أحاديث ومعجزات المعصومين
الأخلاق
خلفاء السقيفة في محكمة التاريخ
الجزء الرابع
والدة آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازيّ
ص: 1
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطاهرين.
أمّا بعد: فهذا مختصر حول حُسن الخلق، جمعت فيه أحاديث المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، وألحقته ببعض الأقوال والأشعار.
نسأل اللّه سبحانه وتعالى، أن يحسّن خلقنا كما حسّن خَلقنا، ونكون بذلك من مصاديق الروايات الواردة، حول ثواب حسن الخلق، والحائزين على أرفع درجات ذوي الأخلاق الحسنة، في محل النعيم.
ونأمل بذلك أن يوفّق اللّه القارئ الكريم لأن يتّبع أخلاق الأنبياء والأئمة الطاهرين، صلوات اللّه عليهم أجمعين، ويرشده إلى صواب الطريق.
وإنّ من الضروري لكل مسلم، أن يتحلّى بأكبر قدر من الخلق الرفيع، والمعاملة المحبّبة مع الناس، لكي يجلبهم إلى حظيرة الإسلام، أو يبقيهم في الإسلام، فإنّ أفضل وأسهل وأسرع وأعمق العوامل لزرع المحبّة في القلوب، هي الأخلاق الفاضلة، والمعاملة الإنسانية العطوفة مع الناس.
قال اللّه تعالى لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ}(1) مادحاً له بذلك، وكفى بذلك مدحاً له.
ص: 7
وقيل سبب نزول هذه الآية: أنه كان قد لبس برداً نجرانياً ذا حاشية قوية، فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابي من خلفه، فأثّرت في عنقه، فقال له: أعطني عطائي يا محمد! فالتفت إليه مبتسماً، وأمر له بعطائه، فنزل قوله تعالى: {إِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} فمدحه اللّه بهذه، مدحةً لم يُمدح بها أحد من خلقه(1).
وفي توراة موسى (عليه السلام) : «لا حسب كحسن الخُلق»(2).
وإنّ من حسن الخلق أن يكون الإنسان كثير الحياء، قليل الأذى، صدوق اللسان، قليل الكذب، كثير العمل، قليل الزلل، وقوراً، صبوراً، رضياً، شكوراً، رفيقاً، عفيفاً، شفيقاً، لا نمّام ولا غيّاب ولا مغتاب ولا عجول ولا حسود ولا بخيل، يحبّ في اللّه، ويبغض في اللّه، ويعطي في اللّه، ويمنع في اللّه، ويرضى في اللّه، ويسخط في اللّه، ويحسن ويبكي، بينما المنافق يسيء ويضحك.
الفضائل والرذائل تتقسم على الأعضاء: فللّسان: الصدق والكذب. وللعين: الطهارة والخيانة. ولليدين: العمل والبطش. وللقلب: الطيب والخبث. وهناك فضيلة تدعى حسن الخلق، تعم جميع المشاعر، ويقابله سوء الخلق، وهو أيضاً عام، لا يخص حاسّة أو عضواً، يسري في جميع جهاز البدن، سريان الروح في الجسد الحي، وغالباً يسعد الإنسان بهذه
ص: 8
الفضيلة أكثر ممّا سواها. فالصدق والأمانة والحياء وحسن النيّة، وما إليها، لا تجلب دائماً صديقاً، ولا تنقص عدواً. أمّا الخلق الحسن؛ فهو وحده كفيل بجلب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء، ويدفع أكبر عدد من الأعداء.
وقد منّ اللّه على نبيّه بهذه الموهبة الأخّاذة، حيث يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ}(1).
إنها حقيقةً رحمةً لهم وله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمّا لهم: فقد أنجاهم من العذاب الذي كان يحرق دنياهم ويفسد آخرتهم، وأمّا له: فقد حصل له من الأتباع، وحسن الذكر، ومثوبة الهداية، ما لم يكن يحصل له لولاه؛ قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}(2).
ولا مرّ حسن الخلق بشيء إلاّ وينقلب العدو صديقاً. بينما سوء الخلق بالعكس من ذلك، فكثيراً ما يبدّل الصديق عدواً، وأية صفة أغلى من تلك وأفظع من هذه!
ويرشد القرآن إلى هذه النقطة المهمة في قوله:
{ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَٰوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(3).
لكن هل هذا نصيب كلّ أحد؟ كلاّ وكلاّ: {وَمَا يُلَقَّىٰهَا إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ}(4)، ليس هذا فحسب: {وَمَا يُلَقَّىٰهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ}(5).
ص: 9
إنه حظ عظيم حقيقة، وأيّ حظ أكبر ممّا يجعل المناويء ودوداً؟!
وسوء الخلق زمام كلّ شر! لأنّ سيّء الخلق يكذب، ويغضب، ويسبّ، ويلعن، ويحقد، ويضرب، ويكلح وجهه، ويمنع رفده، فكلّ إحسان أحسن به، وكلّ خير فعله إلى الناس؛ يتلاشى أمام خلقه السيّء. ولنفرض أنه أعطى درهماً لفقير اكتسب ودّه، لكنه بسوء خلقه، وعبوس وجهه، يقلبه عدواً. أو لنفرض أنه جلب لزوجته ما يرضيها، لكن سوء خلقه سرعان ما يكدر الصفو، ويورث العداوة.
يقول الإمام الرضا (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل»(1).
فالعسل الحلو يصبح حامضاً بالخل، وكذلك العمل الحسن يصبح حامضاً بسوء الخلق.
وفي حسن الخلق خير الدنيا: من صداقة الناس والسؤدد، والعيش الهنئ، والآخرة: من نعيم، وحورٍ، وولدان. ولِمَ لايكون فيه خير الآخرة؟ واللّه يحب صاحبه؛ قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ جبرئيل الروح الأمين، نزل عليّ من عند ربّ العالمين، وقال: يا محمد، عليك بحسن الخلق، فإنّه ذهب بخير الدنيا والآخرة. ألا وإنّ أشبهكم بي أحسنكم خلقاً»(2).
والطابع العام للمسلم هو حسن الخلق، فمن لايحسّن خلقه لايكون مسلماً كاملاً.
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خصلتان لاتجتمعان في مسلم: البخل وسوء
ص: 10
الخلق»(1). ثم ما فائدة سوء الخلق؟ هل يرفع مشكلة؟ أو يجلب منفعة؟ أو يدفع مضرّة؟ كلاّ، لا هذا ولا ذاك. إنه بالعكس من ذلك، يجلب كل ويل على الشخص نفسه، قبل غيره. فهو دائماً مهموم ومعزول، كما قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من ساء خلقه عذب نفسه»(2) ثم إنه لايسود أحداً، ولا يكون له خليل. وعلى ذلك تضافرت الأحاديث والروايات عن المعصومين (عليهم السلام) .
فهذا الإمام علي (عليه السلام) يقول لابنه محمد بن الحنفية حين أوصاه: «إياك والعجب، وسوء الخلق، وقلّة الصبر، فإنه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحبٌ، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب، وألزِم نفسك التودد»(3). وكذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : «لا مروءة لكذوب، ولا أخ لملول، ولا راحة لحسود، ولا سؤدد لسيئ الخلق»(4)،
فهذه الخصلة تكون على قمّة الشرور، كلّما ترك شرّاً وقع في شرّ، مثلما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي أيوب الأنصاري: «ما من ذنب إلاّ وله توبة، وما من تائب إلاّ وقد تسلم له توبة، ما خلا سيئ الخلق، لا يكاد يتوب من ذنب، إلاّ وقع في غيره، أشدُّ منه»(5).
ومن ساء خلقه كدر جوّه، كما يكدّر الماء الأوحال، فإنه لايزال يبثّ الشرّ، حتى تحيط به هالة من الكلوح يمجّه الناس من وراء ذلك.
أقول: الخَلقُ والخُلق عبارتان مستعملتان معاً، يقال: فلان حسَنُ الخَلق
ص: 11
والخُلق، أي: حسن الظاهر والباطن. فيراد بالخَلق الصورة الظاهرة، ويُراد بالخُلق الصورة الباطنة التي تجري على الأعضاء. فالخُلق عبارة عن ملكة للنفس، راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروّية. فإن كانت الهيئة بحيث تصدر منها الأفعال الجميلة المحمودة، عقلاً وشرعاً، سمّيت الهيئة خُلقاً حسناً. وإن كانت بحيث إنّ الصادر منها الأفعال القبيحة، سمّيت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً(1).
وكما أنّ حسن الصورة الظاهرة مطلقاً لا يتمّ بحسن العينين دون الأنف والفم والخدّ، بل لابدّ من حسن الجميع، ليتم حسن الظاهر، فكذلك في الباطن. ذلك لأنّ له أربعة أركان، لابدّ من الحسن في جميعها، حتى يتمّ حسن الخُلق له. فإذا استوت الأركان الأربعة، واعتدلت، وتناسبت؛ حصل حسن الخلق، وهي: قوة العلم، وقوة الغضب، وقوة الشهوة، وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث. وقد عبّروا عن اعتدال قوّة الغضب بالشجاعة، وعن اعتدال قوة الشهوة بالعفّة، فإن مالت قوّة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة سُمّي ذلك تهوّراً، وإن مالت إلى الضعف والنقصان سُمّي ذلك جبناً وخوراً. وإن مالت قوّة الشهوة إلى طرف الزيادة سمّي شرهاً، وإن مالت إلى النقصان سمّي خموداً. والمحمود من بين كل ذلك هو الوسط، وهو الفضيلة. وأمّا الطرفان الآخران فرذيلتان مذمومتان. والعدل ليس له طرفان، زيادة ونقصان، بل له ضدّ واحد، وهو الجور.
وأمّا الحكمة، فيسمّى الإفراط فيها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة
ص: 12
خبثاً، ويسمّى التفريط فيها بلهاً، والوسط هو الذي يختص باسم الحكمة.
فإذن، أمّهات الأخلاق وأصولها أربعة: الحكمة، والشجاعة، والعفّة، والعدل. وعند اعتدال هذه الأصول الأربعة، تصدر الأخلاق الجميلة كلّها(1).
ولقد أحبّ المسلمون رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لطيب عشرته، وحسن خلقه، فعاشوا سعداء معه. فاللازم أن يكون الإنسان طيّب المعاشرة مع الناس، حسن البشر معهم. فإذا فعل ذلك، فقد اقتدى برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وتخلّق بأخلاقه. وإن لم يكن كذلك، فهو أبعد الناس عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فالقرب من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هو القرب من أخلاقه، والبعد عنه هو البعد عن أخلاقه(2).
وقد قال بعض المؤمنين: حيث كان سوء الخلق من أسوأ الخصال، وأخسّ الصفات، فجدير بمن يرغب في تهذيب نفسه، وتطهير أخلاقه - من هذا الخلق الذميم - أن يتبع النصائح التالية:
1) أن يتذكّر مساوئ سوء الخلق، وأضراره الفادحة، وأنه باعث على سخط اللّه تعالى، وازدراء الناس، ونفرتهم، على ما أسلفنا ذكره، وعلى ما يأتي في أقوال المعصومين (عليهم السلام) فيما بعد، إن شاء اللّه تعالى.
2) أن يستعرض ما أسلفناه من فضائل حسن الخلق، ومآثره الجليلة، وما ورد في مدحه، والحثّ عليه، من آثار أهل البيت (عليهم السلام) ، أجمعين.
3) الترويض على ضبط الأعصاب، وقمع نزوات النفس، وبوادر الخلق السيء، وذلك بالتريّث في كل ما يصدر عنه، من قول أو فعل، مستهدياً
ص: 13
بقول الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه». فيتّبع تلك النصائح من اعتلّت أخلاقه، ومرضت بدوافع نفسه الأمارة بالسوء. أمّا من ساء خلقه لأسباب مرضية جسمية، فعلاجه بالوسائل الطبيّة، وتقوية الصحّة العامة، وتوفر دواعي الراحة والطمأنينة، وهدوء الأعصاب.
وإنّ من الصعب جدّاً، أن يستقيم المرء على مكارم الأخلاق، رغم تغير الظروف، وتواتر التحدّيات. إلاّ أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، رغم ذلك، كان عظيم الخلق، نبيل القيم، ملتزماً إلتزاماً كاملاً شاملاً، في جميع مراحل حياته؛ في طفولته، وفي شبابه، وحينما كان شيخاً، أو زوجاً أو والداً، فإنّ الظروف لم تنل منه ولم تغيّره، فكان قمّة سامية في مكارم الأخلاق، سواءً حينما كان يتيماً فقيراً، ومحاصراً ومطارداً، أو كان مهاجراً ومقاتلاً، أو كان قائداً فاتحاً، أو حاكماً... في السرّاء والضرّاء، وفي أصحابه أو أعدائه، مع الأقوياء أو الضعفاء. فكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في كل الأحوال هو هو، لم يتغيّر أبداً، من بداية حياته إلى نهايتها، ثابتاً مستقيماً على الخلق العظيم.
ولأنّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تميّز بهذا الخلق السامي، فقد تمكّن من رفع مستوى المسلمين في حياتهم، وجعلهم في مقدمة شعوب العالم في ذلك الوقت، وجعل من الأمة الاسلامية خير أمة أخرجت للناس.
ونحن إذ ندرس هذه السيرة المباركة، علينا أن نتعلّم حسن البشر، وطيب العشرة منه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومن آل بيته الطاهرين (عليهم السلام) . وبمراجعة سريعة لصفحات التاريخ، نجد أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان من أرأف الناس بالناس، وخير الناس، وأنفع الناس، وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) طيّب العشرة بشوشاً حيياً، عفيفاً، ويمتلك كلّ صفات الخير.
ص: 14
وحسن الخلق، إضافة إلى أنه نجاة من النار، وفوز بالجنة في الدار الآخرة. فإنّه فلاح ونجاح في دار الدنيا، حيث بحسن الخلق، يمكن امتلاك ودّ الناس، وعطفهم، واستمالتهم، وبالتالي توجيههم نحو خدمة الأهداف الرسالية السامية، ونحو الإيمان، وعمل الصالحات، وبناء الحضارات.
آملين منه تعالى أن يوفّقنا لذلك.
ص: 15
ص: 16
قال اللّه تبارك وتعالى:
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ}(1).
{وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا}(2).
{وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(3).
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}(4).
{وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ}(5).
{وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنًا}(6).
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(7).
{ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ}(8).
ص: 17
{وَلَا تُجَٰدِلُواْ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(1).
{ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(2).
{فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ}(3).
{وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ}(4).
قال اللّه تعالى للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا أحمد! ألم تدر لأيّ شيء فضّلتك على سائر الأنبياء؟ قال: اللّهم لا. قال: باليقين، وحسن الخلق، وسخاوة النفس، ورحمة الخلق. وكذلك أوتاد الأرض، لم يكونوا أوتاداً إلاّ بهذا»(5).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمّ سلمة: «إنّ حَسنَ الخُلُق ذهب بخير الدنيا والآخرة»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أكثر ما يلج به أمتي الجنة تقوى اللّه وحسن الخلق»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حسن الخلق خلق اللّه الأعظم»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ الخلق الحسن ليذيب الخطيئة، كما تذيب الشمس الجليد»(3).
وسألته أمّ حبيبة عن امرأةٍ يكون لها زوجان في الدنيا، فتموت ويموتان، ويدخلان الجنة؛ لأيّهما هي؟ فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لأحسنهما خلقاً»(4).
قالت له أمّ سلمة (رضي اللّه عنها): بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه؛ المرأة يكون لها زوجان فيموتان فيدخلان الجنة لأيّهما تكون؟
فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «تخيّر أحسنهما خلقاً وخيرهما لأهله، يا أمّ سلمة إنّ حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة»(5).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف
ص: 20
المنازل وإنّه لضعيف العبادة»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا بني عبدالمطلب! إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر»(2)(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ اللّه استخلص هذا الدين لنفسه، ولا يصلح لدينكم إلاّ السخاء وحسن الخلق، ألا فزينوا دينكم بهما»(4).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ثلاث من لم يكن فيه أو واحدة منهن فلا تعتدن بشيء من علمه: تقوى يحجزه عن معاصي اللّه عز وجل، أو حلم يكفّ به السفيه، أو خلق يعيش به في الناس»(5).
وقد مثّل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لحسن الخلق وسوء الخلق أروع الأمثلة، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :
«لما خلق اللّه تعالى الايمان قال: اللّهم قوّني! فقوّاه اللّه بحسن الخلق والسخاء. ولمّا خلق اللّه الكفر، قال: اللّهم قوّني فقواه بالبخل وسوء
ص: 21
الخلق»(1).
وقيل للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل، وهي سيئة الخلق، تؤذي جيرانها بلسانها. فقال: لاخير فيها، هي من أهل النار»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما يوضع في ميزان امريء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل وسوء الخلق»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّه أول ما يدخل به النار من أمّتي الأجوفان».
قالوا: وما الأجوفان؟ قال: «الفرج والفم، وأكثر ما يدخل به الجنة: تقوى اللّه وحسن الخلق»(3).
وفي حديث طويل: أنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمر رجلاً استحق القتل أن يتشهد الشهادتين ليدرأ عنه القتل، فلم يقبل الرجل، فأمر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بضرب عنقه، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليضرب عنقه، فهبط جبرئيل فقال: يا محمد! إنّ ربّك يقرئك السلام، ويقول لك: لاتقتله، فإنّه حسن الخلق، سخي في قومه، فقال الرجل، وهو تحت السيف: هذا رسول ربّك يخبرك؟ قال: نعم. فقال: واللّه ما ملكت درهماً مع أخ لي قط إلاّ أنفقته، ولا كلّمت بسوء مع أخ لي، ولا قطبت وجهي في الجدب(4)، وأنا أشهد ألا إله إلاّ اللّه، وأنك رسول اللّه، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :
ص: 23
هذا ممّن جرّه حسن خلقه وسخاؤه إلى جنات النعيم»(1).
وكان فيما أوصى به (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) : «يا علي! ثلاث من لم تكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي اللّه عزّوجلّ، وخلق يداري به الناس، وحلم يردّ به جهل الجاهل»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أنا زعيم ببيت في ربض(3) الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقّاً، ولمن ترك الكذب وإن كان هازلاً، ولمن حسن خلقه»(4).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ثلاث من لم تكن فيه فليس منّي ولا من اللّه» قيل: يا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما هنّ؟ قال: «حلم يردّ به جهل الجاهل، وحسن خلق يعيش به، وورع يحجزه عن معاصي اللّه عزّوجلّ»(5).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أربع من كنّ فيه نشر اللّه عليه كنفه، وأدخله الجنة في
ص: 24
رحمته: حسن خلق يعيش به في الناس... الحديث»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حسن الخلق زمام من رحمة اللّه تعالى في أنف صاحبه، والزمام بيد الملك، والملك يجرّه إلى الخير، والخير يجرّه إلى الجنة. وسوء الخلق زمام من عذاب اللّه تعالى في أنف صاحبه، والزمام بيد الشيطان، والشيطان يجرّه إلى الشر، والشر يجرّه إلى النار»(2).
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حسن الخلق وكفّ الأذى يزيدان في الرزق»(4).
سئل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن الشؤم، فقال: «سوء الخلق»(1).
وأتاه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رجل فقال: يا رسول اللّه، أوصني! فكان فيما أوصاه أن قال: «إلق أخاك بوجه منبسط»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إستقم وليحسن خلقك للناس»(3).
وقال له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رجل: «أوصني! قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اتق اللّه حيث كنت. قال: زدني! قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اتبع السيئة الحسنة تمحها. قال: زدني قال: خالط الناس بحسن الخلق»(4).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «خالِقِ الناس بخلق حسن»(5).
كان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم جالساً في المسجد، إذ جاءت جارية لبعض الأنصار، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلم تقل له شيئاً، ولم يقل لها النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شيئاً، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، فقام لها في الرابعة وهي
ص: 27
خلفه، فأخذت هدبة(1) من ثوبه، ثم رجعت. فقال لها الناس: فعل اللّه بك وفعل؛ حبست رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثلاث مرات لا تقولين له شيئاً، ولا هو يقول لك شيئاً؛ ما كانت حاجتك إليه؟ قالت: إنّ لنا مريضاً فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه ليستشفى بها، فلما أردت أن آخذها رآني فقام، فاستحييت منه أن آخذها وهو يراني، وأكره أن أستأمره في أخذها، فأخذتها»(2).
وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إذا كذب عنده الرجل تبسّم، وقال: إنه ليقول قولاً»(3).
قال ابن عباس: «لما أرادت صفية بنت اليهودي أن تركب يوم خيبر، وقد أخذها رسول اللّه، أدنى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخذه منها لتركب عليها، فأبت احتراماً للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ووضعت ركبتها على فخذه، ثم حملها، ثم خيّرها بين أن يعتقها وتكون زوجته، أو تلحق بأهلها؛ فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته»(4).
وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أكثر الناس تبسّماً وضحكاً في وجوه أصحابه(5).
وعن جرير بن عبداللّه قال: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنك امرؤ قد أحسن اللّه خلقك، فأحسن خلقك»(6).
ص: 28
وجاء يهودي له على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دنانير، فتقاضاه، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك. فقال: إنّي ما أفارقك يا محمد حتى تقضيني! فقال: إذاً أجلس معك.
فجلس معه حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة، وكان أصحابه يتهدّدون اليهودي ويتواعدونه، فنظر إليهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول اللّه، يهودي يحبسك، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لم يبعثني ربّي عزّوجلّ بأن أظلم معاهداً ولاغيره، فلما علا النهار، قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. وشطر ماله في سبيل اللّه، وقال: ما فعلت بك الذي فعلت، إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإنّي قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبداللّه مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظّ، ولا غليظ، ولا سخَّاب، ولا متزيّن بالفحش، ولا قول الخنى»(1).
أقول: وكان كلّ همّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هداية الناس وإنقاذهم، ولم يكن يبالي في سبيل ذلك أن يواجه الصعوبات أو يسمع الأذى من أيّ شخص كان.
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «نزل عليّ جبرئيل من ربّ العالمين، فقال: يا محمد! عليك بحسن الخلق، فانه ذهب بخير الدنيا والآخرة، ألا وإنّ أشبهكم بي أحسنكم خلقاً»(2).
ص: 29
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «عليكم بحسن الخلق، فإنّ حسن الخلق في الجنة لامحالة، وإياكم وسوء الخلق فإنّ سوء الخلق في النار لا محالة»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أقربكم منّي مجلساً يوم القيامة: أحسنكم خلقاً وخيركم لأهله»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حسن الخلق نصف الدين»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أول ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلقه»(4).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أعطي خمساً لم يكن له عذر في ترك عمل الآخرة... وحسن خلق يداري به الناس...» (5).
عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: هلك رجل على عهد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأتى
ص: 30
الحفارين، فإذا بهم لم يحفروا شيئاً، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقالوا: يا رسول اللّه ما يعمل حديدنا في الأرض، فكأنّما نضرب به في الصفا، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ولم؟ إن كان صاحبكم لحسن الخلق، ائتوني بقدح من ماء، فأتوه به فأدخل يده فيه ثم رشّه على الأرض رشّاً، ثم قال: احفروا، قال: فحفر الحفّارون، فكأنّما كان رملاً يتهايل عليهم»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، حفظ أمانةٍ، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ أكثر ما يدخل الجنة الناس: تقوى اللّه، وحسن الخلق»(2).
وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول في دعائه: «اللّهم حسّن خلقي وخلقي»(3).
وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول في دعائه: «اللّهم جنّبني منكرات الأخلاق» فاستجاب اللّه تعالى دعاءه وفاءً بقوله: أدعوني أستجب لكم، فأنزل عليه القرآن، وأدّبه به فكان خلقه القرآن(4).
... وقام أبو بردة بن دينار، فقال: يا رسول اللّه، اللّه يحبّ مكارم الأخلاق؟ فقال: «والذي نفسي بيده لايدخل الجنة إلاّ حسن الأخلاق»(5).
قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ اللّه تعالى حفّ الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن
ص: 32
الأعمال»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أفضل ما يوضع في الميزان حسن الخلق والسخاء. ولما خلق اللّه تعالى الإيمان، قال: اللّهم قوّني! فقواه بحسن الخلق والسخاء. ولما خلق اللّه الكفر، قال: اللّهم قوّني! فقواه بالبخل وسوء الخلق»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش»(3).
عن أبي الدرداء قال: «كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذا حدّث بحديث تبسّم في حديثه»(4).
عن أنس بن مالك، قال: «أنّ النبي أدركه أعرابي، فأخذ بردائه، فجبذه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقد أثّرت به حاشية الرداء من شدّة جبذته، ثم قال: يا محمد مرلي من مال اللّه الذي عندك، فالتفت إليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فضحك، وأمر له بعطاء»(5).
ص: 33
عن الحسين بن زيد، قال: قلت لجعفر بن محمد (عليهما السلام) جعلت فداك، هل كانت في النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مداعبة؟ فقال: وصفه اللّه بخلق عظيم في المداعبة وإنّ اللّه تعالى بعث أنبيائه، وبعث محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالرأفة والرحمة، وكان من رأفته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمته مداعبته لهم، لكيلا يبلغ بأحد منهم التعظيم، حتى لاينظر إليه. ثم قال: حدّثني أبي محمد عن أبيه علي عن الحسين عن أبيه علي (عليه السلام) قال: كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليسر الرجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة(1).
كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إنّ اللّه يبغض المعبس في وجه إخوانه»(2).
وقال العباس للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما الجمال بالرجل يا رسول اللّه؟ قال: بصواب القول بالحق، قال: فما الكمال؟ قال: تقوى اللّه عزّوجلّ وحسن الخلق»(3).
وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبل النبوة أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم مخالطة(4).
ص: 34
وكان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دائم البشر سهل الخلق ليّن الجانب ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزّاح ولا مدّاح(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من ساء خلقه عذّب نفسه(2).
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «أتي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقيل له: إنّ سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد، وهو قائم على عضادة الباب، فلما أن حنّط وكفّن وحمل على سريره، تبعه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بلا حذاء ولا رداء. ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى إنتهى به إلى القبر فنزل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، حتى لحده، وسوّى اللبن عليه، وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً؛ يسدّ به مابين اللبن، فلما أن فرغ، وحثا التراب عليه، وسوّى قبره قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّي لأعلم أنّه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكنّ اللّه يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه، فلما أن سوّى القرية عليه، قالت أمّ سعد من جانب: يا سعد هنيئاً لك الجنة، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أمّ سعد مه، لا تجزمي على ربك، فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة. قال: فرجع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورجع الناس، فقالوا: يا رسول اللّه لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء
ص: 35
ولا حذاء. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّ الملائكة كانت ولا رداء بلا حذاء فتأسّيت بها. قالوا: فكيف تأخذ يمنة السرير مرة، ويسرة السرير مرة، قال: كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله، وصلّيت على جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت: إنّ سعداً قد أصابته ضمّة؟! فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوءاً»(1).
أقول: إنّ سوء خلقه سبّب الضمّة وإنّ كان (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلى عليه، أو شيّعته الملائكة وجبرئيل، وكان له في الإسلام سوابق ناصعة، وصحائف بيضاء، فلا عجب، فاللّه عدل لا تجوزه مظلمة، وإن تستّر صاحبها بأستار الطاعة.
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما حسّن اللّه خلق امريء وخلقه فيطعمه النار»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : «ألا أخبرك بأشبهكم بي خلقاً، قال: بلى يا رسول اللّه، قال: أحسنكم خلقاً، وأعظمكم حلماً، وأبرّكم بقرابته، وأشدّكم من نفسه إنصافاً»(1).
«جاء رجل إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من بين يديه، فقال: يا رسول اللّه ما الدّين؟ فقال: حسن الخلق. ثم أتاه عن يمينه، فقال: ما الدين؟ فقال: حسن الخلق، ثم أتاه عن شماله، فقال: ما الدين؟ فقال: حسن الخلق، ثم أتاه من ورائه، فقال: ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: أما تفقه؟ الدين هو أن لا تغضب»(2).
قيل: ثم من؟ قال: الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة. قيل: ثم من؟ قال: الخلق الحسن»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ من إسلام المرء حسن خلقه، وترك مالا يعينه»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا أيها الناس واللّه إنّي لأعلم أنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن معوهم بالطلاقة وحسن الخلق»(3).
وسئل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما أفضل ما أعطي الإنسان؟ فقال: حسن الخلق»(4).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما حسّن اللّه خلق عبده وخلقه إلاّ استحيا أن يطعم النار من لحمه»(5).
أقول: هذا تحريض على تحسين الخلق، إذ قسم منه بيد الإنسان نفسه.
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ما عمل أثقل في الميزان من حسن الخلق، وإنّ العبد ليدرك
ص: 38
بحسن الخلق درجة الصالحين»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يلقى اللّه عبد بمثل خصلتين، طول الصمت وحسن الخلق»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «حسن الخلق يمن، وشر الخلق نكد»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من سعادة المرء حسن الخلق، ومن شقاوته سوء الخلق»(4).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ الخلق الحسن يذيب الذنوب كما تذيب الشمس الجمد، وإن الخلق السيئ ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل»(5).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ اللّه اختار الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق، فإنّه لا يصلح إلاّ بهما»(6).
وعن عبدالرحمن بن سمرة، قال: «كنا عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: رأيت
ص: 39
البارحة عجائب. فقلنا: يا رسول اللّه، وما رأيت؟ حدّثنا به! إلى أن قال: رأيت رجلاً من أمّتي جاثياً على ركبتيه بينه وبين رحمة اللّه حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذه بيده، وأدخله في رحمة اللّه»(1).
وقال جعفر بن محمد (عليه السلام) : قال علي (عليه السلام) : «أتى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بسبعة أسارى، فقال لي: يا علي، قم فاضرب أعناقهم، فهبط جبرئيل (عليه السلام) في طرف العين، فقال: يا محمد، اضرب أعناق هؤلاء الستة، وخلّ عن هذا! فقال له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما بال هذا من بينهم؟ فقال: لأنّه كان حسن الخلق، سخياً على الطعام، سخي الكفّ. قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فقلت: يا جبرئيل، عنك أو عن ربك؟ فقال: لا بل عن ربك عزّوجلّ يا محمد»(2).
أقول: لعل هؤلاء كانوا قد قتلوا المسلمين، في «بئر معونة»(3)، أو غيرها.
وسئل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «أيّ الأعمال أفضل؟ قال: حسن الخلق»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ خياركم أُولو النهى، قيل: يا رسول اللّه، ومن أُولو النهى؟ قال: هم أُولو الأخلاق الحسنة»(2).
ولما عرج به (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى السماء، رأى أبواب الجنة ثمانية، وعلى كلّ باب أربع كلمات، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من أراد الدخول من هذه الأبواب الثمانية فليستمسك بأربع خصال: بالصدقة، والسخاء، وحسن الخلق، وكفّ الأذى عن عباد اللّه»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ثلاث من النساء يرفع اللّه عنهن عذاب القبر، ويكون محشرهن مع فاطمة بنت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : امرأة صبرت على غيرة زوجها، وامرأة صبرت على سوء خلق زوجها، وامرأة وهبت صداقها»(4).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من صبر على سوء خلق امرأته، أعطاه اللّه من الأجر ما
ص: 41
أعطى أيوب (عليه السلام) على بلائه»(1).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «من صبرت على سوء خلق زوجها، أعطاها اللّه مثل ثواب آسية بنت مزاحم»(2).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «طوبى لمن ذلّ في نفسه، وحسنت خليقته»(3).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يحتوي على مائة وثلاث خصال، وعدّ منها: بشره في وجهه، إلى أن قال: هشّاشاً بشّاشاً، لاحسّاس ولا جسّاس»(4).
وقيل له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «يا رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ما أفضل حال اُعطي للرجل؟ قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الخلق الحسن إنّ أدناكم منّي وأوجبكم عليّ شفاعة، أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس»(5).
وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ثلاث من لقي اللّه عزّوجلّ بهن دخل الجنة، من أيّ باب
ص: 42
شاء: من حسّن خلقه، وخشي اللّه تعالى في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقّاً»(1).
عن مسروق عن عبد اللّه بن عمرو قال:لم يكن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاحشاً ولا متفحّشاً. وكان يقول: من خياركم أحاسنكم أخلاقاً(2).
وروي أنّ يهودياً من فصحاء اليهود جاء إلى عمر، في أيام خلافته، فقال: أخبرني عن أخلاق رسولكم. فقال عمر: أطلبه من بلال فهو أعلم به منّي! ثم إنّ بلالاً دلّه على فاطمة، ثم فاطمة دلّته على علي (عليه السلام) ، فلما سأل علياً عنه، قال (عليه السلام) : صف لي متاع الدنيا، حتّى أصف لك أخلاقه! قال الرجل: هذا لا يتيسّر لي. فقال علي (عليه السلام) : عجزت عن وصف متاع الدنيا، وقد شهد اللّه تعالى على قلّته، حيث قال: {قُلْ مَتَٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ}(3)، فكيف أصف أخلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقد شهد اللّه تعالى بأنه عظيم، حيث قال: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ}(4)(5).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : «استأذنت زليخا على يوسف، فقيل لها: إنّا
ص: 43
نكره أن نقدم بك عليه، لما كان منك إليه. قالت: إنّي لا أخاف من يخاف اللّه. فلما دخلت قال لها: يا زليخا مالي أراك قد تغيّر لونك؟ قالت: الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً. قال لها: ما الذي دعاك يا زليخا إلى ما كان منك؟ قالت: حسن وجهك يا يوسف؟ فقال: كيف لو رأيت نبيّاً يقال له محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، يكون في آخر الزمان، أحسن منّي وجهاً، وأحسن منّي خلقاً، وأسمح منّي كفّاً؟ قالت: صدقت! قال: وكيف علمت أنّي صدقت؟ قالت: لأنّك حين ذكرته وقع حبّه في قلبي، فأوحى اللّه عزّوجلّ إلى يوسف: أنها قد صدقت، وأني قد أحببتها لحبّها محمداً. فأمره اللّه تبارك وتعالى أن يتزوّجها»(1).
ص: 44
وقال (عليه السلام) : أرضى الناس من كانت أخلاقه رضيّة(1).
وقال (عليه السلام) : من حسنت خليقته طابت عشرته(2).
وقال (عليه السلام) : كفى بالقناعة ملكاً، وبحسن الخلق نعيماً(3).
وقال (عليه السلام) : إنّ الصبر، وحسن الخلق، والبرّ، والحلم؛ من أخلاق الأنبياء(4).
وقال (عليه السلام) : ربّ عزيز أذلّه خلقه، وذليل أعزّه خلقه(5).
وقال (عليه السلام) : الإسلام حسن الخلق.
وقال (عليه السلام) : في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق(6).
ومن وصية له (عليه السلام) لابنه محمد بن الحنفية، أنه قال له: حسّن مع جميع
ص: 46
الناس خلقك، حتى إذا غبت عنهم حنّوا إليك وإذا مِت بكوا عليك وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون(1).
وقال (عليه السلام) لابنه محمد بن الحنفية: إيّاك والعجب، وسوء الخلق، وقلّة الصبر؛ فإنّه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحب، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب(2).
وقال (عليه السلام) : عليكم بالسخاء وحسن الخلق، فإنّهما يزيدان الرزق، ويوجبان المحبّة(3).
وقال (عليه السلام) : عليك بحسن الخلق، فإنّه يكسبك المحبّة(4).
وقال (عليه السلام) : عليك بالبشاشة، فإنّها حبالة المودّة(5).
وقال (عليه السلام) : روّضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة، فإنّ العبد المسلم يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم(6).
وقال (عليه السلام) : من أعطي أربع خصال في الدنيا، فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، وفاز بحظّه منهما [وذكر من جملتها]: وحسن خلق يعيش به في الناس(7).
ص: 47
وقال (عليه السلام) : حسن البشر من دعائم النجاح(1).
وقال (عليه السلام) : حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق(2).
وقال (عليه السلام) : حسن الخلق خير رفيق(3).
وقال (عليه السلام) : حسن الخلق خير قرين، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه(4).
وقال (عليه السلام) : إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه، وحسن اللقاء؛ فإنّي سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم(5).
وروي أنه دعا غلاماً له، فلم يجبه، فدعاه ثانياً، وثالثاً فلم يجبه، فرآه
ص: 48
متضجعاً. فقال: أما تسمع يا غلام؟! قال: نعم، قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك، فتكاسلت، فقال: امض فأنت حرّ لوجه اللّه(1).
وقال (عليه السلام) : من لم يحسّن خلقه لم ينتفع به قرينه(1).
وقال (عليه السلام) : نعم الحسب حسن الخلق(2).
وقال (عليه السلام) : نعم الشيمة حسن الخلق(3).
وقال (عليه السلام) : لا سؤدد لسييء الخلق(4).
وقال (عليه السلام) : من ساء خلقه ضاق رزقه(5).
وقال (عليه السلام) : من ساء خلقه عذّب نفسه(6).
وقال (عليه السلام) : سوء الخلق شرّ قرين(7).
وقال (عليه السلام) : السيئ الخلق كثير الطيش، منغّص العيش(8).
وقال (عليه السلام) : من ساء خلقه أعوزه الصديق والرفيق(9).
ص: 52
وقال (عليه السلام) : «سوء الخلق يوحش القريب، وينفّر البعيد»(1).
وقال (عليه السلام) : من كرم خلقه اتّسع رزقه(2).
وقال (عليه السلام) : لا عيش أهنأ من حسن الخلق(3).
وقال (عليه السلام) : الخلق المحمود من ثمار العقل(4).
وقال (عليه السلام) : رأس العلم التمييز بين الأخلاق، وإظهار محمودها، وقمع مذمومها(5).
وقال (عليه السلام) : عليكم بمكارم الأخلاق؛ فإنّها رفعة، وإيّاكم والأخلاق الدنية؛ فإنّها تضع الشريف، وتهدم المجد(6).
وإن نظرنا إلى حسن أخلاقه وجدناه يضرب به المثل في ذلك، حتى
ص: 53
عابه به أعداؤه لما لم يجدوا فيه عيباً(1).
وقال (عليه السلام) : تنافسوا في الأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، يعظم لكم الجزاء(2).
وقال (عليه السلام) : لا وحشة أوحش من سوء الخلق(1).
وقال (عليه السلام) : الناس أربعة؛ فمنهم من له خلق ولا خلاق له، ومنهم من له خلاق ولا خلق له، ومنهم من لا خلق ولا خلاق له، وذلك من شرّ الناس. ومنهم من له خلق وخلاق فذلك خير الناس(1).
وقال (عليه السلام) : إنّ أحسن الحسن الخلق الحسن(2).
ذكر غير واحد من العلماء، أنّ الحسن (عليه السلام) كان أوسع الناس صدراً وأسجحهم خلقاً(3).
عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال في حديث طويل ... ولا عيش ألذ من
ص: 57
حسن الخلق(1).
عن عبداللّه بن عتبة قال: كنت عند الحسين بن علي (عليه السلام) إذ دخل علي بن الحسين الأصغر (عليه السلام) فدعاه الحسين (عليه السلام) وضمّه إليه ضمّاً وقبّل ما بين عينيه ثم قال: بأبي أنت ما أطيب ريحك وأحسن خلقك... الحديث(2).
ص: 58
قال علي بن الحسين (عليه السلام) : إنّ أحبكم إلى اللّه أحسنكم خلقاً(1).
وكان من دعائه (عليه السلام) في الاستعاذة من المكاره، وسيء الأخلاق، ومذامّ الأفعال: اللّهم إنّي أعوذ بك من هيجان الحرص، وسورة الغضب، وغلبة الحسد، وضعف الصبر، وقلّة القناعة، وشكاسة الخلق(2).
وقال (عليه السلام) : طوبى لمن طاب خلقه(3).
وقال (عليه السلام) : أربع من كنّ فيه كمل إسلامه ومحّصت عنه ذنوبه ولقي ربّه عزّوجلّ، وهو عنه راض (وكان من جملتها) وحسّن خلقه مع أهله(4).
ص: 59
وقال (عليه السلام) : إنّ المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلّة المراء، وحلمه، وصبره، وحسن خلقه(1).
وقال (عليه السلام) : المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً [وكان من جملتها القنفذ]. وأمّا القنفذ فكان رجلاً سيئ الخلق فمسخه اللّه قنفذاً(2).
عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما يوضع في ميزان امريء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق(3).
عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: إنّ أحبكم إلى اللّه عزّوجلّ أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم عند اللّه عملاً أعظمكم فيما عند اللّه رغبة، وإنّ أنجاكم من عذاب اللّه أشدكم خشية لله، وإنّ أقربكم من اللّه أوسعكم خلقاً ... الحديث(4).
عن الإمام السجاد (عليه السلام) : أنّ أمير المؤمنين قدّم أسيراً ليضرب عنقه فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: يا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إنّ ربّك يقرئك السلام
ص: 60
ويقول: لا تقتله فإنّه حسن الخلق سخيّ في قومه... الحديث(1).
قال الإمام الباقر (عليه السلام) : إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً(2).
وقال (عليه السلام) : ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت (البيت الحرام) إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي اللّه تعالى، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحابة لمن صحبه(3).
وقال (عليه السلام) : إنّ اللّه عزّوجلّ أنزل حوراء من الجنة إلى آدم، فزوّجها أحد ابنيه، وتزوّج الآخر إلى الجن، فولدتا جميعاً، فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء الخلق، فمن بنت الجان(4).
أقول: قد يكون المراد الجينات الوراثية أو ما أشبه.
وقال (عليه السلام) : «البشر الحسن، وطلاقة الوجه؛ مكسبة للمحبّة، وقربة من اللّه
ص: 61
عزّوجلّ. وعبوس الوجه، وسوء البشر؛ مكسبة للمقت وبعد من اللّه»(1).
قال محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) : من أعطي الخلق والرفق فقد أعطي الخير والراحة وحسن حاله في دنياه وآخرته، ومن حرم الخلق والرفق كان ذلك سبيلاً إلى كل شرّ وبلية إلاّ من عصمه اللّه(2).
محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنّ لأهل التقوى علامات يعرفون بها. صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقلّة الفخر والبخل، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلّة المؤاتاة للنساء، وبذل المعروف، وحسن الخلق وسعة الحلم...(3).
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) «قال: تسع خصال خصّ اللّه بها رسله، فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم فاحمدوا اللّه تعالى عليها وإلاّ فاسألوه فيها وهُنّ: اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والشجاعة والتنزه(4).
ص: 62
وقال الإمام أبو عبداللّه جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) لبحر السقّاء: «يا بحر! إنّ حسن الخلق يسر»(1).
وقال (عليه السلام) : لا عيش أهنأ من حسن الخلق(2).
وقال (عليه السلام) : حسن الخلق يزيد في الرزق(3).
وقال (عليه السلام) : «إنّ اللّه عز وجل خصّ الأنبياء (عليهم السلام) بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد اللّه على ذلك، ومن لم تكن فيه فليتضرّع إلى اللّه عز وجلّ ويسأله إيّاها»(4).
وقال (عليه السلام) : «قولوا للناس كلّهم حسناً؛ مؤمنهم ومخالفهم، أمّا المؤمنون فيبسط لهم وجهه، وأمّا المخالفون فيكلّمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى
ص: 63
الإيمان، فإن استتر من ذلك يكفّ شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين».
ثم قال (عليه السلام) : «إنّ مداراة أعداء اللّه من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه. كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في منزله، إذ استأذن عليه عبداللّه بن أبي سلول، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : بئس أخو العشيرة، إئذنوا له، ... فلما دخل عليه بشر في وجهه، فلما خرج، قالت عائشة: يا رسول اللّه، قلت فيه ما قلت، وفعلت فيه من البشر ما فعلت؟! فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا عويش، يا حميراء، إنّ شرّ الناس عند اللّه، يوم القيامة، من يكرم إتقاء شرّه»(1).
وقال (عليه السلام) : أحسن مجاورة من جاورت تكن مسلماً(2).
وقال (عليه السلام) : إنّ اللّه رضي لكم الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق(3).
وقال (عليه السلام) : عليكم بتقوى اللّه و... وحسن الصحبة لمن صحبكم(4).
وقال (عليه السلام) وهو يوصي شيعته: خالقوا الناس بأحسن أخلاقكم(5).
وقال (عليه السلام) : خالطوا الناس، وأتوهم، وأعينوهم، ولا تجانبوهم، وقولوا لهم كما قال اللّه {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا}(6)(7).
وقال (عليه السلام) : حسن المعاشرة مع خلق اللّه تعالى في غير معصيته من مزيد
ص: 64
فضل اللّه تعالى عند عبده. ومن كان خاضعاً لله تعالى في السر، كان حسن المعاشرة في العلانية. فعاشر الخلق لله تعالى، ولا تعاشرهم لنصيبك لأمر الدنيا، ولطلب الجاه، والرياء والسمعة، ولا تسقطن بسببها عن حدود الشريعة، من باب الممائلة، والشهرة، فإنّهم لا يغنون عنك شيئاً، وتفوتك الآخرة بلا فائدة، فاجعل من هو أكبر منك بمنزلة الأب، والأصغر بمنزلة الولد، والمثل بمنزلة الأخ. ولا تدع ما تعلم يقيناً من نفسك بما تشك فيه من غيرك. وكن رفيقاً في أمرك بالمعروف، وشفيقاً في نهيك عن المنكر، ولا تدع النصيحة في كل حال. قال اللّه تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا}(1).
وقال (عليه السلام) : «حسن الخلق شجرة في الجنة، وصاحبه متعلّق بغصنها يجذبه إليها. وسوء الخلق شجرة في النار، وصاحبه متعلّق بغصنها يجذبه إليها»(2).
وقال (عليه السلام) : «خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها فليس فيه كثير مستمتع، إلى أن قال: والرابعة حسن الخلق»(3).
وقال (عليه السلام) : في وصية لقمان لابنه: يا بني، إن عدمك ما تصل به قرابتك، وتتفضّل به على إخوانك، فلا يعدمنك حسن الخلق وبسط البشر، فإنّه من
ص: 65
أحسن خلقه أحبّه الأخيار وجانبه الفجار(1).
وسئل (عليه السلام) : ما حدّ حسن الخلق؟ قال: تلين جانبك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن(2).
قال (عليه السلام) بعد ذكره للأئمة (عليهم السلام) : ودينهم الورع، والعفّة، ...، إلى أن قال: وحسن الصحبة، وحسن الجوار(3).
وقال (عليه السلام) : من أراد أن يدخله اللّه عز وجل في رحمته ويسكنه جنته فليحسن خلقه(4).
وقال (عليه السلام) : ثلاث خصال في المؤمن لا يجمعها اللّه تعالى لمنافق: حسن الخلق، والفقه، وحسن الصمت(5).
وقال (عليه السلام) : ما يقدم المؤمن على اللّه عزّوجلّ بعمل بعد الفرائض، أحبّ
ص: 66
إلى اللّه تعالى من أن يسع الناس بخلقه(1).
وقال (عليه السلام) : إنّ اللّه تبارك وتعالى، ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل اللّه يغدو عليه ويروح(2).
وقال (عليه السلام) : البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار(3).
وقال (عليه السلام) : إذا خالطت الناس، فإن استطعت أن لا تخالط أحداً من الناس إلاّ كان يدك العليا عليه فافعل، فإنّ العبد يكون فيه بعض التقصير من العبادة، ويكون له حسن خلق، فيبلغه اللّه بخلقه درجة الصائم القائم(4).
معها لا بأس به.
وقال (عليه السلام) : ثلاث من أتى اللّه بواحدة منهن أوجب اللّه له الجنة؛ الإنفاق من إقتار، والبشر لجميع العالم، والإنصاف من نفسه(1).
وقال (عليه السلام) : من ساء خلقه عذّب نفسه(2).
وعن أبي ربيع الشامي، قال: كنا عند أبي عبداللّه (عليه السلام) والبيت غاصّ بأهله، فقال (عليه السلام) : ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه، ومرافقة من رافقه، وممالحة من مالحه، ومحالفة من حالفه(3).
وقال (عليه السلام) : أوحى اللّه تبارك وتعالى إلى بعض أنبيائه (عليه السلام) : الخلق الحسن يميث الخطيئة، كما تميث الشمس الجليد(4).
وقال (عليه السلام) : إنّ اللّه تبارك وتعالى خصّ رسوله (عليهم السلام) بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم فاحمدوا لله...، وارغبوا إليه فيها، فذكرها
ص: 68
عشرة [وكان من جملتها] حسن الخلق(1).
وقال (عليه السلام) : إنّ الصبر والصدق، والحلم، وحسن الخلق، من أخلاق الأنبياء، وما يوضع في ميزان امريء يوم القيامة شيء أفضل من حسن الخلق(2).
وقال (عليه السلام) : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً(3).
وقال (عليه السلام) : الخلق منحة يمنحها اللّه من شاء من خلقه، فمنه سجية ومنه نية، فسأله رجل: فأيّهما أفضل؟ قال: صاحب النية فإنّ صاحب السجية هو المجبول على الأمر، الذي لا يستطيع غيره، وصاحب النية هو الذي يتصبّر على الطاعة فيصبر، فهذا أفضل(4).
وقال (عليه السلام) : تبسّم المؤمن في وجه المؤمن حسنة(5).
وقال (عليه السلام) : الخلق الحسن جمال في الدنيا ونزهة في الآخرة، وبه كمال
ص: 69
الدين، والقربة إلى اللّه تعالى. ولا يكون حسن الخلق إلاّ في كلّ نبي وولي ووصي، لأنّ اللّه تعالى أبى أن يترك ألطافه وحسن الخلق إلاّ في مطايا نوره الأعلى وجماله الأزكى، لأنّها خصلة يختص بها الأعرفون به، ولا يعلم ما في حقيقة حسن الخلق إلاّ اللّه عزّوجلّ، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : حاتم زماننا حسن الخلق، والخلق الحسن ألطف شيء في الدين، وأثقل شيء في الميزان، وسوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وإن ارتقى في الدرجات فمصيره إلى الهوان(1).
وقال (عليه السلام) : ثلاث يصفين ودّ المرء لأخيه المسلم: يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحبّ الأسماء إليه(2).
وقال (عليه السلام) : المؤمن طاب كسبه وحسنت خليقته(1).
وقال (عليه السلام) : لا سؤدد لسيئ الخلق(2).
وقال (عليه السلام) : إنّ الحسنة في الدنيا شيئان: طيب المعاش، وحسن الخلق(3).
وقال (عليه السلام) ليونس الشيباني: كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ قال يونس: قليلٌ! فقال (عليه السلام) : فلا تفعلوا، فإنّ المداعبة من حسن الخلق(1).
وقال (عليه السلام) : ما من عبد حسّن خلقه، وبسط يده، إلاّ كان في ضمان اللّه لا محالة، وممّن يهديه حتى يدخله الجنة(2).
وعنه (عليه السلام) قال أربع من كنّ فيه وكان من فرقه الى قدمه ذنوبٌ غفر اللّه له وبدّلها حسنات: الصدقة والحياء وحسن الخلق والشكن(3).
ص: 73
قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) : واللّه ما أعطي مؤمن قطّ خير الدنيا والآخرة، إلاّ بحسن ظنّه باللّه عزّوجلّ ورجائه له، وحسن خلقه، و...(1).
وقال (عليه السلام) : عجبت لمن يشتري العبيد بماله فيعتقهم، كيف لايشتري الأحرار بحسن خلقه!(2)
وقال (عليه السلام) : السخي الحسن الخلق في كنف اللّه، لايتخلّى اللّه عنه، حتى يدخله الجنة، وما بعث اللّه نبيّاً إلاّ سخياً. وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى(3).
ص: 74
وقال (عليه السلام) : عليكم بتقوى اللّه، والورع والاجتهاد، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).
عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن جده قال ... إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة(2).
روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قال:
... صلة الأرحام وحسن الخلق زيادة في الإيمان(3).
وقال (عليه السلام) : لا عيش أغنى من حسن الخلق(4).
وقال (عليه السلام) : واجتهد أن لا تلقى أخاً من إخوانك إلاّ تبسّمت في وجهه، وضحكت معه في مرضاة اللّه، فإنّه يروى عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: من
ص: 75
ضحك في وجه أخيه المؤمن تواضعاً لله عزّوجلّ أدخله الجنة.
وقال (عليه السلام) : وأجمل معاشرتك مع الصغير والكبير(1).
عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: سئل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما أكثر ما يدخل به الجنة؟ قال: تقوى اللّه وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل به النار؟ قال: الأجوفان البطن والفرج(2).
عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: عليكم بحسن الخلق فإنّ حسن الخلق في الجنة لامحالة. إيّاكم وسوء الخلق فإنّ سوء الخلق في النار لا محالة(3).
عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لو يعلم العبد ماله في حسن الخلق لعلم أنه يحتاج أن يكون له حسن الخلق(4).
عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) ، قال: قال أبو عبداللّه (عليه السلام) : صلة
ص: 76
الأرحام وحسن الخلق زيادة في الأعمار(1).
عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّ جبرئيل الروح الأمين نزل عليّ من عند ربّ العالمين، فقال: يا محمد، عليك بحسن الخلق فإن سوء الخلق يذهب بخير الدنيا والآخرة ألا وإنّ أشبهكم بي أحسنكم خلقاً(2).
قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) باسناده عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال: ... إيّاكم وسوء الخلق فإنّ سيئ الخلق في النار(3).
ص: 77
قال الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) : فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسّن خلقه مع الناس، قيل هذا شيعي فيسرّني ذلك(1).
ص: 78
قال أحد العلماء: رأيت أحد التجّار يمدحه العدو والصديق، فتعجّبت، وسألت عن السبب، فقالوا: إنّه في أول شبابه تزوّج، ثم ذهب إلى خراسان. وجاء من هناك بخاتم فيروزج ثمين، قيمته ثلاثون ألف تومان (قبل مئة سنة) هدية إلى زوجته، ولما وصل إلى طهران قارن وصوله الأذان، فذهب إلى المسجد يصلّي، وأخرج الفيروزج ووضعه أمامه احتياطاً حتى لا يستصحبه في الصلاة، وكان إلى جنبه رجل، فبصر به وهو في الصلاة فسرق الرجل الخاتم حيث وضع يده عليه، ثم نقله إلى جيبه، ولما أتم الصلاة، أراد الرجل أن ينصرف، فتمسّك به التاجر، وقال له: إنّي قد وهبت الخاتم لك، فاطمئن أنّي لا أريد بك سوءً، لكن يبدو لي من وجهك أنّك لست سارقاً، وإنّما ألجأتك الظروف، وحيث إنّي أعلم أنك إذا بعت هذا الخاتم طلبوا منك الشهود على أنه لك، وأنك لا تعلم قيمته ولا شاهد لك، فتتهم بالسرقة، ويذهب ماء وجهك وعرضك، لذلك إنّي أعلمك أنّ قيمته كذا، وإذا أرادوا منك الشاهد فأنا شاهدك، وإلى هنا جعل وجه الرجل يرشح خجلاً، فقال الرجل: نعم هذه أول مرة أنا أفعل هكذا، والسبب في ذلك: أنّي كنت كاسباً ولكنّي فشلت في كسبي، وخجل العيال والأطفال اضطرني إلى
ص: 79
ذلك، قال التاجر: فلنذهب معاً إلى السوق، وذهبا معاً وباعاه بأكثر من قيمته، ثم اشترى التاجر ببعض القيمة داراً ذات شقتين، وآجر شقة واحدة لفائدة الرجل، وأسكن الرجل في شقة أخرى، واستأجر له دكاناً يعيش به.
أفهل هناك إنسان لا يمدح هذا العمل وإذا كان هذا العمل ممدوحاً، فليسمع بذلك الأثرياء، وليهتمّوا لنجاة الفقراء، وإنقاذهم من مشاكل الحياة، فإنّهم يشترون بذلك ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة(1).
روي أنّ نبي اللّه موسى (عليه السلام) كان يرعى أغنام شعيب (عليه السلام) فانهزم من قطيعه تيس فصعد الجبل، فبقي موسى تابعاً له عامة يومه في رؤوس الجبال، فلما أمسك به قبّله على وجهه ومسح التراب من فوقه، وقال معتذراً: أيّها الحيوان أتعبتك هذا اليوم وما كان المقصود منك القيمة، ولكن الخوف عليك من الذئاب. ثم حمله على عاتقه، حتى أوصله إلى الحيوانات الأخر، فلما كمل له هذا الخلق بالنسبة إلى خلق اللّه، أوحى اللّه إليه أن: «يا موسى قد صرت قابلاً للرسالة، فامض إلى فرعون، وقل له قولاً ليّناً، لعلّه يتذكر أو يخشى»(2).
حكي: أنّ أبا عثمان الحيري دعاه إنسان إلى ضيافة، فلما وافى باب الدار قال له الرجل: يا أستاذ ليس لي وجه في دخولك، فانصرف رحمك اللّه،
ص: 80
فانصرف أبو عثمان، فلما وافى منزله، عاد الرجل إليه، وقال: يا أستاذ ندمت، وأخذ يعتذر له، وقال: احضر الساعة! فقام معه، فلما وافى داره، قال له مثل ما قال في الأولى، ثم فعل به ذلك أربع مرات، وأبو عثمان ينصرف ويحضر، ثم قال: يا أستاذ إنّما أردت بذلك اختبارك، والوقوف على أخلاقك. ثم جعل يعتذر له ويمدحه، فقال أبو عثمان: لا تمدحني على خلق تجده في الكلاب، فإنّ الكلب إذا دُعي حضر وإذا زجر انزجر!(1).
ص: 81
قال لقمان لابنه: يا بني إياك والضجر، وسوء الخلق، وقلّة الصبر، فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب، وألزم نفسك التُّؤدة في أمورك، وصبّر على مئونات الإخوان نفسك، وحسّن مع جميع الناس خلقك(1).
وقال لقمان لابنه: يا بني إن عدمك ما تصل به قرابتك تتفضل به على إخوانك فلا يعدمنك حسن الخلق وبسط البشر، فإنّه من أحسن خلقه أحبّه الأخيار وجانبه الفجار(2).
أقول: وإنّما يجانبه الفجار، لأنّه يلتف الأخيار حوله، فلا يجد الفجار إليه سبيلاً ومنفذاً.
وقال بعضٌ: صاحب رجل سيئ الخلق في سفره، فكان يحمل منه ويداريه، فلما أن فارقه بكى، فقيل له في ذلك، فقال: أترحّم عليه؛ فارقته وخلقه معه لم يفارقه(3).
ص: 82
وقال بعض: سوء الخلق سيئة لا ينفع معها كثرة الحسنات(1).
وقيل لم ينل أحدٌ كماله إلاّ المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) . وأقرب الناس إلى اللّه السالكون آثارهم بحسن الخلق(2).
وقال بعض: حسن الخلق أن لايؤثّر فيك جفاء الخلق بعد مطالعتك للحق(3).
وجمع بعضهم علامات حسن الخلق، فقال: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، وصولاً، وقوراً، صبوراً، رضيّاً، شكوراً، رفيقاً، عفيفاً، شفيقاً، لا نمامً ولا مغتابً ولا عجولً ولا حقودً ولا بخيلً ولا حسودً هشاشً بشاشٌ، يحبّ في اللّه، ويبغض في اللّه، ويرضى في اللّه، ويسخط في اللّه(4).
وسئل بعضهم عن حسن الخلق، فقال: عشرة أشياء: قلّة الخلاف، وحسن الإنصاف، وترك طلب العثرات، وتحسين ما يبدو من السيئات، والتماس المعذرة، واحتمال الأذى، والرجوع باللائمة، والتفرّد بمعرفة عيوب نفسه، دون
ص: 83
عيوب غيره، وطلاقة الوجه للصغير والكبير، ولطف الكلام لمن دونه وفوقه(1).
وسئل آخر عن حسن الخلق، فقال: أدناه احتمال الأذى، وترك المكافأة، والرحمة للظالم، والاستغفار له، والشفقة عليه(2).
وقال بعض السلف: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب، والسيء الخلق أجنبي عند أهله(3).
وقال الفضيل: لإن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إليّ من أن يصحبني عابد سيء الخلق، لأنّ الفاجر إذا حسن خلقه خفّ على الناس، وأحبّوه، والعابد إذا ساء خلقه، ثقل على الناس، ومقتوه(4).
وقيل: مثل الجليس الحسن كالعطار؛ إن لم يصبك من عطره أصابك من رائحته، ومثل جليس السوء، مثل الكبريت إن لم يحرق ثوبك بناره آذاك بدخانه(5).
وقيل للأحنف بن قيس: ممّن تعلمت حسن الخلق؟ فقال: من قيس بن
ص: 84
عاصم، بينما هو ذات يوم جالس في داره، إذ جاءته خادم له بسفود عليه شواء حار، فنزعت السفود من اللحم، وألقته خلف ظهرها، فوقع على ابن له فقتله لوقته، فدهشت الجارية، فقال: لا روع عليك، أنت حرّة لوجه اللّه تعالى(1).
وقال الحرث بن قصي: يعجبني من القرّاء كل فصيح مضحاك، فأمّا الذي تلقاه ببشر ويلقاك بوجه عبوس فلاكثّر اللّه في المسلمين مثله(2).
قال أحد الشعراء:
وإنّي لألقى المرء أعلم أنّه***عدوّ، وفي أحشائه الضّغن كامن
فأمنحه بشراً فيرجع قلبه***سليماً، وقد ماتت لديه الضّغائن(1)
وقال أبو تمّام:
من لي بإنسان إذا أغضبته***وجهلت؛ كان الحلم ردّ جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من***أخلاقه، وسكوت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه***وبقلبه، ولعلّه أدرى به(2)
وقال آخر:
إنّ المكارم والمعروف أودية***أحلّك اللّه منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين اللّه معتصماً***فليس بالصلوات الخمس ينتفع(3)
ص: 86
سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.
قم المقدسة
والدة السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي
ص: 87
ص: 88
ص: 89
ص: 90
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم وظالميهم، وغاصبي حقوقهم أجمعين إلى يوم الدين آمين رب العالمين.
وبعد فهذه مجموعة من الروايات الواردة في مطاعن الخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمرو عثمان) جمعتها من مصادرنا المعتبرة لعلمائنا الأعلام أسأل اللّه سبحانه وتعالى أن ينفعني بها، حيث لا ينفع مال ولا بنون إنّه قريب مجيب.
عش آل محمد: قم المقدسة
والدة السّيد محمد رضا الحسيني الشيرازي
ص: 91
ص: 92
ص: 93
ص: 94
عن حبيش المعتمر، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته، كيف أمسيت؟ قال: أمسيت محبّاً لمحبّنا ومبغضاً لمبغضنا، وأمسى محبّنا مغتبطاً برحمة من اللّه كان ينتظرها وأمسى عدونا يؤسّس بنيانه على شفا جرف هار، فكأنّ ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم، وكأنّ أبواب الرحمة قد فُتحت لأهلها، فهنيئاً لأهل الرحمة رحمتهم، والتعس لأهل النار والنار لهم.
يا حبيش! من سرّه أن يعلم أمحبّ لنا أم مبغض فليمتحن قلبه، فإن كان يحبّ ولياً لنا فليس بمبغض لنا وإن كان يبغض وليّاً لنا فليس بمحبٍ لنا.
إنّ اللّه تعالى أخذ الميثاق لمحبّينا بمودّتنا وكتب في الذكر اسم مبغضنا، نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء(1).
عن أبي محمد العسكري (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) : قال: رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد اللّه! أحبب في اللّه وأبغض في اللّه، ووال في اللّه، وعاد في اللّه، فإنّه لا تنال ولاية اللّه إلَا بذلك، ولا يجد رجل طعم
ص: 95
الإيمان - وإن كثرت صلاته وصيامه - حتّى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس في يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من اللّه شيئاً.
فقال له: وكيف لي أن أعلم أنّي قد واليت وعاديت في اللّه عزّوجلّ، ومن ولي اللّه عزّوجلّ حتّى أواليه؟ ومن عدوّه حتّى أعاديه؟ فأشار رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) ، فقال: ألا ترى هذا؟ فقال: بلى. قال: ولي هذا ولي اللّه فواله، وعدوّ هذا عدوّ اللّه فعاده.
قال: وال ولي هذا ولو أنّه قاتل أبيك وولدك، وعادك عدوه ولو أنّه أبوك أو ولدك(1).
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال: ... وحبّ أولياء اللّه واجب، والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد صلّى اللّه عليهم وهتكوا حجابه، وأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدكاً ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهموا بإحراق بيتها، وأسّسوا الظلم، وغيّروا سنة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمة الضلال، وقادة الجور كلّهم - أولهم وآخرهم - واجبة، والبراءة من أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل أمير
ص: 96
المؤمنين (عليه السلام) واجبة، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة(1).
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : من شك في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر(2).
عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : جعلت فداك، سمّى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أبا بكر: الصدّيق؟
قال: نعم. قلت: فكيف؟
قال: حين كان معه في الغار.
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّي لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) تضطرب في البحر ضالة.
قال: يا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! وإنّك لتراها؟!
قال: نعم.
قال: فتقدر أن ترينيها؟
قال: اُدن منّي.
قال: فدنا منه، فمسح على عينيه، ثم قال: اُنظر، فنظر أبوبكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر، ثم نظر إلى قصور أهل المدينة، فقال في نفسه: الآن صدّقت أنّك ساحر.
ص: 97
فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الصدّيق أنت(1).
... من حديث بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبي بكر قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه لأبي بكر: فما الذي غرّك عن اللّه وعن رسوله وعن دينه وأنت خلو ممّا يحتاج إليه أهل دينه؟
قال: فبكى أبوبكر وقال: صدقت يا أبا الحسن، أنظرني يومي هذا فأدبر ما أنا فيه وما سمعت منك.
فقال له علي (عليه السلام) : لك ذلك يا أبا بكر!
فرجع من عنده وخلا بنفسه يومه ولم يأذن لأحد إلى اللّيل، وعمر يتردّد في الناس لمّا بلغه من خلوته بعلي (عليه السلام) .
فبات في ليلته، فرأى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في منامه ممثلاً له في مجلسه، فقام إليه أبوبكر ليسلّم عليه، فولّى وجهه، فصار مقابل وجهه، فسلّم عليه فولّى عنه وجهه.
فقال أبوبكر: يا رسول اللّه! هل أمرت بأمر فلم أفعل؟
فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أردّ السلام عيك وقد عاديت اللّه ورسوله وعاديت من والاه اللّه ورسوله! ردّ الحق إلى أهله.
قال: فقلت: من أهله؟
قال: من عاتبك عليه، وهو عليّ.
قال: فقد رددت عليه يا رسول اللّه بأمرك.
ص: 98
فأصبح وبكى، وقال لعلي (عليه السلام) : ابسط يدك، فبايعه وسلّم إليه الأمر.
وقال له: أخرج إلى مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأخبر الناس بما رأيت في ليلتي وما جرى بيني وبينك، فأخرج نفسي من هذا الأمر وأسلّم عليك بالإمرة؟
فقال علي (عليه السلام) : نعم.
فخرج من عنده متغيّراً لونه عالياً نفسه، فصادفه عمر وهو في طلبه.
فقال: ما حالك يا خليفة رسول اللّه...؟
فأخبره بما كان منه وما رأى وما جري بينه وبين علي (عليه السلام) .
فقال عمر: أنشدك باللّه يا خليفة رسول اللّه أن تغتر بسحر بني هاشم!
فليس هذا بأول سحر منهم...
فما زال به حتّى ردّه عن رأيه وصرفه عن عزمه، ورغبه فيما هو فيه، وأمره بالثبات (عليه) والقيام به.
فأتى علي (عليه السلام) المجسد للمعياد، فلم ير فيه منهم أحداً، فأحسّ بالشر منهم، فقعد إلى قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فمرّ به عمر، فقال: يا علي! دون ما تروم خرط القتاد، فعلم بالأمر وقام ورجع إلى بيته(1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: لقي أمير المؤمنين (عليه السلام) أبابكر في بعض سكك المدينة، فقال: ظلمت وفعلت.
فقال: ومن يعلم ذلك؟
ص: 99
قال: يعلمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
قال: وكيف لي برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتّى يعلمني ذلك؟ لو أتاني في المنام فأخبرني لقبلت ذلك.
قال علي (عليه السلام) : فأنا أدخلك على رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، [فأدخله] مسجد قبا، فإذا برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في مسجد قبا.
فقال له رسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اعتزل عن ظلم أميرالمؤمنين (عليه السلام) .
فخرج من عنده فلقيه عمر فأخبره بذلك، فقال له: اسكت!
أما عرفت سحر بني عبد المطلب(1).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر: هل أجعل بيني وبينك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟
فقال: نعم.
فخرج إلى مسجد قبل، فصلّى أمير المؤمنين (عليه السلام) ركعتين، فإذا هو برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فقال: يا أبابكر على هذا عاهدتك، فصرت به؟!
فرجع وهو يقول: واللّه لا أجلس هذا المجلس.
فلقي عمر، فقال: مالك.
قال: قد واللّه ذهب بي فأراني رسول اللّه.
فقال عمر: أما تذكر يوماً كنّا معه، فأمر شجرتين فالتقتا، فقضى حاجته
ص: 100
خلفهما، ثم أمرهما فتفرّقتا؟
قال أبوبكر: أما إذا قلت ذا، فإنّي دخلت أنا وهو في الغار فقال بيده فمسحها عليه فعاد ينسج العنكبوت كما كان.
ثم قال: ألا أُريك جعفراً وأصحابه تعوم بهم سفينتهم في البحر؟ قلت: بلى، فمسح يده على وجهي، فرأيت جعفراً وأصحابه تعوم بهم سفينتهم في البحر، فيومئذ عرفت أنّه ساحر، فرجع إلى مكانه(1).
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : أنَّ أبابكر لقي أمير المؤمنين (عليه السلام) في سكة بني النجار، فسلّم عليه وصافحه، وقال له: يا أبا الحسن! أفي نفسك شيء من استخلاف الناس إيّاي، وما كان من يوم السقيفه، وكراهيتك البيعة؟ واللّه ما كان ذلك من إرادتي، إلّا أنّ المسلمين اجتمعوا على أمر لم يكن لي أن أخالف عليهم فيه، لأنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: لا تجتمع أمّتي على الضلال.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا أبابكر، أمّته الذين أطاعوه في عهده من بعده، وأخذوا بهداه، وأوفوا بما عاهدوا اللّه عليه، ولم يبدلوا ولم يغيّروا.
قال أبوبكر لإمير المؤمنين (عليه السلام) : واللّه يا علي لو شهد عندي الساعة من أثق به أنّك أحقّ بهذا الأمر سلّمته إليك، رضي من رضي وسخط من سخط.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا أبا بكر! فهل تعلم أحداً أوثق من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن - وعلى جماعة معك فيهم
ص: 101
عمر وعثمان - في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت أمّ سلمة، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجّة الوداع؟
فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا اللّه ورسوله.
فقال لكم: اللّه ورسوله عليكم من الشاهدين.
فقلتم بأجمعكم: اللّه ورسوله علينا من الشاهدين.
فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فليشهد بعضكم على بعض، وليبلّغ شاهدكم غائبكم، ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع.
فقلتم: نعم يا رسول اللّه، وقمتم بأجمعكم تهنّون رسول اللّه وتهنّوني بكرامة اللّه لنا، فدنا عمر وضرب على كتفي، وقال بحضرتكم: بخٍ بخٍ يابن أبي طالب أصبحت مولانا ومولى المؤمنين.
فقال أبوبكر: لقد ذكرّتني يا أميرالمؤمنين أمراً، لو يكون رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شاهداً فأسمعه منه.
فقال له أمير المؤمنين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : اللّه ورسوله عليك من الشاهدين، يا أبا بكر إذا رأيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حياً ويقول لك إنّك ظالم لي في أخذ حقّي الذي جعله اللّه لي، ورسوله دونك ودون المسلمين، أتسلّم هذا الأمر إليّ وتخلع نفسك منه؟
فقال أبوبكر: يا أباالحسن! وهذا يكون؟ أرى رسول اللّه حياً بعد موته ويقول لي ذلك!
فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام) : نعم يا أبابكر!
ص: 102
قال: فأرني ذلك إن كان حقّاً.
فقال علي (عليه السلام) : اللّه ورسوله عليك من الشاهدين إنّك تفي بما قلت؟
قال أبوبكر: نعم.
فضرب أميرالمؤمنين (عليه السلام) على يده وقال: تسعى معي نحو مسجد قبل، فلمّا ورداه تقدّم أميرالمؤمنين (عليه السلام) فدخل المسجد وأبوبكر من ورائه، فإذا برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قبلة المسجد، فلمّا رآه أبوبكر سقط لوجهه كالمغشي عليه.
فناداه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إرفع أرسك أيّها الضليل المفتون.
فرفع أبوبكر رأسه، وقال: لبّيك يا رسول اللّه، أحياة بعد الموت يا رسول اللّه؟
فقال: ويلك يا أبابكر! {إِنَّ ٱلَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٖ قَدِيرٌ}(1).
فسكت أبوبكر وشخصت عيناه نحو رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال له: ويلك يا أبابكر! نسيت ما عاهدت اللّه ورسوله عليك في المواطن الأربعة لعلي (عليه السلام) ؟
فقال: ما أنساها.
فقال: ما بالك اليوم تناشد علياً (عليه السلام) عليها ويذكرك وتقول: نسيت؟!
وقصّ عليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ما جرى بينه وبين علي (عليه السلام) ... إلى آخره، فما نقص منه كلمة ولا زاد فيه كلمة.
فقال أبوبكر: يا رسول اللّه فهل من توبة؟ وهل يعفو اللّه عنّي إذا سلمت
ص: 103
هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟
قال: نعم يا أبابكر! وأنا الضامن لك على اللّه ذلك إن وفيت.
وغاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عنهما، فتشبث أبوبكر بأميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وقال: اللّه اللّه في يا علي، صر معي إلى منبر رسول اللّه, حتّى أعلوا المنبر فأقصّ على الناس ما شاهدت, وما رأيت من رسول اللّه، وما قال لي وما قلت له وما أمرني به، وأخلع نفسي عن هذا الأمر وأسلّمه إليك.
فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام) : أنا معك إن تركك شيطانك، فقال أبوبكر: إن لم يتركني تركته وعصيته. فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : إذاً تطيعه ولا تعصيه، وإنّما رأيت ما رأيت لتأكيد الحجّة عليك.
أخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) بيد أبي بكر وخرجا من مسجد قبا، يريدان مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) , وأبوبكر يتلّون ألواناً، والناس ينظرون إليه ولا يدرون م الذي كان.
حتّى لقيه عمر، فقال له: يا خليفة رسول اللّه ما شأنك، وما الذي دهاك؟
فقال أبوبكر: خلّ عنّي يا عمر، فو اللّه لا سمعت لك قولاً!.
فقال له عمر: وأين تريد يا خليفة رسول اللّه؟
فقال أبوبكر: أريد المسجد والمنبر.
فقال: هذا ليس وقت صلاة ومنبر!
قال: خلّ عنّي ولا حاجة لي في كلامك.
فقال عمر: يا خليفة رسول اللّه! أفلا تدخل قبل المسجد منزلك، فتسبغ
ص: 104
الوضوء؟
قال: بلى، ثم التفت أبوبكر إلى علي (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن تجلس إلى جانب المنبر حتّى أخرج إليك.
فتبسّم أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، ثم قال له: يا أبابكر! قد قلت لك إنَّ شيطانك لا يدعك أو يرديك.
ومضى أميرالمؤمنين (عليه السلام) وجلس بجانب المنبر.
فدخل أبوبكر منزله، ومعه عمر، فقال: يا خليفة رسول اللّه! لِمَ لا تنبئني بأمرك، وتحدّثني بما دهاك به علي بن أبي طالب؟
فقال أبوبكر: ويحك يا عمر! يرجع رسول اللّه بعد موته حياً، فيخاطبني في ظلمي لعلي، بردّ حقّه عليه، وخلع نفسي من هذا الأمر.
ثم إنّ عمر قال لأبي بكر: قصّ عليَّ قصّتك من أوّلها إلى آخرها.
فقال له أبوبكر: ويحك يا عمر! قد قال لي علي: إنّك لا تدعني أخرج من هذه المظلمة، وإنَّك شيطاني، فدعني عنك، فلم يزل يرقبه إلى أن حدّثه بحديثه كلّه.
فقال له: باللّه عليك يا أبابكر، أنسيت شعرك [في] أول شهر رمضان الذي فرض علينا صيامه، حيث جاءك حذيفة بن اليمان، وسهل بن حنيف، ونعمان الأزدي، وخزيمة بن ثابت في يوم جمعة إلى دارك ليقضيّن دينك عليك، فلما انتهوا إلى باب الدار سمعوا لك صلصلة(1) في الدّار، فوقفوا بالباب ولم يستأذنوا عليك، فسمعوا أمّ بكر زوجتك تناشدك وتقول: قد
ص: 105
عمل حرّ الشمس بين كتفيك، قم إلى داخل البيت وأبعد من الباب لا يسمعك بعض أصحاب محمد فيهدروا دمك، فقد علمت أنّ محمداً أهدر دم من أفطر يوماً من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض، خلافاً على اللّه وعلى محمد رسول اللّه.
فقلت لها: هات - لا أمّ لك - فضل طعامي من اللّيل، واترعي الكأس من الخمر، وحذيفة ومن معه بالباب يسمعون محاورتكما، فجاءت بصحفة(1)
فيها طعام من الليل وقصب مملوء خمراً، فأكلت من الصحفة وكرعت الخمر، فأضحى النهار وقد قلت لزوجتك:
ذريني اصطبح يا أمّ بكر***فإنّ الموت نفث عن هشام
إلى أن انتهيت في قولك:
يقول لنا ابن كبشة سوف نحيا***وكيف حياة أشلاء وهام
ولكن باطلاً قد قال هذا***وإفكاً من زخاريف الكلام
ألا هل مبلّغ الرحمن عنّي***بأنّي تارك شهر الصيام
وتارك كل ما أوحى إلينا***محمد من أساطير الكلام
فقل لله يمنعني شرابي***وقل لله: يمنعني طعامي
ولكن الحكيم رأى حميراً***فألجمها فتاهت باللّجام
فلما سمعك حذيفة ومن معه تهجو محمداً، قحموا(2) عليك في دارك، فوجدوك وقعب الخمر في يديك، وأنت تكرعها، فقالوا لك: يا عدوّ اللّه!
ص: 106
خالفت اللّه ورسوله، وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس بباب رسول اللّه، وقصّوا عليه قصتك، وأعادوا شعرك، فدنوت منك وساررتك وقلت لك في ضجيج الناس: قل إنّي شربت الخمر ليلاً، فثملت فزال عقلي، فأتيت ما أتيته نهاراً، ولا علم لي بذلك، فعسى أن يدرأ عنك الحد.
وخرج محمد ونظر إليك، فقال: أيقظوه، فقالوا: رأيناه وهو ثمل يا رسول اللّه لا يعقل، فقال: ويحكم الخمر يزيل العقل، تعلمون هذا من أنفسكم وأنتم تشربونها؟ فقلنا: يا رسول اللّه وقد قال فيها امرؤ القيس شعراً:
شربت الخمر حتّى زال عقلي***كذاك [الخمر يفعل] بالعقول
ثم قال محمد: أنظروه إلى إفاقته من سكرته.
فأمهلوك حتّى أريتهم أنّك قد صحوت، فسألك محمد، فأخبرته بما أوعزته إليك: من شربك بها باللّيل.
فما بالك اليوم تؤمن بمحمد وبما جاء به، وهو عندنا ساحر كذّاب.
فقال: ويحك يا أبا حفص! لا شك عندي فيما قصصته عليّ، فاخرج إلى ابن أبي طالب فاصرفه عن المنبر.
قال: فخرج عمر - وعلي (عليه السلام) جالس تحت المنبر - فقال: ما بالك يا علي! قد تصدّيت لها؟ هيهات هيهات، واللّه دون ما تروم من علو هذا المنبر خرط القتاد.
فتبسّم أميرالمؤمنين (عليه السلام) حتّى بدت نواجذه ثم قال: ويلك منها واللّه يا عمر! إذا أفضيت إليك، والويل للأمّة من بلائك!
فقال عمر: هذه بشرى يابن أبي طالب، صدقت ظنونك وحقّ قولك.
ص: 107
وانصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى منزله، وكان هذا من دلائله (عليه السلام) (1).
قال سلمان الفارسي (رحمه اللّه) - بعد أن دفن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بثلاثة أيام - : ...
عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فو اللّه لقد سلّمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين مراراً جمّة مع نبينا، كل ذلك يأمرنا به ويؤكده علينا، فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه؟! وقد حسد قابيل هابيل فقتله، وكفاراً قد ارتدت أمّة موسى بن عمران، فأمر هذه الأمة كأمر بني إسرائيل، فأين يذهب بكم أيها الناس؟! ويحكم ما انا وأبو فلان وفلان؟!
أجهلتم أم تجاهلتم، أم حسدتم أم تحاسدتم؟ واللّه لترتدّن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف، يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة، ويشهد الشاهد على الكافر بالنجاة(2).
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) : أنّ عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: اُكتب إلى أسامة يقدم عليك، فإنّ في قدومه قطع الشنعة عنّا.
فكتب أبو بكر إليه: من أبي بكر خليفة رسول اللّه إلى أسامة بن زيد، أمّا بعد: فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إليَّ أنت ومن معك، فإنّ المسلمين قد اجتمعوا [عليَّ] وولّوني أمرهم، فلا تتخلفنّ فتعصي ويأتيك منّي ما تكره، والسلام.
ص: 108
فكتب إليه أسامة جواب كتابه: من أسامة بن زيد عامل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على غزوة الشام، أمّا بعد، فقد أتاني [منك] كتاب ينقض أوله آخره، ذكرت في أوّله أنّك خليفة رسول اللّه، وذكرت في آخره أنّ المسلمين اجتمعوا عليك فولوك أمورهم ورضوا بك.
واعلم؛ أنّي ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين، فلا واللّه ما رضينا بك ولا ولّيناك أمرنا، وانظر أن تدفع الحقّ إلى أهله، وتخليهم وإيّاه، فإنّهم أحقّ به منك.
فقد علمت ما كان من قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في علي (عليه السلام) يوم غدير خم، فما طال العهد فتنسى. أنظر بمركزك، ولا تخلّف فتعصي اللّه ورسوله وتعصي [من] استخلفه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليك وعلى صاحبك، ولم يعزلني حتّى قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأنّك وصاحبك رجعتما وعصيتما، فأقمتما في المدينة، بغير إذني(1).
روي أنّ أبا قحافة كان بالطائف لمّا قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبويع لأبي بكر، فكتب إلى أبيه كتاباً عنوانه: من خليفة رسول اللّه إلى أبي قحافة، أمّا بعد، فإنّ الناس قد تراضوا بي، فأنا اليوم خليفة اللّه، فلو قدمت علينا لكان أحسن بك.
فلمّا قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول: ما منعهم من علي؟
قال الرسول: هو حدث السن، وقد أكثر القتل في قريش وغيرها، وأبو
ص: 109
بكر أسن منه.
قال أبو قحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا علياً حقّه، ولقد بايع له النبي وأمرنا ببيعته.
ثم كتب إليه: من أبي قحافة إلى أبي بكر، أمّا بعد، فقد أتاني كتابك، فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضاً، مرّة تقول: خليفة اللّه، ومرّة تقول: خليفة رسول اللّه، ومرّة تراضى بي الناس، وهو أمر ملتبس، فلا تدخلنّ في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً، ويكون عقباك منه إلى الندامة، وملامة النفس اللوامة، لدى الحساب يوم القيامة، فإنَّ للأمور مداخل ومخارج، وأنت تعرف من هو أولى منك بها، فراقب اللّه كأنّك تراه، ولا تدعنّ صاحبها، فإنَّ تركها اليوم أخفّ عليك وأسلم لك(1).
عن يحيى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، قال: قالت فاطمة (عليها السلام) لعلي (عليه السلام) : إنّ لي إليك حاجة يا أبا الحسن!
فقال: تقضى يا بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فقالت: نشدتك باللّه، وبحقّ محمد رسول اللّه، أن لا يصلّي عليَّ أبو بكر ولا عمر، فإنّي لأكتمك حديثاً.
فقالت: قال لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا فاطمه! إنّك أول من يلحق بي من أهل بيتي، فكنت أكره أن أسوءك.
فلما قبضت أتاه أبوبكر وعمر وقالا: لم لا تخرجها حتى نصلّي عليها؟
ص: 110
فقال: ما أرانا إلّا سنصبح، ثم دفنها ليلاً، ثم صوَّر برجله حولها سبعة أقبر.
قال: فلمّا أصبحوا أتوه، فقالا: يا أبا الحسن! ما حملك على أن تدفن بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولن نحضرها؟
قال: ذلك عهدها إليَّ.
قال: فسكت أبوبكر، فقال عمر: واللّه شيء في جوفك.
فثار إليه أميرالمؤمنين (عليه السلام) فأخذ بتلابيبه(1)، ثم جذبه فاسترخى في يده، ثم قال: واللّه لولا كتاب سبق وقول من اللّه، واللّه لقد فررت يوم خيبر وفي مواطن، ثم لم ينزل اللّه لك توبة، حتى الساعة.
فأخذه أبوبكر وجذبه وقال: قد نهيتك عنه(2).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: لما منع أبوبكر فاطمة (عليها السلام) فدكاً وأخرج وكيلها، جاء أميرالمؤمنين (عليه السلام) إلى المسجد، وأبوبكر جالس وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبابكر! لم منعت فاطمة (عليها السلام) ما جعله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لها، ووكيلها فيه منذ سنين؟!
فقال أبوبكر: هذا فيء للمسلمين، فإن أتت بشهود عدول، وإلّا فلا حقّ لها فيه.
قال: يا أبابكر! تحكم فينا بخلاف ما تحكم في المسلمين؟!
قال: لا.
ص: 111
قال: أخبرني لو كان في يد المسلمين شيء فادّعيت أنا فيه، من كنت تسأل البيّنة؟
قال: إيّاك كنت أسال.
قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون، تسألني فيه البيّنة؟
قال: فسكت أبوبكر، فقال عمر: هذا فيء للمسلمين، ولسنا من خصومتك في شيء.
فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر: يا أبابكر! تقرّ بالقرآن؟
قال: بلى.
قال: أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ: {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(1) فينا أو في غيرنا نزلت؟
قال: فيكم(2).
قال: فأخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهدا على فاطمة (عليها السلام) بفاحشة ما كنت صانعاً؟
قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين!!!
قال: كنت إذاً عند اللّه من الكافرين.
ص: 112
قال: ولم؟
قال: لأنّك كنت تردّ شهادة اللّه وتقبل شهادة غيره؛ لأنّ اللّه عزّوجلّ قد شهد لها بالطهارة، فإذا رددت شهادة اللّه وقبلت شهادة غيره كنت عند اللّه من الكافرين.
قال: فبكى الناس، وتفرّقوا، ودمدموا.
فلما رجع أبوبكر إلى منزله بعث إلى عمر، فقال: ويحك يابن الخطاب!
أما رأيت علياً وما فعل بنا؟ واللّه لئن قعد مقعداً آخر ليفسدنّ هذا الأمر علينا ولا نتهنأ بشيء ما دام حياً.
قال عمر: ما له إلّا خالد بن الوليد.
فبعثوا إليه، فقال له أبوبكر: نريد أن نحملك على أمرعظيم.
قال: احملني على ما شئت ولو على قتل علي.
قال: فهو قتل علي(1).
روي أنّ أبابكر وعمر بعثا إلى خالد بن الوليد، فواعداه وفارقاه على قتل علي (عليه السلام) ، فضمن ذلك لهما.
فسمعت أسماء بنت عميس إمرأة أبي بكر وهي في خدرها، فأرسلت خادمة لها وقالت: تردّدي في دار علي (عليه السلام) وقولي: {إِنَّ ٱلْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}(2).
ص: 113
ففعلت الجارية، وسمعها علي (عليه السلام) ، فقال: رحمها اللّه، قولي لمولاتك: فمن يقتل الناكثين والقاسطين والمارقين؟
ووقعت المواعدة لصلاة الفجر، إذ كان أخفى وأخوت للسدفة والشبهة، ولكن اللّه بالغ أمره، وكان أبوبكر قال لخالد بن الوليد: إذا انصرفت من الفجر فاضرب عنق علي.
فصلّى إلى جنبه لأجل ذلك، وأبوبكر في الصلاة يفكر في العواقب، فندم، فجلس في صلاته حتّى كادت الشمس تطلع، يتعقّب الآراء ويخاف الفتنة ولا يأمن على نفسه، فقال قبل أن يسلّم في صلاته: يا خالد! لا تفعل ما أمرتك به، ثلاثاً.
وفي رواية أخري: لا يفعلن خالد ما أمرته.
فالتفت علي (عليه السلام) ، فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه، فقال: يا خالد! أو كنت فاعلاً؟!
فقال: إي واللّه، لولا أنّه نهاني لوضعته في أكثرك شعراً.
فقال له علي (عليه السلام) : كذبت لا أمّ لك، من يفعله أضيق حلقة است منّك، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا ما سبق من القضاء لعلمت أيّ الفريقين شرّ مكاناً وأضعف جنداً.
وفي رواية أبي ذر (رحمه اللّه) : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أخذ خالداً بإصبعيه - السبابة والوسطى - في ذلك الوقت، فعصره عصراً، فصاح خالد صيحة منكرة، ففزع الناس، وهمّتهم أنفسهم، وأحدث خالد في ثيابه، وجعل يضرب برجليه ولا يتكلّم.
ص: 114
فقال أبوبكر لعمر: هذه مشورتك المنكوسة، كأنّي كنت أنظر إلى هذا وأحمد اللّه على سلامتنا.
وكلما دنا أحد ليخلّصه من يده (عليه السلام) لحظه لحظة تنحّي عنه راجعاً.
فبعث أبوبكر عمر إلى العباس، فجاء وتشفّع إليه وأقسم عليه، فقال: بحق القبر ومن فيه وبحق ولديه وأمهما إلاّ تركته.
ففعل ذلك، وقبل العباس بين عينيه(1).
روي أنّ عليا (عليه السلام) امتنع من البيعة على أبي بكر فأمر أبوبكر خالد بن الوليد أن يقتل علياً إذا سلم من صلاة الفجر بالناس.
فأتى خالد وجلس إلى جنب علي (عليه السلام) ومعه سيف، فتفكر أبوبكر في صلاته في عاقبة ذلك، فخطر بباله أنّ بني هاشم يقتلونه إن قتل علياً (عليه السلام) ، فلما فرغ من التشهّد التفت إلى خالد قبل أن يسلّم وقال: لا تفعل ما أمرتك به، ثم قال: السلام عليكم.
فقال علي (عليه السلام) لخالد: أو كنت تريد أن تفعل ذلك؟ قال: نعم، مدّ يدّه إلى عنقه، وخنقه بإصبعه، وكادت عيناه تسقطان، وناشده باللّه أن يتركه، وشفع إليه الناس، فخلّاه.
ثم كان خالد بعد ذلك يرصد الفرصة والفجأة؛ لعله يقتل علياً (عليه السلام) غرّة، فبعث بعد ذلك عسكراً مع خالد إلى موضع، فلما خرجوا من المدينة - وكان خالد مدجّجاً وحوله شجعان قد أمروا أن يفعلوا كل ما أمرهم خالد -
ص: 115
فرأى علياً (عليه السلام) يجيء من ضيعة له منفرداً بلا سلاح، [فقال خالد في نفسه: الآن وقت ذلك]، فلما دنا منه فكان في يد خالد عمود من حديد، فرفعه ليضربه على رأس علي، فانتزعه (عليه السلام) من يده وجعله في عنقه وفتله كالقلادة.
فرجع خالد إلى أبي بكر، واحتال القوم في كسره فلم يتهيّأ لهم، فأحضروا جماعة من الحدادين، فقالوا: لا يمكن إنتزاعه إلا بعد حلّه في النار، وفي ذلك هلاكه، ولما علموا بكيفية حاله، قالوا: إنَّ علياً (عليه السلام) هو الذي يخلصه من ذلك كما جعله في جيده، وقد ألآن اللّه له الحديد كما ألآنه لداود، فشفع أبوبكر إلى علي (عليه السلام) ، فأخذ العمود وفك بعضه من بعض بإصبعه(1).
روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري وعبد اللّه بن العباس قالا: كنّا جلوساً عند أبي بكر في ولايته وقد أضحى النهار، وإذا بخالد ابن الوليد المخزومي قد وافى في جيش قام غباره وكثر صهيل أهل خيله وإذا بقطب رحى ملويّ في عنقه قد فتل فتلاً.
فأقبل حتى نزل عن جواده ودخل المسجد، ووقف بين يدي أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم فهالهم منظره.
ثم قال: أعدل يابن أبي قحافة حيث جعلك الناس في هذا الموضع الذي ليس له أنت بأهل؟! وما ارتفعت إلى هذا المكان إلا كما يرتفع الطافي من
ص: 116
السمك على الماء، وإنّما يطفو ويعلو حين لا حراك به، ما لك وسياسة الجيوش وتقديم العساكر، وأنت بحيث أنت، من لين الحسب، ومنقوص النسب، وضعف القوى، وقلّة التحصيل، لا تحمي ذماراً، ولا تضرم ناراً، فلا جزى اللّه أخا ثقيف وولد صهاك خيراً.
إنّي رجعت منكفئاً من الطائف إلى جدّة في طلب المرتدّين، فرأيت علي بن أبي طالب ومعه عتاة من الدين حماليق، شزرات أعينهم من حسدك بدرت حنقاً عليك، وقرحت آماقهم لمكانك.
منهم ابن ياسر، والمقداد، وا بن جنادة أخو غفار، وابن العوام، وغلامان أعرف أحدهما بوجهه، وغلام أسمر لعلّه من ولد عقيل أخيه.
فتبيّن لي المنكر في وجوههم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشح علي بدرع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولبس رداءه السحاب، ولقد أسرج له دابته العقاب، وقد نزل علي على عين ماء اسمها رويّة.
فلما رآني اشمأز وبربر، وأطرق موحشاً يقبض على لحيته.
فبادرته بالسلام استكفاء واتقاء ووحشة، فاستغنمت سعة المناخ وسهولة المنزلة، فنزلت ومن معي بحيث نزلوا اتقاء عن مراوغته.
فبدأني ابن ياسر بقبيح لفظه ومحض عداوته، فقرعني هزواً بما تقدمت به إليَّ بسوء رأيك.
فالتقت إلي الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد أو كقعتقعة الرعد، فقال لي بغضب منه: أو كنت فاعلاً يا أبا سليمان؟!
فقلت له: إي واللّه، لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه عيناك.
فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلى طبعه الذي أعرفه به عند الغضب،
ص: 117
فقال: يابن اللخناء!(1) مثلك من يقدر على مثلي أن يجسر؟! أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة؟!ويلك إنّي لست من قتلاك ولا من قتلي صاحبك، وإنّي لأعرف بمنيتي منك بنفسك.
يقول خالد: ثم إن أمير المؤمنين (عليه السلام) ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني، فدعا إلى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد إلى القطب الغليظ فمد عنقي بكلتا يديه وأداره في عنقي، ينفتل له كالعلك المستخن، وأصحابي هؤلاء وقوف، ما أغنوا عنّي سطوته، ولا كفّوا عنّي شرته، فلا جزاهم اللّه عنّي خيراً، فإنّهم لما نظروا إليه كأنّهم نظروا إلى ملك موتهم فو الذي رفع السماء بلا أعماد، لقد اجتمع على فك هذا القطب مائة رجل، أو يزيدون من أشد العرب فما قدروا على فكه، فدلّني عجز الناس عن فتحه، إنّه سحر منه أو قوة ملك قد ركبت فيه.
ففكه الآن عنّي إن كنت فاكه وخذ لي بحقّي إن كنت آخذاً، وإلا لحقت بدار عزّي ومستقر مكرمتي، قد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار.
فالتفت أبوبكر إلى عمر وقال: ما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل؟!
كأنَّ ولايتي ثقل على كاهله، وشجاً في صدره.
فالتفت إليه عمر، فقال: فيه دعابة لا تدعه حتى تورده فلا تصدره، وجهل وحسد قد استحكما في خلده، فجريا منه مجرى الدماء لا يدعانه
ص: 118
حتى يهينا منزلته، ويورطاه ورطة الهلكة.
ثم قال أبوبكر لمن بحضرته: ادعوا إليَّ قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، فليس لفكّ هذا القطب غيره.
قال: وكان قيس سيّاف النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكان رجلاً طويلاً، طوله ثمانية عشر شبراً في عرض خمسة أشبار، وكان أشد الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) .
فحضر قيس، فقال له: يا قيس! إنّك من شدّة البدن بحيث أنت، ففك هذا القطب من عنق أخيك خالد، فقال: قيس: ولم لا يفكه خالد عن عنقه؟!
قال: لا يقدرعليه، قال: فما لا يقدر عليه أبو سليمان - وهو نجم عسكركم، وسيفكم على أعدائكم - كيف أقدر عليه أنا؟
قال عمر: دعنا من هزئك وهزلك وخذ فيما حضرت له، فقال: أحضرت لمسألة تسألونها طوعاً أو كرهاً تجبروني عليه؟ فقال له: إن كان طوعاً وإلا فكرها، قال قيس: يابن صهاك! خذل اللّه من يكرهه مثلك، إن بطنك لعظيمة وإن كرشك لكبيرة، فلو فعلت أنت ذلك ما كان منك [عجب، قال] فخجل عمر من قيس بن سعد، وجعل ينكث أسنانه بأنامله.
فقال أبوبكر: وما بذلك منه، أقصد لما سألت، فقال قيس: واللّه لو أقدر على ذلك لما فعلت، فدونكم وحدّادي المدينة، فإنّهم أقدر على ذلك منّي.
فأتوا بجماعة من الحدّادين، فقالوا: لا ينفتح حتى نحميه بالنار.
فالتفت أبوبكر إلى قيس مغضباً، فقال: واللّه ما بك من ضعف عن فكّه، ولكنك لا تفعل فعلاً يعيب عليك فيه إمامك وحبيبك أبو الحسن، وليس هذا
ص: 119
بأعجب من أن أباك رام الخلافة؛ ليبتغي الإسلام عوجاً فحصد اللّه شوكته، وأذهب نخوته، وأعزّ الإسلام بوليّه، وأقام دينه بأهل طاعته، وأنت الآن في حال كيد وشقاق.
قال: فاستشاط قيس بن سعد غضباً، وامتلأ غيظاً، فقال: يابن أبي قحافة!
إنَّ لك عندي جواباً حمياً، بلسان طلق، وقلبٍ جري، ولو لا البيعة التي لك في عنقي لسمعته منّي، واللّه لئن بايعتك يدي لم يبايعك قلبي ولا لساني، ولا حجة لي في علي بعد يوم الغدير، ولا كانت بيعتي لك إلا{كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثًا}(1)، أقول قولي هذا غير هائب منك ولا خائف من معرتك(2)، ولو سمعت هذا القول منك بدأة لما فتح لك منّي صلحاً.
إن كان أبي رام الخلافة فحقيق من يرومها بعد من ذكرته، لأنه رجل لا يقعقع(3) بالشنان، ولا يغمز جانبه كغمز التينة، ضخم صنديد، وسمك منيف، وعز بازخ أشوس، بخلافك واللّه أيتها النعجة العرجاء، والديك النافش، لا عز صميم، ولا حسب كريم، وأيم اللّه لئن عاودتني في أبي لألجمنك بلجام من القول يمج فوك منه دماً، دعنا نخوض في عمايتك، ونتردى في غوايتك، على معرفة منا بترك الحق واتباع الباطل.
وأمّا قولك إن علياً إمامي، ما أنكر إمامته، ولا أعدل عن ولايته، وكيف أنقض وقد أعطيت اللّه عهداً بإمامته وولايته، يسألني عنه؟! فأنا إن ألقى اللّه
ص: 120
بنقض بيعتك أحب إليَّ أن أنقض عهده، وعهد رسوله وعهد وصيه وخليله، وما أنت إلا أمير قومك، إن شاؤوا تركوك، وإن شاؤوا عزلوك.
فتب إلى اللّه مما اجترمته، وتنصل إليه مما ارتكبته، وسلّم الأمر إلى من هو أولى منك بنفسك، فقد ركبت عظيماً بولايتك دونه، وجلوسك في موضعه، وتسميتك باسمه، وكأنك بالقليل من دنياك وقد انقشع عنك كما ينقشع السحاب، وتعلم أيّ الفريقين شرّ مكاناً وأضعف جنداً.
وأمّا تعييرك إيّاي فإنه مولاي، هو واللّه مولاي، ومولاك، ومولى المؤمنين أجمعين، آه... آه... أنّى لي بثبات قدم، أو تمكن وطأته حتى ألفظك لفظ المنجنيق الحجرة، ولعل ذلك يكون قريباً، ونكتفي بالعيان عن الخبر.
ثم قام ونفض ثوبه ومضى، وندم أبوبكر عمّا أسرع إليه من القول إلى قيس، وجعل خالد يدور في المدينة والقطب في عنقه أياماً.
ثم أتى آت إلى أبي بكر فقال له: قد وافى علي بن أبي طالب الساعة من سفره، وقد عرق جبينة، واحمرّ وجهه، فأنفذ إليه أبوبكر الأقرع بن سراقة الباهلي والأشوس بن الأشجع الثقفي يسألانه المضي إلى أبي بكر في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
فأتياه فقالا: يا أبا الحسن! إنَّ أبابكر يدعوك لأمر قد أحزنه، وهو يسألك أن تصير إليه في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلم يجبهما، فقالا: يا أبا الحسن! ما ترد علينا فيما جئناك له؟ فقال: بئس واللّه الأدب أدبكم، أليس يجب على القادم أن لا يصير إلى الناس في أجلبتهم إلّا بعد دخوله في منزله، فإن كان لكم حاجة فأطلعوني عليها في منزلي حتى أقضيها إن كانت ممكنة إن شاء اللّه تعالى.
ص: 121
فصارا إلى أبي بكر فأعلماه بذلك، فقال أبوبكر: قوموا بنا إليه، ومضى الجمع بأسرهم إلى منزله، فوجدوا الحسين (عليه السلام) على الباب يقلّب سيفاً ليبتاعه، قال له أبوبكر: يا أباعبد اللّه! إن رأيت أن تستأذن لنا على أبيك، فقال: نعم.
ثم استأذن للجماعة فدخلوا ومعهم خالد بن الوليد، فبدأ به الجمع بالسلام، فردّ عليهم السلام مثل ذلك، فلما نظر إلى خالد، قال: نعمت صباحاً يا أبا سليمان! نعم القلادة قلادتك.
فقال: واللّه يا علي لا نجوت منّي إن ساعدني الأجل.
فقال له علي (عليه السلام) : أف لك يابن دميمة(1)، إنّك - والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة - عندي لأهون، وما روحك في يدي لو أشاء إلّا كذبابة وقعت على إدام حار، فطفقت منه، فاغن عن نفسك غنائها، ودعنا بحالنا حكماء، وإلّا لألحقنّك بمن أنت أحقّ بالقتل منه، ودع عنك يا أبا سليمان ما مضى، وخذ فيما بقي، واللّه لا تجرّعت من الجرار المختمة إلّا علقمها، واللّه لقد رأيت منيّتي ومنيّتك وروحي وروحك، فروحي في الجنة، وروحك في النار.
فقال: وحجز الجميع بينهما وسألوه قطع الكلام.
ثم إنّ أبا بكر قال لعلي (عليه السلام) : إنّا ما جئناك لما تناقض منه أبا سليمان، وإنّما حضرنا لغيره، وأنت لم تزل يا أبا الحسن مقيماً على خلافي والاجتراء على أصحابي، وقد تركناك فاتركنا، ولا تردنا فيرد عليك منّا ما يوحشك
ص: 122
ويزيدك تنويماً إلى تنويمك.
فقال علي (عليه السلام) : لقد أوحشني اللّه منّك ومن جمعك، وآنس بي كل مستوحش، وأمّا ابن الوليد الخاسر، فإنّي أقصّ عليك نبأه، إنَّه لما رأى تكاثف جنوده وكثرة جمعه زها في نفسه، فأراد الوضع منّي في موضع رفع ومحل ذي جمع، ليصول بذلك عند أهل الجمع، فوضعت عنه عند ما خطر بباله، وهمّ بي وهو عارف بي حقّ معرفته، وما كان اللّه ليرضى بفعله.
فقال له أبوبكر: فنضيف هذا إلى تقاعدك عن نصرة الإسلام، وقلّة رغبتك في الجهاد، فبهذا أمرك اللّه ورسوله، أم عن نفسك تفعل هذا؟!
فقال علي (عليه السلام) : يا أبابكر! وعلى مثلي يتفقّه الجاهلون؟ إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمركم ببيعتي، وفرض عليكم طاعتي، وجعلني فيكم كبيت اللّه الحرام يؤتى ولا يأتي، فقال: يا علي! ستغدر بك أمّتي من بعدي كما غدرت الأمم بعد مضي الأنبياء بأوصيائها إلّا قليل، وسيكون لك ولهم بعدي هناة وهناة، فاصبر، أنت كبيت اللّه: من دخله كان آمناً ومن رغب عنه كان كافراً، قال اللّه عزّوجلّ: {وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا}(1)، وإنّي وأنت سواء إلا النبوة، فإنّي خاتم النبيّين وأنت خاتم الوصيّين، وأعلمني عن ربّي سبحانه بأنّي لست أسلّ سيفاً إلّا في ثلاثة مواطن بعد وفاته، فقال: تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ولم يقرب أوان ذلك بعد، فقلت: فما أفعل يا رسول اللّه بمن ينكث بيعتي منهم ويجحد حقّي؟ قال: فاصبر حتى تلقاني، وتستسلم لمحنتك حتى تلقى ناصراً عليهم. فقلت: أفتخاف عليَّ منهم أن
ص: 123
يقتلونني؟! فقال: تاللّه لا أخاف عليك منهم قتلاً ولا جراحاً, وإنّي عارف بمنيّتك وسببها، وقد أعلمني ربّي، ولكنّي خشيت أن تفنيهم بسيفك فيبطل الدين، وهو حديث، فيرتدّ القوم عن التوحيد.
ولولا أنّ ذلك كذلك، وقد سبق ما هو كائن، لكان لي فيما أنت فيه شأن من الشأن، ولرويت أسيافاً، وقد ظمأت إلى شرب الدماء، وعند قراءتك صحيفتك تعرف نبأ ما احتملت من وزري، ونعم الخصم محمّد والحكم اللّه.
ثم إن أبا بكر قال: يا أبا الحسن!إنا لم نرد هذا كلّه، ونحن نأمرك أن تفتح لنا الآن عن عنق خالد هذه الحديدة، فقد آلمه بثقله وأثّر في حلقه بحمله، وقد شفيت غليل صدرك منه.
فقال علي (عليه السلام) : لو أردت أن أشفي غليل صدري لكان السيف أشفى للداء وأقرب للفناء، ولو قتلته واللّه ما قدته برجل ممّن قتلهم يوم فتح مكة وفي كرته هذه، وما يخالجني الشك في أنّ خالداً ما احتوى قلبه من الإيمان على قدر جناح بعوضة، وأمّا الحديد الذي في عنقه فلعليّ لا أقدر على فكه، فيفكه خالد عن نفسه أو فكوه أنتم عنه، فأنتم أولى به إن كان ما تدّعونه صحيحاً.
فقام إليه بريدة الأسلمي وعامر بن الأشجع، فقالا: يا أبا الحسن! واللّه لا يفكه عن عنقه إلّا من حمل باب خيبر بفرد يد، ودحا به وراء ظهره، وحمله وجعله جسراً تعبر الناس عليه وهو فوق زنده، وقام إليه عمار بن ياسر فخاطبه أيضاً فيمن خاطبه، فلم يجب أحداً، إلى أن قال له أبوبكر: سألتك باللّه وبحقّ
ص: 124
أخيك المصطفى رسول اللّه إلا ما رحمت خالداً وفككته من عنقه.
فلما سأله بذلك إستحيا، وكان (عليه السلام) كثير الحياء، فجذب خالداً إليه، وجعل يخذف من الطوق قطعة قطعة ويفتلها في يده، فانفتل كالشمع.
ثم ضرب بالأولى رأس خالد، ثم الثانية، فقال: آه يا أمير المؤمنين.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قلتها على كره منك، ولو لم تقلها لأخرجت الثالثة من أسفلك، ولم يزل يقطع الحديد جميعه إلى أن أزاله عن عنقه.
وجعل الجماعة يكبّرون، ويهلّلون، ويتعجّبون من القوة التي أعطاها اللّه سبحانه أمير المؤمنين (عليه السلام) انصرفت شاكرين(1).
عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: لما قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
وجلس أبوبكر مجلسه، بعث إلى وكيل فاطمة (عليها السلام) فأخرجه من فدك.
فأتته فاطمة (عليها السلام) ، فقالت: يا أبابكر! إدّعيت أنّك خليفة أبي وجلست مجلسه، وأنت بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك، وأنت تعلم أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تصدّق بها عليَّ، وأنّ لي بذلك شهوداً، فقال: إنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يورّث.
فرجعت إلى علي (عليه السلام) فأخبرته، فقال: إرجعي إليه وقولي له: زعمت أنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يورّث {وَوَرِثَ سُلَيْمَٰنُ دَاوُدَ}(2)، وورث يحيى زكريا،
ص: 125
وكيف لا أرث أنا أبي؟!
فقال عمر: أنت معلّمة، قالت: وإن كنت معلّمة فإنَّما عَلَّمَني ابن عمّي وبعلي.
فقال أبوبكر: فإنَّ عائشة تشهد وعمر أنَّهما سمعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يقول: النبي لا يورّث.
فقالت: هذا أول شهادة زور شهدا بها، وإنَّ لي بذلك شهوداً بها في الإسلام، ثم قالت: فإنَّ فدكاً إنَّما هي صدّق بها عليَّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولي بذلك بينة.
ثم إنّ أبابكر قال للزهراء (عليه السلام) : هلمّي ببينتك. قال: فجاءت بأمّ أيمن وعلي (عليه السلام) ، فقال أبو بكر: يا أمّ أيمن! إنَّك سمعت من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول في فاطمة؟ فقالت: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة(1).
ثم قالت أمّ أيمن: فمن كانت، سيدة نساء أهل الجنة تدَّعي ما ليس لها؟! وأنا امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهد بما لم أكن سمعت من رسول
ص: 126
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال عمر: دعينا يا أمّ أيمن من هذه القصص، بأيّ شيء تشهدين؟
فقالت: كنت جالسة في بيت فاطمة (عليها السلام) ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جالس حتى نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمّد! قم فإنَّ اللّه تبارك وتعالى أمرني أن أخط لك فدكاً بجناحي، فقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مع جبرئيل (عليه السلام) ، فما لبث أن رجع، فقالت فاطمة (عليها السلام) : يا أبة! أين ذهبت؟
فقال: خطّ جبرئيل (عليه السلام) لي فدكاً بجناحه وحدّ لي حدودها، فقالت: يا أبتِ! إنّي أخاف العيلة والحاجة من بعدك، فصدّق بها عليَّ، فقال: هي صدقة عليك، فقبضتها، قالت: نعم, فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أمُّ أيمن! اشهدي، ويا علي اشهد.
فقال عمر: أنت امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها، وأمّا علي (عليه السلام) فيجرّ إلى نفسه.
قال: فقامت مغضبة، وقالت: اللّهم إنَّهما ظلما ابنة نبيّك حقّها، فأشدد وطأتك عليهما، ثم خرجت وحملها علي (عليها السلام) على أتان(1) عليه كساء له خمل(2)، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار، والحسن والحسين (عليهما السلام) معها, وهي تقول: يا معشر المهاجرين والأنصار! انصروا اللّه وابنة نبيكم، وقد بايعتم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريته ممّا تمنعون منه أنفسكم وذراريكم، ففوا لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ببيعتكم، قال: فما
ص: 127
أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها.
قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل، فقالت: يا معاذ بن جبل! إنّي قد جئتك مستنصرة، وقد بايعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على أن تنصره وذريته وتمنع ممّا تمنع منه نفسك وذريّتك، وأنَّ أبابكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها، قال: فمعي غيري؟
قالت: لا، ما أجابني أحد، قال: فأين أبلغ أنا من نصرك؟
قال: فخرجت من عنده. ودخل ابنه.
فقال: ما جاء بابنة محمّد إليك؟
قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنَّه أخذ منها فدكاً.
قال: فما أجبتها به؟
قال: قلت: وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي.
قال: فأبيت أن تنصرها؟
قال: نعم، قال: فأيّ شيء قالت لك؟
قال: قالت لي: واللّه لأنازعنّك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
قال: فقال: أنا واللّه لأنازعنّك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إذ لم تجب ابنة محمد.
قال: وخرجت فاطمة (عليها السلام) من عنده وهي تقول: واللّه لا أكلّمك كلمة حتى أجتمع أنا وأنت عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم انصرفت.
ص: 128
فقال علي (عليه السلام) لها: إئتي أبابكر وحده فإنَّه أرقّ من الآخر، وقولي له: إدّعيت مجلس أبي وأنَّك خليفته وجلست مجلسه، ولو كانت فدك لك ثم استوهبتها منك لوجب ردّها عليَّ، فلما أتته وقالت له ذلك، قال: صدقت، قال: فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك.
فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر، فقال: يا بنت محمّد! ما هذا الكتاب الذي معك؟
فقالت: كتاب كتب لي أبوبكر بردّ فدك، فقال: هلمّيه إليَّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله - وكانت (عليها السلام) حاملة بابن اسمه: المحسن، فأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت(1)، ثم أخذ الكتاب فخرقه. فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر، ثم قبضت.
فلما حضرتها الوفاة دعت علياً (عليه السلام) فقالت: إمّا تضمن وإلا أوصيت إلى ابن الزبير، فقال علي (عليها السلام) : أنا أضمن وصيتك يا بنت محمد، قالت: سألتك بحق رسول اللّه (عليه السلام) إذا أنا متّ أن لا يشهداني، ولا يصلّيا عليَّ، قال: فلك ذلك(2).
فلما قبضت (عليها السلام) ، دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور
ص: 129
جنازتها، وأبوبكر وعمر كذلك، فخرج إليهما علي (عليه السلام) ، فقالا له: ما فعلت بابنة محمّد؟! أخذت في جهازها يا أباالحسن؟
فقال علي (عليه السلام) قد واللّه دفنتها. قالا: فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا.
قال: هي أمرتني.
فقال عمر: وا لله لقد هممت بنبشها والصلاة عليها. فقال علي (عليه السلام) : أما واللّه مادام قلبي بين جوانحي وذو الفقار في يدي فإنَّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم.
فقال أبوبكر: إذهب، فإنَّه أحق بها منّا، وانصرف الناس(1).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: لما بويع أبوبكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللّه منها.
فجاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر، فقالت: يا أبابكر! لم تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأمر اللّه تعالى؟!
فقال: هاتي على ذلك بشهود.
فجاءت بأمّ أيمن، فقالت: لا أشهد يا أبابكر! حتّى أحتج عليك بما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أنشدك باللّه ألست تعلم أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: إنَّ أمّ أيمن إمرأة من أهل الجنة؟
ص: 130
فقال: بلى.
قالت: فأشهد أنّ اللّه عزّوجلّ أوحى إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {فََٔاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ}(1) فجعل فدكاً لفاطمة بأمر اللّه.
وجاء علي فشهد بمثل ذلك.
فكتب لها كتاباً ودفعه إليها.
فدخل عمر، فقال: ما هذا الكتاب؟
فقال: إنَّ فاطمة ادّعت في فدك وشهدت لها أمّ أيمن وعلي فكتبته.
فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزّقه.
فخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي.
فلما كان بعد ذلك جاء علي (عليه السلام) إلى أبي بكر - وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار - فقال: يا أبابكر! لم منعت فاطمة ميراثها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد ملكته في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟
فقال أبوبكر: إنَّ هذا فيء للمسلمين، فإن أقامت شهوداً أنّ رسول اللّه جعله لها، وإلا فلا حق لها فيه.
فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : يا أبابكر! تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟
قال: لا.
قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟
ص: 131
قال: إيّاك كنت أسال البيّنة.
قال: فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبعده، ولم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادعوها شهوداً كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟!
فسكت أبوبكر، فقال عمر: يا علي! دعنا من كلامك، فإنَّا لا نقوى على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلّا فهو فيء للمسلمين، لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه.
فقال علي (عليه السلام) : يا أبابكر! تقرأ كتاب اللّه؟
قال: نعم.
قال: أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ: {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(1)فينا نزلت أو في غيرنا؟!
قال: بل فيكم.
قال: فلو أنَّ شهوداً شهدوا على فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟!
قال: كنت أقيم عليها الحد، كما أقيم على سائر نساء العالمين!!!
قال: كنت إذاً عند اللّه من الكافرين.
قال: ولم؟
قال: لأنَّك رددت شهادة اللّه لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم اللّه وحكم رسوله أن جعل لها فدك وقبضته في حياته، ثم
ص: 132
قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها، وأخذت منها فدكاً، وزعمت أنَّه فيء للمسلمين، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، فرددت قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه.
قال: فدمدم(1) الناس وأنكر بعضهم وقالوا: صدق واللّه علي، ورجع علي (عليه السلام) إلى منزله.
قال: ودخلت فاطمة (عليها السلام) المسجد، وطافت على قبر أبيها، وهي تقول:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة***لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها***واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا
قد كان جبرئيل بالآيات يؤنسنا***فغاب عنّا فكل الخير محتجب
قد كنت بدراً ونوراً يستضاء به***عليك تنزل من ذي العزّة الكتب
تهجّمتنا رجال واستخفّ بنا***إذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت***منّا العيون بتهمال لها سكب(2)
رسالة أميرالمؤمنين (عليه السلام) إلى أبي بكر، لما بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء (عليها السلام) فدك:
شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة، وحطّوا تيجان أهل الفخر بجميع أهل الغدر، واستضأؤوا بنور الأنوار، واقتسموا مواريث
ص: 133
الطاهرات الأبرار, واحتقبوا(1) ثقل الأوزار، بغصبهم نحلة النبي المختار.
فكأنّي بكم تتردّدون في العمى كما يتردّد البعير في الطاحونة، أما واللّه لو اُذن لي بما ليس لكم به علم؛ لحصدت رؤوسكم عن أجسادكم كحب الحصيد بقواضب من حديد، ولقلعت من جماجم شجعانكم ما أقرح به آماقكم(2)، وأوحش به محالكم، فإنّي منذ عرفتموني مردي العساكر، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكم، ومخمد ضوضائكم، وجزّار الدوّارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون، وإنّي لصاحبكم بالأمس، لعمر أبي لن تحبّوا أن تكون فينا الخلافة والنبوة، وأنتم تذكرون أحقاد بدر وثارات أحد.
أما واللّه لو قلت ماسبق من اللّه فيكم؛ لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم، كتداخل أسنان دوّارة الرَّحى، فإن نطقت تقولون حسد، وإن سكتَّ فيقال جزع ابن أبي طالب من الموت، هيهات هيهات.
الساعة يقال لي هذا، وأنا الموت المميت، خواض المنيّات في جوف ليل خامد، حامل السيفين الثقيلين، والرمحين الطويلين، ومكسّر الرايات في غطامط(3)
الغمرات، ومفرّج الكربات عن وجه خيرة البريات، إيهنوا فواللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل إلى محالب أمّه، هبلتكم الهوابل!
لو بحت بما أنزل اللّه فيكم في كتابه، لاضطربتم اضطراب الأرشية(4) في
ص: 134
الطوي البعيدة، ولخرجتم من بيوتكم هاربين، وعلى وجوهكم هائمين، ولكنّي أهوّن وجدي حتى ألقى ربّي بيد جذّاء(1) صفراء من لذاتكم، خلوّاً من طحناتكم. فما مثل دنياكم عندي إلا كمثل غيم علا فاستعلى، ثم استغلظ فاستوى، ثم تمزّق فانجلى رويداً! فعن قليل ينجلي لكم القسطل(2)، فتجدون ثمر فعلكم مرّاً أم تحصدون غرس أيديكم ذعافاً ممزقاً، وسماً قاتلاً.
وكفى باللّه حكماً، وبرسول اللّه خصيماً، وبالقيامة موقفاً، ولا أبعد اللّه فيها سواكم، ولا أتعس فيها غيركم، والسلام على من اتبع الهدى.
فلما أن قرأ أبوبكر الكتاب رعب من ذلك رعباً شديداً، وقال: يا سبحان اللّهً ما أجرأه عليَّ، وأنكله عن غيري.
معاشر المهاجرين والأنصار! تعلمون إنّي شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول اللّه فقلتم: إنَّ الأنبياء لا يوَّرثون، وإنَّ هذه أموال يجب أن تضاف إلى مال الفيء، وتصرف في ثمن الكراع(3) والسلاح وأبواب الجهاد ومصالح الثغور، فأمضينا رأيكم ولم يمضه من يدّعيه. وهو ذا يبرق وعيداً، ويرعد تهديداً، إيلاءً بحق نبيه أن يمضخها دماً ذعافاً(4).
واللّه! لقد استقلت منها فلم أقل، واستعزلتها عن نفسي فلم أعزل، كل ذلك احترازاً من كراهية ابن أبي طالب، وهرباً من نزاعه، ومالي لابن أبي طالب! هل نازعه أحد ففلج عليه؟!
ص: 135
فقال له عمر: أبيت أن تقول إلا هكذا، فأنت ابن من لم يكن مقداماً في الحروب، ولا سخياً في الجدوب، سبحان اللّه! ما أهلع فؤادك، وأصغر نفسك[ قد صيفت]لك سجالاً لتشربها، فأبيت إلا أن تظمأ كظمائك، وأنخت لك رقاب العرب، وثبَّت لك إمارة أهل الإشارة والتدبير، ولو لا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صيّر عظامك رميماً، فاحمد اللّه على ما قد وهب لك منّي، واشكره على ذلك، فإنَّه من رقي منبر رسول اللّه كان حقيقاً عليه أن يحدث لله شكراً.
وهذا علي بن أبي طالب الصخرة الصمّاء التي لا ينفجر ماؤها إلا بعد كسرها، والحيّة الرقشاء(1) التي لا تجيب إلا بالرقى، والشجرة المرّة التي لو طليت بالعسل لم تنبت إلا مراً، قتل سادات قريش فأبادهم، وألزم آخرهم العار ففضحهم.
فطب نفساً، ولا تغرّنك صواعقه، ولا تهولنك رواعده، فإنّي أسد بابه قبل أن يسد بابك.
فقال أبوبكر: ناشدتك اللّه يا عمر لما تركتني من أغاليطك وتربيدك، فو اللّه لو همّ بقتلي وقتلك لقتلنا بشماله دون يمينه، ما ينجينا منه إلا ثلاث خصال: إحداهما: أنَّه واحد لا ناصر له.
والثانية: أنَّه يتبع فينا وصيّة رسول اللّه.
والثالثة: فما من هذه القبائل أحد إلا وهو يتخضمه(2) كتخضّم ثنية الابل
ص: 136
أوان الربيع.
فتعلم لولا ذلك، لرجع الأمر إليه، ولو كنّا له كارهين، أما إنَّ هذه الدنيا أهون عليه من لقاء أحدنا الموت.
أنسيت له يوم أحد وقد فررنا بأجمعنا وصعدنا الجبل، وقد أحاطت به ملوك القوم وصناديدهم، موقنين بقتله، لا يجد محيصاً للخروج من أوساطهم، فلما أن سدّد القوم رماحهم، نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعان القوم، ثم قام قائماً في ركابه، وقد طرق عن سرجه وهو يقول: يا اللّه يااللّه! يا جبريل يا جبريل! يامحمد يامحمد! النجاة النجاة!
ثم عهد إلى رئيس القوم، فضربه ضربة على رأسه، فبقي على فك ولسان، ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى، فضربه ضربة على جمجمته ففلقها، فمر السيف يهوي في جسده فبراه ودابته نصفين.
فلما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا(1) من بين يديه، فجعل يمسحهم بسيفه مسحاً، حتى تركهم جراثيم خموداً على تلعة(2) من الأرض يتمرّغون في حسرات المنايا، ويتجرّعون كؤوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه، ونحن نتوقّع منه أكثر من ذلك.
ولم نكن نضبط أنفسنا من مخافته، حتى ابتدأت أنت منك إليه، فكان منه إليك ما تعلم. ولو لا أنه أنزل اللّه إليه آية من كتاب اللّه لكنّا من الهالكين، وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ}(3).
ص: 137
فاترك هذا الرجل ما تركك، ولا يغرنك قول خالد إنَّه يقتله، فإنَّه لا يجسر على ذلك، وإن رامه كان أول مقتول بيده، فإنَّه من ولد عبد مناف، إذا هاجوا اُهيبوا، وإذا غضبوا أذموا(1)، ولا سيما علي بن أبي طالب، فإنّه بابها الأكبر وسنامها الأطول، وهمامها الأعظم، والسلام على من اتبع الهدى(2).
قالت أسماء بنت عميس: طلب إليَّ أبوبكر أن استأذن له على فاطمة يترضّاها، فسألتها ذلك، فأذنت له، فلما دخل ولّت وجهها الكريم إلى الحائط، فدخل وسلّم عليها، فلم ترد، ثم أقبل يعتذّر إليها ويقول: ارضي عنّي يا بنت رسول اللّه.
فقالت: يا عتيق! ... وحملت الناس على رقابنا، اخرج فواللّه ما كلمتك أبداً حتى ألقى اللّه ورسوله فأشكوك إليهما(3).
عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) قال: بينما أبوبكر وعمر عند فاطمة (عليها السلام) يعودانها، فقالت لهما: أسألكما باللّه الذي لا إله إلا هو هل سمعتما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه؟(4).
ص: 138
فقالا: اللّهم نعم، قالت: فأشهد أنّكا آذيتماني(1).
عن زيد بن علي، قال: قدمت مع أبي مكة وفيها مولى لثقيف من أهل الطائف، فكان ينال من أبي بكر وعمر، فأوصاه أبي بتقوى اللّه، فقال له: ناشدتك اللّه ورب هذا البيت هل صلّيا على فاطمة (عليها السلام) ؟
فقال أبي: اللّهم لا، قال: فلما افترقنا سببته، فقال لي أبي: لا تفعل فو اللّه ما صلّيا على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فضلاً عن فاطمة (عليها السلام) ، وذلك أنَّه شَغَلهما ما كانا يبرمان(2).
قال المفضّل: قال مولاي جعفر (عليه السلام) : كل ظلامة حدثت في الإسلام أو تحدث، وكل دم مسفوك حرام، ومنكر مشهور، وأمر غير محمود، فوزره في أعناقهما وأعناق من شايعهما أو تابعهما ورضي بولايتهما إلى يوم القيامة(3).
عن ابن عباس، قال: ذكرت الخلافة عند أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال: أما واللّه لقد تقمّصها أخو تيم وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحي، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو
ص: 139
أصبر على طخية(1) عمياء، يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده، عقدها لأخي عدي بعده، فيا عجباً، بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها الآخر بعد وفاته، فصيّرها في حوزة خشناء، يخشن مسّها، ويغلظ كلمها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة، إن عنف بها حرن(2) وإن أسلس(3) بها غسق، فمني الناس - لعمر اللّه - بخطب وشماس(4)، وتلوّن واعتراض، وبلوى وهو مع هن وهني، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي منهم، فياللّه وللشوري! متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر؟
فمال رجل بضبعه، وأصغى آخر لصهره، وقام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقاموا معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبت الربيع، حتى أجهز عليه عمله، وكسبت به مطيّته، فما راعني إلا والناس إليَّ كعرف الضبع قد انثالوا عليَّ من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشقّ عطفاي، حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة، وفسقت أخرى، ومرق آخرون، كأنّهم لم يسمعوا اللّه تبارك وتعالى يقول: {تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلْأخِرَةُ
ص: 140
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي ٱلْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(1)، بلى واللّه لد سمعوها ووعوها لكن احلولت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقرّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز... وناوله رجل من أهل السواد كتاباً قطع كلامه وتناول الكتاب، فقلت: يا أميرالمؤمنين! لو اطردت مقالتك إلى حيث بلغت؟! فقال: هيهات هيهات يابن عباس، تلك شقشقة هدرت ثم قرّت... فما أسفت على كلام قط كأسفي على كلام أميرالمؤمنين (عليه السلام) إذ لم يبلغ حيث أراد(2).
ومن كلام له (عليه السلام) : اللّهم إنّي أستعديك على قريش فإنَّهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إناثي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري، وقالوا: ألا إنَّ في الحقّ أن تأخذه وفي الحقّ أن تمنعه، فاصبر مغموماً او أمت متأسّفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذابّ ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من وخز الشفار(3).
ص: 141
كتب (عليه السلام) في جواب عقيل: ... فدع عنك قريشاً وتركاضهم(1) في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه(2)، فإنَّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبلي فجزت قريشاً عنّي الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمّي(3).
روي ابن قتيبة - وهو من أعاظم رواة المخالفين - في كتاب الإمامة والسياسة: أنَّ علياً (عليه السلام) أتى به أبوبكر وهو يقول: أنا عبد اللّه وأخو رسوله! فقيل له: بايع أبابكر، فقال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ولا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تأخذونه منّا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بها الأمر منهم لمكان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منكم؟! فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة، فأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حياً وميّتاً فانصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم، وإلا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنَّك لست متروكاً حتى تبايع!
فقال له علي (عليه السلام) : احلب حلباً لك شطره اشدده له اليوم يردده عليك
ص: 142
غداً، ثم قال: واللّه يا عمر لا أقبل قولك، ولا أبايعه. فقال له أبوبكر: فإن لم تبايعني فلا أكرهك.
فقال علي (عليه السلام) : يا معشر المهاجرين! اللّه... اللّه لا تخرجوا سلطان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعوا أهله عن مقامه من الناس وحقّه، فو اللّه - يا معشر المهاجرين - لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان فيها القارئ لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، العالم بسنن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).
ثم قال ابن قتيبة: وفي رواية أخرى: أخرجوا علياً (عليه السلام) فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟!
فقالوا: إذاً واللّه الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك.
قال: إذاً تقتلون عبد اللّه وأخا رسوله.
فقال عمر: أمّا عبد اللّه فنعم، وأمّا أخا رسول اللّه فلا، وأبوبكر ساكت لا يتكلّم.
فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟
فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي (عليه السلام) بقبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصيح ويبكي وينادي ي- : {ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي}(2)(3).
ص: 143
ثم ذكر ابن قتيبة إنَّهما جاءا إلى فاطمة (عليها السلام) معتذرين، فقالت: نشدتكما باللّه ألم تسمعا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة إبنتي من سخطي؟ ومن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني(1)، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟. قالا: نعم، سمعناه. قالت: فإنّي أشهد اللّه وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأشكونّكما إليه، فقال أبوبكر: أنا عائذ باللّه من سخطه وسخطك يا فاطمة.
ثم انتحب أبوبكر باكياً تكاد نفسه(2) أن تزهق، وهي تقول: واللّه لأدعوّن اللّه عليك في كل صلاة، وأبوبكر يبكي ويقول: واللّه لأدعوّن اللّه لك في كل صلاة(3) أصلّيها... ثم خرج باكياً(4).
وروي أيضاً ابن قتيبة أنّ علياً (عليه السلام) قال: فاجز قريشاً عنّي بفعالها، فقد قطعت رحمي، وظاهرت عليَّ، وسلبتني سلطان ابن عمّي، وسلمت ذلك منها لمن ليس في قرابتي وحقّي في الإسلام، وسابقتي التي لا يدّعي مثلها مدّع إلّا أن يدّعي ما لا أعرفه، ولا أظن اللّه يعرفه(5).
وروي أيضاً أنّه قال للحسن (عليه السلام) : وأيم اللّه - يابني - ما زلت مظلوماً مبغياً
ص: 144
عليَّ منذ هلك جدّك (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).
وروى ابن أبي الحديد أنَّ علياً (عليه السلام) قال: - وقد سمع صارخاً ينادي أنا مظلوم - ، فقال: هلمّ فلنصرخ معاً، فإنّي ما زلت مظلوماً(2).
وقال: قال علي (عليه السلام) : ما زلت مستأثراً عليَّ مدفوعاً عمّا أستحقّه وأستوجبه(3).
وقال (عليه السلام) : اللّهم أجز قريشاً فإنَّها منعتني حقي وغصبتني أمري(4).
وروى السيّد ابن طاووس، في كتاب الطرائف من الصحيحين، والجمع بينهما للحميدي، بإسنادهم عن مالك بن أوس، قال: قال عمر للعباس وعلي (عليه السلام) ما هذا لفظه: فلما توفّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال أبوبكر: أنا ولي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .. فجئتما، أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها.
فقال أبوبكر: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه فهو صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، واللّه يعلم أنّه لصادق بار راشد تابع للحق؟! ثم توفّي أبوبكر فقلت: أنا ولي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وولي أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً؟! واللّه يعلم إنّي لصادق بار تابع للحق! فوليتها،
ص: 145
ثم جئت أنت وهذا، وأنتما جميع وأمر كما واحد فقلتما: ادفعها إلينا(1).
عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال: كان من البلاء العظيم الذي إبتلى اللّه عزّوجلّ به قريشاً بعد نبيّها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؛ ليعرّفها أنفسها ويجرح شهادتها عمّا ادّعته على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعد وفاته، ودحض حجّتها، وكشف غطاء ما أسرّت في قلوبها، وأخرجت ضغائنها لآل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أجمعين وأزالتهم عن إمامتهم، وميراث كتاب اللّه فيهم، ما عظمت خطيئته، وشملت فضيحته، ووضحت هداية اللّه فيه لأهل دعوته وورثة نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأنارت به قلوب أوليائهم، وغمرهم نفعه وأصابهم بركاته: أنّ ملك الروم لما بلغه خبر وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وخبر أمّته واختلافهم في الاختيار عليهم، وتركهم سبيل هدايتهم، وادّعائهم على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنَّه لم يوص إلى أحد بعد وفاته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإهماله إيّاهم يختاروا لأنفسهم، وتوليتهم الأمر بعده الأباعد من قومه، وصرف ذلك عن أهل بيته وورثته وقرابته، دعا علماء بلده واستفتاهم فناظرهم في الأمر الذي ادعته قريش بعد نبيها (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وفيما جاء به محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأجابوه بجوابات من حججهم على أنَّه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فسأل أهل مدينته أن يوجههم إلى المدينة لمناظرتهم، والاحتجاج عليهم، فأمر الجاثليق أن يختار من أصحابه وأساقفته، فاختار منهم مائة رجل، فخرجوا يقدمهم جاثليق لهم قد أقرّت العلماء له جميعاً بالفضل والعلم، متبحّراً في علمه يخرج الكلام من تأويله، ويرد كل فرع إلى
ص: 146
أصله، ليس بالخرق(1) ولا بالنزق(2) ولا بالبليد والرعديد، ولا النكل(3) ولا الفشل، ينصت لمن يتكلّم، ويجيب إذا سئل، ويصبر إذا منع، فقدم المدينة بمن معه من خيار أصحابه حتى نزل القوم عن رواحلهم، فسأل أهل المدينة عمّن أوصى إليه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومن قام مقامه فدلّوه على أبي بكر وهو في حشد من قريش، فيهم عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد، وعثمان بن عفان وأنا في القوم، فوقفوا عليه، فقال زعيم القوم: السلام عليكم... فردّوا عليه السلام.
فقال: أرشدونا إلى القائم مقام نبيكم فإنَّا قوم من الروم، وإنَّا على دين المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) ، قدمنا لمَّا بلغنا وفاة نبيكم وإختلافكم نسأل عن صحّة نبوته ونسترشد لديننا، ونتعرّف دينكم، فإن كان أفضل من دينا، دخلنا فيه وأسلمنا وقبلنا الرشد منكم طوعاً، وأجبناكم إلى دعوة نبيكم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإن يكن على خلاف ما جاءت به الرسل وجاء به عيسى (عليه السلام) رجعنا إلى دين المسيح، فإنَّ عنده من عهد ربنا في أنبيائه، ورسله دلالة ونوراً واضحاً، فإيكم صاحب الأمر بعد نبيكم (عليه السلام) ؟
فقال عمر بن الخطاب: هذا صاحب أمر نبينا بعده.
قال الجاثليق: هو هذا الشيخ؟!
فقال: نعم.
ص: 147
فقال: يا شيخ! أنت القائم الوصي لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أمته؟ وأنت العالم المستغني بعلمك ممّا علمك نبيك من أمر الأمة وما تحتاج أليه؟
قال أبوبكر: لا، ما أنا بوصي.
قال له: فما أنت؟!
قال عمر: هذا خليفة رسول اللّه.
قال النصراني: أنت خليفة رسول اللّه إستخلفك في أمته؟
قال أبوبكر: لا.
قال: فما هذا الاسم الذي ابتدعتموه، وادعيتموه بعد نبيكم؟! فإنَّا قد قرأنا كتب الأنبياء صلوات اللّه عليهم فوجدنا الخلافات لا تصلح إلا لنبي من أنبياء اللّه؛ لأنّ اللّه تعالى جعل آدم (عليه السلام) خليفة في الأرض فرض طاعته على أهل السماء والأرض، ونوّه(1) باسم داود (عليه السلام) ، فقال: {يَٰدَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَٰكَ خَلِيفَةً فِي ٱلْأَرْضِ}(2) كيف تسميت بهذا الاسم؟ ومن سمّاك به؟ أنبيك سمّاك به؟
قال: لا، ولكن تراضوا الناس فولّوني واستخلفوني.
فقال: أنت خليفة قومك لا نبيك، وقد قلت إنّ النبي لم يوص إليك، وقد وجدنا من سنن الأنبياء، إنّ اللّه لم يبعث نبياً إلّا وله وصي يوصي إليه، ويحتاج الناس كلّهم إلى علمه وهو مستغن عنهم وقد زعمت إنَّه لم يوص كما أوصت الأنبياء، وادّعيت أشياء لست بأهلها، وما أراكم إلا وقد دفعتم
ص: 148
نبوة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد أبطلتم سنن الأنبياء في قومهم.
قال: فاتلفت الجاثليق إلى أصحابه وقال:
إنَّ هؤلاء يقولون: إنَّ محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يأتهم بالنبوة وإنَّما كان أمره بالغلبة، ولو كان نبياً لأوصى كما أوصت الأنبياء، وخلّف فيهم كما خلّفت الأنبياء من الميراث والعلم، ولسنا نجد عند القوم أثر ذلك، ثم التفت كالأسد، فقال:
يا شيخ! أمَّا أنت فقد أقررت أنّ محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يوص إليك، ولا استخلفك وإنَّما تراضوا الناس بك، ولو رضي اللّه عزّوجلّ برضى الخلق واتباعهم لهواهم واختيارهم لأنفسهم، ما بعث اللّه النبيّين مبشّرين ومنذرين, وآتاهم الكتاب والحكمة، ليبيّنوا للناس ما يأتون ويذرون وما فيه يختلفون: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ}(1)، فقد دفعتم النبيين عن رسالاتهم، واستغنيتم بالجهل من اختيار الناس عن اختيار اللّه عزّوجلّ الرسل للعباد، واختيار الرسل لأمّتهم، ونراكم تعظّمون بذلك الفرية على اللّه عزّوجلّ وعلى نبيكم، ولا ترضون إلا أن تتسموا بعد ذلك بالخلافة، وهذا لا يحل إلا لنبي أو وصي نبّي، وإنَّما تصحّ الحجّة لكم بتأكيدكم النبوة لنبيكم وأخذكم بسنن الأنبياء في هداهم، وقد تغلبتم فلابدّ لنا أن نحتج عليكم فيما ادعيتم حتى نعرف سبيل ما تدّعون إليه، ونعرف الحق فيكم بعد نبيكم، أصواب ما فعلتم بإيمان أم كفرتم بجهل؟
ثم قال: يا شيخ! أجب.
ص: 149
قال: فالتفت أبوبكر إلى أبي عبيدة ليجيب عنه، فلم يحر جواباً، ثم التفت الجاثليق إلى أصحابه فقال: بناء القوم على غير أساس ولا أرى لهم حجّة، أفهمتهم؟
قالوا: بلى.
ثم قال لأبي بكر: يا شيخ! أسألك؟
قال: سل.
قال: أخبرني عنّي وعنك ما أنت عند اللّه، وما أنا عند اللّه؟
قال: أمّا أنا فعند نفسي مؤمن، وما أدري ما أنا عند اللّه فيما بعد، وأما أنت فعندي كافر، وما أدري ما أنت عند اللّه؟
قال الجاثليق: أمّا أنت فقد منّيت نفسك الكفر بعد الإيمان، وجهلت مقامك في إيمانك، أمحق أنت فيه أم مبطل، وأمّا أنا فقد منيتني الإيمان بعد الكفر، فما أحسن حالي وأسوأ حالك عند نفسك، إذ كنت لا توقن بما لك عند اللّه، فقد شهدت لي بالفوز والنجاة، وشهدت لنفسك بالهلاك والكفر.
ثم التفت إلى أصحابه، فقال: طيبوا نفساً فقد شهد لكم بالنجاة بعد الكفر.
ثم التفت إلى أبي بكر، فقال: يا شيخ! أين مكانك الساعة من الجنة إذا ادّعيت الإيمان، وأين مكاني من النار؟!
قال: فالتفت أبوبكر إلى عمر وأبو عبيدة مرة أخرى ليجيبا عنه، فلم ينطق أحدهما.
قال: ثم قال: ما أدري أين مكاني وماحالي عند اللّه؟
قال الجاثليق: يا هذ! أخبرني كيف استجزت لنفسك, أن تجلس في هذا
ص: 150
المجلس، وأنت محتاج إلى علم غيرك؟ فهل في أمة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من هو أعلم منك؟
قال: نعم.
قال: ما أعلمك وإيّاهم إلّا وقد حملوك أمراً عظيماً، وسفّهوا بتقديمهم إيّاك على من هو أعلم منك، فإن كان الذي هو أعلم منك يعجز عمّا سألتك كعجزك، فأنت وهو واحد في دعواكم، فأرى نبيكم إن كان نبياً، فقد ضيع علم اللّه عزّوجلّ وعهده وميثاقه الذي أخذه على النبيين من قبله، في إقامة الأوصياء لأمتهم حيث لم يقم وصياً؛ ليتفرغوا إليه فيما تتنازعون في أمر دينكم، فدلّوني على هذا الذي هو أعلم منكم، فعساه في العلم أكثر منك في محاورة وجواب وبيان، وما يحتاج إليه من أثر النبوة وسنن الأنبياء، ولقد ظلمك القوم وظلموا أنفسههم فيك.
قال سلمان رضي اللّه عنه: فلما رأيت ما نزل بالقوم من البهت والحيرة والذلّ والصغار، وما حلَّ بدين محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما نزل بالقوم من الحزن، نهضت - لا أعقل أين أضع قدمي - إلى باب أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، فدققت عليه الباب، فخرج وهو يقول:
ما دهاك يا سلمان؟!
قلت: هلك دين محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهلك الإسلام بعد محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وظهر أهل الكفر على دينه وأصحابه بالحجّة، فأدرك - يا أميرالمؤمنين! - دين محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والقوم قد ورد عليهم مالا طاقة لهم به ولابد ولا حيلة، وأنت
ص: 151
اليوم مفرّج كربها، وكاشف بلواها، وصاحب ميسمها(1) وتاجها، ومصباح ظلمها، ومفتاح مبهمها.
فقال علي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما ذاك؟
قلت: قد قدم قوم من ملك الروم في مائة رجل من أشراف الناس من قومهم يقدمهم جاثليق لم أر مثله، يورد الكلام على معانيه، ويصرفه على تأويله، ويؤكد حجّته ويحكم ابتداءه، لم أسمع مثل حجّته ولا سرعة جوابه من كنوز علمه فأتى أبابكر - وهو في جماعة - فسأله عن مقامه ووصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأبطل دعواهم بالخلافة، وغلبهم بادعائهم تخليفهم مقامه، فأورد على أبي بكر مسألة أخرجه بها عن إيمانه، وألزمه الكفر والشك في دينه، فعلتهم لذلك ذلّة وخضوع وحيرة، فأدرك - يا أمير المؤمنين - دين محمد، فقد ورد عليهم مالا طاقة لهم به.
فنهض أميرالمؤمنين (عليه السلام) معي حتى أتينا القوم، وقد ألبسو الذلّة والمهانة والصغار والحيرة.
فسلَّم علي (عليه السلام) ثم جلس، فقال:
يا نصراني! أقبل عليَّ بوجهك واقصدني بمسائلك فعندي جواب ما يحتاج الناس إليه فيما يأتون ويذرون، وباللّه التوفيق.
قال: فتحول النصراني إليه.
وقال: يا شاب! إنا وجدنا في كتب الأنبياء أنّ اللّه لم يبعث نبياً قط إلاً وكان له وصياً [كذا] [وصي] يقوم مقامه، وقد بلغنا اختلاف عن أمة محمد
ص: 152
في مقام نبوته، وإدعاء قريش على الأنصار وادعاء الأنصار على قريش، واختيارهم لأنفسهم، فأقدمنا ملكنا وفداً، وقد اختارنا لنبحث عن دين محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونعرف سنن الأنبياء فيه، والاستماع من قومه الذين ادعوا مقامه أحق ذلك ام باطل؟ قد كذبوا عليه كما كذبت الأمم بعد أنبيائها على نبيها، ودفعت الأوصياء عن حقّها، فإنّا وجدنا قوم موسى (عليه السلام) بعده عكفوا على العجل ودفعوا هارون عن وصيته، واختاروا ما أنتم عليه، وكذلك: {سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا}(1)، فقدمنا فأرشدنا القوم إلى هذا الشيخ، فأدعى مقامه والأمر له من بعده، فسألنا عن الوصية إليه عن نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فلم يعرفها، وسألناه عن قرابته منه إذ كانت الدعوة في إبراهيم (عليه السلام) فيما سبقت في الذرية في إمامته أنه لا ينالها إلا ذرية بعضها من بعض، ولا ينالها إلا مصطفىً مطهّر، فأردنا أن نتبيّن السنة من محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما جاء به النبيّون (عليهم السلام) ، واختلاف الأمة على الوصي كما اختلفت على من مضى من الأوصياء، ومعرفة العترة فيهم؟ فإن وجدنا لهذا الرسول وصياً قائماً بعده، وعنده علم ما يحتاج إليه الناس، ويجيب بجوابات بيّنة، ويخبر عن أسباب البلايا والمنايا وفصل الخطاب والأنساب، وما يهبط من العلم في ليلة القدر في كل سنة، وما ينزل به الملائكة والروح إلى الأوصياء صدّقنا بنبوته، وأجبنا دعوته، واقتدينا بوصيته، وآمنا به وبكتابه، وبما جاءت به الرسل من قبله، وإن يكن غير ذلك رجعنا إلى ديننا وعلمنا أنّ محمداً لم يبعث، وقد سألنا هذا الشيخ فلم نجد عنده تصحيح نبوة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإنَّما
ص: 153
ادّعوا له وكان جباراً غلب على قومه بالقهر، وملكهم ولم يكن عنده أثر النبوة، ولا ماجاءت به الأنبياء (عليهم السلام) قبله، وإنَّه مضى وتركهم بهم يغلب بعضهم بعضاً، وردَّهم جاهلية جهلاء مثل ما كانوا يختارون بآرائهم لأنفسهم... أيّ دين أحبّوا، وأيّ ملك أرادوا، وأخروا محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من سبيل الأنبياء، وجهلوه في رسالته، ودفعوا وصيته، وزعموا أنّ الجاهل يقوم مقام العالم، وفي ذلك هلاك الحرث والنسل وظهور الفساد في الأرض في البر والبحر، وحاشا اللّه عزّوجلّ أن يبعث نبياً إلا مطهراً مسدّداً مصطفىً على العالمين، فإنَّ العالم أمير على الجاهل أبداً إلى يوم القيامة، فسألته عن اسمه، فقال الذي إلى جنبه: هذا خليفة رسول اللّه.
فقلت: إنّ هذا الاسم لا نعرفه لأحد بعد النبي إلا أن يكون لغة من اللغات، فأمّا الخلافة فلا تصلح إلا لآدم وداود (عليهما السلام) ، والسنة فيها للأنبياء والأوصياء، وإنكم لتعظمون الفريّة على اللّه وعلى رسوله، فانتفى من العلم، واعتذر من الاسم، وقال:
إنَّما تراضوا الناس بي فسّموني خليفة، وفي الأمة من هو أعلم منّي، فاكتفينا بما حكم على نفسه وعلى من اختاره، فقدمت مسترشداً وباحثاً عن الحق، فإن وضح لي اتبعته ولم تأخذني في اللّه لومة لائم، فهل عندك أيّها الشاب شفاء لما في صدورنا؟
قال علي (عليه السلام) : بلى! عندي شفاء لصدوركم، وضياء لقلوبكم، وشرح لما أنتم عليه وبيان لا يختلجكم الشك معه، وإخبار عن أموركم، وبرهان لدلالتكم، فأقبل عليَّ بوجهك، وفرغ لي مسامع قلبك، وأحضرني ذهنك،
ص: 154
وع ما أقول لك... (إلى أن قال).
قال الجاثليق: صدقت أيها الوصي العليم الحكيم الرفيق الهادي، أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، وأنك وصيه وصديقه ودليله وموضع سره وأمينه على أهل بيته وولي المؤمنين من بعده، من أحبك وتولّاك هديته ونوّرت قلبه وأغنيته وكفيته وشفيته، ومن تولّى عنك وعدل عن سبيلك ضلّ وغبن عن حظه واتبع هواه بغير هدى من اللّه ورسوله، وكفى هداك ونورك هادياً وكافياً وشافياً.
ثم التفت الجاثليق إلى القوم فقال:
يا هؤلاء! قد أصبتم أمنيتكم وأخطأتم سنة نبيكم، فاتبعوه تهتدوا وترشدوا، فما دعاكم إلى ما فعلتم؟! ما أعرف لكم عذراً بعد آيات اللّه والحجّة عليكم، أشهد أنّها سنة اللّه في الذين خلوا من قبلكم ولا تبديل لكلمات اللّه، وقد قضى عزّوجلّ الاختلاف على الأمم، والاستبدال بأوصيائهم بعد أنبيائهم، وما العجب إلا منكم بعد ما شاهدتم؟! فما هذه القلوب القاسية، والحسد الظاهر، والضغن والإفك المبين؟!
قال: وأسلم النصراني ومن كان معه وشهدوا لعلي (عليه السلام) بالوصية ولمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالحق والنبوة، وأنَّه الموصوف المنعوت في التوراة والإنجيل، ثم خرجوا منصرفين إلى ملكهم ليردّوا عليه ما عاينوا وما سمعوا.
فقال علي (عليه السلام) : الحمد لله الذي أوضح برهان محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأعزّ دينه ونصره، وصدَّق رسوله وأظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون،
ص: 155
والحمد لله ربّ العالمين وصلى اللّه على محمد وآله.
قال: فتباشر القوم بحجج عليٍ (عليه السلام) وبيان ما أخرجه إليهم، وانكشفت عنهم الذلّة، وقالوا:
جزاك اللّه يا أبا الحسن في مقامك بحق نبيك، ثم تفرقوا وكأنّ الحاضرين لم يسمعوا شيئاً، ممّا فهمه القوم والذين هم عندهم أبداً، وقد نسوا ما ذكروا به، والحمد لله رب العالمين.
قال سلمان الخير: فلما خرجوا من المسجد وتفرّق الناس وأرادوا الرحيل أتوا علياً (عليه السلام) مسلّمين عليه ويدعون اللّه تعالى له واستأذنوا، فخرج إليهم علي (عليه السلام) فجلسوا، فقال الجاثليق:
يا وصي محمد! وأبا ذريته! ما نرى الأمة إلا هالكة كهلاك من مضى من بني إسرائيل من قوم موسى، وتركهم هارون وعكوفهم على أمر السامري، وإنا وجدنا لكل نبي بعثه اللّه عدواً شياطين الإنس والجن يفسدان على النبي دينه، ويهلكان أمته، ويدفعان وصيه، ويدَّعيان الأمر بعده، وقد أرانا اللّه عزّوجلّ ما وعد الصادقين من المعرفة بهلاك هؤلاء القوم، وبيّن لنا سبيلك وسبيلهم، وبصَّرنا ما أعماهم عنه، ونحن أولياؤك وعلى دينك وعلى طاعتك، فمرنا بأمرك، إن أحببت أقمنا معك ونصرناك على عدوك، وإن أمرتنا بالمسير سرنا وإلى ما صرفتنا إليه صرنا، وقد نوى صبرك على ما أرتكب منك، وكذلك شيم الأوصياء وسنتهم بعد نبيهم، فهل عندك من نبيك عهد فيما أنت فيه وهم؟
قال علي (عليه السلام) : نعم، واللّه إنَّ عندي لعهداً من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ممّا هم
ص: 156
صائرون إليه، وممّا هم عاملون، وكيف يخفى عليَّ أمر أمته وأنا منه بمنزلة هارون من موسى، وبمنزلة شمعون من عيسى؟! أوما تعلمون أنّ وصي عيسى شمعون بن حمون الصفا - ابن خاله - اختلفت عليه أمّة عيسى (عليه السلام) وافترقوا أربع فرق، وافترقت الأربع فرق على اثنين وسبعين فرقة، كلّها هالكة إلا فرقة واحدة؟ وكذلك أمّة موسى (عليه السلام) افترقت على اثنين وسبعين فرقة، كلّها هالكة إلا فرقة واحدة، وقد عهد إليَّ محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّ أمته يفترقون على ثلاث وسبعين فرقة، ثلاث عشرة فرقة تدَّعي محبّتنا ومودّتنا كلّها هالكة إلا فرقة واحدة، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، وإنّي عالم بما يصير القوم إليه، ولهم مدّة وأجل معدود، لأنّ اللّه عزّوجلّ يقول: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ}(1) وقد صبر عليهم القليل لما هو بالغ أمره وقدره المحتوم فيهم، وذكر نفاقهم وحسدهم وإنَّه سيخرج أضغانهم ويبيّن مرض قلوبهم بعد فراق نبيهم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال اللّه عزّوجلّ: {يَحْذَرُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ ٱسْتَهْزِءُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}(2) أي تعلمون{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ}(3) {لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٖ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَۢ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}(4)
ص: 157
فقد عفا اللّه عن القليل من هؤلاء ووعدني أن يظهرني على أهل الفتنة ويردّوا الأمر إليَّ ولو كره المبطلون، وعندكم كتاب من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المصالحة والمهادنة على أن لا تحدثوا ولا تأؤوا محدثاً، فلكم الوفاء على ما وفيتم، ولكم العهد والذمّة على ما أقمتم على الوفاء بعهدكم علينا مثل ذلك لكم، وليس هذا أوان نصرنا ولا يسل سيف ولا يقام عليهم بحق ما لم يقبلوا ويعطوا طاعتهم، إذ كنت فريضة من اللّه عزّوجلّ ومن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مثل الحج، والزكاة، والصلاة، والصيام، فهل يقام بهذه الحدود إلا بعالم قائم يهدي إلى الحق وهو أحق أن يتبع؟! ولقد أنزل اللّه سبحانه: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(1) فأنا - رحمك اللّه - فريضة من اللّه ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليكم، بل أفضل الفرائض وأعلاها، وأجمعها للحق، وأحكمها لدعائم الإيمان، وشرائع الإسلام، وما يحتاج إليه الخلق لصلاحهم ولفسادهم ولأمر دنياهم وآخرتهم، فقد تولّوا عنّي، ودفعوا فضلي، وفرض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إمامتي وسلوك سبيلي، فقد رأيتم ما شملهم من الذلّ والصغار من بعد الحجّة.
وكيف أثبت اللّه عليهم الحجّة، وقد نسوا ما ذكروا به من عهد نبيهم، وما أكد عليهم من صاعتي، وأخبرهم من مقامي، وبلغهم من رسالة اللّه عزّوجلّ في فقرهم إلى علمي، وغناي عنهم وعن جميع الأمة؛ ممّا أعطاني اللّه عزّوجلّ، فكيف آسى على من ضل عن الحقّ من بعدما تبيّن له و{ٱتَّخَذَ
ص: 158
إِلَٰهَهُ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}(1) إنَّ هداه للهدى، وهما السبيلان: سبيل الجنة، وسبيل النار والدنيا والآخرة، فقد ترى ما نزل بالقوم من استحقاق العذاب الذي عذّب به من كان قبلهم من الأمم، وكيف بدّلوا كلام اللّه، وكيف جرت السنّة فيهم من الذين خلوا من قبلهم، فعليكم بالتمسّك بحبل اللّه وعروته، وكونوا من حزب اللّه ورسوله، والزموا عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وميثاقه عليكم، فإنَّ الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، وكونوا في أهل ملتكم كأصحاب الكهف، وإياكم أن تغشوا أمركم إلى أهل أو ولد أو حميم أو قريب، فإنَّه دين اللّه الذي أوجب له التقية لأوليائه، وإن أصبتم من الملك فرصة ألقيتم على قدر ما ترون من قبوله، وأنَّه باب اللّه وحصن الإيمان لا يدخله إلا من أخذ اللّه ميثاقه، ونور له في قلبه وأعانه على نفسه، انصرفوا إلى بلادكم على عهدكم الذي عاهدتموني عليه، فإنَّه سيأتي على الناس بعد برهة من دهرهم ملوك بعدي، وبعد هؤلاء يغيرون دين اللّه عزّوجلّ، ويحرفون كلامه، ويقتلون أولياء اللّه، ويعزون أعداء اللّه، وبهم تكثر البدع، وتدرس السنن، حتى تملأ الأرض جوراً وعدوانا وبدعاً، ثم يكشف اللّه بنا أهل البيت جميع البلايا عن أهل دعوة اللّه بعد شدّة من البلاء العظيم حتى تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، ألا وقد عهد إليَّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّ الأمر صائر إليَّ بعد الثلاثين من وفاته وظهور الفتن، واختلاف الأمة عليَّ، ومروقهم من دين اللّه، وأمرني بقتل الناكثين
ص: 159
والمارقين والقاسطين، فمن أدرك منكم ذلك الزمان وتلك الأمور وأراد أن يأخذ بحظّه من الجهاد معي فليفعل، فإنَّه واللّه الجهاد الصافي، صفّاه لنا كتاب اللّه وسنة نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكونوا - رحمكم اللّه - من أحلاس بيوتكم إلى أوان ظهور أمرنا، فمن مات منكم كان من المظلومين، ومن عاش منكم أدرك ما تقر به عينه إن شاء اللّه تعالى. ألا وإنّي أخبركم أنه سيحملون علي خطة جهلهم، وينقضون علينا عهد نبينا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؛ لقلّة علمهم بما يأتون ويذرون، وسيكون منكم ملوك يدرس عندهم العهد، وينسون ما ذكروا به، ويحلّ بهم ما يحلّ بالأمم حتى يصيروا إلى الهرج والاعتداء وفساد العهد، وذلك لطول المدّة وشدة المحنة التي أمرت بالصبر عليها، وسلّمت لأمر اللّه في محنة عظيمة يكدح فيها المؤمن حتى يلقى اللّه ربّه، واهاً(1) للمتمسكين بالثقلين وما يعمل بهم! وواهاً لفرج آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من خليفة متخلّف عريف مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف، بلى اللّهم لا تخلو الأرض من قائم بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً، أو باطناً مستوراً؛ لئلا تبطل حجج اللّه وبيّناته، ويكون محنة لمن اتبعه واقتدى به، وأين أولئك؟ وكم أولئك؟ أولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون عند اللّه خطراً، بهم يحفظ اللّه دينه وعلمه حتى يزرعها في صدور أشباههم، ويودعها أمثالهم، هجم بهم العلم على حقيقة الإيمان، واستروحوا روح اليقين، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، واستلانوا ما استوعر منه المترفون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة
ص: 160
بالملإ الأعلى، أولئك حجج اللّه في أرضه، وأمناءه على خلقه، آه... آه شوقاً إليهم وإلى رؤيتهم, وواهاً لهم على صبرهم على عدّوهم، سيجمعنا اللّه وإيّاهم في جنات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
قال: ... ثم بكى... وبكى القوم معه وودّعوه وقالوا:
نشهد لك بالوصية والإمامة والأخوة، وإنَّ عندنا لصفتك وصورتك وسيقدم وفد بعد هذا الرجل من قريش على الملك، ولنخرجن إليهم صورة الأنبياء، وصورة نبيك، وصورتك، وصورة ابنيك الحسن والحسين (عليهما السلام) ، صورة فاطمة (عليها السلام) زوجتك سيدة نساء العالمين بعد مريم الكبرى البتول، وإنَّ ذلك لمأثور عندنا ومحفوظ، ونحن راجعون إلى الملك ومخبروه بما أودعتنا من نور هدايتك وبرهانك وكرامتك وصبرك على ما أنت فيه، ونحن المرابطون لدولتك الداعون لك ولأمرك، فما أعظم هذا البلاء، وما أطول هذه المدّة، ونسأل اللّه التوفيق بالثبات، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته(1).
قال أبوبكر في مرضه الذي قبض فيه: أما إنّي لا آسي من الدنيا إلا على ثلاث فعلتها، وددت أنّي تركتها، وثلاث تركتها وددت أنّي فعلتها، وثلاث وددت أنّي كنت سألت عنهن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
أمّا التي وددت أنّي تركتها، فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان علّق على الحرب، ووددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة، وأنّي قتلته
ص: 161
سريحاً أو أطلقته نجيحاً(1)، ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - عمر أو أبي عبيدة - فكان أميراً وكنت وزيراً.
وأما التي تركتها: فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيراً كنت ضربت عنقه، فإنَّه يخيل إليَّ أنَّه لم ير صاحب شر إلا أعانه، ووددت أنّي حين سيرت خالداً إلى أهل الردّة كنت قدمت إلى قربه فإن ظفر المسلمون ظفروا وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، ووددت أنّي كنت إذ وجّهت خالداً إلى الشام قذفت المشرق بعمر بن الخطاب، فكنت بسطت يدي - يميني وشمالي - في سبيل اللّه.
وأمّا التي وودت أنّي كنت سألت عنهن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : فو وددت أنّي كنت سألته فيمن هذا الأمر فلم ننازعه أهله، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب، ووددت أنّي كنت سألته عن ميراث الأخ والعم، فإن في نفسي منها حاجة(2).
عن الثمالي، عن علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال: قلت له: أسألك عن فلان
ص: 162
وفلان؟
قال: فعليهما لعنة اللّه بلعناته كلّها، ماتا - واللّه - كافرين مشركين باللّه العظيم(1).
قال علي بن إبراهيم في قوله: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ}(2).
قال: - يعني يحملون آثامهم - يعني الذين غصبوا أميرالمؤمنين (عليه السلام) وآثام كل من اقتدى بهم، وقول الإمام الصادق (عليه السلام) : واللّه ما اهريقت محجمة من دم، ولا قرعت عصاً بعصا, ولا غصب فرج حرام، ولا أخذ مال من غير حلّه، إلا ووزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العالمين شيء(3).
عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ} قال الأول: {يَقُولُ يَٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا}(4).
يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول علياً: {يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}(5) يعني الثاني: {لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} يعني
ص: 163
الولاية {وَكَانَ ٱلشَّيْطَٰنُ} وهو الثاني {لِلْإِنسَٰنِ خَذُولًا}(1)(2).
عن هاشم بن عمار في قوله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنًا فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَٰتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصْنَعُونَ}(3) قال: نزلت في زريق وحبتر(4).
قال العلاّمة المجلسي (رحمه اللّه) : زريق وحبتر: كنايتان والعرب تتشاءم بزرقة العين، والحبتر: الثعلب(5)، والثاني بالأول أنسب(6).
المراد بقوله: {هَٰذَا وَإِنَّ لِلطَّٰغِينَ لَشَرَّ مََٔابٖ}(7) الأولان وبنو أمية... ثم ذكر الباري عزّوجلّ من كان من بعدهم ممّن غصب آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حقّهم، فقال: {وَءَاخَرُ مِن شَكْلِهِۦ أَزْوَٰجٌ}(8) {هَٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} وهم بنو السباع فيقولون بنو أمية {لَا مَرْحَبَۢا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ}(9) فيقولون: بنو
ص: 164
فلان: {قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبَۢا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا}(1) وبدأتم بظلم آل محمد {فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ}(2) ثم يقول بنو أمية: {قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي ٱلنَّارِ}(3)
يعنون الأولين، ثم يقول أعداء آل محمد في النار: {مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلْأَشْرَارِ}(4) في الدنيا، وهم شيعة أميرالمؤمنين (عليه السلام) {أَتَّخَذْنَٰهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلْأَبْصَٰرُ}(5) ثم قال: {إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ}(6) فيما بينهم، وذلك قول الصادق (عليه السلام) : واللّه إنّكم لفي الجنة تحبرون، وفي النار تطلبون.
قال العلاّمة المجلسي (رحمه اللّه) : بنو السباع كناية عن بني العباس(7).
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ}(8) قال العالم (عليه السلام) : من الجن؛ إبليس الذي أشار على قتل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في دار الندوة، وأضل الناس بالمعاصي، وجاء بعد وفاة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى أبي بكر فبايعه، ومن الإنس؛ فلان{نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ
ص: 165
ٱلْأَسْفَلِينَ}(1).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}(2)، قال: الوحيد: ولد الزنا، وهو زفر، {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا}(3) قال: أجلاً إلى مدّة {وَبَنِينَ شُهُودًا}(4) قال: أصحابه الذين شهدوا أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يورّث {وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا}(5) ملكه الذي ملك مهدت له{ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ}(6) {كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِأيَٰتِنَا عَنِيدًا}(7) قال: لولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) جاحداً، عانداً لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيها {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا}(8) {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ}(9) فكر فيما أمر به من الولاية، وقدر إن مضى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن لا يسلّم لأمير المؤمنين (عليه السلام) البيعة التي بايعه بها على عهد سول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}(10) {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}(11) قال: عذاب بعد عذاب
ص: 166
يعذّبه القائم (عليه السلام) ، {ثُمَّ نَظَرَ}(1) إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين (عليه السلام) ، {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ}(2) ممّا أمر به {ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ}(3) {فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}(4) قال زفر: إنّ النبي سحر الناس لعلي، {إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ ٱلْبَشَرِ}(5). أي ليس هو وحي من اللّه عزّوجلّ {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}(6) إلى آخر الآية نزلت فيه(7).
ورد في قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَايِٕ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْيِ}(8) العدل: شهادة أنّ لا إله إلا اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والإحسان؛ أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، والفحشاء والمنكر والبغي؛ فلان وفلان وفلان(9).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُ فِي
ص: 167
قُلُوبِكُمْ}(1) يعني أميرالمؤمنين (عليه السلام) {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ}(2) الأول والثاني والثالث(3).
عن ابراهيم بن عبد الحميد، قال: دخلت علي أبي عبد اللّه (عليه السلام) فأخرج إليَّ مصحفاً، قال: فتصفّحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب: «هذه جهنم التي كنتما بها تكذّبان فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان...» يعني: الأولين(4).
أتى عمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: إنّا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، فترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنصارى؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتّباعي(5).
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إذا ظلمت العيون العين كان قتل العين على يد الرابع من العيون، فإذا كان ذلك استحق الخاذل له لعنة اللّه والملائكة
ص: 168
والناس أجمعين. فقيل له: يا رسول اللّه! ما العين والعيون؟
فقال: أمّا العين، فأخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأمّا العيون فأعداؤه، رابعهم قاتله ظلماً وعدواناً(1).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: يؤتى يوم القيامة بإبليس لعنة اللّه مع مضلّ هذه الأمة في زمامين غلظهما مثل جبل أحد، فيسحبان على وجوههما فيسد بهما باب من أبواب النار(2).
عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: لمّا كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الغار ومعه أبو الفصيل، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّي لأنظر الآن إلى جعفر وأصحابه الساعة تعوم(3) بينهم سفينتهم في البحر، وإنّي لأنظر إلى رهط من الأنصار في مجالسهم محتبين بأفنيتهم، فقال له أبو الفصيل: أتراهم يا رسول اللّه الساعة؟!
قال: نعم.
قال: فأرنيهم.
قال: فمسح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على عينيه ثم قال: انظر. فنظر فرآهم، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أرأيتهم؟
ص: 169
قال: نعم. وأسر في نفسه أنّه ساحر(1).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: إنّ من وراء عين شمسكم هذه أربعين عين شمس فيها خلق كثير، وإنّ من وراء قمركم أربعين قمراً فيها خلق كثير، لا يدرون أنّ اللّه خلق آدم أم لم يخلقه، ألهموا إلهاماً لعنة فلان وفلان(2).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ}(3) قال: نزلت في فلان وفلان آمنوا برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية، حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قالوا له: بأمر اللّه وأمر رسوله فبايعوه، ثم كفروا حيث مضى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلم يقرّوا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء(4).
عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال: قد فرض اللّه في الخمس نصيباً لآل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأبى أبوبكر أن يعطيهم نصيبهم حسداً وعداوة، وقد قال اللّه: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم
ص: 170
بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ}(1)، وكان أبوبكر أول من منع آل محمد (عليهم السلام) حقّهم وظلمهم، وحمل الناس على رقابهم، ولمّا قبض أبوبكر استخلف عمر على غير شورى من المسلمين ولا رضا من آل محمد، فعاش عمر بذلك لم يعط آل محمد (عليهم السلام) حقّهم وصنع ما صنع أبوبكر(2).
عن أبي بصير، قال: يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب؛ بابها الأول: للظالم وهو زريق، وبابها الثاني: لحبتر، والباب الثالث: للثالث، والرابع: لمعاوية، والباب الخامس: لعبد الملك، والباب السادس: لعسكر بن هوسر، والباب السابع: لأبي سلامة، فهم أبواب لمن اتبعهم(3).
عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) قال: إنَّ أبابكر وعمر عمدا إلى هذا الأمر وهو لنا كله فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدة، أما واللّه لتهمنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا(4).
عن الورد بن زيد، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلني اللّه فداك قدم الكميت.
ص: 171
فقال: أدخله. فسأله الكميت عن الشيخين؟
فقال له أبوجعفر (عليه السلام) : ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم اللّه وحكم رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وحكم علي (عليه السلام) إلّا وهو في أعناقهما.
فقال الكميت: اللّه أكبر اللّه أكبر حسبي حسبي(1).
عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : سلني، فو اللّه لا تسألني عن شيء إلا أخبرتك به.
قال: فقال له عبد الملك بن أعين: ما سمعته قالها لمخلوق قبلك.
قال: قلت: خبّرني عن الرجلين؟
قال: فقال: ظلمانا حقّنا في كتاب اللّه عزّوجلّ ومنعا فاطمة (عليها السلام) ميراثها من أبيها، وجرى ظلمهما إلى اليوم، قال: - وأشار إلى خلفه - ونبذا كتاب اللّه وراء ظهورهما(2).
الكميت بن زيد الأسدي، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال: واللّه يا كميت! لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لحسان بن ثابت: لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا.
قال: قلت: خبّرني عن الرجلين؟
قال: فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال:
ص: 172
واللّه يا كميت! ما أهريق محجمة من دم ولا أخذ مال من غير حلّه، ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما(1).
عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: ... إنَّ الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين (عليه السلام) ، فعليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين(2).
عن حنان بن سرير عن أبيه قال: سألت أباجعفر (عليه السلام) عنهما.
فقال: يا أباالفضل! ما تسألني عنهما؟! فو اللّه ما مات منّا ميّت قط إلا ساخطاً عليهما، وما منّا اليوم إلا ساخطاً عليهما يوصي بذلك الكبير منّا الصغير، إنّهما ظلمانا حقّنا، وصعانا فيئنا، وكانا أول من ركب أعناقنا، وبثقا علينا بثقاً في الإسلام لا يسكر أبداً حتى يقوم قائمنا أو يتكلّم متكلّمنا.
ثم قال: أما واللّه لو قدم قام قائمنا وتكلّم لأبدى من أمورهما ما كان يكتم، ولكتم من أمورهما ما كان يظهر، واللّه ما أسّست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما أسّسا أوّلها، فعليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين(3).
عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) - في حديث طويل - : ولقد قال لأصحابه الأربعة -
ص: 173
أصحاب الكتاب - : الرأي - واللّه - أن ندفع محمداً برمّته ونسلم، وذلك حين جاء العدو من فوقنا ومن تحتنا، كما قال اللّه تعالى: {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدًا}، {وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠}، {وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}(1).
فقال صاحبه: ولكن نتخذ صنماً عظيماً فنعبده لأنّا لا نأمن من أن يظفر ابن أبي كبشة فيكون هلاكنا، ولكن يكون هذا الصنم لنا زخراً(2) فإن ظفرت قريش إظهرنا عبادة هذا الصنم وأعلمناهم أنّا كنا لم نفارق ديننا، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنا مقيمين على عبادة هذا الصنم سراً، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فأخبر النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم خبرّني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) به بعد قتلي ابن عبد ودّ، فدعاهما، وقال: كم صنماً عبدتما في الجاهلية؟!
فقالا: يا محمد! لا تعيرنا بما مضى في الجاهلية.
فقال: كم صنماً تعبدان يومكما هذا؟
فقالا: والذي بعثك بالحق نبياً ما نعبد إلا اللّه منذ أظهرنا لك من دينك ما أظهرنا.
فقال: يا علي! خذ هذا السيف فانطلق إلى موضع كذا... وكذا فاستخرج الصنم الذي يعبدانه فاهشمه، فإن حال بينك وبينه أحد فاضرب عنقه، فانكبّا على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقالا: استرنا سترك اللّه.
فقلت أنا لهما: اضمنا لله ولرسوله أن لا تعبدا إلا اللّه ولا تشركا به شيئاً.
ص: 174
فعاهدا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على ذلك، وانطلقت حتى استخرجت الصنم فكسرت وجهه ويديه وجزمت رجليه، ثم انصرفت إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فو اللّه لقد عرف ذلك في وجوههما عليًّ حتى ماتا(1).
عن الإمام الرضا (عليه السلام) ، قال: من دعا بهذا الدعاء في سجدة الشكر كان كالرامي مع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بدر وأحد وحنين بألف ألف سهم.
اللّهم العن الذين بدّلا دينك، وغيّرا نعمتك، واتّهما رسولك وخالفا ملّتك، وصدّا عن سبيلك، وكفرا آلاءك، وردّا عليك كلامك، واستهزءا برسولك، وقتلا ابن نبيك، وحرّفا كتابك، وجحدا آياتك وسخرا بآياتك، واستكبرا عن عبادتك، وقتلا أولياءك، وجلسا في مجلس لم يكن لهما بحقّ، وحملا الناس على أكتاف آل محمد (عليهم السلام) ، اللّهم العنهما لعناً يتلو بعضه بعضاً، واحشرهما وأتباعهما إلى جهنم زرقاً(2)، اللّهم إنّا نتقرّب إليك باللعنة لهما والبراءة منهما في الدنيا والآخرة، اللّهم العن قتلة أميرالمؤمنين وقتلة الحسين بن علي بن بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، اللّهم زدهما عذاباً فوق العذاب، وهواناً فوق هوان، وذلاً فوق ذل، وخزياً فوق خزي، اللّهم دعّهما إلى النار دعّاً(3)، وأركسهما في أليم عذابك ركساً(4)، اللّهم احشرهما وأتباعهما إلى جهنم
ص: 175
زمراً، اللّهم فرّق جمعهم وشتّت أمرهم، وخالف بين كلمتهم، وبدّد جماعتهم والعن أئمتهم واقتل قادتهم وسادتهم والعن رؤساءهم وكبراءهم، واكسر رايتهم وألق البأس بينهم، ولا تبق منهم دياراً، اللّهم العن أباجهل والوليد لعناً يتلو بعضه بعضاً، ويتبع بعضه بعضاً، اللّهم العنهما لعناً يلعنهما به كل ملك مقرّب، وكل نبي مرسل، وكل مؤمن امتحنت قلبه للإيمان، اللّهم العنهما لعناً يتعوّذ منه أهل النار ومن عذابهما اللّهم العنهما لعناً لا يخطر لأحد ببال، اللّهم العنهما في مستسر سرّك وظاهر علانيتك، وعذبهما عذاباً في التقدير وفوق التقدير، وشارك معهما ابنتيهما وأشياعهما ومحبّيهما ومن شايعهما(1).
ص: 176
ص: 177
ص: 178
ورد في حديث: فقلت: لم سمّي عمر الفاروق؟
قال: نعم، ألا ترى أنه قد فرّق بين الحق والباطل وأخذ الناس بالباطل.
فقلت: فلم سمّي سالماً الأمين؟
قال: لمّا كتبوا الكتب وضعوها على يد سالم فصار الأمين.
قلت: فقال: اتقوا دعوة سعد.
قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟
قال: إنّ سعداً يكر فيقاتل علياً (عليه السلام) (1).
قال ابن أبي الحديد - في كيفية استخلاف عمر - أنه أحضر أبوبكر عثمان - وهو يجود بنفسه - فأمر أن يكتب عهداً، وقال: اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به عبد اللّه بن عثمان(2) إلى المسلمين أمّا بعد، ... ثم أغمي عليه، فكتب عثمان: قد استخلفت عليكم ابن الخطاب... .
ودخل طلحة على أبي بكر، فقال: إنّه بلغني أنّك - يا خليفة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت
ص: 179
معه، فكيف إذا خلا بهم؟! وأنت غداً لاق ربك فسائلك عن رعيّتك(1)!
أمتاز الخليفة الثاني بالبدع الكثيرة التي ابتدعها في الدين والتي من أبرزها:
لقد أبدع عمر في الدين بدعاً كثيرة:
منها: صلاة التراويح، فإنّها كانت بدعة، لما روي عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: أيّها الناس! إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجمّعوا ليلاً في شهر رمضان في النافلة، ولا تصلّوا صلاة الضحى، فإنّ قليلاً في سنة خير من كثير في بدعة، ألا وإنّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار(2).
وقد روي أنّ عمر خرج في شهر رمضان ليلاً فرأى المصابيح في المسجد، فقال: ما هذا؟
فقيل له: إنّ الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوّع.
فقال: بدعة ونعمت البدعة(3).
وقد روى مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد اللّه، قال: كان رسول
ص: 180
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول في خطبته: أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب اللّه، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة(1).
عن طاووس: أنّ رجلاً يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس، قال: أما علمت أنّ الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر؟
قال ابن عباس: بل كان الرجل اذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر، فلمّا أن رأى الناس قد تتابعوا عليها قال: أجيزوهن عليهم(2).
وفي رواية مسلم: أن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك(3)، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبي بكر واحدة؟
فقال: قد كان ذلك، فلمّا كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم(4).
نقل المؤرّخون: أنّ عمر أول من سن قيام شهر رمضان في جماعة وكتب به إلى البلدان، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، وأحرق بيت رويشد
ص: 181
الثقفي - وكان نباذاً - وأقام في عمله بنفسه، وأول من حمل الدرّة وأدّب بها، وقيل بعده: كانت درّة عمر أهيب من سيف الحجّاج(1).
وروى في كنز العمال أنّه ضرب رجلين بالدرّة لزيارتهما بيت المقدس(2) وروي في مجمع الزوائد أنّ رجلاً سأل عمر عن قوله تعالى {وَفَٰكِهَةً وَأَبًّا}(3) فجهل الخليفة وأجابه الصحابة فأقبل عليهم بالدرّة!!(4) وعن بعض الصحابة، قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكفّ الرجال في صوم رجب حتى يضعونها في الطعام(5).
قال زرارة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أدركت الحسين (عليه السلام) ؟
قال: نعم، أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل، ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه.
فقال لي: يا فلان! ما صنع هؤلاء؟
فقلت له: أصلحك اللّه! يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام.
فقال: ناد إنّ اللّه تعالى قد جعله علماً لم يكن ليذهب به فاستقروا، وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام) عند جدار البيت، فلم يزل هناك
ص: 182
حتى حوّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم، فلمّا فتح النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مكة ردّه إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام) ، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب، فسأل الناس: من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟
فقال رجل: أنا، قد كنت أخذت مقداره؟؟ بنسع(1) فهو عندي.
فقال: ائتني به، فأتاه به فقاسه ثم ردّه إلى ذلك المكان(2).
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إنّ بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدّوا الزكاة مضاعفاً، فخشي أن يلحقوا بالروم، فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك.
وقال البغوي في شرح السنّة: روي أنّ عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية، فقالوا: نحن عرب لا نؤدّي ما يؤدّي العجم، ولكن خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض - يعنون الصدقة - فقال عمر: هذا فرض اللّه على المسلمين.
قالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، فراضاهم على أن ضعّف عليهم الصدقة. (انتهى).
فهؤلاء ليسوا بأهل ذمّة لمنع الجزية، وقد جعل اللّه الجزية على أهل
ص: 183
الذمة ليكونوا أذلاّء صاغرين، وليس في أحد من الزكاة صغار وذلّ، فكان عليه أن يقاتلهم ويسبي ذراريهم لو أصرّوا على الاستنكاف والاستكبار(1).
روي أنّ عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم، وتزويج العرب في سائر العجم، ومنع العرب من التزويج في قريش، ومنع العجم من التزويج في العرب.
فأنزل العرب مع قريش، والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى، إذ أطلق تعالى للمسلمين التزويج في أهل الكتاب، ولم يطلق تزويج أهل الكتاب في المسلمين(2).
فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلهما في الصبح(1).
كان عمر يعطي من بيت المال ما لا يجوز، فأعطى عايشة وحفصة عشرة آلاف درهم في كل سنة(2)، وحرم أهل البيت (عليهم السلام) خمسهم الذي جعله اللّه لهم(3)، وكان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال يوم مات على سبيل القرض(4).
كان عمر يتلوّن في الأحكام، حتى روي أنّه قضى في الجدّ بسبعين قضية، وهذا يدلّ على قلّة علمه، وأنه كان يحكم بمجرّد الظن والتخمين والحدس من غير ثبت ودليل(5).
ص: 185
روي أنّ عمر بن الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فذكر في خطبته أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فقال له الحسين (عليه السلام) من ناحية المسجد: انزل أيها الكذّاب عن منبر أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولا منبر أبيك.
فقال له عمر: فمنبر أبيك لعمري يا حسين! لا منبر أبي، من علّمك هذا؟ أبوك علي بن أبي طالب؟
فقال له الحسين (عليه السلام) : إن أطع أبي فيما أمرني فلعمري إنَّه لهاد وأنا مهتد به، وله في رقاب الناس البيعة على عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نزل بها جبرئيل (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من عند اللّه تعالى لا ينكرها أحد إلا جاحد بالكتاب، قد عرفها الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهم، وويل للمنكرين حقّنا أهل البيت (عليهم السلام) ، ماذا يلقاهم به محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من إدامة الغضب وشدّة العذاب؟!
فقال عمر: يا حسين! من أنكر حقّ أبيك فعليه لعنة اللّه! أمَّرنا الناس فتأمَّرنا، ولو أمَّروا أباك لأطعنا.
فقال له الحسين (عليه السلام) : يابن الخطاب! فأيّ الناس أمّرك على نفسه قبل أن تؤمرّ أبابكر على نفسك ليؤمّرك على الناس بلا حجّة من نبي ولا رضى من آل محمد؟! فرضاكم كان لمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رضى، أو رضى أهله كان له سخطاً؟! أما واللّه لو أنَّ للسان مقالاً يطول تصديقه، وفعلاً يعينه المؤمنون لما تخطّيت رقاب آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ترقى منبرهم وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم، لا تعرف معجمه، ولا تدري تأويله إلا سماع الآذان، المخطئ والمصيب عندك سواء، فجزاك اللّه جزاك، وسألك عمّا أحدثت
ص: 186
سؤالاً حفياً.
فنزل عمر مغضباً، ومشى معه أناس من أصحابه حتى أتى باب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فاستأذن عليه فأذن له، فدخل فقال: يا أبا الحسن! ما لقيت من ابنك الحسين؟! يجهرنا بصوت في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ويحرّض عليَّ الطغام وأهل المدينة؟!
فقال له الحسن (عليه السلام) : مثل الحسين ابن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يستحث بمن لا حكم له، أو يقول بالطغام على أهل دينه، أما واللّه ما نلت ما نلت إلا بالطغام، لعن اللّه من حرَّض الطغام!
فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام) : مهلاً يا أبا محمد! فإنّك لن تكون قريب الغضب، ولا لئيم الحسب، ولا فيك عروق من السودان، اسمع كلامي، ولا تعجل بالكلام.
فقال له عمر: يا أباالحسن! إنّهما ليهمان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة.
فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام) : هما أقرب نسباً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من أبيهما أمّاً فأرضهما - يابن الخطاب - بحقّهما يرض عنك من بعدهما.
قال: وما رضاهما يا أباالحسن؟ قال: رضاهما الرجعة عن الخطيئة، والتقية عن المعصية بالتوبة.
فقال له عمر: أدّب - يا أباالحسن - ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكماء في الأرض.
فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام) : أنا أؤدّب أهل المعاصي على معاصيهم، ومن أخاف عليه الزلة والهلكة، فأ مّا من ولده رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يحلّ أدبه، فإنّه ينتقل إلى أدب خير له منه، أما فأرضهما يابن الخطاب!
ص: 187
قال: فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فقال له عبد الرحمن: يا أبا حفص! ما صنعت وقد طالت بكما الحجّة؟
فقال له عمر: وهل حجّة مع ابن أبي طالب وشبليه؟!
فقال له عثمان: يابن الخطاب! هم بنو عبد مناف الأسمنون والناس عجاف.
فقال له عمر: ما أعد ما صرت إليه فخراً فخرت به، أبحمقك؟ فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثم جذبه وردّه، ثم قال: يابن الخطاب! كأنّك تنكر ما أقول. فدخل بينهما عبد الرحمن بن عوف وفرق بينهما، وافترق القوم(1).
ولقد همَّ عمر بإحراق بيت فاطمة (عليها السلام) ، وقد كان فيه أميرالمؤمنين وفاطمة والحسنان (عليهم السلام) ، وهدّدهم وآذاهم مع أنّ رفعة شأنهم عند اللّه تعالى وعند رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ممّا لا ينكره أحد من البشر إلاّ من أنكر ضوء الشمس ونور القمر(2).
روي عن عبد اللّه بن عمر، عن أبيه... أنّه قال يوماً لابن عباس: أتدري ما منع الناس لكم؟
قال: لا، يا أميرالمؤمنين.
ص: 188
قال: ولكنّي أدري.
قال: ما هو يا أميرالمؤمنين؟
قال: كرهت قريش أن تجمع لكم النبوة والخلافة فتجحفوا الناس جحفاً، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت، ووفقت فأصابت.
فقال ابن عباس: أيميط - أميرالمؤمنين - عنّي غضبه فيسمع؟
قال: قل ما تشاء. قال: أمّا قول أميرالمؤمنين إنّ قريشاً اختارت لأنفسها فأصابت ووفّقت... فإن اللّه تعالى يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ}(1)، وقد علمت - يا أميرالمؤمنين - أنّ اللّه اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو أنّ قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار اللّه لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محدود.
وأمّا قولك: إنّهم أبوا أن يكون لنا النبوة والخلافة... فإنّ اللّه تعالى وصف قوماً بالكراهة، فقال: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ}(2)، وأمّا قولك: إنّا كنّا نجحف... فلو جحفنا بالخلافة لجحفنا بالقرابة، ولكن أخلاقنا مشتقّة من خلق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي قال اللّه في حقّه: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ}(3)، وقال له: {وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}(4).
فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس! أبت قلوبكم - يا بني هاشم - إلا غشاً
ص: 189
في أمر قريش لا يزول، وحقداً عليها لا يحول.
فقال ابن عباس: مهلاً يا أميرالمؤمنين! لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش فإنّ قلوبهم من قلب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الذي طهّره اللّه وزكاه، وهم أهل البيت الذين قال اللّه تعالى فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(1)، وأمّا قولك: حقداً... فكيف لا يحقد من غصب شيئه، ويراه في يد غيره؟!
فقال عمر: أمّا أنت - يا عبد اللّه - فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك فه فتزول منزلتك عندي.
قال: وما هو يا أميرالمؤمنين؟أخبرني به، فإن يك باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقّاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك.
فقال: بلغني أنّك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر حسداً وظلماً.
قال: أمّا قولك - يا أميرالمؤمنين - حسداً، فقد حسد إبليس آدم، فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسودون، وأمّا قولك ظلماً فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو؟ ثم قال يا أميرالمؤمنين ألم يحتج العرب على العجم بحقّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، واحتجت قريش على سائر العرب بحقّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فنحن أحقّ برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من سائر قريش؟!
فقال عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك، فقام فلمّا ولّى هتف به عمر: أيّها المنصرف؟ إنّي على ما كان منك لراع حقّك؟ فالتفت ابن عباس، فقال: إنّ لي عليك - يا أميرالمؤمنين - وعلى كل المسلمين حقّاً برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ،
ص: 190
فمن حفظ فحظ نفسه حفظ، ومن أضاع فحقّ نفسه أضاع، ثم مضى.
فقال عمر لجلسائه: واهاً! لابن عباس، ما رأيته يحاج أحداً قط إلا خصمه(1)!
ولقد أوصى عمر أن يدفن في بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكذلك تصدّى لدفن أبي بكر هناك، وهو تصرّف في ملك الغير من غير جهة شرعية، وقد نهى اللّه الناس عن دخول بيته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من غير إذن بقوله: {لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ}(2)، وضربوا المعاول عند أذنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال تعالى: {لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}(3).
وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً(4).
عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيي بن محمد بن جريح البغدادي، قالا: تنازعنا في ابن الخطاب فاشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمّي، صاحب أبي الحسن العسكري (عليه السلام) بمدينة قم، وقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا صبية عراقية من داره، فسألناها عنه،
ص: 191
فقالت: هو مشغول بعيده فإنَّه يوم عيد.
فقلنا: سبحان اللّه! الأعياد أعياد الشعية أربعة: الأضحى، والفطر، ويوم الغدير، ويوم الجمعة.
قالت: فإنَّ أحمد بن إسحاق يروي عن سيده أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) ، أنّ هذا اليوم هو يوم عيد، وهو أفضل الأعياد عند أهل البيت (عليهم السلام) وعند مواليهم.
قلنا: فاستأذني لنا بالدخول عليه، وعرّفيه بمكاننا، فدخلت عليه وأخبرته بمكاننا، فخرج علينا وهو متزر بمئزر له محتبي بكسائه يمسح وجههه، فانكرنا ذلك عليه، فقال: لا عليكما، فإنّي كنت اغتسلت للعيد. قلنا: أو هذا يوم عيد؟ قال: نعم، - وكان يوم التاسع من شهر ربيع الأول - ، قالا جميعاً: فأدخلنا داره وأجلسنا على سرير له، وقال: إنّي قصدت مولانا أبا احسن العسكري (عليه السلام) مع جماعة إخوتي - كما قصدتماني - بسرّ من رأى، فاستأذنا بالدخول عليه فأذن لنا، فدخلنا عليه صلوات اللّه عليه في مثل هذا اليوم - وهو يوم التاسع من شهر ربيع الأول - وسيدنا (عليه السلام) قد أوعز إلى كل واحد من خدمه أن يلبس ما يمكنه من الثياب الجدد، وكان بين يديه مجمرة يحرق العود بنفسه.
يقول الراوي قلنا: بآبائنا أنت وأمهاتنا يابن رسول اللّه! هل تجدّد لأهل البيت في هذا اليوم فرح؟!
فقال: وأيّ يوم أعظم حرمة عند أهل البيت من هذا اليوم؟! ولقد حدّثني
ص: 192
أبي (عليه السلام) أنّ حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم - وهوالتاسع من شهر ربيع الأول - على جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال حذيفة: رأيت سيدي أميرالمؤمنين مع ولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) : يأكلون مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يتبسّم في وجوههم (عليهم السلام) يقول لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) : كلا هنيئاً لكما ببركة هذا اليوم، فإنَّه اليوم الذي يهلك اللّه فيه عدوّه وعدو جدّكما، ويستجيب فيه دعاء أمّكما.
كلاّ! فإنَّه اليوم الذي يقبل اللّه فيه أعمال شيعتكما ومحبيّكما.
كلا! فإنَّه اليوم الذي يصدّق فيه قول اللّه: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُواْ}(1).
كلا!فإنَّه اليوم الذي يتكسر فيه شوكة مبغض جدّكما.
كلا! فإنَّه يوم يفقد فيه فرعون أهل بيتي وظالمهم وغاصب حقّهم.
كلا! فإنَّه اليوم الذي يقدم اللّه فيه إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباءً منثوراً.
قال حذيفة: فقلت: يا رسول اللّه! وفي أمتك وأصحابك من ينتهك هذه الحرمة؟
فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نعم يا حذيفة! جبت من المنافقين يترأّس عليهم ويستعمل في أمّتي الرياء، ويدعوهم إلى نفسه، ويحمل على عاتقه درّة الخزي، ويصد الناس عن سبيل اللّه، ويحرّف كتابه، ويغيّر سنّتي، ويشتمل
ص: 193
على إرث ولدي، وينصب نفسه علماً، ويتطاول على إمامة من بعدي، ويستحل أموال اللّه من غير حلّها، وينفقها في غير طاعته، ويكذّبني ويكذّب أخي ووزيري، وينحّي ابنتي عن حقّها، وتدعو اللّه عليه ويستجيب اللّه دعاؤها في مثل هذا اليوم.
قال حذيفة: قلت: يا رسول اللّه! لم لا تدعو ربّك عليه ليهلكه في حياتك؟!
قال: يا حذيفة! لا أحب أن أجترئ على قضاء اللّه لما قد سبق في علمه، لكنّي سألت اللّه أن يجعل اليوم الذي يقبضه فيه فضيلة على سائر الأيام؛ ليكون ذلك سنّة يستنّ بها أحبّائي وشيعة أهل بيتي ومحبّوهم، فأوحى إليَّ جل ذكره، فقال لي: يا محمد! كان في سابق علمي أن تمسك وأهل بيتك محن الدنيا وبلاؤها، وظلم المنافقين والغاصبين من عبادي من نصحتهم وخانوك، ومحضتهم وغشّوك، وصافيتهم وكاشحوك، وأرضيتهم وكذّبوك، وانتجيتهم وأسلموك.
فإنّي بحولي وقوتي وسلطاني، لأفتحن على روح من يغصب بعدك علياً حقّه، ألف باب من النيران من سفال الفيلوق، ولأصليّنه وأصحابه قعراً يشرف عليه إبليس فيلعنه، ولأجعلن ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر، ولأحشرنّهم وأوليائهم وجميع الظلمة والمنافقين إلى نار جهنم زرقاً كالحين أذلةً خزايا نادمين، ولأخلدنّهم فيها أبد الآبدين.
يا محمد! لن يوافقك وصيك في منزلتك إلّا بما يسمه من البلوى من فرعونه وغاصبه الذي يجترىء عليَّ ويبدل كلامي، ويشرك بي ويصدّ
ص: 194
الناس عن سبيلي، وينصب من نفسه عجلاً لأمتك، ويكفر بي في عرشي، إنّي قد أمرت ملائكتي في سبع سماواتي لشيعتكم ومحبّيكم أن يتعيّدوا في هذا اليوم الذي أقبضه إليَّ، وأمرتهم أن ينصبوا كرسي كرامتي حذاء البيت المعمور ويثنوا عليَّ ويستغفروا لشيعتكم ومحبّيكم من ولد آدم، وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلّهم ثلاثة أيام من ذلك اليوم ولا أكتب عليهم شيئاً من خطاياهم كرامة لك ولوصيّتك.
قال تعالى: يا محمد! إنّي قد جعلت ذلك اليوم عيداً لك ولأهل بيتك ولمن تبعهم من المؤمنين وشيعتهم، وآليت على نفسي بعزّتي وجلالي وعلوّي في مكاني لأحبّون من تعيّد في ذلك اليوم محتسباً ثواب الخافقين، ولأشفعنه في أقربائه وذوي رحمه، ولأزيدن في ماله إن وسَّع على نفسه وعياله فيه، ولأعتقنّ من النار في كل حول في مثل ذلك اليوم ألفاً من مواليكم وشيعتكم، ولأجعلن سعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً، وأعمالهم مقبولة.
قال حذيفة: ثم قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ودخل إلى بيت أم سلمة، ورجعت عنه وأنا غير شاك في أمر الشيخ، حتى ترأس بعد وفاة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأتيح الشر وعاد الكفر، وارتد عن الدين، وتشمر للملك، وحرف القرآن، وأحرق بيت الوحي، وأبدع السنن، وغيّر الملّة، وبدّل السنة، وردّ شهادة أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وكذّب فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، واغتصب فدكاً، وأرضى المجوس واليهود والنصارى، وأسخن قرة عين المصطفى ولم يرضها، وغيَّر السنن كلّها، ودبَّر على قتل أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وأظهر الجور، وحرّم ما أحلّ اللّه، وأحلّ ما حرّم اللّه، وألقى إلى الناس أن يتخذوا من جلود
ص: 195
الإبل دنانير، ولطم وجه الزكية، وصعد منبر رسول اللّه غصباً وظلماً، وافترى على أميرالمؤمنين (عليه السلام) وعانده وسفَّه رأيه.
قال حذيفة: فاستجاب اللّه دعاء مولاتي (عليها السلام) على ذلك المنافق، وأجرى قتله على يد قاتله رحمة اللّه عليه، فدخلت على أميرالمؤمنين (عليه السلام) لأهنّئه بقتل المنافق ورجوعه إلى دار الانتقام.
قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : يا حذيفة! أتذكر اليوم الذي دخلت فيه على سيدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنا وسبطاه نأكل معه، فدلّك على فضل ذلك اليوم الذي دخلت عليه فيه؟
قلت: بلى يا أخا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
قال: هو واللّه هذا اليوم الذي أقرّ اللّه به عين آل الرسول، وإنّي لأعرف لهذا اليوم اثنين وسبعين إسماً.
قال حذيفة: قلت: يا أميرالمؤمنين! أحبّ أن تسمعني أسماء هذا اليوم، وكان يوم التاسع من شهر ربيع الأول.
فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) :
هذا يوم الاستراحة، ويوم تنفيس الكربة، ويوم الغدير الثاني، ويوم تحطيط الأوزار، ويوم الخيرة، ويوم رفع القلم، ويوم الهدو، ويوم العافية، ويوم البركة، ويوم الثارات، ويوم عيد اللّه الأكبر، ويوم يستجاب فيه الدعاء، ويوم الموقف الأعظم، ويوم التوافي، ويوم الشرط، ويوم نزع السواد، ويوم ندامة الظالم، ويوم انكسار الشوكة، ويوم نفي الهموم، ويوم القنوع، ويوم عرض القدرة، ويوم التصفّح، ويوم فرح الشيعة، ويوم التوبة، ويوم الإنابة،
ص: 196
ويوم الزكاة العظمى، ويوم الفطر الثاني، ويوم سيل النغاب، ويوم تجرّع الريق، ويوم الرضا، ويوم عيد أهل البيت، ويوم ظفرت به بنو إسرائيل، ويوم يقبل اللّه أعمال الشيعة، ويوم تقديم الصدقة، ويوم الزيارة، ويوم قتل المنافق، ويوم الوقت المعلوم، ويوم سرور أهل البيت، ويوم الشاهد ويوم المشهود، ويوم يعضّ الظالم على يديه، ويوم القهر على العدو، ويوم هدم الضلالة، ويوم التنبيه، ويوم التصريد، ويوم الشهادة، ويوم التجاوز عن المؤمنين، ويوم الزهرة، ويوم العذوبة، ويوم المستطاب به، ويوم ذهاب سلطان المنافق، ويوم التسديد، ويوم يستريح فيه المؤمن، ويوم المباهلة، ويوم المفاخرة، ويوم قبول الأعمال، ويوم التبجيل، ويوم إذاعة السر، ويوم نصر المظلوم، ويوم الزيارة، ويوم التودّد، ويوم التحبّب، ويوم الوصول، ويوم التزكية، ويوم كشف البدع، ويوم الزهد في الكبائر، ويوم التزاور، ويوم الموعظة، ويوم العبادة، ويوم الاستسلام.
قال حذيفة: فقمت من عنده - يعني أميرالمؤمنين (عليه السلام) - وقلت في نفسي: لو لم أدرك من أفعال الخير وما أرجو به الثواب إلا فضل هذا اليوم لكان مناي.
قال محمد بن العلاء الهمداني، ويحيي بن محمد بن جريح: فقام كل واحد منّا وقبل رأس أحمد بن إسحاق بن سعيد القمّي، وقلنا: الحمد لله الذي قيّضك لنا حتى شرفتنا بفضل هذا اليوم، ورجعنا عنه، وتعيدنا في ذلك اليوم(1).
ص: 197
عن عبد اللّه بن جويعة بن حمزة العبدي، قال: قدمنا وفد عبد القيس في إمارة عمر بن الخطاب، فسأله رجلان منّا عن طلاق الأمة، فقام معهما وقال: انطلقا، فجاء إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال: يا أصلع!كم طلاق الأمة؟
قال: فأشار بإصبعيه... هكذا - يعني اثنتين - .
قال: فالتفت عمر إلى الرجلين، فقال: طلاقها اثنتان.
فقال له أحدهما: سبحان اللّه! جئناك وأنت أميرالمؤمنين فسألناك فجئت إلى الرجل، واللّه ما كلمك.
فقال: ويلك! أتدري من هذا؟ هذا علي بن أبي طالب، سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: لو أنّ السماوات والأرض وضعتا في كفّة ووضع إيمان علي في كفّة لرجح إيمان علي(1).
لما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً. فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام) : إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: أكرموا كريم كل قوم.
فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم.
فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام) : هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام، ولابدّ من أن يكون لهم فيهم ذرية، وأنا أشهد اللّه وأشهدكم أنّي قد عتقت نصيبي منهم لوجه اللّه تعالى.
ص: 198
فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقّنا أيضاً لك.
فقال: اللّهم اشهد أنّي قد عتقت ما وهبوني لوجه اللّه.
فقال المهاجرون والأنصار: وقد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: اللّهم اشهد أنَّهم قد وهبوا لي حقّهم وقبلته، وأشهدك أنّي قد عتقتهم لوجهك.
فقال عمر: لم نقضت عليَّ عزمي في الأعاجم، وما الذي رغبك عن رأيي فيهم؟
فأعاد عليه ما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في إكرام الكرماء.
فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أباالحسن ما يخصّني وسائر مالم يوهب لك. فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : اللّهم اشهد على ما قاله وعلى عتقي إياهم.
فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء، فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : هؤلاء لا يكرهن على ذلك ولكن يخيرن، ما اخترنه عمل به. فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى، فخيّرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور.
فقيل لها: من تختارين من خطابك؟ وهل أنت ممّن تريدين بعلاً؟ فسكتت.
فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : قد أرادت وبقي الاختيار.
فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟
فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها قد خطبت يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل، فإن استحييت وسكتت جعلت إذنها صماتها، وأمر بتزويجها. وإن قالت: لا، لم تكره على
ص: 199
ما تختاره. إنّ شهربانويه أريت الخطاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي (عليهما السلام) ، فأعيد القول عليها في التخيير، فأشارت بيدها وقالت بلغتها: هذا إن كنت مخيّرة، وجعلت أميرالمؤمنين وليّها، وتكلّم حذيفة بالخطبة.
فقال أميرالمرمنين لها: ما اسمك؟
فقالت: شاه زنان بنت كسرى.
قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) (1): أنت شهربانويه، وأختك مرواريد بنت كسرى.
قالت: آريه(2).
عن سلمان: أنّ علياً (عليه السلام) بلغه عن عمر ذكر شيعته فاستقبله في بعض طرقات بساتين المدينة، وفي يد علي (عليه السلام) قوس عربية.
فقال: يا عمر، بلغني عنك ذكرك لشيعتي.
فقال: اربع على ظلعك.
فقال (عليه السلام) : إنّك لها هنا، ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغرفاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه.
فصاح عمر: اللّه اللّه يا أباالحسن، لا عدت بعدها في شيء، وجعل يتضرّع إليه، فضرب يده إلى الثعبان، فعادت القوس كما كانت، فمر عمر إلى بيته مرعوباً.
ص: 200
قال سلمان: فلما كان في اللّيل دعاني علي (عليه السلام) فقال: صر إلى عمر، فإنّه حمل إليه مال من ناحية المشرق ولم يعلم به أحد، وقد عزم أن يحتبسه، فقل له: يقول لك علي: أخرج إليك مال من ناحية المشرق، ففرّقه على من جعل لهم، ولا تحبسه فأفضحك.
قال سلمان: فأدّيت إليه الرسالة.
فقال: حيّرني أمر صاحبك، من أين علم به؟
فقلت: وهل يخفى عليه مثل هذا؟
فقال لسلمان: اقبل منّي ما أقول لك، ما عليً إلّا ساحر، وإنّي لمشفق عليك منه، والصواب أن تفارقه وتصير في جملتنا.
قلت: بئس ما قلت، لكن عليّاً ورث من أسرار النبوة ما قد رأيت منه وما هو أكبر منه.
قال: ارجع إليه فقل له: السمع والطاعة لأمرك.
فرجعت إلى علي (عليه السلام) ، فقال: أحدّثك بما جرى بينكما؟
فقلت: أنت أعلم به منّي.
فتكلّم بكل ما جرى به بيننا، ثم قال: إنَّ رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت(1).
دخل الإمام علي (عليه السلام) وعمر الحمّام، فقال عمر: بئس البيت الحمّام، يكثر فيه العناء ويقلّ فيه الحياء.
ص: 201
فقال الإمام علي (عليه السلام) : نعم البيت الحمّام، يذهب الأذى ويذكر بالنار(1).
لمّا طُعن عمر، جمع بني عبد المطب وقال: يا بني عبد المطلب! أراضون أنتم عنّي؟
فقال رجل من أصحابه: ومن ذا الذي يسخط عليك؟... فأعاد الكلام ثلاث مرّات، فأجابه رجل بمثل جوابه، فانتهره عمر وقال: نحن أعلم بما أشعرنا قلوبنا، إنا واللّه أشعرنا قلوبنا ما... نسأل اللّه أن يكفينا شرّه، وإنَّ بيعة أبي بكر كانت فلتة نسأل اللّه أن يكفينا شرّها.
وقال لابنه عبد اللّه - وهو مسنده إلى صدره - : ويحك! ضع رأسي بالأرض، فأخذته الغشية.
قال: فوجدت من ذلك.
فقال: ويحك! ضع رأسي بالأرض، ... فوضعت رأسه بالأرض فعفّر بالتراب، ثم قال: ويل لعمر! وويل لأمّه! إن لم يغفر اللّه له.
وقال - أيضاً - حين حضره الموت: أتوب إلى اللّه من ثلاث: من اغتصابي هذا الأمر أنا وأبوبكر من دون الناس، ومن استخلافي عليهم، ومن تفضيلي المسلمين بعضهم على بعض.
وقال - أيضاً - : أتوب إلى اللّه من ثلاث: من ردّي رقيق اليمن، ومن رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمرَّه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علينا، ومن تعاقدنا على أهل البيت إن قبض رسول اللّه أنَّ لا نولّي منهم أحداً.
ص: 202
ورووا عن عبد اللّه بن شداد بن الهاد، قال: كنت عند عمر - وهو يموت - فجعل يجزع، فقلت: يا أميرالمؤمنين! أبشر بروح اللّه وكرامته، فجعلت كلما رأيت جزعه قلت هذا، فنظر إليَّ فقال:
ويحك! فكيف بالممالاة(1) على أهل بيت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).
وقال الزمخشري في ربيع الأبرار(3): لما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة قال لبنيه ومن حوله: لو أنّ لي ملء الأرض من صفراء أو بيضاء لافتديت به من أهوال ما أرى(4).
عن عاصم بن عبد اللّه بن عباس بن ربيعة، قال: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض.
ص: 203
فقال: ليتني كنت نسياً منسياً، ليت أمّي لم تلدني(1).
ورد في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ}(2)
يعني الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(3).
{وَقَالَ قَرِينُهُ}(4) إي شيطانه وهو الثاني {هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}(5).
وأيضاً المراد من {مَّنَّاعٖ لِّلْخَيْرِ}(6) قال: المناع: الثاني، والخير: ولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام) وحقوق آل محمد (عليهم السلام) ، ولما كتب الأول كتاب فدك يردّها على فاطمة (عليها السلام) منعه الثاني، فهو {مُعْتَدٖ مُّرِيبٍ}(7)، {ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ}(8) قال: هو ما قالوا نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس.
قوله: {قَالَ قَرِينُهُ}(9)، أي: شيطانه وهو الثاني: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ}(10)
ص: 204
يعني الأول{وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۢ بَعِيدٖ}(1) فيقول اللّه لهما: {لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ}(2) {مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ}(3)... أي: ما فعلتم لا تبدّل حسنات، ما وعدته لا أخلفه(4).
{فَيَوْمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}(5) {وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}(6) قال: هو الثاني(7).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، أنَّه قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس في سبعين غّلاً وسبعين كبلاً(8)، فينظر الأول إلى زفر في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غل فينظر إبليس فيقول:
من هذا الذي أضعفه اللّه العذاب وأنا أغويت هذا الخلق جميعاً.
فيقال: هذا زفر.
ص: 205
فيقول: بما جدر له هذا العذاب؟!
فيقال: ببغيه على علي (عليه السلام) .
فيقول له إبليس: ويل لك أو ثبور لك! أما علمت أنّ اللّه أمرني بالسجود لآدم فعصيته وسألته أن يجعل لي سلطاناً على محمد وأهل بيته وشيعته فلم يجبني إلى ذلك، وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ}(1) وما عرفتهم حين استثناهم إذ قلت: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَٰكِرِينَ}(2) فمنيت به نفسك غروراً، فيوقف بين يدي الخلائق فيقال له:
ما الذي كان منك إلى علي وإلى الخلق الذين اتبعوك على الخلاف؟!
فيقول الشيطان - وهو زفر - لإبليس: أنت أمرتني بذلك.
فيقول له إبليس: فلم عصيت ربك وأطعتني؟ فيرد زفر عليه ما قال اللّه: {إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ}(3) إلى آخر الآية(4).
قال سليم: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة.
ص: 206
فقال العباس لعلي (عليه السلام) : ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما غرم جميع عماله؟ فنظر علي (عليه السلام) إلى من حوله، ثم إغرورقت عيناه، وقال:
شكر له ضربة ضربها فاطمة (عليها السلام) بالسوط فماتت وفي عضدها أثره كأنّه الدملج(1).
روى البخاري في باب كتابة العلم من كتاب العلم، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، قال:
لم اشتد بالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وجعه، قال: إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده. قال عمر: إنّ النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه.. حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط(2)، فقال: قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول: إنّ الرزية ما حال بين رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبين كتابه(3).
وورى مسلم في الكتاب المذكور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنّه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنّها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ائتوني بالكتف والدواة - أو اللوح والدواة - أكتب كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً. فقالوا: إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يهجر(4).
ص: 207
ولقد بلغ عمر في الجهل إلى حيث لم يعلم بأنّ كل نفس ذائقة الموت، وأنّه يجوز الموت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأنّه أسوة الأنبياء في ذلك، فقال: واللّه ما مات حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم! فقال له أبوبكر: أما سمعت قول اللّه عزّوجلّ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}(1)، وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَٰبِكُمْ}(2) قال: فلمّا سمعت ذلك أيقنت بوفاته، وسقطت إلى الأرض، وعلمت أنّه قد مات(3)، ويؤيّده ما جاء في طبقات ابن سعد بسنده عن عائشة، قالت: لما توفّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) استأذن عمر والمغيره بن شعبه فدخلا عليه فكشفا الثوب عن وجهه، فقال عمر: واغشيا! ما أشد غشي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم قاما فلما انتهيا إلى الباب قال المغيره: يا عمر! مات واللّه رسول اللّه فقال عمر: كذبت ما مات رسول اللّه... إلى أن قال: ثم جاء أبوبكر وعمر يخطب الناس، فقال له أبو بكر: اسكت! فسكت فصعد أبوبكر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قرأ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}(4) ثم قرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَٰبِكُمْ}(5) حتى فرغ من الآية إلى
ص: 208
أن قال: فقال عمر: هذا في كتاب اللّه؟! قال: نعم الحديث(1).
روى مسلم، عن قتادة، عن أبي نضرة، قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه، فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلما قام عمر قال: إنّ اللّه كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإنّ القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحج والعمرة لله كما أمركم اللّه عزّوجلّ واثبوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة(2).
روى الترمذي في صحيحه أنّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء؟ فقال: هي حلال. فقال: إنّ أباك قد نهى عنها. فقال ابن عمر: أرأيت إن كان أبي نهى عنها ووضعها رسول اللّه، أنترك السنة ونتبع قول أبي(3)؟!
ص: 209
وروى شعبة، عن الحكم بن عتيبة، قال: سألته عن هذه الآية: {فِيمَا تَرَٰضَيْتُم بِهِۦ مِنۢ...}(1) أمنسوخة هي؟
فقال: لا، ثم قال الحكم:
قال علي بن ابي طالب (عليه السلام) : لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي(2).
وروى البخاري(3) ومسلم(4)، عن مروان بن الحكم، أنّه شهد علياً وعثمان بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى ذلك علي أهل بهما: لبّيك بعمرة وحجّة، فقال عثمان: تراني أنهى الناس وأنت تفعله؟! فقال: ما كنت لأدع سنّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لقول أحد.
ولقد عطَّل عمر حدّ اللّه في المغيرة بن شعبة لمَّا شهدوا عليه بالزنا، ولقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة اتباعاً لهواه، فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود وفضحهم وحدّهم، فتجنّب أن يفضح المغيرة - وهو واحد وكان
ص: 210
آثماً - وفضح الثلاثة، وعطّل حدّ اللّه ووضعه في غير موضعه.
قال ابن أبي الحديد: روى الطبري في تاريخه، عن محمد بن يعقوب ابن عتبة، عن أبيه، قال: كان المغيرة يختلف إلى أمّ جميل - امرأة من بني هلال بن عامر - وكان لها زوج من ثقيف هلك قبل ذلك يقال له: الحجّاج بن عبيد، وكان المغيرة - وهو أمير البصرة - يختلف إليها سراً، فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموا، فخرج المغيرة يوماً من الأيام فدخل عليها - وقد وضعوا عليهما الرصد - فانطلق القوم الذين شهدوا عند عمر فكشفوا الستر فرأوه قد واقعها، فكتبوا بذلك إلى عمر، وأوفدوا إليه بالكتاب أبا بكرة، فانتهى أبوبكرة إلى المدينة، وجاء إلى باب عمر فسمع صوته وبينه وبينه حجاب، فقال: أبوبكرة؟
فقال: نعم. قال: لقد جئت لشر!
قال: إنّما جاء به المغيرة... ثم قص عليه القصة وعرض عليه الكتاب، فبعث أباموسى عاملاً وأمره أن يبعث إليه المغيرة، فلمّا دخل أبو موسى البصرة وقعد في الإمارة أهدى إليه المغيرة عقيلة، وقال: وإنني قد رضيتها لك، فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر(1).
قال الطبري(2): وروى الواقدي، عن مالك بن أوس، قال: قدم المغيرة على عمر فتزوّج في طريقه امرأة من بني مرّة، فقال له عمر: إنّك لفارغ القلب شديد الشبق، طويل الغرمول. ثم سأل عن المرأة فقيل له: يقال لها:
ص: 211
الرقطاء، كان زوجها من ثقيف، وهي من بني هلال.
قال الطبري(1): وكتب إليَّ السريَّ، عن شعيب، عن سيف: أنّ المغيرة كان يبغض أبابكرة، وكان أبوبكرة يبغضه، ويناغي كل واحد منهما صاحبه وينافره عند كل ما يكون منه وكانا متجاورين بالبصرة بينهما طريق، وهما في مشربتين متقابلتين، فهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدّثون في مشربته، فهبّت ريح ففتحت باب الكوة، فقام أبوبكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد فتح الريح بالكوة التي في مشربته، وهو بين رجلي امرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا، فقاموا فنظروا.
ثم قال: اشهدوا.
قالوا: ومن هذه؟
قال: أمّ جميل بنت الأفقم، وكانت أمّ جميل إحدى بني عامر ابن صعصعة.
فقالوا: إنَّما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجوه؟ فلما قامت صمّموا، وخرج المغيرة إلى الصلاة، فحال أبوبكرة بينه وبين الصلاة، وقال: لا تصلّ بنا، وكتبوا إلى عمر بذلك، وكتب المغيرة إليه أيضاً، فأرسل عمر إلى أبي موسي، فقال: يا أبا موسى! إنّي مستعملك، وإنّي باعثك إلى أرض قد باض فيها الشيطان وفرّخ، فالزم ما تعرف، ولا تستبدل فيستبدل اللّه بك.
فقال: يا أميرالمؤمنين! أعنّي بعدة من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من
ص: 212
المهاجرين والأنصار، فإنّي وجدتهم في هذه الأمة وهذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلا به.
قال: فاستعن بمن أحبت، فاستعان بتسعة وعشرين رجلاً منهم: أنس بن مالك وعمار بن حصين وهشام بن عامر... وخرج أبو موسى بهم حتى أناخ بالبصرة في المربد، وبلغ المغيرة أنّ أبا موسى قد أناخ بالمربد.
فقال: واللّه ما جاء أبو موسى تاجراً ولا زائراً ولكنه جاء أميراً، وإنّهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم فدفع إلى المغيرة كتاباً من عمر - أنّه لأزجر كتاب كتب به أحد من الناس - أربع كلم عزل فيها وعاتب واستحث وأمر: أمّا بعد، فإنّه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى فسلّم ما في يديك إليه والعجل. وكتب إلى أهل البصرة: أمّا بعد، فإنّي قد بعثت أبا موسى أميراً عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويّكم، وليقاتل بكم عدوكم، وليدفع عن ذمّتكم، وليجبي لكم فيئكم، وليقسم فيكم، وليحمي لكم طرقكم.
وارتحل المغيرة وأبوبكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر، فجمع بينهم وبين المغيرة، فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين! سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أم مستدبرهم؟ فكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر؟ وإن كانوا مستدبري فبأيّ شيء استحلّوا النظر إليَّ في منزلي على امرأتي! واللّه ما أتيت إلا امرأتي، فبدأ بأبي بكرة فشهد أنّه رآه بين رجلي أمّ جميل، وهو يدخله ويخرجه.
قال عمر: كيف رأيتهما؟
ص: 213
قال: مستدبرهما.
قال: كيف استبنت رأسها؟
قال: تخافيت. فدعا بشبل بن معبد فشهد مثل ذلك، وقال: استقبلتهما واستدبرتهما، وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم.
قال: رأيته جالساً بين رجلي امرأة، ورأيت قدمين مرفوعين يخفقان، وأستين مكشوفين، وسمعت حفزاً شديداً، قال عمر: فهل رأيته فيها كالميل في المكحلة؟
قال: لا.
قال: فهل تعرف المرأة؟
قال: لا، ولكن أشبهها... فأمر عمر بالثلاثة الحدّ وقرأ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِٱلشُّهَدَاءِ فَأُوْلَٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ}(1).
فقال المغيرة: الحمد لله الذي أخزاكم، فصاح به عمر: أسكت... أسكت اللّه نأمتك(2)، أما واللّه لو تمّت الشهادة لرجمتك بأحجارك(3).
ولقد منع عمر من المغالاة في صدقات النساء، وقال: من غالى في مهر
ص: 214
ابنته أجعله في بيت مال المسلمين(1)، لشبهة أنّه رأى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) زوّج فاطمة (عليها السلام) بخمسمائة درهم، فقامت إليه امرأة ونبهته بقوله تعالى: {وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَئًْا}(2) على جواز المغالاة، فقال: كل الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت(3).
فيها صوتاً فارتاب وتسوّر فوجد رجلاً عنده امرأة وزق(1) خمر، فقال: يا عدو اللّه! أظننت أنّ اللّه يسترك وأنت على معصيته؟!
فقال: لا تعجل يا أميرالمؤمنين! إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال اللّه: {وَ لَا تَجَسَّسُواْ}(2) وتجسّست، وقال: {وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَٰبِهَا}(3) وقد تسوّرت، وقال: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُواْ}(4) وما سلّمت.
قال: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟
قال: نعم - واللّه - لا أعود.
فقال: إذهب فقد عفوت عنك(5).
الأصول(1)، عن شقيق قال:
كنت جالساً مع عبد اللّه وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى: لو أنّ رجلاً أجنب ولم يجد الماء شهراً(2) أما كان يتيمّم ويصلّي؟! وكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا}(3).
فقال عبد اللّه: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمّموا الصعيد.
قلت: وإنّما كرهتم هذا لذا.
قال: نعم. فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرّغت في الصعيد كما يتمرّغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: إنَّما كان يكفيك أن تصنع هكذا... فضرب بكفّه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح ظهر كفّه بشماله، أو ظهر شماله بكفّه، ثم مسح بهما وجهه.
فقال عبد اللّه: ألم تر عمر لم يقنع بقول عمار(4).
قال البخاري(5): وزاد يعلى، عن الأعمش، عن شقيق، قال: كنت مع عبد
ص: 217
اللّه وأبي موسى، فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعثني أنا وأنت، فأجنبت، فتمعكت(1) في الصعيد فأتينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأخبرناه، فقال: إنّما يكفيك هكذا... ومسح وجهه وكفيه واحدة.
وروى(2) أيضاً، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إنّي أجنبت فلم أصب الماء؟
فقال عمر: لا تصلّ.
فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنّا في سفر أنا وأنت، فأمّا أنت فلم تصلّ، وأمّا أنا فتمعّكت فصلّيت، فذكرت للنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّما كان يكفيك هكذا... فضرب النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بكفّيه الأرض
ص: 218
ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه(1).
وروى مسلم بالإسناد المذكور إلى قوله: ثم تمسح بهما وجهك وكفيك.
فقال عمر: اتق اللّه يا عمار!
فقال: إن شئت لم أحدّث به(2).
ولقد أمر عمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، وقال: إن يكن لك سبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها، فرجع عن حكمه، وقال: لو لا معاذ لهلك عمر(3).
ص: 219
وحكى في كشف الغمة(1)
من مناقب الخوارزمي(2) أنّه قال:
أتى عمر في ولايته بامرأة حاملة فسألها عمر فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر أن ترجم، فلقيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال: ما بال هذه؟
فقالوا: أمر بها عمر أن ترجم، فردّها علي (عليه السلام) ، فقال: أمرت بها أن ترجم؟!
فقال: نعم، اعترفت عندي بالفجور.
فقال: هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟
ثم قال له علي (عليه السلام) : فلعلّك انتهرتها أو أخفتها.
فقال: قد كان ذاك.
قال: أو ما سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: لاحدّ على معترف بعد بلاء أنّه من قيّدت أو حبست أو تهدّدت فلا إقرار له. فخلّى عمر سبيلها، ثم قال: عجزت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3), لولا علي لهلك عمر(4).
ص: 220
ولقد أمر عمر برجم المجنونة فنبّهه أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقال: إنّ القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق. فقال: لولا علي لهلك عمر(1).
ص: 221
روي في البخاري(1) ومسلم(2) وغيرهما(3) بعدّة طرق، عن عبيد بن عمير وأبي موسى الأشعري، قال: استأذن أبو موسى على عمر فكأنه وجده مشغولاً فرجع.
فقال عمر: ألم تسمع صوت عبد اللّه بن قيس؟ ائذنوا له، فدعي له.
فقال: ما حملك على ما صنعت؟
فقال: إنا كنّا نؤمر بهذا.
فقال: فائتني على هذا ببيّنة أو لأفعلن بك! فانطلق إلى مجلس من الأنصار.
فقالوا: لا يشهد لك إلا أصاغرنا.
فقام أبوسعيد الخدري، فقال: قد كنّا نؤمر بهذا.
فقال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ألهاني الصفق بالأسواق(4).
قال العلاّمة المجلسي:
لا خفاء في أنّ ما خفي على عمر من ذلك أمر متكرّر الوقوع من العادة
ص: 222
والسنن التي كان يعلمها المعاشرون له (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فكيف خفي على هذا الرجل الذي يدّعون أنّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يشاوره في الأمور ويستمدّ بتدبيره؟! فليس هذا إلَّا من فرط غباوته، أو قلّة اعتنائه بأمور الدين، أو إنكاره لأمور الشرع مخالفة لسيد المرسلين(1).
روى ابن أبي الحديد، عن أبي سعيد الخدري، قال: حججنا مع عمر أول حجّة حجّها في خلافته، فلما دخل المسجد الحرام، دنا من الحجر الأسود فقبّله واستلمه.
فقال: إنّي لأعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع(2)، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قبلك واستلمك لما قبّلتك ولا استلمتك.
ص: 223
فقال له علي (عليه السلام) : بلي - يا أميرالمؤمنين - إنّه ليضرّ وينفع(1)، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب اللّه لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول، قال اللّه تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ}(2)، فلما أشهدهم وأقرّوا له بأنه الربّ عزّوجلّ وأنّهم العبيد، كتب ميثاقهم في رقّ ثم ألقمه هذا الحجر، وأنّ له لعينين ولساناً وشفتين، يشهد بالموافاة، فهو أمين اللّه عزّوجلّ في هذا المكان.
ص: 224
فقال عمر: لا أبقاني اللّه بأرض لست بها يا ابا الحسن(1). ورواه الغزالي في كتاب إحياء العلوم(2). وروى البخاري(3) ومسلم(4) في صحيحهما ولم يذكرا تنبيه أميرالمؤمنين (عليه السلام) إيّاه(5).
وقال ابن حجر في شرحه(1): ذكر الحميدي، عن ثابت، عن أنس: أنّ عمر قرأ: {وَفَٰكِهَةً وَأَبًّا}(2).
فقال: ما الأب؟ ثم قال: ما كلّفنا - أو قال: ما أمرنا - بهذا.
ثم قال ابن حجر: قلت: هو عند إسماعيلي من رواية هشام، عن ثابت: أنّ رجلاً سأل عمر بن الخطاب عن قوله: {وَفَٰكِهَةً وَأَبًّا}(3)، ما الأب؟
فقال عمر: نهينا عن التعمّق والتكلّف.
وعنه عبد الرحمن بن يزيد: أنّ رجلاً سأل عمر عن: {وَفَٰكِهَةً وَأَبًّا}(4)، فلما رآهم عمر يقولون، أقبل عليهم بالدرّة(5).
سُئل عمر بن الخطاب عن إملاص(6) المرأة وهي التي تضرب بطنها فيلقى جنينها، فقال: أيّكم سمع من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيه شيئاً؟
قال: فقلت: أنا.
قال: ما هو؟
قلت: سمعت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: فيه غرّة عبد أو أمة.
ص: 226
قال: لا تبرح حتى تجيئني بالمخرج ممّا قلت. فخرجت فوجدت محمد بن سلمة: فجئت به فشهد معي أنّه سمع النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول فيه: غرّة عبد أو أمة(1).
روي في نهج البلاغة: أنّه ذكر عند عمر بن الخطاب حلّي الكعبة وكثرته.
فقال قوم: لو أخذت فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر، وما تصنع الكعبة بالحلي؟ فهمّ عمر بذلك وسأل عنه أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، فقال:
إنّ القرآن أنزل على محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأموال الأربعة: أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفريضة، والفيء فقسّمه على مستحقّه، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه، والصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها، وكان حلّي الكعبة فيها يومئذ فتركه اللّه على حاله، ولم يتركه نسياناً، ولم يخف عليه مكاناً، فأقرّه حيث أقره اللّه ورسوله.
فقال عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحلي بحاله(2).
روى ابن أبي الحديد، قال: مرّ عمر بشاب من الأنصار وهو ضمآن فاستسقاه فماص له عسلاً، فردّه ولم يشرب. وقال: إنّي سمعت اللّه سبحانه يقول: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُم}(3). وقال الفتى:
ص: 227
إنّها واللّه ليست لك واقرأ يا أميرالمؤمنين ما قبلها {وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا}(1) فنحن منهم؟ فشرب وقال: كل الناس أفقه من عمر(2).
أقول: لعلّه كان في رجوعه أبين خطأ من ابتدائه فتدبّر.
ص: 228
ص: 229
ص: 230
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَاءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ}(1) قال بعض المفسرين: أنّها نزلت في عثمان وابن أمّ مكتوم، وكان ابن أمّ مكتوم مؤذّن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكان أعمى، وجاء إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعنده أصحابه وعثمان عنده، فقدَّمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على عثمان، فعبس عثمان وجهه وتولّى عنه، فأنزل اللّه: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ} يعني عثمان{أَن جَاءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ}(2)
... أن يكون طاهراً أزكى {أَوْ يَذَّكَّرُ}، قال: يذكّره رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ}(3) ثم خاطب عثمان فقال: {أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ}(4) قال: أنت إذا جاءك غني تتصدّى له وترفعه: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ}(5) أي لا تبالي زكياً كان أو غير زكي إذا كان غنياً {وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ}(6) يعني ابن أمّ مكتوم {وَهُوَ يَخْشَىٰ * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ}(7)... أي: تلهو ولا تلتفت
ص: 231
إليه(1).
لو لم يقدم عثمان على أحداث توجب خلعه والبراءة منه لوجب على الصحابة أن ينكروا على من قصده من البلاد متظلماً، وقد علمنا أنّ بالمدينة قد كان كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينكروا على القوم بل أسلموه ولم يدفعوا عنه، بل أعانوا قاتليه ولم يمنعوا من قتله، وحضروه ومنعوا الماء عنه وتركوه بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن، مع أنّهم متمكنون من خلاف ذلك، وذلك من أقوى الدلائل على ما ذكر، ولو لم يكن في أمره إلا ما روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: اللّه قتله وأنا معه. وأنّه كان في أصحابه من يصرّح بأنه قتل عثمان ومع ذلك لا يقيّدهم ولا ينكر عليهم، وكان أهل الشام يصرّحون بأنّ مع أمير المؤمنين قتلة عثمان، ويجعلون ذلك من أوكد الشبه ولا ينكر ذلك عليهم، مع أنّا نعلم أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) لو أراد منعهم من قتله والدفع عنه مع غيره لما قتل، فصار كفّه عن ذلك مع غيره من أدلّ الدلائل على أنّهم صدّقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث، وأنّهم لم يقبلوا ما جعله عذراً، ولا يشك من نظر في أخبار الجانبين في أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) لم يكن كارهاً لما وقع في أمر عثمان(2).
فقد روى السيد رضي اللّه عنه في الشافي، عن الواقدي، عن الحكم بن
ص: 232
الصلت، عن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، قال: رأيت علياً (عليه السلام) على منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين قتل عثمان وهو يقول: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه(1).
وقد روى محمد بن سعد، عن عفان، عن حرير بن بشير، عن أبي جلدة، أنّه سمع علياً (عليه السلام) يقول - وهو يخطب فذكر عثمان: وقال - : واللّه الذي لا إله إلا هو ما قتلته ولا مالأت على قتله ولا ساءني(2).
ورواه أبو بشير، عن عبيدة السلماني، قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: من كان سائلي عن دم عثمان فإنّ اللّه قتله وأنا معه(3).
وقد روي هذا اللفظ من طرق كثيرة، وقد رواه شعبة، عن أبي حمزة الضبعي، قال: قلت لابن عباس: إنّ أبي أخبرني أنّه سمع علياً (عليه السلام) يقول: ألا من كان سائلي عن دم عثمان فإنّ اللّه قتله وأنا معه. قال: صدق أبوك، هل تدري ما يعني بقوله؟ إنّما عنى أنّ اللّه قتله وأنا مع اللّه(4).
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: لما قتل عثمان ألقي على المزبلة ثلاثة أيام، فلما كان في الليل أتاه اثنا عشر رجلاً، فيهم حويطب بن عبد العزّى، وحكيم بن حزام، وعبد اللّه بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن
ص: 233
الحكم، فلما ساروا إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن: واللّه لئن دفنتموه هاهنا لنخبرن الناس غداً، فاحتلموه - وكان على باب وأنّ رأسه على الباب ليقول طق طق - حتى ساروا به إلى حش(1) كوكب فاحتفروا له، وكانت عائشة بنت عثمان معها مصباح في حق، فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت، فقال لها ابن الزبير: واللّه لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عيناك. قال: فسكتت، فدفن(2).
وروى ابن أبي الحديد، عن محمد بن جرير الطبري، قال: بقي عثمان ثلاثة أيام لا يدفن، ثم إنّ حكيم بن حزام وجبير بن مطعم كلَّما علياً (عليه السلام) في أن يأذن في دفنه ففعل، فلما سمع الناس بذلك قعد له قوم في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله، ومعهم الحسن بن علي (عليه السلام) وابن الزبير وأبو جهم بن حذيفة بين المغرب والعشاء، فأتوا به حائطاً من حيطان المدينة، يعرف ب- (حش كوكب)، وهو خارج البقيع، فصلّوا عليه، وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه، فأرسل علي (عليه السلام) فمنع من رجم سريره، وكفّ الذين راموا منع الصلاة عليه، ودفن في حش كوكب، فلما ظهر معاوية على الإمرة أمر بذلك الحائط فهدم وأدخل في البقيع، وأمر الناس فدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل بمقابر المسلمين بالبقيع.
وقيل: إنّ عثمان لم يغسّل، وأنه كفن في ثيابه التي قتل فيها(3).
وزاد الأعثم: إنّهم دفنوه بعدما ذهب الكلاب بإحدى رجليه، وقال: صلّى
ص: 234
عليه حكيم بن حزام أو جبير بن مطعم.
ولا يخفى على ذي مسكة من العقل دلالته على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان راضياً بكونه مطروحاً ثلاثة أيام على المزبلة، بل على أنّه لم يأذن في دفنه إلا بعد الأيام الثلاثة، فلو كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) معتقداً لصحة إمامته، بل لو كان يراه كأحد من المسلمين ومن عرض للناس لما رضي بذلك، بل كان يعجّل في تجهيزه ودفنه، ويأمر بدفنه في مقابر المسلمين حتى لا يلتجىء المجهّزون له إلى دفنه في حش كوكب، والحش هو المخرج وكان ذلك الموضع بستانا وكان الناس يقضون الحوائج فيه.
والإمام (عليه السلام) الذي رضي له أميرالمؤمنين (عليه السلام) بمثل تلك الحال فحاله غير خفي على أولي الألباب، ولا ريب في أنَّه لو لم يكن (عليه السلام) راضياً بقتله لجاهد قاتليه(1).
قال السيد رضي اللّه عنه في الشافي: روى الواقدي من طرق مختلفة وغيره: أنّ الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح أخرجه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الطائف، وقال: لا يساكنني في بلد أبداً، فجاءه عثمان فكلّمه فأبى، ثم كان من أبي بكر مثل ذلك، ثم كان من عمر مثل ذلك، فلما قام عثمان أدخله ووصله وأكرمه، فمشى في ذلك علي (عليه السلام) ، والزبير وطلحة، وسعد وعبد الرحمن بن عوف، عمار بن ياسر، حتى دخلوا على عثمان، فقالوا له: إنّك قد أدخلت هؤلاء القوم - يعنون الحكم ومن معه - وقد كان
ص: 235
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أخرجهم وأبوبكر وعمر، وإنَّا نذكرك اللّه والإسلام ومعادك، فإنّ لك معاداً ومنقلباً، وقد أبت ذلك الولاة قبلك ولم يطمع أحد أن يكلّمهم فيهم، وهذا شيء نخاف اللّه عليك فيه. فقال عثمان: إنّ قرابتهم منّي حيث تعلمون، وقد كان رسول اللّه حيث كلّمته أطمعني في أن يأذن لهم، وإنَّما أخرجهم لكملة بلغته عن الحكم، ولن يضركم مكانهم شيئاً، وفي الناس من هو شر منهم.
فقال علي (عليه السلام) : لا أجد شراً منه ولا منهم، ثم قال علي (عليه السلام) : هل تعلم عمر يقول: واللّه ليحملّن بني أبي معيط على رقاب الناس، وواللّه إن فعل ليقتلنه؟! قال: فقال عثمان: ما كان أحد منكم يكون بينه وبينه من القرابة ما بيني وبينه وينال من القدرة ما أنال إلا أدخله، وفي الناس من هو شر منه. قال: فغضب علي (عليه السلام) ، وقال: واللّه لتأتينا بشر من هذا إن سلمت، وسترى - يا عثمان - غبّ ما تفعل، ثم خرجوا من عنده(1).
روى السيد رضي اللّه عنه في الشافي: أنَّ عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى الحارث ابن الحكم بن أبي العاص ثلاث مائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشّر الكافرين بعذاب أليم، ويتلو قول اللّه عزّوجلّ: {وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ}(2)، فرفع ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل
ص: 236
إلى أبي ذر نائلاً مولاه: أنّ أنّته عمّا يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قرائة كتاب اللّه، وعيب من ترك أمر اللّه، فو اللّه فإن أرضى اللّه بسخط عثمان أحب إليَّ وخير لي من أن أرضي عثمان بسخط اللّه(1).
كتب عثمان إلى معاوية: أمّا بعد؛ فاحمل جندباً إليَّ على أغلظ مركب وأوعره، فوجه به مع من سار به الليل والنهار؛ وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب، حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما قدم أبو ذر المدينة، بعث إليه عثمان أنّ الحق بأيّ أرض شئت، قال: بمكة؟ قال: لا. قال: فبيت المقدس؟ قال: لا. قال: فبأحد المصرين؟ قال: لا، ولكنّي مسيّرك إلى الربذة... فسيّره إليها، فلم يزل بها حتى مات(2).
روى المسعودي في مروج الذهب: لما ردَّ عثمان أباذر رضي اللّه عنه إلى المدينة على بعير عليه قتب يابس، معه خمس مائة من الصقالبة(3) يطردون به حتى أتوا به المدينة وقد تسلّخت بواطن أفخاذه وكاد يتلف، فقيل له: إنك تموت من ذلك؟ فقال: هيهات! لن أموت حتى أنفى... وذكر ما ينزل به من هؤلاء فيه... وساق الحديث الى قوله: فقال له عثمان: وار وجهك عنّي. قال:
ص: 237
أسير إلى مكة. قال: لا واللّه. قال: فإلى الشام؟ قال: لا واللّه. قال: فإلى البصرة؟
قال: لا واللّه. فاختر غيرهذه البلدان. قال: لا واللّه لا أختار غير ما ذكرت لك ولو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئاً من البلدان، فسيّرني حيث شئت من البلاد. قال: إنّي مسيّرك إلى الربذة. قال: اللّه أكبر! صدق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد أخبرني بكل ما أنا لاق. قال: وما قال لك؟ قال: أخبرني أنّي أمنع من مكة ومدينة وأموت بالربذة، ويتولّى دفني نفر يردون من العراق إلى نحو الحجاز، وبعث أبوذر إلى جمل فحمل عليه امرأته، وقيل: ابنته، وأمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الربذة، ولما طلع عن المدينة - ومروان يسيّره عنها - طلع عليه علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ومعه ابناه (عليهما السلام) وعقيل أخوه وعبد اللّه بن جعفر وعمار بن ياسر، فاعترض مروان، وقال: يا علي! إنّ أميرالمؤمنين ينهى الناس أن يمنحوا أباذر أو يسقوه، فإن كنت لم تعلم بذلك فقد أعلمتك، فحمل عليه بالسوط، فضرب بين إذني ناقة مروان وقال: تنّح! نحّاك اللّه إلى النار، ومضى مع أبي ذر فشيّعه ثم ودّعه وانصرف، فلما أراد علي (عليه السلام) الانصراف بكى أبو ذر وقال: رحمكم اللّه أهل البيت إذا رأيتك يا أبا الحسن وولدك ذكرت بكم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فشكا مروان إلى عثمان ما فعل به علي (عليه السلام) ، فقال عثمان: يا معشر المسلمين! من يعدوني من علي؟ ردَّ رسولي عمّا وجهته له، وفعل وفعل، واللّه لنعطيه حقّه، فلما رجع علي استقبله الناس وقالوا: إنّ أميرالمؤمنين عليك غضبان لتشييعك أباذر! فقال علي (عليه السلام) : غضب الخيل على اللجم، فلما كان بالعشي وجاء عثمان قال: ما حملك على ما صنعت بمروان؟ ولم اجترأت علي ورددت رسولي وأمري؟ فقال: أمّا مروان فاستقبلني بردّي فرددته عن ردّي، وأمّا أمرك لم أردّه. فقال عثمان: ألم يبلغك أنّي قد نهيت الناس عن
ص: 238
أبي ذر وشيعته؟ فقال علي (عليه السلام) : أو كلما أمرتنا به من شيء نرى طاعة اللّه والحق في خلافه اتّبعنا فيه أمرك؟! لعمر اللّه ما نفعل. فقال عثمان: أقد مروان. قال: وممّ أقيّده؟ قال: ضربت بين أذني راحلته وشتمته فهو شاتمك وضارب بين إذني راحلتك!! قال علي (عليه السلام) : أمّا راحلتي فهي تلك، فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فعل، وأمّا أنا فو اللّه لئن شتمني لأشتمنّك بمثله لا كذب فيه ولا أقول إلا حقّاً. قال عثمان: ولم لا يشتمك إذا شتمته، فو اللّه ما أنت بأفضل عندي منه! فغضب علي (عليه السلام) وقال: لي تقول هذا القول؟ أمروان يعدل بي؟!!! فلا واللّه أنا أفضل منك وأبي أفضل من أبيك، وأمّي أفضل من أمك، وهذه نبلي قد نثلتها فأنثل نبلك، فغضب عثمان وأحمّر وجهه وقام فدخل، وانصرف علي (عليه السلام) فاجتمع إليه أهل بيته ورجال المهاجرين والأنصار، فلما كان من الغد واجتمع الناس شكا إليهم علياً (عليه السلام) وقال: إنّه يغشّني ويظاهر من يغشّني - يريد بذلك أبا ذر وعماراً أو غيرهما - ، فدخل الناس بينهما حتى اصطلحا. وقال علي (عليه السلام) : واللّه ما أردت بتشييعي أبا ذر إلا اللّه تعالى(1).
روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرطي: أنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطاً في دفنه أباذر، وهذه قصة أخرى، وذلك أنّ أبا ذر لما حضرته الوفاة بالربذة وليس معه إلا امرأته وغلامه أوصى إليهما أن غسلاّني ثم كفناني ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرّون بكم قولا لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأعينونا على دفنه، فلما مات
ص: 239
فعلا ذلك، وأقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين، فلم يرعهم إلا الجنازة على قارعة الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فقام إليهم العبد، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأعينونا على دفنه، فأنهل ابن مسعود باكياً وقال: صدق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه(1).
ولقد ضرب عثمان عبد اللّه بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه، وقد رووا في فضله في صحاحهم أخباراً كثيرة، وكان ابن مسعود يذمّه ويشهد بفسقه وظلمه.
قال السيد رضى اللّه عنه في الشافي: قد روى كل من روى السيرة من أصحاب الحديث - على اختلاف طرقهم: أنّ ابن مسعود كان يقول: ليتني وعثمان برمل عالج يحثو عليَّ وأحثوا عليه حتى يموت الأعجز منّي ومنه.
ورووا أنّه كان يطعن عليه، فيقال له: ألا خرجت إليه ليخرج معك؟!
فيقول: واللّه لأن أزاول جبلاً راسياً أحبّ إليَّ من أن أزاول ملكاً مؤجلاً. وكان يقول في كل يوم جمعة بالكوفة جاهراً معلناً: إنّ أصدق القول كتاب اللّه، وأحسن الهدي هدي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدّث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإنّما كان يقول ذلك معرّضاً بعثمان حتى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه ونهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهي، فكتب إلى عثمان فيه، فكتب عثمان يستقدمه عليه.
ص: 240
وقد روي عنه من طرق لا تحصى كثرة أنّه كان يقول: ما يزن عثمان عند اللّه جناح بعوضة... .
وأوصى عند موته أن لا يصلي عليه عثمان، ولما أتاه عثمان في مرضه وطلب منه الاستغفار قال: أسأل اللّه أن يأخذ لي منك بحقّي...
وروى الواقدي بإسناده، وغيره، أنّ عثمان لما استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعة، فلما علم عثمان بدخوله، قال: أيّها الناس! إنّه قد طرقكم الليلة دويبة من تمر على طعامه تقيء وتسلح. فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكنّي صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم بدر، وصاحبه يوم أحد، وصاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنين.
قال: وصاحت عائشة: أيا عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟! فقال عثمان: أسكتي. ثم قال لعبد اللّه بن زمعة بن الأسود:
أخرجه إخراجاً عنيفاً، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد، فضرب به الأرض فكسر ضلعاً من أضلاعه. فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان(1).
عن أبي يحيى مولى معاذ بن عفرة الأنصاري، قال: إنّ عثمان بن عفان بعث إلى الأرقم بن عبد اللّه - وكان خازن بيت مال المسلمين - ، فقال له: أسلفني مائة ألف ألف درهم. فقال له الأرقم: أكتب عليك بها صكاً للمسلمين.
قال: وما أنت وذاك؟ لا أمّ لك! إنّما أنت خازن لنا. قال: فلما سمع الأرقم
ص: 241
ذلك خرج مبادراً إلى الناس، فقال: أيها الناس! عليكم بمالكم فإنّي ظننت أنّي خازنكم ولم أعلم أنّي خازن عثمان بن عفان حتى اليوم، ومضى فدخل بيته، فبلغ ذلك عثمان، فخرج إلى الناس حتى دخل المسجد ثم رقي المنبر، وقال: أيّها الناس! أنّ أبابكر كان يؤثر بني تيم على الناس، وإنّ عمر كان يؤثر بني عدي على كل الناس، وإنّي أوثر - واللّه - بني أميّة على من سواهم، ولو كنت جالساً بباب الجنة ثم استطعت أن أدخل بني أمية جميعاً الجنة لفعلت، وإن هذا المال لنا، فإن احتجنا إليه أخذناه وإن رغم أنف أقوام!
فقال عمار بن ياسر (رحمه اللّه) : معاشر المسلمين! اشهدوا أنّ ذلك مرغم لي. فقال عثمان: وأنت هاهنا، ثم نزل من المنبر يتوطّؤه برجليه حتى غشي على عمار واحتمل - وهو لا يعقل - إلى بيت أمّ سلمة، فأعظم الناس ذلك، وبقي عمار مغمى عليه لم يصلّ يومئذ الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق قال: الحمد لله؛ فقديماً أوذيت في اللّه، وأنا أحتسب ما أصابني في جنب اللّه، بيني وبين عثمان العدل الكريم يوم القيامة.
قال: وبلغ عثمان أنّ عماراً عند أمّ سلمة، فأرسل إليها، فقال: ممّا هذه الجماعة في بيتك مع هذا الفاجر، أخرجيهم من عندك. فقالت: واللّه ما عندنا مع عمار إلا بنتاه، فاجتنبنا - يا عثمان - واجعل سطوتك حيث شئت، وهذا صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يجود بنفسه من فعالك، قال: فندم عثمان على ما صنع فبعث إلى طلحة والزبير يسألهما أن يأتيا عماراً فيسألاه أن يستغفر له، فأتياه فأبى عليهما، فرجعا إليه فأخبراه، فقال عثمان: من حكم اللّه يا بني أميّة يا فراش النار وذباب الطمع، شنّعتم عليَّ، وآليتم على أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
ص: 242
ثم إنّ عماراً رحمه اللّه صلح من مرضه فخرج إلى مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبينما هو كذلك إذ دخل ناعي أبي ذر على عثمان من الربذة، فقال: إنّ أبا ذر مات بالربذة وحيداً ودفنه قوم سفر، فاسترجع عثمان وقال: رحمه اللّه. فقال عمار: رحم اللّه أبا ذر من كل أنفسنا. فقال له عثمان: وإنّك لهناك بعد ما برأت أتراني ندمت على تسييري إيّاه؟! قال له عمار: لا واللّه، ما أظن ذاك. قال: وأنت أيضاً فالحق بالمكان الذي كان فيه أبو ذر فلا تبرحه ما حيينا.
قال عمار: أفعل، فو اللّه لمجاورة السباع أحبّ إليَّ من مجاورتك. قال: فتهيأ عمار للخروج وجاءت بنو مخزوم إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فسألوه أن يقوم معهم إلى عثمان ليستنزله عن تسيير عمار، فقام معهم فسأله فيهم ورفق به حتى أجابه إلى ذلك(1).
من جنايات عثمان ما صنع بعمار بن ياسر رضي اللّه عنه - الذي أطبق المؤالف والمخالف على فضله وعلو شأنه، ورووا أخباراً مستفيضة دالة على كرامته وعلو درجته - .
قال السيد رضي اللّه عنه في الشافي: ضرب عمار مما لم يختلف فيه الرواة وإنّما اختلفوا في سببه.
فروى عباس بن هشام الكلبي، عن أبي مخنف في إسناده أنّه كان في بيت المال بالمدينة سفط(2)
فيه حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به
ص: 243
بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلّموه فيه بكل كلام شديد حتّى غضب فخطب، وقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أنوف أقوام. فقال له علي (عليه السلام) : إذاً تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. فقال عمار: أشهد اللّه أن أنفي أول راغم من ذلك. فقال عثمان: أعليَّ - يا ابن ياسر وسميّة - تجتري؟ خذوه... فأخذوه، ودخل عثمان فدعا به وضربه حتى غُشي عليه، ثم أُخرج فحمل إلى منزل أمّ سلمة زوج النبي (عليه السلام) فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضّأ وصلّى. وقال: الحمد لله، ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في اللّه تعالى. فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي - وكان عمار حليفاً لبني مخزوم - : يا عثمان! أمّا عَليٌّ فاتقيته، وأمّا نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف، أما واللّه لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم الشأن. فقال عثمان: وإنّك لهاهنا يابن القسرية! قال: فإنّهما قسريتان - وكانت أمّه وجدته قسريتين من بجيلة - فشتمه عثمان وأمر به فأخرج، فأتي به أمّ سلمة فإذا هي قد غضبت لعمار، وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ونعلاً من نعاله وثوباً من ثيابه، وقالت: ما أسرع ما تركتم سنّة نبيكم، وهذا ثوبه وشعره ونعله لم يبل بعد.
وروى آخرون: أنَّ السبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: عبد اللّه بن مسعود، فغضب على عمار لكتمانه إيّاه موته - إذا كان المتولّي للصلاة عليه والقيام بشأنه - فعندها وطئ عثمان عماراً حتى أصابه الفتق.
وروى آخرون: أنّ المقداد وطلحة والزبير وعماراً وعدّة من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كتبوا كتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان وخوفوه ربّه، وأعلموه
ص: 244
أنّهم مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمار الكتاب فأتاه به فقرأ منه صدراً، فقال عثمان: أعليَّ تقدم من بينهم؟ فقال: لأنّي أنصحهم لك. فقال: كذبت يابن سميّة!
فقال: أنا واللّه ابن سميّة وأنا ابن ياسر، فأمر غلمانه فمدّوا بيديه ورجليه ثم ضربه عثمان برجليه - وهما في الخفّين - على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفاً كبيراً فغشي عليه.
وروي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة، أنّه قيل له: بأيّ شيء أكفرتم عثمان؟ فقال: بثلاث؛ جعل المال دولة بين الأغنياء، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمنزلة من حارب اللّه، ورسوله وعمل بغير كتاب اللّه(1)...
ولقد كان عثمان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين، نحو ما روي أنّه دفع إلى أربعة من قريش - زوّجهم بناته - أربعمائة ألف دينار، وأعطى مروان مائة ألف عند فتح إفريقية، ويروى خمس إفريقية.
وروى السيد رضي اللّه عنه عن الواقدي بإسناده، قال: قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن للحكم بن أبي العاص.
وروي أيضاً أنّه ولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها له حين أتاه بها.
وقد روى أبو مخنف والواقدي جميعاً: أنّ الناس أنكروا على عثمان
ص: 245
إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف، فكلّمه علي (عليه السلام) والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن في ذلك، فقال: إنّ لي قرابة ورحماً. فقالوا: أما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذو رحم؟! فقال: إنّ أبابكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي، قالوا: فهداهما واللّه أحب إلينا من هداك(1).
ولقد عطّل عثمان الحدود الواجبة كالحدّ في عبيد اللّه بن عمر، فإنّه قتل الهرمزان بعد إسلامه فلم يقد به، وقد كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) يطلبه(2).
روى السيد رضي اللّه عنه في الشافي، عن زياد بن عبد اللّه، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح: أنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) أتى عثمان بعد ما استخلف، فكلّمه في عبيد اللّه ولم يكلّمه أحد غيره، فقال: أقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل إمرءاً مسلماً. فقال عثمان: قتلوا أباه بالأمس وأقتله اليوم؟! وإنّما هو رجل من أهل الأرض، فلما أبى عليه مر عبيد اللّه على علي (عليه السلام) ،
ص: 246
فقال له: يا فاسق! إيه! أما واللّه لئن ظفرت بك يوماً من الدهر لأضربنّ عنقك، فلذلك خرج مع معاوية على أميرالمؤمنين (عليه السلام) .
وروى القباد، عن الحسن بن عيسى، عن زيد، عن أبيه: أنّ المسلمين لما قال عثمان: إنّي قد عفوت عن عبيد اللّه بن عمر، قالوا: ليس لك أن تعفو عنه.
قال: بلى، إنّه ليس لجفينة والهرمزان قرابة من أهل الإسلام، وأنا أولى بهما - لأنّي ولي المسلمين - فقد عفوت.
فقال علي (عليه السلام) : إنّه ليس كما تقول، إنّما أنت في أمرهما بمنزلة أقصى المسلمين، وإنّما قتلهما في إمرة غيرك، وقد حكم الوالي الذي قبلك الذي قتلا في إمارته بقتله، ولو كان قتلهما في إمارتك لم يكن لك العفو عنه، فاتّق اللّه! فإنّ اللّه سائلك عن هذا. ولما رأى عثمان أنّ المسلمين قد أبوا إلا قتل عبيد اللّه أمره فارتحل إلى الكوفة وأقطعه بها داراً وأرضاً، وهي التي يقال لها: كويفة ابن عمر، فعظم ذلك عند المسلمين وأكبروه وكثر كلامهم فيه(1).
ولقد أتم عثمان الصلاة بمنى مع كونه مسافراً، وهو مخالف للسنّة ولسيرة من تقدّمه(2).
فقد روى عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: صلّى بنا عثمان بمنى أربع
ص: 247
ركعات، فقيل ذلك لعبد اللّه بن مسعود، فقال: صليت مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرّقت بكم الطرق، فياليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان(1).
حكى العلامة (رحمه اللّه) في كتاب كشف الحق، عن الحميدي، قال: قال السدي في تفسير قوله تعالى: {وَلَا أَن تَنكِحُواْ أَزْوَٰجَهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ أَبَدًا}(2) أنّه لما توفّي أبو سلمة وعبد اللّه ابن حذافة وتزوّج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) امرأتيهما: أمّ سلمة وحفصة، قال طلحة وعثمان: أينكح محمد نساءنا إذا متنا ولا تنكح نساؤه إذا مات؟! واللّه لو قد مات لقد أجلبنا على نسائه بالسهام، وكان طلحة يريد عائشة، وعثمان يريد أمّ سلمة، فأنزل اللّه تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُواْ أَزْوَٰجَهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا * إِن تُبْدُواْ شَئًْا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(3)، وأنزل: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلْأخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(4).
ولقد كان يتّهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعدم العدالة في القضاء، فقد روى
ص: 248
العلاّمة (رحمه اللّه) في كشف الحق، عن السدي في تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُوْلَٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ}(1)، {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ}(2). الآيات، وقال: نزلت في عثمان بن عفان لما فتح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بني النضير فغنم أموالهم، فقال عثمان لعلي (عليه السلام) : إئت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فاسأله أرض... كذا وكذا، فإن أعطاكها فأنا شريك فيها، وآتيه أنا فأسأله أيّاها فإن أعطانيها فأنت شريكي فيها، فسأله عثمان أولاً فأعطاه إيّاها، فقال لي علي (عليه السلام) : أشركني، فأبى عثمان، فقال: بيني وبينك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فأبى أن يخاصمه إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقيل له: لم لا تنطلق معه إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟! فقال هو ابن عمّه فأخاف أن يقضي له! فنزلت الآيات، فلما بلغ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (3) ما أنزل اللّه فيه أقرّ لعلي (عليه السلام) بالحق(4).
زعم عثمان أنّ في المصحف لحناً، فقد حكى العلاّمة (رحمه اللّه) عن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: {إِنْ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ}(5)، قال: قال عثمان: إنّ في
ص: 249
المصحف لحناً. فقيل له: ألا تغيّره؟ فقال: دعوه! فلا يحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً، ورواه الرازي أيضاً في تفسيره(1).
ولقد قام عثمان بتقديم الخطبتين في العيدين، وكون الصلاة مقدّمة على الخطبتين قبل عثمان ممّا تضافرت به الأخبار العاميّة، فقد روى مسلم في صحيحه، عن عطا، قال: سمعت ابن عباس يقول: اشهد على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه يصلّي قبل الخطبة(2).
وعن عطاء عن جابر بن عبد اللّه، قال: سمعته يقول: إنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قام يوم الفطر فصلّى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس(3).
وعن نافع، عن ابن عمر: أنّ النبي (عليه السلام) وأبابكر وعمر كانوا يصلّون العيدين قبل الخطبة(4).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: الخطبة في العيدين بعد الصلاة، وإنَّما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان(5).
ولقد أحدث عثمان الأذان يوم الجمعة زائداً على ما سنّه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهو بدعة محرّمة، ويعبّرعنه تارة بالأذان الثالث، لأنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)
ص: 250
شرّع للصلاة أذاناً وإقامة فالزيادة ثالث(1).
ولم يتمكن عثمان من الأتيان بالخطبة، فقد روي في روضة الأحباب أنّه لما كان أول جمعة من خلافته صعد المنبر فعرضه العي فعجز عن أداء الخطبة وتركها(2).
ولقد كان عثمان جاهلاً بالأحكام، فقد روى العلاّمة (قدس سره) في كشف الحق، عن صحيح مسلم، وأورده صاحب روضة الأحباب أنّ امرأة دخلت على زوجها فولدت لستة أشهر فرفع ذلك إلى عثمان فأمر برجمها، فدخل عليه علي (عليه السلام) ، فقال: إنّ اللّه عزّوجلّ يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلَٰثُونَ شَهْرًا}(3)، وقال تعالى: {وَفِصَٰلُهُ فِي عَامَيْنِ}(4) فلم يصل رسوله إليهم إلا بعد الفراغ من رجمها، فقتل المرأة لجهله بحكم اللّه عزّوجلّ، وقد قال اللّه عزّوجلّ {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْكَٰفِرُونَ}(5).
عن قيس بن أبي حازم، قال: أتيت علياً (عليه السلام) أستشفع به إلى عثمان، فقال:
ص: 251
إلى حمَّال الخطايا(1).
جاء رجل إلى أبي بن كعب، فقال: يا أبا المنذر! إنّ عثمان قد كتب لرجل من آل أبي معيط بخمسين ألف درهم إلى بيت المال.
فقال أبي: لا يزال تأتوني بشيء ما أدري ما هو فيه؟ فبينا هو كذلك أذ مر به الصك، فقام فدخل على عثمان، فقال: يابن الهاوية! يابن النار الحامية!أتكتب لبعض آل أبي معيط إلى بيت مال المسلمين بصك بخمسين ألف درهم؟! فغضب عثمان وقال: لولا أنّي قد كفيتك لفعلت بك كذا وكذا(2).
عن ابن عباس، قال: استأذن أبو ذر على عثمان فأبى أن يأذن له، فقال لي: استأذن لي عليه. قال ابن عباس: فرجعت إلى عثمان فاستأذنت له عليه، قال: أنه يؤذيني. قلت: عسى أن لا يفعل، فأذن له من أجلي، فلما دخل عليه قال له: اتق اللّه يا عثمان!فجعل يقول: اتّق اللّه... وعثمان يتوعّده، قال أبو ذر: إنّه قد حدّثني نبي اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه يجاء بك وبأصحابك يوم القيامة فتبطحون
ص: 252
على وجوهكم، فتمرّ عليكم البهائم فتطأكم كل ما مرت آخرها ردّت أولها، حتى يفصل بين الناس(1).
عن سالم بن أبي الجعد، قال: خطب عثمان الناس ثم قال فيها: واللّه لأوثرن بني أميّة، لو كان بيدي مفاتيح الجنة لأدخلنهم إيّاها، ولكنّي سأعطيهم من هذا المال على رغم أنف من رغم.
فقال عمار بن يامر: أنفي واللّه ترغم من ذلك.
قال عثمان: فأرغم اللّه أنفك.
فقال عمار: وأنف أبي بكر وعمر ترغم.
قال: وإنّك لهناك يابن سمية... ثم نزل إليه فوطئه فاستخرج من تحته وقد غشي عليه وفتقه.
وذكر الثقفي، عن شقيق، قال: كنت مع عمار فقال: ثلاث يشهدون على عثمان وأنا الرابع، وأنا أسوء الأربعة: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْكَٰفِرُونَ}(2) {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ}(3) و{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ}(4) وأنا أشهد لقد حكم بغير ما أنزل اللّه.
ص: 253
قال رجل لعمار يوم صفين: على ما تقاتلهم يا أبا اليقظان؟! قال: على أنهم زعموا أنّ عثمان مؤمن ونحن نزعم أنه كافر(1).
عن شقيق، قال: قلنا لعبد اللّه: فيم طعنتم على عثمان؟ قال: أهلكه الشح وبطانة السوء(2).
جاءت بنو عبس إلى حذيفة يستشفعون به على عثمان، فقال حذيفة: لقد آتيتموني من عند رجل وددت أنّ كل سهم في كنانتي في بطنه.
وعن الحارث بن سويد، قال: كنّا عند حذيفة فذكرنا عثمان، فقال: عثمان واللّه ما يعدو أن يكون فاجراً في دينه أو أحمق في معيشته.
وكان حذيفة بن اليمان يقول: لقد دخل عثمان قبره بفجره(3).
عن همام بن الحارث، قال: دخلت مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون على عثمان وإذا رجل يمدحه، فوثب المقداد بن الأسود فأخذ كفاً من حصاً أو تراب فأخذ يرميه به فرأيت عثمان يتقيه بيده.
وعن سعيد بن المسيب، قال: لم يكن المقداد يصلّي مع عثمان ولا يسمّيه أميرالمؤمنين.
ص: 254
وقال: لم يكن عمار ولا المقداد بن الأسود يصلّيان خلف عثمان ولا يسمّيانه أميرالمؤمنين(1).
ذات يوم قام طلحة إلى عثمان، فقال له: إنّ الناس قد جمعوا لك وكرهوك للبدع التي أحدثت ولم يكونوا يرونها ولا يعدونها، فإن تستقم فهو خير لك وإن أبيت لم يكن أحد أضر بذلك منك في دنيا ولا آخرة(2).
ذكر الواقدي في تاريخه قال: عتب عثمان على الزبير، فقال: ما فعلت ولكنّك صنعت بنفسك أمراً قبيحاً، تكلّمت على منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بأمر أعطيت الناس فيه الرضا، ثم لقيك مروان وصنعت ما لا يشبهك، حضر الناس يريدون منك ما أعطيتهم، فخرج مروان فآذى وشتم، فقال له عثمان: فإنّي أستغفر اللّه.
وروي أنّ عثمان أرسل سعيد بن العاص إلى الزبير فوجده بأحجار الزيت في جماعة، فقال له: إنّ عثمان ومن معه قد مات عطشاً. فقال له الزبير: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۢ}(3).
ص: 255
عن الحسن بن عيسى بن زيد، عن أبيه، قال: كثر الكلام بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان، حتى قال عبد الرحمن: أما واللّه لئن بقيت لك لأخرجتك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه، وما غررتني إلا باللّه(1).
وعن الحكم قال: كان بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان كلام، فقال له عبد الرحمن: واللّه ما شهدت بدراً، ولا بايعت تحت الشجرة، وفررت يوم حنين. فقال له عثمان: وأنت واللّه دعوتني إلى اليهودية(2).
وعن طارق بن شهاب، قال: رأيت عبد الرحمن بن عوف يقول: يا أيها الناس! إنّ عثمان أبى أن يقيم فيكم كتاب اللّه. فقيل له: أنت أول من بايعه، وأول من عقد له. قال: إنّه نقض وليس لناقض عهد(3).
وعن أبي إسحاق، قال: ضج الناس يوماً حين صلّوا الفجر في خلافة عثمان فنادوا بعبد الرحمن بن عوف فحوَّل وجهه إليهم واستدبر القبلة، ثم خلع قميصه من جيبه، فقال: يا معشر أصحاب محمد! يا معشر المسلمين! أشهد اللّه وأشهدكم أنّي قد خلعت عثمان من الخلافة كما خلعت سربالي هذا. فأجابه مجيب من الصف الأول: {ءَالَْٰٔنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ}(4).
فنظروا من الرجل، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) (5).
ص: 256
عن لوط بن يحيى الأزدي، قال: جاء عمرو بن العاص فقال لعثمان: إنّك ركبت من هذه الأمة النهابير(1) وركوبها بك، فاتق اللّه وتب إليه. فقال: يا ابن النابغة! قد تبت إلى اللّه وأنا أتوب إليه، أما إنّك من يؤلّب عليَّ ويسعى في الساعين، قد - لعمري - أضرمتها فأسعر وأضرم ما بدا لك، فخرج عمرو حتى نزل في أداني الشام.
وعن الزهري، قال: إنّ عمرو بن العاص ذكر عثمان، فقال: إنه استأثر بالفيء فأساء الأثرة واستعمل أقواماً لم يكونوا بأهل العمل من قرابته واثرهم على غيرهم، فكان في ذلك سفك دمه وانتهاك حرمته.
وعنه فيه، قال: قام عمرو إلى عثمان، فقال: اتق اللّه يا عثمان! إمّا أن تعدل وإمّا أن تعتزل!... فلما أن نشب الناس في أمر عثمان تنحّى عن المدينة وخلَّف ثلاثة غلمة له ليأتوه بالخبر، فجاء اثنان بحصر عثمان، فقال: إنّي إذا نكأت قرحة أميتها، وجاء الثالث بقتل عثمان وولاية علي (عليه السلام) ، فقال: واعثماناه! ولحق بالشام(2).
عن داود بن الحصين الأنصارى: أنّ محمد بن مسلمة الأنصارى قال يوم قتل عثمان: ما رأيت يوماً قط أقر للعيون ولا أشبه بيوم بدر من هذا اليوم(3).
ص: 257
عن عامر بن سعد، قال: أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيئ جبلة بن عمرو الساعدي، مرّ به عثمان - وهو جالس في نادي قومه وفي يد جبلة بن عمرو بن جامعة - فسلّم وردّ القوم، فقال جبلة: لم تردّون على رجل فعل كذا وكذا؟! قال: ثم أقبل على عثمان، فقال: واللّه لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه، قال عثمان: أيّ بطانة؟ فو اللّه إنّي لأتخيّر الناس. فقال: مروان تخيرته؟! ومعاوية تخيرته؟!
وعبد اللّه بن عامر بن كريز تخيرته؟! وعبد اللّه بن سعد تخيرته؟! منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) دمه. فانصرف عثمان، فما زال الناس مجترئون عليه(1).
عن عروة, قال: خرج عثمان إلى المسجد ومعه ناس من مواليه فنجد الناس ينتابونه يميناً وشمالاً، فناداه بعضهم: يا نعثل! وبعضهم غير ذلك، فلم يكلّمهم حتى صعد المنبر فشتموه فسكت حتى سكتوا، ثم قال: أيها الناس! اتقوا واسمعوا وأطيعوا، فإنّ السامع المطيع لا حجّة عليه، والسامع العاصي لا حجّة له... فناداه بعضهم: أنت... أنت السامع العاصي.
فقام إليه جهجاه بن عمرو الغفاري - وكان ممّن بايع تحت الشجرة - فقال: هلّم إلى ما ندعوك إليه. قال: وما هو؟ قال: نحملك على شارف جرباء فتلحقك بجبل الدخان. قال عثمان: لست هناك لا أمّ لك! وتناول ابن جهجاه
ص: 258
الغفاري عصا في يد عثمان - وهي عصا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - فكسّرها على ركبته. ودخل عثمان داره فصلّى بالناس سهل بن حنيف(1).
وعن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة... الحديث، وقال فيه: إنّ عثمان قال له: قبّحك اللّه وقبح ما جئت به. قال أبو حبيبة: ولم يكن ذلك إلا عن ملإ من الناس، وقام إلى عثمان شيعته من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار، وكان آخر يوم رأيته فيه(2).
جاءت عائشة إلى عثمان، فقالت: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر، قال: لا أجد له موضعاً في الكتاب ولا في السنة، ولكن كان أبوك وعمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما، وأنا لا أفعل. قالت: فأعطني ميراثي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟! قال: أو لم تجىء فاطمة (عليها السلام) تطلب ميراثها من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فشهدت أنت ومالك بن أوس البصري أنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يورّث، وأبطلت حقّ فاطمة وجئت تطلبينه؟! لا أفعل.
وكان عثمان متكئاً فاستوى جالساً، وقال: ستعلم فاطمة أيّ ابن عم لها منّي اليوم؟! ألست وأعرابي يتوضّأ ببوله شهدت عند أبيك.
فكان إذا خرج عثمان إلى الصلاة أخرجت قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتنادي أنه قد خالف صاحب هذا القميص.
هذا قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم تبل وقد غيّر عثمان سنته، اقتلوا نعثل قتل
ص: 259
اللّه نعثلاً(1).
وعن موسى الثعلبي، عن عمّه، قال: دخلت مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون، وإذا كفّ مرتفعة وصاحب الكف يقول: يا أيها الناس! العهد حديث، هاتان نعلاً رسول اللّه وقميصه إنّ فيكم فرعون أو مثله، فإذا هي عائشة تعني عثمان، وهو يقول: اسكتي إنّما هذه امرأة رأيها رأي المرأة.
وعن الحسن بن سعيد، قال: رفعت عائشة ورقات من ورق المصحف بين عودين من وراء حجابها - وعثمان على المنبر- ، فقالت: يا عثمان! أقم ما في كتاب اللّه إن تصاحب تصاحب غادراً، وإن تفارق تفارق عن قلى. فقال عثمان: أما واللّه لتنتهين أو لأدخلن عليك حمران الرجال وسودانها!!
قالت عائشة: أما واللّه إن فعلت لقد لعنك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم ما استغفر لك حتى مات.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: أخرجت عائشة قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال لها عثمان: لئن لم تسكتي لأملأنها عليك حبشاناً.
قالت: يا غادر يا فاجر! أخربت أمانتك ومزّقت كتاب اللّه. ثم قالت: واللّه ما ائتمنه رجل قط إلا خانه، ولا صحبه رجل قط إلا فارقه عن قلى.
قال: نظرت عائشة إلى عثمان، فقالت: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ}(2).
وعن عكرمة: أنّ عثمان صعد المنبر فاطلعت عائشة ومعها قميص رسول
ص: 260
اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم قالت: يا عثمان! أشهد أنّك برىء من صاحب هذا القميص. فقال عثمان: {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ...}(1) الآية.
وعن أبي عامر مولى ثابت، قال: كنت في المسجد فمرّ عثمان فنادته عائشة: يا غادر يا فاجر! أخرجت أمانتك وضيعت رعيتك، ولو لا الصلوات لاخمس لمشى إليك رجال حتى يذبحوك ذبح الشاة، فقال لها عثمان: {ٱمْرَأَتَ نُوحٖ وَٱمْرَأَتَ لُوطٖ...}(2) الآية.
وذكر الثقفي في أن عثمان صعد، فنادت عائشة ورفعت القميص، فقالت: لقد خالفت صاحب هذا. فقال عثمان: إنّ هذه الزعراء(3) عدوة اللّه، ضرب اللّه مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب: {ٱمْرَأَتَ نُوحٖ وَٱمْرَأَتَ لُوطٖ...}(4) الآية.
فقالت له: يا نعثل يا عدو اللّه! إنّما سمّاك رسول اللّه باسم نعثل اليهودي الذي باليمن... ولاعنته ولاعنها.
وعن القاسم بن مصعب العبدي، قال: قام عثمان ذات يوم خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: نسوة يكبن في الآفاق لتنكث بيعتي ويهراق دمي، واللّه لو شئت أن أملأ عليهن حجراتهن رجلاً سوداً وبيضاً لفعلت، ألست ختن رسول اللّه على ابنتيه؟ ألست جهّزت جيش العسرة؟ ألم أك رسول رسول اللّه
ص: 261
إلى أهل مكة؟ قال: إذ تكلّمت امرأة من وراء الحجاب، قال: فجعل يبدو لنا خمارها أحياناً، فقالت: صدقت، لقد كنت ختن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على ابنتيه، فكان منك فيهما ما قد علمت، وجّهزت جيش العسرة وقد قال اللّه تعالى: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً}(1) وكنت رسول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى أهل مكة غيبك عن بيعة الرضوان لأنّك لم تكن لها أهلاً، قال فانتهرها عثمان، فقالت: أمّا أنا فأشهد أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: إنّ لكل أمة فرعون، وإنّك فرعون هذه الأمة.
وعن عائشة بنت قدامة، قالت: سمعت عائشة زوج النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول [كذا] - وعثمان محصور قد حيل بينه وبين الماء - : أحسن أبو محمد حين حال بينه وبين الماء. فقالت لها: يا أمه! على عثمان. فقالت: إنّ عثمان غير سنّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسنّة الخليفتين من قبله فحلّ دمه.
وعن علقمة بن أبي علقمة، عن أبيه، عن عائشة أنّها كانت أشد الناس على عثمان تحرض الناس عليه وتؤلّب حتى قتل(2)، فلما قتل وبويع علي (عليه السلام) طلبت بدمه(3).
ص: 262
عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: جاءت عائشة إلى عثمان، فقالت له: أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر بن الخطاب! فقال: لم أجد لك موضعاً في الكتاب ولا في السنة، وإنّما كان أبوك وعمر بن الخطاب يعطيانك بطيبة من أنفسهما، وأنا لا أفعل. قالت: فأعطني ميراثي من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . فقال لها: أولم تحسبي أنت ومالك بن أوس النصري(1) فشهدتما أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يورّث حتى منعتما فاطمة ميراثها، وأبطلتما حقّها، فكيف تطلبين اليوم ميراثاً من النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟! فتركته وانصرفت، وكان عثمان إذا خرج إلى الصلاة أخذت قميص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على قصبة فرفعته عليها، ثم قالت: إنّ عثمان قد خالف صاحب هذا القميص وترك سنته.
فلما آذته صعد المنبر، فقال: إنّ هذه الزعراء عدوّة اللّه ضرب اللّه مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب: {ٱمْرَأَتَ نُوحٖ وَٱمْرَأَتَ لُوطٖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَٰلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}(2) إلى قوله: {وَقِيلَ ٱدْخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِينَ}(3)، فقالت له: يا نعثل! يا عدوّ اللّه! إنّما سمّاك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) باسم نعثل اليهودي الذي باليمن، فلاعنته ولاعنها، وحلفت أن لا تساكنه بمصر أبداً، وخرجت إلى مكة.
ص: 263
وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً قتل اللّه نعثلاً، فلقد أبلى سنّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهذه ثيابه لم تبل، وخرجت إلى مكة.
وروي أنّه لما قتل عثمان جاءت عائشة إلى المدينة فلقيها فلان فسألته عن الأموال فخبَّرها وأنّ الناس اجتمعوا على علي (عليه السلام) ، فقالت: واللّه لأطالبن بدمه. فقال لها: وأنت حرصت على قتله. قالت: إنّهم لم يقتلوه حيث قلت ولكن تركوه حتى تاب ونقي من ذنوبه وصار كالسبيكة وقتلوه(1).
إنّ علياً (عليه السلام) خطب الناس بعد قتل عثمان فذكر أشياء...، من جملتها قوله (عليه السلام) : سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه، ويله! لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيراً له، شغل عن الجنة، والنار أمامه.
ورووا عن علي بن خرور، عن الأصبغ بن نباته، قال: سأل رجل علياً (عليه السلام) عن عثمان، فقال: وما سؤالك عن عثمان؟ إنّ لعثمان ثلاث كفرات، وثلاث غدرات، ومحل ثلاث لعنات، وصاحب بليّات، لم يكن بقديم الإيمان ولا ثابت الهجرة، وما زال النفاق في قلبه، وهو الذي صدّ الناس يوم أحد...(2).
وعن حكيم بن جبير، عن أبيه، عن أبي إسحاق - وكان قد أدرك علياً (عليه السلام) - ، قال: ما يزن عثمان عند اللّه ذباباً. فقال: ذباباً؟! فقال: ولا جناح ذباب، ثم قال: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْنًا}(3).
ص: 264
وعن أبي سعيد التيمي، قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: أنا يعسوب المؤمنين وعثمان يعسوب الكافرين.
وعن أبي الطفيل: وعثمان يعسوب المنافقين.
وعن هبيرة بن مريم، قال: كنّا جلوساً عند علي (عليه السلام) ، فدعا ابنه عثمان، فقال له: يا عثمان! ثم قال: إنّي لم أسمّه باسم عثمان الشيخ الكافر، إنَّما سمّيته باسم عثمان بن مظعون.
وروي إنّ علياً (عليه السلام) كان يستنفر الناس ويقول: انفروا إلى أئمة الكفر وبقية الأحزاب وأولياء الشيطان، انفروا إلى من يقول: كذب اللّه ورسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا، واللّه إنّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيء.
وعن عمر بن هند، عن علي (عليه السلام) ، أنّه قال: لا يجتمع حبّي وحبّ عثمان في قلب رجل إلا اقتلع أحدهما صاحبه(1).
ونُقل إنّ جيفة عثمان بقيت ثلاثة أيام لا يدفن، فسأل علياً (عليه السلام) رجال من قريش في دفنه فأذن لهم على أن لا يدفن مع المسلمين في مقابرهم ولا يصلّى عليه، فلمّا علم الناس بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، فخرجوا به يريدون به حش كوكب مقبرة اليهود، فلما انتهوا به إليهم رجموا سريره(2).
عن مالك بن خالد الأسدي، عن الحسن ابن إبراهيم، عن آبائه، قال: كان
ص: 265
الحسن بن علي (عليه السلام) يقول: معشر الشيعة! علّموا أولادكم بغض عثمان، فإنّه من كان في قلبه حب لعثمان فأدرك الدجال آمن به، فإن لم يدركه آمن به في قبره(1).
عن بكر بن أيمن، عن الحسين بن علي (عليه السلام) ، قال: إنا وبني أمية تعادينا في اللّه فنحن وهم كذلك إلى يوم القيامة، فجاء جبرئيل (عليه السلام) براية الحق فركزها بين أظهرنا وجاء إبليس براية الباطل فركزها بين أظهرهم، وإنّ أول قطرة سقطت على وجه الأرض من دم المنافقين دم عثمان بن عفان(2).
وعن الإمام الحسين (عليه السلام) : أنّ عثمان جيفة على الصراط من أقام عليها أقام على أهل النار، ومن جاوزه جاوز إلى الجنة(3).
عن حكيم بن جبير، يرفعه إلى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أنّ عثمان جيفة على الصراط يعطف عليه من أحبّه ويجاوزه عدوّه(4).
عن محمد بن بشر، قال: سمعت محمد بن الحنفية يلعن عثمان ويقول:
ص: 266
كانت أبواب الضلالة مغلقة حتى فتحها عثمان(1).
عن عبد اللّه بن شريك، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، أنه قال: لا تكون حرب سالمة حتى يبعث قائمنا ثلاثة أراكيب في الأرض ركب يعتقون مماليك أهل الذمة، وركب يردون المظالم، وركب يلعنون عثمان في جزيرة العرب(2).
عن إبراهيم أنّه قال: إنّ عثمان عندي شرّ من قارون(3).
وعن جويبر، عن الضحّاك، قال: قال لي: يا جويبر! إعلم إنّ شرّ هذه الأمة الأشياخ الثلاثة، قلت: من هم؟ قال: عثمان وطلحة والزبير(4).
وعن الوليد بن زرود الرقي، عن أبي جارود العبدي، قال: أمّا عجل هذه الأمة فعثمان، وفرعونها معاوية، وسامريها أبو موسى الأشعري، وذو الثدية وأصحاب النهر ملعونون، وإمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (5).
وروي عن أبي الأرقم, قال: سمعت الأعمش يقول: واللّه لوددت أنّي
ص: 267
كنت وجأت عثمان بخنجر في بطنه فقتلته(1).
عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، قال: يرفع عثمان وأصحابه يوم القيامة حتى يبلغ بهم الثريا، ثم يطرحون على وجوههم(2).
عن أبي عبيدة الذهلي، قال: واللّه لا يكون الأرض سلماً سلماً حتى يلعن عثمان ما بين المشرق والمغرب لا ينكر ذلك أحد(3).
تناصر الخبر من طريقي الشيعة وأصحاب الحديث بأنّ عثمان وطلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن من جملة أصحاب العقبة الذين نفروا برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنّ عثمان وطلحة القائلان: أينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه؟! واللّه لو قد مات لأجلبنا على نسائه بالسهام، وقول طلحة: لأتزوجن أمّ سلمة، فأنزل اللّه سبحانه: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُواْ أَزْوَٰجَهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ أَبَدًا}(4).
ص: 268
وقال عثمان يوم أحد: لألحقنّ بالشام، فإنّ لي بها صديقاً يهودياً(1).
وقال طلحة: لألحقن بالشام فإنّ لي بها صديقاً نصرانياً، فأنزل اللّه تعالي: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ أَوْلِيَاءَۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٖ}(2).
وقال عثمان لطلحة - وقد تنازعا- : واللّه إنك أول أصحاب محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تزوّج بيهودية، فقال طلحة: وأنت واللّه لقد قلت ما ينجينا ها هنا إلا أن نلحق بقومنا(3).
في خبر أبي الهذيل حين ناظر الشيعي الذي يرمى بالجنون، قال له: أخبرني - يا أبا الهذيل - عن عمر حين صيّرها شورى في ستة وزعم أنّهم من أهل الجنة، فقال: إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين، وإن خالف ثلاثة لثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذي ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف، فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنة؟!
و أخبرني - يا أبا الهذيل - عن عمر لما طعن دخل عليه عبد اللّه بن العباس قال: فرأيته جزعاً، فقلت: يا أميرالمؤمنين! ما هذا الجزع؟ فقال: يا ابن عباس! ماجزعي لأجلي ولكن لهذا الأمر من يليه بعدي.
قال: قلت: ولها طلحة بن عبيد اللّه.
ص: 269
قال: رجل له حدّة، كان النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يعرفه فلا أولّي أمور المسلمين حديداً. قال: قلت ولها زبير بن العوام. قال: رجل بخيل، رأيت يماكس امرأته في كبة من غزل، فلا أولّي أمور المسلمين بخيلاً. قال: قلت: ولها سعد بن أبي وقاص. قال: رجل صاحب فرس وقوس وليس من أحلاس الخلافة. قلت: ولّها عبد الرحمن بن عوف. قال: رجل ليس يحسن أن يكفي عياله. قال: قلت: ولها عبد اللّه بن عمر، فاستوى جالساً وقال: يابن عباس! ما واللّه أردت بهذا، أولي رجلاً لم يحسن أن يطلق امرأته؟ قلت: ولها عثمان بن عفان. فقال: واللّه لئن وليته ليحملن آل أبي معيط على رقاب المسلمين، وأوشك - إن فعلها - أن يقتلوه... قالها ثلاثاً، ثم سكت لما أعرف من معاندته لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال لي: يابن عباس! اذكر صاحبك.
قال: قلت: ولّها علياً.
قال: واللّه ما جزعي إلا لما أخذنا الحق من أربابه، واللّه لئن ولّيته ليحملنهم على المحجّة العظماء، وإن يطيعوه يدخلهم الجنة... فهو يقول هذا ثم صيرها شورى بين الستة، فويل له من ربّه...(1).
قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) ، لمّا كتب عمر كتاب الشورى بدأ بعثمان في أول الصحيفة وأخّر علياً أميرالمؤمنين (عليه السلام) فجعله في آخر القوم، فقال العباس: يا أميرالمؤمنين! يا أبا الحسن! أشرت عليك في يوم قبض رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن تمدّ يدك فنبايعك فإنّ هذا الأمر لمن سبق إليه، فعصيتني حتى بويع أبو بكر، وأنا أشير عليك اليوم أنّ عمر قد كتب اسمك في الشورى وجعلك
ص: 270
آخر القوم وهم يخرجونك منها، فأطعني ولا تدخل في الشورى، فلم يجبه بشيء، فلما بويع عثمان قال له العباس: ألم أقل لك؟ قال له: يا عمً إنه قد خفي عليك أمر، أما سمعت قوله على المنبر: ما كان اللّه ليجمع لأهل هذا البيت الخلافة والنبوة؟ فأردت أن يكذّب نفسه بلسانه فيعلم الناس أن قوله بالأمس كان كذباً باطلاً، وأنا نصلح للخلافة، فسكت العباس(1).
قال علي (عليه السلام) : أما إني أعلم أنهم سيولّون عثمان، وليحدثّن البدع والأحداث، ولئن بقي لأذكرنك وإن قتل أو مات ليتدوالنها، بنو أمية بينهم وإن كنت حياً لتجدّني حيث يكرهون(2).
وعن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: حجّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فأقام بمنى ثلاثاً يصلّي ركعتين، ثم صنع ذلك أبوبكر، ثم صنع ذلك عمر، ثم صنع ذلك عثمان ست سنين ثم أكملها عثمان أربعاً، فصلّى الظهر أربعاً ثم تمارض ليشد بذلك بدعته، فقال للمؤذّن: اذهب إلى علي (عليه السلام) فليقل له فليصل بالناس العصر، فأتى المؤذّن علياً (عليه السلام) ، فقال له: إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن تصلّي بالناس العصر، فقال: لا، أذن لا أصلّي إلا ركعتين كما صلّى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فذهب المؤذّن فأخبر عثمان بما قال علي (عليه السلام) ، فقال: اذهب إليه وقل له: إنّك لست من هذا في شيء، اذهب فصلّ كما تؤمر. قال علي: لا واللّه لا أفعل... فخرج عثمان فصلّى بهم أربعاً، فلما كان في خلافة معاوية
ص: 271
واجتمع الناس عليه وقتل أميرالمؤمنين (عليه السلام) حج معاوية فصلّى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثم سلّم، فنظرت بنو أمية بعضهم إلى بعض وثقيف ومن كان من شيعة عثمان ثم قالوا: قد قضى على صاحبكم وخالف وأشمت به عدوه، فقالوا فدخلوا عليه، فقالوا: أتدري ما صنعت؟ ما زدت على أن قضيت على صاحبنا، وأشمت به عدوّه، ورغبت عن صنيعه وسنّته، فقال: ويلكم! أما تعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) صلّى في هذا المكان ركعتين وأبوبكر وعمر، وصلّى صاحبكم ست سنين كذلك، فتأمروني أن أدع سنّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وما صنع أبوبكر وعمر وعثمان قبل أن يحدث، فقالوا: لا واللّه، ما نرضى عنك إلا بذلك! قال: فاقبلوا فإنّي متبعكم وراجع إلى سنة صاحبكم، فصلّى العصر أربعاً فلم تزل الخلفاء والأمراء على ذلك إلى اليوم(1).
ص: 272
ص: 273
ص: 274
قال اللّه تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ}(1).
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ}(2).
وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا}(3).
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: للكفر جناحان: بنو أمية وآل المهلب(4).
قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ
ص: 275
عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}(1)، نزلت في بني أميّة، حيث خالفوا نبيّهم على أن لا يردّوا الأمر في بني هاشم، ثم قال: يبتغون عندهم العزّة يعني: القوة(2).
قال الإمام في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بَِٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}(3)، نزلت في بني أميّة، ثم قال: ... {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ}(4).
عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: {إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}(5)، قال (عليه السلام) : نزلت في بني أميّة، فهم أشرّ خلق اللّه، هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون(6).
في قوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ}(7) ورد رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
ص: 276
كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السماء، وبنو أميّة لا يذكرون اللّه في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم(1).
عن عثمان بن عيسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: سألته عن قول اللّه عزّوجلّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا}(2).
قال: نزلت في الأفجرين من قريش بني أميّة وبني المغيرة، فأمّا بنو المغيرة فقطع اللّه دابرهم، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين. ثم قال: ونحن واللّه نعمة اللّه التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز(3).
قال علي بن إبراهيم في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلْقُرْءَانِ}(4)، قال: نزلت لما رأى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في نومه كأنّ قروداً تصعد منبره فساءه ذلك وغمّه غمّاً شديداً فأنزل اللّه: {وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ}(5) لهم ليعمهوا فيها {وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلْقُرْءَانِ}(6) كذلك نزلت، وهم بنو أميّة(7).
ص: 277
عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: {وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ}(1) يعني: بني أميّة(2).
عن النضر بن مالك، قال: قلت للحسين بن علي (عليه السلام) : يا أبا عبداللّه! حدّثني عن قول اللّه عزّوجلّ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ}(3)، قال: نحن وبنو أمية اختصمنا في اللّه عزّوجلّ، قلنا: صدق اللّه، وقالوا: كذب اللّه، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة(4).
عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، قال: إنّ للنار سبعة أبواب: باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون، وباب يدخل منه المشركون والكفار ممّن لم يؤمن باللّه طرفة عين، وباب يدخل منه بنو أميّة هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد، وهو باب لظى، وهو باب سقر، وهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفاً، فكلّما هوى بهم سبعين خريفاً فصار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفاً، ثم هوى بهم كذلك سبعين خريفاً، فلا يزالون هكذا أبداً خالدين مخلّدين، وباب يدخل فيه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا،
ص: 278
وإنّه لأعظم الأبواب وأشدّها حراً(1).
عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله: {وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}(2) يعني إنكارهم ولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام) (3).
سأل عبد اللّه بن عطاء المكي الباقر (عليه السلام) عن قوله: {رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ}(4) ... لولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام) (5).
وقال (عليه السلام) : نزلت هذه الآية على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هكذا، وقال: (الظالمون)(6) آل محمد حقّهم {لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ}(7) وعلي هو العذاب، {هَلْ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ}(8)، يقولون: نردّ فنتولّى علياً (عليه السلام) ، قال اللّه: {وَتَرَىٰهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا}(9)
... يعني أرواحهم تعرض على النار {خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ}(10) إلى علي
ص: 279
{مِن طَرْفٍ خَفِيّٖ}(1) ف{قَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ}(2) بآل محمد {إِنَّ ٱلْخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَلَا إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ}(3) لآل محمد حقهم {فِي عَذَابٖ}(4) أليم(5).
في تفسير علي بن إبراهيم القمي: {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ}(6) قال: كفروا بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصدّوا عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) زدناهم عذاباً فوق العذاب: {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ}(7).
وبهذا ينتهي ما أردنا ذكره في هذا الكتاب.
نسأل اللّه المنتقم الجبار أن يعجّل في فرج منتقم آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليأخذ الثار لأمّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أنَّه قريب مجيب.
بجوار السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)
والدة السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه)
ص: 280
«اللّهم العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وإفكيها وابنتيهما اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وقلبّا دينك وحرّفا كتابك، وعطّلا أحكامك، وأبطلا فرائضك، وألحدا في آياتك، وعاديا أولياءك، وواليا أعداءك، وخرّبا بلادك، وأفسدا عبادك. اللّهم العنهما وأنصارهما فقد أخربا بيت النبوة، وردما بابه، ونقضا سقفه، وألحقا سماءه بأرضه، وعاليه بسافله، وظاهره بباطنه، واستأصلا أهله، وأبادا أنصاره، وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيّه، ووارثه، وجحدا نبوته، وأشركا بربهما، فعظّم ذنبهما وخلّدهما في سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر، اللّهم العنهم بعدد كل منكر أتوه، وحقّ أخفوه، ومنبر علوه، ومنافق ولّوه، ومؤمن أرجوه، وولي آذوه، وطريد آووه، وصادق طردوه، وكافر نصروه، وإمام قهروه، وفرض غيّروه، وأثر أنكروه، وشرّ أضمروه، ودمّ أراقوه، وخبر بدلّوه، وحكم قلّبوه، وكفر أبدعوه، وكذب دلّسوه، وإرث غصبوه، وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلّوه، وباطل أسّسوه، وجور بسطوه، وظلم نشروه، ووعد أخلفوه، وعهد نقضوه، وحلال حرّموه، وحرام حلّلوه، ونفاق أسروه، وغدر أضمروه، وبطن فتقوه، وضلع كسروه، وصكّ مزّقوه، وشمل بددوه، وذليل أعزّوه، وعزيز أذلّوه، وحقّ منعوه، وإمام خالفوه، اللّهم
ص: 281
العنهما بكل آية حرّفوها، وفريضة تركوها، وسنّة غيّروها، وأحكام عطّلوها، وأرحام قطعوها، وشهادات كتموها، ووصية ضيّعوها، وأيمان نكثوها، ودعوى أبطلوها، وبيّنة أنكروها، وحيلة أحدثوها، وخيانة أوردوها، وعقبة ارتقوها، ودباب دحرجوها، وأزياف لزموها، وأمانة خانوها، اللّهم العنهما في مكنون السرّ وظاهر العلانية لعناً كثيراً دائباً أبداً دائماً سرمداً لا انقطاع لأمده، ولا نفاد لعدده، يغدو أوّله ولا يروح آخره لهم ولأعوانهم وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم والمسلِّمين لهم والمائلين إليهم والناهضين بأجنحتهم والمقتدين بكلامهم والمصدِّقين بأحكامهم، ثم يقول: اللّهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار آمين رب العالمين، أربع مرات»(1).
ص: 282
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد، فقد حظيت المرأة المؤمنة بمراتب عُليا تحت ظل الإسلام الحنيف، فسجّلت بمواقفها الخالدة خير صور في صفحات التاريخ، وأثبتت شموخ شخصيتها من خلال أدوارها المشرّفة في مختلف المجالات.
ولكن وللأسف لم يطّلع العالم على عظمة دور المرأة المؤمنة وبقيت تضحياتها الخالدة طيّ النسيان، فلم تُسلّط الأضواء على مكانتها بالشكل المؤاتي، بل بقيت خدمات المرأة المؤمنة ومواقفها البطولية وتضحياتها العظيمة مبعثرة في طيات بعض الكتب التي لايكاد يطلع عليها أحد.
فمنذ اليوم الأول الذي صدع فيه سيد المرسلين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بدعوته الخالدة ودعا الناس إلى الوحدانية وعانا من أجل ذلك ما عانا كانت إلى جنبه السيدة خديجة (عليها السلام) التي بذلت كل ما تملك في سبيل إعلاء كلمة الحق ونصرة الرسالة الخاتمة.
وبقيت تلك المرأة المضحّية تساند الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتذود عن الحقّ
ص: 283
وتقدّم الغالي والنفيس إلى أن قدّمت كل ما تملك في سبيل اللّه وبلغ بها الأمر بعد أن كانت من أثرى أهل مكة أن لاتملك كفناً لآخرتها وسألت الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن يكفّنها بردائه.
وتشاء إرادة الرب عزّ وجلّ أن يُحرم النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الأولاد الذكور ويرزق بامرأة صديّقة فاقت نساء العالمين من الأولين والآخرين قداسة ورتبة ومنزلة، فكانت هي الأخرى خير عون لأبيها.
وبعد رحيل النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وغصب حقّ الوصي (عليه السلام) ارتدّ الناس على أعقابهم وأعرضوا عن أهل بيت الرسالة وعزّ النصير، فلم يقف للقوم ويدافع عن حريم الولاية وحقّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) سوى الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) التي وقفت أمام القوم بكل صلابة وكشفت للعالم على مرّ العصور أحقيّة بعلها بالخلافة.
كما احتذت ابنتها أمّ المصائب عقيلة الهاشميين نهج أمّها الزهراء عليهما الصلاة والسلام فسجّلت هي الأخرى مواقف بطولية خالدة سجّلها التأريخ في أنصع صفحاته عن خير امرأة مقدّسة حملت راية الحق ودافعت عن العقيدة الحقّه.
وفي تأريخنا الإسلامي هناك صفحات من نور لشخصيات نسوية رائعة كان لموقعهن الفاعل على مسرح الأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية صدى كبيراً، ومواقف إيمانية صلبة ثابتة، بحيث صارت تلك المواقف البطولية قدوة حسنة ومثلاً أعلى للرجال والنساء معاً... .
ومن الواضح أنّ الإسلام لم يحصر دور المرأة في تربية الأطفال ورعاية الزوج وإدارة شؤون المنزل، بل وهبها مساحة واسعة للتحرّك، تستطيع من
ص: 284
خلالها القيام بمسؤوليتها في نطاق ثقافتها وطاقتها الاجتماعية في تشخيص مواطن الخلل وإصلاحها، كمن ترى في نفسها القدرة اللازمة على أن تهدي جمهوراً نسوياً إلى الطريق المستقيم.
ومن هنا نجد القرآن الكريم لم يلغ مسؤولية المرأة بحجّة دورها المنزلي، بل فرض عليها التزامات طبيعية، فحمّلها مع الرجل مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٖ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1)، وقد نُقل في القرآن نماذج فريدة من النساء اللواتي تفوّقن على الرجال في عصرهن في سعة النظر، ودقّة الفكر، وعمق الوعي، ووضوح الرؤية كما هو الحال في مريم العذراء، وامرأة فرعون، وملكة سبأ.
ولايكاد يخلو زمن من نساء عظيمات شاطرن العظماء مسيرتهم في تشييد مجد الأمم وحضارات الشعوب في مختلف الميادين، والشواهد على ذلك كثيرة لايسع المقام لاستقصائها... .
ومن النساء العظيمات في الزمان الحاضر هي مؤلّفة الموسوعة التي بين يديك عزيزي القارئ، فهي من النساء الصالحات اللواتي خدمن العقيدة بمواقفهن ولسانهن وقلمهن، فتركت خير تراث للأجيال عبر التأريخ.
من هنا وجدنا من الجدير بنا أن نشير إلى نبذة حول سيرة هذه السيدة الصالحة.
ص: 285
قبل أن نتحدّث عن مؤلّفة الموسوعة لابأس أن نعرّج بالحديث عن النسب الطيّب لها، فهي من الأب تنتسب إلى الوجيه الحاج صالح معاش المعروف في أوساط الكربلائيين بالصلاح والتقى.
فقد كان (رحمه اللّه) معروفاً لدى الجميع بالتديّن والتقوى والورع، فلايكاد يُفتقد يوماً بين صفوف المصلّين في صلاة الجماعة، حيث كان يصلّي الظهر تارة في المسجد القمّي خلف الشيخ نظر علي، وأخرى في مسجد العطّارين خلف الميرزا مهدي الشيرازي، وأمّا صلاة المغرب و العشاء فكان ملتزماً بصلاة الميزرا مهدي الشيرازي في الصحن الحسيني الشريف.
وكان في بداية شهر رجب يعطي مسؤول أعماله جميع مفاتيح القيصيرات و المحلاّت التجارية ويقول له: تصدّ للعمل إلى أن أرجع من السفر، ثم يتوجه إلى اللّه تبارك وتعالى قائلاً: إلهي عملت لنفسي وللدنيا تسعة أشهر وأريد أن أعمل لك و للآخرة ثلاثة أشهر، فكان يتفرّغ للعبادة في شهري رجب وشعبان ويقضيهما في العتبات المقدّسة: سامراء والكاظمية والنجف الأشرف، أمّا شهر رمضان فيقضيه بالعبادة والتهجّد في حرم الإمام الحسين (عليه السلام) ، وبعد عيد الفطر كان يستلم مفاتيح المحلاّت ويزاول عمله من جديد.
وكانت أياديه البيضاء تعمّ كثيراً من المحتاجين حتى عُرف عنه أنه لايردّ أحداً خائباً من إحسانه، ففي بدايات عمله - وهو بأمسّ الحاجة إلى تنمية أمواله - كان يشاهد بعض المحتاجين يأخذون من بضائع محلّه خُفية ظناً منهم أنه لم يشاهدهم ومع ذلك لم يكن يظهر لهم شيئاً بل يغضّ الطرف
ص: 286
ويعفو عنهم.
وكان البعض يشترون منه البضائع ويتأخّرون في تسديد الثمن، فكان يطالبهم بالتسديد فقط دون أن يغضب أو يشدّد عليهم بل يمهلهم إلى أن يتمكنوا من التسديد.
و قد اشترى بستاناً كبيراً في محلّة باب بغداد فيه شتى الثمار كان يعطي محصولها لصهره الإمام الشيرازي ليصرفه في الشؤون الدينية.
نقل نجله الحاج هادي معاش في خصوصيات وأخلاقيات والده، فقال: كان الوالد يهتم بالفقراء والمساكين كثيراً، فقد كان هناك رجلاً كبيراً في السنّ مُقعداً يسكن في إحدى حجر حرم الإمام الحسين (عليه السلام) ، كان الوالد يهتم به كثيراً ويأمرني أن أذهب إليه يومياً وأقضي حوائجه، فكنت أهيّأ له احتياجاته كالفحم للشتاء والأكل وما أشبه ذلك، وكان الوالد يزوره يومياً ويتفقّد أحواله.
وكانت له علقة خاصة بالمولى أبي عبداللّه الحسين (عليه السلام) وهي سرّ موفقيّته في الحياة خاصة التجارة، وإلى ذلك يشير حفيده المرحوم آية اللّه السيد محمد رضا الشيرازي قائلاً: كان الجدّ (رحمه اللّه) - قبل زواجه - يعمل لدى أحد التجّار المؤمنين في كربلاء ويدير تجارته بشكل كامل.
وعندما أراد الزواج لم يكن يملك شيئاً، فاضطر أن يطلب من صاحب التجارة قرضاً فأبى أن يقرضه، وعلّل ذلك أن تجارتي قائمة على عاتقك، وزواجك يشغلك عن إدارة التجارة ممّا يؤدّي إلى ضرري فلن أساعدك لكي لا أتضرّر، فانزعج الحاج صالح بشدّة وقدّم استقالته وتوجه مباشرة إلى حرم الإمام الحسين (عليه السلام) ووقف عند الضريح المبارك، وقال: سيدي يا أبا
ص: 287
عبد اللّه كنت أعمل عند فلان ومن الآن أريد أن أعمل عندك، فسهّل لي ذلك على أن يكون ثلث أرباحي لك.
وما أن فرغ الحاج صالح من العهد مع المولى أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) وقبل أن يخرج من الحرم الشريف التقى بشخص قال له: يوجد محل عند باب القبلة للأجرة، فهل ترغب في استئجاره؟
فقال الحاج صالح: نعم، لكنّي لا أملك شيئاً من المال.
قال الرجل: لا بأس استأجره وسدّد الإيجار عند الربح، فوافق الحاج صالح واستأجر المحل.
ثم إنه ذهب إلى بغداد لشراء البضائع وقال للبائع: كنت اشتري منك البضائع لفلان والآن أريد أن اشتري لي على أن اُسدّد ثمنها بعد بيعها، فوافق البائع، وعلّق قائلاً: إننّي أعرفك بالصدق و الأمانة وسأبيعك البضائع.
وهكذا وبمرور الزمن أسّس الحاج صالح لنفسه حياة مستقلة وشيئاً فشيئاً صار من الوجهاء التجّار يمتلك محلاّت تجارية متعدّدة حيث منّ اللّه عزّ وجلّ عليه برزق واسع كان يخصّص ثلث وارداته لسيد الشهداء (عليه السلام) .
ونقل نجله الحاج رسول معاش، فقال: في إحدى السنين خسر الوالد في التجارة وضاقت علينا المعيشة، وكان بعض أهل السوق يبيعون بأسعار زهيدة ممّا أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي للوالد بشدّة.
آنذاك عرضنا على الوالد أن نعينه في التجارة فرفض، وفي أحد الأيام جاء إلى البيت - وكان وضعه سيئا للغاية - وكان لدينا طفلاً صغيراً، فرفعه نحو السماء وأخذ يبكي ويقول: الهي إن أعنتني في هذه الأزمة ورجعت إلى وضعي الاقتصادي السابق فسأقاسم الإمام الحسين (عليه السلام) نصف أرباحي.
ص: 288
ولم تمض ستة أشهر حتى انقلب الأمر حيث تغيّر وضع الوالد إلى الأحسن، فكان (رحمه اللّه) في كل سنة لما يجرد حساباته السنوية يخرج خمس وزكاة أمواله، ويقسّم البقية إلى قسمين: قسم لمعيشته والآخر كان يوزّعه على الأمور الخيرية من دعم الهيئات والحسينيات وقضايا التزويج وحل مشاكل الناس وما أشبه.
أمّا والدة السيدة أم محمد رضا فهي الحاجّة رباب وكانت امرأة مؤمنة صالحة، تخاف اللّه، ملتزمة بصلواتها وعبادتها.
يقول نجلها الحاج جواد معاش: كانت الوالدة هادئة جداً، ذات خلق رفيع، وسجايا ممدوحة، فلم نعهدها يوماً تغضب علينا أوتزجرنا، بل ولم تكلّفنا يوماً بشيء، وكانت لا تتوقّع من أحد شيئاً حتى زوجها الذي يعتبر أقرب الناس إليها.
من هكذا أب وأمّ ولدت الحاجّة زينب معاش في مدينة كربلاء المقدّسة وذلك في سنة 1363ه- ونشأت وسط أجواء إيمانية مفعمة بالحب والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) إلى أن شاءت إرادة اللّه عزّ وجلّ أن تكون حرم المرجع الديني السيد محمد الشيرازي و والدة السيد المقدّس السيد محمد رضا الشيرازي، وهما من النوادر الذين أثروا تأثيراً كبيراً على العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر.
كانت السيدة زينب - كما ينقل الحاج جواد معاش - تختلف عن أخواتها جميعاً، فقد امتازت بنورانية خاصة، وكانت مراقبة لصلواتها وعبادتها وأدعيتها وزياراتها، وكانت حريصة أشد الحرص على الذهاب إلى الحرم
ص: 289
الشريف مع والدتها، ويمكن القول: بأنّ السيد محمد رضا ورث منها خصوصياتها.
ولم تدخل المدارس الأكاديمية وذلك للنظرة السائدة آنذاك عنها حيث كان الناس يعتقدون أنها اُنشئت لتضليل الفتيات وإخراجهن عن ربقة الإيمان، بل شاركت في الكتّاب لتتعلّم قراءة القرآن والأحكام الشرعية والأخلاق الإسلامية.
حريّ بنا قبل أن نشير إلى اقتران هذه السيدة الكريمة بالمرجع الديني السيد محمد الشيرازي رضوان اللّه عليه أن ننقل الكلام حول المرجع الراحل ونتطرّق إلى نبذة من حياته ثم نسوق الحديث إلى الزواج المبارك بينهما.
فهو من سلالة أهل بيت الرسالة عليهم أفضل الصلاة والسلام إذ يتصل نسبه بزيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أسرة آل الشيرازي العريقة التي عُرفت بأعلامها ورجالاتها.
توسّل والده المقدّس الميرزا مهدي الشيرازي (رحمه اللّه) بأهل البيت (عليهم السلام) كي يرزق بابن عظيم يحمل لواء الدين، فولد السيد محمد رضوان اللّه عليه في النجف الأشرف سنة 1347ه- ببركة هذه التوسّلات.
نشأ وترعرع في أقدس بقاع الأرض كربلاء المقدّسة مدينة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ، وانكبّ على تعلّم علوم أهل البيت (عليهم السلام) ونشر معارفهم الإلهية في سنّ مبكر، فاستطاع بكفاءة أن يدرّس طلابه كتاب (كفاية الأصول) وهو من أهم كتب الأصول في الحوزات العلمية ولم يكن عمره
ص: 290
يتجاوز الثامنة عشر عاماً.
وبقي سماحته (قدس سره) ينهل من علوم أهل البيت (عليهم السلام) ويغترف من معارفهم القيّمة مستفيداً من أكابر أساتذة الحوزات العلمية أمثال والده الميرزا السيد مهدي الشيرازي والسيد محمد هادي الميلاني وغيرهما من فطاحل الحوزة العلمية في كربلاء.
تصدّى للمرجعية بعد وفاة والده سنة 1380ه- ولم يكن عمره آنذاك يتجاوز الثلاثة والثلاثين عاماً، ونهض بأعبائها الثقيلة على أحسن وجه.
وقد شهدت مدينة كربلاء المقدّسة أيامه حركة علمية قويّة، ونشاطات دينية حيويّة حيث فعّل سماحته الساحة الدينية وأكثر من تأسيس المراكز والمؤسّسات الدينية في شتى أنحاء العراق خاصة كربلاء المقدسة، وإلى ذلك يشير المجدّد الشيرازي (رحمه اللّه) في كتابه (عشت في كربلاء) قائلاً: فقد قمت - ومنذ عشرين سنة تقريباً - بباكورة أعمالي في حقل الخدمة العامة، بمعونة جملة من علمائنا الأعلام والتجّار المحترمين، بتأسيس مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) الأهلية في كربلاء المقدّسة، وحيث إنّ التأسيس كان أول عملنا في مثل هذا الحقل، فقد واجهتنا جميعاً صعوبات مرهقة.
وقال في موضع آخر: وبعد تلك الباكورة... قمنا نحن المؤسسين لمدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) بفتح أول مكتبة أهلية عامة في كربلاء المقدّسة لأجل المطالعة، في المدرسة الهندية الكبرى والتي سمّيت ب- (المكتبة الجعفرية).
كما شرعنا بتأسيس مجلّة تجيب على كل الأسئلة الإسلامية التي توجّه إلينا، وسمّيت المجلّة باسم (أجوبة المسائل الشرعية). كما شرعنا في تأسيس جمعية باسم (الجمعية الخيرية الإسلامية).
ص: 291
وفي موضع آخر قال: وحيث أني الآن بصدد عرض شيء من ذكرياتي في كربلاء المقدسة، نكتفي بالقول: لقد وفّق اللّه سبحانه وتعالى جماعة من أهالي الخير والإحسان إلى فتح مشاريع كثيرة، كنت عضواً في جملة منها.
وكإشارة إلى هذه المشاريع، يكفي الإنسان أن يعلم أنّ مؤسسة واحدة، هي مؤسسة حفّاظ القرآن الحكيم، كان لها ثلاثون مؤسسة، تزاول مختلف أنواع النشاط الثقافي، والصحّي والاجتماعي، والتربوي، والصناعي، وغيرها.
كما أنّ كربلاء المقدسة أخذت تصدّر مجلات شهرية كثيرة أهمّها (القرآن يهدي)، و (أعلام الشيعة)، و (أجوبة المسائل الدينية)، و (منابع الثقافة الإسلامية)، و (مبادئ الإسلام)، و (صوت المبلّغين)، و (صوت العترة)، و (الأخلاق والآداب)، و (ذكريات المعصومين (عليهم السلام) )، و (نداء الإسلام)، و (صوت شباب التوحيد).
وإذا أراد الإنسان أن يعلم مدى خدمة هذه المجلات في البلاد، فيكفيه أن يعلم أن مجلة واحدة منها وهي (منابع الثقافة الإسلامية) نشرت في مدة عشر سنوات، أكثر من نصف مليون كتاب... .
وكانت في كربلاء المقدّسة حركة ثقافية أخرى، هي حركة نشر الكتب المجانية، وقد كنت بنفسي أدير دفّة هذه المؤسسات، ممّا يصلني من التبرّعات والحقوق، وهذه المؤسسة تمكنت في ظرف عشر سنوات تقريباً، أن تنشر خمسة ملايين كتاب في شتى العلوم.
وهناك الكثير من تفاصيل حياة هذا المرجع العظيم في العراق والكويت وإيران لايسع المقام لذكرها تقصد في مظانّها من الكتب التي ألفت عن حياته رضوان اللّه عليه.
ص: 292
ورد في الأحاديث الشريفة عن أهل البيت (عليهم السلام) ضرورة انتخاب الزوجة الصالحة وتخيّرها من بين سائر النساء، بل إنّ من سعادة المرء هي الزوجة الصالحة، ففي الحديث عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من سعادة المرء الزوجة الصالحة(1).
وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، قال: ثلاثة للمؤمن فيها راحة، دار واسعة تواري عورته وسوء حاله من الناس، وامرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا والآخرة...(2).
وقال رسول اللَّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله(3).
وقد جمعت صاحبة الموسوعة خصالاً حميدة أهلتها أن تكون خير زوجة لخير مجاهد اجتمعا على التقى والولاء لآل محمد صلوات اللّه عليهم والتفاني من أجل العقيدة، فوجد المرجع الشيرازي فيها المعين والناصر على أمور الدنيا والدين، وقد تميّزت سيدة الموسوعة بخصال حميدة كثيرة سنشير إليها لاحقاً، ولكن وفضلاً عن الخصال الحميدة التي امتازت بها صاحبة الموسوعة بحيث جعلت المجدّد ينتخبها كشريكة له في الحياة الزوجية هناك أمور ينبغي ذكرها باختصار ومنها:
ص: 293
ما نقلته السيدة أم عباس حرم العلامة الحجّة السيد حسين الشيرازي، فقالت: ذات يوم ذهبنا إلى زيارة السيد العم آية اللّه العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله فنقل لنا قضية زواج الوالد من الوالدة، وكان ممّا نقله في حديثه، قال: ذات يوم جاءت رضيعتنا زوجة السيد كاظم القزويني (رحمه اللّه) و قالت للوالد: الحاج صالح معاش لديه بنت عابدة تصلح زوجة للسيد محمد.
كما كتب السيد محمد رضا القزويني الشاعر المعروف بقلمه حول زواج المرجع الشيرازي الراحل بصاحبة الموسوعة ما نصه: حدّثني ابن عمّنا المغفور له سماحة العلامة السيد محمد كاظم القزويني بعد أن صاهر آية اللّه العظمى المغفور له السيد ميرزا مهدي الشيرازي (رحمه اللّه) عن قصة زواج ولده الأكبر آية اللّه السيد محمد الشيرازي في ستينات القرن الماضي... .
أنه في ليلة من ليالي الجمعة و بعد الانتهاء من صلاة المغرب و العشاء والتي كان يقيمها في صحن سيدنا الحسين (عليه السلام) جاءه الحاج صالح معاش الذي كان معروفاً بالتديّن والصلاح، و قصّ عليه رؤيا ابنته و طلب من السيد تفسير هذه الرؤيا وكانت قد رأت البنت (كأنّ القمر ليلة كماله قد نزل و هبط بكل رفق في حجرها) فقال السيد (رحمه اللّه) : إنها ستتزوّج رجلاً عظيماً إن شاء اللّه، و بعد ذلك أوعز السيد (رحمه اللّه) إلى عائلته أن يذهبوا إلى دار الحاج صالح لرؤية الفتاة و خطبتها رسمياً بعد إقناعهم بها و إبلاغهم بأنّ أهم مطلب للسيد الأب وللسيد الابن (كليهما) أن تكون تجهيزات العروس أبسط ما يمكن من الأثاث، فإنّ التجمّلات بالأمور الدنيوية لا تناسب بيوت المرجعية و العلماء الأتقياء، فما كان من الحاج صالح و عائلته إلا الموافقة و التأييد حرفياً لما اشترطه السيد (رحمه اللّه) و لم تمر إلا أيام معدودة حتى تم
ص: 294
الزواج المبارك الذي كانت نتيجته أولاداً كراماً وهم: السيد محمد رضا و السيد مرتضى والسيد جعفر والسيد مهدي والسيد محمد علي والسيد محمد حسين، و ستة من البنات الكريمات، فكان لكل منهم شخصية فذّة تدل على عظمة التربية الدينية و الأخلاقية الفريدة.
وقد نُقل أنّ الميرزا السيد مهدي الشيرازي (رحمه اللّه) كان يريد تزويج السيد محمد من كريمة أحد مقلّديه التجّار، وبالفعل فقد عُرض الأمر على ذوي البنت فرحّبوا بالأمر بشدّة إلا أنّهم شرطوا أن يكون المهر ألف دينار حفاظاً على مكانتهم الاجتماعية كي لايعيبها نظائرها من النساء، ولكن السيد المجدّد رفض ذلك وأصرّ على أن يكون المهر مهر الزهراء (عليها السلام) .
وكلّما حاول والد البنت أن يوفّق بين الأمرين لم يستطع حتى أنه عرض على السيد محمد أن يتكفّل هو بالمهر وتكاليف الزواج كاملة على أن يعلن للملأ أنّ المهر ألف دينار، فرفض السيد محمد، و قال: إنّني أدعو الناس أن يجعلوا مهرهم مهر السنّة وأخالفهم؟
لطالما دعوت الناس أن يلتزموا بنهج رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فهل من الإنصاف أن أدعو الناس إلى شيء وأعمل بخلافه؟
ألم يوص رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقلّة المهر، فقال: خير نساء أمّتي أصبحهن وجهاً وأقلّهن مهراً(1).
إنّني اُريد أن أحارب هذه الأمور التي تعيق زواج الشباب و تؤخّرهم عن الزواج ومنها المهر الكثير، فهل يمكن لمن يخالف فعله قوله أن يصحّح
ص: 295
أفعال الآخرين؟
فبقي السيد الشيرازي مصرّاً على أن يكون المهر مهر السنّة، بينما خالف الرجل ذلك وانتفى الزواج، وبعدها خطب السيد كريمة الحاج صالح معاش وتزوّجها.
ونقل شقيقها الحاج رسول معاش، فقال: الكثير كانوا يرغبون في تزويج السيد محمد الشيرازي بناتهم ولكن السيد كان يرفض.
وقد كان الحاج عبد الرزاق معاش من الشباب المريدين للميرزا مهدي الشيرازي الملتزمين بصلاة الجماعة خلفه، وكان الميرزا يعتمد عليه في بعض أموره.
وفي أحد الأيام طلبه الميرزا مهدي وقال له: ادع لي والدك وقل له: الميرزا يطلبك.
ولما جاء الوالد إلى الميرزا عرض عليه فكرة الخطوبة من إحدى بناته للسيد محمد، وأردف الميرزا قائلاً: لا نريد أن نكلّفكم الكثير، بل نريد أن يتم الموضوع ببساطة خلال أسبوع.
فقال له الوالد: سيدنا هذه المدّة قليلة.
فقال الميرزا: ليس صعباً، وبالفعل فقد تم الزواج خلال أسبوع.
انتقلت الحاجّة أم رضا إلى دار زوجها المجدّد الشيرازي رضوان اللّه عليه وشرعت حياة جديدة تختلف تماماً عن حياتها السابقة، فهي حياة مليئة بالكفاح والجهاد وطلب العلم والحرص على إعلاء قيم الدين ونشرها في مختلف أنحاء المعمورة.
ص: 296
ففي بداية حياتها الزوجية قرّر الإمام المجدّد أن يدرّسها العلوم الحوزوية، فبدء بتدريسها الفقه والنحو والصرف، ولأجلها كتب كتاب المنصورية في النحو والصرف، وهو كتاب جميل مزج فيه بين النحو و الصرف، وكان يدرّسها يومياً لمدّة سنة إلى أن عاقه عن ذلك كثرة مشاغله بالإضافة إلى كثرة مشاغلها البيتية.
بعد سنة من زواجها من المجدّد الشيرازي رزقت بأول أولادها وطليعتهم ألا وهو السيد الجليل محمد رضا الذي كان كما وصفه عمّه المرجع السيد صادق الشيرازي، فقال: يشبه جدّه آية اللّه العظمى السيد الميرزا مهدي الشيرازي أعلى اللّه درجاته.
وحيث بلغ بنا الحديث هنا عن هذا السيد الجليل لا بأس أن نتعرّض إلى نبذة وجيزة من حياته فنقول: ولد السيد محمد رضا رضوان اللّه عليه في كربلاء المقدّسة سنة 1379ه- ق ونشأ وترعرع بجوار سيدالشهداء (عليه السلام) وتحت ظل والده المجدّد فتهذّب بأدبه وتعلّم من علومه ونهل من أخلاقه.
وقد بدأ دراسته الأولية في مدرسة حفّاظ القرآن الكريم ثم التحق بالحوزة العلمية في كربلاء المقدّسة حيث درس مقدمات العلوم الدينية لدى أساتذة كبار.
هاجر برفقة والده إلى الكويت بعد الضغوط الكبيرة التي لاقاها والده في العراق، وقد واصل دراسته الحوزوية فيها، فقرأ الرسائل والمكاسب على عمّه المرجع السيد صادق الشيرازي، ومنذ ذلك الوقت كان يبلّغ للشباب
ص: 297
ويرشدهم من خلال محاضراته.
ثم هاجر بمعيّة والده إلى إيران سنة 1399ه- فنزل مدينة قم المقدّسة حيث واصل دراسة السطوح حتى أكملها وشرع بدراسة السطوح العالية لدى والده المرجع الراحل رضوان اللّه عليه، بالإضافة إلى كبار مراجع مدينة قم المقدّسة.
وقد بلغ مرتبة من العلم بحيث صار من أعلام الحوزة وأساتذتها المعروفين الذين يشار إليهم بالبنان حيث انكبّ على تدريس العلوم المختلفة، فشرع بالتدريس من المقدمات ومروراً بالسطوح إلى بحث خارج الفقه.
أمّا سجاياه الأخلاقية فقد كان آية في التقى والورع والتديّن الواقعي، وقد وصفه عمّه المرجع السيد صادق، فقال: فإنّني عشت معه منذ ولادته ولم أر منه غير ما ينبغي للذين آمنوا وعملوا الصالحات، الذين وصفهم القرآن الكريم بهذا الوصف.
وقال أيضاً: كانت السمة البارزة لأخي في العلم وابن أخي في النسب آية اللّه السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه اللّه) التي لعلّي لمستها أكثر من غيري، ولمسها كل من عاشره ولو نصف ساعة، والأكثر أكثر، التمثيل الشخصي للإنسان المسلم الصحيح، في أقواله وفي سيرته، وفي استماعه، وفي دعوته وإجابته، وهذا ممّا يندر وجوده في كل زمن ولاسيما زماننا هذا.
وكل من كان أقرب إليه كان أكثر معرفة بهذا الأمر، فلقد كان (رحمه اللّه) يمثّل الإيمان والعمل الصالح، ونِعم ما أعدّ نفسه طيلة حياته لمثل هذا اليوم.
حتى الذين عاشوا معه في عالم الطفولة والأيام التي كان يرتاد فيها
ص: 298
الصف الأول والثاني من مدرسة حفّاظ القرآن الكريم في كربلاء المقدسة التي أسسها أخي الأكبر لا أتصور أنهم لديهم إنطباعاً غير حسن عنه، حتى لمرة واحدة.
نعم هذا السيد الجليل تربّى في أحضان هذه السيدة الجليلة وهو من مفاخرها حيث قدّمت للبشرية هذه الشخصية العظيمة التي خدمت المذهب أية خدمة بفكره وعلمه ولسانه وقلمه.
ربما يتصوّر البعض: أنه من الطبيعي توفيق كل امرأة أصبحت زوجة لمرجع كبير مجاهد كالمجدّد الشيرازي لأن تحظى بمثل هذه الأمور، فليس في ذلك عجب أن تنشأ امرأة في بيئة صالحة ويقف إلى جانبها رجل عظيم ولاتصل إلى هذه المقامات، ولا مناقشة في صحة هذا الأمر، ولكن ليس من الإنصاف أن نبخس صاحبة الموسوعة حقّها ونجعل ذلك السبب في موفقيّتها.
فهناك مجموعة خصائص مهمّة تميّزت بها صاحبة الموسوعة ميّزتها عن غيرها وأهلتها للوصول إلى مثل هذه الرتبة الرفيعة ومنها:
1- شدّة التعلّق باللّه: فهي كثيرة الدعاء والتضرّع إلى اللّه تعالى، تطيل في الأذكار والتعقيبات بعد كل صلاة، فضلاً عن التزامها بقراءة أجزاء كثيرة من القرآن الكريم يومياً، وعادة ما تحرص على إمرار إصبعها على الآيات التي تتلوها للاستشفاء، فتمسح إصبعها على المرضى ليمنّ اللّه عليهم بالشفاء وتقول: فيها بركة القرآن.
وكانت دائمة الذكر لله عزّ وجلّ مواظبة على النوافل كثيرة الجلوس في
ص: 299
مصلاّها، ففي كل يوم تحرص على قراءة زيارة عاشوراء، وسورة الأنعام و يس و الملك، فضلاً عن قراءة دعاء الكميل ليالي الجمع ودعاء الندبة صباح يوم الجمعة.
وقد نقلت كريمتها حرم الخطيب الشهير السيد باقر الفالي، فقالت: عندما كنّا في الكويت كانت الوالدة ملتزمة بالصلاة في المسجد حتى صلاة الصبح كانت تؤدّيها خلف زوجها في المسجد، وفي إحدى المرّات رافقتها إلى المسجد ولكنّي استوحشت لشدّة الظلام وخلوة الطريق من البيت إلى المسجد لكن الوالدة كانت مستمرة على الأمر يومياً، ومن شدّة تأكيدها على هذه الصلوات وبعض العبادات الأخرى التزم بذلك بعض أولادها أيضاً.
وعندما كنت صغيرة كانت الوالدة تدعوني كي أجلس إلى جنبها حينما تقرأ الدعاء، فكانت تقرأ الدعاء بصوت مرتفع، وفي يوم الخميس كانت تذكّرنا بأنّها ليلة الجمعة وأنّ الأموات يحضرون إلى أهاليهم ويتوقّعون منهم الخيرات، فاقرأوا لهم القرآن واهدوا لأرواحهم ثواب الخيرات.
ونقلت بعض النساء الكويتيات لبعض بناتها، فقلن: إنّ والدتكم رغم كثرة أولادها و مشاغلها البيتية كانت ملتزمة بالحضور في المسجد والصلاة في الصف الأول.
وفي عصركل يوم كانت تحضر عمّتنا زوجة السيد كاظم المدرسي، مع زوجة السيد العم السيد صادق الشيرازي في غرفتها لقراءة حديث الكساء وإقامة المأتم الحسيني باسم الخمسة من أصحاب الكساء، فيبكين لمصائب أهل البيت (عليهم السلام) ، وكانت الوالدة تحضر المجلس يومياً رغم كثرة مشاغلها.
ص: 300
2- شدّة التعلّق بأهل البيت (عليهم السلام) : ومن خصوصيات هذه السيدة الصالحة أيضاً هي شدّة محبّتها وولائها لأهل البيت (عليهم السلام) خاصة المولى أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، فما من يوم إلا وتذكر فضائله وتطلب من الذين حولها أن ينقلوا فضائله لها، وتصغي إلى الفضائل باهتمام بالغ حتى لو كانت الفضيلة مكرّرة، وقد كان السيد محمد رضا (رحمه اللّه) ملتزماً بنقل تلك الفضائل لها يومياً وكذلك بعض أولادها و بناتها.
وليس ذلك فقط، بل لها علاقة شديدة بزيارة مراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فما أن سقط طاغية العراق حتى قصدت العراق لزيارة المراقد الشريفة ولم تكن ترغب إطلاقا في مفارقة العراق لكن ظرفها الصحّي وسوء الإمكانات ألجأها للرجوع إلى قم، وبقيت تسافر إلى العراق مرة كل سنة تمكث فيها ثلاثة أشهر في الفندق إلى أن استقر بعض أولادها في النجف وكربلاء.
أمّا في مدينة قم المقدسة فتزور السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) كل ليلة خاصة ليالي الجمعة وتطيل البقاء في الحرم الشريف، وقد استمرت على ذلك حتى لما اشتد مرضها في الأونة الأخيرة، فبالرغم من أنها لاتخرج من الدار إلا أنّها تذهب إلى الحرم كل يوم و تبقى فيه ساعات و هي على الكرسي المتحرّك.
وقد نقلت ابنتها حرم الخطيب الشهير السيد باقر الفالي، فقالت: أتذكر أنّها كانت تذهب إلى حرم السيدة المعصومة (عليها السلام) كل يوم صباحاً، ولمّا اشتد ألم رجلها أخبرت السيد الوالد بالأمر واستأذنته أن تذهب بالسيارة، فقال لها: اتكئي على عصاة واذهبي للحرم مشياً، لانريد أن نترفّع على عامّة الناس ممّن لايمتلكون سيارة، ومع كل ذلك لم تكن تترك الذهاب إلى
ص: 301
الحرم يوماً واحداً.
3- الصبر الجميل: الحديث حول صبر ومعاناة صاحبة المؤلّفات طويل وذو شجون وغصص وآهات، فما عسانا أن نذكر من صبرها وشدّة تحمّلها للصعاب والآلام، وماعسانا أن نترك؟
فقد اختارت هذه السيدة الجليلة العيش بعزّ وإباء إلى جانب بعلها المجاهد الذي لم يعرف يوماً الراحة في الحياة، فكانت له خير معين وسند في الحياة... .
فمنذ أن انتقلت إلى بيت زوجها بدأت مسيرتها الكفاحية، حيث كانت تؤدّي الأعمال المنزلية - طبخاً وكنساً وتنظيفاً وغسلاً للملابس - باليد من دون أن تتخذ خادماً مع أنّ اتخاذ الخادم كان من شأنها و شأن مثيلاتها بل البعض كنّ يمتلكن عدّة خدم في البيت.
وكان الإمام المجدّد يعينها حينما يفرغ من أعماله خارج الدار، بل كان أحياناً يغسل ملابس الأطفال لمّا يرى كثرة أعمال زوجته في البيت، وبالرغم من أعمالها الكثيرة لم تشتك يوماً ما إلى زوجها أوتعاتبه أو تطلب خادماً مع أنّ زوجها كان كثير الخروج من الدار لأنّه كان يرعى شؤون الحوزة العلمية في كربلاء، وكان عمود مرجعية والده الميرزا السيد مهدي الشيرازي (رحمه اللّه) ، وقد تصدّى للمرجعية بعد رحيل والده.
وكانت ترعى والدة زوجها التي كانت طريحة الفراش سنين طوال، وقد خصّصت لها غرفة من بيتها الصغير، وإلى ذلك تشير ابنتها السيدة أم مهدي، قائلة: كانت السيدة الوالدة ترعى شؤون جدّتنا (أم زوجها) المعروفة ب- (خانم بزرك) في الكويت مع أنّ الدار كان قليل الغرف و الأطفال كثيرين،
ص: 302
لكن خصصت إحدى الغرف لها وكانت مقعدة في تلك الفترة لا تستيطع الحركة فكانت الوالدة أول الصباح تحضر لها الفطور، ثم تبدء بتنظيفها بنفسها، وكانت تحضر لها الإبريق وطشتا للتطهير، وإبريقاً آخر لغسل يديها، بالرغم من أنّ لديها بنات آنذاك، إلا أنّ الوالدة كانت تقوم بكل ذلك بمفردها وتبدّل ملابسها و تطهّرها و تنظفها وتقوم بشؤونها.
وحول البيت الذي عاشت فيه مع زوجها يشير صهرها الأكبر العلامة السيد عباس المدرسي في حديث له حول زهد المجدّد الشيرازي، قائلاً: فرغم إقبال الدنيا عليه - بكربلاء - فإنّه ظلّ في بيته المتواضع الذي تزوّج فيه، ولم يكن يتجاوز السبعين متراً فقط. حتى بعد أن كثر أولاده، وتزايد المراجعون له.
ثم عندما هاجر إلى الكويت، بقي في شقّة صغيرة، رغم عائلته الكبيرة حتى أنّه لم يكن يجد مكاناً ليؤلّف فيه كتبه، فاضطرّ أن يتخذ من الطابق الأعلى من سرير الأطفال ذي الطوابق الثلاثة مكاناً يصعد إليه فيؤلّف فيه كتبه.
وفي مدينة قم - سكن منزلاً متواضعاً متداعياً في جوانبه، وفي نفس البيت زوّج جميع أولاده، وكلما يزّوج أحد أبنائه يفرد له حجرة أو يخرج من تقدّم عليه في الزواج إلى منزل مستقل.
في هكذا منازل عاشت هذه السيدة الجليلة وشاطرت زوجها صعاب العيش... وكانت تعتني بشؤون الأطفال وترعاهم وتلبّي احتياجاتهم المختلفة... .
وفي كربلاء لما اختفى الإمام المجدّد مدّة ستة أشهر كانت تدير شؤون
ص: 303
البيت بمفردها ولم تنبس ببنت شفة شكوى أو تضجر.
و في إيران حيث اُضطهد زوجها أشدّ الاضطهاد وهاجر ابناها - السيد رضا بعد أن اعتقل لبضع ساعات والسيد جعفر - خوفاً من بطش الظالمين، ثم حبس ابنها السيد المرتضى لأكثر من سنة دون أن تعلم عنه شيئاً، اضطربت أيّما اضطراب لكنّها صبرت واحتسبت كل ذلك عند اللّه، فكانت تخرج إلى صحن الدار وتكشف عن رأسها تحت السماء وتدعو للفرج، و لما أفرج عنه رأت علائم التعذيب على رقبته وسائر بدنه لم تجزع أو تفزع بل لزمت الصبر واحتسبت.
ولما اُعتقل ابنها المهدي لشهور اشتدت آلامها حيث عايشت الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ألمّت بمرجعية زوجها، فكانت خير عضيد له تخفف من آلامه و تشاركه المحنة و تصبّره و تصبر.
4- التواضع الشديد: عُرفت السيدة أم محمد رضا قبل أن تقترن بالمرجع الشيرازي (رحمه اللّه) بالتواضع الشديد وعدم الترفّع على الآخرين والالتزام بوصايا أهل البيت (عليهم السلام) الذين أكدوا على التواضع ومن ذلك:
قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لاحسب إلا بالتواضع(1).
وقال الإمام علي (عليه السلام) : التواضع زكاة الشرف(2).
وقال (عليه السلام) : عليك بالتواضع فإنّه من أعظم العبادة(3).
ومن شواهد تواضعها أيضاً ما نقلته كريمتها، فقالت: إنّ إمرأة كانت
ص: 304
تتعمّد إهانتها - حسداً أو لسوء تفاهم، فكانت - مثلاً - تدعو الجميع إلى وليمة أو برنامج وتهمل الوالدة، أو كانت تزور الجميع وتترك زيارتها باستمرار، ولمّا علم الإمام الشيرازي بذلك قال لها: اذهبي أنتي إلى زيارتها - مع أنّ الجميع كانوا ينهونها عن الذهاب إلى بيت تلك المرأة - إلا أنّها كانت تمتثل أوامر زوجها و تذهب إلى زيارتها.
ونقلت إحدى بناتها، فقالت: كنت أحترم بعض النساء لشدّة احترام الوالدة لهن، مع أنّ بعضهن كن يتعاملن معها بجفاف إلا أنّها كانت تأمرنا دائماً بتقبيل أيديهن، وهذه مسألة أخلاقية مهمّة جداً أن الإنسان لا ينقل الخلافات بينه و بين غيره إلى أولاده بل يربّي أولاده على الاحترام المتزايد حتى مع من يتعامل معهم بالغلظة.
وأتذكر أنّني كنت صغيرة جداً كيف كان البعض يسيء التعامل مع والدتي وكنت آنذاك أتأذّى من تلك التصرّفات إلا أنّني كنت أسمع الوالد يخاطبها و يقول لها: أنتي تنازلي فكانت تطيع الأمر بلا مناقشة.
5- خير سند لخير عمد: ذكرنا أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) كانت خير سند لسيد المرسلين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكذا السيدة الزهراء (عليها السلام) فقد كانت خير ناصر ومعين لأميرالمؤمنين (عليه السلام) ، والشواهد على دعم ومساندة النساء الصالحات لعظماء التأريخ كثيرة منها السيدة أم محمد رضا، فقد كانت خير سند للمجدّد الشيرازي (رحمه اللّه) الذي قضى عمره كله بالجهاد والنشاط والعلم والعمل.
ولو أردنا ذكر الشواهد على مواقفها الكثيرة في وقوفها إلى جنب بعلها وخدمته في خدمة الدين لطال المقام ولذا فإنّنا نقتصر على بعضها ومنها:
كانت تتحمّل زهد السيد حيث كان (رحمه اللّه) يحارب الظواهر الاجتماعية
ص: 305
المنحرفة قولاً وعملا، ممّا يسبب الحرج الشديد لها إذ إنّ الأعراف الاجتماعية حاكمة، فكانت تقع بين محاذير كثيرة.
وعلى سبيل المثال في زواج أولادها وبناتها كانت تحتاج إلى المال لمراسيم الزواج إلا أنّ السيد لشدّة زهده ومراعاته لحال أضعف الناس من الفقراء كان يرفض ذلك مع أنّ الملايين تجري بين يديه.
وقد نقلت ابنتها السيدة أم عباس، فقالت: لم يعط السيد الوالد لزواجي من المال إلا بمقدار شراء بعض الأواني.
وكان السيد يعطيها راتباً بمقدار ما يعطيه لسائر بناته وزوجات أبنائه و لم يكن يفضّل أحداً على أحد.
ونقل شقيقها الحاج رسول معاش، فقال: كانت والدة السيد محمد رضا حافظة لأسرارالسيد (رحمه اللّه) ، وعندما اختفى السيد جراء اعتقال الشهيد آية اللّه السيد سيد حسن الشيرازي لم يكن أحد يعرف عن اختفائه شيئاً سواها، وفي أحد الأيام زرتها في بيتها ولما قصدت الخروج قالت لي: إبق عندنا هذه الليلة فامتنعت رغم اصرارها على بقائي، وفي صباح اليوم الثاني أُخبرت أنّ السيد سافر, فعلمت أنّ السيد كان يريد السفر وأحبّت رضيعتنا أن أبقى لأودّعه بدون أن تبيّن لي الوجه في ذلك ومع رغبتها الشديدة في توديعي للسيد لكن حفظها للسر حال دون أن تخبرني بالأمر.
تمرّضت السيدة أم محمد رضا مرضاً شديداً قبل رحيل زوجها، وقد أكد الأطباء أنّ مثل هذا المريض لا يمكن شفاؤه إلا ببطئ شديد وأقل تقدير 3 سنوات، لكن عناية اللّه عزّ وجلّ وتوسّل زوجها اختصر المسافة
ص: 306
لفترة قصيرة جداً ممّا دعا إلى استغراب الجميع بما فيهم الأطباء الذين أشرفوا على حالتها.
تأثرت السيدة أم محمد رضا حين وفاة زوجها المجدّد الشيرازي (رحمه اللّه) كثيرا، حيث فقدت عملاقاً عظيماً أبكى فقده عيون العدو والصديق، وأمضّ فراقه قلوب الجميع فكانت مصيبة وفاته عظيمة عليها.
ومع ذلك كانت صابرة أمام مصيبة كهذه محتسبة.
وبالرغم من أنّها فقدت بعلها المجدّد الذي لايسد مكانه أحد ولكنّها كانت مأنوسة بزهرة أبنائها السيد الجليل محمد رضا، وقد نقل الحاج رسول معاش، فقال: كان المرحوم السيد محمد رضا يرعى والدته رعاية خاصة، فكان يهتم كثيراً بمأكل والدته ومشربها، ففي صباح كل يوم يجهّز لها فطورها ويفطر معها ,إلا إذا سافر إلى الكويت. ولذا لما استشهد وجد أولادها أنّ إخبارها بالأمر قد يؤدّي بها إلى الموت، فآثروا كتمان الخبر عنها... .
هاجرت السيدة أم محمد رضا مع زوجها و أولادها هاربين من العراق إلى سوريا إثر الضغوطات الشديدة التي تعرّض لها الإمام المجدّد و لبثت في لبنان و سوريا فترة قصيرة جداً، ثم إلى الكويت لتقضي 8 سنوات فيها، ثم هاجرت إلى إيران و لازالت تسكن مدينة قم المقدّسة.
كانت قليلة السفر جداً حيث كان يؤكد الإمام الشيرازي على قلة السفر
ص: 307
لعوامل متعدّدة منها زهدا و منها انشغالا بالأهم وما أشبه.
ولذا لم يتجاوز سفراتها إلا ما كان للهجرة أو كان للزيارة كحج بيت اللّه الحرام والعمرة وكذلك مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) حيث كانت تسافر إلى مشهد كل سنة مرّة أو أقل.
قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له(1).
فقد حظيت السيدة المؤلّفة بجميع موارد الحديث المذكور، فخلّفت أولاداً صالحين و كفاها فخراً أنّ أكبر أولادها آية اللّه الشهيد المقدّس السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه اللّه) الذي قلّما شاهد التاريخ مثله.
وكتبت كتبا قيمة في مواضيع مختلفة وعمرها بين الخمسين و الستين، ومن تلك الكتب:
1- (من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) ).
2- (من كلمات الإمام العسكري (عليه السلام) ).
3- (الأخلاق).
4- (نبذة عن حياة المعصومين (عليهم السلام) ).
5- (خلفاء السقيفة في محكمة التاريخ).
6- (من معاجز المعصومين (عليهم السلام) ).
7- (المحاضرات).
ص: 308
8- (الأربعون حديثا )، و غير ذلك.
لكن لم يكن بوسعها القيام بالمورد الثالث من الحديث الشريف إذ أنها لم تملك المال الكافي لإنشاء مشروع يكون صدقة جارية إلى أن قرّر ورثة الحاج صالح معاش (أبيها) بيع داره و تقسيم الإرث إلى الورثة فكان سهم الحاجّة ما يعادل ثمانية آلاف دولار، فقرّرت أن تشتري بها قطعة أرض في كربلاء المقدّسة لتكون صدقة جارية، لكن المبلغ كان ضئيلاً جداً، فباعت ذهبها القليل وأضافت إليه مبلغاً من المال، وبقيت كلّما تحصل على شيء من الهدايا تضيفه إليه، ثم أخذت تجمع التبرّعات واستدانت مبلغاً من المال إلى أن اجتمع ما يكفي لشراء قطعة أرض مئتي متر في منطقة البوبيات الواقعة ما يبعد عن الحرم الحسيني الشريف بمسافة كيلو متر واحد تقريبا.
وبقيت الأرض معطلّة عدّة سنين لعدم توفّر المال الكافي لبنائها، ثم شرع بناء حسينية في طابقين للرجال و للنساء، وفي أعلى الحسينية ثلاثة طوابق شقق سكنية لسكن طلبة العلوم الدينية من أولادها الذكور.
وفي بناء هذه الحسينية عبرة لمن اعتبر حيث يمكن لامرأة كبيرة تجاوزت السبعين وهي لا تملك من حطام الدنيا شيئا أن تهتم لبناء صدقة جارية، فإنّ الاهتمام ببناء المؤسسات والمشاريع الخيرية في حال الحياة من أهل القربات والصدقات الجارية، فإنّ شق تمرة يدفعها المؤمن في حال حياته أفضل من أطنان يوصي بها بعد وفاته كما هو مضمون حديث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .
وفي الختام نتطرق إلى ذكر مجموعة قيّمة من توجيهات والدة آية اللّه السيد محمد رضا (رحمه اللّه) والتي كانت تذكر بها أولادها و بناتها و غيرهم و قد كانت هي من أولى العاملات بتلك التوجيهات.
ص: 309
وهي وصايا تتعلّق بمختلف الجوانب الشخصية والاجتماعية والعبادية والصحية و... وهي منار للمؤمنين والمؤمنات، والعمل بها سبب لسعادة الدنيا والآخرة.
1- التأكيد على صلاة أول الشهر.
2- التأكيد على صلاة الغفيلة.
3- التأكيد على قراءة الفاتحة عصر الخميس للأموات.
4- التأكيد على إقامة الصلاة أول الوقت.
5- التأكيد على سجدة الشكر بعد إتمام الصلاة، لأنه يرغم أنف الشيطان.
6- التأكيد على إقامة الصلاة بين الظهر و العصر من يوم الجمعة و الذي يكرر فيه سورة التوحيد 7 مرات حفاظا على عافية المصلي إلى الأسبوع الثاني.
7- التأكيد على غسل الجمعة.
8- التأكيد على تكثير النسل و الذرية.
9- التأكيد على البر بالوالدين و خاصة قراءة صلاة الوالدين كل ليلة.
10- التأكيد على ذكر فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) .
11- التأكيد على قراءة الصلوات خاصة صلوات عصر الجمعة.
12- التأكيد على مهر السنة.
13- التأكيد على الزواج المبكر البسيط.
14- التأكيد على قراءة صلاة الوصية.
15- التأكيد على البنات لحفظ الحجاب الكامل و خاصة لبس البوشية.
ص: 310
16- التأكيد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
17- التأكيد على التواصل مع الفقراء و المستضعفين و إعطائهم الصدقة.
18- التأكيد على تناول السحور.
19- إعطاء الفقير الصدقة صباح يوم الخميس و قد كانت تقوم بذلك بنفسها.
20- التأكيد على تناول الملح أول الطعام وآخره.
21- التأكيد على عدم الغيبة.
22- الاستمرار على المصافحة بعد الصلاة.
23- التأكيد على إقامة الصلوات المستحبة ليالي شهر رمضان.
24- التأكيد على إقامة الصلوات المستحبة المذكورة في مفاتيح الجنان.
25- التأكيد على قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الظهر من يوم الجمعة.
26- التأكيد على إقامة نافلة الفجر.
27- لبس السواد في أيام استشهاد المعصومين (عليهم السلام) .
28- طلب الدعاء من المؤمنين و المؤمنات.
29- طلب قراءة حمد الشفاء للمرضى.
30- النهي عن الرقص في الأعراس.
31- النهي عن لبس الملابس الضيقة و الفاضحة في الأعراس.
32- التأكيد على خدمة الأرحام و عامة الناس و منها تحصيل سيارة الأجرة عندما يزورها زائر لتوصله إلى مقصده.
33- التأكيد على عدم الإسراف.
ص: 311
34- التأكيد على التأليف و الكتابة و خاصة الأحاديث الشريفة.
35- التأكيد على قراءة حديث الكساء.
36- التأكيد على قراءة زيارة الجامعة الكبيرة.
37- التأكيد على قراءة زيارة عاشوراء.
38- التأكيد على إقامة نافلة الليل.
39- التأكيد على قراءة سورة يس والملك.
40- التأكيد على قراءة دعاء الكميل.
41- التأكيد على قراءة دعاء السمات.
42- التأكيد على إقامة نوافل شهر رجب وشعبان وشهر رمضان.
43- التأكيد على زيارة العتبات المقدسة.
44- التأكيد على البيتوتة في النجف الأشرف.
45- التأكيد على قول (اللّه و محمد و علي) للصبي حينما يريد أن يتكلم بدل ما هو المتعارف بين الناس من قول (أغو).
46- التأكيد على البساطة في العيش.
47- استضافة من تراه قبل الغداء أو قبل العشاء من نفس اليوم.
48- التأكيد على النظافة الشخصية.
49- إهداء مائدة الطعام إلى أحد المعصومين (عليهم السلام) .
50- التأكيد على الوضوء دائما و خاصة قبل النوم.
51- التأكيد على البسملة قبل الطعام.
52- التأكيد على السلام على كل أحد.
53- التأكيد على تناول الطعام باليد اليمنى.
ص: 312
54- التأكيد على متابعة الإمام فورا و خاصة بعد تكبيرة الإحرام بلا فصل إحرازا لمزيد من الثواب.
55- التأكيد على استخدام الألفاظ الإسلامية بدل الغربية ك- (في أمان اللّه) بدل (باي باي).
56- الالتزام بالاستماع إلى التوجيهات الدينية من العتبة الحسينية و التي يلقيها أبو جعفر كل يوم عند الظهر و المغرب من قناة كربلاء الفضائية.
57- إعطاء الصدقة للفقير بيدها.
58- فعل المستحبات التي تسمعها من المؤمنات و متابعة كيفيتها و... .
59- تفقدها للأقرباء و السؤال عن صحتهم و... .
60- إيصال السلام للسيد المرجع باستمرار و كذا الاقرباء و طلب الدعاء منهم.
61- قراءة سورة التوحيد و القدر و بعض السور الأخرى كل جمعة 100 مرة.
62- الالتزام بصلاة الجماعة في المسجد أو الحسينية أو البيت خلف أحد أولادها أو أحفادها أو بعض النساء.
63- الالتزام بتكرار الصلوات الواجبة حينما يحضر إمام ثاني للجماعة، بنية الإعادة أو قضاء ما في الذمة مع أنها صلت جماعة من قبل، بل أحيانا كانت تعيد الصلاة عدة مرات اقتداءاً بإمام جديد.
64- الالتزام بالذهاب إلى الحرم والمشي إليه يوميا.
65- الالتزام بزيارة أهل القبور في كل خميس في مقبرة بهشت معصومة و بقيع و... .
ص: 313
66- الالتزام بزيارة جمكران كل أسبوع مرة.
67- الالتزام بزيارة مرقد شاه عبد العظيم متى ما ذهبت إلى طهران.
وفي الختام نسأل اللّه أن يطيل في عمر السيدة أم محمد رضا رضوان اللّه عليه في خير وبركة وعافية إنّه قريب مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
ص: 314
الصورة
(عليهم السلام) 315.jpg
ص: 315
الصورة
(عليهم السلام) 316.jpg
ص: 316
الصورة
(عليهم السلام) 317.jpg
ص: 317
الصورة
(عليهم السلام) 318.jpg
ص: 318
الصورة
(عليهم السلام) 319.jpg
ص: 319
الصورة
(عليهم السلام) 320.jpg
ص: 320
الأخلاق
المقدمة... 7
الفصل الأول: الآيات القرآنية والأحاديث القدسية... 17
فضل الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 18
الخلق العظيم... 18
طريق المحبّة... 18
الفصل الثاني: ما روي عن الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 19
خيرالدنيا والآخرة... 19
مقام الخلوق... 19
باب الجنة... 19
أفضل الناس... 19
أعظم المخلوقات... 20
أحبّ الناس إلى الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 20
من آثار الأخلاق في الدنيا... 20
من آثار الأخلاق في الآخرة... 20
المال والأخلاق... 21
زينة الدين... 21
العلم والأخلاق... 21
سرّ قوّة الإيمان... 21
سيئوا الأخلاق من أهل النار... 22
ص: 321
في أسفل جهنم... 22
أعمالهم هباء... 22
لايغفر لهم... 22
لاتقبل توبتهم... 22
أفضل الأعمال... 23
لاتجتمعان في مسلم... 23
أكثر ما يدخل به الجنة... 23
من ثمرات حسن الخلق... 23
العمل والأخلاق... 24
بيت في أعلى الجنة... 24
علامة الإيمان... 24
في أمان اللّه ورحمته... 24
أثر الأخلاق... 25
الزيادة في الرزق... 25
من أخلاق الأنبياء... 25
كمال الإسلام... 25
الشؤم... 26
أفضل المؤمنين... 26
إنبات المودّة... 26
يذهب بالسخيمة... 26
خير الناس... 26
أكمل المؤمنين... 26
أفضل المؤمنين... 26
الشؤمة... 27
من وصايا النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 27
معاشرة الناس... 27
ص: 322
من أخلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 27
من أخلاق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 28
إسلام يهودي... 29
أشبه العباد باللّه (عزّوجلّ)... 29
حسن الخلق في الجنة لا محالة... 30
أقرب الناس من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 30
نصف الدين... 30
أوّل ما يوضع في الميزان... 30
لا عذر له... 30
آثار حسن الخلق... 30
الأخلاق من اللّه (عزّوجلّ)... 31
وصيته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) ... 31
أمان يوم القيامة... 31
أحبّ العباد إلى اللّه (عزّوجلّ)... 31
الغنى الحقيقي... 32
أكثر من في الجنة... 32
من دعاء الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 32
لايدخل الجنة إلاّ حسن الأخلاق... 32
زينة الإسلام... 32
أول ما يوضع في الميزان... 33
مداراة الناس... 33
من أخلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) التبسّم... 33
من أخلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الإحسان... 33
من أخلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الرأفة... 34
إن اللّه يبغض المعبس... 34
كمال الرجل... 34
ص: 323
من أخلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المروءة... 34
من أخلاق النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لين الجانب... 35
سيّئوا الأخلاق: معذّبون... 35
من آثار سوء الخلق مع الأهل... 35
وعاء الدين... 36
الأخلاق ومقامه... 36
أثقل شيء في الميزان... 36
أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 37
الدين هو حسن الخلق... 37
حقيقة الرسالة... 37
أخلاق المؤمن... 37
أفضل المؤمنين... 37
من علامات الإسلام... 38
المال والأخلاق... 38
أفضل ما أعطي الانسان... 38
أمان من النار... 38
الأخلاق في الميزان... 38
أفضل الخصال... 39
الأخلاق يمن أو نكد... 39
الأخلاق سعادة أو شقاء... 39
الأخلاق مطهّرة أو مفسدة... 39
من ثمرات حسن الخلق... 39
لا تقبل توبتهم... 40
مروءة الرجل... 40
أفضل الأعمال... 41
خير الناس... 41
ص: 324
شرط الدخول في الجنة... 41
الصبر على سوء خلق الزوج... 41
أجر الصبر على سوء خلق الزوجة... 41
أجر الصبر على سوء خلق الزوج... 42
طوبى لهم... 42
من كمال الإيمان... 42
حسن الخلق يوجب الشفاعة... 42
حسن الخلق يوجب الجنة... 42
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يكن فاحشاً... 43
الخلق العظيم... 43
النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سمح الكفّ... 43
الفصل الثالث: ما روي عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) ... 45
إحدى النعمتين... 45
أحسن السناء... 45
من أفضل ما أعطي الإنسان... 45
أحد العطاءين... 45
رأس كل برّ... 45
من ثمرات حسن الخلق... 46
حسن الخلق نعيم... 46
من أخلاق الأنبياء... 46
الأخلاق عزّ أو ذلّ... 46
الإسلام حسن الخلق... 46
حسن الخلق يوجب الرزق... 46
وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 46
طريق حسن الخلق... 47
من دعائم النجاح... 48
ص: 325
علامة الأصالة... 48
خير رفيق... 48
صحيفة المؤمن... 48
المال والأخلاق... 48
من أخلاق أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 48
أفضل الدين... 49
الخلق للنفس... 49
خير قرين... 49
يدرّ الرزق... 49
حسن وجه المؤمن... 49
إحدى البشارتين... 49
يورث المحبّة... 50
شيمة كل حرّ... 50
من آثار حسن الخلق... 50
نتائج سوء الخلق... 50
أحسن الأشياء... 50
أطهر الناس... 50
من آثار الأخلاق... 50
من آثار حسن الخلق في الدنيا 51
طريق البذل... 51
ثمرة الأدب... 51
ما يوجب المحبّة... 51
رأس الإيمان... 51
ما يوحش النفس... 51
سوء الخلق ينكد العيش... 51
من آثار سوء الخلق... 52
ص: 326
نعم الحسب... 52
نعم الشيمة... 52
من آثار سوء الخلق... 52
حسن الخلق يوسّع الرزق... 53
العيش الهنيء... 53
ثمار العقل... 53
رأس العقل... 53
عليكم بمكارم الأخلاق... 53
من أخلاق أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 53
تنافسوا في الاخلاق... 54
دليل النجاح... 54
حسن الخلق نعم القرين... 54
عنوان صحيفة المؤمن... 54
حسن الخلق يوجب المحبة... 54
من محاسن الأخلاق... 54
سوء الخلق وحشة... 55
الأذان يحسّن الخلق... 55
سوء الخلق يوجب الغمّ... 55
سوء الخلق عذاب... 55
سيء الخلق لا يوفّق للتوبة... 55
شرط الإيمان... 55
أكرم الحسب... 56
مطفيء النيران... 56
أفضل السخاء... 56
من دواعي المحبّة... 56
من علامات أهل الدين... 56
ص: 327
الفصل الرابع والخامس: ما روي عن الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) ... 57
ما روي عن الإ مام الحسن (عليه السلام) ... 57
خير الناس... 57
أحسن الحسن... 57
من أخلاق الإمام الحسن (عليه السلام) ... 57
ألذ العيش... 57
ما روي عن الإ مام الحسين (عليه السلام) ... 58
حسن الخلق... 58
الفصل السادس والسابع: ما روي عن الإمام السجاد والباقر (عليهما السلام) ... 59
ما روي عن الإ مام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) ... 59
أحبّ الخلق إلى اللّه... 59
من دعائه (عليه السلام) ... 59
طوبى لمن طاب خلقه... 59
حسن الخلق مع الأهل... 59
كمال الدين... 60
من آثار سوء الخلق... 60
أفضل ما في الميزان... 60
الأقرب إلى اللّه... 60
نجى بأخلاقه... 60
ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) ... 61
أكمل المؤمنين... 61
أثر الأخلاق في الدارين... 61
من أسباب حسن الخلق... 61
أثر الأخلاق في الدارين... 61
الخير والشر... 62
علامات أهل التقوى... 62
ص: 328
خصال للإمتحان... 62
الفصل الثامن: ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ... 63
أثر حسن الخلق في الدنيا... 63
من خصائص الأنبياء (عليهم السلام) ... 63
من وصايا الإمام الصادق (عليه السلام) ... 63
أثر الأخلاق في الآخرة... 65
زينة الدنيا 65
من وصايا لقمان (عليه السلام) ... 65
حدّ حسن الخلق... 66
من أخلاق الأئمة (عليهم السلام) ... 66
الدخول في رحمة اللّه... 66
خصال لا يجمعها اللّه تعالى في منافق... 66
أحبّ الأعمال إلى اللّه بعد الفرائض... 66
أجر حسن الخلق... 67
ثواب حسن الخلق... 67
كمال العقل... 67
كمال الايمان... 67
حسن الخلق يوجب... 68
سوء الخلق عذاب... 68
يتبرأ (عليه السلام) من سيء الخلق... 68
حسن الخلق يميت الخطيئة... 68
من خصائص الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 68
من أخلاق الأنبياء... 69
أكمل المؤمنين... 69
الخلق منحة من اللّه... 69
التبسّم حسنة... 69
ص: 329
أثر الأخلاق في الدارين... 69
مصفيات الودّ بين الأخوان... 70
من أسباب سوء الخلق... 70
من سعادة المرء... 70
علامة الإيمان... 71
من آثار سوء الخلق... 71
الحسنة في الدنيا... 71
من مكارم الأخلاق... 71
من آثار الأخلاق في الدارين... 71
طريق الكرامة وطريق المهانة... 71
باب الجنة... 72
من كمال الأدب والمروءة... 72
حسن الخلق من الدين... 72
علامات الكرم... 72
حسن الخلق يزيد في الرزق... 72
سوء الخلق نكد... 72
المداعبة من حسن الخلق... 73
غفران الذنوب... 73
الفصل التاسع والعاشر: ما روي عن الإمام الكاظم والرضا (عليهما السلام) ... 74
ما روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ... 74
خير الدنيا والآخرة... 74
به يشتري الأحرار... 74
حسن الخلق يوجب الجنة... 74
من وصايا الإمام الكاظم (عليه السلام) ... 75
خير الدارين... 75
الزيادة في الإيمان... 75
ص: 330
ما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) ... 75
أثر حسن الخلق في الدنيا... 75
أثر حسن الخلق في الآخرة... 75
من وصايا الإمام الرضا (عليه السلام) ... 76
دخول الجنة... 76
سوء الخلق يوجب النار... 76
الاحتياج إلى حسن الخلق... 76
زيادة العمر... 76
ربّ العالمين يأمر بالخلق... 77
سيء الخلق في النار... 77
الفصل الحادي عشر: ما روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ... 78
حسّنوا خلقكم... 78
الفصل الثاني عشر: القصص والعبر... 79
أيّها السارق، وهبت لك الخاتم!... 79
من أخلاق نبي اللّه موسى (عليه السلام) ... 80
إنّما أردت اختبارك يا أستاذ!... 80
الفصل الثالث عشر: الأقوال والحكم... 82
من وصايا لقمان لابنه... 82
يبكي على سيء الخلق... 82
سيئة لا تمحى... 83
أكمل الناس... 83
اختبر نفسك! 83
علامات حسن الخلق... 83
أثر الأخلاق في الدنيا... 84
الفاجر الخلوق خير من العابد الثقيل... 84
الأخلاق منها عطر ومنها كبريت... 84
ص: 331
ممّن تعلّمت حسن الخلق؟... 84
لاكثّر اللّه في المسلمين مثله!... 85
طريق المودة... 85
ثمرة البشر... 85
حسن المعاشرة: طلاقة الوجه... 85
الفصل الرابع عشر: الأشعار... 86
بالبشر تموت الضغائن... 86
أين مثل ذلك الإنسان؟... 86
أودية المكارم... 86
خلفاء السقيفة
في محكمة التاريخ
مقدمة الّمؤلفة... 91
الفصل الأول: محكمة الأول: أبي بكر عتيق بن أبي قحافة... 93
الحب والبغض... 95
طعم الإيمان... 95
البراءة واجبة... 96
الشك في كفرهما... 97
أنت الصدّيق... 97
عداوة أبي بكر لله ورسوله... 98
أبوبكر الظالم... 99
معجزة أم سحر؟! 100
شرب الخمر في نهار شهر رمضان... 101
أربعة بايع فيها أبوبكر علياً... 101
اللجوء إلى الحيلة... 102
إتمام الحجّة على أبي بكر... 104
عليكم بعلي بن أبي طالب... 108
ص: 332
أبوبكر يعصي اللّه ورسوله... 108
كتاب أبي بكر إلى والده... 109
منع أبي بكر من الصلاة على فاطمة (عليها السلام) ... 110
أبوبكر من الكافرين... 111
المشورة المنكوسة... 113
محاولات لاغتيال أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 115
خالد يروم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 116
كيف تعامل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع خالد؟... 118
اللجوء إلى قيس بن سعد... 119
على مثلي يتفقّه الجاهلون؟... 122
أمير المؤمنين (عليه السلام) يفضح القوم... 124
ماذا جرى بعد رسوله اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟... 125
أبوبكر يطالب الزهراء (عليه السلام) بالبينة... 126
موقف معاذ بن جبل... 128
غصب فدك... 130
رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أبي بكر... 133
الزهراء (عليها السلام) تشتكي... 138
آذيتماني... 138
لم يصلّيا على رسوله اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 139
كل ظلامة في الإسلام... 139
شكاية أميرالمؤمنين (عليه السلام) ... 139
أمرّ من العلقم... 141
الحرب على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 142
اعترافات... 142
اعتراف خطير في الصحاح... 145
جهل الخلفاء... 146
ص: 333
سلمان يستدرك الموقف... 151
أبوبكر حين الموت... 161
لعنات اللّه كلّها... 162
جميع الذنوب... 163
بين أبي بكر وعمر... 163
زريق وحبتر في القرآن... 164
الطغاة في القرآن... 164
الذين أضلا الخلق... 165
ولد الزنا في القرآن... 166
الفحشاء والمنكر والبغي في القرآن... 167
الكفر والفسوق والعصيان في القرآن... 167
خلودهما في النار... 168
على خطى اليهود... 168
العيون الظالمة... 168
مع إبليس... 169
معجزة أم سحر؟... 169
لعن الشيخين في الآفاق... 170
الكفر بعد الكفر بعد الكفر... 170
الحسد والعداوة... 170
أبواب جهنم... 171
سهم أهل البيت (عليهم السلام) ... 171
جميع الأوزار... 171
ظلمهما إلى اليوم... 172
كل الأوزار في أعناقهما... 172
لعنة اللّه والملائكة والناس... 173
أساس الظلم... 173
ص: 334
عبادة الاصنام... 173
لعنهما في سجدة الشكر... 175
الفصل الثاني: محكمة الثاني: عمر بن الخطاب... 177
عمر الفاروق!!... 179
هكذا أصبح خليفة!!... 179
بدع ابن الخطاب... 180
صلاة التراويح... 180
بدعة الطلاق... 181
بدعة تحويل المقام عن موضعه... 181
تغيير مقام ابراهيم (عليه السلام) ... 182
تغيير الجزية عن النصارى... 183
القومية العمرية... 184
الإ رث عند عمر... 184
الأذان العمري... 184
التلاعب بأموال المسلمين... 185
التلاعب بأحكام اللّه... 185
الكذب على منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 186
مع بيوت النبوة... 188
الظلم والحسد... 188
غصب بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 191
عيد الشيعة... 191
هل تجدّد لأهل البيت (عليهم السلام) عيد؟... 192
حذيفة يتساءل عن هتك الحرمة... 193
بركات اليوم التاسع من ربيع... 195
أسماء يوم التاسع من ربيع... 196
جهل الخليفة... 198
ص: 335
رغماً على أنف الخليفة!... 198
رعب الثعبان... 200
وجهة نظر عمر في الحمام... 201
عمر حين الموت... 202
ليت عمر لم يولد... 203
الشياطن في القرآن... 204
منّاع الخير... 204
عذاب عمر في القرآن... 205
بين إبليس وعمر... 205
بين عمر وقنفذ... 206
بين النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعمر... 207
منتهى جهل عمر!!... 208
حلال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حرام عند عمر!!... 209
التلاعب بحدود اللّه... 210
كل الناس أفقه من عمر!!... 214
التجسّس والجهل!!... 215
ترك الصلاة عند عمر!!... 216
الهالك الجاهل... 219
وهل ترجم المجنونة؟!!... 221
اختر أحد الثلاثة... 222
عمر والحجر الأسود... 223
جهل عمر بالقرآن... 225
جهل عمر بالحكم الشرعي... 226
عمر وحلّي الكعبة... 227
جهل عمر بالقرآن... 227
الفصل الثالث: محكمة الثالث: عثمان بن عفّان... 229
ص: 336
عثمان في القرآن... 231
اللّه قاتل عثمان... 232
علي (عليه السلام) لم يكره قتل عثمان... 232
عثمان في المزبلة... 233
إِيواء طريد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 235
التلاعب ببيت المال... 236
تعذيب وتبعيد... 237
رغماً على أنف الخليفة!... 237
جزاء دفن الميّت... 239
الخليفة مع صحابة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) !!... 240
بين عثمان وأصحاب الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 241
ضرب عمار بن ياسر... 243
مع بيت مال المسلمين... 245
التلاعب بحدود اللّه... 246
التلاعب بالصلاة... 247
هتك حرمة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 248
إتّهام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 248
تخطئة القرآن!... 249
تغيير في صلاة العيد... 250
بدعة الأذان الثالث... 250
عاجز حتى عن خطبة!!... 251
جهل الخليفة!!... 251
رأي علي (عليه السلام) في عثمان... 251
التلاعب ببيت المال... 252
رأي أبي ذر في عثمان... 252
رأي عمار في عثمان... 253
ص: 337
رأي عبد اللّه بن مسعود في عثمان... 254
رأي حذيفة بن اليمان في عثمان... 254
رأي المقداد في عثمان... 254
رأي طلحة في عثمان... 255
رأي الزبير في عثمان... 255
رأي عبد الرحمن بن عوف في عثمان... 256
رأي عمرو بن العاص في عثمان... 257
رأي محمد بن مسلمة الأنصاري في عثمان... 257
رأي جبلة بن عمرو الساعدي... 258
رأي جهجاه بن عمرو الغفاري... 258
رأي عائشة في عثمان... 259
بين عائشة وعثمان... 263
رأي أميرالمؤمنين (عليه السلام) في عثمان... 264
رأي الإمام الحسن (عليه السلام) في عثمان... 265
رأي الإمام الحسين (عليه السلام) في عثمان... 266
قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في عثمان... 266
رأي محمد بن الحنفية في عثمان... 266
رأي الإمام الباقر (عليه السلام) في عثمان... 267
شرّ من قارون... 267
عجل هذه الأمة... 267
ليتني قتلته... 267
عثمان يوم القيامة... 268
يلعن بين المشرق والمغرب... 268
عثمان من اصحاب العقبة... 268
الالتجاء إلى اليهود... 269
أعضاء الشورى في منظار عمر... 269
ص: 338
عثمان والبدعة... 271
الفصل الرابع: ما ورد في لعن بني أميّة وكفرهم... 273
الآيات... 275
الروايات... 275
جناحا الكفر... 275
أولياء بني أمية... 275
على النار... 276
أشرّ خلق اللّه... 276
أعمال بني أميّة... 276
الأفجرين من قريش... 277
قرود على المنبر... 277
أصحاب النار... 278
صدق اللّه أم كذب؟! 278
أبواب جهنّم... 278
الوجوه المسودّة... 279
ماذا يودّ الكافر؟... 279
الكفر بعد النبي... 280
دعاء صنمي قريش... 281
الخاتمة: السيرة الذاتية... 283
نموذج المرأة المثالية في القرن 21... 283
النسب الطيّب... 286
ماقبل الزواج... 289
نبذة عن زوجها... 290
الزواج المبارك... 293
ما بعد الزواج... 296
مولد السيد الرضا (رحمه اللّه) ... 297
ص: 339
أمور ينبغي ذكرها... 299
مرضها... 306
رحيل زوجها... 307
هاجرت الهجرتين... 307
سفراتها... 307
المرأة المثالية... 308
فهرس المحتويات... 321
ص: 340