الخیارات (محمد علی اراکی)

اشارة

سرشناسه:اراکی، محمدعلی، 1373 - 1273

عنوان و نام پدیدآور:الخیارات / تالیف محمدعلی الاراکی

مشخصات نشر:1414ق. = 1372.

مشخصات ظاهری:ص 632

شابک:5000ریال ؛ 5000ریال

یادداشت:عربی

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس

موضوع:خیارات

موضوع:فقه جعفری -- قرن 14

رده بندی کنگره:BP190/2/الف 4خ 9 1372

رده بندی دیویی:297/372

شماره کتابشناسی ملی:م 72-4013

ص :1

اشارة

الخیارات

تالیف محمدعلی الاراکی

ص :2

مقدمتان

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

الحمد للّه ربّ العالمین و الصلاة و السلام علی محمد و آله الطاهرین و اللعن علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین البحث فی الخیار و أقسامه و أحکامه و لنقدّم مقدّمتین،أولیهما:فی بیان حقیقة الخیار،و الثانیة:فی تقریر الأصل عند الشک و أنّه اللزوم أو عدمه.

أمّا المقدّمة الأولی: فی بیان حقیقة الخیار

فی بیان حقیقة الخیار،اعلم أنّه یتصوّر کونه حقّا متعلّقا بالعین،أثره جواز استرداده بردّ بدله،و کونه متعلّقا بالفسخ بأن یکون والیا علیه،و کونه متعلّقا بالعقد بمعنی الولایة علیه بالفسخ أو الإمضاء.

و لازم الأوّل هو السقوط بتلف العین،و لازم الثانی و الثالث عدمه و یفترقان فیما لو تعدّد صاحب الخیار من جانب واحد،فعلی الأوّل لو أمضی واحد کان حقّ الثانی بحاله فله الردّ أو الإمضاء،و علی الثانی حال الإمضاء کالردّ فکما أنّ الردّ مسقط للعقد عن قابلیة إجازة الثانی فکذلک الإمضاء و سیجیء تحقیق المسألة فیما

ص:3

بعد إن شاء اللّه.

و یمکن أن یقال:الظاهر بحسب اعتبار العرف فی موارد حکمهم بالخیار هو عدم کونه حقّا علی العین لأنّهم یعتبرون الرجوع فی المعاملة،و أمّا الوجهان الآخران فیمکن تأیید الثانی منهما أوّلا:بأنّه لا معنی لحقّ الإنسان علی فعل نفسه، و ثانیا:ظاهر قوله:«فإنّ ذلک رضی منه» (1)أنّ الرضی بنفسه موجب لسقوط الخیار،لا لأجل کشفه عن الإسقاط،و علی الوجه الأوّل لا بدّ من التزام ذلک و هو خلاف الظاهر لأنّ الظاهر أنّ هذا العنوان موضوع لا معرّف.

و إذن فنقول إذا کان طرف الحقّ التخییری أحد الأمرین من الإمضاء و الردّ، فأیّا منهما اختاره ذو الخیار سقط حقّه لأنّه بذلک استوفی حقّه کما لو فسخ.

هذا و یمکن أن یقال فی باب الفضولی أیضا بانطباق عدم فائدة الإمضاء بعد الردّ علی القاعدة علی هذا المبنی،بأن یقال هناک أیضا بثبوت حقّ للمالک تخییری بین الأمرین کما فی المقام،و یستفاد ذلک من قوله-علیه السّلام-فی بعض أخبار نکاح العبد بدون إذن سیّده:«إن شاء السیّد أجاز و إن شاء ردّ» (2)بضمیمة عدم الفصل بین النکاح و سائر العقود فیقال إنّه بالردّ قد استوفی حقّه و سقط کما فی کلّ حکم تخییریّ أو وضعی هذا.

أمّا المقدّمة الثانیة:

اعلم أنّه استدلّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف- علی أصالة اللزوم بوجوه:منها قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3).و منها قوله تعالی:

ص:4


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.
2- 2) المصدر نفسه:الجزء 14،الباب 24 من أبواب نکاح العبید و الإماء،ص 523 ح 1.المستدرک: الجزء 15،الباب 18 من أبواب نکاح العبید و الإماء ص 15 ح 1.
3- 3) المائدة:1.

أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ (1).و منها قوله تعالی تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (2)بتقریب أنّ التصرّف المنافی للمعاملة بعد الفسخ مشمول للآیات الثلاث فیکون حراما و ترکه واجبا،و یستکشف من هذا فساد الفسخ کما أنّ مقتضی إطلاق الأخیرتین نفوذ البیع و التجارة عن تراض بعد الفسخ أیضا.

و منها قوله تعالی لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ (3).و قوله-علیه السّلام- :«لا یحل مال امرئ إلاّ بطیب نفسه»،و قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«الناس مسلّطون علی أموالهم»، و قوله:«المؤمنون عند شروطهم» (4).

تقریب الاستدلال بالأخیر ما تقدّم فی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (5)و أمّا ما سبق فبأنّ نفس الفسخ و الاسترجاع أکل للمال بالباطل و تصرّف بغیر طیب نفس المالک و مخالف للسلطنة.

و منها الأخبار المستفیضة الدالّة فی خصوص البیع علی أنّ«البیعان بالخیار ما لم یفترقا» (6)و أنّه«إذا افترقا وجب البیع» (7)و أنّه«لا خیار لهما بعد الرضا» (8).

هذا جملة ما تمسّک به-قدّس سرّه-من الأدلّة الاجتهادیّة (9).

و استشکل فی الکلّ شیخنا الأستاذ،أمّا فی الأخیر فبأنّه حکم حقیقی

ص:5


1- 1) البقرة:275.
2- 2) النساء:29.
3- 3) النساء:29.
4- 4) الوسائل:الجزء 15،الباب 20 من أبواب المهور،ص 30 ح 4.الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار ص 353 الحدیث 1 و 2.
5- 5) المائدة:1.
6- 6) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346 ح 3.
7- 7) المصدر نفسه:ح 4.
8- 8) المصدر نفسه:ح 3.
9- 9) المکاسب:215.

و القدر المتیقّن منه تحدید شخص الخیار المذکور،و أمّا فیما تقدّم فهنا اشکال عام و إشکالات خاصّة بالبعض.

أمّا الإشکال العام فهو أنّه لا شبهة فی أنّه کما أنّ العرف یحکمون بحصول المبادلة فی بعض الموارد و بعدم حصولها فی بعض آخر و الشارع قد أمضی طریقتهم فی بعض الموارد،کذلک یحکمون أیضا بکون المعاملة قابلة للرجوع تارة و غیر قابلة له،و أنّ الرجوع ظلم و صادر عن غیر الحقّ و علی وجه الباطل أخری.

و فی المورد الأوّل لیس الأکل أکلا بالباطل و لا أکلا لمال الناس بلا رضاهم و لا مزاحمة لسلطنة الملاّک علی أموالهم،لأنّ هذه العناوین بعد فرض وجود الحقّ لیست مصادفة عندهم،کما أنّه لا بیع بعد الرجوع بل صار منحلاّ منفصما.

و فی المورد الثانی یحکمون بصدق جمیع هذه العناوین و بکون البیع باقیا بحاله،و هنا موارد مشکوکة الحال یتوقّف العرف فیها عن الحکم بالصحّة و البطلان و الانحلال و اللابیعیة و العدم.

إذا عرفت ذلک فنقول:کما أنّا نحمل ألفاظ الشارع من قوله:البیع کذا و الصلح کذا،و هکذا علی ما یصدق علیه هذه العناوین بنظر العرف،کذلک فی بقاء هذه المصادیق و ارتفاعها أیضا المنبع هو العرف فما دامت باقیة عندهم نحکم بإطلاق حکم الشارع،و إذا زالت زال الحکم،و لو صار مشکوک الحال سقط الحکم عن الإطلاق لأنّه فرع إحراز الموضوع.

و إذن فنقول:أمّا فی موارد الشک فتسقط جمیع الأدلّة المذکورة عن التمسّک،لما عرفت من الشک فی صدق عنوان البیع و العقد و التجارة عن تراض بحسب البقاء،و کذلک فی صدق عنوان الباطل و الأکل لمال الغیر و رفع سلطنته، لا یقال:إنّما یصحّ ذلک لو کان العقد بوجوده الأعمّ من الحدوث و البقاء

ص:6

موضوعا بأن کان طبیعة الأثر مسبّبا عن طبیعة العقد حدوثا و بقاء نظیر الحرارة المسبّبة عن النار کذلک،و أمّا إذا کان الموضوع هو العقد بالوجود الحدوثی فهو أبدا محرز لأنّ الحدوث أمر غیر قابل للارتفاع.

لأنّا نقول:لا شبهة فی أنّ الفسخ متعلّق بعین ما هو موضوع الأثر إذا لا أثر لحلّ غیره،فإن کان المؤثر هو البقاء کان الفسخ،واردا علیه و إن کان الحدوث کان الفسخ أیضا واردا علیه.

و أمّا قولک:کیف یمکن فسخ الأمر الماضی؟فجوابه:أنّه عند العرف أمر ممکن فکما یوردون الإمضاء من اللاحق إلی الأمر السابق کذلک یعتبرون ذلک فی جانب الفسخ،فیکون الأمر السابق فی هذا الحین مفسوخا و تکون الآثار منفیّة من هذا الحین.

و بالجملة:القول بأنّ منشأ الآثار هو الحدوث و مورد الفسخ هو البقاء لیس له وجه،هذا حال موارد الشک.

و أمّا موارد القطع باللزوم العرفی فلا حاجة إلی الأدلّة المذکورة لوجود الارتکاز و السیرة القطعیة و هی بضمیمة عدم الردع حجّة شرعیّة،نعم هذه الأدلّة علی فرض تمامیّة إطلاقها یصیر إمضاء للسیرة و لکن لسنا محتاجین إلی تجشّم إثبات إطلاقها إذ الغرض قطع العرف ببقاء البیع و باطلیّة الرجوع و کونه أخذا لمال الناس بنحو الظلم فحکمها غیر محتاج إلی جعل الشرع،بل هی من قبیل نفس الظلم ممّا یقطع العرف به و یتمّ بضمیمة عدم ردع الشارع،کما أنّه فی موارد القطع بالجواز العرفی أیضا لا تصلح هذه الأدلّة رادعة لما قرّر فی محلّه من عدم کفایة العموم أوّلا و لما مرّ آنفا من عدم الموضوع لها ثانیا.

ثمّ موارد حکم الشارع علی المصادیق العرفیّة لهذه العناوین بخلاف

ص:7

حکمها عند العرف،مثل الحکم بفساد بیع الخمر،و حلّیة أکل المارة تختلف حالها تخصیصا و تخصّصا باختلاف المبنیین فی کیفیة الخطابات الشرعیة المعلّقة علی العناوین العرفیة هل هی متعلّقة بلحاظ المصادیق العرفیّة لا بنحو التقیید بل بنحو یتکلّم نفس العرف واحد منهم واحدا،أو متعلّقة بالمصادیق الواقعیة النفس الأمریة؟غایة الأمر لما کان الشارع بمقام البیان و ألقی قضیّة إلی العرف مع خطائهم فی نظره بدون نصب قرینة تدلّهم علی خطائهم کان هذا دلیلا علی مساعدته لهم،لا أنّ القضیّة مستعملة فی المصادیق العرفیّة بل فی الواقعیّة و إنّما جعل نظرهم طریقا إلی التشخیص.

فإن قلنا بالمبنی الأوّل کان خروج تلک الموارد تخصیصا،لأنّ الموضوع العرفی محفوظ بعد البیان أیضا کما نشاهد فی بیع الخمر و أکل المارّة.

و إن قلنا بالثانی کان تخصّصا و ذلک لکشف حکم الشارع عن عدم أصل الموضوع و إلاّ فمع وجوده فالحکم ضروری غیر قابل للارتفاع فلا یمکن صیرورة الباطل الواقعی حلالا و لا البیع الواقعی حراما،لکن علی هذا یصیر التمسّک فی موارد الشکّ فی حکم الشارع تمسّکا فی الشبهة الموضوعیّة،و التمسّک بطریقیة النظر خروج عن التمسّک بالعام،نظیر التمسّک بالاستصحاب المنقّح للموضوع حیث لا یعدّ من التمسّک بالعام فی شیء.

و بالجملة:کون الخارج قبل تبیّن خروجه تخصیصا نتمسّک فی رفعه بنفس الأدلّة،بلا حاجة إلی ضمّ شیء آخر،و بعده تخصّصا کما یظهر ذلک من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-لا ینطبق علی شیء من الوجهین،و هذا إشکال آخر غیر ما ذکرنا من عدم الحاجة إلی التمسّک بها فی موارد القطع و عدم فائدتها فی موارد الشکّ.هذا هو الإشکال العام.

ص:8

و أمّا الإشکال الخاص بآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فأمران الأوّل:المراد بالعقد علی ما یظهر من تفسیره فی بعض الروایات و صریح بعض أهل اللغة بمعنی العهد،و لا یعهد عند أحد من أهل العرف کون المعاملات السوقیّة معاهدات بین أهالی السوق.

و الثانی:أنّ الخارج عن تحت الآیة أکثر من الداخل فیها إذ البیوع العرفیة التی یحکم العرف فیها بالصحّة و الشرع بالفساد بحدّ یکون الباقی تحته علی قدر البشاعة و الاستهجان من القلّة،و هذا یدلّ إمّا علی قرینة متّصلة فی الآیة سقطت و لم یلزم معها هذا الاستهجان،و إمّا أنّ المراد بها أمر آخر غیر مرتبط بباب المعاملات أصلا مثل العهود الإلهیّة،اللّهمّ إلاّ أن یقال بإمکان إصلاح هذه الجهة بتمسّک المشهور کما یقال فی دلیل القرعة و نحوه.

و أمّا الخاص بالآیتین بعده:فهو أنّهما بمقام الإهمال نظیر قول القائل فی مقام الردع عن المساهلة فی معالجة المرض:لا تسامح و اشرب الدواء.فهنا أیضا فی مقام الردع عن الأکل بالباطل أرشد إلی التجارة عن تراض،فکما لا یمکن أخذ الإطلاق من قول القائل فی المثال:«اشرب الدواء»کذلک فی المقام من قوله تعالی إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (1).

و أمّا آیة أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (2).

فهو فی مقابل ما قالوا فی مقام استیحاشهم إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبا (3)فقال:کیف یتماثلان و الحال أنّ اللّه أحلّ البیع و حرّم الربا؟فلیس المقام إلاّ مقام تقابل الطبیعتین فی الحکم و لا یصحّ أخذ الإطلاق من هذا المقام کما هو واضح.

ص:9


1- 1) النساء:29.
2- 2) البقرة:275.
3- 3) البقرة:275.

هذا حاصل الکلام فی الأدلّة الاجتهادیة الثمانیة.

بقی الکلام فی الأصل المرجوع إلیه عند الانقطاع عن الدلیل و قد عرفت ممّا سبق أنّ موارد الشکّ فی حال المعاملة عند العرف من هذا القبیل.

فاعلم أنّ استصحاب ملک الطرف بعد الفسخ جار،إلاّ أنّه قد یورد علیه بأنّ هنا استصحابا حاکما علی هذا الاستصحاب،و تقریب الحاکم بأحد وجوه ثلاثة.

الأوّل:أن یقال:إنّ المالک الأصلی قد بقی من علاقة ملکه فی موارد ثبوت الخیار علقة ضعیفة نظیر اللون الضعیف المتخلّف عن اللون الشدید،و کان من أثر بقاء هذه العلقة جواز الفسخ و الاسترداد،و علی هذا فعند الشکّ یستصحب بقاء أصل العلاقة کما یستصحب أصل السواد عند احتمال تخلّف الضعیف.

و الجواب:أنّ هذا مجرّد فرض و مقام الإثبات یکون الدلیل علی خلافه،فإنّ البائع و المشتری حسب ما هو مفاد انشاءیهما قد نقلا تمام مالهما من العلاقة فی العین إلی صاحبه و لم یبق منه لنفسه شیئا،و إمضاء الشرع أیضا لحق هذا.

الثانی:أن یقال:إنّ الخیار فی موارد ثبوته حقّ جدید یستحدث بالعقد إمّا متعلّقا بالعین أوّلا،أو بتبع العقد،و علی هذا فعند الشک یحتمل بقاء جامع العلاقة المشترکة بین علاقة الملک و هذه العلاقة،کما یستصحب وجود الإنسان فی الدار عند القطع بذهاب زید و احتمال دخول فرد مقارنا لذهابه،و استصحاب عدم الفرد لا یغنی عن استصحاب بقاء الکلیّ،لأنّ الترتّب عقلی فکلّ منهما جار بلا مزاحمة للآخر.

و الجواب:أوّلا:لا أثر لهذا الجامع،بل الأثر لکلّ من الخاصّین أعنی:

علاقة الملک و علاقة الخیار.

ص:10

و ثانیا:سلّمنا وجود الأثر له لکن نقول:فرق بین ما إذا کان الخاص الذی نحکم بثبوته أو بنفیه بالاستصحاب من الموضوعات الخارجیة کزید،و بین ما کان من قبیل مجعولات الشرع کما فی الوجوب،ففی الأوّل ما ذکرت من حدیث الترتّب العقلی صحیح،و أمّا فی الثانی فکما أنّ إثبات الخاص لا ینفک عن أصل الجامع، لأنّ جعل الأمر المجعول تکوینه حقیقة،و لا یعقل تکوین الفرد بدون الجامع، کذلک نفی جمیع الأفراد أیضا لا ینفکّ عن نفی الجامع کما فی مقام التکوین الذی یکون المقام منه حقیقة،و إذن فیتعارض استصحاب نفی الفرد مع استصحاب وجود الجامع.

الثالث:أنّه لا شبهة فی حدوث حقّ الخیار فی البیع ما دام المجلس،و نشکّ فی بقائه بعد انقضائه و مقتضی الأصل البقاء.

و الجواب:أنّه بحسب مقام الثبوت هنا أنحاء الأوّل:أن یکون المسبّب و هو حقّ الخیار متعدّدا بتعدّد أسبابه،و الثانی:أن یکون متّحدا و تکون الأسباب متداخلة و حینئذ إمّا نقول بکونه حقیقة ذات تشکیک فتختلف مرتبته بتعدّد السبب کالوجوب،أو نقول بعدم ذلک أیضا.

فالقسم الأوّل أیضا یحتمل کون الحقّ الآخر موجودا مع حقّ خیار المجلس من أوّل الأمر و الثانی أن یکون حادثا بزواله،فاستصحاب کلّی الحقّ علی الأوّل من القسم الأوّل من القسم الثالث لاستصحاب الکلیّ،و علی الثانی من القسم الثانی منه.

و علی کلّ حال،الکلام فی القسم الأوّل بقسمیه ما تقدّم فی استصحاب الجامع بین الملک و العلاقة حرفا بحرف فلا نطیل بالإعادة.

و أمّا القسمان الأخیران حیث یکون المستصحب نفس الشخص لا الکلّی

ص:11

فیمکن دفعه أوّلا:بأنّا و إن قلنا قوله:«فإذا افترقا وجب البیع» (1)حکم حیثیتی لکنّه یفهم منه عرفا أنّه لیس هنا و لو بعنوان عارضی خیار لا ینفکّ عن البیع.

و ثانیا:أنّ المسبّب و إن کان شخصا واحدا علی فرض البقاء لکن لا شبهة فی احتیاجه إلی سبب آخر،إذ السبب الأوّل و هو المجلس قطعی الارتفاع بالدلیل فیحتاج إلی جعل آخر،فیکون مقتضی الاستصحاب عدم هذا الجعل الآخر فیعارض مع استصحاب الشخص.و بعد التعارض فی جمیع الأقسام نرجع إلی استصحاب الملک الذی هو المحکوم.

فإن قلت:لا تصل النوبة إلیه بل هنا استصحاب حاکم آخر بعد الحاکمین المتعارضین السابقین و هو استصحاب مؤثّریة الفسخ الثابتة حال المجلس بعد انقضائه.

قلت:هو أیضا غیر جار لعدم اتّحاد القضیتین،فإنّ الفسخ أمر کلّی و لا شبهة فی تعدّد موضوع هذا الکلّی باختلاف اعتباره مع وصف الاجتماع و الافتراق،فالمتیقّن مؤثّریة الفسخ المقرون بالاجتماع فی المجلس و المشکوک الفسخ المقترن بالافتراق فلم تتحد القضیتان.

هذا ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حکی (2)عن مختلف العلاّمة (3)أنّه جعل الأصل فی مسألة(أنّ المسابقة لازمة أو جائزة)هو الجواز و عدم اللزوم و لم یرده من تأخّر عنه إلاّ بعموم قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4)و لم یتعرض أحد

ص:12


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار الحدیث 4 ص 348.
2- 2) حکی عنه-ره-فی المکاسب:216.
3- 3) المختلف:
4- 4) المائدة:1.

لنفس هذا الأصل و أنّه ما المراد منه.

نعم فی خصوص المسابقة و شبهه ممّا لا یتضمّن تملیکا أو تسلیطا یمکن تقریر هذا الأصل،بأن یقال بعد فسخ أحدهما بدون رضی الآخر:الأصل بقاء ملک المالک الأصلی للسبق بعد سبق غیره،و هذا تقریر أصل الأصل و إن کان فعلا غیر جار إمّا لحکومة الأدلّة الاجتهادیة،و إمّا لحکومة أصل حاکم آخر و هو أصالة بقاء الأثر الحادث بعقد المسابقة قبل حصول السبق و هو ملکیّة السابق،لا بمعنی أنّه فعلا مالک،بل بمعنی أنّه لا تنتظر مالکیته إلاّ حصول سبقه و لم یکن هذا قبل العقد،إذ لو کان یسبق سابقا لما یملک و هذا حاکم علی استصحاب ملک المالک الأصلی.

و الحاصل:مقصود شیخنا-قدّس سرّه-بیان أصل جریان الأصل لا فعلیّته و الاعتماد علیه،کیف و لو لم یکن أصل آخر کانت العمومات بمذاقه-قدّس سرّه- حاکمة،فلا یرد علیه-قدّس سرّه-ما ربّما یورد علیه من حکومة الأصل الذی ذکرنا علی الأصل الذی ذکره-قدّس سرّه.

ثم إنّ استصحاب الملک کما یجری فی الشبهة الحکمیّة کذلک یجری فی الشبهة الموضوعیة،نعم ربّما یکون فی الشبهة الموضوعیة أصل منقّح للموضوع إمّا مثبت للزوم،و إمّا للجواز فیکون حاکما علی الأصل الحکمیّ و هذا واضح بحسب الکبری.و لکن شیخنا العلاّمة المرتضی-قدّس سرّه-جعل من صغریاته ما إذا تردّد العقد الواقع بین کونه هبة أو صدقة،فجعل الأصل عدم قصد القربة فیثبت الهبة الجائزة (1).قال شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاداته العالیة-:جریان هذا الأصل و عدم مثبتیّته یتوقّف علی أمرین:

ص:13


1- 1) المکاسب:216.

الأوّل:مأخوذیّة عدم القربة فی الهبة علی وجه الجزئیة و الترکیب دون القیدیّة و التقیید،بأن کان حقیقتها عبارة عن تملیک مجانی و عدم داع إلهیّ،لا التملیک المجانی الغیر الناشی عن الداعی الإلهی أو الناشی عن غیره و إلاّ لم یفد هذا الأصل إثبات المقید،بل الأصل هو عدم المقیّد،فیعارضه أصالة عدم المقیّد الآخر فیکون أثر الأوّل عدم جواز تملّک المال بالفسخ،و أثر الثانی عدم اللزوم فیتنافیان فی المؤدّی فیتساقطان فیرجع إلی الاستصحاب الحکمی.

الثانی:عدم مأخوذیّة العدم الذی هو الجزء فی فرض الفراغ عن الجزء الآخر،بأن اعتبر فی فرض الفراغ عن وجود التملیک المجانی أمران:وجود القربة و عدمها،فالأوّل:صدقة،و الثانی:هبة،و یحتمل أن تکون الهبة نفس التملیک المجانی،فالصدقة قسم منه،إذ علی هذا أیضا یکون الأصل عدم تحقّق هذا الجزء العدمیّ لکونه مسبوقا بالعدم الأزلی،فیعارضه استصحاب عدم تحقّق الجزء الوجودی فیتعارضان و نرجع إلی الأصل الحکمی،هذا و إثبات الأمرین فی غایة الإشکال،بل لا یبعد استظهار الخلاف مع أنّ الشکّ کاف فی عدم جریان الاستصحاب لکون الشک فی بقاء الموضوع.

ثمّ فی مورد جریان الأصل الحکمی فی الشبهة الموضوعیّة و إن کان یثبت اللزوم لکن لا یثبت عنوان العقد اللازم لو کان له أثر،بل نرجع فی ذلک الأثر إلی أصل آخر جار فی ذلک المقام و هذا بحسب الکبری واضح،و لکن جعل منه شیخنا العلاّمة-قدّس سرّه-ما إذا تردّد الأمر بین کون العقد الواقع هبة أو بیعا فاستصحاب الملک بعد الفسخ یثبت اللزوم.و أمّا الشکّ فی اشتغال الذمّة بالعوض فنرجع فیه إلی استصحاب البراءة،و استشکل علیه السیّد الطباطبائی -قدّس سرّه الشریف-بالعلم الإجمالی بعد الفسخ بأنّه إمّا یجب علیه ردّ العین،أو یکون مکلّفا بأداء العوض و هو جیّد.

ص:14

القول فی أقسام الخیار

الأوّل:خیار المجلس

و تنقیح مباحث هذا الخیار یحصل برسم مسائل

مسألة:لا إشکال فی ثبوته للمالکین المتعاقدین،
اشارة

إنّما الإشکال فی ثبوته للوکیل فنقول:جهة الإشکال صدق البیّعین (1)علیهما و العدم،و تنقیح المقام یحتاج إلی تقدیم مقدّمة هی:أنّ إسناد الفعل إلی المباشر بحیث یکون قوّة الفاعل بدون توسیط آلة فی البین،هو المؤثّر فی الإیجاد لا شبهة فی کونه حقیقیا،و کذلک إذا کانت الواسطة من قبیل الآلة الصرفة کالمنشار و المنحت،حیث إنّ الفعل یحصل أیضا بقوّة الفاعل و الآلة شأنها إیصال القوّة فیکون الفعل مسندا إلی الفاعل بالحقیقة.

و أمّا إذا کانت الواسطة أیضا فاعلا و کان الصادر من ذیها هو التسبیب فإن کانت فاعلا بلا شعور سواء کان فاعلا بالطبیعة کالنار أم بالإرادة کالسبع -و بعبارة أخری کان ضعیفا بحیث یعدّ کالآلة-،فالفعل بالحقیقة مسند إلی الواسطة،فالإحراق فعل النار و لیس قوّة الملقی أبدا دخیلا فی حصوله،و کذلک الإتلاف فعل السبع من غیر دخالة قوّة الملقی و لکن یصحّ الإسناد إلی الملقی إسنادا مجازیّا کالحقیقة،بمعنی أنّ الإطلاق لا ینصرف عنه فإذا قیل:من أحرق کذا،أو من أتلف کذا،کان شاملا لهذا القسم أیضا.

و إن کانت الواسطة فاعلا قویّا لا یعدّ کالآلة فالإسناد مجازیّ لا یجوز حمل

ص:15


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1،من أبواب الخیار،ص 345،ح 1.

الإطلاق علیه،و من هذا القبیل قوله تعالی یا هامانُ ابْنِ لِی (1)،و قولک:فتح الأمیر المدینة.

فتحصل:أنّ الإطلاق یشمل کلا قسمی المباشرة و القسم الأوّل من التسبیب دون الثانی منه.

إذا تحقّق هذا فنقول:الوکیل علی ثلاثة أقسام:الأوّل:الوکیل فی مجرد إجراء الصیغة.الثانی:الوکیل فی العقد دون ما یترتب علیه و یتفرّع علیه.و الثالث:

الوکیل فی العقد و ما یتفرّع علیه مطلقا.

لا إشکال فی صدق البیّع علی المالک الموکّل فی القسم الأوّل،لأنّ الوکیل بمنزلة الآلة له،و لا فی عدم انصراف الإطلاق إلی نفسه،لأنّه بمنزلة الصغیر الذی أعطیت مال الغیر إیّاه فأتلفه،حیث لا یحکم بضمانه بل بضمانک.کما لا إشکال فی عدم صدق البیّع علی المالک فی القسمین الأخیرین و صدقه علی الوکیل فیهما لکونه فاعلا قویّا.

و حینئذ فنقول:الحقّ أنّ قوله-علیه السّلام-:«البیّعان بالخیار ما لم یفترقا» (2)-بملاحظة اقترانه فی بعض الأخبار بقوله:«و المشتری للحیوان بالخیار إلی ثلاثة أیّام» (3)حیث لا یلزم الفقیه بثبوته للوکیل مطلقا و بملاحظة حکمة الخیار حیث إنّه للإرفاق بالمالک-یکون منصرفا إلی المالک و لا یشمل الوکیل کما حکی ذلک عن جامع المقاصد،و إذن فلا یثبت الخیار لجمیع أقسام الوکیل بأن یکون ذا حقّ خیاری.

ص:16


1- 1) غافر:36.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار ص 346 ح 3.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349 ح 1،2،3،4،5.

و أمّا المالک:ففی القسم الأوّل قد عرفت کونه بیعا،و أمّا فی القسمین الأخیرین فیمکن إثبات الخیار له لا من جهة کونه بیعا،بل من جهة أنّ فعل الوکیل بنظر العرف و الشرع بمنزلة فعل الموکّل،و الفرق بینه و بین النائب أنّ الثانی یحتاج صیرورة فعله بمنزلة فعل المنوب عنه إلی قصد النیابة،و أمّا الأوّل ففعله بحسب الذات یعدّ فعلا للموکّل،فیفید هذا التنزیل ترتیب کلّ أثر کان لفعل الموکّل علی فعل الوکیل،و من جملة الآثار أنّ الموکّل لو صدر منه البیع کان له عند حضوره مجلس البیع الخیار،فیترتّب هذا الأثر ببیع وکیله فلو کان حاضرا فی المجلس کان له الخیار.

و أمّا مع غیابه،فإن قلنا:بأنّ دلیل التنزیل یجعل حضور الوکیل أیضا بمنزلة حضوره کان له الخیار أیضا،و إن قلنا:بعدم الشمول لمثل هذا و إلاّ لزم القول بثبوت الخیار للمالکین لو باشرا العقد تفرّقا عن المجلس مع حضور وکیلیهما المطلقین فی جمیع أمورهما فیه،و لا یمکن الالتزام به،فالخیار منحصر بحالة الحضور.هذا حال المالک.

و أمّا الوکیل،فقد عرفت عدم شمول الدلیل له إمّا لعدم صدق البیّع علیه لغة و إمّا انصرافا،نعم یمکن فی حق القسم الأخیر الذی فرض کونه وکیلا مطلقا مباشرة الفسخ أو الإمضاء من باب الوکالة عن المالک إذا کان المالک حاضرا فی المجلس دون القسمین الأوّلین.

هذا کلّه علی تقدیر تسلیم الانصراف الذی ادّعیناه من وحدة السیاق و ملاحظة حکمة الخیار کما هو الحق،و أمّا علی تقدیر إنکاره و أنّ الحکم ثابت للبیّع کائنا من کان،فاللازم الحکم بثبوت الخیار للقسمین الأخیرین من الوکیل لما عرفت من صدق البیّع علیهما و یکون هذا حقّا لهما،و إن منع المالک عن إعماله

ص:17

فلا تأثیر لمنعه إذ لم یلحظ فی جعله غبطة المالک،إذ الفرض أنّه حقّ الوکیل لا المالک فالاختیار مع الوکیل لا المالک.

و أمّا ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:من أنّ المستفاد من أدلّة الخیار إثبات سلطنة ذی الخیار علی المال المنتقل عنه بعد الفراغ عن سلطنته علی المنتقل إلیه فلا تفید تخصیص دلیل سلطنة المالک الموکّل من حیث تجویز إخراج ماله الجدید عن ملکه بدون رضاه،فاللازم التفصیل بین القسمین الأوّلین من الوکیل و بین القسم الأخیر بعدم الخیار للأوّلین و ثبوته للأخیر (1).

ففیه:أنّه بعد تسلیم صدق البیّع علی الوکیل کما هو المفروض و کون الحکم فعلیّا لا حیثیّتیا نظیر حلّیة لحم الغنم-و إلاّ لزم التوقّف فی مورد الشک عند عروض عارض حتّی بالنسبة إلی المالک أیضا و الرجوع إلی الأصل العملی-و عدم ندرة الوکیل علی نحو القسم الثانی بل شیوعه لا وجه لهذه الدعوی فإنّ الظاهر أنّ البیّعیّة علّة تامّة لثبوت الخیار الفعلی.

و حاصل ما ذکر:أنّا إمّا أن نقول بانصراف البیّع بمناسبة المقام-حیث إنّه بمقام الامتنان علی المالک-إلی صاحب المال و أنّ وصف کونه بیعا یلغی،و إنّما الموضوع تحقّق بیع مضاف إلی صاحب المال و لو لم یکن بمباشرته بلسانه،و لهذا قلنا بکفایة التسبیب فیما کانت الواسطة کالآلة.

و إمّا أن نقول بعدم إلغاء وصف البیعیة و نجعله الموضوع التام بلا انصراف إلی المالک.

فعلی الأوّل لا یثبت الخیار فی القسمین الأخیرین من الوکیل لعدم کونهما مالکین،و مقتضی ذلک و إن کان عدم الثبوت للمالکین أیضا-لعدم إضافة البیع

ص:18


1- 1) المکاسب:216.

إلیهما-لکن کفانا مؤنة ذلک التنزیل العرفی الممضی شرعا فی باب الوکالة.

و حاصله:أنّ کلّ أثر کان ثابتا لإضافة الفعل إلی صاحب المال بالأعم من مباشرته بجوارحه أو بنحو التسبیب،فهذا التصرّف إذا صدر من وکیله یکون عند العرف بمنزلة الفعل المضاف إلیه،فیقولون:بیع هذا بیع ذاک،و صلح هذا صلح ذاک و هکذا،یعنی یترتّب ذلک الأثر الثابت للإضافة،و المفروض فی المقام أنّ البیع إذا تحقّق نسبته إلی المالک و لو لم یکن هو المباشر بجوارحه یترتّب علیه أثر ثبوت الخیار فبالتنزیل المحقّق للنسبة یتحقّق هذا الأثر.

و هذا التنزیل و إن لم یثمر لوصف البیّعیّة لکن عرفت أنّ الموضوع حسب المناسبة المقامیّة لیس إلاّ نسبة البیع إلی صاحب المال،و إن شئت قلت:البیع المنتسب إلی صاحب المال،فإنّ المناسبة المقامیة تنقص من الکلام و تزید علیه، هذا بناء علی الانصراف.

و أمّا بناء علی العدم،فاللازم الحکم بثبوته للوکیلین دون الموکّلین،أمّا الأوّل:

فواضح،و أمّا الثانی:فلعدم الصدق لا حقیقة و لا تنزیلا.

أمّا الأوّل فواضح،و أمّا الثانی:فلأنّ التنزیل إنّما یفید فی ترتّب الآثار التی یکون لإضافة الفعل إلی شخص الموکّل دخل فی ترتّبها،و أمّا ما کان نسبتها إلیه و إلی الوکیل علی حدّ سواء فإنّ کلاّ منهما لو تلبّس بوصف البائعیّة کان له هذا الأثر و لا مزیّة لأحدهما فی ذلک علی الآخر فلا یفید شیئا.

و بعبارة أخری:بناء علی هذا یکون الخیار مسبّبا عن إضافة البیع إلی البائع و لو لم یکن مالکا،و التنزیل یفید الإضافة إلی الذات لا بوصف أنّه بائع فیقال:

هذا البیع بیع زید مثلا،و لا یقال:هو بیع زید البائع و المفروض موضوعیة الثانی.

هذا و قد تحصّل أنّ ثبوت الخیار لکلّ من الموکّل و الوکیل کما اختاره شیخنا

ص:19

المرتضی فی الوکیل المستقل بمعنی کون کلّ ذا حقّ لا یستقیم علی شیء من المبنیین،نعم یثبت للوکیل المستقل بمعنی جواز مباشرته للفسخ أو الإمضاء بعنوان الوکالة عن صاحب الحقّ.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-بعد أن اختار ذلک قال:فقد یتحقّق فی عقد واحد الخیار لأشخاص کثیرة من طرف واحد أو من الطرفین،فکلّ من سبق من أهل الطرف الواحد إلی إعماله نفذ و سقط خیار الباقین بلزوم العقد أو بانفساخه،و لیس المقام من تقدیم الفاسخ علی المجیز فإنّ تلک المسألة فیما إذا ثبت للجانبین و هذا فرض من جانب واحد (1).انتهی کلامه الشریف-قدّس سرّه.

قال شیخنا الأستاذ-أطال اللّه أیّام إفاضاته الشریفة-:مبنی ما ذکره -قدّس سرّه-علی أخذ البیّع باعتبار صرف الوجود،إذ علی هذا کلّ من سبق فقد انطبق علیه الصرف،فبإسقاطه یسقط الخیار،و بإلزامه یلزم العقد و لا أثر لفسخ أو إمضاء من یلحقه لعدم انطباق الصرف علی ثانی الوجود و هذا واضح.

و بالجملة:موضوع الحقّ علی هذا هو الطبیعی الموجود فی المعیّن کموضوع الکلمة و لا ربط له بالأشخاص،و لکنّک خبیر بأنّ هذا غیر ملازم مع کون التعدّد من جانب أو من جانبین،فیمکن فرض الوجود الساری مع التعدّد فی الجانب الواحد کما فی الوارث بناء علی القول به فیجئ فیه مسألة تقدیم الفاسخ علی المجیز هذا،و أمّا بناء علی أخذ البیع فی المقام باعتبار الوجود الساری کما یشهد به اعتباره کذلک بالنسبة إلی البیوع المتعدّدة فلا یستقیم ما ذکره،إذ کلّ من سبق بالإمضاء فقد سقط حقّه و لا ربط له بحقّ من عداه من أهل طرفه.

هذا بناء علی ما اختاره-قدّس سرّه-من أنّ الإمضاء مرجعه إلی الإسقاط،

ص:20


1- 1) المکاسب:217.

و أمّا بناء علی أنّه کالفسخ أحد عدلی الحقّ التخییری فللکلام فیه محلّ آخر.

فرع:لو مات الموکّل و کان الوکیل حاضرا فی المجلس أو بالعکس،

فعلی ما ذکره من اعتبار صرف الوجود لا إرث،لأنّ الصرف لم یمت،و هذا نظیر ما تقدّم فی بیع الصاع الکلّی من الصبرة حیث إنّه لو تلف إلاّ صاعا بقی حقّ المشتری و هذا واضح.

إنّما الکلام فیما لو ماتا دفعة فی المجلس فهل ینتقل إلی جامع وارث الصرف أو لا؟یبتنی علی القول بأنّ أدلّة الإرث هل تشمل الصرف أو أنّها متعرّضة لحال موت الأشخاص؟فعلی الأول ینتقل إلی ورّاث الموکّل و الوکیل کما کان لهما،یعنی یتعلّق بالجامع فیما بینهم،ینطبق علی السابق منهم،و علی الثانی ینتفی الحقّ بانتفاء الموضوع.

ثمّ بناء علی ثبوت الخیار للموکّل و الوکیل بل و الوکیل فی التوکیل و إن طالت السلسلة،فهل العبرة بتفرّق أیّ من الموکل و الوکیل؟الظاهر اختلاف الحال بناء علی اختیار صرف الوجود و اختیار الوجود الساری،فعلی الأوّل یبتنی المسألة علی أنّ التعبیر بعدم التفرّق من باب الأصالة أو من باب الکنایة عن الاجتماع.

فإن قلنا بالأوّل فالمعتبر حصول التفرّق مضافا إلی جنس البیع و هو محقّق بأوّل مصداق تحقّق له،فواحد من أهل السلسلة لو خرج عن المجلس سقط خیار جمیع أهل السلسلة لصدق تفرق البیع.

لا یقال:التفرّق أمر عدمی بمعنی عدم اجتماع البیّع،لأنّا نقول أوّلا:هو أمر وجودی مثل الاجتماع فکما أنّه عبارة عن هیئة خاصّة فکذا هذا.و ثانیا:سلّمنا أنّه عدمیّ لکنّه من باب العدم و الملکة نظیر العمی،فإنّه لیس عبارة عن مطلق

ص:21

عدم الاجتماع و لو بعدم الموضوع کما أنّ العمی لیس عدم البصر کذلک بل عدم الاجتماع عن الموضوع القابل،و إذن فحاله کالوجودی.

و إن قلنا بالثانی کما ربّما یشهد له نظائره فی العرف حیث یفهمون من جعل شیء غایة للحکم أنّ الموضوع ما قبله مثل«صم إلی اللیل»یعنی:صم فی النهار و«کلّ شیء طاهر حتی تعلم»یعنی ما دام الشکّ،فهنا أیضا الخیار ثابت ما دام الاجتماع حاصلا،فالمعیار صدق اجتماع جنس البیّع مع جنس البیّع و هو یتحقّق و لو بوجود وکیل من طرف و أصیل من آخر فی المجلس.

هذا بناء علی صرف الوجود،و أمّا علی اعتبار الوجود الساری فالاعتبار بالترکیب الثنائی الحاصل من کلّ فرد من طرف مع کلّ فرد من الطرف الآخر،فإذا فرض زید و عمرو فی طرف و بشر و خالد فی آخر،فترکیب زید مع بشر فرد للدّلیل و ترکیه مع خالد فرد آخر و هکذا عمرو،فإذا خرج بشر مثلا عن المجلس فالخیار للثلاثة محفوظ،و لو خرج زید أیضا فالخیار للاثنین الباقیین محفوظ.

و بالجملة:یتّحد الحال نتیجة مع القول بصرف الوجود بناء علی جعل عدم الافتراق کنایة و لا یحصل هنا فرق بین جعله کنایة أو أصالة.

هذا و لکنّ الذی یقتضیه النظر الدقیق کما نبّه علیه شیخنا و ملاذنا الأستاذ- أطال اللّه عمره و أیّام إفاداته الشریفة-عدم الفرق بین اختیار صرف الوجود و الوجود الساری فی أنّ النتیجة حصول الغایة بالنسبة إلی من خرج و بقاء الخیار لمن بقی ما دام بقی من کلّ طرف واحد.

بیان ذلک:أنّ الحکم و لو تعلّق بحسب الصورة بالطبیعة بأحد الاعتبارین و الذی جعل شرطا أو غایة خارج عن موضوع الحکم،و لهذا یفرق بین قولنا:«إذا

ص:22

أهانک الإنسان فأهنه»أو«إذا دخل الزوال فاجلس»و بین قولنا:«الإنسان المهین لک فأهنه»و«الجلوس الکائن فیما بعد الزوال ائت به»فی باب الاستصحاب و باب أخذ المفهوم فیقال:الموضوع بعد زوال الإهانة و انقضاء وقت الزوال باق بناء علی الاعتبار بموضوع الدلیل بناء علی الأوّل،و أنّه غیر باق بناء علی الثانی،و کذلک یکون الموضوع فی جانب المفهوم محفوظا،فیکون من باب مفهوم الشرط علی الأوّل بخلاف الثانی فإنّه من باب مفهوم الوصف فیبتنی علی القول به.

و لکن بحسب اللب لا فرق بین التعبیرین فان المستفاد تنویع الطبیعة و تقسیمها إلی واجد الشرط و فاقده،و إعطاء کلّ حکما خاصا به،فیقال:«الإنسان المهین یجب إهانته»لا أنّه إذا تحقّق فرد من الإهانة من فرد من الإنسان یجب الإهانة للإنسان و لو فی ضمن فرده الغیر المهین،و هکذا یقال:الجلوس المقیّد بما بعد الزوال واجب،لا أنّه بمحض دخول الزوال یتساوی نسبة الوجوب إلی جمیع أفراد الجلوس من المتقیّد بهذا الوقت و المتقیّد بأوقات أخر،فإنّ هذا و إن کان أمرا ممکنا لکنّه ممّا لا یکاد یفهمه العرف من القضیة الشرطیّة أو الغائیّة،فالشرط و الغایة و إن کانا راجعین إلی الهیئة حسب الصورة لکنّهما راجعان إلی المادة حسب المعنی و اللّب.

لا یقال:هذا فی ما إذا اعتبر الطبیعة بالوجود الساری صحیح،و أمّا لو اعتبر بنحو صرف الوجود فلا یتصوّر قسمان للطبیعة بهذا الاعتبار-قسم واجد و قسم فاقد للشرط أو الغایة-مثلا إذا اتّصف صرف وجود الإنسان بوصف الإهانة فلا یمکن نسبة عدم الإهانة إلی الصرف و لو صحّ إلی الفرد،للفرق بین الإعراض الوجودیّة و الأعراض التی من قبیل الوجود و العدم،فالأولی تسری من

ص:23

الفرد إلی الصرف،و لکن الثانیة لا تسری عدمیّاتها إلاّ بعد اتّصاف تمام الأفراد بذلک العدم و إلاّ فاتّصاف فرد واحد بوجود تلک الصفة کاف فی صحّة النسبة إلی الصّرف و عدم صحّة السلب عنه و إن اتّصف جمیع ما عدا ذلک الفرد بسلب تلک الصفة.

لأنّا نقول حال الطبیعة علی ما ذکرنا کحالها فی القضیّة التوصیفیة مثل:

«الإنسان المهین کذا»إذا أرید صرف الوجود،فإنّه لا إشکال أنّه من باب تقسیم الإنسان إلی المهین و غیره و ملاحظة الصرفیّة بعد هذا من مجموع الموصوف و الصفة لا اعتبارها فی الموصوف و إیراد الصفة علی الصرف.

و الذی یرد علیه ما ذکرت هو الثانی لا الأوّل ضرورة أنّه کما یصحّ اعتبار صرف الوجود فی الإنسان العالم کذلک یصحّ اعتباره فی الإنسان الغیر العالم،فإذا تحقّق فی الخارج فردان اتّصف أحدهما بالعالمیّة و الآخر بعدمها تحقّق الصرفان فی زمان واحد و یترتّب علیهما حکمهما،نعم لو اعتبر الصرفیّة فی الموصوف،أعنی:

الإنسان،امتنع تحقّق الحالتین،أعنی:العالمیة و عدمها فیه فی زمان واحد.

و علی هذا فنقول:طبیعة البیّع قد قسمت علی قسمین،مفترق و غیره فالخیار ثبت لصرف وجود البیّع الغیر المفترق و عدمه لصرف وجود البیّع المفترق هذا.

ثمّ إنّه قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-:إنّه لا یجوز للموکّل تفویض الأمر إلی الوکیل بحیث یصیر ذا حقّ خیاری،لأن المتیقّن من الدلیل ثبوت الخیار للعاقد فی صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده،نعم یمکن توکیله فی الفسخ أو مطلق التصرّف فسخا أو التزاما (1)انتهی.

لا شبهة فی ما ذکره-قدّس سرّه-،لأنّه إن أراد صیرورة الوکیل بدلا لنفسه

ص:24


1- 1) المکاسب:217.

فی أصل ثبوت الحقّ له دون نفسه فهذا تشریع،و إن أراد إثبات السلطنة المطلقة له حتّی یشمله الدلیل فالدلیل قاصر عن شمول مثله بناء علی ما ادّعاه-قدّس سرّه- من انصرافه إلی مورد الفراغ عن ثبوت السلطنة عند العقد فلا یشمل ما إذا ثبتت بعده،هذا.

و أمّا نقله الحقّ مستقلا من نفسه إلی الأجنبی مجانا أو مع العوض،فقد یقال بإمکان تطبیقه علی القواعد نظرا إلی أنّ عموم الهبة أو الصلح مثلا شامل لکلّ مال أو حق قابل للانتقال،و هو و إن کان ساکتا عن إعطاء القابلیة لکن یمکن استفادتها من تسلّم إرث هذا الحقّ.

و أمّا احتمال تخصیص العموم المذکور مع وجود القابلیة فمضافا إلی دفعه بالأصل،مدفوع بمخالفته لعموم قاعدة السلطنة أیضا،فإنّها و إن کانت حیثیّة و لکن بالنظر إلی الأسباب الشرعیّة مثل الصلح و الهبة حکم فعلی.

و فیه:أنّ الإرث لا یفید إلاّ إیجابا جزئیا،و من المحتمل أن یکون المقام من قبیل حقّ المضاجعة حیث یقبل الانتقال إلی الضرّة و لا یقبله بالنسبة إلی الأجنبیة مع أنّه لیس تخصیصا فی دلیل الهبة و الصلح إلاّ أن یقال بالفرق بین المقامین بأنّ موضوع المضاجعة هو الزوجة،فلا یتحقّق فی حقّ الأجنبیة،کحقّ الشفعة المتقوّم بالشریک،و الإرث کاشف عن عدم التقوّم بشخص المورّث.

لکن فیه مع ذلک أنّ باب الإرث لیس باب النقل و الانتقال،بل هو من باب تنزیل الوارث منزلة المورّث فکأنّه بنفسه صاحب الحقّ و ذلک بادّعاء الارتکاز العرفی فی حقیقة الإرث و أنّه هذا التنزیل.

و یظهر الثمرة بین الوجهین فیما إذا لم یکن للمیّت مال أصلا،فعلی الأول:

لا وجه لفسخ الوارث،إذ لا ملک للمیت حتّی یخرج معادل العوض أو نفسه عن

ص:25

کیسه،و یدخل المعوّض فی کیسه فیتلقّاه الوارث منه.

و أمّا علی الثانی:فنفس الوارث یتصدّی للإدخال فی کیسه و الإخراج منه بما هو نائب مناب المیّت من دون تلقّیه المال من المیت،و کذا یظهر فی حقّ الزوجة إذا کان ما انتقل عن المیّت عقارا کما هو واضح.

ثمّ إنّک عرفت الکلام فی الوکیل و الموکّل،و أمّا الکلام فی الفضولی و المجیز فعدم ثبوت الخیار للأوّل علی ما تقدّم منّا واضح،و ثبوته للثانی یحتاج إلی إثبات أحد أمرین:

الأوّل:أن یقال بکون نفس الإجازة عقدا و بیعا مستقلا.

و الثانی:أن یقال بأنّه و إن لم یکن کذلک لکنّها توجب إضافة البیع الصادر من الفضولی إلی نفسه،و حینئذ و إن کان لا یصدق فی حقّه أنّه باع لأنّ المتبادر منه إیجاد أصل العمل لا إضافة العمل المفروغ عن وجوده لکن یصدق علیه أنّه بیع.

و أمّا علی مبنی شیخنا-قدّس سرّه-فالحال فی المالک کما تقدّم،و أمّا فی الفضولی فالبیّع و إن کان عبارة عمّن انتسب إلیه المعنی المسبّبی العرفی لا الشرعی -و لهذا نقول بثبوته للبیّعین فی الصرف و السلم قبل القبض-لکن الظاهر عدم تحقّق البیع العرفی فی بیع الفضولی حتی بالنسبة إلی الغاصب البائع لنفسه،فإنّ العرف أیضا حاکم بتوقّف حصول البیع علی رضی المالک،نعم بعد تحقّق الرضی من المالک مع بقاء المجلس لا مانع من القول بثبوت الخیار للفضولیّین لأنّهما بالرضی یصیران بیّعین فإن قلت:بل البیّع حینئذ هو المالک لأنّ الفعل یستند إلی الجزء الأخیر من العلّة و هو المالک لأنّه موجد الشرط،فهو فاعل المبادلة.

قلت:فرق بین الفاعل و موجد الشرط أو رافع المانع،فلا یقال لمن جفّف

ص:26

المحلّ بعد ملاصقة النار له إنّه فاعل الإحراق،و کذا لو رفع الحائل،ألا تری أنّه لا یقال للمشتری أنّه بائع،مع أنّ للقبول مدخلا فی تحقّق المبادلة،فبیّعیة المالک فی المقام متوقّفة علی إثبات أحد الأمرین المتقدمین،و للکلام فیهما محلّ آخر.

مسألة:لا إشکال علی المبنی الذی تقدّم منّا فی صورة قیام البائع و المشتری
اشارة

بشخص واحد،

فإنّه یعتبر حضور المالکین فی المجلس حتّی یثبت لهما الخیار،و أمّا بناء علی ما تقدّم عن الشیخ-قدّس سرّه-فهل یثبت لنفس هذا المتصدّی لطرفی العقد إذا لم یکن فی المجلس غیره أو لا؟ فاعلم أنّ

المانع أحد أمور ثلاثة:
الأوّل:أنّ الموضوع هو البیّعان،

و هو بمقتضی کونه تثنیة یدلّ علی مدخلیّة الاثنینیّة فلا یثبت للواحد،و کذا هیئة ما لم یفترقا.

و الثانی:أنّ الافتراق و الاجتماع غیر ممکنین فی حقّ الشخص الواحد

و لا الجسدین المتلاصقین و الغایة ظاهرة فی إمکانها فی حقّ الموضوع.

و الثالث:أنّا و إن سلّمنا أنّ الغایة أعمّ من الممکنة و المستحیلة

کما فی:

حَتّی یَلِجَ الْجَمَلُ (1)و کما فی:«علی الید ما أخذت حتی تؤدّی»حیث نقول بثبوت الضمان بعد التلف مع أنّ الغایة غیر ممکنة،و معنی غائیّتها أنّه لو عادت العین بنفس عیسویّ مثلا و ردّها کانت الغایة حاصلة.

و لکن نقول:مادّة الافتراق لا تناسب مع الواحد،نعم تناسب مع الجسدین المتلاصقین،غایة الأمر عدم الإمکان،فإذن لا بدّ من الفرق بینهما فإنّ الغایة مخصّصة للحکم نظیر العلّة.

و الحاصل:أنّا نسلّم کون الغایة غیر ظاهرة فی الممکنة،و لهذا نقول بالثبوت

ص:27


1- 1) الأعراف:40.

فی المتلاصقین،و لکن لا بدّ من إمکان الفرض و لا یمکن الافتراق فی الجسد الواحد و لو فرض قطعة قطعة،و أمّا الجسدان فلو فرض عدم تلاصقهما جاء فیهما الافتراق و الاجتماع.

و حینئذ نقول:الغایة تخصّص الحکم بالموضوع الممکن فیه فرض تحقّق الغایة،فیکون غیر الممکن فیه فرضه خارجا عن عموم اللفظ،فیحتاج إثبات الحکم فیه إلی تنقیح المناط،و من هنا تبیّن عدم المانعیّة فی المانع الثانی المتوهّم مانعیّته.

و أمّا المانع الأوّل:فالتثنیة و إن کان ظاهرا فی الاثنینیّة الخارجیّة دون العنوانیّة لکنّ الظاهر منه فی هذا المقام أنّه من باب التغلیب من قبیل القمرین و الشمسین، و تکون کنایة عن عنوانی البائع و المشتری،فکأنّه قیل:البائع و المشتری کلّ منهما بالخیار حتّی التفرّق،فلا مانعیّة من قبل الموضوع بالنسبة إلی الجسم الواحد لصدق العنوانین علیه حقیقة،کصدق العالم و الهاشمیّ علی الفرد المجمع لهما، و إنّما المانع من قبل قوله:حتّی التفرّق حیث یستظهر منه التضیّق فی الموضوع لکونه ممّا یقبل فرض التفرّق و لیس هکذا الجسم الواحد.

إن قیل:لم لا یمکن فرض الغایة فی الواحد و الحال أنّ المذکور فی الدلیل قوله:ما لم یفترقا و هذا الأمر العدمیّ ممکن فی الواحد کالجدار و إنّما الغیر الممکن هو الافتراق.

قیل:إن کان المقصود عدم تحقق الافتراق فی العالم،صحّ ما ذکرت لکنّ اللازم منه القول بالخیار فی البیّعین المتعدّدین إذا لم یجمعهما مجلس واحد من أوّل الأمر أیضا إذ یصدق فی حقّهما أنّهما لم یفترقا یعنی لم یحدث منهما التفرق و إنّما بقی التفرّق السابق،فإنّ الظاهر من هذا العنوان عدم الحدوث و لکن هذا خلاف

ص:28

الظاهر،بل الظاهر هو عدم التفرّق ممّن من شأنه التفرّق،و هذا لا یصدق فی حقّ الواحد لعدم الشأنیة،و لا حقّ المتعدّد المفترق من الابتداء لعدم تحقّق الحدوث فی حقّهما.

إن قیل:یمکن القول بثبوت الخیار للواحد و بجعل الغایة خروجه عن المجلس لأنّ انقضاء المجلس فی حقّه هذا،کما أنّ انقضاءه فی حقّ الاثنین تارة بخروج أحدهما و أخری بخروج الاثنین معا و مفارقتهما عن مجلس البیع.

قیل:لو کان الغایة فی الدلیل مفارقة المجلس کان ما ذکر حقّا و لکنّها افتراق البیّعین،و لهذا نقول ببقاء الخیار فی الاثنین لو خرجا عن المجلس علی هیئتهما الاجتماعیّة بدون افتراق بینهما فی الطریق.

فرع:لو مات أحد المتبایعین فی المجلس أو کلاهما فهل هذا افتراق بینهما

فلا یورّث خیار المجلس فإنّ المیّت قد فارق الدنیا فکیف بصاحبه؟أو أنّ العبرة باجتماع البدنین و هو حاصل فیوّرث؟ و حینئذ هل الموروث هو الحقّ المطلق الغیر المغیّی بشیء،أو أنّه أیضا مغیّی؟و حینئذ فهل الغایة افتراق بدن المیّتین أو المیّت و الحیّ من المتبایعین؟أو أنّها افتراق الوارثین من مجلس العقد؟الظاهر هو الوجه الثالث،أمّا الوجه الأوّل و هو عدم الإرث فمبنیّ علی أحد أمرین:

الأوّل:المناقشة فی صدق البیّعین علی المیّتین و هو محلّ منع،فإنّه کما یطلق عرفا أنّ هذا أبو زید مثلا و زوج هند،کذلک یقال:هذا مشتر أو بائع و لیس الإطلاق بنحو ینصرف عنه الإطلاق.

و الثانی:المناقشة فی عدم تحقّق الغایة و هو أیضا کذلک،فإنّه یطلق أیضا بلا عنایة أنّ الزید و أباه ما افترقا.و السرّ أنّ الاختیاریة غیر دخیلة فی الحکم کما فی:

ص:29

اغسل ثوبک من النجاسة،حیث إنّ الغسل یراد به مطلق وصول الماء إلی الثوب و لو لم یکن عن مباشرة اختیاریّة،فکذلک العرف یفهم فی المقام أیضا أنّ العبرة بالکون فی نقطة و الکون فی نقطتین،فلو حصل الافتراق بینهما سهوا أو فی حال النوم کفی فی صدق الغایة.

و إذن فبعد فرض صدق البیّعین علی المیّتین یصیر الحکم فی حقّهما مغیّی بالکون فی نقطتین،و هذا أمر لم یتحقق ما داما فی محلّ واحد.

و أمّا الوجه الثانی:و هو التوریث بلا غایة فلا وجه له،إذ المتروک کان ذا أمد فلیس بعد انقضاء الأمد متروک حتّی یورّث کما فی خیار ثلاثة الحیوان.

و أمّا الوجه الأخیر:و هو کون الغایة افتراق الوارثین،فلا وجه له أیضا فإنّ غائیة الافتراق من قبیل الحکم لا الحقّ فلا یورّث هو،و لیس هنا أیضا دلیل نزل افتراق الوارثین منزلة افتراق مورّثهما،فتعیّن الوجه الثالث و هو کون الغایة افتراق المیّتین.

مسألة:قد یستثنی بعض أشخاص المبیع عن عموم ثبوت هذا الخیار
اشارة

منها:من ینعتق علی أحد المتبایعین،و المشهور کما قیل:عدم الخیار مطلقا، بل عن ظاهر المسالک أنّه محلّ وفاق،و احتمل فی الدروس ثبوت الخیار للمالک، و الکلام فیه مبنیّ علی قول المشهور من عدم توقّف الملک علی انقضاء الخیار و إلاّ فلا إشکال فی ثبوت الخیار،و الظاهر أنّه لا إشکال فی عدم ثبوت الخیار بالنسبة إلی نفس العین لأنّ مقتضی الأدلّة الانعتاق بمجرّد الملک و الفسخ بالخیار من حینه لا من أصله،و لا دلیل علی زواله بالفسخ مع قیام الدلیل علی عدم زوال الحریّة بعد تحقّقها.

و الحاصل:یقع الکلام-بعد مسلمیّة أصل صحّة البیع و حصول الانعتاق

ص:30

و عدم زواله بعد التحقّق-فی ثبوت الخیار بالنسبة إلی القیمة و عدمه،فقد یقال:

إنّه مقتضی الجمع بین أدلّة الخیار و دلیل عدم عود الحرّ إلی الرقیّة،فیفرض المعتق کالتالف فلکلّ من الطرفین الفسخ و الرجوع إلی القیمة.

و قد یستند فی عدم الثبوت عند العلم بالانعتاق إلی أنّ الإقدام علی البیع أو الشراء إتلاف للعبد و سیجیء سقوط الخیار بالإتلاف بل بأدنی تصرف فعدم ثبوته به أولی.

و لکن فیه أولا:أنّه لیس إتلافا فإنّه عرفا إقدام علی البیع و الشراء،و الانعتاق حکم شرعی،فالمتلف حقیقة هو الشارع.

و ثانیا:سلّمنا لکنّ الدلیل علی مسقطیّة التصرّف عموم التعلیل المستفاد من قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فذلک رضی بالبیع»و ظاهره المفروغیة عن وجود البیع فلا یشمل مثل هذا الذی هو مقارن له.

فالعمدة فی المقام هو النظر فی کیفیة الفسخ عند التلف الحقیقیّ،ثمّ فی جریانها فی المقام و عدمه فنقول-و علی اللّه التوکّل

هنا وجوه متصوّرة
اشارة

(1)

الأوّل:أن یکون من آثار الفسخ عند وجود العین استرجاعها و عند عدمها

استرجاع البدل،

و فیه أنّ الخیار حقّ متعلّقه العقد لا العین و هذا الوجه یناسب الثانی.

و الثانی:أن یکون الفسخ حلاًّ للعقد و جعله کأن لم یقع

من أوّل الأمر نظیر الکشف الحکمیّ فی الإجازة،فإنّ اللازم حینئذ أن یکون العین التالفة فی ید المفسوخ علیه بمنزلة المال التالف من الفاسخ فی ید المفسوخ علیه.

ص:31


1- 1) سیأتی ما یرتبط بالمقام فی الصفحة:610،منه دام ظله العالی.

و فیه:أنّ اللازم الرجوع بالنماءات المتجدّدة بین العقد و الفسخ أیضا کما هو الحال فی الکشف الحکمی و لا یلتزمون به.

و الثالث:أن یکون الفسخ حلاًّ للعقد أیضا لکن من حین الفسخ

لا من أوّل الأمر،لکن معنی الحلّ هو عکس العقد،فکما کان العقد مبادلة بین المالین فالحلّ عبارة عن عکس هذه المبادلة بعنوان حلّها،و لازمه انتقال المثمن إلی البائع و الثمن إلی المشتری.

ثمّ إنّ العوض التالف یعود إلی مالکه الأصلی بما هو علیه من العوارض، فلو تجدّد له بیاض عند المالک الجدید،انتقل ببیاضه إلی المالک الأصلی،فمن العوارض التی اتّصف بها عند المالک الجدید هو وصف التالفیّة فلا بدّ أن ینتقل هکذا إلی الأصلی.

و منها أیضا:کون هذا التلف واردا خسارته علی کیس المالک الجدید،فلو کان مقوّما بالعشرین لتلف من مالیّته عشرون و هکذا فلا بدّ أن ینتقل إلی الأصلی أیضا بهذا الوصف،فلو لم تشتغل ذمّة الجدید بعد انتقال التالف إلی الأصلی بعوضه الواقعی لخرج عن وصف کون تلفه علیه لأنّ الفرض جبران خسارته برجوع عوضه المسمّی إلیه،فمعنی بقائه علی الأوصاف السابقة الحاصلة له فی ید المالک الجدید هو اشتغال ذمّته للمالک الأصلی بعوضه الواقعی عند انتقال عوضه الجعلی إلیه حتی لا یلزم انقلاب وصف التالفیّة علیه بالتالفیة علی المالک الأصلی.

و حینئذ نقول:اللازم من هذا البیان عدم ثبوت الخیار فی مسألتنا المفروض فیها بقاء العین و زوال صفة المالیة،فإنّ الخسارة و إن کانت کما فی صورة تلف العین واردة علی المفسوخ علیه لکن مجرّد هذا لا یصحّح النقل و الانتقال و اعتبار إضافة الملک،فإنّه خاص بموضوع المال،فیعتبر فی صحّة اعتبار هذه الإضافة أمران

ص:32

الأوّل:المالیة و هی قائمة بالعین فی حالتی وجودها و عدمها،فالحنطة مثلا مال فکما نحمل علیها موجود و معدوم و هو فی کلّ حال حنطة فکذلک متّصفة بالمالیّة.

و الثانی:کون الخسارة فی موضوع المال التالف علی غیر من اعتبر إضافة الملکیة بالنسبة إلیه.

فالأمر الثانی و إن کان فی مقامنا متحقّقا کما فی صورة تلف العین لکنّ الأمر الأوّل مفقود،فإنّ الحرّ لا مال عرفا و شرعا،و هذا هو الفارق بین المقامین و المائز بین المسألتین،و لکن لا یخفی أنّ لازم هذا البیان عدم جواز الفسخ مع طروّ العتق،أو صفة أخری مخرجة عن المالیة بعد تحقّق العقد الخیاری و مضیّ زمان علیه هذا.

و الرابع:أن یکون الفسخ أیضا حلاًّ للعقد من حینه و لکن لیس معناه

صرف إعدام العقد

و تبدیله بالنقیض،بل یدعی أنّ معناه عرفا ما یسمّی بالفارسیة (واتاباندن)،و معنی ذلک أن یکون مثل العقد فی جمیع الجهات إلاّ فی تبدیل العوضین فنقول:إنّ العقد مشتمل علی أمرین:

الأوّل:إنشاء المبادلة و هذا مدلوله المطابقی.و الثانی:تعهّد کل من الطرفین بتسلیم ما ملکه إلی صاحبه،و هذا مدلوله الالتزامی المفهوم منه عرفا و علی هذا ینطبق أصل الضمان قبل القبض علی القاعدة،نعم اللازم علی هذا هو الضمان بالعوض الواقعی فالضمان بالمسمّی الذی هو انحلال العقد و انفساخه یکون بالتعبّد،و وجه کون أصل الضمان علی طبق القاعدة أنّ کون عین الحنطة الشخصیة مثلا علی عهدة البائع للمشتری معناه کون المشتری مستحقا لمطالبة هذا العین من البائع،و وفاء البائع عند الوجود بردّ نفسها و عند العدم بردّ ما هو

ص:33

أقرب الأشیاء إلیها و هو فی المثلی المثل و فی القیمی القیمة.

و علی هذا فمعنی الفسخ عکس هذه المبادلة و عکس هذا التعهد،فإذا کانت الحنطة حین الفسخ تالفة عند المشتری فمعنی الفسخ جعل الحنطة فی عهدة المشتری منتقلة إلی البائع بإزاء الثمن کذلک،و معنی ذلک صیرورة البائع ذا حقّ علی المشتری بمطالبته بنفس الحنطة المبیعة،و حیث إنّها تالفة فخروج المشتری عن عهدتها بدفع مثلها.

لا یقال:علی هذا یلزم صحّة بیع العین التالفة حین البیع أیضا بهذا الوجه.

لأنّا نقول:حال العین بهذا الوجه حال المنفعة فکما أنّها مال و مع ذلک لا تقبل اعتبار البیع فکذلک العین التالفة.

و لازم هذا الوجه أنّه لو کانت العین موجودة و لکن انتقلت إلی ملک غیر المفسوخ علیه بنقل لازم و أمکنه الاسترداد منه بعقد جدید و لو ببذل مال کثیر، وجب علیه ذلک لأنّ الانتقال إلی البدل إنّما هو بعد تعذّر العین و الأصل،و کذلک اللازم منه أنّه لو کانت العین موجودة حال الفسخ و لکن تلفت قبل الردّ إلی الفاسخ کانت مضمونة علی المفسوخ علیه کما کان هو الحال فی نفس العقد قبل القبض.

هذا کلّه حال التلف الحقیقی من غیر فرق بین تلف ذات المال أو وصف المالیّة،و أمّا حال مسألتنا،و هی الانعتاق القهری فیمکن أن یقال بأنّه حیث عرفت ابتناء الأمر فی مسألة التلف الحقیقی علی التعهّد بالتسلیم یمکن القول بعدم الخیار فی مسألتنا بملاحظة أنّه لا تعهد بعد صیرورة العین خارجة عن سلک الأموال بمجرّد البیع و حصول المبادلة،فلا یتمشّی التعهّد مع العلم و لا یمضی شرعا مع الجهل،فالفسخ إنّما یفید مبادلة علی عکس المبادلة السابقة خالیة عن

ص:34

التعهّد و قد کان حکم الضمان مبنیا علیه.

و الخامس:أنّ الفسخ حلّ من حین و لکن فی صورة التلف ینزّل بعد الفسخ

التالف بمنزلة التالف من مال الفاسخ،

فیعامل من هذا الحین معه معاملة ما تلف من مال الفاسخ فی ید المفسوخ علیه من تضمینه للبدل،و فی صورة الانتقال عن ملک المفسوخ علیه بعقد لازم یعامل مع المنتقل معاملة کونه مالا للفاسخ و قد انتقل عن ملک المفسوخ علیه و ملک هو ثمنه فصار تالفا علی الفاسخ فی ید المفسوخ علیه و هکذا فی صورة طریان الحریّة،فینزّل العبد بوصف کونه متحرّرا عن ملک المفسوخ علیه منزلة شیء تحرّر من مال الفاسخ مفیدا بحال المفسوخ علیه و فی یده.

و بالجملة:المنزّل هو المال بوصف ما جری علیه لا هو بذاته حتی یکون الطاری طارئا فی ما هو بحکم مال الفاسخ فیعامل مع الانتقال معاملة الفضولیة و هکذا.

و حینئذ نقول:قد یکون طروّ التلف أو ما هو کالتلف بعد استقرار الحقّ فی العینین و ذلک بمضیّ زمان علیهما مع بقائهما بوصف الملکیّة للمفسوخ علیه،و قد لا یکون کذلک،بمعنی أنّه لا یجری شیء من أجزاء الزمان علی العین بوصف بقائها علی ملکیّة المفسوخ علیه و قد کانت متعلّقة لحقّ الفاسخ بل کانت من أوّل آنات ما بعد آن دخولها فی ملکه تالف المالیّة.

ففی الصورة الأولی:لا شبهة فی التنزیل الذی ذکرنا لسبق تعلّق الحقّ بالعین فی حال وجودها،فبعد التلف یعامل معها معاملة المال التالف من ملک الفاسخ.

و أمّا فی الصورة الثانیة:فحیث لم یتعلّق بالعین فی شیء من الزمان حقّ من

ص:35

الفاسخ فلا محلّ للتنزیل المذکور فإنّه فرع فعلیّة الحقّ فی نفس العین فی زمان و لا یکفی وجود مقتضیه بدون الفعلیّة.

هذا و فیه أنّ غایة ما یثبت بهذا تصحیح الضمان بواسطة التنزیل المذکور بعد تسلیم مساعدة دلیل الفسخ علی هذا التنزیل.

و أمّا تلقّی الفاسخ الملک عن ملک المفسوخ علیه،فلا یثبت بهذا فإنّ المنزل هو العین بوصف ما جری علیه من التلف أو ما هو کالتلف و قد کان المعتبر فی الفسخ ذلک حیث إنّه عکس البیع و التلقّی معتبر فیه کما هو واضح.

و السادس:أن یقال:إنّه بعد الفسخ نستکشف أنّ العین آنا ما قبل التلف

صار فی ملک الفاسخ،

أو ینزّل کذلک،فالأوّل کشف حقیقی و الثانی کشف حکمی،و حینئذ نقول:لا یجری هذا فی مسألة الانعتاق،أمّا علی الکشف الحقیقی فواضح،لأنّ ما بین ملکیة المفسوخ علیه و الانعتاق لیس فصل و لو بمقدار آن.

و أمّا علی الحکمی فلأنّ الملکیّة هنا لیس علی وجه یترتّب علیها سوی الانعتاق،فهی نظیر ملکیّة الکلّی فی بیع السلف،حیث إنّ البائع یملک آنا ما فی عهدة نفسه الحنطة باعتبار الوجود الخارجی ثمّ ینقله إلی المشتری و إلاّ فیلزم نقله ما لیس له،فهذه الملکیّة لیست علی حدّ سائر الأملاک و لا یترتّب علیها فائدة سوی النقل فی مسألة الکلّی و الانعتاق فی مسألتنا و لهذا لا یعدّ هو متموّلا لکذا و کذا حنطة مثلا.

و السابع:أن یقال:لا شکّ أنّ عقد البیع یعتبر فی حقیقته دخول کلّ عوض

فی ملک من خرج عن ملکه العوض

و أیضا هو یتعلّق بالعین،و لیس للبدل فیه عین و لا أثر،فالفسخ أیضا لا بدّ أن یکون مبادلة مثل نفس العقد و عکسه،و واقعا بین نفس العینین لا بدلهما.

ص:36

فإن قلت:العقد عبارة عن الإنشاء الذی هو الخاطر النفسانی و اللفظ الذی هو من مقولة الصوت و کلاهما متدرّج و متصرّم لا بقاء لهما،فکیف یرد علیهما الفسخ؟ قلت:نعم و لکن أثره و هو المبادلة باق،و بهذا الاعتبار یعتبر لنفسه البقاء کما یعتبر للوضوء البقاء مع أنّ الباقی أثره و هو الطهارة لا بتأثیره بل بطبعه بعد تأثیره فی الحدوث،و من هنا یتّضح فساد جمیع الوجوه السابقة.

أمّا تنزیل العقد کأن لم یکن من حدوثه فقد عرفت أنّه یلزم منه رجوع النماءات إلی الفاسخ و هو خلاف ما یقولون.

أمّا الحلّ الحالی و التأثیر فی الملک آنا ما قبل التلف حقیقة فهو أمر غیر معقول،لعدم تعقّل تأثیر اللاحق فی السابق.

و أمّا تعلّق حقّ الخیار بالأعمّ من العین و البدل،بمعنی أن یتعلّق بالعین عند وجودها و بالبدل عند عدمها،فقد عرفت أنّه لا عین و لا أثر للبدل فی العقد فکیف یکون فی الفسخ مع أنّه عکس العقد.

و أمّا تنزیل التالف بوصف التالفیّة منزلة التالف من ملک الفاسخ،فهو یصحّح الضمان لو قام الدلیل علی أصل التنزیل و لا یصحّح التلقّی المعتبر فی حقیقة الفسخ.

و أمّا الحلّ الحالی و التأثیر فی السابق حکما بمعنی التنزیل،فلا معنی له إلاّ ترتیب الأثر و هو تضمین البدل،فکأنّه قلنا من الأوّل إنّ أثر الفسخ هو الرجوع إلی البدل،فقد وقعنا فیما فررنا منه.

و أمّا الحلّ الحالی و التأثیر فی انتقال التالف علی المفسوخ علیه بوصف کونه کذلک،أو التأثیر فی انتقال نفس العین بلحاظ الوجود الخارجی علی أنّها فی عهدة

ص:37

المفسوخ علیه نظیر الکلّی فی بیع السلم،فقد عرفت أنّ الفسخ عکس العقد و لیس فی العقد إلاّ المبادلة بین نفس العینین الموجودتین لا التالفتین و لا المعتبرتین فی العهدة،فاعتبار أحد الأخیرین فی الفسخ مناف لکونه قلبا و عکسا للعقد المقتضی لمشابهته معه من جمیع الجهات إلاّ جهة القلبیة و العکسیة.

و أمّا ما ذکر فی مقام توجیه العین المعتبرة فی العهدة:بأنّ التعهّد أمر مدلول علیه فی العقد،فهو علی تقدیر تسلیمه لیس مأخوذا فی أحد طرفی المبادلة بأن نبادل العین المتعهّدة بالعین کذلک،بل المبادلة بین نفس العینین و التعهّد واقع علی تسلیم طرفی المبادلة،فالفسخ أیضا بعد تصحیح طرفی المبادلة فیه یکون فیه بمقتضی العکسیة هذا التعهد و لکنّه لا یقتضی أن یکون وصف التعهد مأخوذا فی طرفی المبادلة کما عرفت.

و حینئذ فنقول:الخیار بحسب ما ارتکز من معناه فی أذهان العرف هو حقّ إعادة العقد،فمتعلّقه العقد و لکن قد یقال:إنّ لازم هذا أن یتعلّق حقّ بالعین أیضا بالعرض.

و قد یقال:بل لا یتعلّق حقّ بالعین و إنّما المتحقّق صرف الحکم و هو جواز تملّکه من ملکه و الظاهر الأوّل بملاحظة حکم العرف بذلک،فإنّهم کما یحکمون بأنّ اعادة العقد حقّ کذلک یحکمون بأنّ تملّک العین و استرجاعه أیضا حقّ و هذا الحقّ خاص بالعین و متقوّم بها لا بالجامع بینها و بین البدل بل نقول:لو خرج العین عن ملک المفسوخ علیه ثمّ دخلت بنقل جدید غیر الفسخ مثل البیع و نحوه أیضا لا یجب نقل عینها،بل یجوز تبدیلها ببدلها فمتعلّق الحقّ هو الاسترجاع من عین الملک السابق.

و مقتضی هذا أن لا یتحقّق حقیقة الفسخ بعد تلف العین أو انتقالها بنقل

ص:38

لازم،لفوات ما به قوامه أعنی العین بالملک السابق،و لکن إذا رأینا أنّ العرف یعامل مع شیء آخر عند عدم العین،معاملة التدارک للعین و یجعلونه بدلا و قائماً مقامها،و یرتّبون علیه الآثار المطلوبة منها و هو المثل فی المثلی و القیمة فی القیمی، فحینئذ یلزم قیام هذا الحقّ بذلک الشیء،لکونه بمنزلة نفس العین و تدارکها.

فهذا أشبه شیء بالإرث،حیث إنّ الملک کان للمیّت فی حال حیاته متقوّما بشخصه لا بالجامع فیما بینه و بین وارثه و مع ذلک إذا مات ینتقل إلی وارثه،و السرّ أنّ الملک ثابت لشخصه لا بوصف حیاته بحیث لو کان فی حال الممات قابلاً للتملّک لکان مالکا،فالقصور لیس من ناحیة المقتضی،و هذا بخلاف ما لو کان لوصف الحیاة فیه مدخل فیرتفع موضوعه بارتفاع الحیاة فلا یبقی موضوع حتّی ینتقل إلی القائم المقام.

و هنا أیضا الحق قائم بالعین لکن لیس لوصف وجودها مدخل فی موضوع هذا الحق لیکون حقّا ما دامیّا حتی یرتفع بارتفاع موضوعه،و لا یکون معنی لانتقاله إلی بدله بل هو حقّ مطلق و مدخلیّة حال الوجود من باب الموردیّة و أنّ حال العدم غیر قابل لتعلّق الحقّ به،و مثل هذا یقوم البدل مقام المبدل فی المعروضیّة له.

و بالجملة:فقد تحقّق أنّ الحقّ إنّما یتعلّق بالبدل بعد قیامه بالمبدل و لیس له قیام بالبدل ابتداء و استقلالا،و لازم هذا أنّه لو تلف المبدل فی أوّل آنات ما بعد آن ملک المفسوخ علیه لم یکن وجه للانتقال إلی البدل،إذ لم یتحقّق فی المبدل منه عین و لا أثر و إنّما تحقّق صرف المقتضی له بدون الفعلیّة فکیف ینتقل إلی البدل مع أنّه تابع للفعلیة فی المبدل و لو فی آن عقلیّ،و لا فرق فی هذا بین العلم و الجهل و صدق الإتلاف و عدمه،و من هنا یتّضح الخدشة فیما ذکره شیخنا المرتضی

ص:39

-قدّس سرّه-عقیب قوله:«و بالجملة»من قوله:«فإنّ الخیار حق فی العین» (1)إلی آخره،فإنّه غیر ملائم مع شیء ممّا سبق هذا الکلام و ما لحقه فراجع کلامه-قدّس سرّه.

فإن قلت:بعد ما ذکرت من أنّ حقیقة الفسخ لا یتمشی إلاّ فی حال وجود العینین لعدم تعلّق العقد إلاّ بهما دون البدل فلا یتعلّق بالبدل فسخ،حیث لم یتعلّق به عقد یجب الاقتصار علیه فی حال وجود کلیهما،و أمّا التنزیل و المعاملة مع البدل مبادلة المبدل فقد سبق منک الخدشة فیه بأنّه لا یسمن و لا یغنی من جوع بعد کونه لبّا خروجا عن مقتضی الفسخ،فکأنّه إیراد له من أوّل الأمر علی البدل.

و بالجملة:مقتضی کلّ دلیل حمله علی المصادیق الحقیقیّة لموضوعه،و أمّا المصادیق التنزیلیة فهی لبا إسراء الحکم إلی غیر الموضوع فیحتاج إلی دلیل آخر و لا یکفیه نفس الدلیل الأوّلی.

قلت:نعم ما ذکرت حقّ لو أرید التمسّک لما ذکرنا بعموم أدلّة الخیار بل نقول:مقتضی الأدلّة الأولیة کما ذکرت الاختصاص بحالة وجود العینین لعدم تمشّی الفسخ حقیقة إلاّ فیها.

و لکن یمکن التمسّک بدلیل الید علی إثبات التنزیل الذی ذکرنا،حیث إنّ مفاده أنّ الخسارة الحاصلة من ناحیة المأخوذ علی أیّ شخص ورد مالکا کان أم غیره،فهی علی عهدة صاحب الید و حینئذ فیتّجه التفصیل بین تلف ما انتقل إلی الفاسخ فی یده و بین تلف ما انتقل إلی المفسوخ علیه.

فیقال فی الصورة الثانیة:إنّ ید المفسوخ علیه بمقتضی عموم«علی الید» ضامن لما أخذ یعنی:إنّ الخسارة الحاصلة من ناحیة التالف علی الفاسخ،حیث

ص:40


1- 1) المکاسب:218.

إنّه کان محلّ حقّه و ملکا شأنیّا له،بمعنی أنّه یصیر ملکه بمقدمة فسخه،یکون علی الفاسخ جبرانها و تدارکها.

فقد أقیم بمقتضی هذا العموم المثل أو القیمة منزلة نفس العین فی إمکان تملّکهما بإنشاء الفسخ،لأن هذا تدارک و جبران لما خسره ذو الخیار،فإنشاء الفسخ حینئذ یکون من قبیل إنشاء الموجب البیع حیث إنّه یکون بنظره لا واقعیة له أصلا لا عرفا و لا شرعا،لتوقف حصوله فیهما علی القبول فهنا أیضا یقصد إلی إنشاء الفسخ مع العلم بعدم حصول حقیقة الفسخ لعدم وجود العینین،فإنّ القصد الجدّی إلی الإنشاء المجرّد.إذا ترتّب علیه فائدة لا مانع منه أصلا،فإنّ الإنشاء أمر خفیف المؤنة.

هذا و تحقیق المقام زیادة علی هذا یطلب من محلّه،و لعلّ اللّه تعالی یوفّقنا لذلک بمنّه وجوده إن شاء اللّه تعالی.

فقد تحصّل ممّا ذکرنا،عدم الخیار فی شیء من المسائل الثلاث أعنی:مسألة من ینعتق علی أحد المتبایعین،و العبد المشتری من الکافر،و شراء العبد نفسه لو جوّزناه علی تقدیر القول بملکه بأن قلنا بکفایة المغایرة الاعتباریة بین المالک و المملوک.

فکما یقال:إنّ الإنسان مسلّط علی نفسه،یعتبر هنا أیضا مالکیته لنفسه، و لو فرض صحّة هذا الاعتبار عرفا-و لازمه صحته فی جانب الحرّ أیضا بأن یبیع نفسه-فلا إشکال من جهة أخری،فإنّه من غیر الجهة المذکورة حاله حال الکلّی فی السلّم،و الدین فی بیع الدین علی من هو علیه،حیث إنّه فی الکلّ یحصل الملک آنا ما و أثره السقوط فی الأخیر و الانعتاق فی مسألتنا و الانتقال فی باب السلم.

و علی کلّ حال فوجه عدم الخیار فی الجمیع واحد،و هو أنّ العین لا یقبل

ص:41

لتعلّق الحقّ به و لو فی آن عقلی،لعدم استقرار ملک المشتری إلاّ فی آن فی مسألة من ینعتق علی أحد المتبایعین و مسألة شراء العبد نفسه،و عدم قبول العبد المسلم لملکیّة الکافر فی المسألة الوسطی.

نعم،لو قلنا:بأنّ الممنوع هو الملک الابتدائی لا علی وجه الاستدامة، و الملک بالفسخ عود الملک السابق،لم یکن مانع من الفسخ فیها.

مسألة:دلیل هذا الخیار من قوله-علیه السلام-:البیّعان إلی آخره خاصّ

حسب اللفظ بالبیع،

(1)

و لکن هل یتعدّی إلی الصلح کما تعدّوا فی مسألة بیع الوقف و بیع أمّ الولد مع کون النهی خاصا بالبیع،یمکن ابتناء المسألة علی أنّ الصلح هل هو مشتمل علی بیع ضمنیّ أو لا؟ توضیحه:أنّ قول الموجب:«صالحتک علی هذا بهذا»هل هو من قبیل «ملکتک هذا بهذا»فکما أنّ الباء فی الثانی تکون للمقابلة بین العینین لا بین التملیک و العین،کذلک فی الأول أیضا،فتکون المصالحة کأنها واقعة علی المقابلة بین العینین و لا مقابل لنفسها،أو أنّ الباء فی الأول اعتبر للمقابلة بین المصالحة و العین،فالمصالحة واقعة علی ملکیّة المخاطب للمتنازع فیه و قد أعطی المخاطب بإزاء هذا الصلح شیئا و هو مدخول الباء،فإن قلنا بالأوّل دخل تحت العموم و إلاّ احتاج إلی تنقیح المناط.

هذا حال الصلح،و أمّا العقود الجائزة:فهل لجعل الخیار فیها معنی أو لا؟ یمکن دعوی الثانی،فإنّ الخیار أثره الطبعی جواز فسخ العقد،و إذا کان هذا المعنی حاصلا فی العقد أبدا یصیر الجعل لغوا و تحصیلا للحاصل و لا یکفی وجود ما هو من أحکام الخیار من الإرث و قابلیّة الإسقاط،فإنّها أحکام مترتّبة بعد تحقّق

ص:42


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346 ح 3.

الاعتبار العرفیّ لنفس الخیار،فإذا کان هو تحصیلا للحاصل من حیث أثره الطبعی فوجود تلک الأحکام غیر مجد فی الاعتبار العرفیّ.

و نظیر المقام:ما إذا اشترط فی ضمن العقد علی الحیوان خیار الثلاثة أیّام أو فی ضمن العقد علی غیره الخیار الممتدّ بمقدار المجلس،فإنّ هذا أیضا لا اعتبار عرفیّ له بعد تحقّق الخیارین بالجعل الشرعیّ،و لا یکفی إمکان الإسقاط فی تحقّق الاعتبار.

نعم،لو کان الجعل بحسب الأثر الطبعی مؤثّرا فی أمر غیر حاصل و لو کان نسبته مع الحاصل نسبة القصیر و الطویل،تحقّق الاعتبار العرفی،کما لو اشترط مع خیار المجلس المجعول بأصل الشرع خیارا ممتدّا یطول بعد المجلس أو فی بیع الحیوان خیارا یمتدّ أمده إلی ما بعد الثلاثة کسنة و شهر.

و بالجملة:حال وجود السبیل إلی انفساخ العقد حال ملکیّة الشیء،فکما لا معنی لصیرورة الملک ملکا ثانیا حتی یصیر مشتدّا،کذلک لا معنی لتحقّق السبیل ثانیا إلی الانفساخ،إذ لا معنی لاشتداد السبیل.

هذا کلّه بناء علی کون الخیار عبارة عن السلطنة علی الحلّ و عدمه،و أمّا بناء علی أنّه ملک إقرار العقد و إزالته،فقد یقال:إنّه حینئذ یوجب أمرا زائدا علی مقتضی العقد،فإنّ العقد الجائز لیس معنی جوازه إلاّ جواز حلّه لا إبرامه، و المفروض کون ثمرة الخیار جواز إبرامه و لکن فیه أنّه و إن کان الأمر کما ذکر لکنّه شرط مخالف للمشروع،فإنّ شرط لزوم ما جعله الشارع جائزا مطلقا أو عند قصد إنشاء الإلزام مخالف لحکم الشرع بالجواز،نظیر اشتراط حرمة لحم الغنم مع کونه حلالا بأصل الشرع،و سیجیء توضیح ذلک إن شاء اللّه تعالی.

مسألة:مبدأ هذا الخیار من حین العقد،

لأنّ ظاهر النص کون البیع علّة

ص:43

تامّة،و مقتضاه کظاهر الفتاوی علی المحکیّ شمول الحکم للصرف و السلم قبل القبض.

قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-:لا إشکال فیه لو قلنا بوجوب التقابض فی المجلس فی الصرف و السلم وجوبا تکلیفیّا إمّا للزوم الربا کما صرّح به فی صرف التذکرة،و إمّا لوجوب الوفاء بالعقد و إن لم یکن بنفسه مملّکا،لأنّ ثمرة الخیار حینئذ جواز الفسخ فلا یجب التقابض (1).انتهی.

قال شیخنا الأستاذ-أدام اللّه برکات أنفاسه القدسیّة-:توضیح ما ذکره -قدّس سرّه-أنّ قوله تعالی أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)یدلّ علی الوجوب التکلیفی للوفاء و هو عبارة عن التسلیم و التسلّم بعنوان الملکیّة علی نحو ما جعله المتعاقدان فی متن العقد،و من وجوب هذا المعنی نستکشف الوضع أعنی حصول ملکیّة الثمن للبائع و المثمن للمشتری.

ففی باب الصرف و السلم إنّما دلّ الشرع علی أنّ المستکشف و هو الملکیّة متأخّر عن التقابض و لیس هذا تصرّفا فی عموم أَوْفُوا ،فهو بعمومه یقتضی وجوب الوفاء بالمعنی المذکور فیهما أیضا،غایة الأمر إنّ مقتضی العقد إنّما هو التقابض و لو فی خارج المجلس لکن دلّ الدلیل فی خصوص المقام علی أنّه منحصر فی المجلس.

هذا و لکن تصویر الخیار مع فرض وجوب الوفاء مشکل،ألا تری أنّه -قدّس سرّه-تمسّک لأصالة اللزوم بعموم الآیة؟فلو لم یکن بین ثبوت الخیار

ص:44


1- 1) المکاسب:219.
2- 2) المائدة:1.

و وجوب الوفاء منافاة لما کان وجه للتمسّک،و الحاصل أنّ معنی الوفاء بالعقد هو الالتزام به خارجا و عدم نقضه،فمعنی وجوبه حرمة نقضه،فإذا جاز النقض فلا معنی لوجوب الوفاء.

إن قلت:یلزم علی ما ذکرت خروج العقد المشروط فیه الخیار عن عموم الآیة.

قلت:لا یلزم ذلک لأنّ العقد بهذا الوصف لیس له وفاء إلاّ بهذا القدر أعنی ما دام بقاء العقد و عدم انتقاضه بالفسخ،و أمّا العقد المطلق فمعنی الوفاء به حفظ موضوعه،فلا یقال:إنّ الحکم لیس حافظا لموضوعه،فإنّ معنی الوفاء إنّما هو إبقاء العقد و عدم نقضه،و علی هذا فالأقوی أنّ وجوب التقابض إنّما یحصل بعد سقوط الخیار إمّا بأعماله بالإجازة،أو بإسقاطه کما هو مقتضی عبارة التذکرة أیضا.

و لکن فی مجیء الخیار فی العقدین قبل القبض لا نحتاج إلی ذلک بل یکفی الأثر التأهّلی التعلیقی،و هو أنّه لو حصل القبض یحصل الملک،فبالفسخ یبطل هذه الأهلیّة فیصیر القبض المتأخّر لغوا،فإنّ شأن الفسخ إبطال أثر العقد کیفما کان.

القول فی مسقطات هذا الخیار

اشارة

و هی أربعة علی ما ذکرها فی التذکرة، اشتراط سقوطه فی ضمن العقد،و إسقاطه بعد العقد،و التفرق،و التصرف،فیقع الکلام فی مسائل.

مسألة:لا خلاف ظاهرا علی المحکی فی سقوط هذا الخیار باشتراط سقوطه
اشارة

فی ضمن العقد

و عن الغنیة الإجماع،و یدلّ علیه قبل ذلک عموم المستفیض:

«المسلمون عند شروطهم» (1).و قد یتخیّل معارضته بعموم أدلّة الخیار و لکن الحقّ

ص:45


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار ص 353،ح 1 و 2.

عدم نهوض أدلّة الخیار للمعارضة بل التحقیق عدم معارضة شیء من أدلّة الأحکام الأصلیة لدلیل الشرط إذ لا یخلو الحال من أمرین:

إمّا یکون ذلک الدلیل غیر ناظر إلی عنوان الشرط فیکون نسبته مع دلیل الشرط مثل نسبة دلیل رجحان متعلّق النذر مع دلیل النذر.

و إمّا یکون متکفّلا للحکم حتّی فی هذه المرتبة مثل دلیل حرمة الخمر،فلا معارضة أیضا،لأنّ دلیل الشرط مورده مخصوص بما إذا لم یکن تحلیلا للحرام أو تحریما للحلال و کیف کان لا إشکال من حیث المعارضة.

نعم قد یستشکل التمسّک بدلیل الشروط فی المقام من وجوه:
الأوّل:أنّ هذا الشرط مخالف للمشروع،

فإنّ الشارع جعل للبیّعین الخیار فاشتراط عدمه لهما مخالف له.

أقول:توضیح المقام یحتاج إلی بسط فی المقال فی بیان معنی قوله-علیه السلام-:

«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (1)عقیب قوله-علیه السلام-:«المسلمون عند شروطهم» (2).

فنقول و علی اللّه التوکّل:قد یقال إنّ معناه الحلال و الحرام الفعلیّان المطلقان حتّی بالنسبة إلی حال الشرط فیفرق بین الحلال و الحرام الحیثیّین مثل حلیة الغنم،فاشتراط خلافهما جائز و بین الفعلیّین مثل حرمة الخمر فاشتراط خلافه غیر جائز.

و فیه:انّه یلزم الرکاکة فی العبارة إذ المعنی علی هذا:أنّ الشرط واجب،إلاّ أن یکون هنا حرام فعلیّ حتّی فی حال الشرط أو حلال کذلک و هذا لا جدوی تحته،

ص:46


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 354،ح 5.
2- 2) -المصدر نفسه:ص 353،ح 1 و 2 و 5.

فإنّ عدم اجتماع الحکمین المتضادّین الفعلیّین من أبده البدیهیّات.

نعم لو کان ناظرا إلی مقام الإثبات و الدلالة بمعنی أن یکون مفاده أنّ الأدلّة الدالّة علی حلّیة الأشیاء فعلیّا أو حرمتها کذلک یکون مقدّمة عند معارضتها مع دلیل الشرط،کان له معنی،و لکنّه خلاف الظاهر فإنّ الظاهر کون المراد هو الحلال و الحرام الواقعیّین و فی مقام الثبوت لا هما بما هما مفاد الأدلّة و فی مقام الإثبات،و إذن فیلزم الرکاکة التی ذکرنا.

فالذی یصحّ فی معنی العبارة أن یکون المراد هو الحلال مع قطع النظر عن طروّ عنوان الشرط و الحرام کذلک،نظیر الرجحان المعتبر فی متعلّق النذر فإنّه الرجحان مع قطع النظر عن عنوان النذر و لهذا یکون صحّة النذر للإحرام قبل المیقات أو للصوم فی السفر تخصیصا فی دلیله.

و علی هذا فلو شرط فعلا حراما أو ترک واجب کان تحلیلا للحرام،و کذا إذا شرط لزوم عقد جائز أو حرمة لحم الغنم،و أمّا إذا شرط نفس العقد الجائز بنحو النتیجة مثل شرط العاریة أو الوکالة علی إشکال فیها فی ضمن عقد لازم،أو شرط أکل لحم الغنم أو ترک أکله فهذا لا مانع منه،لأنّ أصل العاریة و الوکالة قد فرضنا الفراغ عن مشروعیّتهما و کذلک الأکل و ترکه و إن کانا یصیران لازمین بواسطة حکم الشرط و کذا الأکل أو ترکه یصیر واجبا کذلک،لکن لا ینافی هذا مع جوازهما الذاتی أو إباحتهما کذلک،لأنّ الجواز و الإباحة بعنوان أوّلی و اللزوم و الوجوب بعنوان الشرط.

فإن قلت:ما الفرق بین عدم الملکیة للمشروط له أو عدم الوکالة أو العاریة الثابت له قبل الشرط بحکم الشرع الذاهب بحکم الشرط و بین حلیة الغنم و الجواز الثابتین مع قطع النظر عن الشرط؟فإن قلت بجواز الأوّل و أنّه لیس

ص:47

تحلیلا للحرام و تحریما للحلال فلا بدّ أن تقول به فی الثانی،و إن قلت فی الثانی بأنّه تحلیل أو تحریم فکذلک فی الأوّل و لا وجه للتفکیک.

قلت:الفرق أنّ الشارع جعل للغنم حکما و هو الحلّیة،و کذا للعاریة و الوکالة حکما و هو الجواز،فشرط حرمة الأوّل و لزوم الثانی مخالفة للمشروع،و أمّا عدم ملکیّة المشروط له أو عدم عاریة المال له أو عدم ثبوت الوکالة له فلیس حکما مجعولا من قبل الشرع فی حقّ المشروط له بل الملکیّة و العاریة و الوکالة أمور مجعولة فی حقّ کلّ أحد،غایة الأمر توقّفها علی حصول أسبابها الشرعیة،و المفروض أنّ الشرط أیضا سبب شرعی عند کون متعلّقه أمرا مشروعا.

نعم لو خصص الشارع سببه فی أمر خاص غیر الشرط مثل الطهارة الحدثیّة أو الخبثیّة فی الغسلتین و المسحتین أو الغسل و الغسل و مثل حلیة بضع المرأة الحرّة فی النکاح کان شرط حصوله بغیر ذلک السبب أیضا مخالفا للمشروع، و أمّا إذا کان نفس المسبب أمرا مشروعا و لا یحتاج فی التحقّق إلی سبب مخصوص إلاّ بخصوصیّة کونه سببا مجعولا شرعیا فنفس متعلّق الشرط أمر مشروع،و سببیّته للمتعلّق أیضا شرعی فاللازم تحقّق المتعلّق.

و علی هذا فنقول فی المقام لو کان مقصود المشترط عدم ثبوت الخیار فی هذا البیع رأسا فهو خلاف المشروع فإنّه ثبوته و إن کان المقصود سقوطه بعد الثبوت آنا ما،کان جائزا،لأنّ سقوط الخیار بعد الثبوت أمر فرغنا عن مشروعیّته و لهذا یسقط بالإسقاط.

و أمّا روایة مالک بن عطیّة فلا بدّ فیها من التصرّف علی کلّ حال،إمّا بأن یقال:إنّ المراد فیه من قوله:«بشرط أن لا یکون لک الخیار»مع ظهوره فی اشتراط عدم الثبوت هو اشتراط السقوط فیکون الاستدلال بقوله:«المسلمون عند

ص:48

شروطهم» (1)فی محلّه.

و إمّا من حمل هذه الفقرة علی ظاهرها من اشتراط عدم الثبوت و التصرّف فی الاستدلال بحمله علی الاستدلال المبنیّ علی التعبّد فإنّه من التمسّک بالعام فیما نقطع بانطباق عنوان المخصّص علیه،و لکنّ التمسّک من الإمام-علیه السلام- یکشف عن عدم کون هذا المورد مرادا من المخصّص هذا.

لا یقال:ما ذکرت من أنّ اشتراط السقوط بمعنی عدم الثبوت رأسا حتی بمقدار آن ما-کما هو محلّ الکلام ظاهرا فی المقام-شرط مخالف للشرع یمکن القول بعدم مخالفته بملاحظة أنّ جعل الخیار حیث یکون فی مقام الامتنان فلا یشمل ما إذا أقدم المتبایعان علی سقوطه،نظیر ما إذا أقدما علی البیع بأقلّ من القیمة،حیث تقولون بأنّه غیر مشمول لدلیل لا ضرر لأنّه فی مقام الامتنان،فلا یشمل صورة الإقدام.

لأنّا نقول:الفرق بین المقامین:انّ الإقدام هناک کان علی موضوع ضرریّ فیمکن عدم شمول حکم الشرع له،و أمّا هنا فالمقدم علیه نفس مجعول الشرع، یعنی أقدما علی عدم ثبوت حقّ أثبته الشارع.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-أجاب عن هذا الإشکال بما حاصله:أنّ قوله-علیه السلام-:«البیّعان بالخیار» (2)و إن کان له ظهور فی العلیّة التامّة،لکن المتبادر من إطلاقه صورة الخلو من الشرط،بمعنی أنّ ذات البیع فی حال عدم ملاحظة عنوان الشرط معه صار محکوما بالخیار،ففی مقام الفعلیّة یتوقّف علی عدم الشرط،فیکون ما لا یتخلّف عن الخیار هو العقد بشرط لا.

ص:49


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 353 ح 1 و 2 و 5.
2- 2) -المصدر نفسه:الباب 1،من أبواب الخیار،ص 346 ح 3.

و أمّا العقد من حیث هو فلا یمتنع شرعا تخلّفه عن الخیار فلا یکون اشتراط السقوط اشتراطا للمنافی هذا،مع أنّا لو سلّمنا ظهور الدلیل فی العلّیة التامّة لکن مقتضی الجمع بینه و بین دلیل الشرط حمله علی الاقتضاء دون تمام العلّة.

فإن قلت:فاللازم علی هذا أن لا یبقی شرط مخالف للکتاب و السنّة لأنّ جمیع العمومات المنافیة للشرط یجری فیها هذا الجمع بینها و بین دلیل الشرط.

قلت:قد علمنا بالنص و الإجماع أنّ الخیار حقّ مالیّ قابل للإسقاط و الإرث فلم یکن اشتراطه اشتراط المنافی (1)هذا.

قال شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاضاته الشریفة-:مضافا إلی ورود الإشکال علیه بما تقدّم منّا فی معنی تحلیل الحرام و تحریم الحلال-أنّه لو کان دلیل«البیّعان» إلی آخره کما ذکره،فاللازم عدم المشمولیّة و لو لم یکن للشرط حکم مجعول فی الشرع و لا یمکن الالتزام به.

و أمّا ما ذکره-قدّس سرّه-من أنّ ذلک مقتضی الجمع بینه و بین دلیل الشرط فورود الإشکال علیه بما نبّه هو-قدّس سرّه-علیه فی کلامه بقوله:إن قلت إلی آخره واضح و أمّا دفعه بقوله:علمنا بالنص و الإجماع إلی آخره فهو خروج عن المفروض من کون ذلک مقتضی الجمع بل یصیر الدلیل هو النصّ و الإجماع.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-عبّر عن الإشکال بالمخالفة لمقتضی العقد مع أنّه عنوان آخر غیر عنوان المخالفة للمشروع،و المقصود من الشرط المخالف لمقتضی العقد ما یلزم منه التناقض فی مقام الإنشاء،مثل البیع بشرط عدم الملکیّة أو عدم السلطنة،و لا یخفی عدم ارتباطه بالمقام.

الثانی:أنّ الشرط یجب الوفاء به إذا کان العقد المشروط فیه لازما

لأنّ

ص:50


1- 1) المکاسب:220.

المشروط فی ضمن العقد الجائز لا یزید حکمه علی أصل العقد بل هو کالوعد فلزوم الشرط یتوقّف علی لزوم العقد،فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

و الجواب:أنّه لا توقّف فی جانب لزوم الشرط علی لزوم العقد المشروط به فإنّ للزوم الشرط معنیین،أحدهما:لزومه التبعی الجائی من قبل دلیل لزوم العقد حیث إنّ الشرط کالجزء من أحد العوضین،فالملزم للمبادلة بین العوضین ملزم لما هو قید لهما أو لأحدهما،لعدم معقولیّة تعلّق اللزوم بالشیء دون ما هو کالجزء منه أو قیده.

و الثانی:لزومه الذی یأتی من قبل قوله-علیه السلام-:«المؤمنون عند شروطهم» (1)و لو فرض عدم ما یدلّ علی لزوم أصل العقد فالذی یتوقّف علی لزوم أصل العقد هو اللزوم بالمعنی الأوّل حیث فرضناه تبعا و أثرا للزوم العقد بل عینه، و أمّا اللزوم بالمعنی الثانی فهو لا یجامع مع جواز العقد فعلا الساری إلی مرتبة الشرط لما عرفت من عدم تعقّل عدم سرایة حکم العقد لزوما أو جوازا إلی الشرط المشتمل هو علیه،فإذا کان حکم العقد الفعلی الغیر المتغیّر حتّی بملاحظة حالة الشرط هو الجواز و المفروض صیرورته ساریا إلی الشرط،فلو کان حکم الشرط هو اللزوم،لزم اجتماع المتنافیین فی الأمر الواحد.

و حینئذ نقول فی المقام:البیع علّة تامّة لفعلیّة الخیار فی الآن المتّصل اللاحق به،و أمّا بالنسبة إلی الآن الثانی فحکمه أیضا و إن کان هو الخیار لکنّه بالنسبة إلی هذا الحکم اقتضائی قابل للتغییر و لهذا یقبل الاسقاط،فالحکم الاستقلالی الجائی بالعنوان الطاری أعنی الشرط لا ینافیه.

فإذا جاء حکم(ف بالشرط)و المفروض أنّ الشرط سقوط خیار البیع فی الآن

ص:51


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 353،ح 1 و 2 و 5.

الثانی فمعنی لزوم هذا الشرط عین لزوم العقد و یسری منه بالتبع-بالقاعدة العقلیّة المتقدّمة-حکم تبعیّ إلی الشرط أیضا بالجملة المانع هو تفکیک ما بین العقد المتبوع و الشرط التابع فی اللزوم و الجواز،فمتی لم یتحقّق هذا التفکیک فلا مانع عقلا و لا یلزم تحقّق اللزوم فی العقد سابقا علی تحقّقه فی الشرط قضیّة للتوقّف لما عرفت من منع التوقف.

فمقامنا أشبه شیء بباب اشتراط القدرة فی الأمر،فإنّه أیضا لیس بمعنی توقّف الأمر علی القدرة الخارجیة حتی لا یعقل تحقّقها بنفس الأمر للزوم الدور، بل الذی یحکم به العقل عدم اجتماع الأمر مع العجز حال العمل،فإذا لم یتحقّق هذا المعنی فلا مانع،بالجملة الباب باب التلازم لا التوقف.

فإن قلت:الآن الأوّل الذی اعترفت فیه بجواز العقد فعلیّا ینافی مع لزوم الشرط بالبیان المتقدّم.

قلت:لزوم الشرط لا یشمل ذلک الآن،فإنّ المفروض أنّ الشرط إنّما هو السقوط فی الآن الثانی،و مرجعه إلی أنّه لو انقضی الآن الأوّل علی العقد و خرج منه سالما بلا فسخ فسخه،کان فی الآن الثانی ساقط الخیار،فلیس فی دلیل لزوم الشرط أیضا تعرّض لهذا الآن حتّی ینافی مع جواز العقد.

الثالث:من الإشکالات أنّ هذا الشرط إسقاط لما لم یجب،

لأنّ حدوث الخیار بعد العقد،فشرط سقوطه حال العقد کشرطه قبله.

و الجواب:أنّه لا مانع من إسقاط ما لم یجب،کضمان ما لم یجب بل و بیع ما لم یجب عقلا بمعنی أنّه کما یعقل الإنشاء الجدّی لإسقاط أمر موجود حال الإنشاء -و کذا ضمان دین کذلک و بیع مال کذلک-کذا لا مانع عقلا من إنشاء الإسقاط

ص:52

لأمر یستحدث أو ضمان دین کذلک أو بیع مال کذلک ملاحظا فی الإنشاء ظرف تحقّق ذلک الأمر و الدین و المال،نظیر الإنشاء فی الجواب المشروط و الوصیّة و التدبیر و الوقف علی البطون و الإشکال العقلیّ المتوهّم هنا لیس زائدا علی ما توهّم فی تلک الأبواب و الجواب أیضا الجواب فبعد الفراغ عن الإمکان العقلی ینحصر المانع فی الشرع.

فنقول:المانع الشرعی إمّا هو الإجماع علی البطلان،و إمّا انصراف أدلّة صحّة هذه العناوین إلی صورة وجود المتعلّقات حال الإنشاء بإحدی الدعویین:

إمّا دعوی انصراف عنوان البیع و الضمان و الإسقاط إلی ما کان منها مطلقا فعلیا کما ادّعی ذلک فی مادّة الوجوب أیضا و أنّ إطلاق الواجب ینصرف إلی المطلق منه دون المشروط.

و إمّا دعوی أنّ المتعارف و المتداول من أهل العرف فی معاملاتهم إنّما هو الفعلی المطلق من هذه العناوین دون المعلّقة المشروطة،فبیع المال الذی سیحصلونه لیس متداولا عندهم و هکذا،فإطلاق الأدلّة ینصرف إلی المتعارف و لا یشمل النادر فیبقی ما ذکر من صورة التعلیق بلا دلیل علی الصحّة،فیکفیه حکم الأصل الأوّلی بالفساد و شیء من الوجهین غیر جار فی المقام.

أمّا الإجماع فواضح مع أنّه من الممکن استناد المجمعین إلی الوجه الثانی و معه لا اعتماد به،و أمّا الانصراف فممنوع بکلا وجهیه فی المقام،فإنّ غیر المتعارف إنّما هو إیقاع هذه العناوین علی ما یتأخّر حصوله زمانا عن زمان الإیقاع لا ما یکون تأخّره بمقدار الآن الذی لا یحویه الزمان فإنّ هذا من المتعارف بینهم،فإنّ شرط النتیجة متعارف بینهم مثل شرط عاریة المبیع عند البائع،و منه مورد روایة مالک بن عطیّة.

ص:53

ثمّ إنّ هذا الشرط یتصوّر علی وجوه:
الأوّل:ما تقدّم من اشتراط السقوط إمّا علی نحو ما ذکرنا من سقوطه بعد

ما ثبت آنا ما،و إمّا علی نحو ما استظهره شیخنا المرتضی

-قدّس سرّه الشریف- من کلام المشهور و هو عدم ثبوته من الأصل.

الثانی:اشتراط عدم الفسخ بأن یقول:(بعث بشرط أن لا أفسخ)

فلو خالف الشرط و فسخ احتمل فیه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-وجهین:عدم النفوذ و النفوذ،و شبّه المقام ببیع منذور التصدّق،ثمّ جعل الأوّل أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الشامل لما بعد الفسخ نظیر ما مرّ منه-قدّس سرّه-من التمسّک بأوفوا بالعقود لأصالة اللزوم بتقریب أنّه إذا وجب الوفاء حتّی بعد الفسخ بأن یجب علیه التسلیم بعنوان ملکیة الطرف هناک و کذا یجب علیه هنا ترتیب آثار عدم الفسخ من عدم إعادة العین من یده و المعاملة معه معاملة ماله حتّی بعد الفسخ،یکشف ذلک عن لغویّة الفسخ و فساده فی کلا المقامین (1).

و قد عرفت فیما تقدّم الإشکال فی هذا التمسّک و أنّه من باب التمسّک فی الشبهة الموضوعیّة،فإنّه إذا شککنا فی مؤثّریّة الفسخ و عدمها فمعنی ذلک شکّنا فی بقاء العقد و الشرط الموجود فی ضمنه المتقوّم به حدوثا و بقاء و قد کان حکم وجوب الوفاء مترتبا علی موضوع العقد و الشرط،نعم قبل الفسخ یشمل وجوب الوفاء لنفس الفسخ أیضا،بمعنی أنّه یصیر حراما لکونه خلاف الوفاء و لکن بعده مع الشک فی فساده فلا.

إذا عرفت ذلک فنقول:قد یقال بأنّ دلیل الشرط کدلیل النذر لا یفید سوی حکم تکلیفی متعلّق بالمشروط و المنذور،فلو کان متعلّق النذر و الشرط هو عدم

ص:54


1- 1) المکاسب:220

البیع مثلا فغایته المنع التکلیفی من البیع و هو لا یستلزم الفساد الوضعی،بل نقول فی خصوص المقام یستلزم صحّته حیث إنّه متعلّق بالمعنی المسبّبی أو هو الذی تعلّق به الجعل الشرطی أو النذری،فکما أنّه لو شرط البیع لا یستلزم وقوع المبادلة بلا حاجة إلی إنشائه کذلک شرط عدم البیع أیضا غیر مستلزم لعدم تحقّق المبادلة حتّی مع إنشائه.

هذا و یمکن أن یقال بالتفصیل بین ما إذا کان المقصود من اشتراط عدم الفسخ جعل عدم الحلّ بالمعنی المسبّبی للمشروط له،و بین ما إذا کان المقصود جعل عدم إنشاء هذا المعنی الذی هو السبب له،ففی الأوّل یبطل الفسخ،و فی الثانی یصحّ.

توضیح المقام:أنّ قوله-علیه السلام-:«المسلمون عند شروطهم» (1)مفید لحکم تکلیفی علی طبق ما جعله المتشارطان،فإن تعلّق جعلهما بالنتیجة مثل الملکیّة و السقوط کان الحکم التکلیفی راجعا إلی آثارها،لأنّ الوفاء بهذا الشرط ترتیب تلک الآثار و ینتزع منه حکم وضعی بثبوت النتیجة.

و إن کان متعلّقا بالفعل أفاد وجوبه أو بالترک فکذلک،و حیث إنّ مفاد (اللام)فی قوله:شرطت لک علی نفسی کذا،هو الاختصاص و السلطنة،ینتزع من هذا الحکم التکلیفی-بل و من الحکم التکلیفی الجائی من قبل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،حیث إنّ الشرط أیضا تابع للعقد-حکم وضعی هو ثبوت الحقّ للمشروط له علی المشروط علیه،و لهذا یستحقّ المطالبة و الإجبار و لو کان مجرّد الحکم لما کان له ذلک.

و حینئذ فإذا شرط عدم الفسخ المسبّبی تحقّق للمشروط له حقّ علی عدم

ص:55


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار ص 353 ح 1 و 2 و 5.

الحلّ و المفروض کون الخیار أیضا بمعنی ملک حل العقد،و لا تجتمع هاتان الملکیّتان فی أمر واحد شخصی فإنّ الملکیّة معناها الاستیلاء علی طرفی الوجود و العدم،و کما لا یمکن اجتماع نفس الوجود و العدم فی الأمر الواحد الشخصی کذلک لا یمکن الاستیلاء الفعلی المطلق لشخص علی وجود الأمر الواحد الشخصی و الاستیلاء المطلق الفعلی لشخص آخر أیضا علیه إمّا بوجوده ابتداء أو بعدمه کذلک،و بعد ثبوت التنافی بین هذین الحقّین لا محالة یذهب حقّ المشروط علیه و المفروض أنّ نفوذ الفسخ أیضا من آثار الحقّ فیرتفع بنفوذه أیضا.

فإن قلت:فإذا کان الشرط موجبا لذلک فلا قدرة للمشروط علیه علی الفسخ فکیف یتوجّه إلیه النهی عنه.

قلت:یمکن تصحیح النهی بنحوین.

أحدهما:کالنهی عن بیع الربا و بیع الخمر حیث إنّه منزّل علی المبادلة العرفیّة لا بقید العرفیّة بل علی نحو یشیر إلیه أهل العرف،فذاک المعنی الذی یقع فی أذهانهم بذاته وقع تحت النهی و الحرمة و الفساد،فکذلک هنا أیضا و إن کان لا مجال للفسخ و الحلّ الحقیقی و بنظر الشرع،و لکنّ الذی یراه العرف حلاًّ ممکن فیکون هو حراما و فاسدا،أو الشرط أو النذر مثلا متعلّق بهذا المعنی أیضا و إن صدرا من المتدیّن.

و الثانی:کالنهی عن الصلاة فی الحمام عند نذر ترکها حیث إنّ متعلّق النهی هو الصلاة الصحیحة لولا النهی النذری فهنا أیضا متعلّق النهی الفسخ الذی یکون کذلک لولا تعلّق النهی الشرعی و هو مقدور.

و من هنا نقول بثبوت الخیار للمشروط له لو خالف المشروط علیه و أتی بالفسخ بهذا المعنی فإنّه و إن لم یفت بذلک غرض عن المشروط له لفرض بقاء

ص:56

العقد بحاله إلاّ أنّ خیار تخلّف الشرط لا یدور مدار فوت الغرض،و لهذا لو شرط الخیاطة فلم یفعلها و اتفق وجود متبرّع بها لم یسقط الخیار بوجود المتبرّع مع حصول الغرض و هو الخیاطة،فاتعاب النفس لأجل إثبات فوت غرض علی تقدیر کما یظهر من شیخنا فی الفرع الآتی لم نفهم له وجها.

فإن قلت:فعلی هذا لو فسخ مرّة فقد تخلّف الشرط و عصی،فلو فسخ ثانیا فلا بدّ من صحّته،لسقوط الشرط بعصیان أمره.

قلت:هذا تابع لنظر الشارط،فإن جعل متعلّق الشرط عدم الفسخ بمعنی عدم هذه الحقیقة ما دام المجلس یکون المرّة الثانیة و الثالثة و هکذا کلّها تخلّفا، لانحلال الشرط إلی شروط،و لا تلازم بین عدم مصداق فی الخارج للفسخ إلاّ واحدا و بین لحاظ صرف الوجود و إن جعل المتعلّق عدمه باعتبار صرف الوجود أعنی عدم قلب عدمه الأزلی بأصل الوجود،فاللازم ما ذکرت من سقوط الخیار، و هذا التفصیل یجیء فی باب النذر أیضا عند تعلّقه بعدم الفعل.

و حاصل الکلام:أنّه بعد أنّ دلیل الشرط مفید لحقّ وضعیّ بالنسبة إلی ما شرط فلا بدّ من الفرق بین ما إذا کان ما شرط عدم نفس الفسخ المسبّبی و بین ما إذا کان عدم إنشائه.

فعلی الأوّل:-حیث لا یمکن اجتماع الحقّین فی موضوع واحد،فلا بدّ من ذهاب حقّ المشروط علیه بواسطة المزاحمة لحقّ المشروط له،و إذا ذهب یجیء الفساد.

و أمّا علی الثانی:فالإنشاء أمر خارجی مقدور للمشروط علیه و لا ینافی ثبوت حقّ المشروط له فیه مع القدرة الخارجیّة للمشروط علیه،فهو نظیر شرط عدم الأکل.

ص:57

و بالجملة یختلف مورد الحقّین،لأنّ المشروط علیه لیس له حقّ فی الإنشاء بل من أحکام حقّه فی المسبّب جواز إنشائه،و من هنا یظهر أنّه لو قلنا بأنّ الخیار ملک العقد بالإقرار و الإزالة کان الحال هکذا حتّی فی صورة شرط عدم الحلّ المسبّب،فإنّ مورد حق المشروط علیه هو العقد،و الحلّ و الإقرار موردان للحکم بالنسبة إلیه.

و الأوّل مورد حق المشروط له فلا یلزم الإشکال العقلی المتقدّم،و من هنا یظهر الحال فی شرط عدم البیع،و فی نذر التصدّق علی القول باشتماله علی نذر ضمنیّ بعدم البیع و قلنا بثبوت الحقّ للمنذور له فی متعلّق النذر،فإنّ البیع لیس موردا للحقّ بالنسبة إلی المالک و إنّما هو مورد الحکم،فلا یلزم إشکال عدم إمکان اجتماع الحقّین.

الثالث:اشتراط الإسقاط،

و لا یجیء هنا التقریب المتقدّم فی سابقه-بعدم نفوذ الفسخ-فإنّ الباب هنا باب التضاد و یمکن تعلّق الحقّین وضعا بالضدّین و إن لم یمکن التکلیف بهما،و لهذا یمکن رجحانهما بخلاف النقیضین،فلا یمکن کون زمام أمر أحدهما وضعا بید أحد و زمام الآخر بید غیره کذلک.

کما لا یمکن رجحان کلیهما،فکما أنّ رجحان أحد طرفی النقیضین یوجب لا محالة مرجوحیة الطرف الآخر،کذلک هنا أیضا کون زمام الأمر بید أحد الشخصین فی أحد طرفی النقیضین یوجب خروجه عن ید الشخص الآخر،و لا یمکن فی الآن الواحد وجود الزمام وضعا بیدهما معا.

و أمّا الضدّان:أعنی الإسقاط و الفسخ فلا مانع من ثبوت کلا الحقّین فی الآن الواحد متعلّقین بهما،و لیس کالتکلیف حتی یکون ممتنعا،ألا تری إمکان رجحان کلیهما.

ص:58

و بالجملة ثبوت الحقّ للمشروط له فی الإسقاط مسلّم و أمّا کونه موجبا لفساد الفسخ کما قوّاه شیخنا-أعلی اللّه مقامه-فلم نعرف وجهه.

بقی الکلام فی أنّ المشهور عدم تأثیر الشرط المذکور قبل العقد

من دون إشارة فی متن العقد إلی ما ذکر سابقا بقوله مثلا:«علی ما ذکر»فالمحکیّ عن شیخ الطائفة-قدّس سرّه-القول بتأثیره،و اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-عدم التأثیر،و لا بدّ أن یعلم أوّلا أنّ الإشکال هنا من وجوه ثلاثة لا بدّ من التمییز بینها و عدم الخلط.

الأوّل:أنّ هذا الشرط شرط ابتدائی فنتکلّم فیه من حیث نفسه و لو فرض الغفلة عنه حال العقد،و الکلام فیه مبنیّ علی صدق الشرط بحسب المادّة علی الشروط الابتدائیة و عدم قیام إجماع أیضا علی خروجها عن حکم الشرط.

الثانی:أنّ هذا الشرط إسقاط لما لم یجب و لو فرض کون الشرط عدم ثبوت الخیار لا سقوطه فإنّ عدم الثبوت أیضا لا بدّ له من اقتضاء الثبوت.

الثالث:أن نتکلّم فی فرض وجود الاشتراط قبل العقد و حضوره فی الذهن حال العقد و إیقاع العقد مبنیّا علیه بالإشارة النفسانیّة مع خلو الکلام عمّا یدلّ علی تقیید الإنشاء به،و هذا محلّ الکلام فی المقام.

و حاصل الکلام:أنّ ابتناء العقد علی المذکور قبله بحسب عالم الثبوت یمکن بنحوین:

الأوّل:أن یوقع العقد بعد الفراغة و استراحة النفس عن حصول الالتزام السابق بتخیّل کفایته و نفوذه،فهو فی حال إیقاع العقد ملتفت إلی الالتزام السابق و یکون العقد أیضا مبتنیا علیه بمعنی أنّه لولاه لما أقدم علی العقد،و لکن الإنشاء خال عن التقیید.

ص:59

و الثانی:أن یدرج الالتزام فی العقد فی عالم الإنشاء فینشیء التزامین أحدهما فی ضمن الآخر و الآخر مبنی علی الأوّل،هذا بحسب عالم الثبوت،و من المعلوم أنّ الذی یندرج فی موضوع الشرط هو الثانی،و الأوّل من قبیل الدواعی،و أمّا بحسب مقام الاستظهار فلا بدّ من وجود دالّ عرفی علی النحو الثانی،فلو فرض وجود العلم من الطرفین به مع عدم نصب قرینة دالّة عرفیّة کان فاسدا.

فالذی ینبغی التکلّم فیه هنا هو الکلام فی أنّ الاشتراط قبل العقد ثمّ إیقاع العقد بلا دالّ فعلیّ کالإشارة،و لا قولی هل هو بنفسه قرینة علی تقیید إنشاء العقد المتأخّر بذاک الالتزام-فیکون مغنیا عن قرینة أخری-أو أنّه أعم من ذلک و من النحو الآخر؟فلو فرض تحقّق النحو الثانی فی عالم الثبوت و العلم به أیضا من المتشارطین لم یکف،لعدم وجود الدال العرفیّ لا خارجا کما هو الفرض و لا من قبل هذه الهیئة الحاصلة من سبق الاشتراط علی العقد.

و الذی اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-هو الثانی،و هو الحقّ فإنّ مجرّد الذکر السابق بنفسه غیر مؤثّر فی اللزوم،لأنّه إمّا التزام شرعیّ ابتدائی،و إمّا وعد بالالتزام،فلیس محکوما علی کلّ حال بوجوب الوفاء،و العقد أیضا غیر ملزم له، لأنّه التزام مستقلّ لا یرتبط بالالتزام العقدی إلاّ بجعل المتکلّم و إلاّ فهو بنفسه لیس من متعلّقات الکلام العقدی مثل العوضین و قیودهما حتّی یقدّر شرطا منویا فیکون کالمحذوف النحوی بعد نصب القرینة.انتهی.

و حاصله الفرق بین سبق ذکر العوضین و ما یوصفان به مع عدم الذکر فی العقد حیث یقدّر فی الکلام بقرینة الذکر السابق فیکون کقول القائل:(مکّة)عند قولک له فی حال تهیئة السفر:(أین ترید)،فهنا أیضا إذا وصف شخص لک عبدا له فقال:إنّ لی عبدا کذا و کذا و کذا.فقلت له:بعنیه.فقال:بعتک.فقلت

ص:60

اشتریت.فحینئذ و إن لم یذکر شیء من نفس العبد و لا من أوصافه فی شیء من الإیجاب و القبول لکنّه من باب المحذوف النحوی مع نصب القرینة یکون مقدّرا فی الکلام و المقدّر کالمذکور.

و هذا بخلاف الحال فی مقامنا،فإنّ سبق الاشتراط لا یکون قرینة علی تقیید العقد اللاحق و موجبا لتقدیر الشرط فی الکلام کما هو الحال لو قال أحدهما لآخر:

تعال نتبایع بیعا مشروطا بسقوط خیاره،فقال آخر:نعم فشرعا فی ذکر الإیجاب و القبول و خلّیا الکلام عن ذکر الشرط،فإنّ الحال هنا کعدم ذکر العوضین فی المثال المتقدّم.

و أمّا إذا سبق العقد بنفس التزام سقوط الخیار ثمّ أوقعا العقد فلیس فی الکلام حینئذ ما یدلّ علی التقدیر،و کلام شیخنا محمول علی الأخیر کما أنّ کلامه فی العوضین و قیودهما محمول علی ما ذکرناه من المثال دون ما إذا ذکرا أوصاف المبیع قبل العقد ثمّ ذکرا نفس المبیع فی العقد خالیا عن الأوصاف و عن اللام العهدیّة،فإنّ الکلام فیه کعین الکلام فیما نحن فیه،فکلامه-قدّس سرّه-محمول علی صورة عدم ذکر الموصوف و الصفات معا.

فرع:ذکر العلاّمة-قدّس سرّه-فی التذکرة موردا لعدم جواز اشتراط نفی

خیار المجلس و غیره

فی متن العقد و هو:ما إذا نذر المولی أن یعتق عبده إذا باعه، بأن قال:للّه علیّ أن أعتقک إذا بعتک،قال:لو باعه بشرط نفی الخیار لم یصح البیع،لصحّة النذر فیجب الوفاء به و لا یتمّ برفع الخیار،و علی قول بعض علمائنا من صحّة البیع مع بطلان الشرط یلغو الشرط و یصحّ انتهی.

هذا مبنیّ علی کون النذر موجبا لتعلّق حقّ للمنذور له فی العین،و علی القول بأنّ التضاد و التنافی أیضا موجب لعدم إمکان تعلّق الحقّین بهما،إذ حینئذ لا

ص:61

یجتمع حقّ المنذور له فی العتق مع حقّ الناذر فی الفسخ المنافی له إذا فرض عدم إمکان التوسّل إلیه بسبب آخر غیر الفسخ کالإقالة و نحوها.

و أمّا وجه اختصاص المثال بنذر العتق علی تقدیر البیع دون العتق المطلق -مع أنّه أیضا علی القول المذکور مناف لنفوذ التصرفات-أنّ فی صورة النذر للعتق المطلق یکون المنافی له نفس البیع لوقوع العین بسببه عرضة للزوال و انقطاع سلطنة الناذر عنها بانقضاء مدّة الخیار و عدم الفسخ قبله،فخصّ الکلام بصورة نذر العتق بعد البیع فإنّ البیع حینئذ لا محالة لا یسقط عن الصحّة بواسطة النذر، لأنّه متأخّر عنه،و لا یعقل تأثیر المتأخّر فی المتقدّم فیتمحّض المنافاة فی الاشتراط.

فإن قلت:لا وجه للتفرقة بین البیع و الشرط،إذ عین ما ذکرت فی وجه عدم بطلان البیع من عدم منافاته لحقّ المنذور له لسبقه رتبة علیه جار فی جانب الشرط،فإنّ البیع و المبادلة إنّما تتحقّق بعد تمام الإیجاب و القبول،و المفروض کون الشرط فی ضمنهما،فالتقدّم الرتبی موجود فی الشرط أیضا فلا وجه لبطلانه و صحّة البیع،بل لا بدّ إمّا من بطلانهما أو صحّتهما.

قلت:ما جعله الناذر شرطا لنذره حقیقة البیع بمعناه العرفی أعنی ما وقع تحت حکم(أحلّ)من الشارع،و الفرض أیضا إمکان التفکیک بین حصول المبادلة مع وجود الالتزام الشرطی فی ضمنه و بین حصول ذلک الشرط و عدم الملازمة بین صحّتهما و فسادهما،و لا شبهة أیضا أنّ رتبة البیع متقدّم علی رتبة الالتزام الذی فی ضمنه،ضرورة تأخّر المتضمّن عن المتضمّن و المندرج عن المندرج فیه،فإنّ حقیقة الاشتراط لیس صرف التزام مقارن لالتزام آخر،بل أخذ فی حقیقته کونه بوصف الاندراج و الالتصاق بذلک الالتزام الآخر،و من المعلوم أنّ وجود الالتصاق متأخّر عن ذاتی الالتزامین و الشرط عبارة عن مجموع الالتزام

ص:62

و الالتصاق،فهو أیضا متأخّر عن نفس الالتزام،إذا ثبت ذلک فنقول:إذا تحقّق الالتزام البیعی فهو موجب لحصول أمور فی الرتبة المتأخّرة عنه.

الأوّل:حکم(أحلّ)من الشارع،و الثانی:تحقّق موضوع الاشتراط، و الثالث:فعلیّة حکم(ف بالنذر)حیث إنّه کان کنفس النذر مشروطا بالبیع و معلوم أنّ فعلیّة الشرط فی الخارج سبب لفعلیّة المشروط،و الرابع:فعلیّة حکم وضعیّ مستکشف من حکم(ف بالنذر)أعنی ثبوت حقّ المنذور له و تعلّقه برقبة المال،فإنّ هذا غیر متأخّر رتبة عن الحکم التکلیفی بالوفاء بالنذر بل مستکشف عنه،فالاستکشاف متأخّر و أمّا نفس المستکشف أعنی الحقّ فمتساو رتبة مع ذلک الحکم فقد تحصّل أنّ المانع عن نفوذ حکم الشارع بالوفاء بموضوع الاشتراط أعنی حق المنذور له متحقّق فی رتبة موضوع ذلک الحکم أعنی نفس الاشتراط، فلا یصل النوبة إلی مجیء ذلک الحکم،لأنّ القاعدة فی باب تزاحم الحقوق تأثیر ما کان منها أسبق مقتضیا.

لا یقال:کما تقولون فی الوجوبات المشروطة أنّه یتحقّق للإرادة بعد فعلیّة الشرط و تحقّقه خارجا مرتبة جدیدة ما کانت حاصلة قبل،و بهذا تصحّحون الترتیب فی الأصول بین الاستصحاب التقدیری و التنجیزی علی تفصیل مقرّر فی محلّه،کذلک الحال هنا فی نذر الناذر،فیحصل لموضوع النذر مع قطع النظر عن حکمه فعلیّة حادثة بعد البیع فیتأخّر حکمه عن هذه المرتبة و یتساوی مع رتبة حکم الشرط.

لأنّا نقول:نعم و لکن لیس لهذه الفعلیّة المستحدثة أثر بل وجودها و عدمها سیّان،بل الأثر لحدوث النذر التعلیقی،و لو فرض رجوع الناذر عن نذره قبل حصول الشرط.

ص:63

مسألة:و من المسقطات إسقاط هذا الخیار بعد العقد،

بل هذا هو المسقط الحقیقی،و لا خلاف ظاهرا علی ما حکاه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی سقوطه بالإسقاط و هذا هو العمدة فی دلیله و إلاّ ففیما استدلّ به علیه نظر.

فإنّه استدلّ شیخنا-قدّس سرّه-بفحوی ما سیجیء من النصّ الدالّ علی سقوط الخیار بالتصرّف معلّلا بأنّه«رضی منه بالبیع» (1)فإنّه إذا کان التصرّف لکاشفیّته النوعیّة عن الرضا مسقطا کان الإسقاط الذی هو کاشف صریح کذلک بطریق أولی.

و بفحوی تسلّط الناس علی أموالهم،فهم أولی بالتسلّط علی حقوقهم المتعلّقة بالأموال و لا معنی لتسلّطهم علی مثل هذه الحقوق الغیر القابلة للنقل إلاّ نفوذ تصرّفهم فیها بما یشمل الإسقاط.

أمّا النظر فی الاستدلال الأوّل:فلأنّه من الممکن الفرق بین التصرّف و بین الإسقاط فإنّه إذا کان الإنسان مخیّرا بین ردّ المال و إمساکه فاختار فی مقام العمل الثانی و رتّب علیه الأعمال الخارجیة من التصرّفات الکاشفة عن ذلک فرتّب الشارع علی هذا التصرّف الکاشف بأنّه موجب لزوال اختیار المتصرّف عن الشقّ الآخر من تخییره أعنی الردّ،فهذا لا یدلّ علی ملزمیّة مثل قول:أسقطت حق تخییری و اختیاری.

فإن قلت:هذا أیضا کالعمل یدلّ علی رضاه و التزامه بهذا الطرف من التخییر.

قلت:الفرق أنّ العمل واقع عن الرضی بالإمساک و الالتزام به و معلول له فیکون کاشفا عن سبق الرضی و الالتزام علیه کشفا نوعیا،و أمّا القائل:«أسقطت

ص:64


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار ص 351 ح 1.

حقّ خیاری»فإنّه ربّما لم یرتفع التردید و التزلزل عن نفسه و إنّما یرید رفعه و خروجه عن الاضطراب بنفس هذا القول و الإسقاط،فغایة ما یدلّ علیه هو الرضا و الالتزام المتأخّر و أمّا المتقدّم فلا دلالة نوعیّة فیه علیه،نعم یدلّ علی رضاه سابقا بحصول الرضی و الالتزام بالعنوان الثانوی لاحقا.

و أمّا النظر فی الاستدلال الثانی:فلأنّ المنساق من قضیّة«الناس مسلّطون علی أموالهم»هو التسلّط علی نقلها و التصرّف فیها بذاتها فإنّ البیع و الهبة و الصلح و سائر التصرّفات واردة علی ذات المال لا بوصف کونها مضافة إلی المالک بالإضافة الملکیّة.

و بالجملة التسلّط علی المضاف غیر التسلّط علی الإضافة،و لو فرض تسلّط المالک علی الإضافة أیضا بأن یکون قوله(أسقطته عن مالیّتی)مؤثّرا و نافذا،فهو یکون بدلیل آخر و لا یستفاد من دلیل السلطنة علی الأموال،و علی هذا فالتعدّی إلی الحقوق إنّما یفید إمکان تبدیل إضافته إلی الحقّ بإضافة أخری أو نقلها إلی الغیر مجانا،و أمّا إسقاط إضافته عنه فهو کإسقاط إضافته عن المال غیر مفهوم عن دلیل السلطنة لا منطوقا و لا فحوی.

إذا عرفت ذلک فالعمدة ما عرفت من عدم ظهور الخلاف و کون ذلک أمرا عرفیا ارتکازیا فکما أنّ أصل حقیّة الخیار لا مدرک له غیر العرفیة و الارتکاز فکذلک کونه قابلاً للإسقاط أیضا من الأمور العرفیّة،و بضمیمة عدم الردع یصیر حجّة شرعیّة و لعل القاعدة المسلّمة«لکلّ ذی حقّ إسقاط حقّه»أیضا مستفادة من هذا.

مسألة:لو قال أحدهما لصاحبه:«اختر»فهنا وجوه
اشارة

متصوّرة بحسب عالم الثبوت

ص:65

الأوّل:أن یکون غرضه من ذلک استکشاف الحال.

و الثانی:أن یکون الغرض جعل أمر خیار نفسه مفوّضا إلیه و یکون هو بمنزلة عقله فیختار ما یراه صلاحا له.

و الثالث:أن یرید نقل الحقّ إلیه و لیس هذا إنشاء لأمر حاصل علی ما مرّ فی اشتراط الخیار فی العقود الجائزة،فإنّه بخیار نفسه و حده و إن کان یمکنه فسخ العقد رأسا لکن لم یمکنه الإمضاء کذلک بحیث لم یقبل الانفساخ بعده کما کان یقدر علیه ذو الخیار الواحد و یحصل له ذلک بعد هذا النقل،فالإنشاء لیس إنشاء لأمر حاصل حتی لا یمکن الجدّ إلیه.

الرابع:أن یرید تملیک أمر الخیار إیّاه بأن یکون هو وحده صاحب اختیار العقد لا بشرکة غیره و هذا بأن یسقط هو حقّه فیکون تعبیرا عن الإسقاط بلازمه.

ففی الفرض الأوّل:لا وجه للسقوط مطلقا،و فی الثانی:حاله حال الوکیل فی أنّه لو أمضی ینفذ من ناحیة نفسه قطعا و من ناحیة الآمر أیضا إلاّ أن یقیّده بکونه من ناحیة نفسه أو من ناحیة الآمر و لو سکت فخیار الآمر بحاله.

و فی الثالث:حیث إنّ النقل غیر مؤثّر شرعا،فالخیار باق مطلقا کالفرض الأوّل،و إنشاء النقل لیس دالاّ علی الرضی بالبیع حتّی یشمله النصّ المتقدّم إلیه الإشارة،نعم لو علم من حال صاحبه أنّه یختار الرضی کان دالاّ،هذا و لو فرض تمامیّة ذلک فی الإسقاط فإنّه لم یسقط حقّه و إنّما أبقاه و نقله إلی صاحبه.

و فی الرابع:یکون ساقطا مطلقا کما هو واضح،هذا بحسب الثبوت و أمّا بحسب الإثبات فلا یبعد دعوی ظهور الکلمة فی الوجه الأخیر،و علی هذا یحمل ما فی بعض الروایات،أنّهما بالخیار ما لم یفترقا أو یقول أحدهما لصاحبه:اختر،و أمّا

ص:66

حمله علی مطلق التلفّظ بهذه اللفظة بأیّ وجه من الوجوه المذکورة کان فبعید،بل لو فرض الإجمال فی عرفنا و احتملنا کونه فی العرف السابق ظاهرا فی الوجه الأخیر لسقط الروایة عن صحّة التمسّک أیضا.

ثمّ إنّ ثبوت الخیار للمتعدّد یتصوّر علی وجوه:

الأوّل:أن یکون کلّ واحد کذی خیار واحد،فکما أنّه فی صورة وحدة ذی الخیار یکون له الفسخ و له الإمضاء،فیلزم العقد إمّا لأنّ الإمضاء کالفسخ بنفسه طرف الخیار و إمّا لأنّه إسقاط للحقّ،کذلک کان لکلّ من الاثنین أیضا الفسخ و کان له الإمضاء بحیث لا یقبل الانفساخ بعده و لو بفسخ صاحبه.

الثانی:أن یکون لکلّ من الاثنین الفسخ و الإمضاء من ناحیته بأحد المعنیین،إمّا إلزام العقد و إبرامه من ناحیته و إمّا إسقاط الحق کذلک.

الثالث:أن یکون هنا حقّ واحد قائم بالاثنین فلا ینفذ فسخ أحدهما و لا إمضاؤه بل المؤثّر فسخ المجموع و إمضاؤه.

ففی الفرض الأوّل:لا کلام مع الاتّفاق فی الاختیار،و أمّا مع الاختلاف -بأن اختار أحدهما الإمضاء و الآخر الفسخ-فإن کان أحدهما أسبق من الآخر فاللازم تأثیر المقدّم و لغویة المؤخّر،و إن کانا متقارنین فاللازم لغویّة کلیهما عن التأثیر و بقاء العقد بحاله من الجواز.

و فی الفرض الثانی:لا تعارض بین الفسخ من أحدهما و الإمضاء من الآخر أصلا،إذ الفرض أنّ الإمضاء لا یفید إلاّ إعمال الحقّ أو إسقاطه من ناحیة الممضی فقط مع بقاء حقّ الآخر بحاله،فالحکم بالانفساخ لیس تقدیما للفسخ علی الإجازة إذ هو فرع التعارض.

ص:67

و فی الأخیر:یسقط کلا الأمرین عن التأثیر مطلقا،لعدم استقلال أحد الشخصین بالأمر حسب الفرض هذا بحسب مقام الثبوت.

و أمّا إثبات أنّ مقامنا أعنی خیار البیّعین من أیّ من الأقسام:یمکن دعوی القطع بعدم کونه من قبیل الأخیر إذ لا اختصاص له بحال المجلس بل هو ثابت بعده أیضا لإمکان التقایل،فیدور الأمر بین أحد الأولین و یمکن إثبات الثانی منهما بأمرین:

الأوّل:إطلاق الخیار المستفاد من قوله-علیه السلام-:«البیّعان بالخیار ما لم یفترقا» (1)لصورة إمضاء أحدهما.

لا یقال:فیلزم ثبوت الإطلاق لصورة فسخه أیضا لأنّا نقول:خروجه من باب ارتفاع الموضوع أعنی العقد،حیث إنّ الفسخ لا یمکن اختصاصه بطرف واحد،و علی فرض عدم الإطلاق قضیّة الاستصحاب ثبوت الخیار لکلّ بعد إمضاء الآخر.

الثانی:قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فلمّا استوجبتها قمت فمشیت خطا لیجب البیع حین افترقنا» (2)فإنّه لو کان الخیار علی الوجه الأوّل لما اختار -علیه السلام-المشی بالخطی،بل کان یقول:قد أمضیت البیع،فاختیار المشی لحصول الوجوب دالّ علی حصر الموجب فیه و علی هذا فلا یفرض التعارض بین الفسخ و الإجازة فی مسألتنا.

نعم یفرض فی الولیّین و الوکیل و الأصیل،حیث إنّ إمضاء کلّ إلزام للعقد و موجب لسقوط حقّ الآخر،و کذا الورثة إن قلنا بأنّ خیارهم أیضا من هذا القبیل

ص:68


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346،ح 1 و 2 و 3 و 4.
2- 2) المصدر نفسه:ص 348،ح 2 و 3 و 4.

بأن یقوم کلّ واحد منزلة مورّثه.

و کذا یفرض فی تصرّف ذی الخیار فی العوضین دفعة واحدة،کما لو باع عبدا بجاریة ثمّ أعتقهما جمیعا،حیث إنّ إعتاق العبد فسخ و إعتاق الجاریة إجازة و قد عرفت حال التعارض فی مثل الولیّین و الوکیل و الأصیل.

و أمّا حاله فی الفرض الأخیر فمجمل الکلام فیه:أنّا إمّا أن نقول:بسببیّة التصرّف للإمضاء و الفسخ،و إمّا أن نقول:بکاشفیّتهما عن الرضی السابق علیهما بأحد الأمرین،فإن قیل بالأوّل فاللازم سقوطهما عن التأثیر فیکون ملک المتصرّف للجاریة محفوظا فی رتبة إعتاقه فیقع العتق صحیحا،لأنّه أنشأ إنشاء جدّیا لعتق الجاریة فی ملکه فیقع صحیحا،و حیث إنّ المفروض کون کلّ تصرّف موضوعا مستقلاّ لإلزام العقد فی عرض الإمضاء،نظیر التقبیل و الوطی للزوجة المطلّقة الرجعیّة بناء علی الاحتمال الذی قوّاه شیخنا الأستاذ فیه من کونه بنفسه رجوعا لا من باب کشفه عن الرجوع،فاللازم فی المقام لزوم العقد بواسطة هذا التصرّف العتقی المسبّبی.

و بالجملة:بعد تساقط التصرّفین الإنشائیین عن الأثر بواسطة المعارضة یبقی هذا التصرّف المسبّبی فی جانب الإمضاء مؤثّرا لسلامته عن المعارض.

هذا علی القول بالسببیّة،و لا ینافیه قوله-علیه السلام-فی بعض الأخبار:

«فذلک رضی منه بالبیع» (1)بل الجمع بینه و بین سائر الأخبار یقتضی الحمل علی أنّ هذا التصرّف بنفسه حکمه حکم الرضی،فمفاد الکلام هو التنزیل و یؤیّده حمل الرضی علی نفس التصرّف،و لو کان المعتبر هو الکشف لکان حقّ العبارة أن یقول:هو دالّ علی الرضی.

ص:69


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

و أمّا بناء علی الکاشفیة،فلا إشکال فی تحقّق الإنشاء الجدّی لکلّ من العتقین،و أصالة الظهور فی کلیهما جاریة،لإمکان اجتماعهما،کیف و إنشاء العتق فی مال الغیر جدّا متمشّ و لهذا قلنا بتمشّی الجدّ فی الفضولی،نعم لازم کلّ من الجدّین عرفا لا یجامع مع لازم الآخر کذلک،فإنّ اللازم العرفی المکشوف عنه بالجدّ فی عتق الجاریة هو الرضی باللزوم و اللازم العرفی فی الجانب الآخر هو الرضی بالانفساخ،و لا یمکن اجتماع الرضائین فی نفس واحدة فی زمان واحد، فیتحقّق التعارض بین الظهورین،و قاعدة تعارض الطریقین هو التساقط فی المفاد المطابقی و الأخذ بهما فی نفی الثالث،فلا بدّ فی المقام من الحکم بثبوت أحد الرضاءین و عدم الحکم بخصوص أحدهما فلا یمکن الحکم ببقاء العقد علی حاله الأوّلی من الجواز بل الخیار ساقط إمّا بالإمضاء أو بالفسخ.

و أمّا حال العتق فأصالة الصحّة مقتضیة للصحّة فی کلّ منهما،و کذلک استصحاب بقاء الملک إلی حین العتق فی جانب عتق الجاریة مقتض للصحّة فیه، فإن قلنا بجریان الاستصحاب فی مورد موافقته مع أصل الصحّة و حکومته علی أصل الصحّة فالأصل الجاری فی جانب الجاریة هو الاستصحاب،و یعارضه أصالة الصحّة فی الجانب الآخر فیتساقطان،فنرجع إلی أصل الصحّة فی جانب الجاریة الذی هو الأصل المحکوم.

و إن قلنا بأنّ الاستصحاب غیر جار فی مورد أصل الصحّة و لو مع الموافقة فیتعارض أصل الصحّة فی کلّ جانب بمثله فی الجانب الآخر فنرجع إلی الاستصحاب فی جانب الجاریة،و علی کلّ حال یکون عتق الجاریة محکوما بالصحّة.

مسألة:من جملة مسقطات هذا الخیار افتراق المتبایعین،
اشارة

و تسمیته مسقطا

ص:70

مسامحة إذ لا سقوط فی الحقیقة بل الانعدام بتمام المقتضی و لا إشکال فی أصل انعدام الخیار به،و معنی حدوث افتراقهما مع کونهما متفرّقین بالبدن حدوث الافتراق بملاحظة الحالة الاجتماعیة الحاصلة حال العقد،فإنّ الشیئین إذا تلاصقا جسما لا یعتبر فی نسبة الافتراق إلیهما إلاّ رفع التلاصق الذی هو حاقّ معنی الافتراق و لا نحتاج إلی لحاظ أمر زائد.

و أمّا إذا کانا جسما متفرّقین غیر مجتمعین،فنسبة الافتراق لا بدّ فیها من ملاحظة،أمّا ملاحظة أصل الوجود فی العالم بأن انمحی وجود أحدهما،و إمّا الوجود فی مملکة خاصّة فیعتبر انتقال أحدهما إلی مملکة أخری،و إمّا الوجود فی بلد خاص،و إمّا فی محلّة خاصّة،و إمّا فی مجلس خاص،و إمّا من هیئة خاصّة، فیعتبر افتراق أحدهما من تلک الهیئة و لو لم یخرج عن المجلس،مثلا إذا کان بینهما بعد ذراع،فتفرّقهما عن هذه الهیئة عبارة عن انتقال أحدهما من مکانه إلی حدّ ذراع و ربع ذراع أو نصف ذراع أو ذراعین،کما أنّ الجسمین المتلاصقین یفترقان بانفصال أحدهما و لو بمقدار خط دقیق.

و هذا معنی قول شیخنا-قدّس سرّه-:فإذا حصل الافتراق الإضافی و لو بمسمّاه ارتفع الخیار،فلو فرض انتقال أحد الجالسین علی حدّ الذراع عن محلّه إلی حدّ ذراع و عشر شبر کفی فی صدق الافتراق فإنّ البعد الذراعی قد ازداد بعشر شبر،و لیس مراده-قدّس سرّه-بالإضافی ما یطلق فی مقابل الحقیقی کما إذا کان الشخص فاسقا بقول مطلق فیقال هذا عادل بالإضافة إلی فلان و أشیر إلی من هو أفسق منه،فإنّه قد عرفت أنّ الافتراق فی مقامنا علی وجه الحقیقة و الإطلاق.

هذا و لکن تنظّر شیخنا الأستاذ-دام بقاه-فی تعمیمه-قدّس سرّه- الافتراق الواقع غایة لکلّ مورد یصدق مسمّاه العرفی،بأنّه و إن کان کذلک

ص:71

و صادقا علی أقلّ من الخطوة کما عرفت و لکن یمکن دعوی انصرافه الإطلاقی إلی مقدار معتدّ به نظیر انصراف لفظ الإنسان عن الفرد ذی الرأسین مع کونه مصداقا عرفیا.

و علی فرض تسلیم عدم الانصراف،فلا قصور فی الروایة المذکورة فی کلامه -أعنی قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فلمّا استوجبتها قمت فمشیت خطا لیجب البیع حین افترقنا» (1)-من حیث الدلالة علی اعتبار الزیادة علی مقدار الخطوة بخطوة أخری فإنّه طبّق الافتراق علی المشی خطا و جعل وجوب البیع علّة غائیّة له،و لو کان الخطوة أو الأقلّ کافیا فی صدق الافتراق و حصول الغایة لکان الزائد لغوا،و لیس الأقلّ و الأکثر هنا فی الفرد مع صدق الطبیعة علی الأقلّ فإنّ ذلک فی الدفعیّین لا فی مثل المقام ممّا یوجد الأقلّ و الأکثر تدریجیّین.

ثمّ إنّه لا شبهة فی صدق الافتراق منسوبا إلی کلیهما بحرکة أحدهما عن مکانه و بقاء الآخر فی محلّه و عدم مصاحبته إیّاه فی الحرکة و لا یعتبر حرکة کلّ إلی خلاف جانب الآخر.

نعم نسبة الفعل فی الصورة الأولی إلی المتحرّک و الساکن لیست علی نهج واحد،بل الفاعلیّة مختصّة بالمتحرّک و إن کان لاختیار الساکن أیضا مدخلیّة و لکن مجرّد ذلک لا یشرکه فی فاعلیّة الفعل،و اختیاره هنا نظیر اختیار السامع فی صدق عنوان الإعلام علی المتکلّم،فإنّه لو لم یصغ لم یتحقّق عنوان الإعلام،فلاختیاره مدخلیّة فی صدقه و لکن الفاعل إنّما هو المتکلّم لا هو و السامع.

و فی مقامنا التلبّس بمادّة الافتراق و إن کان مشترکا بینهما حیث لا یمکن

ص:72


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار ص 348،ح 3.

حصوله من جانب دون آخر کالمقابلة و البعد و أمثالهما و لکن إیجاد هذا المعنی النسبیّ لا یضاف إلاّ إلی المتحرّک و لو کانا معا مختارین فی أصل حصوله و وجوده هذا.

و لکن شیخنا العلاّمة المرتضی-قدّس سرّه-ذهب فی هذا المقام إلی أنّ الافتراق ذاته من المتحرّک و وصفه من الساکن،کما أنّ ذات الإعلام من المتکلّم و وصف إعلامیّته من السامع،و لکن هذا المقدار یکفی فی صدق افتراقهما و لا یلزم حصول الذات المتّصفة بالافتراقیّة من کلیهما،ثمّ استشهد فی کفایة هذا المقدار للصدق العرفیّ بقوله-علیه السلام-فیما تقدّم:«فمشیت خطا لیجب البیع حین افترقنا» (1)حیث إنّه أثبت الافتراق لکلا الطرفین بمشیه-علیه السلام-فقط.

مسألة:المعروف أنّه لا اعتبار بالافتراق عن إکراه

إذا منع عن التخایر أیضا،سواء بلغ حد سلب الاختیار أم لا،لأصالة بقاء الخیار بعد تبادر الاختیار من الفعل المسند إلی الفاعل المختار مضافا إلی حدیث رفع ما استکرهوا علیه.

قال شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاضاته الشریفة-:لیس مطلق الفعل المسند إلی الفاعل المختار کذلک بل المواد التی یوجد فی مفهومها الخروج عن قوّة الفاعل مثل الضرب و الکسر حالها کذلک،فالکسر حال النوم،و إن خرج عن قوّة النائم،لکن لا باختیاره و شعوره هو خلاف منصرفه،و أمّا المواد التی لم یوجد ذلک فی مفهومها فلیست هکذا،کما یقال:طهر زید،و لیس المتبادر أنّه طهّر نفسه،و الافتراق لا یبعد کونه من هذا القبیل.و علی هذا یتّضح الحال فی هذا الفرع و الفرعین الآتیین إذ الحکم فی الجمیع هو السقوط عن کلا الطرفین لحصول الغایة.

و أمّا قوله-علیه السلام-فی صحیحة الفضیل:«فإذا افترقا فلا خیار بعد الرضا

ص:73


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار ص 348،ح 3.

منهما» (1)فلا یصلح لتقیید الافتراق بوقوعه عن الرضی منهما،لأنّه لما لم یکن العمل علی طبقه-لأنّ المسلّم سقوط الخیار فیما إذا نام أحدهما و خرج الآخر- فلا بدّ من حمله علی معنی آخر.

و أمّا ما ادّعاه شیخنا-قدّس سرّه-من تبادر الافتراق إلی ما کان عن الرضی من أحدهما ففیه أوّلا:أنّه لا سند لهذا التبادر.و ثانیا:لا یتحقّق النشوء فی الفرع الوسط،أعنی:ما إذا جلس أحدهما بالاختیار و خرج الآخر بالکره،فإنّه علی مذاق شیخنا القائل بأنّ ذات الافتراق من المتحرّک و وصفه من الساکن لم ینشأ الافتراق عن رضی الجالس و إن کان لجلوسه مدخل فی الاتّصاف بالافتراقیّة،إلاّ أن یدّعی أنّ المتبادر هو الافتراق و الرضی المتقارنان و لو کان الافتراق من أحدهما و الرضی من الآخر و هو کما تری.

بل اللائق بهذا المذاق أن یقال:إنّه لما لم یتحقّق الافتراق الناشئ عن الرضی فالخیار ثابت لهما کما قلنا،نعم فی الفرع الأخیر أعنی ما إذا خرج أحدهما بالاختیار و جلس الآخر بالکره تمّ ما ذکره من السقوط عن الکلّ.

و أمّا حدیث الرفع،فالظاهر عدم شموله للمقام،و اختصاصه بما إذا ترتّب الأثر وضعا أو مؤاخذة علی العناوین القصدیّة کما فی عنوان المعصیة و العقد،و الشاهد علی هذا أنّه لا یساعد الوجدان علی أنّه لو أکره إنسان إنسانا علی وضع الید علی النجاسة یکون هذا خارجا من باب التخصیص،و کذا لو أکرهه علی النوم.و لیس حصول النجاسة فی الأوّل و الحدث فی الثانی خروجا عن الحدیث بالتخصیص بواسطة الإجماع،مع أنّه علی فرض الشمول لا بدّ من

ص:74


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346،ح 3.

التفصیل بین ما إذا عزم علی الفسخ،و بین ما إذا عزم علی الإمضاء،و بین ما إذا تردّد بین الأمرین.

ففی الأخیر:لا بدّ من عدم السقوط و لو لم یمنع من التخایر،لأنّه أکرهه علی أمر و هو التفرّق،و النتیجة و هو اللزوم مبغوضة له و لیس له مندوحة،إذ الفرض أنّه مردّد لا یعلم أنّ أیّا من الفسخ و الإمضاء صلاح بحاله.

و فی الثانی:لا بدّ من السقوط و إن منع من التخایر،فإنّ النتیجة و هو اللزوم غیر مبغوضة له،و صدق الإکراه فرع کون النتیجة المترتّبة علی الفعل المکره علیه مبغوضة للمکره-بالفتح-و لا یکفی کون التفرّق من جهة أخری مبغوضا کبرودة الهواء و نحوها،فإنّه لا منّة فی رفع الأثر فی مثل هذا.

و فی الأوّل لا بدّ من التفصیل بین المنع عن التخایر و عدمه،فمع المنع یسقط لمبغوضیّة النتیجة و عدم المندوحة و مع العدم لا یسقط لثبوت المندوحة و هو الفسخ فلا منّة فی الرفع.

ثمّ لو قلنا بما أفاده-قدّس سرّه-بتقریب أن یقال:إنّ المتبادر من قولنا المتبایعان بعد وقوع الفرقة فیما بینهما لا خیار لهما،یتبادر منه أنّهما حال وقوع التفرقة راضیان غیر متخیّلین للفسخ و إنّما یحدث ذلک بعد وقوع الفرقة،فکأنّه قیل وقوع الفرقة مع الرضی مسقط للخیار.

و حینئذ لو کنّا و هذه العبارة لحکمنا أنّ المقام من قبیل تقابل الجمع بالجمع کما هو الحال فی نظائره،أعنی أنّ الفرقة مع الرضی فی حقّ کلّ مسقط لخیاره،فلو افترق أحدهما و بقی الآخر فالافتراق مع الرضا إنّما حدث من الأوّل دون الثانی فلا بدّ من سقوط خیاره دون الثانی،و لکن بعد ما فهمنا من الروایة الحاکیة لمشی الإمام-علیه السلام-و تسلّم کفایة الرضی من أحدهما من تسلّمهم سقوط خیار

ص:75

الطرفین فی صورة موت أحدهما و خروج الآخر اختیارا،فلا بدّ من التفصیل بین من یتحرّک و من یسکن،فالأوّل حسب ما ذکره-قدّس سرّه-متحقّق فی حقّه الفرقة الناشئة عن الرضی بخلاف الثانی،فإنّ الفرقة و إن کانت نسبتها إلیهما علی السواء و لکن النشوء لم یتحقّق فی حقّ الثانی فلا بدّ من التفصیل بین الفرعین،أعنی ما إذا کان المکره علیه الممنوع عن التخایر هو الجالس أو المتحرّک،بالسقوط فی الأوّل، لأنّ المتحرّک مختار،و بالثبوت فی الثانی،لأنّ الجالس و إن کان مختارا لکن لم یتحقّق فی حقّه النشوء فتأمّل فی أطراف کلامه-قدّس سرّه-لعلّک تعرف حقیقة مرامه.

مسألة:لو زال الإکراه فالمحکیّ عن الشیخ و جماعة امتداد الخیار بامتداد
اشارة

مجلس الزوال،

و قد وجّه شیخنا الأستاذ-دام علاه-هذا القول بأن یقال:إنّ الغایة حقیقة الافتراق عن أیّ اجتماع کان،و لیس الملحوظ منه فرد خاص،أعنی خصوص ما کان عن الهیئة الاجتماعیّة حال البیع.

و حینئذ فإذا سقط الافتراق الأوّل الذی هو ما کان عن اجتماع حال البیع عن التأثیر و صار بمنزلة العدم،فالحکم معلّق علی عدم مجیئ فرد آخر من حقیقة الافتراق و هو منحصر فیما کان عن هیئة اجتماع حال الزوال.

هذا و لکنّه کما عرفت مبنیّ علی عدم فهم الخصوصیّة من الخبر،و الحقّ أنّها مفهومة کما عرفت فیما تقدّم أیضا.

و حینئذ قد یقال کما فی بیع المکره إذا زال الإکراه و لحق الرضی،بأنّه یسقط من هذا الحین الخیار بالدلیل،فإنّ المسقط کان هو الافتراق و قد حصل و الرضی و هو حاصل فی هذا الحال فقد تمّ کلا جزأی السبب.

و فیه:أنّ المؤثر حدوث الافتراق عن الرضی و لا یکفی اقتران بقائه بالرضی، فإنّ الظاهر من قولک:افترق و هو راض،أنّه حدث منه الافتراق فی حال الرضی،

ص:76

و علی هذا فالذی ینبغی أن یقال:هو أنّ الخیار باق لعدم حصول الغایة و هو الافتراق المقیّد بالرضی فیکون ما بعد الزوال کما قبله داخلا فی النصّ و محکوما بالخیار بالدلیل و لا نحتاج فی إثباته عند احتمال وجود رافع إلی الاستصحاب کما یظهر من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه.

هذا و یمکن أن یقال کما تقدّم:إنّ الغایة،أعنی:حتّی یفترق،مضیّقة للمغیّی و مخصّصة له بالمورد القابل،فلا یشمل الصدر صورة وحدة البیّعین و کذا المفترقان من الابتداء،و علی هذا فبعد حصول الفرقة یخرج المورد عن القابلیّة للافتراق عن مجلس العقد و قد فرضنا أنّ حکم النصّ فی موضع یقبل لأن یقال فی حقّه:حتّی یفترق.

و هذا نظیر أن یقال:البیّعان بالخیار ما لم یجئ زید،فمات زید،فإنّ حالة موت زید مسکوت عنه فی الدلیل إثباتا و نفیا،و حینئذ فنحتاج فی أصل إثبات الخیار من أوّل زمان الفرقة الإکراهیّة إلی الرجوع إلی الأصل من عموم أَوْفُوا علی تقدیر تمامیّته،و إلاّ فإلی استصحاب بقاء الخیار لا أنّه فی أصل ثبوته یکفینا النصّ،و فی بقائه فی مقابل احتمال غایة أخری نرجع إلی الاستصحاب کما یظهر من شیخنا-قدّس سرّه.

فقد تلخّص:أنّا إمّا أن نقول باعتبار المحلّ القابل و إمّا لا،فعلی الأوّل:

یکون النصّ ساکتا عن أصل الثبوت أیضا لا عن خصوص الارتفاع بعد الثبوت، و علی الثانی:یکون متکفّلا للثبوت و البقاء أیضا،فالتفکیک لا یتمشّی علی أیّ تقدیر.

هذا علی تقدیر القول باعتبار قید الاختیار و الرضی من باب التبادر و نحوه غیر دلیل الإکراه،و أمّا علی تقدیر القول بأنّ المستند فیه دلیل رفع الإکراه فأوّلا

ص:77

یمکن القول بعد الغضّ عن الوجه المتقدّم من اختصاصه بالعناوین القصدیّة بأنّه غیر شامل للمقام،لأنّه مخصوص بمقام کان له مع قطع النظر عن الرفع أثر شرعیّ،فیکون الحدیث رافعا لذلک الأثر،و الافتراق لیس له أثر شرعیّ،لأنّ حاله حال اللیل فی قولک:صم إلی اللیل،فإنّ الموضوع للأثر هو النهار لا اللیل،و بعد الغض عن ذلک یمکن أن یقال:حیث إنّ سوقه للامتنان فلا بدّ من ثبوت الخیار عند الفرقة الإکراهیّة بل بعد زوال الإکراه بمقدار یسع الفسخ و مقدّماته و بعد هذا المقدار فالمرجع إمّا العموم و إمّا استصحاب الخیار.

فعلم أنّ ما قاله شیخنا-طاب ثراه-یتمّ علی هذا مع أنّه-قدّس سرّه-لم یستند فی اعتبار القید المذکور إلی حدیث الرفع،هذا.

فروع:
الأوّل:لو اتّفقا علی الافتراق و اختلفا فی کونه علی وجه الإکراه أو

الاختیار،

فإن قیل باعتبار قید الاختیار من جهة الانصراف فالأصل مع من یدّعی کونه علی وجه الإکراه لأصالة عدم تحقّق المقیّد،أعنی الافتراق الاختیاری.و إن قیل به من جهة حدیث الرفع فجریان أصالة عدم تحقّق الإکراه و عدمه مبنیّان علی أنّ لسان دلیل رفع الإکراه،کیف اعتبر المرفوع،فهل اعتبر الأفعال المفروغ عن وجوداتها إذا وقعت عن إکراه فرفع الحکم عنها؟أو أنّه اعتبر نفس عنوان الإکراه و علّق علیه الرفع.

فعلی الثانی:استصحاب عدمه الأزلی جار،و علی الأوّل:یکون مثبتا لعدم الحالة السابقة فی الافتراق المفروض الوجود،و العدم الأزلی لا ینفع بحال الموجود بالفعل،و علی هذا فیتعارض استصحاب عدم تحقّق تمام القضیّة المشتملة علی الافتراق المفروض المحکوم فیها بعدم الإکراه مع استصحاب عدم تحقّق القضیّة الموجبة،فیکون المرجع هو العموم أو استصحاب الخیار علی الخلاف.

ص:78

الثانی:لو اختلفا بعد الافتراق و إنشاء الفسخ فی المتقدّم منهما و المتأخّر،

فإن کان الأثر مرتّبا علی المقیّد فی الجانبین،أعنی علی الفسخ المقیّد بما قبل الافتراق و علی الافتراق المقیّد بما قبل الفسخ،فأصلا عدمهما متعارضان،فنرجع إلی استصحاب الملکیّة.

و إن کان الأثر لکلّ فی حال عدم وجود الآخر،فلا بدّ من التفصیل بین صورة معلومیّة تاریخ أحدهما و مجهولیة التأریخین،ففی الأولی:نستصحب عدم مجهول التأریخ إلی التأریخ المعلوم للآخر و نرتّب أثره،و فی الثانیة:نرجع إلی استصحاب الملکیّة.

الثالث:لو اختلفا فی الافتراق و عدمه

من جهة الاختلاف فی زمان البیع کأن یقول أحدهما:کان البیع بالأمس و قال الآخر:بل کان فی هذا المجلس،فالظاهر أنّ المقام من قبیل الشکّ فی المتقدّم و المتأخّر من الطهارة و الحدث،فاستصحاب بقاء الهیئة الاجتماعیّة لا یجرز اتّصال زمان شکّه بزمان الیقین.

مسألة:و من مسقطات هذا الخیار التصرّف

اعلم أنّ التصرف الکاشف عرفا عن الرضی و الالتزام بالعقد حاله حال قول:أمضیت العقد،إذ لا یعتبر فی الإمضاء المسقط إلاّ الرضی القلبی مع وجود المظهر،و لا یعتبر کون المظهر هو اللفظ و لکن علی هذا لو انکشف مخالفة الکاشف للواقع حکم بثبوت الخیار،هذا علی القاعدة فالذی یحتاج إلی تعبّد خاص أحد أمور أخر:

الأوّل:اعتبار الکاشف المذکور بنحو الموضوعیّة بحیث لو انکشف الخطاء أیضا ترتّب علیه الأثر.

الثانی:کون مطلق التصرّف الدالّ علی الرضی بالملکیّة-و لو لم یدلّ علی

ص:79

الالتزام بالعقد-مسقطا،و التعبّد الوارد فی الباب هو التعلیل المذکور فی بعض أخبار خیار الحیوان حیث قال:«فإن أحدث المشتری فیما اشتری حدثا قبل الثلاثة أیّام فذلک رضی منه فلا شرط (1)(أو و لا شرط)»و استفادة العموم و العلّیة منه ثابتة سواء کان قوله:«فذلک رضی منه»جوابا للشرط أو کان توطئة للجواب و کان هو قوله:فلا شرط.

أمّا علی التوطئة فواضح،فکأنّه قیل:إن أحدث حدثا فلأجل أنّه رضی،لا یبقی شرط،و أمّا علی الجوابیّة فلظهور قوله:فلا شرط أو و لا شرط فی کونه تفریعا علی قوله:فذلک رضی و علی کلّ حال یصیر الکلام بمنزلة قولک:تصرّف مشتری الحیوان موجب لسقوط خیاره،لأنّ التصرف رضی،و قاعدة باب التعلیل إلغاء خصوصیّة المورد فیستفاد منه قضیّة کلّیة و هی أنّ کلّ تصرّف کان رضی فهو موجب لسقوط الخیار.

لکن هذا کلّه بناء علی کون قوله:فذلک رضی،غیر مبنیّ علی التعبّد بل کان قضیة وجدانیّة سواء کان بمعنی أنّ هذا التصرّف رضی و التزام بالعقد،أم بمعنی أنّه رضی بالملکیّة.

و أمّا إذا کان مبنیّا علی التعبّد و تنزیل التصرّف بمنزلة الإمضاء فیسقط الکلام من قابلیة التعدّی بسببه إلی مورد آخر،لأنّ المعنی حینئذ أنّ تصرّف مشتری الحیوان لکونه بمنزلة الإمضاء تعبّدا یکون مسقطا.

فالمستفاد أنّ کلّ ما کان بمنزلة الإمضاء فهو مسقط،و أمّا إنّ التصرّف فی غیر المشتری المذکور أیضا ینزّل هذه المنزلة أو لا،فهو ساکت عن هذا و لا دلیل آخر علیه أیضا.

ص:80


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

ثمّ لا شبهة أنّ الظاهر من هذه الوجوه کون المراد هو التصرّف الکاشف عرفا من الالتزام و الإمضاء و أنّه لم یعتبر فی قوله:«فذلک رضی»إلاّ بیان القضیّة الواقعیّة الوجدانیّة و تطبیق الرضی علی نفس التصرّف لأجل نحو اتّحاد فیما بین الکاشف و المکشوف،نظیر ما یقال:هذا فسق،مشیرا إلی العمل الخارجی.

و أمّا کون المراد من الرضی هو الرضی بالملکیّة فیبعده أنّه یلزم حینئذ لغویّة هذا الخیار،فإنّه لا ینفکّ غالبا عن مثل هذا التصرّف الذی لا یحلّ لغیر المالک و لو مثل اسقنی ماء و أغلق الباب،و أمّا کون تطبیق الرضی من باب التنزّل و التعبّد فبعید کما لا یخفی.

و لکن یبعد الوجه الأوّل الأمثلة التی وقعت فی الجواب عن السؤال عن الحدث،فإنّه ذکر فی الجواب ملامسة الجاریة و تقبیلها و النظر إلی ما لا یحلّ منها قبل الشراء و من المعلوم أنّ هذه تصرّف کاشف عن الرضی ببقاء الملکیّة لا عن الالتزام و الإمضاء.

و یمکن أن یقال بعدم منافاة هذه الأمثلة أیضا لذلک الوجه کالأمثلة الأخر المذکورة فی الخبر الآخر مثل رکوب الدابّة فراسخ،و نعلها،و أخذ حافرها، فإنّ کلّ هذه دوالّ علی إرادة الفاعل إمساک الدابة و عدم ردّها إلی البائع.

و أمّا وجه عدم منافاة التمثیل بملامسة الجاریة و تقبیلها و النظر إلیها کذلک،فلأنّ حال الجاریة حال الزوجة فی أنّ المرغوب فیها المستوریّة و أنّها معدودة من عورات الرجل التی یکره دخالة الأجنبی فیها بوجه من الوجوه، و الجاریة فی حال خیار المشتری و إن کانت شرعا ملکا له و لکنّه إذا أراد الفسخ فباشرها أو قبّلها أو نظر إلیها،یعدّ عند العرف هذا منه أمرا شنیعا کمباشرة جاریة الغیر و تقبیلها و النظر إلیها،و هذا و إن لم یمضه الشارع و لکنّه بواسطة ثبوت هذا

ص:81

الارتکاز کاشف عن إرادة صاحبه إبقائها و إمساکها و عدم ردّها.

هذا و یبقی حینئذ الکلام فی أنّ الکاشفیّة النوعیّة عن الإمضاء و الالتزام هل هی معتبرة موضوعا أو طریقا؟و الروایة قابلة لکلیهما،و علی کلّ تقدیر یصحّ التعدّی إلی غیر مورد خیار الحیوان من سائر أقسام الخیار.

الثانی:خیار الحیوان

اشارة

لا خلاف بین الإمامیّة فی ثبوت الخیار فی الحیوان للمشتری،و هل یشمل الحیوان کلّ ذی حیاة و لو مثل الجراد و الزنبور و السمک و العلق و دود القز؟ استظهر الأستاذ الاستناد-دام علاه-انصرافه عن مثل هذا،ألا تری عدم انصراف الذهن إلی مثل ذلک من قول القائل:فلان یملک کذا و کذا حیوانا؟ و فی شموله للحیوان المشرف علی الموت کالصید الذی أصابه السهم أو جرحه الکلب المعلّم تردّد،لاحتمال انصراف اللفظ إلی ما یکون معرضا للبقاء ثلاثة أیام،فحاله دائر بین عدم الخیار رأسا و بین الخیار.

و علی تقدیره یکون منتهی الخیار آخر الثلاثة سواء بقی أم تلف قبل انقضاء الثلاثة.

فلم نعلم وجه ما أفاده شیخنا-قدّس سرّه-من أنّ فی منتهی الخیار حینئذ وجوها،و کذلک التردّد فی شموله للحیوان الکلّی لقوّة احتمال انصراف مثل قولک:

«فلان یملک کذا حیوانا»إلی المعیّن.

و کیف کان فالکلام فی من له هذا الخیار و فی مدّته من حیث المبدأ و المنتهی و مسقطاته یتمّ برسم

مسائل

مسألة:المشهور اختصاص هذا الخیار بالمشتری،
اشارة

و عن سیّدنا المرتضی

ص:82

-قدّس سرّه-و ابن طاوس-قدّس سرّه-ثبوته للبائع أیضا و هنا قول ثالث و هو ثبوته لمن انتقل إلیه الحیوان ثمنا أو مثمنا،و قد اختلفت الأخبار فی الباب و بذلک اختلفت الأنظار فی الجمع،و الأولی التیمّن بذکر الأخبار أوّلا،فنقول و باللّه الاستعانة:

منها:صحیحة الفضیل بن یسار عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:قلت له:ما الشرط فی الحیوان؟قال لی:ثلاثة أیّام للمشتری،قلت:و ما الشرط فی غیر الحیوان؟قال-علیه السلام-:البیّعان بالخیار ما لم یفترقا فإذا افترقا فلا خیار بعد الرضی منهما» (1).

و منها:صحیحة ابن رئاب المحکیّة عن قرب الاسناد:«قال:سألت أبا عبد اللّه-علیه السلام-عن رجل اشتری جاریة لمن الخیار للمشتری أو البائع أو لهما کلیهما؟ قال-علیه السلام-:الخیار لمن اشتری نظرة ثلاثة أیّام،فإذا مضت ثلاثة أیّام فقد وجب الشراء» (2).

و منها:صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم:البیّعان بالخیار حتّی یفترقا و صاحب الحیوان بالخیار ثلاثة أیّام» (3).

و منها:موثقة زرارة عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:سمعته یقول:قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم:البیّعان بالخیار حتی یفترقا و صاحب الحیوان.» (4).

و منها:صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:

ص:83


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار ص 346،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 3 من أبواب الخیار ص 350،ح 9.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 1 من أبواب الخیار،ص 345،ح 1.
4- 4) المصدر نفسه:ص 345،ح 2.

المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان و فیما سوی ذلک من بیع حتّی یفترقا» (1).

و منها:صحیحة الحلبی فی الفقیه عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:فی الحیوان کلّه شرط ثلاثة أیّام للمشتری» (2).

و منها:صحیحة ابن رئاب عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«قال:الشروط فی الحیوانات ثلاثة أیّام للمشتری» (3).

و منها:روایة علیّ بن أسباط عن أبی الحسن الرضا-علیه السلام-:«قال:الخیار فی الحیوان ثلاثة أیّام للمشتری و فی غیر الحیوان أن یفترقا» (4)الحدیث.

و منها:روایة الحسن بن علیّ بن فضال قال:سمعت أبا الحسن علی بن موسی الرضا-علیهما السلام-«یقول:صاحب الحیوان المشتری بالخیار ثلاثة أیّام» (5).

هذه جملة ما عثرت علیه من أخبار الباب،ثمّ

التکلّم فی موضعین
اشارة

الأوّل:هل بین هذه الأخبار جمع عرفیّ حتّی لا نحتاج إلی الرجوع إلی المرجّحات السندیّة،أولا حتی لا یبقی محیص عن الرجوع إلیها؟ الثانی:بعد فرض عدم الجمع العرفی هل هنا عموم من الکتاب أو السنّة موافق لأحد طرفی التعارض حتّی یصیر مرجّحا و یدخل المقام تحت عنوان ما وافق الکتاب و السنّة،أو لا حتّی ینجرّ الأمر إلی التخییر الخبری؟

أمّا الموضع الأوّل:

فالحقّ وجود الجمع،لأنّ الأخبار بین معلّق للخیار علی

ص:84


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:ح 1 و 4.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 4،ص 351،ح 1.
4- 4) المصدر نفسه:ص 350،ح 8.
5- 5) المصدر نفسه:ص 349،ح 2.

عنوان المشتری و هذه الطائفة بین ما جعل ذلک حدّا لهذا الخیار مثل الخبر الأوّل، حیث إنّ ظاهر سؤال السائل:(ما الشرط)؟أنّه سؤال بما الحقیقیّة،فیقع فی الجواب ما کان جامعا و مانعا.

و بین ما لیس فی مقام التحدید و لکن سؤال السائل وقع فی خصوص من له الخیار حتّی صرّح أنّه البائع فقط،أو المشتری کذلک،أو هما معا مثل الخبر الثانی.

و بین ما لیس فی مقام التحدید و لا فی مقام تعیین من له الخیار مثل السادس و السابع و الثامن.

و بین معلّق علی المتبایعین،و بین معلّق علی صاحب الحیوان،و بین معلّق علی صاحب الحیوان المشتری.

و هذه الطوائف من حیث التخصیص بعنوان المشتری فی قبال البائع بحیث کان للمشتری موضوعیّة یکون بینها النفی و الإثبات الصریحان،إمّا صراحة الإثبات،فلأنّ قوله:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان» (1)صریح فی کلا العنوانین،و أمّا صراحة النفی،فقد عرفت أنّ الخبرین الأوّلین المعلّقین علی عنوان المشتری صریحان فی النفی عن البائع،أحدهما بواسطة الکون فی مقام شرح الحقیقة و بیان الحدّ،و الآخر بواسطة التصریح فی السؤال عن الاختصاص و التعمیم،و أمّا من حیث التخصیص بصاحب الحیوان مشتریا کان أم بائعا فلا تأبی عن الجمع.

أمّا ما ذکر فیه صاحب الحیوان فواضح،و دعوی انصرافه إلی المشتری

ص:85


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.

لغلبة وقوع الحیوان مثمنا و ندرة وقوعه ثمنا ممنوعة،لعدم إیجاب هذه الغلبة للانصراف،مضافا إلی أنّ الحکمة الداعیة لجعل الخیار و المناسبة بین الحکم و الموضوع یقتضی التعمیم کما هو واضح.

و أمّا ما ذکر فیه صاحب الحیوان المشتری سواء قرئ بالفتح أم بالکسر، فیمکن أن تکون النکتة فی ذکر القید دفع توهّم أنّ المقصود بصاحب الحیوان من انتقل عنه الذی هو الصاحب الأوّلی و نکتة ذکر المشتری کون الغالب فیمن انتقل إلیه أنّه المشتری.

و أمّا ما ذکر فیه المشتری لا بعنوان التحدید و لا الجواب عن سؤال التعیین لمن له الخیار،فلأنّه یکفی فی نکته التقیید الغلبة المذکورة.مضافا إلی أنّ حمل المطلق علی المقیّد المثبتین إذا کانا بملاک واحد کما فی المقام،إنّما یکون فیما إذا کان الحکم فی المطلق متعلّقا بالطبیعة بعنوان صرف الوجود کما فی مثال:أعتق الرقبة، و أعتق الرقبة المؤمنة،و أمّا إذا کان باعتبار الوجود الساری کما فی المقام-حیث إنّ الحکم أعنی الخیار،سار فی جمیع أفراد صاحب الحیوان-فذکر المقیّد أعنی المشتری یمکن أن یکون من باب التطبیق لا من باب خصوصیّة فی نفسه.

و أمّا ما کان بعنوان التحدید فالتعبیر بالعنوان الملازم الغالبی مع الشیء فی مقام تحدید الشیء لیس خارجا عن المحاورة و احتمالا بعیدا لا یمکن حمل الکلام علیه.

و إن شئت التمثیل فلاحظ هذا المثال و هو أنّه،لو بسط شخص سفرة لمطلق من کان جائعا سواء کان محتاجا أم غنیّا فیصحّ فی مقام الجواب عن سؤال:

ما الذی بسطت هذه السفرة له؟أن یقال:هم المحتاجون،بملاحظة غلبة انطباق العنوانین أعنی الجائع و المحتاج فی الخارج،و هذا بخلاف ما إذا کان المبسوط

ص:86

لأجله مطلق الإنسان فإنّه یقبح فی مقام الجواب المذکور القول المذکور و إن کان یحسن أیضا بطریق الابتداء لا فی مقام الجواب المذکور بملاحظة کون الغالب فی من ینتفع بالسفرة هم الفقراء و المحتاجین.

و أمّا ما یکون جوابا عن سؤال تعیین من له الخیار،فمفروض السائل أنّ رجلا اشتری جاریة،و فی هذا الفرض لا شبهة أنّ الخیار خاص بالمشتری لأنّه صاحب الحیوان لا البائع بملاحظة غلبة وقوع الثمن نقدا لا حیوانا.

فبقی صحیحة محمّد بن مسلم الواقع فیها قوله:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان»،و یقرب فیها أیضا أن یقال:إنّ التعبیر بالمتبایعین بملاحظة التلخیص فی العبارة لأن یحمل علی الموضوع الواحد محمولین،و المقصود فی الصدر أنّ کلا منهما صار صاحبا للحیوان یکون بالخیار و فی الذیل أنّ لکلّ واحد بشخصیّته الخیار،فالمقصود اشتراک الخیار فیما بینهما و عدم تخصیصه بواحد،غایة الأمر فی خیار المجلس یکون أبدا لکلیهما و فی الحیوان یختلف باختلاف الموارد، فقد یکون للمشتری فقط و قد یکون للبائع کذلک و قد یکون لهما معا،و إذن فتعیّن بحسب الجمع بین الروایات القول الثالث أعنی الثبوت لصاحب الحیوان ثمنا کان أم مثمنا.

الموضع الثانی:العموم الذی یمکن أن یکون مرجّحا للمقام بعد فرض

التعارض و عدم الجمع،شیئان

أحدهما:عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و الثانی:عموم ما وقع فی بعض الروایات«فإذا افترقا وجب البیع» (1).

أمّا الأوّل فقد تقدّم الإشکال فیه،من حیث إنّه تمسّک بالعام فی الشبهة المصداقیّة للشک فی بقاء العقد بعد فسخ من یحتمل تأثیر فسخه،و أمّا الثانی

ص:87


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2،من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.

فالإشکال المتصوّر فیه من جهات:

الأولی:أنّ وجوب البیع أمر وحدانی غیر قابل للتبعیض لبساطة محلّه،أعنی البیع فکما أنّ الصحّة و الفساد لا یمکن تبعیضهما فی حقّ المشتری و البائع،کذلک اللزوم و عدمه،فالبیع إن کان لازما فهو کذلک فی حقّ الطرفین،و إلاّ فلیس کذلک فی حقّهما أیضا.و حینئذ فقد ثبت فی المقام فی حقّ المشتری بعد التفرّق عدم لزوم البیع ما لم ینقض الثلاثة،و إنّما الشک فی خصوص البائع و لا معنی للزوم بالنسبة إلیه فقط.

و بالجملة:فقد خصّص هذا العموم بالنسبة إلی المقام سواء کان للبائع بعد التفرّق أیضا خیار کالمشتری أم لم یکن.

الثانیة:أنّ هذه الجملة قد وقعت فی ذیل أخبار خیار الحیوان بعنوان(ما عدا الحیوان)فیوجب تخصیص ما کان منها منفردة،و فی غیر أخبار الحیوان بعنوان (ما عداه)أیضا،فیکون مصبّ خیار المجلس ما عدا الحیوان،فلا ربط لهذا العموم بمقامنا الذی هو مبایعة الحیوان.

الثالثة:أنّه بمقام الحکم الحیثی و لیس له نظر إلی نفی الخیار المطلق،و إنّما المنفیّ خصوص خیار المجلس فثبوت خیار الحیوان لا ینافی هذا النفی و اللزوم الحیثیّین.

و یمکن ذبّ الأوّل:بمنع عدم قبول الوجوب للتفکیک فإنّ معنی الوجوب لیس إلاّ عدم قبول الفسخ،و هذا یقبل التفکیک بأن یکون بالنسبة إلی واحد قابلاً و إلی آخر غیره،کما أنّ القابلیة أیضا ممکن التفکیک،و یدلّ علیه صحّة ذکر کلمة (سواء)عقیب قولنا:وجب البیع،بأن نقول:سواء بالنسبة إلی البائع أم إلی المشتری.

ص:88

و حینئذ نقول:الإطلاق المنفرد عن باب خیار الحیوان مقتضاه عدم قابلیة البیع بعد الافتراق للفسخ مطلقا،خرج عن هذا الإطلاق المشتری فی خصوص الحیوان إلی ثلاثة و بقی البائع.

و أمّا الإشکال الثانی:و هو أنّه حیث وقع فی ذیل هذه الأخبار فی ما سوی الحیوان فلا إطلاق له بالنسبة إلی الحیوان.

فیمکن دفعه بأنّه فی مقام تشقیق الغایة دون مقام الثبوت،یعنی بعد ثبوت الخیار یکون الغایة له فی الحیوان ثلاثة و فی غیره الافتراق،حتّی فی مثل قوله -علیه السلام-:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان و فی ما سوی ذلک من بیع حتّی یفترقا» (1).

و المحصّل من المجموع:أنّ غایة الخیار فی الحیوان فی حقّ المشتری انقضاء الثلاثة و فی غیر الحیوان فی حقّ کلیهما هو الافتراق،و هذا ساکت عن حکم البائع فی الحیوان،فیکون ظهور الإطلاق المستقلّ المفروض تعرّضه له خالیا عن المزاحم و المعارض،علی ما تقرّر فی محلّه من حجّیة المطلق المقیّد بالمنفصل فی ما عدا مورد التقیید.

و أمّا الإشکال الثالث:فالحقّ عدم إمکان ذبّه،إذ غایة ما یقال فی ذبّه:أنّه حیث وقع فی ذیل روایات الحیوان قوله:«فإذا افترقا فلا خیار» (2)یعلم منه أنّه ناظر إلی جمع الجهات،و لکن علمت أنّ إطلاق ثبوت خیار المجلس المنفصل عن دلیل خیار الحیوان شامل لبیع الحیوان أیضا من حیث الثبوت و من حیث الغایة،و حینئذ لو کان الغایة حکما فعلیا لزم بالنسبة إلی المشتری فی الحیوان

ص:89


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 1،من أبواب الخیار،ص 346،ح 3.

تخصیصه،و حینئذ یلزم إمّا عدم ثبوت خیار المجلس فی حقّه مع الثبوت فی حقّ البائع و إمّا ثبوته فی حقّهما و لکن عدم سقوطه فی حقّ المشتری بالتفرّق الواقع فی أثناء الثلاثة،و حیث إنّ شیئا منهما لا قائل به وجب المصیر إلی کون الافتراق مسقطا فی حقّه من حیث المجلس فقط مع بقاء خیار الحیوان،و إذا ثبت کون الغایة فی حقّه حیثیّا ثبت فی حقّ البائع أیضا لاتّحادهما فی الإنشاء،فلا یمکن کون الإنشاء الواحد من جهة بعض الأفراد حیثیا و من جهة آخر فعلیا،فقد تحصّل ممّا ذکرنا أنّ المتعیّن علی فرض التعارض هو التخییر الخبری لعدم المرجّح.

مسألة:مبدأ هذا الخیار من حین العقد،

فلو لم یفترقا ثلاثة أیّام انقضی خیار الحیوان و بقی خیار المجلس،لظاهر قوله-علیه السلام-:«إنّ الشرط فی الحیوان ثلاثة أیّام و فی غیره حتّی یفترقا» (1)خلافا للمحکیّ عن ابن زهرة فجعله من حین التفرّق،و کذا الشیخ و الحلّی فی خیار الشرط المتّحد مع هذا الخیار فی هذا الحکم.

اعلم أوّلا:أنّه لا بدّ من التکلّم أوّلا فی أنّه هل لخیار المجلس فی بیع الحیوان أعمّ من اجتماعه مع خیار الحیوان أو افتراقه ثبوت أو لا؟قد عرفت فیما تقدّم تأیید الثبوت و نزید هنا فنقول:

قوله فی صحیحة الفضیل المتقدّمة-حیث إنّ السائل سأل أوّلا عن خصیصة الحیوان فأجاب:ثلاثة أیّام للمشتری،ثمّ سأل عن خصیصة غیر الحیوان فعدل عن سیاق الجواب الأوّل و أجاب بلفظ العموم فقال:«البیّعان بالخیار ما لم یفترقا» (2)-دلیل علی عموم خیار المجلس لجمیع أقسام البیع حتّی بیع الحیوان،و أنّ ما ذکره-علیه السلام-فی الصدر إنّما هو فی مقام الزیادة التی تکون لبیع الحیوان علی غیره،و یستفاد ذلک أیضا من قوله فی صحیحة محمّد بن مسلم

ص:90


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 346،ح 5.
2- 2) المصدر نفسه:ح 3.

و موثقة زرارة:«البیّعان بالخیار حتّی یفترقا و صاحب الحیوان بالخیار ثلاثة أیّام» (1)و یبقی منافیا لهذا روایتان:

الأولی قوله:«المتبایعان بالخیار ثلاثة أیّام فی الحیوان و فیما سوی ذلک من بیع حتی یفترقا» (2).

و الثانی قوله:«الخیار فی الحیوان ثلاثة أیّام للمشتری و فی غیر الحیوان أن یفترقا» (3)و هذان و إن کان ظاهرهما التخصیص لأصل تشریع خیار المجلس بما سوی الحیوان،لا خصوص لغائیّة الافتراق کما تقدّم.

فإذا تحقّق ثبوت خیار المجلس فی بیع الحیوان،فهل یمکن اجتماعهما فی زمان واحد حتّی إذا کان ظاهر الأدلّة ذلک أخذنا به أو لا حتّی یتصرّف فی ذلک و یجعل مبدأ خیار الحیوان بعد انقضاء المجلس؟فلا بدّ أوّلا من بیان الأنحاء الممکنة بحسب التصوّر.

الأوّل:أن یکونا حقیقتین مختلفتین کالظهر و العصر و حقائق الأغسال علی قول،فیکون حالهما حال العالم و الهاشمیّ،و حینئذ لا إشکال فی إمکان اجتماعهما و لا یلزم تأثیر العلّتین فی المعلول الواحد بل لکلّ منهما معلول مستقلّ.

الثانی:أن یکون حقیقتهما واحدة و لکن کانت ذات مراتب من الشدّة و الضعف کالسواد،و حینئذ أیضا لا یلزم لغویّة الأسباب المتعدّدة بل کلّ منها مؤثّر أثره فیفید ازدیاد المرتبة کما هو الحال فی السواد عند تعدّد المسوّدات فی المحلّ الواحد الشخصی.

الثالث:أن یکون الحقیقة واحدة و المرتبة أیضا واحدة،و الوجود أیضا

ص:91


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 1 من أبواب الخیار،ص 345،ح 1 و 2.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 3 من أبواب الخیار،ص 349،ح 3.
3- 3) المصدر نفسه:الباب 1،من أبواب الخیار،ص 346،ح 5.

حسب الفرض من وحدة المحلّ شخصا أیضا واحد،و حینئذ لا یمکن تأثیر کلّ من الأسباب استقلالا بل لا بدّ من مؤثّریة المجموع،و هذا نظیر توارد الأسباب المتعدّدة التی یکفی کلّ واحد بانفراده علی إزهاق روح زید،فلا بدّ من استناد هذا المعلول الواحد الشخصی إلی مجموع تلک العلل،لأنّ الاستناد إلی واحد معیّنّ ترجیح بلا مرجّح و إلی الغیر المعیّن غیر معقول،لأنّ المبهم الواقعی لا واقع له، و إنّما هو صرف انتزاع عقلی،و إلی الجامع یوجب انعزال الخصوصیّات عن التأثیر مع ضرورة صحّة النسبة إلیها کما فی حال الانفراد،فکما یقال عند الانفراد:قتل زید عمرا،کذلک فی حال الاجتماع أیضا یقال:قتل زید و عمرو بکرا.

لا یقال:یلزم حینئذ تبعیض المعلول علی أجزاء هذا المجموع فیکون المعلول کالعلّة مرکّبا مع ضرورة کونه بسیطا کما فی حال وحدة العلّة.

لأنّا نقول:لا یضرّ بساطة المعلول ترکیب العلّة،لأنّ المجموع أیضا عنوان بسیط،کما أنّ الصلاة تؤثّر فی النهی عن الفحشاء مع أنّه بسیط و هی ذات أجزاء، و الحلّ:أنّ الهیئة المجموعیّة أمر وحدانیّ بسیط،هذا ما أفاده شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاداته الشریفة.

فتحصّل أنّه إذا کان ظاهر الدلیلین أعنی:دلیل خیار المجلس،و دلیل خیار الحیوان،هو ثبوت کلّ منهما من حین العقد اللازم منه اجتماع کلیهما فی ما قبل الافتراق،لا یمنع عنه مانع حتّی نلتزم بالتصرّف،و جعل مبدء الثانی من ما بعد التفرّق من غیر فرق بین شیء من الأنحاء الثلاثة المذکورة.

أمّا علی الأوّلین فواضح،و أمّا علی الأخیر فقد عرفت أنّ المسبّب و هو الخیار أمر واحد شخصی غیر قابل للتأکّد و الشدّة،و لکن یقبل تأثیر المتعدّد فیه بنحو الجزئیّة،و الذی لا یقبل تأثیر المتعدّد بنحو الاستقلال،و ظاهر الدلیل و إن کان هو

ص:92

الاستقلال و لکن لا بدّ من غمض العین عن هذا الظاهر بواسطة شهادة العقل بعدم الإمکان.

و أمّا إنّ الثابت من هذه الأنحاء ماذا؟فالظاهر هو القسم الأخیر.

أمّا تعدّد الحقیقة فالطریق إلیه تعدّد الآثار و لیس أثر الخیار غیر الفسخ و الإمضاء،و أمّا الإسقاط و النقل فهما فرع ثبوت أصله و لا شکّ أنّ الفسخ و الإمضاء أثر واحد و لا یتمشّی من طبع الخیار غیر هذا الأثر الواحد حتّی نستکشف من اختلاف الأثر اختلاف حقیقة المؤثّر،مضافا إلی أنّ حقیقة الخیار کحقیقة الملکیّة حقیقة عرفیّة،و لیست کالظهر و العصر و حقائق الأغسال ممّا لا سبیل للعرف إلی معرفتها،و لا شکّ أنّ العرف کما لا یری للملکیّة حقیقتین متصادقتین فی مال شخصی،کذلک عندهم حال الخیار،و من هنا تعرف عدم صحّة الوجه الثانی،و أنّه لیس الباب باب الاختلاف فی الشدّة و الضعف أیضا، لأنّ الفسخ و الإمضاء لیسا بقابلین لذلک،فتحقّق الوجه الثالث.

ثمّ علی الوجهین الأوّلین لو أسقط من ثبت له الخیاران أحد الخیارین کان مؤثّرا فی سقوطه بلا إشکال،و أمّا علی الوجه الأخیر فهل للإسقاط الحیثی أیضا أثر کحصول الغایة؟-فإنّه یوجب استناد المعلول الواحد الشخصی إلی الفرد الآخر من السبب بعینه علی الاستقلال-رجّح شیخنا الأستاذ-دام علاه-ذلک ببیان:أنّ الإنشاء للإسقاط من حیثیّة واحدة فی غایة الإمکان،فیکون هو مقتضیا للسقوط،و لکن وجود السبب الآخر حافظ للمعلول و مانع عن سقوطه،فمتی خلّی هذا المقتضی عن المانع أثّر أثره.

مثلا:إذا أسقط الخیار من حیث بیع الحیوان فما دام لم یحصل الافتراق لا یؤثر هذا الإنشاء شیئا،و أمّا بعد حصوله فیرتفع المانع فیسقط الخیار من هذا

ص:93

الحین،لأنّ أحد السببین له بطل بحصول الغایة و الآخر بواسطة الإسقاط.

ثمّ إنّه علی فرض عدم الدلیل فی جانب الإثبات و الشکّ فی أنّ مبدأ خیار الحیوان هو العقد أو من حین التفرّق فهل مقتضی الأصل ماذا؟قد یقال:إنّ أصالة عدم حدوث خیار الحیوان إلی ما بعد الافتراق جاریة،و کذلک أصالة بقائه إلی ما بعد الثلاثة من حین العقد.

و استشکل علی الأوّل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّه مثبت و وجّهه شیخنا الأستاذ-دام علاه-بأنّ الخیار و عدمه و إن کانا کالوجوب و عدمه لا یلتمس فی إجراء الأصل فیهما وجود الأثر الشرعی و عدمه-لأنّ نفسهما أثر شرعیّ-لکن لا بدّ من أن یکون للجعل الظاهری لهما فائدة و لو عقلیّة،إذ لو خلّی عن کلّ فائدة کان لغوا،و جعل عدم خیار الحیوان فیما قبل التفرّق بقضیّة الاستصحاب لا تترتّب علیه فائدة أصلا،إذ الفائدة المتوهمة عدم جواز الإسقاط لخیار الحیوان،و لکنّه لا یعدّ ثمرة،لأنّه لو کان مبدؤه ما بعد التفرّق أیضا جاز الإسقاط لمعرضیّته للوجود فیکون کالإسقاط فی ضمن العقد،و حینئذ فلا بدّ لتحصیل الثمرة من إثبات کون المبدأ للحدوث ما بعد التفرّق و هذا مثبت،هذا ما قاله-دام ظلّه.

لکن استشکل علیه الحضّار:بأنّه یکفی فی الثمرة أنّه لو صرّح فی ما قبل التفرق:بأنّی أسقطت کلّ خیار ثابت لی فعلا ما لم یحصل التفرّق بحیث صار لی بواسطته الفسخ و الإمضاء جائزین قبل التفرّق،لا یؤثّر هذا فی سقوط خیار الحیوان لو کان مبدؤه ما بعد التفرّق،و یؤثّر لو کان مبدؤه من حین العقد.

و استشکل علی الثانی شیخنا الأستاذ-دام علاه-:بأنّه بعد العلم بأنّ مدّة خیار الحیوان لا تزید و لا تنقص عن ثلاثة أیّام،غایة الأمر شکّ فی مبدأ هذه الثلاثة و أنّه العقد أو التفرّق،فلا یوجب هذا الاستصحاب زیادة فی عمر

ص:94

المستصحب و قد کان معتبرا فیه حسب ما استظهر من دلیله علی تفصیل مقرّر فی الأصول ذلک،نعم لا بأس باستصحاب الجامع.

ثمّ إنّه استدلّ علی کون مبدأ خیار الحیوان من حین التفرّق بما دلّ علی أنّ تلف الحیوان فی الثلاثة من البائع مع أنّ التلف فی الخیار المشترک من المشتری.

و أجاب شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:بأنّ أدلّة التلف من البائع محمولة علی الغالب من کونه بعد المجلس،انتهی.

و استشکل فیه شیخنا الأستاذ:بأنّ وجه ذلک إن کان هو الانصراف فهو ممنوع،ألا تری أنّ ما دلّ علی أنّ التلف فی زمن الخیار المشترک من المشتری یشمل التلف الحاصل فی المجلس؟ فالحقّ أن یقال بتخصیص ذلک الدلیل أعنی:ما دلّ علی أنّ التلف فی الخیار المشترک من المشتری،بما دلّ علی أنّ التلف ممّن لا خیار له،فیتحصّل من مجموع الدلیلین:أنّ ورود التلف علی کیس المشتری مشروط بمماثلته مع البائع، و عدم زیادته علیه بخیار مختص به دونه،و إن کان هنا خیار مشترک أیضا،و هذا و إن کان خلاف الظاهر-فإنّ الظاهر من دلیل ورود التلف علی کیس من لا خیار له عدم جنس الخیار-و لکن بعد ملاحظة مجموع الدلیلین یصیر متعیّنا فی مقام الجمع.

هذا علی تقدیر کون الدلیل علی أنّ التلف فی الخیار المشترک من المشتری لفظیّا،و أمّا علی تقدیر کونه القاعدة أعنی:قاعدة ورود تلف المال علی مالکه حین التلف فالأمر أوضح،لأنّ المقام من باب المقتضی و اللامقتضی.

ثمّ إنّ الظاهر جریان ما قلنا فی خیار المجلس من اختصاصه بالمالک العاقد فی هذا الخیار أیضا،فلا یثبت فی حقّ الوکیل بأقسامه،و أمّا الأصیل فی باب الفضولی بعد الإجازة،فإن قلنا:بأنّه یصیر بالإجازة بیعا،فلا إشکال لاجتماع

ص:95

القیدین فیه،و أمّا علی العدم فلا یثبت له کالفضولیّین.

و دعوی أنّ إثبات الخیار لعنوان صاحب الحیوان فی بعض الأخبار المتقدّمة مقتض لکفایة هذا القید مدفوعة،بأنّه و إن لم یصرّح قید البیّعیّة فی الکلام،و لکنّه مفهوم من السیاق کما هو واضح علی العارف بأسلوب الکلام و قرینة التقابل بالبیّعین.

و أمّا الصرف و السلم:فلا شکّ أنّ البیع العرفی متحقّق فیهما قبل القبض، فاللازم ثبوت الخیار أیضا قبله و لا یلزم اللغویّة،إذ یکفی فی عدم اللغویّة وجوب التقابض لو قلنا بوجوبه نفسا قبل القبض مع توقّف الملکیّة علیه و علی تقدیر عدم القول به،قابلیّة حصول الملکیّة فیما بعد بتوسط القبض،فیؤثّر الفسخ فی إزالة هذه القابلیّة،هذا.

مسألة:لا إشکال فی دخول اللیلتین المتوسطتین فی الثلاثة الأیّام،

و هل اللیلة الأولی أیضا داخلة بأن یکون المراد من کلّ یوم هو مع لیلته-فیکون مقدار الخیار اثنتین و سبعین ساعة-أو أنّ المراد بکلّ یوم بیاض الیوم و إنّما أرید اللیلتان المتوسطتان من القرینة الخارجیّة أعنی الاستمرار المستفاد من غیر مادّة الیوم؟ رجّح شیخنا الأستاذ-دام علاه-الأوّل،و رجّح شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الثانی.

و حاصل ما أفاد شیخنا الأستاذ فی تقریب مرامه فی مجلس بحثه الشریف:

أنّه لا شبهة أنّ المتکلّم إذا صار بصدد بیان امتداد الشیء و مقدار عمره کما إذا قال:طول عمر البقّ ثلاثة أیّام،فالإنسان یفهم أنّه قاصد لحدّ محدود مضبوط،لا یزید و لا ینقص باختلاف الأحوال و الأفراد و السنین و الفصول،فلو ولد بقّ فی أوّل النهار لا یصیر أقصر عمرا من بقّ آخر ولد أوّل اللیل،فهذه القرینة معیّنة لأن یکون المراد من الیوم هو مع لیلته،فإنّ ثلاث دورات الیوم و اللیل مضبوطة

ص:96

الساعات،بخلاف ما إذا أرید من الیوم نفسه،فإنّ أیّام الصیف أطول من أیّام الشتاء.

و أیضا لو أرید بیاضات الأیّام،فإرادة اللیلتین المتوسطتین کما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-یستفاد بقرینة أنّ الخیار خیار واحد مستمر غیر متخلّل فی أثنائه عدم،و أمّا اللیلة الأولی لو فرض وقوع العقد فی أوّلها أو أثنائها،فلا دلیل علی إدخالها لعدم شمول مادّة الیوم و لا اقتضاء القرینة الخارجیّة المذکورة.

فإن قلت:هو لقضیّة قوله:«صاحب الحیوان بالخیار إلی ثلاثة» (1)فإنّ تعلیق الحکم علی العنوان مقتض لثبوته بمحض تحقّق العنوان،و أمّا قید ثلاثة أیّام فهو إنّما یکون فی مقام بیان غایة الامتداد و أنّه لا یتجاوز عن هذا الحدّ،و لیس فی مقام الحصر مبدأ و غایة فی الثلاثة.

قلت:دلالة بعض الأخبار علی ما ذکرت مسلّم،أعنی:کونه بصدد بیان الغایة مع السکوت عن المبدأ،فیؤخذ بالإطلاق و یحکم بتحقّق الخیار من أوّل آنات حصول عنوان صاحب الحیوان.

و أمّا لو فرض ظهور بعض الأخبار الأخر المتقدّمة فی الکون بصدد التعرّض من کلتا الجهتین،أعنی:التعیین للأوّل و الآخر و أنّه بتمامه یکون فی ظرف ثلاثة أیّام،فهذا مقدّم علی الطائفة الأولی تقدّم المقیّد علی المطلق،فإنّ الأخذ بالأوّل من باب عدم ذکر الخلاف،فإذا ورد المخالف فهو غیر مزاحم معه کما هو الحال فی کلّ مطلق و مقیّد.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بتوهین هذا الظهور فی الثانیة فی حدّ نفسه من باب أنّه و إن کان ظهورا مستفادا من الجمود علی اللفظ إلاّ أنّ استبعاد العرف خروج اللیلة عن الخیار و الانتظار للصبیحة فی تحقّقه یوجب إلغائه،فافهم و تأمّل هذا.

ص:97


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب الخیار،ص 349،ح 2،6.

و أیضا لو جمدنا علی ظهور الأیّام فی البیاضات الثلاثة فربّما یمکن دعوی صدق هذا العنوان علی ما إذا بقی من الیوم الأوّل ساعة فوقع العقد،فإذا کان الخیار من هذا الحین إلی آخر الیوم الثالث یصدق أنّ الخیار تحقّق ثلاثة أیّام و انقضی بانقضاء الثلاثة،ألا تری أنّک لو صرت ضیفا لأحد تقول:إنّی کنت یوم الجمعة فی منزل فلان مع أنّ مقدار توقّفک فی منزله،لم یبلغ إلاّ ساعة.

و بالجملة إطلاق الیوم علی بعضه صار شائعا بحیث لا ینصرف عنه الإطلاق و أمّا وجه اعتبار انقضاء الیوم الثالث فهو قوله-علیه السلام-فی بعض الروایات:«فإذا مضت ثلاثة أیّام فقد وجب الشراء» (1)حیث أناط حصول الوجوب علی مضی الثلاثة و هو متوقّف علی انقضاء الیوم الثالث.

اللّهم إلاّ أن یقال:إنّ الإطلاق المذکور فی المثال و أمثاله یکون بمعونة القرینة و إلاّ فمثل قول المسافر:إنّی توقّفت فی البلد الفلانیّ ثلاثة أیّام،أو قولک:

أمسکت عن الغذاء ثلاثة أیّام،أو جلست کذلک ظاهر فی تمام الأیام الثلاثة.

و بالجملة الأمر القارّ الذات إذا أضیف إلی قطعة من الزمان ظاهر فی استیعابه لتمام تلک القطعة،و المقام من هذا القبیل.

و علی کلّ حال المعتمد ما ذکر أوّلا من إرادة الأیّام و لیالیها من الأیّام الثلاثة لعدم تحقّق الانضباط فی الحدّ إلاّ بذلک.

مسألة:یسقط هذا الخیار بأمور

أحدها:اشتراط سقوطه فی العقد

و لو شرط سقوط بعضه جاز.

الثانی:إسقاطه بعد العقد،و قد تقدّم الأمران.

ص:98


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 3،من أبواب الخیار،ص 350،ح 9.
الثالث:التصرّف

و لا خلاف علی المحکیّ فی إسقاطه فی الجملة لهذا الخیار، و یدلّ علیه صحیحة ابن رئاب:«فإن أحدث المشتری[فیما اشتری]حدثا قبل الثلاثة الأیّام فذلک رضی منه و لا شرط له(أو فلا شرط له)قیل له:و ما الحدث؟ قال-علیه السلام-:إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلی ما کان محرّما علیه قبل الشراء» (1)و قوله-علیه السلام-:«فذلک رضی منه» (2)لیس المراد به الرضی بأصل الملکیّة فإنّ هذا لیس أمرا حادثا بواسطة التصرّف بل أمر حاصل من حین العقد إلی حین الفسخ،فالمراد به الرضی بالعقد فی مقابلة کراهة ضدّه أعنی الفسخ فنقول:

قوله-علیه السلام-فذلک رضی منه و لا شرط له یحتمل وجوها أربعة.

أحدها:أن یکون جملة(فذلک رضی منه)جوابا للشرط،یعنی حکما شرعیّا للموضوع المتقدّم لا خصوص الجواب النحوی،فکأنّه قیل:إحداث الحدث فی الثلاثة من المشتری فی ما اشتری التزام و إمضاء للعقد،و معلوم من الخارج أنّ حکم الإمضاء نفی الخیار إمّا لأنّه أحد عدلیه و إمّا لرجوعه إلی الإسقاط علی الخلاف المتقدّم فی حقیقة الخیار،و علی هذا لا وجه لتخصیص الحدث بتصرّف مخصوص بل لا بدّ من التعدّی إلی کلّ ما تصدق علیه هذه اللفظة،و لا یستفاد من الکلام علّیة أیضا،فإنّ قوله:(لا شرط)علی هذا تفصیل لذلک الإجمال نظیر قولک:هذا خمر تنزیلا یحرم شربه.

الثانی:أن یکون الجواب الشرعی بالمعنی المتقدّم قوله-علیه السلام-:«لا شرط» و یکون«فذلک رضی» (3)إخبارا عن الواقع و هذا أیضا علی قسمین:

الأوّل:أن یکون هذا الإخبار بیانا للحکمة فی التشریع فکأنّه قیل:مطلق

ص:99


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار ص 351،ح 1.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار ص 351،ح 1.
3- 3) المصدر نفسه.

إحداث الحدث مسقط الخیار و الحکمة فی تشریع هذا الحکم کون الحدث بحسب النوع التزاما بالعقد و هذا أیضا کالأوّل فی عدم التقیید للحدث،فإنّ الحکمة لا یجب اطّرادها.

فإن قیل:ما الفرق بین الحکمة و العلّة؟و لو لم تکن الحکمة مطّردة لزم کون التشریع فی غیر موردها جزافا صرفا.

قلت:مرادنا بالحکمة الغرض الأصلی الباعث علی التشریع،و لا ینافی أضیقیّة دائرته من دائرة التشریع بواسطة تولیدها غرضا آخر موجبا لتوسیع دائرة التشریع،کما یلاحظ فی حکم السلطان العرفی بأخذ کلّ من یخرج فی الساعة الرابعة من اللیل مع کون الغرض الأصلی أخذ السارق،لکن بما یری أنّ تخصیص خطابه بعنوان السارق یوجب الوقوع فی خلاف الواقع کثیرا یوجب هذا تعمیمه الحکم فمثل ذلک أیضا ممکن فیما نحن فیه.

الثانی:أن یکون الإخبار بیانا للعلّة و هذا یوجب التقیید للحدث بمورد وجود العلّة،فالمحکوم بالمسقطیّة خصوص الأحداث التی تکون التزاما و إجازة فعلیّة للعقد عرفا،لأنّ العلّة مضیّقة کما هی موسّعة،و هذا أیضا یحتمل وجهین:

الأوّل:أن یکون الشارع حین رأی تلک الأحداث التی حالها حال الأقوال فی الکشف عن الرضی القلبی و الالتزام الباطنی بالعقد مع عدم الاقتران بالصارف أو ما یصلح للصارفیّة،فبملاحظة نوع اتّحاد بین الکاشف و المکشوف طبّق الرضی علی نفس الأفعال الخارجیّة من أخذ الحافر و النعل و الرکوب فراسخ و أمثالها.

الثانی:أنّه و إن لاحظ تلک الأفعال لکن لا بما هی هی بل بما هی حاکیة عن الرضی القلبی-و فی هذا النظر الاستطراقی الذی کلّ ما یحمل من المحمولات

ص:100

فیه یرجع إلی ذی الطریق-طبّق الرضی و علّق علیه حکم الإسقاط.

و لازم أوّل هذین الوجهین دوران الحکم مدار وقوع تلک الأفعال بشرط تمامیّة أرکان کشفها عن عدم القرینة بعد الدلالة فی حدّ أنفسها،فلو تبیّن عدم الرضی القلبی بعد ذلک و تخلّف الکاشف النوعی فی مورد شخصی عن المکشوف لا یضرّ بالحکم.

و لازم الثانی:کون تمام الإناطة بالمکشوف فمع التخلّف یرتّب آثار عدم السقوط،فهذه أربعة احتمالات.

فإن قلت:لا موجب للحصر فإنّ هنا احتمالا خامسا و هو أن ینظر إلی مجموع الکاشف و المکشوف و یحمل علیه الرضی و یعلّق علیه حکم الإسقاط،و هو العلم الطریقی علی وجه جزء الموضوع،و قد فرغ عن إمکانه فی محلّه.

قلت:نعم هو صرف إمکان عقلی و لکنّه لا یعدّ احتمالا فی الروایة،فإنّه لکثرة بعدها عن الظاهر غیر محتمل فتصیر الاحتمالات منحصرة فی الأربعة.

و حیث إنّ احتمال التنزیل و هو الاحتمال الأوّل بعید عن اللفظ-فإنّه ظاهر فی مقام الإشارة إلی أمر مسلّم لدی المخاطب کبری و صغری لا کبری فقط- و الاحتمال الثانی أعنی کون ذلک حکمة یکون أیضا خلاف الظاهر فإنّ الظاهر من أمثال هذه التعبیرات هو العلّیة.

و أمّا الاحتمال الرابع:أعنی کون الجملة علّة للحکم مع الإناطة علی المکشوف فهو و إن کان لا یبعد عن ظاهر اللفظ و لکنّه مقطوع الخلاف من الخارج،فإنّ الکبری المسلّمة الخارجیّة التی طبّقها الإمام-علیه السلام-علی المقام قد أخذ فیها جزءان:الرضی و المظهر،فلو فرض العلم بالرضی بطریق الرمل و الجفر لا یکفی فی الحکم بالسقوط،فینحصر الأمر فی الاحتمال الثالث.

ص:101

فإن قلت:یبعّد هذا الاحتمال أیضا أمران،أحدهما:الأمثلة المذکورة فی الذیل،فإنّ النظر و اللمس و التقبیل غیر دالّة علی الرضی نوعا،الثانی:أنّ أفراد الحدث فی الخارج یغلب فیها ما لا دلالة فیه علی الرضی بحیث یمکن دعوی قلّة الدالّ منها فی جنب غیره،و مع هذا یستهجن التعلیل بقول مطلق فهو نظیر التعلیل للنهی عن أکل الرمّان بأنّه حامض مع کون الحامض فی أفراده قلیلا.

قلت:أمّا الأوّل فیمکن الجواب عنه بالفرق فی نظر العرف بین الجاریة و سائر المملوکات،فحال الجاریة حال الزوجة فی کون المرغوب فیها المحجوبیّة و الاستتار،فلو أخذها المشتری و قبّلها أو لامسها أو نظر إلی ما یحرم قبل الشراء أعنی إلی العورة-فإنّ النظر إلی ما عداها غیر محرّمة قبل الشراء مقدّمة للشراء-ثمّ ردّها إلی بائعها صار ذلک موجبا لعدم رغبة الناس فی ابتیاعها،فإنّ العمدة فی الجاریة تصییرها أمّ ولد و لا شکّ أنّ النظر فی أمر أمّ الولد کنظرهم فی أمر الزوجة فی مراعاة قلّة نظر الغیر إلی عورتها و لمسها و تقبیلها فلا یرغبون فیمن وقع فی حقّه أمثال ذلک.

أمّا الثانی:فلا نسلّم قلّة الأفراد المذکورة فی جنب غیرها بل إذا لوحظ أخصیّة مادّة الحدث من مادّة التصرّف یمکن دعوی العکس،و أنّ الغالب فی أفراد الحدث هو الدلالة فتدبّر.

هذا کلّه علی تقدیر تسلیم أنّ المراد بالرضی هو الرضی و الالتزام بالعقد الذی هو ضدّ الفسخ و لا یتمشّی لا محالة من غیر العالم بالخیار،و لکنّه مناف لإطلاق الروایة،فإنّ قوله-علیه السلام-:فإن أحدث المشتری (1)إلی آخره لا اختصاص له بالمشتری العالم بخیار الحیوان فیشمل الحدث الصادر من الجاهل،و بهذه القرینة بضم القطع بعدم إرادة الرضی بأصل الملکیّة کما تقدّم یحصل معنی ثالث

ص:102


1- 1) سبق ذکر مصدره.

و هو الرضی بأصل إمساک الملک و الغمض عن ردّه إلی البائع،فإنّ هذه الحالة ممکن التمشّی من العالم و الجاهل الذی بحسب نفسه ملجأ بقبول البیع و التزامه، و لکنّها ما دامت کامنة فی نفسه و لم تصل إلی مقام الإظهار بالفعل الدالّ النوعیّ علی وجودها فی نفس الفاعل لا تثمر فی سقوط الخیار و إنّما تثمر بسبب تحقّق الإظهار الفعلیّ.

فإن قلت:الجاهل المذکور یری نفسه من الأوّل ملتزما بالقبول فکیف یصحّ حمل هذا المعنی علی الحدث؟و هذا أیضا کالرضی بأصل الملکیّة الذی قلت إنّه غیر مقصود من العبارة لکونه أمرا حاصلا من الأوّل.

قلت:مجرّد الجهل لا یوجب ما ذکرت فإنّه ربّما یتوسّل إلی انفساخ العقد بالتقایل أو بوجه آخر،فما دام لم یبرز منه العمل الدالّ علی الالتزام بالملکیّة فمجرّد الجهل غیر حاکم بکونه ملتزما.

و بالجملة علی هذا الوجه یسقط الاحتمال الأوّل من الاحتمالات الأربعة المذکورة أعنی إرادة التنزیل،فإنّ التنزیل إنّما یصحّ فیما إذا کانت فی موضوع الرضی کبری وجدانیّة خارجیّة،و علی هذا المعنی لیس للرضی هذا المعنی،و إنّما المرتکز فی الأذهان مسقطیّة الالتزام بالعقد الذی هو عدل الفسخ الصادر من العالم بالخیار،لا هذا المعنی المتساوی النسبة إلی العالم و الجاهل،فتدبّر.

الثالث:خیار الشرط

اشارة

أعنی:الثابت بسبب اشتراطه فی العقد،و قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-:لا خلاف فی صحّة هذا الشرط و لا فی أنّه لا یتقدّر بحدّ عندنا،و نقل الإجماع علیه مستفیض،و الأصل فیه قبل ذلک الأخبار العامّة المسوّغة لاشتراط کلّ شرط إلاّ ما استثنی،و الأخبار الخاصّة الواردة فی بعض أفراد المسألة.

ص:103

فمن الأولی:الخبر المستفیض الذی لا یبعد دعوی تواتره«أنّ المسلمین عند شروطهم» (1)و یزید فی صحیحة ابن سنان«إلاّ کلّ شرط خالف کتاب اللّه فلا یجوز» (2)و فی موثقة إسحاق بن عمّار«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو حلّل حراما» (3)انتهی.

قال شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:أمّا الأخبار الخاصّة مثل صحیحة ابن سنان عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-فی حدیث قال-علیه السلام-:«و إن کان بینهما شرط أیّاما معدودة فهلک فی ید المشتری قبل أن.الشرط فهو من مال البائع» (4).

و روایة السکونی:«إنّ أمیر المؤمنین-علیه السلام-قضی فی رجل اشتری ثوبا بالشرط إلی نصف النهار» (5).

و الأخبار المستفیضة الواردة فی اشتراط الفسخ بردّ الثمن کما سیأتی نقلها إن شاء اللّه تعالی،فالتمسّک بها مع التأیّد بالإجماعات المنقولة المستفیضة حسن فی إثبات المطلب.

و أمّا الأخبار العامّة:فلا إشکال فی التمسّک بها أیضا بناء علی ما ذهب إلیه -قدّس سرّه-فی معنی الاستثناء الواقع فیها،و أمّا علی ما نحتمل من معنی آخر فیها فربّما یشکل الحال.

و توضیح معنی الاستثناء علی سبیل الإجمال:أنّ المراد بالتحلیل و التحریم هو الترخیص و المنع الصادران من نفس الشارط،فإذا قال:بعتک بشرط شربک الخمر،فهذا معناه:رخصتک فی الشرب،و إذا قال:بشرط عدم شربک الماء،فهذا

ص:104


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 6 من أبواب الخیار،ص 353،ح 1 و 2 و 5.
2- 2) المصدر نفسه:ح 2.
3- 3) المصدر نفسه:ح 5.
4- 4) المصدر نفسه:الباب 8،من أبواب الخیار،ص 355،ح 2.
5- 5) المصدر نفسه:الباب 12،من أبواب الخیار،ص 359،ح 1.

منع منه للمشروط علیه عن الشرب،و علی هذا فربّما یستشکل بأنّه لا داعی لکلّ مشترط لفعل أو ترک أو نتیجة إلاّ لأن یحصل به أمر غیر حاصل و هو بأن لا یکون للمشروط علیه فی صورة شرط الفعل ملزم شرعی إلی الفعل أو نفسانی و کذا النتیجة،فإنّه إذا کانت النتیجة حاصلة فاشتراطها أمر لغو لا یصدر عن عاقل.

فعلی هذا مرجع کلّ شرط إمّا إلی سدّ باب فتحه اللّه أو فتح باب سدّه اللّه، و هذا معنی تعمیم التحلیل و التحریم إلی الطلبی و الوضعی،و کذا الحلال و الحرام فلا یبقی للمستثنی منه إلاّ شرط ترک المحرّمات،و فعل الواجبات و النتائج الحاصلة لولا الشرط.

و حاصل التفصّی علی ما اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أن یقال:إنّ الحلال و الحرام الثابتین فی الشریعة علی قسمین،أحدهما:ما ثبت للذوات فی حال التجرّد عن العناوین الطارئة و باعتبار أنفسها لو خلّیت و طبعها کما فی حلیة لحم الغنم،و هذا لا یزاحم حکما ثابتا لعنوان ثانوی وارد علی الذات،فإنّ وروده یوجب قلب الموضوع و خروجه عن وصف التجرّد إلی موضوع آخر معنون.

و الثانی:ما یثبت للذوات مع الإطلاق لجمیع الحالات الطارئة و العناوین العارضة علیها،و هذا لا محالة یحصل التنافی بینه و بین الحکم المنافی الثابت للعنوان الطارئ،لأنّ الموضوع حسب الفرض محفوظ فیبقی التنافی بین الحکمین، فما ورد فی بابی الشرط و الصلح من استثناء ما کان منهما تحلیلا للحرام و تحریما للحلال ناظر إلی الحلال و الحرام اللذین کانا من قبیل القسم الثانی،و ما یلزم من استثنائه لغویّة البابین هو الحلال و الحرام اللذان من القسم الأوّل.

فشأن البابین هو التغییر و التبدیل فیما کان من القسم الأوّل و لیس فیه تحلیل و تحریم بل هو قلب للموضوع و إخراج له عن الوصف الذی به صار موضوعا

ص:105

و التحلیل و التحریم إنّما یتحقّقان فی القسم الثانی الذی فرض فیه سرایة الحکم و إطلاقه إلی جمیع حالات الموضوع التی منها حالة الاشتراط،فإنّه لو نفذ الشرط حینئذ فاللازم منه رفع الحکم مع حفظ الموضوع.

و حاصل الإشکال الذی أورد علی هذا التفصّی شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-:

أنّه إن أرید من الحلال و الحرام ما کان مدلولا للأدلّة بما هو مدلول،و بعبارة أخری:کان قوله-علیه السلام-:الحلال و الحرام ناظرا إلی مفاد الأدلّة الذی یستنبطه المجتهد فی مقام الإثبات،فالتشقیق صحیح،فإنّ المعنی حینئذ أنّه ینظر إلی مفاد الأدلّة الأوّلیّة،فإن استفید منها حکم حیثیّ مع عدم النظر فی مقام الدلالة إلی العناوین الطارئة،فالشرط صحیح و إن کان المفاد منها الحکم مع ثبوت الإطلاق الدلالی بالنسبة إلی الحالات الطارئة،فالشرط باطل و لا یجوز رفع الید عن ذلک العموم و الإطلاق الإثباتیّین بدلیل الشرط و ملاحظة المعارضة بینهما،و لکن کون الکلام ناظرا إلی مقام إثبات الأدلّة بعید غایة البعد.

و إن أرید الحلال و الحرام الثابتان بحسب مقام الثبوت و نفس الأمر اللذان هما ذات المکشوف بالأدلّة فی مقام الإثبات،فالاستثناء حینئذ یرجع إلی أمر رکیک و توضیح للواضح،فإنّ المعنی أنّه إن کانت الحلّیّة و الحرمة الواقعیّتین اللتین شرط خلافهما الشارط بحسب مقام ثبوتهما و واقعهما ساریتین إلی هذه الحالة الطارئة علی الموضوع و هو حالة الاشتراط فالشرط باطل،و إن لم تکونا بساریتین إلی العنوان الطارئ و واقفتین علی مرتبة الذات المجرّدة فالشرط صحیح،و الشقّ الأوّل راجع إلی أنّه لو کانت الحرمة الواقعیّة الفعلیّة ثابتة حال الشرط بفعلیّتها فلا یمکن أن یجیء الوجوب من قبل الشرط،و هذا أمر بدیهی لعدم إمکان الحرمة و الوجوب التعیینیین فی مورد شخصی مع عدم المندوحة.

ص:106

فإن قلت:یمکن وجودهما بوصف الفعلیّة و تزاحما.

قلت:معنی الفعلیّة فی المتزاحمین ثبوتهما مع قطع النظر عن حال التزاحم و المفروض هنا الفعلیّة حتی بالنظر إلی حال الابتلاء بصفة الاشتراط،و حکمها الجائی من قبل أوفوا بالشروط و لا شبهة فی عدم معقولیّة اجتماع الفعلیتین بهذا المعنی.

و حاصل التفصّی علی ما مال إلیه أستاذنا-دام ظلّه-بعض المیل فی مجلس الدرس أن یقال:إنّ الحلال و الحرام یراد بهما الواقعیّان لا ما هو مفاد الأدلّة و فی مقام الإثبات لکنّ المقصود منهما کلّ حکم جاء من قبل اقتضاء فی الموضوع لجعل ذلک الحکم،و حاصل الاستثناء یرجع إلی أنّ الاشتراط لا یقوم بقبال الأحکام التی جعلها الشارع باقتضاء المقتضیات فی موضوعاتها و لو فرض کون المقتضی بحیث لا یقاوم العناوین الطارئة و یکون مغلوبا لها،و لکن إذا وقعت متعلقاتها تحت عنوان الشرط،فهذا العنوان لیس کسائر العناوین فی مغلوبیّة ذلک الاقتضاء فی جنبه و یخرج بهذا الأحکام التی جعلها الشارع لا لاقتضاء فی الموضوعات لجعلها،بل لعدم اقتضاء فی جعل أضدادها.

مثلا الإباحة قد تکون مجعولة لاقتضاء فی الموضوع،کما لو کان فی حدّ ذاته مناسبا للإیجاب،و لکن مناسبته للتسهیل و الامتنان،و غلبة هذا علی الأوّل أوجب جعل الإباحة.

و قد تکون مسبّبة لا عن الاقتضاء بل لعدم اقتضاء فی شیء من جانبی الفعل و الترک للطّلب الإلزامی و لا غیره إلی جعل ذلک،فکلّ ما کان من قبیل الأوّل فالشرط فی مورده باطل لأنّه تحلیل و تحریم،و کلّ ما کان من الثانی فلا تحلیل و لا تحریم فیصحّ.

ص:107

إن قلت:کیف یکون فی الأوّل تحلیل و تحریم إذا فرض عدم ناظریّة الحکم بواقعة لحالة الاشتراط و کان حکما حیثیا فإنّه حینئذ قلب الموضوع و فرق بین إبطال الموضوع و إبطال الحکم.

قلت:قد أسند التحلیل و التحریم إلی الشارط فهما فعله و لا شکّ أنّه علّق التزامه الشرطی علی نفس العنوان المحکوم بالحکم،و بعبارة أخری هو مع الحکم یرد علی ذات الموضوع دفعة و فی عرض واحد،فلو فرض نفوذه کان إبطالا للحکم فی رتبة وجود موضوعه،نعم حکم الشارع حیث إنّه متأخّر عن فعل الشارط و التزامه کان لا محالة فی موضوع آخر غیر الذات المجرّدة،و حینئذ یمکن أن یقال بمناسبة الحکم و الموضوع بانصراف عنوان التحلیل و الترحیم إلی القسم الأوّل،إذ یصدق فی الثانی أنّ الشارط ما فعل شیئا بقبال الشارع-علیه السلام-،هذا حاصل الکلام فی توضیح الاستثناء.

إذا عرفت ذلک فنقول فی مسألتنا:شرط الخیار فی البیع مناف بحسب الصورة،لآیة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)و لروایة«إذا افترق البیّعان وجب البیع» (2)و لکن علی المذاق الأوّل فی معنی الاستثناء یمکن أن یقال بعدم المنافاة لشیء منهما.

أمّا الآیة الشریفة:فلأنّ مفادها وجوب الوفاء بالعقد و الإتیان بمقتضاه کیف ما کان،فإذا فرض إدراج الشرط فی العقد فالوجوب یتعلّق بهذا الموضوع المقیّد.

و أمّا الروایة الشریفة:فمفادها حکم حیثی و قد عرفت اختصاص التحلیل و التحریم علی هذا المذاق بما لم یکن من هذا القبیل.

ص:108


1- 1) المائدة:2.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.

لا یقال:ینافی کونه حیثیّا جعله-قدّس سرّه-هذه الروایة مع الآیة مرجعا فی ما تقدّم فی مسألة نفی خیار بائع الحیوان بعد تعارض الأخبار من الطرفین.

لأنّا نقول:لا منافاة لإمکان کون الخطاب من جهة فعلیا و من أخری حیثیّا و من الممکن القول بفعلیّة الحکم المزبور بالنظر إلی خصوصیّة بایعیّة الحیوان، و بعبارة أخری بالإضافة إلی أفراد البائعین و البیوع و المبیعات و عدم فعلیّته بالنظر إلی مثل عنوان الاشتراط،هذا علی المذاق الأوّل.

و أمّا علی المذاق الثانی فیمکن أیضا تقریب عدم المنافاة،أمّا فی الآیة فبما تقدّم،و أمّا فی الروایة فبأن یقال:إنّ الوجوب و نفی الخیار حکم جاء من قبل عدم الاقتضاء،فإنّ الملک إذا حصل فالرفع و الإزالة محتاج إلی السبب و أمّا الترک بحاله فیکفیه عدم سبب الرفع.

لا یقال:یکفی فی السببیّة للوجوب نفس بقاء الملک الذی هو بطبعه.

لأنّا نقول:هذا من قبیل بقاء الجسم فی محلّه ما لم یحدث المزیل و هذا بقاء الموضوع،و الذی نحن فیه وجود خصوصیّة فی الملک مقتضیة للحکم علیه بعدم الخیار و أنّی لنا بإثبات ذلک،إذ من الممکن کون الملک بحسب طبعه باقیا مع کونه لا اقتضاء فی شیء من طرفی الحکم بالخیار و الحکم بالعدم،و لکن حیث إنّ العدم لا مؤنة له بل یکفیه عدم تحقّق علّة الوجود حکم بالعدم.

لکن هذا التقریب فی الروایة مسقط لها عن قابلیّة التمسک بها فی مثل المسألة المتقدّمة من نفی خیار بائع الحیوان،إذ لیس مفادها علی هذا إلاّ نفی الاقتضاء للخیار فلا ینفی احتمال الاقتضاء من ناحیة خصوصیّة.

هذا و الذی یسهل الخطب کما عرفت هو الأخبار الخاصّة مؤیّدة

ص:109

بالإجماعات المنقولة المستفیضة.

ثمّ الکلام فی أحکام الخیار المشترط فی العقد یظهر برسم مسائل.

مسألة:لا فرق بین کون زمان الخیار متّصلا بالعقد أو منفصلا عنه،

لعموم الأدلّة حتّی لو شرط یوما و یوما لا،أو شهرا و شهرا لا،إنّما الکلام فیما لو لم یعیّن المدّة و حصل التراضی بالخیار فی مدّة مجهولة کقدوم الحاج.

فقال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:بطل بلا خلاف،بل حکی الإجماع علیه صریحا لصیرورة المعاملة بذلک غرریّة،انتهی.

وجه غرریّة البیع:أنّ الشرط فی المجهولة المردّدة بین شهر و شهرین مثلا لا شکّ فی کونه غررا و خطرا،و معنی الغرر هو إلقاء النفس فی معرض الخطر و لیس المعیار فیه عدم إقدام العقلاء علیه،إذ لا منافاة فی إقدامهم فی کثیر من أفراد الغرر و هو ما یسمّونه إقداما علی حظ و بخت.

و بالجملة:إذا کان الشرط غرریا فالبیع أیضا یصیر کذلک لمساس الشرط به،فإنّه کما یسری الغرر الآتی من ناحیة المتعلّق أعنی:العوضین و ما یتعلّق بهما إلی البیع کما فی بیع ما لا یعلم قدره فی المکیل و الموزون،فکذلک حال الشرط فإنّه أیضا و إن کان لا یرتبط بحسب الإنشاء بشیء من العوضین و إنّما یلاحظ جانبه فی مقدار القیمة بحسب اللّبّ و الغرض،و لکنّه مرتبط بنفس المبایعة و المبادلة، فإنّه و إن لم یوقع إنشاء البیع و الالتزام بالمبادلة منوطا بالشرط کما هو الشأن فی الشرط الأصولی بل أدرج الالتزام الشرطی فی ضمن الالتزام البیعی من دون أن یفرض الالتزام البیعی ظرفا،و لکنّه یرجع بالمآل إلی الشرط الأصولی إذ لیس حقیقة الشرط مجرّد مقارنة بین الالتزامین بلا مساس لأحدهما بالآخر بل المقصود تضییق دائرة المندرج فیه بالمندرج.

ص:110

و علی هذا فإذا کان فی المندرج جهالة و غرر فلا محالة یسری إلی المندرج فیه ضرورة أنّ النتیجة تابعة لأخسّ المقدمتین،و المقیّد بما هو مقیّد یصیر غرریّا لغرریّة القید و هذا واضح.

و لکن لا بدّ أن یعلم أنّ هنا أیضا کما تقدّم فی مسألة تعیین العوضین فردا غرریا عند العرف و إن کانوا یقدمون علیه و فردا غیر غرریّ مع ثبوت مطلق الجهالة فیه،و مثلنا له فیما تقدّم بمبایعة الجنسین فی کفّتی المیزان متساویین وزنا و قیمة،و بمبایعة الجنس المردّد بین خمسة أمنان جیاد و عشرة ردیّة متساویین فی القیمة،فإنّ فیهما مطلق الجهل ثابت و لکن لا تعدّ مثل هذه المعاملة غرریّة.

و هکذا فیما نحن فیه فقد یفرض الجهالة بمثل ما مثّلنا من التردّد بین الشهر و الشهرین،و هذا لا شبهة فی صدق الغرر معه عرفا،و قد یفرض فیما بین ساعة و ساعتین ممّا یتسامح فیه عرفا و لا یخرج بواسطة هذا المقدار عن الانضباط.

ثمّ فی المسألة المتقدّمة قام الإجماع علی لزوم مراعاة العلم بالمقدار فی المکیل و الموزون و مضرّیّة الجهل حتّی فی مثل المثالین و فی مثل بیع عبد من عبدین،و لکن فی مسألتنا هذه لا نصّ مخصوص بالفرض،و عمومات النهی عن بیع الغرر وحدها غیر کافیة لإثبات التعمیم المذکور لما عرفت من عدم الصدق عرفا فی مثل الساعة و الساعتین،فالمتّبع حینئذ الإجماع إن ثبت کما یظهر دعواه من العبارة المتقدّمة من شیخنا-قدّس سرّه.

و لکنّه خلاف ما نری مسلمیّته فی باب الأجل فی السلم الذی استشهد -قدّس سرّه-به فی المقام أیضا،فإنّ جعل الأجل رأس الشهر الهلالی مثلا صحیح مع أنّه لا یعلم رؤیة الهلال فی الثلاثین أو فی التسعة و العشرین،فقد اغتفر مثل هذا التفاوت الذی هو بیوم و لیلة فکیف لا یغتفر مثل الساعة و الساعتین؟

ص:111

و علی هذا فإن تابعنا موارد صدق الغرر عرفا لا یصیر دائرة الغرر بحسب العرف و الشرع متفاوتة،نعم إن قلنا بأنّه یحصل من تتبّع موارد کلمات العلماء فی مواضع متفرّقة-حیث علّلوا مضرّیة الجهل بما لا یسمّی غررا عرفا کالأمثلة المذکورة بلزوم الغرر-انعقاد الإجماع علی أنّ مراد الشارع-علیه السلام-من الغرر الواقع تحت النهی مطلق الجهل،فحینئذ یصیر دائرة الغرر الشرعیّ أضیق دائرة من العرفی،کما ذکره بعض الأساطین-قدّس أسرارهم-،و إن کان حقّ العبارة أن یقال:إنّ الشرعی أوسع دائرة من العرفی،لکن أنّی لنا بإثبات ذلک.

ثمّ إنّه ربّما یقال فی قبال ما قلنا فی وجه بطلان البیع بغرریّة الشرط بواسطة الجهل بمدّته:بأنّه لا شکّ أنّ البیع عند تخلّف الشرط لیس حاله کحاله عند تخلّف أحد العوضین فیمکن انتفاء الشرط مع بقاء البیع الذی هو المشروط،غایة الأمر حصول الخیار،و حینئذ نقول:إذا فرض وجود الدلیل علی فساد الغرر فی مطلق الجعل و الالتزام لا خصوص البیع،إنّ الشرط حینئذ یصیر فاسدا لغرریّته، و فرضنا إمکان بقاء البیع بدون الشرط،و إذا سقط الشرط فلا موجب لبطلان البیع لأنّ المفروض عدم الغرر فیه من جهة أخری.

و لکن فیه أنّ موضوع الغرر لا بدّ أن یلاحظ وجوده و عدمه قبل حکمه،فقبل حکم الشارع بالبطلان إذا لاحظنا جعل البائع الشارط نراه جعلا غرریّا،و تسری الغرریّة إلی جعله البیعیّ أیضا.و حینئذ فإذا فرض وجود الدلیل علی بطلان مطلق الغرر فاللازم بطلان الشرط من جهتین،إحداهما من جهة دخول نفسه تحت دلیل الغرر،و الأخری من جهة تبعیّته للبیع الذی هو أیضا داخل تحته.

و بالجملة:بعد سرایة الغرر من الشرط إلی البیع بقضیّة التقیید یتعیّن القول ببطلان البیع،و لکن یظهر من المحقق الخراسانی-قدّس سرّه-فی حاشیته علی

ص:112

مکاسب شیخنا-قدّس سرّه-فی هذا المقام إمکان کون الشرط غیر قید للعقد و إن کان فی ضمنه،و هو-قدّس سرّه-أعلم بما أفاد.

مسألة:لا فرق فی بطلان العقد بین ذکر المدّة المجهولة کقدوم الحاج،و بین

عدم ذکر المدّة أصلا،

کأن یقول:بعتک علی أن یکون لی الخیار،و بین ذکر المدّة المطلقة کأن یقول:بعتک علی أن یکون لی الخیار مدة،لاستواء الکلّ فی الغرر.

خلافا للمحکیّ عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنیة و الحلبی، فجعلوا مدّة الخیار فی الصورة الأولی ثلاثة أیّام و یحتمل حمل الثانیة علیها،و عن الانتصار و الغنیة و الجواهر الإجماع علیه،و فی محکیّ الخلاف وجود أخبار الفرقة به.

اعلم أنّه لو قصد الشارط فی الصورة الأولی جعل الخیار فی ظرف الدوام- کما هو الحال فی جعل الأحکام لا بمعنی التعرّض فی إنشائه لذلک حتی یخرج عن المفروض،بل إنّما یتعرّض لجعل حقیقة الخیار و یستفاد الإطلاق و الامتداد بحسب طول الزمان من مقدّمات الحکمة-فلا شبهة فی جوازه،فإنّ الدوام أمر مضبوط لا جهل فیه فلا غرر،کما أنّه لو أخذ الزمان قیدا مفرّدا للفسخ فانتزع عمّا بین تلک الأفراد الفرضیّة جامعا کلیّا،و ینشئ ملکیّة ذلک الکلّی نظیر الصاع من الصبرة فی الأعیان یخرج عن الغرر أیضا،لأنّ الکلّی لا جهل فیه،فلا بدّ من فرض الکلام فیما إذا کان المقصود ملکیّة الفسخ علی نحو الإهمال،إمّا بأن یجعله معرّفا لفرد خاص و إمّا بأن یوکل التعیین إلی زمان آخر،و هذا لا إشکال فی شمول دلیل الغرر إیّاه کالصورة الثانیة.

و ما یتوهّم فی قبال هذا العموم أمور:

الأوّل:الإجماع المنقول فی لسان الأساطین الثلاثة-قدّس اللّه أسرارهم.

الثانی:إرسال الخلاف وجود أخبار الفرقة به،و هذا بمنزلة أخبار مرسلة علی

ص:113

لسان الشیخ-قدّس سرّه.

الثالث:مفهوم بعض أخبار خیار الحیوان و هو صحیحة ابن رئاب حیث قال-علیه السلام-:«الشرط فی الحیوان ثلاثة أیّام للمشتری اشترط أم لم یشترط» (1)حیث خصّ التعمیم لصورة الاشتراط و العدم بالحیوان،فیستفاد منه لمفهوم اللقب أنّ غیر الحیوان یکون فیه هذا الحکم فی صورة الاشتراط،و حیث إنّ الاشتراط المطلق یعلم أنّه لیس کذلک فیحمل علی صورة الاشتراط بدون تعیین المدّة.

الرابع:ما روی فی کتب العامّة أنّ حنان بن منقذ کان یخدع فی البیع لشجّة أصابته فی رأسه،فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«إذا بعت فقل لا خلابة و جعل له الخیار ثلاثا»و فی روایة:و لک الخیار ثلاثا.و الخلابة الخدیعة.تقریب الدلالة:أنّ معنی لا خلابة«إنّی لا أتحمّل منک الخدعة»یعنی أفسخ البیع لو شئت،فعبّر عن عدم لزوم البیع بعدم الخلابة بطریق الکنایة،و جعل النبی صلی اللّه علیه و آله و سلم حکمه الخیار ثلاثة أیّام.

و توهّم الاختصاص لهذا الحکم بذاک الشخص أو بمن هو مثله فی المخدوعیّة أو بهذه اللفظة بعید عن الظاهر،فإنّ الکلام فی مقام بیان المخلص، و ظاهره أنّ هذا من خواص ذات العمل من أیّ فاعل صدر،هذا ما یتوهّم و الکل غیر قابل للاعتماد.

أمّا الإجماع:فعیبه أنّه منقول،مضافا إلی إمکان إرادة ناقلة أنّ الإطلاق منصرف إلی الخیار المجعول الشرعی لکونه معهودا فی ذهن المتشرّع و هو ثلاثة أیّام بالإجماع.

ص:114


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

و أمّا الثانی:فلأنّه لم یعثر فی کتب الأخبار و لا فی کلام أحد من الفقهاء من تعرّض لذکر هذه الأخبار،مع أنّ العادة تقضی بأنّها لو کانت لوجدت فی تلک الکلمات،فمن القریب بعد ملاحظة ذلک کون قول الخلاف إشارة إلی أخبار الحیوان بالتقریب الذی ذکر.

و أمّا الثالث:فوهنه واضح.

و أمّا الرابع:فالدلالة و إن لم یبعد تمامیّتها و لکنّ السند قاصر لأنّ الروایة کما عرفت عامیّة و لم یعلم انجبارها بالعمل،إذ استناد المجمعین إلیها غیر معلوم و إذن فالحکم بالبطلان فی کلتا الصورتین متّجه.

مسألة:مبدأ هذا الخیار من حین العقد لأنّه المتبادر من الإطلاق،

و لو کان زمان الخیار منفصلا کان مبدؤه أوّل جزء من ذلک الزمان،و لو جعل مبدءه من انقضاء خیار الحیوان،فبناء علی القول بأنّ مبدأ ثلاثة الحیوان من حین العقد لا إشکال،و أمّا علی القول بأنّ مبدأها من حین التفرّق،فربّما یشکل بأنّ الغرر حاصل حیث لا یعلم أنّ المجلس فی أیّ زمان ینقضی،و لکنّه محلّ إشکال لأنّ المجلس حسب المتعارف معلوم مقدار مکثه،و المقدار المحتمل من الزیادة و النقیصة فیه قلیل یتسامح به عادة،و لیس حال هذا الجهل بأقوی من الجهل فی الشهر الهلالی الذی لا یعلم ختمه بثلاثین أم بتسعة و عشرین.

ثمّ بناء علی ما هو الحقّ من إمکان الخیار المتعدّد فی الزمان الواحد بأن تتداخل الأسباب فی المسبّب الواحد لا إشکال،و أمّا بناء علی القول بالعدم فلا بدّ من تقیید الإطلاق إلی ما بعد زمان خیار الحیوان و الحکم بالصحّة ممّا بعد هذا الزمان،فلو جعل الخیار عشرة أیّام یسقط من أوّله مقدار زمان خیار الحیوان و یبقی بقیّة العشرة صحیحا،و الجهل بانقضاء خیار الحیوان هنا غیر مضرّ و إن

ص:115

قلنا بإضراره فی السابق،فإنّ الجهل المضرّ ما کان فی مقام الجعل و لا جهل حسب الفرض فی ذلک المقام،لأنّه متعلّق بعشرة مبدؤه من حین العقد،غایة الأمر التفکیک فی التأثیر و الصحّة حسب قطعات الزمان کما یحصل التفکیک فی الإنشاء الواحد المتعلّق فی باب البیع بما یملک و ما لا یملک و قد فرغ عن إمکانه فی محلّه،و أمّا جعل تمام المدّة کالعشرة فی ما بعد ثلاثة الحیوان فهو خلاف ما قصده الجاعل.

مسألة:یصحّ جعل الخیار لأجنبیّ،

و لو جعل الخیار لمتعدّد ففی المسألة وجوه بحسب التصویر.

الأوّل:جعل الخیار للمجموع بحیث لا یکون لواحد استقلال لا فی الفسخ و لا فی الإمضاء و یکون حالهم کالورّاث فی وجه.

الثانی:جعله لکلّ واحد و هذا یتصوّر علی وجوه:

الأوّل:أن یکون الواحد ذا حقّ علی الفسخ و علی الإلزام بحیث لا یقبل العقد بعده انفساخا بأحد من أسبابه حتّی التقایل،و هذا خلاف الشرع فإنّ العقد قابل للانفساخ بالتقایل.

الثانی:أن یکون ذا حقّ علی الفسخ و یکون الإمضاء منه إسقاطا لهذا الحقّ، و هذا صحیح،و لازمه أنّهما لو اختلفا فی الفسخ و الإمضاء فکلاهما نافذ و العقد منفسخ کما هو واضح.

الثالث:أن یکون ذا حقّ علی الفسخ و علی الإلزام من طرف نفسه وحده و من طرف صاحبه کذلک فی مقابل الانفساخ بالتقایل.

الرابع:أن یکون ذا حقّ علی الفسخ و علی الإلزام من ناحیة نفسه فقط دون صاحبه.

ص:116

و قد تنظّر فی صحّة الأخیرین شیخنا الأستاذ-دام أیّام بقاه-بأنّ متعلّق الحقّ بعد الإلزام حسب الفرض و هو العقد باق بحاله،إذ الفرض أنّه لم یؤخذ فی موضوع الحقّ سوی وجود العقد بلا قید آخر،و حینئذ فانقطاع ید الآخر بواسطة هذا الإلزام لیس إلاّ بالتصرّف فی إطلاق نفوذ حقّ الآخر و أنّه غیر نافذ فی صورة وجود هذا الإلزام.

لا یقال:لیس تصرّفا فی نفوذه،بل فی موضوعه فإنّ موضوعه لیس مطلق العقد بل العقد القابل للانفساخ و هذا الإلزام یوجب خروج العقد عن القابلیة.

لأنّا نقول:کلاّ،فإنّ العقد بعد باق علی القابلیة للانفساخ و لهذا یجوز التقایل،فلا قصور فی ناحیة قابلیة العقد فیتمحّض فی جانب نفس الحقّ فیصیر الشرط من هذه الجهة خلاف الشرع،نعم له تضییق موضوع الحقّ بأن یجعل موضوعه العقد الذی لم یرد علیه إمضاء من صاحبه و حینئذ فکلّ من الفسخ و الإمضاء تقدّم کان هو المؤثّر دون ما تأخّر.

ثمّ إنّه هل یجب علی الأجنبی مراعاة المصلحة للجاعل؟قیل:نعم و الحقّ أنّ هذا تابع لجعل الجاعل،فإن جعله مستقلاّ فی الأمر و مختارا تامّا فله ما یشاء و لو کان فسادا بحال الطرفین.

نعم یمکن دعوی أنّ الظاهر من شاهد حال من یجعل الأجنبیّ ذا خیار علی معاملته کونه فی ذلک متّکلا علی خبرویّته و نظره،و أنّه فی ذلک یقوم مقام نفسه فی رعایة جانبه و ملاحظة صلاحه بحیث یوجب هذا المعنی انصرافا فی عالم الإثبات إلی ثبوت التقیید فی موضوع الجعل،فالمجعول هو الخیار الخاص أعنی ما روعی فیه المصلحة للجاعل و إلاّ فإن صار من قبیل الحیثیّة التعلیلیّة مع الإطلاق فی مقام الجعل و الإنشاء فلا ینفع،و هذا واضح.

ص:117

ثمّ إنّه یظهر من المحقّق الطباطبائی-قدّس سرّه-فی هذا المقام من تعلیقته تفصیل آخر فی المسألة حاصله:أنّ جعل الخیار للأجنبیّ تارة من باب التوکیل، و أخری من باب التحکیم،و إذا کان من باب التوکیل فقد یکون للموکّل أیضا خیار و قد یکون لخصوص الوکیل،فأوجب فی صورة التوکیل مراعاة المصلحة و ذکر فی صورة التحکیم مثل ما قلناه.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:صحّة اشتراط الوکالة للأجنبیّ بعد جعل الخیار لنفسه مبنیّة علی کون الوکالة شرطا علی الموکّل و إلاّ فلو اعتبر اشتراطها علی طرفه فلا معنی لهذا الاشتراط،فإنّ صاحب الحقّ یصحّ له جعل الوکالة،و لو کان ضررا علی صاحبه و لیس لرضی صاحبه و قبوله فی ذلک مدخل،و إنّما الدخیل قبول الوکیل،و الحال أنّ المطلوب من الاشتراط حصول إلزام و التزام لولاه لم یحصل،و هذا إنّما یتحقّق فی جانب الموکّل فإنّه غیر ملزم علی الثبات لو عقد صیغة الوکالة مستقلاّ،و أمّا إذا ألبسه صورة الاشتراط تنجّز علیه البقاء و الدوام.

و حینئذ فنقول:طبع الوکالة آب عن قبول اللزوم-بمعنی عدم تأثیر العزل فی زوالها-فإنّ حقیقتها متقوّمة ببقاء الموکّل علی نصبه و توکیله،فإذا رجع و عزل فلا وکالة و لا تفویض و لا إیکال قهرا،و حینئذ فلا بدّ أن نقول ببطلان هذا الشرط،فإنّ دلیل الشرط إنّما یکون مصبّه الأمور القابلة للزوم و البقاء بعد رجوع الشارط عن شرطه.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ مفاد الدلیل ابتداء إنّما هو التکلیف،و الوضع إنّما ینتزع بتبعه فإذا لم یکن للوضع مجال بواسطة ما ذکرت من عدم القابلیة لا یوجب هذا أن لا نأخذ بظاهر الدلیل من إثبات التکلیف وحده،و حینئذ فنقول بحرمة العزل تکلیفا،و إن کان ینعزل لو عصی و عزله.

ص:118

ثمّ المراد بکونه لخصوص الوکیل أنّ الخیار للموکّل لکن بلسان وکیله.

ثمّ فی صورة التحکیم هل للمشروط له إسقاط حقّه حتّی یوجب سقوط حقّ الأجنبی،لأنّ المفروض أنّ حقّ الأجنبی نفس حقّ المشروط له فمعنی إسقاط حقّه زوال هذا الحقّ و کذا للأجنبی أیضا إسقاط حقّه حتّی یلزم منه قهرا سقوط حقّ المشروط له؟فصل شیخنا الأستاذ-دام علاه-بین الموردین فجوّز فی الأخیر دون الأوّل.

أمّا وجه الجواز فی الأخیر فلأنّه من قبیل إعدام الموضوع بالنسبة إلی حقّ المشروط له فإنّ حقّه متعلّق بحقّ الأجنبی،فإذا أسقط الأجنبیّ حقّه لا یبقی محلّ لحقّ المشروط له.

و أمّا وجه العدم فی الأوّل فلأنّ حقّ الأجنبی لیس مبنیّا علی حقّ المشروط له بل إنّما معنی عدم بقاء حقّ المشروط له انتفاء هذا الحق کما هو الحال فی شرط سائر النتائج،و علی هذا نقول:القدر المتیقّن من أنّ لکلّ ذی حقّ إسقاط حقّه غیر هذا المورد ممّا لم یوجب الإسقاط تفویت حقّ ثابت للغیر.

ثمّ إنّه قد یستشکل فی أصل نفوذ هذا الشرط،أعنی شرط الخیار للأجنبیّ، بأنّه مخالف لعموم«فإذا افترقا وجب البیع» (1)فیدخل تحت قوله:«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (2)،خرج عن عموم هذا الاستثناء فی خصوص المتعاقدین بالنسبة إلی خیار ثلاثة الحیوان و خیار الشرط بالنصوص الخاصّة الناصّة و بقی الباقی،فلا موجب بالنسبة إلی الأجنبی لرفع الید فیه عن عموم الاستثناء،و أنت خبیر بأنّ هذا الاشکال لا مدفع له بما أفاده شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّ

ص:119


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2،من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 6،من أبواب الخیار،ص 354،ح 5.

الفسخ لا یعتبر فی حقیقته کونه من المتعاقدین،و لهذا یقال بإرث الزوجة للخیار مع عدم إرثها من العین،فإنّه یقال:نحن نسلّم مرحلة إمکانه و لکن کلامنا فی الوقوع و أنّ الدلیل قائم بخلافه.

و الذی أفاده شیخنا الأستاذ-أطال اللّه بقاءه-فی جواب هذا الإشکال:أنّه لا بدّ أن یعلم أوّلا،أنّ عموم الاستثناء المزبور من العمومات الغیر القابلة للتخصیص لا بمعنی إبائه عقلا،بل بحسب سیاق اللفظ و أسلوب العبارة،فإنّ قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«قضاء اللّه أحقّ و شرطه أوثق»یستفاد بحسب متفاهمه العرفی أنّه لا مخصّص له،و إن کان یمکن حسب ما قرّرنا فی معنی الاستثناء من أنّ المراد عدم إفادة الاشتراط تغییرا و تبدیلا فی اقتضاءات الشرع،فإنّه بمکان من الإمکان مزاحمة الأحکام الاقتضائیّة بحکم آخر أقوی ملاکا.

و حینئذ فنقول:بعد ورود النصّ الخاص فی مورد المتعاقدین بثبوت الخیار بعد التفرّق،یستکشف منه کون عموم خطاب وجب البیع عند الافتراق،حکما نشأ من قبل عدم الاقتضاء.بمعنی:أنّ العقد فی حدّ نفسه کالموضوعات الخارجیّة له قرار و بقاء،فما دام المجلس یکون المقتضی لجعل الخیار فیه باقیا،و إذا زال المجلس صار البیع حسب مقتضی طبعه لازما،فإنّ المانع جعل الشارع الخیار، فإذا انتفی الجعل بانتفاء موجبه و هو المجلس تحقّق اللزوم قهرا،فمنشأ اللزوم انقضاء المقتضی لجعل الخیار بواسطة التفرّق،لا حدوث المقتضی لجعل العدم بسببه.

لا یقال:لا شکّ أنّ الظاهر الأوّلی من خطاب«إذا افترقا وجب البیع»بل کلّ خطاب هو أنّ الموضوع مقتض للحکم لا أنّه صرف عدم الاقتضاء لنقیض الحکم،و حینئذ فیجب الأخذ بهذا الظاهر بقدر الإمکان،فالذی یجب رفع الید فیه

ص:120

عن هذا الظهور إنّما هو فی موضوع المتعاقدین.

و أمّا فی حقّ الأجنبیّ فالأخذ به ممکن،و ذلک لأنّ الأمر دائر بین أن نقول بأنّ الافتراق مطلقا منعزل عن مرحلة الاقتضاء،و بین أن نقول بأنّه فی الجملة له اقتضاء ذلک،غایة الأمر لا بنحو الإطلاق،فالثانی رفع الید عن الإطلاق، و الأوّل رفع الید عن الأصل،و لا شکّ أنّ الأوّل أولی لکونه حفظا للظهور بقدر الإمکان.

لأنّا نقول:لو حملنا الخطاب علی الاقتضاء لزم رفع الید عن إطلاق المادة بالنسبة إلی المتعاقدین فی خصوص حال الشرط،بخلاف ما إذا حملناه علی عدم الاقتضاء،فإنّ إطلاق المادة حینئذ محفوظ حتّی فی حال الشرط،و مع ملاحظة حکمه فیمکن جعل أصالة الإطلاق فی المادة أمارة علی کونه من قبیل الثانی.

و لو سلّم التعارض بین الظهورین أعنی:ظهور الخطاب فی الاقتضاء و ظهور أصالة الإطلاق تحقّق الإجمال،فیکون اشتراط الخیار للأجنبی من موارد الشبهة فی کونه محلّلا و محرّما،و الأصل المؤسّس لهذا المقام علی ما یأتی إن شاء اللّه تعالی فی محلّه،أصالة عدم المخالفة للکتاب و السنّة.

مسألة:من أفراد خیار الشرط ما یضاف إلیه البیع و یقال له:بیع الخیار،

اشارة

و هو:أن یبیع شیئا و یشترط الخیار لنفسه مدّة بأن یردّ الثمن فیها و یرتجع المبیع، و تحقیق حال المسألة محتاج إلی التکلّم فی أمور.

الأوّل:اعتبار ردّ الثمن فی هذا الخیار یتصوّر علی وجوه:

الأوّل:أن یؤخذ قیدا للخیار علی وجه التعلیق أو التوقیت بأن یکون له الخیار مشروطا بنفس الردّ أو بزمانه،و علی کلّ حال لا خیار قبل الردّ.و المراد بالردّ:

فعل ماله دخل فی القبض من طرفه و إن أبی المشتری.

ص:121

الثانی:أن یؤخذ قیدا للفسخ،فیکون جمیع المدّة المضروبة ظرفا للخیار و السلطنة،لکنّ المسلّط علیه أمر مضیّق و هو الفسخ الخاص بخصوصیّة المقارنة أو التأخّر للردّ.

الثالث:أن یکون الردّ فسخا فعلیّا،بأن یقصد به تملیک الثمن لیتملّک المثمن،و علیه حمل فی الریاض علی المحکیّ ظاهر الأخبار الدالّة علی عود المبیع بمجرد الردّ کما یأتی إن شاء اللّه تعالی.

الرابع:أن یؤخذ ردّ الثمن قیدا لانفساخ العقد،فمرجع ثبوت الخیار إلی کونه مسلطا علی سبب الانفساخ لا علی مباشرة الفسخ،فإنّ التسلّط علی أمر کالزوجیة و الملکیة و الانفساخ تارة یکون بإنشاء نفس تلک المعانی و إمضاء الشارع،و أخری یکون بإیجاد ما هو سبب لوجودها من دون تحقّق إنشاء قولیّ أو فعلی متعلّق بنفسها.

فالوجوه الثلاثة المتقدّمة من قبیل الأوّل.غایة الأمر إنّ الإنشاء فی الثالث یکون فعلیّا و بنفس الردّ،و فی الأولین یکون إمّا فعلیّا و إمّا قولیّا بعده،و هذا الوجه الرابع من قبیل الثانی.

الخامس:أن یکون ردّ الثمن شرطا لوجوب الإقالة علی المشتری بأن یلتزم علی نفسه الإقالة إذا جاء البائع بالثمن و استقاله.

إذا عرفت هذا،فالکلام فی صحّة هذه الوجوه تارة علی القواعد و أخری بحسب النصوص الواردة،و أنّها مساعدة مع الکلّ أو البعض،و علی الثانی مع أیّ منها.

أمّا الکلام علی القاعدة:فمقتضی عموم«المؤمنون عند شروطهم» (1)صحّة

ص:122


1- 1) المستدرک:الجزء 12،الباب 5 من أبواب الخیار،ص 301،ح 7.

الکلّ،لا یقال:نعم و لکن مقتضی الاستثناء أعنی قوله-علیه السلام-:«إلاّ ما حلّل الحرام و حرّم الحلال»البطلان،لأنّ الشرط بجمیع هذه الوجوه محلّل للحرام و مخالف للمشروع،فإنّ المشروع هو لزوم البیع بمقتضی إطلاق«فإذا افترقا وجب البیع».

لأنّا نقول:لا محیص عن القول بعدم الإطلاق فی هذه القضیّة بالنسبة إلی حال الشرط،و إلاّ لزم التخصیص فی عموم الاستثناء بملاحظة القطع بصحّة أحد الوجوه بواسطة النصّ،و قد مرّ إبائه عن التخصیص،فنستکشف بذلک عدم الإطلاق لهذه القضیّة کما تقدّم.

و علی هذا فقضیّة عموم دلیل الشرط صحّة الجمیع،إلاّ أن یکون هنا مانع آخر من موجبات البطلان من التعلیق علی القول بمبطلیّته و الغرر و غیرهما،و لهذا قد یقال بعد تسلیم عدم المانع من ناحیة الإطلاق المذکور:بأنّ الوجه الأوّل و هو تعلیق الخیار علی الردّ أو علی وقته باطل من جهة التعلیق و من جهة جهالة وقت الردّ،و أنّه مثل قدوم الحاجّ،فکما أنّ اشتراط الخیار المعلّق علی قدومهم یکون باطلا للجهالة،فکذا هنا بل یقال:لا فرق فی هذه الجهة بین التعلیق للخیار علی مثل الردّ و القدوم ممّا یجهل وقته،و بین إطلاقه و تقیید الفسخ بذلک،و إن کان یرتفع إشکال التعلیق علی التقدیر الثانی،و لکن إشکال الغرر باق بحاله غیر مندفع،إذ من الواضح أنّ الغرر اللازم فی التقدیر الأوّل-بواسطة جهالة زمان القدوم،و أنّه یتحقّق بعد شهر أو شهرین مثلا،و بهذا المقدار تختلف الأغراض و الرغبات-لا یرتفع بمجرّد کون الخیار أمرا منجّز الحصول مع کون متعلّقه من الفسخ علی حالة التردید و الجهالة المذکورة،فإنّ الذی تختلف باختلافه الرغبات، هو السلطنة الخارجیّة علی الفسخ،و المفروض تردّد أمرها،دون صرف الاعتبار

ص:123

القائم بنفس المنشئ،فإنّ بذل المال بإزاء مثله یعد سفها،فالمنظور الأصلی فی بذل المال إنّما هو السلطنة الخارجیة دون هذا الأمر الاعتباری،فالفرق بین الوجهین فی حصول الغرر فی غایة الإشکال بل جزم شیخنا الأستاذ-دام علاه-بخلافه.

و علی هذا یسری الإشکال فی جمیع الوجوه الخمسة لجریان الملاک المذکور فیها أجمع،و علی هذا فإن کان مفاد أخبار الباب بعض هذه الوجوه کان هو بخصوصه خارجا عن دلیل الغرر و یبقی الباقی تحته،و حیث إنّ الظاهر منها کما یأتی-إن شاء اللّه تعالی-هو الوجه الرابع أعنی:قیدیّة الردّ للانفساخ فیبقی سائر الوجوه محکوما بالبطلان و هو ممّا یبعد منهم الالتزام به.

و الذی ذکر شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی رفع هذه العویصة أن یقال:فرق عرفا بین کون الأمر المعلّق علیه الخیار أو الفسخ الذی فرض کونه مجهول الحصول أو مجهولا زمان حصوله من الأمور الخارجة عن تحت قدرة الفاسخ کقدوم الحاج و نحوه من طیران الغراب و نزول المطر،و بین کونه من الأمور الاختیاریة له المنوطة بإرادته و مشیّته،بحیث فی أیّ زمان شاء إحداثه و إیجاده، أحدثه و أوجده،فلو لم یوجد لکان من ناحیة عدم إرادته و إن کان مسبّبا عن عدم تمکّنه.

و الحاصل:فرق بین ما کان من قبیل الأفعال المنوطة بإرادته المحتمل عدم تمکّنه من بعض مقدّماتها،و بین ما لا ربط له به أصلا،فالوجدان حاکم بارتفاع الغرر مع الأوّل سواء مع التعلیق أم مع التقیید،و بحصوله فی الثانی من غیر فرق بینهما أیضا.

أمّا الثانی:فلما مرّ.و أمّا الأوّل:فلأنّ هذه الجهالة مثل جهالة أنّه هل یرید

ص:124

فیما بعد ذلک الفسخ أو لا؟مثل صورة جعل الخیار مطلقا؟فکما لا تضرّ هذه الجهالة التی مستندها جهالة الإرادة،کذلک فی مقامنا أیضا یکون الجهل بواسطة الجهل بأنّه یریده فی ما بعد أو لا؟و لو کان عدم إرادته لأجل عدم قدرته من المال بمقدار الثمن.

فإن قلت:نعم هذا بالنسبة إلیه،و أمّا بالنسبة إلی المشروط علیه فهذا الأمر المجهول من الأمور الغیر الاختیاریّة،فهو کقدوم الحاج بالنسبة إلیه.

قلت:هذا مثل جهالة الفسخ لا یعدّ غررا بالنسبة إلیه،و السرّ أنّ السلطنة هی المبذول لأجلها المال و معناها الإناطة بالإرادة،أعنی:إن شاء فسخ و إن شاء لم یفسخ،و لا فرق عرفا بین کون اختیار الفسخ بیده مطلقا أو مع الاقتران بفعل اختیاریّ له،لا أعنی کونه مقطوع الاختیاریّة له فی موطنه،بل بمعنی کونه فی معرض ذلک.

ألا تری أنّه لا فرق فی عدم الغرر بین جعل خیار الفسخ مطلقا،و بین جعله و اشتراط کون الفسخ مقترنا أو متأخّرا عن صعود جبل أو عدو ربع فرسخ، مع کونه بحسب القوّة و البنیة ممّن یکون فی معرض التمکّن من ذلک بأن یجعل له الفسخ الخاص بهذه الخصوصیّة،و بعد عدم مساعدة الوجدان علی غرریّة هذا لا فرق أیضا بین جعله بصورة التعلیق أو بصورة التقیید،فإنّ هذا إنّما یجدی فی مقام إصلاح الصورة،و التعلیق و عدمه،و أمّا اللّب فلا یتفاوت،و إذن فلا ینبغی الإشکال فی الصحّة من هذه الجهة.

و استشکل شیخنا العلاّمة المرتضی-قدّس نفسه الزکیة-فی الوجه الرابع، و هو کون الردّ سببا للانفساخ بما حاصله:أنّ ترتّب الانفساخ علی غیر سببه الشرعیّ من الإنشاء الفعلی أو القولی مخالف للمشروع،و قاس ذلک بباب المبادلة،

ص:125

فلو شرط فی ضمن عقد حصولها بالنظر فی المرآة أو حصول أمر کذائی مثلا، فحاله حال ما لو شرط حصول الزوجیّة أو الطلاق بمثل ذلک.

و لکن استشکل شیخنا الأستاذ-دام بقاه-فی ذلک أیضا،و أنّه لا مانع فی جانب الانفساخ،فإنّه أمر معقول و لیس یمنعه إجماع،کما لعلّه تحقّق فی الأبواب الثلاثة أعنی:الزوجیّة و الطلاق و البیع.هذا کلّه،الکلام فی الوجوه الخمسة حسب القواعد.

و أمّا حسب نصوص الباب فلا بدّ أوّلا من التیمّن بذکرها ثمّ التکلّم فی ما یستفاد منها،و أنّه أیّ من الوجوه المذکورة؟و إن کان لا یهمّنا تحقیق ذلک بعد ما عرفت من تطبیق تمامها علی القواعد،فنقول و باللّه المستعان:

منها:موثقة إسحاق بن عمّار«حدّثنی من سمع أبا عبد اللّه-علیه السلام-:

و سأله رجل و هو عنده،فقال:رجل مسلم احتاج إلی بیع داره فجاء إلی أخیه، فقال:أبیعک داری هذه،و تکون لک أحبّ إلیّ من أن تکون لغیرک،علی أن تشترط لی إن أنا جئتک بثمنها إلی سنة أن تردّها علیّ؟فقال-علیه السلام-:لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلی سنة ردّها علیه.قلت:فإنّها کانت فیها غلة کثیرة فأخذ الغلة لمن تکون الغلة؟قال-علیه السلام-:الغلة للمشتری،ألا تری أنّه لو احترقت لکانت من ماله؟» (1).

و روایة معاویة بن میسرة قال:سمعت أبا الجارود یسأل أبا عبد اللّه -علیه السلام-عن رجل باع دارا له من رجل و کان بینه و بین الرجل الذی اشتری منه الدار خلطة،فشرط:إنّک إن أتیتنی بمالی ما بین ثلاث سنین فالدار دارک،فأتاه بماله؟قال-علیه السلام-:له شرطه،قال أبو الجارود:فإنّ ذلک الرجل قد أصاب

ص:126


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 8 من أبواب الخیار،ص 355،ح 1.

فی ذلک المال فی ثلاث سنین،قال-علیه السلام-:هو ماله،و قال-علیه السلام-:أ رأیت لو أنّ الدار احترقت من مال من کانت؟تکون الدار دار المشتری» (1).

و عن سعید بن یسار فی الصحیح علی المحکیّ«قال:قلت لأبی عبد اللّه -علیه السلام-:إنّا نخالط أناسا من أهل السواد و غیرهم،فنبیعهم و نربح علیهم للعشرة اثنی عشر و ثلاثة عشر و نؤخّر ذلک فیما بیننا و بین السنة و نحوها،و یکتب لنا الرجل علی داره أو علی أرضه بذلک المال الذی فیه الفضل الذی أخذ منّا شراء قد باع و قبض الثمن منه،فنعده إن هو جاء بالمال إلی وقت بیننا و بینه أن نردّ علیه الشراء،فإن جاء الوقت و لم یأتنا بالدراهم فهو لنا،فما تری فی هذا الشراء؟فقال -علیه السلام-:أری أنّه لک إن لم یفعل،و إن جاء بالمال للوقت فردّ علیه» (2).

و عن أبی الجارود عن أبی جعفر-علیه السلام-«قال:إن بعت رجلا علی شرط، فإن أتاک بمالک و إلاّ فالبیع لک» (3).

و کون الأخیرة من أخبار الباب مبنیّ علی کون(بعت)بمعنی اشتریت.قال فی المجمع:و یقال:البیع:الشراء،و الشراء:البیع،لأنّ أحدهما مربوط بالآخر،ثمّ قال بعد کلام:و فی الخبر«لا یبیع أحدکم علی بیع أخیه» (4)أی:لا یشتری علی شراء أخیه،و النهی إنّما وقع علی المشتری لا البائع.انتهی.

و کذا مبنیّ علی کون قوله:(بمالک)بکسر اللام،فإن کان بالفتح کانت أجنبیّة عن باب شرط الخیار و مرتبطة بخیار تخلّف الشرط.

ص:127


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 8 من أبواب الخیار،ص 356،ح 3.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 7 من أبواب الخیار،ص 354،ح 1.
3- 3) المصدر نفسه:ح 2.
4- 4) مجمع البحرین:الجزء 4،ص 303،مادة«بیع».

و علی کلّ حال فقد عرفت أنّ التعبیر فی هذه الأخبار وقع بنحوین:

الأوّل:تعلیق ردّ المبیع علی المجیء بالثمن،و الثانی:تعلیق نفس ملکیّة المبیع ثانیا للبائع علی المجیء بالثمن.

أمّا الثانی:فواضح الانطباق علی شرطیّة الردّ للانفساخ،فإنّ الظاهر من المجیء و الإتیان بالثمن هو المجیء و الإتیان الخارجیّ،لا الجعلیّ الإنشائی بمعنی إنشاء إدخاله فی ملک المشتری،فمقتضاه کون نفس الإتیان الخارجی به عند المشتری موجبا لعود المبیع.

و أمّا الأوّل:فقد اختار شیخنا الأستاذ-دام علاه-أیضا کونه کذلک ببیان:

أنّ المراد بردّ المبیع أو ردّ الشراء أیضا لیس الردّ الإنشائی بل الردّ الخارجی للعین إلی البائع،و معنی وجوب الردّ بهذا المعنی لیس إلاّ أنّه صار ملکا له بنفسه إتیانه الثمن،فوجوب الدفع لکونه ماله هذا.

الأمر الثانی:الثمن المشروط ردّه إمّا أن یکون فی الذمّة و إمّا أن یکون معیّنا،

و علی کل تقدیر إمّا أن یکون قد قبضه و إمّا لم یقبضه،فإن لم یقبضه إلی أن حضر المدّة فلا إشکال فی صورة انقضاء المدّة فی لزوم البیع لو لم یفسخ،إنّما الکلام فی أنّ له الفسخ فی أثناء المدّة أو لا؟فی المسألة و جهان:

الأوّل:الجواز،بملاحظة أنّ الردّ لیس له موضوعیة،فالشرط حقیقة مطلق الکون عند المشتری و إن لم یتحقّق الردّ و هو هنا حاصل،و ظاهر شیخنا المرتضی- قدّس سرّه-تقویة هذا.

و الثانی:العدم،بملاحظة أنّ تمام النظر إلی قبض الثمن من المشتری،فإنّ البائع إنّما یقدم لحاجته إلی الثمن،فتقدیر عدم القبض مغفول عنه رأسا،فیکون محطّ الإنشاء صورة القبض،فلا إنشاء مع العدم،نعم لا تقیید بالقبض فی لبّ

ص:128

الغرض لکن أعمّیة الغرض لا فائدة فیها بعد أخصّیة دائرة الإنشاء.

فإن قلت:فیلزم أنّه لو حصل تهاتر بعد القبض،بأن اشتغل ذمّة المشتری للبائع بمقدار الثمن و قد کان البائع قبض الثمن فأراد الفسخ عند حضور المدّة لم یکن جائزا إلاّ بالردّ الخارجی و هو من البعد بمکان.

قلت:السرّ أنّ خصوص هذا الفرد و إن کان مغفولا عنه حال الإنشاء، لکنّ الجامع المتحقّق فی ضمنه قد تحقّق فیه الإنشاء،فالإنشاء قد ورد علی مطلق کون موازی الثمن من مال البائع عند المشتری عند حضور المدّة فی تقدیر القبض للثمن،فحاصل الفرق أنّ ما قبل القبض المغفول عنه نفس الجعل و الإنشاء،و هنا المغفول عنه هو الفرد مع تحقّق الإنشاء فی الجامع و المضرّ هو الأوّل دون الثانی، و قد قوّی هذا الوجه شیخنا الأستاذ-دام علاه-فتأمّل.

هذا کلّه هو الکلام علی تقدیر عدم قبض الثمن إلی حضور المدّة.

و أمّا إن قبض الثمن،فهنا صور حاصلة باختلاف صور الجعل:

فإمّا یجعل الشرط فی صورة تعیین الثمن ردّه بعینه،و إمّا یجعل الشرط الأعم من ردّ البدل،حتّی مع التمکن من ردّ العین،بل أو یجعل الأعمّ من ذلک و من ردّ القیمة فی المثلی بل و ردّ ما لم یبلغ قیمته قیمة المبیع.

کلّ ذلک صور ممکنة تابعة للقرار و الجعل حتی الصورة الأخیرة،کما لو شرط مقارنة الفسخ مثلا لدفع ریحانة إلی المشتری،فیکون دفع الریحانة موجبا بعد هذا الاشتراط لانفساخ المبایعة و عود کلّ عوض إلی صاحبه الأصلی،و لو قلنا بصحّة شرط المبادلة المسببیّة أیضا،جاز اشتراط حصول الانفساخ ثمّ وقوع المبادلة بین ذلک الأجنبی المدفوع و بین الثمن لیردّ المبیع إلی البائع بقضیّة الانفساخ و یصیر الثمن أیضا ملکا له بقضیة المبادلة،هذا فی الثمن المعیّن و یجری مثله فی الکلّی.

ص:129

الأمر الثالث:هل یکفی مجرّد ردّ الثمن إلی المشتری فی الفسخ،

أو لا بدّ مقارنا له أو متأخّرا عنه من إنشاء فسخ إمّا قولیّ و إمّا فعلیّ؟الظاهر ابتناء المسألة علی الوجهین فی أصل مسألة الفسخ فإنّ فیه وجهین:

الأوّل:أنّه کسائر العقود من البیع و الصلح و نحوه لا یکفیه المظهر عن الرضی الباطنی بحصول المضمون،ألا تری أنّه لو أخبر أحد:بأنّی مشتاق إلی زوجیّة المرأة الفلانیة،و معلوم من حالها أنّها أیضا مشتاقة إلی الزوج،لا یکفی مجرّد ذلک فی انعقاد الزوجیّة،بل لا بدّ فیه من حصول الإنشاء.و کذلک الحال فی باب البیع و نحوه،فکذا الحال فی الفسخ،فمجرّد إظهار الندامة علی المبایعة و الرضی بعود الملک إلیه غیر کاف فی الفسخ،بل لا بدّ من تحقّق الإنشاء إمّا فعلا و إمّا قولا.

الثانی:أنّ باب الفسخ غیر سائر الأبواب،فیکفی هنا مجرد الرضی الباطنی مع الإظهار و لو بطور الإخبار و لو لم یتحقّق بطبقة إنشاء فعلا و لا قولا.

فإن قیل بالوجه الأخیر:فلا شبهة فی أنّ الردّ دالّ و مظهر للرضی بعود المبیع إلیه،و لا قصور فی دلالته علی هذا فلا بدّ أن یکون کافیا و غیر محتاج إلی شیء آخر.

و إن قیل بالأوّل:فالوجه عدم الکفایة و الفرق بین المقام و بین المعاطاة فی البیع مثلا،و تصرّف ذی الخیار فی ما انتقل عنه بما یتوقّف علی الملک کالبیع و نحوه،بل و نفس ردّ الثمن إلی المشتری فی صورة إطلاق الخیار المشترط فی العقد و عدم تقییدها بالردّ ثبوت الدلالة و الظهور فی المقامات الثلاثة للفعل علی الإنشاء المطلوب،فإنّه لا احتمال معتنی به فی دفع الثمن و قبول المثمن غیر کونه بعنوان المبایعة،و هکذا بیع ذی الخیار لما انتقل عنه لا یحتمل احتمالا معتنی به غیر إنشاء الفسخ ثمّ المعاملة طولا،و هکذا الردّ للثمن فی صورة الإطلاق أو اشتراط الفسخ

ص:130

بالردّ کما هو الوجه الثالث.

و أمّا فی مقامنا فحیث إنّ فی البین احتمالین کلاهما متعارف مرسوم غیر موهوم،الأوّل إنشاء الفسخ بنفس الردّ،و الثانی إیجاده بعنوان کونه مقدّمة للفسخ ثمّ تصدّی الفسخ بعده بإنشاء قولیّ أو فعلیّ،و لیس فی البین قرینة معیّنة للأوّل، فیکون نفس الردّ قاصر الدلالة علی الفسخ،فلهذا لا محیص عن عدم الکفایة.

الأمر الرابع:لا إشکال فی سقوط هذا الخیار بإسقاطه بعد العقد

فیما إذا کان الردّ شرطا للفسخ مع فعلیّة الخیار،و إنّما الکلام فی صور أخر کان أصل حدوث الحقّ مشروطا بالردّ،کما فی الوجه الأول،فإنّ الإسقاط فیه إسقاط لما لم یجب و هو و إن لم یکن فی إنشائه محذور عقلی کما فی الواجب المشروط و غیره،و لکن لا دلیل علی الصحّة و النفوذ فیه شرعا،و ذلک أنّه لا دلیل لفظی فی البین حتّی ننظر فیه هل له إطلاق و عموم یشمل مثل هذا الحقّ الذی لم یتحقّق إلاّ مقتضیه مع تزلزل تتمّة علّته فی الحصول فی ما بعد و العدم،أو لا یشمل؟ و الدلیل فی الباب منحصر فی الارتکاز و السیرة بضمیمة عدم الردع،و الذی تحقّق علیه ذلک و نجده عند مراجعة العرف و العقلاء إنّما هو السلطنة علی رفع الید عن الحقوق الفعلیّة،و أمّا الحقوق التی لم یتحقّق إلاّ مقتضیها فلم نجزم منهم الإقدام علی مثل ذلک فیها،کما لم نجدهم یقدمون بیع الأعیان التی سیملکونها بإرث أو اصطیاد أو شراء أو نحو ذلک،و معلوم أنّ مجرّد عدم الدلیل کاف فی الحکم بالعدم،و لو لم یکن لدلیل ثبوت الحقّ أیضا إطلاق مفید لما بعد هذا الإسقاط أیضا کفانا استصحاب بقاء الحقّ و الخیار.

فإن قلت:سلّمنا ذلک بالنسبة إلی حقّ الخیار،و أمّا بالنسبة إلی حق الشرط فلا،فإنّه حادث بمجرّد العقد و لا یتوقّف علی حصول الردّ و لعلّ هذا هو الفارق

ص:131

بین المقام و بین خیاری الحیوان و الشرط بناء علی تأخّر مبدأیهما عن التفرّق حیث لا یصحّ إسقاطهما فی ما بین العقد و التفرّق،و یصحّ هنا فیما بین العقد و الردّ.

و حاصل الفرق أن الحق هناک واحد متعلّق بالفسخ،و أمّا التفرّق فهو و إن کان اختیاریا له لکنّه مجرد حکم لا حقّ،و أمّا فی المقام فعلاوة علی حقّ الخیار الذی فرض کونه معلّقا علی الردّ یکون حقّ آخر هو فعلیّ غیر معلّق علی شیء،و هو حقّ أنّه لو ردّ کان مختارا و مسلّطا علی الفسخ و هذا حقّ جاء من ناحیة الاشتراط.

قلت:حقّ الشرط أیضا تابع للمشروط و لیس بحق آخر،و لهذا فی صورة إطلاق الخیار لیس فی البین حقّان،حقّ شرط و حقّ خیار،فکذا فی صورة التعلیق أیضا لیس فی البین إلاّ حقّ واحد معلّق علی الردّ،و قد مرّ الإشکال فی إسقاطه.

و یسقط أیضا بانقضاء المدّة و عدم ردّ الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا علی التفصیل المتقدّم.

و لو تبیّن المردود من غیر الجنس فلا ردّ و هذا واضح،و لو ظهر معیبا،قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:کفی فی الردّ و له الاستبدال.قال شیخنا الأستاذ -دام علاه-:قد یفرض الکلام فی الثمن الکلّی و قد یفرض فی الشخصی.

أمّا فی الأوّل:فحیث إنّ الکلّی المقیّد بقید لا ینطبق علی الفاقد لذلک القید،فإذا فرض أنّ الثمن کلّی و المفروض انصرافه إلی المقیّد بالصحّة فالفرد المتّصف بالعیب غیر مصداق لذلک الکلّی المقیّد،فاللازم عطف هذا أیضا علی صورة ظهوره من غیر الجنس.

و أمّا فی الثانی:فیمکن أن یقال:إنّه و إن تغیّر وصف الصحّة و الثمن مقیّد بها حسب الانصراف و لکنّه یعدّ عرفا متّحدا مع الواجد لا مغایرا له،فلا یقال:إنّ هذا ردّ لغیر الثمن،و لکن لمّا کان شرط الردّ أیضا منصرفا إلی الصحیح فکأنّه

ص:132

تعهّد بوصف الصحّة،و حیث لم یسلّمه کان علیه تدارکه ببذل التفاوت،فلا وجه لما ذکره-قدّس سرّه-من قوله:و له الاستبدال.

نعم یتمّ ما ذکره-قدّس سرّه-فی صورة کون الثمن کلیّا لو قلنا بانصراف شرط الردّ إلی ردّ الفرد المقبوض من الکلّی بعینه،إذ حینئذ یکون شرط الفسخ و هو ردّ العین المقبوضة حاصلا،لفرض عدم المغایرة فیما بین حالتی الصحّة و العیب فی العین الشخصیّة،و لکنّه بعد الفسخ ینتقل إلی المشتری ما جعلاه فی المبایعة ثمنا و هو الکلّی الصحیح،و هو غیر منطبق علی المعیوب،فله الاستبدال بهذه الملاحظة و إن کان له الاکتفاء بالمعیوب عوضا عن الصحیح،هذا.

و قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:و یسقط أیضا بالتصرّف فی الثمن المعیّن مع اشتراط ردّ العین أو حمل الإطلاق علیه،و کذا الفرد المدفوع من الثمن الکلّی إذا حمل الإطلاق علی اعتبار ردّ عین المدفوع،کلّ ذلک لإطلاق ما دلّ علی أنّ تصرّف ذی الخیار فیما انتقل إلیه رضی بالعقد و لا خیار،و قد عمل الأصحاب بذلک فی غیر مورد النصّ کخیاری المجلس و الشرط.

و المحکیّ عن المحقّق الأردبیلی و صاحب الکفایة-قدّس سرّهما-:أنّ الظاهر عدم سقوط هذا الخیار بالتصرّف فی الثمن،لأنّ المدار فی هذا الخیار علیه، لأنّه شرّع لانتفاع البائع بالثمن،فلو سقط الخیار سقط الفائدة،و للموثّق المتقدّم المفروض مورده تصرّف البائع فی الثمن و بیع الدار لأجل ذلک.

و المحکیّ عن العلاّمة الطباطبائی-قدّس سرّه-فی مصابیحه،الردّ علی ذلک بعد الطعن علیه بمخالفته لما علیه الأصحاب بما محصّله:أنّ التصرّف المسقط ما وقع فی زمان الخیار و لا خیار إلاّ بعد الردّ،و لا ینافی شیء ممّا ذکر لزومه بالتصرّف بعد الردّ لأنّ ذلک زمنه لا قبله و إن کان قادرا علی إیجاد سببه فیه،إذ

ص:133

المدار علی الفعل لا علی القوّة،علی أنّه لا یتمّ فیما اشترط فیه الردّ فی وقت منفصل عن العقد کیوم بعد سنة مثلا.انتهی محصّل کلامه-قدّس سرّه.

و ناقش بعض من تأخّر عنه فی ما ذکره،من کون حدوث الخیار بعد الرّد لا قبله:بأنّ ذلک یقتضی جهالة مبدأ الخیار و بأنّ الظاهر من إطلاق العرف و تضعیف کثیر من الأصحاب قول الشیخ-رحمه اللّه-بتوقف الملک علی انقضاء الخیار ببعض الأخبار المتقدّمة فی هذه المسألة الدالّة علی أنّ غلّة المبیع للمشتری هو کون مجموع المدّة زمان الخیار.انتهی،هذا.

و قد استشکل شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی کلّ من کلام الشیخ، و استظهار الأردبیلی،و ردّ العلاّمة الطباطبائی و المناقشة علی الردّ.

أمّا الأوّل:فلأنّ إطلاق کلامه-قدّس سرّه-یرد علیه ما أورده الأردبیلی- قدّس سرّه-،فإنّ الثمن المعیّن المشروط ردّ عینه نقدا أم غیره،فیه فرضان:

الأوّل:أن یکون البیع به بغرض الانتفاع به بما لا یتلف عینه،کما إذا کان الثمن دابة و کان الغرض رکوبها.

و الثانی:أن لا یکون کذلک کما إذا باع داره بمقدار من النقود لأجل أنّه یحتاج بعد سنة إلیها و یحتمل عسر التحصیل بعد هذا إلی آخر السنة،ففی الفرض الأوّل إشکال الأردبیلی وارد،لأنّ التصرّف المسقط سواء قلنا بکاشفیّته أم بتعبّدیّته لا عموم لدلیله بالنسبة إلی هذا الفرض المعلوم فیه ابتناء المعاملة علی التصرّف المذکور،فکیف یکون کاشفا عن الالتزام بالعقد،و دلیل التعبّد أیضا لا یشمل صورة العلم بعدم ابتناء التصرّف علی الالتزام؟ نعم الفرض الثانی یکون التصرّف فیه کاشفا،فلو جعل النقود المذکورة من حلیّ زوجته کان له الکشف عن الالتزام.

ص:134

فنقول:إن اعتمدنا فی مسألة سقوط الخیار بالتصرّف علی القاعدة أعنی:

قاعدة أنّ لکلّ ذی حقّ إسقاط حقّه-غایة الأمر قد یکون الإسقاط باللفظ الذی له ظهور و قد یکون بالفعل کذلک و هذا من الثانی-فلا إشکال.

و إن اعتمدنا فیها علی النصّ الوارد فی خیار الحیوان فإن استفدنا منه الکاشفیّة،جاز التعدّی من مورده لاستفادة العلیّة،فلا إشکال أیضا،و إن لم نستفد منه الکاشفیّة و إنّما حملناه علی التعبّد بأنّ التصرّف بمنزلة الرضی،فلا وجه للتعدّی من مورده إلی غیره مطلقا،و علی فرض التعدّی فلا إشکال فی شموله للمقام أیضا،نعم الفرض الأوّل خارج قطعا.

فحاصل الإشکال:أنّه کان علیه-قدّس سرّه-تقیید العنوان بما ذکرنا من صورة عدم الإقدام بغرض الانتفاع بالثمن،و هذا و إن کان فرضا نادرا لکنّه -قدّس سرّه-أیضا بصدد الفرض النادر،إذ جعل الثمن معیّنا ثم اشتراط ردّ عینه أیضا من الفروض النادرة،فلا بدّ من تمحیض الکلام فی هذا الفرض النادر مع ذلک القید الذی ذکرنا.

و أمّا الثانی:فلأنّه بعد ما جعلنا الکلام ممحّضا فی ما فرضناه من الفرد النادر،فلا یرد علیه شیء ممّا ذکره من اللغویة،و من ظهور الموثّق،فإنّ کلاّ منهما خاصّ بالفرض الأوّل،بل نقول:إنّ الموثّق و سائر أخبار الباب لا یشمل صورة جعل الثمن معیّنا رأسا،لأنّها محمولة علی المعاملات المتعارفة من البیع بالثمن الکلّی،فهی ساکتة عن حکم ما فرضنا.

و أمّا الثالث:فلأنّ ما ذکره-قدّس سرّه-من التفرقة بین ما قبل الردّ و ما بعده بجعل التصرّف فی الأوّل غیر مسقط لعدم وقوعه فی زمن الخیار،و فی الثانی مسقطا لوقوعه فی زمنه و إن کنّا نحن أیضا ذکرنا ذلک سابقا ببیان:أنّ القدر

ص:135

المتیقّن من الارتکاز فی باب إسقاط الحقوق هو الحقوق الفعلیّة لا المعلّقة.

و لکن دقیق النظر یقتضی خلاف ذلک،و أنّه لا فرق فی جواز الإسقاط بین ما قبل الرد و ما بعده،و ذلک لأنّ الخیار و إن کان قبل الردّ مشروطا غیر فعلیّ، و لکنّ المشروطیّة وقعت تحت جعل الشارع.

و فرق بین ما إذا کان الجعل الصادر من الشرع بنحو الإطلاق من دون تعلیق بشیء-لکن العقل بواسطة رؤیة المزاحم الأقوی جعله معلّقا علی زوال ذلک المزاحم الأقوی،کما لعلّه الحال بالنسبة إلی اشتراط خیار الحیوان بالتفرّق عن المجلس،فإنّه لم یرد خطاب من الشرع بهذا الاشتراط و أنّ صاحب الحیوان بالخیار إذا تفرّق هو و صاحبه،و إنّما الخطاب ورد مطلقا کما فی خیار المجلس بلا فرق،و إنّما العقل بعد رؤیة المزاحمة و الفهم من مذاق الشرع أنّ المجلس أقوی، یحکم بتأخیر خیار الحیوان عن انقضاء الأوّل،و لیس هذا تقییدا للخطاب بمقیّد عقلیّ لما تقرّر فی محلّه من أنّ إطلاق الخطابات بالنسبة إلی المزاحمات غیر متعرّضة حتّی تکون قابلة للتقیید،و بالجملة لم یقع التعلیق و الاشتراط هنا تحت الجعل الشرعی.

و بین ما إذا وقع ذلک بجعل من الشرع کما فی المقام،فإنّ المتشارطین جعلا خیار البائع علی تقدیر الردّ،و دلیل«المؤمنون عند شروطهم» (1)أوجب نفوذ هذا المضمون و انعقاده.

و بعبارة أخری:هذا الدلیل یفید ثبوت الحقّ للمشروط له فی ما هو مفاد شرطه،إن مطلقا فمطلق و إن مشروطا فمشروط،فإن اشترط الخیار المطلق یفید الحقّ المطلق،و إن اشترط الخیار المشروط علی تقدیر الردّ مثلا،یفید الحقّ المشروط

ص:136


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 5،من أبواب الخیار ص 301،ح 7.

بهذا التقدیر،فکأنّه ورد الخطاب من الشارع بأنّ للبائع حقّ الفسخ لو ردّ الثمن، فیکون هذا خطابا مشروطا صادرا من الشارع کسائر الخطابات المشروطة من التکلیفیّة و الوضعیّة،کخطاب«العصیر العنبی إذا غلا یحرم»و خطاب«إذا غلا ینجس».

و وجه الفرق:أنّه قد تقرّر أنّ الخطابات المشروطة الشرعیّة قبل حصول الشرط أحکام و لها حظ من الوجود لا أنّها معدومة صرفة،غایة الأمر إنّ تأثیر ما کان منها من قبیل التکلیف فی بعث العبد نحو المکلّف به ینتظر لحصول المعلّق علیه،و عدم التأثیر غیر عدم المؤثّر،فکما أنّ التکلیف المنوط هناک متحقّق کذلک الوضع المنوط فیما کان من قبیل الوضع الذی منه المقام أیضا متحقّق،فالحقّ هنا بمنزلة التحریم هناک فکما أنّ التحریم بنحو الإناطة مجعول-و لهذا یعامل معه معاملة الموجود فیستصحب و یرد علیه النسخ-کذلک الحقّ بنحو الإناطة أیضا مجعول،فیعامل معه معاملة الحقّ الموجود من الاسقاط و سائر الآثار.

و أمّا المناقشة فی تحدید مبدأ الخیار بالردّ بلزوم الجهالة فقد فرغنا عن جوابه فی ما تقدّم،و أنّ التعلیق علی الأمر الاختیاری لیس کالتعلیق علی غیره،و أمّا حکم العرف بأنّ مجموع المدّة زمن الخیار فلعلّه مبنیّ علی جعل الردّ قیدا للفسخ مع إطلاق الخیار،کما لعلّه المتعارف فی البیوع الخیاریة.

و أمّا ما ذکره بعض الأصحاب فی ردّ الشیخ من بعض أخبار المسألة،فلعلّه لأجل أنّه حمله علی المتعارف المرسوم بین الناس من اشتراط الخیار مطلقا،و جعل الردّ قیدا للفسخ هذا.

الأمر الخامس:لو تلف المبیع فلا إشکال فی صورة وقوعه قبل الردّ و کذا

بعده و قبل الفسخ فی الوجهین الأوّلین

من الوجوه الخمسة المتقدّمة فی کونه من

ص:137

مال المشتری.

و أمّا إذا وقع بعد الردّ بناء علی کونه قید الانفساخ أو کونه فسخا فعلیا أو بعده و بعد الفسخ أیضا،فلا إشکال أیضا فی وقوعه من مال البائع و لکن هل نحکم بضمان المشتری الذی فرض وقوع التلف فی یده بالمثل أو القیمة للبائع أو لا نحکم؟ تحقیق المقام أن یقال:لا إشکال فی صورة المسامحة فی الردّ إلی البائع فی الضمان،لقاعدة الید،و ما سیأتی،و لا فی صورة الإذن الجدید من البائع فی عدم الضمان.فالکلام ممحّض فی ما إذا بادر بعد الفسخ إلی الردّ بأسرع زمان ممکن،مع عدم تحصیل الإذن الجدید ثمّ تلف سماویا قبل الوصول إلی البائع.

فنقول:الظاهر عدم شمول قاعدة الید لمثل هذا و ذلک لتبادر الاختیار من قوله-علیه السلام-:«علی الید ما أخذت حتی تؤدّی»فظاهر«أخذت»هو الأخذ الاختیاری،ألا تری أنّه لا ینسبق إلی الذهن من هذا الکلام ما إذا أطار الریح مال الغیر فی حجر الإنسان فورد علیه التلف السماوی،أو وقع فی یده بغیر التفات منه بوجه آخر؟ نعم لا شبهة فی شمول الشبهة الموضوعیّة،فإنّ الأخذ اختیاری،و المقام من قبیل الغیر الاختیاری،فإنّه و إن کان ملتفتا لکنّه کالمتوسط فی الأرض المغصوبة لا یقدر علی ترک هذا المقدار من الأخذ،فالإنسان لا یفهم من الکلام مثل هذا.

و لکن مع ذلک یمکن القول بالضمان فی ما نحن فیه من طریق آخر غیر قاعدة الید و هو أن یقال:لا شکّ أنّ العقد البیعی کما أنّه عبارة عن إنشاء المبادلة،کذلک یتضمّن أو یکون من أحکامه العرفیّة تعهّد کلّ طرف لتسلیمه ماله إلی صاحبه،و لهذا یطالب کلّ من الآخر التسلیم لا بعنوان أنّه ماله و فی یده بل

ص:138

بعنوان أنّه متعهّد بالتسلیم،و لعلّ هذا قضیّة الوفاء بالعقد أیضا،حیث إنّه تکوین ما أوقعه إنشاء فی الخارج.

و علی هذا نقول:الفسخ عکس العقد و حلّه،فی أصل المبادلة و فی لازمه المذکور،فینعکس المبادلة و ینعکس التعهّد،فکما أنّه لو تلف هناک أحد العوضین قبل القبض کان مقتضی الحکم العرفی بالتعهّد غرامة البدل و إن کان الشارع حکم علی خلافه بالانفساخ القهری،کذلک لو تلف هنا أیضا بعد الفسخ و قبل القبض لزم الخروج عن العهدة بإعطاء البدل.

ثمّ فی صورة تلف المبیع قبل الردّ أو بعده و قبل الفسخ هل یسقط الخیار أو لا؟استظهر العدم شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فیستردّ المثل أو القیمة،و احتمل السقوط،و بناه علی أنّ مورد هذا الخیار هو إلزام أنّ له ردّ الثمن و ارتجاع المبیع، و ظاهره اعتبار بقاء المبیع فی ذلک،فلا خیار مع تلفه.

ثمّ إنّه لا تنافی بین شرطیّة البقاء و عدم جواز تفویت الشرط،فلا یجوز للمشتری إتلاف المبیع کما سیجیء فی أحکام الخیار،لأنّ غرض البائع من الخیار استرداد عین ماله و لا یتمّ إلاّ بإلزام إبقائه علی المشتری.انتهی.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:هنا بحسب الثبوت طریقان للحکم بسقوط الخیار بتلف المبیع.

الأوّل أن یقال:إنّ الخیارات المجعولة غیر الخیارات الشرعیّة،فالثانیة عبارة عن ملک فسخ العقد،فیکون الحقّ ابتداء مربوطا بالعقد و فسخه.و أمّا الأولی فیمکن أنّ نظر الجاعلین من الابتداء إنّما هو مربوط بخصوص العین المنتقلة منهم و استردادها،فما یقع بحسب الإلزام و الالتزام هو استرداد العین إمّا مطلقا أو مشروطا بأمر کذا،کردّ الثمن و نحوه،فمورد الحقّ فی هذه الشروط نفس

ص:139

العین ابتداء.

و علی هذا فلو تلفت سماویّا فقد انتفی الحقّ بانتفاء مورده،و أمّا إتلاف المشتری فلا إشکال أنّه مذهب للحقّ أیضا و لکنّه حرام تکلیفا،لأنّه تفویت محلّ حقّ البائع و لو فرض کونه قبل ردّ الثمن،لما مرّ من أنّ الحقّ المنوط أیضا نوع حقّ و هو ثابت فعلا،نعم لا اقتضاء له بالنسبة إلی حفظ شرطه و هو الردّ،فیجوز للمشتری إیجاد المانع عنه،و أمّا إتلاف الموضوع و هو العین المبیعة فغیر جائز.

و هل یجوز تضمین المشتری بأن یتدارک الحق الفائت بإقامة البدل مقام العین المتلفة حتّی یکون هو متعلّقا لحقّ البائع کالمبدل؟مبنیّ علی جریان ضمان الإتلاف فی الحقوق أیضا،کما لو أتلف العین المرهونة،فکما یجب تدارک مال الراهن،کذا تدارک حقّ المرتهن،بأن یوضع البدل مقام المبدل فی الرهانة.

الطریق الثانی:و هو ظاهر عبارة الشیخ أن یقال:إنّ الخیار هنا أیضا سنخه سنخ الخیارات المشروعة من کونه حقّا فی العقد،و لکن لمّا کان نظر الجاعلین مقصورا علی خصوصیّة العین و استرجاعها،فهم لا یجعلون الخیار إلاّ فی فرض ثبوت العین لانتفاء الغرض مع انتفائها،فکأنّه قیل:جعلت لنفسی الخیار إن بقی العین.

و أمّا حرمة إتلاف العین علی هذا،مع أنّ المشروط بشیء لا یقتضی حفظ ذلک الشیء،فلأجل تعهّد و التزام آخر متعلّق بإبقاء المشتری ذلک المبیع إلی زمان حصول الخیار،فإنّه بعد ما کان غرض البائع استرجاع عین ماله،فلا یتمّ هذا إلاّ بإلزامه علی المشتری إبقائها و عدم تفویتها،فهذا کنذر أضحیة الشاة المعیّنة علی تقدیر مرزوقیّة الولد حیث إنّه متضمّن لنذر ضمنیّ بإبقاء الشاة.

و علی هذا فلا إشکال فی انتفاء حقّ الخیار المجعول بتلف العین سماویّا کان

ص:140

أم بإتلاف المشتری أم غیره کما أنّه فی صورة الإتلاف أیضا،یمکن أن یقال بثبوت خیار آخر للبائع بواسطة تخلّف المشتری عن شرطیّة البقاء،و الحاصل أنّه یحصل للبقاء شرطیّة أصولیة و فقهیّة،فمن حیث إناطة حقّ خیار الردّ به شرط أصولی فبانتفائه ینتفی المشروط،و من حیث إلزامه علی المشتری شرط فقهی کشرط الخیاطة،ففقدانه من قبل المشتری موجب لخیار تخلّف الشرط،هذا.

و لکن هذا التقریب الثانی مخدوش بأنّ مجرّد کون الغرض فی استرجاع عین المال لا یوجب تخصیص دائرة الجعل و الإنشاء به و إنّما یوجبه لو کان فرض تلف العین مغفولا عنه،و أمّا إذا کان ملتفتا إلیه و لکن أطلق الجعل بملاحظة اطمئنان البائع بشخص المشتری،حتّی أنّهم فی هذه المعاملات الخیاریّة یراعون شخصا لا یتملّک ما لهم حتی بعد انقضاء زمان الخیار و حصول اللزوم،حتّی صار فی زماننا بیع العین المبیعة ببیع الخیار قبیحا فی أنظار العرف،فلا یوجب الاطمئنان تقییدا فی الجعل أصلا.

هذا کلّه فی تلف المبیع و لو تلف الثمن فإن کان بعد الردّ و قبل الفسخ فمقتضی ما سیجیء من أنّ التلف فی زمان الخیار ممّن لا خیار له کونه من المشتری و إن کان ملکا للبائع حسب الفرض من عدم حصول الانفساخ بنفس الردّ و انتظاره لإنشاء آخر.

نعم هذا مبنیّ علی عموم قاعدة التلف فی زمن الخیار بالنسبة إلی الثمن مع کون مورده المثمن و بالنسبة إلی خیار الشرط،و تحقیق الحال فی ذلک موکول إلی محلّه،و الذی مربوط بهذا المقام أنّه إن قلنا بالعموم من کلتا الجهتین فهل یصلح للتخصیص روایة معاویة بن میسرة المتقدّمة فی روایات الباب،و کذا قاعدة«أنّ الخراج بالضمان»أو لا؟

ص:141

قال شیخنا الأستاذ:الحقّ عدم الصلاحیة لشیء منهما،أمّا الروایة فلیس المذکور فیها إلاّ أنّ نماء الثمن للبائع و تلف المثمن من المشتری،و شیء من هذین لا ینافی قاعدة التلف فی زمان الخیار،بل یثبتان فی موردها کما هو واضح،فلم نعلم أنّ نظر من جعلها صالحة للتخصیص إلی ماذا؟ و أمّا القاعدة فیمکن أن یقال بعد الغضّ عن اعتبارها سندا،أنّ الکلیّة إنّما یستفاد منها فی جانب العکس،أعنی کلّ من هو ضامن لمال فهو مالک لمنافعه کما هو مذهب أبی حنیفة فی قضیة البغلة المعروفة،و هذا غیر نافع بالمقام،و الذی ینفعنا أنّ کلّ من له المنافع فهو ضامن،بضمیمة الإجماع علی أنّ نماء الثمن للبائع،و لکن هذه الکلیّة یمکن منع استفادتها من العبارة،فإنّه جعل فیها المنافع بإزاء الضمان و دائرا مداره لا الضمان فی قبال ملک المنافع فافهم.هذا فی التلف بعد الردّ.

و إن کان التلف قبل الردّ فشمول قاعدة التلف فی زمن الخیار حینئذ علاوة علی التعمیمین السابقین یحتاج إلی تعمیم ثالث و هو التعمیم بالنسبة إلی الخیار المنفصل عن العقد إذا وقع التلف فیما بینه و بین العقد الذی هو زمان اللزوم.

و لا یبعد القول بهذا التعمیم کما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،فإنّ فی بعض أخبار تلک المسألة قوله:«حتی ینقضی الشرط ثلاثة أیّام و یصیر المبیع للمشتری» (1)،و ظاهر هذه العبارة أنّ العلّة فی هذا الحکم کون ملکیّة المشتری فی معرض الزوال و عدم خروجه عن التزلزل،و معلوم أنّه فی الزمان الواقع بین العقد و الخیار المنفصل و إن کان الملک الشخصی الخاص بخصوصیّة هذا الزمان غیر قابل للزوال و لکن لا یمکن الحکم بأنّ حقیقة الملکیّة علی قول مطلق صارت

ص:142


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5 من أبواب الخیار،ص 352،ح 2.

لازمة غیر قابلة له،و المعیار للحکم المذکور ذلک،فتدبّر.

الأمر السادس:لا إشکال فی الردّ إلی نفس المشتری،و کذا إلی من یقوم

مقامه شرعا

کالوکیل المطلق و الولیّ الشرعی و الوارث،بل و الأجنبی و لو لم یکن له وکالة و لا ولایة إذا کان هذا التعمیم مصرّحا به فی العقد.

إنّما الکلام فی ما إذا جعل الشرط،الردّ إلی المشتری فقال:لو رددت إلیک کان لی الخیار،فهل ینفع فی صورة تعذّر الردّ إلی نفسه الردّ إلی من یقوم مقامه کالوارث و الحاکم و الوکیل المطلق؟ قال شیخنا الأستاذ-دام بقاه-:لا شبهة فی عدم إمکان التمسّک بعمومات أدلّة الوکالة و الولایة و الإرث لهذا المقام،فإنّ الوکالة و لو فرضت إطلاقها فإنّما هی فی موضوع أموال الموکّل أو فعل موجب لحصول المال کالقبول فی باب العقود،و فی مقامنا الثمن قبل الفسخ الصحیح غیر ملک لموکّله و لیس هنا فعل مربوط بما هو الشرط من الردّ لموکّله،فإنّ البائع اشترط الردّ بمعنی إیجاد المقدّمات التی من قبله،فلیس لقبول المردود إلیه و لا امتناعه دخل لا وجودا و لا عدما فی ذلک أصلا،فحاله فی هذا کالجدار،فکأنّ الشرط جعل وضع الثمن عند الجدار، و مجرّد هذا لیس فعلا حتی یقال بأنّ فعل الوکیل فعل الموکّل،و هکذا الکلام فی الولایة بعینها.

و أمّا الإرث فلأنّ هذا لا یعدّ حقّا و لا مالا للمردود إلیه حتّی ینتقل إلی وارثه،نعم لو تحقّق الشرط و هو الردّ إلی نفس المشتری و تحقّق المال للمورّث کان منتقلا إلی الوارث،و هذا کلّه بخلاف الحال فی طرف البائع،فإنّه أیضا و إن جعل الشرط الردّ الصادر منه المدلول علیه بتاء المتکلّم فی قوله:(لو رددت)و لکن عموم أدلّة الوکالة و الولایة و الإرث یمکن أن یقال بعدم المانع لها عن شمول المقام،أمّا

ص:143

الوکالة و الولایة فهذا الردّ فعل فی مال الموکّل و المولّی علیه،و المفروض أنّ فعل الوکیل و الولیّ فیما أنیط الحکم بفعلهما یقوم مقام فعلهما و یفید فائدته،و أمّا الإرث فلأنّ الحقّ المنوط کما مرّ سابقا نوع حقّ ثابت فعلیّ فهو موروث.

إن قلت:نعم لکنّه معلّق علی تصویر غیر ممکن فی حقّ الوارث و هو ردّ خصوص البائع.

قلت:یمکن أن یجاب بأنّه کما کان الحقّ الثابت للمیّت هو الخیار لو ردّ نفسه فهذا إذا انتقل إلی الوارث فمعناه أنّ للوارث الخیار لو ردّ نفسه.

لا یقال:هذا التقریب جار فی ما اشترط الخیار بمباشرة لسان المورّث مع أنّ الإرث فیه ممّا لا یلتزم به أحد.

لأنّا نقول:التعبیر المذکور أعنی التقیید باللسان مفید لتقیید الحقّ بحال حیاة المورّث و ممّا قرّر فی محلّه أنّه یشترط فی صدق المتروک الذی هو موضوع الإرث کون المقتضی فی کلتا حالتی الحیاة و الموت موجودا،إذ لو کان المقتضی قاصراً لا یصدق أنّ المیّت مات و ترک هذا،و هذا بخلاف قید الردّ فی ما نحن فیه،فإنّ حاله حال الفسخ،فهما و إن کانا مضافین إلی المورّث لکن لیس للإضافة مدخلیّة، فالذی قام به الحقّ هو حقیقة الفسخ علی تقدیر حقیقة الردّ و الإضافة إلی البائع من باب عدم قابلیّة غیره،و لهذا لو قیّد فی المقام أیضا الردّ بکونه بمباشرة نفسه کان حاله حال قید مباشرة اللسان فی الفسخ،فافهم.

فتحصّل ممّا ذکرناه أنّ التمسّک لمقامنا بأدلّة النیابة غیر مجد،کما أنّ التمسّک بعموم الغرض-و أنّه مطلق الوصول إلی من یملک التصرّف فی الثمن بعد الفسخ و صیرورة الثمن ملکا للمشتری و لا خصوصیة لنفس المشتری،فإنّ المقصود أن لا یبقی دینا فی ذمّة البائع و هو حاصل بالردّ إلی نفس المشتری أو من یقوم مقامه-

ص:144

غیر مجد أیضا،فإن الغرض غیر متّبع فی أبواب المعاملات ما لم یقع تحت الإنشاء.

نعم الذی یمکن أن یقال فی وجه الجواز فی المقام:أنّ کاف الخطاب فی قوله:(لو رددت إلیک)و إن کان ظاهره الأوّلی خصوصیّة المخاطب،و لکنّه یتنزّل علی الأعمّ منه و ممّن ینوب منابه،و بعبارة أخری علی من یملک التصرّف بعد الفسخ کما ذکروا ذلک فی کاف الخطاب فی قول البائع:«بعتک»،لو ظهر المشتری وکیلا و غیر مالک للثمن،حیث ینزّلونه علی الأعمّ من خصوص المخاطب و من ینوب هذا منابه و یعدّ وجوده التنزیلیّ،و بعبارة أخری علی المالک للثمن.

و لکن صحّة هذا أیضا منوطة علی تعارف وقوع هذه الأمور الموجبة لتعذّر الردّ إلی المشتری،من الموت و الجنون و الغیبة الموجبة لانقطاع الید عنه إلی زمان حصول الخیار،بحیث لم یکن مغفولا عنه حال الإنشاء،کما أنّ الوجه فی التعمیم المذکور فی(کاف بعتک)،هذا التداول،أعنی تداول وقوع الشراء من کلتا الطائفتین أعنی المالکین و من یقوم مقامهم،و أمّا إذا کان وقوع مثل ذلک غیر متعارف بل کان خلافها مظنونا بالظنّ الاطمئنانی بحیث تسکن النفس بعدم الوقوع،فلا وجه حینئذ لصرف اللفظ عمّا هو ظاهره من خصوصیّة نفس المخاطب بالخطاب بما هو هذا الشخص الخاص.

و بالجملة:المعیار وقوع الجامع تحت الإنشاء،فلا یضرّ اعتقاد أنّ مصداقه منحصر فی فرد و لا یتحقّق مصداق آخر،أو وقوع المصداق تحت الإنشاء بواسطة الاعتقاد المذکور.

و من هنا یعرف الحال فی مسألة شراء الأب للطفل بخیار البائع،و ردّ البائع الثمن إلی الجدّ مع التمکّن من الأب أو بدونه،فإنّ الکلام فیه أیضا بعینه ما تقدّم،و لازم صیرورة الجامع المذکور أعنی:مطلق من یملک تصرّف المال بعد

ص:145

الفسخ و یکون قبضه قبض المالک مقصودا فی الإنشاء،کفایة الردّ إلی أیّ فرد منه و لو مع التمکّن من آخر،کما أنّ لازم وقوع المصداق عدم الکفایة حتّی مع التعذّر.

و علی هذا فربّما یمکن الاستشهاد لوقوع المصداق بإباء الذهن عن الردّ إلی وکیل المشتری مع إمکان الوصول إلیه بسهولة،و کون الوکیل آلة للموکّل،فإنّ الذهن لا یساعد علی عدم العمل بالشرط فی هذا الفرض،و لو کان الخصوصیّة ملغاة لما کان لأحد الفردین مزیّة علی الآخر کما هو واضح.

ثمّ هذا کلّه فی مثل الأب و الجدّ اللذین لا یتقیّد ولایة أحدهما بعدم مزاحمته لما تصدّاه الآخر من المعاملة فی أموال الصغیر،و أمّا لو وقع ذلک فی الحاکمین اللذین ولایة أحدهما منوطة بعدم المزاحمة للآخر فی مورد تصدّیه،بأن ردّ البائع الثمن الذی اشترط ردّه فی معاملته مع أحد الحاکمین إلی الحاکم الآخر،فحینئذ و لو قلنا بتعمیم مقام الإنشاء لکلّ من یملک التصرّف بعد الفسخ،لا بدّ أن نقول بعدم کفایة الردّ إلی الآخر،فإنّ الآخر غیر مصداق لهذا العنوان،فإنّ المفروض أنّ ولایته و جواز تصرّفه منوط بعدم ابتداء الأوّل فی التقلیب و التقلّب فی المال،لأنّه مع هذا الفرض یعدّ عرفا دخالة هذا مزاحمة للأوّل،فیکون الدفع إلیه کالدفع إلی الأجنبی العامی فی عدم حصول الشرط.

و من هنا یستشکل علی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام حیث إنّه بعد اختیار کفایة الردّ إلی الثانی استظهر وجوب دفع الثانی الثمن إلی الأوّل بملاحظة عدم مالکیّته للتصرّف،للمزاحمة العرفیّة،مع أنّه لا وجه للکفایة و حصول الشرط بعد تسلیم صدق المزاحمة عرفا علی تصرّفاته فی الثمن بعد الفسخ،فتدبّر.

الأمر السابع:لا إشکال فی صحّة اشتراط الفسخ برد الثمن

کما تقدّم

ص:146

الکلام فیه،و لو اشترط الفسخ فی بعض المثمن بردّ ما قابله من الثمن کالنصف و الربع مثلا،فقد استشکل فی المستند علی ما حکی فی صحّته،نظرا إلی عدم إمکان التمسّک لصحّته بعموم أدلّة الشروط،بواسطة مخالفة هذا الشرط لعموم دلیل لزوم البیع بعد الافتراق عن المجلس،و هذا الوجه و إن کان بعینه موجودا فی الفرض الأوّل أیضا،لکنّه خرج بالنصّ الخاص،فیکون شرطا مخالفا للسنّة قد شرّع بالدلیل الخاص تخصیصا فی عموم عدم نفوذ الشرط المخالف،فیجب الاقتصار علی مقدار الدلیل،و لا شبهة أنّه الفرض الأوّل،فیجب فی الثانی العمل بالعموم.

و علی هذا فلا بدّ من التفرقة بین شرط الفسخ فی البعض بردّ البعض و بین شرط ارتجاع البعض بردّ البعض،أو کون البعض له کذلک،فإنّ الثانی غیر مخالف لعموم من عمومات الکتاب و السنّة فلا مانع فیه من الأخذ بعموم أدلّة الشروط بخلاف الأوّل.هذا ما ذکره.

و لکنّا فرغنا فیما تقدّم عن هذا الإشکال بما إجماله:أنّه و إن کان قوله:«فإذا افترقا وجب البیع» (1)ظاهرا-کما هو الحال فی نوع القضایا-فی الفعلیّة و کون اللزوم باقتضاء فی ذات البیع،و أنّ هذا الاقتضاء علی حسب إطلاق المادة غیر مقیّد بحال دون حال،و قضیّة هذا کون شرط الخیار بعد التفرّق داخلا فی عنوان ما یحلّل حرام الشرع و یحرّم حلاله،و لکن بعد ورود الدلیل بالجواز فی بعض الأفراد و عدم إمکان التزام التخصیص فی عموم«إلاّ شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (2)لإبائه عرفا عن التخصیص یستکشف کون هذا الاقتضاء فی البیع غیر مطلق،بل

ص:147


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 2 من أبواب الخیار،ص 348،ح 4.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 6 من أبواب الخیار،ص 354،ح 5.

مقیّد بحال عدم الشرط،و هذا الاستکشاف و إن کان فی خصوص مورد الدلیل دون غیره،و لکنّه یوجب وهن الإطلاق بالنسبة إلی الغیر أیضا،فیکفی حینئذ الشک،لأنّ المرجع حینئذ أصالة عدم المخالفة.هذا مجمل الکلام فی صحة الشرط المذکور،و قد تقدّم تفصیله.

و الذی ینبغی التکلّم فیه هنا أنّه علی الفرض الأوّل أعنی:صورة اشتراط الفسخ فی الکلّ بردّ الکلّ،لو أطلق ذلک فلا إشکال فی عدم القدرة علی فسخ البعض بردّ بعض الثمن،و یکون البعض المدفوع باقیا علی ملک البائع،و لو تلف کان مضمونا علی المشتری إلاّ أن یکون یده ید أمانة،هذا مع الإطلاق.

و أمّا لو صرّح فی هذا الفرض:بأنّ له الفسخ فی کلّ جزء بردّ ما یخصّه من الثمن،فلا إشکال فی جواز الفسخ فی ما قابل المدفوع،لکن هل یحدث للمشتری خیار التبعیض لو خرجت المدّة و لم یدفع الباقی من الثمن أو لا؟ الموجود فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-هو الثبوت،و هو بظاهره مخدوش،لأنّ خیار التبعیض لیس له دلیل علی الإطلاق،و إنّما المتیقّن منه صورة عدم إقدام المشتری،و بعد ما فرض أنّه قد وقع التصریح فی العقد بهذه الخصوصیّة فقد أقدم علی التبعیض،فکیف یحدث مع ذلک له الخیار.

نعم لو فرض أنّه فی هذه الصورة شرط المشتری علی البائع بأنّک علی تقدیر ردّک البعض و فسخک البعض،تردّ البقیّة و تفسخ البقیّة فورا و فی ذلک المجلس، فحینئذ لو تخلّف کان فسخه البعض نافذا،و لکن بقضیّة تخلّفه الشرط یحدث للمشتری الخیار،بل و یحدث له أیضا خیار التبعّض،فإنّه مع ضمیمة هذا الاشتراط یمکن أن یقال:إنّه ما أقدم علی تبعّض الملک علیه.فتح الباب وضعا لکن سدّه تکلیفا.

ص:148

بل و علی وجه الحقّیة و صحّة المطالبة فإنّه حینئذ لا یخلو حاله من أمرین إمّا یفی بالشرط و لا یبعّض،و إمّا یتخلّف فحینئذ أیضا للمشتری بحسب العرف خیار الفسخ،فیدفع عن نفسه أیضا التبعّض بفسخ نفسه فهو غیر مقدم علی التبعّض مطلقا.

و لو فرض أنّه شرط هذا الشرط و لکن لم یقیّد الفوریّة بل قیّد بعدم مضیّ المدّة فحینئذ لا یورث التخلّف-حتی انقضت المدّة-إلاّ خیار التخلّف،لأنّه أقدم حینئذ علی التبعّض.

لکن هذا کلّه إنّما هو مع وجود هذا الشرط فی البین،أمّا علی ما هو صورة المفروض من عدم عین و لا أثر لهذا،و إنّما شرط الفسخ فی الکلّ بردّ الکلّ،غایة الأمر علی هذا الوجه أعنی أن یکون مختارا علی الفسخ فی کلّ جزء من المثمن بدفع ما یخصّه من الثمن بلا قید و لا شرط آخر،فلا یعلم ظاهرا وجه لخیار التبعیض للمشتری لوجود الإقدام.

و قد یقال فی مقام التوجیه:إنّه قد یجعل الشرط ردّ الکلّ و المشروط فسخ الکلّ،و قد یجعل الشرط ردّ البعض و المشروط فسخ البعض،و لکن یجعل ردّ البعض الباقی و الفسخ الباقی شرطا للشرط علی نحو الشرط المتأخّر،و هذان مشترکان نتیجة،و قد یجعل الشرط ردّ البعض و المشروط فسخ البعض بدون اشتراط کلّه لردّ البعض الباقی فی فسخ البعض الأوّل أصلا.

و حینئذ یمکن أن یقال:إنّ الشارط إنّما أقدم علی جعل الاختیار و القدرة بید الفاسخ و لم یقدم علی الفسخ،و فرق بینهما،فإنّ الثانی إقدام علی الضرر،و أمّا الأوّل فإن وقع بداعی وقوع الفسخ فکذلک أیضا،و أمّا إن وقع من باب انحصار الوصلة إلی المعاملة فیه برجاء أن لا یتمکّن البائع من الثمن فی رأس المدّة أصلا،أو تمکّن

ص:149

و لم یعزم علی الفسخ فلا یصدق أنّ هذا الشارط مقدم علی ضرر نفسه،فتأمّل.

فإن قلت:کما أنّه فی صورة تبیّن بعض المبیع مستحقّا للغیر یقولون بخیار التبعّض للمشتری مع الصحّة فی البعض المملوک مع أنّ الصحّة ملازمة للوقوع تحت الإنشاء،و لم یناف هذا مع ثبوت الخیار المبتنی علی عدم الإقدام،فلم لا تقولون بمثله فی المقام؟بأن یقال:إنّ جعل ردّ الکلّ شرطا لفسخ الکلّ حاله حال جعل الکلّ مقابلا بالکلّ،فکما أنّ الثانی ینحلّ إلی مقابلة الأبعاض بالأبعاض، فکذا الأوّل ینحلّ إلی جعل الأبعاض شرطا للأبعاض.

قلت:فرق بین المقامین،أمّا مقام جعل المقابلة،فالجعل فعل قلبیّ مثل فعل جوارحی،فکما أنّک لو رفعت کلا یدیک للوضع علی رأس شخصین فوقع فی الأثناء حائل غیر اختیاری بین إحدی یدیک و بین أحد الرأسین،فلیس وقوع یدک الأخری علی الرأس الآخر خارجا عن اختیارک،فکذا جعل المقابلة بین الشیئین، و الشیئان إذا کان أحد الشیئین مصحوب المانع واقعا عن الانتقال،فبالنسبة إلی الخالی عن المانع قصدک للنقل بالعوض موجود محقّق،و هذا بخلاف مقام الاشتراط،فقولک:إذا رددت الثمن کنت مختارا علی فسخ المثمن یراد بالثمن مجموع المال الذی وقع قبالا للمبیع،و بالمثمن مجموع ما قابله.

و بالجملة جعلت الالتزام بالفسخ علی تقدیر حصول أمر فلا بدّ أن تنظر فی أنّ الظاهر العرفی من التقدیر ماذا؟و لا شکّ أنّک إذا قلت:إذا رددت الثمن أجیئک أو افعل کذا،یفهم العرف منه ردّ التمام،فکذا فی المقام بلا فرق.

و بالجملة المنشأ فی المقام الالتزام بإیقاع أمر فی الاستقبال علی تقدیر کذا، و هو غیر الإنشاء الفعلی،و إیقاع الفعل الإنشائی فعلا مربوطا بالمجموع کما هو الحال فی مقام البیع،فافهم و تدبّر.

ص:150

الأمر الثامن:کما یجوز للبائع اشتراط الفسخ بردّ الثمن،

یجوز للمشتری اشتراط الفسخ بردّ المثمن،و لا إشکال فی انصراف الإطلاق إلی العین و لا فی جواز التصریح بردّ البدل مع تلفها،بل و لا فی جواز جعل الشرط ردّ البدل و لو مع التمکّن من العین،أو جعل الشرط ردّ القیمة فی التالف المثلی أو المثل فی التالف القیمی.

و المسائل الثلاث من باب واحد،بمعنی أنّ ردّ المثل فی التالف المثلی مثلا الذی هو المسألة الأولی معناه:تعیّن کلّی المثل المستقرّ فی الذمّة بعد الفسخ فی هذا الشخص المردود،و لیس مقتضی الفسخ إلاّ نفس استقرار الکلّی من دون تعیّنه فی شخص،فلا بدّ من تصحیح التعیّن بدلیل الشرط و أنّه یشمل شرط النتیجة.

و کذا ردّ البدل مع وجود العین معناه:کون الفسخ علّة لانعکاس المبادلة و انتقال المثمن إلی البائع ثم انتقاله منه إلی المشتری ثانیا مقابلا بالبدل المدفوع، فصحّة هذا أیضا مبتنیة علی صحّة شرط النتیجة،و ذلک لأنّ مقتضی الجمع بین القصد الجدّی إلی تحقّق الفسخ بحقیقته مع ردّ البدل فی حال وجود العین إرادة هذا المعنی بدلالة الاقتضاء کما یقولون نظیره فی(بع عبدک عنّی)،و إرادة انتقال نفس البدل ابتداء بتوسّط الفسخ إلی البائع مناف لعرفیّة کون معنی الفسخ هو الحلّ و القلب للمعاملة.

و کذا ردّ القیمة فی التالف المثلی أیضا معناه:أنّه بعد وقوع الفسخ بحقیقته المقتضی لانتقال المثل فی ذمّة المشتری إلی البائع وقع المعاوضة بین المثل المستقرّ و بین القیمة المدفوعة،و أمّا کونها إیفاء لما فی الذمّة فلا عرفیة له،هذا.

و بما ذکرنا ظهر لک الخدشة فی ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی

ص:151

هذا المقام و لعلّه أشار إلی بعض ما ذکر أو کلّه بالأمر بالتأمّل.

مسألة:هل الأصل فی خیار الشرط جریانه فی عامّة العقود

المشتملة علی المعاوضة اللازمة غیر البیع،کالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة،حتی إنّه لا بدّ من التماس الدلیل فی عدم الجریان؟أو أنّه لا مجری بحسب القاعدة له فیها، و لا بدّ من التماس الدلیل للجریان؟ نعم العقود الجائزة إلی الأبد خارج عن محلّ الکلام،فإنّ جعل الخیار فیها تحصیل للحاصل،اللّهمّ إلاّ أن یقال:الذی ثابت بنفس العقد هو السلطنة علی استرجاع العین،و الذی یثبت بالخیار هو السلطنة علی إزالة العقد،و تظهر الثمرة فی حال تلف العین،فعلی تقدیر عدم الخیار لا وجه لمطالبة البدل،لأنّ محل السلطنة و هو العین قد فات،و علی تقدیر الثبوت مقتضی القاعدة هو المطالبة به فتأمّل.

نعم لا یجری هذا فی مثل شرط الخیار بمقدار المجلس أو الثلاثة الأیّام فی العقد الذی شرّع فیه الخیاران شرعا.

و أمّا العقود اللازمة فقد یقال:إنّ مقتضی الجمع بین أدلّة نفوذها الشامل بإطلاقه لحال الاشتراط،و بین عموم:«المؤمنون إلخ»حمل الأوّل علی حال عدم الشرط،یعنی هذا الاقتضاء الذاتی الذی ثابت للعقد لو خلّی و طبعه لیس له بما هو عقد بل بضمیمة عدم الاشتراط.

و فیه:أنّه لا داعی إلی هذا التصرّف بل الداعی إلی خلافه فنحملها علی ظاهرها من کون الحکم الأصلی ثابتا لنفس المعاملة بلا قید،و لازمه عدم إمکان التمسّک بدلیل الشرط،إذ یصیر الشرط حینئذ خلاف الکتاب و السنّة فیندرج فی المستثنی،و إنّما ألجأنا إلی الحمل المذکور فی خصوص البیع النصوص الخاصة

ص:152

و لولاها کان قضیّة القاعدة فیه أیضا ذلک.

و قد یقال:إنّا تتبّعنا العقود فوجدنا الإقالة جاریة فی کلّها،و خیار المجلس و الحیوان و الشرط فی بعضها،فعلمنا بهذا أنّ الفسخ فیها مؤثّر فی رفع أثرها،و یصیر إطلاق الأدلّة بهذا موهونا،فیعلم أنّه لا إباء فی ذات المعاملة عن الفسخ بالتقایل، فلا یکون الشرط إلاّ مفیدا للتسلّط علی الفسخ المؤثّر فی رفع الأثر بجعل الشارع، لا جاعلا له مؤثّرا حتّی یکون مخالفا للکتاب و السنّة.

و فیه:أنّ مؤثّریة الإقالة لا یفید،إلاّ أنّ الفسخ فی ما إذا تراضی المتعاقدان علیه مؤثّر،و أین هو من الفسخ الغیر المقرون برضی غیر الفاسخ الذی هو محلّ الکلام،فمن المحتمل عدم مؤثّریّته،و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال،لأنّه حینئذ من الشبهة المصداقیّة.

بل نقول:یمکن التمسّک بعموم:«إلاّ ما خالف»و تعیین کونه من هذا القبیل بواسطة إطلاق دلیل نفوذ العقد،فإنّه محمول علی الاقتضاء المطلق،غایة الأمر إنّه صار مغلوبا للمقتضی الأقوی فی مورد الإقالة،و أمّا فی مورد الفسخ من الطرف الواحد فلا یصیر عنوان الشرط مزاحما لذلک الاقتضاء بقضیّة قوله -علیه السلام-:«إلاّ ما خالف الکتاب و السنّة».

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّه متی شرع التقایل فی العقد مع التراضی بعده، جاز تراضیهما حاله علی سلطنة أحدهما أو کلیهما علی الفسخ،فإنّ إقدامه علی ذلک حین العقد کاف فی ذلک بعد ما وجب علیه شرعا القیام و الوفاء بما شرطه علی نفسه،فیکون أمر الشارع إیّاه بعد العقد بالرضی بما یفعله صاحبه من الفسخ و عدم الاعتراض علیه،قائماً مقام رضاه الفعلی بفعل صاحبه و إن لم یرض فعلا.

ص:153

و أمّا إذا لم یصحّ التقایل فی العقد لم یصح اشتراط الخیار،لأنّه إذا لم یثبت تأثیر الفسخ بعد العقد عن تراض منهما فالالتزام حین العقد لسلطنة أحدهما علیه لا یحدث له أثرا،لما عرفت من أنّ الالتزام حین العقد لا یفید إلاّ فائدة الرضی الفعلی بعد العقد بفسخ صاحبه،و لا یجعل الفسخ مؤثّرا شرعیّا.

و لکن فیه أیضا:أنّ المعتبر فی التقایل تقارن الرضاءین و لا یکفی الرضی من أحدهما حال العقد و من الآخر بعده حال الفسخ،و أمّا قیام أمر الشارع مقام الرضی الفعلی فهو فرع صحّة الشرط،و الکلام الآن فیه،و من المعلوم أنّ الحکم لا یصحّح موضوعه.

نعم حیث إنّ العرف أیضا حاکم بلزوم متابعة الشرط و عدم التعدّی عنه، فهو ملزم بحکمهم بالوقوف عند شرطه،لکن هذه الملزمیّة أیضا من باب ترتیب أثر الفسخ،و أنّه صار مؤثّرا فیجب معاملة مال الغیر مع هذا المال الذی عند المفسوخ علیه،و فرق بین مثل هذا الرضی و الرضی بالفسخ بالعنوان الأوّلی، و الذی هو المعتبر فی الإقالة هو الثانی.

فإذن لا محیص عن التفصیل الذی تقدّم عن صاحب المستند فی مسألة بیع الخیار فی صورة شرط ردّ البعض فی فسخ البعض و هو:التفصیل بین شرط الانفساخ بعد قول أو فعل کذائی من الشارط و بین شرط الفسخ إلاّ إذا لم یکن فی ذلک المعاملة دلیل یقتضی إطلاق لزومه الذاتی،فحینئذ و إن کان الشک فی مؤثّریّة الفسخ،لکن یمکن تنقیح الموضوع بأصالة عدم المخالفة.

و بعد ما عرفت الحال علی نحو الکلّیّة فلا بدّ من التکلّم عن موارد خاصّة.

منها:خصوص الإیقاع مطلقا و المدّعی فیه تارة عدم قبوله للاشتراط أصلا لا

ص:154

للخیار و لا لغیره،و أخری عدم قبوله لخصوص شرط الخیار مع تسلیم قبوله لأصل الاشتراط.

أمّا الأوّل:فقد حکی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الاستدلال له بأنّ المفهوم من الشرط ما کان بین اثنین،کما ینبّه علیه جملة من الأخبار،و الإیقاع إنّما یقوم بواحد.

و ردّ هو-قدّس سرّه-علیه بأنّ المستفاد من الأخبار کون الشرط قائماً بشخصین،المشروط له و المشروط علیه،لا کونه متوقّفا علی الإیجاب و القبول، و استشهد لهذا بأنّهم جوّزوا أن یشترط فی إعتاق العبد خدمة مدّة تمسّکا بعموم:

«المؤمنون عند شروطهم»غایة الأمر توقّف لزومه کاشتراط مال علی العبد علی قبول العبد علی قول بعض،لکن هذا غیر اشتراط وقوع الشرط بین الإیجاب و القبول انتهی کلامه-رفع مقامه.

قال شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاضاته الشریفة-:یمکن تقریب الاستدلال بوجه یسلم عن إیراده-قدّس سرّه-،لکن علی مبنی من یقول:بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد،و هو أن یقال:إذا وقع الشرط فی ضمن الإیقاع فلا یخلو حاله،إمّا یلزم علی الطرف المشروط علیه بدون توقّف علی قبوله و رضاه،و إمّا یحتاج إلی قبوله و رضاه،و بدونه لا لزوم و لا صحّة.

أمّا الأوّل:فهو ممّا لا یمکن الالتزام به،حیث یلزم أن یجب علی أحد شیء مالیّ أم غیره أو یتعلّق بعهدته حقّ أو یخرج عن ملکه مال من دون رضاه بل و التفاته.

و أمّا الثانی:ففی صورة عدم قبوله و رضاه لا یخلو الحال إمّا أن نقول ببطلان الشرط مع المشروط،و إمّا أن نقول بصحّة المشروط و بطلان الشرط،فالثانی خلاف

ص:155

المبنی من مفسدیّة الشرط الفاسد لما وقع فی ضمنه،و أنّ العقود تابعة للقصود،فإذا قصد الإیقاع مقیّدا فلا یقع مطلقا.

و علی الأوّل:إمّا أن نقول بالصحّة مع القبول،و إمّا بالبطلان معه أیضا، فعلی الأوّل یلزم کون الإیقاع متوقّفا علی القبول،و قد فرضنا أنّه من المسلّم عندهم عدم الحاجة فیه لا فی الصحّة و لا فی اللزوم إلی قبول الغیر،فتعیّن الثانی و هو المطلوب،و هذا التقریب لا یرد علیه سوی فساد المبنی فیلتزم بوقوع الإیقاع علی کلّ حال بدون توقّف فیه صحة و لا لزوما علی القبول،و إنّما الشرط هو المحتاج إلی القبول،فمعه یصحّ و بدونه یبطل،و لا محذور لما قرّر فی محلّه من فساد المبنی المذکور.هذا تقریب المدّعی الأوّل مع جوابه.

و أمّا الثانی:و هو عدم قبول الإیقاع لخصوص اشتراط الخیار فی ضمنه، فیمکن تقریبه بوجوه:الأوّل أنّه من قبیل جعل ما لیس بسبب سببا بالاشتراط،کما لو جعل الإتیان فی منزل زید شرطا،فإنّه لا یفید أزید من جواز ذلک للمشروط له،و أمّا حصول الانفساخ بسببه فلا یتأتّی من الشرط،ففیما نحن فیه أیضا إذا شرط قول فسخت مع الإنشاء،فغایته جواز هذا الأمر له،و أمّا صیرورته سببا فلا یحصل هذا من الشرط،فلا بدّ من إحراز أصل السببیّة من الخارج حتّی یحصل بالشرط التسلّط علیه.

و لا یستشکل بأنّه علی هذا فلا یبقی وجه لهذا الشرط فی باب العقود و ذلک للفرق الواضح،حیث علمنا أصل السببیّة هناک بواسطة صحّة الإقالة و سائر الخیارات الشرعیة،و أمّا هنا فلم نعهد من الشرع تجویز نقض آثار إیقاع بعد وقوعه و رجوع المطلّق لیس إلاّ حکما شرعیا و لا ربط له بالفسخ.

و فیه:أنّه فرق بین اشتراط مثل المجیء إلی دار زید ممّا لیس له طبعا خاصیّة

ص:156

نقض العقد و بین مثل الفسخ،فإنّه بطبعه مقتض للنقض و الحلّ نظیر صیغة البیع حیث إنّه مقتض للمبادلة،بخلاف مثل الوثبة و سائر الأفعال،فإذا وقع مثل الأوّل تحت عنوان الشرط،فلا یفید فیه حکم الشرط إلاّ لزومه أو جوازه،و أمّا مثل الثانی فقضیّة وقوعه تحت الشرط و إمضاء الشارع وقوع ما هو مقتضاه طبعا بنظر الشارع،و مساعدته فی ذلک لنظر الفاسخ.

فإن قلت:فسخ الإیقاع نظیر إعدام العدم،فالإعدام یحتاج إلی أمر وجودیّ،و أمّا العدم الصرف فلا یقبل الإعدام،فأثر الطلاق و العتق و الإبراء و الفسخ لیس إلاّ إعدام ما وجد سابقا من الزوجیّة و الرقّیة و الدین و العقد،و أمّا العدم الحاصل من هذا الإعدام فلا یقبل إعداما آخر.

قلت:إن أردت عدم قابلیّته عقلا،فممنوع،و کذا إن أردت عدم القابلیّة عرفا،و ذلک لأنّ الانطلاق و الحریّة أیضا شیء وجودیّ قابل للإعدام و الرفع،و کذا الانحلال و البراءة،و بالجملة:مراجعة العرف و الوجدان أقوی شاهد علی قبول الإیقاع للحلّ کما هو المشاهد فی مثل الوعد.

و إن أردت عدم القابلیّة شرعا،فهذا مشترک الورود بین الإیقاع و العقد، و مجرّد رؤیة السببیّة فی مورد الإقالة و الخیارات الشرعیّة لا یکفی لغیرها،بعد احتمال دخل خصوصیّة المورد،فالتحقیق هو الرجوع فی کلا المقامین إلی أصالة عدم مخالفة الأزلی،و العجب من شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-کیف اکتفی هنا بمجرّد احتمال عدم المشروعیّة فی المنع،مع أنّه اعتمد فی باب الشروط علی إحراز قید عدم المخالفة باستصحاب عدمها الأزلی.

الوجه الثانی:من وجوه منع اشتراط الخیار فی الإیقاع:أنّ المانع إطلاقات أدلّة صحّة الإیقاع و نفوذه،حیث إنّه شامل لما بعد الفسخ،فیستفاد منها أنّ

ص:157

الحکم ثابت لنفس الإیقاع من حیث هو و إن کان یمکن رفعه لعروض عارض، و قد عرفت أنّ عنوان الشرط لا یمکن تأثیره فی قبال المقتضی الشرعی الثابت اقتضاؤه الذاتی للذات المجرّدة حتّی حال تحقّق الشرط،و علی هذا فیکون شرط الخیار داخلا فی ما خالف السنّة و محلّلا للحرام و محرّما للحلال.

و الجواب:أنّ الأدلّة الناهضة بصحّة الإیقاع لا تفی بأزید من أصل ترتّب الأثر عقیب وقوع الصیغة و الإنشاء فی قبال وقوعه لغوا و بلا أثر،و أمّا إنّ الأثر بعد وقوعه و تحقّقه فإلی متی یبقی و أیّ شیء یرفعه؟فلا نظر فیها إلی إثبات ذلک و لا نفیه،فهو نظیر دلیل تنجیس النجاسات للأشیاء الملاقیة لها من حیث إنّها غیر متعرّضة لأنّ النجاسة متی عرضت علی المحلّ فهو غیر قابل للتطهیر و الرفع أو قابل،و علی الثانی یکون باقیا إلی أیّ مقدار من الغسل،فعلم أنّه من المحتمل أن یکون الفسخ إذا وقع تحت حقّ الموقع قابلاً لارتفاع أثر الإیقاع و أنّه لا ینافی ذلک لإطلاق أدلّة الإیقاع،و إذن فیصیر شرطه فی ضمن الإیقاع بلا مانع بعد إجراء أصالة عدم المخالفة الأزلی.

الوجه الثالث:أنّ الفسخ غیر مؤثّر فی رفع أثر الإیقاع بواسطة أصالة بقاء الأثر بعد الفسخ،و هو ملازم لفساد الفسخ ظاهرا،و بعد جریان هذا الأصل لا یبقی لاشتراط الفسخ مجال لأحد الوجهین،إمّا لتنزیل هذا الاستصحاب بقاء الأثر منزلة نفس الواقع فی کون الشرط المخالف له شرطا مخالفا للسنّة غیر نافذ، کما یقال فی أصالة حلّ لحم الحیوان المشکوک لتجویز الصلاة فی وبره و سائر أجزائه.

و إمّا لأنّ السنّة التی اعتبر عدم مخالفة الشرط إیّاها أعمّ من الحکم الواقعی،و القاعدة الظاهریّة المقرّرة للشاک کالاستصحاب،فالشرط هنا مخالف

ص:158

للاستصحاب وجدانا،کما أنّه علی الأوّل مخالف للسنّة الواقعیّة تنزیلا و تعبّدا، و نظیر هذین الوجهین جار فی اشتراط شرب المائع المستصحب الخمریّة،فإنّه لا یمکن لأحد الالتزام بجواز الشرب بواسطة الشرط،و لا فرق بینه و بین المقام.

و الجواب:-مضافا إلی إمکان القول بمثبتیّة هذا الاستصحاب حیث لا یحرز عنوان الشرط المخالف بناء علی کون القید المعتبر خصوص عدم المخالفة للسنّة الواقعیّة،و لیس حال المقام حال الصلاة فی وبر ما لا یؤکل،فإنّه قد اعتبر فی الدلیل من آثار جزء ما لا یؤکل لحمه،أنّ الصلاة فی وبره غیر جائز،و من آثار جزء ما یؤکل لحمه أنّ الصلاة فی وبره جائز،فیکون ترتیب ذلک علی الأصل الذی مفاده أنّ الحیوان ممّا یؤکل لحمه،ترتیبا للأثر الشرعی،و هذا بخلاف المقام،حیث رتّب البطلان من الابتداء علی الشرط المخالف للکتاب و السنّة،لا أنّه اعتبر من آثار الکتاب و السنّة أنّ الشرط المخالف لهما باطل-أنّ قیاس المقام باشتراط شرب مستصحب الخمریّة و نحوه مع الفارق.

و الحاصل:سلّمنا أن لا فرق فی مخالفة حکم اللّه الموجبة لبطلان الشرط بین مثل الاستصحاب من القواعد الظاهریّة المجعولة للشاک بأحد التقریبین المتقدّمین،و بین الأحکام الواقعیّة،و لکن لا ربط للمقام بذاک الباب.

وجهه:أنّ احتمال عدم تأثیر الفسخ و بطلانه الموجب لاستصحاب بقاء أثر الإیقاع،إنّما هو ناش من کون الشرط المذکور فی الإیقاع مخالفا للکتاب و السنّة، حیث إنّ من المعلوم أنّ الفسخ الواقع عقیب الشرط المذکور فاسد،کما أنّ من الواضح أنّ الفسخ الواقع عقیب شرطه الغیر المخالف لهما نافذ صحیح،و لا یعقل أن یکون الأصل المترتّب علی الشک المتولّد من المخالفة و عدمها مؤثّرا فی بطلان الشرط،و المؤثّر فیه إنّما هو الحکم الذی له واقع مع قطع النظر عن المخالفة

ص:159

و العدم،و هو هنا کون أثر الإیقاع لازما بحیث لا یقبل التغیّر بالفسخ الواقع عقیب الشرط،فإنّ من المحتمل کونه کذلک،کما أنّ من المحتمل أیضا کونه بخلافه،و أنّه بحیث یرتفع بسبب الفسخ المذکور.

فالذی یحتمل مخالفة الشرط و عدم مخالفته له هذان،و لا أصل فی هذه المرتبة ینقّح أحد الاحتمالین،فتکون أصالة عدم المخالفة جاریة بلا مزاحم.نعم یتولّد من احتمالی المخالفة و عدمها،احتمال أن یکون الأثر الحاصل بالإیقاع قبل الفسخ زائلا بعده و أن یکون باقیا،و الأصل فیه و إن کان یقتضی البقاء،لکن لا یمکن تأثیر هذا الأصل فی بطلان الشرط،فإنّه یعتبر فی الحکم المخالف-بالفتح-أن یکون ثابتا مع قطع النظر عن عنوان المخالفة،و هذا معلول للشک المسبّب عن الشکّ المتعلّق بعنوان المخالفة و عدمها.

نعم هذا الحکم الأصلی لا یجتمع مع عدم مخالفة الشرط،لا أنّ الشرط صار مخالفا له،و علی هذا فیکون أصل عدم المخالفة جاریا و حاکما.

و منها العقود:و هی بین ما اتّفق علی عدم الجریان فیه،و ما اختلف فیه،و ما اتفق فیه علی الجریان.

فمن القسم الأوّل النکاح،قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بعد نقل الإجماع:و لعلّه لتوقّف رفع أثره علی الطلاق،و مراده أنّ المجمعین فهموا من الشرع ذلک فصار ذلک جهة إجماعهم.

و کیف کان لا إشکال فی فساد الشرط،و هل المشروط أیضا فاسد؟ربّما یقال بذلک نظرا إلی کون هذا الشرط منافیا لمقتضی العقد،و نحن و إن قلنا فی الشروط الفاسدة أنّها غیر مفسدة،لکن ما کان منها منافیا لمقتضی العقد لا بدّ من القول فیها بالإفساد،و ذلک للزوم التناقض فی الإنشاء،فلو شرط عدم الثمن فی

ص:160

البیع أو عدم ملکیّة المشتری للمثمن فیه کان هذا مناقضة فی القصد،بمعنی:أنّ الجدّ المعتبر فی تأثیر الإنشاء یفوت،فلا یمکن الجدّ بالمبادلة مع الجدّ بعدم تملیک المثمن،لا أنّه لا یمکن تحقّق صورة الإنشاء المتحقّقة فی(بعت السماء و الکواکب) أو(بعت الحشرات)،فلا یقال بعد حصول الإنشاء بترتّب الأثر و لو حصل مناقضة معه أیضا.

و حاصل وجه کون شرط الخیار فی النکاح من هذا القبیل أن یقال:إنّ النکاح الدائم یمتاز عن الانقطاع بأنّ الإنشاء فیه متعلّق بالزوجیة الدائمة و لا بدّ فی قسیمه من تعیین المدّة و لو بألف سنة،و إذا فرض أنّه ینشئ الزوجیّة فی جمیع الأزمان و إلی الأبد،فلا یبقی مجال لاشتراط الفسخ،إذ معناه عدم الجدّ فی إنشاء الزوجیّة فی زمان حصول الفسخ،فبین الأمرین تهافت و تناف.

لا یقال:فکیف الحال فی باب الإجارة؟حیث إنّ التقیید بالمدّة مأخوذ فیه قطعا،و مع ذلک یصحّ جعل الخیار فیه قبل انقضاء المدّة و لم یستشکل أحد بمنافاته لمقتضی العقد.

فإنّه یقال:الوجه أنّ المدّة هناک قید للمملوک و هو المنفعة لا للملک، فالمنفعة الممتدّة عشر سنین مثلا بمنزلة العین الواحدة یملّکها المنشئ بلا تقیید لتملیکها،فلا منافاة لشرط الفسخ حینئذ،نعم اللازم أن یکون الراجع إلی المؤجر بعد الفسخ تمام المنفعة من أوّل المدّة إلی آخرها،و المسلّم بینهم إنّما هو رجوع المنفعة ممّا بعد الفسخ،و لکنّه حکم علی خلاف قاعدة الفسخ ثابت فی محلّه بالدلیل الخاص.

و کیف کان یرد علی الوجه المذکور بطلان مبناه،و هو کون عقد النکاح من مقوّماته أخذ قید الدوام،فإنّ المقوّم له عدم ذکر المدّة،و لهذا یکون الانقلاب فی

ص:161

مسألة ما إذا نسی ذکر الأجل فی المتعة،حیث ینقلب دائما،حکما علی وفق القاعدة،و لا یحتاج فیه إلی التعبّد،فمضمون الأخبار مطابق لمقتضی القاعدة.

و بالجملة بالوجدان حال إنشاء التزویج،حال إنشاء التملیک فی البیع، فکما لا اسم فی الثانی عن الزمان،فکذا الأوّل بلا فرق،و علی هذا لا یبقی منافاة کما هو واضح،فالعمدة فی الباب هو الإجماع علی البطلان فیکون الشرط مخالفا للمشروع،فیکون فاسدا مع صحّة أصل النکاح.

و من القسم الثانی:الوقف،و یمکن تقریب البطلان فیه بأحد وجهین.

الأوّل:الأخبار الدالّة علی أنّ«الراجع فی صدقته کالراجع فی قیئه»و أنّ«ما جعل للّه فلا رجعة له فیه»،فإنّ دلالتها علی أنّ المردود لا یصیر ملکا للرادّ،ظاهرا ممّا لا ینکر.

و أمّا القول بأنّه مع إدراج شرط الرجوع فی عقد الصدقة لا یصدق الرجوع ففیه أنّه مناف لمفهوم الفسخ،فإنّه الرجوع عمّا فعله سابقا فدخوله فی عنوان الرد أیضا،لا ینبغی إنکاره.

و أمّا کون الوقف ممّا جعل للّه،فیمکن استظهاره من إطلاق الصدقة الجاریة علیه الواقع فی الأخبار،و من المعلوم أنّ الصدقة فصلها قصد القربة،و إن أبیت إلاّ عن عدم دخول قصد القربة فی حقیقة الوقف-و لهذا یتمشّی من الدهری-فیتمّ المطلوب فی خصوص القسم الداخل منه فی الصدقة بالاشتمال علی قصد القربة، و هذا الوجه کما تری جار فی مطلق الصدقة.

الوجه الثانی:أن یقال:إنّه مناف لمقتضی الوقف،فإنّه قد أخذ فیه قید حبس تلک الرقبة و إدامته و تأبیده،علی خلاف الحال فی التملیک البیعی،و لهذا

ص:162

یکون المنع عن التصرّف الناقل فیه علی وفق القاعدة،و قد عرفت أنّه لا یجتمع الجدّ فی إنشاء الملکیّة المرسلة الخالدة مع شرط الإعادة عند الفسخ.

لا یقال:فکیف المقال فی شرط العود إلی الواقف عند الحاجة؟حیث ورد الخبر بصحّته،و ما الفرق بینه و بین شرط الفسخ؟ فإنّه یقال:الفرق أنّه راجع إلی التضییق فی دائرة الوقف،نظیر القیود المعتبرة فی الموقوف علیه،فکما یعتبر التأبید هناک فی الموضوع المقیّد،کذلک یعتبر هنا أیضا التأبید فی المقیّد،أعنی:وقف البستان مثلا مقیّدا بما قبل حاجة الواقف أو فی حال کونه غنیّا،فالانتهاء بانتهاء الغناء لا یضرّ بالتأبید المعتبر فیه.

إن قلت:لم لا تقول بمثله فی شرط الفسخ؟ قلت:سرّه أنّه یخرج بذلک الفسخ عن حقیقته،لأنّ معناه الرجوع عن القرار و هو فرع وجود القرار فی فرض الفسخ،و علی فرض التقیید یکون القرار فی نفسه منقضیا بمجیء الفسخ لمجیء غایته.

و من هذا القسم أیضا الصلح،و قبل التکلّم فیه لا بدّ من تقدیم مقدّمة.

و هی:أنّه هل یعتبر فی مفهوم الصلح سبق منازعة کما هو الحال فی لفظة (آشتی)فی الفارسیّة؟أو هو أعمّ من ذلک و من أن یکون المحلّ معرضا لوقوع النزاع فی المستقبل؟کما إذا وقع علی المعاوضة بین شیئین مجهولی المقدار،حیث یوجب أقلّیة الثمن من المثمن نزاع البائع و أقلّیة المثمن نزاع المشتری،فمعنی الصلح:أنّا لا ننازع فی هذین المالین بعد ذلک.

أو لا یعتبر فی مفهومه لا سبق النزاع و لا ترقّب لحوقه،کما إذا وقع علی المعاوضة بین شیئین معلومین من جمیع الجهات،بحیث لا یتطرّق إلیهما النزاع کما

ص:163

لم یکن بین المعاوضین سابقة مخاصمة أصلا،و هو بأن یکون عبارة عن مطلق جعل القرار علی الشیء کما هو المتفاهم من لفظة الاصطلاح.

تحقیق المقام أن یقال:إنّ المفهوم من مادة(ص ل ح)لیس فیه اعتبار مخاصمة أصلا،و لهذا یقال:صلح أمر فلان،أو أصلح اللّه الأمیر،أو هذا العمل صالح لکذا،و لا معنی فی شیء من ذلک لاعتبار المخاصمة،و لکن تبادر ذلک من هیئة باب المفاعلة الذی مصدره الصلاح و اسم مصدره الصلح لعلّه غیر قابل للإنکار.

و حینئذ فصدق هذا المفهوم الحاصل إمّا بوضع الهیئة أو بالانصراف،فی مورد تحقّق المداقّة من الطرفین فی جمیع الجهات محلّ إشکال،فلا بدّ أن یقال:بأنّه حینئذ مجرّد لفظ لم یرد به حقیقته و إنّما أطلق و أرید به البیع مثلا،فتترتّب علیه الآثار الخاصة بالبیع من اعتبار القبض فی الصرف و السلم و عدم الغرر و خیاری المجلس و العیب و أمثال ذلک.

نعم علی مذاق مثل المحقّق الخراسانی-قدّس سرّه-ممّن یقول بأنّ لمفهوم الطلب مصداقین،أحدهما حقیقی و هو الصفة النفسانیة التی هی الشوق الأکید بفعل الغیر،و الآخر مصداق اعتباری و هو لا هویة له سوی التلفّظ بلفظ الطلب مع قصد تحقّق هذا المفهوم،و لا یحتاج إلی تلک المقدمات المحتاج إلیها فی القسم الأوّل-یمکن أن یقال هنا أیضا بأنّ مفهوم الصلح کمفهوم الإرادة له مصداقان، أحدهما حقیقی و هو متقوّم بسبق نزاع أو بالأعمّ منه و من ترقّبه،و الآخر اعتباریّ، و هو لا هویّة له سوی التلفّظ بهذه اللفظة مع قصد تحقّق مفهومه،و لا حاجة فیه إلی نزاع أصلا.

لا یقال:الإنشاء و إن کان متمشّیا،لکن حاله حال الإنشاء فی مثل(بعث

ص:164

السماء)غیر مقرون بالجدّ،و من المعلوم احتیاج التأثیر إلیه.

لأنّا نقول:الجدّ و عدمه إنّما ینتزعان من کون الإنشاء بداعی ترتّب الأثر الذی یفیده الإنشاء بحسب طبعه و کونه لا بهذا الداعی کما هو الحال فی(بعت السماء)،و من المعلوم أنّ المقصود من الإنشاء فی المقام ترتّب الأثر أعنی:وقوع المعاوضة بین المالین التی هی المصالح علیها،فالمقام حاله حال الآمر الذی إنشاؤه الأمر بداعی إیجاد المتعلّق،لکن لا لغرض فی المتعلّق و شوق نفسانی منه إلی حصوله،بل کان حصوله و عدمه سیّان عنده و لکن تعلّق غرضه بنفس إنشاء الأمر بداعی تحریک المخاطب،فلا شبهة أنّ هذا الأمر و البعث جدّی و ملزم للامتثال عقلا،فکما أنّه غیر مشتاق إلی الفعل و لکنّه طالب له بغرض التحریک الذی هو الأثر الطبعی للطلب،کذلک هنا أیضا لیس مصداق الصلح الحقیقیّ فی النفس حاصلا،و لکنّه منشئ له بالصیغة بغرض أثره الطبعی الذی هو الانتقال مثلا.

لکن هذا علی مذاق من یقول بالوجود الاعتباری علی نحو ما یقوله القائل المذکور،و أمّا علی ما هو الحقّ من أنّ المنشئ أبدا مظهر عن المعنی فی ضمیره و بتبع هذا الإظهار قد یتحقّق عنوان حقیقیّ واقعیّ،فلا یتمشّی إنشاء الصلح إلاّ مع سبق النزاع أو ترقّبه.

و نحن و إن قلنا بأنّ الإرادة فی صورة عدم الشوق نحو الفعل المراد یمکن أن تصیر مخلوقا للنفس لأجل المبادی فی نفسها،و لکنّها مع ذلک لا یمکن بالنسبة إلی فعل غیر مقدور کالطیران،و البناء القلبی علی الصلح أیضا من هذا القبیل، فلا یمکن تمشّیه لأجل مصلحة فی نفسه کما لا یتمشّی إرادة الطیران.

و إذن فلا محیص إلاّ عن تعمیم معنی الصلح و لو عند الشارع بأن علم من دلیل خارجیّ أنّ المصالحة التی جعل لها الأثر فی الشرع أعمّ من هذا الذی فی

ص:165

أذهاننا من هذه اللفظة،و هو مطلق القرار علی الشیء.

و حاصل الکلام:أنّ المتبادر من لفظ الصلح،ما کان مسبوقا بالمنازعة، فیختص بالرفع فلا یشمل الدفع إلاّ علی ضرب من التجوّز.غایة الأمر إنّه علی قسمین:صلح خارجیّ و هو أن یقبّل مثلا کلّ منهما وجه الآخر،و صلح عقدی و هو أن یصالح بینهما فی منازعة مالیّة بأن یتحمّل کلّ واحد أو واحد بعض الخسارة علی سبیل العفو و الإغماض.

و علی کلّ حال فالتمسّک لإجراء عقد الصلح فی غیر مورد سبق النزاع بإطلاق دلیل«الصلح جائز»کما وقع فی کلامی المسالک و الجواهر لا یخلو من نظر،فإنّ التمسّک بالإطلاق فرع إحراز عنوان الموضوع.

نعم الظاهر تحقّق الإجماع من الشیعة علی عدم الاختصاص بصورة سبق النزاع و لکنّ القدر المتیقّن منه صورة توقّعه،بل الظاهر من استدلال البعض علی الجریان فی مورد عدم السبق و التوقّع-بأنّه لا قائل بین الأمّة بالفصل بین الصورتین و بین غیرهما-تحقّق الإجماع فی صورة عدم السبق و التوقّع أیضا،و لکن الکلام فی إتمام المطلب علی القواعد مع قطع النظر عن الإجماع.

و حینئذ نقول:استدلّ شیخنا الأستاذ-دام علاه-علی التعمیم بروایات مشتملة علی إسناد الصلح إلی المدیون الذی أبرأه الدائن إمّا من تمام الدین و إمّا من بعضه.

منها:الصحیح عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-:«فی الرجل یکون علیه الشیء فیصالح(فیتصالح خ ل)؟فقال-علیه السلام-:إذا کان بطیبة نفس من صاحبه فلا بأس» (1).

ص:166


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 5،فی أحکام الصلح،ص 166،ح 3.

و منها:ما عن أبی عبد اللّه-علیه السلام-«قال:سألناه عن الرجل یکون عنده المال لأیتام فلا یعطیهم حتّی یهلکوا،فیأتیه وارثهم و وکیلهم فیصالحه علی أن یأخذ بعضا و یدع بعضا و یبرأه ممّا کان علیه،أ یبرأ منه؟قال-علیه السلام-:نعم» (1).

و منها:روایة علی بن أبی حمزة«قال:قلت لأبی الحسن-علیه السلام-:رجل یهودیّ أو نصرانی کانت له عندی أربعة آلاف درهم مات،إلی أن أصالح ورثته و لا أعلمهم کم کان؟قال-علیه السلام-:لا یجوز حتّی تخبرهم» (2).

و احتمال کون الکلمة فی الأولی«فیتصالح»لا یضرّ،لأنّه مشترک مع کلمة «یصالح»،و ما اشتهر فی الفارسیة من ذکر المتصالح فی مقام المطاوعة،من الأغلاط المشهورة،و أمّا احتمال کونها بفتح اللام و فعلا مجهولا فیبعده أمران:

أحدهما:رکاکة نسبة المفعولیّة إلی المخاطب بکاف الخطاب فی صالحتک و هو کنسبة المبیوعیّة إلی المخاطب بکاف الخطاب فی بعتک،بل المتعارف التعبیر عنه بالمصالح له،و عن الثانی بالمشتری أو المبیوع منه.

و الثانی:أنّه إذا صدر السؤال بذکر موضوع ثمّ عقّبه بفعل فالظاهر کونه معلوما و إن احتمل کونه مجهولا لکنّه مخالف لظاهر الأسلوب،ألا تری إذا کان السؤال بهذه الصورة:(رجل له بیت فیصلّی فی بیته؟فقال:لا بأس)فکلمة یصلّی و إن احتمل أن یکون مجهولا حتّی یکون المراد:أنّ الغیر یجیء و یصلّی فی منزله،لکنّه بعید و لا یقرأ الکلمة إلاّ معلوما.

و هذا الوجه الثانی یجری فی الروایة الثانیة أیضا بالنسبة إلی احتمال أن یکون فاعل(یصالحه)الضمیر الراجع إلی الدائن أعنی:الوارث،فإنّه خلاف تصدیر

ص:167


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 6،فی أحکام الصلح،ص 167،ح 1.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 5،فی أحکام الصلح،ص 166،ح 2.

الکلام بذکر الرجل الذی عنده مال فإنّ الظاهر إسناد(یصالحه)إلیه.

و علی هذا فتقریب الاستدلال:أنّ المصالحة من طرف المدیون مع فرض معلومیّة أصل الدین و مقداره لا تتحقّق بمعنی رفع الید عن الخصومة إلی العفو و المسالمة،لأنّه حینئذ إمّا لا یدفع تمام الدین،و إمّا یدفع بعضه فقط،و علی کلّ حال فالعفو من طرف الدائن،لأنّه یتجاوز علی سبیل التخییر عن أخذ ماله إمّا بالتمام أو ببعضه،و أمّا المدیون فبالنسبة إلی البعض الغیر المدفوع لا تجاوز منه کما هو واضح،و کذا بالنسبة إلی البعض المدفوع،لأنّه فی دفعه مرید لاستخلاص رقبته و استفراغ ذمّته،و أیّ تجاوز و فتوة فی ذلک؟ نعم بالنسبة إلی من لا یقنع بأحکام الشرع و یسلک سبیل الظلم و التعدّی علانیة یمکن التجاوز،إلاّ أنّ الکلام فی غیر مثل هذه الخصومات ممّا کان له و لو فی الظاهر طریق،لا ما کان من محض الظلم.

و بالجملة:لا یتحقّق فی الفرض المذکور الصلح القراری إلاّ من جانب الدائن،و أمّا کون ذلک کافیا لصحّة الإسناد إلی المدیون بملاحظة أنّه مورد هذا الصلح،ففیه ما عرفت من أنّ المتحقّق من قبله لیس هو ما یقال له فی الفارسیّة:

(آشتی)و(سازگاری).

نعم یتحقّق ذلک فی ما إذا کان مقام الإثبات مشکوکا إمّا فی أصل الدین و إمّا فی مقداره،فتراضیا علی مقدار معین،فإنّ العفو و الإغماض حینئذ من طرف المدیون بملاحظة أنّه یحتمل براءة ذمّته رأسا أو عمّا یوازی هذا المقدار،و من طرف الدائن بملاحظة أنّه یحتمل الاشتغال بأزید منه،و هذا واضح.

لکنّ المفروض فی الروایتین الأخیرتین المفروغیّة عن مرحلة الإثبات من کلتا الجهتین،نعم تحتمل الروایة الأولی الجهل بالمقدار،فیمکن أن یقال فیها بأنّ لفظ

ص:168

(یصالح)بعد ظهوره فیما یرادف لفظة(آشتی)فی الفارسیة،لا بدّ من حمله علی صورة الجهل بالمقدار من باب کونه محقّقا لمصداق هذا المفهوم،کما إذا قیل:من یصالح کذا،فإنّه محمول علی صورة تحقّق المحقّقات،لکن فی الروایتین الأخیرتین کفایة.

و علی هذا فلا بدّ من حمل لفظ المصالحة الواقع فی الروایة علی غیر ما یتبادر منه و هو مطلق جعل القرار علی الشیء،سواء کان مربوطا برفع خصومة حاصلة أو دفع خصومة متوقّعة أم لم یکن کذلک.

و لا یخفی أنّه علی هذا یصیر قسیما لتمام العقود و أعمّ موردا و أکثر نفعا من جمیعها،و ذلک لأنّه کما یجری فی موارد تمامها-لأنّ القرار و المواضعة و الاصطلاح متمشّ فی الجمیع-یجری أیضا فی مثل إسقاط الدعوی الذی لا یجری فیه غیره.

و أمّا وجه القسیمیّة،فلأنّ البیع مثلا إنشاء الملکیّة بعوض،و الهبة إنشاء الملکیّة مجّانا،و الإجارة إنشاء الملکیّة للمنفعة بعوض،و لکنّ المنشأ الأوّلی هنا هو القرار و التوافق و متعلّقه نفس العین أو المنفعة،نعم لازم ذلک هو التملیک،و أمّا العوض و هو مدخول(باء)فیکون مقابلا لنفس القرار،فلو فرض أنّه أراد إنشاء نفس التملیک ابتداء و جعل العوض مقابلا لنفس المملوک،خرج عن عنوان الصلح.

لا یقال:علی ما اعترفت به من تبادر معنی المسالمة و الإغماض بعد الخصومة من اللفظة،فلا تصیر الروایة مصادمة لهذا الوجدان القطعی.

و علی فرض الشک فإعمال أصالة الحقیقة فی مثل المقام ممّا یکون المراد معلوما مبنیّ علی مذهب السیّد المرتضی-قدّس سرّه-و قد ارتضیتم فی محلّه خلافه،فالتمسّک بالروایات لا یفید فی تعیین حال معنی اللفظة.

ص:169

لأنّا نقول:ما ذکرت حقّ لو کنّا فی الاستدلال بصدد تشخیص الوضع اللغوی،و أمّا إن کنّا بصدد تعیین الموضوع الذی أطلق علیه الشرع هذه اللفظة و رتّب علیه الأثر سواء کان بحسب اللغة حقیقة أم مجازا فلا إشکال.

و علی کلّ حال فاللازم بعد ما عرفت من عدم أخذ معنی رفع الخصومة فی الصلح الذی یراد فی لفظ الإیجاب عند الشرع أن لا یکون شرط الخیار منافیا لمقتضی العقد حتّی فی مورد وقوعه فی مقام رفع الخصومات،لأنّ الرفع المذکور فی هذا المورد أیضا خارج عن حقیقته،فعموم دلیل الشرط لا مانع من التمسّک به، و کذا کلّ خیار ثبت بالعمومات مثل خیار الغبن.

و أمّا ما کان دلیله خاصّا بعنوان مخصوص مثل خیاری الحیوان و المجلس، فلا مجال لجریانها فیه،و لکن ما ذکرنا من إمکان التمسّک فی ما کان دلیله العمومات بالنسبة إلی خیار الشرط الذی دلیله عموم(المؤمنون.)إنّما هو صرف الإمکان و إلاّ فالتحقیق کما مرّ الإشارة فی أوّل البحث إلیه عدم الجواز،لأنّ هذا الشرط مناف للمشروع فی عقد الصلح،و ذلک لمنافاته لإطلاق قوله-علیه السلام-:

«الصلح جائز بین المسلمین» (1)فما ذکرنا إنّما هو فی مقام عدم کون الشرط منافیا لمقتضی حقیقة عقد الصلح مع قطع النظر عن حکمه و أنّه فی الشرع النفوذ المطلق أولا.

و أمّا ما عن بعض الأساطین من التفصیل بین الصلح المشتمل علی الإبراء فلم یجوّز فیه الشرط و غیره فجوّزه،فلعلّه مبنیّ علی أنّ الإبراء و الإسقاط حیث إنّه إعدام لا یقبل الفسخ عند العرف،لأنّ العدم لا یقبل العدم،لکنّک عرفت الخدشة فیه فی ما تقدّم مع أنّه منقوض بمثل بیع الدین علی من هو علیه،حیث

ص:170


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 3 فی أحکام الصلح،ص 164،ح 2.

إنّه علی هذا لا بدّ من عدم جریان خیاری المجلس و الغبن و خیار الشرط فیه أیضا لأنّه أیضا مفید للإسقاط.

و من هذا القسم الرهن،و الظاهر منافاة شرط الخیار فیه لمقتضاه،فإنّ حقیقته استیثاق الدائن بأنّه متی تعذّر الوصول إلی دینه استوفاه من هذا المال، و ترتفع هذه الوثاقة مع جعل الخیار للراهن،و من هذه الجهة منعوا عن رهن مثل الطیر فی الهواء و السمک فی الماء،فإنّه نظیر رهانة الشخص مع کون اختیار الذهاب بید نفسه،فإنّ حقیقة المعنی الذی یعبّر عنه فی الفارسیّة ب(گرویی)لا یتحقّق و لو فرض أنّ المرتهن یطمئنّ بأنّه لا یذهب،فإنّ هذا الاطمئنان الخارجی لا یفید فی صدق المعنی بعد کون الاختیار بیده بحیث متی شاء ذهب،کما لا یقال فی حقّه إنّه محبوس بحبس النظر.

و من هنا یظهر أنّه لو جعل الخیار بعد انقضاء مدّة کرأس ستّة أشهر لا یکفی بعد کون الرهانة فی تمام السنة،فإنّه لا یجامع مع الرهانة فی ما بعد الستّة أشهر و إن کان لا ینافی مع ما قبلها،و هکذا الکلام بعینه فی باب الضمانة حرفا بحرف فلا یحتاج إلی الإطالة.

و من القسم الأخیر أعنی:ما اتّفق علی صحّة شرط الخیار فیه ما عدا الصرف و السلم،و بیع من ینعتق علی المشتری،و العبد المسلم المشتری من الکافر، من أقسام البیع سواء فی ذلک المعاطاة و غیرها،و إن استشکل فی جریان مطلق الاشتراط فی مطلق العقد المنشأ بالفعل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،لکن من الممکن أن یتقاولا سابقا علی الإنشاء الفعلیّ علی الاشتراط،کما یتقاولان علی تعیین کمّیة العوضین و کیفیّتهما،ثمّ یؤتی عند التقابض بکاشف فعلیّ کالإشارة بالید و نحوها للإشارة إلی الاشتراط السابق بقصد الإنشاء.

ص:171

و لو فرض قصور الدلالة فی الإشارة کفی التلفّظ بقول علی الشرط المذکور مقارنا للإعطاء أو القبض،فإنّه حینئذ یرتبط بالإنشاء الفعلی کما یرتبط الفعل باللفظ بمعنی أنّ الاحتفاف به قد یوجب تغییرا فی ظهوره،و بالجملة لم أعرف وجها للإشکال فهو-قدّس سرّه-أعرف بما قال.

بقی الکلام فی الضابطة التی أفادها شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام لتحقیق أنّ أیّ عقد یجری فیه شرط الخیار؟و أیّ عقد لا یجری؟و هو جریان الإقالة و عدمه،فأناط الجریان بجریان الإقالة و العدم بعدم جریانها.

قال شیخنا الأستاذ-دام بقاه-:یمکن تسلیم أصل الأولویة فی طرف النفی،فإنّ طرفی العقد اللذین هما العاقدان له إذا اتّفقا علی الحلّ و لم یثمر فی الانحلال فاستقلال أحدهما علی الحلّ بدون رضی الآخر إلاّ حال الاشتراط فی ضمن العقد یکون غیر مثمر بالأولویّة،و إن کان هذا أیضا منقوضا بباب النکاح، حیث إنّه مع عدم جریان الإقالة فیه یجری فیه فسخ الواحد عند العیوب المخصوصة.

و أمّا فی جانب الإثبات فلا وجه للأولویّة أصلا،فإنّه إمّا یراد بذلک أنّه إذا رأینا أنّ العقد قابل للانفساخ فی الجملة کفی ذلک فی مشروعیّة الفسخ،لنقض ذلک بباب النکاح،حیث علم فیه قابلیّته للفسخ فی الجملة مع عدم جریان الشرط فیه،و إن أرید کما هو ظاهر الکلام أنّ مناط الإقالة جار مع الشرط ببیان:

أنّه إذا کان توافق الطرفین علی الحلّ الفعلی مثمرا فاستقلال أحدهما إذا کان ناشئا عن التوافق فی ضمن العقد علی هذا الاستقلال أیضا حاله حال التوافق الفعلیّ.

ففیه منع الأولویّة،فإنّ باب الإقالة باب إقالة النادم و یعتبر فیه تقارن الرضاءین فعلا،و دعوی عدم الفرق بین التواطؤ الفعلی و بین التواطؤ السابق علی

ص:172

استقلال أحدهما منقوض بباب العقد،فإنّه أیضا یکفی فیه توافق الطرفین علی عقده،و مع ذلک لو تواطئا علی استقلال أحدهما ثمّ بدا لصاحبه و استقلّ الآخر بالعقد لا یکفی قطعا.

و إن أرید أنّه و إن لم یتحقّق الرضی الفعلی من صاحب الفاسخ حال الفسخ وجدانا،و لکنّه متحقّق تعبّدا،بمعنی أنّ قول الشارع:«ف بشرطک»منزّل لرضاه الحاصل حال العقد منزلة المستمر إلی ما بعده حین فسخ صاحبه،ففیه:

أنّه دور واضح،فإنّ المفروض أنّا نشکّ فی المشروعیّة مع قطع النظر عن هذا التنزیل،و إنّما یصیر مشروعا بالدخول تحت الإقالة بواسطة هذا التعبّد،و فرضنا أنّ التعبّد المذکور أیضا یحتاج إلی مشروعیّة المشروط مع قطع النظر عنه و هذا واضح.

الرابع:خیار الغبن

اشارة

لا حاجة إلی تعیین معنی اللفظة لغة،لأنّه ما وقعت فی آیة أو روایة،بل المحتاج إلیه تشخیص موضوع أدلّتهم و إجماعهم،و هو کما یعتبر فیه جهل المغبون،یکون أعمّ من حیث جهل صاحبه و علمه.و یعتبر فیه أیضا أن یکون الزیادة أو النقصان بما لا یتسامح به عادة.

فلا بدّ من التکلّم فی هذا الموضوع بأیّ اسم سمّی.فنقول و علی اللّه التوکّل:

لا إشکال فی صورة علم المغبون بالحال فی الصحّة و اللزوم کما عرفت،إنّما الکلام فی الجاهل و هو علی قسمین،لأنّ جهله إمّا بسیط و إمّا مرکّب.

أمّا القسم الأوّل:فأصل صحّة المعاملة و الحال هذه علی القاعدة فی غایة الإشکال،و هل تری من نفسک أنّ الغرر فی هذا أقلّ من الغرر فی صورة الجهل بالجنس أو الوصف أو الکمّ؟

ص:173

مثلا إذا عرف أنّ الجنس فیروزج و عرف صفته من اللون و غیره بالإحساس، و لکنّه لعدم کونه خبرة شاکّ فی أنّه مقوّم بتومان واحد أو بخمسین تومانا؟فأقدم بدون الفحص علی سبیل الحظ و البخت علی شرائه بخمسین،لا یکون هذا بأدون من إقدامه علی شراء ما فی الصندوق مع تردّده بین خاتم واحد من فیروزج بتومان واحد أو خمسین خاتما کلّ واحد کذلک،فکما أنّ الثانی یعدّ فی العرف جزافا، و بعبارة فارسیة(دل بدریا زدن)کذا الأوّل بلا فرق.

نعم الجهل بالکمّ-و لو انفک عن الجهل بالمالیة کما لو علم أنّه علی کلا التقدیرین من کونه واحدا أو خمسین مقوّم بخمسین-قام الإجماع علی مضرّیته، و لکنّ الکلام فی موضوع الغرر و الخطر الذی هو أیضا واقع تحت النهی، فالإنصاف أنّهما من هذه الجهة علی نحو واحد،فالحکم بالصحّة فی ما نحن فیه من الجهل بالقیمة مع العلم بالجنس و الصفات و المقدار لا یتمّ إلاّ بالإجماع کما هو المحقّق.

و بعد ذلک فإثبات الخیار للمغبون أیضا علی القاعدة فی غایة الإشکال، لأنّ الأدلّة لا تفی فی هذا القسم بإثباته.

أمّا إنّه التجارة عن تراض،فلأنّ المفروض رضاه بوقوع المعاملة مع احتماله أنّه انقض من الثمن بمراتب،و بعد دخوله تحت التراضی فخروجه عن الأکل بالباطل أیضا واضح.

و أمّا قاعدة لا ضرر،فإنّه مقدم علی الضرر،فإنّه بالفرض محتمل و لیس لاحتمال الضرر دافع من أصل عقلائی،غایة الأمر إنّه دخل برجاء احتمال النفع، و لهذا لو انفک الاحتمال الأوّل عن هذا الرجاء و کان قاطعاً بالضرر لما أقدم،و لکنّه ما لم یوطّن نفسه علی تحمّل الضرر فی جنب ما یرجوه من حصول النفع لما کان

ص:174

مقدما مع الاحتمال أیضا،بل یکون متجاوزا عن النفع المحتمل خوفا عن الضرر المحتمل.و الحاصل أنّ هذا شخص جعله الرجاء المذکور مقدما علی الضرر علی تقدیر ثبوته.

و أمّا فی صورة ثبوت الاحتمال مع الدافع العقلائی،فالاحتمال یصیر موهونا غیر قابل للاعتناء و بمنزلة العدم،فهو قد تحرّز عن الضرر بالطریق العقلائی و علی وجه یعذره العقلاء و لا یلومونه،إلاّ أن یکون الضرر خطیرا فی الغایة بحیث یکون احتماله و لو موهوما واجب التحرّز عندهم،فحینئذ یکون حاله حال الاحتمال، و الحاصل أنّ هذا أیضا و إن کان إقداما لکنّه عن حجّة و معذّر،و الأوّل إقدام بلا حجّة،و المتیقّن من الخروج عن قاعدة لا ضرر هو الأوّل.

و کیف کان فإثبات الخیار فی هذا القسم أعنی الجاهل البسیط الغیر القائم عنده امارة عقلائیّة،لا یتمّ إلاّ بالإجماع کما هو المحقّق أیضا.

و أمّا القسم الثانی:و هو الجاهل المرکّب و المحتمل القائم لدیه امارة عقلائیّة فأصل الصحّة فیه لا إشکال فیه،و أمّا إثبات الخیار فقد یتشبّث فیه بآیة:ال تِجارَةً عَنْ تَراضٍ تارة و بآیة لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ أخری،و الظاهر عدم التمامیّة فی شیء منهما،لأنّ المعاملة علی هذا الوجه و إن فرض أنّ وصف کون العوض ممّا یساوی قیمته العوض الآخر وصفا مقوّما فی المعاملة،کوصف الصحّة و أمثاله لا من قبیل الدواعی،لا یخلو حالها إمّا یقال:

إنّها مع تخلّف هذا الوصف و کونه أنقص من عوضه قیمة لا یخرج عن عنوان التجارة عن تراض.

و إمّا یقال:إنّها مع هذا التخلّف خارجة عن العنوان المذکور،فالثانی مفید للبطلان علی تقدیر استفادة الحصر من الآیة،أو لا یستفاد حکمه صحّة و بطلانا

ص:175

من الآیة علی تقدیر عدم الاستفادة،و الأوّل غایة ما یفیده هو الصحّة،و أمّا الخیار فساکت عنه کما یکون ساکتا عن عدمه.

و من هذا یعلم الخدشة فی الاستدلال بالآیة الثانیة،فإنّ أمرها أیضا دائر بین صدق عنوان الأکل بالباطل و عدم الصدق،فعلی الثانی لا یستفاد حکمه أو یستفاد أصل الصحّة المجامعة مع الخیار و اللزوم،و علی الأوّل یستفاد البطلان، فالحقّ أنّ الآیتین لیستا بدلیلین فی الباب.

و قد یقال:إنّ وصف المساواة مع العوض قیمة و عدم النقصان عنه کذلک مأخوذ فی طرف المبادلة و المعاوضة علی وجه القیدیّة،مثل ما إذا صرّح فی اللفظ بذلک بصورة الوصف أو الشرط،فکما أنّه فی هذه الصورة لم یکن إشکال فی تحقّق الخیار علی القاعدة المقتضیة للخیار فی صورة تخلّف الوصف و الشرط،فکذا مع عدم الذکر اللفظیّ،و لکن کان عقد المعاملة مقیّدا واقعا و فی نفسهما بثبوت وصف المساواة،فتکون قاعدة تخلّف الوصف جار هنا بلا فرق.

و فیه:منع ذلک و لا أقلّ من الشک.

و قد یتمسّک أیضا بما ورد فی خیار تلقّی الرکبان.و فیه:أنّ الروایة غیر موجودة فی کتب الإمامیّة،و الشهرة و إن کانت علی طبقها،لکنّ الاستناد غیر معلوم،علی أنّه علی فرض التسلیم،یمکن أن یکون قسما مستقلا من الخیار غیر متوقّف علی الغبن،و علی فرض التوقّف أیضا لا وجه للتعدّی عن مورده بعد عدم عموم فی اللفظ.فالدلیل فی الباب لو کان إنّما هو قاعدة لا ضرر،فاللازم التکلّم فیه.

فنقول و باللّه الاستعانة:قد یقال فی تقریب الاستدلال:إنّ المراد بالنفی بعد تعذّر إرادة الحقیقة نفی آثار الضرر،کما فی لا رجال و أمثاله،فیکون المراد بالضرر

ص:176

الموضوع الضرری کالعقد الغبنی و الوضوء الشینی و أمثالهما،فکما یراد من لا رجال أنّ آثار الرجال منفیّة،یراد بهذا أیضا أنّ آثار العقد الغبنیّ و الوضوء الشینی منفیّة.

ثمّ آثار العقد الجواز التکلیفیّ و الصحّة الوضعیّة و اللزوم الوضعی،و حیث قام الإجماع علی ثبوت الأوّلین یکون المرفوع فیه هو الأخیر،مع أنّه یمکن أن یقال بأنّه لا وجه لرفع الأوّلین،لأنّ المرفوع و المنفیّ هو الأثر المترتّب علیه الضرر لا غیره،و الصحّة و کذا الجواز التکلیفیّ الذی یترتّب علیهما فی الآن العقلیّ المتأخّر عنهما الجواز الوضعی،و السلطنة للمغبون علی الفسخ لیس فیها ضرر أصلا، و خروج المال عن ملک المغبون بإزاء الأقلّ من قیمته و إن کان قد حصل بنفس الإنشاء و لکن هذا الآن العقلیّ عند العرف حاله حال الفلس الواحد حیث إنّه أیضا ضرر بالدقّة،و لکنّه یتسامح فیه العرف و لا یعدّونه ضررا.

و علی هذا فلیس فی إثبات الصحّة تخصیص فی قاعدة لا ضرر،لأنّها لیس من ناحیتها الضرر و إن کان یندفع بنفیها،فتعیّن الأمر فی نفی اللزوم،و هو و إن کان أعمّ من الجواز بمعنی ثبوت حقّ الخیار المتفرّع علیه الإسقاط و الإرث و سائر آثار الحقّ،لأنّه یلائم مع الحکم و لکنّ المقصود و هو نفس قدرة المغبون علی الفسخ حاصل،و إن کان آثار الحق لیست جاریة،هذا.

و لکن فی هذا التقریب إشکال من جهتین.

الأولی:أنّه فرق بین کلمة(لا)النافیة للجنس و بین قولنا:رفع کذا،کما فی حدیث الرفع،فالثانی ظاهر فی أنّ العنوان التالی مثل النسیان و الخطأ موجب لارتفاع الأثر المترتب علی الذات المعنونة به،ضرورة أنّ العنوان المقتضی لثبوت الأثر لا یمکن أن یقتضی ارتفاعه،و هذا بخلاف النفی الوارد علی العنوان بکلمة لا،فإنّ الظاهر أنّ المنفی الأثر المترتّب الجائی من قبل نفس هذا العنوان کما هو

ص:177

الشائع فی الترکیبات التی من هذا القبیل،مثل لا رجل،و لا ربا بین الوالد و ولده، حیث یؤتی بذلک فی مقام أنّ الأثر الذی یقتضیه عنوان الرجولیّة و الربویّة منتف فی هذا المصداق من الرجل و الربا.

فالمناسب لهذا فی المقام أن یراد بقولنا:«لا ضرر»:أنّه لیس فی هذا الضرر، الآثار المترقّبة من طبیعة الضرر کما یقال فی الضرر الیسیر:لیس هذا بضرر،و أمّا الإرجاع إلی المعنونات بهذا العنوان مع جعل العنوان عبرة حتی کأنّ قیل العقد الغبنی لیس بعقد،و الوضوء الشینی لیس بوضوء،فهو خارج عن متفاهم اللفظ عرفا،بل الظاهر أنّ الموضوع بما هو معنون بعنوان الضرر منفیّ،و لازمه حسب نظائره رفع الآثار المترتّبة علی عنوان الضرر.

الثانیة:سلّمنا الحمل علی نفی آثار الذات و لکن حسب اعترافه یکون المنفی خصوص الآثار المترتّب علیها الضرر،و لهذا ذکر أنّ الصحّة و الجواز التکلیفیّ باقیان،و علی هذا فمقتضی ذلک لیس نفی اللزوم برأسه،فإنّه لو فرض کونه مشروطا ببذل الغابن التفاوت فورا بدون فاصلة معتدّ بها لیس فیه أیضا ضرر، نعم إطلاقه بالنسبة إلی مورد التسامح من البذل ضرریّ،فاللازم من هذا إنّما هو الجواز المشروط لا المطلق کما هو المدّعی.

و ممّا ذکر فی الجهة الثانیة یعرف الخدشة بناء علی المعنی الآخر للحدیث اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-و هو:أن یکون النفی علی حقیقته مثل لا رجل فی الدار،و أرید بالإسلام الأحکام المجعولة فی هذه الشریعة،فکأنّه قیل:لا ضرر فی هذه الأحکام،و مرجعه إلی نفی جعل الحکم الضرری،فلو اقتضی إطلاق أو عموم شمول حکم لمورد ترتّب الضرر یکون الحدیث حاکما علیه.

إذ علی هذا نقول:لنا فی العقد الغبنی حکمان.الأوّل:مثل أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ ممّا مفاده الصحة و هو غیر مترتّب علیه ضرر کما تقدم بیانه.

ص:178

إذ علی هذا نقول:لنا فی العقد الغبنی حکمان.الأوّل:مثل أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ ممّا مفاده الصحة و هو غیر مترتّب علیه ضرر کما تقدم بیانه.

و الآخر مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و استصحاب الملک ممّا مفاده اللزوم و هذا أیضا لا یترتّب علیه فی مورد إقدام الغابن فورا علی بذل التدارک ضرر،فلا وجه لرفع الید عن إطلاقه.

لا یقال:بذل التدارک عبارة عن تملیک ما یساوی الزیادة مجّانا،و هذا أمر مستقلّ لا ربط له بالضرر الذی ورد علی المغبون فی عقده،و المربوط به إنّما هو إعادة نفس ماله.

لأنّا نقول:نعم لو کان الداعی هبة مستقلّة،و أمّا لو کان الداعی هو التدارک بحیث لو لا ورود الضرر لما وهب،فنمنع ما ذکرت،فإنّ هذا عند العرف یعدّ جبرانا لذلک الکسر و تدارکا لذلک الضرر،و نفس اللزوم المقرون بهذا التدارک حاله حال الصحّة المقرونة بالجواز،فکما أنّ الثانی لیس عند العرف ضررا فکذا الأوّل،فاللازم علی هذا أیضا تخصیص الجواز بحال عدم بذل التفاوت أو التسامح فیه.

بل نقول و هکذا الحال أیضا بناء علی ما اخترناه فی محلّه فی معنی الحدیث من حمل النفی علی حقیقته و عدم الإشارة فیه إلی الأحکام المجعولة،و المراد بکلمة «فی الإسلام»ما هو المراد فی«لا رهبانیّة فی الإسلام»،فهو إشارة إلی هذا المذهب، و نظیر لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ (1)غایة الأمر أنّ النفی تشریعی و المراد به أنّ الشارع بحسب التشریع سدّ باب الضرر بجمیع الجهات الممکنة بحسب وظیفة التشریع،و مرجعه إلی أنّه حرّم الضرر تکلیفا ثمّ علی تقدیر العصیان یکون بقاء هذا الضرر الحادث أیضا مسدودا بإیجاب ردّ العین،کذلک علی تقدیر البقاء

ص:


1- 1) سورة البقرة197/.

و تضمین الضار لصاحب المال علی تقدیر التلف.

فإنّه قد یقال علی هذا:أمّا الصحّة و الجواز التکلیفی فقد عرفت حالهما، و أمّا اللزوم علی تقدیر عدم بذل الغابن التفاوت فلا داعی إلی رفعه بناء علی هذا المعنی،لإمکان إثباته و التوسّل إلی نفی الضرر بإیجاب البذل علی الغابن،إذ هو مغن عن جعل اختیار الفسخ للمغبون،و إن أبیت عن کفایة صرف التکلیف فتضمینه الأرش بلا شبهة یکون کافیا،فیمکن حفظ ظهور دلیل اللزوم حتی فی هذه الصورة أیضا.

و لکن نقول:إنّ سدّ الضرر تشریعا ما دام للوظیفة التشریعیّة مجال لا یکفیه هذا المقدار،إذ فی فرض الامتناع عن الأرش بعد هذا التضمین الشرعی أیضا یکون للوظیفة مجال و هو رفع اللزوم عن العقد،فإذا صار رفع لزوم العقد هو المرحلة الأخیرة و لا بدّ منها فالإیجاب و التضمین المذکوران لغو،لکفایة تشریع رفع اللزوم علی تقدیر المسامحة فی البذل عن تشریعهما و عدم کفایتهما عنه،فتکون النتیجة علی هذا أیضا هو جعل الخیار المشروط کما علی المعنیین الأوّلین،هذا.

و حاصل الکلام فی المقام أنّ معنی الحدیث الشریف لیس أنّ الحکم الضرری لیس فی الأحکام الإسلامیة،و لیس أنّ الموضوع الضرری منفی حکمه الثابت له مع قطع النظر عن الضرر،أمّا الثانی فلما عرفت،و أمّا الأوّل،فلأنّ المتبادر من کلمة«فی الإسلام»ما یراد فی قول القائل:أوّل رأس رفع علی الرمح فی الإسلام،و أوّل مولود ولد فی الإسلام،و لیس هذا بأوّل قارورة کسرت فی الإسلام بالجملة إرادة الجامعة و الحوزة فی هذه العبارة ممّا لا شبهة فیه،إذ لا معنی لإرادة مظروفیة الأحکام للولادة و رفع الرأس و کسر القارورة،فالمتبادر إلی الذهن کون الکلمة فی الحدیث أیضا من هذا الباب.

ص:180

و حینئذ فالمراد بالنفی هو التشریعی و من الضرر نفس موضوعه الخارجی و مرجع النفی التشریعی لموضوع الضرر أنّ الشارع شرّع التشریعات التی لها مدخل فی سدّ باب الضرر علی حسب ما یقتضیه کلّ مقام،ففی مقام یکون بجعل النهی،و فی آخر بعدم الإمضاء،و فی ثالث بتشریع الخیار،و فی رابع بغیر ذلک من وجوه التشریع الدافعة النافیة للضرر.

و حینئذ نقول:فی المعاملة الغبنیّة دلیل الصحّة منفکّ عن دلیل اللزوم،و رفع الید عن ظهور الأوّل بلا وجه،لأنّ الصحّة بمجرّدها و لو انضمّ معها تشریع الخیار و التسلّط علی الردّ لیست ضرریا،و لا ینافی سدّ الضرر تشریعا کما عرفت، بل الضرر جاء من عدم إمکان التخلّص عن هذا الضرر الجائی بالصحّة.

و بالجملة الضرر الممکن التخلّص تشریعا فی آن بعد تشریعه لا ینافی تشریع نفی الضرر و أمّا دلیل اللزوم الجائی من قبله عدم إمکان التخلّص فنقول:

هذا أیضا بمجرّده لا ینافی تشریع النفی،بل إذا قیّد بعدم انضمام الجبران إلی الضرر الواقع،فإنّ عدم إمکان التخلّص عن الضرر الذی یتعقّبه جبرانه -لا تملیک خارجی غیر مرتبط به-لا ینافی نفی الضرر تشریعا،فالذی ینافیه إنّما هو جعل اللزوم فی خصوص ما إذا لم یلحقه الجبران و الأرش و لازم جعل نفی الضرر رفع الید عن إطلاق دلیل اللزوم فی هذا المورد،فیحصل الخیار عند عدم البذل.

غایة ما یمکن أن یقال هنا إنّه یمکن سدّ الضرر مع بقاء اللزوم بحاله بوجوه أخر،الأوّل:إیجاب الغرامة تکلیفا أو وضعا علی الغابن،و الثانی:إلزام الغابن و إجباره علی الفسخ،و الثالث:إلزامه بواحد من هذین الأمرین شاء، و الرابع:اختیار المغبون فی استرداد خصوص الزائد بفسخ البیع عند امتناع الغابن

ص:181

عن البذل،و مع هذه الاحتمالات لا وجه لرفع الید عن دلیل اللزوم.

و لکن فیه:أنّ الوجه الأخیر ینافی قضیّة الفسخ،لأنّه حلّ المعاوضة فلا یمکن حلّها بحیث تصیر النتیجة ردّ بعض أحد العوضین مع بقاء تمام العوض الآخر بحاله.و أمّا الوجوه الأخر،فإیجاب الجبران لا یصیّر الضرر الواقع مجبورا بل الجابر نفس البذل الخارجی،فإن تحقّق هو فالضرر مجبور و إن لم یکن إیجاب،و إن لم یتحقّق فالضرر غیر مجبور و إن کان إیجاب،فاللازم رفع الحکم الذی یسجّل الضرر و هو اللزوم علی تقدیر عدم الجبران الذی هو البذل الخارجی،و معه یکون هذا الإیجاب أمرا لغوا خالیا عن الفائدة التی نحن بصددها من سدّ الضرر الغیر المجبور.

و أمّا إلزام الغابن علی الفسخ،فصرف هذا الحکم أیضا غیر جابر للضرر الذی سجّله اللزوم علی المغبون،نعم لو وافق الغابن و فسخ صار الضرر الوارد مرتفعا من هذا الحین،و هذا بخلاف ما لو جعل الخیار للمغبون فی الآن المتأخّر عن حصول المبادلة و لو فی حال غفلته و نومه مشروطا بعدم حصول الجبران الخارجی عقیبه فی الزمان المتّصل العرفی بالعقد،فإنّ الضرر حینئذ لم یقصّر الشارع عن سدّه بأقصی ما یمکن تشریعا،و أمّا الوجوه الأخر فقد عرفت نقصانها،و قد فهمنا من الحدیث الشریف عدم القصور و عدم إبقاء مجال للضرر بقول مطلق.

بقی فی المقام أخبار أخر تمسّکوا بها.

مثل قوله-علیه السلام-:«غبن المؤمن حرام» (1)و قوله-علیه السلام-:«لا یغبن المسترسل فإنّ غبنه لا یحلّ» (2)و مثله ما عن مجمع البحرین:«أیّما مسلم استرسل

ص:182


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 17،من أبواب الخیار،ص 364،ح 2.
2- 2) المصدر نفسه:الباب 2،من أبواب آداب التجارة،ص 285،ح 7.

إلی مسلم فغبنه فهو کذا»و قوله-علیه السلام-:«غبن المسترسل سحت» (1).

و عن مجمع البحرین:أنّ الاسترسال الاستئناس و الطمأنینة إلی الإنسان و الثقة به فیما یحدّثه،و أصله السکون و الثبات (2).

و لا یخفی الخدشة الواضحة فی غیر الأخیر منها،فإنّ الغبن فیها علی معناه اللغوی أعنی:الخدیعة و الخیانة فی مقام المشاورة،فلا ربط لها بمقام المعاملة،نعم الأخیر ظاهر فی ما یتعلّق بالمال لکن فیه احتمالات:

الأوّل:أن یکون خصوص الزیادة التی یأخذها الغابن،بمنزلة السحت فی الحرمة و الضمان.

و الثانی:أن یکون الغابن بمنزلة آکل السحت فی استحقاق العقاب علی أصل العمل و هی الخدیعة فی أخذ المال.

و الثالث:أن یکون مجموع العوض الذی یأخذه الغابن سحتا فی صورة خاصّة،و هی صورة اطّلاع المغبون و ردّه للمعاملة المغبون فیها،و لا یخفی أنّ الروایة لو لم تکن ظاهرة فی أحد الأوّلین بملاحظة أنّ اللازم علی الأخیر تقییدها و سیاقها آب عنه فلا أقلّ من الإجمال.

ثمّ إنّ تنقیح هذا المطلب یتم برسم مسائل:

مسألة:یشترط فی هذا الخیار أمران،

الأوّل:عدم علم المغبون بالقیمة،
اشارة

فلو علم بالقیمة فلا خیار.

قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بل لا غبن کما عرفت بلا خلاف و لا إشکال لأنّه أقدم علی الضرر.انتهی.

ص:183


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 17،من أبواب الخیار،ص 363،ح 1.
2- 2) مجمع البحرین،الجزء 5،ص 383،مادة«رسل».

قال شیخنا الأستاذ-دام بقاه-فیه أوّلا:أنّ الغبن لیس فی دلیل من الأدلّة حتّی یتمسّک بعدم صدقه،فاللازم ملاحظة أنّ دلیل لا ضرر الذی عرفت أنّه العمدة فی الباب هل فیه قصور عن شمول هذا أو لا؟ و ثانیا:ما علّل-قدّس سرّه-به قصور لا ضرر من التعلیل بأنّه أقدم علی الضرر،إن أرید بذلک أنّ هذا الضرر نشأ من فعل نفسه و هو عقده علی ماله بما ینقص عنه قیمة،و الشارع لم یفعل إلاّ إمضاء فعله،فلم یحدث من ناحیته ضرر علاوة علی ما أورده علی نفسه،ففیه:أنّ هذا مشترک الورود فی الجاهل أیضا،فإنّه أیضا عاقد علی ماله بأنقص منه و الشارع لم یفعل إلاّ إمضائه،غایة ما فی الباب أنّه غافل عن هذا الإیراد هناک،و فی المقام عالم.

و إن أرید أنّ سوق الحدیث حیث إنّه للمنّة فیکون منصرفا إلی غیر العالم إذ لا منّة فی رفع حکم اللزوم بالنسبة إلیه،و لا فی وضعه خلاف منّة.

ففیه:أنّه أی منّة أعظم من جعل الخیار و رفع اللزوم،لأجل أنّه لو فرض حصول البداء له فی المستقبل أمکنه الاستخلاص عن الضرر،و علی هذا فیکون وضع اللزوم أیضا خلاف المنّة،فإنّه بعد البداء لیس له ملزم علی تحمّل الضرر إلاّ حکم الشرع،فالذی ینبغی أن یقال فی المقام أحد أمرین:

الأوّل:أنّ العالم تارة یعامل معاملة سفهائیّة و هذا لا کلام فیه،لأنّا نتکلّم فی المعاملة الصحیحة،و أخری تکون معاملته ناشئة عن غرض عقلائی و حینئذ ما دام لم یر فی إعطاء الأزید فی مقابل الأنقص منفعة و غرضا یلیق مثل هذا فی سبیل نیله لما یقدم،و بالجملة یری أمر نفسه دائرا بین أمرین،إمّا فوت مال و حفظ غرض و إمّا العکس،فما دام لم یر الأوّل أولی و لم یترجّح فی نظره لما یقدم.

و حینئذ لا یصدق فی مثل هذا الشخص أنّه متضرّر،و إن کان یصدق

ص:184

بملاحظة أنّه لم ینل فی مقابله بما یساویه من جنس المال،و لکن بالأعم من المال و الغرض فهو غیر متضرّر بل ربّما یکون بشّاشا مشعوفا بالمعاملة بملاحظة ما نال إلیه من الغرض المهمّ.

لا یقال:العوض الإنشائی الواقع مقابلا للمال فی إنشاء المعاوضة إنّما هو المال،فهو قد اشتری مثلا المال بالمال لا المال و الغرض به و المناط فی الضرر هو ما یقابل عوضا فی الإنشاء لا ما یقابله فی مقام الدواعی.

لأنّا نقول:حال هذا مثل حال الشرط فکما أنّه یوجب الترقّی فی مالیّة المشروط و کذا المنافع،فیمکن أن یقال:إنّ الأغراض و الدواعی أیضا کذلک و هو و إن لم یوجب تفاوتا فی جانب المالیّة-لأنّ ما یوجب ذلک هو المقصودة لنوع العقلاء لا ما یتّفق للأشخاص،و لهذا لا تتحقّق المغبونیّة فی طرف الغابن لو فرض أنّه باع بالقیمة العادلة ممّن یکون له هذا الغرض لأنّه وصل إلی عوض ماله بالمال- و لکن یکفی لرفع عنوان التضرّر بالنسبة إلی الشخص النائل إلی الغرض،ألا تری أنّ من یهب المال لا یصدق أنّه تضرّر،کما فی مورد النهب و السرقة و الحرقة و الغرق، بل لو کان بعنوان الصدقة المقصود بها الأجر الأخروی أیضا فکذلک،هذا.

و الثانی:تسلیم صدق الضرر حقیقة،و لکن یدّعی انصرافه إلی غیر المقام ممّا لم یورده الإنسان علی نفسه،بحیث یصح نسبته إلیه و أنّ هذا ضرر أوردت أنت علی نفسک،و لیس منشأ الانصراف هو المنّة لما عرفت من ثبوتها فی هذا المورد أیضا،بل هو نظیر انصراف الظلم إلی ظلم الغیر لا ظلم النفس،فلفظة الضرر أیضا منصرفة إلی غیر مورد انتساب الضرر إلی نفس المتضرّر،بحیث یقال له:لا تلومنّ إلاّ نفسک،ثمّ لو فرض أنّ هذا موجب للشک فی الانصراف فهو مانع عن عقد الإطلاق،فإنّه من قبیل وقوع الأمر عقیب الحظر ممّا یصلح للقرینیّة مع

ص:185

الاتصال بالکلام.

ثمّ الوجهان بعینهما جاریان فی حقّ الملتفت الشاک فی الزیادة أو النقیصة، فإنّه إمّا یقدم و لو فی فرض علمه بالضرر و هذا واضح،و إمّا لا یقدم علی فرض ذلک،و هذا یحصل له حالة همّ و غمّ عند ظهور الضرر،و لکنّه ما لم یکن موطّنا نفسه فی الابتداء علی تحمّل الضرر علی فرض احتماله متجاوزا عن الضرر المحتمل بملاحظة الغرض الذی یقصده لما یقدم.

و الحاصل:أنّ الغرض تارة یکون بحیث لا یبالی عن الضّرر المالی المقطوع فی طیّ تحصیله،و إمّا لا یبالی عن خصوص محتمله،و علی کلّ حال لا یصدق فی حقّه التضرّر،لأنّه أعطی المال و نال إلی الغرض الذی یساویه.

و یمکن أن یقال:بانصراف لفظة لا ضرر فی الإسلام عن هذا،فإنّه یقال فی حقّ صاحبه:لا تلومنّ إلاّ نفسک،نعم لا یجری ما ذکرنا فی مورد الاطمئنان بالعدم،أو الطریق العقلائی به فإنّه لا یستعقب الملامة و التوبیخ من العقلاء.

و بالجملة صدق العبارة فی مثل مورد الشک و الظن بالعدم فضلا عن الوجود مع عدم الطریق العقلائی مشکل،فإن کان إجماع فهو.

فرع:بعد ما عرفت من عدم الخیار فی مورد الضرر المقدم به فلو أقدم علی

الضرر المتسامح به

فی مثل المعاملة،کخمسة قرانات فی معاملة عشرة تومانات فتبیّن کونه أزید بما یتسامح به،کما تبیّن فی المثال کونه تومانا واحدا حیث إنّ الزیادة أیضا خمسة قرانات،و نصف العشر ممّا یتسامح به بخلاف العشر،فحینئذ هل یثبت له الخیار؟بملاحظة أنّ إقدامه کان بحدّ الخمسة و هو غیر واقع و ما وقع محدود بحدّ العشرة و هما متباینان،أو لا یثبت؟بملاحظة أنّ الإقدام علی الخمسة المحدودة إقدام اللابشرط المقسمی،فیکون عدم الإقدام خاصّا بالزائد و هو

ص:186

أیضا ممّا یتسامح به،و الوجهان جاریان فی ما إذا کان القدر المقدم علیه غیر متسامح به و الزائد متسامحا به،کما لو أقدم علی العشرة فتبیّن الخمسة عشر.

و لکن الحقّ ثبوت الخیار لا ببیان أنّ المقدم علیه هو المحدود و هو غیر الواقع فإنّ الخدشة علیه بالانحلال إلی أصل الذات و الحدّ،فما تغایر هو الحدّ دون الذات واضحة،بل ببیان أنّ الخمسة قرانات إنّما لا تکون متسامحا بها إذا لم تکن منضمّة بما عداها،و أمّا لو انضمّ فیخرج عن صفة التسامح،ألا تری أنّ حبّة الأرزن الواحدة یتسامح به مالک الدابّة و لکن إذا حمل علیها کرور حبّة بحیث لو زید حبّة أخری لسقطت الدابّة عن المشی کان حینئذ غیر متسامح بل مضایقا، و مثل ذلک یجری فی المقام أیضا.

ثمّ إنّ فی عبارة شیخنا العلاّمة فی هذا المقام فی الفرع الثانی زیادة قوله:«أو بما لا یتسامح»و مع ذلک قال:ففی الخیار وجه،و لهذا یرد علیه فی بادئ النظر الإشکال بأنّه فی هذه الصورة لا شبهة فی الخیار،و لکنّه لا بدّ من حمل العبارة علی معنی:أنّه إذا کان المقدم علیه ما لا یتسامح فتبیّن أزید،ففی الخیار وجه من غیر فرق بین کون الزیادة متسامحا بها أو غیره،و حینئذ یکون الوجه الآخر عدم هذا التعمیم و هو ملائم مع التفصیل لا أنّه عدم الخیار فی کلا القسمین.

ثمّ إنّ التشریع الذی یجیء من قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«لا ضرر» (1)حیث إنّه یکون لأجل تدارک الضرر و رفعه،فلا بدّ من تخصیص خطابه بمن یعلم کونه متضرّرا، و أمّا من لا یعلم بل یعلم العدم أو یکون غافلا فلا وجه للجعل فی حقّه،إذ لا ینفع هذا الجعل فی حقّه شیئا،بل ربّما یوجب علیه الکلفة و المشقّة،کشخص یعلم بعدم تضرّره بالغسل فاغتسل ثمّ صلّی فتبیّن له التضرّر،فإنّ إیجاب التیمّم

ص:187


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 17،من أبواب الخیار،ص 364،ح 4.

و الإعادة و الحکم ببطلان عمله لا یفید فی حقّه إلاّ کلفة زائدة.

و علی هذا فلا بدّ أن یقال فی الخیار الذی یجیء من هذا الحدیث الشریف:

انّ ابتداء حدوثه حین الاطّلاع علی الضرر لا أنّه من حین العقد و الاطّلاع کاشف.

و علی هذا فلو فرض صیرورة المال قبل الاطّلاع بل قبل الرد و لو بعد الاطّلاع مترقّیا بحسب القیمة السوقیّة بحیث ساوی مع عوضه،أو صار أزید،أو فرض کون عوضه متنزّلا بحیث ساوی مع المال،أو صار أنقص،فلا وجه حینئذ لتشریع الخیار،إذ هو فی مقام المنّة،و لا منّة فی دفع المساوی و أخذ المساوی،أو دفع الأزید و أخذ الأنقص،هذا بناء علی حدوث الخیار بالاطّلاع.

و أمّا بناء علی حدوثه بمجرّد العقد،فلا شبهة فی سقوط دلیل لا ضرر من أوّل زمان حصول المساواة،أو انعکاس الأمر،فیبقی الخیار بحسب البقاء بلا دلیل،و أمّا اللزوم،فإن قلنا:إنّ دلیل لا ضرر مقیّد لعموم دلیل اللزوم،فیکون دلیل اللزوم هو المرجع فیما عدا مقدار التقیید.و إن قلنا:إنّه من باب الخروج الفردی فی زمان،فهو مورد النزاع المعروف من أنّ المرجع هل استصحاب حکم الخاص أو عموم العام؟و لا شبهة أیضا فی الرجوع إلی دلیل اللزوم لو کان فیه عموم زمانی،و إلاّ فإلی استصحاب الخیار.

ثمّ هذا هو الکلام فیما إذا کان الضرر متحقّقا من حین العقد و زال بعده قبل الفسخ،و لو انعکس الأمر بأن لم یکن ضرر حین العقد و حدث ترقّی القیمة فی عوض المال أو تنزّلها فی المال بعد العقد،فلا شبهة فی صدق الضرر حینئذ و أنّ حکم اللزوم ضرر علی المشتری مثلا،فإنّه لو جاز له الفسخ لدفع عن نفسه الضرر.و بالجملة بعد کون المدرک هو قاعدة لا ضرر،لا فرق فی التضرّر بین صورة

ص:188

ثبوت التفاوت القیمی بین العوضین من أوّل العقد أو حدوثه بعده.

و یمکن أن یقال:إنّ الفرق بین المقامین بعد تحقّق الضرر فی کلیهما أنّه فی الأوّل دفع الضرر المتوجّه إلی المشتری بالفسخ،لیس بإضرار الغیر الذی هو البائع،فإنّ ذلک فی حقّه إنّما هو عدم النفع عند العرف و لو کان بالدقّة ضررا،فإنّه قد ملک الزائد،و الفسخ موجب لتفویت الزیادة علیه نظیر سائر أملاکه،و هذا بخلاف الحال فی الفرض الثانی،فإنّ الفسخ یعدّ إضرار علیه.

فهو هنا نظیر العقد الجدید فی الفرض السابق،فإنّه لو أوقعا عقدا جدیدا بین نفس العوضین تحقّق الغبن فی جانب البائع،فحال الفسخ هنا أیضا کذلک، فیکون المقام من صغریات دفع الضرر المتوجّه إلی النفس بإضرار الغیر و هو غیر مورد القاعدة إمّا للانصراف کما هو الحقّ المبیّن فی محلّه،و إمّا لتعارض فردی الضرر،فتحقّق من أوّل الفرع السابق إلی هنا:أنّه لا بدّ فی ثبوت الخیار من أمرین:

حدوث الضرر من حین العقد،و بقائه إلی حین الفسخ،فکلّ من الأمرین انتفی، انتفی الخیار.

ثمّ ما ذکرنا من عدم نفع الضرر الحادث بعد العقد،إنّما هو فی غیر الصرف ممّا یتوقّف الملکیّة فیه علی حصول أمر غیر العقد کالقبض فیه،فلو حدث الضرر بعد العقد و قبل القبض و تبیّن له ذلک بعد القبض،فهل یحکم بالخیار؟نظرا إلی أنّ أوّل زمان حصول النقل و الانتقال کان الضرر موجودا،أو بالعدم؟نظرا إلی أنّه من قبیل الضرر الحادث بعد البیع،لأنّ البیع العرفی حاصل،فهذا بنظر العرف دفع الضرر بإضرار الغیر؟الحقّ هو الأوّل،و ذلک لأنّ إضرار الغیر إنّما حدث بقول الشارع:هذا العقد الذی توهّمتموه مؤثّرا قبل القبض غیر مؤثّر،یعنی أنّ هذا الضرر وارد علی البائع مثلا لا علی المشتری کما توهّمتموه.

ص:189

و من هنا یظهر أنّه لا یحتاج إلی جعل خیار قبل القبض لاندفاع الضرر بواسطة الحکم المذکور،و حینئذ فلا یحدث بجعل الخیار للمشتری بعد القبض عنوان دفع الضرر بإضرار الغیر،فیکون مشمولا للقاعدة،هذا.

ثمّ إنّه لا شبهة هنا فی أنّ الخیار إنّما هو للموکّل إذ هو المتضرّر دون الوکیل، فلو فرض القول فی مثل خیار المجلس الذی علّق علی البیّعین بثبوته للوکیل بناء علی عدم انصرافه إلی المالک،فلا وجه للقول به هنا بعد کون المدرک قاعدة لا ضرر.

نعم إعمال الفسخ فی الوکیل المطلق جائز،و هو مطلب آخر غیر ثبوت الخیار،هذا فی أصل ثبوت الخیار،و أمّا إنّ الاعتبار فی العلم و الجهل بحال أیّهما؟ فالظاهر عدم الإشکال فی عدم العبرة بعلم الوکیل فی مجرّد الصیغة و لا بجهله،و أمّا الوکیل المطلق فی جمیع الأمور فإن کان جاهلا و الموکّل عالم و مقرّر للوکیل فی عقده،فلا خیار،کما لا خیار فی صورة علمهما،و یکون فی صورة جهلهما،و أمّا علم الوکیل و جهل الموکّل فالظاهر فیه أیضا عدم الخیار،لأنّه فی جعل التوکیل له بحیث یشمل مثل هذا العقد علی المال بأنقص منه مقدم فی إضرار نفسه،و قد عرفت خروج المقدم عن القاعدة.

ثمّ إنّ الجهل إن ثبت باعتراف الغابن أو إقامة البیّنة فلا کلام.و إلاّ فالمدّعی للجهل تارة لیس من أهل الخبرة و أخری یکون کذلک،ففی الصورة الأولی قد یقال:بأنّه المنکر و یقبل قوله مع یمینه،و ذلک لأنّه یدّعی ثبوت الخیار الذی هو المطابق للأصل،فإنّ الأصل عدم العلم و هو حاکم علی أصالة اللزوم الموجودة فی طرف مدّعی العلم.

و فیه:أنّ الأصل المذکور مثبت،إذ لو فرض أنّ الحکم کان مرتّبا علی

ص:190

موضوع العالم و نقیضه علی الجاهل،کان الأمر کما ذکر،و لکن الدلیل حسب الفرض قاعدة لا ضرر،و الخارج منه المقدم علی الضرر و من المعلوم عدم إثبات عدم العلم لعدم الإقدام.

و حینئذ نقول:لو کان خروج المقدم أیضا بدلیل منفصل بعد عموم القاعدة له کان أصالة عدم الإقدام جاریا و قائماً مقام أصالة عدم العلم فی جعل مدّعی الجهل منکرا،و لکنّ المفروض أنّ خروجه یکون بالانصراف،فالموضوع منعقد من الابتداء علی النحو الخاص،و حینئذ فالأصل یکون فی طرف مدّعی العلم الذی یدّعی نفی الخیار لأنّ الأصل عدم تحقّق هذا الموضوع الخاص.

فإن قلت:غایة ما ذکر صیرورة مدّعی الجهل مدّعیا،و لکنّه لا یثمر فی عدم قبول دعواه بیمینه،لأنّه من قبیل المدّعی لأمر لا یعلم إلاّ من قبله،و یعسر أو یتعذّر إقامة البیّنة علیه،و القاعدة فی مثله قبول قوله بیمینه مع کونه مدّعیا.

قلت:إن کان المطلب ثابتا بالإجماع فلا کلام،و إلاّ فعلی القواعد یکون مشکلا،و ذلک لأنّ قاعدة باب المدّعی و المنکر کون البیّنة علی الأوّل و الیمین علی الثانی،فإذا تعسّر أو تعذّر الأوّل،فالقاعدة تعیّن الیمین علی الثانی.و لا یخفی أنّ مجرّد کونه مدّعیا لما لا یعلم إلاّ من قبله لا یصیّره منکرا ببیان أنّ السیرة العقلائیة جرت علی اتباع قول من یختصّ بأمر کالمربّی للطفل و نحوه بالنسبة إلی الشیء المختصّ به و لا یعتنون بقول غیره عند المعارضة.

وجه ذلک أنّ المتیقّن من بناء العقلاء صورة عدم الاتّهام و أمّا فیها فلا یحرز بناؤهم لو لم نقل بأنّهم متوقّفون.

نعم الذی یمکن إثباته علی القواعد أن یقال:إنّ تعسّر الإقامة و تعذّرها قد یکون فی شخص الواقعة کمن أقرض غیره و لم یشهد فی مجلس الإقراض فأنکر

ص:191

المقترض بعد ذلک،و قد یکون فی نوع الواقعة کما فی ما نحن فیه و أمثاله.

ففی القسم الأوّل:إن نهض فی قبال المدّعی منکر فلا إشکال فی یمین المنکر،و إن لم ینهض بقبالة منکر و کان مدّعیا بلا معارض جزمی و إنّما یقول الخصم:أنا لا أعلم اشتغال ذمّتی لک،و مقتضی الأصل براءتها،فحینئذ فالمورد ممّا لیس فیه بیّنة بالفرض و لا یمین لأنّ الخصم شاکّ حسب الفرض،فلا طریق إلی حسم النزاع.

و أمّا القسم الثانی:فإن کان فی البین منکر بطریق الجزم،فقد تقدّم أنّ القاعدة تقتضی حسم النزاع بیمینه،و أمّا إن لم یکن منکر بل ادّعی عدم العلم،و لم یدّع الطرف أیضا علمه،فحینئذ یمکن القول بتقدیم قول المدّعی مع حلفه بمقدمتین:

الأولی:أنّ کثرة أمثال هذه الموارد فی الخارج تورث قطع الإنسان بعدم رضی الشارع بترک المخاصمة بحالها بلا فاصل و حاسم،لاستلزامه تضییع الحقوق الکثیرة.

لا یقال:أنّی لنا بهذا القطع و من الممکن رفع النزاع بدون جعل الفاصل، فإنّ الحاکم شاک فی الواقعة فهو أیضا یکون محکوما بأصل براءة ذمّة من یدّعی المدّعی مدیونیّته،فهذا الأصل یجوز له الحکم و الإلزام ظاهرا بإسکات المدّعی و رفع یده عن المخاصمة.

ألا تری أنّه لو کان مع المدّعی أمارة حجّة مطلقة،کالید کما فی قضیة مولاتنا الزهراء-سلام اللّه علیها-ترتفع المخاصمة بإرجاع الطرف الشاک إلی الامارة؟ لأنّا نقول:هذا الحکم إنّما هو من باب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، و المعتبر فیهما هو المنکر عند الفاعل و المعروف کذلک،ألا تری أنّه لو کان مائع

ص:192

مستصحب الخمریّة لدی الحاکم،و المقلّد یعلم کونه ماء لیس للحاکم نهیه عن الشرب،فکذا الحال فی المقام لا یمکن للحاکم إلزام مدّعی الدین من باب الأمر بالمعروف،بکفّ الید عن طرفه بمجرّد کونه شاکّا و محکوما بالأصل و المفروض کون المدّعی مدّعیا للعلم،و من هنا نعرف الفرق بین المقام و بین القضیّة الواقعة لمولاتنا -صلوات اللّه علیها-،فإنّ الموجود هناک أمارة معتبرة فی جانب العالم،و الطرف کان معترفا بشکّه،فلهذا کان ملزما بمقتضی الأمر بالمعروف باتّباع تلک الامارة الموجب لعدم المخاصمة.

و بالجملة المخاصمة فی المقام حاصلة بلا شبهة،لأنّ أحدهما یقول:أدّ مالی،و الآخر یقول:أنا شاکّ و لیس علیّ دفع شیء إلیک،فلو لم یجعل الشارع هنا طریق فصل یلزم بقاء المخاصمة بحالها مع کثرة أمثالها و شیوعها بحیث یعلم الإنسان بأنّ الشارع لا یرضی بإهمالها و عدم جعل فاصل و حاسم لها.

و المقدّمة الثانیة:أنّ الحاسم و الفاصل للخصومات المنتهیة إلی قضاؤه الحاکم منحصر فی الشریعة فی أمرین لا ثالث لهما،البیّنات و الأیمان،و ذلک بقضیّة (إنّما)فی قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«إنّما أقضی بینکم بالبیّنات و الأیمان» (1).

و دعوی کون الحصر إضافیّا بالنسبة إلی موارد وجود المدّعی مع المنکر-فلا یشمل مثل المقام الذی یکون المدّعی بلا منکر،و ذلک لأنّ الغالب المتعارف فی المنازعات ذلک و لهذا سیق قوله-علیه السلام-:«البیّنة للمدّعی و الیمین علی من أنکر» علی وجه الإطلاق-مدفوعة بأنّ الانصراف ممنوع.

هذا کلّه فی صورة عدم کون المدّعی للجهل من أهل الخبرة،و أمّا فی الصورة المزبورة فقد یدّعی:أنّا و لو سلّمنا کونه منکرا لمطابقة قوله مع الأصل،نقول هنا

ص:193


1- 1) الوسائل:الجزء 18،الباب 2،من أبواب کیفیة الحکم و أحکام الدعوی،ص 169،ح 1.

بکونه مدّعیا لمخالفة قوله مع ظهور عدم الغفلة عن القیمة من أهل الخبرة، و الظاهر مقدّم علی الأصل.

و فیه:أنّ الظاهر الذی مقدّم علی الأصل فی هذا الباب إن کان مجرد الظهور الذاتی و لو انفکّ عن الحجیّة و وجوب الاتّباع سلمنا وجوده فی المقام،و لکنّ الکبری غیر معلومة و إن کان خصوص الظهور الحجّة،فیمنع وجوده فی المقام، فإنّا نری أنّ أهل الخبرة إذا قال فی موضوع خبرویّته قولا ثمّ قال:أنا سهوت فی قولی و لم یکن مقام الاتّهام،یرفع أهل العرف الید عن ظهور کلامه الأوّل،و لو کان المقام مقام الاتّهام فلا یأخذون بقوله الأخیر،و لکن یوجب هو شکّهم فی قوله الأوّل أیضا،فراجعهم.

و هکذا الحال فی أصالة عدم السهو الجاریة فی أفعال و أقوال عامّة العقلاء، فإنّه لو ادّعی عاقل سهوه فی موضوع فمع عدم الاتّهام یقبل،و معه یوجب التوقّف فی الأصل العقلائی،و لهذا لو أقرّ أنّ لزید علیه عشرة،ثمّ ادّعی أنّه سها فی تعیین العشرة و إنّما کان علیه تسعة،فلیس هذا من باب الإنکار بعد الإقرار المسلّم فیما بینهم عدم الاعتناء به،و لو لم یکن المطلب فیه أیضا ثابتا بالتعبّد إمّا من العقلاء أو من الشارع لأمکن الخدشة فیه أیضا،هذا کلّه فی الاختلاف فی الجهل.

و لو اختلفا فی القیمة فهیهنا صور:
الأولی:أن تکون القیمة فی ما قبل العقد معلومة و أنّها أنقص من الثمن

و لکن ادّعی البائع تغییرها إلی المساوی له فی حال العقد.

و الثانیة:أن تکون القیمة السابقة مساویة فادّعی المشتری تغیّرها إلی

النقصان

فی حال العقد.

الثالثة:أن تکون القیمة السابقة معلومة بأحد الوجهین

و کان الاختلاف فی

ص:194

القیمة فیما بعد العقد-بناء علی أنّ ارتفاع القیمة قبل العلم تدارک للضرر و مسقط للخیار-مع الاتفاق علی موافقة هذا الزمان مع زمان العقد فی السعر.

الرابعة:أن یتّفقا علی النقصان فی الحال و المساواة فی القبل،

و إنّما الاختلاف فی تاریخ العقد،فواحد یدّعی کونه قبل حدوث التغییر و آخر یدّعی کونه بعده مع الجهل بالتاریخین.

الخامسة:أن یکون تاریخ حدوث النقصان معلوما و تاریخ وقوع العقد

مجهولا.

و قد یدّعی أنّ الأصل فی ما عدا الأخیرة مع منکر سبب الغبن،لأنّ الأصل عدم التغییر.

و فیه:أنّه-مع کون نتیجته علی فرض الجریان مختلفة فی هذه الصور فربّما یکون ترجیح منکر سبب الغبن و ربّما یکون ترجیح مدّعیه-مثبت،لأنّ موضوع الحکم الذی هو العقد الغیر الضرری أو الضرری غیر محرز بهذا الأصل.

لا یقال:یمکن أن یقال فی الصورة الأولی إنّ هذه العین التی کانت مقوّمة بعشرة کان العقد علیها بعشرین موجبا للخیار فی یوم السبت،و الأصل بقاؤه فی یوم الأحد علی هذا الوصف.

لأنّا نقول:لا ینقّح بهذا أیضا عنوان الضرر.اللّهم إلاّ أن نقرّر الأصل بوجه آخر،و هو أن نقول:کان العقد علیها فی السابق متّصفا بالضرریّة فالآن کما کان، و لکن فیه أیضا أنّه من باب الاستصحاب التعلیقی فی الموضوع،و قد قرّر فی محلّه عدم جریانه.

فالحقّ أن یقال فی جمیع الصور المذکورة:إنّ الأصل مع منکر سبب الغبن لأصالة اللزوم-لا بمعنی العمومات،لأنّ التمسّک بها فی مثل المقام تمسّک بالعام

ص:195

فی الشبهة المصداقیّة-بل بمعنی استصحاب الملکیّة.

الأمر الثانی:کون التفاوت فاحشا،

فلو کان ممّا یتسامح به کعشر العشر بل و خمسه بل و نصفه فلا خیار،لانصراف دلیل لا ضرر عن مثل ذلک.

و لو اختلفا فی کون الضرر فاحشا أو متسامحا به إمّا من باب الشبهة الموضوعیّة کما لو ادّعی أحدهما أنّ الضرر نصف العشر و هو متسامح به،و الآخر أنّه العشران و هو غیر متسامح به،و إمّا من باب الشبهة المفهومیّة،کما لو اتّفقا علی أنّه العشر و لکن اختلفا فی کونه متسامحا به أو لا،فالمرجع هو الأصل الموضوعی أعنی:أصالة عدم تحقّق الضرر علی الوجه الخاص الذی هو المنصرف إلیه فی قاعدة لا ضرر،و هذا لا شبهة فیه،إنّما الکلام فی تعیین المیزان للتسامح و عدمه و المراد به.

فنقول:لیس المراد أن یکون الضرر لقلّة مقداره غیر معتنی بشأنه حتی مع العلم،و ذلک لأنّا نعلم أنّه فی مقام الدین یحتسبون الفلس و أقلّ من الفلس،بل المراد أنّ نوع العقلاء علی تقدیر التفاتهم حال العقد إلی هذا المقدار من النقیصة و شکّهم فی حصوله و عدم حصوله لا یصرفون الوقت فی تشریح المطلب و تحقیقه بالفحص فی مظان الاطلاع و الرجوع إلی أهل الخبرة،بل یعدّون الوقت أشرف من إدراک هذا المقدار،و أمّا مع علمهم بزیادة المالیة بمقدار الفلس أو أقلّ فلا یتسامحون کما عرفت.

بقی فی المقام إشکال تعرّضه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه الشریف-و هو:

أنّ ظاهر الأصحاب فی باب خیار الغبن الدوران مدار الضّرر المالی و هو الشراء بأزید من القیمة أو البیع بأنقص منها مع کون التفاوت فاحشا معتدّا به عند النوع،و لکنّهم فی باب الوضوء صرّحوا بأنّه لو توقّف الوضوء علی الشراء بأزید من

ص:196

القیمة و لو بأضعافها وجب،إلاّ أن یکون موجبا للضرر الحالی،کمن یکون رأس مال معیشته و معیشة عیاله مائة تومان و کان الثمن أیضا مائة،أو یکون هنا إجحاف و لو لم یتحقّق الضرر الحالی،کما إذا کان قیمة قربة الماء فلسا فاتّفق مصادفة غریب متموّل لهذا المحلّ فلم یقدم أحد من أهل ذلک المحلّ علی البیع منه إلاّ واحدا منهم و هو أیضا قال:لا أبیع مقدار الوضوء منه إلاّ بمائة تومان، و الحاصل صرّحوا فی هذا الباب بدوران التیمّم مدار الضرر الحالی أو الإجحاف، فیرد علیهم أنّه:ما الفرق بین البابین بعد کون المدرک فیهما قاعدة لا ضرر،فإن کان المنفی به هو المالی فلیکن کذلک فیهما و إن کان الحالی فکذلک،فما وجه الفرق؟ و أجاب هو-قدّس سرّه-بوجهین.الأوّل:أن یقال بالفرق بین باب التکالیف،حیث یکون بقبالها أجر أخروی فلا یصدق الضرر،نعم إذا أضرّ بالحال کان منفیّا بدلیل لا حرج لا بقاعدة لا ضرر،فإنّه مخصوص بالضرر المالی.[و بین باب المعاملات].

الثانی:أنّه قد خرج باب الوضوء عن تحت القاعدة بالنصّ الخاص،و إلاّ کانت القاعدة فیه أیضا الدوران مدار الضرر المالی،لکنّ النصّ ورد بالوجوب مع توقّفه علی الشراء بالزیادة عن القیمة،فهو مخصّص لدلیل لا ضرر،نعم تبقی حکومة دلیل لا حرج علی ذلک النصّ بالنسبة إلی مورد الإضرار بالحال و الإجحاف بحالها،فالفارق بین البابین وجود النص.

قال شیخنا الأستاذ-دام علاه-:أمّا وجه ما ذکره-قدّس سرّه-من عدم انتفاء الضرر الحالی بلا ضرر و إنّما هو منفی بلا حرج و المنفی بلا ضرر خصوص المالی،فهو أنّ الضرر ضد النفع،و کما أنّ النفع هو الزیادة فی المال أو فی البدن أو

ص:197

فی العرض،فالضرر هو النقصان فی أحدها،و مورد الضرر الحالی غیر محسوب فی شیء من ذلک،نعم هو عبارة عن المشقّة و العسر و الحرج.

و أمّا ما ذکره من تخصیص قاعدة لا ضرر فی خصوص باب التیمّم بالنصّ الخاص،فیمکن منعه لعدم دلالة النصّ إلاّ علی الوجوب مع الغلاء،و أمّا إنّه لأجل غلاء القیمة السوقیّة أو لأجل غلاء الثمن مع رخص القیمة فلا تصریح فیه،و یمکن حمله علی الأوّل بملاحظة ندرة الثانی،و الأولی ذکر النصّ.

فنقول:الموجود فی الوسائل فی هذا الباب روایتان،الأولی:روایة صفوان:

«قال سألت أبا الحسن-علیه السلام-عن رجل احتاج إلی الوضوء للصلاة و هو لا یقدر علی الماء،فوجد بقدر ما یتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم،و هو واجد لها،أ یشتری و یتوضّأ أو یتیمّم؟قال-علیه السلام-:لا،بل یشتری،قد أصابنی مثل ذلک فاشتریت و توضّأت،و ما یشتری بذلک مال کثیر» (1).

و الثانیة:روایة حسین بن أبی طلحة«قال:سألت عبدا صالحا عن قول اللّه عزّ و جلّ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً (2)ما حدّ ذلک؟قال-علیه السلام-:فإن لم تجدوا بشراء و بغیر شراء،قلت:إن وجد قدر وضوء بمائة ألف أو بألف و کم بلغ؟قال-علیه السلام-:ذلک علی قدر جدته» (3).

و أنت خبیر بأنّه لیس فی الروایتین إلاّ أنّه وجد قدر الوضوء بالمبلغ الکثیر، و مجرّد هذا لا یوجب الحمل علی صورة التضرّر المالی بل یلائم مع کون السعر بهذا المبلغ،و معه لا تخصیص فی قاعدة لا ضرر فإنّه بذل المال و أخذ المال،فلیس

ص:198


1- 1) الوسائل:الجزء 2،الباب 26،من أبواب التیمّم،ص 997،ح 1.
2- 2) سورة المائدة6/.
3- 3) الوسائل:الجزء 2،الباب 26،من أبواب التیمّم،ص 998،ح 2.

إیجاب هذا علیه إلاّ کإیجاب شراء مؤن الحجّ،فإنّه بقدر ما ینفق یصل إلی المال کرکوب الدابة و المأکول و المشروب و أمثال ذلک.

نعم قد یقال:إنّ صرف إیجاب المعاملة لیس ضرریّا و لکن بملاحظة غایته و هو الصرف فی الوضوء یکون ضرریّا،فإنّه إتلاف للمال،و القول بأنّ من جملة حوائج الإنسان طاعة مولاه مستلزم للدور،إذ لولا الأمر و الإیجاب لا طاعة،و قد فرض توقّفهما علی عدم الضرر و توقّفه علی عنوان الإطاعة المتوقّفة علیهما.

و لکن یمکن أن یقال:إنّ الکلام ممحّض فی خصوص الشراء و أنّه لیس بضرریّ،و أمّا ذو المقدّمة-و هو صبّ الماء الموجب لإتلاف مقدار منه-فهو ضرر قد جاء بنفس(توضّأ بالماء)الذی معناه أتلف الماء بالصرف فی الوضوء،فلیس فی إیجاب الشراء ضرر آخر.

و کیف کان یرد علیه-قدّس سرّه-و علی الأصحاب-قدّس اللّه أسرارهم- أنّ الضرر الحالی الذی تمسّک الشیخ فی دفعه فی باب الوضوء بدلیل لا حرج، و سائر الأصحاب أمّا به و إمّا مع دلیل لا ضرر،لیس بأخصّ من الضرر المالی موردا،بل یمکن انفکاکه عن المالی کالعکس،مثاله ما إذا توهّم الإنسان أنّه ذو مکنة کثیرة بحیث یلیق بحاله شراء فرس أو سیف غالی القیمة فبذل مائة تومان مثلا فی طریق ذلک،و فرضنا أنّه کان مساویا مع قیمتها السوقیّة أو کان أنقص من القیمة السوقیّة،ثمّ بان أنّه کان هذا المبلغ تمام رأس ماله و الآن لیس له من سنخ المال إلاّ الفرس أو السیف و هو محتاج إلی مؤنة نفسه و مؤنة عیاله،فحینئذ لا شبهة فی تحقّق الضرر الحالی مع عدم الضرر المالی.فالإیراد أنّه ما وجه عدم تمسّک الشیخ فی هذا المورد بثبوت الخیار فی المعاملة بدلیل لا حرج و کذا عدم تمسّک الأصحاب بدلیل لا ضرر و لا حرج معا.

و لو قلنا بعدم شمول لا ضرر للضرر الحالی کما قوّیناه فی تقریب کلام الشیخ

ص:199

فأی اختصاص لدلیل لا حرج بباب التکالیف؟مع أنّه لا أظنّ أحدا منهم التزم فی مثل المثال بثبوت الخیار کما تری جریان السیرة العرفیّة فی مثله علی عدم الخیار، و علی فرض ما ذکرنا من عدم الاختصاص فلا یبقی وجه لما طال التشاجر فیه فیما بینهم من کیفیّة تصویر الغبن من الطرفین فإنّه علی هذا فی غایة السهولة،إذ یمکن کون أحدهما متضرّرا مالیا و الآخر متضرّرا حالیّا،فیکون کلّ منهما ذا خیار.

بقی الکلام فی دفع الإشکال عن تصویر غبن الطرفین.

و الذی أفاده الأستاذ العلاّمة-دام أیّام إفاداته الشریفة-فی وجهه أن یقال:

یمکن فرض ذلک فی ما إذا اختلفت مالیّة العین باختلاف أیدی المالکین و لو فی محلّ واحد کما هو المشاهد فی الأدویة المجلوبة من الإفرنج حیث إنّها فی أیدی الأشخاص المعدّین لبیعها مقوّمة بأکثر منها إذا کانت فی أیدی غیرهم،و ذلک لعدم الاحتیاج إلی تفتیش المفتّش فی أیدی الطائفة الأولی و الاحتیاج إلیه فی أیدی الثانیة.

و علی هذا لو کان قیمة دواء خمسة و عشرین فی ید بیّاع الدواء و عشرة فی ید الغیر فغبنه الغیر و اشتری بعشرین فحینئذ کلّ منهما مغبون،أمّا الأوّل فلأنّه باع بأنقص من القیمة السوقیّة،و أمّا الثانی فلأنّه اشتری بأزید من العشرة التی هی القیمة السوقیّة فی حقّه،و الانتقال من القیمة العلیا إلی السفلی و إن کان بواسطة القبض لا صرف إنشاء المعاملة و لکن یکفی فی غبنیّة المعاملة بالنسبة إلی المشتری حدوث الضرر من ناحیة القبض الذی هو من توابع المعاملة،هذا.

مسألة:بعد ما عرفت استفادة خیار الغبن من دلیل«لا ضرر»فهل المستفاد

منه کون المبدأ من حین العقد أو کونه من حین الاطّلاع علی الغبن؟

قد یقال بالثانی،نظرا إلی أنّ الدلیل المذکور مسوق للمنّة و لا منّة بالنسبة إلی

ص:200

غیر المطّلع،فإنّ وجه الامتنان أقداره علی دفع الضرر عن نفسه،و هو محتاج إلی تشخیص کونه مصداقا للمتضرّر،بل قد یوجب الجعل فی حقّ غیر المطلع جعله فی کلفة و مشقّة کما فی باب غسل الجنابة إذا کان استعمال الماء مضرّا و هو غیر مطّلع، فجعل التیمّم فی حقّه و الحکم ببطلان غسله یوجب علیه إعادة الصلوات الکثیرة التی أدّاها فی حال الجهل بمضرّیة الاستعمال.

و لکن الحقّ أنّ السوق بمقام المنّة لا ینافی الثبوت الواقعیّ مع قطع النظر عن حالتی العلم و الجهل،أمّا أوّلا:فلأنّه لا فرق بین الجهل بالموضوع و الجهل بالحکم،و التقیید بالعلم فی الثانی مستلزم للدور الواضح،فلا بدّ أن یکون الحکم ثابتا مع قطع النظر عن جهله و علمه فما یکون وجه المنّة هناک یکون وجها فی الجهل بالموضوع.

و أمّا ثانیا:فالمنّة المستفادة من اللفظ بقرینة المقام حالها حال اللطف المستفاد من العقل فی جعل التکالیف،فکما أنّ معنی اللطف هناک لیس هو التقریب و التبعید الفعلیّین الغیر المتمشّیین فی حقّ غیر العالم بالحکم و الموضوع، بل هو أمر مجامع مع الجهل و العلم و العذر و التقصیر فی الموضوع و الحکم، و حاصله إیجاد السبب من ناحیة الشرع بحیث لو لم یحصل القرب و البعد کان مستندا إلی سبب آخر لا إلی قصور فی الجعل الشرعی فکذلک حال المنّة هنا، فمعناها إیجاد السبب لدفع الضرر من ناحیة الشرع،بحیث لو حصل الضرر کان من ناحیة أمر آخر لا من قبل قصور فی جعل الشرع.

لکن علی هذا یرد فی المقام إشکال آخر،و هو أنّ الاختلاف الواقع فی فوریّة هذا الخیار و تراخیه یجیء علی هذا من أوّل زمان العقد،فمن یقول بأنّ القدر المتیقّن هو الثبوت بمقدار زمان الفسخ لا بدّ و أن یقول بذلک من أوّل العقد

ص:201

و الرجوع فی ما بعده إلی العموم الزمانی علی القول به.فیلزم علی هذا القول عدم الخیار بعد الاطّلاع إذا اختلف زمانه مع زمان العقد،و ظاهرهم عدم الالتزام حتّی فی الجهل الحکمی،و الاختلاف إنّما هو بالنسبة إلی ما بعد الاطّلاع.

و یمکن حلّ هذا الإشکال أیضا بأن القدر المتیقّن لا بدّ و أن لا ینافی مع الإطلاق و لا یرجع إلی التقیید و التحدید،فإنّ احتمال کون الخیار ممتدّا إلی ساعة مثلا أو ساعتین ینافیه الإطلاق.

نعم لو کان الدلیل لبیّا أمکن القول بأنّ المتیقّن ثبوت هذا المقدار،و أمّا إذا کان هو اللفظ أعنی قوله:«لا ضرر»و فهمنا أنّه مسوق فی مقام المنّة الشخصیّة دون النوعیّة فالاحتمال المذکور یدفعه الظهور اللفظی.

هذا علی تقدیر التحدید بمثل الساعة و الساعتین،و أمّا إن کان التحدید بما بعد زوال الجهل و حصول العلم فاللازم فی الجهل الحکمی هو الدور أیضا،فإنّ تقیید الحکم بعلم نفسه کما یکون دورا بالنسبة إلی أصل حدوثه فکذلک بالنسبة إلی تحقّق جزئه الأخیر.

لا یقال:هذا ینافی مع ما صرّحت به من کون«لا ضرر»فی مقام المنّة من حیث الذات مع قطع النظر عن طروّ الطواری و الحالات.

لأنّا نقول:نعم الأمر کما مرّ و لکنّ المنّة من حیث الشارع علی شخص الذات المجرّدة لا یتمّ إلاّ بإبقاء الحکم الذی به یدفع الضرر عن نفسه إلی زمان رفع الجهالة عنه من حیث صغری الضرر و کبراه.و بعبارة أخری:معنی إطلاق المنّة الشخصیّة من ناحیة الشارع هو کون وقوع الضرر بالنسبة إلی کلّ شخص شخص من الذوات مستندا إلی اختیار المکلّف،غایة الأمر لا یجامع اختیاره مع الجهل إمّا موضوعا و إمّا حکما.

ص:202

و بهذا یندفع إشکال الدور بالنسبة إلی الجهل الحکمی،فإنّه یقال:الدور إنّما یلزم إذا قیّد الحکم بعنوان العلم به و أمّا إذا قیّد بأمر آخر یلازم العلم فلا محذور.و یندفع إشکال التقیید و المنافاة للإطلاق أیضا،فإنّ ثبوت الحکم إلی أن یکون الضرر واقعا بسوء اختیار المکلّف یلائم إطلاق المنّة الشخصیّة.

لا یقال:فکیف المقال فی الجهل بالحکم عن تقصیر فیلزم فیه فوت الخیار قبل العلم،لأنّه أیضا متضرّر بسوء اختیاره فی عدم تعلّمه الحکم؟ لأنّا نقول:المراد بسوء الاختیار ما یعمله فی نفس النتیجة بلا واسطة لا الأعمّ منه و من الاختیار الذی أعمله فی المقدّمات.و بالجملة:فالمقصود أنّ فی أصل جعل حکم الخیار فی حقّ الجاهل منّة حیثیّة،بمعنی أنّه یقال له:إنّا جعلنا لک السبیل إلی رفع الضرر عنک و لکنّک غفلت و جهلت إمّا حکما أو موضوعا، فلا تقصیر من ناحیتنا،کما أنّ جعل اللزوم فی حقّه إضرار علیه.

لا یقال:وجود هذا الحکم و عدمه سیّان فی الوقوع فی الضرر ففی الحقیقة هو متضرّر من جهة اعتقاده اللزوم،و لیس لجهة مصادفة الاعتقاد للواقع أو مخالفته مدخل فی ذلک أصلا،بل هذا مطلب سار فی جمیع الأبواب،فإنّ الإنسان دائما تکون حرکاته معلومات للصور الذهنیّة من دون مدخلیّة للواقع حتّی بنحو الجزئیّة،فمن یفرّ من الأسد الذی یحدث فیه الفرار هو الأسد الخیالی الذهنی لا الخارجی،و هکذا.

لأنّا نقول:کلاّ و حاشا،بل الأمر حسب المصادفة و المخالفة مختلف، فإسناد الفعل یکون إلی الواقع مع المصادفة و إن کان إلی التخیّل مع عدمها،و هذا أمر بدیهی یکاد یعدّ إنکاره من إنکار المحسوسات،فالمعتقد المرتّب للأثر إن کان لواقع معتقده خارج کان المؤثّر فی نفسه و تحریک عضلاته نفس ذلک الخارج،

ص:203

غایة الأمر بتوسّط الصورة لا الخارج البحت؟،و إلاّ کانت الحرکة مستندة إلی التخیّل البحت.

فنقول فی المقام:إن کان الحکم المجعول الشرعی مطابقا لاعتقاد الشخص کان الضرر من ناحیة حکم الشارع،نعم لو کان هو الخیار علی خلاف معتقده یکون الضرر من جهة الاعتقاد،و حینئذ فالقول بأنّ المبدأ من حین العلم تقیید فی الدلیل بلا وجه،کما أنّ القول بأنّ المنتهی من حینه أیضا کذلک،مضافا إلی لزوم المحذور العقلی فی الصورتین بالنسبة إلی الجهل الحکمی أعمّ من التقصیری و المعذور فیه،و هو لزوم دخالة ما یتأخّر عن الحکم فی إنشائه أمّا قیدا و إمّا غایة.

نعم القول بأنّ الخیارات من حین العقد و باق إلی زمان لو لم یکن الحکم فیه لا یقال إنّ الضرر ورد من الشرع،بل یقال ضرر أورده علی نفسه،لیس فیه تقیید و لا محذور.

ثمّ إن قلنا:بأنّ المستفاد من«لا ضرر»لیس بأزید من الجواز الحکمی دون الخیار الذی هو من الحقوق فلا کلام،و إن قلنا:بأنّه یستفاد منه حقّ الخیار فالظاهر ترتّب جمیع ما کان أثرا لثبوت هذا الحقّ من حین العقد الذی عرفت أنّه حین ثبوته،فیجوز الإسقاط من هذا الحین،و کذا تجری قاعدة أنّ«التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له»من هذا الحین،و کذا لو قلنا بمنع التصرّفات الناقلة من غیر ذی الخیار لکونه مفوّتا لحقّ ذی الخیار من العین،نقول بعدم نفوذها هنا من هذا الحین و لا اعتبار بالإجماع الواقع علی النفوذ قبل اطّلاع المغبون علی فرض تحقّقه، لأنّه یحتمل کونه إجماعا تقییدیّا مبنیّا علی مدارک مختلفة.

فبعض القائلین کان قائلاً لأجل قوله:بأنّه حکم لا حقّ،و آخر لأجل قوله بأنّه و إن کان حقّا لکنّه یحدث بعد الاطّلاع،و ثالث لأجل قوله بأنّه و إن کان حقّا

ص:204

جائیا بالعقد و لکنّه لا یمنع مطلقا عن تصرّف غیر ذی الخیار لأنّه حقّ علی العقد لا العین،و بعد وجود هذا الاحتمال یسقط عن الحجّیة،نعم لو أحرز من القائلین عدم التفاوت بین الصور المزبورة و نقائضها فی قولهم بالنفوذ کان إجماعا حجة.

و أمّا تصرّف المغبون قبل العلم من حیث مسقطیّته و عدمها،فإن قلنا بکونه کاشفا تعبّدیّا،فلا فرق بین التصرّف قبل العلم و بعده،و إن قلنا بأنّه کاشف نوعی،فالغالب وقوعه بعد العلم مع إمکان وقوعه أحیانا قبله أیضا،کما إذا أحرز من حاله أنّه لو کان له خیار أیضا لا یقدم علی الفسخ بل کان یمضی المعاملة و صدر منه تصرّف مبنیّ علی هذا المعنی،و إن قلنا بأنّ المعیار فی التصرّف المسقط أن یصدق علیه عنوان الرضا بالبیع و لو من باب اعتقاد عدم المفرّ عنه و عدم حضور نفسه للاستقالة،فعدم التفاوت فی حصوله بین ما قبل العلم و ما بعده أوضح.

ثمّ إنّه یظهر من عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام إلحاق خیار العیب بالغبن من حیث الکلام فی کون مبدئه العقد أو العلم بالعیب، و لکنّک خبیر بأنّ مجیئ الاحتمالین حسب التصویر متّضح الاشتراک بین البابین، و أمّا الاستظهار من الأدلّة فالبابان من هذه الجهة مختلفان،فخیار الغبن قد عرفت الکلام فیه،و أمّا خیار العیب فالمدرک فیه الأخبار الخاصّة و المذکور فیها ظهور العیب و حمله علی المعرّفیة خلاف الظاهر.

إن قلت:نعم،و لکن قاعدة«لا ضرر»جاریة هناک أیضا کما هنا.

قلت:لا نسلّم،لأنّ عنوان العیب عنوان آخر غیر عنوان الضرر،فقد یجتمع معه و قد یفترق عنه،کما إذا اشتری المعیوب بما دون قیمته،غایة ما فی الباب أنّه

ص:205

فی صورة اجتماعهما یکون هنا خیاران،أحدهما من حین العقد و الآخر من حین العلم بالعیب.

نعم یمکن أن یقال فی ذلک الباب:بأنّ الموجب لرفع الید عن ظهور کلمة ظهور العیب فی الموضوعیّة هو الإجماع علی کون الأرش الذی هو بمعنی تدارک ما فات من وصف الصحّة یکون عدلا للفسخ،لا أنّه ثابت فی طوله بمعنی أنّه مخیّر بین الأرش و الفسخ،لا أنّه مجعول فی حقّه الفسخ،فإن أسقطه یحدث له حقّ الأرش،و هذا الإجماع بضمیمة أنّ استحقاق وصف الصحّة إنّما هو من أثر نفس العقد لا العلم بالعیب-فیکون الفوت حاصلا من حین العقد،فمن المستبعد أن یکون استحقاق تدارکه من حین العلم-کاشف عن ثبوت العدل الآخر و هو الفسخ أیضا من هذا الحین أعنی حین العقد.

مسألة:یسقط هذا الخیار بأمور:

أحدها:إسقاطه بعد العقد

و هو قد یکون بعد العلم بالغبن،فلا إشکال فی صحّة إسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن أو الجهل بها إذا أسقط الغبن المسبّب عن أیّ مرتبة کان،فاحشا أو أفحش، و لو أسقطه بزعم کون التفاوت عشرة فظهر مائة،ففی السقوط و جهان:

أحدهما:أنّ الخیار أمر واحد مسبّب عن مطلق التفاوت الغیر المتسامح به و لا تعدّد فیه،فیسقط بمجرّد الإسقاط.

و الثانی:أنّه یختلف شدّة و ضعفا باختلاف مراتب التفاوت زیادة و نقصانا، فالذی أسقطه هو الحدّ الناقص،و الواقع هو الزائد،و لم یتعلّق به إسقاط کما هو الحال فی إسقاط حقّ العرض بزعم کونه شتما فظهر قذفا.

و الظاهر من الوجهین هو الأوّل،فإنّ ملکیة الفسخ أمر وحدانی لا یقبل الشدّة و الضعف،فإذا رفع الید عنه ارتفع،و أمّا الإسقاط بعوض بمعنی المصالحة

ص:206

عنه به،فلا إشکال فیه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصریح بعموم المراتب.

و لو أطلق کما لو صالح عن الغبن المتحقّق فی المتاع المشتری بعشرین، بدرهم،معتقدا أنّه بین درهمین أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة،فتبیّن أنّه ثمانیة عشر علی خلاف المتعارف فی مثل هذه المعاملة،فلا بدّ من التفصیل بین ما إذا أخذ الجهة المذکورة علی وجه التقیید أو الداعی،فعلی الأوّل نحکم ببطلان الصلح و إن لم یکن التعارف موجبا للانصراف،و علی الثانی نحکم بالصحّة و إن کان فی البین انصراف،و أمّا الجواز و اللزوم فإن استفید بملاحظة التعارف المذکور اشتراط ضمنی لجهة کونه غیر زائد عن أحد الحدود المذکورة فاللازم ثبوت الجواز،لأجل تخلّف الشرط،و إلاّ فاللازم ثبوت اللزوم.

و أمّا إثبات الخیار حینئذ من جهة الغبن إذا کان صلحا مبنیّا علی المداقّة، فیمکن الخدشة فیه بعدم شمول دلیل نفی الضرر لمثل هذا الصلح،إذ بعد تشریع الخیار فی أصل المعاملة و تجویز الفسخ یرتفع الضرر،فإذا ترک ذو الخیار إعمال الفسخ و أسقط حقّه و فرض غبنه فی هذا الإسقاط،لا یلزم تجویز فسخ آخر فی هذا الإسقاط المشتمل علیه الصلح،إذ لا یلزم من عدم التجویز إبقاء ضرر بحسب التشریع إذا الفرض اندفاعه بالتشریع الأوّل،فتأمّل.

و أمّا إسقاط هذا الخیار بعد العقد قبل ظهور الغبن فالإشکال فیه من جهتین،الأولی:عدم حصول الجزم بأصل وجود الخیار للشک فی الغبن،فکیف یتمشّی الجدّ فی إنشاء الإسقاط؟و هو سهل الدفع کما فی نظائره من إنشاء طلاق مشکوک الزوجیّة أو إعتاق مشکوک الرقّیة أو إبراء مشکوک المدیونیّة،فإنّ القطع بعدم الخیار أو الزوجیّة أو الرقّیة أو الدین یوجب عدم تمشّی الجدّ و کون الإنشاء هزلیّا،و أمّا الاحتمال فتمشّی الجدّ معه بترقّب الحصول بمکان من الإمکان.

ص:207

و الثانیة:أنّه إسقاط لما لم یثبت بناء علی کون العلم بالغبن شرطا لثبوت الخیار،و هذا أجاب عنه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بکفایة وجود المقتضی و هو الغبن الواقعی،و لکنّه محلّ إشکال فی ما إذا تخلّل بین الإنشاء و حصول العلم زمان معتدّ به،و الذی لا إشکال فیه ظاهرا ما کان التقدم بین الإنشاء و حصول الشرط بصرف الرتبة کما فی الإسقاط فی متن العقد إذا کان الخیار حاصلا بتمام العقد.

الثانی من المسقطات:اشتراط سقوط الخیار فی متن العقد،

و الإشکال فیه من الجهة المتقدّمة فی المسقط السابق لهذا الخیار و فی إسقاط الخیارات المتقدّمة، أعنی:کونه إسقاطا لما لم یجب،و استلزامه للدور بملاحظة وقوعه فی العقد الجائز الخیاری قد تقدّم التفصّی عنه.

و العمدة الإشکال المختص بالمقام و خیار الرؤیة الذی أشار إلیه الشهید- قدّس سرّه-بقوله:و لو اشترطا رفعه أو رفع خیار الرؤیة فالظاهر بطلان العقد للغرر.انتهی.ثمّ احتمل الفرق بین الخیارین بأنّ الغرر فی الغبن سهل الإزالة.

و تحقیق المقام:أنّ الغرر لا یشمل الجهل بالقیمة السوقیّة و إلاّ کانت المعاملة فاسدة مع الشک فی القیمة،و علی فرض الشمول لیس الخیار الشرعی رافعا له،لأنّ الحکم لا یغیّر موضوعه،فالحقّ عدم الإشکال و صحّة العقد و الشرط معا فی المقام.

و أمّا خیار الرؤیة،فإن قلنا بعدم تقیید البیع بالأوصاف المرئیّة و إنّما هی صرف الداعی،و رافع الغرر إنّما هو الاطمئنان بوجودها فالخیار عند التخلّف یکون تعبّدیّا شرعا و عرفا فلا إشکال فی صحّة العقد و الشرط هناک أیضا،و لعلّ خیار تخلّف وصف الصحّة أیضا من هذا القبیل،فلهذا لا تکون البراءة من العیوب المحتملة محلّ إشکال.

ص:208

و أمّا إن قلنا بأنّ الرؤیة توجب التقیید أو فرض الکلام فی ما إذا لوحظ الوصف بنحو التقیید،و لو خرج عن عنوان خیار الرؤیة إلی عنوان خیار تخلّف الوصف فلا بدّ حینئذ من ملاحظة أنّ اعتبار التقیید بوجود تلک الصفات مع اشتراط سقوط الخیار عند تبیّن فقدها راجع إلی إلغائها بعد اعتبارها حتّی یکونا من قبیل المتنافیین فی الإنشاء الغیر الممکن اجتماع الجدّ إلیهما،أو أنّهما غیر متنافیین،فعلی الثانی یحکم بصحّة العقد و الشرط أیضا و علی الأوّل یکون الشرط فاسدا،بلا کلام لحصول التنافی المذکور،فإن کان رافع الغرر أیضا هو الاشتراط یصیر عائدا ببطلانه فیصیر العقد أیضا باطلا،و إن لم یکن هو رافعا بل الاطمئنان الخارجی بوجودها،کان العقد صحیحا و لازما من باب عدم الموجب للخیار فیه، فالعمدة ملاحظة ثبوت التنافی أو عدمه.

و قد قوّی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام عدم ثبوت التنافی، قال-قدّس سرّه-:و لا تنافی بین أن یقدم علی اشتراء العین بانیا علی وجود تلک الأوصاف و بین الالتزام بعدم الفسخ لو تخلّفت فتأمّل،انتهی.

و یمکن أن یقال:إنّ العرف فی تقیید المبیع بالأوصاف-کالفرس بالعربیّة- یکون محطّ نظرهم إلی أثر ذلک التقیید أعنی:السلطنة الخارجیّة علی الردّ عند التخلّف و الحقّ الخارجی علی المطالبة،فکأنّه وقع من الأوّل هذا المعنی تحت الإنشاء،و فی ما إذا کان التقیید رافعا للغرر یکون رافعیّته بهذه الجهة،و إلاّ فصرف الالتزام و البناء القلبی علی الوجود بما هو هو لا یندفع به غرر.

و علی هذا فإیقاع عدم الحقّ و عدم السلطنة أیضا تحت الإنشاء یکون من جمع المتنافیین فی الإنشاء،و لا یفید تعلّق الإنشاء بالسقوط لا بعدم الثبوت بعد ما کان الغرض الأصلی من الالتزام و التقیید بالوصف حقّ المطالبة الخارجیّة التی لا

ص:209

یکفیها الآن العقلی،و الذی یتّضح به المنافاة فی المقام ما إذا اشترطا الخیار لأحدهما مثلا ثم اشترطا سقوطه،فإنّ مجرّد اعتبار السقوط لا یدفع المنافاة بل حاله عرفا کحال اشتراط عدم الثبوت.

الثالث:تصرّف المغبون بأحد التصرّفات المسقطة للخیارات

المتقدّمة بعد علمه بالغبن،و مجمل الکلام أنّ ذا الخیار إذا رضی بالعقد فی مقابل الفسخ و أتی بقول أو فعل له ظهور نوعی حجّة علی ذلک سقط خیاره،سواء قلنا إنّ الرضی مقابل الفسخ و عدله أو قلنا إنّه ملازم لصرف النظر عن حق الخیار،فیصیر أمّا إجازة فعلیّة أو إسقاط کذلک،و لا حاجة إلی التماس دلیل،لأنّ الحکم علی طبق القاعدة،و الذی یحتاج إلی ورود تعبّد و التماس دلیل هو موضوعیّة التصرّف مطلقا، أو خصوص الکاشف النوعی منه،أو کون الرضی بالعقد لا فی مقابل الفسخ مسقطا أعنی الرضی به فی مقابل الاستقالة المتحقّق مع الغفلة عن حقّ الخیار بحیث لو علم به لفسخ.

و کلّ من هذه لا دلیل علیه إلاّ ما یتوهّم من تعلیل الحکم فی خیار الحیوان بقوله-علیه السلام-:«فذلک رضی منه فلا شرط» (1)و دلالته علی أحدها غیر معلومة.

فصار الحاصل أنّ مقتضی القاعدة أنّ الإسقاط المدلول علیه بالفعل إنشاء فعلی له أثر الإنشاء القولی و لا فرق فی تأثیره بین ما بعد العلم بالغبن و ما قبله لو فرض إمکانه فیه.

و لو فرض حصول تصرّف مع عدم تحقّق الإنشاء القولی و لا الفعلی، فمقتضی قاعدة«لا ضرر»ثبوت الخیار معه،و لو فرض عدم إطلاقه أو الشکّ فیه فحال المقام حال ما إذا کان زید العالم فی یوم الجمعة فاسقا فصار یوم السبت

ص:210


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4 من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

عادلا،أو کان مسافرا فصار حاضرا،بل أو کان جنبا یتضرّر بالغسل فصار متمکّنا منه من غیر ضرر،حیث لا نرجع إلی استصحاب حکم المخصّص،بل المرجع هو العام أعنی:أکرم العلماء فی الأوّل،و عموم وجوب الصوم فی الثانی،و عموم وجوب الغسل فی الثالث.و لیس هنا مقام أنّ العموم لا یتکفّل للزمان،فبعد خروج الفرد فی زمان لا دلالة له بالنسبة إلی ما بعده،و ذلک لأنّ هذا فیما إذا لم یکن الخروج بواسطة انطباق عنوان مقیّد للعام علیه فزال بعد تلک القطعة،بل کان الخارج نفس ذات الفرد فی ذات قطعة من الزمان.

و سیجیء تفصیل ذلک إن شاء اللّه تعالی فی ذیل خیار تلقّی الرکبان عند الکلام فی المسألة التی وقعت محلا للنزاع بین إمامی الفن المحقّق الکرکی و الشیخ الأجل المرتضی-قدّس سرّهما.

الرابع من المسقطات:تصرّف المشتری المغبون قبل العلم
اشارة

تصرّفا مخرجا عن الملک علی وجه اللزوم،کالبیع و العتق،فإنّ المصرّح به فی کلام المحقّق و من تأخر عنه علی ما نقله شیخنا المرتضی-قدّس أسرارهم-سقوط خیاره حینئذ،و قیل:إنّه المشهور.قال شیخنا:و هو کذلک بین المتأخّرین.

و الذی أفاد شیخنا الأستاذ فی وجه هذا الحکم و اختصاصه بخصوص المغبون و عدمه فی الغابن هو أن یقال:حقّ الفسخ و إن کان متعلّقا بالعقد،لکنّ العقد عبارة عن مبادلة المالین فی الملک،ففسخه و رفعه یکون لا محالة عبارة عن إعادتهما ثانیا فی المکان الأوّلی من الملکیّة،فهو مشترک مع التراد الذی هو مورد الحکم فی باب المعاطاة،غایة الأمر الفرق بالحقّیة و الحکمیّة،و کذلک مع المبادلة الجدیدة بین العینین،غایة الأمر الفرق بأنّ المبادلة هنا بعنوان العکسیّة و الرفعیّة للمبادلة الأولی و هناک بعنوان الاستقلال و الأصالة.

ص:211

و علی هذا فمقتضی القاعدة-ما لم یکن فی البین دلیل من الخارج معمّم و منزّل للبدل منزلة العین-عدم وجه للرجوع إلی البدل مع انقطاع الید عن العین و عدم إمکان استرجاعه فی الملک الأوّل،بل هو دائم بدوام العین،و یزول بزوال إحدی العینین أو کلتیهما،فالحکم بالسقوط بالتصرّف المانع عن الردّ مطابق للقاعدة فی جانب المغبون،فالشأن فی إثبات خلافه فی الغابن و أنّه لو وقع مثل ذلک التصرّف فی جانب الغابن،لا یوجب سقوط خیار المغبون مع جریان القاعدة فیه أیضا علی نسقها فی المغبون.

و یمکن أن یقال:بأنّ عدم السقوط هناک لأجل دلیل معمّم خارجی أجنبی عن دلیل الفسخ و هو قاعدة ضمان الید بناء علی جریانها فی الحقوق کالأملاک، و تعمیم الید الضامنة للمالکة.

و توضیح ذلک أنّه بعد ما عرفت أنّ حقّ المغبون متعلّق بتملّک عینه فی ید الغابن بإزاء تملیک عین الغابن إیّاه،فإذا تلف هذا المعنی وفات بواسطة عدم السبیل إلی التملّک،صار جبران هذا فی عهدة الید الآخذة أعنی الغابن،و جبرانه أن یصیر فی مکان العین بدله من مال الغابن.

فکما أنّ المغبون کان یرجع إلی عینه و یدفع عین الغابن بعنوان الرجوع عن المعاملة یرجع حینئذ إلی بدل عینه بعنوان الرجوع عن المعاملة،و هذا ببرکة دلیل ضمان الید و إلاّ فدلیل الفسخ بنفسه لا یقتضی أزید من ردّ نفس العین و لا إشارة فیه إلی تنزیل البدل و إقامته مقام المبدل،إذ هو عکس العقد،و المبادلة العقدیّة کانت فی ما بین العینین و لم یکن للبدل فیها عین و لا أثر،فدفع المغبون البدل إلی الغابن بلا وجه.

و من هنا یظهر أنّه لو حدث بالعین عیب بل و لو کانت مستأجرة و لم ینقض

ص:212

المدّة لیس للمغبون حقّ الفسخ،إذ العین لیست بالحالة الأوّلیّة،ثمّ هذا فی صورة عدم إمکان الردّ بوجه مثل العتق أو الوقف واضح.

و أمّا النقل اللازم فقد یقال:إنّ قاعدة«لا ضرر»کما اقتضت خیاریّة العقد الأوّل یقتضی خیاریّة هذا العقد الثانی أیضا،فیجوز للمغبون فسخه ثمّ فسخ العقد الأوّل.

و فیه أنّ قاعدة«لا ضرر»لا تقتضی أزید من خیاریّة العقد الذی حدث الضّرر فیه فی ما بین طرفیه،و أمّا العقد الذی یتضرّر من ناحیته شخص ثالث أجنبیّ من الطرفین أو أحد الطرفین لکن لا فی هذا العقد،بل فی عقد آخر فبناؤهم علی عدم التمسّک بها،و إذن فقاعدة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ محکمة فی هذا العقد الثانی،فیوجب انقطاع ید المغبون عن استرجاع العین و بذلک یبطل حقّه.

فإن قیل:یمکن مع ذلک القول بعدم البطلان بواسطة إمکان الإقالة بل و البیع الجدید و بهذا یفترق عن العتق و الوقف.

قیل:لا یصحّح مجرّد هذا اعتبار الحقیّة،إذ المأخوذ فی حقیقتها استقلال ذی الحقّ بالنسبة إلی المتعلّق،و هذا منتف فی الإقالة،لأنّها قائمة بالطرفین فلیس له اختیار تام،و کذلک المعتبر فیها أن تکون العین بنفس الملکیّة التی اقتضاها العقد الخیاری راجعة إلی المالک الأوّل،و هذا منتف فی العقد الجدید.

و من هنا یظهر أنّ العقد الجائز لا یوجب بطلان الحقّ،بمعنی أنّ للمغبون أن یفسخ عقد الجائز أوّلا ثمّ یفسخ العقد الأوّل،بل له أن یفسخ العقد الأوّل قبل فسخ الثانی لکن بقصد أن یتحقّق کلا الفسخین بهذا الإنشاء،فیکون إنشاؤه فسخا قولیا للعقد الأوّل،و فعلیّا للعقد الثانی نظیر بیع ذی الخیار لما انتقل عنه، و أمّا فسخه ابتداء للعقد الأوّل بدون هذا القصد فغیر جائز.

ص:213

و أمّا استیلاد الأمة،فظهر أیضا حاله فإنّه ما دام الولد حیّا یوجب بطلان الحقّ بواسطة انقطاع الید عن استرجاع العین،و أمّا بعد وفاته فیرتفع المانع، و المفروض أنّ العین باقیة علی حالها و علی الملک السابق،فتکون قاعدة«لا ضرر» جاریة و لا یبتنی علی العموم الزمانی،لأنّه مثل ما إذا تلفت العین فی قطعة من الزمان ثمّ عادت بخرق العادة.

و لو حصل الامتزاج فی ید المغبون فإمّا أن یکون بالجنس أو بغیره،و علی الأوّل إمّا أن یکون بالمساوی أو بالأجود أو بالأردی.و علی کلّ حال إمّا أن یکون بمال نفس الغابن أو بمال غیره أعمّ من المغبون أو ثالث،و الحکم فی الجمیع أنّا إمّا أن نقول:بأنّ المزج أحد أسباب الشرکة الحقیقیة کالصیغة فحینئذ یسقط الردّ، لأنّه متقوّم بالملک المفروز و هذا ملک مشاع،فإنّه إذا کان فی ملک غیر المغبون فواضح،و أمّا إذا کان فی ملکه فإنّه لا بدّ أن یشیر إلی العشرة الأمنان مثلا المشاعة فی المجموع،و قد فرض أنّ هذا خلاف حقّه.

و إمّا أن نقول:بأنّ المزج لا یحدث شیئا،بل المالان ممتازان فی علم اللّه،غایة الأمر جعل الشارع فی مقام العلاج أن یصطلحا بینهما،و إن أبی أحدهما أجبره الحاکم علی الصلح القهری کدرهم الودعی،و حینئذ یجب التفصیل بین ما إذا حصل بواسطة الامتزاج قلّة الرغبة إلی المتاع،فیسقط الردّ لأنّه بمنزلة العیب،و بین ما إذا بقیت بحالها أو زادت الرغبة فیها فیبقی الردّ.

و لو تغیّرت العین بالنقیصة فقد مرّ الکلام فیه،و لو تغیّرت بالزیادة العینیّة فحاله حال الامتزاج بناء علی حصول الشرکة الحقیقیّة،إذ العین ترجع إلی الغابن مجزّاة عن الزیادة فتبقی الزیادة فی ملک المشتری المغبون و تقع الشرکة بنسبة الزیادة،و أمّا لو تغیّرت بالزیادة الحکمیّة،کما لو نسج الغزل،أو قصر

ص:214

الثوب،أو خبز الدقیق فلا إشکال فی أنّ له الردّ ما دام لم یحدث بذلک نقیصة فی العین.

إنّما الکلام فی ما إذا زادت العین قیمة بواسطة زیادة الصفة و أنّها هل ترجع مع الصفة إلی الغابن بدون أن یدخل عوض هذه الصفة من ملک الغابن فی ملک المغبون،فیصیر عمل المغبون بلا أجرة؟أو أنّها ترجع إلیه مجزّاة عن تلک الصفة و تبقی الصفة لمحدثها؟ فی المسألة قولان اختار المسالک فی باب المفلس فی مسألة:أنّ الغریم لو وجد عین ماله فهو أحقّ به فیما إذا زاد فیها بعمل المفلس صفة ثانیهما،و اختار الجواهر فی ذلک الباب أوّلهما.

و حیث إنّ المسألة عامّ البلوی لحصول الحاجة إلیها فی غیر باب-کباب الفسخ،و باب المفلس،و باب الإجارة فیما إذا انقضت المدّة و سلّم الأجیر العین إلی المؤجر و قد زادت بعمله صفة و أمثال ذلک-یلیق بسط الکلام.

فنقول:الذی نقل عن المسالک أنّا لو قلنا بالشرکة فی الزیادة العینیّة فهنا نقول بها بطریق أولی،و لو لم نقل بها هناک فیمکن أن نقول بها هنا،و ذلک لأنّ السمن و الطول مثلا یکونان بفعل اللّه سبحانه و إن کان بسقی منه و علفه، بخلاف الوصف هنا فإنّه یکون بفعل نفس العامل،و لهذا لا یصحّ الاستئجار علی إحداث الزیادة العینیّة،و یصحّ علی إحداث الوصفیّة،ثمّ بعد هذا اختار أنّ الأقوی هو القول بالشرکة فی کلتا المسألتین بدون إشارة إلی الدلیل.

و الذی أفاده الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاداته الشریفة-أن یقال:کما أنّ وجود الهیئة فی الخارج وجود مندک فی وجود المحلّ،کذلک لها عرض المالیة مندکّا فی مالیة المادة،و کما قد یجزّی فی الذهن وجود الهیئة عن المادة فیقع مستقلاّ تحت

ص:215

الحکم،کذلک قد یعرضه التفکیک فی الاعتبار فحینئذ یصیر مالا مستقلا،و من جملة ما یساعد الاعتبار علی التفکیک أمثال هذه الموارد،فإنّ العرف یعتبرون انتقال المادة المنفکّة المجزّاة عن الهیئة إلی مالکها و بعد هذا الاعتبار تصیر الهیئة -قهرا-مستقلا بالاعتبار،و المفروض أنّ لها المالیة کالوجود فتصیر مالا مستقلا، فإذا اعتبرت منفکّة تبقی لا محالة علی ملک من أحدثها.

لا یقال:فعلی هذا یلزم أن یصحّ نقل المالک المادة المنفکّة عن الهیئة إلی غیره،غایة الأمر إن لم نساعد علی البیع کان بعنوان الصلح.

لأنّا نقول:یمکن الفرق بین ما إذا لم یحصل موجب خارجی لاعتبار التفکیک و قصد ذلک بنفس الجعل،فهذا لا یساعده الاعتبار،و بین ما إذا حصل موجب خارجی فحینئذ یصحّ کما فی الأمثلة المذکورة،فإنّه بعد تجزئة العین عن الهیئة یجوز أن یصطلحا شخصین آخرین فی أن یقوما مقامهما فی ملکیّة أحدهما المادة المجرّدة و الآخر الهیئة کذلک.

لا یقال:یلزم علی ما ذکرت أنّه لو أحدث مثل ذلک،الغاصب کان کما إذا ضمّ إلی العین جزءا من أمواله،و لا یمکن الالتزام به.

لأنّا نقول:یمکن الفرق بین ما إذا کان من أوّل الحدوث ملکیّة المادة لغیر المحدث للهیئة کما فی المغصوب،فلا یساعد العرف علی التفکیک،و بین ما إذا اتّحد المحدث و المالک للمادة فی الابتداء ثمّ حصل التفریق فی الاستدامة، فیساعدون علی التفکیک،نظیر نتاج الدابّة،فإنّه لا یساعد العرف علی حدوث النتاج فی ملک غیر مالک الدابّة،و لکن بعد الحدوث فی ملکه لا مانع من التفریق فی البقاء و الاستدامة.

إذا عرفت ذلک فنقول:بعد مساعدة الاعتبار یکون المتّبع دلیل کلّ باب

ص:216

فإن استفید من مثل قوله-علیه السلام-فی المفلس:«إذا وجد الغریم عین ماله فهو أحقّ بها»الإطلاق بالنسبة إلی جمیع الأحوال-لا بمعنی مجرّد أن لا یمنع تلک الأحوال عن انتقال ذات العین بل بمعنی أنّها علاوة علی ذلک ینتقل معها أیضا- فاللازم حینئذ القول بأنّه ملک ذلک تعبّدا مجّانا،و أمّا إن لم یستفد إلاّ أنّ العین تنتقل بأی حالة کانت من دون نظر إلی انتقال تلک الزیادة الحکمیّة،فیکون المتیقّن منه انتقال الذات معراة عن الهیئة،فتبقی الهیئة لمحدثها.

و هکذا ینظر إلی دلیل الفسخ،فإن اعتبر فیه أن یکون العین کما هی علیه حال وقوع المبادلة منتقلة إلی الصاحب الأصلی،فهذا معنی التجزئة فیحکم ببقاء الهیئة علی ملک المحدث،و إن کان له الإطلاق و أنّ العین علی ما هی علیه من الحالة الفعلیّة،تنتقل بجمیع جهاتها إلیه فهذا حکم تعبّدی ورد علی خلاف ما یساعده الاعتبار،و یمکن الفرق بین ذی الخیار و غیره بثبوت الإطلاق فی الأوّل و عدمه فی الثانی.

هذا کلّه فی تصرّف المغبون
اشارة

و أمّا تصرّف الغابن،فالظاهر أنّ الخیار لا یسقط به و قد تقدّم وجهه، و حینئذ فإن فسخ و وجد العین خارجة عن ملکه لزوما بالعتق أو الوقف أو البیع اللازم،ذکر شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ فی تسلّطه علی إبطال ذلک من حینها أو من أصلها کالمرتهن و الشفیع،أو رجوعه إلی البدل وجوها،ثمّ قوّی الوجه الأخیر.

قال شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاداته الشریفة-:أوّلا:لا شکّ أنّ أصل المبادلة البیعیّة غیر واقعة إلاّ علی الشخصین لا علی الأعمّ منهما و من البدل،و إلاّ لزم أنّه لو باع العین من زید ثمّ باعها من عمرو کان البیعان صحیحین،فنحکم

ص:217

بملکیّة العین لزید و قیمتها فی ذمّته لعمرو،و علی هذا فعکس هذه المبادلة لا ینتج إلاّ رجوع نفس الشخصین،فاقتضاؤه بدون حاجة إلی دلیل آخر لرجوع البدل عند عدم إمکان المبدل لا یعرف له وجه.نعم بتوسّط دلیل آخر مثل ضمان الید یمکن القول به کما تقدّم منّا.

و ثانیا:أنّ المحتملات فی المقام بین اثنین لا ثالث لهما بعد القطع بثبوت الخیار و أنّه متقوّم بملک الطرفین،بمعنی أنّه لیس کحقّ الرهن حیث یجامع مع عدم ملکیّة الراهن للرقبة بل یعتبر ملکیّة کلّ من الفاسخ و المفسوخ علیه لما ینتقل عنه بواسطة الفسخ إلی صاحبه حتّی یتلقّی کلّ منهما الملک من صاحبه لا من أجنبیّ،فإنّ عکس العقد إنّما هو هذا إذ بعد ذلک یقال تعلّق حقّ المغبون باسترجاع العین عن ملک الغابن الذی یستتبعه عرفا حقّ له علی إبقاء الملک،إمّا یوجب تزلزل العقد الواقع علیه و صیرورته فضولیّا،و کالعقد الواقع علی ملک الغیر فیکون الفسخ إبطالا له من الأصل،و إمّا لا یوجب تزلزلا فی العقد و أنّ وصف الطلقیّة لم یرد فی دلیل اعتباره فی الصحّة علی وجه الکلّیّة.

نعم ورد فی بعض الحقوق الخاصّة مانعیّته عن الصحّة کحقّ الرهن،و لکن لا یمکن التعدّی إلی غیره،و حینئذ لا یبقی مجال إلاّ للقول باللزوم،و لا مجال للقول بالصحّة مع الجواز،لا بمعنی أن یصیر العین ابتداء عن ملک المشتری من الغابن إلی المغبون،و لا بمعنی اقتدار المغبون علی فسخ عقد الغابن مع مشتریه.

أمّا الأوّل:فواضح،فإنّه خلاف مقتضی الفسخ کما عرفت من أنّه یعتبر فیه تلقّی الملک عمّن ینتقل الملک إلیه و لیس حاله کالرهن.

و أمّا الثانی:فلعموم دلیل لزوم ذلک العقد الشامل للمغبون أیضا و عدم ما

ص:218

یصلح مانعا عنه،لأنّ ما یتوهّم مانعیّته إمّا دلیل نفی الضرر عن المغبون و المفروض إمکان حفظه مع حفظ ذلک العموم بالرجوع إلی البدل،و إمّا دلیل ثبوت الحقّ للمغبون متعلّقا ببقاء العین علی ملک الغابن،و هذا أیضا لا یصلح مانعا،لأنّ هذا حقّ للمغبون و سلطنة علی عدم إعمال الغابن أسباب الخروج عن الملک فی ذلک العین،و لا یلزم من هذه السلطنة إهمال تلک الأسباب عن التأثیر، بل هی کالأسباب الطبیعیة لإعدام أصل العین متی وردت تؤثّر أثرها،فینتفی مورد حقّ المغبون بواسطة إعمالها،غایة الأمر اتّصاف العمل بالحرمة من حیث إنّه کالأکل و الإحراق مفوّت لمحلّ حق الغیر.

و من هنا یتّضح حال العقد الجائز أیضا،فإنّه لا وجه لاقتدار المغبون علی فسخه،نعم یمکن أن یقال بوجوب الفسخ علی الغابن لأنّه کالإبقاء سابقا علی العقد حفظ لمحلّ الحقّ،و یمکن تنزیل کلام المسالک المذکور فی المکاسب فی هذا المقام علی هذا أیضا فراجع.و لکن لو عصی و لم یفسخ و فسخ المغبون العقد الأوّل یملک البدل لا محالة فی ذمّة الغابن،و بعد ذلک یرتفع حکم لزوم الفسخ عن الغابن،و لو حمل کلام المسالک علی هذا المقام یوجّه علیه اعتراض شیخنا المرتضی-طاب ثراه-فراجع.

ثمّ مقتضی ما ذکرنا فی الناقل عن الملک جریانه بعینه فی المانع عن الردّ کالاستیلاد،و لکن احتمل هنا شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-تقدیم حقّ الخیار معلّلا بسبق سببه علی الاستیلاد.

و اعترض علیه شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام إفاداته الشریفة-:بأنّ حال الاستیلاد حال الناقل،غایة الأمر إنّ الثانی مزیل أصل الملکیّة و الأوّل مزیل قابلیة انتقالها إلی الغیر،و کما أنّ الحقّ متعلّق بإبقاء أصل الملکیّة و قلنا:إنّ هذا لا یوجب

ص:219

إهمال سبب النقل و الإزالة عن التأثیر،کذلک الحقّ المتعلّق بإبقاء القابلیة أیضا لیس بأزید من ذلک،فیکون حال الاستیلاد بحسب التشریع کحال سبب تکوینی،فغایة الأمر الحرمة و أمّا الوضع فاللازم ترتّبه لعموم دلیله مع عدم المانع عنه،هذا.

و لو تصرّف الغابن تصرّفا مغیّرا للعین فإمّا أن یکون بالنقیصة أو بالزیادة أو بالامتزاج،ثمّ النقیصة أیضا قد تکون منفکة عن الزیادة و کذلک الزیادة،و قد یجتمعان کما إذا حصلت الزیادة کیفا و النقیصة کمّا،کما إذا عمل فی الخشب هیئة تزید بها القیمة و لکن نقص ذلک عن کمّها،أو بالعکس بأن حصلت النقیصة کیفا و الزیادة کمّا.

و الأولی التعرض للزیادة الحکمیّة أوّلا اقتفاء بدرس شیخنا الأستاذ-دام أیّام إفاداته-فنقول:

لو فسخ المغبون و وجد العین زائدة عند الغابن إمّا بتعلیم صنعة و إمّا بنسج الغزل أو قصارة الثوب و أمثال ذلک،فقد عرفت عدم سقوط الخیار بذلک، لکن اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی جانب المغبون إیجاب ذلک سقوط حقّ الفسخ،معلّلا بأنّه موجب للشرکة و قد کانت مفروزة،فلا یمکن ردّ العین بحالها،و حکم هنا بثبوت الشرکة بنسبة الزیادة.فربّما یورد أنّه کما أوجب هناک سقوط الردّ فلیوجب هنا الانتقال إلی البدل.

و لیعلم أوّلا أنّ الکلام فی ما إذا لم یحدث بسبب الشرکة نقص فی العین أصلا لا کمّا و لا قیمة،فإنّ الذهب و لو ابتلی بهیئة،یکون علی قیمته الخالی عن تلک الهیئة و لو فرض تعدّد المالک فإنّه إذا باعا معا من ثالث لا تتفاوت قیمته.

ص:220

و حینئذ نقول:الفرق بین المقامین أنّ مدرک هذا الخیار دلیل لا ضرر، و إعماله فی المقام السابق و إن کان رافعا لضرر المغبون لکنّه یحدث ضررا علی الغابن،لأنّه کان ینتفع بماله بنحو الاستقلال،و الحال لا یمکن له ذلک بل یحتاج إلی إذن الغیر،و دلیل لا ضرر فی مثل ذلک یسقط عن الاستدلال و بعد سقوطه نرجع إلی دلیل لزوم المعاملة.

و أمّا فی المقام فلا یمکن مثل ذلک حتی ینتقل إلی البدل،لأنّ هذا الضرر شیء أقدم علیه المغبون و أورده علی نفسه،لأنّ العالم بإحداث الزیادة الحکمیّة لدی الغابن إذا أقدم علی الفسخ فهو فی طبع عمله قد أقدم علی نقل مال یکون للغیر فیه مدخل و لا یشمل مثل هذا دلیل لا ضرر.

لا یقال:نعم،لکن یحدث بالنسبة إلی الغابن هذا الضرر فإنّه کان مالکا للهیئة بنحو یجوز له الاستقلال فی التصرف و الآن لیس له ذلک.

لأنّا نقول:المفروض أنّ المال الذی أخرجه العقد عن کیسه قد عاد إلیه بنحو الاختصاص أعنی:عوض المادة،بقی أنّه عمل فی المادة عملا أحدث فیه الزیادة الحکمیّة و هذا أیضا أوجب شرکته فی مال الغیر،و لیس هذا المقدار ضررا عرفا،و بالجملة لا وجه للانتقال إلی البدل.

هذا مع عدم نقص فی العین،و أمّا مع حدوث النقص فالظاهر أنّ له حکم النقص الذی سنتعرّضه إن شاء اللّه تعالی من کونه فی ضمان الغابن یلزم علیه تدارکه و یکون شریکا فی العین أیضا بقضیة ما ذکر فی الزیادة الحکمیّة.هذا هو الکلام فی الزیادة الحکمیّة الخالصة و المجتمعة مع النقیصة فی الکمّ الذی وعدنا تقدیمه اقتفاء للأستاذ،فلنرجع إلی حکم النقیصة الخالصة علی حسب ترتیب شیخنا المرتضی-قدّس سرّه.

ص:221

فنقول:و لو حدث عند الغابن نقص فهذا علی قسمین،لأنّه قد یکون الوصف الفائت غیر واقع تحت ضمان المغبون و تحت تعهّده-بأن لم یقع العقد مبنیا علیه،بل إمّا کان ملحوظا علی وجه الداعی أو لم یکن ملحوظا أصلا و کانت العین مشاهدة و کان وجود صفة کمال فیه مجهولا للطرفین مع وجدانه واقعا فإنّه لا غرر حینئذ،إذ الفرض وقوع البیع بنحو المشاهدة،فلو تبیّن بعد الفسخ أنّه کان واجدا لهذه الصفة و قد فاتت تحت ید الغابن فلا ضمان.

و قد یکون الوصف تحت ضمان المغبون،بأن أوقعا عقد المعاملة مبنیّا علیه فتبیّن فواته تحت ید الغابن،فهذا الوصف لو فات تحت ید الغابن فالفسخ صحیح و یصیر بدل الوصف و تفاوت ما بین واجده و فاقده علی عهدة الغابن،أمّا أصل صحّة الفسخ،فلأنّه کالبیع إذا وقع علی العین الشخصیّة مقیّدة بوصف فتبیّن فقده فإنّ البیع یحکم بصحّته،و حال الفسخ فی ما إذا تلف هذا الوصف تحت ید غیر ذی الخیار مثل البیع.

و أمّا ضمان الأرش،فلأنّه مقتضی«علی الید»علی ما عرفت من جریانه فی الحقوق.

إن قلت:تکفی فی إثبات هذا الضمان قاعدة«لا ضرر».

قلت:لا یثبت بها الضرر علی الغابن،فإنّه متی دار الأمر بین ضررین فإن کانا علی شخصین کما هنا فلا یثبت ب«لا ضرر»تجویز دفع الضرر عن أحدهما بإضرار صاحبه،و إن کانا علی شخص واحد کما هنا بالنسبة إلی المغبون فی تحمّله علی ضرر العین و فسخه مع کون العین فاقدة الوصف،فإنّ تجویز کلا الأمرین منّة علیه بخلاف إیجاب أحدهما.هذا کلّه هو الکلام علی وجه الکلیّة.

بقی الکلام فی فرع الإجارة التی قوّی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فیه عدم

ص:222

الأرش.و لکن استشکل علیه الأستاذ-دام علاه-بأنّه لا شبهة فی أنّ مقدار مالیّة العین بمقدار منفعته،فکلّما نقص عن المنفعة نقص عن المالیّة،فإذا کانت قیمة العین ألفا و نقص عن منفعته ما یوازی مائتین،صار مالیّة العین ثمانمائة و هکذا، و لیس هذا بمجرّد اختلاف القیمة السوقیّة بل لخصوصیّة حادثة فی العین.

و بالجملة:فحال إجارة العین حال نقصان عینه و سائر جوارحه فی نقص مالیّة العین،فیوجب الأرش و هو قد ینطبق مع أجرة المثل و قد لا ینطبق،هذا حکم النقیصة،و أمّا الزیادة الخالصة فقد عرفت حکم الحکمیّة منها.

و أمّا العینیّة کما لو غرس فی الأرض،فلا شبهة فی أنّه بالفسخ یتعدّد مالک الغرس و الأرض،و لکن یبقی الکلام فی تسلّط مالک الأرض علی القلع بلا أرش أو معه و عدمه،فینبغی بسط الکلام لعموم البلوی کما تقدّم فی الحکمیّة،فنقول:

تعدّد مالک الغرس و الأرض یتصوّر علی أنحاء.

الأوّل:أن یکون الغارس غاصبا و ظالما و متصرّفا عدوانا،و هذا لا شبهة فی جریان قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم«لیس لعرق ظالم حقّ»فیه بمعنی أنّه لیس له احترام،فیجوز لمالک الأرض قلعه و إلغاء هذه الجهة من مالیّته من دون أرش لعدم الاحترام،و لا حرمة تکلیفیّة،لأنّه تفریغ ماله عن مال الغیر،و من هنا یجوز إجباره لصاحب الغرس علی القلع،لأنّه بإحداثه متصرّف فی الأرض فیجوز منعه عن التصرّف و لو بالإجبار.

الثانی:أن یکون الغارس غاصبا واقعا و غیر عاص للمعذوریّة فی الظاهر، و یمکن القول بشمول قوله-علیه السلام-لهذا أیضا،بملاحظة تفسیر ظالم بمن یشمله.

الثالث:أن لا یکون المالک للنواة غارسا لها أصلا،بل کان وقوعه فی الأرض

ص:223

بتوسّط ریح أو طائر مثلا،فنمت و صارت شجرة،و شمول القول المذکور لهذا فی غایة البعد،بل فی محل المنع،و مقتضی القاعدة أن یقال:إنّ صاحب النواة بملاحظة اختیاره فی الإبقاء و القلع متصرّف فی الأرض بخلاف صاحب الأرض، فقاعدة السلطنة غیر مقتضیة بالنسبة لصاحب الغرس لتجویز الإبقاء،لأنّها غیر مشرّعة،و لکنّها مقتضیة بالنسبة لصاحب الأرض تجویز القلع لأنّه تفریغ للمال عن مال الغیر.

الرابع:أن یکون المالک غارسا لکن علی نحو الحقّ کالمستأجر و غیر ذی الخیار،و المفلس قبل إعمال الخیار و التفلیس.

و یمکن أن یقال فی ما عدا الأوّل:بأنّ هذا الغرس مثل إجارة المسکن،فکما أنّها کانت استیفاء لمنفعة الدار مدّة،فکذا الغرس أیضا استیفاء لمنفعة الأرض مقدار بقاء الشجر بحسب طبیعته،فإنّ من یغرس الشجر یلاحظ فوائده المترتّبة علی بقائه لا قطعه و جعله حطبا،فقد استوفاها فی زمان کانت الرقبة ملکا له، فینقل الرقبة إلی الغیر بدون هذه المنفعة فتصیر کالعین المستأجرة التی تقدّم الکلام فیها.

و أمّا الأوّل أعنی المستأجر و کذا المأذون من المالک فی غرس الشجرة و کذا العاریة إذا غرس المستعیر،فلا اشکال ما دام عدم انقضاء المدّة فی الإجارة،و بقاء الإذن و العاریة فی الأخیرین،و أمّا بعد ذلک فیرتفع عنوان الصحّة عن التصرّف، فالتصرّف و الاستیفاء هیهنا أیضا ثابت و لکن أصل المنفعة باقیة علی ملک المالک، فاستیفاؤها ما دامت موجودة منوطة بالإذن،فمتی ارتفع الاذن صار غصبا و حراما.

نعم الإذن فی الغرس یلازم عرفا مع التعهّد بالإبقاء،و لکن لیس هذا إلاّ

ص:224

مجرّد وعد غیر لازم الوفاء شرعا،فیصیر حال الغارس فی جمیع هذه الثلاثة حال صاحب الغرس فی القسم الثالث،أعنی ما إذا حصل الغرس بإطارة ریح أو إلقاء طائر،و قد قلنا إنّه بحسب الوجود البقائی متصرّف فی أرض الغیر،فلهذا الغیر حقّ أن یقطع ید تصرّفه عن ملکه.

فقد تحقّق من جمیع ما ذکرنا انحصار الأقسام فی ثلاثة:

الأوّل:ما یکون مشمول قوله:«لیس لعرق ظالم حق» (1)علی سعة مدلوله و ضیقه.

و القسم الثانی:ما لا یکون مشمولا له و لکن یکون صاحب الغرس متصرّفا فی إبقائه الشجر فی أرض الغیر.

و القسم الثالث:ما لا یکون داخلا فی الخبر و لا متصرّفا فی أرض الغیر،و هو ما إذا کان الغرس فی ملک الغارس،سواء کان متزلزلا أم لازما.

ففی الأوّل لا حرمة للغرس،فیجوز للمالک مباشرة قلعه بدون الأرش،و فی الثانی یکون للمالک حقّ علی الغارس بملاحظة کون الغارس متصرّفا،نعم قلنا إنّ هذا الحقّ لا یلازم رفع الضمان،فهو مع ذلک ضامن للأرش،و فی الثالث یکون لمالک الغرس حقّ علی صاحب الأرض بإبقاء شجره فی ملکه بلا أجرة،غایة الأمر علیه نقص المالیة الواردة علی الأرض فی باب الفسخ،فهو بمنزلة العیب الحادث عنده فی العین حیث یلزم علیه تدارک وصف الصحّة.

ثمّ علی ما ذکرنا یرتفع الإشکال،و أمّا علی ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حیث ذهب إلی أنّ کلاّ من المالکین فی مسألة الفسخ یملک ماله لا بشرط

ص:225


1- 1) الوسائل:الجزء 13،الباب 33،من أبواب أحکام الإجارة،ص 283،ح 3.

حقّ له علی الآخر و لا علیه له فلکلّ منهما تخلیص ماله عن مال صاحبه.فیرد علیه -قدّس سرّه-الإشکال:بأنّه ما وجه هذا الحقّ الثابت لکلّ؟مع کونه مستلزما للتصرّف فی مال الغیر،و أیّ مجوّز للتصرّف بغیر رضی المالک؟إذ المفروض أنّه فرض-قدّس سرّه-عدم الحقّ لواحد من الشخصین علی الآخر،فیکون المتحصّل أنّ فی البین مالکین و مملوکین بدون حقّ لأحدهما علی الآخر،فبأیّ قاعدة یجوز لأحدهما تصرّفه فی ملک الآخر؟ و أمّا علی ما ذکرنا:فقد عرفت أنّه یکون لأحد المالکین حقّ علی الآخر بدلیل خارجی،و معنی ثبوت الحقّ أنّ رضاه ملغی،و أمّا إذا کنّا نحن و قاعدة السلطنة بلا حقّ من الخارج لأحد الشخصین فکلّ منهما غیر راض بالتصرّف فی ماله،فلا مجوّز لأحدهما فی تصرّفه فی مال صاحبه،بل یکون المقام من باب تزاحم الحقّین و للکلام فیه محلّ آخر.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-بعد أن جوّز القلع لصاحب الأرض قال:فهل یجوز للمغبون مباشرة القلع،أم له مطالبة المالک بالقلع و مع امتناعه یجبره الحاکم أو یقلعه؟وجوه،انتهی.

و یرد علی الوجهین الأخیرین:أنّا سلّمنا أنّ له حقّ أن یقلع الغرس و لکن لمباشرته مؤنة و تحمّل زحمة أو إنفاق نفقة،فلأیّ وجه یصیر بمجرّد المطالبة هذا المعنی لازما علی صاحب الغرس؟و أیّ معنی لإجبار الحاکم فی صورة امتناعه؟فإنّ المفروض أنّه لیس له حقّ علی الشخص حتّی یکون الحاکم ولیّا علیه عند الامتناع عن الأداء بل له حقّ القلع الخارجی،فإن رضی الغارس فهو و إلاّ فیسقط إذنه و یتحمّل نفس مالک الأرض مشقّة القلع إن أراد،و لا وجه لتحمیله ذلک علی مالک الغرس و لا لوجوب ذلک علی الغارس بمطالبته کما هو

ص:226

ظاهره-قدّس سرّه.

ثمّ قال-قدّس سرّه-:هذا کلّه حکم التخلیص،و أمّا لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضی ما ذکرنا من عدم ثبوت حقّ لأحد المالکین علی الآخر،استحقاقه الأجرة علی البقاء،لأنّ انتقال الأرض إلی المغبون بحقّ سابق علی الغرس لا بسبب لا حق له،انتهی.و هذا الکلام بظاهره یفید وجوب القبول علی صاحب الغرس و عدم جواز امتناعه عن الإبقاء بالأجرة،و هذا أیضا لا وجه له.

ثمّ إنّک عرفت أنّه لا حقّ لصاحب الأرض علی قلع الشجرة فی مسألتنا، و لکن لو قلنا بأنّ له القلع،أو فرضنا الکلام فیما له ذلک کما فی القسم الوسط من الثلاثة المتقدّمة،فقد قلنا إنّه یجب علیه بذل التفاوت فی ما بین المقلوعیّة و المنصوبیّة،فهل اللازم حینئذ ملاحظة ما بین المقلوع و المنصوب الذی استحقّ علیه شخص آخر القلع،أم ما بین المقلوع و ذات المنصوب؟الحقّ هو الثانی کما اختاره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-،و انتصره شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی مجلس الدرس ببیان:

إنّ کثرة الرغبة و قلّتها لا نسلّم أنّهما کلّیة یوجبان التفاوت فی مالیّة المال، مثلا کون المال بید مالک صعب المعاملة یوجب قلّة الرغبة فی شرائه،و لکن لا یوجب ذلک نقصان مالیّته،و کذلک لو علم أنّه یرد علی المال حرق أو غرق بعد ساعة یصیر ذلک موجبا لقلّة الرغبة،بل لا یحضر أحد فی شرائه بثمن یسیر،و لکن المالیّة باقیة بحالها.

ألا تری أنّ المتلف یتلف المال و إتلافه یرد علی موضوع المال،و لهذا یغرم المالیّة،و لو کان حضور التلف مخرجا للمالیّة فاللازم عدم الغرامة،بل عدم المعنی لقیمة یوم التلف،بل اللازم أنّه تختلف المالیّة بمرور الأیّام،لأنّه کلّما یمضی یوم

ص:227

یصیر المال إلی التلف أقرب،فلا بدّ أن ینقص من مالیته مع عدم تفاوت فی ذاتیّاته أصلا،و هذا ممّا لا یلتزم به ذو مسکة.

و علی هذا فنقول:استحقاق الإتلاف أیضا لا یزید حاله عن التلف الخارجی المقطوع،بل وجه منقصیّته علی فرضها إنّما یکون لأدائه إلی الإتلاف الخارجی،و بعد ما عرفت أنّ اللیرة مثلا إذا علمنا بأنّها ساعة أخری تقع فی قعر البحر بحیث لا یتمکّن أحد من إخراجها،لا تتنزّل عن مالیّته أصلا،فکذا الحال فی الاستحقاق المذکور أیضا.

خاتمة البحث:فی بعض من الفروع المرتبطة بالمقام:

أحدها:لو قلنا بمقالة الشیخ من استحقاق المغبون للقلع أو فرضنا الکلام فی مثل ما إذا وقع الغرس فی غیر الملک بغیر اختیار مالک النواة،فلا إشکال فی أنّ الإبقاء باختیار صاحب الغرس یوجب الأجرة لصاحب الأرض،و لکن لو جری علیه زمان لا یمکن فیه عادة قلع الشجر و کان له أجرة،فهل لصاحب الأرض مطالبة الأجرة أیضا؟ مقتضی القاعدة أن یقال بالتفصیل بین مثل مسألة حصول الغرس بإلقاء الطائر و نحوه،و بین ما إذا حصل ابتداء الغرس باختیار الغرس کما فی مسألتنا علی مقالة الشیخ.ففی الأوّل نقول بالعدم،فإنّ هذا المقدار الذی یجری علی الشجرة من انتفاع الأرض یجری بغیر اختیار صاحب الغرس،فلا یکون استیفاء.

و بعبارة أخری لیس فی البین قوّة و فعل منه،و نحن و إن قلنا بتعمیم قاعدة الضمان بالإتلاف إلی حال السهو و الغفلة لکن لا بدّ من تحقّق قوّة و فعل من المتلف،و أمّا مثل ما إذا سقط خبز الغیر فی حلقومه بغیر اختیاره و نحوه بدون

ص:228

توسیط قوّة منه فی البین فلا دلیل علی إیجابه الضمان.

نعم یصح القول بالضمان فی الصورة الأخری أعنی:ما إذا کان ابتداء الغرس ناشئا من غرسه و فعله،فإنّ حاله حال المتوسّط فی الدار الغصبیّة فی حال الخروج،فإنّ هذا المقدار لو کان له أجرة تجب علیه فإنّه یصحّح کونه فعلا له و باختیاره أنّ سببه و هو الدخول کان باختیاره،فکذا المقام یکون هذا المقدار من بقاء الشجر فعلا له و یعدّ هو مستوفیا لمنفعة الأرض فیدخل تحت الضمان.

ثانیها:قد عرفت حکم الزیادة الحکمیّة المحضة و العینیّة کذلک.بقی حکم المشوبة من الجهتین مثل الصبغ و مثل ما إذا کان الشای ملک أحد و الماء ملک آخر،أو اللحم ملک أحد و الماء ملک غیره،و طبخ الشای أو اللحم فی ذلک الماء،فإنّه لا شبهة عند العرف فی أنّه لا یحکم بأنّ صاحب الصبغ و الشای و اللحم لیس له حقّ فی العین أصلا و إنّما انتقل حقّه بالبدل،و لیس المعیار فی ذلک صرف عین فی حصول تلک الصفة من الغیر،فإنّ تحصیل الحرارة فی الماء بحطب الغیر أیضا یکون فیه صرف مال الغیر و مع ذلک لا یعدّ من هذا القبیل بل یحکم بأنّ الماء حقّ طلق لصاحبه،و إنّما یستحقّ صاحب الحطب البدل فی ذمّة صاحب الماء.

و بالجملة:الکلام فی ذلک قد یکون فی الغاصب،و قد یکون فی غیره ممّن کان تصرّفه فی المال بحقّ،کما فیما نحن فیه من تصرّف غیر ذی الخیار و کما فی باب المفلس.

أمّا الغاصب فربّما یحتمل أنّ مقتضی القاعدة فیه أن یقال بجواز تصرّف المغصوب منه بعد ردّ المال إلیه کما کان قبل الغصب،و لیس للغاصب المنع لوقوع التصرّف فی ماله أیضا و لا مطالبة الأجرة،لأنّ هذا أیضا من البذل المتوقّف علیه

ص:229

الردّ إلی المالک،فإنّه یجب علیه ردّ المال إلی المالک بحیث وصل إلیه و ارتفع المانع عن تصرّفاته،کما کان قبل الغصبیّة،و هذا المعنی کما یتوقّف علی بذل الأجرة للحمّال و نحوه،کذلک یتوقّف علی أن لا یکون لماله الذی لا یمکن تخلیصه عن مال المغصوب منه حرمة مانعة عن تصرّف المغصوب منه و لا موجبة للضمان.

نعم لا یسقط عن المالیّة رأسا بحیث لو اتّفق بیع المال دخل تمام الثمن فی کیس المغصوب منه،بل یقع ما یوازی منه بإزاء هذه الزیادة المشوبة فی کیس الغاصب،فاحترامه من هذه الجهة محفوظ،لأنّه غیر متوقّف علیه الردّ،و لکن المقدار الذی یمنع عن حصول السلطنة للمغصوب منه و الاستیلاء التام منه علی ماله بدون تعلّق أجرة و ضمان فی عهدته لا بدّ من سقوطه بالنسبة إلی هذا المقدار عن الاحترام.

و أمّا غیر الغاصب:فتقع المسألة بالنسبة إلیه مندرجة تحت المال المشترک الذی یحصل الضرر بقسمته،أو لا یمکن قسمته،فیرجع إلی الحاکم فی إجارته علیهما أو بیعه کذلک أو کیفیّة أخری و لیس هنا محلّ تحقیق ذلک.

ثالثها:إنّک عرفت فی مثل ما إذا حصل الغرس فی غیر الملک علی غیر وجه الظلم کإلقاء طائر و نحوه،أنّ المتصرّف صاحب الغرس و علی هذا بنینا صحّة قلع صاحب الأرض و استحقاقه له،إمّا مع سبق الإذن فإن امتنع منه و من المباشرة سقط إذنه أو أجبره الحاکم،أو بدون ذلک.

فیقع الکلام فی أنّه لو طلب صاحب الغرس القلع و لم یأذنه صاحب الأرض لاستلزامه التصرّف فی أرضه و الدخول فی بستانه،فهل له هذا أو لا؟ لا إشکال فی أنّ دلیل سلطنة المالک علی ماله لا یقتضی جواز دخول صاحب الغرس،لما تقرّر فی محلّه من عدم صلاحیته لتشریع حکم آخر غیر ما تعرّضه من

ص:230

الحکم المتعلّق بحیث المالکیّة.

نعم یمکن أن یقال:بأنّ صاحب الأرض عند إرادة صاحب الغرس القلع و منعه منه یصیر متصرّفا فی الغرس،فیشمله دلیل حرمة التصرّف،و هذا الدلیل حاله علی خلاف حال دلیل السلطنة،بمعنی أنّ مفاده وجوب رفع الید عن مال الغیر،و إن أوجب ذهاب احترام المال فیوجب تشریع المقدّمات أیضا،فیجوز لصاحب الغرس الدخول و یبقی ملک صاحب الأرض ساقط الاحترام بهذا المقدار،غایة الأمر بقاء حکمه الوضعی أعنی الضمان،فمن هذا الحیث یبقی الاحترام بحاله،فلو حصل نقصان فی الأرض یجب علی القالع أرشه.

و لو کان التغییر بالامتزاج،فإمّا أن یکون بغیر جنسه و إمّا أن یکون بجنسه، و علی الأوّل إمّا أن یکون علی وجه الاستهلاک و إمّا لا یکون،فإن کان بغیر الجنس و علی وجه الاستهلاک کماء الورد المستهلک فی الزیت فتارة یکون ما وقع علیه العقد هو المستهلک و أخری یکون المستهلک فیه،فإن کان الأوّل فبعد الفسخ یرجع إلی البدل،و إن کان الثانی فإمّا أن یزید به القیمة و إمّا لا،فعلی الأوّل یدخل فی الزیادة الحکمیّة التی قد مرّ الکلام فیها،و علی الثانی یرجع العین إلی المغبون بعد فسخه من دون حقّ للغابن لفرض تلف عینه و عدم إیجابها الزیادة فی مالیّة عین المغبون.

و إن کان بغیر الجنس و لا علی وجه الاستهلاک،و لا محالة یوجب زوال الصورة الأولی و حدوث طبیعة ثالثة کالخلّ الممتزج مع السکّر،فإن الحاصل لیس بخلّ و لا سکّر بل هو حقیقة ثالثة،فالکلام قد یقع فی وقوع مثل هذا فی الملکین لمالکین،إمّا بالاتفاق و إمّا علی نحو غصب أحدهما لمال الآخر،و قد یقع فی وقوعه فی المالین لمالک واحد ثمّ حصل تعدّد المالک لأجل الفسخ أو رجوع غریم المفلس

ص:231

إلی عین ماله.

فإن کان فی الملکین لمالکین فلا إشکال فی أنّ لکلّ منهما فی هذا البین مال و لا یمکن أن یقال زال ملک کلّ منهما و حدث شیء ثالث،غایة الأمر إنّ العهدة لتدارک ما فات ثابتة مع الغصب و غیر ثابتة مع فرض الوقوع علی نحو الاتّفاق، و مع هذا یمکن أن یقال فی مسألة الفسخ بالرجوع إلی البدل و الحکم بأنّ ما وقع العقد علیه قد زال و انعدم،و لا ملازمة بین عدم إمکان القول بالانعدام فی تینک المسألتین و عدمه هیهنا.

و السرّ أنّ المالک للشیء یملکه فی جمیع حالاته بل فی جمیع تطوراته و صوره، بل لو کان الحادث مغایرا معه و نتیجة متولّدة منه کالزرع بالنسبة إلی البذر نحکم أیضا بملکیّته لصاحب الأصل،فلا ندور فی حکمنا بالملکیّة فی المسألتین مدار حفظ الموضوع العرفی.

و أمّا فی مسألة الفسخ،فالمدار علی بقاء المعقود علیه بحسب النظر العرفی، و لا شبهة أنّ تغییر الأوصاف مثل صیرورة الحنطة دقیقا أو الدقیق خبزا لا یوجب تغییر الموضوع العرفی،و أمّا مثل صیرورة الخلّ سکنجبینا بواسطة الامتزاج،فلا یبقی معه الموضوع العرفی،و لهذا لو باع الخلّ مشیرا إلی السکنجبین،کان مثل ما إذا باع الفرس مشیرا إلی الکتاب،و لیس مثل ما إذا باع هذین الغنمین مشیرا إلی غنم و خنزیر،فحال الخلّ فی السکنجبین حال الماء فی المائع المضاف بالطین،فکما أنّ الموجود فیه بحسب النظر العرفی لیس بماء،کذلک لیس الموجود فی السکنجبین بنظرهم خلاًّ،فلهذا یقوی فی النظر القول بالرجوع فی مسألة الفسخ إلی البدل و فی مسألة المفلس بعدم استحقاق الغریم للأخذ.

و أمّا فی مسألة الغصب:فیمکن أن یقال بتخییر المالک بین أخذ العین حتّی

ص:232

تحصل الشرکة مع الغاصب بنسبة المالیّة و القیمة،و بین تغریم البدل،أمّا الأوّل:

فلأنّه قضیّة کون هذه الصورة طارئة علی مادّة ماله،کما تقدم أنّه یوجب الدخول فی ملک مالک المادّة.

و أمّا الثانی:فلأنّه قضیّة قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم:«علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی»فإنّ المالک کان مالکا للخلّ و قد وقع تحت ید الغاصب،فعلیه عهدة هذا المأخوذ، و لازمه جواز مطالبة المالک منه الخلّ و قد وقع تحت ید الغاصب،فعلیه عهدة هذا المأخوذ، و لازمه جواز مطالبة المالک منه الخلّ،التی لازمها تغریمه البدل و بعد أخذه ینتقل ملکه عن العین الخارجیة إلی البدل المأخوذ،و یصیر العین ممحّضة للغاصب کما فی بدل الحیلولة-حیث إنّ المالک هناک أیضا مخیّر بین اختیار ملکیّة نفس العین الواقعة قعر البحر و بین تغریم البدل-فیصیر العین بعد أخذ البدل و تملّکه ملکا للغاصب.

هذا فی الغاصب.و أمّا فیما لو امتزج المالان لمالکین بغیر اختیارهما،فقد یقال:لا دلیل علی حصول الشرکة هنا،بل یقال بأنّهما مفروزان،فالأجزاء الواقعیّة المعلومة عند اللّه من الخلّ لصاحبه و کذا السکّر،و لا دلیل علی خروجهما عن المفروزیة إلی الإشاعة.

و لکن یمکن أن یقال:إنّه بنظر العرف تحصل الشرکة و یحکمون بأنّ المالکین شریکان فی هذا السکنجبین علی نسبة مالیّة مالهما،و لم یرد من الشرع تخطئة هذا الحکم العرفی،فیکون کسائر السیر العرفیة التی لم یرد بتخطئتها دلیل من الشرع،و ذلک لما قلنا إنّه بنظر العرف قد صار الموضوع موضوعا آخر و حکمه الاشتراک بنسبة القیمتین،فلو کان قیمة السکّر ثلاثة قرانات و قیمة الخلّ قرانین و قیمة السکنجبین خمسة قرانات فالحال واضح من ثبوت ثلاثة أخماس لصاحب السکّر و خمسین لصاحب الخلّ،و کذا لو صار قیمة السکنجبین أربعة أو ستّة.

ص:233

و أمّا الاشتراک فی القیمة بمعنی کون المالین ممتازین واقعا غایة الأمر عدم إمکان تخلیصهما خارجا-فلا بدّ من بیع المجموع فیحصل الشرکة فی الثمن-فهذا خلاف ما یراه العرف من حصول المزاج الثالث و الطبیعة الثالثة،هذا کلّه هو الکلام فی غیر المتجانسین.

و إن کان الامتزاج بالجنس،فإمّا یکون بالمساوی أو بالردیء أو بالجیّد،و تارة یقع الکلام فی ما لم یکن صاحب عهدة فی البین کمسألة المفلس و ما إذا اتّفق الامتزاج بغیر اختیارهما،و أخری یقع فی ما إذا کان فی البین صاحب عهدة کما فی مسألة الفسخ و الغاصب.

أمّا إذا لم یکن فی البین صاحب عهدة و کان المتجانسان متساویین،فلا إشکال أنّ القول بصیرورة المفروز مشاعا بمجرد الامتزاج یحتاج إلی دلیل،و إلاّ فهو أمر علی خلاف القاعدة.

و الذی یمکن أن یقال علی القواعد:أنّ کلاّ من المالین باق بحاله کما قبل الامتزاج من کونه مفروزا،و لکنّه بحکم الإشاعة.

بیان ذلک:أنّه إن استفید من باب الشرکة الحقیقیّة أنّ للمالک حقّ الانتفاع بماله بما یتوقّف علی المفروزیّة،و له حقّ إیجاد سبب ذلک من التقسیم،و یجب علی الآخر إجابته لو لم یکن قسمة ردیّة و لا موجبة للضرر،و یکون القسمة مستلزمة لمبادلة کلّ من الحصّتین المشاعتین بالأخری أعنی:حصّة هذا الشریک فی البیت الآخر مثلا بحصّة ذلک الشریک فی هذا البیت،فاللازم من هذا جریانه بعینه فی المقام،إذ للمالک أن یقول:لی حقّ الانتفاع بمالی بنحو کان خالصا و غیر مشوب، و طریق التخلیص هو التقسیم المستلزم للمبادلة المذکورة.

و غایة ما فی الباب أنّ المبادلة کانت هناک بین الحصّتین المشاعتین و هنا بین

ص:234

المفروزتین،هذا بضمیمة قاعدة العدل و الإنصاف فی ما إذا تلف بعض المال الممتزج،فإنّ مقتضاها التسویة بینهما فی التالف علی حسب السهم،فالمال مفروز بحکم الإشاعة،و لعلّ هذا مراد من عبّر عن الشرکة فی المقام بالشرکة الظاهریة، هذا فی المتساویین.

و أمّا مع التفاوت بالرداءة و الجوادة،فالکلام کما مرّ،لکن المبادلة هنا ربویّة إن أرید احتساب التفاوت الحاصل من الامتزاج بالردیء فی مقام القسمة بأن جعل للجیّد مثلا سهمان،و للردیّ سهم إذا کان مالیّة الجیّد ضعفی مالیّة الردیّ،فإنّ اللازم حینئذ أن تقع المبادلة بین الضعف و الضعفین من المتجانسین.

و لو فرض أنّ دلیل الربا یشمل مثل هذه المبادلة التی هی بالعنوان الأوّلی قسمة و تکون مبادلة بالاستلزام،یعلم عدم استحقاق مثل هذا التقسیم لأحدهما، و حینئذ فلا محیص عن التقسیم بطریق المساواة و لو استلزم تضرّر صاحب الجیّد.

و من هنا یتّجه حینئذ أن یقال:إنّ طالب القسمة إن کان صاحب الجیّد فهو المقدم علی الضرر،فیجب علی صاحبه إجابته،و تجبر لو امتنع،و إن کان صاحب الردی فیدخل تحت کبری ما إذا کانت القسمة ضرریّة علی غیر مریدها، حیث لا یجب علی الآخر المتضرّر إجابة الطالب،فلو فرض تضرّر الآخر أیضا بعدم القسمة و احتیاجه إلیها یعامل معاملة المال المشترک الحقیقی إذا کان الأمر فیه کذلک،إمّا من الرجوع إلی الحاکم فیبیعه علیهما أو یؤجره علیهما أو غیر ذلک.

و کیف کان فقد تبیّن أنّ الحکم بالشرکة الحقیقیّة بمجرّد الامتزاج و صیرورة المال المفروز لکلّ منهما مشاعا بدون اختیارهما و رضاهما أمر مخالف للقواعد یحتاج إثباته إلی دلیل و لم یقم علیه إلاّ وجود عنوان الشرکة فی کلمات الفقهاء-رضوان اللّه علیهم-،و هو بعد احتمال إرادة ما ذکرنا من المعاملة معه معاملة المال المشترک

ص:235

لجریان الملاک الواحد فیهما یسقط عن الدلالة،هذا حال الامتزاج فی صورة عدم وجود صاحب عهدة فی البین.

و أمّا معه کما فی الغاصب و فی باب الفسخ حیث إنّ المفسوخ علیه متعهّد للمال المنتقل إلیه للفاسخ،فلا إشکال فی هذه الصورة أیضا فی بقاء المالین علی حالهما من الاستقلال و عدم الانقلاب إلی الإشاعة،و لکن حیث إنّ أحد الشخصین متعهّد للآخر یجب علیه تسلیط صاحبه علی ماله بوصف الاستقلال و عدم الامتزاج بمال الغیر،و هذا المعنی لا یمکن بدفع تمام المال إلیه حتّی یتصرّف فی أعیان ماله،لأنّه لیس له أن یتصرّف فی أعیان هذا المتعهّد،فعلمه الإجمالی مانع له عن التصرّف.

و القول بأنّه یجب علی المتعهّد إباحة ماله له لأنّه من قبیل مؤنة الردّ أو أنّ ماله یسقط عن الاحترام رأسا نظیر ما قلناه سابقا فی الصبغ و نحوه،فیه:أنّ الفرق بین المقام و ما تقدّم الذی قلنا فیه بسقوط الاحترام،أنّ ابتذال المال هناک مقدّمة حقیقیّة للردّ الواجب،و أمّا فی المقام فلیس إلاّ مقدّمة علمیّة،و هی غیر واجبة،بعد فرض إمکان الخروج عن العهدة بطریق آخر یجعله العرف أقرب الأشیاء إلی الفائت،و هو وضع نصف المال الممتزج و تسلیمه إلی المتعهّد له،فإنّ هذا أقرب من هذا المقدار من حنطة أخری مثلا،فإنّ هذا النصف مشتمل علی العین و علی البدل و ذاک کلّه بدل،و من المعلوم أقربیّة الأوّل،فبعد وجود مثل هذا التدارک و عرفیّته لا یصار إلی المقدّمة العلمیّة.

هذا مع عدم التفاوت و أمّا معه:

فإن کان الجودة فی مال المتعهّد،فیجب علیه التجاوز عن وصف جودته، لأنّه حینئذ من قبیل المقدّمة الحقیقیّة للردّ التی قد عرفت وجوب بذلها علیه،و أمّا

ص:236

إن کان فی مال المتعهّد له-فحیث إنّ احتساب سهمه فی مقام القسمة أزید بمقدار یفی بجبر نقصانه یوجب الربا کما عرفت-فلیس له ذلک بل یدفع إلیه قسمة متساویة.

نعم للمتعهّد له حینئذ مطالبة أرش النقصان،و لیس فی مقام التدارک لهذا النقصان أیضا شیء أقرب من دفع ما یوازیه من هذا المال المشترک،و هذا سالم عن الربا،لأنّ اعتبار المعاوضة إنّما هو بین المتماثلین و الزیادة إنّما جاءت بحکم ضمان الفائت،نظیر الأرش فی المبیع المعیب إذا کان هو و الثمن متجانسین مکیلین أو موزونین.

هذا تمام الکلام فی تصرّفات المغبون و الغابن،بقی الکلام فی حکم تلف العوضین مع الغبن.

و تفصیله:أنّ التلف إمّا أن یکون فی ما وصل إلی الغابن،أو فی ما وصل إلی المغبون،و التلف إمّا بآفة،أو بإتلاف أحدهما،أو بإتلاف الأجنبیّ.

و لیعلم أوّلا:أنّک عرفت الإشکال فی جریان خیار الفسخ کلّیة مع تلف إحدی العینین،و أنّه کما یعتبر فی البیع وجود العوضین حاله و لا یرجع إلی البدل لو تبیّن عدم أحدهما حال الإنشاء،فکذا الحال فی الفسخ الذی هو عکسه،فهو أیضا محتاج إلی عوضین موجودین حتّی یعکس مبادلتهما،و لهذا قلنا إنّ الحقّ له إضافة إلی العینین،نعم صحّحنا الفسخ فی صورة التلف عند المفسوخ علیه لأجل دخوله تحت العهدة،فینزّل البدل منزلة المبدل فی الطرفیّة للعقد.

و کیف کان فالکلام الآن مبنیّ علی الغضّ عمّا ذکرنا و تسلیم جریان الفسخ مع تلف إحدی العینین بل کلتیهما.

ص:237

فنقول:علی المبنی المذکور لا إشکال فی الرجوع إلی البدل بعد تعذّر المبدل فإن کان مثلیّا فإلی المثل،و إن کان قیمیّا فإلی القیمة،لکن هل المعتبر قیمة أیّ وقت؟قیمة وقت الفسخ أو وقت الأداء؟و فی کلام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه- التردید بین وقت التلف و وقت الفسخ.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ بأنّه:لا وجه لاحتمال یوم التلف،لأنّ المال یوم التلف ملک لصاحبه الجدید،و لا معنی لضمان الإنسان قیمة مال نفسه، فالمتعیّن هنا أحد الأمرین:إمّا قیمة یوم الفسخ إن قلنا إنّ نفس القیمة تستقر فی ذمّة من تلف عنده العین بسبب الفسخ،أو قیمة یوم الأداء إن قلنا إنّ العرف یری نفس العین موجودة فی عهدة من تلف عنده بعد الفسخ.

إن قلت:یمکن توجیه یوم التلف هنا أیضا کباب الغصب،بأن یقال:إنّ المال یعتبر آنا ما قبل التلف خارجا عن ملک صاحبه الجدید إلی المالک الأصلی نظیر الکشف الحکمی فی باب الإجازة،و حینئذ فیحکم بقیمة یوم التلف علی القاعدة کما هو واضح.

قلت:المفروض أنّ ما وقع مبنیّا علی العقد إلی حین الفسخ،لا تترتّب آثار خلافه بعد الفسخ أیضا،فإنّ الفسخ حلّ من حین لا من السابق حتی بلسان التنزیل و علی هذا یتعیّن أحد الأمرین اللذین ذکرناهما.

ثمّ إن کان التلف بآفة سماویّة فلا کلام،سواء عند الغابن أم عند المغبون، و إن کان بإتلاف الغابن لما عند المغبون فإن أبرأه المغبون أو قبض منه القیمة ثمّ ظهر الغبن ففسخ،فلا إشکال فی رجوع الغابن إلی القیمة،و أمّا مع عدم الأمرین، فظاهر شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ المغبون یأخذ الثمن من الغابن،و أنّه لا شیء للغابن،و لعلّه لأجل التهاتر لما اشتغلت ذمّة الغابن مع ما اشتغلت ذمّة

ص:238

المغبون،و هذا إنّما یحسن لو قلنا بأنّ المعتبر فی کلا المقامین قیمة یوم الأداء.

و أمّا إن قلنا:بأنّ المعتبر فی ما اشتغلت ذمّة الغابن یوم التلف و فی ما اشتغلت ذمّة المغبون أحد الأمرین من یوم الفسخ أو الأداء و کانت القیمتان مختلفتین بالزیادة و النقیصة فلیس الأمر کما ذکر کما هو واضح،و منه یظهر الحال بالنسبة إلی العکس أعنی:ما إذا أتلف المغبون لما فی ید الغابن.

بقی صورتان:الأولی:ما إذا أتلف ما عند المغبون الأجنبی،و الثانیة:ما إذا أتلف الأجنبی ما عند الغابن.

و الذی صرّح به شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أمّا فی الصورة الأولی:فإنّه إن لم یرجع المغبون إلی المتلف یرجع الغابن إلیه،أعنی:إلی ذلک المتلف الأجنبی.

و أمّا فی الثانیة:فاحتمالات ثلاثة:

أحدها:رجوع المغبون إلی الغابن،لأنّه الذی یردّ إلیه العوض فیؤخذ منه المعوّض أو بدله.

و ثانیها:الرجوع إلی المتلف،لأنّ المال فی ضمانه و ما لم یدفع العوض فنفس المال فی عهدته.

و ثالثها:التخییر بینهما،فإن شاء رجع المغبون إلی الغابن و إن شاء رجع إلی المتلف.

و استشکل علی هذا شیخنا الأستاذ-دامت أیّام برکاته الشریفة-:بأنّ صاحب المال قبل الفسخ إمّا لا عهدة له بالنسبة إلی المالک بعده،و إمّا یکون متعهّدا له،فعلی الأوّل لا وجه لرجوع المالک بعد الفسخ إلیه فی التلف السماوی، و علی الثانی فالمتعیّن فی إتلاف الأجنبی فی کلتا الصورتین المذکورتین رجوعه

ص:239

أیضا إلی المالک قبل الفسخ،و لا وجه لرجوعه إلی المتلف لا تعیینا و لا تخییرا.

و مجرّد کونه متعهّدا للمالک قبل الفسخ و هو متعهّد للمالک بعده لا یفید أن یکون هو متعهّدا للمالک بعد الفسخ،فإنّه إنّما یکون متعهّدا لمن ملک فی ذلک الآن أعنی:آن التلف،و هو المالک قبل الفسخ لیس إلاّ،لأنّ الفسخ لا یغیّر ما سبق علیه و إنّما یقلّب العقد بالنسبة إلی اللاحق،فاللازم أن یکون الفسخ موجبا لتعهّد المالک قبل الفسخ للمالک بعده و عدم تعهّد المتلف له لعدم موجب التعهّد بالنسبة إلیه،و إنّما تحقّق الموجب فیه بالنسبة إلی المالک قبل الفسخ،فیکون العین فی عهدة المتلف بالنسبة إلی المالک قبل الفسخ و فی عهدة المالک قبل الفسخ بالنسبة إلی المالک بعده،و لا ضیر فی کون العین الواحدة فی عهدتین لشخصین من غیر فرق بین اعتبار نفس العین فی العهدة أم اعتبار القیمة.

و القول بأنّه لو کان المعتبر نفس العین فالمتعیّن الرجوع إلی المتلف لأنّ العین فی عهدته،مجرّد دعوی،فإنّه قد تحقّق سبب لأن یعتبر العین فی عهدته بالنسبة إلی شخص المالک قبل الفسخ،و تحقّق سبب آخر لاعتبار ذلک فی المالک قبل الفسخ بالنسبة إلی المالک بعده،فاللازم تعهّده أیضا للعین له،کما أنّ لزوم رجوع المالک بعد الفسخ إلی المتلف بناء علی اعتبار القیمة فی عهدته یشبه القول بأنّه لو فسخ أحدهما و قد باع صاحبه المال من شخص کان الثمن فی البیع الثانی للفاسخ،لأنّه عوض للتالف،غایة الأمر هو عوض جعلیّ،و ما نحن فیه أعنی:ما أثبته اللّه فی ذمّة المتلف عوض واقعی.و إذا فرضنا أنّ الفسخ لا تأثیر له بالنسبة إلی ما سبق فکما لا یوجب خروج العوض الجعلیّ عن کیس المالک قبل الفسخ فکذا بالنسبة إلی العوض الواقعی،و لیت شعری أیّ فرق بین المقامین؟ نعم یتّجه التخییر فی ما نحن فیه بین الرجوع إلی المتلف أو إلی المالک قبل

ص:240

الفسخ بالنسبة إلی الإتلاف لما عند المفسوخ علیه،بناء علی ما قدّمنا من جریان عهدة الید بالنسبة إلی الحقوق،فیکون المقام بالنسبة إلی متعلّق الحق من تعاقب الأیدی،فیجوز لصاحب الحقّ الرجوع إلی أیّهم شاء،فتدبّر.

مسألة:هل هذا الخیار ثابت فی کلّ معاوضة مالیّة أو یختصّ بخصوص

البیع؟

الظاهر عدم الفرق بین البیع و غیره فی جریان«لا ضرر»،نعم کلّ ما لم یثبت بهذه القاعدة لا یتجاوز عنه فی غیر البیع،فلو فرض أنّها لا تدلّ علی أزید من جواز الاسترداد و إنّما ذهبنا إلی الحقّیة فی البیع بضمیمة الإجماع،لا یمکن المصیر إلی تلک الضمیمة فی غیر البیع،لعدم الإجماع هنا.

و کذلک فی صورة الشک فی القیمة لا یمکن إثبات الخیار بلا ضرر،لوجود الإقدام من غیر فرق بین البیع و الصلح و غیرهما،بل و فی بعض صور القطع بالقیمة أیضا،و هو ما لو اضطرّ إلی الشراء بحیث لو علم أنّه أزید من القیمة لما ترک الشراء،فإنّ حال حضوره للشراء بأیّ قیمة کان و لو بأضعاف القیمة یمنع من جریان لا ضرر و لو فرض أنّه یعلم اتفاقا بمساواة الثمن للقیمة العادلة.

و کذا الحال فی الفرد الذی بنی علی المسامحة و عدم المداقّة کالبیع المحاباتی و الصلح کذلک،و کذا الصلح علی الحقّ المجهول أصله،و أمّا الصلح علی الحقّ الثابت،المجهول مقداره،فقد یکون واقعا علی أیّ مقدار کان،فهذا أیضا کالسابق فی عدم جریان«لا ضرر»فیه،و قد یکون باعتقاد أنّه لا یزید عن المصالح به أو لا ینقص عنه و فی هذه الصورة أیضا لو صرّح فی مقام الإنشاء:بأنّی أصالح عن حقّی بکذا و إن فرض کونه أزید منه بأضعاف،فهذا أقدام منه علی الضرر،فلو تبیّن أنّه کان أکثر فلا خیار،لأنّه و إن کان عالما بالمساواة بحیث لو علم العدم لما أقدم لکن إنشاءه المصالحة فی تقدیر الأکثریّة إنشاء عن قصد و جدّ

ص:241

نحو المدلول نظیر إنشاء البیع بشرط الخیار،و إنشاء الطلاق فی مشکوک الزوجیّة.

و بالجملة:تمشّی القصد الجدّی فی أمثال هذه الموارد ممّا یقصد نحو المنشأ بالعنوان الثانوی مع القطع بعدمه بالعنوان الأوّلی ممّا لا ریب فیه،و بهذا الاعتبار لا یدخل تحت عموم«لا ضرر».

و من هنا تبیّن أنّه لو صرّح فی عقد البیع أیضا بإطلاق المبایعة لحالتی مساواة الثمن مع القیمة و عدمها فهو بمنزلة إسقاط الخیار و لو کان عالما بالمساواة،فلو تبیّن عدمها فلا خیار للإقدام الجدّی فی مرحلة الإنشاء الجدّی، هذا.

و لکن هذا کلّه مبنیّ علی أصل جواز التمسّک ب«لا ضرر»فی أبواب المعاملات من البیع و أخواته،و لکنّه محلّ إشکال عند شیخنا الأستاذ-أدام اللّه أیّام برکاته الشریفة.

و محصّل ما قرّره فی الدرس فی بیان الإشکال:أنّ«لا ضرر»یکون مفاده نفی الضرر فی ما هو من قبیل مجعولات الشرع لا بالنسبة إلی ما هو أمر کائن فی الواقع و نفس الأمر بأسبابه النفس الأمریّة،غایة الأمر أنّ الشارع بواسطة علمه بالغیب و حدّة نظره و امتیازه عن غیره أدرک ما لا یدرکه غیره فکشف و بیّن عمّا أدرکه،فالإیجاب و القبول عند العرف و الشرع کلیهما سبب واقعی لحصول النقل و الانتقال،و لیس فی البین إلاّ تصدیق الشارع للعرف و أنّه صادق فی ما فهم،کما أنّه فی مورد المخالفة لیس من الشارع أیضا جعل بل مجرّد أنّ العرف مخطئ فی ما فهم،و الواقع علی خلاف ما فهمه،و نفی الضرر لا یشمل إلاّ المجعولات،و لا یدخل تحته مثل هذه الأمور الوضعیّة التی نصیب الشارع منها مجرّد کشف الغطاء عن واقعها المحفوظ.

ص:242

نعم إنّ قلنا:إنّ الإجازة من الشارع فی أبواب المعاملات له جزء الدخل فی ترتیب الأثر نظیر إجازة المالک فی البیع و نحوه دخل فی المجعولات و شمله لا ضرر،لکنّه خلاف المبنی و أنّ إجازة الشارع لیس إلاّ تصدیق العرف فی ما فهم، و لیس له نصیب إلاّ الکشف محضا.

و علی هذا فیمکن المصیر إلی ثبوت خیار الغبن بطریق آخر و هو إرجاعه إلی تخلّف الوصف،فإنّ من یفاضل صاحبه فی القیمة و أنّها کذا أو کذا،ثمّ استقر رأیهما علی شیء و یوقعان المبایعة علیه فهما ناظران إلیه بعین المساواة مع القیمة بحیث یکون هذا قیدا لطرف العقد لا من باب الجهة التعلیلیّة،و علی هذا فیدخل تحت قاعدة تخلّف الوصف،و خیاره أمر عرفی یحکم به العرف،فتدبّر.

مسألة:اختلف أصحابنا فی کون هذا الخیار علی الفور أو علی التراخی

علی قولین،و استند للقول الأوّل و هو المشهور ظاهرا،إلی کون الخیار علی خلاف الأصل فیقتصر فیه علی المتیقّن،و قرّره فی جامع المقاصد علی المحکیّ بأنّ العموم فی أفراد العقود یستتبع عموم الأزمنة و إلاّ لم ینتفع بعمومه.انتهی.و للقول الثانی بالاستصحاب.

و استشکل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-علی التمسّک بالعموم بما ملخّصه:

إنّ العموم الزمانی علی قسمین:

أحدهما:المستفاد من إطلاق الحکم بالنسبة إلی زمانه الراجع بدلیل الحکمة إلی استمراره فی جمیع الأزمنة،و لا یخفی أنّ هذا العموم فی کلّ فرد من موضوع الحکم تابع لدخوله تحت العموم،فإذا فرض خروج فرد منه فلا یفرق فیه بین خروجه عن حکم العام دائما أو فی زمان ما،إذ لیس فی خروجه دائما زیادة تخصیص فی العام حتّی یقتصر عند الشک فیه علی المتیقّن،و السرّ ما عرفت من

ص:243

تبعیّة العموم الزمانی للعموم الأفرادی،فإذا فرض خروج بعضها فلا مقتضی للعموم الزمانی فیه حتی یقتصر فیه من حیث الزمان علی المتیقّن،بل الفرد الخارج واحد،دام زمان خروجه أو انقطع،و المناط کون الزمان مأخوذا ظرفا للحکم.

و إن فرض عمومه لغویّا لا بدلیل الحکمة فیکون الحکم حکما واحدا مستمرّا لموضوع واحد،فیکون مرجع الشک فیه إلی الشک فی استمرار حکم واحد و انقطاعه،فیکون المرجع لا محالة استصحاب حکم الخاص.

ثانیهما:أن یکون الزمان مکثّرا لأفراد العام بحیث یکون الفرد فی کلّ زمان مغایرا له فی زمان آخر،کما إذا قال المولی لعبده:أکرم العلماء فی کلّ یوم،بحیث کان إکرام کلّ عالم فی کلّ یوم واجبا مستقلاّ غیر إکرام ذلک العالم فی الیوم الآخر، و حینئذ فاللازم بعد العلم بخروج فرد فی زمان ما،الاقتصار علی المتیقّن،لأنّ خروج غیره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غیر ما علم خروجه،فإذا علم بخروج زید العالم و شکّ فی خروجه عن العموم یوما أو أزید وجب الرجوع فی ما بعد الیوم الأوّل إلی عموم وجوب الإکرام لا إلی استصحاب عدم وجوبه.

إذا عرفت هذا فما نحن فیه من قبیل القسم الأوّل،لأنّ العقد المغبون فیه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بین عدم وجوب الوفاء به فی زمان واحد و بین عدم وجوبه رأسا نظیر العقد الجائز دائما،فلیس الأمر دائرا بین قلّة التخصیص و کثرته حتّی نتمسّک بالعموم فی ما عدا المتیقّن.انتهی ما نقلنا عنه ملخّصا.

قال شیخنا الأستاذ-دامت برکاته الشریفة-:لا إشکال عند الشیخ و لا عند غیره فی أنّه لو کان المخرج بعنوان التقیید،یتمسّک مطلقا فی ما عدا المتیقّن منه بالعموم و لو فی فرد واحد،فإذا خرج عن دلیل وجوب الصلاة علی کلّ مکلّف

ص:244

عنوان المسافر أو الحائض یجب التقیید بغیر المسافر أو الحائض،فإذا فرض تطبیق هذا العنوان علی شخص ثمّ زال عنه فلا إشکال أنّه بعد الزوال یرجع فیه إلی العام من غیر تفصیل بین الموارد.

فکلامه-قدّس سرّه-لا بدّ من تنزیله علی مورد لم یعلّق الحکم فی دلیل المخصّص علی عنوان،بل کان الخارج ذات الفرد بلا عنوان أصلا و کان العنوان بمنزلة هؤلاء إشارة صرفة إلی الذات،أو و إن کان معلّقا علی العنوان و لکن کان العنوان محفوظا فی الفرد غیر متبدّل نظیر ما نحن فیه،فإنّ دلیل لا ضرر قیّد عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بغیر الضرری منها،و العقد الضرری المغبون فیه یکون من أوّل وجوده إلی آخره واجدا لهذا العنوان غیر مسلوب عنه هذه الصفة،و لکن نشکّ فی أنّ الإخراج مخصوص بالزمان الأوّل،أو یشمل الأزمنة المتأخّرة أیضا،من غیر احتمال دخالة عنوان فی الموضوع غیر منطبق إلاّ علی الزمان الأوّل،بل الموضوع بعنوان واحد یحتمل أن یکون خارجا فی زمان واحد أو أزمنة کثیرة.

إذا عرفت محلّ کلامه-قدّس سرّه-فنقول حینئذ فی توجیه مرامه:

قد یکون الزمان ملحوظا للمتکلّم إمّا فی جانب المادّة أو الهیئة إمّا بنحو الاستغراق أو المجموعیّة،کأن یقول:إکرام العلماء فی کلّ زمان أو فی مجموع الزمان مطلوبی،أو یقول:إکرام العلماء مطلوب فی کلّ زمان أو مجموع الزمان،و لازم الاستغراق ثبوت إطاعات و عصیانات بعدد الأیّام،و لازم المجموعیّة ثبوت إطاعة و عصیان واحد،و لازم کلا النحوین أنّه لو خرج زمان و شکّ فی غیره یقتصر علی المقدار المتیقّن و یرجع فی الباقی إلی العموم الاستغراقی أو المجموعی.

أمّا الأوّل فواضح،و أمّا الثانی فلأنّه من قبیل الاستثناء عن أکل السمکة ذنبها،و القید فی هذه الصورة لبّا راجع إلی المادّة أعنی:الموضوع،و إن کان فی

ص:245

الصورة راجعا إلی الهیئة،فلا فرق بین قوله:إکرام کلّ یوم مطلوبی و بین قوله:

طلب مستمرّ فی کلّ یوم متعلّق بالإکرام،و الفرق إنّما هو صوریّ فقط.

و بعبارة أخری:القیود المصرّح بها الملحوظة للمتکلّم کلّها متمّمات للقضیّة لا أنّها راجعة إلی القضیّة التامّة،فالنسبة التامّة الحکمیّة متأخّرة عن تمام تلک القیود لا أنّها ملحوظة متأخرة عن النسبة التامّة الحکمیّة،فإذا قال:أکرم العلماء دائما،فکأنّه قال:الإکرام الدائمی مطلوبی،أو أنّ الطلب الدائمی فی الإکرام.

و قد یکون القید ملحوظا بعد تمام القضیّة و مجیئ النسبة الحکمیّة،فیلاحظ القضیّة بمجموعیّتها من حیث هی قضیّة و حینئذ یمکن تعلیق القید بنحوین.

الأوّل:أن ننظر إلی الأفراد و أحکامها،و بعبارة أخری إلی القضایا المتولّدة من تلک القضیّة الوحدانیّة،و یرجع القید إلیها،فکأنّه قیل:حکم أکرم زیدا حکم دائمی ثابت فی کلّ یوم و حکم أکرم عمرا کذلک،و هکذا إلی آخر الأفراد.

و الثانی:أن ننظر إلی نفس هذا الحکم الوحدانی المضروب للقانون الذی ینحلّ إلی أحکام لا إلی منحلاّته،فکأنّه قیل:هذا الحکم الضرب القانونی ثابت فی کلّ زمان،و هذا أیضا یمکن بنحوین.

ألف:أن یقال ذلک بعنایة التجدید و أنّ الحکم یتجدّد فی کلّ یوم و یکون مغایرا للموجود فی الیوم القبل.

ب:أن یلحظ بعنایة الوحدة و عدم التفاوت و التغایر،فلازم القسم الأوّل أعنی:القید المربوط بالمنحلاّت أنّه لو ارتفع الحکم عن زید مثلا فی یوم و شک فی ما بعده یرجع إلی العموم،کما أنّ لازم القسم الأوّل من نحوی ربطه بنفس القضیّة الوحدانیّة الضرب القانونیّة هو ذلک أیضا،لأنّ الموجود فی یوم الجمعة مثلا قضیّة

ص:246

غیر ما هو الموجود فی یوم السبت و المعلوم تخصیصه هو الأوّل دون الثانی.

و أمّا النحو الثانی من هذا القسم و هو أن تکون القضیّة الواحدة مستمرّة فی سلسلة الزمان،فلازمه عدم إمکان التمسّک فی ما إذا خرج الفرد فی زمان،لأنّ العام قد خصّص فی هذا الزمان و المفروض عدم عموم آخر فی البین فی الیوم الثانی،و لا استفادة دوام فی حکم نفس الفرد بالنسبة إلی الیوم الثانی و إنّما علّق قید الدوام بالقضیّة العامّة المضروبة للقانون بوحدتها،و هی قد خصّصت،فمن هذا الحین یجری فی الزمان مخصّصة،و لا یفرق بحالها دخول الفرد فی الأزمنة المتأخّرة أو خروجه،لأنّ العام الفردی لیس له إلاّ تخصیص واحد،لأنّه قضیّة واحدة و العموم الزمانی إنّما اعتبر بالنسبة إلی وجود العموم الفردی بما هو عموم و مضروب للقانون الذی یلائم مع ورود التخصیص علیه،فهو إنّما یفید فی ما إذا ارتفع هذا العموم برأسه من البین فی یوم،فإنّ قضیّته الإثبات فی الیوم البعد،و أمّا بالنسبة إلی ارتفاع حکم فرد واحد و عدمه فهو فی ذلک تابع لنفس القضیّة العامّة بالعموم الفردی، فإن کان فیه مقتض للدخول کما قبل ورود المخصّص کان جاریا فی الزمان بتبع القضیّة و إلاّ کما بعد وروده،فلا یحدث من قبل هذا الدوام المتعلّق بنفس القضیّة مقتض لدخوله.

إذا عرفت هذا فالمدّعی أنّ المتکلّم إذا کان فی مقام البیان و ساق القضیّة بعموم أفرادی غیر ملاحظ للزمان أصلا بنحو من الأنحاء المذکورة فمقدمات الحکمة قاضیة بثبوت النحو الأخیر،إمّا لأنّه الأخفّ أو لا دلیل علی أزید منه،أمّا عدم کون الزمان و الدوام حینئذ فی نفس طرفی النسبة،فلأنّه المفروض من أنّ النسبة الحکمیّة الإنشائیّة إنّما تعلّق بالموضوع المجرّد عن ملاحظة الزمان.

و أمّا إنّ الدوام العارض علی القضیّة بعد تمام النسبة عارض علی العموم لا

ص:247

علی المحکیّات به،فلأنّه لا أقلّ من عدم الدلیل علی النحو الثانی،و مع الشک أیضا یسقط الاستدلال.

و أمّا إنّه بعد العروض علی العموم لا یلاحظ تعدّد العموم بعدد الأزمنة، فلأنّه مؤنة زائدة تحتاج إلی عنایة زائدة و المقدمات تنفیه.فیصیر المتحصّل أنّ عموما فردیّا صار محکوما-بحکم المقدّمات-بالبقاء فی طول الزمان،و لازمه ما ذکرنا.

و لیس المراد بالبقاء نظیر ما یعتبر فی الاستصحاب حتّی لا یتعقّل له معنی مع تخلّل العدم،کما حمل کلام شیخنا-قدّس سرّه-علیه بعض الأساطین من محشّی کلامه-قدّس سرّه-،فإنّه حینئذ و إن کان لا یصح التمسّک لمکان ما عرفت من عدم صدق البقاء مع تخلّل العدم،و لکنّه غیر مفاد للمقدّمات،لأنّه بهذه العنایة أیضا محتاج إلی مؤنة زائدة و معدود فی عرض سائر القیود،فیکون إثباته من بینها ترجیحا بلا مرجّح،بل المراد هو عدم الانفکاک عن شیء من أجزاء الزمان من دون عنایة اعتبار الاتّصال،و لهذا قلنا:إنّه لو ارتفع الحکم العمومی برمّته جاز التمسّک فی ما بعد المقدار المتیقّن من الزمان إلی الإطلاق الزمانی.

إن قلت:نمنع ما ذکرته من جعل خروج الفرد فی زمان تخصیصا فردیّا،بل نقول:هو تقیید فی الإطلاق،فإنّ العموم الفردی لازمه الثبوت آنا ما،و الاستمرار بطول الزمان إنّما هو بقضیّة الإطلاق،و حینئذ فالمقتضی للدخول فی الزمان الثانی و هو الإطلاق ثابت.

قلت:لا وقع لما ذکرت بعد ما عرفت من البیانات السابقة،فإنّ هناک مدلولین طولیّین،فالقضیّة مدلولها إثبات الحکم فی ذوات الأفراد من غیر تعرّض للزمان،و الإطلاق مدلوله جرّ هذه القضیّة بما لها من المفاد و المدلول فی أجزاء الزمان،فإذا خرج الفرد عن المدلول الأوّلی فلا دلالة للمدلول الثانوی علی إثباته

ص:248

فی الزمان الثانی أو نفیه،فإنّ المجرور إلی هذا الحین کان عامّا غیر مخصّص و من هذا الحین صار عامّا مخصّصا،و الاختلاف فی المجرور لا یوجب الاختلاف فی ما مدلوله الجرّ،فلیس هذا تقییدا فی الإطلاق أصلا.

إن قلت:سلّمنا ذلک و لکن نقول:الجرّ فی القضیّة العامّة مستلزم للجرّ فی أجزاء هذا العموم أعنی:الآحاد و قد سلّمت أنّه لو کان مفاد المقدّمات ابتداء جرّ أحکام الآحاد تمّ الاستدلال،فما الفرق بین کون ذلک مفادها ابتداء أو بالمآل بواسطة الاستلزام؟ قلت:هذا أیضا کالإشکال الأوّل لا وقع له بعد البیانات المتقدّمة،فإنّ قضیّة المقدّمات علی ما عرفت لیست بأزید من ثبوت الحکم العمومی الذی هو النظام لشتات الأفراد من دون تکفّل لما عداه،فأصالة الجدّ فیه إنّما هی فی قبال ارتفاع هذا المعنی بأن لم یکن العموم فی الزمان الثانی،و أمّا بعد إجراء أصالة الجدّ فی مفاد الإطلاق یحصل لنا حکم عمومی قابل للتخصیص فنحتاج إلی أصالة جدّ آخر فی هذا العموم بالنسبة إلی کلّ فرد منه،فإذا اختلّت الأصالة المذکورة بالنسبة إلی فرد فلیس المصحّح لها أصالة الجدّ فی المفاد الأوّلی.

و بالجملة:لا تکفّل فی الإطلاق بحال الأفراد أصلا إلاّ بالأعمّ من الجدّ و التوطئة الذی هو المحتاج إلیه فی تألیف العموم،و أمّا تعیین أنّه الجدّ أو التوطئة فمحتاج إلی أصل آخر جار فی العموم الفردی،فإذا بطل الأصل بورود الدلیل المخصّص فلا مقتضی بعد انقضاء الزمان المتیقّن لدخول الفرد و لا لخروجه.

هذا حال التمسّک بالعموم و قد عرفت عدم تمامیّته،و أمّا التمسّک بعد ذلک باستصحاب حکم الخیار للقول بالتراخی،فقد استشکل فیه أیضا شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-و المانع المتصوّر من جریانه أمران:

أحدهما:عدم وحدة الموضوع المعتبرة فی الاستصحاب کما یظهر من کلام

ص:249

الشیخ-قدّس سرّه-،لأنّ الموضوع الذی حکم علیه بالخیار هو من لم یتمکّن من الفسخ،و بعبارة أخری هو العاجز عن دفع ضرره،و هذا قد انقلب فی الآن الثانی، لأنّه بعد مضی الزمان الأوّل صار شخصا قادرا علی دفع ضرره و سامح فی دفعه.

و ثانیهما:أنّ المقام من قبیل الشکّ فی المقتضی،فإنّه لا یعلم أنّ المقتضی للخیار طویل أم قصیر.

و قد تنظّر فی ما ذکره شیخنا الأستاذ-دامت برکاته العالیة-بکلا وجهیه، أمّا الثانی:فلأنّه مضافا إلی عدم تمامیّته فی نفسه-کما بیّن فی الأصول مشروحا فلیراجع-قد رجع هو-قدّس سرّه-عن ذلک فی مواضع من کلماته علی المحکیّ.

و أمّا الأوّل:فالموضوع لا یمکن أن یکون هو العاجز عن دفع الضرر فعلا حتّی مع ملاحظة الحکم الوارد علیه،لأنّ اللازم حینئذ رفع الحکم لموضوعه و هو محال عقلا،فالموضوع هو الذات أو العاجز لولا هذا الحکم أو العاجز المطلق آنا ما،و علی کلّ التقادیر یکون باقیا علی جمیع الأمذقة فی أخذ الموضوع للاستصحاب لأنّه باق هنا عرفا و دلیلا و دقّة،نعم رفع العجز هنا إنّما أخذ غرضا،فالعاجزیّة غیر مأخوذة فی الموضوع نظیر الجهل فی الإخبار،حیث لیس الموضوع هو الشخص المخاطب بقید الجهل بل ذاته بغرض رفع الجهل.

ثمّ لو فرض إمکان أن یکون الموضوع هو العاجز الفعلی من جمیع الجهات، فاللازم حینئذ تقیید العموم،أعنی:عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)بغیر حال العجز الفعلی،ثمّ الرجوع فی ما عدا المقدار المتیقّن من التقیید إلی العموم،و لیس هذا من محلّ النزاع المتقدّم فی شیء کما عرفت.

ثمّ لم یعرف ما وجه تعیین تشخیص الموضوع فی الاستصحاب من الدلیل،

ص:250


1- 1) سورة المائدة1/.

مع أنّ المحکّم و المرجع فی تشخیص موضوعات سائر الأحکام هو العرف،فلا فرق بین قضیّة:«الدم نجس»و بین قضیّة:«لا تنقض»،فکما أنّ النجاسة مترتّبة علی ما یراه العرف دما،کذلک الحرمة مترتّبة علی ما یراه العرف نقضا.

و حینئذ نقول:قد یکون بحسب الدلیل وجود خصوصیّة مأخوذا فی الموضوع علی وجه التقیید کما فی:«الماء المتغیّر نجس»و مع ذلک لیس الموضوع بنظر العرف لبّا إلاّ الذات کما أنّه قد یؤتی بالخصوصیة فی صورة القضیة بعنوان الشرط الخارج عن الموضوع و مع هذا یکون انتفاؤه مضرّا ببقاء الموضوع،کما فی قولک:إذا کان هذا-مشیرا إلی الهیولی المشترکة بین الکلب و الملح-کلبا فهو نجس،فلا یقال عند صیرورة الکلب ملحا مثلا:قد ارتفع النجاسة عن هذا و یقال فی مثال«الماء المتغیر نجس»بعد ارتفاع التغیّر إنّه بقیت نجاسة هذا أو ارتفعت،و إذن ففی المقام و لو سلّمنا کون العجز عن الدفع قیدا فی موضوع الخیار،لکنّه قید دلیلیّ و لیس بعرفیّ،لأنّ العرف یقول:قد بقی خیار هذا الشخص أو ارتفع،و صدق البقاء و الارتفاع عنده شاهد علی کون الموضوع عنده ذات الشخص و إن کانت صفة العجز معلوم الدخل حدوثا و بقاء،فمع الشکّ فی مدخلیّتها فی البقاء لا مانع من الاستصحاب،لإحراز الموضوع.

نعم هنا کلام آخر یمکن أن یکون هو محطّ نظر صاحب الریاض-قدّس سرّه-و هو أنّه:کما أنّا نستفید من قضیّة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إیجاب الوفاء،کذلک نستفید فی عرض ذلک أنّ العقد له اقتضاء لوجوب الوفاء،فبعد انقضاء الزمان الأوّل من الخیار و إن کان لا یمکن التمسّک بالإطلاق فی الهیئة و إثبات الوجوب، و لکن یمکن التمسّک بإطلاق اللفظ من حیث المدلول الآخر،فالمقتضی محرز بهذا الدلیل،و أمّا المانع فإن قلنا بتمامیّة قاعدة المقتضی و المانع،فلا إشکال فی ترتّب النتیجة و لا یبقی مجال لاستصحاب الخیار.

ص:251

و أمّا إن قلنا بعدم التمامیّة فأوّلا ندّعی أنّا نقطع بعدم وجود مانع غیر الضرر،و هو أیضا مقطوع عدم اقتضائه أزید من إثبات الخیار فی الزمن الأوّل،إذ هو الذی یوجب عدم استناد الضرر إلی حکم الشرع،و أمّا إثباته فی الزمان الثانی فلغو من حیث ترتّب هذه النتیجة،إذ لو ثبت وجوب الوفاء فلیس هذا الضرر آتیا من قبل الشارع،بل من قبل تهاون نفس المکلّف.

و بالجملة:بعد القطع بسقوط هذا الملاک عن التأثیر نقطع بعدم تحقّق ملاک آخر لثبوت الخیار،فلا وجه للاستصحاب،و علی فرض تسلیم احتمال وجود ملاک آخر،فلا یحتمل وجود شخص الخیار السابق،بل لو کان لکان شخصا آخر لتعدّد ملاکه،فیبتنی علی صحّة استصحاب الکلّی فی القسم الثالث منه،مع أنّه علی تقدیر الصحّة معارض باستصحاب عدم جعل خیار آخر،فیرجع إلی استصحاب الملک و عدم ترتّب أثر الفسخ.

و لعلّ هذا مراد سیّد الریاض فیقال:إنّه لو کان المدرک للخیار قاعدة«نفی الضرر»فلا استصحاب للخیار،بواسطة ما ذکرنا،و إن کان المدرک الإجماع المنقول-حیث لا لسان له-فیحتمل بقاء الخیار بعین وجوده الشخصیّ الأوّلی، فحینئذ یتّجه التمسّک باستصحابه،هذا منتهی تقریب کلامه-قدّس سرّه.

و لکن قد استشکل فیه شیخنا الأستاذ-دامت برکاته العالیة-بأنّ تخصیص«لا ضرر»بخصوص الزمان الأوّل لا وجه له،إذ اللفظ غیر قاصر فإنّ الضرر لم یرتفع و الشخص أیضا لم یقدم و لم یتقبّل الضرر علی نفسه،غایة الأمر أخّر إعمال الخیار إمّا لأن یتأمّل فی صلاحه و فساده،و إمّا لغیر ذلک.

و الحاصل:التأخیر لیس رضائه منه بالبیع،فرفع اللزوم عنه فی غایة المنّة، و لو وجب الاقتصار فی مدلول«لا ضرر»علی مقدار لا یستند الضرر إلی الشرع

ص:252

بحیث صحّ الاحتجاج علی العبد بأنّی لم أورد الضرر علیک،لکان اللازم فی الوضوء الضرری لأجل وجود مرض قد تهاون المکلّف فی معالجته فبقی فی الیوم الثانی،أن نقول بوجوبه فی الیوم الثانی،إذ الضرر ناش من مسامحة المکلّف لا من إیجاب الوضوء،و لا أظنّ أحدا یلتزم به.

و أیضا لازم القول بالاختصاص بمقدار التمکّن من إعمال الفسخ أن یکون العلم بالحکم مأخوذا فی غایة نفس الحکم و هو فی إنشاء واحد غیر ممکن،فإنّ إعمال الخیار یتوقّف علی مقدمتین،علم بالکبری أعنی:الخیار،و علم بالصغری أعنی:الضرر،فاللازم تقیید الخیار بما بعد زمن کلا العلمین بمقدار یتمکّن من الفسخ و جعل العلم بنفس الحکم المنشأ فی إنشاء واحد غایة لنفس هذا الحکم مستلزم لاجتماع لحاظین فی لحاظ واحد.

نعم لا إشکال فی إمکان ذلک فی جعلین بأحدهما یجعل مهملة الخیار، و بالآخر یجعل الخیار المغیّی بما بعد العلم بالأوّل بساعة مثلا،و أمّا فی الجعل و الإنشاء الواحد فتقیید الحدوث بالعلم مستلزم للدور،و تقیید الغایة به مستلزم للجمع بین لحاظی إنشاء الحکم و الفراغ منه.

إن قلت:لا داعی إلی جعل القید هو العلم،بل هو التمکّن الذی هو یلازم العلم.

قلت:بعد فرض تأخّر التمکّن عن العلم فالتقیید به أیضا کالتقیید بالعلم، و بالجملة لازم القول بالفور إن قال القائل به بعذریّة الجهل بالموضوع أو الحکم ما ذکرنا،و أمّا إن قال بعدم عذریّته و أنّ المعیار سدّ باب الضرر من قبل الشارع نظیر إعمال اللطف فی جعل الأحکام من قبل الشارع،فاللازم احتساب مبدأ الفور من حین العقد إلی مقدار یتمکّن من إعمال الفسخ،فیسلم عن هذا الإشکال الثانی،

ص:253

نعم یبقی علیه حینئذ الإشکال الأوّل.

فتحصّل من جمیع ما ذکرنا:أنّه إن کان المدرک للخیار هنا دلیل الضرر فاللازم القول بالتراخی سواء قیل بعذریة الجهل علی تقدیر القول بالفور أم لا، و إن جعل المدرک هو الإجماع فإن جعل الجهل عذرا،فلا یمکن کون الخیار فوریّا،لما ذکر من استلزامه المحذور،و إن لم یجعل الجهل عذرا فاللازم حینئذ القول بالتراخی أیضا لکن من باب الاستصحاب،أعنی:استصحاب الخیار.

ثمّ علی القول بالفور لا إشکال فی عدم اعتبار الفوریّة العقلیّة،لاستلزامها الحرج علی المکلّف،و إذا صار الشارع بمقام رفع الضرر عن المکلّف إرفاقا به لا یوقعه فی الحرج،لأنّه نقض الغرض،بل المعتبر هو الفور العرفی،لکن لو کان مشغولا بصلاة نافلة أو أکل أو قضاء حاجة،فهل له التأخیر إلی الفراغ،و کذا لو اطّلع علی الغبن فی اللیل فله التأخیر إلی الصباح؟ لا یبعد أن یقال بالتفصیل بین ما إذا أمکن له الفسخ مع التوسّل به إلی تحصیل ماله علی حسب الموازین الشرعیّة بلا عسر و حرج،کأن یکون العدلان حاضرین فی المجلس فیجب حینئذ المبادرة العرفیّة،فلا یجوز التأخیر إلی الفراغ عن الأکل أو الصلاة أو قضاء الحاجة کالخروج من الحمام،و بین ما إذا لم یمکن ذلک بسرعة،و إنّما یحتاج إلی مضیّ زمان لأجل إحضار العدلین،فإنّ مجرّد إمکان قول«فسخت»لا یدفع الضرر و العسر،فإنّه ربّما ینجرّ ذلک إلی الاختلاف،فینکر الطرف وجود الفسخ منه،و المفروض عدم إمکان إقامة البیّنة علیه،و لیس ممّا لا یعلم إلاّ من قبله و من الأمور القلبیّة الباطنیّة کالعلم و الجهل حتی یسمع دعوی من یدّعیها.

و لا یمکن للمنکر أیضا الیمین،لأنّه غیر عالم،فیبقی المرافعة بلا فصل

ص:254

و یوجب انقطاع ید هذا الفاسخ عن عین ماله و عن عوضه معا،و هذا أمر قد تحقّق من قبل الشارع،لحکمه بوجوب الوفاء فی الآن الثانی،و حکمه الآخر بعدم سماع قول المدّعی فی قبال المنکر إلاّ مع البیّنة،و هذا بخلاف ما لو رفع وجوب الوفاء فی الآن الثانی أیضا بمقدار یحضر عند البیّنة و یفسخ عندها،فإنّه جمع بین رفع الضرر و الحرج معا،فعین الجهة الداعیة إلی الفور العرفی فی قبال العقلی داعیة إلی الانصراف عن العرفی إلی الإمهال بهذا المقدار،هذا.و لکن لم یعلم وجود قائل بهذا التفصیل.

ثمّ علی القول بالفور و جعل الجهل الموضوعی أو الحکمی عذرا،إن ادّعی الجهل بالخیار و أنکر الآخر،قال شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-:فالأقوی القبول، لأنّ الأصل العدم.

و استشکل علیه شیخنا الأستاذ-دام علاه-:بأنّ المراد من استصحاب عدم العلم إن کان تشخیص موضوع عدم الإقدام،فهو مثبت،و إن کان من حیث نفسه،فهو غیر موضوع لأثر شرعی،و الذی رتّب الأثر علیه عنوان الضرر و قد خرج عنه صورة الإقدام،فالذی هو المهمّ هو أنّ هذا الشخص هل صدر منه إقدام حتّی یکون خارجا عن موضوع الخیار أو لا،حتّی یکون داخلا؟ فالمناسب حینئذ أن یقال فی وجه قبول قوله:إنّه مطابق لاستصحاب الخیار بناء علی ما تقدم من صحّته و عدم الإشکال فیه من جهة تعدّد الموضوع.

و هل یمکن استصحاب موضوع الخیار أعنی:العاجز أو لا؟التحقیق أنّ استصحاب وجود العاجز بنحو مفاد کان التامّة غیر مفید،و أمّا استصحاب کون هذا الشخص عاجزا فلا إشکال فی أنّ له حالة سابقة،فإنّه فی الزمان الأوّل لا

ص:255

محالة کان کذلک،و شکّ فی زواله عنه بعده فیستصحب،لکنّ الکلام فی أنّه بناء علی مذاق الشیخ-قدّس سرّه-الذی ذهب إلی أنّ مثل هذه التقییدات مضرّة بالاستصحاب مع الشک فی إحراز القید،هل فی الاستصحاب الموضوعی فی أمثال هذه الموارد الخدشة المذکورة،أعنی:الشک فی بقاء الموضوع أو هو سالم؟ و یمکن الفرق بین المقامین.

و یبعد منه-قدّس سرّه-أنّه کان مستشکلا فی استصحاب الخمریّة فی ما إذا شکّ فی تبدّلها بالخلّیة،أو استصحاب بقاء التغیّر لو شکّ فی زواله.

و إذن فیتوجّه علیه-قدّس سرّه-:السؤال عن الفرق بین استصحاب الحکم فی أمثال هذه الموارد-حیث خدش فیه بأنّ الوصف العنوانی غیر محرز- و بین استصحاب نفس الوصف العنوانی حیث تلقّاه بالقبول؟مع أنّ المعروض للوصف العنوانی أیضا لا محالة کان محدودا بحدود واقعیّة لیست بمحرزة حال الشک،و إلاّ لم یعقل الشک،فالشک لا محالة لأجل تغیّر بعض من الأمور فی المائع الشخصی و یحتمل دخلها فی الخمریّة،أو احتمال تغیّر ما هو دخیل فیها، و المائع الخارجی مع هذه الحالة یصحّ جعله مشارا إلیه فیقال:هذا کان خمرا و الآن باق علی خمریّته.

فإذا فرضنا أنّا نجوّز مثل هذه المسامحة فی طرف الموضوع،فأیّ باعث لنا فی المنع فی جانب الحکم؟مع أنّ الموضوع فی المقامین واحد.ألا تری صحّة القیاس علی نحو الشکل الأوّل؟فیقال:هذا خمر،و کلّ خمر حرام،فهذا حرام.و(هذا)فی قولنا:هذا حرام،عین(هذا)فی قولنا:هذا خمر،و إن بنیتم علی المداقّة و قلتم:بأنّ (هذا)فی قولنا:هذا حرام،یکون فیه وصف الخمریّة علی نحو الاندکاک،نقول

ص:256

بمثله فی قولنا:هذا خمر.

ألا تری عدم صحّة حمل الخمر علی المشار إلیه مع عدم إحراز هذا المعنی؟ فاللازم علی هذه المداقّة طرح الاستصحاب فی کلا الجانبین،کما أنّ اللازم من المسامحة من هذه الجهة جریانه فی کلیهما،فلم یعلم أنّه-قدّس سرّه-ما یجیب عن هذا مع ما هو الظاهر منه من قبول الاستصحاب الموضوعی؟ هذا کلّه بناء علی تسلیم أخذ عنوان العاجز فی موضوع الخیار،و أمّا بناء علی ما أسلفنا من عدم إمکانه،و أنّ الموضوع نفس الذات،و الحکم مجعول بغرض رفع العجز،فاستصحاب الخیار جار و الإشکال مندفع بحذافیره.

بقی فی المقام شیء،و هو أنّ الظاهر من الفروع المذکورة فی هذا المقام أنّ المشهور القائلین بالفور غیر ملتزمین بثبوت الخیار بمقدار إمکان إعماله من غیر فرق بین العلم و الجهل،بل یعتبرون الفور مع مراعاة العلم بالحکم و الموضوع.

فیتوجّه علیهم:أنّه کیف یمکن تصویر مثل هذا الجعل ثبوتا کما أشرنا سابقا من عدم تعقّل جعل العلم بالحکم فی إنشاء واحد غایة له.

و قد یحتمل فی رفع ذلک عنهم بأنّ المشهور قائلون بجعل الخیار من دون تقیید بالعلم و الجهل،و کلامهم فی فروع جعل الجهل عذرا راجع إلی من اعتقد بفوریّة الخیار و انقضی مقدار الفور و لم یفسخ،فهذا منه إسقاط لأنّ الخیار بحسب الواقع فوری إمّا واقعا،أو بعد العلم به،فکلامهم راجع إلی مرحلة الإسقاط دون مقام الثبوت،فتأمّل.

ص:257

الخامس:خیار التأخیر

اشارة

قال فی التذکرة علی المحکی:من باع شیئا و لم یسلّمه إلی المشتری و لا قبض الثمن و لا شرط تأخیره و لو ساعة،لزمه البیع ثلاثة أیّام،فإن جاء المشتری بالثمن فی هذه الثلاثة فهو أحقّ بالعین و لا خیار للبائع،و إن مضت الثلاثة و لم یأت بالثمن تخیّر البائع بین فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع، انتهی.

و حکی الإجماع عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غیرها،قیل:و هو معتضد بما فی التذکرة من أنّ الصبر أبدا مظنّة الضرر المنفی بالخبر،بل الضرر هنا أشدّ من الضرر فی الغبن حیث إنّ المبیع هنا فی ضمانه و تلفه منه،و ملک لغیره لا یجوز له التصرّف فیه.

و یمکن أن یقال:إنّ الصبر غیر واجب بمعنی عدم المطالبة،بل یجوز له المطالبة و یجب بحکم الشرع علی المشتری التسلیم و هذا الإیجاب حکم دافع للضرر،و لو خالف المشتری و لم یسلّم فهذا غیر مرتبط بالشرع،بل ناش من قبل عصیانه.ثمّ علی هذا التقدیر أیضا یمکن دفع الضرر بالتقاص،بأن یأخذ المبیع تقاصّا.

ثمّ أیّ اختصاص فی دلیل لا ضرر بطرف البائع؟بل یجری مثله حرفا بحرف فی جانب المشتری إذا خلّی بینه و بین الثمن و لم یدفع البائع المثمن خصوصا إذا قلنا بعموم قاعدة التلف قبل القبض فی طرف الثمن أیضا،فلا بدّ أن یقال بثبوت الخیار للمشتری حینئذ و لا یلتزمون به.

و أیضا لا یثبت التقیید بالقیود المذکورة بهذا الدلیل،إذ لو فرضنا أنّ البائع

ص:258

دفع المثمن و امتنع المشتری عن دفع الثمن جری الکلام بعینه،فإنّ الظاهر أنّه -قدّس سرّه-جعل الضمان عند التلف وجها لأشدّیّة الضرر هنا من ضرر الغبن، لا أنّ أصل الضرر متقوّم به.

و أیضا التقیید بعدم اشتراط التأخیر إن کان لأجل اندفاع الضرر حینئذ بواسطة ثبوت خیار تخلّف الشرط لو أخّر عن المدة المشروطة،فهذا مبنی علی إرجاع شرط التأخیر إلی شرطین،أحدهما للمشتری مثلا و الآخر للبائع،بمعنی أنّ التأخیر إلی المدّة الکذائیّة شرط للمشتری مثلا و عدمه بعد انقضاء تلک المدّة و التعجیل بالدفع شرط علیه.

و هذا بکلّیته ممنوع،فإنّه قد لا یکون غرض المتشارطین إلاّ متعلّقا بنفس جواز التأخیر مع الإیکال فی وجوب التعجیل بعد الأجل المشترط إلی اقتضاء طبع العقد،فیکون شرطا للمشتری لا له و علیه.

و بالجملة فی أصل التمسّک بدلیل لا ضرر للمقام محلّ النظر أوّلا،و فی إثباته بهذه الکیفیّة التی فی کلامهم-رضوان اللّه علیهم-أیضا محلّ نظر بعد تسلیم المرحلة الأولی.

فاللازم صرف الکلام إلی الأخبار الخاصّة التی تمسّکوا بها.

منها:روایة علی بن یقطین«قال:سألت أبا الحسن-علیه السلام-عن الرجل یبیع البیع و لا یقبضه صاحبه و لا یقبض الثمن؟قال-علیه السلام-:الأجل بینهما ثلاثة أیّام فإن قبضه(قبض)بیعه و إلاّ فلا بیع بینهما» (1).

و روایة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح-علیه السلام-«قال:من اشتری

ص:259


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 9 من أبواب الخیار،ص 357،ح 3.

بیعا فمضت ثلاثة أیّام و لم یجئ فلا بیع له» (1)و روایة ابن الحجاج«قال:اشتریت محملا و أعطیت بعض ثمنه و ترکته عند صاحبه،ثمّ احتبست أیّاما،ثمّ جئت إلی بائع المحمل لآخذه فقال:قد بعته، فضحکت ثمّ قلت:لا و اللّه لا أدعک أو أقاضیک،فقال لی:أ ترضی بأبی بکر بن عیّاش؟قلت:نعم،فأتیته فقصصنا علیه قصّتنا،فقال أبو بکر:بقول من ترید أن أقضی بینکما،بقول صاحبک أو غیره؟قال:قلت:بقول صاحبی،قال:سمعته یقول:من اشتری شیئا فجاء بالثمن ما بینه و بین ثلاثة أیّام و إلاّ فلا بیع له» (2).

و صحیحة زرارة«عن أبی جعفر-علیه السلام-قلت له:الرجل یشتری من الرجل المتاع،ثمّ یدعه عنده فیقول:حتّی آتیک بثمنه؟قال-علیه السلام-:إن جاء فی ما بینه و بین ثلاثة أیّام و إلاّ فلا بیع له» (3).

و التکلّم هنا فی مقامات:

المقام الأوّل:

من حیث إنّ قوله-علیه السلام-:«لا بیع»یستفاد منه نفی اللزوم أو نفی الصحّة؟لا إشکال فی أنّ الظاهر البدوی تعلّق النفی بالحقیقة،بل قد یقال:إنّ ظاهره نفی انعقاد البیع قبل حصول القبض فی الثلاثة،لکنّه مندفع بظهوره فی أنّ هذا النفی أمر مستحدث یحصل بعد حصول الشرط،و حینئذ فالحمل علی ظاهره من نفی الحقیقة یقتضی الحکم بالبطلان بعد انعقاده صحیحا،کما جزم بظهور الاخبار فیه فی الحدائق،و وافقه شیخنا المرتضی-قدّس

ص:260


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 9 من أبواب الخیار،ص 357،ح 4.
2- 2) المصدر نفسه:ص 357،ح 2.
3- 3) المصدر نفسه:ص 356،ح 1.

سرّهما-فی خصوص قوله:«فلا بیع بینهما»،و أمّا قوله:«فلا بیع له»فادّعی-قدّس سرّه-أنّه بواسطة لفظة«له»ظاهر فی اختصاص النفی بطرف المشتری و حیث إنّ الصحّة أمر غیر قابل للتبعیض فلا محالة یرجع إلی اللزوم من طرف البائع.

لکن خدش فی ما ذکره-قدّس سرّه-شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-بإمکان کون النکتة فی هذا التقیید أنّ المشتری هو الذی یأتی البائع لأجل أخذ المبیع فناسب لذلک تخصیصه بالذکر و إلاّ فالبیع حقیقة منتف عن کلیهما.

و أمّا تسلیمه-قدّس سرّه-الحدائق فی ظهور قوله:«لا بیع بینهما»فی نفی الصحّة،فیمکن ادّعاه العکس و أنّه ظاهر فی نفی اللزوم،و ذلک لأنّ قید«بینهما» لا بدّ أن لا یکون لغوا،و الذی یخرجه عن اللغویّة أن یکون للإشارة إلی معنی الإلزام و الالتزام الموجود فی حاقّ البیع أو یکون من آثاره و خواصّه،یعنی لا یکون هذا الإلزام و الالتزام،و الاحتجاج بینهما بأن یقول أحدهما للآخر:أین البیع؟إذا رآه خالف مقتضاه.

فتعیّن حمل النفی علی نفی اللزوم و الکمال،إذ لو حمل علی نفی الصحّة لزم لغویّة القید،إذ کان یصحّ الاکتفاء بقوله:«فلا بیع»و حینئذ فیصیر قوله فی سائر الأخبار:«فلا بیع له»أیضا مؤیّدا لهذا المعنی بالتقریب الذی ذکره-قدّس سرّه- و إن قلنا لا یصحّ الاستناد إلیه ابتداء لما مرّ من الخدشة فی ظهوره و کونه مجملا محتملا لمعنیین.

هذا مضافا إلی أنّ نفی أصل صحّة البیع مع أنّه غیر مرتفع بحسب الارتکاز العرفی،لا یصحّ إلاّ بالتنصیص علیه،و لا یکفیه مثل هذا الترکیب الکثیر الاستعمال فی نفی الکمال،فإنّه إذا رأی العرف حسب ارتکازه بقاء المعاهدة البیعیّة و عدم انفصالها بمجرّد مضیّ ثلاثة أیّام عن العقد بدون قبض لأحد

ص:261

الطرفین-کما یشهد به حال الراوی فی قضیّة شراء المحمل،حیث ضحک من بیع بائع المحمل-ثمّ رأی من الشارع إیقاع البیع تحت النفی فی هذا المورد یصرفه حسب ارتکازه إلی اللزوم.

إن قلت:اللزوم أیضا أمر ارتکازی کأصل بقاء المبادلة المسببیّة.

قلت:نمنع بقاء الارتکاز بالنسبة إلی هذا المورد،لأنّهم أیضا یفهمون حدوث أمر فی هذا البیع بواسطة هذا التأخیر،غایة الأمر تردّدهم فی أنّه حقّ للبائع فی الفسخ أو انفصال العقد رأسا،إلاّ أن یقال إذا انجرّ الأمر إلی هنا فقد سلمت عدم الارتکاز،إذ الارتکاز لا یلائم مع احتمال الخلاف فلیرجع إلی ما هو ظاهر اللفظ أوّلا،فالأولی ما ذکر أوّلا فی تقریب مدّعی المشهور من نفی اللزوم.

المقام الثانی:فی أنّه بعد تسلیم حمل النفی المذکور علی نفی اللزوم،فهل

الشرط فی اللزوم وجود کلا القبضین فی الثلاثة،

بحیث لو انقضت الثلاثة و لم یجتمع القبضان کلاهما تحقّق الجواز سواء تحقّق أحدهما أم لا؟أو أنّ الشرط فی الجواز بقاء کلا العدمین إلی انقضاء الثلاثة،بحیث لو انقلب أحدهما إلی الوجود فی أثنائها کفی فی اللزوم؟نحتاج فی استظهار ذلک من الرجوع إلی الأخبار.

فنقول:أمّا خبر علی بن یقطین،فذو احتمالین،لأنّه یحتمل أن یکون قوله فی الجواب:«قبضه بیعه»بتشدید قوله«بیعه»حتّی یکون المفعول عبارة عن الثمن،و یحتمل أنّ«قبضه»بالتشدید«و بیعه»بالتخفیف،فیکون المراد:إقباض البائع المبیع للمشتری،فیکون المعتبر فی اللزوم علی الأوّل قبض الثمن بخصوصه، و علی الثانی قبض المبیع کذلک،هذا کلّه علی نسخة«قبضه»بهاء الضمیر،و أمّا بناء علی نسخة«قبض»بدون الهاء فیتعیّن الاحتمال الثانی أعنی:کون الاعتبار بقبض المبیع وحده.

ص:262

و علی کلّ حال لا یصلح الخبر للاعتماد لوجود الإجمال،لکن قد یقوّی کفایة واحد من قبضی الثمن و المثمن فی الثلاثة فی الحکم باللزوم،فیحتاج الجواز إلی انعدام کلیهما إلی آخر الثلاثة کما هو قضیّة کلام المشهور،بدعوی أنّ مورد جمیع الأخبار الواردة فی الباب عدم الإقباض و القبض فی شیء من الطرفین.

أمّا خبر علیّ بن یقطین،فواضح،و أمّا غیره فما عدا خبر أبی بکر بن عیّاش، و هما الخبران الآخران،فلأجل أنّ الشرط فی الحکم بنفی البیع فیهما جعل عدم مجیئ المشتری،و هو بقول مطلق عبارة عن عدم مجیئه لا لأخذ المبیع و لا لإعطاء الثمن.

و أمّا خبر أبی بکر،فالموجود فی الجواب و إن کان جعل الشرط عدم المجیء بالثمن لکن بقرینة المورد-حیث فرض السائل عدم قبض شیء من الطرفین- یمکن الخدشة فی عمومه.

و حینئذ نقول:لو فرضنا أنّ الشرط فی جمیع هذه الأخبار جعل نفی المجیء بالثمن لکنّه فی مورد مخصوص،و هو ما إذا لم یقبض شیء من الطرفین،ففی هذا الموضوع ذکر شرطیّتان أعنی:إن جاء بالثمن فی ما بینه و بین الثلاثة لزم البیع و إلاّ جاز،فلیس فی شیء من الشرطیتین تعرّض لحکم صورة وجود قبض المبیع،فتکون هذه الصورة مسکوتا عنها فی هذه الأخبار،فنرجع فی حکمها إلی القواعد، و مقتضاها اللزوم،ففی صورة قبض الثمن الحکم باللزوم یکون بمقتضی هذه الأخبار و القواعد،و فی صورة قبض المثمن بمقتضی القواعد فقط،فتبقی صورة واحدة للجواز و هی ما إذا انتفی القبضان معا فی أثناء الثلاثة و هو مطابق لمذهب المشهور.

و لکن یرد علی هذا:أنّ إطلاق روایة أبی بکر بن عیّاش شامل لحال إقباض

ص:263

المبیع مع إمکان دعوی الإطلاق فی الخبرین الآخرین غیر خبر علیّ بن یقطین أیضا بملاحظة صدق قوله:«و لم یجئ»بمحض عدم المجیء لإعطاء الثمن و لو أخذ المثمن.

و حینئذ نقول:أمّا اعتبار عدم قبض الثمن فی الحکم بالجواز فمصرّح به فی الأخبار الثلاثة،و أمّا المثمن،فیمکن دعوی ظهور خبر علیّ بن یقطین فیه،فإنّ احتمال تشدید«بیعه»خلاف الظاهر خصوصا بقرینة تقدیم قوله:«الرجل یبیع البیع»فإنّه ظاهر فی إرادة هذا الذی تقدّم.

نعم مع فرض الشکّ لیس هنا محلّ أصل عقلائی یزیل الشک،فإنّ أصالة عدم التشدید إن أجریت فی التلفّظ بتقریب:أنّ الأمر دائر بین الأقلّ و الأکثر، لأنّ«بیّع»بالتشدید زائد علی«بیع»بالتخفیف بناء و کسرة،ففیه أنّ الأصل فی مثل دوران الأمر بین کون المسموع هل هو«جئنی بأسد»أو«جئنی بأسد یرمی» و إن کان تعیین الأقل،لکن لا یجری هذا فی ما نحن فیه،و ذلک لحدوث هیئة خاصّة باللفظة متقوّمة بعدم الیاء الزائدة و الکسرة فی قبال هیئة أخری حاصلة بوجودهما،فالأمر دائر بین متباینین،و من المعلوم عدم الأصل العقلائی فیه.

و إن أجریت فی الکتابة،ففیه:أنّه لیس فی البین نوع محفوظ بأن یکون نوع الکاتبین محافظین علی مثل هذه الخصوصیّات من ثبت التشدید فی الکلمة المشدّدة،و بعد عدم حالة نوعیّة فلا أصل عقلائی مع أنّ الشکّ أیضا کاف فی سقوط الأصل.

فتحقّق أنّه مع الشک لا یثمر الأصل لعدم وجوده،و لکن الحقّ عدم الشک فی کون کلمة«بیعه»بالتخفیف و وجود الاطمئنان بکونها کذلک،و حینئذ یتعیّن أن یکون قبض المبیع فی الثلاثة أیضا موجبا لعدم الجواز،فیندرج المقام فی أمثال

ص:264

«إذا خفی الجدران»إلخ ممّا إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء،و قد تقرّر فی محلّه اختیار أخذ المفهوم من کلا المنطوقین مع عدم تقیید شیء من المنطوقین بالآخر،و لازم ذلک استقلال کلّ من القبضین فی الحکم باللزوم فیحتاج الحکم بالجواز إلی انعدام کلیهما فی تمام الثلاثة.

و لکن هذا فی ما إذا لم یصرّح فی نفس القضیّة بالمفهوم کما فی مثال«إذا خفی»إلخ،و أمّا فی مثل المقام-حیث یتعقّب کلّ من القضیّتین بقضیّة أخری متعرّضة للمفهوم-فیجیء فی تینک القضیّتین المذکورتین فی الذیل أیضا الکلام المزبور،و مقتضاه استقلال کلّ من العدمین فی الحکم بالجواز،فیحتاج اللزوم إلی تحقّق القبضین کلیهما فی أثناء الثلاثة،فیتحقّق بین الصدر و الذیل التعارض.

فإن قلنا:إنّ المعیار فی مثل ذلک إنّما هو الصدر فهو،و إلاّ یتحقّق الإجمال، و لا بدّ من الأخذ بالمتیقّن فی تخصیص العمومات و هو إناطة الجواز بکلا العدمین مستمرّین إلی آخر الثلاثة فیتّحد نتیجة مع الأخذ بالصدر.

المقام الثالث:فی بیان الحال فی بعض من الفروع

التی تعرّضها فی هذا المقام شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-فی هذا المقام.

منها:لو کان عدم قبض المبیع بعدوان من البائع،کما إذا بذل المشتری الثمن فلم یأخذه البائع و لا دفع المثمن،فاختار اللزوم من جهة انصراف الأخبار عن هذه الصورة بملاحظة ورودها فی مقام الامتنان علی البائع و الإرفاق به و دفع الضرر عنه و لا یناسب ذلک مع عدوانه.

و لکن فیه:أنّا لا نحتاج إلی هذه التجشّمات،بل لنا أن نقول:هذا داخل فی مضمون الأخبار الحاکمة باللزوم بمجیء المشتری بالثمن،فإنّ المفروض أنّه بذله و إن امتنع البائع عن الأخذ،و لکن لم یعتبر فی مفهوم المجیء بالثمن أخذ البائع،

ص:265

و لیس هذا مربوطا بکون القبض فی باب الضمان أو القبض اللازم علی کلّ من المتعاقدین أو القبض المعیّن للکلّی فی الزکاة و غیرها فی الشخص ماذا،هل هو نفس التخلیة،أو هی مع تسلم الطرف؟فإنّ أیّا من الأمرین اخترناه هناک فمفهوم المجیء بالثمن أمر غیر مأخوذ فیه القبول من الطرف،و إذن فالحکم باللزوم یکون بقضیّة نفس الأخبار.

إن قلت:لا شکّ أنّ المجیء بالثمن فی الخارج ملازم غالبی مع القبول فإمّا توجب هذه الغلبة انصراف اللفظ و إمّا توجب القدح فی مقدّمات الإطلاق، لعدم نقض غرض لو کان المراد المقید لفرض ندرة الفاقد للقید خارجا.

قلت:هذا فی متعلّق الأوامر صحیح متین،و أمّا فی متعلّق السببیّة و العلیّة التی هی مفاد لفظة«إن»و«اللام»فإن حصل الانصراف فهو فی حکم التقیید، و أمّا لو لم یحصل،فلا یجری هنا ما ذکر فی الأوامر.

و الفرق أنّ الأمر إذا تعلّق بالمقیّد فهو کالوجود و توابع الوجود یحصل له الإضافة بالحقیقة إلی أصل الطبیعة أیضا،فیصح فی القضیّة التی موضوعها الطبیعة بعنوانها جعل المحمول مثل هذا الأمر،فلا محالة لا بدّ من التفصیل بین ما إذا کان ما یحتمل دخالته غالبیّ الوجود و بین غیره،ففی الثانی یقتضی المقدّمات کون الطبیعة مرکبا أصلیّا للأمر لا أنّه بالسرایة من الخاص،و أمّا فی الأوّل فلا یجری المقدّمات لما ذکر.

هذا حال الأمر،و أمّا السببیّة و التأثیر،فلا یمکن إضافتها إلی أصل الطبیعة مع فرض الموضوع لها المقیّد،بل النسبة حینئذ إلی الطبیعة غلط،إذ الملاک و المناط فی التأثیر إذا کان قائماً بالمقیّد بما هو مقیّد فلیس فی الطبیعة إلاّ الشأنیّة دون الملاکیّة الفعلیّة و المؤثّریة کذلک.

ص:266

فلو دلّ الدلیل علی کون الطبیعة هی الملاک و السرّ و المخّ فی أمر کذا،کفانا ذلک عن وجود المقدّمات من غیر فرق بین کون القید المحتمل الدخل متعارفا أو لا،فحال محمول العلّیة حال کلمة«کلّ»و«لا»النافیة فی أنّهما یقومان مقام المقدّمات و لا حاجة فی إجراء المقدّمات فی مدخولهما،بل هما مع المدخول بنفس المدلول اللغوی یکفیاننا مؤنة المقدّمات.

ثمّ هذا کلّه حال ما إذا جاء بالثمن مع عدم قبول البائع،و لو جاء به و لکن قال للبائع:إن أنت تسلّمنی المبیع فهذا الثمن لک و إلاّ فلا أسلّمک،فهل هذا داخل فی مدلول الأخبار أو لا؟لا یبعد دعوی الانصراف عن مثل هذا و أنّ الظاهر من لفظة جاء أن یرتفع الامتناع من قبل المشتری بتمامه و علی جمیع التقادیر،و فی الفرض المزبور ما سلّط البائع کذلک،و التقدیر و إن کان أمرا مقدورا للبائع أعنی:تمکینه المشتری من المثمن،فامتناعه صار سببا لامتناع المشتری،و بالجملة الامتناع حاصل من ناحیة المشتری و إن کان سبب هذا الامتناع من قبل البائع.

و منها:لو قبض المشتری المبیع بغیر اختیار من البائع و رضایته فهل یعدّ هذا من القبض المذکور فی الخبر،و المفروض أنّ الثمن غیر مقبوض فالبیع لازم، أو لا فالبیع جائز بعد الثلاثة؟الحقّ هو الثانی لأنّک عرفت أنّ فی الأخبار طائفتین.

الأولی:ما رتّب الجواز علی عدم قبض المبیع و رتّب اللزوم علی قبضه.

و الثانیة:ما رتّبه علی عدم قبض الثمن و عدم المجیء به و رتّب اللزوم علی المجیء به،أمّا الطائفة الأولی فقد صارت مجملة بالنسبة إلی شمول هذا المقام إمّا لاحتمال کون النسخة«قبض»بالتشدید أو بالتخفیف،أو لأنّه و إن کان

ص:267

بالتخفیف لکنّه مشکوک الشمول للمقام بملاحظة احتمال انصرافه إلی القبض المقرون برضی البائع،فإذا سقطت الطائفة الأولی عن الحکم باللزوم،فالحکم بالجواز قضیّة الطائفة الثانیة إذ لا إجمال فیها،إذ المقام داخل فی عنوان عدم المجیء بالثمن و قد حکمت هذه الطائفة علیه بالجواز،غایة الأمر خصّصتها الطائفة الأولی بصورة قبض المبیع،و القدر المتیقّن من تخصیصها صورة وقوع القبض مقترنا برضی البائع،فیبقی غیره مشمولا لعموم الطائفة الأولی،لأنّ المقام من قبیل إجمال المخصّص المنفصل و تردّده مفهوما بین الأقل و الأکثر،و لا شبهة فی أنّ المرجع فیه إلی عموم العام.

و قد بنی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-المسألة علی أنّ مثل هذا القبض یوجب رفع الضمان عن البائع أو لا،فعلی الأوّل یثبت اللزوم،لارتفاع ضرر البائع من حیث الضمان،نعم یبقی علیه ضرر عدم وصول الثمن و ضرر وجوب حفظ المبیع لمالکه فی صورة الاسترداد،و کلاهما ممکن الاندفاع فی صورة الاسترداد بأخذ المبیع مقاصّة.

و أنت خبیر بأنّه لا وجه لابتناء مسألتنا علی تلک المسألة إذ لکلّ دلیل خاص بها،فاللازم النظر إلی الدلیل الخاص،و قد عرفت مقتضی الدلیل المخصوص بالمقام،و أمّا وجه تخصیصه-قدّس سرّه-الأخذ مقاصّة بالضررین المذکورین و جعله مانعا عن إجراء لا ضرر دون ضرر الضمان،فهو أنّه ما دام لم یحصل القبض الذی علی عهدة البائع لیس له استحقاق أخذ الثمن،فکیف یجوز له المقاصّة من المثمن؟فلا مورد للمقاصّة بالنسبة إلی ضرر الضمان،و أمّا بعد خروجه عن تلک العهدة و ارتفاع ذلک الضرر و حصول الیأس عن أداء الثمن فالمقاصّة حینئذ تصیر جائزة.

هذا کلّه مع بقاء البائع علی عدم الرضا به،و لو صار راضیا بعد القبض

ص:268

بغیر رضاه فی أثناء الثلاثة،فهل یصیر حینئذ بحکم القبض أو لا؟الظاهر نعم، فإنّه و إن فرض أنّ المذکور فی الدلیل إنّما هو الإقباض و هو غیر حاصل هنا،لکن معلوم أنّ المناط إنّما هو القبض المقترن بالرضی،و لا خصوصیّة للإقباض،و إلاّ فلو فرض أنّه قال للمشتری:اذهب و خذ المثمن من محلّه لما شکّ فی أنّه قبض و موجب للزوم.

و منها:لو قبض بعض المبیع أو بعض الثمن دون بعضهما الآخر،فهل یکفی هذا فی اللزوم،أو لا بدّ من قبض الکلّ و إلاّ فالبیع جائز و إن قبض البعض؟الظاهر الثانی،و ذلک لأنّا و إن سلّمنا أنّ تعلیق النفی بالثمن أو المثمن ابتداء ظاهر فی تعلّقه بتمام الأجزاء.فقولک:ما قبضت الثمن و المثمن،ظاهر فی عدم قبض شیء منه،و لا یصدق مع قبض البعض،و لکن لو استفید هذا النفی من مفهوم قضیّة إثباتیّة کقوله-علیه السّلام-:«إن جاء بالثمن و إلاّ فلا بیع»فلیس ظاهرا فی تعلّق النفی إلاّ بالمجموع من حیث المجموع المتحقّق بانتفاء بعض الأجزاء،و ذلک للزوم التطابق و التوافق بین قضیتی المنطوق و المفهوم فی الموضوع، و لا شبهة أنّ الموضوع فی الإثباتیّة التی هی المنطوق إنّما هو المجموع من حیث المجموع،إذ لا یصدق قولنا:جاء بالثمن علی مجیئ البعض،فلا بدّ أن یکون الحکم المنفی فی طرف المفهوم أیضا منفیّا عن عین هذا الذی هو الموضوع فی طرف المنطوق،و من المعلوم أنّ نفی قبض المجموع یصدق مع قبض البعض أیضا، فیکون المتّجه هو الجواز.

و منها:هل یکفی تمکین البائع المشتری أو العکس؟الظاهر العدم،فإنّ صرف التمکین لا یصدق أنّه قبض أو أنّه جاء،نعم بمعنی أن یحضر المبیع عند المشتری و یقول له:هذا مالک لا مانع من قبلی،کاف،فالمراد أن یکون المال فی

ص:269

البیت و یقول:لا مانع من ناحیتی،فهذا غیر کاف،و قول السائل فی بعض الروایات السابقة:«ثمّ یدعه عنده»غیر ظاهر فی تمکین البائع،أو یقال:هذا فی ما لو کان سبب ذلک امتناع البائع قبل مجیئ الثمن،اللّهمّ إلاّ أن نتمسّک حینئذ بترک الاستفصال و بذلک نستکشف عدم الکفایة.

و منها:قد عرفت أنّ الأخذ من غیر اختیار البائع أو المشتری غیر کاف،فلو کان هذا بحقّ کما إذا کان صرف التمکین کافیا فی الخروج عن العهدة و لم یعتبر فیه نقل خارجیّ و إحضار کذلک،و قد عرفت عدم کفایة هذا المقدار فی لزوم البیع فی مقامنا،فلا شبهة أنّه یجوز لهذا الممکّن أن یأخذ عوضه عند صاحبه و لو بغیر رضاه.

فهل هذا الأخذ کاف فی اللزوم أو لا؟لا یبعد القول بالکفایة،بملاحظة أنّه و إن لم یصدق لغة القبض أو المجیء،و لکن من المعلوم أنّ اعتبار ذلک إنّما هو لأجل الطریقیّة إلی وصول المالین إلی صاحبهما بنحو یصحّ له الانتفاع و التصرّف لا لخصوصیّة فی نفس هذین العنوانین.

المقام الرابع:فی الشرط التی لهذا الخیار

ممّا عدا عدم قبض المبیع و المجیء بالثمن.

أحدها:عدم تأجیل الثمن أو المثمن،و محلّ استظهار هذا الشرط من الأخبار ظهور قوله-علیه السّلام-:«الأجل بینهما ثلاثة»فی أنّه فی مقام لم یقع المتبایعان نفسهما فی مقام إصلاح التسلیم و التسلّم و جعل الأجل له.

و بعبارة أخری ظاهر فی أن لا یکون التأخیر فی تمام هذه الثلاثة عن حقّ، فیخرج عن مورده مثل ما إذا اشترطا التأجیل،نعم لو کان الظاهر عدم الاستحقاق من حیث البیع مع قطع النظر عن الشرط جری فیه الخیار،لکنّ

ص:270

الظاهر عدم الاستحقاق الفعلی،و حیث إنّ الظاهر کون مبدأ الثلاثة من حین العقد فیخرج عن تحت هذه القضیة ما لو کان بعض هذه المدّة و لو ساعة مشروطا فیه التأخیر لأحدهما أو لهما.

الثانی:أن یکون المبیع عینا شخصیّة فی مقابل الکلّی فی الذمّة فیشمل الکلّی فی المعیّن مثل الصاع فی الصبرة و مورد استظهار هذا أیضا أنّ کلمة«بیع» الواقع فی روایتین لا شبهة فی أنّه بمعنی المصدر لغة،و لکنّه أطلق للمناسبة علی المبیع.

و قد ادّعی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ المناسبة إنّما هی فی ما بین المعنی الحقیقی و خصوص العین الشخصیّة دون الکلّی،و هو-قدّس سرّه-أعلم بما قال،و لیس مثله فی ما یرادفه بالفارسیة من لفظة«فروختن»جاریا،أعنی:لا یحسن استعماله فی المبیع مطلقا حتّی یراجع الوجدان فی تشخیص الحال.

فیبقی کلمة«شیء»الواقعة فی روایة أبی بکر بن عیّاش،فإنّه شامل للکلّی و المعیّن،لکن ادّعی شیخنا-قدّس سرّه-انصرافه إلی الموجود الخارجی،فهو نظیر المطلق المنصرف عند الإطلاق إلی بعض الأفراد و المجاز المشهور الذی أغناه الشهرة عن إقامة قرینة علی إرادته من المطلق.

و قد تنظّر فی ما أفاده شیخنا الأستاذ،و محصّل ما أفاده:أنّ کلمة«شیء» حسب المقامات مختلفة،فإنّه إذا أضیف إلیه الأکل أو الشرب لا یناسبه إلاّ الموجود الخارجی،و لو أضیف إلیه البیع أو الشراء فإن کان الفاعل شخصا فقیرا یعلم من حاله عدم ابتیاعه الکلّی فی الذمّة،یعلم بهذه القرینة أنّ المقصود هو الموجود الخارجی،و أمّا لو أغمض النظر عن کلّ ذلک فلا نسلّم انصرافه إلی الموجود الخارجی،و إذن فمقدّمات الحکمة قاضیة بعدم دخل خصوصیّة التعیّن

ص:271

فی هذا الحکم.

ثمّ علی فرض القول بالانصراف هل یشمل المنقول و غیره أو یختصّ بالأوّل؟ ربّما یدّعی أنّ مادّة القبض و المجیء مناسبان مع المنقول،فلا یشمل مثل الدار و الشجر و نحوهما ممّا لا یقبل التحریک و النقل،فإنّ المتبادر من مادّة القبض و المجیء ذلک.اللّهمّ إلاّ أن نمنع ذلک و نقول:إنّ المقصود مجرّد الاستیلاء من دون مدخلیّة لهذین العنوانین کما تقدّم أنّ المقصود مجرّد الوصول بحیث ساغ للمنتقل إلیه الانتفاع و التصرّف،هذا.

الثالث:ما ذکره العلاّمة-قدّس سرّه-:من عدم ثبوت الخیار لأحدهما أو لهما،و قد یتوهّم أنّ الوجه أنّ الأخبار ناصّة باللزوم بعد الثلاثة علی تقدیر،و الخیار علی تقدیر آخر،فیختصّ مورده بما إذا لم یکن خیار لأحدهما أو لهما،فإنّ القول بأنّ اللزوم الجائی من ناحیة عدم التأخیر و الخیار الجائی من ناحیة التأخیر هما المراد إثباتهما بالأخبار،ینفیه أنّ الحکم لا یتقیّد بسببه،فإنّ کلّ علّة إنّما یوجد المعلول لا المقیّد منه بکونه متولّدا من هذه العلّة،و إذن فاللازم ثبوت أصل الخیار بلا تقیید بشیء،و ثبوت أصل اللزوم کذلک،و لا یتحقّق ذلک إلاّ مع عدم خیار آخر.

و فیه:أنّا إن قلنا بثبوت المراتب للخیار فقد تحقّق الخیار بهذا السبب و لو کان هنا متقدّما علیه أو مقارنا له سبب آخر،و أمّا إن قلنا:إنّه أمر واحد غیر ذی مراتب فنقول:إنّ العلّة لمثل هذا المعنی لازمها عقلا أن تکون مؤثّرة فی البقاء لو سبقها علّة أخری.

و أوجه ما یقال فی توجیه الاشتراط المزبور أن یقال:بأنّ الأخبار منصرفة إلی صورة لم یکن التأخیر موردا للحقّ،و فی مورد الخیار یکون هذا الحقّ ثابتا،بمعنی أنّ لذی الخیار حقّ تأخیر أداء العین و لو قبل الفسخ،فإنّه بعد تمامیّة هاتین

ص:272

المقدّمتین تحصل النتیجة و هی عدم جریان خیار التأخیر فی مورد خیار آخر فی الثلاثة.

لا یقال:لا فرد من البیع إلاّ و فیه خیار و لا أقلّ من خیار المجلس فیلزم عدم المورد لخیار التأخیر.

لأنّا نقول:لا بدّ من الالتزام بأحد أمرین،إمّا لعدم لزوم اللغویّة التی ذکرت نقول بعدم قادحیّة هذا الخیار،فیکون المنصرف إلیه عدم ثبوت حقّ فی التأخیر غیر هذا الحقّ الناشئ من قبل خیار المجلس،و إمّا نقول:إنّ مبدأ الثلاثة الأیّام إنّما هو بعد الافتراق کما هو أحد المحتملین فی أصل الروایات کما یأتی إن شاء اللّه تعالی.

و علی کلّ حال لا یلزم ما ذکرت من عدم الجریان،نعم لازم هذا عدم الجریان فی مثل خیار الحیوان،فإنّ القول بتأخیر مبدأ الثلاثة إلی انقضاء ثلاثة الحیوان خال عن الدلیل،فإنّ الظاهر کون المبدإ إمّا نفس العقد أو افتراق المتعاقدین.

و من هنا استشکل شیخنا العلاّمة علی العلاّمة بأنّ لازم قولکم عدم القول بخیار التأخیر فی بیع الحیوان،و الحال أنّکم تقولون به،لکن قال شیخنا الأستاذ:

یمکن توجیه کلام العلاّمة علی وجه لا یتوجّه علیه هذا الإیراد و یستقیم مع قوله بالخیار فی بیع الحیوان،و هو أن یقال:إنّ مبنی کلامه فی الاشتراط المذکور علی أمرین.

أحدهما:ما ذکر من ثبوت حقّ التأخیر فی مورد الخیار،و الثانی:انصراف أخبار الباب إلی صورة کون التأخیر لا عن حقّ لا مطلقا،بل خصوص حقّ جاء من ناحیة جعل منهما و تعاهد،سواء تعلّق بنفس التأخیر و التأجیل أم تعلّق بالخیار و کان من أثره شرعا جواز التأجیل،فیبقی صورة عدم استناد الحقّ أصلا إلی

ص:273

جعلهما باقیا تحت الانصراف کما فی خیار الحیوان،فإنّه بذاته و بحکمه خارج عن جعل المتعاقدین،هذا کلّه هو الکلام فی توجیه القول بالاشتراط،و لکنّه مخدوش لأنّ کلتا مقدّمتیه فی محلّ المنع.

أمّا أنّ لذی الخیار حقّ الإمساک ما دام الخیار،فممنوع،سواء قلنا:حقّ الخیار متعلّق بالعقد و لا یرتبط بالعین،أم قلنا:یحصل له ارتباط بالعین،أمّا علی الأوّل:فواضح،و أمّا علی الثانی:فلأنّ أدلّة سلطنة الناس علی أموالهم و کذا وجوب الوفاء بالعقود قاضیة بوجوب التسلیم،و مجرّد کونه ذا حقّ علی العین بمعنی أنّ له استردادها بفسخ العقد لا یقتضی أن یکون له الإمساک و الحال أنّه ملک الطرف، و هذا واضح.

و أمّا أنّ أدلّة المقام منصرفة إلی ما إذا لم یکن هناک حقّ فی التأخیر،فالمسلّم منه ما إذا ثبت هذا الحقّ بجعل المتعاقدین فی أصل التأجیل،و أمّا إذا أطلقا الجعل من هذا الحیث،و إنّما ثبت الحقّ المذکور لأحدهما أو لهما شرعا و لو تبعا لجعل منهما فی الخیار،فلا نسلّم الانصراف عنه ما لم یکن هذا المعنی ارتکازا عرفیا،و مجرّد الاستیناس بالأحکام الشرعیّة و مسبوقیّة الأذهان بها لا یکفی،فإنّ الأحکام واردة علی الموضوعات العرفیّة الصرفة مع قطع النظر عن ورود أمثالها من حکم شرعی آخر.

الرابع:تعدّد المتعاقدین،لا إشکال فی ظهور قوله:«لا یقبضه صاحبه و لا یقبض الثمن»من حیث القبض و الإقباض،و من حیث قوله:«صاحبه»فی تعدّد البائعین،و کذا قوله:«الأجل بینهما»و قوله:«فلا بیع بینهما»و کذا قوله:«فلم یجئ» و قوله:«ترکته عند صاحبه»و قوله:«إن جاء»،و حیث إنّ الخیار حکم علی خلاف الأصل،فإذا لا محیص عن الاقتصار علی مورد النصّ،و الرجوع فی ما عداه إلی

ص:274

العمومات،بل و ربّما یدّعی ذلک بالنسبة إلی کون المبیع باقیا و غیر تالف فی هذه الثلاثة.

و علی هذا فلو فرض أنّا فی سائر الخیارات،قلنا بجواز الخیار مع تلف إحدی العینین-و فرغنا عن إشکال عدم الإمکان مع التلف-لا نقول به هاهنا لقصور الدلیل إلاّ فی صورة البقاء،فلو باع العبد ممّن ینعتق علیه ثمّ انقضی ثلاثة أیّام و لم یجئ بالثمن فلا خیار.

أمّا الأوّل:أعنی:انصراف الأخبار إلی صور التعدّد-نعم لا ضیر فی وحدة الوکیل فی مجرّد العقد فإنّ البائع و المشتری متعدّدان،کما لا تظهر الثمرة فی الولیّ من الصغیرین،مثلا إذا باع من أحدهما و قبل من الآخر،فإنّ القبض حاصل،فلم یتحقّق شرط الخیار،بل تظهر فی الوکیل عن اثنین فی إتمام أمر المعاملة مع کون المالین فی أیدی الموکّلین-فلا یبعد دعواه فیقال فی هذه الصورة بسکوت الأخبار و أنّ العقد لازم من جهة القاعدة و لو أخّر القبض و الإقباض إلی ثلاثة أیّام.

و أمّا الثانی:أعنی:الانصراف إلی صورة بقاء المبیع،فربّما یمنع بدعوی الإطلاق فی قوله:«من اشتری بیعا فمضت ثلاثة أیّام و لم یجئ فلا بیع له»و فیه:أنّ الظاهر أنّ قوله:«لا بیع له»یراد بلفظة البیع هنا ما أرید بها فی صدر القضیّة، أعنی:قوله:«من اشتری بیعا»و لا شبهة أنّ المراد بها هناک هو المبیع،فیراد هاهنا أیضا ذلک،و معناه أنّه یصیر منقطع الید عن المبیع و هذا ظاهر فی کون المبیع موجودا حال الحکم بانقطاع الید.

و بالجملة:فالقدر المتیقّن من الأخبار حینئذ صورة الوجود و التعدّد،فیتقیّد إطلاق دلیل وجوب الوفاء بهذا المقدار المتیقّن،و نرجع فی ما عداه إلی الإطلاق المزبور،هذا.

ص:275

بقی شیء و هو أنّه هل مبدأ هذه الثلاثة الأیّام من حین العقد أم من حین التفرّق؟ظاهر قوله-علیه السّلام-:«الأجل بینهما ثلاثة أیّام فإن قبض بیعه»أنّ المدّة ظرف للقبض الذی کان علی البائع،و من المعلوم أنّه متعهّد به من حین العقد، و ظاهر قوله-علیه السّلام-:«فإن جاء بینه و بین ثلاثة أیّام»أنّها ظرف الغیبة،و لکنّ الأقوی الأوّل،بملاحظة أنّ المجیء کنایة عن إقباض الثمن.

و ربّما یستظهر الثانی بملاحظة قوله-علیه السّلام-:«الأجل بینهما»حیث اعتبر وقوع الثلاثة أیّام واسطة بین الشخصین و هو لا محالة بوقوع الغیبة بینهما،فی هذه المدّة.

و فیه:أنّه بعد سبق الکلام بإیقاع المعاملة بینهما و عدم خروجهما عمّا هو قضیّة المعاملة من تسلیم العوضین ظاهر فی کون الأجل بین الشخصین باعتبار تعهّد التسلیم و لو فرض استطالة مجلس حضورهما ثلاثة أیّام.

المقام الخامس:فی مسقطات هذا الخیار و هی أمور:
الأوّل:الإسقاط،

لا إشکال فی کونه مسقطا بعد الثلاثة،و فی سقوطه بالإسقاط فی أثناء الثلاثة أو اشتراط سقوطه فی متن العقد إشکال،و المسألة مبنیّة علی أنّ الإنشاء التعلیقی-بعد الفراغ عن أصل إمکانه و دفع ما أورد فی تصویره- ما وجه القول بعدم وقوعه فی أبواب العقود و الإیقاعات؟هل هو لأجل کون المتعارف هو المنجّز؟ألا تری أنّ من یشتغل بشراء شیء من مالکه لا یبیعه من غیره قبل إتمام المعاملة الأولی،و هکذا من یملک المال بعد ساعة بتوسط موت مورّثه لا یبیعه من غیره قبل تلک الساعة،و هکذا لا یبرأ من یشتغل ذمّته له بعد ساعة قبلها،و لا یطلّق المرأة التی یزوّجها بعد ساعة قبلها و هکذا؟ أو أنّه لأجل انصراف هذه المواد أعنی:البیع و الضمان و الإسقاط و الإبراء

ص:276

و الصلح و الإجارة و غیر ذلک فی الفعلیّ المنجّز نظیر ما قیل فی مادّة الواجب من انصرافه إلی الفعلی المطلق دون المشروط،و به اعتذر عن إطلاق کلامهم فی بحث مقدّمة الواجب حیث عنونوا أنّ مقدّمة الواجب واجبة،هذا.

و لو فرض منع التعارف فی الفعلی المنجّز،فإن قلنا:إنّ الوجه هو الثانی، فلا بدّ من القول بعدم الجواز فی المقام،و إن قلنا:بأنّ الوجه هو الأوّل،فلا بدّ من النظر فی أنّ الإسقاط فی أمثال المقام فی الحقوق العرفیّة أمر متعارف أو لا؟لا یبعد أن یقال:إنّه إذا کان الذی أنیط به الحقّ صرف الزمان المستقبل و هو مقطوع الحصول،فالإسقاط و لو قبل حضوره أمر متعارف،و أمّا إذا کان منوطا علاوة علیه علی أمر آخر غیر محقّق الوقوع مثل التأخیر فی مقامنا-حیث لا نعلم بعدم وقوعه إلی آخر المدّة-فلا یکون حینئذ بمتعارف.

الثانی:بذل الثمن بعد الثلاثة،

لا کلام بناء علی جعل المدرک لهذا الخیار قاعدة«لا ضرر»،فإنّ الضرر منفیّ بعد هذا البذل،و الخیار إنّما هو مجعول لتدارک الضرر المستقبل لا الماضی.

و أمّا لو بنینا علی کون المدرک هو الأخبار الخاصّة کما تقدّم تقویته،فقد یدّعی السقوط حینئذ أیضا،بملاحظة أنّ الأخبار و إن کان ظاهرها البدوی أنّ المعیار هو المجیء فی الثلاثة و عدم المجیء فیها-فبعد عدم تحقّق المجیء فی الثلاثة یتحقّق الخیار و إن جاء بعد الثلاثة-و لکن بعد التأمّل یعرف أنّ مراد المتکلّم کون البائع غیر منقطع الید عن ماله و بدله معا،ففرض الخیار فی صورة استمرار عدم المجیء بعد الثلاثة فمتی تحقّق المجیء انقلب الموضوع و خرج عمّا حکم علیه بالخیار.

فهو نظیر ما یقال:إنّی أصبر فی هذا المکان ثلاث ساعات فإن جئت و إلاّ

ص:277

أذهب وحدی و بلا رفیق،فإنّه لو مکث هناک أربع ساعات مثلا ثمّ جاء الشخص الآخر یصحبه معه قطعا،و إذن فنحن و إن خدشنا فی الرجوع إلی العمومات فی غیر المقام لأجل عدم العموم الزمانی،لا نخدش هیهنا،لمکان التقیید بما هو الظاهر،أو القدر المتیقّن من عنوان غیر الجائی بالثمن.هذا هو الکلام فی بذل الثمن.

و أمّا مطالبة الثمن أو أخذه علی تقدیر القول بعدم قادحیّة بذله فلا وجه لقدحهما بعد عدم کشفهما عن الإسقاط،فإنّ مجرّد أخذ الثمن لا یدلّ علی أنّ الأخذ راض بالمعاملة و غیر متردّد و لا عازم علی فسخها،و کذا مطالبة الثمن فإنّه لأجل أنّه بذلک یعرف أنّه یمتنع من البذل فیفسخ،أو لا یمتنع فیجاوز عن حقّ الخیار حینئذ،فبالمطالبة التی هی طریق معرفة صلاح الفسخ و فساده کیف یستکشف الرضی و العزم علی عدم الفسخ؟

المقام السادس:فی مسائل مرتبطة بالمقام
الأولی:هل هذا الخیار علی الفور أو التراخی؟

یمکن أن یقال:بأنّ مقتضی القاعدة هنا التراخی بناء علی کون المدرک لهذا الخیار قاعدة«لا ضرر»و إن قلنا، بأنّ مقتضاها فی خیار الغبن هو الفور،بملاحظة أنّ الضرر هناک بعد مضیّ مقدار زمن التمکّن من الفسخ مع الالتفات إلی الضرر و إلی الخیار یصیر مقدما علیه، فیخرج عن تحت النفی،و أمّا فی المقام فغایة المطلب أنّ البائع بعد صبر یوم مثلا عقیب الثلاثة یستکشف منه الرضی بهذا المقدار من التأخیر،و أین هو من التأخیر فی طول الزمان أیّا ما بلغ.

و الحاصل:الضرر هناک واحد و بالإقدام علیه فی زمن یخرج عن تحت القاعدة،و هنا تدریجیّ،فإنّ الصبر یومین أزید ضررا من الصبر یوما و هکذا،

ص:278

فالإقدام بالنسبة إلی یوم لا یوجب خروج ضرر الیومین عن تحت القاعدة،بل اللازم عدم ثبوت اللزوم حتّی بالنسبة إلی الیوم أیضا،لأنّ الإقدام الناشئ عن الالتفات إلی حقّ الخیار و الإهمال فی إعماله لا یعقل أن یوجب ارتفاع هذا الحقّ.

نعم لو فرض أنّه مقدم مع قطع النظر عن هذا الحقّ کأن أجاز للمشتری تأخیر یوم مثلا،فاللازم حینئذ عدم الخیار بالنسبة إلی الیوم،و الفرق بین هذا و ما تقدّم واضح،فإنّ المشتری عاص بالتأخیر هناک و غیر عاص هنا.

و کیف کان فعلی المختار من عدم المدرک للخیار من غیر جهة الأخبار الخاصّة،فلا إشکال علی تقدیر إهمال النصوص فی الرجوع إلی الاستصحاب و لا یجری هنا الشبهة فی الموضوع الجاریة فی ما تقدّم،فإنّ الموضوع-أعنی:البائع غیر المقبض و لا القابض-بعد مضیّ الثلاثة محفوظ،کما أنّه بعد عدم العموم الأزمانی فی عموم الوفاء بالعقود لا محیص عن الرجوع إلی الاستصحاب،و لا مجال للتقیید، إذ الفرض محفوظیّة عنوان المقیّد فی زمن الشکّ.

فالکلام إنّما هو فی أنّ النصوص من هذا الحیث مهملة أو یستفاد منها الفور أو التراخی؟قد یقال:بأنّ المستفاد منها التراخی،بملاحظة أنّ قوله -علیه السّلام-:«لا بیع»بعد العلم بعدم إرادة الحقیقة،أعنی:نفی الصحّة،فالأنسب بالمعنی الحقیقیّ نفی اللزوم رأسا،و لکنّه محلّ تأمّل،لأنّ استدامة النفی عند إمکان الحقیقة غیر مستفادة من اللفظ حسب الفرض من کونه غیر وارد من هذه الجهة فی مقام البیان،و إلاّ کان هو الحجة من غیر حاجة إلی غیره،بل مستفادة من مقدّمة خارجیّة و هو العلم بعدم عروض الصحّة علی المعاملة بعد مضیّ زمن علیها باطلة،و الأنسبیة المعتبرة إنّما هی بالنسبة إلی المستفاد من اللفظ،و لا شبهة فی حصولها فی نفی اللزوم فی زمن ما بالنسبة إلی نفی الصحّة کذلک،هذا.

ص:279

اللّهمّ إلاّ أن یتشبّث لاستفادة التراخی بعد منع مقدّمات الإطلاق هنا إلی وجه آخر و هو ورود النفی علی المهملة،حیث تقرّر فی محلّه أنّ ذلک مغن عن المقدّمات و مفید فائدتها بعد ضمّ أنّه لا فرق بین الأفراد العرضیّة للطبیعة و الأفراد التدریجیّة الحاصلة بتدرّج الزمان،فإذا وقع الجامع من بین الجمیع تحت النفی و لو فی زمن فاللازم انتفاء تمام الأفراد من العرضیّة و التدریجیّة،لأنّ انتفاء المهملة إنّما هو بانتفاء کلّ ماله من المصداق،هذا.

المسألة الثانیة:لو تلف المبیع بعد الثلاثة کان من البائع

إجماعا مستفیضا بل متواترا کما عن الریاض،و یدلّ علیه النبوی المشهور:«کلّ مبیع تلف قبل قبضه،فهو من مال بائعه» (1)و إطلاقه کإطلاق معقد الإجماع شامل لما إذا کان التلف بعد بطلان الخیار،کما لو قلنا بکونه علی الفور فمضی الفور ثمّ تلف،أو قلنا بأنّ بذل المشتری للثمن مبطل له فبذل ثمّ تلف کما أنّه شامل لما إذا کان الخیار باقیا کما لو قلنا بالتراخی و لم یبذل الثمن أو قلنا بعدم مبطلیّته.

و کیف کان فالنبوی معارض فی کلتا الصورتین بقاعدة الملازمة بین النماء و الدرک المستفادة من النصّ الوارد فی بیع الشرط،حیث إنّه بعد الحکم بأنّ الدار یرد إلی البائع بعد ردّه الثمن فی رأس الموعد سأل الراوی عن حکم الغلّة و سائر النماءات ما حالها؟قال-علیه السلام-:«هی للمشتری ألا تری أنّه لو احترقت الدار فمن مال من کان یحترق»؟قال:من مال المشتری،قال:«فکذلک النماء یدخل فی ملکه» (2).

وجه المنافاة و المعارضة أنّ الضمان هنا علی البائع مع کون النماء للمشتری

ص:280


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 9 من أبواب الخیار،ص 303،ح 1.
2- 2) الوسائل:الجزء 12،الباب 8 من أبواب الخیار،ص 355،ح 1.

و مقتضی هذا الخبر و أمثاله أن یکون النماء لمن کان التلف علیه.

و ما یتوهّم من دفع المنافاة بأنّ مقتضی الخبر أنّ التلف الوارد علی أیّ شخص کان مالکا حین التلف فالنماء له،یعنی:النماء فی حال ذلک الملک،و فی المقام أیضا لو فرض وجود النماء للملک فی ذلک الآن العقلی الذی یقدّر قبل التلف کان للبائع،و الحاصل أنّ النبوی وارد علی القاعدة و یوجب الخروج الموضوعی عنها.

مدفوع بأنّ المستفاد من الخبر أنّ من کان ضامنا فالنماءات الخارجیة المفروضة التحقّق یکون له لا النماءات المقدّرة علی فرض محال فی الآن العقلی،و لا شبهة فی کون النبوی بالنسبة إلی هذا المضمون منافیا و معارضا،نعم لا معارضة بینه و بین قاعدة أنّ ضمان المال لمالکه،لأنّه خروج موضوعیّ بالنسبة إلیها،و لکنّ القاعدة المذکورة غیر هذه القاعدة و إذن فالحقّ مع شیخنا المرتضی حیث سلّم المعارضة و قدّم النبوی صلّی اللّه علیه و آله و سلم،لأنّه أخصّ.

و یمکن أن یقال:یدفع المنافاة بوجه آخر و هو أنّ مقصود الإمام-علیه السلام- تنبیه السائل علی ما ارتکز فی ذهنه،فإنّه حیث رأی أنّ المال شبه الرهن یعود بعد المدّة ببذل المالک الثمن إلی مالکه،فتخیّل أنّه محروم عن نماءاته و حاله حال الرهن،فصرفه الإمام-علیه السلام-عن هذا التخیّل بتنبیه لما هو یقرّب الملکیّة فی ذهنه من کون التلف علیه،حیث إنّه لم یکن فی الخفاء عند السائل بمثابة ملک الغلّة،فإنّه کان متوهّما لعوده إلی المالک الأصلی و عدم ملکیّة المشتری لها،و لکن لم یکن متوهّما لکون التلف قبل وصول المدّة غیر مرتبط بالمشتری،فنبّهه الإمام -علیه السلام-بما هو مصدّق له من ورود التلف علیه حتّی یستدلّ علیه بملزومه من الملکیّة و التفاوت بین المقام و الرهن فیتّضح علیه الحال فی النماء أیضا.

ص:281

و بالجملة لیس الإمام بمقام إعطاء قاعدة تعبدیّة مفادها الملازمة المذکورة، بل المقصود جعل هذه الملازمة الغالبیّة شاهدا و امارة للسائل علی الملکیّة،فکأنّه قال:نماء الملک لمالکه،فلا منافاة فیه للنبوی أصلا.

هذا کلّه مع عدم الخیار،و أمّا مع الخیار للبائع:

فقد یقال:بأنّ النبوی حینئذ معارض بقاعدة أخری،أعنی:کون التلف فی زمن الخیار ممّن لا خیار له و لکن فیه:أنّه لا عموم فی هذه القاعدة لجمیع أفراد الخیار و لجمیع أحوال المبیع کما سیجیء فی محلّه إن شاء اللّه تعالی.

و لو تلف فی الثلاثة فمقتضی النبوی صلّی اللّه علیه و آله و سلم أیضا کون الضمان علی البائع و هذا واضح،و لکنّ الذی یضعّف المطلب أنّ مثل المفید و السیدین الذین قالوا فی ما بعد الثلاثة بالضمان تمسّکا بالنبوی صلّی اللّه علیه و آله و سلم أعرضوا عنه و قالوا بضمان المشتری هنا مع وضوح کون المقام مصداقا للنبوی و عدم إمکان خفائه علیهم،فلا یبعد دعوی حصول الاطمئنان بأنّهم عثروا علی ما لم نعثر علیه.

و هل یرتفع الضمان بمجرّد تمکین البائع للمشتری؟قد یقال:فرق بین مفهوم التمکین و مفهوم القبض الذی علّق علیه الحکم فی باب الضمان و فی باب خیار التأخیر،فإنّه لو قال البائع:أنا حاضر فی تسلیم المبیع مع کونه فی حرزه،لا یحصل بمجرّد هذا القبض،و خصوصا مع وجود مثل الروایة المصرّحة بمعنی القبض،حیث سأل السائل عن سرقة المتاع الذی اشتراه الرجل و ترکه عند البائع و لم یقبضه هل هو من مال المشتری أو البائع؟قال-علیه السلام-:«من صاحب المتاع الذی هو فی بیته حتّی یقبض المتاع و یخرجه من بیته فإذا أخرجه من بیته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّی یردّ إلیه حقّه» (1).

ص:282


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 10،من أبواب الخیار،ص 358،ح 1.

ألا تری کیف أکّد القبض بقوله:«یخرجه من بیته»و لیس المراد الإخراج من البیت حقیقة،بل هو کنایة عن رفع سلطنته و إدخاله تحت سلطنة الغیر،و لو أبی الغیر و لم یقبل.

نعم قد یقال:إنّ المعاوضة متضمّنة لتعهّد کلّ منهما بالعمل علی طبق ما تعاقدا فی الخارج،و هو یحصل بمجرّد التمکین،فإذا مکّن أحدهما الآخر یجب علی الآخر أیضا التمکین،و لا یتوقّف علی الإخراج عن تحت السلطنة فضلا عن الإدخال فی سلطنة الآخر،فالقبض فی المقامین منصرف إلی هذا المعنی و لکنّه لا شاهد له،و أیّ استبعاد فی ترتیب هذه الأحکام التعبّدیة علی معنی القبض المغایر مع التمکین قطعا؟

المسألة الثالثة:لو اشتری ما یفسد من یومه

فإن جاء بالثمن ما بینه و بین اللیل و إلاّ فلا بیع له،هذا مضمون مرسلة محمّد بن أبی حمزة (1)،و لکن هل المراد من کون المبیع یفسد من یومه أنّه بیوم و لیلة یفسد فیتحقّق الخیار بدخول اللیل؟ و یبعده أنّ مقابلة اللیل یبعد إرادة الیوم و اللیلة معا،من الیوم.

أو أنّه بنفس مضیّ الیوم یفسد،فیکون أوّل اللیل أوّل فساده؟فحینئذ إن قلنا بضمان الوصف علی البائع کالأصل فلا منّة فی جعل الخیار أوّل اللیل،نعم إن قیل بعدم الضمان و قیل بأنّه بعد الفسخ یرجع إلی المشتری ببدل الوصف کان له حینئذ وجه،و إن کان یرد علیه أیضا أنّه بعد أن صار بمقام مطالبة البدل فلیس بأولی من مطالبة الثمن،إلاّ أن یقال:إنّ مطالبة البدل أسهل من مطالبة الثمن، و کیف کان لا یخلو هذا الاحتمال أیضا من بعد.

أو أنّه یفسد بمضیّ الیوم علیه،فإنّ بعض الأشیاء یفسده هواء الیوم إلاّ

ص:283


1- 1) الوسائل،الجزء 12،الباب 11،من أبواب الخیار،ص 358،ح 1.

بمحافظته و جعله فی مکان محفوظ و هو خلاف عادة البائعین،من جعل المبیع فی مکان بارز یکون بمرأی الناس،فالشارع لمّا رأی أنّ مثل هذه الأشیاء لا یمکن الصبر علیها ثلاثة أیّام جعل المدّة فیها دخول اللیل.

و علی هذا فلو کانت الفاکهة مقطوعة ساعة البیع و کان أوّل اللیل فی کمال الطراوة جاز الفسخ لأنّها شیء یفسده مرور الیوم.

و فیه أنّه خلاف المتبادر من کلمة«من یومه»فإنّه ککلمة من حینه و من ساعته المراد به سرعة الفساد إلیه بمقدار الیوم الواحد،لکن هل مبدأ هذا الیوم الواحد أوّل وجود الشیء أو زمان وقوع المعاملة علیه؟ لا یبعد الأوّل،لأنّ الغالب فی مثل هذه الأشیاء أنّها أوّل الیوم تقطع و تعرض للبیع،فالروایة ناظرة إلی الغالب،و المراد أنّ هذه الأشیاء التی لا بقاء لصحّتها إلی الصبح الآتی متی بیعت فی أیّ ساعة من ساعات الیوم و لو کان فی ظرف آخر الیوم فمدّة الصبر إلی اللیل.

و ما ذکر من أنّ مقابلة اللیل یبعد إرادة الیوم و اللیلة من الیوم،لأنّه کالفقیر و المسکین إذا افترقا اجتمعا،و إذا اجتمعا افترقا،فیه أنّ هذا صحیح لولا قرینة المنّة،لکن بعد ملاحظتها و أنّه لم یقصد الشارع جعل الخیار فی أوّل أزمنة الفساد یدور الأمر بین ما ذکر أخیرا من جعل کلمة من نشویة،من قبیل فلان یتضرّر من صومه،و بین ما ذکرنا من إرادة الیوم و اللیلة من الیوم کما هو غیر بعید فی مادّته و إن کان بعیدا بملاحظة مقابلة اللیل،لکنّه قریب بالنسبة إلی الاحتمال المذکور.

و علی هذا یخرج عن مورد الروایة ما إذا وقعت المعاملة فی اللیل،کالأشیاء التی یکون الفساد إلیها أسرع من یوم و لیلة،فلا محیص فیها عن الرجوع إلی قاعدة

ص:284

«لا ضرر»و العمل بما هو مقتضاها من الخیار أو المقاصّة.

ثمّ المراد بالفساد لیس التلف بل تغیّر اللون و نحوه ممّا یقلّل الرغبة إلیه و هل تنزّل القیمة السوقیّة أیضا یلحق بالفساد أو لا؟لا شبهة فی عدم إمکان التمسّک بروایة:«ما یفسده الیوم»لأنّها ظاهرة فی فساد الوصف لا القیمة،نعم لا یبعد التمسّک بلا ضرر إن سلّم تمامیّته فی إثبات الخیار.

و لکن فیه نظر،بملاحظة أنّ قاعدة«لا ضرر»صارت مخصّصة فی هذا المقام بقوله فی أخبار خیار التأخیر بأنّه:«إن جاء فی ما بینه و بین ثلاثة أیّام»و قوله:

«الأجل بینهما ثلاثة»و لا شکّ أنّه فی مقام الإطلاق من هذه الجهة،أعنی:کون الصبر علیه ثلاثة أیّام یوجب تنزّل قیمته و عدمه.

خاتمة:

لا إشکال أنّ المراد بثلاثة أیّام لیس بیاض ثلاثة أیّام،بل الأعمّ من الملفّق،کما هو الحال فی أقلّ الحیض،و ثلاثة الحیوان،نعم اللیلتان المتوسطتان داخلتان،و فی صورة التلفیق تدخل ثلاثة لیال،إمّا من جهة شمول الیوم أو بقرینة الاستمرار،هذا.

و لو اختلفا فی مضیّ الثلاثة و عدمه فالأصل مع مدّعی العدم،و کذا لو اختلفا فی القبض و العدم فالأصل مع مدّعی العدم،و أمّا لو اختلفا فی تأجیل الثمن و العدم،فقد یقال:الأصل مع مدّعی العدم فیه أیضا،لکن فیه أنّ هذا العدم لم یؤخذ فی النصّ قیدا للخیار و إنّما استفدناه من انصراف قوله:«إن جاء ما بینه و بین ثلاثة أیّام»فی کون التأخیر لا لحقّ مع اتّصال مبدأ الثلاثة بالعقد،و من المعلوم أنّه لا أصل یعیّن حال التأخیر و أنّه کان لحقّ أو لغیره،و أصالة عدم التأجیل غیر مثبت لهذه الخصوصیّة،و الرجوع إلی أصالة عدم تحقّق موضوع الخیار لا یثبت حال هذا العقد،فالمتعیّن حینئذ الرجوع إلی استصحاب بقاء الملک بعد الفسخ.

ص:285

السادس:خیار الرؤیة

اشارة

و هو ثابت فی بیع العین الغائبة إذا ظهرت علی خلاف ما شرط أو وصف أو اعتقد،و الحاصل إذا صحّ بیعها بذکر الأوصاف إمّا مع البناء أو مع الإحراز و لو بدون البناء،فإذا تبیّن فیها عدم تلک الأوصاف عند الرؤیة تحقّق الخیار،و هذا بالنسبة إلی تخلّف ما شرط أو وصف لا یحتاج إلی تعبّد بل یکفیه مساعدة العرف، بل لا یجری فیه قاعدة«لا ضرر»بکلّیته،لأنّه قد لا یکون ما شرط موجبا لزیادة القیمة حتّی یکون فقده ضررا مالیا،نعم یلزم منه الضرر الغرضی لکنّه غیر مشمول للقاعدة،فالذی یحتاج إلی التعبّد صورة کون الصفة المتخلّفة علی وجه الداعی بدون تقیید العقد به.

فنقول:تدلّ علی ثبوت الخیار فی هذه الصورة صحیحة جمیل بن درّاج «قال:سألت أبا عبد اللّه-علیه السلام-عن رجل اشتری ضیعة و قد کان یدخلها و یخرج منها،فلمّا أن نقد المال صار إلی الضیعة فقلّبها ثمّ رجع فاستقال صاحبه فلم یقله،فقال أبو عبد اللّه-علیه السلام-:إنّه لو قلّب منها و نظر إلی تسع و تسعین قطعة ثمّ بقی منها قطعة لم یرها لکان له فی ذلک خیار الرؤیة» (1)فإنّه شامل لما إذا قاس المشتری تلک القطعة التی لم یرها علی اللائی رآها فتبیّن له عدم کونها مثلها و لم یکن شرط ذلک فی العقد،بل قد یقال هو شامل لما إذا کان موافقا لها، و لکن بدا له فی البیع،لکن یبعده تفریع الاستقالة علی التفتیش،فإنّه یدلّ علی رؤیته فی تلک القطعة شیئا لم یکن فی سائر القطعات و قد کان تخیّلها مشابهة لها و بالجملة دلالتها علی المطلوب خالیة عن الخدشة.

ص:286


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 15،من أبواب الخیار،ص 361،ح 1.

و أمّا الروایة الأخری التی استشهد بها أیضا للمقام،أعنی:صحیحة زید الشحّام«قال:سألت أبا عبد اللّه-علیه السلام-عن رجل اشتری سهام القصّابین من قبل أن یخرج السهم؟فقال-علیه السلام-:لا تشتر شیئا حتّی تعلم أین یخرج السهم، فإن اشتری شیئا فهو بالخیار إذا خرج» (1)فدلالتها محلّ إشکال،لأنّ المراد بشراء السهم إمّا ما یخرج بعد ذلک عند التقسیم و یصیر ممتازا عن غیره،و هذا و إن کان یجیء فیه خیار الرؤیة،لکنّه باطل لأنّه نکرة و غیر معیّن.

و إمّا الکسر المشاع و إمّا الکلّی فی المعیّن،و علی هذین یصحّ البیع لکن لیس الخیار علیهما خیار الرؤیة مقیّدا بما بعد الخروج لأنّه متی رآها یجیء له الخیار و إن کان قبل الخروج،و هکذا لو أرید خیار الحیوان لأنّه أیضا غیر متقیّد بالخروج بل یکون من حین تمام العقد.

فالذی ینبغی حمل الروایة علیه هو إرادة شراء ما یخرج فی السهم عند التقسیم بالقرعة،و من المعلوم أنّه غیر صحیح و الإمام-علیه السلام-أیضا منع عنه و أمر بالصبر حتّی یخرج السهم و یراه بعینه،و أنّه لو اشتری قبل ذلک فهو بالخیار متی خرج،یعنی:أنّ هذا الشراء لم یفد بالنسبة إلیه ملکا و لیس بعد الخروج ملزما بالقبول،لأنّه لیس ملکه بل إن شاء ملکه بعقد جدید و إن شاء ترکه.

مسألة:مورد هذا الخیار کما عرفت هو العین الشخصیة الغائبة

و من المعلوم احتیاج بیعها إلی تعیین الأوصاف التی بها یرتفع الغرر فی البیع،و هیهنا إشکال بملاحظة حکمهم فی بیع السلم و بیع العین الغائبة و بیع العین المشاهدة،فإنّه لا یعتبر فی السلم ذکر الأوصاف بتمامها،بل یتسامح فی ذکر بعضها،لأنّ الاستقصاء یفضی إلی عزّة الوجود،و لکن لیس هکذا الحال فی العین الغائبة فاعتبروا فیها

ص:287


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 15،من أبواب الخیار،ص 362،ح 2.

الاستقصاء لذکر تمام الصفات التی یختلف الثمن باختلافها و أیضا من المعلوم فی العین المرئیّة عدم اعتبار الاطّلاع علی جمیع الصفات المعتبرة فی السلم و بیع العین الغائبة.

و جعل المناط فی جمیع الموارد هو الغرر العرفی أیضا لا یسهّل المطلب،لأنّه یقال:ما المراد بالغرر العرفی و کیف اختلف هذا المعنی الواحد بالصدق علی جهالة صفة فی مورد و بعدمه علی عین تلک الصفة فی مورد آخر؟ و الذی ذکره الأستاذ-دام ظلّه-:أنّ المراد بالغرر:عدم المبالاة،لکنّه قد یکون فی قبال الأغراض العقلائیّة و قد لا یکون فی قباله غرض عقلائی،مثلا عدم المبالاة بوجود منّ من تبن فی خمسة عشر منّا لیس بغرر،لأنّ فی قباله حفظ الوقت عن الصرف فی مدّة لأجل وزن التبن،و أمّا فی الذهب فعدم المبالاة لیس بقبالة غرض عقلائی بحسب النوع.

و حینئذ نقول:أمّا فی السلم فلو بنوا أمرهم علی المداقّة کما فی العین الغائبة یوجب ذلک سدّ باب المعاملة السلمیّة،فهذا غرض عقلائی قام بقبال عدم المبالاة بمقدار فی شخص المعاملة السلمیّة،و لیس هکذا الحال فی العین الشخصیّة أعمّ من الغائبة و الحاضرة،فالمعتبر فیهما أیضا المداقّة بمقدار یوجب الزیادة علیه سدّ باب المعاملة،و ضابطه الصفات التی أمکن الاطّلاع علیها بالرؤیة أو بالمخالطة و الاختبار فی مدّة،فما کان منها معلومة للبائع أو کان طریق آخر إلی حصول الاطّلاع بها ممکنا فاللازم ذکره،و ما کان غیر ممکن الاطّلاع لعدم حصول طریق إلی استعلامه برؤیة و لا بغیرها فلیس بلازم.

و القول بأنّه لا أقلّ من التوصیف و جعل العقد مبنیّا علیه فإنّه ممکن،مدفوع بأنّ اندفاع الغرر بمجرّد هذا محلّ منع و إلاّ فاللازم ارتفاع الغرر بمجرّد اشتراط

ص:288

الخیار فی بیع العین الغیر المعلومة الذات و الصفات رأسا فإنّ الخیار مع اشتراطه عرفیّ کما فی صورة تخلّف الوصف.

و الحاصل:لا فرق بین الحاضرة و الغائبة بل المعیار شیء آخر مستو فیهما، و هو کون عدم المبالاة بلا ما بإزاء و لو کان ما بإزاه استراحة البدن عن تعب التحقیق و عدم کونه کذلک مع مساعدة نوع العقلاء علی ذلک،فلو کان لشخص بحسب أغراضه الشخصیّة غرض أهمّ من المداقّة فی شراء الذهب فأقدم علی وزنه بالأحجار التی یوزن بها الأمتعة الخسیسة لعدم فوت ذلک الغرض الأهمّ لعدّه العقلاء واردا علی المعاملة الخطریّة.

و هذا بخلاف ما إذا کان ذلک أمرا نوعیّا،ألا تری أنّ الأمر فی معاملة التبن و أمثاله هکذا؟فلو أقدموا علی وزنه بالأحجار الکبار التی تتفاوت بمقدار منّ مثلا لأجل أنّ صرف الوقت لإحراز هذا لا یلیق لا یعدّ إقداما و شراء خطریّا.

و علی هذا فلو أقدم علی شراء عین حاضرة و لکن لم یتفحّص عن بعض ماله دخل فی زیادة قیمته و لم یکن ممّا یعلم بالرؤیة حاله کان خطریّا،فإنّ بعض الأمور تقوم فیها الرؤیة مقام الفحص،مثل کمّ المتاع و مقداره مساحة أو وزنا،فإنّ الأوزان و المساحات جعلت علامة علی کمّ خاص و حدّ مخصوص من کبر الجسم، فإذا أوقع کمّا خاصّا تحت النظر و عینه فی نظره بأنّه واف بأیّ مقدار من الغرض،مثل أنّ هذا المتاع یفی بقباء له و بقباء لابنه،أو هذه الحنطة تفی لمئونة سنته و سنة عیاله،فأقدم علی الشراء بدون استعمال آلات الوزن و المساحة لما کان مقدما علی الخطر.

نعم تعبّدنا الشرع بلزوم استعمال تلک الأدوات بخصوصها لا من باب دفع الغرر فی مثل الفرض،فالمقصود أنّ الأوصاف التی یمکن معرفتها بالرؤیة فالعین

ص:289

الحاضرة یفترق من جهتها عن الغائبة فیلزم فیها الوصف دون الحاضرة،فیفترقان فی کیفیّة الاستعلام بعد استوائهما فی لزوم أصله.

و أمّا الأوصاف التی لا یعلم حالها بالمشاهدة مثل المراتب الإنسانیة المحضة فی العبید و الإماء المحتاجة إلی معاشرة مدّة مدیدة من حسن الخلق و سوئه،و مثل الصناعات التی اکتسبها العبد و الأمة،فلا فرق بین الحاضرة و الغائبة و لا یعقل أن یکون الخطر ناشئا من جهة الجهل بهذه الأمور فی الغائبة لو لم یذکر تلک الأوصاف وجودا أو عدما،و یکون مرتفعا فی الحاضرة مع الجهل بها کما یظهر من بعض الأساطین،حیث جعل الاختلاف بین الحاضرة و الغائبة فی محقّق رفع الغرر،و أنّه بالجهل بمثل هذه الأمور یتحقّق ارتفاعه بالوصف فی الغائبة و هو یتحقّق ارتفاعه فی الحاضرة بنفس المشاهدة،و لو کانت هذه الأشیاء مجهولة.

و أنت خبیر بأنّ الخطر فی شراء الغائبة عند جهل هذه الأمور لیس إلاّ لأجل جهلها الراجع إلی جهل مقدار مالیّة ما یصل إلیه من الطرف،و هذا بعینه موجود فی شراء الحاضرة عند جهل عین هذه الأمور.

هذا ما تقتضیه القاعدة،فإن قام إجماع علی خلافه بأن رأیناهم لا یلتزمون بهذا المقدار فی العین الحاضرة-بل علی هذا لا بدّ أن لا یجوز لغیر العارف بخصوصیّات الأمتعة و الأجناس المبتاعة الإقدام علی الشراء أو البیع إلاّ بعد المراجعة لیصیر عارفا،و إلاّ فهو و الأعمی سیّان،و هو خلاف ما استقرّت السیرة العملیّة علیه-کان هو الحجّة و إلاّ فالاکتفاء بصرف المشاهدة لا یوجب رفع الغرر و الخطر عن المعاملة،هذا.

ثمّ إنّ غرر الأوصاف قد یرجع إلی غرر الوجود بمعنی أنّ الموصوف بها بما هو موصوف یکون مشکوک الوجود إذا کانت الأوصاف کذلک،ضرورة أنّ المقیّد کما ینتفی بانتفاء الذات ینتفی أیضا بانتفاء القید.

ص:290

و لکن فیه أنّه لا یمکن عدّ المقام تارة من غرر الوصف و أخری من غرر الوجود،إذ المفروض أنّ المعاملة صحیحة علی تقدیر فقدان الوصف،و لیس من باب تخلّف المبیع فیکون باطلا،فالتقیید و إن کان حاصلا بالدقّة و لکنّه بالنظر العرفی المسامحی غیر حاصل،و المبیع إنّما هو نفس الذات،فالغرر فی وجود المبیع غیر حاصل،نعم الغرر حاصل فی وجود صفته فالغرران فی المقام غیر مجتمعین.

و علی کلّ حال فإن حصل الاطمئنان بوجودها أو عدمها بأیّ طریق کان و لو بوصف شخص ثالث لهما کان کافیا،إنّما الإشکال فی ما إذا لم یحصل الاطمئنان،فهل مجرّد التقیید فی عبارة العقد أو الذکر بصورة الاشتراط مع فرض وجود الشکّ رافع للخطر أو لا؟ظاهرهم الاکتفاء بذلک فی رفعه.

و لعلّ سرّه أنّ الخیار حینئذ أمر عرفی،فیکون أمر هذه المعاملة بین أحد شیئین:إمّا وجود الصفة و هو المطلوب و إمّا فقدانه و وصول المشتری إلی ثمنه، و لکن هذا منقوض بصورة المعاملة الخطریّة من جمیع الجهات،مثل بیع ما فی الصندوق مع قرار الخیار للمشتری،فإنّ الخیار هنا أیضا أمر عرفی،و یمکن أن یقال:إنّه خرج بالإجماع إن کان،و إلاّ کان مقتضی القاعدة فیه أیضا الصحّة.

و الحقّ أنّ الغرر لیس معناه خوف الضّرر و فوت الثمن من کیسه حتّی یرفع بالاطمئنان بعدم فوته،و إلاّ لما کان الشک فی وجود المبیع أو القدرة علی تسلیمه من الغرر،بل معناه خوف عدم حصول الغرض الذی یفیده العقد،و هذا المعنی حاصل حتّی مع اشتراط الخیار،و أمّا سرّ أنّ اشتراط الوصف رافع له فهو أمر آخر یجیء إن شاء اللّه تعالی التعرض له فانتظر.

و علی کلّ حال فهل یکون للقول بثبوت الأرش عند ظهور المبیع فاقد الصفة کما هو منقول عن ابن إدریس وجه أو لا؟قد یقال بالعدم بملاحظة أنّ القید و الشرط لیس حالهما کالجزء حتی یقابل بإزائهما فی الإنشاء جزء من الثمن،

ص:291

نعم فی اللب لا فرق بینهما،فإن جعل استحقاق الأرش من هذه الجهة لم یطابق مع القول المذکور،لأنّ لازمه رجوع جزء من الثمن و هو مفارق للأرش أحیانا.

و یمکن أن یقال:إنّ القید یستفاد منه عرفا تعهّد من البائع و التزام بوجوده و لازم التعهّد بالشیء هو أداء بدله عند تعذّره کما هو الحال فی سائر الموارد،فإنّ من کان طالبا علی عهدة إنسان حنطة ففقدت الحنطة یرجع إلیه ببدلها،و هکذا فی المقام.

إلاّ أنّ هذا منقوض بنفس المبیع،فإنّ البائع متعهّد بتسلیمه،فلا بدّ أن نقول عند مصادفة تلفه بالرجوع إلی بدله و عدم بطلان أصل البیع.

إلاّ أن یدفع بأنّ فی هذه الصورة لم یقع أصل المعاملة تحت أدلّة الصحّة إذ ما قصد لم یقع،و هذا بخلاف ما إذا صحّ أصل العقد بواسطة وجود ذات المبیع، فشملته الأدلّة فیکون التعهّد مؤثّرا أثره من استحقاق مطالبة البدل.

بقی فی المقام سؤال الفرق بین ظهور نفس المبیع غیر موجود حال العقد،أو کون صفته کذلک،حیث یقولون بالبطلان فی الأوّل و لا یقولون ببطلان أصل المعاملة فی الثانی،مع أنّ قضیّة القاعدة فیهما علی حدّ سواء،فإنّ المقیّد بقید إذا انتفی قیده کان المقیّد منتفیا.لا نقول بتعدّد الموضوع عرفا فی واجد الصفة و فاقدها،و لهذا نقول بجریان الاستصحاب المبنیّ علی الوحدة العرفیّة.

فلیس حال المقام مثل ما لو تبیّن فقدان بعض الصفات الذاتیّة،مثل ما لو تبیّن العبد حمارا،أو الکتاب فرسا حیث لیس فی البین مشار إلیه محسوس،و لا مثل ما إذا جعلت هذه القیود العرضیّة ضمیمة للکلّی،فإنّه یعدّ مباینا لکلّی آخر فاقد للقید،بل نقول-مع حفظ الموضوع العرفی،فیکون المعقود علیه حاصلا-:إنّ نفس العقد الذی هو المحمول مقیّد بوجود القید،بمعنی أنّ التراضی العقدی و القرار الإنشائی قد أخذ فیه علی وجه القیدیّة وجود الصفة و قد

ص:292

تبیّن فقدانها،فلا قرار و لا تبانی فی فرض عدمها.

و معنی قولنا:إنّ المعقود علیه حاصل:أنّ العقد الإنشائی الجنانی قد حصل قطعا و کان هو متعلّقا بهذا الموضوع أیضا قطعا،و لکن کان له خصوصیّة لا أثر له مع فقدان تلک الخصوصیّة،نظیر ما یقال فی الوجوب المشروط حیث إنّ الوجوب فعلیّ قبل حصول الشرط و لکنّه غیر مؤثّر و یکون کالعدم،ففی المقام أیضا حیث کان القرار و التراضی البیعی مبنیّا علی حصول الصفة ففی فرض عدمها،القصد و الرضی موجودان و لکن لا أثر لهما کما لا أثر للوجوب المشروط مع عدم شرطه.

و الذی یمکن أن یقال فی حسم مادّة الإشکال أن نلتزم بتعدّد المطلوب بمعنی أنّ لبّ القصد و الارتکاز الجنانی فی هذه الموارد متعلّق بإنشائین أحدهما فی المطلق و الآخر فی المقیّد،و لا یلزم استعمال اللفظ فی معنیین إذ کما یتصوّر التفکیک بین الإرادتین الجدّیة و الاستعمالیّة بالنسبة إلی الأفراد أو الأحوال من دون لزوم ملاحظة الإطلاق و التقیید فی لحاظ واحد،کذلک نقول بالنسبة إلی مراتب الجدّ.

فکأنّه قیل:بعت هذا مطلقا إلاّ فی المرتبة القصوی فبعته مقیّدا،و القید أعنی:قوله«العربی»مثلا فی قوله:بعتک هذا الفرس العربی،و إن کان فی الصورة متعلّقا بالموضوع،لکن عرفت أنّ الموضوع لیس إلاّ هذا الجسم المشاهد،فالقید راجع فی اللبّ إلی البیع،و حیث إنّه لو أمسکه عند ظهوره عجمیّا لا یقال إنّه آکل للمال بالباطل،غایة الأمر أنّه یقال:إنّه رجل مسامح حیث ترک الأخذ بالخیار و لم یقع بصدد المطالبة لما قیّده یعلم أنّه بحسب المرتبة الدنیا من الجدّ قاصد للبیع المطلق،و حیث إنّه مصرّح فی اللفظ بالقید و بأخذ بالخیار عند التخلّف،و یکون ذلک حقّا یحکم بأنّ التقیید راجع إلی المرتبة القصوی للمطلوب.

ص:293

لکن دعوی وجود هذا الارتکاز فی خصوص الأوصاف العرضیّة و فی خصوص المبیع الشخصی دون الذاتیّة و دون الکلّی فیه خفاء،بمعنی أنّه یناسب أن یکون فی نفس العناوین المذکورة ارتباط مع الصحّة و الفساد،لا أنّ وجهه الارتکاز المذکور و هو خاص بمورد دون آخر إذ یسأل عن وجه التخصیص مع إمکان مجیئه فی الموردین،فتأمّل.

ثمّ معیار الصحّة علی ما عرفت کون الوصف غیر مقوّم للحقیقة،و إلاّ کان من تخلّف المبیع،و المتّجه فیه البطلان،فیقع الکلام فی تشخیص موارد کون الوصف هو العارضی أو المقوّم للحقیقة،فالذکورة و الأنوثة فی العبید و الإماء تعدّ من الحقیقی،و فی الغنم لا یبعد أن تکون من العارضی،و کذلک لبن الغنم مع لبن البقر جنس واحد و إن کانا حقیقتین فی باب الربا،لکن یشکل إن کان الحکم فی ذلک الباب علی القاعدة و بلا تعبّد فی البین،کما فی الحنطة و الشعیر،فإن ورد تعبّد بأنّ لبن الغنم و لبن البقر مثلا و هکذا جبنهما و دهنهما حقیقتان أعنی:بحکم الحقیقتین فهو،و إلاّ فإن کان علی القاعدة فیبعد ذلک کلّ البعد،و کیف یمکن الحکم بأنّ اللبن عند العرف یختلف حقیقته بصرف کونه من الغنم و کونه من البقر.

فالإنصاف اتّحاد البابین فی أمثال هذه الأشیاء،نعم قد یشکل فی مثل الفاسونی المتّخذ من القطن و الفاسونی المتّخذ من الصوف،فإنّ الصوف و القطن لا شکّ فی عدّ العرف لهما من جنسین،و لکن فی هذا الباب لا یبعد المعاملة معهما معاملة الأوصاف،فلو اشتری الفاسونی علی أنّه صوفی فبان أنّه قطنی لا یبعد أن یقال إنّه من تخلّف الوصف عند العرف،فتأمّل.

مسألة:الأکثر علی فوریّة هذا الخیار،و قد یستشکل بأنّه ما وجه الاختلاف فی خیار الغبن و الاتفاق هنا علی الفور؟

ص:294

و یجاب بأنّ الفارق ظهور النصّ هنا-و هو قوله-علیه السلام-:«کان له خیار الرؤیة»-فی الفوریة،فإنّه بمنزلة قولنا:کان له الخیار عند الرؤیة،و الظاهر فی أمثاله اتّحاد زمان الفعل الذی مورد الحکم أعنی:الفسخ فی مقامنا الذی هو مورد الحقّ و الملک مع زمان الرؤیة کما فی قولک:عند ما رأیت زیدا أعطه درهما،حیث یفهم أنّ زمان الإعطاء زمان الرؤیة لا أنّه زمان الإیجاب،و أمّا الإعطاء فموسّع بالنسبة إلیه و إلی الأزمنة المتأخّرة،فکذا لو قیل:عند ما رأیت المبیع متخلّف الوصف فلک الفسخ،یعنی فسخک فی هذا الزمان نافذ،لا أنّ حکم النفوذ لا حق بفسخک من هذا الحین،و أمّا زمان الفسخ فموسّع.

إن قلت:قول السائل أنّ المشتری بعد ما قلّب المبیع استقال صاحبه فلم یقله،ثمّ جواب الإمام-علیه السلام-بأنّه لو قلّب تسعة و تسعین و بقی واحدة لم یرها کان له خیار الرؤیة،ظاهر فی أنّه مع هذا المفروض الذی قد فرض تأخّر الزمان عن الرؤیة یکون له الخیار.

و القول بابتنائه علی کون الاستقالة فسخا لأنّها کاشفة عن کراهة العقد، فحالها حال إنکار الطلاق حیث قالوا بأنّه رجعة إذا کان فی العدّة،فاسد.لأنّ الاستقالة طلب الفسخ من الطرف و هو غیر الفسخ،و کاشفیّته عن کراهة العقد مسلّمة لکن مجرّد هذا غیر کاف،و لهذا لو أظهر الندامة و قال:یا لیت لم أوقع المعاملة،لیس فسخا،کما یشاهد فی سائر القرارات العرفیّة و المواعدات الواقعة بینهم.

قلت:لا نسلّم أنّه یعتبر فی الفسخ أزید من کراهة قلبیّة للمعاملة مع الإتیان بمظهر قولی أو فعلی أعمّ من کونه بنحو الأخبار أم الإنشاء،فإظهار الکراهة بواسطة صدور الاستقالة عمّن له حقّ الخیار مؤثّر فی انتقاض المعاملة

ص:295

و ارتفاعها.

ثمّ علی فرض عدم تمامیّة دلالة الروایة،فاستصحاب بقاء الخیار فی الأزمنة المتأخّرة بعد بطلان التمسّک بالعمومات-کما تقدّم فی خیار الغبن-هنا متّجه و سالم عن الخدشة الواردة علیه هناک من الشکّ فی بقاء الموضوع لأنّ الموضوع هنا محرز بقیوده.

مسألة:یسقط هذا الخیار بترک المبادرة

علی التفصیل المتقدّم فی خیار الغبن بناء علی الفوریّة و بإسقاطه بعد الرؤیة،و فی قیام التصرّف الغیر الدال علی الالتزام بالعقد فی مقابل فسخه-کما إذا وقع باعتقاد عدم الخیار أو کون البائع شخصا قویّا متمرّدا عن أحکام الشرع-مقام الاسقاط وجه مبنی علی استفادة العموم من التعلیل فی بعض أخبار خیار الحیوان بقوله:«فذلک رضی منه» (1)بناء علی تفسیر الرضی بما ذکرنا أعنی:الأعمّ من الالتزام بالعقد فی مقابل الفسخ.

و أمّا بناء علی تفسیره بالرضی المقابل لرضی الفسخ الذی لا یتمشّی فی حقّ الغیر الملتفت بثبوت حقّ الفسخ فلا یمکن الحکم فی هذا القبیل من التصرّفات.

نعم التصرّفات الدالّة لا إشکال فیها لکنّها قسم من الإسقاط،لأنّه أعمّ من القولی و الفعلی،و الذی یکون فی کلمات العلماء غیرها بدلیل جعلهم التصرف قسیما للإسقاط.

و کیف کان فهل التصرّف أو الإسقاط قبل الرؤیة مؤثّر أو لا؟مبنیّ علی أنّ الرؤیة سبب أو کاشف؟فإن قلنا بالثانی صحّ و إلاّ کان من إسقاط ما لم یجب، و قد تقدّم البحث فیه،و قد مضی ما یظهر منه قوّة القول بالسببیّة بمعنی أنّه یحدث الخیار عند الرؤیة،فإنّ معنی قوله-علیه السلام-:«خیار الرؤیة»خیار مظروف

ص:296


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 4،من أبواب الخیار،ص 351،ح 1.

فی ظرف الرؤیة لا بمعنی أنّه یتولّد من الرؤیة کما یقال:خیار الغبن و العیب و التأخیر،یعنی ما سببه أحد هذه الأمور حتی یسقط عن الدلالة علی ما قلنا من الفوریّة،فإنّ الظاهر کون الرؤیة لها سمة الطریقیّة لا الموضوعیّة بهذا المعنی.

نعم بمعنی أنّ الخیار یحدث عندها و بعبارة أخری بمعنی دخالتها علی وجه الظرفیّة مسلّم،فیکون الحاصل أنّ الخیار المظروف فی ظرف الرؤیة منشؤه تخلّف الوصف،و علی کلّ حال فلا ثبوت له قبل الرؤیة،لأنّها فرضت ظرفا له.

ثمّ مع الغضّ عن ذلک و جواز إسقاطه قبل الرؤیة،فلو أدرج شرط سقوط هذا الخیار فی ضمن نفس العقد فهل هو من قبیل الشروط الفاسدة المفسدة-و لو لم نقل بإفساد الشرط الفاسد فی سائر الموارد،فإنّه من قبیل سرایة الجهل من الشرط المجهول إلی العقد-أو أنّه صحیح و لیس بفاسد و لا مفسد،أو أنّه فاسد و لیس بمفسد؟فی المسألة أقوال.

و اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الأوّل،محتجّا بلزوم کون تعهّد الوصف لا تعهّد،و إذا صار التعهّد لا تعهّدا بطل البیع لعود الغرر الذی کان ارتفاعه بواسطة التعهّد لا بواسطة الخیار لأنّ الحکم لا تبدیل له فی موضوعه.

أمّا لزوم کون التعهّد لا تعهّدا،فقد یستشکل علیه بأنّ تعهّد وجود الوصف مع التعهّد بعدم السلطنة علی الفسخ علی تقدیر تخلّف التعهّد الأوّل کیف یتنافیان؟مع أنّ الثانی مبنیّ علی تخلّف الأوّل و بروز عدم وفاء صاحبه و هو مؤکّد له.

نعم قد یکون الشرط منافیا للجدّ إلی العقد،کما فی البیع بشرط عدم الثمن، أو البیع بشرط عدم السلطنة رأسا علی المثمن،و هیهنا أیضا لو فرض أنّ الخیار لازم لا ینفک للتعهّد بالوصف بحیث لا یجتمع الجدّ إلی الملزوم مع الجدّ إلی انتفاء

ص:297

اللازم کان الأمر کذلک،و لکنّ المفروض عدم ارتفاع الغرر بواسطة الخیار بل بواسطة نفس الاشتراط.

و أمّا کون الخیار من قبیل السلطنة اللازمة للملک حتی لا یقبل السقوط بعد الثبوت آنا ما بمعنی أن یکون اللازم وجود السلطنة خارجا،فإنّه حینئذ یوجب عدم تمشّی الجدّ إلی الاشتراط لو کان فی ظرف الاشتراط و موطنه،نعم لا بأس بوقوعه بلا فصل بعد تمامه بتوسّط الإسقاط،لأنّهما إنشاءان مستقلاّن.

ففیه:أنّ الکبری مسلّمة لکن لا طریق لإثباتها فی المقام،و أیضا کیف یکون الاشتراط بنفسه رافعا للغرر و الخطر؟فإنّه فی مثل الأفعال یوجب تسلّط المشروط له علی مطالبة الشارط بالعمل،و أمّا فی مثل شرط کون الفرس عربیّا فلا یتصوّر کیف یوجب رفع الغرر.

و یمکن ذبّ الإشکال بحذافیره بأن یقال:وجه کون الاشتراط رافعا للغرر أنّ البائع محتاج إلی الثمن و حیث إنّه یعلم بأنّه فی صورة الاشتراط لو بان التخلّف لکان لطرفه الفسخ فینتفی غرضه من وصول الثمن،فهذا یوجب وثوقا نوعیّا بکون الوصف موجودا،و لو لم یفد الوثوق الشخصی،کما هو الحال فی الوثوق بقول الثقة،فهو طریق حجة عقلائی یخرج معه الإقدام عن کونه خطریّا،و هذا مبنیّ علی کون الخیار عرفیّا،و لا ینافیه قول الشیخ أنّ الخیار شرعی،فإنّه یمکن إرادة الشرعی الإمضائی،أو أنّه لا ینافی إثبات الشرعی مع ثبوت العرفی أیضا.

و بالجملة فالاشتراط باعتبار هذا اللازم یفید الوثوق النوعی،و کذا الحال لو لم نقل بعرفیّة الخیار و لکنّ المشتری یعلم بعلم البائع بثبوت الخیار شرعا عند تخلّف الوصف.

و حینئذ نقول فی تقریب التهافت و التنافی:إنّ اشتراط عدم سلطنة المشتری

ص:298

علی الفسخ بعد الثبوت آنا ما یوجب رفع هذا الوثوق،و قد کان الجدّ إلی التهد و الاشتراط للوصف ناشئا ببرکة ترتّب هذا الأثر و حصول هذا الاطمئنان،فإذا ارتفع بواسطة شرط السقوط صار إنشاء بلا روح.

و علی هذا فلو فرض أنّ اشتراط السقوط لم یؤثّر فی رفع الاطمئنان الحاصل بالتعهّد کان جائزا،کما إذا کان قبل المعاملة بانیا علی تعهّد وجود الوصف و حین ما اشتغلا بإجراء الصیغة عرض عارض لاشتراط سقوط الخیار،فإنّه حینئذ لا ینافی التعهّد المذکور فی تأثیر الاطمئنان،فلا یوجب بطلان المعاملة مع صحته أیضا،و کذا لو علم أنّ البائع غیر عالم،و لکن صحّة المعاملة حینئذ محلّ إشکال.

مسألة:لو شرط الأرش عند ظهور المخالفة مع تعیینهما مقدار الأرش

حتی لا یلزم جهالة من ناحیته فلا مانع من صحّته سواء رفع الغرر من الخارج أم بنفس هذا الاشتراط بالبیان المتقدّم،و لا یضرّ التعلیق فی باب الشروط کما قرّر فی محلّه.

نعم یبقی الإشکال فی استحقاق الأرش مع الشک فی مشروعیّته،و لهذا لو بذله بعنوان الأرشیّة بدون اشتراط فی العقد،فلا یحکم بمملکیّته،نعم فی باب العیب قد علمنا من الشرع مشروعیّته،و لکن هذا الإشکال أیضا ممکن الاندفاع بأنّ غایة الأمر هو الشک فی المشروعیّة،و هو غیر مضرّ بالاشتراط،و شمول دلیل الشرط له،فإنّ أصالة عدم المخالفة للکتاب و السنّة ترفع هذا الشک،اللّهم إلاّ أن یستشکل فی جریان هذا الأصل،و لکنّ الکلام بعد الغضّ عن ذلک و البناء علی صحّته و إجرائه فی أمثال هذه الموارد.

و لو اشترط انفساخ المعاملة عند ظهور الخلاف،فهو أیضا لا مانع من صحّته بناء علی أنّ حصول الانفساخ بلا توسّط إنشاء قولی أو فعلی حینه،بل حصوله بنفس هذا الإنشاء المعلّق الحاصل فی الاشتراط،إمّا علم مشروعیّته کما لو

ص:299

استظهر ذلک من قوله فی أخبار بیع الشرط:بأنّ الدار له،و إمّا یشکّ فی ذلک فیکفیه أصالة عدم المخالفة.

و کذلک الحال لو شرط الانفساخ عند ظهور المخالفة و انعقاد بیع آخر فی ما بین الثمن و عین کلّیة موصوفة کذائیّة أو شخصیّة کذلک،أو فی ما بین المبیع و أحد المذکورین،فإنّ البیع لم یعلم کونه مثل النکاح له أسباب خاصّة لیس الشرط منها،بل غایة الأمر هو الشک فیرجع إلی الأصل المتقدّم القاضی بالصحّة.

و علی تقدیر القول بالفساد فلا وجه للقول بالإفساد-کما ربّما یستظهر من عبارة الشهید-قدّس سرّه-إذا فرض رفع الغرر عن المعاملة من الخارج،بأن حصل الاطمئنان بوجود الصفة و لکن شرط علی تقدیر ظهور الخلاف الذی هو احتمال موهوم فی نظره حصول الانفساخ و المبادلة المذکورة،نعم لو اعتمد فی رفع الغرر بهذا الاشتراط کان البیع باطلا و لو فرض صحّة الشرط من حیث نفسه بمعنی عدم المانع فیه لو وقع فی عقد صحیح من جهات أخر.

و تفصیل الکلام فی المقام ببیان الشقوق المتصوّرة فی اشتراط الأبدال أن یقال:إنّه قد یجعل العین الأخری الموصوفة مقابلة بالثمن الواقع فی البیع الأوّل، و قد یجعل مقابلها هذه العین،الظاهر مخالفة وصفها مع المشروط،و الأوّل أیضا علی قسمین،لأنّه قد یجعل الثمن فی الإنشاء الواحد بإزاء شیئین علی تقدیرین عکس المسألة المعروفة،أعنی:بیع الشیء الواحد بثمنین علی تقدیرین،بأن یبیع حالا بکذا و إلی شهر بکذا.

و قد یجعل المبادلة الأولی مستقرّة علی المبیع الواحد و علی تقدیر ظهور المخالفة یصیر منفسخا،و یحصل ثابتا بین ذلک الثمن و بین المبیع الآخر،فإن جعل التقدیر ظهور المخالفة فواضح،و إن جعل نفس المخالفة الواقعیّة فلا بدّ

ص:300

من حصول المبادلة آنا ما لینفسخ بعده ثمّ تنعقد الأخری.

و علی کلّ حال فإن کان من قبیل القسم الأوّل أعنی:إیقاع المبادلة من الابتداء بنحو التردید فی المثمن بأن کان هذا علی تقدیر المخالفة أو ظهورها و ذاک علی تقدیر العدم،فالظاهر منهم أنّ هذا النحو من البیع غیر جائز،حتّی أنّه لو صحّحنا دلالة الروایة الواردة فی تلک المسألة المعروفة للزم الاقتصار علی موردها حتّی لا یجوز التعدّی إلی مثل المبایعة بثمن إلی شهر و بثمن آخر إلی شهرین،لأنّ موردها صورة کون الثمن نقدا کذا و إلی شهر غیره،فحکم فیها بانعقاد المعاملة بأقلّ الثمنین إلی أبعد الأجلین،و لیس بطلان هذا من جهة الغرر،لأنّا نفرض حصول الاطمئنان بوجود الصفة و عدم المخالفة،بل علی فرض الشک أیضا،إذ لا خطر فی مثل هذه المبایعة الواقعة بین الثمن و بین هذا الفرس المشکوک عربیّته علی تقدیر العربیّة،و بینه و بین فرس آخر مقطوع العربیّة علی تقدیر العدم،بل الدلیل هو الإجماع علی بطلان الإبهام و التردید فی المثمن کما فی الثمن،فإن تمّ و إلاّ فمقتضی القواعد هو الصحّة.

و إن کان من قبیل الثانی أعنی:إیقاع المعاملة منجّزا بین هذا و الثمن،ثمّ انفساخها علی تقدیر ظهور المخالفة و انعقاد مبادلة أخری فی ما بین هذا الثمن و العین الموصوفة الأخری،فهذا لا مانع فیه من جهة البیع،إذ یفرض حصول الاطمئنان من الخارج بوجود الصفة و لا من جهة شرط الانفساخ،لوجوده فی مسألة شرط الخیار برد الثمن.

و أمّا من جهة شرط الانعقاد ثانیا فلا شبهة فی کونه فی طول حصول الانفساخ لترتّب المبادلة و الانتقال الثانوی علی الدخول فی ملک البائع حتّی یعود بالمبایعة الثانویّة إلی المشتری،فالانفساخ مقدّمة للانعقاد،فیکون مقدّما فی الرتبة

ص:301

علی الانعقاد فیرد حینئذ الإشکال بأنّ الشرط تابع للعقد المشروط فیه حدوثا و بقاء فکیف یمکن ارتفاع العقد الذی وقع فی ضمنه الشرط،و فی الرتبة المتأخّرة من ذلک یتحقّق مضمون الشرط الذی وقع فی ضمنه.

و لکنّه لیس واردا،لأنّ الشرط إذا تعلّق بهذا الترتیب فوقوع خلافه خلاف الوفاء بالشرط،فإذا وقع تحت مفاد الشرط حصول هذا الترتیب و شمله دلیل الوفاء بالشرط،فاللازم حصوله کذلک،و هذا نظیر أن یشترط فی بیع الحیوان مثلا علی المشتری أنّه لو فسخ فی الثلاثة کان علیه دینار للبائع،فمقتضی هذا الشرط وقوع الملکیّة عقیب الفسخ،فکیف یصیر الفسخ الذی صار مقتضیا بحکم دلیل الشرط،مانعا لما صار مقتضیا له؟ نعم یمکن الدغدغة فی صحّة هذا الشرط الثانی من جهة احتمال اختصاصه بالحصول من أسباب خاصّة کما فی النکاح،فإن جعلنا ذلک مضرا بصحّته صار هذا الشرط فاسدا،و أمّا إفساده للعقد فمبنیّ علی القول بإفساد الشرط الفاسد،فإن قلنا بعدم الإفساد فلا وجه للفساد.

نعم لو ظهر المبیع فاقدا للوصف فهل یحصل الانفساخ بمقتضی الشرط الأوّل؟بتقریب أنّه کما لم یوجب فساد الشرط الثانی فساد العقد لم یوجب أیضا فساد الشرط الأوّل،أو أنّه لا یحصل بل تبقی المبادلة بحالها و یحصل الخیار علی قاعدته؟ یمکن تقویة الثانی،لأنّ شرط الانفساخ نسبته إلی شرط الانعقاد نسبة المقدّمة إلی ذیها لا نسبة المقیّد إلی قیده،و نسبة العقد إلی الشرط الثانی نسبة المقیّد إلی قیده،و نحن إن قلنا بأنّ المقیّد لا یبطل إنشاؤه ببطلان القید،لا یلازم أن نقول بأنّ الإنشاء الحاصل مقدّمة و بتبع إنشاء آخر أیضا لا یبطل ببطلان الإنشاء

ص:302

الثانی،بل یمکن دعوی شهادة العرف فی الثانی بالبطلان،و أنّ الفرع لا یزید علی الأصل.

و إن کان من قبیل الثالث أعنی:إیقاع المعاملة منجّزا علی هذا ثمّ اشتراط وقوع مبادلة أخری بین هذا فی ملک المشتری و بین عین أخری إمّا کلیّة أو شخصیّة موصوفة علی تقدیر فقدان الصفة المشترطة فی المبیع الأوّل،و هذا أیضا لا إشکال فیه من حیث البیع الأوّل لو فرض حصول الاطمئنان بصفته،و لا من حیث الشرط لو فرغنا عن إمکان مملکیّة الشرط شرعا و عدم الاختصاص بالأسباب الخاصّة مثل البیع و الصلح،و فرضنا أنّ المبیع الموصوف أیضا جعل فقدان صفة واحدة من صفاته تقدیرا للمبایعة المشترطة،و یکون حاله عند هذا التقدیر أیضا معلوما.

مثلا کان معلوما أنّ هذا الفرس لو لم یکن عربیا کان فارسیّا حتّی لا یکون الثمن فی المبایعة الثانیة شیئا مجهول الصفة فیبطل من جهة الغرر،و یوجب بطلان البیع.

نعم لو فرض الدغدغة فی الأمر الأوّل صار هذا الشرط فاسدا،و فی إفساده العقد أیضا هو الوجهان الموجودان فی کلّ شرط فاسد،و علی تقدیر العدم فلا وجه لفساد العقد،فلم یعلم ما وجه حکم شیخنا الشهید بفساد العقد،إلاّ أن یکون المفروض جهالة المبیع علی تقدیر فقدان الصفة و تردّده بین صفات أخر تتفاوت بها المالیّة،فإنّه حینئذ یقع ثمن البیع الثانی مجهولا و تسری الجهالة إلی البیع الأوّل، فیسری الفساد من هذه الجهة،لکنّ الحکم بالفساد بوجه الکلّیّة لیس له وجه بناء علی مبنی عدم مفسدیّة الشرط الفاسد.

ثمّ لم یعلم ما وجه اعتراض الحدائق علی الشهید بما حاصله:أنّه لا وجه للفساد فی صورة ظهور المبیع موصوفا،مع تسلیمه الفساد فی صورة ظهور

ص:303

الفقدان،فإنّه إن بنینا علی إفساد الشرط الفاسد فلا فرق بین الصورتین فی الفساد، و إلاّ فکذلک فی الصحة،و إن کان بناء کلامه علی ما تقدّم عن الأردبیلی-قدّس سرّهما-من تقویة البطلان عند الفقدان،فکیف صنع بالأخبار المتقدّمة الواردة فی خیار الرؤیة؟ و الذی أفاده شیخنا الأستاذ-دام علاه-فی توجیه عبارة الحدائق علی وجه یسلم عن الإیراد الواضح الغیر اللائق بأهل العلم:أنّ مراده بالمخالفة فی قوله:

«لو ظهر مخالفا فإنّه یکون فاسدا من حیث المخالفة»هی مخالفة الشرط للشرع، بمعنی أنّ شرط الإبدال مخالف لأخبار خیار الرؤیة،فإنّ الشرع جعل العلاج ثبوت الخیار،و جعل هذا الشرط بقبال الشرع الإبدال،و إذا فسد الشرط فسد المشروط بناء علی مذاق من یجعل الشرط الفاسد مفسدا و بناء علی أنّ إبطال موضوع الخیار أعنی:ارتفاع العقد أیضا ینافی مع ما دلّ علی الخیار فی حال وجود العقد.

ثمّ أورد علی نفسه إیرادا بأنّ هذا الشرط لا یخالف الشرع،لأنّه جعله جابرا لتخلّف الوصف،فأجاب بعدم الصالحیّة للإجبار،لأنّ الأخبار الدالة علی الخیار مطلقة شاملة لحال وجود مثل هذا الشرط أیضا،فالشارع فی هذا الفرض أیضا جعل الجابر هو الخیار فجعله الإبدال یکون مخالفة للشرع.

و أمّا وجه تخصیص البطلان بصورة ظهور فقد الوصف دون صورة وجوده، فلأنّ الشرط إنّما هو فی صورة عدم ظهور الوصف،فلا شرط مع ظهوره،و الأخبار المتقدّمة أیضا عامّة شاملة لهذا الفرض فنحکم بالصحّة و الخیار بمقتضاها،هذا ما أفاده-دام ظلّه-فی توجیه العبارة و لکنّ الأمر سهل بعد وضوح أصل المسألة کما عرفت.

ص:304

مسألة:هل خیار تخلّف الوصف خاص بالبیع أو یشمل کلّ عقد

واقع علی عین شخصیّة موصوفة کالصلح و الإجارة؟اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الشمول مستدلا بأنّه لو لم نحکم بالخیار مع تبیّن المخالفة فإمّا أن نحکم ببطلان العقد و إمّا أن نحکم بلزومه،و الأوّل مخالف لطریقة الفقهاء،و الثانی فاسد من جهة أنّ دلیل اللزوم هو وجوب الوفاء و حرمة النقض،و من المعلوم أنّ عدم الالتزام بترتّب آثار العقد علی العین الفاقدة للأوصاف المشترطة لیس نقضا للعقد،هذا حاصل استدلاله-قدّس سرّه.

و خدش فیه شخینا الأستاذ-دام علاه-:بأنّ مجرّد عدم وفاء دلیل اللزوم لا یکفی لنفیه بعد أنّ مقتضی الاستصحاب بقاء الآثار المفروض حدوثها بحکم الإجماع المذکور فی کلامه-قدّس سرّه-قبل الفسخ بنفس العقد فی ما بعد الفسخ، فالأولی الاستدلال ببناء العقلاء علی الخیار فی صورة التخلّف،و تسلّط من تخلّف الوصف فی ما انتقل إلیه علی فسخ العقد،و علی فرضه لا نحتاج إلی الإجماع أیضا، إذ یکفینا هذا البناء لإتمام کلّ من الصحّة و الجواز لو لم نقل بأنّ الصحّة مفاد الأدلّة کما اختاره علی خلاف ما سبق اختیاره من الأستاذ-دام ظلّه-من إمکان استفادتها منها أیضا.

مسألة:لو اختلفا فقال المشتری:تخلّف صفة،و قال البائع:لم یتخلّف،

فهذا له صورتان:

الأولی:أن یکون کلّ منهما مدّعیا للتقیید بصفة،کأن یقول المشتری:قیّدنا العبد بالحبشیّة و هذا زنجیّ،و یقول البائع:بل قیّدناه بالزنجیّة.

و الأخری:أن یرجع النزاع إلی المطلق و المقیّد،فیقول المشتری:قد قیّدناه بالحبشیّة،و یقول البائع:بل أوقعنا البیع علی وجه الإطلاق من هذه الجهة،و دفعنا

ص:305

الغرر بحصول الاطمئنان من الخارج و لکن صرّحنا فی الصیغة بأنّه سواء کان کذلک أم لا.

و علی کلّ حال فهل یقدّم قول البائع أو المشتری؟رجّح العلاّمة-أعلی اللّه مقامه-الثانی،لبراءة ذمّته عن دفع الثمن إلی البائع،و لا ینافی مع اعترافهما بوقوع البیع،لابتنائه علی عدم وجوب تسلیم ذی الخیار فی زمن الخیار ما انتقل عنه و إن تسلّم ما انتقل إلیه.

و لکن یرد علیه بأنّ هنا أصلا آخر و هو عدم ملکیّة المشتری و بقاء ملکیّة البائع للثمن،فیعارض هذا مع الأصل المذکور.

و أورد علیه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بأنّه بعد الإقرار باشتغال الذمّة بالثمن حسب وقوع العقد الصحیح یقع الشک فی حصول الالتزام من البائع بالوصف المفقود أو لا،و الأصل یقتضی عدمه،و هذا الأصل حاکم علی أصالة البراءة المذکورة،لکونه موضوعیّا بالنسبة إلیها.

ثمّ رجع عن هذا و فرّق بین الاشتراط و التوصیف و أنّه مع الاشتراط یکون الأمر هکذا،و أمّا مع التوصیف فالأصل یقتضی عدم وقوع العقد المقیّد بالصفة الموجودة،و مقتضاه عدم وجوب الوفاء علی المشتری بدفع الثمن إلی البائع،و لا یرد علی هذا الذی ذکره-قدّس سرّه-ما أوردناه علی کلام العلاّمة-قدّس سرّه-من المعارضة بأصالة بقاء ملک البائع للثمن بعد فسخ المشتری،لأنّ هذا الأصل موضوعی بالنسبة إلی استصحاب الملک،بمعنی أنّ من آثار عدم وقوع العقد علی الصفة الموجودة بنحو مفاد لیس التامّة أعمّ من أن لا یقع عقد فی البین أصلا أو وقع مقیّدا بالصفة المفقودة ملکیّة المشتری للثمن بعد قول فسخت.

فهذا الأصل و إن لم یحرز إلاّ جامع العدم دون إحدی الخصوصیّتین لکنّ

ص:306

الملکیّة عقیب الفسخ لیس من آثار إحدیهما،و إنّما هی أثر لهذا الجامع العدمی، فیکفی الأصل المتکفّل لهذا الجامع لإثباته،فیرفع الشک بالنسبة إلی الملکیّة بعد الفسخ فلا یبقی مجال لاستصحابها،هذا.

و لکن یرد علیه-قدّس سرّه-:معارضة هذا الأصل بأصل آخر و هو أصل عدم وقوع العقد علی الصفة المفقودة و یکون من أثره أیضا عدم عود ملکیّة الثمن للمشتری بعد الفسخ.

و الذی اختاره شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-فی المسألة:تقدیم قول البائع.

و توضیح ذلک:أنّ معقد النزاع لیس هنا أصل ینقّح أحد طرفیه،بمعنی أنّه لیس لنا أصل یحرز أنّ هذا العقد الموجود علی أیّ حال من وصف التقیید بالمفقود أو الموجود أو وصف الإطلاق و کونه خیاریّا أو لازما،و لکن لا بدّ من تنقیح أنّ الجواز هو المحتاج إلی السبب أو اللزوم،و بعد ذلک لا بدّ من تنقیح أنّ السبب ماذا و أنّه هل اعتبر علی نحو لا یقبل الاستصحاب أو علی نحو یقبله؟ أمّا الجهة الأولی فنقول:الظاهر أنّ اللزوم لیس إلاّ عبارة عن بقاء الملک و عدم وجود ما یزیله،و الجواز عبارة عن وجود موجب لزواله،فاللزوم أمر عدمی و لیس سببه إلاّ عدم موجب الخیار مع وجود ما یقتضی الملک و هو العقد.

و أمّا الجهة الثانیة فنقول:سبب الخیار إمّا عبارة عن تخلّف الصفة المعقود علیها،أو کون العقد واقعا علی صفة مفقودة،و علی کلّ حال نقول:یمکن لنا تتمیم المرام بضمیمة الوجدان إلی الأصل،و ذلک لأنّ العقد الموجود علی هذا المنوال له بوحدة وجوده الخارجی أثران:

أحدهما:الصحّة،و الآخر:الخیار،و بمقتضی تعدّد الأثر لا بدّ من تعدّد المؤثّر،فنقول بالتحلیل العقلی یکون المؤثّر فی الانتقال أصل جامع العقد أعمّ من

ص:307

الواقع علی المنوال المذکور و من غیره،و المؤثّر فی الخیار هو هذا العقد الخاص.

فالجهة الأولی معلومة الحصول لنا فی المقام،إذ لا نشک فی وقوع جامع العقد علی هذا الثمن الشخصی،و أمّا الجهة الثانیة فمشکوکة مسبوقة بالعدم فنستصحبه و نرتّب علیه عدم حصول إعادة الملک الحاصل للبائع إلی المشتری، فأصل الانتقال إلی البائع محرز بحکم الوجدان،و موجب عوده إلی المشتری محکوم بالعدم بحکم الأصل،و قد عرفت أنّ هذا معنی اللزوم.

و لا فرق فی ما ذکرنا بین کون الموجب للخیار تخلّف الصفة بنحو مفاد کان التامّة،أو کون العقد واقعا علی الصفة المتخلّفة بنحو مفاد کان الناقصة،أمّا علی التقدیر الأوّل،فجریان أصل العدم واضح،و أمّا علی الثانی فلأنّا لا نرید إحراز حال العقد الموجود الذی هو مطرح المرافعة کما تقدّم ذکره فی صدر التوضیح بل نقول:الأصل عدم تحقّق العقد بهذا المنوال علی هذا الثمن الشخصی.

و بعبارة أخری الأصل عدم تحقّق قضیة عقد کان کذا فی هذا الثمن،و هذا کاف فی إثبات المدّعی من عدم تحقّق العود فی هذا الثمن علی تقدیر الانتقال.

نعم لو کان الأثر مرتّبا علی موضوع شخصی خارجی مع محمول عدمی،لا یمکن إجراء أصالة عدم تحقّق القضیّة من الأزل ثمّ حمله علی الموضوع الخارجی، لأنّ السالبة المنتفیة الموضوع مع السالبة الموجودة الموضوع موضوعان عند العرف، فإذا کان أثر صلاة رکعتین مثلا مرتّبا علی قضیة«زید إذا لم یکن قائماً»و شککنا فی قیام زید الموجود،فلا یمکن إجراء أصالة عدم تحقّق قیام هذا الزید من الأزل و جرّه إلی حال وجوده،فإنّ الحکم حال وجوده بأنّه لیس بقائم غیر الحکم بعدم تحقّق قیامه من الأزل.فالموضوع فی الثانی فی الحقیقة هو الربط و فی الأوّل هو الزید الخارجی.

ص:308

و أمّا إذا کان أثر صلاة رکعتین مرتّبا علی قضیّة«زید إذا کان قائماً»فشککنا فی قیامه بعد وجوده فلنا إجراء أصالة عدم تحقّق هذه القضیّة لرفع الأثر المذکور، و مقامنا من هذا القبیل،فتدبّر.

مسألة:لو نسج بعض الثوب فاشتراه علی أن ینسج الباقی کالأوّل بطل

کما عن المبسوط و القاضی و ابن سعید-قدّس سرّهما-و العلاّمة فی کتبه و جامع المقاصد،و استدلّ علیه فی التذکرة و جامع المقاصد علی المحکیّ بأنّ بعضه عین حاضرة و بعضه فی الذمّة مجهول.

قد یستشکل فی هذا بأنّه یمکن رفع الجهالة بأحد أمور ثلاثة،إمّا أن یبیعه المنسوج و المغزول علی أن ینسج المغزول بمنوال المنسوج مع الاطمئنان بأنّه یفی بالشرط و یخرج عن عهدته،و إمّا أن یبیعه هذا المنسوج بضمیمة مقدار معیّن من المغزول الکلّی بالشرط المذکور،و إمّا أن یبیعه هذا المنسوج مع أذرع معلومة من المغزول المنسوج بهذه الصفة علی وجه الکلّی،هذا.

و لکن قال شیخنا الأستاذ-دامت أیّام إفاضاته الشریفة-:یمکن أن یکون نظر المانع إلی صورة قصد بیع هذا المنسوج مع المنسوج الذی یکون له شأنیّة الوجود بأن یجعله بما هو جزئی و غیر قابل الصدق علی کثیرین ضمیمة للموجود.

و وجه البطلان حینئذ اشتراکه مع ما أجمعوا ظاهرا علی البطلان فیه من بیع أحد عبدین متساویین فی جمیع الجهات بلا تفاوت بینهما رأسا و أصلا من دون تعیین أحدهما،فإنّ کونه بنحو الإبهام الذی لا تعیین له حتّی فی نفس الأمر یظهر أنّه أیضا کالجهل مانع مستقلّ عن الصحّة،و هذا المعنی بعینه موجود فی المقام، فإنّ ما یتصوّره اللاحظ من الموجود فی المستقبل لا بعنایة الوجود حتّی یقبل الجعل فی العهدة له أنحاء متشابهة من جمیع الجهات فی عالم التصوّر و لا میز فی نفس

ص:309

الأمر لما یجعل فی العهدة ممّا بین هذه الصور،فلا محالة یکون جزء المبیع هو الجزئی المردّد فی ما بینها،الذی لا یخرج واقعة عن الإبهام.

و القول بأنّه معلوم فی علم اللّه تعالی فیشار إلیه بهذا الوجه الإجمالی و هذا کاف فی مقام المایزیّة،فیکون کالشبح المرئی من بعید،فإنّه محتمل الانطباق علی الکثیرین علی البدل لکنّه لیس بنکرة فکذا فی المقام.

مدفوع بأنّه حینئذ و إن کان کذلک لکنّ المبیع علی هذا التقدیر یکون مردّدا بین الموجود و المعدوم،إذ علی تقدیر عدم النسج لا معلوم عند اللّه،بل المعلوم عنده تعالی هو العدم.و مفروض کلامهم-قدّس أسرارهم-ما إذا کان المبیع سواء نسج أم لم ینسج أبدا شیئا محفوظا موجودا بالوجود فی العهدة،و البیع بهذا التقدیر لا محالة متعلّق بالمبهم.

السابع:خیار العیب

اشارة

اعلم أنّ مقام البیع و الشراء سواء کان باللفظ أم بالفعل ظاهر فی کون المتعلّق هو الصحیح الخالی عن العیب إذا کان متعلّقا بالعین الشخصیّة و لم یذکر من الصحّة و العیب قید،و لیس هذا من قبیل الأغراض المترتّبة علی المبیع أو الصفات الکمالیّة الموجودة فیه،فإنّه یکون الإنشاء فیها مطلقا ما لم یذکر القید و إنّما التقیّد فی اللّب.

و أمّا فی صفة الصحّة فهی تصیر قیدا للإنشاء بمعنی أنّ النظر الإنشائی مقصور علی الصحیح،بل نقول:لا فرق فی ذلک بین العین الشخصیّة و الکلّی، فإنّ هذا من خاصیّة مقام البیع و الشراء حیث لا یقدم العاقل علی شراء المعیوب إلاّ لعارض،و علی هذا یکون ثبوت الخیار عند تبیّن العیب علی حسب القاعدة

ص:310

و إنّما التعبّد فی سقوط الردّ مع عدم قیام المبیع بعینه،و فی ثبوت الأرش.

نعم هیهنا فرق بین العین الشخصیّة و الکلّی من حیث وجود أصل السلامة الذی هو أصل عقلائی و أمارة علی ثبوت وصف الصحّة فی الأولی دون الثانی،فإنّ لفظ الجنس یدلّ علیه مطلقا إن لم یضیّق بذلک القید،و أمّا العین الشخصیّة فأصل عدم خروجها عن الحالة الطبیعیة القاضیة بعدم نقص فیه عن الخلقة الأصلیّة یعیّن حالها و یخرجها عن التردید،و لکن لا یکفی بمجرّده لإثبات الخیار عند فقد وصف الصحّة،إذ غایته حصول الاطمئنان بوجود الصفة و هو غیر قاضٍ بالتعبّد فی مرحلة الإنشاء.

و الحاصل:هذا الأصل نافع لأجل رفع الغرر،و أمّا لتطبیق ثبوت الخیار فی صورة الفقد علی القاعدة فلیس هو بنافع،بل النافع هو الانصراف المقامی الذی هو بمنزلة التقیید و الذکر،فهما أمران غیر مرتبطان لیس أحدهما علّة للآخر،فما یظهر من عبارة شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-من علیّة الأصل المذکور للانصراف المذکور محلّ نظر،و لهذا نری مجیئ الانصراف فی الکلّی مع عدم تحقّق الأصل فیه.

إلاّ أن یقال فی توجیه کلامه-قدّس سرّه-:إنّ البائع فی صورة علمه بحال المبیع-کما هو الغالب-لا یتعهّد وصف الصحّة للمشتری مع وجود العیب، و یکون الانصراف صوریّا لا تعهّد علی طبقه،ألا تری أنّه لو أخبر أحد أنّ الإنسان دخل فی الدار و کان الداخل ذا رأسین لا یصحّ نسبة الکذب إلی المخبر؟ فکما أنّ الانصراف صوریّ لا تجزم علی طبقه واقعا،فکذا فی المقام.نعم مع وجود وصف الصحّة و الفرض أنّ البائع عالم یتحقّق منه التعهّد،فأصل السلامة إنّما یحتاج إلیه لإثبات هذا التعهّد.

ص:311

و الحاصل:إطلاق العقد بالنسبة إلی وصف الصحّة لیس کسائر الصفات الدخیلة فی الغرض،بل یوجب التقیید و الابتناء علی الوجود لکن بضمیمة إحراز کون البائع عالما بوجود وصف الصحّة،و إلاّ فمع العلم بالفساد لا یتحقّق منه التعهّد،فأصل السلامة یحرز به وجود السلامة و بالملازمة کون البائع الذی یقلب العین عالما به،و بعد ذلک یفید الانصراف المذکور تعهّد البائع بالوصف فعلم أنّ الأصل المذکور محتاج إلیه لأجل تحقّق الانصراف من طرف البائع.

لکن یرد علیه-قدّس سرّه-حینئذ أنّ اللازم علی تقدیر کشف خلاف هذه الأمارة و معیوبیّة المبیع و أنّ البائع کان غیر متعهّد،عدم ثبوت خیار تخلّف الوصف و إنما الخیار ثابت لأجل التعبّد أو أنّه خیار عرفی آخر غیر خیار تخلّف التعهّد و الوصف،و تظهر الثمرة فی صورة التصریح بالاشتراط،فإنّه تعهّد من البائع مطلقا و لو فی صورة عدم وجود السلامة و علمه بذلک،إذ تعهّده حینئذ مثل تجزّم الخبر فی القضیّة الإخباریة التی هو عالم بکذب مضمونها،فیوجب هذا التصریح خیارا زائدا علی ما اقتضاه نفس العقد علی المعیب بمؤنة التعبّد أو العرف،فلو سقط الردّ فی ذلک الخیار بواسطة بعض التصرّفات لم یسقط بواسطة هذا الخیار الحادث بالاشتراط.

و أمّا الروایة التی استشهد بها شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-علی عدم حدوث تفاوت بواسطة هذا التصریح المشتملة علی بیع الأمة علی أنّها باکرة فوجدها المشتری ثیّبة،حیث أرجعه الإمام-علیه السلام-إلی الأرش،فیعلم أنّ الردّ سقط بواسطة هذا التصرّف و لو کان الخیار الحادث بالاشتراط مغایرا لما سقط.

فیمکن الجواب بعد تسلیم کون الثیبوبة عیبا کما لعلّه یأتی الکلام فیه إن شاء اللّه تعالی:بأنّه یمکن کون هذا حکما علی خلاف القاعدة ثابتا فی باب

ص:312

الاشتراط کما ورد نظیره فی اشتراط البکارة فی عقد النکاح،فوجدها الزوج ثیّبا، حیث وردت الروایة الصحیحة بانتقاص المهر،و إن اختلف الفقهاء-رضوان اللّه علیهم-فی تعیین مقدار النقصان،فذهب بعضهم إلی أنّه الأرش فی ما بین مهر البکر و الثّیب،فمن الممکن کون هذا الحکم تعبّدا خاصّا بباب اشتراط البکارة فی المرأة أعمّ من وقوعه فی عقد النکاح أو البیع.

و علی ما ذکرنا یبقی الکلام فی أنّه لو صرّح بالاشتراط و تصرّف المشتری فی المبیع و سقط بذلک ردّه من ناحیة العیب،فهل له الأرش و الردّ معا؟أمّا الأرش فبمقتضی العیب،و أمّا الردّ فبمقتضی الشرط،الکلام مبنیّ علی فهم الإطلاق فی دلیل الأرش فی العیب،فإن کان الدلیل فی مقام تشریع الخیار فی الردّ مع قیام المبیع بعینه و مطالبة الأرش مع عدمه،و کان ساکتا عن الجهات الطارئة،فإن قطعنا من الخارج بأنّ الجهة الطارئة،أعنی:حدوث سلطنة الردّ بعد التصرّف من ناحیة الشرط لا مانعیّة له عن اقتضاء العیب للأرش فهو المطلوب،و أمّا إن احتملنا کون هذا مانعا بأن یکون المقتضی للأرش إنّما یصیر فعلیّا لو لم یکن للمشتری المتضرّر طریق آخر لدفع ضرره من الردّ،و أمّا مع انفتاح باب ذلک له فلا یصیر فعلیّا،فلا بدّ حینئذ من إحراز عدم المانعیة بالأصل لو کان،و إلاّ فمجرّد الحکم الاقتضائی لا ینفع مع بقاء الاحتمال المذکور بحاله.

نعم لو ثبت أنّ الأرش یجتمع مع الردّ بمعنی ثبوت التخییر بینهما فی عرض واحد إمّا بدلیل لفظی و إمّا لبّی نقطع بأنّ ثبوت الردّ من ناحیة الشرط لا یحدث أمرا زائدا،فکما لا نحتمل أن لا یبقی الردّ الناشئ من العیب بواسطة ثبوت هذا الردّ،کذلک لا نحتمل سقوط عدله الذی هو الأرش.

و أمّا إذا لم یقم دلیل علی أزید من ثبوت الأرش عند الیأس عن الردّ فالدلیل

ص:313

و إن لم یکن بظاهر فی سقوط الأرش عند تحقّق مثل هذا الردّ-لأنّ المتیقّن منه صورة الردّ بالعیب-و لکن لیس بظاهر فی ثبوت الأرش أیضا،بل هو ساکت عن صورة تحقّق التمکّن عن الردّ بطریق آخر و حینئذ یجیء ما قلنا من احتمال المانعیّة الغیر الممکن دفعه بالأصل.

فالعمدة إذن ملاحظة الدلیل الوارد فی المسألة و أنّه هل یفید التخییر العرضی فی ما بین الأمرین قبل التصرّف و تعیین الأرش بعده،أو أنّه یفید تعیین الردّ قبل التصرّف و الأرش مکانه بعده؟ فنقول و علی اللّه الاتکال فی کلّ حال:إنّه لم یوجد فی الأخبار ما ظاهره التخییر،نعم فی الفقه الرضوی-علیه السلام-:«فإن خرج السلعة معیبا و علم المشتری، فالخیار إلیه إن شاء ردّه،و إن شاء أخذه،أو ردّ علیه بالقیمة أرش العیب»و ظاهره علی ما ذکره شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أنّ ما بعد(أو)أیضا طرف ثالث للخیار،یعنی:أنّه مخیّر فی ما بین الردّ و الأخذ بتمام الثمن و أخذ الأرش،و هذا مبنیّ علی رجوع ضمیر«ردّ»إلی المشتری.

لکن یمکن أن یکون الضمیر راجعا إلی البائع،و المقصود أنّ المشتری بین الأمرین بالخیار إلاّ أن یجیء البائع و یردّ علیه بأرش العیب،فیسقط عند ذلک خیار المشتری،فلا یکون الأرش علی هذا طرفا لخیار المشتری،و إنّما اختیاره بید البائع بمعنی أنّه لیس للمشتری الردّ مع بذل البائع للأرش،لأنّ خیاره مشروط بعدم البذل و قد بذل،فلا تنطبق الروایة علی هذا المعنی علی المشهور من ثبوت التخییر بین الأمور الثلاثة للمشتری و أنّه لیس للبائع اختیار أحدها.

و هنا طریق آخر لإثبات التخییر بغیر الإجماع ذکره السید المحقّق الطباطبائی فی حاشیته علی مکاسب شیخنا المرتضی-قدّس سرّهما-و إن خدش

ص:314

هو-قدّس سرّه-فیه،و هو أن یقال:إنّ لنا ثلاث طوائف من الأخبار.

الأولی:ما أطلق فیه الردّ و هی کثیرة،و الثانیة:ما أطلق فیه الأرض،و الثالثة:

المفصّلة فی ما بین التصرّف و عدمه،و هذا مقیّد لإطلاق الأوّلتین،حیث إنّ مقتضاهما التسویة بین الحالین،و هذا یفید الفرق بانحصار الأرش و عدم جواز الردّ بعد التصرّف،و مقتضی الجمع العرفی بین إطلاقی الطائفتین الأوّلتین هو حمل ظاهر کلّ علی نصّ الآخر،فإنّ کلاّ منهما ظاهر فی التعیین و نصّ فی الجواز، فنحکم بمقتضی نصوصیّة کلّ بجواز الأمرین و نرفع الید عن ظهور کلّ فی التعیین.

ثمّ هذا فی ما قبل التصرّف و أمّا بعده فبمقتضی الطائفة الثالثة یحکم بتعیّن الأرش و ارتفاع التخییر،ثمّ أخبار الأولی و الثالثة معلومة،و أمّا الثانیة فذکر لها ثلاثة أخبار:

الأوّل:ما تقدّم من روایة یونس بناء علی عدم ظهورها فی صورة التصرّف و کون الثیبوبة عیبا.

و الثانی:خبر عمر بن یزید:«قال:کنت أنا و عمر بالمدینة،فباع عمر جرابا هرویّا کلّ ثوب بکذا و کذا،فأخذوه فاقتسموه،فوجدوا ثوبا فیه عیب،فقال لهم عمر:أعطیکم ثمنه الذی بعتکم به،قالوا:لا و لکنّا نأخذ منک قیمة الثوب،فذکر ذلک عمر لأبی عبد اللّه-علیه السلام-فقال:یلزمه ذلک» (1).

بناء علی عدم کون القسمة تصرّفا کما لا یبعد،و رجوع الضمیر فی قوله -علیه السلام-:«یلزمه»إلی البائع،و لا ینافیه أنّ ذلک خلاف مقام التخاطب،فإنّ

ص:315


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 16،من أبواب الخیار،ص 362،ح 1.

مقتضاه الإتیان بکاف الخطاب،لأنّ السائل کان هو البائع،لأنّ الناقل للقضیّة شخص آخر،و لیس هذا بخلاف المتعارف فی مقام نقل شخص عن شخص کما یشهد به ملاحظة أمثاله فی الفارسیّة و بناء علی أن یکون المراد بالقیمة التی طالبها المشتری هو التفاوت فی ما بین الصحیح و المعیب کما هو الظاهر أیضا لعدم احتمال غیره،و یبعد کون الضمیر راجعا إلی المشتری لکونه حسب الفرض جماعة، فکان اللازم أن یقول:یلزمهم ذلک،أعنی:قبول الثمن،مع أنّ المنقول عن نسخة التهذیب«یلزمهم»بضمیر الجمع،فتصیر الروایة حینئذ علی خلاف المشهور القائلین بلزوم الأرش عند مطالبة المشتری قبل التصرّف.

و الحاصل فی الروایة احتمالات:

الأوّل:أن یکون طرفا التردید ثمن الثوب المعیب،أعنی:ما خصّه فی ضمن المجموع و قیمته المراد بها تفاوت القیمة،و قد عرفت عدم مساس الروایة بالمقام علی نسخة التهذیب،و علی الأخری لا أقلّ من الإجمال لو لم نقل بظهور ضمیر الغائب فی الرجوع إلی المشتری فیتّحد مع نسخة التهذیب.

الثانی:أن یکون المراد بالثمن ثمن الجراب المشتمل علی الثیاب و بالقیمة ما قابل الثوب المعیب بخصوصه،فتدلّ الروایة علی عدم جواز الفسخ فی البعض المعیب خاصّة و لا ربط لها بالمقام أیضا.

الثالث:أن یکون المراد بالثمن ما قابله فی المبایعة و بالقیمة قیمته العادلة السوقیّة،و علی هذا أیضا لا ربط لها بما نحن فیه.

الثالث:خبر السکونی:«إنّ علیّا-علیه السلام-قضی فی رجل اشتری من رجل عکّة فیها سمن احتکرها حکرة،فوجد فیها ربّا،فخاصمه إلی علیّ-علیه السلام-فقال له علیّ-علیه السلام-:لک بکیل الرب سمن،فقال له الرجل:إنّما بعته منک حکرة،

ص:316

فقال له علیّ-علیه السلام-:إنّما اشتری منک سمنا و لم یشتر منک ربّا» (1)بناء علی ظهوره فی بیع الشخصی و کون الربّ مخلوطا مع السمن حتّی یعدّ عیبا فیه،فیکون أخذ السمن بکیله من باب الأرش.

و لکن فیه أنّ الظهور فی الشخصی و إن کان حقّا،لکن ظاهر قوله:«لک بکیل الربّ سمنا»أنّ الربّ ممتاز یمکن تعیین کیله،و معه یخرج عن باب العیب إلی تبعّض الصفقة،فتکون الروایة حکما علی خلاف القاعدة،فإنّ مقتضی القاعدة بطلان البیع بالنسبة إلی ما قابل الرب و حدوث الخیار للمشتری بالنسبة إلی البعض الآخر لتبعّض الصفقة.

و علی کلّ حال فلو فرضنا سلامة الروایات الثلاث عن الخدشة فی الدلالة علی الأرش بنحو الإطلاق لأمکن الخدشة فی الجمع العرفی الذی ذکره من حملها مع أخبار الرد علی التخییر،فإنّ هذا ما دام لم یکن فی البین شاهد جمع،و أمّا بعد وجود الخبر المفصّل فیما بین ما قبل التصرّف و ما بعده بالرد فی الأوّل،و الأرش فی الثانی یتعیّن الحمل علی ذلک.

و قد یتشبّث لإثبات التخییر بأنّا لا نحتمل مدخلیّة التصرّف فی ثبوت استحقاق الأرش بل الدخالة کلّها للعیب و هو بعینه موجود فی ما قبل التصرّف، غایة الأمر روعی جانب المشتری،حیث جعل له الرد،لأنّ مصلحته فیه أزید، و حینئذ فلا یعقل المانعیّة فی هذا الجعل الذی وقع لأجل مراعاته،فلو فرض أنّه رضی بترک الرد و لکن لم یرض بالعیب أیضا،فالمقتضی لاستحقاق الأرش موجود و المانع مفقود فلیؤثّر أثره.

و الحاصل ذکر الرد و عدم التعرّض للأرش إنّما هو لأجل أنّ الطباع لا

ص:317


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 7،من أبواب أحکام العیوب،ص 419،ح 3.

یمیلون إلی الأرش ما دام الرد ممکنا،فالأرش إنّما یصار إلیه حیث لا تمکّن من الرد،لا أنّ تشریع الأرش مخصوص بصورة عدم التمکّن،و ذلک لما عرفت من العلم بعدم ثبوت مدخلیّة لغیر العیب فی استحقاق الأرش و عدم تصوّر مانعیّة فی إمکان الرد بالنسبة إلی الأرش،و ذلک لظهور الأدلّة فی کون الرد لرعایة جانب المشتری لا للتضییق علیه،و العجب أنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-قد تشبّث بمثل هذا فی عدم مدخلیّة ظهور العیب فی ثبوت استحقاق الأرش،و لم یذکره بالنسبة إلی التصرّف مع أنّ المقامین من واد واحد،هذا.

ثمّ إنّ المنقول عن شیخ الطائفة أنّه ذهب إلی أنّ أخذ الأرش مشروط بالیأس عن الرد،و ردّه شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-بمخالفته لإطلاق الأخبار بجواز الأرش.فربّما یتوهّم المتوهم أنّ هذا الکلام مناف لما ذکره-قدّس سرّه-قبل أسطر من أنّ الأرش لم یوجد فی الأخبار ما یدلّ علی التخییر بینه و بین الرد،بل ما دلّ علیه مختصّ بصورة التصرّف المانع من الرد.لکنّ التوهّم فاسد،لأنّ مقصود شیخ الطائفة من الیأس عدم التمکّن و لو بطریق الاستقالة،و هذا المعنی معلوم أنّه یمکن دفعه بإطلاق الأخبار کما هو واضح.

ثمّ إنّ الظاهر من عنوانی الظهور و الوجدان الواقعین فی الأخبار هو الطریقیّة الصرفة،فالخیار ثابت بنفس العقد،و ذلک لظهور نفس التقیید بهما و لو فی مورد کان الحکم تعبّدیا صرفا فی ذلک،فکیف و هو فی المقام إمضاء لما ارتکز فی الأذهان العرفیّة،و الثابت عندهم إنّما هو الخیار بنفس العیب الواقعی مع العقد من دون مدخلیّة لوصفی الظهور و الرؤیة و هذا واضح أیضا.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-ذکر هنا أیضا کما فی خیار الغبن بأنّ الخیار إن أرید به السلطنة الفعلیّة،فمن المعلوم عدم حصوله إلاّ بعد العلم

ص:318

بالصغری و الکبری،و إن أرید به نفس الحقّ الواقعی فهو ثابت مع قطع النظر عن العلم و الجهل،نعم فی الآثار لا بدّ من النظر إلی أدلّتها،فما یظهر من دلیله ترتّبه علی نفس الحقّ الواقعی حکم به قبل الظهور و منه جواز الفسخ الاقتراحی، أو بظن سبب معدوم و منه جواز الإسقاط و ما یظهر من دلیله ترتّبه علی السلطنة الفعلیّة یتوقّف علی حصول العلم،و مثّل له فی خیار الغبن بکون التصرّف مسقطا للخیار،فإنّ دلالته علی الالتزام بالبیع إنّما هو بعد العلم بالموجب للخیار.

و أنت خبیر بأنّ هذا الذی جعله مثالا لا یجری هنا،فإنّ التصرّف هنا غیر مسقط للخیار،بل معیّن لأحد طرفیه من الأرش و مسقط للآخر من غیر فرق بین ما قبل العلم و ما بعده،فلا یعلم هنا مثال لما یکون مترتّبا علی السلطنة الفعلیّة، هذا.

ثمّ إنّه ادّعی شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-ثبوت هذا الخیار فی جانب الثمن أیضا،لکن لو ثبت إجماع فهو،و إلاّ فالأخبار قاصرة،لاختصاصها بالمثمن، نعم مقتضی ما ذکرنا من الانصراف و ظهور العقد فی التقیید بوصف الصحّة مع أصالة السلامة مشترک فی المقامین،لکنّ الثابت علی تقدیره خیار عرفی آخر لا ربط له بخیار العیب و إثبات الأرش.

بقی فی المقام شیء و هو أنّه هل یثبت هذا الخیار فی بیع الکلّی أیضا أو أنّه خاص بالشخصی،قال فی الشرائع:إذا اشتری دراهم فی الذمّة بمثلها و وجد ما صار إلیه غیر فضّة قبل التفرّق له المطالبة بالبدل-إلی أن قال:-و إن لم تخرج بالعیب عن الجنسیّة کان مخیّرا بین الردّ و الإمساک بالثمن من غیر أرش له و المطالبة بالبدل قبل التفرّق قطعا و فی ما بعد التفرّق تردّد،انتهی.

و عن العلاّمة فی الإرشاد فی فرض المسألة له الردّ و الإمساک بغیر أرش و البدل و إن تفرّقا.

ص:319

و عن المبسوط و الوسیلة تخییره بعد التفرّق بین الرضی بالبیع و الفسخ و الإبدال.

و عن التذکرة و المختلف أنّه یطالب البدل و لیس له الفسخ إلاّ مع تعذّر الإبدال،و عن المختلف جواز أخذ الأرش أیضا فی مختلف الجنس حتّی بعد التفرّق.

قال فی الجواهر:و هو المفهوم من عبارة القواعد.

و لکن استشکل فی هذا الحکم شیخنا الأستاذ-دام ظلّه-،و توضیح المقام أنّ الأمر فی الکلّی لا یخلو عن حالین،إمّا نقول بانصرافه إلی الصحیح،و إمّا لا، فإن قلنا بالأوّل کما هو الصحیح،فلا یخلو إمّا نقول بوحدة المطلوب کما هو الصحیح،أو بتعدّده،و علی الثانی إمّا نقول بأنّ هنا مبیعین أحدهما:المطلق، و الثانی:المقیّد،کما فی التعدّد المطلوبی فی باب التکالیف فی مثل:«إذا کان کذا أعتق رقبة»و«إذا کان کذا أعتق رقبة مؤمنة»و إمّا یکون المبیع صرف الوجود و أخذ هو محلاّ للخصوصیة،أعنی:وصف الصحّة،کما هو أحد المحتملین فی الجهر بالقراءة،و علی جمیع هذه التقادیر لا یصحّ القول بثبوت الأمور المذکورة من الردّ و الإمساک و الإبدال و الأرش.

أمّا علی الانصراف و وحدة المطلوب کما هو الصحیح،فلأنّ الفرد المدفوع لم یصیر ملکا للمشتری،لأنّه غیر فرد للمبیع لوضوح أنّ الإنسان الأبیض غیر مصداق للإنسان الأسود،فلا فرق فی المغایرة و الأجنبیّة مع المبیع بین دفع ما لیس بجنس کالخشب فی بیع الحنطة،و بین دفع فاقد الوصف،و إن کان بینهما فرق فی الشخصی،و لهذا کان له الإغماض عن فقدان الوصف فی فاقده و اتّخاذه مبیعا،لأنّه وقع علیه البیع.

ص:320

و بعبارة أخری و إن کان قد باع هذا الموصوف فتخلّف الوصف،لکن لم یتخلّف الإشارة،و هی أیضا و إن کانت متقیّدة بالدقّة فیکون متخلّفة و لکن بنظر العرف غیر متخلّفة،و یکون البیع لهذا الموصوف کالضرب له.

و بالجملة یمکن فی الشخصی دعوی المبیعیّة فی الفاقد،و أمّا فی الکلّی،فلا سبیل إلی ذلک،فإنّ العرف یفهم أنّ المبیع إذا کان کلّی الحنطة الحمراء مثلا، فلیس دفع الصفراء وفاء بالبیع أصلا،و علی هذا فالمتعیّن هو الإبدال لا غیر من دون حقّ فی الفسخ و الأرش و الإمساک بغیر أرش.

و أمّا علی الانصراف و تعدّد المطلوب بالنحو الأوّل فاللازم قبول المدفوع و بقاء فرد صحیح فی ذمة البائع مصداقا للمبیع المقیّد،فلیس له الإبدال حینئذ أیضا و یتعیّن الإمساک بغیر أرش،نعم له المطالبة بفرد آخر صحیح.

و أمّا علی تعدّد المطلوب بالنحو الثانی،فلیس له الإبدال أیضا،لأنّ هذا مصداق لصرف الوجود فیجوز له الإمساک و الإغماض عن فقدان الصفة،و یجوز له فسخ أصل المعاملة،لأنّ هذا یرجع إلی اشتراط وجود الصفة فی الصرف الذی یملکه خارجا،و قد فرض تخلّفه،فالثابت له خیار تخلّف الشرط لا العیب،فلیس له الأرش کما لیس له الإبدال،نعم هنا کلام فی أنّ له أن یسلب عنوان الوفائیّة عن هذا المدفوع نظیر ما یقال فی تبدیل الامتثال فی ما إذا کان المطلوب صرف الوجود.

و أمّا علی منع الانصراف صحّت الإمساک و لا وجه للرد،نعم إلاّ أن یقال بأنّ الأخبار شاملة لمثل هذه العین الشخصیّة التی هی صارت مبیعة بالعرض، لانطباق الکلیّ المبیع علیها،فیصدق أنّ هذا مبیع و هو معیب،فیجری فیه الخیار بین الردّ و الإمساک بغیر أرش و الأرش،لکن علی کلّ حال لا یبقی مجال للإبدال لأنه فرع عدم المصداقیّة للکلّی،و المفروض أنّ المعیب مصداق لعدم انصراف

ص:321

الکلّی إلی الصحیح،هذا.

القول فی مسقطات هذا الخیار بطرفیه أو أحدهما

مسألة:یسقط الرد خاصّة بأمور:
أحدها:التصریح بالتزام العقد و إسقاط

الردّ

و اختیار الأرش،فإنّ الظاهر جواز هذا التفکیک له،فإنّ حقّه یرجع إلی حقّین فیجوز له إسقاط أحدهما و إبقاء الآخر،و لا یضرّ کونهما علی وجه التبادل له،فإنّه نظیر الأیدی المتعاقبة لو أبرأ بالنسبة إلی ید واحدة،یعنی:أسقط إضافة حقّه إلی تلک العهدة فإنّ هذا جائز له.

الثانی من مسقطات الردّ:التصرّف فی المعیب

اعلم أنّ الموجود فی الباب صحیحة ظاهرة فی تعلیق حکم سقوط الرد و مضیّ البیع علی عنوان إحداث شیء فی المعیب،و مرسلة معلّقة للحکم علی عدم قیام الشیء بعینه،فإمّا لا بدّ من التصرّف فی ظهور الأوّل بإلغاء حیث الإضافة و الإسناد إلی المشتری و جعل المعیار مجرّد حدوث شیء مع التقیید بکونه مغیّرا،و إمّا من التصرّف فی ظهور الثانی بجعله کنایة عن التصرّف،و لکن لا داعی إلی هذین،بل اللازم الأخذ بظاهر کلّ منهما.

فالظاهر من الثانی:أنّ التغیّر و إن حدث من فعل أجنبیّ،بل و إن لم یحدث من قبل أحد کالموت-حیث إنّه أعظم أفراد عدم القیام بالعین-موجب لسقوط الردّ.

و أمّا الخبر الأوّل:فإمّا ظاهر-بقرینة الخبر الوارد فی خیار الحیوان المعبّر فیه أیضا بإحداث الحدث مع تفسیره بمثل النظر و اللمس للجاریة معلّلا بأنّه رضی بالبیع-فی خصوص ما کان من التصرّفات کاشفة عن الرضی بالبیع،و إمّا مجمل، و یفهم التعدّی من ذلک الخبر الوارد فی خیار الحیوان،فإنّ ظاهر ذلک الخبر-بعد

ص:322

إرادة التنزیل فی قوله«رضی بالبیع»و بعد إرادة الکشف عن الالتزام فی مقابل الفسخ،فإنّه فرع الالتفات إلی وجود الخیار المفقود بحسب الغالب-إرادة کون التصرّف کاشفا عن عدم إرادة صاحبه لردّ المبیع و لو بتخیّل أنّه لا یجوز له الردّ مع عدم حضور نفسه للاستقالة أیضا،فإنّه لیس التزاما بالعقد و إسقاطا لحقّ الخیار، و لکنّه جعل هذا المعنی فی الخبر تعبّدا مسقطا للخیار.

فنقول:یستفاد من مجموع الخبرین أو الأخبار الثلاثة أنّ فی الباب مسقطین، أحدهما مطلق التغیّر،و الثانی مطلق الکاشف عن استمساک المعیب و عدم خیال ردّه،و لو مثل ابتیاع السرج الغالی القیمة،أو بناء الطویلة للفرس.

لا یقال:مقتضی قوله-علیه السلام-فی المرسلة:«إن کان قائماً بعینه ردّه»أنّه یجوز الردّ و لو حصل التصرّف الکاشف.

لأنّا نقول:لا یخلو الحال،إمّا نقول بأنّ هذه قضیّة حیثیة ناظرة إلی أنّه لا مانع من هذا الحیث مع قطع النظر عن الحیثیّات الأخر،ألا تری أنّه لا یفهم منه جواز الردّ و لو مع سبق الإسقاط،فالحاصل لا نظر له إلی أنّ هنا شیئا آخر مسقطا أو لا،فلا ینافیه وجود مسقط آخر.

أو نقول:إنّه قضیّة فعلیّة ینافیه وجود المسقط الآخر،فمقتضاه أنّه لیس شیء فی البین سوی التغیّر،و أنّه لو لم یکن فلا مسقط للردّ،فحینئذ یتحقّق التنافی علی وجه التباین فی ما بین مضمونی الصحیحة و المرسلة،و لا یمکن القول بأنّ النسبة بینهما عموم من وجه بملاحظة توافقهما فی مادّة الافتراق،أعنی:ما إذا کان إحداث الشیء و لم یکن القیام بالعین،و ما إذا کان القیام بالعین و لم یکن إحداث الحدث،فیتعارضان فی مورد الاجتماع،أعنی:صورة القیام بالعین مع إحداث الحدث،و ذلک لأنّ المضمونین متباینان،یعنی:أنّ مفاد المرسلة کون المناطیّة

ص:323

و المداریّة للقیام بالعین و عدمه،فمع عدمه یکون سقوط الردّ معلولا له لا للإحداث و مقتضی الصحیحة أنّه للإحداث.

لا یقال:ما الفرق بین المقام و بین قضیتی«إذا خفی الجدران فقصّر» و«إذا خفی الأذان فقصّر»؟ لأنّا نقول:لو أخذنا ظهور المنطوق فی حصر السبب لتحقّق التنافی کما قلنا، و لکن المسهّل للخطب هناک أنّه لا ظهور قوی فی السببیّة،فیرفع الید عنه،فیکون المعنی أصل تحقّق السببیّة لکلّ من الأمرین،أعنی:خفاء الأذان و خفاء الجدران، فکأنّه قلنا:هذا سبب و هذا أیضا سبب،و من المعلوم عدم التنافی بینهما،و أمّا فی المقام فالمفروض ظهور القضیّة و لو بالإطلاق لصورة الأحداث فی أنّه لیس هنا مسقط آخر غیر عدم القیام بالعین،فالجواز مع القیام ثابت مطلقا و مع عدم القیام منفیّ لأجله،فمفاد الحصر الذی ألغیناه هناک صار هنا مستفادا ببرکة الإطلاق،و من المعلوم التنافی بین مضمون«أنّ المناط هو عدم القیام فقط» و مضمون«أنّ الإحداث أیضا مناط».

فعلی هذا لا بدّ من معاملة الخاصّین المتباینین مع الصحیحة و المرسلة، و الرجوع بعد تساقطهما إلی ذلک الخبر العام الوارد فی الحیوان الشامل لخیار العیب و غیره.

و لکن حیث عرفت أنّ القضیّة واردة فی مقام الحکم الحیثی-و لهذا لا منافاة فیها مع مسقطیّة الإسقاط-فیکون هنا عنوانان للإسقاط،أحدهما:مطلق الکاشف عن الرضی بالبیع و لو مبنیّا علی خیال عدم الحقّ فی الرد و لو لم یکن تصرّفا کما مرّ من مثال شراء السرج للدابّة،و الثانی:مطلق تغیّر العین و لو لم یرجع إلی التصرّف أیضا کما لو أوقع الریح الثوب فی مکان فصبغه،و علی هذا یسهل

ص:324

الأمر فی مثل التصرّفات المخرجة عن الملک سواء بالنقل اللازم أو الجائز أم العتق أم الوقف،فإنّ صاحبها راض بالمعاملة و غیر قاصد للردّ و النقض،بل و کذا مثل الوصیة و التدبیر.

نعم یبقی الإشکال علی مثل شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-حیث جعل التصرّف الکاشف عن الرضی بالمعاملة،بمعنی إسقاط حقّ الخیار الذی هو فی مقابل الفسخ عنوانا للإسقاط،فإنّ هذا المعنی لا یصدق مع فرض وقوع الناقل قبل الاطّلاع بالخیار،و المفروض عدم صدق العنوان الآخر أعنی:عدم البقاء بعینه،فإنّ المبیع بعد الفسخ یکون باقیا علی حاله.نعم لو أوقع النقل اللازم فلا یبقی تخییره بین الرد و الأرش،من حیث إنّ الفسخ قضیّته رجوع العین بعین الملکیّة السابقة و هو غیر اختیاری للفاسخ،لفرض لزوم العقد،اللّهمّ إلاّ أن یقطع بحضور صاحبه للإقالة لو استقاله.

ثمّ إنّه یبقی الکلام علی کلا المذاقین فی مثل التلف السماوی،حیث إنّه یمکن الخدشة فی انطباق کلا العنوانین علیه،أمّا عدم انطباق عنوان الکاشف بکلا المعنیین فواضح،و أمّا عنوان عدم البقاء بعینه،فلأنّ المفروض فی الروایة هو الفراغ عن وجود العین،فإنّ العین التی فرض وجودها قد فصل بین حالتیها،نظیر التفصیل بین حالتی قیام و عدم قیام زید المفروغ وجوده حیث إنّه ساکت عن حکم حال عدم أصل زید،فکذا فی المقام.

و دعوی مفهومیّة حال التلف و أنّه إذا کان تغیّر الأوصاف مع محفوظیّة الذات موجبا للسقوط فتلف أصل الذات بطریق أولی،مدفوعة بأنّه إن أرید انفهام ذلک من اللفظ من قبیل انفهام حرمة الضرب و الشتم من آیة فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ .

ص:325

ففیه أنّ مورد الفحوی التی هی قسم من الدلالات اللفظیّة ما إذا کان سوق الکلام لأجل إفادته،و أین هذا من مثل المقام الذی یمکن فیه عدم خطور التلف بذهن المتخاطبین.

و إن أرید أنّه و إن لم یفهم من اللفظ و لکن یفهم بالطریق الأولی و بقیاس الأولویّة،ففیه منع دعوی هذا القطع فضلا عن الأولویّة،و بعد إمکان الفرق بین المقامین،و أنّ الشارع حکم بالرجوع إلی البدل مع التلف،یکون المرجع استصحاب بقاء الخیار الذی کان موضوعه العقد،و هو موجود فی حالتی وجود العین و عدمه علی ما یظهر من العلماء-رضوان اللّه علیهم-،هذا.

و أمّا وطی الجاریة،فیمکن أن یقال حسب القاعدة بکونه مسقطا،لأنّه ینطبق علیه کلا العنوانین،لکونه کاشفا عن الرضی بالبیان المتقدّم،و موجب لتغیّر الأمة،فإنّ الأمة الغیر الموطوءة تکون أصغی بنظر صاحبها الأولی منها فی ما بعد وطی المشتری لها،فیعرضها بهذا الوطی حالة النفرة،هذا مضافا إلی الأخبار الخاصة الواردة بمسقطیّة الوطی للرد.

و لکن هل الوطی مسقط تعبّدی فی عرض ذینک العنوانین،أو لیس عنوانا مستقلا؟و یظهر الثمر لو قلنا بعدم حصول التغیّر بذلک و إن کان خلاف التحقیق مع وقوع الوطی بوجه الاشتباه الغیر الکاشف عن الرضی،فعلی التعبّد به یسقط الرد لصدق الوطی،و ندرة الوجود لا یوجب الانصراف،و علی العدم لا یسقط،لکنّ الظاهر عدم کونه مسقطا برأسه،و لا أقلّ من الشکّ،فیبقی أصالة جواز الرد قبله بحالها.

و یبقی الکلام فی أمرین،الأوّل:أنّه ورد فی أخبار مانعیّة الوطی التعبیر بأنّه «معاذ اللّه أن یجعل لها أجر»فهل المراد بهذا ماذا؟قال شیخنا المرتضی-قدّس

ص:326

سرّه الشریف-:ما یظهر لی عاجلا أنّه صدر هذا عن الإمام-علیه السلام-علی سبیل المماشاة للمخالفین المستنکرین لإجارة الفروج و الرد،حیث إنّه ملازم لدفع مقدار من المال بملاحظة الوطی بعنوان أرش الجنایة الذی هو جزء من قیمتها و هو فی الصورة مشابه للأجرة علی الفرج،و هو أمر مستنکر،فتکون الاستعاذة لأجل هذا الأمر المستنکر بنظر الخصم مماشاة و تقیّة.

و لکن یبعده أنّه إذا کان أصل الحکم الواقعی موافقا لمذهبهم لا داعی إلی إعمال التقیّة فی إقامة الوجه له علی وفق مذهبهم،و الحاصل إظهار الموافقة مع عدم ما یوجب التقیّة بعید غایته.

و أمّا التوجیه بأنّه لما یکون هذا استیفاء فی الملک فاستعاذ-علیه السلام-أن یجعل بإزائه شیئا و غرامة،و المعاملة معه معاملة الوطی لجاریة الغیر بشبهة،فیبعده وقوع مثله فی عیب الحبل من غیر المولی کما یأتی،مع أنّه لا یصلح وجها لتعیّن الأرش و عدم الرد،إذ اللازم هو الرد بلا شیء بإزاء الوطی،و لعلّ الأظهر أنّه فی قبال بعض العامّة القائلین بالردّ مع ردّ مهر المثل،فالاستعاذة من القول بما قاله هذا البعض علی حسب رأیه،و قیاسه،و أنّ الواجب هو القول بتعیّن الأرش.

و کیف کان بقی الأمر الثانی،و هو أنّه ورد فی الأخبار و کلمات الأصحاب -رضوان اللّه علیهم-استثناء عیب الحبل عن هذا الحکم أعنی:أنّه لو ظهرت الأمة بعد وطئها معیبة بعیب الحبل من غیر المولی،لا یمنع هذا الوطی عن ردّها و یردّ معها العقر،و أمّا الحبل من المولی علی وجه کانت أمّ ولد،فالبیع معه باطل، وطی أم لم یطئ،و لکن خالف فی ذلک جماعة فألحقوا الحبل بغیره فی مانعیّة الوطی عن الرد بسببه کسائر العیوب،و منشأ الاختلاف الأنظار فی معنی الأخبار الواردة فی الباب،فحملها المشهور علی الحبل من غیر المولی،و الرد علی الرد فی

ص:327

الملک،و هیئة قوله-علیه السلام-:«ترد»علی الجواز،بملاحظة سبق الحظر،یعنی:أنّ هذا العیب غیر سائر العیوب،فترد معه الجاریة بعد الوطی و إن کان ممنوعا فی غیره،و حملها الجماعة علی الحبل من المولی و أنّ الرد هو الرد إلی المالک و الهیئة علی ظاهرها من الوجوب.

و لا بدّ من الکلام أوّلا:فی ظاهر نفس هذه الأخبار مع قطع النظر عن المعارضة مع ما یخالفها من الظواهر الأخر و أنّه یقتضی ما ذکره أیّ الطائفتین.

و ثانیا:فی ما یقتضیه الجمع العرفی بینها و بین ما بقبالها من مطلقات مانعیّة الوطی عن الرد بالعیب من غیر تفصیل بین عیب دون عیب و غیرها لو کان،فإنّ النسبة و لو کان بالإطلاق و التقیید لکن ربّما یتعیّن التصرّف فی المقیّد بحمله علی خلاف ظاهره لئلاّ ینافی المطلق،کما لو ورد أکرم العلماء و ورد لا تکرم زیدا،و تردّد بین العالم و الجاهل،و کان له ظهور فی الجملة فی زید العالم،فإنّه ربّما یرفع الید عن هذا الظهور حفظا للعموم،و به یرفع الإجمال عن الخاص و یحمل علی زید الجاهل.

أمّا الکلام فی الجهة الأولی:فاعلم أنّ الاحتمالات المتصوّرة فی هذه الأخبار بین ثلاثة لا رابع لها.

الأوّل:أن یراد بالهیئة الأعمّ من الجواز و اللزوم،و من الردّ الأعمّ من ردّ المال إلی مالکه کما فی بیع أمّ الولد،أو إلی الملک کما فی الرد بالعیب و من الحبل الأعمّ من حصوله من المولی أو من غیره.

و الثانی:التقیید للحبل بکونه من المولی و حمل الهیئة علی ظاهرها من الوجوب،و الرد علی الرد إلی المالک.

ص:328

و الثالث:التقیید بکونه من غیر المولی مع حمل الهیئة علی الجواز،لأنّ المقام مقام الحظر،یعنی أنّ الوطی غیر مانع فی هذا المقام و إن کان کذلک فی غیره.

ثمّ لو کنّا و هذه الأخبار أمکن دعوی ظهورها فی حدّ نفسها فی المعنی الأخیر،فإنّه سالم عن المخالفة للظاهر فی الأوّلین،أمّا الأوّل فلأنّه خلاف ظاهر الهیئة حیث إنّه الوجوب و لا یکفی المسبوقیّة بالحظر بالنسبة إلی بعض الأفراد، و أیضا خلاف ظاهر الرد،فإنّه یمکن دعوی ظهوره فی الرد إلی الملک الذی هو فی البیوع الخیاریّة،دون الرد الثابت فی البیوع الباطلة و الأموال المسروقة،مضافا إلی قضیّة وحدة السیاق فی بعض الأخبار حیث أردفه مع الرد فی بیع الأمة الغیر الحبلی إذا ظهر فیها عیب آخر و خصوصا مع أنّه لا یختص الحکم بالبطلان فی بیع أمّ الولد بصورة الوطی،و لا وجه لتوهّمه،و بعد بعد هذا المعنی یدور الأمر بین أحد التقییدین الآخرین حتّی یکون مفادها علی أحدهما بطلان بیع أمّ الولد و علی الآخر جواز الرد بالعیب فی الأمة الحبلی غیر أمّ الولد.

و الإنصاف أنّ قرینة وحدة السیاق مانعة عن الحمل علی الأوّل مضافا إلی ظهور الرد فی حدّ نفسه فی الرد بعنوان الفسخ،فالأخبار فی حدّ نفسها ظاهرة فی ما ذکره المشهور کما اعترف به شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أیضا،غایة الأمر عارضة مع ظواهر أخر.

أمّا الکلام فی الجهة الثانیة أعنی:معارضتها مع أخبار مانعیّة الوطی فالأمر و إن کان دائرا بین تقیّد تلک بغیر عیب الحبل أو تقیید هذه بحبل الأمة من المولی حتّی لا یرتبط بالمقام،لکن یمکن ادّعاء أظهریّة هذه الأخبار و لزوم التصرّف فی تلک من وجهین.

الأوّل:أن یقال:إنّ کلمة العیب لا تشمل مثل الحبل لأنّه لیس بعیب،

ص:329

و إنّما أجمعوا علی عیبیّته لأجل أنّ الأخبار جعلته بحکمه و أدرجته فی سلکه،و لو لا ذلک لما فهمنا دخوله فی تلک الأخبار.

الثانی:إنّا سلّمنا ظهورها لکنّ الظهور القابل للإنکار لا یقاوم ظهور أخبار الباب التی عرفت قوّتها بملاحظة وحدة السیاق و غیرها.

ثمّ إنّ شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-أیضا اعترف بظهور الأخبار فی ما قلنا، إلاّ أنّه-قدّس سرّه-عارضة بظهورات أخر.

منها:لزوم أحد التصرّفین بناء علی مذهب المشهور إمّا حمل الحبل علی ظاهره من الإطلاق و الهیئة علی الأعم من الوجوب و هو خلاف الظاهر،و إمّا تقیید الحمل بحبل غیر المولی فتکون الهیئة واردة فی مقام الحظر و لیست ظاهرة فی الوجوب،و لکن فیه أنّ هذا المحذور یلزم علی مذهب الجماعة أیضا لأنّهم أیضا یقیّدون الحبل بکونه من المولی.

و منها:مخالفة لزوم العقر علی المشتری لقاعدة عدم العقر فی وطی الملک، و فیه أنّه لیس لنا عموم لفظی دالّ علی انتفاء العقر فی وطی الملک،نعم الثابت إنّما هو عدم لزوم الأجرة بإزاء الاستیفاء لمنافع الملک،و أمّا عدم لزوم الشیء أصلا حتّی بعنوان الجبران للعار اللازم علی البائع فی مثل المقام فلیس الدلیل علیه إلاّ الأصل و هو مورود بورود الدلیل الاجتهادی.

و منها:ظهور قوله فی مرسلة ابن أبی عمیر:«رجل باع جاریة حبلی و هو لا یعلم» (1)فی کون السؤال عن بیع أمّ الولد و إلاّ لما کان لذکر القید فائدة،و فیه أنّ من الممکن کونه محتملا أنّ الجهل یمنع عن ردّ المشتری للجاریة لعدم تقصیر البائع.

ص:330


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 5،من أبواب أحکام العیوب،ص 417،ح 8 و 9.

ثمّ قال-قدّس سرّه-:و غایة الأمر تعارض هذه الأخبار مع ما دلّ علی مانعیّة الوطی للردّ بالعموم من وجه،فتبقی هذه الوجوه مرجّحا لتقیید هذه الأخبار،و لو فرض التکافؤ بین جمیع ما تقدّم و بین إطلاق الحمل فی هذه الأخبار أو ظهور اختصاصه بما لم یکن من المولی وجب الرجوع إلی عموم ما دلّ علی أنّ إحداث الحدث مسقط لکونه رضی بالبیع.

و مقصوده-قدّس سرّه-جعل هذا الخبر مرجعا مع الإغماض عن مختاره فی السابق من تخصیصه التصرّف بما کان بعد العلم أو کان مغیّرا،و البناء علی مسقطیّة مطلق التصرّف سواء کان قبل العلم أم بعده،مغیّرا أم لا،کاشفا عن الرضی أم لا؟کما أنّه بناء علی مختاره من التخصیص یکون المرجع بعد التکافؤ عموم ما دلّ علی جواز الرد مع بقاء العین بناء علی عدم تغییر الوطی للعین کما ذکره-قدّس سرّه-،و قد أشار إلی مرجعیّة هذا علی مختاره بقوله:و یمکن الرجوع إلی ما دلّ علی جواز الردّ مع قیام العین.

فإن قلت:کیف یکون ما دلّ علی کون مطلق التصرّف مسقطا مرجعا و الحال أنّه أیضا کالخبر الدالّ علی کون الوطی مانعا،نسبته مع هذه الأخبار عموم من وجه،لأنّ موردهما البیع الصحیح،و هذه الأخبار أعمّ من الصحیح کما فی صورة الحمل من غیر المولی أو المولی مع عدم صیرورة الجاریة أمّ ولد،و من الفاسد کما فی صورة کونها أمّ ولد و شأن المرجع أن یکون عامّا مطلقا؟ قلت:یمکن الجواب بأنّ وجه تقدیم الخاص المطلق علی العام کذلک لیس إلاّ من جهة أقوائیّة ظهور الخاص،فلو فرض أنّ الأقوائیّة حصلت بین العامّین من وجه وجب المعاملة معهما معاملة الخاص و العام المطلقین،و ذلک لأنّ أحد العامّین من وجه لو کان أضیق دائرة و الآخر أوسعها،فلا شک أنّه قد یصیر

ص:331

الأضیق أظهر من الأوسع،و منه المقام،فإنّه لا شبهة لأحد ظاهرا فی عدم الدغدغة فی تقدیم هذه الأخبار المجوّزة للرد بالحبل مع التصرّف الوطئی علی ذلک العموم الوسیع الدالّ علی مانعیّة کلّی التصرّف فی کلّی المبیع،و لازم هذا أنّه إذا صارت هذه الأخبار معارضة بأخبار أخر فی عرضها أعنی:أخبار مانعیّة الوطی عن الرد بالعیب صلح هذا العموم للمرجعیّة.هذا.

ثمّ إنّه-قدّس سرّه-بعد الغضّ عن هذا العموم و الخدشة فیه و کذا فی ما دلّ علی جواز الرد مع قیام العین قال:وجب الرجوع إلی أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطی لکن یبقی لزوم العقر ممّا لا دلیل علیه إلاّ الإجماع المرکّب و عدم الفصل بین الرد و العقر فافهم،انتهی.

و یمکن أن یشیر بقوله:«فافهم»إلی أنّه إنّما تضرّ هذه الملازمة الثابتة بین الرد و العقر بالإجماع إذا ثبتت فی الأعمّ من الظاهر و الواقع،و أمّا إذا ثبتت فی خصوص الواقع فیمکن التفکیک فی مرحلة الظاهر بمقتضی أصالة الرد و أصالة عدم العقر.

اللّهم إلاّ أن یقال:و إن کان لم تثبت الملازمة فی الأعمّ لکنّ العمل بالأصلین یوجب المخالفة القطعیّة العملیّة للعلم الإجمالی الحاصل بأنّه إمّا یکون الثمن بتمامه ملکا للبائع فالتصرّف فیه حرام علی المشتری،و إمّا یکون مقدار العقر ثابتا فی ذمّة المشتری للبائع فعدم دفعه و التصرّف فی الثمن مخالفة عملیّة لهذا العلم.

بقی هنا فرعان:الأوّل:بناء علی مذهب المشهور لو انضمّ إلی الحبل عیب آخر،فهل الوطی مانع أو لا؟قد یتمسّک للثانی بإطلاق الأخبار،فإنّها شاملة لما إذا اجتمع عیب الحبل مع عیب آخر فیکون بجمیع أفراده خارجا عن عموم أخبار

ص:332

مانعیّة الوطی عن الرد بکلّ عیب،و لکن الظاهر أنّ الأخبار لا نظر لها إلی حالة الاجتماع،و إنّما یتعرّض بحیث الحبل.

و حینئذ نقول:العیب الآخر مقتض للرد حسب ظاهر الأخبار و الوطی مانع بالنسبة إلیه،و أمّا الحبل فمقتض بلا مانع،و مقتضی القاعدة فی مثله أن یکون المقتضی بلا مانع مؤثّرا أثره،فیکون مقتضاها جواز الرد،فیکون جواز الرد قبل الوطی مستندا إلی سببین و بعده إلی خصوص الحبل،و ینقطع فی مرحلة البقاء استناده إلی العیب الآخر،فحال الرافع فی الأثناء حال المانع من الابتداء.

الثانی:هل الأخبار تشمل صورة وقوع الوطی عالما بحصول الحبل أو خاصّة بصورة وقوعه جاهلا به؟قد یقال بالثانی،لأنّ الأخبار بین طائفتین:ما صرّح فیه بقید وقوعه قبل العلم،و ما لم یذکر فیه ذلک،أمّا الأولی فواضحة،و أمّا الثانیة فیمکن أن یقال:إنّ مفروض الکلام صورة الجهل من الابتداء،و إلاّ فلو کان عالما و أقدم علی الشراء لم یتوهّم کونه ذا خیار،فالمفروغ عنه فی ما بین المتخاطبین کون المشتری جاهلا بعیب الحبل،و حینئذ فیصیر الکلام فی قوّة أن یقال:لو اشتری الجاریة الحبلی جاهلا بحبلولیّتها فوطئها،فإنّ ظاهر هذا الکلام کون الوطی حال الجهل.

الثالث من المسقطات تلف العین
الرابع من المسقطات:حدوث عیب عند المشتری،

و تفصیل ذلک أنّه إذا حدث العیب بعد العقد فإمّا أن یحدث قبل القبض أو بعده فی زمن الخیار الذی یکون المبیع فی ضمان البائع أعنی خیار المجلس و الحیوان و الشرط،و إمّا أن یحدث بعد القبض و بعد مضیّ الخیار.

فإن حدث قبل القبض أو فی زمن الخیار المذکور قالوا-رضوان اللّه علیهم-:إنّه فی حکم العیب الذی کان قبل العقد فی أنّه موجب للخیار بل و الأرش،و لازم ما ذکر أن لا یکون مسقطا،لأنّ مثبت الشیء لا یکون رافعا له،

ص:333

و أمّا الدلیل علی أصل ما قالوا من إیجابه الخیار و الأرش فلیس إلاّ ما ورد من أنّ التلف فی ما قبل القبض من مال البائع،أو التلف أو الحدث فی زمن الخیار ممّن لا خیار له،بناء علی شمول التلف لتلف الأوصاف،لکن فی الاستدلال نظر،إذ فی المضمون المذکور احتمالان:

الأوّل:أن یکون المراد أنّه یحکم بعد التلف بأنّه تالف من مال البائع قبل العقد فیعامل معه معاملة التالف عن ملکه کذلک،فإن کان عینا فاللازم معاملة المعاملة الواقعة علی العین التالفة من البطلان و عدم الانعقاد رأسا،و إن کان وصفا راجعا إلی الصحّة،فاللازم المعاملة کما لو وقع العقد علی العین المعیبة من ثبوت الرد أو الأرش.

و الاحتمال الآخر:أن یکون المراد إثبات التلف علیه فی الحال إمّا حقیقة و إمّا تنزیلا،فلازمه فی تلف العین أن یعود الثمن إلی ملک المشتری،لأنّه لا یستقرّ ملک البدل مع عود المبدل،و أمّا فی فوات الوصف فحیث لم یقع بإزائه شیء فی المعاوضة فلا وجه لرجوع شیء من الثمن إلی المشتری.نعم حیث حکم بأنّ هذا التلف و الخسارة الحاصلة من قبل فوات الوصف یکون من مال البائع إمّا حقیقة و آنا ما قبل التلف،و إمّا تنزیلا فاللازم من ورود التلف و الخسارة علیه أن یملک المشتری من مال البائع ما یوازی ذلک الوصف الفائت و یبذل بلحاظه من القیمة الواقعیّة،فلا دلالة فیه علی الأرش و لا علی ثبوت الرد.

و أمّا الاحتمال الأوّل فهو و إن کان وافیا بالمطلوب،لکنّ اللازم منه ترتیب أثر الانفساخ من الأصل فی تلف العین کما عرفت.

و الحاصل:بعد الغضّ عن أنّ قوله صلی اللّه علیه و آله و سلم:«کلّ مبیع تلف قبل قبضه،فهو من مال بائعه» (1)مختص بتلف العین کلاّ أو بعضا و لا یشمل فوات الوصف

ص:334


1- 1) مستدرک الوسائل:الجزء 13،الباب 9،من أبواب الخیار،ص 303،ح 1.

و تسلیم أنّه شامل للأخیر أیضا،تارة یقال:إنّ المعنی أنّ نفس المبیع یصیر من جزء أموال البائع إذا حدث فیه تلف عین أو نقص صفة إمّا بلحاظ الحال أو بلحاظ الماضی،و لازمه الانفساخ من الحین أو من السابق فلا ربط له بالمقصود.

و أخری یقال:إنّ الضمیر لا یرجع إلی نفس المبیع بل إلی التالف فکأنّه قیل:التالف أو الفائت یتلف و یفوت من مال البائع،و هذا تارة بلحاظ الحال فیستکشف الانتقال إلی البائع آنا ما قبل التلف و لازمه الغرامة للعوض الواقعی، فی فوات الوصف،و أخری بلحاظ الماضی،و لازمه فیه و إن کان هو التخییر بین الرد و الأرش لکن فی تلف العین رجوع النماءات إلی البائع أیضا و لا یلتزمون به.

و ثالثة یقال:الضمیر راجع إلی التالف أعمّ من العین و الوصف،لکنّ المراد أنّ العین و الصفة و إن انتقلتا بالعقد حقیقة إلی ملک المشتری و لکن بقیتا من الابتداء علی ملک البائع من هذا الحیث تنزیلا،فهما ملک تنزیلی من هذه الجهة، أعنی:من جهة کون التلف واردا فی ملکه للبائع و ملک حقیقی للمشتری،فاللازم حینئذ أن یعامل مع فوات الوصف معاملة ما إذا فات قبل الانتقال الحقیقی إلی المشتری و هو التخییر بین الردّ و الأرش،هذا.

و لکنّ الإنصاف عدم إمکان الجزم بشمول التلف لفوات الوصف،بل یمکن دعوی ظهوره فی تلف العین بعضا أو کلاّ،هذا فی ما قبل القبض،نعم بالنسبة إلی ما قبل انقضاء الخیار یمکن التمسّک بما ورد فی بعض الأخبار من عطف قوله:«أو یحدث فیه حدث»علی قوله:«یموت»فیقال:إنّه یشمل الحدیث مثل نقصان الصفة،لکنّ المذکور فی جانب الحکم إنّما هو ثبوت ضمان ذلک علی البائع،و الظاهر المتبادر منه إنّما هو القیمة السوقیّة من دون ملاحظة نسبته إلی خصوص ثمن المسمّی و أیضا لا مدخلیّة له بالرد.

ص:335

فیبقی القول بکون العیب فی الزمانین ملحقا بالعیب الحادث قبل العقد فی إیراث الأثرین بلا شاهد فی الأخبار،نعم حکی علیه الإجماع.

نعم یمکن فی خصوص زمن الخیار أن یقال بالأرش المصطلح بملاحظة أنّ المسؤول عنه بقول السائل:«علی من ضمان ذلک»هو نحو واحد فی المشتری و البائع،و لا إشکال أنّ الذی یتصوّر من الضمان فی حقّ المشتری أن یکون الثمن الذی أعطاه بملاحظة هذا الوصف الفائت ذاهبا من کیسه،و لا یستحقّ استرجاعه من البائع،فیکون معنی ضمان البائع بهذه القرینة أیضا استحقاقه لذلک،و کون هذا المقدار ذاهبا من کیس البائع،و مقتضی هذا و إن کان رجوع عین مقدار من الثمن،لکن یمکن أن یجعل کون تمام الثمن بإزاء الموصوف لا بإزائه مع الوصف قرینة علی ثبوت مقدار ما یوازیه،و لو لم یکن من عین الثمن، لئلاّ یلزم جمع البدل و المبدل فی ملک واحد.

و علی هذا فالضمان للأرش فی خصوص العیب الحادث فی زمن الخیار یمکن إثباته و أمّا الرد فلا دلیل علیه.

و أمّا مسألة عدم مانعیّته عن الرد بالعیب القدیم و لو قلنا بکونه مقتضیا و کون التغیّر مسقطا،فلأجل انصراف الدلیل علی حسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف إلی التغیّرات التی تکون علی عهدة المشتری،فإنّه للبائع أن یقول:قد دفعت إلیک عینا صحیحة و أنت تردّ إلیّ واجدة لعیب کذا.

و أمّا إذا کان نفس العیب علی عهدة البائع و علیه غرامته فلیس له هذا اللسان کما إذا کان بفعله،فإذا کان الدلیل منصرفا إلی صورة عدم الضمان علی البائع یبقی صورة الضمان علیه داخلا تحت إطلاق جواز الرد بالعیب القدیم، و یکون حکم الشارع بالضمان تشخیصا لصغری ما انصرف الدلیل عنه.

ص:336

و من هنا یمکن أن یوجّه کلام المحقّق و شیخه ابن نما علی وجه لا یرد علیهما إشکال الشهید و لا الشیخ المرتضی و لا صاحب الجواهر،بأن یقال:إنّ من المسلّم فی ما بینهما أنّ العیب المضمون علی البائع منصرف عنه دلیل اشتراط قیام العین، لکنّ الاختلاف بینهما فی الصغری من جهة اختلافهما فی معنی الضمان الذی ذکر فی الأخبار،فحمله ابن نما کما حملنا علی الأرض المصطلح،و لهذا قال فی مدّة ثلاثة الحیوان بثبوت الخیارین،و بعدها بثبوت خیار واحد هیهنا و هو خیار الرد بالعیب القدیم،و حمله المحقّق-قدّس سرّه-علی أنّ للمشتری أن یردّ العین المعیبة بالفسخ الذی ثبت له فی خیار ثلاثة الحیوان إلی البائع،لا أنّ له استحقاق مطالبة الأرش و لا أنّ له حقّ الرد بهذا العیب.

و حینئذ فما دام الثلاثة یکون له فی ما إذا کان المبیع معیبا من الابتداء خیاران،أحدهما خیار الحیوان و الآخر خیار الرد بالعیب القدیم،و بعدها ینقطع کلا الخیارین فهما متّفقان فی تعدّد الخیار فی ما قبل الثلاثة،و إنّما الاختلاف فی ما بعدها،فذهب أحدهما إلی أنّ ضمان البائع معناه ثبوت الأرش و هذا باق بعدها، فغایة خیار العیب القدیم أعنی:حدوث التغیّر الغیر المضمون علی البائع لم یحصل بعد،و الآخر یقول:معنی الضمان أنّه یمکن المشتری إعادة العین بتوسّط الفسخ بخیار الحیوان إلی البائع مع وصف هذا العیب الحادث،و هذا المعنی یزول بعد الثلاثة فیبقی العیب مضمونا علی المشتری فیدخل تحت منصرف الأخبار فیکون غایة الخیارین معا انقضاء الثلاثة.

فعلم أنّ کلام الجواهر حیث جعل الکلامین متعاکسین مع تسلیم أنّهما معا قائلان بخیار واحد،و کذا کلام الشیخ حیث حمل کلام المحقّق علی خیار واحد و هو خیار الحیوان،کلاهما غیر مناسب.

ص:337

و الذی ینادی بأنّ مراد المحقّق ما ذکرنا قوله المحکیّ عنه فی درسه:«تأثیر العیب الحادث فی زمن الخیار و کذا عدم تأثیره فی الرد بالعیب القدیم إنّما هو ما دام الخیار»انتهی.فإنّ قوله:بالعیب القدیم کالصریح فی ما ذکرنا،و کذا یدلّ علیه عطف مدّة الخیار علی ما قبل القبض فی عبارة الشهید حیث قال علی ما حکی:«لو حدث فی المبیع عیب غیر مضمون علی المشتری لم یمنع من الرد إن کان قبل القبض أو فی مدّة خیار المشتری المشترط أو بالأصل،فله الرد ما دام الخیار،فإن خرج الخیار ففی الرد خلاف بین ابن نما و تلمیذه المحقّق-قدّس سرّهما-»فإنّ الرد الذی یکون قبل القبض لا محالة یراد به الرد بالعیب القدیم،إذ لا ردّ بعنوان ما قبل القبض،فیکون المراد به ذلک أیضا بالنسبة إلی مدّة الخیار.

و أمّا إشکال الشهید بالتنافی بین کلامی المحقّق أعنی:حکمه فی الشرائع بضمان العیب الحادث فی الحیوان علی البائع و حکمه فی الدرس بعدم الأرش،فقد تبیّن أیضا عدم وروده،لأنّ معنی الضمان عنده-قدّس سرّه-هو إمکان إعادة العین بوصف عیبها الحادث إلی البائع حتّی تکون خسارته علیه دون استحقاق الأرش،هذا.

و قد عرفت أنّ العیب الحادث قبل القبض لا دلیل فیه علی الرد و لا الأرش، و الحادث فی زمن الخیار لا دلیل فیه علی الرد مع وجوده بالنسبة إلی الأرش.

ثمّ علی تقدیر القول بایراثهما-کالموجود قبل العقد-أثرین أعنی:الرد و الأرش،فلا إشکال فی أنّه لو کان المبیع معیبا قبل العقد ثمّ عاب بعده قبل القبض أو قبل انقضاء أحد الخیارات الثلاثة یکون الأرش متعدّدا بعدد العیوب القدیمة و المتجدّدة،و هل یکون هنا خیارات أیضا بعدد العیب القدیم و الحادث، بل لو تجدّد العیب قبل القبض أو قبل انقضاء الخیار متعدّدا علی التعاقب یکون

ص:338

بعددها الخیار،فیکون کما لو جاء الخیار المتعدّد بأسباب عدیدة کالمجلس و الحیوان و الشرط،فلو أسقط من جهة یبقی محفوظا من غیرها؟أو أنّ الخیار غیر متعدّد بل واحد مستند إلی المجموع،و حال العیب الحادث مع السابق کحال عیبین سابقین کالعمی و الصمم لو کانا قبل العقد حیث إنّه لیس هنا إلاّ خیار واحد مسبّب عن المجموع؟ لا بدّ هنا من ذکر الاحتمالات المتصوّرة فی مقام الثبوت و ملاحظة اللازم علی کل تقدیر،ثمّ إنّ المستظهر منها ماذا؟ فنقول و باللّه التوفیق:یمکن کون طبیعة العیب سببا بنحو صرف الوجود بحیث کان الوجود اللاحق لغوا بمعنی کونه غیر سبب کالأشیاء الأخر،و یمکن کونها بنحو الوجود الساری،فلو کان المحلّ غیر قابل،فالوجود اللاحق سبب صار معطّلا عن الفاعلیّة و لیس کالأشیاء الأخر،و فی هذا المقام یمکن استظهار أنّ کلّ طبیعة جعلت سببا لأمر،فالظاهر اعتبارها بالوجود السریانی إذ لیس عند العرف و فی الأسباب الخارجیّة ما یکون السببیة فیه قائمة بصرف الوجود.

ثمّ الخیار یمکن أن یکون أمرا قابلاً للتعدّد و التمایز الشخصی،بأن یکون العقد الواحد الشخصی موردا لخیارات متعدّدة شخصیّة بالنسبة إلی شخص واحد،و یمکن أن یکون غیر قابل لذلک و لکن یقبل المراتب و الشدّة و الضعف، و علی هذین التقدیرین فاللازم عدم معطّلیّة سبب عن التأثیر حسب ما استظهرناه من کون السبب هو الوجود الساری،غایة الأمر إنّ اللاحق یؤثّر علی الأوّل فی شخص آخر من الخیار،و علی الثانی یؤثّر فی شدّته،و علی کلّ حال یقبل الإسقاط من جهة و الإبقاء من جهة.

و یمکن أن یکون غیر قابل لا للتعدّد و لا للتأکّد،بل یکون أمرا واحدا

ص:339

مستمرا و هذا علی قسمین،الأوّل:أن یکون استمراره أیضا مستندا إلی استمرار سببه،و الثانی:أن یکون السبب بعد إحداثه منعزلا و یکون قیام الخیار فی البقاء بنفسه لا بمعونة بقاء السبب،و لازم الأوّل أنّه لو أسقط من جهة أحد السببین قبل وجود السبب الآخر یکون الآخر بعد وجوده مؤثّرا،و أمّا لو أسقط بعد وجود کلیهما فلا بدّ من سقوط الخیار رأسا،و لا معنی للإسقاط من ناحیة سبب العمی دون الصمم،إذ هذا تصرّف شارعی لیس للمکلّف،فإنّ معناه:أنّی أسقطت العمی مثلا عن السببیّة و لیس له ذلک.

و لازم الثانی أنّه لو أسقط خیاره کان السبب اللاحق مؤثّرا مطلقا،أمّا لو کان قبل وجوده فواضح،و أمّا بعد وجوده فلأنّه کان سببا و لم یکن من جهة سببیّته قصور و إنّما کان القصور فی المحلّ،فمتی صار المحلّ قابلاً عمل المقتضی عمله.

هذا بحسب مقام الثبوت،و أمّا بحسب الإثبات فالظاهر عدم کون الخیار من قبیل أحد الأوّلین أعنی:کونه قابلاً للتکرر الشخصی أو التأکّد،لأنّ حاله حال الملک،فکما لا یقبل الملک التکرّر فی العین الشخصی و لا التشدّد فکذا حقّ الخیار أیضا،فینحصر الأمر فی الأخیرین.

و یمکن أن یقال:إنّ اللازم کون الإسقاط من جهة موجبا لصیرورة الآخر مؤثّرا مطلقا حتّی بناء علی کون الخیار أمرا واحدا مسببا فی البقاء عن بقاء سببه، و ذلک لأنّ معنی:إنّی أسقطت خیاری من جهة الصمم مثلا،أنّی أرضی بوجود هذا العیب،و العیب إذا کان مرضیّا به یخرج عن موضوع السببیّة رأسا کالعیب المرضیّ ابتداء،و بالجملة یکون مرجع هذا الإسقاط إلی قلب الموضوع بالنسبة إلی أحد العیبین لا إسقاط الحقّ حتی یقال إنّه لیس له تغییر السببیّة.

و لازم هذا أن یکون الخیار باقیا بملاک عیب العمی لکونه عیبا غیر مرضیّ به

ص:340

حینئذ،بل یمکن أن یقال بهذا بالنسبة إلی العیبین الموجودین من السابق أیضا، فإنّه لو قال:رضیت بهذا المبیع من حیث وجدانه لعیب الصمم،فلا مانع من بقاء حقّه بالنسبة إلی ما لم یرض به من العیوب،بل و کذا بالنسبة إلی الخیارین المختلفین نوعا،فإنّه لو أمکن التعدّد النوعی للخیار أو التأکّد کذلک،أمکن فی التعدّد الشخصی من حقیقة واحدة أیضا،و حینئذ فلو أسقط البعض لا وجه له إن أرید نفی سببیّته،و إن أرید إسقاط الخیار فلا معنی لبقائه مستندا إلی السبب الآخر.

فالمخلص أن یقال:إنّ الدلیل المثبت للخیار بالسبب الفلانی کالمجلس و الشرط و الحیوان و نحوها منصرف عمّا إذا التزم ذو الخیار بعدم الإعمال،بل و فی الشرط یکون نفس جعل الشارط لا إطلاق له بالنسبة إلی فرض حصول الرضی و الالتزام له بالبیع و عدم خیال فسخه،فیکون شرط عدم ثبوت حقّ الخیار الفلانی فی ضمن العقد علی هذا موجبا لانصراف الدلیل عن هذا العقد و لو لم یکن دلیل الشرط،و لعلّ هذا مراد شیخنا المرتضی فی ما تقدّم فی مسألة شرط سقوط الخیار حیث إنّ الظاهر منه-قدّس سرّه-إرجاعه إلی شرط عدم الثبوت.

و کیف کان فهیهنا مسائل ثلاث قد وقعت اثنتان منها فی کلام شیخنا المرتضی مختلطتین،إحداهما أنّ العیب الحادث فی زمان ضمان البائع کالعیب الموجود قبل العقد فی إثبات الرد و الأرش بسببه،و الثانیة أنّه غیر مانع عن الرد بالعیب القدیم،و قد تقدّم الکلام هنا فی ذلک،و الثالثة أنّ العیب الحادث فی زمان ضمان المشتری أعنی بعد انقضاء الخیار و بعد القبض هل هو مانع عن الرد أو لا؟و هی المقصود بالبحث فی المقام لأنّ الکلام فی المسقطات.

فنقول و باللّه التوفیق:قد یتکلّم فی مانعیّة ذلک علی حسب القاعدة و قد

ص:341

یتکلّم فی النصّ الخاص.

أمّا من حیث القاعدة،فقد تقدّم فی بعض المباحث السابقة أنّ العین فی ید ذی الخیار متی تلف کلاّ أو بعضا،أو تغیّر بالعیب،أو فوات وصف کمالی،أو بغیر ذلک و لو لم تتفاوت المالیّة-بل و لو فرض زیادة المالیّة و لکن تفاوت الحال من حیث غرض البائع،کما لو فرضنا أنّ کبر الحیوان بعد الفسخ لا یوجب الشرکة و لکن کان البائع له غرض بخصوص الشاة الصغیرة-کان لغیر ذی الخیار فی جمیع هذه الصور أن یقول:لست دفعت العین إلیک بهذا الحال،و لست ملزما بالقبول إلاّ بالحال التی دفعتها إلیک بها،و قد تقدّم من العلاّمة-أعلی اللّه مقامه- أیضا تعلیل سقوط الخیار بعدم إمکان ردّ العین،فلا مجال للانتقال إلی البدل، نعم هنا کلام بالنسبة إلی غیر ذی الخیار و انّ یده ضمانی،فعلیه الخروج عن العهدة ببذل البدل لو لم تکن العین قائمة،هذا بحسب القاعدة.

و أمّا من حیث النصّ الخاص،فقد تقدّم أنّ هنا خبرین فی أحدهما تعلیق السقوط علی عنوان إحداث الحدث،و فی الآخر علی عنوان عدم قیام العین،و قلنا:

یمکن إرجاع الثانی إلی الأوّل،فلا دلالة فی النصّ علی السقوط إلاّ فی ما إذا صدر فعل من المشتری دالّ علی رضاه،و یمکن إرجاع الأوّل إلی الثانی،و المراد بإحداث الحدث حدوث الحدث و لو لم یکن من ناحیته.ثمّ اخترنا أنّ الظاهر کونهما عنوانین مستقلّین،فالأوّل ناظر إلی ما تقدّم فی خیار الحیوان من مسقطیة التصرّف بملاک کاشفیّته عن الرضی بالبیع،و الثانی عبارة عن مطلق عدم قیام العین من أیّ أحد صدر،أو لم یصدر من أحد بل کان بأسباب أخر.

نعم ینصرف النصّ عمّا إذا کان بفعل البائع،فإنّه عرفا لیس له الامتناع بعلّة ما فعله نفسه،لأنّه شیء یکون نقصه علی عهدته،کما تقدّم سابقا أنّ العبارة

ص:342

منصرفة عن موارد ضمان البائع للنقص.

و أمّا بالنسبة إلی غیر مورد الضمان،فیدور مدار صدق عدم قیام العین و لو فرض عدم رجوعه إلی العیب،بل و لو لم یرجع إلی النقص،بل و لو رجع إلی الزیادة إذا کان هناک غرض عقلائی فی عدم القبول،کما تقدم فی مثال کبر الشاة عند المشتری و قلنا بأنّ الفسخ لا یوجب الشرکة،فإنّه فی جمیع هذه الصور یصدق أنّ العین غیر قائمة،فلیس للمشتری أن یردّ.

و قد یقال:إنّ المتبادر من القیام بالعین ما یقابل تلفها أو تلف بعضها،إلاّ أنّ المثال بالخیاطة و الصبغ شاهد علی التعمیم لمثل نقص الأوصاف،فإنّ النقص فیهما بواسطة تعلّق حقّ المشتری بالعین.

و لکن یمکن أن یقال:إنّ مفروض الروایة أنّ الرجل یشتری الثوب أو المتاع فیجد به عیبا،فالسؤال وقع عن عین موجودة معیبة،و فی هذا المفروض إذا قیل:

إن کان الثوب قائماً بعینه ردّه علی صاحبه،و إن کان الثوب قد قطع أو خیط أو صبغ رجع بنقصان العیب،فمعلوم أنّ کلتا الشرطیتین واردتان علی المحلّ الموجود،فلا تشمل الروایة صورة التلف أصلا،بل ینحصر موردها بالعیب و نقص الأوصاف.

و حینئذ فلو فرض أنّا لا نقول بعود السمن إلی المشتری بعد الفسخ فالمبیع و إن زاد مالیّة بواسطة السمن إلاّ أنّه لو فرض رغبة بعض الطباع عنه و کانوا بصغیرة أرغب کان له الامتناع.ألا تری أنّه لو تعلّم العبد عند المشتری علم الرقص و عمله،فربّما زاد بذلک قیمته،لکن للبائع أن لا یقبله،نعم لو لم یوجب التغییر نقص مالیّة و لا غرض عقلائی أصلا،فلا یصدق علیه عنوان عدم القیام.

و أمّا مسألة لزوم تبعّض الصفقة کما لو أراد المشتری ردّ بعض المبیع،أو أراد

ص:343

أحد المشتریین صفقة واحدة ردّ سهمه خاصّة،فدخولها تحت النصّ محتاج إلی مقدّمتین.

الأولی:أنّ هذا نقص و لعلّه لا یقبل الإنکار حتّی فی ما إذا تمیّز مال الفاسخ عن مال المفسوخ علیه،کما لو باع عبدین صفقة،فأراد المشتری ردّ أحدهما،فإنّ له الامتناع،إذ ربّما کان فی اجتماعهما مدخل فی غرض عقلائی.

و الثانیة:أنّ قوله-علیه السلام-:«إن کان قائماً بعینه ردّه»و إن کان ظاهره الأوّلی کون القیام بملاحظة حال الکون فی ید المشتری،لکنّ المناسبة المقامیّة شاهدة علی ملاحظة حال الوصول إلی ید البائع،فکأنّه قیل:إذا کان حین یصل إلی البائع یصل کالحالة الأولی جاز الردّ،و لا شبهة حینئذ فی شموله للمقام فإنّ حدوث التبعّض یکون بالوصول إلی ید البائع،و إلاّ فلا تبعّض قبله.أمّا فی صورة وحدة المشتری،فواضح،و أمّا فی صورة تعدّده،فلأنّ الاثنین فرضا مشتریا واحدا فی المعاملة.

بقی فی المقام فروع لا بأس بالتنبیه علیها:
أحدها:لو حدث نقص عند المشتری ثمّ زال

و رجع إلی الحالة الأوّلیة هل له الرد أو لا؟الظاهر الجواز،لأنّ حال عنوانی القیام و عدمه حال المسافر و الحاضر فکلّما رجع عنوان رجع حکمه،و یدلّ علیه أنّه لو فرض حدوث العیب قبل علم المشتری بالعیب القدیم،ثمّ زال ثم علم،فإنّه یصدق علیه عبارة السؤال،أعنی:أنّ الرجل یشتری المتاع فیجد به عیبا.و یصدق علیه قوله -علیه السلام-:«إن کان قائماً بعینه ردّه»و إذا اشتمل هذا الفرد شمل غیره للقطع بعدم الفرق،و السرّ أنّ القیام بالعین لیس معناه البقاء علی الحالة الأولی،و لا أن یکون المعتبر صدق عنوان حدث فیه التغییر بملاحظة قوله:فإن قطع أو صبغ بصیغة

ص:344

الماضی.

أمّا الأوّل:فلأنّه لیس هو المتبادر من هذه الکلمة،مع أنّه لو فرض أنّ معناه هو البقاء،لکانت المناسبة المقامیّة شاهدة علی إلغاء خصوصیّة البقائیّة، و أنّ المعیار کون المبیع حال الوصول إلی البائع کهیئته الأوّلیة.

و أمّا الثانی:فلأنّ التعبیر بالمضی فی الثلاثة المذکورة فی الحدیث لأجل أنّ الغالب عدم إمکان زوالها بعد الحدوث،و لو سلّمنا أنّ المعیار صدق المضیّ مطلقا،لکن هذا مبنی علی جعل المناط هو الذیل،و لکن یمکن استظهار کونه هو الصدر بملاحظة ما ذکرنا من شهادة المناسبة المقامیّة بذلک.

الثانی:لو رضی البائع بردّه معیبا إمّا مع الأرش أو بدونه،فهل یجوز الردّ أو

لا؟

اختار شیخنا المرتضی-قدّس سرّه-الأوّل،بملاحظة أنّ الدلیل النافی للرد عند الخروج عن القیام بالعین یکون فی مقام رعایة حقّ البائع،فهو منصرف عن صورة رضاه و عدم امتناعه.

و استشکل فیه شیخنا الأستاذ بأنّ الحکمة و إن کانت ذلک و لکن لا یوجب انصرافا فی الدلیل،نعم لا مانع من الإقالة،و أمّا بعنوان الفسخ الذی هو إعمال الخیار فالنصّ قد خصّصه بحال القیام و عیّن فی غیره الأرش.

الثالث:لو أسقط الأرش بتخیّل أن یردّه بعده فحدث العیب قبل أن یرد،

فهل یوجب سقوط الرد أو لا؟

قد یقال بالثانی بملاحظة أنّ النصّ إنّما أسقطه فی تقدیر بقاء السلطنة له علی الأرش،فلا یشمل صورة عدم السبیل له إلی رفع ضرره،فیکون الرد ثابتا بمقتضی الدلیل المثبت للرد بقول مطلق.

ص:345

الرابع:قد تقدّم أنّ المراد بالقیام بالعین بمساعدة فهم العرف کونه علی

حاله الأوّلیّة

حینما یصل إلی ید البائع،و لو کان فی ید المشتری قائماً بحاله،و علی هذا المعنی یتفرّع مسألة لزوم التبعّض علی البائع،و لا بدّ من التکلّم فیها تفصیلا و علی اللّه تعالی التوکّل،فنقول:قد یکون التبعّض لأجل التعدّد فی أحد العوضین، و قد یکون لأجل التعدّد فی المشتری،و قد یکون لأجل التعدّد فی البائع.

أمّا الصورة الأولی أعنی:ما إذا کان المبیع متعدّدا فنقول:تارة یکون العیب الثابت فی بعض هذا المتعدّد موجبا لنسبته إلی المجموع المرکّب کعمی الدابة و العبد و تعیّب نقطة من القالی فإنّه ینسب إلی المجموع،و لا یقال هذا المقدار معیب و ما بقی صحیح.

و أخری لا یکون کذلک یعنی یختصّ التعیّب بموضوع العیب من غیر إضافة له إلاّ علی سبیل ضرب من التجوّز إلی غیره،و لعلّ منه تعیّب ذراع من الکرباس الطویل المتّصل،فإنّه لا دخل له بالذراع الآخر المتّصل به،و کذا الصبرة التی کان صاع منها معیبا،و کذا الشاتان المعیبة إحداهما مع وقوع البیع علیهما صفقة،و هذا أیضا علی قسمین،لأنّه قد یفرض ذلک فی ما إذا یحدث بواسطة الرد للبعض المعیب فی ید البائع نقص فیه،فیدخل فی عدم القیام بالعین علی حسب ما تقدّم من المعنی،و ذلک کما فی أحد عدلی الباب و أحد عدلی الخفّ و نحوه،أو لا یحدث بسببه نقص أصلا إلاّ فوت غرض للبائع حیث أراد وصول عشرة تومانات فوصل إلی خمسة مثلا.

فإن کان الأوّل من هذه الأقسام فالظاهر أنّ مصبّ دلیل جواز الرد لیس إلاّ نفس المعیب دون أبعاضه سواء المعیّن منها أم المشاع،فالعبد الأشلّ أو الأعمی لا دلیل علی جواز ردّ نصفه المشاع،أو المعیّن و کذا القالی المعیب نقطة

ص:346

منه،فإنّ الدلیل أثبت الرد فی موضوع ما اشتری مقیّدا بکونه ممّا به عیب أو عوار، و لا یقال نصف العبد الأعمی أعمی أو نصف هذا القالی معیب،بل هما نصفان لشیء معیب.

و الحاصل:لیس لنا من الأوّل فی هذا القسم دلیل مثبت حتّی نقول بأنّه یلزم بعد الرد تبعّض علی البائع أو لا،بل غایة الدلیل إثبات الرد فی الکلّ لأنّ عنوان ما اشتری و به عیب غیر صادق علی النصف و الربع و غیر ذلک من الکسور، و صادق علیها فی ما إذا وقع أحدها مستقلا تحت الشراء،و الفاصل هو العرف فراجع حتّی یتبیّن لک صدق المقال.

و إن کان الثانی من الأقسام،فدلیل الرد و إن کان شاملا للبعض بل لا یشمل الکل،لأنّه غیر معیب إلاّ علی ضرب من المسامحة إلاّ أنّه یصدق علیه عنوان عدم القیام بالعین علی ما مضی من معناه من اعتبار ذلک حین ما یصل إلی البائع،فإنّ عدل الخفّ أو الباب بوصف الانفراد عن العدل الآخر الذی هو حادث حینما یصل إلی البائع منقّص له،و لعلّ منه ما إذا کان ردّ البعض المعیب من الکرباس موجبا لسقوط الباقی عن الوفاء بمقدار الثوب عند القطع، و للإشاعة الحکمیّة عند عدمه فإنّ کلاّ من الأمرین نقص.

و إن کان الثالث منها أعنی:ما إذا لم یحصل سوی عنوان تبعّض الصفقة الذی لیس فیه إلاّ نقض الغرض العقدی-فإنّ غرض العقد الشخصی کان وصول عشرة تومانات و الآن یلزم وصول الخمسة-فمجرّد ذلک یمنع کونه موجبا للخروج عن صدق القیام بالعین عرفا،و إن کان لو ردّ المشتری یحدث بواسطة هذا المعنی خیار التبعّض للبائع.

و توضیح المقام أنّه إذا علّق الحکم علی جسم متّصل ذی أجزاء عند

ص:347

اتّصاف بعض الأجزاء بوصف فهل یسری هذا الحکم إلی تمام ذلک الجسم المتّصل،أو یختصّ بموضوع الاتّصاف،مثلا لو قیل:کلّ جسم لاقی النجاسة فهو نجس،فهل المفهوم عرفا أنّه لا بدّ من ملاقاة تمام الجسم الذی طوله بمقدار عشرة أذرع مثلا أو یفهم الأعمّ منه و من ملاقاة نقطة منه؟الظاهر الثانی.

و حینئذ هل یفهم أنّ ذلک یوجب نجاسة الکلّ أو نجاسة خصوص موضع الملاقاة.و هکذا قوله:«کلّ شیء یراه المطر فهو طاهر»بالنسبة إلی الحوض الکبیر الذی رأی المطر نقطة منه؟الظاهر الثانی أیضا،ففی مقامنا حکم الخیار علّق علی المبیع و هو مجموع ما وقع علیه العقد من تمام الجسم المتّصل الواحد،أو مجموع الأمور المتفرّقة المبیعة صفقة واحدة،و قیّد ذلک بکونه معیوبا،فإذا اختص العیب ببعض الأجزاء و صار سببا لتعیّب الکلّ کعمی الحیوان،و عیب نقطة من القالی فهو فی حکم تعیّب الکلّ حقیقة.

و أمّا لو لم یوجب السرایة کالشاتین المعیبة إحدیهما أو عدلی الباب أو الخفّ،فحالهما حال الجسم الملاقی بعضه للنجس حیث إنّه لیس مسکوتا عنه للدلیل،فکذا هذا المصداق لیس مسکوتا عنه فی مقامنا،و هل المستفاد أنه یختص حکم جواز الرد بموضع العیب أو یستوعب الکلّ؟الظاهر الأوّل،کما کان هو المستفاد من الدلیل هناک،فالمبیع مجموع ما وقع علیه العقد،لکنّ الخیار وارد علی موضع العیب کان الکلّ أم البعض،و لا یتبعّض فی مورده بالنسبة إلی أجزائه کسائر الخیارات.

ثمّ فی الصورة الأخیرة أعنی:ما إذا انفکّ الکلّ عن البعض فی صدق المعیبیّة ینظر إلی ذلک البعض المعیب،فإن کان ردّه منفردا موجبا لنقص علی البائع کأحد عدلی الباب أو الخفّ،فلا بدّ من القول بعدم الجواز،لما ذکرنا من

ص:348

المعنی لقوله-علیه السلام-:«إن کان قائماً بعینه»،و إن لم یکن موجبا لشیء کأحد الشاتین فالخیار ثابت بلا مانع عنه.

فعلم ممّا ذکرنا أنّ عدّ التبعّض من جملة الموانع للرد بقول مطلق ممّا لا ینبغی،إذ فی الصورة الأولی لا مقتضی للرد بالنسبة إلی البعض،و کذا فی الثانیة لو قلنا إنّ تعیّب البعض یوجب ورود الخیار علی الکلّ،و لو اخترنا أنّه یوجب وروده علی المعیب خاصّة فحینئذ إن أوجب نقصا آخر منع،و إلاّ فلا،فنفس التبعّض بقول مطلق لیس مانعا.

و الحاصل:أنّه فی ما إذا کان العیب فی البعض غیر موجب لمعیوبیّة الکلّ، و لا ردّه موجبا لنقص فیه،فمقتضی قوله:«إذا اشتری الرجل الشیء فوجد به عیبا، فإن کان قائماً بعینه ردّه علی صاحبه» (1)جواز ردّ هذا البعض دون الکلّ،و لیس هنا مصداقان للمشتری-بالفتح-فإنّک إذا اشتریت عبدا و توب کرباس مقدار ذراع من رأسه معیب،فقیل لک:ما المشتری فی صفقتک؟لأشرت إلی ذلک التوب بأجمعه و العبد،لا إلی خصوص ذلک الذراع منه،فإذا قیل لک:إن کان باقیا بحالته الأولی ردّه إلی صاحبه،فالضمیر و إن کان یرجع إلی المشتری لکن العرف یفهم ردّ ذلک المعیوب بخصوصه.کما إذا قیل لک:إذا لاقی هذا الثوب من الکرباس نجس فاجتنب منه إذا کان رطبا،یفهم منه أنّه یختصّ الحکم بموضع الملاقاة إذا کان رطبا.

کذلک إذا قیل:إذا کان هذا المشتری-بالفتح-به عیب،فإن کان قائماً بعینه ردّه إلی صاحبه،یفهم اختصاص هذا بموضع العیب إذا کان هو قائماً بعینه.

ص:349


1- 1) الوسائل:الجزء 12،الباب 16 من أبواب الخیار،ص 363،ح 3.

و علی هذا فمقتضی الخبر جواز ردّ هذا البعض منفردا،و لیس الکلّ فردا و مصداقا،فلا یجوز الردّ فیه بمقتضی الخبر،کما لیس تمام الثوب مصداقا لواجب الاجتناب فی المثال.

و أمّا دعوی أنّ لا ضرر حاکم علی الخبر لأنّ ردّ البعض و استرداد ما یوازیه من الثمن ضرر علی البائع،فلا یجوز.

ففیه:أنّه إن أرید من الضرر،الضرر النقض الغرضی بملاحظة أنّه أوقع المعاملة لأن یصل إلی عشرة تومانات،فحصل خمسة وفات منه خمسة،ففیه أنّ الخیار فی کلّ مورد ثبت بدلیله یورد هذا الضرر علی المفسوخ علیه،بل ضرر فوت تمام الثمن أعظم.و إن أرید تبعّض المبیع علیه بمعنی ردّ بعضه و عدم ردّ بعضه الآخر فلا نسلّم أنّه من حیث هو مع قطع النظر عن استلزامه لردّ مقداره من الثمن إلی المشتری یکون ضررا،و إلاّ لزم فی ما إذا ردّ علیه مجّانا أیضا ورود هذا الضرر و هو معلوم البطلان.

و أمّا دعوی أنّ إثبات السلطنة علی ردّ المعیب و إمساک الصحیح ثمّ سلبها بإعطاء سلطنة الفسخ للبائع لغو.ففیه أنّ المحتملات بحسب مقام الثبوت هنا أمور،الأوّل:أن یلزم الإمساک،و الثانی:أن یخیّر بین إمساک الکلّ و ردّ الکلّ، و الثالث:أن یخیّر بین إمساک الکلّ و ردّ البعض المعیب و إمساک الصحیح، و الأرفق من هذه الثلاثة بمقصود المشتری و بحاله هو الأخیر،فإنّه ربّما لا یعمل البائع خیاره.

و بالجملة:لم نقف علی صارف عن ردّ البعض مع أنّه لو