال بمجرّد البیع و حصول المبادلة،فلا یتمشّی التعهّد مع العلم و لا یمضی شرعا مع الجهل،فالفسخ إنّما یفید مبادلة علی عکس المبادلة السابقة خالیة عن

ص:34

التعهّد و قد کان حکم الضمان مبنیا علیه.

و الخامس:أنّ الفسخ حلّ من حین و لکن فی صورة التلف ینزّل بعد الفسخ

التالف بمنزلة التالف من مال الفاسخ،

فیعامل من هذا الحین معه معاملة ما تلف من مال الفاسخ فی ید المفسوخ علیه من تضمینه للبدل،و فی صورة الانتقال عن ملک المفسوخ علیه بعقد لازم یعامل مع المنتقل معاملة کونه مالا للفاسخ و قد انتقل عن ملک المفسوخ علیه و ملک هو ثمنه فصار تالفا علی الفاسخ فی ید المفسوخ علیه و هکذا فی صورة طریان الحریّة،فینزّل العبد بوصف کونه متحرّرا عن ملک المفسوخ علیه منزلة شیء تحرّر من مال الفاسخ مفیدا بحال المفسوخ علیه و فی یده.

و بالجملة:المنزّل هو المال بوصف ما جری علیه لا هو بذاته حتی یکون الطاری طارئا فی ما هو بحکم مال الفاسخ فیعامل مع الانتقال معاملة الفضولیة و هکذا.

و حینئذ نقول:قد یکون طروّ التلف أو ما هو کالتلف بعد استقرار الحقّ فی العینین و ذلک بمضیّ زمان علیهما مع بقائهما بوصف الملکیّة للمفسوخ علیه،و قد لا یکون کذلک،بمعنی أنّه لا یجری شیء من أجزاء الزمان علی العین بوصف بقائها علی ملکیّة المفسوخ علیه و قد کانت متعلّقة لحقّ الفاسخ بل کانت من أوّل آنات ما بعد آن دخولها فی ملکه تالف المالیّة.

ففی الصورة الأولی:لا شبهة فی التنزیل الذی ذکرنا لسبق تعلّق الحقّ بالعین فی حال وجودها،فبعد التلف یعامل معها معاملة المال التالف من ملک الفاسخ.

و أمّا فی الصورة الثانیة:فحیث لم یتعلّق بالعین فی شیء من الزمان حقّ من

ص:35

الفاسخ فلا محلّ للتنزیل المذکور فإنّه فرع فعلیّة الحقّ فی نفس العین فی زمان و لا یکفی وجود مقتضیه بدون الفعلیّة.

هذا و فیه أنّ غایة ما یثبت بهذا تصحیح الضمان بواسطة التنزیل المذکور بعد تسلیم مساعدة دلیل الفسخ علی هذا التنزیل.

و أمّا تلقّی الفاسخ الملک عن ملک المفسوخ علیه،فلا یثبت بهذا فإنّ المنزل هو العین بوصف ما جری علیه من التلف أو ما هو کالتلف و قد کان المعتبر فی الفسخ ذلک حیث إنّه عکس البیع و التلقّی معتبر فیه کما هو واضح.

و السادس:أن یقال:إنّه بعد الفسخ نستکشف أنّ العین آنا ما قبل التلف

صار فی ملک الفاسخ،

أو ینزّل کذلک،فالأوّل کشف حقیقی و الثانی کشف حکمی،و حینئذ نقول:لا یجری هذا فی مسألة الانعتاق،أمّا علی الکشف الحقیقی فواضح،لأنّ ما بین ملکیة المفسوخ علیه و الانعتاق لیس فصل و لو بمقدار آن.

و أمّا علی الحکمی فلأنّ الملکیّة هنا لیس علی وجه یترتّب علیها سوی الانعتاق،فهی نظیر ملکیّة الکلّی فی بیع السلف،حیث إنّ البائع یملک آنا ما فی عهدة نفسه الحنطة باعتبار الوجود الخارجی ثمّ ینقله إلی المشتری و إلاّ فیلزم نقله ما لیس له،فهذه الملکیّة لیست علی حدّ سائر الأملاک و لا یترتّب علیها فائدة سوی النقل فی مسألة الکلّی و الانعتاق فی مسألتنا و لهذا لا یعدّ هو متموّلا لکذا و کذا حنطة مثلا.

و السابع:أن یقال:لا شکّ أنّ عقد البیع یعتبر فی حقیقته دخول کلّ عوض

فی ملک من خرج عن ملکه العوض

و أیضا هو یتعلّق بالعین،و لیس للبدل فیه عین و لا أثر،فالفسخ أیضا لا بدّ أن یکون مبادلة مثل نفس العقد و عکسه،و واقعا بین نفس العینین لا بدلهما.

ص:36

فإن قلت:العقد عبارة عن الإنشاء الذی هو الخاطر النفسانی و اللفظ الذی هو من مقولة الصوت و کلاهما متدرّج و متصرّم لا بقاء لهما،فکیف یرد علیهما الفسخ؟ قلت:نعم و لکن أثره و هو المبادلة باق،و بهذا الاعتبار یعتبر لنفسه البقاء کما یعتبر للوضوء البقاء مع أنّ الباقی أثره و هو الطهارة لا بتأثیره بل بطبعه بعد تأثیره فی الحدوث،و من هنا یتّضح فساد جمیع الوجوه السابقة.

أمّا تنزیل العقد کأن لم یکن من حدوثه فقد عرفت أنّه یلزم منه رجوع النماءات إلی الفاسخ و هو خلاف ما یقولون.

أمّا الحلّ الحالی و التأثیر فی الملک آنا ما قبل التلف حقیقة فهو أمر غیر معقول،لعدم تعقّل تأثیر اللاحق فی السابق.

و أمّا تعلّق حقّ الخیار بالأعمّ من العین و البدل،بمعنی أن یتعلّق بالعین عند وجودها و بالبدل عند عدمها،فقد عرفت أنّه لا عین و لا أثر للبدل فی العقد فکیف یکون فی الفسخ مع أنّه عکس العقد.

و أمّا تنزیل التالف بوصف التالفیّة منزلة التالف من ملک الفاسخ،فهو یصحّح الضمان لو قام الدلیل علی أصل التنزیل و لا یصحّح التلقّی المعتبر فی حقیقة الفسخ.

و أمّا الحلّ الحالی و التأثیر فی السابق حکما بمعنی التنزیل،فلا معنی له إلاّ ترتیب الأثر و هو تضمین البدل،فکأنّه قلنا من الأوّل إنّ أثر الفسخ هو الرجوع إلی البدل،فقد وقعنا فیما فررنا منه.

و أمّا الحلّ الحالی و التأثیر فی انتقال التالف علی المفسوخ علیه بوصف کونه کذلک،أو التأثیر فی انتقال نفس العین بلحاظ الوجود الخارجی علی أنّها فی عهدة

ص:37

المفسوخ علیه نظیر الکلّی فی بیع السلم،فقد عرفت أنّ الفسخ عکس العقد و لیس فی العقد إلاّ المبادلة بین نفس العینین الموجودتین لا التالفتین و لا المعتبرتین فی العهدة،فاعتبار أحد الأخیرین فی الفسخ مناف لکونه قلبا و عکسا للعقد المقتضی لمشابهته معه من جمیع الجهات إلاّ جهة القلبیة و العکسیة.

و أمّا ما ذکر فی مقام توجیه العین المعتبرة فی العهدة:بأنّ التعهّد أمر مدلول علیه فی العقد،فهو علی تقدیر تسلیمه لیس مأخوذا فی أحد طرفی المبادلة بأن نبادل العین المتعهّدة بالعین کذلک،بل المبادلة بین نفس العینین و التعهّد واقع علی تسلیم طرفی المبادلة،فالفسخ أیضا بعد تصحیح طرفی المبادلة فیه یکون فیه بمقتضی العکسیة هذا التعهد و لکنّه لا یقتضی أن یکون وصف التعهد مأخوذا فی طرفی المبادلة کما عرفت.

و حینئذ فنقول:الخیار بحسب ما ارتکز من معناه فی أذهان العرف هو حقّ إعادة العقد،فمتعلّقه العقد و لکن قد یقال:إنّ لازم هذا أن یتعلّق حقّ بالعین أیضا بالعرض.

و قد یقال:بل لا یتعلّق حقّ بالعین و إنّما المتحقّق صرف الحکم و هو جواز تملّکه من ملکه و الظاهر الأوّل بملاحظة حکم العرف بذلک،فإنّهم کما یحکمون بأنّ اعادة العقد حقّ کذلک یحکمون بأنّ تملّک العین و استرجاعه أیضا حقّ و هذا الحقّ خاص بالعین و متقوّم بها لا بالجامع بینها و بین البدل بل نقول:لو خرج العین عن ملک المفسوخ علیه ثمّ دخلت بنقل جدید غیر الفسخ مثل البیع و نحوه أیضا لا یجب نقل عینها،بل یجوز تبدیلها ببدلها فمتعلّق الحقّ هو الاسترجاع من عین الملک السابق.

و مقتضی هذا أن لا یتحقّق حقیقة الفسخ بعد تلف العین أو انتقالها بنقل

ص:38

لازم،لفوات ما به قوامه أعنی العین بالملک السابق،و لکن إذا رأینا أنّ العرف یعامل مع شیء آخر عند عدم العین،معاملة التدارک للعین و یجعلونه بدلا و قائماً مقامها،و یرتّبون علیه الآثار المطلوبة منها و هو المثل فی المثلی و القیمة فی القیمی، فحینئذ یلزم قیام هذا الحقّ بذلک الشیء،لکونه بمنزلة نفس العین و تدارکها.

فهذا أشبه شیء بالإرث،حیث إنّ الملک کان للمیّت فی حال حیاته متقوّما بشخصه لا بالجامع فیما بینه و بین وارثه و مع ذلک إذا مات ینتقل إلی وارثه،و السرّ أنّ الملک ثابت لشخصه لا بوصف حیاته بحیث لو کان فی حال الممات قابلاً للتملّک لکان مالکا،فالقصور لیس من ناحیة المقتضی،و هذا بخلاف ما لو کان لوصف الحیاة فیه مدخل فیرتفع موضوعه بارتفاع الحیاة فلا یبقی موضوع حتّی ینتقل إلی القائم المقام.

و هنا أیضا الحق قائم بالعین لکن لیس لوصف وجودها مدخل فی موضوع هذا الحق لیکون حقّا ما دامیّا حتی یرتفع بارتفاع موضوعه،و لا یکون معنی لانتقاله إلی بدله بل هو حقّ مطلق و مدخلیّة حال الوجود من باب الموردیّة و أنّ حال العدم غیر قابل لتعلّق الحقّ به،و مثل هذا یقوم البدل مقام المبدل فی المعروضیّة له.

و بالجملة:فقد تحقّق أنّ الحقّ إنّما یتعلّق بالبدل بعد قیامه بالمبدل و لیس له قیام بالبدل ابتداء و استقلالا،و لازم هذا أنّه لو تلف المبدل فی أوّل آنات ما بعد آن ملک المفسوخ علیه لم یکن وجه للانتقال إلی البدل،إذ لم یتحقّق فی المبدل منه عین و لا أثر و إنّما تحقّق صرف المقتضی له بدون الفعلیّة فکیف ینتقل إلی البدل مع أنّه تابع للفعلیة فی المبدل و لو فی آن عقلیّ،و لا فرق فی هذا بین العلم و الجهل و صدق الإتلاف و عدمه،و من هنا یتّضح الخدشة فیما ذکره شیخنا المرتضی

ص:39

-قدّس سرّه-عقیب قوله:«و بالجملة»من قوله:«فإنّ الخیار حق فی العین» (1)إلی آخره،فإنّه غیر ملائم مع شیء ممّا سبق هذا الکلام و ما لحقه فراجع کلامه-قدّس سرّه.

فإن قلت:بعد ما ذکرت من أنّ حقیقة الفسخ لا یتمشی إلاّ فی حال وجود العینین لعدم تعلّق العقد إلاّ بهما دون البدل فلا یتعلّق بالبدل فسخ،حیث لم یتعلّق به عقد یجب الاقتصار علیه فی حال وجود کلیهما،و أمّا التنزیل و المعاملة مع البدل مبادلة المبدل فقد سبق منک الخدشة فیه بأنّه لا یسمن و لا یغنی من جوع بعد کونه لبّا خروجا عن مقتضی الفسخ،فکأنّه إیراد له من أوّل الأمر علی البدل.

و بالجملة:مقتضی کلّ دلیل حمله علی المصادیق الحقیقیّة لموضوعه،و أمّا المصادیق التنزیلیة فهی لبا إسراء الحکم إلی غیر الموضوع فیحتاج إلی دلیل آخر و لا یکفیه نفس الدلیل الأوّلی.

قلت:نعم ما ذکرت حقّ لو أرید التمسّک لما ذکرنا بعموم أدلّة الخیار بل نقول:مقتضی الأدلّة الأولیة کما ذکرت الاختصاص بحالة وجود العینین لعدم تمشّی الفسخ حقیقة إلاّ فیها.

و لکن یمکن التمسّک بدلیل الید علی إثبات التنزیل الذی ذکرنا،حیث إنّ مفاده أنّ الخسارة الحاصلة من ناحیة المأخوذ علی أیّ شخص ورد مالکا کان أم غیره،فهی علی عهدة صاحب الید و حینئذ فیتّجه التفصیل بین تلف ما انتقل إلی الفاسخ فی یده و بین تلف ما انتقل إلی المفسوخ علیه.

فیقال فی الصورة الثانیة:إنّ ید المفسوخ علیه بمقتضی عموم«علی الید» ضامن لما أخذ یعنی:إنّ الخسارة الحاصلة من ناحیة التالف علی الفاسخ،حیث

ص:40


1- 1) المکاسب:218.

إنّه کان محلّ حقّه و ملکا شأنیّا له،بمعنی أنّه یصیر ملکه بمقدمة فسخه،یکون علی الفاسخ جبرانها و تدارکها.

فقد أقیم بمقتضی هذا العموم المثل أو القیمة منزلة نفس العین فی إمکان تملّکهما بإنشاء الفسخ،لأن هذا تدارک و جبران لما خسره ذو الخیار،فإنشاء الفسخ حینئذ یکون من قبیل إنشاء الموجب البیع حیث إنّه یکون بنظره لا واقعیة له أصلا لا عرفا و لا شرعا،لتوقف حصوله فیهما علی القبول فهنا أیضا یقصد إلی إنشاء الفسخ مع العلم بعدم حصول حقیقة الفسخ لعدم وجود العینین،فإنّ القصد الجدّی إلی الإنشاء المجرّد.إذا ترتّب علیه فائدة لا مانع منه أصلا،فإنّ الإنشاء أمر خفیف المؤنة.

هذا و تحقیق المقام زیادة علی هذا یطلب من محلّه،و لعلّ اللّه تعالی یوفّقنا لذلک بمنّه وجوده إن شاء اللّه تعالی.

فقد تحصّل ممّا ذکرنا،عدم الخیار فی شیء من المسائل الثلاث أعنی:مسألة من ینعتق علی أحد المتبایعین،و العبد المشتری من الکافر،و شراء العبد نفسه لو جوّزناه علی تقدیر القول بملکه بأن قلنا بکفایة المغایرة الاعتباریة بین المالک و المملوک.

فکما یقال:إنّ الإنسان مسلّط علی نفسه،یعتبر هنا أیضا مالکیته لنفسه، و لو فرض صحّة هذا الاعتبار عرفا-و لازمه صحته فی جانب الحرّ أیضا بأن یبیع نفسه-فلا إشکال من جهة أخری،فإنّه من غیر الجهة المذکورة حاله حال الکلّی فی السلّم،و الدین فی بیع الدین علی من هو علیه،حیث إنّه فی الکلّ یحصل الملک آنا ما و أثره السقوط فی الأخیر و الانعتاق فی مسألتنا و الانتقال فی باب السلم.

و علی کلّ حال فوجه عدم الخیار فی الجمیع واحد،و هو أنّ العین لا یقبل

ص:41

لتعلّق الحقّ به و لو فی آن عقلی،لعدم استقرار ملک المشتری إلاّ فی آن فی مسألة من ینعتق علی أحد المتبایعین و مسألة شراء العبد نفسه،و عدم قبول العبد المسلم لملکیّة الکافر فی المسألة الوسطی.

نعم،لو قلنا:بأنّ الممنوع هو الملک الابتدائی لا علی وجه الاستدامة، و الملک بالفسخ عود الملک السابق،لم یکن مانع من الفسخ فیها.

مسألة:دلیل هذا الخیار من قوله-علیه السلام-:البیّعان إلی آخره خاصّ

حسب اللفظ بالبیع،

(1)

و لکن هل یتعدّی إلی الصلح کما تعدّوا فی مسألة بیع الوقف و بیع أمّ الولد مع کون النهی خاصا بالبیع،یمکن ابتناء المسألة علی أنّ الصلح هل هو مشتمل علی بیع ضمنیّ أو لا؟ توضیحه:أنّ قول الموجب:«صالحتک علی هذا بهذا»هل هو من قبیل «ملکتک هذا بهذا»فکما أنّ الباء فی الثانی تکون للمقابلة بین العینین لا بین التملیک و العین،کذلک فی الأول أیضا،فتکون المصالحة کأنها واقعة علی المقابلة بین العینین و لا مقابل لنفسها،أو أنّ الباء فی الأول اعتبر للمقابلة بین المصالحة و العین،فالمصالحة واقعة علی ملکیّة المخاطب للمتنازع فیه و قد أعطی المخاطب بإزاء هذا الصلح شیئا و هو مدخول الباء،فإن قلنا بالأوّل دخل تحت العموم و إلاّ احتاج إلی تنقیح المناط.

هذا حال الصلح،و أمّا العقود الجائزة:فهل لجعل الخیار فیها معنی أو لا؟ یمکن دعوی الثانی،فإنّ الخیار أثره الطبعی جواز فسخ العقد،و إذا کان هذا المعنی حاصلا فی العقد أبدا یصیر الجعل لغوا و تحصیلا للحاصل و لا یکفی وجود ما هو من أحکام الخیار من الإرث و قابلیّة الإسقاط،فإنّها أحکام مترتّبة بعد تحقّق

ص:42


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346 ح 3.

الاعتبار العرفیّ لنفس الخیار،فإذا کان هو تحصیلا للحاصل من حیث أثره الطبعی فوجود تلک الأحکام غیر مجد فی الاعتبار العرفیّ.

و نظیر المقام:ما إذا اشترط فی ضمن العقد علی الحیوان خیار الثلاثة أیّام أو فی ضمن العقد علی غیره الخیار الممتدّ بمقدار المجلس،فإنّ هذا أیضا لا اعتبار عرفیّ له بعد تحقّق الخیارین بالجعل الشرعیّ،و لا یکفی إمکان الإسقاط فی تحقّق الاعتبار.

نعم،لو کان الجعل بحسب الأثر الطبعی مؤثّرا فی أمر غیر حاصل و لو کان نسبته مع الحاصل نسبة القصیر و الطویل،تحقّق الاعتبار العرفی،کما لو اشترط مع خیار المجلس المجعول بأصل الشرع خیارا ممتدّا یطول بعد المجلس أو فی بیع الحیوان خیارا یمتدّ أمده إلی ما بعد الثلاثة کسنة و شهر.

و بالجملة:حال وجود السبیل إلی انفساخ العقد حال ملکیّة الشیء،فکما لا معنی لصیرورة الملک ملکا ثانیا حتی یصیر مشتدّا،کذلک لا معنی لتحقّق السبیل ثانیا إلی الانفساخ،إذ لا معنی لاشتداد السبیل.

هذا کلّه بناء علی کون الخیار عبارة عن السلطنة علی الحلّ و عدمه،و أمّا بناء علی أنّه ملک إقرار العقد و إزالته،فقد یقال:إنّه حینئذ یوجب أمرا زائدا علی مقتضی العقد،فإنّ العقد الجائز لیس معنی جوازه إلاّ جواز حلّه لا إبرامه، و المفروض کون ثمرة الخیار جواز إبرامه و لکن فیه أنّه و إن کان الأمر کما ذکر لکنّه شرط مخالف للمشروع،فإنّ شرط لزوم ما جعله الشارع جائزا مطلقا أو عند قصد إنشاء الإلزام مخالف لحکم الشرع بالجواز،نظیر اشتراط حرمة لحم الغنم مع کونه حلالا بأصل الشرع،و سیجیء توضیح ذلک إن شاء اللّه تعالی.

مسألة:مبدأ هذا الخیار من حین العقد،

لأنّ ظاهر النص کون البیع علّة

ص:43

تامّة،و مقتضاه کظاهر الفتاوی علی المحکیّ شمول الحکم للصرف و السلم قبل القبض.

قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-:لا إشکال فیه لو قلنا بوجوب التقابض فی المجلس فی الصرف و السلم وجوبا تکلیفیّا إمّا للزوم الربا کما صرّح به فی صرف التذکرة،و إمّا لوجوب الوفاء بالعقد و إن لم یکن بنفسه مملّکا،لأنّ ثمرة الخیار حینئذ جواز الفسخ فلا یجب التقابض (1).انتهی.

قال شیخنا الأستاذ-أدام اللّه برکات أنفاسه القدسیّة-:توضیح ما ذکره -قدّس سرّه-أنّ قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)یدلّ علی الوجوب التکلیفی للوفاء و هو عبارة عن التسلیم و التسلّم بعنوان الملکیّة علی نحو ما جعله المتعاقدان فی متن العقد،و من وجوب هذا المعنی نستکشف الوضع أعنی حصول ملکیّة الثمن للبائع و المثمن للمشتری.

ففی باب الصرف و السلم إنّما دلّ الشرع علی أنّ المستکشف و هو الملکیّة متأخّر عن التقابض و لیس هذا تصرّفا فی عموم أَوْفُوا ،فهو بعمومه یقتضی وجوب الوفاء بالمعنی المذکور فیهما أیضا،غایة الأمر إنّ مقتضی العقد إنّما هو التقابض و لو فی خارج المجلس لکن دلّ الدلیل فی خصوص المقام علی أنّه منحصر فی المجلس.

هذا و لکن تصویر الخیار مع فرض وجوب الوفاء مشکل،ألا تری أنّه -قدّس سرّه-تمسّک لأصالة اللزوم بعموم الآیة؟فلو لم یکن بین ثبوت الخیار

ص:44


1- 1) المکاسب:219.
2- 2) المائدة:1.

و وجوب الوفاء منافاة لما کان وجه للتمسّک،و الحاصل أنّ معنی الوفاء بالعقد هو الالتزام به خارجا و عدم نقضه،فمعنی وجوبه حرمة نقضه،فإذا جاز النقض فلا معنی لوجوب الوفاء.

إن قلت:یلزم علی ما ذکرت خروج العقد المشروط فیه الخیار عن عموم الآیة.

قلت:لا یلزم ذلک لأنّ العقد بهذا الوصف لیس له وفاء إلاّ بهذا القدر أعنی ما دام بقاء العقد و عدم انتقاضه بالفسخ،و أمّا العقد المطلق فمعنی الوفاء به حفظ موضوعه،فلا یقال:إنّ الحکم لیس حافظا لموضوعه،فإنّ معنی الوفاء إنّما هو إبقاء العقد و عدم نقضه،و علی هذا فالأقوی أنّ وجوب التقابض إنّما یحصل بعد سقوط الخیار إمّا بأعماله بالإجازة،أو بإسقاطه کما هو مقتضی عبارة التذکرة أیضا.

و لکن فی مجیء الخیار فی العقدین قبل القبض لا نحتاج إلی ذلک بل یکفی الأثر التأهّلی التعلیقی،و هو أنّه لو حصل القبض یحصل الملک،فبالفسخ یبطل هذه الأهلیّة فیصیر القبض المتأخّر لغوا،فإنّ شأن الفسخ إبطال أثر العقد کیفما کان.

القول فی مسقطات هذا الخیار

اشارة

و هی أربعة علی ما ذکرها فی التذکرة، اشتراط سقوطه فی ضمن العقد،و إسقاطه بعد العقد،و التفرق،و التصرف،فیقع الکلام فی مسائل.

مسألة:لا خلاف ظاهرا علی المحکی فی سقوط هذا الخیار باشتراط سقوطه
اشارة

فی ضمن العقد

و عن الغنیة الإجماع،و یدلّ علیه قبل ذلک عموم المستفیض:

«المسلمون عند شروطهم» (1).و قد یتخیّل معارضته بعموم أدلّة الخیار و لکن الحقّ

ص:45


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار ص 353،ح 1 و 2.

عدم نهوض أدلّة الخیار للمعارضة بل التحقیق عدم معارضة شیء من أدلّة الأحکام الأصلیة لدلیل الشرط إذ لا یخلو الحال من أمرین:

إمّا یکون ذلک الدلیل غیر ناظر إلی عنوان الشرط فیکون نسبته مع دلیل الشرط مثل نسبة دلیل رجحان متعلّق النذر مع دلیل النذر.

و إمّا یکون متکفّلا للحکم حتّی فی هذه المرتبة مثل دلیل حرمة الخمر،فلا معارضة أیضا،لأنّ دلیل الشرط مورده مخصوص بما إذا لم یکن تحلیلا للحرام أو تحریما للحلال و کیف کان لا إشکال من حیث المعارضة.

نعم قد یستشکل التمسّک بدلیل الشروط فی المقام من وجوه:
الأوّل:أنّ هذا الشرط مخالف للمشروع،

فإنّ الشارع جعل للبیّعین الخیار فاشتراط عدمه لهما مخالف له.

أقول:توضیح المقام یحتاج إلی بسط فی المقال فی بیان معنی قوله-علیه السلام-:

«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (1)عقیب قوله-علیه السلام-:«المسلمون عند شروطهم» (2).

فنقول و علی اللّه التوکّل:قد یقال إنّ معناه الحلال و الحرام الفعلیّان المطلقان حتّی بالنسبة إلی حال الشرط فیفرق بین الحلال و الحرام الحیثیّین مثل حلیة الغنم،فاشتراط خلافهما جائز و بین الفعلیّین مثل حرمة الخمر فاشتراط خلافه غیر جائز.

و فیه:انّه یلزم الرکاکة فی العبارة إذ المعنی علی هذا:أنّ الشرط واجب،إلاّ أن یکون هنا حرام فعلیّ حتّی فی حال الشرط أو حلال کذلک و هذا لا جدوی تحته،

ص:46


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 354،ح 5.
2- 2) -المصدر نفسه:ص 353،ح 1 و 2 و 5.

فإنّ عدم اجتماع الحکمین المتضادّین الفعلیّین من أبده البدیهیّات.

نعم لو کان ناظرا إلی مقام الإثبات و الدلالة بمعنی أن یکون مفاده أنّ الأدلّة الدالّة علی حلّیة الأشیاء فعلیّا أو حرمتها کذلک یکون مقدّمة عند معارضتها مع دلیل الشرط،کان له معنی،و لکنّه خلاف الظاهر فإنّ الظاهر کون المراد هو الحلال و الحرام الواقعیّین و فی مقام الثبوت لا هما بما هما مفاد الأدلّة و فی مقام الإثبات،و إذن فیلزم الرکاکة التی ذکرنا.

فالذی یصحّ فی معنی العبارة أن یکون المراد هو الحلال مع قطع النظر عن طروّ عنوان الشرط و الحرام کذلک،نظیر الرجحان المعتبر فی متعلّق النذر فإنّه الرجحان مع قطع النظر عن عنوان النذر و لهذا یکون صحّة النذر للإحرام قبل المیقات أو للصوم فی السفر تخصیصا فی دلیله.

و علی هذا فلو شرط فعلا حراما أو ترک واجب کان تحلیلا للحرام،و کذا إذا شرط لزوم عقد جائز أو حرمة لحم الغنم،و أمّا إذا شرط نفس العقد الجائز بنحو النتیجة مثل شرط العاریة أو الوکالة علی إشکال فیها فی ضمن عقد لازم،أو شرط أکل لحم الغنم أو ترک أکله فهذا لا مانع منه،لأنّ أصل العاریة و الوکالة قد فرضنا الفراغ عن مشروعیّتهما و کذلک الأکل و ترکه و إن کانا یصیران لازمین بواسطة حکم الشرط و کذا الأکل أو ترکه یصیر واجبا کذلک،لکن لا ینافی هذا مع جوازهما الذاتی أو إباحتهما کذلک،لأنّ الجواز و الإباحة بعنوان أوّلی و اللزوم و الوجوب بعنوان الشرط.

فإن قلت:ما الفرق بین عدم الملکیة للمشروط له أو عدم الوکالة أو العاریة الثابت له قبل الشرط بحکم الشرع الذاهب بحکم الشرط و بین حلیة الغنم و الجواز الثابتین مع قطع النظر عن الشرط؟فإن قلت بجواز الأوّل و أنّه لیس

ص:47

تحلیلا للحرام و تحریما للحلال فلا بدّ أن تقول به فی الثانی،و إن قلت فی الثانی بأنّه تحلیل أو تحریم فکذلک فی الأوّل و لا وجه للتفکیک.

قلت:الفرق أنّ الشارع جعل للغنم حکما و هو الحلّیة،و کذا للعاریة و الوکالة حکما و هو الجواز،فشرط حرمة الأوّل و لزوم الثانی مخالفة للمشروع،و أمّا عدم ملکیّة المشروط له أو عدم عاریة المال له أو عدم ثبوت الوکالة له فلیس حکما مجعولا من قبل الشرع فی حقّ المشروط له بل الملکیّة و العاریة و الوکالة أمور مجعولة فی حقّ کلّ أحد،غایة الأمر توقّفها علی حصول أسبابها الشرعیة،و المفروض أنّ الشرط أیضا سبب شرعی عند کون متعلّقه أمرا مشروعا.

نعم لو خصص الشارع سببه فی أمر خاص غیر الشرط مثل الطهارة الحدثیّة أو الخبثیّة فی الغسلتین و المسحتین أو الغسل و الغسل و مثل حلیة بضع المرأة الحرّة فی النکاح کان شرط حصوله بغیر ذلک السبب أیضا مخالفا للمشروع، و أمّا إذا کان نفس المسبب أمرا مشروعا و لا یحتاج فی التحقّق إلی سبب مخصوص إلاّ بخصوصیّة کونه سببا مجعولا شرعیا فنفس متعلّق الشرط أمر مشروع،و سببیّته للمتعلّق أیضا شرعی فاللازم تحقّق المتعلّق.

و علی هذا فنقول فی المقام لو کان مقصود المشترط عدم ثبوت الخیار فی هذا البیع رأسا فهو خلاف المشروع فإنّه ثبوته و إن کان المقصود سقوطه بعد الثبوت آنا ما،کان جائزا،لأنّ سقوط الخیار بعد الثبوت أمر فرغنا عن مشروعیّته و لهذا یسقط بالإسقاط.

و أمّا روایة مالک بن عطیّة فلا بدّ فیها من التصرّف علی کلّ حال،إمّا بأن یقال:إنّ المراد فیه من قوله:«بشرط أن لا یکون لک الخیار»مع ظهوره فی اشتراط عدم الثبوت هو اشتراط السقوط فیکون الاستدلال بقوله:«المسلمون عند

ص:48

شروطهم» (1)فی محلّه.

و إمّا من حمل هذه الفقرة علی ظاهرها من اشتراط عدم الثبوت و التصرّف فی الاستدلال بحمله علی الاستدلال المبنیّ علی التعبّد فإنّه من التمسّک بالعام فیما نقطع بانطباق عنوان المخصّص علیه،و لکنّ التمسّک من الإمام-علیه السلام- یکشف عن عدم کون هذا المورد مرادا من المخصّص هذا.

لا یقال:ما ذکرت من أنّ اشتراط السقوط بمعنی عدم الثبوت رأسا حتی بمقدار آن ما-کما هو محلّ الکلام ظاهرا فی المقام-شرط مخالف للشرع یمکن القول بعدم مخالفته بملاحظة أنّ جعل الخیار حیث یکون فی مقام الامتنان فلا یشمل ما إذا أقدم المتبایعان علی سقوطه،نظیر ما إذا أقدما علی البیع بأقلّ من القیمة،حیث تقولون بأنّه غیر مشمول لدلیل لا ضرر لأنّه فی مقام الامتنان،فلا یشمل صورة الإقدام.

لأنّا نقول:الفرق بین المقامین:انّ الإقدام هناک کان علی موضوع ضرریّ فیمکن عدم شمول حکم الشرع له،و أمّا هنا فالمقدم علیه نفس مجعول الشرع، یعنی أقدما علی عدم ثبوت حقّ أثبته الشارع.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-أجاب عن هذا الإشکال بما حاصله:أنّ قوله-علیه السلام-:«البیّعان بالخیار» (2)و إن کان له ظهور فی العلیّة التامّة،لکن المتبادر من إطلاقه صورة الخلو من الشرط،بمعنی أنّ ذات البیع فی حال عدم ملاحظة عنوان الشرط معه صار محکوما بالخیار،ففی مقام الفعلیّة یتوقّف علی عدم الشرط،فیکون ما لا یتخلّف عن الخیار هو العقد بشرط لا.

ص:49


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 353 ح 1 و 2 و 5.
2- 2) -المصدر نفسه:الباب 1،من أبواب الخیار،ص 346 ح 3.

و أمّا العقد من حیث هو فلا یمتنع شرعا تخلّفه عن الخیار فلا یکون اشتراط السقوط اشتراطا للمنافی هذا،مع أنّا لو سلّمنا ظهور الدلیل فی العلّیة التامّة لکن مقتضی الجمع بینه و بین دلیل الشرط حمله علی الاقتضاء دون تمام العلّة.

فإن قلت:فاللازم علی هذا أن لا یبقی شرط مخالف للکتاب و السنّة لأنّ جمیع العمومات المنافیة للشرط یجری فیها هذا الجمع بینها و بین دلیل الشرط.

قلت:قد علمنا بالنص و الإجماع أنّ الخیار حقّ مالیّ قابل للإسقاط و الإرث فلم یکن اشتراطه اشتراط المنافی (1)هذا.

قال شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاضاته الشریفة-:مضافا إلی ورود الإشکال علیه بما تقدّم منّا فی معنی تحلیل الحرام و تحریم الحلال-أنّه لو کان دلیل«البیّعان» إلی آخره کما ذکره،فاللازم عدم المشمولیّة و لو لم یکن للشرط حکم مجعول فی الشرع و لا یمکن الالتزام به.

و أمّا ما ذکره-قدّس سرّه-من أنّ ذلک مقتضی الجمع بینه و بین دلیل الشرط فورود الإشکال علیه بما نبّه هو-قدّس سرّه-علیه فی کلامه بقوله:إن قلت إلی آخره واضح و أمّا دفعه بقوله:علمنا بالنص و الإجماع إلی آخره فهو خروج عن المفروض من کون ذلک مقتضی الجمع بل یصیر الدلیل هو النصّ و الإجماع.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-عبّر عن الإشکال بالمخالفة لمقتضی العقد مع أنّه عنوان آخر غیر عنوان المخالفة للمشروع،و المقصود من الشرط المخالف لمقتضی العقد ما یلزم منه التناقض فی مقام الإنشاء،مثل البیع بشرط عدم الملکیّة أو عدم السلطنة،و لا یخفی عدم ارتباطه بالمقام.

الثانی:أنّ الشرط یجب الوفاء به إذا کان العقد المشروط فیه لازما

لأنّ

ص:50


1- 1) المکاسب:220.

المشروط فی ضمن العقد الجائز لا یزید حکمه علی أصل العقد بل هو کالوعد فلزوم الشرط یتوقّف علی لزوم العقد،فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

و الجواب:أنّه لا توقّف فی جانب لزوم الشرط علی لزوم العقد المشروط به فإنّ للزوم الشرط معنیین،أحدهما:لزومه التبعی الجائی من قبل دلیل لزوم العقد حیث إنّ الشرط کالجزء من أحد العوضین،فالملزم للمبادلة بین العوضین ملزم لما هو قید لهما أو لأحدهما،لعدم معقولیّة تعلّق اللزوم بالشیء دون ما هو کالجزء منه أو قیده.

و الثانی:لزومه الذی یأتی من قبل قوله-علیه السلام-:«المؤمنون عند شروطهم» (1)و لو فرض عدم ما یدلّ علی لزوم أصل العقد فالذی یتوقّف علی لزوم أصل العقد هو اللزوم بالمعنی الأوّل حیث فرضناه تبعا و أثرا للزوم العقد بل عینه، و أمّا اللزوم بالمعنی الثانی فهو لا یجامع مع جواز العقد فعلا الساری إلی مرتبة الشرط لما عرفت من عدم تعقّل عدم سرایة حکم العقد لزوما أو جوازا إلی الشرط المشتمل هو علیه،فإذا کان حکم العقد الفعلی الغیر المتغیّر حتّی بملاحظة حالة الشرط هو الجواز و المفروض صیرورته ساریا إلی الشرط،فلو کان حکم الشرط هو اللزوم،لزم اجتماع المتنافیین فی الأمر الواحد.

و حینئذ نقول فی المقام:البیع علّة تامّة لفعلیّة الخیار فی الآن المتّصل اللاحق به،و أمّا بالنسبة إلی الآن الثانی فحکمه أیضا و إن کان هو الخیار لکنّه بالنسبة إلی هذا الحکم اقتضائی قابل للتغییر و لهذا یقبل الاسقاط،فالحکم الاستقلالی الجائی بالعنوان الطاری أعنی الشرط لا ینافیه.

فإذا جاء حکم(ف بالشرط)و المفروض أنّ الشرط سقوط خیار البیع فی الآن

ص:51


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 353،ح 1 و 2 و 5.

الثانی فمعنی لزوم هذا الشرط عین لزوم العقد و یسری منه بالتبع-بالقاعدة العقلیّة المتقدّمة-حکم تبعیّ إلی الشرط أیضا بالجملة المانع هو تفکیک ما بین العقد المتبوع و الشرط التابع فی اللزوم و الجواز،فمتی لم یتحقّق هذا التفکیک فلا مانع عقلا و لا یلزم تحقّق اللزوم فی العقد سابقا علی تحقّقه فی الشرط قضیّة للتوقّف لما عرفت من منع التوقف.

فمقامنا أشبه شیء بباب اشتراط القدرة فی الأمر،فإنّه أیضا لیس بمعنی توقّف الأمر علی القدرة الخارجیة حتی لا یعقل تحقّقها بنفس الأمر للزوم الدور، بل الذی یحکم به العقل عدم اجتماع الأمر مع العجز حال العمل،فإذا لم یتحقّق هذا المعنی فلا مانع،بالجملة الباب باب التلازم لا التوقف.

فإن قلت:الآن الأوّل الذی اعترفت فیه بجواز العقد فعلیّا ینافی مع لزوم الشرط بالبیان المتقدّم.

قلت:لزوم الشرط لا یشمل ذلک الآن،فإنّ المفروض أنّ الشرط إنّما هو السقوط فی الآن الثانی،و مرجعه إلی أنّه لو انقضی الآن الأوّل علی العقد و خرج منه سالما بلا فسخ فسخه،کان فی الآن الثانی ساقط الخیار،فلیس فی دلیل لزوم الشرط أیضا تعرّض لهذا الآن حتّی ینافی مع جواز العقد.

الثالث:من الإشکالات أنّ هذا الشرط إسقاط لما لم یجب،

لأنّ حدوث الخیار بعد العقد،فشرط سقوطه حال العقد کشرطه قبله.

و الجواب:أنّه لا مانع من إسقاط ما لم یجب،کضمان ما لم یجب بل و بیع ما لم یجب عقلا بمعنی أنّه کما یعقل الإنشاء الجدّی لإسقاط أمر موجود حال الإنشاء -و کذا ضمان دین کذلک و بیع مال کذلک-کذا لا مانع عقلا من إنشاء الإسقاط

ص:52

لأمر یستحدث أو ضمان دین کذلک أو بیع مال کذلک ملاحظا فی الإنشاء ظرف تحقّق ذلک الأمر و الدین و المال،نظیر الإنشاء فی الجواب المشروط و الوصیّة و التدبیر و الوقف علی البطون و الإشکال العقلیّ المتوهّم هنا لیس زائدا علی ما توهّم فی تلک الأبواب و الجواب أیضا الجواب فبعد الفراغ عن الإمکان العقلی ینحصر المانع فی الشرع.

فنقول:المانع الشرعی إمّا هو الإجماع علی البطلان،و إمّا انصراف أدلّة صحّة هذه العناوین إلی صورة وجود المتعلّقات حال الإنشاء بإحدی الدعویین:

إمّا دعوی انصراف عنوان البیع و الضمان و الإسقاط إلی ما کان منها مطلقا فعلیا کما ادّعی ذلک فی مادّة الوجوب أیضا و أنّ إطلاق الواجب ینصرف إلی المطلق منه دون المشروط.

و إمّا دعوی أنّ المتعارف و المتداول من أهل العرف فی معاملاتهم إنّما هو الفعلی المطلق من هذه العناوین دون المعلّقة المشروطة،فبیع المال الذی سیحصلونه لیس متداولا عندهم و هکذا،فإطلاق الأدلّة ینصرف إلی المتعارف و لا یشمل النادر فیبقی ما ذکر من صورة التعلیق بلا دلیل علی الصحّة،فیکفیه حکم الأصل الأوّلی بالفساد و شیء من الوجهین غیر جار فی المقام.

أمّا الإجماع فواضح مع أنّه من الممکن استناد المجمعین إلی الوجه الثانی و معه لا اعتماد به،و أمّا الانصراف فممنوع بکلا وجهیه فی المقام،فإنّ غیر المتعارف إنّما هو إیقاع هذه العناوین علی ما یتأخّر حصوله زمانا عن زمان الإیقاع لا ما یکون تأخّره بمقدار الآن الذی لا یحویه الزمان فإنّ هذا من المتعارف بینهم،فإنّ شرط النتیجة متعارف بینهم مثل شرط عاریة المبیع عند البائع،و منه مورد روایة مالک بن عطیّة.

ص:53

ثمّ إنّ هذا الشرط یتصوّر علی وجوه:
الأوّل:ما تقدّم من اشتراط السقوط إمّا علی نحو ما ذکرنا من سقوطه بعد

ما ثبت آنا ما،و إمّا علی نحو ما استظهره شیخنا المرتضی

-قدّس سرّه الشریف- من کلام المشهور و هو عدم ثبوته من الأصل.

الثانی:اشتراط عدم الفسخ بأن یقول:(بعث بشرط أن لا أفسخ)

فلو خالف الشرط و فسخ احتمل فیه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-وجهین:عدم النفوذ و النفوذ،و شبّه المقام ببیع منذور التصدّق،ثمّ جعل الأوّل أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الشامل لما بعد الفسخ نظیر ما مرّ منه-قدّس سرّه-من التمسّک بأوفوا بالعقود لأصالة اللزوم بتقریب أنّه إذا وجب الوفاء حتّی بعد الفسخ بأن یجب علیه التسلیم بعنوان ملکیة الطرف هناک و کذا یجب علیه هنا ترتیب آثار عدم الفسخ من عدم إعادة العین من یده و المعاملة معه معاملة ماله حتّی بعد الفسخ،یکشف ذلک عن لغویّة الفسخ و فساده فی کلا المقامین (1).

و قد عرفت فیما تقدّم الإشکال فی هذا التمسّک و أنّه من باب التمسّک فی الشبهة الموضوعیّة،فإنّه إذا شککنا فی مؤثّریّة الفسخ و عدمها فمعنی ذلک شکّنا فی بقاء العقد و الشرط الموجود فی ضمنه المتقوّم به حدوثا و بقاء و قد کان حکم وجوب الوفاء مترتبا علی موضوع العقد و الشرط،نعم قبل الفسخ یشمل وجوب الوفاء لنفس الفسخ أیضا،بمعنی أنّه یصیر حراما لکونه خلاف الوفاء و لکن بعده مع الشک فی فساده فلا.

إذا عرفت ذلک فنقول:قد یقال بأنّ دلیل الشرط کدلیل النذر لا یفید سوی حکم تکلیفی متعلّق بالمشروط و المنذور،فلو کان متعلّق النذر و الشرط هو عدم

ص:54


1- 1) المکاسب:220

البیع مثلا فغایته المنع التکلیفی من البیع و هو لا یستلزم الفساد الوضعی،بل نقول فی خصوص المقام یستلزم صحّته حیث إنّه متعلّق بالمعنی المسبّبی أو هو الذی تعلّق به الجعل الشرطی أو النذری،فکما أنّه لو شرط البیع لا یستلزم وقوع المبادلة بلا حاجة إلی إنشائه کذلک شرط عدم البیع أیضا غیر مستلزم لعدم تحقّق المبادلة حتّی مع إنشائه.

هذا و یمکن أن یقال بالتفصیل بین ما إذا کان المقصود من اشتراط عدم الفسخ جعل عدم الحلّ بالمعنی المسبّبی للمشروط له،و بین ما إذا کان المقصود جعل عدم إنشاء هذا المعنی الذی هو السبب له،ففی الأوّل یبطل الفسخ،و فی الثانی یصحّ.

توضیح المقام:أنّ قوله-علیه السلام-:«المسلمون عند شروطهم» (1)مفید لحکم تکلیفی علی طبق ما جعله المتشارطان،فإن تعلّق جعلهما بالنتیجة مثل الملکیّة و السقوط کان الحکم التکلیفی راجعا إلی آثارها،لأنّ الوفاء بهذا الشرط ترتیب تلک الآثار و ینتزع منه حکم وضعی بثبوت النتیجة.

و إن کان متعلّقا بالفعل أفاد وجوبه أو بالترک فکذلک،و حیث إنّ مفاد (اللام)فی قوله:شرطت لک علی نفسی کذا،هو الاختصاص و السلطنة،ینتزع من هذا الحکم التکلیفی-بل و من الحکم التکلیفی الجائی من قبل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،حیث إنّ الشرط أیضا تابع للعقد-حکم وضعی هو ثبوت الحقّ للمشروط له علی المشروط علیه،و لهذا یستحقّ المطالبة و الإجبار و لو کان مجرّد الحکم لما کان له ذلک.

و حینئذ فإذا شرط عدم الفسخ المسبّبی تحقّق للمشروط له حقّ علی عدم

ص:55


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار ص 353 ح 1 و 2 و 5.

الحلّ و المفروض کون الخیار أیضا بمعنی ملک حل العقد،و لا تجتمع هاتان الملکیّتان فی أمر واحد شخصی فإنّ الملکیّة معناها الاستیلاء علی طرفی الوجود و العدم،و کما لا یمکن اجتماع نفس الوجود و العدم فی الأمر الواحد الشخصی کذلک لا یمکن الاستیلاء الفعلی المطلق لشخص علی وجود الأمر الواحد الشخصی و الاستیلاء المطلق الفعلی لشخص آخر أیضا علیه إمّا بوجوده ابتداء أو بعدمه کذلک،و بعد ثبوت التنافی بین هذین الحقّین لا محالة یذهب حقّ المشروط علیه و المفروض أنّ نفوذ الفسخ أیضا من آثار الحقّ فیرتفع بنفوذه أیضا.

فإن قلت:فإذا کان الشرط موجبا لذلک فلا قدرة للمشروط علیه علی الفسخ فکیف یتوجّه إلیه النهی عنه.

قلت:یمکن تصحیح النهی بنحوین.

أحدهما:کالنهی عن بیع الربا و بیع الخمر حیث إنّه منزّل علی المبادلة العرفیّة لا بقید العرفیّة بل علی نحو یشیر إلیه أهل العرف،فذاک المعنی الذی یقع فی أذهانهم بذاته وقع تحت النهی و الحرمة و الفساد،فکذلک هنا أیضا و إن کان لا مجال للفسخ و الحلّ الحقیقی و بنظر الشرع،و لکنّ الذی یراه العرف حلاًّ ممکن فیکون هو حراما و فاسدا،أو الشرط أو النذر مثلا متعلّق بهذا المعنی أیضا و إن صدرا من المتدیّن.

و الثانی:کالنهی عن الصلاة فی الحمام عند نذر ترکها حیث إنّ متعلّق النهی هو الصلاة الصحیحة لولا النهی النذری فهنا أیضا متعلّق النهی الفسخ الذی یکون کذلک لولا تعلّق النهی الشرعی و هو مقدور.

و من هنا نقول بثبوت الخیار للمشروط له لو خالف المشروط علیه و أتی بالفسخ بهذا المعنی فإنّه و إن لم یفت بذلک غرض عن المشروط له لفرض بقاء

ص:56

العقد بحاله إلاّ أنّ خیار تخلّف الشرط لا یدور مدار فوت الغرض،و لهذا لو شرط الخیاطة فلم یفعلها و اتفق وجود متبرّع بها لم یسقط الخیار بوجود المتبرّع مع حصول الغرض و هو الخیاطة،فاتعاب النفس لأجل إثبات فوت غرض علی تقدیر کما یظهر من شیخنا فی الفرع الآتی لم نفهم له وجها.

فإن قلت:فعلی هذا لو فسخ مرّة فقد تخلّف الشرط و عصی،فلو فسخ ثانیا فلا بدّ من صحّته،لسقوط الشرط بعصیان أمره.

قلت:هذا تابع لنظر الشارط،فإن جعل متعلّق الشرط عدم الفسخ بمعنی عدم هذه الحقیقة ما دام المجلس یکون المرّة الثانیة و الثالثة و هکذا کلّها تخلّفا، لانحلال الشرط إلی شروط،و لا تلازم بین عدم مصداق فی الخارج للفسخ إلاّ واحدا و بین لحاظ صرف الوجود و إن جعل المتعلّق عدمه باعتبار صرف الوجود أعنی عدم قلب عدمه الأزلی بأصل الوجود،فاللازم ما ذکرت من سقوط الخیار، و هذا التفصیل یجیء فی باب النذر أیضا عند تعلّقه بعدم الفعل.

و حاصل الکلام:أنّه بعد أنّ دلیل الشرط مفید لحقّ وضعیّ بالنسبة إلی ما شرط فلا بدّ من الفرق بین ما إذا کان ما شرط عدم نفس الفسخ المسبّبی و بین ما إذا کان عدم إنشائه.

فعلی الأوّل:-حیث لا یمکن اجتماع الحقّین فی موضوع واحد،فلا بدّ من ذهاب حقّ المشروط علیه بواسطة المزاحمة لحقّ المشروط له،و إذا ذهب یجیء الفساد.

و أمّا علی الثانی:فالإنشاء أمر خارجی مقدور للمشروط علیه و لا ینافی ثبوت حقّ المشروط له فیه مع القدرة الخارجیّة للمشروط علیه،فهو نظیر شرط عدم الأکل.

ص:57

و بالجملة یختلف مورد الحقّین،لأنّ المشروط علیه لیس له حقّ فی الإنشاء بل من أحکام حقّه فی المسبّب جواز إنشائه،و من هنا یظهر أنّه لو قلنا بأنّ الخیار ملک العقد بالإقرار و الإزالة کان الحال هکذا حتّی فی صورة شرط عدم الحلّ المسبّب،فإنّ مورد حق المشروط علیه هو العقد،و الحلّ و الإقرار موردان للحکم بالنسبة إلیه.

و الأوّل مورد حق المشروط له فلا یلزم الإشکال العقلی المتقدّم،و من هنا یظهر الحال فی شرط عدم البیع،و فی نذر التصدّق علی القول باشتماله علی نذر ضمنیّ بعدم البیع و قلنا بثبوت الحقّ للمنذور له فی متعلّق النذر،فإنّ البیع لیس موردا للحقّ بالنسبة إلی المالک و إنّما هو مورد الحکم،فلا یلزم إشکال عدم إمکان اجتماع الحقّین.

الثالث:اشتراط الإسقاط،

و لا یجیء هنا التقریب المتقدّم فی سابقه-بعدم نفوذ الفسخ-فإنّ الباب هنا باب التضاد و یمکن تعلّق الحقّین وضعا بالضدّین و إن لم یمکن التکلیف بهما،و لهذا یمکن رجحانهما بخلاف النقیضین،فلا یمکن کون زمام أمر أحدهما وضعا بید أحد و زمام الآخر بید غیره کذلک.

کما لا یمکن رجحان کلیهما،فکما أنّ رجحان أحد طرفی النقیضین یوجب لا محالة مرجوحیة الطرف الآخر،کذلک هنا أیضا کون زمام الأمر بید أحد الشخصین فی أحد طرفی النقیضین یوجب خروجه عن ید الشخص الآخر،و لا یمکن فی الآن الواحد وجود الزمام وضعا بیدهما معا.

و أمّا الضدّان:أعنی الإسقاط و الفسخ فلا مانع من ثبوت کلا الحقّین فی الآن الواحد متعلّقین بهما،و لیس کالتکلیف حتی یکون ممتنعا،ألا تری إمکان رجحان کلیهما.

ص:58

و بالجملة ثبوت الحقّ للمشروط له فی الإسقاط مسلّم و أمّا کونه موجبا لفساد الفسخ کما قوّاه شیخنا-أعلی اللّه مقامه-فلم نعرف وجهه.

بقی الکلام فی أنّ المشهور عدم تأثیر الشرط المذکور قبل العقد

من دون إشارة فی متن العقد إلی ما ذکر سابقا بقوله مثلا:«علی ما ذکر»فالمحکیّ عن شیخ الطائفة-قدّس سرّه-القول بتأثیره،و اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-عدم التأثیر،و لا بدّ أن یعلم أوّلا أنّ الإشکال هنا من وجوه ثلاثة لا بدّ من التمییز بینها و عدم الخلط.

الأوّل:أنّ هذا الشرط شرط ابتدائی فنتکلّم فیه من حیث نفسه و لو فرض الغفلة عنه حال العقد،و الکلام فیه مبنیّ علی صدق الشرط بحسب المادّة علی الشروط الابتدائیة و عدم قیام إجماع أیضا علی خروجها عن حکم الشرط.

الثانی:أنّ هذا الشرط إسقاط لما لم یجب و لو فرض کون الشرط عدم ثبوت الخیار لا سقوطه فإنّ عدم الثبوت أیضا لا بدّ له من اقتضاء الثبوت.

الثالث:أن نتکلّم فی فرض وجود الاشتراط قبل العقد و حضوره فی الذهن حال العقد و إیقاع العقد مبنیّا علیه بالإشارة النفسانیّة مع خلو الکلام عمّا یدلّ علی تقیید الإنشاء به،و هذا محلّ الکلام فی المقام.

و حاصل الکلام:أنّ ابتناء العقد علی المذکور قبله بحسب عالم الثبوت یمکن بنحوین:

الأوّل:أن یوقع العقد بعد الفراغة و استراحة النفس عن حصول الالتزام السابق بتخیّل کفایته و نفوذه،فهو فی حال إیقاع العقد ملتفت إلی الالتزام السابق و یکون العقد أیضا مبتنیا علیه بمعنی أنّه لولاه لما أقدم علی العقد،و لکن الإنشاء خال عن التقیید.

ص:59

و الثانی:أن یدرج الالتزام فی العقد فی عالم الإنشاء فینشیء التزامین أحدهما فی ضمن الآخر و الآخر مبنی علی الأوّل،هذا بحسب عالم الثبوت،و من المعلوم أنّ الذی یندرج فی موضوع الشرط هو الثانی،و الأوّل من قبیل الدواعی،و أمّا بحسب مقام الاستظهار فلا بدّ من وجود دالّ عرفی علی النحو الثانی،فلو فرض وجود العلم من الطرفین به مع عدم نصب قرینة دالّة عرفیّة کان فاسدا.

فالذی ینبغی التکلّم فیه هنا هو الکلام فی أنّ الاشتراط قبل العقد ثمّ إیقاع العقد بلا دالّ فعلیّ کالإشارة،و لا قولی هل هو بنفسه قرینة علی تقیید إنشاء العقد المتأخّر بذاک الالتزام-فیکون مغنیا عن قرینة أخری-أو أنّه أعم من ذلک و من النحو الآخر؟فلو فرض تحقّق النحو الثانی فی عالم الثبوت و العلم به أیضا من المتشارطین لم یکف،لعدم وجود الدال العرفیّ لا خارجا کما هو الفرض و لا من قبل هذه الهیئة الحاصلة من سبق الاشتراط علی العقد.

و الذی اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-هو الثانی،و هو الحقّ فإنّ مجرّد الذکر السابق بنفسه غیر مؤثّر فی اللزوم،لأنّه إمّا التزام شرعیّ ابتدائی،و إمّا وعد بالالتزام،فلیس محکوما علی کلّ حال بوجوب الوفاء،و العقد أیضا غیر ملزم له، لأنّه التزام مستقلّ لا یرتبط بالالتزام العقدی إلاّ بجعل المتکلّم و إلاّ فهو بنفسه لیس من متعلّقات الکلام العقدی مثل العوضین و قیودهما حتّی یقدّر شرطا منویا فیکون کالمحذوف النحوی بعد نصب القرینة.انتهی.

و حاصله الفرق بین سبق ذکر العوضین و ما یوصفان به مع عدم الذکر فی العقد حیث یقدّر فی الکلام بقرینة الذکر السابق فیکون کقول القائل:(مکّة)عند قولک له فی حال تهیئة السفر:(أین ترید)،فهنا أیضا إذا وصف شخص لک عبدا له فقال:إنّ لی عبدا کذا و کذا و کذا.فقلت له:بعنیه.فقال:بعتک.فقلت

ص:60

اشتریت.فحینئذ و إن لم یذکر شیء من نفس العبد و لا من أوصافه فی شیء من الإیجاب و القبول لکنّه من باب المحذوف النحوی مع نصب القرینة یکون مقدّرا فی الکلام و المقدّر کالمذکور.

و هذا بخلاف الحال فی مقامنا،فإنّ سبق الاشتراط لا یکون قرینة علی تقیید العقد اللاحق و موجبا لتقدیر الشرط فی الکلام کما هو الحال لو قال أحدهما لآخر:

تعال نتبایع بیعا مشروطا بسقوط خیاره،فقال آخر:نعم فشرعا فی ذکر الإیجاب و القبول و خلّیا الکلام عن ذکر الشرط،فإنّ الحال هنا کعدم ذکر العوضین فی المثال المتقدّم.

و أمّا إذا سبق العقد بنفس التزام سقوط الخیار ثمّ أوقعا العقد فلیس فی الکلام حینئذ ما یدلّ علی التقدیر،و کلام شیخنا محمول علی الأخیر کما أنّ کلامه فی العوضین و قیودهما محمول علی ما ذکرناه من المثال دون ما إذا ذکرا أوصاف المبیع قبل العقد ثمّ ذکرا نفس المبیع فی العقد خالیا عن الأوصاف و عن اللام العهدیّة،فإنّ الکلام فیه کعین الکلام فیما نحن فیه،فکلامه-قدّس سرّه-محمول علی صورة عدم ذکر الموصوف و الصفات معا.

فرع:ذکر العلاّمة-قدّس سرّه-فی التذکرة موردا لعدم جواز اشتراط نفی

خیار المجلس و غیره

فی متن العقد و هو:ما إذا نذر المولی أن یعتق عبده إذا باعه، بأن قال:للّه علیّ أن أعتقک إذا بعتک،قال:لو باعه بشرط نفی الخیار لم یصح البیع،لصحّة النذر فیجب الوفاء به و لا یتمّ برفع الخیار،و علی قول بعض علمائنا من صحّة البیع مع بطلان الشرط یلغو الشرط و یصحّ انتهی.

هذا مبنیّ علی کون النذر موجبا لتعلّق حقّ للمنذور له فی العین،و علی القول بأنّ التضاد و التنافی أیضا موجب لعدم إمکان تعلّق الحقّین بهما،إذ حینئذ لا

ص:61

یجتمع حقّ المنذور له فی العتق مع حقّ الناذر فی الفسخ المنافی له إذا فرض عدم إمکان التوسّل إلیه بسبب آخر غیر الفسخ کالإقالة و نحوها.

و أمّا وجه اختصاص المثال بنذر العتق علی تقدیر البیع دون العتق المطلق -مع أنّه أیضا علی القول المذکور مناف لنفوذ التصرفات-أنّ فی صورة النذر للعتق المطلق یکون المنافی له نفس البیع لوقوع العین بسببه عرضة للزوال و انقطاع سلطنة الناذر عنها بانقضاء مدّة الخیار و عدم الفسخ قبله،فخصّ الکلام بصورة نذر العتق بعد البیع فإنّ البیع حینئذ لا محالة لا یسقط عن الصحّة بواسطة النذر، لأنّه متأخّر عنه،و لا یعقل تأثیر المتأخّر فی المتقدّم فیتمحّض المنافاة فی الاشتراط.

فإن قلت:لا وجه للتفرقة بین البیع و الشرط،إذ عین ما ذکرت فی وجه عدم بطلان البیع من عدم منافاته لحقّ المنذور له لسبقه رتبة علیه جار فی جانب الشرط،فإنّ البیع و المبادلة إنّما تتحقّق بعد تمام الإیجاب و القبول،و المفروض کون الشرط فی ضمنهما،فالتقدّم الرتبی موجود فی الشرط أیضا فلا وجه لبطلانه و صحّة البیع،بل لا بدّ إمّا من بطلانهما أو صحّتهما.

قلت:ما جعله الناذر شرطا لنذره حقیقة البیع بمعناه العرفی أعنی ما وقع تحت حکم(أحلّ)من الشارع،و الفرض أیضا إمکان التفکیک بین حصول المبادلة مع وجود الالتزام الشرطی فی ضمنه و بین حصول ذلک الشرط و عدم الملازمة بین صحّتهما و فسادهما،و لا شبهة أیضا أنّ رتبة البیع متقدّم علی رتبة الالتزام الذی فی ضمنه،ضرورة تأخّر المتضمّن عن المتضمّن و المندرج عن المندرج فیه،فإنّ حقیقة الاشتراط لیس صرف التزام مقارن لالتزام آخر،بل أخذ فی حقیقته کونه بوصف الاندراج و الالتصاق بذلک الالتزام الآخر،و من المعلوم أنّ وجود الالتصاق متأخّر عن ذاتی الالتزامین و الشرط عبارة عن مجموع الالتزام

ص:62

و الالتصاق،فهو أیضا متأخّر عن نفس الالتزام،إذا ثبت ذلک فنقول:إذا تحقّق الالتزام البیعی فهو موجب لحصول أمور فی الرتبة المتأخّرة عنه.

الأوّل:حکم(أحلّ)من الشارع،و الثانی:تحقّق موضوع الاشتراط، و الثالث:فعلیّة حکم(ف بالنذر)حیث إنّه کان کنفس النذر مشروطا بالبیع و معلوم أنّ فعلیّة الشرط فی الخارج سبب لفعلیّة المشروط،و الرابع:فعلیّة حکم وضعیّ مستکشف من حکم(ف بالنذر)أعنی ثبوت حقّ المنذور له و تعلّقه برقبة المال،فإنّ هذا غیر متأخّر رتبة عن الحکم التکلیفی بالوفاء بالنذر بل مستکشف عنه،فالاستکشاف متأخّر و أمّا نفس المستکشف أعنی الحقّ فمتساو رتبة مع ذلک الحکم فقد تحصّل أنّ المانع عن نفوذ حکم الشارع بالوفاء بموضوع الاشتراط أعنی حق المنذور له متحقّق فی رتبة موضوع ذلک الحکم أعنی نفس الاشتراط، فلا یصل النوبة إلی مجیء ذلک الحکم،لأنّ القاعدة فی باب تزاحم الحقوق تأثیر ما کان منها أسبق مقتضیا.

لا یقال:کما تقولون فی الوجوبات المشروطة أنّه یتحقّق للإرادة بعد فعلیّة الشرط و تحقّقه خارجا مرتبة جدیدة ما کانت حاصلة قبل،و بهذا تصحّحون الترتیب فی الأصول بین الاستصحاب التقدیری و التنجیزی علی تفصیل مقرّر فی محلّه،کذلک الحال هنا فی نذر الناذر،فیحصل لموضوع النذر مع قطع النظر عن حکمه فعلیّة حادثة بعد البیع فیتأخّر حکمه عن هذه المرتبة و یتساوی مع رتبة حکم الشرط.

لأنّا نقول:نعم و لکن لیس لهذه الفعلیّة المستحدثة أثر بل وجودها و عدمها سیّان،بل الأثر لحدوث النذر التعلیقی،و لو فرض رجوع الناذر عن نذره قبل حصول الشرط.

ص:63

مسألة:و من المسقطات إسقاط هذا الخیار بعد العقد،

بل هذا هو المسقط الحقیقی،و لا خلاف ظاهرا علی ما حکاه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی سقوطه بالإسقاط و هذا هو العمدة فی دلیله و إلاّ ففیما استدلّ به علیه نظر.

فإنّه استدلّ شیخنا-قدّس سرّه-بفحوی ما سیجیء من النصّ الدالّ علی سقوط الخیار بالتصرّف معلّلا بأنّه«رضی منه بالبیع» (1)فإنّه إذا کان التصرّف لکاشفیّته النوعیّة عن الرضا مسقطا کان الإسقاط الذی هو کاشف صریح کذلک بطریق أولی.

و بفحوی تسلّط الناس علی أموالهم،فهم أولی بالتسلّط علی حقوقهم المتعلّقة بالأموال و لا معنی لتسلّطهم علی مثل هذه الحقوق الغیر القابلة للنقل إلاّ نفوذ تصرّفهم فیها بما یشمل الإسقاط.

أمّا النظر فی الاستدلال الأوّل:فلأنّه من الممکن الفرق بین التصرّف و بین الإسقاط فإنّه إذا کان الإنسان مخیّرا بین ردّ المال و إمساکه فاختار فی مقام العمل الثانی و رتّب علیه الأعمال الخارجیة من التصرّفات الکاشفة عن ذلک فرتّب الشارع علی هذا التصرّف الکاشف بأنّه موجب لزوال اختیار المتصرّف عن الشقّ الآخر من تخییره أعنی الردّ،فهذا لا یدلّ علی ملزمیّة مثل قول:أسقطت حق تخییری و اختیاری.

فإن قلت:هذا أیضا کالعمل یدلّ علی رضاه و التزامه بهذا الطرف من التخییر.

قلت:الفرق أنّ العمل واقع عن الرضی بالإمساک و الالتزام به و معلول له فیکون کاشفا عن سبق الرضی و الالتزام علیه کشفا نوعیا،و أمّا القائل:«أسقطت

ص:64


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار ص 351 ح 1.

حقّ خیاری»فإنّه ربّما لم یرتفع التردید و التزلزل عن نفسه و إنّما یرید رفعه و خروجه عن الاضطراب بنفس هذا القول و الإسقاط،فغایة ما یدلّ علیه هو الرضا و الالتزام المتأخّر و أمّا المتقدّم فلا دلالة نوعیّة فیه علیه،نعم یدلّ علی رضاه سابقا بحصول الرضی و الالتزام بالعنوان الثانوی لاحقا.

و أمّا النظر فی الاستدلال الثانی:فلأنّ المنساق من قضیّة«الناس مسلّطون علی أموالهم»هو التسلّط علی نقلها و التصرّف فیها بذاتها فإنّ البیع و الهبة و الصلح و سائر التصرّفات واردة علی ذات المال لا بوصف کونها مضافة إلی المالک بالإضافة الملکیّة.

و بالجملة التسلّط علی المضاف غیر التسلّط علی الإضافة،و لو فرض تسلّط المالک علی الإضافة أیضا بأن یکون قوله(أسقطته عن مالیّتی)مؤثّرا و نافذا،فهو یکون بدلیل آخر و لا یستفاد من دلیل السلطنة علی الأموال،و علی هذا فالتعدّی إلی الحقوق إنّما یفید إمکان تبدیل إضافته إلی الحقّ بإضافة أخری أو نقلها إلی الغیر مجانا،و أمّا إسقاط إضافته عنه فهو کإسقاط إضافته عن المال غیر مفهوم عن دلیل السلطنة لا منطوقا و لا فحوی.

إذا عرفت ذلک فالعمدة ما عرفت من عدم ظهور الخلاف و کون ذلک أمرا عرفیا ارتکازیا فکما أنّ أصل حقیّة الخیار لا مدرک له غیر العرفیة و الارتکاز فکذلک کونه قابلاً للإسقاط أیضا من الأمور العرفیّة،و بضمیمة عدم الردع یصیر حجّة شرعیّة و لعل القاعدة المسلّمة«لکلّ ذی حقّ إسقاط حقّه»أیضا مستفادة من هذا.

مسألة:لو قال أحدهما لصاحبه:«اختر»فهنا وجوه
اشارة

متصوّرة بحسب عالم الثبوت

ص:65

الأوّل:أن یکون غرضه من ذلک استکشاف الحال.

و الثانی:أن یکون الغرض جعل أمر خیار نفسه مفوّضا إلیه و یکون هو بمنزلة عقله فیختار ما یراه صلاحا له.

و الثالث:أن یرید نقل الحقّ إلیه و لیس هذا إنشاء لأمر حاصل علی ما مرّ فی اشتراط الخیار فی العقود الجائزة،فإنّه بخیار نفسه و حده و إن کان یمکنه فسخ العقد رأسا لکن لم یمکنه الإمضاء کذلک بحیث لم یقبل الانفساخ بعده کما کان یقدر علیه ذو الخیار الواحد و یحصل له ذلک بعد هذا النقل،فالإنشاء لیس إنشاء لأمر حاصل حتی لا یمکن الجدّ إلیه.

الرابع:أن یرید تملیک أمر الخیار إیّاه بأن یکون هو وحده صاحب اختیار العقد لا بشرکة غیره و هذا بأن یسقط هو حقّه فیکون تعبیرا عن الإسقاط بلازمه.

ففی الفرض الأوّل:لا وجه للسقوط مطلقا،و فی الثانی:حاله حال الوکیل فی أنّه لو أمضی ینفذ من ناحیة نفسه قطعا و من ناحیة الآمر أیضا إلاّ أن یقیّده بکونه من ناحیة نفسه أو من ناحیة الآمر و لو سکت فخیار الآمر بحاله.

و فی الثالث:حیث إنّ النقل غیر مؤثّر شرعا،فالخیار باق مطلقا کالفرض الأوّل،و إنشاء النقل لیس دالاّ علی الرضی بالبیع حتّی یشمله النصّ المتقدّم إلیه الإشارة،نعم لو علم من حال صاحبه أنّه یختار الرضی کان دالاّ،هذا و لو فرض تمامیّة ذلک فی الإسقاط فإنّه لم یسقط حقّه و إنّما أبقاه و نقله إلی صاحبه.

و فی الرابع:یکون ساقطا مطلقا کما هو واضح،هذا بحسب الثبوت و أمّا بحسب الإثبات فلا یبعد دعوی ظهور الکلمة فی الوجه الأخیر،و علی هذا یحمل ما فی بعض الروایات،أنّهما بالخیار ما لم یفترقا أو یقول أحدهما لصاحبه:اختر،و أمّا

ص:66

حمله علی مطلق التلفّظ بهذه اللفظة بأیّ وجه من الوجوه المذکورة کان فبعید،بل لو فرض الإجمال فی عرفنا و احتملنا کونه فی العرف السابق ظاهرا فی الوجه الأخیر لسقط الروایة عن صحّة التمسّک أیضا.

ثمّ إنّ ثبوت الخیار للمتعدّد یتصوّر علی وجوه:

الأوّل:أن یکون کلّ واحد کذی خیار واحد،فکما أنّه فی صورة وحدة ذی الخیار یکون له الفسخ و له الإمضاء،فیلزم العقد إمّا لأنّ الإمضاء کالفسخ بنفسه طرف الخیار و إمّا لأنّه إسقاط للحقّ،کذلک کان لکلّ من الاثنین أیضا الفسخ و کان له الإمضاء بحیث لا یقبل الانفساخ بعده و لو بفسخ صاحبه.

الثانی:أن یکون لکلّ من الاثنین الفسخ و الإمضاء من ناحیته بأحد المعنیین،إمّا إلزام العقد و إبرامه من ناحیته و إمّا إسقاط الحق کذلک.

الثالث:أن یکون هنا حقّ واحد قائم بالاثنین فلا ینفذ فسخ أحدهما و لا إمضاؤه بل المؤثّر فسخ المجموع و إمضاؤه.

ففی الفرض الأوّل:لا کلام مع الاتّفاق فی الاختیار،و أمّا مع الاختلاف -بأن اختار أحدهما الإمضاء و الآخر الفسخ-فإن کان أحدهما أسبق من الآخر فاللازم تأثیر المقدّم و لغویة المؤخّر،و إن کانا متقارنین فاللازم لغویّة کلیهما عن التأثیر و بقاء العقد بحاله من الجواز.

و فی الفرض الثانی:لا تعارض بین الفسخ من أحدهما و الإمضاء من الآخر أصلا،إذ الفرض أنّ الإمضاء لا یفید إلاّ إعمال الحقّ أو إسقاطه من ناحیة الممضی فقط مع بقاء حقّ الآخر بحاله،فالحکم بالانفساخ لیس تقدیما للفسخ علی الإجازة إذ هو فرع التعارض.

ص:67

و فی الأخیر:یسقط کلا الأمرین عن التأثیر مطلقا،لعدم استقلال أحد الشخصین بالأمر حسب الفرض هذا بحسب مقام الثبوت.

و أمّا إثبات أنّ مقامنا أعنی خیار البیّعین من أیّ من الأقسام:یمکن دعوی القطع بعدم کونه من قبیل الأخیر إذ لا اختصاص له بحال المجلس بل هو ثابت بعده أیضا لإمکان التقایل،فیدور الأمر بین أحد الأولین و یمکن إثبات الثانی منهما بأمرین:

الأوّل:إطلاق الخیار المستفاد من قوله-علیه السلام-:«البیّعان بالخیار ما لم یفترقا» (1)لصورة إمضاء أحدهما.

لا یقال:فیلزم ثبوت الإطلاق لصورة فسخه أیضا لأنّا نقول:خروجه من باب ارتفاع الموضوع أعنی العقد،حیث إنّ الفسخ لا یمکن اختصاصه بطرف واحد،و علی فرض عدم الإطلاق قضیّة الاستصحاب ثبوت الخیار لکلّ بعد إمضاء الآخر.

الثانی:قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فلمّا استوجبتها قمت فمشیت خطا لیجب البیع حین افترقنا» (2)فإنّه لو کان الخیار علی الوجه الأوّل لما اختار -علیه السلام-المشی بالخطی،بل کان یقول:قد أمضیت البیع،فاختیار المشی لحصول الوجوب دالّ علی حصر الموجب فیه و علی هذا فلا یفرض التعارض بین الفسخ و الإجازة فی مسألتنا.

نعم یفرض فی الولیّین و الوکیل و الأصیل،حیث إنّ إمضاء کلّ إلزام للعقد و موجب لسقوط حقّ الآخر،و کذا الورثة إن قلنا بأنّ خیارهم أیضا من هذا القبیل

ص:68


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346،ح 1 و 2 و 3 و 4.
2- 2) المصدر نفسه:ص 348،ح 2 و 3 و 4.

بأن یقوم کلّ واحد منزلة مورّثه.

و کذا یفرض فی تصرّف ذی الخیار فی العوضین دفعة واحدة،کما لو باع عبدا بجاریة ثمّ أعتقهما جمیعا،حیث إنّ إعتاق العبد فسخ و إعتاق الجاریة إجازة و قد عرفت حال التعارض فی مثل الولیّین و الوکیل و الأصیل.

و أمّا حاله فی الفرض الأخیر فمجمل الکلام فیه:أنّا إمّا أن نقول:بسببیّة التصرّف للإمضاء و الفسخ،و إمّا أن نقول:بکاشفیّتهما عن الرضی السابق علیهما بأحد الأمرین،فإن قیل بالأوّل فاللازم سقوطهما عن التأثیر فیکون ملک المتصرّف للجاریة محفوظا فی رتبة إعتاقه فیقع العتق صحیحا،لأنّه أنشأ إنشاء جدّیا لعتق الجاریة فی ملکه فیقع صحیحا،و حیث إنّ المفروض کون کلّ تصرّف موضوعا مستقلاّ لإلزام العقد فی عرض الإمضاء،نظیر التقبیل و الوطی للزوجة المطلّقة الرجعیّة بناء علی الاحتمال الذی قوّاه شیخنا الأستاذ فیه من کونه بنفسه رجوعا لا من باب کشفه عن الرجوع،فاللازم فی المقام لزوم العقد بواسطة هذا التصرّف العتقی المسبّبی.

و بالجملة:بعد تساقط التصرّفین الإنشائیین عن الأثر بواسطة المعارضة یبقی هذا التصرّف المسبّبی فی جانب الإمضاء مؤثّرا لسلامته عن المعارض.

هذا علی القول بالسببیّة،و لا ینافیه قوله-علیه السلام-فی بعض الأخبار:

«فذلک رضی منه بالبیع» (1)بل الجمع بینه و بین سائر الأخبار یقتضی الحمل علی أنّ هذا التصرّف بنفسه حکمه حکم الرضی،فمفاد الکلام هو التنزیل و یؤیّده حمل الرضی علی نفس التصرّف،و لو کان المعتبر هو الکشف لکان حقّ العبارة أن یقول:هو دالّ علی الرضی.

ص:69


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

و أمّا بناء علی الکاشفیة،فلا إشکال فی تحقّق الإنشاء الجدّی لکلّ من العتقین،و أصالة الظهور فی کلیهما جاریة،لإمکان اجتماعهما،کیف و إنشاء العتق فی مال الغیر جدّا متمشّ و لهذا قلنا بتمشّی الجدّ فی الفضولی،نعم لازم کلّ من الجدّین عرفا لا یجامع مع لازم الآخر کذلک،فإنّ اللازم العرفی المکشوف عنه بالجدّ فی عتق الجاریة هو الرضی باللزوم و اللازم العرفی فی الجانب الآخر هو الرضی بالانفساخ،و لا یمکن اجتماع الرضائین فی نفس واحدة فی زمان واحد، فیتحقّق التعارض بین الظهورین،و قاعدة تعارض الطریقین هو التساقط فی المفاد المطابقی و الأخذ بهما فی نفی الثالث،فلا بدّ فی المقام من الحکم بثبوت أحد الرضاءین و عدم الحکم بخصوص أحدهما فلا یمکن الحکم ببقاء العقد علی حاله الأوّلی من الجواز بل الخیار ساقط إمّا بالإمضاء أو بالفسخ.

و أمّا حال العتق فأصالة الصحّة مقتضیة للصحّة فی کلّ منهما،و کذلک استصحاب بقاء الملک إلی حین العتق فی جانب عتق الجاریة مقتض للصحّة فیه، فإن قلنا بجریان الاستصحاب فی مورد موافقته مع أصل الصحّة و حکومته علی أصل الصحّة فالأصل الجاری فی جانب الجاریة هو الاستصحاب،و یعارضه أصالة الصحّة فی الجانب الآخر فیتساقطان،فنرجع إلی أصل الصحّة فی جانب الجاریة الذی هو الأصل المحکوم.

و إن قلنا بأنّ الاستصحاب غیر جار فی مورد أصل الصحّة و لو مع الموافقة فیتعارض أصل الصحّة فی کلّ جانب بمثله فی الجانب الآخر فنرجع إلی الاستصحاب فی جانب الجاریة،و علی کلّ حال یکون عتق الجاریة محکوما بالصحّة.

مسألة:من جملة مسقطات هذا الخیار افتراق المتبایعین،
اشارة

و تسمیته مسقطا

ص:70

مسامحة إذ لا سقوط فی الحقیقة بل الانعدام بتمام المقتضی و لا إشکال فی أصل انعدام الخیار به،و معنی حدوث افتراقهما مع کونهما متفرّقین بالبدن حدوث الافتراق بملاحظة الحالة الاجتماعیة الحاصلة حال العقد،فإنّ الشیئین إذا تلاصقا جسما لا یعتبر فی نسبة الافتراق إلیهما إلاّ رفع التلاصق الذی هو حاقّ معنی الافتراق و لا نحتاج إلی لحاظ أمر زائد.

و أمّا إذا کانا جسما متفرّقین غیر مجتمعین،فنسبة الافتراق لا بدّ فیها من ملاحظة،أمّا ملاحظة أصل الوجود فی العالم بأن انمحی وجود أحدهما،و إمّا الوجود فی مملکة خاصّة فیعتبر انتقال أحدهما إلی مملکة أخری،و إمّا الوجود فی بلد خاص،و إمّا فی محلّة خاصّة،و إمّا فی مجلس خاص،و إمّا من هیئة خاصّة، فیعتبر افتراق أحدهما من تلک الهیئة و لو لم یخرج عن المجلس،مثلا إذا کان بینهما بعد ذراع،فتفرّقهما عن هذه الهیئة عبارة عن انتقال أحدهما من مکانه إلی حدّ ذراع و ربع ذراع أو نصف ذراع أو ذراعین،کما أنّ الجسمین المتلاصقین یفترقان بانفصال أحدهما و لو بمقدار خط دقیق.

و هذا معنی قول شیخنا-قدّس سرّه-:فإذا حصل الافتراق الإضافی و لو بمسمّاه ارتفع الخیار،فلو فرض انتقال أحد الجالسین علی حدّ الذراع عن محلّه إلی حدّ ذراع و عشر شبر کفی فی صدق الافتراق فإنّ البعد الذراعی قد ازداد بعشر شبر،و لیس مراده-قدّس سرّه-بالإضافی ما یطلق فی مقابل الحقیقی کما إذا کان الشخص فاسقا بقول مطلق فیقال هذا عادل بالإضافة إلی فلان و أشیر إلی من هو أفسق منه،فإنّه قد عرفت أنّ الافتراق فی مقامنا علی وجه الحقیقة و الإطلاق.

هذا و لکن تنظّر شیخنا الأستاذ-دام بقاه-فی تعمیمه-قدّس سرّه- الافتراق الواقع غایة لکلّ مورد یصدق مسمّاه العرفی،بأنّه و إن کان کذلک

ص:71

و صادقا علی أقلّ من الخطوة کما عرفت و لکن یمکن دعوی انصرافه الإطلاقی إلی مقدار معتدّ به نظیر انصراف لفظ الإنسان عن الفرد ذی الرأسین مع کونه مصداقا عرفیا.

و علی فرض تسلیم عدم الانصراف،فلا قصور فی الروایة المذکورة فی کلامه -أعنی قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فلمّا استوجبتها قمت فمشیت خطا لیجب البیع حین افترقنا» (1)-من حیث الدلالة علی اعتبار الزیادة علی مقدار الخطوة بخطوة أخری فإنّه طبّق الافتراق علی المشی خطا و جعل وجوب البیع علّة غائیّة له،و لو کان الخطوة أو الأقلّ کافیا فی صدق الافتراق و حصول الغایة لکان الزائد لغوا،و لیس الأقلّ و الأکثر هنا فی الفرد مع صدق الطبیعة علی الأقلّ فإنّ ذلک فی الدفعیّین لا فی مثل المقام ممّا یوجد الأقلّ و الأکثر تدریجیّین.

ثمّ إنّه لا شبهة فی صدق الافتراق منسوبا إلی کلیهما بحرکة أحدهما عن مکانه و بقاء الآخر فی محلّه و عدم مصاحبته إیّاه فی الحرکة و لا یعتبر حرکة کلّ إلی خلاف جانب الآخر.

نعم نسبة الفعل فی الصورة الأولی إلی المتحرّک و الساکن لیست علی نهج واحد،بل الفاعلیّة مختصّة بالمتحرّک و إن کان لاختیار الساکن أیضا مدخلیّة و لکن مجرّد ذلک لا یشرکه فی فاعلیّة الفعل،و اختیاره هنا نظیر اختیار السامع فی صدق عنوان الإعلام علی المتکلّم،فإنّه لو لم یصغ لم یتحقّق عنوان الإعلام،فلاختیاره مدخلیّة فی صدقه و لکن الفاعل إنّما هو المتکلّم لا هو و السامع.

و فی مقامنا التلبّس بمادّة الافتراق و إن کان مشترکا بینهما حیث لا یمکن

ص:72


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار ص 348،ح 3.

حصوله من جانب دون آخر کالمقابلة و البعد و أمثالهما و لکن إیجاد هذا المعنی النسبیّ لا یضاف إلاّ إلی المتحرّک و لو کانا معا مختارین فی أصل حصوله و وجوده هذا.

و لکن شیخنا العلاّمة المرتضی-قدّس سرّه-ذهب فی هذا المقام إلی أنّ الافتراق ذاته من المتحرّک و وصفه من الساکن،کما أنّ ذات الإعلام من المتکلّم و وصف إعلامیّته من السامع،و لکن هذا المقدار یکفی فی صدق افتراقهما و لا یلزم حصول الذات المتّصفة بالافتراقیّة من کلیهما،ثمّ استشهد فی کفایة هذا المقدار للصدق العرفیّ بقوله-علیه السلام-فیما تقدّم:«فمشیت خطا لیجب البیع حین افترقنا» (1)حیث إنّه أثبت الافتراق لکلا الطرفین بمشیه-علیه السلام-فقط.

مسألة:المعروف أنّه لا اعتبار بالافتراق عن إکراه

إذا منع عن التخایر أیضا،سواء بلغ حد سلب الاختیار أم لا،لأصالة بقاء الخیار بعد تبادر الاختیار من الفعل المسند إلی الفاعل المختار مضافا إلی حدیث رفع ما استکرهوا علیه.

قال شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاضاته الشریفة-:لیس مطلق الفعل المسند إلی الفاعل المختار کذلک بل المواد التی یوجد فی مفهومها الخروج عن قوّة الفاعل مثل الضرب و الکسر حالها کذلک،فالکسر حال النوم،و إن خرج عن قوّة النائم،لکن لا باختیاره و شعوره هو خلاف منصرفه،و أمّا المواد التی لم یوجد ذلک فی مفهومها فلیست هکذا،کما یقال:طهر زید،و لیس المتبادر أنّه طهّر نفسه،و الافتراق لا یبعد کونه من هذا القبیل.و علی هذا یتّضح الحال فی هذا الفرع و الفرعین الآتیین إذ الحکم فی الجمیع هو السقوط عن کلا الطرفین لحصول الغایة.

و أمّا قوله-علیه السلام-فی صحیحة الفضیل:«فإذا افترقا فلا خیار بعد الرضا

ص:73


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار ص 348،ح 3.

منهما» (1)فلا یصلح لتقیید الافتراق بوقوعه عن الرضی منهما،لأنّه لما لم یکن العمل علی طبقه-لأنّ المسلّم سقوط الخیار فیما إذا نام أحدهما و خرج الآخر- فلا بدّ من حمله علی معنی آخر.

و أمّا ما ادّعاه شیخنا-قدّس سرّه-من تبادر الافتراق إلی ما کان عن الرضی من أحدهما ففیه أوّلا:أنّه لا سند لهذا التبادر.و ثانیا:لا یتحقّق النشوء فی الفرع الوسط،أعنی:ما إذا جلس أحدهما بالاختیار و خرج الآخر بالکره،فإنّه علی مذاق شیخنا القائل بأنّ ذات الافتراق من المتحرّک و وصفه من الساکن لم ینشأ الافتراق عن رضی الجالس و إن کان لجلوسه مدخل فی الاتّصاف بالافتراقیّة،إلاّ أن یدّعی أنّ المتبادر هو الافتراق و الرضی المتقارنان و لو کان الافتراق من أحدهما و الرضی من الآخر و هو کما تری.

بل اللائق بهذا المذاق أن یقال:إنّه لما لم یتحقّق الافتراق الناشئ عن الرضی فالخیار ثابت لهما کما قلنا،نعم فی الفرع الأخیر أعنی ما إذا خرج أحدهما بالاختیار و جلس الآخر بالکره تمّ ما ذکره من السقوط عن الکلّ.

و أمّا حدیث الرفع،فالظاهر عدم شموله للمقام،و اختصاصه بما إذا ترتّب الأثر وضعا أو مؤاخذة علی العناوین القصدیّة کما فی عنوان المعصیة و العقد،و الشاهد علی هذا أنّه لا یساعد الوجدان علی أنّه لو أکره إنسان إنسانا علی وضع الید علی النجاسة یکون هذا خارجا من باب التخصیص،و کذا لو أکرهه علی النوم.و لیس حصول النجاسة فی الأوّل و الحدث فی الثانی خروجا عن الحدیث بالتخصیص بواسطة الإجماع،مع أنّه علی فرض الشمول لا بدّ من

ص:74


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346،ح 3.

التفصیل بین ما إذا عزم علی الفسخ،و بین ما إذا عزم علی الإمضاء،و بین ما إذا تردّد بین الأمرین.

ففی الأخیر:لا بدّ من عدم السقوط و لو لم یمنع من التخایر،لأنّه أکرهه علی أمر و هو التفرّق،و النتیجة و هو اللزوم مبغوضة له و لیس له مندوحة،إذ الفرض أنّه مردّد لا یعلم أنّ أیّا من الفسخ و الإمضاء صلاح بحاله.

و فی الثانی:لا بدّ من السقوط و إن منع من التخایر،فإنّ النتیجة و هو اللزوم غیر مبغوضة له،و صدق الإکراه فرع کون النتیجة المترتّبة علی الفعل المکره علیه مبغوضة للمکره-بالفتح-و لا یکفی کون التفرّق من جهة أخری مبغوضا کبرودة الهواء و نحوها،فإنّه لا منّة فی رفع الأثر فی مثل هذا.

و فی الأوّل لا بدّ من التفصیل بین المنع عن التخایر و عدمه،فمع المنع یسقط لمبغوضیّة النتیجة و عدم المندوحة و مع العدم لا یسقط لثبوت المندوحة و هو الفسخ فلا منّة فی الرفع.

ثمّ لو قلنا بما أفاده-قدّس سرّه-بتقریب أن یقال:إنّ المتبادر من قولنا المتبایعان بعد وقوع الفرقة فیما بینهما لا خیار لهما،یتبادر منه أنّهما حال وقوع التفرقة راضیان غیر متخیّلین للفسخ و إنّما یحدث ذلک بعد وقوع الفرقة،فکأنّه قیل وقوع الفرقة مع الرضی مسقط للخیار.

و حینئذ لو کنّا و هذه العبارة لحکمنا أنّ المقام من قبیل تقابل الجمع بالجمع کما هو الحال فی نظائره،أعنی أنّ الفرقة مع الرضی فی حقّ کلّ مسقط لخیاره،فلو افترق أحدهما و بقی الآخر فالافتراق مع الرضا إنّما حدث من الأوّل دون الثانی فلا بدّ من سقوط خیاره دون الثانی،و لکن بعد ما فهمنا من الروایة الحاکیة لمشی الإمام-علیه السلام-و تسلّم کفایة الرضی من أحدهما من تسلّمهم سقوط خیار

ص:75

الطرفین فی صورة موت أحدهما و خروج الآخر اختیارا،فلا بدّ من التفصیل بین من یتحرّک و من یسکن،فالأوّل حسب ما ذکره-قدّس سرّه-متحقّق فی حقّه الفرقة الناشئة عن الرضی بخلاف الثانی،فإنّ الفرقة و إن کانت نسبتها إلیهما علی السواء و لکن النشوء لم یتحقّق فی حقّ الثانی فلا بدّ من التفصیل بین الفرعین،أعنی ما إذا کان المکره علیه الممنوع عن التخایر هو الجالس أو المتحرّک،بالسقوط فی الأوّل، لأنّ المتحرّک مختار،و بالثبوت فی الثانی،لأنّ الجالس و إن کان مختارا لکن لم یتحقّق فی حقّه النشوء فتأمّل فی أطراف کلامه-قدّس سرّه-لعلّک تعرف حقیقة مرامه.

مسألة:لو زال الإکراه فالمحکیّ عن الشیخ و جماعة امتداد الخیار بامتداد
اشارة

مجلس الزوال،

و قد وجّه شیخنا الأستاذ-دام علاه-هذا القول بأن یقال:إنّ الغایة حقیقة الافتراق عن أیّ اجتماع کان،و لیس الملحوظ منه فرد خاص،أعنی خصوص ما کان عن الهیئة الاجتماعیّة حال البیع.

و حینئذ فإذا سقط الافتراق الأوّل الذی هو ما کان عن اجتماع حال البیع عن التأثیر و صار بمنزلة العدم،فالحکم معلّق علی عدم مجیئ فرد آخر من حقیقة الافتراق و هو منحصر فیما کان عن هیئة اجتماع حال الزوال.

هذا و لکنّه کما عرفت مبنیّ علی عدم فهم الخصوصیّة من الخبر،و الحقّ أنّها مفهومة کما عرفت فیما تقدّم أیضا.

و حینئذ قد یقال کما فی بیع المکره إذا زال الإکراه و لحق الرضی،بأنّه یسقط من هذا الحین الخیار بالدلیل،فإنّ المسقط کان هو الافتراق و قد حصل و الرضی و هو حاصل فی هذا الحال فقد تمّ کلا جزأی السبب.

و فیه:أنّ المؤثر حدوث الافتراق عن الرضی و لا یکفی اقتران بقائه بالرضی، فإنّ الظاهر من قولک:افترق و هو راض،أنّه حدث منه الافتراق فی حال الرضی،

ص:76

و علی هذا فالذی ینبغی أن یقال:هو أنّ الخیار باق لعدم حصول الغایة و هو الافتراق المقیّد بالرضی فیکون ما بعد الزوال کما قبله داخلا فی النصّ و محکوما بالخیار بالدلیل و لا نحتاج فی إثباته عند احتمال وجود رافع إلی الاستصحاب کما یظهر من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه.

هذا و یمکن أن یقال کما تقدّم:إنّ الغایة،أعنی:حتّی یفترق،مضیّقة للمغیّی و مخصّصة له بالمورد القابل،فلا یشمل الصدر صورة وحدة البیّعین و کذا المفترقان من الابتداء،و علی هذا فبعد حصول الفرقة یخرج المورد عن القابلیّة للافتراق عن مجلس العقد و قد فرضنا أنّ حکم النصّ فی موضع یقبل لأن یقال فی حقّه:حتّی یفترق.

و هذا نظیر أن یقال:البیّعان بالخیار ما لم یجئ زید،فمات زید،فإنّ حالة موت زید مسکوت عنه فی الدلیل إثباتا و نفیا،و حینئذ فنحتاج فی أصل إثبات الخیار من أوّل زمان الفرقة الإکراهیّة إلی الرجوع إلی الأصل من عموم أَوْفُوا علی تقدیر تمامیّته،و إلاّ فإلی استصحاب بقاء الخیار لا أنّه فی أصل ثبوته یکفینا النصّ،و فی بقائه فی مقابل احتمال غایة أخری نرجع إلی الاستصحاب کما یظهر من شیخنا-قدّس سرّه.

فقد تلخّص:أنّا إمّا أن نقول باعتبار المحلّ القابل و إمّا لا،فعلی الأوّل:

یکون النصّ ساکتا عن أصل الثبوت أیضا لا عن خصوص الارتفاع بعد الثبوت، و علی الثانی:یکون متکفّلا للثبوت و البقاء أیضا،فالتفکیک لا یتمشّی علی أیّ تقدیر.

هذا علی تقدیر القول باعتبار قید الاختیار و الرضی من باب التبادر و نحوه غیر دلیل الإکراه،و أمّا علی تقدیر القول بأنّ المستند فیه دلیل رفع الإکراه فأوّلا

ص:77

یمکن القول بعد الغضّ عن الوجه المتقدّم من اختصاصه بالعناوین القصدیّة بأنّه غیر شامل للمقام،لأنّه مخصوص بمقام کان له مع قطع النظر عن الرفع أثر شرعیّ،فیکون الحدیث رافعا لذلک الأثر،و الافتراق لیس له أثر شرعیّ،لأنّ حاله حال اللیل فی قولک:صم إلی اللیل،فإنّ الموضوع للأثر هو النهار لا اللیل،و بعد الغض عن ذلک یمکن أن یقال:حیث إنّ سوقه للامتنان فلا بدّ من ثبوت الخیار عند الفرقة الإکراهیّة بل بعد زوال الإکراه بمقدار یسع الفسخ و مقدّماته و بعد هذا المقدار فالمرجع إمّا العموم و إمّا استصحاب الخیار.

فعلم أنّ ما قاله شیخنا-طاب ثراه-یتمّ علی هذا مع أنّه-قدّس سرّه-لم یستند فی اعتبار القید المذکور إلی حدیث الرفع،هذا.

فروع:
الأوّل:لو اتّفقا علی الافتراق و اختلفا فی کونه علی وجه الإکراه أو

الاختیار،

فإن قیل باعتبار قید الاختیار من جهة الانصراف فالأصل مع من یدّعی کونه علی وجه الإکراه لأصالة عدم تحقّق المقیّد،أعنی الافتراق الاختیاری.و إن قیل به من جهة حدیث الرفع فجریان أصالة عدم تحقّق الإکراه و عدمه مبنیّان علی أنّ لسان دلیل رفع الإکراه،کیف اعتبر المرفوع،فهل اعتبر الأفعال المفروغ عن وجوداتها إذا وقعت عن إکراه فرفع الحکم عنها؟أو أنّه اعتبر نفس عنوان الإکراه و علّق علیه الرفع.

فعلی الثانی:استصحاب عدمه الأزلی جار،و علی الأوّل:یکون مثبتا لعدم الحالة السابقة فی الافتراق المفروض الوجود،و العدم الأزلی لا ینفع بحال الموجود بالفعل،و علی هذا فیتعارض استصحاب عدم تحقّق تمام القضیّة المشتملة علی الافتراق المفروض المحکوم فیها بعدم الإکراه مع استصحاب عدم تحقّق القضیّة الموجبة،فیکون المرجع هو العموم أو استصحاب الخیار علی الخلاف.

ص:78

الثانی:لو اختلفا بعد الافتراق و إنشاء الفسخ فی المتقدّم منهما و المتأخّر،

فإن کان الأثر مرتّبا علی المقیّد فی الجانبین،أعنی علی الفسخ المقیّد بما قبل الافتراق و علی الافتراق المقیّد بما قبل الفسخ،فأصلا عدمهما متعارضان،فنرجع إلی استصحاب الملکیّة.

و إن کان الأثر لکلّ فی حال عدم وجود الآخر،فلا بدّ من التفصیل بین صورة معلومیّة تاریخ أحدهما و مجهولیة التأریخین،ففی الأولی:نستصحب عدم مجهول التأریخ إلی التأریخ المعلوم للآخر و نرتّب أثره،و فی الثانیة:نرجع إلی استصحاب الملکیّة.

الثالث:لو اختلفا فی الافتراق و عدمه

من جهة الاختلاف فی زمان البیع کأن یقول أحدهما:کان البیع بالأمس و قال الآخر:بل کان فی هذا المجلس،فالظاهر أنّ المقام من قبیل الشکّ فی المتقدّم و المتأخّر من الطهارة و الحدث،فاستصحاب بقاء الهیئة الاجتماعیّة لا یجرز اتّصال زمان شکّه بزمان الیقین.

مسألة:و من مسقطات هذا الخیار التصرّف

اعلم أنّ التصرف الکاشف عرفا عن الرضی و الالتزام بالعقد حاله حال قول:أمضیت العقد،إذ لا یعتبر فی الإمضاء المسقط إلاّ الرضی القلبی مع وجود المظهر،و لا یعتبر کون المظهر هو اللفظ و لکن علی هذا لو انکشف مخالفة الکاشف للواقع حکم بثبوت الخیار،هذا علی القاعدة فالذی یحتاج إلی تعبّد خاص أحد أمور أخر:

الأوّل:اعتبار الکاشف المذکور بنحو الموضوعیّة بحیث لو انکشف الخطاء أیضا ترتّب علیه الأثر.

الثانی:کون مطلق التصرّف الدالّ علی الرضی بالملکیّة-و لو لم یدلّ علی

ص:79

الالتزام بالعقد-مسقطا،و التعبّد الوارد فی الباب هو التعلیل المذکور فی بعض أخبار خیار الحیوان حیث قال:«فإن أحدث المشتری فیما اشتری حدثا قبل الثلاثة أیّام فذلک رضی منه فلا شرط (1)(أو و لا شرط)»و استفادة العموم و العلّیة منه ثابتة سواء کان قوله:«فذلک رضی منه»جوابا للشرط أو کان توطئة للجواب و کان هو قوله:فلا شرط.

أمّا علی التوطئة فواضح،فکأنّه قیل:إن أحدث حدثا فلأجل أنّه رضی،لا یبقی شرط،و أمّا علی الجوابیّة فلظهور قوله:فلا شرط أو و لا شرط فی کونه تفریعا علی قوله:فذلک رضی و علی کلّ حال یصیر الکلام بمنزلة قولک:تصرّف مشتری الحیوان موجب لسقوط خیاره،لأنّ التصرف رضی،و قاعدة باب التعلیل إلغاء خصوصیّة المورد فیستفاد منه قضیّة کلّیة و هی أنّ کلّ تصرّف کان رضی فهو موجب لسقوط الخیار.

لکن هذا کلّه بناء علی کون قوله:فذلک رضی،غیر مبنیّ علی التعبّد بل کان قضیة وجدانیّة سواء کان بمعنی أنّ هذا التصرّف رضی و التزام بالعقد،أم بمعنی أنّه رضی بالملکیّة.

و أمّا إذا کان مبنیّا علی التعبّد و تنزیل التصرّف بمنزلة الإمضاء فیسقط الکلام من قابلیة التعدّی بسببه إلی مورد آخر،لأنّ المعنی حینئذ أنّ تصرّف مشتری الحیوان لکونه بمنزلة الإمضاء تعبّدا یکون مسقطا.

فالمستفاد أنّ کلّ ما کان بمنزلة الإمضاء فهو مسقط،و أمّا إنّ التصرّف فی غیر المشتری المذکور أیضا ینزّل هذه المنزلة أو لا،فهو ساکت عن هذا و لا دلیل آخر علیه أیضا.

ص:80


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

ثمّ لا شبهة أنّ الظاهر من هذه الوجوه کون المراد هو التصرّف الکاشف عرفا من الالتزام و الإمضاء و أنّه لم یعتبر فی قوله:«فذلک رضی»إلاّ بیان القضیّة الواقعیّة الوجدانیّة و تطبیق الرضی علی نفس التصرّف لأجل نحو اتّحاد فیما بین الکاشف و المکشوف،نظیر ما یقال:هذا فسق،مشیرا إلی العمل الخارجی.

و أمّا کون المراد من الرضی هو الرضی بالملکیّة فیبعده أنّه یلزم حینئذ لغویّة هذا الخیار،فإنّه لا ینفکّ غالبا عن مثل هذا التصرّف الذی لا یحلّ لغیر المالک و لو مثل اسقنی ماء و أغلق الباب،و أمّا کون تطبیق الرضی من باب التنزّل و التعبّد فبعید کما لا یخفی.

و لکن یبعد الوجه الأوّل الأمثلة التی وقعت فی الجواب عن السؤال عن الحدث،فإنّه ذکر فی الجواب ملامسة الجاریة و تقبیلها و النظر إلی ما لا یحلّ منها قبل الشراء و من المعلوم أنّ هذه تصرّف کاشف عن الرضی ببقاء الملکیّة لا عن الالتزام و الإمضاء.

و یمکن أن یقال بعدم منافاة هذه الأمثلة أیضا لذلک الوجه کالأمثلة الأخر المذکورة فی الخبر الآخر مثل رکوب الدابّة فراسخ،و نعلها،و أخذ حافرها، فإنّ کلّ هذه دوالّ علی إرادة الفاعل إمساک الدابة و عدم ردّها إلی البائع.

و أمّا وجه عدم منافاة التمثیل بملامسة الجاریة و تقبیلها و النظر إلیها کذلک،فلأنّ حال الجاریة حال الزوجة فی أنّ المرغوب فیها المستوریّة و أنّها معدودة من عورات الرجل التی یکره دخالة الأجنبی فیها بوجه من الوجوه، و الجاریة فی حال خیار المشتری و إن کانت شرعا ملکا له و لکنّه إذا أراد الفسخ فباشرها أو قبّلها أو نظر إلیها،یعدّ عند العرف هذا منه أمرا شنیعا کمباشرة جاریة الغیر و تقبیلها و النظر إلیها،و هذا و إن لم یمضه الشارع و لکنّه بواسطة ثبوت هذا

ص:81

الارتکاز کاشف عن إرادة صاحبه إبقائها و إمساکها و عدم ردّها.

هذا و یبقی حینئذ الکلام فی أنّ الکاشفیّة النوعیّة عن الإمضاء و الالتزام هل هی معتبرة موضوعا أو طریقا؟و الروایة قابلة لکلیهما،و علی کلّ تقدیر یصحّ التعدّی إلی غیر مورد خیار الحیوان من سائر أقسام الخیار.

الثانی:خیار الحیوان

اشارة

لا خلاف بین الإمامیّة فی ثبوت الخیار فی الحیوان للمشتری،و هل یشمل الحیوان کلّ ذی حیاة و لو مثل الجراد و الزنبور و السمک و العلق و دود القز؟ استظهر الأستاذ الاستناد-دام علاه-انصرافه عن مثل هذا،ألا تری عدم انصراف الذهن إلی مثل ذلک من قول القائل:فلان یملک کذا و کذا حیوانا؟ و فی شموله للحیوان المشرف علی الموت کالصید الذی أصابه السهم أو جرحه الکلب المعلّم تردّد،لاحتمال انصراف اللفظ إلی ما یکون معرضا للبقاء ثلاثة أیام،فحاله دائر بین عدم الخیار رأسا و بین الخیار.

و علی تقدیره یکون منتهی الخیار آخر الثلاثة سواء بقی أم تلف قبل انقضاء الثلاثة.

فلم نعلم وجه ما أفاده شیخنا-قدّس سرّه-من أنّ فی منتهی الخیار حینئذ وجوها،و کذلک التردّد فی شموله للحیوان الکلّی لقوّة احتمال انصراف مثل قولک:

«فلان یملک کذا حیوانا»إلی المعیّن.

و کیف کان فالکلام فی من له هذا الخیار و فی مدّته من حیث المبدأ و المنتهی و مسقطاته یتمّ برسم

مسائل

مسألة:المشهور اختصاص هذا الخیار بالمشتری،
اشارة

و عن سیّدنا المرتضی

ص:82

-قدّس سرّه-و ابن طاوس-قدّس سرّه-ثبوته للبائع أیضا و هنا قول ثالث و هو ثبوته لمن انتقل إلیه الحیوان ثمنا أو مثمنا،و قد اختلفت الأخبار فی الباب و بذلک اختلفت الأنظار فی الجمع،و الأولی التیمّن بذکر الأخبار أوّلا،فنقول و باللّه الاستعانة:

منها:صحیحة الفضیل بن یسار عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:قلت له:ما الشرط فی الحیوان؟قال لی:ثلاثة أیّام للمشتری،قلت:و ما الشرط فی غیر الحیوان؟قال-علیه السلام-:البیّعان بالخیار ما لم یفترقا فإذا افترقا فلا خیار بعد الرضی منهما» (1).

و منها:صحیحة ابن رئاب المحکیّة عن قرب الاسناد:«قال:سألت أبا عبد اللّه-علیه السلام-عن رجل اشتری جاریة لمن الخیار للمشتری أو البائع أو لهما کلیهما؟ قال-علیه السلام-:الخیار لمن اشتری نظرة ثلاثة أیّام،فإذا مضت ثلاثة أیّام فقد وجب الشراء» (2).

و منها:صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم:البیّعان بالخیار حتّی یفترقا و صاحب الحیوان بالخیار ثلاثة أیّام» (3).

و منها:موثقة زرارة عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:سمعته یقول:قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم:البیّعان بالخیار حتی یفترقا و صاحب الحیوان.» (4).

و منها:صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:

ص:83


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار ص 346،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 3 من أبواب الخیار ص 350،ح 9.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 1 من أبواب الخیار،ص 345،ح 1.
4- 4) المصدر نفسه:ص 345،ح 2.

المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان و فیما سوی ذلک من بیع حتّی یفترقا» (1).

و منها:صحیحة الحلبی فی الفقیه عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:فی الحیوان کلّه شرط ثلاثة أیّام للمشتری» (2).

و منها:صحیحة ابن رئاب عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:الشروط فی الحیوانات ثلاثة أیّام للمشتری» (3).

و منها:روایة علیّ بن أسباط عن أبی الحسن الرضا-علیه السلام-:«قال:الخیار فی الحیوان ثلاثة أیّام للمشتری و فی غیر الحیوان أن یفترقا» (4)الحدیث.

و منها:روایة الحسن بن علیّ بن فضال قال:سمعت أبا الحسن علی بن موسی الرضا-علیهما السلام-«یقول:صاحب الحیوان المشتری بالخیار ثلاثة أیّام» (5).

هذه جملة ما عثرت علیه من أخبار الباب،ثمّ

التکلّم فی موضعین
اشارة

الأوّل:هل بین هذه الأخبار جمع عرفیّ حتّی لا نحتاج إلی الرجوع إلی المرجّحات السندیّة،أولا حتی لا یبقی محیص عن الرجوع إلیها؟ الثانی:بعد فرض عدم الجمع العرفی هل هنا عموم من الکتاب أو السنّة موافق لأحد طرفی التعارض حتّی یصیر مرجّحا و یدخل المقام تحت عنوان ما وافق الکتاب و السنّة،أو لا حتّی ینجرّ الأمر إلی التخییر الخبری؟

أمّا الموضع الأوّل:

فالحقّ وجود الجمع،لأنّ الأخبار بین معلّق للخیار علی

ص:84


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:ح 1 و 4.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 4،ص 351،ح 1.
4- 4) المصدر نفسه:ص 350،ح 8.
5- 5) المصدر نفسه:ص 349،ح 2.

عنوان المشتری و هذه الطائفة بین ما جعل ذلک حدّا لهذا الخیار مثل الخبر الأوّل، حیث إنّ ظاهر سؤال السائل:(ما الشرط)؟أنّه سؤال بما الحقیقیّة،فیقع فی الجواب ما کان جامعا و مانعا.

و بین ما لیس فی مقام التحدید و لکن سؤال السائل وقع فی خصوص من له الخیار حتّی صرّح أنّه البائع فقط،أو المشتری کذلک،أو هما معا مثل الخبر الثانی.

و بین ما لیس فی مقام التحدید و لا فی مقام تعیین من له الخیار مثل السادس و السابع و الثامن.

و بین معلّق علی المتبایعین،و بین معلّق علی صاحب الحیوان،و بین معلّق علی صاحب الحیوان المشتری.

و هذه الطوائف من حیث التخصیص بعنوان المشتری فی قبال البائع بحیث کان للمشتری موضوعیّة یکون بینها النفی و الإثبات الصریحان،إمّا صراحة الإثبات،فلأنّ قوله:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان» (1)صریح فی کلا العنوانین،و أمّا صراحة النفی،فقد عرفت أنّ الخبرین الأوّلین المعلّقین علی عنوان المشتری صریحان فی النفی عن البائع،أحدهما بواسطة الکون فی مقام شرح الحقیقة و بیان الحدّ،و الآخر بواسطة التصریح فی السؤال عن الاختصاص و التعمیم،و أمّا من حیث التخصیص بصاحب الحیوان مشتریا کان أم بائعا فلا تأبی عن الجمع.

أمّا ما ذکر فیه صاحب الحیوان فواضح،و دعوی انصرافه إلی المشتری

ص:85


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.

لغلبة وقوع الحیوان مثمنا و ندرة وقوعه ثمنا ممنوعة،لعدم إیجاب هذه الغلبة للانصراف،مضافا إلی أنّ الحکمة الداعیة لجعل الخیار و المناسبة بین الحکم و الموضوع یقتضی التعمیم کما هو واضح.

و أمّا ما ذکر فیه صاحب الحیوان المشتری سواء قرئ بالفتح أم بالکسر، فیمکن أن تکون النکتة فی ذکر القید دفع توهّم أنّ المقصود بصاحب الحیوان من انتقل عنه الذی هو الصاحب الأوّلی و نکتة ذکر المشتری کون الغالب فیمن انتقل إلیه أنّه المشتری.

و أمّا ما ذکر فیه المشتری لا بعنوان التحدید و لا الجواب عن سؤال التعیین لمن له الخیار،فلأنّه یکفی فی نکته التقیید الغلبة المذکورة.مضافا إلی أنّ حمل المطلق علی المقیّد المثبتین إذا کانا بملاک واحد کما فی المقام،إنّما یکون فیما إذا کان الحکم فی المطلق متعلّقا بالطبیعة بعنوان صرف الوجود کما فی مثال:أعتق الرقبة، و أعتق الرقبة المؤمنة،و أمّا إذا کان باعتبار الوجود الساری کما فی المقام-حیث إنّ الحکم أعنی الخیار،سار فی جمیع أفراد صاحب الحیوان-فذکر المقیّد أعنی المشتری یمکن أن یکون من باب التطبیق لا من باب خصوصیّة فی نفسه.

و أمّا ما کان بعنوان التحدید فالتعبیر بالعنوان الملازم الغالبی مع الشیء فی مقام تحدید الشیء لیس خارجا عن المحاورة و احتمالا بعیدا لا یمکن حمل الکلام علیه.

و إن شئت التمثیل فلاحظ هذا المثال و هو أنّه،لو بسط شخص سفرة لمطلق من کان جائعا سواء کان محتاجا أم غنیّا فیصحّ فی مقام الجواب عن سؤال:

ما الذی بسطت هذه السفرة له؟أن یقال:هم المحتاجون،بملاحظة غلبة انطباق العنوانین أعنی الجائع و المحتاج فی الخارج،و هذا بخلاف ما إذا کان المبسوط

ص:86

لأجله مطلق الإنسان فإنّه یقبح فی مقام الجواب المذکور القول المذکور و إن کان یحسن أیضا بطریق الابتداء لا فی مقام الجواب المذکور بملاحظة کون الغالب فی من ینتفع بالسفرة هم الفقراء و المحتاجین.

و أمّا ما یکون جوابا عن سؤال تعیین من له الخیار،فمفروض السائل أنّ رجلا اشتری جاریة،و فی هذا الفرض لا شبهة أنّ الخیار خاص بالمشتری لأنّه صاحب الحیوان لا البائع بملاحظة غلبة وقوع الثمن نقدا لا حیوانا.

فبقی صحیحة محمّد بن مسلم الواقع فیها قوله:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان»،و یقرب فیها أیضا أن یقال:إنّ التعبیر بالمتبایعین بملاحظة التلخیص فی العبارة لأن یحمل علی الموضوع الواحد محمولین،و المقصود فی الصدر أنّ کلا منهما صار صاحبا للحیوان یکون بالخیار و فی الذیل أنّ لکلّ واحد بشخصیّته الخیار،فالمقصود اشتراک الخیار فیما بینهما و عدم تخصیصه بواحد،غایة الأمر فی خیار المجلس یکون أبدا لکلیهما و فی الحیوان یختلف باختلاف الموارد، فقد یکون للمشتری فقط و قد یکون للبائع کذلک و قد یکون لهما معا،و إذن فتعیّن بحسب الجمع بین الروایات القول الثالث أعنی الثبوت لصاحب الحیوان ثمنا کان أم مثمنا.

الموضع الثانی:العموم الذی یمکن أن یکون مرجّحا للمقام بعد فرض

التعارض و عدم الجمع،شیئان

أحدهما:عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و الثانی:عموم ما وقع فی بعض الروایات«فإذا افترقا وجب البیع» (1).

أمّا الأوّل فقد تقدّم الإشکال فیه،من حیث إنّه تمسّک بالعام فی الشبهة المصداقیّة للشک فی بقاء العقد بعد فسخ من یحتمل تأثیر فسخه،و أمّا الثانی

ص:87


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2،من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.

فالإشکال المتصوّر فیه من جهات:

الأولی:أنّ وجوب البیع أمر وحدانی غیر قابل للتبعیض لبساطة محلّه،أعنی البیع فکما أنّ الصحّة و الفساد لا یمکن تبعیضهما فی حقّ المشتری و البائع،کذلک اللزوم و عدمه،فالبیع إن کان لازما فهو کذلک فی حقّ الطرفین،و إلاّ فلیس کذلک فی حقّهما أیضا.و حینئذ فقد ثبت فی المقام فی حقّ المشتری بعد التفرّق عدم لزوم البیع ما لم ینقض الثلاثة،و إنّما الشک فی خصوص البائع و لا معنی للزوم بالنسبة إلیه فقط.

و بالجملة:فقد خصّص هذا العموم بالنسبة إلی المقام سواء کان للبائع بعد التفرّق أیضا خیار کالمشتری أم لم یکن.

الثانیة:أنّ هذه الجملة قد وقعت فی ذیل أخبار خیار الحیوان بعنوان(ما عدا الحیوان)فیوجب تخصیص ما کان منها منفردة،و فی غیر أخبار الحیوان بعنوان (ما عداه)أیضا،فیکون مصبّ خیار المجلس ما عدا الحیوان،فلا ربط لهذا العموم بمقامنا الذی هو مبایعة الحیوان.

الثالثة:أنّه بمقام الحکم الحیثی و لیس له نظر إلی نفی الخیار المطلق،و إنّما المنفیّ خصوص خیار المجلس فثبوت خیار الحیوان لا ینافی هذا النفی و اللزوم الحیثیّین.

و یمکن ذبّ الأوّل:بمنع عدم قبول الوجوب للتفکیک فإنّ معنی الوجوب لیس إلاّ عدم قبول الفسخ،و هذا یقبل التفکیک بأن یکون بالنسبة إلی واحد قابلاً و إلی آخر غیره،کما أنّ القابلیة أیضا ممکن التفکیک،و یدلّ علیه صحّة ذکر کلمة (سواء)عقیب قولنا:وجب البیع،بأن نقول:سواء بالنسبة إلی البائع أم إلی المشتری.

ص:88

و حینئذ نقول:الإطلاق المنفرد عن باب خیار الحیوان مقتضاه عدم قابلیة البیع بعد الافتراق للفسخ مطلقا،خرج عن هذا الإطلاق المشتری فی خصوص الحیوان إلی ثلاثة و بقی البائع.

و أمّا الإشکال الثانی:و هو أنّه حیث وقع فی ذیل هذه الأخبار فی ما سوی الحیوان فلا إطلاق له بالنسبة إلی الحیوان.

فیمکن دفعه بأنّه فی مقام تشقیق الغایة دون مقام الثبوت،یعنی بعد ثبوت الخیار یکون الغایة له فی الحیوان ثلاثة و فی غیره الافتراق،حتّی فی مثل قوله -علیه السلام-:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان و فی ما سوی ذلک من بیع حتّی یفترقا» (1).

و المحصّل من المجموع:أنّ غایة الخیار فی الحیوان فی حقّ المشتری انقضاء الثلاثة و فی غیر الحیوان فی حقّ کلیهما هو الافتراق،و هذا ساکت عن حکم البائع فی الحیوان،فیکون ظهور الإطلاق المستقلّ المفروض تعرّضه له خالیا عن المزاحم و المعارض،علی ما تقرّر فی محلّه من حجّیة المطلق المقیّد بالمنفصل فی ما عدا مورد التقیید.

و أمّا الإشکال الثالث:فالحقّ عدم إمکان ذبّه،إذ غایة ما یقال فی ذبّه:أنّه حیث وقع فی ذیل روایات الحیوان قوله:«فإذا افترقا فلا خیار» (2)یعلم منه أنّه ناظر إلی جمع الجهات،و لکن علمت أنّ إطلاق ثبوت خیار المجلس المنفصل عن دلیل خیار الحیوان شامل لبیع الحیوان أیضا من حیث الثبوت و من حیث الغایة،و حینئذ لو کان الغایة حکما فعلیا لزم بالنسبة إلی المشتری فی الحیوان

ص:89


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 1،من أبواب الخیار،ص 346،ح 3.

تخصیصه،و حینئذ یلزم إمّا عدم ثبوت خیار المجلس فی حقّه مع الثبوت فی حقّ البائع و إمّا ثبوته فی حقّهما و لکن عدم سقوطه فی حقّ المشتری بالتفرّق الواقع فی أثناء الثلاثة،و حیث إنّ شیئا منهما لا قائل به وجب المصیر إلی کون الافتراق مسقطا فی حقّه من حیث المجلس فقط مع بقاء خیار الحیوان،و إذا ثبت کون الغایة فی حقّه حیثیّا ثبت فی حقّ البائع أیضا لاتّحادهما فی الإنشاء،فلا یمکن کون الإنشاء الواحد من جهة بعض الأفراد حیثیا و من جهة آخر فعلیا،فقد تحصّل ممّا ذکرنا أنّ المتعیّن علی فرض التعارض هو التخییر الخبری لعدم المرجّح.

مسألة:مبدأ هذا الخیار من حین العقد،

فلو لم یفترقا ثلاثة أیّام انقضی خیار الحیوان و بقی خیار المجلس،لظاهر قوله-علیه السلام-:«إنّ الشرط فی الحیوان ثلاثة أیّام و فی غیره حتّی یفترقا» (1)خلافا للمحکیّ عن ابن زهرة فجعله من حین التفرّق،و کذا الشیخ و الحلّی فی خیار الشرط المتّحد مع هذا الخیار فی هذا الحکم.

اعلم أوّلا:أنّه لا بدّ من التکلّم أوّلا فی أنّه هل لخیار المجلس فی بیع الحیوان أعمّ من اجتماعه مع خیار الحیوان أو افتراقه ثبوت أو لا؟قد عرفت فیما تقدّم تأیید الثبوت و نزید هنا فنقول:

قوله فی صحیحة الفضیل المتقدّمة-حیث إنّ السائل سأل أوّلا عن خصیصة الحیوان فأجاب:ثلاثة أیّام للمشتری،ثمّ سأل عن خصیصة غیر الحیوان فعدل عن سیاق الجواب الأوّل و أجاب بلفظ العموم فقال:«البیّعان بالخیار ما لم یفترقا» (2)-دلیل علی عموم خیار المجلس لجمیع أقسام البیع حتّی بیع الحیوان،و أنّ ما ذکره-علیه السلام-فی الصدر إنّما هو فی مقام الزیادة التی تکون لبیع الحیوان علی غیره،و یستفاد ذلک أیضا من قوله فی صحیحة محمّد بن مسلم

ص:90


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346،ح 5.
2- 2) المصدر نفسه:ح 3.

و موثقة زرارة:«البیّعان بالخیار حتّی یفترقا و صاحب الحیوان بالخیار ثلاثة أیّام» (1)و یبقی منافیا لهذا روایتان:

الأولی قوله:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان و فیما سوی ذلک من بیع حتی یفترقا» (2).

و الثانی قوله:«الخیار فی الحیوان ثلاثة أیّام للمشتری و فی غیر الحیوان أن یفترقا» (3)و هذان و إن کان ظاهرهما التخصیص لأصل تشریع خیار المجلس بما سوی الحیوان،لا خصوص لغائیّة الافتراق کما تقدّم.

فإذا تحقّق ثبوت خیار المجلس فی بیع الحیوان،فهل یمکن اجتماعهما فی زمان واحد حتّی إذا کان ظاهر الأدلّة ذلک أخذنا به أو لا حتّی یتصرّف فی ذلک و یجعل مبدأ خیار الحیوان بعد انقضاء المجلس؟فلا بدّ أوّلا من بیان الأنحاء الممکنة بحسب التصوّر.

الأوّل:أن یکونا حقیقتین مختلفتین کالظهر و العصر و حقائق الأغسال علی قول،فیکون حالهما حال العالم و الهاشمیّ،و حینئذ لا إشکال فی إمکان اجتماعهما و لا یلزم تأثیر العلّتین فی المعلول الواحد بل لکلّ منهما معلول مستقلّ.

الثانی:أن یکون حقیقتهما واحدة و لکن کانت ذات مراتب من الشدّة و الضعف کالسواد،و حینئذ أیضا لا یلزم لغویّة الأسباب المتعدّدة بل کلّ منها مؤثّر أثره فیفید ازدیاد المرتبة کما هو الحال فی السواد عند تعدّد المسوّدات فی المحلّ الواحد الشخصی.

الثالث:أن یکون الحقیقة واحدة و المرتبة أیضا واحدة،و الوجود أیضا

ص:91


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 345،ح 1 و 2.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 1،من أبواب الخیار،ص 346،ح 5.

حسب الفرض من وحدة المحلّ شخصا أیضا واحد،و حینئذ لا یمکن تأثیر کلّ من الأسباب استقلالا بل لا بدّ من مؤثّریة المجموع،و هذا نظیر توارد الأسباب المتعدّدة التی یکفی کلّ واحد بانفراده علی إزهاق روح زید،فلا بدّ من استناد هذا المعلول الواحد الشخصی إلی مجموع تلک العلل،لأنّ الاستناد إلی واحد معیّنّ ترجیح بلا مرجّح و إلی الغیر المعیّن غیر معقول،لأنّ المبهم الواقعی لا واقع له، و إنّما هو صرف انتزاع عقلی،و إلی الجامع یوجب انعزال الخصوصیّات عن التأثیر مع ضرورة صحّة النسبة إلیها کما فی حال الانفراد،فکما یقال عند الانفراد:قتل زید عمرا،کذلک فی حال الاجتماع أیضا یقال:قتل زید و عمرو بکرا.

لا یقال:یلزم حینئذ تبعیض المعلول علی أجزاء هذا المجموع فیکون المعلول کالعلّة مرکّبا مع ضرورة کونه بسیطا کما فی حال وحدة العلّة.

لأنّا نقول:لا یضرّ بساطة المعلول ترکیب العلّة،لأنّ المجموع أیضا عنوان بسیط،کما أنّ الصلاة تؤثّر فی النهی عن الفحشاء مع أنّه بسیط و هی ذات أجزاء، و الحلّ:أنّ الهیئة المجموعیّة أمر وحدانیّ بسیط،هذا ما أفاده شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاداته الشریفة.

فتحصّل أنّه إذا کان ظاهر الدلیلین أعنی:دلیل خیار المجلس،و دلیل خیار الحیوان،هو ثبوت کلّ منهما من حین العقد اللازم منه اجتماع کلیهما فی ما قبل الافتراق،لا یمنع عنه مانع حتّی نلتزم بالتصرّف،و جعل مبدء الثانی من ما بعد التفرّق من غیر فرق بین شیء من الأنحاء الثلاثة المذکورة.

أمّا علی الأوّلین فواضح،و أمّا علی الأخیر فقد عرفت أنّ المسبّب و هو الخیار أمر واحد شخصی غیر قابل للتأکّد و الشدّة،و لکن یقبل تأثیر المتعدّد فیه بنحو الجزئیّة،و الذی لا یقبل تأثیر المتعدّد بنحو الاستقلال،و ظاهر الدلیل و إن کان هو

ص:92

الاستقلال و لکن لا بدّ من غمض العین عن هذا الظاهر بواسطة شهادة العقل بعدم الإمکان.

و أمّا إنّ الثابت من هذه الأنحاء ماذا؟فالظاهر هو القسم الأخیر.

أمّا تعدّد الحقیقة فالطریق إلیه تعدّد الآثار و لیس أثر الخیار غیر الفسخ و الإمضاء،و أمّا الإسقاط و النقل فهما فرع ثبوت أصله و لا شکّ أنّ الفسخ و الإمضاء أثر واحد و لا یتمشّی من طبع الخیار غیر هذا الأثر الواحد حتّی نستکشف من اختلاف الأثر اختلاف حقیقة المؤثّر،مضافا إلی أنّ حقیقة الخیار کحقیقة الملکیّة حقیقة عرفیّة،و لیست کالظهر و العصر و حقائق الأغسال ممّا لا سبیل للعرف إلی معرفتها،و لا شکّ أنّ العرف کما لا یری للملکیّة حقیقتین متصادقتین فی مال شخصی،کذلک عندهم حال الخیار،و من هنا تعرف عدم صحّة الوجه الثانی،و أنّه لیس الباب باب الاختلاف فی الشدّة و الضعف أیضا، لأنّ الفسخ و الإمضاء لیسا بقابلین لذلک،فتحقّق الوجه الثالث.

ثمّ علی الوجهین الأوّلین لو أسقط من ثبت له الخیاران أحد الخیارین کان مؤثّرا فی سقوطه بلا إشکال،و أمّا علی الوجه الأخیر فهل للإسقاط الحیثی أیضا أثر کحصول الغایة؟-فإنّه یوجب استناد المعلول الواحد الشخصی إلی الفرد الآخر من السبب بعینه علی الاستقلال-رجّح شیخنا الأستاذ-دام علاه-ذلک ببیان:أنّ الإنشاء للإسقاط من حیثیّة واحدة فی غایة الإمکان،فیکون هو مقتضیا للسقوط،و لکن وجود السبب الآخر حافظ للمعلول و مانع عن سقوطه،فمتی خلّی هذا المقتضی عن المانع أثّر أثره.

مثلا:إذا أسقط الخیار من حیث بیع الحیوان فما دام لم یحصل الافتراق لا یؤثر هذا الإنشاء شیئا،و أمّا بعد حصوله فیرتفع المانع فیسقط الخیار من هذا

ص:93

الحین،لأنّ أحد السببین له بطل بحصول الغایة و الآخر بواسطة الإسقاط.

ثمّ إنّه علی فرض عدم الدلیل فی جانب الإثبات و الشکّ فی أنّ مبدأ خیار الحیوان هو العقد أو من حین التفرّق فهل مقتضی الأصل ماذا؟قد یقال:إنّ أصالة عدم حدوث خیار الحیوان إلی ما بعد الافتراق جاریة،و کذلک أصالة بقائه إلی ما بعد الثلاثة من حین العقد.

و استشکل علی الأوّل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّه مثبت و وجّهه شیخنا الأستاذ-دام علاه-بأنّ الخیار و عدمه و إن کانا کالوجوب و عدمه لا یلتمس فی إجراء الأصل فیهما وجود الأثر الشرعی و عدمه-لأنّ نفسهما أثر شرعیّ-لکن لا بدّ من أن یکون للجعل الظاهری لهما فائدة و لو عقلیّة،إذ لو خلّی عن کلّ فائدة کان لغوا،و جعل عدم خیار الحیوان فیما قبل التفرّق بقضیّة الاستصحاب لا تترتّب علیه فائدة أصلا،إذ الفائدة المتوهمة عدم جواز الإسقاط لخیار الحیوان،و لکنّه لا یعدّ ثمرة،لأنّه لو کان مبدؤه ما بعد التفرّق أیضا جاز الإسقاط لمعرضیّته للوجود فیکون کالإسقاط فی ضمن العقد،و حینئذ فلا بدّ لتحصیل الثمرة من إثبات کون المبدأ للحدوث ما بعد التفرّق و هذا مثبت،هذا ما قاله-دام ظلّه.

لکن استشکل علیه الحضّار:بأنّه یکفی فی الثمرة أنّه لو صرّح فی ما قبل التفرق:بأنّی أسقطت کلّ خیار ثابت لی فعلا ما لم یحصل التفرّق بحیث صار لی بواسطته الفسخ و الإمضاء جائزین قبل التفرّق،لا یؤثّر هذا فی سقوط خیار الحیوان لو کان مبدؤه ما بعد التفرّق،و یؤثّر لو کان مبدؤه من حین العقد.

و استشکل علی الثانی شیخنا الأستاذ-دام علاه-:بأنّه بعد العلم بأنّ مدّة خیار الحیوان لا تزید و لا تنقص عن ثلاثة أیّام،غایة الأمر شکّ فی مبدأ هذه الثلاثة و أنّه العقد أو التفرّق،فلا یوجب هذا الاستصحاب زیادة فی عمر

ص:94

المستصحب و قد کان معتبرا فیه حسب ما استظهر من دلیله علی تفصیل مقرّر فی الأصول ذلک،نعم لا بأس باستصحاب الجامع.

ثمّ إنّه استدلّ علی کون مبدأ خیار الحیوان من حین التفرّق بما دلّ علی أنّ تلف الحیوان فی الثلاثة من البائع مع أنّ التلف فی الخیار المشترک من المشتری.

و أجاب شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:بأنّ أدلّة التلف من البائع محمولة علی الغالب من کونه بعد المجلس،انتهی.

و استشکل فیه شیخنا الأستاذ:بأنّ وجه ذلک إن کان هو الانصراف فهو ممنوع،ألا تری أنّ ما دلّ علی أنّ التلف فی زمن الخیار المشترک من المشتری یشمل التلف الحاصل فی المجلس؟ فالحقّ أن یقال بتخصیص ذلک الدلیل أعنی:ما دلّ علی أنّ التلف فی الخیار المشترک من المشتری،بما دلّ علی أنّ التلف ممّن لا خیار له،فیتحصّل من مجموع الدلیلین:أنّ ورود التلف علی کیس المشتری مشروط بمماثلته مع البائع، و عدم زیادته علیه بخیار مختص به دونه،و إن کان هنا خیار مشترک أیضا،و هذا و إن کان خلاف الظاهر-فإنّ الظاهر من دلیل ورود التلف علی کیس من لا خیار له عدم جنس الخیار-و لکن بعد ملاحظة مجموع الدلیلین یصیر متعیّنا فی مقام الجمع.

هذا علی تقدیر کون الدلیل علی أنّ التلف فی الخیار المشترک من المشتری لفظیّا،و أمّا علی تقدیر کونه القاعدة أعنی:قاعدة ورود تلف المال علی مالکه حین التلف فالأمر أوضح،لأنّ المقام من باب المقتضی و اللامقتضی.

ثمّ إنّ الظاهر جریان ما قلنا فی خیار المجلس من اختصاصه بالمالک العاقد فی هذا الخیار أیضا،فلا یثبت فی حقّ الوکیل بأقسامه،و أمّا الأصیل فی باب الفضولی بعد الإجازة،فإن قلنا:بأنّه یصیر بالإجازة بیعا،فلا إشکال لاجتماع

ص:95

القیدین فیه،و أمّا علی العدم فلا یثبت له کالفضولیّین.

و دعوی أنّ إثبات الخیار لعنوان صاحب الحیوان فی بعض الأخبار المتقدّمة مقتض لکفایة هذا القید مدفوعة،بأنّه و إن لم یصرّح قید البیّعیّة فی الکلام،و لکنّه مفهوم من السیاق کما هو واضح علی العارف بأسلوب الکلام و قرینة التقابل بالبیّعین.

و أمّا الصرف و السلم:فلا شکّ أنّ البیع العرفی متحقّق فیهما قبل القبض، فاللازم ثبوت الخیار أیضا قبله و لا یلزم اللغویّة،إذ یکفی فی عدم اللغویّة وجوب التقابض لو قلنا بوجوبه نفسا قبل القبض مع توقّف الملکیّة علیه و علی تقدیر عدم القول به،قابلیّة حصول الملکیّة فیما بعد بتوسط القبض،فیؤثّر الفسخ فی إزالة هذه القابلیّة،هذا.

مسألة:لا إشکال فی دخول اللیلتین المتوسطتین فی الثلاثة الأیّام،

و هل اللیلة الأولی أیضا داخلة بأن یکون المراد من کلّ یوم هو مع لیلته-فیکون مقدار الخیار اثنتین و سبعین ساعة-أو أنّ المراد بکلّ یوم بیاض الیوم و إنّما أرید اللیلتان المتوسطتان من القرینة الخارجیّة أعنی الاستمرار المستفاد من غیر مادّة الیوم؟ رجّح شیخنا الأستاذ-دام علاه-الأوّل،و رجّح شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الثانی.

و حاصل ما أفاد شیخنا الأستاذ فی تقریب مرامه فی مجلس بحثه الشریف:

أنّه لا شبهة أنّ المتکلّم إذا صار بصدد بیان امتداد الشیء و مقدار عمره کما إذا قال:طول عمر البقّ ثلاثة أیّام،فالإنسان یفهم أنّه قاصد لحدّ محدود مضبوط،لا یزید و لا ینقص باختلاف الأحوال و الأفراد و السنین و الفصول،فلو ولد بقّ فی أوّل النهار لا یصیر أقصر عمرا من بقّ آخر ولد أوّل اللیل،فهذه القرینة معیّنة لأن یکون المراد من الیوم هو مع لیلته،فإنّ ثلاث دورات الیوم و اللیل مضبوطة

ص:96

الساعات،بخلاف ما إذا أرید من الیوم نفسه،فإنّ أیّام الصیف أطول من أیّام الشتاء.

و أیضا لو أرید بیاضات الأیّام،فإرادة اللیلتین المتوسطتین کما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-یستفاد بقرینة أنّ الخیار خیار واحد مستمر غیر متخلّل فی أثنائه عدم،و أمّا اللیلة الأولی لو فرض وقوع العقد فی أوّلها أو أثنائها،فلا دلیل علی إدخالها لعدم شمول مادّة الیوم و لا اقتضاء القرینة الخارجیّة المذکورة.

فإن قلت:هو لقضیّة قوله:«صاحب الحیوان بالخیار إلی ثلاثة» (1)فإنّ تعلیق الحکم علی العنوان مقتض لثبوته بمحض تحقّق العنوان،و أمّا قید ثلاثة أیّام فهو إنّما یکون فی مقام بیان غایة الامتداد و أنّه لا یتجاوز عن هذا الحدّ،و لیس فی مقام الحصر مبدأ و غایة فی الثلاثة.

قلت:دلالة بعض الأخبار علی ما ذکرت مسلّم،أعنی:کونه بصدد بیان الغایة مع السکوت عن المبدأ،فیؤخذ بالإطلاق و یحکم بتحقّق الخیار من أوّل آنات حصول عنوان صاحب الحیوان.

و أمّا لو فرض ظهور بعض الأخبار الأخر المتقدّمة فی الکون بصدد التعرّض من کلتا الجهتین،أعنی:التعیین للأوّل و الآخر و أنّه بتمامه یکون فی ظرف ثلاثة أیّام،فهذا مقدّم علی الطائفة الأولی تقدّم المقیّد علی المطلق،فإنّ الأخذ بالأوّل من باب عدم ذکر الخلاف،فإذا ورد المخالف فهو غیر مزاحم معه کما هو الحال فی کلّ مطلق و مقیّد.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بتوهین هذا الظهور فی الثانیة فی حدّ نفسه من باب أنّه و إن کان ظهورا مستفادا من الجمود علی اللفظ إلاّ أنّ استبعاد العرف خروج اللیلة عن الخیار و الانتظار للصبیحة فی تحقّقه یوجب إلغائه،فافهم و تأمّل هذا.

ص:97


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب الخیار،ص 349،ح 2،6.

و أیضا لو جمدنا علی ظهور الأیّام فی البیاضات الثلاثة فربّما یمکن دعوی صدق هذا العنوان علی ما إذا بقی من الیوم الأوّل ساعة فوقع العقد،فإذا کان الخیار من هذا الحین إلی آخر الیوم الثالث یصدق أنّ الخیار تحقّق ثلاثة أیّام و انقضی بانقضاء الثلاثة،ألا تری أنّک لو صرت ضیفا لأحد تقول:إنّی کنت یوم الجمعة فی منزل فلان مع أنّ مقدار توقّفک فی منزله،لم یبلغ إلاّ ساعة.

و بالجملة إطلاق الیوم علی بعضه صار شائعا بحیث لا ینصرف عنه الإطلاق و أمّا وجه اعتبار انقضاء الیوم الثالث فهو قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فإذا مضت ثلاثة أیّام فقد وجب الشراء» (1)حیث أناط حصول الوجوب علی مضی الثلاثة و هو متوقّف علی انقضاء الیوم الثالث.

اللّهم إلاّ أن یقال:إنّ الإطلاق المذکور فی المثال و أمثاله یکون بمعونة القرینة و إلاّ فمثل قول المسافر:إنّی توقّفت فی البلد الفلانیّ ثلاثة أیّام،أو قولک:

أمسکت عن الغذاء ثلاثة أیّام،أو جلست کذلک ظاهر فی تمام الأیام الثلاثة.

و بالجملة الأمر القارّ الذات إذا أضیف إلی قطعة من الزمان ظاهر فی استیعابه لتمام تلک القطعة،و المقام من هذا القبیل.

و علی کلّ حال المعتمد ما ذکر أوّلا من إرادة الأیّام و لیالیها من الأیّام الثلاثة لعدم تحقّق الانضباط فی الحدّ إلاّ بذلک.

مسألة:یسقط هذا الخیار بأمور

أحدها:اشتراط سقوطه فی العقد

و لو شرط سقوط بعضه جاز.

الثانی:إسقاطه بعد العقد،و قد تقدّم الأمران.

ص:98


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب الخیار،ص 350،ح 9.
الثالث:التصرّف

و لا خلاف علی المحکیّ فی إسقاطه فی الجملة لهذا الخیار، و یدلّ علیه صحیحة ابن رئاب:«فإن أحدث المشتری[فیما اشتری]حدثا قبل الثلاثة الأیّام فذلک رضی منه و لا شرط له(أو فلا شرط له)قیل له:و ما الحدث؟ قال-علیه السلام-:إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلی ما کان محرّما علیه قبل الشراء» (1)و قوله-علیه السلام-:«فذلک رضی منه» (2)لیس المراد به الرضی بأصل الملکیّة فإنّ هذا لیس أمرا حادثا بواسطة التصرّف بل أمر حاصل من حین العقد إلی حین الفسخ،فالمراد به الرضی بالعقد فی مقابلة کراهة ضدّه أعنی الفسخ فنقول:

قوله-علیه السلام-فذلک رضی منه و لا شرط له یحتمل وجوها أربعة.

أحدها:أن یکون جملة(فذلک رضی منه)جوابا للشرط،یعنی حکما شرعیّا للموضوع المتقدّم لا خصوص الجواب النحوی،فکأنّه قیل:إحداث الحدث فی الثلاثة من المشتری فی ما اشتری التزام و إمضاء للعقد،و معلوم من الخارج أنّ حکم الإمضاء نفی الخیار إمّا لأنّه أحد عدلیه و إمّا لرجوعه إلی الإسقاط علی الخلاف المتقدّم فی حقیقة الخیار،و علی هذا لا وجه لتخصیص الحدث بتصرّف مخصوص بل لا بدّ من التعدّی إلی کلّ ما تصدق علیه هذه اللفظة،و لا یستفاد من الکلام علّیة أیضا،فإنّ قوله:(لا شرط)علی هذا تفصیل لذلک الإجمال نظیر قولک:هذا خمر تنزیلا یحرم شربه.

الثانی:أن یکون الجواب الشرعی بالمعنی المتقدّم قوله-علیه السلام-:«لا شرط» و یکون«فذلک رضی» (3)إخبارا عن الواقع و هذا أیضا علی قسمین:

الأوّل:أن یکون هذا الإخبار بیانا للحکمة فی التشریع فکأنّه قیل:مطلق

ص:99


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار ص 351،ح 1.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار ص 351،ح 1.
3- 3) المصدر نفسه.

إحداث الحدث مسقط الخیار و الحکمة فی تشریع هذا الحکم کون الحدث بحسب النوع التزاما بالعقد و هذا أیضا کالأوّل فی عدم التقیید للحدث،فإنّ الحکمة لا یجب اطّرادها.

فإن قیل:ما الفرق بین الحکمة و العلّة؟و لو لم تکن الحکمة مطّردة لزم کون التشریع فی غیر موردها جزافا صرفا.

قلت:مرادنا بالحکمة الغرض الأصلی الباعث علی التشریع،و لا ینافی أضیقیّة دائرته من دائرة التشریع بواسطة تولیدها غرضا آخر موجبا لتوسیع دائرة التشریع،کما یلاحظ فی حکم السلطان العرفی بأخذ کلّ من یخرج فی الساعة الرابعة من اللیل مع کون الغرض الأصلی أخذ السارق،لکن بما یری أنّ تخصیص خطابه بعنوان السارق یوجب الوقوع فی خلاف الواقع کثیرا یوجب هذا تعمیمه الحکم فمثل ذلک أیضا ممکن فیما نحن فیه.

الثانی:أن یکون الإخبار بیانا للعلّة و هذا یوجب التقیید للحدث بمورد وجود العلّة،فالمحکوم بالمسقطیّة خصوص الأحداث التی تکون التزاما و إجازة فعلیّة للعقد عرفا،لأنّ العلّة مضیّقة کما هی موسّعة،و هذا أیضا یحتمل وجهین:

الأوّل:أن یکون الشارع حین رأی تلک الأحداث التی حالها حال الأقوال فی الکشف عن الرضی القلبی و الالتزام الباطنی بالعقد مع عدم الاقتران بالصارف أو ما یصلح للصارفیّة،فبملاحظة نوع اتّحاد بین الکاشف و المکشوف طبّق الرضی علی نفس الأفعال الخارجیّة من أخذ الحافر و النعل و الرکوب فراسخ و أمثالها.

الثانی:أنّه و إن لاحظ تلک الأفعال لکن لا بما هی هی بل بما هی حاکیة عن الرضی القلبی-و فی هذا النظر الاستطراقی الذی کلّ ما یحمل من المحمولات

ص:100

فیه یرجع إلی ذی الطریق-طبّق الرضی و علّق علیه حکم الإسقاط.

و لازم أوّل هذین الوجهین دوران الحکم مدار وقوع تلک الأفعال بشرط تمامیّة أرکان کشفها عن عدم القرینة بعد الدلالة فی حدّ أنفسها،فلو تبیّن عدم الرضی القلبی بعد ذلک و تخلّف الکاشف النوعی فی مورد شخصی عن المکشوف لا یضرّ بالحکم.

و لازم الثانی:کون تمام الإناطة بالمکشوف فمع التخلّف یرتّب آثار عدم السقوط،فهذه أربعة احتمالات.

فإن قلت:لا موجب للحصر فإنّ هنا احتمالا خامسا و هو أن ینظر إلی مجموع الکاشف و المکشوف و یحمل علیه الرضی و یعلّق علیه حکم الإسقاط،و هو العلم الطریقی علی وجه جزء الموضوع،و قد فرغ عن إمکانه فی محلّه.

قلت:نعم هو صرف إمکان عقلی و لکنّه لا یعدّ احتمالا فی الروایة،فإنّه لکثرة بعدها عن الظاهر غیر محتمل فتصیر الاحتمالات منحصرة فی الأربعة.

و حیث إنّ احتمال التنزیل و هو الاحتمال الأوّل بعید عن اللفظ-فإنّه ظاهر فی مقام الإشارة إلی أمر مسلّم لدی المخاطب کبری و صغری لا کبری فقط- و الاحتمال الثانی أعنی کون ذلک حکمة یکون أیضا خلاف الظاهر فإنّ الظاهر من أمثال هذه التعبیرات هو العلّیة.

و أمّا الاحتمال الرابع:أعنی کون الجملة علّة للحکم مع الإناطة علی المکشوف فهو و إن کان لا یبعد عن ظاهر اللفظ و لکنّه مقطوع الخلاف من الخارج،فإنّ الکبری المسلّمة الخارجیّة التی طبّقها الإمام-علیه السلام-علی المقام قد أخذ فیها جزءان:الرضی و المظهر،فلو فرض العلم بالرضی بطریق الرمل و الجفر لا یکفی فی الحکم بالسقوط،فینحصر الأمر فی الاحتمال الثالث.

ص:101

فإن قلت:یبعّد هذا الاحتمال أیضا أمران،أحدهما:الأمثلة المذکورة فی الذیل،فإنّ النظر و اللمس و التقبیل غیر دالّة علی الرضی نوعا،الثانی:أنّ أفراد الحدث فی الخارج یغلب فیها ما لا دلالة فیه علی الرضی بحیث یمکن دعوی قلّة الدالّ منها فی جنب غیره،و مع هذا یستهجن التعلیل بقول مطلق فهو نظیر التعلیل للنهی عن أکل الرمّان بأنّه حامض مع کون الحامض فی أفراده قلیلا.

قلت:أمّا الأوّل فیمکن الجواب عنه بالفرق فی نظر العرف بین الجاریة و سائر المملوکات،فحال الجاریة حال الزوجة فی کون المرغوب فیها المحجوبیّة و الاستتار،فلو أخذها المشتری و قبّلها أو لامسها أو نظر إلی ما یحرم قبل الشراء أعنی إلی العورة-فإنّ النظر إلی ما عداها غیر محرّمة قبل الشراء مقدّمة للشراء-ثمّ ردّها إلی بائعها صار ذلک موجبا لعدم رغبة الناس فی ابتیاعها،فإنّ العمدة فی الجاریة تصییرها أمّ ولد و لا شکّ أنّ النظر فی أمر أمّ الولد کنظرهم فی أمر الزوجة فی مراعاة قلّة نظر الغیر إلی عورتها و لمسها و تقبیلها فلا یرغبون فیمن وقع فی حقّه أمثال ذلک.

أمّا الثانی:فلا نسلّم قلّة الأفراد المذکورة فی جنب غیرها بل إذا لوحظ أخصیّة مادّة الحدث من مادّة التصرّف یمکن دعوی العکس،و أنّ الغالب فی أفراد الحدث هو الدلالة فتدبّر.

هذا کلّه علی تقدیر تسلیم أنّ المراد بالرضی هو الرضی و الالتزام بالعقد الذی هو ضدّ الفسخ و لا یتمشّی لا محالة من غیر العالم بالخیار،و لکنّه مناف لإطلاق الروایة،فإنّ قوله-علیه السلام-:فإن أحدث المشتری (1)إلی آخره لا اختصاص له بالمشتری العالم بخیار الحیوان فیشمل الحدث الصادر من الجاهل،و بهذه القرینة بضم القطع بعدم إرادة الرضی بأصل الملکیّة کما تقدّم یحصل معنی ثالث

ص:102


1- 1) سبق ذکر مصدره.

و هو الرضی بأصل إمساک الملک و الغمض عن ردّه إلی البائع،فإنّ هذه الحالة ممکن التمشّی من العالم و الجاهل الذی بحسب نفسه ملجأ بقبول البیع و التزامه، و لکنّها ما دامت کامنة فی نفسه و لم تصل إلی مقام الإظهار بالفعل الدالّ النوعیّ علی وجودها فی نفس الفاعل لا تثمر فی سقوط الخیار و إنّما تثمر بسبب تحقّق الإظهار الفعلیّ.

فإن قلت:الجاهل المذکور یری نفسه من الأوّل ملتزما بالقبول فکیف یصحّ حمل هذا المعنی علی الحدث؟و هذا أیضا کالرضی بأصل الملکیّة الذی قلت إنّه غیر مقصود من العبارة لکونه أمرا حاصلا من الأوّل.

قلت:مجرّد الجهل لا یوجب ما ذکرت فإنّه ربّما یتوسّل إلی انفساخ العقد بالتقایل أو بوجه آخر،فما دام لم یبرز منه العمل الدالّ علی الالتزام بالملکیّة فمجرّد الجهل غیر حاکم بکونه ملتزما.

و بالجملة علی هذا الوجه یسقط الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الأربعة المذکورة أعنی إرادة التنزیل،فإنّ التنزیل إنّما یصحّ فیما إذا کانت فی موضوع الرضی کبری وجدانیّة خارجیّة،و علی هذا المعنی لیس للرضی هذا المعنی،و إنّما المرتکز فی الأذهان مسقطیّة الالتزام بالعقد الذی هو عدل الفسخ الصادر من العالم بالخیار،لا هذا المعنی المتساوی النسبة إلی العالم و الجاهل،فتدبّر.

الثالث:خیار الشرط

اشارة

أعنی:الثابت بسبب اشتراطه فی العقد،و قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-:لا خلاف فی صحّة هذا الشرط و لا فی أنّه لا یتقدّر بحدّ عندنا،و نقل الإجماع علیه مستفیض،و الأصل فیه قبل ذلک الأخبار العامّة المسوّغة لاشتراط کلّ شرط إلاّ ما استثنی،و الأخبار الخاصّة الواردة فی بعض أفراد المسألة.

ص:103

فمن الأولی:الخبر المستفیض الذی لا یبعد دعوی تواتره«أنّ المسلمین عند شروطهم» (1)و یزید فی صحیحة ابن سنان«إلاّ کلّ شرط خالف کتاب اللّه فلا یجوز» (2)و فی موثقة إسحاق بن عمّار«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو حلّل حراما» (3)انتهی.

قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:أمّا الأخبار الخاصّة مثل صحیحة ابن سنان عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-فی حدیث قال-علیه السلام-:«و إن کان بینهما شرط أیّاما معدودة فهلک فی ید المشتری قبل أن.الشرط فهو من مال البائع» (4).

و روایة السکونی:«إنّ أمیر المؤمنین-علیه السلام-قضی فی رجل اشتری ثوبا بالشرط إلی نصف النهار» (5).

و الأخبار المستفیضة الواردة فی اشتراط الفسخ بردّ الثمن کما سیأتی نقلها إن شاء اللّه تعالی،فالتمسّک بها مع التأیّد بالإجماعات المنقولة المستفیضة حسن فی إثبات المطلب.

و أمّا الأخبار العامّة:فلا إشکال فی التمسّک بها أیضا بناء علی ما ذهب إلیه -قدّس سرّه-فی معنی الاستثناء الواقع فیها،و أمّا علی ما نحتمل من معنی آخر فیها فربّما یشکل الحال.

و توضیح معنی الاستثناء علی سبیل الإجمال:أنّ المراد بالتحلیل و التحریم هو الترخیص و المنع الصادران من نفس الشارط،فإذا قال:بعتک بشرط شربک الخمر،فهذا معناه:رخصتک فی الشرب،و إذا قال:بشرط عدم شربک الماء،فهذا

ص:104


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 353،ح 1 و 2 و 5.
2- 2) المصدر نفسه:ح 2.
3- 3) المصدر نفسه:ح 5.
4- 4) المصدر نفسه:الباب 8،من أبواب الخیار،ص 355،ح 2.
5- 5) المصدر نفسه:الباب 12،من أبواب الخیار،ص 359،ح 1.

منع منه للمشروط علیه عن الشرب،و علی هذا فربّما یستشکل بأنّه لا داعی لکلّ مشترط لفعل أو ترک أو نتیجة إلاّ لأن یحصل به أمر غیر حاصل و هو بأن لا یکون للمشروط علیه فی صورة شرط الفعل ملزم شرعی إلی الفعل أو نفسانی و کذا النتیجة،فإنّه إذا کانت النتیجة حاصلة فاشتراطها أمر لغو لا یصدر عن عاقل.

فعلی هذا مرجع کلّ شرط إمّا إلی سدّ باب فتحه اللّه أو فتح باب سدّه اللّه، و هذا معنی تعمیم التحلیل و التحریم إلی الطلبی و الوضعی،و کذا الحلال و الحرام فلا یبقی للمستثنی منه إلاّ شرط ترک المحرّمات،و فعل الواجبات و النتائج الحاصلة لولا الشرط.

و حاصل التفصّی علی ما اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أن یقال:إنّ الحلال و الحرام الثابتین فی الشریعة علی قسمین،أحدهما:ما ثبت للذوات فی حال التجرّد عن العناوین الطارئة و باعتبار أنفسها لو خلّیت و طبعها کما فی حلیة لحم الغنم،و هذا لا یزاحم حکما ثابتا لعنوان ثانوی وارد علی الذات،فإنّ وروده یوجب قلب الموضوع و خروجه عن وصف التجرّد إلی موضوع آخر معنون.

و الثانی:ما یثبت للذوات مع الإطلاق لجمیع الحالات الطارئة و العناوین العارضة علیها،و هذا لا محالة یحصل التنافی بینه و بین الحکم المنافی الثابت للعنوان الطارئ،لأنّ الموضوع حسب الفرض محفوظ فیبقی التنافی بین الحکمین، فما ورد فی بابی الشرط و الصلح من استثناء ما کان منهما تحلیلا للحرام و تحریما للحلال ناظر إلی الحلال و الحرام اللذین کانا من قبیل القسم الثانی،و ما یلزم من استثنائه لغویّة البابین هو الحلال و الحرام اللذان من القسم الأوّل.

فشأن البابین هو التغییر و التبدیل فیما کان من القسم الأوّل و لیس فیه تحلیل و تحریم بل هو قلب للموضوع و إخراج له عن الوصف الذی به صار موضوعا

ص:105

و التحلیل و التحریم إنّما یتحقّقان فی القسم الثانی الذی فرض فیه سرایة الحکم و إطلاقه إلی جمیع حالات الموضوع التی منها حالة الاشتراط،فإنّه لو نفذ الشرط حینئذ فاللازم منه رفع الحکم مع حفظ الموضوع.

و حاصل الإشکال الذی أورد علی هذا التفصّی شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:

أنّه إن أرید من الحلال و الحرام ما کان مدلولا للأدلّة بما هو مدلول،و بعبارة أخری:کان قوله-علیه السلام-:الحلال و الحرام ناظرا إلی مفاد الأدلّة الذی یستنبطه المجتهد فی مقام الإثبات،فالتشقیق صحیح،فإنّ المعنی حینئذ أنّه ینظر إلی مفاد الأدلّة الأوّلیّة،فإن استفید منها حکم حیثیّ مع عدم النظر فی مقام الدلالة إلی العناوین الطارئة،فالشرط صحیح و إن کان المفاد منها الحکم مع ثبوت الإطلاق الدلالی بالنسبة إلی الحالات الطارئة،فالشرط باطل و لا یجوز رفع الید عن ذلک العموم و الإطلاق الإثباتیّین بدلیل الشرط و ملاحظة المعارضة بینهما،و لکن کون الکلام ناظرا إلی مقام إثبات الأدلّة بعید غایة البعد.

و إن أرید الحلال و الحرام الثابتان بحسب مقام الثبوت و نفس الأمر اللذان هما ذات المکشوف بالأدلّة فی مقام الإثبات،فالاستثناء حینئذ یرجع إلی أمر رکیک و توضیح للواضح،فإنّ المعنی أنّه إن کانت الحلّیّة و الحرمة الواقعیّتین اللتین شرط خلافهما الشارط بحسب مقام ثبوتهما و واقعهما ساریتین إلی هذه الحالة الطارئة علی الموضوع و هو حالة الاشتراط فالشرط باطل،و إن لم تکونا بساریتین إلی العنوان الطارئ و واقفتین علی مرتبة الذات المجرّدة فالشرط صحیح،و الشقّ الأوّل راجع إلی أنّه لو کانت الحرمة الواقعیّة الفعلیّة ثابتة حال الشرط بفعلیّتها فلا یمکن أن یجیء الوجوب من قبل الشرط،و هذا أمر بدیهی لعدم إمکان الحرمة و الوجوب التعیینیین فی مورد شخصی مع عدم المندوحة.

ص:106

فإن قلت:یمکن وجودهما بوصف الفعلیّة و تزاحما.

قلت:معنی الفعلیّة فی المتزاحمین ثبوتهما مع قطع النظر عن حال التزاحم و المفروض هنا الفعلیّة حتی بالنظر إلی حال الابتلاء بصفة الاشتراط،و حکمها الجائی من قبل أوفوا بالشروط و لا شبهة فی عدم معقولیّة اجتماع الفعلیتین بهذا المعنی.

و حاصل التفصّی علی ما مال إلیه أستاذنا-دام ظلّه-بعض المیل فی مجلس الدرس أن یقال:إنّ الحلال و الحرام یراد بهما الواقعیّان لا ما هو مفاد الأدلّة و فی مقام الإثبات لکنّ المقصود منهما کلّ حکم جاء من قبل اقتضاء فی الموضوع لجعل ذلک الحکم،و حاصل الاستثناء یرجع إلی أنّ الاشتراط لا یقوم بقبال الأحکام التی جعلها الشارع باقتضاء المقتضیات فی موضوعاتها و لو فرض کون المقتضی بحیث لا یقاوم العناوین الطارئة و یکون مغلوبا لها،و لکن إذا وقعت متعلقاتها تحت عنوان الشرط،فهذا العنوان لیس کسائر العناوین فی مغلوبیّة ذلک الاقتضاء فی جنبه و یخرج بهذا الأحکام التی جعلها الشارع لا لاقتضاء فی الموضوعات لجعلها،بل لعدم اقتضاء فی جعل أضدادها.

مثلا الإباحة قد تکون مجعولة لاقتضاء فی الموضوع،کما لو کان فی حدّ ذاته مناسبا للإیجاب،و لکن مناسبته للتسهیل و الامتنان،و غلبة هذا علی الأوّل أوجب جعل الإباحة.

و قد تکون مسبّبة لا عن الاقتضاء بل لعدم اقتضاء فی شیء من جانبی الفعل و الترک للطّلب الإلزامی و لا غیره إلی جعل ذلک،فکلّ ما کان من قبیل الأوّل فالشرط فی مورده باطل لأنّه تحلیل و تحریم،و کلّ ما کان من الثانی فلا تحلیل و لا تحریم فیصحّ.

ص:107

إن قلت:کیف یکون فی الأوّل تحلیل و تحریم إذا فرض عدم ناظریّة الحکم بواقعة لحالة الاشتراط و کان حکما حیثیا فإنّه حینئذ قلب الموضوع و فرق بین إبطال الموضوع و إبطال الحکم.

قلت:قد أسند التحلیل و التحریم إلی الشارط فهما فعله و لا شکّ أنّه علّق التزامه الشرطی علی نفس العنوان المحکوم بالحکم،و بعبارة أخری هو مع الحکم یرد علی ذات الموضوع دفعة و فی عرض واحد،فلو فرض نفوذه کان إبطالا للحکم فی رتبة وجود موضوعه،نعم حکم الشارع حیث إنّه متأخّر عن فعل الشارط و التزامه کان لا محالة فی موضوع آخر غیر الذات المجرّدة،و حینئذ یمکن أن یقال بمناسبة الحکم و الموضوع بانصراف عنوان التحلیل و الترحیم إلی القسم الأوّل،إذ یصدق فی الثانی أنّ الشارط ما فعل شیئا بقبال الشارع-علیه السلام-،هذا حاصل الکلام فی توضیح الاستثناء.

إذا عرفت ذلک فنقول فی مسألتنا:شرط الخیار فی البیع مناف بحسب الصورة،لآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)و لروایة«إذا افترق البیّعان وجب البیع» (2)و لکن علی المذاق الأوّل فی معنی الاستثناء یمکن أن یقال بعدم المنافاة لشیء منهما.

أمّا الآیة الشریفة:فلأنّ مفادها وجوب الوفاء بالعقد و الإتیان بمقتضاه کیف ما کان،فإذا فرض إدراج الشرط فی العقد فالوجوب یتعلّق بهذا الموضوع المقیّد.

و أمّا الروایة الشریفة:فمفادها حکم حیثی و قد عرفت اختصاص التحلیل و التحریم علی هذا المذاق بما لم یکن من هذا القبیل.

ص:108


1- 1) المائدة:2.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.

لا یقال:ینافی کونه حیثیّا جعله-قدّس سرّه-هذه الروایة مع الآیة مرجعا فی ما تقدّم فی مسألة نفی خیار بائع الحیوان بعد تعارض الأخبار من الطرفین.

لأنّا نقول:لا منافاة لإمکان کون الخطاب من جهة فعلیا و من أخری حیثیّا و من الممکن القول بفعلیّة الحکم المزبور بالنظر إلی خصوصیّة بایعیّة الحیوان، و بعبارة أخری بالإضافة إلی أفراد البائعین و البیوع و المبیعات و عدم فعلیّته بالنظر إلی مثل عنوان الاشتراط،هذا علی المذاق الأوّل.

و أمّا علی المذاق الثانی فیمکن أیضا تقریب عدم المنافاة،أمّا فی الآیة فبما تقدّم،و أمّا فی الروایة فبأن یقال:إنّ الوجوب و نفی الخیار حکم جاء من قبل عدم الاقتضاء،فإنّ الملک إذا حصل فالرفع و الإزالة محتاج إلی السبب و أمّا الترک بحاله فیکفیه عدم سبب الرفع.

لا یقال:یکفی فی السببیّة للوجوب نفس بقاء الملک الذی هو بطبعه.

لأنّا نقول:هذا من قبیل بقاء الجسم فی محلّه ما لم یحدث المزیل و هذا بقاء الموضوع،و الذی نحن فیه وجود خصوصیّة فی الملک مقتضیة للحکم علیه بعدم الخیار و أنّی لنا بإثبات ذلک،إذ من الممکن کون الملک بحسب طبعه باقیا مع کونه لا اقتضاء فی شیء من طرفی الحکم بالخیار و الحکم بالعدم،و لکن حیث إنّ العدم لا مؤنة له بل یکفیه عدم تحقّق علّة الوجود حکم بالعدم.

لکن هذا التقریب فی الروایة مسقط لها عن قابلیّة التمسک بها فی مثل المسألة المتقدّمة من نفی خیار بائع الحیوان،إذ لیس مفادها علی هذا إلاّ نفی الاقتضاء للخیار فلا ینفی احتمال الاقتضاء من ناحیة خصوصیّة.

هذا و الذی یسهل الخطب کما عرفت هو الأخبار الخاصّة مؤیّدة

ص:109

بالإجماعات المنقولة المستفیضة.

ثمّ الکلام فی أحکام الخیار المشترط فی العقد یظهر برسم مسائل.

مسألة:لا فرق بین کون زمان الخیار متّصلا بالعقد أو منفصلا عنه،

لعموم الأدلّة حتّی لو شرط یوما و یوما لا،أو شهرا و شهرا لا،إنّما الکلام فیما لو لم یعیّن المدّة و حصل التراضی بالخیار فی مدّة مجهولة کقدوم الحاج.

فقال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:بطل بلا خلاف،بل حکی الإجماع علیه صریحا لصیرورة المعاملة بذلک غرریّة،انتهی.

وجه غرریّة البیع:أنّ الشرط فی المجهولة المردّدة بین شهر و شهرین مثلا لا شکّ فی کونه غررا و خطرا،و معنی الغرر هو إلقاء النفس فی معرض الخطر و لیس المعیار فیه عدم إقدام العقلاء علیه،إذ لا منافاة فی إقدامهم فی کثیر من أفراد الغرر و هو ما یسمّونه إقداما علی حظ و بخت.

و بالجملة:إذا کان الشرط غرریا فالبیع أیضا یصیر کذلک لمساس الشرط به،فإنّه کما یسری الغرر الآتی من ناحیة المتعلّق أعنی:العوضین و ما یتعلّق بهما إلی البیع کما فی بیع ما لا یعلم قدره فی المکیل و الموزون،فکذلک حال الشرط فإنّه أیضا و إن کان لا یرتبط بحسب الإنشاء بشیء من العوضین و إنّما یلاحظ جانبه فی مقدار القیمة بحسب اللّبّ و الغرض،و لکنّه مرتبط بنفس المبایعة و المبادلة، فإنّه و إن لم یوقع إنشاء البیع و الالتزام بالمبادلة منوطا بالشرط کما هو الشأن فی الشرط الأصولی بل أدرج الالتزام الشرطی فی ضمن الالتزام البیعی من دون أن یفرض الالتزام البیعی ظرفا،و لکنّه یرجع بالمآل إلی الشرط الأصولی إذ لیس حقیقة الشرط مجرّد مقارنة بین الالتزامین بلا مساس لأحدهما بالآخر بل المقصود تضییق دائرة المندرج فیه بالمندرج.

ص:110

و علی هذا فإذا کان فی المندرج جهالة و غرر فلا محالة یسری إلی المندرج فیه ضرورة أنّ النتیجة تابعة لأخسّ المقدمتین،و المقیّد بما هو مقیّد یصیر غرریّا لغرریّة القید و هذا واضح.

و لکن لا بدّ أن یعلم أنّ هنا أیضا کما تقدّم فی مسألة تعیین العوضین فردا غرریا عند العرف و إن کانوا یقدمون علیه و فردا غیر غرریّ مع ثبوت مطلق الجهالة فیه،و مثلنا له فیما تقدّم بمبایعة الجنسین فی کفّتی المیزان متساویین وزنا و قیمة،و بمبایعة الجنس المردّد بین خمسة أمنان جیاد و عشرة ردیّة متساویین فی القیمة،فإنّ فیهما مطلق الجهل ثابت و لکن لا تعدّ مثل هذه المعاملة غرریّة.

و هکذا فیما نحن فیه فقد یفرض الجهالة بمثل ما مثّلنا من التردّد بین الشهر و الشهرین،و هذا لا شبهة فی صدق الغرر معه عرفا،و قد یفرض فیما بین ساعة و ساعتین ممّا یتسامح فیه عرفا و لا یخرج بواسطة هذا المقدار عن الانضباط.

ثمّ فی المسألة المتقدّمة قام الإجماع علی لزوم مراعاة العلم بالمقدار فی المکیل و الموزون و مضرّیّة الجهل حتّی فی مثل المثالین و فی مثل بیع عبد من عبدین،و لکن فی مسألتنا هذه لا نصّ مخصوص بالفرض،و عمومات النهی عن بیع الغرر وحدها غیر کافیة لإثبات التعمیم المذکور لما عرفت من عدم الصدق عرفا فی مثل الساعة و الساعتین،فالمتّبع حینئذ الإجماع إن ثبت کما یظهر دعواه من العبارة المتقدّمة من شیخنا-قدّس سرّه.

و لکنّه خلاف ما نری مسلمیّته فی باب الأجل فی السلم الذی استشهد -قدّس سرّه-به فی المقام أیضا،فإنّ جعل الأجل رأس الشهر الهلالی مثلا صحیح مع أنّه لا یعلم رؤیة الهلال فی الثلاثین أو فی التسعة و العشرین،فقد اغتفر مثل هذا التفاوت الذی هو بیوم و لیلة فکیف لا یغتفر مثل الساعة و الساعتین؟

ص:111

و علی هذا فإن تابعنا موارد صدق الغرر عرفا لا یصیر دائرة الغرر بحسب العرف و الشرع متفاوتة،نعم إن قلنا بأنّه یحصل من تتبّع موارد کلمات العلماء فی مواضع متفرّقة-حیث علّلوا مضرّیة الجهل بما لا یسمّی غررا عرفا کالأمثلة المذکورة بلزوم الغرر-انعقاد الإجماع علی أنّ مراد الشارع-علیه السلام-من الغرر الواقع تحت النهی مطلق الجهل،فحینئذ یصیر دائرة الغرر الشرعیّ أضیق دائرة من العرفی،کما ذکره بعض الأساطین-قدّس أسرارهم-،و إن کان حقّ العبارة أن یقال:إنّ الشرعی أوسع دائرة من العرفی،لکن أنّی لنا بإثبات ذلک.

ثمّ إنّه ربّما یقال فی قبال ما قلنا فی وجه بطلان البیع بغرریّة الشرط بواسطة الجهل بمدّته:بأنّه لا شکّ أنّ البیع عند تخلّف الشرط لیس حاله کحاله عند تخلّف أحد العوضین فیمکن انتفاء الشرط مع بقاء البیع الذی هو المشروط،غایة الأمر حصول الخیار،و حینئذ نقول:إذا فرض وجود الدلیل علی فساد الغرر فی مطلق الجعل و الالتزام لا خصوص البیع،إنّ الشرط حینئذ یصیر فاسدا لغرریّته، و فرضنا إمکان بقاء البیع بدون الشرط،و إذا سقط الشرط فلا موجب لبطلان البیع لأنّ المفروض عدم الغرر فیه من جهة أخری.

و لکن فیه أنّ موضوع الغرر لا بدّ أن یلاحظ وجوده و عدمه قبل حکمه،فقبل حکم الشارع بالبطلان إذا لاحظنا جعل البائع الشارط نراه جعلا غرریّا،و تسری الغرریّة إلی جعله البیعیّ أیضا.و حینئذ فإذا فرض وجود الدلیل علی بطلان مطلق الغرر فاللازم بطلان الشرط من جهتین،إحداهما من جهة دخول نفسه تحت دلیل الغرر،و الأخری من جهة تبعیّته للبیع الذی هو أیضا داخل تحته.

و بالجملة:بعد سرایة الغرر من الشرط إلی البیع بقضیّة التقیید یتعیّن القول ببطلان البیع،و لکن یظهر من المحقق الخراسانی-قدّس سرّه-فی حاشیته علی

ص:112

مکاسب شیخنا-قدّس سرّه-فی هذا المقام إمکان کون الشرط غیر قید للعقد و إن کان فی ضمنه،و هو-قدّس سرّه-أعلم بما أفاد.

مسألة:لا فرق فی بطلان العقد بین ذکر المدّة المجهولة کقدوم الحاج،و بین

عدم ذکر المدّة أصلا،

کأن یقول:بعتک علی أن یکون لی الخیار،و بین ذکر المدّة المطلقة کأن یقول:بعتک علی أن یکون لی الخیار مدة،لاستواء الکلّ فی الغرر.

خلافا للمحکیّ عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنیة و الحلبی، فجعلوا مدّة الخیار فی الصورة الأولی ثلاثة أیّام و یحتمل حمل الثانیة علیها،و عن الانتصار و الغنیة و الجواهر الإجماع علیه،و فی محکیّ الخلاف وجود أخبار الفرقة به.

اعلم أنّه لو قصد الشارط فی الصورة الأولی جعل الخیار فی ظرف الدوام- کما هو الحال فی جعل الأحکام لا بمعنی التعرّض فی إنشائه لذلک حتی یخرج عن المفروض،بل إنّما یتعرّض لجعل حقیقة الخیار و یستفاد الإطلاق و الامتداد بحسب طول الزمان من مقدّمات الحکمة-فلا شبهة فی جوازه،فإنّ الدوام أمر مضبوط لا جهل فیه فلا غرر،کما أنّه لو أخذ الزمان قیدا مفرّدا للفسخ فانتزع عمّا بین تلک الأفراد الفرضیّة جامعا کلیّا،و ینشئ ملکیّة ذلک الکلّی نظیر الصاع من الصبرة فی الأعیان یخرج عن الغرر أیضا،لأنّ الکلّی لا جهل فیه،فلا بدّ من فرض الکلام فیما إذا کان المقصود ملکیّة الفسخ علی نحو الإهمال،إمّا بأن یجعله معرّفا لفرد خاص و إمّا بأن یوکل التعیین إلی زمان آخر،و هذا لا إشکال فی شمول دلیل الغرر إیّاه کالصورة الثانیة.

و ما یتوهّم فی قبال هذا العموم أمور:

الأوّل:الإجماع المنقول فی لسان الأساطین الثلاثة-قدّس اللّه أسرارهم.

الثانی:إرسال الخلاف وجود أخبار الفرقة به،و هذا بمنزلة أخبار مرسلة علی

ص:113

لسان الشیخ-قدّس سرّه.

الثالث:مفهوم بعض أخبار خیار الحیوان و هو صحیحة ابن رئاب حیث قال-علیه السلام-:«الشرط فی الحیوان ثلاثة أیّام للمشتری اشترط أم لم یشترط» (1)حیث خصّ التعمیم لصورة الاشتراط و العدم بالحیوان،فیستفاد منه لمفهوم اللقب أنّ غیر الحیوان یکون فیه هذا الحکم فی صورة الاشتراط،و حیث إنّ الاشتراط المطلق یعلم أنّه لیس کذلک فیحمل علی صورة الاشتراط بدون تعیین المدّة.

الرابع:ما روی فی کتب العامّة أنّ حنان بن منقذ کان یخدع فی البیع لشجّة أصابته فی رأسه،فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«إذا بعت فقل لا خلابة و جعل له الخیار ثلاثا»و فی روایة:و لک الخیار ثلاثا.و الخلابة الخدیعة.تقریب الدلالة:أنّ معنی لا خلابة«إنّی لا أتحمّل منک الخدعة»یعنی أفسخ البیع لو شئت،فعبّر عن عدم لزوم البیع بعدم الخلابة بطریق الکنایة،و جعل النبی صلی اللّه علیه و آله و سلم حکمه الخیار ثلاثة أیّام.

و توهّم الاختصاص لهذا الحکم بذاک الشخص أو بمن هو مثله فی المخدوعیّة أو بهذه اللفظة بعید عن الظاهر،فإنّ الکلام فی مقام بیان المخلص، و ظاهره أنّ هذا من خواص ذات العمل من أیّ فاعل صدر،هذا ما یتوهّم و الکل غیر قابل للاعتماد.

أمّا الإجماع:فعیبه أنّه منقول،مضافا إلی إمکان إرادة ناقلة أنّ الإطلاق منصرف إلی الخیار المجعول الشرعی لکونه معهودا فی ذهن المتشرّع و هو ثلاثة أیّام بالإجماع.

ص:114


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

و أمّا الثانی:فلأنّه لم یعثر فی کتب الأخبار و لا فی کلام أحد من الفقهاء من تعرّض لذکر هذه الأخبار،مع أنّ العادة تقضی بأنّها لو کانت لوجدت فی تلک الکلمات،فمن القریب بعد ملاحظة ذلک کون قول الخلاف إشارة إلی أخبار الحیوان بالتقریب الذی ذکر.

و أمّا الثالث:فوهنه واضح.

و أمّا الرابع:فالدلالة و إن لم یبعد تمامیّتها و لکنّ السند قاصر لأنّ الروایة کما عرفت عامیّة و لم یعلم انجبارها بالعمل،إذ استناد المجمعین إلیها غیر معلوم و إذن فالحکم بالبطلان فی کلتا الصورتین متّجه.

مسألة:مبدأ هذا الخیار من حین العقد لأنّه المتبادر من الإطلاق،

و لو کان زمان الخیار منفصلا کان مبدؤه أوّل جزء من ذلک الزمان،و لو جعل مبدءه من انقضاء خیار الحیوان،فبناء علی القول بأنّ مبدأ ثلاثة الحیوان من حین العقد لا إشکال،و أمّا علی القول بأنّ مبدأها من حین التفرّق،فربّما یشکل بأنّ الغرر حاصل حیث لا یعلم أنّ المجلس فی أیّ زمان ینقضی،و لکنّه محلّ إشکال لأنّ المجلس حسب المتعارف معلوم مقدار مکثه،و المقدار المحتمل من الزیادة و النقیصة فیه قلیل یتسامح به عادة،و لیس حال هذا الجهل بأقوی من الجهل فی الشهر الهلالی الذی لا یعلم ختمه بثلاثین أم بتسعة و عشرین.

ثمّ بناء علی ما هو الحقّ من إمکان الخیار المتعدّد فی الزمان الواحد بأن تتداخل الأسباب فی المسبّب الواحد لا إشکال،و أمّا بناء علی القول بالعدم فلا بدّ من تقیید الإطلاق إلی ما بعد زمان خیار الحیوان و الحکم بالصحّة ممّا بعد هذا الزمان،فلو جعل الخیار عشرة أیّام یسقط من أوّله مقدار زمان خیار الحیوان و یبقی بقیّة العشرة صحیحا،و الجهل بانقضاء خیار الحیوان هنا غیر مضرّ و إن

ص:115

قلنا بإضراره فی السابق،فإنّ الجهل المضرّ ما کان فی مقام الجعل و لا جهل حسب الفرض فی ذلک المقام،لأنّه متعلّق بعشرة مبدؤه من حین العقد،غایة الأمر التفکیک فی التأثیر و الصحّة حسب قطعات الزمان کما یحصل التفکیک فی الإنشاء الواحد المتعلّق فی باب البیع بما یملک و ما لا یملک و قد فرغ عن إمکانه فی محلّه،و أمّا جعل تمام المدّة کالعشرة فی ما بعد ثلاثة الحیوان فهو خلاف ما قصده الجاعل.

مسألة:یصحّ جعل الخیار لأجنبیّ،

و لو جعل الخیار لمتعدّد ففی المسألة وجوه بحسب التصویر.

الأوّل:جعل الخیار للمجموع بحیث لا یکون لواحد استقلال لا فی الفسخ و لا فی الإمضاء و یکون حالهم کالورّاث فی وجه.

الثانی:جعله لکلّ واحد و هذا یتصوّر علی وجوه:

الأوّل:أن یکون الواحد ذا حقّ علی الفسخ و علی الإلزام بحیث لا یقبل العقد بعده انفساخا بأحد من أسبابه حتّی التقایل،و هذا خلاف الشرع فإنّ العقد قابل للانفساخ بالتقایل.

الثانی:أن یکون ذا حقّ علی الفسخ و یکون الإمضاء منه إسقاطا لهذا الحقّ، و هذا صحیح،و لازمه أنّهما لو اختلفا فی الفسخ و الإمضاء فکلاهما نافذ و العقد منفسخ کما هو واضح.

الثالث:أن یکون ذا حقّ علی الفسخ و علی الإلزام من طرف نفسه وحده و من طرف صاحبه کذلک فی مقابل الانفساخ بالتقایل.

الرابع:أن یکون ذا حقّ علی الفسخ و علی الإلزام من ناحیة نفسه فقط دون صاحبه.

ص:116

و قد تنظّر فی صحّة الأخیرین شیخنا الأستاذ-دام أیّام بقاه-بأنّ متعلّق الحقّ بعد الإلزام حسب الفرض و هو العقد باق بحاله،إذ الفرض أنّه لم یؤخذ فی موضوع الحقّ سوی وجود العقد بلا قید آخر،و حینئذ فانقطاع ید الآخر بواسطة هذا الإلزام لیس إلاّ بالتصرّف فی إطلاق نفوذ حقّ الآخر و أنّه غیر نافذ فی صورة وجود هذا الإلزام.

لا یقال:لیس تصرّفا فی نفوذه،بل فی موضوعه فإنّ موضوعه لیس مطلق العقد بل العقد القابل للانفساخ و هذا الإلزام یوجب خروج العقد عن القابلیة.

لأنّا نقول:کلاّ،فإنّ العقد بعد باق علی القابلیة للانفساخ و لهذا یجوز التقایل،فلا قصور فی ناحیة قابلیة العقد فیتمحّض فی جانب نفس الحقّ فیصیر الشرط من هذه الجهة خلاف الشرع،نعم له تضییق موضوع الحقّ بأن یجعل موضوعه العقد الذی لم یرد علیه إمضاء من صاحبه و حینئذ فکلّ من الفسخ و الإمضاء تقدّم کان هو المؤثّر دون ما تأخّر.

ثمّ إنّه هل یجب علی الأجنبی مراعاة المصلحة للجاعل؟قیل:نعم و الحقّ أنّ هذا تابع لجعل الجاعل،فإن جعله مستقلاّ فی الأمر و مختارا تامّا فله ما یشاء و لو کان فسادا بحال الطرفین.

نعم یمکن دعوی أنّ الظاهر من شاهد حال من یجعل الأجنبیّ ذا خیار علی معاملته کونه فی ذلک متّکلا علی خبرویّته و نظره،و أنّه فی ذلک یقوم مقام نفسه فی رعایة جانبه و ملاحظة صلاحه بحیث یوجب هذا المعنی انصرافا فی عالم الإثبات إلی ثبوت التقیید فی موضوع الجعل،فالمجعول هو الخیار الخاص أعنی ما روعی فیه المصلحة للجاعل و إلاّ فإن صار من قبیل الحیثیّة التعلیلیّة مع الإطلاق فی مقام الجعل و الإنشاء فلا ینفع،و هذا واضح.

ص:117

ثمّ إنّه یظهر من المحقّق الطباطبائی-قدّس سرّه-فی هذا المقام من تعلیقته تفصیل آخر فی المسألة حاصله:أنّ جعل الخیار للأجنبیّ تارة من باب التوکیل، و أخری من باب التحکیم،و إذا کان من باب التوکیل فقد یکون للموکّل أیضا خیار و قد یکون لخصوص الوکیل،فأوجب فی صورة التوکیل مراعاة المصلحة و ذکر فی صورة التحکیم مثل ما قلناه.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:صحّة اشتراط الوکالة للأجنبیّ بعد جعل الخیار لنفسه مبنیّة علی کون الوکالة شرطا علی الموکّل و إلاّ فلو اعتبر اشتراطها علی طرفه فلا معنی لهذا الاشتراط،فإنّ صاحب الحقّ یصحّ له جعل الوکالة،و لو کان ضررا علی صاحبه و لیس لرضی صاحبه و قبوله فی ذلک مدخل،و إنّما الدخیل قبول الوکیل،و الحال أنّ المطلوب من الاشتراط حصول إلزام و التزام لولاه لم یحصل،و هذا إنّما یتحقّق فی جانب الموکّل فإنّه غیر ملزم علی الثبات لو عقد صیغة الوکالة مستقلاّ،و أمّا إذا ألبسه صورة الاشتراط تنجّز علیه البقاء و الدوام.

و حینئذ فنقول:طبع الوکالة آب عن قبول اللزوم-بمعنی عدم تأثیر العزل فی زوالها-فإنّ حقیقتها متقوّمة ببقاء الموکّل علی نصبه و توکیله،فإذا رجع و عزل فلا وکالة و لا تفویض و لا إیکال قهرا،و حینئذ فلا بدّ أن نقول ببطلان هذا الشرط،فإنّ دلیل الشرط إنّما یکون مصبّه الأمور القابلة للزوم و البقاء بعد رجوع الشارط عن شرطه.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ مفاد الدلیل ابتداء إنّما هو التکلیف،و الوضع إنّما ینتزع بتبعه فإذا لم یکن للوضع مجال بواسطة ما ذکرت من عدم القابلیة لا یوجب هذا أن لا نأخذ بظاهر الدلیل من إثبات التکلیف وحده،و حینئذ فنقول بحرمة العزل تکلیفا،و إن کان ینعزل لو عصی و عزله.

ص:118

ثمّ المراد بکونه لخصوص الوکیل أنّ الخیار للموکّل لکن بلسان وکیله.

ثمّ فی صورة التحکیم هل للمشروط له إسقاط حقّه حتّی یوجب سقوط حقّ الأجنبی،لأنّ المفروض أنّ حقّ الأجنبی نفس حقّ المشروط له فمعنی إسقاط حقّه زوال هذا الحقّ و کذا للأجنبی أیضا إسقاط حقّه حتّی یلزم منه قهرا سقوط حقّ المشروط له؟فصل شیخنا الأستاذ-دام علاه-بین الموردین فجوّز فی الأخیر دون الأوّل.

أمّا وجه الجواز فی الأخیر فلأنّه من قبیل إعدام الموضوع بالنسبة إلی حقّ المشروط له فإنّ حقّه متعلّق بحقّ الأجنبی،فإذا أسقط الأجنبیّ حقّه لا یبقی محلّ لحقّ المشروط له.

و أمّا وجه العدم فی الأوّل فلأنّ حقّ الأجنبی لیس مبنیّا علی حقّ المشروط له بل إنّما معنی عدم بقاء حقّ المشروط له انتفاء هذا الحق کما هو الحال فی شرط سائر النتائج،و علی هذا نقول:القدر المتیقّن من أنّ لکلّ ذی حقّ إسقاط حقّه غیر هذا المورد ممّا لم یوجب الإسقاط تفویت حقّ ثابت للغیر.

ثمّ إنّه قد یستشکل فی أصل نفوذ هذا الشرط،أعنی شرط الخیار للأجنبیّ، بأنّه مخالف لعموم«فإذا افترقا وجب البیع» (1)فیدخل تحت قوله:«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (2)،خرج عن عموم هذا الاستثناء فی خصوص المتعاقدین بالنسبة إلی خیار ثلاثة الحیوان و خیار الشرط بالنصوص الخاصّة الناصّة و بقی الباقی،فلا موجب بالنسبة إلی الأجنبی لرفع الید فیه عن عموم الاستثناء،و أنت خبیر بأنّ هذا الاشکال لا مدفع له بما أفاده شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّ

ص:119


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2،من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 6،من أبواب الخیار،ص 354،ح 5.

الفسخ لا یعتبر فی حقیقته کونه من المتعاقدین،و لهذا یقال بإرث الزوجة للخیار مع عدم إرثها من العین،فإنّه یقال:نحن نسلّم مرحلة إمکانه و لکن کلامنا فی الوقوع و أنّ الدلیل قائم بخلافه.

و الذی أفاده شیخنا الأستاذ-أطال اللّه بقاءه-فی جواب هذا الإشکال:أنّه لا بدّ أن یعلم أوّلا،أنّ عموم الاستثناء المزبور من العمومات الغیر القابلة للتخصیص لا بمعنی إبائه عقلا،بل بحسب سیاق اللفظ و أسلوب العبارة،فإنّ قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«قضاء اللّه أحقّ و شرطه أوثق»یستفاد بحسب متفاهمه العرفی أنّه لا مخصّص له،و إن کان یمکن حسب ما قرّرنا فی معنی الاستثناء من أنّ المراد عدم إفادة الاشتراط تغییرا و تبدیلا فی اقتضاءات الشرع،فإنّه بمکان من الإمکان مزاحمة الأحکام الاقتضائیّة بحکم آخر أقوی ملاکا.

و حینئذ فنقول:بعد ورود النصّ الخاص فی مورد المتعاقدین بثبوت الخیار بعد التفرّق،یستکشف منه کون عموم خطاب وجب البیع عند الافتراق،حکما نشأ من قبل عدم الاقتضاء.بمعنی:أنّ العقد فی حدّ نفسه کالموضوعات الخارجیّة له قرار و بقاء،فما دام المجلس یکون المقتضی لجعل الخیار فیه باقیا،و إذا زال المجلس صار البیع حسب مقتضی طبعه لازما،فإنّ المانع جعل الشارع الخیار، فإذا انتفی الجعل بانتفاء موجبه و هو المجلس تحقّق اللزوم قهرا،فمنشأ اللزوم انقضاء المقتضی لجعل الخیار بواسطة التفرّق،لا حدوث المقتضی لجعل العدم بسببه.

لا یقال:لا شکّ أنّ الظاهر الأوّلی من خطاب«إذا افترقا وجب البیع»بل کلّ خطاب هو أنّ الموضوع مقتض للحکم لا أنّه صرف عدم الاقتضاء لنقیض الحکم،و حینئذ فیجب الأخذ بهذا الظاهر بقدر الإمکان،فالذی یجب رفع الید فیه

ص:120

عن هذا الظهور إنّما هو فی موضوع المتعاقدین.

و أمّا فی حقّ الأجنبیّ فالأخذ به ممکن،و ذلک لأنّ الأمر دائر بین أن نقول بأنّ الافتراق مطلقا منعزل عن مرحلة الاقتضاء،و بین أن نقول بأنّه فی الجملة له اقتضاء ذلک،غایة الأمر لا بنحو الإطلاق،فالثانی رفع الید عن الإطلاق، و الأوّل رفع الید عن الأصل،و لا شکّ أنّ الأوّل أولی لکونه حفظا للظهور بقدر الإمکان.

لأنّا نقول:لو حملنا الخطاب علی الاقتضاء لزم رفع الید عن إطلاق المادة بالنسبة إلی المتعاقدین فی خصوص حال الشرط،بخلاف ما إذا حملناه علی عدم الاقتضاء،فإنّ إطلاق المادة حینئذ محفوظ حتّی فی حال الشرط،و مع ملاحظة حکمه فیمکن جعل أصالة الإطلاق فی المادة أمارة علی کونه من قبیل الثانی.

و لو سلّم التعارض بین الظهورین أعنی:ظهور الخطاب فی الاقتضاء و ظهور أصالة الإطلاق تحقّق الإجمال،فیکون اشتراط الخیار للأجنبی من موارد الشبهة فی کونه محلّلا و محرّما،و الأصل المؤسّس لهذا المقام علی ما یأتی إن شاء اللّه تعالی فی محلّه،أصالة عدم المخالفة للکتاب و السنّة.

مسألة:من أفراد خیار الشرط ما یضاف إلیه البیع و یقال له:بیع الخیار،

اشارة

و هو:أن یبیع شیئا و یشترط الخیار لنفسه مدّة بأن یردّ الثمن فیها و یرتجع المبیع، و تحقیق حال المسألة محتاج إلی التکلّم فی أمور.

الأوّل:اعتبار ردّ الثمن فی هذا الخیار یتصوّر علی وجوه:

الأوّل:أن یؤخذ قیدا للخیار علی وجه التعلیق أو التوقیت بأن یکون له الخیار مشروطا بنفس الردّ أو بزمانه،و علی کلّ حال لا خیار قبل الردّ.و المراد بالردّ:

فعل ماله دخل فی القبض من طرفه و إن أبی المشتری.

ص:121

الثانی:أن یؤخذ قیدا للفسخ،فیکون جمیع المدّة المضروبة ظرفا للخیار و السلطنة،لکنّ المسلّط علیه أمر مضیّق و هو الفسخ الخاص بخصوصیّة المقارنة أو التأخّر للردّ.

الثالث:أن یکون الردّ فسخا فعلیّا،بأن یقصد به تملیک الثمن لیتملّک المثمن،و علیه حمل فی الریاض علی المحکیّ ظاهر الأخبار الدالّة علی عود المبیع بمجرد الردّ کما یأتی إن شاء اللّه تعالی.

الرابع:أن یؤخذ ردّ الثمن قیدا لانفساخ العقد،فمرجع ثبوت الخیار إلی کونه مسلطا علی سبب الانفساخ لا علی مباشرة الفسخ،فإنّ التسلّط علی أمر کالزوجیة و الملکیة و الانفساخ تارة یکون بإنشاء نفس تلک المعانی و إمضاء الشارع،و أخری یکون بإیجاد ما هو سبب لوجودها من دون تحقّق إنشاء قولیّ أو فعلی متعلّق بنفسها.

فالوجوه الثلاثة المتقدّمة من قبیل الأوّل.غایة الأمر إنّ الإنشاء فی الثالث یکون فعلیّا و بنفس الردّ،و فی الأولین یکون إمّا فعلیّا و إمّا قولیّا بعده،و هذا الوجه الرابع من قبیل الثانی.

الخامس:أن یکون ردّ الثمن شرطا لوجوب الإقالة علی المشتری بأن یلتزم علی نفسه الإقالة إذا جاء البائع بالثمن و استقاله.

إذا عرفت هذا،فالکلام فی صحّة هذه الوجوه تارة علی القواعد و أخری بحسب النصوص الواردة،و أنّها مساعدة مع الکلّ أو البعض،و علی الثانی مع أیّ منها.

أمّا الکلام علی القاعدة:فمقتضی عموم«المؤمنون عند شروطهم» (1)صحّة

ص:122


1- 1) المستدرک:الجزء 12،الباب 5 من أبواب الخیار،ص 301،ح 7.

الکلّ،لا یقال:نعم و لکن مقتضی الاستثناء أعنی قوله-علیه السلام-:«إلاّ ما حلّل الحرام و حرّم الحلال»البطلان،لأنّ الشرط بجمیع هذه الوجوه محلّل للحرام و مخالف للمشروع،فإنّ المشروع هو لزوم البیع بمقتضی إطلاق«فإذا افترقا وجب البیع».

لأنّا نقول:لا محیص عن القول بعدم الإطلاق فی هذه القضیّة بالنسبة إلی حال الشرط،و إلاّ لزم التخصیص فی عموم الاستثناء بملاحظة القطع بصحّة أحد الوجوه بواسطة النصّ،و قد مرّ إبائه عن التخصیص،فنستکشف بذلک عدم الإطلاق لهذه القضیّة کما تقدّم.

و علی هذا فقضیّة عموم دلیل الشرط صحّة الجمیع،إلاّ أن یکون هنا مانع آخر من موجبات البطلان من التعلیق علی القول بمبطلیّته و الغرر و غیرهما،و لهذا قد یقال بعد تسلیم عدم المانع من ناحیة الإطلاق المذکور:بأنّ الوجه الأوّل و هو تعلیق الخیار علی الردّ أو علی وقته باطل من جهة التعلیق و من جهة جهالة وقت الردّ،و أنّه مثل قدوم الحاجّ،فکما أنّ اشتراط الخیار المعلّق علی قدومهم یکون باطلا للجهالة،فکذا هنا بل یقال:لا فرق فی هذه الجهة بین التعلیق للخیار علی مثل الردّ و القدوم ممّا یجهل وقته،و بین إطلاقه و تقیید الفسخ بذلک،و إن کان یرتفع إشکال التعلیق علی التقدیر الثانی،و لکن إشکال الغرر باق بحاله غیر مندفع،إذ من الواضح أنّ الغرر اللازم فی التقدیر الأوّل-بواسطة جهالة زمان القدوم،و أنّه یتحقّق بعد شهر أو شهرین مثلا،و بهذا المقدار تختلف الأغراض و الرغبات-لا یرتفع بمجرّد کون الخیار أمرا منجّز الحصول مع کون متعلّقه من الفسخ علی حالة التردید و الجهالة المذکورة،فإنّ الذی تختلف باختلافه الرغبات، هو السلطنة الخارجیّة علی الفسخ،و المفروض تردّد أمرها،دون صرف الاعتبار

ص:123

القائم بنفس المنشئ،فإنّ بذل المال بإزاء مثله یعد سفها،فالمنظور الأصلی فی بذل المال إنّما هو السلطنة الخارجیة دون هذا الأمر الاعتباری،فالفرق بین الوجهین فی حصول الغرر فی غایة الإشکال بل جزم شیخنا الأستاذ-دام علاه-بخلافه.

و علی هذا یسری الإشکال فی جمیع الوجوه الخمسة لجریان الملاک المذکور فیها أجمع،و علی هذا فإن کان مفاد أخبار الباب بعض هذه الوجوه کان هو بخصوصه خارجا عن دلیل الغرر و یبقی الباقی تحته،و حیث إنّ الظاهر منها کما یأتی-إن شاء اللّه تعالی-هو الوجه الرابع أعنی:قیدیّة الردّ للانفساخ فیبقی سائر الوجوه محکوما بالبطلان و هو ممّا یبعد منهم الالتزام به.

و الذی ذکر شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی رفع هذه العویصة أن یقال:فرق عرفا بین کون الأمر المعلّق علیه الخیار أو الفسخ الذی فرض کونه مجهول الحصول أو مجهولا زمان حصوله من الأمور الخارجة عن تحت قدرة الفاسخ کقدوم الحاج و نحوه من طیران الغراب و نزول المطر،و بین کونه من الأمور الاختیاریة له المنوطة بإرادته و مشیّته،بحیث فی أیّ زمان شاء إحداثه و إیجاده، أحدثه و أوجده،فلو لم یوجد لکان من ناحیة عدم إرادته و إن کان مسبّبا عن عدم تمکّنه.

و الحاصل:فرق بین ما کان من قبیل الأفعال المنوطة بإرادته المحتمل عدم تمکّنه من بعض مقدّماتها،و بین ما لا ربط له به أصلا،فالوجدان حاکم بارتفاع الغرر مع الأوّل سواء مع التعلیق أم مع التقیید،و بحصوله فی الثانی من غیر فرق بینهما أیضا.

أمّا الثانی:فلما مرّ.و أمّا الأوّل:فلأنّ هذه الجهالة مثل جهالة أنّه هل یرید

ص:124

فیما بعد ذلک الفسخ أو لا؟مثل صورة جعل الخیار مطلقا؟فکما لا تضرّ هذه الجهالة التی مستندها جهالة الإرادة،کذلک فی مقامنا أیضا یکون الجهل بواسطة الجهل بأنّه یریده فی ما بعد أو لا؟و لو کان عدم إرادته لأجل عدم قدرته من المال بمقدار الثمن.

فإن قلت:نعم هذا بالنسبة إلیه،و أمّا بالنسبة إلی المشروط علیه فهذا الأمر المجهول من الأمور الغیر الاختیاریّة،فهو کقدوم الحاج بالنسبة إلیه.

قلت:هذا مثل جهالة الفسخ لا یعدّ غررا بالنسبة إلیه،و السرّ أنّ السلطنة هی المبذول لأجلها المال و معناها الإناطة بالإرادة،أعنی:إن شاء فسخ و إن شاء لم یفسخ،و لا فرق عرفا بین کون اختیار الفسخ بیده مطلقا أو مع الاقتران بفعل اختیاریّ له،لا أعنی کونه مقطوع الاختیاریّة له فی موطنه،بل بمعنی کونه فی معرض ذلک.

ألا تری أنّه لا فرق فی عدم الغرر بین جعل خیار الفسخ مطلقا،و بین جعله و اشتراط کون الفسخ مقترنا أو متأخّرا عن صعود جبل أو عدو ربع فرسخ، مع کونه بحسب القوّة و البنیة ممّن یکون فی معرض التمکّن من ذلک بأن یجعل له الفسخ الخاص بهذه الخصوصیّة،و بعد عدم مساعدة الوجدان علی غرریّة هذا لا فرق أیضا بین جعله بصورة التعلیق أو بصورة التقیید،فإنّ هذا إنّما یجدی فی مقام إصلاح الصورة،و التعلیق و عدمه،و أمّا اللّب فلا یتفاوت،و إذن فلا ینبغی الإشکال فی الصحّة من هذه الجهة.

و استشکل شیخنا العلاّمة المرتضی-قدّس نفسه الزکیة-فی الوجه الرابع، و هو کون الردّ سببا للانفساخ بما حاصله:أنّ ترتّب الانفساخ علی غیر سببه الشرعیّ من الإنشاء الفعلی أو القولی مخالف للمشروع،و قاس ذلک بباب المبادلة،

ص:125

فلو شرط فی ضمن عقد حصولها بالنظر فی المرآة أو حصول أمر کذائی مثلا، فحاله حال ما لو شرط حصول الزوجیّة أو الطلاق بمثل ذلک.

و لکن استشکل شیخنا الأستاذ-دام بقاه-فی ذلک أیضا،و أنّه لا مانع فی جانب الانفساخ،فإنّه أمر معقول و لیس یمنعه إجماع،کما لعلّه تحقّق فی الأبواب الثلاثة أعنی:الزوجیّة و الطلاق و البیع.هذا کلّه،الکلام فی الوجوه الخمسة حسب القواعد.

و أمّا حسب نصوص الباب فلا بدّ أوّلا من التیمّن بذکرها ثمّ التکلّم فی ما یستفاد منها،و أنّه أیّ من الوجوه المذکورة؟و إن کان لا یهمّنا تحقیق ذلک بعد ما عرفت من تطبیق تمامها علی القواعد،فنقول و باللّه المستعان:

منها:موثقة إسحاق بن عمّار«حدّثنی من سمع أبا عبد اللّه-علیه السلام-:

و سأله رجل و هو عنده،فقال:رجل مسلم احتاج إلی بیع داره فجاء إلی أخیه، فقال:أبیعک داری هذه،و تکون لک أحبّ إلیّ من أن تکون لغیرک،علی أن تشترط لی إن أنا جئتک بثمنها إلی سنة أن تردّها علیّ؟فقال-علیه السلام-:لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلی سنة ردّها علیه.قلت:فإنّها کانت فیها غلة کثیرة فأخذ الغلة لمن تکون الغلة؟قال-علیه السلام-:الغلة للمشتری،ألا تری أنّه لو احترقت لکانت من ماله؟» (1).

و روایة معاویة بن میسرة قال:سمعت أبا الجارود یسأل أبا عبد اللّه -علیه السلام-عن رجل باع دارا له من رجل و کان بینه و بین الرجل الذی اشتری منه الدار خلطة،فشرط:إنّک إن أتیتنی بمالی ما بین ثلاث سنین فالدار دارک،فأتاه بماله؟قال-علیه السلام-:له شرطه،قال أبو الجارود:فإنّ ذلک الرجل قد أصاب

ص:126


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 8 من أبواب الخیار،ص 355،ح 1.

فی ذلک المال فی ثلاث سنین،قال-علیه السلام-:هو ماله،و قال-علیه السلام-:أ رأیت لو أنّ الدار احترقت من مال من کانت؟تکون الدار دار المشتری» (1).

و عن سعید بن یسار فی الصحیح علی المحکیّ«قال:قلت لأبی عبد اللّه -علیه السلام-:إنّا نخالط أناسا من أهل السواد و غیرهم،فنبیعهم و نربح علیهم للعشرة اثنی عشر و ثلاثة عشر و نؤخّر ذلک فیما بیننا و بین السنة و نحوها،و یکتب لنا الرجل علی داره أو علی أرضه بذلک المال الذی فیه الفضل الذی أخذ منّا شراء قد باع و قبض الثمن منه،فنعده إن هو جاء بالمال إلی وقت بیننا و بینه أن نردّ علیه الشراء،فإن جاء الوقت و لم یأتنا بالدراهم فهو لنا،فما تری فی هذا الشراء؟فقال -علیه السلام-:أری أنّه لک إن لم یفعل،و إن جاء بالمال للوقت فردّ علیه» (2).

و عن أبی الجارود عن أبی جعفر-علیه السلام-«قال:إن بعت رجلا علی شرط، فإن أتاک بمالک و إلاّ فالبیع لک» (3).

و کون الأخیرة من أخبار الباب مبنیّ علی کون(بعت)بمعنی اشتریت.قال فی المجمع:و یقال:البیع:الشراء،و الشراء:البیع،لأنّ أحدهما مربوط بالآخر،ثمّ قال بعد کلام:و فی الخبر«لا یبیع أحدکم علی بیع أخیه» (4)أی:لا یشتری علی شراء أخیه،و النهی إنّما وقع علی المشتری لا البائع.انتهی.

و کذا مبنیّ علی کون قوله:(بمالک)بکسر اللام،فإن کان بالفتح کانت أجنبیّة عن باب شرط الخیار و مرتبطة بخیار تخلّف الشرط.

ص:127


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 8 من أبواب الخیار،ص 356،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 7 من أبواب الخیار،ص 354،ح 1.
3- 3) المصدر نفسه:ح 2.
4- 4) مجمع البحرین:الجزء 4،ص 303،مادة«بیع».

و علی کلّ حال فقد عرفت أنّ التعبیر فی هذه الأخبار وقع بنحوین:

الأوّل:تعلیق ردّ المبیع علی المجیء بالثمن،و الثانی:تعلیق نفس ملکیّة المبیع ثانیا للبائع علی المجیء بالثمن.

أمّا الثانی:فواضح الانطباق علی شرطیّة الردّ للانفساخ،فإنّ الظاهر من المجیء و الإتیان بالثمن هو المجیء و الإتیان الخارجیّ،لا الجعلیّ الإنشائی بمعنی إنشاء إدخاله فی ملک المشتری،فمقتضاه کون نفس الإتیان الخارجی به عند المشتری موجبا لعود المبیع.

و أمّا الأوّل:فقد اختار شیخنا الأستاذ-دام علاه-أیضا کونه کذلک ببیان:

أنّ المراد بردّ المبیع أو ردّ الشراء أیضا لیس الردّ الإنشائی بل الردّ الخارجی للعین إلی البائع،و معنی وجوب الردّ بهذا المعنی لیس إلاّ أنّه صار ملکا له بنفسه إتیانه الثمن،فوجوب الدفع لکونه ماله هذا.

الأمر الثانی:الثمن المشروط ردّه إمّا أن یکون فی الذمّة و إمّا أن یکون معیّنا،

و علی کل تقدیر إمّا أن یکون قد قبضه و إمّا لم یقبضه،فإن لم یقبضه إلی أن حضر المدّة فلا إشکال فی صورة انقضاء المدّة فی لزوم البیع لو لم یفسخ،إنّما الکلام فی أنّ له الفسخ فی أثناء المدّة أو لا؟فی المسألة و جهان:

الأوّل:الجواز،بملاحظة أنّ الردّ لیس له موضوعیة،فالشرط حقیقة مطلق الکون عند المشتری و إن لم یتحقّق الردّ و هو هنا حاصل،و ظاهر شیخنا المرتضی- قدّس سرّه-تقویة هذا.

و الثانی:العدم،بملاحظة أنّ تمام النظر إلی قبض الثمن من المشتری،فإنّ البائع إنّما یقدم لحاجته إلی الثمن،فتقدیر عدم القبض مغفول عنه رأسا،فیکون محطّ الإنشاء صورة القبض،فلا إنشاء مع العدم،نعم لا تقیید بالقبض فی لبّ

ص:128

الغرض لکن أعمّیة الغرض لا فائدة فیها بعد أخصّیة دائرة الإنشاء.

فإن قلت:فیلزم أنّه لو حصل تهاتر بعد القبض،بأن اشتغل ذمّة المشتری للبائع بمقدار الثمن و قد کان البائع قبض الثمن فأراد الفسخ عند حضور المدّة لم یکن جائزا إلاّ بالردّ الخارجی و هو من البعد بمکان.

قلت:السرّ أنّ خصوص هذا الفرد و إن کان مغفولا عنه حال الإنشاء، لکنّ الجامع المتحقّق فی ضمنه قد تحقّق فیه الإنشاء،فالإنشاء قد ورد علی مطلق کون موازی الثمن من مال البائع عند المشتری عند حضور المدّة فی تقدیر القبض للثمن،فحاصل الفرق أنّ ما قبل القبض المغفول عنه نفس الجعل و الإنشاء،و هنا المغفول عنه هو الفرد مع تحقّق الإنشاء فی الجامع و المضرّ هو الأوّل دون الثانی، و قد قوّی هذا الوجه شیخنا الأستاذ-دام علاه-فتأمّل.

هذا کلّه هو الکلام علی تقدیر عدم قبض الثمن إلی حضور المدّة.

و أمّا إن قبض الثمن،فهنا صور حاصلة باختلاف صور الجعل:

فإمّا یجعل الشرط فی صورة تعیین الثمن ردّه بعینه،و إمّا یجعل الشرط الأعم من ردّ البدل،حتّی مع التمکن من ردّ العین،بل أو یجعل الأعمّ من ذلک و من ردّ القیمة فی المثلی بل و ردّ ما لم یبلغ قیمته قیمة المبیع.

کلّ ذلک صور ممکنة تابعة للقرار و الجعل حتی الصورة الأخیرة،کما لو شرط مقارنة الفسخ مثلا لدفع ریحانة إلی المشتری،فیکون دفع الریحانة موجبا بعد هذا الاشتراط لانفساخ المبایعة و عود کلّ عوض إلی صاحبه الأصلی،و لو قلنا بصحّة شرط المبادلة المسببیّة أیضا،جاز اشتراط حصول الانفساخ ثمّ وقوع المبادلة بین ذلک الأجنبی المدفوع و بین الثمن لیردّ المبیع إلی البائع بقضیّة الانفساخ و یصیر الثمن أیضا ملکا له بقضیة المبادلة،هذا فی الثمن المعیّن و یجری مثله فی الکلّی.

ص:129

الأمر الثالث:هل یکفی مجرّد ردّ الثمن إلی المشتری فی الفسخ،

أو لا بدّ مقارنا له أو متأخّرا عنه من إنشاء فسخ إمّا قولیّ و إمّا فعلیّ؟الظاهر ابتناء المسألة علی الوجهین فی أصل مسألة الفسخ فإنّ فیه وجهین:

الأوّل:أنّه کسائر العقود من البیع و الصلح و نحوه لا یکفیه المظهر عن الرضی الباطنی بحصول المضمون،ألا تری أنّه لو أخبر أحد:بأنّی مشتاق إلی زوجیّة المرأة الفلانیة،و معلوم من حالها أنّها أیضا مشتاقة إلی الزوج،لا یکفی مجرّد ذلک فی انعقاد الزوجیّة،بل لا بدّ فیه من حصول الإنشاء.و کذلک الحال فی باب البیع و نحوه،فکذا الحال فی الفسخ،فمجرّد إظهار الندامة علی المبایعة و الرضی بعود الملک إلیه غیر کاف فی الفسخ،بل لا بدّ من تحقّق الإنشاء إمّا فعلا و إمّا قولا.

الثانی:أنّ باب الفسخ غیر سائر الأبواب،فیکفی هنا مجرد الرضی الباطنی مع الإظهار و لو بطور الإخبار و لو لم یتحقّق بطبقة إنشاء فعلا و لا قولا.

فإن قیل بالوجه الأخیر:فلا شبهة فی أنّ الردّ دالّ و مظهر للرضی بعود المبیع إلیه،و لا قصور فی دلالته علی هذا فلا بدّ أن یکون کافیا و غیر محتاج إلی شیء آخر.

و إن قیل بالأوّل:فالوجه عدم الکفایة و الفرق بین المقام و بین المعاطاة فی البیع مثلا،و تصرّف ذی الخیار فی ما انتقل عنه بما یتوقّف علی الملک کالبیع و نحوه،بل و نفس ردّ الثمن إلی المشتری فی صورة إطلاق الخیار المشترط فی العقد و عدم تقییدها بالردّ ثبوت الدلالة و الظهور فی المقامات الثلاثة للفعل علی الإنشاء المطلوب،فإنّه لا احتمال معتنی به فی دفع الثمن و قبول المثمن غیر کونه بعنوان المبایعة،و هکذا بیع ذی الخیار لما انتقل عنه لا یحتمل احتمالا معتنی به غیر إنشاء الفسخ ثمّ المعاملة طولا،و هکذا الردّ للثمن فی صورة الإطلاق أو اشتراط الفسخ

ص:130

بالردّ کما هو الوجه الثالث.

و أمّا فی مقامنا فحیث إنّ فی البین احتمالین کلاهما متعارف مرسوم غیر موهوم،الأوّل إنشاء الفسخ بنفس الردّ،و الثانی إیجاده بعنوان کونه مقدّمة للفسخ ثمّ تصدّی الفسخ بعده بإنشاء قولیّ أو فعلیّ،و لیس فی البین قرینة معیّنة للأوّل، فیکون نفس الردّ قاصر الدلالة علی الفسخ،فلهذا لا محیص عن عدم الکفایة.

الأمر الرابع:لا إشکال فی سقوط هذا الخیار بإسقاطه بعد العقد

فیما إذا کان الردّ شرطا للفسخ مع فعلیّة الخیار،و إنّما الکلام فی صور أخر کان أصل حدوث الحقّ مشروطا بالردّ،کما فی الوجه الأول،فإنّ الإسقاط فیه إسقاط لما لم یجب و هو و إن لم یکن فی إنشائه محذور عقلی کما فی الواجب المشروط و غیره،و لکن لا دلیل علی الصحّة و النفوذ فیه شرعا،و ذلک أنّه لا دلیل لفظی فی البین حتّی ننظر فیه هل له إطلاق و عموم یشمل مثل هذا الحقّ الذی لم یتحقّق إلاّ مقتضیه مع تزلزل تتمّة علّته فی الحصول فی ما بعد و العدم،أو لا یشمل؟ و الدلیل فی الباب منحصر فی الارتکاز و السیرة بضمیمة عدم الردع،و الذی تحقّق علیه ذلک و نجده عند مراجعة العرف و العقلاء إنّما هو السلطنة علی رفع الید عن الحقوق الفعلیّة،و أمّا الحقوق التی لم یتحقّق إلاّ مقتضیها فلم نجزم منهم الإقدام علی مثل ذلک فیها،کما لم نجدهم یقدمون بیع الأعیان التی سیملکونها بإرث أو اصطیاد أو شراء أو نحو ذلک،و معلوم أنّ مجرّد عدم الدلیل کاف فی الحکم بالعدم،و لو لم یکن لدلیل ثبوت الحقّ أیضا إطلاق مفید لما بعد هذا الإسقاط أیضا کفانا استصحاب بقاء الحقّ و الخیار.

فإن قلت:سلّمنا ذلک بالنسبة إلی حقّ الخیار،و أمّا بالنسبة إلی حق الشرط فلا،فإنّه حادث بمجرّد العقد و لا یتوقّف علی حصول الردّ و لعلّ هذا هو الفارق

ص:131

بین المقام و بین خیاری الحیوان و الشرط بناء علی تأخّر مبدأیهما عن التفرّق حیث لا یصحّ إسقاطهما فی ما بین العقد و التفرّق،و یصحّ هنا فیما بین العقد و الردّ.

و حاصل الفرق أن الحق هناک واحد متعلّق بالفسخ،و أمّا التفرّق فهو و إن کان اختیاریا له لکنّه مجرد حکم لا حقّ،و أمّا فی المقام فعلاوة علی حقّ الخیار الذی فرض کونه معلّقا علی الردّ یکون حقّ آخر هو فعلیّ غیر معلّق علی شیء،و هو حقّ أنّه لو ردّ کان مختارا و مسلّطا علی الفسخ و هذا حقّ جاء من ناحیة الاشتراط.

قلت:حقّ الشرط أیضا تابع للمشروط و لیس بحق آخر،و لهذا فی صورة إطلاق الخیار لیس فی البین حقّان،حقّ شرط و حقّ خیار،فکذا فی صورة التعلیق أیضا لیس فی البین إلاّ حقّ واحد معلّق علی الردّ،و قد مرّ الإشکال فی إسقاطه.

و یسقط أیضا بانقضاء المدّة و عدم ردّ الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا علی التفصیل المتقدّم.

و لو تبیّن المردود من غیر الجنس فلا ردّ و هذا واضح،و لو ظهر معیبا،قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:کفی فی الردّ و له الاستبدال.قال شیخنا الأستاذ -دام علاه-:قد یفرض الکلام فی الثمن الکلّی و قد یفرض فی الشخصی.

أمّا فی الأوّل:فحیث إنّ الکلّی المقیّد بقید لا ینطبق علی الفاقد لذلک القید،فإذا فرض أنّ الثمن کلّی و المفروض انصرافه إلی المقیّد بالصحّة فالفرد المتّصف بالعیب غیر مصداق لذلک الکلّی المقیّد،فاللازم عطف هذا أیضا علی صورة ظهوره من غیر الجنس.

و أمّا فی الثانی:فیمکن أن یقال:إنّه و إن تغیّر وصف الصحّة و الثمن مقیّد بها حسب الانصراف و لکنّه یعدّ عرفا متّحدا مع الواجد لا مغایرا له،فلا یقال:إنّ هذا ردّ لغیر الثمن،و لکن لمّا کان شرط الردّ أیضا منصرفا إلی الصحیح فکأنّه

ص:132

تعهّد بوصف الصحّة،و حیث لم یسلّمه کان علیه تدارکه ببذل التفاوت،فلا وجه لما ذکره-قدّس سرّه-من قوله:و له الاستبدال.

نعم یتمّ ما ذکره-قدّس سرّه-فی صورة کون الثمن کلیّا لو قلنا بانصراف شرط الردّ إلی ردّ الفرد المقبوض من الکلّی بعینه،إذ حینئذ یکون شرط الفسخ و هو ردّ العین المقبوضة حاصلا،لفرض عدم المغایرة فیما بین حالتی الصحّة و العیب فی العین الشخصیّة،و لکنّه بعد الفسخ ینتقل إلی المشتری ما جعلاه فی المبایعة ثمنا و هو الکلّی الصحیح،و هو غیر منطبق علی المعیوب،فله الاستبدال بهذه الملاحظة و إن کان له الاکتفاء بالمعیوب عوضا عن الصحیح،هذا.

و قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:و یسقط أیضا بالتصرّف فی الثمن المعیّن مع اشتراط ردّ العین أو حمل الإطلاق علیه،و کذا الفرد المدفوع من الثمن الکلّی إذا حمل الإطلاق علی اعتبار ردّ عین المدفوع،کلّ ذلک لإطلاق ما دلّ علی أنّ تصرّف ذی الخیار فیما انتقل إلیه رضی بالعقد و لا خیار،و قد عمل الأصحاب بذلک فی غیر مورد النصّ کخیاری المجلس و الشرط.

و المحکیّ عن المحقّق الأردبیلی و صاحب الکفایة-قدّس سرّهما-:أنّ الظاهر عدم سقوط هذا الخیار بالتصرّف فی الثمن،لأنّ المدار فی هذا الخیار علیه، لأنّه شرّع لانتفاع البائع بالثمن،فلو سقط الخیار سقط الفائدة،و للموثّق المتقدّم المفروض مورده تصرّف البائع فی الثمن و بیع الدار لأجل ذلک.

و المحکیّ عن العلاّمة الطباطبائی-قدّس سرّه-فی مصابیحه،الردّ علی ذلک بعد الطعن علیه بمخالفته لما علیه الأصحاب بما محصّله:أنّ التصرّف المسقط ما وقع فی زمان الخیار و لا خیار إلاّ بعد الردّ،و لا ینافی شیء ممّا ذکر لزومه بالتصرّف بعد الردّ لأنّ ذلک زمنه لا قبله و إن کان قادرا علی إیجاد سببه فیه،إذ

ص:133

المدار علی الفعل لا علی القوّة،علی أنّه لا یتمّ فیما اشترط فیه الردّ فی وقت منفصل عن العقد کیوم بعد سنة مثلا.انتهی محصّل کلامه-قدّس سرّه.

و ناقش بعض من تأخّر عنه فی ما ذکره،من کون حدوث الخیار بعد الرّد لا قبله:بأنّ ذلک یقتضی جهالة مبدأ الخیار و بأنّ الظاهر من إطلاق العرف و تضعیف کثیر من الأصحاب قول الشیخ-رحمه اللّه-بتوقف الملک علی انقضاء الخیار ببعض الأخبار المتقدّمة فی هذه المسألة الدالّة علی أنّ غلّة المبیع للمشتری هو کون مجموع المدّة زمان الخیار.انتهی،هذا.

و قد استشکل شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی کلّ من کلام الشیخ، و استظهار الأردبیلی،و ردّ العلاّمة الطباطبائی و المناقشة علی الردّ.

أمّا الأوّل:فلأنّ إطلاق کلامه-قدّس سرّه-یرد علیه ما أورده الأردبیلی- قدّس سرّه-،فإنّ الثمن المعیّن المشروط ردّ عینه نقدا أم غیره،فیه فرضان:

الأوّل:أن یکون البیع به بغرض الانتفاع به بما لا یتلف عینه،کما إذا کان الثمن دابة و کان الغرض رکوبها.

و الثانی:أن لا یکون کذلک کما إذا باع داره بمقدار من النقود لأجل أنّه یحتاج بعد سنة إلیها و یحتمل عسر التحصیل بعد هذا إلی آخر السنة،ففی الفرض الأوّل إشکال الأردبیلی وارد،لأنّ التصرّف المسقط سواء قلنا بکاشفیّته أم بتعبّدیّته لا عموم لدلیله بالنسبة إلی هذا الفرض المعلوم فیه ابتناء المعاملة علی التصرّف المذکور،فکیف یکون کاشفا عن الالتزام بالعقد،و دلیل التعبّد أیضا لا یشمل صورة العلم بعدم ابتناء التصرّف علی الالتزام؟ نعم الفرض الثانی یکون التصرّف فیه کاشفا،فلو جعل النقود المذکورة من حلیّ زوجته کان له الکشف عن الالتزام.

ص:134

فنقول:إن اعتمدنا فی مسألة سقوط الخیار بالتصرّف علی القاعدة أعنی:

قاعدة أنّ لکلّ ذی حقّ إسقاط حقّه-غایة الأمر قد یکون الإسقاط باللفظ الذی له ظهور و قد یکون بالفعل کذلک و هذا من الثانی-فلا إشکال.

و إن اعتمدنا فیها علی النصّ الوارد فی خیار الحیوان فإن استفدنا منه الکاشفیّة،جاز التعدّی من مورده لاستفادة العلیّة،فلا إشکال أیضا،و إن لم نستفد منه الکاشفیّة و إنّما حملناه علی التعبّد بأنّ التصرّف بمنزلة الرضی،فلا وجه للتعدّی من مورده إلی غیره مطلقا،و علی فرض التعدّی فلا إشکال فی شموله للمقام أیضا،نعم الفرض الأوّل خارج قطعا.

فحاصل الإشکال:أنّه کان علیه-قدّس سرّه-تقیید العنوان بما ذکرنا من صورة عدم الإقدام بغرض الانتفاع بالثمن،و هذا و إن کان فرضا نادرا لکنّه -قدّس سرّه-أیضا بصدد الفرض النادر،إذ جعل الثمن معیّنا ثم اشتراط ردّ عینه أیضا من الفروض النادرة،فلا بدّ من تمحیض الکلام فی هذا الفرض النادر مع ذلک القید الذی ذکرنا.

و أمّا الثانی:فلأنّه بعد ما جعلنا الکلام ممحّضا فی ما فرضناه من الفرد النادر،فلا یرد علیه شیء ممّا ذکره من اللغویة،و من ظهور الموثّق،فإنّ کلاّ منهما خاصّ بالفرض الأوّل،بل نقول:إنّ الموثّق و سائر أخبار الباب لا یشمل صورة جعل الثمن معیّنا رأسا،لأنّها محمولة علی المعاملات المتعارفة من البیع بالثمن الکلّی،فهی ساکتة عن حکم ما فرضنا.

و أمّا الثالث:فلأنّ ما ذکره-قدّس سرّه-من التفرقة بین ما قبل الردّ و ما بعده بجعل التصرّف فی الأوّل غیر مسقط لعدم وقوعه فی زمن الخیار،و فی الثانی مسقطا لوقوعه فی زمنه و إن کنّا نحن أیضا ذکرنا ذلک سابقا ببیان:أنّ القدر

ص:135

المتیقّن من الارتکاز فی باب إسقاط الحقوق هو الحقوق الفعلیّة لا المعلّقة.

و لکن دقیق النظر یقتضی خلاف ذلک،و أنّه لا فرق فی جواز الإسقاط بین ما قبل الرد و ما بعده،و ذلک لأنّ الخیار و إن کان قبل الردّ مشروطا غیر فعلیّ، و لکنّ المشروطیّة وقعت تحت جعل الشارع.

و فرق بین ما إذا کان الجعل الصادر من الشرع بنحو الإطلاق من دون تعلیق بشیء-لکن العقل بواسطة رؤیة المزاحم الأقوی جعله معلّقا علی زوال ذلک المزاحم الأقوی،کما لعلّه الحال بالنسبة إلی اشتراط خیار الحیوان بالتفرّق عن المجلس،فإنّه لم یرد خطاب من الشرع بهذا الاشتراط و أنّ صاحب الحیوان بالخیار إذا تفرّق هو و صاحبه،و إنّما الخطاب ورد مطلقا کما فی خیار المجلس بلا فرق،و إنّما العقل بعد رؤیة المزاحمة و الفهم من مذاق الشرع أنّ المجلس أقوی، یحکم بتأخیر خیار الحیوان عن انقضاء الأوّل،و لیس هذا تقییدا للخطاب بمقیّد عقلیّ لما تقرّر فی محلّه من أنّ إطلاق الخطابات بالنسبة إلی المزاحمات غیر متعرّضة حتّی تکون قابلة للتقیید،و بالجملة لم یقع التعلیق و الاشتراط هنا تحت الجعل الشرعی.

و بین ما إذا وقع ذلک بجعل من الشرع کما فی المقام،فإنّ المتشارطین جعلا خیار البائع علی تقدیر الردّ،و دلیل«المؤمنون عند شروطهم» (1)أوجب نفوذ هذا المضمون و انعقاده.

و بعبارة أخری:هذا الدلیل یفید ثبوت الحقّ للمشروط له فی ما هو مفاد شرطه،إن مطلقا فمطلق و إن مشروطا فمشروط،فإن اشترط الخیار المطلق یفید الحقّ المطلق،و إن اشترط الخیار المشروط علی تقدیر الردّ مثلا،یفید الحقّ المشروط

ص:136


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 5،من أبواب الخیار ص 301،ح 7.

بهذا التقدیر،فکأنّه ورد الخطاب من الشارع بأنّ للبائع حقّ الفسخ لو ردّ الثمن، فیکون هذا خطابا مشروطا صادرا من الشارع کسائر الخطابات المشروطة من التکلیفیّة و الوضعیّة،کخطاب«العصیر العنبی إذا غلا یحرم»و خطاب«إذا غلا ینجس».

و وجه الفرق:أنّه قد تقرّر أنّ الخطابات المشروطة الشرعیّة قبل حصول الشرط أحکام و لها حظ من الوجود لا أنّها معدومة صرفة،غایة الأمر إنّ تأثیر ما کان منها من قبیل التکلیف فی بعث العبد نحو المکلّف به ینتظر لحصول المعلّق علیه،و عدم التأثیر غیر عدم المؤثّر،فکما أنّ التکلیف المنوط هناک متحقّق کذلک الوضع المنوط فیما کان من قبیل الوضع الذی منه المقام أیضا متحقّق،فالحقّ هنا بمنزلة التحریم هناک فکما أنّ التحریم بنحو الإناطة مجعول-و لهذا یعامل معه معاملة الموجود فیستصحب و یرد علیه النسخ-کذلک الحقّ بنحو الإناطة أیضا مجعول،فیعامل معه معاملة الحقّ الموجود من الاسقاط و سائر الآثار.

و أمّا المناقشة فی تحدید مبدأ الخیار بالردّ بلزوم الجهالة فقد فرغنا عن جوابه فی ما تقدّم،و أنّ التعلیق علی الأمر الاختیاری لیس کالتعلیق علی غیره،و أمّا حکم العرف بأنّ مجموع المدّة زمن الخیار فلعلّه مبنیّ علی جعل الردّ قیدا للفسخ مع إطلاق الخیار،کما لعلّه المتعارف فی البیوع الخیاریة.

و أمّا ما ذکره بعض الأصحاب فی ردّ الشیخ من بعض أخبار المسألة،فلعلّه لأجل أنّه حمله علی المتعارف المرسوم بین الناس من اشتراط الخیار مطلقا،و جعل الردّ قیدا للفسخ هذا.

الأمر الخامس:لو تلف المبیع فلا إشکال فی صورة وقوعه قبل الردّ و کذا

بعده و قبل الفسخ فی الوجهین الأوّلین

من الوجوه الخمسة المتقدّمة فی کونه من

ص:137

مال المشتری.

و أمّا إذا وقع بعد الردّ بناء علی کونه قید الانفساخ أو کونه فسخا فعلیا أو بعده و بعد الفسخ أیضا،فلا إشکال أیضا فی وقوعه من مال البائع و لکن هل نحکم بضمان المشتری الذی فرض وقوع التلف فی یده بالمثل أو القیمة للبائع أو لا نحکم؟ تحقیق المقام أن یقال:لا إشکال فی صورة المسامحة فی الردّ إلی البائع فی الضمان،لقاعدة الید،و ما سیأتی،و لا فی صورة الإذن الجدید من البائع فی عدم الضمان.فالکلام ممحّض فی ما إذا بادر بعد الفسخ إلی الردّ بأسرع زمان ممکن،مع عدم تحصیل الإذن الجدید ثمّ تلف سماویا قبل الوصول إلی البائع.

فنقول:الظاهر عدم شمول قاعدة الید لمثل هذا و ذلک لتبادر الاختیار من قوله-علیه السلام-:«علی الید ما أخذت حتی تؤدّی»فظاهر«أخذت»هو الأخذ الاختیاری،ألا تری أنّه لا ینسبق إلی الذهن من هذا الکلام ما إذا أطار الریح مال الغیر فی حجر الإنسان فورد علیه التلف السماوی،أو وقع فی یده بغیر التفات منه بوجه آخر؟ نعم لا شبهة فی شمول الشبهة الموضوعیّة،فإنّ الأخذ اختیاری،و المقام من قبیل الغیر الاختیاری،فإنّه و إن کان ملتفتا لکنّه کالمتوسط فی الأرض المغصوبة لا یقدر علی ترک هذا المقدار من الأخذ،فالإنسان لا یفهم من الکلام مثل هذا.

و لکن مع ذلک یمکن القول بالضمان فی ما نحن فیه من طریق آخر غیر قاعدة الید و هو أن یقال:لا شکّ أنّ العقد البیعی کما أنّه عبارة عن إنشاء المبادلة،کذلک یتضمّن أو یکون من أحکامه العرفیّة تعهّد کلّ طرف لتسلیمه ماله إلی صاحبه،و لهذا یطالب کلّ من الآخر التسلیم لا بعنوان أنّه ماله و فی یده بل

ص:138

بعنوان أنّه متعهّد بالتسلیم،و لعلّ هذا قضیّة الوفاء بالعقد أیضا،حیث إنّه تکوین ما أوقعه إنشاء فی الخارج.

و علی هذا نقول:الفسخ عکس العقد و حلّه،فی أصل المبادلة و فی لازمه المذکور،فینعکس المبادلة و ینعکس التعهّد،فکما أنّه لو تلف هناک أحد العوضین قبل القبض کان مقتضی الحکم العرفی بالتعهّد غرامة البدل و إن کان الشارع حکم علی خلافه بالانفساخ القهری،کذلک لو تلف هنا أیضا بعد الفسخ و قبل القبض لزم الخروج عن العهدة بإعطاء البدل.

ثمّ فی صورة تلف المبیع قبل الردّ أو بعده و قبل الفسخ هل یسقط الخیار أو لا؟استظهر العدم شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فیستردّ المثل أو القیمة،و احتمل السقوط،و بناه علی أنّ مورد هذا الخیار هو إلزام أنّ له ردّ الثمن و ارتجاع المبیع، و ظاهره اعتبار بقاء المبیع فی ذلک،فلا خیار مع تلفه.

ثمّ إنّه لا تنافی بین شرطیّة البقاء و عدم جواز تفویت الشرط،فلا یجوز للمشتری إتلاف المبیع کما سیجیء فی أحکام الخیار،لأنّ غرض البائع من الخیار استرداد عین ماله و لا یتمّ إلاّ بإلزام إبقائه علی المشتری.انتهی.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:هنا بحسب الثبوت طریقان للحکم بسقوط الخیار بتلف المبیع.

الأوّل أن یقال:إنّ الخیارات المجعولة غیر الخیارات الشرعیّة،فالثانیة عبارة عن ملک فسخ العقد،فیکون الحقّ ابتداء مربوطا بالعقد و فسخه.و أمّا الأولی فیمکن أنّ نظر الجاعلین من الابتداء إنّما هو مربوط بخصوص العین المنتقلة منهم و استردادها،فما یقع بحسب الإلزام و الالتزام هو استرداد العین إمّا مطلقا أو مشروطا بأمر کذا،کردّ الثمن و نحوه،فمورد الحقّ فی هذه الشروط نفس

ص:139

العین ابتداء.

و علی هذا فلو تلفت سماویّا فقد انتفی الحقّ بانتفاء مورده،و أمّا إتلاف المشتری فلا إشکال أنّه مذهب للحقّ أیضا و لکنّه حرام تکلیفا،لأنّه تفویت محلّ حقّ البائع و لو فرض کونه قبل ردّ الثمن،لما مرّ من أنّ الحقّ المنوط أیضا نوع حقّ و هو ثابت فعلا،نعم لا اقتضاء له بالنسبة إلی حفظ شرطه و هو الردّ،فیجوز للمشتری إیجاد المانع عنه،و أمّا إتلاف الموضوع و هو العین المبیعة فغیر جائز.

و هل یجوز تضمین المشتری بأن یتدارک الحق الفائت بإقامة البدل مقام العین المتلفة حتّی یکون هو متعلّقا لحقّ البائع کالمبدل؟مبنیّ علی جریان ضمان الإتلاف فی الحقوق أیضا،کما لو أتلف العین المرهونة،فکما یجب تدارک مال الراهن،کذا تدارک حقّ المرتهن،بأن یوضع البدل مقام المبدل فی الرهانة.

الطریق الثانی:و هو ظاهر عبارة الشیخ أن یقال:إنّ الخیار هنا أیضا سنخه سنخ الخیارات المشروعة من کونه حقّا فی العقد،و لکن لمّا کان نظر الجاعلین مقصورا علی خصوصیّة العین و استرجاعها،فهم لا یجعلون الخیار إلاّ فی فرض ثبوت العین لانتفاء الغرض مع انتفائها،فکأنّه قیل:جعلت لنفسی الخیار إن بقی العین.

و أمّا حرمة إتلاف العین علی هذا،مع أنّ المشروط بشیء لا یقتضی حفظ ذلک الشیء،فلأجل تعهّد و التزام آخر متعلّق بإبقاء المشتری ذلک المبیع إلی زمان حصول الخیار،فإنّه بعد ما کان غرض البائع استرجاع عین ماله،فلا یتمّ هذا إلاّ بإلزامه علی المشتری إبقائها و عدم تفویتها،فهذا کنذر أضحیة الشاة المعیّنة علی تقدیر مرزوقیّة الولد حیث إنّه متضمّن لنذر ضمنیّ بإبقاء الشاة.

و علی هذا فلا إشکال فی انتفاء حقّ الخیار المجعول بتلف العین سماویّا کان

ص:140

أم بإتلاف المشتری أم غیره کما أنّه فی صورة الإتلاف أیضا،یمکن أن یقال بثبوت خیار آخر للبائع بواسطة تخلّف المشتری عن شرطیّة البقاء،و الحاصل أنّه یحصل للبقاء شرطیّة أصولیة و فقهیّة،فمن حیث إناطة حقّ خیار الردّ به شرط أصولی فبانتفائه ینتفی المشروط،و من حیث إلزامه علی المشتری شرط فقهی کشرط الخیاطة،ففقدانه من قبل المشتری موجب لخیار تخلّف الشرط،هذا.

و لکن هذا التقریب الثانی مخدوش بأنّ مجرّد کون الغرض فی استرجاع عین المال لا یوجب تخصیص دائرة الجعل و الإنشاء به و إنّما یوجبه لو کان فرض تلف العین مغفولا عنه،و أمّا إذا کان ملتفتا إلیه و لکن أطلق الجعل بملاحظة اطمئنان البائع بشخص المشتری،حتّی أنّهم فی هذه المعاملات الخیاریّة یراعون شخصا لا یتملّک ما لهم حتی بعد انقضاء زمان الخیار و حصول اللزوم،حتّی صار فی زماننا بیع العین المبیعة ببیع الخیار قبیحا فی أنظار العرف،فلا یوجب الاطمئنان تقییدا فی الجعل أصلا.

هذا کلّه فی تلف المبیع و لو تلف الثمن فإن کان بعد الردّ و قبل الفسخ فمقتضی ما سیجیء من أنّ التلف فی زمان الخیار ممّن لا خیار له کونه من المشتری و إن کان ملکا للبائع حسب الفرض من عدم حصول الانفساخ بنفس الردّ و انتظاره لإنشاء آخر.

نعم هذا مبنیّ علی عموم قاعدة التلف فی زمن الخیار بالنسبة إلی الثمن مع کون مورده المثمن و بالنسبة إلی خیار الشرط،و تحقیق الحال فی ذلک موکول إلی محلّه،و الذی مربوط بهذا المقام أنّه إن قلنا بالعموم من کلتا الجهتین فهل یصلح للتخصیص روایة معاویة بن میسرة المتقدّمة فی روایات الباب،و کذا قاعدة«أنّ الخراج بالضمان»أو لا؟

ص:141

قال شیخنا الأستاذ:الحقّ عدم الصلاحیة لشیء منهما،أمّا الروایة فلیس المذکور فیها إلاّ أنّ نماء الثمن للبائع و تلف المثمن من المشتری،و شیء من هذین لا ینافی قاعدة التلف فی زمان الخیار،بل یثبتان فی موردها کما هو واضح،فلم نعلم أنّ نظر من جعلها صالحة للتخصیص إلی ماذا؟ و أمّا القاعدة فیمکن أن یقال بعد الغضّ عن اعتبارها سندا،أنّ الکلیّة إنّما یستفاد منها فی جانب العکس،أعنی کلّ من هو ضامن لمال فهو مالک لمنافعه کما هو مذهب أبی حنیفة فی قضیة البغلة المعروفة،و هذا غیر نافع بالمقام،و الذی ینفعنا أنّ کلّ من له المنافع فهو ضامن،بضمیمة الإجماع علی أنّ نماء الثمن للبائع،و لکن هذه الکلیّة یمکن منع استفادتها من العبارة،فإنّه جعل فیها المنافع بإزاء الضمان و دائرا مداره لا الضمان فی قبال ملک المنافع فافهم.هذا فی التلف بعد الردّ.

و إن کان التلف قبل الردّ فشمول قاعدة التلف فی زمن الخیار حینئذ علاوة علی التعمیمین السابقین یحتاج إلی تعمیم ثالث و هو التعمیم بالنسبة إلی الخیار المنفصل عن العقد إذا وقع التلف فیما بینه و بین العقد الذی هو زمان اللزوم.

و لا یبعد القول بهذا التعمیم کما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،فإنّ فی بعض أخبار تلک المسألة قوله:«حتی ینقضی الشرط ثلاثة أیّام و یصیر المبیع للمشتری» (1)،و ظاهر هذه العبارة أنّ العلّة فی هذا الحکم کون ملکیّة المشتری فی معرض الزوال و عدم خروجه عن التزلزل،و معلوم أنّه فی الزمان الواقع بین العقد و الخیار المنفصل و إن کان الملک الشخصی الخاص بخصوصیّة هذا الزمان غیر قابل للزوال و لکن لا یمکن الحکم بأنّ حقیقة الملکیّة علی قول مطلق صارت

ص:142


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5 من أبواب الخیار،ص 352،ح 2.

لازمة غیر قابلة له،و المعیار للحکم المذکور ذلک،فتدبّر.

الأمر السادس:لا إشکال فی الردّ إلی نفس المشتری،و کذا إلی من یقوم

مقامه شرعا

کالوکیل المطلق و الولیّ الشرعی و الوارث،بل و الأجنبی و لو لم یکن له وکالة و لا ولایة إذا کان هذا التعمیم مصرّحا به فی العقد.

إنّما الکلام فی ما إذا جعل الشرط،الردّ إلی المشتری فقال:لو رددت إلیک کان لی الخیار،فهل ینفع فی صورة تعذّر الردّ إلی نفسه الردّ إلی من یقوم مقامه کالوارث و الحاکم و الوکیل المطلق؟ قال شیخنا الأستاذ-دام بقاه-:لا شبهة فی عدم إمکان التمسّک بعمومات أدلّة الوکالة و الولایة و الإرث لهذا المقام،فإنّ الوکالة و لو فرضت إطلاقها فإنّما هی فی موضوع أموال الموکّل أو فعل موجب لحصول المال کالقبول فی باب العقود،و فی مقامنا الثمن قبل الفسخ الصحیح غیر ملک لموکّله و لیس هنا فعل مربوط بما هو الشرط من الردّ لموکّله،فإنّ البائع اشترط الردّ بمعنی إیجاد المقدّمات التی من قبله،فلیس لقبول المردود إلیه و لا امتناعه دخل لا وجودا و لا عدما فی ذلک أصلا،فحاله فی هذا کالجدار،فکأنّ الشرط جعل وضع الثمن عند الجدار، و مجرّد هذا لیس فعلا حتی یقال بأنّ فعل الوکیل فعل الموکّل،و هکذا الکلام فی الولایة بعینها.

و أمّا الإرث فلأنّ هذا لا یعدّ حقّا و لا مالا للمردود إلیه حتّی ینتقل إلی وارثه،نعم لو تحقّق الشرط و هو الردّ إلی نفس المشتری و تحقّق المال للمورّث کان منتقلا إلی الوارث،و هذا کلّه بخلاف الحال فی طرف البائع،فإنّه أیضا و إن جعل الشرط الردّ الصادر منه المدلول علیه بتاء المتکلّم فی قوله:(لو رددت)و لکن عموم أدلّة الوکالة و الولایة و الإرث یمکن أن یقال بعدم المانع لها عن شمول المقام،أمّا

ص:143

الوکالة و الولایة فهذا الردّ فعل فی مال الموکّل و المولّی علیه،و المفروض أنّ فعل الوکیل و الولیّ فیما أنیط الحکم بفعلهما یقوم مقام فعلهما و یفید فائدته،و أمّا الإرث فلأنّ الحقّ المنوط کما مرّ سابقا نوع حقّ ثابت فعلیّ فهو موروث.

إن قلت:نعم لکنّه معلّق علی تصویر غیر ممکن فی حقّ الوارث و هو ردّ خصوص البائع.

قلت:یمکن أن یجاب بأنّه کما کان الحقّ الثابت للمیّت هو الخیار لو ردّ نفسه فهذا إذا انتقل إلی الوارث فمعناه أنّ للوارث الخیار لو ردّ نفسه.

لا یقال:هذا التقریب جار فی ما اشترط الخیار بمباشرة لسان المورّث مع أنّ الإرث فیه ممّا لا یلتزم به أحد.

لأنّا نقول:التعبیر المذکور أعنی التقیید باللسان مفید لتقیید الحقّ بحال حیاة المورّث و ممّا قرّر فی محلّه أنّه یشترط فی صدق المتروک الذی هو موضوع الإرث کون المقتضی فی کلتا حالتی الحیاة و الموت موجودا،إذ لو کان المقتضی قاصراً لا یصدق أنّ المیّت مات و ترک هذا،و هذا بخلاف قید الردّ فی ما نحن فیه،فإنّ حاله حال الفسخ،فهما و إن کانا مضافین إلی المورّث لکن لیس للإضافة مدخلیّة، فالذی قام به الحقّ هو حقیقة الفسخ علی تقدیر حقیقة الردّ و الإضافة إلی البائع من باب عدم قابلیّة غیره،و لهذا لو قیّد فی المقام أیضا الردّ بکونه بمباشرة نفسه کان حاله حال قید مباشرة اللسان فی الفسخ،فافهم.

فتحصّل ممّا ذکرناه أنّ التمسّک لمقامنا بأدلّة النیابة غیر مجد،کما أنّ التمسّک بعموم الغرض-و أنّه مطلق الوصول إلی من یملک التصرّف فی الثمن بعد الفسخ و صیرورة الثمن ملکا للمشتری و لا خصوصیة لنفس المشتری،فإنّ المقصود أن لا یبقی دینا فی ذمّة البائع و هو حاصل بالردّ إلی نفس المشتری أو من یقوم مقامه-

ص:144

غیر مجد أیضا،فإن الغرض غیر متّبع فی أبواب المعاملات ما لم یقع تحت الإنشاء.

نعم الذی یمکن أن یقال فی وجه الجواز فی المقام:أنّ کاف الخطاب فی قوله:(لو رددت إلیک)و إن کان ظاهره الأوّلی خصوصیّة المخاطب،و لکنّه یتنزّل علی الأعمّ منه و ممّن ینوب منابه،و بعبارة أخری علی من یملک التصرّف بعد الفسخ کما ذکروا ذلک فی کاف الخطاب فی قول البائع:«بعتک»،لو ظهر المشتری وکیلا و غیر مالک للثمن،حیث ینزّلونه علی الأعمّ من خصوص المخاطب و من ینوب هذا منابه و یعدّ وجوده التنزیلیّ،و بعبارة أخری علی المالک للثمن.

و لکن صحّة هذا أیضا منوطة علی تعارف وقوع هذه الأمور الموجبة لتعذّر الردّ إلی المشتری،من الموت و الجنون و الغیبة الموجبة لانقطاع الید عنه إلی زمان حصول الخیار،بحیث لم یکن مغفولا عنه حال الإنشاء،کما أنّ الوجه فی التعمیم المذکور فی(کاف بعتک)،هذا التداول،أعنی تداول وقوع الشراء من کلتا الطائفتین أعنی المالکین و من یقوم مقامهم،و أمّا إذا کان وقوع مثل ذلک غیر متعارف بل کان خلافها مظنونا بالظنّ الاطمئنانی بحیث تسکن النفس بعدم الوقوع،فلا وجه حینئذ لصرف اللفظ عمّا هو ظاهره من خصوصیّة نفس المخاطب بالخطاب بما هو هذا الشخص الخاص.

و بالجملة:المعیار وقوع الجامع تحت الإنشاء،فلا یضرّ اعتقاد أنّ مصداقه منحصر فی فرد و لا یتحقّق مصداق آخر،أو وقوع المصداق تحت الإنشاء بواسطة الاعتقاد المذکور.

و من هنا یعرف الحال فی مسألة شراء الأب للطفل بخیار البائع،و ردّ البائع الثمن إلی الجدّ مع التمکّن من الأب أو بدونه،فإنّ الکلام فیه أیضا بعینه ما تقدّم،و لازم صیرورة الجامع المذکور أعنی:مطلق من یملک تصرّف المال بعد

ص:145

الفسخ و یکون قبضه قبض المالک مقصودا فی الإنشاء،کفایة الردّ إلی أیّ فرد منه و لو مع التمکّن من آخر،کما أنّ لازم وقوع المصداق عدم الکفایة حتّی مع التعذّر.

و علی هذا فربّما یمکن الاستشهاد لوقوع المصداق بإباء الذهن عن الردّ إلی وکیل المشتری مع إمکان الوصول إلیه بسهولة،و کون الوکیل آلة للموکّل،فإنّ الذهن لا یساعد علی عدم العمل بالشرط فی هذا الفرض،و لو کان الخصوصیّة ملغاة لما کان لأحد الفردین مزیّة علی الآخر کما هو واضح.

ثمّ هذا کلّه فی مثل الأب و الجدّ اللذین لا یتقیّد ولایة أحدهما بعدم مزاحمته لما تصدّاه الآخر من المعاملة فی أموال الصغیر،و أمّا لو وقع ذلک فی الحاکمین اللذین ولایة أحدهما منوطة بعدم المزاحمة للآخر فی مورد تصدّیه،بأن ردّ البائع الثمن الذی اشترط ردّه فی معاملته مع أحد الحاکمین إلی الحاکم الآخر،فحینئذ و لو قلنا بتعمیم مقام الإنشاء لکلّ من یملک التصرّف بعد الفسخ،لا بدّ أن نقول بعدم کفایة الردّ إلی الآخر،فإنّ الآخر غیر مصداق لهذا العنوان،فإنّ المفروض أنّ ولایته و جواز تصرّفه منوط بعدم ابتداء الأوّل فی التقلیب و التقلّب فی المال،لأنّه مع هذا الفرض یعدّ عرفا دخالة هذا مزاحمة للأوّل،فیکون الدفع إلیه کالدفع إلی الأجنبی العامی فی عدم حصول الشرط.

و من هنا یستشکل علی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام حیث إنّه بعد اختیار کفایة الردّ إلی الثانی استظهر وجوب دفع الثانی الثمن إلی الأوّل بملاحظة عدم مالکیّته للتصرّف،للمزاحمة العرفیّة،مع أنّه لا وجه للکفایة و حصول الشرط بعد تسلیم صدق المزاحمة عرفا علی تصرّفاته فی الثمن بعد الفسخ،فتدبّر.

الأمر السابع:لا إشکال فی صحّة اشتراط الفسخ برد الثمن

کما تقدّم

ص:146

الکلام فیه،و لو اشترط الفسخ فی بعض المثمن بردّ ما قابله من الثمن کالنصف و الربع مثلا،فقد استشکل فی المستند علی ما حکی فی صحّته،نظرا إلی عدم إمکان التمسّک لصحّته بعموم أدلّة الشروط،بواسطة مخالفة هذا الشرط لعموم دلیل لزوم البیع بعد الافتراق عن المجلس،و هذا الوجه و إن کان بعینه موجودا فی الفرض الأوّل أیضا،لکنّه خرج بالنصّ الخاص،فیکون شرطا مخالفا للسنّة قد شرّع بالدلیل الخاص تخصیصا فی عموم عدم نفوذ الشرط المخالف،فیجب الاقتصار علی مقدار الدلیل،و لا شبهة أنّه الفرض الأوّل،فیجب فی الثانی العمل بالعموم.

و علی هذا فلا بدّ من التفرقة بین شرط الفسخ فی البعض بردّ البعض و بین شرط ارتجاع البعض بردّ البعض،أو کون البعض له کذلک،فإنّ الثانی غیر مخالف لعموم من عمومات الکتاب و السنّة فلا مانع فیه من الأخذ بعموم أدلّة الشروط بخلاف الأوّل.هذا ما ذکره.

و لکنّا فرغنا فیما تقدّم عن هذا الإشکال بما إجماله:أنّه و إن کان قوله:«فإذا افترقا وجب البیع» (1)ظاهرا-کما هو الحال فی نوع القضایا-فی الفعلیّة و کون اللزوم باقتضاء فی ذات البیع،و أنّ هذا الاقتضاء علی حسب إطلاق المادة غیر مقیّد بحال دون حال،و قضیّة هذا کون شرط الخیار بعد التفرّق داخلا فی عنوان ما یحلّل حرام الشرع و یحرّم حلاله،و لکن بعد ورود الدلیل بالجواز فی بعض الأفراد و عدم إمکان التزام التخصیص فی عموم«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (2)لإبائه عرفا عن التخصیص یستکشف کون هذا الاقتضاء فی البیع غیر مطلق،بل

ص:147


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 6 من أبواب الخیار،ص 354،ح 5.

مقیّد بحال عدم الشرط،و هذا الاستکشاف و إن کان فی خصوص مورد الدلیل دون غیره،و لکنّه یوجب وهن الإطلاق بالنسبة إلی الغیر أیضا،فیکفی حینئذ الشک،لأنّ المرجع حینئذ أصالة عدم المخالفة.هذا مجمل الکلام فی صحة الشرط المذکور،و قد تقدّم تفصیله.

و الذی ینبغی التکلّم فیه هنا أنّه علی الفرض الأوّل أعنی:صورة اشتراط الفسخ فی الکلّ بردّ الکلّ،لو أطلق ذلک فلا إشکال فی عدم القدرة علی فسخ البعض بردّ بعض الثمن،و یکون البعض المدفوع باقیا علی ملک البائع،و لو تلف کان مضمونا علی المشتری إلاّ أن یکون یده ید أمانة،هذا مع الإطلاق.

و أمّا لو صرّح فی هذا الفرض:بأنّ له الفسخ فی کلّ جزء بردّ ما یخصّه من الثمن،فلا إشکال فی جواز الفسخ فی ما قابل المدفوع،لکن هل یحدث للمشتری خیار التبعیض لو خرجت المدّة و لم یدفع الباقی من الثمن أو لا؟ الموجود فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-هو الثبوت،و هو بظاهره مخدوش،لأنّ خیار التبعیض لیس له دلیل علی الإطلاق،و إنّما المتیقّن منه صورة عدم إقدام المشتری،و بعد ما فرض أنّه قد وقع التصریح فی العقد بهذه الخصوصیّة فقد أقدم علی التبعیض،فکیف یحدث مع ذلک له الخیار.

نعم لو فرض أنّه فی هذه الصورة شرط المشتری علی البائع بأنّک علی تقدیر ردّک البعض و فسخک البعض،تردّ البقیّة و تفسخ البقیّة فورا و فی ذلک المجلس، فحینئذ لو تخلّف کان فسخه البعض نافذا،و لکن بقضیّة تخلّفه الشرط یحدث للمشتری الخیار،بل و یحدث له أیضا خیار التبعّض،فإنّه مع ضمیمة هذا الاشتراط یمکن أن یقال:إنّه ما أقدم علی تبعّض الملک علیه.فتح الباب وضعا لکن سدّه تکلیفا.

ص:148

بل و علی وجه الحقّیة و صحّة المطالبة فإنّه حینئذ لا یخلو حاله من أمرین إمّا یفی بالشرط و لا یبعّض،و إمّا یتخلّف فحینئذ أیضا للمشتری بحسب العرف خیار الفسخ،فیدفع عن نفسه أیضا التبعّض بفسخ نفسه فهو غیر مقدم علی التبعّض مطلقا.

و لو فرض أنّه شرط هذا الشرط و لکن لم یقیّد الفوریّة بل قیّد بعدم مضیّ المدّة فحینئذ لا یورث التخلّف-حتی انقضت المدّة-إلاّ خیار التخلّف،لأنّه أقدم حینئذ علی التبعّض.

لکن هذا کلّه إنّما هو مع وجود هذا الشرط فی البین،أمّا علی ما هو صورة المفروض من عدم عین و لا أثر لهذا،و إنّما شرط الفسخ فی الکلّ بردّ الکلّ،غایة الأمر علی هذا الوجه أعنی أن یکون مختارا علی الفسخ فی کلّ جزء من المثمن بدفع ما یخصّه من الثمن بلا قید و لا شرط آخر،فلا یعلم ظاهرا وجه لخیار التبعیض للمشتری لوجود الإقدام.

و قد یقال فی مقام التوجیه:إنّه قد یجعل الشرط ردّ الکلّ و المشروط فسخ الکلّ،و قد یجعل الشرط ردّ البعض و المشروط فسخ البعض،و لکن یجعل ردّ البعض الباقی و الفسخ الباقی شرطا للشرط علی نحو الشرط المتأخّر،و هذان مشترکان نتیجة،و قد یجعل الشرط ردّ البعض و المشروط فسخ البعض بدون اشتراط کلّه لردّ البعض الباقی فی فسخ البعض الأوّل أصلا.

و حینئذ یمکن أن یقال:إنّ الشارط إنّما أقدم علی جعل الاختیار و القدرة بید الفاسخ و لم یقدم علی الفسخ،و فرق بینهما،فإنّ الثانی إقدام علی الضرر،و أمّا الأوّل فإن وقع بداعی وقوع الفسخ فکذلک أیضا،و أمّا إن وقع من باب انحصار الوصلة إلی المعاملة فیه برجاء أن لا یتمکّن البائع من الثمن فی رأس المدّة أصلا،أو تمکّن

ص:149

و لم یعزم علی الفسخ فلا یصدق أنّ هذا الشارط مقدم علی ضرر نفسه،فتأمّل.

فإن قلت:کما أنّه فی صورة تبیّن بعض المبیع مستحقّا للغیر یقولون بخیار التبعّض للمشتری مع الصحّة فی البعض المملوک مع أنّ الصحّة ملازمة للوقوع تحت الإنشاء،و لم یناف هذا مع ثبوت الخیار المبتنی علی عدم الإقدام،فلم لا تقولون بمثله فی المقام؟بأن یقال:إنّ جعل ردّ الکلّ شرطا لفسخ الکلّ حاله حال جعل الکلّ مقابلا بالکلّ،فکما أنّ الثانی ینحلّ إلی مقابلة الأبعاض بالأبعاض، فکذا الأوّل ینحلّ إلی جعل الأبعاض شرطا للأبعاض.

قلت:فرق بین المقامین،أمّا مقام جعل المقابلة،فالجعل فعل قلبیّ مثل فعل جوارحی،فکما أنّک لو رفعت کلا یدیک للوضع علی رأس شخصین فوقع فی الأثناء حائل غیر اختیاری بین إحدی یدیک و بین أحد الرأسین،فلیس وقوع یدک الأخری علی الرأس الآخر خارجا عن اختیارک،فکذا جعل المقابلة بین الشیئین، و الشیئان إذا کان أحد الشیئین مصحوب المانع واقعا عن الانتقال،فبالنسبة إلی الخالی عن المانع قصدک للنقل بالعوض موجود محقّق،و هذا بخلاف مقام الاشتراط،فقولک:إذا رددت الثمن کنت مختارا علی فسخ المثمن یراد بالثمن مجموع المال الذی وقع قبالا للمبیع،و بالمثمن مجموع ما قابله.

و بالجملة جعلت الالتزام بالفسخ علی تقدیر حصول أمر فلا بدّ أن تنظر فی أنّ الظاهر العرفی من التقدیر ماذا؟و لا شکّ أنّک إذا قلت:إذا رددت الثمن أجیئک أو افعل کذا،یفهم العرف منه ردّ التمام،فکذا فی المقام بلا فرق.

و بالجملة المنشأ فی المقام الالتزام بإیقاع أمر فی الاستقبال علی تقدیر کذا، و هو غیر الإنشاء الفعلی،و إیقاع الفعل الإنشائی فعلا مربوطا بالمجموع کما هو الحال فی مقام البیع،فافهم و تدبّر.

ص:150

الأمر الثامن:کما یجوز للبائع اشتراط الفسخ بردّ الثمن،

یجوز للمشتری اشتراط الفسخ بردّ المثمن،و لا إشکال فی انصراف الإطلاق إلی العین و لا فی جواز التصریح بردّ البدل مع تلفها،بل و لا فی جواز جعل الشرط ردّ البدل و لو مع التمکّن من العین،أو جعل الشرط ردّ القیمة فی التالف المثلی أو المثل فی التالف القیمی.

و المسائل الثلاث من باب واحد،بمعنی أنّ ردّ المثل فی التالف المثلی مثلا الذی هو المسألة الأولی معناه:تعیّن کلّی المثل المستقرّ فی الذمّة بعد الفسخ فی هذا الشخص المردود،و لیس مقتضی الفسخ إلاّ نفس استقرار الکلّی من دون تعیّنه فی شخص،فلا بدّ من تصحیح التعیّن بدلیل الشرط و أنّه یشمل شرط النتیجة.

و کذا ردّ البدل مع وجود العین معناه:کون الفسخ علّة لانعکاس المبادلة و انتقال المثمن إلی البائع ثم انتقاله منه إلی المشتری ثانیا مقابلا بالبدل المدفوع، فصحّة هذا أیضا مبتنیة علی صحّة شرط النتیجة،و ذلک لأنّ مقتضی الجمع بین القصد الجدّی إلی تحقّق الفسخ بحقیقته مع ردّ البدل فی حال وجود العین إرادة هذا المعنی بدلالة الاقتضاء کما یقولون نظیره فی(بع عبدک عنّی)،و إرادة انتقال نفس البدل ابتداء بتوسّط الفسخ إلی البائع مناف لعرفیّة کون معنی الفسخ هو الحلّ و القلب للمعاملة.

و کذا ردّ القیمة فی التالف المثلی أیضا معناه:أنّه بعد وقوع الفسخ بحقیقته المقتضی لانتقال المثل فی ذمّة المشتری إلی البائع وقع المعاوضة بین المثل المستقرّ و بین القیمة المدفوعة،و أمّا کونها إیفاء لما فی الذمّة فلا عرفیة له،هذا.

و بما ذکرنا ظهر لک الخدشة فی ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی

ص:151

هذا المقام و لعلّه أشار إلی بعض ما ذکر أو کلّه بالأمر بالتأمّل.

مسألة:هل الأصل فی خیار الشرط جریانه فی عامّة العقود

المشتملة علی المعاوضة اللازمة غیر البیع،کالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة،حتی إنّه لا بدّ من التماس الدلیل فی عدم الجریان؟أو أنّه لا مجری بحسب القاعدة له فیها، و لا بدّ من التماس الدلیل للجریان؟ نعم العقود الجائزة إلی الأبد خارج عن محلّ الکلام،فإنّ جعل الخیار فیها تحصیل للحاصل،اللّهمّ إلاّ أن یقال:الذی ثابت بنفس العقد هو السلطنة علی استرجاع العین،و الذی یثبت بالخیار هو السلطنة علی إزالة العقد،و تظهر الثمرة فی حال تلف العین،فعلی تقدیر عدم الخیار لا وجه لمطالبة البدل،لأنّ محل السلطنة و هو العین قد فات،و علی تقدیر الثبوت مقتضی القاعدة هو المطالبة به فتأمّل.

نعم لا یجری هذا فی مثل شرط الخیار بمقدار المجلس أو الثلاثة الأیّام فی العقد الذی شرّع فیه الخیاران شرعا.

و أمّا العقود اللازمة فقد یقال:إنّ مقتضی الجمع بین أدلّة نفوذها الشامل بإطلاقه لحال الاشتراط،و بین عموم:«المؤمنون إلخ»حمل الأوّل علی حال عدم الشرط،یعنی هذا الاقتضاء الذاتی الذی ثابت للعقد لو خلّی و طبعه لیس له بما هو عقد بل بضمیمة عدم الاشتراط.

و فیه:أنّه لا داعی إلی هذا التصرّف بل الداعی إلی خلافه فنحملها علی ظاهرها من کون الحکم الأصلی ثابتا لنفس المعاملة بلا قید،و لازمه عدم إمکان التمسّک بدلیل الشرط،إذ یصیر الشرط حینئذ خلاف الکتاب و السنّة فیندرج فی المستثنی،و إنّما ألجأنا إلی الحمل المذکور فی خصوص البیع النصوص الخاصة

ص:152

و لولاها کان قضیّة القاعدة فیه أیضا ذلک.

و قد یقال:إنّا تتبّعنا العقود فوجدنا الإقالة جاریة فی کلّها،و خیار المجلس و الحیوان و الشرط فی بعضها،فعلمنا بهذا أنّ الفسخ فیها مؤثّر فی رفع أثرها،و یصیر إطلاق الأدلّة بهذا موهونا،فیعلم أنّه لا إباء فی ذات المعاملة عن الفسخ بالتقایل، فلا یکون الشرط إلاّ مفیدا للتسلّط علی الفسخ المؤثّر فی رفع الأثر بجعل الشارع، لا جاعلا له مؤثّرا حتّی یکون مخالفا للکتاب و السنّة.

و فیه:أنّ مؤثّریة الإقالة لا یفید،إلاّ أنّ الفسخ فی ما إذا تراضی المتعاقدان علیه مؤثّر،و أین هو من الفسخ الغیر المقرون برضی غیر الفاسخ الذی هو محلّ الکلام،فمن المحتمل عدم مؤثّریّته،و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال،لأنّه حینئذ من الشبهة المصداقیّة.

بل نقول:یمکن التمسّک بعموم:«إلاّ ما خالف»و تعیین کونه من هذا القبیل بواسطة إطلاق دلیل نفوذ العقد،فإنّه محمول علی الاقتضاء المطلق،غایة الأمر إنّه صار مغلوبا للمقتضی الأقوی فی مورد الإقالة،و أمّا فی مورد الفسخ من الطرف الواحد فلا یصیر عنوان الشرط مزاحما لذلک الاقتضاء بقضیّة قوله -علیه السلام-:«إلاّ ما خالف الکتاب و السنّة».

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّه متی شرع التقایل فی العقد مع التراضی بعده، جاز تراضیهما حاله علی سلطنة أحدهما أو کلیهما علی الفسخ،فإنّ إقدامه علی ذلک حین العقد کاف فی ذلک بعد ما وجب علیه شرعا القیام و الوفاء بما شرطه علی نفسه،فیکون أمر الشارع إیّاه بعد العقد بالرضی بما یفعله صاحبه من الفسخ و عدم الاعتراض علیه،قائماً مقام رضاه الفعلی بفعل صاحبه و إن لم یرض فعلا.

ص:153

و أمّا إذا لم یصحّ التقایل فی العقد لم یصح اشتراط الخیار،لأنّه إذا لم یثبت تأثیر الفسخ بعد العقد عن تراض منهما فالالتزام حین العقد لسلطنة أحدهما علیه لا یحدث له أثرا،لما عرفت من أنّ الالتزام حین العقد لا یفید إلاّ فائدة الرضی الفعلی بعد العقد بفسخ صاحبه،و لا یجعل الفسخ مؤثّرا شرعیّا.

و لکن فیه أیضا:أنّ المعتبر فی التقایل تقارن الرضاءین و لا یکفی الرضی من أحدهما حال العقد و من الآخر بعده حال الفسخ،و أمّا قیام أمر الشارع مقام الرضی الفعلی فهو فرع صحّة الشرط،و الکلام الآن فیه،و من المعلوم أنّ الحکم لا یصحّح موضوعه.

نعم حیث إنّ العرف أیضا حاکم بلزوم متابعة الشرط و عدم التعدّی عنه، فهو ملزم بحکمهم بالوقوف عند شرطه،لکن هذه الملزمیّة أیضا من باب ترتیب أثر الفسخ،و أنّه صار مؤثّرا فیجب معاملة مال الغیر مع هذا المال الذی عند المفسوخ علیه،و فرق بین مثل هذا الرضی و الرضی بالفسخ بالعنوان الأوّلی، و الذی هو المعتبر فی الإقالة هو الثانی.

فإذن لا محیص عن التفصیل الذی تقدّم عن صاحب المستند فی مسألة بیع الخیار فی صورة شرط ردّ البعض فی فسخ البعض و هو:التفصیل بین شرط الانفساخ بعد قول أو فعل کذائی من الشارط و بین شرط الفسخ إلاّ إذا لم یکن فی ذلک المعاملة دلیل یقتضی إطلاق لزومه الذاتی،فحینئذ و إن کان الشک فی مؤثّریّة الفسخ،لکن یمکن تنقیح الموضوع بأصالة عدم المخالفة.

و بعد ما عرفت الحال علی نحو الکلّیّة فلا بدّ من التکلّم عن موارد خاصّة.

منها:خصوص الإیقاع مطلقا و المدّعی فیه تارة عدم قبوله للاشتراط أصلا لا

ص:154

للخیار و لا لغیره،و أخری عدم قبوله لخصوص شرط الخیار مع تسلیم قبوله لأصل الاشتراط.

أمّا الأوّل:فقد حکی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الاستدلال له بأنّ المفهوم من الشرط ما کان بین اثنین،کما ینبّه علیه جملة من الأخبار،و الإیقاع إنّما یقوم بواحد.

و ردّ هو-قدّس سرّه-علیه بأنّ المستفاد من الأخبار کون الشرط قائماً بشخصین،المشروط له و المشروط علیه،لا کونه متوقّفا علی الإیجاب و القبول، و استشهد لهذا بأنّهم جوّزوا أن یشترط فی إعتاق العبد خدمة مدّة تمسّکا بعموم:

«المؤمنون عند شروطهم»غایة الأمر توقّف لزومه کاشتراط مال علی العبد علی قبول العبد علی قول بعض،لکن هذا غیر اشتراط وقوع الشرط بین الإیجاب و القبول انتهی کلامه-رفع مقامه.

قال شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاضاته الشریفة-:یمکن تقریب الاستدلال بوجه یسلم عن إیراده-قدّس سرّه-،لکن علی مبنی من یقول:بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد،و هو أن یقال:إذا وقع الشرط فی ضمن الإیقاع فلا یخلو حاله،إمّا یلزم علی الطرف المشروط علیه بدون توقّف علی قبوله و رضاه،و إمّا یحتاج إلی قبوله و رضاه،و بدونه لا لزوم و لا صحّة.

أمّا الأوّل:فهو ممّا لا یمکن الالتزام به،حیث یلزم أن یجب علی أحد شیء مالیّ أم غیره أو یتعلّق بعهدته حقّ أو یخرج عن ملکه مال من دون رضاه بل و التفاته.

و أمّا الثانی:ففی صورة عدم قبوله و رضاه لا یخلو الحال إمّا أن نقول ببطلان الشرط مع المشروط،و إمّا أن نقول بصحّة المشروط و بطلان الشرط،فالثانی خلاف

ص:155

المبنی من مفسدیّة الشرط الفاسد لما وقع فی ضمنه،و أنّ العقود تابعة للقصود،فإذا قصد الإیقاع مقیّدا فلا یقع مطلقا.

و علی الأوّل:إمّا أن نقول بالصحّة مع القبول،و إمّا بالبطلان معه أیضا، فعلی الأوّل یلزم کون الإیقاع متوقّفا علی القبول،و قد فرضنا أنّه من المسلّم عندهم عدم الحاجة فیه لا فی الصحّة و لا فی اللزوم إلی قبول الغیر،فتعیّن الثانی و هو المطلوب،و هذا التقریب لا یرد علیه سوی فساد المبنی فیلتزم بوقوع الإیقاع علی کلّ حال بدون توقّف فیه صحة و لا لزوما علی القبول،و إنّما الشرط هو المحتاج إلی القبول،فمعه یصحّ و بدونه یبطل،و لا محذور لما قرّر فی محلّه من فساد المبنی المذکور.هذا تقریب المدّعی الأوّل مع جوابه.

و أمّا الثانی:و هو عدم قبول الإیقاع لخصوص اشتراط الخیار فی ضمنه، فیمکن تقریبه بوجوه:الأوّل أنّه من قبیل جعل ما لیس بسبب سببا بالاشتراط،کما لو جعل الإتیان فی منزل زید شرطا،فإنّه لا یفید أزید من جواز ذلک للمشروط له،و أمّا حصول الانفساخ بسببه فلا یتأتّی من الشرط،ففیما نحن فیه أیضا إذا شرط قول فسخت مع الإنشاء،فغایته جواز هذا الأمر له،و أمّا صیرورته سببا فلا یحصل هذا من الشرط،فلا بدّ من إحراز أصل السببیّة من الخارج حتّی یحصل بالشرط التسلّط علیه.

و لا یستشکل بأنّه علی هذا فلا یبقی وجه لهذا الشرط فی باب العقود و ذلک للفرق الواضح،حیث علمنا أصل السببیّة هناک بواسطة صحّة الإقالة و سائر الخیارات الشرعیة،و أمّا هنا فلم نعهد من الشرع تجویز نقض آثار إیقاع بعد وقوعه و رجوع المطلّق لیس إلاّ حکما شرعیا و لا ربط له بالفسخ.

و فیه:أنّه فرق بین اشتراط مثل المجیء إلی دار زید ممّا لیس له طبعا خاصیّة

ص:156

نقض العقد و بین مثل الفسخ،فإنّه بطبعه مقتض للنقض و الحلّ نظیر صیغة البیع حیث إنّه مقتض للمبادلة،بخلاف مثل الوثبة و سائر الأفعال،فإذا وقع مثل الأوّل تحت عنوان الشرط،فلا یفید فیه حکم الشرط إلاّ لزومه أو جوازه،و أمّا مثل الثانی فقضیّة وقوعه تحت الشرط و إمضاء الشارع وقوع ما هو مقتضاه طبعا بنظر الشارع،و مساعدته فی ذلک لنظر الفاسخ.

فإن قلت:فسخ الإیقاع نظیر إعدام العدم،فالإعدام یحتاج إلی أمر وجودیّ،و أمّا العدم الصرف فلا یقبل الإعدام،فأثر الطلاق و العتق و الإبراء و الفسخ لیس إلاّ إعدام ما وجد سابقا من الزوجیّة و الرقّیة و الدین و العقد،و أمّا العدم الحاصل من هذا الإعدام فلا یقبل إعداما آخر.

قلت:إن أردت عدم قابلیّته عقلا،فممنوع،و کذا إن أردت عدم القابلیّة عرفا،و ذلک لأنّ الانطلاق و الحریّة أیضا شیء وجودیّ قابل للإعدام و الرفع،و کذا الانحلال و البراءة،و بالجملة:مراجعة العرف و الوجدان أقوی شاهد علی قبول الإیقاع للحلّ کما هو المشاهد فی مثل الوعد.

و إن أردت عدم القابلیّة شرعا،فهذا مشترک الورود بین الإیقاع و العقد، و مجرّد رؤیة السببیّة فی مورد الإقالة و الخیارات الشرعیّة لا یکفی لغیرها،بعد احتمال دخل خصوصیّة المورد،فالتحقیق هو الرجوع فی کلا المقامین إلی أصالة عدم مخالفة الأزلی،و العجب من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-کیف اکتفی هنا بمجرّد احتمال عدم المشروعیّة فی المنع،مع أنّه اعتمد فی باب الشروط علی إحراز قید عدم المخالفة باستصحاب عدمها الأزلی.

الوجه الثانی:من وجوه منع اشتراط الخیار فی الإیقاع:أنّ المانع إطلاقات أدلّة صحّة الإیقاع و نفوذه،حیث إنّه شامل لما بعد الفسخ،فیستفاد منها أنّ

ص:157

الحکم ثابت لنفس الإیقاع من حیث هو و إن کان یمکن رفعه لعروض عارض، و قد عرفت أنّ عنوان الشرط لا یمکن تأثیره فی قبال المقتضی الشرعی الثابت اقتضاؤه الذاتی للذات المجرّدة حتّی حال تحقّق الشرط،و علی هذا فیکون شرط الخیار داخلا فی ما خالف السنّة و محلّلا للحرام و محرّما للحلال.

و الجواب:أنّ الأدلّة الناهضة بصحّة الإیقاع لا تفی بأزید من أصل ترتّب الأثر عقیب وقوع الصیغة و الإنشاء فی قبال وقوعه لغوا و بلا أثر،و أمّا إنّ الأثر بعد وقوعه و تحقّقه فإلی متی یبقی و أیّ شیء یرفعه؟فلا نظر فیها إلی إثبات ذلک و لا نفیه،فهو نظیر دلیل تنجیس النجاسات للأشیاء الملاقیة لها من حیث إنّها غیر متعرّضة لأنّ النجاسة متی عرضت علی المحلّ فهو غیر قابل للتطهیر و الرفع أو قابل،و علی الثانی یکون باقیا إلی أیّ مقدار من الغسل،فعلم أنّه من المحتمل أن یکون الفسخ إذا وقع تحت حقّ الموقع قابلاً لارتفاع أثر الإیقاع و أنّه لا ینافی ذلک لإطلاق أدلّة الإیقاع،و إذن فیصیر شرطه فی ضمن الإیقاع بلا مانع بعد إجراء أصالة عدم المخالفة الأزلی.

الوجه الثالث:أنّ الفسخ غیر مؤثّر فی رفع أثر الإیقاع بواسطة أصالة بقاء الأثر بعد الفسخ،و هو ملازم لفساد الفسخ ظاهرا،و بعد جریان هذا الأصل لا یبقی لاشتراط الفسخ مجال لأحد الوجهین،إمّا لتنزیل هذا الاستصحاب بقاء الأثر منزلة نفس الواقع فی کون الشرط المخالف له شرطا مخالفا للسنّة غیر نافذ، کما یقال فی أصالة حلّ لحم الحیوان المشکوک لتجویز الصلاة فی وبره و سائر أجزائه.

و إمّا لأنّ السنّة التی اعتبر عدم مخالفة الشرط إیّاها أعمّ من الحکم الواقعی،و القاعدة الظاهریّة المقرّرة للشاک کالاستصحاب،فالشرط هنا مخالف

ص:158

للاستصحاب وجدانا،کما أنّه علی الأوّل مخالف للسنّة الواقعیّة تنزیلا و تعبّدا، و نظیر هذین الوجهین جار فی اشتراط شرب المائع المستصحب الخمریّة،فإنّه لا یمکن لأحد الالتزام بجواز الشرب بواسطة الشرط،و لا فرق بینه و بین المقام.

و الجواب:-مضافا إلی إمکان القول بمثبتیّة هذا الاستصحاب حیث لا یحرز عنوان الشرط المخالف بناء علی کون القید المعتبر خصوص عدم المخالفة للسنّة الواقعیّة،و لیس حال المقام حال الصلاة فی وبر ما لا یؤکل،فإنّه قد اعتبر فی الدلیل من آثار جزء ما لا یؤکل لحمه،أنّ الصلاة فی وبره غیر جائز،و من آثار جزء ما یؤکل لحمه أنّ الصلاة فی وبره جائز،فیکون ترتیب ذلک علی الأصل الذی مفاده أنّ الحیوان ممّا یؤکل لحمه،ترتیبا للأثر الشرعی،و هذا بخلاف المقام،حیث رتّب البطلان من الابتداء علی الشرط المخالف للکتاب و السنّة،لا أنّه اعتبر من آثار الکتاب و السنّة أنّ الشرط المخالف لهما باطل-أنّ قیاس المقام باشتراط شرب مستصحب الخمریّة و نحوه مع الفارق.

و الحاصل:سلّمنا أن لا فرق فی مخالفة حکم اللّه الموجبة لبطلان الشرط بین مثل الاستصحاب من القواعد الظاهریّة المجعولة للشاک بأحد التقریبین المتقدّمین،و بین الأحکام الواقعیّة،و لکن لا ربط للمقام بذاک الباب.

وجهه:أنّ احتمال عدم تأثیر الفسخ و بطلانه الموجب لاستصحاب بقاء أثر الإیقاع،إنّما هو ناش من کون الشرط المذکور فی الإیقاع مخالفا للکتاب و السنّة، حیث إنّ من المعلوم أنّ الفسخ الواقع عقیب الشرط المذکور فاسد،کما أنّ من الواضح أنّ الفسخ الواقع عقیب شرطه الغیر المخالف لهما نافذ صحیح،و لا یعقل أن یکون الأصل المترتّب علی الشک المتولّد من المخالفة و عدمها مؤثّرا فی بطلان الشرط،و المؤثّر فیه إنّما هو الحکم الذی له واقع مع قطع النظر عن المخالفة

ص:159

و العدم،و هو هنا کون أثر الإیقاع لازما بحیث لا یقبل التغیّر بالفسخ الواقع عقیب الشرط،فإنّ من المحتمل کونه کذلک،کما أنّ من المحتمل أیضا کونه بخلافه،و أنّه بحیث یرتفع بسبب الفسخ المذکور.

فالذی یحتمل مخالفة الشرط و عدم مخالفته له هذان،و لا أصل فی هذه المرتبة ینقّح أحد الاحتمالین،فتکون أصالة عدم المخالفة جاریة بلا مزاحم.نعم یتولّد من احتمالی المخالفة و عدمها،احتمال أن یکون الأثر الحاصل بالإیقاع قبل الفسخ زائلا بعده و أن یکون باقیا،و الأصل فیه و إن کان یقتضی البقاء،لکن لا یمکن تأثیر هذا الأصل فی بطلان الشرط،فإنّه یعتبر فی الحکم المخالف-بالفتح-أن یکون ثابتا مع قطع النظر عن عنوان المخالفة،و هذا معلول للشک المسبّب عن الشکّ المتعلّق بعنوان المخالفة و عدمها.

نعم هذا الحکم الأصلی لا یجتمع مع عدم مخالفة الشرط،لا أنّ الشرط صار مخالفا له،و علی هذا فیکون أصل عدم المخالفة جاریا و حاکما.

و منها العقود:و هی بین ما اتّفق علی عدم الجریان فیه،و ما اختلف فیه،و ما اتفق فیه علی الجریان.

فمن القسم الأوّل النکاح،قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بعد نقل الإجماع:و لعلّه لتوقّف رفع أثره علی الطلاق،و مراده أنّ المجمعین فهموا من الشرع ذلک فصار ذلک جهة إجماعهم.

و کیف کان لا إشکال فی فساد الشرط،و هل المشروط أیضا فاسد؟ربّما یقال بذلک نظرا إلی کون هذا الشرط منافیا لمقتضی العقد،و نحن و إن قلنا فی الشروط الفاسدة أنّها غیر مفسدة،لکن ما کان منها منافیا لمقتضی العقد لا بدّ من القول فیها بالإفساد،و ذلک للزوم التناقض فی الإنشاء،فلو شرط عدم الثمن فی

ص:160

البیع أو عدم ملکیّة المشتری للمثمن فیه کان هذا مناقضة فی القصد،بمعنی:أنّ الجدّ المعتبر فی تأثیر الإنشاء یفوت،فلا یمکن الجدّ بالمبادلة مع الجدّ بعدم تملیک المثمن،لا أنّه لا یمکن تحقّق صورة الإنشاء المتحقّقة فی(بعت السماء و الکواکب) أو(بعت الحشرات)،فلا یقال بعد حصول الإنشاء بترتّب الأثر و لو حصل مناقضة معه أیضا.

و حاصل وجه کون شرط الخیار فی النکاح من هذا القبیل أن یقال:إنّ النکاح الدائم یمتاز عن الانقطاع بأنّ الإنشاء فیه متعلّق بالزوجیة الدائمة و لا بدّ فی قسیمه من تعیین المدّة و لو بألف سنة،و إذا فرض أنّه ینشئ الزوجیّة فی جمیع الأزمان و إلی الأبد،فلا یبقی مجال لاشتراط الفسخ،إذ معناه عدم الجدّ فی إنشاء الزوجیّة فی زمان حصول الفسخ،فبین الأمرین تهافت و تناف.

لا یقال:فکیف الحال فی باب الإجارة؟حیث إنّ التقیید بالمدّة مأخوذ فیه قطعا،و مع ذلک یصحّ جعل الخیار فیه قبل انقضاء المدّة و لم یستشکل أحد بمنافاته لمقتضی العقد.

فإنّه یقال:الوجه أنّ المدّة هناک قید للمملوک و هو المنفعة لا للملک، فالمنفعة الممتدّة عشر سنین مثلا بمنزلة العین الواحدة یملّکها المنشئ بلا تقیید لتملیکها،فلا منافاة لشرط الفسخ حینئذ،نعم اللازم أن یکون الراجع إلی المؤجر بعد الفسخ تمام المنفعة من أوّل المدّة إلی آخرها،و المسلّم بینهم إنّما هو رجوع المنفعة ممّا بعد الفسخ،و لکنّه حکم علی خلاف قاعدة الفسخ ثابت فی محلّه بالدلیل الخاص.

و کیف کان یرد علی الوجه المذکور بطلان مبناه،و هو کون عقد النکاح من مقوّماته أخذ قید الدوام،فإنّ المقوّم له عدم ذکر المدّة،و لهذا یکون الانقلاب فی

ص:161

مسألة ما إذا نسی ذکر الأجل فی المتعة،حیث ینقلب دائما،حکما علی وفق القاعدة،و لا یحتاج فیه إلی التعبّد،فمضمون الأخبار مطابق لمقتضی القاعدة.

و بالجملة بالوجدان حال إنشاء التزویج،حال إنشاء التملیک فی البیع، فکما لا اسم فی الثانی عن الزمان،فکذا الأوّل بلا فرق،و علی هذا لا یبقی منافاة کما هو واضح،فالعمدة فی الباب هو الإجماع علی البطلان فیکون الشرط مخالفا للمشروع،فیکون فاسدا مع صحّة أصل النکاح.

و من القسم الثانی:الوقف،و یمکن تقریب البطلان فیه بأحد وجهین.

الأوّل:الأخبار الدالّة علی أنّ«الراجع فی صدقته کالراجع فی قیئه»و أنّ«ما جعل للّه فلا رجعة له فیه»،فإنّ دلالتها علی أنّ المردود لا یصیر ملکا للرادّ،ظاهرا ممّا لا ینکر.

و أمّا القول بأنّه مع إدراج شرط الرجوع فی عقد الصدقة لا یصدق الرجوع ففیه أنّه مناف لمفهوم الفسخ،فإنّه الرجوع عمّا فعله سابقا فدخوله فی عنوان الرد أیضا،لا ینبغی إنکاره.

و أمّا کون الوقف ممّا جعل للّه،فیمکن استظهاره من إطلاق الصدقة الجاریة علیه الواقع فی الأخبار،و من المعلوم أنّ الصدقة فصلها قصد القربة،و إن أبیت إلاّ عن عدم دخول قصد القربة فی حقیقة الوقف-و لهذا یتمشّی من الدهری-فیتمّ المطلوب فی خصوص القسم الداخل منه فی الصدقة بالاشتمال علی قصد القربة، و هذا الوجه کما تری جار فی مطلق الصدقة.

الوجه الثانی:أن یقال:إنّه مناف لمقتضی الوقف،فإنّه قد أخذ فیه قید حبس تلک الرقبة و إدامته و تأبیده،علی خلاف الحال فی التملیک البیعی،و لهذا

ص:162

یکون المنع عن التصرّف الناقل فیه علی وفق القاعدة،و قد عرفت أنّه لا یجتمع الجدّ فی إنشاء الملکیّة المرسلة الخالدة مع شرط الإعادة عند الفسخ.

لا یقال:فکیف المقال فی شرط العود إلی الواقف عند الحاجة؟حیث ورد الخبر بصحّته،و ما الفرق بینه و بین شرط الفسخ؟ فإنّه یقال:الفرق أنّه راجع إلی التضییق فی دائرة الوقف،نظیر القیود المعتبرة فی الموقوف علیه،فکما یعتبر التأبید هناک فی الموضوع المقیّد،کذلک یعتبر هنا أیضا التأبید فی المقیّد،أعنی:وقف البستان مثلا مقیّدا بما قبل حاجة الواقف أو فی حال کونه غنیّا،فالانتهاء بانتهاء الغناء لا یضرّ بالتأبید المعتبر فیه.

إن قلت:لم لا تقول بمثله فی شرط الفسخ؟ قلت:سرّه أنّه یخرج بذلک الفسخ عن حقیقته،لأنّ معناه الرجوع عن القرار و هو فرع وجود القرار فی فرض الفسخ،و علی فرض التقیید یکون القرار فی نفسه منقضیا بمجیء الفسخ لمجیء غایته.

و من هذا القسم أیضا الصلح،و قبل التکلّم فیه لا بدّ من تقدیم مقدّمة.

و هی:أنّه هل یعتبر فی مفهوم الصلح سبق منازعة کما هو الحال فی لفظة (آشتی)فی الفارسیّة؟أو هو أعمّ من ذلک و من أن یکون المحلّ معرضا لوقوع النزاع فی المستقبل؟کما إذا وقع علی المعاوضة بین شیئین مجهولی المقدار،حیث یوجب أقلّیة الثمن من المثمن نزاع البائع و أقلّیة المثمن نزاع المشتری،فمعنی الصلح:أنّا لا ننازع فی هذین المالین بعد ذلک.

أو لا یعتبر فی مفهومه لا سبق النزاع و لا ترقّب لحوقه،کما إذا وقع علی المعاوضة بین شیئین معلومین من جمیع الجهات،بحیث لا یتطرّق إلیهما النزاع کما

ص:163

لم یکن بین المعاوضین سابقة مخاصمة أصلا،و هو بأن یکون عبارة عن مطلق جعل القرار علی الشیء کما هو المتفاهم من لفظة الاصطلاح.

تحقیق المقام أن یقال:إنّ المفهوم من مادة(ص ل ح)لیس فیه اعتبار مخاصمة أصلا،و لهذا یقال:صلح أمر فلان،أو أصلح اللّه الأمیر،أو هذا العمل صالح لکذا،و لا معنی فی شیء من ذلک لاعتبار المخاصمة،و لکن تبادر ذلک من هیئة باب المفاعلة الذی مصدره الصلاح و اسم مصدره الصلح لعلّه غیر قابل للإنکار.

و حینئذ فصدق هذا المفهوم الحاصل إمّا بوضع الهیئة أو بالانصراف،فی مورد تحقّق المداقّة من الطرفین فی جمیع الجهات محلّ إشکال،فلا بدّ أن یقال:بأنّه حینئذ مجرّد لفظ لم یرد به حقیقته و إنّما أطلق و أرید به البیع مثلا،فتترتّب علیه الآثار الخاصة بالبیع من اعتبار القبض فی الصرف و السلم و عدم الغرر و خیاری المجلس و العیب و أمثال ذلک.

نعم علی مذاق مثل المحقّق الخراسانی-قدّس سرّه-ممّن یقول بأنّ لمفهوم الطلب مصداقین،أحدهما حقیقی و هو الصفة النفسانیة التی هی الشوق الأکید بفعل الغیر،و الآخر مصداق اعتباری و هو لا هویة له سوی التلفّظ بلفظ الطلب مع قصد تحقّق هذا المفهوم،و لا یحتاج إلی تلک المقدمات المحتاج إلیها فی القسم الأوّل-یمکن أن یقال هنا أیضا بأنّ مفهوم الصلح کمفهوم الإرادة له مصداقان، أحدهما حقیقی و هو متقوّم بسبق نزاع أو بالأعمّ منه و من ترقّبه،و الآخر اعتباریّ، و هو لا هویّة له سوی التلفّظ بهذه اللفظة مع قصد تحقّق مفهومه،و لا حاجة فیه إلی نزاع أصلا.

لا یقال:الإنشاء و إن کان متمشّیا،لکن حاله حال الإنشاء فی مثل(بعث

ص:164

السماء)غیر مقرون بالجدّ،و من المعلوم احتیاج التأثیر إلیه.

لأنّا نقول:الجدّ و عدمه إنّما ینتزعان من کون الإنشاء بداعی ترتّب الأثر الذی یفیده الإنشاء بحسب طبعه و کونه لا بهذا الداعی کما هو الحال فی(بعت السماء)،و من المعلوم أنّ المقصود من الإنشاء فی المقام ترتّب الأثر أعنی:وقوع المعاوضة بین المالین التی هی المصالح علیها،فالمقام حاله حال الآمر الذی إنشاؤه الأمر بداعی إیجاد المتعلّق،لکن لا لغرض فی المتعلّق و شوق نفسانی منه إلی حصوله،بل کان حصوله و عدمه سیّان عنده و لکن تعلّق غرضه بنفس إنشاء الأمر بداعی تحریک المخاطب،فلا شبهة أنّ هذا الأمر و البعث جدّی و ملزم للامتثال عقلا،فکما أنّه غیر مشتاق إلی الفعل و لکنّه طالب له بغرض التحریک الذی هو الأثر الطبعی للطلب،کذلک هنا أیضا لیس مصداق الصلح الحقیقیّ فی النفس حاصلا،و لکنّه منشئ له بالصیغة بغرض أثره الطبعی الذی هو الانتقال مثلا.

لکن هذا علی مذاق من یقول بالوجود الاعتباری علی نحو ما یقوله القائل المذکور،و أمّا علی ما هو الحقّ من أنّ المنشئ أبدا مظهر عن المعنی فی ضمیره و بتبع هذا الإظهار قد یتحقّق عنوان حقیقیّ واقعیّ،فلا یتمشّی إنشاء الصلح إلاّ مع سبق النزاع أو ترقّبه.

و نحن و إن قلنا بأنّ الإرادة فی صورة عدم الشوق نحو الفعل المراد یمکن أن تصیر مخلوقا للنفس لأجل المبادی فی نفسها،و لکنّها مع ذلک لا یمکن بالنسبة إلی فعل غیر مقدور کالطیران،و البناء القلبی علی الصلح أیضا من هذا القبیل، فلا یمکن تمشّیه لأجل مصلحة فی نفسه کما لا یتمشّی إرادة الطیران.

و إذن فلا محیص إلاّ عن تعمیم معنی الصلح و لو عند الشارع بأن علم من دلیل خارجیّ أنّ المصالحة التی جعل لها الأثر فی الشرع أعمّ من هذا الذی فی

ص:165

أذهاننا من هذه اللفظة،و هو مطلق القرار علی الشیء.

و حاصل الکلام:أنّ المتبادر من لفظ الصلح،ما کان مسبوقا بالمنازعة، فیختص بالرفع فلا یشمل الدفع إلاّ علی ضرب من التجوّز.غایة الأمر إنّه علی قسمین:صلح خارجیّ و هو أن یقبّل مثلا کلّ منهما وجه الآخر،و صلح عقدی و هو أن یصالح بینهما فی منازعة مالیّة بأن یتحمّل کلّ واحد أو واحد بعض الخسارة علی سبیل العفو و الإغماض.

و علی کلّ حال فالتمسّک لإجراء عقد الصلح فی غیر مورد سبق النزاع بإطلاق دلیل«الصلح جائز»کما وقع فی کلامی المسالک و الجواهر لا یخلو من نظر،فإنّ التمسّک بالإطلاق فرع إحراز عنوان الموضوع.

نعم الظاهر تحقّق الإجماع من الشیعة علی عدم الاختصاص بصورة سبق النزاع و لکنّ القدر المتیقّن منه صورة توقّعه،بل الظاهر من استدلال البعض علی الجریان فی مورد عدم السبق و التوقّع-بأنّه لا قائل بین الأمّة بالفصل بین الصورتین و بین غیرهما-تحقّق الإجماع فی صورة عدم السبق و التوقّع أیضا،و لکن الکلام فی إتمام المطلب علی القواعد مع قطع النظر عن الإجماع.

و حینئذ نقول:استدلّ شیخنا الأستاذ-دام علاه-علی التعمیم بروایات مشتملة علی إسناد الصلح إلی المدیون الذی أبرأه الدائن إمّا من تمام الدین و إمّا من بعضه.

منها:الصحیح عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«فی الرجل یکون علیه الشیء فیصالح(فیتصالح خ ل)؟فقال-علیه السلام-:إذا کان بطیبة نفس من صاحبه فلا بأس» (1).

ص:166


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 5،فی أحکام الصلح،ص 166،ح 3.

و منها:ما عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-«قال:سألناه عن الرجل یکون عنده المال لأیتام فلا یعطیهم حتّی یهلکوا،فیأتیه وارثهم و وکیلهم فیصالحه علی أن یأخذ بعضا و یدع بعضا و یبرأه ممّا کان علیه،أ یبرأ منه؟قال-علیه السلام-:نعم» (1).

و منها:روایة علی بن أبی حمزة«قال:قلت لأبی الحسن-علیه السلام-:رجل یهودیّ أو نصرانی کانت له عندی أربعة آلاف درهم مات،إلی أن أصالح ورثته و لا أعلمهم کم کان؟قال-علیه السلام-:لا یجوز حتّی تخبرهم» (2).

و احتمال کون الکلمة فی الأولی«فیتصالح»لا یضرّ،لأنّه مشترک مع کلمة «یصالح»،و ما اشتهر فی الفارسیة من ذکر المتصالح فی مقام المطاوعة،من الأغلاط المشهورة،و أمّا احتمال کونها بفتح اللام و فعلا مجهولا فیبعده أمران:

أحدهما:رکاکة نسبة المفعولیّة إلی المخاطب بکاف الخطاب فی صالحتک و هو کنسبة المبیوعیّة إلی المخاطب بکاف الخطاب فی بعتک،بل المتعارف التعبیر عنه بالمصالح له،و عن الثانی بالمشتری أو المبیوع منه.

و الثانی:أنّه إذا صدر السؤال بذکر موضوع ثمّ عقّبه بفعل فالظاهر کونه معلوما و إن احتمل کونه مجهولا لکنّه مخالف لظاهر الأسلوب،ألا تری إذا کان السؤال بهذه الصورة:(رجل له بیت فیصلّی فی بیته؟فقال:لا بأس)فکلمة یصلّی و إن احتمل أن یکون مجهولا حتّی یکون المراد:أنّ الغیر یجیء و یصلّی فی منزله،لکنّه بعید و لا یقرأ الکلمة إلاّ معلوما.

و هذا الوجه الثانی یجری فی الروایة الثانیة أیضا بالنسبة إلی احتمال أن یکون فاعل(یصالحه)الضمیر الراجع إلی الدائن أعنی:الوارث،فإنّه خلاف تصدیر

ص:167


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 6،فی أحکام الصلح،ص 167،ح 1.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 5،فی أحکام الصلح،ص 166،ح 2.

الکلام بذکر الرجل الذی عنده مال فإنّ الظاهر إسناد(یصالحه)إلیه.

و علی هذا فتقریب الاستدلال:أنّ المصالحة من طرف المدیون مع فرض معلومیّة أصل الدین و مقداره لا تتحقّق بمعنی رفع الید عن الخصومة إلی العفو و المسالمة،لأنّه حینئذ إمّا لا یدفع تمام الدین،و إمّا یدفع بعضه فقط،و علی کلّ حال فالعفو من طرف الدائن،لأنّه یتجاوز علی سبیل التخییر عن أخذ ماله إمّا بالتمام أو ببعضه،و أمّا المدیون فبالنسبة إلی البعض الغیر المدفوع لا تجاوز منه کما هو واضح،و کذا بالنسبة إلی البعض المدفوع،لأنّه فی دفعه مرید لاستخلاص رقبته و استفراغ ذمّته،و أیّ تجاوز و فتوة فی ذلک؟ نعم بالنسبة إلی من لا یقنع بأحکام الشرع و یسلک سبیل الظلم و التعدّی علانیة یمکن التجاوز،إلاّ أنّ الکلام فی غیر مثل هذه الخصومات ممّا کان له و لو فی الظاهر طریق،لا ما کان من محض الظلم.

و بالجملة:لا یتحقّق فی الفرض المذکور الصلح القراری إلاّ من جانب الدائن،و أمّا کون ذلک کافیا لصحّة الإسناد إلی المدیون بملاحظة أنّه مورد هذا الصلح،ففیه ما عرفت من أنّ المتحقّق من قبله لیس هو ما یقال له فی الفارسیّة:

(آشتی)و(سازگاری).

نعم یتحقّق ذلک فی ما إذا کان مقام الإثبات مشکوکا إمّا فی أصل الدین و إمّا فی مقداره،فتراضیا علی مقدار معین،فإنّ العفو و الإغماض حینئذ من طرف المدیون بملاحظة أنّه یحتمل براءة ذمّته رأسا أو عمّا یوازی هذا المقدار،و من طرف الدائن بملاحظة أنّه یحتمل الاشتغال بأزید منه،و هذا واضح.

لکنّ المفروض فی الروایتین الأخیرتین المفروغیّة عن مرحلة الإثبات من کلتا الجهتین،نعم تحتمل الروایة الأولی الجهل بالمقدار،فیمکن أن یقال فیها بأنّ لفظ

ص:168

(یصالح)بعد ظهوره فیما یرادف لفظة(آشتی)فی الفارسیة،لا بدّ من حمله علی صورة الجهل بالمقدار من باب کونه محقّقا لمصداق هذا المفهوم،کما إذا قیل:من یصالح کذا،فإنّه محمول علی صورة تحقّق المحقّقات،لکن فی الروایتین الأخیرتین کفایة.

و علی هذا فلا بدّ من حمل لفظ المصالحة الواقع فی الروایة علی غیر ما یتبادر منه و هو مطلق جعل القرار علی الشیء،سواء کان مربوطا برفع خصومة حاصلة أو دفع خصومة متوقّعة أم لم یکن کذلک.

و لا یخفی أنّه علی هذا یصیر قسیما لتمام العقود و أعمّ موردا و أکثر نفعا من جمیعها،و ذلک لأنّه کما یجری فی موارد تمامها-لأنّ القرار و المواضعة و الاصطلاح متمشّ فی الجمیع-یجری أیضا فی مثل إسقاط الدعوی الذی لا یجری فیه غیره.

و أمّا وجه القسیمیّة،فلأنّ البیع مثلا إنشاء الملکیّة بعوض،و الهبة إنشاء الملکیّة مجّانا،و الإجارة إنشاء الملکیّة للمنفعة بعوض،و لکنّ المنشأ الأوّلی هنا هو القرار و التوافق و متعلّقه نفس العین أو المنفعة،نعم لازم ذلک هو التملیک،و أمّا العوض و هو مدخول(باء)فیکون مقابلا لنفس القرار،فلو فرض أنّه أراد إنشاء نفس التملیک ابتداء و جعل العوض مقابلا لنفس المملوک،خرج عن عنوان الصلح.

لا یقال:علی ما اعترفت به من تبادر معنی المسالمة و الإغماض بعد الخصومة من اللفظة،فلا تصیر الروایة مصادمة لهذا الوجدان القطعی.

و علی فرض الشک فإعمال أصالة الحقیقة فی مثل المقام ممّا یکون المراد معلوما مبنیّ علی مذهب السیّد المرتضی-قدّس سرّه-و قد ارتضیتم فی محلّه خلافه،فالتمسّک بالروایات لا یفید فی تعیین حال معنی اللفظة.

ص:169

لأنّا نقول:ما ذکرت حقّ لو کنّا فی الاستدلال بصدد تشخیص الوضع اللغوی،و أمّا إن کنّا بصدد تعیین الموضوع الذی أطلق علیه الشرع هذه اللفظة و رتّب علیه الأثر سواء کان بحسب اللغة حقیقة أم مجازا فلا إشکال.

و علی کلّ حال فاللازم بعد ما عرفت من عدم أخذ معنی رفع الخصومة فی الصلح الذی یراد فی لفظ الإیجاب عند الشرع أن لا یکون شرط الخیار منافیا لمقتضی العقد حتّی فی مورد وقوعه فی مقام رفع الخصومات،لأنّ الرفع المذکور فی هذا المورد أیضا خارج عن حقیقته،فعموم دلیل الشرط لا مانع من التمسّک به، و کذا کلّ خیار ثبت بالعمومات مثل خیار الغبن.

و أمّا ما کان دلیله خاصّا بعنوان مخصوص مثل خیاری الحیوان و المجلس، فلا مجال لجریانها فیه،و لکن ما ذکرنا من إمکان التمسّک فی ما کان دلیله العمومات بالنسبة إلی خیار الشرط الذی دلیله عموم(المؤمنون.)إنّما هو صرف الإمکان و إلاّ فالتحقیق کما مرّ الإشارة فی أوّل البحث إلیه عدم الجواز،لأنّ هذا الشرط مناف للمشروع فی عقد الصلح،و ذلک لمنافاته لإطلاق قوله-علیه السلام-:

«الصلح جائز بین المسلمین» (1)فما ذکرنا إنّما هو فی مقام عدم کون الشرط منافیا لمقتضی حقیقة عقد الصلح مع قطع النظر عن حکمه و أنّه فی الشرع النفوذ المطلق أولا.

و أمّا ما عن بعض الأساطین من التفصیل بین الصلح المشتمل علی الإبراء فلم یجوّز فیه الشرط و غیره فجوّزه،فلعلّه مبنیّ علی أنّ الإبراء و الإسقاط حیث إنّه إعدام لا یقبل الفسخ عند العرف،لأنّ العدم لا یقبل العدم،لکنّک عرفت الخدشة فیه فی ما تقدّم مع أنّه منقوض بمثل بیع الدین علی من هو علیه،حیث

ص:170


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 3 فی أحکام الصلح،ص 164،ح 2.

إنّه علی هذا لا بدّ من عدم جریان خیاری المجلس و الغبن و خیار الشرط فیه أیضا لأنّه أیضا مفید للإسقاط.

و من هذا القسم الرهن،و الظاهر منافاة شرط الخیار فیه لمقتضاه،فإنّ حقیقته استیثاق الدائن بأنّه متی تعذّر الوصول إلی دینه استوفاه من هذا المال، و ترتفع هذه الوثاقة مع جعل الخیار للراهن،و من هذه الجهة منعوا عن رهن مثل الطیر فی الهواء و السمک فی الماء،فإنّه نظیر رهانة الشخص مع کون اختیار الذهاب بید نفسه،فإنّ حقیقة المعنی الذی یعبّر عنه فی الفارسیّة ب(گرویی)لا یتحقّق و لو فرض أنّ المرتهن یطمئنّ بأنّه لا یذهب،فإنّ هذا الاطمئنان الخارجی لا یفید فی صدق المعنی بعد کون الاختیار بیده بحیث متی شاء ذهب،کما لا یقال فی حقّه إنّه محبوس بحبس النظر.

و من هنا یظهر أنّه لو جعل الخیار بعد انقضاء مدّة کرأس ستّة أشهر لا یکفی بعد کون الرهانة فی تمام السنة،فإنّه لا یجامع مع الرهانة فی ما بعد الستّة أشهر و إن کان لا ینافی مع ما قبلها،و هکذا الکلام بعینه فی باب الضمانة حرفا بحرف فلا یحتاج إلی الإطالة.

و من القسم الأخیر أعنی:ما اتّفق علی صحّة شرط الخیار فیه ما عدا الصرف و السلم،و بیع من ینعتق علی المشتری،و العبد المسلم المشتری من الکافر، من أقسام البیع سواء فی ذلک المعاطاة و غیرها،و إن استشکل فی جریان مطلق الاشتراط فی مطلق العقد المنشأ بالفعل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،لکن من الممکن أن یتقاولا سابقا علی الإنشاء الفعلیّ علی الاشتراط،کما یتقاولان علی تعیین کمّیة العوضین و کیفیّتهما،ثمّ یؤتی عند التقابض بکاشف فعلیّ کالإشارة بالید و نحوها للإشارة إلی الاشتراط السابق بقصد الإنشاء.

ص:171

و لو فرض قصور الدلالة فی الإشارة کفی التلفّظ بقول علی الشرط المذکور مقارنا للإعطاء أو القبض،فإنّه حینئذ یرتبط بالإنشاء الفعلی کما یرتبط الفعل باللفظ بمعنی أنّ الاحتفاف به قد یوجب تغییرا فی ظهوره،و بالجملة لم أعرف وجها للإشکال فهو-قدّس سرّه-أعرف بما قال.

بقی الکلام فی الضابطة التی أفادها شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام لتحقیق أنّ أیّ عقد یجری فیه شرط الخیار؟و أیّ عقد لا یجری؟و هو جریان الإقالة و عدمه،فأناط الجریان بجریان الإقالة و العدم بعدم جریانها.

قال شیخنا الأستاذ-دام بقاه-:یمکن تسلیم أصل الأولویة فی طرف النفی،فإنّ طرفی العقد اللذین هما العاقدان له إذا اتّفقا علی الحلّ و لم یثمر فی الانحلال فاستقلال أحدهما علی الحلّ بدون رضی الآخر إلاّ حال الاشتراط فی ضمن العقد یکون غیر مثمر بالأولویّة،و إن کان هذا أیضا منقوضا بباب النکاح، حیث إنّه مع عدم جریان الإقالة فیه یجری فیه فسخ الواحد عند العیوب المخصوصة.

و أمّا فی جانب الإثبات فلا وجه للأولویّة أصلا،فإنّه إمّا یراد بذلک أنّه إذا رأینا أنّ العقد قابل للانفساخ فی الجملة کفی ذلک فی مشروعیّة الفسخ،لنقض ذلک بباب النکاح،حیث علم فیه قابلیّته للفسخ فی الجملة مع عدم جریان الشرط فیه،و إن أرید کما هو ظاهر الکلام أنّ مناط الإقالة جار مع الشرط ببیان:

أنّه إذا کان توافق الطرفین علی الحلّ الفعلی مثمرا فاستقلال أحدهما إذا کان ناشئا عن التوافق فی ضمن العقد علی هذا الاستقلال أیضا حاله حال التوافق الفعلیّ.

ففیه منع الأولویّة،فإنّ باب الإقالة باب إقالة النادم و یعتبر فیه تقارن الرضاءین فعلا،و دعوی عدم الفرق بین التواطؤ الفعلی و بین التواطؤ السابق علی

ص:172

استقلال أحدهما منقوض بباب العقد،فإنّه أیضا یکفی فیه توافق الطرفین علی عقده،و مع ذلک لو تواطئا علی استقلال أحدهما ثمّ بدا لصاحبه و استقلّ الآخر بالعقد لا یکفی قطعا.

و إن أرید أنّه و إن لم یتحقّق الرضی الفعلی من صاحب الفاسخ حال الفسخ وجدانا،و لکنّه متحقّق تعبّدا،بمعنی أنّ قول الشارع:«ف بشرطک»منزّل لرضاه الحاصل حال العقد منزلة المستمر إلی ما بعده حین فسخ صاحبه،ففیه:

أنّه دور واضح،فإنّ المفروض أنّا نشکّ فی المشروعیّة مع قطع النظر عن هذا التنزیل،و إنّما یصیر مشروعا بالدخول تحت الإقالة بواسطة هذا التعبّد،و فرضنا أنّ التعبّد المذکور أیضا یحتاج إلی مشروعیّة المشروط مع قطع النظر عنه و هذا واضح.

الرابع:خیار الغبن

اشارة

لا حاجة إلی تعیین معنی اللفظة لغة،لأنّه ما وقعت فی آیة أو روایة،بل المحتاج إلیه تشخیص موضوع أدلّتهم و إجماعهم،و هو کما یعتبر فیه جهل المغبون،یکون أعمّ من حیث جهل صاحبه و علمه.و یعتبر فیه أیضا أن یکون الزیادة أو النقصان بما لا یتسامح به عادة.

فلا بدّ من التکلّم فی هذا الموضوع بأیّ اسم سمّی.فنقول و علی اللّه التوکّل:

لا إشکال فی صورة علم المغبون بالحال فی الصحّة و اللزوم کما عرفت،إنّما الکلام فی الجاهل و هو علی قسمین،لأنّ جهله إمّا بسیط و إمّا مرکّب.

أمّا القسم الأوّل:فأصل صحّة المعاملة و الحال هذه علی القاعدة فی غایة الإشکال،و هل تری من نفسک أنّ الغرر فی هذا أقلّ من الغرر فی صورة الجهل بالجنس أو الوصف أو الکمّ؟

ص:173

مثلا إذا عرف أنّ الجنس فیروزج و عرف صفته من اللون و غیره بالإحساس، و لکنّه لعدم کونه خبرة شاکّ فی أنّه مقوّم بتومان واحد أو بخمسین تومانا؟فأقدم بدون الفحص علی سبیل الحظ و البخت علی شرائه بخمسین،لا یکون هذا بأدون من إقدامه علی شراء ما فی الصندوق مع تردّده بین خاتم واحد من فیروزج بتومان واحد أو خمسین خاتما کلّ واحد کذلک،فکما أنّ الثانی یعدّ فی العرف جزافا، و بعبارة فارسیة(دل بدریا زدن)کذا الأوّل بلا فرق.

نعم الجهل بالکمّ-و لو انفک عن الجهل بالمالیة کما لو علم أنّه علی کلا التقدیرین من کونه واحدا أو خمسین مقوّم بخمسین-قام الإجماع علی مضرّیته، و لکنّ الکلام فی موضوع الغرر و الخطر الذی هو أیضا واقع تحت النهی، فالإنصاف أنّهما من هذه الجهة علی نحو واحد،فالحکم بالصحّة فی ما نحن فیه من الجهل بالقیمة مع العلم بالجنس و الصفات و المقدار لا یتمّ إلاّ بالإجماع کما هو المحقّق.

و بعد ذلک فإثبات الخیار للمغبون أیضا علی القاعدة فی غایة الإشکال، لأنّ الأدلّة لا تفی فی هذا القسم بإثباته.

أمّا إنّه التجارة عن تراض،فلأنّ المفروض رضاه بوقوع المعاملة مع احتماله أنّه انقض من الثمن بمراتب،و بعد دخوله تحت التراضی فخروجه عن الأکل بالباطل أیضا واضح.

و أمّا قاعدة لا ضرر،فإنّه مقدم علی الضرر،فإنّه بالفرض محتمل و لیس لاحتمال الضرر دافع من أصل عقلائی،غایة الأمر إنّه دخل برجاء احتمال النفع، و لهذا لو انفک الاحتمال الأوّل عن هذا الرجاء و کان قاطعاً بالضرر لما أقدم،و لکنّه ما لم یوطّن نفسه علی تحمّل الضرر فی جنب ما یرجوه من حصول النفع لما کان

ص:174

مقدما مع الاحتمال أیضا،بل یکون متجاوزا عن النفع المحتمل خوفا عن الضرر المحتمل.و الحاصل أنّ هذا شخص جعله الرجاء المذکور مقدما علی الضرر علی تقدیر ثبوته.

و أمّا فی صورة ثبوت الاحتمال مع الدافع العقلائی،فالاحتمال یصیر موهونا غیر قابل للاعتناء و بمنزلة العدم،فهو قد تحرّز عن الضرر بالطریق العقلائی و علی وجه یعذره العقلاء و لا یلومونه،إلاّ أن یکون الضرر خطیرا فی الغایة بحیث یکون احتماله و لو موهوما واجب التحرّز عندهم،فحینئذ یکون حاله حال الاحتمال، و الحاصل أنّ هذا أیضا و إن کان إقداما لکنّه عن حجّة و معذّر،و الأوّل إقدام بلا حجّة،و المتیقّن من الخروج عن قاعدة لا ضرر هو الأوّل.

و کیف کان فإثبات الخیار فی هذا القسم أعنی الجاهل البسیط الغیر القائم عنده امارة عقلائیّة،لا یتمّ إلاّ بالإجماع کما هو المحقّق أیضا.

و أمّا القسم الثانی:و هو الجاهل المرکّب و المحتمل القائم لدیه امارة عقلائیّة فأصل الصحّة فیه لا إشکال فیه،و أمّا إثبات الخیار فقد یتشبّث فیه بآیة:ال تِجارَةً عَنْ تَراضٍ تارة و بآیة لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ أخری،و الظاهر عدم التمامیّة فی شیء منهما،لأنّ المعاملة علی هذا الوجه و إن فرض أنّ وصف کون العوض ممّا یساوی قیمته العوض الآخر وصفا مقوّما فی المعاملة،کوصف الصحّة و أمثاله لا من قبیل الدواعی،لا یخلو حالها إمّا یقال:

إنّها مع تخلّف هذا الوصف و کونه أنقص من عوضه قیمة لا یخرج عن عنوان التجارة عن تراض.

و إمّا یقال:إنّها مع هذا التخلّف خارجة عن العنوان المذکور،فالثانی مفید للبطلان علی تقدیر استفادة الحصر من الآیة،أو لا یستفاد حکمه صحّة و بطلانا

ص:175

من الآیة علی تقدیر عدم الاستفادة،و الأوّل غایة ما یفیده هو الصحّة،و أمّا الخیار فساکت عنه کما یکون ساکتا عن عدمه.

و من هذا یعلم الخدشة فی الاستدلال بالآیة الثانیة،فإنّ أمرها أیضا دائر بین صدق عنوان الأکل بالباطل و عدم الصدق،فعلی الثانی لا یستفاد حکمه أو یستفاد أصل الصحّة المجامعة مع الخیار و اللزوم،و علی الأوّل یستفاد البطلان، فالحقّ أنّ الآیتین لیستا بدلیلین فی الباب.

و قد یقال:إنّ وصف المساواة مع العوض قیمة و عدم النقصان عنه کذلک مأخوذ فی طرف المبادلة و المعاوضة علی وجه القیدیّة،مثل ما إذا صرّح فی اللفظ بذلک بصورة الوصف أو الشرط،فکما أنّه فی هذه الصورة لم یکن إشکال فی تحقّق الخیار علی القاعدة المقتضیة للخیار فی صورة تخلّف الوصف و الشرط،فکذا مع عدم الذکر اللفظیّ،و لکن کان عقد المعاملة مقیّدا واقعا و فی نفسهما بثبوت وصف المساواة،فتکون قاعدة تخلّف الوصف جار هنا بلا فرق.

و فیه:منع ذلک و لا أقلّ من الشک.

و قد یتمسّک أیضا بما ورد فی خیار تلقّی الرکبان.و فیه:أنّ الروایة غیر موجودة فی کتب الإمامیّة،و الشهرة و إن کانت علی طبقها،لکنّ الاستناد غیر معلوم،علی أنّه علی فرض التسلیم،یمکن أن یکون قسما مستقلا من الخیار غیر متوقّف علی الغبن،و علی فرض التوقّف أیضا لا وجه للتعدّی عن مورده بعد عدم عموم فی اللفظ.فالدلیل فی الباب لو کان إنّما هو قاعدة لا ضرر،فاللازم التکلّم فیه.

فنقول و باللّه الاستعانة:قد یقال فی تقریب الاستدلال:إنّ المراد بالنفی بعد تعذّر إرادة الحقیقة نفی آثار الضرر،کما فی لا رجال و أمثاله،فیکون المراد بالضرر

ص:176

الموضوع الضرری کالعقد الغبنی و الوضوء الشینی و أمثالهما،فکما یراد من لا رجال أنّ آثار الرجال منفیّة،یراد بهذا أیضا أنّ آثار العقد الغبنیّ و الوضوء الشینی منفیّة.

ثمّ آثار العقد الجواز التکلیفیّ و الصحّة الوضعیّة و اللزوم الوضعی،و حیث قام الإجماع علی ثبوت الأوّلین یکون المرفوع فیه هو الأخیر،مع أنّه یمکن أن یقال بأنّه لا وجه لرفع الأوّلین،لأنّ المرفوع و المنفیّ هو الأثر المترتّب علیه الضرر لا غیره،و الصحّة و کذا الجواز التکلیفیّ الذی یترتّب علیهما فی الآن العقلیّ المتأخّر عنهما الجواز الوضعی،و السلطنة للمغبون علی الفسخ لیس فیها ضرر أصلا، و خروج المال عن ملک المغبون بإزاء الأقلّ من قیمته و إن کان قد حصل بنفس الإنشاء و لکن هذا الآن العقلیّ عند العرف حاله حال الفلس الواحد حیث إنّه أیضا ضرر بالدقّة،و لکنّه یتسامح فیه العرف و لا یعدّونه ضررا.

و علی هذا فلیس فی إثبات الصحّة تخصیص فی قاعدة لا ضرر،لأنّها لیس من ناحیتها الضرر و إن کان یندفع بنفیها،فتعیّن الأمر فی نفی اللزوم،و هو و إن کان أعمّ من الجواز بمعنی ثبوت حقّ الخیار المتفرّع علیه الإسقاط و الإرث و سائر آثار الحقّ،لأنّه یلائم مع الحکم و لکنّ المقصود و هو نفس قدرة المغبون علی الفسخ حاصل،و إن کان آثار الحق لیست جاریة،هذا.

و لکن فی هذا التقریب إشکال من جهتین.

الأولی:أنّه فرق بین کلمة(لا)النافیة للجنس و بین قولنا:رفع کذا،کما فی حدیث الرفع،فالثانی ظاهر فی أنّ العنوان التالی مثل النسیان و الخطأ موجب لارتفاع الأثر المترتب علی الذات المعنونة به،ضرورة أنّ العنوان المقتضی لثبوت الأثر لا یمکن أن یقتضی ارتفاعه،و هذا بخلاف النفی الوارد علی العنوان بکلمة لا،فإنّ الظاهر أنّ المنفی الأثر المترتّب الجائی من قبل نفس هذا العنوان کما هو

ص:177

الشائع فی الترکیبات التی من هذا القبیل،مثل لا رجل،و لا ربا بین الوالد و ولده، حیث یؤتی بذلک فی مقام أنّ الأثر الذی یقتضیه عنوان الرجولیّة و الربویّة منتف فی هذا المصداق من الرجل و الربا.

فالمناسب لهذا فی المقام أن یراد بقولنا:«لا ضرر»:أنّه لیس فی هذا الضرر، الآثار المترقّبة من طبیعة الضرر کما یقال فی الضرر الیسیر:لیس هذا بضرر،و أمّا الإرجاع إلی المعنونات بهذا العنوان مع جعل العنوان عبرة حتی کأنّ قیل العقد الغبنی لیس بعقد،و الوضوء الشینی لیس بوضوء،فهو خارج عن متفاهم اللفظ عرفا،بل الظاهر أنّ الموضوع بما هو معنون بعنوان الضرر منفیّ،و لازمه حسب نظائره رفع الآثار المترتّبة علی عنوان الضرر.

الثانیة:سلّمنا الحمل علی نفی آثار الذات و لکن حسب اعترافه یکون المنفی خصوص الآثار المترتّب علیها الضرر،و لهذا ذکر أنّ الصحّة و الجواز التکلیفیّ باقیان،و علی هذا فمقتضی ذلک لیس نفی اللزوم برأسه،فإنّه لو فرض کونه مشروطا ببذل الغابن التفاوت فورا بدون فاصلة معتدّ بها لیس فیه أیضا ضرر، نعم إطلاقه بالنسبة إلی مورد التسامح من البذل ضرریّ،فاللازم من هذا إنّما هو الجواز المشروط لا المطلق کما هو المدّعی.

و ممّا ذکر فی الجهة الثانیة یعرف الخدشة بناء علی المعنی الآخر للحدیث اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-و هو:أن یکون النفی علی حقیقته مثل لا رجل فی الدار،و أرید بالإسلام الأحکام المجعولة فی هذه الشریعة،فکأنّه قیل:لا ضرر فی هذه الأحکام،و مرجعه إلی نفی جعل الحکم الضرری،فلو اقتضی إطلاق أو عموم شمول حکم لمورد ترتّب الضرر یکون الحدیث حاکما علیه.

إذ علی هذا نقول:لنا فی العقد الغبنی حکمان.الأوّل:مثل أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ ممّا مفاده الصحة و هو غیر مترتّب علیه ضرر کما تقدم بیانه.

ص:178

إذ علی هذا نقول:لنا فی العقد الغبنی حکمان.الأوّل:مثل أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ ممّا مفاده الصحة و هو غیر مترتّب علیه ضرر کما تقدم بیانه.

و الآخر مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و استصحاب الملک ممّا مفاده اللزوم و هذا أیضا لا یترتّب علیه فی مورد إقدام الغابن فورا علی بذل التدارک ضرر،فلا وجه لرفع الید عن إطلاقه.

لا یقال:بذل التدارک عبارة عن تملیک ما یساوی الزیادة مجّانا،و هذا أمر مستقلّ لا ربط له بالضرر الذی ورد علی المغبون فی عقده،و المربوط به إنّما هو إعادة نفس ماله.

لأنّا نقول:نعم لو کان الداعی هبة مستقلّة،و أمّا لو کان الداعی هو التدارک بحیث لو لا ورود الضرر لما وهب،فنمنع ما ذکرت،فإنّ هذا عند العرف یعدّ جبرانا لذلک الکسر و تدارکا لذلک الضرر،و نفس اللزوم المقرون بهذا التدارک حاله حال الصحّة المقرونة بالجواز،فکما أنّ الثانی لیس عند العرف ضررا فکذا الأوّل،فاللازم علی هذا أیضا تخصیص الجواز بحال عدم بذل التفاوت أو التسامح فیه.

بل نقول و هکذا الحال أیضا بناء علی ما اخترناه فی محلّه فی معنی الحدیث من حمل النفی علی حقیقته و عدم الإشارة فیه إلی الأحکام المجعولة،و المراد بکلمة «فی الإسلام»ما هو المراد فی«لا رهبانیّة فی الإسلام»،فهو إشارة إلی هذا المذهب، و نظیر لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ (1)غایة الأمر أنّ النفی تشریعی و المراد به أنّ الشارع بحسب التشریع سدّ باب الضرر بجمیع الجهات الممکنة بحسب وظیفة التشریع،و مرجعه إلی أنّه حرّم الضرر تکلیفا ثمّ علی تقدیر العصیان یکون بقاء هذا الضرر الحادث أیضا مسدودا بإیجاب ردّ العین،کذلک علی تقدیر البقاء

ص:


1- 1) سورة البقرة197/.

و تضمین الضار لصاحب المال علی تقدیر التلف.

فإنّه قد یقال علی هذا:أمّا الصحّة و الجواز التکلیفی فقد عرفت حالهما، و أمّا اللزوم علی تقدیر عدم بذل الغابن التفاوت فلا داعی إلی رفعه بناء علی هذا المعنی،لإمکان إثباته و التوسّل إلی نفی الضرر بإیجاب البذل علی الغابن،إذ هو مغن عن جعل اختیار الفسخ للمغبون،و إن أبیت عن کفایة صرف التکلیف فتضمینه الأرش بلا شبهة یکون کافیا،فیمکن حفظ ظهور دلیل اللزوم حتی فی هذه الصورة أیضا.

و لکن نقول:إنّ سدّ الضرر تشریعا ما دام للوظیفة التشریعیّة مجال لا یکفیه هذا المقدار،إذ فی فرض الامتناع عن الأرش بعد هذا التضمین الشرعی أیضا یکون للوظیفة مجال و هو رفع اللزوم عن العقد،فإذا صار رفع لزوم العقد هو المرحلة الأخیرة و لا بدّ منها فالإیجاب و التضمین المذکوران لغو،لکفایة تشریع رفع اللزوم علی تقدیر المسامحة فی البذل عن تشریعهما و عدم کفایتهما عنه،فتکون النتیجة علی هذا أیضا هو جعل الخیار المشروط کما علی المعنیین الأوّلین،هذا.

و حاصل الکلام فی المقام أنّ معنی الحدیث الشریف لیس أنّ الحکم الضرری لیس فی الأحکام الإسلامیة،و لیس أنّ الموضوع الضرری منفی حکمه الثابت له مع قطع النظر عن الضرر،أمّا الثانی فلما عرفت،و أمّا الأوّل،فلأنّ المتبادر من کلمة«فی الإسلام»ما یراد فی قول القائل:أوّل رأس رفع علی الرمح فی الإسلام،و أوّل مولود ولد فی الإسلام،و لیس هذا بأوّل قارورة کسرت فی الإسلام بالجملة إرادة الجامعة و الحوزة فی هذه العبارة ممّا لا شبهة فیه،إذ لا معنی لإرادة مظروفیة الأحکام للولادة و رفع الرأس و کسر القارورة،فالمتبادر إلی الذهن کون الکلمة فی الحدیث أیضا من هذا الباب.

ص:180

و حینئذ فالمراد بالنفی هو التشریعی و من الضرر نفس موضوعه الخارجی و مرجع النفی التشریعی لموضوع الضرر أنّ الشارع شرّع التشریعات التی لها مدخل فی سدّ باب الضرر علی حسب ما یقتضیه کلّ مقام،ففی مقام یکون بجعل النهی،و فی آخر بعدم الإمضاء،و فی ثالث بتشریع الخیار،و فی رابع بغیر ذلک من وجوه التشریع الدافعة النافیة للضرر.

و حینئذ نقول:فی المعاملة الغبنیّة دلیل الصحّة منفکّ عن دلیل اللزوم،و رفع الید عن ظهور الأوّل بلا وجه،لأنّ الصحّة بمجرّدها و لو انضمّ معها تشریع الخیار و التسلّط علی الردّ لیست ضرریا،و لا ینافی سدّ الضرر تشریعا کما عرفت، بل الضرر جاء من عدم إمکان التخلّص عن هذا الضرر الجائی بالصحّة.

و بالجملة الضرر الممکن التخلّص تشریعا فی آن بعد تشریعه لا ینافی تشریع نفی الضرر و أمّا دلیل اللزوم الجائی من قبله عدم إمکان التخلّص فنقول:

هذا أیضا بمجرّده لا ینافی تشریع النفی،بل إذا قیّد بعدم انضمام الجبران إلی الضرر الواقع،فإنّ عدم إمکان التخلّص عن الضرر الذی یتعقّبه جبرانه -لا تملیک خارجی غیر مرتبط به-لا ینافی نفی الضرر تشریعا،فالذی ینافیه إنّما هو جعل اللزوم فی خصوص ما إذا لم یلحقه الجبران و الأرش و لازم جعل نفی الضرر رفع الید عن إطلاق دلیل اللزوم فی هذا المورد،فیحصل الخیار عند عدم البذل.

غایة ما یمکن أن یقال هنا إنّه یمکن سدّ الضرر مع بقاء اللزوم بحاله بوجوه أخر،الأوّل:إیجاب الغرامة تکلیفا أو وضعا علی الغابن،و الثانی:إلزام الغابن و إجباره علی الفسخ،و الثالث:إلزامه بواحد من هذین الأمرین شاء، و الرابع:اختیار المغبون فی استرداد خصوص الزائد بفسخ البیع عند امتناع الغابن

ص:181

عن البذل،و مع هذه الاحتمالات لا وجه لرفع الید عن دلیل اللزوم.

و لکن فیه:أنّ الوجه الأخیر ینافی قضیّة الفسخ،لأنّه حلّ المعاوضة فلا یمکن حلّها بحیث تصیر النتیجة ردّ بعض أحد العوضین مع بقاء تمام العوض الآخر بحاله.و أمّا الوجوه الأخر،فإیجاب الجبران لا یصیّر الضرر الواقع مجبورا بل الجابر نفس البذل الخارجی،فإن تحقّق هو فالضرر مجبور و إن لم یکن إیجاب،و إن لم یتحقّق فالضرر غیر مجبور و إن کان إیجاب،فاللازم رفع الحکم الذی یسجّل الضرر و هو اللزوم علی تقدیر عدم الجبران الذی هو البذل الخارجی،و معه یکون هذا الإیجاب أمرا لغوا خالیا عن الفائدة التی نحن بصددها من سدّ الضرر الغیر المجبور.

و أمّا إلزام الغابن علی الفسخ،فصرف هذا الحکم أیضا غیر جابر للضرر الذی سجّله اللزوم علی المغبون،نعم لو وافق الغابن و فسخ صار الضرر الوارد مرتفعا من هذا الحین،و هذا بخلاف ما لو جعل الخیار للمغبون فی الآن المتأخّر عن حصول المبادلة و لو فی حال غفلته و نومه مشروطا بعدم حصول الجبران الخارجی عقیبه فی الزمان المتّصل العرفی بالعقد،فإنّ الضرر حینئذ لم یقصّر الشارع عن سدّه بأقصی ما یمکن تشریعا،و أمّا الوجوه الأخر فقد عرفت نقصانها،و قد فهمنا من الحدیث الشریف عدم القصور و عدم إبقاء مجال للضرر بقول مطلق.

بقی فی المقام أخبار أخر تمسّکوا بها.

مثل قوله-علیه السلام-:«غبن المؤمن حرام» (1)و قوله-علیه السلام-:«لا یغبن المسترسل فإنّ غبنه لا یحلّ» (2)و مثله ما عن مجمع البحرین:«أیّما مسلم استرسل

ص:182


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 17،من أبواب الخیار،ص 364،ح 2.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 2،من أبواب آداب التجارة،ص 285،ح 7.

إلی مسلم فغبنه فهو کذا»و قوله-علیه السلام-:«غبن المسترسل سحت» (1).

و عن مجمع البحرین:أنّ الاسترسال الاستئناس و الطمأنینة إلی الإنسان و الثقة به فیما یحدّثه،و أصله السکون و الثبات (2).

و لا یخفی الخدشة الواضحة فی غیر الأخیر منها،فإنّ الغبن فیها علی معناه اللغوی أعنی:الخدیعة و الخیانة فی مقام المشاورة،فلا ربط لها بمقام المعاملة،نعم الأخیر ظاهر فی ما یتعلّق بالمال لکن فیه احتمالات:

الأوّل:أن یکون خصوص الزیادة التی یأخذها الغابن،بمنزلة السحت فی الحرمة و الضمان.

و الثانی:أن یکون الغابن بمنزلة آکل السحت فی استحقاق العقاب علی أصل العمل و هی الخدیعة فی أخذ المال.

و الثالث:أن یکون مجموع العوض الذی یأخذه الغابن سحتا فی صورة خاصّة،و هی صورة اطّلاع المغبون و ردّه للمعاملة المغبون فیها،و لا یخفی أنّ الروایة لو لم تکن ظاهرة فی أحد الأوّلین بملاحظة أنّ اللازم علی الأخیر تقییدها و سیاقها آب عنه فلا أقلّ من الإجمال.

ثمّ إنّ تنقیح هذا المطلب یتم برسم مسائل:

مسألة:یشترط فی هذا الخیار أمران،

الأوّل:عدم علم المغبون بالقیمة،
اشارة

فلو علم بالقیمة فلا خیار.

قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بل لا غبن کما عرفت بلا خلاف و لا إشکال لأنّه أقدم علی الضرر.انتهی.

ص:183


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 17،من أبواب الخیار،ص 363،ح 1.
2- 2) مجمع البحرین،الجزء 5،ص 383،مادة«رسل».

قال شیخنا الأستاذ-دام بقاه-فیه أوّلا:أنّ الغبن لیس فی دلیل من الأدلّة حتّی یتمسّک بعدم صدقه،فاللازم ملاحظة أنّ دلیل لا ضرر الذی عرفت أنّه العمدة فی الباب هل فیه قصور عن شمول هذا أو لا؟ و ثانیا:ما علّل-قدّس سرّه-به قصور لا ضرر من التعلیل بأنّه أقدم علی الضرر،إن أرید بذلک أنّ هذا الضرر نشأ من فعل نفسه و هو عقده علی ماله بما ینقص عنه قیمة،و الشارع لم یفعل إلاّ إمضاء فعله،فلم یحدث من ناحیته ضرر علاوة علی ما أورده علی نفسه،ففیه:أنّ هذا مشترک الورود فی الجاهل أیضا،فإنّه أیضا عاقد علی ماله بأنقص منه و الشارع لم یفعل إلاّ إمضائه،غایة ما فی الباب أنّه غافل عن هذا الإیراد هناک،و فی المقام عالم.

و إن أرید أنّ سوق الحدیث حیث إنّه للمنّة فیکون منصرفا إلی غیر العالم إذ لا منّة فی رفع حکم اللزوم بالنسبة إلیه،و لا فی وضعه خلاف منّة.

ففیه:أنّه أی منّة أعظم من جعل الخیار و رفع اللزوم،لأجل أنّه لو فرض حصول البداء له فی المستقبل أمکنه الاستخلاص عن الضرر،و علی هذا فیکون وضع اللزوم أیضا خلاف المنّة،فإنّه بعد البداء لیس له ملزم علی تحمّل الضرر إلاّ حکم الشرع،فالذی ینبغی أن یقال فی المقام أحد أمرین:

الأوّل:أنّ العالم تارة یعامل معاملة سفهائیّة و هذا لا کلام فیه،لأنّا نتکلّم فی المعاملة الصحیحة،و أخری تکون معاملته ناشئة عن غرض عقلائی و حینئذ ما دام لم یر فی إعطاء الأزید فی مقابل الأنقص منفعة و غرضا یلیق مثل هذا فی سبیل نیله لما یقدم،و بالجملة یری أمر نفسه دائرا بین أمرین،إمّا فوت مال و حفظ غرض و إمّا العکس،فما دام لم یر الأوّل أولی و لم یترجّح فی نظره لما یقدم.

و حینئذ لا یصدق فی مثل هذا الشخص أنّه متضرّر،و إن کان یصدق

ص:184

بملاحظة أنّه لم ینل فی مقابله بما یساویه من جنس المال،و لکن بالأعم من المال و الغرض فهو غیر متضرّر بل ربّما یکون بشّاشا مشعوفا بالمعاملة بملاحظة ما نال إلیه من الغرض المهمّ.

لا یقال:العوض الإنشائی الواقع مقابلا للمال فی إنشاء المعاوضة إنّما هو المال،فهو قد اشتری مثلا المال بالمال لا المال و الغرض به و المناط فی الضرر هو ما یقابل عوضا فی الإنشاء لا ما یقابله فی مقام الدواعی.

لأنّا نقول:حال هذا مثل حال الشرط فکما أنّه یوجب الترقّی فی مالیّة المشروط و کذا المنافع،فیمکن أن یقال:إنّ الأغراض و الدواعی أیضا کذلک و هو و إن لم یوجب تفاوتا فی جانب المالیّة-لأنّ ما یوجب ذلک هو المقصودة لنوع العقلاء لا ما یتّفق للأشخاص،و لهذا لا تتحقّق المغبونیّة فی طرف الغابن لو فرض أنّه باع بالقیمة العادلة ممّن یکون له هذا الغرض لأنّه وصل إلی عوض ماله بالمال- و لکن یکفی لرفع عنوان التضرّر بالنسبة إلی الشخص النائل إلی الغرض،ألا تری أنّ من یهب المال لا یصدق أنّه تضرّر،کما فی مورد النهب و السرقة و الحرقة و الغرق، بل لو کان بعنوان الصدقة المقصود بها الأجر الأخروی أیضا فکذلک،هذا.

و الثانی:تسلیم صدق الضرر حقیقة،و لکن یدّعی انصرافه إلی غیر المقام ممّا لم یورده الإنسان علی نفسه،بحیث یصح نسبته إلیه و أنّ هذا ضرر أوردت أنت علی نفسک،و لیس منشأ الانصراف هو المنّة لما عرفت من ثبوتها فی هذا المورد أیضا،بل هو نظیر انصراف الظلم إلی ظلم الغیر لا ظلم النفس،فلفظة الضرر أیضا منصرفة إلی غیر مورد انتساب الضرر إلی نفس المتضرّر،بحیث یقال له:لا تلومنّ إلاّ نفسک،ثمّ لو فرض أنّ هذا موجب للشک فی الانصراف فهو مانع عن عقد الإطلاق،فإنّه من قبیل وقوع الأمر عقیب الحظر ممّا یصلح للقرینیّة مع

ص:185

الاتصال بالکلام.

ثمّ الوجهان بعینهما جاریان فی حقّ الملتفت الشاک فی الزیادة أو النقیصة، فإنّه إمّا یقدم و لو فی فرض علمه بالضرر و هذا واضح،و إمّا لا یقدم علی فرض ذلک،و هذا یحصل له حالة همّ و غمّ عند ظهور الضرر،و لکنّه ما لم یکن موطّنا نفسه فی الابتداء علی تحمّل الضرر علی فرض احتماله متجاوزا عن الضرر المحتمل بملاحظة الغرض الذی یقصده لما یقدم.

و الحاصل:أنّ الغرض تارة یکون بحیث لا یبالی عن الضّرر المالی المقطوع فی طیّ تحصیله،و إمّا لا یبالی عن خصوص محتمله،و علی کلّ حال لا یصدق فی حقّه التضرّر،لأنّه أعطی المال و نال إلی الغرض الذی یساویه.

و یمکن أن یقال:بانصراف لفظة لا ضرر فی الإسلام عن هذا،فإنّه یقال فی حقّ صاحبه:لا تلومنّ إلاّ نفسک،نعم لا یجری ما ذکرنا فی مورد الاطمئنان بالعدم،أو الطریق العقلائی به فإنّه لا یستعقب الملامة و التوبیخ من العقلاء.

و بالجملة صدق العبارة فی مثل مورد الشک و الظن بالعدم فضلا عن الوجود مع عدم الطریق العقلائی مشکل،فإن کان إجماع فهو.

فرع:بعد ما عرفت من عدم الخیار فی مورد الضرر المقدم به فلو أقدم علی

الضرر المتسامح به

فی مثل المعاملة،کخمسة قرانات فی معاملة عشرة تومانات فتبیّن کونه أزید بما یتسامح به،کما تبیّن فی المثال کونه تومانا واحدا حیث إنّ الزیادة أیضا خمسة قرانات،و نصف العشر ممّا یتسامح به بخلاف العشر،فحینئذ هل یثبت له الخیار؟بملاحظة أنّ إقدامه کان بحدّ الخمسة و هو غیر واقع و ما وقع محدود بحدّ العشرة و هما متباینان،أو لا یثبت؟بملاحظة أنّ الإقدام علی الخمسة المحدودة إقدام اللابشرط المقسمی،فیکون عدم الإقدام خاصّا بالزائد و هو

ص:186

أیضا ممّا یتسامح به،و الوجهان جاریان فی ما إذا کان القدر المقدم علیه غیر متسامح به و الزائد متسامحا به،کما لو أقدم علی العشرة فتبیّن الخمسة عشر.

و لکن الحقّ ثبوت الخیار لا ببیان أنّ المقدم علیه هو المحدود و هو غیر الواقع فإنّ الخدشة علیه بالانحلال إلی أصل الذات و الحدّ،فما تغایر هو الحدّ دون الذات واضحة،بل ببیان أنّ الخمسة قرانات إنّما لا تکون متسامحا بها إذا لم تکن منضمّة بما عداها،و أمّا لو انضمّ فیخرج عن صفة التسامح،ألا تری أنّ حبّة الأرزن الواحدة یتسامح به مالک الدابّة و لکن إذا حمل علیها کرور حبّة بحیث لو زید حبّة أخری لسقطت الدابّة عن المشی کان حینئذ غیر متسامح بل مضایقا، و مثل ذلک یجری فی المقام أیضا.

ثمّ إنّ فی عبارة شیخنا العلاّمة فی هذا المقام فی الفرع الثانی زیادة قوله:«أو بما لا یتسامح»و مع ذلک قال:ففی الخیار وجه،و لهذا یرد علیه فی بادئ النظر الإشکال بأنّه فی هذه الصورة لا شبهة فی الخیار،و لکنّه لا بدّ من حمل العبارة علی معنی:أنّه إذا کان المقدم علیه ما لا یتسامح فتبیّن أزید،ففی الخیار وجه من غیر فرق بین کون الزیادة متسامحا بها أو غیره،و حینئذ یکون الوجه الآخر عدم هذا التعمیم و هو ملائم مع التفصیل لا أنّه عدم الخیار فی کلا القسمین.

ثمّ إنّ التشریع الذی یجیء من قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«لا ضرر» (1)حیث إنّه یکون لأجل تدارک الضرر و رفعه،فلا بدّ من تخصیص خطابه بمن یعلم کونه متضرّرا، و أمّا من لا یعلم بل یعلم العدم أو یکون غافلا فلا وجه للجعل فی حقّه،إذ لا ینفع هذا الجعل فی حقّه شیئا،بل ربّما یوجب علیه الکلفة و المشقّة،کشخص یعلم بعدم تضرّره بالغسل فاغتسل ثمّ صلّی فتبیّن له التضرّر،فإنّ إیجاب التیمّم

ص:187


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 17،من أبواب الخیار،ص 364،ح 4.

و الإعادة و الحکم ببطلان عمله لا یفید فی حقّه إلاّ کلفة زائدة.

و علی هذا فلا بدّ أن یقال فی الخیار الذی یجیء من هذا الحدیث الشریف:

انّ ابتداء حدوثه حین الاطّلاع علی الضرر لا أنّه من حین العقد و الاطّلاع کاشف.

و علی هذا فلو فرض صیرورة المال قبل الاطّلاع بل قبل الرد و لو بعد الاطّلاع مترقّیا بحسب القیمة السوقیّة بحیث ساوی مع عوضه،أو صار أزید،أو فرض کون عوضه متنزّلا بحیث ساوی مع المال،أو صار أنقص،فلا وجه حینئذ لتشریع الخیار،إذ هو فی مقام المنّة،و لا منّة فی دفع المساوی و أخذ المساوی،أو دفع الأزید و أخذ الأنقص،هذا بناء علی حدوث الخیار بالاطّلاع.

و أمّا بناء علی حدوثه بمجرّد العقد،فلا شبهة فی سقوط دلیل لا ضرر من أوّل زمان حصول المساواة،أو انعکاس الأمر،فیبقی الخیار بحسب البقاء بلا دلیل،و أمّا اللزوم،فإن قلنا:إنّ دلیل لا ضرر مقیّد لعموم دلیل اللزوم،فیکون دلیل اللزوم هو المرجع فیما عدا مقدار التقیید.و إن قلنا:إنّه من باب الخروج الفردی فی زمان،فهو مورد النزاع المعروف من أنّ المرجع هل استصحاب حکم الخاص أو عموم العام؟و لا شبهة أیضا فی الرجوع إلی دلیل اللزوم لو کان فیه عموم زمانی،و إلاّ فإلی استصحاب الخیار.

ثمّ هذا هو الکلام فیما إذا کان الضرر متحقّقا من حین العقد و زال بعده قبل الفسخ،و لو انعکس الأمر بأن لم یکن ضرر حین العقد و حدث ترقّی القیمة فی عوض المال أو تنزّلها فی المال بعد العقد،فلا شبهة فی صدق الضرر حینئذ و أنّ حکم اللزوم ضرر علی المشتری مثلا،فإنّه لو جاز له الفسخ لدفع عن نفسه الضرر.و بالجملة بعد کون المدرک هو قاعدة لا ضرر،لا فرق فی التضرّر بین صورة

ص:188

ثبوت التفاوت القیمی بین العوضین من أوّل العقد أو حدوثه بعده.

و یمکن أن یقال:إنّ الفرق بین المقامین بعد تحقّق الضرر فی کلیهما أنّه فی الأوّل دفع الضرر المتوجّه إلی المشتری بالفسخ،لیس بإضرار الغیر الذی هو البائع،فإنّ ذلک فی حقّه إنّما هو عدم النفع عند العرف و لو کان بالدقّة ضررا،فإنّه قد ملک الزائد،و الفسخ موجب لتفویت الزیادة علیه نظیر سائر أملاکه،و هذا بخلاف الحال فی الفرض الثانی،فإنّ الفسخ یعدّ إضرار علیه.

فهو هنا نظیر العقد الجدید فی الفرض السابق،فإنّه لو أوقعا عقدا جدیدا بین نفس العوضین تحقّق الغبن فی جانب البائع،فحال الفسخ هنا أیضا کذلک، فیکون المقام من صغریات دفع الضرر المتوجّه إلی النفس بإضرار الغیر و هو غیر مورد القاعدة إمّا للانصراف کما هو الحقّ المبیّن فی محلّه،و إمّا لتعارض فردی الضرر،فتحقّق من أوّل الفرع السابق إلی هنا:أنّه لا بدّ فی ثبوت الخیار من أمرین:

حدوث الضرر من حین العقد،و بقائه إلی حین الفسخ،فکلّ من الأمرین انتفی، انتفی الخیار.

ثمّ ما ذکرنا من عدم نفع الضرر الحادث بعد العقد،إنّما هو فی غیر الصرف ممّا یتوقّف الملکیّة فیه علی حصول أمر غیر العقد کالقبض فیه،فلو حدث الضرر بعد العقد و قبل القبض و تبیّن له ذلک بعد القبض،فهل یحکم بالخیار؟نظرا إلی أنّ أوّل زمان حصول النقل و الانتقال کان الضرر موجودا،أو بالعدم؟نظرا إلی أنّه من قبیل الضرر الحادث بعد البیع،لأنّ البیع العرفی حاصل،فهذا بنظر العرف دفع الضرر بإضرار الغیر؟الحقّ هو الأوّل،و ذلک لأنّ إضرار الغیر إنّما حدث بقول الشارع:هذا العقد الذی توهّمتموه مؤثّرا قبل القبض غیر مؤثّر،یعنی أنّ هذا الضرر وارد علی البائع مثلا لا علی المشتری کما توهّمتموه.

ص:189

و من هنا یظهر أنّه لا یحتاج إلی جعل خیار قبل القبض لاندفاع الضرر بواسطة الحکم المذکور،و حینئذ فلا یحدث بجعل الخیار للمشتری بعد القبض عنوان دفع الضرر بإضرار الغیر،فیکون مشمولا للقاعدة،هذا.

ثمّ إنّه لا شبهة هنا فی أنّ الخیار إنّما هو للموکّل إذ هو المتضرّر دون الوکیل، فلو فرض القول فی مثل خیار المجلس الذی علّق علی البیّعین بثبوته للوکیل بناء علی عدم انصرافه إلی المالک،فلا وجه للقول به هنا بعد کون المدرک قاعدة لا ضرر.

نعم إعمال الفسخ فی الوکیل المطلق جائز،و هو مطلب آخر غیر ثبوت الخیار،هذا فی أصل ثبوت الخیار،و أمّا إنّ الاعتبار فی العلم و الجهل بحال أیّهما؟ فالظاهر عدم الإشکال فی عدم العبرة بعلم الوکیل فی مجرّد الصیغة و لا بجهله،و أمّا الوکیل المطلق فی جمیع الأمور فإن کان جاهلا و الموکّل عالم و مقرّر للوکیل فی عقده،فلا خیار،کما لا خیار فی صورة علمهما،و یکون فی صورة جهلهما،و أمّا علم الوکیل و جهل الموکّل فالظاهر فیه أیضا عدم الخیار،لأنّه فی جعل التوکیل له بحیث یشمل مثل هذا العقد علی المال بأنقص منه مقدم فی إضرار نفسه،و قد عرفت خروج المقدم عن القاعدة.

ثمّ إنّ الجهل إن ثبت باعتراف الغابن أو إقامة البیّنة فلا کلام.و إلاّ فالمدّعی للجهل تارة لیس من أهل الخبرة و أخری یکون کذلک،ففی الصورة الأولی قد یقال:بأنّه المنکر و یقبل قوله مع یمینه،و ذلک لأنّه یدّعی ثبوت الخیار الذی هو المطابق للأصل،فإنّ الأصل عدم العلم و هو حاکم علی أصالة اللزوم الموجودة فی طرف مدّعی العلم.

و فیه:أنّ الأصل المذکور مثبت،إذ لو فرض أنّ الحکم کان مرتّبا علی

ص:190

موضوع العالم و نقیضه علی الجاهل،کان الأمر کما ذکر،و لکن الدلیل حسب الفرض قاعدة لا ضرر،و الخارج منه المقدم علی الضرر و من المعلوم عدم إثبات عدم العلم لعدم الإقدام.

و حینئذ نقول:لو کان خروج المقدم أیضا بدلیل منفصل بعد عموم القاعدة له کان أصالة عدم الإقدام جاریا و قائماً مقام أصالة عدم العلم فی جعل مدّعی الجهل منکرا،و لکنّ المفروض أنّ خروجه یکون بالانصراف،فالموضوع منعقد من الابتداء علی النحو الخاص،و حینئذ فالأصل یکون فی طرف مدّعی العلم الذی یدّعی نفی الخیار لأنّ الأصل عدم تحقّق هذا الموضوع الخاص.

فإن قلت:غایة ما ذکر صیرورة مدّعی الجهل مدّعیا،و لکنّه لا یثمر فی عدم قبول دعواه بیمینه،لأنّه من قبیل المدّعی لأمر لا یعلم إلاّ من قبله،و یعسر أو یتعذّر إقامة البیّنة علیه،و القاعدة فی مثله قبول قوله بیمینه مع کونه مدّعیا.

قلت:إن کان المطلب ثابتا بالإجماع فلا کلام،و إلاّ فعلی القواعد یکون مشکلا،و ذلک لأنّ قاعدة باب المدّعی و المنکر کون البیّنة علی الأوّل و الیمین علی الثانی،فإذا تعسّر أو تعذّر الأوّل،فالقاعدة تعیّن الیمین علی الثانی.و لا یخفی أنّ مجرّد کونه مدّعیا لما لا یعلم إلاّ من قبله لا یصیّره منکرا ببیان أنّ السیرة العقلائیة جرت علی اتباع قول من یختصّ بأمر کالمربّی للطفل و نحوه بالنسبة إلی الشیء المختصّ به و لا یعتنون بقول غیره عند المعارضة.

وجه ذلک أنّ المتیقّن من بناء العقلاء صورة عدم الاتّهام و أمّا فیها فلا یحرز بناؤهم لو لم نقل بأنّهم متوقّفون.

نعم الذی یمکن إثباته علی القواعد أن یقال:إنّ تعسّر الإقامة و تعذّرها قد یکون فی شخص الواقعة کمن أقرض غیره و لم یشهد فی مجلس الإقراض فأنکر

ص:191

المقترض بعد ذلک،و قد یکون فی نوع الواقعة کما فی ما نحن فیه و أمثاله.

ففی القسم الأوّل:إن نهض فی قبال المدّعی منکر فلا إشکال فی یمین المنکر،و إن لم ینهض بقبالة منکر و کان مدّعیا بلا معارض جزمی و إنّما یقول الخصم:أنا لا أعلم اشتغال ذمّتی لک،و مقتضی الأصل براءتها،فحینئذ فالمورد ممّا لیس فیه بیّنة بالفرض و لا یمین لأنّ الخصم شاکّ حسب الفرض،فلا طریق إلی حسم النزاع.

و أمّا القسم الثانی:فإن کان فی البین منکر بطریق الجزم،فقد تقدّم أنّ القاعدة تقتضی حسم النزاع بیمینه،و أمّا إن لم یکن منکر بل ادّعی عدم العلم،و لم یدّع الطرف أیضا علمه،فحینئذ یمکن القول بتقدیم قول المدّعی مع حلفه بمقدمتین:

الأولی:أنّ کثرة أمثال هذه الموارد فی الخارج تورث قطع الإنسان بعدم رضی الشارع بترک المخاصمة بحالها بلا فاصل و حاسم،لاستلزامه تضییع الحقوق الکثیرة.

لا یقال:أنّی لنا بهذا القطع و من الممکن رفع النزاع بدون جعل الفاصل، فإنّ الحاکم شاک فی الواقعة فهو أیضا یکون محکوما بأصل براءة ذمّة من یدّعی المدّعی مدیونیّته،فهذا الأصل یجوز له الحکم و الإلزام ظاهرا بإسکات المدّعی و رفع یده عن المخاصمة.

ألا تری أنّه لو کان مع المدّعی أمارة حجّة مطلقة،کالید کما فی قضیة مولاتنا الزهراء-سلام اللّه علیها-ترتفع المخاصمة بإرجاع الطرف الشاک إلی الامارة؟ لأنّا نقول:هذا الحکم إنّما هو من باب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، و المعتبر فیهما هو المنکر عند الفاعل و المعروف کذلک،ألا تری أنّه لو کان مائع

ص:192

مستصحب الخمریّة لدی الحاکم،و المقلّد یعلم کونه ماء لیس للحاکم نهیه عن الشرب،فکذا الحال فی المقام لا یمکن للحاکم إلزام مدّعی الدین من باب الأمر بالمعروف،بکفّ الید عن طرفه بمجرّد کونه شاکّا و محکوما بالأصل و المفروض کون المدّعی مدّعیا للعلم،و من هنا نعرف الفرق بین المقام و بین القضیّة الواقعة لمولاتنا -صلوات اللّه علیها-،فإنّ الموجود هناک أمارة معتبرة فی جانب العالم،و الطرف کان معترفا بشکّه،فلهذا کان ملزما بمقتضی الأمر بالمعروف باتّباع تلک الامارة الموجب لعدم المخاصمة.

و بالجملة المخاصمة فی المقام حاصلة بلا شبهة،لأنّ أحدهما یقول:أدّ مالی،و الآخر یقول:أنا شاکّ و لیس علیّ دفع شیء إلیک،فلو لم یجعل الشارع هنا طریق فصل یلزم بقاء المخاصمة بحالها مع کثرة أمثالها و شیوعها بحیث یعلم الإنسان بأنّ الشارع لا یرضی بإهمالها و عدم جعل فاصل و حاسم لها.

و المقدّمة الثانیة:أنّ الحاسم و الفاصل للخصومات المنتهیة إلی قضاؤه الحاکم منحصر فی الشریعة فی أمرین لا ثالث لهما،البیّنات و الأیمان،و ذلک بقضیّة (إنّما)فی قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«إنّما أقضی بینکم بالبیّنات و الأیمان» (1).

و دعوی کون الحصر إضافیّا بالنسبة إلی موارد وجود المدّعی مع المنکر-فلا یشمل مثل المقام الذی یکون المدّعی بلا منکر،و ذلک لأنّ الغالب المتعارف فی المنازعات ذلک و لهذا سیق قوله-علیه السلام-:«البیّنة للمدّعی و الیمین علی من أنکر» علی وجه الإطلاق-مدفوعة بأنّ الانصراف ممنوع.

هذا کلّه فی صورة عدم کون المدّعی للجهل من أهل الخبرة،و أمّا فی الصورة المزبورة فقد یدّعی:أنّا و لو سلّمنا کونه منکرا لمطابقة قوله مع الأصل،نقول هنا

ص:193


1- 1) الوسائل:الجزء 18،الباب 2،من أبواب کیفیة الحکم و أحکام الدعوی،ص 169،ح 1.

بکونه مدّعیا لمخالفة قوله مع ظهور عدم الغفلة عن القیمة من أهل الخبرة، و الظاهر مقدّم علی الأصل.

و فیه:أنّ الظاهر الذی مقدّم علی الأصل فی هذا الباب إن کان مجرد الظهور الذاتی و لو انفکّ عن الحجیّة و وجوب الاتّباع سلمنا وجوده فی المقام،و لکنّ الکبری غیر معلومة و إن کان خصوص الظهور الحجّة،فیمنع وجوده فی المقام، فإنّا نری أنّ أهل الخبرة إذا قال فی موضوع خبرویّته قولا ثمّ قال:أنا سهوت فی قولی و لم یکن مقام الاتّهام،یرفع أهل العرف الید عن ظهور کلامه الأوّل،و لو کان المقام مقام الاتّهام فلا یأخذون بقوله الأخیر،و لکن یوجب هو شکّهم فی قوله الأوّل أیضا،فراجعهم.

و هکذا الحال فی أصالة عدم السهو الجاریة فی أفعال و أقوال عامّة العقلاء، فإنّه لو ادّعی عاقل سهوه فی موضوع فمع عدم الاتّهام یقبل،و معه یوجب التوقّف فی الأصل العقلائی،و لهذا لو أقرّ أنّ لزید علیه عشرة،ثمّ ادّعی أنّه سها فی تعیین العشرة و إنّما کان علیه تسعة،فلیس هذا من باب الإنکار بعد الإقرار المسلّم فیما بینهم عدم الاعتناء به،و لو لم یکن المطلب فیه أیضا ثابتا بالتعبّد إمّا من العقلاء أو من الشارع لأمکن الخدشة فیه أیضا،هذا کلّه فی الاختلاف فی الجهل.

و لو اختلفا فی القیمة فهیهنا صور:
الأولی:أن تکون القیمة فی ما قبل العقد معلومة و أنّها أنقص من الثمن

و لکن ادّعی البائع تغییرها إلی المساوی له فی حال العقد.

و الثانیة:أن تکون القیمة السابقة مساویة فادّعی المشتری تغیّرها إلی

النقصان

فی حال العقد.

الثالثة:أن تکون القیمة السابقة معلومة بأحد الوجهین

و کان الاختلاف فی

ص:194

القیمة فیما بعد العقد-بناء علی أنّ ارتفاع القیمة قبل العلم تدارک للضرر و مسقط للخیار-مع الاتفاق علی موافقة هذا الزمان مع زمان العقد فی السعر.

الرابعة:أن یتّفقا علی النقصان فی الحال و المساواة فی القبل،

و إنّما الاختلاف فی تاریخ العقد،فواحد یدّعی کونه قبل حدوث التغییر و آخر یدّعی کونه بعده مع الجهل بالتاریخین.

الخامسة:أن یکون تاریخ حدوث النقصان معلوما و تاریخ وقوع العقد

مجهولا.

و قد یدّعی أنّ الأصل فی ما عدا الأخیرة مع منکر سبب الغبن،لأنّ الأصل عدم التغییر.

و فیه:أنّه-مع کون نتیجته علی فرض الجریان مختلفة فی هذه الصور فربّما یکون ترجیح منکر سبب الغبن و ربّما یکون ترجیح مدّعیه-مثبت،لأنّ موضوع الحکم الذی هو العقد الغیر الضرری أو الضرری غیر محرز بهذا الأصل.

لا یقال:یمکن أن یقال فی الصورة الأولی إنّ هذه العین التی کانت مقوّمة بعشرة کان العقد علیها بعشرین موجبا للخیار فی یوم السبت،و الأصل بقاؤه فی یوم الأحد علی هذا الوصف.

لأنّا نقول:لا ینقّح بهذا أیضا عنوان الضرر.اللّهم إلاّ أن نقرّر الأصل بوجه آخر،و هو أن نقول:کان العقد علیها فی السابق متّصفا بالضرریّة فالآن کما کان، و لکن فیه أیضا أنّه من باب الاستصحاب التعلیقی فی الموضوع،و قد قرّر فی محلّه عدم جریانه.

فالحقّ أن یقال فی جمیع الصور المذکورة:إنّ الأصل مع منکر سبب الغبن لأصالة اللزوم-لا بمعنی العمومات،لأنّ التمسّک بها فی مثل المقام تمسّک بالعام

ص:195

فی الشبهة المصداقیّة-بل بمعنی استصحاب الملکیّة.

الأمر الثانی:کون التفاوت فاحشا،

فلو کان ممّا یتسامح به کعشر العشر بل و خمسه بل و نصفه فلا خیار،لانصراف دلیل لا ضرر عن مثل ذلک.

و لو اختلفا فی کون الضرر فاحشا أو متسامحا به إمّا من باب الشبهة الموضوعیّة کما لو ادّعی أحدهما أنّ الضرر نصف العشر و هو متسامح به،و الآخر أنّه العشران و هو غیر متسامح به،و إمّا من باب الشبهة المفهومیّة،کما لو اتّفقا علی أنّه العشر و لکن اختلفا فی کونه متسامحا به أو لا،فالمرجع هو الأصل الموضوعی أعنی:أصالة عدم تحقّق الضرر علی الوجه الخاص الذی هو المنصرف إلیه فی قاعدة لا ضرر،و هذا لا شبهة فیه،إنّما الکلام فی تعیین المیزان للتسامح و عدمه و المراد به.

فنقول:لیس المراد أن یکون الضرر لقلّة مقداره غیر معتنی بشأنه حتی مع العلم،و ذلک لأنّا نعلم أنّه فی مقام الدین یحتسبون الفلس و أقلّ من الفلس،بل المراد أنّ نوع العقلاء علی تقدیر التفاتهم حال العقد إلی هذا المقدار من النقیصة و شکّهم فی حصوله و عدم حصوله لا یصرفون الوقت فی تشریح المطلب و تحقیقه بالفحص فی مظان الاطلاع و الرجوع إلی أهل الخبرة،بل یعدّون الوقت أشرف من إدراک هذا المقدار،و أمّا مع علمهم بزیادة المالیة بمقدار الفلس أو أقلّ فلا یتسامحون کما عرفت.

بقی فی المقام إشکال تعرّضه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-و هو:

أنّ ظاهر الأصحاب فی باب خیار الغبن الدوران مدار الضّرر المالی و هو الشراء بأزید من القیمة أو البیع بأنقص منها مع کون التفاوت فاحشا معتدّا به عند النوع،و لکنّهم فی باب الوضوء صرّحوا بأنّه لو توقّف الوضوء علی الشراء بأزید من

ص:196

القیمة و لو بأضعافها وجب،إلاّ أن یکون موجبا للضرر الحالی،کمن یکون رأس مال معیشته و معیشة عیاله مائة تومان و کان الثمن أیضا مائة،أو یکون هنا إجحاف و لو لم یتحقّق الضرر الحالی،کما إذا کان قیمة قربة الماء فلسا فاتّفق مصادفة غریب متموّل لهذا المحلّ فلم یقدم أحد من أهل ذلک المحلّ علی البیع منه إلاّ واحدا منهم و هو أیضا قال:لا أبیع مقدار الوضوء منه إلاّ بمائة تومان، و الحاصل صرّحوا فی هذا الباب بدوران التیمّم مدار الضرر الحالی أو الإجحاف، فیرد علیهم أنّه:ما الفرق بین البابین بعد کون المدرک فیهما قاعدة لا ضرر،فإن کان المنفی به هو المالی فلیکن کذلک فیهما و إن کان الحالی فکذلک،فما وجه الفرق؟ و أجاب هو-قدّس سرّه-بوجهین.الأوّل:أن یقال بالفرق بین باب التکالیف،حیث یکون بقبالها أجر أخروی فلا یصدق الضرر،نعم إذا أضرّ بالحال کان منفیّا بدلیل لا حرج لا بقاعدة لا ضرر،فإنّه مخصوص بالضرر المالی.[و بین باب المعاملات].

الثانی:أنّه قد خرج باب الوضوء عن تحت القاعدة بالنصّ الخاص،و إلاّ کانت القاعدة فیه أیضا الدوران مدار الضرر المالی،لکنّ النصّ ورد بالوجوب مع توقّفه علی الشراء بالزیادة عن القیمة،فهو مخصّص لدلیل لا ضرر،نعم تبقی حکومة دلیل لا حرج علی ذلک النصّ بالنسبة إلی مورد الإضرار بالحال و الإجحاف بحالها،فالفارق بین البابین وجود النص.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:أمّا وجه ما ذکره-قدّس سرّه-من عدم انتفاء الضرر الحالی بلا ضرر و إنّما هو منفی بلا حرج و المنفی بلا ضرر خصوص المالی،فهو أنّ الضرر ضد النفع،و کما أنّ النفع هو الزیادة فی المال أو فی البدن أو

ص:197

فی العرض،فالضرر هو النقصان فی أحدها،و مورد الضرر الحالی غیر محسوب فی شیء من ذلک،نعم هو عبارة عن المشقّة و العسر و الحرج.

و أمّا ما ذکره من تخصیص قاعدة لا ضرر فی خصوص باب التیمّم بالنصّ الخاص،فیمکن منعه لعدم دلالة النصّ إلاّ علی الوجوب مع الغلاء،و أمّا إنّه لأجل غلاء القیمة السوقیّة أو لأجل غلاء الثمن مع رخص القیمة فلا تصریح فیه،و یمکن حمله علی الأوّل بملاحظة ندرة الثانی،و الأولی ذکر النصّ.

فنقول:الموجود فی الوسائل فی هذا الباب روایتان،الأولی:روایة صفوان:

«قال سألت أبا الحسن-علیه السلام-عن رجل احتاج إلی الوضوء للصلاة و هو لا یقدر علی الماء،فوجد بقدر ما یتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم،و هو واجد لها،أ یشتری و یتوضّأ أو یتیمّم؟قال-علیه السلام-:لا،بل یشتری،قد أصابنی مثل ذلک فاشتریت و توضّأت،و ما یشتری بذلک مال کثیر» (1).

و الثانیة:روایة حسین بن أبی طلحة«قال:سألت عبدا صالحا عن قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً (2)ما حدّ ذلک؟قال-علیه السلام-:فإن لم تجدوا بشراء و بغیر شراء،قلت:إن وجد قدر وضوء بمائة ألف أو بألف و کم بلغ؟قال-علیه السلام-:ذلک علی قدر جدته» (3).

و أنت خبیر بأنّه لیس فی الروایتین إلاّ أنّه وجد قدر الوضوء بالمبلغ الکثیر، و مجرّد هذا لا یوجب الحمل علی صورة التضرّر المالی بل یلائم مع کون السعر بهذا المبلغ،و معه لا تخصیص فی قاعدة لا ضرر فإنّه بذل المال و أخذ المال،فلیس

ص:198


1- 1) الوسائل:الجزء 2،الباب 26،من أبواب التیمّم،ص 997،ح 1.
2- 2) سورة المائدة6/.
3- 3) الوسائل:الجزء 2،الباب 26،من أبواب التیمّم،ص 998،ح 2.

إیجاب هذا علیه إلاّ کإیجاب شراء مؤن الحجّ،فإنّه بقدر ما ینفق یصل إلی المال کرکوب الدابة و المأکول و المشروب و أمثال ذلک.

نعم قد یقال:إنّ صرف إیجاب المعاملة لیس ضرریّا و لکن بملاحظة غایته و هو الصرف فی الوضوء یکون ضرریّا،فإنّه إتلاف للمال،و القول بأنّ من جملة حوائج الإنسان طاعة مولاه مستلزم للدور،إذ لولا الأمر و الإیجاب لا طاعة،و قد فرض توقّفهما علی عدم الضرر و توقّفه علی عنوان الإطاعة المتوقّفة علیهما.

و لکن یمکن أن یقال:إنّ الکلام ممحّض فی خصوص الشراء و أنّه لیس بضرریّ،و أمّا ذو المقدّمة-و هو صبّ الماء الموجب لإتلاف مقدار منه-فهو ضرر قد جاء بنفس(توضّأ بالماء)الذی معناه أتلف الماء بالصرف فی الوضوء،فلیس فی إیجاب الشراء ضرر آخر.

و کیف کان یرد علیه-قدّس سرّه-و علی الأصحاب-قدّس اللّه أسرارهم- أنّ الضرر الحالی الذی تمسّک الشیخ فی دفعه فی باب الوضوء بدلیل لا حرج، و سائر الأصحاب أمّا به و إمّا مع دلیل لا ضرر،لیس بأخصّ من الضرر المالی موردا،بل یمکن انفکاکه عن المالی کالعکس،مثاله ما إذا توهّم الإنسان أنّه ذو مکنة کثیرة بحیث یلیق بحاله شراء فرس أو سیف غالی القیمة فبذل مائة تومان مثلا فی طریق ذلک،و فرضنا أنّه کان مساویا مع قیمتها السوقیّة أو کان أنقص من القیمة السوقیّة،ثمّ بان أنّه کان هذا المبلغ تمام رأس ماله و الآن لیس له من سنخ المال إلاّ الفرس أو السیف و هو محتاج إلی مؤنة نفسه و مؤنة عیاله،فحینئذ لا شبهة فی تحقّق الضرر الحالی مع عدم الضرر المالی.فالإیراد أنّه ما وجه عدم تمسّک الشیخ فی هذا المورد بثبوت الخیار فی المعاملة بدلیل لا حرج و کذا عدم تمسّک الأصحاب بدلیل لا ضرر و لا حرج معا.

و لو قلنا بعدم شمول لا ضرر للضرر الحالی کما قوّیناه فی تقریب کلام الشیخ

ص:199

فأی اختصاص لدلیل لا حرج بباب التکالیف؟مع أنّه لا أظنّ أحدا منهم التزم فی مثل المثال بثبوت الخیار کما تری جریان السیرة العرفیّة فی مثله علی عدم الخیار، و علی فرض ما ذکرنا من عدم الاختصاص فلا یبقی وجه لما طال التشاجر فیه فیما بینهم من کیفیّة تصویر الغبن من الطرفین فإنّه علی هذا فی غایة السهولة،إذ یمکن کون أحدهما متضرّرا مالیا و الآخر متضرّرا حالیّا،فیکون کلّ منهما ذا خیار.

بقی الکلام فی دفع الإشکال عن تصویر غبن الطرفین.

و الذی أفاده الأستاذ العلاّمة-دام أیّام إفاداته الشریفة-فی وجهه أن یقال:

یمکن فرض ذلک فی ما إذا اختلفت مالیّة العین باختلاف أیدی المالکین و لو فی محلّ واحد کما هو المشاهد فی الأدویة المجلوبة من الإفرنج حیث إنّها فی أیدی الأشخاص المعدّین لبیعها مقوّمة بأکثر منها إذا کانت فی أیدی غیرهم،و ذلک لعدم الاحتیاج إلی تفتیش المفتّش فی أیدی الطائفة الأولی و الاحتیاج إلیه فی أیدی الثانیة.

و علی هذا لو کان قیمة دواء خمسة و عشرین فی ید بیّاع الدواء و عشرة فی ید الغیر فغبنه الغیر و اشتری بعشرین فحینئذ کلّ منهما مغبون،أمّا الأوّل فلأنّه باع بأنقص من القیمة السوقیّة،و أمّا الثانی فلأنّه اشتری بأزید من العشرة التی هی القیمة السوقیّة فی حقّه،و الانتقال من القیمة العلیا إلی السفلی و إن کان بواسطة القبض لا صرف إنشاء المعاملة و لکن یکفی فی غبنیّة المعاملة بالنسبة إلی المشتری حدوث الضرر من ناحیة القبض الذی هو من توابع المعاملة،هذا.

مسألة:بعد ما عرفت استفادة خیار الغبن من دلیل«لا ضرر»فهل المستفاد

منه کون المبدأ من حین العقد أو کونه من حین الاطّلاع علی الغبن؟

قد یقال بالثانی،نظرا إلی أنّ الدلیل المذکور مسوق للمنّة و لا منّة بالنسبة إلی

ص:200

غیر المطّلع،فإنّ وجه الامتنان أقداره علی دفع الضرر عن نفسه،و هو محتاج إلی تشخیص کونه مصداقا للمتضرّر،بل قد یوجب الجعل فی حقّ غیر المطلع جعله فی کلفة و مشقّة کما فی باب غسل الجنابة إذا کان استعمال الماء مضرّا و هو غیر مطّلع، فجعل التیمّم فی حقّه و الحکم ببطلان غسله یوجب علیه إعادة الصلوات الکثیرة التی أدّاها فی حال الجهل بمضرّیة الاستعمال.

و لکن الحقّ أنّ السوق بمقام المنّة لا ینافی الثبوت الواقعیّ مع قطع النظر عن حالتی العلم و الجهل،أمّا أوّلا:فلأنّه لا فرق بین الجهل بالموضوع و الجهل بالحکم،و التقیید بالعلم فی الثانی مستلزم للدور الواضح،فلا بدّ أن یکون الحکم ثابتا مع قطع النظر عن جهله و علمه فما یکون وجه المنّة هناک یکون وجها فی الجهل بالموضوع.

و أمّا ثانیا:فالمنّة المستفادة من اللفظ بقرینة المقام حالها حال اللطف المستفاد من العقل فی جعل التکالیف،فکما أنّ معنی اللطف هناک لیس هو التقریب و التبعید الفعلیّین الغیر المتمشّیین فی حقّ غیر العالم بالحکم و الموضوع، بل هو أمر مجامع مع الجهل و العلم و العذر و التقصیر فی الموضوع و الحکم، و حاصله إیجاد السبب من ناحیة الشرع بحیث لو لم یحصل القرب و البعد کان مستندا إلی سبب آخر لا إلی قصور فی الجعل الشرعی فکذلک حال المنّة هنا، فمعناها إیجاد السبب لدفع الضرر من ناحیة الشرع،بحیث لو حصل الضرر کان من ناحیة أمر آخر لا من قبل قصور فی جعل الشرع.

لکن علی هذا یرد فی المقام إشکال آخر،و هو أنّ الاختلاف الواقع فی فوریّة هذا الخیار و تراخیه یجیء علی هذا من أوّل زمان العقد،فمن یقول بأنّ القدر المتیقّن هو الثبوت بمقدار زمان الفسخ لا بدّ و أن یقول بذلک من أوّل العقد

ص:201

و الرجوع فی ما بعده إلی العموم الزمانی علی القول به.فیلزم علی هذا القول عدم الخیار بعد الاطّلاع إذا اختلف زمانه مع زمان العقد،و ظاهرهم عدم الالتزام حتّی فی الجهل الحکمی،و الاختلاف إنّما هو بالنسبة إلی ما بعد الاطّلاع.

و یمکن حلّ هذا الإشکال أیضا بأن القدر المتیقّن لا بدّ و أن لا ینافی مع الإطلاق و لا یرجع إلی التقیید و التحدید،فإنّ احتمال کون الخیار ممتدّا إلی ساعة مثلا أو ساعتین ینافیه الإطلاق.

نعم لو کان الدلیل لبیّا أمکن القول بأنّ المتیقّن ثبوت هذا المقدار،و أمّا إذا کان هو اللفظ أعنی قوله:«لا ضرر»و فهمنا أنّه مسوق فی مقام المنّة الشخصیّة دون النوعیّة فالاحتمال المذکور یدفعه الظهور اللفظی.

هذا علی تقدیر التحدید بمثل الساعة و الساعتین،و أمّا إن کان التحدید بما بعد زوال الجهل و حصول العلم فاللازم فی الجهل الحکمی هو الدور أیضا،فإنّ تقیید الحکم بعلم نفسه کما یکون دورا بالنسبة إلی أصل حدوثه فکذلک بالنسبة إلی تحقّق جزئه الأخیر.

لا یقال:هذا ینافی مع ما صرّحت به من کون«لا ضرر»فی مقام المنّة من حیث الذات مع قطع النظر عن طروّ الطواری و الحالات.

لأنّا نقول:نعم الأمر کما مرّ و لکنّ المنّة من حیث الشارع علی شخص الذات المجرّدة لا یتمّ إلاّ بإبقاء الحکم الذی به یدفع الضرر عن نفسه إلی زمان رفع الجهالة عنه من حیث صغری الضرر و کبراه.و بعبارة أخری:معنی إطلاق المنّة الشخصیّة من ناحیة الشارع هو کون وقوع الضرر بالنسبة إلی کلّ شخص شخص من الذوات مستندا إلی اختیار المکلّف،غایة الأمر لا یجامع اختیاره مع الجهل إمّا موضوعا و إمّا حکما.

ص:202

و بهذا یندفع إشکال الدور بالنسبة إلی الجهل الحکمی،فإنّه یقال:الدور إنّما یلزم إذا قیّد الحکم بعنوان العلم به و أمّا إذا قیّد بأمر آخر یلازم العلم فلا محذور.و یندفع إشکال التقیید و المنافاة للإطلاق أیضا،فإنّ ثبوت الحکم إلی أن یکون الضرر واقعا بسوء اختیار المکلّف یلائم إطلاق المنّة الشخصیّة.

لا یقال:فکیف المقال فی الجهل بالحکم عن تقصیر فیلزم فیه فوت الخیار قبل العلم،لأنّه أیضا متضرّر بسوء اختیاره فی عدم تعلّمه الحکم؟ لأنّا نقول:المراد بسوء الاختیار ما یعمله فی نفس النتیجة بلا واسطة لا الأعمّ منه و من الاختیار الذی أعمله فی المقدّمات.و بالجملة:فالمقصود أنّ فی أصل جعل حکم الخیار فی حقّ الجاهل منّة حیثیّة،بمعنی أنّه یقال له:إنّا جعلنا لک السبیل إلی رفع الضرر عنک و لکنّک غفلت و جهلت إمّا حکما أو موضوعا، فلا تقصیر من ناحیتنا،کما أنّ جعل اللزوم فی حقّه إضرار علیه.

لا یقال:وجود هذا الحکم و عدمه سیّان فی الوقوع فی الضرر ففی الحقیقة هو متضرّر من جهة اعتقاده اللزوم،و لیس لجهة مصادفة الاعتقاد للواقع أو مخالفته مدخل فی ذلک أصلا،بل هذا مطلب سار فی جمیع الأبواب،فإنّ الإنسان دائما تکون حرکاته معلومات للصور الذهنیّة من دون مدخلیّة للواقع حتّی بنحو الجزئیّة،فمن یفرّ من الأسد الذی یحدث فیه الفرار هو الأسد الخیالی الذهنی لا الخارجی،و هکذا.

لأنّا نقول:کلاّ و حاشا،بل الأمر حسب المصادفة و المخالفة مختلف، فإسناد الفعل یکون إلی الواقع مع المصادفة و إن کان إلی التخیّل مع عدمها،و هذا أمر بدیهی یکاد یعدّ إنکاره من إنکار المحسوسات،فالمعتقد المرتّب للأثر إن کان لواقع معتقده خارج کان المؤثّر فی نفسه و تحریک عضلاته نفس ذلک الخارج،

ص:203

غایة الأمر بتوسّط الصورة لا الخارج البحت؟،و إلاّ کانت الحرکة مستندة إلی التخیّل البحت.

فنقول فی المقام:إن کان الحکم المجعول الشرعی مطابقا لاعتقاد الشخص کان الضرر من ناحیة حکم الشارع،نعم لو کان هو الخیار علی خلاف معتقده یکون الضرر من جهة الاعتقاد،و حینئذ فالقول بأنّ المبدأ من حین العلم تقیید فی الدلیل بلا وجه،کما أنّ القول بأنّ المنتهی من حینه أیضا کذلک،مضافا إلی لزوم المحذور العقلی فی الصورتین بالنسبة إلی الجهل الحکمی أعمّ من التقصیری و المعذور فیه،و هو لزوم دخالة ما یتأخّر عن الحکم فی إنشائه أمّا قیدا و إمّا غایة.

نعم القول بأنّ الخیارات من حین العقد و باق إلی زمان لو لم یکن الحکم فیه لا یقال إنّ الضرر ورد من الشرع،بل یقال ضرر أورده علی نفسه،لیس فیه تقیید و لا محذور.

ثمّ إن قلنا:بأنّ المستفاد من«لا ضرر»لیس بأزید من الجواز الحکمی دون الخیار الذی هو من الحقوق فلا کلام،و إن قلنا:بأنّه یستفاد منه حقّ الخیار فالظاهر ترتّب جمیع ما کان أثرا لثبوت هذا الحقّ من حین العقد الذی عرفت أنّه حین ثبوته،فیجوز الإسقاط من هذا الحین،و کذا تجری قاعدة أنّ«التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له»من هذا الحین،و کذا لو قلنا بمنع التصرّفات الناقلة من غیر ذی الخیار لکونه مفوّتا لحقّ ذی الخیار من العین،نقول بعدم نفوذها هنا من هذا الحین و لا اعتبار بالإجماع الواقع علی النفوذ قبل اطّلاع المغبون علی فرض تحقّقه، لأنّه یحتمل کونه إجماعا تقییدیّا مبنیّا علی مدارک مختلفة.

فبعض القائلین کان قائلاً لأجل قوله:بأنّه حکم لا حقّ،و آخر لأجل قوله بأنّه و إن کان حقّا لکنّه یحدث بعد الاطّلاع،و ثالث لأجل قوله بأنّه و إن کان حقّا

ص:204

جائیا بالعقد و لکنّه لا یمنع مطلقا عن تصرّف غیر ذی الخیار لأنّه حقّ علی العقد لا العین،و بعد وجود هذا الاحتمال یسقط عن الحجّیة،نعم لو أحرز من القائلین عدم التفاوت بین الصور المزبورة و نقائضها فی قولهم بالنفوذ کان إجماعا حجة.

و أمّا تصرّف المغبون قبل العلم من حیث مسقطیّته و عدمها،فإن قلنا بکونه کاشفا تعبّدیّا،فلا فرق بین التصرّف قبل العلم و بعده،و إن قلنا بأنّه کاشف نوعی،فالغالب وقوعه بعد العلم مع إمکان وقوعه أحیانا قبله أیضا،کما إذا أحرز من حاله أنّه لو کان له خیار أیضا لا یقدم علی الفسخ بل کان یمضی المعاملة و صدر منه تصرّف مبنیّ علی هذا المعنی،و إن قلنا بأنّ المعیار فی التصرّف المسقط أن یصدق علیه عنوان الرضا بالبیع و لو من باب اعتقاد عدم المفرّ عنه و عدم حضور نفسه للاستقالة،فعدم التفاوت فی حصوله بین ما قبل العلم و ما بعده أوضح.

ثمّ إنّه یظهر من عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام إلحاق خیار العیب بالغبن من حیث الکلام فی کون مبدئه العقد أو العلم بالعیب، و لکنّک خبیر بأنّ مجیئ الاحتمالین حسب التصویر متّضح الاشتراک بین البابین، و أمّا الاستظهار من الأدلّة فالبابان من هذه الجهة مختلفان،فخیار الغبن قد عرفت الکلام فیه،و أمّا خیار العیب فالمدرک فیه الأخبار الخاصّة و المذکور فیها ظهور العیب و حمله علی المعرّفیة خلاف الظاهر.

إن قلت:نعم،و لکن قاعدة«لا ضرر»جاریة هناک أیضا کما هنا.

قلت:لا نسلّم،لأنّ عنوان العیب عنوان آخر غیر عنوان الضرر،فقد یجتمع معه و قد یفترق عنه،کما إذا اشتری المعیوب بما دون قیمته،غایة ما فی الباب أنّه

ص:205

فی صورة اجتماعهما یکون هنا خیاران،أحدهما من حین العقد و الآخر من حین العلم بالعیب.

نعم یمکن أن یقال فی ذلک الباب:بأنّ الموجب لرفع الید عن ظهور کلمة ظهور العیب فی الموضوعیّة هو الإجماع علی کون الأرش الذی هو بمعنی تدارک ما فات من وصف الصحّة یکون عدلا للفسخ،لا أنّه ثابت فی طوله بمعنی أنّه مخیّر بین الأرش و الفسخ،لا أنّه مجعول فی حقّه الفسخ،فإن أسقطه یحدث له حقّ الأرش،و هذا الإجماع بضمیمة أنّ استحقاق وصف الصحّة إنّما هو من أثر نفس العقد لا العلم بالعیب-فیکون الفوت حاصلا من حین العقد،فمن المستبعد أن یکون استحقاق تدارکه من حین العلم-کاشف عن ثبوت العدل الآخر و هو الفسخ أیضا من هذا الحین أعنی حین العقد.

مسألة:یسقط هذا الخیار بأمور:

أحدها:إسقاطه بعد العقد

و هو قد یکون بعد العلم بالغبن،فلا إشکال فی صحّة إسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن أو الجهل بها إذا أسقط الغبن المسبّب عن أیّ مرتبة کان،فاحشا أو أفحش، و لو أسقطه بزعم کون التفاوت عشرة فظهر مائة،ففی السقوط و جهان:

أحدهما:أنّ الخیار أمر واحد مسبّب عن مطلق التفاوت الغیر المتسامح به و لا تعدّد فیه،فیسقط بمجرّد الإسقاط.

و الثانی:أنّه یختلف شدّة و ضعفا باختلاف مراتب التفاوت زیادة و نقصانا، فالذی أسقطه هو الحدّ الناقص،و الواقع هو الزائد،و لم یتعلّق به إسقاط کما هو الحال فی إسقاط حقّ العرض بزعم کونه شتما فظهر قذفا.

و الظاهر من الوجهین هو الأوّل،فإنّ ملکیة الفسخ أمر وحدانی لا یقبل الشدّة و الضعف،فإذا رفع الید عنه ارتفع،و أمّا الإسقاط بعوض بمعنی المصالحة

ص:206

عنه به،فلا إشکال فیه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصریح بعموم المراتب.

و لو أطلق کما لو صالح عن الغبن المتحقّق فی المتاع المشتری بعشرین، بدرهم،معتقدا أنّه بین درهمین أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة،فتبیّن أنّه ثمانیة عشر علی خلاف المتعارف فی مثل هذه المعاملة،فلا بدّ من التفصیل بین ما إذا أخذ الجهة المذکورة علی وجه التقیید أو الداعی،فعلی الأوّل نحکم ببطلان الصلح و إن لم یکن التعارف موجبا للانصراف،و علی الثانی نحکم بالصحّة و إن کان فی البین انصراف،و أمّا الجواز و اللزوم فإن استفید بملاحظة التعارف المذکور اشتراط ضمنی لجهة کونه غیر زائد عن أحد الحدود المذکورة فاللازم ثبوت الجواز،لأجل تخلّف الشرط،و إلاّ فاللازم ثبوت اللزوم.

و أمّا إثبات الخیار حینئذ من جهة الغبن إذا کان صلحا مبنیّا علی المداقّة، فیمکن الخدشة فیه بعدم شمول دلیل نفی الضرر لمثل هذا الصلح،إذ بعد تشریع الخیار فی أصل المعاملة و تجویز الفسخ یرتفع الضرر،فإذا ترک ذو الخیار إعمال الفسخ و أسقط حقّه و فرض غبنه فی هذا الإسقاط،لا یلزم تجویز فسخ آخر فی هذا الإسقاط المشتمل علیه الصلح،إذ لا یلزم من عدم التجویز إبقاء ضرر بحسب التشریع إذا الفرض اندفاعه بالتشریع الأوّل،فتأمّل.

و أمّا إسقاط هذا الخیار بعد العقد قبل ظهور الغبن فالإشکال فیه من جهتین،الأولی:عدم حصول الجزم بأصل وجود الخیار للشک فی الغبن،فکیف یتمشّی الجدّ فی إنشاء الإسقاط؟و هو سهل الدفع کما فی نظائره من إنشاء طلاق مشکوک الزوجیّة أو إعتاق مشکوک الرقّیة أو إبراء مشکوک المدیونیّة،فإنّ القطع بعدم الخیار أو الزوجیّة أو الرقّیة أو الدین یوجب عدم تمشّی الجدّ و کون الإنشاء هزلیّا،و أمّا الاحتمال فتمشّی الجدّ معه بترقّب الحصول بمکان من الإمکان.

ص:207

و الثانیة:أنّه إسقاط لما لم یثبت بناء علی کون العلم بالغبن شرطا لثبوت الخیار،و هذا أجاب عنه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بکفایة وجود المقتضی و هو الغبن الواقعی،و لکنّه محلّ إشکال فی ما إذا تخلّل بین الإنشاء و حصول العلم زمان معتدّ به،و الذی لا إشکال فیه ظاهرا ما کان التقدم بین الإنشاء و حصول الشرط بصرف الرتبة کما فی الإسقاط فی متن العقد إذا کان الخیار حاصلا بتمام العقد.

الثانی من المسقطات:اشتراط سقوط الخیار فی متن العقد،

و الإشکال فیه من الجهة المتقدّمة فی المسقط السابق لهذا الخیار و فی إسقاط الخیارات المتقدّمة، أعنی:کونه إسقاطا لما لم یجب،و استلزامه للدور بملاحظة وقوعه فی العقد الجائز الخیاری قد تقدّم التفصّی عنه.

و العمدة الإشکال المختص بالمقام و خیار الرؤیة الذی أشار إلیه الشهید- قدّس سرّه-بقوله:و لو اشترطا رفعه أو رفع خیار الرؤیة فالظاهر بطلان العقد للغرر.انتهی.ثمّ احتمل الفرق بین الخیارین بأنّ الغرر فی الغبن سهل الإزالة.

و تحقیق المقام:أنّ الغرر لا یشمل الجهل بالقیمة السوقیّة و إلاّ کانت المعاملة فاسدة مع الشک فی القیمة،و علی فرض الشمول لیس الخیار الشرعی رافعا له،لأنّ الحکم لا یغیّر موضوعه،فالحقّ عدم الإشکال و صحّة العقد و الشرط معا فی المقام.

و أمّا خیار الرؤیة،فإن قلنا بعدم تقیید البیع بالأوصاف المرئیّة و إنّما هی صرف الداعی،و رافع الغرر إنّما هو الاطمئنان بوجودها فالخیار عند التخلّف یکون تعبّدیّا شرعا و عرفا فلا إشکال فی صحّة العقد و الشرط هناک أیضا،و لعلّ خیار تخلّف وصف الصحّة أیضا من هذا القبیل،فلهذا لا تکون البراءة من العیوب المحتملة محلّ إشکال.

ص:208

و أمّا إن قلنا بأنّ الرؤیة توجب التقیید أو فرض الکلام فی ما إذا لوحظ الوصف بنحو التقیید،و لو خرج عن عنوان خیار الرؤیة إلی عنوان خیار تخلّف الوصف فلا بدّ حینئذ من ملاحظة أنّ اعتبار التقیید بوجود تلک الصفات مع اشتراط سقوط الخیار عند تبیّن فقدها راجع إلی إلغائها بعد اعتبارها حتّی یکونا من قبیل المتنافیین فی الإنشاء الغیر الممکن اجتماع الجدّ إلیهما،أو أنّهما غیر متنافیین،فعلی الثانی یحکم بصحّة العقد و الشرط أیضا و علی الأوّل یکون الشرط فاسدا،بلا کلام لحصول التنافی المذکور،فإن کان رافع الغرر أیضا هو الاشتراط یصیر عائدا ببطلانه فیصیر العقد أیضا باطلا،و إن لم یکن هو رافعا بل الاطمئنان الخارجی بوجودها،کان العقد صحیحا و لازما من باب عدم الموجب للخیار فیه، فالعمدة ملاحظة ثبوت التنافی أو عدمه.

و قد قوّی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام عدم ثبوت التنافی، قال-قدّس سرّه-:و لا تنافی بین أن یقدم علی اشتراء العین بانیا علی وجود تلک الأوصاف و بین الالتزام بعدم الفسخ لو تخلّفت فتأمّل،انتهی.

و یمکن أن یقال:إنّ العرف فی تقیید المبیع بالأوصاف-کالفرس بالعربیّة- یکون محطّ نظرهم إلی أثر ذلک التقیید أعنی:السلطنة الخارجیّة علی الردّ عند التخلّف و الحقّ الخارجی علی المطالبة،فکأنّه وقع من الأوّل هذا المعنی تحت الإنشاء،و فی ما إذا کان التقیید رافعا للغرر یکون رافعیّته بهذه الجهة،و إلاّ فصرف الالتزام و البناء القلبی علی الوجود بما هو هو لا یندفع به غرر.

و علی هذا فإیقاع عدم الحقّ و عدم السلطنة أیضا تحت الإنشاء یکون من جمع المتنافیین فی الإنشاء،و لا یفید تعلّق الإنشاء بالسقوط لا بعدم الثبوت بعد ما کان الغرض الأصلی من الالتزام و التقیید بالوصف حقّ المطالبة الخارجیّة التی لا

ص:209

یکفیها الآن العقلی،و الذی یتّضح به المنافاة فی المقام ما إذا اشترطا الخیار لأحدهما مثلا ثم اشترطا سقوطه،فإنّ مجرّد اعتبار السقوط لا یدفع المنافاة بل حاله عرفا کحال اشتراط عدم الثبوت.

الثالث:تصرّف المغبون بأحد التصرّفات المسقطة للخیارات

المتقدّمة بعد علمه بالغبن،و مجمل الکلام أنّ ذا الخیار إذا رضی بالعقد فی مقابل الفسخ و أتی بقول أو فعل له ظهور نوعی حجّة علی ذلک سقط خیاره،سواء قلنا إنّ الرضی مقابل الفسخ و عدله أو قلنا إنّه ملازم لصرف النظر عن حق الخیار،فیصیر أمّا إجازة فعلیّة أو إسقاط کذلک،و لا حاجة إلی التماس دلیل،لأنّ الحکم علی طبق القاعدة،و الذی یحتاج إلی ورود تعبّد و التماس دلیل هو موضوعیّة التصرّف مطلقا، أو خصوص الکاشف النوعی منه،أو کون الرضی بالعقد لا فی مقابل الفسخ مسقطا أعنی الرضی به فی مقابل الاستقالة المتحقّق مع الغفلة عن حقّ الخیار بحیث لو علم به لفسخ.

و کلّ من هذه لا دلیل علیه إلاّ ما یتوهّم من تعلیل الحکم فی خیار الحیوان بقوله-علیه السلام-:«فذلک رضی منه فلا شرط» (1)و دلالته علی أحدها غیر معلومة.

فصار الحاصل أنّ مقتضی القاعدة أنّ الإسقاط المدلول علیه بالفعل إنشاء فعلی له أثر الإنشاء القولی و لا فرق فی تأثیره بین ما بعد العلم بالغبن و ما قبله لو فرض إمکانه فیه.

و لو فرض حصول تصرّف مع عدم تحقّق الإنشاء القولی و لا الفعلی، فمقتضی قاعدة«لا ضرر»ثبوت الخیار معه،و لو فرض عدم إطلاقه أو الشکّ فیه فحال المقام حال ما إذا کان زید العالم فی یوم الجمعة فاسقا فصار یوم السبت

ص:210


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

عادلا،أو کان مسافرا فصار حاضرا،بل أو کان جنبا یتضرّر بالغسل فصار متمکّنا منه من غیر ضرر،حیث لا نرجع إلی استصحاب حکم المخصّص،بل المرجع هو العام أعنی:أکرم العلماء فی الأوّل،و عموم وجوب الصوم فی الثانی،و عموم وجوب الغسل فی الثالث.و لیس هنا مقام أنّ العموم لا یتکفّل للزمان،فبعد خروج الفرد فی زمان لا دلالة له بالنسبة إلی ما بعده،و ذلک لأنّ هذا فیما إذا لم یکن الخروج بواسطة انطباق عنوان مقیّد للعام علیه فزال بعد تلک القطعة،بل کان الخارج نفس ذات الفرد فی ذات قطعة من الزمان.

و سیجیء تفصیل ذلک إن شاء اللّه تعالی فی ذیل خیار تلقّی الرکبان عند الکلام فی المسألة التی وقعت محلا للنزاع بین إمامی الفن المحقّق الکرکی و الشیخ الأجل المرتضی-قدّس سرّهما.

الرابع من المسقطات:تصرّف المشتری المغبون قبل العلم
اشارة

تصرّفا مخرجا عن الملک علی وجه اللزوم،کالبیع و العتق،فإنّ المصرّح به فی کلام المحقّق و من تأخر عنه علی ما نقله شیخنا المرتضی-قدّس أسرارهم-سقوط خیاره حینئذ،و قیل:إنّه المشهور.قال شیخنا:و هو کذلک بین المتأخّرین.

و الذی أفاد شیخنا الأستاذ فی وجه هذا الحکم و اختصاصه بخصوص المغبون و عدمه فی الغابن هو أن یقال:حقّ الفسخ و إن کان متعلّقا بالعقد،لکنّ العقد عبارة عن مبادلة المالین فی الملک،ففسخه و رفعه یکون لا محالة عبارة عن إعادتهما ثانیا فی المکان الأوّلی من الملکیّة،فهو مشترک مع التراد الذی هو مورد الحکم فی باب المعاطاة،غایة الأمر الفرق بالحقّیة و الحکمیّة،و کذلک مع المبادلة الجدیدة بین العینین،غایة الأمر الفرق بأنّ المبادلة هنا بعنوان العکسیّة و الرفعیّة للمبادلة الأولی و هناک بعنوان الاستقلال و الأصالة.

ص:211

و علی هذا فمقتضی القاعدة-ما لم یکن فی البین دلیل من الخارج معمّم و منزّل للبدل منزلة العین-عدم وجه للرجوع إلی البدل مع انقطاع الید عن العین و عدم إمکان استرجاعه فی الملک الأوّل،بل هو دائم بدوام العین،و یزول بزوال إحدی العینین أو کلتیهما،فالحکم بالسقوط بالتصرّف المانع عن الردّ مطابق للقاعدة فی جانب المغبون،فالشأن فی إثبات خلافه فی الغابن و أنّه لو وقع مثل ذلک التصرّف فی جانب الغابن،لا یوجب سقوط خیار المغبون مع جریان القاعدة فیه أیضا علی نسقها فی المغبون.

و یمکن أن یقال:بأنّ عدم السقوط هناک لأجل دلیل معمّم خارجی أجنبی عن دلیل الفسخ و هو قاعدة ضمان الید بناء علی جریانها فی الحقوق کالأملاک، و تعمیم الید الضامنة للمالکة.

و توضیح ذلک أنّه بعد ما عرفت أنّ حقّ المغبون متعلّق بتملّک عینه فی ید الغابن بإزاء تملیک عین الغابن إیّاه،فإذا تلف هذا المعنی وفات بواسطة عدم السبیل إلی التملّک،صار جبران هذا فی عهدة الید الآخذة أعنی الغابن،و جبرانه أن یصیر فی مکان العین بدله من مال الغابن.

فکما أنّ المغبون کان یرجع إلی عینه و یدفع عین الغابن بعنوان الرجوع عن المعاملة یرجع حینئذ إلی بدل عینه بعنوان الرجوع عن المعاملة،و هذا ببرکة دلیل ضمان الید و إلاّ فدلیل الفسخ بنفسه لا یقتضی أزید من ردّ نفس العین و لا إشارة فیه إلی تنزیل البدل و إقامته مقام المبدل،إذ هو عکس العقد،و المبادلة العقدیّة کانت فی ما بین العینین و لم یکن للبدل فیها عین و لا أثر،فدفع المغبون البدل إلی الغابن بلا وجه.

و من هنا یظهر أنّه لو حدث بالعین عیب بل و لو کانت مستأجرة و لم ینقض

ص:212

المدّة لیس للمغبون حقّ الفسخ،إذ العین لیست بالحالة الأوّلیّة،ثمّ هذا فی صورة عدم إمکان الردّ بوجه مثل العتق أو الوقف واضح.

و أمّا النقل اللازم فقد یقال:إنّ قاعدة«لا ضرر»کما اقتضت خیاریّة العقد الأوّل یقتضی خیاریّة هذا العقد الثانی أیضا،فیجوز للمغبون فسخه ثمّ فسخ العقد الأوّل.

و فیه أنّ قاعدة«لا ضرر»لا تقتضی أزید من خیاریّة العقد الذی حدث الضّرر فیه فی ما بین طرفیه،و أمّا العقد الذی یتضرّر من ناحیته شخص ثالث أجنبیّ من الطرفین أو أحد الطرفین لکن لا فی هذا العقد،بل فی عقد آخر فبناؤهم علی عدم التمسّک بها،و إذن فقاعدة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ محکمة فی هذا العقد الثانی،فیوجب انقطاع ید المغبون عن استرجاع العین و بذلک یبطل حقّه.

فإن قیل:یمکن مع ذلک القول بعدم البطلان بواسطة إمکان الإقالة بل و البیع الجدید و بهذا یفترق عن العتق و الوقف.

قیل:لا یصحّح مجرّد هذا اعتبار الحقیّة،إذ المأخوذ فی حقیقتها استقلال ذی الحقّ بالنسبة إلی المتعلّق،و هذا منتف فی الإقالة،لأنّها قائمة بالطرفین فلیس له اختیار تام،و کذلک المعتبر فیها أن تکون العین بنفس الملکیّة التی اقتضاها العقد الخیاری راجعة إلی المالک الأوّل،و هذا منتف فی العقد الجدید.

و من هنا یظهر أنّ العقد الجائز لا یوجب بطلان الحقّ،بمعنی أنّ للمغبون أن یفسخ عقد الجائز أوّلا ثمّ یفسخ العقد الأوّل،بل له أن یفسخ العقد الأوّل قبل فسخ الثانی لکن بقصد أن یتحقّق کلا الفسخین بهذا الإنشاء،فیکون إنشاؤه فسخا قولیا للعقد الأوّل،و فعلیّا للعقد الثانی نظیر بیع ذی الخیار لما انتقل عنه، و أمّا فسخه ابتداء للعقد الأوّل بدون هذا القصد فغیر جائز.

ص:213

و أمّا استیلاد الأمة،فظهر أیضا حاله فإنّه ما دام الولد حیّا یوجب بطلان الحقّ بواسطة انقطاع الید عن استرجاع العین،و أمّا بعد وفاته فیرتفع المانع، و المفروض أنّ العین باقیة علی حالها و علی الملک السابق،فتکون قاعدة«لا ضرر» جاریة و لا یبتنی علی العموم الزمانی،لأنّه مثل ما إذا تلفت العین فی قطعة من الزمان ثمّ عادت بخرق العادة.

و لو حصل الامتزاج فی ید المغبون فإمّا أن یکون بالجنس أو بغیره،و علی الأوّل إمّا أن یکون بالمساوی أو بالأجود أو بالأردی.و علی کلّ حال إمّا أن یکون بمال نفس الغابن أو بمال غیره أعمّ من المغبون أو ثالث،و الحکم فی الجمیع أنّا إمّا أن نقول:بأنّ المزج أحد أسباب الشرکة الحقیقیة کالصیغة فحینئذ یسقط الردّ، لأنّه متقوّم بالملک المفروز و هذا ملک مشاع،فإنّه إذا کان فی ملک غیر المغبون فواضح،و أمّا إذا کان فی ملکه فإنّه لا بدّ أن یشیر إلی العشرة الأمنان مثلا المشاعة فی المجموع،و قد فرض أنّ هذا خلاف حقّه.

و إمّا أن نقول:بأنّ المزج لا یحدث شیئا،بل المالان ممتازان فی علم اللّه،غایة الأمر جعل الشارع فی مقام العلاج أن یصطلحا بینهما،و إن أبی أحدهما أجبره الحاکم علی الصلح القهری کدرهم الودعی،و حینئذ یجب التفصیل بین ما إذا حصل بواسطة الامتزاج قلّة الرغبة إلی المتاع،فیسقط الردّ لأنّه بمنزلة العیب،و بین ما إذا بقیت بحالها أو زادت الرغبة فیها فیبقی الردّ.

و لو تغیّرت العین بالنقیصة فقد مرّ الکلام فیه،و لو تغیّرت بالزیادة العینیّة فحاله حال الامتزاج بناء علی حصول الشرکة الحقیقیّة،إذ العین ترجع إلی الغابن مجزّاة عن الزیادة فتبقی الزیادة فی ملک المشتری المغبون و تقع الشرکة بنسبة الزیادة،و أمّا لو تغیّرت بالزیادة الحکمیّة،کما لو نسج الغزل،أو قصر

ص:214

الثوب،أو خبز الدقیق فلا إشکال فی أنّ له الردّ ما دام لم یحدث بذلک نقیصة فی العین.

إنّما الکلام فی ما إذا زادت العین قیمة بواسطة زیادة الصفة و أنّها هل ترجع مع الصفة إلی الغابن بدون أن یدخل عوض هذه الصفة من ملک الغابن فی ملک المغبون،فیصیر عمل المغبون بلا أجرة؟أو أنّها ترجع إلیه مجزّاة عن تلک الصفة و تبقی الصفة لمحدثها؟ فی المسألة قولان اختار المسالک فی باب المفلس فی مسألة:أنّ الغریم لو وجد عین ماله فهو أحقّ به فیما إذا زاد فیها بعمل المفلس صفة ثانیهما،و اختار الجواهر فی ذلک الباب أوّلهما.

و حیث إنّ المسألة عامّ البلوی لحصول الحاجة إلیها فی غیر باب-کباب الفسخ،و باب المفلس،و باب الإجارة فیما إذا انقضت المدّة و سلّم الأجیر العین إلی المؤجر و قد زادت بعمله صفة و أمثال ذلک-یلیق بسط الکلام.

فنقول:الذی نقل عن المسالک أنّا لو قلنا بالشرکة فی الزیادة العینیّة فهنا نقول بها بطریق أولی،و لو لم نقل بها هناک فیمکن أن نقول بها هنا،و ذلک لأنّ السمن و الطول مثلا یکونان بفعل اللّه سبحانه و إن کان بسقی منه و علفه، بخلاف الوصف هنا فإنّه یکون بفعل نفس العامل،و لهذا لا یصحّ الاستئجار علی إحداث الزیادة العینیّة،و یصحّ علی إحداث الوصفیّة،ثمّ بعد هذا اختار أنّ الأقوی هو القول بالشرکة فی کلتا المسألتین بدون إشارة إلی الدلیل.

و الذی أفاده الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاداته الشریفة-أن یقال:کما أنّ وجود الهیئة فی الخارج وجود مندک فی وجود المحلّ،کذلک لها عرض المالیة مندکّا فی مالیة المادة،و کما قد یجزّی فی الذهن وجود الهیئة عن المادة فیقع مستقلاّ تحت

ص:215

الحکم،کذلک قد یعرضه التفکیک فی الاعتبار فحینئذ یصیر مالا مستقلا،و من جملة ما یساعد الاعتبار علی التفکیک أمثال هذه الموارد،فإنّ العرف یعتبرون انتقال المادة المنفکّة المجزّاة عن الهیئة إلی مالکها و بعد هذا الاعتبار تصیر الهیئة -قهرا-مستقلا بالاعتبار،و المفروض أنّ لها المالیة کالوجود فتصیر مالا مستقلا، فإذا اعتبرت منفکّة تبقی لا محالة علی ملک من أحدثها.

لا یقال:فعلی هذا یلزم أن یصحّ نقل المالک المادة المنفکّة عن الهیئة إلی غیره،غایة الأمر إن لم نساعد علی البیع کان بعنوان الصلح.

لأنّا نقول:یمکن الفرق بین ما إذا لم یحصل موجب خارجی لاعتبار التفکیک و قصد ذلک بنفس الجعل،فهذا لا یساعده الاعتبار،و بین ما إذا حصل موجب خارجی فحینئذ یصحّ کما فی الأمثلة المذکورة،فإنّه بعد تجزئة العین عن الهیئة یجوز أن یصطلحا شخصین آخرین فی أن یقوما مقامهما فی ملکیّة أحدهما المادة المجرّدة و الآخر الهیئة کذلک.

لا یقال:یلزم علی ما ذکرت أنّه لو أحدث مثل ذلک،الغاصب کان کما إذا ضمّ إلی العین جزءا من أمواله،و لا یمکن الالتزام به.

لأنّا نقول:یمکن الفرق بین ما إذا کان من أوّل الحدوث ملکیّة المادة لغیر المحدث للهیئة کما فی المغصوب،فلا یساعد العرف علی التفکیک،و بین ما إذا اتّحد المحدث و المالک للمادة فی الابتداء ثمّ حصل التفریق فی الاستدامة، فیساعدون علی التفکیک،نظیر نتاج الدابّة،فإنّه لا یساعد العرف علی حدوث النتاج فی ملک غیر مالک الدابّة،و لکن بعد الحدوث فی ملکه لا مانع من التفریق فی البقاء و الاستدامة.

إذا عرفت ذلک فنقول:بعد مساعدة الاعتبار یکون المتّبع دلیل کلّ باب

ص:216

فإن استفید من مثل قوله-علیه السلام-فی المفلس:«إذا وجد الغریم عین ماله فهو أحقّ بها»الإطلاق بالنسبة إلی جمیع الأحوال-لا بمعنی مجرّد أن لا یمنع تلک الأحوال عن انتقال ذات العین بل بمعنی أنّها علاوة علی ذلک ینتقل معها أیضا- فاللازم حینئذ القول بأنّه ملک ذلک تعبّدا مجّانا،و أمّا إن لم یستفد إلاّ أنّ العین تنتقل بأی حالة کانت من دون نظر إلی انتقال تلک الزیادة الحکمیّة،فیکون المتیقّن منه انتقال الذات معراة عن الهیئة،فتبقی الهیئة لمحدثها.

و هکذا ینظر إلی دلیل الفسخ،فإن اعتبر فیه أن یکون العین کما هی علیه حال وقوع المبادلة منتقلة إلی الصاحب الأصلی،فهذا معنی التجزئة فیحکم ببقاء الهیئة علی ملک المحدث،و إن کان له الإطلاق و أنّ العین علی ما هی علیه من الحالة الفعلیّة،تنتقل بجمیع جهاتها إلیه فهذا حکم تعبّدی ورد علی خلاف ما یساعده الاعتبار،و یمکن الفرق بین ذی الخیار و غیره بثبوت الإطلاق فی الأوّل و عدمه فی الثانی.

هذا کلّه فی تصرّف المغبون
اشارة

و أمّا تصرّف الغابن،فالظاهر أنّ الخیار لا یسقط به و قد تقدّم وجهه، و حینئذ فإن فسخ و وجد العین خارجة عن ملکه لزوما بالعتق أو الوقف أو البیع اللازم،ذکر شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ فی تسلّطه علی إبطال ذلک من حینها أو من أصلها کالمرتهن و الشفیع،أو رجوعه إلی البدل وجوها،ثمّ قوّی الوجه الأخیر.

قال شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاداته الشریفة-:أوّلا:لا شکّ أنّ أصل المبادلة البیعیّة غیر واقعة إلاّ علی الشخصین لا علی الأعمّ منهما و من البدل،و إلاّ لزم أنّه لو باع العین من زید ثمّ باعها من عمرو کان البیعان صحیحین،فنحکم

ص:217

بملکیّة العین لزید و قیمتها فی ذمّته لعمرو،و علی هذا فعکس هذه المبادلة لا ینتج إلاّ رجوع نفس الشخصین،فاقتضاؤه بدون حاجة إلی دلیل آخر لرجوع البدل عند عدم إمکان المبدل لا یعرف له وجه.نعم بتوسّط دلیل آخر مثل ضمان الید یمکن القول به کما تقدّم منّا.

و ثانیا:أنّ المحتملات فی المقام بین اثنین لا ثالث لهما بعد القطع بثبوت الخیار و أنّه متقوّم بملک الطرفین،بمعنی أنّه لیس کحقّ الرهن حیث یجامع مع عدم ملکیّة الراهن للرقبة بل یعتبر ملکیّة کلّ من الفاسخ و المفسوخ علیه لما ینتقل عنه بواسطة الفسخ إلی صاحبه حتّی یتلقّی کلّ منهما الملک من صاحبه لا من أجنبیّ،فإنّ عکس العقد إنّما هو هذا إذ بعد ذلک یقال تعلّق حقّ المغبون باسترجاع العین عن ملک الغابن الذی یستتبعه عرفا حقّ له علی إبقاء الملک،إمّا یوجب تزلزل العقد الواقع علیه و صیرورته فضولیّا،و کالعقد الواقع علی ملک الغیر فیکون الفسخ إبطالا له من الأصل،و إمّا لا یوجب تزلزلا فی العقد و أنّ وصف الطلقیّة لم یرد فی دلیل اعتباره فی الصحّة علی وجه الکلّیّة.

نعم ورد فی بعض الحقوق الخاصّة مانعیّته عن الصحّة کحقّ الرهن،و لکن لا یمکن التعدّی إلی غیره،و حینئذ لا یبقی مجال إلاّ للقول باللزوم،و لا مجال للقول بالصحّة مع الجواز،لا بمعنی أن یصیر العین ابتداء عن ملک المشتری من الغابن إلی المغبون،و لا بمعنی اقتدار المغبون علی فسخ عقد الغابن مع مشتریه.

أمّا الأوّل:فواضح،فإنّه خلاف مقتضی الفسخ کما عرفت من أنّه یعتبر فیه تلقّی الملک عمّن ینتقل الملک إلیه و لیس حاله کالرهن.

و أمّا الثانی:فلعموم دلیل لزوم ذلک العقد الشامل للمغبون أیضا و عدم ما

ص:218

یصلح مانعا عنه،لأنّ ما یتوهّم مانعیّته إمّا دلیل نفی الضرر عن المغبون و المفروض إمکان حفظه مع حفظ ذلک العموم بالرجوع إلی البدل،و إمّا دلیل ثبوت الحقّ للمغبون متعلّقا ببقاء العین علی ملک الغابن،و هذا أیضا لا یصلح مانعا،لأنّ هذا حقّ للمغبون و سلطنة علی عدم إعمال الغابن أسباب الخروج عن الملک فی ذلک العین،و لا یلزم من هذه السلطنة إهمال تلک الأسباب عن التأثیر، بل هی کالأسباب الطبیعیة لإعدام أصل العین متی وردت تؤثّر أثرها،فینتفی مورد حقّ المغبون بواسطة إعمالها،غایة الأمر اتّصاف العمل بالحرمة من حیث إنّه کالأکل و الإحراق مفوّت لمحلّ حق الغیر.

و من هنا یتّضح حال العقد الجائز أیضا،فإنّه لا وجه لاقتدار المغبون علی فسخه،نعم یمکن أن یقال بوجوب الفسخ علی الغابن لأنّه کالإبقاء سابقا علی العقد حفظ لمحلّ الحقّ،و یمکن تنزیل کلام المسالک المذکور فی المکاسب فی هذا المقام علی هذا أیضا فراجع.و لکن لو عصی و لم یفسخ و فسخ المغبون العقد الأوّل یملک البدل لا محالة فی ذمّة الغابن،و بعد ذلک یرتفع حکم لزوم الفسخ عن الغابن،و لو حمل کلام المسالک علی هذا المقام یوجّه علیه اعتراض شیخنا المرتضی-طاب ثراه-فراجع.

ثمّ مقتضی ما ذکرنا فی الناقل عن الملک جریانه بعینه فی المانع عن الردّ کالاستیلاد،و لکن احتمل هنا شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-تقدیم حقّ الخیار معلّلا بسبق سببه علی الاستیلاد.

و اعترض علیه شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاداته الشریفة-:بأنّ حال الاستیلاد حال الناقل،غایة الأمر إنّ الثانی مزیل أصل الملکیّة و الأوّل مزیل قابلیة انتقالها إلی الغیر،و کما أنّ الحقّ متعلّق بإبقاء أصل الملکیّة و قلنا:إنّ هذا لا یوجب

ص:219

إهمال سبب النقل و الإزالة عن التأثیر،کذلک الحقّ المتعلّق بإبقاء القابلیة أیضا لیس بأزید من ذلک،فیکون حال الاستیلاد بحسب التشریع کحال سبب تکوینی،فغایة الأمر الحرمة و أمّا الوضع فاللازم ترتّبه لعموم دلیله مع عدم المانع عنه،هذا.

و لو تصرّف الغابن تصرّفا مغیّرا للعین فإمّا أن یکون بالنقیصة أو بالزیادة أو بالامتزاج،ثمّ النقیصة أیضا قد تکون منفکة عن الزیادة و کذلک الزیادة،و قد یجتمعان کما إذا حصلت الزیادة کیفا و النقیصة کمّا،کما إذا عمل فی الخشب هیئة تزید بها القیمة و لکن نقص ذلک عن کمّها،أو بالعکس بأن حصلت النقیصة کیفا و الزیادة کمّا.

و الأولی التعرض للزیادة الحکمیّة أوّلا اقتفاء بدرس شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاداته-فنقول:

لو فسخ المغبون و وجد العین زائدة عند الغابن إمّا بتعلیم صنعة و إمّا بنسج الغزل أو قصارة الثوب و أمثال ذلک،فقد عرفت عدم سقوط الخیار بذلک، لکن اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی جانب المغبون إیجاب ذلک سقوط حقّ الفسخ،معلّلا بأنّه موجب للشرکة و قد کانت مفروزة،فلا یمکن ردّ العین بحالها،و حکم هنا بثبوت الشرکة بنسبة الزیادة.فربّما یورد أنّه کما أوجب هناک سقوط الردّ فلیوجب هنا الانتقال إلی البدل.

و لیعلم أوّلا أنّ الکلام فی ما إذا لم یحدث بسبب الشرکة نقص فی العین أصلا لا کمّا و لا قیمة،فإنّ الذهب و لو ابتلی بهیئة،یکون علی قیمته الخالی عن تلک الهیئة و لو فرض تعدّد المالک فإنّه إذا باعا معا من ثالث لا تتفاوت قیمته.

ص:220

و حینئذ نقول:الفرق بین المقامین أنّ مدرک هذا الخیار دلیل لا ضرر، و إعماله فی المقام السابق و إن کان رافعا لضرر المغبون لکنّه یحدث ضررا علی الغابن،لأنّه کان ینتفع بماله بنحو الاستقلال،و الحال لا یمکن له ذلک بل یحتاج إلی إذن الغیر،و دلیل لا ضرر فی مثل ذلک یسقط عن الاستدلال و بعد سقوطه نرجع إلی دلیل لزوم المعاملة.

و أمّا فی المقام فلا یمکن مثل ذلک حتی ینتقل إلی البدل،لأنّ هذا الضرر شیء أقدم علیه المغبون و أورده علی نفسه،لأنّ العالم بإحداث الزیادة الحکمیّة لدی الغابن إذا أقدم علی الفسخ فهو فی طبع عمله قد أقدم علی نقل مال یکون للغیر فیه مدخل و لا یشمل مثل هذا دلیل لا ضرر.

لا یقال:نعم،لکن یحدث بالنسبة إلی الغابن هذا الضرر فإنّه کان مالکا للهیئة بنحو یجوز له الاستقلال فی التصرف و الآن لیس له ذلک.

لأنّا نقول:المفروض أنّ المال الذی أخرجه العقد عن کیسه قد عاد إلیه بنحو الاختصاص أعنی:عوض المادة،بقی أنّه عمل فی المادة عملا أحدث فیه الزیادة الحکمیّة و هذا أیضا أوجب شرکته فی مال الغیر،و لیس هذا المقدار ضررا عرفا،و بالجملة لا وجه للانتقال إلی البدل.

هذا مع عدم نقص فی العین،و أمّا مع حدوث النقص فالظاهر أنّ له حکم النقص الذی سنتعرّضه إن شاء اللّه تعالی من کونه فی ضمان الغابن یلزم علیه تدارکه و یکون شریکا فی العین أیضا بقضیة ما ذکر فی الزیادة الحکمیّة.هذا هو الکلام فی الزیادة الحکمیّة الخالصة و المجتمعة مع النقیصة فی الکمّ الذی وعدنا تقدیمه اقتفاء للأستاذ،فلنرجع إلی حکم النقیصة الخالصة علی حسب ترتیب شیخنا المرتضی-قدّس سرّه.

ص:221

فنقول:و لو حدث عند الغابن نقص فهذا علی قسمین،لأنّه قد یکون الوصف الفائت غیر واقع تحت ضمان المغبون و تحت تعهّده-بأن لم یقع العقد مبنیا علیه،بل إمّا کان ملحوظا علی وجه الداعی أو لم یکن ملحوظا أصلا و کانت العین مشاهدة و کان وجود صفة کمال فیه مجهولا للطرفین مع وجدانه واقعا فإنّه لا غرر حینئذ،إذ الفرض وقوع البیع بنحو المشاهدة،فلو تبیّن بعد الفسخ أنّه کان واجدا لهذه الصفة و قد فاتت تحت ید الغابن فلا ضمان.

و قد یکون الوصف تحت ضمان المغبون،بأن أوقعا عقد المعاملة مبنیّا علیه فتبیّن فواته تحت ید الغابن،فهذا الوصف لو فات تحت ید الغابن فالفسخ صحیح و یصیر بدل الوصف و تفاوت ما بین واجده و فاقده علی عهدة الغابن،أمّا أصل صحّة الفسخ،فلأنّه کالبیع إذا وقع علی العین الشخصیّة مقیّدة بوصف فتبیّن فقده فإنّ البیع یحکم بصحّته،و حال الفسخ فی ما إذا تلف هذا الوصف تحت ید غیر ذی الخیار مثل البیع.

و أمّا ضمان الأرش،فلأنّه مقتضی«علی الید»علی ما عرفت من جریانه فی الحقوق.

إن قلت:تکفی فی إثبات هذا الضمان قاعدة«لا ضرر».

قلت:لا یثبت بها الضرر علی الغابن،فإنّه متی دار الأمر بین ضررین فإن کانا علی شخصین کما هنا فلا یثبت ب«لا ضرر»تجویز دفع الضرر عن أحدهما بإضرار صاحبه،و إن کانا علی شخص واحد کما هنا بالنسبة إلی المغبون فی تحمّله علی ضرر العین و فسخه مع کون العین فاقدة الوصف،فإنّ تجویز کلا الأمرین منّة علیه بخلاف إیجاب أحدهما.هذا کلّه هو الکلام علی وجه الکلیّة.

بقی الکلام فی فرع الإجارة التی قوّی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فیه عدم

ص:222

الأرش.و لکن استشکل علیه الأستاذ-دام علاه-بأنّه لا شبهة فی أنّ مقدار مالیّة العین بمقدار منفعته،فکلّما نقص عن المنفعة نقص عن المالیّة،فإذا کانت قیمة العین ألفا و نقص عن منفعته ما یوازی مائتین،صار مالیّة العین ثمانمائة و هکذا، و لیس هذا بمجرّد اختلاف القیمة السوقیّة بل لخصوصیّة حادثة فی العین.

و بالجملة:فحال إجارة العین حال نقصان عینه و سائر جوارحه فی نقص مالیّة العین،فیوجب الأرش و هو قد ینطبق مع أجرة المثل و قد لا ینطبق،هذا حکم النقیصة،و أمّا الزیادة الخالصة فقد عرفت حکم الحکمیّة منها.

و أمّا العینیّة کما لو غرس فی الأرض،فلا شبهة فی أنّه بالفسخ یتعدّد مالک الغرس و الأرض،و لکن یبقی الکلام فی تسلّط مالک الأرض علی القلع بلا أرش أو معه و عدمه،فینبغی بسط الکلام لعموم البلوی کما تقدّم فی الحکمیّة،فنقول:

تعدّد مالک الغرس و الأرض یتصوّر علی أنحاء.

الأوّل:أن یکون الغارس غاصبا و ظالما و متصرّفا عدوانا،و هذا لا شبهة فی جریان قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم«لیس لعرق ظالم حقّ»فیه بمعنی أنّه لیس له احترام،فیجوز لمالک الأرض قلعه و إلغاء هذه الجهة من مالیّته من دون أرش لعدم الاحترام،و لا حرمة تکلیفیّة،لأنّه تفریغ ماله عن مال الغیر،و من هنا یجوز إجباره لصاحب الغرس علی القلع،لأنّه بإحداثه متصرّف فی الأرض فیجوز منعه عن التصرّف و لو بالإجبار.

الثانی:أن یکون الغارس غاصبا واقعا و غیر عاص للمعذوریّة فی الظاهر، و یمکن القول بشمول قوله-علیه السلام-لهذا أیضا،بملاحظة تفسیر ظالم بمن یشمله.

الثالث:أن لا یکون المالک للنواة غارسا لها أصلا،بل کان وقوعه فی الأرض

ص:223

بتوسّط ریح أو طائر مثلا،فنمت و صارت شجرة،و شمول القول المذکور لهذا فی غایة البعد،بل فی محل المنع،و مقتضی القاعدة أن یقال:إنّ صاحب النواة بملاحظة اختیاره فی الإبقاء و القلع متصرّف فی الأرض بخلاف صاحب الأرض، فقاعدة السلطنة غیر مقتضیة بالنسبة لصاحب الغرس لتجویز الإبقاء،لأنّها غیر مشرّعة،و لکنّها مقتضیة بالنسبة لصاحب الأرض تجویز القلع لأنّه تفریغ للمال عن مال الغیر.

الرابع:أن یکون المالک غارسا لکن علی نحو الحقّ کالمستأجر و غیر ذی الخیار،و المفلس قبل إعمال الخیار و التفلیس.

و یمکن أن یقال فی ما عدا الأوّل:بأنّ هذا الغرس مثل إجارة المسکن،فکما أنّها کانت استیفاء لمنفعة الدار مدّة،فکذا الغرس أیضا استیفاء لمنفعة الأرض مقدار بقاء الشجر بحسب طبیعته،فإنّ من یغرس الشجر یلاحظ فوائده المترتّبة علی بقائه لا قطعه و جعله حطبا،فقد استوفاها فی زمان کانت الرقبة ملکا له، فینقل الرقبة إلی الغیر بدون هذه المنفعة فتصیر کالعین المستأجرة التی تقدّم الکلام فیها.

و أمّا الأوّل أعنی المستأجر و کذا المأذون من المالک فی غرس الشجرة و کذا العاریة إذا غرس المستعیر،فلا اشکال ما دام عدم انقضاء المدّة فی الإجارة،و بقاء الإذن و العاریة فی الأخیرین،و أمّا بعد ذلک فیرتفع عنوان الصحّة عن التصرّف، فالتصرّف و الاستیفاء هیهنا أیضا ثابت و لکن أصل المنفعة باقیة علی ملک المالک، فاستیفاؤها ما دامت موجودة منوطة بالإذن،فمتی ارتفع الاذن صار غصبا و حراما.

نعم الإذن فی الغرس یلازم عرفا مع التعهّد بالإبقاء،و لکن لیس هذا إلاّ

ص:224

مجرّد وعد غیر لازم الوفاء شرعا،فیصیر حال الغارس فی جمیع هذه الثلاثة حال صاحب الغرس فی القسم الثالث،أعنی ما إذا حصل الغرس بإطارة ریح أو إلقاء طائر،و قد قلنا إنّه بحسب الوجود البقائی متصرّف فی أرض الغیر،فلهذا الغیر حقّ أن یقطع ید تصرّفه عن ملکه.

فقد تحقّق من جمیع ما ذکرنا انحصار الأقسام فی ثلاثة:

الأوّل:ما یکون مشمول قوله:«لیس لعرق ظالم حق» (1)علی سعة مدلوله و ضیقه.

و القسم الثانی:ما لا یکون مشمولا له و لکن یکون صاحب الغرس متصرّفا فی إبقائه الشجر فی أرض الغیر.

و القسم الثالث:ما لا یکون داخلا فی الخبر و لا متصرّفا فی أرض الغیر،و هو ما إذا کان الغرس فی ملک الغارس،سواء کان متزلزلا أم لازما.

ففی الأوّل لا حرمة للغرس،فیجوز للمالک مباشرة قلعه بدون الأرش،و فی الثانی یکون للمالک حقّ علی الغارس بملاحظة کون الغارس متصرّفا،نعم قلنا إنّ هذا الحقّ لا یلازم رفع الضمان،فهو مع ذلک ضامن للأرش،و فی الثالث یکون لمالک الغرس حقّ علی صاحب الأرض بإبقاء شجره فی ملکه بلا أجرة،غایة الأمر علیه نقص المالیة الواردة علی الأرض فی باب الفسخ،فهو بمنزلة العیب الحادث عنده فی العین حیث یلزم علیه تدارک وصف الصحّة.

ثمّ علی ما ذکرنا یرتفع الإشکال،و أمّا علی ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حیث ذهب إلی أنّ کلاّ من المالکین فی مسألة الفسخ یملک ماله لا بشرط

ص:225


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 33،من أبواب أحکام الإجارة،ص 283،ح 3.

حقّ له علی الآخر و لا علیه له فلکلّ منهما تخلیص ماله عن مال صاحبه.فیرد علیه -قدّس سرّه-الإشکال:بأنّه ما وجه هذا الحقّ الثابت لکلّ؟مع کونه مستلزما للتصرّف فی مال الغیر،و أیّ مجوّز للتصرّف بغیر رضی المالک؟إذ المفروض أنّه فرض-قدّس سرّه-عدم الحقّ لواحد من الشخصین علی الآخر،فیکون المتحصّل أنّ فی البین مالکین و مملوکین بدون حقّ لأحدهما علی الآخر،فبأیّ قاعدة یجوز لأحدهما تصرّفه فی ملک الآخر؟ و أمّا علی ما ذکرنا:فقد عرفت أنّه یکون لأحد المالکین حقّ علی الآخر بدلیل خارجی،و معنی ثبوت الحقّ أنّ رضاه ملغی،و أمّا إذا کنّا نحن و قاعدة السلطنة بلا حقّ من الخارج لأحد الشخصین فکلّ منهما غیر راض بالتصرّف فی ماله،فلا مجوّز لأحدهما فی تصرّفه فی مال صاحبه،بل یکون المقام من باب تزاحم الحقّین و للکلام فیه محلّ آخر.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-بعد أن جوّز القلع لصاحب الأرض قال:فهل یجوز للمغبون مباشرة القلع،أم له مطالبة المالک بالقلع و مع امتناعه یجبره الحاکم أو یقلعه؟وجوه،انتهی.

و یرد علی الوجهین الأخیرین:أنّا سلّمنا أنّ له حقّ أن یقلع الغرس و لکن لمباشرته مؤنة و تحمّل زحمة أو إنفاق نفقة،فلأیّ وجه یصیر بمجرّد المطالبة هذا المعنی لازما علی صاحب الغرس؟و أیّ معنی لإجبار الحاکم فی صورة امتناعه؟فإنّ المفروض أنّه لیس له حقّ علی الشخص حتّی یکون الحاکم ولیّا علیه عند الامتناع عن الأداء بل له حقّ القلع الخارجی،فإن رضی الغارس فهو و إلاّ فیسقط إذنه و یتحمّل نفس مالک الأرض مشقّة القلع إن أراد،و لا وجه لتحمیله ذلک علی مالک الغرس و لا لوجوب ذلک علی الغارس بمطالبته کما هو

ص:226

ظاهره-قدّس سرّه.

ثمّ قال-قدّس سرّه-:هذا کلّه حکم التخلیص،و أمّا لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضی ما ذکرنا من عدم ثبوت حقّ لأحد المالکین علی الآخر،استحقاقه الأجرة علی البقاء،لأنّ انتقال الأرض إلی المغبون بحقّ سابق علی الغرس لا بسبب لا حق له،انتهی.و هذا الکلام بظاهره یفید وجوب القبول علی صاحب الغرس و عدم جواز امتناعه عن الإبقاء بالأجرة،و هذا أیضا لا وجه له.

ثمّ إنّک عرفت أنّه لا حقّ لصاحب الأرض علی قلع الشجرة فی مسألتنا، و لکن لو قلنا بأنّ له القلع،أو فرضنا الکلام فیما له ذلک کما فی القسم الوسط من الثلاثة المتقدّمة،فقد قلنا إنّه یجب علیه بذل التفاوت فی ما بین المقلوعیّة و المنصوبیّة،فهل اللازم حینئذ ملاحظة ما بین المقلوع و المنصوب الذی استحقّ علیه شخص آخر القلع،أم ما بین المقلوع و ذات المنصوب؟الحقّ هو الثانی کما اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،و انتصره شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی مجلس الدرس ببیان:

إنّ کثرة الرغبة و قلّتها لا نسلّم أنّهما کلّیة یوجبان التفاوت فی مالیّة المال، مثلا کون المال بید مالک صعب المعاملة یوجب قلّة الرغبة فی شرائه،و لکن لا یوجب ذلک نقصان مالیّته،و کذلک لو علم أنّه یرد علی المال حرق أو غرق بعد ساعة یصیر ذلک موجبا لقلّة الرغبة،بل لا یحضر أحد فی شرائه بثمن یسیر،و لکن المالیّة باقیة بحالها.

ألا تری أنّ المتلف یتلف المال و إتلافه یرد علی موضوع المال،و لهذا یغرم المالیّة،و لو کان حضور التلف مخرجا للمالیّة فاللازم عدم الغرامة،بل عدم المعنی لقیمة یوم التلف،بل اللازم أنّه تختلف المالیّة بمرور الأیّام،لأنّه کلّما یمضی یوم

ص:227

یصیر المال إلی التلف أقرب،فلا بدّ أن ینقص من مالیته مع عدم تفاوت فی ذاتیّاته أصلا،و هذا ممّا لا یلتزم به ذو مسکة.

و علی هذا فنقول:استحقاق الإتلاف أیضا لا یزید حاله عن التلف الخارجی المقطوع،بل وجه منقصیّته علی فرضها إنّما یکون لأدائه إلی الإتلاف الخارجی،و بعد ما عرفت أنّ اللیرة مثلا إذا علمنا بأنّها ساعة أخری تقع فی قعر البحر بحیث لا یتمکّن أحد من إخراجها،لا تتنزّل عن مالیّته أصلا،فکذا الحال فی الاستحقاق المذکور أیضا.

خاتمة البحث:فی بعض من الفروع المرتبطة بالمقام:

أحدها:لو قلنا بمقالة الشیخ من استحقاق المغبون للقلع أو فرضنا الکلام فی مثل ما إذا وقع الغرس فی غیر الملک بغیر اختیار مالک النواة،فلا إشکال فی أنّ الإبقاء باختیار صاحب الغرس یوجب الأجرة لصاحب الأرض،و لکن لو جری علیه زمان لا یمکن فیه عادة قلع الشجر و کان له أجرة،فهل لصاحب الأرض مطالبة الأجرة أیضا؟ مقتضی القاعدة أن یقال بالتفصیل بین مثل مسألة حصول الغرس بإلقاء الطائر و نحوه،و بین ما إذا حصل ابتداء الغرس باختیار الغرس کما فی مسألتنا علی مقالة الشیخ.ففی الأوّل نقول بالعدم،فإنّ هذا المقدار الذی یجری علی الشجرة من انتفاع الأرض یجری بغیر اختیار صاحب الغرس،فلا یکون استیفاء.

و بعبارة أخری لیس فی البین قوّة و فعل منه،و نحن و إن قلنا بتعمیم قاعدة الضمان بالإتلاف إلی حال السهو و الغفلة لکن لا بدّ من تحقّق قوّة و فعل من المتلف،و أمّا مثل ما إذا سقط خبز الغیر فی حلقومه بغیر اختیاره و نحوه بدون

ص:228

توسیط قوّة منه فی البین فلا دلیل علی إیجابه الضمان.

نعم یصح القول بالضمان فی الصورة الأخری أعنی:ما إذا کان ابتداء الغرس ناشئا من غرسه و فعله،فإنّ حاله حال المتوسّط فی الدار الغصبیّة فی حال الخروج،فإنّ هذا المقدار لو کان له أجرة تجب علیه فإنّه یصحّح کونه فعلا له و باختیاره أنّ سببه و هو الدخول کان باختیاره،فکذا المقام یکون هذا المقدار من بقاء الشجر فعلا له و یعدّ هو مستوفیا لمنفعة الأرض فیدخل تحت الضمان.

ثانیها:قد عرفت حکم الزیادة الحکمیّة المحضة و العینیّة کذلک.بقی حکم المشوبة من الجهتین مثل الصبغ و مثل ما إذا کان الشای ملک أحد و الماء ملک آخر،أو اللحم ملک أحد و الماء ملک غیره،و طبخ الشای أو اللحم فی ذلک الماء،فإنّه لا شبهة عند العرف فی أنّه لا یحکم بأنّ صاحب الصبغ و الشای و اللحم لیس له حقّ فی العین أصلا و إنّما انتقل حقّه بالبدل،و لیس المعیار فی ذلک صرف عین فی حصول تلک الصفة من الغیر،فإنّ تحصیل الحرارة فی الماء بحطب الغیر أیضا یکون فیه صرف مال الغیر و مع ذلک لا یعدّ من هذا القبیل بل یحکم بأنّ الماء حقّ طلق لصاحبه،و إنّما یستحقّ صاحب الحطب البدل فی ذمّة صاحب الماء.

و بالجملة:الکلام فی ذلک قد یکون فی الغاصب،و قد یکون فی غیره ممّن کان تصرّفه فی المال بحقّ،کما فیما نحن فیه من تصرّف غیر ذی الخیار و کما فی باب المفلس.

أمّا الغاصب فربّما یحتمل أنّ مقتضی القاعدة فیه أن یقال بجواز تصرّف المغصوب منه بعد ردّ المال إلیه کما کان قبل الغصب،و لیس للغاصب المنع لوقوع التصرّف فی ماله أیضا و لا مطالبة الأجرة،لأنّ هذا أیضا من البذل المتوقّف علیه

ص:229

الردّ إلی المالک،فإنّه یجب علیه ردّ المال إلی المالک بحیث وصل إلیه و ارتفع المانع عن تصرّفاته،کما کان قبل الغصبیّة،و هذا المعنی کما یتوقّف علی بذل الأجرة للحمّال و نحوه،کذلک یتوقّف علی أن لا یکون لماله الذی لا یمکن تخلیصه عن مال المغصوب منه حرمة مانعة عن تصرّف المغصوب منه و لا موجبة للضمان.

نعم لا یسقط عن المالیّة رأسا بحیث لو اتّفق بیع المال دخل تمام الثمن فی کیس المغصوب منه،بل یقع ما یوازی منه بإزاء هذه الزیادة المشوبة فی کیس الغاصب،فاحترامه من هذه الجهة محفوظ،لأنّه غیر متوقّف علیه الردّ،و لکن المقدار الذی یمنع عن حصول السلطنة للمغصوب منه و الاستیلاء التام منه علی ماله بدون تعلّق أجرة و ضمان فی عهدته لا بدّ من سقوطه بالنسبة إلی هذا المقدار عن الاحترام.

و أمّا غیر الغاصب:فتقع المسألة بالنسبة إلیه مندرجة تحت المال المشترک الذی یحصل الضرر بقسمته،أو لا یمکن قسمته،فیرجع إلی الحاکم فی إجارته علیهما أو بیعه کذلک أو کیفیّة أخری و لیس هنا محلّ تحقیق ذلک.

ثالثها:إنّک عرفت فی مثل ما إذا حصل الغرس فی غیر الملک علی غیر وجه الظلم کإلقاء طائر و نحوه،أنّ المتصرّف صاحب الغرس و علی هذا بنینا صحّة قلع صاحب الأرض و استحقاقه له،إمّا مع سبق الإذن فإن امتنع منه و من المباشرة سقط إذنه أو أجبره الحاکم،أو بدون ذلک.

فیقع الکلام فی أنّه لو طلب صاحب الغرس القلع و لم یأذنه صاحب الأرض لاستلزامه التصرّف فی أرضه و الدخول فی بستانه،فهل له هذا أو لا؟ لا إشکال فی أنّ دلیل سلطنة المالک علی ماله لا یقتضی جواز دخول صاحب الغرس،لما تقرّر فی محلّه من عدم صلاحیته لتشریع حکم آخر غیر ما تعرّضه من

ص:230

الحکم المتعلّق بحیث المالکیّة.

نعم یمکن أن یقال:بأنّ صاحب الأرض عند إرادة صاحب الغرس القلع و منعه منه یصیر متصرّفا فی الغرس،فیشمله دلیل حرمة التصرّف،و هذا الدلیل حاله علی خلاف حال دلیل السلطنة،بمعنی أنّ مفاده وجوب رفع الید عن مال الغیر،و إن أوجب ذهاب احترام المال فیوجب تشریع المقدّمات أیضا،فیجوز لصاحب الغرس الدخول و یبقی ملک صاحب الأرض ساقط الاحترام بهذا المقدار،غایة الأمر بقاء حکمه الوضعی أعنی الضمان،فمن هذا الحیث یبقی الاحترام بحاله،فلو حصل نقصان فی الأرض یجب علی القالع أرشه.

و لو کان التغییر بالامتزاج،فإمّا أن یکون بغیر جنسه و إمّا أن یکون بجنسه، و علی الأوّل إمّا أن یکون علی وجه الاستهلاک و إمّا لا یکون،فإن کان بغیر الجنس و علی وجه الاستهلاک کماء الورد المستهلک فی الزیت فتارة یکون ما وقع علیه العقد هو المستهلک و أخری یکون المستهلک فیه،فإن کان الأوّل فبعد الفسخ یرجع إلی البدل،و إن کان الثانی فإمّا أن یزید به القیمة و إمّا لا،فعلی الأوّل یدخل فی الزیادة الحکمیّة التی قد مرّ الکلام فیها،و علی الثانی یرجع العین إلی المغبون بعد فسخه من دون حقّ للغابن لفرض تلف عینه و عدم إیجابها الزیادة فی مالیّة عین المغبون.

و إن کان بغیر الجنس و لا علی وجه الاستهلاک،و لا محالة یوجب زوال الصورة الأولی و حدوث طبیعة ثالثة کالخلّ الممتزج مع السکّر،فإن الحاصل لیس بخلّ و لا سکّر بل هو حقیقة ثالثة،فالکلام قد یقع فی وقوع مثل هذا فی الملکین لمالکین،إمّا بالاتفاق و إمّا علی نحو غصب أحدهما لمال الآخر،و قد یقع فی وقوعه فی المالین لمالک واحد ثمّ حصل تعدّد المالک لأجل الفسخ أو رجوع غریم المفلس

ص:231

إلی عین ماله.

فإن کان فی الملکین لمالکین فلا إشکال فی أنّ لکلّ منهما فی هذا البین مال و لا یمکن أن یقال زال ملک کلّ منهما و حدث شیء ثالث،غایة الأمر إنّ العهدة لتدارک ما فات ثابتة مع الغصب و غیر ثابتة مع فرض الوقوع علی نحو الاتّفاق، و مع هذا یمکن أن یقال فی مسألة الفسخ بالرجوع إلی البدل و الحکم بأنّ ما وقع العقد علیه قد زال و انعدم،و لا ملازمة بین عدم إمکان القول بالانعدام فی تینک المسألتین و عدمه هیهنا.

و السرّ أنّ المالک للشیء یملکه فی جمیع حالاته بل فی جمیع تطوراته و صوره، بل لو کان الحادث مغایرا معه و نتیجة متولّدة منه کالزرع بالنسبة إلی البذر نحکم أیضا بملکیّته لصاحب الأصل،فلا ندور فی حکمنا بالملکیّة فی المسألتین مدار حفظ الموضوع العرفی.

و أمّا فی مسألة الفسخ،فالمدار علی بقاء المعقود علیه بحسب النظر العرفی، و لا شبهة أنّ تغییر الأوصاف مثل صیرورة الحنطة دقیقا أو الدقیق خبزا لا یوجب تغییر الموضوع العرفی،و أمّا مثل صیرورة الخلّ سکنجبینا بواسطة الامتزاج،فلا یبقی معه الموضوع العرفی،و لهذا لو باع الخلّ مشیرا إلی السکنجبین،کان مثل ما إذا باع الفرس مشیرا إلی الکتاب،و لیس مثل ما إذا باع هذین الغنمین مشیرا إلی غنم و خنزیر،فحال الخلّ فی السکنجبین حال الماء فی المائع المضاف بالطین،فکما أنّ الموجود فیه بحسب النظر العرفی لیس بماء،کذلک لیس الموجود فی السکنجبین بنظرهم خلاًّ،فلهذا یقوی فی النظر القول بالرجوع فی مسألة الفسخ إلی البدل و فی مسألة المفلس بعدم استحقاق الغریم للأخذ.

و أمّا فی مسألة الغصب:فیمکن أن یقال بتخییر المالک بین أخذ العین حتّی

ص:232

تحصل الشرکة مع الغاصب بنسبة المالیّة و القیمة،و بین تغریم البدل،أمّا الأوّل:

فلأنّه قضیّة کون هذه الصورة طارئة علی مادّة ماله،کما تقدم أنّه یوجب الدخول فی ملک مالک المادّة.

و أمّا الثانی:فلأنّه قضیّة قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی»فإنّ المالک کان مالکا للخلّ و قد وقع تحت ید الغاصب،فعلیه عهدة هذا المأخوذ، و لازمه جواز مطالبة المالک منه الخلّ و قد وقع تحت ید الغاصب،فعلیه عهدة هذا المأخوذ، و لازمه جواز مطالبة المالک منه الخلّ،التی لازمها تغریمه البدل و بعد أخذه ینتقل ملکه عن العین الخارجیة إلی البدل المأخوذ،و یصیر العین ممحّضة للغاصب کما فی بدل الحیلولة-حیث إنّ المالک هناک أیضا مخیّر بین اختیار ملکیّة نفس العین الواقعة قعر البحر و بین تغریم البدل-فیصیر العین بعد أخذ البدل و تملّکه ملکا للغاصب.

هذا فی الغاصب.و أمّا فیما لو امتزج المالان لمالکین بغیر اختیارهما،فقد یقال:لا دلیل علی حصول الشرکة هنا،بل یقال بأنّهما مفروزان،فالأجزاء الواقعیّة المعلومة عند اللّه من الخلّ لصاحبه و کذا السکّر،و لا دلیل علی خروجهما عن المفروزیة إلی الإشاعة.

و لکن یمکن أن یقال:إنّه بنظر العرف تحصل الشرکة و یحکمون بأنّ المالکین شریکان فی هذا السکنجبین علی نسبة مالیّة مالهما،و لم یرد من الشرع تخطئة هذا الحکم العرفی،فیکون کسائر السیر العرفیة التی لم یرد بتخطئتها دلیل من الشرع،و ذلک لما قلنا إنّه بنظر العرف قد صار الموضوع موضوعا آخر و حکمه الاشتراک بنسبة القیمتین،فلو کان قیمة السکّر ثلاثة قرانات و قیمة الخلّ قرانین و قیمة السکنجبین خمسة قرانات فالحال واضح من ثبوت ثلاثة أخماس لصاحب السکّر و خمسین لصاحب الخلّ،و کذا لو صار قیمة السکنجبین أربعة أو ستّة.

ص:233

و أمّا الاشتراک فی القیمة بمعنی کون المالین ممتازین واقعا غایة الأمر عدم إمکان تخلیصهما خارجا-فلا بدّ من بیع المجموع فیحصل الشرکة فی الثمن-فهذا خلاف ما یراه العرف من حصول المزاج الثالث و الطبیعة الثالثة،هذا کلّه هو الکلام فی غیر المتجانسین.

و إن کان الامتزاج بالجنس،فإمّا یکون بالمساوی أو بالردیء أو بالجیّد،و تارة یقع الکلام فی ما لم یکن صاحب عهدة فی البین کمسألة المفلس و ما إذا اتّفق الامتزاج بغیر اختیارهما،و أخری یقع فی ما إذا کان فی البین صاحب عهدة کما فی مسألة الفسخ و الغاصب.

أمّا إذا لم یکن فی البین صاحب عهدة و کان المتجانسان متساویین،فلا إشکال أنّ القول بصیرورة المفروز مشاعا بمجرد الامتزاج یحتاج إلی دلیل،و إلاّ فهو أمر علی خلاف القاعدة.

و الذی یمکن أن یقال علی القواعد:أنّ کلاّ من المالین باق بحاله کما قبل الامتزاج من کونه مفروزا،و لکنّه بحکم الإشاعة.

بیان ذلک:أنّه إن استفید من باب الشرکة الحقیقیّة أنّ للمالک حقّ الانتفاع بماله بما یتوقّف علی المفروزیّة،و له حقّ إیجاد سبب ذلک من التقسیم،و یجب علی الآخر إجابته لو لم یکن قسمة ردیّة و لا موجبة للضرر،و یکون القسمة مستلزمة لمبادلة کلّ من الحصّتین المشاعتین بالأخری أعنی:حصّة هذا الشریک فی البیت الآخر مثلا بحصّة ذلک الشریک فی هذا البیت،فاللازم من هذا جریانه بعینه فی المقام،إذ للمالک أن یقول:لی حقّ الانتفاع بمالی بنحو کان خالصا و غیر مشوب، و طریق التخلیص هو التقسیم المستلزم للمبادلة المذکورة.

و غایة ما فی الباب أنّ المبادلة کانت هناک بین الحصّتین المشاعتین و هنا بین

ص:234

المفروزتین،هذا بضمیمة قاعدة العدل و الإنصاف فی ما إذا تلف بعض المال الممتزج،فإنّ مقتضاها التسویة بینهما فی التالف علی حسب السهم،فالمال مفروز بحکم الإشاعة،و لعلّ هذا مراد من عبّر عن الشرکة فی المقام بالشرکة الظاهریة، هذا فی المتساویین.

و أمّا مع التفاوت بالرداءة و الجوادة،فالکلام کما مرّ،لکن المبادلة هنا ربویّة إن أرید احتساب التفاوت الحاصل من الامتزاج بالردیء فی مقام القسمة بأن جعل للجیّد مثلا سهمان،و للردیّ سهم إذا کان مالیّة الجیّد ضعفی مالیّة الردیّ،فإنّ اللازم حینئذ أن تقع المبادلة بین الضعف و الضعفین من المتجانسین.

و لو فرض أنّ دلیل الربا یشمل مثل هذه المبادلة التی هی بالعنوان الأوّلی قسمة و تکون مبادلة بالاستلزام،یعلم عدم استحقاق مثل هذا التقسیم لأحدهما، و حینئذ فلا محیص عن التقسیم بطریق المساواة و لو استلزم تضرّر صاحب الجیّد.

و من هنا یتّجه حینئذ أن یقال:إنّ طالب القسمة إن کان صاحب الجیّد فهو المقدم علی الضرر،فیجب علی صاحبه إجابته،و تجبر لو امتنع،و إن کان صاحب الردی فیدخل تحت کبری ما إذا کانت القسمة ضرریّة علی غیر مریدها، حیث لا یجب علی الآخر المتضرّر إجابة الطالب،فلو فرض تضرّر الآخر أیضا بعدم القسمة و احتیاجه إلیها یعامل معاملة المال المشترک الحقیقی إذا کان الأمر فیه کذلک،إمّا من الرجوع إلی الحاکم فیبیعه علیهما أو یؤجره علیهما أو غیر ذلک.

و کیف کان فقد تبیّن أنّ الحکم بالشرکة الحقیقیّة بمجرّد الامتزاج و صیرورة المال المفروز لکلّ منهما مشاعا بدون اختیارهما و رضاهما أمر مخالف للقواعد یحتاج إثباته إلی دلیل و لم یقم علیه إلاّ وجود عنوان الشرکة فی کلمات الفقهاء-رضوان اللّه علیهم-،و هو بعد احتمال إرادة ما ذکرنا من المعاملة معه معاملة المال المشترک

ص:235

لجریان الملاک الواحد فیهما یسقط عن الدلالة،هذا حال الامتزاج فی صورة عدم وجود صاحب عهدة فی البین.

و أمّا معه کما فی الغاصب و فی باب الفسخ حیث إنّ المفسوخ علیه متعهّد للمال المنتقل إلیه للفاسخ،فلا إشکال فی هذه الصورة أیضا فی بقاء المالین علی حالهما من الاستقلال و عدم الانقلاب إلی الإشاعة،و لکن حیث إنّ أحد الشخصین متعهّد للآخر یجب علیه تسلیط صاحبه علی ماله بوصف الاستقلال و عدم الامتزاج بمال الغیر،و هذا المعنی لا یمکن بدفع تمام المال إلیه حتّی یتصرّف فی أعیان ماله،لأنّه لیس له أن یتصرّف فی أعیان هذا المتعهّد،فعلمه الإجمالی مانع له عن التصرّف.

و القول بأنّه یجب علی المتعهّد إباحة ماله له لأنّه من قبیل مؤنة الردّ أو أنّ ماله یسقط عن الاحترام رأسا نظیر ما قلناه سابقا فی الصبغ و نحوه،فیه:أنّ الفرق بین المقام و ما تقدّم الذی قلنا فیه بسقوط الاحترام،أنّ ابتذال المال هناک مقدّمة حقیقیّة للردّ الواجب،و أمّا فی المقام فلیس إلاّ مقدّمة علمیّة،و هی غیر واجبة،بعد فرض إمکان الخروج عن العهدة بطریق آخر یجعله العرف أقرب الأشیاء إلی الفائت،و هو وضع نصف المال الممتزج و تسلیمه إلی المتعهّد له،فإنّ هذا أقرب من هذا المقدار من حنطة أخری مثلا،فإنّ هذا النصف مشتمل علی العین و علی البدل و ذاک کلّه بدل،و من المعلوم أقربیّة الأوّل،فبعد وجود مثل هذا التدارک و عرفیّته لا یصار إلی المقدّمة العلمیّة.

هذا مع عدم التفاوت و أمّا معه:

فإن کان الجودة فی مال المتعهّد،فیجب علیه التجاوز عن وصف جودته، لأنّه حینئذ من قبیل المقدّمة الحقیقیّة للردّ التی قد عرفت وجوب بذلها علیه،و أمّا

ص:236

إن کان فی مال المتعهّد له-فحیث إنّ احتساب سهمه فی مقام القسمة أزید بمقدار یفی بجبر نقصانه یوجب الربا کما عرفت-فلیس له ذلک بل یدفع إلیه قسمة متساویة.

نعم للمتعهّد له حینئذ مطالبة أرش النقصان،و لیس فی مقام التدارک لهذا النقصان أیضا شیء أقرب من دفع ما یوازیه من هذا المال المشترک،و هذا سالم عن الربا،لأنّ اعتبار المعاوضة إنّما هو بین المتماثلین و الزیادة إنّما جاءت بحکم ضمان الفائت،نظیر الأرش فی المبیع المعیب إذا کان هو و الثمن متجانسین مکیلین أو موزونین.

هذا تمام الکلام فی تصرّفات المغبون و الغابن،بقی الکلام فی حکم تلف العوضین مع الغبن.

و تفصیله:أنّ التلف إمّا أن یکون فی ما وصل إلی الغابن،أو فی ما وصل إلی المغبون،و التلف إمّا بآفة،أو بإتلاف أحدهما،أو بإتلاف الأجنبیّ.

و لیعلم أوّلا:أنّک عرفت الإشکال فی جریان خیار الفسخ کلّیة مع تلف إحدی العینین،و أنّه کما یعتبر فی البیع وجود العوضین حاله و لا یرجع إلی البدل لو تبیّن عدم أحدهما حال الإنشاء،فکذا الحال فی الفسخ الذی هو عکسه،فهو أیضا محتاج إلی عوضین موجودین حتّی یعکس مبادلتهما،و لهذا قلنا إنّ الحقّ له إضافة إلی العینین،نعم صحّحنا الفسخ فی صورة التلف عند المفسوخ علیه لأجل دخوله تحت العهدة،فینزّل البدل منزلة المبدل فی الطرفیّة للعقد.

و کیف کان فالکلام الآن مبنیّ علی الغضّ عمّا ذکرنا و تسلیم جریان الفسخ مع تلف إحدی العینین بل کلتیهما.

ص:237

فنقول:علی المبنی المذکور لا إشکال فی الرجوع إلی البدل بعد تعذّر المبدل فإن کان مثلیّا فإلی المثل،و إن کان قیمیّا فإلی القیمة،لکن هل المعتبر قیمة أیّ وقت؟قیمة وقت الفسخ أو وقت الأداء؟و فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه- التردید بین وقت التلف و وقت الفسخ.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ بأنّه:لا وجه لاحتمال یوم التلف،لأنّ المال یوم التلف ملک لصاحبه الجدید،و لا معنی لضمان الإنسان قیمة مال نفسه، فالمتعیّن هنا أحد الأمرین:إمّا قیمة یوم الفسخ إن قلنا إنّ نفس القیمة تستقر فی ذمّة من تلف عنده العین بسبب الفسخ،أو قیمة یوم الأداء إن قلنا إنّ العرف یری نفس العین موجودة فی عهدة من تلف عنده بعد الفسخ.

إن قلت:یمکن توجیه یوم التلف هنا أیضا کباب الغصب،بأن یقال:إنّ المال یعتبر آنا ما قبل التلف خارجا عن ملک صاحبه الجدید إلی المالک الأصلی نظیر الکشف الحکمی فی باب الإجازة،و حینئذ فیحکم بقیمة یوم التلف علی القاعدة کما هو واضح.

قلت:المفروض أنّ ما وقع مبنیّا علی العقد إلی حین الفسخ،لا تترتّب آثار خلافه بعد الفسخ أیضا،فإنّ الفسخ حلّ من حین لا من السابق حتی بلسان التنزیل و علی هذا یتعیّن أحد الأمرین اللذین ذکرناهما.

ثمّ إن کان التلف بآفة سماویّة فلا کلام،سواء عند الغابن أم عند المغبون، و إن کان بإتلاف الغابن لما عند المغبون فإن أبرأه المغبون أو قبض منه القیمة ثمّ ظهر الغبن ففسخ،فلا إشکال فی رجوع الغابن إلی القیمة،و أمّا مع عدم الأمرین، فظاهر شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ المغبون یأخذ الثمن من الغابن،و أنّه لا شیء للغابن،و لعلّه لأجل التهاتر لما اشتغلت ذمّة الغابن مع ما اشتغلت ذمّة

ص:238

المغبون،و هذا إنّما یحسن لو قلنا بأنّ المعتبر فی کلا المقامین قیمة یوم الأداء.

و أمّا إن قلنا:بأنّ المعتبر فی ما اشتغلت ذمّة الغابن یوم التلف و فی ما اشتغلت ذمّة المغبون أحد الأمرین من یوم الفسخ أو الأداء و کانت القیمتان مختلفتین بالزیادة و النقیصة فلیس الأمر کما ذکر کما هو واضح،و منه یظهر الحال بالنسبة إلی العکس أعنی:ما إذا أتلف المغبون لما فی ید الغابن.

بقی صورتان:الأولی:ما إذا أتلف ما عند المغبون الأجنبی،و الثانیة:ما إذا أتلف الأجنبی ما عند الغابن.

و الذی صرّح به شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أمّا فی الصورة الأولی:فإنّه إن لم یرجع المغبون إلی المتلف یرجع الغابن إلیه،أعنی:إلی ذلک المتلف الأجنبی.

و أمّا فی الثانیة:فاحتمالات ثلاثة:

أحدها:رجوع المغبون إلی الغابن،لأنّه الذی یردّ إلیه العوض فیؤخذ منه المعوّض أو بدله.

و ثانیها:الرجوع إلی المتلف،لأنّ المال فی ضمانه و ما لم یدفع العوض فنفس المال فی عهدته.

و ثالثها:التخییر بینهما،فإن شاء رجع المغبون إلی الغابن و إن شاء رجع إلی المتلف.

و استشکل علی هذا شیخنا الأستاذ-دامت أیّام برکاته الشریفة-:بأنّ صاحب المال قبل الفسخ إمّا لا عهدة له بالنسبة إلی المالک بعده،و إمّا یکون متعهّدا له،فعلی الأوّل لا وجه لرجوع المالک بعد الفسخ إلیه فی التلف السماوی، و علی الثانی فالمتعیّن فی إتلاف الأجنبی فی کلتا الصورتین المذکورتین رجوعه

ص:239

أیضا إلی المالک قبل الفسخ،و لا وجه لرجوعه إلی المتلف لا تعیینا و لا تخییرا.

و مجرّد کونه متعهّدا للمالک قبل الفسخ و هو متعهّد للمالک بعده لا یفید أن یکون هو متعهّدا للمالک بعد الفسخ،فإنّه إنّما یکون متعهّدا لمن ملک فی ذلک الآن أعنی:آن التلف،و هو المالک قبل الفسخ لیس إلاّ،لأنّ الفسخ لا یغیّر ما سبق علیه و إنّما یقلّب العقد بالنسبة إلی اللاحق،فاللازم أن یکون الفسخ موجبا لتعهّد المالک قبل الفسخ للمالک بعده و عدم تعهّد المتلف له لعدم موجب التعهّد بالنسبة إلیه،و إنّما تحقّق الموجب فیه بالنسبة إلی المالک قبل الفسخ،فیکون العین فی عهدة المتلف بالنسبة إلی المالک قبل الفسخ و فی عهدة المالک قبل الفسخ بالنسبة إلی المالک بعده،و لا ضیر فی کون العین الواحدة فی عهدتین لشخصین من غیر فرق بین اعتبار نفس العین فی العهدة أم اعتبار القیمة.

و القول بأنّه لو کان المعتبر نفس العین فالمتعیّن الرجوع إلی المتلف لأنّ العین فی عهدته،مجرّد دعوی،فإنّه قد تحقّق سبب لأن یعتبر العین فی عهدته بالنسبة إلی شخص المالک قبل الفسخ،و تحقّق سبب آخر لاعتبار ذلک فی المالک قبل الفسخ بالنسبة إلی المالک بعده،فاللازم تعهّده أیضا للعین له،کما أنّ لزوم رجوع المالک بعد الفسخ إلی المتلف بناء علی اعتبار القیمة فی عهدته یشبه القول بأنّه لو فسخ أحدهما و قد باع صاحبه المال من شخص کان الثمن فی البیع الثانی للفاسخ،لأنّه عوض للتالف،غایة الأمر هو عوض جعلیّ،و ما نحن فیه أعنی:ما أثبته اللّه فی ذمّة المتلف عوض واقعی.و إذا فرضنا أنّ الفسخ لا تأثیر له بالنسبة إلی ما سبق فکما لا یوجب خروج العوض الجعلیّ عن کیس المالک قبل الفسخ فکذا بالنسبة إلی العوض الواقعی،و لیت شعری أیّ فرق بین المقامین؟ نعم یتّجه التخییر فی ما نحن فیه بین الرجوع إلی المتلف أو إلی المالک قبل

ص:240

الفسخ بالنسبة إلی الإتلاف لما عند المفسوخ علیه،بناء علی ما قدّمنا من جریان عهدة الید بالنسبة إلی الحقوق،فیکون المقام بالنسبة إلی متعلّق الحق من تعاقب الأیدی،فیجوز لصاحب الحقّ الرجوع إلی أیّهم شاء،فتدبّر.

مسألة:هل هذا الخیار ثابت فی کلّ معاوضة مالیّة أو یختصّ بخصوص

البیع؟

الظاهر عدم الفرق بین البیع و غیره فی جریان«لا ضرر»،نعم کلّ ما لم یثبت بهذه القاعدة لا یتجاوز عنه فی غیر البیع،فلو فرض أنّها لا تدلّ علی أزید من جواز الاسترداد و إنّما ذهبنا إلی الحقّیة فی البیع بضمیمة الإجماع،لا یمکن المصیر إلی تلک الضمیمة فی غیر البیع،لعدم الإجماع هنا.

و کذلک فی صورة الشک فی القیمة لا یمکن إثبات الخیار بلا ضرر،لوجود الإقدام من غیر فرق بین البیع و الصلح و غیرهما،بل و فی بعض صور القطع بالقیمة أیضا،و هو ما لو اضطرّ إلی الشراء بحیث لو علم أنّه أزید من القیمة لما ترک الشراء،فإنّ حال حضوره للشراء بأیّ قیمة کان و لو بأضعاف القیمة یمنع من جریان لا ضرر و لو فرض أنّه یعلم اتفاقا بمساواة الثمن للقیمة العادلة.

و کذا الحال فی الفرد الذی بنی علی المسامحة و عدم المداقّة کالبیع المحاباتی و الصلح کذلک،و کذا الصلح علی الحقّ المجهول أصله،و أمّا الصلح علی الحقّ الثابت،المجهول مقداره،فقد یکون واقعا علی أیّ مقدار کان،فهذا أیضا کالسابق فی عدم جریان«لا ضرر»فیه،و قد یکون باعتقاد أنّه لا یزید عن المصالح به أو لا ینقص عنه و فی هذه الصورة أیضا لو صرّح فی مقام الإنشاء:بأنّی أصالح عن حقّی بکذا و إن فرض کونه أزید منه بأضعاف،فهذا أقدام منه علی الضرر،فلو تبیّن أنّه کان أکثر فلا خیار،لأنّه و إن کان عالما بالمساواة بحیث لو علم العدم لما أقدم لکن إنشاءه المصالحة فی تقدیر الأکثریّة إنشاء عن قصد و جدّ

ص:241

نحو المدلول نظیر إنشاء البیع بشرط الخیار،و إنشاء الطلاق فی مشکوک الزوجیّة.

و بالجملة:تمشّی القصد الجدّی فی أمثال هذه الموارد ممّا یقصد نحو المنشأ بالعنوان الثانوی مع القطع بعدمه بالعنوان الأوّلی ممّا لا ریب فیه،و بهذا الاعتبار لا یدخل تحت عموم«لا ضرر».

و من هنا تبیّن أنّه لو صرّح فی عقد البیع أیضا بإطلاق المبایعة لحالتی مساواة الثمن مع القیمة و عدمها فهو بمنزلة إسقاط الخیار و لو کان عالما بالمساواة،فلو تبیّن عدمها فلا خیار للإقدام الجدّی فی مرحلة الإنشاء الجدّی، هذا.

و لکن هذا کلّه مبنیّ علی أصل جواز التمسّک ب«لا ضرر»فی أبواب المعاملات من البیع و أخواته،و لکنّه محلّ إشکال عند شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام برکاته الشریفة.

و محصّل ما قرّره فی الدرس فی بیان الإشکال:أنّ«لا ضرر»یکون مفاده نفی الضرر فی ما هو من قبیل مجعولات الشرع لا بالنسبة إلی ما هو أمر کائن فی الواقع و نفس الأمر بأسبابه النفس الأمریّة،غایة الأمر أنّ الشارع بواسطة علمه بالغیب و حدّة نظره و امتیازه عن غیره أدرک ما لا یدرکه غیره فکشف و بیّن عمّا أدرکه،فالإیجاب و القبول عند العرف و الشرع کلیهما سبب واقعی لحصول النقل و الانتقال،و لیس فی البین إلاّ تصدیق الشارع للعرف و أنّه صادق فی ما فهم،کما أنّه فی مورد المخالفة لیس من الشارع أیضا جعل بل مجرّد أنّ العرف مخطئ فی ما فهم،و الواقع علی خلاف ما فهمه،و نفی الضرر لا یشمل إلاّ المجعولات،و لا یدخل تحته مثل هذه الأمور الوضعیّة التی نصیب الشارع منها مجرّد کشف الغطاء عن واقعها المحفوظ.

ص:242

نعم إنّ قلنا:إنّ الإجازة من الشارع فی أبواب المعاملات له جزء الدخل فی ترتیب الأثر نظیر إجازة المالک فی البیع و نحوه دخل فی المجعولات و شمله لا ضرر،لکنّه خلاف المبنی و أنّ إجازة الشارع لیس إلاّ تصدیق العرف فی ما فهم، و لیس له نصیب إلاّ الکشف محضا.

و علی هذا فیمکن المصیر إلی ثبوت خیار الغبن بطریق آخر و هو إرجاعه إلی تخلّف الوصف،فإنّ من یفاضل صاحبه فی القیمة و أنّها کذا أو کذا،ثمّ استقر رأیهما علی شیء و یوقعان المبایعة علیه فهما ناظران إلیه بعین المساواة مع القیمة بحیث یکون هذا قیدا لطرف العقد لا من باب الجهة التعلیلیّة،و علی هذا فیدخل تحت قاعدة تخلّف الوصف،و خیاره أمر عرفی یحکم به العرف،فتدبّر.

مسألة:اختلف أصحابنا فی کون هذا الخیار علی الفور أو علی التراخی

علی قولین،و استند للقول الأوّل و هو المشهور ظاهرا،إلی کون الخیار علی خلاف الأصل فیقتصر فیه علی المتیقّن،و قرّره فی جامع المقاصد علی المحکیّ بأنّ العموم فی أفراد العقود یستتبع عموم الأزمنة و إلاّ لم ینتفع بعمومه.انتهی.و للقول الثانی بالاستصحاب.

و استشکل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-علی التمسّک بالعموم بما ملخّصه:

إنّ العموم الزمانی علی قسمین:

أحدهما:المستفاد من إطلاق الحکم بالنسبة إلی زمانه الراجع بدلیل الحکمة إلی استمراره فی جمیع الأزمنة،و لا یخفی أنّ هذا العموم فی کلّ فرد من موضوع الحکم تابع لدخوله تحت العموم،فإذا فرض خروج فرد منه فلا یفرق فیه بین خروجه عن حکم العام دائما أو فی زمان ما،إذ لیس فی خروجه دائما زیادة تخصیص فی العام حتّی یقتصر عند الشک فیه علی المتیقّن،و السرّ ما عرفت من

ص:243

تبعیّة العموم الزمانی للعموم الأفرادی،فإذا فرض خروج بعضها فلا مقتضی للعموم الزمانی فیه حتی یقتصر فیه من حیث الزمان علی المتیقّن،بل الفرد الخارج واحد،دام زمان خروجه أو انقطع،و المناط کون الزمان مأخوذا ظرفا للحکم.

و إن فرض عمومه لغویّا لا بدلیل الحکمة فیکون الحکم حکما واحدا مستمرّا لموضوع واحد،فیکون مرجع الشک فیه إلی الشک فی استمرار حکم واحد و انقطاعه،فیکون المرجع لا محالة استصحاب حکم الخاص.

ثانیهما:أن یکون الزمان مکثّرا لأفراد العام بحیث یکون الفرد فی کلّ زمان مغایرا له فی زمان آخر،کما إذا قال المولی لعبده:أکرم العلماء فی کلّ یوم،بحیث کان إکرام کلّ عالم فی کلّ یوم واجبا مستقلاّ غیر إکرام ذلک العالم فی الیوم الآخر، و حینئذ فاللازم بعد العلم بخروج فرد فی زمان ما،الاقتصار علی المتیقّن،لأنّ خروج غیره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غیر ما علم خروجه،فإذا علم بخروج زید العالم و شکّ فی خروجه عن العموم یوما أو أزید وجب الرجوع فی ما بعد الیوم الأوّل إلی عموم وجوب الإکرام لا إلی استصحاب عدم وجوبه.

إذا عرفت هذا فما نحن فیه من قبیل القسم الأوّل،لأنّ العقد المغبون فیه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بین عدم وجوب الوفاء به فی زمان واحد و بین عدم وجوبه رأسا نظیر العقد الجائز دائما،فلیس الأمر دائرا بین قلّة التخصیص و کثرته حتّی نتمسّک بالعموم فی ما عدا المتیقّن.انتهی ما نقلنا عنه ملخّصا.

قال شیخنا الأستاذ-دامت برکاته الشریفة-:لا إشکال عند الشیخ و لا عند غیره فی أنّه لو کان المخرج بعنوان التقیید،یتمسّک مطلقا فی ما عدا المتیقّن منه بالعموم و لو فی فرد واحد،فإذا خرج عن دلیل وجوب الصلاة علی کلّ مکلّف

ص:244

عنوان المسافر أو الحائض یجب التقیید بغیر المسافر أو الحائض،فإذا فرض تطبیق هذا العنوان علی شخص ثمّ زال عنه فلا إشکال أنّه بعد الزوال یرجع فیه إلی العام من غیر تفصیل بین الموارد.

فکلامه-قدّس سرّه-لا بدّ من تنزیله علی مورد لم یعلّق الحکم فی دلیل المخصّص علی عنوان،بل کان الخارج ذات الفرد بلا عنوان أصلا و کان العنوان بمنزلة هؤلاء إشارة صرفة إلی الذات،أو و إن کان معلّقا علی العنوان و لکن کان العنوان محفوظا فی الفرد غیر متبدّل نظیر ما نحن فیه،فإنّ دلیل لا ضرر قیّد عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بغیر الضرری منها،و العقد الضرری المغبون فیه یکون من أوّل وجوده إلی آخره واجدا لهذا العنوان غیر مسلوب عنه هذه الصفة،و لکن نشکّ فی أنّ الإخراج مخصوص بالزمان الأوّل،أو یشمل الأزمنة المتأخّرة أیضا،من غیر احتمال دخالة عنوان فی الموضوع غیر منطبق إلاّ علی الزمان الأوّل،بل الموضوع بعنوان واحد یحتمل أن یکون خارجا فی زمان واحد أو أزمنة کثیرة.

إذا عرفت محلّ کلامه-قدّس سرّه-فنقول حینئذ فی توجیه مرامه:

قد یکون الزمان ملحوظا للمتکلّم إمّا فی جانب المادّة أو الهیئة إمّا بنحو الاستغراق أو المجموعیّة،کأن یقول:إکرام العلماء فی کلّ زمان أو فی مجموع الزمان مطلوبی،أو یقول:إکرام العلماء مطلوب فی کلّ زمان أو مجموع الزمان،و لازم الاستغراق ثبوت إطاعات و عصیانات بعدد الأیّام،و لازم المجموعیّة ثبوت إطاعة و عصیان واحد،و لازم کلا النحوین أنّه لو خرج زمان و شکّ فی غیره یقتصر علی المقدار المتیقّن و یرجع فی الباقی إلی العموم الاستغراقی أو المجموعی.

أمّا الأوّل فواضح،و أمّا الثانی فلأنّه من قبیل الاستثناء عن أکل السمکة ذنبها،و القید فی هذه الصورة لبّا راجع إلی المادّة أعنی:الموضوع،و إن کان فی

ص:245

الصورة راجعا إلی الهیئة،فلا فرق بین قوله:إکرام کلّ یوم مطلوبی و بین قوله:

طلب مستمرّ فی کلّ یوم متعلّق بالإکرام،و الفرق إنّما هو صوریّ فقط.

و بعبارة أخری:القیود المصرّح بها الملحوظة للمتکلّم کلّها متمّمات للقضیّة لا أنّها راجعة إلی القضیّة التامّة،فالنسبة التامّة الحکمیّة متأخّرة عن تمام تلک القیود لا أنّها ملحوظة متأخرة عن النسبة التامّة الحکمیّة،فإذا قال:أکرم العلماء دائما،فکأنّه قال:الإکرام الدائمی مطلوبی،أو أنّ الطلب الدائمی فی الإکرام.

و قد یکون القید ملحوظا بعد تمام القضیّة و مجیئ النسبة الحکمیّة،فیلاحظ القضیّة بمجموعیّتها من حیث هی قضیّة و حینئذ یمکن تعلیق القید بنحوین.

الأوّل:أن ننظر إلی الأفراد و أحکامها،و بعبارة أخری إلی القضایا المتولّدة من تلک القضیّة الوحدانیّة،و یرجع القید إلیها،فکأنّه قیل:حکم أکرم زیدا حکم دائمی ثابت فی کلّ یوم و حکم أکرم عمرا کذلک،و هکذا إلی آخر الأفراد.

و الثانی:أن ننظر إلی نفس هذا الحکم الوحدانی المضروب للقانون الذی ینحلّ إلی أحکام لا إلی منحلاّته،فکأنّه قیل:هذا الحکم الضرب القانونی ثابت فی کلّ زمان،و هذا أیضا یمکن بنحوین.

ألف:أن یقال ذلک بعنایة التجدید و أنّ الحکم یتجدّد فی کلّ یوم و یکون مغایرا للموجود فی الیوم القبل.

ب:أن یلحظ بعنایة الوحدة و عدم التفاوت و التغایر،فلازم القسم الأوّل أعنی:القید المربوط بالمنحلاّت أنّه لو ارتفع الحکم عن زید مثلا فی یوم و شک فی ما بعده یرجع إلی العموم،کما أنّ لازم القسم الأوّل من نحوی ربطه بنفس القضیّة الوحدانیّة الضرب القانونیّة هو ذلک أیضا،لأنّ الموجود فی یوم الجمعة مثلا قضیّة

ص:246

غیر ما هو الموجود فی یوم السبت و المعلوم تخصیصه هو الأوّل دون الثانی.

و أمّا النحو الثانی من هذا القسم و هو أن تکون القضیّة الواحدة مستمرّة فی سلسلة الزمان،فلازمه عدم إمکان التمسّک فی ما إذا خرج الفرد فی زمان،لأنّ العام قد خصّص فی هذا الزمان و المفروض عدم عموم آخر فی البین فی الیوم الثانی،و لا استفادة دوام فی حکم نفس الفرد بالنسبة إلی الیوم الثانی و إنّما علّق قید الدوام بالقضیّة العامّة المضروبة للقانون بوحدتها،و هی قد خصّصت،فمن هذا الحین یجری فی الزمان مخصّصة،و لا یفرق بحالها دخول الفرد فی الأزمنة المتأخّرة أو خروجه،لأنّ العام الفردی لیس له إلاّ تخصیص واحد،لأنّه قضیّة واحدة و العموم الزمانی إنّما اعتبر بالنسبة إلی وجود العموم الفردی بما هو عموم و مضروب للقانون الذی یلائم مع ورود التخصیص علیه،فهو إنّما یفید فی ما إذا ارتفع هذا العموم برأسه من البین فی یوم،فإنّ قضیّته الإثبات فی الیوم البعد،و أمّا بالنسبة إلی ارتفاع حکم فرد واحد و عدمه فهو فی ذلک تابع لنفس القضیّة العامّة بالعموم الفردی، فإن کان فیه مقتض للدخول کما قبل ورود المخصّص کان جاریا فی الزمان بتبع القضیّة و إلاّ کما بعد وروده،فلا یحدث من قبل هذا الدوام المتعلّق بنفس القضیّة مقتض لدخوله.

إذا عرفت هذا فالمدّعی أنّ المتکلّم إذا کان فی مقام البیان و ساق القضیّة بعموم أفرادی غیر ملاحظ للزمان أصلا بنحو من الأنحاء المذکورة فمقدمات الحکمة قاضیة بثبوت النحو الأخیر،إمّا لأنّه الأخفّ أو لا دلیل علی أزید منه،أمّا عدم کون الزمان و الدوام حینئذ فی نفس طرفی النسبة،فلأنّه المفروض من أنّ النسبة الحکمیّة الإنشائیّة إنّما تعلّق بالموضوع المجرّد عن ملاحظة الزمان.

و أمّا إنّ الدوام العارض علی القضیّة بعد تمام النسبة عارض علی العموم لا

ص:247

علی المحکیّات به،فلأنّه لا أقلّ من عدم الدلیل علی النحو الثانی،و مع الشک أیضا یسقط الاستدلال.

و أمّا إنّه بعد العروض علی العموم لا یلاحظ تعدّد العموم بعدد الأزمنة، فلأنّه مؤنة زائدة تحتاج إلی عنایة زائدة و المقدمات تنفیه.فیصیر المتحصّل أنّ عموما فردیّا صار محکوما-بحکم المقدّمات-بالبقاء فی طول الزمان،و لازمه ما ذکرنا.

و لیس المراد بالبقاء نظیر ما یعتبر فی الاستصحاب حتّی لا یتعقّل له معنی مع تخلّل العدم،کما حمل کلام شیخنا-قدّس سرّه-علیه بعض الأساطین من محشّی کلامه-قدّس سرّه-،فإنّه حینئذ و إن کان لا یصح التمسّک لمکان ما عرفت من عدم صدق البقاء مع تخلّل العدم،و لکنّه غیر مفاد للمقدّمات،لأنّه بهذه العنایة أیضا محتاج إلی مؤنة زائدة و معدود فی عرض سائر القیود،فیکون إثباته من بینها ترجیحا بلا مرجّح،بل المراد هو عدم الانفکاک عن شیء من أجزاء الزمان من دون عنایة اعتبار الاتّصال،و لهذا قلنا:إنّه لو ارتفع الحکم العمومی برمّته جاز التمسّک فی ما بعد المقدار المتیقّن من الزمان إلی الإطلاق الزمانی.

إن قلت:نمنع ما ذکرته من جعل خروج الفرد فی زمان تخصیصا فردیّا،بل نقول:هو تقیید فی الإطلاق،فإنّ العموم الفردی لازمه الثبوت آنا ما،و الاستمرار بطول الزمان إنّما هو بقضیّة الإطلاق،و حینئذ فالمقتضی للدخول فی الزمان الثانی و هو الإطلاق ثابت.

قلت:لا وقع لما ذکرت بعد ما عرفت من البیانات السابقة،فإنّ هناک مدلولین طولیّین،فالقضیّة مدلولها إثبات الحکم فی ذوات الأفراد من غیر تعرّض للزمان،و الإطلاق مدلوله جرّ هذه القضیّة بما لها من المفاد و المدلول فی أجزاء الزمان،فإذا خرج الفرد عن المدلول الأوّلی فلا دلالة للمدلول الثانوی علی إثباته

ص:248

فی الزمان الثانی أو نفیه،فإنّ المجرور إلی هذا الحین کان عامّا غیر مخصّص و من هذا الحین صار عامّا مخصّصا،و الاختلاف فی المجرور لا یوجب الاختلاف فی ما مدلوله الجرّ،فلیس هذا تقییدا فی الإطلاق أصلا.

إن قلت:سلّمنا ذلک و لکن نقول:الجرّ فی القضیّة العامّة مستلزم للجرّ فی أجزاء هذا العموم أعنی:الآحاد و قد سلّمت أنّه لو کان مفاد المقدّمات ابتداء جرّ أحکام الآحاد تمّ الاستدلال،فما الفرق بین کون ذلک مفادها ابتداء أو بالمآل بواسطة الاستلزام؟ قلت:هذا أیضا کالإشکال الأوّل لا وقع له بعد البیانات المتقدّمة،فإنّ قضیّة المقدّمات علی ما عرفت لیست بأزید من ثبوت الحکم العمومی الذی هو النظام لشتات الأفراد من دون تکفّل لما عداه،فأصالة الجدّ فیه إنّما هی فی قبال ارتفاع هذا المعنی بأن لم یکن العموم فی الزمان الثانی،و أمّا بعد إجراء أصالة الجدّ فی مفاد الإطلاق یحصل لنا حکم عمومی قابل للتخصیص فنحتاج إلی أصالة جدّ آخر فی هذا العموم بالنسبة إلی کلّ فرد منه،فإذا اختلّت الأصالة المذکورة بالنسبة إلی فرد فلیس المصحّح لها أصالة الجدّ فی المفاد الأوّلی.

و بالجملة:لا تکفّل فی الإطلاق بحال الأفراد أصلا إلاّ بالأعمّ من الجدّ و التوطئة الذی هو المحتاج إلیه فی تألیف العموم،و أمّا تعیین أنّه الجدّ أو التوطئة فمحتاج إلی أصل آخر جار فی العموم الفردی،فإذا بطل الأصل بورود الدلیل المخصّص فلا مقتضی بعد انقضاء الزمان المتیقّن لدخول الفرد و لا لخروجه.

هذا حال التمسّک بالعموم و قد عرفت عدم تمامیّته،و أمّا التمسّک بعد ذلک باستصحاب حکم الخیار للقول بالتراخی،فقد استشکل فیه أیضا شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-و المانع المتصوّر من جریانه أمران:

أحدهما:عدم وحدة الموضوع المعتبرة فی الاستصحاب کما یظهر من کلام

ص:249

الشیخ-قدّس سرّه-،لأنّ الموضوع الذی حکم علیه بالخیار هو من لم یتمکّن من الفسخ،و بعبارة أخری هو العاجز عن دفع ضرره،و هذا قد انقلب فی الآن الثانی، لأنّه بعد مضی الزمان الأوّل صار شخصا قادرا علی دفع ضرره و سامح فی دفعه.

و ثانیهما:أنّ المقام من قبیل الشکّ فی المقتضی،فإنّه لا یعلم أنّ المقتضی للخیار طویل أم قصیر.

و قد تنظّر فی ما ذکره شیخنا الأستاذ-دامت برکاته العالیة-بکلا وجهیه، أمّا الثانی:فلأنّه مضافا إلی عدم تمامیّته فی نفسه-کما بیّن فی الأصول مشروحا فلیراجع-قد رجع هو-قدّس سرّه-عن ذلک فی مواضع من کلماته علی المحکیّ.

و أمّا الأوّل:فالموضوع لا یمکن أن یکون هو العاجز عن دفع الضرر فعلا حتّی مع ملاحظة الحکم الوارد علیه،لأنّ اللازم حینئذ رفع الحکم لموضوعه و هو محال عقلا،فالموضوع هو الذات أو العاجز لولا هذا الحکم أو العاجز المطلق آنا ما،و علی کلّ التقادیر یکون باقیا علی جمیع الأمذقة فی أخذ الموضوع للاستصحاب لأنّه باق هنا عرفا و دلیلا و دقّة،نعم رفع العجز هنا إنّما أخذ غرضا،فالعاجزیّة غیر مأخوذة فی الموضوع نظیر الجهل فی الإخبار،حیث لیس الموضوع هو الشخص المخاطب بقید الجهل بل ذاته بغرض رفع الجهل.

ثمّ لو فرض إمکان أن یکون الموضوع هو العاجز الفعلی من جمیع الجهات، فاللازم حینئذ تقیید العموم،أعنی:عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)بغیر حال العجز الفعلی،ثمّ الرجوع فی ما عدا المقدار المتیقّن من التقیید إلی العموم،و لیس هذا من محلّ النزاع المتقدّم فی شیء کما عرفت.

ثمّ لم یعرف ما وجه تعیین تشخیص الموضوع فی الاستصحاب من الدلیل،

ص:250


1- 1) سورة المائدة1/.

مع أنّ المحکّم و المرجع فی تشخیص موضوعات سائر الأحکام هو العرف،فلا فرق بین قضیّة:«الدم نجس»و بین قضیّة:«لا تنقض»،فکما أنّ النجاسة مترتّبة علی ما یراه العرف دما،کذلک الحرمة مترتّبة علی ما یراه العرف نقضا.

و حینئذ نقول:قد یکون بحسب الدلیل وجود خصوصیّة مأخوذا فی الموضوع علی وجه التقیید کما فی:«الماء المتغیّر نجس»و مع ذلک لیس الموضوع بنظر العرف لبّا إلاّ الذات کما أنّه قد یؤتی بالخصوصیة فی صورة القضیة بعنوان الشرط الخارج عن الموضوع و مع هذا یکون انتفاؤه مضرّا ببقاء الموضوع،کما فی قولک:إذا کان هذا-مشیرا إلی الهیولی المشترکة بین الکلب و الملح-کلبا فهو نجس،فلا یقال عند صیرورة الکلب ملحا مثلا:قد ارتفع النجاسة عن هذا و یقال فی مثال«الماء المتغیر نجس»بعد ارتفاع التغیّر إنّه بقیت نجاسة هذا أو ارتفعت،و إذن ففی المقام و لو سلّمنا کون العجز عن الدفع قیدا فی موضوع الخیار،لکنّه قید دلیلیّ و لیس بعرفیّ،لأنّ العرف یقول:قد بقی خیار هذا الشخص أو ارتفع،و صدق البقاء و الارتفاع عنده شاهد علی کون الموضوع عنده ذات الشخص و إن کانت صفة العجز معلوم الدخل حدوثا و بقاء،فمع الشکّ فی مدخلیّتها فی البقاء لا مانع من الاستصحاب،لإحراز الموضوع.

نعم هنا کلام آخر یمکن أن یکون هو محطّ نظر صاحب الریاض-قدّس سرّه-و هو أنّه:کما أنّا نستفید من قضیّة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إیجاب الوفاء،کذلک نستفید فی عرض ذلک أنّ العقد له اقتضاء لوجوب الوفاء،فبعد انقضاء الزمان الأوّل من الخیار و إن کان لا یمکن التمسّک بالإطلاق فی الهیئة و إثبات الوجوب، و لکن یمکن التمسّک بإطلاق اللفظ من حیث المدلول الآخر،فالمقتضی محرز بهذا الدلیل،و أمّا المانع فإن قلنا بتمامیّة قاعدة المقتضی و المانع،فلا إشکال فی ترتّب النتیجة و لا یبقی مجال لاستصحاب الخیار.

ص:251

و أمّا إن قلنا بعدم التمامیّة فأوّلا ندّعی أنّا نقطع بعدم وجود مانع غیر الضرر،و هو أیضا مقطوع عدم اقتضائه أزید من إثبات الخیار فی الزمن الأوّل،إذ هو الذی یوجب عدم استناد الضرر إلی حکم الشرع،و أمّا إثباته فی الزمان الثانی فلغو من حیث ترتّب هذه النتیجة،إذ لو ثبت وجوب الوفاء فلیس هذا الضرر آتیا من قبل الشارع،بل من قبل تهاون نفس المکلّف.

و بالجملة:بعد القطع بسقوط هذا الملاک عن التأثیر نقطع بعدم تحقّق ملاک آخر لثبوت الخیار،فلا وجه للاستصحاب،و علی فرض تسلیم احتمال وجود ملاک آخر،فلا یحتمل وجود شخص الخیار السابق،بل لو کان لکان شخصا آخر لتعدّد ملاکه،فیبتنی علی صحّة استصحاب الکلّی فی القسم الثالث منه،مع أنّه علی تقدیر الصحّة معارض باستصحاب عدم جعل خیار آخر،فیرجع إلی استصحاب الملک و عدم ترتّب أثر الفسخ.

و لعلّ هذا مراد سیّد الریاض فیقال:إنّه لو کان المدرک للخیار قاعدة«نفی الضرر»فلا استصحاب للخیار،بواسطة ما ذکرنا،و إن کان المدرک الإجماع المنقول-حیث لا لسان له-فیحتمل بقاء الخیار بعین وجوده الشخصیّ الأوّلی، فحینئذ یتّجه التمسّک باستصحابه،هذا منتهی تقریب کلامه-قدّس سرّه.

و لکن قد استشکل فیه شیخنا الأستاذ-دامت برکاته العالیة-بأنّ تخصیص«لا ضرر»بخصوص الزمان الأوّل لا وجه له،إذ اللفظ غیر قاصر فإنّ الضرر لم یرتفع و الشخص أیضا لم یقدم و لم یتقبّل الضرر علی نفسه،غایة الأمر أخّر إعمال الخیار إمّا لأن یتأمّل فی صلاحه و فساده،و إمّا لغیر ذلک.

و الحاصل:التأخیر لیس رضائه منه بالبیع،فرفع اللزوم عنه فی غایة المنّة، و لو وجب الاقتصار فی مدلول«لا ضرر»علی مقدار لا یستند الضرر إلی الشرع

ص:252

بحیث صحّ الاحتجاج علی العبد بأنّی لم أورد الضرر علیک،لکان اللازم فی الوضوء الضرری لأجل وجود مرض قد تهاون المکلّف فی معالجته فبقی فی الیوم الثانی،أن نقول بوجوبه فی الیوم الثانی،إذ الضرر ناش من مسامحة المکلّف لا من إیجاب الوضوء،و لا أظنّ أحدا یلتزم به.

و أیضا لازم القول بالاختصاص بمقدار التمکّن من إعمال الفسخ أن یکون العلم بالحکم مأخوذا فی غایة نفس الحکم و هو فی إنشاء واحد غیر ممکن،فإنّ إعمال الخیار یتوقّف علی مقدمتین،علم بالکبری أعنی:الخیار،و علم بالصغری أعنی:الضرر،فاللازم تقیید الخیار بما بعد زمن کلا العلمین بمقدار یتمکّن من الفسخ و جعل العلم بنفس الحکم المنشأ فی إنشاء واحد غایة لنفس هذا الحکم مستلزم لاجتماع لحاظین فی لحاظ واحد.

نعم لا إشکال فی إمکان ذلک فی جعلین بأحدهما یجعل مهملة الخیار، و بالآخر یجعل الخیار المغیّی بما بعد العلم بالأوّل بساعة مثلا،و أمّا فی الجعل و الإنشاء الواحد فتقیید الحدوث بالعلم مستلزم للدور،و تقیید الغایة به مستلزم للجمع بین لحاظی إنشاء الحکم و الفراغ منه.

إن قلت:لا داعی إلی جعل القید هو العلم،بل هو التمکّن الذی هو یلازم العلم.

قلت:بعد فرض تأخّر التمکّن عن العلم فالتقیید به أیضا کالتقیید بالعلم، و بالجملة لازم القول بالفور إن قال القائل به بعذریّة الجهل بالموضوع أو الحکم ما ذکرنا،و أمّا إن قال بعدم عذریّته و أنّ المعیار سدّ باب الضرر من قبل الشارع نظیر إعمال اللطف فی جعل الأحکام من قبل الشارع،فاللازم احتساب مبدأ الفور من حین العقد إلی مقدار یتمکّن من إعمال الفسخ،فیسلم عن هذا الإشکال الثانی،

ص:253

نعم یبقی علیه حینئذ الإشکال الأوّل.

فتحصّل من جمیع ما ذکرنا:أنّه إن کان المدرک للخیار هنا دلیل الضرر فاللازم القول بالتراخی سواء قیل بعذریة الجهل علی تقدیر القول بالفور أم لا، و إن جعل المدرک هو الإجماع فإن جعل الجهل عذرا،فلا یمکن کون الخیار فوریّا،لما ذکر من استلزامه المحذور،و إن لم یجعل الجهل عذرا فاللازم حینئذ القول بالتراخی أیضا لکن من باب الاستصحاب،أعنی:استصحاب الخیار.

ثمّ علی القول بالفور لا إشکال فی عدم اعتبار الفوریّة العقلیّة،لاستلزامها الحرج علی المکلّف،و إذا صار الشارع بمقام رفع الضرر عن المکلّف إرفاقا به لا یوقعه فی الحرج،لأنّه نقض الغرض،بل المعتبر هو الفور العرفی،لکن لو کان مشغولا بصلاة نافلة أو أکل أو قضاء حاجة،فهل له التأخیر إلی الفراغ،و کذا لو اطّلع علی الغبن فی اللیل فله التأخیر إلی الصباح؟ لا یبعد أن یقال بالتفصیل بین ما إذا أمکن له الفسخ مع التوسّل به إلی تحصیل ماله علی حسب الموازین الشرعیّة بلا عسر و حرج،کأن یکون العدلان حاضرین فی المجلس فیجب حینئذ المبادرة العرفیّة،فلا یجوز التأخیر إلی الفراغ عن الأکل أو الصلاة أو قضاء الحاجة کالخروج من الحمام،و بین ما إذا لم یمکن ذلک بسرعة،و إنّما یحتاج إلی مضیّ زمان لأجل إحضار العدلین،فإنّ مجرّد إمکان قول«فسخت»لا یدفع الضرر و العسر،فإنّه ربّما ینجرّ ذلک إلی الاختلاف،فینکر الطرف وجود الفسخ منه،و المفروض عدم إمکان إقامة البیّنة علیه،و لیس ممّا لا یعلم إلاّ من قبله و من الأمور القلبیّة الباطنیّة کالعلم و الجهل حتی یسمع دعوی من یدّعیها.

و لا یمکن للمنکر أیضا الیمین،لأنّه غیر عالم،فیبقی المرافعة بلا فصل

ص:254

و یوجب انقطاع ید هذا الفاسخ عن عین ماله و عن عوضه معا،و هذا أمر قد تحقّق من قبل الشارع،لحکمه بوجوب الوفاء فی الآن الثانی،و حکمه الآخر بعدم سماع قول المدّعی فی قبال المنکر إلاّ مع البیّنة،و هذا بخلاف ما لو رفع وجوب الوفاء فی الآن الثانی أیضا بمقدار یحضر عند البیّنة و یفسخ عندها،فإنّه جمع بین رفع الضرر و الحرج معا،فعین الجهة الداعیة إلی الفور العرفی فی قبال العقلی داعیة إلی الانصراف عن العرفی إلی الإمهال بهذا المقدار،هذا.و لکن لم یعلم وجود قائل بهذا التفصیل.

ثمّ علی القول بالفور و جعل الجهل الموضوعی أو الحکمی عذرا،إن ادّعی الجهل بالخیار و أنکر الآخر،قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:فالأقوی القبول، لأنّ الأصل العدم.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام علاه-:بأنّ المراد من استصحاب عدم العلم إن کان تشخیص موضوع عدم الإقدام،فهو مثبت،و إن کان من حیث نفسه،فهو غیر موضوع لأثر شرعی،و الذی رتّب الأثر علیه عنوان الضرر و قد خرج عنه صورة الإقدام،فالذی هو المهمّ هو أنّ هذا الشخص هل صدر منه إقدام حتّی یکون خارجا عن موضوع الخیار أو لا،حتّی یکون داخلا؟ فالمناسب حینئذ أن یقال فی وجه قبول قوله:إنّه مطابق لاستصحاب الخیار بناء علی ما تقدم من صحّته و عدم الإشکال فیه من جهة تعدّد الموضوع.

و هل یمکن استصحاب موضوع الخیار أعنی:العاجز أو لا؟التحقیق أنّ استصحاب وجود العاجز بنحو مفاد کان التامّة غیر مفید،و أمّا استصحاب کون هذا الشخص عاجزا فلا إشکال فی أنّ له حالة سابقة،فإنّه فی الزمان الأوّل لا

ص:255

محالة کان کذلک،و شکّ فی زواله عنه بعده فیستصحب،لکنّ الکلام فی أنّه بناء علی مذاق الشیخ-قدّس سرّه-الذی ذهب إلی أنّ مثل هذه التقییدات مضرّة بالاستصحاب مع الشک فی إحراز القید،هل فی الاستصحاب الموضوعی فی أمثال هذه الموارد الخدشة المذکورة،أعنی:الشک فی بقاء الموضوع أو هو سالم؟ و یمکن الفرق بین المقامین.

و یبعد منه-قدّس سرّه-أنّه کان مستشکلا فی استصحاب الخمریّة فی ما إذا شکّ فی تبدّلها بالخلّیة،أو استصحاب بقاء التغیّر لو شکّ فی زواله.

و إذن فیتوجّه علیه-قدّس سرّه-:السؤال عن الفرق بین استصحاب الحکم فی أمثال هذه الموارد-حیث خدش فیه بأنّ الوصف العنوانی غیر محرز- و بین استصحاب نفس الوصف العنوانی حیث تلقّاه بالقبول؟مع أنّ المعروض للوصف العنوانی أیضا لا محالة کان محدودا بحدود واقعیّة لیست بمحرزة حال الشک،و إلاّ لم یعقل الشک،فالشک لا محالة لأجل تغیّر بعض من الأمور فی المائع الشخصی و یحتمل دخلها فی الخمریّة،أو احتمال تغیّر ما هو دخیل فیها، و المائع الخارجی مع هذه الحالة یصحّ جعله مشارا إلیه فیقال:هذا کان خمرا و الآن باق علی خمریّته.

فإذا فرضنا أنّا نجوّز مثل هذه المسامحة فی طرف الموضوع،فأیّ باعث لنا فی المنع فی جانب الحکم؟مع أنّ الموضوع فی المقامین واحد.ألا تری صحّة القیاس علی نحو الشکل الأوّل؟فیقال:هذا خمر،و کلّ خمر حرام،فهذا حرام.و(هذا)فی قولنا:هذا حرام،عین(هذا)فی قولنا:هذا خمر،و إن بنیتم علی المداقّة و قلتم:بأنّ (هذا)فی قولنا:هذا حرام،یکون فیه وصف الخمریّة علی نحو الاندکاک،نقول

ص:256

بمثله فی قولنا:هذا خمر.

ألا تری عدم صحّة حمل الخمر علی المشار إلیه مع عدم إحراز هذا المعنی؟ فاللازم علی هذه المداقّة طرح الاستصحاب فی کلا الجانبین،کما أنّ اللازم من المسامحة من هذه الجهة جریانه فی کلیهما،فلم یعلم أنّه-قدّس سرّه-ما یجیب عن هذا مع ما هو الظاهر منه من قبول الاستصحاب الموضوعی؟ هذا کلّه بناء علی تسلیم أخذ عنوان العاجز فی موضوع الخیار،و أمّا بناء علی ما أسلفنا من عدم إمکانه،و أنّ الموضوع نفس الذات،و الحکم مجعول بغرض رفع العجز،فاستصحاب الخیار جار و الإشکال مندفع بحذافیره.

بقی فی المقام شیء،و هو أنّ الظاهر من الفروع المذکورة فی هذا المقام أنّ المشهور القائلین بالفور غیر ملتزمین بثبوت الخیار بمقدار إمکان إعماله من غیر فرق بین العلم و الجهل،بل یعتبرون الفور مع مراعاة العلم بالحکم و الموضوع.

فیتوجّه علیهم:أنّه کیف یمکن تصویر مثل هذا الجعل ثبوتا کما أشرنا سابقا من عدم تعقّل جعل العلم بالحکم فی إنشاء واحد غایة له.

و قد یحتمل فی رفع ذلک عنهم بأنّ المشهور قائلون بجعل الخیار من دون تقیید بالعلم و الجهل،و کلامهم فی فروع جعل الجهل عذرا راجع إلی من اعتقد بفوریّة الخیار و انقضی مقدار الفور و لم یفسخ،فهذا منه إسقاط لأنّ الخیار بحسب الواقع فوری إمّا واقعا،أو بعد العلم به،فکلامهم راجع إلی مرحلة الإسقاط دون مقام الثبوت،فتأمّل.

ص:257

الخامس:خیار التأخیر

اشارة

قال فی التذکرة علی المحکی:من باع شیئا و لم یسلّمه إلی المشتری و لا قبض الثمن و لا شرط تأخیره و لو ساعة،لزمه البیع ثلاثة أیّام،فإن جاء المشتری بالثمن فی هذه الثلاثة فهو أحقّ بالعین و لا خیار للبائع،و إن مضت الثلاثة و لم یأت بالثمن تخیّر البائع بین فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع، انتهی.

و حکی الإجماع عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غیرها،قیل:و هو معتضد بما فی التذکرة من أنّ الصبر أبدا مظنّة الضرر المنفی بالخبر،بل الضرر هنا أشدّ من الضرر فی الغبن حیث إنّ المبیع هنا فی ضمانه و تلفه منه،و ملک لغیره لا یجوز له التصرّف فیه.

و یمکن أن یقال:إنّ الصبر غیر واجب بمعنی عدم المطالبة،بل یجوز له المطالبة و یجب بحکم الشرع علی المشتری التسلیم و هذا الإیجاب حکم دافع للضرر،و لو خالف المشتری و لم یسلّم فهذا غیر مرتبط بالشرع،بل ناش من قبل عصیانه.ثمّ علی هذا التقدیر أیضا یمکن دفع الضرر بالتقاص،بأن یأخذ المبیع تقاصّا.

ثمّ أیّ اختصاص فی دلیل لا ضرر بطرف البائع؟بل یجری مثله حرفا بحرف فی جانب المشتری إذا خلّی بینه و بین الثمن و لم یدفع البائع المثمن خصوصا إذا قلنا بعموم قاعدة التلف قبل القبض فی طرف الثمن أیضا،فلا بدّ أن یقال بثبوت الخیار للمشتری حینئذ و لا یلتزمون به.

و أیضا لا یثبت التقیید بالقیود المذکورة بهذا الدلیل،إذ لو فرضنا أنّ البائع

ص:258

دفع المثمن و امتنع المشتری عن دفع الثمن جری الکلام بعینه،فإنّ الظاهر أنّه -قدّس سرّه-جعل الضمان عند التلف وجها لأشدّیّة الضرر هنا من ضرر الغبن، لا أنّ أصل الضرر متقوّم به.

و أیضا التقیید بعدم اشتراط التأخیر إن کان لأجل اندفاع الضرر حینئذ بواسطة ثبوت خیار تخلّف الشرط لو أخّر عن المدة المشروطة،فهذا مبنی علی إرجاع شرط التأخیر إلی شرطین،أحدهما للمشتری مثلا و الآخر للبائع،بمعنی أنّ التأخیر إلی المدّة الکذائیّة شرط للمشتری مثلا و عدمه بعد انقضاء تلک المدّة و التعجیل بالدفع شرط علیه.

و هذا بکلّیته ممنوع،فإنّه قد لا یکون غرض المتشارطین إلاّ متعلّقا بنفس جواز التأخیر مع الإیکال فی وجوب التعجیل بعد الأجل المشترط إلی اقتضاء طبع العقد،فیکون شرطا للمشتری لا له و علیه.

و بالجملة فی أصل التمسّک بدلیل لا ضرر للمقام محلّ النظر أوّلا،و فی إثباته بهذه الکیفیّة التی فی کلامهم-رضوان اللّه علیهم-أیضا محلّ نظر بعد تسلیم المرحلة الأولی.

فاللازم صرف الکلام إلی الأخبار الخاصّة التی تمسّکوا بها.

منها:روایة علی بن یقطین«قال:سألت أبا الحسن-علیه السلام-عن الرجل یبیع البیع و لا یقبضه صاحبه و لا یقبض الثمن؟قال-علیه السلام-:الأجل بینهما ثلاثة أیّام فإن قبضه(قبض)بیعه و إلاّ فلا بیع بینهما» (1).

و روایة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح-علیه السلام-«قال:من اشتری

ص:259


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 9 من أبواب الخیار،ص 357،ح 3.

بیعا فمضت ثلاثة أیّام و لم یجئ فلا بیع له» (1)و روایة ابن الحجاج«قال:اشتریت محملا و أعطیت بعض ثمنه و ترکته عند صاحبه،ثمّ احتبست أیّاما،ثمّ جئت إلی بائع المحمل لآخذه فقال:قد بعته، فضحکت ثمّ قلت:لا و اللّه لا أدعک أو أقاضیک،فقال لی:أ ترضی بأبی بکر بن عیّاش؟قلت:نعم،فأتیته فقصصنا علیه قصّتنا،فقال أبو بکر:بقول من ترید أن أقضی بینکما،بقول صاحبک أو غیره؟قال:قلت:بقول صاحبی،قال:سمعته یقول:من اشتری شیئا فجاء بالثمن ما بینه و بین ثلاثة أیّام و إلاّ فلا بیع له» (2).

و صحیحة زرارة«عن أبی جعفر-علیه السلام-قلت له:الرجل یشتری من الرجل المتاع،ثمّ یدعه عنده فیقول:حتّی آتیک بثمنه؟قال-علیه السلام-:إن جاء فی ما بینه و بین ثلاثة أیّام و إلاّ فلا بیع له» (3).

و التکلّم هنا فی مقامات:

المقام الأوّل:

من حیث إنّ قوله-علیه السلام-:«لا بیع»یستفاد منه نفی اللزوم أو نفی الصحّة؟لا إشکال فی أنّ الظاهر البدوی تعلّق النفی بالحقیقة،بل قد یقال:إنّ ظاهره نفی انعقاد البیع قبل حصول القبض فی الثلاثة،لکنّه مندفع بظهوره فی أنّ هذا النفی أمر مستحدث یحصل بعد حصول الشرط،و حینئذ فالحمل علی ظاهره من نفی الحقیقة یقتضی الحکم بالبطلان بعد انعقاده صحیحا،کما جزم بظهور الاخبار فیه فی الحدائق،و وافقه شیخنا المرتضی-قدّس

ص:260


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 9 من أبواب الخیار،ص 357،ح 4.
2- 2) المصدر نفسه:ص 357،ح 2.
3- 3) المصدر نفسه:ص 356،ح 1.

سرّهما-فی خصوص قوله:«فلا بیع بینهما»،و أمّا قوله:«فلا بیع له»فادّعی-قدّس سرّه-أنّه بواسطة لفظة«له»ظاهر فی اختصاص النفی بطرف المشتری و حیث إنّ الصحّة أمر غیر قابل للتبعیض فلا محالة یرجع إلی اللزوم من طرف البائع.

لکن خدش فی ما ذکره-قدّس سرّه-شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-بإمکان کون النکتة فی هذا التقیید أنّ المشتری هو الذی یأتی البائع لأجل أخذ المبیع فناسب لذلک تخصیصه بالذکر و إلاّ فالبیع حقیقة منتف عن کلیهما.

و أمّا تسلیمه-قدّس سرّه-الحدائق فی ظهور قوله:«لا بیع بینهما»فی نفی الصحّة،فیمکن ادّعاه العکس و أنّه ظاهر فی نفی اللزوم،و ذلک لأنّ قید«بینهما» لا بدّ أن لا یکون لغوا،و الذی یخرجه عن اللغویّة أن یکون للإشارة إلی معنی الإلزام و الالتزام الموجود فی حاقّ البیع أو یکون من آثاره و خواصّه،یعنی لا یکون هذا الإلزام و الالتزام،و الاحتجاج بینهما بأن یقول أحدهما للآخر:أین البیع؟إذا رآه خالف مقتضاه.

فتعیّن حمل النفی علی نفی اللزوم و الکمال،إذ لو حمل علی نفی الصحّة لزم لغویّة القید،إذ کان یصحّ الاکتفاء بقوله:«فلا بیع»و حینئذ فیصیر قوله فی سائر الأخبار:«فلا بیع له»أیضا مؤیّدا لهذا المعنی بالتقریب الذی ذکره-قدّس سرّه- و إن قلنا لا یصحّ الاستناد إلیه ابتداء لما مرّ من الخدشة فی ظهوره و کونه مجملا محتملا لمعنیین.

هذا مضافا إلی أنّ نفی أصل صحّة البیع مع أنّه غیر مرتفع بحسب الارتکاز العرفی،لا یصحّ إلاّ بالتنصیص علیه،و لا یکفیه مثل هذا الترکیب الکثیر الاستعمال فی نفی الکمال،فإنّه إذا رأی العرف حسب ارتکازه بقاء المعاهدة البیعیّة و عدم انفصالها بمجرّد مضیّ ثلاثة أیّام عن العقد بدون قبض لأحد

ص:261

الطرفین-کما یشهد به حال الراوی فی قضیّة شراء المحمل،حیث ضحک من بیع بائع المحمل-ثمّ رأی من الشارع إیقاع البیع تحت النفی فی هذا المورد یصرفه حسب ارتکازه إلی اللزوم.

إن قلت:اللزوم أیضا أمر ارتکازی کأصل بقاء المبادلة المسببیّة.

قلت:نمنع بقاء الارتکاز بالنسبة إلی هذا المورد،لأنّهم أیضا یفهمون حدوث أمر فی هذا البیع بواسطة هذا التأخیر،غایة الأمر تردّدهم فی أنّه حقّ للبائع فی الفسخ أو انفصال العقد رأسا،إلاّ أن یقال إذا انجرّ الأمر إلی هنا فقد سلمت عدم الارتکاز،إذ الارتکاز لا یلائم مع احتمال الخلاف فلیرجع إلی ما هو ظاهر اللفظ أوّلا،فالأولی ما ذکر أوّلا فی تقریب مدّعی المشهور من نفی اللزوم.

المقام الثانی:فی أنّه بعد تسلیم حمل النفی المذکور علی نفی اللزوم،فهل

الشرط فی اللزوم وجود کلا القبضین فی الثلاثة،

بحیث لو انقضت الثلاثة و لم یجتمع القبضان کلاهما تحقّق الجواز سواء تحقّق أحدهما أم لا؟أو أنّ الشرط فی الجواز بقاء کلا العدمین إلی انقضاء الثلاثة،بحیث لو انقلب أحدهما إلی الوجود فی أثنائها کفی فی اللزوم؟نحتاج فی استظهار ذلک من الرجوع إلی الأخبار.

فنقول:أمّا خبر علی بن یقطین،فذو احتمالین،لأنّه یحتمل أن یکون قوله فی الجواب:«قبضه بیعه»بتشدید قوله«بیعه»حتّی یکون المفعول عبارة عن الثمن،و یحتمل أنّ«قبضه»بالتشدید«و بیعه»بالتخفیف،فیکون المراد:إقباض البائع المبیع للمشتری،فیکون المعتبر فی اللزوم علی الأوّل قبض الثمن بخصوصه، و علی الثانی قبض المبیع کذلک،هذا کلّه علی نسخة«قبضه»بهاء الضمیر،و أمّا بناء علی نسخة«قبض»بدون الهاء فیتعیّن الاحتمال الثانی أعنی:کون الاعتبار بقبض المبیع وحده.

ص:262

و علی کلّ حال لا یصلح الخبر للاعتماد لوجود الإجمال،لکن قد یقوّی کفایة واحد من قبضی الثمن و المثمن فی الثلاثة فی الحکم باللزوم،فیحتاج الجواز إلی انعدام کلیهما إلی آخر الثلاثة کما هو قضیّة کلام المشهور،بدعوی أنّ مورد جمیع الأخبار الواردة فی الباب عدم الإقباض و القبض فی شیء من الطرفین.

أمّا خبر علیّ بن یقطین،فواضح،و أمّا غیره فما عدا خبر أبی بکر بن عیّاش، و هما الخبران الآخران،فلأجل أنّ الشرط فی الحکم بنفی البیع فیهما جعل عدم مجیئ المشتری،و هو بقول مطلق عبارة عن عدم مجیئه لا لأخذ المبیع و لا لإعطاء الثمن.

و أمّا خبر أبی بکر،فالموجود فی الجواب و إن کان جعل الشرط عدم المجیء بالثمن لکن بقرینة المورد-حیث فرض السائل عدم قبض شیء من الطرفین- یمکن الخدشة فی عمومه.

و حینئذ نقول:لو فرضنا أنّ الشرط فی جمیع هذه الأخبار جعل نفی المجیء بالثمن لکنّه فی مورد مخصوص،و هو ما إذا لم یقبض شیء من الطرفین،ففی هذا الموضوع ذکر شرطیّتان أعنی:إن جاء بالثمن فی ما بینه و بین الثلاثة لزم البیع و إلاّ جاز،فلیس فی شیء من الشرطیتین تعرّض لحکم صورة وجود قبض المبیع،فتکون هذه الصورة مسکوتا عنها فی هذه الأخبار،فنرجع فی حکمها إلی القواعد، و مقتضاها اللزوم،ففی صورة قبض الثمن الحکم باللزوم یکون بمقتضی هذه الأخبار و القواعد،و فی صورة قبض المثمن بمقتضی القواعد فقط،فتبقی صورة واحدة للجواز و هی ما إذا انتفی القبضان معا فی أثناء الثلاثة و هو مطابق لمذهب المشهور.

و لکن یرد علی هذا:أنّ إطلاق روایة أبی بکر بن عیّاش شامل لحال إقباض

ص:263

المبیع مع إمکان دعوی الإطلاق فی الخبرین الآخرین غیر خبر علیّ بن یقطین أیضا بملاحظة صدق قوله:«و لم یجئ»بمحض عدم المجیء لإعطاء الثمن و لو أخذ المثمن.

و حینئذ نقول:أمّا اعتبار عدم قبض الثمن فی الحکم بالجواز فمصرّح به فی الأخبار الثلاثة،و أمّا المثمن،فیمکن دعوی ظهور خبر علیّ بن یقطین فیه،فإنّ احتمال تشدید«بیعه»خلاف الظاهر خصوصا بقرینة تقدیم قوله:«الرجل یبیع البیع»فإنّه ظاهر فی إرادة هذا الذی تقدّم.

نعم مع فرض الشکّ لیس هنا محلّ أصل عقلائی یزیل الشک،فإنّ أصالة عدم التشدید إن أجریت فی التلفّظ بتقریب:أنّ الأمر دائر بین الأقلّ و الأکثر، لأنّ«بیّع»بالتشدید زائد علی«بیع»بالتخفیف بناء و کسرة،ففیه أنّ الأصل فی مثل دوران الأمر بین کون المسموع هل هو«جئنی بأسد»أو«جئنی بأسد یرمی» و إن کان تعیین الأقل،لکن لا یجری هذا فی ما نحن فیه،و ذلک لحدوث هیئة خاصّة باللفظة متقوّمة بعدم الیاء الزائدة و الکسرة فی قبال هیئة أخری حاصلة بوجودهما،فالأمر دائر بین متباینین،و من المعلوم عدم الأصل العقلائی فیه.

و إن أجریت فی الکتابة،ففیه:أنّه لیس فی البین نوع محفوظ بأن یکون نوع الکاتبین محافظین علی مثل هذه الخصوصیّات من ثبت التشدید فی الکلمة المشدّدة،و بعد عدم حالة نوعیّة فلا أصل عقلائی مع أنّ الشکّ أیضا کاف فی سقوط الأصل.

فتحقّق أنّه مع الشک لا یثمر الأصل لعدم وجوده،و لکن الحقّ عدم الشک فی کون کلمة«بیعه»بالتخفیف و وجود الاطمئنان بکونها کذلک،و حینئذ یتعیّن أن یکون قبض المبیع فی الثلاثة أیضا موجبا لعدم الجواز،فیندرج المقام فی أمثال

ص:264

«إذا خفی الجدران»إلخ ممّا إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء،و قد تقرّر فی محلّه اختیار أخذ المفهوم من کلا المنطوقین مع عدم تقیید شیء من المنطوقین بالآخر،و لازم ذلک استقلال کلّ من القبضین فی الحکم باللزوم فیحتاج الحکم بالجواز إلی انعدام کلیهما فی تمام الثلاثة.

و لکن هذا فی ما إذا لم یصرّح فی نفس القضیّة بالمفهوم کما فی مثال«إذا خفی»إلخ،و أمّا فی مثل المقام-حیث یتعقّب کلّ من القضیّتین بقضیّة أخری متعرّضة للمفهوم-فیجیء فی تینک القضیّتین المذکورتین فی الذیل أیضا الکلام المزبور،و مقتضاه استقلال کلّ من العدمین فی الحکم بالجواز،فیحتاج اللزوم إلی تحقّق القبضین کلیهما فی أثناء الثلاثة،فیتحقّق بین الصدر و الذیل التعارض.

فإن قلنا:إنّ المعیار فی مثل ذلک إنّما هو الصدر فهو،و إلاّ یتحقّق الإجمال، و لا بدّ من الأخذ بالمتیقّن فی تخصیص العمومات و هو إناطة الجواز بکلا العدمین مستمرّین إلی آخر الثلاثة فیتّحد نتیجة مع الأخذ بالصدر.

المقام الثالث:فی بیان الحال فی بعض من الفروع

التی تعرّضها فی هذا المقام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام.

منها:لو کان عدم قبض المبیع بعدوان من البائع،کما إذا بذل المشتری الثمن فلم یأخذه البائع و لا دفع المثمن،فاختار اللزوم من جهة انصراف الأخبار عن هذه الصورة بملاحظة ورودها فی مقام الامتنان علی البائع و الإرفاق به و دفع الضرر عنه و لا یناسب ذلک مع عدوانه.

و لکن فیه:أنّا لا نحتاج إلی هذه التجشّمات،بل لنا أن نقول:هذا داخل فی مضمون الأخبار الحاکمة باللزوم بمجیء المشتری بالثمن،فإنّ المفروض أنّه بذله و إن امتنع البائع عن الأخذ،و لکن لم یعتبر فی مفهوم المجیء بالثمن أخذ البائع،

ص:265

و لیس هذا مربوطا بکون القبض فی باب الضمان أو القبض اللازم علی کلّ من المتعاقدین أو القبض المعیّن للکلّی فی الزکاة و غیرها فی الشخص ماذا،هل هو نفس التخلیة،أو هی مع تسلم الطرف؟فإنّ أیّا من الأمرین اخترناه هناک فمفهوم المجیء بالثمن أمر غیر مأخوذ فیه القبول من الطرف،و إذن فالحکم باللزوم یکون بقضیّة نفس الأخبار.

إن قلت:لا شکّ أنّ المجیء بالثمن فی الخارج ملازم غالبی مع القبول فإمّا توجب هذه الغلبة انصراف اللفظ و إمّا توجب القدح فی مقدّمات الإطلاق، لعدم نقض غرض لو کان المراد المقید لفرض ندرة الفاقد للقید خارجا.

قلت:هذا فی متعلّق الأوامر صحیح متین،و أمّا فی متعلّق السببیّة و العلیّة التی هی مفاد لفظة«إن»و«اللام»فإن حصل الانصراف فهو فی حکم التقیید، و أمّا لو لم یحصل،فلا یجری هنا ما ذکر فی الأوامر.

و الفرق أنّ الأمر إذا تعلّق بالمقیّد فهو کالوجود و توابع الوجود یحصل له الإضافة بالحقیقة إلی أصل الطبیعة أیضا،فیصح فی القضیّة التی موضوعها الطبیعة بعنوانها جعل المحمول مثل هذا الأمر،فلا محالة لا بدّ من التفصیل بین ما إذا کان ما یحتمل دخالته غالبیّ الوجود و بین غیره،ففی الثانی یقتضی المقدّمات کون الطبیعة مرکبا أصلیّا للأمر لا أنّه بالسرایة من الخاص،و أمّا فی الأوّل فلا یجری المقدّمات لما ذکر.

هذا حال الأمر،و أمّا السببیّة و التأثیر،فلا یمکن إضافتها إلی أصل الطبیعة مع فرض الموضوع لها المقیّد،بل النسبة حینئذ إلی الطبیعة غلط،إذ الملاک و المناط فی التأثیر إذا کان قائماً بالمقیّد بما هو مقیّد فلیس فی الطبیعة إلاّ الشأنیّة دون الملاکیّة الفعلیّة و المؤثّریة کذلک.

ص:266

فلو دلّ الدلیل علی کون الطبیعة هی الملاک و السرّ و المخّ فی أمر کذا،کفانا ذلک عن وجود المقدّمات من غیر فرق بین کون القید المحتمل الدخل متعارفا أو لا،فحال محمول العلّیة حال کلمة«کلّ»و«لا»النافیة فی أنّهما یقومان مقام المقدّمات و لا حاجة فی إجراء المقدّمات فی مدخولهما،بل هما مع المدخول بنفس المدلول اللغوی یکفیاننا مؤنة المقدّمات.

ثمّ هذا کلّه حال ما إذا جاء بالثمن مع عدم قبول البائع،و لو جاء به و لکن قال للبائع:إن أنت تسلّمنی المبیع فهذا الثمن لک و إلاّ فلا أسلّمک،فهل هذا داخل فی مدلول الأخبار أو لا؟لا یبعد دعوی الانصراف عن مثل هذا و أنّ الظاهر من لفظة جاء أن یرتفع الامتناع من قبل المشتری بتمامه و علی جمیع التقادیر،و فی الفرض المزبور ما سلّط البائع کذلک،و التقدیر و إن کان أمرا مقدورا للبائع أعنی:تمکینه المشتری من المثمن،فامتناعه صار سببا لامتناع المشتری،و بالجملة الامتناع حاصل من ناحیة المشتری و إن کان سبب هذا الامتناع من قبل البائع.

و منها:لو قبض المشتری المبیع بغیر اختیار من البائع و رضایته فهل یعدّ هذا من القبض المذکور فی الخبر،و المفروض أنّ الثمن غیر مقبوض فالبیع لازم، أو لا فالبیع جائز بعد الثلاثة؟الحقّ هو الثانی لأنّک عرفت أنّ فی الأخبار طائفتین.

الأولی:ما رتّب الجواز علی عدم قبض المبیع و رتّب اللزوم علی قبضه.

و الثانیة:ما رتّبه علی عدم قبض الثمن و عدم المجیء به و رتّب اللزوم علی المجیء به،أمّا الطائفة الأولی فقد صارت مجملة بالنسبة إلی شمول هذا المقام إمّا لاحتمال کون النسخة«قبض»بالتشدید أو بالتخفیف،أو لأنّه و إن کان

ص:267

بالتخفیف لکنّه مشکوک الشمول للمقام بملاحظة احتمال انصرافه إلی القبض المقرون برضی البائع،فإذا سقطت الطائفة الأولی عن الحکم باللزوم،فالحکم بالجواز قضیّة الطائفة الثانیة إذ لا إجمال فیها،إذ المقام داخل فی عنوان عدم المجیء بالثمن و قد حکمت هذه الطائفة علیه بالجواز،غایة الأمر خصّصتها الطائفة الأولی بصورة قبض المبیع،و القدر المتیقّن من تخصیصها صورة وقوع القبض مقترنا برضی البائع،فیبقی غیره مشمولا لعموم الطائفة الأولی،لأنّ المقام من قبیل إجمال المخصّص المنفصل و تردّده مفهوما بین الأقل و الأکثر،و لا شبهة فی أنّ المرجع فیه إلی عموم العام.

و قد بنی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-المسألة علی أنّ مثل هذا القبض یوجب رفع الضمان عن البائع أو لا،فعلی الأوّل یثبت اللزوم،لارتفاع ضرر البائع من حیث الضمان،نعم یبقی علیه ضرر عدم وصول الثمن و ضرر وجوب حفظ المبیع لمالکه فی صورة الاسترداد،و کلاهما ممکن الاندفاع فی صورة الاسترداد بأخذ المبیع مقاصّة.

و أنت خبیر بأنّه لا وجه لابتناء مسألتنا علی تلک المسألة إذ لکلّ دلیل خاص بها،فاللازم النظر إلی الدلیل الخاص،و قد عرفت مقتضی الدلیل المخصوص بالمقام،و أمّا وجه تخصیصه-قدّس سرّه-الأخذ مقاصّة بالضررین المذکورین و جعله مانعا عن إجراء لا ضرر دون ضرر الضمان،فهو أنّه ما دام لم یحصل القبض الذی علی عهدة البائع لیس له استحقاق أخذ الثمن،فکیف یجوز له المقاصّة من المثمن؟فلا مورد للمقاصّة بالنسبة إلی ضرر الضمان،و أمّا بعد خروجه عن تلک العهدة و ارتفاع ذلک الضرر و حصول الیأس عن أداء الثمن فالمقاصّة حینئذ تصیر جائزة.

هذا کلّه مع بقاء البائع علی عدم الرضا به،و لو صار راضیا بعد القبض

ص:268

بغیر رضاه فی أثناء الثلاثة،فهل یصیر حینئذ بحکم القبض أو لا؟الظاهر نعم، فإنّه و إن فرض أنّ المذکور فی الدلیل إنّما هو الإقباض و هو غیر حاصل هنا،لکن معلوم أنّ المناط إنّما هو القبض المقترن بالرضی،و لا خصوصیّة للإقباض،و إلاّ فلو فرض أنّه قال للمشتری:اذهب و خذ المثمن من محلّه لما شکّ فی أنّه قبض و موجب للزوم.

و منها:لو قبض بعض المبیع أو بعض الثمن دون بعضهما الآخر،فهل یکفی هذا فی اللزوم،أو لا بدّ من قبض الکلّ و إلاّ فالبیع جائز و إن قبض البعض؟الظاهر الثانی،و ذلک لأنّا و إن سلّمنا أنّ تعلیق النفی بالثمن أو المثمن ابتداء ظاهر فی تعلّقه بتمام الأجزاء.فقولک:ما قبضت الثمن و المثمن،ظاهر فی عدم قبض شیء منه،و لا یصدق مع قبض البعض،و لکن لو استفید هذا النفی من مفهوم قضیّة إثباتیّة کقوله-علیه السّلام-:«إن جاء بالثمن و إلاّ فلا بیع»فلیس ظاهرا فی تعلّق النفی إلاّ بالمجموع من حیث المجموع المتحقّق بانتفاء بعض الأجزاء،و ذلک للزوم التطابق و التوافق بین قضیتی المنطوق و المفهوم فی الموضوع، و لا شبهة أنّ الموضوع فی الإثباتیّة التی هی المنطوق إنّما هو المجموع من حیث المجموع،إذ لا یصدق قولنا:جاء بالثمن علی مجیئ البعض،فلا بدّ أن یکون الحکم المنفی فی طرف المفهوم أیضا منفیّا عن عین هذا الذی هو الموضوع فی طرف المنطوق،و من المعلوم أنّ نفی قبض المجموع یصدق مع قبض البعض أیضا، فیکون المتّجه هو الجواز.

و منها:هل یکفی تمکین البائع المشتری أو العکس؟الظاهر العدم،فإنّ صرف التمکین لا یصدق أنّه قبض أو أنّه جاء،نعم بمعنی أن یحضر المبیع عند المشتری و یقول له:هذا مالک لا مانع من قبلی،کاف،فالمراد أن یکون المال فی

ص:269

البیت و یقول:لا مانع من ناحیتی،فهذا غیر کاف،و قول السائل فی بعض الروایات السابقة:«ثمّ یدعه عنده»غیر ظاهر فی تمکین البائع،أو یقال:هذا فی ما لو کان سبب ذلک امتناع البائع قبل مجیئ الثمن،اللّهمّ إلاّ أن نتمسّک حینئذ بترک الاستفصال و بذلک نستکشف عدم الکفایة.

و منها:قد عرفت أنّ الأخذ من غیر اختیار البائع أو المشتری غیر کاف،فلو کان هذا بحقّ کما إذا کان صرف التمکین کافیا فی الخروج عن العهدة و لم یعتبر فیه نقل خارجیّ و إحضار کذلک،و قد عرفت عدم کفایة هذا المقدار فی لزوم البیع فی مقامنا،فلا شبهة أنّه یجوز لهذا الممکّن أن یأخذ عوضه عند صاحبه و لو بغیر رضاه.

فهل هذا الأخذ کاف فی اللزوم أو لا؟لا یبعد القول بالکفایة،بملاحظة أنّه و إن لم یصدق لغة القبض أو المجیء،و لکن من المعلوم أنّ اعتبار ذلک إنّما هو لأجل الطریقیّة إلی وصول المالین إلی صاحبهما بنحو یصحّ له الانتفاع و التصرّف لا لخصوصیّة فی نفس هذین العنوانین.

المقام الرابع:فی الشرط التی لهذا الخیار

ممّا عدا عدم قبض المبیع و المجیء بالثمن.

أحدها:عدم تأجیل الثمن أو المثمن،و محلّ استظهار هذا الشرط من الأخبار ظهور قوله-علیه السّلام-:«الأجل بینهما ثلاثة»فی أنّه فی مقام لم یقع المتبایعان نفسهما فی مقام إصلاح التسلیم و التسلّم و جعل الأجل له.

و بعبارة أخری ظاهر فی أن لا یکون التأخیر فی تمام هذه الثلاثة عن حقّ، فیخرج عن مورده مثل ما إذا اشترطا التأجیل،نعم لو کان الظاهر عدم الاستحقاق من حیث البیع مع قطع النظر عن الشرط جری فیه الخیار،لکنّ

ص:270

الظاهر عدم الاستحقاق الفعلی،و حیث إنّ الظاهر کون مبدأ الثلاثة من حین العقد فیخرج عن تحت هذه القضیة ما لو کان بعض هذه المدّة و لو ساعة مشروطا فیه التأخیر لأحدهما أو لهما.

الثانی:أن یکون المبیع عینا شخصیّة فی مقابل الکلّی فی الذمّة فیشمل الکلّی فی المعیّن مثل الصاع فی الصبرة و مورد استظهار هذا أیضا أنّ کلمة«بیع» الواقع فی روایتین لا شبهة فی أنّه بمعنی المصدر لغة،و لکنّه أطلق للمناسبة علی المبیع.

و قد ادّعی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ المناسبة إنّما هی فی ما بین المعنی الحقیقی و خصوص العین الشخصیّة دون الکلّی،و هو-قدّس سرّه-أعلم بما قال،و لیس مثله فی ما یرادفه بالفارسیة من لفظة«فروختن»جاریا،أعنی:لا یحسن استعماله فی المبیع مطلقا حتّی یراجع الوجدان فی تشخیص الحال.

فیبقی کلمة«شیء»الواقعة فی روایة أبی بکر بن عیّاش،فإنّه شامل للکلّی و المعیّن،لکن ادّعی شیخنا-قدّس سرّه-انصرافه إلی الموجود الخارجی،فهو نظیر المطلق المنصرف عند الإطلاق إلی بعض الأفراد و المجاز المشهور الذی أغناه الشهرة عن إقامة قرینة علی إرادته من المطلق.

و قد تنظّر فی ما أفاده شیخنا الأستاذ،و محصّل ما أفاده:أنّ کلمة«شیء» حسب المقامات مختلفة،فإنّه إذا أضیف إلیه الأکل أو الشرب لا یناسبه إلاّ الموجود الخارجی،و لو أضیف إلیه البیع أو الشراء فإن کان الفاعل شخصا فقیرا یعلم من حاله عدم ابتیاعه الکلّی فی الذمّة،یعلم بهذه القرینة أنّ المقصود هو الموجود الخارجی،و أمّا لو أغمض النظر عن کلّ ذلک فلا نسلّم انصرافه إلی الموجود الخارجی،و إذن فمقدّمات الحکمة قاضیة بعدم دخل خصوصیّة التعیّن

ص:271

فی هذا الحکم.

ثمّ علی فرض القول بالانصراف هل یشمل المنقول و غیره أو یختصّ بالأوّل؟ ربّما یدّعی أنّ مادّة القبض و المجیء مناسبان مع المنقول،فلا یشمل مثل الدار و الشجر و نحوهما ممّا لا یقبل التحریک و النقل،فإنّ المتبادر من مادّة القبض و المجیء ذلک.اللّهمّ إلاّ أن نمنع ذلک و نقول:إنّ المقصود مجرّد الاستیلاء من دون مدخلیّة لهذین العنوانین کما تقدّم أنّ المقصود مجرّد الوصول بحیث ساغ للمنتقل إلیه الانتفاع و التصرّف،هذا.

الثالث:ما ذکره العلاّمة-قدّس سرّه-:من عدم ثبوت الخیار لأحدهما أو لهما،و قد یتوهّم أنّ الوجه أنّ الأخبار ناصّة باللزوم بعد الثلاثة علی تقدیر،و الخیار علی تقدیر آخر،فیختصّ مورده بما إذا لم یکن خیار لأحدهما أو لهما،فإنّ القول بأنّ اللزوم الجائی من ناحیة عدم التأخیر و الخیار الجائی من ناحیة التأخیر هما المراد إثباتهما بالأخبار،ینفیه أنّ الحکم لا یتقیّد بسببه،فإنّ کلّ علّة إنّما یوجد المعلول لا المقیّد منه بکونه متولّدا من هذه العلّة،و إذن فاللازم ثبوت أصل الخیار بلا تقیید بشیء،و ثبوت أصل اللزوم کذلک،و لا یتحقّق ذلک إلاّ مع عدم خیار آخر.

و فیه:أنّا إن قلنا بثبوت المراتب للخیار فقد تحقّق الخیار بهذا السبب و لو کان هنا متقدّما علیه أو مقارنا له سبب آخر،و أمّا إن قلنا:إنّه أمر واحد غیر ذی مراتب فنقول:إنّ العلّة لمثل هذا المعنی لازمها عقلا أن تکون مؤثّرة فی البقاء لو سبقها علّة أخری.

و أوجه ما یقال فی توجیه الاشتراط المزبور أن یقال:بأنّ الأخبار منصرفة إلی صورة لم یکن التأخیر موردا للحقّ،و فی مورد الخیار یکون هذا الحقّ ثابتا،بمعنی أنّ لذی الخیار حقّ تأخیر أداء العین و لو قبل الفسخ،فإنّه بعد تمامیّة هاتین

ص:272

المقدّمتین تحصل النتیجة و هی عدم جریان خیار التأخیر فی مورد خیار آخر فی الثلاثة.

لا یقال:لا فرد من البیع إلاّ و فیه خیار و لا أقلّ من خیار المجلس فیلزم عدم المورد لخیار التأخیر.

لأنّا نقول:لا بدّ من الالتزام بأحد أمرین،إمّا لعدم لزوم اللغویّة التی ذکرت نقول بعدم قادحیّة هذا الخیار،فیکون المنصرف إلیه عدم ثبوت حقّ فی التأخیر غیر هذا الحقّ الناشئ من قبل خیار المجلس،و إمّا نقول:إنّ مبدأ الثلاثة الأیّام إنّما هو بعد الافتراق کما هو أحد المحتملین فی أصل الروایات کما یأتی إن شاء اللّه تعالی.

و علی کلّ حال لا یلزم ما ذکرت من عدم الجریان،نعم لازم هذا عدم الجریان فی مثل خیار الحیوان،فإنّ القول بتأخیر مبدأ الثلاثة إلی انقضاء ثلاثة الحیوان خال عن الدلیل،فإنّ الظاهر کون المبدإ إمّا نفس العقد أو افتراق المتعاقدین.

و من هنا استشکل شیخنا العلاّمة علی العلاّمة بأنّ لازم قولکم عدم القول بخیار التأخیر فی بیع الحیوان،و الحال أنّکم تقولون به،لکن قال شیخنا الأستاذ:

یمکن توجیه کلام العلاّمة علی وجه لا یتوجّه علیه هذا الإیراد و یستقیم مع قوله بالخیار فی بیع الحیوان،و هو أن یقال:إنّ مبنی کلامه فی الاشتراط المذکور علی أمرین.

أحدهما:ما ذکر من ثبوت حقّ التأخیر فی مورد الخیار،و الثانی:انصراف أخبار الباب إلی صورة کون التأخیر لا عن حقّ لا مطلقا،بل خصوص حقّ جاء من ناحیة جعل منهما و تعاهد،سواء تعلّق بنفس التأخیر و التأجیل أم تعلّق بالخیار و کان من أثره شرعا جواز التأجیل،فیبقی صورة عدم استناد الحقّ أصلا إلی

ص:273

جعلهما باقیا تحت الانصراف کما فی خیار الحیوان،فإنّه بذاته و بحکمه خارج عن جعل المتعاقدین،هذا کلّه هو الکلام فی توجیه القول بالاشتراط،و لکنّه مخدوش لأنّ کلتا مقدّمتیه فی محلّ المنع.

أمّا أنّ لذی الخیار حقّ الإمساک ما دام الخیار،فممنوع،سواء قلنا:حقّ الخیار متعلّق بالعقد و لا یرتبط بالعین،أم قلنا:یحصل له ارتباط بالعین،أمّا علی الأوّل:فواضح،و أمّا علی الثانی:فلأنّ أدلّة سلطنة الناس علی أموالهم و کذا وجوب الوفاء بالعقود قاضیة بوجوب التسلیم،و مجرّد کونه ذا حقّ علی العین بمعنی أنّ له استردادها بفسخ العقد لا یقتضی أن یکون له الإمساک و الحال أنّه ملک الطرف، و هذا واضح.

و أمّا أنّ أدلّة المقام منصرفة إلی ما إذا لم یکن هناک حقّ فی التأخیر،فالمسلّم منه ما إذا ثبت هذا الحقّ بجعل المتعاقدین فی أصل التأجیل،و أمّا إذا أطلقا الجعل من هذا الحیث،و إنّما ثبت الحقّ المذکور لأحدهما أو لهما شرعا و لو تبعا لجعل منهما فی الخیار،فلا نسلّم الانصراف عنه ما لم یکن هذا المعنی ارتکازا عرفیا،و مجرّد الاستیناس بالأحکام الشرعیّة و مسبوقیّة الأذهان بها لا یکفی،فإنّ الأحکام واردة علی الموضوعات العرفیّة الصرفة مع قطع النظر عن ورود أمثالها من حکم شرعی آخر.

الرابع:تعدّد المتعاقدین،لا إشکال فی ظهور قوله:«لا یقبضه صاحبه و لا یقبض الثمن»من حیث القبض و الإقباض،و من حیث قوله:«صاحبه»فی تعدّد البائعین،و کذا قوله:«الأجل بینهما»و قوله:«فلا بیع بینهما»و کذا قوله:«فلم یجئ» و قوله:«ترکته عند صاحبه»و قوله:«إن جاء»،و حیث إنّ الخیار حکم علی خلاف الأصل،فإذا لا محیص عن الاقتصار علی مورد النصّ،و الرجوع فی ما عداه إلی

ص:274

العمومات،بل و ربّما یدّعی ذلک بالنسبة إلی کون المبیع باقیا و غیر تالف فی هذه الثلاثة.

و علی هذا فلو فرض أنّا فی سائر الخیارات،قلنا بجواز الخیار مع تلف إحدی العینین-و فرغنا عن إشکال عدم الإمکان مع التلف-لا نقول به هاهنا لقصور الدلیل إلاّ فی صورة البقاء،فلو باع العبد ممّن ینعتق علیه ثمّ انقضی ثلاثة أیّام و لم یجئ بالثمن فلا خیار.

أمّا الأوّل:أعنی:انصراف الأخبار إلی صور التعدّد-نعم لا ضیر فی وحدة الوکیل فی مجرّد العقد فإنّ البائع و المشتری متعدّدان،کما لا تظهر الثمرة فی الولیّ من الصغیرین،مثلا إذا باع من أحدهما و قبل من الآخر،فإنّ القبض حاصل،فلم یتحقّق شرط الخیار،بل تظهر فی الوکیل عن اثنین فی إتمام أمر المعاملة مع کون المالین فی أیدی الموکّلین-فلا یبعد دعواه فیقال فی هذه الصورة بسکوت الأخبار و أنّ العقد لازم من جهة القاعدة و لو أخّر القبض و الإقباض إلی ثلاثة أیّام.

و أمّا الثانی:أعنی:الانصراف إلی صورة بقاء المبیع،فربّما یمنع بدعوی الإطلاق فی قوله:«من اشتری بیعا فمضت ثلاثة أیّام و لم یجئ فلا بیع له»و فیه:أنّ الظاهر أنّ قوله:«لا بیع له»یراد بلفظة البیع هنا ما أرید بها فی صدر القضیّة، أعنی:قوله:«من اشتری بیعا»و لا شبهة أنّ المراد بها هناک هو المبیع،فیراد هاهنا أیضا ذلک،و معناه أنّه یصیر منقطع الید عن المبیع و هذا ظاهر فی کون المبیع موجودا حال الحکم بانقطاع الید.

و بالجملة:فالقدر المتیقّن من الأخبار حینئذ صورة الوجود و التعدّد،فیتقیّد إطلاق دلیل وجوب الوفاء بهذا المقدار المتیقّن،و نرجع فی ما عداه إلی الإطلاق المزبور،هذا.

ص:275

بقی شیء و هو أنّه هل مبدأ هذه الثلاثة الأیّام من حین العقد أم من حین التفرّق؟ظاهر قوله-علیه السّلام-:«الأجل بینهما ثلاثة أیّام فإن قبض بیعه»أنّ المدّة ظرف للقبض الذی کان علی البائع،و من المعلوم أنّه متعهّد به من حین العقد، و ظاهر قوله-علیه السّلام-:«فإن جاء بینه و بین ثلاثة أیّام»أنّها ظرف الغیبة،و لکنّ الأقوی الأوّل،بملاحظة أنّ المجیء کنایة عن إقباض الثمن.

و ربّما یستظهر الثانی بملاحظة قوله-علیه السّلام-:«الأجل بینهما»حیث اعتبر وقوع الثلاثة أیّام واسطة بین الشخصین و هو لا محالة بوقوع الغیبة بینهما،فی هذه المدّة.

و فیه:أنّه بعد سبق الکلام بإیقاع المعاملة بینهما و عدم خروجهما عمّا هو قضیّة المعاملة من تسلیم العوضین ظاهر فی کون الأجل بین الشخصین باعتبار تعهّد التسلیم و لو فرض استطالة مجلس حضورهما ثلاثة أیّام.

المقام الخامس:فی مسقطات هذا الخیار و هی أمور:
الأوّل:الإسقاط،

لا إشکال فی کونه مسقطا بعد الثلاثة،و فی سقوطه بالإسقاط فی أثناء الثلاثة أو اشتراط سقوطه فی متن العقد إشکال،و المسألة مبنیّة علی أنّ الإنشاء التعلیقی-بعد الفراغ عن أصل إمکانه و دفع ما أورد فی تصویره- ما وجه القول بعدم وقوعه فی أبواب العقود و الإیقاعات؟هل هو لأجل کون المتعارف هو المنجّز؟ألا تری أنّ من یشتغل بشراء شیء من مالکه لا یبیعه من غیره قبل إتمام المعاملة الأولی،و هکذا من یملک المال بعد ساعة بتوسط موت مورّثه لا یبیعه من غیره قبل تلک الساعة،و هکذا لا یبرأ من یشتغل ذمّته له بعد ساعة قبلها،و لا یطلّق المرأة التی یزوّجها بعد ساعة قبلها و هکذا؟ أو أنّه لأجل انصراف هذه المواد أعنی:البیع و الضمان و الإسقاط و الإبراء

ص:276

و الصلح و الإجارة و غیر ذلک فی الفعلیّ المنجّز نظیر ما قیل فی مادّة الواجب من انصرافه إلی الفعلی المطلق دون المشروط،و به اعتذر عن إطلاق کلامهم فی بحث مقدّمة الواجب حیث عنونوا أنّ مقدّمة الواجب واجبة،هذا.

و لو فرض منع التعارف فی الفعلی المنجّز،فإن قلنا:إنّ الوجه هو الثانی، فلا بدّ من القول بعدم الجواز فی المقام،و إن قلنا:بأنّ الوجه هو الأوّل،فلا بدّ من النظر فی أنّ الإسقاط فی أمثال المقام فی الحقوق العرفیّة أمر متعارف أو لا؟لا یبعد أن یقال:إنّه إذا کان الذی أنیط به الحقّ صرف الزمان المستقبل و هو مقطوع الحصول،فالإسقاط و لو قبل حضوره أمر متعارف،و أمّا إذا کان منوطا علاوة علیه علی أمر آخر غیر محقّق الوقوع مثل التأخیر فی مقامنا-حیث لا نعلم بعدم وقوعه إلی آخر المدّة-فلا یکون حینئذ بمتعارف.

الثانی:بذل الثمن بعد الثلاثة،

لا کلام بناء علی جعل المدرک لهذا الخیار قاعدة«لا ضرر»،فإنّ الضرر منفیّ بعد هذا البذل،و الخیار إنّما هو مجعول لتدارک الضرر المستقبل لا الماضی.

و أمّا لو بنینا علی کون المدرک هو الأخبار الخاصّة کما تقدّم تقویته،فقد یدّعی السقوط حینئذ أیضا،بملاحظة أنّ الأخبار و إن کان ظاهرها البدوی أنّ المعیار هو المجیء فی الثلاثة و عدم المجیء فیها-فبعد عدم تحقّق المجیء فی الثلاثة یتحقّق الخیار و إن جاء بعد الثلاثة-و لکن بعد التأمّل یعرف أنّ مراد المتکلّم کون البائع غیر منقطع الید عن ماله و بدله معا،ففرض الخیار فی صورة استمرار عدم المجیء بعد الثلاثة فمتی تحقّق المجیء انقلب الموضوع و خرج عمّا حکم علیه بالخیار.

فهو نظیر ما یقال:إنّی أصبر فی هذا المکان ثلاث ساعات فإن جئت و إلاّ

ص:277

أذهب وحدی و بلا رفیق،فإنّه لو مکث هناک أربع ساعات مثلا ثمّ جاء الشخص الآخر یصحبه معه قطعا،و إذن فنحن و إن خدشنا فی الرجوع إلی العمومات فی غیر المقام لأجل عدم العموم الزمانی،لا نخدش هیهنا،لمکان التقیید بما هو الظاهر،أو القدر المتیقّن من عنوان غیر الجائی بالثمن.هذا هو الکلام فی بذل الثمن.

و أمّا مطالبة الثمن أو أخذه علی تقدیر القول بعدم قادحیّة بذله فلا وجه لقدحهما بعد عدم کشفهما عن الإسقاط،فإنّ مجرّد أخذ الثمن لا یدلّ علی أنّ الأخذ راض بالمعاملة و غیر متردّد و لا عازم علی فسخها،و کذا مطالبة الثمن فإنّه لأجل أنّه بذلک یعرف أنّه یمتنع من البذل فیفسخ،أو لا یمتنع فیجاوز عن حقّ الخیار حینئذ،فبالمطالبة التی هی طریق معرفة صلاح الفسخ و فساده کیف یستکشف الرضی و العزم علی عدم الفسخ؟

المقام السادس:فی مسائل مرتبطة بالمقام
الأولی:هل هذا الخیار علی الفور أو التراخی؟

یمکن أن یقال:بأنّ مقتضی القاعدة هنا التراخی بناء علی کون المدرک لهذا الخیار قاعدة«لا ضرر»و إن قلنا، بأنّ مقتضاها فی خیار الغبن هو الفور،بملاحظة أنّ الضرر هناک بعد مضیّ مقدار زمن التمکّن من الفسخ مع الالتفات إلی الضرر و إلی الخیار یصیر مقدما علیه، فیخرج عن تحت النفی،و أمّا فی المقام فغایة المطلب أنّ البائع بعد صبر یوم مثلا عقیب الثلاثة یستکشف منه الرضی بهذا المقدار من التأخیر،و أین هو من التأخیر فی طول الزمان أیّا ما بلغ.

و الحاصل:الضرر هناک واحد و بالإقدام علیه فی زمن یخرج عن تحت القاعدة،و هنا تدریجیّ،فإنّ الصبر یومین أزید ضررا من الصبر یوما و هکذا،

ص:278

فالإقدام بالنسبة إلی یوم لا یوجب خروج ضرر الیومین عن تحت القاعدة،بل اللازم عدم ثبوت اللزوم حتّی بالنسبة إلی الیوم أیضا،لأنّ الإقدام الناشئ عن الالتفات إلی حقّ الخیار و الإهمال فی إعماله لا یعقل أن یوجب ارتفاع هذا الحقّ.

نعم لو فرض أنّه مقدم مع قطع النظر عن هذا الحقّ کأن أجاز للمشتری تأخیر یوم مثلا،فاللازم حینئذ عدم الخیار بالنسبة إلی الیوم،و الفرق بین هذا و ما تقدّم واضح،فإنّ المشتری عاص بالتأخیر هناک و غیر عاص هنا.

و کیف کان فعلی المختار من عدم المدرک للخیار من غیر جهة الأخبار الخاصّة،فلا إشکال علی تقدیر إهمال النصوص فی الرجوع إلی الاستصحاب و لا یجری هنا الشبهة فی الموضوع الجاریة فی ما تقدّم،فإنّ الموضوع-أعنی:البائع غیر المقبض و لا القابض-بعد مضیّ الثلاثة محفوظ،کما أنّه بعد عدم العموم الأزمانی فی عموم الوفاء بالعقود لا محیص عن الرجوع إلی الاستصحاب،و لا مجال للتقیید، إذ الفرض محفوظیّة عنوان المقیّد فی زمن الشکّ.

فالکلام إنّما هو فی أنّ النصوص من هذا الحیث مهملة أو یستفاد منها الفور أو التراخی؟قد یقال:بأنّ المستفاد منها التراخی،بملاحظة أنّ قوله -علیه السّلام-:«لا بیع»بعد العلم بعدم إرادة الحقیقة،أعنی:نفی الصحّة،فالأنسب بالمعنی الحقیقیّ نفی اللزوم رأسا،و لکنّه محلّ تأمّل،لأنّ استدامة النفی عند إمکان الحقیقة غیر مستفادة من اللفظ حسب الفرض من کونه غیر وارد من هذه الجهة فی مقام البیان،و إلاّ کان هو الحجة من غیر حاجة إلی غیره،بل مستفادة من مقدّمة خارجیّة و هو العلم بعدم عروض الصحّة علی المعاملة بعد مضیّ زمن علیها باطلة،و الأنسبیة المعتبرة إنّما هی بالنسبة إلی المستفاد من اللفظ،و لا شبهة فی حصولها فی نفی اللزوم فی زمن ما بالنسبة إلی نفی الصحّة کذلک،هذا.

ص:279

اللّهمّ إلاّ أن یتشبّث لاستفادة التراخی بعد منع مقدّمات الإطلاق هنا إلی وجه آخر و هو ورود النفی علی المهملة،حیث تقرّر فی محلّه أنّ ذلک مغن عن المقدّمات و مفید فائدتها بعد ضمّ أنّه لا فرق بین الأفراد العرضیّة للطبیعة و الأفراد التدریجیّة الحاصلة بتدرّج الزمان،فإذا وقع الجامع من بین الجمیع تحت النفی و لو فی زمن فاللازم انتفاء تمام الأفراد من العرضیّة و التدریجیّة،لأنّ انتفاء المهملة إنّما هو بانتفاء کلّ ماله من المصداق،هذا.

المسألة الثانیة:لو تلف المبیع بعد الثلاثة کان من البائع

إجماعا مستفیضا بل متواترا کما عن الریاض،و یدلّ علیه النبوی المشهور:«کلّ مبیع تلف قبل قبضه،فهو من مال بائعه» (1)و إطلاقه کإطلاق معقد الإجماع شامل لما إذا کان التلف بعد بطلان الخیار،کما لو قلنا بکونه علی الفور فمضی الفور ثمّ تلف،أو قلنا بأنّ بذل المشتری للثمن مبطل له فبذل ثمّ تلف کما أنّه شامل لما إذا کان الخیار باقیا کما لو قلنا بالتراخی و لم یبذل الثمن أو قلنا بعدم مبطلیّته.

و کیف کان فالنبوی معارض فی کلتا الصورتین بقاعدة الملازمة بین النماء و الدرک المستفادة من النصّ الوارد فی بیع الشرط،حیث إنّه بعد الحکم بأنّ الدار یرد إلی البائع بعد ردّه الثمن فی رأس الموعد سأل الراوی عن حکم الغلّة و سائر النماءات ما حالها؟قال-علیه السلام-:«هی للمشتری ألا تری أنّه لو احترقت الدار فمن مال من کان یحترق»؟قال:من مال المشتری،قال:«فکذلک النماء یدخل فی ملکه» (2).

وجه المنافاة و المعارضة أنّ الضمان هنا علی البائع مع کون النماء للمشتری

ص:280


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 9 من أبواب الخیار،ص 303،ح 1.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 8 من أبواب الخیار،ص 355،ح 1.

و مقتضی هذا الخبر و أمثاله أن یکون النماء لمن کان التلف علیه.

و ما یتوهّم من دفع المنافاة بأنّ مقتضی الخبر أنّ التلف الوارد علی أیّ شخص کان مالکا حین التلف فالنماء له،یعنی:النماء فی حال ذلک الملک،و فی المقام أیضا لو فرض وجود النماء للملک فی ذلک الآن العقلی الذی یقدّر قبل التلف کان للبائع،و الحاصل أنّ النبوی وارد علی القاعدة و یوجب الخروج الموضوعی عنها.

مدفوع بأنّ المستفاد من الخبر أنّ من کان ضامنا فالنماءات الخارجیة المفروضة التحقّق یکون له لا النماءات المقدّرة علی فرض محال فی الآن العقلی،و لا شبهة فی کون النبوی بالنسبة إلی هذا المضمون منافیا و معارضا،نعم لا معارضة بینه و بین قاعدة أنّ ضمان المال لمالکه،لأنّه خروج موضوعیّ بالنسبة إلیها،و لکنّ القاعدة المذکورة غیر هذه القاعدة و إذن فالحقّ مع شیخنا المرتضی حیث سلّم المعارضة و قدّم النبوی صلّی اللّه علیه و آله و سلم،لأنّه أخصّ.

و یمکن أن یقال:یدفع المنافاة بوجه آخر و هو أنّ مقصود الإمام-علیه السلام- تنبیه السائل علی ما ارتکز فی ذهنه،فإنّه حیث رأی أنّ المال شبه الرهن یعود بعد المدّة ببذل المالک الثمن إلی مالکه،فتخیّل أنّه محروم عن نماءاته و حاله حال الرهن،فصرفه الإمام-علیه السلام-عن هذا التخیّل بتنبیه لما هو یقرّب الملکیّة فی ذهنه من کون التلف علیه،حیث إنّه لم یکن فی الخفاء عند السائل بمثابة ملک الغلّة،فإنّه کان متوهّما لعوده إلی المالک الأصلی و عدم ملکیّة المشتری لها،و لکن لم یکن متوهّما لکون التلف قبل وصول المدّة غیر مرتبط بالمشتری،فنبّهه الإمام -علیه السلام-بما هو مصدّق له من ورود التلف علیه حتّی یستدلّ علیه بملزومه من الملکیّة و التفاوت بین المقام و الرهن فیتّضح علیه الحال فی النماء أیضا.

ص:281

و بالجملة لیس الإمام بمقام إعطاء قاعدة تعبدیّة مفادها الملازمة المذکورة، بل المقصود جعل هذه الملازمة الغالبیّة شاهدا و امارة للسائل علی الملکیّة،فکأنّه قال:نماء الملک لمالکه،فلا منافاة فیه للنبوی أصلا.

هذا کلّه مع عدم الخیار،و أمّا مع الخیار للبائع:

فقد یقال:بأنّ النبوی حینئذ معارض بقاعدة أخری،أعنی:کون التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له و لکن فیه:أنّه لا عموم فی هذه القاعدة لجمیع أفراد الخیار و لجمیع أحوال المبیع کما سیجیء فی محلّه إن شاء اللّه تعالی.

و لو تلف فی الثلاثة فمقتضی النبوی صلّی اللّه علیه و آله و سلم أیضا کون الضمان علی البائع و هذا واضح،و لکنّ الذی یضعّف المطلب أنّ مثل المفید و السیدین الذین قالوا فی ما بعد الثلاثة بالضمان تمسّکا بالنبوی صلّی اللّه علیه و آله و سلم أعرضوا عنه و قالوا بضمان المشتری هنا مع وضوح کون المقام مصداقا للنبوی و عدم إمکان خفائه علیهم،فلا یبعد دعوی حصول الاطمئنان بأنّهم عثروا علی ما لم نعثر علیه.

و هل یرتفع الضمان بمجرّد تمکین البائع للمشتری؟قد یقال:فرق بین مفهوم التمکین و مفهوم القبض الذی علّق علیه الحکم فی باب الضمان و فی باب خیار التأخیر،فإنّه لو قال البائع:أنا حاضر فی تسلیم المبیع مع کونه فی حرزه،لا یحصل بمجرّد هذا القبض،و خصوصا مع وجود مثل الروایة المصرّحة بمعنی القبض،حیث سأل السائل عن سرقة المتاع الذی اشتراه الرجل و ترکه عند البائع و لم یقبضه هل هو من مال المشتری أو البائع؟قال-علیه السلام-:«من صاحب المتاع الذی هو فی بیته حتّی یقبض المتاع و یخرجه من بیته فإذا أخرجه من بیته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّی یردّ إلیه حقّه» (1).

ص:282


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 10،من أبواب الخیار،ص 358،ح 1.

ألا تری کیف أکّد القبض بقوله:«یخرجه من بیته»و لیس المراد الإخراج من البیت حقیقة،بل هو کنایة عن رفع سلطنته و إدخاله تحت سلطنة الغیر،و لو أبی الغیر و لم یقبل.

نعم قد یقال:إنّ المعاوضة متضمّنة لتعهّد کلّ منهما بالعمل علی طبق ما تعاقدا فی الخارج،و هو یحصل بمجرّد التمکین،فإذا مکّن أحدهما الآخر یجب علی الآخر أیضا التمکین،و لا یتوقّف علی الإخراج عن تحت السلطنة فضلا عن الإدخال فی سلطنة الآخر،فالقبض فی المقامین منصرف إلی هذا المعنی و لکنّه لا شاهد له،و أیّ استبعاد فی ترتیب هذه الأحکام التعبّدیة علی معنی القبض المغایر مع التمکین قطعا؟

المسألة الثالثة:لو اشتری ما یفسد من یومه

فإن جاء بالثمن ما بینه و بین اللیل و إلاّ فلا بیع له،هذا مضمون مرسلة محمّد بن أبی حمزة (1)،و لکن هل المراد من کون المبیع یفسد من یومه أنّه بیوم و لیلة یفسد فیتحقّق الخیار بدخول اللیل؟ و یبعده أنّ مقابلة اللیل یبعد إرادة الیوم و اللیلة معا،من الیوم.

أو أنّه بنفس مضیّ الیوم یفسد،فیکون أوّل اللیل أوّل فساده؟فحینئذ إن قلنا بضمان الوصف علی البائع کالأصل فلا منّة فی جعل الخیار أوّل اللیل،نعم إن قیل بعدم الضمان و قیل بأنّه بعد الفسخ یرجع إلی المشتری ببدل الوصف کان له حینئذ وجه،و إن کان یرد علیه أیضا أنّه بعد أن صار بمقام مطالبة البدل فلیس بأولی من مطالبة الثمن،إلاّ أن یقال:إنّ مطالبة البدل أسهل من مطالبة الثمن، و کیف کان لا یخلو هذا الاحتمال أیضا من بعد.

أو أنّه یفسد بمضیّ الیوم علیه،فإنّ بعض الأشیاء یفسده هواء الیوم إلاّ

ص:283


1- 1) الوسائل،الجزء 12،الباب 11،من أبواب الخیار،ص 358،ح 1.

بمحافظته و جعله فی مکان محفوظ و هو خلاف عادة البائعین،من جعل المبیع فی مکان بارز یکون بمرأی الناس،فالشارع لمّا رأی أنّ مثل هذه الأشیاء لا یمکن الصبر علیها ثلاثة أیّام جعل المدّة فیها دخول اللیل.

و علی هذا فلو کانت الفاکهة مقطوعة ساعة البیع و کان أوّل اللیل فی کمال الطراوة جاز الفسخ لأنّها شیء یفسده مرور الیوم.

و فیه أنّه خلاف المتبادر من کلمة«من یومه»فإنّه ککلمة من حینه و من ساعته المراد به سرعة الفساد إلیه بمقدار الیوم الواحد،لکن هل مبدأ هذا الیوم الواحد أوّل وجود الشیء أو زمان وقوع المعاملة علیه؟ لا یبعد الأوّل،لأنّ الغالب فی مثل هذه الأشیاء أنّها أوّل الیوم تقطع و تعرض للبیع،فالروایة ناظرة إلی الغالب،و المراد أنّ هذه الأشیاء التی لا بقاء لصحّتها إلی الصبح الآتی متی بیعت فی أیّ ساعة من ساعات الیوم و لو کان فی ظرف آخر الیوم فمدّة الصبر إلی اللیل.

و ما ذکر من أنّ مقابلة اللیل یبعد إرادة الیوم و اللیلة من الیوم،لأنّه کالفقیر و المسکین إذا افترقا اجتمعا،و إذا اجتمعا افترقا،فیه أنّ هذا صحیح لولا قرینة المنّة،لکن بعد ملاحظتها و أنّه لم یقصد الشارع جعل الخیار فی أوّل أزمنة الفساد یدور الأمر بین ما ذکر أخیرا من جعل کلمة من نشویة،من قبیل فلان یتضرّر من صومه،و بین ما ذکرنا من إرادة الیوم و اللیلة من الیوم کما هو غیر بعید فی مادّته و إن کان بعیدا بملاحظة مقابلة اللیل،لکنّه قریب بالنسبة إلی الاحتمال المذکور.

و علی هذا یخرج عن مورد الروایة ما إذا وقعت المعاملة فی اللیل،کالأشیاء التی یکون الفساد إلیها أسرع من یوم و لیلة،فلا محیص فیها عن الرجوع إلی قاعدة

ص:284

«لا ضرر»و العمل بما هو مقتضاها من الخیار أو المقاصّة.

ثمّ المراد بالفساد لیس التلف بل تغیّر اللون و نحوه ممّا یقلّل الرغبة إلیه و هل تنزّل القیمة السوقیّة أیضا یلحق بالفساد أو لا؟لا شبهة فی عدم إمکان التمسّک بروایة:«ما یفسده الیوم»لأنّها ظاهرة فی فساد الوصف لا القیمة،نعم لا یبعد التمسّک بلا ضرر إن سلّم تمامیّته فی إثبات الخیار.

و لکن فیه نظر،بملاحظة أنّ قاعدة«لا ضرر»صارت مخصّصة فی هذا المقام بقوله فی أخبار خیار التأخیر بأنّه:«إن جاء فی ما بینه و بین ثلاثة أیّام»و قوله:

«الأجل بینهما ثلاثة»و لا شکّ أنّه فی مقام الإطلاق من هذه الجهة،أعنی:کون الصبر علیه ثلاثة أیّام یوجب تنزّل قیمته و عدمه.

خاتمة:

لا إشکال أنّ المراد بثلاثة أیّام لیس بیاض ثلاثة أیّام،بل الأعمّ من الملفّق،کما هو الحال فی أقلّ الحیض،و ثلاثة الحیوان،نعم اللیلتان المتوسطتان داخلتان،و فی صورة التلفیق تدخل ثلاثة لیال،إمّا من جهة شمول الیوم أو بقرینة الاستمرار،هذا.

و لو اختلفا فی مضیّ الثلاثة و عدمه فالأصل مع مدّعی العدم،و کذا لو اختلفا فی القبض و العدم فالأصل مع مدّعی العدم،و أمّا لو اختلفا فی تأجیل الثمن و العدم،فقد یقال:الأصل مع مدّعی العدم فیه أیضا،لکن فیه أنّ هذا العدم لم یؤخذ فی النصّ قیدا للخیار و إنّما استفدناه من انصراف قوله:«إن جاء ما بینه و بین ثلاثة أیّام»فی کون التأخیر لا لحقّ مع اتّصال مبدأ الثلاثة بالعقد،و من المعلوم أنّه لا أصل یعیّن حال التأخیر و أنّه کان لحقّ أو لغیره،و أصالة عدم التأجیل غیر مثبت لهذه الخصوصیّة،و الرجوع إلی أصالة عدم تحقّق موضوع الخیار لا یثبت حال هذا العقد،فالمتعیّن حینئذ الرجوع إلی استصحاب بقاء الملک بعد الفسخ.

ص:285

السادس:خیار الرؤیة

اشارة

و هو ثابت فی بیع العین الغائبة إذا ظهرت علی خلاف ما شرط أو وصف أو اعتقد،و الحاصل إذا صحّ بیعها بذکر الأوصاف إمّا مع البناء أو مع الإحراز و لو بدون البناء،فإذا تبیّن فیها عدم تلک الأوصاف عند الرؤیة تحقّق الخیار،و هذا بالنسبة إلی تخلّف ما شرط أو وصف لا یحتاج إلی تعبّد بل یکفیه مساعدة العرف، بل لا یجری فیه قاعدة«لا ضرر»بکلّیته،لأنّه قد لا یکون ما شرط موجبا لزیادة القیمة حتّی یکون فقده ضررا مالیا،نعم یلزم منه الضرر الغرضی لکنّه غیر مشمول للقاعدة،فالذی یحتاج إلی التعبّد صورة کون الصفة المتخلّفة علی وجه الداعی بدون تقیید العقد به.

فنقول:تدلّ علی ثبوت الخیار فی هذه الصورة صحیحة جمیل بن درّاج «قال:سألت أبا عبد اللّه-علیه السلام-عن رجل اشتری ضیعة و قد کان یدخلها و یخرج منها،فلمّا أن نقد المال صار إلی الضیعة فقلّبها ثمّ رجع فاستقال صاحبه فلم یقله،فقال أبو عبد اللّه-علیه السلام-:إنّه لو قلّب منها و نظر إلی تسع و تسعین قطعة ثمّ بقی منها قطعة لم یرها لکان له فی ذلک خیار الرؤیة» (1)فإنّه شامل لما إذا قاس المشتری تلک القطعة التی لم یرها علی اللائی رآها فتبیّن له عدم کونها مثلها و لم یکن شرط ذلک فی العقد،بل قد یقال هو شامل لما إذا کان موافقا لها، و لکن بدا له فی البیع،لکن یبعده تفریع الاستقالة علی التفتیش،فإنّه یدلّ علی رؤیته فی تلک القطعة شیئا لم یکن فی سائر القطعات و قد کان تخیّلها مشابهة لها و بالجملة دلالتها علی المطلوب خالیة عن الخدشة.

ص:286


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 15،من أبواب الخیار،ص 361،ح 1.

و أمّا الروایة الأخری التی استشهد بها أیضا للمقام،أعنی:صحیحة زید الشحّام«قال:سألت أبا عبد اللّه-علیه السلام-عن رجل اشتری سهام القصّابین من قبل أن یخرج السهم؟فقال-علیه السلام-:لا تشتر شیئا حتّی تعلم أین یخرج السهم، فإن اشتری شیئا فهو بالخیار إذا خرج» (1)فدلالتها محلّ إشکال،لأنّ المراد بشراء السهم إمّا ما یخرج بعد ذلک عند التقسیم و یصیر ممتازا عن غیره،و هذا و إن کان یجیء فیه خیار الرؤیة،لکنّه باطل لأنّه نکرة و غیر معیّن.

و إمّا الکسر المشاع و إمّا الکلّی فی المعیّن،و علی هذین یصحّ البیع لکن لیس الخیار علیهما خیار الرؤیة مقیّدا بما بعد الخروج لأنّه متی رآها یجیء له الخیار و إن کان قبل الخروج،و هکذا لو أرید خیار الحیوان لأنّه أیضا غیر متقیّد بالخروج بل یکون من حین تمام العقد.

فالذی ینبغی حمل الروایة علیه هو إرادة شراء ما یخرج فی السهم عند التقسیم بالقرعة،و من المعلوم أنّه غیر صحیح و الإمام-علیه السلام-أیضا منع عنه و أمر بالصبر حتّی یخرج السهم و یراه بعینه،و أنّه لو اشتری قبل ذلک فهو بالخیار متی خرج،یعنی:أنّ هذا الشراء لم یفد بالنسبة إلیه ملکا و لیس بعد الخروج ملزما بالقبول،لأنّه لیس ملکه بل إن شاء ملکه بعقد جدید و إن شاء ترکه.

مسألة:مورد هذا الخیار کما عرفت هو العین الشخصیة الغائبة

و من المعلوم احتیاج بیعها إلی تعیین الأوصاف التی بها یرتفع الغرر فی البیع،و هیهنا إشکال بملاحظة حکمهم فی بیع السلم و بیع العین الغائبة و بیع العین المشاهدة،فإنّه لا یعتبر فی السلم ذکر الأوصاف بتمامها،بل یتسامح فی ذکر بعضها،لأنّ الاستقصاء یفضی إلی عزّة الوجود،و لکن لیس هکذا الحال فی العین الغائبة فاعتبروا فیها

ص:287


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 15،من أبواب الخیار،ص 362،ح 2.

الاستقصاء لذکر تمام الصفات التی یختلف الثمن باختلافها و أیضا من المعلوم فی العین المرئیّة عدم اعتبار الاطّلاع علی جمیع الصفات المعتبرة فی السلم و بیع العین الغائبة.

و جعل المناط فی جمیع الموارد هو الغرر العرفی أیضا لا یسهّل المطلب،لأنّه یقال:ما المراد بالغرر العرفی و کیف اختلف هذا المعنی الواحد بالصدق علی جهالة صفة فی مورد و بعدمه علی عین تلک الصفة فی مورد آخر؟ و الذی ذکره الأستاذ-دام ظلّه-:أنّ المراد بالغرر:عدم المبالاة،لکنّه قد یکون فی قبال الأغراض العقلائیّة و قد لا یکون فی قباله غرض عقلائی،مثلا عدم المبالاة بوجود منّ من تبن فی خمسة عشر منّا لیس بغرر،لأنّ فی قباله حفظ الوقت عن الصرف فی مدّة لأجل وزن التبن،و أمّا فی الذهب فعدم المبالاة لیس بقبالة غرض عقلائی بحسب النوع.

و حینئذ نقول:أمّا فی السلم فلو بنوا أمرهم علی المداقّة کما فی العین الغائبة یوجب ذلک سدّ باب المعاملة السلمیّة،فهذا غرض عقلائی قام بقبال عدم المبالاة بمقدار فی شخص المعاملة السلمیّة،و لیس هکذا الحال فی العین الشخصیّة أعمّ من الغائبة و الحاضرة،فالمعتبر فیهما أیضا المداقّة بمقدار یوجب الزیادة علیه سدّ باب المعاملة،و ضابطه الصفات التی أمکن الاطّلاع علیها بالرؤیة أو بالمخالطة و الاختبار فی مدّة،فما کان منها معلومة للبائع أو کان طریق آخر إلی حصول الاطّلاع بها ممکنا فاللازم ذکره،و ما کان غیر ممکن الاطّلاع لعدم حصول طریق إلی استعلامه برؤیة و لا بغیرها فلیس بلازم.

و القول بأنّه لا أقلّ من التوصیف و جعل العقد مبنیّا علیه فإنّه ممکن،مدفوع بأنّ اندفاع الغرر بمجرّد هذا محلّ منع و إلاّ فاللازم ارتفاع الغرر بمجرّد اشتراط

ص:288

الخیار فی بیع العین الغیر المعلومة الذات و الصفات رأسا فإنّ الخیار مع اشتراطه عرفیّ کما فی صورة تخلّف الوصف.

و الحاصل:لا فرق بین الحاضرة و الغائبة بل المعیار شیء آخر مستو فیهما، و هو کون عدم المبالاة بلا ما بإزاء و لو کان ما بإزاه استراحة البدن عن تعب التحقیق و عدم کونه کذلک مع مساعدة نوع العقلاء علی ذلک،فلو کان لشخص بحسب أغراضه الشخصیّة غرض أهمّ من المداقّة فی شراء الذهب فأقدم علی وزنه بالأحجار التی یوزن بها الأمتعة الخسیسة لعدم فوت ذلک الغرض الأهمّ لعدّه العقلاء واردا علی المعاملة الخطریّة.

و هذا بخلاف ما إذا کان ذلک أمرا نوعیّا،ألا تری أنّ الأمر فی معاملة التبن و أمثاله هکذا؟فلو أقدموا علی وزنه بالأحجار الکبار التی تتفاوت بمقدار منّ مثلا لأجل أنّ صرف الوقت لإحراز هذا لا یلیق لا یعدّ إقداما و شراء خطریّا.

و علی هذا فلو أقدم علی شراء عین حاضرة و لکن لم یتفحّص عن بعض ماله دخل فی زیادة قیمته و لم یکن ممّا یعلم بالرؤیة حاله کان خطریّا،فإنّ بعض الأمور تقوم فیها الرؤیة مقام الفحص،مثل کمّ المتاع و مقداره مساحة أو وزنا،فإنّ الأوزان و المساحات جعلت علامة علی کمّ خاص و حدّ مخصوص من کبر الجسم، فإذا أوقع کمّا خاصّا تحت النظر و عینه فی نظره بأنّه واف بأیّ مقدار من الغرض،مثل أنّ هذا المتاع یفی بقباء له و بقباء لابنه،أو هذه الحنطة تفی لمئونة سنته و سنة عیاله،فأقدم علی الشراء بدون استعمال آلات الوزن و المساحة لما کان مقدما علی الخطر.

نعم تعبّدنا الشرع بلزوم استعمال تلک الأدوات بخصوصها لا من باب دفع الغرر فی مثل الفرض،فالمقصود أنّ الأوصاف التی یمکن معرفتها بالرؤیة فالعین

ص:289

الحاضرة یفترق من جهتها عن الغائبة فیلزم فیها الوصف دون الحاضرة،فیفترقان فی کیفیّة الاستعلام بعد استوائهما فی لزوم أصله.

و أمّا الأوصاف التی لا یعلم حالها بالمشاهدة مثل المراتب الإنسانیة المحضة فی العبید و الإماء المحتاجة إلی معاشرة مدّة مدیدة من حسن الخلق و سوئه،و مثل الصناعات التی اکتسبها العبد و الأمة،فلا فرق بین الحاضرة و الغائبة و لا یعقل أن یکون الخطر ناشئا من جهة الجهل بهذه الأمور فی الغائبة لو لم یذکر تلک الأوصاف وجودا أو عدما،و یکون مرتفعا فی الحاضرة مع الجهل بها کما یظهر من بعض الأساطین،حیث جعل الاختلاف بین الحاضرة و الغائبة فی محقّق رفع الغرر،و أنّه بالجهل بمثل هذه الأمور یتحقّق ارتفاعه بالوصف فی الغائبة و هو یتحقّق ارتفاعه فی الحاضرة بنفس المشاهدة،و لو کانت هذه الأشیاء مجهولة.

و أنت خبیر بأنّ الخطر فی شراء الغائبة عند جهل هذه الأمور لیس إلاّ لأجل جهلها الراجع إلی جهل مقدار مالیّة ما یصل إلیه من الطرف،و هذا بعینه موجود فی شراء الحاضرة عند جهل عین هذه الأمور.

هذا ما تقتضیه القاعدة،فإن قام إجماع علی خلافه بأن رأیناهم لا یلتزمون بهذا المقدار فی العین الحاضرة-بل علی هذا لا بدّ أن لا یجوز لغیر العارف بخصوصیّات الأمتعة و الأجناس المبتاعة الإقدام علی الشراء أو البیع إلاّ بعد المراجعة لیصیر عارفا،و إلاّ فهو و الأعمی سیّان،و هو خلاف ما استقرّت السیرة العملیّة علیه-کان هو الحجّة و إلاّ فالاکتفاء بصرف المشاهدة لا یوجب رفع الغرر و الخطر عن المعاملة،هذا.

ثمّ إنّ غرر الأوصاف قد یرجع إلی غرر الوجود بمعنی أنّ الموصوف بها بما هو موصوف یکون مشکوک الوجود إذا کانت الأوصاف کذلک،ضرورة أنّ المقیّد کما ینتفی بانتفاء الذات ینتفی أیضا بانتفاء القید.

ص:290

و لکن فیه أنّه لا یمکن عدّ المقام تارة من غرر الوصف و أخری من غرر الوجود،إذ المفروض أنّ المعاملة صحیحة علی تقدیر فقدان الوصف،و لیس من باب تخلّف المبیع فیکون باطلا،فالتقیید و إن کان حاصلا بالدقّة و لکنّه بالنظر العرفی المسامحی غیر حاصل،و المبیع إنّما هو نفس الذات،فالغرر فی وجود المبیع غیر حاصل،نعم الغرر حاصل فی وجود صفته فالغرران فی المقام غیر مجتمعین.

و علی کلّ حال فإن حصل الاطمئنان بوجودها أو عدمها بأیّ طریق کان و لو بوصف شخص ثالث لهما کان کافیا،إنّما الإشکال فی ما إذا لم یحصل الاطمئنان،فهل مجرّد التقیید فی عبارة العقد أو الذکر بصورة الاشتراط مع فرض وجود الشکّ رافع للخطر أو لا؟ظاهرهم الاکتفاء بذلک فی رفعه.

و لعلّ سرّه أنّ الخیار حینئذ أمر عرفی،فیکون أمر هذه المعاملة بین أحد شیئین:إمّا وجود الصفة و هو المطلوب و إمّا فقدانه و وصول المشتری إلی ثمنه، و لکن هذا منقوض بصورة المعاملة الخطریّة من جمیع الجهات،مثل بیع ما فی الصندوق مع قرار الخیار للمشتری،فإنّ الخیار هنا أیضا أمر عرفی،و یمکن أن یقال:إنّه خرج بالإجماع إن کان،و إلاّ کان مقتضی القاعدة فیه أیضا الصحّة.

و الحقّ أنّ الغرر لیس معناه خوف الضّرر و فوت الثمن من کیسه حتّی یرفع بالاطمئنان بعدم فوته،و إلاّ لما کان الشک فی وجود المبیع أو القدرة علی تسلیمه من الغرر،بل معناه خوف عدم حصول الغرض الذی یفیده العقد،و هذا المعنی حاصل حتّی مع اشتراط الخیار،و أمّا سرّ أنّ اشتراط الوصف رافع له فهو أمر آخر یجیء إن شاء اللّه تعالی التعرض له فانتظر.

و علی کلّ حال فهل یکون للقول بثبوت الأرش عند ظهور المبیع فاقد الصفة کما هو منقول عن ابن إدریس وجه أو لا؟قد یقال بالعدم بملاحظة أنّ القید و الشرط لیس حالهما کالجزء حتی یقابل بإزائهما فی الإنشاء جزء من الثمن،

ص:291

نعم فی اللب لا فرق بینهما،فإن جعل استحقاق الأرش من هذه الجهة لم یطابق مع القول المذکور،لأنّ لازمه رجوع جزء من الثمن و هو مفارق للأرش أحیانا.

و یمکن أن یقال:إنّ القید یستفاد منه عرفا تعهّد من البائع و التزام بوجوده و لازم التعهّد بالشیء هو أداء بدله عند تعذّره کما هو الحال فی سائر الموارد،فإنّ من کان طالبا علی عهدة إنسان حنطة ففقدت الحنطة یرجع إلیه ببدلها،و هکذا فی المقام.

إلاّ أنّ هذا منقوض بنفس المبیع،فإنّ البائع متعهّد بتسلیمه،فلا بدّ أن نقول عند مصادفة تلفه بالرجوع إلی بدله و عدم بطلان أصل البیع.

إلاّ أن یدفع بأنّ فی هذه الصورة لم یقع أصل المعاملة تحت أدلّة الصحّة إذ ما قصد لم یقع،و هذا بخلاف ما إذا صحّ أصل العقد بواسطة وجود ذات المبیع، فشملته الأدلّة فیکون التعهّد مؤثّرا أثره من استحقاق مطالبة البدل.

بقی فی المقام سؤال الفرق بین ظهور نفس المبیع غیر موجود حال العقد،أو کون صفته کذلک،حیث یقولون بالبطلان فی الأوّل و لا یقولون ببطلان أصل المعاملة فی الثانی،مع أنّ قضیّة القاعدة فیهما علی حدّ سواء،فإنّ المقیّد بقید إذا انتفی قیده کان المقیّد منتفیا.لا نقول بتعدّد الموضوع عرفا فی واجد الصفة و فاقدها،و لهذا نقول بجریان الاستصحاب المبنیّ علی الوحدة العرفیّة.

فلیس حال المقام مثل ما لو تبیّن فقدان بعض الصفات الذاتیّة،مثل ما لو تبیّن العبد حمارا،أو الکتاب فرسا حیث لیس فی البین مشار إلیه محسوس،و لا مثل ما إذا جعلت هذه القیود العرضیّة ضمیمة للکلّی،فإنّه یعدّ مباینا لکلّی آخر فاقد للقید،بل نقول-مع حفظ الموضوع العرفی،فیکون المعقود علیه حاصلا-:إنّ نفس العقد الذی هو المحمول مقیّد بوجود القید،بمعنی أنّ التراضی العقدی و القرار الإنشائی قد أخذ فیه علی وجه القیدیّة وجود الصفة و قد

ص:292

تبیّن فقدانها،فلا قرار و لا تبانی فی فرض عدمها.

و معنی قولنا:إنّ المعقود علیه حاصل:أنّ العقد الإنشائی الجنانی قد حصل قطعا و کان هو متعلّقا بهذا الموضوع أیضا قطعا،و لکن کان له خصوصیّة لا أثر له مع فقدان تلک الخصوصیّة،نظیر ما یقال فی الوجوب المشروط حیث إنّ الوجوب فعلیّ قبل حصول الشرط و لکنّه غیر مؤثّر و یکون کالعدم،ففی المقام أیضا حیث کان القرار و التراضی البیعی مبنیّا علی حصول الصفة ففی فرض عدمها،القصد و الرضی موجودان و لکن لا أثر لهما کما لا أثر للوجوب المشروط مع عدم شرطه.

و الذی یمکن أن یقال فی حسم مادّة الإشکال أن نلتزم بتعدّد المطلوب بمعنی أنّ لبّ القصد و الارتکاز الجنانی فی هذه الموارد متعلّق بإنشائین أحدهما فی المطلق و الآخر فی المقیّد،و لا یلزم استعمال اللفظ فی معنیین إذ کما یتصوّر التفکیک بین الإرادتین الجدّیة و الاستعمالیّة بالنسبة إلی الأفراد أو الأحوال من دون لزوم ملاحظة الإطلاق و التقیید فی لحاظ واحد،کذلک نقول بالنسبة إلی مراتب الجدّ.

فکأنّه قیل:بعت هذا مطلقا إلاّ فی المرتبة القصوی فبعته مقیّدا،و القید أعنی:قوله«العربی»مثلا فی قوله:بعتک هذا الفرس العربی،و إن کان فی الصورة متعلّقا بالموضوع،لکن عرفت أنّ الموضوع لیس إلاّ هذا الجسم المشاهد،فالقید راجع فی اللبّ إلی البیع،و حیث إنّه لو أمسکه عند ظهوره عجمیّا لا یقال إنّه آکل للمال بالباطل،غایة الأمر أنّه یقال:إنّه رجل مسامح حیث ترک الأخذ بالخیار و لم یقع بصدد المطالبة لما قیّده یعلم أنّه بحسب المرتبة الدنیا من الجدّ قاصد للبیع المطلق،و حیث إنّه مصرّح فی اللفظ بالقید و بأخذ بالخیار عند التخلّف،و یکون ذلک حقّا یحکم بأنّ التقیید راجع إلی المرتبة القصوی للمطلوب.

ص:293

لکن دعوی وجود هذا الارتکاز فی خصوص الأوصاف العرضیّة و فی خصوص المبیع الشخصی دون الذاتیّة و دون الکلّی فیه خفاء،بمعنی أنّه یناسب أن یکون فی نفس العناوین المذکورة ارتباط مع الصحّة و الفساد،لا أنّ وجهه الارتکاز المذکور و هو خاص بمورد دون آخر إذ یسأل عن وجه التخصیص مع إمکان مجیئه فی الموردین،فتأمّل.

ثمّ معیار الصحّة علی ما عرفت کون الوصف غیر مقوّم للحقیقة،و إلاّ کان من تخلّف المبیع،و المتّجه فیه البطلان،فیقع الکلام فی تشخیص موارد کون الوصف هو العارضی أو المقوّم للحقیقة،فالذکورة و الأنوثة فی العبید و الإماء تعدّ من الحقیقی،و فی الغنم لا یبعد أن تکون من العارضی،و کذلک لبن الغنم مع لبن البقر جنس واحد و إن کانا حقیقتین فی باب الربا،لکن یشکل إن کان الحکم فی ذلک الباب علی القاعدة و بلا تعبّد فی البین،کما فی الحنطة و الشعیر،فإن ورد تعبّد بأنّ لبن الغنم و لبن البقر مثلا و هکذا جبنهما و دهنهما حقیقتان أعنی:بحکم الحقیقتین فهو،و إلاّ فإن کان علی القاعدة فیبعد ذلک کلّ البعد،و کیف یمکن الحکم بأنّ اللبن عند العرف یختلف حقیقته بصرف کونه من الغنم و کونه من البقر.

فالإنصاف اتّحاد البابین فی أمثال هذه الأشیاء،نعم قد یشکل فی مثل الفاسونی المتّخذ من القطن و الفاسونی المتّخذ من الصوف،فإنّ الصوف و القطن لا شکّ فی عدّ العرف لهما من جنسین،و لکن فی هذا الباب لا یبعد المعاملة معهما معاملة الأوصاف،فلو اشتری الفاسونی علی أنّه صوفی فبان أنّه قطنی لا یبعد أن یقال إنّه من تخلّف الوصف عند العرف،فتأمّل.

مسألة:الأکثر علی فوریّة هذا الخیار،و قد یستشکل بأنّه ما وجه الاختلاف فی خیار الغبن و الاتفاق هنا علی الفور؟

ص:294

و یجاب بأنّ الفارق ظهور النصّ هنا-و هو قوله-علیه السلام-:«کان له خیار الرؤیة»-فی الفوریة،فإنّه بمنزلة قولنا:کان له الخیار عند الرؤیة،و الظاهر فی أمثاله اتّحاد زمان الفعل الذی مورد الحکم أعنی:الفسخ فی مقامنا الذی هو مورد الحقّ و الملک مع زمان الرؤیة کما فی قولک:عند ما رأیت زیدا أعطه درهما،حیث یفهم أنّ زمان الإعطاء زمان الرؤیة لا أنّه زمان الإیجاب،و أمّا الإعطاء فموسّع بالنسبة إلیه و إلی الأزمنة المتأخّرة،فکذا لو قیل:عند ما رأیت المبیع متخلّف الوصف فلک الفسخ،یعنی فسخک فی هذا الزمان نافذ،لا أنّ حکم النفوذ لا حق بفسخک من هذا الحین،و أمّا زمان الفسخ فموسّع.

إن قلت:قول السائل أنّ المشتری بعد ما قلّب المبیع استقال صاحبه فلم یقله،ثمّ جواب الإمام-علیه السلام-بأنّه لو قلّب تسعة و تسعین و بقی واحدة لم یرها کان له خیار الرؤیة،ظاهر فی أنّه مع هذا المفروض الذی قد فرض تأخّر الزمان عن الرؤیة یکون له الخیار.

و القول بابتنائه علی کون الاستقالة فسخا لأنّها کاشفة عن کراهة العقد، فحالها حال إنکار الطلاق حیث قالوا بأنّه رجعة إذا کان فی العدّة،فاسد.لأنّ الاستقالة طلب الفسخ من الطرف و هو غیر الفسخ،و کاشفیّته عن کراهة العقد مسلّمة لکن مجرّد هذا غیر کاف،و لهذا لو أظهر الندامة و قال:یا لیت لم أوقع المعاملة،لیس فسخا،کما یشاهد فی سائر القرارات العرفیّة و المواعدات الواقعة بینهم.

قلت:لا نسلّم أنّه یعتبر فی الفسخ أزید من کراهة قلبیّة للمعاملة مع الإتیان بمظهر قولی أو فعلی أعمّ من کونه بنحو الأخبار أم الإنشاء،فإظهار الکراهة بواسطة صدور الاستقالة عمّن له حقّ الخیار مؤثّر فی انتقاض المعاملة

ص:295

و ارتفاعها.

ثمّ علی فرض عدم تمامیّة دلالة الروایة،فاستصحاب بقاء الخیار فی الأزمنة المتأخّرة بعد بطلان التمسّک بالعمومات-کما تقدّم فی خیار الغبن-هنا متّجه و سالم عن الخدشة الواردة علیه هناک من الشکّ فی بقاء الموضوع لأنّ الموضوع هنا محرز بقیوده.

مسألة:یسقط هذا الخیار بترک المبادرة

علی التفصیل المتقدّم فی خیار الغبن بناء علی الفوریّة و بإسقاطه بعد الرؤیة،و فی قیام التصرّف الغیر الدال علی الالتزام بالعقد فی مقابل فسخه-کما إذا وقع باعتقاد عدم الخیار أو کون البائع شخصا قویّا متمرّدا عن أحکام الشرع-مقام الاسقاط وجه مبنی علی استفادة العموم من التعلیل فی بعض أخبار خیار الحیوان بقوله:«فذلک رضی منه» (1)بناء علی تفسیر الرضی بما ذکرنا أعنی:الأعمّ من الالتزام بالعقد فی مقابل الفسخ.

و أمّا بناء علی تفسیره بالرضی المقابل لرضی الفسخ الذی لا یتمشّی فی حقّ الغیر الملتفت بثبوت حقّ الفسخ فلا یمکن الحکم فی هذا القبیل من التصرّفات.

نعم التصرّفات الدالّة لا إشکال فیها لکنّها قسم من الإسقاط،لأنّه أعمّ من القولی و الفعلی،و الذی یکون فی کلمات العلماء غیرها بدلیل جعلهم التصرف قسیما للإسقاط.

و کیف کان فهل التصرّف أو الإسقاط قبل الرؤیة مؤثّر أو لا؟مبنیّ علی أنّ الرؤیة سبب أو کاشف؟فإن قلنا بالثانی صحّ و إلاّ کان من إسقاط ما لم یجب، و قد تقدّم البحث فیه،و قد مضی ما یظهر منه قوّة القول بالسببیّة بمعنی أنّه یحدث الخیار عند الرؤیة،فإنّ معنی قوله-علیه السلام-:«خیار الرؤیة»خیار مظروف

ص:296


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4،من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

فی ظرف الرؤیة لا بمعنی أنّه یتولّد من الرؤیة کما یقال:خیار الغبن و العیب و التأخیر،یعنی ما سببه أحد هذه الأمور حتی یسقط عن الدلالة علی ما قلنا من الفوریّة،فإنّ الظاهر کون الرؤیة لها سمة الطریقیّة لا الموضوعیّة بهذا المعنی.

نعم بمعنی أنّ الخیار یحدث عندها و بعبارة أخری بمعنی دخالتها علی وجه الظرفیّة مسلّم،فیکون الحاصل أنّ الخیار المظروف فی ظرف الرؤیة منشؤه تخلّف الوصف،و علی کلّ حال فلا ثبوت له قبل الرؤیة،لأنّها فرضت ظرفا له.

ثمّ مع الغضّ عن ذلک و جواز إسقاطه قبل الرؤیة،فلو أدرج شرط سقوط هذا الخیار فی ضمن نفس العقد فهل هو من قبیل الشروط الفاسدة المفسدة-و لو لم نقل بإفساد الشرط الفاسد فی سائر الموارد،فإنّه من قبیل سرایة الجهل من الشرط المجهول إلی العقد-أو أنّه صحیح و لیس بفاسد و لا مفسد،أو أنّه فاسد و لیس بمفسد؟فی المسألة أقوال.

و اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الأوّل،محتجّا بلزوم کون تعهّد الوصف لا تعهّد،و إذا صار التعهّد لا تعهّدا بطل البیع لعود الغرر الذی کان ارتفاعه بواسطة التعهّد لا بواسطة الخیار لأنّ الحکم لا تبدیل له فی موضوعه.

أمّا لزوم کون التعهّد لا تعهّدا،فقد یستشکل علیه بأنّ تعهّد وجود الوصف مع التعهّد بعدم السلطنة علی الفسخ علی تقدیر تخلّف التعهّد الأوّل کیف یتنافیان؟مع أنّ الثانی مبنیّ علی تخلّف الأوّل و بروز عدم وفاء صاحبه و هو مؤکّد له.

نعم قد یکون الشرط منافیا للجدّ إلی العقد،کما فی البیع بشرط عدم الثمن، أو البیع بشرط عدم السلطنة رأسا علی المثمن،و هیهنا أیضا لو فرض أنّ الخیار لازم لا ینفک للتعهّد بالوصف بحیث لا یجتمع الجدّ إلی الملزوم مع الجدّ إلی انتفاء

ص:297

اللازم کان الأمر کذلک،و لکنّ المفروض عدم ارتفاع الغرر بواسطة الخیار بل بواسطة نفس الاشتراط.

و أمّا کون الخیار من قبیل السلطنة اللازمة للملک حتی لا یقبل السقوط بعد الثبوت آنا ما بمعنی أن یکون اللازم وجود السلطنة خارجا،فإنّه حینئذ یوجب عدم تمشّی الجدّ إلی الاشتراط لو کان فی ظرف الاشتراط و موطنه،نعم لا بأس بوقوعه بلا فصل بعد تمامه بتوسّط الإسقاط،لأنّهما إنشاءان مستقلاّن.

ففیه:أنّ الکبری مسلّمة لکن لا طریق لإثباتها فی المقام،و أیضا کیف یکون الاشتراط بنفسه رافعا للغرر و الخطر؟فإنّه فی مثل الأفعال یوجب تسلّط المشروط له علی مطالبة الشارط بالعمل،و أمّا فی مثل شرط کون الفرس عربیّا فلا یتصوّر کیف یوجب رفع الغرر.

و یمکن ذبّ الإشکال بحذافیره بأن یقال:وجه کون الاشتراط رافعا للغرر أنّ البائع محتاج إلی الثمن و حیث إنّه یعلم بأنّه فی صورة الاشتراط لو بان التخلّف لکان لطرفه الفسخ فینتفی غرضه من وصول الثمن،فهذا یوجب وثوقا نوعیّا بکون الوصف موجودا،و لو لم یفد الوثوق الشخصی،کما هو الحال فی الوثوق بقول الثقة،فهو طریق حجة عقلائی یخرج معه الإقدام عن کونه خطریّا،و هذا مبنیّ علی کون الخیار عرفیّا،و لا ینافیه قول الشیخ أنّ الخیار شرعی،فإنّه یمکن إرادة الشرعی الإمضائی،أو أنّه لا ینافی إثبات الشرعی مع ثبوت العرفی أیضا.

و بالجملة فالاشتراط باعتبار هذا اللازم یفید الوثوق النوعی،و کذا الحال لو لم نقل بعرفیّة الخیار و لکنّ المشتری یعلم بعلم البائع بثبوت الخیار شرعا عند تخلّف الوصف.

و حینئذ نقول فی تقریب التهافت و التنافی:إنّ اشتراط عدم سلطنة المشتری

ص:298

علی الفسخ بعد الثبوت آنا ما یوجب رفع هذا الوثوق،و قد کان الجدّ إلی التهد و الاشتراط للوصف ناشئا ببرکة ترتّب هذا الأثر و حصول هذا الاطمئنان،فإذا ارتفع بواسطة شرط السقوط صار إنشاء بلا روح.

و علی هذا فلو فرض أنّ اشتراط السقوط لم یؤثّر فی رفع الاطمئنان الحاصل بالتعهّد کان جائزا،کما إذا کان قبل المعاملة بانیا علی تعهّد وجود الوصف و حین ما اشتغلا بإجراء الصیغة عرض عارض لاشتراط سقوط الخیار،فإنّه حینئذ لا ینافی التعهّد المذکور فی تأثیر الاطمئنان،فلا یوجب بطلان المعاملة مع صحته أیضا،و کذا لو علم أنّ البائع غیر عالم،و لکن صحّة المعاملة حینئذ محلّ إشکال.

مسألة:لو شرط الأرش عند ظهور المخالفة مع تعیینهما مقدار الأرش

حتی لا یلزم جهالة من ناحیته فلا مانع من صحّته سواء رفع الغرر من الخارج أم بنفس هذا الاشتراط بالبیان المتقدّم،و لا یضرّ التعلیق فی باب الشروط کما قرّر فی محلّه.

نعم یبقی الإشکال فی استحقاق الأرش مع الشک فی مشروعیّته،و لهذا لو بذله بعنوان الأرشیّة بدون اشتراط فی العقد،فلا یحکم بمملکیّته،نعم فی باب العیب قد علمنا من الشرع مشروعیّته،و لکن هذا الإشکال أیضا ممکن الاندفاع بأنّ غایة الأمر هو الشک فی المشروعیّة،و هو غیر مضرّ بالاشتراط،و شمول دلیل الشرط له،فإنّ أصالة عدم المخالفة للکتاب و السنّة ترفع هذا الشک،اللّهم إلاّ أن یستشکل فی جریان هذا الأصل،و لکنّ الکلام بعد الغضّ عن ذلک و البناء علی صحّته و إجرائه فی أمثال هذه الموارد.

و لو اشترط انفساخ المعاملة عند ظهور الخلاف،فهو أیضا لا مانع من صحّته بناء علی أنّ حصول الانفساخ بلا توسّط إنشاء قولی أو فعلی حینه،بل حصوله بنفس هذا الإنشاء المعلّق الحاصل فی الاشتراط،إمّا علم مشروعیّته کما لو

ص:299

استظهر ذلک من قوله فی أخبار بیع الشرط:بأنّ الدار له،و إمّا یشکّ فی ذلک فیکفیه أصالة عدم المخالفة.

و کذلک الحال لو شرط الانفساخ عند ظهور المخالفة و انعقاد بیع آخر فی ما بین الثمن و عین کلّیة موصوفة کذائیّة أو شخصیّة کذلک،أو فی ما بین المبیع و أحد المذکورین،فإنّ البیع لم یعلم کونه مثل النکاح له أسباب خاصّة لیس الشرط منها،بل غایة الأمر هو الشک فیرجع إلی الأصل المتقدّم القاضی بالصحّة.

و علی تقدیر القول بالفساد فلا وجه للقول بالإفساد-کما ربّما یستظهر من عبارة الشهید-قدّس سرّه-إذا فرض رفع الغرر عن المعاملة من الخارج،بأن حصل الاطمئنان بوجود الصفة و لکن شرط علی تقدیر ظهور الخلاف الذی هو احتمال موهوم فی نظره حصول الانفساخ و المبادلة المذکورة،نعم لو اعتمد فی رفع الغرر بهذا الاشتراط کان البیع باطلا و لو فرض صحّة الشرط من حیث نفسه بمعنی عدم المانع فیه لو وقع فی عقد صحیح من جهات أخر.

و تفصیل الکلام فی المقام ببیان الشقوق المتصوّرة فی اشتراط الأبدال أن یقال:إنّه قد یجعل العین الأخری الموصوفة مقابلة بالثمن الواقع فی البیع الأوّل، و قد یجعل مقابلها هذه العین،الظاهر مخالفة وصفها مع المشروط،و الأوّل أیضا علی قسمین،لأنّه قد یجعل الثمن فی الإنشاء الواحد بإزاء شیئین علی تقدیرین عکس المسألة المعروفة،أعنی:بیع الشیء الواحد بثمنین علی تقدیرین،بأن یبیع حالا بکذا و إلی شهر بکذا.

و قد یجعل المبادلة الأولی مستقرّة علی المبیع الواحد و علی تقدیر ظهور المخالفة یصیر منفسخا،و یحصل ثابتا بین ذلک الثمن و بین المبیع الآخر،فإن جعل التقدیر ظهور المخالفة فواضح،و إن جعل نفس المخالفة الواقعیّة فلا بدّ

ص:300

من حصول المبادلة آنا ما لینفسخ بعده ثمّ تنعقد الأخری.

و علی کلّ حال فإن کان من قبیل القسم الأوّل أعنی:إیقاع المبادلة من الابتداء بنحو التردید فی المثمن بأن کان هذا علی تقدیر المخالفة أو ظهورها و ذاک علی تقدیر العدم،فالظاهر منهم أنّ هذا النحو من البیع غیر جائز،حتّی أنّه لو صحّحنا دلالة الروایة الواردة فی تلک المسألة المعروفة للزم الاقتصار علی موردها حتّی لا یجوز التعدّی إلی مثل المبایعة بثمن إلی شهر و بثمن آخر إلی شهرین،لأنّ موردها صورة کون الثمن نقدا کذا و إلی شهر غیره،فحکم فیها بانعقاد المعاملة بأقلّ الثمنین إلی أبعد الأجلین،و لیس بطلان هذا من جهة الغرر،لأنّا نفرض حصول الاطمئنان بوجود الصفة و عدم المخالفة،بل علی فرض الشک أیضا،إذ لا خطر فی مثل هذه المبایعة الواقعة بین الثمن و بین هذا الفرس المشکوک عربیّته علی تقدیر العربیّة،و بینه و بین فرس آخر مقطوع العربیّة علی تقدیر العدم،بل الدلیل هو الإجماع علی بطلان الإبهام و التردید فی المثمن کما فی الثمن،فإن تمّ و إلاّ فمقتضی القواعد هو الصحّة.

و إن کان من قبیل الثانی أعنی:إیقاع المعاملة منجّزا بین هذا و الثمن،ثمّ انفساخها علی تقدیر ظهور المخالفة و انعقاد مبادلة أخری فی ما بین هذا الثمن و العین الموصوفة الأخری،فهذا لا مانع فیه من جهة البیع،إذ یفرض حصول الاطمئنان من الخارج بوجود الصفة و لا من جهة شرط الانفساخ،لوجوده فی مسألة شرط الخیار برد الثمن.

و أمّا من جهة شرط الانعقاد ثانیا فلا شبهة فی کونه فی طول حصول الانفساخ لترتّب المبادلة و الانتقال الثانوی علی الدخول فی ملک البائع حتّی یعود بالمبایعة الثانویّة إلی المشتری،فالانفساخ مقدّمة للانعقاد،فیکون مقدّما فی الرتبة

ص:301

علی الانعقاد فیرد حینئذ الإشکال بأنّ الشرط تابع للعقد المشروط فیه حدوثا و بقاء فکیف یمکن ارتفاع العقد الذی وقع فی ضمنه الشرط،و فی الرتبة المتأخّرة من ذلک یتحقّق مضمون الشرط الذی وقع فی ضمنه.

و لکنّه لیس واردا،لأنّ الشرط إذا تعلّق بهذا الترتیب فوقوع خلافه خلاف الوفاء بالشرط،فإذا وقع تحت مفاد الشرط حصول هذا الترتیب و شمله دلیل الوفاء بالشرط،فاللازم حصوله کذلک،و هذا نظیر أن یشترط فی بیع الحیوان مثلا علی المشتری أنّه لو فسخ فی الثلاثة کان علیه دینار للبائع،فمقتضی هذا الشرط وقوع الملکیّة عقیب الفسخ،فکیف یصیر الفسخ الذی صار مقتضیا بحکم دلیل الشرط،مانعا لما صار مقتضیا له؟ نعم یمکن الدغدغة فی صحّة هذا الشرط الثانی من جهة احتمال اختصاصه بالحصول من أسباب خاصّة کما فی النکاح،فإن جعلنا ذلک مضرا بصحّته صار هذا الشرط فاسدا،و أمّا إفساده للعقد فمبنیّ علی القول بإفساد الشرط الفاسد،فإن قلنا بعدم الإفساد فلا وجه للفساد.

نعم لو ظهر المبیع فاقدا للوصف فهل یحصل الانفساخ بمقتضی الشرط الأوّل؟بتقریب أنّه کما لم یوجب فساد الشرط الثانی فساد العقد لم یوجب أیضا فساد الشرط الأوّل،أو أنّه لا یحصل بل تبقی المبادلة بحالها و یحصل الخیار علی قاعدته؟ یمکن تقویة الثانی،لأنّ شرط الانفساخ نسبته إلی شرط الانعقاد نسبة المقدّمة إلی ذیها لا نسبة المقیّد إلی قیده،و نسبة العقد إلی الشرط الثانی نسبة المقیّد إلی قیده،و نحن إن قلنا بأنّ المقیّد لا یبطل إنشاؤه ببطلان القید،لا یلازم أن نقول بأنّ الإنشاء الحاصل مقدّمة و بتبع إنشاء آخر أیضا لا یبطل ببطلان الإنشاء

ص:302

الثانی،بل یمکن دعوی شهادة العرف فی الثانی بالبطلان،و أنّ الفرع لا یزید علی الأصل.

و إن کان من قبیل الثالث أعنی:إیقاع المعاملة منجّزا علی هذا ثمّ اشتراط وقوع مبادلة أخری بین هذا فی ملک المشتری و بین عین أخری إمّا کلیّة أو شخصیّة موصوفة علی تقدیر فقدان الصفة المشترطة فی المبیع الأوّل،و هذا أیضا لا إشکال فیه من حیث البیع الأوّل لو فرض حصول الاطمئنان بصفته،و لا من حیث الشرط لو فرغنا عن إمکان مملکیّة الشرط شرعا و عدم الاختصاص بالأسباب الخاصّة مثل البیع و الصلح،و فرضنا أنّ المبیع الموصوف أیضا جعل فقدان صفة واحدة من صفاته تقدیرا للمبایعة المشترطة،و یکون حاله عند هذا التقدیر أیضا معلوما.

مثلا کان معلوما أنّ هذا الفرس لو لم یکن عربیا کان فارسیّا حتّی لا یکون الثمن فی المبایعة الثانیة شیئا مجهول الصفة فیبطل من جهة الغرر،و یوجب بطلان البیع.

نعم لو فرض الدغدغة فی الأمر الأوّل صار هذا الشرط فاسدا،و فی إفساده العقد أیضا هو الوجهان الموجودان فی کلّ شرط فاسد،و علی تقدیر العدم فلا وجه لفساد العقد،فلم یعلم ما وجه حکم شیخنا الشهید بفساد العقد،إلاّ أن یکون المفروض جهالة المبیع علی تقدیر فقدان الصفة و تردّده بین صفات أخر تتفاوت بها المالیّة،فإنّه حینئذ یقع ثمن البیع الثانی مجهولا و تسری الجهالة إلی البیع الأوّل، فیسری الفساد من هذه الجهة،لکنّ الحکم بالفساد بوجه الکلّیّة لیس له وجه بناء علی مبنی عدم مفسدیّة الشرط الفاسد.

ثمّ لم یعلم ما وجه اعتراض الحدائق علی الشهید بما حاصله:أنّه لا وجه للفساد فی صورة ظهور المبیع موصوفا،مع تسلیمه الفساد فی صورة ظهور

ص:303

الفقدان،فإنّه إن بنینا علی إفساد الشرط الفاسد فلا فرق بین الصورتین فی الفساد، و إلاّ فکذلک فی الصحة،و إن کان بناء کلامه علی ما تقدّم عن الأردبیلی-قدّس سرّهما-من تقویة البطلان عند الفقدان،فکیف صنع بالأخبار المتقدّمة الواردة فی خیار الرؤیة؟ و الذی أفاده شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی توجیه عبارة الحدائق علی وجه یسلم عن الإیراد الواضح الغیر اللائق بأهل العلم:أنّ مراده بالمخالفة فی قوله:

«لو ظهر مخالفا فإنّه یکون فاسدا من حیث المخالفة»هی مخالفة الشرط للشرع، بمعنی أنّ شرط الإبدال مخالف لأخبار خیار الرؤیة،فإنّ الشرع جعل العلاج ثبوت الخیار،و جعل هذا الشرط بقبال الشرع الإبدال،و إذا فسد الشرط فسد المشروط بناء علی مذاق من یجعل الشرط الفاسد مفسدا و بناء علی أنّ إبطال موضوع الخیار أعنی:ارتفاع العقد أیضا ینافی مع ما دلّ علی الخیار فی حال وجود العقد.

ثمّ أورد علی نفسه إیرادا بأنّ هذا الشرط لا یخالف الشرع،لأنّه جعله جابرا لتخلّف الوصف،فأجاب بعدم الصالحیّة للإجبار،لأنّ الأخبار الدالة علی الخیار مطلقة شاملة لحال وجود مثل هذا الشرط أیضا،فالشارع فی هذا الفرض أیضا جعل الجابر هو الخیار فجعله الإبدال یکون مخالفة للشرع.

و أمّا وجه تخصیص البطلان بصورة ظهور فقد الوصف دون صورة وجوده، فلأنّ الشرط إنّما هو فی صورة عدم ظهور الوصف،فلا شرط مع ظهوره،و الأخبار المتقدّمة أیضا عامّة شاملة لهذا الفرض فنحکم بالصحّة و الخیار بمقتضاها،هذا ما أفاده-دام ظلّه-فی توجیه العبارة و لکنّ الأمر سهل بعد وضوح أصل المسألة کما عرفت.

ص:304

مسألة:هل خیار تخلّف الوصف خاص بالبیع أو یشمل کلّ عقد

واقع علی عین شخصیّة موصوفة کالصلح و الإجارة؟اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الشمول مستدلا بأنّه لو لم نحکم بالخیار مع تبیّن المخالفة فإمّا أن نحکم ببطلان العقد و إمّا أن نحکم بلزومه،و الأوّل مخالف لطریقة الفقهاء،و الثانی فاسد من جهة أنّ دلیل اللزوم هو وجوب الوفاء و حرمة النقض،و من المعلوم أنّ عدم الالتزام بترتّب آثار العقد علی العین الفاقدة للأوصاف المشترطة لیس نقضا للعقد،هذا حاصل استدلاله-قدّس سرّه.

و خدش فیه شخینا الأستاذ-دام علاه-:بأنّ مجرّد عدم وفاء دلیل اللزوم لا یکفی لنفیه بعد أنّ مقتضی الاستصحاب بقاء الآثار المفروض حدوثها بحکم الإجماع المذکور فی کلامه-قدّس سرّه-قبل الفسخ بنفس العقد فی ما بعد الفسخ، فالأولی الاستدلال ببناء العقلاء علی الخیار فی صورة التخلّف،و تسلّط من تخلّف الوصف فی ما انتقل إلیه علی فسخ العقد،و علی فرضه لا نحتاج إلی الإجماع أیضا، إذ یکفینا هذا البناء لإتمام کلّ من الصحّة و الجواز لو لم نقل بأنّ الصحّة مفاد الأدلّة کما اختاره علی خلاف ما سبق اختیاره من الأستاذ-دام ظلّه-من إمکان استفادتها منها أیضا.

مسألة:لو اختلفا فقال المشتری:تخلّف صفة،و قال البائع:لم یتخلّف،

فهذا له صورتان:

الأولی:أن یکون کلّ منهما مدّعیا للتقیید بصفة،کأن یقول المشتری:قیّدنا العبد بالحبشیّة و هذا زنجیّ،و یقول البائع:بل قیّدناه بالزنجیّة.

و الأخری:أن یرجع النزاع إلی المطلق و المقیّد،فیقول المشتری:قد قیّدناه بالحبشیّة،و یقول البائع:بل أوقعنا البیع علی وجه الإطلاق من هذه الجهة،و دفعنا

ص:305

الغرر بحصول الاطمئنان من الخارج و لکن صرّحنا فی الصیغة بأنّه سواء کان کذلک أم لا.

و علی کلّ حال فهل یقدّم قول البائع أو المشتری؟رجّح العلاّمة-أعلی اللّه مقامه-الثانی،لبراءة ذمّته عن دفع الثمن إلی البائع،و لا ینافی مع اعترافهما بوقوع البیع،لابتنائه علی عدم وجوب تسلیم ذی الخیار فی زمن الخیار ما انتقل عنه و إن تسلّم ما انتقل إلیه.

و لکن یرد علیه بأنّ هنا أصلا آخر و هو عدم ملکیّة المشتری و بقاء ملکیّة البائع للثمن،فیعارض هذا مع الأصل المذکور.

و أورد علیه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّه بعد الإقرار باشتغال الذمّة بالثمن حسب وقوع العقد الصحیح یقع الشک فی حصول الالتزام من البائع بالوصف المفقود أو لا،و الأصل یقتضی عدمه،و هذا الأصل حاکم علی أصالة البراءة المذکورة،لکونه موضوعیّا بالنسبة إلیها.

ثمّ رجع عن هذا و فرّق بین الاشتراط و التوصیف و أنّه مع الاشتراط یکون الأمر هکذا،و أمّا مع التوصیف فالأصل یقتضی عدم وقوع العقد المقیّد بالصفة الموجودة،و مقتضاه عدم وجوب الوفاء علی المشتری بدفع الثمن إلی البائع،و لا یرد علی هذا الذی ذکره-قدّس سرّه-ما أوردناه علی کلام العلاّمة-قدّس سرّه-من المعارضة بأصالة بقاء ملک البائع للثمن بعد فسخ المشتری،لأنّ هذا الأصل موضوعی بالنسبة إلی استصحاب الملک،بمعنی أنّ من آثار عدم وقوع العقد علی الصفة الموجودة بنحو مفاد لیس التامّة أعمّ من أن لا یقع عقد فی البین أصلا أو وقع مقیّدا بالصفة المفقودة ملکیّة المشتری للثمن بعد قول فسخت.

فهذا الأصل و إن لم یحرز إلاّ جامع العدم دون إحدی الخصوصیّتین لکنّ

ص:306

الملکیّة عقیب الفسخ لیس من آثار إحدیهما،و إنّما هی أثر لهذا الجامع العدمی، فیکفی الأصل المتکفّل لهذا الجامع لإثباته،فیرفع الشک بالنسبة إلی الملکیّة بعد الفسخ فلا یبقی مجال لاستصحابها،هذا.

و لکن یرد علیه-قدّس سرّه-:معارضة هذا الأصل بأصل آخر و هو أصل عدم وقوع العقد علی الصفة المفقودة و یکون من أثره أیضا عدم عود ملکیّة الثمن للمشتری بعد الفسخ.

و الذی اختاره شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-فی المسألة:تقدیم قول البائع.

و توضیح ذلک:أنّ معقد النزاع لیس هنا أصل ینقّح أحد طرفیه،بمعنی أنّه لیس لنا أصل یحرز أنّ هذا العقد الموجود علی أیّ حال من وصف التقیید بالمفقود أو الموجود أو وصف الإطلاق و کونه خیاریّا أو لازما،و لکن لا بدّ من تنقیح أنّ الجواز هو المحتاج إلی السبب أو اللزوم،و بعد ذلک لا بدّ من تنقیح أنّ السبب ماذا و أنّه هل اعتبر علی نحو لا یقبل الاستصحاب أو علی نحو یقبله؟ أمّا الجهة الأولی فنقول:الظاهر أنّ اللزوم لیس إلاّ عبارة عن بقاء الملک و عدم وجود ما یزیله،و الجواز عبارة عن وجود موجب لزواله،فاللزوم أمر عدمی و لیس سببه إلاّ عدم موجب الخیار مع وجود ما یقتضی الملک و هو العقد.

و أمّا الجهة الثانیة فنقول:سبب الخیار إمّا عبارة عن تخلّف الصفة المعقود علیها،أو کون العقد واقعا علی صفة مفقودة،و علی کلّ حال نقول:یمکن لنا تتمیم المرام بضمیمة الوجدان إلی الأصل،و ذلک لأنّ العقد الموجود علی هذا المنوال له بوحدة وجوده الخارجی أثران:

أحدهما:الصحّة،و الآخر:الخیار،و بمقتضی تعدّد الأثر لا بدّ من تعدّد المؤثّر،فنقول بالتحلیل العقلی یکون المؤثّر فی الانتقال أصل جامع العقد أعمّ من

ص:307

الواقع علی المنوال المذکور و من غیره،و المؤثّر فی الخیار هو هذا العقد الخاص.

فالجهة الأولی معلومة الحصول لنا فی المقام،إذ لا نشک فی وقوع جامع العقد علی هذا الثمن الشخصی،و أمّا الجهة الثانیة فمشکوکة مسبوقة بالعدم فنستصحبه و نرتّب علیه عدم حصول إعادة الملک الحاصل للبائع إلی المشتری، فأصل الانتقال إلی البائع محرز بحکم الوجدان،و موجب عوده إلی المشتری محکوم بالعدم بحکم الأصل،و قد عرفت أنّ هذا معنی اللزوم.

و لا فرق فی ما ذکرنا بین کون الموجب للخیار تخلّف الصفة بنحو مفاد کان التامّة،أو کون العقد واقعا علی الصفة المتخلّفة بنحو مفاد کان الناقصة،أمّا علی التقدیر الأوّل،فجریان أصل العدم واضح،و أمّا علی الثانی فلأنّا لا نرید إحراز حال العقد الموجود الذی هو مطرح المرافعة کما تقدّم ذکره فی صدر التوضیح بل نقول:الأصل عدم تحقّق العقد بهذا المنوال علی هذا الثمن الشخصی.

و بعبارة أخری الأصل عدم تحقّق قضیة عقد کان کذا فی هذا الثمن،و هذا کاف فی إثبات المدّعی من عدم تحقّق العود فی هذا الثمن علی تقدیر الانتقال.

نعم لو کان الأثر مرتّبا علی موضوع شخصی خارجی مع محمول عدمی،لا یمکن إجراء أصالة عدم تحقّق القضیّة من الأزل ثمّ حمله علی الموضوع الخارجی، لأنّ السالبة المنتفیة الموضوع مع السالبة الموجودة الموضوع موضوعان عند العرف، فإذا کان أثر صلاة رکعتین مثلا مرتّبا علی قضیة«زید إذا لم یکن قائماً»و شککنا فی قیام زید الموجود،فلا یمکن إجراء أصالة عدم تحقّق قیام هذا الزید من الأزل و جرّه إلی حال وجوده،فإنّ الحکم حال وجوده بأنّه لیس بقائم غیر الحکم بعدم تحقّق قیامه من الأزل.فالموضوع فی الثانی فی الحقیقة هو الربط و فی الأوّل هو الزید الخارجی.

ص:308

و أمّا إذا کان أثر صلاة رکعتین مرتّبا علی قضیّة«زید إذا کان قائماً»فشککنا فی قیامه بعد وجوده فلنا إجراء أصالة عدم تحقّق هذه القضیّة لرفع الأثر المذکور، و مقامنا من هذا القبیل،فتدبّر.

مسألة:لو نسج بعض الثوب فاشتراه علی أن ینسج الباقی کالأوّل بطل

کما عن المبسوط و القاضی و ابن سعید-قدّس سرّهما-و العلاّمة فی کتبه و جامع المقاصد،و استدلّ علیه فی التذکرة و جامع المقاصد علی المحکیّ بأنّ بعضه عین حاضرة و بعضه فی الذمّة مجهول.

قد یستشکل فی هذا بأنّه یمکن رفع الجهالة بأحد أمور ثلاثة،إمّا أن یبیعه المنسوج و المغزول علی أن ینسج المغزول بمنوال المنسوج مع الاطمئنان بأنّه یفی بالشرط و یخرج عن عهدته،و إمّا أن یبیعه هذا المنسوج بضمیمة مقدار معیّن من المغزول الکلّی بالشرط المذکور،و إمّا أن یبیعه هذا المنسوج مع أذرع معلومة من المغزول المنسوج بهذه الصفة علی وجه الکلّی،هذا.

و لکن قال شیخنا الأستاذ-دامت أیّام إفاضاته الشریفة-:یمکن أن یکون نظر المانع إلی صورة قصد بیع هذا المنسوج مع المنسوج الذی یکون له شأنیّة الوجود بأن یجعله بما هو جزئی و غیر قابل الصدق علی کثیرین ضمیمة للموجود.

و وجه البطلان حینئذ اشتراکه مع ما أجمعوا ظاهرا علی البطلان فیه من بیع أحد عبدین متساویین فی جمیع الجهات بلا تفاوت بینهما رأسا و أصلا من دون تعیین أحدهما،فإنّ کونه بنحو الإبهام الذی لا تعیین له حتّی فی نفس الأمر یظهر أنّه أیضا کالجهل مانع مستقلّ عن الصحّة،و هذا المعنی بعینه موجود فی المقام، فإنّ ما یتصوّره اللاحظ من الموجود فی المستقبل لا بعنایة الوجود حتّی یقبل الجعل فی العهدة له أنحاء متشابهة من جمیع الجهات فی عالم التصوّر و لا میز فی نفس

ص:309

الأمر لما یجعل فی العهدة ممّا بین هذه الصور،فلا محالة یکون جزء المبیع هو الجزئی المردّد فی ما بینها،الذی لا یخرج واقعة عن الإبهام.

و القول بأنّه معلوم فی علم اللّه تعالی فیشار إلیه بهذا الوجه الإجمالی و هذا کاف فی مقام المایزیّة،فیکون کالشبح المرئی من بعید،فإنّه محتمل الانطباق علی الکثیرین علی البدل لکنّه لیس بنکرة فکذا فی المقام.

مدفوع بأنّه حینئذ و إن کان کذلک لکنّ المبیع علی هذا التقدیر یکون مردّدا بین الموجود و المعدوم،إذ علی تقدیر عدم النسج لا معلوم عند اللّه،بل المعلوم عنده تعالی هو العدم.و مفروض کلامهم-قدّس أسرارهم-ما إذا کان المبیع سواء نسج أم لم ینسج أبدا شیئا محفوظا موجودا بالوجود فی العهدة،و البیع بهذا التقدیر لا محالة متعلّق بالمبهم.

السابع:خیار العیب

اشارة

اعلم أنّ مقام البیع و الشراء سواء کان باللفظ أم بالفعل ظاهر فی کون المتعلّق هو الصحیح الخالی عن العیب إذا کان متعلّقا بالعین الشخصیّة و لم یذکر من الصحّة و العیب قید،و لیس هذا من قبیل الأغراض المترتّبة علی المبیع أو الصفات الکمالیّة الموجودة فیه،فإنّه یکون الإنشاء فیها مطلقا ما لم یذکر القید و إنّما التقیّد فی اللّب.

و أمّا فی صفة الصحّة فهی تصیر قیدا للإنشاء بمعنی أنّ النظر الإنشائی مقصور علی الصحیح،بل نقول:لا فرق فی ذلک بین العین الشخصیّة و الکلّی، فإنّ هذا من خاصیّة مقام البیع و الشراء حیث لا یقدم العاقل علی شراء المعیوب إلاّ لعارض،و علی هذا یکون ثبوت الخیار عند تبیّن العیب علی حسب القاعدة

ص:310

و إنّما التعبّد فی سقوط الردّ مع عدم قیام المبیع بعینه،و فی ثبوت الأرش.

نعم هیهنا فرق بین العین الشخصیّة و الکلّی من حیث وجود أصل السلامة الذی هو أصل عقلائی و أمارة علی ثبوت وصف الصحّة فی الأولی دون الثانی،فإنّ لفظ الجنس یدلّ علیه مطلقا إن لم یضیّق بذلک القید،و أمّا العین الشخصیّة فأصل عدم خروجها عن الحالة الطبیعیة القاضیة بعدم نقص فیه عن الخلقة الأصلیّة یعیّن حالها و یخرجها عن التردید،و لکن لا یکفی بمجرّده لإثبات الخیار عند فقد وصف الصحّة،إذ غایته حصول الاطمئنان بوجود الصفة و هو غیر قاضٍ بالتعبّد فی مرحلة الإنشاء.

و الحاصل:هذا الأصل نافع لأجل رفع الغرر،و أمّا لتطبیق ثبوت الخیار فی صورة الفقد علی القاعدة فلیس هو بنافع،بل النافع هو الانصراف المقامی الذی هو بمنزلة التقیید و الذکر،فهما أمران غیر مرتبطان لیس أحدهما علّة للآخر،فما یظهر من عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-من علیّة الأصل المذکور للانصراف المذکور محلّ نظر،و لهذا نری مجیئ الانصراف فی الکلّی مع عدم تحقّق الأصل فیه.

إلاّ أن یقال فی توجیه کلامه-قدّس سرّه-:إنّ البائع فی صورة علمه بحال المبیع-کما هو الغالب-لا یتعهّد وصف الصحّة للمشتری مع وجود العیب، و یکون الانصراف صوریّا لا تعهّد علی طبقه،ألا تری أنّه لو أخبر أحد أنّ الإنسان دخل فی الدار و کان الداخل ذا رأسین لا یصحّ نسبة الکذب إلی المخبر؟ فکما أنّ الانصراف صوریّ لا تجزم علی طبقه واقعا،فکذا فی المقام.نعم مع وجود وصف الصحّة و الفرض أنّ البائع عالم یتحقّق منه التعهّد،فأصل السلامة إنّما یحتاج إلیه لإثبات هذا التعهّد.

ص:311

و الحاصل:إطلاق العقد بالنسبة إلی وصف الصحّة لیس کسائر الصفات الدخیلة فی الغرض،بل یوجب التقیید و الابتناء علی الوجود لکن بضمیمة إحراز کون البائع عالما بوجود وصف الصحّة،و إلاّ فمع العلم بالفساد لا یتحقّق منه التعهّد،فأصل السلامة یحرز به وجود السلامة و بالملازمة کون البائع الذی یقلب العین عالما به،و بعد ذلک یفید الانصراف المذکور تعهّد البائع بالوصف فعلم أنّ الأصل المذکور محتاج إلیه لأجل تحقّق الانصراف من طرف البائع.

لکن یرد علیه-قدّس سرّه-حینئذ أنّ اللازم علی تقدیر کشف خلاف هذه الأمارة و معیوبیّة المبیع و أنّ البائع کان غیر متعهّد،عدم ثبوت خیار تخلّف الوصف و إنما الخیار ثابت لأجل التعبّد أو أنّه خیار عرفی آخر غیر خیار تخلّف التعهّد و الوصف،و تظهر الثمرة فی صورة التصریح بالاشتراط،فإنّه تعهّد من البائع مطلقا و لو فی صورة عدم وجود السلامة و علمه بذلک،إذ تعهّده حینئذ مثل تجزّم الخبر فی القضیّة الإخباریة التی هو عالم بکذب مضمونها،فیوجب هذا التصریح خیارا زائدا علی ما اقتضاه نفس العقد علی المعیب بمؤنة التعبّد أو العرف،فلو سقط الردّ فی ذلک الخیار بواسطة بعض التصرّفات لم یسقط بواسطة هذا الخیار الحادث بالاشتراط.

و أمّا الروایة التی استشهد بها شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-علی عدم حدوث تفاوت بواسطة هذا التصریح المشتملة علی بیع الأمة علی أنّها باکرة فوجدها المشتری ثیّبة،حیث أرجعه الإمام-علیه السلام-إلی الأرش،فیعلم أنّ الردّ سقط بواسطة هذا التصرّف و لو کان الخیار الحادث بالاشتراط مغایرا لما سقط.

فیمکن الجواب بعد تسلیم کون الثیبوبة عیبا کما لعلّه یأتی الکلام فیه إن شاء اللّه تعالی:بأنّه یمکن کون هذا حکما علی خلاف القاعدة ثابتا فی باب

ص:312

الاشتراط کما ورد نظیره فی اشتراط البکارة فی عقد النکاح،فوجدها الزوج ثیّبا، حیث وردت الروایة الصحیحة بانتقاص المهر،و إن اختلف الفقهاء-رضوان اللّه علیهم-فی تعیین مقدار النقصان،فذهب بعضهم إلی أنّه الأرش فی ما بین مهر البکر و الثّیب،فمن الممکن کون هذا الحکم تعبّدا خاصّا بباب اشتراط البکارة فی المرأة أعمّ من وقوعه فی عقد النکاح أو البیع.

و علی ما ذکرنا یبقی الکلام فی أنّه لو صرّح بالاشتراط و تصرّف المشتری فی المبیع و سقط بذلک ردّه من ناحیة العیب،فهل له الأرش و الردّ معا؟أمّا الأرش فبمقتضی العیب،و أمّا الردّ فبمقتضی الشرط،الکلام مبنیّ علی فهم الإطلاق فی دلیل الأرش فی العیب،فإن کان الدلیل فی مقام تشریع الخیار فی الردّ مع قیام المبیع بعینه و مطالبة الأرش مع عدمه،و کان ساکتا عن الجهات الطارئة،فإن قطعنا من الخارج بأنّ الجهة الطارئة،أعنی:حدوث سلطنة الردّ بعد التصرّف من ناحیة الشرط لا مانعیّة له عن اقتضاء العیب للأرش فهو المطلوب،و أمّا إن احتملنا کون هذا مانعا بأن یکون المقتضی للأرش إنّما یصیر فعلیّا لو لم یکن للمشتری المتضرّر طریق آخر لدفع ضرره من الردّ،و أمّا مع انفتاح باب ذلک له فلا یصیر فعلیّا،فلا بدّ حینئذ من إحراز عدم المانعیة بالأصل لو کان،و إلاّ فمجرّد الحکم الاقتضائی لا ینفع مع بقاء الاحتمال المذکور بحاله.

نعم لو ثبت أنّ الأرش یجتمع مع الردّ بمعنی ثبوت التخییر بینهما فی عرض واحد إمّا بدلیل لفظی و إمّا لبّی نقطع بأنّ ثبوت الردّ من ناحیة الشرط لا یحدث أمرا زائدا،فکما لا نحتمل أن لا یبقی الردّ الناشئ من العیب بواسطة ثبوت هذا الردّ،کذلک لا نحتمل سقوط عدله الذی هو الأرش.

و أمّا إذا لم یقم دلیل علی أزید من ثبوت الأرش عند الیأس عن الردّ فالدلیل

ص:313

و إن لم یکن بظاهر فی سقوط الأرش عند تحقّق مثل هذا الردّ-لأنّ المتیقّن منه صورة الردّ بالعیب-و لکن لیس بظاهر فی ثبوت الأرش أیضا،بل هو ساکت عن صورة تحقّق التمکّن عن الردّ بطریق آخر و حینئذ یجیء ما قلنا من احتمال المانعیّة الغیر الممکن دفعه بالأصل.

فالعمدة إذن ملاحظة الدلیل الوارد فی المسألة و أنّه هل یفید التخییر العرضی فی ما بین الأمرین قبل التصرّف و تعیین الأرش بعده،أو أنّه یفید تعیین الردّ قبل التصرّف و الأرش مکانه بعده؟ فنقول و علی اللّه الاتکال فی کلّ حال:إنّه لم یوجد فی الأخبار ما ظاهره التخییر،نعم فی الفقه الرضوی-علیه السلام-:«فإن خرج السلعة معیبا و علم المشتری، فالخیار إلیه إن شاء ردّه،و إن شاء أخذه،أو ردّ علیه بالقیمة أرش العیب»و ظاهره علی ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ ما بعد(أو)أیضا طرف ثالث للخیار،یعنی:أنّه مخیّر فی ما بین الردّ و الأخذ بتمام الثمن و أخذ الأرش،و هذا مبنیّ علی رجوع ضمیر«ردّ»إلی المشتری.

لکن یمکن أن یکون الضمیر راجعا إلی البائع،و المقصود أنّ المشتری بین الأمرین بالخیار إلاّ أن یجیء البائع و یردّ علیه بأرش العیب،فیسقط عند ذلک خیار المشتری،فلا یکون الأرش علی هذا طرفا لخیار المشتری،و إنّما اختیاره بید البائع بمعنی أنّه لیس للمشتری الردّ مع بذل البائع للأرش،لأنّ خیاره مشروط بعدم البذل و قد بذل،فلا تنطبق الروایة علی هذا المعنی علی المشهور من ثبوت التخییر بین الأمور الثلاثة للمشتری و أنّه لیس للبائع اختیار أحدها.

و هنا طریق آخر لإثبات التخییر بغیر الإجماع ذکره السید المحقّق الطباطبائی فی حاشیته علی مکاسب شیخنا المرتضی-قدّس سرّهما-و إن خدش

ص:314

هو-قدّس سرّه-فیه،و هو أن یقال:إنّ لنا ثلاث طوائف من الأخبار.

الأولی:ما أطلق فیه الردّ و هی کثیرة،و الثانیة:ما أطلق فیه الأرض،و الثالثة:

المفصّلة فی ما بین التصرّف و عدمه،و هذا مقیّد لإطلاق الأوّلتین،حیث إنّ مقتضاهما التسویة بین الحالین،و هذا یفید الفرق بانحصار الأرش و عدم جواز الردّ بعد التصرّف،و مقتضی الجمع العرفی بین إطلاقی الطائفتین الأوّلتین هو حمل ظاهر کلّ علی نصّ الآخر،فإنّ کلاّ منهما ظاهر فی التعیین و نصّ فی الجواز، فنحکم بمقتضی نصوصیّة کلّ بجواز الأمرین و نرفع الید عن ظهور کلّ فی التعیین.

ثمّ هذا فی ما قبل التصرّف و أمّا بعده فبمقتضی الطائفة الثالثة یحکم بتعیّن الأرش و ارتفاع التخییر،ثمّ أخبار الأولی و الثالثة معلومة،و أمّا الثانیة فذکر لها ثلاثة أخبار:

الأوّل:ما تقدّم من روایة یونس بناء علی عدم ظهورها فی صورة التصرّف و کون الثیبوبة عیبا.

و الثانی:خبر عمر بن یزید:«قال:کنت أنا و عمر بالمدینة،فباع عمر جرابا هرویّا کلّ ثوب بکذا و کذا،فأخذوه فاقتسموه،فوجدوا ثوبا فیه عیب،فقال لهم عمر:أعطیکم ثمنه الذی بعتکم به،قالوا:لا و لکنّا نأخذ منک قیمة الثوب،فذکر ذلک عمر لأبی عبد اللّه-علیه السلام-فقال:یلزمه ذلک» (1).

بناء علی عدم کون القسمة تصرّفا کما لا یبعد،و رجوع الضمیر فی قوله -علیه السلام-:«یلزمه»إلی البائع،و لا ینافیه أنّ ذلک خلاف مقام التخاطب،فإنّ

ص:315


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 16،من أبواب الخیار،ص 362،ح 1.

مقتضاه الإتیان بکاف الخطاب،لأنّ السائل کان هو البائع،لأنّ الناقل للقضیّة شخص آخر،و لیس هذا بخلاف المتعارف فی مقام نقل شخص عن شخص کما یشهد به ملاحظة أمثاله فی الفارسیّة و بناء علی أن یکون المراد بالقیمة التی طالبها المشتری هو التفاوت فی ما بین الصحیح و المعیب کما هو الظاهر أیضا لعدم احتمال غیره،و یبعد کون الضمیر راجعا إلی المشتری لکونه حسب الفرض جماعة، فکان اللازم أن یقول:یلزمهم ذلک،أعنی:قبول الثمن،مع أنّ المنقول عن نسخة التهذیب«یلزمهم»بضمیر الجمع،فتصیر الروایة حینئذ علی خلاف المشهور القائلین بلزوم الأرش عند مطالبة المشتری قبل التصرّف.

و الحاصل فی الروایة احتمالات:

الأوّل:أن یکون طرفا التردید ثمن الثوب المعیب،أعنی:ما خصّه فی ضمن المجموع و قیمته المراد بها تفاوت القیمة،و قد عرفت عدم مساس الروایة بالمقام علی نسخة التهذیب،و علی الأخری لا أقلّ من الإجمال لو لم نقل بظهور ضمیر الغائب فی الرجوع إلی المشتری فیتّحد مع نسخة التهذیب.

الثانی:أن یکون المراد بالثمن ثمن الجراب المشتمل علی الثیاب و بالقیمة ما قابل الثوب المعیب بخصوصه،فتدلّ الروایة علی عدم جواز الفسخ فی البعض المعیب خاصّة و لا ربط لها بالمقام أیضا.

الثالث:أن یکون المراد بالثمن ما قابله فی المبایعة و بالقیمة قیمته العادلة السوقیّة،و علی هذا أیضا لا ربط لها بما نحن فیه.

الثالث:خبر السکونی:«إنّ علیّا-علیه السلام-قضی فی رجل اشتری من رجل عکّة فیها سمن احتکرها حکرة،فوجد فیها ربّا،فخاصمه إلی علیّ-علیه السلام-فقال له علیّ-علیه السلام-:لک بکیل الرب سمن،فقال له الرجل:إنّما بعته منک حکرة،

ص:316

فقال له علیّ-علیه السلام-:إنّما اشتری منک سمنا و لم یشتر منک ربّا» (1)بناء علی ظهوره فی بیع الشخصی و کون الربّ مخلوطا مع السمن حتّی یعدّ عیبا فیه،فیکون أخذ السمن بکیله من باب الأرش.

و لکن فیه أنّ الظهور فی الشخصی و إن کان حقّا،لکن ظاهر قوله:«لک بکیل الربّ سمنا»أنّ الربّ ممتاز یمکن تعیین کیله،و معه یخرج عن باب العیب إلی تبعّض الصفقة،فتکون الروایة حکما علی خلاف القاعدة،فإنّ مقتضی القاعدة بطلان البیع بالنسبة إلی ما قابل الرب و حدوث الخیار للمشتری بالنسبة إلی البعض الآخر لتبعّض الصفقة.

و علی کلّ حال فلو فرضنا سلامة الروایات الثلاث عن الخدشة فی الدلالة علی الأرش بنحو الإطلاق لأمکن الخدشة فی الجمع العرفی الذی ذکره من حملها مع أخبار الرد علی التخییر،فإنّ هذا ما دام لم یکن فی البین شاهد جمع،و أمّا بعد وجود الخبر المفصّل فیما بین ما قبل التصرّف و ما بعده بالرد فی الأوّل،و الأرش فی الثانی یتعیّن الحمل علی ذلک.

و قد یتشبّث لإثبات التخییر بأنّا لا نحتمل مدخلیّة التصرّف فی ثبوت استحقاق الأرش بل الدخالة کلّها للعیب و هو بعینه موجود فی ما قبل التصرّف، غایة الأمر روعی جانب المشتری،حیث جعل له الرد،لأنّ مصلحته فیه أزید، و حینئذ فلا یعقل المانعیّة فی هذا الجعل الذی وقع لأجل مراعاته،فلو فرض أنّه رضی بترک الرد و لکن لم یرض بالعیب أیضا،فالمقتضی لاستحقاق الأرش موجود و المانع مفقود فلیؤثّر أثره.

و الحاصل ذکر الرد و عدم التعرّض للأرش إنّما هو لأجل أنّ الطباع لا

ص:317


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 7،من أبواب أحکام العیوب،ص 419،ح 3.

یمیلون إلی الأرش ما دام الرد ممکنا،فالأرش إنّما یصار إلیه حیث لا تمکّن من الرد،لا أنّ تشریع الأرش مخصوص بصورة عدم التمکّن،و ذلک لما عرفت من العلم بعدم ثبوت مدخلیّة لغیر العیب فی استحقاق الأرش و عدم تصوّر مانعیّة فی إمکان الرد بالنسبة إلی الأرش،و ذلک لظهور الأدلّة فی کون الرد لرعایة جانب المشتری لا للتضییق علیه،و العجب أنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-قد تشبّث بمثل هذا فی عدم مدخلیّة ظهور العیب فی ثبوت استحقاق الأرش،و لم یذکره بالنسبة إلی التصرّف مع أنّ المقامین من واد واحد،هذا.

ثمّ إنّ المنقول عن شیخ الطائفة أنّه ذهب إلی أنّ أخذ الأرش مشروط بالیأس عن الرد،و ردّه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بمخالفته لإطلاق الأخبار بجواز الأرش.فربّما یتوهّم المتوهم أنّ هذا الکلام مناف لما ذکره-قدّس سرّه-قبل أسطر من أنّ الأرش لم یوجد فی الأخبار ما یدلّ علی التخییر بینه و بین الرد،بل ما دلّ علیه مختصّ بصورة التصرّف المانع من الرد.لکنّ التوهّم فاسد،لأنّ مقصود شیخ الطائفة من الیأس عدم التمکّن و لو بطریق الاستقالة،و هذا المعنی معلوم أنّه یمکن دفعه بإطلاق الأخبار کما هو واضح.

ثمّ إنّ الظاهر من عنوانی الظهور و الوجدان الواقعین فی الأخبار هو الطریقیّة الصرفة،فالخیار ثابت بنفس العقد،و ذلک لظهور نفس التقیید بهما و لو فی مورد کان الحکم تعبّدیا صرفا فی ذلک،فکیف و هو فی المقام إمضاء لما ارتکز فی الأذهان العرفیّة،و الثابت عندهم إنّما هو الخیار بنفس العیب الواقعی مع العقد من دون مدخلیّة لوصفی الظهور و الرؤیة و هذا واضح أیضا.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-ذکر هنا أیضا کما فی خیار الغبن بأنّ الخیار إن أرید به السلطنة الفعلیّة،فمن المعلوم عدم حصوله إلاّ بعد العلم

ص:318

بالصغری و الکبری،و إن أرید به نفس الحقّ الواقعی فهو ثابت مع قطع النظر عن العلم و الجهل،نعم فی الآثار لا بدّ من النظر إلی أدلّتها،فما یظهر من دلیله ترتّبه علی نفس الحقّ الواقعی حکم به قبل الظهور و منه جواز الفسخ الاقتراحی، أو بظن سبب معدوم و منه جواز الإسقاط و ما یظهر من دلیله ترتّبه علی السلطنة الفعلیّة یتوقّف علی حصول العلم،و مثّل له فی خیار الغبن بکون التصرّف مسقطا للخیار،فإنّ دلالته علی الالتزام بالبیع إنّما هو بعد العلم بالموجب للخیار.

و أنت خبیر بأنّ هذا الذی جعله مثالا لا یجری هنا،فإنّ التصرّف هنا غیر مسقط للخیار،بل معیّن لأحد طرفیه من الأرش و مسقط للآخر من غیر فرق بین ما قبل العلم و ما بعده،فلا یعلم هنا مثال لما یکون مترتّبا علی السلطنة الفعلیّة، هذا.

ثمّ إنّه ادّعی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-ثبوت هذا الخیار فی جانب الثمن أیضا،لکن لو ثبت إجماع فهو،و إلاّ فالأخبار قاصرة،لاختصاصها بالمثمن، نعم مقتضی ما ذکرنا من الانصراف و ظهور العقد فی التقیید بوصف الصحّة مع أصالة السلامة مشترک فی المقامین،لکنّ الثابت علی تقدیره خیار عرفی آخر لا ربط له بخیار العیب و إثبات الأرش.

بقی فی المقام شیء و هو أنّه هل یثبت هذا الخیار فی بیع الکلّی أیضا أو أنّه خاص بالشخصی،قال فی الشرائع:إذا اشتری دراهم فی الذمّة بمثلها و وجد ما صار إلیه غیر فضّة قبل التفرّق له المطالبة بالبدل-إلی أن قال:-و إن لم تخرج بالعیب عن الجنسیّة کان مخیّرا بین الردّ و الإمساک بالثمن من غیر أرش له و المطالبة بالبدل قبل التفرّق قطعا و فی ما بعد التفرّق تردّد،انتهی.

و عن العلاّمة فی الإرشاد فی فرض المسألة له الردّ و الإمساک بغیر أرش و البدل و إن تفرّقا.

ص:319

و عن المبسوط و الوسیلة تخییره بعد التفرّق بین الرضی بالبیع و الفسخ و الإبدال.

و عن التذکرة و المختلف أنّه یطالب البدل و لیس له الفسخ إلاّ مع تعذّر الإبدال،و عن المختلف جواز أخذ الأرش أیضا فی مختلف الجنس حتّی بعد التفرّق.

قال فی الجواهر:و هو المفهوم من عبارة القواعد.

و لکن استشکل فی هذا الحکم شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-،و توضیح المقام أنّ الأمر فی الکلّی لا یخلو عن حالین،إمّا نقول بانصرافه إلی الصحیح،و إمّا لا، فإن قلنا بالأوّل کما هو الصحیح،فلا یخلو إمّا نقول بوحدة المطلوب کما هو الصحیح،أو بتعدّده،و علی الثانی إمّا نقول بأنّ هنا مبیعین أحدهما:المطلق، و الثانی:المقیّد،کما فی التعدّد المطلوبی فی باب التکالیف فی مثل:«إذا کان کذا أعتق رقبة»و«إذا کان کذا أعتق رقبة مؤمنة»و إمّا یکون المبیع صرف الوجود و أخذ هو محلاّ للخصوصیة،أعنی:وصف الصحّة،کما هو أحد المحتملین فی الجهر بالقراءة،و علی جمیع هذه التقادیر لا یصحّ القول بثبوت الأمور المذکورة من الردّ و الإمساک و الإبدال و الأرش.

أمّا علی الانصراف و وحدة المطلوب کما هو الصحیح،فلأنّ الفرد المدفوع لم یصیر ملکا للمشتری،لأنّه غیر فرد للمبیع لوضوح أنّ الإنسان الأبیض غیر مصداق للإنسان الأسود،فلا فرق فی المغایرة و الأجنبیّة مع المبیع بین دفع ما لیس بجنس کالخشب فی بیع الحنطة،و بین دفع فاقد الوصف،و إن کان بینهما فرق فی الشخصی،و لهذا کان له الإغماض عن فقدان الوصف فی فاقده و اتّخاذه مبیعا،لأنّه وقع علیه البیع.

ص:320

و بعبارة أخری و إن کان قد باع هذا الموصوف فتخلّف الوصف،لکن لم یتخلّف الإشارة،و هی أیضا و إن کانت متقیّدة بالدقّة فیکون متخلّفة و لکن بنظر العرف غیر متخلّفة،و یکون البیع لهذا الموصوف کالضرب له.

و بالجملة یمکن فی الشخصی دعوی المبیعیّة فی الفاقد،و أمّا فی الکلّی،فلا سبیل إلی ذلک،فإنّ العرف یفهم أنّ المبیع إذا کان کلّی الحنطة الحمراء مثلا، فلیس دفع الصفراء وفاء بالبیع أصلا،و علی هذا فالمتعیّن هو الإبدال لا غیر من دون حقّ فی الفسخ و الأرش و الإمساک بغیر أرش.

و أمّا علی الانصراف و تعدّد المطلوب بالنحو الأوّل فاللازم قبول المدفوع و بقاء فرد صحیح فی ذمة البائع مصداقا للمبیع المقیّد،فلیس له الإبدال حینئذ أیضا و یتعیّن الإمساک بغیر أرش،نعم له المطالبة بفرد آخر صحیح.

و أمّا علی تعدّد المطلوب بالنحو الثانی،فلیس له الإبدال أیضا،لأنّ هذا مصداق لصرف الوجود فیجوز له الإمساک و الإغماض عن فقدان الصفة،و یجوز له فسخ أصل المعاملة،لأنّ هذا یرجع إلی اشتراط وجود الصفة فی الصرف الذی یملکه خارجا،و قد فرض تخلّفه،فالثابت له خیار تخلّف الشرط لا العیب،فلیس له الأرش کما لیس له الإبدال،نعم هنا کلام فی أنّ له أن یسلب عنوان الوفائیّة عن هذا المدفوع نظیر ما یقال فی تبدیل الامتثال فی ما إذا کان المطلوب صرف الوجود.

و أمّا علی منع الانصراف صحّت الإمساک و لا وجه للرد،نعم إلاّ أن یقال بأنّ الأخبار شاملة لمثل هذه العین الشخصیّة التی هی صارت مبیعة بالعرض، لانطباق الکلیّ المبیع علیها،فیصدق أنّ هذا مبیع و هو معیب،فیجری فیه الخیار بین الردّ و الإمساک بغیر أرش و الأرش،لکن علی کلّ حال لا یبقی مجال للإبدال لأنه فرع عدم المصداقیّة للکلّی،و المفروض أنّ المعیب مصداق لعدم انصراف

ص:321

الکلّی إلی الصحیح،هذا.

القول فی مسقطات هذا الخیار بطرفیه أو أحدهما

مسألة:یسقط الرد خاصّة بأمور:
أحدها:التصریح بالتزام العقد و إسقاط

الردّ

و اختیار الأرش،فإنّ الظاهر جواز هذا التفکیک له،فإنّ حقّه یرجع إلی حقّین فیجوز له إسقاط أحدهما و إبقاء الآخر،و لا یضرّ کونهما علی وجه التبادل له،فإنّه نظیر الأیدی المتعاقبة لو أبرأ بالنسبة إلی ید واحدة،یعنی:أسقط إضافة حقّه إلی تلک العهدة فإنّ هذا جائز له.

الثانی من مسقطات الردّ:التصرّف فی المعیب

اعلم أنّ الموجود فی الباب صحیحة ظاهرة فی تعلیق حکم سقوط الرد و مضیّ البیع علی عنوان إحداث شیء فی المعیب،و مرسلة معلّقة للحکم علی عدم قیام الشیء بعینه،فإمّا لا بدّ من التصرّف فی ظهور الأوّل بإلغاء حیث الإضافة و الإسناد إلی المشتری و جعل المعیار مجرّد حدوث شیء مع التقیید بکونه مغیّرا،و إمّا من التصرّف فی ظهور الثانی بجعله کنایة عن التصرّف،و لکن لا داعی إلی هذین،بل اللازم الأخذ بظاهر کلّ منهما.

فالظاهر من الثانی:أنّ التغیّر و إن حدث من فعل أجنبیّ،بل و إن لم یحدث من قبل أحد کالموت-حیث إنّه أعظم أفراد عدم القیام بالعین-موجب لسقوط الردّ.

و أمّا الخبر الأوّل:فإمّا ظاهر-بقرینة الخبر الوارد فی خیار الحیوان المعبّر فیه أیضا بإحداث الحدث مع تفسیره بمثل النظر و اللمس للجاریة معلّلا بأنّه رضی بالبیع-فی خصوص ما کان من التصرّفات کاشفة عن الرضی بالبیع،و إمّا مجمل، و یفهم التعدّی من ذلک الخبر الوارد فی خیار الحیوان،فإنّ ظاهر ذلک الخبر-بعد

ص:322

إرادة التنزیل فی قوله«رضی بالبیع»و بعد إرادة الکشف عن الالتزام فی مقابل الفسخ،فإنّه فرع الالتفات إلی وجود الخیار المفقود بحسب الغالب-إرادة کون التصرّف کاشفا عن عدم إرادة صاحبه لردّ المبیع و لو بتخیّل أنّه لا یجوز له الردّ مع عدم حضور نفسه للاستقالة أیضا،فإنّه لیس التزاما بالعقد و إسقاطا لحقّ الخیار، و لکنّه جعل هذا المعنی فی الخبر تعبّدا مسقطا للخیار.

فنقول:یستفاد من مجموع الخبرین أو الأخبار الثلاثة أنّ فی الباب مسقطین، أحدهما مطلق التغیّر،و الثانی مطلق الکاشف عن استمساک المعیب و عدم خیال ردّه،و لو مثل ابتیاع السرج الغالی القیمة،أو بناء الطویلة للفرس.

لا یقال:مقتضی قوله-علیه السلام-فی المرسلة:«إن کان قائماً بعینه ردّه»أنّه یجوز الردّ و لو حصل التصرّف الکاشف.

لأنّا نقول:لا یخلو الحال،إمّا نقول بأنّ هذه قضیّة حیثیة ناظرة إلی أنّه لا مانع من هذا الحیث مع قطع النظر عن الحیثیّات الأخر،ألا تری أنّه لا یفهم منه جواز الردّ و لو مع سبق الإسقاط،فالحاصل لا نظر له إلی أنّ هنا شیئا آخر مسقطا أو لا،فلا ینافیه وجود مسقط آخر.

أو نقول:إنّه قضیّة فعلیّة ینافیه وجود المسقط الآخر،فمقتضاه أنّه لیس شیء فی البین سوی التغیّر،و أنّه لو لم یکن فلا مسقط للردّ،فحینئذ یتحقّق التنافی علی وجه التباین فی ما بین مضمونی الصحیحة و المرسلة،و لا یمکن القول بأنّ النسبة بینهما عموم من وجه بملاحظة توافقهما فی مادّة الافتراق،أعنی:ما إذا کان إحداث الشیء و لم یکن القیام بالعین،و ما إذا کان القیام بالعین و لم یکن إحداث الحدث،فیتعارضان فی مورد الاجتماع،أعنی:صورة القیام بالعین مع إحداث الحدث،و ذلک لأنّ المضمونین متباینان،یعنی:أنّ مفاد المرسلة کون المناطیّة

ص:323

و المداریّة للقیام بالعین و عدمه،فمع عدمه یکون سقوط الردّ معلولا له لا للإحداث و مقتضی الصحیحة أنّه للإحداث.

لا یقال:ما الفرق بین المقام و بین قضیتی«إذا خفی الجدران فقصّر» و«إذا خفی الأذان فقصّر»؟ لأنّا نقول:لو أخذنا ظهور المنطوق فی حصر السبب لتحقّق التنافی کما قلنا، و لکن المسهّل للخطب هناک أنّه لا ظهور قوی فی السببیّة،فیرفع الید عنه،فیکون المعنی أصل تحقّق السببیّة لکلّ من الأمرین،أعنی:خفاء الأذان و خفاء الجدران، فکأنّه قلنا:هذا سبب و هذا أیضا سبب،و من المعلوم عدم التنافی بینهما،و أمّا فی المقام فالمفروض ظهور القضیّة و لو بالإطلاق لصورة الأحداث فی أنّه لیس هنا مسقط آخر غیر عدم القیام بالعین،فالجواز مع القیام ثابت مطلقا و مع عدم القیام منفیّ لأجله،فمفاد الحصر الذی ألغیناه هناک صار هنا مستفادا ببرکة الإطلاق،و من المعلوم التنافی بین مضمون«أنّ المناط هو عدم القیام فقط» و مضمون«أنّ الإحداث أیضا مناط».

فعلی هذا لا بدّ من معاملة الخاصّین المتباینین مع الصحیحة و المرسلة، و الرجوع بعد تساقطهما إلی ذلک الخبر العام الوارد فی الحیوان الشامل لخیار العیب و غیره.

و لکن حیث عرفت أنّ القضیّة واردة فی مقام الحکم الحیثی-و لهذا لا منافاة فیها مع مسقطیّة الإسقاط-فیکون هنا عنوانان للإسقاط،أحدهما:مطلق الکاشف عن الرضی بالبیع و لو مبنیّا علی خیال عدم الحقّ فی الرد و لو لم یکن تصرّفا کما مرّ من مثال شراء السرج للدابّة،و الثانی:مطلق تغیّر العین و لو لم یرجع إلی التصرّف أیضا کما لو أوقع الریح الثوب فی مکان فصبغه،و علی هذا یسهل

ص:324

الأمر فی مثل التصرّفات المخرجة عن الملک سواء بالنقل اللازم أو الجائز أم العتق أم الوقف،فإنّ صاحبها راض بالمعاملة و غیر قاصد للردّ و النقض،بل و کذا مثل الوصیة و التدبیر.

نعم یبقی الإشکال علی مثل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حیث جعل التصرّف الکاشف عن الرضی بالمعاملة،بمعنی إسقاط حقّ الخیار الذی هو فی مقابل الفسخ عنوانا للإسقاط،فإنّ هذا المعنی لا یصدق مع فرض وقوع الناقل قبل الاطّلاع بالخیار،و المفروض عدم صدق العنوان الآخر أعنی:عدم البقاء بعینه،فإنّ المبیع بعد الفسخ یکون باقیا علی حاله.نعم لو أوقع النقل اللازم فلا یبقی تخییره بین الرد و الأرش،من حیث إنّ الفسخ قضیّته رجوع العین بعین الملکیّة السابقة و هو غیر اختیاری للفاسخ،لفرض لزوم العقد،اللّهمّ إلاّ أن یقطع بحضور صاحبه للإقالة لو استقاله.

ثمّ إنّه یبقی الکلام علی کلا المذاقین فی مثل التلف السماوی،حیث إنّه یمکن الخدشة فی انطباق کلا العنوانین علیه،أمّا عدم انطباق عنوان الکاشف بکلا المعنیین فواضح،و أمّا عنوان عدم البقاء بعینه،فلأنّ المفروض فی الروایة هو الفراغ عن وجود العین،فإنّ العین التی فرض وجودها قد فصل بین حالتیها،نظیر التفصیل بین حالتی قیام و عدم قیام زید المفروغ وجوده حیث إنّه ساکت عن حکم حال عدم أصل زید،فکذا فی المقام.

و دعوی مفهومیّة حال التلف و أنّه إذا کان تغیّر الأوصاف مع محفوظیّة الذات موجبا للسقوط فتلف أصل الذات بطریق أولی،مدفوعة بأنّه إن أرید انفهام ذلک من اللفظ من قبیل انفهام حرمة الضرب و الشتم من آیة فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ .

ص:325

ففیه أنّ مورد الفحوی التی هی قسم من الدلالات اللفظیّة ما إذا کان سوق الکلام لأجل إفادته،و أین هذا من مثل المقام الذی یمکن فیه عدم خطور التلف بذهن المتخاطبین.

و إن أرید أنّه و إن لم یفهم من اللفظ و لکن یفهم بالطریق الأولی و بقیاس الأولویّة،ففیه منع دعوی هذا القطع فضلا عن الأولویّة،و بعد إمکان الفرق بین المقامین،و أنّ الشارع حکم بالرجوع إلی البدل مع التلف،یکون المرجع استصحاب بقاء الخیار الذی کان موضوعه العقد،و هو موجود فی حالتی وجود العین و عدمه علی ما یظهر من العلماء-رضوان اللّه علیهم-،هذا.

و أمّا وطی الجاریة،فیمکن أن یقال حسب القاعدة بکونه مسقطا،لأنّه ینطبق علیه کلا العنوانین،لکونه کاشفا عن الرضی بالبیان المتقدّم،و موجب لتغیّر الأمة،فإنّ الأمة الغیر الموطوءة تکون أصغی بنظر صاحبها الأولی منها فی ما بعد وطی المشتری لها،فیعرضها بهذا الوطی حالة النفرة،هذا مضافا إلی الأخبار الخاصة الواردة بمسقطیّة الوطی للرد.

و لکن هل الوطی مسقط تعبّدی فی عرض ذینک العنوانین،أو لیس عنوانا مستقلا؟و یظهر الثمر لو قلنا بعدم حصول التغیّر بذلک و إن کان خلاف التحقیق مع وقوع الوطی بوجه الاشتباه الغیر الکاشف عن الرضی،فعلی التعبّد به یسقط الرد لصدق الوطی،و ندرة الوجود لا یوجب الانصراف،و علی العدم لا یسقط،لکنّ الظاهر عدم کونه مسقطا برأسه،و لا أقلّ من الشکّ،فیبقی أصالة جواز الرد قبله بحالها.

و یبقی الکلام فی أمرین،الأوّل:أنّه ورد فی أخبار مانعیّة الوطی التعبیر بأنّه «معاذ اللّه أن یجعل لها أجر»فهل المراد بهذا ماذا؟قال شیخنا المرتضی-قدّس

ص:326

سرّه الشریف-:ما یظهر لی عاجلا أنّه صدر هذا عن الإمام-علیه السلام-علی سبیل المماشاة للمخالفین المستنکرین لإجارة الفروج و الرد،حیث إنّه ملازم لدفع مقدار من المال بملاحظة الوطی بعنوان أرش الجنایة الذی هو جزء من قیمتها و هو فی الصورة مشابه للأجرة علی الفرج،و هو أمر مستنکر،فتکون الاستعاذة لأجل هذا الأمر المستنکر بنظر الخصم مماشاة و تقیّة.

و لکن یبعده أنّه إذا کان أصل الحکم الواقعی موافقا لمذهبهم لا داعی إلی إعمال التقیّة فی إقامة الوجه له علی وفق مذهبهم،و الحاصل إظهار الموافقة مع عدم ما یوجب التقیّة بعید غایته.

و أمّا التوجیه بأنّه لما یکون هذا استیفاء فی الملک فاستعاذ-علیه السلام-أن یجعل بإزائه شیئا و غرامة،و المعاملة معه معاملة الوطی لجاریة الغیر بشبهة،فیبعده وقوع مثله فی عیب الحبل من غیر المولی کما یأتی،مع أنّه لا یصلح وجها لتعیّن الأرش و عدم الرد،إذ اللازم هو الرد بلا شیء بإزاء الوطی،و لعلّ الأظهر أنّه فی قبال بعض العامّة القائلین بالردّ مع ردّ مهر المثل،فالاستعاذة من القول بما قاله هذا البعض علی حسب رأیه،و قیاسه،و أنّ الواجب هو القول بتعیّن الأرش.

و کیف کان بقی الأمر الثانی،و هو أنّه ورد فی الأخبار و کلمات الأصحاب -رضوان اللّه علیهم-استثناء عیب الحبل عن هذا الحکم أعنی:أنّه لو ظهرت الأمة بعد وطئها معیبة بعیب الحبل من غیر المولی،لا یمنع هذا الوطی عن ردّها و یردّ معها العقر،و أمّا الحبل من المولی علی وجه کانت أمّ ولد،فالبیع معه باطل، وطی أم لم یطئ،و لکن خالف فی ذلک جماعة فألحقوا الحبل بغیره فی مانعیّة الوطی عن الرد بسببه کسائر العیوب،و منشأ الاختلاف الأنظار فی معنی الأخبار الواردة فی الباب،فحملها المشهور علی الحبل من غیر المولی،و الرد علی الرد فی

ص:327

الملک،و هیئة قوله-علیه السلام-:«ترد»علی الجواز،بملاحظة سبق الحظر،یعنی:أنّ هذا العیب غیر سائر العیوب،فترد معه الجاریة بعد الوطی و إن کان ممنوعا فی غیره،و حملها الجماعة علی الحبل من المولی و أنّ الرد هو الرد إلی المالک و الهیئة علی ظاهرها من الوجوب.

و لا بدّ من الکلام أوّلا:فی ظاهر نفس هذه الأخبار مع قطع النظر عن المعارضة مع ما یخالفها من الظواهر الأخر و أنّه یقتضی ما ذکره أیّ الطائفتین.

و ثانیا:فی ما یقتضیه الجمع العرفی بینها و بین ما بقبالها من مطلقات مانعیّة الوطی عن الرد بالعیب من غیر تفصیل بین عیب دون عیب و غیرها لو کان،فإنّ النسبة و لو کان بالإطلاق و التقیید لکن ربّما یتعیّن التصرّف فی المقیّد بحمله علی خلاف ظاهره لئلاّ ینافی المطلق،کما لو ورد أکرم العلماء و ورد لا تکرم زیدا،و تردّد بین العالم و الجاهل،و کان له ظهور فی الجملة فی زید العالم،فإنّه ربّما یرفع الید عن هذا الظهور حفظا للعموم،و به یرفع الإجمال عن الخاص و یحمل علی زید الجاهل.

أمّا الکلام فی الجهة الأولی:فاعلم أنّ الاحتمالات المتصوّرة فی هذه الأخبار بین ثلاثة لا رابع لها.

الأوّل:أن یراد بالهیئة الأعمّ من الجواز و اللزوم،و من الردّ الأعمّ من ردّ المال إلی مالکه کما فی بیع أمّ الولد،أو إلی الملک کما فی الرد بالعیب و من الحبل الأعمّ من حصوله من المولی أو من غیره.

و الثانی:التقیید للحبل بکونه من المولی و حمل الهیئة علی ظاهرها من الوجوب،و الرد علی الرد إلی المالک.

ص:328

و الثالث:التقیید بکونه من غیر المولی مع حمل الهیئة علی الجواز،لأنّ المقام مقام الحظر،یعنی أنّ الوطی غیر مانع فی هذا المقام و إن کان کذلک فی غیره.

ثمّ لو کنّا و هذه الأخبار أمکن دعوی ظهورها فی حدّ نفسها فی المعنی الأخیر،فإنّه سالم عن المخالفة للظاهر فی الأوّلین،أمّا الأوّل فلأنّه خلاف ظاهر الهیئة حیث إنّه الوجوب و لا یکفی المسبوقیّة بالحظر بالنسبة إلی بعض الأفراد، و أیضا خلاف ظاهر الرد،فإنّه یمکن دعوی ظهوره فی الرد إلی الملک الذی هو فی البیوع الخیاریّة،دون الرد الثابت فی البیوع الباطلة و الأموال المسروقة،مضافا إلی قضیّة وحدة السیاق فی بعض الأخبار حیث أردفه مع الرد فی بیع الأمة الغیر الحبلی إذا ظهر فیها عیب آخر و خصوصا مع أنّه لا یختص الحکم بالبطلان فی بیع أمّ الولد بصورة الوطی،و لا وجه لتوهّمه،و بعد بعد هذا المعنی یدور الأمر بین أحد التقییدین الآخرین حتّی یکون مفادها علی أحدهما بطلان بیع أمّ الولد و علی الآخر جواز الرد بالعیب فی الأمة الحبلی غیر أمّ الولد.

و الإنصاف أنّ قرینة وحدة السیاق مانعة عن الحمل علی الأوّل مضافا إلی ظهور الرد فی حدّ نفسه فی الرد بعنوان الفسخ،فالأخبار فی حدّ نفسها ظاهرة فی ما ذکره المشهور کما اعترف به شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أیضا،غایة الأمر عارضة مع ظواهر أخر.

أمّا الکلام فی الجهة الثانیة أعنی:معارضتها مع أخبار مانعیّة الوطی فالأمر و إن کان دائرا بین تقیّد تلک بغیر عیب الحبل أو تقیید هذه بحبل الأمة من المولی حتّی لا یرتبط بالمقام،لکن یمکن ادّعاء أظهریّة هذه الأخبار و لزوم التصرّف فی تلک من وجهین.

الأوّل:أن یقال:إنّ کلمة العیب لا تشمل مثل الحبل لأنّه لیس بعیب،

ص:329

و إنّما أجمعوا علی عیبیّته لأجل أنّ الأخبار جعلته بحکمه و أدرجته فی سلکه،و لو لا ذلک لما فهمنا دخوله فی تلک الأخبار.

الثانی:إنّا سلّمنا ظهورها لکنّ الظهور القابل للإنکار لا یقاوم ظهور أخبار الباب التی عرفت قوّتها بملاحظة وحدة السیاق و غیرها.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أیضا اعترف بظهور الأخبار فی ما قلنا، إلاّ أنّه-قدّس سرّه-عارضة بظهورات أخر.

منها:لزوم أحد التصرّفین بناء علی مذهب المشهور إمّا حمل الحبل علی ظاهره من الإطلاق و الهیئة علی الأعم من الوجوب و هو خلاف الظاهر،و إمّا تقیید الحمل بحبل غیر المولی فتکون الهیئة واردة فی مقام الحظر و لیست ظاهرة فی الوجوب،و لکن فیه أنّ هذا المحذور یلزم علی مذهب الجماعة أیضا لأنّهم أیضا یقیّدون الحبل بکونه من المولی.

و منها:مخالفة لزوم العقر علی المشتری لقاعدة عدم العقر فی وطی الملک، و فیه أنّه لیس لنا عموم لفظی دالّ علی انتفاء العقر فی وطی الملک،نعم الثابت إنّما هو عدم لزوم الأجرة بإزاء الاستیفاء لمنافع الملک،و أمّا عدم لزوم الشیء أصلا حتّی بعنوان الجبران للعار اللازم علی البائع فی مثل المقام فلیس الدلیل علیه إلاّ الأصل و هو مورود بورود الدلیل الاجتهادی.

و منها:ظهور قوله فی مرسلة ابن أبی عمیر:«رجل باع جاریة حبلی و هو لا یعلم» (1)فی کون السؤال عن بیع أمّ الولد و إلاّ لما کان لذکر القید فائدة،و فیه أنّ من الممکن کونه محتملا أنّ الجهل یمنع عن ردّ المشتری للجاریة لعدم تقصیر البائع.

ص:330


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب أحکام العیوب،ص 417،ح 8 و 9.

ثمّ قال-قدّس سرّه-:و غایة الأمر تعارض هذه الأخبار مع ما دلّ علی مانعیّة الوطی للردّ بالعموم من وجه،فتبقی هذه الوجوه مرجّحا لتقیید هذه الأخبار،و لو فرض التکافؤ بین جمیع ما تقدّم و بین إطلاق الحمل فی هذه الأخبار أو ظهور اختصاصه بما لم یکن من المولی وجب الرجوع إلی عموم ما دلّ علی أنّ إحداث الحدث مسقط لکونه رضی بالبیع.

و مقصوده-قدّس سرّه-جعل هذا الخبر مرجعا مع الإغماض عن مختاره فی السابق من تخصیصه التصرّف بما کان بعد العلم أو کان مغیّرا،و البناء علی مسقطیّة مطلق التصرّف سواء کان قبل العلم أم بعده،مغیّرا أم لا،کاشفا عن الرضی أم لا؟کما أنّه بناء علی مختاره من التخصیص یکون المرجع بعد التکافؤ عموم ما دلّ علی جواز الرد مع بقاء العین بناء علی عدم تغییر الوطی للعین کما ذکره-قدّس سرّه-،و قد أشار إلی مرجعیّة هذا علی مختاره بقوله:و یمکن الرجوع إلی ما دلّ علی جواز الردّ مع قیام العین.

فإن قلت:کیف یکون ما دلّ علی کون مطلق التصرّف مسقطا مرجعا و الحال أنّه أیضا کالخبر الدالّ علی کون الوطی مانعا،نسبته مع هذه الأخبار عموم من وجه،لأنّ موردهما البیع الصحیح،و هذه الأخبار أعمّ من الصحیح کما فی صورة الحمل من غیر المولی أو المولی مع عدم صیرورة الجاریة أمّ ولد،و من الفاسد کما فی صورة کونها أمّ ولد و شأن المرجع أن یکون عامّا مطلقا؟ قلت:یمکن الجواب بأنّ وجه تقدیم الخاص المطلق علی العام کذلک لیس إلاّ من جهة أقوائیّة ظهور الخاص،فلو فرض أنّ الأقوائیّة حصلت بین العامّین من وجه وجب المعاملة معهما معاملة الخاص و العام المطلقین،و ذلک لأنّ أحد العامّین من وجه لو کان أضیق دائرة و الآخر أوسعها،فلا شک أنّه قد یصیر

ص:331

الأضیق أظهر من الأوسع،و منه المقام،فإنّه لا شبهة لأحد ظاهرا فی عدم الدغدغة فی تقدیم هذه الأخبار المجوّزة للرد بالحبل مع التصرّف الوطئی علی ذلک العموم الوسیع الدالّ علی مانعیّة کلّی التصرّف فی کلّی المبیع،و لازم هذا أنّه إذا صارت هذه الأخبار معارضة بأخبار أخر فی عرضها أعنی:أخبار مانعیّة الوطی عن الرد بالعیب صلح هذا العموم للمرجعیّة.هذا.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-بعد الغضّ عن هذا العموم و الخدشة فیه و کذا فی ما دلّ علی جواز الرد مع قیام العین قال:وجب الرجوع إلی أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطی لکن یبقی لزوم العقر ممّا لا دلیل علیه إلاّ الإجماع المرکّب و عدم الفصل بین الرد و العقر فافهم،انتهی.

و یمکن أن یشیر بقوله:«فافهم»إلی أنّه إنّما تضرّ هذه الملازمة الثابتة بین الرد و العقر بالإجماع إذا ثبتت فی الأعمّ من الظاهر و الواقع،و أمّا إذا ثبتت فی خصوص الواقع فیمکن التفکیک فی مرحلة الظاهر بمقتضی أصالة الرد و أصالة عدم العقر.

اللّهم إلاّ أن یقال:و إن کان لم تثبت الملازمة فی الأعمّ لکنّ العمل بالأصلین یوجب المخالفة القطعیّة العملیّة للعلم الإجمالی الحاصل بأنّه إمّا یکون الثمن بتمامه ملکا للبائع فالتصرّف فیه حرام علی المشتری،و إمّا یکون مقدار العقر ثابتا فی ذمّة المشتری للبائع فعدم دفعه و التصرّف فی الثمن مخالفة عملیّة لهذا العلم.

بقی هنا فرعان:الأوّل:بناء علی مذهب المشهور لو انضمّ إلی الحبل عیب آخر،فهل الوطی مانع أو لا؟قد یتمسّک للثانی بإطلاق الأخبار،فإنّها شاملة لما إذا اجتمع عیب الحبل مع عیب آخر فیکون بجمیع أفراده خارجا عن عموم أخبار

ص:332

مانعیّة الوطی عن الرد بکلّ عیب،و لکن الظاهر أنّ الأخبار لا نظر لها إلی حالة الاجتماع،و إنّما یتعرّض بحیث الحبل.

و حینئذ نقول:العیب الآخر مقتض للرد حسب ظاهر الأخبار و الوطی مانع بالنسبة إلیه،و أمّا الحبل فمقتض بلا مانع،و مقتضی القاعدة فی مثله أن یکون المقتضی بلا مانع مؤثّرا أثره،فیکون مقتضاها جواز الرد،فیکون جواز الرد قبل الوطی مستندا إلی سببین و بعده إلی خصوص الحبل،و ینقطع فی مرحلة البقاء استناده إلی العیب الآخر،فحال الرافع فی الأثناء حال المانع من الابتداء.

الثانی:هل الأخبار تشمل صورة وقوع الوطی عالما بحصول الحبل أو خاصّة بصورة وقوعه جاهلا به؟قد یقال بالثانی،لأنّ الأخبار بین طائفتین:ما صرّح فیه بقید وقوعه قبل العلم،و ما لم یذکر فیه ذلک،أمّا الأولی فواضحة،و أمّا الثانیة فیمکن أن یقال:إنّ مفروض الکلام صورة الجهل من الابتداء،و إلاّ فلو کان عالما و أقدم علی الشراء لم یتوهّم کونه ذا خیار،فالمفروغ عنه فی ما بین المتخاطبین کون المشتری جاهلا بعیب الحبل،و حینئذ فیصیر الکلام فی قوّة أن یقال:لو اشتری الجاریة الحبلی جاهلا بحبلولیّتها فوطئها،فإنّ ظاهر هذا الکلام کون الوطی حال الجهل.

الثالث من المسقطات تلف العین
الرابع من المسقطات:حدوث عیب عند المشتری،

و تفصیل ذلک أنّه إذا حدث العیب بعد العقد فإمّا أن یحدث قبل القبض أو بعده فی زمن الخیار الذی یکون المبیع فی ضمان البائع أعنی خیار المجلس و الحیوان و الشرط،و إمّا أن یحدث بعد القبض و بعد مضیّ الخیار.

فإن حدث قبل القبض أو فی زمن الخیار المذکور قالوا-رضوان اللّه علیهم-:إنّه فی حکم العیب الذی کان قبل العقد فی أنّه موجب للخیار بل و الأرش،و لازم ما ذکر أن لا یکون مسقطا،لأنّ مثبت الشیء لا یکون رافعا له،

ص:333

و أمّا الدلیل علی أصل ما قالوا من إیجابه الخیار و الأرش فلیس إلاّ ما ورد من أنّ التلف فی ما قبل القبض من مال البائع،أو التلف أو الحدث فی زمن الخیار ممّن لا خیار له،بناء علی شمول التلف لتلف الأوصاف،لکن فی الاستدلال نظر،إذ فی المضمون المذکور احتمالان:

الأوّل:أن یکون المراد أنّه یحکم بعد التلف بأنّه تالف من مال البائع قبل العقد فیعامل معه معاملة التالف عن ملکه کذلک،فإن کان عینا فاللازم معاملة المعاملة الواقعة علی العین التالفة من البطلان و عدم الانعقاد رأسا،و إن کان وصفا راجعا إلی الصحّة،فاللازم المعاملة کما لو وقع العقد علی العین المعیبة من ثبوت الرد أو الأرش.

و الاحتمال الآخر:أن یکون المراد إثبات التلف علیه فی الحال إمّا حقیقة و إمّا تنزیلا،فلازمه فی تلف العین أن یعود الثمن إلی ملک المشتری،لأنّه لا یستقرّ ملک البدل مع عود المبدل،و أمّا فی فوات الوصف فحیث لم یقع بإزائه شیء فی المعاوضة فلا وجه لرجوع شیء من الثمن إلی المشتری.نعم حیث حکم بأنّ هذا التلف و الخسارة الحاصلة من قبل فوات الوصف یکون من مال البائع إمّا حقیقة و آنا ما قبل التلف،و إمّا تنزیلا فاللازم من ورود التلف و الخسارة علیه أن یملک المشتری من مال البائع ما یوازی ذلک الوصف الفائت و یبذل بلحاظه من القیمة الواقعیّة،فلا دلالة فیه علی الأرش و لا علی ثبوت الرد.

و أمّا الاحتمال الأوّل فهو و إن کان وافیا بالمطلوب،لکنّ اللازم منه ترتیب أثر الانفساخ من الأصل فی تلف العین کما عرفت.

و الحاصل:بعد الغضّ عن أنّ قوله صلی اللّه علیه و آله و سلم:«کلّ مبیع تلف قبل قبضه،فهو من مال بائعه» (1)مختص بتلف العین کلاّ أو بعضا و لا یشمل فوات الوصف

ص:334


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 9،من أبواب الخیار،ص 303،ح 1.

و تسلیم أنّه شامل للأخیر أیضا،تارة یقال:إنّ المعنی أنّ نفس المبیع یصیر من جزء أموال البائع إذا حدث فیه تلف عین أو نقص صفة إمّا بلحاظ الحال أو بلحاظ الماضی،و لازمه الانفساخ من الحین أو من السابق فلا ربط له بالمقصود.

و أخری یقال:إنّ الضمیر لا یرجع إلی نفس المبیع بل إلی التالف فکأنّه قیل:التالف أو الفائت یتلف و یفوت من مال البائع،و هذا تارة بلحاظ الحال فیستکشف الانتقال إلی البائع آنا ما قبل التلف و لازمه الغرامة للعوض الواقعی، فی فوات الوصف،و أخری بلحاظ الماضی،و لازمه فیه و إن کان هو التخییر بین الرد و الأرش لکن فی تلف العین رجوع النماءات إلی البائع أیضا و لا یلتزمون به.

و ثالثة یقال:الضمیر راجع إلی التالف أعمّ من العین و الوصف،لکنّ المراد أنّ العین و الصفة و إن انتقلتا بالعقد حقیقة إلی ملک المشتری و لکن بقیتا من الابتداء علی ملک البائع من هذا الحیث تنزیلا،فهما ملک تنزیلی من هذه الجهة، أعنی:من جهة کون التلف واردا فی ملکه للبائع و ملک حقیقی للمشتری،فاللازم حینئذ أن یعامل مع فوات الوصف معاملة ما إذا فات قبل الانتقال الحقیقی إلی المشتری و هو التخییر بین الردّ و الأرش،هذا.

و لکنّ الإنصاف عدم إمکان الجزم بشمول التلف لفوات الوصف،بل یمکن دعوی ظهوره فی تلف العین بعضا أو کلاّ،هذا فی ما قبل القبض،نعم بالنسبة إلی ما قبل انقضاء الخیار یمکن التمسّک بما ورد فی بعض الأخبار من عطف قوله:«أو یحدث فیه حدث»علی قوله:«یموت»فیقال:إنّه یشمل الحدیث مثل نقصان الصفة،لکنّ المذکور فی جانب الحکم إنّما هو ثبوت ضمان ذلک علی البائع،و الظاهر المتبادر منه إنّما هو القیمة السوقیّة من دون ملاحظة نسبته إلی خصوص ثمن المسمّی و أیضا لا مدخلیّة له بالرد.

ص:335

فیبقی القول بکون العیب فی الزمانین ملحقا بالعیب الحادث قبل العقد فی إیراث الأثرین بلا شاهد فی الأخبار،نعم حکی علیه الإجماع.

نعم یمکن فی خصوص زمن الخیار أن یقال بالأرش المصطلح بملاحظة أنّ المسؤول عنه بقول السائل:«علی من ضمان ذلک»هو نحو واحد فی المشتری و البائع،و لا إشکال أنّ الذی یتصوّر من الضمان فی حقّ المشتری أن یکون الثمن الذی أعطاه بملاحظة هذا الوصف الفائت ذاهبا من کیسه،و لا یستحقّ استرجاعه من البائع،فیکون معنی ضمان البائع بهذه القرینة أیضا استحقاقه لذلک،و کون هذا المقدار ذاهبا من کیس البائع،و مقتضی هذا و إن کان رجوع عین مقدار من الثمن،لکن یمکن أن یجعل کون تمام الثمن بإزاء الموصوف لا بإزائه مع الوصف قرینة علی ثبوت مقدار ما یوازیه،و لو لم یکن من عین الثمن، لئلاّ یلزم جمع البدل و المبدل فی ملک واحد.

و علی هذا فالضمان للأرش فی خصوص العیب الحادث فی زمن الخیار یمکن إثباته و أمّا الرد فلا دلیل علیه.

و أمّا مسألة عدم مانعیّته عن الرد بالعیب القدیم و لو قلنا بکونه مقتضیا و کون التغیّر مسقطا،فلأجل انصراف الدلیل علی حسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف إلی التغیّرات التی تکون علی عهدة المشتری،فإنّه للبائع أن یقول:قد دفعت إلیک عینا صحیحة و أنت تردّ إلیّ واجدة لعیب کذا.

و أمّا إذا کان نفس العیب علی عهدة البائع و علیه غرامته فلیس له هذا اللسان کما إذا کان بفعله،فإذا کان الدلیل منصرفا إلی صورة عدم الضمان علی البائع یبقی صورة الضمان علیه داخلا تحت إطلاق جواز الرد بالعیب القدیم، و یکون حکم الشارع بالضمان تشخیصا لصغری ما انصرف الدلیل عنه.

ص:336

و من هنا یمکن أن یوجّه کلام المحقّق و شیخه ابن نما علی وجه لا یرد علیهما إشکال الشهید و لا الشیخ المرتضی و لا صاحب الجواهر،بأن یقال:إنّ من المسلّم فی ما بینهما أنّ العیب المضمون علی البائع منصرف عنه دلیل اشتراط قیام العین، لکنّ الاختلاف بینهما فی الصغری من جهة اختلافهما فی معنی الضمان الذی ذکر فی الأخبار،فحمله ابن نما کما حملنا علی الأرض المصطلح،و لهذا قال فی مدّة ثلاثة الحیوان بثبوت الخیارین،و بعدها بثبوت خیار واحد هیهنا و هو خیار الرد بالعیب القدیم،و حمله المحقّق-قدّس سرّه-علی أنّ للمشتری أن یردّ العین المعیبة بالفسخ الذی ثبت له فی خیار ثلاثة الحیوان إلی البائع،لا أنّ له استحقاق مطالبة الأرش و لا أنّ له حقّ الرد بهذا العیب.

و حینئذ فما دام الثلاثة یکون له فی ما إذا کان المبیع معیبا من الابتداء خیاران،أحدهما خیار الحیوان و الآخر خیار الرد بالعیب القدیم،و بعدها ینقطع کلا الخیارین فهما متّفقان فی تعدّد الخیار فی ما قبل الثلاثة،و إنّما الاختلاف فی ما بعدها،فذهب أحدهما إلی أنّ ضمان البائع معناه ثبوت الأرش و هذا باق بعدها، فغایة خیار العیب القدیم أعنی:حدوث التغیّر الغیر المضمون علی البائع لم یحصل بعد،و الآخر یقول:معنی الضمان أنّه یمکن المشتری إعادة العین بتوسّط الفسخ بخیار الحیوان إلی البائع مع وصف هذا العیب الحادث،و هذا المعنی یزول بعد الثلاثة فیبقی العیب مضمونا علی المشتری فیدخل تحت منصرف الأخبار فیکون غایة الخیارین معا انقضاء الثلاثة.

فعلم أنّ کلام الجواهر حیث جعل الکلامین متعاکسین مع تسلیم أنّهما معا قائلان بخیار واحد،و کذا کلام الشیخ حیث حمل کلام المحقّق علی خیار واحد و هو خیار الحیوان،کلاهما غیر مناسب.

ص:337

و الذی ینادی بأنّ مراد المحقّق ما ذکرنا قوله المحکیّ عنه فی درسه:«تأثیر العیب الحادث فی زمن الخیار و کذا عدم تأثیره فی الرد بالعیب القدیم إنّما هو ما دام الخیار»انتهی.فإنّ قوله:بالعیب القدیم کالصریح فی ما ذکرنا،و کذا یدلّ علیه عطف مدّة الخیار علی ما قبل القبض فی عبارة الشهید حیث قال علی ما حکی:«لو حدث فی المبیع عیب غیر مضمون علی المشتری لم یمنع من الرد إن کان قبل القبض أو فی مدّة خیار المشتری المشترط أو بالأصل،فله الرد ما دام الخیار،فإن خرج الخیار ففی الرد خلاف بین ابن نما و تلمیذه المحقّق-قدّس سرّهما-»فإنّ الرد الذی یکون قبل القبض لا محالة یراد به الرد بالعیب القدیم،إذ لا ردّ بعنوان ما قبل القبض،فیکون المراد به ذلک أیضا بالنسبة إلی مدّة الخیار.

و أمّا إشکال الشهید بالتنافی بین کلامی المحقّق أعنی:حکمه فی الشرائع بضمان العیب الحادث فی الحیوان علی البائع و حکمه فی الدرس بعدم الأرش،فقد تبیّن أیضا عدم وروده،لأنّ معنی الضمان عنده-قدّس سرّه-هو إمکان إعادة العین بوصف عیبها الحادث إلی البائع حتّی تکون خسارته علیه دون استحقاق الأرش،هذا.

و قد عرفت أنّ العیب الحادث قبل القبض لا دلیل فیه علی الرد و لا الأرش، و الحادث فی زمن الخیار لا دلیل فیه علی الرد مع وجوده بالنسبة إلی الأرش.

ثمّ علی تقدیر القول بایراثهما-کالموجود قبل العقد-أثرین أعنی:الرد و الأرش،فلا إشکال فی أنّه لو کان المبیع معیبا قبل العقد ثمّ عاب بعده قبل القبض أو قبل انقضاء أحد الخیارات الثلاثة یکون الأرش متعدّدا بعدد العیوب القدیمة و المتجدّدة،و هل یکون هنا خیارات أیضا بعدد العیب القدیم و الحادث، بل لو تجدّد العیب قبل القبض أو قبل انقضاء الخیار متعدّدا علی التعاقب یکون

ص:338

بعددها الخیار،فیکون کما لو جاء الخیار المتعدّد بأسباب عدیدة کالمجلس و الحیوان و الشرط،فلو أسقط من جهة یبقی محفوظا من غیرها؟أو أنّ الخیار غیر متعدّد بل واحد مستند إلی المجموع،و حال العیب الحادث مع السابق کحال عیبین سابقین کالعمی و الصمم لو کانا قبل العقد حیث إنّه لیس هنا إلاّ خیار واحد مسبّب عن المجموع؟ لا بدّ هنا من ذکر الاحتمالات المتصوّرة فی مقام الثبوت و ملاحظة اللازم علی کل تقدیر،ثمّ إنّ المستظهر منها ماذا؟ فنقول و باللّه التوفیق:یمکن کون طبیعة العیب سببا بنحو صرف الوجود بحیث کان الوجود اللاحق لغوا بمعنی کونه غیر سبب کالأشیاء الأخر،و یمکن کونها بنحو الوجود الساری،فلو کان المحلّ غیر قابل،فالوجود اللاحق سبب صار معطّلا عن الفاعلیّة و لیس کالأشیاء الأخر،و فی هذا المقام یمکن استظهار أنّ کلّ طبیعة جعلت سببا لأمر،فالظاهر اعتبارها بالوجود السریانی إذ لیس عند العرف و فی الأسباب الخارجیّة ما یکون السببیة فیه قائمة بصرف الوجود.

ثمّ الخیار یمکن أن یکون أمرا قابلاً للتعدّد و التمایز الشخصی،بأن یکون العقد الواحد الشخصی موردا لخیارات متعدّدة شخصیّة بالنسبة إلی شخص واحد،و یمکن أن یکون غیر قابل لذلک و لکن یقبل المراتب و الشدّة و الضعف، و علی هذین التقدیرین فاللازم عدم معطّلیّة سبب عن التأثیر حسب ما استظهرناه من کون السبب هو الوجود الساری،غایة الأمر إنّ اللاحق یؤثّر علی الأوّل فی شخص آخر من الخیار،و علی الثانی یؤثّر فی شدّته،و علی کلّ حال یقبل الإسقاط من جهة و الإبقاء من جهة.

و یمکن أن یکون غیر قابل لا للتعدّد و لا للتأکّد،بل یکون أمرا واحدا

ص:339

مستمرا و هذا علی قسمین،الأوّل:أن یکون استمراره أیضا مستندا إلی استمرار سببه،و الثانی:أن یکون السبب بعد إحداثه منعزلا و یکون قیام الخیار فی البقاء بنفسه لا بمعونة بقاء السبب،و لازم الأوّل أنّه لو أسقط من جهة أحد السببین قبل وجود السبب الآخر یکون الآخر بعد وجوده مؤثّرا،و أمّا لو أسقط بعد وجود کلیهما فلا بدّ من سقوط الخیار رأسا،و لا معنی للإسقاط من ناحیة سبب العمی دون الصمم،إذ هذا تصرّف شارعی لیس للمکلّف،فإنّ معناه:أنّی أسقطت العمی مثلا عن السببیّة و لیس له ذلک.

و لازم الثانی أنّه لو أسقط خیاره کان السبب اللاحق مؤثّرا مطلقا،أمّا لو کان قبل وجوده فواضح،و أمّا بعد وجوده فلأنّه کان سببا و لم یکن من جهة سببیّته قصور و إنّما کان القصور فی المحلّ،فمتی صار المحلّ قابلاً عمل المقتضی عمله.

هذا بحسب مقام الثبوت،و أمّا بحسب الإثبات فالظاهر عدم کون الخیار من قبیل أحد الأوّلین أعنی:کونه قابلاً للتکرر الشخصی أو التأکّد،لأنّ حاله حال الملک،فکما لا یقبل الملک التکرّر فی العین الشخصی و لا التشدّد فکذا حقّ الخیار أیضا،فینحصر الأمر فی الأخیرین.

و یمکن أن یقال:إنّ اللازم کون الإسقاط من جهة موجبا لصیرورة الآخر مؤثّرا مطلقا حتّی بناء علی کون الخیار أمرا واحدا مسببا فی البقاء عن بقاء سببه، و ذلک لأنّ معنی:إنّی أسقطت خیاری من جهة الصمم مثلا،أنّی أرضی بوجود هذا العیب،و العیب إذا کان مرضیّا به یخرج عن موضوع السببیّة رأسا کالعیب المرضیّ ابتداء،و بالجملة یکون مرجع هذا الإسقاط إلی قلب الموضوع بالنسبة إلی أحد العیبین لا إسقاط الحقّ حتی یقال إنّه لیس له تغییر السببیّة.

و لازم هذا أن یکون الخیار باقیا بملاک عیب العمی لکونه عیبا غیر مرضیّ به

ص:340

حینئذ،بل یمکن أن یقال بهذا بالنسبة إلی العیبین الموجودین من السابق أیضا، فإنّه لو قال:رضیت بهذا المبیع من حیث وجدانه لعیب الصمم،فلا مانع من بقاء حقّه بالنسبة إلی ما لم یرض به من العیوب،بل و کذا بالنسبة إلی الخیارین المختلفین نوعا،فإنّه لو أمکن التعدّد النوعی للخیار أو التأکّد کذلک،أمکن فی التعدّد الشخصی من حقیقة واحدة أیضا،و حینئذ فلو أسقط البعض لا وجه له إن أرید نفی سببیّته،و إن أرید إسقاط الخیار فلا معنی لبقائه مستندا إلی السبب الآخر.

فالمخلص أن یقال:إنّ الدلیل المثبت للخیار بالسبب الفلانی کالمجلس و الشرط و الحیوان و نحوها منصرف عمّا إذا التزم ذو الخیار بعدم الإعمال،بل و فی الشرط یکون نفس جعل الشارط لا إطلاق له بالنسبة إلی فرض حصول الرضی و الالتزام له بالبیع و عدم خیال فسخه،فیکون شرط عدم ثبوت حقّ الخیار الفلانی فی ضمن العقد علی هذا موجبا لانصراف الدلیل عن هذا العقد و لو لم یکن دلیل الشرط،و لعلّ هذا مراد شیخنا المرتضی فی ما تقدّم فی مسألة شرط سقوط الخیار حیث إنّ الظاهر منه-قدّس سرّه-إرجاعه إلی شرط عدم الثبوت.

و کیف کان فهیهنا مسائل ثلاث قد وقعت اثنتان منها فی کلام شیخنا المرتضی مختلطتین،إحداهما أنّ العیب الحادث فی زمان ضمان البائع کالعیب الموجود قبل العقد فی إثبات الرد و الأرش بسببه،و الثانیة أنّه غیر مانع عن الرد بالعیب القدیم،و قد تقدّم الکلام هنا فی ذلک،و الثالثة أنّ العیب الحادث فی زمان ضمان المشتری أعنی بعد انقضاء الخیار و بعد القبض هل هو مانع عن الرد أو لا؟و هی المقصود بالبحث فی المقام لأنّ الکلام فی المسقطات.

فنقول و باللّه التوفیق:قد یتکلّم فی مانعیّة ذلک علی حسب القاعدة و قد

ص:341

یتکلّم فی النصّ الخاص.

أمّا من حیث القاعدة،فقد تقدّم فی بعض المباحث السابقة أنّ العین فی ید ذی الخیار متی تلف کلاّ أو بعضا،أو تغیّر بالعیب،أو فوات وصف کمالی،أو بغیر ذلک و لو لم تتفاوت المالیّة-بل و لو فرض زیادة المالیّة و لکن تفاوت الحال من حیث غرض البائع،کما لو فرضنا أنّ کبر الحیوان بعد الفسخ لا یوجب الشرکة و لکن کان البائع له غرض بخصوص الشاة الصغیرة-کان لغیر ذی الخیار فی جمیع هذه الصور أن یقول:لست دفعت العین إلیک بهذا الحال،و لست ملزما بالقبول إلاّ بالحال التی دفعتها إلیک بها،و قد تقدّم من العلاّمة-أعلی اللّه مقامه- أیضا تعلیل سقوط الخیار بعدم إمکان ردّ العین،فلا مجال للانتقال إلی البدل، نعم هنا کلام بالنسبة إلی غیر ذی الخیار و انّ یده ضمانی،فعلیه الخروج عن العهدة ببذل البدل لو لم تکن العین قائمة،هذا بحسب القاعدة.

و أمّا من حیث النصّ الخاص،فقد تقدّم أنّ هنا خبرین فی أحدهما تعلیق السقوط علی عنوان إحداث الحدث،و فی الآخر علی عنوان عدم قیام العین،و قلنا:

یمکن إرجاع الثانی إلی الأوّل،فلا دلالة فی النصّ علی السقوط إلاّ فی ما إذا صدر فعل من المشتری دالّ علی رضاه،و یمکن إرجاع الأوّل إلی الثانی،و المراد بإحداث الحدث حدوث الحدث و لو لم یکن من ناحیته.ثمّ اخترنا أنّ الظاهر کونهما عنوانین مستقلّین،فالأوّل ناظر إلی ما تقدّم فی خیار الحیوان من مسقطیة التصرّف بملاک کاشفیّته عن الرضی بالبیع،و الثانی عبارة عن مطلق عدم قیام العین من أیّ أحد صدر،أو لم یصدر من أحد بل کان بأسباب أخر.

نعم ینصرف النصّ عمّا إذا کان بفعل البائع،فإنّه عرفا لیس له الامتناع بعلّة ما فعله نفسه،لأنّه شیء یکون نقصه علی عهدته،کما تقدّم سابقا أنّ العبارة

ص:342

منصرفة عن موارد ضمان البائع للنقص.

و أمّا بالنسبة إلی غیر مورد الضمان،فیدور مدار صدق عدم قیام العین و لو فرض عدم رجوعه إلی العیب،بل و لو لم یرجع إلی النقص،بل و لو رجع إلی الزیادة إذا کان هناک غرض عقلائی فی عدم القبول،کما تقدم فی مثال کبر الشاة عند المشتری و قلنا بأنّ الفسخ لا یوجب الشرکة،فإنّه فی جمیع هذه الصور یصدق أنّ العین غیر قائمة،فلیس للمشتری أن یردّ.

و قد یقال:إنّ المتبادر من القیام بالعین ما یقابل تلفها أو تلف بعضها،إلاّ أنّ المثال بالخیاطة و الصبغ شاهد علی التعمیم لمثل نقص الأوصاف،فإنّ النقص فیهما بواسطة تعلّق حقّ المشتری بالعین.

و لکن یمکن أن یقال:إنّ مفروض الروایة أنّ الرجل یشتری الثوب أو المتاع فیجد به عیبا،فالسؤال وقع عن عین موجودة معیبة،و فی هذا المفروض إذا قیل:

إن کان الثوب قائماً بعینه ردّه علی صاحبه،و إن کان الثوب قد قطع أو خیط أو صبغ رجع بنقصان العیب،فمعلوم أنّ کلتا الشرطیتین واردتان علی المحلّ الموجود،فلا تشمل الروایة صورة التلف أصلا،بل ینحصر موردها بالعیب و نقص الأوصاف.

و حینئذ فلو فرض أنّا لا نقول بعود السمن إلی المشتری بعد الفسخ فالمبیع و إن زاد مالیّة بواسطة السمن إلاّ أنّه لو فرض رغبة بعض الطباع عنه و کانوا بصغیرة أرغب کان له الامتناع.ألا تری أنّه لو تعلّم العبد عند المشتری علم الرقص و عمله،فربّما زاد بذلک قیمته،لکن للبائع أن لا یقبله،نعم لو لم یوجب التغییر نقص مالیّة و لا غرض عقلائی أصلا،فلا یصدق علیه عنوان عدم القیام.

و أمّا مسألة لزوم تبعّض الصفقة کما لو أراد المشتری ردّ بعض المبیع،أو أراد

ص:343

أحد المشتریین صفقة واحدة ردّ سهمه خاصّة،فدخولها تحت النصّ محتاج إلی مقدّمتین.

الأولی:أنّ هذا نقص و لعلّه لا یقبل الإنکار حتّی فی ما إذا تمیّز مال الفاسخ عن مال المفسوخ علیه،کما لو باع عبدین صفقة،فأراد المشتری ردّ أحدهما،فإنّ له الامتناع،إذ ربّما کان فی اجتماعهما مدخل فی غرض عقلائی.

و الثانیة:أنّ قوله-علیه السلام-:«إن کان قائماً بعینه ردّه»و إن کان ظاهره الأوّلی کون القیام بملاحظة حال الکون فی ید المشتری،لکنّ المناسبة المقامیّة شاهدة علی ملاحظة حال الوصول إلی ید البائع،فکأنّه قیل:إذا کان حین یصل إلی البائع یصل کالحالة الأولی جاز الردّ،و لا شبهة حینئذ فی شموله للمقام فإنّ حدوث التبعّض یکون بالوصول إلی ید البائع،و إلاّ فلا تبعّض قبله.أمّا فی صورة وحدة المشتری،فواضح،و أمّا فی صورة تعدّده،فلأنّ الاثنین فرضا مشتریا واحدا فی المعاملة.

بقی فی المقام فروع لا بأس بالتنبیه علیها:
أحدها:لو حدث نقص عند المشتری ثمّ زال

و رجع إلی الحالة الأوّلیة هل له الرد أو لا؟الظاهر الجواز،لأنّ حال عنوانی القیام و عدمه حال المسافر و الحاضر فکلّما رجع عنوان رجع حکمه،و یدلّ علیه أنّه لو فرض حدوث العیب قبل علم المشتری بالعیب القدیم،ثمّ زال ثم علم،فإنّه یصدق علیه عبارة السؤال،أعنی:أنّ الرجل یشتری المتاع فیجد به عیبا.و یصدق علیه قوله -علیه السلام-:«إن کان قائماً بعینه ردّه»و إذا اشتمل هذا الفرد شمل غیره للقطع بعدم الفرق،و السرّ أنّ القیام بالعین لیس معناه البقاء علی الحالة الأولی،و لا أن یکون المعتبر صدق عنوان حدث فیه التغییر بملاحظة قوله:فإن قطع أو صبغ بصیغة

ص:344

الماضی.

أمّا الأوّل:فلأنّه لیس هو المتبادر من هذه الکلمة،مع أنّه لو فرض أنّ معناه هو البقاء،لکانت المناسبة المقامیّة شاهدة علی إلغاء خصوصیّة البقائیّة، و أنّ المعیار کون المبیع حال الوصول إلی البائع کهیئته الأوّلیة.

و أمّا الثانی:فلأنّ التعبیر بالمضی فی الثلاثة المذکورة فی الحدیث لأجل أنّ الغالب عدم إمکان زوالها بعد الحدوث،و لو سلّمنا أنّ المعیار صدق المضیّ مطلقا،لکن هذا مبنی علی جعل المناط هو الذیل،و لکن یمکن استظهار کونه هو الصدر بملاحظة ما ذکرنا من شهادة المناسبة المقامیّة بذلک.

الثانی:لو رضی البائع بردّه معیبا إمّا مع الأرش أو بدونه،فهل یجوز الردّ أو

لا؟

اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الأوّل،بملاحظة أنّ الدلیل النافی للرد عند الخروج عن القیام بالعین یکون فی مقام رعایة حقّ البائع،فهو منصرف عن صورة رضاه و عدم امتناعه.

و استشکل فیه شیخنا الأستاذ بأنّ الحکمة و إن کانت ذلک و لکن لا یوجب انصرافا فی الدلیل،نعم لا مانع من الإقالة،و أمّا بعنوان الفسخ الذی هو إعمال الخیار فالنصّ قد خصّصه بحال القیام و عیّن فی غیره الأرش.

الثالث:لو أسقط الأرش بتخیّل أن یردّه بعده فحدث العیب قبل أن یرد،

فهل یوجب سقوط الرد أو لا؟

قد یقال بالثانی بملاحظة أنّ النصّ إنّما أسقطه فی تقدیر بقاء السلطنة له علی الأرش،فلا یشمل صورة عدم السبیل له إلی رفع ضرره،فیکون الرد ثابتا بمقتضی الدلیل المثبت للرد بقول مطلق.

ص:345

الرابع:قد تقدّم أنّ المراد بالقیام بالعین بمساعدة فهم العرف کونه علی

حاله الأوّلیّة

حینما یصل إلی ید البائع،و لو کان فی ید المشتری قائماً بحاله،و علی هذا المعنی یتفرّع مسألة لزوم التبعّض علی البائع،و لا بدّ من التکلّم فیها تفصیلا و علی اللّه تعالی التوکّل،فنقول:قد یکون التبعّض لأجل التعدّد فی أحد العوضین، و قد یکون لأجل التعدّد فی المشتری،و قد یکون لأجل التعدّد فی البائع.

أمّا الصورة الأولی أعنی:ما إذا کان المبیع متعدّدا فنقول:تارة یکون العیب الثابت فی بعض هذا المتعدّد موجبا لنسبته إلی المجموع المرکّب کعمی الدابة و العبد و تعیّب نقطة من القالی فإنّه ینسب إلی المجموع،و لا یقال هذا المقدار معیب و ما بقی صحیح.

و أخری لا یکون کذلک یعنی یختصّ التعیّب بموضوع العیب من غیر إضافة له إلاّ علی سبیل ضرب من التجوّز إلی غیره،و لعلّ منه تعیّب ذراع من الکرباس الطویل المتّصل،فإنّه لا دخل له بالذراع الآخر المتّصل به،و کذا الصبرة التی کان صاع منها معیبا،و کذا الشاتان المعیبة إحداهما مع وقوع البیع علیهما صفقة،و هذا أیضا علی قسمین،لأنّه قد یفرض ذلک فی ما إذا یحدث بواسطة الرد للبعض المعیب فی ید البائع نقص فیه،فیدخل فی عدم القیام بالعین علی حسب ما تقدّم من المعنی،و ذلک کما فی أحد عدلی الباب و أحد عدلی الخفّ و نحوه،أو لا یحدث بسببه نقص أصلا إلاّ فوت غرض للبائع حیث أراد وصول عشرة تومانات فوصل إلی خمسة مثلا.

فإن کان الأوّل من هذه الأقسام فالظاهر أنّ مصبّ دلیل جواز الرد لیس إلاّ نفس المعیب دون أبعاضه سواء المعیّن منها أم المشاع،فالعبد الأشلّ أو الأعمی لا دلیل علی جواز ردّ نصفه المشاع،أو المعیّن و کذا القالی المعیب نقطة

ص:346

منه،فإنّ الدلیل أثبت الرد فی موضوع ما اشتری مقیّدا بکونه ممّا به عیب أو عوار، و لا یقال نصف العبد الأعمی أعمی أو نصف هذا القالی معیب،بل هما نصفان لشیء معیب.

و الحاصل:لیس لنا من الأوّل فی هذا القسم دلیل مثبت حتّی نقول بأنّه یلزم بعد الرد تبعّض علی البائع أو لا،بل غایة الدلیل إثبات الرد فی الکلّ لأنّ عنوان ما اشتری و به عیب غیر صادق علی النصف و الربع و غیر ذلک من الکسور، و صادق علیها فی ما إذا وقع أحدها مستقلا تحت الشراء،و الفاصل هو العرف فراجع حتّی یتبیّن لک صدق المقال.

و إن کان الثانی من الأقسام،فدلیل الرد و إن کان شاملا للبعض بل لا یشمل الکل،لأنّه غیر معیب إلاّ علی ضرب من المسامحة إلاّ أنّه یصدق علیه عنوان عدم القیام بالعین علی ما مضی من معناه من اعتبار ذلک حین ما یصل إلی البائع،فإنّ عدل الخفّ أو الباب بوصف الانفراد عن العدل الآخر الذی هو حادث حینما یصل إلی البائع منقّص له،و لعلّ منه ما إذا کان ردّ البعض المعیب من الکرباس موجبا لسقوط الباقی عن الوفاء بمقدار الثوب عند القطع، و للإشاعة الحکمیّة عند عدمه فإنّ کلاّ من الأمرین نقص.

و إن کان الثالث منها أعنی:ما إذا لم یحصل سوی عنوان تبعّض الصفقة الذی لیس فیه إلاّ نقض الغرض العقدی-فإنّ غرض العقد الشخصی کان وصول عشرة تومانات و الآن یلزم وصول الخمسة-فمجرّد ذلک یمنع کونه موجبا للخروج عن صدق القیام بالعین عرفا،و إن کان لو ردّ المشتری یحدث بواسطة هذا المعنی خیار التبعّض للبائع.

و توضیح المقام أنّه إذا علّق الحکم علی جسم متّصل ذی أجزاء عند

ص:347

اتّصاف بعض الأجزاء بوصف فهل یسری هذا الحکم إلی تمام ذلک الجسم المتّصل،أو یختصّ بموضوع الاتّصاف،مثلا لو قیل:کلّ جسم لاقی النجاسة فهو نجس،فهل المفهوم عرفا أنّه لا بدّ من ملاقاة تمام الجسم الذی طوله بمقدار عشرة أذرع مثلا أو یفهم الأعمّ منه و من ملاقاة نقطة منه؟الظاهر الثانی.

و حینئذ هل یفهم أنّ ذلک یوجب نجاسة الکلّ أو نجاسة خصوص موضع الملاقاة.و هکذا قوله:«کلّ شیء یراه المطر فهو طاهر»بالنسبة إلی الحوض الکبیر الذی رأی المطر نقطة منه؟الظاهر الثانی أیضا،ففی مقامنا حکم الخیار علّق علی المبیع و هو مجموع ما وقع علیه العقد من تمام الجسم المتّصل الواحد،أو مجموع الأمور المتفرّقة المبیعة صفقة واحدة،و قیّد ذلک بکونه معیوبا،فإذا اختص العیب ببعض الأجزاء و صار سببا لتعیّب الکلّ کعمی الحیوان،و عیب نقطة من القالی فهو فی حکم تعیّب الکلّ حقیقة.

و أمّا لو لم یوجب السرایة کالشاتین المعیبة إحدیهما أو عدلی الباب أو الخفّ،فحالهما حال الجسم الملاقی بعضه للنجس حیث إنّه لیس مسکوتا عنه للدلیل،فکذا هذا المصداق لیس مسکوتا عنه فی مقامنا،و هل المستفاد أنه یختص حکم جواز الرد بموضع العیب أو یستوعب الکلّ؟الظاهر الأوّل،کما کان هو المستفاد من الدلیل هناک،فالمبیع مجموع ما وقع علیه العقد،لکنّ الخیار وارد علی موضع العیب کان الکلّ أم البعض،و لا یتبعّض فی مورده بالنسبة إلی أجزائه کسائر الخیارات.

ثمّ فی الصورة الأخیرة أعنی:ما إذا انفکّ الکلّ عن البعض فی صدق المعیبیّة ینظر إلی ذلک البعض المعیب،فإن کان ردّه منفردا موجبا لنقص علی البائع کأحد عدلی الباب أو الخفّ،فلا بدّ من القول بعدم الجواز،لما ذکرنا من

ص:348

المعنی لقوله-علیه السلام-:«إن کان قائماً بعینه»،و إن لم یکن موجبا لشیء کأحد الشاتین فالخیار ثابت بلا مانع عنه.

فعلم ممّا ذکرنا أنّ عدّ التبعّض من جملة الموانع للرد بقول مطلق ممّا لا ینبغی،إذ فی الصورة الأولی لا مقتضی للرد بالنسبة إلی البعض،و کذا فی الثانیة لو قلنا إنّ تعیّب البعض یوجب ورود الخیار علی الکلّ،و لو اخترنا أنّه یوجب وروده علی المعیب خاصّة فحینئذ إن أوجب نقصا آخر منع،و إلاّ فلا،فنفس التبعّض بقول مطلق لیس مانعا.

و الحاصل:أنّه فی ما إذا کان العیب فی البعض غیر موجب لمعیوبیّة الکلّ، و لا ردّه موجبا لنقص فیه،فمقتضی قوله:«إذا اشتری الرجل الشیء فوجد به عیبا، فإن کان قائماً بعینه ردّه علی صاحبه» (1)جواز ردّ هذا البعض دون الکلّ،و لیس هنا مصداقان للمشتری-بالفتح-فإنّک إذا اشتریت عبدا و توب کرباس مقدار ذراع من رأسه معیب،فقیل لک:ما المشتری فی صفقتک؟لأشرت إلی ذلک التوب بأجمعه و العبد،لا إلی خصوص ذلک الذراع منه،فإذا قیل لک:إن کان باقیا بحالته الأولی ردّه إلی صاحبه،فالضمیر و إن کان یرجع إلی المشتری لکن العرف یفهم ردّ ذلک المعیوب بخصوصه.کما إذا قیل لک:إذا لاقی هذا الثوب من الکرباس نجس فاجتنب منه إذا کان رطبا،یفهم منه أنّه یختصّ الحکم بموضع الملاقاة إذا کان رطبا.

کذلک إذا قیل:إذا کان هذا المشتری-بالفتح-به عیب،فإن کان قائماً بعینه ردّه إلی صاحبه،یفهم اختصاص هذا بموضع العیب إذا کان هو قائماً بعینه.

ص:349


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 16 من أبواب الخیار،ص 363،ح 3.

و علی هذا فمقتضی الخبر جواز ردّ هذا البعض منفردا،و لیس الکلّ فردا و مصداقا،فلا یجوز الردّ فیه بمقتضی الخبر،کما لیس تمام الثوب مصداقا لواجب الاجتناب فی المثال.

و أمّا دعوی أنّ لا ضرر حاکم علی الخبر لأنّ ردّ البعض و استرداد ما یوازیه من الثمن ضرر علی البائع،فلا یجوز.

ففیه:أنّه إن أرید من الضرر،الضرر النقض الغرضی بملاحظة أنّه أوقع المعاملة لأن یصل إلی عشرة تومانات،فحصل خمسة وفات منه خمسة،ففیه أنّ الخیار فی کلّ مورد ثبت بدلیله یورد هذا الضرر علی المفسوخ علیه،بل ضرر فوت تمام الثمن أعظم.و إن أرید تبعّض المبیع علیه بمعنی ردّ بعضه و عدم ردّ بعضه الآخر فلا نسلّم أنّه من حیث هو مع قطع النظر عن استلزامه لردّ مقداره من الثمن إلی المشتری یکون ضررا،و إلاّ لزم فی ما إذا ردّ علیه مجّانا أیضا ورود هذا الضرر و هو معلوم البطلان.

و أمّا دعوی أنّ إثبات السلطنة علی ردّ المعیب و إمساک الصحیح ثمّ سلبها بإعطاء سلطنة الفسخ للبائع لغو.ففیه أنّ المحتملات بحسب مقام الثبوت هنا أمور،الأوّل:أن یلزم الإمساک،و الثانی:أن یخیّر بین إمساک الکلّ و ردّ الکلّ، و الثالث:أن یخیّر بین إمساک الکلّ و ردّ البعض المعیب و إمساک الصحیح، و الأرفق من هذه الثلاثة بمقصود المشتری و بحاله هو الأخیر،فإنّه ربّما لا یعمل البائع خیاره.

و بالجملة:لم نقف علی صارف عن ردّ البعض مع أنّه لو فرض المانع من هذه الجهات عن ردّ البعض فأیّ موجب للقول بردّ الکلّ؟بل المتعیّن القول بالانتقال إلی الأرش،فإنّه قد عرفت أنّ الخبر لا یشمل الکلّ کما لا یشمله فی مثال

ص:350

التنجیس.

اللّهمّ إلاّ أن یکون فی المقام إجماعان:الأوّل:علی أنّه لا یجوز ردّ البعض کما استظهره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،و الثانی:علی أنّه لا یجوز ردّ البعض کما استظهره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،و الثانی:علی أنّه یجوز ردّ الکلّ،کما حکاه فی الجواهر عن الغنیة و الخلاف،و استظهره شیخنا الأستاذ-دام بقاه-من صاحب الحدائق،و ربّما تشعر عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام أیضا بمسلّمیّته،و ذلک لأنّه بعد أن ردّد بین أن یکون محلّ الخیار تمام المبیع،أو خصوص المعیب،قال عقیب الشقّ الثانی ما لفظه:غایة الأمر أنّه یجوز ردّ الجزء الصحیح معه إمّا لئلاّ یتبعّض الصفقة علیه،و إمّا لقیام الإجماع علی جواز ردّه، و إمّا لصدق المعیوب علی المجموع.

و أمّا الثانی:و هو تعدّد المشتری بأن اشتریا شیئا واحدا فظهر فیه عیب، فالمشهور علی عدم جواز انفراد أحدهما بردّ حصّته،و عن جماعة جوازه،و عن آخرین التفصیل بین علم البائع بتعدّد المشتری فالجواز و جهله فالعدم.

قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:إنّ هذا المقام أولی بعدم الجواز من المقام السابق،لجریان ما تقدّم هناک لعدم الجواز هنا مع زیادة،أمّا ما افترق فیه المقامان فهو أنّ البعض المردود هناک مفروز و هو مبیع،و المردود هنا مشاع،و البیع إنّما وقع علی مجموع الدار مثلا،لأنّه محلّ الإیجاب و القبول.نعم لازم انتقال الدار إلی مجموع الشخصین أن یملک کلّ منهما مستقلاّ نصفا مشاعا،و هذا غیر أن کان مرکب الإنشاء و العقد أوّلا هو الکسر المشاع.

ألا تری أنّ من باع الدار من شخص واحد لا یصحّ أن یقال:إنّه باع بیوعا کثیرة عدیدة بعدد الکسور المتصوّرة فیه؟ و حینئذ فإذا ترتّب الحکم علی الشیء المشتری-بالفتح-،فالظاهر منه هو

ص:351

ما وقع تحت الإیجاب و القبول،و لا شکّ أنّ الإیجاب وقع علی الدار،و کذا القبول فی ما إذا صدر من الوکیل لهما،و أمّا إذا صدر من نفس الاثنین فکذلک یتعلّق القبول من کلّ منهما بنفس الدار لا بنصفه المشاع،فإنّه ربّما لا یخطر بالبال أصلا،لکن قبول کلّ إنّما یؤثّر فی ملکیّة النصف نظیر إنشاء الفضولی بالنسبة إلی النصف، حیث یختصّ تأثیره فی النصف.

و بالجملة الذی وقع تحت البیع و الشراء لیس هو عنوان النصف أو الربع، أو غیر ذلک،و لیس الحکم مرتّبا علی کلّ شیء ملک بوسیلة الشراء و لو لم یصدق عنوان المشتری-بالفتح-و المبیع،و إلاّ لزم جریان خیار العیب فی المفتاح و نحوه ممّا یندرج فی المبیع.

و أمّا ما اشترک فی المقامین،فهو أنّا لو تنزّلنا عن الجهة الأولی و فرغنا عن صدق عنوان المشتری،و لکن عنوان القائم بعینه لا یصدق،بناء علی ما مرّ من معناه من أنّه حین ما یصل إلی البائع لا بدّ من أن یکون کما کان،و النصف المشاع لم یکن من الابتداء إلاّ ملکا مختصّا للبائع،و الآن إذا ردّ إلیه یصیر ملکا مشاعا مشترکا و الإشاعة موجب للنقص و قلّة الرغبة،فلا یصدق أنّ المشتری أعنی:

النصف المشاع قائم بعینه و هو علی ما هو علیه و کما کان قبل البیع،و هذا هو الذی منع من الرد فی بعض صور القسم الأوّل،و هو مثل ذراعی الکرباس إذا فرضنا أنّ عیب أحد الذراعین لا یوجب صدق معیوبیّة الکلّ،فإنّ ردّ خصوص الذراع المعیوب لا یجری فیه الإشکال الأوّل و هو عدم صدق المبیعیّة،و ذلک لأنّ الشراء وقع علی الأبعاض المعیّنة فی ضمن الکلّ و لیس حال المعیّن کالمشاع.

و من هنا یمکن الفرق فی ما لو ظهر بعض المبیع مستحقّا للغیر بین کونه بعضا معیّنا فیصحّ فی غیره،و کونه مشاعا فیقوی البطلان إلاّ مع إجازة صاحب

ص:352

المشاع.

نعم یجری فی هذه الصورة الإشکال الثانی،فإنّه إذا ردّ إلی البائع فإن أبقی الثوب بحاله من الاتّصال حصل الشرکة الحکمیّة،و إن فصل بین الذراعین کان أیضا نقصا،فلا یصدق کون المبیع قائماً بعینه،نعم مثل الشاتین لا یجری فیه شیء من الإشکالین.

و أمّا الثالث:و هو تعدّد البائع بأن باعا شیئا ثمّ ظهر معیبا فأراد ردّ النصف إلی صاحبه،فالظاهر عدم الإشکال فیه من شیء من الوجهین،فإنّ کلاّ منهما إنّما صار بصدد بیع ما یملکه و هو نصف الدار فباعا النصفین بصفقة واحدة، و المفروض أنّه یردّ النصف إلیه کما کان و علی حالته الأوّلیّة،هذا.

مسألة:یسقط الأرش دون الردّ فی موضعین
اشارة

علی ما قالوا:

أحدهما:إذا اشتری ربویّا بجنسه فظهر عیب فی أحدهما،

فقیل لا أرش حذرا من الربا،و لازمه أنّه لو حدث عیب عند المشتری کان البیع لازما لا مفرّ عن العیب.

و تحقیق المقام أنّ الأرش غرامة شرعیّة حکم بها الشارع عند اختیار المشتری لها و لیس فی الجعل و القرار العقدی منه عین و لا أثر،بمعنی أنّه و إن کان یبذل مقدار من الثمن بلحاظ وصف الصحّة،و لکن هذا المقدار المبذول مع سائر الثمن یبذل فی الإنشاء عوضا للعین،و لا یجعل للصحّة سهم منه أصلا،و غایة ما یستفاد منعه من أدلّة تحریم الربا و لزوم الجعل مثلا بمثل حتّی فی الصحیح و المعیب إنّما هو تعیین مقدار أو شرط بإزاء ذلک الوصف أو زیادة بلحاظه إمّا فی ابتداء العقد أو بعد تمامه فی حال قراره و بقائه.

ص:353

و أمّا لو فرضنا أنّهما لم یجعلا بإزائه شیئا،و إنّما الشارع حکم علی من باع المعیب بلزوم تدارک العیب بنسبة الثمن عند اختیار صاحبه،فلیس هذا منافیا لما فهم من تلک الأدلّة،إذ لم یفهم منها السقوط الرأسی لوصف الصحة عن المالیّة عند الشرع،و إنّما فهم المنع من القرار و التبانی العقدی و هو مفروض الانتفاء فی المقام.

ثانیهما:ما لو لم یوجب العیب نقصا فی القیمة،

و مثلوا له بالخصاء فی العبد، فإنّه عیب بلا إشکال و لکنّه یوجب زیادة القیمة لزیادة رغبة السلاطین و سائر المتموّلین لأجل قابلیّة الخصیّ بنظرهم للتردّد عند النسوان.

و لکن قد یناقش فی المثال بأنّ زیادة القیمة إذا کانت ناشئة من غرض محرّم فهی ملغاة عند الشارع،و أیّ فرق بین حصول أصل المالیّة من المنفعة المحرّمة کما فی الخمر أو زیادتها کما فی المقام؟و الأولی أن یمثّل للمقام بالقالی العتیق حیث إنّه یصیر زائد القیمة بملاحظة کثرة رغبة الطالبین للأشیاء العتیقة المعبّر عنها فی الفارسیة ب(آنتیک).

مسألة:یسقط الردّ و الأرش معا بأمور:
أحدها:العلم بالعیب قبل العقد،

و یکفیه عدم الدلیل علی الخیار و الأرش مع العلم،و لا یحتاج إلی الدلیل علی العدم،و لا یساعده العرف أیضا و لا قاعدة نفی الضرر،لوجود الإقدام،و قد یستدلّ بمفهوم صحیحة زرارة المتقدّمة،و فیه نظر،فإنّ الجزاء المذکور عقیب الأمور المذکورة فی الشرط هو انتفاء الردّ و ثبوت الأرش،و مقتضی المفهوم عدم هذا الجزاء و هو یدور بین ثلاثة:الأوّل:ثبوت الأمرین من الرد و الأرش،و الثانی:انتفاؤهما معا،و الثالث:ثبوت الرد دون الأرش،

ص:354

فلا یثبت خصوص الثانی منها،اللّهم إلاّ أن یتشبّث فی نفی الأوّل و الأخیر بالإجماع فیتعیّن الوسط.

ثمّ لو شرط فی حال العلم ثبوت خیار العیب فهذا له صورتان:الأولی:أن یشترط سببیّة العیب المعلوم کالعیب المجهول لما یکون المجهول سببا له،فهذا لا ینعقد بالاشتراط،إذ أمر السببیّة و التأثیر لیس بیده،فإنّا و إن قلنا:إنّه لم یرد من الشرع فی خصوص المعلوم حکم بالعدم،لکن یکفی کون دلیل الإثبات خاصّا بالمجهول،فهذا نظیر أن یشترط فی خصوص الثوب أن یثبت فیه الخیار الخاص المسبّب من الحیوان.و بعبارة أخری:یشترط المؤثّریة فی الثوب سنخ المؤثّریة الثابتة فی الحیوان،و لا إشکال فی عدم تأتّی هذا من قبل الشرط،و یکفی هذا المقدار فی مخالفته للمشروع،و لا یلزم وجود الدلیل علی العدم،و لکن غایة هذا أنّ الشرط فاسد،و لم یعلم ما وجه فساد العقد و أیّ امتیاز لهذا عن سائر الشروط الفاسدة،حیث حقّق شیخنا الأنصاری-قدّس سرّه-فیها عدم الإفساد و جزم هیهنا بالإفساد،فالتحقیق أنّه فاسد غیر مفسد.

الثانیة:أن یشترط ثبوت الخیار له فی الردّ،و إن شاء أخذ التفاوت و الأرش و لو حدث عنده عیب سقط حقّه عن الأرش،فالظاهر عدم المانع عن هذا الاشتراط فهو کما لو شرط فی بیع الثوب خیار ثلاثة أیّام کما جعله الشارع فی الحیوان.

الثانی:ما إذا تبرّأ البائع عن العیب،

و یمکن الاستدلال علی السقوط، بالصحیحة المتقدّمة بتقریب أن یقال:إنّ الظاهر من مثل العبارة المذکورة،أعنی:

«من اشتری شیئا معیبا و لم یعلم و لم یتبرّأ البائع إلیه فأحدث فیه،یمضی البیع علیه و یردّ إلیه الأرش»بحسب المتفاهم العرفی أنّ ما قبل«الفاء»فی قوله

ص:355

«فأحدث»یکون محقّقا للحقّ و ما بعده مانع عن شقّ منه و هو الرد، نظیر أنّ«من عمل صالحا فأشرک یحبط عمله و أجره»فإنّ ذکر«من عمل»إنّما هو لأجل بیان المقتضی لثبوت الأجر و مثله و إن لم یکن فی مقام بیان المقتضی-فلو احتملنا دخالة شیء آخر لم یکن نفیه بإطلاقه-،و لکن یمکن الأخذ بما ذکر فی الکلام و أنّه یکون ممّا له الدخل فینتفی المقتضی بانتفائه.

ثمّ نقول:نقطع من الخارج أنّ الحقّ الثابت فی باب العیب له طرفان:الردّ و الأرش،فبضمیمة هذا القطع الخارجی ننتج أنّ بانتفاء واحد من القیود،إمّا حصول العلم أو التبرّی ینتفی هذا الحقّ الطرفینی بانتفاء مقتضیه،لکن تسمیة هذا باسم المفهوم لا یخلو عن شیء،و علی هذا یتمّ الاستدلال فی هذا المسقط و فی المسقط المتقدّم،و لم نعلم وجه تفرقة شیخنا المرتضی-بالتنظّر فی التمسّک بالصحیحة لمسقطیّة الأوّل مع التمسّک به لمسقطیّة،الثانی.

ثمّ إنّه لم یعمل أنّه لم لم یستدلّ هنا کما فی التبرّی عن العیوب الغیر الموجودة المتجدّدة فی ما بعد بدلیل الشروط بإرجاع التبرّی إلی الاشتراط لسقوط آثار و لوازم البیع علی المتاع من الردّ و الأرش عند وجود العیب.

و بالجملة:حال اشتراط سقوط هذا الخیار بکلا طرفیه فی متن العقد کحال اشتراط سقوط غیره من خیار المجلس و الحیوان فی التفصیل بین اشتراط عدم الثبوت فیخالف الشرع،و و السقوط بعد الثبوت آنا ما فلا مانع من نفوذه،هذا فی العیوب الموجودة.

و أمّا المتجدّدة:فلا إشکال فی اختصاص النصّ بالموجودة و عدم شموله للمتجدّدة،فینحصر الدلیل هنا فی دلیل الشرط،و لا مانع من التمسّک هنا إلاّ من حیث التعلیق الموجود فیه بوجود العیب فی المستقبل،و قد مرّ فی بعض الأبحاث

ص:356

السابقة أنّه قد یستند فی إبطال التعلیق بالوجه العقلی من أنّه لا یعقل الإسقاط الفعلی لما لم یثبت فعلا،و لکنّه من هذه الجهة کالوجوب المشروط،فإنّ الإنشاء للإسقاط یکون بلحاظ حال الوجود و مثله لا مانع منه،بل شائع واقع،و قد یستند إلی الإجماع فیقال:القدر المتیقّن منه غیر المقام و قد یستند إلی انصراف الأدلّة إلی غیر التعلیقی،فدلیل نفوذ البیع منصرف إلی المبادلة الفعلیّة،و لا یشمل بیع الدار مثلا علی تقدیر ابتیاعه بعد سنة مثلا من صاحبها،و کذا دلیل الشرط المنصرف منه ما إذا حصل بالشرط تعهّد لأحد الطرفین أو خروج عنه و استراحة منه بالنسبة إلیه فعلا،و بالجملة کان مشتملا علی ذلک فعلا،فلا یشمل ما إذا لا یری العرف فیه تفاوتا،بل یری حال المشترط کما قبل الاشتراط لم یحدث علیه عهدة.

و حینئذ نقول:التعلیقات من هذه الجهة مختلفة،فربّ تعلیق علی أمر یکون عند العرف مع تعلیقیّته مورثا لأثر فعلی و عهدة فعلیّة أو خروج عن عهدة فعلیّة، و منه المقام،فإنّ المال إذا باعه صاحبه فإن لم یشترط هذا الشرط فهو فی معرض أن یرجع إلیه بواسطة حدوث عیب فی المستقبل،و بواسطة اشتراط براءة ساحته من لوازم ذلک العیب علی تقدیر الوجود ینتزع راحة فعلیّة فی قبال ذلک الابتلاء و التعهّد الفعلی،فلا مانع من الاشتراط حینئذ.

نعم،فی بعض المواضع لا أثر فعلی للشرط المعلّق أصلا،بل یکون وجوده کعدمه عند العرف،مثل ما لو شرط أنّه لو ابتاع دارا بعد سنة ملّک زیدا مثلا کذا، فإنّه لا یرجع عند العرف إلی تعهّد فعلی،فهذا لا یبعد دعوی انصراف دلیل الشرط عنه،و من قبیل الأوّل اشتراط مقدار علی البائع للمشتری لو تبیّن المبیع مستحقّا للغیر،مضافا إلی غرامة ثمن المثل من حال المعاملة إلی خمسین عاما الذی تداول فی هذا الزمان.

ص:357

فقد تبیّن ممّا ذکرنا عدم الإشکال من جهة التعلیق،و أمّا من حیث الغرر فلا وجه لوروده فی المتجدّد،فإنّ المبیع مقطوع الصحّة حال البیع،فلا غرر فیه أصلا،و أمّا فی الموجود حال العقد فالمفروض وجود أصل السلامة و إحراز الصحّة بهذه الامارة العقلائیّة.

و من هنا تبیّن الفرق بین المقام و بین اشتراط سقوط الخیار عند تخلّف الوصف المشترط،فإنّ الغرر ثابت هناک بواسطة التنافی بین هذا الاشتراط و بین ذلک الالتزام بالوجود،و الفرق أنّ الغرر کان مرتفعا بالالتزام،فإذا جاء ما نافی الالتزام عاد الغرر،و أمّا هنا فالغرر مرتفع بالأصل العقلائی و لا تفاوت فی وجوده بین الالتزام من البائع و عدمه.

و فی عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام اغتشاش،و الظاهر أنّه سقط من النسخة شیء فراجع،فإنّ أجزاء الکلام لا یلتئم بعضه ببعض، و ذلک لأنّه نقل عن العلاّمة الإشکال فی العیوب المتجدّدة بأنّ البراءة هیهنا براءة ممّا لم یجب،و الجواب بأنّ المتبرّئ منه هو الخیار و سببه العقد لا العیب.

ثمّ استشکل هو-قدّس سرّه-علی العلاّمة-قدّس سرّه-بأنّ الخیار مسبّب عن العیب لا العقد،ثمّ نظر المقام بإسقاط خیار الرؤیة بعد العقد و قبل الرؤیة، و أنّ العلاّمة فی بعض کلماته معترف فیه بعدم الجواز،و إن قال فی البعض الآخر بالجواز،لکنّه مخالف لسائر کلماته.

ثمّ قال:و بالجملة فلا فرق بین البراءة من خیار العیوب و البراءة من خیار الرؤیة بل الغرر فی الأوّل أعظم،إلی آخر ما قال.

و أنت خبیر بأنّه لم یکن من حدیث الغرر فی الکلام السابق عین و لا أثر، فلا بدّ أن یکون فی الکلام سقط،مثل أن یکون بعد قوله:مخالف لسائر کلماته:مع

ص:358

أنّه مستلزم للغرر و هذا و إن کان موجودا فی البراءة عن العیب حال العقد.

و بالجملة فلا فرق إلی آخر کلامه،فراجع کلامه تعرف حقیقة المرام.

ثمّ إنّ التبرّی عن العیب بحسب مقام الثبوت یتصوّر علی أنحاء،الأوّل:

أن یکون من باب قلب الموضوع،فإنّ موضوع الخیار هو العقد الخالی عن التبریة عن وصف السلامة،فکأنّه قال:بعتک هذه العین بکلّ تقدیر من الصحّة و العیب،فیخرج الموضوع عن موضوع الخیار.

و الثانی:أن یرجع إلی الإسقاط،فالعقد واقع علی العین بدون تجریدها عن وصف صحّتها،و هذا موضوع لثبوت الخیار لو تخلّف الصحّة و لا یحتاج إلی الالتزام بوجود وصف الصحّة،و لکن یشترط فی العقد استراحة نفسه من لوازم وجود العیب،و الوجهان مشترکان فی سقوط کلّ من الأرش و الردّ بهما.

و الثالث:أن یرجع إلی البراءة عن ضمان مال بسبب العیب فیسقط به الأرش خاصّة.

هذا بحسب مقام الثبوت،و أمّا بحسب الإثبات و أنّ الظاهر من کلمة التبرّی فی عبارة المتعاقدین ماذا؟فاستظهر منه شیخنا الأستاذ الوجه الوسط، و نظره بما تعارف بین العرب من تبرّی طائفة منهم عن جرائر شخص منهم، و المقصود أنّهم لا یصیرون ملوّثین بتبعات جرائره،و لا یلزمهم لوازمها،فالتبرّی من العیب أیضا عبارة عن إسقاط ما کان العیب یقتضیه لولا الإسقاط و التبریة من کلّ ما یلزمه.

ثمّ إنّه علی فرض التبرّی من العیب فلو کان للمشتری خیار آخر من شرط أو حیوان أو مجلس و تلف العین بسبب هذا العیب،فلا وجه للحکم بعدم ضمان البائع لهذا التلف الناشئ من هذا العیب بمجرّد أنّه تبرّأ عن تبعاته،فإنّ هذه

ص:359

التبعة لیست للعیب بما هو عیب،بل بما هو مصداق للتلف فی زمن الخیار،و هو ممّن لا خیار له،و ما ذکرنا من فرض ثبوت خیار آخر هو مورد کلام القوم فی المقام.

و لکنّ السیّد الطباطبائی المحشّی لکلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّهما- حمل کلامهم علی صورة عدم خیار آخر و أنّ المراد کفایة شأنیة خیار العیب فی الحکم بالضمان،فاستشکل علیه أوّلا بأنّه لا دلیل عام فی مسألة ضمان التلف فی زمن الخیار یشمل خیار العیب کما یأتی فی بابه إن شاء اللّه تعالی،و ثانیا بأنّه علی فرض التعمیم خاص بالخیار الفعلی،فلا یکفیه الشأنیة.

و الظاهر أنّ ما ذکره لا یساعد علیه کلمات القوم،فإنّ المذکور فی عبارة الدروس عطف صورة العلم بالعیب من أوّل العقد أو الرضی به لاحقا علی المقام، و هو صریح فی کونه مفروضا فی زمان خیار المشتری من سبب آخر غیر العیب، فلم یعلم ما الذی دعا السیّد-قدّس سرّه-إلی الحمل المذکور.

ثمّ إنّ هنا أمورا یظهر من بعض سقوط الردّ و الأرش بها
منها:زوال العیب قبل العلم به أو قبل الردّ،

و استظهر شیخنا المرتضی -قدّس سرّه-من عبارة العلاّمة سقوط الأرش و الردّ معا،لأنّ فیها سقوط الردّ معلّلا بعدم موجبه،و الظاهر أنّ موضع الاستظهار هو التعلیل بعدم الموجب بعد مفروغیّة أنّ الموجب للأمرین واحد،فإذا انعدم بالنسبة إلی أحدهما انعدم بالنسبة إلی الآخر أیضا،و کیف کان فهو صریح عبارة أخری له-قدّس سرّه-کما نقلهما شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،و قوّی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-التفصیل بین الأمرین بثبوت الأرش دون الردّ.

و استوجه شیخنا الأستاذ-دام أیّام بقاه-مقالة الشیخ-قدّس سرّه-بأنّ هذا أوّلا مبنیّ منه-قدّس سرّه-علی ما یظهر منه فی ما تقدّم من دوران

ص:360

الاستصحاب مدار الموضوع الدلیلی،و إذن فنقول:قوله فی إحدی الروایتین المتقدّمتین فی صدر الباب:فیجد به عیبا،ظاهر فی وجود العیب حال الوجدان، و کذلک قوله:إن کان قائماً بعینه ردّه،ظاهر فی تعلّق الرد بالمعیب الخارجی المحفوظ عنوان معیبیّته حال الرد،کما فی نظائره من أکرم العالم،و أکلت الخبز، حیث إنّها ظاهرة فی اتّحاد زمان الجری مع زمان الفعل،فأخذ زمان الجری زمانا سابقا و إن کان یلائم مع کون المشتقّ حقیقة فی من تلبّس فعلا،و لکنّه لا یلائم مع هذا الظهور الآخر من الظهور فی اتّحاد الزمانین.

و أمّا قوله فی الصحیحة:اشتری شیئا و به عیب أو عوار،إلی أن قال:ثمّ علم بذلک العیب،فهو و إن کان یمکن استفادة کفایة وجود العیب حال الشراء منه،إلاّ أنّ الظاهر منه أیضا أن یکون طریق العلم بالعیب وجود العیب و رؤیته خارجا،لا أن یعلم بطریق آخر بوجوده فی السابق،فیتّحد مضمون الروایتین فی أنّ الظاهر کون عنوان المعیبیّة محفوظا حال الردّ،و الاستصحاب غیر جار بناء علی المبنی المذکور.

هذا حال الردّ و أمّا الأرش فالموضوع فیه هو الأرش و له إضافة إلی المعیب، فیجوز المطالبة بالأرش أو یستحقّ المطالبة به،فإذا تمّ أسباب هذا الحکم أو الحقّ،فارتفاعه یحتاج إلی دلیل،فیکون الاستصحاب فیه محکما لبقاء الموضوع بخلاف الرد،هذا.

و لکنّ الحقّ کما قرّر فی الأصول من أخذ الموضوع فی باب الاستصحاب من العرف جریان الاستصحاب فی کلا المقامین لإحرازه عرفا فی کلیهما.

فإن قلت:التمسّک بالاستصحاب مبنیّ علی عدم ظهور الدلیل المثبت للخیار فی دورانه مدار وجود العیب حدوثا و بقاء بحیث یزول بزواله،کما أنّه یحدث بحدوثه،فإنّه لا مجال حینئذ للاستصحاب.

ص:361

قلت:غایة ما فی الباب أنّ قوله:من اشتری شیئا معیبا و لم یعلم ثمّ وجده معیبا ردّه فی تقدیر و أخذ الأرش فی تقدیر ساکت عن التعرّض لحال زوال العیب قبل العلم أو قبل الرد،لا أنّه دالّ علی عدم الخیار و انتفائه فإنّه ممنوع جدّا.

و منها:التصرّف بعد العلم بالعیب

حیث إنّه عند ابن حمزة مسقط للأمرین، و تحقیق القول فیه أنّه إن علم أنّ هذا التصرّف کاشف عن الرضی بالمبیع و بالعیب بحیث أبرء البائع عن الأرش فلا کلام،و إن لم یعلم الحال فإن کان بعد العلم بالخیار فهو رضی بالبیع و إن کان قبل العلم بالخیار فهو داخل فی عموم التعلیل المستفاد من بعض أخبار خیار الحیوان کما مرّ مرارا،و علی کلّ حال یکون سقوط الردّ علی وفق القاعدة،و أمّا الأرش،فالتکلّم فیه أوّلا فی الدلیل المثبت له هل یشمل هذه الصورة أو لا؟و ثانیا فی جریان الاستصحاب فیه علی تقدیر عدم وفاء الدلیل و عدمه.

أمّا الأوّل:فالحقّ فیه عدم الشمول و عدم الوفاء،علی خلاف ما یظهر من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،فإنّ الذی یتوهّم ظهوره فی إثبات الأرش بعد التصرّف فی حال العلم بالعیب هو المرسلة:«فی الرجل یشتری الثوب أو المتاع فیجد به عیبا؟قال:إن کان الثوب قائماً بعینه ردّه علی صاحبه و أخذ الثمن،و إن کان الثوب قد قطع أو خیط أو صبغ رجع بنقصان العیب» (1)و لا یخفی أنّه تفصیل وارد فی مفروض السائل من کونه قد وجد فی الثوب العیب،و الظاهر منه أنّه فی هذا الحال إن کان قائماً جاز الرد و إلاّ لم یجز،فلا یشمل ما إذا تصرّف بعد الوجدان فیه شیئا.

و أمّا الاستصحاب،فاعلم أنّ الحالة السابقة المتیقّنة لثبوت الأرش هنا هو جوازه التخییری الذی کان طرفه الآخر هو الرد،و قاعدة التخییر عند سقوط أحد

ص:362


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 16،من أبواب الخیار،ص 363،ح 3.

أطرافه هو التعیین عقلا فی باقی الأطراف فی ما إذا کان الملاک فی الید،کما فی الأوامر،و أمّا فی مثل المقام حیث یحتمل کون التصرّف مسقطا للأرش کما صار مسقطا للعدل الآخر،فنحتاج حینئذ إلی التمسّک بالاستصحاب.

فإن قلنا:بأنّ المعتبر فیه بقاء الموضوع الدلیلی لا یجری،إذ من المحتمل کون الموضوع من لم یتصرّف فی المبیع بعد العلم بالعیب،فإنّ الدلیل علی التخییر هو الإجماع و هو لا لسان له،و إن قلنا:بأنّ الموضوع مأخوذ من العرف،فالمانع من هذه الجهة مفقود لإحراز الموضوع عرفا.

لکن یبقی الکلام فی جهتین أخریین:إحدیهما:فی أنّ المتیقّن سابقا هو الجواز التخییری و لا یحتمل بقاه لاحقا،و الجواز التعیینی الذی یحتمل بقاه لاحقا مقطوع العدم سابقا،فینحصر الاستصحاب فی الجامع و الجواز التخییری و التعیینی فردان من الجواز عند العقل لاختلاف الحدّ.

و یمکن التفصّی عنها إمّا بالتزام الوحدة عرفا کما فی السواد الضعیف و الشدید،و إمّا بأنّه من استصحاب الکلّی و القسم الثالث منه و التحقیق جریانه.

و الثانیة:إنّا لو سلّمنا جریان الاستصحاب فی القسم الثالث،فإنّما نسلّمه فی الموضوعات،و أمّا فی الأحکام فلا یعقل جعل الجامع بدون جعل الفرد.

و التحقیق فی الجواب أنّه إنّما یرد علی من یعتبر فی الاستصحاب فی الأحکام أن یرجع إلی جعل الحکم المماثل،و أمّا علی المختار من عدم اعتبار ذلک-بل المعتبر البقاء علی المعاملة السابقة-فهو بمکان من الإمکان،و المعاملة السابقة هنا الأخذ بالأرش،و إن کان یلزم من هذا جعل الجواز التعیینی،و بهذا المبنی یصحّ إجراء الاستصحاب فی العدم الأزلی للتکلیف أیضا.

ص:363

و منها:التصرّف فی المعیب

الذی لم تنقص قیمته بالعیب،بل ربّما زاد کما فی العبد الخصی،فالأرش غیر ثابت رأسا،و الرد ساقط لأجل التصرّف،أمّا الأرش فلا کلام فیه،و أمّا الرد فلا بدّ من تفصیل الکلام بأن یقال:إن کان التصرّف دالاّ علی الرضی دخل تحت عموم مسقطیّة هذا التصرّف،فلا کلام فی سقوطه به،سواء وقع بعد العلم بالخیار أم قبله،أمّا الأوّل فلأنّه إسقاط فعلی،و أمّا الثانی فلأنّه مشمول للعموم المذکور.

و إن کان التصرّف ممّا لا دلالة له علی الرضی بالبیع و عدم خیال النقض و لو بالإقالة،فیقع الکلام تارة فی دلیل مسقطیّة هذا التصرّف و هو الصحیحة السابقة من قوله:«فأحدث فیه بعد ما قبضه شیئا» (1)هل یشمل هذا المقام المفروض فیه عدم ثبوت الأرش،أو أنّه خاص بمورد إمکان التدارک للضرر بالأرش؟و أخری فی الأصل الذی یرجع إلیه عند الشک و عدم وجود الدلیل الاجتهادی.

أمّا الأوّل فنقول:الظاهر من قوله فی الصحیحة:«یمضی علیه البیع و یردّ علیه بقدر ما ینقص من ذلک العیب من ثمن ذلک لو لم یکن به» (2)أنّ المفروض کلام الإمام-علیه السلام-مورد إمکان التدارک بالأرش،و علی فرض تسلیم العموم و الشمول نقول:هذا الحکم أعنی:الحکم بالسقوط بإحداث الحدث حکم وارد فی مقام الضرر،و الحکم الوارد کذلک لو فرض حدوث زیادة ضرر فی بعض أفراده لم تکن تلک الزیادة فی البعض الآخر،فاللازم القول بالتخصیص فیه بقاعدة لا ضرر.

نعم لو فرض مساواة جمیع الأفراد فی مقدار الضرر فلا وجه للتخصیص، للزوم الترجیح بلا مرجّح،و لا شکّ أنّ سقوط الرد فی مورد العیب المنقّص للقیمة

ص:364


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 16 من أبواب الخیار،ص 362،ح 2.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 16 من أبواب الخیار،ص 362،ح 2.

ضرره أنقص منه فی المقام أعنی:ما إذا لم ینقص القیمة بالعیب،فإنّ تضرّر المشتری من حیث عدم نیل الغرض مشترک بین المقامین،فإنّه تعلّق غرضه بالصحیح و هذا معیب،و لکنّ الفرق أنّه یأخذ من البائع فی المقام الأوّل تدارکا لهذا الضرر مالا،و هذا المال و إن کان بمقدار نقصان المالیّة الذی حدث من قبل العیب و لکن لمّا یکون بعنوان تدارک وصف الصحّة فیکون وجودا تنزیلیّا له.

و أمّا فی مقامنا فالنقص المالی معدوم حسب الفرض،فیبقی النقض الغرضی بلا جابر،و مجرّد حصول الزیادة فی المالیّة حاله حال حصول النموّ فی ملک آخر له بقدر نقصان المعیب أو حصول الربح من محلّ آخر له بهذا المقدار.

و بالجملة،بناء علی شمول قاعدة لا ضرر للضرر الغرضی و عدم اختصاصه بالمالی فاللازم الاقتصار-علی تقدیر شمول الصحیحة للمقام-بغیره من المقامات الأخر،و الحکم بعدم سقوط الرد بالتصرّف الغیر الکاشف فی المقام، هذا.

و أمّا الثانی فنقول:لو شککنا فی المسألة بواسطة سکوت الصحیحة عن حکم المقام و القول بعدم جریان لا ضرر فی المقام أیضا،فالظاهر جریان استصحاب خیار الرد و عدم الإشکال فیه،فإنّ خیار الرد قبل التصرّف محقّق لا شبهة فیه،فیستصحب بعده حتّی علی مذاق من یجعل موضوع الاستصحاب دلیلیّا،فإنّ الشکّ هنا فی المسقط و موضوع الحکم لا یتقیّد بعدم المسقط کما هو واضح،و هذا نظیر استصحاب الطهارة عند الشک فی حدوث الرافع و الناقض.

و منها:حدوث العیب فی المعیب المذکور،

و الکلام هنا من حیث عدم شمول دلیل سقوط الرد عند عدم قیام العین کالسابق بواسطة اختصاصه بمورد إمکان التدارک بالأرش،نعم الفرق أنّ دلیل لا ضرر کان فی الفرع السابق جاریا

ص:365

علی ما مرّ،و لیس فی المقام جاریا،لإثبات الرد لأمرین،الأوّل:ما ذکره شیخنا المرتضی من معارضة ضرر المشتری بالصبر لضرر البائع بقبول المعیب بالعیب الحادث و لو مع الأرش،و الثانی ما ذکره شیخنا الأستاذ-دام علاه-و هو:أنّ ضرر المشتری متیقّن علی أیّ حال سواء حکم بالصبر أم بالرد.

أمّا علی الأوّل فواضح،و أمّا علی الثانی فلأجل محکومیّته بدفع الأرش،فإنّه ضرر علیه،فجنس الضرر علیه وارد علی کل حال غیر قابل الارتفاع حتّی یشمله دلیل لا ضرر،و مجرّد کونه تعیینیّا علی تقدیر عدم الخیار و تخییریّا علی تقدیر ثبوته لا یثمر فی رفع الضرر.

ألا تری أنّ من أکره علی بیع أحد مالیه،فاختار أحدهما فهو مکره و یحکم بفساد بیعه مع أنّه مختار فی الخصوصیّة؟و فی المقام أیضا و إن کان اختیار الخصوصیّة بیده لکن بالنسبة إلی جامع الضرر ینتهی إلی حکم الشرع،و إذن فیبقی الرجوع إلی استصحاب الرد.

و منها:ثبوت أحد مانعی الرد فی المعیب الذی لا یجوز أخذ الأرش فیه لأجل الربا،و محصل الکلام أنّا إن فرغنا عن الصغری لعنوان المانعیّة فلا کلام، بمعنی أنّا فرغنا عن کون الربا لازما و عن کون التصرّف مانعا حتّی فی مثل المقام، و کذا حدوث العیب.و أمّا الکلام فی تشخیص الصغری فیعلم ممّا تقدّم من عدم شمول دلیل السقوط لهذا المقام إلاّ إذا کان التصرّف کاشفا عن الرضی.

لا یقال:دلیل السقوط بالتصرّف الکاشف و إن کان شاملا،لکن لم لا یقدّم علیه دلیل لا ضرر کما قلت بناء علی شمول الصحیحة؟ لأنّا نقول:حیث إنّ المفروض أنّه رضی بالمبیع فقد أقدم علی الضرر من حیث عدم الرد،و لو کان له خیال دفعه بالأرش فالشارع منعه من هذه الجهة

ص:366

و حکم قهرا علیه بسقوط الأرش.

و من هنا یظهر الخدشة فی کلام شیخنا المرتضی حیث یظهر منه تأثیر إقدامه فی سقوط الأرش،مع أنّه سواء أقدم أم لم یقدم لا فرق فی حکم الشرع بالمنع عن الربا،نعم یظهر أثر الإقدام بالنسبة إلی التصرّف کما عرفت.

و بالجملة لو سلّمنا لزوم الربا من أخذ الأرش فی المقام،فالمسألة من حیث مسقطیّة الردّ و العیب الحادثة مشترکة مع السابقة حرفا بحرف،لکن یظهر من العلاّمة اختصاص المقام فی صورة حدوث العیب بکلام فی عدم إمکان بقاء الرد هنا و لم یکن فی السابق،و هو أن یقال:الأخذ بالأرش هنا ممنوع للزوم الربا،و حیث إنّ الرد بلا أرش الذی هو مقتضی الاستصحاب أیضا مقطوع العدم فاللازم سقوط الردّ.

أمّا بیان لزوم الربا من أخذ أرش العیب الحادث فله تقریبان،الأوّل:بطریق الجدل و هو أن یقال:کما قلتم بلزوم الربا من أخذ المشتری أرش العیب القدیم، کذلک نقول نحن بلزومه من أخذ البائع أرش العیب الحادث و نطالبکم الفارق بین المقامین،فإنّه إن کان هذا المقدار من تحقّق الزیادة التی تکون من آثار التعهّد بوصف الصحّة مع تخلّفه-مع أنّه لیس بإزائه بذل مقدار من الثمن بل ربّما لا یکون بلحاظه أیضا بذل مقدار منه-منشأ للزوم الربا فی جانب عقد المعاملة، کان هذا حاصلا بعینه فی جانب فسخها و حلّها الذی هو أیضا معاوضة علی عکس عقد البیع،و إن کان لا یضرّ ذلک و المضرّ إمّا هو أخذ الزیادة فی أحد طرفی المعاوضة،فاللازم عدم الإضرار فی المقامین،فالمقرّ بالإضرار فی المقام الأوّل یلزم به فی الثانی.

الثانی:أن یکون بطریق الحلّ،و هو أن یقال:لا یتحقّق استحقاق البائع

ص:367

المفسوخ علیه الأرش لأجل فوات وصف الصحّة إلاّ لأجل أن یکون وصف الصحّة مدرجا فی عقد البیع فی ضمن ما بذل بازاءه الثمن حتی یکون بازاءه شیء من الثمن،فإنّه حینئذ إذا استرجع المشتری تمام الثمن و دفع المبیع،یقول البائع:

فأین وصف الصحّة الذی کان مقدار من الثمن مبذولا بإزائه،و قد أخذت کلّ الثمن،فاللازم التدارک بالأرش.

فصیرورة البائع فی المقام ذا استحقاق للأرش بعنوان غرامة الوصف الفائت-نظیر ما إذا قبض المشتری قبل وقوع المعاملة علی الربویّین المبیع منهما، فعاب فی یده وصف الصحّة،ثمّ أوقع المعاملة،فإنّه یستحقّ البائع غرامة وصف الصحّة الفائت فی ید المشتری قبل المعاملة-لا تتحقّق إلاّ بذلک،فإنّ وجه الغرامة فی المثال أنّ المشتری قد تلف فی یده مال البائع فعلیه الغرامة.

و فی مقامنا هذا المعنی-أعنی:کون التلف واردا فی ید المشتری علی ملک البائع-إنّما یتحقّق بما ذکرنا من کون المعاملة واقعة بین الذات مع الوصف،و بین الثمن حتی یوجب الفسخ تقدیر ملک التالف الذی هو الوصف آنا ما قبل التلف فی ملک المفسوخ علیه الذی هو البائع فی ید الفاسخ الذی هو المشتری، فیحکم علیه بلزوم الأرش،فلحوق هذا الباب بذاک الباب مبنیّ علی إدراج الوصف فی أحد الطرفین و هو موجب للربا فی أصل عقد المعاوضة و بطلان البیع من رأس،و حیث إنّ اللازم باطل فالملزوم مثله،و قد عرفت بطلان الرد بلا أرش أیضا فتعیّن عدم الردّ و لزوم المعاملة،هذا.

و قد استشکل شیخنا الأستاذ-دام علاه-بأنّ هذا مبنیّ علی أنّ تعهّد الوصف و اشتراطه یوجب کون مقدار من الثمن مبذولا بلحاظه،و إن لم یکن بإزائه،و فیه أنّه لا یلزم ذلک،فربّما یکون التقابل بین الذاتین و یکون الوصف

ص:368

المتعهّد به بلحاظ وصف فی الذات الأخری مفقود فی هذا.و بالجملة:لا یلزم أن یکون الوصف بلحاظ المقدار و الکمّ بل یکون بلحاظ الکیف،ثمّ من لوازم التعهّد الخروج من العهدة بالعین أو البدل.

ثمّ الحقّ فی المسألة عدم لزوم الربا من أخذ الأرش،لأنّ الأرش لیس داخلا فی شیء من العوضین،و إنّما هو من لوازم التعهّد عرفا،و قد تقدّم ذلک سابقا، و علی فرض تسلیم الربویّة فقد عرفت أنّ دلیل مانعیّة العیب الحادث عن الرد صورة إمکان الأرش،فیبقی الاستصحاب هنا بلا مانع لإثبات الردّ بدون الأرش، و لزوم الضرر قد عرفت عدم إمکان دفعه بقاعدة لا ضرر للمعارضة،و علی فرض بطلان هذا أیضا فأیّ مانع عن الرد مع الأرش؟فإنّه لا یوجب الربا فی أصل عقد المعاوضة کما عرفت من عدم ملحوظیّة جزء من الثمن بإزاء الوصف المتعهّد به.

و أمّا الفسخ فهو لیس عنوانه الابتدائی إلاّ حلّ العقد،غایة الأمر أنّه معاوضة قهرا فلا یلزم القول بمضرّیة الأرش فی أصل المعاوضة الابتدائیّة للزوم الربا القول بالمنع منه فی الفسخ أیضا،إذ لم یعلم المنع عن الربا حتّی فی مثل هذا القسم من المعاوضة القهریّة.

إن قلت:فلم لا یجوز الإقالة بشرط الزیادة؟ قلت:إن کان الشرط للعمل فلا مانع منه،و أمّا إن کان لمتعلّقه فالمانع أنّه خلاف مقتضی الإقالة.

و منها:تأخیر الأخذ بمقتضی الخیار،

فإنّ ظاهر الغنیة إسقاطه الرد و الأرش کلیهما،و تحقیق المسألة أنّه قد یقال بسقوطهما لأجل دلالة التأخیر مع الاطّلاع علی العیب علی الرضی بالمبیع معیوبا،و فیه منع الدلالة.

ص:369

نعم یجری هیهنا التکلّم فی أنّ المرجع بعد عدم الإطلاق فی دلیل الخیار فی خصوص الردّ هل هو عموم أَوْفُوا أو استصحاب حکم الخاصّ؟و أمّا فی الأرش فلا یجری لأنّه لا ینافی لزوم العقد.

و حینئذ نقول:مورد الرجوع إلی الاستصحاب فی صورة عدم العموم الأزمانی إنّما هو فی ما إذا لم یخرج الخاص الفرد عن تحت العام بالعنوان،کما إذا أخرج عن تحت أکرم العلماء عنوان الفاسق،فتلبّس زید العالم بالفسق یوم الجمعة،ثمّ زال و رجع إلی العدالة یوم السبت،فإنّه مع عدم العموم الأزمانی یصحّ التمسّک فی حکمه یوم السبت إلی العام،و لا یجوز التمسّک بالاستصحاب،و کما خرج عن عموم الصلاة و الصوم الحائض،و عن عموم الصوم المسافر،فإنّه لا شبهة لأحد حتی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی أنّ الرجوع بعد زوال العنوان إلی العام،بل نقول:لو کان الخروج بعنوان خصوص الزمان أیضا کما لو خرج زید بعنوان یوم الجمعة،فالمتّجه التمسّک فی غیره بالعموم.

فالمورد الذی یسقط العام ما إذا خرج ذات الفرد بلا عنوان و اتّفق أنّ خروجه صادف یوما،و شککنا فی دوام الخروج فی ما بعد هذا الیوم و عدمه،و کذا ما إذا خرج بالعنوان و لکن کان عنوانه باقیا،و لم یکن للدلیل المخرج إطلاق شامل للزمان الثانی.و بعبارة أخری کان شکّنا فی غایة الحکم و أمده لا راجعا إلی عنوان الموضوع،و إلاّ فاللازم الاقتصار فی رفع الید عن العموم علی المقدار المتیقّن،و حینئذ یکون الاستصحاب محکّما علی جمیع الأمذقة حتّی مذاق من یعتبر الموضوع الدلیلی فی الاستصحاب.

و لکن یبقی حینئذ الإشکال علی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حیث إنّه فی مبحث فوریّة خیار الغبن و عدمها،اختار أنّ الرجوع إلی العموم غیر جائز،لعدم

ص:370

العموم الأزمانی فی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)و کذا إلی الاستصحاب لعدم إحراز الموضوع،إذ لعلّه المتضرّر الغیر المتمکّن من دفع ضرره،ثمّ اختار أنّ المرجع استصحاب الملک فیحکم باللزوم.

فیرد الإشکال علیه أنّا لا یبقی لنا مورد إلاّ و إمّا یصحّ الرجوع فیه إلی العام أو إلی الاستصحاب لأنّ الموارد بین أربعة لا خامس لها،لأنّ الخاص لا یخلو إمّا أنّه خرج بالعنوان و زال العنوان،و قد عرفت متّبعیة العموم فیه،و إمّا أنّه خرج بالعنوان مع بقائه و الشکّ فی أمد الحکم،و قد عرفت أنّ المتّبع هو الاستصحاب علی جمیع الأمذقة،و إمّا أنّه خرج بلا عنوان حتّی عنوان الزمان،فالمتّبع أیضا هو الاستصحاب.

بقی مورد رابع و هو أن نشکّ فی أنّه خارج بعنوان زال عنه فی الآن الثانی،أو أنّه خارج بلا عنوان؟و قد یتوهّم فی هذا المورد أنّه لا یجوز التمسّک بالعموم،لأجل دوران الأمر بین تخصیص الفرد و تقیید الحال،و لا مرجّح فی البین،فیحصل الإجمال،و لا یجوز الاستصحاب أیضا،لعدم إحراز الموضوع بناء علی لزوم أخذه من الدلیل.

و لکن فیه أنّ منع التمسّک بالعام فی غایة المنع،و ذلک لأنّه قد انعقد ظهور العام و استقرّ فی شمول الفرد فی کلّ الحالات بحیث استوی شموله بالنسبة إلی الأحوال فی عرض واحد،و المخصّص المنفصل حسب الفرض مجمل مردّد أمره بین إخراج الذات بتمام الحالات و بین إخراج إحدی الحالات وحدها،فیبقی ظهور العام فی شمول غیرها من الحالات فی مقام الاستعمال محفوظا عن التصرّف، و حدیث تبعیّة عموم الحال لعموم الذات لا ینفع،فإنّه لیس بأزید من عموم

ص:371


1- 1) سورة المائدة2/.

الزمان،فإنّه أیضا فی طول الفرد و مع ذلک لو صرّح و قال:أکرم العلماء فی کلّ زمان،و کان المتیقّن من خروج الخارج یوما واحدا،فلا شبهة عند أحد فی التمسّک بالعام،مع أنّه یحتمل خروجه بعنوان الذات و یحتمل خروجه بعنوان الیوم،و علی التقدیر الأوّل یکون عموم الزمان مخصّصا بتبع عموم الفرد.

إذا عرفت هذا فنقول:فی مقامنا عنوان المخصّص محفوظ،فإنّه العقد علی المعیب و هو محفوظ،و تأخیر الأخذ بمقتضی الخیار و عدمه ممّا لا یمکن مدخلیّته فی موضوع الخیار،لأنّه متأخّر عنه،و لکنّه یمکن أن یصیر مسقطا للحکم،فیکون من موارد الرجوع إلی الاستصحاب علی جمیع الأمذقة.

ثمّ هذا بناء علی تسلیم عدم الإطلاق فی دلیل الرد بالنسبة إلی الزمان الثانی، و لکنّه فی غایة الضعف،فإنّه لو کان الأمر فی الخیار مضیّقا للزم التنبیه علیه فی قوله-علیه السلام-:«إن کان قائماً بعینه ردّه علی صاحبه»هذا کلّه فی الرد.

و أمّا الأرش:فالتحقیق أیضا جواز استصحابه علی جمیع الأمذقة،لما عرفت من أنّ قید عدم الأخذ بالخیار غیر مأخوذ فی موضوع الخیار قطعا،نعم لا یجری هنا إطلاق الدلیل،فإنّ دلیله الإجماع،و القدر المتیقّن منه غیر المقام.

و یظهر من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الفرق بین الرد و الأرش،بعدم الجریان فی الأوّل،لعدم إحراز الموضوع فیرجع إلی استصحاب الملک المعبّر عنه بأصالة اللزوم فی کلامه-قدّس سرّه-،و بالجریان فی الثانی،و لم یعلم وجه الفرق، بل الثانی أولی بعدم الجریان لما عرفت من أنّ دلیله الإجماع و لا یمکن أخذ الموضوع منه،فلا بدّ من الرجوع بعد سقوط استصحابه إلی استصحاب براءة ذمّة البائع من الأرش،و اللّه العالم.

مسألة:لا إشکال فی أنّ بیع المعیب فی الجملة غشّ،

اشارة

و الغشّ حرام،

ص:372

و الکلام الآن فی تشخیص مورد الغشّ عن غیره فی هذا المقام.

و لیعلم أوّلا أنّ کلّ مورد حکم فیه بصدق الغشّ لا یحکم بالفساد،فإنّ النهی لم یتعلّق بعنوان المعاملة،و ما وقع من الأمر بإلقاء الدرهم المغشوش فی البالوعة معلّلا بأن لا یباع به،لا یدلّ علی ذلک،إذ فرق بین قوله:لا تبع بهذا و بین قوله-علیه السلام-:«ألقه فی البالوعة حتّی لا یباع شیء فیه غشّ» (1)منهیّ عنه و لا یستفاد تحریم البیع بما هو بیع عن هذا الکلام الثانی،و ذلک لأنّ المورد لمّا کان هو الدرهم،و التصرّف الغالب فیه صرفه فی المعاملة و البیع و الشراء،فذکر البیع من باب انحصار فرد الغشّ فیه بالبیع،لا من باب موضوعیّة البیع.

و بالجملة:لا ظهور فیه فی التحریم النفسی و بالعنوان البیعی نظیر بیع الربا و نحوه،هذا مضافا إلی إطلاق أخبار الخیار فإنّها شاملة بإطلاقها مورد وجود الغشّ،و مع ذلک لم یحکم فیها بالفساد،بل بالخیار المتفرّع علی الصحّة،هذا.

و أمّا تعیین مورد الغشّ:فاعلم أنّا و إن لم نکن من أهل لسان العرب و لکن قد دخل فی ذهننا من موارد استعمال هذه اللفظة مفهوم،فنقول

هیهنا مراتب
اشارة

لا بدّ من عرضها علی الوجدان.

المرتبة الأولی:أن یکون صرف عالمیّة البائع بالعیب و جهل المشتری به

و عدم إعلام البائع من دون أن یسأله المشتری،و لکنّه یشتری اعتمادا علی أصل السلامة،فترک إخبار البائع بالعیب فی هذه الصورة خلاف النصح قطعا،و لکنّ الغشّ لیس نقیض النصح بل ضدّ له بدلیل عدم مساعدة الوجدان علی صدق الغشّ فی هذه الصورة.

ص:373


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 86،من أبواب ما یکتسب به،ص 209،ح 5.
المرتبة الثانیة:أن یسأله المشتری،

فیقول:لا یجب علیّ الجواب فاشتراه أیضا اعتمادا علی أصل السلامة،و لا نری من الوجدان صدقه فی هذا أیضا من غیر فرق بین العیب الخفی و الجلیّ فی کلتا الصورتین.

المرتبة الثالثة:أن یسأله و یقول کذبا:لا أعلم،

و یقدم علی الشراء اعتمادا علی الأصل،و الظاهر عدم الصدق أیضا من غیر فرق بین الخفی و الجلیّ.

الرابعة:أن یسأله فیخبر بالصحّة،

و حینئذ فإن کان البائع شخصا أمینا ممّن یکون قوله طریقا عقلیّا یصحّ الاعتماد علیه،فاعتمد المشتری و أقدم علی الشراء فالإنصاف صدق الغش حینئذ،و أمّا إن کان بخلاف ذلک،و بعبارة أخری لم یقم طریق عقلائیّ،و إنّما کان التقصیر من المشتری-حیث اعتمد علی من لا یلیق الاعتماد علیه-فلا غشّ،نعم إن قرن کلامه بالقسم-بحیث اندرج تحت الطریق العقلائی المعتمد علیه عند العقلاء-کان أیضا کالأوّل.

فإن قلت:فعلی هذا ما من مورد إلاّ و یلزم فیه الغشّ،إذ فی جمیع الموارد یحصل التعهّد و الالتزام من البائع بوصف الصحّة،و المشتری معتمد علی هذا التعهّد عند العقلاء.

قلت:لیس التعهّد مفیدا للاطمئنان بما هو تعهّد ما لم ینضمّ إلی شواهد و خصوصیّات خارجیّة من موثوقیّة البائع،و علی فرض حصول الغشّ فی مورده لا یرفعه التبرّی.

و بالجملة:لکلّ من التعهّد و التبرّی خواصّ أخر من ثبوت الخیار و عدمه، و لا تأثیر لهما فی ما نحن بصدده،و علی ما ذکرنا فربّما یحصل الغشّ فی العیب الجلیّ مع التبرّی،و ربّما لا یحصل فی العیب الخفیّ مع التعهّد.

ص:374

هذا ما یظهر من العرض علی الوجدان،فلا بدّ من مراجعة الأخبار،فإن علم أنّ مورد الحکم و التحریم أخصّ أو أعمّ من هذا،نقول به،و إلاّ فالمتّبع ما ذکرنا، و الظاهر عدم ما یدلّ علی خلافه فی الأخبار أیضا،فإنّ ما ذکر فیها من تطبیق الغشّ علی البیع تحت الظلال،و تغطیة الجیّد الردیّ،مطابق مع ما ذکرنا،إذ فی البین عمل من البائع یوجب وقوع المشتری فی خلاف الواقع.

و لا ینافیه أیضا ما عن بعض أهل اللغة حیث قال:«غشّه،لم یمحّضه النصح»فإنّ من أری نفسه أنّه بصدد نصح أخیه و رعایة خیره،فذکر عیوب المتاع الجزئیّة،و لکن أخفی عنه عیبا کبیرا،کان هو الملقی لأخیه فی ذلک العیب،لأنّه بإظهاره لتلک العیوب الجزئیّة کأنّه أظهر للطرف أنّه لو کان فیه عیب لأخبره، فیحصل للطرف شبه اطمئنان بالعدم،و حسن ظن به،فیقع فی المحذور من حیث لا یشعر.و بالجملة:لا یدلّ علی أنّه أمر عدمی و صرف ترک النصح،للفرق بین عدم تمحیض النصح و بین ترکه.

بقی هنا مطلب و هو أنّ خلط اللبن بالماء،له صورتان:

الأولی:أن لا یکون الخلیط بعد الخلط خارجا عن اسم اللبن،فقد باع اللبن المعیب،فلا إشکال فی الصحّة،غایة الأمر تحقّق الخیار.

الثانیة:أن یکون خارجا و یکون حقیقة أخری،کما لو مزج اللبن بالدبس و بقی الدبس علی حقیقته کاللبن،و حینئذ یتوجّه الإشکال فی أصل صحّة المعاملة من حیث إنّ ظاهرهم الحکم ببقاء الدبس فی المثال علی ملک البائع، و عدم انتقاله إلی المشتری،لأنّه مثل ما لو باع هذا الفرس فبان کتابا،و لیس کما لو باع هذا الفرس العربی فبان عجمیا،و علی هذا فیشکل الحال من حیث لزوم الغرر، إذ وزن ما کان مقصودا بالبیع و محلاّ للقصد الإنشائی الذی هو بالفرض مقدار

ص:375

اللبن غیر معلوم،نعم کان وزنه مع انضمام أمر خارج أجنبی معلوما و هذا غیر مفید،و هذا هو الفارق بین المثال و بین ما لو باع هذه العشرة أمنان فبان خمسة أمنان،فإنّ الحنطة الموجودة مثلا مقصودة بالبیع و قد ارتفع فیه الغرر،غایة الأمر بالجهل المرکّب،و أمّا فی المقام فما هو المقصود غیر مرتفع الغرر حتّی بنحو الجهل المرکّب أیضا.

و الحاصل:لا بدّ إمّا من القول بانتقال الخلیط أیضا إلی المشتری،و هو خلاف ما یلتزمون فی مقامات أخر،و إمّا من الالتزام بلزوم الغرر و البطلان فی الکلّ،فالصحّة فی البعض و البطلان فی البعض لا یعلم له وجه.

مسائل فی اختلاف المتبایعین:

اشارة

و هو تارة فی موجب الخیار،و أخری فی الکلّ،فالصحّة فی البعض و البطلان فی البعض لا یعلم له وجه.

مسائل فی اختلاف المتبایعین:و هو تارة فی موجب الخیار،و أخری فی مسقطة،و ثالثة:فی الفسخ.

أمّا الأوّل ففیها مسائل:
الأولی:لو اختلفا فی تعیّب المبیع و عدمه،مع تعذّر

ملاحظته

لتلف و نحوه،فالقول قول منکر العیب بیمینه،و هذا الکلام بإطلاقه لصورة العلم بالعیب سابقا محلّ منع،لأنّ مدّعی العیب حینئذ منکر لمطابقة قوله مع استصحاب بقاء العیب إلی حین العقد،و لیس مثبتا،لأنّ أصل العقد محرز بالوجدان،و وصف معیبیّة المعقود علیه بالأصل،فهو نظیر الکریّة الثابتة للمائع بالأصل و مائیّته بالوجدان.

الثانیة:لو اختلفا فی کون الشیء عیبا و تعذّر تبیّن الحال لفقد أهل الخبرة،

قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:کان الحکم کسابقه.انتهی.

و لا یمکن هنا استصحاب عدم العیب قبل الاتّصاف بما یشکّ فی عیبیّته لو کان له حالة سابقة لعدم الشکّ فی الخارج،و إنّما هو فی صدق مفهوم العیب علی هذا المقطوع التحقّق و عدمه و لا أصل یعیّن أحدهما،ففی مطرح الدعوی لا

ص:376

أصل یعیّن أحد طرفیه،و مجرّد وجود الأصل الحکمی هنا و هو استصحاب الملکیّة بعد الفسخ ربّما یستشکل فی کفایته لتعیین المنکر عن المدّعی بأن یقال:إنّ المعیار وجود الأصل أو الإمارة فی نفس مطرح الدعوی،و لا یثمر وجوده فی ما یستلزمه أو یلازمه.

و من هنا لو تداعیا عینا فی ید أحدهما،و قال ذو الید:هی مالی قد اشتریته منک،یحکم بأنّ المنکر غیر ذی الید،لأنّ الأصل یلاحظ بالنسبة إلی القضیّة التی انقلبت دعواهما إلیها،و هی تحقّق الاشتراء و عدمه،و الأصل مطابق لقول من ینکره و إن کان هنا أمارة معتبرة فی جانب الآخر و هی یده الشاهدة علی مالکیته،و لهذا یصحّ الشراء منه قبل فصل الخصومة و ترتیب سائر آثار الملکیّة له علیه.

و بالجملة:المناط وجود الأصل فی مطرح الدعوی،و فی المثال الأصل موجود فی جانب غیر ذی الید،فصار هو منکرا،و فیما نحن فیه اللازم هو التحالف،لعدم أصل و لا أمارة فی شیء من الطرفین.

و یمکن أن یقال:إنّما لا ینظر إلی الأصل فی القضیّة الأخری إذا کان فی نفس القضیّة فی حدّ ذاتها محلّ جریان الأصل موجودا کما فی المثال،و أمّا إذا لم یکن کما فی المقام،فالمتعیّن الانتقال إلی القضیّة الأخری،إذ بالملازمة یتحقّق نزاع فیها أیضا و یکون أحدهما بالفرض مطابقا فیه للأصل فیکون هو المنکر.

ثمّ لا إشکال فی انفکاک النقص عن العیب،کما فی العین المستأجرة مدّة مدیدة حیث إنّها غیر معیبة،و لکنّها تنقص بالإجارة،کما لا إشکال فی انفکاک العیب عن النقصان کما فی الخصاء و نحوه،و لا إشکال فی أنّه کما أنّ أصل السلامة عن العیب یکون مبنی للعقد،کذلک الأصل خلو العین عن کلّ نقص و لو لم یکن عیبا،و یقع العقد مبنیّا علیه،فعند التخلّف یتحقّق الخیار لتخلّف الوصف

ص:377

المشترط ارتکازا.إنّما الإشکال فی تصوّر المثال لصورة معلومیة النقص و مشکوکیّة العیب و تنازعا،و علی فرضه یحکم بثبوت الرد،و أمّا الأرش فالأصل البراءة عنه.

الثالثة:لو اختلفا فی حدوث العیب فی ضمان البائع أو بعده
اشارة

بأن حدث بعد القبض و انقضاء الخیار،قدّم قول منکر التقدّم،أمّا مع العلم بتاریخ العقد و القبض و انقضاء الخیار فلا إشکال،لأنّ استصحاب عدم حدوث العیب و بقاء السلامة إلی ما بعد القبض و الانقضاء جار و هو أصل موضوعیّ.

أمّا مع الجهل بالتاریخین أو بتاریخ القبض و الانقضاء،فأصالة عدم تحقّق القبض و الانقضاء إلی ما بعد العیب لا یثبت أنّ القبض وقع علی المعیب،أو أنّ الخیار کان مقارنا للعیب،فیکون أصالة عدم تحقّق ما هو موضوع الخیار جاریة، و لا أقل من استصحاب الملک،فیکون الأصل فی هذه المسألة مع البائع علی کلّ حال و یکون هو المنکر.

لا یقال:أصالة عدم تسلیم المثمن علی ما یستحقّه المشتری جاریة فی جانب المشتری.

لأنّا نقول:إن کان المقصود أنّ للمشتری الامتناع من بذل ما یوازی الأرش، لأنّه موقوف علی تسلیم البائع المثمن علی الوصف المشترط و الأصل عدمه.ففیه أنّ هذا المعنی قبل التسلیم الخارجی و لو لم یحدث عیب قطعا أیضا موجود بالنسبة إلی تمام الثمن،و لا ربط له بما نحن فیه من موضوع الخیار،و إن کان الغرض إثبات الخیار،فقد عرفت أنّ أصالة تأخّر القبض و التسلیم إلی زمن العیب لا یثبت تقدّم العیب علی القبض الذی هو موضوع الخیار.

و الحاصل:أنّ هنا مطلبین،الأوّل:مسألة عدم وجوب التسلیم قبل تسلّم العوض الآخر،و موضوعه لیس التسلیم بمعنی الخروج عن تحت السلطنة فعلا،

ص:378

بل معناه الحضور و عدم الامتناع و التمکین للطرف لأن یأخذ عوضه،و هذا المعنی فی صورة الشکّ فیه یستصحب عدمه،لکن لا ینفع إلاّ لعدم استحقاق الإلزام بالتسلیم،و أین هو من حقّ الخیار و الأرش؟ و الثانی:مسألة ضمان بائع العین ما دام لم یخرج عن تحت سلطنته فعلا و لو کان حاضرا للبذل و غیر ممتنع،و استصحاب عدم هذا إلی زمن العیب لا یثبت تقدّم العیب علیه حتّی یورث الضمان،و أمّا استصحاب عدم التسلیم المقیّد بتعلّقه بالعین علی الوجه المستحق،فلا ینفع،فإنّه لو فرض التسلیم علی الوجه الغیر المستحق و حدث العیب کان مضمونا علی المشتری بلا شبهة،و بالجملة الأصل المذکور لا أصل له.

ثمّ فی الموارد التی یکون أحدهما مدّعیا و الآخر منکرا لو أقام أحدهما بیّنة فإن کان المدّعی فلا إشکال فی سماع بیّنته،و لو کان المنکر ففی سماع بیّنته کلام بحیث سقط عنه الیمین،و قوّی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-السماع و سقوط الیمین،و ربّما یتوهّم التنافی بین القول بالسماع و بین القول بتقدّم بیّنة المدّعی عند إقامة کلیهما البیّنة،فإنّه إن کان بیّنة المنکر مسموعا فی مقام الترافع،فما وجه تقدیم بیّنة المدّعی عند التعارض؟و إن کان غیر مسموع فما وجه القول به عند انفراد المنکر بالبیّنة؟ و تنقیح الکلام و إن کان خارجا عن وظیفة المقام،یبتنی علی التکلّم فی کلّ واحد من المسألتین أعنی:حکم بیّنة المنکر فی صورة الانفراد و حکمها فی صورة التعارض،فنقول و باللّه الاعتصام:أمّا حکمها فی حال الانفراد فالذی یتصوّر قبل النظر إلی أدلّة الباب ثلاثة أنحاء من التصوّر.

الأوّل:أن یکون وظیفة المنکر التخییر بین إقامة البیّنة و الحلف.

ص:379

الثانی:أن لا یکون له إلاّ الحلف و تکون بیّنته لغوا صرفا.

و الثالث:هو البرزخ بین الأمرین،و هو أن لا تکون بیّنته فاصلا و لا لغوا،بل کانت حجة،و یظهر ثمرته أنّه عند وجودها و وجود بیّنة المدّعی توجب سقوط بیّنة المدّعی،فإنّ الذی هو فاصل إنّما هو البیّنة التی لم تعارض بحجّة أخری.و بعبارة أخری ما هو الحجّة فی غیر مقام الترافع،و هو غیر المتزاحم بالحجّة الأخری، و المزاحمة بالید فی سائر المقامات لو أضرّت،و لکن علم فی هذا المقام عدم إضرارها و إلاّ لم یبق مورد للبیّنة،هذه احتمالات مقام الثبوت.

أمّا بحسب مقام الإثبات،فالظاهر من قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«البیّنة للمدّعی و الیمین علی من أنکر»-بمقتضی کون التفصیل قاطعاً للشرکة-أنّ البیّنة حقّ للمدّعی، لیس له الیمین،و الیمین وظیفة تعیینیّة للمنکر لیس له حقّ إقامة البیّنة.

ثمّ هذا هو الوظیفة الأوّلیّة و لا ینافی ثبوت الیمین فی بعض الموارد للمدّعی بدلیل خاصّ خارجی،و لیس بقبال هذا الظهور الذی صار محصّله أنّ البیّنة فی مقام الترافع لیست فاصلة للخصومة لو أقامها المنکر إلاّ أخبار.

منها:ما فی بعضها من قوله:«فإن کانت-أی الدابّة-فی ید أحدهما و أقاما جمیعا بیّنة،قال:أقضی بها للحالف الذی هو فی یده»و هذا لا ینافی مع ما احتملناه أخیرا من کون البیّنة فی جانب المنکر حجّة و لیست کالید،و إن کانت لا تصلح لقطع الدعوی،و فائدتها إسقاط بیّنة المدّعی عن الحجیّة و الفاصلیّة، فیرجع إلی الحلف،فإنّ الخبر ظاهر فی کون الاستناد إلی الحلف لا إلیه و إلی البیّنة.

و بالجملة لا منافاة فیه مع الظهور الذی ادّعیناه فی الخبر الأوّل.

و منها:خبران آخران،و فیهما فی فرض الخبر الثانی أنّه بعد إقامتهما البیّنة قضی الأمیر أو قضی رسول اللّه-صلّی اللّه علیهما و آلهما-للذی هی فی یده،

ص:380

و هذا لا منافاة فیهما مع الخبر الثانی،الحاکم بالرجوع إلی الحلف،فإنّ السکوت عن الحلف فیهما لعلّه کالجری المتعارف بین الفقهاء حیث یعبّرون کثیرا ما فی مقام التعبیر عن المنکر أنّ القول قوله،مع أنّه لا محالة یحتاج إلی الیمین، فالتعبیر فی الخبرین أیضا مناسب لأن یکون فی مقام أنّ المنکر یقبل قوله و لکن مع یمینه.

و منها:عموم أخبار حجیّة البیّنة و عموم قوله:«إنّما أقضی بینکم بالبینات و الأیمان» (1)و قد ظهر جوابهما فإنّ قوله:«البیّنة علی المدّعی و الیمین علی من أنکر» (2)خصّص تلک العمومات ببیّنة المدّعی.

و منها:خبر حفص بن غیاث (3)المشتمل علی جواز الشهادة بالرؤیة فی الید بأنّه ملکه،و فیه:أنّه غیر ما نحن فیه،فإنّ کون الشهادة مستندة إلی الید غیر کونها لذی الید،فإنّ من الممکن أنّ الشاهد رآها فی ید أحد المترافعین قبل الترافع ثمّ ترافعا و قد سقط العین عن ید من رآها الشاهد فی یده.

و منها:خبر البغلة و السرج المشتمل علی تسلیم مولانا أبی الحسن موسی -سلام اللّه علیه-البغلة لمن ادّعاها،و أمره-علیه السلام-بأخذ السرج مستشهدا -علیه السلام-بأنّ عندنا البیّنة بأنّها سرج محمّد بن علی-علیهما السلام- (4).

و فیه أنّ الخبر غیر ممکن الاستدلال،فإنّه وارد فی مقام حسن أخلاقه -علیه السلام-و عدم تشاحّه مع أهل الدنیا،و امتناعه-علیه السلام-عن السرج،لأنّه کان

ص:381


1- 1) الوسائل:الجزء 18،الباب 2،من أبواب کیفیّة الحکم و الدعوی،ص 199،ح 1.
2- 2) مستدرک الوسائل:الجزء 17،الباب 3،من أبواب کیفیّة الحکم و الدعوی،ص 368،ح 4.
3- 3) الوسائل:الجزء 18،الباب 20،من أبواب الشهادات،ص 250،ح 1.
4- 4) المصدر نفسه:الباب 24،من أبواب کیفیّة الحکم و الدعوی،ص 214،ح 1.

واضحا علینا کونه منه-علیه السلام-،فلم یکن-علیه السلام-فیه محتاجا إلی المشاحّة.

و منها:خبر فدک (1)بتقریب أنّه أنکر علی أبی بکر أنّه طلب البیّنة منه -علیه السلام-فی الدعوی علیه مع أنّه لا یطلبها من غیره-علیه السلام-عند الدعوی علیه و لو کان طلب البیّنة من المنکر أمرا منکرا لکان أولی بالمحاجّة.

و فیه أنّ هذا الخبر علی خلاف مقصود المستدلّ أدلّ،فإنّ ظاهره أنّ أبا بکر لا یطلب من المدّعی علیه فی غیر مورد دعواه-علیه السلام-بیّنة،فلم یطلبها منه؟ یعنی مع أنّه یعلم أنّ طلب البیّنة من المنکر لا یجوز،و لهذا یعامل هکذا مع سائر الناس فلم یطالبها منه-علیه السلام-مع کونه منکرا.

ثمّ إنّ هنا أخبارا تدلّ علی عدم الاعتناء ببیّنة المنکر عند إقامة المدّعی للبیّنة بقوله-علیه السلام-فی بعضها:حقّها للمدّعی و لا أقبل من الذی فی یده بیّنة لأنّ اللّه أمر أن یطلب البیّنة من المدّعی،فإن کانت له بیّنة و إلاّ فیمین الذی هو فی یده، هکذا أمر اللّه عزّ و جلّ»و هذا صریح فی الاحتمال الثانی الذی قدّمناه من لغویّة بیّنة المنکر رأسا.

فتکون هذه الأخبار مع الأخبار المتقدّمة الواردة فی الرجوع إلی الحلف عند تعارض البیّنتین متوافقة فی سلب عنوان الفاصلیّة عن بیّنة المنکر،بمعنی عدم إباء الطائفة الثانیة عنه،و یبقی تعارضها فی مقام أصل الحجّیة،فصریح الطائفة الأولی نفیها،و صریح الثانیة إثباتها،لکن لا یضرّ هذا بما نحن بصدده من عدم منافاة فی هذه الأخبار،لما استظهرناه من قوله:«البیّنة للمدّعی إلخ»من انحصار الفاصل فی الأمرین علی وجه التعیین،هذا هو الکلام فی حکم بیّنة المنکر فی صورة الانفراد.

ص:382


1- 1) الوسائل:الجزء 18،الباب 25،من أبواب کیفیّة الحکم و الدعوی،ص 215،ح 3.

و أمّا مع الانضمام إلی بیّنة المدّعی،فالإنصاف عدم الجمع العرفی فی البین، و السند فی کلّ من الطائفتین منجبر بالعمل،و إذن فالمرجع الأخبار العلاجیّة، و لعلّ المرجّح کان مع أحدهما،و لتنقیح ذلک زیادة علی هذا محلّ آخر.

و کیف کان إذا حلف البائع،فإن کان قد اختبر المبیع و اطّلع علی خفایا أمره-کما یختبر فی مقام الشهادة علی الإعسار و العدالة و غیرهما ممّا یکتفی فیه بالاختبار الظاهر-فلا إشکال فی جواز حلفه علی عدم تقدّم العیب أو نفی استحقاق الرد أو الأرش.

و إن لم یختبر ففی جواز اعتماده علی الأصل مع کونه شاکّا إشکال من حیث إنّ دلیل الأصل هل یجوّز له مع کونه شاکّا أن یظهر الواقع إظهارا بتّیا کالعالم، و یحلف علی طبق إظهاره حتّی یصیر موضوعا لحکم غیره-نظیر فتوی المجتهد حیث إنّه یجوّز له دلیل الأصل أن یفتی بمضمونه فیصیر فتواه موضوعا لحکم غیره -أو لا یجوّز له ذلک؟بمعنی أنّه لا یجوز له الإنکار رأسا،لا أنّه یجوز له الإنکار و لا یجوز له الحلف،فإنّ المسألتین من واد واحد،إلاّ أن یقال:إنّ المخاصمة بینهما قائمة بمعنی أنّ البائع حسب الأصل المجعول فی حقّه یمتنع عن أداء الأرش أو ردّ الثمن،و المشتری یرید منه ذلک،فلا بدّ من فاصل لهذه المخاصمة.

فیقع الکلام فی أنّه هل یجوز له الحلف استنادا إلی الأصل أو لا؟و لا شکّ أنّه لو حلف علی نحو ما یقوله بأن یحلف علی أنّه غیر ملزم حسب الأصل الظاهری بالموافقة للمشتری فهذا لیس فاصلا،لأنّه لیس بأمر لا یصدّقه المشتری،بل المشتری أیضا یحلف بأنّ تکلیف البائع حسب حاله من الشکّ إنّما هو العمل علی طبق الأصل الظاهری و لیس مثل هذا فاصلا للخصومة،فلا یبقی إلاّ الحلف علی الواقع بتّا أو علی نفی العلم،و الثانی أیضا کالحلف علی عدم

ص:383

الملزمیّة حسب الأصل غیر نافع فی ما کان المشتری مصدّقا له فیبقی الأوّل.

و قد یقال:بعدم جوازه نظرا إلی أنّ القضیّة الإخباریّة تدلّ بالالتزام علی قطع المخبر بالمضمون،و لهذا تسأل بعد الاخبار بقولک:ممّ علمت؟ثمّ فی مورد الشکّ فی صدق المضمون و عدمه-حیث إنّ الشبهة موضوعیّة و الأصل فیها البراءة-فلا مانع من الإخبار من هذه الجهة،فالمانع الذی یراه کلّ أحد من وجدانه من جهة هذا المدلول الالتزامی،و لا یلزم تعدّد الکذب،فإنّ المدّعی أنّه قبیح مستقلّ و لو لم یسمّ کذبا.

و حینئذ نقول:یمکن الفرق بین مقام الإخبار عن الموضوعات و مقام الإخبار عن الأحکام،ففی الثانیة یجوز الإخبار عن الحکم الواقعی مع أنّ المستند هو الأصل الظاهری،لأنّ طبع الإخبار بقرینة المقام-حیث کثر و شاع فیه ذلک-قد انقلب عن الظهور فی الجزم بالواقع الحقیقی إلی الجزم بالأعم من الحقیقی و الجعلی،و أمّا فی الموضوع کما لو أخبر بمجیء زید،فلم یتعارف فیه ذلک،فالظاهر الأوّلی محفوظ،فلو أخبر بمقتضی أصل ظاهری تحقّق فیه ذلک الأمر القبیح، أعنی:القول بغیر علم،علی ما عرفت من کونه قبیحا مستقلاّ غیر عنوان الکذب،نعم یمکن التعدّی إلی الأمارات العرفیّة مثل الید فی باب الملکیّة لأنّها بمنزلة العلم عرفا.

إذا عرفت ذلک فنقول:لا یصحّ للبائع فی مقامنا عند تعذّر إقامة المشتری البیّنة أن یحلف الحلف البتّی علی عدم الاستحقاق أو نفی تقدّم العیب،لفرض کونه شاکّا،و الأصل لا یجوّز له ذلک،لکونه إخبارا عن الموضوع الخارجی و کونه مستلزما للقول بغیر علم.

و حینئذ فإن ادّعی المشتری أنّ البائع عالم فیتنجّز علیه التکلیف بالردّ،فله

ص:384

الحلف علی نفی العلم و هو تفصل هذه الخصومة،و الخصومة الأصلیّة بحالها،و أمّا إن اعترف هو أیضا بکونه شاکّا أو تردّد فی صدقه و کذبه فحینئذ لیس لنا منکر،إذ المنکر عبارة عمّن ینفی أمرا یثبته غیره،و أمّا مجرّد النفی بلا مدّع فی القبال فلا یجعله منکرا،نعم البائع ناف للعلم،و المشتری غیر مدّع له،و المشتری مدّع لحقّ الخیار أو التقدّم،و البائع غیر منکر له،فلم یتعلّق النفی و الإثبات من الطرفین بقضیّة واحدة حتّی یقال بشمول قوله:«و الیمین علی من أنکر»للبائع فی المقام، حتی یقال:بعد عدم إمکان الحلف البتّی بلزوم الحلف علی نفی العلم و القول بکونه فاصلا للخصومة الأصلیّة.

و حینئذ فیبقی الأمر دائرا بین أمور،الأوّل:أن یبقی الأمر معطّلا إلی أن یقدر المشتری علی إقامة البیّنة.

الثانی:أن یقال:لا یرضی الشارع بالتعطیل و حصر الفاصل فی البیّنات و الأیمان،فیقال:إنّ المقام مقام ردّ الثمن إلی المشتری،لا بمعنی أنّه مورد الیمین المردودة،فإنّه فی ما إذا توجّه الیمین إلی المنکر فامتنع فردّ إلی المدّعی،فلا یشمل المقام الذی لم یتوجّه إلیه ذاتا،إلاّ أن یقال باستفادة أنّه متی لم یمکن استفادة الیمین من جانب المنکر أعمّ من جهة امتناعه أم من جهة عدم إمکان نفس الحلف،فالیمین حقّ المدّعی.

الثالث:أن یقال:یتوجّه الیمین إلی المشتری أیضا لکن بدلیل لا ضرر، و لکنّک خبیر بعدم تمامیّة شیء من الوجهین،لأنّ المناط غیر منقّح و اللّفظ غیر شامل،و أمّا قاعدة«لا ضرر»فإجرائها فی طرف البائع أولی،لأنّه متضرّر بأخذ المال الذی تحت یده منه و انتزاعه من یده قهرا علیه.

و بالجملة:فلا یعلم لمطابقة حلف المشتری هنا للقواعد،کما اعترف به

ص:385

شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-وجه،و هو-قدّس سرّه-أعلم بما أفاد.

ثمّ إنّ فی التذکرة بعد ما حکی عن بعض الشافعیّة جواز الاعتماد علی أصالة السلامة فی هذه الصورة قال:و عندی فیه نظر،أقربه الاکتفاء بالحلف علی نفی العلم،انتهی.

و الظاهر أنّ من یقول بالاکتفاء فی فصل أصل الخصومة بیمین نفی العلم إنّما یقول به لأجل القاعدة،و علیه فلا فرق بین صورة الاختبار و إمکان الحلف البتّی و بین صورة عدمه،فمع إمکان الحلف علی الواقع لأجل الاختبار یحصل التخییر بین الیمینین،و کلّ منهما فاصل للخصومة و مسقط لأصل الدعوی و عبارة التذکرة ساکتة من هذا الحیث،أعنی:الاختصاص بصورة تعذّر الیمین البتّی،و التعمیم لصورة إمکانه.

و فی عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-هنا شبه تدافع،حیث إنّه سلّم أوّلا ظهور عبارة التذکرة فی الاختصاص،ثمّ ذکر ما هو صریح فی عدم ظهورها فیه و الأمر سهل.

فرع:لو باع الوکیل فوجد به المشتری عیبا یوجب الرد

فلا کلام فی صورة عدم الاختلاف،فإنّ الوکیل الخاصّ أجنبی و لا عهدة علیه،و غیره أعنی:الوکیل المطلق کعامل القراض و الولیّ علی الصغیر یجوز له الإقدام بمقتضی العیب من ردّ الأرش أو الثمن.

إنّما الکلام فی صورة الاختلاف فی تقدّم العیب و حدوثه،و هذا أیضا قد یفرض مع معلومیّة الوکالة بین الطرفین،و قد یفرض مع الاختلاف فیها أیضا،أمّا صورة العلم بالوکالة فلا إشکال فی الوکیل الخاص،فإنّه أجنبی لا یسمع إقراره و لا ینفع یمینه.

ص:386

و أمّا الوکیل المطلق و الولی علی الصغیر و السفیه و المجنون،فیقع الکلام فی أنّ إقرارهما یوجب اشتغال ذمّة الموکّل بالأرش أو بردّ الثمن،ثمّ علی فرض ذلک هل یوجب یمینهما أثرا و یرفع الدعوی عن الموکّل،أو أنّ الیمین متوجّه إلی الموکّل؟و کذا الکلام فی الولیّ.

قد یقال:بأنّ إقرار الوکیل المطلق و الولی علی حسب القاعدة نافذ فی حقّ الموکّل و المولّی علیه و یوجب الاشتغال عند الشکّ،و لیس للموکّل و المولّی علیه بعد البلوغ و الرشد الاعتراض علیه،نعم لو ادّعی الخیانة فهو أمر آخر نظیر ما لو ادّعی علی عدالة الشهود أو علی اجتماع شرائط الحکومة فی الحاکم،أو علی کون إقراره علی نحو رسم القبالة.

و الحاصل:فرق بین الادّعاء علی الموضوع الذی صار نافذا و محکوما بالإمضاء شرعا و بین الادّعاء فی خصوصیّات القضیّة مع التسلیم للموضوع بأن یقول الموکّل:لا أعلم اشتغال ذمّتی بشیء،و کذا المولّی علیه بعد البلوغ،فإنّه فی ذلک نظیر ما لو أنکر بعد الإقرار و ادّعی أنّه سها فی الإقرار الأوّل،فإنّه لا یسمع منه،و فی ما نحن فیه أیضا مقتضی أدلّة الولایة و الوکالة المطلقة صیرورة إقرار الوکیل و الولی مثل إقرار نفس الموکّل و إقرار نفس المولّی علیه عند اجتماع شرائط صحّته،هذا فی الإقرار.

و أمّا الیمین فلا وجه لقیام یمین الوکیل و الولیّ مقام یمین الموکّل و المولّی علیه،فإنّ الدلیل اقتضی ثبوت الیمین علی المدّعی علیه،و لیس هو إلاّ الموکّل و المولّی علیه،لأنّه الذی یرجع إلیه ضرر الدعوی،و أمّا الوکیل و الولیّ فلا یتخسّران من قبل هذه الدعوی بشیء.

و الحاصل:أنّ هنا فی الوکیل المطلق و الولی المعلومین کلامین،الأوّل:هل

ص:387

ینفذ إقرارهما علی الموکّل و المولّی علیه[حتّی]یلزما علی حسبه،و الثانی:فی أنّه لو أنکرا هل یتوجّه الیمین إلیهما أو لا؟ و الحقّ فی الأوّل أن یقال:إنّ من هو مکلّف بتکلیف فهو فی تشخیص موضوع تکلیفه یتبع نظر نفسه،فإذا کان الولیّ و الوکیل المطلق مکلّفین بحفظ مال المولّی علیه و الموکّل و بردّ حقّ الغیر علیهما فی مالهما إلی ذلک الغیر،ففی تشخیص أنّ أیّ موضوع مال للمولّی علیه و الموکّل یجب تسلیمه و قبوله،و أیّ مال حقّ للغیر فی مالهما یجب دفعه إلی الغیر یکون المتّبع نظرهما،و یکونان مأخوذین بنظرهما،فکما أنّ من قطع بأنّ هذا المائع خمر لا بدّ من أن یجتنب،و لو امتنع یلزمه الحاکم و سائر المسلمین،کذلک الوکیل و الولیّ المقرّان فی مسألتنا أیضا یجب علیهما العمل علی طبق علمهما،و لو امتنعا فللحاکم و سائر المسلمین إلزامهما و أمرهما من باب الأمر بالمعروف،هذا فی المقام الأوّل.

أمّا المقام الثانی:فالحقّ فی الولیّ عدم جواز الحلف لعدم توجّه الضرر إلیه، و أمّا الوکیل فی المضاربة فیمکن أن یقال بصحّة حلفه نظرا إلی أنّ الربح و لو بعد تمام الحول و ملاحظة ربح جمیعه و خسرانه و ما بقی بعد وضع الخسران من الربح یکون مقدار منه حقّا له یتلقّاه من البائع الموکّل،فتکون دعوی حقّ الفسخ ضررا علیه بهذه الملاحظة،فإنّه مفوّت علیه الربح الذی هو فی معرض الحصول له.هذا فی الولی و الوکیل المعلومین.

و أمّا المجهولان العاجزان عن إثبات الوکالة و الولایة علی المشتری،و قد ادّعی المشتری علیهما تقدّم العیب،فظاهر عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه- أنّهما یؤخذان بإقرارهما بتقدّم العیب،و یتوجّه الحلف إلیهما علی عدمه مع الإنکار قبل أن یحلف المشتری علی عدم الوکالة و الولایة.

ص:388

و لذا یورد علیه بأنّه لا وجه له بعد أنّ هذه أعنی:دعوی المشتری مالکیّة الولیّ و الوکیل أیضا خصومة مدّعیها الوکیل و الولیّ،و منکرها المشتری،فإنّه و إن کان مثبتا للمالکیّة و هما نافیان لها و لکن ظاهر الید مع المشتری،فاللازم أوّلا حلف المشتری علی عدم الوکالة و الولایة،ثمّ توجیه الدعوی الأخری إلیهما بعد ثبوت أصالتهما.

و لکنّه مدفوع بأنّ ظاهر قول الولیّ و الوکیل فی مقام البیع:«بعتک»خصوصا إذا قال:«مالی»أنّه هو المالک،و لو قلنا فی الفضولی أنّه لا یتقوّم وصف المبیعیّة بهذا،و لکن لا شبهة فی أنّه ظاهر،فیکون إقرارا منهما علاوة علی ظاهر یدهما بأنّهما المالکان،فهما مأخوذان بهذا الظاهر حتّی یثبتا خلافه،فلا حاجة إلی حلف المشتری علی کونهما أصیلین.

و کیف کان فإن اعترف الوکیل بالتقدّم و کان وکیلا فی شخص المعاملة، و صار بعدها أجنبیّا،فلا بدّ من دفعه المال من مال نفسه،و لا یجوز له الدفع من عین الثمن مع وجوده و إمکان دفعه،و لا دفع بدله من مال الموکّل مع تلفه،لأنّه أجنبی،و من هنا یصحّ کونه مدّعی علیه فیدفع عن نفسه هذا الضرر الذی یتوجّه لو اعترف.

و إن کان وکیلا مطلقا فإن کان الموکّل حاضرا و أثبت علیه بالبیّنة أنّه ساه فی إقراره،و لکنّه لم یرجع عن إقراره للمشتری،فکذلک لا بدّ من أن یدفع مقدار الثمن من مال نفسه کما أنّه یحلف لدفع هذا الضرر المتوجّه مع الاعتراف فی صورة الإنکار،و أمّا مع عدم حضوره أو عدم اعتراضه علیه فی إقراره،فلا شکّ فی أنّه حینئذ یدفع عین الثمن مع وجوده و بدله من مال الموکّل مع تلفه،و حینئذ لا یصحّ حلفه مع إنکاره،لأنّه غیر مدّعی علیه.

ص:389

ثمّ فی الصورة التی قلنا بصیرورته مدّعی علیه لوجوب دفعه من مال نفسه لو دفع و ردّ المشتری إلیه المثمن،فهل یکون المال ذاهبا عن کیسه و لا رافع له،أو له طریق للتخلّص؟ قد یقال:حکم الحاکم و إلزامه بدفع البدل فی صورة موجودیّة الثمن و کونه عینا شخصیّة لا کلّیّا فی الذمّة،معناه المعاملة مع هذا معاملة العوضیّة لذلک الثمن الشخصی،و لازم ذلک صیرورة ذلک الثمن منتقلا إلی الوکیل،و حیث إنّه فی ید الموکّل و هو ممتنع عن البذل فللوکیل المقاصّة من عین المثمن الموجودة فی یده.

هذا فی العین الشخصیّة الموجودة،و أمّا التالفة و الکلّی فی الذمّة،فیمکن أن یقال:إنّ الوکیل قد نزل منزلته فی الظاهر فی أداء ما فی ذمّته،لأنّه نزل مالکا واقعیّا فهو مؤد دینا ثابتا فی ذمّته،و حیث إنّه غیر متبرّع فی هذا الأداء فله المقاصّة من عین المثمن الموجودة فی یده التی هی ملک للموکّل حسب علمه بتقدّم العیب و فسخ المشتری.

و لکن فیه أنّ جعل البدلیّة غیر ملازم مع جعل المبدلیّة فی مقام التعبّد،و إن کان ملازما بحسب الواقع،و إلاّ فلا بدّ من الالتزام بجواز وطی الزوج المرأة التی یعلمها أجنبیّة بمجرّد دعواها الزوجیّة و حلفها علیها مع حکم الحاکم بها،إذ لا فرق بین الزوجیّة و البدلیّة،فکما أنّ البدلیّة لا تتحقّق إلاّ من طرفین فکذلک الزوجیّة،هذا.

و یمکن أن یقال بأنّ للوکیل حقّ دعوی سبق العیب بالنسبة إلی الموکّل سواء فی العین الشخصیّة الموجودة أم التالفة و الثابت فی الذمّة،أمّا فی العین الشخصیّة الموجودة،فیقال فی تقریب ذلک:إنّ صدق عنوان المدّعی یتوقّف علی

ص:390

وجود نفع فی صدق ما یقوله الشخص عائد إلیه،و فی هذا المقام ذلک موجود، فإنّ الوکیل لو أثبت علی الموکّل بحکم الحاکم و إقامة البیّنة سبق العیب یلزمه أن یردّ العین الشخصیّة الموجودة من الثمن إلی المشتری حسب إقراره بأنّه الموکّل مع وجدان فسخ المشتری،و إذا ردّ العین إلی المشتری،صار هذا موجبا لاسترداد الوکیل من المشتری ماله الذی أعطاه لعدم القدرة علی العین،فإنّه یقول للمشتری:هذه العین و ادفع عوضها.

إلاّ أن یقال:إنّ المشتری غیر ملزم بأخذ العین من الموکّل،لأنّ المعتبر فی الفسخ أن یرجع العین بعین الملک السابق إلی الفاسخ،فلا ینفع عودها بملک جدید،و فی هذا المقام-حسب إقرار الوکیل بالمالکیّة فی ضمن صیغة البیع، و کون العین فی ید الموکّل-یصحّ للمشتری الامتناع،و أن یقول:هنا إقراران،لی الأخذ بأیّهما شئت،أحدهما من الوکیل،و الآخر من الموکّل،و بأیّهما وجّهت دعوای کان لها اقتضاء،فمقتضاها فی الوکیل دفع البدل و فی الموکّل دفع العین،و حیث اخترت الدعوی علی الوکیل،لا یجب علیّ الأخذ للعین من ید الموکّل،أخذا للوکیل بإقراره.

ثمّ إذا لم یحلف الوکیل و نکل فحلف المشتری الیمین المردودة و ردّ العین علی الوکیل فهل للوکیل ردّها علی الموکّل أو لا؟و جهان بناهما فی القواعد علی کون الیمین المردودة بمنزلة إقرار المنکر،فلا ینفذ فی حقّ الموکّل،أم بمنزلة البیّنة فیفید فی حقّه.

و اعترضه جامع المقاصد بأنّه لا وجه للحکم علی الموکّل للوکیل بالبیّنة التی یکذّبها الوکیل،اللّهم إلاّ أن یکون مدرکه الأصل،و انتصر مفتاح الکرامة للعلاّمة بأنّ الاعتراض مبنیّ علی کون الیمین بمنزلة بیّنة الرادّ التی یقیمها علی الموکّل،فإنّ

ص:391

تکذیبه حینئذ مضرّ،و لکنّ المعروف أنّه بمنزلة بیّنة المدّعی،و حینئذ فکما لم یضر تکذیبه فی نفوذها علی نفسه،فکذلک فی نفوذها علی الموکّل.

و اعترضه شیخنا المرتضی-قدّس أسرارهم-بأنّ کونه بمنزلة بیّنة المدّعی لا یستلزم إلاّ نفوذها علی الوکیل،و أمّا نفوذها علی الموکّل للوکیل المکذّب لها فلا، و الحاصل:تکذیبه لا یضرّ فی مقام النفوذ علی ضرره،و مضرّ فی مقام النفوذ لأجله و نفعه.

و انتصر شیخنا الأستاذ-دام بقاه-للعلاّمة-قدّس سرّه-بإمکان أن یقال:

إنّ طبع الحکم الصادر من الحاکم طبع مدرکه،فإن کان هو الإقرار،فحیث إنّ الإقرار لا یثبت إلاّ ما کان ضررا علی المقرّ من دون إثبات و نفی بالنسبة إلی الواقع، فکذلک الحکم الصادر من الحاکم فی مقام الإقرار أیضا لا یتعدّی عن مقدار ضرر المقرّ،و إن کان المدرک هو البیّنة،فکما أنّ البیّنة متعرّضة لإثبات الواقع أو نفیه،فکذلک الحکم أیضا نافذ بالنسبة إلی الواقع،فإذا قامت البیّنة علی السبق فی مقامنا فحکم الحاکم یثبت السبق الواقعی،و الانفساخ علی المالک الواقعی، و حیث إنّ الوکیل بحسب ظاهر الصیغة قال:أنا المالک،حکم علیه بالانفساخ.

و الحاصل ینحلّ حکمه هذا إلی حکمین،حکم علی الوکیل،و حکم علی الموکّل.أمّا علی الوکیل فواضح،و أمّا علی الموکّل فلأجل أنّه المالک الواقعی، و نقض حکم الحاکم غیر جائز،فیقول الوکیل للموکّل:أنت محکوم بحکم الحاکم و لا یجوز لک نقضه،فاردد عین الثمن إلی المشتری،فإذا ردّه إلیه استردّ هو ما دفعه من البدل،هذا.

و لکن یمکن الخدشة بأنّ حال هذا الحکم بعینه حال ما إذا قال الشخص لأحد مبنیّا علی إحراز صداقته:ادخل داری،و کان عدوّا و کان آخر صدیقا،و لازم

ص:392

هذا الکلام أنّه یجوز للآخر الدخول.

و الحلّ أنّ الحکم الوارد علی الخاص یصح نسبته إلی المهملة،لکن لا سرایة له إلی غیر الخاص،بخلاف ما إذا ورد ابتداء علی المهملة،فإنّ لازمه السرایة،و هنا لا ملاک لحکم الحاکم بالنسبة إلی جامع المالک،لعدم تحقّق الدعوی علیه،و إنّما المتحقّق هو الدعوی علی شخص الوکیل،فالحکم إنّما وقع علیه و فی ضمنه تعلّق لجامع المالک،و مثل هذا التعلّق لا یوجب السرایة،هذا و قد اعترف هو-دام ظلّه-أیضا بعض الاعتراف بورود هذا الإشکال،و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطاهرین.

الرابعة:لو ردّ سلعة بالعیب فأنکر البائع أنّها سلعته

فهیهنا صور،الأولی:

أن یکون اختلافهما فی ثبوت الخیار ناشئا من الاختلاف فی کون هذا مبیعا أو غیره، الثانیة:أن یتّفقا فی أصل الخیار و لکن اختلفا فی تعیین المبیع،و هذا علی أنحاء:

الأوّل:أن یکون فی ید المشتری عینان،فیدّعی البائع إحداهما أنّها مبیعه،و یدّعی المشتری الأخری،الثانی:أن یدّعی ذلک من دون أن یکون فی البین عین أخری، الثالث:أن یدّعی تلف مبیعه و هذا أیضا إمّا فی خیار العیب و إمّا فی غیره من سائر الخیارات الغیر الساقطة بالتلف.

أمّا الصورة الأولی:فالأصل مع البائع لأصالة عدم وقوع البیع علی هذا،و لم یقع علی مبیع معیب آخر باعترافهما ینتج عدم ثبوت حقّ الخیار،کما یستصحب عدم إصابة البول للثوب،و یضمّ مع القطع بعدم إصابة الدم و غیره من النجاسات فنحکم بعدم النجاسة.

أمّا الثانیة:فالأصل مع المشتری،و ذلک لأنّ یده علی العین الأخری امارة ملکیّته،و هی و إن کانت ثابتة بالنسبة إلی العین الأولی،لکنّها ساقطة بواسطة

ص:393

سلبه ملکیّتها عن نفسه،و حینئذ فیؤخذ بمقتضی أماریّة الید و یحکم بمقتضی الملازمة فی ما بین ملکیّة تلک و مبیعیّة هذه بمبیعیّة هذه.

أمّا الثالثة:فقد یقال:إنّ الأصل أیضا مع المشتری،لأصالة عدم الخیانة، و فیه:أنّه من الممکن تبدیل المبیع اشتباها من دون تعمّد،و علی فرض عدم احتمال ذلک فالأصل المذکور لا یثبت الوضع،کما لا یمکن الحکم بوجوب ردّ السلام عند سماع کلمة من أحد مردّدة بین الفحش و السلام،فالظاهر أنّ مرجع الاختلاف حینئذ إلی التداعی،لأصالة عدم وقوع العقد علی هذا و أصالة عدم وقوعه علی غیره الذی یدّعیه البائع.

و أمّا الرابعة:و هی دعوی البائع التلف فی خیار العیب،فیرجع النزاع فی ثبوت الخیار،و لا یجری هنا استصحابه،لأنّ الأصول أیضا لا تجری إلاّ بعد إحراز موضوعها و بعبارة أخری بعد إحراز القدرة علی متعلّقاتها،و فی المقام هذا المعنی غیر حاصل،فإنّ موضوع الخیار أو أثره الذی لا ینفکّ هو الترادّ الواقع فی ما بین العینین،و مع الشکّ فی التلف لا یحرز القدرة علی هذا الموضوع،فکیف یستصحب نفس جواز الترادّ أو جواز العقد الذی أثره جواز الترادّ؟و هل هو إلاّ کاستصحاب بقاء الماء فی الحوض لیرتّب علیه وجوب الوضوء؟أو بقاء العالم فی الدار لیرتّب علیه وجوب تقبیل الید؟ و القول بأنّ استکشاف القدرة بالأصل لا یبتنی علی الأصل المثبت،لأنّ هذا من لوازم الأعمّ من الحکم الظاهری و الواقعی،فیحکم بأنّ المبیع هذه العین الموجودة،فیه ما لا یخفی،و إذن فالمرجع أصالة عدم وقوع العقد علی هذه العین، بضمیمة تسالمهما علی عدم وقوع العقد علی شیء آخر منتج للترادّ،هذا فی خیار العیب.

ص:394

و أمّا فی سائر الخیارات فإن کان الذی یدّعیه البائع تالفا مثلیّا و کان الموجود مثله،انقطعت الدعوی،لأنّه علی قول المشتری عین حقّ البائع،و علی قول البائع بدله،فیجب علیه دفع الثمن،و إن کان مثلیّا و لکن یدّعی البائع تفاوته مع هذا الموجود بالزیادة و النقیصة فکالسابق،لأصالة عدم اشتغال ذمّة المشتری بأزید من هذا الذی یدفعه،و إن کان مثلیّا و یدّعی تفاوته بما یرجع إلی التباین،أو کان قیمیّا فالظاهر رجوع النزاع إلی التداعی.

و أمّا الثانیة أعنی:الاختلاف فی المسقط،ففیها أیضا مسائل:
الأولی:لو اختلفا فی علم المشتری بالعیب و عدمه،

فالظاهر التفصیل بین ما إذا کانت الحالة السابقة هو عدم العلم فالقول قول المشتری،لأصالة بقائه، فیحصل لنا عقد واقع علی المعیب و الحال أنّ عاقده غیر عالم،فإنّ قوله-علیه السّلام-:

«و لم ینبّهه»لا یفید موضوعیّة التنبیه بل کونه مقدّمة للتنبّه و لم یعتبر التنبّه قیدا فی العقد،کما یحتمل فی الوقوع فی غیر جزء غیر المأکول فی الصلاة حتی یرد إشکال المثبتیّة،بل فی العاقد فیکون کاشتراط الصلاة بطهارة المصلّی،و إن کانت الحالة السابقة هو العلم فالقول قول البائع،فإنّ إعطاء الأثر فی المنطوق لعدم العلم یعطی أثر الضدّ مفهوما للعلم.

الثانیة:لو اختلفا فی زواله قبل علم المشتری أو بعده،

فهنا مبنیان یختلف باختلافهما تعیین المنکر عن المدّعی.الأوّل:أنّ الموجب للخیار هو العیب الواقعی،غایة الأمر إنّ زواله قبل العلم مسقط و رافع،فعلی هذا القول قول المشتری،لأصالة بقاء العیب و عدم زواله.

الثانی:أنّ الموجب ظهور العیب کما هو الظاهر من عبارة التذکرة،فعلی هذا القول قول البائع لأصالة عدم تحقّق الموضوع أعنی:العلم بالعیب الفعلی،

ص:395

و لا تجری أصالة بقاء العیب إلی حین العلم،لأنّه بالنسبة إلی تعلّق العلم بالعیب حاله مثبت.

و لو اختلفا بعد حدوث عیب جدید و زوال أحد العیبین فی کون الزائل هو القدیم أو الحادث،فقال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:مقتضی القاعدة بقاء القدیم الموجب للخیار،و لا یعارضه أصالة بقاء الجدید،لأنّ بقاء الجدید لا یوجب بنفسه سقوط الخیار إلاّ من حیث استلزامه لزوال القدیم،و قد ثبت فی الأصول أنّ أصالة عدم أحد الضدّین لا یثبت وجود الضدّ الآخر لیترتّب علیه حکمه.انتهی کلامه-رفع فی الخلد مقامه.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-أوّلا:بأنّ الأصل إنّما یجری مع الشبهة الخارجیّة لا المفهومیّة المنفکّة عن الخارجیّة،مثلا لو علمنا أنّ هذه الصلاة الخاصّة إلی الجهة الخاصّة فی ما إذا صلّی إلی جهات أربع فاقدة الطهارة،فلا یمکن إجراء قاعدة الفراغ بالنسبة إلی الصلاة الواقعیّة المستقبلة للقبلة،و فی المقام أیضا معلوم أنّ عیب العمی مثلا زائل و عیب الصمم مثلا باق،فلا یبقی إلاّ الشبهة فی مفهوم العیب السابق بما هو هذا العنوان.

و ثانیا:سلّمنا جریان الأصل فی مثل هذه الشبهة،قولکم إنّ أصالة بقاء الجدید لا یوجب سقوط الخیار إلاّ بالاستلزام لم نعلم له وجها،فإنّ بقاء الجدید یترتّب علیه بلا واسطة أثر و هو انتفاء الردّ لعدم قیام العین و یعیّن الأرش، و حینئذ فالقاعدة تقتضی إجراء کلا الأصلین مع الإغماض عن الإشکال الأوّل، فیحکم ببقاء العیبین معا،و مقتضاهما بقاء أصل الخیار،لکن یتعیّن أحد شقّیه و هو الأرش،فإنّ مقتضی العیب القدیم لیس إثبات الردّ تنجیزا بل معلّقا بقیام العین،و مقتضی بقاء العیب الحادث انتفاؤه تنجیزا،و لا معارضة بین التنجیزی مع

ص:396

التعلیقی،و لا یضرّ مخالفة الأصلین للعلم الإجمالی بزوال أحد العیبین،فإنّه لا یترتّب علی إجراء کلیهما مخالفة عملیّة،فإنّ الاحتمال بین سقوط کلّ من الردّ و الأرش و هو علی تقدیر بقاء الحادث و زوال القدیم،و ثبوت الأرش و الردّ معا،و هو علی تقدیر زوال الحادث و بقاء القدیم.

ثمّ بناء علی ما هو التحقیق من عدم جریان الأصل الموضوعی یکون المرجع هو الأصل العملی الجاری فی الحکم،و هو أصالة بقاء الأرش و انتفاء الردّ بناء علی کون الموجب للخیار هو العیب الواقعی،فیکون البائع مستفیدا بحلفه بنفی الردّ، و المشتری بأخذ الأرش.

نعم لو قلنا:بأنّ الموجب هو العلم بالعیب قبل زواله،فالأصل مع البائع فی نفی کلا الأمرین،لأصالة عدم تحقّقهما لا لأصالة عدم تحقّق العلم الموجب، و ذلک لعدم الشبهة الخارجیّة نظیر ما تقدّم فی الأصل الموضوعی المتقدّم.

الثالثة:لو کان عیب مشاهدا غیر ما اتفقا علیه

و ادّعی البائع حدوثه و المشتری قدمه،فله صورتان،الأولی:أن یکون المشتری راضیا بذلک العیب المتّفق علی سبقه حال العقد إذ وقع العقد مع التبرّی عن مثله،و الحاصل لم یکن من جهته خیار للمشتری.و الثانیة:أن یکون الخیار موجودا من ناحیته.

ففی الصورة الأولی:یکون الحال کالعیب المنفرد لو اختلفا فی سبقه و لحوقه،فیکون الأصل مع البائع،لأصالة عدم تحقّق موجب الخیار،و فی الثانیة یکون الأصل مع المشتری،لأصالة عدم تحقّق المسقط،نعم لیس له الأخذ بزیادة الأرش الآتیة بملاحظة العیب الجدید،لأصالة براءة ذمّة البائع من تلک الزیادة، و أصالة عدم هذا العیب حین العقد لا یثبت عنوان التأخّر و الحدوث عند المشتری الذی هو الموضوع للإسقاط،و من هنا یظهر الحکم فی ما لو اختلفا فی الزیادة عن

ص:397

المقدار المتّفق علیه من العیب الواحد،و لو فرض الشکّ و وقوع الخلاف فی أصل تحقّق الزیادة و العدم عند المشتری فلا إشکال أنّ الأصل عدم الزیادة.

الرابعة:لو اتّفقا فی سبق العیب و اختلفا فی البراءة عنه و عدمها،

فقد یقال بأنّ مرجع النزاع إلی دعوی کلّ منهما أمرا مقیّدا،أمّا المشتری فیدّعی وقوع العقد مقیّدا بوصف الصحّة،و أمّا البائع،فلأنّه یدّعی أنّه قد أقام القرینة علی عدم إرادة ذلک القید المنصرف إلیه،فیرجع دعواه إلی تقیید آخر فی العقد و هو التقیید بالبراءة عن العیب،و لا أصل یعیّن أحد القیدین.

و قد یقال:إنّه و إن لم یکن فی البین أصل عملیّ موضوعی،إلاّ أنّ فی المقام أصلا لفظیّا فی جانب المشتری و هو أصالة عدم القرینة الصارفة للّفظ عن طبعه، و لیس مرجع أصالة عدم القرینة إلی أصالة عدم السهو حتّی یقال:إنّه فی مثل المقام ممّا وقع الخلاف بین المتخاطبین لیس علیه بناء من العقلاء،و ذلک لفرض البناء علی عدم القرینة مع فرض القطع بعدم الغفلة و احتمال وجود القرینة العهدیة.

و الحقّ عدم جریان هذا الأصل أیضا،و ذلک لعدم إحراز بناء العقلاء لو صرّح نفس المتکلّم بأنّه أقام قرینة متّصلة بالکلام علی إرادة خلاف الظاهر، فلاحظ باب الأقاریر،فإنّه لو أقرّ بأنّ لزید علیه عشرة ثمّ ادّعی أنّه أراد من لفظ العشرة التسعة لم یسمع منه،لأنّ هذا علی خلاف ما استقرّ علیه بناء نوع أهل المحاورة،نعم من جری دیدنه علی ذکر قرائن کلامه منفصلات لیس فیه هذا المعنی،و لکن لو ادّعی أنّه أقام القرینة علی إرادة التسعة بأن قال:إنّی وصلت بقولی عشرة قولی:إلاّ واحدا،لم یؤخذ بإقراره الأوّل،و لا أقلّ من الشکّ فی الأخذ و مقامنا من هذا القبیل.

ص:398

فالتحقیق عدم الأصل الموضوعی لا العملی و لا اللفظی فی المقام،نعم لا بدّ من تنقیح أنّ المعیار فی باب خیار العیب أیّ موضوع حتّی یکون اللزوم مترتّبا علی عدمه،أو أیّ موضوع حکم علیه باللزوم و حکم عند فقده بالخیار؟ فنقول:یمکن أن یقال:إنّا لا ننظر إلی حیث کون العقد مأخوذا فیه قید الالتزام بوصف الصحّة أو لا،بل ندور مدار ما یستفاد من الخبر الوارد فی خیار العیب و نأخذ بما هو ظاهره،و لا شبهة أنّ ظاهر قوله:«أیّما رجل اشتری شیئا و به عیب أو عوار و لم یتبرّأ إلیه و لم یتنبّه إلخ»أنّ هنا ثلاثة أمور،أحدها وجودیّ و هو الاشتراء للمعیب،و الآخران عدمیّان و هما عدم التبرّی و عدم التنبّه،فالموضوع مرکّب.أو یقال:إنّه مقیّد،و لکنّ العدمی لم یؤخذ قیدا فی العقد بأن یکون الموضوع العقد المقیّد بوصف عدم وقوع التبرّی فیه حتّی لا یکون له حالة سابقة، بل فی العاقد فیصحّ استصحاب عدم التبرّی حالا فی العاقد،و یترتّب علیه أنّ عقده الصادر فی المعیب موجب الخیار.

ثمّ قد یقال:إنّ سماع المشتری لیس له دخل فی الأثر بل المعتبر الإتیان بالمظهر علی الوجه المتعارف،فلو کان المشتری أصمّ و لم یسمع صدق أنّ البائع تبرّأ إلیه من العیب،کما یصدق أنّه سلّم علیه لو لم یسمع السلام،و علی هذا یمکن حمل مکاتبة جعفر بن عیسی حیث إنّ السائل فرض وجود التبرّی من البائع واقعا و إنّما فرض تردّد المشتری،فجواب الإمام-علیه السّلام-مبنیّ علی بیان حکم الواقع،و أنّه بمجرّد الشکّ لا ینقلب الحکم الواقعی،و لو حمل علی تصدیق المشتری بوجود التبرّی و إنّما یدّعی أنّه لم یسمعه،و أنّ للسماع أیضا مدخلا، فتصیر الروایة أصرح فی هذا المدّعی.

لکن الذی یبعّد الحملین لفظ«یصدق»أو«لا یصدق»الواقع فی السؤال

ص:399

حیث إنّه ظاهر فی تسلیم أصل مدخلیّة السماع واقعا،و إنّما السؤال عن مقام الإثبات،إلاّ أن یقال:إنّ المراد بهذین اللفظین ما عقّبه السائل عقیب کلّ منهما من قوله:فلا یجب علیه الیمین و قوله:فیجب علیه الیمین،و تخلّل الفاء من قبیل تعقیب المجمل بالمفصل.

ثمّ علی ما ذکر لا بدّ من الحلف علی نفی البراءة واقعا،و أمّا بناء علی ما یظهر من شیخنا المرتضی من مدخلیّة السماع فی الأثر،فهل الحلف متعلّق بنفی العلم؟ قد یورد علیه:بأنّا لو سلّمنا التبادر فإنّما هو لأجل مناسبة مقام الإقدام، و أنّ المشتری مع علمه بالتبرّی أقدم علی إدخال المعیب فی ملکه،فلا بدّ من صیرورة المنصرف إلیه هو الإقدام،و لا وجه لجعله حکمة و علّة لحصول الانصراف إلی العلم و السماع،و علی هذا فلا بدّ من الحلف علی نفی الإقدام.

بقی فی الروایة المذکورة إشکال آخر و هو أنّه فرض السائل أنّ البراءة وقعت عند نداء المنادی فیستشکل بأنّ المؤثّر إنّما هو ما وقع فی متن العقد دون ما وقع قبله حین النداء.

و الجواب:أنّا إن بنینا فی اعتبار عدم التبرّی فی الخیار من جهة الخبر،فلا شکّ أنّه کما اعتبر الاشتراء للمعیب اعتبر عدم التبرّی فی عرضه کما اعتبر عدم التنبّه،و لیس فیه إشعار بأنّ التبرّی المعتبر عدمه هو ما کان شرطا فی العقد.

هذا إن استفدناه من الخبر،و إن استفدناه من قاعدة انصراف البیع إلی وصف الصحّة،و التبرّی قرینة صارفة،فلا یعتبر أیضا إدراجه فی العقد،و ذلک لکفایة جعله جملة مستقلّة مذکورة قبل العقد متّصلا به،فإنّه موجب لصرف الظهور الانصرافی أیضا.

ص:400

فالاحتیاج إلی الإدراج موقوف علی أن یکون الخیار من مقتضیات نفس العقد علی المعیب و لو کان بداعی الصحّة لا بقیدها،و من المعلوم أنّ التبرّی لا یوجب انتفاء هذا المعنی،لأنّ أصل السلامة محفوظ بحاله،و الاعتماد یکون علیه، و بالجملة یکون مرجع التبرّی حینئذ إلی شرط سقوط ما یقتضیه طبع العقد من الخیار لولا هذا الشرط.

و علی هذا فنقول:یمکن الجواب بأحد نحوین،الأوّل:أن یقال:إنّ المقاولة السابقة علی العقد موجبة لوقوع العقد مبنیّا علیها،و الثانی:أن یقال:إنّ رسم دلالی العراق علی ما حکی إنّما هو تکرار النداء بعد ما رضی مشتر لمقدار بذلک المقدار، و بعد تکرار النداء ینادون بإیجاب البیع مع الراضی بذلک المقدار و یدرجون التبرّی فیه مترقّبین لمن زاد فی أثناء هذا الإیجاب أیضا،و یطولون الصوت حتّی یتمکّنوا من رفع الید عند زیادة من زاد.

الخامسة:لو ادّعی البائع رضا المشتری بعد العلم أو إسقاطه أو تصرّفه أو

حدوث عیب فی ضمانه حلف المشتری،

لأصالة عدم هذه الأمور،ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-ذکر فی هذا المقام مسألة ما لو اختلفا فی عیب آخر وجداه فی المعیب فادّعی البائع حدوثه،و المشتری قدمه،مع أنّه-قدّس سرّه-ذکر عین الفرع المذکور فی ما تقدّم،فیکون تکرار فی کلامه،و العجب أنّه-قدّس سرّه- تمسّک لترجیح جانب المشتری بأصالة عدم وقوع العقد علی السلیم من هذا العیب،و معلوم أنّ هذا العنوان لم یترتّب علیه أثر.

أمّا الثالثة ففیها مسائل:
الأولی:لو اختلفا فی الفسخ فادّعی المشتری تحقّقه و البائع عدمه،

فقد یکون الوقت باقیا و قد یکون منقضیا،ففی الأوّل له إنشاءه،و فی الدروس أنّه

ص:401

یمکن جعل إقراره إنشاء،و لا بدّ أوّلا أن یعلم أنّ الفسخ حیث إنّه حلّ العقد فیکون کنفس[العقد] (1)محتاجا إلی الإنشاء و لا یکفی فیه مجرّد إظهار الرضی،کما لا یکفی فی حصول المبایعة،نعم یمکن أن ینزّل ما لیس بإنشاء بمنزلة الإنشاء حکما و تعبّدا،کما فی باب الرجوع فی العدّة حیث ورد أنّ الوطی رجوع،فإنّه بإطلاقه شامل لصورة لم یکن بقصد الرجوع.

و الحاصل:الإقرار بالفسخ فی مقامنا لیس إلاّ إظهارا للرضی بالفسخ و لیس إنشاء له،و لا تنزیل أیضا إلاّ أن یحمل کلامه-قدّس سرّه-علی قاعدة«من ملک شیئا ملک الإقرار به»فإنّ المشتری مالک الفسخ فیکون مالکا للإقرار به،یعنی ینفذ إقراره بوقوع الفسخ و یعامل معه معاملة الفسخ الصادر منه.

و استدلّ علیه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بالخبر الوارد فی من أقرّ ببیع عبده ثمّ مات فجاء العبد و قال لوصیّ الصغار:أنا غلام المیّت،فقال-علیه السّلام-:

«صدّق عمّک و کذّب الغلام فأخرجه و لا تقبله» (2)حیث إنّه-علیه السّلام-قدّم قول المیّت بمجرّد إقراره بالبیع،و ظاهره عدم سماع دعوی الغلام و عدم مطالبة الإثبات منه،لا مجرّد أن یکون ذلک جاعلا للموصی منکرا و الغلام مدّعیا.

و قد یورد علی هذا الاستدلال بأنّه من الممکن تنزیل الحکم فی الروایة علی قاعدة الإقرار،فلا یصیر دلیلا علی قاعدة من ملک،و ذلک لأنّ إقراره بسلب الملکیّة عن نفسه مسموع منه.

لا یقال:هذا بالنسبة إلی نفی استحقاق العبد للنفقة فی مال المقرّ یقع للمقرّ،و قد قرّر أنّ الإقرار إنّما یسمع فی ما علی المقرّ لا فی ماله،و المفروض الحکم

ص:402


1- 1) الزیادة منّا اقتضتها العبارة.
2- 2) الوسائل:الجزء 13،الباب 26،من أبواب بیع الحیوان،ص 53،ح 1.

فی مورد الروایة بنفی الاستحقاق،فلا یتمّ إلاّ علی قاعدة«من ملک»حیث لا اختصاص لها بخصوص ما علی المقرّ بل یشمله و یشمل ماله.

لأنّا نقول:ما تقرّر من مأخوذیّة الإقرار فی ما علیه لا فی ماله إنّما هو بالنسبة إلی متعلّق الإقرار أوّلا،فإذا کان هو أمرا ضرریّا علی المقرّ یؤخذ به،ثمّ لو ترتّب علیه لوازم و آثار کانت نفعا للمقرّ فمقتضی القاعدة الأخذ بها،و لا ینافی مع اختصاصها بما علیه،لأنّه بالنسبة إلی المتعلّق الأوّلی،ألا تری أنّه لو کان مدیونا و لم یکن له مال،و کان بین یدیه أموال احتملنا أنّها أمواله فأقرّ بأنّها لیست بمال له یؤخذ بهذا الإقرار و بلازمه من عدم مطالبة الدیّان له و النظرة له،ففی مقامنا بعد ما فرض أنّه أقرّ بعدم مملوکیّة العبد فعدم النفقة من آثاره و إن کان نفعا للمقرّ،هذا ما یقال.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام عمرة-بأنّ ما ذکره من الفرق بین المتلازمین و الطولیّین حقّ،و لکنّ المقام من القبیل الأوّل،فإنّ الإقرار بعدم الملکیّة ینحلّ إلی إقرارین فی عرض واحد إقرار بنفی مالکیّة نفسه و إقرار بنفی مملوکیّة العبد،و هما متضایفان کالأبوّة و النبوّة،و الإقرار بأحدهما إقرار بالآخر للتلازم الجلیّ،و لکن لا یمکن أن یستفید المقرّ بالأبوّة بحقوق البنوّة عمّن أقرّ بأبوّته له ممّا هو موضوعه الابن،نعم بالنسبة إلی ما یکون موضوعه الأب یکون الحال کما ذکره.

فنقول فی ما نحن فیه:النفقة من آثار المملوکیّة لا المالکیّة،و لیس نفس نفی المملوکیّة أیضا ضررا علی المقرّ،فیکون إثبات عدم النفقة بإقرار نفی المالکیّة غیر منطبق علی قاعدة الإقرار،و ینحصر أن یکون لأجل قاعدة من ملک.

هذا کلّه مع بقاء الوقت للفسخ و أمّا بعد انقضائه فلیس مشمولا للقاعدة،

ص:403

لأنّ الظاهر منها الملکیّة الفعلیّة حال الإقرار،و المفروض فی المقام عدمها،و حینئذ فالمدّعی هو المشتری و المنکر هو البائع،فإن أقام المشتری البیّنة فلا کلام،و إن حلف البائع علی نفی الفسخ أو لم یثبت فهل للمشتری الأرش لئلاّ یخرج عن الحقّین أو لا؟لأنّه مقر بعدم استحقاقه للأرش؟ لا یبعد أن یقال:مقتضی القاعدة جواز أخذه بأقلّ الأمرین من الأرش و زیادة الثمن علی القیمة،فلو کان عین المبیع موجودا و کان الثمن عشرین و کانت القیمة عشرة و کان الأرش أیضا عشرة جاز له أخذ العین تقاصّا،هذا إذا کان عین الثمن أیضا موجودة أو تالفة قیمیّة،و أمّا إذا کانت تالفة و مثلیّة ففی التقاص إشکال کالإشکال فی صورة تلف عین المبیع،فإنّ التقاص ممّا فی الذمّة محلّ إشکال.

هذا کلّه إذا قلنا:إنّ حلف البائع علی نفی الفسخ لا ینفی التقاص من مثل هذا المال الذی یسلبه الحالف عن نفسه،و إنّما المنفیّ هو التقاص من المال الذی ینجرّ إلی خصومة جدیدة،و أمّا إن قلنا بالتعمیم فالتقاص فی جمیع الصور ممنوع،هذا.

الثانیة:لو اختلفا فی تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت

بناء علی فوریّة الخیار بالنسبة إلی زمان حصول العلم،فإن کان الشکّ فی تاریخ وقوع الفسخ مع العلم بتاریخ العلم بالعیب فأصالة عدم وقوع الفسخ فی الأزمنة المتّصلة بالعلم جاریة و لکنّها معارضة بأصالة صحّة الفسخ،نظیر ما لو شکّ فی اجتماع الطلاق لشرط حضور العدلین و نحوه،فإنّه یحکم بالصحّة و ترتّب الأثر و هذه مقدّمة علی الأولی.

و إن کان الشک فی تاریخ العلم بالعیب مع العلم بتاریخ الفسخ،فإن بنینا

ص:404

علی أنّ الموجب للخیار هو العلم،و المؤثّر فی الحلّ هو الفسخ المتعقّب للعلم فهذا المقیّد مشکوک التحقّق و لو لأجل قیده،و الأصل عدم تحقّقه،فیکون الکلام کما تقدّم حرفا بحرف من معارضته لأصالة الصحّة و تقدّم الثانیة،و إن بنینا علی أنّ الموجب نفس العیب الواقعی و أنّ العلم فی الأزمنة المتقدّمة المنفصلة لکونه رضی بالعیب مانع،فأصالة عدم تحقّق هذا المانع و عدم حصول العلم فی الأزمنة المتخلّلة فی ما بین العقد و الزمان المتأخّر المنافی للفوریّة جاریة و معاضدة لأصالة الصحّة.

و حاصل الکلام مع العلم بتاریخ الفسخ و الجهل بتاریخ العلم بالعیب أنّا قد نقول بأنّ الخیار مسبّب عن العیب الواقعی بلا تقیید بشیء أصلا إلاّ أنّ حصول العلم مع التراخی بعده فی الفسخ مسقط و رافع للخیار،فلا یحتاج فی أصالة عدم تحقّق العیب إلی ساعة ما قبل الفسخ إلی إثبات تقیّد الفسخ بوقوعه بعد العلم بلا فاصلة،حتّی یقال إنّه مثبت من هذه الجهة کما هو الحال فی ما إذا علم بتاریخ الرجوع فی العدّة و شکّ فی تاریخ إیقاع الطلاق،فإنّ استصحاب عدم إیقاع الصیغة إلی ساعة ما قبل الرجوع مثلا لا یثبت به کون الرجوع فی العدّة بل المستصحب حینئذ عدم هذا المقیّد بما هو مقیّد.

و بالجملة:بعد فرض أنّ العلم رافع فلا بدّ من عدم تقیّد الفسخ بکونه مقرونا بعدمه،إذ الشیء لا یتقیّد بعدم الرافع و إلاّ یخرج الرافع عن کونه رافعا فالفسخ لا یتقیّد بعدم ما یرفع و یسقط حقّ الفسخ.

نعم إن قلنا:إنّ الجمع بین الأدلّة اقتضی کون الخیار حقّا مطلقا ما دام عدم العلم،و بعده یصیر مقیّدا و قیده عبارة عن کون متعلّقه فسخا خاصّا و هو الفسخ المتّصل أو الغیر المفصول عن العلم،فالحال حینئذ حال الرجوع فی العدّة من أنّ

ص:405

الأصل لا یثبت کون الفسخ ذا خصوصیّة،فیجری أصل عدم المقیّد بما هو مقیّد.

هذا مع الإغماض عن أصالة الصحّة و إلاّ فلا یبعد جریانها لإحراز القید، و إن کان ربّما یستشکل فیها من جهة أنّ مدرکها لیس أخبار حمل فعل المسلم علی الأحسن،إذ قرّر فی محلّه أنّها فی مقام الوعظ و لا ربط لها بمقام التعبّد،بل المدرک بناء العقلاء،و إذن فمن المحتمل اختصاص البناء بغیر صورة التنازع و خصوصا فی باب العقود،حیث إنّها متقوّمة بطرفین،فإنکار أحد الطرفین مثل إنکار نفس المعامل فساد معاملة أوقعها بنفسه بلا دخالة شخص آخر،حیث لا شبهة فی عدم جریان أصل الصحّة مع هذا،فکذا مع إنکار الطرف فی العقود.

و یمکن أن یقال فی مسألتی الرجوع و الفسخ مع معلومیّة تاریخیهما بأنّ مقتضی الأصل الصحّة لا من باب أصالة تأخّر الصیغة أو العلم بالعیب حتّی یستشکل بأنّه لا یصحّح الرجوع فی العدّة أو الفسخ فی زمن الخیار،بل نقول:إنّه قد حدث بعد الصیغة و کذا بعد العقد أمر وجودیّ و هو العدّة و الخیار و نشکّ فی انقضائهما فی حال الرجوع و الفسخ،فالأصل بقاؤهما إلی حالهما،فیثبت کون الرجوع رجوعا فی العدّة،و کون الفسخ فسخا فی زمن الخیار،و لا یستشکل بأنّ إثبات التقیّد لا یتمشّی من الأصل،فإنّ القید مأخوذ فی باب الرجوع فی المرأة،و فی مقامنا فی الفاسخ،و الرجوع فی حال کون المرأة فی العدّة و الفسخ فی حال کون الفاسخ ذا خیار مؤثّران،و هذا مثل استصحاب الطهارة فی المصلّی حیث یحرز به کون الصلاة صلاة عن طاهر.

و أمّا احتمال أن یکون الفسخ الخاص متعلّقا للحقّ و هو المتّصل أو غیر المنفصل عن العلم بعد ما کان المطلق منه متعلّقا له قبل العلم.ففیه:أنّا لا نحتمل أن یکون العلم رافعا لحقّ و محدثا لحقّ آخر،و لازم هذا ذلک،فإنّ الحقّ

ص:406

المتعلّق بالمطلق ذهب و جاء حقّ آخر متعلّق بالمقیّد،فهذا دلیل أنّ العلم لا یثمر إلاّ المسقطیّة،و لا یفید تقییدا فی متعلّق الحقّ بل الحقّ علی ما هو علیه من الذات و الحدّ.

و علی هذا فاستصحاب عدم العلم لا مانع منه،و مع الغضّ عنه استصحاب بقاء الخیار إلی حین الفسخ أیضا لا مانع منه،و قد عرفت أنّ نظیر الثانی یجری فی الرجوع أیضا.

الثالثة:لو اختلفا فی جهل المشتری بأصل الخیار أو بالفوریّة

بناء علی اعتبار العلم بهما فی الفوریّة،و اعلم أنّ الکلام هنا تارة فی أصل تصویر إناطة الفوریّة بالعلم بأصل الخیار،و ثانیا فی إناطتها بالعلم بنفسها و أخری فی أنّ الأصل ماذا.

أمّا الکلام فی الأوّل:فمن المعلوم عدم إمکانه فی جعل و إنشاء واحد بأن یجعل الحکم و یجعل أمده فی هذا الإنشاء إلی ساعة مثلا بعد العلم به،إذ کما لا یمکن دخل العلم بنفس الحکم المجعول فی القضیّة فی موضوعه،کذلک لا یمکن دخله فی بقائه.نعم یمکن فی جعلین فی أحدهما یجعل الخیار مهملا عن الامتداد و الفوریّة،و فی الآخر یجعل العلم بذلک المجعول الأوّل سببا للفوریّة.

ثمّ بعد تصویر هذا فی الجعلین ثبوتا یشکل الکلام فی مرحلة استظهاره و إثباته،إذ بعد أنّ أدلّة إثبات الخیار مثبتة له من غیر نظر إلی حالتی العلم بالخیار أو الجهل به،و لیس هنا دلیل آخر یقیّد إطلاقه بالنسبة إلی العالم یکون الثابت أنّ العلم بالعیب لو وصل إلی حدّ یکشف عن رضی الشخص بالعیب بواسطة الاحتفاف ببعض الأمور یکون مسقطا للخیار،و أین هنا من التقیید؟ و أمّا الکلام فی الثانی فالأمر فیه أشکل من الأوّل،إذ العلم بنفس الفوریّة

ص:407

مأخوذ فی نفسها و هو دور محض،و أمّا الکلام فی الأصل،فاعلم أنّ الأصل و إن کان مع مدّعی الجهل لکن قوله خلاف الظاهر الحجّة العقلائیّة لو کان متعلّقا بأصل الخیار،فإنّ خیار العیب و أنّ المعیب مردود أمر لا یختصّ بالمسلمین،بل یعرفه جمیع فرق البشر،فمن ادّعی الجهل به یکون علی خلافه،الأمارة المعتبرة العقلائیّة،و إن کان متعلّقا بالفوریّة فلیس حکم الفوریّة بمثابة أصل الخیار من الوضوح،فلیس علی خلافه الأمارة فیکون أصالة عدم علمه متّبعة.

القول فی ماهیّة العیب و ذکر بعض أفراده:

اشارة

اعلم أن حکم الرد و الأرش متعلّق فی الروایات بالعیب و العوار،أمّا العوار فنقل عن الصحاح أنّه العیب،فیکون العطف من عطف المترادفین و إن کان خلاف الظاهر،إلاّ أن یقال:یکفی فی التغایر کون العوار خاصّا،فإنّه علی ما قیل:

الشقّ و الخرق،فیکون من مقابلة العام بالخاص،هذا.

و أمّا العیب فقد یقال:إنّه عبارة عن الخروج عمّا استقرّ علیه النوع الفعلیّ للأفراد و إن کان علی خلاف مقتضی الطبیعة الأصلیّة مع قید أن یکون مخلاّ بالفوائد و الآثار المرغوبة من الشیء،فمع فقدان أحد الأمرین لا عیب.

و علی هذا ربّما یکون شیء عیبا فی الخلقة الأصلیّة و صار بحسب النوع الفعلی صحّة و فقدانه عیبا،و ربّما یکون فی الخلقة الأصلیة کما لا و صار بحسب النوع الفعلی أیضا صحّة و فقده عیبا،و من قبیل الأوّل الختان،و من قبیل الثانی ما لو فرض کون نوع العبید عالما بصنعة خاصّة و فرض انتفاؤه فی المبیع،و ربّما کان شیء عیبا فی غیر المال و لیس بعیب فی المال کالخصاء،فإنّه فی الحرّ مضرّ بما یترقّب منه من أثر الفحولة و التناسل،و أمّا فی العبد فحیث إنّ الأثر المترقّب فی حقّه لیس

ص:408

هو الفحولة،و ما یترقّب منه من الخدمة لا ینقص منه بواسطة الخصاء لو لم یزدد، فلیس ذلک فیه بعیب.

إذا تقرّر اعتبار القیدین المذکورین فی مفهوم العیب عرفا،فربّما یتوهّم أنّ ما ورد فی الشریعة من تحدیده من أنّ«کلّ ما کان فی أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عیب» (1)یستفاد منه خلاف ما ذکر،و ذلک لأنّ عدم نبات شعر العانة فی المرأة یعدّ کمالا فیها و یکون داخلا فی عمومه،و لهذا استظهر محمّد بن مسلم و ابن أبی لیلی حکمه من هذا العموم.

و استشکل علیه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بوجوه:الأوّل:أنّ الظاهر أنّ المفروض فی مورد النزاع المبتلی به لابن أبی لیلی کون عدم نبات الشعر کاشفا قطعیّا أو احتمالیا عن وجود مرض فی أصل مزاج المرأة أو فی عضوها الخاص.

و یمکن أن یخدش فی هذا الإشکال،بأنّه و إن کان لما استبعده-قدّس سرّه-من کون النظر ممحّضا فی صرف عدم النبات مع القطع بعدم المرض أصلا وجه،و لکن لیس لما استظهره أیضا وجه،فإنّ المرض إن علم وجوده فلا یبقی شکّ لأهل العرف فی عیبیّته حتّی یتنازع المتبایعان و یحتاج البائع إلی سؤال ابن أبی لیلی و یقول له:أیّها القاضی إن کان عیبا فاقض به،و إن احتمل وجوده فالسؤال حینئذ و إن کان فی محلّ و لکن المسؤول عنه حینئذ هم الأطبّاء العالمون بالمرض دون القاضی.

الثانی:أنّ الروایة لعمومها للزیادة و النقیصة عن أصل الخلقة لا بدّ من حملها علی التنزیل،فقوله:هو عیب مثل قوله:أنّ التصرّف فی المبیع الخیاری رضی

ص:409


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1،من أبواب أحکام العیوب،ص 410،ح 1.

بالبیع،فالمقصود إلحاق أحکام العیب لا إثبات موضوعه،و حیث إنّ أظهر الآثار خصوص الردّ حتّی صار مشهورا أنّ المعیب مردود یکون القدر المتیقّن من التنزیل إثبات الردّ دون سائر الآثار.

و فیه أنّ الداعی إلی هذا الحمل لیس إلاّ مخالفته لما ارتکز فی الأذهان العرفیّة، فلا یمکن حمل قوله:هو عیب علی الحقیقة،لکنّ الأمر دائر بین الحمل علی التنزیل و بین الحمل علی ما نذکره بعد ذلک من الأماریة،و الثانی أظهر،ألا تری أنّ حمل عالم علی مشکوک العلم الذی قام أمارة معتبرة علی علمه أقرب إلی الحقیقة من حمله علی معلوم الجهل بمجرّد التنزیل و الإلحاق الحکمی؟ الثالث:منع الإطلاق فی الروایة من حیث الذات مع قطع النظر عن التأیید بفهم ابن مسلم و ابن أبی لیلی،و ذلک لانصرافه بقرینة الارتکاز العرفی عن مثل زیادة شعر رأس الجاریة أو حدّة بصر العبد،أو تعلّمهما للصنعة و الطبخ،و کذا نقص العبد بالختان و حلق الرأس،فالروایة محمولة علی ما یساعده العرف بحکم الارتکاز الموجب للانصراف و المناسبة المقامیّة.

و لکنّک خبیر بأنّ هذا لا یدفع الإشکال عن مورد النزاع،فإنّه مع معلومیّة عدم المرض و صرف عدم نبات الشعر لا وجه للنزاع،و کذا مع معلومیّة المرض، و مع التردّد یکون المرجع هم الأطباء لا القضاة.

الرابع:الخدشة فی سند الروایة بالإرسال،فلا تصلح دلیلا فی مقابلة الطریقة العرفیّة فی مفهوم العیب.

قال شیخنا الأستاذ-دامت برکاته الشریفة-:أحسن المحامل لهذا الخبر حمله علی السؤال عن الشبهة المصداقیّة من حیث الأمارة الشرعیّة،و أنّه هل جعل الشارع لرفع هذا التحیّر رافعا أم لا؟و حینئذ یتّجه السؤال عن القاضی،و یتّجه

ص:410

النزاع،کما أنّ وجه الأماریّة أیضا واضح،فإنّ اللّه تعالی لم یدع شیئا ممّا نحتاج إلیه إلاّ و قد أودعه فی أصل الخلقة،و ما من شیء لم یودعه إلاّ کان وجوده مستدرکا، فیکون نقصان الأوّل و زیادة الثانی فی مورد الشبهة المصداقیّة کاشفا ظنّیا عن اختلال فی العضو أو فی المزاج،لأنّ بناء الخلقة علی النظام التام الخالی عن النقصان،فالخارج عنه خارج عن طریقة النظام و یکون إلی الاختلال أقرب.

ثمّ فی مورد عدم الصدق العرفی للعیب مع غلبة الخلاف فی أفراد النوع،قد یقال:إنّه و إن لم یتحقّق الخیار من جهة العیب،و لکنّه آت من جهة تخلّف الوصف و ذلک لانصراف المبیع إلی واجد ما هو الغالب،و لکنّه بإطلاقه محلّ تأمّل،فإنّ غلبة الوجود علی ثلاثة أقسام:

الأوّل:أن تتفاوت الأغراض باختلاف هذه الصفة الغالبة نوعا،و الثانی:أن لا تختلف الأغراض النوعیّة،و الثالث:أن یکون الأشخاص مختلفین،فالانصراف فی القسم الأوّل مسلّم،و أمّا فی الثانی فممّا یزول بالتأمّل کما إذا ادّعی التقیید فی ما إذا تبیّن کون العبد حدید البصر خارجا عن المتعارف،أو کون نقطة خاصّة یسیرة من بدنه أجدر،فإنّ المنصرف إلیه و إن کان الفاقد لما ذکر و لکن من المعلوم عدم دخالة هذا فی المراد الغالبی،فعند التنازع لا بدّ من الترافع،و لیس هنا ظاهر حجّة فی البین علی التقیید.

بقی الکلام فی الثالث،و الظاهر فیه الأخذ بالانصراف،فإنّه ظاهر حجّة، و به یستکشف حال المراد اللبّی،و المفروض عدم ما یصرف الکلام عن هذا الظهور البدوی الانتقاشی کما فی القسم الثانی،و الحاصل هنا ظهور انصرافی مستقرّ،فاللازم الأخذ به،فیصیر مدّعی التقیید منکرا لمطابقة قوله للظاهر الحجّة.

فتلخّص ممّا ذکرنا أنّ العیب تارة یرد و أخری لا یرد،و غیر العیب أیضا تارة

ص:411

یرد و أخری لا یرد،أما العیب المردود فهو ما کان منقّصا للمالیّة مع عدم الغلبة النوعیّة،و أمّا العیب الغیر المردود فهو ما کان منقّصا و لکن شاع و ذاع فی خصوص صنف بحیث تحقّق أمارة عرفیّة علی وجوده فی أفراد ذلک الصنف،فیخرج عن موضوع غیر المتنبّه به إلی المتنبّه به.

و أمّا غیر العیب المردود فهو ما کان نقصا فی الخلقة غیر منقّص للمالیّة، و کان غالب الوجود فی أفراد النوع مع تعلّق غرض النوع بعدمه،و لا یستلزم ذلک نقص المالیّة کما یتصوّر فی الأشیاء العتیقة،حیث إنّ رغبة النادر و تعلّق غرضه کاف فی غلاء قیمتها،و أمّا غیر العیب الغیر المردود فهو هذا الفرض مع عدم تعلّق غرض النوع بالعدم بل مساواته بوجوده و عدمه.

الکلام فی بعض أفراد العیب:
مسألة:لا إشکال و لا خلاف فی کون المرض بأقسامه عیبا،

لکن فی إطلاقه لمثل حمی یوم،إشکال بل منع،لعدم اختلاف المالیة و الأغراض بسببه،و کذا فی استحقاق القتل فی الردّة أو القصاص و القطع فی السرقة و الجنایة و الاستسعاء فی الدین،فإنّه و لو فرض کون حاکم الشرع الباسط الید و کون العبد بسبب ذلک معرضا لهذه الأمور،و لکنّه لا یسمّی شیء منها عیبا.

نعم یمکن القول بثبوت خیار الرد من أجل الانصراف إلی الخالی عن مثل ذلک.وجه عدم کون ذلک عیبا هو العرف،فإنّه لا یحکم علی عبد یقتل بعد ساعة أخری أنّه معیوب،کما لا یقال أنّه نقص عن قیمته،و لهذا یقال قد فات منه المال البالغ کذا،و یذکر ما هو القیمة لولا القتل،کما أن حال الاستسعاء حال مسلوبیّة المنفعة فی العین المستأجرة أو المحبوسة أو الموقوفة،فإنّ کلّ ذلک لا یصدق علیه

ص:412

عنوان العیب عرفا،و إن کان یثبت فیه الخیار لأجل تخلّف الوصف المنصرف إلیه عند الإطلاق.

لا یقال:الحدّ الذی عیّنت للعیب صادق علی ما ذکر،فإنّ هذه حالات علی خلاف ما علیه نوع أفراد العبید و یکون منقّصا للمالیّة،أمّا الأوّل فواضح،و أمّا الثانی فلأنّه لا یقدم أحد علی شراء هذا العبد و بذل المال بإزائه و المالیّة اعتبار عرفی یعبّر عنه بترتّب الآثار و بذل المال،فإذا سقط عن هذه المرتبة و لو بالعرض سقط عن المالیّة،و لم یبق فرق بین اللیرة الواقعة فی قعر البحر الذی حصل الیأس عن إخراجها و بین الخنفساء،غایة الأمر أنّ الثانی غیر مال بجهة ذاتیة،و الأوّل بجهة عرضیّة،و النتیجة تابعة لأخسّ المقدمات.

نعم لا اعتبار بإعراض شخص واحد أو أشخاص معیّنین عن ترتیب الآثار،بل المعیار إعراض نوع العقلاء،و فی المقام نوع العقلاء معرضون،فحاله حال الاسکناس و الجلود المسکوکة إذا سلب عنها البناء و ترتیب الآثار عملا، یخرج عن المالیّة،فإذا صارت منافع الأرض إلی ألف عام مسلوبة صارت کالاسکناس الساقط عن الاعتبار و الخنفساء.

لأنّا نقول:فرق بین الاسکناس و الجلود[و بین الأرض]،فإنّ مالیّتها من جهة تعهّد صاحب ثروة،فإذا انقضت مدّة تعهّده أو انقضت ثروته سقطا عن المالیّة،و أمّا مثل الذهب و الفضّة و سائر الأجناس المالیّة فجهة المالیّة فیها متقوّمة بالخواص و الآثار الکامنة فی ذواتها،و من المعلوم عدم تفاوت فی ناحیة تلک الخواص فی هذه الأحوال المفروضة فی المقام بحسب نقصان فی ذات الأرض،و إنّما یکون لأجل عارض خارجی،و مثل ذلک لا ینقص المالیّة.

نعم یمکن القول بالخیار من جهة تخلّف الوصف المنصرف،و ممّا ذکرنا

ص:413

یعرف الکلام فی عنوان الحبل،فإنّه قد یقوم الإجماع علی أنّه فی الشرع عیب،یعنی أنّ الشارع رتّب علیه حکمه،و قد یقال باستفادة هذا من الأخبار و قد یقال ینطبق عنوان العیب علیه عرفا،أمّا الأوّل فمبنیّ علی ثبوت الإجماع و مع احتمال استناد المجمعین إلی الأخبار لا یبقی وثوق به.

و أمّا الثانی فلیس فی الأخبار دلالة علی کون الحبل عیبا،و إنّما ذکر فیها أنّ الجاریة الحبلی إذا اشتریت و وطئت ثمّ علم بحبلها ترد علی البائع مع نصف عشر قیمتها (1).

فإن حملناها علی وجوب الرد و بطلان البیع لکونه واقعا علی أمّ الولد فلا ربط له بالمسألة،و إن حملناها بقرینة وحدة السیاق مع غیر الحبلی-حیث اثبت فیها الأرش و أنّها لا ترد إذا وطئها صاحبها-علی جواز الردّ و صحّة البیع،فغایة الأمر إثبات حکم الرد،و أمّا سائر الآثار فلا تثبت،بمعنی أنّه لو حصل الحبل قبل القبض أو فی مدّة الخیار لا یلحقه حکم العیب.

لا یقال:الأمر دائر بین تخصیص عموم لزوم الوفاء بأمر غیر العیب و عدم تخصیصه إلاّ بالعیب،فأصالة عدم التخصیص یحرز بها علی مذاقکم-حیث تقولون بجریانها فی غیر الشبهة المرادیّة-أنّ الحبل عیب.

لأنّا نقول:کما أنّ قضیتها عیبیّته،قضیّتها بالنسبة إلی عموم أخبار مانعیّة الوطی عن الرد بالعیب عدم عیبیّته،فلو لم نقل بأقوائیّة الثانیة بواسطة ضیق دائرة العام الثانی بالنسبة إلی الأوّل فلا أقلّ من المساواة و تحقّق الإجمال.

و بالجملة:لیس فی الأخبار ما یدلّ علی ترتیب الشارع جمیع آثار العیب علی

ص:414


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب أحکام العیوب،ص 415،ح 1،6،9.

الحبل و إنّما حکم بخصوص الرد مع إمکان أن یقال بتنزیله علی خیار تخلّف الوصف،فإنّ الغرض یتعلّق ببعض الخدمات المنافیة مع الحبل،بل و بالوطی و هو ممنوع لأنّه إدخال الماء فی زرع الغیر،فیمکن القول بتقیید الإنشاء عند الإطلاق و انصراف مقام البیع بعدم الحبل،فیکون مضمون الخبر علی القاعدة لا حکما تعبّدیّا.

هذا بالنسبة إلی الأمة،و أمّا بالنسبة إلی سائر الحیوان فیمکن التفصیل بین مثل الغنم الذی لیس المرغوب منه حمل الأثقال،فلیس الحمل موجبا للرّد،و بین مثل الحمار ممّا یکون المرغوب فیه حملها فیکون الحمل موجبا للرد.

بقی الکلام فی رفع التنافی بین کلمات العلماء فی المقام حیث تسالموا علی أنّ الحبل عیب،و صرّحوا فی مقام آخر بأنّه لو حملت الأمة عند المشتری و ولدت فإن نقصت بالولادة أو بالحمل فلا ردّ و إلاّ فله الردّ.

و جعل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-هذا الکلام منافیا للأوّل،فإنّ مقتضی عیبیّته أنّه متی حدث عند المشتری کان مانعا عن الرد،لأنّ العیب الحادث عند المشتری أحد مانعی الرد بالعیب،و مقتضی کلامهم الثانی عدم الاعتناء بشأن الحمل ما لم یتولّد منه نقص آخر من هزال الجسم و غیره،أو من حیث إنّه بعد زواله لا یمنع الرد،و العیب متی حدث منع من الرد و إن زال بعد ذلک،هذا حاصل کلامه-قدّس سرّه.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام علاه-أوّلا:بأنّ المستفاد من کلامه -قدّس سرّه-أنّ العیب الحادث عند المشتری بعنوان العیبیّة مانع عن الرد،و فیه أنّ هذا العنوان لیس فی الأدلّة،و إنّما الموجود عدم القیام بالعین،فیشمل مثل الشرکة و الحمل علی مختارنا،إذ لم یبق العین بحالها،و خصوصا أنّ الحمل

ص:415

للمشتری.

و ثانیا:أنّ المنافاة بین الکلمات لا وجه لها،فإنّ الکلام الثانی متعرّض لحال ما بعد الوضع و أمّا الحبل فقد زال،و المعیار فی العیب حال الرد،فلا اعتبار بالزائل،فلا جرم لا بدّ من الاعتبار بحال الوضع،فإن حدث نقص فلا ردّ و إلاّ فیجوز.

و بالجملة:الکلمات غیر آبیة عن هذا القول کما لا تأبی عن القول بعدم الاعتبار بالحمل رأسا لعدم کونه عیبا،و المنافاة إنّما تجیء لو حملت کلماتهم الثانیة علی حال الحمل فعلا قبل الوضع،فیحمل قولهم علی أنّ الحمل إن کان بحیث لو وضعت نقصت،لم یجز الرد،أو حصل الاتّفاق منهم علی أنّ العیب الحادث عند المشتری یمنع الرد و لو بعد الزوال،و کلّ من الوجهین فی محلّ المنع.

أمّا الأوّل:فلأنّه خلاف ظاهر العبارة حیث إنّه التعرّض لحال الوضع،و أمّا الثانی:فلحصول الاختلاف فی تلک المسألة،فمن الممکن ابتناء قول القائل علی أنّ العیب إذا زال فلا اعتبار به.

و التحقیق فی أصل مانعیة الحمل و عدمها أن یقال:أمّا فی الأمة فیدخل تحت عنوان عدم قیام العین،إذ لیس المراد به بقاء الموضوع العرفی،بل بقاءه بحسب جمیع ماله دخل فی الأغراض العقلائیّة،و هنا یختلف الغرض العقلائی، کما فی قطع الثوب،فإنّ الموضوع العرفی باق و لکن فات الغرض العقلائی و هو إمکان قطعه بأیّ صورة شاء،و هکذا صبغه،و کذلک فی المقام،و القول بکون الحمل للبائع لا ینفع،لأنّه کما إذا أسقط المشتری حقّه من الصبغ فإنّه لا یوجب زوال مانعیّته،هذا فی الأمة.

أمّا فی غیر الأمة فلا بدّ من التفصیل بین ما یکون المطلوب فیه الرکوب أو

ص:416

الحمل من فحل خاص و بین غیره کالشاة،فإنّ الاعتراض فی الأخیر غیر عقلائی، لأنّه لیس من غرض کذلک،و أمّا فی الأوّل فهو عقلائی،فیصدق عنوان عدم قیام العین علیه،هذا و لم نجد هذا التفصیل فی کلمات الأعلام حتی شیخنا المرتضی- قدّس أسرارهم-فراجع.

مسألة:هل الثیبوبة فی الإماء عیب یجوز به فسخ بیعها أو لا؟

قد یقال:لا لأجل کونها علی وفق الغلبة الکاشفة عن الخلقة الأصلیّة،و یمکن الإشکال علیه بالفرق بین الغلبة فی موارد قلنا بحدوث الطبیعة الثانویة و بینها فی المقام،فالخلقة النوعیّة فی المقام بعد علی البکارة،و لکن غلب وجود عارض أوجب الخروج عن مقتضاها.

نعم لو کان اقتضاء ماء و هواء ناحیة أن لا تولّد أو لا تکثر فیها الأمة إلاّ و هی ثیّبة صحّ القول بکونها غیر عیب،و لیس الحال هنا کالخراج المضروب علی الأراضی حیث إنّه لنوعیّته خرج عن العیب،و ذلک للفرق بأنّ الخراج أمر استقرائی بنائی و هذا أمر اتّفاقی،غایة الأمر کثیر الاتّفاق،و بالجملة یمکن الخدشة فی عدم العیبیّة.

نعم یمکن القول مع فرض کونها عیبا بعدم ثبوت الخیار بوجودها، بملاحظة أنّ الغالب وجودها فلا یکون العقد مبنیّا علی السلامة منها،لکن یسری الإشکال حینئذ فی أصل صحّة المعاملة من أجل لزوم الغرر،فإنّ الغلبة لیست بحدّ صارت أمارة عقلائیّة علی العدم،و المفروض أنّ الأمارة علی الوجود أیضا مفقودة،فیصیر المبیع مجهول الصفة.

و یمکن الإصلاح بأن یقال:حاله حال الصفات الکامنة فی الأمة من الأخلاق الباطنة المحتاج تشخیصها إلی معاشرة مدّة مدیدة،فإنّه لو بنی علی

ص:417

الفحص و التدقیق من حیث هذه الصفات لزم سدّ باب بیع الأمة.

فنقول:إنّ صفة البکارة من هذا القبیل،فإنّ فی السؤال عن نفس المرأة رکاکة،و البائع لیس أزید اطّلاعا من المشتری بحال المرأة،و من هذا الباب لا ینفع الاشتراط فی رفع الغرر فإنّه لا یوجب زیادة اطّلاع المشتری،و صرف إیجابه الخیار غیر مفید و إلاّ لزم صحّة بیع المجهول الرأسی بشرط الخیار.

ثمّ إنّک قد عرفت أنّ الأقوی کون الثیبوبة عیبا لکن استدلّ علی عدم عیبیّته بروایة سماعة:«عن رجل باع جاریة علی أنّها بکر،فلم یجدها کذلک،قال -علیه السّلام-:لا تردّ علیه و لا یجب علیه شیء،إنّه قد تکون تذهب فی حال مرض أو أمر یصیبها» (1)تقریب الاستدلال بأحد نحوین:

الأوّل:أن یکون قوله:«علی أنّها بکر»بمعنی شرط البکارة و یکون المقصود من التعلیل أنّه یحتمل حدوث زوال البکارة فی الأمة،مع کونها باکرة من حین الولادة،و حینئذ یحتمل حدوثه بعد العقد و قبل قبض المشتری،و امّا بعد قبضه فبعید،إذ لا یطول زمان مکثه عنده حتی یحتمل حدوث أمثال ذلک عنده،بل مع تعیّن حدوث ذلک عند البائع یتردّد الأمر بین ما قبل العقد،و ما بعده و قبل القبض للمشتری فلا یجب علی البائع شیء،و لو کانت الثیبوبة عیبا لکان یرد علیه-علیه السّلام-:أنه و لو کان لا یلزم علیه شیء من حیث تخلّف الوصف المشترط بناء علی عدم ضمان الأوصاف علی البائع قبل القبض،و لکنّ العیوب تکون مضمونة علیه بالأدلّة الخاصّة فیجب علیه التدارک من حیث العیبیّة فحیث إنّه -علیه السّلام-علّل عدم الاستحقاق باحتمال التأخّر عن العقد دلّ علی عدم عیبیّة الثیبوبة،هذا.

ص:418


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6،من أبواب أحکام العیوب،ص 418،ح 2.

الثانی:أن یکون قوله:«علی أنّها بکر»بمعنی بانیا أو مشترطا،و یکون المراد من التعلیل تخطئة هذا البناء أو الاشتراط و کونها خارجین عن سیرة العقلاء،فإنّه بعد ما جری عادة الأمة علی زوال البکارة عنها بأسباب عدیدة،یکون البناء و الاشتراط أمرا سفهائیا،نظیر البناء علی طیران العبد.و بالجملة صارت البکارة کالمحال العادی،و فی مثله یکون البناء و الاشتراط سفهائیّین،فیکون وجه الدلالة علی عدم العیبیّة أنّ أمر الثیبوبة إذا کان بهذه المثابة من کونها طبیعة ثانویّة للأمة فلا جرم لیست بعیب،لأنّه ما خرج عن الطبیعة الثانویّة،هذا.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:و الحقّ أن یقال:قوله«علی أنّها بکر» محمول علی الابتناء أو الاشتراط،و المقصود من التعلیل هو ما ذکر أخیرا من کونهما سفهائییّن بعد ملاحظة قلّة وجود البکارة من جهة کثرة مناشیء زوالها و تعدّد أسباب ذهابها،إذ من المعلوم أنّ حال الشارط و المشروط علیه فی مثل ذلک علی حدّ سواء،و لا تحصل زیادة اطّلاع للشارط و زیادة اطمئنان بوجود المشروط بواسطة هذا الاشتراط،فیکون مثل اشتراط الکتابة فی العبد الغائب الذی لم یره واحد من المتبایعین،و لا حصل لهما اطّلاع بحاله من حیث الکتابة و العدم،فإنّ حقیقة الاشتراط غیر متحقّقة،فلا تدلّ الروایة بناء علی هذا علی عدم العیبیّة،بل یلائم مع العیبیّة کما ذکرنا سابقا،و وجه عدم الرد و الأرش بواسطة هذا العیب أیضا قد تقدّم و کذا عدم لزوم الغرر.

ثمّ بناء علی الاحتمال الأوّل الذی ذکرنا فی الروایة،و کذا بناء علی الاحتمال الثانی من الاحتمالین المذکورین فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-و هو کون البکارة کنایة عن عدم الوطی تصیر الروایة دلیلا علی عدم عیبیّة الثیبوبة،و ذلک لأجل ما نبّه علیه شیخنا المذکور-قدّس سرّه الشریف-من أنّ الثیبوبة علی تقدیر

ص:419

عیبیّته و کونها غالبة فی الإماء لا توجب جواز الرد،بواسطة کون المشتری مقدما علی أیّ حال،و مثل هذا منصرف عنه الروایات الواردة فی خیار العیب،و لکن لو وقعت تحت الاشتراط خرجت عن هذا العنوان فتصیر مشمولة لتلک الروایات فیصیر أخذ الأرش مجوّزا.

و حینئذ نقول:أمّا علی الاحتمال الأوّل فی کلامنا فنقول:المفروض أنّ البکارة بمعنی عدم الثیبوبة وقعت تحت الاشتراط فلو کانت الثیبوبة عیبا لوجب الأرش علی أیّ حال سواء حدثت عند البائع قبل العقد أم عنده بعده،و أمّا علی الاحتمال الثانی فی کلام الشیخ-قدّس سرّه-فیقال:البکارة بمعنی ما یقابل الثیبوبة و إن لم تقع تحت الاشتراط،بل بمعنی عدم الوطی و لکنّها ملازمة غالبیّة للکبارة،بمعنی ما یقابل الثیبوبة،و لهذا استکشف المشتری من الثیبوبة وجود الوطی،فمع هذا الاشتراط لما یلازم البکارة بذلک المعنی لا یصدق أنّ المشتری دخل فی المعاملة کیف ما اتّفق،بل سدّ باب الثیبوبة بسدّ باب ما یلازمها غالبا،و یکفی هذا المقدار فی الدخول تحت الأخبار،فحیث حکم بنفی الأرش دلّ علی عدم العیبیّة.

و یتّجه علی هذا الاحتمال الجمع بین الروایة المذکورة و الروایة الأخری الواردة فی:«رجل اشتری جاریة علی أنّها عذراء فلم یجدها عذراء؟قال-علیه السّلام- :یرد علیه فضل القیمة إذا علم أنّه صادق» (1)فإنّه یقال:المقصود من العذرائیّة البکارة بمعنی ما یقابل الثیبوبة،و تخلّف شرطها موجب تعبّدا لثبوت الأرش،و أمّا الرد فمنفیّ لأجل التصرّف و هو الوطی،فإثبات الأرش لیس من أجل العیب.

مسألة:عدّ فی القواعد و التذکرة من جملة العیوب عدم الختان فی العبد

الکبیر،

لأنّه یخاف علیه من ذلک،و استحسنه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-علی تقدیر تحقّق الخوف علی وجه لا یرغب فی بذل ما یبذل لغیره بإزائه.

ص:420


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6،من أبواب أحکام العیوب،ص 418،ح 1.

و تنظّر فیه شیخنا الأستاذ-دام علاه-بأنّ الختان إن کان فیه خوف هلاک النفس فلا یشرع،و إن لم یکن فیه إلاّ خوف سقوطه عن المشاغل أیّاما قلائل فهذا لا یوجب نقصا فی المالیّة و لا عیبا،ثمّ الإتلاف الذی یکون بحکم الشرع فی موضع تسلیمه لا یوجب تعیّب الشیء،لأنّ موضوع العیب کموضوع الضرر لا بدّ و أن یلحظ فی الأشیاء مع قطع النظر عن الحکم الشرعی الوارد علیها،هذا مع قطع النظر عن الإشکال فی أصل صیرورة استحقاق القتل منشأ للتعیّب،و مرّت الإشارة إلیه سابقا.

نعم یمکن أن یقال بثبوت الخیار من أجل الانصراف إلی الفرد المختون، فیکون کالعین المستأجرة حیث نقول بالخیار لا من جهة العیب بل من جهة تخلّف الوصف المنصرف إلیه الإطلاق.

مسألة:عدم الحیض ممّن شأنها الحیض

بحسب السنّ و المکان و سائر الخصوصیّات الدخیلة فی ذلک قد یقال:إنّه عیب،للخروج عن المجری الطبیعی،و لقول الصادق-سلام اللّه علیه-و قد سئل«عن رجل اشتری جاریة مدرکة، فلم تحض عنده حتّی مضی لها ستّة أشهر و لیس بها حمل؟قال-علیه السّلام-:إن کان مثلها تحیض و لم یکن ذلک من کبر فهذا عیب ترد منه» (1).

و فی کلا الوجهین نظر،أمّا الأوّل:فلأنّ صرف الخروج عن المجری الطبیعی مع عدم لزوم نقص فی المالیّة و القیمة-لعدم منقصة مزاجیّة و هزال و اصفرار لون و نحو ذلک-لا یوجب عیبا بل ربّما یوجب کمالا لأنّها لا یطرأها فی کلّ شهر حالة تمنعها عن بعض المشاغل،و أمّا العقم فغیر مضرّ فی الإماء،إذ لیس المطلوب فیها التناسل کما فی الخیل.

و أمّا الروایة فالحکم فیها بالرد مشکل لعدم انفکاک الأمة عن التصرّف فی

ص:421


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب أحکام العیوب،ص 413،ح 1.

هذه المدّة الطویلة،فکیف یصحّ الحکم بالردّ مع أنّ الروایات المتقدّمة ناصّة بمانعیّة مثل اللّمس و النظر و التقبیل فکیف بالوطی؟و من المستبعد عادة عدم اتّفاق شیء من ذلک فی مفروض السؤال،و ذکر الحکم الحیثی مع بعده لا یصحّ مع عدم الفرد له فی الخارج،لابتلائه بالمزاحم دائما،اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ السؤال حیثی بمعنی أنّه عن خصوص کونه من العیوب أو لا؟ مسألة:هل الإباق عیب أو لا؟الظاهر عدم الإشکال فی عیبیّته،بل کونه من أفحش العیوب،و یدلّ علیه أیضا ما رواه أبو همام فی عیوب السنة،و فی آخره قال الراوی محمّد بن علی للرضا-علیه السّلام-:فالإباق؟قال-علیه السّلام-:لیس الإباق من ذا إلاّ أن یقیم البیّنة أنّه کان آبق عنده (1)،و لا یخفی صراحته فی المطلوب.

بقی الکلام فی أنّه بم یتحقّق الإباق؟و الظاهر أنّه أیضا کسائر العناوین مثل العدالة و الفسق محتاج إلی ملکة،فلا یقال:هذا العبد آبق،إلاّ بعد تکرّر العمل و حصول ملکة،کما هو الحال فی السارق و غیره،فلا یکفی المرّة الواحدة المعلوم عدم تعقّبها بالمرّة الثانیة و کون العبد نادما غیر قاصد للعود،و هذا واضح.

مسألة:الثفل الخارج عن العادة فی السمن و نحوه عیب

یثبت به الردّ و الأرش،لکون ذلک خلاف ما علیه غالب أفراد الشیء.

اعلم أنّ وجود الدردی علی قسمین:الأوّل:أن یکون بحیث لیس ممتازا عن الشیء بل مضمحلا فیه،نظیر الغش فی الذهب،و هذا لا شبهة فی عدّه من جملة العیوب و تترتّب علیه أحکام العیب،و الثانی:أن یکون ممتازا عن الشیء کالصخرة الموجودة فی السمن،و هذا لیس بعیب بلا شبهة،کما أنّه لا شبهة فی فساد البیع لو علم المشتری بالحال و لم یعرف قدر الشیء،لأنّ الدردی غیر متموّل،و الذی

ص:422


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2،من أبواب أحکام العیوب،ص 411،ح 2.

استثنی من بیع الغرر هو الجهل الناشئ من انضمام الظرف إلی المظروف و لا دخل له بالجهل الحاصل من وجود شیء غیر متموّل فی ضمن المظروف و هذا واضح.

فیقع الکلام فی صورة جهل البائع و المشتری بوجوده فی المبیع،فالظاهر صحّة البیع و عدم الاندراج تحت عنوان الغرر،لأنّه من بیع ما یملک و ما لا یملک صفقة واحدة،و حینئذ فإن وقع البیع علی السمن-غایة الأمر اکتفی فی تعیین وزنه بمعرفة وزن المجموع منه و من الظرف فتبیّن وجود الدردیّ فیه-تحقّق خیار تبعّض الصفقة،فله الرد و له أخذ المقدار الموجود بما یقابله من الثمن.

و إن وقع علی ما فی هذا الظرف من السمن کلّ رطل بکذا،و کان علمه بمقداره التخمینی أو بسمنیّة ما عدا الظرف داعیا صرفا غیر واقع تحت الاشتراط، فالبیع لازم،إذ لا عیب و لا تبعّض فی الصفقة،و إن کان الإطلاق فی قوّة اشتراط کون ما عدا الظرف سمنا،أو صرّح باشتراط کون السمن کذا و کذا رطلا فتبیّن نقصانه،تحقّق حینئذ خیار تخلّف الوصف أو الجزء علی الخلاف المتقدّم فی مسألة بیع الصبرة علی أنّها کذا و کذا رطلا فظهر ناقصا.

و علی کلّ حال لیس الحکم بنفوذ البیع بالنسبة إلی المقدار الموجود و کذا بالنسبة إلی ما یقابل الدردی و استحقاق المشتری مقداره من المبیع موافقا لشیء من القواعد،إذ لیس ذلک مقتضاها فی شیء من الصور التی ذکرت.

فما ورد فی الروایة الحاکیة لقضاء علیّ-علیه السّلام-«فی رجل اشتری من رجل عکّة فیها سمن احتکرها حکرة فوجد فیها ربّا من أنّه-علیه السّلام-قال للمشتری:

لک بکیل الربّ سمنا،فقال له الرجل:إنّما بعته منه حکرة فقال له علی-علیه السّلام-:

إنّما اشتری منک سمنا،و لم یشتر منک ربّا» (1)لا یمکن تنزیله علی صورة العیب،

ص:423


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 7،من أبواب أحکام العیوب،ص 419،ح 3.

لأنّه حینئذ یستحقّ مطالبة الأرش لا بکیل الربّ سمنا،و لا علی صورة الامتزاج مع عدم الاضمحلال مع العلم بالکیفیّة،لأنّ البیع فاسد،و لا مع الجهل بها إذا فی صورة لا یستحقّ شیئا،و فی أخری له خیار تخلّف الوصف من أخذ الکلّ أو ردّه، أو تخلّف الجزء من قبول البعض و استرداد ما قابل الدردی من الثمن،و لا ینطبق شیء من ذلک علی استحقاق السمن بکیل الرب.

مسألة:القول فی أحداث السنة:

علم انّه لا بدّ لنا من ارتکاب التخصیص فی إحدی القاعدتین،لأنّا إمّا أن نقول بأنّ مواد هذه الأمور عیوب فیلزم التخصیص فی قاعدة أنّ الخروج عن القیام بالعین یسقط الخیار،فإنّ الفعلیّة مغیّرة للعین مع عدم سقوط الخیار بفعلیّتها،و إمّا أن نقول:إنّ العیب نفس ظهورها و فعلیّتها،فلا ربط لها حینئذ بالعیب الموجود حال العقد حتّی یجیء فیه دلیل اشتراطه بعدم التصرّف.

و علی الفرض الأوّل اللازم رفع الید عن عموم العام الوارد فی باب العیب، بأن نقول:عدم قیام العین مسقط إلاّ هنا،لإطلاق المخصّص،لأنّه شامل لحالتی وجود التصرّف و عدمه،فاللازم الأخذ به و لا داعی إلی ارتکاب التقیید فیه بخصوص صورة عدم التصرّف فإنّ المرجع إطلاق المخصّص.

نعم هنا مطلب آخر و هو أنّ التصرّف فی کلّ مورد خیار یوجب سقوطه و لا اختصاص له بباب العیب بناء علی استفادة ذلک من التعلیل الوارد فی خیار الحیوان،فلا محیص عن القول بعدم تمشّی هذا العموم هنا،للزوم التخصیص بالفرد النادر فی أخبار الباب کما هو واضح.

لکن فیه أنّ القدر الثابت من التعلیل مسقطیّة التصرّف للخیار الموجود لا مانعیّته بالنسبة إلی غیر الموجود،فلا یفید بالنسبة إلی التصرّفات السابقة،نعم یفید

ص:424

بالنسبة إلی اللاحقة و لا مانع منه أیضا.

بقی الکلام فی إصلاح الاختلاف بین الأخبار فی تعیین الأمور المذکورة، ففی بعضها الاقتصار علی ثلاثة و السکوت عن الرابع،و فی بعضها ذکر الأربعة:

الجنون و الجذام و البرص و القرن،فما وجه الجمع؟ قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:و إن کان لیس المقام مقام الإطلاق و التقیید و لکن یجری فیه مناطه،و ذلک أنّ المناط فی الإطلاق و التقیید أنّ الکون فی مقام البیان ینعقد بسببه ظهور فی أنّه لو کان فی المطلوب شیء آخر دخیلا لذکره، و هذا المعنی فی المقام موجود،فإنّه إذا صار بصدد تعداد مصادیق عنوان و اکتفی بثلاثة ینعقد ظهور فی أنّه لیس شیء آخر فی عدادها مصداقا لذلک العنوان،فإذا ظهر الدلیل المتعرّض لإثبات شیء رابع کان حاله بعینه حال الدلیل المقیّد بالنسبة إلی المطلق،فکما أنّ مقتضی الجمع بین النصّ و الظاهر تقدیم النصّ و هو المقیّد علی الظاهر و هو المطلق،فهذا الکلام بعینه سار هنا،فإنّ المثبت للرابع ناصّ فی الإثبات و الدلیل الآخر ظاهر فی النفی،فالقاعدة مقتضیة لتحکیم النصّ علی الظاهر،هذا.

ثمّ إنّه وقع فی هذا المقام إیراد غریب علی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی نقل الروایة،و هو:أنّه-قدّس سرّه-سهی فی النقل إذ کانت نسخته سقیمة لأنّه نقل روایة محمّد بن علی و ذکر فیه الجنون و البرص و القرن،ثمّ قال:و هذه الروایة لم یذکر فیها الجذام مع أنّها فی مقام التحدید و الضبط.

فأورد المحشّی-طاب ثراه-بأنّ الروایة حسب ما فی الوسائل مشتملة علی الجذام،لأنّه بعد ما نقل صحیحة أبی همام المشتملة علی الجذام قال ما حاصله:و رواه الشیخ نحوه،إلاّ أنّه قال و القرن و البرص ثمّ قال:و رواه أیضا-إلی

ص:425

أن قال-:عن محمّد بن علی عن الرضا-علیه السّلام-إلخ.

و لکنّک خبیر بأنّ ما فی الوسائل من صحیحة أبی همام مشتملة علی ثلاثة:

الجنون و الجذام و البرص،فقوله:و رواه الشیخ مثله إلاّ أنّه قال:و البرص و القرن معناه أنّه بعد الجنون عطف هذین الاثنین مکان الجذام و البرص،و إلاّ ففی حیث الثلاثیة أیضا هما مثلان،و الشاهد القوی علی ذلک کون روایة محمّد بن علی فی الحدائق علی ما حکاه الأستاذ و علی ما رأیته فی الوافی کما نقله شیخنا مشتملة علی الجنون و البرص و القرن هذا،و قد تقدّم وجه الجمع بین ما اشتمل علی الأربعة و ما اشتمل علی الثلاثة.

لکن هنا خبر آخر لا یجری فیه ما تقدّم و هو ما حکی عن الکافی أنّه قال:

و روی الوشاء:أنّ العهدة فی الجنون وحده إلی سنة،و لکنّه أیضا یجری فیه احتمال أن یکون قوله:«وحده»من صاحب الکافی قیدا لقوله:«روی».

و خبر آخر ذکر فیه:أنّ العهدة فی الرقیق إلی ثلاثة أیّام إن کان فیه حبل أو برص أو نحو هذا،فجعل البرص من العیوب المضمونة علی البائع فی زمن الخیار بمعنی إیجابها الخیار و لو بعد الثلاثة،و هو غیر کونه موجبا لخیار موقّت إلی سنة، و هو أیضا یمکن الجواب عنه بإمکان تصحیف البرص و کونه فی الأصل «المرض».

بقی الکلام فی القرن حیث ذکر شیخنا أنّ المذکور فیه من الروایات غیر صحیح و الأقوال غیر بالغة حدّ الشهرة،و لکن فی إحدی روایتی أبی همام أعنی:ما رواه الشیخ عنه مذکور مع کونها صحیحة،اللّهمّ إلاّ أن یستشکل فیه من حیث عدم العلم بتفسیره و إجماله،فإنّه علی ما فی الکافی فسر بالحدبة إلاّ أنّ الفرق بینهما أنّ الحدبة:انحداب فی الظهر یوجب دخول الظهر و خروج الصدر،و القرن

ص:426

انحداب فی الفرج و لکن علی ما هو المعروف لیس عبارة عن الانحداب بل هو عظم مانع عن الوطی مثل السمن،و فی عبارة التهذیب هکذا،و القرن و الهدبة لأنّها تکون فی الصدر یدخل الظهر و یخرج الصدر،و لم أفهم معناه.

و یمکن أن یقال:إنّ المراد من روایة الکافی أنّ القرنة هو الحدبة إلاّ أنّ الحداب فی الظهر یخرج الظهر و هذا الحدث فی الصدر یخرجه،فیکون الحداب الصدر من أحداث السنة و یکون حاکما علی روایة القرن الخالیة عن التفسیر، لکنّه مبنیّ علی کون التفسیر من الإمام-علیه السّلام-و لعلّه الظاهر.

و أمّا الجذام فقد استشکل فیه المسالک بأنّه من موجبات العتق فکیف یصیر موجبا للخیار؟و وجّهه بأنّ السبب للخیار متقدّم لأنّه مادّة الجذام،فیوجب تأخّر الانعتاق إلی ما بعد الفسخ أو الإمضاء،و فیه:أنّ القاعدة فی المقام معاملة الأعمّ و الأخصّ المطلق،فإنّ الدلیل الدال علی أنّ الجذام یوجب الانعتاق أعمّ مطلق،و دلیل المقام ناصّ فی ردّ نفس العین مملوکا إلی البائع و هو خاصّ مطلق، فالقاعدة تقدیم الثانی علی الأوّل.

و لو فرض المشی علی قاعدة الأسباب فالحقّ أن یقال بتقدیم سبب العتق، لأنّه یفوّت الموضوع بالنسبة إلی سبب الخیار،لأنّه فرع الملک و الأوّل مزیله.هذا و لو قلنا بأنّ السبب فیهما شیء واحد و متحقّق فی آن واحد.

ثمّ علی ما قلنا من التخصیص فهل یحکم بعد الفسخ بالانعتاق علی البائع أو بعد الإمضاء بالانعتاق علی المشتری؟قد یقال:نعم،لأنّ العام إذا خصّص فی القطعة الأولی من الزمان یؤخذ بعمومه فی القطعة الثانیة،لأنّه من باب التقیید فلا یبتنی علی العموم الأزمانی.

و لکن یورد بعدم العموم للدلیل بالنسبة إلی جمیع الأحوال،للفرق بین مثل

ص:427

قولنا:أکرم العلماء و بین مثل قولنا:المجذوم لا یملک،فما کان من الأوّل بصورة الحکم إذا خرج فرد فی حال و کان المتیقّن من الدلیل تلک الحالة یؤخذ بعدها بالعموم،و ما کان من الثانی بصورة الأخبار فهو بملاحظة نظائره فی العرف إذا رأینا فردا خارجا لا یفکّک فیه بین الأحوال لو فرض تلبّسه بحال لا یقطع بعده بالخروج،فإذن لا وجه للقول بالانعتاق لعدم الدلیل.

نعم لو قلنا:بأنّ الباب باب تزاحم السّببین و أنّ الشارع رجّح جانب سبب الخیار و جعله لا محالة حافظا لموضوعه أعنی الملک،فمقتضی القاعدة أنّه إذا زال السبب الأقوی أثّر الأضعف أثره،لکن هذا محتاج إلی الدلیل المثبت للسببیّة بهذا الوجه و قد عرفت عدمه.

ثمّ إنّ شیخنا العلاّمة الأنصاری-رحمه اللّه-أورد علی المسالک فی قوله بأنّ المادّة هو الموجب للخیار:بأنّه لو کان کذلک لزم أنّه لو تأخّر الظهور عن السنة و لو بقلیل-بحیث کشف عن وجود المادّة قبل انقضاء السنة-کان مختارا و لا یلتزم به أحد.

و أورد علیه شیخنا الأستاذ:بأنّ مراد الشهید أنّ المادة قبل السنة المکشوفة بالبروز فی السنة هو الموجب،فأین هو من المادة فی السنة.نعم حقّ الإیراد أن یقال:لازم ذلک أنّه لو تأخّر البروز عن السنة بقلیل بحیث کشف عن وجود المادّة بعد البیع و قبل القبض لو فرض وجود تراخ بینهما لزم علی قاعدة مضمونیّة العیب قبل القبض أن یقولوا بالخیار و لا یلتزمون به.

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار أنّ أحداث السنة توجب خیارا فی مبدأ السنة،فلو فرض حدوثها فی الجزء الأخیر من السنة فاللازم عدم الخیار،لأنّه یستلزم الخیار بعد السنة،و أمّا ما ورد فی بعضها من کلمة بعد السنة فیمکن أن یکون لفظة«بعد»

ص:428

بتشدید الدال یعنی بعدد أیّام السنة کما أنّ الظاهر أنّ الخیار الحادث من کلّ عیب یبقی إلی تمام السنة من حین الشراء لا أنّه فوری.

بقی الکلام فی التصرّف و الأرش اللذین قد اشتهر الحکم بمانعیّة الأوّل و عدلیّة الثانی،و قد عرفت شطرا من الکلام فی الأوّل،و قد عرفت عدم تمامیّة الأدلّة السابقة فی المقام،اللّهمّ إلاّ أن یتمسّک بقوله فی بعض أخبار مانعیّة الوطی:«لا ترد الجاریة بعیب إذا وطئت» (1)و یقال بعمومه لکلّ عیب سواء السابق و اللاحق.

و أمّا الأرش فالأخبار خالیة عنه بالمرّة.نعم فی ذیل ما ذکر من خبر الوطی مذکور،فالخبر المذکور بالنسبة إلی خصوص الوطی فی الجاریة یصلح دلیلا علی کلا الأمرین،کما أنّ کلام المفید أیضا خاصّ به،و یبقی فی غیره کلا الأمرین بلا دلیل،لکنّ الخبر المذکور أیضا لا یطمئن بعمومه لمثل العیوب الحادثة بعد العقد، بل القدر المتیقن.منه العیوب الحاصلة حاله،کما أنّ استفادة الأرش من التعلیل فی بعضها بقوله-علیه السّلام-:«معاذ اللّه أن أجعل لها أجرا»فی مقام تعیین الأرش غیر صحیح،فإنّه إنّما یستفاد منه عدم جواز الردّ و أمّا ثبوت الأرش فلعلّه لأجل المقتضی له الخاص بذلک المقام أعنی:العیب الموجود حال العقد.

خاتمة:فی عیوب متفرّقة

من الکفر،و محرمیّة الأمة برضاع أو نسب،و کون البائع نائب المالک لا مالکا،و ظهور أثر الوقف،و الصیام و الإحرام،و الاعتداد و النمامیّة،و الساحریّة،و القاذفیّة للمحصنات،و الشاربیّة للخمر،و المقامریّة،و غیر ذلک ممّا ذکر فی کلام شیخنا-قدّس سرّه.

فالکلام الکلّی فی الجمیع أنّها غیر منقّصة للمالیّة،نعم موجبة لقلّة الرغبة،

ص:429


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4،من أبواب أحکام العیوب،ص 415،ح 8.

لکن لا تلازم بین الأمرین کما فی الجوهرة النفیسة التی لا یرغب أحد فی شرائها لغلاء قیمتها و لکنّها موجبة للخیار بملاحظة تقیید النظر إلی الفاقد لهذه الأوصاف،فالخیار خیار تحلّف الشرط إلاّ فی من ینعتق علی المشتری،فإنّ ثبوت الخیار فیه مع أنّ التقیید ثابت محلّ إشکال،فإنّ الملک لا یستقرّ إلاّ بقدر یرد علیه الانعتاق،فلا مجال لمجیء خیار ردّ العین فلا یبقی للانتقال إلی البدل مجال.

و تحقیق المسألة أنّ أصل الرجوع إلی البدل فی مسألة الفسخ عند فقدان العین وجدانا أو شرعا مع أنّه لیس منه فی الأصل أعنی:البیع عین و لا أثر یکون لأجل التعهّد بالتسلیم المأخوذ فی الفسخ،فإنّه لیس مجرّد إعدام العقد حتّی یکون رجوع کلّ مال إلی صاحبه لمقتض فی ذاته،و إلاّ لم یبق للرجوع إلی البدل وجه،بل هو عبارة عن قلب العقد فیکون مشتملا علی معاوضة جدیدة،فکما أنّ العقد المقلوب منه مشتمل علی التعهّد بالتسلیم کذلک الفسخ الذی قلبه،و إذا صار الحال هکذا فیتحقّق حقّ فی العین باسترجاعها فتکون مضمونة فی ید البائع للمشتری بضمان الید کما فی العین المرهونة،حیث إنّ الغاصب ضامن للمالک و المرتهن معا،هذا فی التلف عند غیر ذی الخیار.

و أمّا التلف عند ذی الخیار فلا وجه للرجوع فیه إلی البدل کما لا وجه فی التلف عند غیر ذی الخیار فی ما کان آنا ما بعد العقد،فإنّه نظیر تلف المبیع فی حال البیع حیث لا تعهّد بدفع البدل،ففی الفسخ أیضا بعد الوجود فی زمان و تعلّق هذا الحقّ به یندرج تحت ضمان الید،نعم لو اشترط من له الخیار أنّه ببذل مثل الثمن کان متسلّطا علی ردّ المبیع جاز حینئذ و لکنّه خارج عن قضیّة الفسخ من حیث هو،و اللّه العالم.

ص:430

القول فی الأرش:

اشارة

و التکلّم فی معناه لغة و أنّه منقول إلی کلّ واحد من الموارد المصطلحة فیها هذه اللفظة عند الفقهاء،أو إلی الجامع بینها،أو إلی شخص واحد منها حتّی یکون فی غیره مجازا،لعلّه لیس فیه کثیر فائدة،فالأولی صرف الوقت فی ما هو المهمّ و هو أنّه هل المعتبر هو التفاوت الواقعی،أو النسبة إلی الثمن لو کان المعیب مثمنا،أو إلی المثمن فی العکس؟ قد یقال:ظاهر الخبر:«له أرش العیب»أو«یرجع بقیمة العیب»هو الأوّل، و التعبیر فی بعض آخر بأنّه«یرد بقدر ما نقص من الثمن»أو«یوضع عنه من ثمنها بقدر العیب»منزّل علی ما هو الغالب من نقصان القیمة عن الثمن،فلو فرض الاستیعاب أو الزیادة فاللازم ردّ الکل أو مع الزیادة،و یعارض ذلک بأنّه لیس أولی من العکس بأن یقال:المعتبر هو النسبة و لکن لما کان الغالب هو المساواة فلهذا عبّر عنه بالقیمة.

و لکنّ الحقّ-مع الغضّ عمّا هو التحقیق الآتی ذکره-أنّ الغلبة لیست بحیث لم یکن تفاوت حتّی یسیرا فعلی فرض الغضّ عمّا یأتی لا بدّ من القول بتعیّن القیمة الواقعیة.

و قد یقال:إنّ کونه النسبة موافق للقاعدة،و تقرّر القاعدة بوجهین،الأوّل:

إنّ المعاملة و المعاوضة و إن وقعت إنشاء فی ما بین الذاتین و لم تقع بإزاء الوصف شیء و لکن فی عالم اللّب یقع بإزاء الوصف مقدار من الثمن و هذا وجه عدم الانفساخ کما فی الجزء و هو السرّ فی عدم تعیّن جزء من نفس الثمن مع بقائه.

و الثانی:أنّ المعاوضة بحسب الإنشاء متقیّد بالوصف،فیقع الوصف فی العهدة فتجب الغرامة،و الخروج عن هذه العهدة ببذل بدل الوصف عند عدمه.

لا یقال:فلم لا یتعیّن البدل الواقعی بل الجعلی؟لأنّا نقول:إنّه فی هذه

ص:431

المعاملة لم یقع بصدد التعهّد للوصف بأزید ممّا جعله بإزائه لبّا،و لاحظه فی جعله إنشاء فی قبال العین،هذا ما یقال،و فیه نظر.

أمّا الوجه الأوّل:فلأنّه لیس بأزید من تخلّف الداعی و لیس فیه خیار أصلا.

و أمّا الوجه الثانی:فلازمه القول به فی صفات الکمال إذا وقعت تحت الاشتراط و لا یقولون به،فالحق أنّ الخیار من آثار الاشتراط عرفا،و لیس الأرش إلاّ أثرا شرعیا،فاللازم النظر إلی الأدلّة الشرعیّة و أنّه کیف المستفاد منها.

فنقول و علی اللّه التوکّل:الحقّ کما ذکره شیخنا المرتضی هو تعیّن النسبة دون التفاوت الواقعی،و وجهه أنّ القیمة بحسب جعل المتعاملین قد طبّقت علی ما تعاقدا و تراضیا علیه و جعلاه فی قبال العین،حتّی إنّ المشتری فی صورة وجود الوصف و زیادة القیمة السوقیّة عن الثمن لا یری أنّه انتقل إلیه شیء بلا ما بإزاء، بل یراه بتمامه قد انتقل إلیه بإزاء المال،لا أنّه یری أنّ بعضه انتقل إلیه بإزاء ماله و بعضه انتقل إلیه زائدا کما هو اللازم لو یری القیمة الواقعیّة فی هذا الحال قیمة.

و حینئذ نقول:منصرف الأخبار الآمرة لهذین المتعاملین بردّ القیمة و استرجاعها و ردّ الأرش و استرجاعه لیس إلاّ هو الثمن الجعلی و ما یقسّط علی الوصف عند التقسیط علی المجموع،لأنّه هو الذی فات علی المشتری و ورد نقصانه علیه حتّی یصحّ التعبیر بالأرش علی التدارک له،و أمّا نفس العیب فلیس نقصا واردا علیه بل هو کان فی مال البائع،و ممّا یؤیّد هذا الذی قلنا ذکر کلمة الردّ و ذکر الثمن،مع أنّ الغالب فواته،و لو کان المقصود القیمة الواقعیّة لما کان لذکر الثمن وجه بل یذکر اسم نفس القیمة.

ثمّ قد تحقّق ممّا ذکرنا أنّه لا وجه للانفساخ،و أمّا لزوم ردّ نفس الثمن مع

ص:432

بقائه و لو لم نقل بالانفساخ-کما ربّما یتوهّم فی باب القرض بملاحظة أنّه و إن کان من باب الغرامة و لکن لا شیء أقرب إلی الشیء من نفسه،فالانتقال إلی البدل إنّما هو فی صورة عدم التمکّن منه-فالجواب عنه أنّه لا شبهة فی فوات نفس الثمن بواسطة العقد علی المشتری،بمعنی أنّه تلف ملکیّته،فلا فرق حینئذ بین رجوعه بنفسه أو رجوع شیء آخر،فیکون کلّ منهما بالنسبة إلی إطلاق دلیل الأرش فی حدّ سواء.

و علی فرض عدم تسلیم الإطلاق نقول:إنّ الأصل عدم تسلّط المشتری علی ردّ نفس الثمن،و الأصل براءة ذمّة البائع من تسلیم الشخص کما ذکره شیخنا المرتضی،فإنّه إمّا أن یکون الثابت هنا تکلیفا محضا،و إمّا من باب الدین،فعلی الأوّل یکون الأمر دائرا بین الأقلّ و الأکثر،نعم لو کان الثمن جنسا لا نقدا یکون دائرا بین المتبائنین،و أمّا علی الثانی فکذلک الحال بالنسبة إلی صورة کون الثمن جنسا.

و أمّا فی صورة کونه نقدا فهو من الأقلّ و الأکثر لو قلنا بأنّه علی تقدیر تعیّن الشخص تکون العهدة ساریة إلی المراتب أعنی:بأصل جامع النقد الغالب و بهذا الشخص،فلا تعهّد جدید بعد تعذّر الشخص،و أمّا لو قلنا بوحدة العهدة و المتعهّد به،فالظاهر أنّ الکلام فیه کالکلام فی التکلیف،أعنی:أنّ القائل بالبراءة هناک لا بدّ من أن یقول بها هنا أیضا،إذ کما تصح نسبة الوجوب إلی المهملة، کذلک تصحّ نسبة الدینیّة و المتعهّدیّة إلیها بلا فرق.

و یمکن الخدشة فی الدین و لو سلّمنا البراءة فی التکلیف بأن یقال:إنّ النسبة إلی المهملة فی ذلک الباب مصحّح للعقاب،و همّ العقل لیس إلاّ إسقاط العقاب،و هو یحصل بالإتیان بفرد المهملة و لو فی غیر ضمن الواجد،و لیس همّ

ص:433

العقل الإتیان بما هو المأمور به،فإنّه علی تقدیر کونه المقیّد لم یأت بشیء من المأمور به،فلا یصدق فی صورة العلم بکونه المقیّد و أتی بفاقد القید أنّه امتثل نصف امتثال،بل لم یمتثل أصلا،و هذا بخلاف باب الدین،فإنّ الحقّ أمر شخصی واحد إمّا متعلّق بالمطلق أو بالمقیّد،و قد حکم الشارع علیه بلزوم الأداء.

و علی فرض کونه متعلّقا بالمقیّد لم یؤدّ بشیء لو أدّی الفاقد،فاستصحاب بقاء أصل الحقّ و جامعه جار،و أثره أن یلزم علیه أداءه و رفعه عن نفسه،و لا ینقطع عنه إلاّ بأداء الواجد،و فی باب التکلیف لو کان من أثر التکلیف شرعا رفعه و إسقاطه کان الحال هکذا أیضا،و نظیره ما إذا تردّد أمر رافع الحدث بین الغسل فقط أو هو مع الوضوء فإنّه لا شبهة فی جریان استصحاب أصل الحدث بعد إتیان الغسل فقط و أثره عدم جواز الصلاة و لا ینقطع إلاّ بإتیان کلا الأمرین.

ثمّ هل المعتبر خصوص النقدین أو یکفی و لو من غیرهما؟قال شیخنا:

استظهر جامع المقاصد من عبارة العلاّمة-حیث ذکر فی بیع الصرف فی ما إذا تخالف الجنسان و ظهر عیب فی أحدهما بعد التفرّق بأنّه لا یجوز إعطاء الأرش من أحدهما و یجوز من غیرهما-أنّه ذهب إلی الجواز بغیر النقدین،و استشکل جامع المقاصد بأنّ الأصل فی الحقوق المالیّة هو النقدان،فکیف ما یثبت تدارکا لنقصان فی أحدهما،انتهی.

و الظاهر أنّ وجه عدم جواز الأرش بأحدهما فی فرض العلاّمة-قدّس سرّه- لأجل أنّه یلزم تأخّر التقابض عن المجلس بالنسبة إلی الأرش الذی هو کالعوض لوصف الصحّة فی العوض الصحیح،و الظاهر أنّ وجه الاستظهار أنّ کلام العلاّمة-قدّس سرّه-مبنیّ علی جواز الأرش مطلقا بکلا الأمرین،فإذا حصل المانع فی بعض الموارد فی أحدهما یتعیّن الأمر فی الآخر،و علی هذا یتوجّه إشکال

ص:434

جامع المقاصد.

و حاول شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-تصحیح العبارة علی وجه یرتفع عنه الإشکال بأنّ أداء غیر النقدین یحتاج إلی رضی الدافع بخلاف النقدین،فلیس له الامتناع لو طالبه ذو الحق،فمقصود العلاّمة-قدّس سرّه-أنّه لو تراضیا علی جعل الحقّ هو الجنس الآخر جاز،لا أنّه من الابتداء یکون الحقّ متعلّقا بالأعم حتّی یرد الإشکال.

و لکنّ الحقّ عدم نفع هذا الکلام فی دفع الإشکال،فإنّه یقال:لا یخلو إمّا [أن]یکون الحقّ متعلّقا بالأعمّ أو بالأخصّ،فعلی الأوّل لا وجه لاعتبار التراضی و یتوجّه الإشکال،و علی الثانی فالمفروض عدم إمکانه فی المورد،للزوم المحذور، فاللازم سقوط الحق رأسا،و لا معنی لتعلّق الحقّ بغیر النقدین مع اشتراطه بالتراضی.

إلاّ أن یقال:إنّ مراده-قدّس سرّه-أنّ هنا مصداقین للتدارک فی عرض واحد،أحدهما المصداق الذاتی الغیر المحتاج فی مصداقیّته إلی التراضی و هو النقدان،و الآخر ما یحتاج فی المصداقیّة إلی التراضی و هو غیرهما،فإذا صار أحد المصداقین متعذّرا صار المصداق الآخر متعیّنا،لکنّ المصداق المتعذّر لو کان هو النقدین صار المصداق المحتاج إلی التراضی حینئذ غیر محتاج إلیه،لأنّ التدارک لیس له فی هذا الحال مصداق غیره.

فالفرق بین المقام و بین الحقوق الثابتة فی الذمّة أنّه إذا استقرّ فی الذمّة إمّا الدینار و إمّا الدرهم کما هو الحال فی المقامات الأخر فلا یعقل أن یصیر جنس آخر وفاء لهما،فلا بدّ من المعاوضة،و أمّا فی المقام فالثابت فی العهدة لیس إلاّ حقّ التدارک و هو له مصداقان عرضیّان،فأیّهما تحقّق کان نفس التدارک لا عوضه.

ص:435

ثمّ إنّه ذکر شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّه لا یعقل استیعاب الأرش للثمن،فإنّ معنی استیعابه للثمن أن لا یبقی للعین حال البیع تموّل أصلا،فوقع البیع علی ما لیس بمال و هذا یوجب الفساد و عدم وقوع البیع رأسا،و هذا مطلب حقّ،فلا یجامع ثبوت الأرش مع صحّة البیع إلاّ بنقصان الأرش عن الثمن دون مساواته.

إلاّ أنّ للعلاّمة کلاما فی بیع العبد الجانی،یظهر منه الأرش المستوعب، حیث ذکر أنّه إن استوعبت الجنایة قیمة العبد فللمشتری مع الجهل الخیار بین أخذ الثمن بعنوان الفسخ و أخذه بعنوان الأرش.

و فیه أوّلا:عدم معقولیة الاستیعاب کما مرّ،و ثانیا:منع کون الجنایة عیبا فی العبد و موجبا لنقصان المالیّة،و إلاّ فکیف یقول لو استوعبت الجنایة قیمته؟ و کیف یعرّض فی معرض البیع؟و بالجملة الخیار هنا نظیر الخیار فی العین المستأجرة لا یستحقّ إطلاق اسم العیب،و لا وجه لثبوت الأرش أصلا،فتدبّر.

مسألة:لو علم مقدار الأرش

فلا کلام،و إلاّ فهل یرجع فیه إلی قول المقوّمین و یکون قولهم حجّة شرعیّة متّبعة من غیر اعتبار شروط البیّنة من التعدّد و العدالة أو لا؟یظهر من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-التفصیل بین أقسام المقوّمین فی اعتبار ذلک وضوحا و خفاء،حیث قسمهم إلی ثلاثة:الأوّل:من یخبر بالقیمة السوقیّة لا عن حدس و اجتهاد بل بالطرق الأخر،و الثانی:من یخبر عن اجتهاد و حدس و إعمال فکره و رویّة،و الثالث:من یخبر بالصغری بعد معلومیّة الکبری،کما لو علم أنّ قیمة الردیّ من الذهب کذا و جیّده کذا،فأخبر المقوّم بأنّه ردیّ أو جیّد،فجعل الاعتبار فی القسم الأوّل أوضح منه فی الأخیرین.

و الحقّ عدم التفرقة أصلا،إذ لا یخلو إمّا یحصل الوثوق بسبب إخبار المقوّم

ص:436

أو لا یحصل،فالقسم الأوّل لا یعتبر فیه شروط الشهادة من غیر فرق بین الأقسام، لأنّ بناء العقلاء علی المشی علی طبق الوثوق و الاطمئنان کما هو المبیّن فی باب الأحکام،و القسم الثانی لا فرق بینها فی الاعتبار،إذ لا دلیل لنا علی الاعتبار بقول أهل الخبرة ما لم یفد الاطمئنان و الوثوق کما ذکر فی عدم حجّیة قول اللغوی.

و بالجملة:فالحقّ أن یقال:إنّه إن کانا مترافعین،فلا ینفع فی رفع نزاعهما الوثوق أیضا بل الفاصل لیس إلاّ البیّنة أو الیمین،و إن لم یکن بینهما ترافع فالوثوق إن حصل من أی سبب کان یکون حجّة و إلاّ فلا محیص عن اعتبار العدد و العدالة،لأنّ اعتبار البیّنة بقول مطلق و فی جمیع الأبواب قد ثبت وروده من الشرع کما یتضح بمراجعة أخبارها الواردة فی المواضع المتفرّقة التی جمعها فی کتاب «عناوین»من شاء فلیراجعه.

و أمّا جریان دلیل الانسداد،فأوّلا:لا یفید إلاّ مطلق الظنّ لا خصوص الناشئ عن قول المقوّم،و ثانیا:لم نعرف کیف یجری مقدّماته،لأنّه بالنسبة إلی الواقعة الشخصیّة لیس لواحد من المشتری و البائع علم إجمالی،و لیس محلّ ابتلائهما قضایا متعدّدة یحصل من ملاحظة المجموع علم إجمالی،و إن اعتبر العلم بالنسبة إلی الشارع فی عامّة الوقائع،ففیه أنّ الوقائع التی یحصل فیها الاختلاف بین المقوّمین شاذّة جدّا،و المقدار القلیل الحاصل فیه الاختلاف بینهم لیس فیه علم إجمالی بتضییع حقّ.

ثمّ لو تعذّر معرفة القیمة إمّا لفقد أهل الخبرة أو توقّفهم،فالظاهر الرجوع إلی الأصل فی نفی الزائد و لیس هنا مقام الاشتغال،و لو قلنا فی المطلق و المقیّد بالتقریب المتقدّم،لأنّ الأقلّ و الأکثر هنا استقلالیّان،نعم لو قلنا بأنّ الباب باب التبعّض و أنّ وصف الصحّة یصیر بقبالة جزء من الثمن فمع فقدها یکون البیع

ص:437

بالنسبة إلی ما قابله من الثمن غیر واقع،فیشک البائع فی انتقال الزائد إلیه و عدمه،و الأصل یقتضی عدم الانتقال،و البقاء علی ملک المشتری،فیجب الأخذ حینئذ بالأکثر،و لکنّ المبنی ضعیف.

و أمّا الرجوع إلی مطلق الظنّ فقد عرفت ما فیه من عدم ارتباط المقام بدلیل الانسداد،لأنّ الکلام فی الواقعة الواحدة التی یبتلی بها الإنسان فی عمره مرّة أو مرّتین،و لا یحصل له علم بالخلاف حتّی یجری فیه دلیل الانسداد،هذا.

مسألة:لو اختلفت البیّنات فربّما یفرض فی صورة الترافع،

و ربّما یفرض فی غیرها،ففی الأولی یبتنی علی مسألة تقدیم بیّنة الخارج،و حیث إنّ الظاهر ذلک کان المقدّم بیّنة الأکثر،لأنّ بیّنة الأقلّ هو المطابق للأصل،فصاحبها المنکر،و قد ورد أنّ علی المدّعی البیّنة لا علی المنکر.

و أمّا فی غیر صورة الترافع،فالقاعدة تقتضی سقوط الأمارتین عن الحجّیة، و قاعدة الجمع فی غیر مورد الجمع العرفی-کما سلّمه و أوضحه شیخنا المرتضی فی التعادل و التراجیح قبالا للشهید فی تمهید القواعد-غیر ثابتة،بمعنی أنّ الجمع العرفی لو کان فهو المتّبع،و إلاّ فاللازم طرح کلیهما و الرجوع إلی ما دونهما من الأصول و القواعد،و قد عرفت أنّه نفی الزائد و الأخذ بالأقلّ.

و لکن شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-قد أصرّ فی هذا المقام مع توضیحه ما ذکرنا فی مسألة التعادل و التراجیح بأنّ القاعدة هو الجمع و الأخذ بکلتا البیّنتین بقدر الإمکان،قال-قدّس سرّه-:لأنّ کلاّ منهما حجیّة شرعیّة فإذا تعذّر العمل بهما فی تمام مضمونه وجب العمل به فی بعضه،انتهی.

و تمامیّة ما ذکره-قدّس سرّه-مبنیّة علی مقدّمتین کلتاهما ممنوعة،الأولی:

القول فی الأمارات بالسببیّة و الثانیة أنّها أمر بالعمل بمؤدّیاتها لأجل المصلحة فی

ص:438

نفس سلوکها،و الأحری القول بأنّ المصلحة المذکورة لیست فی نفس المؤدّیات بل فی الالتزام و البناء القلبی علی واقعیة المؤدّیات و ترتیب الآثار علیها،فإنّه لو قیل بالطریقیّة فاللازم التساقط عند التعارض و عدم الجمع المدلولی کما ذکرنا،کما أنّه لو قیل بالسببیّة علی الوجه الآخر،أعنی:وجود المصلحة فی نفس المؤدّیات فاللازم التساقط أیضا فیما إذا کان مفاد أحدهما النفی و الآخر الإثبات کما فی المقام، حیث إنّ أحدهما یثبت المقدار الزائد و أنّه مورد استحقاق المشتری و الآخر ینفیه.

و أمّا علی الوجه الذی ذکرنا،أعنی:وجودها فی الالتزام القلبی الذی لازمها العمل الأرکانی فنقول:فرق بین أن یکون المفاد ابتداء جعل الحق و نفیه،فإنّ اللازم التساقط أو إیجاب المعاملة و عدم الإیجاب فکذلک،و بین إیجاب التدیّن بکون الزائد حقّا و إیجاب التدیّن بکون الأقلّ حقّا لیس إلاّ،فإنّ الأخیر بابه باب المتزاحمین حیث لا یمکن الجمع بین الالتزامین فی القلب فیثبت التخییر،و لازمه و إن کان إیجاب المعاملة فی الزائد و عدمه،و لکن فرق بین أن یکون هذا مفادا ابتدائیا لدلیل الحجّیة و بین أن یکون لازما لمفاده،فعلی الأوّل یلزم التساقط دون الثانی.

إلاّ أنّ الفرق بین هذا المقام و التزاحم فی التکالیف-مثل إنقاذ الغریقین الغیر الممکن جمعهما-أنّه لا مرجّح هناک لأحد الفردین علی الآخر،و أمّا هنا فالمرجّح مع العمل بکلّ بیّنة فی نصف المبیع،فإنّ البیّنة علی العشرة مثلا ینحلّ إلی أنّ هذا النصف خمسة و ذاک أیضا خمسة،و هکذا بیّنة الثمانیة مثلا یرجع قوله إلی أنّ کلّ نصف أربعة،فکان الموجود فی البین أربع بیّنات،و التخییر فی التدیّن بالمؤدّی و إن کان یقتضی کون الاختیار بید المکلّف،و لکن حیث إنّ المؤدّی وجوب معاملة الحقّ،و اللازم فی مقام الجمع بین الحقّین هو التقسیط و العدل

ص:439

فیجب الأخذ بواحدة من بیّنتی الخمس و واحدة من بیّنتی الأربع،هذا.

و لکن عبارات شیخنا المرتضی فی هذا المقام مختلفة،فبعضها یساعد الطریقیّة و بعضها السببیّة،و ما ذکرنا أیضا لا یخفی أنّ کلتا مقدّمتیه ممنوعة،أعنی:

أصل السببیّة و کونها علی تقدیر القول بها علی نحو کون المصلحة فی التدیّن،فإنّ أحدا لا یقول بأنّ التدیّن القلبی بمفاد البیّنة مثلا واجب.

ثمّ علی فرض القول بالتنصیف-علی خلاف التحقیق الذی قلنا من الأخذ بالأقلّ و التساقط-فهل الطریق إلیه ماذا؟فإنّه قد وقع الاختلاف بین المشهور و بین الشهید،فیظهر من المشهور أنّ الطریق جمع قیمتی الصحیح و قیمتی المعیب و تنصیف المجموع فی الطرفین ثمّ ملاحظة النسبة فی ما بین النصفین،و الذی اختاره الشهید-قدّس سرّه-أن تلاحظ النسبتان و یلاحظ التنصیف فیهما،فإذا کانت النسبة بحسب قول أحدهما النصف و بحسب الآخر الربع،فاللازم الأخذ بالنصف من النصف و النصف من الربع و هکذا،و لو کانت الأطراف ثلاثة فاللازم الأخذ بالثلث من کلّ واحد،و لو کانت أربعة فبالربع و هکذا.

و الحقّ ما قاله الشهید،فإنّه لو کان التضمین هنا کباب ضمان الید بالعوض الواقعی کان الحقّ مع المشهور،و لکن الضمان هنا بالنسبة من الثمن التی هی لازم قولی البیّنتین فلا بدّ من إعمال قاعدة الجمع فی هذا المورد و لا وجه لأعمالها فی نفس القیمتین مع عدم ارتباطهما بما هو المهمّ و الموضوع للأثر،و هذا الوجه فی اختیار کلام الشهید أسدّ و أخصر ممّا ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،فإنّه مبنی علی ملاحظة التنصیف فی نفس القیمتین،و قد عرفت أنّه لا وجه لذلک فی ما لا یشمله دلیل الحجّیة بل اللازم من الابتداء الرجوع إلی لازم المخبر عنه و هو النسبة، و إعمال قاعدة الجمع فیه.

ص:440

القول فی الشروط:

اشارة

لمّا کان کلمة الشرط واقعة فی الأدلّة مثل«المؤمنون عند شروطهم» (1)و«الشرط جائز»إلخ،فلا بأس بالتکلّم فی معناه،فاعلم أنّ له معنیین عرفا،أحدهما:المعنی المصدری و هو الإلزام و الالتزام فی البیع و نحوه،و الثانی:ما یلزم من عدمه العدم و إن کان لا یلزم من وجوده الوجد،و قد یدّعی اتّحاد المعنیین و أنّ المعنی الثانی أیضا من قبیل إطلاق الخلق علی المخلوق،فالشرط عبارة عن الجعل الإلزامی،فقد یکون من قبیل الالتزام بالعمل أو الصفة،و قد یکون من قبیل جعل القید،و الجاعل للقید إمّا العقل أو الشرع أو العرف،و لیس فی عدم تضایف الشارط و المشروط دلالة علی عدم صحّته بالمعنی الثانی مصدرا،فإنّ المشروط حقیقة نفس القید،إذ هو الذی جعل شرطا کالوضوء فی الصلاة،و أمّا الصلاة فهی مشروط فیه.

و الحقّ أن یقال بالمغایرة و أنّ الاشتقاق من الثانی اشتقاق جعلی من المبدأ الجامد،فإنّه لیس فی موارد التقیید جعل متعلّق ابتداء بالقید،مثلا الشارط فی قوله:إن جاءک زید فأکرمه،لیس طلبه أوّلا متعلّقا بالمطلق حتّی یجعله ثانیا مقیّدا،إلاّ أن یکون الطالب ممّن یمکن فی حقّه البداء.

فالذی هو الحقّ أنّ المفهوم المقیّد بحسب وجوده التقرری محتاج إلی القید، و فی أیّ عالم وجد یحتاج إلی القید و ینعدم بانعدامه،فالطالب إنّما یتعلّق طلبه بالمقیّد کما یتعلّق بالمهملة،فکما لا یقال إنّه جعل المهملة بمحض ذلک لا یصلح أن یقال إنّه جعل المقیّد أو القید بمحض تعلّق طلبه و إرادته بالمقیّد.

نعم هنا عنوان مستحدث بتبع هذا الطلب و هو صیرورة المجیء قیدا للطلب،أو صیرورة الوضوء قیدا للمأمور به،و لم یکن هذا العنوان قبل الأمر

ص:441


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 5،من أبواب الخیار،ص 301،ح 7.

موجودا و وجد بعده و بتبعه.

و حیث قد صحّ أنّ للشرط معنیین مصدریّا و جامدا،فهل المتداول فی المعاملة بین الناس أیّ المعنیین؟و المدلول للأدلّة الدالّة علی وجوب الوفاء بالشروط أیّهما؟ فنقول:إنّه المعنی الأوّل إذ لم یعهد فی المعاملات أن یعقد المعاملة مشروطة بأن یقول:إن کان کذا بعتک،و إلاّ بطل،للتعلیق المبطل،و کذا لیس مفاد أدلّة الوفاء بالشروط مثل ذلک،فإنّه لا معنی لوجوب الکون عند مضمون الجملة الشرطیّة،و ترتیب الجزاء لیس وفاء بالشرط،فینحصر أن یکون المراد المعنی الآخر و هو الالتزام الضمنی،فیکون الوفاء به الإتیان بمضمونه خارجا،هذا.

الکلام فی شروط صحّة الشرط:و هی أمور قد وقع الکلام أو الخلاف فیها:
أحدها:أن یکون مقدورا للمکلّف:

و المقصود لیس الاحتراز عن مثل الطیران،فإنّ اشتراط أمثال ذلک مرغوب عنه عند العقلاء،فلا یصیر معنونا فی کلام الفقهاء،بل المقصود الاحتراز عمّا لیس فعلا للمکلّف بلا واسطة،نظیر صیرورة الزرع سنبلا،و البسر تمرا،أو فعل الغیر،فإنّه لیس حصول ذلک باختیار من المشروط علیه،لا یقال:هذا أیضا کالمحالات تکون دواعی العقلاء عن اشتراطه مصروفة.

لأنّا نقول:کلاّ،بل یتداول فی ما بینهم الالتزام و التعهّد بالأمور الاستقبالیّة مثل نزول الغیث غدا و نحوه،و فائدته فی ما یترتّب علیه المؤاخذة هو المؤاخذة و فی ما لا مؤاخذة فیه هو مجرّد الغالبیّة فی صورة المطابقة و المغلوبیّة فی صورة المخالفة.

ثمّ بعد وضوح محلّ الکلام،الذی یمکن أن یکون وجها لهذا الاشتراط أحد أمرین،الأوّل:عدم صحّة وقوعه متعلّقا للأمر المستفاد من دلیل الوفاء بالشرط،

ص:442

لأنّه لا یتعلّق بغیر المقدور،فإذا لم یشمله الدلیل تبقی صحّته بلا دلیل.الثانی:

لزوم الغرر،و کلا الأمرین غیر قابل للاستناد.

أمّا الأوّل،ففیه أوّلا:أنّا قد بیّنّا فی الأصول بأنّ ما یقع فی حیّز الطلب لا یلزم أن یکون حرکة صادرة من جوارح العبد،بل الأعمّ منه و من الأمر الذی یکون له الاقتدار علی وقوعه و لا وقوعه و لو بإیجاد المانع،سواء کان من قبیل کون الواسطة آلة صرفه لإیصال قوّة المکلّف کالمنحت،حیث یوصل القوّة إلی الخشبة، أو کانت من الفواعل الطبیعیّة أم المختارة من قبیل السبع،فإنّ فی الکلّ یصحّ أن یقال:إنّ الوجود و العدم تحت اقتدار المکلّف،فنفرض فی المقام کون الغیر من قبیل الولد للمشروط[علیه]أو العبد الغیر المتمرّد عن أمره و فی ما کان من فعل اللّه سبحانه نفرض کون المشروط علیه مستجاب الدعوة،و هکذا.

و ثانیا:لا ندور فی باب الشرط مدار دلیل الوفاء بالشرط و إلاّ فکیف یجری فی الوصف الحالی فی العین الخارجیّة مثل کتابة العبد حین البیع؟حیث إنّه دائر بین الوجود و العدم،و لیس أمرا مقدورا للمشروط علیه بل نکتفی فی مثله بدلیل صحّة البیع بعد کونه تتمّة للبیع،مثل قوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ (1)ففی مثل الموارد التی تکون فی مسألتنا خارجة عن حیّز القدرة حتّی بالطریق المتقدّم نقول:

إنّ الدلیل فیه عین الدلیل فی اشتراط الوصف الحالی.

و أمّا الثانی:فلأنّا إمّا نقول فی الوصف الحالی بارتفاع الغرر من الخارج أو من نفس الالتزام،و علی کلّ تقدیر یجری نحوه فی الاستقبالی فإنّا ندور مدار حصول الاطمئنان من الخارج و مع العدم نلتزم بالبطلان.و إمّا نقول:نفس الالتزام و التعهّد رافع الغرر بملاحظة أنّه قد بذل الثمن بإزاء المثمن مع التعهّد بالوصف،فإن لم یکن الوصف فالتعهّد به موجود فلا مخاطرة و لا غرر،هذا.

ص:443


1- 1) البقرة275/.

ثمّ إنّه عدّ من أفراد الغیر المقدور اشتراط النتیجة الغیر الحاصلة إلاّ بالأسباب الخاصّة مثل مزوّجیّة الأجنبیّة،أو مطلّقیّة الزوجة من غیر أن یراد إیجاد الأسباب،بل کان المقصود نفس حصول النتیجة حال البیع،و الظاهر أنّه فی غیر المحلّ و إن کان أصل الفساد حقّا،فإنّ المطلّقیّة الحالیة أمر مقدور،فإنّه لو فرض أنّه تکلّم عوض قوله:بعت،بقوله:طلّقت،کان الطلاق حاصلا،و هذا معنی مقدوریّته،و لکن یکفی فی الفساد عدم شمول الدلیل إیّاه،فإنّ الاشتراط لیس من أسباب حصول الزوجیّة أو الطلاق،و هو و إن لم یشترط کونهما حاصلین بالاشتراط حتّی یدخل تحت عنوان الشرط المخالف للسنّة،لکن مقتضی اشتراطه حصولهما فی الحال أن یکونا حاصلین بنفس الاشتراط.

و علی کلّ حال یبقی هنا سؤال و هو أنّ فی جمیع هذه الموارد التی یحکم بفساد الشرط بواسطة فقدان واحد من الأمور المعتبرة فی صحّته ما معنی الفساد؟ فإن کان مجرّد عدم الخطاب بالوفاء به تکلیفا فی ما کان عملا،ففیه:أنّ محلّ الکلام فی الأعمّ من العملیّات و غیرها من الأوصاف الحالیّة و النتائج،و مع قطع النظر عن التکلیف المذکور لا یخلو الحال إمّا نقول فی الشرط الصحیح بأنّ تخلّفه یوجب البطلان،أو یوجب الخیار،و کلّ من هذین یجری فی الشرط الفاسد أیضا،فإنّ إناطة البیع إمّا متحقّقة أو غیر متحقّقة،و علی الثانی یلزم الحکم بلزوم البیع من الابتداء،و لا یمکن الالتزام به،و علی الأوّل فاللازم أحد الأمرین من البطلان أو الخیار،لأنّه لازم الإناطة علی اختلاف المذاقین،فلم یکن وجود الشرط و عدمه سیّین.

و بالجملة:إن کان المقصود من الفساد عدم التکلیف،ففیه ما تقدّم،و إن کان المقصود صیرورة وجوده کعدمه و بلا أثر صرف،فهو ممنوع.

ص:444

و یمکن أن یجاب بأنّ معنی صحّة الشرط أنّه یتحقّق للمشروط له حقّ علی المشروط علیه یطالبه به و له إسقاطه،فإن و فی فهو،و إن تخلّف بنی علی الوجهین من أنّ المبتنی علی شیء ینتفی بانتفائه،و من أنّ مقتضی بقاء الموضوع بقاء العقد، و لکن حیث انقطع یده عن حقّه فمن آثار ذلک عرفا أنّه مختار علی الفسخ.

و بالجملة الخیار أثر عرفی لهذا الحقّ عند التخلّف و لا حاجة فی إثباته إلی قاعدة الضرر،و أمّا فی الشرط الفاسد فحیث لا حقّ للمشروط له علی المشروط علیه فلا وجه للخیار،فالأمر دائر بین البطلان قضیّة للابتناء،و الصحّة مع اللزوم قضیّة لبقاء الموضوع.

لا یقال:وجه الخیار أنّه ما أقدم علی البیع مع بطلان الشرط،لأنّا نقول:

هذا تقریر الفساد،و أمّا إذا فرض أنّه بیع مشمول للأدلّة و المفروض عدم حدوث حقّ له علی صاحبه فلا وجه لفسخه عند عدم شرطه،لأنّه لم یحدث له حقّ حتی یتسلّط بسبب انعدامه علی إبطال العقد،فالوجه أن یکون العقد واجب الوفاء، و توضیح المقام زیادة علی هذا یأتی إن شاء اللّه تعالی عند البحث عن أنّ الشرط الفاسد مفسد أو لا؟ و حاصل المقام صار أنّ الشرط الصحیح أمره دائر بین البطلان و الخیار، و الفاسد دائر بین البطلان و اللزوم،و لیس فی العلماء ظاهرا من قال بالخیار فی الثانی،و إن کان ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-وجها،کما لیس فیهم قائل بالبطلان فی الأوّل،و إنّما هو وجه علمی.

الثانی:أن یکون الشرط سائغا:

فلو شرط فعلا محرّما لا ینفذ کما لو شرط أن یصنع العنب خمرا،و الوجه فی عدّ هذا شرطا مغایرا لما یأتی من عدم کونه مخالفا للکتاب و السنّة أنّ مضمون الشرط قد یکون مخالفا کما فی اشتراط رقیة حرّ أو

ص:445

توریث أجنبی،و هذا هو الشرط الآتی،و قد لا یکون نفس المضمون مخالفا کما فی شرط صناعة العنب خمرا،حیث لم یرد فی کتاب أو سنّة أن العنب لا یصنع خمرا، أو أنّه بعد الصناعة یمتنع أن یصیر خمرا،و إنّما الموجود حکم هذا الموضوع و أنّه الحرمة.

فلو شرط الجواز کان من العنوان الآتی،و أمّا لو شرط نفس الفعل فهو من هذا العنوان،نعم یمکن إدراج کلیهما تحت عنوان جامع،و لکن هذا جار فی جمیع الأمور الثمانیة،فیمکن جعل الکلّ تحت جامع واحد،و مجرّد ذلک لا یضرّ بجعلها عناوین متعدّدة.

و کیف کان فالدلیل علی اعتبار هذا الشرط و إن لم یشمله عنوان مخالفة الکتاب قوله-علیه السّلام-:«شرط اللّه قبل شرطکم» (1)و هذا العنوان أعمّ من المخالف للکتاب و ممّا نحن فیه،و لهذا قد طبّق فی الأخبار تارة علی شرط النتیجة -کما فی شرط ولاء العتق فی المملوک لبائعه حیث قال-علیه السّلام-:«قضاء اللّه أحقّ و شرطه أوثق»-و أخری علی شرط الفعل کما فی شرط عدم التزویج و التسرّی علی المرأة و عدم هجرها لو أتت بسببه فی عقد نکاحها حیث قال-علیه السّلام-:«شرط اللّه قبل شرطکم».

الثالث:أن یکون الشرط أمرا عقلائیّا:

بأن یکون فیه غرض عقلائی،فلو شرط غضّ العین الیمنی مثلا حال الکیل،أو رفع الرجل الیمنی مثلا حاله فلا یصحّ،هذا ما ذکره العلماء،فإن کان المراد أنّ ذلک یحمل علی المزاح نظیر ما إذا أوقع البیع علی الخنفساء صحّ ما ذکروه،و أمّا إذا کان محلّ کلامهم یعمّ حتّی ما إذا فرض غرض شخصیّ له فی الکیل بهذه الکیفیّة الخاصّة،فللمنع مجال واسع.

ص:446


1- 1) الوسائل:الجزء 15،الباب 20،من أبواب المهور،ص 31،ح 6.

نعم ذکروا فی فرد من هذا العنوان و هو اشتراط کون العبد کافرا وجهین، الأوّل:أن یکون صحیحا لأجل أنّ فیه غرضا عقلائیّا لاستغراق أوقاته بالخدمة، فإنّه ذمّی لا یمکن إجباره بخلاف المسلم الفاسق،و جواز بیعه علی المسلم و الکافر.

الثانی:أن یکون باطلا لأجل أنّ«الإسلام یعلو و لا یعلی علیه» (1)و توضیح هذا الوجه أنّه یلزم علی صحّة هذا الشرط أن یکون واجبا علی المشروط علیه إبقاء وصف کفره بالتشکیکات،بل لو فرض أنّه اختار الإسلام أن یلقی إلیه التشکیکات حتّی یرجعه إلی کفره القدیم،فیلزم أن یکون الشارع قد حکم فی هذا المورد بعلوّ جانب الکفر علی الإسلام،و حیث علمنا بأنّ الشارع لا یحکم بذلک علمنا بأنّه لا یمضی هذا الشرط و لا یحکم بوجوب الوفاء به.

الرابع:أن لا یکون الشرط مخالفا للکتاب و السنّة:
اشارة

و تفصیل الکلام فی هذا الشرط منوط علی التکلّم فی أمور:

الأوّل:العنوان المأخوذ من الأخبار فی هذا المقام أمور:

الأوّل:مخالفة الکتاب و السنّة،و الثانی:عدم موافقتهما،و الثالث:تحلیل الحرام و تحریم الحلال، و من المعلوم عدم منافاة الأخیر مع الأوّل،إنّما الکلام فی الأوّلین،و یمکن أن یقال:

إنّ عدم الموافقة عرفا یفهم منه المخالفة،کما یقال:فلان لا یوافق میلی،و یراد أنّه یخالفه،مضافا إلی إمکان القطع بأنّ الموافقة غیر معتبرة فی نفوذ الشرط و إلاّ لزم انحصار الشرط النافذ فی اشتراط فعل الواجب و ترک الحرام،فإنّ اشتراط فعل المباح مثل خیاطة الثوب لا یکون موافقا مع الجعل الإلهی،نعم له اجتماع معه، لأنّ الجعل الإلهی حیثی و هذا فعلی،و هو غیر الموافقة و المماثلة بین الجعلین،أعنی:

ص:447


1- 1) الوسائل:الجزء 17،الباب 1،من أبواب موانع الإرث،ص 376،ح 11.

جعل الشارط و جعل الشارع،فإنّ مجعول الأوّل هو اللزوم و مجعول الثانی هو الترخیص و حیث نقطع بخلاف ذلک فالمعتبر عدم المخالفة.

و أمّا القول بأنّ ما لم یخالف کتاب اللّه بالخصوص لا محالة یدخل فی العمومات المرخّصة،ففیه:أنّ الظاهر اعتبار الموافقة بحسب العنوان الأوّلی لا بالعنوان الثانوی من قبیل«کلّ شیء لک حلال»ممّا یعطی حکم الموضوعات باعتبار الشک.

الثانی:المراد بالکتاب إمّا القرآن کما هو الظاهر،و إمّا المکتوب علی العباد

فیکون أعمّ من القرآن و السنّة،و الظاهر هو الأوّل،و یکون إلحاق السنّة بواسطة التصریح بها أیضا فی الأخبار.

الثالث:الظاهر أنّ معنی مخالفة الشرط للکتاب أو السنّة أن یکون نفس

الجعل الشرطی مخالفا للجعل الشرعی،

سواء کان متعلّق الجعل أیضا مخالفا للکتاب و السنّة کما فی اشتراط توریث الأجنبی و رقیة الحرّ أم لا کما فی اشتراط فعل المباح أو ترکه،أو فعل الحرام،فإنّ نفس المتعلّق غیر مخالف للکتاب و السنّة،إذ لیس فیهما أنّهما یقعان أو یترکان.

نعم فعل الحرام مخالفة للکتاب و السنّة،و هو غیر کونه مخالفا لهما،و لکن اشتراط الفعل أو الترک فی المباح أو الفعل فی الحرام مناف مع الجعل الإلهی،لأنّ اللّه تعالی جعل الإباحة أو التحریم،و هذا جعل الوجوب علی نفسه،و من المعلوم مخالفة حکمی التحریم و الترخیص مع الإیجاب،فیکون صدق مخالفة الکتاب فی کلا الموردین علی نسق واحد أعنی:اعتبر التخالف فیهما بین جعل جاعل الشرط و جعل الشرع،و هکذا فی صورة جعل الشارط توریث الأجنبی،فإنّ اللّه تعالی جعل عدم توریثه و هذا جعل توریثه،فنفس الجعلین متخالفان.

ص:448

و من هنا تظهر الخدشة فی ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حیث أورد علی نفسه بأنّ التزام ترک المباح لا ینافی إباحته،و أجاب بأنّ التزام فعل الحرام مخالف للکتاب،و یکفی هذا المصداق فی تصویر کون الالتزام مخالفا دون الملتزم، إذ فیه أنّه إن اعتبر المخالفة فی الملتزم فهو غیر موجود فی شیء من المقامین،إذ فعل الحرام مخالفة لجعل الشارع لا أنّه مخالف له،ففی عدم المخالفة بالمعنی الثانی هو و ترک المباح سیّان،و إن اعتبر فی الالتزام فهو فیهما موجود کما عرفت،فلا وجه للتفکیک کما یستفاد من السؤال و الجواب.

و ممّا یؤیّد بل یدلّ علی اعتبار المخالفة فی نفس الالتزام دون الملتزم ما دلّ من الأخبار علی فساد شرط عدم التسرّی و التزویج و الهجر عند وجود سببه، مستدلاّ بأنّه مخالف للکتاب،و قد عرفت أنّ نفس الملتزم فیها غیر مخالف،فلا بدّ من إرادة مخالفة نفس الالتزام.

و أمّا احتمال أن یکون الشرط فی مفروض الخبر المذکور ترتّب الطلاق علی الأمور المذکورة فمع منافاته مع ذکر الإمام-علیه السّلام-آیات التزویج بأزید من واحدة و جواز التسرّی و الهجر،مدفوع بأنّ المتفاهم عرفا من مثل ذلک شرط عدم التسرّی،و أنّ الطلاق جعل عقوبة للارتکاب،نظیر قولک:إن فعلت کذا فلست برجل،و معناه أنّی التزم بعدمه،و لیس معناه الالتزام بترتّب عدم الرجولیّة علی الفعل کما هو واضح،و مورد الروایة من هذا القبیل فراجع.

الرابع:غالب موارد الشرط هو الأمور الغیر الحاصلة

مع قطع النظر عن الشرط،و الحاصلة ببرکته تکلیفا کان أم وضعا،و بالجملة غالب موارده حصول تغییر و تبدیل بواسطة الشرط و إحداث أمر بعد ما لم یکن،و هذا کیف یجامع مع الاستثناء فی هذه الأخبار،أعنی:کون الشرط المخالف للکتاب و السنّة غیر نافذ؟

ص:449

إذ المخالفة موجودة فی البین غالبا،فلا بدّ من ذکر الأنحاء المتصوّرة فی المراد من هذه العبارة،فنقول هی أمور:

الأوّل:أن یکون المراد بالکتاب و السنّة واقعهما اللوح المحفوظی،

فالشرط إذا کان مخالفا مع القرآن الواقعی أو السنّة الواقعیّة فهو غیر نافذ،و هذا المعنی بعید،لأنّ الاستثناء علی تقدیره مستهجن،لأنّه فی قوّة قولک:الشرط نافذ إلاّ إذا استلزم اجتماع الضدّین،فإنّ القرآن و السنّة الواقعیّین إن کانا ثابتین حتّی فی حال الاشتراط و مع النظر إلیه فالاشتراط مخالف،لکن عدم نفوذه من أبده البدیهیّات، إذا الشیء لا یتحمّل حکمین متضادین فی زمان واحد.

لا یقال:قد استرحنا من شبهة اجتماع الضدّین فی مبحث الاجتماع و قلنا بارتفاعه بتعدّد الجهة.

لأنّا نقول:لو فرض تعدّد الجهة یرتفع التنافی و التخالف من البین و المفروض أنّا فی مقام بیان صورة التخالف و هو موقوف علی وحدة الموضوع و وحدة الجهة بمعنی أن یکون حکم الفعل مثلا هو الإباحة حتی مع عروض هذا الالتزام و البناء الشرطی علیه أیضا،فإنّه مع هذا لو حکم علیه باعتبار هذا العنوان بالوجوب فهو غیر جائز حتّی عند المجوز.هذا فی صورة کون القرآن و السنّة فعلیین،و أمّا إن کانا حیثیّین و غیر ناظرین إلی هذا العنوان الطاری فلا مخالفة أیضا.

و بالجملة:کما یعتبر فی حصول المخالفة اتّحاد الموضوع و الجهة یعتبر أیضا کون کلا الحکمین فعلیّا،إذ لا معارضة و لا منافاة و لا مخالفة بین الحکمین مع کون أحدهما حیثیّا و الآخر فعلیّا و لو اتّحد الموضوع و الجهة،و هذا واضح،و بالجملة یصیر الاستثناء بیانا للواضح و توضیحا للبدیهی.

ص:450

الثانی:أن یکون المراد بالکتاب و السنّة المعتبر عدم مخالفة الشرط لهما ظواهر

الألفاظ

المودعة فیهما،و هذا لیس کالأوّل،فإنّ فائدة الاستثناء علی هذا أنّه لا تقع معارضة بین عموم«أوفوا بالشروط»و بین عمومات الکتاب و السنّة،بل یکون سمت التقدّم دائما للثانی،و لکن هذا أیضا بعید،لأنّ الإنسان لا یفهم أنّ لأصالة العموم و أصالة الإطلاق و سائر الأصول اللفظیّة سمت الموضوعیّة و أنّ الشارع راعی عدم مخالفة هذه الأصول اللفظیّة فی الشروط،بل المقطوع أنّه راعی جانب محکیّ هذه الأمارات و الأصول و هو نفس الحکم الواقعیّ الثابت فی القرآن و السنّة.

الثالث:أن یقال:إنّ کلّ حکم من الإیجاب و التحریم و الإباحة

و الاستحباب و الکراهة و غیرها لا إطلاق له بالنسبة إلی حال المزاحمات

و هی المراد بالعناوین الطارئة فی کلمات القوم،فإذا شککنا أنّ العنوان الفلانی إذا طرأ علی الخمر فهل یزاحم حرمته و یصیر بواسطة المقتضی الأهمّ فیه مقدّما علی مقتضی الحرمة،فلیس فی دلیل حرمة الخمر إطلاق یرفع هذا الشک.

نعم لو شککنا فی أنّه هل لوجود عنوان دخل فی تمامیّة مقتضی الحرمة ندفعه بالإطلاق،و أمّا الشکّ من حیث المزاحم فلا بدّ فی دفعه إلی التمسّک بالأصل و بعده بدلیل حرمة الخمر،نظیر ما إذا وقع غریق فی البحر و شککنا فی أنّه هل فی البین غریق أهمّ منه أو لا؟فأصالة البراءة عن وجود ذلک الأهمّ مع دلیل إنقاذ هذا الغریق کافیة عقلا فی اللزوم الفعلی و التنجّز الحالی.

و علی هذا نقول:لو لم یکن فی أدلّة الشروط هذا الاستثناء لاحتملنا أن یکون عنوان الشرط مقتضیا أقوی و أهمّ فی نظر الشرع علی سائر الواجبات و المحرّمات فی الشریعة فضلا عن غیرهما،فکما أنّ عنوان الحرج و الضرر یبیح الواجب و الحرام

ص:451

فکذا هذا العنوان،نعم ربّما یکون فی العنوان الأوّلی أهمیّة فیلزم رعایة جانبه،کما فی حفظ النفس.

و بالجملة:کانت المعاملة مع هذا العنوان الطاری کسائر العنوانات الطارئة الأخر مثل الغصب علی الصلاة علی القول بوقوع التزاحم و امتناع الجمع، و العلیّة للحرام فی المباح،و لکن هذا الاستثناء أفاد أنّ هذا العنوان متی قابل مع مقتض من المقتضیات الشرعیّة فلا یمکن أن یغلب علیه،بل المقتضی الشرعی الإلهی أحقّ و أوثق و أقدم علی الشرط،و هکذا فی أمر الوالدین و السیّد،فإنّه لولا قوله:«لا طاعة المخلوق فی عصیان الخالق» (1)لاحتملنا أن ینقلب کثیر من الأحکام إلی أضدادها بسبب ذلک،و لکن منع عن ذلک هذا التعبیر،و هکذا نظیره فی النذر و أخویه و فی باب الصلح.

و حینئذ نقول:هنا قسمان من الأحکام:تکلیفیّة و وضعیّة،أمّا الأولی:فلا کلام فی التحریم و الإیجاب،بمعنی أنّ الشرط فی موردهما سواء تعلّق بالفعل أم بالنتیجة فهو مخالف مع المقتضی الإلهی،إذ باب الإیجاب و التحریم باب الاقتضاء و الإلزام،فإذا ألزم الشرع جانب الترک أو الفعل و شرط الشارط الفعل فی الأوّل أو الترک فی الثانی،فیکون جعله بقبال جعل اللّه،و الاستثناء دلّ علی أنّ هذا الجعل لا یمکن أن یحدث من ناحیته تغییر و تبدیل فی ذلک القرار الإلهی و الشرط الشرعی، و أمّا الأحکام الثلاثة الأخر فهی علی قسمین:

الأوّل:أن یکون لا لاقتضاء فی هذا الحدّ من الحکم،بمعنی أنّ عدم المنع من کلّ من الترک و الفعل فی الإباحة کان لأجل أنّه لیس موجب و مقتض للمنع فی شیء منهما،و کذلک الترخیص فی الفعل،و عدم الإلزام علی الترک فی المکروه

ص:452


1- 1) الوسائل:الجزء 11،الباب 3،من أبواب جهاد النفس و ما یناسبه،ص 131،ح 1.

و العکس فی المستحب یکون لأجل عدم الداعی إلی الإلزام و المنع عن النقیض، فالقرار الشرطی حینئذ فی کلّ من جانبی الفعل و الترک نافذ،فیوجب الإیجاب تارة و التحریم أخری،و لا یلزم العنوان المستثنی،بمعنی أنّه لا یلزم تحریم الحلال أو تحریم أو إیجاب المستحب أو المکروه،فإنّ المفروض أنّ نفس الأحکام المذکورة لیست فی حدّ ذاتها مقتضیا مستحکما لواحد من الفعل أو الترک بأن یکون الحاکم مقیما علیه غیر متجاوز عنه،و لا اقتضی مقتض فی أن یکون حکم الواقعة بهذا الحدّ أعنی:حدّ الإباحة أو الاستحباب أو الکراهة،فإنّه حینئذ بهذا الاعتبار یدخل فی الاستحکام و أنّ الشارع یرید إرادة مستحکمة علی خلاف جعل الشارط.

الثانی:ما ذکرنا من أن یکون کلّ واحد من الأحکام الثلاثة لوجود مقتض فی نظر الشارع اقتضی أن یکون حکم الواقعة فی ما بین العباد هو الإباحة أو الاستحباب أو الکراهة،فإنّ الإلزام الشرطی لواحد من الطرفین حینئذ مناف مع هذا القرار المستحکم الإلهی،و الحاصل لا بدّ فی حصول عنوان المخالفة من وجود القرار المستحکم،فإنّه الشرط،و بدونه لا شرط للّه تعالی و لا یتحقّق کون الشرط مخالفا لقرار اللّه تعالی و إرادته،و بعد وجود الاستحکام تتحقّق المخالفة من غیر فرق بین أن تکون فی نفس ذات القرار کما فی الإیجاب و التحریم و بین أن تکون فی کون القرار بالحدّ الکذائی کما فی بعض أنحاء الثلاثة الأخر.

و أمّا الطائفة الثانیة أعنی:النتائج فهی علی قسمین:الأوّل:أن یکون سببه جعل الشارط،و الثانی:أن یکون سببه غیره،و الأوّل علی قسمین:الأوّل:أن یکون سببه جعله الخاص،و الثانی:أن یکون بأیّ وجه اتّفق،فإنّ تحقّق أنّ النتیجة من قبیل ما کان سببه غیر جعل الشارط مثل الحرمة الشرعیّة کأن شرط حرمة لحم

ص:453

الغنم شرعا،فإنّ من المعلوم أنّ الحرمة الشرعیّة سببها جعل الشارع و لیس لجعل غیره فیه أثر أصلا،فهذا ظاهرا داخل فی عنوان غیر المقدور کما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه.

و إن تبیّن کونه من قبیل ما یکون سببه جعله الخاص کالطلاق حیث إنّ سببه الصیغة الخاصّة مع حضور العدلین فهذا داخل فی مخالف الکتاب،لأنّ قرار الشارع أن لا تتحقّق هذه النتیجة بغیر الجعل الخاص،و الشارط یرید نقض هذا القرار،و تحقّقه بقراره الشرطی و کونه متحقّقا بالشرط و إن کان لیس بمفاد الشرط بل مفاده جعله و لکن حصوله فی هذا الآن غیر منفکّ عن کونه بهذا السبب، و یکفی هذا فی مخالفة الشرط للکتاب.

و إن تحقّق کونه من قبیل ما سببه مطلق جعله کما لعلّه منه الملکیّة،فإنّ سبب الملکیّة جعل المکلّف،و لیس للشارع جعل فی تحقّقها،و إنّما هو ممض لجعل الجاعل فالسبب لها هو جعل الجاعل،فحینئذ عدم تحقّق النتیجة مع قطع النظر عن الشرط لیس بحکم مستحکم للشارع،یعنی أنّه إنّما لم یحکم بالوجود لأجل أنّه لا داعی و لا موجب له،و الجعل الشرطی موجب وداع له،و هو و إن لم یکن مقتضاه النتیجة المجعولة من قبله و لکنّ الحاصل بسببه لیس النتیجة الحاصلة بغیر سبب حتّی ینافی الجعل الإلهی،فإنّ القرار الإلهی أن لا تتحقّق النتیجة بلا سبب،و الشرط أیضا لم یقتض ذلک،هذا فی صورة تبیّن الحال.

و أمّا إن اشتبه إمّا بین الثلاثة أو بین الاثنین منها،ففی صورة اشتباهه بین الأخیرین یکون داخلا تحت الأصل الذی سنؤسّسه إن شاء اللّه تعالی لموارد الشک فی وجود الحکم الاقتضائی فی مورد الشرط و عدمه و أنّه أصل عدم المخالفة فانتظر.

ص:454

و هنا قسم آخر من الوضعیّات و یکون حکما و قرارا من الشارع و لیس مجرّد العدم بعدم السبب،نظیر حریّة من کان أحد أبویه حرّا،و عدم استحقاق الأجنبی من الترکة،و عدم ضمان الأمین،فإنّ الشارع جعل و وضع أن لا یکون علی الأمین ضمان کما جعل أن لا یرث غیر القریب،و جعل أن لا یکون رقّا من أحد أبویه حرّ، فجعل الخلاف من الشارط جعل فی قبال الشارع.

و بالجملة:ما ذکرنا فی الإباحة و الاستحباب و الکراهة من القسمین موجود فی الوضعیّات،فمن قبیل ما یکون من باب عدم المقتضی للخلاف الحکم بعدم الملکیّة لغیر المالک،و من باب وجود المقتضی علی الوفاق الأمثلة التی ذکرنا.

ثمّ هذا المعنی الذی ذکرنا للاستثناء و هو أنّ الشرط لا یصیر عنوانا مزاحما و مقتضیا أقوی فی نظر الشارع علی المقتضیات الموجودة فی العناوین الأوّلیة للأشیاء یکون عموم الاستثناء قابلاً للتخصیص و غیر آب عنه،بخلاف المعنی الذی ذکره شیخنا المرتضی و هو المعنی الأوّل من المعانی التی ذکرنا،فإنّ عدم قبوله للتخصیص حینئذ عقلیّ،إذ عدم قبول حکم الشارع الفعلی من کلّ الجهات و جمیع الحیثیّات للتغییر أمر غیر قابل للتخصیص،فلهذا أشکل علیه الأمر فی بعض الموارد،مثل ما لو ورد دلیل علی اشتراط إرث المتمتّع بها فی عقد التمتّع دون غیرها من سائر الأجانب و دونها فی غیر عقد التمتع،فإنّ تخصیص عدم جواز الشرط المخالف غیر جائز بمذاقه-قدّس سرّه.

فینحصر الأمر فی أن یقال إنّ هذا الحکم أعنی:عدم توریث الأجنبی حکم فعلی بالنسبة إلی سائر الأجانب،و کذا بالنسبة إلی المتمتّع بها فی غیر عقد التمتّع، و حیثی بالنسبة إلیها فی ذلک العقد،و هو و إن کان ممکنا لکنّه بعید غایة البعد، و کذلک مسألة عدم ضمان الأمین حیث جوّزوا اشتراطه فی عقد العاریة و اشتهر

ص:455

عدم جوازه فی عقد الإجارة.

و أمّا علی ما تقدّم منّا فالاستثناء أمر قابل للتخصیص،فکلّ ما ورد فی الأخبار علی خلافه نقتصر علیه و نرجع فی الزائد إلی العموم،فحکم عدم توریث الأجنبی و عدم ضمان الأمین بحکم قوله-علیه السّلام-:«ما علی الأمین إلاّ الیمین» حکم و قرار استحکامی من الشرع فی هذین الموضوعین لا یبدّلهما و لا یغلب علیهما ما یقتضی الخلاف من عنوان الشرط إلاّ الفرد الخاص منه،و هو ما وقع من شرط الضمان فی عقد العاریة،و من شرط توریث الأجنبی فی عقد المتمتّع بها،و إن کان علی هذا أیضا یدور الأمر بین هذا و بین أن یقال بتقیید ما دلّ علی عدم إرث الأجنبی،و عدم ضمان الأمین،بأن یقال:إنّ هذین المقتضیین غیر موجودین بالنسبة إلی هذا المورد،فقرار الشارع فی هذین ناقص من جهة المقتضی لا من جهة وجود المانع و المزاحم.

و بالجملة الأمر دائر بین تخصیص عموم الاستثناء و بین تقیید دلیل الاقتضاء،لا یقال:إنّ قوله:ما علی الأمین إلاّ الیمین،إنّما هو فی مقام الترافع و الإثبات و لا نظر له إلی مقام الثبوت و أنّ الضمان فی أیّ موضع متحقّق و فی أیّ موضع غیر متحقّق.

لأنّا نقول:لو کان الضمان فی الأمین متحقّقا لما کان إلاّ الحکم بالخروج عن العهدة،و لما کان مقام للیمین،فحیث حکم بالیمین نعلم أنّه لیس محکوما بالضمان علی الإطلاق کما فی سائر ذوی الأیدی علی أموال الغیر،فکأنّه قال:ید الأمین غیر موجبة للضمان.

و کذلک لا إشکال علی ما ذکرنا فی مسألتی عدم رقیة من أحد أبویه حرّ و عدم کون اختیار المسکن بید الزوجة،فإنّ اشتراط الرقّیة فی الأوّل و اشتراط کون

ص:456

الاختیار بیدها مناف مع شرط الشارع للحریّة فی الأولی،و لوجوب طاعة الزوج علیها متی أراد منها الاستمتاع.

و بالجملة:یتّضح الحال علی هذا فی غالب الوضعیات و ما خرج بالدلیل نلتزم بکونه تخصیصا فی عموم الاستثناء.

نعم یشکل الحال فی المباحات و المستحبّات و المکروهات،لوجود القسمین فیها،و علی هذا فنحتاج نحن و شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-إلی تأسیس أصل لرفع التحیّر فی مواضع الاشتباه.

فنقول:لا بدّ هنا من تمهید مقدّمة أصولیّة و هی و إن کان محلّها الأصول و لکن لا بدّ هنا من الإشارة،و هی أنّ الاستصحاب التعلیقی تارة:یکون فی الموضوع،و أخری:فی الحکم،و الأوّل:تارة:یکون الأثر لنفس ما أحرز بالاستصحاب من القضیّة التعلیقیّة،و أخری:یکون للوجود الفعلی المتأخّر عن وجود المعلّق علیه،فالاستصحاب التعلیقی فی الحکم لا إشکال فی جریانه و لا تصیر فعلیته محتاجة إلی الأصل المثبت،لأنّها و إن کانت عقلیّة لکنّها من لوازم نفس الحکم ظاهریا کان أم واقعیا،و الاستصحاب فی الموضوع مع ترتّب الأثر علی الوجود الفعلی غیر جار.

مثاله:أن یکون ماء نعلم فی السابق أنّه بإراقة کفّین علیه کان یصیر کرّا، و نشک الحال فی بقائه علی ما کان أو نقصانه،فنحتاج فی تتمیمه کرّا إلی أزید من کفّین،فاستصحاب أنّه کان فی السابق بحیث لو صبّ علیه کفّان کان کرّا،و الآن کما کان استصحاب تعلیقی فی الموضوع،و الشارع رتّب الآثار علی الکرّ بوجوده الفعلی دون التعلیقی،فنحتاج إلی الحکم بعد الصب بالکریّة الفعلیّة حتّی نرتّب الأثر،هذا ما یذکرونه مع کلام فیه فی محلّه.

ص:457

و أمّا الاستصحاب التعلیقی فی الموضوع مع ترتّب الأثر علی حیث تعلیقیّته فهو مثل استصحاب مضرّیة الصوم فی الأمس مع عدم کونه صائما أمس،فإنّه یقول:لو صمت أمس کان یضرّنی،فالآن أیضا کما کان فیرتّب علیه حکم الحرمة، فإنّ الشارع رتّب الحرمة علی الصوم الذی علی تقدیر وجوده مضرّ لا علی الموجود الفعلی المضرّ.

و حینئذ نقول:أوّلا:نطرح الکلام فی مثال المرأة التی نشک فی کونها قرشیّة، فالاستصحاب المتصوّر فی حقّها ثلاثة:الأوّل:استصحاب عدم کون هذه المرأة بعنایة الوجود قرشیة،و هذا لیس له حالة سابقة وجودیّة و لا عدمیّة.الثانی:

استصحاب عدم الانتساب فی ما بینها و بین قریش،و هذا کان له فی الأزل حالة سابقة،لأنّ الانتساب یحتاج إلی طرفین فما قبل وجودهما لم یکن الانتساب موجودا.الثالث:استصحاب أنّ ذات المرأة کانت زمان خلقة آدم بحیث لو وجدت لما کانت قرشیّة و الآن نشک،فالأصل بقاء هذا التعلیق،و المعلّق علیه و هو وجودها حاصل فهی غیر قرشیّة،و هذا داخل فی القسم الثانی من استصحاب الموضوع التعلیقی و قد قلنا بأنّ فی جریانه محلّ کلام.

و حینئذ فلا بدّ من التشبّث بذیل الاستظهار من أدلّة ذلک المقام فی الفقه و أنّ المستظهر هل هو اعتبار عدم القرشیة فی المرأة الملحوظة بعنایة الوجود أو عدمها لا بعنایة الوجود،فإن کان الثانی جاز الاستصحاب و إلاّ فلا.

إذا عرفت هذا فنقول:إجراء استصحاب عدم کون هذا الشرط بعنایة الوجود مخالفا لیس له حالة سابقة،و استصحاب عدم المخالفة بنحو لیس التامّة محتاج إلی الاستظهار من الدلیل أنّه اعتبر بهذا النحو،و أمّا استصحاب أنّه کان لو وجد فی الأزل لم یکن مخالفا للکتاب و السنّة-نظرا إلی أنّ المخالفة کالمقابلة تحتاج

ص:458

إلی وجود الطرفین-فیمکن القول بجریانه و لو لم نقل بجریان الاستصحاب التعلیقی فی الموضوعات المعتبر فی الأدلّة وجودها الفعلی،و ذلک لأنّ عنوان المخالفة یکون من العناوین التی وظیفة الشارع بیانها و الکشف عنها،و هو بنفسه و إن کان لا تناله ید الجعل لکنّه بالمنشإ قابل له،فحاله کحال الصحّة و الفساد و أمثالهما.

و بالجملة:الاستصحاب جار هنا لکون المحمول أمرا شرعیّا لا موضوعا تکوینیّا خارجا عن وظیفة الشارع مثل الکرّیّة أو القرشیّة فی المثالین المتقدّمین، و الحکم بأنّ هذا لم یکن مخالفا علی تقدیر الوجود و إن کان لم یرد فی شیء من الأدلّة و إنّما هو أمر ننتزعه نحن،و لکنّ الحقّ عدم الاحتیاج فی باب الاستصحاب-علی خلاف ما اشتهر-إلی الحکم المجعول،و لهذا نستصحب العدم الأزلی للتکلیف و یتحقّق فی اللاحق حکم الحلیّة مع أنّه لم یکن فی الأزل حلیة.

و علی هذا فنقول:مرجع أصالة عدم المخالفة عدم جعل الحکم المخالف للشرط،کما أنّ أصالة الصحّة بعد العمل مرجعه إلی إسقاط الأمر عن المقیّد علی تقدیر فقدان القید المشکوک،و یکون الاستصحاب جاریا و إن کان المستظهر من الأدلّة اعتبار عدم المخالفة علی نحو مفاد لیس الناقصة.و بالجملة:نقول:

الأصل عدم مخالفة هذا الشرط لکتاب اللّه،فإنّ مخالفة هذا الموجود لا بدّ له من هذا الموجود و الکتاب،فمع انتفاء أحد الأمرین ینتفی مخالفة هذا.

فإن قلت:هذا لا یرتبط بالموضوع،غایة الأمر إنّ لک وجود الشرط و عدم مخالفته،و أمّا إنّ هذا الشرط لیس بمخالف فبعد لم یتحقّق و إثباته مبنی علی الأصل المثبت و المستظهر من الدلیل هذا.

نقول:الأصل أنّ هذا الشرط علی تقدیر الوجود لم یکن مخالفا فیکون العدم

ص:459

مرتبطا بالموضوع علی تقدیر الوجود،و الدلیل دلّ علی أنّ الشرط الذی علی تقدیر الوجود لیس بمخالف حکمه کذا،فلسنا محتاجین فی إثبات الأثر إلی إثبات أنّ هذا الموجود الفعلی لیس بمخالف،فهو نظیر استصحاب عدم مضرّیة الصوم علی تقدیر الوجود.

و إن ضایقت عن هذا أیضا و قلت:ظاهر الدلیل أزید من هذا أیضا و هو أنّ الشرط الموجود فعلا قد انقسم إلی قسمین:أن یکون مخالفا و أن لا یکون کذلک،و الاستصحاب المذکور لا یفید إلاّ الربط علی تقدیر الوجود،و لکن إثبات أنّ هذا لیس بمخالف فعلا یحتاج إلی الأصل المثبت.

فنقول حینئذ أوّلا:لیس عدم المخالفة هنا موضوعا غیر مجعول،بل هو کالحرمة و النجاسة أمر مجعول،غایة الأمر بتبع منشأ الانتزاع،فکما أنّ الوجوب المشروط أمر متعقّل قابل للجعل،عدم المخالفة المشروط أیضا أمر قابل للجعل، و لازم الجعل للحکم المشروط أن یصیر الحکم فعلیّا بفعلیّة الشرط،و لیس هذا من الأصل المثبت،لأنّ اللازم لازم نفس الحکم لا المحکوم به.

و أمّا القول بأنّه لم یکن فی السابق قضیّة شرعیّة مجعولة موضوعها الشرط علی تقدیر الوجود و محمولها عدم المخالفة،فمدفوع بأنّا لا ندور مدار وجود مثل ذلک- علی خلاف بعض الأساطین-بل ندور مدار المتیقّن السابق و المشکوک اللاحق مع کون وضع المحمول و رفعه وظیفة للشارع،و المحمول هنا حسب الفرض وظیفة الشارع وضعا و رفعا.

و ثانیا:سلّمنا أنّ حاله حال الموضوعات الصرفة الغیر القابلة للجعل مثل الکرّیة و القرشیّة فی المثالین المتقدّمین،لکن نقول:الحقّ عدم کون الأصل-حتّی مع هذا أیضا و مع کون مقتضی الدلیل إثبات الأثر للوجود الفعلی لا التقدیری

ص:460

و بنحو مفاد لیس الناقصة لا التامّة-أصلا مثبتا،فإنّ غایة تقریب إشکال کونه کذلک أن یقال:إنّ حال القضیّة المشروطة فی جانب الأخبار-أعنی قولک:هذا لو صبّ علیه کفّان کان کرّا،و لو وجدت المرأة کانت قرشیّة،أو لو وجد الشرط لم یکن مخالفا-حال القضیّة المشروطة فی جانب الإنشاء.

فکما أنّ قولک:إن جاء زید أکرمه إنشاء فعلی للوجوب المشروط،کذلک قولک:إن کانت الشمس طالعة فالنهار موجود،إخبار فعلی بالوجود المشروط، فالوجود هنا فی محلّ الوجوب هناک و الإخبار فی محلّ الإنشاء،و لازم المنشأ هناک حیث إنّه معلّق أن یصیر فعلیّا بفعلیّة الشرط،و لازم الوجود هنا حیث إنّه معلّق أیضا أن یصیر فعلیّا بفعلیة الشرط،فإذا صارت القضیّة الإخباریة بعد التیقّن مشکوکة و وقعت تحت قول الشارع تعبّد بهذه القضیّة بقاء کما کنت قاطعاً بها حدوثا،فیکون التعبّد الشرعی مقام التصدیق الخبری.

فکأنّه قال:کما کنت مصدّقا سابقا لا تشک لا حقا،بل صدّق،فیکون التعبّد فعلیّا و الوجود المتعبّد به مشروطا،و الوجود المشروط و إن کان ملازما مع فعلیّة الوجود عند فعلیّة الشرط و لکن التعبّد بالوجود المشروط غیر ملازم مع التعبّد بفعلیّة الوجود،و الأثر حسب الفرض یکون للوجود الفعلی،و بالجملة اللازم العقلی هنا للمتعبّد به لا للتعبّد،هذا غایة تقریب الإشکال.

و الجواب:أنّه لا إشکال أنّ فی القضیّة الإخباریّة مکان النسبة الحکمیّة فی الإنشائیّة نسبة خبریّة تامّة و إلاّ لم تکن قضیة،و هذه النسبة التامّة غیر موجودة فی الجملة الشرطیّة قطعا،و الظاهر أنّه لا شبهة فی کونه موجودا فی الجملة الجزائیّة، و أمّا القول بأنّ وراء النسبتین نسبة ثالثة متعلّقة بالنسبتین مفادها الربط التلازمی بینهما،فالظاهر أنّه لیس بمفاد لهذه القضیّة التی محمولها الوجود و موضوعها النهار

ص:461

متعقّبة للجملة الشرطیّة،بل هی مفاد قضیّة کان الموضوع و المحمول فیها النسبتین،و یشهد لهذا أنّ النسبة الحکمیة لا شکّ فی تحقّقها فی الجمل الإنشائیة فی جانب الجزاء أعنی:قوله:أکرم زیدا فی قوله:إن جاءک زید فأکرمه.

فالظاهر أنّ النسبة الخبریّة التجزّمیة أیضا تکون کذلک فی الجملة الجزائیّة، فالموضوع لها النهار و المحمول لها الوجود،لکن التردید فی أنّ التعلیق هل هو للمخبر به أو للنسبة الإخباریّة،فإنّ کان للأوّل کما قاله المستشکل قیاسا علی الوجوب المشروط بمعنی أنّ الوجود المشروط المقیّد بکونه مربوطا بإن کان کذا یقع موردا للتصدیق بالوقوع فاللازم خیاره التصدیق لتمام هذا المقیّد بذاته و قیده، فالتصدیق بوقوع وجود النهار المقیّد تصدیق بوقوع قیده.

ألا تری أنّه لو کان مکان الإخبار الفعلی الوجوب الفعلی و کان التعلیق للواجب أعنی:إنّ إکرام زید المربوط بإن جاء وقع تحت الطلب الفعلی فلا محالة لا بدّ أن یصیر بصدد تحصیله بجمیعه من الشرط و المشروط،فکذلک حال الإخبار فیلزم أن یکون المخبر بإن کانت الشمس طالعة فالنهار موجود مخبرا بوجود النهار مع طلوع الشمس فعلا،و هذا واضح الفساد.

فالمخلص أن یقال:إنّ التعلیق لیس لمتعلّق التصدیق بل لنفسه و المصدّق به غیر معلّق بل صدّق فی فرض وجود الطلوع بوجود النهار الفعلی،یعنی أنّه فرض حصول الطلوع و تحقّقه،و فی هذا الفرض صدّق بوجود النهار بلا قید،و لازم هذا النحو من الإخبار أن یلاحظ وجود الطلوع فی الخارج و عدمه فإن لم یکن فلا أخبار فی هذه الصورة و إن کان محقّقا فحینئذ إن وجد النهار صدق المخبر و إلاّ کذب.

و علی هذا فیصیر فی حال الشک بالتعبّد الاستصحابی مکان التصدیق

ص:462

الخبری التعبّد الشرعی،و أنّه یکون النهار أیضا موجودا إن کانت الشمس طالعة، فیصیر التعلیق للتعبّد و لازم التعبّد المشروط فعلیّته بفعلیّة الشرط،فیرتفع الإشکال عن الاستصحابات التعلیقیّة الموضوعیّة بأسره،و الحمد للّه،و الإشکال بأنّ کلمة الیقین لا تشمل الیقین التقدیری فیه ما لا یخفی (1).

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-جعل الأصل فی المقام أصالة عدم المخالفة ثمّ قال:و مرجع هذا الأصل إلی أصالة عدم ثبوت هذا الحکم علی وجه لا یقبل تغیّره بالشرط،ثمّ نقل عن بعض مشایخه المعاصرین له اختصاص الشرط المخالف بما إذا کان نفس مؤدّی الشرط حکما علی خلاف حکم الشرع مثل اشتراط حرمة لحم الغنم شرعا،و أمّا اشتراط فعل الحرام و ترک الواجب فلیس داخلا تحت المخالف للکتاب،و أنّه فی مثل الأخیر یقع التعارض بین دلیل حرمة ذلک الشیء أو وجوبه و بین دلیل وجوب الوفاء بالشرط و یرجع إلی المرجحات،و مع فقدها یعمل بالأصول و القواعد.

و استشکل علیه بقوله:و فیه من الضعف ما لا یخفی،ثمّ أورد علیه بأنّه علی فرض التنزّل و وقوع التعارض فاللازم علی تقدیر عدم المرجّح أن یکون الأصل فی جانب عدم نفوذ الشرط دائما،إذ یستصحب حرمة ذلک الفعل أو وجوبه قبل الاشتراط.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:أمّا قوله:فیه من الضعف ما لا یخفی، فیمکن أن یکون إشارة إلی تحقیق تقدّم منه من أنّه لا فرق فی شمول العنوان المذکور بین القسمین،و یمکن أن یکون إشارة إلی أنّه علی فرض الإغماض و تسلیم

ص:463


1- 1) الإنصاف ورود هذا الإشکال و به ینسدّ باب الاستصحابات التعلیقیّة الموضوعیّة،و قد اعترف الأستاذ-دام ظلّه-بوروده فی مباحثة الأصول،منه-عفی عنه-

عدم الشمول فلا وجه للتعارض،بل اللازم تقدیم دلیل الوفاء بالشرط دائما،فإنّ أدلّة العناوین الثانویّة لا تعارضها أدلّة العناوین الأولیة.

و توضیح هذا الإجمال أنّ لإطلاق العناوین الأوّلیة و الثانویة فی کلماتهم مقامین،الأوّل:ما إذا کان أحد الدلیلین غیر ناظر إلی الطوارئ و الحالات مثل دلیل حلّیة الغنم مع دلیل حرمة الغصب بحیث لو لم یکن دلیل الغصب لم یکن لدلیل الحلیّة إطلاق و کنّا نحتاج فی إثباته إلی الأصل.

و الثانی:ما إذا کان أحد الدلیلین حاکما علی الآخر و ناظرا إلیه کما فی دلیل«لا ضرر»و دلیل«لا حرج»و دلیل«الوفاء بالنذر و الشرط»بالنسبة إلی أدلّة الأحکام،بل إطلاق العناوین الأوّلیة و الثانویّة فی هذا القسم هو المتعارف فی کلمات شیخنا و من تبعه،و وجه التسمیة أنّ دلیل«لا ضرر»حاکم علی تلک الأدلّة،فکأنّه قال:لیست أحکامی فی هذا المورد،و هکذا فی قوله:«ف بنذرک»أو بشرطک،فکأنّه قال:لا یعتنی بشیء من أحکامی عند مصادفة أحد هذین، فیکون المنظور إلیه عنوانا أوّلیّا و الناظر عنوانا ثانویا.

و علی هذا فدلیل وجوب الشیء أو حرمته و إن کان مع قطع النظر عن دلیل الوفاء بالشرط قابلاً للتمسّک و لکنّه مع النظر إلیه لا یبقی له مجال لحکومة دلیل الوفاء علیه.

و أمّا ما ذکره من الأصلین أعنی:أصل عدم المخالفة علی مختاره-قدّس سرّه-و أصل بقاء الحرمة و الوجوب الثابتین قبل الاشتراط بناء علی اختیار مذهب شیخه،فیمکن الخدشة فی کلّ منهما.

أمّا الأوّل:فلأنّه إن أراد الاستصحاب الموضوعی و جعل عدم المخالفة بنحو مفاد لیس التامّة موضوعا للحکم فلا إشکال فی جریانه،و لکن قوله

ص:464

«و مرجعه إلی أصالة عدم الجعل»لا معنی له،و کذلک إن أراد الاستصحاب الموضوعی مع جعل الموضوع هو عدم المخالفة فی موضوع الشرط علی تقدیر الوجود.

نعم قد یقال:إنّه صحیح علی تقدیر إرادة کون الموضوع عدم مخالفة الشرط المفروغ عن وجوده بناء علی أنّ هذا الاستصحاب حکمی و لا مانع منه و إن استشکلنا فی الموضوعی التعلیقی،بتقریب أن یقال:عدم المخالفة ممّا تناله ید الجعل،لأنّ منشأه بید الشرع و هو عدم جعل الحکم بنحو الفعلیّة،و هو فی نفسه و إن کان أصله معارضا بأصل عدم جعل الحکم بنحو الحیثیّة و لکنّه لا مانع من وقوعه مصحّحا لأصل عدم المخالفة کما فی أصالة عدم الجزئیّة فی الجزء المشکوک من أجزاء المرکّب،و إن کان أصل عدم وجوب الأکثر معارضا بأصالة عدم وجوب الأقلّ و إن کان لا ینطبق علی صورة العبارة،لأنّ المتراءی منها أنّه جعل أصل عدم الجعل أصلا برأسه و هو مخدوش بالمعارضة و إن کان علی تقدیر عدم المعارض جاریا و لم یکن مثبتا فی إثبات عنوان عدم المخالفة کما هو واضح،و لکن لا بدّ أن یکون المقصود ما ذکرنا.

هذا ما قد یقال،و لکن فیه:أنّ شیخنا-قدّس سرّه-قد منع فی مبحث البراءة من رسائله عن إجراء الاستصحاب فی العدم الأزلی فکیف یجری نفسه فی هذا المقام ما منعه فی أصوله،و مستنده أنّ العدم غیر مجعول و مورد الاستصحاب لا بدّ و أن یکون إمّا مجعولا أو موضوعا للأثر.

و أمّا الثانی:ففیه:أنّه إن أراد استصحاب الحرمة فی کلّی الفعل فلیس له حالة سابقة متیقّنة،إذ المتیقّن إنّما هو الحرمة ما لم یشترط،و أمّا مع الاشتراط فمشکوک من أوّل الأمر،لا یقال:حال الاشتراط و العدم لا یعدّد الموضوع عرفا.

ص:465

لأنّا نقول:هذا فی ما إذا صار الحکم ساریا من الکلّی إلی الشخص،کأن وجد الخمر فی الخارج ثمّ تعلّق الشرط بشربه فأرید استصحاب الحرمة فی نفس هذا الشخص صحیح،و أمّا لو أرید استصحاب الحرمة فی کلّی الخمر حتّی یعلم الحکم فی الشخصی من جهة السرایة من الکلّی،فالموضوع العرفی غیر منقّح إذ من المحتمل أن یکون لعدم الاشتراط دخل فی الموضوع،و الکلّی لا شبهة فی انقسامه إلی القسمین بواسطة تقییده بقید،و لیس حاله کالشخصی، فالاستصحاب فی الکلّی لا یصحّ إلاّ فی صورة الشک فی النّسخ،و لا یرد أنّ الکلّی المتیقّن ما کان منه فی القطعة السابقة من الزمان،لأنّ بناء الاستصحاب علی إلغاء هذه الخصوصیّة و التسویة بین المضیّ و الاستقبال،فلا بدّ من ملاحظة الاتّحاد فی سائر الجهات غیر جهة الزمان.

ثمّ علی تقدیر کون مصبّ کلامه-قدّس سرّه-فی الشخصی فهو فی الشخصی الموجود حال الشرط صحیح،و أمّا فی الخمر الذی یصنع بعد الشرط فجریان الاستصحاب فیه مبنیّ علی عدم لزوم وجود الحکم المجعول فی الزمان السابق فی الاستصحاب الحکمی،فإنّ حرمة هذا الشیء سابقا علی تقدیر الوجود لم تکن مجعولة،و إنّما المجعول هو الحرمة فی الموضوع المقدّر الوجود،فإنّ تقدیر الوجود فی القضایا الحقیقیّة غیر التقدیر فی القضیّة التعلیقیّة،فإنّ المتحقّق فی الثانیة لحاظ ذات الشیء معرّاة عن الوجود و العدم أوّلا ثمّ لحاظ تلبّسه بالوجود، و أمّا فی القضیّة الحقیقیّة فالمتحقّق هو الحکم علی الموضوع المشار إلیه حال کونه موجودا.

و بعبارة أخری یشار إلی ذاته و إلی وجوده بإشارة واحدة و لا یری ذات ثمّ تلبّسه بالوجود،فإذا بنینا فی الاستصحاب علی لزوم کون الحکم المستصحب

ص:466

مجعولا فی السابق فلیس الحال هکذا فی ما نحن فیه،فإنّه و إن کان متیقّنا لنا و لکنّه لیس بمجعول،نعم یصحّ بناء علی ما أشرنا إلیه من عدم اللزوم و أنّه یکفی کونه متیقّنا لنا و إن لم یکن مجعولا.

هذا تمام الکلام فی تأسیس الأصل المرجع فی هذا المقام،و لا بأس بصرف عنان الکلام إلی أنّ المستفاد من کلمات شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-فی بیان معنی الاستثناء فی الحدیث الشریف ماذا؟فإنّه ربّما یخفی علی بعض الأذهان.

فنقول و باللّه الاستعانة و علیه التکلان:للحکم بحسب مقام ثبوته قسمان:

الأوّل:أن یتعلّق بالموضوع فی حال تجرید الموضوع عن جمیع عوارضه و طوارئه،مثل أن ننظر إلی ذات الغنم و نحکم علیه بالحلیّة،و التجرید فی هذا النظر دخیل کدخالته فی عروض محمول الکلیّة علی الطبیعة،بمعنی أنّه لو فرض أنّ طارئا أخرج الغنم عن الحلّیة لا ینافی هذا الحکم،لاختلاف الموضوعین.

نظیر ذلک فی الإخبار ما إذا قال القائل:الرجل خیر من المرأة،و نظر إلی جنس الرجل فی قبال جنس المرأة،ثمّ اتّفق أنّه رأی فی الخارج أشخاص الرجال موصوفین بالذمائم علی خلاف الأشخاص الموجودین من النساء،فلو قال:إنّی ما حکمت بخیریّة الأشخاص الأول من الثانیة،بل أنا أحکم بخیریة الثانیة من الأولی،لما کان منافیا لقوله الأوّل،لأنّه نظر فی الأوّل إلی الجنس المعرّی عن جمیع الخصوصیات بحیث لم یتعلّق إشارته إلاّ إلی أصل الطبیعة،و التجرید و إن لم یلحظ قیدا معها و لکنّه فی حکم القید.

و لازم هذا القسم من الحکم أنّه لو فرض عدم دلیل علی الحکم المضاد فی العنوان الطارئ و لکنّا شککنا أنّه کان محکوما بالضد لما یکفی إطلاق هذا الحکم

ص:467

فی دفع هذا الاحتمال،کما أنّه لو کان ذلک الدلیل،عرفت أنّه ما نافاه،لتغایر الموضوعین کما أشار شیخنا-قدّس سرّه-إلیه فی هذا الباب و فی باب التعادل من أصوله.

الثانی:أن یتعلّق الحکم بالموضوع لا مقیّدا بالتجرید،و لا بدخالته فیه، و التسویة بین تمام العناوین العارضة علی ذات الموضوع و إن لم تکن ملحوظة أیضا لکنّه بحیث یقبل التسویة المذکورة،أعنی قولنا:سواء کان کذا أو کذا أو کذا، و هذا لو دلّ دلیل علی الحکم المضادّ فی صورة عروض بعض العناوین کان منافیا مع الأوّل،لاتّحاد الموضوع.

ثمّ فی هذا القسم الإطلاق بالنسبة إلی عوارض تطرأ علی الموضوع ثابت، فکلّ ما احتملنا دخالته فی الموضوع بأن کانت المصلحة قاصرة بدون ذلک القید أو الجزء ننفی احتماله بإطلاق الدلیل،و لکن بالنسبة إلی ما یطرأ الحکم فلا إطلاق له،إذ لا یعقل إطلاق الحکم للحال المتأخّر منه،و منه وقوع المزاحمة بین امتثال التکلیفین مثل إنقاذ الغریقین،فنقول:تکلیف«أنقذ»فی کلّ واحد مطلق حتی حال اجتماعه مع الغریق الآخر بل و محکومیّة الآخر بحکم«أنقذ»یعنی لا دخل فی مطلوبیّة إنقاذ هذا الغریق لعدم الغریق الآخر أو عدم حکمه.

لا یقال:بعد فرض مشغولیّة الآخر بالحکم الإیجابی و المفروض عجز المکلّف عن الجمع کیف یصحّ بعثه إلی الإنقاذ الآخر؟ لأنا نقول:لیس هذا بعثا إلی عنوان الجمع بل کلّ من الأمرین یبعث نحو متعلّقه خاصّة من غیر نظر إلی متعلّق الآخر،ثمّ بعد تحقّق تکلیفین و وقوعهما فی حکم العقل محکومین بلزوم الامتثال یقع العبد فی کلفة الجمع،فهذا العنوان متأخّر عن نفس هذا التکلیف،و لا یمکن أن ینظر إلی الحالة المتأخّرة من نفسه.

ص:468

و بعبارة أخری:ربّما یأمر بجمع المکلّف بین الإنقاذین و الحال أنّه غیر قادر، فهذا تکلیف قبیح،و ربّما یأمر بإنقاذ هذا و لو کان معه آخر،و لو کان قد أمر بإنقاذه و کذلک فی الآخر فهذا فی رتبة تحقّق الأمر لیس أمرا بغیر المقدور،إذ المفروض أنّ إنقاذ کلّ مقدور،نعم یتحقّق فی الرتبة المتأخّرة من حصول الشرائط العقلیّة لتنجیز الخطابین ابتلاء المکلّف بجمع الامتثالین،فمعنی إطلاق المادّة فی کلامهم إطلاق الهیئة فی الرتبة المتقدّمة علی هذه الحالة.

و حینئذ فلو حکم بعد الخطابین و حصول تنجیزهما بملاحظة هذه الحالة الطارئة بتعیین أحد الإنقاذین و منع عن الآخر-لو قلنا بمقدّمیة ترک أحد الضدّین للآخر-لما کان هذا منافیا مع الحکم التعیینی بإنقاذ کلّ واحد فی الرتبة المتقدّمة،لاختلاف الموضوعین أیضا بالنسبة إلی طارئ الحکم و إن لم یختلفا بالنسبة إلی طواری الموضوع،و قد عرفت أنّه إن وقع الشک فی طواری الموضوع نرفعه بالإطلاق.

و أمّا الشک الواقع فی طواری الحکم بأن شککنا أن یکون للعنوان الطارئ حکم آخر یزاحم حکم العنوان الأوّل لا أنّه یقلب مصلحته فهذا لکونه مشکوکا و غیر فعلی لا یؤثّر فی ذلک التکلیف،فإنّه بفعلیّته یزاحمه لا بواقعة،و المفروض أنّه بالشک سقط عن الفعلیّة،فیکون الآخر تکلیفا فعلیّا سلیما عن المزاحم،نظیر تکلیف(لا تغصب)إذا لم یکن فعلیّا حیث لا یزاحم تکلیف(صلّ)بناء علی القول بالامتناع.

إذا تقرّر هذا فنقول:إن کان الحکم الذی خالفه الشرط من قبیل الأوّل فالشرط مغیّر الموضوع کما عرفت،و إن کان من قبیل الثانی فالشرط لا یقلب الموضوع،بل بعد رتبة حکمه لو کان ینقلب الموضوع،ففی رتبة الشرط،الموضوع

ص:469

باق،فیکون مغیّرا للحکم عن نفس موضوعه.

و بعبارة أخری:یکون فی البین مشار إلیه بهذا موجود فی حالتی الشرط و عدمه و کان محکوما مثلا بالحرمة،و الشرط یقتضی أن یجعله حلالا،فالقسم الثانی منعه الاستثناء دون الأوّل.

هذا بحسب مقام الثبوت،و أمّا بحسب الإثبات فیمکن أن یقال:الظاهر من أدلّة حلّیة الأشیاء هو الحکم الحیثی و من أدلّة الوجوب و التحریم هو الفعلی، و الدلیل علی ذلک أنّ الإباحة غالبا تکون بمعنی عدم الإیجاب و التحریم،و قلّ أن یتّفق أن تکون لمصلحة تستدعیها کالإیجاب و التحریم،فإنّهما لا محالة یکونان لأجل المصلحة المستدعیة لهما،و إذن فعدم الاقتضاء لا محالة لا بدّ أن یکون فی حال التجرید عن العناوین المتأخّرة عن الموضوع،بخلاف الحکم الاقتضائی، فالظاهر منه کونه فعلیّا ناظرا إلی جمیع الحیثیات،هذا تمام الکلام فی بیان مرامه -قدّس سرّه.

و أنت خبیر بأنّ هذا الکلام لا یرد علیه صیرورة الکلام من توضیح الواضح،و لا کونه ناظرا إلی مقام الإثبات،بل هو معنی لطیف مع کونه ناظرا إلی مقام الثبوت،ثمّ لا یخفی علیک عدم اختلاف ما بینه و بین ما اخترناه،فإنّه علی ما اخترناه أیضا فرق بین الحیثی و الفعلی،غایة الأمر طبّقنا الاقتضائی علی الفعلی بحسب الإثبات و اللااقتضائی علی الحیثیّ کذلک،فالإیجاب و التحریم لو کانا حیثیّین ینفذ شرط خلافهما،و کذا لو وجد الحلّیة الاقتضائیّة الحیثیّة،هذا.

ثمّ إنّه قد وقع التعبیر فی بعض الأخبار فی مقام الاستثناء بتحلیل الحرام و تحریم الحلال،فربّما یشکل الحال علینا و علی شیخنا المرتضی بالنسبة إلی عنوان تحریم الحلال،إذ لا یتّفق مورد و لو واحدا نستفید عدم نفوذ الشرط فیه بواسطة

ص:470

هذا العنوان الضابط،إذ موارد الشکّ طرّا صارت محکومة بالنفوذ بحکم الأصل المؤسّس سابقا،و أدلّة حلّیة الأشیاء أیضا لم تتعرّض للحلیّة الفعلیّة الاقتضائیّة، فینحصر الأمر فی الخبر الخاص الذی ورد فی مورد خاص بعدم نفوذ اشتراط أمر حلال معلّلا بمخالفته للکتاب،و فی هذا المورد لا نحتاج إلی الضابط المذکور،بل یکفینا الخبر الخاص،فأیّ فائدة فی هذا الضابط و الحال أنّا لم نقف علی مورد واحد یقضی فیه هذا الضابط بعدم النفوذ بلا مؤنة دلیل خارجی؟ و هذا بخلاف الحال فی طرف عنوان تحلیل الحرام،فإنّ أدلّة المحرّمات ظاهرة فی الحرمة الفعلیّة،بل لو فرضنا أنّ الاستثناء کان معناه استثناء الشرط الذی یحلّل الحرام الحیثی أعنی:ما کان حراما لولا الشرط لما کان محذور فی طرفه أیضا بخلاف طرف تحریم الحلال،فإنّا لو حملناه علی الحلال الحیثی فهو موجود و لکنّ الشرط المخالف له فوق حدّ الإحصاء،و لو حملناه علی الفعلی لا نجد له موردا إلاّ فی مورد الأخبار الخاصّة،هذا.

و لکن یمکن الجواب علی کلا المذاقین بأنّ الإشکال إنّما یرد لو لم نجد و لو موردا واحدا،أمّا لو وجدنا و لو واحدا کفی فی صحّة سوق الضابطة،فإنّ ندرة المصداق للضابطة لا تضرّ،فإنّه تعرّض للفرد النادر و لا بأس به،و نحن لا نراه مفقود الأثر رأسا،بل من المحتمل قویّا أن یکون حلّیة مجامعة الزوجة المستفادة من آیة نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی شِئْتُمْ (1)اقتضائیّة و مطلقة فعلیّة،أمّا الاقتضائیّة فلأنّه قضیّة حرثیّتها أن یجوز لزوجها الزرع،و أمّا الثانیة فلقضیّة عموم أنّی شئتم،و من جملة الأزمنة زمان طروّ الطارئ من الشرط أو غیره.

فیمکن أن یقال:إنّه لو شرط عدم الجماع مثلا یکون من المخالف للکتاب،

ص:471


1- 1) البقرة223/.

بل و کذا شرط عدم التزویج بملاحظة قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلّم:«من تزوّج أحرز ثلثی دینه»و قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلّم:«تناکحوا تناسلوا فإنّی أباهی بکم الأمم إلخ» (1)،و کذلک شرط عدم شیء من التصرّف رأسا فی الملک،ثمّ بعد استفادة کون الحلیّة اقتضائیّة فی مورد،یصیر حالها حال الوجوب و التحریم فی استفادة الإطلاق و الفعلیّة أیضا،فإنّ وجه استفادة الفعلیّة فیهما عرفت أنّه لیس إلاّ کونهما اقتضائیّین.

ثمّ إنّ هنا عبارة من شیخنا المرتضی ربّما یشتبه المراد منها و یتوهّم التناقض بین سطرین متّصلین منها،فإنّه استظهر أنّ المراد الحرام الفعلی و ینادی مواضع عدیدة من کلامه بذلک،و قال:بل نفس استثناء الشرط المحلّل للحرام عمّا یجب الوفاء به دلیل علی إرادة الحرام فی نفسه لولا الشرط و لیس کذلک فی طرف المحرّم للحلال،فإنّا قد علمنا أن لیس المراد الحلال لولا الشرط،لأنّ تحریم المباحات لو لا الشرط لأجل الشرط فوق حدّ الإحصاء،انتهی ما أردنا من نقل کلامه-أعلی اللّه مقامه.

و أنت خبیر بأنّه یمکن علی ما مرّ من تفصیل الکلام فی بیان مرامه-من الفعلیّة و الحیثیّة،و أنّ المراد من الأولی تعلّق الحکم بالذات المرسلة و بالثانیة تعلّقه بالذات المجرّدة بنحو یکون التجرّد قیدا لبّا لا ملحوظ القیدیّة،و أنّ الإرسال فی القسم الأوّل أیضا ینجرّ فی مقام الأحکام المزاحمة و بالنسبة إلی تعیین حال التزاحم إلی التعلّق بالذات المجرّدة من هذه الجهة-أن یقال:بأنّ مراده-قدّس سرّه-من هذه العبارة أنّ المحرّمات بحسب أدلّة تشریعها و إن کانت فعلیّة و متعلّقة بالذات المرسلة،و لکنّها بحسب دلیل الاستثناء عن وجوب الوفاء-الذی هو فی مقام تعیین حال المزاحمة بین الشرط الذی هو عنوان ثانوی و بین ذلک الحرام الفعلی-

ص:472


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 14،الباب 1،من أبواب مقدمات النکاح،ص 153،ح 17.

تکون لا محالة مع التجرید عن حیث الشرطیّة.

یعنی أنّ اللاحظ الحاکم علی الحرام المجامع مع الشرط بترجیح جانب الشرط أو جانب الحرام لا بدّ أن یلاحظ وصف الحرمة الغیر الآتیة حتّی فی حال طروّ الشرط،إذ هذا إمّا یوجب التناقض أو توضیح الواضح،إذ لو قدّم جانب الشرط یلزم التناقض و اجتماع الحرمة و الوجوب،و إن رجّح جانب الحرمة یلزم توضیح الواضح.

و هذا بخلاف طرف المحرّم للحلال،فإنّ المراد بالحلال لیس الحلال الحیثی بحسب دلیل الشرط و الفعلی بحسب دلیل أصل الجعل،فإنّک عرفت أنّ الحلّیة بحسب دلیل الجعل حیثیّة لا فعلیّة،و حینئذ فإن أرید بهذا الوصف من الاستثناء أی أرید استثناء ما هو الحلال الحیثی بحسب دلیل جعله فیلزم تخصیص الموارد الکثیرة الخارجة فی کثرتها عن حدّ الإحصاء.

ثمّ إنّ هنا توجیهین لعلمین لعبارتی المحلّل و المحرّم الواقعة فی دلیل الاستثناء لا بأس بالتعرّض لهما و النظر فیهما:

أحدهما:للمحقّق النراقی-قدّس سرّه-علی ما حکی فإنّه-قدّس سرّه- حمل التحلیل و التحریم علی إرادة الشارط صیرورة الحرام الشرعی حلالا شرعیّا، کصیرورة الخمر مثل الماء و بالعکس،و بعبارة أخری صورة قصده التشریع و البدعة.

و یرد علیه-بعد ما عرفت أنّ الترخیص و المنع الحاصلین من قبل الشارط یصحّ إطلاق لفظی التحلیل و التحریم علیهما،فیقال علی المانع عن شرب الماء أنّه حرّمه،و علی المرخّص فی شرب الخمر أنّه حلّله و لو لم یصدر منهما التشریع-:

أنّ ما ذکره من البدعة و التشریع أمر غیر قابل للوقوع و الظاهر من الاستثناء صورة حفظ القابلیّة الذاتیّة للوقوع.

ص:473

و بعبارة أخری:صورة القابلیّة للوقوع تحت خطاب أوف،و ما ذکر لیس کذلک،إذ لیس الحلّیة و الحرمة الشرعیتان تحت تصرّف العباد،بل ینحصر سببه فی جعل الشارع،و لیستا کالملکیّة الشرعیّة و نظائرها،فإنّها بجعل المکلّف و إمضاء الشارع و قد تقدّم إلی ذلک الإشارة فی ما سبق.

الثانی:للمحقّق القمّی-أعلی اللّه مقامه-فی رسالته المعمولة للمسألة،فإنّه -قدّس سرّه-حملهما علی أمر آخر غیر ما حمله المحقّق المتقدّم و لا قریب منه،و هو أن یراد بهما تغییر الحکم الکلّی الإلهی المتعلّق بالموضوعات الکلّیة،فتحریم الخمر حکم متعلّق بالموضوع الکلّی المتساوی نسبته إلی هذا الفرد و ذاک و ذاک،و کذلک حلّیة الماء،فلو أراد الشارط رفع هذا الحکم الکلّی و تبدیله بالضدّ فی هذا الکلّی بأنّ رخّص فی کلّی الخمر فی جمیع الأزمان و لو بالنسبة إلی شخص واحد من مخاطبی ذلک الخطاب العام،أو منع من کلّی شرب الماء فی جمیع الأزمان و لو بالنسبة إلی مخاطب واحد،فهذا داخل فی الاستثناء،و إنّ أراد التبدیل فی جزئیّ من جزئیّات ذلک الکلّی بأن رخّص فی شرب هذا الخمر الخاص أو منع من شرب هذا الماء الخاص فهذا غیر داخل،لأنّ حکم الجزئی معلوم بالتبع و السرایة من الکلّی و لیس حکما مجعولا بالاستقلال،فلا یصدق علی تغییره تغییر حکم الشارع و تبدیله بالضدّ،و علی هذا فنحتاج فی الحکم ببطلان شرط شرب الخمر الخاص إلی دلیل آخر من إجماع و نحوه.

هذا ما قاله-قدّس سرّه-،و أنت خبیر بمغایرته مع ما ذکره المحقّق المتقدّم، و إن کان یظهر من کلام شیخنا-قدّس سرّه-رجوعه إلیه،و لکنّک خبیر أیضا بأنّا لا نعقل الفرق بین مخالفة حکم الشرع فی الکلّی و بین مخالفته فی الجزئی فی صدق عنوان المخالفة و التحلیل و التحریم علیهما فی صورة الإطلاق و الفعلیّة

ص:474

لحالة الشرط،و کذا فی عدم الصدق مع العدم من غیر فرق بین القسمین فی الصورتین.

الشرط الخامس:أن لا یکون الشرط منافیا لمقتضی العقد:
اشارة

تفصیل الحال فی المقام یقتضی بسط الکلام بحسب ما یتصوّر فی منافاة الشرط لشیء.فنقول:هنا أربعة أقسام

الأوّل:أن ینافی مع ما یقتضیه طبع العقد،

کأن یشترط عدم الانتقال فی عقد مقتضی طبعه النقل و الانتقال،و منه شرط عدم الثمن فی البیع،و هذا و إن کان یتحقّق فیه الجدّ فی الإنشاء و لکن لا یمکن أن یتأتّی بغرض الجد بوقوع المدلول،لأنّه جدّ بوقوع المتناقضین و هو محال.

الثانی:أن ینافی مع ما لا یکون مقتضی طبع العقد و لکنّه من خواصّه

و آثاره الغیر المنفکّة عنه عرفا بحیث لا یری العرف تحقّق الملزوم بدون تحقّق هذا اللازم، فینجرّ الأمر بالآخرة فی هذا القسم أیضا إلی التهافت فی مقام الجدّ بوقوع المدلول بحسب النظر العرفی،فیکون محالا لأوله إلی التناقض.

الثالث:أن ینافی مع ما هو حکم شرعیّ للعقد

مع تمشّی إنشائه و الجدّ بمدلوله عرفا،کما إذا کان من حکم عقد البیع مثلا شرعا اللزوم بعد التفرّق، فاشترط الجواز أو کان من حکم عقد الوکالة مثلا الجواز شرعا فاشترط اللزوم، و هذا داخل فی الشرط المخالف للکتاب و السنّة.

الرابع:أن ینافی مع حکم الشارع علی أمر آخر غیر العقد

و الحاصل بسببه کأن یکون من حکم الملک من أیّ سبب حصل بالعقد أو بالإرث أو غیرهما أمرا خاصّا فاشترط خلاف ذلک الأمر،و هذا أیضا داخل فی الشرط المخالف للکتاب و السنّة.

فعلم ممّا ذکرنا أنّ الذی یصلح عدّه شرطا آخر غیر المخالفة هو القسمان

ص:475

الأوّلان،و أمّا الأخیران فالأوّل منهما و إن انطبق علیه عنوان الشرط المنافی لمقتضی العقد و لکنّه لیس عنوانا آخر فی قبال شرط المخالفة،و الثانی منهما لا ینطبق علیه العنوان فضلا عن کونه بقبال شرط المخالفة فتبصّر.

ثمّ إنّک قد عرفت أنّ مرجع القسمین الأخیرین إلی شرط المخالفة،فلا محالة یدور الحکم بفساد الشرط و العدم مدار کون الحکم الذی خالفه الشرط ثابتا بدلیله لمطلق العقد حتّی حال الاشتراط منه أو مطلق الأمر الحاصل منه حتّی حال الشرط،لا ما إذا کان الحکم مخصوصا بالعقد المطلق أو النتیجة المطلقة، و علی هذا فیقع الإشکال فی تمییز مصداق أحد هذین عن الآخر.

لکن یظهر منهم التفرقة بین شرط عدم البیع و الهبة فی ضمن عقد البیع و بین شرط العتق بعد البیع بلا فصل أو وقفه حتّی علی البائع و ولده،فمنعوا الأوّل و جوّزوا الثانی،و هذا الفرق فی غایة الصعوبة،فإنّه أیّ فرق بین شرط أن لا یبیع و بین شرط أن لا یفسخ فی مورد الخیار؟ نعم شرط عدم نفوذ البیع أو الفسخ لو أقدم بهما غیر مشروع،کما أنّ شرط حصول الانعتاق أو حصول الوقف بدون توسّط إجراء صیغتهما أیضا غیر مشروع،و أمّا شرط ترک الفعل فی الأوّلین فلا فرق بینه و بین شرط الفعل فی الأخیرین،و لا بین ترک فعل البیع و الهبة فی عقد البیع و بین ترک الفسخ فی مورد الخیار.

وجه الصعوبة:أنّا لا نستفید من دلیل حلّ البیع أو الهبة إلاّ کونهما حلالین بمعنی عدم المنع فی فعلهما و نفوذهما،لا بمعنی وجود المقتضی فی الحلّ،فإنّ الدلیل علی تشریعهما قاعدة السلطنة و هی و إن کانت بالنسبة إلی کلّی السلطنة فی قبال نفیها رأسا تفید الاقتضاء-إذ لا تجتمع بنظر العرف ملکیّة مع عدم السلطنة

ص:476

للمالک رأسا و کونه کغیره مطلقا-لکنّها بالنسبة إلی أشخاص التصرّفات الخاصّة مثل البیع و الهبة و غیر ذلک فلا تفید إلاّ رفع الحجر و المنع الثابت فی غیر المالک، یعنی أنّ المالک من حیث المالکیّة غیر محجور عن التصرّف،و لا یقال له کما یقال لغیر المالک:لا سبیل لک إلی التصرّف،و أمّا إنّه یثبت له کلّ تصرّف فهی من هذه الجهة فی مقام السکوت،و لهذا لا یستفاد منها جواز ضرب العصا علی رأس الغیر حتّی یقع التعارض بینه و بین دلیل حرمة الإیذاء.

و من جملة الموارد التی طبّقوا علیها القاعدة المذکورة أعنی:کون الحکم المخالف للشرط ثابتا لمطلق العقد لا العقد المطلق،ما یظهر منهم من الفرق فی اشتراط الضمان بین عقد الإجارة فلا یجوز،و بین عقد العاریة فیجوز.

و الحقّ أن یقال:إنّه إن أخذ فی مفهوم الإجارة الاستئمان المالکی فاشتراط الضمان مناف لقوله-علیه السّلام-:«لیس علی الأمین إلاّ الیمین»و کذلک لو قلنا:إنّه لیس فیه استئمان مالکی،بل یتحقّق مع کون العین فی حفظ المالک و لکنّ الشارع قد استأمن المستأجر فتکون العین أمانة شرعیّة،فإنّ الأمانة منافیة للضمان سواء کانت شرعیّة أم مالکیّة،و إن قلنا:إنّه لا أمانة فی البین لا مالکیّة و لا شرعیّة،فإن دلّ الأخبار الخاصة بعدم الضمان مطلقا علی وجه الاقتضاء الفعلی کان اشتراطه مخالفا لتلک الأخبار و إلاّ فلا مانع حسب القاعدة.

و أمّا العاریة فإن کانت الأمانة المالکیة أو الشرعیّة موجودة فیها أیضا کما أنّه الظاهر علی تقدیر القول بذلک فی الإجارة-إذ لا فرق ظاهرا بینهما إلاّ فی مجرّد ثبوت الأجرة فی الإجارة و عدمها فی العاریة-فالجواز حینئذ یکون علی تقدیر ثبوته بإجماع و نحوه استثناء من قاعدة الشرط المخالف أو من قاعدة الأمانة.

ص:477

و منها:اشتراط التوارث فی عقد المتمتّع بها،فوقع الکلام فی أنّها لا ترث مطلقا أو ترث کذلک،أو لا ترث إلاّ مع شرط الثبوت،أو ترث إلاّ مع شرط السقوط؟و الأولی التعرّض للمسألة حتّی یتّضح الحال فی المقام،و قبل الشروع نتیمن بذکر الأخبار.فنقول و باللّه نستعین:

منها صحیحة البزنطی عن أبی الحسن الرضا-سلام اللّه علیه-«قال:تزویج المتعة نکاح بمیراث و نکاح بغیر میراث إن اشترطت کان،و إن لم تشترط لم یکن» (1).

و منها:موثّقة محمّد بن مسلم«قال:سمعت أبا جعفر-علیه السّلام-یقول فی الرجل یتزوّج المرأة متعة:إنّهما یتوارثان إذا لم یشترطا،و إنّما الشرط بعد النکاح» (2).

و منها:موثّقة سعید بن یسار عن أبی عبد اللّه-علیه السّلام-«قال:سألته عن الرجل یتزوّج المرأة متعة و لم یشترط المیراث؟قال-علیه السّلام-:لیس بینهما میراث اشتراط أو لم یشترط» (3).

و منها:روایة عبد اللّه بن عمرو«قال:سألت أبا عبد اللّه-علیه السّلام-عن المتعة؟فقال-علیه السّلام-:حلال لک من اللّه و رسوله صلّی اللّه علیه و آله و سلّم،قلت:فما حدّها؟قال -علیه السّلام-:من حدودها أن لا ترثها و لا ترثک» (4)الحدیث.

هذه هی الأخبار المتعلّقة بالمقام.

ص:478


1- 1) الوسائل:الجزء 14،الباب 32،من أبواب المتعة،ص 485،ح 1.
2- 2) المصدر نفسه:ص 486،ح 2.
3- 3) المصدر نفسه:ص 487،ح 7.
4- 4) المصدر نفسه:ص 487،ح 8.

و حینئذ فنقول و علی اللّه التوکّل:إنّ الخبر الأوّل صریح فی ثبوت الإرث بالاشتراط و عدمه عند العدم،و احتمال إرادة الوصیّة بعید فی الغایة،بل لا یحتمل، و لا یعارضها الخبر الثانی الدالّ بظاهره علی ثبوت الإرث ما لم یشترط السقوط، لقابلیته للحمل علی إرادة إنّهما یتوارثان إذا لم یشترطا الأجل،فیوافق مع ما دلّ علی أنّه فی صورة عدم ذکر الأجل فی المنقطع ینقلب إلی النکاح الدائم و البات،و قوله إنّما الشرط بعد النکاح بمنزلة البرهان للحکم،یعنی أنّ محلّ الشرط بعد استقرار النکاح،و لازمه أنّه إن جاء الشرط یوجب قطع سلسلة النکاح،و إلاّ فالنکاح قد استقرّ و لم یجئ ما یرفعه،فیکون لا محالة دائما لا منقطعا.

و کذلک لا یعارضه الخبر الرابع،فإنّ المراد بالحدّ فی کلام السائل،الظاهر أنّه الفرق المائز بین المتعة و الدوام،و لهذا اقتصر الإمام-علیه السلام-بذکر أحد الفروق،و یکفی فی الفارقیّة أنّ المتعة من حیث هی لو خلّی و طبعها لیس فیها اقتضاء العدم،فلا ینافی أن یجیء الإرث باقتضاء من الخارج،و الحاصل لیس المستفاد منه إلاّ أنّ المتعة مثل الأجنبیّة،و من المعلوم أنّ الأجنبیّة لیس فیها اقتضاء الإرث.

نعم لو کنّا و هذا الخبر لم یمکن لنا القول بجواز هذا الشرط بمجرّد عموم دلیل الشرط،لأنّه من الشرط المخالف و یکون کاشتراط إرث الأجنبیّ،و هو و إن کان من عدم الاقتضاء لا اقتضاء العدم-کما عرفت-لکن حال الإرث کحال الزوجیّة،فإنّ عدم زوجیّة الأجنبیّة لیس أیضا إلاّ من باب عدم المقتضی،و مع ذلک لا یصحّ اشتراط حصول الزوجیّة،و السرّ أنّ الشارع جعل سبب الزوجیّة و کذا الإرث أمرا خاصا لیس الشرط منه،فاشتراط ثبوتهما بالشرط مخالف لهذا الجعل.

هذا بحسب العموم و أمّا إذا ورد النصّ من الشارع فنقول بنفوذ الشرط

ص:479

و نجعله إمّا تخصیصا فی دلیل الشرط المخالف،و إمّا نقول:إنّها بهذا الشرط یحصل لها تعلّق بالمیّت و تخرج عن کونها أجنبیّة،فلا یکون مخالفا للکتاب و السنّة، و بالجملة بعد ورود الدلیل لا إشکال و لو لم یکن لنا عموم«المؤمنون».

و أمّا دعوی أنّه لیس شرطا مخالفا إذا الموت سبب لکن فی تقدیر ضمّ الشرط.

ففیها،أنّ هذا المعنی لا یمکن تطبیقه علی القاعدة،بمعنی أنّه لا یمکن القول به بمجرّد عموم دلیل الشروط،و ذلک لأنّ مفاده أنّ الشرط سبب مستقلّ بدون تصرّف و تغییر من ناحیته فی الأحکام الأوّلیّة،فإنّ العناوین الثانویة لا تغیّر الأحکام المتعلّقة بالعناوین الأوّلیّة،و لا تقیّدها أیضا بصورة وجود أنفسها مع أنّ التقیید أیضا مخالفة،و علی کلّ حال فالأمر سهل بواسطة النصّ الخاص و لو لم یکن ذلک العام.

و إذن فیبقی الکلام فی معارضة الخبر الأوّل مع الثالث الناصّ فی نفی التوارث سواء شرط أم لا،و لا یمکن رفعها بحمل الثالث علی إرادة شرط السقوط، یعنی أنّ عدم التوارث لا یحتاج إلی الاشتراط،و إنّما المحتاج هو ثبوت التوارث حتّی یجامع مع مضمون الأوّل،و ذلک لأنّ قول السائل فی السؤال:یتزوّج المرأة متعة و لم یشترط المیراث،لا یقبل الحمل علی إرادة اشتراط العدم،لأنّه مثل قولک:

یشترط فی الصلاة الطهارة،فإنّه لا یقبل الحمل علی اشتراط العدم،فإنّه و إن لم یذکر إلاّ الماهیّة بلا تقیید بالوجود لکنّ الظاهر بحیث یقرب من الصریح من التعلیق علی الماهیّة عند الإطلاق هو إرادة الوجود،و إذن فیصیر الجواب أیضا ظاهرا قریبا من الصریح فی إرادة عین ما أراده السائل من اشتراط الثبوت،یعنی:

ما توهّمت من أنّ شرط الثبوت یثمر فاسد،فإنّ المیراث منفیّ بلا فرق بین اشتراطه و العدم.

ص:480

و إذن فالحقّ أنّ حال هذه الروایة مع الروایة الأولی نظیر الروایتین الواردتین فی أنّ«ثمن العذرة سحت» (1)و أنّه«لا بأس ببیع العذرة» (2)فإنّ الظاهر من بعض أنّه یعامل معهما معاملة المقطوع الصدور عن الحجّة،فإنّه کما فی صورة القطع لو کان فی أحدهما احتمال و لم یکن فی الآخر لحملنا ذلک المحتمل علی ذلک الاحتمال کذلک فی صورة التعبّد بالصدور،فیحمل إحدی الروایتین أعنی:روایة عدم البأس علی عذرة مأکول اللحم و الأخری علی غیره،و فی المقام أیضا یحمل الروایة الظاهرة القریبة من النصّ علی إرادة شرط السقوط.

و لکنّ الحقّ کما قرّرنا فی الأصول أنّه لا بدّ فی الجمع العرفی من عدم خروج التکلّم عن رسم المحاورة و قانونه،و من المعلوم أنّه خارج من رسمها مثل هذا التکلّم و لیس حاله حال حمل العام علی الخاص أو المطلق علی المقیّد،فإذا کان الحال مثل ما نحن فیه ینقدح الشک فی السند و یصیر احتمال التصرّف فی الدلالة مع التصرّف فی السند فی عرض واحد،و هذا معنی التعارض و لا محیص عنه کما لا طریق إلی إحراز أنّ أیّ الروایتین أصحّ و أعدل سندا،و مخالفة العامّة مشترکة بینهما.

و أمّا القول بأنّه یرجع إلی عموم آیة إرث الزوجة،علی ما هو المقرّر فی صورة تعارض الخاصّین من الرجوع إلی العام الفوق و یساعده العرف و الشرع،أمّا العرف فإنّ الخاص بحجیّته یزاحم العام و لا حجّیة له مع فرض المعارض،و أمّا الشرع فلقوله فی أخبار علاج التعارض من الرجوع إلی عام الکتاب و السنّة.

ففیه:أنّ الروایتین کلتیهما مشترکتان فی تخصیص الآیة و أنّ الزوجیّة فی حقّ

ص:481


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 40،من أبواب ما یکتسب به،ص 126،ح 1.
2- 2) المصدر نفسه:ح 2،3.

المتعة قد انفکت عن التوارث،غایة الأمر إنّ إحداهما ناصّة بعدم فائدة فی الاشتراط أیضا و الأخری مثبتة له تلک الفائدة مع الموافقة للأولی فی النفی عن الزوجیّة،و مفاد الآیة أنّ الزوجیّة کالأبنیّة مؤثّرة فی التوارث،و هذا المعنی خلاف ما نطقت به الروایتان معا،فلا محیص إلاّ عن رفع الید من الآیة علی ما هو الحقّ من تخصیص الکتاب بخبر الواحد،و یبقی التعارض فی نفس الخبرین.

و یمکن أن یقال:نرجع بعد معارضتهما إلی ما یستفاد من الکتاب و السنّة من حصر أسباب الإرث فی النسب و السبب و لیس الشرط داخلا فیهما،هذا.

الشرط السادس:أن لا یکون الشرط مجهولا یوجب جهالة فی البیع،
اشارة

قد یقال:التکلّم فی هذا المقام من جهتین،الأولی:أنّ الغرر المنفی فی البیع هل یشمل مثل هذا الغرر الآتی من ناحیة الشرط أو لا؟بمعنی أنّه لا یحکم بفساد البیع و إن فسد الشرط،لأنّ البیع غیر غرری و إن کان الشرط غرریّا.

و الثانیة:بعد الفراغ عن ذلک هل مطلق الجهالة فی الشرط مضرّة و إن لم یدخل تحت عنوان الخطر؟کما إذا شرط فی ضمن عقد البیع الخیار إن جاء ولده من السفر،حیث إنّه إن لم یجئ لا یحتاج إلی الدار و إن جاء فسخ البیع،هذا حال البائع و أمّا المشتری فإمّا أن یدخل فی ملکه الدار و إمّا یعود الثمن فی کیسه، فخاطره مطمئنّ عن ورود المحذور،أو إنّا ندور مدار الخطر.

أمّا الکلام فی الأولی:

فاعلم أنّ بعض الأمور التی تنتقل مع المبیع إلی المشتری قهرا لا تضرّ جهالتها و إن کانت صاحبة قیمة غالیة،مثل مفتاح الباب و نعل الدابّة و أمثالهما ممّا ینتقل بلا قصد من المتبایعین نظیر انتقال رجل الدابّة معها،فلا یضرّ جهالة هذا و إن کان ربّما یبلغ قیمته إلی مقدار معتدّ به.

و لا شبهة أنّ الشرط لیس من هذا القبیل،لأنّ للقصد فیه مدخلا،و لیس

ص:482

أیضا من قبیل قصد و إنشاء مستقلّ غیر مربوط بالبیع نظیر البیعین لشیئین أحدهما معلوم و الآخر مجهول،بل القصد البیعی منوط و مربوط بالقصد الشرطی علی وجه لا یلزم من فساد الشرط فساد البیع و لکن یوجب الخیار فیه،فمرتبته برزخ بین الاستقلال و الارتباط.

و الحاصل:جمعهما إنشاء واحد لا إنشاءان،و حینئذ فیصحّ أن یقال:إنّ هذا الإنشاء الواحد البیعی یکون فیه غرر و إن کان عند الانحلال لیس الغرر فی حیث بیعیّته و لکن إذا صحّ إضافة الغرر إلی البیع کفی فی البطلان.و بعبارة أخری یصدق أنّ الشرط فی ضمن البیع و یصدق أنّ الشرط غرریّ،فیصدق أنّ الغرر یکون فی هذا البیع و الشارع حکم بالفساد مع هذا الصدق،فعلم أنّ هنا لا یجیء الکلام فی أنّ فساد الشرط لا یوجب فساد المشروط،غایة الأمر إیجابه الخیار فی المشروط.هذا محصّل الکلام فی الجهة الأولی.

و أمّا الجهة الثانیة:

فاعلم أنّا لو کنّا نحن و کلمة«نهی النبیّ عن بیع الغرر» أو«عن الغرر»،و لم یکن فی البین إجماع من الخارج یکشف عن علم وصل إلی الأصحاب صدرا بصدر عن الأئمّة الأطیاب-علیهم صلوات اللّه الملک الوهاب-لما فهمنا من هذه الکلمة فی العرف معنی مطلق الجهالة،فإنّ قولنا فلان مغرور،أو غرّه فلان لیس معناه الإلقاء فی المجهول بل المراد الإلقاء فی المحذور من حیث لا یشعر،فالجهالة مأخوذة فی معناه.

و الحاصل من ملاحظة موارد الاستعمال و المتبادر منها إلی الذهن هو کون النفس غیر مستریحة من جهة عدم تجاوزها عن فوت أمر محبوب أو وقوع أمر مبغوض،و لکنّه من حیث وقوعه و عدم وقوعه فی تشویش و اضطراب،و یدعو اللّه تعالی لوقوعه أو لا وقوعه.

ص:483

فالمقصود-و اللّه أعلم-من هذه اللفظة فی الحدیث الشریف أنّه إذا أوقع البیع الإنسان فی هذه الحالة بحیث کان السبب له هو البیع فهذا البیع فاسد، و لا یصحّ قیاس المقام بالطریق المخوف حیث إنّه لا یخرج عن المخوفیّة و لو کان شخص السالک مستریح النفس من جهة عدم مبالاته بالمحذور و الابتلاء بالسارق و السبع،فإنّ المراد بالخطر هناک خصوص خطر النفس،و أمّا إذا أرید الخطر بقول مطلق کما فی المقام-حیث لیس الخطر فیه مضافا إلی المال حتّی یقال بحصوله فی المقام عند حصول غرض للإنسان لا یبالی مع وصوله بقلّة المال و کثرته،کما إذا باع داره من رجل عالم بغرض أن یستفید منه و لو فلسا واحدا یتبرّک به بحیث کان تمام غرضه التبرّک بما یخرج من یدیه و صار بصدد البیع لأجل التوسّل إلیه،و لا یبالی فی نیل هذا المقصود بخروج المال الکثیر من کیسه أو القلیل فعدم علم هذا الشخص بالثمن لا یصدق علیه الغرر إلاّ إذا قام الإجماع بمضرّیة مطلق الجهالة.

و الشاهد أیضا علی ما ذکرنا أنّا لا نجد من أنفسنا صدق الغرر فی ما إذا تردّد أمر المبیع بین کونه منّا من حنطة جیّدة مقوّمة بقرانین أو منّین من حنطة ردیّة مقوّمة أیضا بقرانین،و وجهه أنّ النفس خالیة عن التشویش و الاضطراب.و کذا فی ما إذا کان بإزاء فوت قدر معتدّ به من المال غرض عقلائی،کما إذا کان بإزاء فوت منّین من التبن لو سامح و لم یوزن و اکتفی بالتخمین و المشاهدة حفظ وقته و عمره عن الصرف فی مدّة مدیدة لأجل تعیین هذا الحال فهو عند هذا الدوران یتجاوز عن فوته و لا یغتم به و لا یعتنی بشأنه،فیخرج عن الاضطراب فلم یوقعه البیع فیه.

لا یقال:الأغراض الخارجة عن المعاملة لا تورث تغییرا بالنسبة إلی

ص:484

المعاملة،فکما أنّه لو شککت فی أنّ الدواء الفلانی هل ینتفع فی رفع داءک أو لا؟ لا یضرّ بعدم غرریّة المعاملة کذلک هذه الأمثلة التی ذکرت الطمأنینة فیها من حیث الأغراض الخارجیّة غیر مثمرة بعد ما کانت المعاملة من حیث إنّها معاملة غرریّة.

لأنّا نقول:المعیار حسب ما عرفت من التبادر صیرورة البیع و المعاملة سببا لهذا المعنی،و فی المثال الذی ذکرت الغرر الموجود غیر مستند إلی المعاملة،لأنّه موجود مع عدمها و أمّا فی الأمثلة التی ذکرنا لو فرضنا عدم الغرض العقلائی الذی ذکرناه بإزاء فوت المال کان یصدق أنّ المعاملة أورثت الغرر و الخطر،و أمّا مع وجوده فلا یصدق الغرر،و وجهه أنّ الغرر حسب القاعدة لا بدّ أن یلاحظ شخصیّا لا نوعیّا،و کذلک لا بدّ أن یلاحظ بقول مطلق لا مضافا إلی خصوص المال،و حینئذ فلا محیص عمّا ذکرنا،هذا ما یستفاد من هذه اللفظة،فإن کان إجماع فهو المتّبع و إلاّ فلا دلیل علی إضرار مطلق الجهالة،و روایة دعائم الإسلام من المحتمل أن یکون التفسیر لصاحب الدعائم لا الإمام-علیه السلام.

الشرط السابع:أن لا یکون الشرط مستلزما للمحال:

و قد مثّل لهذا السید الطباطبائی المحشّی لمکاسب شیخنا المرتضی-قدّس سرّهما-بما إذا نذر الإنسان کون ماله المعیّن لزید لو وجب علیه کنس المسجد،ثمّ باع هذا المال من عمرو و شرط علیه المشتری کنس المسجد،فهذا الشرط لو کان صحیحا یلزم منه وجوب الکنس و یلزم منه حسب نذره انتقال المبیع إلی زید و هو مستلزم لفساد البیع،فیلزم من وجود هذا الشرط عدمه.

لا یقال:إذا انتقل المال بالبیع إلی عمرو لا یبقی محلّ للانتقال إلی زید.لأنّا نقول:هذا فرع أن یکون الانتقال إلی زید متأخّرا عن الانتقال إلی عمرو و هو ممنوع و إن کان متأخّرا عمّا هو فی عرض الانتقال إلی عمرو من وجوب الکنس،إذ لا

ص:485

یلزم أن یکون المتأخّر عن أحد المتساویین فی الرتبة متأخّرا عن الآخر بعد عدم تحقّق ما هو ملاک التقدّم و التأخّر فی ما بینهما من العلّیّة و المعلولیّة و التأثیر و التأثّر، هذا ما قاله-قدّس سرّه.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-بأنّه بعد کون التقدّم بالعلّیة تقدّما حقیقیّا و إن کان لیس فی الزمان،فإنّ حقیقة التقدّم غیر موقوفة علی الزمان کما هو واضح،و لا محالة یکون فی الآن العقلی الذی لا یحتویه الزمان،لأنّ الزمان تدریجی و هو أمر بسیط کما یکون الفصل و الوصل متحقّقین خارجا فی الآن لا الزمان،فالتقدّم هنا أیضا یکون فیه،فیکون المعلول لا محالة متّصفا باللیسیّة و الانعدام فی ذلک الآن و إن اجتمعا فی الزمان،و لیس هذا قولا بترکّب الزمان من الأجزاء الغیر المتجزّیة،فإنّ الآن الأوّل و الآن الثانی أمران کزید و عمرو لا یرتبطان بالزمان.أ لا تری أنّه قبل خلق الفلک و حرکته کان فی البین سبق و لحوق مع عدم الزمان؟و بالجملة بعد انعدام المعلول حقیقة فی ذلک الآن یکون ما فی العرض للعلّة متقدّما علیه،لأنّه کان فی ذلک الآن و هذا معنی التقدّم.

ثمّ إنّه حکی عن العلاّمة التمثیل للمقام بشرط البیع علی المالک فی ضمن البیع و أنّه مستلزم للدور،فاستشکلوا علیه بأنّ الملکیّة غیر موقوفة علی تحقّق الشرط حتّی یلزم ذلک،و إنّما هذا شأن الشرط الأصولی و هو غیر محلّ الکلام لکونه تعلیقا باطلا،و بعد ما کانت الملکیّة حاصلة من حین العقد و إنّما المتأخّر إنّما هو اللزوم فلا مانع من اشتراط البیع علی المالک کما علی غیره،فإنّ المتوقّف علی البیع هو اللزوم،و ما یتوقّف علیه البیع هو أصل الملکیّة فلا دور،و أیضا یرد علیه النقض باشتراط الوقف علی البائع و ولده،و أمّا النقض باشتراط البیع علی غیر البائع فقد أجاب هو-قدّس سرّه-عنه بأنّ البیع علی غیر البائع لا یتوقّف

ص:486

علی الملک لصحّة کونه علی نحو الوکالة و الفضولیّة،هذا محصّل ما قاله و استشکلوا علیه.

قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:بأنّ العلاّمة لا یلیق بشأنه أن یقول ما لا یرضاه أدنی محصّل،و علی هذا فنقول:یمکن أن یکون نظره-قدّس سرّه-إلی مقدّمة لو کانت مخدوشة لکنّها علمیّة نظریّة قابلة لأن تصدر من ذلک العالم العلاّمة-أعلی اللّه مقامه-و هی:

أن یکون من شرط صحّة البیع أن ینقطع علاقة السبب المتقدّم بالنسبة إلی المالک المتقدّم الذی یراد تأثیر السبب الآخر للملکیّة فی حقّه بالمرّة و لم یبق من أثره شیء،و هو لا یکون إلاّ بعد استقرار الملک فی حقّ المالک الثانی،فإنّه مع بقاء التزلزل لم تنقطع العلاقة بین المال و المالک الأوّل بالمرّة بل بقیت علقة ضعیفة بحیث له السلطنة علی إرجاع عین الملکیّة السابقة بشخصها،فیکون حال هذا المال بالنسبة إلیه حال الزوجة المطلّقة الرجعیّة فی أنّها و إن انقطعت العلاقة الزوجیّة عنها لکن لا بالمرّة بل بقیت منها علقة ضعیفة،و لهذا تمنع من تجدید العقد و تأثیر السبب الجدید فیها،فما دام هذه العلقة باقیة لا یؤثّر السبب الجدید، فإذا انقضت العلقة بالتمام یجیء محلّ تأثیر السبب الجدید،هذه هی المقدّمة النظریّة التی لا بدّ عن التکلّم فیها مع العلاّمة-قدّس سرّه.

و أمّا بعد تسلیمها فکلامه-قدّس سرّه-متین و لا یرد شیء من الإشکالات علیه،لأنّ تقریب الدور حینئذ واضح،لأنّ الاستقرار موقوف علی البیع و البیع حسب الفرض موقوف علیه،و أمّا النقض بالبیع علی غیر المالک فواضح الدفع کما ذکره نفسه-قدّس سرّه-،لأنّه غیر متوقّف علی أصل الملک فضلا عن استقراره،فقوله بجواز جریانه مجری التوکیل و الفضولیّة لیس معناه أنّ المشتری لو

ص:487

باعه یکون وکیلا أو فضولیّا،بل المقصود أنّ البیع علی غیر المالک الأوّل لا یتوقّف علی ملکیّة هذا المشتری المتصدّی للبیع علیه فضلا عن توقّفه علی استقرار ملکه.

و أمّا النقض بالهبة و التملیک بالصلح فی زمن الخیار علی البائع فیلتزم بعدم صحّة کلّ ذلک و لیست المسألة إجماعیّة و لا من المعلوم کونه من مذهب العلاّمة، مع أنّه لو فرض لا یضرّ لکونه من اختلاف الرأی.و بالجملة فکلامه فی غایة المتانة علی تقدیر صحّة المقدّمة،نعم هی فی غایة الإشکال و مسألة نظریّة علمیّة لا یسهل الجزم بأحد طرفیها.

الشرط الثامن:أن لا یکون الشرط ابتدائیا:

اعلم أنّ هنا محلّین للکلام:

الأوّل:هل الشرط الابتدائی یفهم من الأدلّة وجوبه و نفوذه أو لا؟و الثانی:بعد عدم فهمه و اختصاص الأدلّة بما فی ضمن العقد هل الشرط الذی یذکر قبل العقد ثمّ یوقع العقد مبتنیا علیه داخل فی الأدلّة أو لا؟و محلّ کلامنا الآن فی الثانی.

فنقول:تارة یکون المتحقّق هو التعهّد و الالتزام المستقلّ السابق علی العقد، ثمّ لما یوجب الاطمئنان للطرف بوقوع المتعلّق یقدم علی إیقاع العقد مطلقا غیر مربوط.و بعبارة أخری یکون الغرض شیئا واحدا خاصّا و هو بیع الدار بالثمن المعیّن مع ضمّ الخیاطة،و لکن لما یکون القید بنظره حاصلا فی المستقبل حسب تعهّد المشتری یقدم علی بیع داره علیه بلا شرط فی ضمن البیع.

و هذا ظاهرا لا ینبغی الإشکال فی عدم الاعتبار به لرجوعه إلی مجرّد الداعویّة و تخصیص الغرض،و من المعلوم أن لا عبرة بخصوص الغرض،بل بعموم العقد، و هنا أیضا حسب الفرض قد أقدما علی أمرین و فعلا فعلین صار أحدهما داعیا إلی الإقدام علی الآخر من دون ربط فی العقد المتأخّر،فإذا کنّا معتبرین بالشرط

ص:488

المذکور فی ضمن العقد فهذا لیس من هذا القبیل،لعدم تحقّق الضمنیّة فیه.

و أخری یکون التواطؤ بینهما علی أن یوقعا عقدا خاصّا بخصوصیّة کونه مشروطا بکذا فیتراضیان و یوقعان العقد من دون تسمیة الشرط اکتفاء بالذکر السابق نظیر ما إذا عیّن الثمن و المثمن فقال المشتری للبائع:هل أنت راض؟ فیقول:نعم،فقال له:بع،فقال:بعت،و قال المشتری:اشتریت،فإنّه من قبیل حذف ما یعلم و یکون العقد مخصوصا فی النیّة مع اقترانه بالدالّ العرفی،و مثاله فی ما نحن فیه أن یقول:هل أنت مقدم علی أن تبیع دارک بشرط الخیاطة بمائة درهم، فیقول:نعم،فیقول:بع،فیقول:بعت،فیقول:اشتریت،فإنّه لا ینبغی الشک ظاهرا فی أنّ هذا عند العرف شرط فی ضمن العقد،و لیس العقد أمرا منفکّا منحازا عنه،بل البیع وقع مخصوصا بخصوص الشرط کخصوصیّة الثمن و المثمن المعیّنین فی المثال السابق،فلو کان القول باللغویّة و عدم التأثیر فی مثل هذا الفرض فلا بدّ له من تعبّد خاص کما ربّما یقال فی باب عقد الانقطاع بالنسبة إلی تعیین الأجل کما أنّه فی الفرض المتقدّم یکون لغوا حسب القاعدة.

فإن قلت:أیّ فرق بین باب الشرط و بین باب الأوصاف،فإنّ ذکرها قبل العقد یوجب تقیید العقد بخلاف الشرط علی ما قرّرت فی الفرض الأوّل،مثلا إذا قال:لی عبد کاتب،فقال:بعنیه،فقال:بعتکه،ینصرف إلی المتقیّد بالکتابة،و أمّا إذا قال:إنّی متعهّد لمن ابتاع منّی هذا الفرس بخیاطة ثوبه،فقال مشتر:بعنیه، فقال:بعتکه،فلا یصیر البیع متقیّدا بالشرط.

قلت:السرّ أنّ المتعارف فی الأوصاف التی تتفاوت القیمة بتفاوتها کونها بنحو القیدیّة فی المبیع لا صرف الداعویّة،و لیس هکذا الحال فی الشرط،فإنّه لیس المتعارف فی البیع أن یقع مع الشرط،فلهذا لا یوجب الذکر المتقدّم إلاّ صرف

ص:489

الداعویّة فی البیع المتأخّر بدون إیراث تقیید فیه،فتدبّر.

ثمّ بعد البناء علی عدم صحّة هذا الشرط هل یحکم ببطلان العقد مع الابتناء علیه أو بصحّته و لزومه،أو بصحّته مع الجواز؟قد یقرب الأوّل بأنّه کما أنّ عدم ذکر بعض الثمن فی الصیغة صریحا أو تمامه مثل أن یقول:تبیعنی ثوبک بدرهم؟فیقول:نعم،فیقول:بعنی،فقال:بعتکه،فیقول:اشتریته،موجب للبطلان علی ما ذکره الشهید-قدّس سرّه-فی غایة المراد،لعدم الاستغناء بالذکر السابق مع القصد و الإحضار فی الذهن بل لا بدّ من اللفظ الصریح،کذلک حال الشرط المنویّ مع الذکر السابق و عدم الإتیان به فی العقد صریحا.

و لکن یمکن أن یقال بعد أخذ تلک الکبری من الشهید-قدّس سرّه- تعبّدا،بالفرق بین الثمن و أبعاضه الحقیقیّة و بین الشرط بأنّ الثمن و أبعاضه جزء للعقد بمفهومه و أمّا الشرط فهو کالجزء بوجوده یعنی أنّه لو وجد خارجا یصیر جزءا أو کالجزء،بخلاف الثمن،فإنّ جزئیّته مطلقة،فإنّ المبادلة محتاجة إلی الطرفین،و أمّا الشرط فهو إن وجد یصیر تتمّة للمبادلة و تابعا لها و جزءا،و إن لم یوجد فلیس ما وجد مسلوبا عنه اسم حقیقة المبادلة البیعیّة،فإذا فرضنا أنّ الذکر اللفظی به قوام تحقّق أجزاء البیع و شروطه کالأخذ المعنوی فإن أخلّ بالثمن أو المثمن فهو کما إذا نوی المبادلة بشیء واحد فإنّه غیر واقع،لأنّ المبادلة غیر متحقّقة إلاّ بطرفین،فکذا إذا کان من جزء سبب تحقّقها الذکر الصریح و لم یتحقّق هو إلاّ بالنسبة إلی أحد العوضین فإنّ المبادلة الخارجیّة غیر متحقّقة لعدم العوض له.

إن قلت:فما تقول فی ما إذا خصّ بعض الثمن بالذکر مع تمام المثمن؟ قلت:إن کان المثمن قابلاً للتبعیض فهو منحلّ إلی بیوع فقد تحقّق سبب

ص:490

البیع بالنسبة إلی المقدار المذکور مع ما یقابله من المبیع و یبقی باطلا بالنسبة إلی غیره و ما یقابله،و أمّا إذا لم یکن شیء ذو أبعاض بل کان بسیطا فلا محالة لا بدّ من عدم وقوع البیع،لأنّ المقابلة بین هذا المبیع و هذا المقدار لم یکن مقصودا،و ما هو المقصود لیس بمذکور،فالإخلال وقع لا محالة بما هو الرکن و الجزء المطلق فی المبادلة علی کلّ حال،و لیس هکذا حال الشرط،لأنّه لم یقع بإزائه إنشاء شیء من العوضین،فأرکان المبادلة متحقّقة لفظا و معنا،نعم قد أخلّ بشیء لو تحقّق سبب وجوده معنا و لفظا یصیر جزءا و إلاّ فلیس مأخوذا بمفهومه فی حقیقة البیع، هذا.

و قد یقرب الأوّل أیضا بأنّه لا سبیل إلی الصحّة بأحد وجهیها من اللزوم و الجواز،أمّا الأوّل:فلأنّه حرج علی العاقد،لأنّه لم یعقد إلاّ علی الخاص،فلزوم غیره علیه حرج علیه،و أمّا الثانی:فلأنّ المفروض عدم نفوذ الشرط،و کان هو المحقّق لحقّ للمشروط له من توابعه اختیار الفسخ،فإذا فرض عدم تحقّق الشرط فلا موجب لثبوت الحقّ فلا موجب للخیار.

و فیه:أنّه بعد أنّ دلیل الصحّة مغایر لدلیل اللزوم و أنّ البیع المذکور مشمول لکلیهما فی حدّ ذاته فدلیل الحرج لا یصلح إلاّ لتخصیص خصوص دلیل اللزوم،لأنّه هو الذی ینشأ منه الحرج،فإذا ارتفع اللزوم و بقیت الصحّة فلا معنی له إلاّ الخیار،و من هنا یمکن أن یقال فی کلّ شرط فاسد بعدم إفساده للعقد،و إنّما یوجب الخیار للشارط،فتدبّر.

و قد یتوهّم هنا شرط تاسع و هو تنجیز الشرط،و فیه:أنّ الوجه فی البطلان مع التعلیق لا یخلو من أمور،إمّا أنّه السرایة إلی أصل البیع و أنّه لا بیع مع عدم المعلّق علیه للشرط لأنّه لا شرط و المفروض تعلیق البیع علیه،و المعلّق علی المعلّق

ص:491

علی الشیء معلّق علی ذلک الشیء،و فیه:أنّ التعلیق فی البیع علی الشرط لیس تعلیقا أصولیا بل فقهیّا بمعنی أنّه التزام فعلی فی ضمن الالتزام البیعی.

و إمّا أنّه تعلیق الثمن فلا ثمن مع عدم المعلّق علیه،و فیه:أنّ الثمن أیضا موجود علی کلا التقدیرین،غایة الأمر یختلف حدّه.

و إمّا رجوعه إلی البیع بثمنین علی تقدیرین،و فیه:أنّه مع عدم لزوم الغرر و الخطر العرفی کما هو المفروض-حیث إنّ الکلام مع صحّة البیع من الجهات الأخر-لا مانع منه،و الخبر الذی ورد فی النقد بکذا و إلی أجل بأزید بالبطلان یقتصر علی مورده.

و إمّا لنفس التعلیق فی الشرط و أنّه من العقود،فیوجب تعلیقه البطلان فیکون الشرط فاسدا دون العقد بناء علی عدم إفساد الشرط الفاسد،و فیه:أنّ وجه بطلان التعلیق فی سائر العقود إمّا الاستحالة العقلیّة و قد برهن فی محلّه عدمها، و إمّا الإجماع و القدر المتیقّن منه غیر الشرط،و إمّا ما أشرنا إلیه سابقا من انصراف عناوین العقود إلی الفعلیّات دون التعلیقی منها لعدم تعارف التعلیق فیها،مثلا البیع معلّقا علی ملکیّة المبیع أو التزویج معلّقا علی تولّد الصبیّة غیر متعارف سواء جعل القید قیدا للهیئة أم للمادة،و لیس هکذا الحال فی الشرط،فإنّ التعلیق متعارف کما فی بیع الخیار و اشتراط التزام کذا علی تقدیر کشف الفساد من غیر فرق أیضا بین جعل القید للمادّة أو الهیئة.

نعم یمکن فی باب الوکالة دعوی الفرق بین النحوین بمعنی أنّ جعل القید للهیئة بأن لا تکون الوکالة فعلا محقّقة،بل بعد حین ممّا یکون التعارف علی خلافه،بخلاف جعله قیدا للمادّة.

ثمّ إنّ الشرط الثامن بعض أفراده مبنیّ علی فساد الشرط الابتدائی و تکلّمنا

ص:492

علی مفروغیّة هذه الجهة و إن کان بعض أفراده و هو ما کان السابق علی العقد مقاولة صرفة غیر مبنیّ علیه،فالأولی صرف عنان الکلام فی هذه الجهة.

فنقول:ذکر بعض أهل اللغة أنّه التزام فی التزام لا یدلّ علی عدم کونه حقیقة فی الابتدائی،کما أنّ بعض الإطلاقات مثل«شرط اللّه قبل شرطکم»و«ما الشرط فی الحیوان» (1)لا یدلّ علی الوضع للأعمّ،إذ من المحتمل کون الأوّل من قبیل فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ (2)و«قلت اطبخوا لی جبّة و قمیصا».

و کون الثانی بمناسبة أنّ اللّه المالک للمتعاقدین إذا ضمّ إلی عقدهما شیئا، فهو کما إذا ضمّاه بأنفسهما،و کما إذا ضمّا بأنفسهما الخیار کان یستحق اسم الشرط کذلک إذا ضمّه المالک لهما و لعقدهما.

نعم فی بعض الأخبار أطلق علی النذر أو العهد،و الخبر مذکور فی باب المهور من الوسائل و هو خبر منصور بزرج (3)فراجع و علّل-علیه السلام-نفوذه بقول النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«المؤمنون عند شروطهم» (4)و أیضا شمول قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (5)بناء علی أنّه العهد واضح،و المسألة لیست بإجماعیة علی ما یظهر من السیّد الطباطبائی المحشّی لکلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّهما.فالقول بنفوذ الشرط الابتدائی قوی.

ثمّ لو کان الشرط علی ضرر الغیر،فلا إشکال فی اعتبار قبوله بمعنی إنشائه للقبول لا مجرّد إحراز رضاه القلبی،و أمّا إذا کان لنفعه فالقول باعتبار قبوله بهذا

ص:493


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب الخیار،ص 349،ح 5.
2- 2) البقرة194/.
3- 3) معرّب«بزرک»منه-دام ظلّه.
4- 4) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 5،من أبواب الخیار،ص 301،ح 7.
5- 5) المائدة1/.

المعنی لم یقم علیه دلیل بل مقتضی القاعدة الحاصلة من تتبع حال العرف فی أمثال هذه المعاملات من هبة الغیر و إبراءه عدم الاحتیاج إلی غیر عدم الردّ من ناحیة ذلک الغیر بعد الاطّلاع،فإذا أهدی إلی غیره هدیّة فلا یحتاج علاوة علی عدم الردّ إلی إنشاء قبول من المهدی إلیه،بل نقول لو کان أحد ولیّا علی صغیرین فباع مال أحدهما من الآخر فلا دلیل یدلّ علی الحاجة إلی أزید من إجراء صیغت بعت،نعم لو کان إجماع فهو و إلاّ فمقتضی القاعدة عدم الحاجة،هذا.

القول فی حکم الشرط الصحیح:
اشارة

و تفصیله أنّ الشرط قد یتعلّق بالفعل و قد یتعلّق بالوصف،و قد یتعلّق بالنتیجة،و الأوّل قد یتعلّق بفعل نفس الشارط و قد یتعلّق بفعل الغیر،و المتعلّق بفعل الغیر علی أنحاء،لأنّه قد یلزم الغیر بالتعهّد للفعل و یلزم الطرف بالتعهّد لذلک المتعهّد به،و قد یلزم علی الطرف ابتداء فعل الغیر کما یلزمه فعل نفسه و له اعتبار عرفا،و قد یلزم علی الغیر فعلا بدون ارتباط بالطرف،ففی القسمین الأوّلین یتحقّق للمشروط علیه الذی هو طرف العقد عهدة ذلک الفعل المشروط مع تحقّق العهدة فی أحدهما علی ذلک الغیر أیضا و بدونه فی الآخر و أثر العهدة فی حقّ الغیر هو الحکم التکلیفی فقط،و فی حقّ هذا الطرف اختیار المشروط له علی الفسخ عند تخلّف ذلک الغیر،و فی القسم الأخیر لا عهدة إلاّ بالنسبة إلی الغیر و لا أثر بالنسبة إلیه إلاّ صرف التکلیف،و لو تخلّف فلا حقّ للمشروط له علی فسخ المعاملة،لأنّ طرفها صاحبه الذی لا عهدة علیه،فلا استحقاق علیه حتّی یکون من أثره جواز فسخ العقد الواقع معه.

و أمّا الثانی:فلا إشکال فی اعتبار العهدة و الالتزام فیه عرفا و له أیضا أثر و هو جواز الفسخ عند العدم و إن لم یکن أثر تکلیفی کما هو واضح.

و أمّا الثالث:فقد جعله شیخنا المرتضی قسمین:الأوّل:أن یرجع إلی شرط

ص:494

التحصیل و هو یرجع إلی القسم الأوّل و لا إشکال فیه،و الثانی:أن یکون الالتزام متعلّقا بنفس النتیجة،قال شیخنا الأستاذ هذا أیضا علی قسمین:لأنّه إمّا بشرط النتیجة فی هذا الآن المتعقّب للعقد و إمّا بشرطها فی الزمان المتأخّر الذی یسع لإیجاد السبب،فالقسم الثانی أیضا لا شبهة فیه و إن کان من قبیل الزوجیة و الانعتاق ممّا له سبب خاص،و لا حاجة إلی إرجاع التعهّد بها إلی أسبابها کما فی الأمر المتعلّق بها حیث لا ضرورة إلی ذلک فیه.

و أمّا القسم الأوّل

فیجیء فیه ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-من أنّه إمّا یدلّ دلیل علی حصر السبب فیه فی غیر الشرط و إمّا یدلّ علی إطلاق السبب، و إمّا یکون مشکوک الحال،فالقسم الأوّل مثل الزوجیّة و الانعتاق أدرجه فی الشرط المخالف للکتاب و السنّة.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:إنّا و إن قلنا مخالفة الشرط یکون بمخالفة نفس الالتزام کما فی الالتزام بترک المباح،و لکن مع ذلک یمکن أن یقال بعدم انطباق هذا العنوان علی ما نحن فیه،لأنّ الشارط إنّما جعل مهملة الزوجیّة لا المقیّدة بکونها معلولة للجعل الشرطی،کما هو الحال فی کلّ معلول فإنّه بوصف المعلولیّة لعلّته غیر معلول و إن کان لا ینفکّ من هذا الوصف لکنّه متأخّر عن تأثیر الذات فی الذات،و هذا واضح.

و علی هذا فإنّما کان الالتزام علی خلاف الکتاب لو کان التزام من الشرع بعدم الزوجیّة و لیس کذلک،و الزوجیّة المقیّدة و إن کان التزام الشرع بعدمها لکن لم یلتزم بها الشارط بل لا یمکن إدراجه فی غیر المقدور،لأنّ الزوجیّة فی الآن المتأخّر عن الصیغة أمر مقدور للشارط،بمعنی أنّه لو تکلّم عوض قوله:بعت بشرط زوجیّة صبیّتک:«زوجت صبیّتک»کانت الزوجیّة حاصلة،فلیس التکلّم بالأوّل

ص:495

مخرجا للزوجیّة فی الآن المذکور عن حیطة القدرة،نعم بوصف کونه متکلّما ببعت خارج،و لکنّ المعیار هو القدرة بحسب الذات و إلاّ فلا مقدور إلاّ و هو ممتنع بشرط.

فالحق أن یقال:بأنّ المفروض حیث إنّه عدم سببیّة الشرط فی هذه النتیجة، فالثابت هو تخصیص قوله:«المؤمنون عند شروطهم»فإنّه یعطی السببیّة للشرط و المفروض العلم بعدم السببیّة.

و القسم الثانی:لا إشکال فیه و مثل له بالوکالة و الوصایة

فإنّ سببها هو مطلق القرار و الشرط قرار إلاّ أنّه یجیء الکلام فی جواز عزل الوکیل و عدمه و فی بطلانه بموت الموکّل و عدمه فإنّ الحکمین ثابتان عند انجعالهما بالجعل المستقلّ فهل هما ثابتان مع الجعل الضمنی الشرطی أو لا؟ قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه العالی-:الحقّ فی المسألة هو التفصیل بأن یقال:أمّا عدم جواز العزل تکلیفا فهو مقتضی لزوم الوفاء بالوکالة المشروطة و أمّا الانعزال بالعزل و البطلان بالموت فهما أمران غیر قابلین،لعدم تحقّقهما حتّی یشملهما دلیل الوفاء فإنّ الحقّ کما یأتی إن شاء اللّه تعالی أنّ دلیل الوفاء بالعقد و الشرط مفاده و إن کان هو التکلیف و لکن بتبع تحقّق الوضع،بمعنی أنّ الکلام بمنزلة أنّه لما یکون الملکیّة حاصلة خارجا فعامل معاملتها و هکذا،فهذا المفاد فی مثل الملکیّة و الزوجیّة بعد فسخ أحدهما یستفاد منه وجود الأمرین،و أمّا فی مثل الوکالة التی قد أخذ فی حاقّ معناها کون الوکیل منصوبا من الموکّل و لا نصب مع العزل حقیقة فلا یمکن هذا الاستکشاف،و لیس المفاد مجرّد التنزیل حتّی یقال بتحقّق الوکالة التنزیلیّة.

و الحاصل قد یقال:إنّ مفاد الدلیل أوّلا هو المعاملة الخارجیّة معاملة

ص:496

الوکالة و الحکم بحصولها من جهة القطع الخارجی بأنّه لا یجوز التصرّف من غیر المالک و الوکیل،أو یقال:ینتزع الوکالة من هذا التکلیف،و حینئذ لا یجوز رفع الید عن الإطلاق فی مورد لیس المحلّ قابلاً لتحقّق الوکالة کما فی ما بعد العزل و بعد موت الموکّل،غایة الأمر استکشافها فی المحلّ القابل.و الحقّ أنّ المفاد اللفظی هو المعاملة معاملة الوکالة لأجل تحقّقها،و هذا المفاد لا یمکن تمشّیه فی ما بعد العزل و الموت،و هذا واضح.

و أمّا القسم الثالث:و هو مشکوک الحال،
اشارة

فبناء علی جعل ما کان سببه منحصرا من قبیل الشرط المخالف فقد تقدّم الکلام فیه و أنّه یجوز الشرط لأصالة عدم المخالفة،و أمّا بناء علی ما تقدّم تقویته من أنّ الشرط غیر مخالف لا لأنّ المخالفة لا بدّ و أن تعتبر بالنسبة إلی الملتزم لا الالتزام،فإنّا قد قلنا إنّ شرط ترک الحلال الفعلی داخل فی الشرط المخالف مع کون المخالفة فی الالتزام،بل لأنّ الزوجیّة الملتزم بها مثلا لیست مخالفة لا نفسا و لا التزاما،لعدم صدور التزام من الشارع علی عدمها،فالمرجع هو أصالة العموم فی دلیل نفوذ الشرط،و لا یمکن أن یقال بتقیید الشرط بالشرط الذی تعلّق بأمر لا یکون سببه منحصرا فی غیر الشرط، فإنّه یصیر الکلام فی قوّة أن یقال:الشرط المؤثّر مؤثّر.

نعم لو قیل:الشرط الذی لیس فی الأدلّة ظهور فی انحصار السبب فی غیره هو الموضوع لا یلزم الإشکال،و لکنّ الخارج لا یحتمل إلاّ المنحصر ثبوتا لا إثباتا، فیبقی أن یکون الخارج هو الموارد الخاصّة،فیتمحّض الشک فی التخصیص و یکون المرجع حینئذ هو الأصل اللفظی کما هو واضح.

هذا کلّه بعد تسلیم شمول«المؤمنون.»لهذا القسم من الشروط مع عدم کونها عملا و إن کان لها أثر عملی،و أمّا تحقیق شموله لها بحیث یکون مفاده فی

ص:497

شروط الفعل إیجاب العمل و فی شروط النتیجة إیجاب الآثار العملیّة،فهو أن یقال:إنّ المتفاهم عرفا من دلیل الوفاء بالشرط أنّه إمضاء فعل الشارط و تقریر مضمون ما شرطه و جعله أوّلا ثمّ الحکم بعد ذلک بالوفاء علی طبق الشرط،و المراد بالشروط فی قوله-علیه السلام-:«عند شروطهم»هو الالتزام لا الملتزم،إذ لا معنی للکون عند النتیجة الملتزمة،و المعنی أنّ المؤمن یکون عند قراره و التزامه،و لا یتخلّف عمّا هو مقتضی القرار و هو مختلف فی المقامات تارة بکون العمل الخارجی فقوله:لک علیّ خیاطة مفاده تملیک الطرف هذا الفعل علی عهدة نفسه، کما أنّ قوله:لک علیّ ملکیّة هذا إیجاد نفس الملکیّة،فمقتضی القول الأوّل ترتیب آثار استحقاق ذلک الفعل بأن یوجده،و مقتضی الثانی إیجاد آثار ملکیّة الطرف من تسلیمه و نحوه،و القائل بالکلام المذکور یفهم أنّه یکون مفاد الشرط عنده متحقّقا،و من هذه الجهة یمکن الحکم بالکون عنده.

و بما ذکرنا یعرف شمول دلیل الشرط لکلّ من الفعل و النتیجة أعمّ ممّا کان هناک مشروط له أو لا کما فی العهد بناء علی ما تقدّم من شموله لمثل ذلک أیضا و أنّه بمفاد واحد ینطبق علی الکلّ.

ثمّ لا إشکال فی انعقاد شرط النتیجة کالملکیّة و لازمه وجوب ترتیب آثارها، و أمّا شروط الفعل فلا إشکال أیضا فی أنّه بالتخلّف یتحقّق الخیار و یصیر العقد جائزا علی تفصیل یأتی إن شاء اللّه تعالی.

لکن یقع الکلام فیمسائل:
الأولی:أنّه هل یصیر الفعل واجبا علی

المشروط علیه تکلیفا أو لا؟

فقد اختار الشهید-قدّس سرّه-عدم الوجوب،و إنّما فائدة الشرط أنّ العقد عند عدم الفعل یکون جائزا.

و الذی یمکن للاستناد فی القول بعدم الوجوب أحد أمور،الأوّل:أن یقال

ص:498

بعدم استفادة الوجوب من قوله:«المؤمنون عند شروطهم»،الثانی:انصراف الشروط إلی غیر الفعل،الثالث:کون الشرط فی الفعل راجعا إلی الشرط الأصولی، و وجه ثبوت الخیار-لا البطلان-فی صورة التخلّف أنّ المعلّق إنّما هو اللزوم لا أصل البیع،و الظاهر فساد کلّ من الوجوه.

أمّا الأوّلان:فلظهور قوله:«المؤمنون إلخ»فی الوجوب و شمول الفعل مؤیّدا بالاستثناء الواقع عقیبه من قوله:إلاّ من عصی اللّه،فإنّ قوله:المؤمنون عند شروطهم،إمّا یراد به الإنشاء مجازا و إمّا اخبار کنّی به عن الإنشاء و إمّا اخبار حقیقی یستکشف منه الحکم،فإن کان أحد الأوّلین فلا یناسب الاستثناء،إذ لا معنی لإثبات نقیض الحکم للمستثنی بمعنی تخصیص الوجوب بغیر العاصی، فإنّه بمنزلة قولک:افعل إن کنت فاعلا.

و إن کان الأخیر فالظاهر من السیاق بیان خواص المسلم أو المؤمن و أنّ من لا یتّصف بهذا لیس بمسلم أو مؤمن و لو کاملا،و لا یحسن فی هذا المقام الاستثناء بالعصیان،فإنّه یخرج حینئذ عن کونه خاصّة،فإنّ کلّ أحد یوفی إن لم یعص اللّه.

و الحاصل إذا قیل:المسلم من کان کذا لا یصحّ أن یقال إلاّ مسلم لم یکن کذا،بل المفاد أنّ من لیس کذا لیس بمسلم لا مسلم غیر متّصف،فالصحیح حینئذ أن یقال:إنّ قوله:إلاّ من عصی اللّه یکون استثناء عن المشروط علیه،و المراد أنّه یجب الوفاء،أو أنّ المؤمن یفی بشرطه إلاّ إذا کان فی مقام الوفاء عاصیا للّه،فإنّه حینئذ ینکفّ عن الوفاء و یتحرّز،و لا یسدّه شیء عن ذلک إلاّ معصیة الخالق، و المعنی علی هذا فی غایة الحسن مع کمال الملائمة مع کلّ من الوجوه الثلاثة، و هذا مؤیّد لدخول الفعل فی الصدر و لکون المراد هو الوجوب لا الندب.

أمّا الأوّل:فلأنّ المعصیة لیست إلاّ فعلا و الوفاء الذی یکون معصیة غالبا

ص:499

یکون فی شرط الفعل و إن کان یتحقّق فی النتیجة أیضا مثل شرط الزوجیّة.

و أمّا الثانی:فلأنّ الذی لا یصلح للصرف عنه إلاّ معصیة اللّه یناسب کونه واجبا لا مندوبا،و بالجملة التأیید بهذا الاستثناء بناء علی کونه من المشروط علیه لا الشارط صحیح علی ما ذکرنا و إن لم یصحّ الاستدلال.

و أمّا الوجه الثالث من إرجاع الشرط إلی الشرط الأصولی فإنتاجه لعدم الوجوب و إن کان واضحا-و إن قلنا بدلالة«المؤمنون»علی الوجوب لأنّه بالنسبة إلی الشرط بمعنی الالتزام لا الشرط بمعنی التعلیق و التقیید-لکن یشکل بأنّه کیف یمکن تعلیق اللزوم دون أصل الملک بعد أنّ اللزوم من آثاره و أحکامه شرعا و عرفا،و القید لا بدّ و أن یتعلّق بما هو المنشأ و هو أصل الملکیّة أو هی مع دوامها؟و علی کلّ حال لا یفید التعلیق إلاّ عدم أصل الملکیّة أو دوامها بعد انعدام القید،و أین هذا من ثبوت أصل الملک و تبدل وصف اللزوم بالجواز؟ اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ اللزوم و الجواز لیسا من أحکام الملک بل من أقسامه، فیکونان داخلین فی المنشأ،غایة الأمر قد یتحقّقان بإنشاء المنشئ و قد یتحققان بجعل الشارع و إن لم یتعلّق بهما الإنشاء،فإنّه یصیر حاصل معنی بعت«ملّکت ملکا لازما»ثمّ یکون الملحوظ عند التعلیق خصوصیّة اللزوم لا أصل الملک، فکأنّه قال:جعلته ملکا و لازما علی تقدیر کذا،لکن فی کونهما قسمین للملک کلام،فإنّ الملک لیس له عند العرف نحوان و إن کان له حکمان مع وحدته موضوعا فی مقامین لأجل خصوصیّة المقامین،و إذن فلا معنی للتعلیق إلاّ الرجوع إلی أصل الملک،فلا یبقی لتوجیه کلام الشهید-قدّس سرّه-وجه.

الثانیة:فی شرط الفعل بعد القول بالوجوب التکلیفی،هل یجوز الإجبار لو

امتنع أو لا؟

التحقیق أن یقال:المسألة مبتنیة علی أنّه هل یستفاد فی شرط الفعل وضع أعنی:حقّا أو ملکا للمشروط له علی عهدة المشروط علیه بالنسبة إلی الفعل

ص:500

المشروط،أو لیس إلاّ صرف التکلیف؟فإن کان الثانی فلا وجه للإجبار و إنّما یجب الأمر بالمعروف و لو کان بالضرب و نحوه.

و إن کان الأوّل فلا وجه لعدم القول به،إذ هو حینئذ کنفس الثمن و المثمن و سائر الحقوق المالیّة التی تکون لأحد علی ذمّة آخر حیث یطالبه الغریم، فإن امتنع یجبره الحاکم،و الفرق بین الإجبار هنا و فی مسألة الأمر بالمعروف أنّه لا یجوز هناک الأخذ من ماله لو امتنع بعد الإجبار أیضا،و أمّا هنا فللحاکم أن یأخذ من ماله شیئا و یعطیه خیّاطا آخر حتّی یخیط الثوب بأجرة من مال المشروط علیه، و قد عرفت سابقا تقویة الوجه الأوّل.

و الحاصل:المدرک فی المقام مع سائر المقامات متّحد،فإمّا أن نقول بعدم الإجبار فی الکلّ،و إمّا نقول به فی الکلّ و التفکیک لا وجه له،نعم إن أخذ فی متعلّق الحق حصول الفعل بطیب نفس الفاعل کان حینئذ عدم الإجبار لأجل عدم الموضوع،و أمّا بعد إطلاقه بحیث یکون ما جاء بالإجبار عین متعلّق الحقّ فلا وجه للعدم،و کذا لو جعل أحد الأمرین إمّا الخیاطة و إمّا الفسخ فکذلک،و أمّا بعد جعل الحقّ متعلّقا بالخیاطة و استظهار انعقاده من الشارع أیضا بدلیل أَوْفُوا و«المؤمنون.»فلا وجه للتفکیک،هذا حاصل الکلام فی الإجبار.

و أمّا الکلام فی الخیار فیشکل فی أصله بأنّه ما الفرق بین استحقاق العمل و عدم الأداء و بین استحقاق الثمن و عدم الأداء فکیف لا یقولون فیه بالخیار؟ و مجرّد أنّ الاستحقاق لیس مفادا للشرط یعنی لم یشترط النتیجة و استحقاق العمل، لا یجدی فإنّ هذا موجود فی الثمن،فإنّ البیع مبادلة بین العینین لا بین الملکین، و الملک لازم المبادلة بین المالین.

و الاستدلال فی إثباته بدلیل«لا ضرر»کما یستفاد من شیخنا المرتضی -قدّس سرّه-الظاهر عدم تمامیّته،لأنّ الضرر المنفی مختصّ بالمالی،و لا ضرر مالی

ص:501

هنا،إذ ربّما یساوی قیمة المبیع بدون الشرط للثمن،و الضرر الغرضی غیر معتبر کما هو واضح،و بالجملة إثبات خیار تخلّف الشرط کلّیة بدلیل لا ضرر فی غایة الإشکال.

و ربّما یقال:إنّ الشرط تعلیق لکن لا فی أصل البیع بل فی لزومه،و هذا و إن کان لإثبات الخیار وافیا و فی الحقیقة یرجع إلی شرط الخیار،لکن بعد الإغماض عمّا ذکرنا سابقا-من عدم إنشاء اللزوم فی البیع-یرد علیه:أنّه حینئذ لا وجه للقول بثبوت الحقّ للمشروط له علی المشروط علیه،فإنّ المعلّق لا یقتضی وجود المعلّق علیه،و هذا واضح.

و ربّما یقال:إنّ الشرط و إن کان بمعنی الالتزام إلاّ أنّه لیس التزاما مستقلا بحیث لا یرتبط بالبیع،بل البیع مقیّد به لا بمعنی کونه مقیّدا بنفس الالتزام بحیث متی حصل کفی فی حصول المقیّد و إن لم یأت بما التزم به،بل بمعنی التقیید بالملتزم،و التقیید المذکور أیضا لیس راجعا إلی أصل البیع بل إلی لزومه، فیکون حاصل قوله:بعتک کذا بکذا بشرط کذا:بعتک و ألزمتک بکذا و إن لم تفعل فلا التزم بالبیع،و لازمه ثبوت الخیار.

فتبیّن أنّه قد یکون الشرط تعلیقا صرفا إمّا راجعا إلی أصل البیع أو إلی الالتزام به،و قد یکون التزاما صرفا فی ضمن التزام بحیث یکون الالتزام الثانی مقیّدا بنفس الالتزام الأوّل،و قد یکون التزاما فی التزام یکون الثانی مقیّدا بالأوّل بحیث یکون الملتزم أیضا قیدا.فنقول:إنّ الظاهر هو القسم الثالث و لازمه ما ذکرنا،انتهی.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-بأنّ قوله:بعتک ملتزما بالخیاطة إمّا یوجب قوله ملتزما حصول المضمون کما یوجب قوله:(بعتک)

ص:502

حصول المضمون و هو المبادلة،و علی هذا لا دلالة فیه علی أنّه لو لم یف خارجا و لم یأت بالملتزم الذی صار موردا للحقّ فحکمه ماذا من ثبوت الخیار و ارتفاع اللزوم؟کما أنّ البیع بعد إیجابه تحقّق مضمونه من ملکیّة الثمن للبائع لا دلالة فیه علی أنّه لو لم یف و لم یسلم الثمن کان اللزوم مرتفعا بالنسبة إلی مبادلة المبیع بالثمن.

و إمّا لا یوجب حصول المضمون بل النظر یکون إلی ربط الالتزام بالمبادلة بحصول الشرط و الملتزم فی الخارج،و علی هذا لا یفید إلاّ التعلیق و لا یستفاد منه ثبوت الحقّ کما ورد علی وجه التعلیق،فیکون هذا کرّا علی ما فرّ،و بالجملة الجمع بین انعقاد المضمون من ثبوت الحقّ و حصول التعلیق الظاهر أنّه فی إنشاء واحد غیر ممکن،نعم یمکن بانشائین بأن یقول:جعلتک متعهّدا للخیاطة لی و جعلت لزوم البیع مربوطا بحصول الخیاطة التی استحققتها علیک،و أمّا استفادة کلا المطلبین من قوله:«بعتک مشترطا علیک الخیاطة»فالظاهر عدم إمکانها.

ثمّ قال-دام ظلّه-:الحقّ أن یقال:إنّ الدلیل الأمتن فی المقام هو العرف، فإنّ بناء المعاملین علی کون الشرط سببا لاستحکام المطلب،مثلا:لزوم الوفاء و إن کان حکما فوریا غیر جائز التأخیر و لکن مع ذلک یرون أنّ فی اشتراط عدم التأخیر و التسلیم الفوری أثرا جدیدا و استحکاما آخر غیر أصل اللزوم الحکمی،و هو أنّه لو لم یف و أخّر التسلیم یکون المبیع عائدا إلی البائع،و لا فرق فی هذا بین الوصف المتخلّف و العمل المتخلّف.و بالجملة یرون أنّ البائع لو أغمض فی صورة التخلّف و رضی بالثمن فهو غیر آکل بالباطل،و لو صار بصدد استرداد المبیع معتذرا بتخلّف شرطه کان مستحقّا.

فتحقّق من مجموع ما ذکرنا إلی هنا ثبوت الوجوب التکلیفی و الإجبار،

ص:503

و ثبوت الخیار عند التخلّف فی الشرط الذی من الأعمال.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-استظهر ممّن قال بعدم وجوب الإجبار و استدلّ علی صحّة الشرط بعموم المؤمنون-کالشیخ فی المبسوط مع کونه قائلاً بأنّ الشرط الفاسد غیر مفسد-القول بالوجوب تکلیفا و عدم جواز الإجبار بوجهین،الأوّل:ظهور نفس النبوی فی الوجوب ذاتا و بالقرینة المتّصلة و المنفصلة، و الثانی:أنّ دلالة النبوی علی صحّة الشرط بناء علی مذاق القائل بعدم إفساد الشرط الفاسد مبنیّة علی إرادة الوجوب،إذ لا تنافی بین استحباب الشرط و فساده، فلا یدلّ الاستحباب علی الصحّة،هذا ما ذکره.

و لا یخفی وضوح الوجه الأوّل،و أمّا الوجه الثانی فتوضیحه:أنّا لو قلنا بإفساد الشرط فنفس الاستحباب کاف فی الحکم بصحّته،إذ یستفاد من استحباب الوفاء به أنّ العقد غیر فاسد،و یستفاد من صحّة العقد صحّة الشرط لعدم اجتماع فساد الشرط مع صحّة العقد،أمّا الثانی فهو المفروض،و أمّا استفادة صحّة العقد من استحباب الوفاء بالشرط فهو أنّ وجه بطلان العقد أنّه مقیّد و إذا لم یسلم القید لم یسلم المقیّد،و المفروض أنّ القید حصل غایة الأمر علی وجه الاستحباب،فإن عمل بهذا المستحب لزم البیع و إلاّ جاء الخیار.

و أمّا لو قلنا بعدم إفساد الشرط الفاسد فلا یدلّ الاستحباب علی صحّته بل یجامع مع بعض أنحاء فاسدة،فإنّ الفاسد قد یکون لأجل مخالفة الملتزم کما فی شرب الخمر،و قد یکون لأجل مخالفة الالتزام للکتاب و السنّة،ففی هذا القسم الثانی یمکن أن یقال بعدم وقوع الشرط صحیحا،و لکن کان الوفاء به مستحبّا، فلا یجدی ترک العمل به فی الخیار کما یمکن أن یکون صحیحا أیضا،و بالجملة الدالّ علی الصحّة علی هذا لیس إلاّ وجوب الوفاء،و أمّا الاستحباب فلازم أعمّ

ص:504

للصحّة.

المسألة الثالثة:بعد ما عرفت من ثبوت الإجبار و الخیار عند التخلّف فهل

الخیار ثابت مع التمکّن من الإجبار أیضا أو لا

ثبوت له إلاّ بعد تعذّره؟الظاهر الثانی،لأنّ الدلیل علیه کما عرفت هو العرف،و العرف لا یستقلّ بالحکم بثبوت الخیار مع إمکان الوصول إلی نفس الشرط و لو بالإجبار،فإنّ الذی حصل بالإجبار حسب الفرض عین الذی صار موردا للشرط لا غیره،و لهذا قلنا بوجوب الإجبار علی الحاکم،و العرف إنّما یحکم بالخیار بعد انقطاع الید عن الشرط رأسا.

المسألة الرابعة:بعد ما عرفت من ثبوت الخیار فی تخلّف الشرط،هل الأرش

أیضا ثابت أو لا؟

اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-العدم،معلّلا بأنّ الشرط لا یقابل بالمال،بل المقابلة بین المالین،و التقیید لا یعدّ مالا و إن کانت مالیّة المال تزید و تنقص بوجوده و عدمه.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ بأنّ مبناه-قدّس سرّه-حیث إنّه التمسّک ب«لا ضرر»،فحال هذا الخیار حال خیار الغبن،فکما قال هناک بأنّ المقدار الذی رفعه الضرر من اللزوم المستفاد بقاعدة أَوْفُوا إنّما هو ما لم یبذل التفاوت فهنا أیضا لا بدّ من هذا الکلام،بمعنی أنّه لو فرضنا أنّه عصی و لم یأت بالخیاطة المشترطة و لکن بذل الأجرة لآخر یخیطه فالضرر منجبر،فلا وجه لثبوت الخیار فی هذه الصورة،فالفرق بین المقامین لا وجه له.

و أمّا القول بأنّ الشرط لیس بمال و لا یقابل بالعوض فلا دخل له بثبوت التدارک الذی قلنا،فإنّه و إن لم یکن بمال،لکن فوته لا إشکال فی أنّه أحدث الضرر،فالمقصود أنّ بذل أجرة الخیاطة جابر و تدارک للضرر،فکما تصوّرنا الضرر نتصوّر التدارک،و کما لم یتقوّم حصول الضرر بالتموّل لا یتقوّم حصول التدارک

ص:505

أیضا بالتقوّم و التموّل و هذا واضح،فالأولی أن یقال هنا أیضا بأنّ مرجعنا العرف، فإنّه لا عین و لا أثر من الأرش عندهم بل یجوّزون للمشروط له فسخ المعاملة و إن بذل المشروط علیه الأرش.

و بالجملة فکما أخذنا أصل الخیار من العرف نأخذ کیفیته أیضا منهم و هو عدم سقوطه ببذل التفاوت و کذلک عدم استحقاقه لمطالبة الأرش،و یتّضح هذا بملاحظة استهجان بذله لو طالب المشروط له ما شرطه سواء فی الوصف المفقود أم فی العمل المتروک.

نعم هنا کلام بالنسبة إلی العمل الذی له القیمة مثل الخیاطة لا بالنسبة إلی ما لا قیمة له مثل بیع داره بقیمة المثل،و هو أن یقال:کما أنّ مالک الکلّی علی عهدة آخر لو تعذّر ذلک الکلّی ینتقل إلی البدل،فکذا فی هذا القسم من العمل أیضا یجوز أن یطالبه بالبدل و هو قیمة الخیاطة،فلا بدّ من ملاحظة باب الإجارة و أنّه لو تعذّر استیفاء المنفعة بمانع آخر غیر خراب البنیان،فمقتضی ما ذکرنا هو الرجوع إلی البدل،مع أنّ ظاهرهم هناک الانفساخ لو کان قبل التسلیم،و لازمه فی ما ذکرنا هو الفسخ،و لکن لازم ما عرفت فی ملک الحنطة الکلّیة و غیرها من الرجوع عند تعذّرها إلی البدل هو الرجوع فی مقامنا أیضا إلیه،و لا وجه معه للفسخ،إذ هو بعد انقطاع الید عن العمل أصلا و بدلا،و الخصوصیّة و إن انتفت لکن حالها حال الخصوصیّة فی الکلّی المنتفیة،فلا بدّ من ملاحظة أنّه هل بین المقامین فرق بحسب القاعدة أو لا؟و علی الأوّل مقامنا من أیّ القسمین،و لا یخفی أنّ هذا الکلام علی تقدیر صحّته لا ربط له بالأرش و یجری علی کلا المبنیین اللذین أسلفنا من التشبث فی إثبات الخیار بذیل حکم العرف کما هو المختار أو بذیل قاعدة نفی الضّرر کما هو مختار شیخنا العلاّمة.

و الحاصل:أنّ المسألة ذات أوجه ثلاثة:الأوّل:تعیّن الفسخ،و الثانی:

ص:506

تعیّن الرجوع إلی البدل،و الثالث:التخییر بین الأمرین،و یظهر من کلمات شیخنا المرتضی تثنیتها و هما الأوّل و الثالث،و من بعض المحقّقین المحشّین لکلماته تثلیثها کما ذکرنا.

و ربّما یؤیّد القول بتعیّن الفسخ و عدم جواز مطالبة البدل بأحد وجهین:

الأوّل:أنّ اللام فی قول المشترط لا تفید الملکیّة،بل هی متعلّقة بالشرط و التعهّد،فقوله:شرطت لک،معناه تعهّدی یکون لأجلک،لا أنّ اللام متعلّق بمتعلّقه.و بعبارة أخری لیس المتعهّد به هو الکون له،بل تعهّد له بأمر کذا.

و یشهد لهذا ملاحظة وحدة سیاق الشرط بالنسبة إلی موارد قبول المورد للمالیّة و المقابلة بالمال،و موارد عدم قبوله،مثلا قولک:شرطت لک خیاطة ثوب و شرطت لک بیع داری أو عتق عبدی،کلّ ذلک یکون اللام فیها علی نسق واحد، فکما لم یرد بها بالنسبة إلی ما لا یقبل الملک الاختصاص الملکی فکذا بالنسبة إلی المورد القابل له،فالمورد القابل و إن کان یصلح هو للمملوکیّة لکنّ الشرط لم یفد فیه زائدا علی الحقّ شیئا،فیکون نظیر حق السبق و حقّ التحجیر المتعلّقین بالأعیان،فإنّهما مع قبول موردهما للملکیّة لم یفیدا أزید من الحقّ،فلو غصب غاصب فهو و إن کان غصبا و حراما لکن لم یثبت علیه ضمان،لأنّه لم یتلف مالا و إنّما فوّت حقّا،فکذا فی مقامنا لا ملک للمشروط له فی عهدة المشروط علیه حتّی ینتقل إلی البدل،بل الثابت مجرّد الحقّ و قد تعذّر،فلا یثبت له إلاّ الخیار.

و الثانی:أن نقول:فرق بین الأعیان و منافع الحرّ و الدار فی عنوان المالیّة، فالأعیان یعرضها عنوان المالیّة لذاتها مع قطع النظر عن الوجود،فحال مالیّتها حال عناوینها الذاتیّة و زوجیّة الأربعة،فکما أنّ الحنطیّة ثابتة لذاتها فی أیّ عالم وجد و کذا الزوجیّة،فکذا المالیّة فی الحنطة،و هذا بخلاف المنافع فی الحرّ و فی الدار

ص:507

مثلا،فهی إنّما تتّصف بالمالیّة باعتبار الوجود،و إلاّ فمفهوم منافع الحرّ و الدار لیس بمال و إلاّ یلزم أن یکون الحرّ و صاحب الدار مالکا لآلاف کرور.

فالفرق إذن بین تعهّد الحرّ للخیاطة و تعهّده لأمنان حنطة أنّ التعهّد فی الأوّل باعتبار کونه محصّلا للوجود الخارجی یعطی وصف المالیّة للخیاطة،و أمّا فی الأمنان فهی أموال فی ذاتها،و لکن لا یبذل أحد بإزائها مالا ما لم یتعهّد بها ذو ثروة،و کذلک بذل المال بإزاء منافع الدار إنّما هو باعتبار أصل السلامة الموجود عند العقلاء الحاکی عن وجود المنفعة فی المستقبل،فإذا فرض تعذّر العمل علی المتعهّد کیبس ید الخیاط مثلا و خراب الدار و صیرورتها عرصة،تبیّن أنّ المعاوضة لم تکن بمعاوضة حقیقیة لعدم مال بإزاء الأجرة التی أعطاها،فلم تنتقل الأجرة إلی المؤجر،و لازم هذا هو القول بالبطلان فی الإجارة و ثبوت حقّ الفسخ فی شرط العمل.

لکن یرد علی هذا الوجه أنّ الشارط لا یلتزم الخیاطة المتعهّدة بل ذات الخیاطة،اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ الإجارة و الشرط یتعلّقان بذات الخیاطة فی خیال الوجود و بعد الفراغ منه،و علی هذا فلو تبیّن عدمه فإن کان لعدم استیفاء الشارط و المستأجر مع حضور المؤجر و عدم مانع منه،فلا خیار و لا بطلان،و إن کان من تقصیر من المشروط علیه أو المؤجر أو لمانع آخر من تلف أو غصب فتبیّن أنّما تخیّلاه خلاف الواقع و أنّه لم یکن مال حتّی یبذل المال بإزائه فقد وقع مقدار من الأجرة أو تمامها بلا ما بإزاء،فیسترجعه فی الإجارة و لا یستحقّ علی المشروط علیه عوضا إذ لم یستقر فی ذمّته مال حتّی ینتقل إلی البدل.

و بالجملة:ذات الحنطة مال و یقع فی بیع الکلّی هذه الذات طرفا للمبادلة فلو أعوز الحنطة لا یلزم فقدان أحد العوضین،بل یقال له:مقدار کذا من المال فی

ص:508

ذمّة فلان،و لو کانت المالیّة غیر ثابتة لمفهوم الحنطة بل لوجودها لزم انفساخ المعاملة،و انکشاف عدم وقوعها،و وصف التعهّد أیضا غیر مثمر لأنّه آت من ناحیة البیع،و المالیّة لا بدّ من حفظها قبل البیع فلا یتمّ المعاملة إلاّ بکون نفس المفهوم مالا،و لهذا یطالبون عوضه عند الإعواز،و هذا بخلاف منافع الدار و منافع الحرّ فإنّه یستکشف بالتعذّر أو عدم الوجود لتقصیر المؤجر أنّ ما أعطاه کان إعطاء بلا ما بإزاء.

هذا غایة ما یقال فی توجیه الوجه الثانی،و لکن فیه أنّ منفعة الدار الشخصیّة حالها کحال نفس الدار الشخصیّة،فکما لا ینتقل بعد فواتها إلی بدلها فکذا فی المنفعة،غایة الأمر إنّ الدار الشخصیّة لما صارت بالعقد ملکا للمنتقل إلیه فقد ورد التلف علیه،و أمّا المنفعة فلمّا یکون أصل وجودها متصرّما،فإذا انتفت ینکشف أنّ العقد لم یتحقّق له موضوع،فلم یملک المؤجر العوض و لم یخرج عن ملک المستأجر کذلک،و أمّا المنفعة الکلیّة مثل أن یتعهّد أو یؤجر نفسه للخیاطة الکلّیة الأعم من أن یباشرها ببدنه أو بنائبه،فلا نسلّم أنّه إذا فقد نفسه للخیاطة الکلّیة الأعم من أن یباشرها ببدنه أو بنائبه،فلا نسلّم أنّه إذا فقد جمیع الوسائل لتحصیلها خارجا یحکمون بأنّه لا مال فی عهدة المؤجر و المشروط علیه و یفرقون بینه و بین العین الکلّیة،فإنّ الفرق فی غایة الصعوبة.

نعم الإنصاف أنّ الوجه الأوّل ممّا لا محیص عنه،بمعنی أنّا إذا رأینا أنّ القائل:لک شرطی أن أبیعک داری بثمن المثل،لا یرتکب عنایة و تجریدا فی قوله:

لک شرطی،بل هو باق علی عین عنایته فی قوله:لک شرطی أن أخیط ثوبک،و لا أنّه یرتکب فی القول الثانی مزید عنایة،بل هو بعنایة واحدة یتکلّم بکلمة«لک شرطی»فی المقامین،و من المعلوم أنّ هذه العنایة لم تستلزم التملیک لمناسبته مع ما لا یقبله کالوصف و شرط البیع بثمن المثل.

ص:509

و حینئذ فمجرّد کون المحلّ فی المقام الثانی قابلاً للتملیک و التملّک لا یثمر شیئا،فإنّ المقتضی ناقص و لم یلحظ فیه عنایة التملیک،فلا ینتزع فی کلا المقامین أزید من الحقّ بالنسبة إلی الملتزم،فإنّ اللام و إن کان متعلّقا بالالتزام لکن یسری معناه إلی الملتزم،و لیس عرفا للالتزام موضوعیة،فالحقّ مفهوم و الزائد منه غیر مفهوم،و من المعلوم أنّ استحقاق الأجرة و العوض فرع ثبوت مال فی عهدة المشروط علیه و ذمّته،و الثابت لیس بأزید من الاستحقاق،فلیس اللازم عند التعذّر إلاّ خیار الفسخ،هذا حال العوض فی ما إذا کان متموّلا و کان التعذّر طارئا علی الاشتراط بمعنی أنّ الموضوع کان موجودا و القدرة کانت ثابتة حاله،ثمّ طرأ أمّا انتفاء الموضوع و إمّا سلب القدرة.

و أمّا ثبوت الأرش فی جمیع الصور من المتموّل و غیره و الصفة و العمل، و التعذّر المقارن للاشتراط و السابق و اللاحق فقد یستفاد من سیّدنا المحشّی الیزدی -طاب ثراه-کونه مقتضی القاعدة،و ما ذکره فی تقریبه و جهان.

الأوّل:أنّ الوصف و الشرط و إن لم یکونا مقابلین بالعوض فی مقام الإنشاء إلاّ أنّهما مقابلان به فی عالم اللّب،و مقتضی هذه المقابلة جواز الفسخ و جواز الأرش،لا بمعنی بطلان المعاملة فی المقدار الذی زید لأجله کما فی تخلّف الجزء، لأنّه فرع المقابلة فی عالم الإنشاء و المفروض عدمه،بل بمعنی جواز استرداد ما یساوی ذلک المقدار کما فی خیار العیب.

و فیه:أنّ ما ذکره بعینه جار فی صورة الداعی،أعنی:إذا کان وجود الوصف داعیا إلی شراء العین بأزید من مقدار ثمنه،فإنّ اللب فی کلا المقامین متّحد،فإن کان مقتضی هذه المعاوضة اللبّیة ما ذکره فلیجر فی کلیهما،و إن لم یکن له أثر أصلا فلیکن کذلک فی کلیهما،فالفرق تحکّم.

ص:510

فلا بدّ لنا من ملاحظة أنّ التقیید الذی هو خصوصیّة زائدة فی المقام دون مقام الداعی أفاد أیّ شیء؟و إلاّ فاللبّ لا یثمر شیئا،و مقتضی التقیید أیضا قد عرفت أنّه عند العرف استحقاق الفسخ،و لو أغمض عن الوصف المفقود و رضی بالعین یعدّونه أیضا أکلا بالتجارة لا بالباطل،و أما الأرش فلیس له أثر عندهم، نعم لو رضی ببذل مقدار و أغمض عن الفسخ کان جائزا،لکنّ الکلام فی الاستحقاق.

الوجه الثانی:أنّ تمام العوض بإزاء العین،إلاّ أنّ إعطاء بعض ذلک فی مقابل العین إنّما هو فی مقابل الشرط،و إذا بان عدمه فله أن یرجع فی ذلک الإعطاء الزائد،لعدم وصول عوض الإعطاء إلیه.

و فیه بعد تصوّر معاوضتین فی إنشاء واحد إحداهما بین نفس العینین و الأخری بین تلک المعاوضة و بین الشرط-و أیضا کان النظر فی المعاوضة الثانیة ممحّضا إلی خصوص الحدّ أعنی:کان الشرط عوضا لمبادلة ذلک الحدّ من الثمن بإزاء المثمن لا بإزاء أصل المبادلة-أنّ اللازم حینئذ عند فقدان الشرط انفساخ المبادلة بالنسبة إلی الحدّ أعنی:رجوع الزیادة و ما بحذائها من المبیع إلی مالکهما الأصلی لا الرجوع إلی الأرش.

و العجب منه-طاب ثراه-حیث تفطّن لهذا الإشکال و أجاب بأنّه لما کان التمام بإزاء العین فی الإنشاء فله أن یمضی المعاملة علی حسب الإنشاء و له أن یفسخها و له أن یستردّ المقدار الزائد،و أنت خبیر بعدم اندفاع الإشکال بذلک، لأنّ کونه بإزاء العین فی المعاوضة الأولی لا یضرّ بکون المعاوضة بالنسبة إلی الزائد بإزاء الشرط،و لا یعقل حصول أحد الأمرین اللذین اعتبر المعاوضة بینهما مع عدم حصول الآخر،فلا محیص عن بطلان المعاوضة بالمقدار الزائد لا ببقاء ما بإزائها.

ص:511

المسألة الخامسة:لو تعذّر الشرط و کانت العین فی حال تعذّره خارجة عن

سلطنة المشروط علیه

بتلف أو نقل لازم أو استیلاد،فللمسألة صورتان،الأولی:

أن لا یکون التصرّف الناقل منافیا للوفاء بالشرط مثل البیع و کان الشرط خیاطة الثوب،و الثانیة:أن یکون منافیا للوفاء به مثل أن یکون الشرط إعتاق العبد فیبیعه.

و الکلام فی الصورة الأولی تارة فی صحّة تلک المعاملة الواقعة علی العین مع کونها عرضة للخیار،و أخری فی أنّه علی فرض صحّتها هل الخیار ثابت بإرجاع نفس العین بفسخ تلک المعاملة من أصلها أو من حین الفسخ أو بإرجاع البدل؟ أمّا الکلام فی الجهة الأولی:فالظاهر ابتناؤه علی أنّ حقّ الخیار هل هو موجود فی العین قبل حصول التخلّف،بمعنی أنّ العرف یقولون فی هذا العین حقّ لذی الخیار أن یرجعه لو تخلّف الشرط،أو أنّ التعلیق یکون بنظرهم للحقّ.

و الحق أن یقال بکون التعلیق إنّما هو فی مقام الإثبات،و إلاّ ففی مقام الثبوت و نفس الأمر فالحقّ ثابت من أوّل الأمر،و الدلیل علی ذلک أنّه لو کان التخلّف عبارة عن حصوله خارجا فاللازم فی ما إذا کان الشرط مطلقا بلا تقیید بالزمان الصبر إلی آخر عمر المشروط علیه و إن علم من حاله أنه لا یقدم علی الشرط،و المعلوم من العرف خلافه و أنّه متی یئسوا عن فعله جاز لهم الفسخ، و إذن یستکشف بواسطة التخلّف فی ما بعد أنّ التصرّف کان واقعا حال وجود حقّ الخیار.

و حینئذ نقول:هل هذا الحقّ له تعلّق بالعین أو لیس له علاقة إلاّ بالعقد؟ الظاهر الأوّل،فإنّ العرف یرون أنفسهم فی البیع الخیاری غیر قاطعی النظر عن ما لهم بل یرونه بعین المالیّة فی الجملة،و هذا دلیل علی أنّ الحقّ عبارة عن علقة ضعیفة نصبت لهم فی العین،و أنّ البیع لم یقطع علاقتهم عنها بالمرّة،هذا و لکن

ص:512

ثبوت هذا الحقّ لا ینافی صحّة العقود الواقعة من غیر ذی الخیار،إذ لیس للمالک حقّ بالبیع و نحوه حتّی یقال لا یمکن اجتماع الحقّین،فإنّ الثابت إنّما هو جواز البیع بمعنی الحکم و نفوذه و لا منافاة بینهما أصلا.

ثمّ لو فسخ المشروط له فلا وجه لفسخه ذلک البیع الذی أوقعه المشروط علیه بل یرجع علیه بالبدل علی ما تقدّم من قضیّة قاعدة الید،هذا علی تقدیر القول بثبوت الحقّ من أوّل الأمر،و أمّا علی القول بثبوته بالتخلّف الخارجی فیشکل أصل جواز الفسخ بأنّه عکس البیع،و البیع إذا انکشف کون مبیعة أو ثمنه تالفا حال وقوعه لا إشکال فی الحکم بالبطلان،فالفسخ أیضا کذلک،و السرّ أنّ البیع کان قائماً بشخص العوضین لا بالأعمّ منهما و من البدل فکذا الفسخ،لأنّه عکس البیع،هذا حال الصورة الأولی.

و أمّا الثانیة:فهی أیضا من جمیع الجهات کالأولی بمعنی أنّ حقّ الخیار و إن کان ثابتا من أوّل الأمر و إن کان التخلّف الخارجی حصل بتبع التصرّف و فی الرتبة المتأخّرة منه،لکن قد عرفت أنّ مجرّد ثبوت الحقّ لا دلیل علی إفساده للتصرّف، هذا بالنسبة إلی حقّ الخیار لو قلنا بأنّه ثابت من أوّل الأمر و إلاّ فإن قلنا بأنّه تبع للتخلّف الخارجی فالأمر أوضح حیث عرفت أنّه معلول البیع،و لا یعقل تأثیر الحقّ المعلول للبیع فی فساده.

و أمّا بالنسبة إلی حقّ الإعتاق أو الوقف فهو لم یکن متعلّقا بالعین بل للمشروط له حقّ علی المشروط علیه أن یوجد هذا الفعل و متعلّقه هذا العین،فلا حقّ له بالنسبة إلی العین،غایة الأمر أنّه ببیعها یتلف مورد الفعل الذی هو مورد الحقّ،فلو قلنا بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن الضدّ یصیر البیع منهیّا عنه من هذه الجهة،و النهی المتعلّق به من جهة أمر خارج غیر موجب لفساده کما حقّق فی

ص:513

محلّه،و بالجملة لا فرق بین الصورتین أصلا،فما یظهر من کلام شیخنا المرتضی من أسهلیّة أمر الأولی لم یظهر لنا وجهه.

ثمّ لو کان النقل جائزا من طرف المشتری و فسخ،أو لازما و تقایل مع طرفه فلا إشکال فی لزوم ردّه العین،لأنّه لیس ملکا جدیدا و لیس کالبیع،بل هو بنظر العرف إزالة السبب الحادث و بقاء المقتضی القدیم باقتضائه،فتکون الملکیّة نفس الملکیّة السابقة،فتعیّن علیه ردّ العین،و أمّا فی الملک الجدید فهذه العین مع سائر أموال المشتری علی نسق واحد فلا یمکن استیفاء عین الحقّ بشیء منها،لأنّه إعادة الملک الأوّل و هو غیر ممکن فی شیء منهما بخلاف الحال فی الفسخ و الإقالة، هذا فی صورة الفسخ أو التقایل قبل فسخ البائع ثمّ فسخ البائع.

و أمّا لو لم یقع الفسخ أو التقایل و أراد البائع الفسخ فهل له إلزام المشتری علی الفسخ أو الإقالة فی صورة حضور طرفه و تمکینه أو لا؟ قد یقال:نعم،لأنّ حقّه متعلّق بنفس العین لا بالعین الموجودة فی ملکه و لهذا لو تلفت یحکم بالضمان،و لو کان الحقّ معلّقا کان من باب تفویت المعلّق علیه و لا ضمان فیه،فالضمان دلیل علی تعلّق الحقّ بنفس العین لا بها فی تقدیر الملک،و إذن فللبائع أن یجبر المشتری بالخروج عن مقتضی هذا الحقّ من رفع المانع عن إعمال البائع حقّه.

ثمّ لو لم یفسخ المشتری و فسخ البائع فلا إشکال فی اشتغال ذمّة المشتری بالبدل،فلو فسخ المشتری بعد ذلک أو تقایل و صاحبه و عاد العین إلی ملکه السابق سواء کان قبل أخذ البائع البدل عن المشتری أم بعده فهل ینتقل إلی العین بملاحظة أنّه الأصل،و البدل إنّما یکون بدلا ما دام العجز عن المبدل فإذا تمکّن منه بطل البدلیّة أو یستقرّ ملک البائع علی البدل و یصیر المبدل ملکا

ص:514

مستقرّا للمشتری،لأنّه مقتضی العوضیّة و البدلیّة.

المسألة السادسة:لا إشکال فی أنّ للمشروط له إسقاط حقّه

لأنّ الحقّ و إن کان قسم منه غیر قابل للإسقاط لکن هذا من قبیل ما یقبله بدلیل العرف المثبت له،فإنّک عرفت أنّه هو المثبت لأصل هذا الخیار و هو أیضا المسقط له بالإسقاط، کما لا إشکال فی أنّ کلّما کان الشرط من قبیل النتیجة فهو غیر قابل للإسقاط لأنّه أمر حصل و قد قضی الحقّ أثره و سقط بذلک فلا معنی للإسقاط.

و قد یستثنی ما کان حقّا لغیر المشروط له و مثّل له بالعتق،و قد یمثّل بحقّ الخیار المشترط للأجنبی حیث إنّ للعبد فی الأوّل حقّ الإعتاق و للأجنبی فی الثانی حقّ الخیار فلیس للمشروط له فی المسألتین حقّ الإسقاط،و لکنّ الحقّ فساد کلا المثالین.

أمّا الأوّل:فلأنّ مجرّد کون العبد موردا و محلا للعتق المشترط لا یوجب إحداث حقّ له بعتق نفسه،و أمّا الموجود من جانب اللّه فلیس إلاّ الأمر بالوفاء بالشرط،و هو حکم أوّلا و تابع لبقاء الحقّ ثانیا.

و أمّا الثانی:فلأنّه من قبیل الاستثناء الأوّل أعنی شروط النتیجة،لأنّ الخیار من النتائج و قد عمل الشرط عمله،و لا وجه لإسقاط المشروط له بعده و هذا واضح.

المسألة السابعة:لا إشکال فی أنّ الشرط لو کان جامعا لوصفین بل و کذا

القید و الوصف لا یکون فی الإنشاء بذل شیء من العوض بإزائه،

أحدهما:أن لا یکون بقاء الموضوع العرفی دائرا مدار وجوده و عدمه،فإنّه لو کان کذلک فلا شکّ أنّ إتیانه بصورة الشرطیّة لا یثمر فی القول بکون المهملة موضوعا للبیع و الحکم بالصحّة بتمام الثمن،غایة الأمر حدوث الخیار،بل هذا داخل فی تخلّف المبیع،

ص:515

فلا فرق بین قولنا:بعتک هذا الفرس،و بین قولنا:بعتک هذا بشرط أن یکون فرسا، فی أنّه مع انتفاء الفرسیّة نحکم بالبطلان و کونه من تخلّف المبیع.

ثانیهما:أن لا یکون الشرط ممّا به قوام أصل مالیّة المبیع فإنّه لو کان کذلک مثل الکمّ فإنّ الحنطة لو انفکّ عن الکمّ لا نسلخ عنها المالیّة،و المراد أصل عنوان المالیّة لا حدّها،فإنّ وصف الکتابة أیضا له دخل فی قوام حدّ المالیّة.

لا یقال:إنّ الکمّ فی مثل:بعتک الحنطة بشرط أن یکون عشرة أمنان،أیضا یکون مثل وصف الکتابة له مدخل فی حدّ المالیّة،فإنّ شراء بعشرة قرانات مربوط بکونها عشرة أمنان،و إلاّ فلو نقصت عن العشرة نقص الثمن أیضا بمقدار نقصان الأمنان،فالکمّ الخاص مقوّم للقیمة الخاصّة لا لأصل القیمة.

لأنّا نقول:الفرق بین ما نحن فیه و بین الکم أنّ الوصف أعنی الکتابة منشأ لزیادة المالیّة لا لأصلها بحیث یکون فاقد الوصف أیضا مالا،و أمّا العشرة الأمنان مثلا فهی و إن کانت مقوّمة لقیمة العشرة القرانات و لکن بحیث یکون توزیع القرانات بعدد الأمنان بل أبعاض القرانات أیضا علی أبعاض الأمنان،فیقع بإزاء کلّ شیء من المنّ شیء من القران،و لازم هذا أن یکون ذلک البعض المبذول من الثمن بإزاء المنّ العاشر مثلا بلا ما بإزاء إذا ظهر الحنطة تسعة أمنان و إن کان ذکر العشرة بصورة الشرط.

و الحاصل:لا فرق فی التوزیع بنظر العرف بین صورة ذکر العشرة أمنان بعنوان نفس المبیع و بین ذکرها بعنوان الشرط و جعل المبیع ذات الحنطة فی أنّه بنظرهم یوزّع الثمن علی أبعاض الکمّ،فحال التعبیر بالشرط هیهنا حاله فی اشتراط کونه فرسا فی أنّ المنظور وقت المبادلة هو جعل البدل بإزاء المقدار لا أنّه لا یتصوّر هنا عنوان الشرطیّة بل المقصود أنّ المراد هو الجزئیّة.

ص:516

نعم لو علم قصد الشرطیّة علی نسق سائر المواضع لحقه حکمها،و قد عرفت أنّ سرّ هذا کون الشیء الممسوح أو الموزون لا مالیّة له مع قطع النظر عن هذه الاعتبارات بخلاف العین الملحوظة مع قطع النظر عن الصفات مثل الکتابة و الخیاطة و الطبّاخیة و نحوها،نعم قد یجیء هذا المعنی العرفی مع عدم وجود هذا السرّ و هو فی ما إذا اشتری القطیع و شرط کونه مائة،فإنّ المنظور حسب المرسوم عند العرف لحاظ الجزئیّة مع عدم تأتّی ما قلنا.

و بالجملة المقصود دعوی المرسومیّة العرفیّة لا عدم تعقّل حقیقة الشرط فی ما نحن فیه،فلو علم کون الغرض حقیقة الشرطیّة فاللازم ترتّب أحکامها لکنّ الفرق بینه و بین سائر الشرائط أنّها علی تقدیر الوجود أیضا لیست بأجزاء بخلاف هذه أعنی:المقادیر،فإنّها علی تقدیر الوجود یصیر جزءا و یصیر بعض الثمن بإزائها،فإنّ الأربعة أمنان لیست وراء الحنطة الموجودة،و المفروض کون الثمن بإزاء الحنطة الموجودة،و هذا من قبیل أنّ الکریّة شرط للاعتصام،و لکن عند الوجود یکون الماء بتمام أجزاءه رافعا للنجاسة،و هکذا فی الأجزاء المستحبّة فی الصلاة مثلا لو لم یؤت بها لیست بأجزاء و لکن لو وجدت تصیر أجزاء.

ثمّ إنّک عرفت أنّه بناء علی المرسومیّة المدعاة لا حاجة فی الحکم بالتوزیع إلی التمسّک بالخبر،لکن مع ذلک قد تمسّک بخبر ابن حنظلة:«فی رجل باع أرضا علی أنّها عشرة أجربة،فاشتری المشتری منه بحدوده و نقد الثمن و أوقع صفقة البیع و افترقا،فلمّا مسح الأرض فإذا هی خمسة أجربة؟قال-علیه السلام-:إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض،و إن شاء ردّ المبیع و أخذ ماله کلّه إلاّ أن یکون له إلی جنب تلک الأرض أیضا أرضون فلیوفّه و یکون البیع لازما له و علیه الوفاء بتمام البیع،فإن لم یکن له فی ذلک المکان غیر الذی باع فإن شاء المشتری أخذ

ص:517

الأرض و استرجع فضل ماله،و إن شاء ردّ الأرض و أخذ المال کلّه» (1).

و هو مشتمل علی الحکم المخالف للقاعدة و هی أنّ العین الشخصیّة إذا وقعت متعلّقة للبیع فظهرت معدومة أو مستحقّة للغیر فتبدیلها بالمثل کما یظهر من الروایة نفعه،غیر نافع فی الحکم بالصحّة و اللزوم،فإنّ الظاهر عدم التزامهم بذلک و إن کان یساعده العرف فی مثل الظروف الجینیّة و الکتب المطبوعة التی لیس فی ما بین أفرادها اختلاف معتدّ به،فإنّه لو باع أحد عشرة ظروف فظهرت تسعة فوضع علیها واحدا من سنخ تلک الظروف بلا تفاوت،فلو أراد المشتری مع ذلک ردّ المعاملة یعدّونه فی هذا غیر ذی حقّ،و لکنّ الظاهر عدم إمکان الالتزام به شرعا.

و الحاصل أنّ العرف یرون عدم الفرق بین الکلّی و الشخصی فی هذا فکما أنّه فی الأوّل یلزم علیه الإبدال بما کان جامعا للصفات فکذا فی الشخصی لو بدّله هو بالجامع لا یرون لطرفه حقّ الفسخ،و لکن الشرع بخلاف ذلک ظاهرا فیحکمون بأنّه من تخلّف المبیع و أنّه غیر صحیح و فرق بینه و بین الکلّی.

و أمّا القول بأنّه مطابق مع الأرش ففیه أنّ القائل بالأرش علی تقدیر القول بأنّ المقام من باب الشرط لا الجزء لا یقول بتعیّنه بل بالتخییر بینه و بین الفسخ، و أنّ التخییر فیه للمشتری،و ظاهر الروایة لزوم ذلک علی البائع و عدم الاختیار لواحد منهما،و إنّما یحدث الاختیار للمشتری بعد عدم إمکان التبدیل،هذا کلّه هو الکلام فی متساوی الأجزاء.

و أمّا مختلف الأجزاء کالأرض فقد یقال بالبطلان،و الفرق بینه و بین المتساوی أنّ القسط المقسط علی الجزء الفاقد معلوم أنّه ماذا،و أمّا فی المختلف

ص:518


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 14،من أبواب الخیار،ص 1 و 3،ح 1.

فحیث لا واقع فی البین حتّی یتصوّر فیه الجهل المصحّح للمصالحة بل هو مبهم فی علم اللّه تعالی أیضا،فیکون البیع باطلا للإبهام فی جانب الثمن فإنّ ما یقع بإزاء المفقود غیر معیّن واقعا،فلا محالة یصیر ما بإزاء الموجود أیضا غیر معیّن کذلک و هذا معنی الإبهام.

و لکن یمکن دفع هذا الإشکال کما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّه حینما تجسّس العین و شاهدها بتمام نقاطها فهو تصوّر کلّ جزء منها جزأین، فتخیّل الخمسة أجربة عشرة أجربة،و بهذا یمکن تعیین القسط الواقع بإزاء الموجود،و الواقع بإزاء المفقود،و إذن فالحقّ هو الصحّة و الخیار بین الفسخ و الإمضاء بالحصّة کما فی المتساوی،هذا کلّه فی جانب النقیصة.

و أمّا الزیادة بمعنی أنّه لو شرط مقدارا کعشرة أمنان فتبیّن الزیادة علی العشرة فهل یحکم بکون الزائد ملکا للبائع و کونه شریکا مع المشتری،و یحدث للمشتری بسبب ذلک خیار العیب،أو یحکم بکون الکلّ للمشتری مع ثبوت الخیار للبائع لتخلّف الشرط،أو یحکم بکون الکلّ للمشتری بلا خیار لأحد؟ الحقّ فی المقام هو التفصیل بأن یقال:إن کان مرجع اشتراط عشرة أمنان إلی أن لا یکون ناقصا عن هذا المقدار من دون تعرّض لجانب نفی الزیادة،فحینئذ لو تبیّن الزیادة فمقتضی ما قلنا من التقسیط علی العشرة أمنان أن تبقی الزیادة فی ملک البائع،غایة الأمر أنّ المفروض حیث إنّه عدم التعرّض لحال الزیادة بمعنی أنّه لم یجعله تحت التقیید بالعدم-نعم لا یصدق فی حقّه الإقدام أیضا بل أقدم علی الشراء بداعی عدم الشرکة و مفروغیته-تحقّق للمشتری خیار العیب.

و أمّا إن رجع الشرط المذکور إلی التحدید فی کلّ من جانبی النقیصة و الزیادة فکان منحلاّ إلی اشتراط أن لا یکون ناقصا عن العشرة و أن لا یکون زائدا

ص:519

علیها،فحینئذ أیضا تکون الزیادة باقیة فی ملک البائع و یکون الخیار للمشتری و یجتمع له حینئذ خیار العیب و تخلّف الشرط معا،و یظهر الثمر فی صورة إسقاط أحدهما فیبقی الآخر،هذا ما تقتضیه القاعدة بناء علی المختار فی المسألة المتقدّمة من الحکم بالتقسیط،و لکن فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-ما لا ینطبق علی ما ذکرنا فراجع کلامه-قدّس سرّه.

لا یقال:یمکن تصویر اللابشرطیّة بالنسبة إلی الزیادة عن مقدار العشرة أمنان مثلا فیقع الحادی عشر و ما زاد جزءا للمبیع.

لأنّا نقول:کلاّ،فإنّ العشرة أمنان علی حسب ما قلنا هو المحطّ للنظر فی بذل الثمن و العشرة لا تصیر أزید من نفسها فتکون الزیادة علیها خارجا عن العشرة فلم یبذل بإزائها شیء من الثمن،فلیس جزءا من المبیع،فغایة الأمر أنّ المجموع مبیع و غیره،فإن شرط الانفراد کان له خیار تخلّف الشرط،و إن لم یشترط و لم یقدم أیضا کان له خیار العیب،و إن لم یشترط و أقدم لم یکن له خیار أصلا.

خاتمة:فی فروع:
الأوّل:هل هذا الخیار علی الفور أو علی التراخی؟

إن قلنا إنّ مدرکه الإجماع،فالظاهر أنّه علی الفور،و إن قلنا إنّه الضرر،فالظاهر أنّه لیس علی الفور بمعنی أنّه فی أوّل أزمنة الاطّلاع ملزم بالإعمال،و إن تسامح سقط،بل بمعنی أنّه لو حصل له الاطّلاع و بقی متردّدا فی أنّ له الصلاح فی الفسخ أو فی الإمضاء و الصبر علی فقدان الشرط و بقی متأمّلا فی یومین أو أیّام،لم یکن منافیا بل جاز له لو استقر بعد الأیّام رأیه علی الفسخ أن یفسخ،نعم التأخیر الاقتراحی لم یعلم جوازه.

ص:520

و إن بنینا أنّ مدرکه العرف فلا بدّ من مراجعة العرف و ملاحظة أنّ دیدنهم فی المقام لو مضی أیّام عن المعاملة عدم الحکم باستحقاق الفسخ،أو أنّه لو کان تأمله و تراخیه لأجل تبیّن حاله من حیث الصلاح و الفساد یحسبونه حینئذ مثل ما إذا کان التأخیر لأجل عدم الاطّلاع،إذ لا شبهة فی معذوریّته عندهم و استحقاقه للفسخ،نعم لو شککنا فی بنائهم کان الحکم هو اللزوم.

الثانی:لو کان فقدان الشرط بتقصیر من المشروط له

مثل أن أتلف الثوب الذی اشترط خیاطته عمدا،فلا إشکال فی عدم استحقاقه للفسخ،و أمّا لو کان هو السبب و لکن لا بالتقصیر بل بالقصور-و قد یمثّل له بما إذا أتلف الثوب المذکور غفلة عن کونه محلّ الشرط،و فیه أنّ الظاهر أنّه من قبیل فوات التقدیر المعلّق علیه للشرط فإنّه لم یلتزم بالخیاطة المطلقة بل بها معلّقة علی تسلیم الثوب، فمع انتفاء المعلّق علیه لا تخلّف بلا تفاوت بین العمد و الغفلة،نعم لو فرض له مثال-فالحقّ أیضا عدم الفرق بین العمد و الغفلة فی عدم ثبوت الخیار،فإنّ الوجه فی ثبوت الخیار عرفا کون المشروط له ذا حقّ علی المشروط علیه،و قد فات حقّه، فإذا کان فوات الحقّ مستندا إلی نفسه بدون تقصیر من المشروط علیه أصلا، فالظاهر عدم استحقاق المطالبة و الفسخ.

و أمّا لو کان الشرط مثل قربة من ماء ثمّ کثر الماء بحیث خرج عن المالیّة فإن کان ذلک بتقصیر من المشروط علیه بالتأخیر إلی مکان أو زمان کذلک، فالظاهر ثبوت الخیار،و إن کان بواسطة مفاجاة المطر فی وقت غیر مترقّب بلا تأخیر من المشروط علیه،فالظاهر أنّ ذلک کاشف عن عدم کون محلّ الشرط قابلاً للشرطیّة العقلائیّة،فإنّ اشتراط قربة من ماء فی زمان وفور الماء لیس ممّا یکون للعقلاء داع باشتراطه،فیکشف ذلک عن فساد الشرط رأسا فلا خیار له.

ص:521

الثالث:لو عمل بالشرط الصحیح ثمّ فسخ العقد بسبب آخر أو بالتقایل،

فهل الشرط أیضا تابع للعقد فی الانفساخ

أو هو علی حاله سواء کان من شروط النتیجة أم من الأفعال التی لها أجرة کالخیاطة؟قد یقال ببقاء الشرط و عدم التابعیّة للعقد نظرا إلی عدم انحصار المدرک فی تصحیح الشرط بدلیل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حتی یقال متی سقط هذا الدلیل بارتفاع الموضوع بقی الشرط بلا دلیل علی الصحّة بحسب البقاء،بل الدلیل هذا العموم و قوله:«المؤمنون عند شروطهم»،و هذا الثانی باق علی مقتضاه،لأنّ عنوان الشرطیة قد ثبتت له بالقطعة الأولی من الزمان أعنی:ما قبل الفسخ،مضافا إلی ما تقدم فی محلّه من منع کون الشرط عبارة عن خصوص الالتزام فی الالتزام.

و أمّا الشروط فی ضمن العقود الجائزة فوجه عدم نفوذها أنّ دلیل جواز العقد یشمل ذلک الشرط الذی فی ضمنه،فینافی مع دلیل وجوب الشرط،و فی المقام لا یجری هذا کما هو واضح،بل ربّما أمکن أن یقال:إنّ الشرط فی ضمن العقد الفاسد أیضا حسب دلیل وجوب الشروط واجب،هذا.

و یمکن الجواب بأنّ دلیل الشرط أیضا لا یشمل المقام،فإنّ العقد هو المحلّ بالنسبة إلی الشرط،فالشارط إنّما التزم علی نفسه فی موضوع وجود العقد، و أمّا إذا انهدم فلم یلتزم فی هذا التقدیر بشیء،فلیس عدم إتیانه بما التزم خلاف الوفاء بشرطه،لکن هذا کلّه بالنسبة إلی حال عدم إتیان العمل المشروط فیحکم بعدم وجوبه بعد الفسخ أو التقایل،و کذا بالنسبة إلی حال وجود العین التی اشترط ملکیّتها للمشروط له أو ثالث فإنّه یحکم ببطلان تلک الملکیّة فتعود العین إلی المقتضی الأوّلی.

و أمّا لو عمل ذلک العمل و کان ممّا له أجرة کالخیاطة أو تلفت تلک العین

ص:522

فالحکم بالانتقال إلی البدل و أنّ المشروط علیه یطالب أجرة عمله أو بدل عینه إمّا من المشروط له أو من ذلک الثالث،إمّا مع رجوعه إلی المشروط له لقاعدة التسبیب و الغرور و إمّا مع استقرار الضمان علیه،مبنیّ علی إجراء قاعدة الید فی مثل ما نحن فیه،فإنّه قد ثبت ید المشروط له علی عین قد تعلّق للمشروط علیه حقّ باسترجاعه،لکن هذا مختصّ بمورد الخیار فی جانب المشروط علیه،و أمّا فی الخیار من طرف المشروط له و فی التقایل لا مجری له لعدم الحقّ،و کذا بالنسبة إلی العمل و إلی العین الموجودة فی ید الثالث،و یجری هذا الکلام حرفا بحرف فی زوال الأوصاف فی تلک العین إمّا تحت ید المشروط له و إمّا تحت ید الثالث.

و الحاصل فی صورة تلف العین فی ید المفسوخ علیه یمکن القول بالضمان من باب الید و أمّا فی غیره فمشکل حتّی فی صورة تلفها فی ید ثالث،فإنّه من قبیل ما إذا أطار الریح أو ألقی الطائر مال أحد فی کیس آخر من دون التفاته فعرضه التلف السماوی،فإنّ الحکم بالضمان حینئذ فی غایة الإشکال،لعدم ثبوت اختیار منه أصلا و الید،حیث إنّه آلة إعمال الاختیار کنایة عنه،و فیما نحن فیه أیضا لم یحدث اختیار منه فی إثبات الید و حدوث السلطنة أصلا و إنّما حصل بغیر اختیار منه و التفات،فإجراء ضمان الید فیه فی غایة الإشکال،هذا.

القول فی حکم الشرط الفاسد:
و الکلام فیه یقع فی أمور:
الأوّل:لا إشکال فی أنّ الشرط الفاسد غیر واجب الوفاء

نعم إن لم یکن من قبیل تحلیل الحرام بل من تحریم الحلال کان الوفاء به مستحبّا لدخوله تحت الوعد بناء علی القول بعدم الإفساد،إذ بناء علی الإفساد لا وعد أیضا،فإنّ الالتزام الشرطی و إن لم یکن معلّقا علی الالتزام البیعی بأن التزم فی صورة البیع،و لکن لیس مطلقا بحیث کان هنا التزامان مستقلاّن،بل للشرط ارتباط بالبیع،فکأنّه

ص:523

التزم فی تقدیر البیع،فحیث لا بیع لا التزام،و هذا واضح.

کما أنّه لا تأمّل فی الشرط الفاسد الذی یفسد البیع لأجل خلل فی بعض شروطه،کما فی الشرط المجهول،فإنّ وجه الإفساد أنّ البیع یصحّ أن یضاف إلیه الغرر،و یضاف هو إلیه فیقال:هذا البیع غرریّ،فإنّ الشرط و إن کان خارجا عن الثمن و المثمن و البیع عبارة عن مبادلتهما،فهنا بیع و شرط و البیع غیر غرریّ و لکن للشرط ارتباط بالبیع و لهذا یصحّ أن یقال:بیع شرطی،فلهذا یصحّ نسبة غرریّته أیضا إلی البیع فیقال:هذا البیع غرریّ.

لکن هنا إشکال علی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حیث إنّه استند فی باب اشتراط القدرة علی التسلیم فی العوضین أنّ مدرکه الغرر،و حینئذ فلا یفرق الشرط الغیر المقدور مثل اشتراط الزرع سنبلا مع الشرط المجهول،فکما لم یوجب الجهالة فی الشرط جهالة فی أحد العوضین و لکن أوجب غرریّة البیع المشروط به، کذلک فی الشرط الغیر المقدور و إن لم یوجب عدم مقدوریّة أحدهما و لکن یوجب صحّة إضافة الغرریّة إلی البیع،فما الفرق فیما بین المقامین کما هو صریح کلامه -قدّس سرّه-؟ نعم لو کان المدرک فی ذلک الباب هو الإجماع أمکن أن یقال:القدر المتیقّن عدم مقدوریّة نفس أحد العوضین،و أمّا الشرط فلا،کما أنّه لو کان انصراف دواعی العقلاء عن الإقدام بمثل البیع الخارج أحد طرفیه عن قدرة المنتقل عنه، أمکن منعه هنا أیضا،لأنّ الدواعی فی الشرط غیر منصرفة و لیس کأحد رکنی العقد فی نظرهم.

و کلّی الکلام فی المقام أنّ الشروط التی لا بدّ من الإفساد فیها لاختلال شرط من شروط العقد خارج عن محلّ الکلام،کما أنّ الشروط التی لا إفساد فیها و لو قیل بالإفساد فی غیرها مثل الشرط الابتدائی و مثل الشرط الذی لیس محلّ غرض

ص:524

العقلاء أیضا کذلک،و إن کان القول بالفرق محلّ إشکال.

نعم لو کان غرض القائل بالفساد فی الشرط الغیر العقلائی عدم توجّه حقیقة القصد و أنّه یشبه الهزل فله وجه،و أمّا لو کان الوجه انصراف دلیل الشرط عنه مع تحقّق الجدّ فی الإنشاء،فالفرق مشکل،و حاصل الکلام الکلّی أنّ الشرط بمجرّد فساده یوجب فساد العقد أو لا؟و الوجوه التی أقاموا للإفساد

أمور ثلاثة:
الأوّل:أنّ للشرط قسطا من الثمن،فإذا فسد،فسد ما یقابل الباقی

لأجل الجهالة،و فساد هذا الوجه أوضح من أن یحتاج إلی البیان فالأولی الصفح عنه.

الثانی:أنّ التراضی بالمقیّد منتف مع انتفاء القید،

أمّا الثانی فواضح،و أمّا کون العقد مقیّدا فلأنّ الشرط و إن کان لیس معلّقا علیه العقد بل العقد فعلیّ و لکن لا یخلو من ارتباط نحو ارتباط المثمن بالثمن مع عدم تعلیق فی البین.

و الحاصل:التقیید أعمّ من التعلیق،فیمکن حصوله بدون التعلیق،و لا شکّ أنّ الشرط لیس مستقلاّ،فیکون حاله کالثمن بالنسبة إلی ملک المثمن.

و الجواب أوّلا:بالنقض بالشروط الصحیحة المتخلّفة،فإنّ عین الکلام جار فیه،مع أنّه لم یعهد من أحد من القائلین بإفساد الشرط الفاسد،القول بالبطلان فیها،و القول بأنّ القید فیها حاصل و هو الالتزام،و الملتزم الذی هو المفقود غیر قید،فیه ما لا یخفی.

و ثانیا:بالحلّ،و هو أنّه مع بقاء الموضوع العرفی و صدق الوحدة العرفیّة فی ما بین الفاقد للشرط و الواجد له-بحیث یحکم العرف بأنّ المفقود صفة من صفات الموضوع الواحد و حالة من حالاته کما فی الفرس الشخصی إذا قیّد بکونه عربیّا- لا شکّ فی صدق التعاهد و التراضی علی هذا الموجود،فإذا قال:بعتک هذا الفرس،مشیرا إلی فرس شخصیّ خارجی،فهو مثل وضع یده،کما أنّه یقع علی ذلک الفرس،و قوله:العربی،مع کونه عجمیّا لا یخرجه عن کونه محلّ وضع الید،

ص:525

کذلک بالنسبة إلی التعاقد و التراضی القلبیّین،فإنّهما أیضا وقعا علی هذا الأمر الخارجی،و مجرّد التقیید بکونه عربیّا مع فقدانه لا یخرجه عن ذلک.

نعم لو قال:بعتک هذا الجسم بشرط کونه فرسا،فهذا أیضا و إن کان مثل الأوّل و لو تبیّن کونه کتابا،إلاّ أنّ الفرق أنّ المهملة فی ما بین الفرس و الکتاب غیر قابل للبیع و المهملة فی ما بین الفرس الشخصی إذا کان عربیّا و إذا کان ترکیّا قابل له،کما یشهد بذلک مراجعة العرف.

إن قلت:إذا قلت:أیّها الصدیق أدخل،لزم علی تقریرک جواز الدخول و إن کان عدوا و لا یلتزمون به.

قلت:هذا من باب استظهار کون الإذن متعلّقا بالعنوان و قد أخطأ فی التطبیق،فلا یسری الإذن من العنوان إلی المعنون،و هذا بخلاف المقام،فإنّ البیع ورد علی هذا الجسم الذی أشار إلیه،و وضع یده علیه،غایة الأمر قیّده بأنّه عربیّ، و مجرّد ذلک لا یخرجه عن کونه محلاّ للبیع و التراضی.

و الحاصل:أنّ المدّعی أنّ باب الشرط لیس من باب التعلیق علی العنوان و الخطاء فی التطبیق،بل من باب التعلیق علی المشار إلیه،غایة الأمر أخطأ فی التوصیف و تخیّله واجدا للوصف،هذا.

و قد یجاب عن أصل الإشکال بأنّ باب الشرط من باب تعدّد المطلوب، و فیه:أنّ تعدّد المطلوب و إن کان أمرا متصوّرا ممکنا،و لکنّ الغالب بالنسبة إلی حال المشترطین وحدة الغرض و عدم تعلّق غرض لهم إلاّ بالمقیّد،فکیف یمکن الاستظهار من عبارة الاشتراط مع ملاحظة ورودها غالبا مورد وحدة المطلوب لا تعدّده؟ و قد یجاب أیضا بأنّ الشرط قید للزوم،و أمّا حقیقة البیع فغیر مقیّد،و فیه أنّه

ص:526

خلاف الواقع کما یشهد به مراجعة الوجدان،فإنّ اللزوم من آثار الملک لا أنّا تارة ننشئ الملک اللازم و أخری الملک الجائز،فلیس المنشأ إلاّ حقیقة الملکیّة فالشرط یتعلّق لا محالة بها.

الثالث:الأخبار،

منها:روایة عبد الملک بن عتبة عن الرضا-علیه السلام-«عن الرجل أبتاع منه طعاما أو متاعا علی أن لیس منه علیّ وضیعة،هل یستقیم ذلک و یأخذ ذلک؟قال-علیه السلام-:لا ینبغی».

وجه الدلالة علی الإفساد أنّ حمل لا ینبغی علی الکراهة و إرجاعه إلی الوفاء بالشرط غیر جائز،لأنّ العقد لو کان صحیحا لما کان الوفاء بالشرط مکروها بل کان مستحبّا لدخوله تحت الوعد کما تقدّم،فلا بدّ من حمله علی الحرمة و إرجاعه إلی العقد،فیفید المدّعی،و أمّا وجه کون هذا الشرط فاسدا فلأجل کونه خلاف الکتاب و السنّة،فإنّ المراد باشتراط کون وضیعة المبیع علی البائع أنّه لو نقص عن رأس المال فی صورة بیع المشتری إیّاه کان هذا النقص علی البائع الأوّل،و من المعلوم أنّ نقصان مال أحد لا یکون إلاّ علیه و لا یرتبط بغیره،فاشتراط کونه علی الغیر خلاف الکتاب و السنّة،هذا حاصل الاستدلال.

و أجاب شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بإمکان حمله علی الکراهة و إرجاعه إلی أصل البیع هذا النحو،فلا ینافی مع صحّته.

قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:لم أعلم لم لم یحتملوا أن یکون علی تقدیر الحرمة راجعا إلی الوفاء بالشرط و لا یکون حینئذ أیضا دلیلا علی الإفساد بل یجامع صحّة العقد،و ذلک لأنّه إذا فرض أنّ الشرط فاسد فأخذ المشتری التدارک من البائع بعنوان أنّه ملزم،و إعطاؤه إیّاه بعنوان الوفاء من المعلوم کونه حراما،ثمّ علی تقدیر إرجاعه إلی أصل البیع و حمله علی الحرمة أیضا یمکن منع دلالته بملاحظة

ص:527

أنّ هذا الشرط مجهول بملاحظة جهالة أصل حصول الوضیعة و جهالة مقدارها فیصیر البیع غرریّا و قد عرفت خروجه عن محلّ الکلام.

و منها:روایة الحسین بن منذر«قال:قلت لأبی عبد اللّه-علیه السلام-:یجیئنی الرجل فیطلب العینة،فأشتری له المتاع مرابحة ثمّ أبیعه إیّاه ثم أشتریه منه مکانی؟قال:إذا کان هو بالخیار إن شاء باع و إن شاء لم یبع،و کنت أنت بالخیار إن شئت اشتریت و إن شئت لم تشتر فلا بأس،فقلت:إنّ أهل المسجد یزعمون أنّ هذا فاسد و یقولون:إن جاء به بعد أشهر صحّ،قال:إنّما هذا تقدیم و تأخیر فلا بأس» (1).

المراد بالعینة هو الاحتیال فی أخذ نفع النقود فإنّه حیث یکون ربا محرّما احتیل فی الفرار عنه،بأن یشتری صاحب النقود متاعا یسوی بخمسة تومانات مثلا بهذا المقدار،ثمّ یبیعه من ذلک الشخص المحتاج إلی النقد بعشرة تومانات إلی أجل معیّن،ثمّ یبیعه هذا الشخص ثانیا من الشخص الأوّل صاحب النقود بخمسة تومانات فیأخذ منه الخمسة تومانات،ثمّ فی رأس الأجل یعطیه عشرة تومانات وفاء لدینه السابق الحاصل من ناحیة ثمن المعاملة السابقة،و هذه حیلة شرعیّة فی الاستخلاص من الربا القرضی.

ثمّ البأس المستفاد من مفهوم الکلام إمّا یرجع إلی المعاملة الأولی أعنی:بیع صاحب النقود المتاع من الشخص المحتاج،و إمّا إلی الثانیة أعنی:بیع هذا المحتاج ثانیا من صاحب النقود،فإن رجع إلی الأولی کان دلیلا علی فساد الثانیة أیضا،و إن رجع إلی الثانیة کان دلیلا علی فساد الاولی من جهة أنّه لا مفسد للثانیة غیر فساد الأولی،و علی کلّ حال دلّ علی المطلب و هو کون الشرط الفاسد

ص:528


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب أحکام العقود،ص 370،ح 4.

مفسدا للعقد.

و فیه:أنّه من الممکن رجوعه إلی الثانیة و لیس دلیلا علی الفساد فی الأولی بل وجه الفساد أنّ الشرط فاسد،فالمعاملة الخارجیّة الواقعة بعنوان الوفاء بذلک الشرط الفاسد لم یقع علی وجه التراضی بها،بل بعنوان أنّه ملزم به.

و علی فرض رجوعه إلی الأولی أیضا غایته الدلالة علی الفساد فی خصوص هذا الفرد الخاص من الشرط الفاسد،فإنّه قد ذهب العلماء إلی بطلان اشتراط البیع ثانیا من البائع،أو اشترائه ثانیا من المشتری،معلّلا بعضهم بالدور و بعضهم بعدم القصد و بعضهم بهذا النصّ و النصّ الآتی،فلعلّ لهذا الشرط خصوصیّة فی الإفساد کما یظهر من العلماء فیبقی مفاد العمومات بالنسبة إلی ما عداه سلیما عن المخصّص.

و من المحتمل أن یکون وجه البطلان فی مفروض الروایة دخول مثل هذه المعاملة الواقعة علی وجه النسیئة مع اشتراط أن یبیعه المشتری من البائع بالثمن الأقلّ الذی ابتاعه البائع الأوّل به فی الدین الذی یجبر النفع،و أمّا إنّ الظاهر رجوع البأس إلی أیّ من البیعین،فالظاهر رجوعه إلی البیع الثانی،لأنّه الظاهر من قوله -علیه السلام-:إذا کان هو بالخیار إن شاء باع إلخ،و أیضا من قول السائل:إنّ أهل المسجد یزعمون إلخ.

و ممّا ذکرنا یظهر الخدشة فی روایة ثالثة ذکرت فی المقام،و هی روایة علیّ بن جعفر عن أخیه-علیه السلام-«قال:سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلی أجل ثمّ اشتراه بخمسة نقدا أ یحلّ؟قال-علیه السلام-:إذا لم یشترطا و رضیا فلا بأس» (1).

هذا مضافا إلی إمکان أن یستند لصحّة العقد المشروط فی ضمنه الشرط

ص:529


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب أحکام العقود،ص 371،ح 6.

الفاسد بجملة من الأخبار.

منها:ما عن المشایخ الثلاثة-رضوان اللّه علیهم-فی الصحیح علی المحکیّ عن الحلبیّ عن الصادق-علیه السلام-أنّه ذکر أنّ بریرة کانت عند زوج لها و هی مملوکة فاشترتها عائشة فأعتقتها فخبّرها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم،فقال:إن شاءت قعدت عند زوجها و إن شاءت فارقته،و کان موالیها الذین باعوها اشترطوا علی عائشة أنّ لهم ولاءها،فقال صلی اللّه علیه و آله و سلم:«الولاء لمن أعتق»الخبر (1).

فإنّ دلالته علی فساد الشرط کدلالته علی صحّة العقد واضحة،مثل الروایتین الأخیرتین المذکورتین فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فراجع.

و قد یستدلّ علی الصحّة بأنّ صحّة الشرط متوقّفة علی صحّة العقد فلو کانت صحّة العقد أیضا متوقّفة علی صحّة الشرط لزم الدور.

و فیه أنّ توقّف صحّة الشرط علی صحّة العقد مسلّمة و أمّا توقّف صحّة العقد علی صحّة الشرط فممنوعة،غایة الأمر عدم اجتماع صحّة العقد مع فساد الشرط،فصحّة العقد ملازمة لکون الشرط غیر مخالف للشرع و للعقد مثلا،و هذا واضح.

ثمّ من العجب أنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-مع تقویته القول بالصحّة و تخریبه تمام أوجه البطلان قال فی آخر المسألة:و الإنصاف أنّ المسألة فی غایة الإشکال و لذا توقّف فیها بعض تبعا للمحقّق-قدّس سرّه-،انتهی کلامه رفع مقامه.

و قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:و أنا أیضا لا أتجرّأ علی الفتوی بواسطة

ص:530


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 9،من أبواب بیع الحیوان،ص 34،ح 1.

رؤیة هذا الکلام من الشیخ-قدّس سرّه.

ثمّ علی فرض القول بعدم الإفساد هل یوجب فساد الشرط الخیار للمشروط له أو لا؟إن قلنا فی خیار تخلّف الشرط:إنّ مدرکه العرف،فالظاهر العدم،لأنّ العرف إنّما یحکم فی صورة التخلّف بثبوت الخیار لأجل الحقّ الذی ینتزعه من الاشتراط،و قوله:لک علیّ کذا،فهذا الحقّ یفید جواز المطالبة و الإجبار،و یفید أیضا جواز الردّ فی صورة الامتناع،فمجرّد امتناع الوصول إلی ما اشترط لیس سببا بنظرهم،بل لثبوت الحقّ أیضا مدخل،ففی صورة عدم انتزاع الحقّ من قبل الاشتراط لا بدّ أن لا یکون خیار لانتفاء موضوعه،و إن کان النافی هو الشارع،لأنّ معنی إمضائه لطریقة العرف أنّ الخیار بنظرة أیضا حکم لذلک الحقّ،فإذا حکم بعدم الحقّ علم عدم حکمه.

و إن قلنا:إنّ مدرکه الإجماع فاللازم القول بالعدم أیضا،و أمّا إن قلنا کالشیخ-قدّس سرّه-:إنّ مدرکه أدلّة نفی الضرر فاللازم القول به هنا أیضا کما فی تخلّف الشرط الصحیح من غیر فرق بین علمه بفساد الشرط و جهله،أمّا الثانی فواضح،و أمّا الأوّل فلأنّ علمه لا یوجب کونه مقدما علی ضرر نفسه،لأنّه بنظره العرفی غیر مقدم إلاّ علی النفع،و المعیار فی الضرر هو المصادیق العرفیّة لا ما یتحقّق من ناحیة الحکم الشرعی،فما لیس بإقدام مع قطع النظر عن حکم الشارع علیه بالفساد لا یخرجه هذا الحکم عن هذا العنوان و لا یجعله إقداما بعد ترتّبه،لأنّ الحکم لا یوجب تغییرا فی الموضوع و هذا واضح.

و أمّا حدیث اعتضاد أدلّة الضرر بالعمل و لا عمل هنا،ففیه:أنّ الاحتیاج فرع ورود التخصیص الکثیر علیه و لم یتحقّق ذلک،فالأقوی بناء علی القول المذکور هو القول بثبوت الخیار فی الحالین.

ص:531

الأمر الثانی:بناء علی القول بالإفساد لا ینفع إسقاط المشروط له

و رضاه بعدم الشرط بعد تمام الإیجاب و القبول معه،لأنّ العقد قد وقع علی المقیّد و المفروض عدم وقوعه،و عدم وقوعه علی المجرّد عن القید أیضا،فالرضی اللاحق غیر مثمر بل یحتاج إلی استئناف عقد جدید علی الخالی عن الشرط و هذا واضح، بل لولا أنّ احتمال الخلاف مذکور فی کلام العلاّمة لما کان من غایة الوضوح محتاجا إلی التعرّض (1).

الأمر الثالث:بناء علی الإفساد لو لم یذکر الشرط الفاسد فی متن العقد

بل قبله و أوقعا العقد مبتنیا علیه،فهل یوجب فساد العقد مطلقا،أو یفصل بین ما لو قلنا فی الصحیح بالتأثیر للذکر المتقدّم فیوجب فی الفاسد الإفساد و بین ما لو لم نقل فی الصحیح به بل باللغویّة،فیلزم اللغویّة فی الفاسد أیضا کما اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،أو یفصل بین ما إذا علما بأنّ الذکر المتقدّم لغو فیکون لغوا،و ما إذا لم یعلما لغویته فیوجب الإفساد،کما اختاره صاحب المسالک-قدّس سرّه.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:الحقّ فی المسألة هو القول بالإفساد،لأنّ من وجوه القول بالإفساد فی کلّی الشرط الفاسد هو کون الرضی بالعقد مقیّدا بوجود الشرط،و هذا بعینه موجود هیهنا،بل نقول:لو کان الشرط صحیحا فی ذاته و لکن کان مذکورا قبل العقد فاللازم بناء علی ما ذکروه،الإفساد،لعین ما ذکروه فی کلّی المسألة،فتسالمهم فیه علی الصحّة و اختلافهم فی الفاسد علی التفصیلین المتقدّمین لم یعلم لشیء منهما وجه.

ص:532


1- 1) سیأتی فی باب النکاح إن شاء اللّه تعالی وجه الاحتمال بل اختیاره من شیخنا الأستاذ-دام علاه-، فراجع مبحث الشرط الفاسد من ذلک الباب.منه عفی عنه.
تتمّة فی ذکر أمور:
الأوّل:المقبوض بالشرط الفساد حکمه فی الضمان و عدمه حکم العقد

الفاسد

إن قلنا بثبوت الإجماع علی قاعدة«ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده» و بالعکس،و أنّ المراد بها أنّ کلّ ما أخذه الإنسان مع العوض و لو بلحاظه کان ضمانه علیه فی صورة العقد الفاسد علیه،و کلّ ما یأخذه مجّانا فلا ضمان فیه،أو أنّ المراد أنّ الإقدام علی ورود الضرر من ناحیة تلف المال علی کیسه موجب للضمان مع الفساد،و عدمه لعدمه،فإنّه إذا کان الإجماع علی مفاد عبارة فاستظهرنا من العبارة معنی کان هذا تعیینا لمورد الإجماع بالحجّة أعنی:ظاهر اللفظ.

و حینئذ نقول:لو فرض أنّ الشرط لیس بإزائه شیء منظورا لا لبّا و لا إنشاء کما فی اشتراط شیء علی الواهب فی عقد الهبة الغیر المعوّضة فلا ضمان،و لو فرض کون شیء إمّا بلحاظه کما فی اشتراط شیء فی عقد البیع أو الهبة المعوّضة،فإنّ ذلک الشیء و إن کان عبارة عن موهوبیّة شیء لیس بلا ما بإزاء رأسا بل لوحظ بقبالة جزء من العوض لبّا و إن لم یقع بإزائه شیء إنشاء.

و إمّا بقبالة إنشاء کما فی اشتراط مبیعیّة شیء بثمن المثل مثلا سواء کان علی الواهب فی عقد الهبة الغیر المعوّضة أم غیر ذلک،فإنّ فی کلتا الصورتین المتعیّن هو الضمان.هذا کلّه علی تقدیر تسلیم الإجماع علی تلک القاعدة.

و أمّا إن أنکرناه رأسا و قلنا:إنّ الثابت فی باب الضمان لیس إلاّ الید أو الإتلاف،و لیس شیء آخر فی عرضهما موجبا للضمان فنقول:الظاهر من قوله صلی اللّه علیه و آله و سلم:

«علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی»کون أخذ مال الغیر بعنوان کونه مال الغیر باختیاره،و هذا لا یتحقّق إلاّ إذا التفت أنّه مال الغیر،و مع ذلک أخذه،و أمّا لو لم

ص:533

یلتفت بل اعتقد أنّه مال نفسه،أو فرض أنّه غیر مختار مثل أن أطار الریح فأوقعه فی کیسه من غیر التفاته فعرضه التلف حینئذ،فالإنصاف أنّه لا یفهم من قاعدة الید حینئذ ضمان مثل هذه الید،فإنّ الید لیست عبارة عن الجارحة المخصوصة، فإنّ اعتبارها معلوم العدم،بل کنایة عن إعمال القوّة و الاختیار التی هی الآلة لها غالبا،هذا.

الأمر الثانی:لو اختلفا فی اشتراط الشرط الفاسد فی العقد و عدمه،

فعلی القول بأنّه لا یؤثّر فی شیء لا فی إفساد العقد و لا فی حدوث خیار،فلا ثمرة للنزاع،و أمّا علی القول بأنّ وجوده فی العقد یثمر فی أحد الأمرین،فالقول قول من یدّعی العدم،لأصالة الصحّة و أصالة اللزوم.

و لو تسالما علی أصل الاشتراط و تخالفا فی کونه صحیحا أو فاسدا،فمجمل القول فیه أنّه إمّا أن یکون فی البین قدر مشترک هما متّفقان فیه،غایة الأمر کلّ یدّعی وقوعه بخصوصیّة أمّا صحیحة و إمّا فاسدة،و إمّا لا یکون بین دعوییهما قدر مشترک.

فإن کان الأوّل-و مثاله ما لو ادّعی أحدهما أنّ الشرط کون مال لأحدهما للآخر و الآخر یدّعی أنّ الشرط کونه موهوبا له،أو ادّعی أحدهما أنّ الشرط ملکیّة هذا المال المعیّن لأحدهما للآخر و الآخر یدّعی أنّ الشرط هو مبیعیّة هذا المال بالقدر الکذائی،فإنّ القدر المشترک فی الصورة الأولی أصل قرار الملکیّة لهذا الشیء،فأحدهما یدّعی کونه بخصوصیّة الموهوبیّة،و الآخر کونه لا بهذه الخصوصیّة،و فی الصورة الثانیة أصل قرار الملکیّة أیضا و الخصوصیّة فی دعوی أحدهما کونه بإزاء القدر المعیّن،و فی دعوی الآخر کونه مجّانا-فیمکن أن یقال فی هذه الصورة بأنّه:کما أنّ أصالة الصحّة فی العقد جاریة بناء علی إفساد الشرط الفاسد،کذلک هی فی الشرط بالنسبة إلی قرار القدر المشترک أیضا جاریة،

ص:534

فیحکم بملکیّة هذا المال للمشروط له و إن کان لا یثبت بذلک کونه بالعنوان الخاص.

و إن کان الثانی:و مثاله ما لو ادّعی أحدهما أنّ الشرط کون المال المعیّن موهوبا و الآخر أنّه کون صاحبه ملزما بهبته فی ما بعد للآخر،فحینئذ قد یکون مدّعی الفساد هو المشروط له لیسری الفساد إلی العقد بناء علی الإفساد و قد یکون هو المشروط علیه،و لا إشکال فی الصورتین فی جریان أصل الصحّة بالنسبة إلی العقد،کما أنّه لا إشکال أیضا فی عدم جریانه بالنسبة إلی الشرط،فإنّه لا یثبت به العنوان الخاص.

مثلا لو صدر کلام مردّد بین السلام و الفحش،لا یثبت بأصالة الصحّة کونه السلام لترتّب آثاره،و کذلک هنا أیضا لا یمکن ترتیب آثار کون الشرط هو فعل الهبة لا الموهوبیّة بنحو النتیجة حتّی یلزم المشروط علیه بالفعل.

نعم الفرق بین الصورتین أنّه لو کان المدّعی للفساد هو المشروط له، فالمشروط علیه حسب إقرار نفسه بأنّه ملزم بفعل الهبة لو حضر المشروط له للقبول یکون ملزما بالهبة و إلاّ فلا.

و أمّا لو کان المدّعی هو المشروط علیه فلا یمکن الإجبار أصلا،هذا و العجب من بعض السادة الأساطین حیث قوّی فی تعلیقته علی مکاسب شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أوّلا إجراء أصالة الصحّة فی الشرط و إجراء أحکام العنوان الصحیح،ثمّ استشکل فیه،و الحال أنّ مقتضی القاعدة-بناء علی کون أصل الصحّة أصلا تعبّدیّا لا أمارة-عدم الإشکال فی عدم الإجراء و عدم ترتیب الأحکام.

الأمر الثالث:قد عرفت أنّ الشرط قد یکون بنفسه فاسدا لکونه إمّا نفسا

و إمّا التزاما مخالفا للکتاب و السنّة أو لغیر ذلک،و قد لا یکون

فی نفسه و لا فی

ص:535

التزامه مخالفة للکتاب و السنّة و لا جهة فساد أخری،إلاّ أنّه مع ذلک قد أخذ فی خصوص البیع مثلا تعبّدا عدم وقوع هذا الاشتراط فیه،و من هذا القبیل الشروط فی ضمن البیع الربوی أو القرض،فإنّ نفس الشرط و کذا التزامه غیر فاسد،و لکن اشتراطه فی ضمن بیع الحنطة بالحنطة مثلا أو فی القرض ممنوع لأجل الربا.

و بالجملة:هذا القسم الثانی أعنی:ما إذا أخذ فی صحّة المعاملة عدم اشتراط الشرط فیه،خارج عن محلّ الکلام،فإنّ الاشتراط فیه مفسد للعقد المشروط فیه بلا کلام،و إنّما محلّ الکلام خصوص القسم الأوّل،و هذا واضح.

الأمر الرابع:قد عرفت أنّ الشرط و إن کان بإزائه قسط من العوض لبّا

و لکنّه خارج عن طرف العوضیّة

بحسب الإنشاء،و یترتّب علی هذا أنّه لو شرط علی البائع ملکیّة شیء من ماله فی بیع السلم لا یعتبر أن یکون مؤجّلا و إن کان یعتبر فی المثمن أن یکون کذلک،و کذا لو شرط علی المشتری فیه کذلک لا یعتبر فیه قبض المجلس،و کذا لو شرط ملکیّة حیوان فی البیع لا یجری فیه خیار الحیوان أو شرط ملکیّة درهم فی بیع المتاع بدراهم لا یعتبر القبض فی المجلس فی الدرهم و ما قابله من الدرهم الواحد من الثمن.

و یظهر من بعض السادة الأساطین فی التعلیقة أنّ من أمثلة المقام المتفرّعة علی ما ذکرنا ما لو شرط کون درهم من مال أحدهما للآخر فی مقابل درهم،فقال:

لا یحکم فیه بلزوم القبض فی المجلس.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-بوجهین،الأوّل:أنّه ما الفرق بین اشتراط المبیعیّة-حیث اعترف هو-قدّس سرّه-بالفساد-و بین اشتراط ملکیّة شیء مقابل شیء،و هل البیع إلاّ عبارة عن مبادلة مال بمال؟ لا یقال:إنّ بید العرف شیئین یعبّر عن أحدهما بالبیع و عن الآخر فی

ص:536

الفارسیّة ب(تاخت)،و کلاهما مشترک فی کونهما مبادلة بین المالین.

لأنّا نقول:نعم هما مشترکان فی أصل المبادلة،و أمّا الفرق فهو أنّه یعتبر فی البیع أن یکون أحدهما مثمنا أعنی:یقع فی ما قبل الباء،و الآخر ثمنا أعنی ما بعدها،و أمّا فی المعاملة الأخری فالمالان ملحوظان فی عرض واحد.

و بالجملة:الکلام فی معاملة هذا بذاک،المفروض کون هذا مثمنا و ذاک ثمنا،فالمقصود أنّ هذا لا یقع إلاّ بیعا و إن وقع بلفظ التملیک،و حینئذ فإن قلنا بعدم اختصاص البیع بالأسباب الخاصّة جاز هذا الشرط،و لکن یعتبر فیه القبض فی المجلس،و إن قلنا بالاختصاص لم یجز هذا الشرط رأسا.

الثانی:إنّا سلّمنا کونه عنوانا آخر غیر البیع،و لکن کیف ارتباطه بحدیث عدم جزئیّة الشرط لأحد العوضین حتّی یجعل من ثمراته عدم لزوم القبض فی المجلس فیه،فإنّا و لو قلنا بکونه جزءا أیضا لا یلزم القبض فی هذا المثال،فإنّ الذی هو الجزء لأحد العوضین کون هذا مقابل ذاک،فیقع بإزاء هذا الکون الخاص شیء من العوض الآخر،فإذا دلّ الدلیل علی لزوم القبض فی المجلس فی بیع الدرهم بالدرهم فکیف یشمل مثل هذا الذی یکون العوض فیه فی الحقیقة هو الأمر المعنوی أعنی المقابلة بین الدرهمین و لو فرض کون المقابل له من الذهب و الفضّة.

الأمر الخامس:قد یقال بالفرق فی ما بین العقود الإذنیّة من قبیل الوکالة

و العاریة و المضاربة و غیرهما،

فی أنّا و لو قلنا فی غیرها بعدم إفساد الشرط الفاسد لا بدّ أن نقول فیها بالإفساد،و ذلک لأنّ الإذن منتف مع عدم الشرط.

و استشکل فیه بعض السادة الأساطین فی التعلیقة بأنّ الکلام فی هذه العقود هو الکلام فی غیرها،فی أنّ الشرط إن رجع إلی التقیید کان مفسدا فی کلیهما،

ص:537

و إن لم یرجع إلیه إمّا بتصویر تعدّد المطلوب،أو بتصویر کون التقیید فی جانب اللزوم لا أصل المعاملة لم یکن مفسدا فی کلیهما،هذا محصّل مرامه-قدّس سرّه.

و قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:إنّا قد ذکرنا فی وجه تصحیح المعاملة بأنّ الشرط مع کونه تقییدا یکون الموضوع العرفی الذی هو المشار إلیه محفوظا فی حالتی وجود الشرط و عدمه،و لهذا فرّقنا بین الموضوعات الشخصیّة و الکلیّة،و علی هذا الذی ذکرنا لا بدّ أن نقول:بأنّ العقود الإذنیّة تارة یکون موردها الجزئی الحقیقی و یشترط فی نفسها شیء،و من الواضح أنّ تخلّف هذا الشیء أو عدم انعقاده لا یضرّ بوحدة الموضوع،مثل أن یوکّل الشخص المعیّن بشرط کونه کاتبا فلم یکن کذلک،فإنّه کما إذا باع العبد بشرط کونه کاتبا و لم یکن.

و اخری لا یشترط فی نفسها شرط،بل الشرط راجع إلی متعلّقها،مثل أن یوکّل الشخص فی أن یبیع الدار بثمن کذا و شرط کذا،فحینئذ لو و فی الوکیل و باع بذلک الشرط فتخلّف أو فسد لا یضرّ،لأنّه مثل أن یبیع نفس الموکّل کذلک فتخلّف الشرط أو فسد،و أمّا لو لم یف و باع بلا شرط فحینئذ لا یصحّ العقد،لأنّه غیر متعلّق الوکالة،لأنّ ما توکّل فیه هو البیع بخصوصیّة کذا و هی الاشتمال علی الشرط،و ما وقع لیس مصداقا لهذا المفهوم الکلّی.

و بالجملة:حال العقود الإذنیّة بالنسبة إلی الشروط التی ترجع إلی نفس عناوینها کحال سائر العقود حرفا بحرف،و أمّا بالنسبة إلی الشروط الراجعة إلی متعلّقاتها فلو تخلّفت تلک الشروط أو فسدت فاللازم ما ذکرنا من التفصیل، فافهم و تذکّر.

و الحمد للّه أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

فی لیلة الخمیس 28 شهر شعبان المعظّم 1345.

ص:538

القول فی أحکام الخیار

مسألة:الخیار موروث بأنواعه،

اشارة

مسألة:الخیار موروث بأنواعه، و الظاهر أنّ المسألة إجماعیّة،و قد یستدلّ لها بآیات الإرث،فإنّها عامّة للأموال و الحقوق،و یمکن الخدشة بأنّها بین ما لا عموم فیه لکونه واردا فی مقام حکم آخر،کآیة اولی الأرحام (1)و بین ما هو ناظر إلی کیفیّة الإرث،و لا عموم فیه أیضا بملاحظة تذییلها بالربع و النصف و نحوهما الظاهر فی کون الموضوع أمرا قابلاً للتقسیم،فلا یشمل الأمر البسیط.

نعم الاستدلال بروایة:«ما ترک المیّت من حقّ أو مال فلوارثه»حسن دلالة لو تمّت سندا،و لکنّه موقوف علی إثبات مقدّمتین،الأولی:أنّ الخیار حقّ، و الأخری:أنّه یصدق علیه ما ترکه المیّت.

أمّا الأولی:فالظاهر إمکان إثباته بملاحظة مساعدة العرف و حکمهم و دلالة قوله فی بعض الأخبار:«فذلک رضی منه» (2)فإنّ الحکم لا یتغیّر بالرضی و العدم،و أمّا باب النکاح فالرضی محقّق للزوجیّة و هی الموضوع للأحکام، و المقصود أنّ الرضی البحث بدون وساطة تحقّق موضوع آخر فی البین لا یصیر منشئا لتغییر حکم إلی ضدّه.

نعم هو متداول فی الأموال،فیکون النقل و الانتقال منوطا برضی صاحب المال،فیکون مکان المال فی مقامنا الحقّ،فکما أنّ المال لا ینتقل إلاّ برضی صاحبه فکذا هیهنا أیضا لا ینتقل و لا یسقط الحقّ إلاّ برضی صاحبه،و لو کان

ص:539


1- 1) الأنفال75/ و الأحزاب6/.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 4،من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

حکما صرفا لما کان وجه لسقوطه برضاه،لا أقول:إنّه غیر معقول أن یکون حکم ثابتا لعنوان الراضی کالمسافر و الحاضر،و لکن أقول:إنّ الظاهر من ترتیب شیء علی الذات ثمّ تغییره بالرضی أن یکون حقّا.

و أمّا الثانیة:فالظاهر أیضا إمکان إثباته بالنسبة إلی ما إذا کان ذو الحقّ أحد المتعاقدین،و أمّا إذا کان أجنبیّا ففی صدق عنوان ما ترک إشکال،لأنّ المتبادر من هذا العنوان المال أو ما یتولّد منه المال،و بالنسبة إلی أحد المتعاقدین یکون الأمر کذلک،و أمّا بالنسبة إلی الأجنبیّ فالذی تخلّف عن المیّت شیء یوجب حصول المال لشخص آخر لا ربط له بالمیّت أو وارثه و مثله غیر متبادر من عنوان ما ترکه المیّت،هذا.

مضافا إلی إمکان أن یقال:إنّ الحقّ فی خیار الأجنبیّ إنّما هو لأحد طرفی العقد و إنّما الأجنبیّ هو المباشر للاختیار،و لهذا لو أسقطه فالسقوط غیر معلوم، و لو أسقطاه فالظاهر السقوط.

و حاصل الکلام فی المقام هو ادّعاء انصراف عنوان ما ترک إلی الحقوق المالیّة التی تنشأ المال لصاحبها،و أمّا تشخیص هذا العنوان بحسب اللغة،فالذی یظهر من البعض أنّ ما کان من الحقوق و الأموال مضافة إلی الشخص بحیث یکون للشخص قوام فی تحقّق الحقّ فلا یورث لعدم صدق ما ترک،و ما کان الشخص موردا و محلاّ بدون قوام له بالشخص فهو موروث لصدق المتروک.

و تنظّر فیه شیخنا الأستاذ بأنّی لم أفهم ما معنی القوام و الموردیّة،فلو وهب شخص ماله لآخر بواسطة محبّته لنفس ذلک الآخر بحیث کان منظورة فی الهبة هو بتمام خصوصیاته فلا یکون ذلک المال الموهوب موروثا،و هذا ممّا لا یلتزمون به.

و الذی یمکن أن یقال:إنّه یعتبر فی صدق ما ترک لغة أن یکون للمال أو

ص:540

الحقّ إضافة إلی ذات المیّت بما هو،لا أن یکون إضافته إلیه بواسطة عنوان منطبق علیه منتف بعد الحیاة،مثل حقّ السبق فی المسجد و السوق،فإنّه لعنوان السابق، و هذا العنوان مسلوب عن الوارث،و منطبق علی المورّث ما دام حیّا،فإذا مات فلا یقال إنّ له حقّا ترکه،بل کان و ارتفع بارتفاع الموضوع،و هکذا حقّ الوصایة و التولیة و النظارة،فإنّها للشخص بواسطة هذه العناوین،و هکذا لو کان مال موقوفا علی العالم فیموت العالم لا ینتقل إلی وارثه إذا کان جاهلا،و لو کان عالما فهو فی عرضه مالک لا أنّه متلقّ للملک منه طولا،نعم لو کان العنوان محفوظا بعد الموت تحقّق الإرث کما فی عنوان الولد الأکبر،فالذی ملکه المیّت بتوسّط هذا العنوان یملکه وارثه.

و حینئذ نقول:أمّا ما نحن فیه أعنی حقّ الخیار،فما کان للأجنبیّ فقد عرفت الکلام فیه،و ما کان لأحد الطرفین فخیار الشرط أعنی ما کان بجعلهما، فهو فی نظر العرف بحکم الجزء للثمن و المثمن أعنی:أنّ إضافته کنفس الثمن و المثمن بنفس الذات،فیکون متروکا فیکون موروثا کالثمن و المثمن،و أمّا ما کان بجعل الشارع فالظاهر أیضا أنّ الشارع جعل هذا الحقّ فی جنب أحد العوضین، و کما أنّ العوضین یکون لذاتهما،کذلک الشارع أیضا اعتبر الحقّ لنفس من له العوض فیکون متروکا کالعوض.

إن قلت:هذا لا یجری فی خیار المجلس،لأنّه حقّ متعلّق بعنوان البیّع و لیس هذا العنوان للوارث.

قلت:نعم و لکن حدوثا لا بقاء،و الذی مناف لصدق ما ترک هو العنوان المعتبر حدوثا و بقاء کالأمثلة المتقدّمة.

بقی الکلام فی أنّ إرث حقّ الخیار لیس تابعا لإرث المال فعلا بل هنا

ص:541

تفصیل،فلو کان الوارث محروما عن إرث المال لأجل مرهونیّة الترکة لدیّان المیّت شرعا عند استیعاب دینه ترکته فإنّ المال و إن کان ینتقل إلی الوارث و لکنّه ممنوع عن التصرّف حتّی یستوفی الدیّان دیونها،نعم له فکّ المال بإیفاء الدین من جملة أموال نفسه.

فالذی قوّاه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ الحقّ موروث بخلاف المال، قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:إن کان المقصود أنّ أصل ملکیّة المال للوارث متأخّر عن الدین فهذا خلاف التحقیق،و الظاهر اعترافه بذلک أیضا فی مقام آخر.

و إن أراد من الحرمان فی طرف المال الممنوعیّة من التصرّفات مع انتقال الملک إلی الوارث فیرد علیه،أنّ إرث الحقّ أیضا لا بدّ أن یکون بهذا المنوال،أعنی:

أن یکون ممنوعا من إعمال الخیار،لأنّ جهة الحجر بالنسبة إلی المال هو التصرّف فی متعلّق حقّ الدیّان و هذا بعینه موجود فی جانب الحقّ،و مجرّد أنّ التصرّف فی الثانی أعنی الفسخ یکون فی العقد و فی الأوّل یکون فی المال لا یجدی شیئا،لأنّ التصرّف فی العقد ینتهی إلی المال.

و الحاصل أنّ التفکیک بین المال و الحقّ لم یظهر له وجه و خصوصا لو کان الفسخ مزاحما لحقّ الغرماء،کما إذا کانت المعاملة محاباتیّة بأن کان ما انتقل عن المیّت شیئا قلیلا و ما انتقل إلیه خطیرا.

و لو کان محروما عن إرث المال لأجل القتل أو الرقّ أو الکفر،فالظاهر أنّه سبب للحرمان عن إرث الحقّ أیضا،لأنّه المستفاد من دلیل الحرمان بهذه الأسباب،و لو کان لمنع بعض الورّاث عن إرث خصوص مال کالزوجة عن العقار و غیر الولد الأکبر عن الحبوة فهیهنا أربعة أوجه،الإرث مطلقا سواء کان المنتقل

ص:542

عن المیّت ذلک المال المحروم منه،أم کان منتقلا إلیه و عدمه مطلقا فی الصورتین، و الإرث فی صورة الانتقال إلیه دون الانتقال عنه و العکس.

و تحقیق الحال یحتاج إلی تمهید مقدّمة و هی أنّ فسخ الوارث هل هو عبارة عن إعادة الملک إلی ملک المیّت أو إلی ملک نفسه،فإن کان الأوّل فالمیّت غیر مالک بالفرض،و الانتقال إلی البدل لا وجه له کما مرّ فی بابه من أنّه إذا کان التلف عند من له الخیار لا وجه للبدل،و القول برجوع الملک قهقری إلی المیّت ثمّ منه إلی المفسوخ علیه خلاف ما یقولونه فی تصرّف غیر ذی الخیار فلا یقولون ببطلانه و رجوع العین قهقری.

و إن کان الثانی فهو خلاف مقتضی الفسخ لأنّه حلّ المبادلة،و معناه العود إلی الحالة الأوّلیّة و هو لا یمکن إلاّ بالنسبة إلی نفس الشخصین اللذین هما کانا طرفی العقد و المبادلة،و الوارث خارج عن الطرفیّة رأسا.

لا یقال:نعم لکنّ الوارث بدلیل الإرث منزّل منزلة شخص المیّت فکأنّ المیّت برز فی بدن الوارث.

لأنّا نقول:لازم هذا-مضافا إلی أنّه أمر لا یقبل بالنسبة إلیه التنزیل-نعم یمکن أن ینزّل فعل الوارث و ردّه و استرداده منزلة الفسخ لا أنّه منزّل منزلة المیّت فی ماله من الفسخ-أنّه لو قیّد الفسخ بکونه بلسانه أیضا کان منتقلا بعد موته إلی الوارث،لأنّ المیّت ببدنه التنزیلی موجود فیفسخ بلسانه التنزیلی،و هو ممّا لا یلتزمون به.

و الذی یحسم مادّة الإشکال أن یقال:إنّ المیّت مالک فی حال ملک الورثة،و لا منافاة بین ملکیهما لکونهما مترتّبین أحدهما فی طول الآخر،فالمال فی جمیع الآنات ملک للوارث و المورّث معا،ألا تری أنّه لو عاد إلی الحیاة بالإعجاز

ص:543

یکون المال ماله و لیس مالا جدیدا له؟.

و حینئذ نقول:معنی فسخ الوارث إعادة کلّ من العوضین إلی مالکیهما السابقین عن ملک المالک الآخر أعنی:من المیّت إلی طرفه و بالعکس،و علی هذا لا یصحّ فسخه مع التقیید بلسان المیّت.

و أمّا الفسخ بشرط ردّ مثل الثمن بحیث کان الردّ مقدّمة للخیار لا فسخا فعلیّا،فوجه إرثه مع أنّ الشرط ردّ مثل الثمن من مال المیّت و الوارث یجوز ردّه من مال نفسه أنّ الشرط فی الحقیقة لیس مقیّدا بالمالیّة له،بل یکون المال قابلاً للأدائیّة و الوفائیّة للدین الحاصل بالفسخ،و لهذا یکفی ردّ المتبرّع أیضا.

و مال الوارث أیضا لا شکّ أنّه قابل لذلک بمعنی أنّه یحضر مقدار الثمن من مال نفسه ثمّ یفسخ،فیرجع الدار المبیعة إلی المیّت و تبقی ذمّة المیّت مشغولة بثمنها،فیؤدّی الوارث هذا الدین بذلک المال،و لیس الوجه کون الوارث نازلا منزلة المیّت،فکما کان له الفسخ بإحضار مقدار الثمن من مال نفسه فکذا للوارث.

إذا عرفت هذه المقدّمة تعرف أنّ مقتضاها جواز إرث الزوجة فی کلتا الصورتین،أعنی:فی صورة انتقال العقار عن المیّت و صورة انتقاله إلیه.

و أمّا ما أفاده شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی وجه المنع فیهما،أمّا فی الأولی:فبأنّ الخیار علاقة للمالک فی ما انتقل عنه و سلطنة له علی إعادته فی ملکه، و بعبارة أخری ملک للتملّک،و هذا المعنی لا یمکن انتقاله من المیّت بالنسبة إلی العقار إلی الزوجة،إذ لا سلطنة و لا علاقة لها علی العقار و تملّکه.

و أمّا فی الثانیة:فبأنّ الخیار حقّ إعادة المال المنتقل عنه بعد إحراز السلطنة علی ردّ المال الواصل بإزائه،فدلیل الخیار إنّما یثبت حقّ الإعادة لمن یقتدر علی ردّ

ص:544

ما وصل بإزاء المال-و لهذا لا یجوز خیار الوکیل-و هذا مفقود بالنسبة إلی الزوجة فی العقار.

و أمّا خیار الأجنبیّ فلا یرد نقضا علی کلا الوجهین،لأنّه أیضا مالک للتملّک و مسلّط علی ردّ ما وصل بإزاء المال لکن بالنسبة إلی من هو منصوب من قبله أعنی:إنّه مالک لأن یتملّک المال لمن هو من قبله،و کذلک السلطنة علی ردّ المال ثابتة لمن هو منصوب من قبله،و لا یجری هذا بالنسبة إلی الزوجة،لعدم العلاقة المذکورة و السلطنة المذکورة فیها لا بالنسبة إلی نفسها و لا بالنسبة إلی من هی من قبله،إذ لیست هی منصوبة من قبل أحد.

ثمّ قوّی التفصیل بین الصورتین بالإرث فی الثانیة و عدمه فی الأولی،أمّا الثانی فلما مرّ،و أمّا الأوّل فللفرق بین مسألتنا و مسألة الوکیل بما ذکره فی کلامه.

فقد استشکل علیه شیخنا الأستاذ بأنّ الذی نفهمه من حقّ الخیار أنّه حقّ علی التصرّف فی العقد و ولایة علیه،و هو یجتمع مع عدم الملک،فکما نتصوّر الولایة لشخص علی بیع مال شخص آخر،کذلک نتصوّر الولایة له علی فسخ عقد واقع علی مال آخر،و لیس عبارة عن علاقة فی المال بإعادته فی ملک النفس أو المنوب عنه،و إن أبیت إلاّ عن کونه حقّا فی المال فهو حقّ إعادته إلی ملک مالکه کائنا من کان،و لا یلزم أن یکون إلی نفس الفاسخ أو من هو من قبله.

نعم یبقی هنا ما ذکرناه سابقا فی فسخ الأجنبیّ من انصراف أدلّة الإرث عن حقّ لا ینتهی إلی نفع مالی للوارث،و الزوجة فی مسألتنا کذلک فی صورة انتقال العقار عن المیّت،فإنّ حقّ الخیار فی حقّها لا یزید علی مجرّد سلطنة اعتباریة من دون إفادة مال لها.

و یمکن الجواب بالفرق بین فسخ الأجنبیّ و فسخ الزوجة فی هذه الصورة،

ص:545

بأنّ الزوجة تحرز بهذه السلطنة إرثها من الثمن عن التفویت بناء علی ما هو الحقّ، و سیجیء إن شاء اللّه تعالی من أنّ إرث الورثة معناه قیام حقّ واحد کان للمورّث بمجموعهم بوصف المجموعیّة،بحیث لو لم یجتمعوا علی الفسخ لا یتحقّق الفسخ،فإنّه علی هذا لو کانت هذه السلطنة قائمة بمجموع منهم الزوجة،کانت فائدتها فی حقّها أنّه لو أراد سائر الورثة فسخ المعاملة الواقعة علی العقار الذی انتقل ثمنه إلی المیّت و ورثت منه الزوجة و امتنعت الزوجة یوجب ذلک بقاء ملکیّتها لسهمها من الثمن،و یکفی هذا المقدار للنفع المالی فی شمول دلیل الإرث لها.

ثمّ إنّ بعض الأساطین بعد الاعتراف بکون الفسخ حقّا علی العقد و أنّه لا یقتضی تملّک الفاسخ قال:إنّه عبارة عن الحلّ و لیس فی حقیقته الخروج من کیس شخص خاص و الدخول فی کیس شخص کذلک،و کون المیّت مع الطرف هما اللذین خرج و دخل عن کیس أحدهما و فیه إنّما هو من جهة الموردیّة،و إلاّ فالذی فی حقیقة الفسخ مأخوذ نفس حلّ المبادلة بین الملکین،و حیث إنّه حلّ من الحین لا محالة یعتبر ذلک بالنسبة إلی من هو مالک لهما فعلا و إن اختلف مع المالک حین العقد،هذا.

و مقتضاه کما تری أنّه فی صورة الانتقال إلی المیّت إذا فسخت الزوجة أو أحد من سائر الورثة ینتقل تمام الثمن من البائع إلی سائر الورثة غیر الزوجة، و ینتقل العقار منهم إلی البائع،و فی صورة الانتقال عنه ینتقل تمام الثمن من جمیع الورثة حتّی الزوجة إلی المشتری و ینتقل العقار منه إلی جمیعهم حتّی الزوجة،و لا مانع من ذلک لأنّه انتقال بإرث الخیار لا بإرث نفس العقار ابتداء.

هذا ما ذکره و لکنّک خبیر بعدم تعقّل ما أفاده و إن کان ذکر هو-قدّس

ص:546

سرّه-مثل ذلک فی حقیقة نفس البیع أیضا،و لکنّک خبیر بأنّ المبادلة لا بدّ أن تکون باعتبار إضافة الملکیّة،و الإضافة قائمة فی الطرفین بشخصیهما،فمعنی المبادلة أن یتبادل الإضافتان الشخصیّتان عن محلّیهما الشخصیین کما فی مبادلة الحجرین من مکانیهما الشخصیین.

و علی هذا فالحلّ عبارة عن حلّ تلک المبادلة القائمة بالشخصین المالکین حال المبادلة،فالمالک الشخصی حال المبادلة مأخوذ فی حقیقة المبادلة،و المالک الشخصی حالها أیضا معتبر فی حقیقة الفسخ لا المالک حال الفسخ،و هذا واضح.

و أیضا فکیف یقول هو فی حال تلف العینین أو إحدیهما مع أنّه لا مالک فعلی حال الفسخ،و کذلک إذا انتقلا أو أحدهما إلی ثالث؟فاللازم علی ما ذکره اعتبار التعاوض بین الثالث و الرابع دون طرفی العقد الأوّل و هو کما تری.

و علی کلّ حال فالذی هو المختار لشیخنا الأستاذ-دام بقاه-أنّ المال دائما متروک المیّت و هو موقوف علی محفوظیّة الإضافة إلیه فی جمیع الأوقات،فیقال:إنّه ماله و لم یذهبه معه بل ذهب و رحل و خلّف المال فی الدنیا،و إذن فمتی فسخ الوارث یعتبر حلّ المبادلة فی ما بین المیّت و طرفه،ثمّ یعامل معاملة الإرث فیما ینتقل إلیه و معاملة الدین فیما ینتقل عنه مع عدم بقاء عینه أو عدم کونه معیّنا.

بقی الکلام بناء علی ما اختاره شیخنا العلاّمة-أعلی اللّه مقامه-من اعتبار سلطنة ملک المستردّ لنفس الفاسخ أو من یقوم مقامه بعد سلطنته أو سلطنة من یقوم مقامه علی ردّ المال المردود فی الفرق بین الزوجة-حیث اختار إرثها من الخیار فی صورة انتقال العقار إلی المیّت-و بین الوکیل فی خیار المجلس.

ص:547

و حاصل ما ذکره:أنّ الوکیل لیس له سلطنة من خارج خیار المجلس علی ردّ مال موکّله،فالسلطنة لا بدّ من القول بها ببرکة الخیار و المفروض أنّ الخیار أیضا مع الفراغ عنها،و هذا بخلاف الحال فی الزوجة هنا فإنّ المورّث قبل موته کان له حقّ استرجاع الثمن بإرجاع العقار بلا تقیید بشیء،و بسبب ذلک تحقّقت علاقة للورثة حتّی الزوجة فی استرجاع الثمن إلیهم شأنا بتبع استرجاع مورّثهم،و هذا الحقّ بعینه بدون تغییر یصل إلیهم بعد موت المورّث،فحقّ الزوجة ثابت علی کلّ حال قلنا بخیارها أم لم نقل فلا نحتاج إلی إثبات سلطنتها علی ردّ ما بإزاء حصّتها أو تمام العقار من ناحیة الخیار کما فی الوکیل.

و حاصل مقصوده-قدّس سرّه-أنّ الخیار کما کان فی حیاة المورّث وصل إلی ورثته بلا تفاوت و لازم ذلک أنّه کما کان فی حیاته لو انتقل إلیه الثمن بالفسخ کان نسبته الشأنیّة إلی جمیع الورثة حتّی الزوجة نسبة واحدة من دون اختصاص له بغیرها کذلک بعد مماته أیضا عین هذا المعنی باق،فعین العقلة التی تکون لسائر الورثة فی الثمن تکون للزوجة،و هی فی حقّهم فعلیّة غیر منتظرة لشیء،فکذلک بالنسبة إلی الزوجة،و لازم ذلک عدم منعها عن الفسخ،إذ لو توقّف استیفاء حقّها بفسخ غیرها نافی ذلک مع فعلیّة حقّها و عدم اشتراطه بشیء و لا بفسخ أحد،إذ هذا هو الذی کان للمورّث فإنّ حقّه کان غیر مقیّد لا حکما و لا موضوعا بفسخ غیره،و لازم انتقال ذلک إلی الورثة بعده حدوث هذا الحقّ المطلق للزوجة.

و لهذا-أعنی:لعدم تغییر فی الحقّ عمّا هو علیه-لو ردّ سائر الورثة یصیر إلی الزوجة من الثمن بمقدار سهمها و لا یختص الثمن بغیرها.

و هذا مراده-قدّس سرّه-من العبارة،و لکن فسّره المحشّون بأنّ التزلزل بعد

ص:548

الموت ثابت علی کلّ حال سواء قلنا بثبوت الخیار للزوجة أم لا،لأنّ خیار سائر الورثة محفوظ.

و هذا یرد علیه الإشکال الواضح،و هو أنّ سائر الورثة لکون الشرط فی حقّهم موجودا استحقّوا الخیار،و أین هم من الزوجة التی هی فاقدة للشرط أعنی:

التسلّط علی ردّ ما وصل بإزاء المال،و بالجملة فساده بمثابة لا یمکن صدوره من مثل الشیخ بل أدنی طلبة.

ثمّ ذکر-قدّس سرّه-علی نحو الإشکال علی المستشکل فی إرث الزوجة فی صورة الانتقال إلی المیّت،بأنّ لازم منعها لأجل ما ذکر فی الوکیل منع سائر الورثة أیضا فی صورة الانتقال عن المیّت إذا کان الثمن معیّنا،و ورثت الزوجة منه سهمها،و قد فسّر بعض المحشّین هذه العبارة أیضا علی خلاف هذا،فراجع.

ثمّ إنّه یرد علی شیخنا العلاّمة-قدّس سرّه-علاوة علی ما تقدّم من عدم تعقّل الخیار إلاّ سلطنة علی حلّ العقد من دون اعتبار شیء آخر،أنّه لا وجه لما ذکره من أنّه لا بدّ أن یلاحظ السلطنة علی الردّ فی طول الخیار،أعنی موضوعا له و الخیار مترتّبا علیه،بل نقول:کما أنّ جعل الخیار و شرطه لأجنبیّ نصب له فی هذا الردّ،کذلک جعل الشارع أیضا یوجب نصب ذلک الأجنبیّ المشمول لعموم دلیل الخیار لهذا الردّ و استیلائه علیه فی عرض إعطاء سلطنة الاسترداد من دون أن یلاحظ إحدیهما موضوعا للأخری،فالمناط شمول دلیل الخیار و عدمه،فالوکیل فی مسألة خیار المجلس إن قلنا بصدق البیّع علیه نقول بثبوت الخیار له و إلاّ فلا.

تتمّة:هل خیار المجلس ینتقل إلی الوارث

عند موت أحد البیّعین أو کلیهما فیعتبر بقاء البدنین فی المجلس أو بقاء مجلس.أو لا ینتقل؟الظاهر هو الأخیر و ذلک لأنّ قوله:«ما لم یفترقا»ذو احتمالات:

ص:549

الأوّل:أن یکون المراد من الافتراق الذی اعتبر عدمه هو الافتراق حیّا و لازم ذلک بقاء الخیار فی صورة موتهما فی المجلس لوارثهما دائما،لامتناع تحقّق غایته.

الثانی:أن یراد منه الافتراق البدنی حیّین کانا أم میّتین،و لازم هذا أیضا الانتقال إلی الوارث و غایته افتراق بدنی المورّثین.

الثالث:أن یلاحظ عدم الافتراق فی من من شأنه الافتراق،و لازم هذا عدم الانتقال،لأنّ هذا العنوان ملازم مع الحیاة و ینسلب بالموت،فلا یصدق المتروک، و الظاهر من الوجوه المذکورة هو الأخیر،و قد عرفت سابقا أنّ الإضافة لو تحقّقت فی المورّث بتبع عنوان منع ذلک عن صدق المتروک بعد حیاته إلاّ أن لا یکون ذلک العنوان مسلوبا منه بعد الموت،و من هذا القبیل إرث الشفعة بناء علی اختصاصه بالشریک الواحد،فإنّ عنوان الشرکة و الواحدیّة باقیان بعد الموت،نظیر ما یملکه الکلالة الأمّی إذا کان واحدا بعنوان کونه واحدا من سدس ترکة المیّت،فإذا مات ینتقل إلی ورثته،لأنّ العنوان المذکور باق فیه،هذا.

مسألة:فی کیفیّة استحقاق الورثة لحقّ الخیار،

اشارة

اعلم أنّ الوجوه المتصوّرة أربعة:

الأوّل:أن یکون لکلّ وارث خیار مستقل فی کلّ المال

،کما کان للمورّث، غایة الأمر إن قلنا:إنّ الخیار سلطنة علی أمرین الفسخ و الإبرام،فأیّهما تحقّق من وارث لا ینفذ الآخر من وارث آخر،و إن قلنا:إنّه سلطنة علی الفسخ فالإمضاء من الوارث،لا یمنع من فسخ غیره من الورثة،لأنّه لا یقدر إلاّ علی إسقاط حقّ نفسه لا حقّ غیره.

الثانی:أن یکون لکلّ واحد حقّ فسخ مستقلّ فی مقدار نصیبه خاصّة،

غایة الأمر إن أجاز وارث و فسخ آخر تبعّض الصفقة علی المشتری و جاء له الخیار.

ص:550

الثالث:أن یکون للمجموع حقّ واحد علی فسخ کلّ المال،

فإن اجتمعوا علی الفسخ صحّ و إلاّ فلا،و الظاهر أنّه لو أسقط بعضهم حقّ شرکته معهم جاز و یصیر الحقّ لمن عداه.

الرابع:أن یکون الحقّ قائماً بالطبیعة المعتبرة

باعتبار صرف الوجود الصادق علی القلیل و الکثیر،و هذا یتّحد نتیجة مع الأوّل إلاّ فی الإسقاط،فإنّ إسقاط بعضهم یؤثّر فی إسقاط أصل الحقّ رأسا کما هو واضح،هذا بحسب التصویر.

و أمّا بحسب الاستظهار من الدلیل أعنی قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«ما ترک المیّت من حقّ أو مال فلوارثه»فالأظهر أن یقال:إنّه فی مقام الإهمال عن الکیفیّة،و إنّما هو فی مقام تعرّض أصل الإرث فی قبال أنّ المال لا یبقی معطّلا أو واصلا إلی غیر الورثة،فلا بدّ من أخذ القدر المتیقّن من بین الوجوه و هو کون الخیار للمجموع من حیث المجموع فإنّه لو اجتمعوا علی الفسخ یحصل الفسخ علی جمیع الوجوه،و فی غیره نشکّ فنرجع إلی أصالة اللزوم.

و لا یخفی أنّه لا ثمرة فی تعیین أنّ لفظ الوارث للجنس أو للاستغراق و کذلک لفظ الورثة،إذ علی تقدیر الجنس أیضا یمکن الاستغراق بلحاظ الطبیعة علی نحو الوجود الساری،نعم لو لوحظ علی نحو الوجود الصرف یظهر الثمر و لکنّه خلاف الظاهر،و إذن فمفاد لفظ الوارث و الورثة متّحد،و هو أنّ الحقّ المتروک یصیر إلی أشخاص الورثة،و حیث إنّه فی مقام الإهمال یبقی مردّدا بین الوجوه الأربعة و یکون المتیقّن هو القول بنفوذ فسخ الجمیع دون غیره.

ثمّ لو سلّمنا أنّه فی مقام البیان من حیث الکیفیّة أیضا و قلنا إنّه یعقل وصول حقّ شخصی إلی متعدّد،و لا یلزم أیضا خلاف ظاهر آخر من إرادة الاستغراق الذی قلنا إنّه الظاهر فلا یصیر دلیلا مع ذلک علی استقلال کلّ وارث

ص:551

فی حقّ الخیار،فغایة الأمر أنّ کلّ وارث یکون الحقّ المتروک ذا إضافة إلیه بحیث یصدق أن یقال:إنّه له،و لا شکّ أنّهم لو کانوا شرکاء فی حقّ واحد یصحّ أن یقال:الحقّ لهذا و لهذا و لهذا بنحو الاستغراق کما تقول:هذا و هذا و هذا بنحو الاستغراق شرکاء فی الحقّ.

لا یقال:الظاهر أنّ عین ما کان للمیّت یصل إلی الوارث،و ما للمیّت هو الحقّ الاستقلالی الذی لیس لأحد مزاحمته،فلا بدّ أن یکون للوارث أیضا کذلک لوحدة السیاق.

لأنّا نقول:الاستقلال غیر معلوم من اللام و إنّما المفهوم صرف الاختصاص الجامع و لازم تعلّقه بالواحد صار هو الاستقلال و لازم تعلّقه بالکثیر خروجه عن الاستقلال،نعم لو کان له إطلاق من حیث الأحوال و أنّه له سواء زاحمه غیره من الورثة أم لا کان ملازما مع الاستقلال،لکن یمکن منع هذا الإطلاق.

فتحقّق أنّه مردّد بین الاستقلال و بین الاشتراک بمعنی أن یکون قیام الحقّ بالمجموع.

و أمّا الاشتراک بمعنی استقلال کلّ وارث فی نصیبه فیمکن منعه بمخالفته لحقیقة الإرث،إذ الحقوق التی کانت للمیّت متجزّیة بتبع المحلّ،سلّمنا أنّ مقتضی الإرث فیها اشتراک الورّاث و توزیعه بینهم بتبع المحلّ و ذلک کحقّ التحجیر الموزّع علی أبعاض الأرض،حیث إنّه کان للمیّت التبعیض فی هذا الحقّ و الأخذ بتمامه،فمعنی إرثه بین الورثة سلّمنا إنّه أن یأخذ صاحب الربع الحقّ فی ربع الأرض و صاحب الثلث الحقّ فی ثلثه،و هکذا و لکن إذا کان الحقّ بالنسبة إلیه غیر مجزّی بتبع المحلّ کما فی حقّ الفسخ-حیث لم یکن للمیّت أن یفسخ العقد فی بعض المال دون بعضه-فالانتقال إلی الوارث لا یزید علی هذا الحقّ

ص:552

شیئا،لأنّه فرع للمیّت و زیادة الفرع علی الأصل محال،و معنی انتقال عین ما کان للمیّت إلی الورثة إمّا استقلال کلّ و إمّا قیام الحقّ بالمجموع.

و أمّا قیام الحقّ بالطبیعة الملحوظة باعتبار صرف الوجود فهو غیر محتمل، إذ الغرض نسبة الحقّ إلی الأشخاص،و علی تقدیر الکون لصرف الوجود لا نسبة له إلی الأشخاص.

و أمّا إرادة خصوص الاستقلال فی کلّ وارث بالنسبة إلی جمیع المال لا خصوص نصیبه فقد عرفت أنّه لا دلیل علیه،مضافا إلی ما ذکره شیخنا المرتضی -قدّس سرّه-من استلزامه الاستعمال فی أکثر من معنی،لأنّ الحقّ و المال کلاهما مذکوران فی ما قبل اللام،و حیث إنّ الاستقلال بالنسبة إلی المال غیر معقول فلا بدّ من ملاحظة العموم المجموعی بالنسبة إلیه،و الاستغراقی بالنسبة إلی الحقّ و هما استعمال للفظة الورثة فی معنیین.

بل قال شیخنا الأستاذ:یمکن أن یقال بعدم معقولیّته و دخوله فی عدم إمکان اجتماع اللحاظین،لأنّ هیئة المجموعیّة المحیطة بالآحاد إمّا أن یلغی فی النظر و تجعل مرآتا للآحاد فیکون استغراقیّا،و إمّا یلحظ موضوعا فیفید العموم المجموعی،و هذان اللحاظان غیر ممکن اجتماعهما،و نحن و إن جوّزنا الاستعمال فی أکثر من معنی و لکن اجتماع اللحاظین لا شکّ أنّه غیر جائز.

و أمّا ما ذکره شیخنا-قدّس سرّه-من القرینة العقلیّة علی عدم إرادة الاستقلال و هی عدم إمکان قیام الحقّ الواحد الشخصی بالمتعدّد،فیمکن النظر فیه بأنّ الملک و الحقّ سنخان متباینان من الإضافة،فالملک سنخه سنخ الجدة التی هی واحد من المقولات کالتنعّل و التقمّص،و من المعلوم استحالة قیام التنعّل الشخصی الواحد بشخصین أو أشخاص،و کذا الملکیّة الواحدة الشخصیّة.

ص:553

و أمّا الحقّ فهو نوع سلطنة کخیار الفسخ و هو بذاته غیر آب عن القیام بالمحلّ المتعدّد،بمعنی أنّ الجاعل لو جعل خیار الفسخ علی رأس واحد فلا محالة یکون قائماً بذلک الواحد و لا یزاحمه غیره،و لو جعله علی رأس کثیرین فلا محالة یکون کلّ صاحب سلطنة،و لازم تعدّد المحلّ أنّه یزاحم کلّ صاحبه.

ألا تری أنّ الوجوب الکفائی وجوب واحد متعلّق بالمتعدّدین و فعل کلّ واحد واجب نفسی لا مقدّمی،و مع ذلک الواجب واحد،و لهذا یسقط بإتیان الواحد،و تعلّقه بواحد ما أو بالمعیّن عند اللّه أو الجامع خلاف التحقیق،و کذلک إذا کان الأشخاص المتعدّدون علی الماء الواحد الغیر الکافی إلاّ لوضوء أحدهم، فالجمیع واجد أعنی کلّ واحد واجد إلی أن یسبق أحدهم بالحیازة و الصرف، فالوجدان الشخصی صار مضافا إلی أشخاص کثیرین.

ثمّ علی تقدیر الخیار للمجموع فإذا أجاز واحد منهم فإن کان راجعا إلی أنّه غیر موافق للباقین لو فسخوا،فلازم کونه جزءا لموضوع الخیار أن لا ینفذ فسخ الباقین،لأنّ موافقته جزء الموضوع،و إن کان راجعا إلی إسقاط حقّه حیث إنّه جزء الجمع الذی لهم الخیار فله إسقاط حقّ دخالته و انضمامه مع الباقین،فإنّه ینتزع من الحقّ للمجموع حقّ لکلّ واحد بأن ینضمّ رأیه إلی رأی الباقین و یکون له الدخالة،فإذا أسقط حقّ الدخالة لنفسه یصیر الحقّ للباقین.

و من هنا یظهر وجه حکم المشهور علی المحکیّ بأنّ عفو أحد الورثة عن حقّ الشفعة لا یوجب سقوطه عن غیره،مع جریان ما ذکرنا فی الخیار من ثبوت الحقّ للمجموع فی الشفعة أیضا حرفا بحرف لاتّحاد المدرک فی البابین،فإنّه یقال فی صورة کون مراد العافی إسقاط حقّ دخالة نفسه:إنّ لازم إخراج نفسه عن تحت الحقّ بقاء الحقّ للباقین،نظیر ارتفاع الوجوب عن بعض أبعاض المرکّب للحرج

ص:554

حیث یوجب بقاءه فی الحدّ الناقص منه،نعم لو کان مراده عدم موافقة الأخذ بالشفعة و أنّه غیر صلاح بنظره فلا وجه لما ذکروه.

و أمّا توجیهه بقاعدة لا ضرر-حیث إنّ سقوط حقّ الشفعة عن السائرین ضرر علیهم-فیمکن الخدشة فیه،و توضیح الخدشة یحتاج إلی تقدیم مقدّمة،و هی أنّه ورد فی بعض روایات الشفعة ذکر قاعدة لا ضرر تعلیلا لها،و هی روایة عقبة ابن خالد عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-«قال:قضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم بالشفعة بین الشرکاء فی الأرضین و المساکن و قال:لا ضرر و لا ضرار» (1).

و لا یخفی أنّه ظاهر فی أنّ وجه القضاء و الفتوی کان هو القاعدة،و الحال أنّا لو کنّا نحن و القاعدة لما استفدنا هذا الحکم منها،إذ أوّلا:لیس مجرّد تجدید الشریک ضررا علی الشریک دائما بل ربّما یکون نفعا له،نعم فی بعض الأحیان یوجب الابتلاء بالشریک السیئ الخلق و المعاشرة،فیستلزم الضرر الحالی.

و ثانیا:لا دلیل علی خصوص الأخذ بالشفعة بمعنی الإرجاع إلی نفسه بإعطاء الثمن من الکیس،لاندفاع الضرر بفسخ المعاملة،و لا یدفع بأنّه ضرر علی البائع،لأنّه کالبائع الغابن.

و ثالثا:لا خصوصیّة للبیع بل یجری هذا فی کلّ معاملة و لو صلحا أو هبة و نحوهما،و الحال أنّهم یخصّون الشفعة بالبیع.

و الذی یحسم مادّة الإشکال أن یقال:إنّ تعلیل الحکم قد یکون بالکبری لما لیس من مصادیقه-لحکمة أوجبت تعمیم الحکم إلی غیر المصادیق-نظیر حکم استحباب غسل الجمعة مع تعلیله برفع عفونة الإبط و حصول التنظیف،

ص:555


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 17،من أبواب الخیار،ص 364،ح 4.

فمطلوبیّة التنظیف هی الکبری و صارت حکمة لجعل حکم کلّی علی کلّ مکلّف و لو من کان إبطه ذا رائحة طیّبة،و الموجب لتعمیم الحکم عن دائرة مصادیق الکبری المطلوبة إلی غیرها،لا محالة مصالح مقتضیة لذلک،مثل أن یری الحاکم أنّه لو أناط الحکم بالمصادیق الواقعیّة ربّما یشتبه المکلّف المصادیق بغیرها و مثل ذلک.

إذا عرفت ذلک فنقول:یمکن أن یکون هناک مصالح اقتضت جعل حکم الشفعة فی خصوص البیع و لکنّ الداعی الأوّلی رعایة قاعدة لا ضرر فیصحّ لأجل ذلک،التعلیل بها،و یشهد لهذا قوله-علیه السلام-:«قضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم.و قال لا ضرر إلخ»،حیث إنّه ظاهر فی کون الشفعة جعلا و قضاء مستقلاّ غیر القاعدة، و لو کان من باب التطبیق لما کان هنا إلاّ جعل واحد،و إذن فلا یجوز لنا التعدّی من مورد یقین ثبوت الشفعة إلی موارد الشکّ بعموم لا ضرر.

و من هنا یظهر السرّ فی قضیّة سمرة بن جندب حیث وقع التعلیل بالقاعدة فی قلع شجرته أیضا،مع أنّا لو کنّا نحن و القاعدة لما فهمنا ذلک منها، فإنّه یقال:إنّ ذکر لا ضرر من باب الإشارة إلی الکبری المطلوبة التی یکون المنظور فی الحکومة المذکورة رعایة جانبها،غایة الأمر أنّ الموجود فی تلک القضیّة هو الحکومة الولائیّة،و الموجود فی باب الشفعة هو الحکم و الفتوی،فتدبّر.

بقی فی المقام فرعان تعرّض لهما شیخنا المرتضی-قدّس سرّه

أحدهما:لو اجتمع الورثة علی فسخ ما باعه مورّثهم فهنا صور ثلاث:

الأولی:أن یکون عین الثمن موجودا فی الترکة.

و الثانیة:أن یکون معدوما و لکن کان للمیّت ترکة سواء کان دین مستغرق أم لا،و سواء کان الفسخ مصلحة للدیّان أم لا.

ص:556

و الثالثة:أن لا یکون للمیّت ترکة أصلا.

فلا کلام فی الصورة الأولی من حیث وجوب دفع العین إلی المشتری،و أمّا الثانیة:فقوّی فیها أصل جواز الفسخ للوارث و تردّد فی اشتراطه بمصلحة الدیان و قال:إنّ المشتری أیضا کأحد من دیان المیّت یقسم معهم مال المیّت و ظاهره أنّه لو لم یف إلاّ ببعض الثمن یبقی الباقی دینا علی المیّت مع عدم ترکة وافیة بأدائه، و أمّا الثالثة فقوّی فیها أیضا جواز الفسخ و تردّد فی أنّ الثمن هل یکون فی ذمّة المیّت أو یشتغل به ذمّة الورثة؟و بنی المسألة علی أنّ المال بفسخ الورثة ینتقل إلی المیّت ثمّ یتلقّی الورثة منه،فلازمه اشتغال ذمّة المیّت،أو أنّ الورثة قائمون مقام المیّت،فکما أنّ المیّت کان یملک المال لنفسه بالفسخ قام الورثة من هذا الحیث مقامه و تشتغل ذمّتهم بالثمن.

ثمّ ذکر الفرع الثانی و هو:أنّه لو فسخ بعض الورثة

و قلنا بجوازه فهل ینتقل المبیع إلی جمیع الورثة،أو إلی خصوص الفاسخ؟و جعله أیضا مبنیّا علی الوجهین المذکورین،ثمّ قوّی الوجه الأخیر أعنی:الرجوع إلی نفس الفاسخ مستدلا علیه بجریان السیرة-فی ما لو کان للمورّث خیار الفسخ بردّ الثمن و ردّ الوارث مثل الثمن من ماله-بعدم إلزام الوارث بأداء دیون المیّت من ذلک المال المسترجع، و هذا شاهد علی أنّه ینتقل إلی نفس الوارث.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام بقاه-بأمور:

الأوّل:لا وجه لتفرقته-قدّس سرّه-بین الصورة الثانیة و الثالثة،حیث بنی اشتغال ذمّة الورثة أو المیّت بالثمن علی الوجهین فی الثالثة،و جزم بثبوت الثمن فی ترکة المیّت فی الثانیة مع أنّه أیضا متفرّع علی الوجهین کما هو واضح،إذ لو قلنا بانتقال المال إلی الوارث لا فرق فی اشتغال ذمّته و الثبوت فی ماله بین ثبوت مال للمیّت و عدمه.

ص:557

و الثانی:مقتضی ما قوّاه من الوجه الأخیر أنّه لو کان الفاسخ الزوجة، و المبیع العقار أن ینتقل إلیها،إذ لیس هذا من الإرث و إن کان الحق بالإرث،مع أنّه-قدّس سرّه-لم یلتزم بهذا فی ما تقدّم.

و الثالث:أنّ قضیّة الفسخ أن یکون حلاًّ للمبادلة و المفروض قیامها بالمیّت و طرفه،و حلّها إنّما هو بعکس المبادلة المذکورة و لازمه الانتقال إلی المیّت و عنه، و هذا و إن قلنا بعدم لزوم دخول العوض فی ملک من خرج عنه المعوّض فی أصل عقد المبادلة،و قلنا إنّ شراء المال لأن یدخل فی ملک الصدیق أیضا یصدق علیه حقیقة المبادلة لأنّ الحلّ لا بدّ و أن یتعلّق بشخص المبادلة الواقعة إن کانت بین المالکین فلا بدّ من اعتبار الحلّ بینهما،و إن وقعت بین المالک و صدیق المالک الآخر فلا بدّ من اعتبار الحلّ أیضا بین المالک و الصدیق،و إلاّ یخرج عن کونه حلاًّ لتلک المبادلة الواقعة.

و أمّا دلیل تنزیل الوارث،فغایة مفاده أنّه قائم مقام المیّت فی الحقّ و المال فیکونان مضافین إلیه لا أنّه قائم مقامه فی جمیع الأمور،و لا شکّ أنّ ما کان للمیّت هو حقّ الفسخ بحقیقته،و مجرّد ثبوت هذا للوارث لا یقتضی إلاّ أنّ حقیقة الفسخ یکون ثابتا للوارث لا شیء آخر لیس بفسخ و حلّ.

و أمّا السیرة التی صارت سببا لرجوعه-قدّس سرّه-،فالإنصاف أنّه استبعاد فی المحلّ و لا یختصّ هذا بالوارث بل یجری فی نفس المورّث حال حیاته أیضا لو فرض أنّه کان فاقدا للمال رأسا ففسخ،فإنّ الاستبعاد حینئذ أنّ هذا الفسخ ضرر علی المفسوخ علیه،و قد یلیق أن یسمّی سیرة،إذ قلّ أن یتّفق مثل هذه القضایا فی الخارج حتّی نعلم أنّ السیرة فیه ماذا.

و محصّل الکلام فیه:أنّ الخیار إن کان بجعل من المتعاقدین أمکن أن

ص:558

یقال:إنّه ضرر أقدم علیه حیث لم یقیّده بصورة إحضار مثل الثمن،و أمّا إن کان شرعیّا فإن کان دلیله الضرر کان هذا من تعارض فردی الضرر،و إن کان دلیله شیئا آخر فربّما أمکن أن یقال برفع الید عن إطلاق أو عموم ذلک الدلیل فی هذا المورد بحکومة لا ضرر،هذا.

مسألة:لو کان الخیار لأجنبیّ فمات الأجنبیّ فهل ینتقل إلی وارثه أو إلی من

اشترط له من المتعاقدین أو یسقط؟

الظاهر الأخیر.

أمّا أوّلا:فلما تقدّم الإشارة إلیه من قصور دلیل الإرث عن شمول الحقّ الذی لا یحصل من نفس اعماله المال و انصرافه إلی ما یحصل منه.

و أمّا ثانیا:فمن الممکن أن یقال:إنّ اعتبار الحقّ یکون لمن اشترط له،فلا حقّ لنفس الأجنبیّ حتّی یرثه وارثه،و لا وجه للانتقال إلی من اشترط له بعد فرض اشتراط مباشرة الأجنبیّ.

و أمّا ثالثا:سلّمنا عدم الانصراف و ثبوت الحقّ الطولی للأجنبی بأن یقال:

للمشروط له حقّ أن یکون للأجنبیّ حقّ،و لکنّ الظاهر أو المحتمل کونه للأجنبی ما دام حیّا،فالتقیید بالحیاة مأخوذ فیه،و مثل هذا لا یسمّی متروکا بعد موته کما تقدّم الإشارة إلیه سابقا.

ثمّ إنّه ذکر العلاّمة فی القواعد علی ما حکی أنّه لو جعل الخیار لعبد أحدهما فالخیار لمولاه،و لو کان العبد لأجنبیّ لم یملک مولاه،و لا یتوقّف علی رضاه إذا لم یمنع حقّا للمولی.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:الإنصاف أنّه لم یظهر وجه للفرق بین المسألتین،نعم یمکن أن یقال فی کلّی المسألة،إمّا فی أصل نفوذ جعل الخیار للعبد من دون توقّف علی رضاه أو رضی مولاه،فهو مقتضی القاعدة من أنّه لا دلیل

ص:559

علی لزوم القبول فی أمثال هذه الإیجابات التی مشتملة علی تملیک مال أو جعل حقّ للغیر مجّانا و بلا عوض مالی علیه،فلا مانع من القول بنفوذه و لو لم یلتفت.

نعم له الردّ بعد الالتفات،و أین هو من اشتراط القبول فی أصل النفوذ؟ و یظهر الثمر فی ما لو مات قبل الردّ فإنّه یحسب من ترکته علی ما قلنا،بخلاف ما لو قلنا باشتراط القبول.

و علی هذا فنقول:جعل الخیار للعبد أیضا غیر محتاج إلی قبول،نعم لو احتاج إلیه کان قبوله محتاجا إلی إجازة السیّد،لأنّه داخل فی الروایة التی نفی استقلال العبد فی أمر الطلاق مستدلا بأنّه «عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ» ،قال -علیه السلام-:«و شیء الطلاق»،فإنّه یقال فی المقام:و القبول شیء،هذا فی أصل انعقاد الخیار المجعول للعبد.

و أمّا فسخه بعد الانعقاد،فلا إشکال فی تحریمه تکلیفا لو منعه المولی،و أمّا نفوذه وضعا فربّما یقال:إنّه أثر قهریّ لتحقّق الحقّ و إلاّ یلزم نقصان فی حقّه.

و الإنصاف أنّ الحقّ أیضا کالملک مجامع مع عدم نفوذ التصرّف،فکما أنّ ملک الصغیر أمر مجامع مع عدم نفوذ تصرّفاته،کذلک الحقّ هنا أیضا شیء متصوّر غیر السلطنة مجامع مع المحجوریّة عن التصرّف،و إذن فیصحّ أن یقال:إنّ المولی متی منعه عن الفسخ ففسخه غیر نافذ،و متی أمره به و امتنع أجبره علیه و إلاّ فعله کما هو الحال فی بیع ماله و طلاق امرأته.

هذا علی ما هو الظاهر من الروایة المشار إلیها من شمول المنع لما لا ینافی حقّ المولی،فإنّ إجراء صیغة الطلاق أیضا لا ینافی شیئا من حقوق المولی،نعم إن قلنا:لا دلیل علی المنع فی غیر ما یزاحم حقّ المولی فلا مانع من فسخه عند عدم المزاحمة.

ص:560

مسألة:فی أنّه کما یکون تصرّف ذی الخیار فی ما انتقل إلیه إجازة هل یکون

اشارة

فی ما انتقل عنه فسخا أو لا؟

و الکلام هنا فی ثلاثة مقامات:

الأوّل:فی أنّه عند وجود الاحتمالات فی التصرّف منها کونه بعنوان الفسخ، و منها کونه غفلة،و منها کونه عدوانا،و منها کونه فضولة هل هنا أصل یعیّن کونه فسخا أو لا بدّ من تشخیص ذلک من مظانّه؟ الثانی:هل الفسخ یحصل بالفعل کما یحصل بالقول أو لا بدّ فیه من القول؟ الثالث:علی تقدیر القول بأنّه یحصل بالفعل أیضا هل ینفذ التصرّف المترتّب علیه طولا،أعنی:البیع الذی وقع الفسخ به مثلا هل یکون نافذا صحیحا أیضا أو لا؟و منشأ الإشکال أنّه من صغریات«من باع ثمّ ملک».

و حاصل الکلام،أمّا فی المقام الأوّل:فهو أنّ هنا صورتین:

الأولی:أن یکون أمر التصرّف دائرا بین الفسخ و الغفلة عن کونه منتقلا عنه إلی الغیر و حسبان أنّه باق علی ملکه،و الظاهر فی هذه الصورة عدم الإشکال فی أنّ أصالة عدم السهو و النسیان جاریة و بها یثبت کونه قاصدا إلی الفسخ،لأنّه من الأصول و الأمارات التی تثبت بها اللوازم.

و الثانیة:أن یدور بین العمد و السهو،و العمد أیضا یدور بین الفضولیّة و الغصب و الفسخ،فحینئذ أصالة عدم السهو نافیة للسهو،و لکن یبقی الأمر بین الثلاثة،و یمکن نفی احتمال الفضولیّة أیضا بظهور صیغة بعت مثلا فی الاستقلال و عدم کونه نائبا فی هذا الإنشاء عن الغیر،فیبقی احتمال الغصبیّة، و إجراء أصالة حمل فعل المسلم علی الصحیح الظاهر عدم کونه مثمرا فی ما نحن بصدده،و إنّما هو فی مقام المعاشرة دون ترتیب آثار الواقع،فغایة ما یثبت أنّه لم

ص:561

یتصرّف عدوانا،و أمّا أنّه أنشأ الفسخ فلا،إلاّ أن یقال فی خصوص ما إذا کان التصرّف عقدا مثل البیع و الهبة و الإجارة أنّ البناء علی ترتیب آثار الصحّة الواقعیّة، فکما أنّه لو شکّ فی تحقّق القبض فی الصرف یبنون علی وجوده،کذلک لو شکّ فی تحقّق الملکیّة یبنون علی وجودها.

لا یقال:الملکیّة لیست من شرائط الصحّة الواقعیّة و لو مع حفظ الاستقلال فی الإنشاء،لفرض صحّة بیع الغاصب لنفسه.

لأنّا نقول:نعم الصحّة التأهلیّة محرزة و لا تحتاج إلی الأصل،و الذی نحتاج فی إحرازه إلی الأصل و هو الفعلیّة غیر متحقّقة فی بیع الغاصب لنفسه،فالملکیّة شرط لهذه الصحّة لکن هذا علی تقدیر صحّته إنّما یتمّ فی مثل العقود،و أمّا فی غیرها مثل الوطی المردّد بین الزنا و الفسخ،فلا یوجب الحمل علی الصحیح إلاّ نفی الحدّ دون کونه بإنشاء الفسخ،هذا.

و أمّا المقام الثانی:فمحصّل الکلام فیه أنّ الکراهة الباطنیّة الغیر المصحوبة مع المظهر لا یکون فسخا عرفا و کذا الأخبار الذی اقترن مع الکراهة الباطنیّة و الرجوع الباطنی،و أمّا المظهر الإنشائی أعنی:کونه قاصدا حکایة نفس الرجوع القلبی بنحو حقّق فی محلّه فی الفرق بین الإنشاء و الإخبار الصادق،بأن یکون المستعمل فیه فی اللفظ و المحکیّ فی غیره ابتداء نفس المعنی القلبی بحقیقته الخارجیّة،لا أن تکون الحکایة أوّلا عن المفهوم و بتوسّطه عن حقیقة الوجود الخارجی حتّی یکون الانفکاک کذبا،بل یکون بحیث یکون الانفکاک نوع خلوّ اللفظ عن المعنی و کونه مهملا.

و بالجملة:وجود هذا النحو من المظهر عن الرجوع القلبی أیضا لازم بحکم العرف،و أمّا زیادة علی ذلک لزوم کونه باللفظ دون الفعل فضلا عن کونه بقول

ص:562

مخصوص،فیمکن الجزم بعدم دخالته لصدق الفسخ عرفا علی الفعل الدالّ بالنحو الذی ذکرنا.

و أمّا المقام الثالث:فلا بدّ من فرض الکلام فی ما إذا لم یسبق صیغة البیع بمقاولة أصلا،و إلاّ کانت المقاولة السابقة فسخا و البیع واقعا بعد تحقّق الملک، و أمّا إذا لم یسبق بذلک فحینئذ قد یتکلّم علی مبنی من یجعل المعانی الإنشائیّة أمورا نفسیّة کشف عن حقیقتها دوالّها،و قد یتکلّم علی مبنی من یجعلها أمورا مجعولة بالأقوال و الأفعال،أمّا علی الأخیر فالأمر واضح لأنّ القائل بجعل أمر الإنشائیات خفیف المئونة،فیمکن أن یجعل اللفظ الواحد موجدا لمعنیین بأن یقصد حصول الفسخ أوّلا ثمّ البیع ثانیا و یقصد حصول هذین المترتّبین بقول واحد و هو بعت.

و أمّا علی الأوّل فنقول:المفروض کشف کلمة«بعت»أوّلا عن حقیقة معنی البیع فی النفس و طولا عن حقیقة معنی الفسخ فیها،و لا مانع من إظهار کلتا الحقیقتین بدالّ واحد طولا کما فی الکنایات التی ینتقل فیها من اللوازم إلی الملزومات،و إذن فلا یلزم تأخّر زمان حصول الملکیّة عن زمان النقل و البیع حتّی یندرج فی عنوان من باع ثمّ ملک بل هما متقارنان زمانا.

نعم بحسب الرتبة یصدق علیه أنّه باع أوّلا ثمّ ملک،لأنّ الکشف عن الفسخ المملّک یکون تبعا للکشف عن البیع،فالبیع المسبّب عن الکشف المتبوع یکون فی عرض الکشف التابع الذی هو علّة للفسخ المملّک،فالبیع متقدّم رتبة علی حصول الملک.

و بالجملة:الإشکال من وجهین الأوّل:کیف یمکن أن یؤثّر الشیء الواحد فی أمرین متضادّین أعنی:الإدخال فی الملک و الإخراج عن الملک؟و الثانی:

ص:563

مقتضی قوله-علیه السلام-:«لا بیع إلاّ فی ملک»کون البیع متوقّفا علی الملک،فلو توقّف الملک أیضا علی البیع کما هو الفرض لزم الدور.

فالجواب عن الأوّل أنّ فی النفس حالتین:الکراهة و الإرادة،و اللفظ یدلّ أوّلا علی إرادة البیع مطابقة،و فی طول هذه الدلالة المطابقیّة یدلّ التزاما علی کراهة البیع الأوّل،فهما دالاّن و مدلولان،فاللفظ بذاته یدلّ علی المدلول المطابقی و بوصف کونه دالاّ علیه یدلّ علی الالتزامی.

و أمّا عن الثانی فأوّلا نقول:المراد من البیع فی قوله-علیه السلام-:«لا بیع إلاّ فی ملک»هو البیع المسبّب أعنی النقل و الانتقال العرفی الخارجی الذی هو متأخّر عن الإیجاب و القبول،و لا شکّ أنّه متأخّر عن حصول الملکیّة،لأنّ الملک و الفسخ یحصل بالإیجاب،و البیع بهذا المعنی یحصل بعد القبول.

و ثانیا:سلّمنا أنّ المراد به هو البیع السببی،أعنی:إنشاء البیع و لکن نقول:

الحصر فی قوله-علیه السلام-إضافی،و المقصود نفی البیعیّة عمّا تداول فی الناس من بیع مال الغیر عن أنفسهم بمجرّد الاقتدار و السلطنة علی الشراء من صاحبه،و لهذا وقع الاستفسار فی الأخبار فی جواب السائل عن هذه القضیّة بقولهم-علیهم السلام.

«أ لیس إن شاء أخذ و إن شاء ترک؟» (1)فإن قال:نعم جوّزوه،و إلاّ أجابوا بهذه الکلمة و ما یؤدّی مؤدّاها.

و الحاصل:أنّ البائع لمال الغیر عن نفسه بعد عدم کونه بائعا عن المالک الکلّی،بل عن الشخصی حال البیع-و المفروض أنّه غیر مالک-یتصوّر علی أنحاء،الأوّل:أن یکون قاصدا جدّا علی نحو مجاز السکّاکی و تنزیل نفسه منزلة المالک و هو فی الغاصب.

ص:564


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 8،من أبواب أحکام العقود،ص 376،ح 4.

و الثانی:أن یبیع العین الشخصیّة المملوکة للغیر متعهّدا لها کما یتعهّد فی بیع الکلّی و یکون المصحّح اقتداره علی التحصیل،فإذا اشتراه و أتی به إلی المشتری یکون أداء لما فی العهدة،و لیس للمشتری الامتناع من الأخذ کما فی تسلیم المصداق فی بیع الکلّی.

و الثالث:أن یکون علی نحو التعلیق بزمان حصول الملک و ما نحن فیه من هذا القبیل،غایة الأمر یحصل المعلّق علیه بنفس الصیغة،و حینئذ فقولهم -علیهم السلام-:«لا تبع ما لیس عندک»أو«لا بیع إلاّ فی ملک»إمّا ناظر إلی خصوص القسم الثانی-کما یشهد به بعض القرائن فی تلک الأخبار-و حینئذ لا ربط له بما نحن فیه،و إمّا شامل للقسم الأخیر أیضا و حینئذ أیضا یکون منصرفا إلی التعلیقات المتأخّر زمان وجود الملکیّة عن زمان الإنشاء.

و کذلک الدلیل الدالّ علی بطلان التعلیق فی البیع غیر شامل لهذا،لأنّه إمّا الإجماع و هو مفقود فی المقام،و إمّا انصراف أدلّة عناوین المعاملة إلی الفعلی دون التعلیقی-مثل البیع بشرط موت الأب و حصول الملک بالمیراث و کما فی إسقاط حقّ الخیار بشرط حدوثه فی الغد فی البیع الذی یتبانیان علی إنشائه فی الغد،أو الضمان للدین الذی تنشأ صیغته فی الغد-و هذا أیضا مفقود فإنّ المسلّم من الانصراف إنّما هو بالنسبة إلی التعلیق المحتاج إلی مضیّ زمان،و أمّا ما کان مجرّد تأخّر الرتبة أو إلی حصول القبول فالعمومات شاملة له،و لهذا قلنا بصحّة إسقاط حقّ الخیار الحادث بالعقد فی ضمن ذلک العقد.

و علی هذا فلا مانع من صحّة التصرّفات المذکورة،و لا یخفی الفرق بین ما ذکرناه و ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،فإنّه ذکر وجهین لصحّتها:

الأوّل:أنّ المراد بالبیع هو المسبّب و لا شبهة فی تأخّره عن الملک،لأنّه

ص:565

بالقبول و الملک بالإیجاب.

و الثانی:أنّ المراد به الإنشاء و لکن لیس المقصود نفیه بتمام أجزائه عن ملک الغیر حتّی یلزم تقدّم الملک علی جمیع أجزائه حتّی یصدق أنّه بتمام أجزائه فی الملک قضیة لحقّ الظرفیّة،فإنّها غیر صادقة مع المقارنة،بل المقصود نفیه بجزئه الأخیر عن الوقوع فی ملک الغیر،فاللازم تحقّق جزئه الأخیر متأخّرا عن ملک البائع و هو هنا حاصل،لأنّ الفسخ یحصل بالجزء الأوّل أعنی قوله:بع،و الجزء الأخیر أعنی«تاء»بعت یحصل عقیب حصول الملکیّة.

نعم لو کان المقصود نفیه بتمام الأجزاء فاللازم سبق الملک علی جمیع الأجزاء و هو منتف،غایة الأمر إن قلنا بالجزء الذی لا یتجزّأ تحصل المقارنة بین الملک و الجزء الأوّل للعقد،و إن لم نقل به کما هو الحقّ کان الملک متأخّرا عن الجزء الأوّل للعقد،و الجزء الأوّل سابقا علیه و قد کان المعتبر سبق الملکیّة علی مجموع الأجزاء، هذا محصّل ما ذکره.

و أنت خبیر بأنّ الوجه الثانی لا یتمّ إلاّ إذا کان قوله:«بع»قبل مجیئ«التاء» کاشفا عرفیّا و لو بضمیمة القرائن،و أمّا لو احتمل أنّه غیر قاصد به إلاّ جریان اللسان مثلا فلا یتمّ ما ذکره قدّس سرّه،و أمّا علی ما ذکرنا فلا یفرق الحال بین دلالة«بع»عرفا و عدمها،فإنّ قوله:«بعت»بتمامه دالّ عرفیّ و هو کاف فی الصحّة بالتقریب الذی تقدّم،هذا.

ثمّ إنّ هنا سؤالا علیه-قدّس سرّه-فی الفرق الذی ذکره بین القول بالجزء الذی لا یتجزّأ و غیره مع أنّه لا فرق ظاهرا علی کلا القولین فی حصول السبق للجزء الأوّل من العقد علی مسبّبه الذی هو الملکیّة،و کون الجزء لا یتجزّی لا یفید مقارنته مع معلوله.

ص:566

و یمکن الجواب بأنّ مراده-قدّس سرّه-هو المقارنة الزمانیّة مع السبق الرتبی فی صورة القول بالجزء الذی لا یتجزّی بخلاف غیره،فإنّه علی تقدیر العدم یکون الجزء السبب لا محالة ذا أجزاء،فیکون بعض أجزائه مقدّما زمانا لفرض تدرّجه،بخلاف الجزء الذی لا یتجزّأ فإنّه سابق رتبة و مقارن زمانا فإنّه النقطة.

ثمّ هذا کلّه فی العقد الواقع علی ما انتقل عنه،و أمّا مثل الوطی فلا محیص عن القول بحرمة مقدار منه یقع به الفسخ،و أمّا القول بأنّ کونه وسیلة للفسخ مجوّز له،ففیه أنّ الثابت فی الفسخ إنّما هو الجواز الوضعی دون التکلیفی.

نعم لو کان هنا-کما فی باب الرجوع فی عدّة المطلّقة الرجعیّة-دلیل ناصّ فی خصوص الوطی و أمثاله:لقلنا-جمعا بینه و بین عموم ما دلّ علی أنّ«لا وطی إلاّ فی الملک»-:إمّا بتخصیص ذلک الدلیل و أنّ وطی غیر الملک صار هنا جائزا، و إمّا بحمل ذلک العموم علی صورة استقرار ملک الغیر فلا یشمل مثل المقام الذی یخرج عن الملک بنفس هذا الوطی،و إمّا بحصول الملک و الانفساخ آنا ما قبل الوطی حتّی لا یرد التخصیص علی ذلک العموم،و لکنّ المفروض عدم الدلیل الناصّ فی هذا الباب،و إذن فلا محیص عن القول بحرمة الجزء الأوّل.

نعم لا یبعد أن یقال:إنّ باب الإمضاء و باب الفسخ غیر أبواب المعاملات،ففی المعاملات نحتاج إلی الإنشاء القولی أو الفعلی و لا ینعقد بغیر ذلک،و أمّا باب الإمضاء فهو عبارة عن صرف الرضی الباطنی،غایة الأمر أنّ الرضی ما دام لم یصل إلی مرتبة الإظهار إمّا بالقول أو بالفعل لا یسمّی إمضاء، فالإمضاء عبارة عن المرتبة الواصلة إلی مرتبة الإظهار و لو فرض حدوث مانع قهری عن تحقّق الإظهار مثل الموت کفی فی تحقّق الإمضاء تلک الحالة النفسانیة.

ص:567

و الحاصل:ما یکون ملازما مع الإظهار لو لم یمنع عنه مانع غیر اختیاری هو الإمضاء،و بقرینة المقابلة یکون[الفسخ]عبارة عن الکراهة المقابلة لذلک الرضی،و علی هذا فیکون الفعل و القول کاشفین عن تحقّق تلک الحالة قبیلهما، و بتحقّقها یتحقّق الفسخ فیرتفع الإشکال علی هذا عن جواز تلک التصرّفات وضعا و تکلیفا.

فرع:لو اشتری عبدا بجاریة مع الخیار

ثمّ قال:أعتقتهما و المفروض أنّه لو قال:أعتقت العبد،کان رضی بالمعاملة،و لو قال:أعتقت الجاریة،کان فسخا لها،ففی الصورة المفروضة لا یمکن أن یتحقّق الإمضاء و الفسخ معا،فهل یتحقّق الإمضاء و ینعتق العبد،أو الفسخ و تنعتق الجاریة أو لا ذاک و لا ذاک،بل العقد باق و الخیار أیضا باق و العبد و الجاریة غیر منعتقین؟ قد یقال:بأنّ سبب الإمضاء و الفسخ إذا تعارضا و تساقطا نأخذ بإنشاء عتق العبد،و إن لم ینطبق علیه الإمضاء،لأنّه تصرّف من المالک وقع فی ملکه، بخلاف عتق الجاریة فإنّه فی ملک الغیر،فإذا انعتق العبد یسقط الخیار لا لأجل کون عتق العبد إمضاء بل لأجل فوات الموضوع الذی تعلّق به الخیار عند ذی الخیار،و قد تقدّم فی بعض المباحث السابقة سقوط الخیار بهذا.

و فیه:أنّ الباب لیس باب التزاحم بین السّببین أعنی سبب الإمضاء و سبب الفسخ حتّی نعلم بتساقطهما فی التأثیر،بل المقام مقام التعارض بین الظهورین، لأنّ الجدّ فی الإنشاء بین الأمرین فی زمان واحد غیر ممکن،بل الواقع إمّا الإمضاء و إمّا الفسخ.

و حینئذ إمّا یقال بعدم الظهور رأسا فی شیء من الطرفین فیبقی الإنشاء خالیا عن الإظهار فلا إشکال فی نفوذ عتق العبد.

ص:568

و إمّا یقال بتحقّق الظهورین فی حدّ نفسهما و تعارضهما و عدم إضرار التعارض فی تحقّق الفسخ،بل المناط هو الظهور الذاتی المحفوظ مع التعارض، و حینئذ فمن المحتمل کون الواقع فی النفس هو إنشاء الفسخ فقط،و علی تقدیره یکون مانعا عن نفوذ عتق العبد،لأنّ عتق العبد إنّما ینفذ فی ما إذا لم ینفسخ العقد الواقع علیه فی عرضه،بل و کذا سائر التصرّفات إنّما تنفذ فی ما إذا لم یتحقّق الفسخ مقارنا لها،و دلیل نفوذ التصرّفات منصرف عن مثل هذا،فیکون التصرّف النافذ مقیّدا بعدم المقارنة مع الفسخ بخلاف الفسخ،فإنّه تصرّف فی العقد و لیس مقیّدا بعدم وقوع تصرّف مقارن معه فی المال.

و حینئذ فنقول:عتق العبد قد تحقّق الإنشاء الجدّی بالنسبة إلیه قطعا و لا ینافیه الإنشاء الجدّی بالنسبة إلی عتق الجاریة،لأنّهما مجتمعان کما فی إنشاء الفضولی لنفسه،و الذی لا یمکن هو اجتماع الجدّ بالإمضاء و الفسخ،و أمّا العتق للعبد و الجاریة التی ثمنها لا بالعنوانین فلا مانع من تمشّی الجدّ بالنسبة إلیهما معا فی زمان واحد.

و بالجملة:الجدّ فی إنشاء عتق العبد محرز و المانع منه و هو قصد إنشاء الفسخ لعتق الجاریة محتمل،و هو مدفوع بالأصل فیکون نافذا و بسببه یسقط الخیار و یثبت العقد،و لعلّ هذا مراد من قال فی المسألة بتقدیم جانب الإجازة لمطابقتها لأصالة بقاء العقد و عدم تحقّق الفسخ.

و یشکل بأنّه کما أنّ الإجازة و الفسخ لیسا من باب التزاحم لعدم إمکان اجتماعهما کذلک جدّ إنشاء العتق فی العبد مع إنشاء الفسخ غیر ممکن اجتماعهما، لأنّ الأوّل تحریر العبد،و الثانی إدخاله فی ملک الطرف،و لا یمکن الجدّ بهما من شخص واحد فی زمان واحد،فاللازم القول بأنّ المقام مقام تعارض الظهورین

ص:569

أیضا فلیس لنا جدّ بإنشاء العتق فی العبد حتّی نضمّ إلیه أصالة عدم تحقّق الفسخ لاحتمال أن لا یکون الجدّ إلاّ بالفسخ.

نعم هذان الظهوران و إن کانا متّصلین و فی کلام واحد،و لکنّهما لا یخرجان عن کونهما ظهورین فی حدّ ذاتهما کما فی الخبرین المتعارضین،غایة الأمر إنّ الظهور مستقرّ فی الخبرین و هنا غیر مستقرّ،لکنّهما مشترکان فی نفی الثالث.

و بعبارة أخری أحد الظهورین بلا عنوان ظهور مستقرّ حجّة فی کلا المقامین،و لازم هذا هو القول بسقوط الخیار إمّا بانتفاء الموضوع و إمّا بالفسخ.

لا یقال:لا یکفی فی الفسخ مثل هذا الظهور،لأنّا نقول:المعتبر نفس الظهور الذاتی و هو محفوظ و أمّا الحجّیة فلا،و بالجملة یکون سقوط الخیار علی هذا مقطوعا به کما أنّ تصرّف المعتق فی العبد غیر جائز لأنّه مقطوع الزوال عن ملکه.

ثمّ علی تقدیر کون المقام من باب تزاحم السببین-کما هو الظاهر من کلام شیخنا المرتضی قدّس سرّه-فإن قلنا فی الإجازة و الفسخ کلیهما بأنّ المؤثّر هو الحالة القلبیّة الملازمة للإظهار أو فی کلیهما الإظهار فلا مناص عن التساقط لبطلان الترجیح بلا مرجّح بعد عدم إمکان اجتماعهما فی التأثیر،فاللازم بقاء الخیار و الملکیّتین.

نعم لو قلنا باختلاف الحال فی البابین و أنّ المؤثّر فی أحدهما الحالة القلبیّة و فی الآخر الإظهار کان التأثیر لما هو عبارة عن الحالة القلبیّة لتقدّمه علی الآخر الذی هو الإظهار.

ثمّ هذا فی صورة کون الخیار للمشتری فقط،و لو کان للبائع فقط فلا إشکال فی بطلان عتق الجاریة فی فرض المسألة و هو عتق المشتری لهما،لعدم قبوله

ص:570

للفضولیّة،و أمّا عتق العبد فیبنی علی جواز تصرّفات غیر ذی الخیار فی زمن الخیار و عدمه،کما أنّه فی صورة ثبوت الخیار لهما معا فالمسألة مبنیّة علی جواز تصرّفات المالک فی ماله مع ثبوت الخیار لمالکه الأصلی،فإن قلنا بالجواز جری فیه جمیع ما تقدّم فی الصورة الأولی حرفا بحرف و إلاّ فالمتحقّق عتق الجاریة فیتحقّق الفسخ -دون العبد-کما هو واضح.

و من أحکام الخیار:عدم جواز تصرّف غیر ذی الخیار فی ما انتقل إلیه،

اشارة

اعلم أنّ هنا کلاما من حیث الکبری و کلاما من حیث الصغری.

أمّا الأوّل:فهو أنّ کلّما تحقّق للغیر حقّ فی عین لا یجوز للمالک التصرّفات

المتلفة لها،

لأنّها تضییع لمورد حقّ الغیر و هو حرام،و الظاهر أنّ الحرمة التکلیفیّة ممّا لا شبهة فیه،و أمّا الوضعیة فهی و إن کانت مقتضی کلمات العلماء-حیث یشترطون فی البیع أن یکون المبیع و کذا الثمن ملکا طلقا-و لکن لقائل أن یمنعها لو لم یکن إجماع و الظاهر عدمه،لأنّ ظاهر کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی الخیار المجعول بالشرط نفوذ التصرّف مع تسلیم تضمّن شرط الخیار لشرط الإبقاء، فلذی الخیار حقّ الإبقاء،و أمّا وجه الجواز علی حسب القاعدة فلأنّه تصرّف وقع من أهله فی محلّه.

لا یقال:إنّه خلاف سلطنة صاحب الحقّ علی حقّه کما یستدلّ لبطلان تصرّف غیر المالک بکونه خلاف سلطنة المالک علی ملکه.

لأنّا نقول:هذا أوّل الکلام،أعنی:کون صاحب الحقّ سلطانا حتّی من هذه الجهة،و إنّما المسلّم له بعض أنحاء السلطنة مثل جواز الإسقاط و النقل،و أمّا تسلّطه بحیث لا ینفذ تصرّف المالک إلاّ بإذنه فهذا سلطنة أخری لا یوجب مجرّد ثبوت الأنحاء الأخر ثبوتها،فمن الممکن أن ینفذ تصرّف المالک فیکون مثل أکله

ص:571

و إتلافه لنفس العین فی کونه إتلافا و إن کان محرّما تکلیفا،و الحرمة التکلیفیّة هنا لا تنافی الوضع بل لا تعقل بدونه کما هو واضح،هذا هو الکلام بحسب الکبری.

و أمّا الصغری أعنی:کون حقّ الخیار متعلّقا بالعین،

اشارة

فربّما یمنع و یقال بأنّه متعلّق بالعقد،و لکنّه مدفوع أوّلا بما مرّ مرارا:من أنّ معنی الفسخ حلّ المبادلة و کما کانت المبادلة بین العین و العین بحیث لو کانت إحداهما معدومة ما صحّت المبادلة و لم ینتقل إلی البدل کذلک الفسخ یکون بینهما لأنّه حلّ تلک المبادلة المفروض تقوّمها بهما.

و ثانیا:سلّمنا کونه متعلّقا بالعقد لکن ما الفرق فی ما هو الملاک بین کونه متعلّقا به أو بالعین،فإنّ تضییع الحقّ فی الصورتین متحقّق،إذ علی تقدیر تعلّقه بالعقد أیضا فأنتم مسلّمون أنّ له اقتضاء أوّلیا بالنسبة إلی استرداد العین ثمّ بعد عدم إمکانه ینتقل إلی البدل،و بالجملة فیکون من باب تعدّد المطلوب.

لکن قد یقال:إنّا و إن سلّمنا کونه متعلّقا بالعین أیضا لا نسلّم کون التصرّف مزاحما و مفوّتا،لأنّ الفاسخ متی فسخ ینفسخ بفسخه العقد الأوّل و الثانی الذی کان مبتنیا علیه،لأنّه لا یمکن انفساخ الأصل و بقاء الفرع لأنّه فی کلّ آنات وجوده متفرّع علی العقد الأوّل،فمتی سری البطلان إلی العقد الأوّل فلا محالة یسری إلی ما هو فی الوجود فرع علیه.

و فیه أنّه و إن کان یعتبر فی الفسخ أن یعود عین الملکیّة السابقة-لأنّه قضیّة انعدام العقد و صیرورته کأن لم یکن من حین الفسخ-و لکن مع إبقائه بحاله بالنسبة إلی ما سبق فالملکیّة السابقة لم تعد بالنسبة إلی ما قبل الفسخ و عادت بالنسبة إلی ما بعده،و التفرّع إنّما هو بالنسبة إلی ما قبله فقط لا بالنسبة إلی جمیع الأزمان،کما أنّ هذا هو الحال بالنسبة إلی المنافع فإنّها أیضا متفرّعة علی الملکیّة

ص:572

کالعقد الثانی بلا فرق،فإن أوجب الفسخ من حینه إبطال العقد الثانی فلیوجب رجوع النماءات أیضا،و إن لم یوجب الرجوع فلا بدّ أن لا یوجب الإبطال.

و بالجملة:الملکیّة السابقة لا یعقل زوالها بعد ثبوتها و لا ثبت تنزیل علی زوالها،و الملکیّة اللاحقة و إن زالت و لکنّها لیست مبنیّا علیها،نعم لو فرض کون العقد الثانی واقعا علی العین بعنوان کونها منتقلة إلیه بالبیع،فهو ما دام العنوان صحیح و متی زال العنوان بطلت الملکیّة المتعلّقة بهذا العنوان،و لکنّه خلاف الفرض من کون الملک متعلّقا بالذات.

و الملخّص من جمیع ما ذکرنا أنّ أوثق شیء یقال فی المقام:أنّ الفسخ کالمبادلة حقّ قائم بنفس العینین و لا دلیل علی فساد العقد بمجرّد تعلّق الحقّ بالعین،فإذا نفذ البیع کان إتلافا لمورد الحقّ حقیقة،و حیث إن قاعدة الید لا اختصاص لها بالأموال بل تشمل الحقوق أیضا-لأنّ مفادها أنّ أیّ خسارة وردت من جهة المال المأخوذ فعلی الید تدارکها و لا یختصّ بمال الغیر-فیشمل مال نفس الأخذ المتعلّق به حقّ الغیر،فإذا أتلفه یکون ذو المال المتلف متعهّدا و ضامنا لصاحب الحقّ،ففی ما نحن فیه یکون متعهّدا بأن یحضر لذی الخیار مثل المال أو قیمته حتّی یسترجعها بعوض ماله،و هذا و إن کان لیس فسخا حقیقیا کما عرفت و لکن لا مانع من فهم تنزیله منزلة الفسخ من دلیل الضمان،إذ کما یستفاد منه التعهّد بالبدل و تنزیله،کذلک یستفاد منه تنزیل هذا التملّک منزلة الفسخ.

لا یقال:الحقّ إمّا مطلق بالنسبة إلی ملکه و ملک الغیر فیکون متعلّقا بالرقبة أینما ذهبت،و إمّا مشروط بملک المفسوخ علیه،فعلی الأوّل لا إتلاف،لأنّ الرقبة موجودة بالفرض و إنّما فات وصف الملک،غایة الأمر لمّا یکون مقتضی الفسخ تلقّی الملک من المفسوخ علیه یدخل من ملک المشتری الثانی فی ملکه ثمّ

ص:573

منه إلی الفاسخ.

و علی الثانی و إن کان التلف متحقّقا لکنّه تلف بتلف المعلّق علیه،نظیر أن یکون مالکا لشیء ما دام حیاة الولد فقتل الولد فإنّه لم یتلف المال إلاّ بإتلاف المعلّق علیه،و هنا أیضا کان ذا حقّ علیه ما دام مالکا،و هو قد فوّت موضوع مالکیّة نفسه فلا ضمان.

لأنّا نقول:نختار الشقّ الثانی و السند أنّ الفسخ حلّ المبادلة فهو لا اقتضاء له بالنسبة إلی حفظ المبادلة أو إیجادها بعد انعدامها،و لکن هذا التعلیق عقلیّ و لیس بجعلیّ و هو غیر مضرّ بباب الضمان،و إلاّ لا نسدّ بابه رأسا،لأنّ ملکیّة کلّ مال معلّقة عقلا بوجوده،لوضوح عدم اعتبار الملکیّة فی المعدوم،و مع ذلک یقال بالضمان بإتلافه،نعم یعتبر أن یکون ذلک لا لأجل قصور المقتضی کالمثال الذی ذکرت بل لأجل عدم قابلیّة المحلّ،و المقام من قبیل الثانی.

و علی هذا فالمال یبقی فی عهدته تالفا،و لا ینافی هذا مع اعتبار قیمة یوم التلف-کما اخترناه فی محلّه-دون یوم الدفع و ذلک لأنّ وجه اعتبار یوم التلف کما تحقّق فی محلّه هو أنّ العین لیس لها إلاّ خسارة واحدة،و بعد تلفها ینقطع باب خساراته،و لا یتفاوت الحال بین ترقّی القیمة و تنزّلها،و لا منافاة بین هذا و بین ما قلنا من اعتبار العهدة بالنسبة إلی نفس العین التالفة حتّی إنّ العین التالفة بهذا الاعتبار تصیر مالا،غایة الأمر لا یجوّزون بیعه،هذا.

و لکن قد یقال فی صورة بقاء العین عند المشتری الثانی بتعهّد المشتری الأوّل لها نظیر التعهّد الذی قلنا إنّه المنظور فی نواهی بیع ما لیس عنده،فیقال:

مقتضی تدارک ما فات علی ذی الخیار أن یکون نفس تلک العین فی عهدة طرفه بأن یشتریه من صاحبه لو قدر،و یملّکه ذا الخیار عند إرادته الفسخ من غیر فرق

ص:574

بین العقد اللازم أو الجائز،غایة الأمر أنّه فی الجائز یتعهّد بإدخال العین فی ملک ذی الخیار بتوسّط الفسخ،و فی اللازم بتوسّط البیع.

و لکن هذا خلاف صریح العلماء،فإنّهم قائلون بالانتقال إلی البدل فی ما نحن فیه و فی العین المغصوبة التالفة القیمیّة إذا وجد لها مثل،و لعلّ سرّ عدم قولهم بالتعهّد المزبور هو استنباط الحکم العامّ لمثل ما نحن فیه من نواهی بیع ما لیس عنده بأن یکون المنهیّ عنه مطلق المبادلة بالنحو المزبور و لو کان فسخا للبیع أو ضمانا لتالف.

ثمّ علی تقدیر القول بانفساخ العقد الثانی هل یکون من حین فسخ الأوّل أو من أصله؟لم یعلم وجه للثانی،و ما ذکره بعض حجّة علیه من لزوم تلقّی الفاسخ الملک من طرفه،ففیه أنّ هذا حاصل بالانفساخ من حین أیضا، و التحقیق أنّه أیضا من سنخ الفسخ،غایة الأمر أنّه الانفساخ،و إذا قلنا:إنّ مقتضی القاعدة فی الفسخ کونه من حین،فکذا الحال فی الانفساخ،و القول بأنّ لازم هذا أن یکون الملک موقّتا و هو غیر معروف فی الشرع،ففیه أوّلا:أنّ الحال فی کلّ فسخ هکذا،و ثانیا:لیس هذا توقیتا فی الملک،بل زواله بزوال مقتضیه.

ثمّ تمام ما ذکرنا إنّما هو فی زمان الخیار المنجّز الفعلی،و أمّا المشروط بأمر غیر حاصل سواء کان بجعل الشارع أم بجعل المتعاقدین،فهل علی القول بعدم النفوذ فی المنجّز یحکم بالنفوذ فی المشروط أو بعدمه؟و کذا علی المختار من النفوذ و الرجوع إلی البدل هل یحکم هنا بعدم الرجوع إلی البدل أو یحکم به؟ الظاهر أنّ مناط کلا القولین واحد،و تفصیله أنّ الخیار المشروط سواء کان شرعیّا أم شرطیّا علی ثلاثة أنحاء ثبوتا و کلّ منها له لازم معلوم،لأنّ الاشتراط إمّا متضمّن لاشتراط بقاء العین،و إمّا غیر متضمّن له و لکنّه کالأمر الفلانی شرط

ص:575

للخیار أیضا،و إمّا لا یکون البقاء مشروطا ضمنیّا و لا شرطا للخیار و لکن صرّح الشارط بأنّی استرد المثل أو القیمة فی صورة التلف،و کلّ من هذه الثلاثة حکمه واضح.

فإنّه علی الأوّل:الکلام هو الکلام فی الحقوق المنجّزة بلا فرق.

و علی الثانی:لا وجه لعدم النفوذ علی قولهم و لا للضمان علی قولنا.

و علی الثالث:إن اشترط استرداد البدل فی صورة التلف استحقّ له بمقتضی کونه شرطا سائغا،و إن لم یشترط ذلک-کما فی الخیارات الشرعیّة و بعض المجعولات-فلا وجه أیضا للضمان،کما لا وجه لعدم النفوذ علی قولهم فی کلتا الصورتین.

فروع،

الأوّل:بناء علی القول بعدم نفوذ التصرّفات الناقلة لو سقط الحقّ أو

أجاز ذو الحقّ بعد وقوع التصرّف فهل یوجب ذلک صحّتها أو لا؟

الظاهر ابتناء المسألة علی أنّ المنع عن النفوذ هل کان بتخصیص فی أدلّة نفوذ البیع أو أنّه مقتضی المزاحمة بین السببین و تقدیم الأقوی منها؟ فإن کان الثانی فحکم العقل تأثیر السبب الممنوع بزوال المزاحم الأقوی فاللازم فی المقام هو القول بالنفوذ،لأنّ البیع سبب لأصل الملک،غایة الأمر قارنه فی زمان حدوثه مانع،فإذا ارتفع المانع یکون من هذا الحین،و إن لم یؤثّر حینئذ إلاّ بقاء البیع فی حدوث الملک دون حدوثه فی الحدوث،لکنّه غیر ضائر بعد ما هو الفرض من کون المؤثّر طبیعة البیع فی طبیعة الملک دون الحدوث فی الحدوث و إن کان هو من المقارنات الاتّفاقیّة عند عدم المزاحم حال حدوث البیع،و هذا واضح.

ص:576

و أمّا إن کان الأوّل،فاللازم القول بعدم النفوذ،إذ بعد تخصیص أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالنسبة إلی البیع الواقع علی مورد الحقّ فلا دلیل علی نفوذ البیع بعد ذلک بسقوط ذلک الحقّ.

لا یقال:لو کان دلیل عدم النفوذ الذی هو المخصّص لعمومات الصحّة دلیل سلطنة ذی الحقّ علی حقّه،فلیس مفاده بأزید من عدم المزاحمة معه،و هو یحصل بالرضی المتأخر کالمقارن و کذا بسقوط موضوع الحقّ.

لأنّا نقول:ما ذکرت مثل أن یقول أحد:یجوز أکل مال الغیر و إتلافه بواسطة رضاه المتأخّر.

و بالجملة:لا فرق بین تقیید دلیل البیع بدلیل عدم نفوذ بیع الصغیر حیث لا یبقی عموم بعد الکبر،و کذا بالنسبة إلی بیع المکره بعد لحوق الرضی،أو بیع الراهن بعد لحوق إجازة المرتهن،أو فکّ الرهن و بین مقامنا،و الظاهر الخلط بین التزاحم و التعارض،فإنّه لو قلنا بالثانی و التخصیص فلا محیص عن القول بالبطلان،و أمّا باب بیع الفضولی،فالدلیل أفاد مطلق الرضی الأعمّ من المتأخّر و المقارن.

الثانی:لو قلنا بعدم نفوذ التصرّفات المتلفة الشرعیّة فما حال الوطی الموجب

لکون الأمة أمّ ولد

ممنوع عن ردّها بالخیار؟فهل یحکم بانسلاخه عن هذا الأثر الوضعی کما قلنا بانسلاخ أثر البیع و سائر التصرّفات،أم لا یمکن الفرق بین هذا المقام و التصرّفات المذکورة؟فإنّ دلیل نفوذها هو دلیل سلطنة الناس علی أموالهم، و هی غیر مشرّعة،فلا یجوز التصرّف فی حقوق الناس،و دلیل الحقّ أیضا و إن کان قاعدة السلطنة علی الحقوق و هو أیضا حکم حیثیّ و لکن نفوذ التصرّفات المذکورة ینافی مع السلطنة الحیثیّة لصاحب الحقّ،و أمّا السلطنة الحیثیّة لصاحب المال فلا

ص:577

یوجب جواز تصرّفه و لو أوجب تضییع حقّ الغیر،هذا حال التصرّفات المذکورة.

و أمّا المقام،فلا یخلو الحال فیه إمّا أن نقول:بأنّ بین دلیل ثبوت الحقّ للأمة بالانعتاق من نصیب الولد و بین دلیل ثبوت حقّ الخیار لبائع الأمة تزاحما،و إمّا أن نقول:بینهما التعارض،فعلی الأوّل لا بدّ من تتبّع أنّ أیّ الحقّین هو الأقوی حتّی یکون أولی بالرعایة،و علی الثانی لا بدّ من ملاحظة أقوی الدلیلین و أظهرهما حیث إنّ بینهما العموم من وجه،و لعلّ هذا هو الوجه فی جزم المانعین فی التصرّفات بالمنع و تردّدهم هنا و ذکر الوجهین فیه.

هذا بناء علی القول بالمنع الوضعی فی التصرّفات و أمّا بناء علی التکلیفی -کما قوّیناه-فهل یحکم هنا أیضا بالحرمة؟قد یقال:لا وجه لذلک،فإنّ الوطی بمجرّده لیس تضییعا للحقّ،بل مع الاستیلاد و هو غیر ملازم للوطی فیکون مشکوکا.

و بالجملة:الشبهة موضوعیّة بالنسبة إلی کبری تفویت الحقّ و لیست شبهة موضوعیّة فی الفروج حتّی یکون مقتضی الأصل لأجل أهمیّتها الاشتغال،بل نظیر الشبهة الموضوعیّة فی الحلف علی ترک الوطی لا یکون الأصل فیه إلاّ البراءة،فما وجه القول بالحرمة مع فرض الشکّ.

و یمکن أن یقال فی خصوص باب الأموال:إنّ التعریض للإتلاف مورد للاشتغال و لو لم تکن مثل باب الفروج.

توضیح ذلک:أنّ البراءة حکم عقلیّ وجدانی،و نحن متی راجعنا وجداننا لا نراه مستقلاّ بالبراءة فی من أجّج النار فی موضع قریب من مال الغیر قابل للاحتراق،و لو لم یکن مظنونا وصول جمرة من النار إلیه بل کان ذلک مشکوکا فنراه مذموما لو فعل ذلک و سقطت الجمرة علی المال،کما أنّه لو لم یسقط لیس فی حقّه

ص:578

إلاّ التجرّی،و هذا بخلاف ما إذا کان أصل وجود المال فی قرب ذلک المحلّ مشکوکا فیستقلّ العقل بالبراءة،و لو کان الباب مثل باب الدماء و الفروج لکان الواجب فی مثل هذا أیضا الاحتیاط،هذا.

الفرع الثالث:هل الإجارة علی القول بمنع مثل البیع ممنوع أو لا؟

الظاهر ذلک،لأنّ وجه الممنوعیّة فی البیع آت هنا و هو کون الحقّ متعلّقا بالعین،فنقول هنا:إنّ الحقّ کما تعلّق بالعین تعلّق بالعین الکذائیّة،أعنی:الواجدة للمنفعة،لأنّ البیع وقع علی العین مع التقیید بثبوت المنفعة،و لهذا لو بان مستأجرة جاء الخیار، فالفسخ الذی هو حلّ ذلک البیع أیضا عبارة عن الحقّ باسترداد العین علی وصف سلّمها إیّاه و هو کونها ذات منفعة،و مقتضی تعلّق الحقّ بهذا الوصف عدم صحّة التصرّف المفوّت لموضوعه کما فی البیع بلا فرق.

هذا علی القول بالمنع،و علی القول الآخر یجیء هنا استحقاق المطالبة ببدل المنفعة،لأنّه فات تحت یده مستحقّا علیه للفاسخ فیکون مضمونا علیه،هذا ممّا لا إشکال فیه،إنّما الإشکال فی ما إذا آجر الدار بإذن البائع أو آجره من نفس البائع،فإنّه یقع صحیحا و لکن هل یوجب سقوط أصل الخیار رأسا أو بالنسبة إلی الخصوصیّة فیستحقّ الفسخ بالنسبة إلی العین الفاقدة للمنفعة،أو لا یوجبه أصلا،أو هنا تفصیل؟ یمکن أن یقال:إنّ الإذن فی بعض التصرّفات ظاهر عرفا فی إسقاط الحقّ بحیث لو لم یعمل علی طبقه فی الخارج أیضا کان الحقّ ساقطا،و هذا کالإذن فی البیع،فإنّه ظاهر فی کونه ملتزما بالبیع و عدم إرادته للفسخ و لا تردّده فیه،و لعلّ منه الإذن فی الإجارة فی المدّة الطویلة مثل الخمسین سنة،أو الإذن فی الإجارة بنحو الإطلاق التی أحد أفرادها ما ذکر،فإنّه ظاهر عرفا أیضا فی غمض العین عن

ص:579

حقّه،فلو لم یعمل أیضا کان الحقّ ساقطا من غیر فرق بین القول بتعلّق الحقّ بالعین أو بالعقد،فإنّه علی الثانی أیضا ظاهر فی عدم کونه بصدد الفسخ أو شاکّا فیه،بل هو بان علی العدم و ملتزم ببقاء العقد.

و أمّا لو أذن فی الإجارة مقیّدا بقصر المدّة فهذا لا دلالة فیه علی إسقاط الحقّ لا بالنسبة إلی العین و لا بالنسبة إلی المنفعة،أمّا الأوّل فواضح،و أمّا الثانی فلأنّ تقییده شاهد علی ذلک،بمعنی أنّه جعل لنفسه محلاّ لاسترجاع العین مع المنفعة، و حینئذ فإن فسخ بعد الإجارة و قبل انقضاء المدّة فإن قلنا بتعلّق الحقّ بالعین فلا یستحقّ البدل،لأنّه قد فات بإذنه فلا ضمان فلا استحقاق لمطالبة البدل للمنفعة الفائتة.

و إن قلنا بتعلّقه بالعقد،فلیس المتحقّق بالنسبة إلی العین و المنفعة إلاّ الحکم مثل جواز مطالبة الدین،غایة الأمر أنّه وعد أنّه لا یطالب،فلا یجب علیه الوفاء بهذا الوعد،و علی فرض وجوبه باشتراطه فی ضمن عقد لازم لو عصی و طالب یجب علی الآخر الوفاء.

و الحقّ أن یقال بعدم الفرق فی هذه الصورة أیضا فی عدم الضمان بین القولین،فإنّ الإذن ینافی الضمان،فإنّ الضمان علی القول بکونه من مقتضی الفسخ أیضا لیس ضمانا معاوضیّا حتّی لا یکون له ارتباط بالإذن و عدمه،ضرورة أنّ المبادلة و المعاوضة بین العوضین متی وقعت فلا یؤثّر الإذن فی الإتلاف من أحدهما لصاحبه فی ما انتقل إلیه فی رفعها.

فلا یمکن أن یقال هنا أیضا علی القول المذکور إنّ الفسخ حلّ المبادلة، و لازمه وقوع المبادلة بین المال و المال مع الأعمیّة فی الطرفین للعین و البدل،فإنّه لیست المبادلة علی هذا أیضا إلاّ بین العین و العین،غایة الأمر الأعمّ فی کلّ منهما

ص:580

من الموجودة و التالفة،ففی فرض التلف أیضا تنتقل العین التالفة بإزاء العین الأخری الموجودة أو التالفة.

و أمّا کون التلف علی من انتقلت عنه فهذا أمر خارج عن المبادلة و تکون قضیّة أخری للفسخ،فللفسخ قضیّتان،إحداهما المبادلة و الأخری وقوع التلف علی من انتقلت العین عنه،فالضمان لیس معاوضیّا،بل إمّا لکون الفسخ سببا مستقلاّ للتضمین فی عرض الإتلاف و الید-کما یظهر من بعض الکلمات-و إمّا لأجل الید و الإتلاف کما قوّیناه.

و علی کلّ حال فالمدّعی أنّ المأذون لا یکون ضامنا للإذن،فدلیل الضمان مقیّد بغیر صورة الإذن لهذه المنافاة المرکوزة فی أذهان العرف و المتشرّعة،سواء کان ذلک لأجل صیرورة الحقّ فی إنشاء جعله مقیّدا بغیر حال الإتلاف الواقع عن الإذن فیکون التلف واردا علی غیر مورد الحقّ أم لم یکن راجعا لهذا التقیید بل کان الحقّ مطلقا،لکن کلّ إتلاف لمورد الحقّ لیس موجبا للضمان،بل ما لم یکن مسبوقا بالإذن،و لیس هذا لأجل أنّ الإذن إسقاط حتّی یرد أنّه إسقاط لما لم یجب،بل لأجل المنافاة بین نفس الإذن و الحکم بضمان المأذون للآذن،هذا کلّه هو الکلام فی نفوذ التصرّفات الواقعة بإذن ذی الخیار.

بقی الکلام فی مسألة أخری و هی:أنّک عرفت أنّ البیع الواقع بغیر إذن ذی الخیار صحیح نافذ،و لا یوجب الفسخ انفساخه أیضا،لأنّ الفسخ من الحین و البیع یکفیه الملک آنا ما قبله،و قد عرفت أنّ الإجارة الواقعة بغیر إذن ذی الخیار أیضا صحیحة نافذة،فهل هی أیضا غیر منفسخة بفسخ ذی الخیار أصل المعاملة کالبیع،أو یوجب الفسخ هنا انفساخ الإجارة؟ قد یقال بالثانی،نظرا إلی أنّ ملک المنفعة تابع لملک العین،فإذا کان زوال

ص:581

ملک المالک الأوّل و الانتقال إلی الثانی بمقتضی سبب جدید للانتقال إلیه، فالمالک الثانی قد تلقّی الملک حینئذ من المالک الأوّل،و المفروض أنّه کان قد استوفی منه منفعة مدّة.

و أمّا إذا کان بنقص استعداد مقتضی ملکیّة العین و انحلاله کما هو شأن الفسخ،فالمالک الثانی لا یتلقّی الملک حینئذ من المالک الأوّل بل یکون الملک عائدا إلیه بالسبب القدیم،فیکون هو فی عرض المالک الأوّل نظیر البطن الثانی و البطن الأوّل حیث إنّهما یتلقّیان الملک من الواقف،فإذا انتهی استعداد ملکیّة البطن الأوّل ینتقل من الواقف إلی البطن الثانی،و لهذا نحکم ببطلان إجارة البطن الأوّل من بعد موته.

و لکن فیه:أنّ المسألة مبتنیة علی الملک الموقّت و الملک المطلق،و لا یعنی بإطلاق الملک التصریح بتأبیده حتّی یکون خلاف الواقع،بل المراد کونه بحیث یحتاج فی الرفع إلی المزیل و الرافع،و لولاه لکان باقیا نظیر الحیاة فإنّها ثابتة للذات و الموت رافعها لا أنّها ثابتة ما دام عدم الموت،فإذا ثبت ملکیّة العین آنا ما بهذا النحو من الملکیّة فالمالک مالک لمنفعة العین الکائنة فی ألف سنة و أزید فله التصرّف فیها ما شاء.

و إذا ثبت بالنحو الأوّل أعنی:التقیید و التوقیف کما فی الوقف-حیث إنّ لازم لحاظ الواقف جمیع الطبقات فی عرض واحد و إنشاء الملک لهم تقیید الملک لکلّ طبقة بزمان حیاته-فلا بدّ حینئذ من عدم ملکه للمنفعة إلاّ بمقدار وجود العنوان المقیّد به فیه،فلو فرض فی ما نحن فیه ثبوت الملک بعنوان عدم الفسخ و ما دام عدمه کان مقتضاه بطلان الإجارة بوقوع الفسخ.

و أمّا إذا کان الملک مطلقا و الفسخ رافعا له فلا بدّ من القول بنفوذ الإجارة

ص:582

من غیر فرق بین النقل بالأسباب الناقلة أو برفع السبب السابق کما فی الفسخ، فإنّه فی القسم الثانی أیضا یکون رفعا للملک الثابت لولا الرافع.

و الحاصل أنّ زوال الملک لیس من قصور فی استعداد المقتضی،لعدم انتهاء أمده بحصول الفسخ،بل لأجل تحقّق الرافع مع تمامیّة المقتضی،فالمعیار ما ذکرنا لا ما ذکر من التلقّی من المالک الأوّل أو السبب السابق أو الانتقال الجدید أو الفسخ کما ذکره المتوهّم.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-ذکر فی الإذن المقرون بالتصرّف وجهین فی عدم استحقاق أخذ البدل بالفسخ،الأوّل:أنّ الإذن ظاهر عرفا فی الالتزام بالعقد و إسقاط حقّ الخیار،و هذا هو الذی اختاره أخیرا فی الإذن المنفکّ عن التصرّف،الثانی:أنّه لیس التزاما و إجازة و لکن مع ذلک لا یستحقّ المطالبة بالبدل لنفوذ التصرّف و وقوع التلف بإذنه،و لازم هذا أن یکون التلف واردا علی العین فی غیر حال کونها متعلّقا للحقّ،و الضمان فرع أن یکون التلف علی المال المتعلّق للحقّ،هذا محصّل ما ذکره.

و یرد علی صورة الوجه الثانی إشکالان واضحان،الأول:هو مناف مع اختیاره-قدّس سرّه-کون حقّ الخیار متعلّقا بالعقد لا العین،الثانی:أنّه قد فرض فی هذا الوجه عدم إسقاط حقّ الخیار،فالتلف لا محالة تلف لمحلّ الحقّ و وارد فی حال مشغولیّة المحلّ بالحقّ،فما معنی ما ذکره من أنّه وارد فی غیر حال حلول الحقّ؟ و یمکن الجواب عن کلا الوجهین بأنّ المراد ممّا ذکر عدم إسقاطه هو حقّ الخیار و هو متعلّق بالعقد،و ما ذکر عدم حلوله فی حال التلف هو حقّ إبقاء العین،فإنّه-قدّس سرّه-یستفاد من بعض کلماته السابقة فی هذا المبحث أنّ

ص:583

شرط الخیار متضمّن لشرط الإبقاء،و کذا الخیارات المجعولة شرعا أیضا تکون بغرض بقاء العین،فینتزع منها حقّ لذی الخیار فی بقاء العین،فالإذن فی الإتلاف إسقاط لهذا الحقّ،و الضمان لبدل العین کان لأجل هذا الحقّ،فإذا انتفی الحقّ انتفی الضمان و إذا انتفی الضمان فلا مجری للفسخ،إذ معناه علی مذاقه استرجاع أحد من العین و البدل و هو هنا غیر ممکن،أمّا العین فواضح،و أمّا الثانی فلانتفاء موجب الضمان فیه.

مسألة:المشهور أنّ المبیع یملک بالعقد،

و أثر الخیار تزلزل الملک بسبب القدرة علی رفع سببه،و حکی عن شیخ الطائفة-قدّس سرّه-القول بتوقّف الملک علی انقضاء الخیار،و اللازم أوّلا هو ملاحظة أنّ حال البیع عند العرف ماذا؟هل یحکمون بحصول الملکیّة قبل انقضاء مدّة الخیارات التی عندهم أو لا؟ و وجه ذلک أنّ قوله تعالی أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ یراد بهما ما هو المتداول فی أیدی العرف و علی ما هو المعمول المقرّر عندهم،فاقتضاء هذه العمومات قول المشهور یبتنی علی تصفیة هذا المطلب،و إلاّ فإن شککنا فی ذلک فقضیّة الأصل مع الشیخ،و أمّا آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فحیث فسّر العقد بالعهد استشکلنا فی شمولها للمعاملات رأسا فهی أجنبیّة عنها بالمرّة فیتمحّض الأمر فی الآیتین،فإن تمّ کون الملک عند العرف حاصلا عقیب الإیجاب و القبول من غیر انتظار لانتهاء مدّة الخیار کان العمومات مع المشهور فلا بدّ من التماس الدلیل المخرج،و إلاّ فالأصل مع الشیخ فلا بدّ من التماس الدلیل المخرج.

فنقول:الظاهر أنّ البیع و النقل و الانتقال الخارجی عند العرف غیر متوقّف علی مضیّ زمان الخیار و یشهد لذلک أمور،الأوّل:کون الخیار عندهم بمعنی إعادة الملک،و لولا حصول النقل بالإیجاب و القبول و کان الحال کما بین الإیجاب و القبول

ص:584

لزم أن یکون معنی الفسخ إبطال الأثر التأهّلی الثابت للإیجاب و القبول و هو خلاف ما ارتکز عند العامّة.

الثانی:أنّهم یحکمون بتحقّق البیع بعد الإیجاب و القبول لا عند الانقضاء، و البیع عبارة عن النقل الخارجی دون الإنشائی.

الثالث:أنّ کلاّ من الطرفین یسلّم المال لصاحبه بعنوان أنّه ماله لا بعنوان أنّه أمانة عنده.لا یقال:فلم ینکرون علی من تصرّف تصرّفا ناقلا فی زمان الخیار؟ لأنّا نقول:التحاشی من جهة تفویته لمحلّ الحقّ لا لعدم کونه مالکا.و إذ قد تقرّر ثبوت العمومات من جانب المشهور فحینئذ لا بدّ من التماس الدلیل المخرج عنها من طرف الشیخ-قدّس سرّه-،و الذی یمکن التمسّک به علی مذهبه أمور:

الأوّل:ما تمسّک به شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-من طرفه-قدّس سرّه- و هو ما دلّ علی أنّ ضمان المبیع فی زمان خیار المشتری علی البائع،مثل صحیحة ابن سنان:«عن الرجل یشتری العبد أو الدابّة بشرط إلی یوم أو یومین فیموت العبد أو الدابّة أو یحدث فیه حدث،علی من ضمان ذلک؟فقال-علیه السّلام-:علی البائع حتّی ینقضی الشرط ثلاثة أیّام و یصیر المبیع للمشتری،شرط له البائع أو لم یشترط،قال-علیه السلام-:و إن کان بینهما شرط أیّاما معدودة فهلک فی ید المشتری قبل أن یمضی فهو من مال البائع» (1).

تقریب الاستدلال من وجهین،الأوّل:ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أعنی تتمیم الاستدلال بضمیمة قاعدة«الخراج بالضمان»فإنّ مقتضی کون الضمان مقابلا بالخراج و النماء و کون النماء حسب ارتکاز المتشرّعة للمالک کون الضمان أیضا علی المالک،فکما لا یملک أحد نماء ملک غیره بل یدخل النماء فی

ص:585


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 8،من أبواب الخیار،ص 355،ح 2.

ملک مالک الأصل کذلک لا یضمن أحد تلف مال غیره،بل التلف وارد علی کیس صاحب المال.

و حینئذ نقول:الأمر دائر بین أن نخصّص العمومات السابقة الدالّة علی حصول الملک للمشتری بنفس الإیجاب و القبول و یکون الحکم بالضمان علی وفق القاعدة المزبورة فی ملک المالک،و بین أن نخصّص القاعدة و نقول بالملک من الابتداء حفظا لتلک العمومات،و مقتضی التکافؤ هو الرجوع إلی أصالة عدم الملک إلی زمان الانقضاء.

الثانی:هو الاستدلال بقوله-علیه السلام-:«حتّی ینقضی الشرط ثلاثة أیّام و یصیر المبیع للمشتری» (1)،فإنّ ظاهره أنّ صیرورة الملک للمشتری متوقّف علی الانقضاء.

لکن یرد علی الوجهین أنّ هنا خبرا دالاّ علی الملکیّة قبل الانقضاء بالخصوص،و مقتضاه تخصیص قاعدة الخراج بالضمان،لأنّ مقتضاه الملکیّة و مقتضی الصحیحة المتقدّمة ثبوت الضمان علی البائع و لا معارضة بین هذین المضمونین،و هما خاصّان بالنسبة إلی القاعدة فیرتکب التخصیص فیها بسببهما.

نعم یبقی المعارضة بینه و بین قوله فی الصحیحة:«حتّی ینقضی الشرط و یصیر إلخ»الذی هو الوجه الثانی،و الظاهر أنّ مقتضی الجمع العرفی هو الحکم بثبوت الملک للمشتری،و أنّ المراد بقوله:«حتّی یصیر المبیع للمشتری»حصول الملک اللازم له.

و الذی دلّ علی الملک فی زمان الخیار هو صحیح بشار بن یسار«عن الرجل

ص:586


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب الخیار،ص 352،ح 2.

یبیع المتاع بنساء فیشتریه من صاحبه الذی یبیعه منه؟قال:نعم لا بأس به، فقلت له:أشتری متاعی؟فقال-علیه السلام-:لیس هو متاعک و لا بقرک و لا غنمک» (1)،فإنّه لو کان الملک متوقّفا علی انقضاء الخیار ففی مفروض السائل کان خیار المجلس محقّقا و صحّ قوله أنّه اشتری متاع نفسه.

و الجواب بأنّ ذلک لعلّه من جهة التواطی علی البیع و کونه مسقطا للخیار، فیه أنّ ظاهر الکلام أنّه مع قطع النظر عن هذا الشراء مع مقدّماته التی هی التواطی یکون الانتقال محقّقا.

لا یقال:إنّ التواطی علی البیع الثانی حسب الفرض کان سابقا علی البیع الأوّل،فهما بعد البیع الأوّل عازمان علی البیع الثانی،و هذا العزم مع المظهر السابق کاف فی ارتفاع الخیار.

لأنّا نقول:لا یکفی هذا المظهر المتقدّم علی البیع،و إلاّ فلا بدّ من کفایة قوله:«أسقطت الخیار»قبل البیع متّصلا به،و لا یقولون به.

و بالجملة:دلالة الخبر علی حصول الانتقال بحسب البیع مع عدم انقضاء المجلس لا یمکن إنکارها،و حینئذ فلا بدّ من تخصیص قاعدة أنّ الضمان علی المالک بعد ثبوت الضمان علی البائع من الخبر المتقدّم،کما أنّ مقتضی الجمع بین هذا المضمون و مضمون«حتّی یصیر المبیع للمشتری»هو الحمل علی ثبوت الملک اللازم له.

الثانی:ما دلّ علی أنّ المشتری إذا أراد البیع و کان له الخیار فلیستوجب البیع أوّلا علی نفسه ثمّ لیبع،و هو خبران،الأوّل:ما رواه السکونی عن أبی عبد اللّه«أنّ

ص:587


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب أحکام العقود،ص 370،ح 3.

أمیر المؤمنین-علیهما السلام-قضی فی رجل اشتری ثوبا بشرط إلی نصف النهار،فعرض له ربح فأراد بیعه،قال-علیه السلام-:لیشهد أنّه قد رضیه فاستوجبه ثمّ لیبعه إن شاء» (1).

و الثانی:صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-«أنّه سئل عن الرجل یبتاع الثوب من السوق لأهله و یأخذه بشرط فیعطی الربح فی أهله؟قال -علیه السلام-:إن رغب فی الربح فلیوجب الثوب علی نفسه،و لا یجعل فی نفسه أن یردّ الثوب علی صاحبه إن ردّ علیه» (2)،فإنّه لو کان الملک غیر موقوف علی سقوط الخیار لما کان للاستیجاب قبل البیع فضلا عن الإشهاد علیه وجه،لمکان صحّة البیع فی الملک،نعم علی القول بعدم الملک یصحّ ذلک،و الإشهاد لقطع مادّة النزاع فی ما بینه و بین المشتری لو أنکر فی ما بعد کونه مالکا لأجل خیاره.

و الجواب:أنّه علی القول بالملک أیضا یمکن أن یکون وجه الإشهاد علی إلزام البیع علی النفس أنّ المعاملة لمّا کانت مربحة فربّما یطمع ذلک البائع الأوّل أن یدّعی أنّ البیع وقع لأجله و فضولة من جانبه بعد الفسخ،أعنی:أنّ المشتری فسخ أوّلا ثمّ باع فضولة للبائع الأوّل،فالإشهاد علی الإسقاط و الالتزام بالعقد لأجل دفع هذا النزاع.

لا یقال:یکفیه أن یقول:ما فسخت و بعت لنفسی،فما وجه الاحتیاج إلی الإشهاد علی الإسقاط؟ لأنّا نقول:ذلک أمر باطنی لا یعلم إلاّ من قبله و لا یمکن الإشهاد علیه بخلاف الإسقاط فإنّه ینشأه بمحضر العدلین فیقول للمدّعی:إنّی أسقطت حقّ

ص:588


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 12،من أبواب الخیار،ص 359،ح 1.
2- 2) المصدر نفسه:ح 2.

خیاری قبل البیع فکیف فسخت و بعت لک؟فإذا أنکر المدّعی ذلک أقام العدلین علی طبق دعواه.

و بالجملة:لا یمکن إثبات مثل هذا المطلب و تأسیس مثل هذا الأصل بمثل هذا الخبر.

الثالث:ما دلّ علی أنّ النماء الحادث بعد العقد و قبل الفسخ یردّ إلی المفسوخ علیه،و هو روایة الحلبی عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-«فی رجل اشتری شاة فأمسکها ثلاثة أیّام ثمّ ردّها فقال-علیه السلام-:إن کان فی تلک الثلاثة الأیّام یشرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد،و إن لم یکن لها لبن فلیس علیه شیء» (1).لوضوح أنّه لو حدث الملک للمشتری کان اللبن حادثا فی ملکه فلم یکن وجه لردّ ثلاثة أمداد إلیه.

و الجواب أوّلا:أنّ هذا فی الشاة المصراة أعنی:ما جمع اللبن فی ضرعها و لم یحلب أیّاما فحسب المشتری أنّها کثیرة اللبن،فإذا تبیّن له ذلک و أنّ البائع دلّسه کان له خیار التدلیس و إرجاع اللبن حینئذ یکون علی القاعدة،لأنّ اللبن قد اجتمع فی الأیّام السابقة علی یوم الشراء فهو ملک البائع،غایة الأمر أنّه أری أنّه من هذا الیوم.

و ثانیا:سلّمنا أنّه فی غیر المصراة و لکن نقول إمّا یحمل علی ما قبل انقضاء الثلاثة و یکون الفسخ لأجل خیار الحیوان،و إمّا یحمل علی ما بعدها و یکون الفسخ من باب الإقالة،فإن کان الأوّل فالتقدیر بثلاثة أمداد الظاهر کونه لأجل ثلاثة أیّام لا وجه له بعد أنّه قد یکون اللبن فی کلّ یوم أزید من المدّ أو أنقص منه،فهذا شاهد علی کون الحکم استحبابیّا،و إن کان الثانی یتعیّن کون الحکم

ص:589


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 13،من أبواب الخیار،ص 360،ح 1.

إرشادا حیث إنّ الطرف لا یرضی بالإقالة لأجل فوت اللبن منه،فأرشده الإمام -علیه السلام-إلی طریق کسب رضاه و هو بذل ثلاثة أمداد له مقدّمة لأن یرضی للإقالة.

و بالجملة:فهذه الروایة أیضا لا تصلح للاستناد إلیها لتأسیس مثل هذا الأصل.

الرابع:أنّ حقیقة الفسخ کلّیة هو الفسخ من الأصل،و حینئذ فمراد الشیخ من التوقّف أنّ الأمر متزلزل و لا یعلم أنّه ملکه أو لا،إذ لعلّه یفسخ فی أحد أجزاء زمان الخیار فیکشف عن عدم کونه ملکا له من الأوّل،و هذا الوجه أیضا قد حقّق بطلانه فی محلّه من أنّ حقیقة الفسخ لیست إلاّ الحلّ من الحین.

و بالجملة:فالحقّ فی المسألة مع المشهور و اللّه العالم.

مسألة:بناء علی حصول الملک بنفس العقد و لو لم ینقض الخیار کما قوّیناه

لا إشکال فی کون ضمان المبیع فی خیاری الحیوان و الشرط

المخصوصین بالمشتری علی البائع و لو بعد قبضه،و یدلّ علیه فی کلا الخیارین صحیحة ابن سنان المتقدّمة فی المسألة السابقة،و روایة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه قال:«سألت أبا عبد اللّه-علیه السلام-عن رجل اشتری أمة بشرط من رجل یوما أو یومین فماتت عنده، و قد قطع الثمن،علی من یکون الضمان؟قال-علیه السلام-:لیس علی الذی اشتری ضمان حتّی یمضی شرطه» (1).

و أمّا إسراء الحکم إلی سائر الخیارات المختصّة بأحد الطرفین و إلی الثمن فی صورة الخیار المختصّ بالبائع حتّی یتمّ ما ذکروه من أنّ التلف فی زمن الخیار ممّن

ص:590


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

لا خیار له فلیس علیه دلیل معتمد،فإنّ أقوی ما یصحّ به الاحتجاج علی هذا التعمیم قوله-علیه السلام-فی ذیل صحیحة ابن سنان:«علی البائع حتّی ینقضی الشرط ثلاثة أیّام و یصیر المبیع للمشتری» (1)،حیث إنّ قوله:و یصیر المبیع للمشتری الذی هو بناء علی مبنی حصول الملک بالعقد بمعنی حتّی یصیر المبیع ملکا غیر قابل الفکّ للمشتری یکون إشارة إلی ملاک الحکم،فکأنّه قال:و إن کان حصل الملک للمشتری لکن لمّا یکون له خیار فی الفکّ فکأنّ المال لم یصر ملکا له بعد و قاعدة ذلک أن لا یکون التلف علیه.

فیدلّ بمفاد هذا التعلیل المستفاد من الکلام أنّ کلّما کان لأحد الطرفین خیار خاصّ به و کان العقد لازما من جانب آخر فتلف المال المنتقل إلی ذی الخیار،یکون علی صاحبه الذی لا خیار له،و أمّا صاحبه فحیث إنّ الملک صار منتقلا إلیه بلا خیار له فی الفکّ عن نفسه فلا یکون التلف لما عنده إلاّ علیه،لأنّ المال ملکه،غایة الأمر أنّ صاحبه یقدر علی إزالته.

و بالجملة:قوله:ما لم یملک المشتری لیس التلف علیه،و إن کان جزؤه الأوّل أعنی:ما لم یملک تعبّدیا و تنزیلیّا لکن یعلم منه اطّراد الحکم فی کلّ خیار مختصّ بأحدهما،إذ یصحّ أن یقال تنزیلا:لم یملکه بعد،و کلمة«حتّی»و إن لم یستفد منه فی بعض الموارد التعلیل-کما فی قولک:کل الخبز حتّی تشبع-و لکن فی بعض الموارد لمناسبة فی ما بین الحکم و الموضوع یستفاد منه التعلیل کما فی قولک:

اشرب الدواء حتّی یصحّ مزاجک و ما نحن فیه من هذا القبیل.

و هنا وجه آخر لاستفادة التعمیم و هو من الجزء الأوّل أعنی قوله:حتّی ینقضی الشرط ثلاثة أیّام،و قوله:حتّی یمضی شرطه،و قوله:و إن کان بینهما شرط

ص:591


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب الخیار،ص 352،ح 2.

أیّاما معدودة إلخ،بضمیمة أنّ إطلاق الشرط قد وقع فی الروایات علی خیار الحیوان،فیستفاد أنّ المعیار مطلق مضیّ الخیار و أنّ الحکم مطّرد فی کلّ خیار خاص بأحد الطرفین.

لکن قد استشکل شیخنا الأستاذ-دام بقاه-فی الاستفادة من کلا الوجهین،أمّا الأوّل:فلأنّ الذی یستفاد من لام التعلیل غیر ما یستفاد من«حتّی» التعلیلیّة،ألا تری أنّ قوله:«ینزح حتّی یطیب»الوارد فی تطهیر ماء البئر لا یتعدّی منه إلی الطیب الحاصل من قبل نفسه،و هنا أیضا إذا قال فی خصوص خیار الحیوان و الشرط الخاصّین بالمشتری:«ما لم یصر الملک ملکا له لا یضمن تلفه»فلا نستفید منه إلاّ هذا التنزیل فی خصوص البابین،و أمّا الأبواب الأخر فالملک حاصل بالوجدان و لم نعلم التنزیل فیها.

و علی فرض المماشاة نقول:الحکم المستفاد من هذا التعلیل غیر منطبق علی القاعدة المعروفة أعنی:کون التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له،بل المستفاد شیء آخر و هو أنّ التلف فی زمن الخیار للمالک الأوّل،فإنّ التعلیل هو أنّ المال لم یصر للمشتری،و هذا کما یجری فی خیار المشتری یجری فی خیار البائع بل فیه أولی،فإنّ المشتری فی صورة اختصاص الخیار به مستریح الخاطر،و أمّا مع اختصاص البائع فلا استراحة له فهو أولی بعدم الملک له.

و إذن فکما لم نلغ هذه الخصوصیّة أعنی:خصوصیّة کون الخیار للمشتری فلم نلغ خصوصیّة خیار الحیوان و الشرط و خصوصیّة المشتری،فإمّا لا بدّ من القول بالتعمیم الذی ذکرنا،و إلاّ فلا بدّ من الأخذ بجمیع خصوصیات المورد، و علی کلّ حال لا ینطبق علی مرام المشهور.

و أمّا الوجه الثانی:ففیه أنّ المانع عن التعدّی تقیید قوله:«حتّی ینقضی

ص:592

الشرط»بقوله:«ثلاثة أیّام»و أمّا قوله:«حتّی یمضی شرطه»فالضمیر إشارة إلی ما ذکر فی السؤال و هو شرط الیوم و الیومین،غایة الأمر سکت عن حکم خیار الحیوان و تعرّض من حیث خیار الشرط،و أمّا قوله:«و إن کان بینهما شرط»فلا یخفی عدم صدق«بینهما»فی الخیارات المجعولة بجعل الشارع و إن کان یصدق الشرط بقول مطلق،هذا.

ثمّ إنّ الضمان هنا هل معناه انفساخ العقد و عود الثمن إلی المشتری،أو هو ضمان المثل و القیمة مع بقاء الثمن فی ملک البائع؟الظاهر من کلمة الضمان هو الثانی،فإنّ تلف المال علی المالک لا یسمّی ضمانا،فانفساخ العقد آنا ما قبل التلف حتّی یصیر التلف فی ملک البائع لا یسمّی ضمانا،نعم یصحّ إطلاق الضمان علیه مسامحة بملاحظة کونه مال الغیر سابقا علی الآن و إن کان انتقل آنا ما قبل التلف إلیه فیصحّ تنزیل هذا الآن بمنزلة العدم و القول بأنّ البائع ضامن للمبیع.

لکن شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-جعل إرادة الضمان بمعنی الانفساخ ممّا لا ینبغی الریب فیها،و لعلّ الوجه فیه هو أنّ قوله:«حتّی یصیر المبیع ملکا للمشتری»یدلّ علی تنزیل المبیع ملکا للبائع،فیدلّ علی تنزیل الثمن ملکا للمشتری،یعنی أنّه لم یصر المبیع بعد و لا الثمن منتقلین من مالکهما الأصلیین، فلیس تلف المبیع إلاّ علی البائع،یعنی یکون التلف واردا علی ملکه،فیکون هذا قرینة علی إرادة خلاف الظاهر من لفظ الضمان و أنّه روعی فی إطلاقه ما ذکرنا من تنزیل الآن العقلی منزلة العدم.

ثمّ ممّا ذکرنا ینفتح باب استصحاب الضمان الثابت قبل القبض فی غیر خیاری الحیوان و الشرط اللذین قلنا هما المتیقّنان من مورد النصّ،فنقول فی سائر

ص:593

الخیارات الخاصّة بالمشتری:نحن نشکّ فی أنّ تلف المبیع بعد القبض هل یکون علی البائع علی نحو ضمان المعاملة-کما کان کذلک قبل القبض-أم ارتفع ذلک عنه بالقبض؟فمقتضی الاستصحاب البقاء،و کذا الحال بعینه فی جانب الثمن فی الخیار المختصّ بالبائع لو بنینا علی تعمیم قاعدة التلف قبل القبض فی الثمن کما یأتی إن شاء اللّه تعالی تفصیل القول فیه فی محلّه.

لا یقال:هذا الاستصحاب ینافی الدلیل الاجتهادی و هو قاعدة أنّ تلف مال کلّ أحد علی نفسه و لیس علی الغیر،غایة الأمر ثبت مخالفة هذه القاعدة قبل القبض،و أمّا بعده فلا بدّ من الرجوع إلی عمومها دون الاستصحاب.

لأنّا نقول:أجاب عن هذا شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّ مخالفة هذه القاعدة غیر لازمة بعد فرض القول بضمان المعاوضة،إذ معناه انفساخ المعاملة فیکون تلف المال علی صاحبه لا علی غیره،نعم ینافیه استصحاب عدم الانفساخ،و لکن الاستصحاب المذکور مقدّم علیه لکون الشکّ فی الانفساخ و عدمه مسبّبا عن الشکّ فی بقاء الحالة التعلیقیّة الثابت قبل القبض،أعنی:لو تلف کان من مال الآخر،فإنّ الکون من مال الآخر معناه الانفساخ،و قد تقرّر فی محلّه تقدّم الاستصحاب التعلیقی علی الفعلی.

اللهمّ إلاّ أن یقال:إنّ الانفساخ و خروج الملک عن ملک المالک لیس علی خلاف أصالة عدم الانفساخ فقط حتّی یجاب بما ذکر،بل مخالف لقاعدة سلطنة الناس علی أموالهم أیضا و إن کان حیثیّة،فإنّ السلطنة الحیثیّة أیضا ینافیها الخروج عن الملکیّة بغیر اختیار من المالک بل قهرا علیه.

فإن قلت:المفروض خروج ما قبل القبض عن تحت هذه القاعدة، و التمسّک فی ما بعده إنّما یتمّ لو کان لها عموم أزمانی و هو فی محلّ المنع.

ص:594

قلت:قد تقرّر فی محلّه أنّ محلّ هذا الکلام ممحّض فی ما إذا کان الخروج تخصیصا فردیّا فقط بحیث لم یکن بعنوان من العناوین أصلا،بل کان الخارج ذات الفرد فی قطعة من الزمان،و لیس الأمر فی ما نحن فیه من هذا القبیل،لأنّ الخروج یکون بعنوان ما قبل القبض،فیتقیّد دلیل السلطنة بهذا العنوان و یبقی غیره تحت إطلاقه.

و یمکن الجواب بأنّ دلیل السلطنة و إن کان بالنسبة إلی حفظ موضوع المالیّة ناطقا أیضا،و لکن یمکن الفرق بین الأسباب القهریّة التی جعلها الشارع أسبابا لخروج المال عن ملکیّة مالکه و بین تملّک الغیر لمال المالک کما هو الحال فی باب الفسخ،فالذی یکون دلیل السلطنة منافیا معه و یکون ناظرا إلی نفیه هو القسم الثانی،فمفاده أنّ الغیر لیس له استقلال فی قبال المالک و لا یتمکّن من نزع المال عن المالک بدون رضاه.

و أمّا الأسباب الخارجة عن تحت الاختیار و لو لم یکن تملّکا من أحد کما فی ما نحن فیه،فجعل الشارع لها سببا نظیر حکمه بحرمة بعض التصرّفات فی الملک مثل ضرب الغیر بالعصا المملوکة للضارب،حیث إنّه غیر مناف مع الحکم الحیثی،فحاصل معناه أنّه مع حفظ الأسباب الشرعیّة القهریّة و مشروعیّة نفس التصرّف فالمالک أحقّ و أولی بماله من غیره،و لا إطلاق له لا بالنسبة إلی التصرّف الغیر المشروع و لا بالنسبة إلی السبب القهری المزیل للملک.فتحقّق أنّ الاستصحاب المذکور لا دلیل اجتهادی فی قباله.

و قد یقال فی الإیراد علیه أوّلا:بأنّه من الاستصحاب فی الشکّ فی المقتضی، و الشیخ-قدّس سرّه-لا یقول بحجّیته.

و ثانیا:بعدم بقاء الموضوع الدلیلی،لأنّه المال الغیر المقبوض و الآن صار

ص:595

مقبوضا،إلاّ أنّ یقال بکفایة العرفی و هو محرز.

و ثالثا:أنّه استصحاب تعلیقی،لأنّ المستصحب هو الضمان علی تقدیر التلف،لکنّ الحقّ کون الاستصحاب التعلیقی حجّة إذا کانت الملازمة مجعولة شرعیّة.

و رابعا:أنّه فرع جریان قاعدة التلف قبل القبض فی الثمن،و هو محلّ الإشکال،إلاّ أن یقال:إنّ المختار جریانها فیه کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی.

و خامسا:أنّ ما ذکر من أنّ دلیل عدم الانفساخ لیس إلاّ الأصل و الاستصحاب المذکور مقدّم علیه،فیه أنّه مخالف لقاعدة السلطنة،سلّمنا أنّه لیس مخالفا لها لکن أصل عدم الانفساخ مقدّم علی أصل بقاء الضمان،لأنّ الشکّ فی الضمان ناش عن الانفساخ و عدمه،و القول بأنّه حیث ثبت مخالفة هذا الأصل فی ما قبل القبض فالأصل بقاء هذه المخالفة بعده فی مدّة الخیار،ففیه:أنّه لا معنی لهذا الأصل إلاّ أصالة الانفساخ علی تقدیر التلف،و هذا استصحاب تعلیقی و لیس بحجّة فی مثل هذه الصورة التی لیس المجعول إلاّ الانفساخ حین التلف دون الملازمة بینهما.

توضیح ذلک:أنّ الاستصحاب التعلیقی إنّما یکون حجّة إذا کانت الملازمة حکما مجعولا شرعیّا،و أمّا إذا کانت من الانتزاعیات العقلیّة و الذی هو المجعول أمر معلّق فلا یجری الاستصحاب،مثلا إن کانت القضیّة الشرعیّة:«إن استطعت فحجّ»بحیث کانت الملازمة مجعولة شرعیّة فإذا شکّ فی اللاحق جاز استصحاب الملازمة التی هی حکم شرعی.

و أمّا إذا کانت القضیّة المذکورة أنّ المستطیع یحجّ،فمتی شکّ فی بقاء هذا المعنی لا یمکن الاستصحاب،لعدم الوجوب الفعلی فی السابق حتّی

ص:596

یستصحب،و عدم کون الملازمة-و إن کانت له حالة سابقة-حکما شرعیّا.

و حینئذ ففی مقامنا إن کان المجعول فی ما قبل القبض أنّه ینفسخ لو تلف فکان الشکّ فی بقائه بعده فی مدّة الخیار،جاز الاستصحاب،و أمّا إذا کان المجعول إنّما هو الانفساخ الفعلی عند حصول التلف،فقبل التلف لا حکم حتّی یستصحب،فیکون المرجع أصالة عدم الانفساخ و هو مقدّم علی أصالة الضمان، و القدر المسلّم هو الوجه الثانی،فلا مجری لأصالة الانفساخ لو تلف.هذا ما أورد فی المقام علی الاستصحاب المذکور.

و فیه:أنّ الشکّ و إن کان فی المقتضی إلاّ أنّ الشیخ فی کثیر من کلماته مصرّح بحجّیته کما فی استصحاب الحیوان المردّد بین البقّ و الفیل،و الموضوع العرفی کما حقّق فی محلّه کاف و هو محفوظ،فإنّ تلف هذه العین الشخصیّة لا یتفاوت الحال فیه بکونه ما قبل القبض أو ما بعده،و دلیل السلطنة أیضا قد عرفت حاله و أنّه غیر ناظر إلی مثل المقام.

و أمّا قوله قدّس سرّه:إنّ أصالة عدم الانفساخ مقدّم علی أصالة الضمان فلم نفهم معناه،إذ المفروض أنّ الضمان هنا عبارة عن نفس الانفساخ آنا ما قبل التلف،فیکون المراد به أصل بقاء الانفساخ لو حصل التلف،و هو مقدّم علی أصالة عدم الانفساخ علی ما قرّر فی کلّی الاستصحاب التعلیقی مع التنجیزی،إلاّ أن یقال:إنّ المراد بالضمان کون ذهاب المال من کیس الضامن،و هذا غیر کون المال مالا له،و لهذا یقال صار مالا له فیکون تلفه من کیسه،هذا.

و أمّا قوله-قدّس سرّه-:فرق بین ما کانت القضیّة الشرعیّة إذا استطعت فحجّ و بین ما إذا کان المستطیع یحجّ،ففی التقدیر الأوّل یجری الاستصحاب لو شککنا فی بقاء القضیّة و علی الثانی لا یجری،إذ ما قبل الاستطاعة لا حکم شرعی

ص:597

حتّی یستصحب،فلم أفهم أیضا معناه،فإنّا سلّمنا أنّ القضیّة الشرعیّة أنّ المستطیع یحجّ لکن لا شبهة أنّ هذا بنفسه حکم شرعی و لو لم تحصل الاستطاعة الخارجیّة،فنحن نستصحب عین هذا المعنی الکبروی و لازمه الفعلیّة متی حصلت الاستطاعة،فنقول فی المقام:الانفساخ بتلف هذه العین الشخصیّة کان حکما شرعیا ثابتا و نشکّ فی بقائه الآن،و مقتضی الاستصحاب أنّه کما کان، و بالجملة لم نفهم بأیّ وجه تحصل التفرقة بین الوجهین،فتدبّر.

و الحاصل:کما نستصحب حکم«الخمر حرام»و لو لم یکن له مصداق فی الخارج و لازم الأعم من الحکم الظاهری و الواقعی أنّه لو صادف المصداق تعلّق به،کذلک نستصحب حکم«المستطیع یحجّ»و لو لم یکن فی العالم مستطیع، و کذلک حکم الانفساخ فی ظرف التلف ثابت و لو لم یکن تلف فی السابق.

فتحصّل من جمیع ما ذکرنا أنّ استصحاب الانفساخ الثابت حال التلف قبل القبض ممّا لا إشکال فی جریانه.

لکن هذا کلّه فی الثمن الشخصی و المبیع کذلک،و أمّا الکلّی منهما فقد یقال:إنّ المبیع و هو الکلّی لیس له تلف حتّی نحکم بضمانه علی البائع،و الفرد و إن کان یتصوّر فیه التلف لکن لیس مبیعا،فقاعدة تلف الثمن أو المثمن فی زمن الخیار ممّن لا خیار له لا یشمل الکلّی و لا المصداق.

و فیه:أنّ صفة المبیعیّة و الثمنیّة بعد تطبیق الکلّی علی الفرد یتحقّق فی الفرد، فیقال عرفا هذا هو المبیع أو الثمن،و علی هذا فمتی ثبت لعنوان المبیع و الثمن عموما حکم الضمان فی مدّة الخیار فلا وجه لعدم شموله لمصداق الکلّی.

إن قلت:لو تعیّب المصداق فی بیع الکلّی فلم لا تقول بحصول خیار العیب للمشتری؟و المفروض علی ما ذکرت صدق عنوان المبیعیّة علیه.

ص:598

قلت:لا نسلّم صدق المبیع علیه،کیف و الکلّی إذا کان مقیّدا بقید فهو لا ینطبق علی الفاقد لذلک القید و لا یصیر الفاقد قابلاً لمصداقیّته و لو بالتراضی، مثلا الرقبة الکافرة لیست مصداقا للرقبة المؤمنة،فلا یجزی فی مقام الامتثال،و لا الفرس الترکی بالنسبة إلی الفرس العربی،فلا یکون مصداقا فی البیع،و هذا واضح.

و بالجملة لو کان لنا دلیل عام مثبت لحکم علی عنوان المبیع و الثمن فلا محالة یشمل هذا الحکم الفرد المدفوع مصداقا للکلّی المبیع،لصدق المبیعیّة علیه حقیقة.

ألا تری أنّه لو فسخ ذو الخیار من الطرفین فی بیع الکلّی بعد أخذ المصداق فهل له أن یمتنع من تأدیة ذلک المصداق إلی المفسوخ علیه و یقول:کنت بعتنی الکلّی فأنتقل إلیک بواسطة الفسخ الکلّی أیضا و اختیار تعیینه إلیّ؟ لکنّ الإشکال کلّه فی إثبات الدلیل العام فی مسألتنا،فإنّ الأخبار التی هی عمدة دلیلها واردة فی شراء العبد و الجاریة و الدابّة و الحیوان من الأعیان الخارجیّة، و عموم التعلیل فی قوله:«حتّی ینقضی الشرط إلخ»أیضا قد عرفت حاله،و أمّا الاستصحاب المتقدّم فلا مساغ له هنا و ذلک لعدم تصوّر التلف قبل القبض بالنسبة إلی صورة کون المبیع کلّیا،فإنّه ما لم یقبض لم یصر منطبقا علی الخارجی، و بعده خرج عن موضوع القاعدة.

فإن قلت:کما قلت فی ما تقدّم بجریان استصحاب الضمان قبل القبض و هو عبارة عن الاستصحاب التعلیقی أعنی:أنّه کان بحیث لو تلف ینفسخ العقد،ففی ما نحن فیه أیضا یمکن هذا الاستصحاب مع تعلیق آخر مضافا إلی ذلک التعلیق،بأن یقال:هذه العین الخارجیّة کانت بحیث لو تلفت و هی مبیع

ص:599

ینفسخ بیعه الواقع علیها فالآن أیضا کما کانت.

قلت:الحقّ عدم جریان هذا الاستصحاب،لأنّه لم یکن قبل القبض فی هذه العین حکم مجعول شرعیّ و هو الضمان و لو بنحو التعلیق حتّی یستصحب بعده.

توضیح ذلک:إنّه قد یکون الحکم مجعولا فی مورد الذات معلّقا علی القید و قد یکون مجعولا من الابتداء فی موضوع العنوان،مثلا تارة یشار إلی الحجر و المدر و یقال:هذا لو کان إنسانا یجب علیه صلاة رکعتین،و أخری یکلّف عنوان الإنسان بصلاة رکعتین،ففی الصورة الأولی لو فرضنا انقلاب حجر إنسانا و شککنا فی أنّه مکلّف بالصلاة أو لا،صحّ لنا التمسّک بالاستصحاب التعلیقی.

و أمّا فی الثانیة فلا،و ذلک لأنّه لیس للشارع حکم مجعول فی موضوع الحجر لا تنجیزا و لا تعلیقا حتّی یجیء مقام القطع السابق بالحکم تعبّد الشارع به و کانت الفعلیّة من لوازم الأعم من الظاهری و الواقعی،و إنّما الثابت انتزاع من العقل، و هو أنّه لو کان هذا الحجر إنسانا کان مصداقا لموضوع الخطاب و الحکم الشرعی، و لازم الاستصحاب أن یقوم بمکان هذا الیقین تعبّد الشارع بهذا المطلب،أعنی:

المصداقیّة لموضوع الحکم،فلو کان له أثر شرعی رتّب علیه کما هو الشأن فی الاستصحابات الموضوعیّة التعلیقیّة مثل استصحاب الکرّیّة علی تقدیر صبّ الغرفتین.

و لو لم یکن له أثر عملی فلیس استصحابا موضوعیّا بالفرض و لا حکمیّا،لما عرفت أنّ الحکم الشرعی لیس ثابتا للذات فی تقدیر الوصف و العنوان،فالیقین فی تقدیر کذا لیس متعلّقا بثبوت حکم شرعیّ للذات بل متعلّق بمصداقیّتها لما هو متعلّق الحکم الشرعی،و إذا لم یکن لهذا أثر عملی و المفروض أنّه لیس حکما

ص:600

مجعولا أیضا حتّی یکون له عمل،فلا مجری للاستصحاب فیه.

و الحاصل:أنّ ما قلناه فی تقریب جریان الاستصحابات التعلیقیّة فی الموضوعات-من کون التقدیر تقدیرا للیقین لا للمتیقّن و بالاستصحاب یقوم التعبّد مقام الیقین فیکون التعلیق للتعبّد و من المعلوم أنّ الفعلیّة عند حصول المعلّق علیه من آثار الحکم الأعمّ-مورده ما إذا کان لمتعلّق الیقین عمل،بأن یکون إمّا موضوعا ذا أثر شرعیّ کالکرّیّة فی المثال أو حکما شرعیّا،أو نفی حکم شرعیّ علی ما تقرّر تحقیقه فی محلّه،و أمّا إذا لم یکن شیئا من ذلک،فالتقریب المذکور قاصر عن إثبات جریان الاستصحاب التعلیقی.

إذا عرفت ذلک فنقول فی المقام:الحکم المجعول هو أنّ المبیع إذا تلف قبل القبض فهو من مال البائع لا أنّ کلّ شخص شخص من الأموال الخارجیّة إذا بیعت فحکمه أنّ تلفه قبل القبض من مال بائعه،فالذی ینفع لاستصحاب الحالة السابقة التعلیقیّة هو الثانی و هو مفقود،و الأوّل و إن کان موجودا و لکنّه لا ینفع،لأنّ الثابت فی السابق فی شخص هذا المال لیس إلاّ انتزاعا عقلیّا،و هو أنّه لو کان مبیعا کان مصداقا لموضوع حکم تلف قبل القبض،و أین هذا من الحکم الشرعی؟ فتحقّق من مجموع ما ذکرنا أنّ استصحاب الضمان غیر جار فی الکلّی و المفروض أنّ أخبار الباب أیضا خاصّة بالشخص،فلا مجری لقاعدة الضمان فی الکلّی.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-قد تشبّث لإثبات کون الضمان هنا بمعنی الانفساخ کما فی التلف قبل القبض-لا بمعنی ضمان المثل أو القیمة- بأخبار الباب الدالّة علی أصل الضمان بضمیمة قاعدتی عدم ضمان شخص لمال

ص:601

آخر و التلازم بین الخراج و الضمان.

و فیه:أنّه لم یثبت دلیل علی الملازمة فی ما بین الخراج و الضمان،بمعنی أنّه کلّما ثبت الخراج و مالکیّة النماء ثبت الضمان علی ذلک الشخص إلاّ النبوی الغیر المجبور.

نعم الملازمة فی جانب العکس،أعنی:کلّما ثبت ضمان أحد لمال فهو مالک لنماء ذلک المال،قد وردت فی بعض أخبار البیع الخیاری فراجع،فلیس فی المقام إلاّ القاعدة الأوّلیّة،و هی لیس دلیلا اجتهادیّا بل صرف أصالة عدم الضمان،و کما أنّ هذا مخالف لهذا الأصل فالمعنی الآخر،أعنی:الانفساخ أیضا مخالف لأصل عدم الانفساخ.

فالطریق السالم لإثبات المعنی المزبور هو استفادته من نفس أخبار المسألة بوجهین،الأوّل:ما أشرنا إلیه سابقا من قولهم-علیهم السلام-:«ما لم یصر المبیع للمشتری فالضمان علی البائع»حیث إنّه بلسان التنزیل مشیر إلی کبری أنّ کلّ أحد یضمن تلف مال نفسه،فهو فی مقام تعیین صغری هذه الکبری فی المقام تنزیلا،أعنی:أنّه بعد ما لم یصر بعد للمشتری فلا وجه لکون تلفه علیه، و المستفاد من هذا أنّه عند التلف إمّا ینفسخ البیع حقیقة و یقع التلف فی ملک البائع،أو تنزیلا و یقع فی ملکه التنزیلی علی ما یأتی إن شاء اللّه تعالی تحقیق ما هو الحقّ من الأمرین.

الثانی:قوله-علیه السلام-:«و إن کان بینهما شرط أیّاما فهلک فی تلک الأیام فهو من مال البائع»فإنّ الضمیر إشارة إلی المال التالف لا إلی التلف،و من الواضح إفادته الانفساخ دون الضمان المصطلح،أعنی:ثبوت المثل أو القیمة فی العهدة، لأنّ کلمة«من»إمّا للتبعیض،و إمّا للجنس،و علی کلا التقدیرین تفید المدّعی،

ص:602

بل نقول:لو کان راجعا إلی التلف أیضا فالظهور محفوظ،لکن إذا کان راجعا إلی التالف فهو أظهر.

ثمّ إنّ الاحتمال المتصوّر فی المقام فی الضمان أحد أمرین لا ثالث لهما.

أحدهما:الانفساخ الحقیقی أو الحکمی آنا ما قبل التلف و معه لا مجال لبقاء الخیار.

و الثانی:الضمان المصطلح و هو ثبوت المثل أو القیمة فی العهدة و لازمه بقاء الخیار،فإن اختار الفسخ استحقّ المفسوخ علیه علی الفاسخ المثل أو القیمة، و المفروض کونه مدیونا للفاسخ بأحدهما،فیحصل التهاتر،إلاّ إذا کان قد برئت ذمّته قبل الفسخ فیجب علی الفاسخ دفع المثل أو القیمة،لکن هذا علی خلاف ما حقّقناه من عدم تعقّل الخیار مع التلف عند ذی الخیار و إلاّ فلا یبقی علی هذا الفرض أیضا خیار،فالکلام هنا مبنیّ علی الإغماض عن ذلک و لو استوجب البیع و أسقط الخیار فاللازم استحقاق ذی الخیار المثل أو القیمة علی صاحبه،هذا هو المحتمل فی المقام.

و أمّا الاحتمالات الأخر التی أشار إلیها شیخنا المرتضی-قدّس سرّه- -و هی أن یکون التلف علی البائع إذا فسخ المشتری،و أمّا إذا أوجب المشتری فإمّا نقول:بتخییره بین الرجوع إلی المثل أو القیمة و بین رجوعه بالثمن،أو نقول:بتعیین الرجوع بالثمن،أو نقول:لا شیء له-فلا وجه لها.

و السیّد المحقّق المحشّی لکلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّهما-ذکر أنّ الاحتمالات فی المسألة ستّة،فذکر الاحتمالین اللذین ذکرناهما من الانفساخ قبل التلف آنا ما حکما أو حقیقة،و ضمان المثل أو القیمة،غایة الأمر التهاتر فی صورة الفسخ،و جعل الاحتمال الآخر البطلان،و الفرق بینه و بین الانفساخ أنّه مع الثانی

ص:603

لا بدّ من عود کلّ من العوضین إلی صاحبه الأصلی إن کان موجودا،و إلاّ فبدله، و أمّا البطلان،فإن کان أحد العوضین موجودا عاد إلی صاحبه،و إلاّ فالعوض الآخر یعود من دون اشتغال ببدل العوض الآخر.

ثمّ ذکر الاحتمالات الثلاثة المذکورة فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-، و بعد إبطال تلک الوجوه اختار تردّد الأمر بین الثلاثة الأوّل،لعدم تعرّض الأخبار للکیفیّة،و إنّما هی فی مقام أصل الضمان.

ثمّ ذکر إمکان استفادة الوجه الأوّل أعنی الانفساخ من تعبیر«فهو من مال البائع»أعنی ذات التالف ثمّ قوّی عدم ظهور هذه الفقرة.

ثمّ ذکر أنّه بعد إجمال الأخبار و تردّدها بین الثلاثة الأول،المتعیّن هو الوجه الثالث،و هو فی کلامه-قدّس سرّه-الضمان بالمثل أو القیمة،لأنّه مطابق لأصالة بقاء العقد و الخیار.

و أورد علیه شیخنا الأستاذ-دام ظلّه الشریف-:

أوّلا:بما ذکر سابقا من إمکان استظهار الوجه الأوّل من فقرتین من الروایات،و لا وجه لمنع الظهور فی الفقرة المذکورة.

و ثانیا:أنّ ما ذکره علی فرض إجمال الروایات و سکوتها عن تعرّض الکیفیّة من أنّ الضمان المصطلح مطابق لأصالة بقاء العقد و الخیار بخلاف الوجهین الآخرین أعنی:الانفساخ و البطلان فإنّهما مخالفان لها،فیه أنّ الضمان أیضا مخالف لأصل عدم الضمان إلاّ أن یکون مراده-قدّس سرّه-أنّه مخالف لأصل واحد،و أمّا الآخران فلأصلین،أصل بقاء العقد و أصل بقاء الخیار.

و فیه أنّ أصل بقاء الخیار لا یعدّ أصلا آخر بعد الحکم ببطلان العقد أو انفساخه،لأنّه مرتّب علی وجود العقد،فالوجهان الآخران لیس فیهما أیضا إلاّ مخالفة أصل واحد،هذا.

ص:604

ثمّ لا إشکال فی أنّ فوات الجزء أیضا حاله حال فوات الکلّ فی الانفساخ علی مقدار الفائت،و أمّا فوات الوصف و حدوث العیب فلا إشکال أیضا فی ضمانه علی البائع،لقوله:«أو یحدث فیه حدث إلخ»،لکنّ الکلام فی أنّه هل یمکن استفادة ثبوت الخیار بین الردّ و الأرش للمشتری بحدوث العیب فی مدّة الخیار أو لا؟و غایة تقریبه أن یقال:إنّ قوله:«إن حدث فی الحیوان حدث قبل ثلاثة أیّام فهو من مال البائع»دالّ علی أنّ نفس العیب من ماله فکأنّ العیب حدث فی مال البائع،و المفروض أنّه مبیع فیکون له حکم المبیع الذی تحقّق العیب فیه من مال البائع و هو الخیار بین الردّ و الأرش،و بالجملة کون التلف فی الکلّ أو الجزء من مال البائع یفید الانفساخ،و کونه فی الوصف منه یفید الخیار.

إن قلت:نعم یمکن تصوّر الجامع للمعنیین بالنسبة إلی فوات العین کلاّ أم بعضا و بالنسبة إلی فوات الوصف،و لکن إفادة الخیار بالنسبة إلی الثانی محلّ منع، و ذلک لأنّ الخیار من أثر وقوع العقد علی المعیب لا من أثر مجرّد حدوث العیب فی مال البائع و لو بعد وقوع العقد.و بالجملة ما لم یکن تنزیل علی تأخّر وقوع العقد عن حدوث العیب فمجرّد تنزیل حدوث العیب فی مال البائع لا یثمر فی ترتیب أثر الخیار بین الردّ و الأرش.

قلت:قوله-علیه السلام-:«إن حدث فیه حدث فهو من مال البائع»یحتمل وجوها ثلاثة:الأوّل:أنّه یقدّر کونه من ماله آنا ما قبل التلف فیکون التلف من ماله،الثانی:أنّه یقدّر عدم صیرورة المال منتقلا بعد إلی المشتری من أوّل زمان العقد إلی زمان انقضاء الخیار بالنسبة إلی هذا الأثر الذی هو الضمان،الثالث:أن یرجع الضمیر إلی التلف و یکون المراد تقدیر کون التلف واردا علی مال البائع الثابت له قبل العقد،فیکون أثره البطلان فی فوات العین و الخیار فی فوات الوصف.

ص:605

إذا عرفت هذا فالوجهان الأوّلان اللذان یکون التنزیل فیهما فی جانب المالیّة -أعنی:نزل فیهما المال الفعلی للبائع غایة الأمر فی أحدهما آنا ما قبل التلف و فی الآخر مستمرّا من أوّل العقد-لیس فیهما دلالة علی ترتیب أثر العیب السابق علی العقد،و إنّما الثابت منهما کون البائع متخسّرا بخسارة هذا العیب،فإمّا یجب علیه دفع القیمة الواقعیّة التی تبذل بلحاظ الوصف الفائت،و إمّا الحصّة التی من الثمن لوحظ فی بذلها وجود ذلک الوصف،و بالجملة لا دلیل علی الردّ و خصوصیّة الأرش.

و أمّا علی الأخیر الذی یکون مبناه التنزیل فی التلف و جعله بمنزلة التلف السابق الوارد علی المال حال کونه مالا للبائع و هو ما قبل العقد فاللازم ثبوت الخیار مضافا إلی الخیار الموجود و ثبوت الأرش،هذا غایة تقریب هذا الوجه.

و لکن استضعفه شیخنا الأستاذ-دام علاه-بعدم مساعدة الوجدان علی فهم هذا المعنی من العبارة،أعنی:التنزیل منزلة التلف السابق بل المفهوم هو التنزیل فی المالیّة للبائع مع حفظ کون التلف حالیّا،فیتعیّن فی أحد الوجهین الأوّلین و هما لا ثمرة بینهما،مع أنّ الفقرة الأخری أعنی:«حتّی ینقضی الشرط و یصیر المبیع للمشتری»لا تساعد علی الوجه الأخیر کما هو واضح،لأنّ الظاهر منها التنزیل فی سلب ملکیّة المشتری و حفظ ملکیّة البائع کما هو الحال فی أحد الوجهین،الأوّلین،فالحکم بتحقّق الخیار و الأرش فی غایة الإشکال،کما أنّ إجراء حکم الضمان فی فوات غیر وصف الصحّة من أوصاف الکمال محلّ إشکال من جهة إمکان منع تبادر ذلک من حدوث حدث،حیث إنّ المتبادر منه حدوث حادثة من مرض و فوات صحّة لا مثل نسیان الکتابة بواسطة کثرة متارکته و نحو ذلک.

ص:606

ثمّ إنّ التلف الذی لیس له متلف ضامن لا شبهة فی دخوله تحت الحکم، و أمّا فی صورة وجود الضامن کما لو أتلفه الأجنبی أو البائع فالظاهر خروجه عن مورد الحکم بالضمان،لأنّ الظاهر من مورده هو التلف الذی لا تدارک له،و أمّا ما کان له التدارک فلا یصدق علیه فوت المال،لأنّه انتقل إلی البدل فی ذمّة المتلف، فلا فرق بین وجود العین فی ید الغاصب أو وجود البدل فی عهدته،و هذا هو الوجه فی التفرقة لا الفرق بین التلف و الإتلاف،و إلاّ فمثل أکل السبع لا شبهة فی کونه مشمولا لحکم الضمان مع أنّه لا شبهة فی کونه إتلافا.

و الحاصل:أنّه ربّ تلف لا تشمله الروایة و ربّ إتلاف تشمله،أمّا الأوّل:

فکالتلف السماوی فی ید الغاصب،و أمّا الثانی:فکالإتلاف الصادر من الذئب، و أمّا وجود العین سلیمة من کلّ عیب بل ربّما یکون أسلم و أسمن فی ید الغاصب و لو مع الیأس عن الظفر به أو کونه تحت البحر فلا نحکم فیها بحکم الضمان، لأنّه حکم مخالف للقاعدة و القدر المتیقّن منه صورة خروج العین عن دار الوجود و صورة تعیّبه،و أمّا مع محفوظیّته بلا عیب و نقصان فلا دلیل هنا کما ثبت الدلیل فی باب الغصب بثبوت بدل الحیلولة،فإنّه لم یکن منوطا بالتلف،بل بواسطة عموم «علی الید»حیث إنّه عام لما إذا کان فی ید الغاصب المأیوس عن الظفر به،أو تحت البحر،فطالب صاحب المال ماله فلا یمکن جوابه بالصبر حتّی یستولی علی الغاصب أو یجفّ البحر،و لا جوابه ببذل أجرة المنافع،فإنّه مطالب لنفس العین و شاک عن مفارقة نفس العین،فلا محیص عن تدارک نفس العین.

و أمّا الضمان الثابت فی الباب،أعنی:الانفساخ قبل التلف آنا ما فلم یثبت دلیل علی جریانه فی مثل هذا المورد الذی یکون الفرض وجود العین و عدم حدوث حادثة علیه بل یکون فی غایة النفاسة و السمانة.

ص:607

و کذا فی صورة ورود تلف أو نقصان أو عیب علیه مع وجود ضامن سواء صدق التلف أم الإتلاف،فتبقی صورة و هی صورة التلف أو النقصان أو العیب مع عدم ذمّة تطالب بتدارک الفائت سواء صدق التلف أم الإتلاف،فیحکم حینئذ بالانفساخ مع التلف و التدارک مع العیب کما تقدّم تفصیله.

ثمّ بعد ما عرفت خروج صورة وجود ذمّة ضامنة بالتدارک فی البین عن تحت الحکم-لأجل الانصراف-فاعلم أنّه إذا فسخ الفاسخ و الحال هذه،أعنی:أنّ العین قد أتلفه الأجنبی الضامن،فالطرف الآخر الذی انتقل بالفسخ إلیه التالف سواء کان هو المشتری أم البائع الذی هو غیر ذی الخیار یرجع إلی من؟ مقتضی القاعدة أن یقال بعدم الوجه للرجوع إلی المتلف لا فی صورة کون من تلف ما عنده هو الفاسخ و لا فی صورة کونه هو المفسوخ علیه،و سواء قلنا بکون الفسخ موجبا لرجوع التالف آنا ما قبل التلف إلی صاحبه الأصلی أم قلنا بکونه موجبا للعود حال الفسخ تالفا.

أمّا إن قلنا بأنّه یوجب الرجوع آنا ما قبل التلف فغایة تقریب الرجوع إلی المتلف حینئذ أنّه أتلف مال من انتقل إلیه بالفسخ فیکون ضامنا له،لکن فیه أنّ القائل بذلک لا یقول بالکشف الحقیقی،لعدم تعقّله،و لهذا لا نقول بانتقال النماء بل إنّما نقول بتقدیر التلف فی ملکه لتصحیح قیمة یوم التلف،فالتقدیر إنّما هو خاصّ بهذا الأثر دون جمیع الآثار التی منها الضمان،و إلاّ فالمال حقیقة لمن انتقل إلیه بالعقد فیکون الضمان بالنسبة إلیه ثمّ إذا انتقلت العین التالفة بالفسخ إلی صاحبه یجب علیه الخروج عن عهدة بدله کما لو تلف سماویّا.

و أمّا إن قلنا بأنّ الفسخ یوجب العود من حینه فغایة تقریب ضمان المتلف للمنتقل إلیه بالفسخ أن یقال:إنّه ملک العین التالفة الثابت تدارکها فی ذمّة

ص:608

المتلف،و معنی مالکیّته العین الکذائیّة أن یملک ذمّة ذلک المتلف.

و فیه أنّ اشتغال ذمّة المتلف مسلّم لکن بالنسبة إلی خصوص من وقع الإتلاف فی ملکه،فهذه الخصوصیّة أعنی:کون العین التالف ثابتا بدلها فی ذمّة المتلف لمالکها یکون کضمّ الحجر جنب الإنسان بالنسبة إلی مقتضی الفسخ أعنی:اشتغال ذمّة من تلف ما عنده بالبدل،و الحاصل أنّ قضیّة الفسخ أنّ العین لو لم تکن موجودة یرجع إلی بدلها،و لا فرق فی هذا المقتضی بین کون التلف سماویّا أم بإتلاف متلف ضامن لصاحبه،ففی التقدیر الثانی أیضا لا ربط لهذا الضمان إلاّ بمن وقع التلف فی ملکه،و الفسخ أیضا أوجب ضمان من وقع التلف فی ملکه لمن انتقل إلیه التالف بالفسخ،هذا بناء علی مقالة المشهور.

و أمّا علی ما قوّیناه من عدم الدلیل علی بقاء الخیار فی صورة التلف عند ذی الخیار و ثبوته فی صورة التلف عند غیره و کون الحقّ متعلّقا بالعین،فالحکم بضمان المتلف إذا أتلف العین الموجودة عند غیر ذی الخیار مبنیّ علی أن إتلاف مورد الحقّ أیضا موجب لضمان المتلف لصاحب الحقّ،و حیث لا دلیل علیه فیبقی بناء علیه أیضا رجوع ذی الخیار إلی المتلف بلا وجه بل یتعیّن الرجوع إلی صاحبه.

مسألة:من أحکام الخیار علی ما حکی عن التذکرة أنّه لا یجب علی ذی

الخیار تسلیم ما انتقل عنه إلی صاحبه فی زمن الخیار.

اعلم أنّه یمکن تطبیق عدم لزوم تسلیم أحد العوضین قبل تسلیم الآخر مطلقا سواء فی زمن الخیار أم غیره علی القاعدة بملاحظة أنّ القرار الإنشائی علی الملکیّة بإزاء العوض و المفروض أنّ الملکیّة ملازمة للسلطنة،فیکون قرارا علی الملکیّة الملازمة للسلطنة،فهذا بإزاء ذاک فی الملکیّة الملازمة للسلطنة،و الوفاء بهذا القرار لیس الإدخال تحت تسلط الطرف فقط بل الإدخال المقیّد بالأخذ لما عنده،

ص:609

و لهذا یعبّر عنه بالفارسیّة ب«داد و ستد»فإنّ الوفاء عبارة عن إیجاد نقشة الذهن فی الخارج،فکما کان فی الذهن التزام بملازم السلطنة فی هذا بإزاء ذاک یعنی أنّ الطرف أیضا متعهّد بملازم السلطنة فی ذاک،فنقشة هذا فی الخارج لیس إلاّ التسلیم المقرون بالتسلیم لا المنفکّ و هذا واضح.

لکنّ الزیادة علی هذا فی خصوص زمن الخیار بأن یکون الذی الخیار الامتناع و لو سلّم صاحبه قضیّة للخیار فلیس علیه دلیل معتمد،و لا یمکن تطبیقه علی قاعدة و الإجماع غیر محقّق.

مسألة:قالوا:لا یسقط الخیار بتلف العین،

اشارة

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:وجه تصوّر هذا الکلام أحد أمور:

الأوّل :أن یقال:إنّ الفسخ الذی هو عبارة عن الحلّ و هو کالعقد محتاج

إلی طرفین

(1)

لأنّه عکس البیع،فکما أنّ البیع یحتاج إلیهما یحتاج الفسخ أیضا،بل احتیاج هذا أزید بملاحظة أنّه یحتاج إلی عین ما وقع متعلّقا للعقد بشخصیّته.

و بالجملة هذا الفسخ یعتبر بالإضافة إلی العین التالفة آنا ما قبل تلفها فتکون تالفة فی یده ملکا لغیره فیکون علیه ضمانه علی القاعدة،لکن هذا بمجرّد الفسخ و دلیله لا یتمّ،بل یحتاج إلی دلیل أزید دالّ علی الضمان حتّی یستکشف منه هذا المعنی کما فی التلف قبل القبض و قبل انقضاء الخیار،و أمّا دلیل الخیار فلیس اقتضاؤه ذلک،بل إن أمکن اعتبار الفسخ فی التالف مع تالفیّته فهو،و إلاّ فلا بدّ من القول بعدم الخیار.

الثانی:أنّ الفسخ یعتبر بالنسبة إلی التالف فعلا

فیصیر ملکا للغیر

ص:610


1- 1) قد مرّ بعض الکلام فیه فی الصفحة:31 فراجع،منه دام ظلّه.

و المفروض أنّه تالف فی یده فیکون علیه ضمانه،و فیه أنّ الملکیّة إذا وردت علی التالف فی یده فلیس قضیّتها الضمان،نعم لو ورد التلف علی الملک للغیر کان قضیّته ذلک.

الثالث:أن یقال:إنّ العین تلفت و الحال أنّ تلفها علی هذا الشخص

و بعد الفسخ أیضا لا بدّ أن یکون بهذا الحال فلا جرم لا بدّ من خروجه عن عهدة خسارته حتّی یکون خسارته علیه کما کان هذا هو الحال فی الأیادی المتعاقبة فی باب الغصب حیث إنّ اتّصاف العین بوصف کون خسارته علی الید المتأخّرة یقتضی أنّ الید المتأخّرة یجب علیها تدارک ما غرمته الید السابقة.

و فیه:أنّ العقد لیس إلاّ مقتضیا،و فیه:الفرق الواضح بین البابین،فإنّ الوصف المذکور لم یقع تحت النقل و الانتقال حتّی یعتبر الفسخ بالنسبة إلیه بل النقل و الانتقال إنّما اعتبر بالنسبة إلی نفس العین،و کان من لوازم کونها ملکا لهذا أن یکون هو متخسّرا بتلفها فإذا انتقل بالفسخ إلی ذاک یصیر ذاک متخسّرا.

و بالجملة هذا من لوازم المورد و لیس داخلا فی عنوان المعاملة حتّی یعتبر الفسخ بالنسبة إلیه مثل شرط الکتابة و سائر الأوصاف المتعهّد بها فی البیع،و أمّا باب الأیادی المتعاقبة فالمقتضی لاعتبار کون العین متّصفة بوصف ثبوت الخسارة علی الید المتأخّرة موجود و هو عموم علی الید،فإنّ خسارات العین متی زید الأیادی الواردة علیه تزداد،و عموم علی الید یثبت جمیع هذه الخسارات علی الید، و لازم ذلک قرار الضمان علی الید المتأخّرة.

الرابع:أن یقال:مقتضی الفسخ أوّلا و بلا واسطة رجوع العین إن کانت

و المثل أو القیمة إن لم تکن،

و فیه أنّه بعد کون الفسخ حلّ المعاملة و لیست فی المعاملة من البدل عین و لا أثر غیر معقول.

ص:611

الخامس:أنّ الفسخ إعدام العقد و جعله کأن لم یکن،

فهو متمشّ فی صورة التلف،و أمّا التضمین فلأجل الید،و فیه أوّلا:الفرق بین الفسخ و البطلان،و الأوّل متقوّم بالطرفین دون الثانی،أ لا تری أنّ حلّ البیعة لا یعقل مع عدم بقاء أحد الشخصین؟فحال المالین هنا حال الشخصین هناک،إن قلت:فعلی هذا یلزم أنّه لو تلف أحد العوضین لم یکن العقد باقیا،قلت:معنی بقائه بقاء آثاره کما یقال:

الوضوء باق،بملاحظة أثره.

و ثانیا:معنی جعل العقد و آثاره کأن لم یکن أن یکون تلف کلّ من المالین علی مالکه الأصلی،لأنّ هذا أثر عدم العقد،و التالف فی ید الغیر إذا کان حال التلف ملکا للشخص یوجب الضمان لا إذا صار ملکا بعد التلف فی یده.

و بالجملة:فتحقّق ممّا ذکرنا أنّ القول بأنّ حقّ الخیار متعلّق بالعقد دون العین-و لهذا له اعتبار حال التلف و یوجب تضمین صاحب التالف-یدور أمره بین هذه الوجوه التی عرفت أنّ کلّها باطلة،فلا محیص عن بطلانه.

و هنا مسلک آخر و هو أن یقال بالتفصیل بین تلف ما عند ذی الخیار و غیره، بجواز الفسخ و الضمان فی الثانی و عدمه فی الأوّل،أمّا فی الأوّل فلما عرفت من عدم موجب للضمان،و أمّا فی الثانی فالعرف مساعد علی أنّ لذی الخیار علاقة و حقّا فی العین،ألا تری أنّه لو أتلف غیر ذی الخیار لا یقولون بانقطاع ید ذی الخیار و عدم تدارک ما فات منه بشیء؟فهذا دلیل علی أنّهم یرون له فی العین علاقة و حقّا هو أورث ضمان المتلف.

و حینئذ نقول:قاعدة«علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی»عامّة لکلّ ید استولت علی مال الغیر أو حقّه،فإنّه لا اسم فیها من مال الغیر،بل تعمّ مال نفس الأخذ إذا فرض له عهدة للغیر،کما فی المال المرهونة لو أخذها الراهن،فإنّه

ص:612

متعهّد للمرتهن،فلو تلف یجب أن یضع محلّه المثل أو القیمة،فکذا فی مقامنا هو متعهّد لصاحب الحقّ،أعنی:ذا الخیار بمقتضی عموم علی الید،أنّه لو تلف یضع محلّه المثل أو القیمة حتّی یعامل معهما معاملته،و ید هذا الشخص لیس بأمانی،بمعنی أنّه لم یستأمنه المالک و لا الشارع و لو قلنا بوجوب الدفع إلیه من حیث إنّه ماله،فإنّه لا ملازمة بینه و بین استئمانه من حیث حقّ الغیر المتعلّق بالمال.

و أمّا کلمة«حتّی تؤدّی»فمعناها بالنسبة إلی صورة کون المأخوذ مال النفس أن یؤدّیه علی حسب أداء الحقّ إلی ذی الحقّ و هو بأن یخلّی بینه و بین المال لو فسخ ذو الخیار،فحینئذ قد أدّی إلیه حقّه فیخرج عن ضمانه.

و بالجملة:فعموم علی الید ناطق بثبوت الضمان علی غیر ذی الخیار،و بعد ثبوت الضمان تصیر العین التالفة تالفا مضمونا،و التالف المضمون مثل الموجود فی کونه متموّلا،مرغوبا إلیه مبذولا بإزائه المال،غایة الأمر لو تمّ إجماع علی عدم صحّة بیعه قلنا به تعبّدا مع عدم إباء تمشّی حقیقة البیع فیه عرفا،و حینئذ نقول:

الفسخ عبارة عن حلّ المعاملة و معناه أن ینتقل الثمن مکان الثمن و بالعکس، و العوض التالف حیث یکون مضمونا قابل للانتقال.

لا یقال:مجرّد القابلیّة لا یثمر بل اللازم اتّحاد طرفی الفسخ مع طرفی العقد فی جمیع الخصوصیّات،و العقد لم یرد علی العین الجامع بین حالتی الوجود و التلف، بل علی خصوص الموجود،و هذه الخصوصیّة معدومة فی الفسخ.

لأنّا نقول:لیس التقیید بالوجود تقییدا جعلیّا عقدیّا،بل العقد قائم بالعینین الجامعین بین الوجود و العدم،و إلاّ فلو کان مقیّدا بالوجود فالإتلاف لم یکن إلاّ إعداما لموضوع المال لا لنفسه،نعم الوجود قید عقلا لعدم قابلیّة غیر

ص:613

الموجود للنقل،لا أنّ سبب النقل إنّما تحقّق فی خصوص الموجود بل تحقّق فی الأعمّ،و إذن فإعادة العین التالفة إعادة لنفس ما هو متعلّق العقد،غایة الأمر فاقد لقیده العقلی و هو غیر ضائر بعد کونه أیضا مثله فی التموّل و القابلیّة للنقل بملاحظة کونه مضمونا.

و بالجملة:لا أری عن هذا الوجه محیصا و إن لم أر غیر شیخنا الأستاذ -أطال اللّه بقاه-من تعرّض له،و علی هذا فالإجماع الذی نقلوه علی ثبوت الإقالة فی صورة التلف لم نفهم وجهه.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه اللطیف-قد فصل بین ما إذا کان حقّا متعلّقا بالعین بأن کان له ردّ العین و استردادها فلا حقّ عند التلف،لعدم الموضوع و بین ما کان حقّا متعلّقا بالعقد فیجوز و المدار فی ذلک دلیل الخیار فی الخیارات الشرعیّة و جعل المتعاقدین فی المشروطة،و لو فرض الشک فی أنّه من أیّ القسمین فالاستصحاب قاضٍ بکونه من الثانی.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-أطال اللّه بقاه-أوّلا:بأنّک عرفت أنّ المدار علی عکس ما ذکره-قدّس سرّه-أعنی:أنّ مدار الجواز هو التعلّق بالعین و مدار العدم هو التعلّق بالعقد علی حسب ما مرّ فی طیّ البیانات السابقة.

و ثانیا:اللازم ممّا ذکره سدّ باب الفسخ عند التلف مطلقا،و ذلک لأنّ أدلّة الخیارات الشرعیّة بین ما ذکر فیه عنوان له المال أو له الردّ و ما أفاد هذا المؤدّی، و بین ما ذکر فیه لفظ الخیار و هو خیار المجلس،و هو أیضا غیر دالّ علی التعلّق بالعقد،لأنّ لفظ الخیار فی لسان الأخبار عبارة عن الاختیار و التسلّط،و المعنی المتداول له الآن مستحدث،هذا مضافا إلی وقوع هذه الفقرة عقیب قوله:«الشرط فی الحیوان ثلاثة أیّام»فالذیل مانع لما أرید من الصدر و لیس المستفاد منه إلاّ المردّد بین المعنیین.

ص:614

لا یقال:قوله:«فإذا افترقا وجب البیع»دلیل علی تعلّق الخیار بالبیع.لأنّا نقول:لزوم البیع فی مقابل الأعمّ من التسلّط علی الاسترداد و التسلّط علی العقد، ألا تری أنّ الهبة غیر لازمة مع أنّ الموجود فیها جواز رجوع العین؟هذا حال الخیارات الشرعیّة.

و أمّا المجعولة للمتعاقدین فالظاهر من حالهم عند ما یشترطون إنّما هو استرجاع العین و إرجاعها،نعم یبقی شاذ نادر و هو ما إذا کان الشارط ماهرا فی العلمیّات و ملتفتا إلی فرق ما بین الأمرین فقیّد الخیار المشترط بکونه متعلّقا بالعقد،و هذا کما تری فی غایة القلّة.

و ثالثا:ما ذکره-قدّس سرّه-من الرجوع إلی الاستصحاب فی موارد إجمال الدلیل و تردّده بین القسمین مخدوش بعدم جریان هذا الاستصحاب لعدم الأثر له أو لکونه مثبتا.

بیان ذلک:أنّ الجامع الذی نستصحبه باستصحاب القسم الثانی من الکلّی -کما هو المتحقّق فی المقام-إذا کان من الموضوعات الخارجیّة التی رتّب علیها الأثر شرعا-کما لو رتّب علی وجود الحیوان فی الدار أثر شرعی و تردّد الحیوان الموجود بین البقّ و الفیل و مضی أقصی مدّة عمر البقّ-فلا إشکال فی جریان الاستصحاب،لوجود الأثر له،و معنی عدم النقض ترتیب الآثار.

و أمّا إذا کان الجامع حکما شرعیّا و مجعولا شرعا کما فی المقام فیکون نفسه الأثر و یکون لا تنقض بلحاظ عمل نفسه،و حینئذ فإن کان للمهملة بین الشخص السابق و اللاحق عمل لا نضایق من جریان الاستصحاب و لو لزم منه حینئذ أن لا یکون المجعول بالاستصحاب مماثلا للمستصحب،فإنّ المستصحب من القسم الزائل و المجعول بالاستصحاب من القسم الباقی.

ص:615

مثلا:إذا تعذّر بعض أبعاض المرکّب المأمور به و احتمل انتقال الوجوب النفسی إلی الأجزاء الباقیة کان الاستصحاب مفیدا لجعل حکم إیجاب نفسی فی الأجزاء الباقیة،فإنّ النفسیّة لیس لها مئونة إلاّ صرف تعلّق الإیجاب بتسعة أجزاء بدون ملاحظة کونها متوقّفا علیها للکلّ المرکّب من العشرة مثلا،فالقید أمر عدمی و لا حاجة له إلی مئونة زائدة و قد کان الثابت سابقا هو الوجوب المحدود بالغیریّة،و وجه ذلک أنّ معنی عدم النقض هو البقاء علی العمل السابق،و عمل الوجوب الغیری فی تسعة أجزاء إتیانها،فالاستصحاب یوجب إتیانها فی اللاحق أیضا،و هذا معنی إیجابها النفسی و لا شاهد علی لزوم کون المجعول مماثلا للمستصحب کما زعمه بعض الأساتید-قدّس أسرارهم-بل اللازم کونه ممّا تناله ید الجعل لکونه ذا عمل فی السابق،و لهذا أیضا أجرینا الاستصحاب فی العدم الأزلی للتکلیف مع أنّ الثابت منه الإباحة و قد کان فی السابق عدم الحکم.

و بالجملة:فی الجوامع الشرعیّة أیضا لا نضایق من إجراء استصحاب الکلّی القسم الثانی،لکن مع ثبوت العمل له کالمثال المذکور،و أمّا إذا لم یکن للمهملة عمل کما فی المقام-فإنّ الخیار المردّد بین کون متعلّقه العقد أو العین لیس له عمل و إنّما لعمل لفردیه-فلا معنی لعدم نقضه عملا.

و أمّا القول بأنّا نثبت له الاختیار المطلق حتّی حال التلف،و حیث لا معنی للإطلاق مع فرض تعلّقه بالعین فلا محالة یکون متعلّقا بالعقد فنثبت بذلک أنّه خیار متعلّق بالعقد و هو ذو عمل.فمبنیّ علی الأصل المثبت و لا نقول به.

هذا تمام الکلام فی تلف أحد العوضین قبل الفسخ،و أمّا تلفه بعده فربّما یکون التالف مال الفاسخ فی ید المفسوخ علیه،و أخری یکون بالعکس،فهل یحکم بالضمان فی کلیهما أو بینهما تفصیل؟أمّا مال المفسوخ علیه فکون تلفه علی

ص:616

الفاسخ مبنیّ علی أحد وجوه:

أحدها:ما أشار إلیه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-من عموم علی الید، و هذا مبنیّ علی مقدّمات،إحداها:عدم اختصاص الید بالید العادیة،و هذا ظاهرا مسلّم،فالخارج هو الید الأمانیّة،و غیرها داخل تحت العموم.

الثانیة:أنّ الأخذ شامل لما إذا تحقّق الکون تحت الید بغیر اختیار من صاحب الید کما إذا أطار الریح مال الغیر فی جیب الغیر و لم یلتفت فتلف من جیبه،و کما إذا کان مال شخص تحت ید آخر برضاه ثمّ باعه من غیره و لم یلتفت ذو الید بذلک فتلف فی یده،و لکن فی شمول علی الید لمثل ذلک إشکال،و ما نحن فیه لعلّ من هذا القبیل،فإنّ الفاسخ لم یثبت یده علی مال الغیر و إنّما استرجع عینه فصارت یده علی مال الغیر قهرا فیکون کالمثالین السابقین،إلاّ أن یقال:نمنع کونه من ذلک القبیل فإنّه باختیاره أوجد السبب لذلک فکأنّه استولی علی مال الغیر باختیاره الابتدائی.

الثالثة:أنّ القاعدة شاملة لما إذا تأخّر زمان ثبوت العهدة عن زمان حدوث الأخذ و کان فی حال الحدوث خالیا عن العهدة فطرأ فی حال بقاء الأخذ،کما إذا انتقل مال زید الموجود بإذنه تحت ید عمرو إلی خالد،و شمول علی الید لمثله مشکل و لو فرض أنّه کان المتصدّی لهذا الانتقال بحیث لم یکن ذلک خارجا عن اختیاره.

لا یقال:فما تقول فی الید العادیة إذا کانت مسبوقة بالإذن،فإنّه لا إشکال فی ضمانها مع أنّها ید باقیة فی حال ثبوت العهدة،و قد کان المطلوب حدوثها حاله.

لأنّا نقول:الکلام فی أنّ اللفظ قاصر عن الشمول و لیس فی البین مناسبة فی

ص:617

ما بین الحکم و الموضوع حتّی نلغی بسببها الخصوصیّة التی أفادها اللفظ،و ما ذکرت غیر قادح فی ما ذکرنا،فإنّه مطلب مسلّم من الخارج و من المعلوم أنّه لا یتغیّر به مفاد اللفظ.

الوجه الثانی:ما أشار إلیه أیضا شیخنا المتقدّم-قدّس سرّه-،و هو الاستصحاب لأصل الضمان الجامع بین الضمان بالعوض المسمّی و بین العوض الواقعی،و هو مبنیّ علی جریان الاستصحاب فی الکلّی القسم الثالث،بأنّ احتمل وجود فرد عند زوال فرد کان موجودا أو زال،و الظاهر صحّته،لمساعدة العرف علی بقاء الکلّی،کما یقال:الإنسان باق من لدن آدم-علیه السلام-إلی زماننا هذا.

و أمّا الإشکال المتقدّم فی الاستصحاب المتقدّم فغیر جار هنا،فإنّ حاله حال جامع الحدث إذا تردّدت الرطوبة الخارجة من المتطهّر من الحدثین بین البول و المنی ثمّ أتی بالوضوء،فإنّ حکم الغسل و إن کان مترتّبا علی المنی و استصحاب جامع الحدث بعد الوضوء لا یثبت کونه منیّا لکن للجامع أثر و هو عدم جواز الدخول فی الصلاة،فالمکلّف و إن لم یحرز کون حدثه منیّا لکنّه لا یجوز له الدخول فی الصلاة بحکم هذا الاستصحاب،فلا یبقی له محیص عن إتیان الغسل حتّی یقطع عنه لسان هذا الأصل،ففی ما نحن فیه أیضا نقول:استصحاب شغل الذمّة بالعوض یوجب تسلّط المضمون له علی الضامن و لا رافع لیده إلاّ رفع ما یقطع بسببه لسان الأصل و هو المثل أو القیمة،لأنّ دفع العوض المسمّی مقطوع العدم،لکن یرد علی هذا الاستصحاب أنّه معارض باستصحاب عدم الضمان بالمثل أو القیمة فنرجع إلی أصالة البراءة،هذا.

الوجه الثالث:ما أشار إلیه شیخنا الأستاذ-أطال اللّه بقاه-من أنّ کلاّ من المتعاقدین بحکم لزوم الوفاء بما عقداه متعهّد بتسلیم ما ملکه من صاحبه

ص:618

إلیه،لأنّ معنی الخروج عن عهدة القرار و العمل الخارجی علی طبقه هو دفع کلّ ماله إلی صاحبه،فإنّ تلک المدافعة الخارجیّة عمل خارجیّ لتلک المبایعة الإنشائیّة و المبادلة فی الملکیّة.

و علی هذا فالفسخ کما أنّه حلّ للعقد حلّ مع جمیع لوازمه،فکما کانا ملتزمین بالتسلیم ففی الحلّ أیضا کذلک،و لازم هذا هو الضمان عند التلف،و لهذا قلنا فی بعض المباحث السابقة أنّ ضمان تلف قبل القبض علی وفق القاعدة، و إنّما التعبّد فی کیفیّته و هو کونه بنحو الانفساخ لا الضمان المصطلح،و علی هذا فهذه القاعدة متّبعة فی جانب الفسخ من غیر تعبّد علی خلافها،و لازمه الضمان المصطلح،لکن هذا الوجه کما تری مبنیّ علی ارتباط آیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالمعاملات و قد عرفت فی محلّه النظر فیه.

ثمّ إنّ هذا کلّه فی مال المفسوخ علیه إذا تلف فی ید الفاسخ،و أنت خبیر بأنّ جمیع ما قلنا فیه فی عکسه،أعنی:تلف مال الفاسخ فی ید المفسوخ علیه،فلا حاجة إلی الإعادة.

هذا بعض الکلام فی الخیارات و أحکامها علی حسب ما وفّقنی اللّه تعالی لکتابة ما استفدته من بحث شیخی و أستاذی-أدام اللّه بقاه- و الحمد للّه و صلّی اللّه علی محمّد و آله و کان تحریر هذا فی یوم الأحد التاسع عشر من شهر ذی الحجّة الحرام من سنة 1345

ص:619

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.