أحاديث ومعجزات المعصومين علیهم السلام المجلد 1

هوية الكتاب

أحاديث ومعجزات المعصومين

من كلمات الإمام الحسين عليه السلام

من كلمات الإمام الحسن العسكري عليه السلام

الجزء الأوّل

والدة آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ

نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

ص: 3

ص: 4

الإهداء

إلى بضعة الرسول المصطفى (صلی اللّه عليه وآله وسلم) السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأسوة لجميع المؤمنين والمؤمنات، بل الأسوة للأئمة المعصومين (عليهم السلام) كما ورد عن ابنها الإمام الحجّة المهدي (عليه السلام) في ابنة رسول اللّه لي أسوة حسنة(1).

نهدي هذا الجهد المتواضع في تحقيق ونشر مجموعة مؤلّفات والدة آية اللّه السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (رحمه اللّه) الحاجّة زينب معاش وفّقها اللّه لمراضيه، وهي التي حاولت أن تتأسّى بسيدة نساء العالمين (عليها السلام) في مختلف أبعاد حياتها العامرة بحبّ أهل البيت (عليهم السلام) .

نسأل اللّه أن يتقبّله بقبول حسن يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللّه بقلب سليم.

ص: 5


1- عوالم العلوم 11: 10.

ص: 6

مقدمة الناشر

حينما يكون الأمل يحلّ الإبداع، وحينما توجد نقاء السريرة تثمر الكلمة الصادقة، وكلما امتلأت القلوب بالإخلاص لله (جلّ وعلا) أشرقت بقبس الإيمان وأضاءت بأريج الفضيلة، فالفيض الإلهي يغمر تلك النفوس الطاهرة التي تنقّت من شوائب الدنيا وأخلصت له في سرّها وعلنها ليحلّها في مسار الخلود ويبوّأها مبوّأ صدق في جنته.

فاللّه (جلّ جلاله) هو الحقّ وهو الحقيقة، ومن آمن بالحقّ نطق بلسانه، ومن تحصّن بالحقيقة أمن من الزلل، ودرأ عن نفسه متاهات الجهل، وسلك بها النهج القويم، تحوطه إشراقات الحكمة وتغمره أنوار العلم.

من هذا الاتجاه بدأت سليلة بيت العلم والأخلاق والفضيلة السيدة الجليلة والدة آية اللّه الشهيد السيد محمد رضا الشيرازي (أعلى اللّه درجاته)، رحلتها مع التأليف يحدوها هاجس السمو عن متعلّقات الحياة الفانية، متعلّقة بحبل الخلود، متجاوزة كل الصعاب والمشاق والحواجز لتتخذ موقعها في مصاف الخالدين مجسّدة ذاتها وما جُبلت عليه من الأدب والأخلاق والفضيلة والصبر والإيمان المطلق باللّه وبنبيه وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاباتها.

إنّه ذلك الحبّ الخالص لله والذي ينهل من منبع الخلود فيفيض على الجوارح، وما زالت شعلة الأمل باللّه والرجاء به متّقدة في الروح فلا مجال

ص: 7

هنالك لليأس، لقد ذرفت على الخمسين ولا يزال حلمها يراودها ويحثّها على الارتقاء، فتساءلت مع نفسها...، هل بمقدوري ذلك؟ فجاء الجواب من أعماقها: نعم.

إذاً إنّه الخلود في الدنيا والسعادة في الآخرة، فكان السعي والمثابرة والتضحية والعمل لسنوات طوال بجهد كبير للوصول إليه، إنّه ليس كالخلود الفاني الذي يسعى إليه البعض لشهرة أو تأكيداً للأنا أو لشيء من هذا القبيل، بل إنّه الخلود السرمدي الخالص حينما يتعلّق باللّه وأفضل خلقه نبيه وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) ، وأيّ خلود أسمى وأرقى وأبهى من هذا الخلود في الدارين؟

لقد فتحت هذه السيدة الكريمة عينها في هذه المدينة المقدّسة التي عبق ترابها بالدماء الطاهرة وتشرّفت باحتضان جسد سيد الشهداء والأجساد الزكية من أهل بيته وأصحابه (صلوات اللّه عليهم)، فكانت أصوات المنائر من الضريحين المقدّسين وهي تصدح بكلمة (اللّه أكبر) تشق طريقها إلى روحها قبل أذنها، فبذرت فيها الروح المؤمنة باللّه، الخالصة له، الموالية لأوليائه والمعادية لأعدائه، ونمت تلك البذرة، وتبرعمت، وأثمرت... .

في ذلك المحيط المقدّس وجدت الجو الملائم لها، وجدت بيتاً غمرته التقوى والصلاح والعمل الصالح، كانت تشاهد والدها الذي حمل صفات اسمه (صالح) وهو يتبتّل في آناء الليل وأطراف النهار يكثر من الصلاة والدعاء، مواظباً عليهما، كثير الإهتمام بالفقراء والمحتاجين مجدّاً في السعي لسدّ احتياجاتهم، فورثت عنه خصاله.

كان ذكر اللّه لا يفارق شفتيها، وكانت نفسها تتوق إلى صوت الأذان

ص: 8

للتفرغ للعبادة بكل جوارحها، وذات يوم جاء أبوها كعادته من صلاتي المغرب والعشاء اللتين كان يؤديهما مقتدياً بالمرجع الكبير السيد ميرزا مهدي الشيرازي في الصحن الحسيني الشريف ليخبرها عن طلب يدها من قبل المرجع لولده الأكبر السيد محمد الشيرازي، لتبدأ رحلة جديدة في حياتها، رحلة مع العلم والفقه والمعارف لكنّها في الوقت نفسه محفوفة بالصعاب والمشاق وضنك العيش فأكملتها وهي في درجة عالية من الصبر والإيمان.

لقد كان ذلك الزواج نقطة تحوّل مضيئة في حياتها نقلتها إلى ما وصلت إليه بفضل جهود زوجها المرجع الكبير، فقد كان زوجها الراحل شديد الاهتمام بإلقاء النصائح والإرشادات على من حوله باذلاً جهوداً كبيرة من أجل تعليم الناس وتدريسهم، فكيف بمن اختارها أمّا لأولاده ورفيقة لحياته؟ فكان يدأب في إعدادها وتدريسها لتكون إنموذجاً سامياً، ومثالاً عالياً للمرأة المسلمة المؤمنة المتسلّحة بسلاح العلم والتقوى، كان يلقي دروسه عليها يومياً رغم مشاغله ومتاعبه وتحمّله أعباء المرجعية ومسؤوليته المناطة تجاه الناس، وبالمقابل فقد وجد السيد المرجع منها أذناً صاغية واعية.

فكانت تتلقّى تلك الدروس العلمية والأخلاقية باهتمام بالغ ووعي واسع فوجدت فيها ضالتها المنشودة وكرّست لها نفسها بالعلم والتطبيق، ولم تنتزع منها مشاغلها البيتية وتربية أولادها رغبتها في التعلم واستلهام العبر والحكمة، وكان أرق ما يتلقّاه قلبها المؤمن ونفسها الموالية من هذه الدروس من زوجها هي فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) فكانت تتلهف لسماع فضيلة له حتى وإن كانت تلك الفضيلة قد طرقت سمعها مرات ومرات!!

ص: 9

نعم لقد غمر حبّ علي (عليه السلام) قلبها فكانت مصداقاً لحديث النبي الأكرم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ياعلي لا يحبك إلا مؤمن تقي ولا يبغضك إلا منافق شقي(1)، فلم تفقد هذه الروح الإيمانية رغم المصائب التي حلّت بها والمصاعب التي واجهتها في حياتها بل زادتها إيماناً باللّه وصبراً على بلائه، ولم تنقطع - رغم معاناتها وضعفها وكبر سنّها - عن صلاة الليل وقراءة القرآن وزيارة أضرحة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والتأليف في فضائلهم وإبراز مظلوميتهم.

إنّه من النادر بل من النادر جداً أن تجد امرأة واجهت الكثير من المتاعب في حياتها خصوصاً إذا كانت قد أفنت حياتها في تربية أولادها وبناتها الذين بلغ عددهم ثلاثة عشر وواجهت الصعوبات وعاشت ضنك الحياة في تربيتهم وتنشأتهم حيث كان زوجها مثالاً للزهد والتقوى وعالجت كل المشاكل التي واجهتها بصبر ويقين ووعي وقد جاوزت أعتاب الخمسين لتبدأ رحلتها مع التأليف والكتابة، ويقيناً إنّ من يسمع ذلك عن أيّ إنسان فإنّه سيتخيل إنّه سيكتب مذكراته التي عاشها وما واجهه من الصعاب في حياته، لكنّها لم تكتب حرفاً واحداً من ذلك، ! بل إنّها سلّمت أمرها إلى اللّه محتسبة عنده، صابرة على قضائه، مؤمنة بأنّه لن يضيع أجرها وصبرها، فواصلت رحلتها في مسيرة الخلود باقتفاء نهج أهل البيت (عليهم السلام) والسير على خطى أتباعهم المخلصين لتؤلّف في سيرهم فكتبت من الكتب:

1- الأخلاق.

2- المحاضرات.

ص: 10


1- غوالي اللئالي 4: 85، ح95.

3- لقاء الموعود.

4- من كلمات الإمام العسكري (عليه السلام) .

5- من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) .

6- من معاجز الأئمة (عليهم السلام) .

7- نبذة عن حياة المعصومين (عليهم السلام) .

8- خلفاء السقيفة في محكمة التاريخ.

ولعل أهم مايميّز مؤلّفاتها هو الخزين الثر الذي احتوته هذه المؤلفات من الأحاديث والروايات والحوادث التاريخية، أمّا مضامينها فتجري في تيار المفاهيم الإسلامية العظيمة.

لقد دأبت في مؤلفاتها على توضيح تلك المفاهيم والأسس العظيمة التي قام عليها الإسلام المحمّدي الأصيل والممتد بمنهج أهل البيت العظيم بصورة ناصعة ومباشرة خالية من المواراة وبإسلوب واضح خالٍ من التعقيد ودعمت في طرحها لتلك الأسس والمفاهيم بأحاديث وروايات عالية المضامين داعية إلى الرجوع إلى تلك المبادئ العظيمة التي دعى إليها نبيّنا الكريم وأئمتنا الهداة (عليهم السلام) والسير على منهجهم لبناء مجتمع حرّ كريم يسوده الخير والصلاح.

ومن أهم القضايا التي طرحتها السيدة المؤلّفة والتي هي من صميم ديننا هي قضايا مهمّة ومغيّبة نفضت الغبار عنها سنستعرض بعضها بإيجاز.

ففي كتابها (الأخلاق) والتي عنونته بمفهوم مهم من مفاهيم الإسلام وصفة من صفات النبي الأكرم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كما جاء في القرآن الكريم {وَإِنَّكَ

ص: 11

لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ}(1) بيّنت ما لهذه الفضيلة من درجة عالية عند اللّه كما بيّنت تأثيرها في المجتمع بقولها: إن أفضل وأسهل وأسرع وأعمق العوامل لزرع المحبّة في القلوب هي الأخلاق الفاضلة والمعاملة الإنسانية العطوفة مع الناس، ثم يظهر الأثر البالغ للدروس التي كان يلقيها عليها زوجها الإمام السيد محمد الشيرازي فتقتطف باقة من كلامه بخصوص هذا الموضوع تعبق بشذا هذه الصفة العظيمة حيث يقول: الطابع العام للمسلم هو حسن الخلق فمن لا يحسن خلقه لا يكون مسلماً كاملاً، وقد احتوى الكتاب على أربعة عشر فصلاً جمعت فيها المؤلّفة كل ما جاء ذكره عن هذه الفضيلة في ديننا الحنيف والرسالات السماوية وأقوال النبي وأئمتنا الميامين (عليهم السلام) وما جاء في الكتب التاريخية مدعومة بذكر المصادر وهذه الفصول هي:

1- ما جاء في الآيات القرآنية والأحاديث القدسية.

2- ما روي عن الرسول الأعظم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

3- ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) .

4-5- ما روي عن الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) .

6-7- ما روي عن الإمامين زين العابدين ومحمد الباقر (عليهما السلام) .

8- ما روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) .

9-10- ما روي عن الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) .

11- ما روي عن الإمامين الجواد والعسكري (عليهما السلام) .

12- القصص والعبر.

ص: 12


1- سورة القلم: 4.

13- الأقوال والحكم.

14- الأشعار.

ولا يخفى على القارئ الهدف النبيل والغاية العظيمة من وراء تأليف هذا الكتاب وطرح هذا الموضوع في زمن انسلخ أغلب المسلمين عن مبادئ دينهم وطغت الهمجيّة والفوضى على مسرح الحياة حتى كادت الأخلاق التي هي من صميم ديننا أن تمحى من حياتنا.

أمّا في كتاب (المحاضرات) وهي مجموعة من المحاضرات التي ألقتها بمحضر جمع من النساء في بيتها، فقد استعرضت فيها العديد من الجوانب العقائدية، وسلّطت الضوء على أمور وقضايا مهمّة تخصّ المذهب بالإضافة إلى الحديث عن فضائل أهل البيت (عليهم السلام) وإبراز مظلوميتهم لما له من أهمية كبيرة في هذا الزمن الذي يشهد هجمات شرسة على أتباع المذهب الإمامي الحقّ، حيث تكالبت عليه القوى التكفيرية الناصبية، وحشدت الكثير من الطاقات من أجل تحقيق مآربها الدنيئة، ومن هذه الطاقات كانت الطاقة الإعلامية المدعومة بالمال الوهابي التكفيري، فالإعلام - كما هو معروف - له دوره الواضح في التأثير على الرأي العام خصوصاً مع ما نشهده من انفتاح على صعيد الميديا والإلكترونيات المتسارعة. لذلك كان لابد من التصدي لهذه الهجمة الشرسة بإعلام مماثل يكون بمواجهة الزيف التكفيري الناصبي. فكانت تلك المحاضرات معدة للتصدي علمياً وفكرياً ومعرفياً مستنداً على كل ما له علاقة بالبحث العلمي والتوثيق التاريخي وآلياته واشتراطاته.

فقد وجهت المحاضرات إلى عقول أعداء أهل البيت وبعض أتباعهم

ص: 13

ممّن التبست عليهم بعض الأمور معاً كما في قضية قبول إمامنا الرضا (صلوات اللّه عليه) بولاية عهد المأمون العباسي في عدة مفاصل من هذا الكتاب فتقول بهذا الصدد:

كانت الأوضاع السياسية قبل تولّي الإمام الرضا (عليه السلام) شديدة جداً على الشيعة خاصة العلويين منهم، ومن هنا وجد المأمون العباسي المعروف بدهائه نفسه أمام خيارين فإمّا أن يحذو حذو من مضى قبله من العباسيين ويفتك بالشيعة العلويين، أو ينهج منهجاً آخراً يخمد من خلاله غضب الشيعة وفي مقدّمتهم العلويين فاختار النهج الثاني وابتدع حيلة ولاية العهد التي فرضها على الإمام الرضا (عليه السلام) .

فتؤكد المؤلفة هنا على اتخاذ المأمون مساراً جديداً لتدعيم حكمه الجائر مخالفاً بذلك المسارات العباسية السابقة، لكن هذه الحيلة لم تكن لتخفى على الإمام (عليه السلام) حيث رفض في بداية الأمر هذا الموضوع لكن تم إكراهه على ذلك كما تؤكد المؤلفة:

وكان الإمام الرضا (عليه السلام) عارفاً بأهداف المأمون لذا رفض في البداية ولاية العهد لكنه أرغم على القبول مكرهاً.

وتتوسع السيدة الجليلة في بحثها لتبيان الأهداف الحقيقية للمأمون العباسي من هذه الخطوة فتلخّص هذه الأهداف بتهدئة الأوضاع المضطربة خصوصاً بعد صراعه وحربه مع أخيه الأمين، وكسب ودّ الشيعة فضلاً عن إضفاء الشرعية حيث تؤكد المؤلّفة أنّ وصول المأمون للحكم كان (نابعاً من الترغيب والترهيب واستسلاماً للأمر الواقع)، وكذلك لإبعاد الإمام عن قواعده وأتباعه خصوصاً في مدينة جدّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وليكون تحت أنظاره

ص: 14

ليراقب تحركاته والأهم من كل ذلك هو سعي المأمون لتشويه سمعة الإمام حين صرّح بهذا الأمر بقوله: نحتاج أن نضع منه قليلاً حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر.

وتختم المؤلفة بحثها القيم بتأكيد فشل هذا المخطط لينقلب السحر على الساحر.

وفي جانب آخر تؤكد على حقيقة السيدة رقية بنت الحسين (عليهما السلام) من خلال بحثها (السيدة رقية حقيقة لا تنكر) حيث تبدأ بتتبّع المصادر التأريخية التي تناولت بنات الإمام الحسين (عليه السلام) مستعرضة الآراء المتعدّدة والمتباينة حول السيدة رقية وعدد بنات الإمام وأنّ هناك أكثر من اسم للبنت الواحدة، فالسيدة سكينة (عليها السلام) اسمها هذا لقب وأنّ اسمها الحقيقي (أميمة) أو (أمينة) أو (آمنة) لتصل من خلال تتبّعها الموضوعي إلى أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لديه ثلاث بنات، وهو جوابها لمن يخالف المشهور بقوله أنّ له ابنتين فقط.

وفي موضوعها الرئيس عن السيدة رقية (عليها السلام) تنقل عن مصادر أنّ اسمها زبيدة أو زينب ثم تطرح أسئلة على المشككين بحقيقة وجودها وكل هذه الأسئلة جديرة بالتأمل والتقصي والبحث العلمي.

ثم تنتقل لتضيء نقطة طالما طبل لها المخالفون من النواصب وأرقت الكثير من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) لتميط اللثام عن قضية الهدنة بين الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية لتجيب عن الأسئلة المتعلّقة بدواعي هذه الهدنة أو (الصلح) كما يسمّى في بعض الأدبيات التأريخية مشخّصة بعض الأمور التي ينبغي معرفتها ومنها: تغلغل المنافقين في جيش الإمام، وكانوا في

ص: 15

مبايعتهم له مرتابين، كما أنّ أكثرهم كانوا من طلاب الغنائم.

والأهم من كل ذلك تؤكد على أنّ الإمام وضع - بهذه الخطوة - معاوية في أمرين بغاية الحراجة (فإمّا أن يلتزم ببنود الصلح وهو بعيد جداً أو ينقض العهد والميثاق ويكشف للناس حقيقته المخفيّة)، وهذه هي الرؤية الأصوب إذ سرعان ما نقض معاوية عهوده لتكون خطوة الإمام الحسن (عليه السلام) بمثابة المفتاح الذي فتح به شقيقه الإمام الحسين (عليه السلام) باب الثورة وإعطائه الضوء الأخضر لمواجهة كل الإنحرافات الأموية والتي جرت الويلات على المسلمين ولا تزال آثارها تنهش في جسد الإسلام.

وتطالب المؤلّفة في ختام بحثها بإنصاف الإمام الحسن (عليه السلام) وعدم تغييب معالم حياته التي دُسَّت فيها الأكاذيب والافتراءات مطالبة المؤمنين بتحمّل مسؤولياتهم إزاء هذه الظلامة ودفع هذه الشبهات.

أمّا كتابها (خلفاء السقيفة في محكمة التاريخ) فيُعدّ وثيقة مهمّة تدين الإعتداء الآثم على سيدة نساء العالمين الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وغصبها حقّها وانتزاع الخلافة من زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقد انطلقت المؤلّفة في سردها لتلك الحوادث المؤلمة من مبدأ مهم وهو البراءة من أعداء أهل البيت (صلوات اللّه عليهم) ومنكري فضائلهم وغاصبي حقوقهم الذي يعد من الأساسيات التي تكتمل بها ولاية من يواليهم.

ومن هذا المبدأ تنصب المؤلفة محكمة فكرية تاريخية لمحاكمة رموز النفاق والكفر من الأوائل الذين حرّفوا المسيرة في سقيفة بني ساعدة، لأنّ مفهوم الولاية اختلط على الكثير لذلك لابد من توضيح لهذا الموضوع البالغ الأهمية، فليس من المنطق أن تنسب كل المعايب التي لحقت

ص: 16

بالإسلام إلى انحرافات الأمويين وبطش العباسيين من دون الرجوع إلى جذور الإنحراف الأولى واستئصالها.

ولا يخفى أنّ المنافقين على عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كانوا يتحيّنون الفرص للخلاص منه والإجهاز على دينه الذي أعاد للإنسان كرامته وقيمته المهدورة، وقضى على جاهليتهم وحطّم أصنامهم، وتشير الشواهد والأحداث أنّهم خطّطوا أكثر من مرّة لاغتياله حتى تحقّق لهم مرادهم الشيطاني ومضى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شهيداً مسموماً لينتهزوا فرصة انشغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بتجهيزه فيجتمعوا في سقيفة بني ساعدة التي شهدت بذور الإنحراف الأولى عن النهج المحمدي الأصلي والتي أثمرت ما أثمرت حتى يومنا هذا.

ولم يأت اعتباطاً خوض هذه السيدة الجليلة في موضوع البراءة من أعداء محمد وآله، فهي على معرفة ودراية بالروايات الكثيرة التي تحثّ المؤمنين الموالين على إكمال ولايتهم لآل محمد بالتبرّي من أعدائهم، وقبل الروايات كان قول اللّه تعالى يطرق سمعها وهي تتلوه: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْأخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}(1).

وقد قيل للإمام الصادق (عليه السلام) : إنّ فلاناً يواليكم إلا أنّه يضعف عن البراءة من عدوّكم، فقال (عليه السلام) : هيهات، كذب من ادّعى محبّتنا ولم يتبرّأ من أعدائنا(2).

وجاء في كتاب (صفات الشيعة) عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

ص: 17


1- سورة المجادلة: 22.
2- بحار الأنوار 27: 58، ح18.

قوله: من واصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلاً أو مدح لنا عائباً أو أكرم لنا مخالفاً فليس منّا ولسنا منه(1). وروي في صفات الشيعة أيضاً عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: إنّ ممّن يتخذ مودّتنا أهل البيت لمن هو أشدّ فتنة على شيعتنا من الدجّال، فقيل له: يا ابن رسول اللّه بماذا؟ قال: بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا إنّه إذا كان كذلك اختلط الحقّ بالباطل واشتبه الأمر فلم يعرف مؤمن من منافق(2).

وجاء في بحار الأنوار: قال الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: {مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِۦ}(3) عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لايجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا في جوف إنسان، إنّ اللّه لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحب بهذا ويبغض بهذا، فأما محبّنا فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنار لاكدر فيه، فمن أراد أن يعلم حبّنا فليمتحن قلبه فإن شاركه في حبّنا حبّ عدوّنا فليس منّا(4).

إذن، لابد من تعرية رموز النفاق وكشف الوجه القبيح لهم بإزاحة القناع عنهم وهو مافعلته المؤلّفة في كتابها (خلفاء السقيفة في محكمة التأريخ) ليكون كتابها هذا وثيقة فكرية عقائدية ترسّخ فكرة الولاية المكتملة لأهل البيت (عليهم السلام) بالبراءة من أعدائهم وهو جهد مبارك لن يضيع أجره.

تبدأ المؤلّفة بمحاكمة أبي بكر عتيق بن أبي قحافة مستعرضة سيرته التي

ص: 18


1- وسائل الشيعة 16: 265، ح21527.
2- بحار الأنوار 72: 391، ح11.
3- سورة الأحزاب: 4.
4- تفسير القمّي 2: 171.

أخفيت عن العامة وكيف أنّ إسلامه كان ظاهرياً فقط ولم يدخل الإيمان قلبه والعجيب كيف لشخص مثل هذا أن ينال المقام الرفيع والمكانة المحترمة عند عامة المسلمين الذين لم يطّلعوا على هذه السيرة من حياته؟

وتنقل المؤلّفة ما قاله أبو بكر في مرضه الذي هلك فيه: أما إنّي لا آسي من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتها، وددت أنّي تركتها، وثلاث تركتها وددت أني فعلتها، وثلاث وددت أنّي سألت عنهن رسول اللّه، أمّا التي وددت أنّي تركتها، فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان أعلن عليَّ الحرب، وودت أنّي لم أكن حرّقت الفجاءة وأنّي قتلته سريحاً أو أطلقته نجيحاً، ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - عمر أو أبي عبيدة - فكان أميراً وكنت وزيراً(1).

والمتأمّل في كلام أبي بكر في هذا النص المروي عند جمهور علماء العامّة كالطبري في تأريخه وابن قتيبة في الإمامة والسياسة والمسعودي في مروج الذهب وغيرها من المصادر التي روت هذا الكلام بأسانيد صحيحة لرجال ثقات عندهم، يجد أنّه يؤكد حالة الإعتداء على بيت السيدة الزهراء (صلوات اللّه عليها) ولكن من المؤسف أن نجد من يشكك في هذه الحادثة من قبل البعض ممّن يتولّى أهل البيت فأيّ دليل يريدون أكثر من رواية تروى عن مصادر المخالفين تؤكد حدوث هذا الإعتداء الإجرامي؟

كما نجد أنّ هذه الحادثة قد اعترف بها الكثير من المؤرّخين المتقدّمين والمحدّثين من كتاب العامّة على اختلاف مذاهبهم ولكن العجيب - بل من

ص: 19


1- بحار الأنوار 30: 122-123، ح2.

أعجب الأعاجيب - أن نرى من يجعلها في مناقب عمر ويعتبرها شجاعة له!!

عمر الذي لم يكن له موقف واحد ولو بقدر ضئيل في ساحات القتال يدل على أنه شجاع ولم يرد له أيّ ذكر في مبارزة مع أحد الكفار بل دلّت روايات في مصادر العامة على جبنه وفراره من لقاء العدو يأتي من المتأخّرين ليضفي عليه ألقاباً وفق معايير مغلوطة ومعكوسة فيجعل هجومه على دار سيدة نساء العالمين والمعصومة من الزلل بنص القرآن شجاعة!!

ولا يمكن تصور حدود الانقياد للهوى والتعصّب المقيت الذي بلغ مداه عند حافظ إبراهيم ليقول في قصيدته (العمرية):

وقولة لعليٍ قالها عمرٌ***أكرم بسامعها أعظم بملقيها

أحرقتُ داركَ لا أبقي عليك بها***إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها***أمام فارس عدنان وحاميها!!

اللّه أكبر أيّة شهادة شجاعة مزوّرة تسجّلها للتاريخ؟ بل أيّة مهزلة؟ بل أية مأساة؟؟!!

ألم تسأل نفسك قبل قولك هذا: أين كانت هذه الشجاعة في يوم أحد وقد فر عمر مع من فر وكذلك في حنين؟

ألم تسأل نفسك أين كانت هذه الشجاعة يوم خيبر يومها رجع عمر يجبن أصحابه ويجبنونه؟

أما كان الأولى أن يحرق باب الحصن وأن يبارز مرحبا؟

أما كان الأولى لك يا حافظ ولغيرك ممّن سار على منوالك في نسج تلك المناقب المضحكة المبكية أن يقرأوا التاريخ بتمعّن وتأمّل ووعي، لا قراءة عوراء والنظر إلى الحقيقة بالمقلوب؟

ص: 20

عمر الذي رأى عمل أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في السكوت عن حقّه من أجل مصلحة الإسلام فاستغل ذلك بالهجوم على أطهر وأقدس بيت في الوجود وتعدّها شجاعة!! اللّه أكبر قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون!

وقد تجلّت هذه الحقيقة - الحقيقة التاريخية - بأدقّ صورها وتفاصيلها عند السيدة المؤلّفة في الفصل الثاني الذي تحاكم فيه عمر بن الخطاب صاحب البدع الكثيرة كصلاة التراويح والطلاق وتحويل المقام عن موضعه وتغيير مقام إبراهيم وغيرها من البدع التي فصّلتها المؤلفة فضلاً عن نزعته العنصرية وجهله بالأحكام الشرعية الإسلامية والتلاعب بحدود اللّه إضافة لدوره في إبعاد الخليفة الشرعي لرسول اللّه واعتدائه على بيت سيدة نساء العالمين.

ثم تنتقل لمحاكة عثمان والتداعيات الكثيرة التي حصلت أثناء فترة حكمه من تفضيله بني أميّة وإيواء طريد رسول اللّه والتلاعب ببيت المال والتلاعب بالصلاة، واستعرضت المؤلّفة آراء لأمير المؤمنين (عليه السلام) فيه، ثم تنقل حادثة خلافه مع عائشة التي اتهمته بأنه ترك سنة رسول اللّه فصعد المنبر ووصفها بالزعراء قائلاً:

إنّ هذه الزعراء عدوة اللّه وضرب اللّه مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب فردت عائشة عليه: يانعثل ياعدو اللّه، إنّما سمّاك رسول اللّه باسم نعثل اليهودي الذي باليمن، وظلت تقول: اقتلوا نعثلاً قتل اللّه نعثلاً فقد أبلى سنة رسول اللّه وهذه ثيابه لم تبل... .

ونكتفي بهذا القدر من استعراض مواضيع هذه المؤلّفات القيمة لكي لا نخفف من توق القارئ في الاطلاع على باقي مضامينها.

وفي الختام لا نستطيع إلا أنّ نجل هذا الجهد الفكري الكبير للسيدة

ص: 21

الفاضلة والدة آية اللّه الشهيد السيد محمد رضا الشيرازي (أعلى اللّه درجاته) والكفيل بتوعية الأمة. من خلال سبر أغوار المواضيع العقائدية، ولاشك أنه محاولة جادّة وواثقة لسد جوع الفقر العلمي والفكري خصوصاً في الجانب النسوي، فنادرٌ ما نشاهد جهداً تقدمه امرأة ويتناول الموضوعات المختلفة والتي صار البحث فيها ضرورة ملحّة عسى أن تحذو أخريات حذو هذه السيدة الجليلة من أجل تبيان الحقائق ورفع راية آل محمد.

وبالتأكيد سيشاركنا القارئ هذا الإجلال والإكبار لهذا الجهد المضني الذي قامت به هذه السيدة الجليلة في إعداد هذه الكتب والإصرار النسوي النادر على الصعيد الفكري والعلمي، فهذه المؤلّفات تناولت الكثير من الجوانب الأخلاقية والعقائدية التي غُيّبت بإرادات معروفة لتكون سلسلة رائعة مترابطة مدعمة بجهد واستقصاء رائعين جامعة بذلك فضائل من طهّرهم اللّه بنصّ كتابه العظيم لتكون سراجاً يضيء العتمة الإيمانية التي أوجدت لها مساحة واسعة على خريطة الرأي العام الإسلامي بسبب الإبتعاد عن أهل البيت (عليهم السلام) وعدم الخوض في سيرهم المضيئة ومنهجهم المستقى من منهج جدهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.

وحتماً سيجد القارئ الكريم نفسه في سياحة فكرية متعددة الاتجاهات التي تصب في ترسيخ الوعي الإيماني لديه.

نسأل اللّه تبارك وتعالى أن يتقبّل هذا الجهد من السيدة أمّ محمد رضا بقبول حسن، وأن يتقبّل من الأخوة القائمين بإعداد وتحقيق ونشر مؤلفاتها بفضله وكرمه، إنّه قريب مجيب.

وصلّى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 22

رفيقة القمر... مسيرة العطاء والألم

اشارة

رفيقة القمر... مسيرة العطاء والألم(1)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

{مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(2).

صدق اللّه العلي العظيم

لطالما شخصت بين ثنايا التاريخ رموزا إنسانية كان لها دورا محوريا في رسم مراحله، كان لوجودها تأثيرا في صناعة الأحداث معنويا تارة وماديا تارة أخرى، لتضفي بصمة راسخة وترسم ملامح فترات بالغة الأهمية في نسج الوجوه وبلورة النتائج، إذ لا يحتاج المراقب والمتابع سوى لشيء بسيط من التمعّن، ليتوجّس تأثير تلك الرموز الإنسانية وعمق مساهمتها في تغيير الأوضاع أو الارتقاء بها، سيما أنّها تبذل بصمت جهدا بالغ الأهمية في بث الطاقة الإيجابية في الدائرة القريبة أو البعيدة بصورة ملحوظة.

وبعيدا عن الإطالة ورغبة بسرعة الإحاطة، نطّلع اليوم على سيرة امرأة كانت ولا تزال حتى هذه السويعات رافدا ماديا ومعنويا، يفيض برحابة منقطعة النظير بالكثير من العطاء الإنساني والإسلامي، باذلة مهجتها في سبيل

ص: 23


1- بقلم الأستاذ محمد حميد الصواف.
2- سورة النحل: 97.

الحقّ، وإعلاء شأن كل ذي شأن، ابتداء من إحياء أمر آل بيت النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما انسحب على ذلك من قضايا فكرية وفقيهة واجتماعية وإنسانية عامة.

إذ تتدفّق بين أيدينا ونحن على أعتاب الاطلاع على سيرة السيدة الجليلة والدة آية اللّه السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه اللّه) ، الكثير من المشاعر ذات الدفق الإيماني، لننهل ممّا سيسعفنا المقام لذكره من تلك السيرة الكثير من القيم والأخلاق والمبادئ، التي تنبثق من عمق عقيدتها الإسلامية البحته، المتجذّرة في محبّة آل البيت (عليهم السلام) ، لم تتدخر جهدا في إذكاء مكارمهم وتعاليمهم عبر جملة من المؤلّفات القيّمة الزاخرة بالعلوم الدينية والفقهيه، بعد أن وظفت مسيرتها الخالدة مع زوجها الراحل المرجع السيد محمد الحسيني الشيرازي في خدمة الدين والمذهب والمجتمع، باذلة في سبيل رسالته الإنسانية العظمى عطاء لا ينضب.

ولدت الحاجّه أمّ سيد محمد رضا في كنف عائلة كربلائية ذاع صيتها بالمروءة والكرم والتقوى عام 1363 هجرية، وترعرعت بين جنبات مكارم الأخلاق، على يد أب كريم اليد جوَاد عطاء لم يدّخر جهدا طيلة سني عمره في مساعدة المحتاجين والفقراء، مواظبا على طاعة اللّه طالبا رضاه في الواجبات والمستحبّات من الطاعات، لتتلقف منذ نعومة أضفارها الصفات الحميدة والطباع الكريمة، وتغدو ذو نشأة قويمة مترسخة الجذور، إيمانا وتقوى وعفاف، ملتزمة أشد الالتزام بفروض الطاعة، ابتداء من الصلوات الواجبة والمستحبة، مرورا بالالتزام في أداء الزيارات المخصوصة والعامة لمراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأخيرا وليس آخرا المدوامة على قراءة القرآن والأدعية المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) .

ص: 24

وأسوة بمعظم أقرانها من البنات في ذلك العهد زجّت الحاجة زينب لدى مقرءات القرآن لتعلمه، بالإضافة إلى تعلّم الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية، بعد أن آثر والدها عدم إدخالها بالمدارس الحديثة التي كانت تتسم بالشبهات إبان تلك الفترة نظرا لحداثة تأسيسها.

ولم يستغرق القدر سوى بضع سنين حتى يخط لها منهاجها على طريق الصبر والجهاد، ليمضي في حياتها إرادة اللّه عزّ وجل، وتقترن الحاجة بشخصية شابة تتقد عنفوانا ونشاطا وعطاء، ليكون لها وتكون له نعم العون والسند في مخاض سنينهما المليئة بالأحداث ذات الشأن الدولي والإقليمي.

فعلى حين غرّة، استيقظت الحاجة زينب من رؤية القدر التي وأتتها في المنام، تجسد خلالها البدر متلئلأ يحط في أحضانها، فيما لم يجد ذووها تفسيرا لرؤيتها سوى عند آية اللّه العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره) ، متنبّأ لها الاقتران برجل ذي شأن عظيم.

ولم تمض سوى أيام حتى بدءت الخطبة ثم مشروع تزويج وزفاف راسخ، ونواة جيل جديد من العلماء والفقهاء والأساطين العلمية على مستوى العالم، كما سيأتي تباعا.

فقد كان السيد محمد الشيرازي لا يزال في مقتبل العمر، ذو اطلالة مهلهلة، باسم الثغر دائما، غضّ العود لكن قوي الشكيمة وصلب العزيمة، جميل الهيئة والخلق، متفقه حليم ذو رؤية وبصيرة ثاقبة كما يصفه جميع من رافقه في شبابه.

وكعادته في استباق كل عمل خير، لم يتردّد المرجع الراحل السيد الميزرا مهدي الشيرازي في استدعاء ولده البكر الشاب في حينه السيد

ص: 25

محمد الشيرازي، مفاتحا إيّاه بما تداوله مع الحاج صالح معاش بشأن الخطبة المباركة، وما هي لحظات بين استخارة ومداولة، حتى هلّت المباركة من جميع الأطراف وقبل مغادرة الصحن الحسيني المقدّس حيث تم الاجتماع.

يقول سماحة السيد محمد رضا القزويني، حدّثني ابن عمّنا المغفور له سماحة العلامة السيد محمد كاظم القزويني بعد أن صاهر آية اللّه العظمى المغفور له السيد ميرزا مهدي الشيرازي (رحمه اللّه) عن قصّة زواج ولده الأكبر آية اللّه السيد محمد الشيرازي في ستينات القرن الماضي.

فقال، «في ليلة من ليالي الجمعة و بعد الانتهاء من صلاة المغرب و العشاء و التي كان يقيمها في صحن سيدنا الحسين (عليه السلام) جاءه الحاج صالح معاش الذي كان معروفاً بالتدين والصلاح، قصّ عليه رؤية ابنته وطلب من السيد تفسير لها، وكانت قد رأت البنت (كأن القمر ليلة كماله قد نزل و هبط بكل رفق في حجرها)».

ويتابع السيد كاظم القزويني روايته، «أجابه السيد ميرزا مهدي الشيرازي (رحمه اللّه) بأنّ ابنته ستتزوج رجلاً عظيماً إن شاء اللّه».

نبذة عن زوجها

حريّ بنا قبل أن نشير إلى اقتران هذه السيدة الكريمة بالمرجع الديني السيد محمد الشيرازي (رضوان اللّه عليه) أن ننقل الكلام حول المرجع الراحل ونتطرّق إلى نبذة من حياته ثم نسوق الحديث إلى الزواج المبارك بينهما.

فهو من سلالة أهل بيت الرسالة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) إذ يتصل نسبه بزيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين (عليهم السلام) ، من أسرة آل الشيرازي العريقة التي عُرفت بأعلامها ورجالاتها.

ص: 26

توسّل والده المقدّس الميرزا مهدي الشيرازي (رحمه اللّه) بأهل البيت (عليهم السلام) كي يرزق بابن عظيم يحمل لواء الدين، فولد السيد محمد رضوان اللّه ببركة هذه التوسّلات في النجف الأشرف سنة 1347ه- .

نشأ وترعرع في أقدس بقاع الأرض كربلاء المقدّسة مدينة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ، وبالرغم أنه ترعرع في أحضان أسرة عريقة - أسرة آل الشيرازي - التي أنارت التأريخ بمواقفها، إلا أنه (رحمه اللّه) لم يكن ممّن يفتخر ويتغنّى بأمجاد الآباء والأجداد، بل خطّ بنفسه منهاج كفاحه الطويل وانكبّ على تعلّم علوم أهل البيت (عليهم السلام) ونشر معارفهم الإلهية في سنّ مبكر، فاستطاع بكفاءة أن يدرّس طلابه كتاب (كفاية الأصول) وهو من أهم كتب الأصول في الحوزات العلمية ولم يكن عمره يتجاوز الثامنة عشر عاماً.

وبقي سماحته (رحمه اللّه) ينهل من علوم أهل البيت (عليهم السلام) ويغترف من معارفهم القيّمة مستفيداً من أكابر أساتذة الحوزات العلمية أمثال والده السيد الميرزا مهدي الشيرازي والسيد محمد هادي الميلاني وغيرهما من فطاحل الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة.

تصدّى للمرجعية بعد وفاة والده الميرزا مهدي سنة 1380ه- ولم يكن عمره آنذاك يتجاوز الثلاثة والثلاثين عاماً، ونهض بأعبائها الثقيلة على أحسن وجه.

وقد شهدت مدينة كربلاء المقدسة أيامه حركة علمية قوية، ونشاطات دينية حيوية حيث فعّل سماحته الساحة الدينية وأكثر من تأسيس المراكز والمؤسّسات الدينية في شتى أنحاء العراق خاصة كربلاء المقدسة.

إلى ذلك يشير المجدد الشيرازي (رحمه اللّه) في كتابه (عشت في كربلاء) قائلاً،

ص: 27

فقد قمت - ومنذ عشرين سنة تقريباً - بباكورة أعمالي في حقل الخدمة العامة، بمعونة جملة من علمائنا الأعلام والتجّار المحترمين، بتأسيس مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) الأهلية في كربلاء المقدسة.

وهناك الكثير من تفاصيل حياة هذا المرجع العظيم في العراق والكويت وإيران لايسع المقام لذكرها تقصد في مظانها من الكتب التي ألفت عن حياته (رضوان اللّه عليه).

الابن البكر

لم يمض عام واحد حتى منَ اللّه على تلك الزيجة المباركة بوليد بكر سيكون له شأن عظيم في قادم الأيام قبل أن تغيبه المنايا قسريا، هو السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه اللّه) ، الذي أتحف الساحة الفكرية والثقافية والإسلامية بمحاضراته القيّمة، والتي نفذت إلى القلوب تاركة أثرا بالغا في نفس متلقّيها في مختلف أرجاء المعمورة، وقد وصفه سماحة المرجع الديني الكبير السيد صادق الحسيني الشيرازي بأنّه (أشبه الأحفاد بجدّه آية اللّه العظمى السيد الميرزا مهدي الشيرازي أعلى اللّه درجاته).

وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن نفرد بعض السطور لاستعراض جانب من سيرة السيد الجليل الابن البكر للحاجه زينب معاش، فقد ولد السيد محمد رضا رضوان اللّه عليه في كربلاء المقدّسة سنة 1379ه- ونشأ وترعرع بجوار سيد الشهداء (عليه السلام) ، وتحت ظل والده المجدّد فتهذّب بأدبه وتعلّم من علومه ونهل من أخلاقه.

وقد بدأ دراسته الأولية في مدرسة حفاظ القرآن الكريم ثم التحق بالحوزة العلمية في كربلاء المقدّسة حيث درس مقدّمات العلوم الدينية

ص: 28

لدى أساتذة كبار.

هاجر برفقة والده إلى الكويت بعد الضغوط الكبيرة التي لاقاها والده في العراق، وقد واصل دراسته الحوزوية فيها، فقرأ الرسائل والمكاسب على عمّه المرجع السيد صادق الشيرازي، ومنذ ذلك الوقت كان يبلّغ الشباب ويرشدهم من خلال محاضراته.

ثم هاجر بمعيّة والده إلى إيران سنة 1399ه- فنزل مدينة قم المقدّسة حيث واصل دراسة السطوح حتى أكملها وشرع بدراسة السطوح العالية لدى والده المرجع الراحل رضوان اللّه عليه، بالإضافة إلى كبار مراجع التقليد في مدينة قم المقدّسة.

وقد بلغ مرتبة من العلم بحيث صار من أعلام الحوزة وأساتذتها المعروفين الذين يشار إليهم بالبنان حيث انكبّ على تدريس العلوم المختلفة، فشرع بالتدريس من المقدّمات ومروراً بالسطوح إلى بحث خارج الفقه.

أمّا سجاياه الأخلاقية فقد كان آية في التقى والورع والتديّن الواقعي، وقد وصفه عمّه المرجع آية اللّه العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي قائلا، «فإنّني عشت معه منذ ولادته ولم أر منه غير ما ينبغي للذين آمنوا وعملوا الصالحات، الذين وصفهم القرآن الكريم بهذا الوصف».

وأضاف: «كانت السمة البارزة لأخي في العلم وابن أخي في النسب آية اللّه السيد محمد رضا الشيرازي (رحمه اللّه) التي لعلّي لمستها أكثر من غيري، ولمسها كل من عاشره ولو لنصف ساعة، والأكثر أكثر، التمثيل الشخصي للإنسان المسلم الصحيح، في أقواله وفي سيرته، وفي استماعه، وفي دعوته وإجابته، وهذا ممّا يندر وجوده في كل زمن ولاسيما زماننا هذا».

ص: 29

ظاهرا كلام السيد المرجع «وكل من كان أقرب إليه كان أكثر معرفة بهذا الأمر، فلقد كان (رحمه اللّه) يمثّل الإيمان والعمل الصالح، ونِعم ما أعدّ نفسه طيلة حياته لمثل هذا اليوم.

حتى الذين عاشوا معه في عالم الطفولة والأيام التي كان يرتاد فيها الصف الأول والثاني من مدرسة حفّاظ القرآن الكريم في كربلاء المقدّسة التي أسسّها أخي الأكبر لا أتصوّر أنّهم لديهم إنطباعاً غير حسن عنه، حتى لمرّة واحدة».

نعم هذا السيد الجليل تربّى في أحضان هذه السيدة الجليلة وهو من مفاخرها حيث قدّمت للبشرية هذه الشخصية العظيمة التي خدمت المذهب أية خدمة بفكره وعلمه ولسانه وقلمه.

الزوجة والأم والسند

وكما أراد القدر أن يتم القِران خلال أيام قليلة، تجسّدت مشيئة اللّه في أن تكون الحاجه والدة السيد محمد رضا نعم السند والعون لزوجها الإمام الشيرازي الراحل (رحمه اللّه) ، سيما أنّ حياته ورسالته الدنيوية كانت بعيدة الأفق، عابرة للحدود، كانت ولا تزال نهجا إنسانيا قلّ نظيره.

وأسوة بمختلف العظماء والقادة، لم تكن المسيرة مفروشة بالورود، بل كانت معبّدة بالمشاق والهموم والمعاناة والعداء والترهيب والترغيب، فطاول بمنطقه الطغاة، وبكلمته العتاة، وتحدّى أكثر الأنظمة والديكتاتوريات شراسة في إيران أو العراق على مدّ عمره (رحمه اللّه) .

فلا تنفصل مسيرة السيد الراحل محمد الشيرازي عن الحاجة زينب معاش، ولا سيما أنّها واكبته طيلة سني حياته الزاخرة بالعلم والعمل

ص: 30

والجهاد، إلا أنّنا سنسعى لفرد سيرتها بصورة شبه مستقلّة على الرغم من صعوبة الإلمام بجميع أوجه هذا المراد.

ينقل شقيقها الحاج رسول معاش، حادثة تعكس مدى صلابة هذه المرأة وقوّة عقيدتها وإيمانها وإخلاصها، فيقول: كانت والدة السيد محمد رضا حافظة لأسرار السيد (رحمه اللّه) ، وعندما اختفى السيد جراء إعتقال الشهيد السيد حسن الشيرازي لم يكن أحد يعرف عن اختفائه شيئاً سواها.

ويتابع، في أحد الأيام زرتها في بيتها ولما قصدت الخروج، قالت لي: إبق عندنا هذه الليلة فامتنعت رغم اصرارها على بقائي، وفي صباح اليوم الثاني أُخبرت أنّ السيد سافر فعلمت أنّ السيد كان يريد السفر وأحبّت رضيعتنا أن أبقى لأودّعه بدون أن تبيّن لي الوجه في ذلك ورغبتها الشديدة في توديع السيد، ولكن حفظها للسرّ حال دون أن تخبرني بالأمر.

كما يستشهد العلامة السيد عباس المدرسي بحادثة لا تقلّ جسامة وألما عن سابقتها، فيقول: في إيران حيث اُضطهد زوجها السيد محمد الشيرازي أشدّ الاضطهاد، وهاجر ابناها السيد رضا - بعد أن اعتقل لبضع ساعات - والسيد جعفر خوفاً من بطش الظالمين، قبل أن يتعرّض ابنها السيد المرتضى للحبس الشديد لأكثر من سنة دون أن تعلم عنه شيئاً، اضطربت أيّما اضطراب لكنّها صبرت واحتسبت كل ذلك عند اللّه، فكانت تخرج إلى صحن الدار و تكشف عن رأسها تحت السماء وتدعو للفرج، وعندما أفرج عنه رأت آثار التعذيب على رقبته وسائر بدنه لم تجزع أو تفزع، بل التزمت الصبر واحتسبت ذلك عند من لا تضيع عندها الودائع.

ويضيف السيد المدرّسي: عندما اُعتقل ابنها المهدي لشهور اشتدّت

ص: 31

آلامها حيث عايشت الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ألمّت بمرجعية زوجها، فكانت خير عضيد له تخفّف من آلامه وتشاركه المحنة و تصبّره و تصبر.

مسيرة الصبر والجهاد

وعودة على ذي بدء، رزق اللّه الحاجّه زينب معاش والسيد محمد الشيرازي سبعة ذكور وستة إناث، هم كل من السادة الرضا ثم علي الذي توفّاه الأجل صغيرا، ثم مرتضى ثم جعفر، وهم من مواليد مدينة كربلاء المقدّسة، فيما تلاهم السادة، مهدي ثم محمد علي في دولة الكويت، وأخيرا، السيد محمد حسين الذي ولد في مدينة قم المقدّسة.

وكما أسلفنا، لم تدّخر أمّ السيد محمد رضا جهدا في العناية بزوجها من جهة، وبأولادها المباركين من جهة أخرى، فكانت نعم الزوج والأم والمعلّمة.

وعلى الرغم من حجم المسؤولية التي كانت تقع على عاتقها، إلا أنّها آلت الاعتماد على نفسها في قضاء صغار الأمور وكبارها، ابتداء من رعاية وتلبية الاحتياجات المنزلية، وانتهاء بالرسالة الإنسانية والإسلامية التي تصدّت لها بكل عزم وإرادة.

فبين أخلاق جبل عليها الزوجان نفسيهما وأبنائهما، جمعت بين الإيثار والزهد والصبر الجميل على بلاء الدنيا، فترعرت الأسرة على القيم الإسلامية والإنسانية البحته، مفضّلين شظف العيش على البهرجة الكاذبة، متأسيّن بالإمام علي وزوجته الزهراء صلوات اللّه عليهما، لم تغرّهم الدنيا بألوانها، بالرغم من اضطرارهما التعايش مع مجتمعات مختلفة الأذواق والتقاليد، ابتداء من كربلاء المقدّسة ومن ثم الكويت، قبل أن يستقرّ بهما

ص: 32

المقام في قم المقدّسة، حيث ترقرقت روح زوجها السيد محمد الحسيني الشيرازي إلى بارئها عزّ وجل.

فقد كانت كما يروي جميع المقرّبين منها، تتكفّل بجميع الأعمال المنزلية، طبخا وكنسا وتنظيفا وغسلا للملابس باليد، دون أن تفكر باتخاذ خادم لها على الرغم من تيسّر الأمر لمثيلاتها.

والجدير ذكره أنّ الحاجة أمّ محمد رضا رعت جدّة أطفالها من الأب لمدّة ثمان سنوات قبل أن توافي الأخيرة المنيّة، وهي والدة السيد محمد الشيرازي، والذي بدوره تصدّى لشؤون المرجعية الدينية في كربلاء المقدّسة بعد وفاة والده السيد ميرزا مهدي الشيرازي مباشرة، لتبدأ من حينها الفترة الأكثر إعياء وجهدا على كاهل الزوجين، والذي يستطيع القارئ الكريم تأمله من خلال الاطلاع على سيرة الإمام الشيرازي رضوان اللّه عليه.

تشير ابنتها السيدة أمّ مهدي إلى أنّ والدتها كانت ترعى شؤون جدّتنا (أمّ زوجها) المعروفة ب- (خانم بزرك) في الكويت، بالرغم من أنّ لديها بنات آنذاك، إلا أنّ الوالدة آثرت أنّ تقوم بكل ذلك بمفردها، وتبدّل لها ملابسها وتطهّرها وتنظّفها وتسهر على شؤونها، وقد خصصت إحدى الغرف لها مع قلّة غرف الدار وكثرة الأطفال وكانت مقعدة في تلك الفترة لا تستيطع الحركة، فكانت الوالدة أول الصباح تحضر لها الفطور، ثم تبدء بتنظيفها بنفسها، وكانت تحضر لها الإبريق والطشت للتطهير، وإبريقاً آخر لغسل يديها.

وحول البيت الذي تقطنه فيه مع زوجها يشير صهرها الأكبر العلامة السيد عباس المدرسي في حديث له حول زهد المجدّد الشيرازي، قائلاً، رغم إقبال الدنيا عليه في مدينة كربلاء المقدّسة، فإنّه أبقى على بيته

ص: 33

المتواضع الذي تزوّج فيه، ولم يكن تتجاوز مساحته السبعين متراً مربعا فقط، حتى بعد أن كثر أولاده وتزايد المراجعون له.

يتابع المدرسي حديثه، فيقول: عندما هاجر المرجع الراحل إلى الكويت، بقي في شقّة صغيرة، رغم عائلته الكبيرة حتى أنّه لم يكن يجد مكاناً ليؤلّف فيه كتبه، فاضطرّ أن يتّخذ من الطابق الأعلى من سرير الأطفال ذي الطوابق الثلاثة مكاناً يصعد إليه فيؤلّف فيه كتبه.

ويضيف أيضاً: في مدينة قم المقدّسة سكن منزلاً متواضعاً متداعياً في جوانبه، وفي نفس البيت زوّج جميع أولاده، وكلّما زّوج أحد أبنائه فرد له حجرة وخرج من تقدّم عليه في الزواج إلى منزل مستقل.

وقد كانت الحاجّة أم محمد رضا بحاجة إلى المال لإقامة بعض مراسيم الزواج لأولادها وبناتها، إلا أنّ السيد (رحمه اللّه) كان يرفض ذلك لشدّة زهده ومراعاته لحال أضعف الناس من الفقراء مع أنّ الملايين كانت تجري بين يديه، وقد توافق على هذا الأمر مع زوجته.

وتنقل ابنتها السيدة أم عباس: لم يقدّم والدي لزواجي من المال إلا بمقدار شراء بعض الأواني. مشيرة، بأنه كان السيد يعطيها راتباً بمقدار مايعطيه لسائر بناته وزوجات أبناءه ولم يكن يفضّل أحداً على أحد.

الكتابة والبحث والتأليف

على صعيد متصل، تلقفت الحاجة أم محمد رضا بكل أرحبية رغبة زوجها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي، والتي تمثلّت في دراستها العلوم الفقهية والإسلامية والاجتماعية والإنسانية بشكل عام، دون أن تغفل في الوقت ذاته رسالتها السماوية المنصبّة على تنشأة ورعاية جيل جديد من

ص: 34

العلماء الأفذاذ الذين سيبصرون النور في دوحتهم العلمية الصغيرة خلال السنوات التي تلت الاقتران.

فتتلمذت على يدي زوجها، لتتعلّم الفقه والنحو والصرف، ومن نوافل الذكر، أنّه (رحمه اللّه) كرّس وقتا خاصا لتأليف كتاب (المنصورية)، وهو كتاب جميل مزج فيه بين النحو والصرف، سهر على تدريسه لها بشكل يومي على مدى عام كامل.

ولا يسعنا إغفال أمر بالغ الأهمية في سيرتها، فكما طوعت نفسها في أداء العبادات والزيارات المقدّسة ورعاية زوجها الراحل وأبنائها الكرام، كرّست وقتا للتأليف وإصدار الكتب الإسلامية كما سيأتي ذكره.

فعمدت إلى ترجمة الثقافة والتعاليم الدينية التي تلقّتها على يد زوجها الإمام الشيرازي الراحل (رحمه اللّه) إلى إصدارات قيّمة تنتفع بها عامة الناس، بلغة جزلة سهلة قادرة على إفادة من يتلقّاها بشكل وافر، سواء على الصعيدين الفقهي أو العلمي.

فأصدرت العديد من الكتب الخاصة في فقه الولاية والبرائة والأخلاق وهي بين الخمسين والستين من عمرها، ومن جملة تلك الكتب: كتاب (من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) )، وكتاب (من كلمات الإمام العسكري (عليه السلام) ) وكتاب (الأخلاق)، وكتاب (نبذة عن حياة المعصومين (عليهم السلام) )، وكتاب (خلفاء السقيفة في محكمة التاريخ)، وأيضاً كتاب (من معاجز المعصومين (عليهم السلام) )، وكتاب (المحاضرات) وكتاب (الأربعون حديثا).

ولتسليط الضوء بشكل أكبر على هذا المنحى المهم في سيرة الحاجة أم محمد رضا، تستحضر الكثير من المواقف والتجليات اليومية التي كانت

ص: 35

تواظب عليها دون كلل أو وجل، مستعصمة بنهج الأئمة والعلويات الشريفات من ذرية النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، دافعة بيقين حسن العاقبة والباقيات الصالحات كل إعياء أو رهق ألمّ بها، أو ضنكة حاصرتها بهمومها، غير مبالية بالحياة الفانية ومصاعبها أو مآسيها التي كانت تحلّ في محطاتها بين الفينة والأخرى، وهذا إن دل فهو يدلّ على السمات التي تتمتّع بها وجمال الخصال الحميدة المتجذّرة في قرارة نفسها الطيّعة في سبيل اللّه.

إذ لا تزال الحاجّه أم محمد رضا أشد التعلّق باللّه كثيرة الدعاء والتضرّع، تطيل في الأذكار والتعقيبات والنوافل بعد كل صلاة، فضلاً عن التزامها بقراءة أجزاء كثيرة من القرآن الكريم يومياً، وعادة ما تحرص على إمرار إصبعها على الآيات التي تتلوها للاستشفاء، فتمسح إصبعها على المرضى ليمنّ اللّه عليهم بالشفاء وتقول: فيها بركة القرآن.

كما أنّها شديدة التعلّق بأهل البيت (عليهم السلام) ، ومن خصوصيات هذه السيدة الصالحة أيضاً هي شدّة محبّتها وولائها لأهل البيت (عليهم السلام) خاصة المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فما من يوم إلا وتذكر فضائله وتطلب من الذين حولها أن ينقلوا فضائله لها، وتصغي إلى الفضائل باهتمام بالغ حتى لو كانت الفضيلة مكرّرة، وكان ابنها السيد محمد رضا (رحمه اللّه) ملتزماً بنقل تلك الفضائل لها يومياً وكذلك بعض أولادها و بناتها.

وليس ذلك فقط، بل لها علاقة شديدة بزيارة مراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، فما أن سقط طاغية العراق حتى قصدت العراق لزيارة المراقد الشريفة ولم تكن ترغب إطلاقا في مفارقة العراق لكن ظرفها الصحّي وسوء الإمكانات ألجأها للرجوع إلى قم، وبقيت تسافر إلى العراق مرّة كل سنة تمكث فيها

ص: 36

ثلاثة أشهر في الفندق إلى أن استقر بعض أولادها في النجف وكربلاء.

أمّا في مدينة قم المقدّسة فتزور السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) كل ليلة خاصة ليالي الجمعة وتطيل البقاء في الحرم الشريف، وقد استمرت على ذلك حتى لما اشتد مرضها في الأونة الأخيرة، فبالرغم من أنّها لا تخرج من الدار إلا أنّها تذهب إلى الحرم كل يوم و تبقى فيه ساعات و هي على الكرسي المتحرّك.

وتنقل ابنتها (أم مهدي) حرم الخطيب الشهير السيد باقر الفالي، فتقول: أتذكر أنّها كانت تذهب إلى حرم السيدة المعصومة (عليها السلام) كل يوم صباحاً، ولمّا اشتد ألم رجلها أخبرت السيد الوالد بالأمر واستأذنته أن تذهب بالسيارة، فقال لها: اتكئي على عصاة واذهبي للحرم مشياً، لا نريد أن نترفّع على عامّة الناس ممّن لا يمتلكون سيارة، ومع كل ذلك لم تكن تترك الذهاب إلى الحرم يوماً واحداً.

أمّا إذا رغبنا في استعراض خصيصة الصبر لديها فالحديث يطول وذي شجون وغصص وآهات، ويكفي بها صبرا وفخرا أنّها اختارت العيش بعزّ وإباء إلى جانب بعلها المجاهد الذي لم يعرف يوماً الراحة في الحياة، فكانت له خير معين وسند في الحياة.

رحيل زوجها

تأثّرت السيدة أم محمد رضا حين وفاة زوجها الإمام الشيرازي (رحمه اللّه) كثيرا، حيث فقدت عملاقاً عظيماً أبكى فقده عيون العدو والصديق، وأمضّ فراقه قلوب الجميع، فكانت مصيبة وفاته عظيمة عليها، ومع ذلك كانت صابرة أمام مصيبة كهذه محتسبة.

ص: 37

كيف لا وقد أصاب العالم الإسلامي أجمع فقدان رجل كالسيد محمد الحسيني الشيرازي حسرة ولوعة، رجل كان سيدا في الوسطية والاعتدال، متمسكا بمبادئ أهل البيت (عليهم السلام) ، أغنى الساحة الإسلامية والثقافية بمئات الإصدارات الفقهيّة والعلميّة والاجتماعية القيّمة، حتى نال بجدارة استحقاق ألقاباً عدّة، كالمجدّد الثاني وسلطان المؤلّفين وغيرها من الألقاب الفخرية والعلمية.

لقد كان الإمام الشيرازي فكراً نيّراً، استطاع من خلال سنّي كفاحه وجهاده إرساء مبادئ اللاعنف والتسامح والاعتدال في نفوس الملايين من مريديه واتباعه في أدنى المعمورة واقصاها.

الباقيات الصالحات

لم تغفل الحاجة أم محمد رضا أطال اللّه عمرها في ترك إرث لها على أكثر من صعيد، تقربا لله تعالى، وتشفعا بأهل بيت النبوة صلى اللّه عليهم أجمعين، فجهدت كما أسلفنا في تأليف الكتب الإسلامية ذات الأبعاد الثقافية والفقهيه والفكرية، وسعت ببالغ جهد في تأسيس دار للخدمة الحسينية في مدينة كربلاء المقدسة، إلا أنّ عسر الحال أجل بلورة هذا المشروع لفترة طويلة.

ولكن، ما كان لله ينمو، فقد قرر ورثة الحاج صالح معاش (أبيها) بيع داره في كربلاء المقدّسة و تقسيم الإرث إلى الورثة فكان سهم الحاجّة ما يعادل ثمانية آلاف دولار، فقررت أن تشتري بها قطعة أرض في كربلاء المقدّسة لتكون صدقة جارية لكن المبلغ كان ضئيلاً جداً، فباعت ما تمتلك من مصوغات ذهبية، وأضافت إليه مبلغاً من المال، وبقيت كلما تحصل على

ص: 38

شيء من الهدايا تضيفه إليه، ثم أخذت تجمع التبرّعات واستدانت مبلغاً من المال إلى أن اجتمع ما يكفي لشراء قطعة أرض بمساحة مئتي متر في منطقة البوبيات الواقعة مايقرب من كيلو متر من الحرم الحسيني الشريف.

وبقيت الأرض معطلّة عدّة سنين لعدم توفر المال الكافي لبنائها، ثم شرع بناء حسينية في طابقين للرجال وللنساء، وفي أعلى الحسينية ثلاثة طوابق شقق سكنية لسكن طلبة العلوم الدينية من أولادها الذكور.

وفي بناء هذه الحسينية عبرة لمن اعتبر حيث يمكن لامرأة كبيرة تجاوزت السبعين وهي لا تملك من حطام الدنيا شيء الاهتمام ببناء المؤسّسات والمشاريع الخيرية، فهي صدقة جارية فإنّ شقّ تمرة يدفعها المؤمن في حال حياته أفضل من أطنان يوصي بها بعد وفاته كما هو مضمون حديث رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

الخاتمة

حرصت الحاجة أم محمد رضا أطال اللّه عمرها أن ترسّخ في نفوس أبنائها وأحفادها وأرحامها جميعا جملة من القيم والمبادي الإسلامية والإنسانية، تارة من خلال سلوكها وتارة من خلال وصايا كانت تتحف بها كل من التقاها، إيمانا وتمسّكا بإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) .

فكان من جملة تلك الوصايا:

1- التأكيد على صلوات أول الوقت وصلوات أول الشهر، والغفيلة، إقامة الصلاة بين الظهر والعصر من يوم الجمعة والتي تكرّر فيها تلاوة سورة التوحيد 7 مرات حفاظا على عافية المصلّي إلى الأسبوع الثاني، وتعقيب كل صلاة بسجدة الشكر كونها ترغم أنف الشيطان، إلى جانب تشديدها

ص: 39

على ضرورة إقامة نوافل شهر رجب وشعبان وشهر رمضان.

2- التأكيد على الالتزام بأداء الصلوات المستحبّة ليالي شهر رمضان، وغيرها من الصلوات المستحبّة المذكورة في مفاتيح الجنان، لا سيما إقامة نافلة الفجر ونافلة الليل.

3- التأكيد على ضرورة قراءة حديث الكساء دائما وقراءة زيارة الجامعة الكبيرة، وقراءة زيارة عاشوراء، وقراءة دعائي الكميل والسمات.

4- التأكيد على ضرورة قراءة الفاتحة عصر يوم الخميس, وسورة الجمعة والمنافقون في صلاة الظهر من يوم الجمعة، فضلا عن أهمية تلاوة سورة يس والملك.

5- التأكيد على غسل الجمعة.

6- التأكيد على ذكر فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) .

7- التأكيد على أهمية البر بالوالدين وخاصة إقامة صلاة الوالدين كل ليلة.

8- التأكيد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

9- التأكيد على زيارة العتبات المقدّسة، ولبس السواد في أيام استشهاد المعصومين (عليهم السلام) .

10- تقليد الدعاء وطلبه من المؤمنين والمؤمنات وطلب قراءة حمد الشفاء للمرضى.

11- التأكيد على التواصل مع الفقراء والمستضعفين وتقديم المساعدات المادية والمعنوية، وخدمة الأرحام وعامة الناس.

12- التأكيد على النظافة الشخصية، والوضوء دائما خاصة قبل النوم.

ص: 40

13- التأكيد على البساطة في العيش وعدم الإسراف.

14- التأكيد على الزواج المبكر البسيط والالتزام بمهر السنة النبوية، والحثّ على تكثير النسل والذرية.

15- التأكيد على البنات الحفاظ على آداب الحجاب وعدم لبس الملابس الضيّقة والفاضحة والنهي عن الرقص في الأعراس.

16- الحثّ على التأليف والكتابة و خاصة الأحاديث.

ص: 41

ص: 42

من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام)

اشارة

ص: 43

ص: 44

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد اللّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علی محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعين، من الآن إلی قيام يوم الدين.

قال اللّه تعالی في كتابه الكريم:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ بِإِذْنِ رَبِّهَاۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(1).

من الأمور البديهية التي لا تحتاج إلی بيان: أنّ الحضارة الإنسانية تعتد علی عنصر (التراكم).

فخبرات الأجيال المتتابعة وتجاربهم ورؤاهم تتجمع كلّها لتصنع (الحضارة).

ولو بدأ كل جيل من نقطة الصفر، وشرع المسيرة من حيث شرع الآخرون لكنّا نعيش الآن كما كان يعيش أجدادنا الأوائل قبل ملايين السنوات.

والكلمة - مسموعة ومقروءة - من أهم العوامل التي ساهمت في عنصر التراكم الحضاري.

ص: 45


1- سورة إبراهيم: 24-25.

فلو لا الكلمة لما استطاع الجيل السابق أن ينقل تجاربه وخبراته ورؤاه إلی الجيل اللاحق، ولما استطاع الجيل اللاحق أن يستمدّ من تلك الرؤی والتجارب: البصيرة والخبرة.

والكلمة الطيبة تمتاز عن غيرها من الكلمات بخصيصتي الثبات والعطاء.

فالكلمة الخبثة تشبه شجرة خبيثة اُجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار، بينما الكلمة الطيّبة تشبه شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

لقد انمحت كلمات الجبابرة والطغاة وذابت كما تذوب حبّة من الملح في المحيط، ولم يبق منها أثر، بينما بقيت كلمات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والمصلحين علی مرّ القرون الطريق للأجيال.

والكلمة الطيّبة كالشجرة المثمرة، ذات عطاء، بل هي ذات أثمار وعطاء.

وليس هذا العطاء خاصاً بجيل دون آخر، أو بوقت دون وقت، بل إنّها تؤتي اُكلها كل حين بإذن ربّها.

و كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) من أبرز مصاديق الكلمة الطيّبة.

لقد حركت كلمات الامام الحسين (عليه السلام) الأجيال ودفعتها إلی خوض ميادين الجهاد المقدّس، وأسقطت العروش الظالمة علی امتداد القرون.

و لا زالت هذه الكلمات مؤثّرة حتی الآن، وستبقی كذلك إلی أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.

و في هذا الكتاب: جمعنا بعض الكلمات التي نطق بها سيّد الشهداء صلوات اللّه وسلامه عليه، ولم نستقص جميع تلك الكلمات، إذ ذلك يحتاج إلی مجلّدات ضخمة.

ص: 46

الفصل الأول: إلهيّات

اشارة

ص: 47

ص: 48

فذلك اللّه

من كلامه له (عليه السلام) في التوحيد، قال: أيّها الناس! اتقوا هؤلاء المارقة الّذين يشبّهون اللّه بأنفسهم، يضاهئون قول الّذين كفروا من أهل الكتاب بل هو اللّه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير، استخلص الوحدانيّة والجبروت، وأمضی المشيّة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن، لا منازع له في شيء من أمره، ولا كفو له يعادله، ولا ضدّ له ينازعه، ولا سمّي له يشابهه، ولا مثل له يشاكله، لا تتداوله الأمور، ولا تجري عليه الأحوال، ولا تنزل عليه الأحداث، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته، ولا يخطر علی القلوب مبلغ جبروته لأنّه ليس له في الأشياء عديل ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التّفكير بتفكيرهم إلا بالتّحقيق، إيقاناً بالغيب، لأنّه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصّمد، ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه، ليس بربّ من طرح تحت البلاغ ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء هو في الأشياء كائن، لا كينونة محظور بها عليه ومن الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها، ليس بقادر من قارنه ضدّ، أو ساواه ندّ، ليس عن الدّهر قدمه، ولا بالناحية أمّمه.

احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، وعمَّن في السماء

ص: 49

احتجابه كمن في الأرض، قربه كرامته، وبعده إهانته، لا تحلّه في، ولا توقّته إذ، ولا تؤامره إن، علوّة من غير توقّل(1)، ومجيئه من غير تنقّل، يوجد المفقود ويفقد الموجود، ولا تجمع لغيره الصّفتان في وقت، يصيب الفكر منه الإيمان به موجوداً ووجود الإيمان، لا وجود صفة، به توصف الصفات لا بها يوصف، وبه تعرف المعارف لا بها يعرف، فذلك اللّه لا سمّي له، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(2).

صفات اللّه

صف لي إلهك الذي تعبده، فأطرق ابن عباس إعظاما لقوله، فأقبل نافع نحو الإمام الحسين (عليه السلام) فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) :

يا نافع، إنّ من وضع دينه علی القياس لم يزل الدهر في الالتباس سائلاً ناكباً عن المنهاج، ظاعناً بالاعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرّفه بما عرّف به نفسه لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، وبعيد غير منتقص، يوحّد ولا يبعّض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

فبكي ابن الأزرق، وقال: يا حسين ما أحسن كلامك.

فقال له الحسين (عليه السلام) : بلغني أنّك تشهد علی أبي وعلی أخي بالكفر وعليّ؟! فقال له الحسين (عليه السلام) : إنّي سائلك عن مسألة فقال: سل، فسأله عن

ص: 50


1- التوقل: الصعود، يقال: توقّل في الجبل: صعد فيه.
2- تحف العقول: 344.

هذه الآية: {وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ}(1)

فقال: يابن الأزرق، من حفظ في الغلامين؟ قال ابن الأزرق: أبوهما؟ فقال الحسين (عليه السلام) : أبوهما خير أم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟

فقال ابن الأزرق: قد أنبأ اللّه تعالی أنّكم قوم خصمون(2).

معنى الصّمد

كتب (عليه السلام) إلی أهل البصرة جواباً علی كتابهم إليه يسألونه عن معنی الصمد:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «من قال في القرآن بغير علم، فليتبوّأ مقعده من النّار، وإنّ اللّه سبحانه قد فسّر الصّمد، فقال: {ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ}(3) ثمّ فسّره فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُۢ}(4).

لَمْ يَلِد: لم يخرج منه شيء كثيف كالولد، وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شيء لطيف كالنفس، ولا يتشعّب منه البدوات كالسّنة والنّوم، والخطرة والهمّ، والحزن والبهجة، والضّحك والبكاء، والخوف والرجاء، والرغبة والسّأمة، والجوع والشبع. تعالی أن يخرج منه

ص: 51


1- سورة الكهف: 82.
2- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) : 225، ح205.
3- سورة الإخلاص: 1-2.
4- سورة الإخلاص: 3-4.

شيء، وأن يتولّد منه شيء كثيف، أو لطيف. وَلَمْ يُوْلَدْ: لم يتولّد من شيء، ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثّمار من الأشجار، ولا كما تخرج الأشياء اللّطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللّسان، والمعرفة والتميز من القلب، وكالنار من الحجر.

لا بل هو اللّه الصّمد، الذي لا من شيء، ولا في شيء ولا على شيء، مبدع الأشياء، وخالقها، ومنشيء الأشياء بقدرته، يتلاشی ما خلق للفناء بمشيته، ويبقي ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم اللّه الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفواً أحد(1).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) حدّثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي (عليه السلام) أنه قال: الصّمد الذي لا جوف له، والصّمد الذي قد انتهی سؤدده والصّمد الذي لا يأكل ولا يشرب، والصّمد الذي لا ينام والصّمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال(2).

مفهوم القدر

كتب الإمام الحسين (عليه السلام) إلی الحسن البصري لما سأله في كتاب له عن معنی القدر:

فاتبع ما شرحت لك في القدر ممّا أفضی إلينا أهل البيت، فإنّه من لم

ص: 52


1- توحيد الصدوق: 90، ح5.
2- توحيد الصدوق: 90، ح3.

يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي على اللّه عزّوجلّ فقد افترى على اللّه افتراء عظيماً، إنّ اللّه تبارك وتعالى لا يطاع بإكراه، ولا يعصى بغلبة ولا يهمل العباد في الهلكة، لكنه المالك لما ملكهم، والقادر لما عليه أقدرهم. فإن ائتمروا بالطاعة، لم يكن اللّه صادّا عنها مبطئاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمنّ عليهم فيحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل. وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها قسراً، ولا كلّفهم جبراً.

بل بتمكينه إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم، طوقهم ومكنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم، وترك ما عنه نهاهم جعلهم مستطيعين لأخذ ما أمرهم به من شي ء غير آخذيه. ولترك ما نهاهم عنه من شي ء غير تاركيه، والحمد للّه الذي جعل عباده أقوياء لما أمرهم به ينالون بتلك القوة، وما نهاهم عنه. وجعل العذر لمن يجعل له السبيل حمداً متقبلاً فأنا على ذلك أذهب وبه أقول واللّه وأنا وأصحابي أيضاً عليه وله الحمد(1).

ص: 53


1- بحار الأنوار 5: 124، ب 3، ح71.

ص: 54

الفصل الثاني: ولائيات

اشارة

ص: 55

ص: 56

أئمة الهدى وأئمة الضلال

سأله رجل فقال: أخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمْ}(1)؟

قال (عليه السلام) : إمام دعا إلی هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلی الضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، وهو قوله عزّوجلّ {فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ}(2)(3).

طريق معرفة اللّه

أيّها الناس إن اللّه جلّ ذكره، ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.

فقال له رجل: يا ابن رسول اللّه بأبي أنت وأمّي فما معرفة اللّه؟

قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامَهُم الذي يجب عليهم طاعَتُه(4).

جزاء المعرفة

من عرف حقّ أبويه الأفضلين محمد وعلي، وأطاعَهُمَا حقّ الطَّاعة، قيل

ص: 57


1- سورة الإسراء: 71.
2- سورة شوری: 7.
3- أمالي الصدوق: 153، المجلس الثلاثون، ح1.
4- علل الشرائع 1: 9، ح1.

له تَبَحْبَحْ في أيَّ الجِنَان شِئْتَ(1).

عدد الأئمة (عليهم السلام)

دخل عليه رجل فسلّم، فرد الإمام الحسين (عليه السلام) ، فقال: يا ابن رسول اللّه مسألة؟

فقال (عليه السلام) : هاتِ!

قال: كم بين الإيمان واليقين؟

قال (عليه السلام) : أربعُ أصابع.

قال: كيف؟

قال (عليه السلام) : الإيمان ما سمعناه، واليقين ما رأيناه، وبين السمع والبصر أربع أصابع.

قال: فكم بين السماء والأرض؟

قال (عليه السلام) : دعوةٌ مستجابة.

قال: فكم بين المشرق والمغرب؟

قال (عليه السلام) : مسيرة يوم للشّمس.

قال: فما عزّ المرء؟

قال (عليه السلام) : استغناؤه عن الناس.

قال: فما أقبح شي ء؟

قال (عليه السلام) : الفسق في الشيخ قبيح، والحدّة في السلطان قبيحة، والكذب في ذي الحسب قبيح، والبخل في ذي الغناء، والحرص في العالم.

ص: 58


1- تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 330، ح193.

قال: صدقت يا ابن رسول اللّه، فأخبرني عن عدد الأئمة (عليهم السلام) بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟

قال (عليه السلام) : اثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل.

قال: فسمّهم لي قال. فأطرق الحسين (عليه السلام) ! ثمّ رفع رأسه.

فقال: نعم اُخبرك يا أخا العرب! إنّ الإمام والخليفة بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن وأنا وتسعة من ولدي، منهم علي ابني، وبعده محمد ابنه، وبعده جعفر ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده محمد ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده الحسن ابنه وبعده الخلف المهدي، هو التاسع من ولدي يقوم بالدين في آخر الزّمان(1).

فضائل العترة

ذات يوم خطب الإمام الحسين (عليه السلام) وحمد اللّه وأثنی عليه، ثم صلی علی النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فسمع رجلاً يقول: من هذا الذي يخطب؟ فقال (عليه السلام) :

نحن حزب اللّه الغالبون، وعترة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الأقربون وأهل بيته الطّيبون وأحد الثّقلين اللَّذَينِ جعلنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثاني كتاب اللّه تبارك وتعالی، الذي فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعوّل علينا في تفسيره ولا يبطئنا تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة اللّه ورسوله مقرونة، قال اللّه عزّوجلّ: {أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِي شَيْءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ}(2).

ص: 59


1- بحار الأنوار 36: 386، ح5.
2- سورة النساء: 59.

وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُ مِنْهُمْۗ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَٱتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَٰنَ إِلَّا قَلِيلًا}(1).

وأحذّركم الإصغاء إلی هتوف(2) الشيطان بكم فإنّه لكم عدوّ مبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: {لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ...}(3) فتلقون للسّيوف ضرباً وللرّماح وَرَداً وللعمد حَطماً وللسّهام غرضاً، ثم لايقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً(4).

الإمام عليّ (عليه السلام) مدينة هدى

لما بويع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بالخلافة، خرج إلی المسجد، ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام) ، وخطب خطبة، ثم قال للحسن: قم فاصعد المنبر، فتكلّم بكلام لايجهلك قريش من بعدي...، فصعد الحسن (عليه السلام) المنبر، فحمد اللّه بمحامدَ بليغة شريفة وصلى على النبي وآله صلاة موجزة، ثم قال:

أيّها الناس سمعت جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهل تدخل المدينة إلا من بابها؟ ثم نزل، فوثب إليه علي (عليه السلام) فتحمله وضمّه إلی صدره.

ثم قال للحسين (عليه السلام) : يا بني قم فاصعد المنبر، فتكلّم بكلام لايجهلك

ص: 60


1- سورة النساء: 83.
2- أي إلی نداءه وما يدعو إليه.
3- سورة الأنفال: 48.
4- بحار الأنوار 44: 205، ح1.

قريش بعدي...، وليكن كلامك تبعاً لكلام أخيك، فصعد الحسين (عليه السلام) المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّی علی نبيّه صلوة موجزة ثم قال:

معاشر الناس سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو يقول: إنّ علياً هو مدينة هدی، فمن دخلها نجی ومن تخلّف عنها هلك.

ثم نزل فوثب إليه الإمام علي وضمّه إلی صدره، وقَبّله وقال:

معاشر الناس، اشهدوا أنّهما فرخا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ووديعته، التي استودعنيها، وأنا استودعكموها، معاشر الناس ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سائلكم عنهما(1).

في تأبين الإمام الحسن (عليه السلام)

ذات يوم ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) أخيه الإمام الحسن (عليه السلام) فقال: رحمك اللّه أبا محمد، أن كنتَ لَتُباصِرُ الحق مظانّه وتؤثر اللّه عند تداحض الباطل، في مواطن التّقيّة بحسن الّرويّة، وتستشف جليل معاظم الدّنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقيّة الأسرة وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك، ولا غرو وأنت ابن سلالة النّبوة ورضيع لبان الحكمة، فإلی روح وريحان، وجنّة ونعيم، أعظم اللّه لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السّلوة وحسن الأسی عنه(2).

غيبة الإمام المهدي (عليه السلام)

قال (عليه السلام) : منّا اثنی عشر مهدياً أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم التاسع من ولدي، وهو: الإمام القائم بالحقّ يحيي اللّه

ص: 61


1- بحار الأنوار 40: 202، ح6.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 281، ح215.

به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق علی الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت علی الدين فيها آخرون فيؤذون ويقال لهم: متی هذا الوعد ان كنتم صادقين؟ أما أنّ الصابر في غيبته علی الأذی والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).

سنن الأنبياء (عليهم السلام)

قال (عليه السلام) : في التاسع من ولدي سنّة من يوسف، وسنّة من موسی بن عمران (عليهما السلام) ، وهو قائمنا أهل البيت يصلح اللّه تعالی أمره في ليلة واحدة(2).

يقسّم ميراثه وهو حيّ

قال (عليه السلام) : قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حيّ(3).

الخير كلّه في ذلك الزمان

وقال (عليه السلام) : لايكون الأمر الذي تنتظرونه (يعني ظهور المهدي) حتی يبرأ بعضكم من بعض، ويتفلُ بعضكم في وجوه بعض ويشهد بعضكم علی بعض بالكفر ويلعن بعضكم بعضاً.

قال الراوي: فقلت: ما في ذلك الزمان من خير!

فقال (عليه السلام) : الخير كلّه في ذلك الزمان يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله(4).

ص: 62


1- بحار الأنوار 51: 133، ح4.
2- كمال الدين 1: 317، ح1.
3- كمال الدين 1: 317، ح2.
4- الغيبة للنعماني: 206، ح9.

الغيبة الكبرى

وقال (عليه السلام) : لصاحب هذا الأمر غيبتان: أحدهما تطول حتی يقول بعضهم مات، وبعضهم ذهب، ولا يطّلع علی موضعه أحدٌ من ولي ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره(1).

يرجع إليهم شابا

قال (عليه السلام) : لو قام المهدي، لأنكره الناس، لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفَّقاً وإنَّ مِن اعظم البلية أن يخرج اليهم صاحبهم شاباً، وهم يحسبونه شيخاً كبيراً(2).

أشهر في الحرب

عن عيسی الخشاب، قال: قلت للحسين بن علي (عليه السلام) :

أنت صاحب هذا الأمر!

قال (عليه السلام) : لا ولكن صاحب هذا الأمر، الطّريد الشّريد الموتور بأبيه، المكنّی بعمّه، يضع سيفه علی عاتقه ثمانية أشهر(3).

في مجمع بني أمية

مرّ الإمام الحسين (عليه السلام) علی حلقة من بني أمية وهم جلوس في مسجد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فقال (عليه السلام) : أما واللّه لاتذهب الدّنيا حتّی يبعث اللّه منّي رجلاً يقتل منكم ألفاً ومع الألف ألفاً، ومع الألف ألفاً.

ص: 63


1- شرح إحقاق الحق 27: 180.
2- عقد الدرر: 41.
3- الإمامة والتبصرة من الحيرة: 115، ح103.

فقلت: جعلت فداك إنّ هؤلاء أولاد كذا وكذا لايبلغون هذا!

فقال: ويحك إنّ في ذلك الزمان يكون للرجل من صلبه كذا وكذا رجلاً، وأنّ مولی القوم من أنفسهم(1).

خمس علامات

وقال (عليه السلام) : للمهدي خمس علامات: السّفياني، واليماني، والصّيحة من السماء، والخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية(2).

مدّة حكومة الإمام المهدي (عليه السلام)

وقال (عليه السلام) : يملك المهدي تسعة عشر وأشهر(3).

بين الشيعي والمحبّ

قال له رجل يا ابن رسول اللّه أنا من شيعتكم!

فقال (عليه السلام) : اتّق اللّه ولا تدّعيّنّ شيئاً، يقول اللّه لك كذبت وفجرت في دعواك، إنّ شيعتنا من سلمت قلوبهم من كلّ غِشّ وغِلّ ودَغَل، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبّيكم(4).

إن هم إلا كالأنعام

جاء رجل إلی أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال أخبرني إن كنتَ عالماً عن الناس وعن أشباه الناس، وعن النسناسِ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا حسين

ص: 64


1- الغيبة للطوسي: 191.
2- عقد الدرر: 111.
3- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 794، ح870.
4- بحار الأنوار 65: 156، ح11.

أجب الرجل!

فقال (عليه السلام) : أمّا قولك أخبرني عن الناس، فنحن الناس، ولذلك قال اللّه تعالی ذكره في كتابه: {أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ}(1) رسول اللّه الذي أفاض بالناس، وأمّا قولك أشباه الناس فهم شيعتنا، وهم موالينا وهم منّا، ولذلك قال إبراهيم (عليه السلام) : {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}(2)

وأمّا قولك النّسناس هم السّواد الأعظم.

وأشار إلی جماعة الناس.

ثم قال: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}(3)(4).

من أحبّنا لله

وقال (عليه السلام) : من أحبّنا لله، وردنا نحن وهو علی نبيّنا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هكذا ضمّ أصبعيه، ومن أحبّنا للدّنيا، فإنّ الدّنيا تسع البرّ والفاجر(5).

الزموا مودّتنا

قال (عليه السلام) قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الزموا مودّتنا أهل البيت فإنّ من لقي اللّه يؤم القيامة وهو يودّنا دخل بشفاعتنا(6).

ص: 65


1- سورة البقرة: 199.
2- سورة ابراهيم: 36.
3- سورة الفرقان: 44.
4- الكافي 8: 244، ح339.
5- أمالي الطوسي: 254، المجلس التاسع، ح455.
6- شرح الأخبار 3: 487، ح1413.

البكاء لأهل البيت (عليهم السلام)

وقال (عليه السلام) : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت دمعة إلا بوّأه اللّه بها في الجنة حُقُباً(1).

من أتانا

وقال (عليه السلام) : من أتانا لم يعدم خصلة من أربع: آيةً محكمة، وقضيّةً عادلة، وأخاً مستفاداً، ومُجالَسَةَ العلماء...(2).

كان منّا

قال أبان بن تغلب: قال الإمام الشهيد صلّی اللّه عليه: من أحبّنا كان منّا أهل البيت! فقلت: منكم أهل البيت؟ فقال: منّا أهل البيت، حتی قالها: ثلاثاً، ثم قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أما سمعت قول العبد الصّالح: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}(3)؟

قريش وأهل البيت (عليهم السلام)

قيل: مرّ المنذر بن الجارود بالإمام بالحسين (عليه السلام) ، فقال: كيف أصبحت جعلني اللّه فداك يابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟

فقال: أصبحت العرب تَعتدُّ علی العجم بأنّ محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منها، وأصبحت العجم مقرّة لها بذلك، وأصبحنا وأصبحت قريش يعرفون فضلنا، ولا يرون ذلك لنا، ومن البلاء علی هذه الأمّة أنّا إذا دعوناهم لم يجيبونا وإذا تركناهم

ص: 66


1- أمالي المفيد: 341، المجلس الأربعون، ح6.
2- كشف الغمة 2: 32.
3- نزهة الناظر: 85، ح19.

لم يهتدوا بغيرنا(1).

بيت الرحمة

وفي رواية أخری أنّه اجتاز وقد اُغضِبَ فقال:

ما ندري ما تنقم الناس منّا أنّا لبيت الرحمة، وشجرة النبوة ومعدن العلم(2).

الرضا بقضاء اللّه

ونُقل أنّ ابناً له مات (عليه السلام) فلم ير كآبة عليه فعوتب علی ذلك، فقال:

إنّا أهل بيت نسأل اللّه عز وجل فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يحب رضينا(3).

من عادانا

قال (عليه السلام) : من عادانا فلرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يعادى(4).

نحن وبنو أميّة

قال (عليه السلام) : إنّا وبني أميّة تعادينا في اللّه، فنحن وهم كذلك إلی يوم القيامة، فجاء جبرئيل (عليه السلام) براية الحقّ فركزها بين أظهرنا، وجاء أبليس براية الباطل، فركزها بين أظهرهم، وإنّ أوّل قطرة سقطت علی وجه الأرض من دم المنافقين دم عثمان بن عفّان(5).

ص: 67


1- نزهة الناظر: 85، ح20.
2- نزهة الناظر: 85، ح21.
3- شرح إحقاق الحق 11: 429.
4- شرح إحقاق الحق 11: 239.
5- تقريب المعارف: 295.

عثمان على الصراط

وقال (عليه السلام) : إنّ عثمان جيفةٌ علی الصّراط، من أقام عليها أقام علی أهل النار، ومن جاوزه جاوز إلی الجنّة(1).

قبل خلق آدم (عليه السلام)

عن حبيب بن مُظَاهر الأسدي أنه قال للإمام الحسين (عليه السلام) :

أيّ شيء كنتم قبل أن يخلق اللّه عزّوجلّ آدم (عليه السلام) ؟

فقال (عليه السلام) : كنّا أشباح نور ندور حول عرش الرحمن، فنعلّم للملائكة التّسبيح والتّهليل والتحميد(2).

غصبا حقّنا

وقال (عليه السلام) : إنّ أبابكر وعمر عمدا إلی الأمر، وهو لنا كلُّهُ، فجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدّة، أما واللّه ليهمّ بهما أنفسُهُمَا يوم يطلب النّاسُ فيه شفاعتنا(3).

على ملّة إبراهيم (عليه السلام)

ما أحداً علی ملّة إبراهيم، إلاّ نحن وشيعتنا وسائر النّاس منها برآءٌ(4).

اختصمنا في اللّه

عن نضر بن مالك، قال: قلت للحسين بن علي: يا أبا عبداللّه حدّثني عن

ص: 68


1- تقريب المعارف: 295.
2- بحار الأنوار 57: 311.
3- بحار الأنوار 30: 380.
4- المحاسن 1: 147، ح54.

قول اللّه عزّوجلّ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ}(1).

قال (عليه السلام) : نحن وبنو أميّة اختصمنا في اللّه عزّوجلّ! قلنا: صدق اللّه، وقالوا: كذب اللّه، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة(2).

النور والظلمة

قال الحارث الأعور للحسين بن علي (عليه السلام) : يا ابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك أخبرني! عن قول اللّه في كتابه المبين: {وَٱلشَّمْسِ وَضُحَىٰهَا}(3)؟

فقال (عليه السلام) : ويحك يا حارث! محمد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

قال: قلت: {وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا}(4)؟

قال: ذلك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب يتلو محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

قال: قلت: {وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا}(5)؟

قال: ذلك القائم من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يملأ الأرض عدلاً وقسطاً.

قال: قلت: {وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰهَا}(6)؟

قال: بنو أميّة(7).

ص: 69


1- سورة الحج: 19.
2- الخصال 1: 43، باب الأثنين، ح35.
3- سورة الشمس: 1.
4- سورة الشمس: 2.
5- سورة الشمس: 3.
6- سورة الشمس: 4.
7- بحار الأنوار 24: 79، ح20.

ص: 70

الفصل الثالث: عباديات

اشارة

ص: 71

ص: 72

جزاء العبادة

قال (عليه السلام) : من عبد اللّه حقّ عبادته، آتاه اللّه فوق أمانيه وكفايته(1).

أقسام العبادة

وقال (عليه السلام) : إنّ قوماً عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التّجّار، وإنّ قوماً عبدوا اللّه رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا اللّه شكراً، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة(2).

فلسفة الصيام

سئل (عليه السلام) : لم افترض اللّه علی عبيده الصوم؟

فقال (عليه السلام) : ليجد الغني مسّ الجوع، فيعود بالفضل علی المساكين(3).

أقسام الجهاد

سئل عن الجهاد سنة أو فريضة؟

فقال (عليه السلام) : الجهاد علی أربعة أوجه، فجهادان فرض، وجهاد سنّة لايقام إلاّ مع فرض، وجهاد سنّة، فأمّا أحد الفرضين فجهاد الرّجل نفسه عن

ص: 73


1- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 327، ح179.
2- تحف العقول: 246.
3- مناقب آل ابي طالب (عليهم السلام) 4: 68.

معاصي اللّه، وهو من أعظم الجهاد، ومجاهدة الذّين يلونكم من الكفّار فرض، وأمّا الجهاد الذي هو سنّة لايقام إلاّ مع فرض، فإنّ مجاهدة العدوّ فرض علی جميع الأمّة، لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب، وهذا هو من عذاب الأمّة وهو سنّة علی الإمام، وحَدُّهُ أن يأتي العدوّ مع الأمّة فيجاهدهم، وأمّا الجهاد الذي هو سنّة فكلّ سنّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وأحيائها، فالعمل والسّعي فيها من أفضل الأعمال، لإنّها إحياء سنّة.

وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلی يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً(1).

كأنّما أحيا النّاس جميعاً

وقال (عليه السلام) لرجل: أيّهما أحبّ إليك: رجل يروم قتل مسكين قد ضعف تنقذه من يده أو ناصب يريد إضلال مسكين مؤمن من ضعفاء شيعتنا، تفتح عليه ما يمتنع به منه، ويفحمه ويكسره بحجج اللّه تعالی؟

قال: بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا النّاصب! إنّ اللّه تعالی يقول: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا}(2) أي ومن أحياها وأرشدها من كفر إلی إيمان فكأنّما أحيا النّاس جميعاً من قبل أن يقتلهم بسيوف الحديد(3).

ص: 74


1- تحف العقول: 243.
2- سورة المائدة: 32.
3- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) : 348، ح231.

ثواب الإرشاد

وقال (عليه السلام) : ما كفل لنا يتيماً قطعته عنّا محنتنا باستتارنا فواساه من علومنا التي سقطت إليه، حتی أرشده وهداه، قال اللّه عز وجل له: يا أيّها العبد الكريم المواسی، أنا أولی بهذا الكرم اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر، وضمّوا إليها ما يليق بها من سائر النّعم(1).

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال (عليه السلام) : اعتبروا أيّها النّاس بما وعظ اللّه به أوليائه، من سوء ثنائه علی الأحبار، إذ يقول: {لَوْلَا يَنْهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلْإِثْمَ}(2)،

وقال: {لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}(3).

و إنّما عاب اللّه ذلك عليهم، لأنّهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد، فلا ينهونهم عن ذلك، رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبة ممّا يحذرون واللّه يقول: {فَلَا تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ}(4).

وقال: {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٖ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ}(5).

ص: 75


1- منية المريد: 116.
2- سورة المائدة: 63.
3- سورة المائدة: 78-79.
4- سورة المائدة: 44.
5- سورة التوبة: 71.

فبدأ اللّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فريضة منه، لعلمه بأنها إذا أدّيت وأقيمت، استقامت الفرائض كلّها، هيّنها وصعبها، وذلك أنَّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، دعاء إلی الاسلام، مع ردّ المظالم، ومخالفة الظالم وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها، ووضعها في حقّها.

ثم أنتم أيّتها العصابة، عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة، وباللّه في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويؤثركم من لافضل لكم عليه، ولا يَدَ لَكُم عنده تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيئة الملوك وكرامة الأكابر، أليس كل ذلك إ نّما نلتموه بما يرجی عندكم من القيام بحقّ اللّه، وإن كنتم عن أكثر حقّه تقصرون، فاستخففتم بحق الأئمة، فأمّا حقّ الضعفاء فضيعتم، وأمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم فلا مالاً بذلتموه، ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات اللّه، أنتم تتمّنون علی اللّه جنته، ومجاورة رسله، وأماناً من عذابه، لقد خشيت عليكم أيّها المتمنّون علی اللّه، أن تحلّ بكم نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فضلتهم بها ومن يعرف باللّه لاتكرمون، وأنتم في عباده تكرمون، وقد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تفزعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، وذّمة رسول اللّه محقورة(1) والعمي والبكم، والزَّمنى في المدائن مهملة لاترحمون، ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعنون(2)

ص: 76


1- مخفورة.
2- تعينون.

وبالأدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كل ذلك ممّا أمركم اللّه به، من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون، وأنتم أعظم أناس مصيبة، لما غلبتم عليه من منازل العلماء، لو كنتم تشعرون، ذلك بأنّ مجاري الأمور، والأحكام علی أيدي العلماء باللّه، الأمناء علی حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك إلا بتفرّقكم عن الحقّ، واختلافكم في السنة بعد البيّنة الواضحة، ولو صبرتم علی الأذی، وتحمّلتم المؤنة في ذات اللّه، كانت أمور اللّه عليكم تردّ وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم واستسلمتم أمور اللّه في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلّطهم علی ذلك فراركم من الموت، وإعجابكم بالحيوة التي هي مفارقتكم، فاسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور، وبين مستضعف، علی معيشته مغلوب، يتقلّبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم، اقتداء بالأشرار، وجرأة علی الجبّار، في كل بلد منهم علی منبره خطيب يصقع؟ فالأرض لهم شاغرة(1)، وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول(2)، لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبّار عنيد، وذي سطوة علی الضعفة شديد، مطاع لايعرف المبدی المعيد، فيا عجباً، ومالي لا أعجب، والأرض من غاش غشوم، ومتصدّق ظلوم، وعامل علی المؤمنين بهم غير رحيم، فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

ص: 77


1- شغر الأض: لم يبق بها أحد يحماها ويضبطها فهي شاغرة.
2- الخول: جمع خائل وهو الراعي للشيء الحافظ المتعهّد له الحسن القيام عليه.

اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام. ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم وحسبنا اللّه وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير(1).

ص: 78


1- تحف العقول: 239.

الفصل الرابع: جهاديات

اشارة

ص: 79

ص: 80

مع أبي ذر الغفاري رضوان اللّه عليه

ومن كلام له (عليه السلام) مع أبي ذر رضوان اللّه عليه لما أخرج إلی الربذة بأمر من عثمان، فقال:

يا عمّاه إنّ اللّه قادر أن يغيّر ما قد تری، واللّه كلّ يوم هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم إلی ما منعتهم، فاسأل اللّه الصّبر والنّصر واستعذ به من الجشع والجزع فإنّ الصّبر من الدين والكرم، وإن الجشع لايقدم رزقاً، والجزع لايؤخر أجلاً(1).

ومن خطبة له (عليه السلام) : يدعو الناس للمسير إلى الشام مع أبيه (عليهما السلام)

قام (عليه السلام) حمد اللّه وأثنی عليه ما هو أهله، وقال:

يا أهل الكوفة أنتم الأحبّة الكرماء، والشّعاردون الدّثار(2)، جدّوا في إطفاء ما دثر بينكم، وتسهيل ما توعّر عليكم، إلا أنّ الحرب شرّها ذريع(3)، وطمعها فظيع، فمن أخذ لها أهبّتها، واستعدّ لها عدّتها ولم يألم كلومها قبل حلولها، فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها، فذاك قَمِنٌ أن لا ينفع قومه، وأن يهلك نفسه نسأل اللّه بقوّته أن يدعمكم

ص: 81


1- راجع شرح نهج البلاغة 8: 254.
2- الدثار: الثوب الذي يكون فوق الشعار. النهاية 2: 480 (دثر).
3- الذريع: اي السريع مجمع البحرين 4: 327.

بالفيئة(1).

كلامه في السكون في زمان الهدنة وانتظار الفرصة

روي أنّ محمد بن بشر الهمداني وسفيان بن ليلی الهمداني أتيا للإمام الحسين بعد صلح الإمام الحسن (عليهما السلام) ، فقال: ليكن كل امرئ منكم حلساً(2) من أحلاس بيته مادام هذا الرجل حيّاً فإن يهلك وأنتم أحياء رجونا أن يخير اللّه لنا ويؤتينا رشدنا ولا يكلنا إلی أنفسنا، فإنّ اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون(3).

و لما استشهد الإمام الحسن المجتبی (عليه السلام) اجتمعت الشيعة ومعهم بنو جعدة وأمّ هاني وأمّ جعدة في دار سليمان بن صرد الخزاعي فكتبوا إلی الإمام الحسين (عليه السلام) كتاباً بالتعزية وقالوا في كتابهم:

إنّ اللّه قد جعل فيك أعظم الخلف ممّن مضی ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك المحزونة بحزنك المسرورة بسرورك المنتظرة لأمرك.

وكتب بنو جعدة إليه يخبرونه بحسن رأي أهل الكوفة وحبّهم لقدومه ويسألونه الكتابة إليهم برأيه فكتب الإمام الحسين (عليه السلام) إليهم:

إنّي لأرجو أن يكون رأي أخي (رحمه اللّه) في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشداً وسداداً، فالصقوا بالأرض، واخفوا الشخص، واكتموا الهدی، واحترسوا من الأظاء مادام ابن هند حيّاً فإن يحدث به حدث وأنا حيّ

ص: 82


1- شرح نهج البلاغة 3: 186.
2- أي لاتبرح به قال الجوهري: أحلاس البيوت: ما يبسط تحت حرّ الثياب.
3- انساب الأشراف 3: 151.

يأتكم رأيي إن شاء اللّه(1).

و من كلام له (عليه السلام) : لمعاوية في توبيخه على شنائع أفعاله

لما قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه، قال للإمام الحسين (عليه السلام) : يا أبا عبد اللّه! هل بلغك ما صنعتُ بحجر وأصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟ فقال (عليه السلام) : لا، فقال: قتلناهم، وكفّناهم، وصلّينا عليهم، فضحك الإمام الحسين (عليه السلام) وقال:

خصمك القوم يوم القيامة، يا معاوية! أما واللّه لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفنّاهم ولا صلّينا عليهم، ولقد بلغني وُقوعُك بأبي حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم بالعيوب، وأيم اللّه لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت امرءاً ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه وما نظر لك فانظر لنفسك أودع (يريد عمرو بن العاص)(2).

كتابه (عليه السلام) إلى معاوية

من الحسين بن عليّ إلی معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد فإنّ عيراً مرّت بنا من اليمن، تحمل مالاً وحللاً وعنبراً وطيباً إليك لتودّعها خزائن دمشق، وتعلّ بها بعد النّهل بني أبيك، وإنّي احتجت إليها فأخذتها، والسّلام(3).

و من خطبة له (عليه السلام) : لما أراد معاوية أخذ البيعة ليزيد

حمد اللّه وصلی علی الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم قال:

ص: 83


1- انساب الأشراف 3: 152.
2- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 82، ح7.
3- شرح نهج البلاغة 18: 409.

أمّا بعديا معاوية فلن يؤدّي القائل، وإن أطنب في صفة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من جميع جزءاً وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من إيجاز الصّفة والتنكب عن استبلاغ النعت وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصّبح فحمة الدّجی، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضّلت حتی أفرطت واستأثرت حتی أجحفت، ومنعت حتی محلت وجزت حتی جاوزت، ما بذلت لذي حقّ، من اسم حقّه بنصيب حتی أخذ الشّيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل.

وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمّة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تريد أن توهّم النّاس في يزيد كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ من نفسه علی موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة(1) عند التهارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقيان(2) ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقی اللّه من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فواللّه ما برحت تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم حتی ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلا غمضة فتقدّم علی عمل محفوظ في يوم مشهود ولات حين مناص، ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ومنعتنا عن آبائنا تراثاً، ولقد لعمر اللّه أورثنا الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولادةً وجئت لنا بها، أما حججتم به القائم عند موت الرسول، فاذعن للحجّة بذلك وردّه الإيمان إلی

ص: 84


1- المهارشة بالكلاب: تحريك بعضها علی بعض. الصحاح 3: 1027 (هرش).
2- القيان: جمع القينة وهي الجارية المغنية.

النصف فزكيتم [فركبتم] الأعاليل، وفعلتم الأفاعيل، وقلتم كان ويكون حتی أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا أولی الأبصار.

وذكرت قيادة الرجل القوم بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتأميره له وقد كان ذلك ولعمروبن العاص يومئذٍ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له وما صار لعمرو واللّه يومئذ مبعثهم حتی أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدّوا عليه أفعاله فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لاجرم معشر المهاجرين لايعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف تحتجّ بالمنسوخ من فعل الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أوكد الأحكام وأولاها بالمجمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت [ضاهيت] بصاحب تابعاً وحولك من لا يؤمن في صحبته ولا يعتمد في دينه وقرابته، وتتخطّاهم إلی مسرف مفتون، تريد أن تلبس النّاس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه وتشقی بها آخرتك، إنّ هذا لهو الخسران المبين واستغفر اللّه لي ولكم(1).

كلامه (عليه السلام) : لحاكم المدينة في منع الناس عن ملاقاته

لما كثر اختلاف أشراف الحجاز ورجال العراق إلی الإمام الحسين (عليه السلام) حجبهم الوليد بن عتبة حاكم المدينة عن الإمام الحسين ومنعهم عن ملاقاته (عليه السلام) ، فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) : يا ظالماً لنفسه وعاصياً لربّه علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقّي ما جهلته أنت وعمّك؟!

فقال الوليد: ليت حلمنا عنك لايدعو جهل غيرنا إليك فجناية لسانك مغفورة لك ما سكنت يدك فلا تخطر بها فتخطر بك، ولو علمت ما يكون

ص: 85


1- راجع الامامة والسياسة 1: 160-161.

بعدنا لأحببتنا كما أبغضتنا(1).

ومثلي لايبايع يزيد

كتب يزيد إلی الوليد، وأمره بأخذ البيعة علی أهل المدينة عامة، وعلی الإمام الحسين (عليه السلام) خاصة.

فبعث الوليد إلی الإمام الحسين فجائه في ثلاثين نفراً من أهل بيته ومواليه وجری بينهما كلامٌ فغضب الإمام الحسين (عليه السلام) ثم أقبل علی الوليد، فقال: أيّها الأمير.

إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح اللّه، وبنا ختم اللّه، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق.

ومثلي لايبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالبيعة والخلافة ثم خرج(2).

وفي الأمالي قال الإمام الحسين (عليه السلام) : قد علمت، إنّا أهل بيت الكرامة، ومعدن الرسالة، وأعلام الحق، الذين أودعه اللّه عزّوجلّ قلوبنا، وأنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن اللّه عزّوجلّ، ولقد سمعت جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إنّ الخلافة محرّمة علی ولد أبي سفيان وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هذا(3).

ص: 86


1- راجع انساب الاشراف 3: 156.
2- بحار الأنوار 44: 325.
3- أمالي الصدوق: 151، المجلس الثلاثون، ح1.

وعلى الإسلام السلام

وقال (عليه السلام) لمروان لما أشار عليه بالبيعة ليزيد وقال: إنّي ناصح فأقبل نصيحتي فإنّها خير لك في دنياك وآخرتك.

قال الإمام الحسين (عليه السلام) : ما ذاك قل حتى أسمع؟

قال: آمرك ببيعة يزيد...!

فقال الإمام الحسين (عليه السلام) :

وعلی الإسلام السلام إذ قد بُليت الأمّة براع مثل يزيد(1).

عند قبر الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

خرج الإمام الحسين (عليه السلام) ليلاً من منزله إلی قبر جدّه، فقال: السلام عليك يا رسول اللّه أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذي خلّفتني في أمتك فاشهد عليهم يا نبي اللّه أنّهم خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي إليك حتّی ألقاك(2).

الإمام الحسين (عليه السلام) لايريد إلا رضى اللّه ورضى رسوله ورضى المؤمنين

جاء الإمام الحسين (عليه السلام) في الليلة الثانية إلی قبر جدّه فصلّی ركعات فلما فرغ من صلوته جعل يقول:

اللّهم إنّ هذا قبر نبيّك محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللّهم إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر وإنّي أسئلك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ هذا القبر ومن فيه، إلا اخترت لي من أمري ما هو

ص: 87


1- بحار الأنوار 44: 326، ح2.
2- العوالم الإمام الحسين (عليه السلام) : 177.

لك رضی ولرسولك رضی.

وجعل (عليه السلام) يبكي عند القبر حتی إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه علی القبر فأغفی فإذا هو برسول اللّه قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله حتی ضمّ الإمام الحسين إلی صدره وقبّل بين عينيه، وقال (عليه السلام) :

حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمّتي وأنت مع ذلك عطشان لاتُسقی وظمآن لاتروی وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنالهم شفاعتي يوم القيامة.

ثم أتی قبر أمّه وأخيه ففعل كذا.

وعند ذلك رأی جدّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المنام وأمره بالخروج إلی العراق وتهيّأ (عليه السلام) وأخوته وشيعته وخرج منها قائلاً:

ربّ نجّني من القوم الظالمين(1).

مع محمد بن الحنفية

لما علم محمد بن الحنفية عزم الإمام الحسين (عليه السلام) علی الخروج من المدينة، ولم يدر أين يتوجّه، فقال له: يا أخي:

أنت أحبّ النّاس إليّ، وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك، وأنت أحقّ بها، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية، وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلی الناس فادعهم إلی نفسك، فإن بايعك الناس وبايعوا لك، حمدت اللّه علی ذلك، وان اجتمع الناس علی غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك، ولا عقلك، ولا تذهب به مروتك ولا

ص: 88


1- بحار الأنوار 44: 328.

فضلك، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار، فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخري عليك، فيقتتلون، فتكون لأول الأسنّة [غرضا]، فإذا خير هذه الأمّة كلّها، نفساً وأباً وأمّا، أضيعها دماً وأذلّها أهلاً(1).

وفي رواية: أنّ محمد بن الحنفية قال لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام) :

أخرج إلی مكة إن اطمانت بك الدار فذاك الذي تحب واُحب، وإن تكن الأخری خرجت إلی بلاد اليمن فإنّهم أنصار جدّك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً وأوسع الناس بلاداً وأرجحهم عقولاً، فإن اطمأنّت بك أرض اليمن وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وصرت من بلد إلی بلد حتی تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم اللّه بيننا وبين القوم الفاسقين، فقال الإمام الحسين (عليه السلام) :

يا أخي واللّه لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوی لما بايعت واللّه يزيد بن معاوية ابداً... فقطع محمد بن الحنيفة الكلام وبكی فبكی الإمام الحسين (عليه السلام) ساعة ثم قال:

جزاك اللّه يا أخي عفي جزاك اللّه خيراً ولقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا أرجو أن يكون ان شاء اللّه رأيك موفقاً مسدداً، وإني قد علی الخروج إلی مكة وقد تهيأت لذلك أنا وأخوتي وبنو أخي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي، وأمّا أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم لاتخف علي شيئاً من أمورهم ثم دعا بكتاب وكتب وصية(2).

ص: 89


1- الإرشاد 2: 34.
2- الفتوح 5: 21.

مع أبي بكربن الحارث

ودخل أبوبكر بن الحارث بن هشام علی الإمام الحسين (عليه السلام) ، فقال:

يابن عم إنّ الرحم يظائرني عليك ولا أدري كيف أنا في النصيحة لك، فقال: يا أبابكر ما أنت ممّن يستغش ولايتهم، قال أبوبكر: كان أبوك أقدم سابقة وأحسن في الإسلام أثرا أشدّ بأساً والناس له أرجی ومنه أسمع وعليه أجمع فسار إلی معاوية والناس مجتمعون عليه إلا أهل الشام وهو أعزّ منه فخذلوه وتثاقلوا عنه حرصاً علی الدنيا وضنّاً بها فجرّعوه الغيظ وخالفوه حتی صار إلی ما صار إليه من كرامة اللّه ورضوانه.

ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا وقد شهدت ذلك كلّه ورأيت ثم أنت تريد أن تصير إلی الذين عدوا علی أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق ومن هو أعدّ منك وأقوی والناس منه أخوف وله أرجی؟ فلو بلغهم سيرك إليهم لاستطغوا الناس بالأموال وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من وعدك أن ينصرك ويخذلك من أنت أحب إليه ممّن ينصره، فاذكر اللّه في نفسك، فقال الإمام الحسين (عليه السلام) :

جزاك اللّه خيراً يابن عم فقد اجهدك رأيك ومهما يقضي اللّه يكن، فقال: إنا لله وعند اللّه نحتسب يا أبا عبداللّه ثم دخل علی الحارث بن خالد والي مكة وهو يقول:

كم نری ناصحاً يقول فيعصی***و ظنين المغيب يُلفى نصيحاً

فقال؟ وما ذاك؟ فأخبره بما قال للإمام الحسين (عليه السلام) ، فقال: نصحت له ورب الكعبة(1).

ص: 90


1- مروج الذهب 3: 56.

مع عمرو بن عبدالرحمن

وفي المناقب: فلما عزم الحسين (عليه السلام) علی الخروج نهاه عمرو بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي، فقال (عليه السلام) :

جزاك اللّه خيراً يابن عم مهما يقض يكن وأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح(1).

وفي أنساب الأشراف: قال له عمرو: بلغني أنّك تريد العراق وأنا مشفق عليك من مسيرك لأنّك تأتي بلداً له فيه عماله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال وإنّما الناس عبيد الدينار والدرهم فلا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت أحبّ إليه ممّن يقاتلك معه، فقال له: قد نصحت ويقضي اللّه(2).

مع أخيه محمد في مكة

إن للإمام الحسين (عليه السلام) مع أخيه محمد بن الحنفية موقفين، الأول في المدينة وقد ذكرناه سابقاً.

الثاني: في مكة المكرّمة، فإنّ محمد بن الحنفية اجتمع في موسم الحج مع الإمام الحسين (عليه السلام) وجری بينهما في مكة كلام وأخبره الإمام (عليه السلام) بما أمره جدّه في المنام.

روی ابن طريح: أنّ محمد ابن الحنفية، لما بلغه أنّ الحسين خارج من مكة، يريد العراق، كان بين يديه طشت فيه ماء وهو يتوضّأ، فجعل يبكي بكاءً شديداً حتی سمع وكفّ دموعه في الطشت، مثل المطر، ثم إنّه صلّی

ص: 91


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 94.
2- أنساب الإشراف 3: 161.

المغرب، ثم صار إلی أخيه الحسين، فلما صار إليه، قال له: يا أخي إنّ أهل الكوفة، قد عرفت غدرهم ومكرهم بأبيك وأخيك من قبلك، وإنّي أخشي عليك أن يكون حالك كحال من مضی من قبلك، فإن أطعت رأيي، أقم بمكة وكن أعزّ من في الحرم المشرّف، فقال (عليه السلام) : يا أخي أخشی أن يغتالني جنود بني أميّة في مكة، فأكون أنا الذي يستباح دمه في حرم اللّه، فقال محمد: يا أخي فسر إلی اليمن أو إلی بعض النواحي البر فإنّك أمنع الناس، فقال الحسين (عليه السلام) :

يا أخي لو كنت في بطن صخرة لاستخرجوني منها فيقتلوني، ثم قال له: يا أخي سأنظر فيما قلت.

فلما كان وقت السحر عزم الإمام الحسين (عليه السلام) علی الرحيل إلی العراق فجائه أخوه محمد وأخذ بزمام ناقته التي هو راكبها، وقال: يا أخي ما سبب إنك عجلت؟ فقال (عليه السلام) :

إنّ جدّي رسول اللّه أتاني بعد ما فارقتك وأنا نائم، فضمّني إلی صدره، وقبّل ما بين عيني، وقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي: يا حسين، يا قرّة عيني اُخرج إلی العراق، فإنّ اللّه قد شاء أن يراك قتيلاً، مخضباً بدمائك، فبكی محمد ابن الحنفية بكاءً شديداً وقال له: يا أخي إذا كان الحال كذا، فما معنی لحملك هؤلاء النسوة ؟ فقال (عليه السلام) :

يا أخي قد قال جدّي أيضاً: إنّ اللّه قد شاء أن يراهن سبايا، مهتكات، يساقون في أسر الذلّ وهنّ أيضاً لايفارقنني ما دمت حياً(1).

ص: 92


1- ينابيع المودة 3: 60.

فبكی محمد بكاءاً شديداً وجعل يقول: أودعتك اللّه يا حسين في دعة اللّه يا أخي.

مع أمّ سلمة

رُوي أن الإمام الحسين (عليه السلام) لما عزم علی الخروج إلی العراق بعد أن كاتبه أهل الكوفة ووجّه مسلم بن عقيل إليهم علی مقدمته فكان من أمره ما كان وأراد الخروج بعثت أمّ سلمة، من قال له: إنّي أذكرك اللّه أن لاتخرج الى العراق فإني، سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: يقتل ابني الحسين بالعراق وأعطاني من التربة في قارورة فقال الحسين (عليه السلام) إليها:

واللّه وإنّي لمقتول لا محالة فأين المفر من قدر المقدور؟ وإنّي لأعرف اليوم والساعة والتي اُقتل فيها، البقعة التي فيها اُدفن، كما اعرفك فإن أحببت أن اُريك مضجعي ومضجع اصحابي ومكانهم فعلت. قالت: قد شئت ثم حضرته فتكلّم الإمام الحسين باسم اللّه عزّوجلّ الأعظم فانخفضت الأرض حتي أراها مضجعه ومضجعهم وأعطاها من التربة حتى خلطتها بما كان معها، ثم قال لها: إنّي اُقتل في يوم عاشوراء وهوموم السبت(1).

مع عبداللّه بن عباس

وفي مروج الذهب: لمّا همّ الحسين (عليه السلام) بالخروج إلی العراق أتاه ابن عباس، فقال له: يابن عمّ قد بلغني أنّك تريد العراق وأنّهم أهل غدر وإنّما يدعونك للحرّب فلا تعجل وإن أبيت إلا محاربة هذا الجبّار وكرهت المقام بمكة فأشخص إلی اليمن فإنّها في عزلة ولك فيها أنصار وأخوان فأقم بها

ص: 93


1- عيون المعجزات: 69.

وبث دعاتك واُكتب إلی أهل الكوفة وأنصارك بالعراق فيخرجوا أميرهم فإن قووا علی ذلك ونفوه عنها ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم وما أنا بغدرهم بآمن وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك إلی أن يأتي اللّه بأمره فإنّ فيها حصوناً وشعاباً، فقال الإمام الحسين (عليه السلام) :

يابن عمّ إنّي لأعلم أنّك لي ناصح وعلي شفيقٌ ولكن مسلم بن عقيل كتب الي باجتماع اهل المصر على بيعتي ونصرتي وقد اجمعت على المسير.

قال: إنّهم من خبرت وجرّبت وهم أصحاب ابيك وأخيك وقتلتك مع أميرهم غداً أنك لو قد خرجت فبلغ ابن زياد خروجك استنفزهم إليك وكان الذين كتبوا إليك أشدّ من عدوّك فإن عصيتني وأبيت إلا الخروج إلی الكوفة فلا تخرجن نسائك وولدك معك فو اللّه إنّي لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونسائه وولده ينظرون إليه.

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) في جوابه: لأن اُقتل واللّه بمكان كذا أحبّ إليّ من أن أستحلّ بمكة، فيئس ابن عباس منه وخرج من عنده فمّر بعبداللّه بن الزبير، فقال: قرّت عينك يابن الزبير وأنشد:

يا لك من قبرة بمعمر***خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري(1)

ونُقل أيضاً عن البلاذري: أنّ عبداللّه بن عباس أتی الإمام الحسين (عليه السلام) ، فقال له: يابن عمّ إنّ الناس قد أرجفوا(2) بأنك سائر إلی العراق، فقال: نعم، قال ابن عباس: فإنّي اُعيذك باللّه من ذلك، أتذهب رحمك اللّه إلی قوم قد

ص: 94


1- مروج الذهب 3: 55.
2- أرجفوا: أكثروا من ذكر الأخبار السيئة.

قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوّهم، فإن كانوا قد فعلوا فسر إليهم وإن كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعمّاله يجبون خراج بلادهم، فإنّما دعوك إلی الحرب والقتال فلا آمن أن يغروك ويكذّبوك ويستنفروا إليك فيكونوا أشدّ الناس عليك.

ثم عاد ابن عباس مرّة أخری إليه، فقال: يابن عمّ إنّي أتصبّر فلا أصبر إنّي أتخوّف عليك الهلاك، إنّ أهل العراق قوم غدر فأقم بهذا البلد فإنّك سيد أهل الحجاز، فإن أرادك أهل العراق وأحبّوا نصرك فاكتب إليهم أن ينفو عدوّهم ثم سر إليهم وإلا فإنّ في اليمن جبالاً وشعاباً وحصوباً ليس بشيء من العراق مثلها، واليمن أرض طويلة عريضة ولأبيك بها شيعة فأتها ثم أثبت دعاتك وكتبك يأتك الناس.

فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) : يابن عمّ أنت الناصح الشفيق ولكنّي قد أزمعت المسير ونويته. فقال ابن عباس: فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك، فو اللّه إنّي لخائف أن تُقتل كما قتل عثمان ونسائه ينظرن إليه، ثم خرج ابن عباس ومرّ بعبداللّه بن الزبير(1).

مع عبداللّه بن الزبير

لم يكن علی ابن الزبير أثقل من الإمام الحسين (عليه السلام) وقد غمّه مكانه بمكة لأنّ الناس ما كانوا يعدلونه بالحسين (عليه السلام) ولم يكن شيء أحبّ إليه من شخوص الحسين (عليه السلام) عن مكة.

ولما بلغ ابن الزبير أنّه (عليه السلام) يريد الخروج أتاه وقال: يا أبا عبداللّه ما عندك

ص: 95


1- أنساب الأشراف 3: 161.

فو اللّه لقد خفت اللّه في ترك جهاد هؤلاء القوم علی ظلمهم واستذلالهم الصالحين من عباداللّه، فقال الإمام الحسين (عليه السلام) : قد عزمت علی إتيان الكوفة، فقال: وفّقك اللّه أما لو أنّ لي مثل أنصارك ما عدلت عنها ثم خاف أن يتّهمه، فقال: ولو أقمت بمكانك دعوتنا وأهل الحجاز أي بيعتك أجبناك وكنّا إليك سراعاً وكنت أحقّ بذلك من يزيد وأبي يزيد(1).

وروي أنّ عبداللّه بن الزبير إنّما أراد بذلك أن لا يتهمه وأن يعذر في القول، فقال الإمام الحسين (عليه السلام) :

لأن أ ُقتل خارجاً من مكة بشبر أحبّ إليّ من أن اُقتل فيها، ولأنّ اُقتل خارجاً بشبرين أحبّ إليّ من أن اُقتل خارجاً منها بشبر(2).

وفي المناقب عن كتاب الإبانة: قال بشر بن عاصم: سمعت أنّ عبداللّه بن زبير يقول: قلت للحسين بن علی: إنّك تذهب إلی قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك؟ فقال (عليه السلام) .

لئن اُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلیّ من أن استحلّ بي مكة عرض به(3).

وروي عن عبداللّه بن سليم والمنذر الأسديين قالا: خرجنا حاجّين من الكوفة حتی قدمنا مكة فدخلنا يوم التروية فإذا نحن بالحسين وعبداللّه بن الزبير وهو يقول للحسين (عليه السلام) : إنّ شئت أن تقيم أقمت فولّيت هذا الأمر فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك، فقال الإمام الحسين (عليه السلام) : إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش.

ص: 96


1- مروج الذهب 3: 55.
2- أنساب الاشراف 3: 165.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 52.

فقال له ابن الزبير: فأقم إن شئت وتوليني الأمر فتطاع ولا تعصی، فقال (عليه السلام) : وما أريد هذا أيضاً. قالا: ثم إنّهما أخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتی سمعنا دعاء الناس رائحين متوجّهين إلی منی عند الظهر، قالا: فطاف الإمام الحسين (عليه السلام) بالبيت وبين الصفا والمروة وقصّ من شعره وحلّ من عمرته ثم توجّه نحو الكوفة وتوجهنا نحو الناس علی منی(1).

مع عبداللّه بن عمر

قال البلاذري: لمّا أراد الإمام الحسين (عليه السلام) الخروج من مكة إلی الكوفة، قال له ابن عمر حين أراد توديعه: أطعني وأقم ولا تخرج فو اللّه مازواها اللّه عنكم إلا وهو يريد بكم خيراً، فلما ودّعه، قال: استودعك اللّه من مقتول (قتيل)(2).

وعن الشعبي: أنّ ابن عمر كان بماء له فقدم المدينة فأخبر بخروج الإمام الحسين (عليه السلام) فلحقه علی مسيرة ثلاث ليال من المدينة، فقال له: أين تريد؟ قال: العراق. قال: لاتأتهم لأنّك بضعة من رسول اللّه واللّه لا يليها منكم أحد أبداً وما صرفها اللّه عنكم إلا لما هو خير لكم(3).

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : يا أبا عبدالرحمن، أما علمتَ إنّ من هوان الدنيا علی اللّه أنّ رأس يحيی بن زكريا اُهدي إلی بغي من بغايا بني إسرائيل، أما تعلم أنّ بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلی طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم

ص: 97


1- تاريخ الطبري 4: 289.
2- أنساب الأشراف 3: 163.
3- أنساب الأشراف 3: 163.

يصنعوا شيئاً، فلم يعجّل اللّه عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام، اتق اللّه يا أبا عبدالرحمن ولا تدع نصرتي(1).

ونُقل أنّ عبداللّه بن عمر لما رأی إبائه (عليه السلام) عن الانصراف، قال: يا أبا عبداللّه اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقبّله منك، فكشف الحسين (عليه السلام) عن سرّته فقبّلها ابن عمر ثلاثاً، وبكی وقال: استودعك اللّه يا أبا عبداللّه فإنّك مقتول في وجهك(2).

حتى يقتلوني

قال (عليه السلام) : والذي نفس حسين بيده، لاينتهي بني أميّة ملكهم حتی يقتلوني، وهم قاتلي، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعاً أبداً، ولم يأخذوا عطاءاً في سبيل اللّه جميعاً أبداً، إنّ اوّل قتيل هذه الأمّة أنا وأهل بيتي، والذي نفس حسين بيده لاتقوم السّاعة، وعلی الأرض هاشميّ يطرق(3).

أنا قتيل العبرة

وقال (عليه السلام) : أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكی(4).

خطبة له (عليه السلام) : عند عزمه على المسير إلى العراق

قال (عليه السلام) : الحمدلله، وما شاء اللّه، لا حول ولا قوة إلا باللّه صلى اللّه على رسوله، خطّ الموت علی ولد آدم مخطّ القلادة علی جيد الفتاة، وما أولهني إلی

ص: 98


1- بحار الأنوار 44: 365.
2- بحار الأنوار 44: 313.
3- كامل الزيارات: 75، ح13.
4- كامل الزيارات: 109، ح6.

أسلافي اشتياق يعقوب إلی يوسف، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تتقطعها عسلان(1) الفلوات، بين النّواويس وكربلاء فيملان منّي أكراشاً جوفاً، وأجربةً سغباً، لا محيص عن يومٍ خطّ بالقلم، رضی اللّه رضانا أهل البيت، نصبر علی بلائه، ويوفّينا أجور الصّابرين، لن يشذ عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه، وينجز لهم وعده، من كان فينا باذلاً مهجته، وموطّناً علی لقائنا نفسه، فليرحل فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه(2).

كتابه (عليه السلام) : عند توجهه إلى العراق وهو جواب كتاب كتب إليه عمرو بن سعيد

قال (عليه السلام) : أمّا بعد فإنّه لم يشاقق اللّه ورسوله، من دعا إلی اللّه عزّوجلّ وعمل صالحاً، وقال: إنّني من المسلمين، وقد دعوت إلی الأمان والبرّ والصّلة، فخير الأمان أمان اللّه، ولن يؤمن اللّه يوم القيامة، من لم يخفه في الدّنيا فنسأل اللّه مخافته في الدّنيا، توجب لنا أمانه يوم القيامة، فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي، فجزيت خيراً في الدّنيا والآخرة والسّلام(3).

كتابه (عليه السلام) المحتوي على وصية لأخيه محمد ابن الحنفيّة لما عزم على المسير إلى العراق

بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أوصی به الحسين ابن عليّ بن أبي طالب إلی أخيه محمّد المعروف بابن الحنفيّة: أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحق، وأنّ

ص: 99


1- العسلان: الذئاب الكثيرة السريعة العدو.
2- كشف الغمة 2: 29.
3- وقعة الطف لأبي مخنف: 155.

الجنّة والنّار حقّ، وأنّ السّاعة آتية لاريب فيها وأنّ اللّه يبعث من في القبور.

وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي، اريد أن آمر بالمعروف وانهن عن المنكر واسير بسيرة جدي وأبي عليّ بن ابيطالب (عليهما السلام) ، فمن قبلني بقبول الحقّ، فاللّه أولی بالحقّ، ومن ردّ علی هذا أصبر حتی يقضي اللّه بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين وهذه وصيّتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلا باللّه، عليه توكلت وإليه اُنيب(1).

ثم طوی الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلی أخيه.

ومن كلام له (عليه السلام) : للفرزدق لما سأله ما أعجلك يا ابن رسول اللّه عن الحج؟

فقال (عليه السلام) : لو لم أعجل لأخذت.

ثم سأله عن الناس بالكوفة، فعرفه بأنّ السيوف عليه؛ فقال (عليه السلام) :

صدقت لله الأمر، وكلّ يوم ربّنا في شأن؛ إن نزل القضاء بما نحبّ، فنحمد اللّه علی نعمائه، وهو المستعان علی أداء الشّكر؛ وإن حال القضاء دون الرّجاء، فلم يَبعُد من كان الحقّ نيّته؛ والتّقوی سريرته.

ثمّ سلّم عليه وافترقا(2).

كتابه (عليه السلام) إلى أهل المدنية

وقد وجّهوا أبياتاً إليه كانت ليزيد ولم يعلموه أنّها منه، فلما نظر إليها علم أنّها منه كتب إليهم في الجواب:

ص: 100


1- العوالم 17: 179.
2- الإرشاد 2: 67، تحت عنوان توجه الإمام الحسين (عليه السلام) إلی العراق.

بسم اللّه الرحمن الرحيم {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا۠ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}(1)(2).

كتابه (عليه السلام) إلى أشراف البصرة يدعوهم لنصرته

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ (عليه السلام) إلی مالك بن مسمع، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم، سلام عليكم، أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلی إحياء، معالم الحقّ وإماتة البدع، فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرّشاد(3).

كتابه (عليه السلام) إلى بني هاشم

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلی بني هاشم أمّا بعد فإنّه من لحق بي منكم استشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح والسّلام(4).

كتابه (عليه السلام) إلى محمد ابن الحنفيّة

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلی محمّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم، أمّا بعد فكأنّ الدّنيا لم تكن، وكأنّ الآخرة لم تزل والسّلام(5).

كتابه (عليه السلام) إلى أهل البصرة: يدعوهم لنصرته

اما بعد فإنّ اللّه اصطفی محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) علی خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره

ص: 101


1- الفتوح 5: 69.
2- سورة يونس: 41.
3- الأخبار الطوال: 231.
4- بحار الأنوار 42: 81، ح12.
5- كامل الزيارات: 75، ح16.

برسالته، ثم قبضه إليه، وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكنا أهله واولياءه واوصياءه وورثته وأحقّ بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرمنا الفرقة وأحببنا العافية ونحن نعلم انا احق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه وقد احسنوا واصلحوا وتحروا الحق. فرحمهم اللّه وغفر لنا ولهم وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلی كتاب اللّه وسنّة نبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فإن سمعتم قولي تطيعوا أمري أهديكم إلی سبيل الرشاد، والسّلام عليكم ورحمة اللّه(1).

كتابه (عليه السلام) جواباً عن كتاب كتبه إليه ابن عمّه عبداللّه بن جعفر الطيار رضوان اللّه عليهما

أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ فقرأته، وفهمت ما فيه، اعلم إنّي قد رأيت جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في منامي فأخبرني بأمر أنا ماض له، كان لي الأمر أو عليّ، واللّه يا ابن عمي لو كنت في حجر هامّة من هوامّ الأرض لاستخرجوني ويقتلوني، واللّه ليعدين عليّ كما عدت اليهود على السبت والسّلام(2).

كتابه (عليه السلام) إلى أهل الكوفة عند توجهه إلى العراق

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ (عليه السلام) إلی أخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلا هو أمّا بعد فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جائني يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملأكم علی نصرنا والطّلب بحقّنا، فسألت اللّه أن يحسن لنا الصّنيع وأن

ص: 102


1- تاريخ الطبري 5: 357.
2- الفتوح 5: 67.

يثيبكم علی ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم الترّوية، فإذا قدم إليكم رسولي فانكمشوا(1)

في أمركم وجدّوا فإنّي قادم عليكم في أيامي هذه والسّلام عليكم ورحمة اللّه(2).

كتابه (عليه السلام) جواباً عن كتاب لأهل الكوفة إليه

بسم اللّه الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلی الملأ من المسلمين والمؤمنين. أمّا بعد فإنّ هانياً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم عليّ من رُسُلِكُم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلّكم أنّه ليس علينا إمام فاقبل، لعلّ اللّه أن يجمعنا بك علی الهدی، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي ومن أهل بيتي، فإن كتب إليّ أنّه قد أجمع رأيُ أحداثكم وذوي الفضل منكم علی مثل ما قدمت به رسلكم وتواترت كتبكم، أقدم إليكم وشيكاً، إن شاء اللّه، ولعمري ما الإمام إلا الحاكم، القائم بالقسط. الدّائن بدين اللّه الحابس نفسه علی ذات اللّه والسّلام(3).

كتابه (عليه السلام) في مسيره إلى الكوفة إلى حبيب بن مظاهر

لمّا علم بقتل ابن عمّه مسلم بن عقيل وغدر أهل الكوفة به عقد اثنتی عشر راية فأمر جمعاً أن يحمل كل واحد راية منها وحملوا الرايات وبقيت راية منها، فقال بعضهم: سيدي تفضّل عليّ بحملها، فجزاه الإمام

ص: 103


1- اي: اسرعوا.
2- الإرشاد 2: 70.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 90.

الحسين (عليه السلام) خيراً، وقال: يأتي إليها صاحبها ثم كتب:

من الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلی الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر. أمّا بعد يا حبيب فأنت تعلم قرابتنا من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنت أعرف بنا من غيرك، وأنت ذوشيمة وغيرة فلا تبخل علينا بنفسك يجازيك جدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يوم القيامة(1).

ومن خطبة له (عليه السلام)

خطبها بذي حسم لما منعه الحر وأصحابه عن قدومه إلی الكوفة والرجوع إلی المدينة؛ حمد اللّه وأثنی عليه؛ ثم قال:

أيّها النّاس، إنّها معذرة إلی اللّه وإليكم، إنّي لم آتكم، حتی أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم إن أقدم علينا. فإنّه ليس لنا إمام، لعلّ اللّه أن يجمعنا بك علی الهدی والحقّ؛ فإن كنتم علی ذلك، فقد جئتكم؟ فأعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين، انصرفت عنكم إلی المكان الذي جئت منه إليكم(2).

ومن خطبة له (عليه السلام) بذي حسم لما صلّى بالحر وأصحابه

بعد ما حمد اللّه وأثنی عليه، قال:

أمّا بعد أيّها النّاس فإنّكم إن تتّقوا اللّه وتعرفوا الحقّ لأهله، يكن أرضی اللّه عنكم، ونحن أهل بيت محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أولی بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسّائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم

ص: 104


1- إكسير العبادات في أسرار الشهادات 2: 591.
2- وقعة الطف لابن أبي مخنف: 169.

إلا الكراهة لنا، والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم، وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم(1).

و من كلام له (عليه السلام) بالرهيمة

و من كلام له (عليه السلام) بالرهيمة(2)

أجاب به أباهرم (باهرة) لما قال له: يا ابن رسول اللّه ما الذي أخرجك عن حرم جدّك؟ فقال (عليه السلام) :

يا أباهرم، إنّ بني أميّة وشتموا عرضي فصبرت، أخذوا مالي فصبرت، وطلبوا دمّي فهربت، وأيم اللّه ليقتلونني فيلبسهم اللّه ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، ولَيُسلطنَّ عليهم من يذلّهم، حتی يكونوا أذلّ من قوم سبأ، إذ ملكتهم امرأة، فحكمت في أموالهم ودمائهم(3).

ومن خطبة له (عليه السلام) في (زبالة) وفيها بيان غدر أهل الكوفة

ومن خطبة له (عليه السلام) في (زبالة(4)) وفيها بيان غدر أهل الكوفة

لما انتهی الإمام الشهيد إلی منزل زبالة، وقد أتاه خبر قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في زرود قبل هذا المنزل، فأخرج كتاباً وقرأ علی الناس.

بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد فإنّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبداللّه بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الانصراف، فلينصرف، في غير حرج وليس عليه ذمامٌ(5).

ص: 105


1- إعلام الوری 1: 448.
2- الرهيمة: ضيعة قرب الكوفة.
3- بحار الأنوار 44: 368.
4- زبالة: موضع في طريق الكوفة إلی مكة، وهي قرية عامرة. معجم البلدان 3: 129.
5- الإرشاد 2: 75.

و من خطبة له (عليه السلام) في البيضة خطب بها الحر وأصحابه

قال (عليه السلام) بعد الحمد والثناء:

أيّها النّاس إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: من رأی سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً علی اللّه أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيّطان، وتركوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام اللّه، وحرّموا حلال اللّه، وإنّي أحقّ من غير قد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم: أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فان تممتم على رشدكم، وأنا الحسين بن عليّ، ابن فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نفسي مع أنفسكم، وأهلى مع أهليكم فلكم فيّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من اعناقكم، فلعمري ماهي منكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور ما اغترّبكم، فحضكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنّما ينكث علی نفسه، وسيغنيي اللّه عنكم، والسّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته(1).

ومن خطبة له (عليه السلام) في إدبار الدنيا

حمد اللّه وأثنی عليه؛ ثم قال:

إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدّنيا تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعی

ص: 106


1- وقعة الطف: 172.

الوبيل، ألا ترون إلی الحقّ لا يعمل به، وإلی الباطل لا يتناهی عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه حقاً حقاً، فإنّي لا أری الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً(1)(2).

كلامه حين ورد أرض كربلاء

ولما نزل الحسين (عليه السلام) أرض كربلاء، قال: ما يقال لهذه الأرض؟ قالوا: العقر(3)

فقال (عليه السلام) : اللّهم إنّي أعوذ بك من العقر. وفي رواية قالوا: كربلاء، ويقال لها: أرض نينوی، فبكی (عليه السلام) وقال: كرب وبلاء أخبرتني أمّ سلمة إلی آخر الحديث(4).

وفي رواية: قال (عليه السلام) : اللّهم انّي أعوذبك من الكرب والبلاء، انزلوا هاهنا محطّ رحالنا، ومسفك دمائنا، وهُنا محلّ قبورنا، بهذا حدّثني جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (5).

وروي أنّه لما وصل كربلاء جمع ولده وأخوته وأهل بيته، ثم نظر إليهم، فبكی ساعة ثم قال:

اللّهم إنّا عترة نبيّك محمد، وقد اُخرجنا وطردنا واُزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو أميّة علينا، اللّهم فخذ لنا بحقّنا، وانصرنا علی القوم الكافرين!(6)

ص: 107


1- موضع بين العذيب وواقصة في ارض الحزن من ديار يربوع بن حنظلة (معجم البلدان).
2- بحار الأنوار 44: 381.
3- كانت بها منازل نبوخذ نصر من كور بابل صحفت فقيل كربلاء.
4- وقعة الطف: 180.
5- اللّهوف: 81.
6- بحار الأنوار 44: 383.

ومن كلامه (عليه السلام) لأصحابه وفيه بيان شهادته ورجعته

قال (عليه السلام) : إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لي: يا بنيّ إنّك ستساق إلی العراق، وهي أرض قد التقی بها النّبيّون وأوصياء النّبيّين، وهي أرض تدعی عموراً، وإنّك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لايجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: {يَٰنَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ}(1) يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم، فابشروا فو اللّه لئن قتلونا فإنّا نردّ علی نبيّنا، ثم أمكث ماشاء اللّه، فأكون أول من تنشقّ الأرض عنه، فأخرج خرجة توافق ذلك خرجة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقيام قائمنا، وحياة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم لينزلنّ عليّ وفد من السماء من عنداللّه لم ينزلوا إلی الأرض قطّ، ولينزلنّ اليّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة (إلی أن قال:) ولا يبقی رجل من شيعتنا إلا أنزل اللّه إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب ويعرّفه أزواجه ومنزلته في الجنّة، ولا يبقی علی وجه الأرض أعمی ولا مقعد ولا مبتلی إلا كشف اللّه عنه بلاءه بنا أهل البيت، ولينزلنّ البركة من السماء إلی الأرض، حتی أنّ الشّجرة لتقصف بما يزيد اللّه فيها من الثّمرة، ولتأكلنّ ثمرة الشتاء في الصّيف، وثمرة الصّيف في الشتاء، وذلك قوله عزّوجلّ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}(2) ثم إنّ اللّه ليهب لشيعتنا كرامةً لا يخفى عليهم شيء في الأرض وما كان فيها، حتی أنّ الرجل منهم يريد أن

ص: 108


1- سورة الأنبياء: 69.
2- سورة الاعراف: 96.

يعلم علم أهل بيته، فيخبرهم بعلم ما يعلمون(1).

ومن كلام له (عليه السلام) لأصحابه في نقض البيعة

اعلموا أنكم خرجتم معي لعلمكم إنّي أقدم علی قوم بايعوني بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس الأمر، واستحوذ عليهم الشّيطان، فأنساهم ذكر اللّه، والآن ليس لهم مقصد إلا قتلي، وقتل من يجاهد بين يديّ، وسبّي حريمي بعد سلبهم، وأخشی أنّكم ما تعلمون وتستحيون، والخدع عندنا أهل البيت محرّم فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فالليل ستير، والسبيل غير خطير والوقت ليس بهجير، ومن واسانا بنفسه كان معنا غداً في الجنان، نجيا من غضب الرحمن، وقد قال جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «ولدي حسين يُقتل بطفّ كربلاء غريباً وحيداً عطشاناً فريداً؛ فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم، ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة»(2).

ومن خطبة له (عليه السلام) في وفاء أصحابه

أثنی علی اللّه أحسن الثناء وأحمده علی السرّاء والضرّاء

اللّهمّ إنّي أحمدك علی أن أكرمتنا بالنّبوّة، وعلّمتنا القرآن، وفقّهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً فاجعلنا لك من الشاكرين. أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفی ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم اللّه عنّي خيراً. ألا وإنّي أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإنّي قد رأيت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم

ص: 109


1- بحار الأنوار 45: 81، ح6.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 483، ح463.

منّي ذمام، وهذا ليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ثمر ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج اللّه، فان القوم انما يطلبونى ولو قد اصابوني لهوا عن طلب غيري(1).

ومن كلامه (عليه السلام) لعسكره وأهل بيته

وقال لأهل بيته:

قد جعلتكم في حلّ من مفارقتي، فإنّكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم وقواهم، وما المقصود غيري، فدعوني والقوم، فإنّ اللّه عزّوجلّ يعينني ولا يخليني من حسن نظره، كعادته في أسلافنا الطّيّبين.

فأمّا عسكره ففارقوه، وأما أهله والأدنون من أقربائه وأصحابه فأبوا، وقالوا: لانفارقك ويحل بنا ما يحل بك، ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنّا أقرب ما يكون إلی اللّه إذا كنّا معك، فقال لهم:

فإن كنتم قد وطّنتم أنفسكم علی ما قد وطّنت نفسي عليه، فاعلموا أنّ اللّه يهب المنازل الشّريفة لعباده لصبرهم باحتمال المكاره، وأنّ اللّه كان خصّني مع من مضی من أهلي، الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل معها علیّ احتمال الكريهات، فإنّ لكم شطر ذلك من كرامات اللّه تعالى، واعلموا أنّ الدنيا حلوها ومرّها حُلُم، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشّقيّ من شقي فيها، أولا أ حدثّكم بأوّل أمرنا وأمركم، معاشر أوليائنا ومحبينا والمعتصمين بنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له معرضون؟ قالوا: بلی يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . قال: إنّ اللّه تعالى لمّا خلق آدم واستواه

ص: 110


1- واقعة الطف: 197.

وعلّمه أسماء كلّ شيء وعرضهم علی الملائكة، جعل محمداً وعليا وفاطمة والحسن والحسين «عليهم الصلاة والسّلام» أشباحاً خمسةً في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق، من السماوات والحجب والجنان والكرسيّ والعرش، فأمر اللّه تعالى الملائكة بالسجود لآدم تعظيماً له، إنّه قد فضّله بأن جعله وعاءً لتلك الأشباح التي قد عمّ أنوارها الآفاق، فسجدوا إلا ابليس، أبی أن يتواضع لجلال عظمة اللّه وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت، وقد تواضعت لها الملائكة كلّها واستكبر وترفّع، وكان بإبائه ذلك وتكبّره من الكافرين(1).

ومن خطبة له (عليه السلام) يعظ بها أهل العراق

الحمدلله خلق الدنيا، فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال؛ فالمغرور من غرّته، والشّقيّ من فتنته، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيّب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم علی أمر قد أسخطتم اللّه فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته، فنعم الرّبّ ربّنا، وبئس العبيد أنتم، أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثمّ أنّكم زحفتم علی ذرّيته وعترته، تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر اللّه العظيم، فتبّاً لكم ولما تريدون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبعداً للقوم الظّالمين...

فتقدّم شمر لعنه اللّه، وقال: أفهمنا حتی نفهم.

ص: 111


1- تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 218.

فقال (عليه السلام) أقول:

اتّقوا اللّه ربّكم ولا تقتلوني، فإنّه لا يحلّ لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإنّي ابن بنت نبيكم، وجدّتي خديجة زوجة نبيكم، ولعلّه قد بلغكم قول نبيكم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

ثم نادی بأعلی صوته يا أهل العراق:

أيّها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجّلوا حتی أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتی أعذر عليكم فإن أعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم، فاجمعوا رأيكم ثم لايكن أمركم عليكم غمّة، ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون، إنّ وليّي اللّه الذي نزّل الكتاب وهو يتولّی الصالحين(1).

ومن كلام له (عليه السلام) يبشر أصحابه بالجنّة وقصورها

يا أصحابي إنّ هذه الجنّة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها وأينعت أثمارها، وزيّنت قصورها، وتألّفت ولدانها [وحورها]، وهذا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والشّهداء الذين قتلوا معه وأبي (عليه السلام) ، يتوقّعون قدومكم، ويتباشرون بكم وهم مشتاقون اليكم فحاموا عن دين اللّه وذبّوا عن حرم الرّسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

ومن خطبة له (عليه السلام) في الاحتجاج على أهل الكوفة

حمداللّه وأثنی عليه، ثم قال:

أمّا بعد، فانسبوني فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلی أنفسكم وعاتبوها،

ص: 112


1- بحار الأنوار 45: 5.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 536.

فانظروا هل يصلح ويحلّ لكم قتلي، وانتهاك حرمتي؟ ألست أنا ابن بنت نبيّكم، وابن وصيّه وابن عمّه، وأوّل المؤمنين باللّه، والمصدّق برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وبما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشّهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطّيار في الجنّة بجناحين عمّي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي ولأخي: «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة»؟ فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، واللّه ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبداللّه الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد السّاعدي، وزيد ابن أرقم، أو أنس بن مالك، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لي ولأخي، أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟

ثم قال (عليه السلام) لهم:

فإن كنتم في شك من هذا، فتشّكون في أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فو اللّه ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة؟

فأخذوا لايكلّمونه.

فنادی: يا شبث بن ربعي، ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا اليّ أن قد أينعت الثمار، وأخضرّ الجناب؟ وإنّما تقدم علی جند لك مُجندٍ؟

فقال له قيس بن الأشعث: ماندري ما تقول؛ ولكن انزل علی حكم بني عمّك، فإنّهم لن يروك إلا ما تحب.

فقال (عليه السلام) له:

ص: 113

لا واللّه اعطيكم بيدي إعطاء الذّليل ولا أفر فِرَار العبيد...، عباداللّه إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لايؤمن بيوم الحساب(1).

ومن خطبة له (عليه السلام) متوكئاً على قائم سيفه نادى بأعلى صوته

اُنشدكم اللّه هل تعرفونني؟

قالوا: نعم أنت ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسبطه.

قال: اُنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ؟

قالوا: اللّهم نعم.

قال: اُنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ امّي فاطمة بنت محمّد؟

قالوا: اللّهم نعم.

قال: اُنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد، أوّل نساء هذه الأمّة إسلاماً؟

قالوا: اللّهم نعم.

قال: اُنشدكم هل تعلمون إن حمزة سيد الشهداء عم أبي؟

قالوا: اللّهم نعم.

قال: اُنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ الطّيار في الجنّة عمّي؟

قالوا: اللّهم نعم.

قال: فاُنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنا متقلّده؟

قالوا: اللّهم نعم.

ص: 114


1- الإرشاد 2: 98.

قال: اُندشكم اللّه هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنا لابسها؟

قالوا: اللّهم نعم.

قال: اُنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ علياً (عليه السلام) كان أوّل القوم إسلاماً، وأعلمهم علماً، وأعظمهم حلماً، وأنّه وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟

قالوا: اللّهم نعم.

قال فبم تستحلّون دمي وأبي الذّائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصّادر عن الماء، ولواء الحمد في يد أبي يوم القيامة؟

قالوا: قد علمنا ذلك كلّه، ونحن غير تاركيك حتی تذوق الموت عطشاً(1).

ومن خطبة له (عليه السلام) عقيب صلاة الصبح في يوم عاشوراء يحث أصحابه على القتال

حمداللّه وأثنی عليه، ثم قال:

إنّ اللّه عز وجل قد أذن في قتلكم اليوم وقتلي، وعليكم بالصّبر والجهاد(2).

ومن خطبة له (عليه السلام) : بالطفّ في التحذير عن الدنيا

قال (عليه السلام) بعد الحمد والثناء:

عباد اللّه اتّقوا اللّه وكونوا من الدنيا علی حذر، فإنّ الدنيا لو بقيت لأحد، وبقي عليها أحد، لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء وأولی بالرّضا، وأرضی

ص: 115


1- اللّهوف: 52.
2- إثبات الوصية: 166.

بالقضاء، غير أنّ اللّه خلق الدنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحلّ، وسرورها مكفهّر، والمنزل بلغة، والدّار قلعة، {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ}(1){وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(2)(3).

ومن كلام له (عليه السلام) : يأمر أصحابه بالصبر ويرغّبهم في الآخرة

كان (عليه السلام) وبعض من معه من خصائصه، تشرق ألوانهم، وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: أنظروا لايبالي بالموت!؛

قال (عليه السلام) لهم:

صبراً بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تَعيُرُ بكم عن البؤس والضراء إلی الجنان الواسعة، والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلی قصر، وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر إلی سجن وعذاب، إنّ أبي حدّثني عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «إنّ الدنيا سجن المؤمن، وجنّة الكافر» والموت جسر هؤلاء إلی جناتهم وجسر هؤلاء إلی جحيمهم ما كذبت ولا كذّبت(4).

وصيته (عليه السلام) أخته بالصبر ليلة عاشوراء

عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) ، قال: إنّي جالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في

ص: 116


1- اشارة الى سورة البقرة: 197.
2- سورة البقرة: 189؛ سورة آل عمران: 130-200.
3- تاريخ مدينة دمشق 14: 218.
4- معاني الأخبار: 289، ح3.

خباء له وعنده جون مولی أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول: يا دهر أفّ لك (إلی آخر)، فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتی فهمتها وعرفت، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أنّ البلاء قد نزل.

وأمّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت... ولم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وأنّها لحاسرة حتی انتهت إليه، فقالت:

واثكلاه ليت الموت أعدمنی الحياة، اليوم ماتت أمّي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن، يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر إليها الحسين (عليه السلام) ، فقال لها:

يا أخية لايذهبنّ حلمك الشيطان وترقرقت عيناه بالدموع، وقال: لو ترك القطاة لنام. فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك إغتصاباً فذلك أقرح لقلبي وأشد علی نفسي. ثم لطمت علی وجهها وهوت إلی جيبها فشقّته وخرّت مغشياً عليها، فقام إليها الحسين (عليه السلام) فصبّ علی وجهها الماء، وقال لها:

يا أختاه اتقي اللّه وتعزّي بعزاء اللّه واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأهل السماء لايبقون، وأنّ كل شيء هالك إلا وجه اللّه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق يعودون وهو فرد وحده، وأبي خير منّي، وأمّي خير منّي وأخي خير منّي، ولي ولكل مسلم برسول اللّه أسوة حسنة...

يا أخية إنّي أقسمت عليك فأبّري قسمي، لاتشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولاتدعي عليّ بالويل والثبور، إذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتی أجلسها عند عندي ثم خرج إلی أصحابه وأمرهم أن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأن يكونوا بين البيوت ويستقبلون القوم بوجه واحد(1).

ص: 117


1- الإرشاد 2: 93.

ومن خطبة له (عليه السلام) في ذمّ أهل الكوفة

تبّاً(1)

لكم أيّتها الجماعة وترحاً(2)، أحين استصرختمونا ولهين(3)، فأصرخناكم مؤدين مستعدّين، سللتم علينا سيفاً لنا في رقابنا، وحششتم علينا نار الفتن خبأها عدوكم وعدونا فأصبحتم ألباً علی أوليائكم، ويداً عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم إلا الحرام من الدنيا انالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من غير حدث كان منّا، ولا رأي ٍ تفيّل لنا، فهلاّ لكم الويلات، اذكرهتمونا وتركتمونا، تجهّزتموها والسيف لم يُشهر، والجأش طامن(4)، والرّأي لما يستصحف، ولكن أسرعتم عليا كطيرة الذباب(5)، وتداعيتم كتداعي الفراش، فقبحاً لكم فإنّما أنتم من طواغيت الأمّة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة(6) الشيطان، وعصبة الآثام ومحرّفي الكتاب، ومطفيء السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيرى عترة الأوصياء وملحقي العهار(7) بالنسب، مؤذي المؤمنين، صراخ أئمّة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين، وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون، وإيانا تخاذلون، أجل واللّه الخذل فيكم معروف! وشجّت عليه

ص: 118


1- التب: الهلاك.
2- الترح: الهمم.
3- الوله: الحزن.
4- الجأش طامن: أي الشجاع ساكن.
5- الدبا: الجراد قبل أن يطير.
6- نفثة: النفخة.
7- العهار: النزق والخفّة والطيش.

عروقكم، فروعكم، وثبتت عليه قلوبكم، وغشيت صدوركم، فكنتم أخبث لشيء سنخاً للناصب، وأكلة للغاصب، ألا لعنة اللّه علی النّاكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً، فأنتم واللّه هم، ألا وإنّ الدّعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السّلة(1) والذّلة، وهيهات ما آخذ الدنية، أبى اللّه ذلك ورسوله وجدود طابت، وحجود طهرت، أنوفً حميّة، ونفوس أبّية لا تؤثر مصارع اللّئام علی مصارع الكرام، ألا قد أعذرت وأنذرت، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العتاد، وخذلة الأصحاب.

- ثم تمثّل بأبيات فروة بن مسيك المرادي -

فإن نهزم فهزّامون قدماً***و إن نهزم فغير مهزمينا

و ما إن طبّنا جبن ولكن***منايانا ودولة آخرينا

ثم قال: ألا ثم لاتلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتی تدور بكم الرحی، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي فاجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم كيدون جميعاً فلاتنظرون إنّي توّكلت علی اللّه ربّي وربّكم، ما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي علی صراط مستقيم، اللّهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنّي يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف، يسقيهم كأس مصبرة(2)، ولا يدع فيهم أحداً إلا قتله قتلة بقتلة، وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي، منهم، فإنّهم غرّونا

ص: 119


1- السلة: أي سل السيوف.
2- كأس مصبرة: أي ممزوجه بالصبر وهي عصارة شجر مر.

وكذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير(1).

ومن كلام له (عليه السلام) مخاطباً لأهل الكوفة وهو يقاتل على رجليه

أعلی قتلي تحاثّون، أما واللّه لاتقتلون بعدي عبداً من عباداللّه أسخط عليكم لقتله منّي، وأيم اللّه إنّي لأرجو أن يكرمني اللّه بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم، من حيث لاتشعرون. أما واللّه أن لو قد قتلتموني لقد ألقی اللّه بأسكم بينكم، وسفك دماءكم، ثم لايرضی لكم، حتی يضاعف لكم العذاب الأليم(2).

ومن كلام له (عليه السلام) لما نظر إلى كثرة من قتل من أصحابه قبض على شيبته المقدّسة

وقال: اشتدّ غضب اللّه علی اليهود، اذ جعلوا له ولداً، وعلی النّصاری إذ جعلوه ثالث ثلاثة، وعلی المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدّ غضبه علی قوم اتفقت علی قتل ابن بنت نبيّهم، واللّه لاأجيبهم إلی شيء ممّا يطلبون حتی ألقی اللّه تعالى، وأنا مخضّب بدمي.

ومن كلام له (عليه السلام) به ودع عياله وأمرهم بالصبر

قال (عليه السلام) : استعدّوا للبلاء، واعلموا أنّ اللّه تعالى حافظكم وحاميكم وسينجّيكم من شرّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلی خير، ويعذّب أعاديكم بأنواع البلاء، ويعوّضكم اللّه عن هذه البليّة بأنواع النّعم والكرامة

ص: 120


1- بحار الأنوار 45: 8.
2- وقعة الطف: 252.

فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم(1).

الخطبة المنسوبة إليه (عليه السلام)

إيه! يا منتحلة دين الإسلام، ويا أتباع شرّ الأنام، هذا آخر مقام أقرع به أسماعكم، واحتجّ به عليكم، زعمتم أنّكم بعد قتلي تتنعّمون في دنياكم، وتستظلّون قصوركم، هيهات هيهات، ستحاطون عن قريب بما ترتعد به فرائصكم، وترجف منه أفئدتكم، حتی لا يؤويكم مكان، ولا يظّلكم أمان، وحتی تكونوا أذّل من فرام(2) الأمة، وكيف لاتكونوا كذلك، وقد آليتم علی أنفسكم أن تسفكوا دم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتقتلوا ذرّيّته، وتظمئوا صبيّته وتؤسروا نسوته، ولقد خيّرتكم بين خلال ثلاث فأبيتم، ومنّتكم شوكتكم، إنّي أنقاد لطاغيتكم الملحد معاذاللّه، نفوس أبيّة وأنوف حميّة، تقعدنا عن الدّنيّة وتنهض بنا في العزّ إلی ورود حياض المنيّة وما أشوقني إلی اللحوق بهذه الفتية - وأشار بيده إلی مصارع الأحبّة - والوفاء بعهدي لربّي فخذوا حذركم ثم كيدوني جميعاً ولا تنظرون(3).

كلامه (عليه السلام) لشيعة آل سفيان لما حالوا بينه وبين خيامه

ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلی أحسابكم إذ كنتم أعرابا،

ص: 121


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 592، ح605.
2- الفرم: هي الخرقة التي تضعها الأمة عند مجيئ الحيض.
3- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 599.

فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟

فقال: أقول أنا الذي اُقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم(1) عن التعرّض لحرمي مادمت حيا(2).

ص: 122


1- العتات (بضم العين): جمع العاني، وهو الذي جاوز حمده واستكبر.
2- بحار الأنوار 45: 51.

الفصل الخامس: أدعية

اشارة

ص: 123

ص: 124

ومن دعائه (عليه السلام) يوم عرفه

الحمدلله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر الناس أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصّنائع، لاتخفی عليه الطّلائع، ولا تضيع عنده الودائع،(1)

جازي كلّ صانع، ورائش كلّ قانع، وراحم كلّ ضارع، منزل المنافع والكتاب الجامع، بالنّور السّاطع، وهو للدّعوات سامع، وللكربات دافع، وللدّرجات رافع، وللجبابرة قامع، فلا إله غيره، ولا شيء يعدله، وليس كمثله شيء وهو السّميع البصير اللّطيف الخبير، وهو علی كلّ شيء قدير.

اللّهم إنّي أرغب إليك وأشهد بالربوبيّة لك، مقرّ بأنّك ربّي و[أنّ] إليك مردّي، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً [و]، خلقتني من التراب، ثم أسكنتني الأصلاب، آمناً لريب المنون، واختلاف الدّهور والسنين، فلم أزل ظاعناً من صلب إلی رحم في تقادم من الأيام الماضية، والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي [بي] وإحسانك إليّ في دولة أئمّة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذّبوا رسلك.

لكنّك أخرجتني [رأفة منك وتحنّناً عليّ] للذي سبق لي من الهدی الذي

ص: 125


1- أتی بالكتاب الجامع، وبشرع الإسلام النور الساطع، وللخليفة صانع، وهو المستعان علی الفجائع (نسخة بدل).

له يسّرتني وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمك، فابتدعت خلقي من منيّ يمنی، وأسكنتني في ظلمات ثلاث، بين لحم ودم، وجلد، لم تشهدني خلقي [لم تشهرني بخلقي]، ولم تجعل إليّ شيئاً من أمري، ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدی إلی الدنيا تامّاً سويا، وحفظتني في المهد طفلاً صبياً، ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً، وعطفت عليّ قلوب الحواضن، وكفّلتني الأمّهات الرّواحم، وكلأتني من طوارق الجانّ، وسلّمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمن، حتی إذا استهللت ناطقاً بالكلام، أتممت عليّ سوابغ الإنعام، وربّيتني زائداً في كل عام، حتی إذا اكتملت فطرتي واعتدلت مرّتي أوجبت عليّ حجّتك، بأن الهمتني معرفتك، وروّعتني بعجائب حكمتك، وأيقظتني لما ذرأت في سمائك وأرضك من بدائع خلقك، ونبّهتني لشكرك وذكرك، وأوجبت عليّ طاعتك وعبادتك، وفهّمتني ما جاءت به رسلك، ويسّرت لي تقبّل مرضاتك، ومننت عليّ في جميع ذلك بعونك ولطفك، ثم إذ خلقتني من خير [حُرّ] الثّری، لم ترض لي يا إلهي نعمةً [بنعمة] دون أخری، ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش بمنّك العظيم الأعظم عليّ، وإحسانك القديم إليّ، حتی إذا أتممت عليّ جميع النعم، وصرفت عنّي كلَّ النقم.

لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني إلی ما يقرّبني إليك، ووفّقتني لما يزلفني لديك، فإن دعوتك أجبتني، وإن سألتك أعطيتني، وإن أطعتك شكرتني، وإن شكرتك زدتني، كلّ ذلك إكمالُ لأنعمك عليّ، وإحسانك إليّ.

فسبحانك سبحانك من مبدئ، معيد حميد مجيد، وتقدّست أسماؤك، وعظمت آلاؤك، فأيّ نعمك يا إلهي أ ُحصي عدداً وذكراً، أم أيّ عطاياك

ص: 126

أقوم بها شكراً؟! وهي يا ربّ أكثر من أن يحصيها العادّون، أو يبلغ علماً بها الحافظون، ثم ما صرفت ودرأت عنّي اللّهم من الضّرّ والضّرّاء أكثر ممّا ظهر لي من العافية والسّراء وأنا [فأنا] أشهد يا إلهي بحقيقة إيماني وعقد عزمات يقيني، وخالص صريح توحيدي، وباطن مكنون ضميري، وعلائق مجاري نور بصري، وأسارير صفحة جبيني، وخرق مسارب نفسي، وخذاريف مارن عِرنيني، ومَساربِ سِماخ [صماخ] سمعي، وما ضُمّت وأطبقت عليه شفتاي، وحركات لفظ لساني، ومَغرَزِ حَنَك فمي وفكي، ومنابت أضراسي ومساغ مطعمي ومشربي، وحِمالة اُمّ رأسي وبلوغ فارغ حبائل عنقي، وما اشتمل عليه تامُورُ صدري، وحمائل حبل وتيني، ونياط حجاب قلبي، وأفلاذ حواشي كبدي، وما حوته شراسيفُ أضلاعي، وحقاق مفاصلي، وقبض عواملي، وأطراف أناملي، ولحمي ودمي وشعري وبشري، وعصبي وعظامي ومخّي وعروقي، وجميع جوارحي، وما انتسج علی ذلك أيام رضاعي، وما أقلّت الأرض منّي، ونومي ويقظتي وسكوني وحركات ركوعي وسجودي.

أن لو حاولتُ واجتهدت مدی الأعصار والأحقاب لو عُمّرتها أن اؤدّي شكر واحدة من أنعمك، مااستطعت ذلك إلا بمنك الموجب عليّ به شكرك أبداً جديداً، وثناءاً طارفاً عتيداً، أجل ولو حرصت أنا والعادّون من أنامك أن نحصي مدی إنعامك سالفه وآنفه، ما حصرناه عدداً، ولا أحصيناه أمداً، هيهات أنّی ذلك! وأنت المخبر في كتابك الناطق، والنّبأ الصادق {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَاۗ}(1) صدق كتابك اللّهم وإنباؤك، وبلّغت أنبياؤك ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك، وشرعت لهم وبهم من دينك.

ص: 127


1- سورة ابراهيم: 34

غير أنّي يا إلهي أشهد بجهدي وجدّي، ومبلغ طاعتي [طاقتي] ووسعي، وأقول مؤمناً موقناً: الحمدلله الذي لم يتخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في ملكه فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، فسبحانه سبحانه {لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا}(1).

وتفطّرتا، سبحان اللّه الواحد الأحد، الصمّد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، الحمدلله حمداً يعادل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلى اللّه علی خيرته محمّد خاتم النبيّين، وآله الطّيبين الطاهرين المخلصين وسلّم.

ثم شرع الإمام الحسين (عليه السلام) في مسألة الباري عزّوجلّ وأخذ يدعو اللّه ويقول بعد أن جرت الدموع علی وجناته المتلالئة:

اللّهم اجعلني أخشاك، كأنّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك، حتی لاأحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت، اللّهم اجعل غناي في نفسي، واليقين في قلبي، والاخلاص في عملي، والنّور في بصري، والبصيرة في دينی، ومتّعني بجوارحي، واجعل سمعي وبصري الوارثَين منّي، وانصرني علی من ظلمني، وأرني فيه ثأري ومآربي، وأقرّ بذلك عيني.

اللّهم اكشف كربتي، واستر عورتي، واغفر لي خطيئتي، واخسأ شيطاني، وفك رِهاني، واجعل لي يا الهي الدرجة العليا في الآخرة والأولی، اللّهم لك الحمد كما خلقتني، فجعلتني سميعاً بصيراً، ولك الحمد كما خلقتني، فجعلتني خلقاً [حيا] سويا، رحمةً بي وقد كنت عن خلقي غنياً.

ص: 128


1- سورة الانبياء: 22.

ربّ بما برأتني فَعَدَّلت فطرتي، ربّ بما أنشأتني فأحسنت صورتي، رب بما إليّ [بي] وفي نفسي عافيتي، ربّ بما كلأتني ووفّقتني، ربّ بما أنعمت عليّ فهديتني، ربّ بما أوليتني، ومن كلّ خير أعطيتني، ربّ بما اطعمتني وسقيتني، ربّ بما أغنيتني وأقنيتني، ربّ بما أعنتني وأعززتني، ربّ بما ألبستني من سِترك الصّافي ويسّرت لي من صنعك الكافي: صلّ علی محمّد وآل محمد وأعنّي علی بوائق الدهور، وصروف الليالي والأيام، ونجّني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة، واكفني شرّ ما يَعملُ الظّالمون في الأرض.

اللّهم ما أخاف فاكفني، وما أحذر فقني، وفي نفسي وديني فاحرسني، وفي سفري فاحفظني، وفي أهلي ومالي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، وفي نفسي فذلّلني، وفي أعين الناس فعظّمني، ومن شرّ الجنّ والإنس فسلّمني، وبذنوبي فلا تفضحني، وبسريرتي فلا تخزني، وبعملي فلا تبتلني، ونعمك فلاتسلبني، وإلی غيرك فلا تكلني، إلهی إلی من تكلني؟ إلی قريب فيقطعني؟ أم إلی بعيد فيتجهَّمُني؟ أم إلی المستضعفين لي، وأنت ربّي ومليك أمري؟ أشكو إليك غربتي، وبعد داري، وهواني علی من ملكته أمري، إلهي: فلا تحلل عليّ غضبك فإن لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي [سواك]، سبحانك غير أنّ عافيتك أوسع لي.

فأسألك يا ربّ بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسموات وكشفت [وانشكفت] به الظلمات وصلح به أمر الأولين والآخرين، أن: لاتميتني علی غضبك ولا تنزل بي سخطك، لك العتبی حتی ترضی قبل ذلك، لا إله إلا أنت ربّ البلد الحرام، والمشعر الحرام، والبيت العتيق الذي أحللته البركة وجعلته للناس أمناً.

ص: 129

يا من عفا عن عظيم الذنوب بحلمه، يا من أسبغ النّعماء بفضله، يا من أعطی الجزيل بكرمه، يا عدّتي في شدّتي، يا صاحبي في وحدتي، يا غياثي في كربتي، يا وليّي في نعمتي، يا إلهي وإله آبائي: إبراهيم، وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وربّ جبرئيل وميكائيل [و ميكال] وإسرافيل، وربّ محمّد خاتم النّبيين وآله المنتجبين [و] منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومنزل كهيعص وطه ويس والقرآن الكريم، أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها، وتضيق بي الأرض برُحبها [بما رحبت] ولو لا رحمتك لكنت من الهالكين، وأنت مقيلُ عثرتي، ولو لا سترك إيّاي لكنت من المفضوحين، وأنت مؤيّدي بالنّصر علی أعدائي ولولا نصرك إياي [لي] لكنت من المغلوبين.

يا من خصّ نفسه بالسموّ والرفعة، فأولياؤه بعزّه يعتزّون، يا من جعلت له الملوك نير المذلّة علی أعناقهم، فهم من سطواته خائفون، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وغيب ما تأتي به الأزمنة والدهور، يا من لايعلم كيف هو إلا هو، يا من لايعلم ما هو إلا هو، يا من لا يعلمه إلا هو يا من كبس الأرض علی الماء وسدّ الهواء بالسماء، يا من له أكرم الأسماء، يا ذا المعروف الذي لاينقطع أبداً، يا مقيّض الرَّكب ليوسف في البلد القَفر ومخرجه من الجبّ وجاعله بعد العبوديّة ملكاً، يا رآدّه علی يعقوب بعد أن ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، يا كاشف الضّر والبلوی عن أيّوب، ويا ممسك يَدَي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنّه وفناء عمره، يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيی ولم يدعه فرداً وحيداً، يا من أخرج يونس من بطن الحوت، يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين، يا من

ص: 130

أرسل الرياح مبشّرات بين يدي رحمته، يا من لم يعجّل علی من عصاه من خلقه، يا من استنقذ السّحرة من بعد طول الجحود وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقه ويعبدون غيره وقد حآدّوه ونآدّوه وكذّبوا رسله.

يا اللّه يا اللّه يا بدئ يا بديع لا ندّ لك يا دائماً لا نفاد لك، يا حياً حين لاحيّ، يا محيي الموتی، يا من هو قائم علی كلّ نفس بما كسبت، يا من قلّ له شكري فلم يحرمني، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني، ورآني علی المعاصي فلم يشهرني [يخذلني]، يا من حفظني في صغري، يا من رزقني في كبري، يا من أياديه عندي لا تحصی، ونعمه لا تُجازی، يا من عارضني بالخير والإحسان وعارضته بالاسآءة والعصيان، يا من هداني للإيمان من قبل أن أعرف شكر الامتنان، يا من دعوته مريضاً فشفاني، وعرياناً فكساني، وجائعاً فأشبعني، وعطشاناً فأرواني، وذليلاً فأعزّني، وجاهلاً فعرّفني، ووحيداً فكثّرني، وغائباً فردّني، ومقلاًّ فأغناني، ومنتصراً فنصرني، وغنياً فلم يسلبني، وأمسكت عن جميع ذلك فابتدأني.

فلك الحمد والشكر، يا من أقال عثرتي ونفّس كربتي، وأجاب دعوتي، وستر عورتي، وغفر ذنوبي، وبلّغني طلبتي، ونصرني علی عدوّي، وإن أعدّ نعمك ومننك وكرائم منحك لا أحصيها.

يا مولاي أنت الذي مننت، أنت الذي أنعمت، أنت الذي أحسنت، أنت الذي أجملت، أنت الذي أفضلت، أنت الذي أكملت، أنت الذي رزقت، أنت الذي وفّقت، أنت الذي أعطيت، أنت الذي أغنيت، أنت الذي أقنيت، أنت الذي آويت، أنت الذي كفيت، أنت الذي هديت، أنت الذي عصمت، أنت الذي سترت، أنت الذي غفرت، أنت الذي أقلت، أنت الذي مكنت،

ص: 131

أنت الذي أعززت، أنت الذي أعنت، أنت الذي عَضَدتَ، أنت الذي أيّدت، أنت الذي نصرت، أنت الذي شفيت، أنت الذي عافيت، أنت الذي أكرمت، تباركت وتعاليت فلك الحمد دائماً ولك الشكر واصباً أبداً.

ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي، أنا الذي أسأت، أنا الذي أخطأت، أنا الذي هممت، أنا الذي جهلت، أنا الذي غفلت، أنا الذي سهوت، أنا الذي اعتمدت، أنا الذي تعمّدت، أنا الذي وعدت، وأنا الذي أخلفت، أنا الذي نكثت، أنا الذي أقررت، أنا الذي اعترفت بنعمتك عليّ وعندي وأبوء بذنوبي فاغفرها لي، يا من لا تضّره ذنوب عباده وهو الغنيّ عن طاعتهم والموفّق من عمل صالحاً منهم بمعونته ورحمته، فلك الحمد إلهي وسيّدي.

إلهي أمرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت نهيك، فأصبحت لاذا برآءةٍ لي فاعتذر، ولاذا قوّة فانتصر، فبأيّ شيء أستقبلك يا مولاي؟ أبسمعي، أم ببصري، أم بلساني، أم بيدي، أم برجلي؟ أليس كلّها نعمك عندي وبكلّها عصيتك يا مولاي؟ فلك الحجّة والسبيل عليّ، يا من سترني من الآباء والأمّهات أن يزجروني، ومن العشائر والإخوان أن يعيّروني، ومن السلاطين أن يعاقبوني، ولو اطّلعوا يا مولاي علی ما اطّلعت عليه منّي إذاً ما أنظروني، ولرفضوني وقطعوني.

فها أنا ذا يا إلهي بين يديك يا سيّدي خاضع ذليل حصير حقير، لاذو برآءة فأعتذر ولاذو قوة فانتصر، ولا حجّة فاحتج بها، ولا قائل لم اجترح ولم أعمل سوءاً، وما عسی الجحود ولو جحدت يا مولاي ينفعني، كيف وأنّی ذلك، وجوارحي كلّها شاهدة عليّ بما قد عملت؟ وعلمت يقيناً غير

ص: 132

ذي شك أنّك سائلي من عظائم الأمور، وأنّك الحكم [الحكيم] العدل الذي لاتجور، وعدلك مهلكي، ومن كلّ عدلك مهربي، فإن تعذّبني يا إلهي فبذنوبي بعد حجّتك عليّ، وإن تعف عنّي فبحلمك وجودك وكرمك. لاإله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين، لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين.

لا إله الا أنت سبحانك إنّي كنت من الموحّدين، لا إله الا أنت سبحانك إنّي كنت من الخائفين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الوجلين، لا إله الا أنت سبحانك إنّي كنت من الراجين، لا إله الا أنت سبحانك إنّي كنت من الراغبين، لا إله الا أنت سبحانك إنّي كنت من المهلّلين، لا إله الا أنت سبحانك إ نّي كنت من السّائلين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من المسبّحين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من المكبّرين، لا إله الا أنت سبحانك ربّي وربّ آبائي الأولين.

اللّهم هذا ثنائي عليك ممجّداً، وإخلاصي لذكرك موحّداً، وإقراري بآلائك معدّداً وإن كنت مقرّاً أنّي لم أحصها لكثرتها وسبوغها وتظاهرها وتقادمها إلی حادث مالم تزل تتعهّدني [تتغمّدني] به معها منذ خلقتني وبرأتني من أول العمر من الإغناء من [بعد] الفقر، وكشف الضّرّ، وتسبيب اليسر، ودفع العسر، وتفريج الكرب، والعافية في البدن والسّلامة في الدين، ولو رفدني علی قدر ذكر نعمتك جميع العالمين من الأولين والآخرين ماقدرت، ولا هم علی ذلك.

تقدّست وتعاليت من رب كريم عظيم رحيم لاتحصی الآؤك، ولا يبلغ ثناؤك، ولا تكافی نعماؤك، صلّ علی محمّد وآل محمّد، وأتمم علينا نعمك

ص: 133

وأسعدنا بطاعتك، سبحانك لا إله إلا أنت.

اللّهم إنّك تجيب المضطرّ وتكشف السّوء، وتغيث المكروب، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير وتعين الكبير، وليس دونك ظهير، ولا فوقك قدير، وأنت العلي الكبير، يا مُطلِقَ المكبّل الأسير، يا رازق الطفل الصغير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من لاشريك له ولا وزير، صلّ علی محمّد وآل محمّد، وأعطني في هذه العشيّة أفضل ما أعطيت وأنلت أحداً من عبادك، من نعمة توليها، والآء تجدّدها، وبليّة تصرفها، وكربة تكشفها، ودعوة تسمعها، وحسنة تتقبّلها، وسيئة تتغمّدها، إنّك لطيف بما تشاء خبير، وعلی كلّ شيءٌ قدير.

اللّهم إنّك أقرب من دعي، وأسرع من أجاب وأكرم من عفا، وأوسع من أعطی، وأسمع من سئل، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ليس كمثلك مسؤول، ولا سواك مأمول، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني، ورغبت إليك فرحمتني، ووثقت بك فنجّيتني، وفزعت إليك فكفيتني، اللّهم فصلّ علی محمّد عبدك ورسولك ونبيّك وعلی آله الطّيبين الطاهرين أجمعين، وتمّم لنا نعماءك، وهنّئنا عطآؤك، واكتبنا لك شاكرين، ولالآئك ذاكرين، آمين آمين ربّ العالمين.

اللّهم يا من ملك فقدر، وقدّر فقهر، وعصی فستر، واستغفر فغفر، يا غاية الطالبين الراغبين، ومنتهی أمل الراجين، يا من أحاط بكلّ شيء علماً، ووسع المستقيلين رأفةً ورحمةً وحلماً، اللّهم إنّا نتوجّه إليك في هذه العشيّة التي شرّفتها وعظّمتها، بمحمّد نبيّك ورسولك، وخيرتك من خلقك، وأمينك علی وحيك البشير النّذير، السراج المنير الذي أنعمت به علی المسلمين، وجعلته

ص: 134

رحمةً للعالمين.

اللّهم فصلّ علی محمّد وآل محمّد، كما محمّد أهلٌ لذلك منك ياعظيم، فصلّ عليه وعلی آله المنتجبين الطّيبين الطاهرين أجمعين وتغمّدنا بعفوك عنّا، فإليك عجّت الأصوات بصنوف اللغات، فاجعل لنا اللّهم في هذه العشيّة نصيباً من كل خير تقسمه بين عبادك، ونور تهدي به، ورحمة تنشرها، وبركة تنزلها، وعافية تجلّلها، ورزق تبسطه، يا أرحم الراحمين.

اللّهم اقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين، مبرورين غانمين، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تخلنا من رحمتك ولا تحرمنا ما نأمّله من فضلك، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين، ولالفضل ما نأمّله من عطائك قانطين، ولا تردّنا خائبين، ولا من بابك مطرودين، يا أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، إليك أقبلنا موقنين ولبيتك الحرام آمّين قاصدين، فأعنّا علی مناسكنا، وأكمل لنا حجّنا، وأعف عنّا، وعافنا فقد مددنا إليك أيدينا، فهي بذلّة الاعتراف موسومة.

اللّهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك واكفنا ما استكفيناك، فلا كافي لنا سواك، ولا ربّ لنا غيرك نافذ فينا حكمك، محيط بنا علمك، عدل فينا قضاؤك، اقض لنا الخير، واجعلنا من أهل الخير، اللّهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر، وكريم الذخر، ودوام اليسر، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، ولا تهلكنا مع الهالكين، ولا تصرف عنّا رأفتك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللّهم اجعلنا في هذا الوقت ممّن سألك فأعطيته وشكرك فزدته، وثاب [تاب] إليك فقبلته، وتنصّل إليك من ذنوبه كلّها، فغفرتها له، يا ذاالجلال والإكرام.

ص: 135

اللّهم ونَقِّنا [وفقنا]، وسدّدنا [واعصمنا] واقبل تضرّعنا، يا خير من سئل، ويا أرحم من استرحم، يا من لايخفی عليه إغماض الجفون، ولالحظُ العيون، ولا ما استقر في المكنون ولا ما انطوت عليه مضمرات القلوب ألا كلّ ذلك قد أحصاه علمك ووسعه حلمك، سبحانك وتعاليت عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً، تسبّح لك السموات السبع، والأرضون ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبّح بحمدك، فلك الحمد والمجد، وعلوّ الجّد، يا ذا الجلال والإكرام والفضل والإنعام، والأيادي الجسام، وأنت الجواد الكريم الرّؤوف الرحيم.

اللّهم أوسع عليّ من رزقك الحلال، وعافني في بدني وديني، وآمن خوفي، واعتق رقبتي من النار، اللّهم لا تمكر بي، ولا تستدرجني، ولا تخدعني، ادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ والإنس.

ثم رفع بصره إلی السماء وقال برفيع صوته:

يا أسمع السامعين! ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، صلّ علی محمّد وآل محمّد السّادة الميامين.

وأسألك اللّهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني مامنعتني، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك فكاك رقبتي من النار، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الملك ولك الحمد، وأنت علی كلّ شيء قدير، يا ربّ يا ربّ؟!

قال المحدّث القمّي (رحمه اللّه) : إلی هنا نقل الكفعمّي والعلاّمة المجلسي هذا الدعاء ولكن السيّد (رحمه اللّه) في الإقبال ذكر بعد ذكر يا رب يا رب (هذه الزيادة):

إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري، إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي، إلهي إنّ اختلاف تدبيرك

ص: 136

وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلی عطآء واليأس منك في بلاء، إلهي منّي مايليق بلؤمي ومنك مايليق بكرمك، إلهي وصفت نفسك باللّطف والرأفة لي قبل وجود ضعفي افتمنعني منهما بعد وجود ضعفي؟ إلهي إن ظهرت المحاسن منّي فبفضلك ولك المنّة عليّ، وإن ظهرت المساوي منّي فبعدلك ولك الحجّة عليّ، إلهي كيف تكلني وقد تكفّلت لي وكيف أضام وأنت الناصر لي، أم كيف أخيب وأنت الحفيّ بي؟! ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك، وكيف أتوسّل إليك بما هو محال أن يصل إليك، أم كيف أشكو إليك حالي وهو لا يخفی عليك، أم كيف أترجم بمقالي وهو منك برز إليك، أم كيف تخيّب آمالي وهي قد وفدت إليك، أم كيف لاتحسن أحوالي وبك قامت، إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي، وما أرحمك بي مع قبيح فعلي، إلهي ما أقربك منّي وأبعدني عنك وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك؟ إلهي علمت باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليّ في كلّ شيء حتی لا أجهلك في شيء إلهي كلّما أخرسني لؤمي انطقني كرمك. وكلّما آيستني أوصافي أطمعتني مننك، إلهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لاتكون مساويه مساوي، ومن كانت حقايقه دعاوي فكيف لاتكون دعاويه دعاوي؟! إلهي حكمك النّافذ ومشيّتك القاهرة لم يتركا لذي مقال مقالاً ولا لذي حال حالاً، إلهي كم من طاعة بنيتها وحالة شيّدتها، هدّم اعتمادي عليها عدلك بل أقالني منها فضلك، إلهي إنّك تعلم أنّي وإن لم تدم الطّاعة منّي فعلاً جزماً فقد دامت محبّة وعزماً، إلهي كيف أعزم وأنت القاهر وكيف لا أعزم وأنت الآمر؟!

إلهي تردّدي في الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعني عليك بخدمة توصلني

ص: 137

إليك، كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك، حتی يكون هو المظهر لك، متی غبت حتی تحتاج إلی دليل يدلّ عليك، ومتی بعدت حتی تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لاتراك عليها رقيباً، وخسرت صفقةُ عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً.

إلهي أمرت بالرجوع إلی الآثار فأرجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار حتی أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السر عن النظر إليها، ومرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها، إنك على كل شيء قدير، إلهي هذا ذلي ظاهر بين يديك وهذا حالي لا يخفى عليك، منك أطلب الوصول إليك، وبك أستدلُّ عليك، فاهدني بنورك إليك. وأقمني بصدق العبوديّة بين يديك.

إلهي علّمني من علمك المخزون، وصنّي بسترك المصون، إلهي حقّقني بحقايق أهل القرب، واسلك بي مسلك أهل الجذب.

إلهي أغنني بتدبيرك عن تدبيري، وباختيارك عن اختياري واوقفني علی مراكز اضطراري، إلهي أخرجني من ذلّ نفسي وطهّرني من شكي وشِركي قبل حلول رمسي.

بك انتصر فانصرني، وعليك أتوكل فلاتكلني، وإيّاك أسئل فلا تخيّبني، وفي فضلك أرغب فلا تحرمني، وبجنابك انتسب فلا تبعدني، وببابك أقف فلا تطردني.

إلهي تقدّس رضاك أن يكون له علّة منك فكيف تكون له علّة منّي، إلهي أنت الغنّي بذاتك أن يصل إليك النفع منك، فكيف لاتكون غنياً عنّي، إلهي إنّ القضاء والقدر يمنّيني، وإنّ الهوی بوثائق الشهوة أسرني، فكن أنت النصير

ص: 138

لي حتی تنصرني وتبصّرني، وأغنني بفضلك حتی استغني بك عن طلبي.

أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتی عرفوك ووحّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتی لم يحبّوا سواك، ولم يلجئوا إلی غيرك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم.

ماذا وجد من فقدك، وماالذي فقد من وجدك؟

لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغی عنك متحوّلاً.

كيف يرجی سواك وأنت ما قطعت الإحسان، وكيف يطلب من غيرك، وأنت ما بدّلت عادة الامتنان؟

يا من أذاق أحبّائه حلاوة المؤانسة، فقاموا بين يديه متملّقين، ويا من ألبس أوليائه ملابس هيبته، فقاموا بين يديه مستغفرين.

أنت الذاكر قبل الذاكرين، وأنت البادي بالإحسان قبل توجّه العابدين، وأنت الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين، وأنت الوهّاب ثم لما وهبت لنا من المستقرضين.

إلهي أطلبني برحمتك حتی أصل إليك، واجذبني بمنّك حتی أقبل عليك، إلهي إنّ رجائي لاينقطع عنك وإن عصيتك، كما أنّ خوفي لايزايلني وإن أطعتك، فقد دفعتني العوالم إليك، وقد أوقعني علمك بكرمك عليك.

إلهي كيف أخيب وأنت أملي؟ أم كيف أهان وعليك متّكلي؟ إلهي كيف استعزّ وفي الذّلّة أركزتني؟ أم كيف لا استعزّ وإليك نسبتني؟ إلهي كيف لا افتقر وأنت الذي في الفقراء أقمتني؟ أم كيف افتقر وأنت الذي بجودك أغنيتني؟

ص: 139

وأنت الذي لا إله غيرك، تعرّفت لكل شيء، فما جهلك شيء، وأنت الذي تعرّفت إليّ في كلّ شيء، فرأيتك ظاهراً في كلّ شيء، وأنت الظاهر لكل شيء.

يا من استوی برحمانيّته فصار العرش غيباً في ذاته، محقت الآثار بالآثار، ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار.

يا من احتجب في سرادقات عرشه عن أن تدركه الأبصار، يا من تجلّی بكمال بهائه، فتحقّقت عظمته الاستواء، كيف تخفی وأنت الظاهر، أم كيف تغيب وأنت الرقيبُ الحاضر؟ إنّك علی كلّ شيء قدير، والحمدلله وحدَه(1).

ومن دعاء له (عليه السلام) في اليوم العاشر من المحرم لما أصبحت الخيل رفع يديه

وقال: اللّهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعُدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصّديق، ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته وأنت وليّ كل نعمة وصاحب كلّ حسنة، ومنتهی كل رغبة(2).

ومن دعائه (عليه السلام) في قنوته

اللّهم من آوی إلی مأویً فأنت مأواي، ومن لجأ إلی ملجأ فأنت ملجأي، اللّهم صلّ علی محمّد وآله، واسمع نداي، وأجب دعاي، واجعل عندك مَئَابي ومثواي، واحرسني في بلواي من افتنان الامتحان، ولمّة الشيطان

ص: 140


1- إقبال الأعمال 1: 339، وراجع مفاتيح الجنان، دعاء العرفة.
2- الإرشاد 2: 96.

بعظمتك التي لايشوبها ولع نفس بتفتين، ولا وارد طيف بتظنين، ولا يلمّ بها فرج حتی تقلّبني إليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون، ولا مراب، ولا مرتاب، إنّك أرحم الراحمين(1).

ومن دعائه (عليه السلام)

يا من شأنه الكفاية، وسرادقه الرعاية، يا من هو الغاية والنّهاية، يا صارف السوء والسواية والضَّرّ، اصرف عنّي أذيّة العالمين من الجن والإنس أجمعين بالأشباح النّورانية وبالأسماء السُريانيّة، وبالأقلام اليونانيّة وبالكلمات العبرانيّة وبما نزل في الألواح من يقين الإيضاح، اجعلني اللّهم في حزبك وفي حرزك، وفي عياذك وفي سترك، وفي حفظك وفي كنفك، من شرّ كلّ شيطان مارد، وعدّو راصد، ولئيم معاند، وضدٍّ كَيُود، ومن كلّ حاسد ببسم اللّه استشفيت، وبسم اللّه استكفيت، وعلی اللّه توكلت وبه استعنت وإليه استعديت علی كلّ ظالم ظلم، وغاشم غشم، وطارق طرق، وزاجر زجر، فاللّه خير حافظاً وهو أرحم الراحمين(2).

ومن دعواته (عليه السلام)

اللّهم منك البداء، ولك المشيّة، ولك الحول، ولك القوّة وأنت اللّه الذي لا إله إلا أنت، جعلت قلوب أوليائك مسكناً لمشيّتك ومَكمَناً لإرادتك، وجعلت عقولهم مناصب أوامرك ونواهيك، فأنت إذا شئت ما تشاء حرّكت

ص: 141


1- بحار الأنوار 82: 214.
2- المصباح للكفعمي: 215.

من أسرارهم كوامن ما أبطنت فيهم، وأبدأت من إرادتك علی ألسنتهم ما أفهمتهم به عنك في عقودهم بعقول تدعوك، وتدعو إليك بحقائق ما منحتهم وإنّي لاعلم ممّا علّمتني ممّا أنت، المشكور علی ما منه أريتني وإليه آويتني.

اللّهم وإنّي مع ذلك كلّه عائذ بك، لائذ بحولك وقوّتك، راض بحكمك الذي سقته إليّ في علمك، جار بحيث أجريتني، قاصد ممّا أمّمتني، غير ضنين بنفسي فيما يرضيك عنّي إذ به قد رضيتني، ولا قاصر بجهدي عمّا إليه ندبتني، مسارع لما عرّفتني، شارع فيما أشرعتني مستبصرٌ ما بصّرتني، مراع ما أرعيتني، ولا تخلني من رعايتك، ولا تخرجني من عنايتك، ولا تقعدني عن حولك، ولاتخرجني عن مقصدٍ أنال به إرادتك، واجعل علی البصيرة مدرجي وعلی الهداية محجتي، وعلی الرشاد مسلكي، حتی تنيلني وتنيل بي أمنّيتي وتحلّ بي علی ما به أردتني وله خلقتني وإليه آويتني، وأعذ أوليائك من الافتنان بي وفتّنهم برحمتك لرحمتك في نقمتك تفتين الاجتباء والاستخلاص بسلوك طريقتي، واتّباع منهجي، وألحقني بالصالحين من آبائي، وذوي رحمي(1).

ومن دعائه (عليه السلام)

اللّهم إنّي أسألك توفيق أهل الهدی، وأعمال أهل التقوی، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصّبر، وحذر أهل الخشية، وطلب أهل العلم، وزينة أهل الورع، وحذر أهل الجزع.

ص: 142


1- بحار الأنوار 82: 214.

حتی أخافك اللّهم مخافة تحجزني عن معاصيك وحتی أعمل بطاعتك عملاً استحقّ به كرامتك، وحتی أناصحك في التوبة خوفاً لك، وحتی أخلص لك في النصيحة حبّاً لك، وحتی أتوكل عليك في الأمور حسن ظنّ بك، سبحان خالق النّور، وسبحان لله العظيم وبحمده(1).

ومن دعاء له (عليه السلام) للاستسقاء

اللّهم اسقنا سقياً واسعة، وادعة عامّة نافعة غير ضارة تعمّ بها حاضرنا وبادينا، وتزيد بها في رزقنا وشكرنا. اللّهم اجعله رزق إيمان وعطاء إيمان، إنّ عطائك لم يكن محظوراً، اللّهم أنزل علينا في أرضنا سكنها، وأنبت فيها زينتها ومرعاها(2).

ومن خطبة له (عليه السلام) في الاستسقاء

لما جاء أهل الكوفة إلی الإمام علي (عليه السلام) ، فشكوا إليه إمساك المطر، وقالوا له: استق لنا، فقال للإمام الحسين (عليه السلام) : قم واستق! فقام (عليه السلام) وحمد اللّه وأثنی عليه وصلى علی النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال:

اللّهم معطي الخيرات، ومنزل البركات، أرسل السماء علينا مدراراً، واسقنا غيثاً مغزاراً واسعاً غدقاً مجلّلاً سحّاً سفوحاً ثجاجاً، تنفّس به الضعف من عبادك، وتحيي به الميت من بلادك، آمّين ربّ العالمين(3).

ص: 143


1- مهج الدعوات: 157.
2- عيون الأخبار 2: 303.
3- عيون المعجزات: 64.

دعاء في مواقع الخطر

كلمات إذا قلتهن ما أبالي عمّن اجتمع عليّ من الجن والإنس:

بسم اللّه وباللّه، وإلی اللّه، وفي سبيل اللّه، وعلی ملّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، اللّهم اكفني بقوتك وحولك وقدرتك شرّ كل مُغتَال، وكيد الفجار، فإني أحبّ الأبرار، وأوالي الأخيار وصلی اللّه علی محمّد النبي وآله وسلم(1).

ص: 144


1- بحار الأنوار 92: 220.

الفصل السادس: احتجاجات

اشارة

ص: 145

ص: 146

ومن كلام له (عليه السلام) : احتج به على عمر

وذلك لما خطب الناس علی منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فذكر في خطبته أنه أولی بالمؤمنين من أنفسهم، فقال (عليه السلام) له من ناحية المسجد:

إنزل أيّها الكذّاب عن منبر أبي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لامنبر أبيك.

فقال له: فمنبر أبيك لعمري يا حسين، لامنبر أبي، من علّمك هذا؟ أبوك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فقال له:

إن اطع أبي فيما أمرني، فلعمري إنّها لهادٍ، وأنا مهتدٍ به، وله في رقاب الناس البيعة علی عهد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نزل بها جبرئيل من عند اللّه تعالى، لاينكرها إلا جاحد بالكتاب، قد عرفها الناس بقلوبهم، وأنكروها بألسنتهم، وويل للمنكرين حقّنا أهل البيت، ماذا يلقاهم به محمّد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من إدامة الغضب وشدّة العذاب؟

فقال له عمر: يا حسين من أنكر حقّ أبيك فعليه لعنة اللّه، أمّرنا الناس فتأمّرنا ولو أمّروا أباك لأطعنا، فقال له (عليه السلام) :

يا ابن الخطّاب! فأيّ الناس أمّرك علی نفسه؟ قبل أن تؤمّر أبابكر علی نفسك، ليؤمّرك علی الناس بلا حجّة من نبيّ، ولارضى من آل محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فرضاكم كان لمحمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) رضى ورضا أهله كان له سخطاً؟ أما واللّه لو أنّ للّسان مقالاً يطول تصديقه، وفعلاً يُعِينُهُ المؤمنون لما تخطأتَ رقاب آل

ص: 147

محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ترقی منبرهم، وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزّل فيهم لاتعرف معجمه، ولا تدري تأويله، إلا سماع الأذان، المخطئ والمصيب عندك سواء، فجزاك اللّه جزاءك، وسألك عمّا أحدثت سؤالاً حَفِيّاً(1).

ومن كلام له (عليه السلام) لعائشة في مسجد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

وذلك لما قبض الإمام الحسن (عليه السلام) وضع علی سريره وانطلق به إلی مصلّی رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فصلی عليه، ثم حمل فأدخل المسجد، فلما أوقف علی قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بلغ عائشة الخبر، وقيل لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن عليّ ليدفن مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فخرجت مبادرة علی بغل مسرج، فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجاً، فوقفت، فقالت: نحّو ابنكم عن بيتي، فإنّه لايدفن فيه شيء، ولا يهتك علی رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حجابه! قال (عليه السلام) لها:

قديماً هتكت أنت وأبوك حجابَ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأدخلت بيته من لايحبّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قربَه، وإنّ اللّه يسألك عن ذلك يا، عائشة إنّ أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليحدث به عهداً، واعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه، من أن يهتك علی رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستره لأنّ اللّه تبارك وتعالی يقول: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ}(2).

وقد أدخلت أنت بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الرجال بغير اذنه، وقد قال اللّه

ص: 148


1- الاحتجاج 2: 292.
2- سورة الأحزاب: 53.

عزّوجلّ: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ}(1)، ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذُن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المعاول، وقد قال اللّه عزّوجلّ: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ}(2) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه علی رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقربهما منه، الأذی، ومارَعَياً من حقّه ما أمرهما اللّه به علی لسان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إنّ اللّه حرّم علی المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء وتاللّه يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) جائزاً فيما بيننا وبين اللّه لعلمت إنّه سيدفن، وإن رغم مَعطِسُك.

ثم تكلّم محمّد بن الحنفية، وقال: (يا عائشة يوماً علی بغل ويوماً علی جمل فما تملكين نفسك، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم).

قالت: يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ قال (عليه السلام) لها:

وأنت تُبعدين محمّداً من الفواطم؟ فواللّه لقد ولدته ثلاث فواطم، فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة ابن حجر بن معيص بن عامر(3).

كتابه (عليه السلام) جواباً لما كتب اليه معاوية يعيره في تزويجه (عليه السلام) جارية بعد ما أعتقها

أمّا بعد فقد بلغني كتابك، وتعييرك إيايّ، بأنّي تزوّجت مولاتي، وتركت

ص: 149


1- سورة الحجرات: 2.
2- سورة الحجرات: 3.
3- الكافي 1: 303، ح3.

أكفّائي من قريش، فليس فوق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منتهی في شرف، ولا غاية في نسب، وإنّما كانت ملك يميني، خرجت عن يدي بأمر التمست فيه ثواب اللّه، ثم ارتجعتها علی سنّة نبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقد رفع اللّه بالإسلام الخسيسة، ووضع عنّا به النقيصة، فلا لوم علی امرئٍ مسلم، إلا في أمر مأثم، وإنّما اللّؤم لؤم الجاهليّة(1).

كتابه (عليه السلام) في الشؤون العامّة جواباً عن كتاب معاوية إليه

أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنّه تذكرا انه قد بلغك عنّي أمور أنت لي عنها راغب، وأنا بغيرها عندك جدير، وأنّ الحسنات لايهدي لها، ولا يسدّد إليها إلا اللّه. وأمّا ماذكرت أنّه انتهى إليك عنّي فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون، المشّاؤون بالنميم ما أريد لك حرباً، ولا عليك خلافاً، وأيم اللّه إنّي لخائف لله في ترك ذلك وما اظن اللّه راضياً بترك ذلك ولا عاذراً الإعذار فيه إليك وفي أوليائك القاسطين الملحدين، حزب الظلمة وأولياء الشياطين.

ألست القاتل أخا كندة والمصلّين العابدين، كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون في اللّه لومة لائم؟ ثم قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعدما أعطيتهم الأيمان المغلّظة، والمواثيق المؤكدة، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بإحنة في نفسك أولست قاتل عمروبن الحمق صاحب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) العبد الصالح، الذي ابلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه؟ بعد ما أمّنته وأعطيته من عهود اللّه ومواثيقه، مالو اعطيته طائراً لنزل من رأس الجبل ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد؟!

ص: 150


1- أعيان الشيعة 1: 583.

أولست بمدّعي زياد بن سميّة المولود علی فراش عبيد ثقيف، فزعمت أنّه ابن أبيك، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : (الولد للفراش، وللعاهر الحجر)؟ فتركت سنّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تعمّداً، وتبعت هواك بغير هدیً من اللّه، ثم سلّطته علی أهل العراقين يقطّع أيدي المسلمين وارجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلّبهم على جذوع النخل، كأنّك لست من هذه الأمّة وليسوا منك؟

أولست قاتل الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم علی دين عليّ (صلوات اللّه عليه)؟ فكتبت إليه أن أقتل كلّ من كان علی دين عليّ فقتلهم، ومثّل بهم بأمرك، ودين علي (عليه السلام) واللّه الذي كان يضرب عليه اباك ويضربك به جلست مجلسك الذي جلست، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف ابيك الرحلتين وقلت فيما قلت: اُنظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أفضل من أن أجاهدك، فإن فعلت فإنّه قربة إلی اللّه، وإن تركته فإنّي استغفراللّه لذنبي، وأساله توفيقه لإرشاد أمري.

وقلت فيما قلت: إنّي إن أنكرتك تنكرني، وإن أكدك تكدني، فكدني ما بدالك فإنّي أرجو أن لايضرّني كيدك، وأن لايكون علی أحد أضرّ منه علی نفسك، لأنّك قد ركبت جهلك وتحرّصت علی نقض عهدك، ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والإيمان، والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا.

فابشر يا معاوية! بالقصاص، واستيقن بالحساب واعلم أنّ لله تعالی كتاباً، لايغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، وليس اللّه بناس لأخذك بالظنّة،

ص: 151

وقتلك أولياءه علی التّهم، ونفيك أولياءه من دورهم إلی دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب.

لا أعلمك إلا قد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغششت رعيّتك، وأخزيت أمانتك، وسمعت مقالة السّفيه الجاهل، وأخفت الورع التّقيّ لأجلهم والسّلام(1).

ومن كلام له (عليه السلام) ذمّ به مروان بن الحكم

لما قال مروان الإمام الحسين (عليه السلام) : لو لا فخركم بفاطمة (عليها السلام) بم كنتم تفتخرون علينا؟ فوثب (عليه السلام) وكان شديد القبضة، فقبض علی حلقه فعصره، ولوی عمامته علی عنقه حتی غشي عليه، ثم تركه وأقبل علی جماعة من قريش وقال:

اُنشدكم باللّه إلا صدّقتموني إن صدقت؟ أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلی رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) منّي ومن أخي، أو علی ظهر الأرض ابن بنت نبيٍّ غيري وغير أخي الحسن؟ قالوا: لا، قال: وإنّي لا أعلم أنّ في الأرض ملعون ابن ملعون اكثر من هذا وأبيه طريد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، واللّه مابين جابلقا وجابلصا، ممّن ينتحل الإسلام أعدی لله ولرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولأهل بيته منك ومن أبيك إن كان، وعلامة قولي فيك إنّك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبيك.

قال الراوي: فواللّه ماقام مروان من مجلسه حتی غضب فانتفض وسقط رداؤه عن عاتقه(2).

ص: 152


1- بحار الأنوار 44: 212، ح9.
2- الدر النظيم: 529.

ومن خطبة له (عليه السلام) في منى

وقد تضمّنت من فضائل عليّ (عليه السلام) ومناقبه مالا تتضمنها خطبه

وقد جمع - من بني هاشم رجالهم ونساءهم مواليهم وشيعتهم ومن أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبنائهم، والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح أكثر من سبعمائة رجل ومن التابعين ونحو من مأئتي رجل...، فلما اجتمعوا قام خطيباً في سرادقة عامتهم.

فحمد اللّه وأثنی عليه، ثم قال:

أمّا بعد: فإنّ هذا الطّاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإنّي أريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني، وأسألكم بحقّ اللّه عليكم، وحقّ رسول اللّه وحق قرابتي من نبيكم، لمّا سترتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي، ودعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم من أمنتم من الناس.

«وفي رواية أخری»: «بعد قوله: وإن كذبت فكذبوني»:

اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلی أمصاركم وقبائلكم، فمن ائتمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلی ما تعلمون من حقّنا، فإنّي أتخوّف أن يدرس هذا الأمر، ويذهب الحقّ ويغلب {وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦوَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ}(1).

«قال الراوي»: وما ترك شيئاً ممّا أنزل اللّه فيهم من القرآن إلا تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أبيه وأخيه وأمّه وفي نفسه وأهل بيته إلا

ص: 153


1- سورة الصف: 8.

رواه، وكل ذلك يقول أصحابه: اللّهم نعم وقد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللّهم قد حدّثني به من أصدّقه وأئتمنه من الصحابة. فقال:

أنشدكم اللّه إلا حدّثتم به من تثقون به وبدينه.

«قال سليم»: فكان فيما ناشدهم الحسين (عليه السلام) وذكرهم أن قال:

1- «أنشدكم اللّه، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخاً لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين آخی بين أصحابه، فآخی بينه وبين نفسه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

2- قال: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اشتری موضع مسجده ومنازله، فابتناه، ثم ابتنی فيه عشرة منازل: تسعة له، وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثم سدّ كلّ باب شارع إلی المسجد غير بابه، فتكلّم في ذلك من تكلّم، فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكنّ اللّه أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه؟

3- ثم نهی الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان يجنّب في المسجد، ومنزله في منزل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فولد لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وله فيه أولاد؟ قالوا: اللّهم نعم(1).

4- قال: أفتعلمون أنّ عمر بن الخطّاب حرص علی كوّة قدر عينه، يدعها من منزله إلی المسجد فأبی عليه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثم خطب، فقال: إنّ اللّه أمرنی أن ابني مسجداً طاهراً، لايسكنه غيري وغير أخي وابنيه؟ قالوا: اللّهم نعم.

5- قال: أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نبّه يوم غدير خمّ،

ص: 154


1- أقول: الرسول والأئمة (عليه السلام) أنوار وأطهار - كما في آية التطهير - فلا نجاسة لهم.

فنادی له بالولاية وقال: ليبلّغ الشاهد الغائب؟ قالوا: اللّهم نعم.

6- قال: أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال له في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسی، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي؟ قالوا: اللّهم نعم.

7- قال: أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حين دعا النصاری من أهل نجران إلی المباهلة، لم يأت إلا به وبصاحبته وابنيه؟ قالوا: اللّهم نعم.

8- قال: أنشدكم اللّه، أتعلمون أنّه دفع إليه اللّواء يوم خيبر ثم قال: لأدفعه إلی رجل يحبّه اللّه ورسوله، ويحب اللّه ورسوله، كرّار غير فرّار يفتحها اللّه علی يديه؟ قالوا: اللّهم نعم.

9- قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بعثه ببراءة وقال: لايبلغ عنّي إلا أنا أو رجل منّي؟ قالوا: اللّهم نعم.

10- قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم تنزل به شدّة قطّ إلا قدّمه لها ثقةً به.

11- وأنّه لم يدعه باسمه قطّ إلا يقول: يا أخي وادعوا لي أخي؟ قالوا: اللّهم نعم.

12- قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قضی بينه وبين جعفر وزيد، فقال: يا عليّ أنت منّي وأنا منك، وأنت وليّ كلّ مؤمن بعدي.؟ قالوا: اللّهم نعم.

13- قال: أتعلمون أنّه كانت له رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كلّ يوم خلوةٌ وكلّ ليلة دخلةٌ، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت ابداه؟ قالوا: اللّهم نعم.

14- قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فضّله علی جعفر وحمزة حين قال لفاطمة عليها السّلام: زوجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً؟ قالوا: اللّهم نعم.

ص: 155

15- قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: أنا سيد ولد آدم (عليه السلام) وأخي عليّ سيّد العرب، وفاطمة سيدة نساء اهل الجنّة، والحسن والحسين ابناي سيدا شباب أهل الجنّة؟ قالوا: اللّهم نعم.

16- قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أمره بغسله وأخبره أنّ جبرئيل يعينه عليه؟ قالوا: اللّهم نعم.

17- قال: أتعلمون أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال في آخر خطبة خطبها: «إنّي تركت فيكم الثّقلين: كتاب اللّه وأهل بيتي، فتمسّكوا بهما لن تظلّوا»؟ قالوا: اللّهم نعم.

فلم يدع شيئاً أنزله اللّه في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خاصة وفي أهل بيته من القرآن ولا علی لسان نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلا ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: اللّهم نعم قد سمعنا، ويقول التابع: اللّهم نعم قد حدّثنيه من أثق به فلان وفلان.

18- ثم ناشدهم إنّهم قد سمعوه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «من زعم أنّه يحبّني ويبغض علياً فقد كذب، ليس يحبّني ويبغض علياً، فقال له قائل: يا رسول اللّه وكيف ذلك؟ قال: لأنّه منّي وأنا منه، من أحبّه فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض اللّه؟ فقالوا: اللّهم نعم قد سمعنا».

وتفرّقوا علی ذلك(1).

احتجاجه (عليه السلام) على عبداللّه بن عمرو بن العاص

مرّ الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام) ، علی عبداللّه بن عمرو بن العاص، فقال

ص: 156


1- سليم بن قيس 2: 789.

عبد اللّه: من أحب أن ينظر إلی أحبّ أهل الأرض إلی أ هل السماء، فلينظر إلی هذا المجتاز، وما كلّمته منذ ليالي صفين، فأتی به أبو سعيد الخدري إلی الحسين (عليه السلام) ، فقال الحسين (عليه السلام) : أتعلم أنّی أحبّ أهل الأرض إلی أهل السماء، وتقاتلني وأبي يوم صفين، واللّه إنّ أبي لخير منّي فاستعذر، وقال: إنّ النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال لي: أطع أباك، فقال له الحسين (عليه السلام) : إنّما الطاعة في المعروف، لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق(1).

ومن كلامه (عليه السلام) في مجلس معاوية

أنا ابن ماء السماء وعروق الثری، أنا بن من ساد أهل الدنيا بالحسب الثاقب والشرف الفائق والقديم السابق، أنا بن من رضاه من رضی الرحمن وسخطه سخط الرحمن.

ثم ردّ وجهه للخصم، فقال: هل لك أب كأبي، أو قديم كقديمي، فإن قلت: لا، تغلب، وإنت قلت: نعم، تكذب، فقال الخصم: لا، تصديقاً لقولك، فقال الحسين (عليه السلام) : أبلج لايزيغ سبيله والحق يعرفه ذوو الألباب(2).

احتجاجه (عليه السلام) على مروان

كتب معاوية بن أبي سفيان إلی مروان، وهو عامله علی الحجاز، يأمره أن يخطب أمّ كلثوم، بنت عبداللّه بن جعفر، لابنه يزيد، فأتی عبداللّه بن جعفر، فأخبره بذلك، فقال عبداللّه: إنّ أمرها ليس إلي، إنّما هو إلی سيدنا الحسين (عليه السلام) وهو خالها، فأخبر الحسين بذلك، فقال: أستخير اللّه تعالی،

ص: 157


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 73.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 296، ح230.

اللّهم وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد، فلما اجتماع الناس في مسجد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أقبل مروان حتی جلس إلی الحسين (عليه السلام) ، وعنده من الجلّة، وقال: إنّ أمير المؤمنين أمرني بذلك (أي أخطب أمّ كلثوم ليزيد) وأن أجعل مهرها حكم أبيها، بالغاً مابلغ، مع صلح مابين هذين الحيين، مع قضاء دينه، وأعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم والعجب كيف يستمهر يزيد، وهو كفو من لا كفو له، وبوجهه يستسقی الغمام فرد خيراً يا أبا عبداللّه، فقال الحسين (عليه السلام) : الحمدلله اختارنا الذي لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا علی خلقه... .

ثم قال: يا مروان قد قلت فسمعنا، أمّا قولك: مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، فلعمري لوأردنا ذلك، ما عدونا سنّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بناته ونسائه وأهل بيته، وهو ثنتا عشرة أوقية يكون أربعمأة وثمانين درهماً.

أمّا قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتی كن نسائنا يقضين عنّا ديوننا، وأمّا صلح مابين هذه الحيين: فإنّا قوم عاديناكم في اللّه، ولم نكن نصالحكم للدنيا، فلعمري فلقد أعيا النسب فكيف السبب.

وأمّا قولك: العجب ليزيد كيف يستمهر، فقد استمهر من هو خير من يزيد، ومن أبي يزيد ومن جدّ يزيد، وأمّا قولك: أنّ يزيد كفؤ من لا كفؤ له، فمن كان كفوه قبل اليوم، فهو كفوه اليوم، مازادته أمارتهٌ في الكفائة شيئاً.

وأمّا قولك: بوجهه يستسقي الغمام، فإنّما كان بوجه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأمّا قولك: من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل، ويغبطه بنا أهل العقل.

ثم قال بعد كلام: فاشهدوا جميعاً، أنّي قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبداللّه

ص: 158

بن جعفر من ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر، علی أربعمأة وثمانين درهماً، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة، أو قال: أرضي بالعقيق، وأنّ غلتها في السنّة ثمانية آلاف دينار، ففيها لهما غنی، إن شاء اللّه، قال: فتغيّر وجه مروان، وقال: غدراً يا بني هاشم، تأبون إلا العداوة فذكره الحسين (عليه السلام) خطبة الحسن، عائشة وفعله، ثم قال: فأين موضع الغدر يا مروان، فقال مروان:

أردنا صهركم لنجد وداً***قد أخلقه به حدثُ الزمان

فلما جئتكم فجبهتموني***و بحتم بالضمير من الشنان

فأجابه ذكوان مولی بني هاشم:

أماط اللّه منهم كل رجس***و طهرهم بذلك في المثاني

فمالهم، سواهم من نظير***ولا كفو هناك ولا مداني

أتجعل كل جبار عنيد***إلی الأخيار من أهل الجنان

ثم إنه كان الحسين (عليه السلام) تزوّج بعايشة بنت عثمان(1).

ص: 159


1- بحار الأنوار 44: 207.

ص: 160

الفصل السابع: أخلاقيات ومواعظ

اشارة

ص: 161

ص: 162

الفضل والأضداد

إنّ الحلم زينة، والوفاء مروّءة والصّلة نعمة، والاستكبار صَلَفٌ والعجلة سفه، والسّفه ضعف، والغلوّ ورطةً ومجالسةَ أهل الدَّناءة شرّ، ومجالسة أهل الفسوق ريبةٌ(1).

العزّة

وقال (عليه السلام) : موت في عزّ خير من حياة في ذلٍ(2).

الكبر

قال له رجل: إنّ فيك كبراً.

فقال (عليه السلام) : كلاّ الكبر لله وحده، ولكن في عزة، قال اللّه عز وجل: {وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(3)(4).

ماهو الاستدراج؟

وقال (عليه السلام) : الاستدراج من اللّه سبحانه لعبده، أن يسبغ عليه النّعم، ويسلبه الشكر(5).

ص: 163


1- كشف الغمة 2: 30.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 68.
3- سورة المنافقون: 8.
4- تأويل الآيات الظاهرة: 670.
5- تحف العقول: 246.

من هو البخيل

وقال (عليه السلام) : البخيل من بخل بالسّلام(1).

الإحسان للجميع

قال رجل: إنّ المعروف إذا أسدي إلی غير أهله ضاع.

فقال (عليه السلام) : ليس كذلك، ولكن تكون الصّنيعة مثل وابل المطر، فتصيب البّر والفاجر(2).

الغيبة

وقال (عليه السلام) لرجل إغتاب عنده رجلاً:

يا هذا كفّ عن الغيبة فإنّها إدام كلاب النار(3).

الرفق

وقال (عليه السلام) : من أحجم عن الرأي وعييت به الحيل كان الرفق مفتاحه(4).

حقوق الناس

وقال (عليه السلام) : لو لا التقية ما عرف ولينا من عدّونا، ولولا معرفة حقوق الإخوان، ما عرف من السيئات شيء إلاّ عوقب علی جميعها لكنّ اللّه عزّوجلّ يقول: {وَمَا أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن

ص: 164


1- تحف العقول: 248.
2- تحف العقول: 245.
3- تحف العقول: 245.
4- أعلام الدين: 298.

كَثِيرٖ}(1)(2).

خطبته (عليه السلام) في مكارم الأخلاق

يا أيّها الناس نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا، واكسبوا الحمد بالنجح، ولا تكتسبوا بالمطل ذمّاً، فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له، رأی أنّه لايقوم بشكرها، فاللّه له بمكافاته، فإنّه أجزل عطاء، وأعظم أجراً.

واعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نعم اللّه عليكم، فلا تملّوا النعم فتحور نقماً.

واعلموا أنّ المعروف مكسب حمداً، ومعقب أجراً، فلو رأيتم المعروف رجلاً، رأيتموه حسناً جميلاً، يسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجاً مشوّها، تنفر منه القلوب، وتغص دونه الأبصار.

أيّها الناس من جاد ساد، ومن بخل رذُل، وإنّ أجود الناس من أعطی من لايرجوه، وإنّ أعفی الناس من عفی عن قدرة، وإنّ أوصل الناس من وصل من قطعه، والأصول علی مغارسها بفروعها تسمو، فمن تعجّل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً، ومن أراد اللّه تبارك وتعالی بالصنيعة إلی أخيه، كافاه بها في وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج اللّه عنه كرب الدنيا والآخرة، ومن أحسن أحسن اللّه إليه واللّه يحبّ المحسنين(3).

ص: 165


1- سورة الشوری: 30.
2- تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 321، ح165.
3- كشف الغمة 2: 29.

المناظرة

روي أنّ رجلاً قال له (عليه السلام) : أجلس حتی نتناظر في الدين!

فقال (عليه السلام) : يا هذا أنا بصير بديني، مكشوف عليّ هداي فإن كنت جاهلاً بدينك فاذهب فاطلبه، مالي وللمماراة، وإنّ الشيطان ليوسوس للرّجل ويناجيه، ويقول: ناظر النّاس في الدين، لئلا يظنّوا بك العجز والجهل، ثم المراء لايخلو من أربعة أوجه، إمّا أن تتماری أنت وصاحبك فيماتعلمان، فقد تركتما بذلك النّصيحة، وطلبتما الفضيحة، وأضعتما ذلك العلم، أو تجهلانه فأظهرتما جهلاً وخاصمتما جهلاً، وإمّا تعلمه أنت فظلمت صاحبك بطلبك عثرته، أو يعلمه صاحبك فتركت حرمته، ولم تنزله منزلته، وهذا كلّه محال، فمن أنصف وقبل الحقّ، وترك المماراة فقد أوثق إيمانه وأحسن صحبة دينه، وصان عقله(1).

نصائح

وقال (عليه السلام) يوماً لابن عباس: لاتتكلّمنّ فيما لايعنيك فإنّي أخاف عليك الوزر، ولا تتكلّمنّ فيما يعنيك حتی تری للكلام موضعاً، فربّ متكلّم بالحقّ فعيب، ولا تمارين حليماً ولا سفيها، فإنّ الحليم يقليك، والسفيه يؤذيك، ولا تقولنّ في أخيك المؤمن إذا تواری عنك إلا ماتحبّ أن يقول فيك إذا تواريت عنه، واعمل عمل رجل يعلم أنّه مأخوذ بالإجرام، مجزيٌ بالإحسان والسّلام!(2)

ص: 166


1- بحار الأنوار 2: 135، ح32.
2- بحار الأنوار 75: 127، ح10.

الحلف

وقال (عليه السلام) : احذروا كثرة الحلف، فإنّه يحلف الرجل لخلال أربع: إمّا لمهانة يجدها في نفسه، تحثّه علی الضّراعة إلی تصديق الناس إيّاه، وإمّا لعي في المنطق، فيتخذ الإيمان حشواً وصلةً لكلامه، وإمّا لتهمةٍ عرفها من الناس له، فيری أنّهم لايقبلون قوله إلا باليمين، وإمّا لارساله لسانه من غير تثبيتٍ(1).

أهل المعروف في يوم القيامة

وقال (عليه السلام) : إذا كان يوم القيامة، نادی منادٍ: أيها النّاس من كان له علی اللّه أجر فليقم! فلا يقوم إلا أهل المعروف!(2)

الناس عبيد الدنيا

وقال (عليه السلام) : الناس عبيد الدنيا، والدين لعق علی ألسنتهم يحوطونه مادرّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الدّيانون(3).

لاتعب أحداً

من لم يكن لأحد عائباً لم يعدم مع كل عائب عاذراً(4).

شكر النعمة

شكرك لنعمة سالفة يقتضي نعمة آنفة(5).

ص: 167


1- مجموعة ورام 2: 110.
2- ارشاد القلوب 1: 189.
3- بحار الأنوار 75: 117، ح2.
4- نزهة الناظر: 80، ح1.
5- نزهة الناظر: 80، ح2.

العدوة

القدرة تذهب الحفيظة(1).

الصبر

اصبر علی ماتكره فيما يلزمك الحقّ، واصبر عمّا تحبّ فيما يدعوك إلی الهدی(2).

أعظم النّاس قدراً

قيل له (عليه السلام) : من أعظم الناس قدراً؟

فقال (عليه السلام) :من لم يبال الدّنيا في يدي من كانت!!(3).

أسئلة وأجوبة

قيل: سأل أمير المؤمنين ابنه الحسين، فقال: يابني ما السؤدد؟

فقال (عليه السلام) : اصطناع العشيرة واحتمال الجريرة.

قال: فما الغنی؟

قال: قلّة أمانيك، والرّضا بما يكفيك.

قال: فما الفقر؟

قال: الطّمع وشدّة القنوط.

قال: فما اللؤم؟

قال: احراز المرء نفسه، واسلامه عِرسه.

ص: 168


1- نزهة الناظر: 84، ح15.
2- نزهة الناظر: 85، ح18
3- مجموعة ورام 2: 29.

قال: فما الخُرق؟

قال: معاداتك أميرك، ومن يقدر علی ضرّك ونفعك.

ثم التفت إلی الحارث الأعور، فقال: يا حارث علّموا هذه الحكم أولادكم فإنّها زيادة في العقل والحزم والرأي(1).

كمال العقل

وتذاكروا العقل عند معاوية!

فقال (عليه السلام) : لا يكمل العقل إلا باتباع الحقّ(2).

الفضل والنقص

قيل له (عليه السلام) : ماالفضل؟

فقال (عليه السلام) : ملك اللسان، وبذل الإحسان.

قيل: فما النقص؟

فقال (عليه السلام) : التكلّف لما لايعنيك(3).

خير المال

ومن كتاب له (عليه السلام)

خير المال ما وَقى به العرض(4).

ص: 169


1- معاني الأخبار: 401، ح62.
2- بحار الأنوار 75: 127، ح11.
3- مستدرك الوسائل 9: 24، ح10099.
4- نزهة الناظر: 83، ح9.

المال النافع

مالك إن لم يكن لك كنت له، فلاتبق عليه فإنّه لايبقی عليك، وكُلهُ قبل أن يأكلك(1).

رضااللّه

كتب (عليه السلام) لرجل من اهل الكوفة بعد ماكتب إليه: يا سيدي أخبرني بخير الدّنيا والآخرة.

بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد فإنّ من طلب رضى اللّه بسخط الناس، كفاه اللّه أمور الناس، ومن طلب رضى بسخط اللّه وكلّه اللّه إلی الناس، والسّلام(2).

المعصية

كتب (عليه السلام) لرجل مجيباً عن سؤال كتبه اليه.

من حاول أمراً بمعصية اللّه، كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء مايحذر(3).

إحسان وإرشاد

جاء رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة.

فقال (عليه السلام) : يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلةٍ في المسألة وارفع حاجتك في رقعةٍ فإنّي آتٍ فيها ما سرّك إن شاء اللّه.

ص: 170


1- نزهة الناظر: 83، ح9.
2- أمالي الصدوق: 201، المجلس السادس والثلاثون، ح11.
3- الكافي 2: 373، ح3.

فكتب إليه: يا أبا عبداللّه إنّ لفلان عليّ خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلّمه ينظرني إلی ميسرة.

فلمّا قرأ (عليه السلام) الرقعة دخل إلی منزله، فأخرج منها صرّة فيها ألف دينار، قال (عليه السلام) : أمّا خمسمائة فاقض بها دينك، وأمّا خمسمائة فاستعن بها علی دهرك، ولا ترفع حاجتك إلاّ إلی أحد ثلاثةٍ: إلی ذي دين أو مروّةٍ أو حسبٍ، أمّا ذو الدين فيصون دينه، وأمّا ذو المروّة فإنّه يستحيي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذل له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك(1).

من قبل عطائك

من قبل عطائك فقد أعانك علی الكرم(2).

متى تصلح المسألة؟

أتاه رجل فسأله،

فقال (عليه السلام) : إن المسألة لاتصلح إلا في غُرمٍ(3) فادح(4)، أو فقر مدقع(5)، أو حمالة(6) مفظعة.

فقال الرجل: ما جئت إلا في إحداهن،

ص: 171


1- تحف العقول: 247.
2- بحار الأنوار 68: 357، ح21.
3- الغرم: أداء شيء لازم، وما يلزم أداؤه، والضرر والمشقة.
4- الفادح: الصعب المثقل.
5- المدقع: الملصق بالتراب.
6- الحمالة: الدية والغرامة والكفالة.

فأمر (عليه السلام) له بمائة دينار(1).

السلام قبل الكلام

قال له رجل ابتداءاً: كيف أنت عافاك اللّه؟

فقال (عليه السلام) : السّلام قبل الكلام عافاك اللّه.

ثم قال (عليه السلام) : لا تأذنوا لأحدٍ حتی يسلّم(2).

لاتردّ سائلاً

صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن ردّه(3).

فحدّث

سئل (عليه السلام) عن معنی قول اللّه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}(4).

فقال (عليه السلام) : أمره أن يحدّث بما أنعم اللّه به عليه في دينه(5).

شر خصال الملوك

شرّ خصال الملوك: الجبن من الأعداء، والقسوة علی الضعفاء، والبخل عن الإعطاء(6).

لايسيء ولا يعتذر

إيّاك وما تعتذر منه فإنّ المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافق كل يوم

ص: 172


1- تحف العقول: 246.
2- تحف العقول: 246.
3- بحار الأنوار 44: 196، ح9.
4- سورة الضحى: 11.
5- تحف العقول: 246.
6- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 65.

يسيء ويعتذر(1).

عند الملمّة

قال (عليه السلام) : إذا وردت علی العاقل لُمةٌ قمع الحزن بالحزم وقرع العقل للاحتيال(2).

من علامات القبول

وقال (عليه السلام) : من دلائل علامات القبول الجلوس إلی أهل العقول، ومن علامات أسباب الجهل: المماراة لغير أهل الكفر، ومن دلائل العالم: انتقاده لحديثه، وعلمه بحقائق فنون النّطر(3).

من تأمن؟

وقال (عليه السلام) : لا يأمن إلاّ من قد خاف اللّه تعالی(4).

البكاء نجاة

قال (عليه السلام) : البكاء من خشية اللّه نجاة من النّار(5).

البكاء رحمة

قال (عليه السلام) : بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة اللّه(6).

ص: 173


1- تحف العقول: 248.
2- نزهة الناظر: 84، ح13.
3- تحف العقول: 247.
4- جامع الأخبار: 97.
5- جامع الأخبار: 97.
6- جامع الأخبار: 97.

إلاّ من يوم القيامة

قيل له (عليه السلام) : ما أعظم خوفك من ربّك؟

فقال (عليه السلام) : لا يأمن يوم القيامة إلاّ من قد خاف اللّه في الدنيا(1).

من وصية له (عليه السلام)

أوصيكم بتقوی اللّه، وأحذركم أيّامه، وأرفع لكم أعلامه، فكان المخوف قد أفد بمهول، وروده ونكير حلوله وبشع مذاقه فاعتلق مهجكم وحال بين العمل وبينكم، فبادروا بصحّة الأجسام في مدّة الأعمار، كأنكم ببغتات طوارقه فتنقلكم من ظهر الأرض إلی بطنها، ومن علّوها إلی أسفلها، ومن أنسها إلی وحشتها، ومن روحها وضوئها إلی ظلمتها، ومن سعتها إلی ضيقها، حيث لايزار حميم، ولا يعاد سقيم، ولا يجاب صريخ، أعاننا اللّه وإيّاكم علی أهوال ذلك اليوم، ونجّانا وإياكم من عقابه، وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه، عباد اللّه! فلو كان ذلك قصر مَرمَاكم، ومدی مظعنكم كان حسب العالم شُغُلاً يستفرغ عليه أحزانه، ويذهله عن دنياه، ويكثر نصيبه لطلب الخلاص منه، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف علی حسابه لا وزير له يمنعه ولا ظهير عنه يدفعه ويومئذٍ: {لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَٰنِهَا خَيْرًاۗ قُلِ ٱنتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ}(2) أوصيكم بتقوی اللّه، فإنّ اللّه قد ضَمِنَ لمن اتّقاه، أن يحوّله

ص: 174


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 69.
2- سورة الأنعام: 158.

عمّا يكره إلی ما يحبّ {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}(1) فإيّاك أن تكون ممّن يخاف علی العباد من ذنوبهم، ويأمن العقوبة من ذنبه فإنّ اللّه تبارك وتعالی لايخدع ولا ينال ما عنده إلاّ بطاعته إن شاء اللّه(2).

ومن كلام له (عليه السلام) في اتخاذ الزهد متاعاً في الدنيا

يا ابن آدم تفكر، وقل: أين ملوك الدنيا وأربابها، الّذين عمّروا خرابها واحتفروا أنهارها وغرسوا أشجارها ومدّنوا مدائنها فارقوها وهم كارهون، وورثها قومٌ آخرون، ونحن بهم عمّا قليل لاحقون.

يا ابن آدم! أذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعك وموقفك بين يدي اللّه تشهد جوارحك عليك يوم تزل فيه الأقدام، وتبلغ القلوب الحناجر، وتبيّض وجوه وتسود وجوه وتبدو السرائر، ويوضع الميزان للقسط.

يا ابن آدم! أذكر مصارع آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيث حلّوا؟ وكأنّك عن قليلٍ قد حللت محلّهم وصرت عبرة المعتبر.

و أنشد شعراً:

أين الملوك التي عن حفظها غفلت؟***حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

تلك المدائن في الآفاق خالية***عادت خراباً وذاق الموت بانيها

أموالنا لذوي الورّاث نجمعها***و دورنا لخراب الدهر نبنيها(3)

ص: 175


1- سورة الطلاق: 3.
2- تحف العقول: 241.
3- إرشاد القلوب 1: 29.

إنّما أنت أيام

يابن آدم: إنّما أنت أيام، كلما مضی يوم ذهب بعضك(1).

استفد من ثروتك

وقال (عليه السلام) : مالك إن لم يكن لك، كنت له منفقاً، فلا تبقه بعدك فيكن ذخيرةً لغيرك، وتكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه، واعلم أنّك لاتبقی له، ولا يبقی عليك، فكُلُهُ قبل أن يأكلك(2).

أربعة كلمات

وقال (عليه السلام) : دراسة العلم لقاح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل، والشّرف والتقوی، والقنوع راحة الأبدان، من أحبّك نهاك، ومن أبغضك أغراك(3).

تجنّب المعصية

قال له رجل: عظني يا ابن رسول اللّه! وأنا رجل عاص ولم أقدر علی ترك المعصية.

فقال (عليه السلام) : افعل خمسة أشياء واذنب ماشئت، فأوّل ذلك: لا تأكل رزق اللّه! واذنب ما شئت!، والثاني: اُخرج من ولاية اللّه واذنب ما شئت!، والثالث: اُطلب موضعاً لايراك اللّه! واذنب ما شئت!، والرابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك! واذنب ما شئت!، والخامس: إذا ادخلك

ص: 176


1- إرشاد القلوب 1: 40.
2- أعلام الدين: 298.
3- نزهة الناظر: 88، ح28.

مالك في النار، فلا تدخل في النار! واذنب ما شئت!(1)

الأخوان أربعة

وقال (عليه السلام) : الأخوان أربعة: فأخ لك وله، وأخ لك، وأخ عليك، وأخ لا لك ولا له.

فسئل عن معنی ذلك، فقال (عليه السلام) :

الأخ الذي هو لك وله، فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء، ولا يطلب بأخائه موت الإخاء فهذا لك وله، لأنّه إذا تمّ الإخاء طابت حياتهما جميعاً، وإذا دخل الإخاء في حال التناقض بطلا جميعاً، والأخ الذي هو لك، فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلی حال الرغبة، فلم يطمع في الدنيا إذا رغب فی الإخاء، فهو مُوَفَرٌ عليك بكلّيته، والأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربّص بك الدّوائر ويفشي السرائر، ويكذّب عليك بين العشائر، وينظر في وجهك نظر الحاسد، فعليه لعنة الواحد، والأخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملأه اللّه حمقاً فأبعده سحقاً، فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحّاً ما لديك(2).

المؤمن والقرآن

وقال (عليه السلام) : إنّ المؤمن اتّخذ اللّه عصمته وقوله مرآته، فمرّةً ينظر في نعت المؤمنين، وتارةً ينظر في وصف المتجبّرين فهو منه في لطائف، ومن نفسه في تعارف، ومن فطنته في يقين، ومن قدسه علی تمكين(3).

ص: 177


1- بحار الأنوار 75: 126، ح7.
2- مستدرك الوسائل 9: 154، ح10532.
3- تحف العقول: 248.

عمّرت دار غيرك

قال له رجل: بنيت داراً أحبّ أن تدخلها وتدعو اللّه؛ فدخلها فنظر إليها،

ثم قال (عليه السلام) : أخربت دارك، وعمّرت دار غيرك، عزّك من في الأرض، ومقتك من في السماء(1).

كيف أصبحت؟

قيل له: كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه؟

فقال (عليه السلام) : أصبحت ولي ربّ فوقي، والنّار أمامي، والموت يطلبني، والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحبّ، ولا أدفع ما أكره، والأمور بيد غيري، فإن شاء عذّبني، وإن شاء عفا عنّي، فأيّ فقير أفقر منّي؟(2)

لا تصف لملك دواءاً

لا تصفنّ لملك دواءاً فإن نفعه لم يَحمَدك وإن ضرّه اتهمك(3).

ص: 178


1- مجموعة ورام 1: 70.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 404، ح5873.
3- أعلم الدين: 298.

الفصل الثامن: أشعار

اشارة

ص: 179

ص: 180

في المتفرقات من أشعاره (عليه السلام) في مناجاته مع اللّه

يا رب يا رب أنت مولاه***فارحم عبيداً إليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدی***طوبی لمن كنت أنت مولاه

طوبی لمن كان خائفاً أرقاً***يشكوا إلی ذي الجلال بلواه

وما به علّة ولا سقم***أكثر من حبّه لمولاه

إذا اشتكی بثّه وغصته***أجابه اللّه ثم لبّاه

إذا ابتُلِيَ بالظلام مبتهلاً***أكرمه اللّه ثم أدناه

فنودي (عليه السلام) بهذه الأبيات

لبّيك لبّيك أنت في كنفي***وكلّما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي***فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب***فحسبك الستر قد سفرناه

لو هبّت الريح في جوانه***خرّ صريعاً لما تغشاه

سلني بلا رغبة ولا رهب***ولا حساب إني أنا اللّه

و في المناقب، عن كتاب عيون المجالس، أنّه (عليه السلام) ساير أنس بن مالك.

فأتی قبر خديجة، فبكی ثم قال: اذهب، قال أنس: فاستخفيت عنه، فلما طال وقوفه في الصلاة، سمعته قائلاً: يا رب إلی آخر المناجاة، فنودی لبّيك لبيك إلی آخر ما تقدّم(1).

ص: 181


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 69.

في التوكل على اللّه

إذا ماعضك الدهر فلا تجنح إلی خلق***ولا تسئل سوی اللّه تعالی قاسم الرزق

فلو عشت وطوفت من الغرب إلی الشرق***لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقي(1)

في الوعظ والنصيحة

أين الملوك التي عن حفظها غفلت***حتی سقاها بكأس الموت ساقيها

تلك المدائن في الآفاق خالية***عادت خراباً وذاق الموت بانيها

أموالنا لذوي الورّاث نجمعها***و دورنا لخراب الدهر نبنيها(2)

حين زار الشهداء بالبقيع

ناديت سكان القبور فاسكتوا***فأجابني عن صمتهم ندب الجثا

قالت: أتدري ما صنعت بساكني***مزقت لحمهم وخرقت الكسا

وحشوت أعينهم تراباً بعدما***كانت تباينت المناصل والشوا

قطعت ذا من ذا، ومن هذا كذا***فتركتها ومما يطول بها البلا(3)

لاترج فعل الخير

مضی أمسك الماضي شهيداً معدلاً***و خلفت في يوم عليك شهيد

فإن أنت بالأمس اقترفت إساءة***فقيّد بإحسان وأنت حميد

ولا ترج فعل الخير يوماً إلی غد***لعل غداً يأتي وأنت فقيد(4)

ص: 182


1- كشف الغمة 2: 34.
2- إرشاد القلوب 1: 30.
3- تاريخ مدينة دمشق 14: 187.
4- بحار الأنوار 86: 265.

في عدم الاغترار بالدنيا

يا أهل لذّة دنيا لابقاء لها***إنّ اغتراراً بظل زائل حمق(1)

في الوعظ

ما يحفظ اللّه يصن***ما يصنع اللّه يهن

من يسعد اللّه يلن***له الزمان أن خشن

أخي اعتبر لا تغترر***كيف تری صرف الزمن

يجزي بما أوتي من***فعل قبيح أو حسن

أفلح عبد كشف***الغطاء عنه ففطن

وقرّ عيناً من رأی***إنّ البلاء في اللسن

فماز، من ألفاظه***في كلّ وقت ووزن

وخاف من لسانه***عزباً حديداً فحزن

و من يك معتصماً***باللّه ذي العرش فلن

يضرّه شيء ومن***يُعدي علی اللّه ومن

من يأمن اللّه يخف***وخائف اللّه أمن

و ما لما يثمره ال***خوف من اللّه ثمن

يا عالم السر كما***يعلم حقّاً ما علن

صل علی جدّي أبي***القاسم ذي النور المبن

أكرم من حي ومن***لفف ميتاً في الكفن

وامنن علينا بالرضا***فأنت أهل للمنن

واعفنا في ديننا***من كل خسر وغبن

ما خاب من خاب كمن***يوماً إلی الدنيا ركن

ص: 183


1- ارشاد القلوب 1: 186.

طوبی لعبد كشفت***عنه غيابات الوسن

والموعد اللّه وما***يقض به اللّه مكن(1)

في الحث على الجود والإنفاق

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها***علی الناس طراً قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها إذهي أقبلت***ولا البخل يبقيها إذا ما تولت

قاله، لما علم عبدالرحمن السامي ولده، سورة الحمد، فلما قرأها علی أبيه، أعطاه (أي: المعلم) ألف دينار، وألف حلّة، وحشا فاه دراً، فقيل له في ذلك، قال (عليه السلام) : وأين يقع هذا من عطائه، يعني تعليمه، ثم أنشد الشعر، إذا جادت الدنيا، إلی آخره(2).

في جواب السائل

قدم أعرابي المدينة، فسأل عن أكرم الناس، فدلّ علی الإمام الحسين (عليه السلام) ، فدخل المسجد، فوجده مصلياً فوقف بإزائه وأنشأ:

لم يخب الآن من رجاك ومن***حرّك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد***أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم***كانت علينا الجحيم منطبقة

فسلّم الإمام الحسين (عليه السلام) وقال: يا قنبر، هل بقي شيء من مال الحجاز؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فقال (عليه السلام) : هاتها، قد جاء من هو أحقّ بها منّا، ثمّ نزع برديه، ولف الدنانير فيها، وأخرج يده من شق الباب، حياء من الأعرابي، وأنشأ (عليه السلام) :

ص: 184


1- كشف الغمة 2: 36.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 66.

خذها فإني إليك معتذر***واعلم بأنّي عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا***أمست سماناً عليك مندفقة

لكن ديب الزمان ذو غير***والكف منّي قليلة النفقة

فأخذه الأعرابي، وبكی، فقال (عليه السلام) له: لعلك استقللت ما أعطيناك، قال: لا، ولكن كيف يأكل التراب جودك(1).

وروي أنّ الأعرابي أنشد تلك الأبيات بعد ما بكی:

مطهّرون نقيات ثيابهم***تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

وأنتم السادة الأعلون عندكم***علم الكتاب وما جاءت به السور

من لم يكن علوياً حين تنسبه***فما له في قديم الدهر مفتخر(2)

في صفاء الزهد

كلما زيد صاحب المال مالاً***زيد في همه وفي الاشتغال

قد عرفناك يا منغصة العيش***ويا دار كل فان وبال

ليس يصفو لزاهد طلب الزهد***اذا كان مثقلاً بالعيال(3)

في حبه (عليه السلام) لسكينة والرباب

لعمرك انني لأحب داراً***تحل لها سكينة والرباب

اُحبهما وأبذل جلّ مالي***و ليس للائم فيها عتاب

ص: 185


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 65.
2- الدرر النظيم: 527.
3- تاريخ مدينة دمشق 14: 186. وفي أعيان الشيعة 4: 126، وينسب إلی أبي نواس ثم قال: يمكن أن تكون الأبيات أصلها للأعرابي، وتمثّل أبو نواس بها أيضاً في عصر الإمام الثامن عليّ بن موسی الرضا (عليه السلام) .

ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً***حياتي أو يغيبني التراب(1)

في جواب الأعرابي

قال محمد بن طلحة الشافعي: نُقل أنّ أعرابياً دخل المسجد، فوقف علی الإمام الحسن (عليه السلام) وحوله حلقة، فقال لبعض جلساء الحسن: من هذا الرجل؟ فقال له: الحسن بن عليّ بن أبي طالب: فقال الأعرابي: إيّاه أردت، فقال له: وما تصنع به يا أعرابي؟ فقال: بلغني أنهم يتكلّمون، فيعربون في كلامهم، وإنّي قطعت واديا وقفاراً، واودية وجبالاً، وجئت لا طارحه الكلام؛ وأسئله عن عويص العربية، فقال له جليس الحسن (عليه السلام) : ان كنت جئت لهذا، فأبدأ بذلك الشاب، وأومی إلی الإمام الحسين (عليه السلام) ، فوقف عليه وسلّم، فقال (عليه السلام) :

و ما حاجتك، فقال: جئتك من الهرقل والجعلل والأنيم ولهمم، فتبسّم الإمام الحسين (عليه السلام) وقال: يا أعرابي، لقد تكلّمت بكلام ما يعقله إلا العالمون، فقال الأعرابی: وأقول أكثر من هذا، فهل مجيبي علی قدر كلامي؟ فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) : قل ما شئت، فإنّي مجيبك، فقال الأعرابي: إنّي بدوي أكثر مقالي الشعر، وهو ديوان العرب فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) : قل ما شئت فإنّي مجيبك.

فأنشأ الأعرابي يقول:

هفا قلبي إلی اللّهو***وقد ودع شرخيه(2)

ص: 186


1- أعيان الشيعة 1: 622. نقلها صاحب أ عيان الشيعة، عن كتاب جواهر المطالب نسخة مخطوطة، تأليف أبي البركات محمد الباغندي.
2- شرخيه اول الشباب.

وقد كان انيقا***عصر تجراری ذيليه

عيالات ولذات***فيا سقيا لعصريه

فلما عمم الشيب***من الرأس نطاقيه

وأمسی قد عناني***منه تجديد خضابيه

تسليت عن اللّهو***وألقيت قناعيه

و في الدهر أعاجيب***لمن يلبس حاليه

فلو يعمل ذو رأي***أصيل فيه رأييه

لألفى عبرة منه***له في كرّ عصريه

ولما قال الأعرابي الأبيات، أجابه الإمام الحسين (عليه السلام) إرتجالاً فقال (عليه السلام) :

فما رسم شجاني قد***محت آيات رسميه

سفور درّجت ذيلين***في بوغاء(1) قاعيه

هتوف حرجف(2) تتری***علی تلبيد ثوبيه

وولاج(3) من المزن(4)***دنا نوء سماكيه

أتی مثعنجر(5) الودق***بجود من خلاليه

وقد أحمد برقاه***فلا - ذم لبرقيه

فقد جلل رعداه***فلا - ذم لرعديه

ثجيج الرعد ثجاج***إذا أرخی نطاقيه

فأضحی دارساً فقراً***لبينونة أهليه

ص: 187


1- بوغاء التربة الرخوة.
2- الحرجف: الريح الباردة. الصحاح 4: 1243 (حرجف).
3- الولاج: أي كثير الولوج.
4- المزن: جمع مزنة، وهي السحابة البيضاء. الصحاح 6: 2203 (مزن).
5- مثعنجر كثير الماء من البحر.

فلما سمعها الأعرابي، قال: ما رأيت كاليوم قطّ مثل الغلام أعرب منه كلاماً، وادرب لساناً، وافصح منه منطقاً(1) فقال له الحسن (عليه السلام) :

هذا غلام كرّم الرحمن***بالتطهير جديه

كساه القمر القمقام***من نور سنائيه

ولو عدد طماح***نفحنا عن عداديه

وقد أرخيت من شعري***وقومت عروضيه(2)

في تقدمه (عليه السلام) على العالمين

سبقت العالمين إلی المعالي***بحسن خليقة وعلو همّة

ولاح بحكمتي نور الهدی في***ليال في الضلالة مدلهمة

يريد الجاحدون ليطفئوه***و يأبي اللّه إلا أن يتمّه(3)

في مفاخره (عليه السلام)

من كان يبأى بجدّ***فإنّ جدّي الرسول

أو كان يبأى بأمّ***فإنّ اُمّي البتول

أو كان يبأى بزور***فزورنا جبرئيل

فنحن لم نبأ إلا***بما يطاع الجليل(4)

في التأسف على تقدم البعداء على الامناء

إذا استنصر المرء أمراً لايدي له***فناصره والخاذلون سواء

ص: 188


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 1003، ح1238.
2- مطالب السؤول: 361.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 2: 72.
4- مقتل الخوارزمي 1: 123.

أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه***و ليس علی الحقّ المبين طخاء(1)

أليس رسول اللّه جدّي ووالدي***أنا البدر، إن خلا النجوم خفاء

ألم ينزل القرآن خلف بيوتناً***صباحاً ومن بعد الصباح مساء

ينازعني واللّه بيني وبينه***يزيد وليس الأمر حيث يشاء

فيا نصحاء اللّه أنتم ولاته***وأنتم علی أديانه أمناء

بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة***تناولها عن أهلها البعداء(2)

في ذلك المعنى أيضاً

أنا الحسين بن عليّ بن أبي***طالب البدر بأرض العرب

ألم تروا وتعلموا أنّ أبي***قاتل عمرو ومبير مرحب

ولم يزل قبل كشوف الكرب***مجلّياً ذلك عن وجه النبي

أليس من أعجب عجب العجب***أن يطلب الأبعد ميراث النبي

واللّه قد أوصى بحفظ الأقرب(3)

لو انصف الدهر الخؤون

اللّه يعلم أنّ ما يُبدي يزيد لغيره***وبأنّه لم يكتسبه بغيره وبميره

لو أنصف الدهر الخؤون لقصرت من سيره***ولكان ذلك منه أدنی شرّه من خيره(4)

المنايا يرصُدْ نني

لا ذعرت السوام في فلق الصبح***مغيراً ولا يزيداً

يوم أُعطَی من المهابة ضيماً***والمنايا يرصد نني أن أحيدا(5)

ص: 189


1- الطخاء السحاب المرتفع في السماء.
2- بحار الأنوار 75: 123.
3- بحار الأنوار 75: 124.
4- بحار الأنوار 75: 123.
5- وقعة الطّف: 83.

يخوض بحار الموت

إذا المرء لايحمي بنيه وعرسه***وعشرته كان اللئيم المسببا

ومن دون ما نبغي يريد بنا غداً***يخوض بحار الموت شرقاً ومغرباً

ونضرب ضرباً كالحريق مقدماً***إذا ما رأی ضيغم فرّ مهرباً(1)

أنشأه لما خرج من المدينة، وركب الجادّة، فقال له ابن عمّه مسلم بن عقيل: يا ابن رسول اللّه لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادّة، كما فعل عبداللّه بن الزبير، كان عندي الرأي، أنّا نخاف ان يلحقنا الطريق الطلب، فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) : لا واللّه يابن العمّ لا فارقت هذا الطريق أبداً، أو أنظر أبيات مكة، ويقضي اللّه في ذلك ما يحب ويرضی؛ ثم أنشأ الشعر(2).

وفي الهدف الإنساني الأعلى

عن الفاضل النيشابوري في كتاب خلق الإنسان: أنّ الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام) كان كثيراً ما ينشد تلك الأبيات تزعم الرواة أنّها ممّا أملته نفسه.

لئن كانت الأفعال يوماً لأهلها***كمالاً فحسن الخلق أبهی وأكمل(3)

وإن تكن الأرزق رزقاً مقدّراً***فقلّة جُهد المرء في الكسب أجمل

وإن تكن الدنيا تعد نفيسة***فدار ثواب اللّه أعلی وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت اُنشأت***فقتل امريء بالسيف في اللّه أفضل(4)

وإن تكن الأموال للترك جمعها***فما بال متروك به المرء يبخل

ص: 190


1- ديوان أهل البيت (عليه السلام) : 361.
2- مقتل الخوارزمي 1: 189.
3- ناسخ: 174.
4- ديوان أهل البيت: 407.

سأمضي وما بالقتل عار علی الفتی***إذا في سبيل اللّه يمضي ويقتل(1)

عليكم سلام اللّه يا آل أحمد***فإني أراني عنكم سوف أرحل

وفي المناقب: لما نزل (عليه السلام) شقوق أتاه رجل فسأله عن العراق، فأخبره بحاله، فقال (عليه السلام) : إنّ الأمر لله يفعل ما يشاء، ربّنا تبارك كل يوم هو في شأن، فإن نزل القضاء، فالحمد لله علی نعمائه، وهو المستعان علی أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء؛ فلم يبعد من كان الحقّ نفيه، ثم أنشد؛ وإن تكن الدنيا إلی آخره(2).

ومن تمثلاته في ذلك المعنى

سأمضي وما بالموت عار علی الفتی***إذا مانوی حقّاً وجاهد مسلماً

وواسی الرجال الصالحين بنفسه***وفارق مذموماً وخالف مجرماً

أقدم نفسي لا اُريد بقائها***لنلقي خميساً في الوغى وعرمرما

فإن عشت لم اُذمم وإن متّ لم اُلم***كفی بك ذلّاً أن تعيش فترغما

عند شاطيء الفرات

روي أنه (عليه السلام) لما وصل إلی شطّ الفرات، سأل عن اسمه، قالوا كربلاء، فعند ذلك بكی وقال: هي دار أرض كرب وبلاء، وأمر بنصب الخيام، وجعل يصلح سيفه، ويقول:

أهل العراق مالكم خليل***وما بكم في جمعكم فضيل

والأمر في ذلكم جليل***وكل حيّ عنده سبيل

ص: 191


1- تسلية المجالس 2: 318.
2- المناقب 4: 95.

وقد قرب النقلة والرحيل

وكل شيء حوله دليل(1)

حينما نزل كربلاء

روي السيد ابن طاووس: انّ الإمام الحسين (عليه السلام) لمّا نزل بكربلاء جلس ناحية يصلح سيفه والحرّ في ناحية أ ُخری ويقول الأمام (عليه السلام) :

يا دهر اُف لك من خليل***كم لك بالإشراق والأصيل

من طالب وصاحب قتيل***والدهر لايقنع بالبديل

وكل حيّ سالك سبيلي***ما أقرب الوعد من الرحيل(2)

وإنّما الأمر إلی الجليل

أشعاره (عليه السلام) في الرثاء

اشارة

منها ما أنشده في رثاء أخيه الإمام المسموم الحسن المجتبی (عليه السلام) ويظهر منه شدّة تأثّره وتألّمه من شهادة أخيه (عليهما السلام) :

أأدهن رأسي ام أطيب مجالسي***ورأسك معفور وأنت سليب

أو أستمتع الدنيا بشيء أحبّه***ألا كل ما أدنی إليك حبيب

فلا زلت أبكي ما تغنّت حمامة***عليك، وما هبت صبا وجنوب

وما هملت عيني من الدمع قطرة***وما أخضر في دوح الحجاز قضيب

بكائي طويل والدموع غزيرة***وأنت بعيد والمزار قريب

غريب وأ طراف البيوت تحوطه***ألا كل من تحت التراب غريب

ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضی***وكل فتی للموت فيه نصيب

فليس حريب من اُصيب بماله***ولكن من واری أخاه حريب

ص: 192


1- نور العين: 30.
2- اللّهوف: 81.

نسيبك من أمسی يناجيك طرفه***وليس لمن تحت التراب نسيب(1)

وله أيضاً

إن لم أمت أسفاً عليك فقد***أصبحت مشتاقاً إلی الموت(2)

في مصائب الدهر

يا نكبات الدهر دولي دولي***واقصري إن شئت أو أطيلي

رميتني رمية لا مقيل***بكل خطب فادح جليل

وكل غيب أيد ثقيل***أول ما رزئت بالرسول

وبعد بالطاهرة البتول***والوالد البر بنا الوصول

وبالشقيق الحسن الجليل***والبيت ذي التأويل والتنزيل

وزورنا المعروف من جبرئيل***فما له في الزرء من عديل

مالك عنّي اليوم من عدول***وحسبي الرحمن من منيل(3)

في ذلك الموضوع أيضاً

ذهب الذين أ ُحبّهم***وبقيت فيمن لا أ ُحبّه

فيمن أراه يسبّني***ظهر المغيب ولا اُسبّه

يبغي فسادي ما استطاع***وأمره ممّا لا أدبه

حتفاً يدبّ إلی الضراء***وذاك ممّا لا أدبّه

ويری ذباب الشرّ من***حولي يطنّ ولا يذبّه

وإذاجنا وغر الصدور***فلا يزال به يشّبه

أفلا يعيج بعقله***أفلا يتوب إليه لبه

ص: 193


1- المناقب 4: 45.
2- المناقب 4: 45.
3- بحار الأنوار 44: 126، ح6.

أفلا يری أنّ فعله***ممّا يسور إليه غبّه

حسبي بربّي كافياً***ما أختشی والبغي حسبه

ولقلّ من يُبغَى عليه***فما كفاه اللّه ربّه

في أخيه العباس (عليه السلام)

تعديتم يا شرّ قوم ببغيكم***وخالفتم قول النبي محمد

أما كان خير الرسول وصاكم بنا***أما نحن من نسل النبي المسدد

أما كانت الزهراء أمي دونكم***أما كان من خير البرية أحمد

لعنتم واخزيتم بما قد جنيتم***فسوف تلاقوا حرّ نار توقد(1)

في رثاء الحر بن يزيد الرياحي
اشارة

لنعم الحرّ حرّ بني رياح***صبور عند مختلف الرماح

ونعم الحرّ إذنادی حسيناً***فجاد بنفسه عند الصباح

فيا ربّي أضفه في جنان***و زوجه مع الحور الملاح(2)

ونعم الحّر في رهج(3) المنايا***إذالأبطال تخفق بالصفاح(4)

لقد فاز الذي نصروا حسيناً ***وفازوا بالهداية والصلاح(5)

بعد شهادة القاسم (عليه السلام)

غريبون عن أوطانهم وديارهم***تنوح عليهم في البراري وحوشها

وكيف لاتبكي العيون لمعشر***سيوف الأعادي في البراري تنوشها

ص: 194


1- المناقب 4: 108.
2- شرح الأخبار 3: 151.
3- الرهج: الغبار.
4- مقتل الحسين (عليه السلام) : 303.
5- ينابيع المودة 3: 77.

بدور تواری نورها فتغيّرت***محاسنها ترب الفلاة تعوشها(1)

في أراجيزه يوم الطف

منها: في مناقبة يوم الطف

أنشدها، إتماماً للحجّة علی النّاس، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حيّ عن بينة:

أبي عليّ وجدّي خاتم الرسل***والمرتضون لدين اللّه من قبلي

واللّه يعلم والقرآن ينطقه***أنّ الذي بيدي من ليس يملك لي

ما يرتجی بامرء لاقائل عذلاً***ولا يزيغ إلی قول ولا عمل

ولا يری خائفاً في سرّه وجلاً***ولا يُحاذر من هفو ولا زلل

يا ويح نفسي ممّن ليس يرحمها***أما له في كتاب اللّه من مثل

أماله في حديث الناس معتبر***عن العمالقة العادية الأول

يا أيّها الرجل المغبون شيمته***أنّي ورثت رسول اللّه عن رسل

اعتللت، وما في الدين من علل***أأنت أولی به من آله فبما تری(2)

قال الأربلي: وهي طويلة.

وكان يرتجز يوم عاشوراء، ويقول (عليه السلام) :(3)

الموت خير من ركوب العار***والعار خير من دخول النار

(واللّه من هذا وهذا)

واللّه من هذا وهذا جاري

روي أنّه (عليه السلام) حرك إليهم (عسكر يزيد) فرسه وسيفه مصلت في يده،

ص: 195


1- معالي السبطين 1: 281.
2- كشف الغمة 2: 37.
3- كشف الغمة 2: 32.

جاري وهو آيس من نفسه، وعاز علی الموت، أنشد الأبيات.

أنا بن عليّ الخير من آل هاشم***كفاني بهذا مفخراً حين أفخر

وجدّي رسول اللّه أكرم من مضى***فنحن سراج اللّه في الأرض نزهر

وفاطم أمّي من سلالة أحمد***وعمّي يُدعي ذوالجناحين جعفر

وفينا كتاب اللّه اُنزل صادعاً***وفينا الهدی والوحي بالخير يذكر

ونحن أمان اللّه في الخلق كلّهم***نسر بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا***بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر

وشيعتنا فيا في القيام محبنا***ومبغضنا يوم القيامة يخسر(1)

فطوبی لعبد زارنا بعد موتنا***بجنة عدن صفوها لا يكدر(2)

حمل (عليه السلام) على الميسرة يوم عاشوراء وأنشد مرتجزاً

أنا الحسين بن عليّ***أحمي عيالات أبي

آليت أن لا أنثني***أمضي علی دين النبي(3)

في أمره (عليه السلام) أصحابه بالصبر

يا نفس صبراً فالمنی بعد العطش***وأن روحي في الجهاد منكمش

لا أرهب الموت إذا الموت وحش***جدّي رسول اللّه ما فيه فحش(4)

في دعائه؛ على الأعداء حين اشتد العطش بأصحابه

الحمدلله العلي الواحد***نحمده في سائر الشدائد

ص: 196


1- ديوان أهل البيت (عليه السلام) : 382.
2- تفسير نور الثقلين 5: 166.
3- المناقب 4: 110.
4- ديوان أهل البيت (عليه السلام) : 389.

يا ربّ لاتغفل عن المعاند***قد قتلونا قتلة المناكد

فاصله يا ربّ نار السرمد***وأنت بالمرصاد غير خائد(1)

بعد قتل الأصحاب

لما قتل أصحابه ونظر إلى يمينه ويساره ورأى نفسه فريداً قال:

يا ربّ لا تتركني وحيداً***بين اُناس أظهروا الجحودا

وصيرونا بينهم عبيداً***يرضون في أفعالهم يزيدا

وكل شخص قد مضی شهيدا***مجنّد لاقی دمه فريدا(2)

أمّا أخي فقد مضی شهيدا***مغَفراً بدمه وحيداً

في وسط قاع مفرداً بعيداً***وأنت بالمرصاد لن تحيدا(3)

اُرجوزته (عليه السلام) عند القتال

كفر القوم وقدما رغبوا***عن ثواب اللّه رب الثقلين

قتلوا قدماً عليا وابنه الحسن***الخير الكريم الطرفين

حنقاً منهم وقالوا اجمعوا***نفتك اللآن جميعاً بالحسين

يالقوم من اُناس رذل***جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلّهم***باجتياحي لرضاء الملحدين

لم يخافوا اللّه في سفك دمي***لعبيد اللّه نسل الكافرين

وابن سعد قدر ماني عنوة***بجنود كوكوف الها طلين

لا لشيء كان منّي قبل ذا***غير فخري بضياء الفرقدين

بعليّ الخير من بعد النبي***والنبيّ القرشي الوالدين

ص: 197


1- ديوان أهل البيت (عليه السلام) : 378.
2- نور العين: 42.
3- اسرار الشهادة: 283.

خيرة اللّه من الخلق أبي***ثم أمّيّ فأنا ابن الخيرتين

فضّة قد خلصت من ذهب***فأنا الفضّة وابن الذهبين

فاطم الزهراء أمّي وأبي***وارث الرسل ومولی الثقلين

طحن الأبطال لما برزوا***يوم بدر وبأحد وحنين

وله في يوم اُحد وقعة***شفت الغل بغض العسكرين

وله في يوم اُحد وقعة***شفت الغل بغض العسكرين

ثم بالأحزاب والفتح معاً***كان فيها حتف أهل الفيلقين

وأخو خيبر إذ بارزهم***بحُسام صارم ذي شُفرتين

منفي الصفين عن سيف له***وكذا أفعاله فی القبلتين

والذي أردی جيوشاً أقبلوا***يطلبون الوتر في يوم حنين

في سبيل اللّه ماذا صنعت***اُمّة السوء معاً بالعترتين

عترة البر النقي المصطفی***وعليّ القرم يوم الجحفلين

من له عم كعمّي جعفر؟***وهب اللّه له اجنحتين

من له جدّ، كجدّي في الوری***و كشيخي وأنا بن العلمين؟

والدي شمس، وأمّي قمر***فأنا الكوكب وابن القمرين

جدّي المرسل مصباح الهدی***وأبي الموفی له بالبيعتين

بطل قرم هزير ضيغم ***ماجد سمح قوي الساعدين

عروة الدين عليٌ ذاكم***صاحب الحوض مصلّي القبلتين

مع رسول اللّه سبعاً كاملاً***ما علی الأرض مصلّ غير ذين

ترك الأوثان لم يسجدلها***مع قريش مذنشأ طرفه عين

عبداللّه غلاماً يافعاً***وقريش يعبدون الوثنين

يعبدون اللات والعزّی معاً***وعلی قائم الحسنين

وأبي كان هزبراً ضيغماً***يأخذ الرمح فيطعن طعنتين

كتمشي الأسد بغياً فسقوا***كأس حتف من نجيح الحنظلين

ص: 198

وفي الاحتجاج لما قُتل أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) وأقاربه، وبقي فريداً ليس معه إلا ابنه عليّ زين العابدين وابن آخر في الرضاع اسمه عبداللّه، فتقدم الحسين، إلی باب الخيمة فقال: ناولوني ذلك الطفل حتی أ ُودّعه، فناولوه الصبي، جعل يقبّله وهو يقول: يا بني، ويل لهؤلاء القوم إذا كان خصمهم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قيل: فإذا بسهم قد أقبل حتی وقع في لبّة الصبي فقتله، فنزل الحسين (عليه السلام) عن فرسه، وحفر للصبي بجفن سيفه ورمله بدمه ودفنه، ثم وثب قائماً وهو يقول:

كفر القوم وقدما رغبوا إلی آخر الأبيات.

ومن تمثلاته (عليه السلام) يوم قتل

فإن نهزم فهزّامون قدماً***وإن نغلب فغير مغلبينا

وما أن طبنا جبن ولكن***منايانا ودولة آخرينا

إذا ما الموت رفع عن أُناس***كَلاكِلهُ أناخ بآخرينا

فأفَنى ذلكم سروات قومي***كما افنى القرون الأولينا

فلو خلد الملوك إذا خلدنا***ولو بقي الكرام إذا بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا***سيلقی الشامتون كما لقينا(1)

ومن منظومه يوم قتل (عليه السلام)

أ ذل الحيات وذلّ الممات***وكلاً أراه طعاماً وبيلاً

فإن كان لابد من إحداهما***فسيري إلی الموت سيراً جميلاً(2)

ص: 199


1- ديوان أهل البيت (عليه السلام) : 422.
2- ديوان أهل البيت (عليه السلام) : 413.
عند وداع أهل بيته

سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي***منك البكاء إذ الحمام دهاني

لاتحرقي قلبي بدمعك حسرة***مادام منّي الروح في جثماني

فإذا قُتلت فأنت أولی بالذي***تأتينه يا خيرة النسوان(1)

وزاد الأسفرائني له (عليه السلام)

فابكی وقولي انهد ركني بعد ما***كانت تزعزع ركنه بالأركان

قد كنت آمل أن أعيش بظله***أبداً أمد الأيام ما يرعاني

اُدني إلیّ سكينة عاجلاً***حتی أودعك وداع الفاني

أوصيك بالولد الصغير وبعده***بالال والأيتام والجيران

فإذا قتلت فلا تشقّي معجراٌ***أيضاً ولا تدعي ثبور هوان

لكن صبراً يا سكينة في القضاء***ها نحن أهل الصبر والإحسان

لي أسوة بأبي وجدّي وأخوتي***قصدوا حقوقهم من بنو الطغيان(2)

ونسب إليه ايضاً

لقد كان القطاة بأرض نجد***قرير العين لم يجد الغر لما

تولته البزاة فهيمته***ولو ترك القطا لغفاو ناما(3)

في آخر لحظات عمره الشريف

أيا شمر خاف اللّه واحفظ قرابتي***من الجدّ منسوبا إلی القائم المهدي

أيا شمر تقتلني وحيدرة أبي***وجدّي رسول اللّه أكرم مهتدي

وفاطمة أمّي والزكي ابن والدي***وعمّي هو الطيّار في جنة الخلد

ص: 200


1- المناقب 4: 110.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 590، ح600.
3- ديوان أهل البيت (عليه السلام) : 417.

أنادي ألا يا زينب يا سكينة***أيا ولدي من ذا يكون لكم بعدي

ألا يا رقيّة يا أم كلثوم أنتم ***وديعة ربّي اليوم قد قرب الوعد

أيا شمر ارحم ذا لعليل وبعده***حريماً بلاكفل يلي أمرهم بعدي

سيبكي لكم جدّي وأسعد من بكی***علی رزئكم والفوز في جنة الخلد

سلام عليكم ما اُمر فراقكم***فقوموا لتوديعي فذا آخر العهد(1)

ص: 201


1- موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) : 616، ح645.

ص: 202

من كلمات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

اشارة

ص: 203

ص: 204

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)

ص: 205

ص: 206

الإهداء

إليك... يا ريحانة رسول اللّه

إليك... يا بضعة نبي اللّه

إليك... يا زوجة ولي اللّه

إليك... يا أم الحسنين

إليك... يا أم الأئمة الأطهار

إليك... يا سيدة نساء العالمين

إليك... يا فاطمة الزهراء

اقدم هذه المجموعة العطرة من كلمات ولدك الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

وكلي رجاء أن تتقبليها بقبول حسن.

المؤلفة

ص: 207

ص: 208

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين.

... بعد أن وفقني اللّه لجمع مجموعة من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) رأيت أن اسأل اللّه عزّوجلّ كي يوفّقني في جمع ما تيّسر لي من كلمات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وذلك أداءاً لبعض الواجب أمام هذا الإمام الهمام.

علماً بأنّ هذه الكلمات والروايات نور كما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة: (كلامكم نور) وهي مدرسة متكاملة تضمن لمن عمل بها خير الدنيا والآخرة.

وقد رتبت الكتاب على فصلين وخاتمة:

الفصل الأول: نبذة مختصرة عن حياة الإمام العسكري (عليه السلام) .

الفصل الثاني: من كلمات الإمام العسكري (عليه السلام) .

الخاتمة: في زياراته (عليه السلام) .

وفي الختام أسأل اللّه التوفيق والقبول وأن ينفع بهذا الكتاب المؤمنين، إنّه قريب مجيب.

قم المقدّسة

والدة السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي

ص: 209

ص: 210

الفصل الأول: نبذة مختصرة عن حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

اشارة

ص: 211

ص: 212

الإمام العسكري (عليه السلام) في سطور

الاسم الشريف: الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) .

الأب: الإمام علي الهادي (عليه السلام) .

الأم: السيدة سليل(1)،

ويقال لها: حديث(2)،

حديثة(3)،

الجدّة، سوسن(4)،

حريبة(5).

الأجداد الطاهرون: الإمام محمد الجواد، بن الإمام علي الرضا، بن الإمام موسى الكاظم، بن الإمام جعفر الصادق، بن الإمام محمد الباقر، بن الإمام علي السجاد، بن الإمام الحسين، بن الإمام علي بن أبي طالب، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

كنيته: أبو محمد(6)، وكان يعرف بابن الرضا(7) أيضاً.

ص: 213


1- بحار الأنوار 50: 238، ح9.
2- بحار الأنوار 50: 236، ح5.
3- بحار الأنوار 50: 235، ح1.
4- بحار الأنوار 50: 236، ح7.
5- بحار الأنوار 50: 237، ح7.
6- بحار الأنوار 50: 236، ح6.
7- بحار الأنوار 50: 236، ح6.

ألقابه: العسكري، الزكي، الهادي، التقي، السراج، الصامت، المرضي، الرفيق، المضيء، الشافي، الفاضل، الميمون، الطاهر، النقي، الأمين، الصادق، العلاّم، الشفيع، المهتدي، الموفي، السخي، المستودع، النادب، المعطي، الناطق عن اللّه، المؤمن باللّه، المرشد إلى اللّه، ولي اللّه، خزانة الوصيين.

محل ولادته: دار أبيه (عليه السلام) في المدينة المنوّرة.

زمان ولادته: يوم الجمعة في الثامن من شهر ربيع الثاني عام 232 الهجري(1)،

وقيل: في العاشر من هذا الشهر، وقيل: في الليلة الرابعة منه. قال الشيخ الحر العاملي:

مولده شهر ربيع الآخر***وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل: الرابع***وقيل: في الثامن وهو شائع

أوصافه: بين السمرة والبياض(2)،

أعين، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، له جلالة وهيبة(3).

ولده: الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) .

زوجته: السيدة نرجس، وهي مليكة بنت يشوعا بن قيصر الروم، وأمّها من ولد الحواريين تنسب إلى وصي السيد المسيح (عليه السلام) شمعون.

ص: 214


1- بحار الأنوار 50: 236، ح6.
2- بحار الأنوار 50: 238، ح9.
3- بحار الأنوار 50: 326، ح1.

إخوته: محمد، الحسين، جعفر(1).

محل إقامته: جاء مع أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) إلى سامراء المقدّسة وبقي فيها حتى يوم استشهاده (عليه السلام) .

بوّابه: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري(2).

ملوك عصره: المعتز، المهتدي، المعتمد.

بعض أصحابه: الشيخ أبو علي احمد بن اسحاق الأشعري، أحمد بن محمد المطهّر، أبو سهل إسماعيل بن علي إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، محمد بن صالح بن محمد الهمداني(3).

مدّة عمره الشريف: 29 سنة(4).

مدّة إمامته: 6 سنوات(5).

نقش خاتمه: «سبحان من له مقاليد السماوات والأرض»(6).

اعتقاله: حبس أكثر من مرة، وعاش فترة من عمره الشريف في سجون الحكام الثلاثة الظالمين، وكانوا يضيّقون عليه في السجن.

استشهاده: يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الأول عام 260 للهجرة(7)،

ص: 215


1- بحار الأنوار 50: 231، ح6.
2- بحار الأنوار 50: 238، ح12.
3- منتهى الآمال 2: 685-690.
4- بحار الأنوار 50: 237، ح7.
5- بحار الأنوار 50: 236، ح6.
6- بحار الأنوار 50: 238، ح9.
7- بحار الأنوار 50: 236، ح5 و 6.

وقيل: الأربعاء، وقيل: الأحد(1).

قاتله: المعتمد العباسي.

قبره: دفن بجوار أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) في داره بسامراء المقدّسة(2) حيث مرقده الآن.

لمحة عن أحواله الشخصية (عليه السلام)

والدته المكرّمة (عليه السلام)

أمّا أمّه الكريمة؛ فكانت أفضل نساء عصرها، من السيّدات الزاكيات في عفّتها وورعها وطهارتها... ويقول الرواة: إنّها كانت من العارفات الصالحات وقد أثنى عليها الإمام علي الهادي (عليه السلام) ثناءاً عطراً وأشاد بمكانتها وسموّ منزلتها فقال: (سليل - وهو اسمها - مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس) وكفى بها فخراً وشرفاً، إنّها لم تلوّث بالأرجاس والأدناس ولا بما يشين المرأة وينقصها في شرفها وعفّتها، واختلف الرواة في اسمها الكريم، فقالوا: سليل، سوسن، حديثة، حريبة(3). والظاهر أنّها كانت تسمّى بجميع هذه الأسامي.

مكان وزمان الولادة

اختلف المؤرّخون أيضاً في المكان الذي حظي بولادة الإمام (عليه السلام) ، فقال بعض: في المدينة المنوّرة، وقال آخرون: في سامراء.

ص: 216


1- منتهى الآمال 2: 680.
2- بحار الأنوار 50: 236، ح6.
3- بحار الأنوار 50: 237، ح7.

كما اختلفوا في الزمان الذي ولد فيه الإمام (عليه السلام) ، فقالوا: ولد سنة 230 ه- في شهر ربيع الأول، وقالوا: ولد سنة 231 ه، وقالوا: ولد سنة 232 ه، وقالوا: ولد سنة 233ه(1).

ولكن ورد عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري الثاني (عليه السلام) ، قال: «كان مولدي في ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين» بالمدينة(2).

ألقابه (عليه السلام)

1. العسكري

عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على مولاي علي بن الحسين (عليه السلام) وفي يده صحيفة... فقلت: ما هذه الصحيفة؟ فقال: هذه نسخة اللوح الذي أهداه اللّه تعالى إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفيه اسم اللّه تعالى ورسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) و... ابنه الحسن العسكري...(3).

2. الرفيق

قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري في حديث اللوح المقدّس الذي كان محفوظاً عند الزهراء (عليها السلام) : ... أبو محمد الحسن بن علي الرفيق...(4).

3. الزكي

عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: ... حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنه قال:

ص: 217


1- حياة الإمام العسكري (عليه السلام) : 10.
2- دلائل الإمامة: 423، ح384.
3- إثبات الهداة 2: 234، ح811.
4- كمال الدين 1: 307، ح1.

من علم أنّه لا إله إلاّ أنا وحدي... فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري، فقال: يا رسول اللّه ومن الأئمة من ولد علي بن ابي طالب قال: ... ثم الزكي الحسن بن علي...(1).

4. الفاضل

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة، فأملأ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي إنّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً... فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل...(2).

5. الأمين

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّه دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: يا محمد أخبرني... بالأوصياء بعدك لأتمسّك بهم؟ فقال: يا جندل أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل... فإذا انقضت مدّة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يُدعى بالأمين...(3).

6-9. الميمون، النقي، الطاهر، الناطق عن اللّه

عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... إذ دخل الحسين بن علي فأخذه وقبّله... وقال: اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه، وأحبّ من يحبّه، يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة تسعة من ولدك أئمة أبرار... ويخرج من صلب

ص: 218


1- كمال الدين 1: 258، ح3.
2- الغيبة للطوسي: 151.
3- بحار الأنوار 36: 305، ح144.

علي، الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن اللّه وأبو حجّة اللّه...(1).

10-11. المؤمن باللّه المرشد إلى اللّه

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ... أخبرني ربّي جلّ جلاله أنّه سيخلق من صلب الحسين ولداً سمّاه عنده علياً... ثم يخرج من صلبه ابنه وسمّاه الحسن مؤمن باللّه مرشد إلى اللّه ويخرج من صلبه كلمة الحق...(2).

12. تمسكوا بالنجوم الزاهرة

عن سلمان الفارسي، قال: خطبنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: ... إذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة... وأمّا النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين... والصادقان علي والحسن...(3).

13-14. الأمين على سرّ اللّه

عن سلمان الفارسي، قال: دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فلمّا نظر إلي قال: يا سلمان إنّ اللّه تبارك لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا وجعل له اثني عشر نقيباً... ثم خلق منّا ومن صلب الحسين تسعة أئمة... ثم الحسن بن علي الصامت الأمين على سرّ اللّه...(4).

15. العلاّم

عن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ... الأئمة من بعدي الهادي والمهتدي والناصر والمنصور والشفاع والنفّاع والأمين والمؤتمن والإمام والفعال والعلاّم ومن

ص: 219


1- كفاية الأثر: 84.
2- كفاية الأثر: 187.
3- كفاية الأثر: 41.
4- مصباح الشريعة: 64.

يصلّي خلفه عيسى بن مريم...(1).

16. ولي اللّه

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : إذا حضرت أحدكم الحاجة فليصم يوم الأربعاء... فيصلّي ركعتين ثم يمدّ يده إلى السماء ويقول: ... وأتقرّب إليك بوليّك الحسن بن علي...(2).

17. سراج أهل الجنة

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أنا واردكم على الحوض... والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به...(3).

18. خزانة الوصيين

قال أبو جعفر (عليه السلام) : من دعا بهذا الدعاء مرّة واحدة في دهره كتب في ورق ودفع في ديوان القائم... وأدع به وأنت طاهر تقول: اللّهم يا إله يا واحد... وبالحسن بن علي الطاهر الزكي خزانة الوصيين...(4).

19-20. النادب، المعطي

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ... يا علي أنا نذير أمتيّ وإنك هاديها... و الحسن بن علي نادبها ومعطيها...(5).

ص: 220


1- مدينة المعاجز 3: 435، ح954.
2- إثباة الهداة 2: 130، ح388.
3- إثبات الهداة 2: 284، ح26.
4- مهج الدعوات: 334.
5- بحار الأنوار 36 ص270.
ومن ألقابه أيضاً:

واشتهر أيضاً بألقاب شريفة ك- : الهادي، المهتدي، المضيء، الشافي، المرضي، الخالص، الخاص، التقي، الشفيع، الموفي، السخي، المستودع... .

ومن ألقابه في كتب الرجال: الفقيه، الرجل، الأخير، العالم.

سنة الشهادة

أمّا السنة التي انتقل فيها الإمام العسكري (عليه السلام) إلى جوار ربّه فهي سنة 260 ه- باتفاق المؤرّخين وإن اختلفوا في شهر الوفاة ويومها على أقوال:

الأول: في اليوم الأول من شهر ربيع الأول سنة 260 من الهجرة.

الثاني: في اليوم السادس من شهر ربيع الأول سنة 260 من الهجرة.

الثالث: في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول سنة 260 من الهجرة.

الرابع: في شهر ربيع الثاني سنة 260 من الهجرة.

الخامس: في اليوم الثامن من شهر جمادى الأولى.

وأمّا المشهور بين هذه الأقوال فهو القول الثالث كما صرّح به الشيخ المفيد والطبرسي وابن الصباغ والكنجي الشافعي وكثير من المؤرّخين.

قال المفيد في (الإرشاد): مرض أبو محمد (عليه السلام) في أول شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ومات يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر(1).

القبر الشريف

اشارة

دفن (عليه السلام) في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه (عليه السلام) بسرّ من رأى(2).

ص: 221


1- الإرشاد 2: 336.
2- الكافي 1: 503.
قبري أمان

روى الجعفري، قال: قال لي أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : قبري بسرّ من رأى أمان لأهل الجانبين(1).

من عظمة الإمام العسكري (عليه السلام)

اشارة

لقد سجّل التاريخ الكثير عن علمه (عليه السلام) وعبادته وأخلاقه وكرمه ممّا هو خارج عن المقصود في هذا الكتاب، ولا بأس هنا ببعض الإشارة إلى ذلك، كما يمكن الحصول على بعضها بمراجعة قسم الكرامات.

ولاية الإمام العسكري (عليه السلام)

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حديث له: ومن أحبّ أن يَلقى اللّه وهو من الفائزين فليتولّ الحسن العسكري(2).

صاحبكم بعدي

عن عبد اللّه بن محمد الأصفهاني، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام) : صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ، قال: ولم نعرف أبا محمد (عليه السلام) قبل ذلك فخرج أبو محمد بعد وفاته فصلّى عليه(3).

النص عليه

قال أبو الحسن (عليه السلام) : الحسن ابني القائم من بعدي(4).

ص: 222


1- تهذيب الأحكام 6: 93، ح176.
2- بحار الأنوار 36 ص296، ح125.
3- الكافي 1: 326، ح3.
4- الغيبة للطوسي: 199.

هذا بالإضافة إلى ما ورد عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في عدّة روايات أنه عيّن خلفاءه الاثني عشر وسمّاهم بأسمائهم، وهكذا ما ورد عن سائر الأئمة (عليهم السلام) في هذا الباب.

قوله قول أبيه

روى الصقر بن أبي دلف، فقال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: إنّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه(1).

الأكبر من ولدي

روى علي بن مهزيار، فقال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إن كان كون وأعوذ باللّه فإلى من؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي(2).

الخلف من بعدي

عن داود بن القاسم، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) : الخلف من بعدي الحسن(3).

عنده علم ما يحتاج اليه

عن أبي هاشم الجعفري في حديث له: ... فأقبل علي أبو الحسن (عليه السلام) فقال: ... وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه ومعه

ص: 223


1- كمال الدين 2: 378، ح3.
2- الكافي 1: 326، ح6.
3- الكافي 1: 332، ح1.

آلة الإمامة(1).

صاحبك بعدي

عن شاهوية بن عبد اللّه الجلاب، قال: كتب إليّ أبو الحسن (عليه السلام) في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك، فلا تغتم فإنّ اللّه عزّ وجل لا يضل {قَوْمَۢا بَعْدَ إِذْ هَدَىٰهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ}(2)

وصاحبك بعدي أبو محمد ابني وعنده ما تحتاجون إليه يقدم ما يشاء اللّه ويؤخّر ما يشاء اللّه: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٖ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَاۗ}(3) قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان(4).

إليه ينتهي عُرى الإمامة

عن أبي بكر الفهفكي، قال: كتب إلي أبو الحسن (عليه السلام) : أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجّة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف وإليه ينتهي عُرى الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يُحتاج إليه(5).

ما رأيت ولا عرفت مثل الحسن بن علي (عليه السلام)

كان أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان(6) على الضياع والخراج بقم، فجرى

ص: 224


1- الكافي 1: 327، ح10.
2- سورة التوبة: 115.
3- سورة البقرة: 106.
4- الكافي 1: 328، ح12.
5- الكافي 1: 328، ح11.
6- كان من الأعداء والنواصب ومن عمّال الخلفاء العباسية.

يوماً في مجلسه ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) ، فقال: ما رأيت ولا عرفت بِسُرّ مَنْ رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم وتقديمهم إيّاه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء وعامّة الناس، فأنيّ كنت يوماً قائماً على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل حُجَّابه، فقالوا: أبو محمد بن الرضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فعجبتُ ممّا سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكن عنده إلاّ خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنّى، فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حدثٍ السن، له جلالة وهيبة، فلما نظر إليه أبي قام يمشي إليه خُطى، ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقوّاد، فلمّا دنا منه عانقه وقبّل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه، وأنا متعجّب ممّا أرى منه، إذ دخل الحاجب، فقال: الموفّق قد جاء، وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدمه حجّابه وخاصة قوّاده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مُقبلاً على أبي محمد يحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة، فقال: حينئذ إذا شئت جعلني اللّه فداك، ثم قال لحجّابه: خذوا به من خلف السماطين لا يراه هذا، يعني الموفّق، فقام وقام أبي وعانقه ومضى.

فقلت لحجّاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي كنّيتموه على أبي وفعل به أبي هذا الفعل؟ فقال: هذا علوي يقال له الحسن بن علي يُعرف

ص: 225

بابن الرضا، فازددت تعجّباً ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتى كان الليل وكانت عادته أن يصلّي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان.

فلمّا صلّى وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد، فقال لي: يا أحمد ألك حاجة؟ قلت: نعم يا أبه، فإن أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت...، قلت: يا أبة مَن الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟ فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا، فسكت ساعة، ثم قال: يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا وإن هذا ليستحقها في لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً.

فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه واستزدته في فعله...، فلم تكن لي همّة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره، فما سألت أحداً من بني هاشم والقُوّاد والكُتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له ولياً ولا عدواً إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه...

فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجّة واحدة وعطّلت الأسواق وركب بنو هاشم والقوّاد وساير الناس إلى جنازته فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة(1).

ص: 226


1- الكافي 1: 503، ح1.
ينقلب العدوّ صديقاً

عن محمد بن إسماعيل العلوي، قال: حبس أبو محمد (عليه السلام) عند علي بن أوتامش وكان شديد العداوة لآل محمد (عليهم السلام) غليظاً على آل أبي طالب، وقيل له: إفعل به وافعل، فما أقام إلا يوماً حتى وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولاً فيه(1).

النور الساطع

عن بذل مولى أبي محمد (عليه السلام) ، قال: رأيت من عند رأس أبي محمد (عليه السلام) نوراً ساطعاً إلى السماء وهو نائم(2).

من عبادته (عليه السلام)

اشارة

قال محمد الشاكري: كان (الإمام) يجلس في المحراب ويسجد، فأنام وانتبه وأنام وهو ساجد(3).

يصوم في السجن

قال أبوهاشم: كان الحسن (عليه السلام) يصوم (في السجن)، فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله إليه غلامه في جونة(4) مختومة(5).

ص: 227


1- كشف الغمة 2: 412.
2- الخرائج والجرائح 1: 443، ح25.
3- الغيبة للطوسي: 217.
4- الجونة: ظرف للطيب، قال في العين: الجونة: سليلة مستديرة كتاب العين 6: 186 (جون).
5- إعلام الوری 2: 141.
يصوم النهار ويصلّي الليل

كان المعتمد يسأل عن أخباره (عليه السلام) في كل وقت وهو في السجن، فيُخبر أنّه يصوم النهار ويصلّي الليل(1).

لا يتشاغل بغير العبادة

عن محمد بن إسماعيل، قال: دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد (عليه السلام) ، فقال له: ضيّق ولا توسّع، فقال صالح: ما أصنع به وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم؟ ثم أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين(2).

زهده (عليه السلام)

اشارة

عن أبي نعيم، قال: وجّه قوم من المفوّضة والمقصّرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد (عليه السلام) ، قال كامل: فقلت في نفسي: أسأله لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتي وقال بمقالتي، قال: فلمّا دخلت على سيّدي أبي محمد (عليه السلام) نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليُّ اللّه وحجّته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لُبس مثله؟ فقال مبتسماً: يا كامل - وحسّر عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن

ص: 228


1- مهج الدعوات: 275.
2- الإرشاد 2: 334.

على جلده(1) - فقال: هذا لله وهذا لكم(2).

قليل الأكل

قال محمد الشاكري: كان أستاذي... قليل الأكل، كان يحضره التين والعنب والخوخ فما يشاكله فيأكل منه الواحدة والثنتين ويقول: شِل هذا يا محمد إلى صبيانكم...(3).

ص: 229


1- المسح: كساء من شعر.
2- الغيبة للطوسي: 246.
3- دلائل الإمامة: 431، ح395.

ص: 230

الفصل الثاني: من كلمات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

اشارة

ص: 231

ص: 232

إلهيات

التوحيد

عن سهل بن زياد، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول: هو جسم، ومنهم من يقول: هو صورة، فإن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوّزه فعلت متطولاً على عبدك، فوقّع بخطه (عليه السلام) : سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول، اللّه واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة، جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه أن يكون له شبه هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(1).

جلّ أن يرى

عن يعقوب بن إسحاق، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه؟ فوقّع (عليه السلام) : يا أبا يوسف جلّ سيّدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى(2).

ص: 233


1- الكافي 1: 103، ح10.
2- الكافي 1: 95، ح1.
ما سواه مخلوق

قال أبو هاشم: إنّي قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمد (عليه السلام) في القرآن أهو مخلوق أم غير مخلوق؟ والقرآن سوى اللّه؟

فأقبل عليّ، فقال (عليه السلام) : أوما بلغك ما روي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : لما نزلت: {قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} خلق اللّه لها أربعة آلاف جناح، فما كانت تمرّ بملإ الملائكة إلاّ خشعوا لها، وقال هذه نسبة الرب تبارك وتعالى(1).

وجاء في الثاقب المناقب: فبدأني وقال: إنّ اللّه خالق كل شيء وما سواه مخلوق(2).

أراه نور عظمته

عن يعقوب بن إسحاق، قال: سألته هل رأى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ربّه؟ فوقّع (عليه السلام) : إنّ اللّه تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب(3).

عفوه سبحانه وتعالى

روى أبو هاشم، قال: سمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: إنّ اللّه ليعفو يوم القيامة عفواً لا يخطر على بال العباد حتى يقول أهل الشرك: {وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}(4)، فذكرت في نفسي حديثاً حدّثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قرأ: {إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا}(5)، فقال رجل:

ص: 234


1- الخرائج والجرائح 2: 686، ح6.
2- الثاقب في المناقب: 568، ح511.
3- الكافي 1: 95.
4- سورة الأنعام: 23.
5- سورة الزمر: 53.

ومن أشرك؟ فأنكرت ذلك وتنمّرت(1) للرجل فأنا أقوله في نفسي، إذ أقبل عليّ، فقال: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}(2) وبئس ما قال هذا بئس ما روى(3).

حيث لا منجي

عن الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) في قول اللّه عزّ وجلّ: {بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} فقال: اللّه هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من دونه وتقطع الأسباب من جميع من سواه، يقول: بسم اللّه أي: أستعين على أموري كلّها، باللّه الذي لا تحق العبادة إلاّ له، المغيث إذا استغيث والمجيب إذا دُعي، وهو ما قال رجل للصادق (عليه السلام) : يا بن رسول اللّه دلّني على اللّه ما هو، فقد كثر علي المجادلون وحيّروني؟ فقال له: يا عبد اللّه هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم، قال: فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم، قال: فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال: نعم، قال الصادق (عليه السلام) : فذلك الشيء هو اللّه القادر على الإنجاء حيث لا منجي وعلى الإغاثة حيث لا مغيث(4).

الشرك الخفي

قال (عليه السلام) : الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الأسود

ص: 235


1- التنمّر: الغضب.
2- سورة النساء: 48 و 116.
3- الخرائج والجرائح 2: 686، ح7.
4- التوحيد للصدوق: 231، ح5.

في الليلة المظلمة(1).

أحد أحد

روى محمد بن الربيع الشيباني، فقال: ناظرت رجلاً من الثنوية(2)

بالأهواز، ثم قدمت سرّ من رأی وقد علق بقلبي شيء من مقالته، فإنّي لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد (عليه السلام) من دار العامّة يوم الموكب، فنظر إليّ وأشار بسبابته: أحد أحد، فوحّده، فسقطت مغشياً عليّ(3).

يمحو اللّه ما يشاء

عن أبي هاشم، قال: سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد (عليه السلام) عن قول اللّه {يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَٰبِ}(4)

فقال أبو محمد (عليه السلام) : هل يمحو اللّه إلاّ ما كان وهل يثبت إلاّ ما لم يكن؟، فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقول هشام بن الحكم: لا يعلم الشيء حتى يكون، فنظر إليّ أبو محمد (عليه السلام) ، فقال: تعالى الجبّار الحاكم العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق إذ لا مخلوق، والرب إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه، فقلت: أشهد أنّك ولي اللّه وحجّته والقائم بقسطه وأنّك على منهاج أمير المؤمنين وعلمه(5).

ص: 236


1- تحف العقول: 487.
2- هم الذين يقولون بأن للعالم إلهين أحدهما النور والخيرات كلها منسوبة إليه، والثاني الظلمة ضده، والشرور جميعها منسوبة إليها.
3- كشف الغمة 2: 425.
4- سورة الرعد: 39.
5- كشف الغمة 2: 419.
لله الأمر من قبل ومن بعد

عن أبي هاشم أنّه قال: سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد (عليه السلام) عن قول اللّه: {لِلَّهِ ٱلْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنۢ بَعْدُ}(1) فقال أبو محمد: له الأمر من قبل أن يأمر به وله الأمر من بعد أن يأمر بما شاء، فقلت في نفسي: هذا قول اللّه: {أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ}(2) قال: فنظر إليّ وتبسّم ثم قال: {أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ}(3).

من مصاديق الشرك باللّه

قال أبو هاشم: سمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: من الذنوب التي لا تغفر، قول الرجل: ليتني لم أؤخذ إلا بهذا، فقلت في نفسي: إنّ هذا لهو الدقيق وقد ينبغي للرجل أن يتفقّد من نفسه كل شيء، فأقبل (عليه السلام) عليّ فقال: صدقت يا أبا هاشم إلزم ما حدّثتك نفسك فإنّ الإشراك في اللّه أخفى من دبيب النمل على الصفاء في الليلة الظلماء، ومن دبيب الذر على المسح الأسود(4).

نبويّات

بساط الأنبياء والأولياء

عن علي بن عاصم الكوفي، قال: دخلت على أبي محمد العسكري (عليه السلام) بالعسكر، فقال لي: يا علي بن عاصم، انظر إلى ما تحت قدميك، فنظرت

ص: 237


1- سورة الروم: 4.
2- سورة الأعراف: 54.
3- كشف الغمة 2: 420.
4- كشف الغمة 2: 420.

ثلاثاً، فوجدت شيئاً ناعماً، فقال لي: يا علي، أنت على بساط قد جلس عليه ووطأه كثير من النبيين والمرسلين والأئمّة الراشدين. فقلت: يا مولاي لا أنتعل ما دمت حيّاً إعظاماً لهذا البساط، فقال: يا علي إنّ هذا الذي في قدمك من الخفّ جلد ملعون نجس رجس لم يقرّ بولايتنا وإمامتنا، وقلت: وحقّك يا مولاي لا لبست خفّاً ولا نعلاً، فقلت في نفسي: كنت أشتهي أن أرى هذا البساط بعيني. فقال: أدن يا علي، فدنوت فمسح بيده المباركة على عيني فعدت باللّه بصيراً فأدرت عيني في البساط...

فقال لي: هذا قدم آدم (عليه السلام) وموضع جلوسه، وهذه قدم قابيل إلى أن لُعن وقتل هابيل، وهذا قدم هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر أخنوخ، وهذا أثر قيدار، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر نادر، وهذا أثر إدريس، وهذا أثر متوشلخ، وهذا أثر نوح، وهذا أثر سام، وهذا أثر أرفخشد، وهذا أثر أبو يعرب، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر لوط، وهذا أثر إبراهيم، وهذا أثر إسماعيل، وهذا أثر إلياس، وهذا أثر أبي قصيّ الناس، وهذا أثر إسحاق، وهذا أثر يعوسا، وهذا أثر إسرائيل، وهذا أثر يوسف، وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسى بن عمران، وهذا أثر هارون، وهذا أثر يوشع بن نون، وهذا أثر زكريا، وهذا أثر يحيى، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر ذي الكفل، وهذا أثر اليسع، وهذا أثر ذي القرنين الإسكندري، وهذا أثر سابور، وهذا أثر لؤي، وهذا أثر كلاب وهذا أثر قصي، وهذا أثر عدنان، وهذا أثر هاشم، وهذا أثر عبد المطلب، وهذا أثر عبد اللّه، وهذا أثر السيد محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهذا أثر أمير المؤمنين، وهذا أثر الحسن، وهذا أثر الحسين، وهذا أثر علي بن الحسين، وهذا أثر محمد بن علي، وهذا أثر جعفر بن محمد، وهذا أثر موسى بن جعفر، وهذا أثر علي بن موسى بن جعفر، وهذا

ص: 238

أثر محمد بن علي، وهذا أثر علي بن محمد، وهذا أثر الحسن، وهذا أثر ابني محمد المهدي إنه قد وطأه وجلس عليه.

فقال علي بن عاصم: فخُيّل لي واللّه من ردّ بصري ونظري إلى ذلك البساط وهذه الآيات كلّها أنّي نائم وإنّي أحلم بما رأيت، فقال لي أبو محمد (عليه السلام) : أثبت يا علي فما أنت بنائم ولا بحلم، فانظر إلى هذه الآثار وأعلم أنّها لمن أهم دين اللّه، فمن زاد فيهم كفر ومن نقص أحداً كفر والشاك في الواحد منهم كالشاك الجاحد لله، غضّ طرفك يا علي، فغضضت طرفي محجباً، فقلت: يا سيّدي ممّن تقول إنّهم في مائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي أهؤلاء... ثم قال: إذا علم ما قال لم يأثم، فقلت: يا سيّدي ما علمي علمهم حتى لا أزيد ولا أنقص منهم. قال: يا علي، الأنبياء والرسل والأئمة هؤلاء الذين رأيت آثارهم في البساط لا يزيدون ولا ينقصون والمائة الألف وأربعة وعشرين ألف تنبؤا من أنبياء اللّه ورسله وحججه فآمنوا باللّه وعملوا ما جاءت به الرسل من الكتب والشرائع فمنهم الصدّيقون والشهداء والصالحون وكلّهم هم المؤمنون وهذا عددهم عند هبوط آدم من الجنة إلى أن بعث اللّه جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقلت: الحمد لله والشكر لذلك الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه(1).

الدنيا وما عليها

عن محمد بن الريان، قال: كتبت إلى العسكري (عليه السلام) : جعلت فداك روي لنا أنّ ليس لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الدنيا إلاّ الخمس؟ فجاء الجواب: إنّ الدنيا وما

ص: 239


1- حلية الأبرار 6: 121، ح1.

عليها لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (1).

ولائيّات

نحن ليوث الوغى

قال الإمام العسكري (عليه السلام) : قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوّة والولاية، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوّة، فنحن ليوث الوغى وغيوثُ الندى، وفينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الآجل، وأسباطنا خلفاء الدين وحلفاء اليقين ومصابيح الأمم ومفاتيح الكرم، فالكليم ألبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء، وروح القُدُس في جنان الصاقورة(2) ذاق من حدائقنا الباكورة، وشيعتنا الفئة الناجية والفرقة الزاكية صاروا لنا ردءاً وصوناً وعلى الظلمة ألبا وعوناً، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران لتمام الطواوية(3) والطواسين من السنين(4).

واللّه متم نوره

عن المحمودي، قال: رأيت خطّ أبي محمد (عليه السلام) لما خرج من حبس المعتمد: {يُرِيدُونَ لِيُطْفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ}(5)(6).

ص: 240


1- الكافي 1: 409، ح6.
2- الصاقورة: السماء الثالثة.
3- الطواوية: جمع طه.
4- بحار الأنوار 75: 378، ح3.
5- سورة الصف، 8.
6- مهج الدعوات: 276.
شأن آل محمد (عليهم السلام)

قال داود بن القاسم الجعفري: سألت أبا محمد (عليه السلام) عن قول اللّه عزّوجلّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُۢ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ}(1) فقال (عليه السلام) : كلّهم من آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام، قال: فدمعت عيني وجعلت أفكر في نفسي في عظم ما أعطى اللّه آل محمد على محمد وآله السلام، فنظر إلي أبو محمد (عليه السلام) ، فقال: الأمر أعظم مما حدّثتك نفسك من عظيم شأن آل محمد، فاحمد اللّه فقد جُعلت متمسّكاً بحبّهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل إنسان بإمامهم فأبشر يا أبا هاشم فإنّك على خير(2).

من عرفهم عرف اللّه

قال أبو هاشم: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول اللّه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا}(3) قال الإمام أبو محمد (عليه السلام) : ثبتت المعرفة ونسوا ذلك الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه، قال أبو هاشم: فجعلت أتعجّب في نفسي من عظيم ما أعطى اللّه وليّه وجزيل ما حمله، فأقبل أبو محمد (عليه السلام) عليّ فقال: الأمر أعجب ممّا عجبت منه يا أبا هاشم وأعظم، ما ظنّك بقوم من عرفهم عرف اللّه ومن

ص: 241


1- سورة فاطر: 32.
2- كشف الغمة 2: 419.
3- سورة الأعراف: 172.

أنكرهم أنكر اللّه فلا مؤمن إلا وهو بهم مصدّق وبمعرفتهم موقن(1).

لا أملك غير موالاتكم

قال علي بن عاصم: قلت للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي وليس أملك غير موالاتكم والبراءة من أعدائكم واللعن لهم في خلواتي، فكيف حالي يا سيدي؟ فقال (عليه السلام) : حدّثني أبي عن جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: من ضعف على نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ اللّه صورته إلى جميع الملائكة، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا ساعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم، فإذا بلغ صورته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه، وقالوا: اللّهم صل على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل، فإذا النداء من قبل اللّه تعالى يقول: يا ملائكتي إنّي قد أجبت دعاءكم في عبدي هذا وسمعت نداءكم وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته مع المصطفين الأخيار(2).

الأئمة (عليهم السلام)

عن سفيان بن محمد الضبعي، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الوليجة وهو قول اللّه: {وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}(3) فقلت في نفسي لا في الكتاب: من ترى المؤمنين ههنا؟ فرجع

ص: 242


1- كشف الغمة، 2: 419.
2- بحار الأنوار 50: 316، ح13.
3- سورة التوبة: 16.

الجواب: الوليجة الذي يقام دون ولي الأمر، وحدّثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع فهم الأئمة الذين يؤمنون على اللّه فيجيز أمانهم(1).

بل عباد مكرمون

عن إدريس بن زياد الكفرتومائي، قال: كنت أقول فيهم قولاً عظيماً، فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمد (عليه السلام) ، فقدمت وعليّ أثر السفر وعثاؤه(2)، فألقيت نفسي على دكان(3) حمّام فذهب بي النوم، فما انتبهت إلاّ بمقرعة أبي محمد (عليه السلام) قد قرعني بها حتى استيقظت فعرفته (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقمت قائماً أقبّل يده وفخذه وهو راكب والغلمان من حوله، فكان أول ما تلقّاني به أن قال: يا إدريس: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِۦ يَعْمَلُونَ}(4) فقلت: حسبي يا مولاي وإنّما جئت أسألك عن هذا، قال: فتركني ومضى(5).

قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه

عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري، قال: وجّه قوم من المفوّضة والمقصّرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد (عليه السلام) ، قال كامل: فقلت في نفسي أسأله: لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتي وقال بمقالتي، قال: فلما دخلت على سيّدي أبي محمد (عليه السلام) نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه،

ص: 243


1- الكافي 1: 508، ح9.
2- وعثاء السفر: مشقّته وشدّته. لسان العرب: 2 / 202، (وعث).
3- الدكّان: دكّاكين (فارسيّة): شئ كالمصطبة يُقعد عليه. المنجد، (دكن).
4- سورة الأنبياء: 26 و27.
5- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 428.

فقلت في نفسي: ولي اللّه وحجّته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الأخوان وينهانا عن لُبس مثله، فقال مبتسّماً: يا كامل وحَسَرَ ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده! فقال: هذا لله وهذا لكم، فسلّمت وجلست إلى باب عليه ستر مُرخى فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتى كأنّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال لي: يا كامل بن إبراهيم! فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت: لبّيك يا سيّدي، فقال: جئت إلى وليّ اللّه وحجّته وبابه تسأله هل يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟ فقلت: أي واللّه، قال: إذن واللّه يقلّ داخلها واللّه إنّه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية، قال: يا سيّدي ومن هم؟ قال: قوم من حبّهم لعلي (عليه السلام) يحلفون بحقّه ولا يدرون ما حقّه وفضله.

ثم سكت صلوات اللّه عليه عنيّ ساعة ثم قال: وجئت تسأله عن مقالة المفوّضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه فإذا شاء شئنا واللّه يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ ٱللَّهُ}(1)، ثم رجع الستر إلى حالته فلم استطع كشفه، فنظر إليّ أبو محمد (عليه السلام) متبسّما فقال: يا كامل ما جلوسك وقد أنباك بحاجتك الحجّة من بعدي، فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك(2).

لسنا كالناس

عن الفضل بن الحارث، قال: كنت بسرّ من رأى وقت خروج سيّدي أبي الحسن، فرأينا أبا محمد (عليه السلام) ماشياً قد شقّ ثوبه فجعلت أتعجّب من جلالته

ص: 244


1- سورة الإنسان: 30.
2- الغيبة للطوسي: 246.

وهو له أهل ومن شدّة اللون والأدمة وأشفق عليه من التعب، فلما كان الليل رأيته (عليه السلام) في منامي، فقال: اللون الذي تعجّبت منه اختيار من اللّه لخلقه يُجريه كيف يشاء وإنّها لعبرة في الأبصار، لا يقع فيه غير المختبر ذمّ ولسنا كالناس فنتعب ممّا يتعبون، فاسأل اللّه الثبات والتفكّر في خلق اللّه فإنّ فيه متّسعاً، أعلم إنّ كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة(1).

حديثنا صعب مستصعب

عن بعض أهل المدائن، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : روي لنا عن آبائكم (عليه السلام) : أنّ حديثكم صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان، قال: فجاءه الجواب: إنّما معناه أنّ الملك لا يحتمله في جوفه حتى يخرجه إلى ملك مثله، ولا يحتمله نبي حتى يخرجه إلى نبي مثله، ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه إلى مؤمن مثله، إنّما معناه أن لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتى يخرجه إلى غيره(2).

لكلامنا فضل

قال أبو هاشم: سمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: إنّ لكلام اللّه فضلاً على الكلام كفضل اللّه على خلقه، ولكلامنا فضل على كلام الناس كفضلنا عليهم(3).

ص: 245


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 434.
2- معاني الأخبار: 188، ح1.
3- كشف الغمة 2: 421.
من أحبّنا كان معنا

عن محمد بن الحسن بن ميمون، قال: كتبت إليه أشكو الفقر، ثم قلت في نفسي: أليس قد قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا، والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا، فرجع الجواب: إنّ اللّه عزّوجل يخص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر، وقد يعفو عن كثير منهم، وهو كما حدّثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا، ونحن كهف لمن التجأ إلينا، ونور لمن استضاء بنا، وعصمة لمن اعتصم بنا، من أحبّنا كان معنا في السنام الأعلى، ومن انحرف عنّا مال إلى النار(1).

حالهم في المنام

قال محمد بن الأقرع: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الإمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي الاحتلام شيطنة وقد أعاذ اللّه أولياءه من ذلك، فردّ الجواب: الأئمة في الفنوم حالهم في اليقظة لا يغيّر النوم منهم شيئاً، قد أعاذ اللّه أولياءه من لمة(2) الشيطان كما حدّثتك نفسُك(3).

من كنت مولاه فعلي مولاه

قال الحسن بن ظريف: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله ما معنى قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : من كنت مولاه فهذا مولاه، قال (عليه السلام) : أراد بذلك أن يجعله علماً يعرف به حزب اللّه عند الفرقة(4).

ص: 246


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 435.
2- اللمة: الهمة والخطرة تقع في القلب، وقيل: للشيطان لمة أي دنو.
3- الخرائج والجرائح 1: 446، ح31.
4- كشف الغمة 2: 423.
ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)

خرج إلى قاسم بن علاء الهمداني وكيل أبي محمد (عليه السلام) : أنّ مولانا الحسين (عليه السلام) ولد يوم الخميس لثلاث مضين من شعبان(1).

لولا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأوصياء من ولده

عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري: أنّ العالِم كتب إليه، يعني الحسن بن علي (عليه السلام) : إنّ اللّه تعالى بمنّه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه إليكم، لا إله إلا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففوّض عليكم الحج والعمرة وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والصوم والولاية، وجعل لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأوصياء (عليهم السلام) من ولده كنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخل قرية إلا من بابها؟ فلما مَنّ اللّه عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال اللّه عزّوجل: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا}(2) وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً فأمركم بأدائها إليهم، ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، وقال اللّه تبارك وتعالى: {قُل لَّا أَسَْٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا

ص: 247


1- إثبات الهداة 2: 133، ح396.
2- سورة المائدة: 3.

ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰۗ}(1)، فاعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل على نفسه، إنّ اللّه هو الغني وأنتم الفقراء إليه، لا إله إلا هو، فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين(2).

من علائم الإمامة

عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: أمضِ بنا حتى نصير إلى هذا الرجل - يعني أبا محمد - فإنّه قد وصف عنه سماحة، فقلت: تعرفه؟ فقال: ما أعرفه ولا رأيته قط، قال: فقصدناه، فقال أبي وهو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مائتا درهم للكسوة، ومائتا درهم للدين، ومائة درهم للنفقة، فقلت في نفسي: ليته أمر لي بثلاثمائة درهم: مائة أشتري بها حماراً، ومائة للنفقة، ومائة للكسوة فأخرج إلى الجبل.

قال: فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه، فقال: يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي: يا علي ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟ فقال: يا سيّدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال، فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة فيها دراهم، فقال: هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة ومائتان للدين ومائة للنفقة! وأعطاني صرّة، فقال: هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج إلى

ص: 248


1- سورة الشورى: 23.
2- علل الشرائع 1: 250، ح6.

الجبل وصر إلى سوراء(1)! قال: فصار إلى سوراء وتزوج امرأة منها فدخله اليوم ألفا دينار، ومع هذا يقول بالوقف. فقال محمد بن إبراهيم: فقلت له: ويحك أتريد أمراً أبين من هذا؟ قال: فقال هذا أمرٌ قد جرينا عليه(2).

معرفته باللغات

عن أبي حمزة نصير الخادم، قال: سمعت أبا محمد (عليه السلام) غير مرّة يكلّم غلمانه بلغاتهم تُرك ورُوم وصقالبة(3)، فتعجّبت من ذلك، وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن (عليه السلام) ولا رآه أحد، فكيف هذا؟ أحدّث نفسي بذلك فأقبل علي فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى بيّن حجّته من سائر خلقه، وبكل شيء، ويعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث، ولو لا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق(4).

يقضي كقضاء داوود (عليه السلام)

قال الحسن بن ظريف: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب فيهما إلى أبي محمد (عليه السلام) ، فكتبت إليه أسأله عن القائم إذا قام بما يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمّى(5) الربع، فأغفلت خبر الحمّى، فجاء الجواب: سألتَ عن القائم (عليه السلام) فإذا قام

ص: 249


1- سوراء: موضع بالعراق من أرض بابل، قريبة من الحلة (معجم البلدان 3: 278).
2- الكافي 1: 506-507، ح3.
3- الصقالبة يل تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغر وقسطنطينية (قاموس المحيط).
4- الكافي 1: 509، ح11.
5- حمی الربع: هي التي تأخذ يوماً وتدع يومين، ثم تجيء في اليوم الرابع. القاموس المحيط 2: 965 (ربع).

قضى بين الناس بعلمه كقضاء داوود (عليه السلام) لا يسأل البيّنة، وكنتَ أردت أن تسأل لحمى الربع فأنسيت فاكتب في ورقة وعلّقه على المحموم: فانه يبرأ بإذن اللّه إن شاء اللّه {يَٰنَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَٰمًا عَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ}(1)، فعلقنا عليهما ذكى ابو محمد (عليه السلام) فافاق(2).

السباع حوله

عن جماعة من أصحابنا، قالوا: سلّم أبو محمد (عليه السلام) إلى نحرير وكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتق اللّه فإنّك لا تدري من في بيتك، وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت: إنّي أخاف عليك منه، فقال: واللّه لأرمينّه للسباع، ثم استأذن في ذلك فأذن له، فرمى به إليها ولم يشكّوا في أكلها له، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال، فوجدوه (عليه السلام) قائماً يصلّي وهي حوله فأمر بإخراجه إلى داره(3).

أنا وصيّه

عن هارون بن مسلم، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) بعد مضي أبي الحسن (عليه السلام) أنا وجماعة نسأله عن وصي أبيه؟ فكتب (عليه السلام) : قد فهمت ما ذكرتم وإن كنتم إلى هذا الوقت في شك فإنّها المصيبة العظمى، أنا وصيّه وصاحبكم بعده (عليه السلام) ، بمشافهة من الماضي، أشهد اللّه تعالى وملائكته وأوليائه على ذلك فإن شككتم بعد ما رأيتم خطّي وسمعتم مخاطبتي فقد

ص: 250


1- سورة الأنبياء: 69.
2- الكافي 1: 509، ح13.
3- كشف الغمة 2: 414.

أخطأتم حظّ أنفسكم وغلطتم الطريق(1).

فكيف رأوا قدرة اللّه

قال أبو محمد (عليه السلام) حين ولد الحجّة (عليه السلام) : زعم الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل فكيف رأوا قدرة اللّه؟ وسمّاه: المؤمل(2).

ولادة الحجّة (عليه السلام)

عن أحمد بن محمد، قال: خرج عن أبي محمد (عليه السلام) حين قتل الزبيري: هذا جزاء من افترى على اللّه في أوليائه، زعم أنّه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأى قدرة اللّه؟ وولد له ولد سّماه م ح م د سنة ست وخمسين ومائتين(3).

هذا صاحبكم

عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس - سمّاه - قال: أتيت سرّ من رأى فلزمت باب أبي محمد (عليه السلام) فدعاني من غير أن استأذن، فلما دخلت وسلّمت قال لي: يا أبا فلان كيف حالك؟ ثم قال لي: أ ُقعد يا فلان، ثم سألني عن رجال ونساء من أهلي ثم قال لي: ما الذي أقدمك علي؟ قلت: رغبة في خدمتك، فقال: الزم الدار، قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثم صرت اشتري لهم الحوائج من السوق، وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال، فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة

ص: 251


1- إثبات الوصية: 246.
2- الغيبة للطوسي: 223.
3- الكافي 1: 514، ح1.

في البيت فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أخرج ولا أدخل، فخرجت عليّ جارية ومعها شيء مغطّى، ثم ناداني: أدخل. فدخلت، ونادى الجارية فرجعت، فقال لها: اُكشفي عمّا معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشفت عن بطنه فإذا شعر نابت من لبّته إلى سرته(1) أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد (عليه السلام) ، قال ضوء بن علي: فقلت للفارسي: كم كنت تقدّر له من السنين؟ فقال: سنتين، قال العبدي: فقلت لضوء: كم تقدّر له الآن في وقتنا؟ قال: أربعة عشر سنة(2).

يا عمّة هو في كنف اللّه

عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) ، قالت: بعث إليّ أبو محمد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان، وقال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ اللّه عزّوجلّ سيسرك بوليّه وحجّته على خلقه، خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي علي وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيّدي، الخلف ممّن هو؟ قال: من سوسن، فأدرت طرفي فيهن فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة: فلما أن صلّيت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايّتها في بيت واحد فغفوت غفوة ثم

ص: 252


1- اللبة: موضع القلادة من الصدر. والسرة: التجويف الصغير المعهود في وسط البطن.
2- كمال الدين 2: 436، ح4.

استيقظت فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد (عليه السلام) من أمر ولي اللّه (عليه السلام) ، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة، وخرجت وأسبغت الوضوء ثم عادت فصلّت صلاة الليل وبلغت إلى الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) فناداني من حجرته: لا تشكّى وكأنّك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء اللّه تعالى، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد (عليه السلام) وممّا وقع في قلبي، ورجعت إلى البيت وأنا خجلة فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها على باب البيت، فقلت: بأبي أنت وأمّي هل تحسين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة إنّي لأجد أمراً شديداً، قلت: لا خوف عليك إن شاء اللّه تعالى، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفّي وغمزت غمزة شديدة ثم أنّت أنّة وتشهّدت ونظرت تحتها فإذا أنا بولي اللّه صلوات اللّه عليه متلقّياً الأرض بمساجده فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف مفروغ منه، فناداني أبو محمد (عليه السلام) : يا عمّة هلمّي فأتيني بابني، فأتيته به فتناوله وأخرج لسانه فمسحه على عينيه ففتحها ثم أدخله في فيه فحنّكه ثم أدخله في أذنيه وأجلسه في راحته اليسرى فاستوى ولي اللّه جالساً فمسح يده على رأسه، وقال له: يا بني أنطق بقدرة اللّه، فاستعاذ ولي اللّه (عليه السلام) من الشيطان الرجيم واستفتح: {بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلْأَرْضِ

ص: 253

وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ}(1) وصلّى على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلى أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبو محمد (عليه السلام) وقال: يا عمّة ردّيه إلى أمّه حتى تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد اللّه حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون فرددته إلى أمّه وقد انفجر الفجر الثاني فصلّيت الفريضة وعقبت إلى أن طلعت الشمس ثم ودعت أبا محمد (عليه السلام) وانصرفت إلى منزلي، فلّما كان بعد ثلاث اشتقت إلى ولي اللّه فصرت إليهم فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها فلم أر أثراً ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) فاستحييت أن أبدأه بالسؤال، فبدأني فقال هو: يا عمّة في كنف اللّه وحرزه وستره وغيبه حتى يأذن اللّه له، فإذا غيّب اللّه شخصي وتوفّاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم وليكن عندك وعندهم مكتوماً فإنّ ولي اللّه يغيّبه اللّه عن خلقه ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتى يقدم له جبرئيل (عليه السلام) فرسه ليقضي اللّه أمراً كان مفعولاً(2).

ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض

عن موسى بن محمد، قال: حدّثتني حكيمة بنت محمد (عليه السلام) بمثل معنى الحديث الأول إلا أنّها قالت: فقال لي أبو محمد (عليه السلام) : يا عمّة إذا كان اليوم السابع فأتينا، قالت حكمية: فلما أصبحت جئت لأسلّم على أبي محمد (عليه السلام) وكشفت عنه الستر لأتفقّد سيّدي فلم أره، فقلت له: جعلت فداك ما فعل

ص: 254


1- سورة القصص: 5-6.
2- الغيبة للطوسي: 234-236.

سيّدي؟ فقال: يا عمّة استودعناه الذي استودعت أمّ موسى، قالت حكيمة: فلما كان اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست، فقال: هلمّوا ابني فجيئت بسيّدي (عليه السلام) وهو في الخرقة ففعل به كفعله الأول ثم أدلى لسانه في فيه كأنّما يغذّيه لبناً وعسلاً، ثم قال: تكلّم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وثنّى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين (عليهما السلام) والأئمة (عليهم السلام) حتى وقف على أبيه ثم قرأ: {بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ - إلى قوله - مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ}(1)(2).

اكتمي خبر هذا المولود

عن محمد بن إبراهيم، عن حكيمة بمثل معنى الحديث الأول إلا أنّه قال: قالت: بعث إليّ أبو محمد (عليه السلام) ليلة النصف من شهر رمضان(3) سنة خمس وخمسين ومائتين، قالت: وقلت له: يابن رسول اللّه من أُمّه؟، قال (عليه السلام) : نرجس. قالت: فلما كان في اليوم الثالث أشتدّ شوقي إلى ولي اللّه فأتيتهم عائدة فبدأت بالحجرة التي فيها الجارية فإذا أنا بها جالسة في مجلس المرأة النفساء وعليها أثواب صفر وهي معصّبة الرأس، فسلّمت عليها والتفت إلى جانب البيت وإذا بمهد عليه أثواب خضر، فعدلت إلى المهد ورفعت عنه الأثواب فإذا أنا بوليّ اللّه نائم على قفاه غير محزوم ولا مقموط، ففتح عينيه وجعل يضحك ويناجيني بإصبعه، فتناولته وأدنيته إلى فمي لأقبّله فشممت منه رائحة ما شممت قط أطيب منها، وناداني أبو

ص: 255


1- سورة القصص، الآية 5-6.
2- إعلام الوری 2: 216.
3- الظاهر حسب الروايات الأخرى أن ولادته كانت في ليلة النصف من شعبان.

محمد (عليه السلام) : يا عمّتي هلمّي فتاي إليّ، فتناوله، وقال: يا بني أنطق وذكر الحديث. قالت: ثم تناولته منه وهو يقول: يا بني استودعك الذي استودعته أمّ موسى، كن في دعة اللّه وستره وكنفه وجواره، وقال: ردّيه إلى أمّه يا عمّة واكتمي خبر هذا المولود علينا ولا تخبري به أحداً حتى يبلغ الكتاب أجله، فأتيت أمّه وودّعتهم، وذكر الحديث إلى آخره(1).

المولود الكريم على اللّه

عن جماعة من الشيوخ: أنّ حكيمة حدّثت بهذا الحديث وذكرت: أنه كان ليلة النصف من شعبان وأنّ أمّه نرجس... وساقت الحديث إلى قولها: فإذا أنا بحس سيّدي وبصوت أبي محمد (عليه السلام) وهو يقول: يا عمّتي هاتي ابني إليّ، فكشفت عن سيّدي فإذا هو ساجد متلقيّاً الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: {جَاءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا}(2) فضممته إليّ فوجدته مفروغاً منه فلففته في ثوب وحملته إلى أبي محمد (عليه السلام) ، وذكروا الحديث إلى قوله: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه وأنّ علياً أمير المؤمنين حقّاً، ثم لم يزل يعد السادة والأوصياء إلى أن بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه بالفرج على يديه ثم أحجم، وقالت: ثم رفع بيني وبين أبي محمد (عليه السلام) كالحجاب فلم أر سيدى، فقلت لأبي محمد: يا سيّدي أين مولاي؟ فقال: أخذه من هو أحقّ منك ومنّا. ثم ذكروا الحديث بتمامه وزادوا فيه: فلما كان بعد أربعين يوماً دخلت على أبي محمد (عليه السلام)

ص: 256


1- الغيبة للطوسي: 238.
2- سورة الإسراء: 81.

فإذا مولانا الصاحب يمشى في الدار فلم أر وجهاً أحسن من وجهه ولا لغة أفصح من لغته، فقال أبو محمد (عليه السلام) : هذا المولود الكريم على اللّه عزّوجلّ، فقلت: سيّدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً؟ فتبسّم وقال: يا عمّتي أما علمت إنّا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة؟ فقمت فقبّلت رأسه وانصرفت ثم عدت وتفقّدته فلم أره، فقلت لأبي محمد (عليه السلام) : ما فعل مولانا؟ فقال: يا عمّة استودعناه الذي استودعت أمّ موسى(1).

عقّ هذين الكبشين

عن إبراهيم بن إدريس، قال: وجّه إليّ مولاي أبو محمد (عليه السلام) بكبش، وقال: عقّه عن ابني فلان وكل وأطعم عيالك، ففعلت ثم لقيته بعد ذلك فقال لي: المولود الذي ولد لي مات، ثم وجّه إلي بكبشين وكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم عقّ هذين الكبشين عن مولاك وكل هناك اللّه وأطعم إخوانك، ففعلت ولقيته بعد ذلك فما ذكر لي شيئاً(2).

صاحب هذا الأمر

سأل أحمد بن إسحاق أبا محمد (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر؟ فأشار بيده، أي إنّه حيّ غليظ الرقبة(3).

هل لك ولد؟

عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمد (عليه السلام) : جلالتك تمنعني من

ص: 257


1- الغيبة للطوسي: 239.
2- إثبات الهداة 5: 126، ح317.
3- إثبات الهداة 5: 128، ح322.

مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سل، قلت: يا سيّدي هل لك ولد؟ فقال: نعم. فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة(1).

عندها يتلألأ صبح الحق

عن إبراهيم بن مهزيار في حديث له، قال: خرج عليّ... م ح م د ابن الحسن (عليه السلام) ... ثم قال: إنّ أبي (عليه السلام) عهد إليّ أن لا أوطن من الأرض إلاّ أخفاها وأقصاها، إسراراً لأمري وتحصيناً لمحلّي، لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال، فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض(2) ينظرني الغاية التي عندها يحلّ الأمر وينجلي الهلع(3)، وكان (عليه السلام) أنبط لي من خزائن الحكم(4) وكوامن العلوم ما أن أشعت إليك منه جزءاً أغناك عن الجملة.

واعلم يا أبا إسحاق أنه قال (عليه السلام) : يا بني إنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجد في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلي بها وإمام يؤتمُّ به ويُقتدى بسبيل سنّته ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعدّه اللّه لنشر الحق ووطئ الباطل وإعلاء الدين وإطفاء الضلال، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض وتتبّع أقاصيها، فإنّ لكلّ ولي من أولياء اللّه عزّ وجل عدوّاً مقارعاً وضداً منازعاً افتراضاً لمجاهدة أهل النفاق وخلاعة أولي الإلحاد والعناد فلا يوحشنّك ذلك.

ص: 258


1- الكافي 1: 328، ح2.
2- جبت صرائم الأرض أي قطعت ودرت ما انصرم من معظم الرمل يعنى الأراضي المحصود زرعها.
3- الهلع: الجزع.
4- أنبط الحفار: بلغ الماء.

واعلم أنّ قلوب أهل الطاعة والإخلاص نزع إليك(1) مثل الطير إلى أوكارها، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلّة والاستكانة(2)، وهم عند اللّه بررة أعزّاء يبرزون بأنفس مختلّة محتاجة، وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد، خصّهم اللّه باحتمال الضيم(3) في الدنيا ليشملهم باتساع العزّ في دار القرار وجبلهم(4) على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى وكرامة حسن العقبى.

فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد أمورك، تفز بدرك الصنع في مصادرها، واستشعر العزّ فيما ينوبك تحظ بما تحمد غبّه إن شاء اللّه(5)، وكأنّك يا بني بتأييد نصر اللّه وقد آن، وتيسير الفلج وعلو الكعب وقد حان(6)، وكأنّك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك(7) ما بين الحطيم وزمزم، وكأنّك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدرّ في مثاني العقود، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود،

ص: 259


1- نزع - كركع - أي مشتاقون إليك.
2- أي: يدخلون في أمور هي مظان المذلّة. أو يطلعون ويخرجون بين الناس مع أحوال هي مظانها.
3- الضيم. الظلم.
4- أي خلقهم وفطرهم.
5- أي: أصبر على المكاره والبلايا وما يرد عليك منها حتى تفوز بدرك ما صنع اللّه إليك ومعروفه لديك في إرجاع المكاره وصرفها عنك. واستشعر العزّفي ما ينوبك أي: أضمر العزّ والنصرة والغلبة في قلبك لأجل الغيبة من خوفك عن الناس، واصبر وانتظر الفرج فيما أصابك من هذه النوائب. أو اعلم وأيقن بأنّ ما ينوبك من البلايا والمحن هو سبب لعزّك وقربك وسعادتك. والغب: المآل والعاقبة.
6- علو الكعب كناية عن الغلبة والعزّ والشرف.
7- أثناء الشيء: قوّاه وطاقاته، والمراد بالأعطاف جوانبها. والخفق: الاضطراب وخفقت الراية تحرك واضطرب.

تلوذ بفنائك من ملأ بَرَاهم اللّه من طهارة الولادة ونفاسة التربة، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذّبة أفئدتهم من رجس الشقاق، ليّنة عرائكهم(1) للدين، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم(2)، يدينون بدين الحق وأهله، فإذا اشتدت أركانهم، وتقوّمت أعمادهم فدّت بمكانفتهم(3) طبقات الأمم إلى إمام، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعّبت أفنان غصونها على حافات بحيرة الطبرية(4) فعندها يتلألأ صبح الحق وينجلي ظلام الباطل، ويقصم اللّه بك الطغيان ويعيد معالم الإيمان، يُظهر بك استقامة الآفاق، وسلام الرفاق، يودّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً، نواشط(5) الوحش لو تجد نحوك مجازاً، تهتزّ بك أطراف الدنيا بهجة، وتنشر عليك أغصان العزّ نضرة وتستقر بواني الحق في قرارها، وتؤوب شوارد الدين(6) إلى أوكارها، تتهاطل عليك سحائب الظفر فتخنق كل عدو، وتنصر كل وليّ، فلا يبقى على وجه الأرض جبّار قاسط ولا جاحد غامط، ولا شانئ مبغض، ولا معاند كاشح {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٖ

ص: 260


1- العرائك جمع عريكة وهي الطبيعة، وكذا الضرائب جمع ضريبة وهي الطبيعة أيضاً والسيف وحده.
2- العيدان - بالفتح - الطوال من النخل.
3- فد يفد - كفرّ يفرّ - : عدا وركض. والمكانفة: المعاونة. والأعماد: جمع عمود من غير قياس.
4- (إذ تبعتك) أي: بايعك وتابعك هؤلاء المؤمنون. والدوحة: الشجرة العظيمة والأفنان: الأغصان.
5- الناشط: الثور الوحشي يخرج من أرض إلى أرض. وتهتز: أي: تتحرك.
6- بواني الحق: أساسها. وفى بعض النسخ: (بواني العزّ) أي: الخصال التي تبنى العز وتؤسسها. وآب يؤوب أوبا فهو آب أي راجع. وشرد البعير أي نفر فهو شارد والوكر: عش الطائر معها أوكار. وتهاطل السحاب أي تتابع بالمطر.

قَدْرًا}(1)(2).

وفي لحظات الوداع

قال إسماعيل بن علي: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها وأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد وهو رَبَّي الحسن (عليه السلام) ، فقال له: يا عقيد أغل لي ماء بمصطكي(3)، فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أمّ الخلف (عليه السلام) ، فلما صار القدح في يديه وهمّ بشربه، فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن (عليه السلام) فتركه من يده، وقال لعقيد: أدخل البيت فإنّك ترى صبيّاً ساجداً فأئتني به، قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرّى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلّمت عليه فأوجز في صلاته فقلت: إنّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه إذ جاءت أمّه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عليه السلام) ، قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلّم وإذا هو درّي اللون وفي شعر رأسه قطط مفلّج الأسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى، وقال: يا سيّد أهل بيته أسقني الماء فإنّي ذاهب إلى ربّي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثم حرّك شفتيه ثم سقاه، فلما شربه قال: هيّؤوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضّأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه، فقال له أبو محمد (عليه السلام) : أبشر يا بني فأنت

ص: 261


1- سورة الطلاق: 3.
2- كمال الدين 2: 445-450، ح19.
3- المصطكي: شجر له ثمر يميل طعمه إلى المرارة ويستخرج منه صمغ يعلك وهو دواء (انظر العين: مادة (مصطك) 5: 425).

صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجّة اللّه على أرضه، وأنت ولدي ووصيّي، وأنا ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، ولدك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنت خاتم الأوصياء الأئمة الطاهرين وبشّر بك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وسمّاك وكنّاك وبذلك عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين صلى اللّه على أهل البيت ربّنا إنه حميد مجيد. ومات الحسن بن علي من وقته صلوات اللّه عليهم أجمعين(1).

فهو القائم بعدي

حدّثنا أبو الأديان، قال: كنت أخدم الحسن بن علي... وأحمل كتبَهُ إلى الأمصار، فدخلت إليه في علّته التي توفّي فيها (صلوات اللّه عليه) فكتب معي كتاباً وقال: تمضي بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً فتدخل إلى سرّ من رأى اليوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي. فقلت: زدني، فقال: من يصلّي علي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي...(2).

غلام عشاري

عن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي، قال: حضرت دار أبي محمد الحسن بن

ص: 262


1- الغيبة للطوسي: 272.
2- كمال الدين 2: 475.

علي (عليه السلام) بسرّ من رأى يوم توفّي وأخرجت جنازته ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر حتى خرج علينا غلام عُشَارِيٌ حاف عليه رداء قد تقنّع به، فلما أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه فتقدّم وقام الناس فاصطفوا خلفه فصلّى عليه ومشى فدخل بيتاً غير الذي خرج منه(1).

لما ولد السيد (عليه السلام)

عن أبي جعفر العمري، قال: لما ولد السيد (عليه السلام) قال أبو محمد (عليه السلام) : ابعثوا إلى أبي عمرو فبعث اليه، فصار إليه، فقال: اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً وعشرة آلاف رطل لحماً وفرّقه أحسبه على بني هاشم وعقّ عنه بكذا وكذا شاة(2).

أحببنا إعلامك

عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي، قال: لما وُلد الخلف الصالح (عليه السلام) ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي إلى جدّي أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخطّ يده (عليه السلام) الذي كان ترد به التوقيعات عليه وفيه: ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً فإنّا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والولي لولايته أحببنا إعلامك ليسرّك اللّه له مثل ما سرّنا به والسلام(3).

هذا خليفتي عليكم

عن أبي غانم الخادم، قال: ولد لأبي محمد (عليه السلام) ولد فسمّاه محمداً،

ص: 263


1- الغيبة للطوسي: 258.
2- إثبات الهداة 5: 100، ح194.
3- كمال الدين 2: 434، ح16.

فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً(1).

كأنّه قطع قمر

عن جماعة من الشيعة، قالوا: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) نسأله عن الحجّة من بعده وفي مجلسه أربعون رجلاً، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، فقال له: يا بن رسول اللّه أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به منيّ، فقال له: اجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج، فقال: لا يخرجن أحد، فلم يخرج منّا أحد إلى أن كان بعد ساعة فصاح (عليه السلام) بعثمان، فقام على قدميه، فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول اللّه، قال: جئتم تسألوني عن الحجّة من بعدي، قالوا: نعم، فإذا غلام كأنّه قِطَعُ قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام) ، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم ألا وأنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عُمُرٌ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه(2).

أنا بقيّة اللّه

عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً:

ص: 264


1- كمال الدين 2: 431، ح8.
2- الغيبة للطوسي: 357.

يا أحمد بن إسحاق إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الأرض، قال: فقلت له: يابن رسول اللّه فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، وقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على اللّه وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنّه سميّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر (عليه السلام) ومثله مثل ذي القرنين، واللّه ليغيبنّ غيبةً لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبّته اللّه تعالى على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه، قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي فهل من علامة تطمئن قلبي؟

فنطق الغلام بلسان عربي فصيح، فقال: أنا بقيّة اللّه في أرضه والمنتقم من أعداء اللّه فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال أحمد بن إسحاق: فخرجت فرحاً مسروراً فلما كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول اللّه لقد عظم سروري بما مننت به عليّ فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ قال (عليه السلام) : طول الغيبة يا أحمد. قلت: يابن رسول اللّه وإنّ غيبته لتطول؟ قال: أي وربّي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ولا يبقى إلا من أخذ اللّه عهده لولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه، يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر اللّه وسرّ من سرّ اللّه وغيب من غيب اللّه فخذ ما أتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في عليين(1).

ص: 265


1- كشف الغمة 2: 526.
أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن أحمد بن إسحاق، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خَلقاً وخُلقاً، يحفظه اللّه تبارك وتعالى في غيبته ثم يظهره فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً(1).

سيكون لي ولد

عن عيسى بن صبيح، قال: دخل الحسن العسكري (عليه السلام) علينا الحبس وكنت به عارفاً وقال: لك خمس وستون سنة وأشهراً ويوماً، وكان معي كتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي وإنّني نظرت فيه فكان كما قال، وقال: هل رزقت من ولد؟ قلت: لا. قال: اللّهم أرزقه ولداً يكون له عضد فنعم العضد الولد ثم تمثّل:

من كان ذا عضد يدرك ظلامته***إن الذليل الذي ليست له عضد

قلت: ألك ولد؟ قال: أي واللّه سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأمّا الآن فلا، ثم تمثّل:

لعلك يوماًً أن تراني كأنّما***بنى حوالي الأسود اللوابد

فإنّ تميماًً قبل أن يلد الحصى***أقام زماناً وهو في الناس واحد(2)

غيبة ولدي

عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) يقول: كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، أما إنّ

ص: 266


1- بحار الأنوار 50: 275، ح48.
2- كمال الدين 2: 409، ح7.

المقرّ بالأئمة بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المنكر لولدي كمن أقر بجميع أنبياء اللّه ورسله ثم أنكر نبوة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، والمنكر لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كمن أنكر جميع أنبياء اللّه، لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أما إنّ لولدي غيبةً يرتاب فيها الناس إلا من عصمه اللّه عزّوجلّ(1).

سأرزق ولداً

عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت محبوساً مع أبي محمد (عليه السلام) في حبس المهتدي بن الواثق، فقال (عليه السلام) لي: إنّ هذا الطاغي أراد أن يتعبّث باللّه في هذه الليلة وقد بتر اللّه عمره وَسَاءَ رزقُهُ فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه وولي المعتمد مكانه وسلّمنا اللّه(2).

إذا قام القائم (عليه السلام)

عن داود بن قاسم الجعفري، قال: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) ، فقال: إذا قام القائم يهدم المنار والمقاصير التي في المساجد. فقلت في نفسي: لأيّ معنى هذه؟ فأقبل علي فقال: معنى هذا إنّها محدّثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجّة(3).

هذا صاحبكم

عن يعقوب بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو جالس على دكان(4) في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر

ص: 267


1- كمال الدين 2: 409، ح8.
2- الخرائج والجرائح 1: 431، ح9.
3- الغيبة للطوسي: 206.
4- الدكان: الدكة المبنية للجلوس عليها (انظر لسان العرب: مادة (دكن) 4: 384).

مسبل(1)، فقلت له: سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام) : أرفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي(2) المقلتين شثن(3) الكفّين، معطوف الركبتين(4)، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة(5)، فجلس على فخذ أبي محمد (عليه السلام) ، فقال لي: هذا صاحبكم، ثم وثب، فقال له: يا بني أدخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثم قال لي: يا يعقوب أنظر من في البيت، فدخلت فما رأيت أحداً(6).

يريدون قتلي

خرج منه (عليه السلام) توقيع: زعموا أنّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل وقد كذّب اللّه عزّ وجل قولهم، والحمد لله(7).

اسمه محمد

قال (عليه السلام) لما حملت جارية له: ستحملين ذكراً واسمه محمد وهو القائم من بعدي(8).

ص: 268


1- مسبل: أي: مرسل.
2- دري: بالهمز أو دونها التوقد والتلألؤ (انظر الصحاح: مادة (درأ) 1: 48).
3- شثن الكفين: أي إنهما تميلان لأنه أشد لقبضهم، ويذم في النساء (انظر لسان العرب (مادة شثن) 7: 30).
4- قيل معناه انهما مائلتان إلى القدام لعظمهما.
5- الذؤابة: شعر مقدم الرأس.
6- كمال الدين 2: 407، ح2.
7- كمال الدين 2: 407، ح3.
8- كمال الدين 2: 408، ح4.
أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

قال (عليه السلام) : الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خَلقاً وخُلقاً، يحفظه اللّه تبارك وتعالى في غيبته ويظهره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً(1).

ابني هو الإمام

عن محمد بن عثمان العمري (قدس اللّه روحه)، قال: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام) : أنّ الأرض لا تخلو من حجّة اللّه على جميع خلقه إلى يوم القيامة، وأنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال: إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ. فقيل له: يا بن رسول اللّه فمن الحجّة والإمام بعدك؟

فقال: ابني محمد هو الإمام والحجّة بعدي، فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما أنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقّاتون ثم يخرج فكأنّي انظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة(2).

إنّها أمّ القائم (عليه السلام)

قال بشر بن سليمان النخاس - وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد (عليه السلام) وجارهما بسر من رأى - : أتاني كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) يدعوك إليه،

ص: 269


1- كمال الدين 2: 408، ح7.
2- كشف الغمة 2: 528.

فأتيته، فلما جلست بين يديه، قال لي: يا بشر إنّك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها بسر أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمّة، فكتب كتاباً لطيفاً بخطّ رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجّه بها إلى بغداد واحضر مَعبَرَ الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخاس عامّة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق، فاعلم أنّها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين على ثلاثمائة دينار: قد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة ولابد من بيعك؟ فتقول الجارية: وما العجلة ولابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخطّ رومي ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام)

ص: 270

في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً وقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرَّجة والمغلّظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحُّهُ في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير، فاستوفاه منّي وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت أوى إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجّباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه، فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمّي من وُلد الحواريين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون أنبئك بالعجب: إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهى ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر إلى صحن القصر ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار وخرّ الصاعد من العرش مغشياً عليه فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال دولة هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطيّر

ص: 271

جدّي من ذلك تطيراً شديداً وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان واحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لأزوّجه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأول وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النساء وأرخيت الستور ورأيت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علّواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه ودخل عليهم محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وختنه ووصيه (عليه السلام) وعدّة من أبنائه (عليهم السلام) ، فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه فيقول له محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا روح اللّه إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، أومأ بيده إلى أبي محمد (عليه السلام) ابن صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون، وقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك رحم آل محمد (عليهم السلام) ، قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر فخطب محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وزوّجني من ابنه وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد أبناء محمد (عليهم السلام) والحواريون، فلما استيقظت أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل فكنت أسرّها ولا أبديها لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمد (عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعفت نفسي ودقّ شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدّي وسأله عن دوائي فلما برح به اليأس، قال: يا قرّة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فأزوّدكيها في هذه الدنيا، فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنيتهم الخلاص رجوتُ أن يهب لي

ص: 272

المسيح وأمّه عافية، فلما فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحّة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطعام، فسرّ بذلك وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم، فأريت أيضاً بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين أمّ زوجك أبي محمد (عليه السلام) فأتعلّق بها وأبكي واشكوا إليها امتناع أبي محمد (عليه السلام) من زيارتي، فقالت سيدة النساء (عليها السلام) : إنّ ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة باللّه على مذهب النصارى وهذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضى اللّه ورضى المسيح ومريم (عليهما السلام) وزيارة أبي محمد إيّاك فقولي: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ أبي محمداً رسول اللّه، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين (عليها السلام) وطيّبت نفسي، وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمد فإنّي منفذته إليك، فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي محمد (عليه السلام) ، فلما كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمد (عليه السلام) وكأنّي أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك، فقال: ما كان تأخّري عنك إلا لشركك فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه تعالى شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية، قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى، فقالت: أخبرني أبو محمد (عليه السلام) ليلة من الليالي: إنّ جدّك سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثم يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت ذلك فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وشاهدت وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك

ص: 273

وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري، قلت: العجب أنّك روميّة ولسانك عربي، قالت: نعم من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إلي وكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية حتى استمر لساني عليها واستقام.

قال بشر: فلما انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسن (عليه السلام) ، فقال: كيف أراك اللّه عزّ الإسلام وذلّ النصرانية وشرف محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ؟ قالت: كيف أصف لك يا بن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي، قال: فإنّي أحببت أن أكرمك فما أحب إليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟ قالت: بشرى بولد لي، قال لها: أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. قالت: ممّن؟ قال: ممّن خطبك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية، قالت: من المسيح ووصيّه؟ قال لها: ممّن زوجّك المسيح (عليه السلام) ووصيه، قالت: من ابنك أبي محمد (عليه السلام) ؟ فقال: هل تعرفينه؟ قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء (صلوات اللّه عليها)؟! قال: فقال مولانا: يا كافور أدع أختي حكيمة، فلما دخلت قال لها: ها هية فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً، فقال لها أبو الحسن (عليه السلام) : يا بنت رسول اللّه خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمد وأمّ القائم (عليهما السلام) (1).

ص: 274


1- الغيبة للطوسي: 208.
لا تنازعه

قال يحيى بن المرزبان: التقيت رجلاً من أهل السيب(1)

سيماه الخير وأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة والقول في أبي محمد (عليه السلام) ، فقلت: لا أقول به أو أرى علامة، فوردت العسكر في حاجة، فأقبل أبو محمد (عليه السلام) ، فقلت: في نفسي متعنّتاً إن مدّ يده إلى رأسه فكشفه ثم نظر إليّ ورده قلت به، فلما حاذاني مدّ يده إلى رأسه فكشفه ثم برق عينيه فيّ ثم ردّها ثم قال: يا يحيى ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة؟ فقلت: خلفته صالحاً، فقال: لا تنازعه ومضى(2).

من جحد إماماً

روي عن أحمد بن محمد بن مطهر، قال: كتب بعض أصحابنا من أهل الجبل إلى أبي محمد (عليه السلام) يسأله عمّن وقف على أبي الحسن موسى (عليه السلام) أتولاهم أم أتبرّأ منهم؟ فكتب إليه: لا تترحّم على عمّك، لا رحم اللّه عمّك وتبرّأ منه، أنا إلى اللّه منه بريء فلا تتولَّاهم ولا تعد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً، سواء من جحد إماماً من اللّه أو أزاد إماماً ليست إمامته من اللّه اوجحد او قال ثالث ثلاثة، إنّ الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أوّلنا، والزايد فينا كالناقص الجاحد أمرنا، وكان هذا أي السائل لا يعلم أنّ عمّه منهم فأعلمه ذلك(3).

ص: 275


1- السيب - بالكسر ثم السكون - : كورة من سواد الكوفة، والسيب أيضاً نهر بالبصرة فيه قرية كبيرة، وأيضاً موضع أو جزيرة بخوارزم.
2- كشف الغمة ج2 ص428.
3- الخرائج والجرائح 1: 452، ح38.
هذا ليس منكم

عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنت في الحبس المعروف بحبس حسيس في الجوسق الأحمر(1)، أنا والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان، إذ دخل علينا أبو محمد الحسن (عليه السلام) وأخوه جعفر، فخففنا له وكان المتولّي لحبسه صالح بن وصيف وكان معنا في الحبس رجل جُمَحِيٌّ يقول: أنه علوي، قال: فالتفت أبو محمد (عليه السلام) فقال: لولا أنّ فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج عنكم، وأومأ إلى الجمحى أن يخرج، فقال أبو محمد: هذا ليس منكم فاحذروه فإنّ في ثيابه قِصّة قد كتبها إلى السلطان يخبره فيها بما تقولون فيه، فقام بعضهم: ففتّش ثيابه فوجد القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة، وكان الحسن (عليه السلام) يصوم فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة وكنت أصوم معه، فلما كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر على كعكة وما شعر واللّه به أحد، ثم جئت فجلست معه، فقال لغلامه: أطعم أبا هاشم شيئاً فإنّه مُفطر، فتبسّمت، فقال: ما يضحكك يا أبا هاشم؟ إذا أردت القوة فكل اللحم فإنّ الكعك لا قوّة فيه، فقلت: صدق اللّه ورسوله وأنتم، فقال لي: أفطر ثلاثاً فإنّ المنّة لا ترجع إذا نهكها الصوم في أقل من ثلاث. فلما كان في اليوم الذي أراد اللّه أن يفرّج عنه جاءه الغلام فقال: يا سيّدي أحمل فطورك، فقال: أحمل وما أحسُبُ أنا نأكل منه، فحمل الغلام الطعام للظهر وأطلق عنه عند العصر وهو صائم، وقال: كلوا

ص: 276


1- بحبس صالح بن وصيف الأحمر، والجوسق: القصر والقلعة، دار بنيت للمقتدر في دار الخلافة، في وسطها بركة من الرصاص ثلاثون ذراعا في عشرين (القاموس المحيط).

هنّأكم اللّه(1).

أشهد أنّك حجّة اللّه

عن محمد بن الحسن، قال: وافت جماعة من الأهواز من أصحابنا وخرج السلطان إلى صاحب البصرة، فخرجنا نريد النظر إلى أبي محمد (عليه السلام) فنظرنا إليه ماضياً معه وقد قعدنا بين الحائطين بسرّ من رأي ننتظر رجوعه، فرجع، فلما حاذانا وقرب منّا وقف ومدّ يده إلى قلنسوته فأخذها عن رأسه وأمسكها بيده وأمر يده الأخرى على رأسه وضحك في وجه رجل منّا، فقال الرجل مبادراً: أشهد أنّك حجّة اللّه وخيرته، فقلنا: يا هذا ما شأنك؟ قال: كنت شاكاً فيه فقلت في نفسي: إنّ رجع وأخذ القلنسوة من رأسه قلت بإمامته(2).

من هم شيعة علي (عليه السلام)

عن أبي يعقوب يوسف بن زياد وعلي بن سيار (قال): حضرنا ليلة على غرفة الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) وقد كان ملك الزمان له معظّماً وحاشيته له مبجّلين إذ مرّ علينا والي البلد - والي الجسرين - ومعه رجل مكتوف، والحسن بن علي (عليه السلام) مشرف من روزنته، فلمّا رآه الوالي ترجّل عن دابته إجلالاً له. فقال الحسن بن علي (عليه السلام) :

عد إلى موضعك، فعاد وهو معظِّمٌ له، وقال: يا بن رسول اللّه أخذت هذا في هذه الليلة على باب حانوت صيرفي فاتهمته بأنّه يريد نقبه والسرقة منه

ص: 277


1- كشف الغمة 2: 432.
2- كشف الغمة 2: 425.

فقبضت عليه، فلمّا هممت أن أضربه خمسمائة سوط - وهذا سبيلي فيمن أتهمه ممّن آخذه لئلا يسألني فيه من لا اطيق مدافعته ليكون قد شقي ببعض ذنوبه قبل أن يأتيني من لا أطيق مدافعته - فقال لي: اتق اللّه ولا تتعرّض لسخط اللّه فإنّي من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعة هذا الإمام، أبي القائم بأمر اللّه (عليه السلام) ، فكففت عنه وقلت: أنا مارّ بك عليه فإن عرفك بالتشيّع أطلقت عنك، وإلاّ قطعت يدك ورجلك بعد أن أجلدك ألف سوط وجئتك يا بن رسول اللّه، فهل هو من شيعة علي (عليه السلام) كما ادّعى؟

فقال الحسن بن علي (عليه السلام) :

معاذ اللّه ما هذا من شيعة علي (عليه السلام) وإنّما ابتلاه اللّه في يدك لاعتقاده في نفسه أنه من شيعة علي (عليه السلام) .

فقال الوالي: الآن كفيتني مؤونته، الآن أضربه خمسمائة لا حرج عليّ فيها. فلما نحّاه بعيداً فقال: أبطحوه، فبطحوه وأقام عليه جلاّدين واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، وقال: أوجعاه، فأهويا إليه بعصيهما فكان لا يصيبان أسته شيئاً، إنّما يصيبان الأرض فضجر من ذلك، فقال: ويلكم تضربون الأرض، اضربوا إسته، فذهبوا يضربون إسته فعدلت أيديهما فجعلا يضرب بعضهما بعضاً ويصيح ويتأوّه، فقال لهما: ويحكما مجانين أنتما؟ يضرب بعضكما بعضاً، أضربا الرجل، فقالا: ما نضرب إلاّ الرجل وما نقصد سواه ولكن يعدل أيدينا حتى يضرب بعضنا بعضاً، قال: فقال: يا فلان ويا فلان حتى دعا أربعةً وصاروا مع الأولين ستة، وقال: أحيطوا به، فأحاطوا به فكان يعدل بأيديهم ويرفع عصيهم إلى فوق فكانت لا تقع إلاّ بالوالي فسقط عن دابته، وقال: قتلتموني قتلكم اللّه، ما هذا؟ فقالوا: ما ضربنا إلاّ إياه، ثم قال

ص: 278

لغيرهم: تعالوا فضربوه هذا، فجاءوا فضربوه بعد. فقال: ويلكم إيّاي تضربون؟ فقالوا: واللّه ما نضرب إلاّ الرجل، قال الوالي: فمن أين لي هذه الشجّات برأسي ووجهي وبدني إن لم تكونوا تضربوني؟! فقالوا: شُلّت أيماننا إن كنّا قد قصدناك بضرب، فقال الرجل: يا عبد اللّه أما تعتبر بهذه الألطاف التي بها يُصرف عنّي هذا الضرب؟ ويلك ردّني إلى الإمام وامتثل فيّ أمره. قال: فردّه الوالي بعد إلى بين يدي الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: يا بن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عجبنا لهذا، أنكرت أن يكون من شيعتكم ومن لم يكن من شيعتكم فهو من شيعة إبليس وهو في النار، وقد رأيت له من المعجزات ما لا يكون إلاّ للأنبياء، فقال الحسن بن علي (عليه السلام) : قل أو للأوصياء، فقال: أو للأوصياء.

فقال الحسن بن علي (عليه السلام) للوالي: يا عبد اللّه إنه كذب في دعواه أنه من شيعتنا كذبة لو عرفها ثم تعمّدها لابتُلى بجميع عذابك، ولبقي في المطبق ثلاثين سنة ولكن اللّه تعالى رحمه لإطلاق كلمة على ما عنى لا على تعمّد كذب وأنت يا عبد اللّه، فاعلم أنّ اللّه عزّ وجل قد خلّصه بأنه من موالينا ومحبيّنا وليس من شيعتنا.

فقال الوالي: ما كان هذا كلّه عندنا إلاّ سواء، فما الفرق؟

قال له الإمام (عليه السلام) : الفرق أنّ شيعتنا هم الذين يتّبعون آثارنا ويطيعونا في جميع أوامرنا ونواهينا فأولئك من شيعتنا، فأمّا من خالفنا في كثير ممّا فرضه اللّه عليه فليسوا من شيعتنا، قال الإمام (عليه السلام) للوالي: وأنت قد كذبت كذبة لو تعمّدتها وكذبتها لابتلاك اللّه عزّ وجل بضرب ألف سوط وسجن ثلاثين سنة في المطبق.

ص: 279

قال: وما هي يا بن رسول اللّه؟ قال: بزعمك أنّك رأيت له معجزات أنّ المعجزات ليست له إنّما هي لنا أظهره اللّه فيه إبانة لحجّتنا وإيضاحاً لجلالتنا وشرفنا، ولو قلت: شاهدت فيه معجزات لم أنكره عليك، أليس إحياء عيسى (عليه السلام) الميّت معجزة أهي للميت أم لعيسى، أوَ ليس خلقه من الطين كهيئة الطير فصار طيراً بإذن اللّه؟ أهي للطائر أو لعيسى، أوَ ليس الذين جعلوا قردة خاسئين معجزة؟ فهي معجزة للقردة أو لنبي ذلك الزمان؟

فقال الوالي: استغفر اللّه ربّي وأتوب إليه.

قال الحسن بن علي (عليه السلام) للرجل الذي أنه أنا من شيعة علي (عليه السلام) : يا عبد اللّه لست من شيعة علي (عليه السلام) إنّما أنت من محبّيه، وإنّما شيعة علي (عليه السلام) الذين قال عزّ وجل فيهم: {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ}(1) هم الذين آمنوا باللّه ووصفوه بصفاته ونزّهوه عن خلاف صفاته وصدّقوا محمداً (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أقواله وصوّبوه في كلّ أفعاله ورأوا علياً بعده سيداً إماماً وقرماً هُماماً لا يعدله من أمّة محمد أحد ولا كلّهم لو جمعوا في كفّة يوزنون بوزنه، بل يرجح عليهم كما ترجح السماء علی الأرض والأرض على الذرّة، وشيعة علي (عليه السلام) هم الذين لا يبالون في سبيل اللّه أ وقع الموت عليهم أو وقعوا على الموت، وشيعة علي (عليه السلام) هم الذين يؤثرون إخوانهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وهم الذين لا يراهم اللّه حيث نهاهم ولا يفقدهم من حيث أمرهم، وشيعة علي (عليه السلام) هم الذين يقتدون بعلي (عليه السلام) في إكرام إخوانهم المؤمنين، ما عن قولي أقول لك هذا

ص: 280


1- سورة البقرة: 82.

بل أقوله عن قول محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فذلك قوله تعالى: {وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ} قضوا الفرائض كلّها بعد التوحيد واعتقاد النبوّة والإمامة، وأعظمها: قضاءُ حقوق الإخوان في اللّه واستعمال التقية من أعداء اللّه عزّ وجلّ(1).

شفاعة الشيعة يوم القيامة

عن عيسى بن مهدي الجوهري في حديث له: ... لما دخلنا على سيدنا أبي محمد الحسن (عليه السلام) بدأنا بالبكاء... فجهرنا بالبكاء بين يديه ونحن ما ينيف عن سبعين رجلاً من أهل السواد، فقال (عليه السلام) : إنّ البكاء من السرور بنعم اللّه مثل الشكر لها فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً إنّكم على دين اللّه الذي جاءت به ملائكته وكتبه ورسله، وإنّكم كما قال جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّه قال: إيّاكم أن تزهدوا في الشيعة فإنّ فقيرهم الممتحن المتقي عند اللّه يوم القيامة له شفاعة عند اللّه يدخل فيها مثل ربيعة ومُضر، فإذا كان هذا لكم من فضل اللّه عليكم وعلينا فيكم فأيّ شيء بقي لكم؟ فقلنا بأجمعنا: الحمد لله والشكر له ولكم يا سادتنا فبكم بلغنا هذه المنزلة فقال: بلغتموها باللّه وبطاعتكم إيّاه واجتهادكم بطاعته وعبادته وموالاتكم لأوليائه ومعاداتكم لأعدائه...(2).

إنّ وعد اللّه حق

نقل أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار - وكانا من الشيعة الإمامية - فقالا: كان أبوانا إماميين، وكانت

ص: 281


1- بحار الأنوار 65: 160.
2- الهداية الكبرى: 345.

الزيدية هم الغالبون بأسترآباذ، وكنّا في إمارة الحسن بن زيد العلوي الملقّب ب- (الداعي إلى الحق)، إمام الزيدية، وكان كثير الإصغاء إليهم، يقتل الناس بسعاياتهم، فخشينا على أنفسنا، فخرجنا بأهلينا إلى حضرة الإمام أبي محمد الحسن بن علي بن محمد أبي القائم (عليه السلام) .

فأنزلنا عيالاتنا في بعض الخانات، ثم استأذنا على الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) ، فلما رآنا قال: مرحباً بالآوين إلينا الملتجئين إلى كنفنا، قد تقبّل اللّه تعالى سعيكما، وأمن روعتكما وكفاكما أعداءكما، فانصرفا آمنين على أنفسكما، وأموالكما، فعجبنا من قوله ذلك لنا مع أنّا لم نشك في صدق مقاله.

فقلنا: فماذا تأمرنا أيّها الإمام أن نصنع في طريقنا إلى أن ننتهي إلى بلد خرجنا من هناك؟ وكيف ندخل ذلك البلد، ومنه هربنا وطلب سلطان البلد لنا حثيث ووعيده إيّانا شديد؟ فقال (عليه السلام) : خلفا علي ولديكما هذين لأفيدهما العلم الذي يشرّفهما اللّه تعالى به، ثم لا تحفلا بالسعاة ولا بوعيد المسعي إليه، فإنّ اللّه عزّوجلّ يقصم السعاة ويلجئهم إلى شفاعتكم فيه عند من قد هربتم منه.

قال أبو يعقوب وأبو الحسن: فأتمرا بما أمرا وخرجا وخلفانا هناك وكنّا نختلف إليه فيتلقانا ببر الآباء وذوي الأرحام الماسّة، فقال لنا ذات يوم: إذا أتاكما خبر كفاية اللّه عزّوجلّ أبويكما واخزائه أعدائهما وصدق وعدي إيّاهما، جعلت من شكر اللّه عزّوجلّ أن أفيدكما تفسير القرآن، مشتملاً على بعض أخبار آل محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فيعظم اللّه تعالى بذلك شأنكما. قالا: ففرحنا وقلنا: يا بن رسول اللّه فإذاً نأتي على جميع علوم القرآن ومعانيه، قال: كلا إنّ الصادق (عليه السلام) علَّم ما أريد إن أعلمكما بعض أصحابه ففرح بذلك، وقال:

ص: 282

يا بن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قد جمعت علم القرآن كلّه، فقال: قد جمعت خيراً كثيراً وأوتيت فضلاً واسعاً، لكنّه مع ذلك أقلّ قليل أجزاء علم القرآن إنّ اللّه عزّوجلّ يقول: {قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَدًا}(1) ويقول: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَٰمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ سَبْعَةُ أَبْحُرٖ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِ}(2)، وهذا علم القرآن ومعانيه وما أودع من عجائبه فكم ترى مقدار ما أخذته من جميع هذا ولكن القدر الذي أخذته قد فضلك اللّه تعالى به على كل من لا يعلم كعلمك ولا يفهم كفهمك، قالا: فلم نبرح من عنده حتى جاءنا فيج(3) قاصد من عند أبوينا بكتاب يذكر فيه أن الحسن بن زيد العلوي قتل رجلاً بسعاية أولئك الزيدية واستصفى ماله ثم أتته الكتب من النواحي والأقطار المشتملة على خطوط الزيدية بالعذل(4) الشديد والتوبيخ العظيم يذكر فيها أن ذلك المقتول كان من أفضل زيدي على ظهر الأرض وأنّ السعاة قصدوه لفضله وثروته فتنكّر لهم، وأمر بقطع أنافهم وآذانهم، وأنّ بعضهم قد مثل به لذلك وآخرين قد هربوا. وأنّ العلوي ندم، واستغفر وتصدّق بالأموال الجليلة بعد أن ردّ أموال ذلك المقتول على ورثته، وبذل لهم أضعاف ديّة وليهم المقتول، واستحلّهم؟ ففقالوا: أمّا الدية فقد أحللناك منها وأما الدم فليس إلينا إنّما هو إلى المقتول واللّه الحاكم، وأنّ العلوي نذر لله عزّوجلّ أن لا

ص: 283


1- سورة الكهف: 109.
2- سورة لقمان: 27.
3- الفيج: فارسي معرّب، والجمع فيوج، وهو الذي يسعی علی رجليه، وفي الحديث: هو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلی بلد. لسان العرب 2: 350.
4- عذله عذلاً: لامه. المعجم الوسيط: 590 (عذل).

يعرض للناس في مذاهبهم، وفي كتاب أبويهما أنّ الداعي إلى الحق الحسن بن زيد قد أرسل إلينا ببعض ثقاته بكتابه وخاتمه وأمانه وضمن لنا ردّ أموالنا وجبر النقص الذي لحقنا فيها وإنا صائران إلى البلد ومتنجزان ما وعدنا، فقال الإمام (عليه السلام) : إنّ وعد اللّه حق، فلما كان اليوم العاشر جاءنا كتاب أبوينا أنّ الداعي إلى الحقّ قد وفى لنا بجميع عداته وأمرنا بملازمة الإمام العظيم البركة الصادق الوعد، فلما سمع الإمام (عليه السلام) بهذا قال: هذا حين إنجازي ما وعدتكما من تفسير القرآن، ثم قال: قد وظّفت لكما كل يوم شيئاً منه تكتبانه فالزماني وواظبا علي يوفّر اللّه تعالى من السعادة حظوظكما، فأول ما أملى علينا أحاديث في فضل القرآن وأهله، ثم أملى علينا التفسير بعد ذلك فكتبنا في مدّة مقامنا عنده وذلك سبع سنين نكتب في كل يوم منه مقدار ما ننشط له(1).

فهو الشيعي حقاً

عن الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: أعرف الناس بحقوق إخوانه، وأشدّهم قضاءاً لها، أعظمهم عند اللّه شأناً، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند اللّه من الصدّيقين، ومن شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) حقّاً.

ولقد ورد على أمير المؤمنين (عليه السلام) إخوان له مؤمنان: أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما، وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثم أمر بطعام، فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وإبريق خشب، ومنديل لليُبس، وجاء ليصبّ على يد الرجل ماءاً، فوثب أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخذ

ص: 284


1- تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 9، ح11.

الإبريق ليصبّ على يد الرجل فتمرّغ الرجل في التراب، وقال يا أمير المؤمنين، اللّه يراني وأنت تصبّ على يدي؟!، قال: أقعد واغسل يدك فإنّ اللّه عزّ وجل يراك وأخوك الذي لا يتميّز منك ولا يتفضّل عليك يخدمك! يريد بذلك في خدمة في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه فيها، فقعد الرجل. فقال له علي (عليه السلام) : أقسمت عليك بعظيم حقّي الذي عرفته وبجلته وتواضعك لله بأن ندبني لما شرّفك به من خدمتي لك، لما غسلت مطمئناً كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبراً، ففعل الرجل، فلما فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية، وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكن اللّه يأبى أن يسوّي بين ابن وأبيه، إذا جمعهما مكان لكن قد صبّ الأب على الأب فليصبّ الابن على الابن، فصبّ محمد بن الحنفية على الابن. ثم قال الحسن العسكري (عليه السلام) : فمن اتبع علياً (عليه السلام) على ذلك فهو الشيعي حقّاً(1).

جوابه عن بعض الأسئلة

عن عيسى بن مهدي الجوهري، قال: خرجت أنا والحسن بن مسعود والحسين بن ابراهيم وعتاب وطالب ابنا حاتم ومحمد بن سعيد وأحمد بن الخطيب وأحمد بن جنان من جُنبُلا إلى سامراء في سنة سبع وخمسين ومائتين، فعدلنا من المدائن إلى كربلاء، فرأينا أثر سيدنا أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان، فلقينا إخواننا المجاورين بسامراء لمولانا أبي محمد الحسن (عليه السلام) لنّهنئه بمولد مولانا المهدي (عليه السلام) ، فبشّرنا

ص: 285


1- الاحتجاج 2: 260.

إخواننا أنّ المولود كان طلوع الفجر من يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شعبان وهو ذلك الشهر، فقضينا زيارتنا ببغداد، فزرنا أبا الحسن موسى بن جعفر... وصعدنا إلى سامراء فلمّا دخلنا على سيدنا أبي محمد الحسن (عليه السلام) بدأنا بالبكاء قبل التهنئة، فجهرنا بالبكاء بين يديه ونحن ما ينيف عن سبعين رجلاً من أهل السواد.

فقال (عليه السلام) : إنّ البكاء من السرور بنعم اللّه مثل الشكر لها، فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً، فواللّه إنّكم على دين اللّه الذي جاءت به ملائكته وكتبه ورسله، وإنّكم كما قال جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إنّه قال: إيّاكم أن تزهدوا في الشيعة فإنّ فقيرهم الممتحن المتقي عند اللّه يوم القيامة له شفاعة عند اللّه يدخل فيها مثل ربيعة ومضر، فإذا كان هذا لكم من فضل اللّه عليكم وعلينا فيكم فايّ شيء بقي لكم؟ فقلنا بأجمعنا: الحمد لله والشكر له ولكم يا سادتنا، فبكم بلغنا هذه المنزلة، فقال (عليه السلام) : بلغتموها باللّه وبطاعتكم إيّاه، واجتهادكم بطاعته، وعبادته وموالاتكم لأوليائه ومعاداتكم لأعدائه.

قال عيسى بن مهدي الجوهري: فأردنا الكلام والمسألة، فأجابنا قبل السؤال: أما فيكم من أظهر مسألتي عن ولدي المهدي؟ فقلنا: وأين هو؟ فقال: استودعته اللّه كما استودعت أمّ موسى ابنها، حيث ألقته في اليم إلى أن ردّه اللّه إليها. فقالت طائفة منّا: أي واللّه لقد كانت هذه المسألة في أنفسنا. قال (عليه السلام) : ومنكم من سأل عن اختلاف بينكم وبين أعداء اللّه وأعدائنا من أهل القبلة والإسلام وأنا أنبئكم بذلك فافهموا، فقالت طائفة أخرى: أي واللّه يا سيدنا لقد أضمرنا. فقال (عليه السلام) : إنّ اللّه عزّ وجل أوحى إلى جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّي قد خصصتك وعلياً وحججي منه ليوم القيامة

ص: 286

وشيعتكم بعشر خصال: صلاة الخمسين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والأذان والإقامة مثنى، وحيّ على خير العمل، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، والآيتين والقنوت، وصلاة العصر والشمس بيضاء نقية، وصلاة الفجر مغسلة واختضاب الرأس واللحية، والوشمة، فخالفنا من أخذ حقّنا وحزبه في الصلاة فجعل أصل التراويح في ليالي شهر رمضان عوضاً من صلاة الخمسين، كل يوم وليلة، وكتّف أيديهم على صدورهم عوضاً عن تعفير الجبين، والتختّم باليسرى عوضاً عن التختّم باليمين، والفاتحة فرادى خلاف مثنى، والصلاة خير من النوم خلاف حي على خير العمل، والإخفاء عن القنوت، وصلاة العصر إذا اصفرّت الشمس خلافاً على بيضاء نقيّة، وصلاة الفجر عند تلاحف بزوغ الشمس خلافاً على صلاتها مغسّلة، وهجر الخضاب والنهي خلاف على الأمر به واستعماله.

فقال أكثرنا: فرّحت عنّا يا سيّدنا. قال (عليه السلام) : نعم، في أنفسكم ما تسألون عنه وأنا أنبئكم به: والتكبير على الميّت خمساً عمّنا حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه وأسد رسوله، فإنّه لما قتل قلق رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قلقاً شديداً وحزن عليه حتى عدم صبره وعزاؤه، فقال رسول اللّه: واللّه لأقتلنّ عوض كل شعرة سبعين رجلاً من مشركي قريش، فأوحى اللّه سبحانه وتعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّٰبِرِينَ * وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٖ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}(1) وإنّما أحبّ اللّه جلّ ثناؤه يجعل ذلك في المسلمين

ص: 287


1- سورة النحل: 126-128.

لأنّه لو قتل بكل شعرة من حمزة (عليه السلام) ألف رجل من المشركين ما كان يكون عليهم في قتالهم حرج، وأرادوا دفنه بغير غسل، فأحبّ أن يدفن مضرّجاً بدمائه وكان قد أمر بتغسيل الموتى فدفن بثيابه فصارت سنّة في المسلمين، لا يغسّل شهداؤهم، وأمره اللّه أن يكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ويستغفر له بين كل تكبيرتين منها، فأوحى اللّه سبحانه إليه إنّي قد فضّلت حمزة بسبعين تكبيرة لعظم منزلته عندي وكرامته عليّ ولك يا محمد فضل على المسلمين وكبّر على كل مؤمن ومؤمنة فإنّي أفرض عليك وعلى أمّتك خمس صلوات في كل يوم وليلة، والخمس تكبيرات عن خمس صلوات في كل يوم وليلة وثوابها، واكتب له أجرها.

فقام رجل منّا، فقال: يا سيدنا من صلى الأربعة؟ فقال (عليه السلام) : ما كبّرها تيميّاً ولا عدويّاً ولا ثالثهما من بني أميّة ولا من بني هند، فمن كبّرها طريد جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنّ طريده مروان بن الحكم، لأنّ معاوية وصّى يزيد بأشياء منها. وقال: خائف عليك يا يزيد من أربعة، من عبد اللّه بن عمر، ومن مروان بن الحكم، وعبيد اللّه بن زياد، والحسين بن علي، ويلك يا يزيد منه، فأمّا مروان بن الحكم فإذا أنا متّ جهزتموني ووضعتموني على نعشي للصلاة فسيقولون: تقدّم صلّ على أبيك قل: قد كنت أعصي أمره فقد أمرني أن لا يصلّي عليه إلاّ شيخ بني أميّة مروان فقدّمه وتقدّم على ثقات موالينا فكبّر أربع تكبيرات واستدعي بالخامسة، فقال: ألا يسلّم فاقتلوه فإنّك تراح منه وهو أعظمهم عليك، فسمى الخبر إلى مروان فأسرّها في نفسه وتوفّي معاوية وحمل على نعشه وجعل الصلاة عليه. فقالوا إلى يزيد يقدم،

ص: 288

فقال ما أوصاه أبوه، فقدّموا مروان وخرج يزيد من الصلاة فكبّر أربعاً وتأخّر عن الخامسة قبل الدعاء فاشتغل الناس، وقالوا: الآن ما كبّر الخامسة وقلق مروان بن الحكم وقام مروان وآل مروان الأخبار الكاذبة عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أنّ التكبير على الميّت أربع لئلا يكون مروان مبدعاُ.

فقال قائل منّا: يا سيدنا يجوز أن يكون أربعة تقيّة؟ فقال: هي خمسة لا تقيّة فيها، التكبيرات على الميّت خمس والتعفير في أدبار كل صلاة، وتُرفع القيود، وترك المسح على الخفيّن، وشرب المسكر السني، فقال سيّدنا: إنّ الصلوات الخمس وأوقاتها سنّة من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولا الخمس منزلة في كتاب اللّه.

فقال قائل منّا: رحمك اللّه ما استسن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلاّ ما أمره اللّه به.

فقال: أمّا الصلوات الخمس فهي عند أهل البيت كما فرض اللّه سبحانه وتعالى على رسوله وهي إحدى وخمسين ركعة في ستة أوقات أبيّنها لكم من كتاب اللّه تقدّست أسماؤه، وهو قوله في وقت الظهر: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ}(1) فأجمع المسلمون أنّ السعي صلاة الظهر، وأبان وأوضح في حقّها في كتاب اللّه كثيراً، وصلاة العصر بينهما في قوله تعالى: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّئَِّاتِ}(2)، الطرف صلاة العصر ومختلفون بإتيان هذه الآية وتبيانها في حقّ صلاة العصر، وصلاة الصبح، وصلاة المغرب، فأساخ تبيانها في كتابه العزيز قوله تعالى: {حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ

ص: 289


1- سورة الجمعة: 9.
2- سورة هود: 114.

وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ}(1) وفي المغرب في إيقاع كتابه المنزل. وأمّا صلاة العشاء فقد بيّنها اللّه في كتابه العزيز: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ}(2) وإنّ هذه في حق صلاة العشاء لأنه قال إلى غسق الليل ما بين الليل دلوك الشمس حكم وقضى ما بين العشاء وبين صلاة الليل، وقد جاء بيان ذلك في قوله ومن بعد صلاة العشاء فذكرها اللّه في كتابه وسمّاها ومن بعدها صلاة الليل حكى في قوله: {يَٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا}(3) وبيّن الضعف والزيادة وقوله عزّ وجلّ: {أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ}(4) إلى آخر السورة، وصلاة الفجر فقد حكى في كتابه العزيز: {وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}(5) وحكى في حقّها: {ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}(6) من صباحهم لمسائهم وهاتين الآيتين وما دونهما في حقّ صلاة الفجر لأنّها جامعة لصلاة، فمنها إلى وقت ثان إلى الانتهاء وفي كميّة عدد الصلاة وإنّها الصلاة تتشعّب منها مبدأ الضياء وهي السبب والواسطة ما بين العبد ومولاه والشاهد من كتاب اللّه على أنّها جامعة قوله تعالى: {إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}(7) لأنّ

ص: 290


1- سورة البقرة: 238.
2- سورة الإسراء: 78.
3- سورة المزمل: 1-4.
4- سورة المزمل: 20.
5- سورة المعارج: 34.
6- سورة المعارج: 23.
7- سورة الإسراء: 78.

القرآن من بعد فراغ العبد الصلاة، فإنّ القرآن كان مشهوداً أي في معنى الإجابة واستماع الدعاء من اللّه عزّ وجلّ، فهذه الخمس أوقات التي ذكره اللّه عزّ وجل وأمر بها، الوقت السادس صلاة الليل وهي فرض(1)

مثل الأوقات الخمس ولولا صلاة ثمان ركعات لما تمت واحد وخمسون ركعة، فضججنا بين يديه (عليه السلام) بالحمد والشكر على ما هدانا إليه(2).

الشعائر

خرج أبو محمد (عليه السلام) في جنازة أبي الحسن (عليه السلام) وقميصه مشقوق، فكتب إليه أبو عون قرابة نجاح بن سلمة: من رأيت أو بلغك من الأئمة شقّ ثوبه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام) : يا أحمق وما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارون(3).

هذا ما فعله المسيح (عليه السلام)

عن بعض فصّادي العسكر من النصارى: إنّ أبا محمد (عليه السلام) بعث إليّ يوماً في وقت صلاة الظهر فقال لي: أفصد هذا العِرق، قال: وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد، فقلت في نفسي: ما رأيت أمراً أعجب من هذا، يأمر لي أن أفصد في وقت الظهر وليس بوقت فصد، والثانية عرق لا أفهمه، ثم قال لي: انتظر وكن في الدار، فلما أمسى دعاني وقال لي: سرّح الدم، فسرحت، ثم قال لي: أمسك، فأمسكت، ثم قال لي: كن في الدّار، فلمّا كان

ص: 291


1- أي مستحب مؤكد.
2- الهداية الكبرى: 344.
3- كشف الغمة 2: 418.

نصف الليل أرسل إليّ وقال لي: سرّح الدم، قال: فتعجّبت أكثر من عجبي الأوّل وكرهت أن أسأله، قال: فسرحت فخرج دمّ أبيض كأنه الملح.

قال: ثم قال لي: احبس، قال: فحبست، قال: ثم قال: كن في الدّار، فلما أصبحت أمر قهرمانه أن يعطيني ثلاثة دنانير فأخذتها، وخرجت حتى أتيت ابن بختيشوع النصراني، فقصصت عليه القصة، قال: فقال لي: واللّه ما أفهم ما تقول ولا أعرفه في شيء من الطب ولا قرأته في كتاب ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي. فاخرج إليه، قلت: فاكتريت زورقاً إلى البصرة وأتيت الأهواز، ثم صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر، قال: وقال: أنظرني أياماً، فأنظرته، ثم أتيته متقاضياً، قال: فقال لي: إنّ هذا الذي تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرة(1).

رسائل

رسالته (عليه السلام) إلى إسحاق بن إسماعيل

حكى بعض الثقاة بنيسابور لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد (عليه السلام) توقيع أوليائنا: يا إسحاق بن إسماعيل سترنا اللّه وإيّاك بستره، وتولاك في جميع أمورك بصنعه، فهمت كتابك يرحمك اللّه، ونحن بحمد اللّه ونعمته أهل بيت نرقّ على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان اللّه إليهم وفضله لديهم، ونعتد بكل نعمة ينعمها اللّه عز وجل عليهم، فأتمّ اللّه عليكم بالحق ومن كان مثلك ممّن قد رحمه وبصّره بصيرتك ونزع عن الباطل ولم يقم في طغيانه بعَمَهٍ، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنة، وليس من نعمته وإن جلّ أمرها وعظم

ص: 292


1- الكافي 1: 512، ح24.

خطرها إلا والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها يؤدّي شكرها، وأنا أقول: الحمد لله مثل ما حمد اللّه به حامد إلى أبد الأبد بما منَّ به عليك من نعمته ونجّاك من الهلكة وسهّل سبيلك على العقبة، وأيم اللّه إنّها لعقبة كؤود(1)، شديد أمرها صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزُّبر الأولى ذكرها، ولقد كانت منكم أمور في أيام الماضي (عليه السلام) إلى أن مضى لسبيله صلى اللّه على روحه، وفي أيامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن ولا مسدّدي التوفيق. يا إسحاق إنّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً، إنّها يا بن إسماعيل ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وذلك قول اللّه عزّ وجل في محكم كتابه للظالم: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} قال اللّه عزّ وجل: {كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنسَىٰ}(2) وأي آية يا إسحاق أعظم من حجّة اللّه عزّ وجل على خلقه وأمينه في بلاده وشاهده على عباده من بعد ما سلف من آبائه الأولين من النبيين وآبائه الآخرين من الوصيين عليهم أجمعين رحمة اللّه وبركاته؟ فأين يتاه(3) بكم؟ وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم؟

عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون، وبنعمة اللّه تكفرون، أو تكذبون؟ فمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك

ص: 293


1- أي شديدة.
2- سورة طه: 126.
3- تاه يتيه: ضل وذهب متحيرا.

واللّه الخزي العظيم.

إنّ اللّه بفضله ومنّه لما فرض عليكم الفرائض، لم يفرض عليكم لحاجة منه إليكم، بل رحمة منه لا إله إلا هو عليكم، ليميز اللّه الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم ولتألفوا إلى رحمته، لتتفاضل منازلكم في جنّته.

ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية، وكفا بهم لكم باباً ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله ولولا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأوصياء من بعده لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل يدخل قرية إلاّ من بابها.

فلما منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيه قال اللّه عزّ وجل لنبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا}(1) وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم، ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، يعرفكم بذلك النماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال اللّه عزّ وجل: {قُل لَّا أَسَْٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰۗ}(2).

واعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل على نفسه، وأنّ اللّه هو الغني وأنتم الفقراء لا إله إلا هو. ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، فلولا ما يجب من تمام النعمة من اللّه عزّ وجل عليكم، لما أريتكم

ص: 294


1- المائدة: 3.
2- سورة الشورى: 23.

منّي خطاً ولا سمعتم منّي حرفاً من بعد الماضي (عليه السلام) .

أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه اللّه بمصيره إليكم ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبدة، وفّقه اللّه لمرضاته وأعانه على طاعته، وكتابه الذي حمله محمد بن موسى النيسابوري واللّه المستعان على كل حال، وإنّي أراكم مفرطين في جنب اللّه فتكونون من الخاسرين.

فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة اللّه، ولم يقبل مواعظ أوليائه، وقد أمركم اللّه عزّ وجل بطاعته لا إله إلا هو، وطاعة رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بطاعة أولي الأمر (عليه السلام) فرحم اللّه ضعفكم وقلّة صبركم عمّا أمامكم، فما أغرّ الإنسان بربه الكريم... ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدّعت قلقاً وخوفاً من خشية اللّه، ورجوعاً إلى طاعة اللّه عزّ وجل، فاعملوا من بعد ما شئتم فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون والعاقبة للمتقين والحمد لله كثيراً ربّ العالمين(1).

رسالته (عليه السلام) إلى أهل قم

ومن كتابه (عليه السلام) الى أهل قم: إنّ اللّه تعالى بجوده ورأفته قد منّ على عباده بنبيه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بشيراً ونذيراً، ووفّقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين رحمة اللّه عليهم وأصلابكم الباقين، تولّى كفايتهم وعمّرهم طويلاً في طاعته حبّ العترة الهادية، فمضى

ص: 295


1- بحار الأنوار 50: 319، ح16.

من مضى على وتيرة الصواب ومنهاج الصدق وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غبّ ما أسلفوا ومنها: فلم تزل نيّتنا مستحكمة ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة، القرابة الراسخة بيننا وبينكم قويّة، وصية أوصى بها أسلافكم وعهد عهد إلى شباننا ومشايخكم، فلم يزل على حملة كاملة من الاعتقاد لما جمعنا اللّه عليه من الحال القريبة والرحم الماسة يقول العالم (سلام اللّه عليه) إذ يقول: المؤمن أخو المؤمن لأمّه وأبيه(1).

رسالته (عليه السلام) إلى ابن بابويه

كتب الإمام أبو محمد (عليه السلام) رسالة إلى الفقيه الجليل أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتقين، والجنة للموحّدين، والنار للملحدين، ولا عدوان إلا على الظالمين ولا إله إلا اللّه أحسن الخالقين والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرين.

أمّا بعد: أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن علي بن الحسين القمّي وفّقك اللّه لمرضاته وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته بتقوى اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فإنّه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدين، والتثبّت في الأمور، والتعهّد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر

ص: 296


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 425.

بالمعروف والنهي عن المنكر، قال اللّه عزّوجل: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجْوَىٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحِۢ بَيْنَ ٱلنَّاسِ}(1)،

واجتناب الفواحش كلّها، وعليك بصلاة الليل فإنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أوصى علياً (عليه السلام) ، فقال: يا علي عليك بصلاة الليل ثلاث مرّات، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا، فاعمل بوصيّتي وأمر شيعتي حتى يحملوا عليه وعليك بالصبر بانتظار الفرج، فإنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشّر به النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فاصبر يا شيخي وأمر جميع شيعتي بالصبر {إِنَّ ٱلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِۦ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(2)، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة اللّه وبركاته وحسبنا اللّه ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير(3).

ومن توقيعاته (عليه السلام)

وخرج في بعض توقيعاته (عليه السلام) عند اختلاف قوم من شيعته في أمره: ما مُني أحد من آبائي (عليهم السلام) بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة فيّ، فإن كان هذا الأمر اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثم ينقطع فللشك موضع وإن كان متصلاً ما اتصلت أمور اللّه عز وجل فما معنى هذا الشك؟(4).

ص: 297


1- سورة النساء: 114.
2- سورة الأعراف: 128.
3- خاتمة المستدرك 3: 277.
4- كمال الدين 1: 222، ح10.
رسالته إلى بعض مواليه

بعث الإمام أبو محمد (عليه السلام) الرسالة التالية إلى بعض مواليه: لقد نعى فيها ما هم فيه من الاختلال والفرقة والانحراف عن الدين: بسم اللّه الرحمن الرحيم استوهب اللّه لكم زهّادة في الدنيا، وتوفيقاً لما يرضى، ومعونة على طاعته، وعصمة عن معصية، وهداية من الزيغ وكفاية، فجمع لنا ولأوليائنا خير الدارين.

أما بعد: فقد بلغنني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم، وتشتيت أهوائكم، نزغ الشيطان حتى أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين، والسعي في هدم ما مضى عليه أوائلكم من إشادة دين اللّه وإثبات حق أوليائه، وأمالكم إلى سبيل الضلالة، وصدق بكم عن قصد الحق، فرجع أكثركم القهقرى، على أعقابكم تنكصون كأنّكم لم تقرؤوا كتاب اللّه جلّ وعز، ولم تعنوا شيئاً من أمره ونهيه.

ولعمري لئن كان الأمر في إتكال سفهائكم على أساطيرهم لأنفسهم وتأليفهم روايات الزور بينهم لقد حقّت كلمة العذاب عليهم، ولئن رضيتم بذلك منهم ولم تنكروه بأيديكم وألسنتكم وقلوبكم ونياتكم إنكم لشركائهم فيما اجترحوه من الافتراء على اللّه تعالى وعلى رسوله وعلى ولاة الأمر من بعده، ولئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل التزيد(1) في دعواهم، ولا المغيّرة(2) في اختلافهم، ولا الكيسانية(3) في صاحبهم، ولا من سواهم من المنتحلين ودّنا والمنحرفين عنّا، بل أنتم شرّ منهم قليلاً وما شيء يمنعني

ص: 298


1- أي: الزيدية، من قال بإمامة زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) .
2- صنف من السبائية.
3- من قال بإمامة محمد بن الحنفية.

والباطل فيكم بدعوة تكونوا فيها شامتاً لأهل الحق إلا انتظار فيهم وسيفيء أكثرهم إلى أمر اللّه إلا طائفة لو شئت لأسميتها ونسبتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اللّه ومن نسي ذكر اللّه تبر منه فسيصليه جهنم وساءت مصيرًا. وكتابي هذا حجّة عليهم وحجّة لغائبكم على شاهدكم الا من بلغه فأدّى الأمانة، وأنا أسأل اللّه أن يجمع قلوبكم على الهدى ويعصمكم بالتقوى ويوفّقكم للقول بما يرضى وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته(1).

حكم ومواعظ

الأنس باللّه

قال (عليه السلام) : من آنس باللّه استوحش من الناس، وعلامة الأنس باللّه الوحشة من الناس(2).

السهر والجوع

قال (عليه السلام) : السهر ألذ للمنام، والجوع أزيد في طيب الطعام(3).

لا إفراط ولا تفريط

وقال (عليه السلام) : إنّ للسخاء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف، وللحزم مقداراً فإن زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقداراً فإن زاد عليه فهو بخل، وللشجاعة مقداراً فان زاد عليه فهو تهوّر(4).

ص: 299


1- الدر النظيم: 748.
2- عدة الداعي: 208.
3- بحار الأنوار 75: 379، ح4.
4- بحار الأنوار 75: 377، ح3.
بين المنع والعطاء

قال (عليه السلام) : من لم يحسن أن يمنع لم يحسن أن يعطي(1).

من لا يطلب منه الصفا

قال (عليه السلام) للمتوكل: لا تطلب الصفا ممّن كدّرت عليه، ولا النصح من صرفت سوء ظنّك إليه، فإنّما قلب غيرك لك كقلبك له(2).

رزق مضمون

قال (عليه السلام) : لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض(3).

لماذا الضراعة؟

قال (عليه السلام) : إذا كان المقضي كائناً فالضراعة لماذا(4).

المؤمن بركة

قال (عليه السلام) : المؤمن بركة على المؤمن، وحجّة على الكافر(5).

من ترك الحق

قال (عليه السلام) : ما ترك الحق عزيز إلا ذلّ ولا أخذ به ذليل إلا عزّ(6).

صديق الجاهل

قال (عليه السلام) : صديق الجاهل تعب(7).

ص: 300


1- بحار الأنوار 75: 380، ح4.
2- بحار الأنوار 75: 380، ح4.
3- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
4- بحار الأنوار 75: 378، ح3.
5- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
6- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
7- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
قلب الأحمق

قال (عليه السلام) : قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه(1).

خير من الحياة

قال (عليه السلام) : خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة، وشرّ من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت(2).

ردّ المعتاد عن عاداته

قال (عليه السلام) : رياضة الجاهل وردّ المعتاد عن عاداته كالمعجز(3).

من لم يتق اللّه

قال (عليه السلام) : من لم يتق وجوه الناس لم يتق اللّه(4).

بين البلية والنعمة

قال (عليه السلام) : ما من بلية إلاّ ولله فيها نعمة تحيط بها(5).

لا تكرم هكذا

قال (عليه السلام) : لا تكرم الرجل بما يشقّ عليه(6).

إذا نشطت القلوب

قال (عليه السلام) : إذا نشطت القلوب فأودعوها، وإذا نفرت فودعوها(7).

ص: 301


1- تحف العقول: 489.
2- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
3- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
4- نزهة الناظر: 145، ح12.
5- تحف العقول: 489.
6- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
7- أعلام الدين: 313.
من لا تأمن شرّه

قال (عليه السلام) : اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شرّه(1).

المقادير والأرزاق المكتوبة

قال (عليه السلام) : المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشرة ولا تدفع بالإمساك عنها(2).

إقبال القلوب وإدبارها

قال (عليه السلام) : إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فأقصروها على الفرائض(3).

الوحشة من الناس

قال (عليه السلام) : الوحشة من الناس على قدر الفطنة بهم(4).

وصايا لشيعته (عليه السلام)

وقال (عليه السلام) لشيعته: أوصيكم بتقوى اللّه، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، صلّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا أورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسن خلقه من الناس،

ص: 302


1- أعلام الدين: 313.
2- أعلام الدين: 314.
3- أعلام الدين: 99.
4- نزهة الناظر: 71، ح5.

قيل: هذا شيعي فيسرّني ذلك، اتقوا اللّه، وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كل مودّة، وادفعوا عنّا كل قبيح، فإنّه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك، لنا حقّ في كتاب اللّه وقرابة من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتطهير من اللّه لا يدّعيه أحد غيرنا إلا كذّاب، أكثروا ذكر اللّه، وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإنّ الصلاة على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عشر حسنات، احفظوا ما وصيتكم به واستودعكم اللّه وأقرأ عليكم السلام(1).

إدفع المسألة والإلحاح

قال (عليه السلام) : ادفع المسألة ما وجدت التحمّل يمكنك، فإنّ لكل يوم رزقاً جديداً، واعلم أنّ الإلحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب والعناء، فاصبر حتى يفتح اللّه لك باباً يسهل الدخول فيه، فما أقرب الصنيع من الملهوف والأمن من الهارب المخوف، فربما كانت الغير نوعاً من أدب اللّه، والحظوظ مراتب فلا تعجل على ثمرة لم تدرك، فإنّما تنالها في أوانها، واعلم أنّ المدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك، فلا تعجل بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط، واعلم أنّ للسخاء مقداراً فإن زاد عليه فهو سرف، وإنّ للحزم مقداراً فإن زاد على ذلك فهو تهوّر، واحذر كل ذكي ساكن الطرف، ولو عقل أهل الدنيا خربت(2).

ص: 303


1- بحار الأنوار 75: 372.
2- أعلام الدين: 313.
الموت يأتي بغتة

قال (عليه السلام) : إنّكم في آجال منقوصة، وأيام معدودة، والموت يأتي بغتة، من يزرع خيراً يحصد غبطة، ومن يزرع شراً يحصد ندامة، لكل زارع ما زرع، لا يسبق بطيء بحظّه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، من أعطي خيراً فاللّه أعطاه، ومن وقي شراً فاللّه وقاه(1).

الويل لمن أخذته أصابع المظلومين

ورفع بعض الشيعة إلى الإمام (عليه السلام) رسالة يستغيث فيها من ظالم ظلمه واعتدى عليه فأجابه (عليه السلام) :

نحن نستكفي باللّه جلّ وعز في هذا اليوم مؤونة كل ظالم وباغ وحاسد، وويل لمن قال: ما يعلم اللّه جلّ وعز خلافه، ماذا يلقى من ديّان يوم الدين، فإنّ اللّه جلّ وعز للمظلومين ناصر وعضد، فثق به جلّ ثناؤه وتوكل عليه واستغن به يريك محبتك ويبلغك املك ويكفك شرّ كل ذي شر فعل اللّه جل وعز ذلك بك ومنّ علينا فيك إنّه على كل شيء قدير، واستدرك اللّه كل ظالم في هذه الساعة، ما أحد ظلم وبغى فأفلح، الويل لمن أخذته أصابع المظلومين، فلا تغتم وثق باللّه وتوكل عليه، فما أسرع فرحك واللّه عزّوجل مع الذين صبروا والذين هم محسنون(2).

فتوكل على اللّه

وأرسل الإمام أبو محمد (عليه السلام) إلى بعض مواليه: كل مقدور كائن، فتوكل

ص: 304


1- تحف العقول: 489.
2- الدر النظيم: 749.

على اللّه جلّ وعز يكفك، وثق به لا يخيبك، وشكوت أخاك فاعلم يقيناً أنّ اللّه جلّ وعز لا يعين على قطيعة رحم، وهو جل ثناؤه من وراء ظلم كل ظالم، ومن بغي عليه لينصرنه اللّه إنّ اللّه قوي عزيز، وسألت الدعاء إنّ اللّه جلّ وعز لك حافظ وناصر وساتر وأرجو من اللّه الكريم الذي عرفك من حقّه وحق أوليائه ما أعمى عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمة أنعم بها عليك أنه ولي حميد(1).

ما للعلب خلقنا

عن بهلول قال: بينما أنا ذات يوم في بعض شوارع البصرة وإذا بالصبيان يلعبون بالجوز واللوز وإذا بصبي ينظر إليهم ويبكي، فقلت: هذا صبي يتحسّر على ما في أيدي الصبيان ولا شيء معه فيلعب به، فقلت: أي بني ما يبكيك؟ استرى لك ما تلعب به مع الصبيان؟ فرفع بصره إلي وقال: يا قليل العقل ما للعب خلقنا، فقلت: فلم إذاً خلقنا؟ قال: للعلم والعبادة، قلت: من أين لك ذاك بارك اللّه فيك؟ قال: من قول اللّه عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَٰكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}(2)،

قلت له: أي بني أراك حكيماً فعظني، وأوجز فأنشأ يقول:

أرى الدنيا تجهزّ بانطلاق***مشمّرة على قدم وساق

فلا الدنيا بباقية لحيّ***ولا حيّ على الدنيا بباق

كأنّ الموت والحدثان فيها***إلى نفس الفتى فرساً سباق

ص: 305


1- عن الدر النظيم: 749.
2- سورة المؤمنون: 115.

فيا مغرور بالدنيا رويداً***ومنها خذ لنفسك بالوساق

ثم رمق إلى السماء بعينه وأشار بكفّه ودموعه تنحدر على خدّيه وانشأ يقول:

يا من إليه المبتهل***يا من عليه المتكل

يا من إذا ما آمل***يرجوه لم يخط الأمل

قال: فلما أتم كلامه خرّ مغشيّاً عليه، فرفعت رأسه إلى حجري ونفضت التراب عن وجهه بكمى، فلما أفاق قلت له: أي بني ما أنزل بك وأنت صبي صغير لم يكتب عليك ذنب؟ قال: إليك عنّي يا بهلول، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا يتقد إلاّ بالصغار وأنا أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم.

فقلت له: أي بني أراك حكيماً فعظني، فأنشأ يقول:

غفلت وحادي الموت في أثري يحدو***فلم أرح يوماً فلابدّ أن أغدو

انعمّ جسمي باللباس ولينه***وليس لجسمي من لباس البلى بدُّ

كأنّي به قد مرّ في برزخ البلا***ومن فوقه ردم ومن تحته لحد

وقد ذهبت مني المحاسن وانمحت***ولم يبق فوق العظم لحم ولا جلد

أرى العمر قد ولّى ولم أدرك المنى***وليس معي زاد وفي سفري بعد

وقد كنت جاهرت المهيمن عاصياً***وأحدثت أحداثاً وليس لها رد

وأرخيت خوف الناس ستراً من الحيا***وما خفت من سرى غدا عنده يبدو

بلى خفته ولكن وثقت بحلمه***وإن ليس يعفو غيره فله الحمد

فلو لم يكن شيء سوى الموت والبلى***ولم يكن من ربّي وعيد ولا وعد

لكان لنا في الموت شغل وفي البلى***عن اللّهو لكن زال عن رأينا الرشد

ص: 306

عسى غافر الزلاّت يغفر زلتي***فقد يغفر المولى إذا أذنب العبد

أنا عبد سوء خنت مولاي عهده***كذلك عبد السوء ليس له عهد

فكيف إذا أحرقت النار جثتي***ونارك لا يقوى لها الحجر الصلد

أما الفرد عند الموت والفرد في البلى***وابعث فرداً فارحم الفرد يا فرد

قال بهلول: فلما فرغ من كلامه وقعت مغشيّاً عليّ، وانصرف الصبي، فلما أفقت ونظرت إلى الصبيان فلم أره معهم، فقلت لهم: من يكون ذلك الغلام؟ قالوا: وما عرفته؟ قلت: لا، قالوا: ذاك من أولاد الحسين بن علي بن أبي طالب (رضوان اللّه عليهم أجمعين) فقلت: قد عجبت من أين يكون هذه الثمرة إلاّ من تلك الشجرة(1).

فضائل

من كان في طاعة اللّه

قال (عليه السلام) : من كان في طاعة اللّه كان اللّه في حاجته(2).

أحسن ظنك

وقال (عليه السلام) : أحسن ظنّك ولو بحجر يطرح اللّه شرّه فيه فتتناول حظّك منه، فقلت: أيدك اللّه حتى بحجر؟ قال: أفلا ترى حجر الأسود(3).

من فوائد الشكر

وقال (عليه السلام) : زيدوا في الشكر تزدادوا في النعم(4).

ص: 307


1- شرح إحقاق الحق 29: 65.
2- الخرائج والجرائح 1: 443، ح24.
3- مستدرك الوسائل 9: 146، ح10506.
4- مدينة المعاجز 7: 678.
من مصاديق التواضع

قال (عليه السلام) : من التواضع السلام على كل من تمرّ به، والجلوس دون شرف المجلس(1).

من آداب المجلس

قال (عليه السلام) : من رضى بدون الشرف من المجلس لم يزل اللّه وملائكته يصلّون عليه حتى يقوم(2).

أورع الناس

قال (عليه السلام) : أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام على الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشدّ الناس اجتهاداً من ترك الذنوب(3).

نعمة لا يحسد عليها

قال (عليه السلام) : التواضع نعمة لا يحسد عليها(4).

من وعظ أخاه

قال (عليه السلام) : من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية قد شانه(5).

كفاك أدباً

قال (عليه السلام) : كفاك أدباً تجنّبك ما تكره من غيرك(6).

ص: 308


1- تحف العقول: 487.
2- تحف العقول: 486.
3- تحف العقول: 489.
4- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
5- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
6- بحار الأنوار 75: 377، ح3.
من ثمرات الورع

قال (عليه السلام) : من كان الورع سجيته والإفضال حليته انتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه وتحصّن بالذكر الجميل من وصول نقص إليه(1).

نفع الأخوان

قال (عليه السلام) : خصلتان ليس فوقهما شيء: الإيمان باللّه ونفع الإخوان(2).

حب الأبرار

قال (عليه السلام) : حبّ الأبرار للأبرار ثواب للأبرار، وحبّ الفجار للأبرار فضيلة للأبرار، وبغض الفجار للأبرار زين للأبرار، وبغض الأبرار للفجار خزي على الفجار(3).

من هو الشاكر؟

قال (عليه السلام) : لا يعرف النعمة إلا الشاكر، ولا يشكر النعمة إلا العارف(4).

خير إخوانك

قال (عليه السلام) : خير إخوانك من نسي ذنبك وذكر إحسانك إليه(5).

جمال الباطن

قال (عليه السلام) : حسن الصورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن(6).

ص: 309


1- بحار الأنور 75: 378، ح3.
2- مستدرك الوسائل 12: 391، ح14379.
3- تحف العقول: 487.
4- أعلام الدين: 313.
5- أعلام الدين: 313.
6- أعلام الدين: 313.
المحبّة

قال (عليه السلام) : أولى الناس بالمحبّة منهم من أملوه(1).

نائل الكريم

قال (عليه السلام) : نائل الكريم يحببك إليه ويقربك منه، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه(2).

كيف تكسب الأصدقاء

قال (عليه السلام) : من كان الورع سجيّته والكرم طبيعته والحلم خلّته كثر صديقه والثناء عليه وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه(3).

الحلم

قال (عليه السلام) : الجهل خصم، والحلم حكم، ولم يعرف راحة القلب من لم يجرعه الحلم غصص الصبر والغيظ(4).

أهل المعروف

عن أبي هاشم، قال: سمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: إنّ في الجنة باباً يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف، فحمدت اللّه تعالى في نفسي وفرحت بما أتكلّفه من حوائج الناس، فنظر إلي أبو محمد (عليه السلام) وقال: نعم قد علمت ما أنت عليه فإنّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في

ص: 310


1- أعلام الدين: 313.
2- أعلام الدين: 314.
3- أعلام الدين: 314.
4- أعلام الدين: 313.

الآخرة جعلك اللّه منهم يا أبا هاشم ورحمك(1).

رذائل

من الذنوب التي لا تغفر

عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا محمد (عليه السلام) يقول: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا، فقلت في نفسي: إنّ هذا لهو الدقيق ينبغي للرجل أن يتفقّد من نفسه كل شيء، فقال: صدقت يا أبا هاشم الزم ما حدثتك به نفسك، فإنّ الشرك في الناس أخفى من دبيب الذرّ على الصفا في الليلة الظلماء(2).

كثرة النوم

قال أبو محمد العسكري (عليه السلام) : من أكثر المنام رأى الأحلام(3).

الضحك بلا سبب

قال (عليه السلام) : من الجهل الضحك من غير عجب(4).

اتقوا اللّه في النبيذ

عن يحيى القنبري، قال: كان لأبي محمد (عليه السلام) وكيل قد اتخذ معه في الدار حجرة يكون فيها، معه خادم أبيض، فاراد الوكيل الخادم على نفسه فأبى أن يأتيه بنبيذ، فاحتال له بنبيذ ثم أدخله عليه، وبينه وبين أبي

ص: 311


1- إعلام الوری 2: 144.
2- الخرائج والجرائح 2: 688، ح11.
3- بحار الأنوار 58: 190، ح56.
4- تحف العقول: 487.

محمد (عليه السلام) ثلاثة أبواب مغلقة.

قال فحدّثني الوكيل، قال: إنّي لمنتبه إذ أنا بالأبواب تفتح حتى جاء بنفسه فوقف على باب الحجرة، ثم قال: يا هؤلاء اتقوا اللّه خافوا اللّه، فلما أصبحنا أمر ببيع الخادم وإخراجي من الدار(1).

الجار السوء

قال (عليه السلام) : من القواصم الفواقر التي تقصم الظهر جار السؤ إن رأى حسنة أخفاها، وإن رأى سيئة أفشاها(2).

لا تمازح

قال (عليه السلام) : لا تمار فيذهب بهاؤك، ولا تمازح فيجترأ عليك(3).

الغضب

قال (عليه السلام) : الغضب مفتاح كلّ شر(4).

أقل الناس راحة

قال (عليه السلام) : أقل الناس راحة، الحقود(5).

من أسباب العقوق

قال (عليه السلام) : جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره(6).

ص: 312


1- الكافي 1: 511، ح19.
2- الكافي 2: 668، ح15.
3- تحف العقول: 486.
4- تحف العقول: 488.
5- تحف العقول: 488.
6- بحار الأنوار 75: 374.
ليس من الأدب

قال (عليه السلام) : ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون(1).

رغبة تذله

قال (عليه السلام) : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه(2).

ذو الوجهين واللسانين

قال (عليه السلام) : بئس العبد عبداً يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً، إن أعطي حسده، وإن ابتلي خذله(3).

مدح غير المستحق

قال (عليه السلام) : من مدح غير المستحق فقد قام مقام المتهم(4).

أضعف الأعداء

قال (عليه السلام) : أضعف الأعداء كيداً: من أظهر عداوته(5).

ركوب الباطل

قال (عليه السلام) : من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة(6).

مفتاح الخبائث

قال (عليه السلام) : جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها(7).

ص: 313


1- بحار الأنوار 75: 374.
2- بحار الأنوار 75: 374.
3- تحف العقول: 488.
4- أعلام الدين: 313.
5- نزهة الناظر: 145، ح8.
6- أعلام الدين: 314.
7- أعلام الدين: 313.

كرامات

إخباره (عليه السلام) بما أخذوه

عن أبي هاشم الجعفري، قال: لما مضى أبو الحسن (عليه السلام) صاحب العسكر اشتغل أبو محمد ابنه بغسله وشأنه وأسرع بعض الخَدَم إلى أشياء احتملوها من الثياب ودراهم وغيرهما.

فلمّا فرغ أبو محمد من شأنه صار إلى مجلسه فجلس ثم دعا أولئك الخدم، فقال: إن صدقتموني فيما أسألكم عنه فأنتم آمنون من عقوبتي، وإن أصررتم على الجحود دللت على كل ما أخذه كلّ واحد منكم وعاقبتكم عند ذلك بما تستحقونه منّي، ثم قال: يا فلان أخذت كذا وكذا، وأنت يا فلان أخذت كذا وكذا، قالوا: نعم، قالوا: فردّوه، فذكر لكلّ واحد منهم ما أخذه وصار إليه حتى ردّوا جميع ما أخذوه(1).

فقد كفيته

كتب محمد بن حجر إلى أبي محمد (عليه السلام) يشكو عبد العزيز بن دلف ويزيد بن عبد اللّه فكتب إليه: أمّا عبد العزيز فقد كفيته، وأمّا يزيد فإنّ لك وله مقاماً بين يدي اللّه، فمات عبد العزيز وقتل يزيد محمد بن حجر(2).

يخرج من الحبس

عن شاهويه بن عبد ربه، قال: كان أخي صالح محبوساً فكتبت إلى سيّدي أبي محمد (عليه السلام) أسأله أشياء، فأجابني عنها وكتب: إنّ أخاك يخرج

ص: 314


1- بحار الأنوار 50: 259، ح19.
2- الكافي 1: 513، ح25.

من الحبس يوم يصلك كتابي هذا، وقد كنتَ أردت أن تسألني عن أمره فأُنسيت، فبينا أنا أقرأ كتابه إذ أناس جاؤوني يبشرونني بتخلية أخي فتلقيته وقرأت عليه الكتاب(1).

مدّ اللّه في عمرك

روي أنّ يحيى بن قتيبة الأشعري أتاه بعد ثلاث مع الأستاذ فوجداه يصلّي والأسود حوله، فدخل الأستاذ الغيل(2) فمزّقوه وأكلوه وانصرف يحيى في قومه إلى المعتمد، فدخل المعتمد على العسكري (عليه السلام) وتضرّع إليه وسأل أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة، فقال (عليه السلام) : مدّ اللّه في عمرك فأجيب وتوفّي بعد عشرين سنة(3).

الوقوع في البئر

وقع الإمام (عليه السلام) وهو طفل ببئر وأبوه يصلّي فصاح النسوان، فلمّا فرغ من صلاته، قال (عليه السلام) : لا بأس، فرأوه وقد ارتفع به الماء إلى رأس البئر وابو محمد على رأس الماء بلعب بالماء(4).

إنّها قصيرة العمر

عن محمد بن الحسن بن شمون، قال: كتب إليه (عليه السلام) ابن عمّنا محمد بن زيد يشاوره في شراء جارية نفيسة بمائتي دينار لابنه فكتب (عليه السلام) إليه: لا تشترها فإنّ بها جنوناً، وهي قصيرة العمر مع جنونها، قال: فما ضربت عن

ص: 315


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 438.
2- الغيل: موضع الأسد.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 430.
4- الخرائج والجرائح 1: 451، ح36.

أمرها، ثم مررت بعد أيام ومعي ابني علي، فقلت: أشتهي أن أستعيد عرضها وأراها فأخرجها إلينا فبينا هي واقفة بين أيدينا حتى صار وجهها في قفاها، فلبثت على تلك الحال ثلاثة أيام وماتت(1).

لا تشك أخاك

عن أبي جعفر محمد بن عيسى بن أحمد الزرجي، قال: رأيت بسرّ من رأى رجلاً شاباً في المسجد المعروف بمسجد زبيد في شارع السوق وذكر أنّه هاشمي من ولد موسى بن عيسى، لم يذكر أبو جعفر اسمه وكنت أصلّي فلما سلّمت، قال لي: أنت قمّي أو زائر؟ قلت: أنا قمّي مجاور بالكوفة في مسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال لي: تعرف دار موسى بن عيسى التي بالكوفة؟ فقلت: نعم، فقال: أنا من ولده، قال: كان لي أب وله أخوان وكان أكبر الأخوين ذا مال ولم يكن للصغير مال فدخل على أخيه الكبير فسرق منه ستمائة دينار، فقال الأخ الكبير أدخل على الحسن بن علي بن محمد ابن الرضا (عليه السلام) وأسأله أن يلطف للصغير لعلّه أن يردّ مالي فإنّه حلو الكلام، فلما كان وقت السحر بدا لي عن الدخول على الحسن بن علي (عليه السلام) وقلت: أدخل على أسباس التركي صاحب السلطان وأشكو إليه.

قال: فدخلت على أسباس التركي وبين يديه نرد يلعب به، فجلست أنتظر فراغه، فجاءني رسول الحسن بن علي (عليه السلام) ، فقال: أجب، فقام معه فلما دخل على الحسن (عليه السلام) قال له: كان لك إلينا أول الليل حاجة ثم بدا لك عنها وقت السحر، اذهب فإنّ الكِيس الذي أُخذ من مالك رُدّ ولا تشك أخاك وأحسن

ص: 316


1- إثبات الهداة 5: 46، ح134.

إليه وأعطه، فإن لم تفعل فابعثه إلينا لنعطيه، فلمّا خرج تلقّاه غلامه يخبره بوجود الكِيس(1).

إسلام النصراني

حدّثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن أبي محمد، هارون بن موسى التلعكبري... قال: أنفذني والدي مع بعض أصحابه إلى صاعد النصراني لأسمع منه ما روى عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري (صلوات اللّه عليه) فوصلنا إليه، فرأيت رجلاً معظماً، فأعلمته قصدي فأدناني، وقال: حدّثني أبي: أنّه خرج هو وأخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سرّ من رأى لأجل ظلامة من العامل، فأنا بسرّ من رأى في بعض الأيام إذ بمولانا أبي محمد (عليه السلام) على بغلة وعلى رأسه شاشة وعلى كتفه طيلسان، فقلت في نفسي: هذا الرجل يدّعي بعض المسلمين أنّه يعلم الغيب فإن كان الأمر على هذا فليحوّل مقدّم الشاشة إلى مؤخّرها، ففعل، فقلت: هذا اتفاق ولكن فليحوّل طيلسانه الأيمن إلى الأيسر والأيسر إلى الأيمن، ففعل ذلك وهو يسير، فوصل إليّ، فقال: يا ثابت لم لا تشتغل بأكل حيتانك عمّا لا أنت منه ولا إليه، قال: وكنّا نأكل السمك... وأسلم صاعد وكان وزيراً للمعتمد(2).

من الأبحر السبعة

قال أبو جعفر: قلت للحسن بن علي (عليه السلام) : أرني معجزة خصوصية أحدّث

ص: 317


1- بحار الأنوار 50: 247، ح1.
2- فرج المهموم: 236.

بها عنك، فقال (عليه السلام) : يا بن جَرِير لعلّك ترتد، فحلفت له ثلاثاً، فرأيته غاب في الأرض تحت مصلاّه ثم رجع ومعه حوت عظيم، فقال: جئتك به من الأبحر السبعة، فأخذته معي إلى مدينة السلام وأطعمت منه جماعة من أصحابنا(1).

لن ترى إلاّ خيراً

عن كافور الخادم: كان يونس النقّاش يغشى سيّدنا الإمام ويخدمه، فجاءه يوماً يُرعَد، فقال: يا سيّدي أوصيك بأهلي خيراً. قال: وما الخبر؟ قال: عزمت على الرحيل، قال: ولم يا يونس، وهو يبتسم؟. قال: وجّه إليّ ابن بغا بفصٍ ليست له قيمة أقبلت أنقشه فكسرته باثنين وموعده غدٌ وهو ابن بغا، إمّا ألف سوط أو القتل. قال: امض إلى منزلك إلى غد فَرُح فما يكون إلاّ خيراً، فلما كان من الغد وافاه بكرةً يُرعد، فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفَص، قال: امض إليه فلن ترى إلاّ خيراً، قال: وما أقول له يا سيدي؟ قال: فتبسّم وقال: امض إليه واسمع ما يخبرك به فلا يكون إلاّ خيراً، قال: فمضى وعاد، وقال: قال لي يا سيدي: الجواري اختصمن فيمكنك أن تجعله اثنين حتى نغنيك، فقال (عليه السلام) : اللّهم لك الحمد إذ جعلتنا ممّن يحمدك حقاً، فأيّ شيء قلت له؟ قال: قلت له أمهلني حتى أتأمّل أمرَهُ، فقال: أصبت(2).

حينما يمرّ القلم على القرطاس

عن أبي هاشم، قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام) وكان يكتب كتاباً فحان

ص: 318


1- دلائل الإمامة: 427، ح388.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 427.

وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده وقام (عليه السلام) إلى الصلاة، فرأيت القلم يمر على باقي القرطاس من الكتاب ويكتب حتى انتهى إلى آخره فخررت ساجداً، فلما انصرف من الصلاة أخذ القلم بيده وأذن للناس(1).

كم هذا الشك؟

عن جماعة: أنّ الحسن بن إسماعيل بن صالح كان في أول خروجه إلى سرّ من رأى للقاء أبي محمد (عليه السلام) ومعه رجلان من الشيعة وافق قدومهم ركوب أبي محمد (عليه السلام) ، قال الحسن بن إسماعيل: فتفرقنا في ثلاث طرق وقلنا: إن رجع في أحدهما رآه رجل منّا، فانتظرناه فعاد (عليه السلام) في الطريق الذي فيه الحسن بن إسماعيل، فلما طلع وحاذاه، قال: قلت في نفسي: اللّهم إن كان حجّتك حقّاً وإمامنا فليمس قلنسوته، فلم أستتم ذلك حتى مسّها وحرّكها على رأسه، فقلت: يا رب إن كان حجّتك فليمسّها ثانياً، فضرب بيده فأخذها عن رأسه ثم ردّها، وكثر عليه الناس بالسلام عليه والوقوف على بعضهم، فتقدّمه إلى درب آخر فلقيت صاحبيّ وعرّفتهما ما سألت اللّه في نفسي وما فعل، فقالا: فتسأل ونسأل الثالثة، فطلع فقربنا منه فنظر إلينا ووقف علينا ثم مدّ يده إلى قلنسوته فرفعها عن رأسه وأمسكها بيده وأمرّ يده الأخرى على رأسه وتبسّم في وجوهنا وقال: كم هذا الشك؟ قال الحسن: فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنك حجّة اللّه وخيرته. قال: ثم لقيناه بعد ذلك في داره وأوصلنا إليه ما معنا من الكتب وغيرها(2).

ص: 319


1- بحار الأنوار 50: 304، ح80.
2- إثبات الوصية: 254.
وجدت المسيح (عليه السلام)

حدث بطريق متطبّب بالري قد أتى عليه مائة سنة ونيف، وقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل وكان يصطفيني، فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) أن يبعث إليه بأخصِّ أصحابه عنده ليفصده فاختارني، وقال: قد طلب منّي ابن الرضا من يفصده، فصرت إليه وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به، فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة، وقال: كن إلى أن أطلبك، قال: وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيداً محموداً للفصد فدعاني في وقت غير محمود له وأحضر طشتاً عظيماً ففصدت الأكحل، فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطشت. ثم قال لي: اقطع، فقطعت وغسل يده وشدها وردّني إلى الحجرة، وقد قدم من الطعام الحار والبارد شيء كثير وبقيت إلى العصر، ثم دعاني فقال: سرّح ودعا بذلك الطشت، فسرّحت وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت فقال: اقطع، فقطعت وشدّ يده، وردّني إلى الحجرة فبتّ فيها، فلما أصبحت واظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال سرّح فسرّحت، فخرج الدم مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت، فقال: اقطع فقطعت، فشدّ يده وقدم لي بتخت ثياب وخمسين ديناراً، وقال: خذ هذا واعذر وانصرف، فأخذت وقلت: يأمرني السيد بخدمة؟ قال: نعم، تُحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول. فسرت إلى بختيشوع وقلت له القصة، فقال: اجتمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً، وأعجب ما فيه اللبن، ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد

ص: 320

لهذه الفصدة ذكراً في العالم فلم نجد، ثم قال: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى، فخرجت وناديته فأشرف عليّ، وقال: من أنت؟ قلت: صاحب بختيشوع. قال: أمعك كتابه؟، قلت: نعم، فأرخى لي زنبيلاً فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته، فقال: أنت الرجل الذي فصدت الرجل؟ قلت: نعم، قال: طوبى لأمّك، وركب بغلاً ومرّ فوافينا سرّ من رأى وقد بقي من الليل ثَلُثُهُ، قلت أين تحب، دار أستاذنا أو دار الرجل؟ قال: دار الرجل. فصرنا إلى بابه قبل الأذان، ففتح الباب وخرج إلينا غلام أسود، وقال أيّكما راهب دير العاقول؟ فقال: أنا جعلت فداك. فقال: انزل وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا، فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار، ثم خرج الراهب وقد رمى بثياب الرهبانية، ولبس ثياباً بيضاً وأسلم، فقال: خذني الآن إلى دار أستاذك، فصرنا إلى دار بختيشوع، فلمّا رآه بادر يعدو إليه ثم قال: ما الذي أزالك عن دينك؟، قال: وجدت المسيح وأسلمت على يده. قال: وجدت المسيح؟ قال: أو نظيره، فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات(1).

رحم اللّه الفضل

قال بورق: خرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب يوم وليلة فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) وأريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك إن رأيت أن

ص: 321


1- الخرائج والجرائح 1: 422، ح3.

تنظر فيه، فنظر فيه وتصفّحه ورقة ورقة، وقال: هذا صحيح ينبغي أن يُعمل به، فقلت له: الفضل بن شاذان شديد العلّة ويقولون أنّه من دعوتك بموجدتك عليه لما ذكروا عنه أنه قال: وصي إبراهيم خير من وصي محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يقل جعلت فداك هكذا كذبوا عليه، فقال: نعم كذبوا عليه ورحم اللّه الفضل، رحم اللّه الفضل، قال بورق: فرجعت فوجدت الفضل قد مات في الأيام التي قال أبو محمد (عليه السلام) : رحم اللّه الفضل(1).

ائتنا بثوب العجوز

عن سعد بن عبد اللّه القمّي في حديث له مع أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) وأحمد بن إسحاق الوكيل في حديث الصرر التي أظهر القائم (عليه السلام) الحلال والحرام منها، وقال أبو محمد (عليه السلام) : صدقت يا بني، ثم قال: يابن إسحاق احتملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها، فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز، قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته، فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ أبو محمد (عليه السلام) ، فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا. قال: والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟ قال: على حالها يا مولاي، قال: فسل قرّة عيني وأومأ إلى الغلام - يعني القائم (عليه السلام) - ثم ساق الحديث بالمسائل والجواب عنها وقد هيّأ سعد أربعين مسألة يسأل عنها إلى أن قال سعد في الحديث: ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي (عليه السلام) للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً،

ص: 322


1- بحار الأنوار 50: 300، ح74.

فقلت: ما أبطأك ما أبكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره، فقلت: لا عليك فأخبره فدخل عليه مسرعاً، وانصرف من عنده مبتسّماً وهو يصلّي على محمد وآل محمد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا (عليه السلام) يصلّي عليه. قال سعد: فحمدنا اللّه على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزل مولانا (عليه السلام) أياماً فلا نرى الغلام بين يديه(1).

اللّه يقضيه

روى أبو هاشم: أنه ركب أبو محمد (عليه السلام) يوماً إلى الصحراء، فركبت معه فبينما يسير قدّامي وأنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله فجعلت أفكر في أيّ وجه قضاؤه، فالتفت إليّ وقال: اللّه يقضيه، ثم انحنى على قربوس سرجه فخطّ بسوطه خطّة في الأرض، فقال: يا أبا هاشم أنزل فخذ واكتم، فنزلت وإذا سبيكة ذهب، قال: فوضعتها في خفّي وسرنا، فعرض لي الفكر، فقلت: إن كان فيها تمام الدين وإلاّ فإنّي أرضي صاحبه بها ويجب أن ننظر في نفقة الشتاء وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها، فالتفت إليّ ثم انحنى ثانية فخطّ بسوطه مثل الأولى، ثم قال: أنزل وخذ واكتم، قال: فنزلت فإذا بسبيكة فجعلتها في الخفّ الآخر وسرنا يسيراً، ثم انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي فجلست وحسبت ذلك الدَّين وعرفت مبلغه ثم ورنت الذهب فخرج بقسط ذلك الدَّين ما زادت ولا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم

ص: 323


1- كمال الدين 2: 458، ح21.

يكن بدٌّ منه على الاقتصاد بلا تقتير ولا إسراف. ثم وزنت سبيكة الفضة فخرجت على ما قدرته ما زادت ولا نقصت(1).

فإنّك ملاق اللّه

قال سعد: فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً، وقال: يا بن رسول اللّه قد دنت الرحلة واشتدّ المحنة، فنحن نسأل اللّه أن يصلّي على المصطفى جدّك، وعلى المرتضى أبيك، وعلى سيدة النساء أمّك، وعلى سيّدي شباب أهل الجنة عمّك وأبيك، والأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك، ونرغب إلى اللّه أن يعلي كعبك ويكبت عدوّك، ولا جعل اللّه هذا آخر عهدنا من لقائك، قال: فلمّا قال هذه الكلمة، استعبر مولانا (عليه السلام) حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته، ثم قال: يا بن إسحاق لا تكلّف في دعائك شططاً، فإنّك ملاق اللّه تعالى في صدرك هذا. فخرّ أحمد مغشيّاً عليه، فلما أفاق، قال: سألتك باللّه، وبحرمة جدّك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا (عليه السلام) يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنّك لم تعدم ما سألت، وإن اللّه تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً. قال سعد: فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا (عليه السلام) من حلوان على ثلاثة فراسخ حمّ أحمد بن إسحاق وثارت عليه علّة صعبة آيس من حياته فيها، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان

ص: 324


1- بحار الأنوار 50: 260، ح20.

قاطناً بها ثم قال: تفرّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منّا إلى مرقده، قال سعد: فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكره ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمد (عليه السلام) وهو يقول: أحسن اللّه بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه فقوموا لدفنه، فإنّه من أكرمكم محلاً عند سيدكم. ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقّه وفرغنا من أمره رحمه اللّه(1).

كفّن هذا

نقل أبو الحسن الموسوي الخيبري، فقال: حدّثني أبي أنه كان يغشى أبا محمد (عليه السلام) بسرّ من رأى كثيراً، وأنه أتاه يوماً فوجده وقد قدّمت إليه دابته ليركب إلى دار السلطان وهو متغيّر اللون من الغضب، وكان يجيئه رجل من العامّة فإذا ركب دعا له وجاء بأشياء يشيع بها عليه، فكان (عليه السلام) يكره ذلك، فلما كان ذلك اليوم زاد الرجل في الكلام وألح فسار حتى انتهى إلى مفرق الطريقين وضاق على الرجل أحدهما من الدواب، فعدل إلى طريق يخرج منه ويلقاه فيه فدعا (عليه السلام) ببعض خدمه وقال له: امض فكفّن هذا، فتبعه الخادم، فلما انتهى (عليه السلام) إلى السوق ونحن معه خرج الرجل من الدرب ليعارضه، وكان في الموضع بغل واقف فضربه البغل فقتله، ووقف الغلام فكفّنه كما أمره وسار (عليه السلام) وسرنا معه(2).

ص: 325


1- كمال الدين 2: 464، ح21.
2- غيبة الطوسي: 206.
لا تموت حتى تكفر

كتب أبو عون الأبرش إلى أبي محمد: إنّ الناس قد استوهنوا من شقّك على أبي الحسن (عليه السلام) (1)، فقال: يا أحمق ما أنت وذاك قد شقّ موسى على هارون (عليهما السلام) ، إنّ من الناس من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً، وإنّك لا تموت حتى تكفر ويتغيّر عقلك. فما مات حتى حجبه ولده عن الناس حبسوه في منزله، في ذهاب العقل والوسوسة، ولكثرة التخليط، ويرد على أهل الإمامة، وانكشف عمّا كان عليه(2).

يأتيكم الفرج

كتب إليه أبو الهيثم بن سيابة - لما أمر المعتزّ بدفعه إلى سعيد الحاجب عند مضيه إلى الكوفة وأن يحدث فيه ما يحدث به الناس بقصر ابن هبيرة - : جعلني اللّه فداك بلغنا خبر قد أقلقنا وأبلغ منّا. فكتب (عليه السلام) إليه: بعد ثالث يأتيكم الفرج فخُلع المعتزّ اليوم الثالث(3).

لم أر قطّ مثله

عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري (رحمه اللّه) ، قال: كنت في دهليز أبي علي محمد بن همام (رحمه اللّه) على دكّة، إذ مرّ بنا شيخ كبير عليه دراعة(4)، فسلّم على أبي علي محمد بن همام فرد (عليه السلام) ومضى، فقال لي: أتدري من

ص: 326


1- المراد من ذلك شقّ ثوبه عليه (عليه السلام) .
2- بحار الأنوار 50: 191، ح4.
3- إثبات الهداة 5: 25، ح49.
4- الدراعة: ضرب من الثياب التي تلبس، وقيل: حبة مشقوقة المقدم. (لسان العرب (درع) 8: 82).

هذا؟ فقلت: لا، فقال: هذا شاكري لسيدنا أبي محمد (عليه السلام) ، أفتشتهي أن تسمع من أحاديثه عنه شيئاً؟ قلت: نعم، ... فقال له أبو علي: يا أبا عبد اللّه محمد حدّثنا عن أبي محمد (عليه السلام) ، فقال: كان أستاذي صالحاً من بين العلويين لم أر قط مثله، وكان يركب بسرج صفته بزيون مسكي(1) وأزرق، قال: وكان يركب إلى دار الخلافة بسرّ من رأى في كل أثنين وخميس.

قال: وكان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم، ويغص الشارع بالدواب والبغال والحمير والضجة فلا يكون لأحد موضع يمشي ولا يدخل بينهم.

قال: فإذا جاء أستاذي سكنت الضجّة، وهدأ صهيل الخيل ونُهَاق الحمير قال: وتفرّقت البهائم حتى يصير الطريق واسعاً لا يحتاج أن يتوقّى من الدواب بخفة، ثم يدخل فيجلس في مرتبته التي جعلت له، فإذا أراد الخروج وصاح البوابون هاتوا دابة أبي محمد سكن صياح الناس وصهيل الخيل فتفرّقت الدواب حتى يركب ويمضى.

وقال الشاكري: واستدعاه يوماً الخليفة وشقّ ذلك عليه وخاف أن يكون قد سعى به إليه بعض من يحسده على مرتبته من العلويين والهاشميين، فركب ومضى إليه، فلما حصل في الدار قيل له: إنّ الخليفة قد قام ولكن أجلس في مرتبتك أو انصرف، قال: فانصرف فجاء إلى سوق الدواب وفيها من الضجّة والمصادمة واختلاف الناس شيء كثير، فلما دخل إليها سكنت الضجة بدخوله وهدأت الدواب، قال: وجلس إلى نخّاس كان يشتري له

ص: 327


1- البزيون: رقيق الديباج، وقيل: بساط رومي (لسان العرب (بزن) 13: 52، تاج العروس 9: 139).

الدواب، قال: فجىء له بفرس كبوس(1) لا يقدر أحد أن يدنو منه، قال: فباعوه إيّاه بوكس(2)، فقال لي: يا محمد قم فاطرح السرج عليه، قال فقلت: إنّه لا يقول لي ما يؤذيني، فحللت الحزام وطرحت السرج عليه فهدأ ولم يتحرّك.

وجئت به لأمضي به فجاء النخّاس، فقال لي: ليس يباع، فقال لي: سلّمه إليهم، قال: فجاء النخّاس ليأخذه، فالتفت إليه التفاتة ذهب منه منهزماً.

قال: وركب ومضينا فلحقنا النخّاس، فقال صاحبه يقول: أشفقت أن يردّه فإن كان قد علم ما فيه من الكبس فليشتره، فقال لي أستاذي: قد علمت، فقال: قد بعتك، فقال لي: خذه فأخذته، قال: فجئت به إلى الإصطبل فما تحرّك ولا آذاني ببركة أستاذي، فلما نزل جاء إليه وأخذ أذنه اليمنى فرقاه، ثم أخذ أذنه اليسرى فرقاه، فو اللّه لقد كنت أطرح الشعير له فافرقه بين يديه فلا يتحرّك، هذا ببركة أستاذي.

قال أبو محمد: قال أبو علي بن همّام: هذا الفرس يقال له: الصؤول(3)، قال: يزحم بصاحبه حتى يرجم به الحيطان، ويقوم على رجليه ويلطم صاحبه(4).

ص: 328


1- قال المجلسي (رحمه اللّه) : والكبوس لعله معرب چموش ولم أظفر له في اللغة على معنى يناسب المقام، ويحتمل أن يكون كيوس - بالياء المثناة - من الكيس خلاف الحمق، فان الصعوبة وقلة الانقياد يكون غالبا في الانسان مع الكياسة، انتهى.
2- الوكس: النقص.
3- قال أبو زيد: صؤل البعير - بالهمز - يصؤل صآلة: إذا صار يقتل الناس ويعدو عليهم، فهو جمل صؤول. (الصحاح: 1747).
4- دلائل الإمامة: 428، ح395.
ما رأيت أسدى منه

قال محمد الشاكري: كان أستاذي أصلح من رأيت من العلويين والهاشميين ما كان يشرب النبيذ كان يجلس في المحراب ويسجد فأنام وانتبه وأنام وهو ساجد وكان قليل الأكل يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله فيأكل منه الواحدة والثنتين ويقول: شل هذا يا محمد إلى صبيانك، فأقول: هذا كلّه؟ فيقول: خذه كله، ما رأيت قط اشهى منه(1).

ما للناس والدخول في أمرنا

عن أبي جعفر العمري، قال: إنّ أبا طاهر بن بلبل حج فنظر إلى علي بن جعفر الهماني وهو ينفق النفقات العظيمة، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد (عليه السلام) فوقّع في رقعته: قد كنّا أمرنا له بمائة ألف دينار، ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبولها إبقاء علينا ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه(2).

الشفاء ببركته (عليه السلام)

عن محمد بن الحسن بن شمون، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله أن يدعو اللّه لي من وجع عيني، وكانت إحدى عيني ذاهبة والأخرى على شرف ذهاب، فكتب إليّ: حبس اللّه عليك عينك، فأفاقت الصحيحة ووقّع في آخر الكتاب: آجرك اللّه وأحسن ثوابك، فاغتممت لذلك ولم أعرف في أهلي أحداً مات، فلما كان بعد أيام جائتني وفاة ابني طيّب فعلمت أنّ التعزية له(3).

ص: 329


1- دلائل الإمامة: 430، ح395.
2- الغيبة للطوسي: 218.
3- الكافي 1: 510، ح11.
السلطان الأعظم

عن عمر بن أبي مسلم، قال: قدم علينا بسرّ من رأى رجل من أهل مصر يقال له: سيف بن الليث، يتظلّم إلى المهتدي في ضيعة له قد غصبها إيّاه شفيع الخادم وأخرجه منها، فأشرنا عليه أن يكتب إلى أبي محمد (عليه السلام) يسأله تسهيل أمرها، فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام) : لا بأس عليك ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم إلى السلطان والق الوكيل الذي في يده الضيعة وخوفه بالسلطان الأعظم اللّه رب العالمين، فلقيه فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة: قد كتب إليّ عند خروجك من مصر أن أطلبك وأرد الضيعة عليك، فردّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج إلى أن يتقدّم إلى المهتدي، فصارت الضيعة له وفي يده ولم يكن لها خبر بعد ذلك(1).

قد عوفي ابنك

عن سيف بن الليث، قال: خلّفت ابناً لي عليلاً بمصر عند خروجي عنها، وابناً لي آخر أسنّ منه كان وصيي وقيّمي على عيالي وفي ضياعي، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء لابني العليل، فكتب إليّ: قد عوفي ابنك المعتل ومات الكبير وصيّك وقيمك فاحمد اللّه ولا تجزع فيحبط أجرك. فورد عليّ الخبر أنّ ابني قد عوفي من علّته ومات الكبير يوم ورد علي جواب أبي محمد (عليه السلام) (2).

يا غلام اسقه

عن محمد بن القاسم أبو العيناء الهاشمي مولى عبد الصمد بن علي عتاقة

ص: 330


1- الكافي 1: 511، ح18.
2- الكافي 1: 511، ح18.

قال: كنت أدخل على أبي محمد (عليه السلام) فأعطش وأنا عنده فأجلّه أن ادعو بالماء، فيقول: يا غلام اسقه، وربما حدّثت نفسي بالنهوض فأفكر في ذلك، فيقول: يا غلام دابته(1).

انه رادّ عليك مالك

روي عن أبي الفرات، قال: كان لي على ابن عم لي عشرة آلاف درهم فطالبته بها مراراً فمنعنيها، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء فكتب إلي: أنّه راد عليك مالك وهو ميّت بعد جمعة قال: فردّ ابن عمّي عليّ مالي، فقلت له: ما بدا لك في ردّه وقد منعتنيه.

قال: رأيت أبا محمد (عليه السلام) في المنام، فقال: إنّ أجلك قد دنا فردّ على ابن عمّك ماله(2).

قصة الجاثليق والاستسقاء

روي عن علي بن الحسن بن سابور، قال: قحط الناس بسرّ من رأى في زمن الحسن الأخير (عليه السلام) فأمر المتوكل بالخروج إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فما سقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان فكان فيهم راهب، فلما مدّ يده هطلت السماء بالمطر، وخرجوا اليوم الثاني فهطلت السماء، فشك أكثر الناس وتعجّبوا وصبوا إلى دين النصرانية، فأنفذ المتوكل إلى الحسن (عليه السلام) وكان محبوساً فأخرجه من حبسه، وقال: ألحق أمّة جدّك فقد هلكت، فقال: إنّي خارج من الغد ومزيل

ص: 331


1- الكافي 1: 512، ح22.
2- كشف الغمة 2: 429.

الشك إن شاء اللّه، فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه، وخرج الحسن (عليه السلام) في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مدّ يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه، ففعل وأخذ منه عظماً أسود، فأخذه الحسن (عليه السلام) بيده وقال: استسق الآن، فاستسقى وكانت السماء مغيمة فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء، فقال المتوكل: ما هذا العظم يا أبا محمد، فقال (عليه السلام) : هذا الرجل عبر بقبر نبي من أنبياء اللّه فوقع في يده هذا العظم وما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر(1).

مع أخيك

عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد، قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام) وإنّي لجالس عنده إذ ذكرت منديلاً كان معي فيه خمسون ديناراً، فقلقت لها...، فقال أبو محمد (عليه السلام) : لا بأس هي مع أخيك الكبير سقطت منك حين نهضت فأخذها وهي محفوظة معه إن شاء اللّه، فأتيت المنزل فردها إلي أخي(2).

ترزق ولداً

عن جعفر بن محمد بن موسى، قال: كنت قاعداً بالعشي فمرّ (عليه السلام) بي وهو راكب، وكنت اشتهي الولد شهوة شديدة، فقلت في نفسي: ترى أرزق ولداً، فقال برأسه: أي نعم، فقلت: ذكراً، فقال برأسه: لا، فولدت لي ابنة(3).

ص: 332


1- كشف الغمة 2: 429.
2- الخرائج والجرائح 1: 444، ح27.
3- كشف الغمة 2: 426.
انفق هذا على المولود

حدّث أبو يوسف الشاعر القصير شاعر المتوكل، قال: ولد لي غلام وكنت مضيقاً، فكتبت رقاعاً إلى جماعة استرفدهم، فرجعت بالخيبة، قال: قلت: أجيء فأطوف حول الدار طوفة، وصرت إلى الباب، فخرج أبو حمزة ومعه صرّة سوداء فيها أربعمائة درهم، فقال: يقول لك سيّدي (عليه السلام) : أنفق هذه على المولود بارك اللّه لك فيه(1).

خرجتَ إلى الجبل

حدّث أبو القاسم كاتب راشد، قال: خرج رجل من العلويين من سرّ من رأى في أيام أبي محمد إلى الجبل يطلب الفضل، فتلقّاه رجل بحلوان(2)، فقال: من أين أقبلت؟ قال: من سرّ من رأى، قال: هل تعرف درب كذا وموضع كذا؟ قال: نعم، فقال: عندك من أخبار الحسن بن علي (عليه السلام) شيء؟ قال: لا، قال: فما أقدمك الجبل؟ قال: طلب الفضل، قال: فلك عندي خمسون ديناراً فاقبضها وانصرف معي إلى سرّ من رأى حتى توصلني إلى الحسن بن علي (عليه السلام) ، فقال: نعم، فأعطاه خمسين ديناراً وعاد العلوي معه فوصلا إلى سرّ من رأى فاستأذنا على أبي محمد (عليه السلام) فأذن لهما، فدخلا وأبو محمد (عليه السلام) قاعد في صحن الدار، فلما نظر إلى الجبلي، قال له: أنت فلان بن فلان. قال: نعم، قال: أوصى إليك أبوك وأوصى لنا بوصيّة فجئت

ص: 333


1- كشف الغمة 2: 426.
2- حلوان بضم الحاء وسكون اللام كبرهان، ففي معجم البلدان: حلوان... في عدة مواضع حلوان العراق، وهي آخر حدود السواد ممايلي الجبال من بغداد، وقيل: انها سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة كان بعض الملوك أقطعه إياها فسميت به.

تؤدّيها ومعك أربعة آلاف دينار هاتها. فقال الرجل: نعم، فدفع إليه المال ثم نظر إلى العلوي، فقال: خرجت إلى الجبل تطلب الفضل فأعطاك هذا الرجل خمسين ديناراً فرجعت معه ونحن نعطيك خمسين ديناراً فأعطاه(1).

سأوافيكم في ذلك اليوم

عن جعفر بن الشريف الجرجاني، قال: حججت سنة، فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) بسرّ من رأى وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئاً من المال، فأردت أن أسأله إلى من أدفعه؟ فقال قبل أن قلت ذلك: ادفع ما معك إلى المبارك خادمي.

ففعلت وقلت: شيعتك بجرجان يقرؤون عليك السلام. قال: أولست منصرفاً بعد فراغك من الحج؟ قلت: بلى.

قال: فإنّك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وتسعين يوماً، وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار، فأعلمهم إنّي أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار، فامض راشداً، فإنّ اللّه سيسلّمك ويسلّم ما معك فتقدّم على أهلك وولدك، ويولد لولدك الشريف ابن، فسمّه الصلت، وسيبلغ ويكون من أوليائنا.

فقلت: يا بن رسول اللّه إنّ إبراهيم بن إسماعيل الجلختي وهو من شيعتك كثير المعروف إلى أوليائك، يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم وهو أحد المبتلين في نعم اللّه بجرجان.

فقال: شكراً لله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعه إلى شيعتنا،

ص: 334


1- كشف الغمة 2: 426.

وغفر له ذنوبه ورزقه ذكراً سوياً قائلاً بالحق، فقل له: يقول لك الحسن بن علي: سم ابنك أحمد.

فانصرفت من عنده، وحججت، وسلّمني اللّه حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة أول النهار لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر على ما ذكر (عليه السلام) وجاءني أصحابي يهنئوني فأعلمتهم أنّ الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم فتأهّبوا لما تحتاجون إليه وأعدوا مسائلكم وحوائجكم كلّها.

فلما صلّوا الظهر والعصر اجتمعوا كلّهم في داري، فو اللّه ما شعرنا إلاّ وقد وافى أبو محمد (عليه السلام) فدخل ونحن مجتمعون فسلّم هو أولاً علينا فاستقبلناه وقبّلنا يده، ثم قال: إنّي كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم آخر هذا اليوم فصلّيت الظهر والعصر بسرّ من رأى وصرت إليكم لأجدّد بكم عهداً وها أنا قد جئتكم الآن فأجمعوا مسائلكم وحوائجكم كلّها.

فأول من انتدب لمسألته النضر بن جابر، فقال: يا بن رسول اللّه إنّ ابني جابراً أصيب ببصره فادع اللّه أن يردّ عينيه، قال: فهاته، فجاء به فمسح يده على عينيه فعاد بصره، ثم يقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم، فأجابهم إلى كل ما سألوه، حتى قضى حوائج الجميع ودعا لهم بخير وانصرف من يومه ذلك(1).

ماتت جاريتك

روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين، قال: صحبت أبا محمد (عليه السلام) في دار العامّة إلى منزله، فلمّا صار إلى داره

ص: 335


1- كشف الغمة 2: 427.

وأردت الانصراف، قال: أمهل ودخل، فأذن لي فدخلت فأعطاني مائة دينار، وقال: صيّرها في ثمن جارية فإنّ جاريتك فلانة ماتت، وكنت خرجت من المنزل وعهدي بها أنشط ما كانت، فمضيت، فقال الغلام: ماتت جاريتك فلانة الساعة، قلت: ما حالها؟ قال: شربت ماءً فشرقت فماتت(1).

لكل أجل كتاب

عن علي بن زيد، قال: اعتلّ ابني أحمد، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء، فخرج توقيعه: أما علم علي أنّ لكل أجل كتاب؟ فمات الابن(2).

أغفاري أنت؟

عن علي بن جعفر الحلبي، قال: اجتمعنا بالعسكر وترصّدنا لأبي محمد (عليه السلام) يوم ركوبه... وإلى جانبي شاب، فقلت: من أين أنت؟ قال: من المدينة. قلت: ما تصنع ههنا؟ قال: اختلفوا عندنا في أبي محمد (عليه السلام) ، فجئت لأراه واسمع منه أو أرى منه دلالته ليسكن قلبي وإنّي من ولد أبي ذر الغفّاري، فبينما نحن كذلك إذ خرج أبو محمد (عليه السلام) مع خادم له، فلما حاذانا نظر إلى الشاب الذي بجنبي، فقال: أغفاري أنت؟ قال: نعم. قال: ما فعلت أمّك حمدوية؟ فقال: صالحة، ومرّ. فقلت للشاب: أكنت رأيته قط وعرفته بوجهه قبل اليوم؟ قال: لا. قلت: فينفعك هذا؟ قال: ودون هذا(3).

ص: 336


1- الخرائج والجرائح 1: 426، ح5.
2- كشف الغمة 2: 428.
3- الخرائج والجرائح 1: 439، ح20.
من مخاريق الإمامة

عن حمزة بن محمد، قال: كان أبي بُلي بالشلل وضاق صدره، فقال: لأقصدنّ هذا الذي تزعم الإمامية أنّه إمام - يعني الحسن بن علي (عليه السلام) - قال: فاكتريت دابة وارتحلت نحو سرّ من رأى فوافيتها وكان يوم ركوب الخليفة إلى الصيد، فلما ركب الخليفة ركب معه الحسن بن علي (عليه السلام) ، فلما ظهروا واشتغل الخليفة باللّهو وطلب الصيد اعتزل أبو محمد (عليه السلام) وألقى إلى غلامه الغاشية فجلس فجئت إلى خرابة بالقرب منه، فشددت دابتي وقصدت نحوه، فناداني: يا أبا محمد لا تدن منّي فإنّي عليّ عيوناً وأنت أيضاً خائف. قال: فقلت في نفسي هذا من مخاريق الإمامة، ما يدري ما حاجتي! قال: فجاءني غلامه ومعه صرّة فيها ثلاثمائة دينار، فقال: يقول لك مولاي: جئت تشكو إليّ الشلل وأنا أدعو اللّه بقضاء حاجتك، كثّر اللّه ولدك وجعل فيكم أبراراً خذ هذه الثلاثمائة دينار بارك اللّه لك فيها، قال: فما خلاّني من ثلاثمائة دينار وكانت معه...(1).

رزقك اللّه ذكراناً

عن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله أن يدعو اللّه أن أرزق ولداً ذكراً من ابنة عمّي، فوقّع: رزقك اللّه ذكراناً، فولد لي أربعة(2).

الدعاء على الطاغي

روي عن عمر بن محمد بن زياد الصيمري، قال: دخلت على أبي أحمد

ص: 337


1- الثاقب في المناقب: 573، ح520.
2- كشف الغمة 2: 428.

عبيد اللّه بن عبد اللّه وبين يديه رقعة أبي محمد (عليه السلام) وفيها: إنّي نازلت اللّه في هذا الطاغي - يعني الزبير بين جعفر - وهو آخذه بعد ثلاث. فلما كان اليوم الثالث قتل(1).

أردتَ فضة

عن أبي هاشم، قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبرّك به، فجلست وأنسيت ما جئت له، ثم ودّعته ونهضت فرمى إليّ بخاتم، فقال لي: أردت فضّة فأعطيناك خاتماً ربحت الفصّ والكراء(2)، هنّأك اللّه يا أبا هاشم. فقلت: يا سيّدي أشهد أنّك ولي اللّه وإمامي الذي أدين اللّه بفضله وطاعته، فقال: يغفر اللّه لك يا أبا هاشم(3).

رحم اللّه ابنك

عن الحجّاج بن سفيان العبدي، قال: خلفت ابني بالبصرة عليلاً وكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء، فكتب: رحم اللّه ابنك إنّه كان مؤمناً. قال حجاج: فورد عليّ كتاب من البصرة أنّ ابني مات في اليوم الذي كتب إلي أبو محمد (عليه السلام) بموته(4).

عظّم اللّه أجرك

عن محمد بن درياب الرقاشي، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن المشكاة وأن يدعو اللّه لامرأتي - وكانت حاملاً على رأس ولدها - أن

ص: 338


1- دلائل الإمامة: 428، ح393.
2- أي اُجرة صنعته، وفيه ربح آخر وأعظم مما ذكر وهو التبرك بخاتمه (عليه السلام) .
3- كشف الغمة 2: 422.
4- كشف الغمة 2: 422.

يرزقني اللّه ولداً ذكراً، وسألته أن يسمّيه فرجع الجواب: المشكاة قلب محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ولم يجبني عن امرأتي بشيء وكتب في آخر الكتاب: عظّم اللّه أجرك وأخلف عليك، فولدت ولداً ميّتاً وحملت بعده فولدت غلاماً(1).

أبشر بالفرج

قال عمر بن أبي مسلم: كان سميع المسمعي يؤذيني كثيراً ويبلغني عنه ما أكره، وكان ملاصقاً لداري، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء بالفرج منه، فرجع الجواب: أبشر بالفرج سريعاً وأنت مالك داره، فمات بعد شهر، واشتريت داره فوصلتها بداري ببركته(2).

ما أغفلك

قال أبوبكر: عرض علي صديق أن أدخل معه في شراء ثمار من نواحي شتى، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : أشاوره، فكتب: لا تدخل في شيء من ذلك، ما أغفلك عن الجراد والحشف(3). فوقع الجراد فأفسده وما بقى منه تحشّف، وأعاذني اللّه من ذلك ببركته(4).

معرفة الحيوان

عن أحمد بن الحرث القزويني، قال: كنت مع أبي بسرّ من رأى وكان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمد (عليه السلام) ، قال: وكان عند المستعين بغل لم ير مثله حسناً وكبراً، وكان يمنع ظهره واللجام، وكان قد جمع عليه الرَّافضة(5)

ص: 339


1- إثبات الهداة 5: 38، ح96.
2- كشف الغمة 2: 422.
3- الحشف من التمر: ما لم ينو، فإذا يبس صلب وفسد. لسان العرب 9: 47 (حشف).
4- كشف الغمة 2: 423.
5- ألجم الدابة: ألبسها اللجام، وهو ما يجعل في فمها من الحديد.

فلم يمكن لهم حيلة في ركوبه، فقال له بعض ندمائه: يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن بن علي بن الرضا حتى تجيء فإمّا أن يركبه وإمّا أن يقتله... قال: فبعث إلى أبي محمد ومضى أبي معه، فلما دخل أبو محمد الدار كنت مع أبي فنظر أبو محمد إلى البغل واقفاً في صحن الدار فعدل إليه فوضع يده على كفله. قال: فنظرت إلى البغل قد عرق حتى سال العرق منه، ثم صار إلى المستعين فسلّم عليه فرحّب به وقرّبه، وقال: يا أبا محمد ألجم(1) هذا البغل، فقال: أبو محمد لأبي: ألجمه يا غلام، فقال له المستعين: ألجمه أنت، فوضع أبو محمد طيلسانه(2) وقام فألجمه، ثم رجع إلى مجلسه وجلس، قال له: يا أبا محمد أسرجه. فقال لأبي: يا غلام أسرجه، فقال المستعين: أسرجه أنت، فقام ثانية فأسرجه ورجع إلى مجلسه، فقال له: ترى أن تركبه، فقال أبو محمد: نعم. فركبه من غير أن يمتنع عليه ثم ركضه في الدار. ثم حمله على الهملجة(3) فمشى أحسن مشي يكون ثم رجع فنزل، فقال له المستعين: كيف رأيته؟ قال: ما رأيت مثله حسناً وفراهة...، فقال له المستعين: فإنّ الأمير قد حملك عليه، فقال أبو محمد لأبي: يا غلام خذه، فأخذ أبي فقاده(4).

إيّاك والتمتّع بها

عن الحسن بن ظريف، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) وقد تركت

ص: 340


1- جمع رائض وهو الذي يتولى تربية المواشى.
2- الطَيْلسان مثلّثة اللام واحد الطيالسة، وهو ثوب يحيط بالبدن يُنسج للبس خال عن التفصيل والخياطة، وهو من لباس العجم. مجمع البحرين 4: 83، (طيلس).
3- هملج هملجة البرذون: مشى مشية سهلة في سرعة، حسن سيره. المنجد: 874 (همل).
4- الكافي 1: 507، ح4.

التمتّع منذ ثلاثين سنة وقد نشطت لذلك، وكان في الحيّ امرأة وصفت لي بالجمال فمال قلبي إليها، وكانت عاهراً لا تمنع يد لامس فكرهتها، ثم قلت: قد قال: تمتّع بالفاجرة فإنّك تخرجها من حرام إلى حلال، فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أشاوره في المتعة، وقلت: أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتّع؟، فكتب: إنّما تحيي سنّة وتميت بدعة، فلا بأس وإيّاك وجارتك المعروفة بالعهر وإن حدّثتك نفسك أنّ آبائي قالوا: تمتّع بالفاجرة فإنّك تخرجها من حرام إلى حلال، فهذه امرأة معروفة بالهتك وهي جارة وأخاف عليك استفاضة الخبر فيها. فتركتها ولم أتمتّع بها وتمتّع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا وجيراننا فاشتهر بها حتى علا أمره وصار إلى السلطان وأغرم بسببها مالاً نفيساً وأعاذني اللّه من ذلك ببركة سيدي(1).

مات ابن عمّك

عن محمد بن حمزة السروري، قال: كتبت على يد أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري وكان لي مواخياً إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله أن يدعو لي بالغنى وكنت قد أملقت، فأوصلها وخرج الجواب على يده: أبشر فقد أجلّك اللّه تبارك وتعالى بالغنى، مات ابن عمّك يحيى بن حمزة وخلّف مائة ألف درهم وهي واردة عليك فاشكر اللّه، وعليك بالاقتصار وإيّاك والإسراف فإنّه من فعل الشيطنة فورد علي بعد ذلك قادم معه سفاتج(2) من حران، وإذا ابن عمي قد مات في

ص: 341


1- كشف الغمة 2: 423.
2- السفتجة كما في مجمع البحرين قيل: بضم السين وفتحها فارسية معربة وفسرها بعضهم فقال: هي كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالا لأحد ولأخذه مال في بلد فيوفيه إياها ثم فيستفيدا من الطريق وفعله السفتجة بالفتح والجمع السفاتج.

اليوم الذي رجع إلي أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمد (عليه السلام) فاستغنيت وزال الفقر عنّي كما قال سيدي، فأدّيت حقّ اللّه في مالي وبررت إخواني وتماسكت بعد ذلك - وكنت رجلاً مبذّراً - كما أمرني أبو محمد (عليه السلام) (1).

خذها واعذرنا

عن أبي هاشم الجعفري، قال: شكوت إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) الحاجة، فحكّ بسوط الأرض فأخرج منها سبيكة نحوه الخمسمائة دينار، وقال: خذها يا أبا هاشم واعذرنا(2).

لا خوف عليكم

كتب أبو علي المطهري إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج وأنّه يخاف العطش إن مضى، فكتب (عليه السلام) : أمضوا فلا خوف عليكم إن شاء اللّه، فمضى من بقي سالمين لم يجدوا عطشاً(3).

تكفونهم إن شاء اللّه

قال علي بن الحسن بن الفضل اليماني: نزل بالجعفري من آل جعفر خلق كثير لا قبل له بهم، فكتب إلى أبي محمد (عليه السلام) يشكو ذلك، فكتب إليه: تكفونهم إن شاء اللّه. قال: فخرج إليهم في نفر يسير والقوم يزيدون على عشرين ألفاً وهو في أقل من ألف فاستباحهم(4).

ص: 342


1- كشف الغمة 2: 424.
2- كشف الغمة 2: 412، ح323.
3- كشف الغمة 2: 412.
4- الكافي 1: 508، ح7.
تصلّي الظهر اليوم في منزلك

عن أبي هاشم الجعفري، قال: شكوت إلى أبي محمد (عليه السلام) ضيق الحبس وكتل القيد(1)، فكتب إليّ: أنت تصلّي الظهر اليوم في منزلك، فأخرجت وقت الظهر فصلّيت في منزلي كما قال، وكان مضيقاً فأردت أن أطلب منه دنانير في الكتاب الذي كتبته فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجّه إليّ مائة دينار وكتب إلي: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحشتم وأطلبها فإنّك على ما تحب إن شاء اللّه(2).

دفنتَ مائتي دينار

قال إسماعيل بن محمد: قعدت لأبي محمد (عليه السلام) على ظهر الطريق، فلمّا مرّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أنّه ليس عندي درهمٌ واحد فما فوقه ولا غداء ولا عشاء، قال: فقال: تحلف باللّه كاذباً وقد دفنت مأتي دينار وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية، أعطه يا غلام ما معك، فأعطاني غلامه مائة دينار، ثم أقبل عليّ، فقال لي: إنّك تحرمها أحوج ما تكون إليها...، وصدق (عليه السلام) ... واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه وانغلقت عليّ أبواب الرزق فنبشت عنها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب فما قدرت منها على شيء(3).

الزم بيتك

كتب أبو محمد (عليه السلام) إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت

ص: 343


1- في الكافي والوافي 3: 852: كتل، قال صاحب الوافي: (كتل القيد) بالمثناة الفوقانية: غلظة وتلزقة وتلزجه وسوء العيش معه، وفي بعض النسخ (كلب القيد) وهو مسماره الذي يشد به.
2- الكافي 1: 508، ح10.
3- الكافي 1: 509، ح14.

المعتزّ بنحو عشرين يوماً: ألزم بيتك حتى يحدث الحادث، فلما قتل بُريحة كتب إليه قال: حدث الحادث فما تأمرني؟ فكتب إليه: ليس هذا الحادث الحادث الآخر: فكان من المعتزّ ما كان.

وكتب (عليه السلام) إلى رجل آخر: يقتل ابن محمد بن داود عبد اللّه قبل قتله بعشرة أيام، فلما كان في اليوم العاشر قتل(1).

استبدل به قبل المساء

قال علي بن زيد بن علي بن الحسين: كان لي فرس وكنت له معجباً أكثر ذكره في المحال، فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) يوماً، فقال: ما فعل فرسك؟ فقلت: ... هو على بابك الآن نزلت عنه، فقال: استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتري لا تؤخّر ذلك، ودخل علينا داخل وانقطع الكلام، فقمت من مكاني مفكّراً ومضيت إلى منزلي، فأخبرت أخي، قال لي: ما أدري ما أقول في هذا وشححت به ونفست على الناس ببيعه وأمسينا، فلما صلّينا العتمة جاءني السايس، فقال: نفق فرسك الساعة، فاغتممت وعلمت أنه عنّي هذا بذلك القول، ثم دخلت على أبي محمد (عليه السلام) بعد أيام وأنا أقول في نفسي: ليته أخلف علي دابة، فلما جلست قال (عليه السلام) : نعم نُخلِفُ دابة عليك، يا غلام أعطه برذوني(2) الكميت، ثم قال: هذا خير من فرسك وأوطأ وأطول عمراً(3).

ص: 344


1- الكافي 1: 506، ح2.
2- لبرذون التركي من الخيل، والجمع البراذين وخلافها العراب، والاُنثى برذونة، والكميت من الخيل بين السواد والحمرة عن سيبويه، وعن أبي عبيدة الفرق بين الأشقر والكميت بالعرف والذنب فإن كانا أحمرين فهو أشقر وإن كانا أسودين فهو كميت.
3- الكافي 2: 510، ح15.
يقتل في اليوم السادس

قال أحمد بن محمد: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهدّدك ويقول: واللّه لاُخلينهم عن جديد الأرض، فوقّع أبو محمد (عليه السلام) بخطّه: ذلك أقصر لعمره، وعد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته، فكان كما قال(1).

سيأتيكم الفرج

عن محمد بن عبد اللّه، قال: لما أمر سعيد بحمل أبي محمد (عليه السلام) إلى الكوفة قد كتب إليه أبو الهيثم: جعلت فداك بلغنا خبر قلقنا وبلغ منّا، فكتب (عليه السلام) : بعد ثلاث يأتيكم الفرج، فقتل المعتزّ يوم الثالث.

قال: وفقد له غلام صغير فلم يوجد، فأخبر بذلك وقال: اطلبوه في البركة، فطلب فوجد في بركة الدار ميّتاً(2).

سمّه جعفراً

قال هارون بن مسلم: ولد لابني أحمد ابن فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) وذلك بالعسكر اليوم الثاني من ولادته أسأله أن يسمّيه ويكنّيه وكان محبّتي أن أسمّيه جعفراً واكنّيه بأبي عبد اللّه، فوافاني رسوله في صبيحة اليوم السابع ومعه كتاب: سمّه جعفراً وكنّه بأبي عبد اللّه ودعا لي(3).

ص: 345


1- كشف الغمة 2: 414.
2- دلائل الإمامة: 428، ح391 و 392.
3- كشف الغمة 2: 416.
فتنة تخصّك

خرج إلى علي بن محمد بن زياد توقيع أبي محمد (عليه السلام) : فتنة تخصّك، فكن حلساً(1) من أحلاس بيتك. قال: فنابتني نائبة فزعت منها، فكتبت إليه أهي هذه؟ فكتب لا، أشد من هذه، فطلبت بسبب جعفر بن محمد ونودى علي من أصابني فله مائة ألف درهم(2).

بعد ثلاث

قال محمد بن علي السمري: دخلت على أبي أحمد عبيد اللّه بن عبد اللّه وبين يديه رقعة أبي محمد (عليه السلام) ، فيها: إنّي نازلت اللّه في هذا الطاغي يعني الزبيري وهو أخذه بعد ثلاث، فلمّا كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل(3).

فتنة تظلّكم

عن محمد بن علي السمري أيضاً، قال: كتب إليّ أبو محمد (عليه السلام) : فتنة تظلّكم فكونوا على أهبة، فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين بني هاشم وكانت له هَنَة(4) لها شأن، فكتب إليه أهي هذه؟ قال: لا ولكن غير هذه فاحترسوا، فلما كان بعد أيام كان من أمر المعتزّ ما كان(5).

الطبع على الحصاة

عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي محمد (عليه السلام) إذ دخل عليه

ص: 346


1- الحلس، بالكسر: كساء يوضع على ظهر البعير تحت البرذعة، هذا هو الأصل، والمعنى الزم بيتك لزوم الأحلاس، ولا تخرج منها فتقع في الفتنة، وجمع الحلس أحلاس.
2- الخرائج والجرائح 1: 452، ح37.
3- كشف الغمة 2: 417.
4- الهنة: الشر والفساد (المعجم الوسيط (هنن) 2: 998).
5- كشف الغمة 2: 417.

شاب حسن الوجه، فقلت في نفسي: من هذا؟ فقال أبو محمد (عليه السلام) : هذا ابن أمّ غانم صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي وقد جاءني أطبع فيها، هات حصاتك، فأخرج حصاة فإذا فيها موضع أملس، فطبع فيها بخاتم معه فانطبع(1).

نعم الاسم

عن جعفر بن محمد القلانسي، قال: كتب محمد أخي إلى أبي محمد (عليه السلام) وامرأته حامل مقرب أن يدعو اللّه أن يخلّصها ويرزقه ذكراً ويسمّيه، فكتب يدعو اللّه بالصلاح ويقول: رزقك اللّه ذكراً سوياً ونعم الاسم محمد وعبد الرحمن. فولدت اثنين في بطن، أحدهما في رجله زوائد في أصابعه والآخر سوي، فسمّى واحداً محمداً والآخر صاحب الزوائد عبد الرحمن(2).

العلم بالموت

عن جعفر بن محمد القلانسي، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) مع محمد بن عبد الجبار وكان خادماً يسأله عن مسائل كثيرة ويسأله الدعاء لأخ له خرج إلى أرمنية يجلب غنماً، فورد الجواب بما سأل ولم يذكر أخاه فيه بشيء، فورد الخبر بعد ذلك أنّ أخاه مات يوم كتب أبو محمد (عليه السلام) جواب المسائل، فعلمنا أنّه لم يذكر لأنّه علم بموته(3).

ص: 347


1- كشف الغمة 2: 418.
2- كشف الغمة 2: 418.
3- كشف الغمة 2: 418.
أصبرك عليه

عن أبي سليمان المحمودي، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله الدعاء بأن أرزق ولداً، فوقّع (عليه السلام) : رزقك اللّه ولداً وأصبرك عليه، فولد لي ابن ومات(1).

مدّ اللّه بعمرك

عن عبد الحميد بن محمد ومحمد بن يحيى الخرقي، قالا: دخلنا على أبي الحسن علي بن بشر وهو عليل قلق، فلما رآنا استغاث بنا، وقال: ادعوا اللّه بالإقالة وانفذوا خطيّته بيدي إلى مولاي أبي محمد الحسن (عليهما السلام) مع من تتقون به، فقلنا: يا علي أين الكتاب؟ فقال: جنبي، فأدخلنا أيدينا تحت مصلاّه فأخذناه وفضضناه لنقرأه، فإذا نحن في رأس الكتاب ترقيعاً ونحباً، وإذا فيه: قد قرأنا كتابك وسألنا اللّه عافيتك وإقالتك فإنّ اللّه مدّ بعمرك تسعاً وأربعين سنة من بعد ما مضى من عمرك، فاحمد اللّه واشكره واعمل بما فيه وبما تُبقِيهِ ولا تأمن إن أسأت أن يبتر عمرك، فإنّ اللّه يفعل ما يريد. فقلنا: يا علي قد قرأ سيدنا كتابك وهذا خطّه بكلّما أصابك فقام في الوقت، أرضى جاريته وتصدّق بها، فلما كان بعد ثلاثة أيام وردت سفتجة من أبي عمر عثمان بن سعد العمري السمّان من سامراء على بعض تجّار الكرخ يحمل مالاً إلى علي بن بشر، فحمله إليه فحسب ما تصدّق به من ماله فوجد المال المحمول إليه ثلاثة أضعاف، فكان هذا من دلائله (عليه السلام) (2).

ص: 348


1- الخرائج والجرائح 1: 439، ح18.
2- الهداية الكبرى: 341.
هذه الصرّة توصلك إلى أبيك

عن ابراهيم بن محمد الخزري أنّه قال: قد خفي عليّ وعلى أخي مكان أبي، فخرجنا من المدينة رجاء أن نعثر على مكانه، فقلت في نفسي: إنّه لا طريق إلى ذلك إلاّ بمصاحبة مولاي الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) ، أو السؤال عنه كي يخبرني بمكانه، فقصدت سرّ من رأى إلى أن دخلتها، فمشيت إلى باب دار أبي محمد (عليه السلام) في وقت الحر، فلم أر أحداً ببابه، فجلست أنتظر خروج أحد من الدار، فإذا بالباب فتحت وخرجت جارية من داخل البيت، وقالت: يا ابراهيم بن محمد الخزري، فبكيت، وقلت: لبيك أنا إبراهيم بن محمد الخزري، فقالت الجارية: إنّ مولاي يبلغك السلام ويقول: إنّ هذا سيوصلك إلى أبيك، وأعطتني صرّة وكان فيها عشرة دنانير. فأخذت الصرّة ورجعت فذكرت في الطريق أنّي نسيت أن أسأل مولاي عن خبر أبي ومقامه، فأردت الرجوع إليه ثانياً، فذكرت قول الجارية بأنّ هذه الصرّة توصلك إلى أبيك، فعلمت أنّي سأصل إلى أبي، فخرجت في طلبه إلى أن وصلت إلى طبرستان فأدركته عند الحسن بن زيد وقد بقي من الدنانير العشرة دينار واحد، فقصصت عليه القصّة وكيفية وصولي إليه وكنت عنده إلى أن سمّه الحسن بن زيد، فرحلت بعد وفاته منها قاصداً آبة(1).

عظم اللّه أجرك في بناتك

عن أحمد بن صالح، قال: خرجت من الكوفة إلى سامراء فدخلت على مولاي أبي محمد الحسن (عليه السلام) في سنة تسع وخمسين ومائتين وكان لي

ص: 349


1- منتهي الآمال 2: 669.

أربع بنات، فقال لي: يا أحمد أيّ شيء كان من بناتك؟ فقلت: بخير يا مولاي. فقال: أمّا الواحدة آمنة فقد ماتت بهذا اليوم، وأمّا سكينة تموت في غد، وخديجة وفاطمة فتموتان بأول يوم من الهلال المستهلّ، فبكيت. فقال (عليه السلام) : رقّة عليهن أم اهتماماً بتجهيزهن؟ فقلت: يا مولاي ما خلفت ما يستر الواحدة منهن، فقال: قم ولا تهتم فقد أمرنا عثمان بن سعيد بانفاذ ورق بتجهيزهن ويفضل لك بعد تجهيزهن بالأكياس ثلاثة آلاف درهم وهي ما إن سألت. قال: قد كان قصدي يا مولاي أن أسألك ثلاثة آلاف درهم حتى أزوّجهن وأخرجهن إلى أزواجهن، فجهزتهن إلى الآخرة وذخرت الثلاثة آلاف درهم عليّ، وأقمت إلى أول يوم من الهلال ودخلت عليه، فقال: أخرج يا أحمد بن صالح إلى الكوفة فقد عظّم اللّه أجرك في بناتك، فخرجت حتى وردت الكوفة مع الثلاثة آلاف درهم، فلم يزل إخواني من أهل الكوفة وسائر السواد، يستمدّون من تلك الدراهم وفرّقتها عليهم، وما أنفقت منها على نفسي ثلاثين درهماً، ورجعت من قابل ودخلت على مولاي الحسن (عليه السلام) يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وكان هذا من دلائله (عليه السلام) (1).

التبسّم الجيد

عن أبي بكر الفهفكي، قال: أردت الخروج بسرّ من رأى لبعض الأمور وقد طال مقامي بها، فغدوت يؤمّ الموكب وجلست في شارع أبي قطيعة بن داود، إذ طلع أبو محمد (عليه السلام) يريد دار العامّة، فلمّا رأيته قلت في نفسي:

ص: 350


1- الهداية الكبرى: 341.

أقول له: يا سيّدي إن كان الخروج عن سرّ من رأى خيراً فأظهر التبسّم في وجهي، فلمّا دنا منّي تبسّم تبسّماً جيّداً، فخرجت من يومي فأخبرني أصحابنا أنّ غريماً كان له عندي مال قدم يطلبني، ولو ظفر بي لهتكني لأنّ ماله لم يكن عندي شاهداً(1).

قد فعل اللّه ذلك

عن محمد بن همام، قال: كتب أبي إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) يعرّفه أنّه ما صحّ له حمل بولد، ويعرّفه أنّ له حملاً يسأله أن يدعو اللّه في تصحيحه وسلامته وأن يجعله ذكراً نجيباً من مواليهم، فوقّع (عليه السلام) على رأس الرقعة بخطّ يده: قد فعل اللّه ذلك، فصحّ الحمل ذكراً(2).

النصارى أعرف بحقّنا

عن أبي جعفر أحمد القصير البصري، قال: حضرنا عند سيدنا أبي محمد (عليه السلام) بالعسكر فدخل عليه خادم من دار السلطان، جليل، فقال له: الأمير يقرأ عليك السلام ويقول لك: كاتبنا أنوش النصراني يريد أن يطهّر ابنين له، وقد سألنا مسألتك أن تركب إلى داره وتدعو لابنيه بالسلامة والبقاء فأحب أن تركب وأن تفعل ذلك، فإنّا لم نجشمك هذا العناء، إلاّ لأنّه قال: نحن نتبرّك بدعاء بقايا النبوّة والرسالة، فقال مولانا (عليه السلام) : الحمد لله الذي جعل النصارى أعرف بحقّنا من المسلمين، ثم قال: أسرجوا لنا، فركب حتى

ص: 351


1- الخرائج والجرائح 1: 446، ح30.
2- بحار الأنوار 50: 301-302، ح77.

وردنا أنوش فخرج إليه مكشوف الرأس حافي القدمين، وحوله القسيسون والشماسة والرهبان، وعلى صدره الإنجيل، فتلقّاه على باب داره، وقال له: يا سيدنا أتوسّل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منّا إلا غفرت لي ذنبي في عنائك وحقّ المسيح عيسى بن مريم وما جاء به من الإنجيل من عند اللّه، ما سألت الأمير مسألتك هذا إلاّ لأنّا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسى بن مريم عند اللّه، فقال مولانا (عليه السلام) : الحمد لله ودخل على فرسه والغلمان على منصّة وقد قام الناس على أقدامهم، فقال: أمّا ابنك هذا فباق عليك، وأما الآخر فمأخوذ عنك بعد ثلاثة أيام، وهذا الباقي يسلم ويحسن إسلامه ويتولاّنا أهل البيت. فقال أنوش: واللّه يا سيّدي إنّ قولك الحق وقد سهل علي موت ابني هذا لمّا عرّفتني أنّ الآخر يسلم، ويتولاّكم أهل البيت. فقال له بعض القسيسين: مالك لا تُسلم؟ فقال له أنوش: أنا مسلم ومولانا يعلم بذلك. فقال مولانا (عليه السلام) : صَدَق ولولا أن يقول الناس: إنّا أخبرناك بوفاة ابنك ولم يكن كما أخبرناك، لسألنا اللّه بقاؤه عليك. فقال أنوش: لا أريد يا سيّدي إلاّ ما تريد.

قال أبو جعفر القصير: مات واللّه ذلك الابن بعد ثلاثة أيام، وأسلم الآخر بعد سنة ولزم الباب معنا إلى وفاة سيدنا أبي محمد (عليه السلام) (1).

اشتر بهذه جارية

عن عمر بن أبي مسلم، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) وجاريتي حامل أسأله أن يسمّي ما في بطنها، فكتب (عليه السلام) : سمّ ما في بطنها إذا ظهرت، ثم

ص: 352


1- حلية الأبرار 6: 112، ح1.

ماتت بعد شهر من ولادتها، فبعث إليّ بخمسين ديناراً على يد محمد بن سنان الصواف، وقال: اشتر بهذه جارية(1).

تكفون ما سمعتموه

قال محمد بن بلبل: تقدّم المعتزّ إلى سعيد الحاجب: أن أخرج أبا محمد إلى الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق، فجاء توقيعه (عليه السلام) إلينا: الذي سمعتموه تكفونه، فخُلع المعتزّ بعد ثلاث وقتل(2).

عبادات وأدعية

الوصول إلى اللّه

قال (عليه السلام) : إنّ الوصول إلى اللّه عزّوجل سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل(3).

ما هي العبادة؟

قال (عليه السلام) : ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر اللّه(4).

الصلوات على النبي والأئمة (عليهم السلام)
اشارة

قال أبو محمد عبد اللّه بن محمد العابد بداليه: سألت مولاي أبا محمد الحسن ابن علي (عليه السلام) في مسير له بسرّ من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين أن يمنّ عليّ الصلاة على النبي وأوصيائه (عليه وعليهم السلام) وأحضرت

ص: 353


1- بحار الأنوار 50: 282، ح58.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 431-432.
3- بحار الأنوار 75: 380.
4- مستدرك الوسائل 11: 184، ح12690.

معي قرطاساً كثيراً فأملى عليّ لفظاً من غير كتاب.

اللّهم صلّ على محمد كما حمل وحيك وبلّغ رسالاتك، وصلّ على محمد كما أحلّ حلالك وحرّم حرامك وعلّم كتابك، وصلّ على محمد كما أقام الصلاة وآتى الزكاة ودعا إلى دينك، وصلّ على محمد كما صدّق بوعدك واشفق من وعيدك، وصلّ على محمد كما غفرت به الذنوب وسترت به العيوب وفرجت به الكروب، وصلّ على محمد كما دفعت به الشقاء وكشفت به الغمّاء وأجبت به الدعاء ونجّيت به من البلاء، وصلّ على محمد كما رحمت به العباد وأحييت به البلاد وقصمت به الجبابرة وأهلكت به الفراعنة، وصلّ على محمد كما أضعفت به الأموال وأحرزت به من الأهوال وكسرت به الأصنام ورحمت به الأنام، وصلّ على محمد كما بعثته بخير الأديان وأعززت به الإيمان وتبرّت به الأوثان وعظمت به البيت الحرام، وصلّ على محمد وأهل بيته الطاهرين الأخيار وسلّم تسليماً(1).

الصلاة على أمير المؤمنين (عليه السلام)

اللّهم صلّ على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أخي نبيّك ووليّه وصفيّه ووزيره، ومستودع علمه، وموضع سرّه، وباب حكمته، والناطق بحجّته، والداعي إلى شريعته، وخليفته في أمّته، ومفرّج الكرب عن وجهه، قاصم الكفرة ومرغم الفجرة، الذي جعلته من نبيّك بمنزلة هارون من موسى، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من نصب له من الأولين والآخرين، وصلّ عليه أفضل ما

ص: 354


1- مصباح المتهجد: 399.

صلّيت على أحد من أوصياء أنبيائك يا رب العالمين(1).

الصلاة على السيدة فاطمة (عليها السلام)

اللّهم صلّ على الصديقة فاطمة الزكيّة، حبيبة حبيبك ونبيّك، وأمّ أحبّائك وأصفيائك، التي انتجبتها وفضّلتها واخترتها على نساء العالمين، اللّهم كن الطالب لها ممّن ظلمها واستخفّ بحقّها، وكن الثائر اللّهم بدم أولادها، اللّهم وكما جعلتها أمّ الأئمة الهدى، وحليلة صاحب اللواء، والكريمة عند الملأ الأعلى، فصلّ عليها وعلى أمّها خديجة الكبرى صلاة تكرم بها وجه أبيها محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتقرّ بها أعين ذرّيتها، وأبلغهم عنّي في هذه الساعة أفضل التحيّة والسلام(2).

الصلاة على الحسن والحسين (عليه السلام)

اللّهم صلّ على الحسن والحسين، عبديك وولييك، وابني رسولك، وسبطي الرحمة، وسيّدي شباب أهل الجنة، أفضل ما صلّيت على أحد من أولاد النبيّين والمرسلين، اللّهم صلّ على الحسن بن سيّد النبيين وصي أمير المؤمنين، السلام عليك يا بن رسول اللّه، السلام عليك يا بن سيد الوصيين، أشهد أنّك يا بن أمير المؤمنين أمين اللّه وابن أمينه، عشت مظلوماً ومضيت شهيداً، وأشهد أنّك الإمام الزكي الهادي المهدي، اللّهم صلّ عليه وبلّغ روحه وجسده عنّي في هذه الساعة أفضل التحيّة والسلام.

اللّهم صلّ على الحسين بن علي المظلوم الشهيد، قتيل الكفرة وطريح

ص: 355


1- مصباح المتهجد: 400.
2- مصباح المتهجد: 401.

الفجرة، السلام عليك يا أبا عبد اللّه، السلام عليك يا بن رسول اللّه، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، أشهد موقناً أنّك أمين اللّه وابن أمينه، قُتلت مظلوماً، ومضيت شهيداً، وأشهد أنّ اللّه تعالى الطالب بثارك، ومنجز ما وعدك من النصر والتأييد في هلاك عدوك وإظهار دعوتك، وأشهد أنّك وفيت بعهد اللّه، وجاهدت في سبيل اللّه، وعبدت اللّه مخلصاً حتى أتاك اليقين، لعن اللّه أمّة قتلتك، ولعن اللّه أمّة خذلتك، ولعن اللّه أمّة ألّبت(1) عليك، وأبرأ إلى اللّه تعالى ممّن أكذبك واستخفّ بحقّك واستحل دمك، بأبي أنت وأمّي يا أبا عبد اللّه، لعن اللّه قاتلك، ولعن اللّه خاذلك، ولعن اللّه من سمع واعيتك فلم يجبك ولم ينصرك، ولعن اللّه من سبا نساءك، أنا إلى اللّه منهم بريء، وممّن والاهم ومالأهم وأعانهم عليه، وأشهد أنّك والأئمة من ولدك كلمة التقوى، وباب الهدى، والعروة الوثقى، والحجّة على أهل الدنيا، وأشهد أنّي بكم مؤمن، وبمنزلتكم موقن، ولكم تابع بذات نفسي، وشرائع ديني، وخواتيم عملي، ومنقلبي في دنياي وآخرتي(2).

الصلاة على علي بن الحسين (عليه السلام)

اللّهم صل على علي بن الحسين سيّد العابدين الذي استخلصته لنفسك وجعلت منه أئمة الهدى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، اخترته لنفسك وطهرته من الرجس واصطفيته وجعلته هادياً مهدياً، اللّهم فصل عليه أفضل ما صليت على أحد من ذرية انبيائك حتى تَبلُغَ به ما تقر به عينه في الدنيا

ص: 356


1- ألب عليه - بالتخفيف - وتألب - بالتشديد - أي تجمع وتحشد.
2- مصباح المتهجد: 401-402.

والآخرة إنك عزيز حكيم(1).

الصلاة على محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اللّهم صل على محمد بن علي باقر العلم، وإمام الهدى، وقائد أهل التقوى، والمنتجب من عبادك، اللّهم وكما جعلته علماً لعبادك، ومناراً لبلادك، ومستودعاً لحكمتك، ومترجماً لوحيك، وأمرت بطاعته وحذّرك من معصيته، فصلّ عليه يارب أفضل ما صلّيت على أحد من ذرية أنبيائك وأصفيائك ورسلك وأمنائك يارب العالمين(2).

الصلاة على جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

اللّهم صلّ على جعفر بن محمد الصادق، خازن العلم، الداعي إليك بالحقّ النور المبين، اللّهم وكما جعلته معدن كلامك ووحيك، وخازن علمك ولسان توحيدك، وولي أمرك ومستحفظ دينك، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أصفيائك وحججك إنّك حميد مجيد(3).

الصلاة على موسى بن جعفر (عليه السلام)

اللّهم صلّ على الأمين المؤتمن موسى بن جعفر، البرّ الوفي، الطاهر الزكي، النور المبين المنير، المتهجّد المحتسب، الصابر على الأذى فيك. اللّهم وكما بلّغ عن آبائه ما استودع من أمرك ونهيك، وحمل على المحجّة وكابد أهل العزّة والشدّة فيما كان يلقى من جهّال قومه، ربّ فصل عليه

ص: 357


1- مصباح المتهجد: 402.
2- مصباح المتهجد: 403.
3- مصباح المتهجد: 403.

أفضل وأكمل ما صلّيت على أحد ممّن أطاعك ونصح لعبادك إنّك غفور رحيم(1).

الصلاة على علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

اللّهم صلّ على علي بن موسى، الذي ارتضيته ورضيت به من شئت من خلقك، اللّهم وكما جعلته حجّة على خلقك، وقائماً بأمرك، وناصراً لدينك، وشاهداً على عبادك، وكما نصح لهم في السرّ والعلانية، ودعا إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنه، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وخيرتك من خلقك إنّك جواد كريم(2).

الصلاة على محمد بن علي الجواد (عليه السلام)

اللّهم صلّ على محمد بن علي بن موسى، علم التقى، ونور الهدى، ومعدن الوفاء، وفرع الأزكياء، وخليفة الأوصياء، وأمينك على وحيك. اللّهم فكما هديت به من الضلالة، واستنقذت به من الحيرة، وأرشدت به من أهتدى، وزكّيت به من تزكّى، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك، وبقيّة أوصيائك، إنّك عزيز حكيم(3).

الصلاة على علي بن محمد النقي (عليه السلام)

اللّهم صلّ على علي بن محمد، وصيّ الأوصياء، وإمام الأتقياء، وخلف أئمة الدين، والحجّة على الخلائق أجمعين، اللّهم كما جعلته نوراً يستضيء

ص: 358


1- مصباح المتهجد: 403.
2- مصباح المتهجد: 404.
3- مصباح المتهجد: 404.

به المؤمنون فبشّر بالجزيل من ثوابك، وأنذر بالأليم من عقابك، وحذّر بأسك، وذكّر بآياتك وأحلّ حلالك، وحرّم حرامك، وبيّن شرائعك وفرائضك، وحضّ على عبادتك، وأمر بطاعتك، ونهى عن معصيتك، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وذريّة أنبيائك يا إله العالمين(1).

الصلاة على الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)

اللّهم صلّ على الحسن بن علي بن محمد، البرّ التقي، الصادق الوفي، النور المضيء، خازن علمك، والمذكّر بتوحيدك، وولي أمرك، وخلف أئمة الدين، الهداة الراشدين، والحجّة على أهل الدنيا، فصلّ عليه يارب أفضل ما صلّيت على أحد من أصفيائك وحججك وأولاد رسلك يا إله العالمين(2).

الصلاة على وليّ الأمر المنتظر الحجّة بن الحسن (عليه السلام)

اللّهم صلّ على وليّك وابن أوليائك، الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت حقّهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً. اللّهم انصره وانتصر به لدينك، وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا منهم. اللّهم أعذه من شرّ كل باغ وطاغ، ومن شرّ جميع خلقك، واحفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، واحرسه وامنعه أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل وأيّده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفر، واقتل به الكفّار والمنافقين، وجميع الملحدين حيث كانوا من مشارق الأرض ومغاربها،

ص: 359


1- مصباح المتهجد: 404.
2- مصباح المتهجد: 405.

وبرّها وبحرها، واملأ به الأرض عدلاَ، وأظهر به دين نبيّك عليه وآله السلام، واجعلني اللّهم من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمدٍ ما يأملون، وفي عدوّهم ما يحذرون إله الحق آمين(1).

من صلاته (عليه السلام)
اشارة

صلاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : أربع ركعات، الركعتان الأوليان بالحمد مرّة وإذا زلزلت خمس عشرة مرّة، وفي الأخيرتين كل ركعة الحمد مرّة والإخلاص خمس عشرة(2).

صلاة في يوم الأحد

عن الحسن العسكري (عليه السلام) : من صلّى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة الملك بوّأه اللّه في الجنّة حيث يشاء(3).

صلاة في يوم الثلاثاء

عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، قال: من صلّى يوم الثلاثاء ستّ ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وآمن الرسول إلى آخرها وإذا زلزلت مرّة غفر اللّه له ذنوبه حتى يخرج منها كيوم ولدته أمّه(4).

صلاة في يوم الأربعاء

عن العسكري (عليه السلام) ، قال: من صلّى يوم الأربعاء أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد والإخلاص وسورة القدر مرّة واحدة تاب اللّه عليه من كل

ص: 360


1- مصباح المتهجد: 405.
2- الدعاء والزيارة: 112.
3- الدعاء والزيارة: 106.
4- الدعاء والزيارة: 106.

ذنب، وزوّجه بزوجة من الحور العين(1).

صلاة في يوم الخميس

عن الحسن العسكري (عليه السلام) ، قال: من صلّى يوم الخميس عشر ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد عشراً قالت له الملائكة: سل تعط(2).

دعاء بين كل ركعتين من نوافل شهر رمضان

عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : وليكن ممّا يدعو به بين كل ركعيتن من نوافل شهر رمضان: اللّهم اجعل فيما تقضي وتقدّر من الأمر العظيم المحتوم، وفيما تفرق من الأمر الحكيم في ليلة القدر أن تجعلني من حجّاج بيتك الحرام، المبرور حجّهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنبهم، وأسألك أن تطيل عمري في طاعتك، وتوسّع لي في رزقي يا أرحم الراحمين(3).

من فلسفة الصوم

قال جعفر بن محمد بن حمزة العلوي: كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) أسأله: لم فرض اللّه الصوم؟ فكتب إليّ: فرض اللّه تعالى الصوم ليجد الغني مسّ الجوع ليحنو على الفقير(4).

من صام عشرة رمضانات متوالية

عن محمد بن الحسين الكرخي، قال: سمعت الحسن بن علي (عليه السلام) يقول

ص: 361


1- الدعاء والزيارة: 106.
2- الدعاء والزيارة: 107.
3- الدعاء والزيارة: 344.
4- كشف الغمة 2: 403.

لرجل في داره: يا أبا هارون من صام عشرة أشهر رمضان متواليات دخل الجنة(1).

رقعة من السجن إلى مشهد الحسين بن علي (عليه السلام)

عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: كنت عند مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري (صلوات اللّه عليه) إذ وردت إليه رقعة من الحبس من بعض مواليه يذكر فيها ثقل الحديد وسوء الحال وتحامل السلطان، وكتب إليه: يا عبد اللّه، إنّ اللّه عزّ وجل يمتحن عباده ليختبر صبرهم فيثيبهم على ذلك ثواب الصالحين، فعليك بالصبر، واكتب إلى اللّه عزّ وجل رقعة وأنفذها إلى مشهد الحسين بن علي (صلوات اللّه عليه) وارفعها عنده إلى اللّه عزّ وجل وادفعها حيث لا يراك أحد واكتب في الرقعة:

إلى اللّه الملك الديّان الممتحن المنّان ذي الجلال والإكرام، وذي المنن العظام، والأيادي الجسام، وعالم الخفيّات، ومجيب الدعوات، وراحم العبرات، الذي لا تشغله اللغات، ولا تحيّره الأصوات، ولا تأخذه السنات، من عبده الذليل البائس الفقير المسكين الضعيف المستجير، اللّهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يرجع السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، والمنن العظام، والأيادي الجسام، الهي مسنّي وأهلي الضر وأنت أرحم الراحمين، وأرأف الأرافين، وأجود الأجودين، وأحكم الحاكمين، وأعدل الفاصلين، اللّهم إنّي قصدت بابك، ونزلت بفنائك، واعتصمت

ص: 362


1- الخصال 2: 445، باب العشرة، ح42.

بحبلك، واستغثت بك واستجرت بك، ياغياث المستغيثين أغثني، يا جار المستجيرين أجرني، يا إله العالمين خذ بيدي، إنّه علا الجبابرة في أرضك، وظهروا في بلادك، واتخذوا أهل دينك خولا، واستأثروا بفيء المسلمين، ومنعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم وصرفوها في الملاهي والمعازف، واستصغروا آلائك وكذّبوا أولياءك، وتسلّطوا بجبروتهم ليعزّوا من أذللت ويذلّوا من أعززت، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة أو من ينتجع(1) منهم فائدة، وأنت مولاي سامع كل دعوة، وراحم كل عبرة، ومقيل كل عثرة، سامع كل نجوى، وموضع كل شكوى، لا يخفى عليك ما في السماوات العلى والأرضين السفلى، وما بينهما وما تحت الثرى، اللّهم إنّي عبدك ابن أمّتك، ذليل بين بريتك، مسرع إلى رحمتك، راج لثوابك، اللّهم إنّ كل من أتيته فعليك يدلّني، وإليك يرشدني، وفيما عندك يرغّبني، مولاي وقد أتيتك راجياً، سيّدي وقد قصدتك مؤمّلاً، يا خير مأمول، ويا أكرم مقصود، صلّ على محمد وعلى آل محمد، ولا تخيّب أملي، ولا تقطع رجائي، واستجب دعائي، وارحم تضرّعي يا غياث المستغيثين اغثني، يا جار المستجيرين أجرني، يا إله العالمين خذ بيدي، أنقذني واستنقذني ووفقني واكفني، اللّهم إنّي قصدتك بأمل فسيح وأمّلتك برجاء منبسط، فلا تخيّب أملي، ولا تقطع رجائي، اللّهم إنّه لا يخيب منك سائل، ولا ينقصك نائل، يا ربّاه يا سيّداه يا مولاه يا عماداه يا كهفاه يا حصناه يا حرزاه يا لجاءاه، اللّهم إيّاك أملت يا سيّدي ولك أسلمت، مولاي ولبابك قرعت،

ص: 363


1- ينتجع: يطلب.

فصلّ على محمد وآل محمد ولا تردّني بالخيبة محزوناً، واجعلني ممّن تفضلّت عليه بإحسانك، وأنعمت عليه بتفضلّك، وجدت عليه بنعمتك، وأسبغت عليه آلاءك، اللّهم أنت غياثي وعمادي، وأنت عصمتي ورجائي، ما لي أمل سواك، ولا رجاء غيرك، اللّهم فصلّ على محمد وآل محمد، وجد عليّ بفضلك، وأمنن عليّ بإحسانك، وافعل بي ما أنت أهله، ولا تفعل بي ما أنا أهله، يا أهل التقوى وأهل المغفرة، وأنت خير لي من أبي وأمّي ومن الخلق أجمعين، اللّهم إنّ هذه قصّتي إليك لا إلى المخلوقين، ومسألتي لك إذ كنت خير مسؤول وأعزّ مأمول، اللّهم صل على محمد وآل محمد، وتعطّف عليّ بإحسانك، ومنّ عليّ بعفوك وعافيتك، وحسّن ديني بالغنى، واحرز أمانتي بالكفاية، واشغل قلبي بطاعتك، ولساني بذكرك، وجوارحي بما يقرّبني منك، اللّهم ارزقني قلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً وطرفاً غاضّاً، ويقيناً صحيحاً حتى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تقديم ما أجّلت، يا رب العالمين، ويا أرحم الراحمين، صلّ على محمد وآل محمد، واستجب دعائي، وارحم تضرّعي وكفّ عنّي البلاء، ولا تشمت بي الأعداء، ولا حاسداً، ولا تسلبني نعمة ألبستنيها، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً يا رب العالمين، وصلّ على محمد وآله وسلم تسليماً(1).

من دعائه (عليه السلام)

دعاء الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : يا عزيز العزّ في عزّه، ما أعزّ عزيز العزّ في عزّه، يا عزيز أعزّني بعزك، وأيّدني بنصرك، واطرد عنّي همزات

ص: 364


1- بحار الأنوار 99: 238، ح5.

الشياطين، وادفع عنّي بدفعك، وامنع عنّي بمنعك، واجعلني من خيار خلقك، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد یا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحدٌ(1).

دعاء الشروع في الحاجة

وقال (عليه السلام) : ... فإذا أردت التوجّه في يوم قد حذرت فيه فقدّم أمام توجّهك: الحمد لله ربّ العالمين، والمعوذتين، وآية الكرسي، وسورة القدر، وآخر آية في سورة آل عمران، وقل: اللّهم بك يصول الصائل، وبقدرتك يطول الطائل، ولا حول لكلّ ذي حول إلاّ بك، ولا قوّة يمتازها ذو قوّة إلاّ منك، وبصفوتك من خلقك، وخيرتك من بريّتك محمد نبيك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلام، صلّ عليهم، واكفني شرّ هذا اليوم وضره، وارزقني خيره ويمنه، واقض لي في متصرّفاتي بحسن العافية، وبلوغ المحبّة، والظفر بالأمنية، وكفاية الطاغية الغوية، وكل ذي قدرة لي على أذيّة حتى أكون في جنّة وعصمة من كل بلاء ونقمة، وأبدلني من المخاوف أمناً، ومن العوائق فيه يسراً، وحتى لا يصدّني صاد عن المراد، ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد، إنّك على كل شيء قدير، والأمور إليك تصير، يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير(2).

الأقرب إلى اسم اللّه الأعظم

قال (عليه السلام) : بسم اللّه الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من سواد

ص: 365


1- المصباح للكفعمي: 305.
2- الدعاء والزيارة: 211.

العين إلى بياضها(1).

ادع بهذا الدعاء

عن أبي هاشم، قال: كتب إليه بعض مواليه يسأله أن يعلّمه دعاء، فكتب (عليه السلام) إليه أن أدع بهذا الدعاء: يا اسمع السامعين، ويا أبصر المبصرين، ويا أعزّ الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، ويا أحكم الحاكمين، صلّ على محمد وآل محمد، وأوسع لي في رزقي، ومدّ لي في عمري، وامنن عليّ برحمتك، واجعلني ممّن تنتصر به لدينك، ولا تستبدل بي غيري، قال: أبو هاشم فقلت في نفسي: اللّهم اجعلني في حزبك، وفي زمرتك، فأقبل عليّ أبو محمد (عليه السلام) ، فقال: أنت في حزبه وفي زمرته إذ كنت باللّه مؤمناً، ولرسوله مصدّقاً، ولأوليائه عارفاً، ولهم تابعاً، فابشر ثم ابشر(2).

ليلة القدر

قال أبو الخير صالح بن أبي حمّاد، قال: كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) أسأله عن الغسل في ليالي شهر رمضان؟ فكتب (عليه السلام) : إن استطعت أن تغتسل ليلة سبعة عشرة، وليلة تسعة عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، فافعل فإنّ فيها ترجى ليلة القدر، فإن لم تقدر على إحيائها فلا يفوتنّك إحياء ليلة ثلاث وعشرين، تصلّي فيها مائة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد مرّة وقل هو اللّه أحد عشر مرات(3).

ص: 366


1- كشف الغمة 2: 420.
2- كشف الغمة 2: 421.
3- فضائل الأشهر الثلاثة: 103، ح91.
رحم اللّه والدك

عن أبي سهل البلخي، قال: كتب رجل إلى أبي محمد (عليه السلام) يسأله الدعاء لوالديه، وكانت الأمّ غالية والأب مؤمناً فوقّع: رحم اللّه والدك(1).

رحم اللّه والدتك

وكتب آخر يسأل الدعاء لوالديه، وكانت الأمّ مؤمنة والأب ثنوياً، فوقّع: رحم اللّه والدتك. والتاء منقوطة بنقطتين من فوق(2).

دعاؤه (عليه السلام) في كل صباح

يا كبير كلّ كبير، يا من لا شريك له ولا وزير، يا خالق الشمس والقمر المنير، يا عصمة الخائف المستجير، يا مطلق المكبّل الأسير، يا رازق الطفل الصغير، يا جابر العظم الكسير، يا راحم الشيخ الكبير، يا نور النور، يا مدبّر الأمور، يا باعث من في القبور، يا شافي الصدور، يا جاعل الظلّ والحرور، يا عالماً بذات الصدور، يا منزل الكتاب والنور والفرقان والزبور، يا من تسبّح له الملائكة بالإبكار والظهور، يا دائم الثبات، يا مُخرج النبات بالغدو والآصال، يا محيي الأموات، يا منشىء العظام الدارسات، يا سامع الصوت، يا سابق الفوت، يا كاسي العظام البالية(3) بعد الموت، يا من لا يشغله شأن عن شأن، يا من يردّ بألطف الصدقة والدعاء عن أعنان السماء ما حتم وأبرم من سوء القضاء، يا من لا يحيط به موضع ولا مكان، يا من يجعل الشفاء في

ص: 367


1- كشف الغمة 2: 426.
2- كشف الغمة 2: 426.
3- البالي: القديم.

ما يشاء من الأشياء، يا من يُمسك الرمق من المدنف(1) العميد بما قلّ من الغذاء، يا من يزيل بأدنى الدواء ما غلظ من الداء، يا من إذا وعد وفى وإذا توعّد عفا، يا من يملك حوائج السائلين، يا من يعلم ما في ضمير الصامتين، يا عظيم الخطر، يا كريم الظفر، يا من له وجه لا يبلى، يا من له نور لا يطفأ، يا من له ملك لا يفنى، يا من فوق كل شيء أمره، يا من في البرّ والبحر سلطانه، يا من في جهنّم سخطه، يا من في الجنّة رحمته، يا من مواعيده صادقة، يا من أياديه فاضلة، يا من رحمته واسعة، يا غياث المستغيثين، يا مجيب دعوة المضطرّين، يا من هو بالمنظر الأعلى وخلقه بالمنزل الأدنى، يا رب الأرواح الفانية، يا رب الأجساد البالية، يا أبصر الناظرين، يا أسمع السامعين، يا أسرع الحاسبين، يا أحكم الحاكمين، يا أرحم الراحمين، يا واهب العطايا، يا مطلق الأسارى، يا رب العزّة، يا أهل التقوى وأهل المغفرة، يا من لا يُدرك أمده، يا من لا يُحصى عدده، يا من لا ينقطع مدده، أشهد والشهادة لي رفعة وعدة، وهي منّي سمع وطاعة وبها أرجو المفازة يوم الحسرة والندامة، إنّك أنت اللّه لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمداً عبدك ورسولك صلواتك عليه وآله، وأنّه قد بلّغ عنك وأدّى ما كان واجباً عليه لك، وأنّك تعطي دائماً وترزق، وتعطي وتمنع، وترفع وتضع، وتغني وتفقر، وتخذل وتنصر، وتعفو وترحم، وتصفح وتجاوز عمّا تعلم، ولا تجور ولا تظلم، وأنّك تقبض وتبسط، وتمحو وتثبت، وتبدئ وتعيد، وتحيي وتميت، وأنت حيّ لا تموت، فصلّ على محمد وآله واهدني من

ص: 368


1- الدنف بالتحريك: المرض الملازم، والمريض المدنف أي المثقل في المرض.

عندك، وأفض عليّ من فضلك، وانشر عليّ من رحمتك، وأنزل عليّ من بركاتك، فطالما عوّدتني الحسن الجميل، وأعطيتني الكثير الجزيل، وسترت عليّ القبيح، اللّهم فصلّ على محمد وآله وعجّل فرجي، وأقل عثرتي وارحم عبرتي، وارددني إلى أفضل عادتك عندي، واستقبل بي صحّة من سقمي، وسعة من عدمي، وسلامة شاملة في بدني، وبصيرة نافذة في ديني، ومهّدني وأعنّي على استغفارك واستقالتك قبل أن يفنى الأجل وينقطع العمل، وأعنّي على الموت وكربته، وعلى القبر ووحشته، وعلى الميزان وخفّته، وعلى الصراط وزلّته، وعلى يوم القيامة وروعته، وأسألك نجاح العمل قبل انقطاع الأجل، وقوّة في سمعي وبصري، واستعمال العمل الصالح ممّا علمتني وفهّمتني، إنّك أنت الربّ الجليل وأنا العبد الذليل، وشتّان ما بيننا، يا حنّان يا منّان، يا ذا الجلال والإكرام، وصلّ على من به فهمتنا وهو أقرب وسائلنا إليك ربّنا محمد وآله وعترته الطاهرين(1).

دعاء يوم الثالث من شعبان

خرج إلى القاسم بن علاء الهمداني وكيل أبي محمد (عليه السلام) : أنّ مولانا الحسين (عليه السلام) ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصم وادع فيه بهذا الدعاء:

اللّهم إنّي أسألك بحقّ المولود في هذا اليوم، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومن فيها، والأرض ومن عليها، ولما يطأ لابتيها(2)، قتيل العبرة وسيّد الأسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرّة، المعوّض من

ص: 369


1- مصباح الكفعمي: 78-80.
2- أي: لابتا المدينة المنورة. واللابة: الحرة. وهي: الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها. والمدينة تقع ما بين حرتين عظيمتين. النهاية لابن الأثير 4: 274 (لوب).

قتله أنّ الأئمة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته(1) والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثأر، ويُرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار صلى اللّه عليهم مع اختلاف الليل والنهار، اللّهم بحقّهم إليك أتوسّل وأسأل سؤال مقترف معترف مسيء إلى نفسه ممّا فرط في يومه وأمسه، ويسألك العصمة إلى محلّ رمسه(2)، اللّهم فصلّ على محمد وعترته، واحشرنا في زمرته، وبوّئنا معه دار الكرامة، ومحلّ الإقامة، اللّهم وكما أكرمتنا بمعرفته فأكرمنا بزلفته، وارزقنا مرافقته وسابقته، واجعلنا ممّن يسلّم لأمره، ويكثر الصلاة عليه عند ذكره، وعلى جميع أوصيائه وأهل أصفيائه الممدودين منك بالعدد الإثني عشر، النجوم الزهر، والحجج على جميع البشر، اللّهم وهب لنا في هذا اليوم خير موهبة، وانجح لنا فيه كل طلبة كما وهبت الحسين لمحمد جدّه وعاذ فطرس بمهده، فنحن عائذون بقبره من بعده نشهد تربته وننتظر أوبته آمين رب العالمين.

ثم تدعو بعد ذلك بدعاء الحسين (عليه السلام) وهو آخر دعاء دعا به الحسين (عليه السلام) يوم كثرت أعدائه يعني يوم عاشوراء: اللّهم أنت متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا ما دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، ومدرك ما طلبت، وشكور إذا شُكرت، وذكور

ص: 370


1- اوبته: رجوعه.
2- محل الرمس أي القبر.

إذا ذكرت، أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي إليك مكروباً، واستعين بك ضعيفاً، وأتوكّل عليك كافياً، أحكم بيننا وبين قومنا بالحقّ، فإنّهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا، وقتلونا ونحن عترة نبيّك وولد حبيبك محمد بن عبد اللّه الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على وحيك، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً برحمتك يا أرحم الراحمين(1).

من دعائه (عليه السلام) في القنوت

وكان (عليه السلام) إذا قنت في صلاته يدعوا بهذا الدعاء الشريف: يا من غشي نوره الظلمات، يا من أضاءت بقدسه الفجاج(2) المتوعّرات، يا من خشع له أهل الأرض والسماوات، يا من بخع له بالطاعة كل متجبّر عات(3)، يا عالم الضمائر المستخفيات، وسعت كل شيء رحمة وعلماً، فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك، وقهم عذاب الجحيم، وعاجلهم بنصرك الذي وعدتهم إنّك لا تخلف الميعاد، وعجّل اللّهم اجتياح أهل الكيد، وأوبهم إلى شرّ دار في أعظم نكال وأقبح مثاب.

اللّهم إنّك حاضر أسرار خلقك، وعالم بضمائرهم، ومستغن، لولا الندب باللجأ إلى تنجّز ما وعدت اللاجئين عن كشف مكامنهم، وقد تعلم يا رب ما أسرّه وأبديه، وأنشره وأطويه، وأظهره وأخفيه، على متصرّفات أوقاتي وأصناف حركاتي في جميع حاجاتي، وقد ترى يا رب ما قد تراطم فيه

ص: 371


1- الدعاء والزيارة: 288.
2- لفِجاج: جمع فجّ، وهو الطريق الواسع بين جبلين.
3- عَتا - عُتُوّاً وعُتِيّاً: استكبر وجاوز الحدّ، فهو عات معه: عُتاة، يقال: عتت الريح: جاوزت مقدار هبوبها. المعجم الوسيط: 583، (عتا).

أهل ولايتك، واستمر عليهم من أعدائك غير ظنين(1) في كرم، ولا ضنين(2) بنعم، لكن الجهد يبعث على الاستزادة، وما أمرت به من الدعاء إذا أخلص لك اللجا يقتضي إحسانك شرط الزيادة.

وهذه النواصي والأعناق خاضعة لك بذلّ العبودية، والاعتراف بملكة الربوبية، داعية بقلوبها ومشخصات إليك في تعجيل الإنالة، وما شئت كان وما تشاء كائن، أنت المدعوّ المرجو المأمول المسؤول، لا ينقصك نائل وإن أتسع، ولا يلحفك(3) سائل وإن ألحّ وضرع، ملكك لا يخلقه التنفيذ، وعزّك الباقي على التأبيد، وما في الاعصار من مشيّتك بمقدار، وأنت اللّه لا إله إلا أنت الرؤوف الجبّار، اللّهم أيّدنا بعونك، واكنفنا بصونك، وأنلنا منال المعتصمين بحبلك، المستظلّين بظلّك(4).

ومن دعائه (عليه السلام) في قنوته

ودعا (عليه السلام) في قنوته وأمر أهل قم بذلك لما شكوا من موسى بن بغا:

الحمد لله شاكراً لنعمائه، واستدعاء لمزيده، واستخلاصاً به دون غيره، وعياذاً به من كفرانه، والإلحاد في عظمته وكبريائه، حمد من يعلم أنّ ما به من نعمائه فمن عند ربه، وما مسّه من عقوبته فبسوء جناية يده، وصلّى اللّه على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وذريعة المؤمنين إلى رحمته وآله الطاهرين ولاة أمره.

ص: 372


1- الظنين: المتهم.
2- الضنين: البخيل.
3- الإلحاف: الإلحاح.
4- بحار الأنوار 82: 229.

اللّهم إنّك ندبت إلى فضلك، وأمرت بدعائك وضمنت الإجابة لعبادك، ولم تخيّب من فزع إليك برغبة، وقصد إليك بحاجة، ولم ترجع يد طالبة صفراً من عطائك، ولا خائبة من نحل هباتك، وأيّ راحل رحل إليك، فلم يجدك قريباً، أو أيّ وافد وفد عليك فاقتطعته عوائد الردّ دونك، بل أيّ محتفر من فضلك لم يمهه فيض جودك، وأيّ مستنبط لمزيدك أكدى(1) دون استماحة سجال(2) عطيتك.

اللّهم وقد قصدت إليك برغبتي، وقرعت باب فضلك يد مسألتي، وناجاك بخشوع الاستكانة(3) قلبي، ووجدتك خير شفيع لي إليك، وقد علمت ما يحدث من طلبتي قبل أن يخطر بفكري أو يقع في خلدي، فصل اللّهم دعائي إيّاك بإجابتي، واشفع مسألتي بنجح طلبتي.

اللّهم وقد شملنا زيغ الفتن(4)، واستولت علينا غشوة الحيرة، وقارعنا الذلّ والصغار، وحكم علينا غير المأمونين في دينك، وابتز(5) أمورنا معادن الأُبن(6) ممّن عطّل حكمك، وسعى في إتلاف عبادك وإفساد بلادك، اللّهم

ص: 373


1- أكدى: بالدال المهملة أي تعسر وتعذر وانقطع.
2- السجال: الدلاء العظيمة.
3- الاستكانة هي الخضوع والتضرع.
4- أي: الميل إلى الباطل الذي يحدث من الفتن.
5- ابتز: سلب قهراً.
6- قال العلامة المجلسي: أي الذين هم محال العيوب الفاضحة من العلة المعروفة وغيرها كما اشتهر بها رؤساؤهم، وقد ورد في الخبر أنه لا يتسمى بأمير المؤمنين بغير استحقاقه إلا من ابتلى بتلك العلة الشنيعة التي تذهب بالحياء رأسا وبه أول قوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا) كما مر في موضعه وفي القاموس ابنه بشئ يأبنه و يأبنه اتهمه فهو مأبون بخير أو شر، فان أطلقت فقلت: مأبون فهو للشر وأبنه وأبنه تأبينا عابه في وجهه، والابنة بالضم العقدة في العود، والعيب، والرجل الخفيف والحقد.

وقد عاد فيئنا(1) دولة بعد القسمة، وامارتنا غلبه بعد المشورة، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة، فاشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في إبشار المؤمنين أهل الذمّة، وولي القيام بأمورهم فاسق كل قبيلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، ولا راع ينظر إليهم بعين الرحمة، ولا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة(2)، فهم أولو ضرع بدار مضيعة، واُسراء مسكنة وخلفاء كآبة وذلّة.

اللّهم وقد استحصد(3) زرع الباطل وبلغ نهايته، واستحكم عموده، واستجمع طريده(4)، وخذرف وليده(5)، وبسق(6) فرعه، وضرب بجرانه(7).

اللّهم فأتح له من الحقّ يداً حاصدة تصرع قائمه، وتهشم سوقه، وتجب سنامه، وتجدع(8) مراغمه، ليستخفي الباطل بقبح صورته، ويظهر الحقّ بحسن حليته.

اللّهم ولا تدع للجور دعامة إلا قصمتها، ولا جنّة إلا هتكتها، ولا كلمة

ص: 374


1- المراد بالفيء: الغنيمة والخمس والأنفال لأن الفيء في الأصل: الرجوع، والأموال كلها للإمام وما كان فيها في يد غيره إذا رجع إليه بقتال فهو غنيمة وما رجع إليه بغير قتال فهو أنفال.
2- في القاموس: سغب سغبا ومسغبة جاع انتهى، القاموس ج1 ص82.
3- أي قد أوقت حصاده.
4- أي: جمع وحمل.
5- في العين: خذرف: الخذروف: السريع في جريه، العين ج4 ص336، الخاء والذال.
6- بسق النخل بسوقا، أي طال، ومنه قوله تعالى: (والنخل باسقات) ويقال: بسق فلان على أصحابه، أي علاهم. انظر الصحاح: مادة (بسق).
7- جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره (الصحاح).
8- الجدع: القطع في الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها. الصحاح 3: 1193؛ القاموس المحيط 3: 11؛ لسان العرب 8: 41 (جدع).

مجتمعة إلا فرّقتها، ولا سريّة ثقل إلا خفّفتها، ولا قائمة علو إلاّ حططتها، ولا رافعة علم إلا نكستها، ولا خضراء إلاّ أبرتها.

اللّهم فكوّر شمسه، وحطّ نوره، واطمس ذكره، وارم بالحقّ رأسه، وفضّ جيوشه، وأرعب قلوب أهله، اللّهم ولا تدع منه بقية إلا أفنيت ولا بنية إلا سويت ولا حلقة إلا فصمت ولا سلاحاً إلا أفللت ولا كراعاً إلا اجتحت ولا حاملة علم إلا نكّست.

اللّهم وأرنا أنصاره عباديد بعد الإلفة وشتى بعد اجتماع الكلمة ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة، وأسفر لنا عن نهار العدل وأرناه سرمداً لا ظلمة فيه ونوراً لا شوب معه، وأهطل علينا ناشئته وأنزل علينا بركته وأدل له ممن ناواه وأنصره على من عاداه.

اللّهم وأظهر به الحق واصبح به في غسق الظلم وبهم الحيرة.

اللّهم وأحي به القلوب الميتة، وأجمع به الأهواء المتفرقة والآراء المختلفة، وأقم به الحدود المعطلة والأحكام المهملة، واشبع به الخماص الساغبة، وأرح به الأبدان المتعبة، كما ألهجتنا بذكره وأخطرت ببالنا دعاؤك له ووفقتنا للدعاء إليه وحياشة أهل الغفلة عليه وأسكنت في قلوبنا محبته والطمع فيه وحسن الظن بك لإقامة مراسمه.

اللّهم فأت لنا منه على أحسن يقين، يا محقق الظنون الحسنة، ويا مصدق الآمال المبطئة، اللّهم وأكذب المتالين عليك فيه وأخلف به ظنون القانطين من رحمتك والآيسين منه.

اللّهم اجعلنا سبباً من أسبابه، وعلماً من أعلامه، ومعقلاً من معاقله، ونضر

ص: 375

وجوهنا بتحليته، وأكرمنا بنصرته، واجعل فينا خيراً تظهرنا له وبه، ولا تشمت بنا حاسدي النعم والمتربصين بنا حلول الندم ونزول المثل، فقد ترى يا رب براءة ساحتنا وخلو ذرعنا من الأضمار لهم على أحنة والتمني لهم وقوع جائحة وما تنازل من تحصينهم بالعافية وما أضبوا لنا من انتهاز الفرصة وطلب الوثوب بنا عند الغفلة.

اللّهم وقد عرفتنا من أنفسنا وبصرتنا من عيوبنا خلالاً نخشى أن تقعد بنا عن استيهال إجابتك، وأنت المتفضل على غير المستحقين والمبتدئ بالإحسان على السائلين، فآت لنا في أمرنا على حسب كرمك وجودك وفضلك وامتنانك، إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد إنا إليك راغبون ومن جميع ذنوبنا تائبون.

اللّهم والداعي إليك، والقائم بالقسط من عبادك، الفقير إلى رحمتك، المحتاج إلى معونتك، على طاعتك، إذ ابتدأته بنعمتك، وألبسته أثواب كرامتك، وألقيت عليه محبّة طاعتك، وثبّت وطأته في القلوب من محبّتك، ووفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك، وجعلته مفزعاً لمظلومي عبادك، وناصراً لمن لا يجد له ناصراً غيرك، ومجدّداً لما عطّل من أحكام كتابك، ومشيّداً لما ردّ من أعلام سنن نبيّك، عليه وآله سلامك وصلواتك ورحمتك وبركاتك، فاجعله اللّهم في حصانة من بأس المعتدين، وأشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين، وبلّغ به أفضل ما بلّغت به القائمين بقسطك من اتباع النبيّين، اللّهم وأذلل به من لم تسهم له في الرجوع إلى محبّتك، ومن نصب له العداوة، وارم بحجرك الدامغ من أراد التأليب على دينك

ص: 376

بإذلاله، وتشتيت جمعه، واغضب لمن لا ترة(1) له ولا طائلة، وعادى الأقربين والأبعدين فيك منّاً منك عليه لا منّاً منه عليك.

اللّهم فكما نصب نفسه غرضاً فيك للأبعدين، وجاد ببذل مهجته لك في الذبّ عن حريم المؤمنين، وردّ شرّ بغاة المرتدّين المريبين حتى أخَفِيَ ما كان جهر به من المعاصي، وأبدى ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم ممّا أخذت ميثاقهم على أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه، ودعا إلى إفرادك بالطاعة وألا يجعل لك شريكاً من خلقك يعلو أمره على أمرك مع ما يتجرّعه فيك من مرارت الغيظ الجارحة بمواس القلوب، وما يعتوّره من الغموم، ويفرغ عليه من أحداث الخطوب، ويشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق، ولا تحنو عليها الضلوع من نظرة إلى أمر من أمرك، ولا تناله يده بتغييره ورده إلى محبّتك، فاشدد اللّهم أزره بنصرك، وأطل باعه في ما قصر عنه من أطراد الراتعين(2) حماك، وزد في قوّته بسطة من تأييدك، ولا توحشنا من أنسه، ولا تخترمه(3) دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملّته، والعدل الظاهر في أمّته.

اللّهم وشرّف بما استقبل به من القيام بأمرك لدى موقف الحساب مقامه، وسرّ نبيّك محمد صلواتك عليه وآله برؤيته، ومن تبعه على دعوته، وأجزل له على ما رأيته قائماً به من أمرك ثوابه، وابن قرب دنوه منك في حياته، وارحم استكانتنا من بعده واستخذاءنا لمن كنّا نقمعه به، إذ أفقدتنا وجهه،

ص: 377


1- قال العلامة المجلسي: أي لم يطلب أحد الجنايات التي وقعت عليه وعلى أهل بيته.
2- الرتع: الأكل من أي ما يشاء.
3- المخترم: الهالك مجمع البحرين 6: 56 (خرم).

وبسطت أيدي من كنّا نبسط أيدينا عليه لنردّه عن معصيته، وافتراقنا بعد الألفة والاجتماع تحت ظل كنفه، وتلهفنا عند الفوت على ما أقعدتنا عنه من نصرته وطلبنا من القيام بحق ما لا سبيل لنا إلى رجعته، واجعله اللّهم في أمن مما يشفق عليه منه ورد عنه من سهام المكايد ما يوجهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ومفزعه وأنسه الذين سلوا عن الأهل والأولاد، وجفوا الوطن، وعطّلوا الوثير من المهاد، ورفضوا تجاراتهم، وأضرّوا بمعايشهم، وفقدوا في أنديتهم، بغير غيبة عن مصرهم، وخالفوا البعيد ممّن عاضدهم على أمرهم، وقلّوا القريب ممّن صدّ عنهم وعن جهتهم، فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم، وقلعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا، فاجعلهم اللّهم في أمن حرزك وظل كنفك، وردّ عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك، وأجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك، وأيّدهم بتأييدك ونصرك وازهق بحقّهم باطل من أراد إطفاء نورك، اللّهم واملأ كلّ أفق من الآفاق، وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ومرحمة وفضلاً، واشكرهم على حسب كرمك وجودك ما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك، وادخرت لهم من ثوابك، ما ترفع لهم به الدرجات إنّك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد(1).

اُقنت عليهم

عن ابراهيم بن عقبة، قال: كتبت إلى العسكري (عليه السلام) : جعلت فداك قد

ص: 378


1- بحار الأنوار 82: 229.

عرفت هؤلاء الممطورة(1) فاقنت عليهم في صلواتي، قال (عليه السلام) : نعم أُقنت عليهم في صلواتك(2).

حرز الإمام العسكري (عليه السلام)

بسم اللّه الرحمن الرحيم، احتجبت بحجاب اللّه، النور الذي احتجب به عن العيون، واحتطت على نفسي وأهلي وولدي ومالي وما اشتملت عليه عنايتي ببسم اللّه الرحمن الرحيم، وأحرزت نفسي وذلك كلّه من كلّ ما أخاف وأحذر باللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات والأرض، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيّه السماوات وما في الأرض، ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم، ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربّه فأعرض عنها ونسي ما قدّمت يداه، إنّا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه، وفي أذانهم وقراً، وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبداً، أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد اللّه أفلا تذكّرون، أولئك الذين طبع اللّه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأولئك هم الغافلون.

ص: 379


1- قال النوبختي: «وقد لقّب الواقفة بعض مخالفيها ممن قال بامامة علي بن موسى (عليهما السلام) «الممطورة» وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها، وكان سبب ذلك أنّ علي بن إسماعيل الميثمي، ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهم وقد اشتد الكلام بينهم، فقالا: « ما أنتم الا كلاب ممطورة » أراد أنكم أنتن من جيف، لأنّ الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف، فلزمهم هذا اللقب، فهم يعرفون به اليوم، لأنه إذا قيل للرجل «انه ممطور» فقد عرف أنه من «الواقفة» على موسى بن جعفر خاصة (انتهى) فرق الشيعة ص81.
2- بحار الأنوار 48 ص267.

وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً، وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً، وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفوراً، وصلّى اللّه على محمد وآله الطاهرين(1).

حرز آخر له (عليه السلام)

بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا عدّتي عند شدّتي، ويا غوثي عندكربتي، ويا مؤنسي عند وحدتي، اُحرسني بعينك التي لا تنام، واكفني بركنك الذي لا يرام(2).

أحكام

من تعدّى في طهوره

قال (عليه السلام) : من تعدّى في طهوره كان كناقصه(3).

ماء الغسل والوضوء

كتب محمد بن الحسن إلى أبي محمد (عليه السلام) : هل يجوز أن يغسّل الميّت وماؤه الذي يصبّ عليه يدخل إلى بئر كنيف، أو الرجل يتوضّأ وضوء الصلاة أن يصبّ ماء وضوئه في كنيف؟ فوقّع (عليه السلام) : يكون ذلك في بلاليع(4).

ص: 380


1- مهج الدعوات: 44.
2- مهج الدعوات: 45.
3- بحار الأنوار 75: 374، ح1.
4- الكافي 3: 150-151، ح3.
لا تجب المضمضة والاستنشاق

وقال (عليه السلام) : ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق(1).

عرق الجُنب

روى الحسن النصيببي، قال: خطر في قلبي عرق الجنب هل هو طاهر؟ فأتيت إلى باب أبي محمد الحسن (عليه السلام) لأسأله وكان ليلاً فنمت، فلما طلع الفجر خرج من داره فرآني نائما فأيقظني وقال (عليه السلام) : إن كان حلالاً فنعم، وإن كان من حرام فلا(2).

دم البق

عن محمد بن الريّان، قال: كتبت إلى الرجل (عليه السلام) : هل يجري دمّ البقّ مجرى دمّ البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلّي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع (عليه السلام) : يجوز الصلاة والطهر منه أفضل(3).

غسل الميّت

كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : كم حدّ الماء الذي يغسل به الميّت، كما رووا أنّ الجنب يغتسل بستّة أرطال، والحائض بتسعة أرطال، فهل للميّت حدّ من الماء الذي يغسل به؟ فوقّع (عليه السلام) : حدّ غسل الميّت أن يغسل حتى يطهر إن شاء اللّه تعالى(4).

ص: 381


1- تهذيب الأحكام 1: 131، ح52.
2- حياة الإمام العسكري (عليه السلام) : 51.
3- الكافي 3: 60، ح9.
4- الاستبصار 1: 195، ح1.
الصلاة في القرمز

عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الصلاة في القرمز(1)، وأنّ أصحابنا يتوقّفون عن الصلاة فيه، فكتب (عليه السلام) : لا بأس فيه مطلقٌ والحمد لله ربّ العالمين(2).

اجمع بين الصلاتين

عن عباس الناقد، قال: تفرّق ما كان في يدي وتفرّق عنّي حرفائي(3)، فشكوت ذلك إلى أبي محمد (عليه السلام) ، فقال لي: اجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ترى ما تحب(4).

الصلاة في الحرير

عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة(5) حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض(6).

الصلاة في الابريسم

عن إسماعيل بن سعد الأشعري، قال: سألته عن الثوب الابريسم هل يصلّي فيه الرجال؟ قال: لا(7).

ص: 382


1- القرمز: صبغ أرمني أحمر، يقال: أنّه من عصارة دود يكون في آجامهم. لسان العرب 5: 394.
2- تهذيب الأحكام 2: 363، ح34.
3- حريفك: معاملك وفلان حريفي أي معاملي والجمع على وزن علماء.
4- الكافي 3: 287، ح6.
5- القلسنوة: القبعة.
6- الكافي 3: 399، ح10.
7- تهذيب الأحكام 2: 207، ح21.
الصلاة في وبر الحيوان

عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّه تعالى(1).

الصلاة في القز

كتب ابراهيم بن مهزيار إليه (عليه السلام) في الرجل يجعل في جبّته بدل القطن قزّاً هل يصلي فيه؟ فكتب (عليه السلام) : نعم، لا بأس به(2).

وقت صلاة الليل

عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) قال: إذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضيء له الدنيا، فيكون ساعة ثم يذهب ويظلم، فإذا بقي ثلث الليل ظهر بياض من قبل المشرق فأضاءت له الدنيا، فيكون ساعة ثم يذهب، وهو وقت صلاة الليل، ثم يظلم قبل الفجر، ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق. قال: ومن أراد أن يصلّي صلاة الليل في نصف الليل فذلك له(3).

فأرة مسك

عن عبد اللّه بن جعفر، قال: كتبت إليه - يعني أبا محمد (عليه السلام) - يجوز

ص: 383


1- تهذيب الأحكام 2: 207، ح18.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 263، ح811.
3- الكافي 3: 283-284، ح6.

للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ فكتب (عليه السلام) : لا بأس به إذا كان ذكيّاً(1).

ما يستحب للمسافر

قال الفقيه العسكري (عليه السلام) : يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها: سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر ثلاثين مرّة، لتمام الصلاة(2).

من نوافل شهر رمضان

عن محمد بن أحمد بن مطهر أنه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) يخبره بما جاءت به الرواية أنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يصلّي في شهر رمضان وغيره من الليل ثلاث عشر ركعة منها الوتر وركعتا الفجر، فكتب (عليه السلام) : فضّ اللّه فاه، صلّى من شهر رمضان في عشرين ليلة كل ليلة عشرين ركعة، ثماني بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة، واغتسل ليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وصلى فيهما ثلاثين ركعة: اثنتي عشرة بعد المغرب، وثماني عشرة بعد عشاء الآخرة، وصلّى فيهما مائة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد عشر مرات، وصلّى إلى آخر الشهر كل ليلة ثلاثين ركعة كما فسرت لك(3).

متى يكون أول شهر رمضان؟

عن أبي الهيثم محمد بن إبراهيم المعروف بأبي رمثة، من أهل كفرتوثا

ص: 384


1- تهذيب الأحكام 2: 362، ح32.
2- تهذيب الأحكام 3: 230، ح103.
3- الكافي 4: 155، ح6.

بنصيبين، قال: حدّثني أبي قال: دخلت على الحسن العسكري (صلوات اللّه عليه) في أول يوم من شهر رمضان والناس بين متيقّن وشاك، فلما بصر بي قال لي: يا أبا ابراهيم في أيّ الحزبين أنت في يومك؟ قلت: جعلت فداك يا سيّدي إنّي في هذا قصدت، قال: فإنّي أعطيك أصلاً إذا ضبطته لم تشكّ بعد هذا أبداً. قلت: يا مولاي منّ عليّ بذلك. فقال: تعرف أيّ يوم يدخل المحرّم فإنّك إذا عرفته كفيت طلب هلال شهر رمضان. قلت: وكيف يجزي معرفة هلال محرّم عن طلب هلال شهر رمضان؟ قال: ويحك إنّه يدلّك عليه فتستغني عن ذلك. قلت: بيّن لي يا سيّدي كيف ذلك؟ قال: فانتظر أيّ يوم يدخل المحرّم، فان كان أوّله الأحد فخذ واحداً، وإن كان أوّله الاثنين فخذ اثنين، وإن كان الثلاثاء فخذ ثلاثة، وإن كان الأربعاء فخذ أربعة، وإن كان الخميس فخذ خمسة، وإن كان الجمعة فخذ ستة، وإن كان السبت فخذ سبعة، ثم احفظ ما يكون وزد عليه عدد أئمتك وهي اثنا عشر ثم اطرح ممّا معك سبعة سبعة فما بقي مما لا يتم سبعة فانظر كم هو فإن كان سبعة فالصوم السبت، وإن كان الستة فالصوم الجمعة، وإن كان خمسة فالصوم الخميس، وإن كان أربعاً فالصوم الأربعاء، وإن كان ثلاثة فالصوم الثلاثاء، وإن كان اثنين فالصوم يوم الاثنين، وان كان واحداً فالصوم يوم الأحد، وعلى هذا فابن حسابك تصبه موافقاً للحقّ إن شاء اللّه تعالى(1).

من فلسفة الصوم

كتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد (عليه السلام) : لم فرض اللّه الصوم؟ فورد

ص: 385


1- إقبال الأعمال 1: 14.

في الجواب: ليجد الغني مسّ الجوع فيمن على الفقير(1).

من يقضي الصوم؟

كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام، وله وليّان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآ خر؟ فوقّع (عليه السلام) : يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاءً إن شاء اللّه(2).

مصرف زكاة الفطرة

عن علي بن بلال قال: كتبت إلى الطيّب العسكري (عليه السلام) : هل يجوز أن يُعطى الفطرة عن عيال الرجل وهم عشرة أقل أو أكثر رجلاً محتاجاً موافقاً؟ فكتب (عليه السلام) : نعم، افعل ذلك(3).

ممّا يجب فيه الخمس

روى الريّان بن الصلت، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة، وفي ثمن سمك وبردي، وقصب أبيعه من أجمة(4) هذه القطيعة؟ فكتب (عليه السلام) : يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى(5).

ص: 386


1- من لا يحضره الفقيه 2: 73، ح1768.
2- من لا يحضره الفقيه 2: 153-154، ح2010.
3- من لا يحضره الفقيه 2: 179، ح2071.
4- الأجمة: البقعة الكثيرة الأشجار، أو الكثيرة القصب، وقد تطلق على الشجر والقصب الكثير الملتف، والجمع: أجم وأجمات، وجمع الجمع: آجام.
5- تهذيب الأحكام 4: 139، ح16.
إذا لم يكف المبلغ للحج

كتب إبراهيم بن مهزيار إ لى أبي محمد (عليه السلام) : أنّ مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحجّ عنه من ضيعة صيّر ربعها لك حجّة في كل سنة بعشرين ديناراً، وأنّه قد انقطع طريق البصرة تضاعفت المؤونة على الناس فليس يكتفون بعشرين دينار، وكذلك أوصى عدّة من مواليك في حججهم، فكتب (عليه السلام) : يجعل ثلاث حجج حجّتين إن شاء اللّه(1).

حجّتين في حجّة

كتب علي بن محمد الحضيني إلى الإمام أبي محمد (عليه السلام) : إنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كل سنة فليس يكفي، فما تأمرني في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) : تجعل حجّتين في حجّة إنّ اللّه عالم بذلك(2).

من أحكام الحج

عن أبي علي أحمد بن محمد بن مطهر، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) إنّي دفعت إلى ستّة أنفس مائة دينار وخمسين ديناراً ليحجّوا بها فرجعوا ولم يشخص بعضهم وأتاني بعض فذكر أنّه قد أنفق بعض الدنانير وبقيت بقيّة وأنّه يرد علي ما بقي وإنّي قد رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه، فكتب (عليه السلام) : لا تعرض لمن لم يأتك ولا تأخذ ممّن أتاك شيئاً ممّا يأتيك به والأجر قد وقع على اللّه عزّوجل(3).

ص: 387


1- الكافي 4: 310، ح1.
2- من لا يحضره الفقيه 2: 445، ح2929.
3- من لا يحضره الفقيه 2: 422-423، ح2868.
ليس هذا من الربا

قال أبو هاشم: دخل الحجّاج بن سفيان العبدي على أبي محمد (عليه السلام) فسأله المبايعة، قال: ربما بايعنا الناس فتواضعتهم المعاملة إلى الأصل، قال (عليه السلام) : لا بأس الدينار بالدينارين بينهما خرزة، فقلت في نفسي: هذا شبه ما يفعله المربّيون! فالتفت إليّ، فقال: إنّما الربا الحرام ما تقصد به الحرام، فإذا جاوزت حدود الربا وزويت عنه فلا بأس، الدينار بالدينارين يداً بيد ويكره أن لا يكون بينهما شيء يوقع عليه البيع(1).

إذا تغيّرت الأسعار

كتب محمد بن الحسن إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل استأجر أجيراً يعمل له بناء غيره وجعل يعطيه طعاماً وقطناً وغير ذلك ثم تغيّر الطعام والقطن من سعره الذي كان أعطاه إلى نقصان أو زيادة أيحتسب له بسعر يوم أعطاه أو بسعر يوم حاسبه؟ فوقّع (عليه السلام) : يحتسب له بسعر يوم شارطه فيه إن شاء اللّه.

وأجاب (عليه السلام) في المال يحلّ على الرجل فيعطى به طعاماً عند محلّه ولم يقاطعه ثم تغيّر السعر، فوقّع (عليه السلام) : له سعر يوم أعطاه الطعام(2).

لا خير في شيء أصله حرام

كتب محمد بن الحسن إلى أبي محمد (عليه السلام) رجل اشترى من رجل ضيعة أو خادماً بمال أخذه من قطع الطريق أو من سرقة، هل يحلّ له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة أو يحلّ له أن يطأ هذا الفرج الذي اشتراه من السرقة أو

ص: 388


1- الخرائج والجرائح 2: 689، ح13.
2- الكافي 5: 181، ح3.

من قطع الطريق؟ فوقّع (عليه السلام) : لا خير في شيء أصله حرام ولا يحلّ استعماله(1).

الدين واختلاف الأسعار

عن محمد بن الحسن الصفار، قال: كتبت إليه في رجل كان له على رجل مال، فلمّا حلّ عليه المال أعطاه بها طعاماً أو قطناً أو زعفراناً ولم يقاطعه على السعر، فلما كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الزعفران والطعام والقطن أو نقص بأيّ السعرين يحسبه قال لصاحب الدَّين سعر يومه الذي أعطاه وحلّ ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة يوم حاسبه؟ فوقّع (عليه السلام) : ليس له على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء اللّه(2).

لا يتعدّى الحق

عن محمد بن الحسن، قال: كتبت إليه (عليه السلام) في رجل باع بستاناً له في شجر وكرم(3)، فاستثنى شجرة منها، هل له ممرّ إلى البستان إلى وضع شجرته التي استثناها وكم لهذه الشجرة التي استثناها من الأرض التي حولها بقدر أغصانها أو بقدر موضعها التي هي نابتة فيه؟، فوقّع (عليه السلام) : له من ذلك على حسب ما باع وأمسك، فلا يتعدّى الحقّ في ذلك إن شاء اللّه(4).

إذا ابتاع الأرض بحدودها

كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد (عليه السلام) في رجل اشترى من رجل أرضاً بحدودها الأربعة وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر، ولم

ص: 389


1- الكافي 5: 125، ح8.
2- تهذيب الأحكام 6: 196، ح57.
3- الكرم: العنب.
4- تهذيب الأحكام 7: 90، ح24.

يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه وذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها، أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟، فوقّع (عليه السلام) : إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء اللّه(1).

بيع ما ليس يملك

عن محمد بن الحسن أنّه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل كان له قطاع أرضين فحضره الخروج إلى مكة والقرية على مراحل من منزله ولم يؤت بحدود أرضه وعرف حدود القرية الأربعة، فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت من فلان جميع القرية التي حدّ منها كذا والثاني والثالث والرابع، وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك وإنّما له بعض هذه القرية وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقّع (عليه السلام) : لا يجوز بيع ما ليس يملك، وقد وجب الشراء على البائع على ما يملك(2).

لا يضارّ أخاه المؤمن

روي عن محمد بن علي بن محبوب، قال: كتب رجل إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل أو لرجلين، فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى ويعطّل هذه الرحى، أله ذلك أم؟ لا فوقّع (عليه السلام) : يتقي اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضارّ أخاه المؤمن(3).

ص: 390


1- تهذيب الأحكام 7: 138، ح84.
2- الكافي 7: 402، ح4.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 238، ح2870.
من مصاديق قاعدة لاضرر

سئل (عليه السلام) عن رجل كانت له قناة في قرية، فأراد رجل آخر أن يحفر قناة أخرى فوقها، فما يكون بينهما في البعد حتى لا يضر بالأخرى في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة؟ فوقّع (عليه السلام) : على حسب أن لا يضرّ أحدهما بالآخر إن شاء اللّه تعالى(1).

إذا آجر نفسه بشيء معروف

كتب محمد بن الحسن الصفّار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) يقول: رجل يبذرق(2) القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف ويشارطونه على شيء مسمّى، أله أن يأخذ منهم أم لا؟ فوقّع (عليه السلام) : إذا آجر نفسه بشيء معروف أخذ حقّه إن شاء اللّه(3).

ليس له إلا ما اشتراه

كتب محمد بن الحسن الصفّار (رحمه اللّه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : في رجل اشترى من رجل بيتاً في دار له بجميع حقوقه وفوقه بيت آخر، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل ام لا؟ فوقّع (عليه السلام) : ليس له إلاّ ما اشتراه باسمه وموضعه إن شاء اللّه(4).

ما أحاط الشراء به

كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) محمد بن الحسن الصفّار (رحمه اللّه) :

ص: 391


1- من لا يحضره الفقيه 3: 238، ح2870.
2- في القاموس: البذرقة بالذال المعجمة الخفارة والمبذرق الخفير، القاموس المحيط ج3 ص211.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 173، ح3653.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 242، ح3884.

رجل قال لرجل: أشهد أنّ جميع الدار التي لي في موضع كذا وكذا بحدودها كلّها لفلان بن فلان، وجميع ماله في الدار من المتاع، هل يصلح للمشتري ما في الدار من المتاع أي شيء هو؟ فوقّع (عليه السلام) : يصلح ما أحاط الشراء بجميع ذلك إن شاء اللّه(1).

هو ضامن

روي عن محمد بن علي بن محبوب، قال: كتب رجل إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل دفع ثوباً إلى القصّار(2) ليقصره فدفعه القصّار إلى قصّار غيره ليقصّره فضاع الثوب، هل يجب على القصّار أن يردّ ما دفعه إلى غيره إن كان القصّار مأمونا؟ فوقّع (عليه السلام) : هو ضامن له إلا أن يكون ثقة مأموناً إن شاء اللّه(3).

خروج المرأة للعمل

كتب محمد بن الحسن الصفّار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : في امرأة طلقّها زوجها، ولم يجر عليها النفقة للعدة وهي محتاجة هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة؟ فوقّع (عليه السلام) : لا بأس بذلك إذا علم اللّه الصحّة منها(4).

من أحكام الرضاع

كتب عبد اللّه بن جعفر الحميري إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) في امرأة أرضعت ولد الرجل أيحل لذلك الرجل أن يتزوّج

ص: 392


1- الكافي ج7: 402، ح4.
2- القصّار: الصبّاغ.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 258، ح3933.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 499، ح4760.

ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقّع (عليه السلام) : لا يحلّ ذلك له(1).

من أحكام المرأة في العدّة

كتب محمد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : في امرأة مات عنها زوجها وهي في عدّة منه، وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها وهي تعمل للناس هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة في عدّتها؟ فوقّع (عليه السلام) : لا بأس بذلك إن شاء اللّه(2).

من أحكام الوديعة

روي عن محمد بن علي بن محبوب، قال: كتب رجل إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل دفع إلى رجل وديعة وأمره أن يضعها في منزله أو لم يأمره، فوضعها الرجل في منزل جاره فضاعت، هل يجب عليه إذا خالف أمره أو أخرجها من ملكه؟ فوقّع (عليه السلام) : هو ضامن لها إن شاء اللّه تعالى(3).

كفّارة الحنث

كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي اللّه عنه)، إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : رجل حلف بالبراءة من اللّه عزّوجل أو من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فحنث ما توبته وما كفارته؟ فوقّع (عليه السلام) : يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدّ، ويستغفر اللّه عزّوجل(4).

ص: 393


1- من لا يحضره الفقيه 3: 476، ح4669.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 508، ح4784.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 304، ح4089.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 378، ح4330.
الوقوف على ما وقفها أهلها

عن محمد بن الحسن الصفار، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي أنّ الوقف إذا كان غير مؤقّت فهو باطل مردود على الورثة، وإذا كان مؤقّتاً فهو صحيح ممضى، قال قوم: إنّ المؤقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان وعقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، قال: وقال آخرون: هذا مؤقّت إذا ذكر أنّه لفلان وعقبه ما بقوا ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، والذي هو غير مؤقّت أن يقول: هذا وقف ولم يذكر أحداً، فما الذي يصحّ من ذلك وما الذي يبطل؟ فوقّع (عليه السلام) : الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه(1).

من أحكام الوقف

كتب محمد بن الحسن الصفّار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في الوقوف وما روى فيها عن آبائه (عليهم السلام) فوقّع (عليه السلام) : الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء اللّه تعالى(2).

من أحكام اللقطة

عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: سألته (عليه السلام) في كتاب عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة أو شاة أو غيرها للأضاحي أو غيرها، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع، لمن

ص: 394


1- تهذيب الأحكام 9: 132-133، ح9.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 237، ح5567.

يكون ذلك وكيف يعمل به؟ فوقّع (عليه السلام) : عرّفها البائع فإن لم يعرفها فالشيء لك رزقك اللّه إيّاه(1).

لا شهادة إلا بالحقّ

عن محمد بن يحيى، قال: كتب محمد إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل يكون له على رجل مائة درهم فيلزمه فيقول له: انصرف إليك إلى عشرة أيام وأقضي حاجتك، فإن لم انصرف فلك عليّ ألف درهم حالّة من غير شرط وأشهد بذلك عليه، ثم دعاهم إلى الشهادة؟ فوقّع (عليه السلام) : لا ينبغي لهم أن يشهدوا إلاّ بالحقّ، ولا ينبغي لصاحب الدين أن يأخذ إلاّ الحقّ إن شاء اللّه(2).

يشهدون على شيء معروف

كُتب إليه (عليه السلام) : هل يجوز للشاهد الذي أشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له فيها إذا تعرف حدود هذا القطاع بقوم من أهل هذه القرية إذا كانوا عدولاً؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم، يشهدون على شيء مفهوم معروف(3).

تتنقّب وتظهر للشهود

كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد عدلان أنّها فلانة

ص: 395


1- من لا يحضره الفقيه 3: 296، ح4062.
2- الكافي 5: 307، ح14.
3- الكافي 7: 402، ح4.

بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا تجوز الشهادة عليها حتى تبرز وتثبتها بعينها؟ فوقّع (عليه السلام) : تتنقّب وتظهر للشهود إن شاء اللّه(1).

جواز الشهادة

وكتب إليه في رجل يشهده أنّه قد باع ضيعة من رجل آخر وهي قطاع أرضين ولم يعرف الحدود في وقت ما أشهده، وقال: إذا أتوك بالحدود فاشهد بها، هل يجوز له ذلك أو لا يجوز له أن يشهد؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم يجوز والحمد لله(2).

لا تشهد

كُتب إليه هل يجوز أن يشهد على الحدود إذا جاء قوم آخرون من أهل تلك القرية فشهدوا أنّ حدود هذه الضيعة التي باعها الرجل هي هذه، فهل يجوز لهذا الشاهد الذي أشهده بالضيعة ولم يسمّ الحدود أن يشهد بالحدود بقول هؤلاء الذين عرفوا هذه الضيعة وشهدوا له، أم لا يجوز لهم أن يشهدوا وقد قال لهم البائع: أشهدوا بالحدود إذا أتوكم بها؟ فوقّع (عليه السلام) لا تشهد إلا على صاحب الشيء وبقوله إن شاء اللّه(3).

تنفيذ الوصيّة كما هي

عن سهل بن زياد، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل كان له ابنان فمات أحدهما وله ولد ذكور وإناث فأوصى لهم جدّهم بسهم أبيهم، فهذا

ص: 396


1- من لا يحضره الفقيه 3: 67، ح3347.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 243، ح3887.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 243، ح3887.

السهم الذكر والأنثى فيه سواء أم للذكر مثل حظ الأنثيين؟ فوقّع (عليه السلام) : ينفذّون وصيّة جدّهم كما أمر إن شاء اللّه(1).

من أحكام الوصايا

عن محمد بن عبد الجبار، قال: كتبت إلى العسكري (عليه السلام) : امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم وكذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف وشعر وشبه وصفر ونحاس وكل ما لها أقرّت به للموصى إليه وأشهدت على وصيّتها وأوصت أن يحجّ عنها من هذه التركة حجّتين ويعطى مولاة لها أربعمائة درهم، وماتت المرأة وتركت زوجاً فلم ندر كيف الخروج من هذا واشتبه علينا الأمر، وذكر الكاتب أنّ المرأة استشارته فسألته أن يكتب لها ما يصح لهذا الوصي فقال: لا تصح تركتك لهذا الوصي إلاّ بإقرارك له بدين يحيط بتركتك بشهادة الشهود تأمريه بعد أن ينفذ ما توصيه به، فكتبت له بالوصية على هذا وأقرت للوصي بهذا الدين فرأيك أدام اللّه عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا وتعريفنا ذلك لنعمل به إن شاء اللّه.

فكتب (عليه السلام) بخطّه: إن كان الدين صحيحاً معروفاً مفهوماً فيخرج الدين من رأس المال إن شاء اللّه، وإن لم يكن الدين حقّاً أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف(2).

الوصيّة للإمام (عليه السلام)

عن محمد بن عبدوس، قال: أوصى رجل بتركته متاعٍ وغير ذلك لأبي

ص: 397


1- الكافي 7: 45، ح1.
2- تهذيب الأحكام 9: 161، ح10.

محمد (عليه السلام) ، فكتبت إليه جعلت فداك رجل أوصى إليّ بجميع ما خلف لك وخلّف ابنتي أخت له فرأيك في ذلك. فكتب إليّ (عليه السلام) : بع ما خلّف وابعث به إليّ، فبعت وبعثت به إليه. فكتب إليّ: قد وصل(1).

لا يدخلون في الوصيّة

عن الحسن بن راشد، قال: سألت العسكري (عليه السلام) عن رجل أوصى بثلثه بعد موته فقال بعد موتي بين موالي ومَولَيَاتي ولأبيه موال يدخلون موالي أبيه في وصيته بما يسمّون مواليه أم لا يدخلون؟ فكتب (عليه السلام) : لا يدخلون(2).

يجوز للوصي ذلك

كتب محمد بن يحيى: هل للوصيّ أن يشتري شيئاً من مال الميت إذا بيع فيمن زاد فيزيد ويأخذ لنفسه؟ فقال: يجوز إذا اشترى صحيحاً(3).

شهادة الوصي

كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) : هل تقبل شهادة الوصي للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع (عليه السلام) : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين.

وكتب إليه: أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميّت صغيراً أو كبيراً بحق له على الميت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم، وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته.

ص: 398


1- تهذيب الأحكام 9: 195، ح17.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 233، ح5555.
3- الكافي 7: 59، ح10.

وكتب إليه: أو تقبل شهادة الوصي على الميّت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام) : نعم من بعد يمين(1).

قضاء دين الميّت

كتب محمد بن الحسن إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيّته ويقضوا دينه لمن صح على الميّت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقّع (عليه السلام) : نعم على الأكابر من الولدان أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك(2).

الوصيّة إلى رجلين

كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقّع (عليه السلام) : لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء اللّه(3).

من أوصى لمواليه

كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي اللّه عنه) إلى محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : رجل أوصى بثلث ماله في مواليه ومَولَيَاتِهِ الذكر والأنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظّ الأنثيين من الوصية؟ فوقع (عليه السلام) : جائز للميّت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء اللّه تعالى(4).

ص: 399


1- من لا يحضره الفقيه 3: 73-74، ح3362.
2- الكافي 7: 46، ح2.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 203، ح5471.
4- من لا يحضره الفقيه 4: 209، ح5485.
ينفذون وصيّة أبيهم

كتب سهل بن زياد الآدمي إلى أبي محمد (عليه السلام) : رجل له ولد ذكور وإناث فأقر بضيعة أنها لولده ولم يذكر أنها بينهم على سهام اللّه وفرائضه الذكر والأنثى فيه سواء، فوقع (عليه السلام) : ينفذون وصية أبيهم على ما سمى فإن لم يكن سمى شيئاً ردوها على كتاب اللّه عزوجل إن شاء اللّه(1).

وصي الوصي

كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : رجل كان وصي رجل فمات وأوصى إلى رجل آخر هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيه؟ فكتب (عليه السلام) : يلزمه بحقه إن كان له قبله حق إن شاء اللّه(2).

من أحكام الإرث

عن عبد اللّه بن جعفر قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها أو جدّها وجدّتها كيف يقسم ميراثها؟ فوقع (عليه السلام) : للزوج النصف وما بقي فللأبوين(3).

الميراث للأقرب

كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي اللّه عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : رجل مات وترك ابنة ابنته وأخاه لأبيه وأمه لمن يكون

ص: 400


1- من لا يحضره الفقيه 4: 208-209، ح5484.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 226-227، ح5535.
3- الكافي 7: 114، ح10.

الميراث؟ فوقع (عليه السلام) : في ذلك الميراث للأقرب إن شاء اللّه(1).

ما بال المرأة تأخذ سهما؟

عن أبي هاشم قال: سُئل أبو محمد (عليه السلام) ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال (عليه السلام) : إن المرأة ليست عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة إنما ذلك على الرجل، فقلت في نفسي: قد كان قيل لي: إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب، فأقبل أبو محمد (عليه السلام) علي فقال: نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً جرى لآخرنا ما جرى لأولنا وأولنا وآخرنا في العلم سواء ولرسول اللّه عليه وآله السلام ولأمير المؤمنين فضلهما(2).

من موارد التقية

عن محمد بن عبد العزيز البلخي قال: أصبحت يوماً فجلست في شارع الغنم، فإذا بأبي محمد (عليه السلام) قد أقبل من منزله يريد دار العامة، فقلت في نفسي: ترى ان صحت أيها الناس هذا حجة اللّه عليكم فاعرفوه، يقتلوني، فلما دنى مني أومأ بإصبعه السبابة عليَّ فيه أن أسكت، ورأيته تلك الليلة يقول: إنما هو الكتمان أو القتل فاتق اللّه على نفسك(3).

الختان

كتب عبد اللّه بن جعفر الحميري إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) : أنه

ص: 401


1- من لا يحضره الفقيه 4: 269، ح5619.
2- كشف الغمة 2: 420.
3- كشف الغمة 2: 422-423.

روى عن الصالحين (عليهم السلام) أن اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، فإن الأرض تضج إلى اللّه عزوجل من بول الأغلف، وليس جعلني اللّه فداك لحجامي بلدنا حذق بذلك ولا يختنونه يوم السابع وعندنا حجام من اليهود فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا؟ فوقّع (عليه السلام) : يوم السابع فلا تخالفوا السنن إن شاء اللّه(1).

متفرّقات

لا تناقض في القرآن

إنّ إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه وأخذ في تأليف (ما زعمه من) تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله، وإنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، فقال له أبو محمد (عليه السلام) : أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟ فقال له أبو محمد (عليه السلام) : أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك. قال: نعم. قال: فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها؟ فإنّه سيقول لك إنّه من الجائز لأنّه رجل يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه؟

ص: 402


1- من لا يحضره الفقيه 3: 488، ح4725.

فصار الرجل إلى الكندي وتلطّف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له: أعد عليّ فأعاد عليه، فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر، فقال: أقسمت عليك إلا أخبرتني من أين لك؟ فقال: إنّه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلا ما مثلك من اهتدى إلى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرّفني من أين لك هذا؟ فقال أمرني به أبو محمد (عليه السلام) . فقال: الآن جئت به وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت، ثم إنّه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه(1).

لا للفلسفة والتصوّف

قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لأبي هاشم الجعفري: سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمة متكدّرة، السنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنّة، المؤمن بينهم محقّر والفاسق بينهم موقّر، أمراؤهم جاهلون جائرون وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير، وكل محيل عندهم فقير، لا يتميّزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق اللّه على وجه الأرض، لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف، وأيم اللّه إنّهم من أهل العدول والتَحرّف، يبالغون في حبّ مخالفينا ويضلّون شيعتنا وموالينا، فإن نالوا منصباً لم يشبعوا من الرشاء، وإن خذلوا عبدوا اللّه على الرياء، ألا أنّهم قطّاع طريق المؤمنين، والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه،

ص: 403


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 424.

ثم قال: يا أبا هاشم هذا ما حدّثني به أبي عن آبائه عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) وهو من أسرارنا فاكتمه إلاّ عن أهله(1).

الدنيا والمؤمن

قال (عليه السلام) : لو جعلت الدنيا كلّها لقمة واحدة ولقمتها من يعبد اللّه خالصاً لرأيت أنّي مقصّر في حقّه، ولو منعت الكافر منها حتى يموت جوعاً وعطشاً ثم أذقته شربة من الماء لرأيت إنّي قد أسرفت(2).

فليتقّوا اللّه وليراقبوا

كتب الإمام (عليه السلام) إلى عبد اللّه بن حمدوية البيهقي: وبعد فقد نصبت لكم إبراهيم بن عبده ليدفع النواحي وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه، وجعلته ثقتي وأميني عند موالي هناك، فليتّقوا اللّه وليراقبوا، وليؤدّوا الحقوق فليس لهم عذر في ترك ذلك، ولا تأخيره، ولا أشقاهم اللّه بعصيان أوليائه، ورحمهم اللّه وإيّاك معهم برحمتي لهم، إنّ اللّه واسع كريم(3).

إنّ شأن الملائكة لعظيم

قال يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيّار عن أبويهما أنّهما قالا: فقلنا للحسن أبي القائم (عليه السلام) : فإنّ قوماً عندنا يزعمون أنّ هاروت وماروت ملكان اختارهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم وأنزلهما اللّه مع ثالث لهما إلى الدنيا وإنّهما افتتنا بالزهرة، وأرادا الزنا بها، وشربا الخمر وقتلا

ص: 404


1- مستدرك الوسائل 11: 380، ح13308.
2- بحار الأنوار 67: 245، ح19.
3- رجال الكشي 2: 848.

النفس المحترمة، وإنّ اللّه تبارك وتعالى يعذبهما ببابل، وأنّ السحرة منهما يتعلّمون السحر، وإنّ اللّه مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة.

فقال الإمام (عليه السلام) : معاذ اللّه من ذلك، إنّ ملائكة اللّه معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف اللّه، قال اللّه عزّ وجل فيهم: {لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(1) وقال اللّه عزّ وجل: {وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ} يعني الملائكة {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (2) وقال عزّ وجل في الملائكة أيضاً: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِۦ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِۦ مُشْفِقُونَ}(3) ثم قال (عليه السلام) : لو كان كما يقولون كان اللّه قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء على الأرض وكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمّة فيكون من الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) قتل النفس والزنا. ثم قال (عليه السلام) : أو لست تعلم أنّ اللّه عزّ وجل لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر، أو ليس اللّه عزّ وجل يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} يعني إلى الخلق {إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰۗ}(4) فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمّة وحكاماً وإنّما أرسلوا إلى أنبياء اللّه. قالا: قلنا له: فعلى هذا لم يكن إبليس أيضاً ملكاً. فقال: لا بل كان من الجن أما تسمعان اللّه عزّ وجل يقول: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لِأدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا

ص: 405


1- سورة التحريم: 6.
2- سورة الأنبياء: 19-20.
3- سورة الأنبياء: 26-28.
4- سورة يوسف: 109.

إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ}(1) فأخبر عزّوجل أنّه كان من الجن وهو الذي قال اللّه عزّ وجل: {وَٱلْجَانَّ خَلَقْنَٰهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ}(2) قال الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) : حدّثني أبي عن جدّي عن الرضا عن آبائه عن علي (عليهم السلام) ، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّ اللّه عزّ وجل اختارنا معاشر آل محمد، واختار النبيين واختار الملائكة المقرّبين، وما اختارهم إلاّ على علمٍ منه بهم أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته وينقلعون به عن عصمته وينتمون به إلى المستحقّين لعذابه ونقمته.

قالا: فقلنا له: فقد روي لنا أنّ علياً (عليه السلام) لما نص عليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالإمامة عرض اللّه عزّ وجل ولايته في السماوات على فئام(3) من الناس وفئام من الملائكة، فأبوها فمسخهم اللّه ضفادع. فقال (عليه السلام) : معاذ اللّه هؤلاء المكذّبون لنا المفترون علينا، الملائكة هم رسل اللّه فهم كسائر أنبياء اللّه ورسله إلى الخلق فيكون منهم الكفر باللّه؟ قلنا: لا، قال: فكذلك الملائكة، إنّ شأن الملائكة لعظيم وإنّ خطبهم لجليل(4).

من آداب النوم

عن أحمد بن إسحاق، قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام) فسألته أن يكتب لأنظر إلى خطّه فأعرفه إذا ورد، فقال: نعم. ثم قال: يا أحمد إنّ الخطّ سيختلف عليك من بين القلم الغليظ إلى القلم الدقيق فلا تشكن، ثم دعا

ص: 406


1- سورة الكهف: 50.
2- سورة الحجر: 27.
3- الفئام ككتاب: الجماعة من الناس، لا واحد له من لفظه القاموس المحيط 4: 160، (فأم).
4- بحار الأنوار 56: 321.

بالدواة فكتب وجعل يستمد إلى مجرى الدواة، فقلت في نفسي وهو يكتب: استوهبه القلم الذي كتب به، فلما فرغ من الكتابة أقبل يحدّثني وهو يمسح القلم بمنديل الدواة ساعة، ثم قال: هاك يا أحمد فناولنيه، فقلت: جعلت فداك إنّي مغتم لشيء يصيبني في نفسي، وقد أردت أن أسأل أباك فلم يقض لي ذلك، فقال: وما هو يا أحمد؟ فقلت: يا سيّدي روي لنا عن آبائك أنّ نوم الأنبياء على أقفيتهم ونوم المؤمنين على أيمانهم ونوم المنافقين على شمائلهم ونوم الشياطين على وجوههم، فقال (عليه السلام) : كذلك هو فقلت: يا سيّدي فإنّي اجهد أن أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها، فسكت ساعة ثم قال: يا أحمد أدن منّي، فدنوت منه، فقال: أدخل يدك تحت ثيابك فأدخلتها فأخرج يده من تحت ثيابه وأدخلها تحت ثيابي فمسح بيده اليمنى على جانبي الأيسر وبيده اليسرى على جانبي الأيمن ثلاث مرّات، فقال أحمد: فما أقدر أن أنام على يساري منذ فعل ذلك بي (عليه السلام) وما يأخذني نوم عليها أصلاً(1).

الناس طبقات شتّى

عن القاسم الهروي، قال: خرج توقيع من أبي محمد (عليه السلام) إلى بعض بني أسباط، قال: كتبت إليه أخبره عن اختلاف الموالي وأسأله إظهار دليل، فكتب إليّ: وإنّما خاطب اللّه عزّوجل العاقل وليس أحد يأتي بآية ويظهر دليلاً أكثر ممّا جاء به خاتم النبيّين وسيّد المرسلين، فقالوا: ساحر وكاهن وكذّاب وهدى اللّه من اهتدى، وغير أنّ الأدلّة يسكن إليها كثير من الناس،

ص: 407


1- الكافي 1: 513-514، ح27.

وذلك أنّ اللّه عزّوجل يأذن لنا فنتكلّم ويمنع فنصمت، ولو أحب أن لا يظهر حقّاً ما بعث النبيّين مبشّرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوّة وينطقون في أوقات ليقضي اللّه أمره وينفذ حكمه، الناس في طبقات شتّى: المستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق متعلّق بفرع أصل غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه، وطبقة استحوذ عليهم الشيطان شأنهم الردّ على أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسداً من عند أنفسهم فدع من ذهب يذهب يميناً وشمالاً، فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي، وذكرت ما أختلف فيه موالي فإذا كانت الرفعة والكبر فلا ريب، ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت، وإيّاك والإذاعة وطلب الرياسة فإنّهما يدعوان إلى الهلكة، ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار اللّه لك وتدخل مصر إن شاء اللّه، آمناً واقرأ من تثق به موالي السلام ومُرهم بتقوى اللّه العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أنّ المذيع علينا حرب لنا.

قال: فلما قرأت: وتدخَلُ مصر إن شاء اللّه آمناً لم أعرف معنى ذلك، فقدمت بغداد وعزيمتي الخروج إلى فارس فلم يتهيّأ ذلك فخرجت إلى مصر(1).

من سأل آية أو دليلاً

وكتب (عليه السلام) إلى رجل سأله دليلاً: من سأل آية أو برهاناً فأُعطى ما سأل ثم رجع عمّن طلب منه الآية عذب ضعف العذاب ومن صبر أُعطى التأييد

ص: 408


1- كشف الغمة 2: 416-417.

من اللّه والناس مجبولون على حيلة إيثار الكتب المنشرة، نسأل اللّه السداد فإنّما هو التسليم أو العطب ولله عاقبة الأمور(1).

الموت

سئل الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) عن الموت ما هو؟ فقال: هو التصديق بما لا يكون...(2).

حتى يجيء جعفر

عن أم أبي محمد (عليه السلام) قالت: قال لي يوماً من الأيام: تصيبني في سنة ستين ومائتين خزازة أخاف أن انكب منها نكتة، قالت: فأظهرت الجزع وأخذني البكاء، فقال: لابدّ من وقوع أمر اللّه، لا تجزعي، فلما كان في صفر سنة ستين أخذها المقيم والمقعد وجعلت تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة وتحسّس الأخبار حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي جرين وحبس جعفراً أخاه معه، وكان المعتمد يسأل علياً عن أخباره في كل وقت فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل، فسأله يوماً من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك فقال له: امض الساعة إليه واقرأه مني السلام وقل له انصرف إلى منزلك مصاحباً علي جرين، فجئت إلى باب الحبس فوجدت حماراً مسرحاً فدخلت عليه فوجدته جالساً وقد لبس خفه وطيلسانه وشاشه فلما رآني نهض، فأديت إليه الرسالة، فركب فلما استوى على الحمار وقف فقلت له: ما وقوفك يا سيدي؟ فقال لي: حتى يجيء

ص: 409


1- تحف العقول: 486.
2- معاني الأخبار: 290، ح10.

جعفر، فقلت: إنما أمرني بإطلاقك دونه، فقال لي: ترجع إليه فتقول له خرجنا من دار واحده جميعاً فإذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به عليك، فمضى وعادا فقال: يقول لك قد أطلقت جعفراً لك لأني حبسته بجنايته على نفسه وعليك وما يتكلّم به وخلّى سبيله فصار معه إلى داره(1).

الدال على الخير كفاعله

عن أبي يعقوب وأبي الحسن أنّهما قالا: حضرنا عند الحسن بن علي أبي القائم (عليهم السلام) فقال له بعض أصحابه: جاءني رجل من إخواننا الشيعة، قد امتحن بجهّال العامّة يمتحنونه في الإمامة ويحلفونه، فكيف يصنع حتى يتخلّص منهم، فقلت له: كيف يقولون؟ قال: يقولون: أتقولون أنّ فلاناً هو الإمام بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فلابدّ لي أن أقول نعم، وإلاّ أثخنوني ضرباً، فإذا قلت: نعم، قالوا لي: قل واللّه، فقلت لهم: نعم، وأريد به نعماً من الأنعام الإبل والبقر والغنم. قلت: فإذا قالوا: واللّه، فقل: ولىّ، أي تريد عن أمر كذا، فإنّهم لا يميّزون وقد سلمت. فقال لي: فإن حقّقوا عليّ، فقالوا: قل واللّه، وبيّن الهاء. فقلت: قل واللّهُ برفع الهاء، فإنّه لا يكون يميناً إذا لم يخفض. فذهب ثم رجع إليّ، فقال: عرضوا علي وحلّفوني، فقلت كما لقنتني. فقال له الحسن (عليه السلام) : أنت كما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : الدال على الخير كفاعله، لقد كتب اللّه بتقيّته بعدد كل من استعمل التقيّة من شيعتنا وموالينا ومحبّينا حسنة، وبعدد من ترك التقيّة منهم حسنة، أدناها حسنة لو قوبل بها ذنوب

ص: 410


1- مهج الدعوات: 275.

مائة سنة لغفرت ولك بإرشادك إيّاه مثل ما له(1).

تفترق شيعتي

عن أبي غانم، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: في سنة مائتين وستين تفترق شيعتي، ففيها قبض أبو محمد (عليه السلام) وتفرقت شيعته وأنصاره(2).

صحّة وكالة إبراهيم بن عبده

كتب (عليه السلام) إلى شيعته ومواليه حول وكالة ابراهيم بن عبده: وكتابي الذي ورد على إبراهيم بن عبده بتوكيلي إيّاه لقبض حقوقي من موالينا هناك، نعم هو كتابي بخطّي إليه، أعلي إبراهيم بن عبده لهم ببلدهم حقّاً غير باطل، فليتق اللّه حق تقاته، وليخرّجوا من حقوقي، وليدفعوها إليه، فقد جوّزت له ما يعمل به فيها وفّقه اللّه، ومنّ عليه بالسلامة من التقصير برحمته(3).

العمري ثقتي

عن أبي علي أحمد بن إسحاق أنّه سأل أبا الحسن صاحب العسكري (عليه السلام) ، وقال: من أعامل وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك فعنّى يقول، فاسمع له وأطع، فإنّه الثقة المأمون(4).

ص: 411


1- الإحتجاج 2: 460.
2- كمال الدين 2: 408، ح6.
3- رجال الكشي 2: 848، ح1089.
4- الغيبة للطوسي: 243.
العمري وابنه

عن أبي علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له: العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان وما قالا فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك(1).

في مدح العمري

من كتابه إلى إسحاق بن إسماعيل: فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العمري (رضي اللّه عنه) برضائي عنه فتسلّم عليه وتعرفه ويعرفك فإنّه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا، فكل ما يحمل إلينا من شيء من النواحي، فإليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا والحمد لله كثيراً(2).

فإنّك الوكيل والثقة المأمون

عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد اللّه الحسينيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسرّ من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه، فقال: يا مولاي بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن، في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن (عليه السلام) لبدر: فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلاّ يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيدنا (عليه السلام) : امض يا عثمان فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال اللّه واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال، ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا واللّه إنّ عثمان

ص: 412


1- الغيبة للطوسي: 243.
2- بحار الأنوار 50: 323، ح16.

لمن خيار شيعتك ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنّه وكيلك وثقتك على مال اللّه، قال: نعم واشهدوا على أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم(1).

اقرأ كتابنا

جاء في توقيع من الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) إلى إسحاق بن إسماعيل: ويا إسحاق اقرأ كتابنا على البلالي (رضي اللّه عنه) فإنّه الثقة المأمون، العارف بما يجب عليه، واقرأه على المحمودي عافاه اللّه فما أحمدنا له لطاعته، فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا والذي يقبض من موالينا...(2).

أغبط أهل خراسان

قال أبو داود: دخل فضل بن شاذان النيسابوري على أبي محمد العسكري (عليه السلام) فلمّا أراد أن يخرج سقط عنه كتاب من تصنيفه، فتناوله أبو محمد (عليه السلام) ونظر فيه وترحّم عليه وذكر أنّه قال: اغبط أهل خراسان لمكان الفضل وكونه بين أظهرهم، وكفاه بذلك فخراً(3).

أعطاه اللّه بكل حرف نورا

عن أبي هاشم الجعفري، قال: عرضت على أبي محمد العسكري (عليه السلام) كتاب يوم وليلة ليونس، فقال لي: تصنيف من هذا؟ قلت: تصنيف يونس

ص: 413


1- الغيبة للطوسي: 355.
2- رجال الكشي 2: 847.
3- رجال ابن داوود: 272-273.

مولى آل يقطين فقال: أعطاه اللّه بكلّ حرف نوراً يوم القيامة(1).

اعملوا به

عرض أحمد بن عبد اللّه بن خانبه كتابه على مولانا أبي محمد الحسن بن علي بن محمد صاحب العسكر (عليه السلام) ، فقرأه وقال: صحيح فاعملوا به(2).

كتابه إلى علي بن بلال

كتب (عليه السلام) إلى علي بن بلال في سنة إثنتين وثلاثين ومأتين: بسم اللّه الرحمن الرحيم، أحمد اللّه إليك وأشكر طوله وعوده وأصلّي على محمد وآله صلوات اللّه ورحمته عليهم، ثم إنّي أقمت أبا علي مقام الحسين بن عبد ربّه، وائتمنه على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يقدمه أحد وقد أعلم أنّك شيخ ناحيتك فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك، فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحق قبلك وأن تخص موالي على ذلك وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا ولك به جزاء من اللّه وأجر فإنّ اللّه يعطي من يشاء ذو الإعطاء والجزاء برحمته وأنت في وديعة اللّه وكتبت بخطّي وأحمد اللّه كثيراً(3).

لا يسلمنّ عليّ أحد

عن الحلبي، قال: اجتمعنا بالعسكر وترصّدنا لأبي محمد (عليه السلام) يوم ركوبه فخرج توقيعه: ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ولا يشير بيده ولا يوميء أحدكم

ص: 414


1- وسائل الشيعة 27: 102، ح33325.
2- مستدرك الوسائل 17: 294، ح21387.
3- رجال الكشي 2: 799، ح991.

فإنّكم لا تَأمنون على أنفسكم...(1).

إننا ببلد سوء

عن داود بن الأسود - وقّاد حمام أبي محمد (عليه السلام) - قال: دعاني سيّدي أبو محمد (عليه السلام) فدفع إليّ خشبة كأنّها رجل باب مدوّرة طويلة ملء الكف، فقال: صر بهذه الخشبة إلى العمري. فمضيت فلما صرت إلى بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل، فزاحمني البغل على الطريق فناداني السقّاء: صح على البغل، فرفعت الخشبة التي كانت معي فضربت البغل فانشقت، فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كمّي، فجعل السقّاء يناديني ويشتمني ويشتم صاحبي، فلما دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب، فقال: يقول لك مولاي أعزّه اللّه: لم ضربت البغل وكسرت رجل الباب؟ فقلت له: يا سيدي، لم أعلم ما في رجل الباب. فقال: ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه، إيّاك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شاتماً فامض لسبيلك التي أمرت بها، وإيّاك أن تجاوب من يشتمنا، أو تعرّفه من أنت، فإنّنا ببلد سوء ومصر سوء، وامض في طريقك فإنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك(2).

خذوا بما رووا وذروا ما رأوا

سئل الشيخ يعني أبا القاسم (رضي اللّه عنه) عن كتب ابن أبي العزاقز بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: فكيف نعمل بكتبه منها ملاءٌ؟ فقال:

ص: 415


1- الخرائج والجرائح 1: 439، ح20.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) ح4: 428.

أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي (صلوات اللّه عليهما) وقد سئل عن كتب بني فضّال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاءٌ؟ فقال صلوات اللّه عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا(1).

أبرء إلى اللّه من فلان وفلان

قال سعد: حدثني العبيدي قال: كتب إلى العسكري (عليه السلام) ابتداء منه: أبرأ إلى اللّه من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمّي فأبرأ منهما، فإنّي محذّرك وجميع موالي، وإنّي ألعنهما، عليهما لعنة اللّه مستأكلين يأكلان بنا الناس فتّانين مؤذيين آذاهما اللّه، وأركسهما في الفتنة ركساً، يزعم ابن بابا إنّي بعثته نبيّاً وأنّه باب، ويله لعنه اللّه، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن اللّه من قبل منه ذلك، يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بحجر فأفعل فإنّه قد آذاني، آذاه اللّه في الدنيا والآخرة(2).

لا رحمه اللّه

خرج التوقيع من الإمام (عليه السلام) إلى القاسم بن العلاء: قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنّع ابن هلال لا رحمه اللّه بما قد علمت لم يزل لا غفر اللّه له ذنبه ولا أقاله عثرته دخل في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضى يستبد برأيه، فيتحامى من ديوننا، لا يمضي من أمرنا أياه إلاّ بما يهواه ويريد إرادة اللّه في نار جهنم، فصبرنا عليه حتى بتر اللّه عمره بدعوتنا، وكنّا قد عرفنا خبره قوماً من موالينا في أيامه، لا رحمه اللّه وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاص من موالينا

ص: 416


1- الغيبة للطوسي: 390.
2- بحار الأنوار 25: 318، ح84.

ونحن نبرأ إلى اللّه من ابن هلال لا رحمه اللّه وممّن لا يبرأ منه، وأعلم الإسحاقي سلّمه اللّه وأهل بيته ممّا أعلمناك من حال هذا الفاجر وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك، فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤدّيه عنّا ثقاتنا قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم سرّنا ونحمله إيّاه إليهم وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء اللّه.

وقال أبو حامد فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه فعاودوه فيه فخرج: لا شكر اللّه قدره لم يدع المرزئة بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه وأن يجعل ما من به عليه مستقراً ولا يجعله مستودعاً، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة اللّه وخدمته وطول صحبته فأبدله اللّه بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل فعاجله اللّه بالنقمة ويمهله(1).

يرحمك اللّه

خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد (عليه السلام) توقيع: ... فما أغر الإنسان بربّه الكريم، واستجاب اللّه دعائي فيكم، وأصلح أموركم على يدي، فقد قال اللّه جلّ جلاله: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِمْ}(2)، وقال اللّه جلّ جلاله: {جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًاۗ}(3) وقال اللّه جل جلاله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

ص: 417


1- بحار الأنوار 50: 318، ح15.
2- سورة الإسراء: 71.
3- سورة البقرة: 143.

تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ}(1) فما أحب أن يدعو اللّه جلّ جلاله بي ولا بمن هو في أيامي إلاّ حسب رقّتي عليكم، وما انطوى لكم عليه من حب بلوغ الأمل في الدارين جميعاً والكينونة معنا في الدنيا والآخرة. فقد يا إسحاق يرحمك اللّه ويرحم من هو وراءك بيّنت لكم بياناً، وفسّرت لكم تفسيراً، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قط ولم يدخل فيه طرفة عين، ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما في هذا الكتاب لتصدّعت قلقاً وخوفاً من خشية اللّه ورجوعاً إلى طاعة اللّه عزّ وجل، فاعملوا من بعد ما شئتم {فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ} ثم تردون {إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(2) والعاقبة للمتقين والحمد لله كثيراً رب العالمين، وأنت رسولي يا إسحاق إلى إبراهيم بن عبده وفّقه اللّه، أن يعمل بما ورد عليه في كتابي مع محمد بن موسى النيسابوري إن شاء اللّه ويقرأ إبراهيم بن عبده كتابي هذا ومن خلفه ببلده، حتى لا يتساءلون وبطاعة اللّه يعتصمون والشيطان باللّه عن أنفسهم يجتنبون ولا يطيعون، وعلى ابراهيم بن عبده سلام اللّه ورحمته وعليك يا إسحاق وعلى جميع موالي السلام كثيراً، سددكم اللّه جميعاً بتوفيقه، وكل من قرأ كتابنا هذا من موالي من أهل بلدك ومن هو بناحيتكم ونزع عمّا هو عليه من الانحراف عن الحق فليؤدّ حقّنا إلى إبراهيم ليحمل ذلك إبراهيم بن عبده الرازي (رضي اللّه عنه) أو إلى من يسمّى له الرازي فإنّ ذلك عن أمري ورأيي إن شاء اللّه، ويا

ص: 418


1- سورة آل عمران: 110.
2- سورة التوبة: 105.

إسحاق أقرأ كتابي على البلالي رضي اللّه عنه فإنّه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه وأقرأه على المحمودي عافاه اللّه فما أحمدنا له لطاعة، فإذا وردت بغداد فأقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا والذي يقبض من موالينا وكل من أمكنك من موالينا، فأقرأهم هذا الكتاب وينسخه من أراد منهم نسخة إن شاء اللّه ولا يكتم أمر هذا عمّن يشاهده من موالينا إلاّ من شيطان مخالف لكم، فلا تنثرن الدرّ بين أظلاف الخنازير ولا كرامة لهم وقد وقعنا في كتابك بالوصول والدعاء لك ولمن شئت، وقد أجبنا شيعتنا عن مسالته والحمد لله فما بعد الحق إلاّ الضلال فلا تخرجن من البلدة حتى تلقى العمري رضي اللّه عنه برضاي عنه وتسلّم عليه وتعرفه ويعرفك فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا فكل ما يحمل إلينا من شيء من النواحي فإليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا والحمد لله كثيراً، سترنا اللّه وإيّاكم يا إسحاق بستره وتولاك في جميع أمورك بصفة والسلام عليك وعلى جميع موالي ورحمة اللّه وبركاته وصلى اللّه على سيدنا محمد النبي وآله وسلم كثيراً(1).

قتله اللّه

عن علي بن سلمان، قال: كان عروة بن يحيى يلعنه أبو محمد (عليه السلام) وذلك أنّه كان لأبي محمد (عليه السلام) خزانة وكان يليها أبو علي بن راشد (رضي اللّه عنه) فسلّمت إلى عروة فأخذها لنفسه ثم أحرق باقي ما فيها يغايظ بذلك أبا محمد (عليه السلام) فلعنه وبرئ منه ودعا عليه فما أمهل يومه ذلك وليلته حتى قبضه

ص: 419


1- بحار الأنوار 50: 321، ح16.

اللّه إلى النار، فقال (عليه السلام) : جلست لربي في ليلتي هذه كذا وكذا جلسة فما انفجر عود الصبح ولا انطفأ ذلك النار حتى قتل اللّه عروة لعنه اللّه(1).

من إرشاداته الطبيّة

قال محمد بن الحسن لقيت من علّة عيني شدّة فكتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله أن يدعو لي، فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: ليتني كتبت إليه أن يصف لي كحلاً أكحلها، فوقّع بخطّه يدعو لي بسلامتها إذ كانت إحداهما ذاهبة، وكتب بعده أردت أن أصف لك كحلاً عليك أن تُصيِّر مع الإثمد كافوراً وتوتيا فإنّه يحلو ما فيها من الغشاء وييبس من الرطوبة، قال: فاستعملت ما أمرني به (عليه السلام) فصحت(2).

من فوائد الحجامة

عن محمد بن يحيى، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمد (عليه السلام) يشكو إليه دماً وصفراء، فقال: إذا احتجمت هاجت الصفراء وإذا أخرت الحجامة أضرّني الدم، فما ترى في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) : إحتجم وكل على أثر الحجامة سمكاً طريّاً كباباً، قال: فأعدت عليه المسألة بعينها فكتب (عليه السلام) : احتجم وكل أثر الحجامة سمكاً طرياً كباباً بماء وملح، قال: فاستعملت ذلك فكنت في عافية وصار غِذَايَ(3).

ص: 420


1- بحار الأنوار 50: 301، ح76.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 435.
3- الكافي 6: 324، ح10.

خاتمة: في زياراته (عليه السلام)

اشارة

ص: 421

ص: 422

الزيارة الأولى للإمام العسكري (عليه السلام)

روي عن بعضهم (صلوات اللّه عليهم) أنه قال: إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي (عليهم السلام) : تقول بعد الغسل ان وصلت الى قبريهما وإلا أومأت بالسلام من عند الباب الذي على الشارع الشباك، تقول:

السلام عليكما يا وليي اللّه، السلام عليكما يا حجتي اللّه، السلام عليكما يا نوري اللّه في ظلمات الأرض، السلام عليكما يا من بدا لله في شأنكما، أتيتكما زائراً عارفاً بحقكما معادياً لأعدائكما موالياً لأوليائكما مؤمنا بما آمنتما به كافراً بما كفرتما به محققاً لما حققتما مبطلاً لما أبطلتما، أسأل اللّه ربي وربكما أن يجعل حظي من زيارتكما الصلاة على محمد وآله وان يرزقني مرافقتكما في الجنان مع آبائكما الصالحين، وأسأله أن يعتق رقبتي من النار ويرزقني شفاعتكما ومصاحبتكما ويعرف بيني وبينكما ولا يسلبني حبكما وحب آبائكما الصالحين وان لا يجعله آخر العهد من زيارتكما ويحشرني معكما في الجنة برحمته، اللّهم ارزقني حبهما وتوفني على ملتهما، اللّهم العن ظالمي آل محمد حقهم وانتقم منهم، اللّهم العن الأولين منهم والآخرين وضاعف عليهم العذاب وأبلغ بهم وبأشياعهم

ص: 423

ومحبيهم ومتبعيهم أسفل درك من الجحيم إنك على كل شيء قدير. اللّهم عجل فرج وليك وابن وليك واجعل فرجنا مع فرجهم يا أرحم الراحمين.

وتجتهد في الدعاء لنفسك ولوالديك وتخير من الدعاء فان وصلت اليهما (صلوات اللّه عليهما) فصل عند قبريهما ركعتين واذا دخلت المسجد وصليت دعوت اللّه بما أحببت انه قريب مجيب، وهذا المسجد الى جانب الدار وفيه كانا يصليان (عليهما السلام) (1).

الزيارة الثانية للإمام العسكري (عليه السلام)

إذا وصلت إلى محله الشريف بسر من رأى فاغتسل عند وصولك غسل الزيارة والبس أطهر ثيابك وامش على سكينة ووقار إلى أن تصل إلى الباب الشريف فإذا بلغته فاستأذن وقل:

أأدخل يا نبي اللّه، أأدخل يا أمير المؤمنين، أأدخل يا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، أأدخل يا مولاي الحسن بن علي، أأدخل يا مولاي الحسين بن علي، أأدخل يا مولاي علي بن الحسين، أأدخل يا مولاي محمد بن علي، أأدخل يا مولاي جعفر بن محمد، أأدخل يا مولاي موسى بن جعفر، أأدخل يا مولاي علي بن موسى، أأدخل يا مولاي محمد بن علي، أأدخل يا مولاي يا أبا الحسن علي بن محمد، أأدخل يا مولاي يا أبا محمد الحسن بن علي أأدخل يا

ص: 424


1- الدعاء والزيارة: 827.

ملائكة اللّه الموكلين بهذا الحرم الشريف.

ثم تدخل مقدماً رجلك اليمنى وتقف على ضريح الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) مستقبلاً القبر ومستدبراً القبلة وتكبر اللّه مائة مرة وتقول:

السلام عليك يا مولاي يا أبا محمد الحسن العسكري بن علي الهادي المهتدي ورحمة اللّه وبركاته، السلام عليك يا ولي اللّه وابن أوليائه السلام عليك يا حجة اللّه وابن حججه، السلام عليك يا صفي اللّه وابن أصفيائه، السلام عليك يا خليفة اللّه وابن خلفائه وأبا خليفته، السلام عليك يا بن خاتم النبيين، السلام عليك يا بن خاتم الوصيين، السلام عليك يا بن سيد المرسلين، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين، السلام عليك يا بن سيد الوصيين، السلام عليك يا بن سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا بن الأئمة الهادين، السلام عليك يا بن الأوصياء الراشدين، السلام عليك يا عصمة المتقين، السلام عليك يا إمام الفائزين، السلام عليك يا ركن المؤمنين، السلام عليك يا فرج الملهوفين، السلام عليك يا وارث الأنبياء المنتجبين، السلام عليك يا خازن علم وصي رسول اللّه، السلام عليك أيها الداعي بحكم اللّه، السلام عليك أيها الناطق بكتاب اللّه، السلام عليك يا حجة الحجج، السلام عليك يا هادي الأمم، السلام عليك يا ولي النعم، السلام عليك يا عيبة العلم، السلام عليك يا سفينة الحلم، السلام عليك يا أبا الإمام المنتظر الظاهرة للعاقل حجته والثابتة في اليقين معرفته المحتجب عن أعين الظالمين والمغيب عن دولة الفاسقين والمعيد

ص: 425

ربنا به الإسلام جديداً بعد الإنطماس والقرآن غضاً بعد الإندراس أشهد يا مولاي أنك أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وعبدت اللّه مخلصاً حتى أتاك اليقين، أسأل اللّه بالشأن الذي لكم عنده أن يتقبل زيارتي لكم ويشكر سعيي إليكم ويستجيب دعائي بكم ويجعلني من أنصار الحق وأتباعه وأشياعه ومواليه ومحبيه والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.

ثم قبل ضريحه وضع خدك الأيمن عليه ثم الأيسر وقل:

اللّهم صل على سيدنا محمد وأهل بيته وصل على الحسن بن علي الهادي إلى دينك والداعي إلى سبيلك، علم الهدى ومنار التقى ومعدن الحجى ومأوى النهى وغيث الورى وسحاب الحكمة وبحر الموعظة ووارث الأئمة والشهيد على الأمة المعصوم المهذب والفاضل المقرب والمطهر من الرجس، الذي ورثته علم الكتاب وألهمته فصل الخطاب ونصبته علماً لأهل قبلتك وقرنت طاعته بطاعتك وفرضت مودته على جميع خليقتك، اللّهم فكما أناب بحسن الإخلاص في توحيدك وأردى من خاض في تشبيهك وحامى عن أهل الإيمان بك فصل يارب عليه صلاة يلحق بها محل الخاشعين ويعلو في الجنة بدرجة جده خاتم النبيين وبلغه منا تحية وسلاماً وآتنا من لدنك في موالاته فضلاً وإحساناً ومغفرة ورضواناً إنك ذو فضل عظيم ومنٍّ جسيم.

ص: 426

ثم تصلي صلاة الزيارة فاذا فرغت فقل:

يا دائم يا ديموم يا حي يا قيوم يا كاشف الكرب والهم ويا فارج الغم ويا باعث الرسل ويا صادق الوعد ويا حي لا إله إلا أنت أتوسل إليك بحبيبك محمد ووصيه علي ابن عمه وصهره على ابنته الذي ختمت بهما الشرائع وفتحت التأويل والطلائع فصل عليهما صلاة يشهد بها الأولون والآخرون وينجو بها الأولياء والصالحون، وأتوسل إليك بفاطمة الزهراء والدة الأئمة المهديين وسيدة نساء العالمين المشفعة في شيعة أولادها الطيبين، فصل عليها صلاة دائمة أبد الآبدين ودهر الداهرين، وأتوسل إليك بالحسن الرضي الطاهر الزكي والحسين المظلوم المرضي البر التقي سيّدي شباب أهل الجنة الإمامين الخيرين الطيبين التقيين النقيين الطاهرين الشهيدين المظلومين المقتولين فصل عليهما ما طلعت شمس وما غربت صلاة متوالية متتالية، وأتوسل إليك بعلي بن الحسين سيد العابدين المحجوب من خوف الظالمين وبمحمد بن علي الباقر الطاهر النور الزاهر الإمامين السيدين مفتاحي البركات ومصباحي الظلمات فصل عليهما ما سرى ليل وما أضاء نهار صلاة تغدو وتروح، وأتوسل اليك بجعفر بن محمد الصادق عن اللّه والناطق في علم اللّه وبموسى بن جعفر العبد الصالح في نفسه والوصي الناصح الإمامين الهاديين المهديين الوافيين الكافيين فصل عليهما ما سبح لك ملك وتحرك لك فلك صلاة تنمى وتزيد ولا تفنى ولا تبيد، وأتوسل إليك بعلي

ص: 427

بن موسى الرضا وبمحمد بن علي المرتضى الإمامين المطهرين المنتجبين فصل عليهما ما أضاء صبح ودام صلاة ترقيهما إلى رضوانك في العلّيين من جنانك، وأتوسل إليك بعلي بن محمد الراشد والحسن بن علي الهادي القائمين بأمر عبادك المختبرين بالمحن الهائلة والصابرين في الأحن المائلة فصل عليهما كفاء أجر الصابرين وإزاء ثواب الفائزين صلاة تمهد لهما الرفعة، وأتوسل إليك يارب بإمامنا ومحقق زماننا اليوم الموعود والشاهد المشهود والنور الأزهر والضياء الأنور والمنصور بالرعب والمظفر بالسعادة فصل عليه عدد الثمر وأوراق الشجر وأجزاء المدر وعدد الشعر والوبر وعدد ما أحاط به علمك وأحصاه كتابك صلاة يغبطه بها الاوّلون والآخرون، اللّهم واحشرنا في زمرته واحفظنا على طاعته واحرسنا بدولته واتحفنا بولايته وانصرنا على أعدائنا بعزته واجعلنا يا رب من التوابين يا أرحم الراحمين. اللّهم وإن إبليس المتمرد اللعين قد استنظرك لإغواء خلقك فأنظرته واستمهلك لإضلال عبيدك فأمهلته بسابق علمك فيه وقد عشش وكثرت جنوده وازدحمت جيوشه وانتشرت دعاته في أقطار الأرض فأضلوا عبادك وأفسدوا دينك وحرفوا الكلم عن مواضعه وجعلوا عبادك شيعاً متفرقين وأحزاباً متمردين وقد وعدت نقوض بنيانه وتمزيق شأنه فأهلك أولاده وجيوشه وطهر بلادك من اختراعاته واختلافاته وأرح عبادك من مذاهبه وقياساته واجعل دائرة السوء عليهم وابسط عدلك وأظهر

ص: 428

دينك وقوّ أولياءك وأوهن أعداءك وأورث ديار إبليس وديار أوليائه أوليائك وخلدهم في الجحيم وأذقهم من العذاب الأليم واجعل لعائنك المستودعة في مناحس الخلقة ومشاويه الفطرة دائرة عليهم وموكلة بهم وجارية فيهم كل مساء وصباح وغدو ورواح، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار يا أرحم الراحمين.

ثم ادع بما تحب لنفسك ولإخوانك(1).

الزيارة الثالثة للإمامين العسكريين (عليهما السلام)

تدخل مقدما رجلك اليمنى فاذا وقفت على قبريهما (صلوات اللّه عليهما) فقف عندهما واجعل القبلة بين كتفيك وكبر اللّه مائة تكبيرة وقل:

السلام عليكما يا وليي اللّه، السلام عليكما يا حبيبي اللّه السلام عليكما يا حجتي اللّه، السلام عليكما يا نوري اللّه في ظلمات الأرض، السلام عليكما يا أميني اللّه، السلام عليكما يا سيّدي الأمة، السلام عليكما يا حافظي الشريعة، السلام عليكما يا تاليي كتاب اللّه، السلام عليكما يا وارثي الأنبياء، السلام عليكما يا خازني علم الأوصياء، السلام عليكما يا علمي الهدى، السلام عليكما يا مناري التقي، السلام عليكما يا عروتي اللّه الوثقى، السلام عليكما يا محلي معرفة اللّه، السلام عليكما يا مسكني ذكر اللّه، السلام عليكما يا حاملي سر اللّه،

ص: 429


1- الدعاء والزيارة: 828-833.

السلام عليكما يا معدني كلمة اللّه، السلام عليكما يا بني رسول اللّه، السلام عليكما يا بني وصي رسول اللّه، السلام عليكما يا قرتي عين فاطمة سيدة النساء، السلام عليكما يا بني الأئمة المعصومين، السلام عليكما وعلى آبائكما الطاهرين، السلام عليكما وعلى ولدكما الحجة على الخلق أجمعين، السلام عليكما وعلى أرواحكما وأجسادكما وابدانكما ورحمة اللّه وبركاته، بأبي أنتما وأمي وأهلي ومالي وولدي يا بني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اتيتكما زائراً لكما عارفاً بحقكما مؤمناً بما آمنتما به كافراً بما كفرتما به محققا لما حققتما مبطلاً لما أبطلتما موالياً لكما معادياً لأعدائكما ومبغضاً لهم سلماً لمن سالمتما محارباً لمن حاربتما عارفاً بفضلكما محتملاً لعلمكما محتجباً بذمتكما مؤمناً بآبائكما مصدقاً بدولتكما مرتقباً لأمركما معترفاً بشأنكما وبالهدى الذي أنتما عليه مستبصراً بضلالة من خالفكما وبالعمى الذي هم عليه، اسأل اللّه ربي وربكما أن يجعل حظي من زيارتي إياكما الصلاة على محمد وآله وأن يرزقني شفاعتكما ولا يفرق بيني وبينكما ولا يسلبني حبكما وحب آبائكما الصالحين وان يحشرني معكما ويجمع بيني وبينكما في جنته برحمته وفضله.

ثم تنكب على قبر كل واحد منهما فتقبله وتضع خدك الأيمن عليه والأيسر ثم ترفع رأسك وتقول:

اللّهم ارزقني حبهم وتوفني على ولايتهم، اللّهم العن ظالمي آل

ص: 430

محمد حقهم وانتقم منهم، اللّهم العن الأولين والآخرين منهم وضاعف عليهم العذاب الأليم إنك على كل شيء قدير، اللّهم عجل فرج وليك وابن نبيك واجعل فرجنا مقروناً بفرجهم يا أرحم الراحمين، اللّهم إني قد أتيت لزيارة هؤلاء الأئمة المعصومين رجاءً لجزيل الثواب وفراراً من سوء الحساب، اللّهم إني أتوجه إليك بأوليائك الدالين عليك في غفران ذنوبي وحط سيئاتي وأتوسل إليك في هذه الساعة عند أهل بيت نبيك في هذه البقعة المباركة الشريفة، اللّهم فتقبل مني وجازني على حسن نيتي وصالح عقيدتي وصحة موالاتي أفضل ما جازيت أحداً من عبيدك المؤمنين وأدم لي ما خولتني واستعملني صالحاً فيما آتيتني ولا تجعلني أخسر وارد إليهم وأعتق رقبتي من النار وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب واجعلني من رفقاء محمد وآل محمد وحل بيني وبين معاصيك حتى لا أعصيك وأعني على طاعتك وطاعة أوليائك حتى لا تفقدني حيث أمرتني ولا تراني حيث نهيتني، اللّهم صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني واعف عني وعن جميع المؤمنين والمؤمنات، اللّهم صل على محمد وآل محمد وأعذني من هول المطلع ومن فزع يوم القيامة ومن شر المنقلب ومن ظلمة القبر ووحشته ومن مواقف الخزي في الدنيا والآخرة، اللّهم صل على محمد وآل محمد واجعل جائزتي في موقفي هذا غفرانك وتحفتك في مقامي هذا عند أئمتي وموالي صلوات اللّه عليهم أن تقيل عثرتي وتقبل معذرتي وتتجاوز

ص: 431

عن خطيئتي وتجعل التقوى زادي وما عندك خيراً لي في معادي وتحشرني في زمرة محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وتغفر لي ولوالديّ فإنك خير مرغوب إليه وأكرم مسؤول اعتمد عليه ولكل وافد كرامة ولكل زائر جائزة فاجعل جائزتي في موقفي هذا غفرانك والجنة لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات، اللّهم وأنا عبدك الخاطئ المذنب المقر بذنبه فأسألك يا اللّه يا كريم بحق محمد وآل محمد ولا تحرمني الأجر والثواب من فضل عطائك وكريم تفضلك يا مولاي يا أبا الحسن علي بن محمد ويا مولاي يا أبا محمد الحسن بن علي أتيتكما زائراً لكما أتقرب إلى اللّه عزوجل والى رسوله وإليكما والى أبيكما والى أمكما بذلك، أرجو بزيارتكما فكاك رقبتي من النار فاشفعا لي عند ربكما في إجابة دعائي وغفران ذنوبي وذنوب والدي وإخواني المؤمنين وأخوتي المؤمنات يا اللّه يا اللّه يا اللّه يا اللّه يا رحمان يا رحمان يا رحمان يا رحمان لا إله إلا أنت الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلي العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع ورب الارضيين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد النبي واله الطاهرين وسلم تسليما كثيراً.

فإذا فرغت رفعت يديك إلى السماء وقلت:

اللّهم أنت الرب وأنا المربوب وأنت الخالق وأنا المخلوق وأنت المالك وأنا المملوك وأنت المعطي وأنا السائل وأنت الرازق وأنا

ص: 432

المرزوق وأنت القادر وأنا العاجز وأنت القوي وأنا الضعيف وأنت المغيث وأنا المستغيث وأنت الدائم وأنا الزائل وأنت الكبير وأنا الحقير وأنت العظيم وأنا الصغير وأنت العزيز وأنا الذليل وأنت الرفيع وأنا الوضيع وأنت المدبِّر وأنا المدبَّر وانت الباقي وأنا الفاني وأنت الديان وأنا المدان وأنت الباعث وأنا المبعوث وأنت الغني وأنا الفقير وأنت الحي وأنا الميت، تجد من تعذب يارب غيري ولا أجد من يرحمني غيرك، اللّهم إني اسألك بحرمة من عاذ بذمتك ولجأ إلى عزك واستظل بفيئك واعتصم بحبلك ولم يثق إلا بك، يا جزيل العطايا يا فكّاك الأُسارى يا من سمى نفسه من جوده الوهاب أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ولا تردني من هذا المقام خائباً فإن هذا مقام تغفر فيه الذنوب العظام وترجى فيه الرحمة من الكريم العلام مقام لا يخيب فيه السائلون ولا يرد فيه الراغبون مقام من لاذ بمولاه رغبة وتبتل إليه رهبة مقام الخائف من يوم يقوم فيه الناس لرب العالمين ولا تنفع فيه شفاعة الشافعين إلا من أذن له الرحمان وكان من الفائزين ذلك يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللّه بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وقيل لهم هذا ما كنتم توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب، اللّهم فاجعلني من المخلصين الفائزين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم الدين وألحقني بالصالحين وأخلف على أهلي وولدي في الغابرين واجمع بيننا جميعاً في مستقر من رحمتك

ص: 433

يا أرحم الراحمين وسلمني من أهوال ما بيني وبين لقائك حتى تبلّغني الدرجة التي فيها مرافقة أوليائك وأحبائك الذين عليهم دللت وبالإقتداء بهم أمرت واسقني من حوضهم مشرباً روياً لا ظمأ بعده أبداً واحشرني في زمرتهم وتوفني على ملتهم واجعلني في حزبهم وعرفني وجوههم في رضوانك والجنة فإني رضيت بهم أئمة وهداة وولاة فاجعلهم أئمتي وهداتي في الدنيا والآخرة ولا تفرق بيني وبينهم طرفة عين أبداً يا أرحم الراحمين، اللّهم صل على محمد وآل محمد وارحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم تصدق علي في هذه الساعة برحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلم بها شعثي وتبيض بها وجهي وتكرم بها مقامي وتحط بها عني وزري وتغفر بها ما مضى من ذنوبي وتعصمني بها فيما بقي من عمري وتوسع لي بها في رزقي وتمد بها في أجلي وتستعملني في ذلك كله بطاعتك وما يرضيك عني وتختم لي عملي بأحسنه وتجعل لي ثوابه الجنة وتسلك بي سبيل الصالحين وتعينني على صالح ما أعطيتني كما أعنت الصالحين على صالح ما أعطيتهم ولا تنزع مني صالح ما أعطيتنيه أبداً ولا تردني في سوء استنقذتني منه أبداً ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً ولا أقل من ذلك ولا أكثر يا ارحم الراحمين، اللّهم صل على محمد وآل محمد وأرني الحق حقاً فأتبعه والباطل باطلاً فأجتنبه ولا تجعله علي متشابهاً فأتبع هواي بغير هدى منك واجعل هواي متبعاً لرضاك

ص: 434

وطاعتك وخذ رضا نفسك من نفسي واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم(1).

الزيارة الرابعة للإمامين العسكريين (عليهما السلام)

تقف عليهما وأنت على غسل وتقول:

السلام على رسول اللّه السلام على محمد بن عبد اللّه، السلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، السلام على الأئمة المعصومين من ولده المهديين الذين أمروا بطاعة اللّه وقربوا أولياء اللّه واجتنبوا معصية اللّه وجاهدوا أعداءه ودحضوا حزب الشيطان الرجيم وهدوا إلى الصراط المستقيم، السلام عليكما أيها الإمامان الطاهران الصديقان اللذان استنقذا المؤمنين من مخالطة الفاسقين وحقنا دماء المحبين بمداراة المبغضين، أشهد أنكما حجتا اللّه على عباده وسراجاً أرضه وبلاده وتجرعتما في ربكما غيظ الظالمين وصبرتما في مرضاته على عناد المعاندين حتى أقمتما منار الدين وأبنتما الشك من اليقين فلعن اللّه مانعكما الحق والباغي عليكما من الخلق.

ثم ضع خدك الأيمن على القبر وقل:

اللّهم ان هذين الإمامين قائداي وبهما وبآبائهما أرجو الزلفة لديك يوم قدومي عليك، اللّهم إني أشهدك ومن حضر من ملائكتك أنهما عبدان لك اصطفيتهما وفضلتهما وتعبدت خلقك بموالاتهما وأذقتهما

ص: 435


1- الدعاء والزيارة: 835.

المنية التي كتبت عليهما وما ذاقا فيك أعظم مما ذاقا منك وجمعتني وإياهما في الدنيا على صحة الاعتقاد في طاعتك فاجمعني وإياهما في جنتك يا من حفظ الكنز بإقامة الجدار وحرس محمدا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بالغار ونجَّى إبراهيم (عليه السلام) من النار، اللّهم إني أبرأ إليك ممن اعتقد فيهما اللاهوت وقدم عليهما الطاغوت، اللّهم العن الناصبة الجاحدين والمسرفين الغالين والشاكين المقصرين والمفوضين، اللّهم إنك تسمع كلامي وترى مقامي وعلمك محيط بما خلفي وأمامي فأجرني من كل سوء يخرج ديني وأكفني كل شبهة تشكك يقيني وأشرك في دعائي إخواني ومن أمره يعنيني، اللّهم ان هذا موقف خُضت إليه المتالف وقطعت دونه المخاوف طلباًُ أن تستجيب فيه دعائي وان تضاعف فيه حسناتي وان تمحو فيه سيئاتي اللّهم وأعطني فيه وإخواني من آل محمد وشيعتهم وأهل حزانتي وأولادي وقراباتي من كل خير مزلف في الدنيا ومحظ في الآخرة واصرف عن جمعنا كل شر يورث في الدنيا عدماً ويحجب غيث السماء ويعقب في الآخرة ندماً، اللّهم صل على محمد وآل محمد واستجب وصل على محمد وآل محمد(1).

زيارة الوداع

اذا أردت وداع الإمامين قف على ضريحهما وقل:

السلام عليكما يا وليي اللّه، السلام عليكما يا حجتي اللّه السلام

ص: 436


1- الدعاء والزيارة: 839.

عليكما يا نوري اللّه، السلام عليكما وعلى آبائكما وعلى أجدادكما وأولادكما، السلام عليكما وعلى أرواحكما وأجسادكما، السلام عليكما سلام مودع لا سئم ولا قال ولا مال ورحمة اللّه وبركاته، السلام عليكما سلام ولي غير راغب عنكما ولا مستبدل بكما غيركما ولا مؤثر عليكما يا بني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أستودعكما اللّه وأسترعيكما وأقرأ عليكما السلام، آمنت باللّه وبالرسول وبما جاء به من عند اللّه، اللّهم صل على محمد وآل محمد وأكتبنا مع الشاهدين، اللّهم لا تجعله آخر العهد مني وارددني إليهما وارزقني العود ثم العود إليهما ما أبقيتني فإن توفيتني فاحشرني معهما ومع آبائهما الأئمة الراشدين، اللّهم صل على محمد وآل محمد وتقبل عملي واشكر سعيي وعرفني الإجابة في دعائي ولا تخيب سعيي ولا تجعله آخر العهد مني وارددني إليهما ببر وتقوى وعرفني بركة زيارتهما في الدنيا والآخرة، اللّهم صل على محمد وآل محمد ولا تردني خائباً ولا خاسراً وارددني مفلحاً منجحاً مستجاباً دعائي مرحوماً صوتي مقضياً حوائجي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي واصرف عني شر كل ذي شر وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.

ثم انصرف مرحوما إن شاء اللّه(1).

ص: 437


1- الدعاء والزيارة: 840.

زيارته (عليه السلام) في يوم الخميس

يوم الخميس وهو يوم الحسن بن علي صاحب العسكر (صلوات اللّه وسلامه عليه) وقل في زيارته (عليه السلام) :

السلام عليك يا ولي اللّه، السلام عليك يا حجة اللّه وخالصته، السلام عليك يا إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة رب العالمين، صلى اللّه عليك وعلى آل بيتك الطاهرين، يا مولاي يا أبا محمد الحسن بن علي أنا مولى لك ولآل بيتك وهذا يومك وهو يوم الخميس وأنا ضيفك فيه ومستجير بك فيه فأحسن ضيافتي وإجارتي بحق آل بيتك الطيبين الطاهرين.

(***)

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته المعصومين.

ص: 438

فهرس المحتويات

الإهداء... 5

مقدمة الناشر... 7

رفيقة القمر... مسيرة العطاء والألم... 23

نبذة عن زوجها... 26

الابن البكر... 28

الزوجة والأم والسند... 30

مسيرة الصبر والجهاد... 32

الكتابة والبحث والتأليف... 34

رحيل زوجها... 37

الباقيات الصالحات... 38

الخاتمة... 39

من كلمات الإمام الحسين (عليه السلام)

المقدمة... 45

الفصل الأول: إلهيّات... 47

فذلك اللّه... 49

صفات اللّه... 50

معنى الصّمد... 51

مفهوم القدر... 52

الفصل الثاني: ولائيات... 55

أئمة الهدى وأئمة الضلال... 57

ص: 439

طريق معرفة اللّه... 57

جزاء المعرفة... 57

عدد الأئمة (عليهم السلام) ... 58

فضائل العترة... 59

الإمام عليّ (عليه السلام) مدينة هدى... 60

في تأبين الإمام الحسن (عليه السلام) ... 61

غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) ... 61

سنن الأنبياء (عليهم السلام) ... 62

يقسّم ميراثه وهو حيّ... 62

الخير كلّه في ذلك الزمان... 62

الغيبة الكبرى... 63

يرجع إليهم شابا... 63

أشهر في الحرب... 63

في مجمع بني أمية... 63

خمس علامات... 64

مدّة حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) ... 64

بين الشيعي والمحبّ... 64

إن هم إلا كالأنعام... 64

من أحبّنا لله... 65

الزموا مودّتنا... 65

البكاء لأهل البيت (عليهم السلام) ... 66

من أتانا... 66

كان منّا... 66

قريش وأهل البيت (عليهم السلام) ... 66

بيت الرحمة... 67

الرضا بقضاء اللّه... 67

ص: 440

من عادانا... 67

نحن وبنو أميّة... 67

عثمان على الصراط... 68

قبل خلق آدم (عليه السلام) ... 68

غصبا حقّنا... 68

على ملّة إبراهيم (عليه السلام) ... 68

اختصمنا في اللّه... 68

النور والظلمة... 69

الفصل الثالث: عباديات... 71

جزاء العبادة... 73

أقسام العبادة... 73

فلسفة الصيام... 73

أقسام الجهاد... 73

كأنّما أحيا النّاس جميعاً... 74

ثواب الإرشاد... 75

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... 75

الفصل الرابع: جهاديات... 79

مع أبي ذر الغفاري رضوان اللّه عليه... 81

ومن خطبة له (عليه السلام) : يدعو الناس للمسير إلى الشام مع أبيه (عليهما السلام) ... 81

كلامه في السكون في زمان الهدنة وانتظار الفرصة... 82

و من كلام له (عليه السلام) : لمعاوية في توبيخه على شنائع أفعاله... 83

كتابه (عليه السلام) إلى معاوية... 83

و من خطبة له (عليه السلام) : لما أراد معاوية أخذ البيعة ليزيد... 83

كلامه (عليه السلام) : لحاكم المدينة في منع الناس عن ملاقاته... 85

ومثلي لايبايع يزيد... 86

وعلى الإسلام السلام... 87

ص: 441

عند قبر الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 87

الإمام الحسين (عليه السلام) لايريد إلا رضى اللّه ورضى رسوله ورضى المؤمنين... 87

مع محمد بن الحنفية... 88

مع أبي بكربن الحارث... 90

مع عمرو بن عبدالرحمن... 91

مع أخيه محمد في مكة... 91

مع أمّ سلمة... 93

مع عبداللّه بن عباس... 93

مع عبداللّه بن الزبير... 95

مع عبداللّه بن عمر... 97

حتى يقتلوني... 98

أنا قتيل العبرة... 98

خطبة له (عليه السلام) : عند عزمه على المسير إلى العراق... 98

كتابه (عليه السلام) : عند توجهه إلى العراق وهو جواب كتاب كتب إليه عمرو بن سعيد... 99

كتابه (عليه السلام) المحتوي على وصية لأخيه محمد ابن الحنفيّة لما عزم على المسير إلى العراق... 99

ومن كلام له (عليه السلام) : للفرزدق لما سأله ما أعجلك يا ابن رسول اللّه عن الحج؟... 100

كتابه (عليه السلام) إلى أهل المدنية... 100

كتابه (عليه السلام) إلى أشراف البصرة يدعوهم لنصرته... 101

كتابه (عليه السلام) إلى بني هاشم... 101

كتابه (عليه السلام) إلى محمد ابن الحنفيّة... 101

كتابه (عليه السلام) إلى أهل البصرة: يدعوهم لنصرته... 101

كتابه (عليه السلام) جواباً عن كتاب كتبه إليه ابن عمّه عبداللّه بن جعفر الطيار رضوان اللّه عليهما... 102

كتابه (عليه السلام) إلى أهل الكوفة عند توجهه إلى العراق... 102

كتابه (عليه السلام) جواباً عن كتاب لأهل الكوفة إليه... 103

كتابه (عليه السلام) في مسيره إلى الكوفة إلى حبيب بن مظاهر... 103

ومن خطبة له (عليه السلام) ... 104

ص: 442

ومن خطبة له (عليه السلام) بذي حسم لما صلّى بالحر وأصحابه... 104

و من كلام له (عليه السلام) بالرهيمة... 105

ومن خطبة له (عليه السلام) في (زبالة) وفيها بيان غدر أهل الكوفة... 105

و من خطبة له (عليه السلام) في البيضة خطب بها الحر وأصحابه... 106

ومن خطبة له (عليه السلام) في إدبار الدنيا... 106

كلامه حين ورد أرض كربلاء... 107

ومن كلامه (عليه السلام) لأصحابه وفيه بيان شهادته ورجعته... 108

ومن كلام له (عليه السلام) لأصحابه في نقض البيعة... 109

ومن خطبة له (عليه السلام) في وفاء أصحابه... 109

ومن كلامه (عليه السلام) لعسكره وأهل بيته... 110

ومن خطبة له (عليه السلام) يعظ بها أهل العراق... 111

ومن كلام له (عليه السلام) يبشر أصحابه بالجنّة وقصورها... 112

ومن خطبة له (عليه السلام) في الاحتجاج على أهل الكوفة... 112

ومن خطبة له (عليه السلام) متوكئاً على قائم سيفه نادى بأعلى صوته... 114

ومن خطبة له (عليه السلام) عقيب صلاة الصبح في يوم عاشوراء يحث أصحابه على القتال... 115

ومن خطبة له (عليه السلام) : بالطفّ في التحذير عن الدنيا... 115

ومن كلام له (عليه السلام) : يأمر أصحابه بالصبر ويرغّبهم في الآخرة... 116

وصيته (عليه السلام) أخته بالصبر ليلة عاشوراء... 116

ومن خطبة له (عليه السلام) في ذمّ أهل الكوفة... 118

ومن كلام له (عليه السلام) مخاطباً لأهل الكوفة وهو يقاتل على رجليه... 120

ومن كلام له (عليه السلام) لما نظر إلى كثرة من قتل من أصحابه قبض على شيبته المقدّسة... 120

ومن كلام له (عليه السلام) به ودع عياله وأمرهم بالصبر... 120

الخطبة المنسوبة إليه (عليه السلام) ... 121

كلامه (عليه السلام) لشيعة آل سفيان لما حالوا بينه وبين خيامه... 121

الفصل الخامس: أدعية... 123

ومن دعائه (عليه السلام) يوم عرفه... 125

ص: 443

ومن دعاء له (عليه السلام) في اليوم العاشر من المحرم لما أصبحت الخيل رفع يديه... 140

ومن دعائه (عليه السلام) في قنوته... 140

ومن دعائه (عليه السلام) ... 141

ومن دعواته (عليه السلام) ... 141

ومن دعائه (عليه السلام) ... 142

ومن دعاء له (عليه السلام) للاستسقاء... 143

ومن خطبة له (عليه السلام) في الاستسقاء... 143

دعاء في مواقع الخطر... 144

الفصل السادس: احتجاجات... 145

ومن كلام له (عليه السلام) : احتج به على عمر... 147

ومن كلام له (عليه السلام) لعائشة في مسجد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 148

كتابه (عليه السلام) جواباً لما كتب اليه معاوية يعيره في تزويجه (عليه السلام) جارية بعد ما أعتقها... 149

كتابه (عليه السلام) في الشؤون العامّة جواباً عن كتاب معاوية إليه... 150

ومن كلام له (عليه السلام) ذمّ به مروان بن الحكم... 152

ومن خطبة له (عليه السلام) في منى... 153

وقد تضمّنت من فضائل عليّ (عليه السلام) ومناقبه مالا تتضمنها خطبه... 153

احتجاجه (عليه السلام) على عبداللّه بن عمرو بن العاص... 156

ومن كلامه (عليه السلام) في مجلس معاوية... 157

احتجاجه (عليه السلام) على مروان... 157

الفصل السابع: أخلاقيات ومواعظ... 161

الفضل والأضداد... 163

العزّة... 163

الكبر... 163

ماهو الاستدراج؟... 163

من هو البخيل... 164

الإحسان للجميع... 164

ص: 444

الغيبة... 164

الرفق... 164

حقوق الناس... 164

خطبته (عليه السلام) في مكارم الأخلاق... 165

المناظرة... 166

نصائح... 166

الحلف... 167

أهل المعروف في يوم القيامة... 167

الناس عبيد الدنيا... 167

لاتعب أحداً... 167

شكر النعمة... 167

العدوة... 168

الصبر... 168

أعظم النّاس قدراً... 168

أسئلة وأجوبة... 168

كمال العقل... 169

الفضل والنقص... 169

خير المال... 169

المال النافع... 170

رضااللّه... 170

المعصية... 170

إحسان وإرشاد... 170

من قبل عطائك... 171

متى تصلح المسألة؟... 171

السلام قبل الكلام... 172

لاتردّ سائلاً... 172

ص: 445

فحدّث... 172

شر خصال الملوك... 172

لايسيء ولا يعتذر... 172

عند الملمّة... 173

من علامات القبول... 173

من تأمن؟... 173

البكاء نجاة... 173

البكاء رحمة... 173

إلاّ من يوم القيامة... 174

من وصية له (عليه السلام) ... 174

ومن كلام له (عليه السلام) في اتخاذ الزهد متاعاً في الدنيا... 175

إنّما أنت أيام... 176

استفد من ثروتك... 176

أربعة كلمات... 176

تجنّب المعصية... 176

الأخوان أربعة... 177

المؤمن والقرآن... 177

عمّرت دار غيرك... 178

كيف أصبحت؟... 178

لا تصف لملك دواءاً 178

الفصل الثامن: أشعار... 179

في المتفرقات من أشعاره (عليه السلام) في مناجاته مع اللّه... 181

في التوكل على اللّه... 182

في الوعظ والنصيحة... 182

حين زار الشهداء بالبقيع... 182

لاترج فعل الخير... 182

ص: 446

في عدم الاغترار بالدنيا... 183

في الوعظ... 183

في الحث على الجود والإنفاق... 184

في جواب السائل... 184

في صفاء الزهد... 185

في حبه (عليه السلام) لسكينة والرباب... 185

في جواب الأعرابي... 186

في تقدمه (عليه السلام) على العالمين... 188

في مفاخره (عليه السلام) ... 188

في التأسف على تقدم البعداء على الامناء... 188

في ذلك المعنى أيضاً... 189

لو انصف الدهر الخؤون... 189

المنايا يرصُدْ نني... 189

يخوض بحار الموت... 190

وفي الهدف الإنساني الأعلى... 190

ومن تمثلاته في ذلك المعنى... 191

عند شاطيء الفرات... 191

حينما نزل كربلاء... 192

أشعاره (عليه السلام) في الرثاء... 192

وله أيضاً... 193

في مصائب الدهر... 193

في ذلك الموضوع أيضاً... 193

في أخيه العباس (عليه السلام) ... 194

في رثاء الحر بن يزيد الرياحي... 194

بعد شهادة القاسم (عليه السلام) ... 194

في أراجيزه يوم الطف... 195

ص: 447

منها: في مناقبة يوم الطف... 195

واللّه من هذا وهذا جاري... 195

حمل (عليه السلام) على الميسرة يوم عاشوراء وأنشد مرتجزاً... 196

في أمره (عليه السلام) أصحابه بالصبر... 196

في دعائه؛ على الأعداء حين اشتد العطش بأصحابه... 196

بعد قتل الأصحاب... 197

لما قتل أصحابه ونظر إلى يمينه ويساره ورأى نفسه فريداً قال:... 197

اُرجوزته (عليه السلام) عند القتال... 197

ومن تمثلاته (عليه السلام) يوم قتل... 199

ومن منظومه يوم قتل (عليه السلام) ... 199

عند وداع أهل بيته... 200

وزاد الأسفرائني له (عليه السلام) ... 200

ونسب إليه ايضاً... 200

في آخر لحظات عمره الشريف... 200

من كلمات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

الإهداء... 207

المقدمة... 209

الفصل الأول: نبذة مختصرة: عن حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ... 211

الإمام العسكري (عليه السلام) في سطور... 213

لمحة عن أحواله الشخصية (عليه السلام) ... 216

والدته المكرّمة (عليه السلام) ... 216

مكان وزمان الولادة... 216

ألقابه (عليه السلام) ... 217

1. العسكري... 217

2. الرفيق... 217

ص: 448

3. الزكي... 217

4. الفاضل... 218

5. الأمين... 218

6-9. الميمون، النقي، الطاهر، الناطق عن اللّه... 218

10-11. المؤمن باللّه المرشد إلى اللّه... 219

12. تمسكوا بالنجوم الزاهرة... 219

13-14. الأمين على سرّ اللّه... 219

15. العلاّم... 219

16. ولي اللّه... 220

17. سراج أهل الجنة... 220

18. خزانة الوصيين... 220

19-20. النادب، المعطي... 220

ومن ألقابه أيضاً:... 221

سنة الشهادة... 221

القبر الشريف... 221

قبري أمان... 222

من عظمة الإمام العسكري (عليه السلام) ... 222

ولاية الإمام العسكري (عليه السلام) ... 222

صاحبكم بعدي... 222

النص عليه... 222

قوله قول أبيه... 223

الأكبر من ولدي... 223

الخلف من بعدي... 223

عنده علم ما يحتاج اليه... 223

صاحبك بعدي... 224

إليه ينتهي عُرى الإمامة... 224

ص: 449

ما رأيت ولا عرفت مثل الحسن بن علي (عليه السلام) ... 224

ينقلب العدوّ صديقاً... 227

النور الساطع... 227

من عبادته (عليه السلام) ... 227

يصوم في السجن... 227

يصوم النهار ويصلّي الليل... 228

لا يتشاغل بغير العبادة... 228

زهده (عليه السلام) ... 228

قليل الأكل... 229

الفصل الثاني: من كلمات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ... 231

إلهيات... 233

التوحيد... 233

جلّ أن يرى... 233

ما سواه مخلوق... 234

أراه نور عظمته... 234

عفوه سبحانه وتعالى... 234

حيث لا منجي... 235

الشرك الخفي... 235

أحد أحد... 236

يمحو اللّه ما يشاء... 236

لله الأمر من قبل ومن بعد... 237

من مصاديق الشرك باللّه... 237

نبويّات... 237

بساط الأنبياء والأولياء... 237

الدنيا وما عليها 239

ولائيّات... 240

ص: 450

نحن ليوث الوغى... 240

واللّه متم نوره... 240

شأن آل محمد (عليهم السلام) ... 241

من عرفهم عرف اللّه... 241

لا أملك غير موالاتكم... 242

الأئمة (عليهم السلام) ... 242

بل عباد مكرمون... 243

قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه... 243

لسنا كالناس... 244

حديثنا صعب مستصعب... 245

لكلامنا فضل... 245

من أحبّنا كان معنا... 246

حالهم في المنام... 246

من كنت مولاه فعلي مولاه... 246

ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) ... 247

لولا محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأوصياء من ولده... 247

من علائم الإمامة... 248

معرفته باللغات... 249

يقضي كقضاء داوود (عليه السلام) ... 249

السباع حوله... 250

أنا وصيّه... 250

فكيف رأوا قدرة اللّه... 251

ولادة الحجّة (عليه السلام) ... 251

هذا صاحبكم... 251

يا عمّة هو في كنف اللّه... 252

ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض... 254

ص: 451

اكتمي خبر هذا المولود... 255

المولود الكريم على اللّه... 256

عقّ هذين الكبشين... 257

صاحب هذا الأمر... 257

هل لك ولد؟... 257

عندها يتلألأ صبح الحق... 258

وفي لحظات الوداع... 261

فهو القائم بعدي... 262

غلام عشاري... 262

لما ولد السيد (عليه السلام) ... 263

أحببنا إعلامك... 263

هذا خليفتي عليكم... 263

كأنّه قطع قمر... 264

أنا بقيّة اللّه... 264

أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 266

سيكون لي ولد... 266

غيبة ولدي... 266

سأرزق ولداً... 267

إذا قام القائم (عليه السلام) ... 267

هذا صاحبكم... 267

يريدون قتلي... 268

اسمه محمد... 268

أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 269

ابني هو الإمام... 269

إنّها أمّ القائم (عليه السلام) ... 269

لا تنازعه... 275

ص: 452

من جحد إماماً... 275

هذا ليس منكم... 276

أشهد أنّك حجّة اللّه... 277

من هم شيعة علي (عليه السلام) ... 277

شفاعة الشيعة يوم القيامة... 281

إنّ وعد اللّه حق... 281

فهو الشيعي حقاً... 284

جوابه عن بعض الأسئلة... 285

الشعائر... 291

هذا ما فعله المسيح (عليه السلام) ... 291

رسائل... 292

رسالته (عليه السلام) إلى إسحاق بن إسماعيل... 292

رسالته (عليه السلام) إلى أهل قم... 295

رسالته (عليه السلام) إلى ابن بابويه... 296

ومن توقيعاته (عليه السلام) ... 297

رسالته إلى بعض مواليه... 298

حكم ومواعظ... 299

الأنس باللّه... 299

السهر والجوع... 299

لا إفراط ولا تفريط... 299

بين المنع والعطاء... 300

من لا يطلب منه الصفا 300

رزق مضمون... 300

لماذا الضراعة؟... 300

المؤمن بركة... 300

من ترك الحق... 300

ص: 453

صديق الجاهل... 300

قلب الأحمق... 301

خير من الحياة... 301

ردّ المعتاد عن عاداته... 301

من لم يتق اللّه... 301

بين البلية والنعمة... 301

لا تكرم هكذا... 301

إذا نشطت القلوب... 301

من لا تأمن شرّه... 302

المقادير والأرزاق المكتوبة... 302

إقبال القلوب وإدبارها... 302

الوحشة من الناس... 302

وصايا لشيعته (عليه السلام) ... 302

إدفع المسألة والإلحاح... 303

الموت يأتي بغتة... 304

الويل لمن أخذته أصابع المظلومين... 304

فتوكل على اللّه... 304

ما للعلب خلقنا... 305

فضائل... 307

من كان في طاعة اللّه... 307

أحسن ظنك... 307

من فوائد الشكر... 307

من مصاديق التواضع... 308

من آداب المجلس... 308

أورع الناس... 308

نعمة لا يحسد عليها... 308

ص: 454

من وعظ أخاه... 308

كفاك أدباً... 308

من ثمرات الورع... 309

نفع الأخوان... 309

حب الأبرار... 309

من هو الشاكر؟... 309

خير إخوانك... 309

جمال الباطن... 309

المحبّة... 310

نائل الكريم... 310

كيف تكسب الأصدقاء... 310

الحلم... 310

أهل المعروف... 310

رذائل... 311

من الذنوب التي لا تغفر... 311

كثرة النوم... 311

الضحك بلا سبب... 311

اتقوا اللّه في النبيذ... 311

الجار السوء... 312

لا تمازح... 312

الغضب... 312

أقل الناس راحة... 312

من أسباب العقوق... 312

ليس من الأدب... 313

رغبة تذله... 313

ذو الوجهين واللسانين... 313

ص: 455

مدح غير المستحق... 313

أضعف الأعداء... 313

ركوب الباطل... 313

مفتاح الخبائث... 313

كرامات... 314

إخباره (عليه السلام) بما أخذوه... 314

فقد كفيته... 314

يخرج من الحبس... 314

مدّ اللّه في عمرك... 315

الوقوع في البئر... 315

إنّها قصيرة العمر... 315

لا تشك أخاك... 316

إسلام النصراني... 317

من الأبحر السبعة... 317

لن ترى إلاّ خيراً... 318

حينما يمرّ القلم على القرطاس... 318

كم هذا الشك؟... 319

وجدت المسيح (عليه السلام) ... 320

رحم اللّه الفضل... 321

ائتنا بثوب العجوز... 322

اللّه يقضيه... 323

فإنّك ملاق اللّه... 324

كفّن هذا 325

لا تموت حتى تكفر... 326

يأتيكم الفرج... 326

لم أر قطّ مثله... 326

ص: 456

ما رأيت أسدى منه... 329

ما للناس والدخول في أمرنا... 329

الشفاء ببركته (عليه السلام) ... 329

السلطان الأعظم... 330

قد عوفي ابنك... 330

يا غلام اسقه... 330

انه رادّ عليك مالك... 331

قصة الجاثليق والاستسقاء... 331

مع أخيك... 332

ترزق ولداً... 332

انفق هذا على المولود... 333

خرجتَ إلى الجبل... 333

سأوافيكم في ذلك اليوم... 334

ماتت جاريتك... 335

لكل أجل كتاب... 336

أغفاري أنت؟... 336

من مخاريق الإمامة... 337

رزقك اللّه ذكراناً... 337

الدعاء على الطاغي... 337

أردتَ فضة... 338

رحم اللّه ابنك... 338

عظّم اللّه أجرك... 338

أبشر بالفرج... 339

ما أغفلك... 339

معرفة الحيوان... 339

إيّاك والتمتّع بها... 340

ص: 457

مات ابن عمّك... 341

خذها واعذرنا... 342

لا خوف عليكم... 342

تكفونهم إن شاء اللّه... 342

تصلّي الظهر اليوم في منزلك... 343

دفنتَ مائتي دينار... 343

الزم بيتك... 343

استبدل به قبل المساء... 344

يقتل في اليوم السادس... 345

سيأتيكم الفرج... 345

سمّه جعفراً... 345

فتنة تخصّك... 346

بعد ثلاث... 346

فتنة تظلّكم... 346

الطبع على الحصاة... 346

نعم الاسم... 347

العلم بالموت... 347

أصبرك عليه... 348

مدّ اللّه بعمرك... 348

هذه الصرّة توصلك إلى أبيك... 349

عظم اللّه أجرك في بناتك... 349

التبسّم الجيد... 350

قد فعل اللّه ذلك... 351

النصارى أعرف بحقّنا 351

اشتر بهذه جارية... 352

تكفون ما سمعتموه... 353

ص: 458

عبادات وأدعية... 353

الوصول إلى اللّه... 353

ما هي العبادة؟... 353

الصلوات على النبي والأئمة (عليهم السلام) ... 353

الصلاة على أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 354

الصلاة على السيدة فاطمة (عليها السلام) ... 355

الصلاة على الحسن والحسين (عليه السلام) ... 355

الصلاة على علي بن الحسين (عليه السلام) ... 356

الصلاة على محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ... 357

الصلاة على جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ... 357

الصلاة على موسى بن جعفر (عليه السلام) ... 357

الصلاة على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ... 358

الصلاة على محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ... 358

الصلاة على علي بن محمد النقي (عليه السلام) ... 358

الصلاة على الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) ... 359

الصلاة على وليّ الأمر المنتظر الحجّة بن الحسن (عليه السلام) ... 359

من صلاته (عليه السلام) ... 360

صلاة في يوم الأحد... 360

صلاة في يوم الثلاثاء... 360

صلاة في يوم الأربعاء... 360

صلاة في يوم الخميس... 361

دعاء بين كل ركعتين من نوافل شهر رمضان... 361

من فلسفة الصوم... 361

من صام عشرة رمضانات متوالية... 361

رقعة من السجن إلى مشهد الحسين بن علي (عليه السلام) ... 362

من دعائه (عليه السلام) ... 364

ص: 459

دعاء الشروع في الحاجة... 365

الأقرب إلى اسم اللّه الأعظم... 365

ادع بهذا الدعاء... 366

ليلة القدر... 366

رحم اللّه والدك... 367

رحم اللّه والدتك... 367

دعاؤه (عليه السلام) في كل صباح... 367

دعاء يوم الثالث من شعبان... 369

من دعائه (عليه السلام) في القنوت... 371

ومن دعائه (عليه السلام) في قنوته... 372

اُقنت عليهم... 378

حرز الإمام العسكري (عليه السلام) ... 379

حرز آخر له (عليه السلام) ... 380

أحكام... 380

من تعدّى في طهوره... 380

ماء الغسل والوضوء... 380

لا تجب المضمضة والاستنشاق... 381

عرق الجُنب... 381

دم البق... 381

غسل الميّت... 381

الصلاة في القرمز... 382

اجمع بين الصلاتين... 382

الصلاة في الحرير... 382

الصلاة في الابريسم... 382

الصلاة في وبر الحيوان... 383

الصلاة في القز... 383

ص: 460

وقت صلاة الليل... 383

فأرة مسك... 383

ما يستحب للمسافر... 384

من نوافل شهر رمضان... 384

متى يكون أول شهر رمضان؟... 384

من فلسفة الصوم... 385

من يقضي الصوم؟... 386

مصرف زكاة الفطرة... 386

ممّا يجب فيه الخمس... 386

إذا لم يكف المبلغ للحج... 387

حجّتين في حجّة... 387

من أحكام الحج... 387

ليس هذا من الربا 388

إذا تغيّرت الأسعار... 388

لا خير في شيء أصله حرام... 388

الدين واختلاف الأسعار... 389

لا يتعدّى الحق... 389

إذا ابتاع الأرض بحدودها 389

بيع ما ليس يملك... 390

لا يضارّ أخاه المؤمن... 390

من مصاديق قاعدة لاضرر... 391

إذا آجر نفسه بشيء معروف... 391

ليس له إلا ما اشتراه... 391

ما أحاط الشراء به... 391

هو ضامن... 392

خروج المرأة للعمل... 392

ص: 461

من أحكام الرضاع... 392

من أحكام المرأة في العدّة... 393

من أحكام الوديعة... 393

كفّارة الحنث... 393

الوقوف على ما وقفها أهلها... 394

من أحكام الوقف... 394

من أحكام اللقطة... 394

لا شهادة إلا بالحقّ... 395

يشهدون على شيء معروف... 395

تتنقّب وتظهر للشهود... 395

جواز الشهادة... 396

لا تشهد... 396

تنفيذ الوصيّة كما هي... 396

من أحكام الوصايا... 397

الوصيّة للإمام (عليه السلام) ... 397

لا يدخلون في الوصيّة... 398

يجوز للوصي ذلك... 398

شهادة الوصي... 398

قضاء دين الميّت... 399

الوصيّة إلى رجلين... 399

من أوصى لمواليه... 399

ينفذون وصيّة أبيهم... 400

وصي الوصي... 400

من أحكام الإرث... 400

الميراث للأقرب... 400

ما بال المرأة تأخذ سهما؟... 401

ص: 462

من موارد التقية... 401

الختان... 401

متفرّقات... 402

لا تناقض في القرآن... 402

لا للفلسفة والتصوّف... 403

الدنيا والمؤمن... 404

فليتقّوا اللّه وليراقبوا... 404

إنّ شأن الملائكة لعظيم... 404

من آداب النوم... 406

الناس طبقات شتّى... 407

من سأل آية أو دليلاً... 408

الموت... 409

حتى يجيء جعفر... 409

الدال على الخير كفاعله... 410

تفترق شيعتي... 411

صحّة وكالة إبراهيم بن عبده... 411

العمري ثقتي... 411

العمري وابنه... 412

في مدح العمري... 412

فإنّك الوكيل والثقة المأمون... 412

اقرأ كتابنا... 413

أغبط أهل خراسان... 413

أعطاه اللّه بكل حرف نورا... 413

اعملوا به... 414

كتابه إلى علي بن بلال... 414

لا يسلمنّ عليّ أحد... 414

ص: 463

إننا ببلد سوء... 415

خذوا بما رووا وذروا ما رأوا... 415

أبرء إلى اللّه من فلان وفلان... 416

لا رحمه اللّه... 416

يرحمك اللّه... 417

قتله اللّه... 419

من إرشاداته الطبيّة... 420

من فوائد الحجامة... 420

خاتمة: في زياراته (عليه السلام) ... 421

الزيارة الأولى للإمام العسكري (عليه السلام) ... 423

الزيارة الثانية للإمام العسكري (عليه السلام) ... 424

الزيارة الثالثة للإمامين العسكريين (عليهما السلام) ... 429

الزيارة الرابعة للإمامين العسكريين (عليهما السلام) ... 435

زيارة الوداع... 436

زيارته (عليه السلام) في يوم الخميس... 438

فهرس المحتويات... 439

ص: 464

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.